أساطير رجل الثالثاء

صبحي موسي

(1)

1977خريف

كاف مف المنتظر أف أجد فييا أبا سعيد، كاف الموعد توقؼ قطار المترو أماـ المحطة التي

أسابيع، حفظتو عف ظير قمب ولـ أبح بو ألحد حسبما طمب مني، قد ضرب بيننا منذ عدة

ما الميمة التي ترؾ باريس مف أجميا منذ عاـ ونصؼ، لكنو فجأة جاء ال أعرؼ بالضبط

في لندف قائبل أنو سيرحؿ في جولة طويمة ال يعرؼ متى ستنتيي، فوجئت إلى مكتبي

ولـ أعرؼ بما أرد عميو، فمنذ تعودت الذىاب إلى مسجد الصحابة عمى حدود بالخبر

خوتي باريس وأنا أعتبره منقذي مف الضبلؿ، رويت لو الكثير عني وعف عمارة وأمي وا

الكثير عف نفسو وطريقة حياتنا وغربتي الدائمة في عالـ ال أشعر فيو بذاتي، روى لي بدوره

إسبلمي موحد ترفرؼ عميو راية ال وغربتو وفراره الدائـ وعبلقتو السرية بأبي وحمميما بعالـ

طريقة مبيرة في الحكي والنصح، ال أكذب حيف أقوؿ إلو إال اهلل محمد رسوؿ اهلل، كانت لو

بعالـ ىذا الرجؿ الفذ البسيط الدمث شديد الذكاء والفراسة، أنني أخذت مف المحظة األولى

عمى مسجد الصحابة منذ أخذ بيدي وألقى السبلـ عمى الشيوخ الجالسيف فأدمنت التردد

ابتساماتيـ المحراب، قاؿ ىذا أبو عبد الرحمف جاء لصبلة العشاء معنا، وشعرت مف أماـ

قائبل ىذا أبو عتبة اليادئة أنيـ كانوا ينتظروف مجيئي، لمح الدىشة عمى وجيي فخطفني

فتعرؼ عميو قبؿ أف يختفي، شيخ المسجد، وىذا الشيخ عبد القادر مف تونس دائـ السفر

لوال عيناه دائمتا الزوغاف في المكاف كاف رجبل طويؿ المحية ضئيؿ البنية يكاد يتبلشى

الشيوخ قديمة مركبة كأبي حفص،وأبي ذر، كأنيما تبحثاف عف شيء خفي، وبدت أسماء

أعرؼ ما الذي دفعو لتمقيبي بأبي عبد الرحمف رغـ أف وأبي عبد اهلل، وأبي العباس، وال

صمينا العشاء وجمست أنصت لمحديث الذي يعقبيا مف أبي عتبة، ولدي اسمو عبد اهلل،

اآليات العشر التي نزلت في حؽ السيدة عائشة، ولما كاف بالمسجد ركف كاف يوميا يفسر

فقد أخذ يوضح ليف سموؾ المرأة المؤمنة في الزى والحركة، ولما كانت اآليات لمنساء

أف اهلل السابقة عمى حادث اإلفؾ تعرض لحد الزنا فقد ربط بيف اآليات والحادث قائبل

أحد يسمـ مف اختار أحب الزوجات إلى قمب رسولو كي يكوف المثؿ واضحا وعاما، فبل

في زمف القابض فيو عمى الشبيات، وال أحد سينزؿ فيو قرآف يبرئو بعد رسوؿ اهلل، ونحف

.دينو كالقابض عمى الجمر

المنتظريف في المطعـ، بادروني أيف كنت فقمت حيف انتيى الدرس أسرعت إلى أصحابي

المكاف، تباروا جميعا في اإلعبلف عف أفضؿ مكاف لشراء أبحث عف تذكار أشتريو مف

إليو، ولـ تمر أياـ حتى وجدتني أصمى في مسجد الصحابة مف جديد، التذكارات فذىبنا

أعمـ مف أمر ديني الكثير، فرحت أغرؽ في القراءة وشراء الكتب، ال أخرج مف وجدتني ال

أنا شارع بيتي إال لمصبلة أو مبلقاة أبي سعيد، فأىممت دراستي وعممي واعتكفت عمى ما

لنفسي بالجيؿ أكبر، فيو، كنت كمما ازددت معرفة شعرت أنني أقؿ عمما، وصار اتيامي

السفر فذىبت إلى مكتبؾ عزمت عمى رؤيتؾ قبؿ:حتى فوجئت بأبي سعيد عمى رأسي، قاؿ

إلى ىنا، أوضحت لو األمر كما فقالوا أنؾ ال تجيء، وىاتفؾ ال يجيب، فقررت المجيء

اليروب منو، ولف يمنعني سوى اهلل والعزلة، أشعر، فالمكاف مميء بالخطايا، ولي تاريخ أود

بيا؟ قاؿ اإلسبلـ أمرنا بالعمـ، قمت وىا أنا أعمـ نفسي، قاؿ ودراستؾ؟ قمت ال حاجة لي

وحدىا ال تكفي، راوغتو فسألتو عف نفسو ولـ لـ يعد يأتي إلى المسجد، قاؿ قاؿ أمور الديف

مف يجيز لمسفر منذ أسابيع، سأذىب إلى األردف ومنيا إلى فمسطيف أو مصر، تعجبت أنو

نريد أف نمنعو، السادات يريد أف يبيع انتصاره، ونحف: رحمتو المفاجئة إلى الشرؽ، فقاؿ

.ودعتو وعدت إلى ما كنت فيو. واهلل مف فوؽ كؿ أمر

قاؿ عميو، وال القطارات التي تميو، فجمست منتظرا خمس لـ يأت أبو سعيد في القطار الذي

المحطة أحدؽ في كؿ متحرؾ وساكف، ولما أعياني التعب عدت إلى ساعات عمى رصيؼ

أحتاج الرجؿ لكف ىا ىو، في الوقت الذي أحتاج إليو فيو ال يجيء، رسبت البيت، كنت

ما دراستي، وعبلقتي بأمي وخالي زادت توترا، يطالباني بالعودة وأنا منشغؿ بغير في

مع يقولوف، جددت مسجد الصحابة وقمت بتوسعتو بعد عدة اتصاالت عبر القنصمية

لكف خالي الحكومة الفرنسية، كانت التجديدات ىدية مني ليؤالء القابضيف عمى الجمر،

يزيد، قاؿ أيف أنت مف بياء رأى ذلؾ إسرافا ال معنى لو، قمت أف أبي كاف يفعؿ ذلؾ ومالو

ىجرتيا وال تراىا، ىؿ ىكذا قاؿ أبيؾ، حتى دراستؾ ال تعرؼ كيؼ تنتيي منيا، وزوجتؾ

ألعرؼ أخبارىا، لكنيا كانت أكثر غضبا اإلسبلـ؟ كانت كمماتو موجعة فاتصمت بأمي

ابنة أخيؾ : كنت موجودا لوضعت حدا ليا، قمت زوجتؾ تتطاوؿ عمي، ولو: منو، قالت

أحتويؾ مف الضياع في المدف الغريبة لكنني أسأت حتى: وأنت التي اخترتيا، قالت

بأنني سأعود، حيف وضعت الياتؼ وجدتو يرف مف جديد، االختيار، ىدأت مف روعيا

دافئا كما الطيور التي تعود إلى أعشاشيا، فرحت بو كما يفرح جاءني صوت أبي سعيد

النجاة، قمت أحتاجؾ، قاؿ إني في الطريؽ، جمست أنتظره كؿ ىذه األياـ، الغريؽ بطوؽ

ىذه القطارات لكنو لـ يأت، ىؿ أصبح الرجؿ ال يؼ بالعيود وال يأت حيف يحتاجو وكؿ

رجبل عربيا محبوه، أوقفت السيارة أماـ المنزؿ وصعدت إلى شقتي، بادرني الخادـ بأف

لدولة ال أعرفيا، رحبت بو ينتظرني منذ ساعات، حيف التفت وجدتو في بذلة كاممة كسفير

حكيت لو عف أخباري فنصحني وأعتذر بدوره عف تغيير الموعد إذ ثمة مف يبلحقو،

واالنتظاـ في الدراسة ألف األياـ القادمة عصيبة بالعودة وطاعة والدتي، وأمرني بترؾ الببلد

نياية المقاء طمب مبمغا مف الماؿ لـ يحدده، قاؿ اجعؿ الشيؾ وتحمؿ ما ال نعرفو، في

بولس أنطونيادس وال تغمقو، نزعت ورقة مف دفتر الشيكات وقعت عمييا ولـ باسـ ميخائيؿ

حتى المبمغ، في المساء اتصمت أمي تمح في عودتي نيائيا، قمت أنتظر نياية العاـ أحدد

أصدقائي ال يضيع كسابقيو، قالت ال ييـ فقد رتبت لؾ األمر في جامعة الممؾ، قمت

وجيي مدى والمكتب وشراء حاجيات لزوجتي وابني، قالت لو لـ تصؿ غدا فمف ترى

.الحياة

(2)

فحمؿ مصحفو وسجادة صبلتو وتوجو نحو باب الكيؼ، تنسـ الشيخ رائحة اليواء الطري

ووجو في السماء، الح في ذىنو شيء فمسح عبرة ىمت جمس أمامو وأخذ يحرؾ مسبحتو

رحـ اهلل أبا سعيد كاف صاحب ىذه األوقات، فحيف تضع :بالنزوؿ عمى وجنتو وقاؿ

السماء ضوء أوؿ نجـ يترؾ لقدميو الطريؽ، فيما تعرفاف كؿ الشمس رحميا ويظير في

ف لـ يظير، فقد عممتو حصاة ونتوء فيو، وعينو ال تنشغؿ إال بضوء نجمو الذي يريده وا

والسنوف أماكف النجـو ومساراتيا، عممتو كيؼ يحفظ صفحة السماء كخطوط الصحراء

يعرؼ ما أرمي ىؿ أحببت؟ فابتسـ وىـ بقراءة القرآف، كاف: داعبتو ذات مرة قائبل .يديو

الصفا عف حبيبات تعمقوا إليو، فكؿ الذيف جاءوا إلى الجباؿ تحدثوا لبعضيـ في ساعات

حياتو، حتى الصبية التي تزوجيا بيف في الصبا، لكنني لـ أسمعو مرة تحدث عف امرأة في

سمعت مف الرجاؿ أنيا لـ تكمؿ العشريف، مف شيور، لـ يذكر شيئا عنيا، رغـ أنني

بيشاور، حيف عمـ أبوىا برغبة الرجؿ في الزواج أعمف جاءت مع والدييا مف لبناف إلى

تسمع بو وتكاد تعشقو رغـ أنيا لـ تره مطمقا، ذىب لرؤيتيا فتعمؽ عمى الفور أنو لو ابنة

وتركيا مع أنيا الفتاة التي رآىا في منامو مف أياـ، أتـ الزواج في اليـو التالي بيا قائبل

خوتيا األصغر وجاء ليكمؿ جياده عمى قمـ الجباؿ وباطف الصخور، يوميا نظر أميا وا

يقرأه مزاميره عمى الطير والغيـ لي نظرة ذات معنى ثـ أخذ في الترتيؿ كما لو كاف داوود

عف الشيادة، ترؾ الدنيا خمفو وجاء يطمبيا في والجباؿ، رحمو اهلل كاف واحدا مف الباحثيف

مكاف طمبيا فيو حتى فر الموت مف أمامو وانقمب ما مف ىذه الكيوؼ والمغارات، لكنو

أف يظير بمكاف حتى يرتاع كؿ شيء منو، عشرات الصواريخ عمى أعدائو، كاف يكفيو

عميو، جميعيا كانت تختار أف تضرب رؤوسيا في الصخر عف ومئات القذائؼ صوبت

سمحا ال يترؾ صبلة تمر دوف أف يصمييا عمى وقتيا، في معركتو كاف. االقتراب منو

صبلة العصر يا أبا عبد : انتصاؼ انزواء الشمس عف كبد السماء فصرخ األخيرة لمح

كاف الروس قد حاصرونا مف كؿ جانب، وكانت طائراتيـ ومدرعاتيـ تصب عمينا الرحمف،

:النيراف بغمظة ال مثيؿ ليا، فقمت

ػ أية صبلة يا أبا سعيد؟ أما ترى ما نحف فيو؟

ػ مرحا يا أبا عبد الرحمف، أوال تريد الجنة يا رجؿ؟

ػ أريدىا لكف ىؿ نيرب مف قدر اهلل؟

ػ نعـ نيرب مف قدر اهلل هلل نفسو

خمفو، ىي ساعة مف نيار كنت ألمح فييا الطائرات حط رحمو عمى األرض وكبر فكبرت

يولوف الفرار إلى بطوف الجباؿ ومغاراتيا، ساعة انكشؼ تحـو عف قرب منا، وأصحابنا

وصرنا عراة أماـ جيش حافؿ بالطائرات والصواريخ، بينما أبو فييا كؿ شيء عف نفسو

ـ قرأىا جيرا رغـ أننا كنا نصمي العصر، سعيد يتمو سورة األنفاؿ كاممة، وال أعمـ لآلف ل

سبلحي حيف انتيى سممت عميو وىممت أف أحمؿ. كاف جببل ال يتزحزح وال تثنيو الخطوب

وما انتيينا حتى ألنظر في أمر الرجاؿ، فجذبني مف يدي وراح يدعو اهلل وأنا أأمف خمفو،

عمى األرض كأنيا وجدت عاصفة تحمؿ الرماؿ والحصى وتصفع كؿ شيء، كانت تدور

إال أف تزاحمت بسحب تكنسيا ثـ تعمو كعامود يصعد إلى السماء، تمؾ التي ما لبثت

مجنزراتيـ وطائراتيـ تولى سوداء وسيؿ غزير، فمـ يتمالؾ المبلحدة أنفسيـ، راحت

نيراف يصبونو عمى كؿ شيء، فحصدنا مف األدبار، بينما رجالنا عادوا مف الشقوؽ بوابؿ

يخسروه مف قبؿ، يوميا أراد قائدىـ إفانوؼ أف يعاند الروس مئات المئات، وكبدناىـ ما لـ

كمقامر يراىف بكؿ شيء، أتى بطائرات مف أمامنا وخمفنا وبدا ال الريح والسيؿ ويكر عمينا

إف " بمدافعنا الفقيرة، ظؿ يصوب عمينا وأبو سعيد يصرخ كمف يكمـ أناسا ال نراىـ يمقى باال

ساعة مف ساعات ، فما كاف مف الرجاؿ إال أف وقفوا"تنصروا اهلل ينصركـ ويثبت أقدامكـ

تعالوا إلى ميعاد بيني :الجبؿ القادسية أو اليرموؾ، كاف يصرخ في الطائرات مف عمى قمة

صانع بيا، غير أف كتؿ الميب تزداد وتتناثر في ثـ يقذؼ بالقذيفة ال يدري ما اهلل. وبينكـ

قذائفنا ونكبر، وما إف تخرج مف مكامنيا حتى يبعث اهلل مف اليواء، فصعدنا خمفو نطمؽ

فتدوي " ما رميت إذ رميت لكف اهلل رمى"تسقط، وصوت الرجؿ يدوي يوجييا فتسقط ما

مف بعده بالميب، حتى أسمينا اليـو يـو الجحيـ وأسمينا المعركة موقعة السماء واألرض

مسحنا دموعنا الميب، لكننا حيف انتيت المعركة بحثنا عنو فمـ نجده، ولما أعيانا التعب

."ويأبى اهلل إال أف يتـ وعده"وعدنا إلى كيوفنا قائميف

(3)

ىذه المينة إال بعد ما خمع نفسو مف قبيمتو، ولـ لـ يكف والدي قاطع طريؽ، ولـ يحترؼ

خطيئتو أنو تمسؾ بابنة عمو الميمونة التي خطبيا لو والده قبؿ تكف جريمتو نكراء، فكؿ

ما إف اكتممت أنوثتيا حتى سمع بيا الجميع، ووصؿ خبرىا البف زعيـ القبيمة وفاتو، لكنيا

أعظـ ما يحمـ الذي يتزوج باألربعة في ليمة ويطمقيف جميعا في ليمة، وكانت عطية المير

.. سيكوف ذلؾ إلى حيف بو رجؿ مثؿ عمو، فسوؼ يصبح ذا نوؽ وغنـ ومراع كثيرة، ربما

ىكذا " واحدة مف سيدات القبيمة ال ييـ، فربما استطاعت الميمونة أف تنجب طفبل وتصبح"

عمى الجميع خططو، فقد صعد الجبؿ متجيا قاؿ لنفسو، لكف الخطأ الذي ارتكبو أبي أفسد

الضعفاء ومذؿ الشيوخ بما لديو مف رىائف، ىناؾ التقى إلى صنعاء، شاكيا لئلماـ حامي

األشراؼ مساعدي اإلماـ، فحدثو عف الميمونة وجماليا وأدبيا وطمع بواحد مف العمماء

وجشعو، فقرر العالـ الجميؿ أف يفض اإلشكاؿ الذي دب بيف بعض رعاياه، شيخ القبيمة

الميمونة كانت. حيف رأى الميمونة قرر أف يرفع األمر إلى اإلماـ ليحكـ فيو بنفسو لكنو

بيتيـ بعد موت فتنة في الرابعة عشر مف عمرىا، ولمحمد وعد مف والدىا، فقد تربى في

أماـ ثقؿ الثروة القادـ مف أبيو الذي خطبيا لو في الصغر، لكف الوصايا والعيود ضاعت

.اآلف يتنازعاف أماـ اإلماـ عمييا جية، ورىبة زعيـ القبيمة مف جية أخرى، وىا ىما

ثـ أشار بطرؼ يده إلى أحد مساعديو فغاب في جنح سكت اإلماـ كثيرا، واستمع أكثر،

عاد وجدوا الرجاؿ قد أحاطوا بيـ ووضعوا عمى أعناقيـ الظبلـ الذي يمؼ القصر، حيف

، ثـ وزع التركة بمساواة "ليس أمامكـ سوى أف تصغوا إلى الحؽ" السيوؼ، قاؿ اإلماـ

أخذىا لتضاؼ إلى جواريو المائتيف وتسعيف، وحصؿ والدىا عمى نسب تامة، فميمونة

شيء أكثر، أما زعيـ القبيمة وابنو فقد حصموا عمى امتياز الرعي في أرض اإلماـ وال

اسمع يا محمد، :جديدة، لكف الجميع انتبو فجأة لوجود والدي فصمتوا جميعا وتحدث اإلماـ

ف ما فعمت تبقى عندي لؾ شغمة إف فعمتيا زيف عدت إلى قبيمتؾ وصرت فينا مبارؾ، وا

يظؿ طيمة النيار والميؿ عمى لـ يكف العمؿ الذي ينتظره سوى أف. طريد وال نريد لؾ وجو

الزرقاء والبشرة الثمجية كي يدليـ عمى مسالؾ الصحراء منتظرا األجانب ذوي العيوف

منيـ عمى طعامو وشرابو ودراىـ يتركونيا مف أجمو، الطريؽ إلى مساعدي اإلماـ، ويحصؿ

ف لـ يأتوا فعميو أف وذات مساء نسى الجميع . يأكؿ الرمؿ والحصى دوف أف يبرح مكانو وا

الحرب الكبرى في الببلد البعيدة وما عاد األجانب يعبروف مف خبللو، وما أمره، فقد قامت

كاف ليـ أف عادت الميمونة وال والدىا يذكرانو، أما اإلماـ ومساعدوه وشيوخ قبائميـ فما

انتظار األشباح باألسابيع يذكروا سوى أنفسيـ وثرواتيـ التي تتراكـ، وما عاد أمامو غير

التسمؿ إلى مضارب قبيمة قريبة منو كي تمده بقربة ماء أو كسرة خبز، إلى أف قرر

أف ينتظر ساعة القيمولة كي يصؿ إلى أحد لمحصوؿ عمى بعض الطعاـ والماء، كاف عميو

بالرشأ في البئر خرجت عميو فتاة تقارب الميمونة في آبارىا دوف أف يراه أحد، حيف ألقى

ضعيؼ ومخدوع ومغموب عمى أمره، فميمونتو في أحضاف حسنيا وسنيا، شعر بكـ ىو

والعطش والقيظ، غمبتو نفسو فبكي، ورقت الصبية لمشبح اإلماـ وىو يموت مف الجوع

بعدىا شعر أنو متعب ويحتاج . كؿ: نطاقيا ووضعت خبزىا وقالت المتيالؾ أماميا، ففكت

، فنسى أمر الفتاة والقبيمة وتمطى أماـ الخيمة الوحيدة في كؿ ىذه الصحراء، وال إلى النـو

حيف يعرؼ كيؼ استيقظ عمى صوت العويؿ وىـ يضربوف الفتاة، فانتفض يصرفيـ عنيا،

البعد، رجموه بالحجارة انقض عمى أحدىـ فصفعو وفر العويؿ يصرخوف في الرجاؿ عمى

.كانت ىذه لحظة تحولو إلى شبح يظير وقتما شاء ويختفي متى أراد

أمر اإلماـ عف نفسو ويبحث عف مسالؾ وطرؽ جديدة حيف كؿ مف المطاردة قرر أف يخمع

مسموحا لو بالتعامؿ مع أىؿ ىذه األماكف مف األجانب تؤمف لو الحياة، وألنو ليس

يمارس اليواية التي نشأت لديو في اإلغارة لمحصوؿ عمى ما يريد، والميربيف فقد قرر أف

تكوف لو كيوفو ومخابئو الخاصة، وأدرؾ أنو ال بد أف يكوف لئلغارة قانوف تعمـ كيؼ

المميوؼ حتى وحرمات، فوضع ىذه القوانيف، ال غارة عمى صبي أو فتاة، ال بد مف نجدة

األشياء، الثأر مف رجاؿ ولو كاف ألد األعداء، الماء والزاد مشاع لمجميع، قتؿ النفس آخر

ػ حراـ شرعا، ومف قاؿ بذلؾ عف طيب اإلماـ ىدؼ أسمى لمحياة، والقوؿ بألوىيتو ػ اإلماـ

البحث عف أىؿ وعشيرة جديدة بيف ىؤالء نفس يقتؿ فورا ولو كاف مف أعز الرجاؿ،

.المنفييف عمى مسالؾ الطرؽ

أو مغارة تميؽ بما يمكف أف يسميو حياتو الجديدة، في أسابيعو األولى ظؿ يبحث عف كيؼ

مف يوميف حتى كاد أف يجوب اليمف السعيد بأثره، وفي ظؿ ال يمكث في مكاف أكثر

أعمى قمة جبؿ الشعيب، ىناؾ وجد تفريعة بيف صدريف، قاؿ سآوي النياية قادتو خطاه إلى

ويفرجيا اهلل في الغد بمكاف أكثر سعة ويسر، حيف كاد أف يقترب مف القمة وجد إلييا الميمة

معو سوى أعيرة نارية تنطمؽ عميو، التصؽ بظير صخرة زلقة وشعر أنيا النياية، لـ تكف

قاؿ ال بد مف عدة طمقات لو أىدرىا فقد أعمف عف نفسو وأعمف العداء عمى اآلخريف،

في الظممة ورفعيا الحيمة لمنجاة، وظؿ يعاند الصخر حتى حرؾ قطعة منو، مكف نفسو

طالبيو، فمنيـ مف قاؿ أنو مات نحو شفر الجبؿ ثـ صرخ مقميا بيا، فالتبس األمر عمى

صوت ارتطاـ صخر بصخر، ولما لـ متدحرجا، ومنيـ مف ظؿ يخالجو الظف بأف ىذا

القات مف جديد، يوميا قرر أال يعود إلى يحدث صوتا بعدىا عادوا إلى أماكنيـ يموكوف

فبلبد أف ىؤالء لدييـ مغنـ أو ىاربيف مف شيء، فإما المسالؾ وأال تضيع الفرصة مف يده،

ما أف يجعميـ رجاال لو، فأخذ يزحؼ بجسده عمى ظير الجبؿ حتى صعد أف يغنـ مثميـ وا

الصدريف، فتبيف لو أف ثمة مخبأ أسفؿ صخرة عظيمة معمقة، وثمة رجاؿ قمتو وركب

وبداخميا لكنو ال يعرؼ عددىـ، لـ تسيطر عميو فكرة القتؿ، فكيؼ يقتؿ رجالو، أماميا

الشمس ىكذا طغت الزعامة عمى رأسو حتى ناـ في مكانو مف التعب، حيف استيقظ كانت

مدفعو قد كادت تتعامد عمى الدنيا وتفمؽ الصخر، دلو الجوع عمى النزوؿ، فعمر

وجد نفسو واقفا أماـ برصاصاتو القميمة وأتى بقفزة لـ يكف يتصور أنيا ستكوف بيذه البراعة،

الزاد والقات والبف، أكؿ وتمطى الكيؼ وال أحد، دخؿ شاىرا سبلحو لكف ال شيء سوى

يركمونو بأقداميـ فضحؾ، وكمما اشتد غيظيـ وناـ، حيف استيقظ وجد سبعة مف الرجاؿ

لـ أجد "أسمحتيـ وقرروا قتمو سألوه عف سبب ضحكو فقاؿ وركميـ كاف يضحؾ، حيف رفعوا

.، فما كاف مف الجميع إال أف خر مف الضحؾ"اهلل إلييـ مثمما فعمتـ أناسا يركموف رسوؿ

(4)

1974خريف

اإلمبراطورية التي ال تغرب عنيا الشمس، فقد زرتيا مع لـ يكف ىذا أوؿ نزولي عاصمة

لكنيا المرة األولى التي أجيئيا بشكؿ عممي، لمتجارة مثميـ ولكف إخوتي مرات عديدة،

أصرت أمي أف أتعمـ في المدينة صاحبة الطقوس الممكية، ولكي تضمف أنني لمعمـ، فقد

فحسب فقد أصرت عمى تزويجي مف ابنة خالي، ولـ تكف لي فرصة الرفض أوؿ سأتعمـ

غير القبوؿ، ليس ألنني غير قادر عمى ذلؾ، ولكف ألنني ال أستطيع أف أتركيا وىي

وجئت راضية عني، تزوجت ومكثت مع عروسي عدة شيور ثـ ودعت المممكة والجميع

أكثر مف إلى المدينة التي تعطيؾ كؿ شيء وتسمب منؾ حتى نفسؾ، لـ أكف راغبا في

والصاالت والعري ىذا، فأطياؼ المحبيف الذيف ىمت بيـ يمكنني أف أراىا في البارات

بف أبي ربيعة وعمارة بف المنتشر بطوؿ الببلد وعرضيا، يمكنني القبض عمى بشار وعمر

ىاتفي عمى عدد مف األصدقاء الوليد والمنخؿ اليشكري وغيرىـ، فوضعت حقائبي ورفعت

أنا اآلف متاح يا آؿ بريطانيا، أنا اآلف مقيـ والصديقات الذيف كونتيـ في زياراتي الخاطفة،

لـ تمض ساعة حتى امتؤل البيت بالضجيج . اهلل، فيمموا إلي معكـ إلى مدى ال يعرفو إال

في أحضانيـ وقمت أريد أف أعيش، أريد أف ألتقي بالمحبيف مف كؿ والرقص، ألقيت نفسي

وزمف،جميعيـ يعرفوف ما عمييـ عممو، الشيء الوحيد الذي أفعمو ىو التوقيع عمى صنؼ

.الورؽ

الخيؿ، أعرؼ مف صغري الخيوؿ وأعشقيا كما أعشؽ في اليـو األوؿ خرجنا لمرىاف عمى

مثمما يشـ العاشؽ ريح عشيقتو عمى بعد، وأعمـ أييا أكثر النسوة، أكاد أقوؿ أنني أشميا

يمكنو أف يخسر، ربما كنت الوحيد ػ مف بيف ستة وأربعيف ولدا ػ الذي ورث جمدا، وأييا ال

ولو محبة الخيؿ عف أبي، فدائما ال أخطئ في عبلقتي بيا، ودائما تستجيب لرغبتي

الماؿ، لـ يسألوا تمنيتيا سرا، ونادرا ما أخسر في رىاف، كاف الجميع يقوؿ أف الماؿ يجمب

شركات ومصانع وأمواؿ ببل أنفسيـ في بيت مف تربيت، ومف ذاؾ الثري الذي ترؾ ألوالده

بؿ القبيمة، وقضى حصر، ال أحد منيـ يعرؼ اليمني الذي تربى عمى ظيور الجياد وا

وال يعرفيـ، وال منقذ لو في بطوف شطرا مف حياتو يطارد الوقت وخصوما ال يعرفونو

يختار أصعبيا وأشدىا شكيمة لتكوف مطيتو، الجباؿ ووديانيا إال عبلقتو بجياده، كاف

وجد واحدا مف ىذا النوع، فيدفع كؿ ما يممؾ كي يكوف ويفرح فرح العاشؽ بمقاء حبيبتو إذا

قتؿ لو ولد إذا جرح أي منيا، ما مف مكاف نزلو إال ابتنى فيو مكانا ممكا لو، ويغضب كمف

شرح السائس إلقامتيا، كثيرا ما رأيتو يعطي سائسو دروسا في طرائؽ ترويضيا، وكثيرا ما

وعبلقتو بفارسو، العجوز كيؼ أعرؼ الجواد األصيؿ مف نظرات عينيو وتشريح جسده

معرفة الجواد القادر عمى وكأنو كاف يثبت لوالدي أنو خبير مثمو، فكيؼ باهلل أخطئ في

في أحاديثيـ عف الثراء والحظ، جميعيـ لـ أكف أخبر أحدا بذلؾ، وأتركيـ! الفوز مف غيره؟

القروف البعيدة، مقامر يضرب الصحراء والتيو ليؿ نيار مف كانوا يرونني مقامرا قادما مف

دوف أف يعرؼ إلى أيف ستقوده الطرؽ، يقطع آالؼ األمياؿ في الفيافي أجؿ غزالة أو أرنب

ليحكي عف األىواؿ والوحوش التي حاربيا مف أجؿ عيوف امرأة جميمة، في كي يعود

كانت أمي تقرأ لي قصص الفرساف المحبيف، القصة الوحيدة التي تمنيت أف صغري

كانت لعمارة بف الوليد مع محظية النجاشي، لكف قصتو كانت دائما تنتيي بقبض أعيشيا

مشردا ال يقترب النجاشي عميو ونفخ السحرة في إحميمو، ليييـ عمى وجيو في البرية وحيدا

.مف أحد

دارة األعماؿ التي أصرت أمي عمى دراستي فييا، وفي في الصباح كانت كمية االقتصاد وا

الميمة بما فييا رىاف متاح وغير متاح، وبيف ىذا وذاؾ كنت عمارة المساء كانت النوادي

ف قتمتو آالؼ الجنيات عمى أرض الباحث عف نفسو في كؿ ما ىو معجز وغريب وا

أياـ العطبلت ال يكوف سوى الخيؿ، وحدىا الخيؿ بكؿ شكؿ وطريؽ، فمنذ آلحبشة، وفي

ما تستطع أمي التي تفزع أشد ما تفزع مف قفز الحواجز أف تبعدني عنيا، كثيرا الصغر لـ

يا " صرخت في وجو أبي أنو السبب في تعمقي بيا، وكثيرا ما كاف يضاحؾ قائبل

تعممؾ سوى عمموا أوالدكـ السباحة والرماية وركوب الخيؿ، أـ أف بيروت لـ... عزيزتي

الحاجز فسقط مف أذكر أف جوادي تعثر ذات مرة في". عري الحمامات وسيرات الميؿ

عمى وشؾ الجنوف عمى عميو وانكسرت ذراعي، كنا في لبناف يوميا، فاتصمت بو وىي

بيروت، وحيف عمـ أف تأمره أف يأتي ليرى جريرة فعمو، فحطت طائرتو بعد ساعتيف في

ىددىا بالطبلؽ لو اتصمت بو مف ذراعي فقط الذي كسر رأيتو أسدا يعنفيا وىي تبكي، ثـ

يطمقيا ألف طائرتو بعدة شيور ىي التي أجؿ شيء تافو كيذا، بالطبع لـ تتصؿ ولـ

.أحد اصطدمت بقمة جبؿ فتحطمت و لـ ينج منيا

الميؿ في عباءتو السوداء، ليس أبي مصدر ىذه الرقص مع البنات أجمؿ ما يحمؿ لي

ترغب دائما أف تراني وسيما جميبل أجذب نظر الجميع، المتعة، وال حتى أمي التي كانت

مصففي الشعر، ومصممي األزياء، لكنيا الخادمة الماليزية التي أوكمت فترسمني إلى أشير

حمومي اليومي إلييا، مازلت أتذكر نعومة يدييا وىي تدعؾ جسدي، امرأة خبيرة أمر

كيؼ أكوف بطرؽ التعامؿ مع الرجاؿ، عمى يدييا تعممت ما لـ يتعممو امرؤ القيس، تعممت

أخطؼ ود أجمؿ مف عمر ابف أبي ربيعة، كيؼ أخاطب الجميبلت الصغيرات، وكيؼ

أصبح مبلكا صديقات أمي، كانت تدعكني بالزيوت والبرفانات في حماـ البخار حتى

الرجولة بمعنى يمشي عمى قدميف في ثياب بيضاء، لكف كؿ ىذا ما كاف يروؽ ألب يعي

السباحة وركوب الخيؿ، قاؿ مختمؼ، فأوصى بي سائسو وخادما ىنديا كي يقتبلني في

ويبدو أنيما كانا "عمى ظيور الخيؿ ال أريد أنثى في ثياب طفؿ، ولكف صقرا يمعب: ليما

."مف السماء يتعامبلف مع أوامره عمى أنيا رسالة نزلت

التزاـ بشيء، فكؿ ما يعف لي أفعمو، وكؿ ما يزينو في العاصمة الممكية لـ يكف ىناؾ

صرت فرسا جموحا ال حد لرغباتو، وكأنني كنت أود اليروب أصدقائي أراه جميبل، حتى

أصبح شخصا ال أعرفو لكنو يشبو أبي وأمي وعمارة والمنخؿ وكؿ مف مف نفسي، أود أف

في القصص، كنت في نياية الميؿ أقود العربة كرمح انطمؽ مف قوسو، حتى سمعت عنيـ

.التعب فأرتمي عمى سريري كجثة ىامدة أكؿ مف

العبث والسير، فبل ثقؿ لي عمى السياسة وال ىـ لي أمضيت عامي األوؿ ال أعرؼ غير

كنت أتعامؿ معيا كأمر يخص بعض مف أعرفيـ، حيف عدت في التجارة، حتى دراستي

الصيؼ كانت المفاجأة الكبرى، فثمة مف كاف ينقؿ تفاصيؿ كؿ ىذا إلى المممكة في إجازة

أمي التي ظننت أنيا أخر مف سيغضب، لكف وصوؿ طفمي األوؿ إلى الحياة الجنوف إلى

إخباريات مفبركة عف اإلدماف والييرويف وغيره جعمني في موقؼ ضعؼ مدىش، مما وسط

لكنيا جعميا تفكر في تحميمي مسئولية مكتب شركاتنا في لندف، في البدء حاولت الرفض

.إذا تطمؽ ابنة خالؾ وما أشوؼ وشؾ طوؿ عمري: قالت بشكؿ قاطع

(5)

لمعنصر العربي ػ ىكذا قاؿ أبو سعيد ػ زرتيا في اليمف السعيد ىو المحمية الطبيعية

الناصر والبدر عمى أشدىا، يوميا كنت متحيزا لفكرة بقاء اإلماـ الستينات والحرب بيف عبد

تقـو عمى مشورة نخبة مف العمماء، ربما ألنني كنت حانقا عمى ىذا الزعيـ ووجود دولة

أباه، كنت قد الطاغية الذي سجف وسحؽ اإلخواف، وربما ألنني كنت أكرىو كما يكره االبف

عدد وافر مف خبليا حصمت عمى الدكتوراه في التاريخ اإلسبلمي، ورتبت األمر لوجود

االستعماري وقد حرصت عمى أف يكوف اإلخواف في بريطانيا، فمنذ وطأت قدمي ىذا البمد

لندف حتى أرسمت إلى شيخي التممساني مركزا لمجماعة في أوربا، فما أف وصمت إلى

جواز سفر مصري باسـ أبي سعيد، فطمب ألخبره بما حدث لمسفينة، وكيؼ حصمت عمى

في الجامعة، وجاءتني مع الخطاب أوؿ حوالة مني أف أقيـ حيث أنا وأف أكمؿ تعميمي

محضر غرؽ السفينة الذي قاؿ أف كؿ أوراقي فقدت، فقدمت أوراقي ومعيا صورة مف. منو

بمساعدة عدد مف اإلخوة العرب، وبدأت سنوات الدراسة في قسـ فأجروا لي امتحانا اجتزتو

حواالت التممساني تأتي بانتظاـ وخطاباتي تخبره عما أفعؿ، في البدء التاريخ، وبدأت

طريؽ شيخنا البنا في األمر بالمعروؼ حتى صرنا جماعة بالفعؿ، بعدىا اتخذت انتيجت

يفصح طريؽ الشيعة في الدعوة، حيث السرية والكتماف وعدـ معرفة األمير إال بأمارات

ظيوره، وكؿ خمية عنيا، وىو بدوره يدعو ألميره المختفي، ساكتا عف أماراتو لحيف إعبلف

يتبعو عشرة آخروف، يتمقوف ال تزيد عف عشرة أفراد وال تعرؼ شيئا عف غيرىا، وكؿ رجؿ

يأمروف بالمعروؼ وينيوف عف المنكر منو أوامرىـ ويعودوف إليو في مشكبلتيـ، وجميعيـ

الدعوى بالحسنى لدخوؿ األجانب في اإلسبلـ، ويجمعوف التبرعات لمجماعة، كنا نوجو

وحسف الخمؽ وليف الحديث ونصرة الضعيؼ وعدـ اإللحاح، وكاف منياجنا التفوؽ في العمـ

ذا عادانا فبل يكوف حتى إذا رفض مف ندعوه ذا خسرناه فبل نجعمو عدوا، وا فبل نخسره، وا

أصدرنا جريدة بيا عدد مف الخدمات كالوظائؼ، وخرائط المدف، وتاريخيا، ثـ. مبيرا

الزفاؼ، وترقيات األساتذة، إلى جانب أبواب ثابتة عف الدعوة والديف، تجنبنا وتياني

ف كاف ال مفر فبعيدا عف أوربا وخاصة بريطانيا، ووفرنا لؤلثرياء الدخوؿ في السياسة، وا

اشتراؾ لممجمة ذات تخصصات عممية يبحثوف عنيا فتعاطفوا معنا، وقمنا بعمؿ رسـ

محدد، فوصمت بعض تبرعاتو الطبعة المحدودة بيف أبناء الجامعة، وكاف ىذا الرسـ غير

شيادتي في التاريخ بتقدير ممتاز، إلى مئة دوالر كاممة، بعد أربع سنوات حصمت عمى

لكف مصر كانت قد أظممت عمى إخوانيا، فأرسمت إلى التممساني أستشيره في العودة،

اقترحت عميو إشيار جمعية إسبلمية تكوف مقرا فطمب التممساني أف أبقى ألكمؿ ما بدأت،

في ذلؾ الوقت بدأت دراستي لنيؿ درجة . ىذا تبرعي لكـ :لمدعوة، فأرسؿ حوالتو قائبل

، لـ يكف األمر سيبل، فقد مرت أياـ "الشيعة في الدعوة وتكويف الدولة فكر"الماجستير عف

كاف طيبة، خاصة تمؾ التي استعر فييا الخبلؼ بيف ناصر وبريطانيا، لكف ثمة تيارا ليست

وجدناىـ يبشوف يرى في وجودنا ورقة رابحة يمكنو استخداميا، ومف ثـ فبعدما ضيقوا عمينا

أف عددا مف أساتذتي في وجوىنا، وصارت التبرعات أكثر سخاء مف قبؿ، األكثر مف ذلؾ

دراساتي العميا، وال أعمـ إف كاف ذلؾ قدـ ورقة باسمي لنيؿ منحة مف الحكومة الستكماؿ

والدراسة دوف قمؽ عمى معونة التممساني التي صدفة أـ تدبير مسبؽ، فتفرغت لمدعوة

بسجنو ىو اليضيبي، فكاف عمى أف أدبر وحدي أمر راحت تتأخر، وسرعاف ما عممت

عدة دوؿ، وألف الدراسة كانت تحتاج الرجوع إلى الوثائؽ تنظيـ بمغ عدة مئات وتوزع في

يرانية فقد حصمت عمى تصريح بالسفر إلى وكتب في مكتبات فرنسية وألمانية وتركية وا

وبرز اسمي كباحث في التاريخ اإلسبلمي الوسيط بعد عدد مف الندوات التي ىذه الدوؿ،

تعقدىا الجامعات والمكتبات العامة، لـ أكف أتصور أف ىذه المحاضرات ستمنح لي

التبرعات، كانت حضورا بيذا القدر، مما ساعد عمى انتشار الجماعة وقدرتيا عمى جمع

بما لديو مف قيـ دواء أوربا خارجة لمتو مف حرب أصابت روحيا بالخواء، وكاف اإلسبلـ

انتشارىـ مريدي الروحانيات الصينية ناجع ليذه األرواح التائية، حتى أف مريديو فاقوا في

عمى إخواننا في سجونو قررنا أف نريو كـ نحف واليندية وقتئذ، وحيف شدد ناصر قبضتو

طموحاتو ورغباتو بعد تحالفو مع سوريا،ثـ نزولو اليمف أقوياء، كاف الجميع متخوفا مف

المستقرة عرض الحائط، وكنا الورقة التي يمكف ألوربا أف تكيؿ لو مف ضاربا بكؿ الخطط

ما تشاء، كانت الصحؼ تنقؿ صرخاتنا وسبابنا لو عمى صفحات كاممة، وظؿ خبلليا

.عمى ىذا النحو حتى حصمت عمى الدكتوراه وقررت العودة إلى فمسطيف األمر

طويمة، لكنو كاف قد أثار رغبتي في السماع، فقد بدأ تنيد أبو سعيد وكأنو عائد مف حرب

إلى فمسطيف، نظرت إلى وجيو المستدير وعينيو المتوقدتيف وقمت مف اليمف وانتيى بالعودة

كانت في األردف حمقة إخوانية آخذة في االنتشار، وكاف: تنيد مف جديد وقاؿ وماذا بعد،

بد أف أمر زعيميا وقتئذ أحد تبلمذتي الذيف حصموا عمى شيادة الحقوؽ مف لندف، وكاف ال

كفاية اهلل الباكساتني عمى ببلده كي أتسمؿ إلى فمسطيف، سممت الخبليا التي معي لرفيقي

عف األحواؿ فقاؿ أف األمر واتصمت بعصمت الحاج في عماف فاستقبمني ىناؾ، سألتو

األنصار ومناىضة العدو ليس ميسورا، فأوضحت لو حاجتي إلى دخوؿ غزة لجمع

فوجدتيا فرصة لؤلخذ بثأر رفاقي الصييوني، فأسر لي بأنو يرغب في الذىاب إلى اليمف،

.ونقؿ الببلد مف اإلسبلـ إلى اإللحاد و شيوخي مف الطاغية الذي عذبيـ في سجونو،

يناصر البدر، ومف ثـ فقد شدد قبضتو عمى الداخؿ وفتح في تمؾ اآلونة كاف الممؾ حسيف

المحاؽ بقادة اإلماـ، وجميعيـ كانوا وزراء في الحكومة التي شكميا مف بواباتو لمراغبيف في

في جدة، كنا نكمف بالميؿ لطوابير الدبابات المصرية فننصب ليا الكمائف ونطمؽ منفاه

اليواء، كانت عمييا نيراف مدفعيتنا، لكنيـ ما يمبثوف أف يستدعوف طائراتيـ لتقصفنا مف

ببل معنى، ألف ما نأخذه جثثنا تتناثر عمى األرض ببل رحمة، سنوات مف الحروب الدامية

مف أجؿ استرداده غدا، رغـ إعبلف اليـو يؤخذ منا غدا، وما يؤخذ اليـو نموت بالمئات

بيف ناصر وفيصؿ الذي تولى السمطة فيما يشبو اليدنة والمفاوضات والمؤتمرات والمقاءات

عمى أخييـ سعود، ذلؾ الذي استنزؼ خزانة الدولة عمى البدر انقبلبا مف األسرة السعودية

فيصؿ لـ يكف يحب البدر غير أف تعنت ناصر جعمو يتورط ىو اآلخر ورجالو، ورغـ أف

فقد ضرب الطيراف المصري مناطؽ الجنوب السعودي، واستقدـ ناصر سعود في تمويمو،

في أوربا وروج ألنو الممؾ الشرعي، ثـ أخذه في زيارة لميمف ليدحض عزيمة مف منفاه

المتحدة، ونفس األمر القبائؿ التي تناوئ مع اإلماـ، ويثبت الذيف والوا الجميورية العربية

يقنعو بالعودة والمطالبة قاـ بو فيصؿ حيف بحث عف ممؾ مصر في بارات إيطاليا وأخذ

فاروؽ مسموما، ثـ جاءت النكبة التي عمـ بعرشو، لكف ىذا األمر لـ يدـ كثيرا، فقد قتؿ

المتربص بنا في الشماؿ ال الجنوب، وليس البدر أفضؿ الجميع بعدىا أنيـ أخطئوا، فالعدو

فقررت العودة مف جبؿ رازح عبر سمسمة عسير إلى األردف، وما أف مف ناصر وال السبلؿ،

سمعنا بانسحاب مصر مف اليمف، وىروب السبلؿ إلى روسيا، وسيطرة العمري عدنا حتى

زماـ اليمف، وتوالت األحداث كما لو أف الكؿ تكشؼ الحقيقة عمى صخرة النكسة، عمى

الجالس، فتوصموا إلى أنيا كانت فتنة الجالس فييا خير مف الواقؼ، والنائـ خير مف

.والقاتؿ والمقتوؿ في النار

(6)

فقد خمعت اإلماـ، وألف عمو أصبح صيرا لئلماـ فقد أرسؿ والدي إلى أىمو أف اخمعوني

وأبمغ مف فوره شيخ القبيمة ليبمغ بدوره اإلماـ، حدث ذلؾ بعد أف خشي عمى نفسو وابنتو

لشبح يدعي معاوية، فقد غير اسمو وأبرز ميارة في القتؿ" الشعيب"في جبؿ استتب األمر

ال والسطو وشاع ذكره ىناؾ، كانت لو طريقة جديدة عمى أمثالو مف قطاع الطرؽ، فيو

يسمب فقيرا يياجـ أعزؿ، وال يجور عمى ضعيؼ، وال يقتؿ شاة ال يحتاج إلى أكميا، وال

سطوتو كانت منصبة عمى قط، بؿ إنو إذا رأى أحدىـ في طريقو يعطيو مما في يده، وألف

األتراؾ والزيود فقد أحبو الجميع، وكثيرا شيوخ القبائؿ وأبنائيـ وحاميات اإلماـ ورجالو مف

فضمموىـ عف طريقو، ورغـ شعوره بأنو منذور لعمؿ كبير غير ما تواطئوا معو ضد أعدائو

ذا أنو لـ يكف يتسامح مع خائف، ويؤدب مف يشذ عف حسف ظنو بالطريقة التي تناسبو، وا

ال فميتبوأ موقعو وضع يده في مف يد الشيطاف فعمى األخير أف يمتـز معو بما اتفقا عميو، وا

ىو الذي كاف القتؿ الذي يأتمر اآلف بأمره، ورغـ كثرة الكمائف والدسائس غير أف الموت

العيوف والخبليا التي بثيا في يخشى عمى نفسو منو، ربما لحيمو التي ال تنتيي، وربما ألف

.بأحبلميـ قبؿ أف ترد عمى أذىانيـ القرى والقبائؿ التي حولو مكنتو مف العمـ

الشعيب إلى الشماخ إلى رازح، وسكف الكيوؼ رحؿ محمد الذي أصبح معاوية مف

ظيور الخيؿ واإلبؿ مف الشماؿ، وحارما اإلماـ ورجالو مف والمغارات، جالبا السبلح عمى

وأظير قدرات عظيمة عمى التخفي والظيور، حتى أف الجميع كاف يتوقعوف تجارة اآلثار،

عمييـ في أي وقت كما لو أنو نبت فجأة مف األرض أو سقط مف السماء، وكثيرا خروجو

حيف ما أحاكوا الحيؿ والفخاخ مف أجمو، لكنيـ في كؿ مرة ما كانوا يصدقوف أنفسيـ

واحد مف شيوخ يجدونو التقط الطعـ واختفى قبؿ أف يضرب الفخ عمى قدمو، فذات مرة قرر

الرجاؿ بالسبلح عمى القبائؿ أف يضرب بأوامره عرض الحائط باحثا عف الحفائر، فأوقؼ

. لينتقـ، وىذه فرصتنا لمخبلص منو حدود القبيمة، وأرسؿ لئلماـ قائبل أف معاوية سيجيء

بالخناجر والمدافع والمبلبس المزركشة، ومعيـ فأرسؿ اإلماـ حامية مف األتراؾ المثقميف

الفدية فدخموا في الجندية اإلجبارية، كانت ىيئتيـ بزييـ سمة مف الزيود الذيف لـ يدفعوا

الصدئة توحي بأنيـ متسوليف ال مجنديف، ظموا ثبلثة أياـ يحموف شيخ البدوي ومدافعيـ

وقفت والمكاف حتى وصؿ األجانب إلى بغيتيـ، فجدوا المقبرة منيوبة وعمى جداراىا القبيمة

.جثة شيخ القبيمة مصموبة

قافمة وشيخ قبيمة، وفرض الجزية عمى األثرياء الذيف شاع اسـ معاوية بعدما داىـ أكثر مف

فامتنعوا عف أداء الضريبة لئلماـ، ىنالؾ ثارت ثورة األخير حيف يأسوا مف التخمص منو

أموالو تنقص وال تزيد بسبب قاطع طريؽ، وأخذ العمماء الذيف تمقوا اليدايا مف عمـ أف

معاوية باألمر الشيوخ ينفخوف في النار حتى ارتفع الميب وأعمف اإلماـ الحرب، حيف عمـ

فأصغر، ثـ أرسؿ قسـ رجالو إلى ثبلث فرؽ، كؿ واحدة تتكوف مف ثبلثات أصغر

المفتوحة عمى قصر اإلماـ بمجموعة أخرى عمى ىيئة حرفييف إلى صنعاء، كانوا عيونو

التي ستخرج إلى الشماخ مكونة خمسمائة وما يدور بو، فجاءه النبأ مف خبلليـ أف الحممة

استطاع مف سبلح ومؤف ويعد الخنادؽ والكمائف تركي وثبلثة آالؼ مجند، فراح يخزف ما

لكف شيئا لـ يحدث، فقد جاءتو الرسؿ مف جديد بأف لحرب قد تطوؿ، وانتظر بالشيور

الببلد بعد ىزيمتيـ في حرب كبيرة دارت بيف الدوؿ الكبيرة، األتراؾ ىـ الذيف خرجوا مف

التي تمناىا لتأديب الشيوخ، فنيض ينيب أمواليـ ويحرؽ مراعييـ وكانت ىذه فرصتو

باإلماـ مف جديد، فصرخ في مجنديو أف يخرجوا إلى الشماخ، وكاد اإلماـ أف استجاروا

ىنالؾ يصاب بالجنوف حيف عمـ أف الحممة عادت وقد سمب منيا كؿ شيء حتى المبلبس،

حوزتي إف لـ تأتوني سأقتؿ أوالدكـ الذيف في: أرسؿ إلى شيخي مشايخ حاشد وبكيؿ قائبل

معاوية رجؿ الساعة المطموب حيا فصارت حاشد أختا لبكيؿ، وصار. برقبة ىذا الصعموؾ

والسبلح واسطببلت الخيؿ لمجميع، حتى أنيـ أو ميتا، وفتح اإلماـ البخيؿ خزائف الماؿ

الحكـ، فانقمبت القبائؿ كميا عمى معاوية ورجالو، حاشديف شعروا ألوؿ مرة أنيـ شركاؤه في

عمى حمؿ السبلح وركوب الخيؿ، غير مباليف بالبرد أو الثمج، وال عشرة آالؼ رجؿ مدرب

القبض عمى قاطع الطريؽ في مغارتو عمى قمة الشعيب، كانوا يطاردونو مف ىـ ليـ غير

لمخبئ، ومف موطئ قدـ ألخرى، حتى كؿ معاوية مف الفرار، ويأس رجالو مف مخبئ

إبؿ وأغناـ، وأف الحياة، فأمرىـ في ليمة حالكة الظممة شديدة البرد أف يجمعوا ما لدييـ مف

. عمى منحدر رفيع مف الجبؿ يربطوا عمى رؤوسيا عشبا ويضرموا فيو النار، وأف يوجيوىا

الفسيح تجمعوا ليتصدوا لمحاولة االختراؽ حيف رأى رجاؿ القبائؿ النار مسرعة نحو الوادي

.بعدما ولى معاوية ورجالو مف الجانب اآلخر اليائسة، ولـ يكتشفوا الخدعة إال

كؿ منيـ إلى قبيمتو، فبل أحد يعرفيـ وال عشائرىـ كاف مف السيؿ عمى الرجاؿ أف يعود

الذي لـ يعد أمامو سوى أف يتبلشى مف أرض اليمف، فاتخذ خمعتيـ، وحده معاوية ىو

.الجديد نحو مدينة الشماؿ التي يتوه فييا كؿ غريب سنيو العشريف وطريقو

(7)

النفس، وبارؾ لنا فيما رزقتنا، ويسر لنا مقامنا وترحالنا، الميـ نجنا مف اليـ والغـ وفساد

ىكذا عطفت. عندؾ في الدنيا واآلخرة، واحتسب أبا سعيد في شيدائؾ األبرار وىبنا الحظوة

مرت التمتمات بصورة الرجؿ الجميؿ عمى ذىف الشيخ، وما أف تذكر صاحبو القديـ حتى

صاحبي يتجمع ىنا يا: بذىنو أمسياتيما عمى سفوح الجباؿ، تذكر حيف استقبمو قائبل

نبني مركزا لتعميميـ فنوف المجاىدوف مف كؿ مكاف كي يقاتموا عف ديف اهلل، ىنا نأمؿ أف

.القتاؿ كي يعموا كممة اهلل في األرض

التقينا عمى مشارؼ نير الموار، كاف كؿ منا ذاىب في وجية لـ يكف ىذا لقاؤنا األوؿ، فقد

كنت مازلت ميووسا بعمارة ابف الوليد، فرحت في واحدة مف رحبلت غير وجية اآلخر،

ىذا النير، لـ تكف الدراسة تعني لي الكثير، أما الماؿ فكاف يزيد وينتشر دوف جنوني إلى

عف جيد في ظؿ مجموعة مف المخمصيف األذكياء الذيف ال أعرؼ عمف ورثتيـ بالضبط،

األوفياء ما كنت خالي التاجر المثقؼ أـ أبي قاطع الطريؽ ذي الفراسة العجيبة، ىؤالء

أحتاج معيـ إال ألف أخمو لنفسي وىواىا، فما الذي حدث؟

بخياالتو في الماضي، فيبطت عمى ذىنو صورة رجؿ في ىكذا جاءه السؤاؿ وىو يطوؼ

مكتب مدينة الجف والمبلئكة، ربعة القواـ،أبيض البشرة، ذو الخمسيف مف عمره ينتظره في

منتظمة يشوب سوادىا البياض، كأنو أمضى حياتو كميا يشذبيا وييندميا لحية طويمة

عمى زيو األزىري، كاف لعينيو بريؽ ال يمكنؾ أف تفمت منو، وال يمكنؾ أف تزعـ ليرخييا

وتقاليد يوميا كنت أرتدي مبلبس عادية تماما ألىرب نفسي مف رسميات. أنو لعابر سبيؿ

لماذا ارتبكت حيف ما عدت أحتمميا في حياتي، بدا الرجؿ قصيرا بعض الشيء، ال أعمـ

الزيت، ذكرني بأقاربنا اليمنييف الذيف رأيتو، ذكرني بالمدف القاحمة التي تركتيا تعج في أبار

مباغتا وممغزا لي، قاؿ السكرتير حيف ىاتفني في المنزؿ لـ أرىـ منذ الطفولة، كاف ظيوره

مرات، وأصر عمى مقابمتي شخصيا،حيف دخمت رحبت بو كشخص أنو سأؿ عني عدة

ظممت أتسائؿ في داخمي عمف يكوف، وما األمر الذي جعمو يمح أليؼ إلى نفسي، لكنني

انتياء كممات الود ساد صمت قطعتو بسؤالو عما يريد، حيف ابتسـ شعرت في لقائي، بعد

، ثـ تنيد وىو"أنا أبو سعيد"ما أضاء وجيو، وضع مسبحتو عمى المكتب قائبل أف شيئا

أعرؼ ، وكمف يعرؼ أنني ال"أظنؾ ال تعرفني، لكنني صديؽ والدؾ"يمتقطيا مف جديد

يعرفوف صداقتنا، رحمو اهلل، لـ يكف ىناؾ الكثيروف الذيف"الكثير عف أصدقاء والدي قاؿ

لكف لتسمح لي أف أقدمو لؾ ولـ تكف األمور تسمح بأف آتي ألقدـ واجب العزاء لؤلسرة،

حوؿ ىذا الصديؽ الذي جاء ليقدـ ، دارت في رأسي الظنوف"اآلف بالنيابة عنيـ جميعا

ىؿ كاف مسجونا؟ أـ أنو فقد ذاكرتو كؿ ىذه العزاء بعد أربعة عشر عاما مف وفاة صديقو،

ذا كاف ىكذا فمماذا يحيط نفسو بيذه الريبة والسرية في الحديث؟ لماذا لـ يذىب السنوات؟ وا

أو خالي بياء الديف؟ قمت ربما يكوف محتاال ولديو خطة ليخرج ببعض إلى إخوتي األكبر

أف ومف الجائز أف يفاجئني أف لو أمواال عند أبي، وربما يكوف أكثر ذكاء فيقوؿ األمواؿ،

أمامي ىكذا كانت تساورني نفسي حوؿ ىذا الجالس. والدي ىو الذي لو أمواؿ عنده

صبلة "فقاؿ شكرتو عمى عزائو وسألتو عما يمكف أف أقدمو مف أجمو. باطمئناف شديد

الصحابة، أرجو أف نحف نصمي في مسجد"، حيف فغرت فاىي متعجبا أضاؼ "العشاء

درويش، لكنني نيضت لمسبلـ ، شعرت ساعتيا أنني أماـ مجذوب أو"تأتي لمصبلة معنا

،"إف شاء اهلل" ، قمت!."ستأتي؟"عميو بنفس الحفاوة األولى، قاؿ

كؿ مف في المكتب ألنيـ أضاعوا وقتي مع رجؿ كاف مف المفترض يوميا أنني سأعاقب

لكنني استقبمت األمر عمى أنو طرفة كاف يمكف أف ال أعرفو وال أعرؼ سببا لمجيئو،

عمى تخـو أي مف القبائؿ، في المساء كاف عمى أف أتجو إلى تحدث لعمارة ابف الوليد وىو

إلى حيث دبرت مع آخريف رحمة خموية، كاف عمينا أف نقطع مئة كيمو بيت صديقة آلخذىا

باريس، حيث نير الساروف أحد نييرات الموار الذي يمتقي بنير الروف عند مترا جنوبي

بعيد ميبلدىا مدينة ليوف، كانت قد اختارت مع الرفاؽ ىذا الطريؽ الذي ال أعرفو لبلحتفاؿ

مف الركض العشريف، جذبتني المغامرة وانطمقت معيـ ما يزيد عف خمس ساعات

ىذا أحد فروع :قالت المتواصؿ في الصحراء حتى الحت قمة جبؿ متواضع بجانبو نير،

والمسيحييف، قمت ربما كاف النير الذي النير الكبير الذي شيد موقعة فاصمة بيف المسمميف

حيف ترجمنا وجدتيـ . معو فتوحات المسمميف ألوربا ىـز عنده عبد الرحمف الغافقي فتوقفت

ىذا الخبلء، رقصنا ولعبنا وغنينا وتسابقنا وسبحنا في النير جيزوا لئلقامة عدة أياـ في

أىمي عف العبور باإلسبلـ إلى باريس، ولـ يبؽ لدينا مف الجنوف غير أف الذي أعاؽ تقدـ

بمحاذاة الرحمة متخذيف الجانب الشرقي مف النير طريقا لعودتنا، فاتجينا بسياراتنا نكمؿ

sans اسميا النير بحثا عف جسر نعبر مف عميو، حيف وصمنا إليو وجدنا قرية جميمة

أحد المطاعـ ننتظر ، فتركنا سياراتنا وىمنا عمى وجوىنا فييا، ثـ جمسنا في"صانص"

صوت آذاف يتيادى عمى غداءا تأخر كثيرا، وقبؿ أف يحضر النادؿ ما طمبنا سمعت

ىؿ كاف النادؿ مسمما أـ ال لكنو مسافة بعيدة، سألتو ىؿ توجد مساجد بالقرية، وال أعرؼ

نعـ يا سيدي، ىنا واحد مف أقدـ "طريقو تيمؿ بسعادة غريبة، وقاؿ كمرشد سياحي ضؿ

، أي بداية القرف الثاني 723تاريخ بنائو إلى عاـ المساجد اإلسبلمية في أوربا، يرجع

" عربي وصؿ إلى ىذه المنطقة وىو عنبسة بف سحيـ الكمبي اإلسبلمي، بناه أوؿ قائد

الذي قتؿ في معركتو مع شارؿ مارتؿ بسبب خوؼ "بميجة ساخرة قاطعو واحد مف الرفاؽ

ربما تقصد عبد الرحمف: لكف النادؿ ابتسـ بيدوء مدرس تاريخ قائبل " غنائميـ جنوده عمى

القريبة مف الغافقي، ىذا أيضا كاف قائدا عظيما، فبعدما وصؿ عنبسة إلى ىذه النقطة

بشكؿ كاؼ، وعمى عادة باريس بأقؿ مف سبعيف كيمو متر، اقتنع أنو قد أمف حدود ببلده

مثمما فعؿ في بقية مدف نير العرب بنى ىذا المسجد ليرسي قواعد دينو في المكاف،

لشبونة،لكنو في طريؽ عودتو داىمتو قوات ثـ ترؾ حامية صغيرة وعاد إلى" الروف"

.العدد في خوانؽ جباؿ ألبرت فقتمتو مسيحية لـ يتوقع تجمعيا بكؿ ىذا

عمينا محاضرة عظيمة عف الصراع اإلسبلمي حيف أتى الغداء كاف النادؿ قد ألقى

لو جميعا، ورحت أغمره بكؿ ما في حافظتي مف المسيحي في القروف الوسطى، فصفقنا

كبيرا فقرر أف يصحبني في زيارة سريعة لثروتو األثرية في تمؾ أمواؿ، كاف شعوره بالسعادة

أف معمار المسجد لـ يتوقؼ عمى ما بناه عنبسة الكمبي، فقد حرص سبلطيف القرية، قاؿ

معاىدات مع الموحديف والمرابطيف وبني أمية عمى تجديده والحفاظ عميو، بؿ إنيـ أقاموا

وعدـ المساس بمف مموؾ األسرة الكارولنجية ومف أتى بعدىا لمحفاظ عمى ىذا المساجد

فرغـ أف بو قبة تشبو قبة حيف وصمنا لـ أجد مسجدا بالمعنى الذي تطمعت إليو،. أسمموا

غير أف المئذنة بيا أجراس، والقبة المسجد األقصى، ومئذنة قصيرة عمى الطراز المغربي،

قاؿ !" إنو كنيسة؟"تراتيؿ تتيادى منيا، فقمت يعموىا صميب كبير مضاء بالنيوف، وثمة

المسيحيوف حيف تدىور ممؾ العرب، لكف ألف أغمب أىؿ لقد استولى عميو"كمف يعتذر

إسبلمو، فقد أخذوا منيـ نصؼ الجامع والمئذنة وتركوا ليـ النصؼ ىذه القرية ظؿ عمى

الوقت حصروىـ في المصمى الخارجي، فمـ يبقى لممسمميف غير ىذه األمتار اآلخر، ومع

الموح الرخامي، نظرت فإذا عمى جانب الباب المشغوؿ بالفسيفساء لوح رخاـ و ذلؾ

مسجد الصحابة، بناه قائد خيؿ اهلل عنبسة بف سحيـ" أخضر، كتب عميو بخط كوفي

فدىشت أف اسمو مسجد الصحابة، ولـ أفؽ مف دىشتي حتى" ىجريا 105الكمبي عاـ

بقامتو الربعة رأيت الطيؼ العربي الذي زارني منذ أياـ في مكتبي، متياديا عمى األرض

أف صاحبيا مطمئف بحب وزيو األزىري وابتسامتو الوديعة ونظرتو التي ال تدؿ إال عمى

إف شاء اهلل أتيت، فيؿ " "اهلل، زادت ابتسامتو في وجيي حيف توقؼ أمامي قائبل

."اهلل إف شاء"، فمـ أممؾ سوى أف ابتسمت قائبل "ستدخؿ؟

(8)

كانت وجيتيا بريطانيا ووجية أبي سعيد المكسيؾ، حيف خرجت السفينة مف األسكندرية

وجمس يتأمؿ السنوات التي مرت مف حياتو، كاف أكثرىا رمى الرجؿ برحمو عمى ظيرىا

مشيد قاؿ لف أنساه ما بقيت حيا، كانا في صحبتو وىو عائد مف حقمو حزنا يـو وفاة والده،

المدينة، فخرجت عمييما جماعة مف اليجاناة التابعة لميستدروت، وكاف والده عمى حدود

إعبلف ممف رفضوا بيع أرضيـ المجاورة لمزرعة ييودي اشتراىا مف ممتـز تركي قبيؿ

بتعذيب المدينيف لو، خسارة المحور، في البدء فرح الناس برحيؿ الممتـز الذي طالما تمذذ

ابف غير أنو ما لبث أف جاءه ورغـ أف المالؾ الجديد كاف أوربيا وحيدا ببل زوجة أو

كانت الناس تعمؿ لديو بمحبة وجد ألنو ضيوؼ لـ يرحموا، فبنى ليـ دورا بجانب القصر،

الضيوؼ كثروا ولـ يكف الرجؿ راغبا في بقائيـ ببل كاف سخيا وليس فظا كسابقو، لكف

والبناءيف وحافري اآلبار، في البدء كانوا مطيعيف ال يؤذوف عمؿ، فنزلوا مع المزارعيف

بمرور األياـ أخذوا يسخروف مف الفبلحيف ويعتدوف عمييـ، وحيف اشتكوا أحدا، لكنيـ

وكاره قاؿ أنيـ أبناء إخوتو وال يممؾ طردىـ، فانقسـ الناس ما بيف قابؿ لمعمؿ لممالؾ

النحؿ بشباب لمميانة فرحؿ، لـ يمر عاـ حتى أصبحت المزرعة الفسيحة تدوي كخمية

ما يشترى بواحد كاف وبنات شقر يرطنوف بشتى المغات، فرغب المالؾ في توسيع مزرعتو،

وكاف أبي يقوؿ ليـ أف األوربييف ليسوا يشتريو بعشرة، والناس يفغروف أفواىيـ أماـ األرقاـ،

شيئا إال في مقابؿ أشياء، والبد أف في األمر مف أسخياء بيذه الدرجة، وأنيـ ال يدفعوف

كانت كمماتو خبيرة بطباع أناس ال يعرفونيـ، وكاف . دبروا لو سر، فبل تساعدوىـ فيما

مف أسعار األرض التي ترتفع كؿ يـو أضعاؼ سابقو، قاؿ أبي مف الناس قد ضجروا

.اليـو سيعمؿ خادما رغـ أنفو غدا، وىؤالء أناس ال يعرفوف حرمة أو ديف سيبيع أرضو

الحرب الكبيرة بيف الدوؿ الكبيرة توقفت، وأف األتراؾ لف لـ تمر أياـ حتى عمـ الجميع أف

أفواجا جديدة مف الضيوؼ تحط رحاليا في المزرعة، وعروضا جديدة يعودوا، يوميا رأوا

حيف تحمؿ ليجة التيديد، كاف الضيوؼ قد ابتنوا سورا حوؿ مزرعتيـ، وكاف الصبية لمشراء

دروسا يتسمقوف األشجار في الحقوؿ يرونيـ مصطفيف تحت الشمس وثمة مف يمقنيـ

جددا قادموف، وأف بالعصي والبنادؽ، شاع في القرية أنيـ يحمموف السبلح، وأف ضيوفا

وأف فبلنا اختفى بأوالده كي ال يبيع فبلنا وقع باألمس عمى بيع أرضو ألنيـ ىددوه بالقتؿ،

حمفا، وأال يبيع أصحاب األرض المجاورة لممزرعة أرضو، صرخ أبي في الناس أف يقيموا

كؿ بيت خمسة رجاؿ كي ال يجبروا صاحبو عمى شيء، إلى شبرا منيا، وأف يكوف عمى

استجاب الناس وراحوا يخرجوف إلى الحقوؿ عمى ىيئة جماعات يحرس .أف يقضي اهلل أمره

موصيف أنفسيـ بعدـ البيع أو الشراء معيـ، ووصؿ الخبر إلى الضيوؼ بعضيا البعض،

حراسة عمى أسوار مزرعتيـ، ولـ يبدر منيـ شيء حتى ظف الناس أنيـ خائفوف فأقاموا

البريطاني تنزؿ يعدوف أنفسيـ لمرحيؿ، لكنيـ استيقظوا في الصباح عمى عربات مف الجيش

أف رجبل وجدت جثتو المدينة لتمكث مكاف األتراؾ، وأصبح عمييـ تفريؽ الناس بحجة

تركيا كاف يود البقاء في مقطعة بالسيوؼ عمى مشارؼ القدس، قيؿ أنو ييودي، وقيؿ

الواقعة، وبدأت األحواؿ تنضبط، فبل فرض عمى المدينة، لكف أحدا لـ ير الجثة ولـ يشيد

أحد في البيع، إلى أف فوجئ الجميع بأف ييوديا آخر أحد في بيع أرضو، وال رغبة مف

اإلنجميز عف األتراؾ، فتجسد في مخيمة الناس أف البريطانييف اشترى مزرعة ورثيا

العمف ويبيعوف في الباطف، فقرروا طرد الييودي وشراء المزرعة منو، لكنيـ سيستولوف في

القائد وجدوا المزرعة تضج بالحراس ذوي المبلبس السوداء والرؤوس الحميقة، وأف

االسترداد وعمييـ البريطاني يتناوؿ الغداء مع صحب المزرعة، فتأكدوا أف األمر خرج عف

الخانات ليحرضيـ عمى مقاطعة أف يحموا أنفسيـ، كاف أبي يجتمع بيـ أماـ البيوت وعمى

مييب بعض ييود القدس الطيبيف، فبكوا الييود، وكاف في الذيف يصغوف لكمماتو بجبلؿ

وأعمنوا أنيـ ال عبلقة ليـ بالغرباء القادميف مف ولطموا خدودىـ ودعوا عمى أنفسيـ

وقالبا مع العماؿ المساكيف والفبلحيف الفقراء، سيشتروف منيـ الشتات، وأنيـ قمبا

ويمدونيـ بالقروض حتى يفرجيا اهلل، و لسبب ال نعممو أخذت األشجار تجؼ محاصيميـ

واآلفات تكثر والمحصوؿ ال يكفي سداد الديوف، وكاف الطيبوف يقرضوف مف يحتاج

ذىبوا ليقيموا ويميموف مف ال يستطيع السداد، لكنيـ بعد أعواـ لـ يتسامحوا أو يطالبوا، فقد

الدفع أو الخروج، فثارت ثورة مع الضيوؼ في المزرعة، وجاء البريطانيوف بجيشيـ ليقولوا

النار واحتجزوا مف أمسكوا بو في الناس ورفضوا أف يتركوا أراضيـ، فأطمؽ الجنود

تنازؿ بيدوء، وأخذت األرض مف قتموا أو مخافرىـ، فدب الخوؼ عمى األرض وتنازؿ مف

القائد البريطاني نحف ال نريد مشاكؿ، وأرضؾ المجاورة سجنوا، وجاء الدور عمى أبي، قاؿ

الجديدة،لكف أبي رفض، قاؿ لقد أصبحوا مستوطنيف مثمكـ، ومف لممزرعة في قمب أرضيـ

وحمايتؾ، لكنو أيضا رفض، فترصده خمسة بمبلبس سوداء،ظموا يييموف واجبي حمايتيـ

، رأى في خمفو مف مكاف إلى مكاف كأنيـ ظمو، ولـ يكف يعبأ بيـ حتى أتى اليـو المشئـو

القدس فقاؿ عيونيـ الشر وبأيدييـ البنادؽ، أردفني خمفو عمى البغمة حتى وصمنا مشارؼ

الخاف فوجدت عمي تركتو وأسرعت إلى. اذىب لتبمغ عمؾ ومف تراه أنيـ العراؾ معي

، حيف عدنا إليو وجدناه جثة ممزقة ورأسو عمى مبعدة أمتار، بينما أشباحيـ وبعض القـو

أبيض وعادنا وطفنا المدينة نجمع الناس، السوداء تيروؿ في البعيد،جمعنا الجثة في قماش

مررنا بخاف تكاثرنا حتى صرنا مئات، فحممنا فكمما مررنا ببيت خرج مف فيو، وكمما

مزرعتيـ التي غدت ثكنة تتزلزؿ األرض تحت أقداـ العصي والبنادؽ والخناجر وعدنا

يممئوف المكاف، وكانت األشباح السوداء تتقافز عمى األسوار جنودىا، كاف البريطانيوف

بنادؽ الجنود، وكاف الرصاص في البدء يطير في اليواء وما لبث أف مر ببنادؽ تشبو

وقاؿ !لـ نقتمو، وأتونا بقاتميو ونحف نقتميـ أمامكـ: الرؤوس، قاؿ المالؾ العجوز عمى

ادفنوا : الضابط وقاؿ. لو كاف طفمكـ صادقا فبل بد أنو قتؿ خطأ وعمينا ديتو:ييودي طيب

الناس في التواطؤ والجبف، مف يوميا بدأ. أخيكـ وخذوا الدية أفضؿ مف أف تموتوا ببل دية

.المدينة كخفافيش تنقض عمى كؿ شيء وبدأت المبلبس السوداء والرؤوس الحميقة تطوؼ

أرض ال يعرؼ عنيا سوى أنيا المنفى، واعتزؿ الناس بكى أبو سعيد مف جديد لترحيمو إلى

السفينة يتذكر ويبكي،فمضت أياـ ال يكمـ أحدا إلى أف غضب في سجنو الصغير عمى

لـ يرى البحارة مثميا، وىطمت األمطار وأخذت الريح تطيح بكؿ البحر وىبت عواصؼ

األمواج جاءت كألواح مف جباؿ تصفؽ السفينة فبل يوقف بالنجاة أحد، وحده شيء، بينما

. آيات الذكر الرجؿ كاف ىادئ الباؿ مستقر السريرة، ينظر إلى السماء ويقرأ ما حضره مف

ورجالو، وتمايؿ الطود أطاحت الريح بالسواري والكبائف وأخذ المد في انسحابو الرباف

.العظيـ كالنخؿ تارة ذات اليميف وتارة ذات الشماؿ

، ولـ يكف يعمـ أف أمر 48مف فمسطيف بعد ىزيمة كانوا قد قبضوا عميو في طريؽ عودتو

مصر، وأف الجماعة قد حذر نشاطيا، فمـ يتيرب مف نقطة الجياز الخاص قد اكتشؼ في

اإلسماعيمية، لكنيـ فاجئوه بقرار القبض عميو، وألنو لـ تثبت عميو أدلة التفتيش عمى حدود

وفمسطيف اتياـ واضحة غير زعـ الييود بأنو المسئوؿ عف العمميات اإلرىابية في مصر

الجميع عمى نفيو إلى ضدىـ، وألنو ليس مصريا وال بريطانيا وال إسرائيميا فقد اتفؽ

مباشرة فقد قرروا وضعو عمى سفينة المكسيؾ، وألنو لـ تكف ىناؾ سفينة متجية إلى ىناؾ

متجية إلى المكسيؾ، لكف القدر شاء أف متجية إلى لندف ليعاد ليوضع ىناؾ عمى أخرى

فحيف تعالى الموج وتحطمت محركات السفينة أرسؿ ينجو مف النفي ليجد نفسو في إيطاليا،

إلى كؿ مف في البحر أو البر، فالتقطت إشاراتو سفينة الرباف رسائؿ استغاثات عاجمة

منطقة اليياج البحري، فأرسؿ ربانيا إلى أبراج المراقبة القريبة منو تراجعت عف الدخوؿ في

اإلنقاذ سفينة تغرؽ في البحر عند النقطة التي حددىا الرباف المستغيث، ظمت سفف أف

الماء مف جثث، كاف أبو تناور الموج حتى ىدأ لتمممـ أشبلء السفينة الغارقة وما عمى وجو

الكثيريف، فنقمو الجنود إلى سعيد واحدا مف ىذه الجثث، وال يعرؼ كيؼ نجى مف بيف

وألنو لـ يكف يحمؿ ما يدؿ عمى ىويتو المستشفى لتجرى لو عمميات اإلسعاؼ الضرورية،

سألوه قاؿ أبو سعيد مف مصر، وفي كنت في فقد انتظروا أف يفيؽ ليخبرىـ بيا، حيف

يكف أماميـ غير أف يثبتوا غرؽ سفينتو في البحر، طريقي إلى لندف ألكمؿ دراستي، لـ

قاؿ بيا، ليتخذ طريقو مجددا نحو الببلد التي حكمت عميو ويعطونو أوراؽ باليوية التي

.بالنفي

(9)

وجسده القوي مف مكاف إلى آخر حتى وصؿ إلى حيف نزؿ جدة ظؿ يتسكع بطولو الفارع

الينود يقفوف أماـ الباب ممحيف عمى الناس في خاف بالقرب مف الميناء، كاف بعض

كسيد ال يناقش وال يناقش، لكف ىيئتو ما كانت توحي أنو الدخوؿ، فدخؿ وطمب ما يميؽ بو

فانحنى الخادـ عمى رجؿ في مؤخرة المكاف وىمس في أذنو، يوميا يمتمؾ ثمف ما طمب،

:لدغو عقرب نحو المنضدة التي جمس عمييا معاوية نيض الرجؿ كمف

.ػ الماؿ قبؿ الطعاـ

أجاب معاوية! ػ ومف ال يممؾ؟

.ػ ال يدخؿ

!ػ لكنكـ الذيف طمبتـ الدخوؿ

لرجالو أف يقذفوا بيذا المعتوه إلى عرض الطريؽ، تجمع انفجر الرجؿ ضاحكا وىو يشير

وأرادوا أف يفعموف ما أمروا بو، فاحتمى بجسده القوي وطولو الفارع، وعمت ثبلثة منيـ حولو

فيدأ .احضروا لو ما يريد: األصوات وتطاولت األيدي حتى تدخؿ رجؿ ذو ىيبة قائبل

قاؿ أنا الحاج الجميع وخجؿ معاوية واستدار نحو الشارع، لكف الرجؿ أصر عمى ضيافتو،

فمف أنت ومف أيف جئت؟ حميد الديف الطولي، مسئوؿ عف أعماؿ التوسعة في ميناء جدة،

وأنو غضب مف عمو ألنو وعده قاؿ معاوية الذي عاد إلى اسمو القديـ أنو مف حضرموت،

شعر . أرضو وخرجت إلى أرض اهلل الواسعة بالزواج مف ابنتو لكنو زوجيا لغيريو، فترؾ لو

وتبحث اآلف : حكايتو الكثير، فطأطأ رأسو قائبل الرجؿ أف ضيفو صادؽ لكنو أسقط مف

.ومثمؾ ال يبقى ببل عمؿ: الديف قاؿ حميد. عف عمؿ؟ فأجاب نعـ

األحجار مف حيث تضعيا الحمير والجماؿ إلى حيث كاف العمؿ الذي بانتظاره ىو نقؿ

وسط قطيع مف الينود واألفارقة مف شروؽ الشمس حتى يريدىا البناءوف، فظؿ يعمؿ

إلى حفرة ببل معالـ حتى يتضح النيار، الجميع كاف يعتقد أنو غروبيا، ثـ يأوي ككثيريف

الكبلـ، لكف بنيانو القوي منعيـ مف التندر عميو، وكاف حظ أوؿ مف فعؿ أحمؽ ال يجيد

ضربيا طرقة بقبضة اليد عمى الجبية كادت أف تودي بو، فضربوا عميو العزلة مثمما ذلؾ

.عمى نفسو

حيف رآه حميد الديف يئف تحت . يستريح إال براحتيا ومرت شيور وىو يعمؿ مع الدواب وال

انتباىا، حتى انثنت قدمو ووقع الحجر عميو، يوميا شعر بالميانة ثقؿ حجر كبير لـ يعره

فامتؤلت عينو بالشرر وأخذ يصرخ فيمف أمامو، حينيا اخترؽ الرجؿ الحمقة التي والضعؼ

لـ يخمؽ حولو وصرؼ الناس عنو، وظبل يدوراف شوارع جدة التي لـ يكف يعرفيا، قاؿ أنو

إماما؟ فنظر معترضا عمى وماذا تريد، ممكا أـ"لمثؿ ىذا العمؿ، فابتسـ الرجؿ قائبل

اسمع يا " عمى األقؿ ربت عمى كتفو قائبل السخرية، لكف حميدا الذي يكبره بأربعيف عاما

تنجح في عمؿ شيء ما، وال تولوؿ كالصغار حيف ولدي، كي تصبح سيدا فبل بد أف

ألف أحدا لف يعطيؾ ما "إمرة رجاؿ ال يبشوف في وجوىيـ، يتركوف أمياتيـ ليعمموا تحت

كانت كممات أشبو بدواء ناجع لجراحو، فعاد إلى عممو كمف ". ما يريد تريد إال إذا أعطيتو

جديد، عاد يكمـ الناس ويفرح لفرحيـ ويغضب لغضبيـ، فصار كؿ البناءيف ال ولد مف

وينيي يرغبوف سواه لمعمؿ معيـ، بعد مضي عاميف أو ثبلثة أصبح رئيسا لمعماؿ، يأمر

يحمـ مف خبللو، ويوزع العمؿ والكؿ يرضى بحكمو، وتجمع لديو قدر مف الماؿ يمكنو أف

الميناء، ال بد أف سفنا كبيرة فأغمؽ عينيو وتخيؿ ما ستكوف عميو جدة بعد االنتياء مف

المكاف، وال بد أف المدينة ستتسع وأعماليا ستجيء وتروح، وال بد أف تجارة أكبر ستفد عمى

بد أف يصبح مف المبلؾ، فحمؿ ما معو مف ماؿ في خرقة ستزيد، يوميا قاؿ لنفسو أنو ال

األمير، كانت أحبلمو يوميا تتجسد في قطعة أرض عمى وذىب إلى الشيخ سعد صديؽ

عف الميناء سوى بضع مئات مف األمتار، قاؿ أريد أف أبني بيا حدود المدينة وال تبعد

لكف .الرجؿ قميبل ثـ قاؿ البد أف تمتمؾ صكا مف اإلمارة بذلؾ، قاؿ ليذا جئتؾ ففكر. بيتا

مدموغ بعد سعدا لـ يقؿ لو أف الصحراء تحت سيطرة األعراب، فأخذ ما معو ووعده بصؾ

.يوميف

بحثا عف األحجار وأخشاب السفف القديمة ليقيـ سورا كاف فرحو ببل حد وىو يقطع الميؿ

أصدقائو في العمؿ ينيوف أعماليـ قبؿ موعدىـ ليساعدوه في حوؿ األرض، وكاف أغمب

المطر والبرد، لكف فرحو تبدد حيف عاد مف عممو ليجد قطيعا مف بناء حجرة تظمو مف

أنو والجماؿ يمؤل المكاف، وأف ثمة أناس في حجرتو، قاؿ أنيا ممكو فضحكوا، قاؿ األغناـ

عجوزا نحيبل اشتراىا مف األمير فأشاحوا بوجييـ عنو، أخرج الصؾ وأعطاه لكبيرىـ، كاف

ماذا تعني ىذه؟ : ضاحكا ال تبدوا عميو أمارات المودة، فنظر إلى الورقة بحذؽ ثـ انفجر

: الرجؿ ومف الذي أعطاه لؾ؟ قاؿ قاؿ. أف البيت الذي تجمسوف فيو اآلف بيتي: فأجاب

فأدرؾ أنو ال معنى . وقؿ لو أف يأتي ليطردنا اذىب إلى األمير: األمير؟ قاؿ أحدىـ بحسـ

البد أف يحمي حقو بنفسو، كاف حنقو شديدا ولـ يكف يدري ألمير أو ممؾ لدى ىؤالء، وأنو

يفعمو، فولد الغضب بداخمو مف جديد معاوية الذي تركو عمى قمة ما الذي بوسع أف

الباب مف مكانو وألقى بو عمييـ، ثـ دفع كتفو في الجدار حتى تياوى وسقط الشعيب، فنزع

ىدـ المكاف السقؼ عمى الجميع،حيف انتبيوا مف الصاعقة التي أصابتيـ وجدوا الثور الذي

لكنيـ لـ يسمعوه وىو ييروؿ بشيخيـ ناحية الميناء، رأوه يطرحو أرضا ويبصؽ في وجيو،

واإلبؿ، ولكف لكؿ مف يفكر في غدا سأعود ومعي قطيع مف الذئاب، ليس لمغنـ: يقوؿ لو

.رعي الغنـ واإلبؿ

(10)

1975خريف

بأف أدير مكتب لندف أـ أنو الذي غذى الفكرة في ال أعرؼ ىؿ أمي التي أقنعت خالي

خوتي ذىنيا مف أجؿ ابنتو، تعممت يوميا بالدراسة لكنيا لـ تقتنع، تعممت بأف خالي وا

وأمواليـ بعناية كبيرة، وليس ىناؾ ما يستدعي أف نغضبيـ ألجمو، لكنيا يديروف أموالنا

تتعمـ البد أف: ما تعممت بو حرصا عمى بقائي في المتاىات التي أدمنتيا، قالت رأت كؿ

انتياء الوصاية كيؼ تدير أموالؾ بنفسؾ، فمـ تعد صبيا ولـ يبؽ إال ثبلثة أعواـ عمى

ذا قالت شيئا فعمتو حتى لو. رسميا ألف : فيو ىبلكيا، قمت كنت أعرؼ أنيا عنيدة وا

: الراية البيضاء فابتسمت قائمة تغضبي إذا خسرتـ ىذا المكتب بسببي؟ أدركت أنني رفعت

.لف تكوف أقؿ مف أبيؾ أبدا

بداخمي عف عمارة الماجف، لكف وعدي ليا وخوفي حيف عدت إلى لندف بحثت مف جديد

فكاف عمى أف أمر عمى المكتب كؿ عدة أياـ مف غضبيا أصبح شوكة تقض مضجعي،

واألعماؿ كما يقولوف أف يتعامؿ مع شاب لـ يكمؿ ولو لساعة، وكاف عمى مجتمع الماؿ

ومبلبسو الممزقة، كنت أرغب في الحفاظ عمى عمارة مف العشريف بعد بشعره الطويؿ

مني مف ناحية أخرى، لكنيا كانت أكثر حنكة مني، فمـ تتأثر بما ناحية، ورضائيا ويأسيا

تنشغؿ بما يردىا عني، وال أعمـ ىؿ الماؿ يجمب الماؿ حقا، أـ أف عمارة أفعؿ، ولـ

األمر الشاطر المغامر ىو الذي لـ يرد لي الخسارة، فما رميت إال وأصبت، فاستيواني

، وصرت أمر عمى المكتب في األسبوع ثبلثة أو أربع مرات، وكمما ربحنا يوما بعد يـو

وأغزوا بيـ صفقة دبرت رحمة لمنطقة لـ أرىا في أوربا مف قبؿ، فأحمؿ أصدقائي

يدرسو العمماء فما الذي يمكف أف! الصحاري والغابات، لـ تشغمني الجامعة في شيء

رجاؿ أعماؿ متواضع، بنظاراتيـ السميكة وكتبيـ الغميظة التي ال تفيـ أكثر مف حرص

أسطورتو؟ ىؿ كاف إال مغامرا وىؿ كاف عمارة طالب عمـ في روما أو المدائف حيف أنتج

اخمعوني فقد خمعت نفسي منكـ، واتركوني كتب تاريخو عمى ىواه؟ فأرسؿ ألىمو قائبل

النجاشي، وخمي بيني يا ابف العاص وبيف امرأتؾ، وعمرا عمى السفينة المتجية إلى ببلد

ف تركنا البحر فخذ وجو النجاشي في حضنؾ، فيي ميرة لست فارسيا وما ينبغي ليا، وا

ىذا ابف عمنا جاء : الرومية، اتركني يا ابف العاص وأرسؿ لمعبد مف خمفي واعطني جاريتو

وزيت وقاؿ لجاريتؾ، قؿ لو أف ابف عمنا أخطأ ونحف نخشى عمى أنفسنا أف يصيبنا بعطر

لمعشؽ، شيئا مف غضبؾ، أما أنا فأسطورتي قد أكممت، وأتممت اليـو ذكري، فصرت إليا

ف قيؿ تاه في وسيدا لميب المزدوج، ومبتغى كؿ ذكر وأنثى في ليمة عرس ألؽ، حتى وا

ال تنتيي، ولو نفخ في البرية، ال يموي عمى شيء، وال يمسسو شيء، ألنني اآلف فكرة

.إحميميا ألؼ ساحر وساحر

(11)

خشي سطوتيـ ورحؿ، لكف معاوية كاف محتجزا في مر يوماف ولـ يظير الشبح فظنوا أنو

توجو مف فوره إلى بيت الشيخ سعد وبرؾ عمى صدره إلى مخفر الشرطة، فبعد أف تركيـ

الخدـ كانوا قد أسرعوا إلى مخفر الشرطة وأحضروا الجند، في أف أعاد لو نقوده، لكف

رفاقو في الميناء فمـ يأت، ذىبوا إلى حجرتو في الظييرة فوجدوا األعراب الصباح انتظره

فوجئ باحتجازه يتوعدونو بالقتؿ، عادوا فأخبروا حميد الديف ليبمغ الشرطة عف غيابو، لكنو

مما يتوقع، فقد ذىب لدييـ، حاوؿ أف يسترضي الشيخ سعد لكف األمر كاف قد أصبح أكبر

أغناميـ واستولى عمى األعراب إلى األمير يشتكوف مف يمني ضرب صبيانيـ وسرؽ

حميد الديف عمى مصالحو مع مضاربيـ، وقاؿ أنو ال يعترؼ باألمير أو غيره، فخشي

.المصائب اإلمارة، فعاد يسب ويمعف وجو الشـؤ وجالب

خالد مسئوؿ أمف اإلمارة، وكاف األمير في ذلؾ الوقت في الصباح أخذه الحرس إلى األمير

بسائسو مف عمى ظيره وطاح بكؿ ما في وجيو،كاف اليرج مشغوؿ بجواد عصي ألقى

المكاف، وتفرؽ الناس ما بيف خائؼ ومضطرب ألجؿ السائس، والمرج قد سيطرا عمى

نظرة عمى الجواد اليائج وقاؿ اقتموه، لكف السجيف رأى غير ذلؾ، فيو يوميا ألقى األمير

مف الجياد، لـ يوضع عمى ظيره سرج قط، ولو أحسف سائسو التفاىـ معو نوع نادر

وأي خبير أنت؟ قاؿ أنا مف: ترويضو، ىكذا قاؿ لؤلمير، فضحؾ األمير قائبل الستطاع

بعد حضرموت، عايشت ىذا النوع حياتي كميا، ولو منحتني الفرصة لجعمتؾ تمتطي ظيره

أقمؽ األعراب تأمؿ األمير حديثو وىيئتو وبنيانو، واستوعب أنو الرجؿ الذي. ساعة واحدة

فعمقني عمى بابؾ حتى وىؿ تستطيع؟ قاؿ لو لـ أفعؿ: في مقاميـ السنوي، فقاؿ مناورا

الزائدة، ثـ أومأ بالموافقة، فخمع أموت وال أرجع إلى ببلدي، فابتسـ األمير دىشة مف ثقتو

منو، ثـ فؾ سرجو ومسح عمى عنقو ثـ تركو مف مبلبسو وأخذ يناور الجواد حتى اقترب

عميو ثـ تركو لو، لكنو كاف واثقا مف قدرتو عمى خمؽ جديد، تعجب الواقفوف مف سيطرتو

الجواد صغير السف، ودوف أف ييجـ عميو مد يده وأخذ يسايره في المشي األلفة بينو وبيف

يبتعد عنو تارة ويقترب منو أخرى، حتى تشكؾ الجواد في نواياه، واستسمـ لمعب والركض،

دامت معو، فراح يتشمـ اليد الممتمئة بالسكر ويسير بجانبو كراقصيف عمى قمة جبؿ،

أليفيف التقيا في المبلطفة والتودد أماـ الجميع واألمير يرقب مف كرسيو في الظؿ حركة

بالركوب، فامتطاه دوف سرج ببلد غريبة، بعدىا استطاؿ الجواد كأنو يعطي إذنا لصاحبو

ويدلكو بالماء البارد والحجرا الناعـ، ثـ أو لجاـ، ودار بو عدة دورات قبؿ أف ينزؿ عنو

سألو األمير بتعجب عما فعؿ، فقاؿ ىؿ . وتركو يستريح وضع لو عشبا عمى سور الحديقة

ىكذا الخيؿ يا سيدي، تغضب وترضى، وال ينبغي التشكؾ في يغضب الحبيب حبيبتو؟

األمير مف حديثو أنو خبير بالحب، لكنو لـ يرد أف يتباسط معو قبؿ أف فيـ. نواياىا الطيبة

شأف األعراب والشيخ سعد، قاؿ لو كاف األمير مكاني ما فعؿ غير ما فعمت، ثـ يحقؽ في

الجواد، وما شرح القصة مف بدئيا حتى وقوفو أمامو، قاؿ ال يغفر لؾ إال ما فعمت مع

أما : لكف خالدا أردؼ أظنؾ إال قاطع طريؽ أو سائس خيؿ، لـ يجد محمد ما يرد بو عميو،

.بؾ وال بيـ الشيخ سعد فبل شأف لؾ بو، وأما األعراب فبل شأف لنا

راغب في وجود األعراب، فخرج مف القصر عازما يوميا فيـ مف ليجة األمير أنو غير

إلى أصحابو حتى عمـ أنو فقد عممو، وليس لو مكاف عمى حسـ األمر، لكنو ما إف وصؿ

المكاف وقد ضاقت الدنيا عميو، قادتو قدماه إلى رصيؼ الميناء، بينيـ، فراح يتجوؿ في

يعمموف في شحف السفف وتفريغيا، وجدىـ نائميف عمى الرصيؼ كالذباب، حتى حيث الذيف

صرخة بعثت الحياة فييـ، فقد وصمت سفينة تحتاج إلى العشرات كي يفرغوا شحنيا، دوت

مقدمة ساعده بنيانو القوى عمى المزاحمة حتى وصؿ إلى رجؿ يتفاوض بضعة رجاؿ في

أنو ال يستطيع أف الجميع، قاؿ الرجؿ خمسيف فقالوا مئة، قاؿ ستيف فقالوا تسعيف، فأقسـ

. وأنا وافقت: البنية فتح يده قائبل يدفع أكثر، لكنيـ أبو وانفضوا مف حولو، لكف شخصا قوي

دعو :مرة وضحكوا قائميف لصاحب السفينة نظر الجميع نحو الغريب الذي يرونو ألوؿ

الميناء خمفيـ، وبقي الغريب وصاحب السفينة قابضيف يفرغيا وحده، ثـ انسحبوا فانسحب

الرجؿ أنو اختار الشخص الخطأ، لكف أبي الذي عمـ أف عمى يد بعضيما البعض، شعر

المصري قبض عمى الفرصة بأسنانو، وأقسـ أنو سيفرغيا قبؿ نياية النقود ستكوف بالجنيو

لمعمؿ وحده، ثـ خرج إلى رفاقو في توسعة الميناء، وأخذ يتفؽ سرا مع الميؿ لو اضطر

إف: منيـ كي يتبعوه، حيف عاد بيـ إلى الرصيؼ نادى في عماؿ الميناء قائبل عدد

فمـ . يأتوا خمسيف رجبل في طريقيـ إلى ىنا، ومف يرغب في العمؿ فميصعد السفينة قبؿ أف

إلى طريقة العمؿ، تمر دقائؽ حتى بدأ األقؿ شأنا في التسحب نحوىا، وأخذوا يرشدونو

.المحاؽ بقائد ال يعرفونو فشعر زعماؤىـ أف األمر خرج مف أيدىـ وليس أماميـ غير

الغيب، فبل أحد يعرؼ متى ستأتي سفينة وال متى كاف العمؿ الجديد يعني الرىاف عمى

بما بعد التوسعة رأى أف مستقبمو ىنا، فجمس ينتظر مع ستقمع، وحده معاوية الحالـ

بينما ذىنو شارد فيمف استولوا عمى حجرتو، وكيؼ يمكنو المنتظريف عمى الرصيؼ،

القادة القدامى لمميناء لـ ينسوا أنو سمبيـ ممكيـ، وال سبيؿ السترداده الخبلص منيـ، بينما

تخطئ الخبلص منو، فراحت المناوشات الخفيفة تدور بينيـ وبينو، وألنو ذو يد ال بغير

معو، ومف وقمب ال يعرؼ الخوؼ فقد كاف النصر في جانبو، لكنيـ عمموا بأمر األعراب

راحو يتندروف عميو حتى ال يستطيع حماية بيتو فبل يجب أف يبدو أسدا أماـ الناس، ىكذا

أنو في الخاف، لكنو ما كاد يدخؿ ضاؽ صدره، وقرر العودة لعممو القديـ، سأؿ عنو فقيؿ

كتفو، فأغمؽ الناس الخاف عمى الخاف حتى انطمقت عدة رصاصات أصابت إحداىا

بميـ، ولما رأى الناس ال يجرؤوف عمى أنفسيـ، وفر مف أطمقوا النار نحو أغناميـ وا

إلى عجوز يداوي حمير الميناء، أعطاه ما معو مف االقتراب منو احتمؿ عمى نفسو وذىب

تماثؿ لمشفاء كاف الحنؽ قد أنضج بداخمو معاوية القديـ، ماؿ وطمب منو مداواتو، حيف

الظممة إلى األرض وىجـ عمى حراس الغنـ فحصد منيـ جماعة ربطيا فانتظر حتى نزلت

.ىؤالء أىؿ الغنـ وأنا صاحب الحجرة: الخاف، وكتب عمى الباب في حبؿ أماـ

وىاموا عمى وجوىيـ بحثا عنو، لكنيـ لـ يجدو لو أثرا، في الصباح استرد األعراب أسراىـ

مف الميناء رجؿ أف األعراب نالوا مف غريميـ ومزقوا أعضاءه، حتى حتى نادى بالقرب

مستغيثا وعمى ثيابو آثر دـ وفي عينيو ىمع ببل حد، فقبض عميو كاف الرجؿ يجري

ال واستداروا بو حيث جثة غريميـ ليتأكدوا بأـ أعينيـ، وتبعيـ كؿ مف يعرؼ ومف األعراب

يمؤل المكاف، يعرؼ باألمر نحو خنادؽ الميناء، ىنالؾ وجدوا بالفعؿ المبلبس ممزقة والدـ

الخنادؽ، وظموا ساعة مف لكنيـ لـ يجد الجثة، فراحوا يشعموف المشاعؿ ويبحثوف عنيا في

بميـ تنعر الزمف ما بيف الشؾ واليقيف يبحثوف في الخنادؽ حتى رأوا عمى البعد أغناميـ وا

أجساميا، حيف تسابقوا لينقذوا أمواليـ مف الروح الشريرة في الصحراء وقد اشتعمت النار في

غريميـ قد اتخذ طريقو مف جانب آخر نحو الخاف، كاف كبيرىـ الذي التي أصابتيا، كاف

مبلمحو بالطيبة محموال عمى كتفيو وال يعرؼ أي مصير ينتظره، لـ يكف أمامو ال توحي

يعترؼ ىذا جزاء مف مزؽ الصؾ ولـ: غير أف يصمبو عمى باب الخاف كاتبا عمى الحائط

أقداميـ معترفيف بذنبيـ ولـ يكف أماـ األعراب غير ييرعوا إلى اإلمارة ليجثوا عمى. باألمير

عميو األمير، وكتب لو صكا وطالبيف الحماية مف اليمني قضى عمى كؿ شيء، فصالحيـ

بيت اإلمارة وجد جدة كميا في انتظاره بالغرفة وما حوليا مف أرض، حيف خرج والدي مف

حميد الديف قائبل أنو أصبح عجوزا بما يكفي ويحتاج كبطؿ أعاد لممدينة شرفيا، فاعتذر لو

لكف سفينة كبيرة كانت قد وصمت الميناء، فيتؼ فيو رجاؿ الشحف مف يعاونو في العمؿ،

.رئسنا وال يمكننا التفاوض عمى شيء بدونؾ أنت: قائميف

(12)

كاف وجيو أبي سعيد الذي ينبثؽ منو النور أـ أف أشعة كنا عمى قمة الجبؿ، وال أعرؼ ىؿ

لمضوء ىي التي جعمتو مضيئا بيذا القدر، رحت أتطمع إلى الشمس والصخور العاكسة

لـ تنظر لي : حتى وقعت عينو عمى فوضع وجيو في راحتو قائبل ذلؾ المشيد مشدوىا

باهلل عميؾ، مف يكوف أبو : أخجمتو ولـ أستطع أف أخبره بما أرى، فقمت ىكذا؟ شعرت أنني

ال أعمـ ما الذي جعمو يضحؾ حتى تبممت عينو بالدموع، حيف انتيى مسح عمى سعيد؟

فرأيت كأف فراشات بيض وخضر ينطوي لينمف عمى كتفيو، رأيت عينو تشرد إلى وجيو

أبيو، أنا االبف الوحيد لرجؿ بكر:بعيد حيث الببلد التي ودعيا مف سنيف طويمة، قاؿ ماض

حتى التقى بجماعة تزوج مف نساء كثيرات ولـ يعمرف معو ألنو كاف دائـ البحث عف الولد،

بعد عاـ قامت لو معيـ مف تجار المصرييف، كانوا يشتروف الزيتوف مف حقولنا، وعاـ

يـو كاف والدي في مصر صحبة وصاروا إخوة، كؿ منيـ مطمع عمى معاش اآلخر، وفي

ماؿ قمبو ليا، وتعمؽ بو ىاجس أنيا ألمر ما فاستضافوه في ديارىـ، ىناؾ لمحت عينو فتاة

الفتاة فقاؿ والدىا ابنتي، قاؿ أسألؾ باهلل التي ستنجب لو الولد، سأؿ أصحابو لمف ىذه

عمى نفسي ما منعتيا عنؾ، قاؿ زوجني ابنتؾ ىذه، فأسقط في طمبا ال ترده، فقاؿ لو جئت

أنت أكبر منيا بعشريف عاما، قاؿ أنا مازلت شابا لـ أتخطى الخامسة يد الرجؿ، قالوا

أتزوج بعدىا، واألربعيف، قالوا أنت كثير الزواج وتبحث عف ولد وىذا شيء بيد اهلل، قاؿ لف

قالوا أنت متعجؿ، قاؿ إني قالوا قد تطمقيا، قاؿ لف أطمؽ مف سأكتب ليا نصؼ ما أممؾ،

وعاد بيا إلى ديارنا، أقامت معو عشر أرى أف اهلل سيرزقني منيا ما أرجو، عقدوا عمييا

بأال يطمقيا أو يتزوج عمييا حتى مف اهلل عمييما سنيف يأس فييا مف األمؿ، وحفظ وعده

يجري في القدس وما حوليا غير أنو أقاـ حفبل دعا إليو كؿ مف بي، ورغـ انشغالو بما

المساكيف والفقراء وعابري السبيؿ عدة أياـ، وعمؿ عمى أف يترؾ ليذا يعرؼ، وأطعـ

ما يفتخر بو مف الماؿ والشرؼ، فكرس نفسو أكثر لحماية األرض ومقاطعة الييود الوريث

وجمع شمؿ الناس ونصرة المستضعفيف، وحيف مات جدي المصري قاؿ أبي ألخوالي ال

لمعزاء وطمبوا أريد منكـ ميراثا بقدر ما أريد أىبل البني الوحيد، وحيف استشيد أبي جاءوا

أرضو ومالو وأىمو، عودة أمي معيـ، لكف عمي اعترض عمى تربية ابف أخيو بعيدا عف

تثير مطامع الجميع فقد ولما كانت فكرة إقامة سيدة في شبابيا وحيدة مع صبي صغير

إال مف العاـ لمعاـ، كنت قد حفظت عرض عمي الزواج منيا، وافقت ووافقوا ولـ نعد نرىـ

عجوز، لكنني بعد وفاتو تمردت عمى المعمـ جزءا مف القرآف في حياة أبي عمى يد محفظ

أف يجبرني عمى شيء، فنصح أمي بدخولي مدرسة ورفضت الذىاب إليو، ولـ يكف لعمي

التركة التي ورثتيا، فرغـ أنني انتظمت في الدراسة نظامية، لكف العناد كاف جزءا مف

القراءة والحساب غير أنني لـ أرى في عمي ما يستيويني، وكمما وصرت شغوفا بمعرفة

منى كنت أشعر بكراىية تجاىو، ربما ألنني كنت أراه متوافؽ مع اإلنجميز حاوؿ التقرب

وحبرا والييود، زاد األمر صعوبة بعدما أحضرت وعدد مف زمبلئي إطارا خشبيا وورقا

لمدير المدرسة فكسر وجمسنا نكتب ما يعف لنا في شتميـ ونمصقو عميو، لكف ذلؾ لـ يرؽ

قالت أمي أنني أعادي اإلنجميز اإلطار ومزؽ الورؽ، اعتراضنا عمى فعمو فقاـ بفصمنا،

لمدراسة مف جديد، في العاـ التالي، وثارت في وجو عمي الذي استرضى المدير كي أعود

االبتدائية ػ ضربنا عرض الحائط بما قالو المدير وكاف األخير بالنسبة لي في المدرسة

فكرة اإلطار وقمنا بشراء ورؽ الكربوف لننسخ مف الموضوع عدة ألولياء أمورنا، ألغينا

تداوليا بيف طبلب المدرسة، نجحت الفكرة بشكؿ جعمنا أبطاال سرييف بيف صفحات يتـ

أسماءىـ في التبلميذ، فقررنا فضح مف يبيع أو يشترى مع الييود أو البريطانييف، وضعنا

عمى أف تصؿ نسخة ، وجاء عمى رأسيا اسـ المدير، وأصر أحدنا"الخونة"صفحة أسميناىا

مظروؼ قائبل أنو وجده عمى مف ىذه الصفحة إليو، فرشونا أحد السعاة بأف يأخذىا في

األمر ألف العامؿ أخذ الرشوة والخطاب األرض وعميو اسمو فأحضره إليو، بالطبع انكشؼ

مف كميا، كاف الفصؿ ىذه المرة نيائي مع حرماف وأسماءنا وذىب إلى المدير بالقصة

الكارثة الكبرى، ثارت أمي في وجيي ولطمت خدىا، دخوؿ االمتحاف، وكانت تمؾ ىي

ثارت في وجيو وأعمنت أنيا ستطمؽ إف لـ أدخؿ االمتحاف وحيف عاد عمي إلى المنزؿ

كاف ىذا أكبر ما ييدد مصالح عمي الذي يعيش وأوالده عمى جانب وأحصؿ عمى الشيادة،

ورغـ ثورتو المضادة غير أنو ذىب في نياية الميؿ إلى بيت المدير، كبير مف أرضنا،

سرا، ثمة مصالح كبيرة بينيما ىددتيا أمي بثورتيا، فاتفقا عمى دخولي االمتحاف ويبدو أف

السكرتير كنت أذىب متخفيا بعد دخوؿ الطبلب وبدء وقت االمتحاف، فأجمس في حجرة

إلى البيت، ويبدو أف كي أجيب عمى األسئمة وأظؿ ىناؾ حتى تفرغ المدرسة فأتسمؿ عائدا

كاف حصولي بأي شكؿ عمى االتفاؽ الذي توصؿ إليو الثبلثي ػ أمي، عمي، المدير ػ

فبمجرد أف عدت مف المدرسة الشيادة ثـ انتقالي إلى أخوالي في مصر ألكمؿ تعميمي،

أف ابنتو ستتزوج وعمى الذىاب وجدت خالي سعدا يرحب بي في بيتنا، أخبرتني أمي

أف أعرؼ نتيجة االمتحاف أو وداع أي لحضور الفرح إلى أف تمحؽ بنا، فأخذني حتى قبؿ

.مف أصحابي

السيدة في القاىرة، وكاف يذىب إلى الحضرة التي تقاـ كاف خالي يسكف بالقرب مف مسجد

وخميس، وألنو أخذ عمى عاتقو أف يذىب بي إلى كؿ األماكف في المسجد كؿ اثنيف

فقد دار بي جولة في مساجد الحسيف والسيد نفيسة والسيدة عائشة الشييرة في القاىرة

الشافعي، وذات مرة أخذني إلى طنطا حيث مسجد السيد البدوي، كاف يرى في واإلماـ

وأدعيتيا، وعادة ما الطريقة الرفاعية المنيج الصحيح لمتمسؾ بالديف، فداـو عمى أورادىا

أف ميراث أمي بيت ال أعرؼ بانتقالي إليو عرفت. كاف يستضيؼ مشايخيا في مولد السيدة

تشتمؿ ثبلثة أفدنة في الشرقية يضع مكانو، أما ىو فبل أعرؼ بالضبط أيف أمبلكو التي

.ليتفرغ لزيارة األولياء واستقباؿ ضيوفيـ إيجارىا عمى مرتبو مف وزارة األوقاؼ

كمو كاف حيمة إلبعادي عف الييود واإلنجميز، فبعد بالطبع لـ يكف ىناؾ عرس، فاألمر

شيادتي االبتدائية وباقي األوراؽ التي دفع بيا خالي إلى شير جاءت رسالة مف أمي بيا

القريبة مف السيدة، كنت بمثابة فاكية في غير أوانيا لممصرييف، فالكؿ مدرسة عابديف

في التعرؼ عمى الطالب الفمسطيني الذي مات والده عمى يد الييود، كثير منيـ يرغب

شيور حتى عاممني بود وقمة ىي التي أخذت عمى عاتقيا النفور مف تدليميـ لي، لـ تعبر

في كؿ تعرفت عمى أغمب الناس في السيدة وعابديف، وصارت لي صدقات ومعارؼ

اإلخواف، كنا مكاف، كاف مف بيف ىذه الصدقات مجموعة مف الجوالة التابعيف لجماعة

لمفقراء، بعد عدة شيور نخصص يـو الجمعة لمذىاب إلى األحياء الشعبية لجمع تبرعات

البنا في باب الموؽ، خطب بنا تعرفت عمى عدد أكبر مف اإلخواف وذىبت لمقاء الشيخ

الخاصة بالجماعة، تحدث عف الجياد خطبة الجمعة في المصمى الواسع أسفؿ العمارة

مف "كانت نقطة انطبلقو الحديث الشريؼ وضرورتو، تحدث عف فمسطيف وما يحدث بيا،

، "جاىمية مات ولـ يغز، ولـ ينو الغزو، مات ميتة ، لـ يتسنى لنا لقاء البنا في ذلؾ اليـو

كاف ودودا وعمى وجيو عبلمات السماحة والتقى، يوميا سألني عف لكف التممساني قابمنا،

وأحواليا فحكيت كؿ ما أعرؼ، وعدني بأف يقابمني بالشيخ في مرة قادمة، وأوصى فمسطيف

الجياد، وأف بي عدد مف أصدقائو، بعدىا شعرت أنني أنتمي ليذه الجماعة ومبادئيا في

جوالتنا تنتقؿ مف والدي العجوز لـ يمت لكنو جاء إلى مصر وتسمى بالتممساني، بدأت

ونذىب إلى خارج القاىرة، ويبدو أحياء القاىرة إلى الريؼ، صرنا نستقؿ القطار يـو الجمعة

يحاؾ ليا أكثر مما يعرؼ الفمسطينيوف أف الناس في مصر كانوا يعرفوف عف فمسطيف وما

الجميع ينصت لي وأنا أتحدث عف استيبلئيـ كؿ أنفسيـ، لكنني كنت شاىد عياف، وكاف

أو الخيانة أو الخوؼ منيـ، أتحدث عف رجاؿ المعبد يـو عمى أرض جديدة إما بالقوة

ورءوسيـ الحميقة، وعف األسمحة البريطانية التي تذىب إلييـ الييودي بمبلبسيـ السوداء

في صدورنا، عف المحاصيؿ التي صارت تفسد عمى الدواـ، والفبلحيف سرا لنرى رصاصيا

في الديوف، والتجارة التي بارت، والحمؼ البريطاني الييودي عمى إخراجنا مف الذيف غرقوا

يتناوليا ديارنا، ويبدو أف الحديث مف شاىد عياف كاف أقوى مما تقولو الصحؼ التي

الذكر في الريؼ، المصريوف، كانت المقاىي مجاؿ عممنا في المدف، والمساجد وحمقات

الرحمة تتسع مف الوجو البحري وكنا نعود محمميف دوما بالماؿ والسبلـ لشيوخنا، وصارت

األكبر سنا، فحدثوا حامد شريت في ضمي إلى القبمي، وقد أعجب حماسي عدد مف اإلخوة

منطقة المقطـ فنتراص خمؼ سواتر رممية لنصوب يـو المعسكر فوافؽ، كنا نذىب إلى

أرى في كؿ ىدؼ منيا ييوديا طيبا يغوي الناس بالديف عمى أىداؼ ثابتة ومتحركة، كنت

صاحب المزرعة، وكاف التدريب مشتمبل عمى عبور موانع كي يستولي عمى أرضو

ظممت أداـو عمى يـو المعسكر مدة عاـ، بعدىا كانت الحرب واشتباؾ باأليد والعصي،

وكاف البنا قد أعطى أوامره بتوسيع قاعدة التدريب، فذىبت المعسكرات العالمية قد بدأت،

األقاليـ، المنيا والمنصورة واإلسماعيمية وبور سعيد وبني سويؼ وأسيوط وغيرىا مف إلى

في ذلؾ الوقت فيكفي أف يكوف ىناؾ مكاف آمف عف الناس والحكومة ليصبح معسكرا،

طمب مني الشيخ كنت قد أو شكت عمى االنتياء مف التوجييية وبموغ السادسة عشر،

ىناؾ، فرفضت حتى ال أضيع محمود عبد الحميـ أف أذىب إلى المنيا ألدرب شبيبة الجوالة

مف أخ في التنظيـ السري، وأصر عامي الدراسي األخير، فاعتبر ذلؾ عصيانا ال يجوز

.التممساني فأنصفني عمى أمره وأصررت عمى رفضي، حتى تدخؿ

المنيا حيف أنييت االمتحاف انتيزت مشكمة وقعت بيني وبيف زوجة خالي فذىبت إلى

تخزينيا، وىناؾ لتدريب الشبيبة ونقؿ األسمحة مف معسكرات الجيش البريطاني إلى أماكف

وقمت بالخطابة في مساجد فتحت محبل لمعطارة جعمتو مركزا لتكويف أسر جوالة جديدة،

إلى جياد المحتؿ في مصر القرى مازجا في خطابي بيف الصوفية الحقة والدعوة

ضد الصميبييف المثؿ الذي وفمسطيف، وكاف موقؼ السيد البدوي في جياده مع ببرس

أو السبلح، وكاف استشياد أضربو لجذب متصوفي القرى إلى الجياد ودعمو بالماؿ

وخشوعا وندما، وكاف حديث رسوؿ اهلل الحسيف في كرببلء أكثر ما يشد الحضور انتباىا

ىو ذروة الخطاب الذي انتقمت بو " ميتة جاىمية مف مات ولـ يغز، أو ينو الغزو، مات"

.شيور بيف مساجد القرى الفقيرة لعدة

أسيوط، فسممت األمر ألخ جاء بدال مني وتوجيت مرة أخرى صدرت األوامر بتوجيي إلى

شيور حتى استدعيت إلى القاىرة، فقد توفى خالي في مف فوري إلى ىناؾ، ولـ تمض

حيف حاصر اإلنجميز قصر عابديف 1942اعترضت عمى أحداث إحدى المظاىرات التي

تغيير الوزارة، زاد حقدي عمى البريطانييف وطمبت مف التممساني أف مجبريف الممؾ عمى

كاف ىذا الشيء. ىناؾ شيء آخر أريدؾ القياـ بو: بعمميات ضدىـ، فابتسـ قائبل نقـو

الشيخ إرساؿ شحنة مف األسمحة إلى فمسطيف، فتوجيت مع مجموعة مف اإلخوة إلى عزبة

وسط مزرعة فرغمي في اإلسماعيمية، حيث مخزف السبلح المدفوف أسفؿ زريبة ميجورة

تجار مسيحييف، حيف مانجو، حممنا العربات بالسبلح والفاكية وعبرنا الحدود عمى ىيئة

القدس، كاف الحاؿ قد تغير، فأمي وصمنا إلى بغيتنا تركت الرجاؿ وذىبت لرؤية أمي في

وميمومة، وأصبح ليا ثبلثة أوالد مف عمي، التي لـ تعرؼ بموت خالي أصبحت شاحبة

نصحتني بعدـ الخوض في ذلؾ أمامو، فيمت أنيا حيف بدأت في الحديث عف فمسطيف

البريطانييف، قالت يحاوؿ أف يحمي مصالحو، وقمت تأتيف عمى خبلؼ معو لتعاممو مع

.أوالدي ىنا وىو لف يقبؿ، قمت لدي عمؿ عمى أف أنجزه معي إلى مصر، قالت

الرجاؿ في خاف يونس والجميؿ والصالحية، وفر لنا كاف عمى أف أقيـ معسكرات لتدريب

فظممنا قرابة عاـ في عمؿ متواصؿ حتى أصبح لدينا أكثر مف اإلخوة أماكف التدريب،

عمى استعماؿ البنادؽ وزرع المتفجرات، تمؾ التي عممنا كميائي مف مائتي رجؿ قادريف

كافية كيفية عمميا، وقمنا بعمؿ ورشة في الخميؿ لتصنيع السبلح، لـ تكف فاعميتو القاىرة

أولى العمميات لكنيا كانت خطوة عمى الطريؽ ألف يبدأ الرجاؿ مشوارىـ الصعب، كانت

القرى التي اغتصبوىا، كمنا التي ذىبت فييا تقـو عمى استيداؼ عدد مف الييود في إحدى

وأعممنا السبلح األبيض في الحراس، ثـ ليـ حتى الحادية ليبل، قطعنا األسبلؾ الشائكة

الناسفة عمى مخزف السبلح لكنو لـ يدوي كما توقعنا، تقدمنا مسافة تسمح بإلقاء عبواتنا

لكف الييود تصايحوا وجعموىا جريمة كبرى، واعتبرىا الفمسطينيوف ورغـ أف العممية فشمت

شجع الكثيريف عمى االنضماـ إلييـ، كانت النتيجة سيئة بالفعؿ، فقد وصؿ نصرا عظيما

وجدوا في البريطانيوف إلى المعسكر الذي انطمقنا منو، وقبضوا عمى صاحب البيت الذي

بأسمائنا، فحمدت اهلل أف حظيرتو أكياس رمؿ وفوارغ أعيرة، وبدوره بعد التعذيب ألقى ليـ

رسالتي أف الرجاؿ يحتاجوف إلى الرجؿ ال يعرؼ عني أكثر مف ىذا، وأبمغت السندي في

قبؿ حمؿ السبلح والخروج لمقتاؿ، الكتماف والتدريب عمى جمع المعمومات الصحيحة

القاىرة، عدت أشكو لمتممساني ما فعمو فاعتبرني اعترؼ بفشمي وجاء رده بالعودة إلى

.إلى مصر، وأف عمى أف أدفع بأوراقي إلى الجامعة السندي فأبمغني أنو الذي طمب عودتي

، وكانت الجماعة تمتمؾ مف الماؿ والسبلح دراسيا قد بدأ في كمية44كاف عاـ دار العمـو

اتجاه بيف فقيائيا بأنيـ أكبر حزب عمى الساحة، وأف حزب الوفد والمريديف الكثير، فساد

الرئيسي الذي يحوؿ بينيـ وبيف الوزارة، وال سبيؿ لموصوؿ إلى السمطة دوف عدوىـ

العيسوي إسقاطو، وشاع أف محمود العيسوي الذي قتؿ عمى ماىر مف اإلخواف، رغـ أف

الجماعة رأت إلصاؽ اعترؼ أكثر مف مرة في التحقيؽ أنو مف أتباع الحزب الوطني، لكف

والسبلح واألتباع الذيف يقدروف اإلشاعة باإلخواف إعبلف جيد عف قدرتيا في جمع الماؿ

.الخاص بخمسة وأربعيف ألؼ جواؿ إلى جانب إلى النظاـ

التممساني إلى بيتو وأخبرني أف الجماعة قررت ضمي مف استدعاني45مع بداية عاـ

: ورغـ أنني فرحت بالعودة الجانب المسمح لمجماعة لكنني قمت جديد إلى النظاـ الخاص،

أف توجو العمميات التي أكمؼ بيا ضد الييود : ، قمت!ىاتو: قاؿ لي شرط واحد،

بدأت في حضور االجتماعات وتنفيذ عدد مف . لف نختمؼ: فابتسـ قائبل والبريطانييف،

وكاف اإلخواف أبعد ما يكونوف عف االتياـ، وشيد نياية العاـ رسوبي في العمميات،

تكف العممية االمتحاف وانفجار ضخـ ألحد مخازف السبلح البريطانية في الجبؿ األحمر، لـ

ىناؾ بمعاونة بعض بالتحديد تفجير لممخزف ولكف نيبو ثـ تفجير جزء منو، ذىبنا إلى

ما تبقى، ثارت االتيامات البريطانييف، وقمنا بتحميؿ صناديؽ القنابؿ والرصاص وفجرنا

الفاعؿ حتى ألصقت في النياية بيف الحكومة والوفد ودارت عبلمات االستفياـ عف

.بالشيوعييف المخربيف

وبدت " اإلخواف المسمميف"العدد األوؿ مف جريدة احتفمنا بصدور1946في مايو مف عاـ

الجماعة عمى قائمة أولوياتو سواء بالرفض أو التفاوض أو الحالة مطمئنة، فالجميع يضع

مف جماىيرية الجماعة، وكاف عمينا أف نرفع مف تواجدنا أكثر باليجـو التعاوف، وىذا رفع

زمبلئنا البريطانييف، فشيد ىذا العاـ العديد مف حوادث االنتقاـ منيـ، لكف عددا مف عمى

عبلقتيـ بالجياز وقعوا في قبضة البوليس السياسي، بالطبع لـ يفصحوا عف ىويتيـ أو

أوامر مف أي اتجاه، وىـ الخاص، فكؿ ما قالوه أنيـ مف مريدي الجماعة ولـ يتمقوا أية

بعد عاـ مف التحقيؽ حكـ عمييـ مثؿ غيرىـ يطالبوف بالجبلء والرحيؿ عف مصر، لكنيـ

الرحمف السندي أف الحكـ موجو ضده ىو، أحمد الخازندار باإلعداـ والمؤبد، وشعر عبد

وىذا الرجؿ عمى وجو األرض، فاتخذ قرارا باغتيالو، وأنو لف يكوف رئيسا لمنظاـ الخاص

عمى شيكوريؿ وعمر أفندي وىانو وغيرىا مف المحاؿ باإلضافة ومف جانبي قمت باليجـو

.اإلنجميز ورجاليـ وضباطيـ إلى معسكرات

ففي بدايتو اغتاؿ الجياز الخازندار، وأعمنت بريطانيا كاف عاـ النكبة بحؽ،48لكف عاـ

فمسطيف، فقامت عصابات الييود بعدد مف المذابح، وطردوا الفمسطينييف رفعيا الحماية عف

عبد الشماؿ واحتموا جزءا مف القدس، وقررت جامعة الدوؿ الحرب تحت قيادة الممؾ مف

ألطمئف عمى أمي، اهلل،وكدنا ندخؿ القدس لوال أف عبد اهلل وافؽ عمى ىدنة تسممت خبلليا

ولـ تمبث اليدنة أف فعممت مف عمي أنيا استشيدت في ىجـو لمنظمة اتسؿ عمى القدس،

تنفجر فينا نحف، بينما الييود انتيت، لكف الذخيرة التي كاف يجب أف نقذفيـ بيا كانت

تقصفنا في العمؽ، فقضينا أسوأ أيامنا نظموا خطوطيـ، وأتوا بمدفعية ومدرعات أخذت

.تائييف في الصحراء

انتقؿ أوارىا إلى القاىرة، فخرج الطمبة ينددوف باليدنة لـ تكف الحرب عمى الجبية فقط، فقد

االشتباكات الدامية بينيـ وبيف الشرطة، ولـ ينتو األمر إال بمقتؿ واألسمحة، ووقعت

القاىرة سميـ زكي، وكاف البوليس قد وقع، في السيارة الجيب التي انقمبت عمى حكمدار

ليمصؽ جبؿ المقطـ، عمى وثائؽ بأسماء الجياز الخاص، فمـ يجد النقراشي غير الجماعة

مخزف األسمحة بيا مقتؿ الحكمدار، وأمر بتتبع أعضاء الجياز، فضبط البوليس السياسي

دعوى قضائية الذي في عزبة الشيخ فرغمي، وآخر في جبؿ المقطـ، ورفع النقراشي

الجماعة في شير لمحاكمة أعضاء الجياز، وأصدر قرارا بوقؼ الجريدة وحظر نشاط

.المحكمة ديسمبر، فقرر الجياز التخمص مف كؿ شيء بقتؿ النقراشي ونسؼ

، لكنو ظؿ متماسكا حتى 48وىو يتذكر أحداث لـ يكف أبو سعيد يحكي بقدر ما يبكي

ىذا الذي ضبطت فيو المجموعة التي ذىبت لنسؼ وصؿ إلى ما أسماه بعاـ الحزف،

األمور عمى أشدىا عقب اغتياؿ النقراشي، وكاف الجياز يناير، فقد كانت8المحكمة يـو

الحافة بأقصى ما يستطيع، ىذه الحافة التي ىوى مف عمييا كؿ شيء يدفع باألمور نحو

.اإلماـ عمى سمـ جمعية الشباف المسمميف في وضح النيار باغتياؿ

(13)

1978خريف

تنـ منذ حدثتني بالعودة، كانت الرياض كما تركتيا لـ عدت إلى ببلدنا حيث أمي التي لـ

الناس بالسياسة والحديث فييا أكثر مف ذي قبؿ، حيف تركتيا تتغير، فقط أصبح وعي

يشبو صمت المصرييف حيف انيـز جيشيـ في سيناء، كانت كانت غارقة في صمت

المممكة ومصر متوترة إلى حد بعيد، كانت بعض الطائرات المصرية العبلقة وقتيا بيف

الجنوبية لممممكة، بينما الممؾ يساند بكؿ ما يممؾ اإلماـ البدر، تطاولت تقصؼ الحدود

إذاعة عبد الناصر أكثر مف مرة عمى سعود وفيصؿ، وموؿ األخيراف محاوالت عديدة

ترى الغتياؿ ناصر، لكف الناس كانت ترفض ىذا وذاؾ، وقمة في ببلدي ىي التي كانت

الذيف كانوا ناصر زعيما حقيقيا لمعرب، بسقوط المصرييف في اليزيمة سقط الجميع، حتى

كانت فرصة ألف يكؼ يناصروف اإلماـ انسحبوا مدركيف أنيـ أضاعوا أعمارىـ ىباء،

في أرضنا، في حيف حسـ الممؾ يده عف تمويؿ البدر، بؿ إف إقامتو كانت أشبو بمنفى

مف عدف، وكأف الجميع كاف ينتظر اليمنيوف أمرىـ لصالح الجميورييف، وانسحبت بريطانيا

فرحة مثمما حدث مع انتصار المصرييف ىذا السقوط ليتوقؼ عف عبثو، لـ تشيد الرياض

يطمؽ النيراف في اليواء فرحا وابتياجا بالنصر، ، يوميا كاف الجميع73عمى الييود في

أجمس الجميع مكانو حيف أعمف قبولو الذىاب إلى لكف السادات صاحب المفاجآت

والناس فرحة بانتصاره المجيد، وعدت ألراىـ ينصتوف إلى إسرائيؿ، تركتو منذ سنوات

العنينو، وىا ىو الممؾ خالد وصداـ حسيف عزال مصر مف جامعة المذياع ثـ ينفجروف

.ونقبل مقرىا مف القاىرة إلى بغداد الدوؿ العربية

بأوراقي لمعاـ الثاني بكمية االقتصاد والعمـو اإلدارية دفعت أمي مف خبلؿ اتصاالتيا

عبلقتيا بزوجتي أصبحت متوترة لمغاية، زوجتي ال ترغب في اإلقامة بجامعة الممؾ، لكف

وأمي أخذت في عنادىا، وصرت موزعا بيف إرضائيا ومصالحة ابنة خالي، بالرياض

الممكية أعياني التعب والحيمة ىربت إلى الدراسة، لكنيا صممت عمى تسممي أوراؽ وكمما

أشأ أف أشعر كاممة، فقد وصمت إلى سف الرشد وعمى أف أتسمـ أمبلكي مف خالي، لـ

والسنداف، حتى فوجئت بو في الرجؿ بالحرج، ولـ أرد أف أغضبيا،فصرت ما بيف المطرقة

بوجودي فمررت كأي طالب دوف النظر إليو، الجامعة يتحدث مع رئيسيا، لـ أشأ أف أشعره

األحواؿ، قدمني إلى الرئيس قائبل أنني صاحب لكنو صاح بي فعدت وسممت وسألتو عف

أف أعقب، بعد أف أنيى حديثو المقتضب مع الرجؿ أمسؾ الشركة، بوغت بالكممة ولـ أشأ

أصبحت رجبل، تدارؾ كممتو بابتسامة كبيرة وقاؿ قانونيا، قمت بزراعي في ود وقاؿ لقد

قاؿ بالطبع، فقد عبرت الستيف مف عمري كما ترى، وما عادت أستطيع أف وىؿ يفيد ىذا؟

أدركت أف أمي قد لوحت لو بانتياء الوصاية فحاوؿ أف يكوف كريما . شيء وحدي أفعؿ كؿ

الحديث ويسبقيا، لكف الحرج الذي يمؤلنا ال يدع مساحة لموضوح، حاولت أف أغير مجرى

ثـ . شئت فقمت أف ابنتو عمى خبلؼ دائـ مع أختو، قاؿ أعرؼ، وىي زوجتؾ فافعؿ ما

ف أردت الزواج: انتظر لحظات قبؿ أف يضيؼ عمييا فقد فعؿ لو أردت تطميقيا فافعؿ، وا

بيف أمي وزوجتي ولكف بدا لي أف الخبلؼ األكبر ليس. مف ىـ خير منا، لكف ال تينيا

حتى قطع الصمت الذي بينيا وبيف خالي، ساعتيا لـ أعرؼ ما الذي يجب عمى قولو

ثـ تركني ومضي دوف . الوصاية أرجو أف تمر عمى باكر كي ننيي إجراءات: شممنا قائبل

.دموعو أمامي كطفؿ مدلؿ أف يقبمني كما تعود، شعرت أنو لو فعؿ النيمرت

ف فعؿ؟ حيف عدت سألت أمي ىؿ خالي غضب مني فيمت أف ! في شيء؟ قالت وا

ف كاف الرجؿ ال يريد أف يخذؿ صديقو في الخصومة بينيما بمغت حد أال تبالي بغضبو، وا

مع أخييا فتركتيا وصعدت إلى غرفتي، كاف عبد اهلل لـ أشأ أف أتدخؿ في أمورىا. قبره

وال أحد يجيب في البيت، ظممت مع زوجتي حتى ىدأت يصرخ وأمو تبكي وأنا أسأؿ

وأبيؾ عالة عمينا، طمبت مني الطبلؽ يوميا فتضاحكت وفيمت أف أمي قالت ليا أنت

ناـ، ظمت ىي عمى غضبيا فتركتيا ورحت أفتت حزني عمى وجمست أالعب عبد اهلل حتى

: رأتني أمي أحادث بعض الخدـ صرخت في أف أصعد إلييا، قالت جواد في الحديقة، حيف

طفبل؟ لقد كبرت وعميؾ أال تتعامؿ مف اليـو مع ىؤالء بتمؾ الطريقة، إلى متي ستظؿ

تيدئتيا لكنيا فاجأتني بأف أذىب إلى المحامي كي نتحادث في أمر رفع الوصاية، حاولت

ىذا األمر، أخبرتيا بما حدث بيني وبيف خالي وأننا سنذىب غدا، قالت يجب أف تسرع في

ثمة مف سعى بالوشاية ، أدركت أف"الناس تسرقنا"سألتيا عف السبب فمـ تزد عمى أف قالت

المتزايدة عف العمؿ أنيا تتعالى عميو بينيا وبيف بياء الديف، ولما شعر األخير مف أسئمتيا

لكف عبلقتو بأبي جعمتو يؤثر الصبر حتى وتشعره أنو موظؼ لدييا قرر االنسحاب،

.يسممني كؿ شيء

في إنياء األمر، كاف خالي حزينا وىو يوقع عمى ذىبنا إلى المحامي وقمنا بتفويضو

وبيف أختو فأخبرني أف إخوتي ال يريدونو أف يدير العمؿ، األوراؽ، سألتو عما حدث بينو

عمى أف فروعنا في الخارج تشيد خسارة دائمة، أكد لي أف األمر ليس بيده، وقدموا ليا أدلة

ال نستطيع وربما تحدث تجاوزات لكنو ال يستطيع االستغناء عف أصحابيا، أكد أيضا أننا

ندفع مكافآتيـ، وثمة أف نتيرب مف دفع الضرائب وال أف نتآمر عمى العامميف معنا كي ال

أكثر قوة، وأنو ال يحب الشركات منافسة عنيفة لفروعنا في أمريكا الجنوبية مف قبؿ شركات

أصحابيا وال أغراضيـ، وال يود أف يفاجأ بأنو المتعددة الجنسيات ألننا ال نعرؼ ميوؿ

احترمت صراحتو وسألتو عف السبب الذي ال أعرفو . مبادئو مرغـ عمى أشياء تتنافى مع

وعمتيا، قاؿ أف شكوكيا نحوي جزء مف خبلفيا ىذا، وأضاؼ أف في الخبلؼ بيف ابنتو

عمتيا في شبابيا، بيروتية اليوى وترى الرياض سجف يموت مف فيو ابنتو ليست سوى

أدركت أف أمي لف تعيش . نعـ: فتمتـ قائبل . تود أف تكوف سيدة مجتمع :أحياء، فأضفت

عف امرأة ال تختمؼ عنيا سوى في عشريف عاما مف العمر، قمت أنت المسئوؿ أمامي مع

. في شيء كؿ شيء، وأنا المسئوؿ الوحيد اآلف عف الشركة، فبل تراجع امرأة مف اليـو

.كأنو مازاؿ حيا : يوميا نظر في عيني بفرح وىو يقوؿ

(14)

وجاءت السفف الكبيرة مف كؿ مكاف، وصارت جدة فانتيت التوسعة... تحققت نبوءة أبي

وصار القادموف يبحثوف عف أماكف اإلقامة والتخزيف، كاف عممو مدينة ال تيدأ طيمة العاـ،

عميو دخبل وفيرا، وكاف ما حدث بينو وبيف األعراب قد جعمو مقدما عمى بالميناء يدر

ترفرؼ نحو جميع، يتفاوض ويوزع األجور واألدوار والكؿ يسمع ويطيع، لكف أحبلمو ظمت

الرماؿ، بعدما صورة الرجؿ المياب حميد الديف، ذلؾ الذي ذاب كما تذوب القوافؿ في

وشحنوا عدد وآالت الرجؿ ووقفوا أىداه بيتا يشبو بيوت األمراء، يوميا جمع محمد رجالو

آخر لكنو خشي أف يفسد جبلؿ الوداع في وداعو، كاف بوده أف يسألو كيؼ يبني بيتا

تاجر مصري يبحث عف مكاف يخزف فيو بسؤاؿ كيذا، لـ تمض شيور حتى تعرؼ عمى

عاـ، أحداىما قمح واألخرى أرز، ولـ تكف شحنة غبلؿ، كاف الرجؿ يحضر سفينتيف كؿ

استضافو معاوية لممبيت عنده فبيره شكؿ المنزؿ، ىناؾ أماكف مجيزة لمثؿ ىذا التخزيف،

وأعجبتو المساحة التي ضرب معاوية سورا عمييا، قاؿ تؤجرىا قاؿ كأنو قطعة مف مصر،

ما شئت ىدية مني، حيف باع الرجؿ ما معو مف غبلؿ وبدأ يجيز نفسو لي، قاؿ ضع فييا

صارحو معاوية برغبتو في أف يبني جزءا مف األرض، لكنو يحتاج إلى بناءيف لمرحيؿ

يمزح، وأدوات وحمير، ضحؾ الرجؿ وقاؿ ىذه ىدية منى، لـ يصدؽ معاوية الرجؿ وظنو

األمؿ وبدأ يعيش لكف نفسو ظمت تتمنى أف يفي بوعده، مر عاماف ولـ يأت المصري، ففقد

الرصيؼ، وليمو ساىرا في حياتو كواحد مف أىؿ الميناء، يمضي نياره بيف العماؿ عمى

تكوف لديو مبمغ تزوج مف بنت شيخ الخاف أو باحثا عمف يريد مكانا لمتخزيف، حيف

أعدائو القدامى، كانت ىديتيـ لزواجو عشريف األعراب كي يقيـ عرى التآخي والصداقة بيف

استخدميا في نقؿ البضائع، وسرعاف ما أصبح معروفا أنو رأسا مف الغنـ وثبلثة حمير

المطر كاف يفسد البضائع، والفئراف والثعالب والذئاب كانت صاحب حمير ومخزف، لكف

المكاف طيمة الوقت، فبدأ الناس يبحثوف عف أماكف أفضؿ، ولـ يكف تروح وتجيء في

تأجير منزلو ليـ، وفي يـو رست في الميناء سفينة قادمة مف مصر، ونزؿ أمامو سوى

تأخرت عميؾ لكنو : يسأؿ عف محمد بف عوض، حيف ذىب إليو وجده يقوؿ صاحبيا

الرجؿ قد أصيب في حادث أقعده عف العمؿ، فندر أف يطعـ أىؿ بيت اهلل كاف. المرض

لو عادت إليو عافيتو، وما أف أتـ اهلل شفاه حتى جيز سفينتو مف كؿ شيء، ولـ الحراـ

وأنزليـ ينس ىديتو، فعمى السفينة جاء البناءوف بأدواتيـ وخمسة حمير، رحب أبي بالقـو

استخداـ الحجر بيتو وشحف الغبلؿ إلى البيت الحراـ، لـ يكف المصريوف معتاديف عمى

أحدىـ نضرب مف الرمؿ فسألوه أف يأتييـ بطوب، شعر أف أمره باء بالفشؿ حتى قاؿ

أىؿ زوجتو األعراب وبعض رجالو طوبا ونقيـ لو قمائـ كما نفعؿ في مصر، جاءه نفر مف

عمى الطوب ويشعموف فيو النار، قاؿ أريد بناء في الميناء وأقاموا عرسا وىـ يصبوف القار

ينتيي البناء كاف قد اتفؽ مع عدد مف التجار عمى تخزيف كبيرا مف دوريف، وقبؿ أف

االتفاؽ وأرسؿ الماؿ مع المصري كي يبعث لو سفينة محممة بضائعيـ، فأخذ مقدـ

الميرة مف ببلده، لـ يمر شيراف حتى دخمت الميناء سفينة باسمو، باألخشاب والنجاريف

كواحد مف أكبر األماكف المعدة لمتخزيف في جدة، بعدىا كانت األمواؿ تجري فجيز المبنى

مف يده دوف أف يعمـ كيؼ ذاؾ، ألقى ما معو عمى سفف أخرى وقمائـ جديدة وراح يبني في

يشغمو إال مع جديد، وكمما سمع عف شيء في البناء استحدثو ودخؿ فيو، لـ يعد الميناء

واألفارقة والمصرييف والسورييف قدـو سفينة تخصو مف ىنا أو ىناؾ، وزاد عمالو مف الينود

.يحتاجوف إليو كمما زاد طمب الناس أف يبني ليـ بيوتيـ وما

زوجتو في شرفة بيتو، فجاءه الخادـ مسرعا ينكب عمى في مساء يـو ثبلثاء كاف يجمس مع

بالباب، فنيض عمى عجؿ ليرحب بضيفو الكبير، كاف ذلؾ األمير خالد وجيو، قاؿ األمير

نريد أف نرصؼ الطريؽ الذي يربط : أنو الذي روض الجواد المشاكس، قاؿ الذي لـ ينس

ومكة، فيؿ تستطيع القياـ بيذه الميمة؟ لـ يكف أمامو سوى أف يقوؿ نعـ، فيذه بيف جدة

ف كاف ال يعرؼ كيؼ ترصؼ لـ . الطرؽ ىي المرة األولى التي يطمب منو األمير شيئا، وا

بعدد وآالت ورجاؿ، يكف أمامو سوى الذىاب إلى القاىرة بنفسو، بعدىا عاد بسفينة محممة

ينتيي، فالطريؽ طويؿ والرجاؿ نصبوا أشياءىـ عمى الرمؿ والصخر وبدءوا في عمؿ ال

القاىرة مف جديد ليحضر أناسا وآالت وموادا تعبوا مف الحر والرمؿ والظمأ، فعاد إلى

أف يرسؿ لو كؿ مف يفيـ في ىذا األمر، ومف ال يفيـ جديدة، وطمب مف صديقو المصري

شيء، والمصريوف أكثر حنكة مف غيرىـ، لكف الماؿ بدأ ينفد، فأعماؿ البناء تستوعب كؿ

والعمؿ ال ينتيي، قرر يوميا أف يبيع منزلو ومخازنو وال يذىب مولوال واألمير أخذ يغضب،

باع نصؼ أمبلكو حتى وصؿ الطريؽ إلى قرب مكة، فكر أف يبيع الباقي ليفي , لمممؾ

فقؼ ال . ينتو بعد ثبلثة أعواـ والطريؽ لـ: بوعده لوال الممؾ عبد العزيز الذي استدعاه قائبل

ما يممؾ ولـ يتقاضى منا لآلف لقد باع الرجؿ كؿ: يعرؼ بما يجيب، لكف خالدا تدخؿ قائبل

ىؿ استعبدتـ : واستدار نحو رئيس خزانتو قائبل أحمر وجو عبد العزيز مف المفاجأة،. شيئا

ادفعوا لو أموالو وكؿ ما : يتعطفوف عمييا بأمواليـ؟ ثـ صرخ فيو الناس أـ أننا مممكة جياع

ساعتيا جاءت السفف التي تعطمت وجاء الرجاؿ والقار . عمى الفور يأمر بو يجاب

ولـ تمر شيور حتى كانت عربات الممؾ واألمراء والحاشية أوؿ ما يمر عمى واألحجار،

.الطريؽ، وأصبح والدي واحدا مف مسئولي اإلنشاءات الكبار في المممكة

(15)

سواه، الحمد هلل وكفى، والصبلة والسبلـ عمى عبده الحمد هلل الذي ال يحمد عمى مكروه

اهلل وآؿ بيتو الغر المياميف، الحمد هلل عدد خمقو وزنة عرشو، الذي اصطفى، محمد بف عبد

.الحمد هلل ال يعدؿ معيا شيء في ممكو ونجـو كونو،

وىو يضع الماء عمى قدمي الشيخ، فصاح فيو انتبو، كاف دورؽ الماء ييتز في يد الصبي

عمى غير عيده بيا مف الرفؽ، فتجمعت تجاعيد وجيو شعر الغبلـ أف الكممة خرجت

الشيخ وجيو إلى السماء وقاؿ ال حوؿ وال قوة إال باهلل، ما واختنؽ صوتو بالبكاء، رفع

طفؿ بجانبي، الميـ ال تؤاخذنا واغفر لنا، جفؼ أعضاءه ببردتو وألقاىا عدت احتمؿ عناء

سجادة الصبلة، ثـ توجو إلى الطفؿ وأخذه مف يده إلى باب الكيؼ، وضعو أمامو عمى

الحبيب، ىؿ ما بؾ يا سيدي وابف سيدي، ما بؾ يا حبيب يا ابف: وانياؿ تقبيبل عمى يديو

الدمع عف وجيو قائبل يغضب السادة واألحبة ببل سبب؟ انحمت تجاعيد الغبلـ الذي مسح

ال حوؿ وال قوة . لممممبل: الفتى مف جديد تمجمج! مني؟: فزع العجوز قائبل . أأأخاؼ: بتمعثـ

وغبلـ ال يقدر عمى الكبلـ، ما عدت أحتمؿ التفسير إال باهلل العمي العظيـ، ما لي

ضعفت ىمتي وقدرتي عمى حمؿ األمانة، رحـ اهلل أباه وأمو، والتخميف واستكماؿ الجمؿ،

لحـ، فتركو لي قبؿ أف يبمغ الفطاـ، فيؿ ىذا قدر السادة؟ ثـ رفع يديو تركتو لو قطعت مف

إصرا كما ربنا ال تؤاخذنا إف نسينا أو أخطأنا، وال تحمؿ عمينا: معمقة إلى السماء وعينو

لساف موسى كي يفقو حممتو عمى الذيف مف قبمنا، واحمؿ عقدة مف لسانو كما حممتيا مف

فصاحة وحكمة وعدال، قولو، ربنا إنا في أرض ضاقت عمي بما رحبت، فآتو مف لدنؾ

.وأنت أحكـ الحاكميف واجعمو مباركا أينما كاف، ربنا إني قد أوكمت أمره إليؾ

ساقيو، وأف الظممة والبرد يحبلف عمى المكاف، فيـ أف شعر العجوز أف الفتى ناـ عمى

قوتو لـ تسعفو، فراح يسحب نفسو ثـ يسحبو، حتى انتفض الغبلـ يحممو إلى الداخؿ لكف

، توقؼ العجوز منتبيا إلى نطؽ الفتى دوف "إني خائؼ"بعنقو مف جديد مفزعا وأمسؾ

أذنو وال عقد، كبر وحمد اهلل فرحا لكف خوؼ الغبلـ لـ يتركو لحالو، فعاد يكبر في تمجمج

بالخروج، فمما خرج أرى رجبل ربعة يطالبو أصحاب"، قاؿ "ما الذي يخيفؾ يا عمي"ويسألو

في ظممة ليؿ طويؿ، فيدفنوه حبسوا في المسجد فمـ يجدىـ، يقتؿ في معركة بسيـ طائش

فيصمبوه عاريا ويرسموا برأسو لممؾ ويجروا عميو الماء، لكف أعداءه يخرجونو مف قبره

ال حوؿ : بكى العجوز". مركب في بحر وريح سمـو بعيد،فيقوؿ حرقوه وذروا ترابو مف عمى

ليذا يا عمى، صغير أنت يا بني عمى كؿ ىذا اإلرث،ىذا جدؾ وال قوة إال باهلل، مالؾ وما

اهلل، لكف يوسؼ بف عمر نادى في أىؿ الكوفة مف لـ يدخؿ المسجد زيد، خرج نصرة لديف

فدخموا ولـ يخرجوا حتى سأؿ جدؾ عنيـ، قيؿ حبسوا، فقاؿ ما ىذا بعذر فبل عاصـ لو،

فييما ما سمعت:ىذا زيد وقد سئؿ ذات يـو عف رأيو في الشيخيف فقاؿ. أعطانا بيعتو لمف

في واليتيما وعمي قيؿ فما قولؾ. إال خيرا، وما سمعت أحدا مف أىمي يذكرىما إال بالخير

فيما خروجؾ إذا؟ قاؿ ما عمى األرض؟ قاؿ تجوز تولية المفضوؿ في وجود األفضؿ، قيؿ

قيؿ . قاؿ ال والية ببل خروج قيؿ فما رأيؾ في الوالية ووراثتيا؟. ىؤالء كيؤالء

ففارقتو جماعة وتمسكت بو . عندي أخرجت أباؾ مف الوالية؟ قاؿ ىذا األمر!ويحؾ

الحسيف، قتؿ في المعركة بسيـ طائش في ىذا زيد وقد خذلتو الكوفة مثمما خذلت. جماعة

أمره، قالوا نجتز رأسو ونرمي بجثتو في العراء، قاؿ الظممة، فرجع أصحابو مختمفيف في

أبي لمذئاب، فحفروا حفرتيف ودفنوه في إحداىما ثـ أجروا عمييما ال أترؾ جثة: ابنو يحي

غبلما لبعض القـو دؿ يوسؼ ابف عمرعميو، فجاء بجنده وأخرج الجثة ثـ الماء، لكف

في الكناسة، وأرسؿ برأسو إلى ىشاـ ابف عبد الممؾ مثمما أرسؿ ابف زياد برأس صمبيا

يخرج رجؿ مف صمبؾ"الحسيف ليزيد، ىذا زيد الذي قاؿ عنو المصطفى لجدؾ الحسيف

يستقبمو ىذا جدؾ". يقاؿ لو زيد، يتخطى وأصحابو يـو القيامة رقاب الناس غرا محجميف

."حساب قد عممتـ ما أمرتـ بو فادخموا الجنة بغير: "رسوؿ اهلل قائبل

(16)

1980خريف

معرفة بأبي سعيد، لـ يقؿ لي ذلؾ أي منيما، لكف تيقنت أف خالي بياء الديف عمى

قادتنا جميعا لذلؾ، حيف قابمت أبا سعيد كانت األمور قد بدأت المصادفة وحدىا ىي التي

في المممكة، وكانت فروعنا في الخارج قد بدأت تزدىر مف جديد، تفسح لي صدرىا

قالو خالي عف منافسة بعض الشركات األخرى لنا صحيح، لكف ىذا ال الحظت أف ما

األمواؿ التي تموح بيا أمي، انتدبت محاسبا مف قبمي وأمرتو بإعادة النظر في ييدر كؿ

روتيني محاسبات الفروع خبلؿ السنوات الخمس السابقة، عمى أف يتـ ذلؾ كأنو إجراء

الرصيد أكثر لمعرفة أسباب تراجع النشاط، بعد شيور أسر لي الرجؿ أف خالي سحب مف

حسابات البنوؾ، شعرت مف مرة، وأف ىناؾ محاسبات لـ تكف تسجؿ في الدفاتر وال تدخؿ

حؽ والرجؿ يخوف يوميا أف رأسي تطحف تحت رحى اليواجس، فيؿ كانت أمي عمى

الرجاؿ كي يجعمو مكمف أسراره األمانة التي تركناىا في يده؟ وىؿ كاف أبي ال يجيد معرفة

وغير طباعيـ؟ ويؤمنو عمى أموالنا، أـ أنيا الدنيا تغر الناس

تركتو يفعؿ ما يريد وعدت إلى غرفتي وكتبي ألطالع لـ يكف أمامي سوى العزلة مف جديد،

وكيؼ لـ تستطع الدنيا أف تجر أيا منيـ إلى شباكيا، فأبي بكر سير الصحابة والتابعيف،

يممؾ وقاؿ لو أف إحدى قدماي في الجنة ما آمنت مكر ربي، وىذا عمر بف أنفؽ كؿ ما

مف دقيؽ وييرع في الظممة ليصنع حريرة ألطفاؿ امرأة قالت إف الخطاب اهلل يحمؿ جواال

القافمة التي سيحاسبؾ يا عمر، ىذا عبد الرحمف بف عوؼ يسمع امرأة تمدح لجارتيا عظـ

الفقراء والمعوزيف، وعثماف جاءتو، فيقوؿ واهلل ىي لممسمميف جميعا، ويأمر بتوزيعيا عمى

عثماف بعدىا مف شيء، لكف عميا ىو يجيز جيش العسرة حتى يقوؿ رسوؿ اهلل ما عمى

يدخؿ عمييا بما يدخؿ الناس بو عمى أىؿ الذي أدىشني، فقد أنبتو بنت رسوؿ ألنو ال

يطرح جسده عمى التراب وينظر إلى السماء، ورسوؿ اهلل بيوتيـ، فخرج حزينا إلى المسجد،

اهلل اهلل في زوجؾ يا : فاطمة؟ فتخبره بما جرى بينيما، فيتغير وجيو أيف عمى يا: يسأؿ

. قريش محمد، اهلل اهلل في أخي وابف عمي، أتذكري حيف قمت كأنؾ ادخرتني لفقير بنت

فيو حتى أذف والذي بعثني بالحؽ ما تكممت: أتذكري بما أجبتؾ؟ فتبكي فاطمة وىي تقوؿ

قـ : نائما عمى التراب فيوقظو فيتركيا ويخرج، فيرى عميا ! لي اهلل مف فوؽ سبع سماوات؟

أأنا أحب إليؾ : حيف سألتني يـو عرسكما أبا تراب، أتغضب مف زىراء بني ىاشـ؟ أتذكر

أـ فاطمة يا رسوؿ اهلل؟

.ىي إلى أحب وأنت عمى أعز: فابتسـ عمى وىو يقوؿ

وخنتو، فيو الذي يداعبو ويصالحو ويمـو ابنتو ألنيا أخذتني تمؾ العبلقة بيف نبي اهلل

عمى زوجاتيـ، لكف عميا فقير، فاهلل اهلل في عمي يا بنت محمد، طمبت ما يدخؿ بو الناس

ىاروف لوال أنو ال نبي بعدي، يحارب عمى التأويؿ مثمما حاربت عمى التنزيؿ، اهلل اهلل في

.جيش ىو وحده، ليس بفرار وال جباف

وخالي ينتمياف إلى الشيعة، لحظتيا وددت لو أنني في لحظة مف الكشؼ تذكرت أف أمي

غرفة أمي ألسأليا عف حبيا لعمي، لكف الساعة كانت قد أرتدي مبلبسي وأىرع إلى

.تحب السير، فأجمت األمر لمصباح وعدت إلى القراءة مف جديد تجاوزت الواحدة، وىي ال

وأناـ، لكنني لـ أصؿ ولـ أنـ، فقد شعرت بألـ شديد كاف مف المفترض أف أصمي الفجر

البدء بالينسوف والمرطبات، غير أنو أخذ في التزايد حتى أنني يعتصر جانبي، عالجتو في

صرت أصرخ في جنبات القصر، فانتفض الجميع وجاءوا بالطبيب، مع بزوغ النيار

وأمر بنقمي إلى المستشفى، لـ تمض أياـ حتى كانت الطائرة تقمني إلى أعطاني مسكنا

وسط ىميمات األىؿ بالشفاء، كاف خالي وبعض إخوتي ييرولوف بيستيرية غير فرنسا

وشعرت معيودة، رأيت عينو محمرة مف البكاء، لحظتيا تطايرت مف ذىني كؿ األسئمة،

أبحث عف أنني عمى وشؾ النياية، كاف ييدىد عمى كتفي ويبكي، فتذكرت عميا ورحت

اهلل؟ حيف وصمنا إلى ىؿ يبكي الرجاؿ يا أبا عبد: التراب الذي عمى كتفي، فابتسـ قائبل

الزمف مني لعدة ساعات، كنت باريس كاف كؿ شيء معد في غرفة العمميات، ىنالؾ سقط

الداخؿ، حتى أنني ما كنت أبدأ في آىة حتى أتألـ ألميف، أحدىما مف الخارج واآلخر مف

خوتي وعبد اهلل وأمو حوؿ أقطعيا ألدخؿ في األخرى، حيف انتبيت رأيت أمي وخالي وا

، لـ أفيـ مقصده "عمر الشقي بقي"مبتسما، والطبيب ييمس في أذني السرير، كاف الجميع

أنني فقدت كميتي وأعطيت كمية جديدة، وكنت عمى وشؾ الموت لوال تدخؿ حتى حكوا لي

نعرفو، أجري تحاليمو عمى عجؿ وانتظرني، يوميا عرفت أف خالي عمى عبلقة رجؿ ال

سعيد سعيد منذ أياـ والدي، كاف الرجؿ قد اتصؿ بو قائبل أنو في ورطة، فأرسؿ أبو بأبي

كميتو، حيف عددا مف تابعيو ليـ نفس فصيمة دمي، تسابقوا فيما بينيـ عمى مف ييبني

أتى بو، قاؿ ضيقت عمى خالي في معرفة مف ىذا الذي ضحى بحياتو مف أجمي ومف أيف

حساب اآلخريف، بكى ال أعرؼ، وحيف قمت لو أف الماؿ جعؿ جبروتو يشترى حياتي عمى

أبا سعيد في ىيئة طبيب وتركني أكمؿ حنقي عميو وحدي، لكنني في اليـو التالي وجدت

ىنأني بالسبلمة وتسامر معي يدخؿ مف باب الغرفة، كانت سعادتي ودىشتي شديدتيف،

معاويو، وما فعمو ويفعمو ما ىو إال عف وصية بياء الديف واسطة بيننا وبيف: قميبل ثـ قاؿ

.منو

(17)

ما الذي دفعؾ إلعطاء كميتؾ لرجؿ ال تعرفو ولف تناؿ قمت لمجد الديف ػ وكاف باكستانيا ػ

قمت . سيدي عبد اهلل أبو سعيد: رغبة السيد، قمت ومف السيد، قاؿ :مف ورائو ماال؟ قاؿ

السيد؟ قاؿ نعـ، فيو مف آؿ بيت رسوؿ اهلل، نسبو يعود إلى سيدي عمي زيف أتنادونو

رأيتيـ شيوخي يعرفونو،: قمت كيؼ عرفت ذلؾ؟ قاؿ. العابديف بف الحسيف كـر اهلل وجيو

أنا أتباع :ومف شيوخؾ؟ قاؿ: قمت. مرات يقبموف يديو ويقدمونو في مجالسيـ عمييـ

عدد مف شيوخيا، وذات الطريقة القديانية في باكستاف، جمعت بيف العمـ والمعرفة عمى يد

رأيتو مف قبؿ، فدخؿ حمقة الذكر عمى يـو رأيت رجبل غريبا يرتدي مبلبس تشبينا، لـ أكف

رآه سيدي أبو يسار وقؼ كمف لدغو ثعباف وىـ استحياء كأنو يتحسس مواطئ قدميو، حيف

الدار، بعدىا أرسمني إلى عدد مف شيوخ القديانية والرفاعية عمى يده يقبميا، ثـ أخذه ودخبل

في مساء اليـو التالي وجدت وزير األوقاؼ،. سيدي عبد اهلل ىنا: أقوؿ ليـ والقادرية كي

مساعديو وكاف تمميذا ألبي يسار، كثيرا ما جاء وكثيرا ما صنعت لو البف، وعددا مف

، كاف وشيوخ القبائؿ والطرؽ، بعد ساعات جاء رجاؿ ال أعرفيـ لكف أغمبيـ مف عمية القـو

يسار ليدفع بيـ إلى حجرة الجميع يأتي عمى استحياء مثمما دخؿ الرجؿ، فيتمقفيـ أبو

ولـ أكف مكمفا مف قبؿ أبي يسار الضيافة، كنت يوميا صبيا في العاشرة مف عمري،

وتقديـ البف لضيوفو، وكاف يبيح لي بشيء، فقط يرسمني في إحضار أعبلـ الطريقة

صبيا دوف الحمـ، يوميا صرؼ الرجاؿ جميعا الدخوؿ والخروج عمى زوجاتو ألنني كنت

مف : وتشبثت بالبقاء، فنادى الغريب عمى أبي يسار وصرفني أيضا غير أنني بكيت

مؤتمف؟، : قاؿ. الطريقة يبلـز فرشتي ويرفض اآلف أف يتركني الغبلـ؟ فقاؿ ابف لي في

فمصقت إلى جانب الباب كجرو صغير حتى غمبني .باإليجاب، قاؿ اتركو فأومأ شيخي

استيقظت وجدتني نائما في الغرفة والرجؿ قائما يصمي، قمت فتوضأت النعاس، حيف

خمفو الفجر وعدت إلى فراشي، في الصباح لـ أر الرجؿ في البيت الذي دبت فيو وصميت

واحد الحياة كسابؽ عيده، شيوخ ومريدوف وأعبلـ وذكر، سألت أبا يسار عف الرجؿ فقاؿ

ونسيت أف أساؿ عف شغمت بمقولتو. مف عترة رسوؿ اهلل، ويقوؿ أنؾ تعطي اهلل حقو وتناـ

أتعامؿ عمى أنو لـ يكف، دارت اآلخريف، لكنني أدركت فيما بعد أف األمر سر وعمى أف

الشيوخ في مدرسة الديف، كنت أحفظ عف األياـ وبدأت في تحصيؿ العمـ عمى يد عدد مف

بو ذات يـو يدخؿ عمى استحياء أيضا غرفة ظير قمب كؿ ما تعيو أذني، لكنني فوجئت

دراستي وجمست أرقب باب المدير، حيف خرج كاف شيخ الشيوخ، يوميا تسممت مف حجرة

فتوقؼ الجميع كمف أسقط في . سيدي عبد اهلل: كبير، ىتفت عدد مف الشيوخ يتبعونو كزائر

بيدوء ناحيتي وابتسـ، أدركت أنو قد سمح لي بالتقدـ فمثمت يده، قاؿ يده، استدار الرجؿ

ال حوؿ وال قوة إال باهلل،: قاؿ. وكيؼ أبو يسار؟ قمت أصابتو سحابة عمى عينو كيفؾ

ويرشدؾ لما فيو اسمؾ مجد وشيخؾ يسار، فمييسر اهلل لنا أمرنا ويمنحنا مجد ىذه األمة،

بقيت تيب عمي، فقد عاممني أمف الجميع خمفو وتركنا ورحؿ مثمما أتى، لكف بركتو. الخير

وأخرج عمى المدير وقتما أشاء، وكمما الشيوخ معاممة ال يمقاىا طالب مثمي، وصرت أدخؿ

وشيخؾ يسار فمييسر اهلل لنا أمرنا ويمنحنا اسمؾ مجد"ىممت بتركو كرر صيغة الدعاء

تخرجت وأصبحت شيخا في المدرسة، رأيتو يدخؿ عمى ، لـ نمتؽ حتى"مجد ىذه األمة

أتصرؼ، انيمت عمى يده ألثميا وىو يسحبيا خجبل أماـ حجرة الدرس فمـ أعرؼ كيؼ

ىناؾ حبيب لي يحتاج إلى كمية : وعدنا إلى غرفة المدير، قاؿ الطالباف عندي، أخذني

ني أراىا لديؾ فيؿ تمنحيا لو، لـ أفكر وقمت نفسي فداؾ وفداه، عمى الطائرة وجدت وا

متوجييف إلى نفس القبمة، فتمنيت مف اهلل أف يكوف طمب سيدي عبد اهلل أربعة غيري

في المستشفى أجرى األطباء تحاليميـ وبقيت أنتظر رؤيتؾ، لـ أرؾ حتى جاءني عندي،

تنطؽ سوى وىا نحف نتحدث منذ ساعات وأنت لـ. قريبا تمتقي بو: السيد وطمأنني قائبل

اهلل مجد ىذا قمت يا مجد لقد صرنا اآلف أخوة، فاصبر عسى أف يجعؿ. ببضع كممات

.الديف عمى أيدينا

(18)

تغير تماما، وكأف األمر كاف يحتاج لمرضي ىذا حيف عدنا مف باريس كاف الوضع قد

فرحة بي وكأنني ولدت مف جديد، أما عبلقتيا بخالي حتى تنتيي مشكبلتي، فأمي عادت

عادت أفضؿ مما كانت، فوجدتيا تطمب مني أف أعيد أـ عبد اهلل إلى بياء الديف وابنتو فقد

الولد :قالت! قمت وأمو؟. إف البيت بدوف عبد اهلل ال يعني شيئا : معيا، قالت بيتيا لتعيش

كي تعود أـ عبد لـ يكمفني األمر أكثر مف مياتفة إلى بيروت. بدوف أمو ال يساوي الكثير

ويسرا في التعامؿ، صار شخصا اهلل في اليـو التالي، أما خالي فقد أصبح أكثر نشاطا

بمزحة، صرت أشعر أف العالـ عاد لراحتي مرحا طيمة الوقت ال تفوتو فرصة دوف أف يعمؽ

حتى ظنوا أنني سأدخؿ في نوبة اكتئاب جديدة، وجدت مف جديد، فرحت أقرأ المزيد والمزيد

لقد عممت ىذا العاـ : أذىب إلى أمريكا لدى إخوتي، قالت أمي تقترح عمى ذات صباح أف

رحت في . سأذىب لكف دوف أف أرتبط بأحد: قمت. وعميؾ أف ترتاح قميبل أكثر مما ينبغي

عدد مف الواليات األمريكية، لكنني أعجبت بتكساس وزاد إعجابي بفموريدا جولة عمى

ما ال أعرفو، ىناؾ أقمت بضعة شيور ببل عمؿ سوى التنزه والتعرؼ عمى عالـ لشيء

جديد لـ أره مف قبؿ، وىناؾ توطدت عبلقتي بميندس طيراف مصري، نصحني أف أتعمـ

الطيراف، ضحكت ألنني تذكرت محاوالت عباس ابف فرناس حيف صنع جناحيف مف ريش

قاؿ . الجبؿ ثبتيما بالشمع، فمما أشرقت الشمس ذاب الشمع وسقط بف فرناس مف عمى قمة

المدني، يمكنؾ خبلؿ خمسة األمر ليس بيذا الشكؿ الفكاىي، فيناؾ معاىد لتعميـ الطيراف

ىذا فتأكد أنني سأكوف ىدىد شيور أف تقود طائرة بنفسؾ حتى ببلدكـ، قمت لو حدث

قدمت . في الغد أذىب معؾ: قائبل منطؽ الطير، وجدتو فغر فاه ورفع حاجبا فاستدركت

شيريف، بعدىا قالوا أنني أحتاج إلى مرحمة أكبر، أوراقي وبدأت أتردد يوميف أسبوعيا لمدة

لوال الحادث الذي غطى عمى كؿ شيء، فقد توقفت أجيزة وافقت وبدأت في االنتظاـ

الرئيس المصري السادات، كاف المشيد كاريكاتوري إلى حد بعيد، اإلعبلـ أماـ مشيد مقتؿ

الذي أربؾ حسابات الجميع يموت ىكذا وببساطة في يـو احتفالو بنصره ووسط فيذا الرجؿ

تصورت لمحظات أف ىذا جزء مف. جنده، ويفر الذيف قتموه دوف أف يصاب أي منيـ

سيؤدب ىؤالء مشاىد السادات التمثيمية، وانتظرت أف يقؼ عمى قدميو مف جديد ليعمف أنو

وأشاروا بأصابع االتياـ نحو األوغاد، لكف اإلرساؿ لـ يكتمؿ، فقد تدخؿ المذيع والمحمموف

الفنية العسكرية منذ ثبلث سنوات، يوميا الجماعات الدينية التي حاولت اغتيالو في حادث

قصيرة وسريعة تفيد أف كؿ األمور بخير، فيمت أف اتصمت بخالي بياء فرد عمى بكممات

عمى كؿ لف يمسو شيء، شغمتني األحداث وما توالى فييا ألبي سعيد عبلقة باألمر لكنو

الجياد في مصر، كاف اإلسبلمبولي المتيـ األوؿ، لكف المشيد الذي مف اتياـ لجماعة

ذلؾ ىو سيطرة الجماعة اإلسبلمية عمى أسيوط في جنوب مصر، كانت كؿ اعتمى كؿ

برمزية الحمبلت اإلعبلمية ال محبة وال كراىية في الجماعة الدينية ىنا، ولكف تعمقا ىذه

يحارب وينتصر السادات الذي مثؿ لمخيمة األمريكييف بطبل مف القروف الوسطى، بطبل

التسجيمية عنو تحتؿ أجيزة ويجمس عمى مائدة السبلـ، ظمت صور ىذا البطؿ واألفبلـ

األحداث فوجئت باتصاؿ مف أبي في ظؿ كؿ ىذه. اإلعبلـ طيمة أسابيع مف الحادث

. موت السادات لـ يكف مطموبا مف طرؼ واحد سعيد، تقابمنا بعده لقاءا عابرا عممت فيو أف

لكننا أضعؼ الحمقات وأوسعيا ػ ىكذا قاؿ ػ ومف ثـ فإننا ومف ثـ فقد اشترؾ فيو الجميع،

قاؿ أيضا أف ىذا . المسئولية أماـ الجميع عمى األقؿ لعدة سنوات قادمة المؤىميف لتحمؿ

الصيغة فيمت أف ىذه ىي. يكوف ببل مقابؿ، إذ ال بد أف تدفع باقي األطراؼ فاتورتيا لف

العمؿ، لكنو أكد في التي تـ عمى أساسيا الحوار، وأف المرحمة القادمة ستشيد توسعا في

ضربة كبيرة في واحدة مف أىـ عمينا أف نتحد ألنيا لحظة عصيبة سنواجو فييا:النياية

أقرأ وأتابع عف بعد في انتظار أف بعدىا حزمت حقائبي وعدت إلى ديارنا كي. مراكزنا

.يجيء دوري

(19)

لمياشمييف كما يفعؿ كؿ عاـ ليأخذ منيـ البيعة البنو أرسؿ عبد اهلل بف عمي بف الحسيف

األمارات المتواترة لدى آؿ البيت عف صفة الميدي المنتظر الذي محمد، فقد أجمعت

عدال مثمما مؤلت جورا وظمما عمى أنو محمد بف عبد اهلل الممقب بالنفس سيمؤل األرض

الحمار، فجد الزكية، وكانت أمارة زمف خروجو قد حانت بوفاة يزيد الناقص وتولي مرواف

جعفر الصادؽ، فأرسؿ لو عبد اهلل في جمع الياشمييف لتجديد البيعة، وجاءوا جميعا إال

فجاء أبو . التأخر وىذا ليس عيدنا بؾ لقد حضر بنو ىاشـ إال أنت، فمـ: عبد اهلل قائبل

المصطفى التي تحولت، ووالية األمر التي جعفر وخطب عبد اهلل في الناس عف سنة

وما قالتو صفية عف عمي عف رسوؿ اهلل عف سرقت، والميدي وصفتو وأواف خروجو،

فيمموا نبايعو : ثـ نظر في عيوف الحضور قائبل األمارات التي اجتمعت في ابنو محمد،

فتدفؽ الياشميوف يقبموف يد محمد . والخروج معو متى خرج عمى كتاب اهلل وسنة رسولو

ولـ يبؽ غير جعفر الصادؽ الذي ظؿ يؤخر نفسو حتى صاح فيو عبد مجدديف لو البيعة،

.ابف عمي، لـ ال تبايع ابف أخيؾ عمى طاعة اهلل والرسوؿ واالجتياد برأيو ما بؾ يا: اهلل

ترى أف األمر يا أبا إبراىيـ لو كنت: فقاؿ. لكف جعفرا تميؿ حتى قاليا عبد اهلل مف جديد

وأعممنا، وما كاف لنا أف نبايع غيرة عمى ديف اهلل وسنة رسولو التي تبدلت فأنت كبيرنا

ذلؾ فاهلل يعمـ وأنت تعمـ وأنا أعمـ أف ابنؾ محمدا وأنت موجود، أما إف كاف األمر غير

وأف األمر ليس لؾ وال لولديؾ، لكنو ليذيف، وأشار بسبابتو ىذا مقتوؿ عمى أحجار الزيت،

جعفر ابني محمد بف عمي بف عبد اهلل بف العباس، ىنالؾ كاف العباس ناحية العباس وأبي

أوؿ الخارجيف مف البيت، نافضيف الدعوة لمعموييف مف عنقيما، وكاف أخوىما والمنصور

يرسؿ الرسؿ إلى إبراىيـ الممقب باإلماـ رجبل ذا فراسة وذكاء ويصمح لتدبير كؿ أمر، فأخذ

عمى أبي مسمـ فأمره خرساف مؤكدا عمى أف ال تصؿ الدعوة لعربي قط، حتى وقعت عينو

فخذىـ وادع في المسجد، فمما ذىب اذىب إلى فبلف وفبلف: بأف ينطمؽ إلى خرساف قائبل

ويأمرىـ بالتزاـ أمره، فنصب أبو مسمـ راية أنكراه لصغر سنو، فأرسؿ إبراىيـ مف يوبخيـ

لبني العباس، فجاءتو في اليـو الواحد أكثر مف ستيف قرية، السحاب ولواء الظؿ ودعا جيرا

بينو وبيف نصر بف يسار نائب مرواف الحمار، وجديع بف عمي حتى انقسمت خرساف

سممة الحروري زعيما الخوارج، فانحاز الكرماني ألبي مسمـ وانحاز الكرماني وشيباف بف

نصر، فقتؿ األخير يسارا بالحيمة، وقتؿ أبو مسمـ شيباف صبرا، وأصبحت شيباف إلى

.أولى ممالؾ العباس خرساف

فيما تفكر؟ لـ يكف في ذىني ما يمكنني : إلى قائبل رفع مجد وجيو مف عمى الكتاب ونظر

مختمطة وكؿ األشياء متشابكة، العباسيوف يدعوف لمعموييف ثـ أف أدلي بو، فكؿ األمور

وعبد اهلل بف عمي يعرؼ أف ابنو مقتوؿ عمى يد العباس وأخيو ويدعوىما ينقمبوف عمييـ،

ما البيعة لو، وأبو جعفر يسمي ابنو الميدي ويجد في طمب النفس الزكية، حتى إذا ليجددا

نني: أجيزت جيوشو عميو بكى في مجمسو قائبل لكاذب، وأنو ليس اهلل يعمـ أنو لكاذب، وا

.تيمنا أف يكوف ىو الميدي، وأف ابني ىذا ليس بالميدي، وما لقبتو ىكذا إال

ما بؾ يا : توقؼ مجد عف حديثو وراح يسألني ظمت الصور تتواتر عمى مخيمتي حتى

ـ قتؿ المنصور أبا مسمـ؟: بابتسامة وقمت رجؿ؟ غالبت البكاء ورفعت رأسي فضحؾ ! ل

ـ قتؿ أبو جعفر محمدا وىو ابف عمو؟: بأناممو قائبل وىو يمشط لحيتو الطويمة ساد ! ول

أف رفع مجد وجيو نحو سحب كانت تمر في ذلؾ الوقت عمى رؤوس صمت بيننا إلى

أتدري حيف شاور المنصور أصحابو في قتؿ ! إنو الممؾ: بيض ثـ قاؿ الجباؿ كحمامات

اهلل لو كاف فييما آلية غير"لـ يجب مجد لكنني كنت أعرؼ اإلجابة ! ماذا قالوا؟ أبي مسمـ

ىذه ! عبد اهلل؟ ، أو تدري ماذا قاؿ موسى اليادي حيف وصمو نبأ مقتؿ إبراىيـ بف"لفسدتا

ولو جاءنا رسوؿ اهلل : فأكمؿ مجد .!اهلل يعمـ أنيـ أحؽ بيا منا، لكنو الممؾ: المرة أجبتو

منو الكممات اقشعر بدني، وشعرت أف أذني حيف سمعت. وحاربنا عميو لحاربناه وقتمناه

فشممتني رجفة اىتزت ليا مفاصمي وساحت عيني أصابيا سقر، وما أدراؾ ما سقر،

البكاء يا رجؿ والحديث مض عميو قروف؟ ىربت نفسي مف لـ : فمكزني في كتفي. بالدموع

ىيئة أبي مسمـ وىو يترؾ منعتو في خرساف قادما عمى أبي جعفر تطاردني: الحزف قائبل

بينيما مف شقاؽ، فقد اغتر بما فتح اهلل عمى يديو، بينما المنصور أحاؾ لو ليصمح ما

يبشوف المكيدة كي يستخمص ممكو لنفسو كما تستخمص الشعرة مف العجيف، فجعؿ األمراء

: الستار ويسأؿ في وجيو، ويطمبوف منو الوساطة لدى الخميفة، والخميفة يضع الحرس خمؼ

وأبو مسمـ يقتمو ! رسائمؾ؟ يا أبا مسمـ، ما الذي دفعؾ إلى تقديـ اسمؾ عمى اسمنا في

واهلل ما زادني جوابؾ إال : المنصور فيجيبو! أال يشفع لي ما فعمت لتوطيد ممكـ؟: الحرج

وىؿ ىناؾ : لكف المنصور يضحؾ. ادخرني ألعدائؾ:فيقوؿ .تغيظا، وال منقذ لي إال قتمؾ

يصفؽ بيده، فيخرج الحرس المختبئ بالسيوؼ، فمما انتيوا مف ثـ. مف ىو أعدى لي منؾ

.اآلف أصبحت الخميفة وحدؾ ال شريؾ لؾ :تمزيقو قالوا

قريبة منا، الجو صحو، والصحراء فسيحة، والجبؿ أنتبو عمى صوت طائرة تحمؽ في أجواء

الصعود، أقوؿ يا مجد ماذا لو صرت أمير المؤمنيف؟ يضحؾ، شاىؽ، والعربة كمت مف

: فأمد يدي نحوه وجسدي يرتعد. أبا جعفر ولف تكوف أبا مسمـ ثـ يجيبني لف أكوف

.ىذا عيد اهلل بيني وبينؾ: فيتمقفاىا بكمتا يديو .!نتعاىد؟

(20)

في ذلؾ الوقت غير جزأيف مف العالـ، أحدىما يقع في أستطيع أف أعترؼ اآلف أنني لـ أر

الجزيرة العربية، واآلخر في الشماؿ الغربي حيث أوربا والواليات الجنوب الشرقي حيث

أما الشماؿ الشرقي والجنوب الغربي فما كنت أعمـ عنيـ الكثير، وأعترؼ أيضا المتحدة،

الديف طرح أنني لـ أفكر قط في دخوؿ أماكف مجيولة كاليند وباكستاف، لكف خالي بياء

األمريكي المفتوح األمر كنوع مف المزحة، كنت يوميا مازلت أتحدث عف فتنتي بالعالـ

حتى أف الكسب فييا يعد اقتصاديا، والحياة السريعة المتنوعة األنشطة في كؿ شيء،

الديف اعترض عمى الفتنة والحماس األكبر واألسرع بعد االتجار فيما ىو ممنوع، لكف بياء

كولومبوس، قاؿ أف ىذه البمداف ال تحتاج إلى فاتحيف الذيف أتحدث بيما وكأنني كريستوفر

ما يكسب الناس ىناؾ فيـ ينفقوف، قاؿ أيضا أف أمريكا جدد ألنيا انتيكت، وبقدر

ميثاليا لمبوتقة، فكؿ مف يدخميا ينصير فييا، يعتقد أنو جاء ليربح أصبحت نموذجا

بعد سنوات أنيا التي ربحت منو كؿ شيء، حتى أف بقاؤه فييا يصبح في ذاتو فيكتشؼ

قممت مف كانت كمماتو واثقة وكأنو أحد مؤلفي كتب الفمسفة أو االقتصاد،. مكسب لو أكبر

يمكننا أف نستكشؼ العالـ افتنا يا سيدي ألفونسو أيف: سخونة التوتر الذي بدا عمى الحديث

امتدت بيدوء زاحؼ نحو الغرب، لكنيا لـ تشر أصابعو التي. في الشماؿ... إذا؟ قاؿ ىنا

مف بيف األلواف الحمراء والصفراء شديدة أشارت إلى مكاف ال تكاد تتضح أسماء مدنو

طرح يوميا أسماء كنا نعرفيا إجماال بجميوريات . نعـ قاؿ! الدكنة، قمت في ىذه الجباؿ؟

ليس مف ىوايتي : ضحكت. لو شئت دبرت لؾ رحمة ليذا األماكف االتحاد السوفيتي، قاؿ

.تسمؽ الجباؿ

المغامرة مف أجمو في ىذه الصحاري التي يحدثني لـ يكف في مخيمتي عمؿ واضح يمكف

أبي سعيد تقوؿ أنو قادـ قريبا ويريد لقائي، تعجبت مف عنيا، لكف رسالة جاءتني مف

بيا الرجؿ معي، حدثت خالي فقاؿ ال أعرؼ عف أموره الكثير، فيو الرسمية التي تعامؿ

كاف عمينا أف ننتظر ثبلثة شيور حتى أراه مصادفة بيف ثبلثة مف. والسفر دائـ التنقؿ

ترؾ مائدتيـ األمراء وكأنو في ميمة رسمية، لـ أحاوؿ االقتراب منو أو الحديث معو، لكنو

ثـ عاد لمائدتو مف وجاء لمسبلـ عمى، قاؿ موعدنا غدا في مكتبؾ تماـ الثانية عشر،

حدث لو دالالت ىامة، جديد، أبمغت بياء الديف في جنيؼ بما فوجئت بو، قاؿ أف ما

وثانييا أنو أراد أف يعفيؾ مف خطأ أوليا أف الرجؿ أراد أف يجعؿ العبلقة وكأنيا عمنية،

فوجدت األمر مختمفا تماـ االختبلؼ عما االقتراب منو، في الصباح ذىبت إلى مكتبي

تحؼ المدخؿ، والمنطقة مميئة بالحرس مف كؿ أعرفو، وجدت كميات مف باقات الورود

فبدو كما لو أنيـ في يـو عيد، ال أحد ييمؿ في أناقتو، ال جانب، أما العامميف في المكتب

مكاف وال رائحة غير نظيفة، ترددت في أف ىذا مقر المجموعة لوال أف أحد يتراخى، ال

الرجاؿ الميندميف ىجموا عمى الباب ليفتحوه لي، غاصت قدمي في السجاد عددا مف

خالي اإليراني مف باب السيارة حتى الكرسي الدوار، حيف جمست وجدت الياتؼ يرف، كاف

جاء ليعقد ماذا حدث؟ قاؿ أنو عمـ أف أبا سعيد: بياء يسألني عني رأي، صرخت فيو

بو في جنيؼ صفقة معي بحضور عدد مف الحاشية واألمراء، وأنيـ مف جانبيـ اتصموا

فاستغرقت في . أرادوا فأمرت أف يكوف المكتب بييا كما ترى وكما. حيف لـ يجدوه ىنا

قمت نعـ معؾ كؿ . مؤامرتو عمي الضحؾ وأنا ال أود أف أكذب الرجؿ وال أود أف أفتضح

النافذة عمى مشيد الشارع البيي، أخيرا أغمقت الياتؼ وأخذت أنظر مف زجاج. الحؽ

ىائؿ مف موتوسيكبلت الحراسة، ىرعت إلى الباب جاءت عدة سيارات سوداء يحفيا عدد

الضيوؼ، كاف الجميع ممتفا حوؿ أبي سعيد كأنو ممؾ غير ثـ الشارع وأخذت في استقباؿ

وعدد مف األمراء ورجاليـ يممئوف المكاف، كاف كؿ شيء مرتب متوج، كاف ولي العيد

أعرؼ كيؼ استطاع بياء الديف تدبيرىا بيذا الشكؿ، سممت عمى الجميع بعناية غريبة ال

أصدقائي، وسممت عمى أبي سعيد بنوع مف التوجس والغربة، عرفني ولي العيد بو فأغمبيـ

صاحب أمر: الشيخ أبو سعيد صديؽ باكستاني، بعد عدة دقائؽ قاؿ أحد األمراء: قائبل

ىذا، قاؿ أبو رحبت وشكرت ولـ أزد عمى. السمو بتكميفؾ ببناء عدة قصور ممكية جديدة

وأخذت أذكر بعض نعـ: ىؿ لشركتؾ فروع في الخارج يا أبا عبد اهلل؟ قمت: سعيد

ـ ليس لكـ مكتب في ببلدنا؟ أبديت عبلمات: قاؿ. المكاتب الدىشة وقمت ربما ألف فم

قاؿ أف العمؿ ىناؾ . إلى مقر دائـ أعمالنا في باكستاف وشرؽ أسيا ككؿ قميمة وال تحتاج

شكرت لو . أمثالؾ كي ينيضوا بببلدنا كثير ونحف نحتاج لعدد مف الرجاؿ المخمصيف

معنا يا أبا عبد اهلل، قمت يسعدني، قاؿ بإمكانؾ كمماتو وسكت، فقاؿ مف جديد ىؿ تتعاوف

قمت إنشاء اهلل، قاؿ إذا موعدنا . ونتناقش حوؿ طبيعة العمؿ زيارتنا لمتعرؼ عمى المكاف

ال تعتقد أف بناء القصور الممكية : قاؿ ولي العيد. ال مانع: يناسبؾ؟ قمت ىؿ. بعد شيريف

. منكـ قمت ىذا كـر معيود. عبلقة بأبي سعيد، فيو فقط صديؽ واألمر جرى كما رأيت لو

المساء فوجئت بأف في. ساعتيا قاـ ولي العيد فقاـ الجميع وانفض األمر في خمس دقائؽ

والمجموعات االقتصادية اليـو نشرة األخبار تقوؿ أف سمو ولي العيد تفقد بعض الشركات

الممكية الجديدة، ولـ يرد ذكر أبو سعيد في المممكة، وكمؼ شركتنا ببناء عدد مف القصور

.أو صورتو في شيء

(21)

الذي بيف يديو، وتوجو نحو العجوز كي يرفع إناء توقؼ عمى عف القراءة في المصحؼ

وىو ال يحمؿ لو " انتبو"مف نظرة العجوز حيف صاح فيو الماء عف األرض، فمنذ تفزع

يحضر الماء في إناء واسع ليأخذ منو بأطراؼ أناممو ويمسح عمى الدورؽ، فأخذ العجوز

أغمؽ . ينتيي يترؾ الصبي ما في يده ويرفع اإلناء مف عمى األرض أعضائو، وحيف

نحو اإلناء والماء المراؽ، رأى جزءا مف الرمؿ المبمؿ عمى ىيئة رجؿ المصحؼ وتقدـ

ترؾ اإلناء وراح يجتزئ الرجؿ مف مكانو لكنو تيدـ في يديو، شعر لمحظة أف ىذا جالس،

جديد، الرجؿ صنعو العجوز وسوؼ يسألو عنو، ترؾ اإلناء وأخذ يعيد تشكيؿ الرمؿ مف

لكف النـو ضربو أعجبتو القطعة التي شكميا فراح يصوغ قطعا جديدة عمى ىيئات مختمفة،

الباردة دوف فراش وال غطاء، فجأة فمـ يرفع اإلناء ولـ يخؼ ما صنع، ناـ عمى األرض

يذىب إلى الفراش، لكنو غارؽ في سبات حيف عمت غمغماتو انتبو العجوز فقاـ ييزه كي

رأى التماثيؿ تسعى وتتحرؾ . ليقبض عمى إبطيو عظيـ، فكر العجوز أف يحممو فانحنى

واحد منيا فوجده السمطاف عبد الحميد جالسا عمى كأنيا تمارس الحياة، دقؽ في وجو

:قاؿ السمطاف بنظرة ساخرة. وأمامو جماؿ الديف األفغاني عرش الخبلفة في األستانة

نفعؿ إذا كاف ىذا حاؿ المسمميف، وقد اجتمعت عمييـ ػ قؿ لي يا شيخ جماؿ الديف، ماذا

عمى قصعتيا، ىؿ نسمميا ليـ ونحمؿ رحمنا ونمشي؟ األمـ كما اجتمعت األكمة

.ػ ما ىذا قصدت يا موالي، ولو تأذف لي أف أقدـ تصوراتي لحاؿ المممكة لفعمت

.ػ ىات ما عندؾ

الخميفة ونشر جريدة بيا خريطة اإلمبراطورية العجوز جمس األفغاني عمى مقعد في مواجية

حدودىا مف الشيشاف وأفغانستاف في الشماؿ حتى اليمف في وراح يدور بأناممو عمى

والبصرة في الشرؽ حتى تونس في الغرب، ثـ عاد ليتوقؼ بإصبعو الجنوب، ومف عماف

أتعتقد يا موالي: مستطيمة يشقيا ثعباف طويؿ مكتس عمى جانبيو بالخضرة، قاؿ أماـ قطعة

وأمثاليما لو أف مصر ظمت إمارة ترسؿ ليا الوالة مثؿ باكير باشا ومحمد باشا اليدكشي

معروؼ وغير خاؼ لجمع الماؿ مف غير وجو، وتوزيعو عمى رجاؿ الدولة ىنا كما ىو

خديوية كما كانت قبؿ أف عمى جبللتكـ، ىؿ ىو خير لمصر وأىميا ولمسمطنة؟ أـ جعميا

.يمتيميا اإلنجميز

يبتمعو قد توقفت في حمقو، شعر األفغاني أف صمت السمطاف وكأف حبات العنب الذي

أليمة تركتيا مصر لمسمطنة، حيف قطعت جيوش حديثو أغضب السمطاف، فثمة ذكرى

طريقيا لقنص كرسي الخبلفة، يوميا لـ يجد السمطاف إبراىيـ باشا آالؼ اليكتارات في

بالغرب وجيوشيـ ليقفوا عمى أبواب األسكندرية مرغميف محمد عمي أمامو سوى االستعانة

جيوشو مف أماـ القسطنطينية، كادت الدموع تنيمر مف وجو السمطاف أماـ باشا عمى سحب

القادـ مف كابؿ ليحدثو عف خديوية مصر، غمغـ الرجؿ ومسح العبرة التي تكاثفت ىذا

:عمى جفنيو قائبل

ػ لو قمنا أف وجودىا خديوية أفضؿ مف بقائيا ترسؿ األمواؿ فنوزعيا عمى الحاشية، ماذا

بعد؟

:ىنالؾ نشر األفغاني جريدتو مف جديد قائبل

ػ السمطنة كما تعمـ جبللتكـ تتألؼ مف ثبلثيف والية، فمـ ال تبدؤوف بجعميا عشر خديوات

فقط؟

في مواجية الرجؿ الذي يحفر أسفؿ عرشو، لكف تقطب وجو الخميفة فجأة وشخصت عيناه

الحؽ ما ساقني إلى ما قمت إال اإلخبلص والحرص عمى وعزة: األفغاني أسرع قائبل

.ينتظـ العقد، وما أرى مف سبيؿ إلى ذلؾ إال ما قمت ممككـ، والرغبة في أف

بيف شعر العجوز أف بردا يجتاحو فطوى أعضاءه عمى نفسو ونظر إلى الذي جمع خريطتو

ونظر بحزف يديو ووقؼ ينتظر جوابا عمى شرحو الطويؿ، لممـ فضؿ عباءتو عمى صدره

وال تحتاج إلى ىذا وصمت نحو السمطاف الذي قاؿ، يا شيخ جماؿ الديف، إف دولتنا قوية

.التخريؼ، ولف أبكي كالنساء ممكا لـ أحافظ عميو كالرجاؿ

كأنيا ممالؾ األرض، بينما األفغاني يحمؿ جريدتو ويدور كانت الدمى تتحرؾ أماـ العجوز

لمخميفة ومحذرا مف الغرب، والناس يتحزبوف مف حولو، ولكؿ طريقتو بيف الناس داعيا

فيذا محمد بف عبد الوىاب في الدرعية يطمبيا في سيرتيا األولى، ال أضرحة وال ومنياجو،

ولي الديف حموال وال شجر، وىذا محمد بف نوح في المدينة يدعو لوحدانية كاممة، وذاؾ

اإلسبلـ، ويقيموف بيف الدىموي في اليند يبطؿ صبلة الجمعة ألنيـ مرابطوف عمى حدود

العراؽ، والميدي في السوداف، و قـو يعبدوف الشجر والقمر والبقر، وىذا األلوسي في

بقاع األرض قسوة ليعود فيفتح الدنيا مف السنوسي في جغبوب يتطير مع أصحابو في أشد

بالشيئيف معا، يقوؿ بالغرب والشرؽ معا، يقوؿ جديد، وفي ركاب األفغاني تمميذ يقوؿ

عبائتو وىابيوف رشيديوف ميديوف، ومف طرفيا اآلخر بشطري متوسط معا، فيخرج مف

ادخموا حربا ال : والخميفة في نزعو األخير يصرخ في جنوده حزميوف متأنقوف متفرنسوف،

.تبقي وال تذر

في متاىة، والخميفة عمى كرسيو يمؼ تبغو وينظر كانت الدمى تسعى في كؿ اتجاه كأنيا

العجوز لبكائو وضعفو، بكى لصمتو كؿ ىذه السنيف وغفمتو إلى جده الفاتح ثـ يبكى، بكى

عيني الصورة المعمقة عمى صدر العرش فرأى ممكا يعرفو، نصحو عما حولو، ونظر في

األفغاني سمطانو أال يستعيف بالفرنجة عمى مسمـ ميما كاف خروجو، لكنو أبى، كما نصح

في وجو فضيع حـر اهلل وقدس اهلل وأمف اهلل، فانتفض مف بكائو يقتمع الدمى ويقذفيا

.هلل قاتموىـ حتى ال تكوف فتنة ويكوف الديف كمو: الخميفة الصامت صارخا

(22)

الديف أكثر ثقة وقوة، بؿ يمكنني القوؿ أنني أصبحت العبلقة بيني وبيف خالي بياء

واسع اإلطبلع، دمث الخمؽ، عالـ بطباع النفس البشرية، اكتشفت الرجؿ مف جديد، مثقؼ

مف يتعامؿ معو مف الكممة األولى، أما عبلقاتو فيي خارطة تسعى تاجر دؤوب ماىر يفيـ

يمكنؾ أال تجد لو معارؼ وصبلت في أي مكاف، ال يمكنؾ أف تتوقع مف عمى األرض، ال

بدءا مف رئيس المكاف حتى أصغر عامؿ فيو، كريـ إلى حد اإلسراؼ، أنيؽ حتى صديقو

إلى مف ال يعرفو يعتقده واحد مف نجـو السينما، لبؽ بدرجة متحدث رسمي، ومتواضع أف

أراه الوحيد الذي حد عشؽ الحياة بكؿ ألوانيا ومف فييا، قضى شبابا نزقا حتى أنني كنت

إلى خشية اهلل في ذرة عاش حياتو كاممة دوف سؤاؿ عف جنة أو نار، لكف ورعو يصؿ

والتصدير في بيروت، وكانت أموره حيف اختاره والدي كاف صاحب مكتب لبلستيراد. تراب

تقريبا كؿ عمؿ مكتبو، في النياية صارت متعسرة، تعامؿ معو في عدة صفقات، كانت

أمامو سوى أف يستنجد بالرجؿ الذي توطدت الديوف تحاصره مف كؿ جانب، لـ يكف

مقابؿ المكتب نفسو، لكنو رفض أف يكتب عقدا بذلؾ، عبلقتو بو، فدفع ديونو كاممة في

أفضؿ الطرؽ لحثو عمى العمؿ بجد، أما بياء الديف فقد كانت وجية نظر والدي أنيا

المكتب ولـ يعد أمامو سوى أف يعمؿ موظفا فيو، دارت العجمة أعتبر نفسو قد أضاع

واحدا مف أىـ مكاتب االستيراد والتصدير وتشغيؿ العمالة في بيروت، وأصبح المكاف

األمر ليدخؿ ىذا المكتب في العديد مف األعماؿ األخرى كالمقاوالت والتعميب توسع

أبي أختو في والوساطة في الصفقات وغيرىا، لكف أيا منيما لـ يغير وجية نظره، حيف رأى

قاؿ يا صاحبي أنت إحدى زياراتو لمنزليـ شغؿ بيا، ولمح بياء الديف ذلؾ في عينيو،

ىذا لمرفض فتفسد عبلقتنا، متزوج مف كثيرات ولؾ العديد مف األوالد وأخشى أف يعرضؾ

موافقتيا السريعة مدىشة لبياء الديف الذي كانت. ال عميؾ، اسأليا فقط: ضحؾ أبي وقائبل

وزيجاتو العديدة وأطفالو الكثيريف، لكنيا لـ تسمع لكؿ أخذ يشرح ظروؼ أبي وسفره الدائـ

المساء، لـ يتوقؼ أحد فيما بعد أماـ فكرة شيعي وسني سواي، فقد ذلؾ فعقد عمييا في

وصارت ىي حريصة كؿ الحرص عمى أال تثير أمر طائفيتيا في مجتمع توارى األمر

كثير مف األحياف إلى التشدد، أما أبي فمـ يكف ييمو شيء، ولـ يكف ىناؾ سني يصؿ في

.يستطيع االعتراض أو التفوه بغير ما يريد أف يتفوه بو مف

سعيد لي بأمر بياء الديف صار خالي الفردوس الذي بعد عممية نقؿ الكمى ومصارحة أبي

أف أقوؿ أف العبلقة بيننا لـ تعد خاؿ وابف أختو ولكف أبحث عنو عمى األرض، أستطيع

حياة اآلخر، وصارت أحاديث العمؿ اقؿ األحاديث بيننا، قاؿ أف صديقيف أنقذ كؿ منيما

سعيد جاءت مف خبلؿ أبي، كانا قد تعارفا منذ زمف حيف أراد أبو سعيد ترميـ عبلقتو بأبي

بعض وبناء عدة مساجد في أوربا، لـ تكف أحوالو ميسورة وكاف الدعـ الذي يجيئو مف

إلى جدة يطمب الحكومات العربية واإلسبلمية قميبل في ذلؾ الوقت، فتوجو الرجؿ مف فوره

ـ حظي بمحبة وحفاوة شديدة منو، ففي أوؿ لقاء بيننا أخبرني أف مقابمة والدؾ، وال أعمـ ل

البدء استفدت مف كوف المكتب ما زاؿ أتكفؿ بكؿ ما يريده عمى أال نظير في شيء، في

ممكي فأخذت في تدبير أمور الرجؿ، أصبحت باسمي والعمبلء يتعامموف معي عمى أنو

أبيؾ يمتقيو أـ ال، لكنو كاف دائما يؤكد عمى أف حمقة الوصؿ بينيما، وال أعمـ ىؿ كاف

نظير في شيء، وكاف ىذا أمر عصيب في البدء، فكؿ الحسابات نفعؿ ما يريده دوف أف

ومعروفة لمجميع، والعمبلء ال يعرفوف سوى توقيعاتنا نحف، لكننا تجري بطريقة طبيعة

أخذنا نغير مف عادات ومسارات أموالنا وحساباتنا بتعقيد يصعب مف خبللو بمرور الوقت

مف أيف جاءت وأيف صبت وكيؼ أنفقت ومف قاـ بصرفيا ومف قاـ بإيداعيا، وكاف معرفة

شخص، ىذا التعقيد يسمح لنا بإمداد الرجؿ بكؿ ما يريد في أي مكاف ومف خبلؿ أي

ودارت شبيات حوؿ وأيقف الجميع في النياية أنني وحدي المسئوؿ عف ذلؾ مف وراء أبيؾ،

الذي لـ نكف نتصور عبلقتي بالرجؿ وغيره، ووصمت رائحة ىذه الشبيات إلى الشخص

أف يفصح لمثاني بسره، وصوليا إليو، وىو أمؾ، وكاف كبلنا كما رأيت عمى حرج مف

ومف ثـ فقد : قمت. المسئولية بنفسؾ فأخذنا ندفع بالعجمة سويا دوف اتفاؽ نحو تحممؾ

لكف : قمت. لـ يكف أمامي سوى ذلؾ: فأجاب رتبت أمر الرجؿ كي يمتقيني في باريس؟

نكف نتوقع قبولؾ األمر فأخذنا نتحسس الخطى حتى لـ: قاؿ. األمر أخذ وقتا طويبل

.يطمئف قمبؾ

(23)

طريقيا مجددا إلى باكستاف، صحبني بياء الديف في توقفت الطائرة في روما قبؿ أف تتخذ

تركني بصحبة واحد مف كبار الميندسيف وفريؽ عمؿ ال يزيد النصؼ األوؿ مف الرحمة ثـ

وصمت كاف في انتظاري عدد مف الباكستانييف يرتدوف الصديري عف عشرة رجاؿ، حيف

وسرواؿ وعمائـ بيضاء، نظرت في كؿ الوجوه مف عمى سمـ الطائرة الرمادي عمى قميص

عف أبي سعيد، لكنو لـ يكف ىناؾ، استسممت لقدري ونزلت، كاف في مقدمتيـ باحثا بينيا

ربعة أبيض الوجو يبتسـ بألفة شديدة كأنو يعرفني منذ سنوات، حيف سممت عميو رجؿ

تتعرفني؟ أال: جذبني إلى صدره وتعمؽ يقبمني، حيف انتيى أعادني أماـ ناظريو وقاؿ

مجد : بقوة لحظتيا دققت في وجيو، إنو ىو، نعـ ىو، صحت وأنا أضمو إلى صدري

معو، جميعيـ أخذني وراح يعرفني عمى الشيوخ الذيف. نعـ مجد يا رجؿ: قاؿ! الديف

الشاب الوحيد بينيـ، عجائز بمحى طويمة وشوارب محفوفة وعيوف شاخصة، بدا لي أنو

الكيمو مترات في الجباؿ، خرجنا مف المطار واستقممنا عربات جيب أخذت تقطع عشرات

مديرا لمدرسة الطالباف، ومف ثـ فقد سألتو عما يحدث وما الذي أتي بو، قاؿ أنو أصبح

أبو سعيد بالمجيء الستقبالي، سألتو عف الرجاؿ صار شيخ الشيوخ كما يقولوف، وقد أمره

قاؿ منطقة تجمع المجاىديف . أعرؼ:ضحكت وقمت. بيشاور ىذه: والصحراء والجباؿ فقاؿ

عميؾ أف تيتـ : عرفتو عمى رفيقي الميندس فرحب بو قائبل . اإلسبلمي الوافديف مف العالـ

.أومأ الرجؿ بابتسامة ال تنبئ عف شيء. ال تترؾ كبيرة وال صغيرة دوف دراستيا بكؿ شيء،

بنا السيارة وصمت. سألتو ما عبلقة مدرسة الطالباف بالجياد؟ قاؿ نتناوؿ الغداء ثـ نتحدث

خطوات حتى وجدنا ترجمنا وسرنا بضع. أخيرا إلى منطقة قاحمة عمى ظير جبؿ صغير

عدد مف الصناديؽ الخشبية، مدخبل يشبو دبر البعير، دلفنا منو إلى خارطة كبيرة أسفميا

منو إلى غرفة بيا منضدة وجياز ال كاف المكاف كما لو أنو حفر في عنؽ الجبؿ، دلفنا

عمى . غرفة قيادة: ما كؿ ىذا؟ قاؿ ضاحكا قمت. سمكي ومجموعة مف البنادؽ والرشاشات

منذ سنوات فمسفتيا، فمـ تعد مجرد مدرسة لتعميـ الغداء قاؿ أف مدرسة الطالباف غيرت

والشريعة والمذاىب، لقد صارت بفضؿ أبي األعمى الطبلب أصوؿ الفقو والحديث

سعيد معمبل لتخريج مجاىديف مناضميف ضد السوفيت المودودي وسيدي عبد اهلل أبي

اهلل رأى أف الجياد ليس شئنا داخميا عمى شيوده العياف القياـ المبلحيد، لكف سيدي عبد

قاـ بجوالت في العالـ اإلسبلمي وغير اإلسبلمي إلقناع الحكومات والتنظيمات بو، ومف ثـ

بقاع والجماعات بمدنا بالماؿ والرجاؿ والسبلح، وصار عدد المجاىديف الوافديف مف

بحاجة إلى مكاف أوسع األرض أكبر مما تحتممو إمكاناتنا في التدريب واإلقامة، فرأى أننا

عدونا، وأظنؾ المرشح ليذا وتجييزات أكبر لنقؿ الجياد إلى مرحمة نستطيع فييا دحر

لكنني لـ أعمؿ في الصحراء مف : قمت .العمؿ بحكـ خبرتؾ وما لديؾ مف ميندسيف وفنييف

تريد قاعدة الستقباليـ وتدريبيـ : قمت. الديف معؾ قاؿ أبوؾ عمؿ بيا ويكفي أف بياء. قبؿ

عبلـ الضحؾ؟ : ثـ ضحؾ، سألتو! قاعدة... بالضبط: القتاؿ؟ قاؿ ثـ توجيييـ إلى أماكف

سيدي عبد اهلل وأنا ػ عف ىذا الحمـ ولـ نجد الكممة التي تعبر عما نحمـ كنا نتحدث ػ: قاؿ

ضحكت .بؿ اإللياـ: قاؿ. مصادفة تستحؽ الضحؾ حقا : قمت. وىا أنت قد نطقت بيا بو،

وتصفييـ، حتى ال تعجب فأنت ال تعرؼ الصحراء، إنيا تعري الناس: قاؿ. مف مبالغتو

الشمس، فينطؽ ويفعؿ في أنيا تجعؿ كؿ ممكة وىبيا اهلل لواحد مف عباده واضحة وضوح

خبللو مجد الديف بأشياء حؿ بعد ذلؾ صمت شغؿ. لحظة ما يبحث عنو اآلخر سنوات

كؿ الخير، قدومؾ فأؿ حسف، : قاؿ خيرا؟: تخص الرجاؿ، عاد بعدىا متيمؿ الوجو، قمت

: قاؿ. قد يرد الروس بعنؼ: قمت. كبيرة لقد كبد الرجاؿ اليـو مبلحدة الروس خسائر

ونعرؼ كيؼ نختبئ في أحراشيا حتى تمر متوقع، لكننا نعرؼ الصحراء أكثر منيـ

كاف موسى ابف نصير شيخا : في ىذه السف؟ قاؿ ىؿ يغزو أبو سعيد وىو: سألتو. حممتيـ

كاف مع موسى طارؽ ابف زياد، وقد عبر المضيؽ : قمت .في السبعيف حيف فتح األندلس

لو رأيتو في الميداف ألشفقت عمى : جديد عف أبي سعيد جذبني مجد لمحديث مف. قبمو

اهلل المسموؿ في القادسية، يقتؿ مف يقتؿ ويسبي مف يسبي ويرسؿ الروس منو، كأنو سيؼ

حيف انتيى مف جممتو نظر في عيني كأنو عاد. والبشارة إلى أبي بكر في المدينة باألمواؿ

الغزو مات يا صاحبي مف مات ولـ يغز ولـ يكف في نيتو: لتوه مف زمف الفتوحات قائبل

إلى األبد، وأنني شعرت لحظتيا أف عمارة ابف الوليد انتيي مف حياتي. ميتة جاىمية

والناكثيف، فرأيت عميا ابف أبي استقبؿ رجبل زاىدا نذر نفسو لحرب القسطيف والمارقيف

عمى التأويؿ كما حارب رسوؿ اهلل عمى أمرت أف أحارب: طالب يخطب عمى منبر الكوفة

وماؿ عمى، مالي وماؿ حرب ال أرضي فييا مالي: التنزيؿ، فصرخ بداخمي شخص ما

.!عمى األمـ في كؿ زماف ومكاف أحدا، وال يرضيني فييا أحد، فتختمؼ

ما بؾ يا رجؿ؟ : أتداعى كجدار متيالؾ فاحتضنني حيف التفت مجد الديف نحوي وجدني

توكأت عمى الرجؿ مجرجرا قدماي . حائط أستند عميو قمت لقد صرت كيبل، خذني إلى

وحرارتي تعمو وتيبط، جسدي ىنا ونفسي موزعة بيف معاوية نحو الكيؼ، أغفو وأصحو

ويحؾ : وأنا أرى عمار بف ياسر يحمؿ حجريف فيصرخ فيو رسوؿ اهلل وعمى، قمبي يرتجؼ

تقتمؾ الفئة الباغية يا عمار، وأنت مذ ذاؾ ! الناس حجرا وتحمؿ حجريف يا عمار، يحمؿ

أتذكر :وتمر السنوف وتشتعؿ الفتف، فأرى عميا يخرج لمزبير قائبل . الحؽ والحؽ معؾ مع

نؾ ستقاتمو يـو قمت لـ يفارؽ أبف أبي طالب زىوه القديـ، فقاؿ لؾ رسوؿ اهلل ليس بو زىو وا

أتي، ليخرج في الصباح مف جديد فيموي الزبير عنؽ جواده ويعود مف حيث. وأنت لو ظالـ

أقاتمؾ وتقتمني الفئة : يا عمار؟ فيقوؿ أتقاتمني: فبل يجد غير عمار ابف ياسر، فيقوؿ

وأسمع . ال أقتمؾ وال تقتمني وال أكوف مع فئة باغية واهلل: فيعتزؿ الزبير الحرب. الباغية

ف يا ابف ياسر: رسوؿ اهلل ذا صعد جببل فاصعد خمفو، وا إذا سمؾ عمي واديا فاسمكو، وا

واديا وسمؾ الناس غيره فاسمؾ مع عمي، فإنو لف يدليؾ في ردى ولف يخرجؾ مف رأيو سمؾ

خمؼ عمى، فأري عمارا وقد بمغ الثمانيف يمتطي جواده ويحمؿ سيفو قاطعا الفيافي. ىدى

عنيا رسوؿ اهلل، وعمرو فأيف عمار يا عمي؟ قتمتو الفئة التي قاؿ. لكف عميا يعود وحده

لكف رسوؿ اهلل يقوؿ ! اهلل يا عمار؟ فيؿ قتمؾ رسوؿ. قتمو الذي أخرجو: ومعاوية يقوالف

أف العباس وولده سيخطبوف عمى منبري ىذا صبرا آؿ ياسر فإف موعدكـ الجنة، وعزائي

.أمية بعد أف تنز عميو القردة مف بني

حتى يجئ أبو سعيد عمى جواده كفارس مف زمف غابر كاف عمييـ أف ينتظروا ثبلثة أياـ

" يسف والقراف الحكيـ إنؾ لمف المرسميف"عرقي براحتو ويتمو يمقي عمى وجيي رداءه ويمسح

وأدور مع رجالي في جولة طويمة حوؿ المكاف، . كأف شيئا لـ يكف فأنيض مف مرضي

ونأخذ الصور ونرسـ الخرائط حتى شعرت أنني أنجزت مالـ أنجزه طواؿ نجس األرض

فتركتيـ ورحت أناقش مع أبي سعيد صعوبة العمؿ في مكاف مكشوؼ، فطرؽ حياتي،

ىدأ مف روعؾ يا ابف أخي، فكؿ ما نحتاج إليو مكاف لتدريب: براحتو عمى كتفي الرجؿ

وراح يحدثني عما استغمؽ عمى مف أمر عمى وعثماف وأبي بكر وعمر، كاف. الرجاؿ

ورأيت كنافذة أطؿ منيا عمى عالـ غابر كأنني أعيش فيو، حتى نزلت الشمس مف مركبيا

غدا لـ يأت إال بعد غدا نكمؿ ما بدأنا، لكف: مف يسعى بجواده خمفنا، فاستدار نحوي قائبل

.شيور طويمة

(24)

أعمالنا وتوجييو إلى شبو القارة اليندية، لكف األمر لـ يكف بدأنا التفكير في سحب جزء مف

تصورناىا، فأمواؿ المجموعة متضاربة ومختمطة إلى حد بعيد، ولوال ما بالسيولة التي

أمي وخالي مف معارضات قديمة لييمنة أخي األكبر سالـ لكنا ضيوؼ شرؼ كما بذلتو

الوصاية الذي يقولوف، لكف سالما توفي في حادث مشابو لحادث أبي، ولـ يبؽ إال مجمس

قوة أمي وعبلقاتيا بنساء كونو الممؾ لمحفاظ عمى اإلمبراطورية التي تركيا صديقو، جعمتنا

سالـ لمسيطرة عمى كؿ شيء، وحيف البيت الممكي قادريف عمى الوقوؼ في وجو محاوالت

لكف ىذا كاف ظاىريا، ألف الحسابات تقدـ توفي صرنا نحف الفاعميف األقوى في المجموعة،

الوصاية الذي يبمغ ولي العيد بكؿ شيء، أخذت بشكؿ سنوي لمجمس العائمة، ثـ مجمس

بياء الديف، يوميا كاف الرجؿ يدخف بشراىة وكأنو مقبؿ في تدارس كؿ ىذه األمور مع

ىؿ يمكف أف نمغي مجمس الوصاية، فطأطأ رأسو : حياتو، سألتو عمى أكبر مشروعات

تعجبت مف اىتماـ. ال بد مف موافقة الممؾ شخصيا : قاؿ! فمـ ال نفعؿ؟: قمت .ممكف: قائبل

فرصة لمخروج ألف والدؾ صاحب فضؿ عمييـ، وجدتيا: الممؾ الزائد بأمورنا، فابتسـ قائبل

كاف يريد أف يستميـ كيؼ ذلؾ؟ ويبدو أنو: مما نحف فيو، فتظاىرت بأنني ال أعرؼ القصة

مبيـ في سقؼ الحجرة مف روح صاحبو الحؿ األمثؿ لمشكمتنا، فرفع وجيو نحو شيء

قد فتح خزائنو لمناصرة بدر كانت الحرب بيف ناصر والبدر عمى أشدىا، وسعود: قائبل

رواتبيـ ميدده، فرأوا أف يخمعوا ضد ناصر، مما جعؿ الخزانة تفرغ، وشعر األمراء أف

ىذا، لـ يكف أماميـ سوى البحث عف رجؿ سعود ويجعموا فيصبل مكانو، لكف كيؼ يحدث

طيبة، ولـ يكف ىناؾ سوى والدؾ، فذىب إليو قائبل أف ال ناقة لو وال جمؿ، وعبلقتو بسعود

لمدة شير مف اآلف سيواجو بثورة ال يعرؼ مف أيف ستأتيو، فقد مف سيجمس عمى الكرسي

وأصبح األمراء ميدديف بوقؼ رواتبيـ، وىذا ال يرضييـ بأي شكؿ، فما فرغت الخزينة،

مواجية بالجنود والسفارات والعامميف في الدولة، وما بالؾ بالغرب الذي يدعمنا في بالؾ

الرياض، وال نعرؼ ما ناصر، ذلؾ الذي يريد أف يستتب لو األمر في اليمف كي يقفز عمى

الذي سيدبره األمراء لمف قطع الذي يدبره مف المكائد لمجالس عمى ىذا العرش، وال ما

الببلد ثورة أو انقبلبا أو تدخبل أجنبيا، رواتبيـ، وفي النياية لف يمر شير حتى تشيد

ىذه المآسي لو لـ تبحثوا عف شخص غير مدرؾ لحقيقة وسوؼ يرتبط اسـ جبللتكـ بكؿ

رأى الجميع أنو المسئوؿ عنيا، وأنو ليس ىناؾ أفضؿ مف األمر، فإذا وقعت الواقعة

المممكة، ساعتيا سيطالب الجميع بعودتكـ لتنقذ الببلد مف إفبلسيا وما جبللتكـ إلدارة

يصؿ يوميا فكر الرجؿ بعمؽ وحزف ثـ سأؿ عف مصيره، فأخبره أنو يمكنو أف. يتيددىا

وافؽ الرجؿ كمف يمضى عمى شروط. مع األسرة إلى حؿ يضمف لو الحياة كممؾ

.استسبلـ، فأعمف في اليـو التالي تنحيتو عف المسئولية وتولي فيصؿ الحكـ

كاف فيصؿ مرعوبا مف أف يكوف : استطرد في سرده قائبل حيف رأى خالي اىتمامي بحديثو

الظروؼ، وىنا جاء دور والدؾ لممرة الثانية، فقاـ بدفع رواتب العامميف ممكا في مثؿ ىذه

يكف ىذا ومستحقات األمراء، وسدد التزامات المممكة وكأف الخزينة تفيض باألمواؿ، ولـ

بالتنقيب عف آبار جديدة كؿ شيء، فقد قاـ بجوالت مكوكية ليقنع عددا مف شركات البتروؿ

الفارغة، كاف والدؾ أشبو برئيس وزراء وتوقيع عقود يدفع بمقتضاىا ما يموؿ الخزينة

ويفعؿ ما يشاء، وبدوره كاف يقاتؿ كما لو كاف أماـ المممكة أو ولي العيد، يتصرؼ ويأمر

فمـ تكف أمور المنطقة مغرية ألي مف شركات البتروؿ في ظؿ التحدي الحقيقي في حياتو،

بيف ناصر والمممكة، لكف والدؾ كاف يموح لمشركات الغربية بطمبات عقود الحرب الكبلمية

إدارة وفي اليـو التالي يموح بطمبات عقود مشابية مف الواليات المتحدة أماـ مجالس روسية،

الشركات حقوؿ الشركات الروسية، وظؿ الرجؿ ينفؽ عمى المممكة حتى اكتشفت ىذه

الجميؿ فأعطتو كؿ بتروؿ جاءت أكبر مف كؿ التوقعات، ولـ تنس األسرة الحاكمة ىذا

.عقود اإلنشاءات وتركتو يتحرؾ كواحد مف البيت الحاكـ

شاىد عياف عميو، وكنت سعيدا بالسماع عف بطوالت كاف الرجؿ يسرد وقائع تاريخ كاف

ىؿ ىذا كؿ ما فعمت المممكة لمرجؿ الذي جاىد : المزيد، قمت فأخذت أحثو عمى. أبي

ال تكف ظالما فما فعمتو وتفعمو كثير، فقد أعادت لو: أجميا؟ فابتسـ قائبل بمالو ونفسو مف

تنافس في أموالو كاممة حيف استقرت األمور، وساعدتو كي يصبح ىذه اإلمبراطورية التي

نذر هلل أنو لو أعطاه العالـ، ومع ذلؾ فحيف ذىب والدؾ ليقوؿ لفيصؿ أنو في سنوات فقره

ونحف ىؿ ليس : الخاصة، ضحؾ قائبل الماؿ والولد ليجددف الحرميف ويوسعيما عمى نفقتو

إذا نفعؿ كؿ : قاؿ الممؾ. شيء ممؾ جبللتكـ كؿ: لنا في ىذه المكرمة مف شيء؟ فابتسـ

وأنا خادـ الحرميف، فماذا : قاؿ فيصؿ. ىذا نذري أنا يا موالي: قاؿ. ما تريده بالنصؼ

.لؾ ما تريد: قاؿ. المسجد األقصى وحدي إذا أجدد: قاؿ! نفعؿ؟

، صار كانت حالة بياء الديف النفسية قد صارت عمى عكس ما كانت عميو في بدء اليـو

بأريحية كبيرة، ويعامؿ الناس بمطؼ شديد، حيف الحظت مرحا منتشيا يرد عمى الياتؼ

لكننا مازلنا لآلف في ورطة، : ونعومة النفس الخارج مف سيكاره قمت ىذا التغير عمى وجيو

غدا : كيؼ؟ قاؿ: قمت. ليس ىناؾ مستحيؿ: طويبل ثـ نظر إلى النافذة قائبل فسحب نفسا

المممكة أذىب إلى ولي العيد ألقنعو بأف العمؿ مع المجاىديف محاط بالشبيات، وقد يوقع

عف الذيف بمغوا في مأزؽ لو تسرب خبر عف دورىا في ذلؾ، ومف األولى أف نرفع الوصاية

الوصاية وال الرعاية سف الرشد، حتى يكوف دخوؿ أبي عبد اهلل دخوؿ ليس ال تشممو

بعيدة عف الشبيات، خاصة وأف الممكية، فإذا وقع ما نخشاه كانت المممكة وسيادتيا

حيف سمعت عباراتو ورأيت طريقة .عبلقات الروس بمجنوف العراؽ عمى أفضؿ ما يكوف

معؾ حؽ، أنت داىية يا بياء، وأنا : قائبل أداىا عدلت مف جمستي، واتخذت موقؼ الممؾ

.سأجعمؾ وزيرا لمخارجية

(25)

قاليا مجد وسكت، كاف وجيو وصوتو ممتمئاف بالحزف، "أحد يعمـ الغيب إال اهلل ال"

مشكبلت عصيبة عمى الجباؿ، لـ أشأ أف أدخؿ في تفاصيؿ شعرت أف الرجؿ يعاني مف

أنظر نحو الرجاؿ الذيف يبنوف منزال مف ثبلثة طوابؽ، قاؿ أبو قد تزيد مف حزنو، فرحت

مف الخارج كبيوت الباكستانييف ومف الداخؿ كبيوت المصرييف، لـ أفيـ ما أريده: سعيد

البناء في بالضبط لكنني قمت لؾ ما تريد، وأدليت برغبتو لمميندس المسئوؿ، حيف بدأ يعنيو

أشأ أف أحرميـ مف االرتفاع كاف الرجاؿ يرونو أوؿ منزؿ لسكناىـ في ىذه الببلد، لـ

لكـ : قمت لمجد بعد برىة .رغبتيـ فأمرت ببناء بيت آخر في بيشاور عمى نفس النموذج

. بقيمتيا لو أفصح عنيا قبؿ أوانيا ال تحتفظ المفاجأة: قمت. ىاتيا: قاؿ. عندي مفاجأة

العماؿ مف البناء، أخذتيـ إلى البيت الذي كاف عمييـ أف ينتظروا عدة أياـ حتى ينتيي

أعجب الرجؿ بو فقاؿ سنقيـ ىنا إف شاء اهلل، قمت طمبو أبو سعيد وقمت ىذا ما أردت،

ولمقادميف بأسرىـ، قاؿ نتحمؿ بعضنا بعضا حتى يأتي الوقت لكف المكاف لف يتسع لكـ

المدف، قمت تعاؿ معي، ركبنا عربة كانت بالقرب مف المبنى، وذىبنا ويفتح اهلل عمينا

مف األمتار، قمت ال يحسف أف يكوف القادة وأسرىـ عمى مقربة مف القادميف بضعة مئات

: غيرىـ، قاؿ الذيف ال نعرؼ عنيـ الكثير، ربما كاف مف بينيـ مف جاء لصالح الروس أو

المنزؿ السابؽ فيو ىذا ىدية لممجاىديف وأسرىـ، أما: معؾ حؽ لكف ماذا نفعؿ؟ قمت

ونحف أيف : ضحؾ الرجؿ قائبل .لموافديف مف كؿ مكاف، يقيموف فيو حتى يخرجوا إلى القتاؿ

تمتـ . أباد، فيذا أحوط ليف وأنجى ال ضير أف تنتظر نساؤكـ في إسبلـ: وضعتنا؟ قمت

ىؿ كاف ىذا ما كنت تفكر فيو منذ أياـ؟ قاؿ :قمت. نعـ ال أحد يعرؼ الغيب: مجد الديف

: ما ىو؟ قاؿ: قمت. وال يريد محادثتؾ في شأف يخصؾ ال، فمجد عاتب عميؾ: أبو سعيد

وأنت تعمـ ما بينو وبينيـ مف خبلؼ، فيـ يروف مجدا ورجالو اتصالؾ بغيره مف المجاىديف

الجياد، يستقطبوف منيـ المجاىديف وال يحققوف شيئا، فييدروف الجيد والماؿ دخبلء عمى

أشقاء في لـ أكف أعمـ بكؿ ىذا الخبلؼ القائـ عمى األرض، كنت أتصور أنيـ. ببل معنى

فمماذا ال توحد الجيود؟ :الجياد، ومثمما يأتي المجيدوف إليو فيناؾ مف يذىبوف إلييـ، قمت

األكثر عددا وأوسع مساحة، لذا ألف األمر يدار بشكؿ قبمي، ومجد مف البشتوف: قاؿ

أدركت أف الصراع الخفي . ينازعيـ مكاسبيا يريدوف تحييده، حتى إذا ما انتيت الحرب ال

ىؿ : لـ يكف إال لرأب الصدع، فتيمؿ وجو مجد قائبل أكبر مف المعمف، قمت أف لقائي معيـ

وىـ يحتاجوف لما نحتاج إليو، يريدوف السبلح والعتاد : فقط؟ قمت كنت معيـ مف أجؿ ىذا

عادت. وأماكف لمتحصف خمفيا، وىذا عمؿ ال يمكنني أف أتأخر فيو عف أحد والرجاؿ

: قاؿ لو .أساريره إلى تجاعيدىا مف جديد، فغمزت بعيني ألبي سعيد ناحية الوجو المكفير

األمـ باألمواؿ ىؿ يضيركـ أف ترجع: ال تغضب إنو يعمؿ في صالح الجميع، قمت مازحا

قمت وكأف .! ما زاؿ يمزح :وترجعوف وفيكـ أبو عبد الرحمف؟ قاؿ وىو ينظر إلى أبي سعيد

ضحؾ أبو ! زىوه القديـ مازاؿ ابف أبي طالب لـ يفارؽ: العبارة كاف يجب أف تصاغ ىكذا

نؾ ستحاربو وأنت لو: سعيد ونظر ناحية مجد قائبل ىنالؾ انتبو مجد مف شروده . ظالـ وا

آخر يـو في حياتي ما فعمت، ولو أجبرني العالـ لو كاف: ورفع رأسو ناحية أبي سعيد قائبل

وأيف أنا مف : قاؿ مجد. إننا نمزح: قاؿ أبو سعيد. تمتد إليو عمى ىذا لقطعت يدي قبؿ أف

قاؿ واإلمامة. قاؿ مجد أو لست ابف امرأة منيـ؟ قمت بمى! وىؿ أنا عمي؟ :قمت. الزبير

مف : سعيد قاؿ أبو! قمت ماذا؟. فقد نص عميؾ أبو سعيد: قاؿ. بالوراثة والنص؟ قمت بمى

وىناؾ أمور ال اليـو عميؾ أف تجيز نفسؾ كي تأتي إلي ىنا، وجودؾ أصبح ضرورة معنا،

ودعاة ومصالح في شتى أرى مف يصمح ليا غيرؾ، فقد شغمني حمؿ السبلح، ولنا مريدوف

نحف كالزيدية نشترط وجوب : قائبل ضحؾ. يمكنني أف أفعؿ ما تريد مف ىناؾ: قمت. الببلد

ما أغضب مجد؟ ىنالؾ توقؼ أبو سعيد عف ىؿ ىذا: قمت. خروج اإلماـ حتى تتـ إمامتو

األيمف، وأخذ مجدا تحت إبطو األيسر وجعؿ السير ورفع ذراعيو، ثـ أخذني تحت إبطو

الغيب إال اهلل، ربما تكوف اإلمامة فيؾ، وتكوف اإلمارة في ال أحد يعمـ: وجيينا متقابميف

!تجوز تولية المفضوؿ مع وجود األفضؿ؟ مجد، أو ليست

(26)

اتجاه، فراح بياء الديف ينثر رجالو كي يقيموا مؤسسات كاف عمينا أف نتحرؾ في أكثر مف

العالـ تحسبا لتوقؼ التمويؿ في أي وقت، مف جانب آخر رحنا اقتصادية في شتى أنحاء

قناع أمي بأف األمر جد ميسور وال خوؼ عمى في نجيز لعدـ تواجدي في المممكة وا

في بيشاور فقد بنينا معسكر الوعد الحؽ ومعسكر القادسية، واستأجرنا عدة شيء، أما

منزال في لسكنى األسر بعيدا عما يدور عمى الجبية وأخبار القتاؿ، كما استأجرنا بيوت

بالوثائؽ والماؿ ليتوجيوا إلى مكة الستقباؿ الوافديف مف شتى البمداف، وفيو يتـ تزويدىـ

عمى استئجار بيوت مشابية في اليمف بيشاور عبر طرؽ ومسارات مختمفة، اتفقنا أيضا

مف يريدوف التوجو لمجياد، أما القاىرة فقد كاف وبيروت والجزائر لتمقي المعونات ومساعدة

موروثة منذ عبلقة التممساني بأبي سعيد، فعف طريقو وقفت الجماعة لنا فييا رجاؿ وتقاليد

مف اعتقميـ عبد الناصر، ولما كاف دخوؿ مصر غير ميسور لمرجؿ فقد بعث بجانب أسر

اذىب فقد حرثت: صالح سرية، كاف ذلؾ في منتصؼ الستينات، قاؿ لو أبو سعيد بمواطنو

اإلسبلمية، األرض وتييأت لمزرع، فنزؿ سرية في زي طالب عمـ لتجييز المجتمع لمثورة

بيجرة المجتمع فراح يضرب في كؿ مكاف مؤسسا ما استطاع مف جماعات، بعضيا قاؿ

صالح لكف فساد الراعي واعتزالو إلعداد العدة وفتحو مف جديد، وبعضيا قاؿ أف المجتمع

العقؿ، كانت فرصة سرية لتفجير كؿ يفسد الرعية، وعمى مف يريد تغيير البدف البدء بتغيير

قطب إلى طبلب الجامعات والمدارس، فقاؿ أف ىذه األفكار كبيرة بعدما وصمت افكار سيد

وقد أوقؼ أبو بكر مجاىدة الرـو والفرس حتى يجاىد الجياد يجوز في الداخؿ والخارج،

الوليد السيؼ الذي يسره اهلل لو، فمف لـ يكف خالدا فعميو أف المرتديف، وكاف خالد بف

خالدا، ومف لـ يغز ولـ يكف في نيتو الغزو مات ميتة جاىمية، ومف لـ يتمنى أف يكوف

."ألـ تكف أرض اهلل واسعة لتياجروا"فقد قاؿ هلل يستطع

الكممات عمى الزيت في جوؼ الظممة الناصرية، ولـ كاف سرية حكيما يعرؼ كيؼ يصب

ورجالو ليقضي بيـ عمى فموؿ الزمف السابؽ، فخرج يجد السادات غير التممساني

وانتشروا في األرض يزرعوف ويحصدوف، لكف السادات ما لبث الصابروف مف السجوف،

وكاف التممساني أميؿ لمميادنة حتى . وجية غير التي أرادىا الجميع أف غره نصره فاتخذ

العدة، لكف سرية رأى السادات خرج عمى العيد، والتممساني تخاذؿ عف خطى تكتمؿ

قبؿ أف تقـو فتنة صاحبؾ يفقدنا الكثير، فاسحبو"فأرسؿ التممساني ألبي سعيد قائبل . اإلماـ

وتسميـ األمر لمرحاؿ، لكف سرية رأى ، فجاء األمر لسرية بتسميـ بالخروج"لعف اهلل مف فييا

الفنية العسكرية، وألمر قدره العزيز العميـ أف أواف القطاؼ قد حاف، فدفع بحصاده في

نجاح يذكر، وكاف الرحاؿ أقؿ خبرة ودراية بالعمؿ، فشمت خطتو، وخرج مف مصر ببل

فتنة الزاوية الحمراء، وأمر أبو سعيد بعودة الشيخ الضرير مف فيمؾ التنظيـ الذي قاده في

عبد العزيز ليقـو عمى جمع الشمؿ وتيدئة األوضاع، فأصبح التمويؿ في يد جامعة الممؾ

إحداىا يقودىا الرحاؿ واإلمارة في يد الضرير، وأعاد الرحاؿ تنظيمو القديـ عمى جماعتيف،

الذي أدار الضرير األمر ىو واألخرى يقودىا زميمو القديـ عبد السبلـ فرج، وفي الوقت

فاشتعؿ السادات غيظا وأىاف بحكمة أصدر عبد السبلـ كتابو عف الفريضة الغائبة،

لو أف غيرؾ قاؿ ما قمت لشكوتو "قائبل التممساني أماـ الجميع عمى اليواء، فغضب األخير

نؾ أنت الذي قمت ، وكانت ىذه الكممة بمثابة القوؿ "فإنني أشكوؾ إلى اهلل إليؾ، لكف أما وا

سعيد بجوالت مكوكية بيف الشرؽ والغرب، وأقتنع الجميع بأف الرجؿ قد الفصؿ، فقاـ أبو

لكف الجماعة في الصعيد أيضا خرجت . النص، وكما قيؿ يؤتى الحذر مف مأمنو خرج عف

كانوا النص، معتبريف وقوؼ عبد السبلـ والزمر عند ما فعموه خيانة لئلسبلـ، وما عف

بعدىا نياية لوال يعمموف، وما كاف لمضرير أف يخبرىـ، فكانت النياية التي ما كاف سيكوف

.األمر إلى نصو القديـ أبو سعيد الذي راح في جوالت جديدة ليصوب الخطأ ويعيد

(27)

الشيخ الضرير

خاطفة إلى أفغانستاف، ليس ىناؾ مف جديد، الرجاؿ توقفت الحياة عند حدود زيارات

فشيور الشتاء تكاد أف تكوف ببل عمؿ، والحمـ أصبح محدودا مع يتابعوف عمميـ في كسؿ،

النيراف، وحده أبو سعيد الذي ظؿ مؤمنا بكؿ شيء ويستحثني عمى المجيء، شدة اشتعاؿ

أف وجودي معيـ سيحسـ أشياء كثيرة وسيضبط كفة الميزاف، ال أعرؼ بالضبط عف قاؿ

عمى دراية أية كفة كاف يتحدث، أما خالي بياء الديف فقد ترؾ لي إدارة المجموعة ألصبح

الشيور األخيرة طرح بيا، وشغؿ ىو بفكرة الدفع بالمجاىديف إلى األرض األفغانية، في

أف يغضب ىذا أبو سعيد عمى أف ندفع بيـ إلى جيات كالشيشاف وألبانيا، تخوفت مف

: النصر رغـ سوء األحواؿ، قاؿ المحاصر في الكيوؼ، حيف التقيت بالرجؿ بدا واثقا مف

أمدتني كمماتو . وال تخؼ ألف نصر اهلل قريب كمو جياد واألمر ليس وقفا عمى مكاف بعينو،

رحت أدفع بالعجمة في االتجاه الذي أراده خالي، كانت .بالثقة رغـ ما يشوبيا مف يأس

جيات بعضيا غربي وبعضيا شرقي وبعضيا مف منظمات، كاف األمواؿ تتدفؽ عمينا مف

عمى نحو أو آخر، وكاف بياء الديف يدير األمر بعبقرية لـ أكف أتوقعيا، الكؿ مؤمنا بعممنا

كؿ اقتصادي أغفؿ وجوده البنؾ الدولي فقرر ىو أف يكوف بنكا موازيا، يمعب في كأنو

شيء، ويموؿ كؿ شيء، ويجنى أرباحو وفوائده دوف جيد، صارت األرقاـ تتضاعؼ

كأنو عقؿ والحسابات تتداخؿ وتتشابؾ، ووحده الذي ال يخاؼ منيا، وحده يمسؾ بخيوطيا

حريصا عمى مركزي ال حدود لو، كنت آخذ مف أمورىا عمى قدر وأترؾ عمى قدر، وكاف

. كمما أتيح الوقت لذلؾ أف يعطيني مفاتيح األشياء، ولـ يمنعني كؿ ذلؾ مف المشاكسة معو

فاتح إفريقة : المجيدتيف مف العمؿ قائبل سألتو ذات مرة عف عبد اهلل الشيعي، نظر بعينيو

قمت . لوال أنو انصاع لوساوس أخيو أبي العباس قاؿ رجؿ عظيـ. قمت نعـ! ألبي سعيد؟

: ما في يده وخمع نظارتو ليمسح شيئا عمى جفنيو قائبل وضع! أال ترى أنو كاف عمى حؽ؟

وىو كاف ميسرا حيف نقمو أبو سعيد مف اليمف إلى المغرب قائبل كؿ ميسر لما أتى لو،

حرثت األرض وميدت، وال تحتاج إال لمف يقمي البذور، فذىب وكأنو شيخ اذىب فقد

قالوا لوال ماذا؟: فقاؿ...! يخطب ويعظ حتى فتف بو الناس، قالوا كأنو أنت لوال ضرير،

نا نراؾ ىو لوال أنو مبصر، فقاؿ كاف قبمؾ شيوخ يقولوف أف أواف الميدي قد جاء، وا

فقاؿ أف فكو ... قالوا لوال ، وفعدؿ مف نظره، وظير السواد وذىب البيياض فيمموا ثـ..ىكذا

: نعـ، فقاؿ: وجيو قائبل كيذا؟ فيتفوا فرفع المثاـ عف. نعـ: ال يطبؽ عمى أخيو؟ فقالوا

انفتبل عمى بعضيما؟ فمما وقؼ ورفع الثياب عف جذعو والثالثة أف ساقيو رفيعتاف كخيطيف

لوال أنني لست الميدي، لكنني كبير دعاتو فيمموا : فقاؿ. أنو أنت اآلف أيقنا: ىمموا وقالوا

فنازع الرجاؿ لمخروج، فانتشرت دعوتو في قتامة وسمجماسة كما النار في اليشيـ، ندعو

فمما تولى الرجؿ بني األغمب ممكيـ، وأرسؿ إلى عبيد اهلل الميدي أف قد استتب األمر لؾ،

. زمامو في يدؾ فأعطيتو لغيرؾ كاف أمرا : أمر دولتو حسده العباس قائبل ألخيو عبد اهلل

المرضى، فاسألوا صاحبكـ إف كاف يفعؿ؟ فبمغ وراح يقوؿ إنما الميدى يحي ويميت ويشفي

واليا إلى إحدى الواليات، وأرسؿ البريد قبمو أف إذا حضركـ عبيد اهلل ذلؾ فأرسؿ العباس

فجاء قتمو في يـو قتؿ أخيو عبد اهلل، ىذا الذي أقبؿ عمى بيت اإلمارة فوجد فبلف فاقتموه،

وليتو إف الذي: ويحكـ إنني الذي وليتكـ، فقالوا: الحراس يشيروف سيوفيـ عميو، فصاح

.عمينا ىو الذي أمرنا بقتمؾ

بياء الديف وىو يحكي، فوارى نفسو عني ومسحيا في كانت دمعة تكاد أف تفر مف عيني

ما تزاؿ مشربة بآثارىا، قاؿ ىكذا األمر، وىكذا يسر لكؿ صمت، حيف استدار كانت عينو

الداعية ال شيء، وكاف أمره ميسرا في مناط عممو، فمما خرج عنو خرج منيما أمره، ىو

كثيروف عميو، وال تحسب أنو كاف يمكنو أف يقيـ دولة بنفسو، فقد خرج عمى الميدي األمر

وجعؿ أسوارىا عالية اتخذىا لسانا في البحر،" الميدية"فقضى عمييـ، حتى أنو حيف اختط

اكتممت صعد بقائد جنده كالجباؿ، وجعؿ أسفميا مخازف لمغبلؿ مف كؿ صنؼ، فمما

استطعت ثـ أرمي، وحيث سقط السيـ فمما أوتره قاؿ شده ما. أوتر قوسؾ: أبراجيا وقاؿ

فمما كاف في نياية أيامو انتفضت إفريقية .إلى ىاىنا ينتيي األعرج صاحب الحمار: قاؿ

منو ممكو وحاصره في الميدية، وحيث انتيى السيـ وخرج عميو أبو يزيد الخارجي، فأخذ

التقدـ، فمات الميدي والمدينة محاصرة، وتولى ابنو القائـ مف وقؼ الخارجي ال يستطيع

المنصور والميدية محاصرة، ال يستطيع األعرج دخوليا وال يعفي الناس مف بعده، ثـ تولى

حتى ضجر منو أعوانو وخرج لو المنصور بجيوشو فقضى عميو، واستتب لو ممؾ شره،

.فيؿ كاف المنصور يممؾ ىذا لو لـ يكف ميسرا ألمره .جده

فمما أنت حزيف؟ قاؿ ال عميؾ ػ واستدار : أعابثو ضحكت مف شدة تأثره بما يحكي ورحت

وأنا أولى بو، قمت ىذا تاريخنا جميعا، قاؿ ىـ الشيعة، وكمما قبؿ النافذة ػ ىذا تاريخي

أصابتني جممتو بالحزف وادركت كـ كنت . عمى أمري حتى كرىت ما أنا فيو رأيتني تضيؽ

بقى جفؼ الرجؿ ما. لؾ أال أعيد عميؾ السؤاؿ في ىذا األمر ما حييت: عميو فقمت قاس

صغيرة واستدار بجذعو فحمؿ حقيبة. دعنا نمتفت إلى ما نحف فيو: مف دموعو قائبل

ألتفت إلييا، حيف وضعيا عمى المكتب، كانت أشبو بالحقيبة التي يحمؿ فييا أوراقو فمـ

أصابعو تعبث عمى كانت. فتحيا قائبل ىذا حاسب شخصي، أرسمت في طمبو مف أجمؾ

سوؼ تحتاجو : وىو يقوؿ مفاتيحو بينما الشاشة تغير مف أوضاعيا، رحت أنظر بتميؼ

وأشار إلى الجياز الربض عمى .ىناؾ، يمكنؾ تدويف كؿ ما تشاء عميو، فيو كيذا بالضبط

الرجؿ الضرير، شدني مسمى الممؼ المكتب، أخذت أعبث في أزراره فوجدت ممفا باسـ

مشعثة وزي أزىري، نزلت بالسيـ إلى فضغط عميو، طالعتني صورة شاب ضرير بمحية

:أسفؿ ورحت أقرأ

عمر عبد الرحمف: االسـ

عاما 46: السف

1938/ 5/ 3: مواليد

.ع. ـ. الجمالية ػ البحيرة ػ ج: محؿ الميبلد

1965كمية أصوؿ الديف عاـ : الشيادات

1967ماجستير في الشريعة والقانوف

1972عالمية األزىر

معيد في عدد مف المعاىد األزىرية في جنوب مصر: الخبرات

1977 ػ 1972مف

أال تذكره؟ فأجبت بالنفي، قاؿ إنو شغؿ أجيزة اإلعبلـ :سألت بياء الديف عف الرجؿ فقاؿ

المتيميف في مقتؿ السادات ومفتى جماعة الجياد في مصر، خرج مف فترة طويمة، إنو أحد

سألتو عف جمعو لممعمومات . عمى أي شخص أف يخرج مف إحدىما سالما قضيتيف يصعب

أنو لـ يجمعيا ألنيا موجودة لدييـ منذ طمب أبو سعيد تعينو في جامعة الممؾ، عنو فقاؿ

طريقة وىؿ تبحث لو: قمت. وىا قد خرج مف سجنو سالما، ويريد العودة إلى المممكة

مازاؿ شاغرا؟ إنو يسأؿ ىؿ يمكف أف يكوف مكانو في الجامعة: لمخروج مف مصر؟ قاؿ

وجوده في ببلدنا، ولف المشكمة ليست في ذلؾ، سألتو فيما إذا؟ قاؿ أنو لف يأمف عمى

أيف يذىب، وىؿ ستقبؿ السمطات يكوف طريقو إلى أفغانستاف كاآلخريف، ومف ثـ فإلى أيف

.أنني أحتاجو لجمع المجاىديف ىنا يوجوده، قمت لو ال عميؾ، فسأقنع األمير

(28)

إلى اسطنبوؿ التي خرجت مف ببلدي إلييا ثـ منيا الطريؽ إلى أفغانستاف ليست كالطريؽ

ممرات ضيقة عبر صخور يصعب الوصوؿ مف خبلليا إال إلى باكستاف، فالطريؽ ىنا

بالطبع لـ أتحمؿ مشقة البحث عف ىؤالء ألنيـ كانوا في لمعالميف بالمكاف ودروبو،

بيت "بيشاور إلى بيت استقباؿ الوافديف الذي أطمؽ عميو أبو سعيد انتظاري، فتوجينا مف

كنت أعرؼ أف ىذه الرحمة ليست كسابقاتيا، وأنيا قد تمتد إلى شيور، وأف ،"األنصار

العمؿ كمجاىد وليس زائر، لـ أقمؽ مف عدـ استقباؿ مجد أو أبي سعيد لي، فربما عمى

ألف اتفقا عمى أف أخوض المغامرة كما يخوضيا غيري، ىكذا عممت األمر وشحذت نفسي

ولكف ألنني أتحمؿ أتعمـ بأسرع مما يتوقع الجميع، ليس إلثبات ميارة أو رغبة في القيادة

حياة أو موت كاف عمى مف المسئوليات أكثر مما يتحممو اآلخروف، فما يعتبرونو فعؿ

.اعتباره خطوة البد مف إنجازىا أللتفت لسواىا

ببلدي، فقد غضبت مني أمي بعدما تعمقت بشقيقة أحد كنت قد تركت وضعا ممغما في

مرة منذ سنيف رأيتيا تغضب ألجؿ ابنة أخييا، كاف األمر أقاربنا في حضر موت، وألوؿ

سرت في ردىات العائمة، وكنت ال أنفي وال أثبت، لكف زوجتي في البدء مجرد إشاعة

وأمي ىددتني أنيا ستتزوج ىي األخرى إذا تزوجت أنا، كاف األمر زادت في عنادىا

لمزواج بالنسبة لي، فأنا أعرؼ أنيا منذ زمف ترفض طمب واحد مف معارفنا القدامى صادما

منزلنا، رددت عمى منيا، لكنو في اآلونة األخيرة بدأ في معاودة زياراتو لممممكة ومف ثـ

بافتتاح شركة لنا ىناؾ كنوع زياراتو بزيارة إلى بيت صديقي وأختو في حضر موت، وقمت

خالي المجيد مف االنشغاؿ في كافة مف توثيؽ التبادؿ المالي، فازداد جنونيا، بينما

أمر عائمي، كنت أرى في عينيو إشفاقا عمى، االتجاىات بدا وكأنو ال يريد التدخؿ في

، لكنو خشي أف يكوف حمبل عمى أحمالي، "بنفسؾ وتراجع ترفؽ"وكثيرا ما كاد يقوؿ لي

عميو، وىو الوحيد الذي لو تخمى عني لشعرت أف فقارات ظيري فيو الوحيد الذي أعتمد

يقؿ شيئا، حاولت أف أستشيره فبدا أنو اتخذ قراره منذ زمف، رحت أعالج تتيشـ، لكنو لـ

. أخي ىا أنت تكافئني عمى صبري بالزواج عمى ابنة: مع أمي لكنيا قالتيا صراحة األمر

: الشركة، قالت فأخرجت لي جريدة يمنية نشرت خبر افتتاح. قمت ليا أف ىذا غير صحيح

حجرىا، انتصبت أليس ميرىا؟ شعرت أنيا تتجسس عمي، وتعاممني كطفؿ في.. وىذا

لدفع القاطرة إلى الحافة، غادرت المنزؿ وبداخمي رغبة جنونية. نعـ ىذا ميرىا: واقفا

أف الجميع استقبؿ الصفعة بكظـ اتصمت بصديقي فأحضر شقيقتو وأتممنا الزواج، شعرت

لقد : أما خالي فقد خرج عف حياده قائبل غيظ، كنت متعاطفا مع ابنة خالي أكثر مف أمي،

. تحبس نفسيا في حجرتيا ببل طعاـ أو شراب أخطأت ودفعت بالعجمة لقيرىا، وىاىي

باب حجرتيا كالمجنوف، قمت لف أرحؿ حتى شعرت بذنب قوي تجاىيا، فرحت أطرؽ

التالي، فوجدتني نائما أماـ الباب بمبلبسي عمى تفتحي، ولـ تفتح إال في صباح اليـو

حتى تعرفي أنني عنيد : رحت أضحؾ وأنا أعابثيا، قمت األرض، حيف أيقظتني الخادمة

دفعني ىذا إلى . وأنا أكثر عندا منؾ وسأنفذ ما قمت: قالت. أقوؿ ويمكنني أف أنفذ ما

فقد صرت شخصا .. افعؿ: قالت. سأقضي عميو يـو أف تصبحي زوجة لو: قمت الجنوف،

تركتيا أوجعتني جممتيا، وشعرت أنيا مازلت تراني طفميا المدلؿ،. ابني الذي ربيتو غير

لف يخرج أحد مف :ورحت أجأر في الخدـ الذيف ارتعدوا كقطط أماـ وحش ال يعرفونو، قمت

إلييا فأحنوا رؤوسيـ في كاف الجميع يعرؼ أف الحديث موجو. المنزؿ أو يدخؿ دوف إذف

أدري إلى أيف، حيف تعبت مف صمت، تركتيـ ورحت أخوض الصحراء بعربة مكشوفة ال

ليقابمني في مطعـ بجدة، قرأت مف مبلمحو السعي وراء الرماؿ وسرابيا اتصمت ببياء الديف

مازالت تراني طفبل في : قمت. عنيدة: قاؿ! أطمقيا تريدني أف: أنو عمـ بما حدث، قمت

أي مكاف : بيشاور؟ قاؿ: قمت. قمت ما العمؿ؟ قاؿ تسافر. األميات قاؿ ىكذا كؿ! حجرىا

.تفكر فيو بيدوء؟ يمكنؾ أف

بنا بيف الجباؿ، شعرت أنني أريد أف أنسى شعور غريب كاف يجتاحني والعربة تخب

فبداخمي رغبة جنونية ألثبت ليا أنني لـ أعد طفبل تممى عميو كمماتيا التي ترف في أذني،

ستقتنع أنني عمى : كنت أحمـ أف يكوف ىذا عف قناعة منيا، قمت لنفسي األوامر، لكنني

واجتاحني يقيف أنني سأخرج مف كؿ. أظنيا ستنفذ تيديدىا لتيزأ بي أماـ الجميع حؽ، وال

القوؿ أنني أستطيع. ىذه الحرب سالما، حيف وصمت إلى ىذا اليقيف بدأت أصفو مف جديد

الجميع يعاممني نسيت كؿ شيء، ورحت أتجوؿ بيف الرجاؿ كشاعر ىائـ بالمكاف، كاف

، وجدتيا فرصة "األنصار بيت"بدماثة شديدة، أصروا أف ألقي خطبة الجمعة في مسجد

فقيرة رغـ ما بيا مف أميات الكتب التي لدخوؿ المكتبة التي لـ أرىا مف قبؿ، كانت حالتيا

عمى صفحاتو أسماء وتوقيعات وأرقاـ ورموز، أحضرىا المجاىدوف معيـ، بعضيا يحمؿ

وتعميقات عمى اليامش، أغمبيا البف تيمية والغزالي وبعضيا يحمؿ خطوطا أسفؿ السطور

الوىاب وابف حـز والبنا وقطب وأبو األعمى وأبي سعيد وابف كثير ومحمد ابف عبد

وابف الجوزي والخطابي وابف حنبؿ واألفغاني والتممساني واليضيبي والشوكاني والسيوطي

"الدرر البيية في المسائؿ الفقيية"والقرطبي، مددت يدي وقبضت عمى كتاب والصابوني

لمقاضي اليماني محمد بف عمي الشوكاني، راحت عيني تجري عمى فصولو حتى وقفت

إذا أذف الجياد فرض كفاية عمى كؿ بر وفاجر"فوجدتني أقرأ " كتاب الجياد والسير"أماـ

حقوؽ اآلدمييف، وال األبواف، وىو مع إخبلص النية يكفر الخطايا إال الديف ويمحؽ بو

أميرىـ إال في معصية اهلل، يستعاف فيو بالمشركيف إال لضرورة، وتجب عمى الجيش طاعة

ويشرع لئلماـ إذا أراد غزوا أف يواري بغير وعميو مشاورتيـ والرفؽ بيـ وكفيـ عف الحراـ،

ويستطمع األخبار ويرتب الجيوش ويتخذ الرايات واأللوية، ما يريده، وأف يذكي العيوف

القتاؿ إلى إحدى ثبلث خصاؿ إما اإلسبلـ أو الجزية أو السيؼ، ويحـر وتجب الدعوة قبؿ

الزحؼ إال النساء واألطفاؿ والشيوخ إال لضرورة، والمثمة واإلحراؽ بالنار والفرار مف قتؿ

."إلى فئة

، (إذا أذف األبواف )جديد لكنني توقفت أماـ أعجبتني كممات الرجؿ فعدت أقرأ مف

أمر الجياد مطمقا، وكؿ ما دار بيننا كاف عف توسيع فتذكرت أنني لـ أحدث أمي في

المجاىديف، أما أف أكوف مجاىدا وأحمؿ السبلح فيذا ما لـ تعرفو وربما األنشطة إلى أرض

العودة لكف ذلؾ يتطمب. يعرفو أحد سوى بياء الديف، قمت لف أفعؿ شيئا حتى أستشيرىا ال

.ومصالحتيا، قمت سأفعؿ، ولو طمبت طبلؽ اليمنية لطمقتيا

العباس، وىو جزائري جاء منذ عاـ، يقيـ حمقة خرجت مف مكتبة المسجد فوجدت أبا

الرجاؿ ممتفوف حولو وىو يذكر ليـ فضؿ الجياد وضروراتو، الدرس في حديقة البيت، كاف

واقفا الستقبالي، اقسـ أال يتـ حديثو حتى ألقي كممة أحفز فييا الرجاؿ حيف رآني انتصب

فييا مني الجياد، وقفت مكانو وأنا ال أدري بما أتحدث، فيذه المرة األولى التي يطمب عمى

خطبة الجمعة الحديث جيرة أماـ جمع مف الناس، تذكرت أنني وافقت مف قبؿ عمى أداء

الشوكاني التي قرأتيا بدال مف مجد وأبي سعيد المشغوليف عمى الجبية، فكرت في كممات

ىو الجياد بالنفس والماؿ، وقد إف اهلل فرض الجياد أنواعا، وأف أعبلىا: فرحت أقوؿ

فضؿ كفضمكـ، وليس أمامي سوى أف أنزؿ يسرني اهلل ألبدأ بالثانية، لكنني لست عمى

تحمموف، حتى إذا فاضت روحي إلى بارئيا أكوف قد الخنادؽ مثمكـ، وأحمؿ السبلح كما

الممكيف عاجزا حيف يقوالف لي ماذا فعمت وأنت ترى أرض وفيت ما عمى، وال أقؼ أماـ

أطرافيا، ماذا صنعت إلعبلء كممة اهلل في األرض، سأقوؿ أنني لـ اإلسبلـ تنقص مف

.فمـ أجمس في بيتي وأستأجر مف يجاىد بنفسو وروحو في سبيؿ اهلل بدال مني أدخر وسعا،

أييا األخوة في اهلل وسبيمو األعظـ إلعبلء كممتو وضاحة تعمو كممات المشركيف

فميذكر سعة اهلل والمنافقيف، مف كاف منكـ ذا فضؿ فميجاىد بفضؿ اهلل عميو، ومف لـ يكف

سبيؿ اهلل أمواتا بؿ أحياء عند في صحتو وولده وأىمو وصحبتو، وال تحسبف الذيف قتموا في

مف شيد بدرا كمف لـ يشيدىا، وىا ىي دار ربيـ يرزقوف، وليس مف ىاجر كمف تقاعد، وال

.فياتوا برىانكـ إف كنتـ مؤمنيف ىجرتكـ، وىا ىي بدركـ، وزمانكـ،

: اهلل واهلل أكبر، وراح العباس يقبؿ منكبي ورأسي قائبل حيف انتييت ىتؼ الجميع ال إلو إال

أمنت عمى كبلمو وقمت لو أف يسأؿ الناس بعد مجمسيـ عمف لو . إال اهلل كمنا فداء ال إلو

فنقضييا لو، حيف فعؿ جاءتني العديد مف طمبات النفقة عمى األىؿ واألبناء في حاجة

ما يعيننا اهلل ديارىـ التي ىاجروا منيا، فقمت لمعباس أف يأخذ أسماءىـ وعناوينيـ كي نفعؿ

.عميو

تحدثت فييا عف صحابي جميؿ وىب حياتو لمجياد في مرت خطبة الجمعة أيضا بسبلـ،

عمر ابف الخطاب لخبلؼ بينيما جمس في بيتو وىو حزيف سبيؿ اهلل حتى أنو حيف عزلو

جسده سمـ مف ضربة سيؼ أو طعنة رمح أو رمية سيـ، وحيف رغـ أنو ما مف جزء في

فبل نامت ! أيموت خالد عمى فراشو كما يموت البعير؟: قائبل حضرتو الوفاة كاف يبكي

.أعيف الجبناء

ألف تبدأ التدريب مع الرجاؿ، قمت ال مانع، ذىبنا إلى في اليـو التالي جاءني مجد وقاؿ

كيمو مترات مف بيشاور، وألوؿ مرة أمسكت بالسبلح، كاف معسكر عمى مبعدة بضع

يدعى مييار، كانت في عينو نظرة ال أعرؼ معنا لتفسيرىا سوى المسئوؿ عف تدريبي رجؿ

في أف يثبت لي أنني سميؿ القصور والمخادع الحريرية ولف أصمد، وضع أنو كاف يرغب

خرقة وبضربة واحدة رأيت الرشاش قد أصبح قطعا، وفي غمضة عيف تحوؿ إلى أمامو

مف جديد، شعرت رغـ انطباعي السيئ عنو أنو ساحر، حاولت أف أعيد ما فعمو رشاش

أقبض تميؿ عمى فيذه أوؿ مرة: لكنني فشمت، رأيت في نظره ابتسامة فرح بفشمي، قمت

والميارة و لتعمـ أف كؿ شيء ىنا درس في ذاتو، فالسرعة والدقة: قاؿ. فييا عمى سبلح

واحدة ويجب أف تكوف التعمـ مف الخطأ أساسيات الحرب، لو فشمت ستموت، فالمعب مرة

والموت، وكأنو أخذ تعميمات بكشؼ وضعني الرجؿ فجأة في مواجية الحياة. الفائز دائما

بالجري أمامو، مع برودة اليواء شعرت ضعفي وتعريتي، صاح في أف أنتصب وأمرني

. أنت ال شيء وال أرضى بؾ ماسحا لحذائي: فيو أنني بالكاد ألتقط أنفاسي، كدت أصيح

الجمباب والسرواؿ القصيريف، حيف انتييت مف المفات التي لكف أية حذاء وأنا في ىذا

فقد أوكؿ رجبل آخر بإحضار عصير لي، بعد أف ارتشفت رشفات أمرني بيا لـ أجده،

اآلخريف ال ينالوف مثؿ ىذه المنحة، أمرت الرجؿ بإكمالو وطمبت منو أف سريعة شعرت أف

عادة تركيبو، قاؿ الرجؿ أف األمر ىيف، وأخذ في فؾ األجزاء يعممني قطعة فؾ السبلح وا

أضرب فإذا قطعة، حيف وصؿ إلى النقطة التي ضرب فييا مييار السبلح بيده قاؿ لي

كيؼ تعيد تركيبو، بالرشاش يستحيؿ أجزاء في يدي، قاؿ ليست المشكمة في تكسيره لكف

وأييا يميو، كانت عيناي أخذ في وضع القطع مف جديد منبيا إياي عمى أييا في البدء

كنت أخشى أف يغيب عني شيء تحدقاف كأنيما ستبتمعاف األرض والقطع وأيدي الرجؿ،

لـ يبؽ سوى الخزينة التي فشمت فيبطؿ السحر في يدي، بدأت في تركيبيا عمى ميؿ حتى

ال بد أف : أمسؾ بيا وبيدي وىو يقوؿ في وضعيا مكانيا، قاؿ ىذه لـ أقؿ لؾ عنيا،

فستسقط في مخدعيا، .. لتنفرج الزاوية ىكذا تضعيا مائمة ألعمى كزاوية حادة، ثـ تضغط

ال صدأ وتعطمت القذيفة : والتركيب؟ قاؿ لماذا نقـو بيذا الفؾ: سألتو لتنظؼ السبلح وا

في عينيو أنيـ ال يرغبوف في تعذيبي أو النيؿ مني، لكنيا ورأيت. فانفجر في يدؾ

جعمتيـ أكثر جدية مما يطيؽ رجؿ مثمي، حيف ظير مييار عمى البعد الصحراء التي

: وكمفني بدورات جديدة، صرخت. قؼ: يأتي، فجاء يتمشى عمى ميؿ، قاؿ صحت فيو أف

حديقة ألنؾ اآلف جندي، وعميؾ أف تعمـ أف مييارا ىذا ال يعمؿ في: ىكذا؟ قاؿ لـ تعاممني

ألوامره بالحرؼ بيتكـ، مييار قائدؾ وعميؾ أف تخاطبو بالسيد مييار، وعميؾ أف تنصاع

ـ يتعمد سيده. الواحد فؾ السبلح، . قؼ: تعذيبو، قاؿ درت الدورات كعبد ذليؿ ال يعرؼ ل

فوجدتني أركض نحو مجموعة ممف سبقوني عد تركيبو، قؼ، أحسنت، انضـ إلى الرجاؿ،

.إلى التدريب منذ أياـ

مدير المعسكر، حيف ذىبت وجدتو ال يتمالؾ نفسو في المساء طمبني مجد الديف في غرفة

ىذه حياة العسكرية، لكنؾ وأنت جندي : قاؿ. الناس ىنا أنتـ تيينوف: مف الضحؾ، قمت

التي ما عدت أعرفني فييا ورحت أضحؾ، صرت أحكي لو ما نظرت إلى ىيئتي. مدىش

معذرة يا أبا : في النياية دخؿ مييار وىو يتعثر في خطواتو، قاؿ فعمو مييار وىو يضحؾ،

قاؿ بميجة . ال عميؾ أنا الذي أخطأت: شعرت أنني اآلف القائد، فقمت .عبد الرحمف

أف ليس ىناؾ خطأ، لكنيا األياـ األولى، كؿ الرجاؿ يكرىوف التحكـ فييـ، وعمينا :الحكماء

أنو كاف عممت منو. نحيميـ إلى جنود ينصاعوف لؤلمر ال مدنييف يتصرفوف حسب أىوائيـ

اإلسبلمي، ولما ضاقت جنديا بدرجة رقيب في ببلده، وأنو فصؿ مف الخدمة بسبب ميمو

دبروا أمر مجيئو، فأوكؿ لو أبو بو األحواؿ إلى تقدـ جمعية الجياد اإلسبلمي، وىناؾ

دخاليـ حياة .الجندية سعيد ميمة تدريب الرجاؿ وا

االستيقاظ المبكر لصبلة الفجر ثـ التدريبات الرياضية كانت الحياة في المعسكر تتمثؿ في

عمى استخداـ السبلح الخفيؼ، ثـ صبلة الظير والغداء ودرس ديني ثـ اإلفطار فالتدريب

العصر، ثـ التدريب عمى إطبلؽ النار يميو تدريبات رياضية ثـ صبلة يمتد حتى صبلة

بساعتيف فالعشاء فصبلة العشاء، وعمى الجميع أف يكوف نائما في فراشو بعد ذلؾ المغرب

الجميع أنني لف أفمح في ال أكثر، في البدء شعرت بمعانة كبيرة، لكنني كمما رأيت في عيف

، تجالدت حتى انتيت دورة التدريب التي ميمتي كنت أعاند نفسي وأنتصب كرجؿ ال ييـز

لمرحمة جديدة، لكنني طمبت إيقاؼ تدريبي استغرقت أسبوعيف، كاف عمينا بعدىا االنتقاؿ

الجميع أنني لف أعود، فتركوا لي فرصة اليروب حتى أنيي بعض المياـ في ببلدي، خمف

وجدت خالي في انتظاري بالمطار عمى غير عادتو، بشكؿ يحفظ لي رجولتي، حيف عدت

.بأسوأ ما كنت أتوقع، فقد نفذت أمي تيديدىا وتزوجت أخذني إلى البيت وأخبرني

(29)

كنا . أشكر لؾ مجيئؾ: عينيا فوارتيا عني قائمة مبارؾ زواجؾ، بدت دمعة في: قمت

أنا راحؿ : ميزوميف، لكف أيا منا ال يريد االعتراؼ بذلؾ، قمت كقائديف خرجا مف معركة

صكت صدرىا بفزع ورددت الكممة كأنيا. جياد:عمؿ جديد؟ قمت: قالت. أفغانستاف إلى

السبلح ال تفزعي، ىناؾ الكثير مف اإلخوة، وأنا رجؿ قادر عمى حمؿ: صدى الموت، قمت

ىذا العناد؟ كاف ما كؿ: في سبيؿ اهلل، باحت عينيا بالبكاء فتحضرت عيني بالدمع، قالت

. قبمي عابدات زاىدات بإمكاني الزواج وأنت صبي وما كنت ستمنعني، وقد تزوجت مف

لي رجاء واحد، ال تجعمي : قمت .بؿ ألنؾ عنيد: قالت. األمر ال عبلقة لو بزواجؾ: قمت

.زوجؾ واحدا مف العائمة ميما حدث

العربة، قاؿ أف ىناؾ شخص يود أف ألقاه، لـ تكف لدي رغبة تركتيا ألجد خالي منتظرا في

طمب الرجؿ وحدد لو ميعادا . افعؿ ما تشاء: بياء الديف أصر، قمت في مبلقاة أحد، لكف

كاف شخصا ىادئا يكبرني بأعواـ قميمة، أقرب لمقصر منو لمطوؿ،. في المكتب بعد ساعة

حدث مع عيناه تممعاف بيدوء وسكينة شديدة، شعرت نحوه بطمأنينة كبيرة عمى نقيض ما

مؤكدا أنو سيمقى الشيخ الضرير المتجيـ، فقد امتعضت حيف رأيتو، فأنييت لقاءه بسرعة

تسمح بالجموس مع غيري إال أما ىذا فرغـ أنني لـ أكف في حاؿ. منا كؿ مساعدة يحتاجيا

، فيو قائد أنني شعرت بارتياح لو، أستطيع القوؿ أنني نسيت أمامو ما لدي مف ىمـو

السادات، لـ تكتشؼ السمطات نشاطو الذي داـ تنظيـ يتبع تنظيـ الجياد المسئوؿ عف قتؿ

ألقت القبض عمى صبي كاف يحمؿ بعض أغراضو، أكثر مف خمسة عشر عاما إال حيف

كمماتو تحمؿ حسما وعزما ال يخرجاف إال عف رجؿ رغـ ىدوئو البادي لمعياف غير أف

لعممو ولكف لتفكيره، فالثورة لديو لف تأتي مف الشارع ولكف عنيؼ، رجؿ يحمؿ مبضع ليس

ذكرني حديثو بحسف الصباح صاحب ألموت، فيو أيضا . والتخطيط واالغتياؿ مف التدبير

أنو صاحب ىدوء وتدبير وحسـ ويعشؽ السرية والقوة واالغتياؿ، لـ يعرؼ نظاـ الممؾ كاف

ليعطي عيده عمى مذىب الشيعة إال بعد خروجو مف سمرقند، بعدىا اتجو لمري ثـ القاىرة

بو ينقؿ عيد اإلمامة لممستنصر باهلل، لـ يتوقع أحد أنو الرجؿ األكثر دىاء حتى فوجئوا

وسجنو في سرداب مظمـ تحيطو مف المستعمي ألخيو نزار، ورغـ أف الجمالي قبض عميو

األسكندرية، ومنيا اتخذ طريقو عمى الحرس مف كؿ جانب غير أنو استطاع اليرب إلى

بمف فييا لكف أحدا ال يعرؼ كيؼ نجا ليتخذ ظير سفينة إلى عكا، ورغـ أف السفينة غرقت

طالقاف، ليستولي عمى قمعة الموت غير البعيدة عف السبلجقة طريقو مف جديد إلى إيراف ثـ

.الممؾ وغريمو نظاـ

قدمت طمبا لمسمطات : كيؼ خرجت؟ قاؿ: ثـ قمت تفرست في وجو الرجؿ ولحيتو الصغيرة

رفعت قضية : كيؼ؟ قاؿ: قمت. إحدى المستشفيات فوافقوا بأنني مسافر إلى جدة لمعمؿ في

أعجبتني ثقتو وحرصو عمى أف تبدو . قراره بمنعي مف السفر عمى وزير الداخمية لرفع

كاف : لكف صورة الصباح ومطابقتيا عميو لـ تفارؽ عيني فسألتو عنو، قاؿ األشياء طبيعية،

. اهلل يعرؼ طبيعة المكاف وأىمو وكيؼ يكتسب ثقة مف يمقاه، فعؿ ما أراده سامحو ذكيا

لدغو أعجبتني جممتو األخيرة فتذكرت الضرير حيف سألتو عف الشيعة فامتعض كمف

اإلمامة لمعالـ :بمغني أنؾ رفضت إمامة الشيخ الضرير؟ قاؿ: عقرب وكفر الجميع، قمت

اإلمارة كانت لعبد السبلـ وال يجب :قاؿ. السميـ وىو لـ يكف سميما، قمت لكنو كاف األمير

نفسو، وعمى كؿ ىو مف الجماعة اإلسبلمية أف يخمفو رجؿ جبف أماـ السمطات ونفاىا عف

.وليس الجياد

مبتسما، قمت عبلما كؿ ىذا؟ قاؿ صاحبؾ يتصرؼ حيف خرج وجدت خالي بياء الديف

ال ضير : قمت. بعض األصدقاء في شأنو ما التفت إليو كأنو صاحب سر، ولوال مياتفة

ومف الصباح؟ قمت ميربا نفسي : قاؿ. فمف يعدلو سوى الصباح منو، ولو أصبح في كفتنا

كاف في سالؼ العصر واألواف رجؿ خدع نظاـ الممؾ وبدر : عمييا مف الحزف الذي طفا

واستولي عمى قبلع اليند، وبنى جنة اهلل عمى األرض، فكانت لو اليد الطولى في الجمالي

ما لـ يعد تاريخؾ وحدؾ، فيا نحف نصنع: قمت. مازلت تعبث بتاريخي: قاؿ. الحرب

وأنا عمى قاؿ أترى أنؾ نزارا وىذا الحسف؟ أشرت بيدي. صنعوا، وكؿ ميسر لما أتى لو

.الجمالي بؿ أنا المستنصر صاحب الشدة يا بدرا : وشؾ البكاء نافيا

(30)

1985خريف

انتظاري عمى أرض المطار، ألقيت بنفسي عمى كتفو ألوؿ مرة منذ زمف أجد أبا سعيد في

بدا لي . تشجع يا رجؿ، فوراءنا مياـ كثيرة: كتفي قائبل ورحت أنشج بالبكاء، ىدىد عمى

حدث لكنو لـ يشأ مخاطبتي في شأف يخصني، دار بي جولة بيف أنو عمى عمـ بما

بيت األنصار، قاؿ سمعت أنؾ قطعت شوطا طيبا في التدريب، ندت الصخور المؤدية إلى

ساخرة، قاؿ لقد فعمت ما لـ نكف نتوقعو، ىؿ تريد استكماؿ التدريب أـ عني ابتسامة

ندت عف الرجؿ ابتسامة ساخرة، حيف رأى أنني لمحتيا. الجبية: إلى الجبية، قمت الصعود

انصاع .حدثني عف أوضاع الجبية: قمت. تدريبؾ لـ يكتمؿ: مف جانب فمو أردؼ قائبل

نتولى مسئولية لمجدية التي أتحدث بيا وقاؿ الجبية ليست واحدة لكنيا جبيات، نحف ال

ورجالو كما تعمـ حديثي عيد القتاؿ فييا لكننا نمد ونعاوف كؿ مف يريد المعاونة، مجد

المصائب، فاكتفيت بأف أكوف في معية مف بالقتاؿ، وأنا لـ أرد أف أكوف ضيفا يجمب

مجد حاوؿ أف يكوف جبية : قاؿ. يتوقؼ عمى اإلمداد يعني دورنا: يحتاج لممعاونة، قمت

المتتالية أقنعتو بأف يمعب أدوارا صغيرة، أغمبيا اإلمداد واالتصاؿ، أما منفردة لكف ىزائمو

مف أعماقو صمت قميبل قبؿ أف يأخذ نفسا سرعاف ما أخرجو. المواجية فقد تركيا لآلخريف

إنيـ يعتبروف : قاؿ! ضيوفا؟ نقدـ ليـ الماؿ والرجاؿ ويعتبروننا: قمت. إننا ضيوؼ: قائبل

ف لـ يعترفوا تمؾ قسمة: مجدا ورجالو دخبلء عمى الحرب؟ قمت ظالمة، إننا شركاؤىـ وا

لكنني جئت : قمت. ال أنصح بذلؾ: قاؿ. الفريقيف أعمى بذلؾ انفردنا بمقاتمينا وننظر أي

.مف أجؿ ذلؾ

عمى خبلؼ، وكاف عمى أف أعود لمتدريب مف جديد، بدا لي أنني وأبو سعيد ألوؿ مرة

معي كأدنى رجؿ معيـ، وأف يكمفونني بأصعب المياـ في طمبت مف الرجاؿ أف يتعامموا

أقوؿ لكنيـ انصاعوا في نياية األمر، كنت أركز في البداية عمى العمؿ، أخذ الجميع بما

الرياضية بشكؿ واضح، حتى أنني بحثت عف رجؿ طمبت منو تعميمي فنوف التدريبات

ورميا عمى باليد، أستطيع القوؿ أنو كاف ساحرا مف نوع جديد، أنيكني ضربا وطعنا القتاؿ

ويقؼ عمى حجر األرض، لـ يكف أحد يصدؽ أنني ىذا الرجؿ الذي يسحؿ عمى الرماؿ

صبلبة، كاف يومي بالساعات، لكنني كنت كمما تمقيت ضربة أو صفعة أصبحت أكثر

رياضية، ثـ ىدنة اإلفطار والتدرب مقسما إلى استيقاظ مبكر لصبلة الفجر، يعقبيا تمرينات

أنواع غريبة وكثيرة، منيا ما يشتعؿ بالكبريت عمى رمي المفرقعات وتفجيرىا، وىذه كانت

الجافة، كنا نعجنيا بأيدينا مف مواد الػ تي إف تي، أر دي ومنيا ما ينسؼ بالبطاريات

ثري، و البيتاف، عمى ىيئة أحباؿ صاعقة تسمى كروتكس، وأحيانا إكس، سي فور، سي

أصابع ديناميت يوضع فييا فتيؿ يشتعؿ السنتيمتر منو في ثانية واحدة، وكنا عمى ىيئة

السؾ حتى نقدر زمف التفجير بطوؿ الفتيؿ، وأحيانا نضع فييا طرفي سمؾ متبلمسيف ونمد

فولت، كنا 9ببطارية المكاف الذي نكمف فيو، وىذه تنفجر بمجرد توصيؿ الطرفيف اآلخريف

خبللو، وكاف ىذا التدريب نشكؿ المواد حسب المكاف أو الثقب الذي نود التفجير مف

الظير والغداء ثـ القيمولة بالنسبة لي، النظري والعممي يستمر حتى الظييرة، بعدىا صبلة

تمرينات اليوجا التي تتطمب تحمؿ الشمس ووىج وكانت ال تزيد عف ساعة، بعدىا تبدأ

التدريب عمى فؾ وتركيب واستخداـ أنواع مف األسمحة الظييرة حتى صبلة العصر، ثـ

جي والياوف، بعد زواؿ الشمس كنا نصمى المغرب ونتسامر مثؿ الكبلشنكوؼ واألر بي

القتاؿ عمى الجبيات، وكنت الوحيد المسموح لو بالخروج مف عمى العشاء حوؿ أخبار

عادة ما كنت أذىب مع أدلة إلى قادة الحرب، كنت أحاوؿ أف أقنع المكاف بعد الصبلة،

يكوف لممجاىديف القادميف مف البمداف العربية دورا واضحا غير التمويف الجميع بأف

واالتصاؿ، أستطيع القوؿ أف الجميع سخر مف العرب الذيف ال يحسنوف سوى الطعاـ

أمامي بالفكرة ومغازلة النساء، وال أعمـ ىؿ كاف شاه مسعود ألطفيـ أـ أقساىـ، فقد رحب

دعوه "أنو قاؿ لرجالو دوف أف يمدني بأية معمومات واضحة عما يحدث، عممت فيما بعد

الساكف إال مف طمقات الرصاص ونعيب ، في ذلؾ الميؿ البارد"ينتحر وننتيي منو مبكرا

أعبر الممرات مف ىنا إلى ىناؾ، وحيف ال يكوف النسور والغرباف وأصوات التفجيرات كنت

يقضي عمى ما بقي مني، لكنني لمحقيقة أقوؿ أنو أفادني العبور آمنا كاف القتاؿ باليد

أدركتو حيف أدخمني الرجاؿ في دورة جديدة تسمى إعداد الكمائف والتخمص كثيرا، ىذا ما

يقـو وىذه كانت تتطمب سرعة وقوة وميارة وعدـ انخداع بيدوء الطبيعة، وكاف األمر منيا،

مف البمب، عمى أف يكمف واحد لعدد مف الرجاؿ بآلياتيـ، بالطبع كانت الطمقات نوعا

وفوجئت أف الكميف مرة كاف عمى أف أكمف لرجميف. وكانت المعارؾ تدار في أي وقت

ربي "اليروب، وجمست أقوؿ انقمب عمي وصرت أنا المحاصر، تذكرت معاوية وفنونو في

الفكرة في رأسي، كاف المكاف أقرب إلى ، وفجأة بزغت"إني لما أنزلت إلى مف خير فقير

عند مرورىـ، لكنني فوجئت بأف الرصاص يئز منحدر تبة كمنت تحتيا لتثبيت الرجميف

مكاني لقضي عمي، كمنت كفأر في جحر أكثر مف عمى عمامتي، ولو أنني تحركت مف

أنو نوع مف تدريبات اليوجا، كنت آمؿ إما أف يتقدـ ساعتيف، وأولت األمر لنفسي عمى

ما أف ينيي الضابط المسئوؿ التدريب، وبدا لي أنني خسرت الجولة وسيصبح الرجاؿ وا

نكتة عف اليواة أمثالي، حيف طاؿ األمر ولـ يصدر الضابط أي أمري في المعسكر

نفسي، فوضعت عمامتي عمى عصا طويمة ورفعتيا، أستطيع القوؿ أف تعميمات قمت أسمـ

مف أف أرفع صوتي بالتسميـ، فثبت العصا والتففت كجرذ حوؿ الصخرة كبريائي منعني

خمفيا، حيف حصنت نفسي بشكؿ كاؼ، قمت لـ ال أكمؿ خطتي وليحدث ما التي أكمف

قنبمة رمؿ مف حزاـ المتفجرات وألقيت بيا عبر عمامتي أسفؿ الصخرة، يحدث، سحبت

صوتا كاف الرد عميو أعنؼ مما توقعت بكثير، فقد انيالت القنابؿ عمى عمامتي فأحدثت

متفجرات حتى لـ يعد ليا أثر، وأشتعؿ المكاف بنار ودخاف جعبلني أموت رعبا، كانت

بضمعيا لمحقت حقيقية وليست رمادا أو بمب، ولوال ستر اهلل والصخرة التي التصقت

كؿ جانب، أدركت أف لـ تيدأ تمؾ الغارة حتى راح الرصاص يمشط المكاف مف. بالعمامة

في الصخر وانتظرت أوؿ ىذا مقدمة لتمشيط بشري قادـ، نفضت أذني مف أزيز الرصاص

وقصر القامة ويجس األرض بخنجر مف يأتي نحوي، كاف جنديا أفغانيا يتمتع باليزاؿ

أشعر بيدي وىي تمتؼ عمى عنقو رشاشو، كاف الخوؼ والشعور بالموت يمؤلني، فمـ

سحبتو خمؼ الصخرة وأخذت سبلحو وترفعو عف األرض حتى تراخت أعضاؤه في صمت،

فتات الصخر فأدركت أف ثمة آخروف وحزاـ متفجراتو، سمعت صوت انزالؽ قدـ عمى

جديد وأنا أضع محتويات الحزاـ في يدي، يتسحبوف مف الصخرة إلى أسفميا، كمنت مف

أصعد مف الجانب األكثر صعوبة، كانت أنفاسيـ قد وبينما ىـ ينزلوف مف المنحدر كنت

أنيـ لـ يجدوا سوى جثة صاحبيـ وأنيـ سيمشطوف المكاف بدأت تيميـ بشيء ما، أدركت

أكف أعرؼ ما الذي يفعمو رجؿ في وضعي، فرحت أمطر المكاف اآلف بكؿ ما معيـ، لـ

يصارع الموت، حيف فرغت الذخيرة شعرت أف األرض تدور مف بكؿ ما معي كغريؽ

.حولي وأنني أسقط

أف ىذه كانت محاولة الغتيالي، فقد صحوت عمى كاف مدىشا لمجميع ػ ولي أنا نفسي ػ

يحممونني، قمت كالمجنوف أضرب اليواء وأبحث عف سبلحي أصوات عدد مف رجالنا وىـ

بدا الجميع واجما وىـ يقولوف أنيا كانت محاولة اغتياؿ، سألت عف متصورا أنيـ األعداء،

والتدريب والرجاؿ الذيف كنت معيـ، فأخبروني أنيـ وجدوا جثثيـ مذبوحة عمى الضابط

عمى مف مقربة مف اليضبة، حمدت اهلل عمى السبلمة وىنأني الجميع بيا ثـ جمسنا نبكي

يعمؿ، شعرت أف فقدنا، قمت ال صبلة عمى شييد لكف ال بد مف معرفة الخائف ولصالح مف

يرغب فييما، الكممة كانت صادمة لمجميع وأف الكؿ سوؼ يتعرض لميانة وشؾ ال

شتى الجيات، قمت هلل تراجعت عف األمر وأنا أدرؾ أف ما قمتو لف يتـ ونحف مخترقوف مف

.بكؿ منيـ حسب رتبتو األمر مف قبؿ ومف بعد، وقمنا بدفنيـ بالطريقة البلئقة

(31)

بدا عمى الرجؿ أنو غير مصدؽ، شحب وجيو قميبل قمت ألبي سعيد إننا سندخؿ الحرب،

كاد الرجؿ أف يقوؿ ال . ىذا سيخمؽ شقاقا عظيما بيننا وبينيـ لكف: وقاؿ ميدئا مف ليجتو

يدفع بؾ لذبح مئات الرجاؿ في أرض غريبة ال يعرفوف طبيعتيا، ندت عني تجعؿ جنونؾ

. تتروى أرى أف: وجـ الرجؿ قميبل ثـ انتصب واقفا . ىـ الذيف دفعوننا لذلؾ: ساخرة ابتسامة

أف ىذه نزوة كنت أعمـ أف ىذا خروج عميو كما ىو خروج عمى اآلخريف، قرأت في عينيو

لـ أعرؼ في معية ستزوؿ بمجرد أف ييدأ غضبي، فالذيف حاولوا اغتيالي أفغاف لكنني

لف قائمة ونحف سيبل مف، لـ أفرؽ عمى أية حاؿ بيف ىذا وذاؾ، وشعرت أننا لف تقـو

جديد يسكف فيو مف يتـ انتخابيـ مفتوحا تضربو الريح مف كؿ اتجاه، أمرت ببناء بيت

قمنا لف يدخمو إال األسود الذيف سنختارىـ لبلنضماـ لمعسكرنا، وحتى نرفع مف روح الرجاؿ

االختيار اتصمت بخالي كي يكثؼ جيوده لتمويمنا مف بيت األنصار، وحتى يتسع لنا

وصؿ األمر إلى عمؿ إعبلف مدفوع األجر، مف جانب بالمجاىديف مف كؿ مكاف، ولو

يجيزوا لنا معسكرا جديدا، قاؿ صييب نسميو بدرا تيمنا آخر طمبت مف الميندسيف أف

أـ اإلسبلـ، وافقتو وأنا أتذكر قوؿ الفارسي لرسوؿ اهلل أىذا مكاف أنزلكو اهلل بأوؿ معركة في

والعالميف بفنونو، أنيا الحرب والمشورة؟ قمت ال بد مف اختيار مجمس لمحرب يضـ النابييف

.جاءني الرجاؿ بمكانيف فقمت نجعميما بدريف تيمنا باالسـ

مراضاة أبي سعيد، جمسنا معا كصديقيف وليس حيف زاؿ غضبي وخفت حدتي أرسمت في

في كؿ شيء، وحيف اختمفنا في مسألة انفرادنا كجبية في معمـ وتمميذ، تسامرنا طيمة اليـو

شرد بذىنو عدة عقود إلى . كنت شابا في سني ما رضيت إال بفعمي لو أنؾ: الحرب قمت

كيؼ كوف شبكة دولية مف اإلخواف، حيف عاد مف شروده ىش ذبابة كانت الوراء، فتذكر

يرونني ثريا ال يزيد عف: قمت. الناس ينظروف لؾ نظرة مختمفة: وجيو قائبل تحـو عمى

: وقبمت رأسو أعيانا النقاش فقمت. كونو واجية تجيئيـ مف خبلليا األمواؿ والسبلح والرجاؿ

وصاحب الفضؿ لي طمب واحد، ال تعتبر ىذا قطيعة بيني وبينؾ، فأنت شيخي ومعممي

الصباح وجدتيا فرصة في. شعرت أف نفسو سرت بذلؾ وودعتو وأنا سعيد. في كؿ شيء

عمى وجو حسف حتى ولو طيبة أف نتحمى بسياسة مف ال يمانع في معاممة كؿ الجبيات

عمييـ اختيارنا إلى معسكراتيـ مزوديف تبيف غدرىـ، فأخذت في إرساؿ الرجاؿ الذيف ال يقع

لعبلقات طيبة، كاف مف بيف الرجاؿ عيوف بالسبلح، مف جانبيـ رأوا ذلؾ عود حسف

التوسع فييا ليس عمى الجبيات األفغانية ولكف في يبمغوننا بكؿ شيء، ىذه العيوف رأينا

تمؾ التي تعد ظييرنا الذي ال نعرؼ ماذا نصنع لو تغير عمينا الشيشاف وألبانيا وباكستاف،

.ننفؽ بسخاء عمى ىذا األمر فجأة، فرحنا

جاءوا ليعرضوا عمينا خرائط أفضؿ مما في أيدينا، طمبت التقيت عددا مف األمريكاف الذيف

متطورة الصنع في ببلدىـ لكنيـ رفضوا، ولـ يكف أمامنا سوى البحث أنواعا مف األسمحة

سبلح سوفيتي بديؿ، قالوا أف بعض الدوؿ العربية تقـو بتغيير تسميحيا الروسي معيـ عف

والباقي عمى بسبلح غربي ويمكننا شراؤه منيـ، اتفقنا أف ندفع ربع الثمف دفعة واحدة

في فندؽ شبرد شيريف، كاف ذلؾ دفعات نصؼ سنوية، عمى أف يصمنا السبلح في غضوف

بيا أبو سعيد منذ عاـ لكنني بمدينة لشبونة اإلسبانية، وكانت ىذه الجولة الطويمة قد كمفني

عددا مف المسئوليف في بريطانيا لـ أجد ليا ضرورة وبياء الديف يوفر كؿ شيء، زرت

يراف والبرتغاؿ وتركيا، كاف البعض مشفقا عمينا مف الدخوؿ في غمار ىذه الحرب واليند وا

األكثر طرحا عمى موائد النقاش عف مصير األسمحة والرجاؿ واآلخر حذر، وظؿ السؤاؿ

مصيرنا نحف؟ أكدت لمجميع أننا في كؿ األحواؿ نحارب عدوا طغى بعد الحرب، أي

في األرض، لـ يكف ىذا الحديث مقنعا ألي منيـ لكنو ظؿ الغبللة التي اتفؽ وتجبر وأفسد

نحف فمنستفد مف أي ريح ألجؿ ما: الجميع عمى عدـ نزعيا، حيف رأيت ذلؾ قمت لنفسي

.فيو

يتدربوف عمى عمؿ معارؾ واقعية بالرصاص، جمع صييب أخيرا عدت لمرجاؿ الذيف كانوا

الذيف سرحتيـ الجيوش العربية، ووضعا كبل منيـ فيما يميؽ بو وأبو عبيدة أكبر قدر مف

ألـ : حيف اكتمؿ لدينا ما يقرب مف خمسمائة مجاىد مدرب قمت ألبي سعيد مف عمؿ جاد،

.قمت لذا سندخؿ الحرب. نعـ: ال والية لمف لـ يخرج؟ قاؿ تقؿ أنو

األمامية التي تتمركز فييا مجموعة مف الجيش الروسي، كانت قرية جاجي إحدى المواقع

جماعات ال تزيد عف الخمسة عشر، لكؿ جماعة أمير تأتمر بو، قمنا بتوزيع أنفسنا إلى

بتعميماتي عبر البلسمكي، و بدوره كاف يبمغني بأخبار مجموعتو، كاف مع كؿ وكنت أبمغو

حزاـ متفجرات بو ثبلث قنابؿ ىجومية وقنبمتيف دفاعيتيف وعدة أصابع ديناميت رجؿ

الموقع عبارة مصنعة في المعسكر، وضعنا خريطة المكاف أمامنا وأخذنا في دراستيا، كاف

االستيبلء عمييا سوؼ عف ىضبة شامخة تطؿ عمى جميع النواحي المحيطة بيا، قمنا أف

مركزا النطبلؽ عممياتنا، أخرنا أذاف يجعمنا نتمركز بشكؿ جيد ويمنحنا موقعا يمكننا جعمو

بالصبلة وأممت الناس، جمست ألقى درسا في الجياد العشاء ساعة عف موعدىا، ثـ نادينا

المجاىديف، أال يقتموا طفبل أو شيخا أو امرأة ال تحمؿ والمناورة وما ىو محـر عمى

فميـ منو األربعة أخماس ولؤلمير الخمس كي يصمح بو شأف المعسكر السبلح، وما غنموه

جميعا ولو كفرد مثميـ سيـ، واألسيـ لمف اشترؾ في القتاؿ أو لـ يشترؾ، ألننا والذخيرة،

لحراسة تركنا نصؼ الرجاؿ. عمى الجبية، ومف لـ يشترؾ اليـو فسوؼ يشترؾ غدا

عمى كؿ مجموعة المعسكر وتأميف الظير، وحممنا أربعة مدافع ىاوف عمى البغاؿ، ووزعنا

مسافة خمسة كيمو مدفع أر بي جي مضاد لمدبابات، وخرجنا بعد انتياء الدرس نقطع

الموقع افترقنا عمى نحو مترات عبر طرؽ رفيعة بيف التبلؿ واألحراش، حيف اقتربنا مف

الموقع والثالثة مف يمينو، وتركنا أربع مجموعات، واحدة معي مف القمب وواحدة مف يسار

مف المتفجرات إال حيف يصبح مخزف سبلح مجموعة ال تطمؽ الرصاص وال الياوف وال أي

الشيادة ورحنا نتسمؿ عبر األحراش في صمت، عمى الموقع عمى مرمى نيرانيـ، تمونا

ورحنا نطعف بيا الظيور والرقاب، نجحنا في الخطوط حدود اليضبة استممنا الخناجر

بذلناه، جاءتني معمومات بأف المجموعة المتجية إلى داخؿ الموقع األولى رغـ الجيد الذي

السبلح قد دخمت بالفعؿ، أعطيت أوامري لممجموعة التي عمى اليسار لتفجير مخزف

الياوف ودؾ المباني التي في الموقع، وتسممت المجموعة الثانية إلى الداخؿ بنصب مدافع

ألقت بشيء لبلقتراب مف العدو، فجأة أطمقت صفارات إنذار عالية، لـ تكف المدفعية قد

عددا مف القذائؼ، لكف بعد، أمرتيـ باإلسراع كي تتوجو األنظار نحوىـ، بالفعؿ أطمقوا

برمتو، فصرنا عراة أماـ أضواء كاشفة قد اشتعمت لتضيء جنبات اليضبة والموقع

تحمؽ عمى المكاف، أمرت الجميع الكشافات ومدافع الكبلشينكوؼ، وراحت طائرة مروحية

الطائرة مجموعة اليسار، أمرت مجموعتي باالختباء ومحاولة إصابة الطائرة، فجأة أمطرت

ورشاشاتنا مرفوعة نحو اليواء، تناولت مدفع األر بي جي أف تتقدـ، زحفنا عمى الصخور

نحو الطائرة التي حومت عف قرب، اصطدمت قدمي بصخرة وىرولت بأقصى سرعة

أمتار، حمدت اهلل أف الدحرجة انتيت بي إلى مكاف يمكنني فتدحرجت عمى األرض عدة

وأطمؽ، كاف الطيار قد انتبو لي فاستدار نحوي، لكف القذيفة لحقت أف أعدؿ مف نفسي فيو

ضوء المروحية فتأرجحت في اليواء قبؿ أف تسقط عمى وجييا محدثة انفجارا زاد مف بذيؿ

كمنت بيا، المعسكر وغيظ العدو، ىتفت اهلل أكبر والرصاص يئز عمى رأس الحفرة التي

ىائمة، وبدا لي أف كانت مدفعية الكبلشينكوؼ المثبتة في أماكف ال أعرفيا تمطر زخات

الياوف إلطبلؽ عدة ضربات صيحتي بالتكبير كانت مسموعة لمجميع، فقد تقدمت مدافع

زخة مقابمة مف كبلشينكوؼ أحد في اتجاىات متفرقة، أخيرا أصيب كشاؼ بعطؿ جراء

دشـ السبلح راحت تمطرىا راجمات رجالنا، لكف المجموعة التي صارت عمى مقربة مف

فقدمي عمييا سائؿ لزج وال أستطيع الوقوؼ، صاروخية، لـ أعرؼ كيؼ ابمغيـ بالتراجع،

أزحؼ حتى خرجت مف الحفرة، وجدت رجميف مف بدا لي أف الجميع شغؿ عني، فرحت

موقعيـ، تناولت البلسمكي ورحت أجأر في مجموعة رجالنا جاءا يحمبلني إلى حيث

لـ يكف يجيب، ىتفت عمى المجموعة التي ترجميا الصواريخ اليسار بالتقدـ، لكف البلسمكي

مجموعتي بالتقدـ، راح الرجاؿ يطمقوف زخات مف مدافعيـ وىـ ييرولوف بالتراجع، وأمرت

ثـ يمقوف أنفسيـ خمؼ أو تحت أي شيء، أخيرا رأينا دبابة تتحرؾ مف موقعيا، نحو العدو

أخرى ألقت طمبت التصويب عمييا ففعموا لكنيا لـ تصب، ناور قائدىا وتراجع لكف مدرعة

فاشتعؿ غضبي ويأسي، لـ بقذيفة مدوية عمى موقع التقدـ، رأيت وسط الميب أشبلء طائرة

زيت طائرة، أيقنت أف مخزف الوقود يوقظني مما أنا فيو سوى انفجار كبير رأيت فيو براميؿ

ولو استمر القتاؿ ىكذا ستفنى المجموعة أصيب، لكننا لـ نكف قد سيطرنا عمى شيء،

وتمغيـ رؤوس المدقات ثـ التراجع، ىتفت في كاممة، أمرت بنشر أحباؿ الصواعؽ

أحدا لـ يجب، ىتفت بالمجموعة التي معي لتخفيؼ المجموعة التي كانت بالداخؿ، لكف

فجأة نصب أحد الرجاؿ مدفعو وقذؼ برجا اشتعمت عمى الضغط عف مجموعة الداخؿ،

ويبدو أف العدو حدث لو ارتباؾ ما، كانت فرصة ألف نطمؽ عددا إثره صفارات اإلنذار،

بي جي عمييـ بينما المجموعة التي بالداخؿ تتراجع، أمسكت بالرشاش مف قاذفات األر

ورحت أطمؽ زخات نبيت الجميع لوجود رجاؿ في ىذا المكاف، ىجـ عمى الذي معي

وحمموني إلى الوراء، وبينما نحف نتدحرج مف عمى اليضبة ىتفت فييـ الصواعؽ أصحابي

العسكرية قد واأللغاـ، تركني أحدىـ وعاد ييتؼ في البلسمكي بالتفجير، كانت العربات

أخيرا اشتعمت أحباؿ بدأت تنطمؽ نحو المنحدر، بينما مدرعتاف تتحركتا في اتجاىنا،

شيئا لـ يحدث رغـ كؿ ىذا الكروتكس فأصابت عربة، لكف المدرعة مرت كما لو أف

جاءت ىذه الضربة فتعطمت المدرعة، الضوء الباىر، أدركت أننا منتيوف، ال أعمـ مف أيف

يمكزونو بما في أيدىـ ليسرع، عمى مبعدة وضعني الرجاؿ عمى ظير بغؿ مصاب وراحوا

الرجاؿ، كانوا جميعا جرحي، وكثير منيـ فقد، لكف كيمو متر أو أكثر وقفنا ننتظر عودة

نزلت مف عمى البغؿ وقمت نعود جميعا متكئيف عمى بعضنا البعض، أحدا لـ نسمع بأسره،

تبلحقنا الدبابات، لكف أيا منيا لـ يظير، فقط الحت مروحية اختبأنا قبؿ كاف خوفنا أف

شيئا لـ مرورىا عمى المكاف، وظممنا مختبئيف في انتظار مف قمنا أنيا سترسميـ، لكف

الناس بأننا ىزمنا، يحدث، فخرجنا نجر أنفسنا حتى اقتربنا مف موقعنا، قمت لف نخبر

بالفعؿ، قمت ال نريد إحباطا سنقوؿ أننا كبدنا العدو خسائر فادحة، قالوا ىذا حدث

المرة القادمة، كاف الرجاؿ يأمنوف عمى لآلخريف، عسى أف يمف اهلل عمينا بالنصر في

.المصابة وصور أصدقائيـ التي تطايرت في اليواء الحديث وىـ ينظروف إلى أعضائيـ

(32)

ىكذا قاؿ أبو سعيد وىو يشد مف أزري، غالبت ال شيء يمكف إخفاؤه في ىذه الصحراء

الحرب ! وىؿ كنت تعتقد أنؾ ستفوز مف الجولة األولى؟: قاؿ .لقد ىزمنا: البكاء وأنا أقوؿ

إنيا الحرب، قد تثقؿ القمب، لكف خمفؾ عار "شاعرا قاؿ عنيا ليست نزىة، أذكر أف

كاد الرجؿ أف يضرب لي مثبل بمجد الديف وتبلمذتو". تصالح، وال تتوخ اليرب العرب، ال

مجد: قمت. يبمغؾ سبلمو ويشد مف عزمؾ... مجد: لكف ال تصالح أمسكت لسانو فقاؿ

إنو مشفؽ :طأطأ الرجؿ رأسو قائبل . يريد أف يقوؿ عميؾ أف تقنع بما قنعنا بو مف قبمؾ

ليسوا أفضؿ، إنيـ فقط لكف اآلخريف: قمت. عميؾ، فقد أصبت وكاد الموت أف يأخذ رجالؾ

ببلد اإلسبلـ كؿ ىذه السنوات، ما أحرص عمى الحياة منا، ولوال ىذا ما بقي المبلحدة في

كابوؿ أو جبلؿ آباد أو مزار شريؼ؟ أيف يصنعونو ليس حربا بؿ مناوشات، أيف ىـ مف

ويدعوف أنيـ يعرفوف الحرب أكثر مف غيرىـ، ال ىـ مف المواقع الميمة؟ فقط يناوشوف

كنت أتحدث كأسد جريح يثأر مف . في صفوفيـ أقؿ لشيء سوى أف اإلصابات والقتمى

بيزيمتو عف مد العوف لو بأي شكؿ، وىاىـ اآلف يريدونو اآلخريف ألنيـ فضموا االستمتاع

، "كتب القتؿ والقتاؿ عمينا، وعمى الغانيات جر الذيوؿ"بف أبي ربيعة أف يقنع بما قالو عمر

. أنت متعب :ىدىد الرجؿ عمى كتفي قائبل . يريدوننا فقط لممؤخرة واإلمداد وجر الذيوؿ نعـ

إنشاء اهلل : قمت. عميؾ ال: قاؿ. الطبيب يمر اآلف عمى الرجاؿ وحيف ينتيي سيأتيني: قمت

.إف شاء اهلل، إف شاء اهلل: لكنو قاؿ فغر الرجؿ فاىو وعينيو وكاد يبتسـ. سنمتقي في كابوؿ

: عمينا ال حدود ليا، ناديت مجمس الحرب وقمت خرج أبو سعيد وفي عينيو نظرة إشفاؽ

. تحدث يا أبا عبيدة: الجميع أفواىيـ وقالوا ال شيء، قمت ماذا يقوؿ اآلخروف عنا؟ فغر

أدركت أنيـ يقصدونني أنا، . الجميع يرى أف ما فعمناه جنونا : يقوؿ صمت الرجؿ قبؿ أف

الوليد بي جزءا مف جنوف، لكف جنوف مف؟ المختار أـ شبيب أـ عمارة بف وتذكرت أف

يأتييـ لـ يصدؽ أي مف رفاقو أنو دخؿ خدر النجاشي وناـ مع محظيتو، فطالبوه أف الذي

المحظية عشقا إلى أف في الغد بدىانو وعطره وقطعة مف ثيابو كي يصدقوا، عمينا أف نقتؿ

عمى وجيي مف شرود وحزف رأى أبو عبيدة ما. يسمع النجاشي صراخيا في إيواف ممكو

صرخت . بأنفسنا في أمر ال تطيقو الجباؿ يقولوف أننا زججنا: فتأتأ مخففا مف وقع جممتو

وأعدوا ليـ ما استطعتـ مف قوة ورباط "لنا اهلل تعالي ال يطيقونو ىـ، أما نحف فقد قاؿ: فيو

عد إلى تدريب الرجاؿ مف جديد، أريدىـ أكثر صبرا مف البغاؿ وقوة ، يا أبا عبيدة"الخيؿ

وجرأة مف النمور، يا صييب، أريد أكبر قدر مف المتفجرات في حوزتنا، أما أنا مف األسود

لحظات قصيرة ىتفوا عمى الرجاؿ بالخارج أف يرسموا الطبيب، كانت. فأريد الطبيب اآلف

شيء، القديـ مع الجديد، لكنيا متسعة بطوؿ التاريخ والجغرافيا، لحظات تجاور فييا كؿ

سألت ابف أخي ما : طالب يقوؿ الماضي مع الحاضر، ابف المغيرة مع أبي سعيد، وأبو

والقمر في يساري عمى أف أترؾ ىذا واهلل لو وضعوا الشمس في يميني،: سألتموني فقاؿ

.األمر أو أقتؿ دونو ما تركتو

نظرت . الطبيب: قصير في مبلبس أزىرية، قالوا حيف أفقت وجدت الرجاؿ ومعيـ رجؿ

مصري جاء منذ أياـ : الجميع وظنوا أنني أىذي، قالوا دىش! حسف: فإذا بو الصباح، قمت

مد يده فكشؼ عف . جئت في وقتؾ: قمت. فأحضرناه يداوي الجرحى إلى بيت األنصار

بيضاء، قاؿ لـ يكف أمامنا سوى أف نعطيؾ مخدرا ونقـو بتجبيرىا، فمف ساقي فإذا ىي

ومف المختار؟ ضحكت حيف عممت أنو وضعيا في شاش، وعمى الشاش ورقة عمارة

الورقة شاش محاط بعصي ثـ شاش جديد، قمت أىكذا تداووف الناس في مغراة، وعمى

الفبلحوف والبدو ويفعموف ذلؾ، أما المدف فتستخدـ الجبس، قمت والرصاص: قاؿ ببلدكـ؟

بالصباح؟ ىؿ تحزف لو ناديتؾ: قمت. وأيسر: الكي أفضؿ، وابتسـ قائبل : قاؿ! والجروح؟

.ىذا حسف! تيمنا بفاتح القبلع؟: قاؿ

والفضؿ ويسار وصييب والعباس والصباح حيف تماثمت لمشفاء ناديت أبا عبيدة

: مف سبلح؟ أعطوني ورقة بيا مفردات عديدة، قالوا سأغادر الببلد، فما الذي نريده:وقمت

تقسيـ الرجاؿ عمى مجموعات حسب بمدانيـ، وتوجيت بنظري إلى قمت أريد. ال غنى عنيا

مجموعة تبايع اهلل عمى الشيادة يتمتعوف بالذكاء والسرعة والميارة، صييب وقمت أريد

ثـ توجيت نحو. عمى أقسى فنوف القتاؿ وتضعيـ في بيت خاص ال يعرفو سوانا تدربيـ

ندخؿ اآلف جاء دورؾ، أريد مجموعة لبلستطبلع وجمع األخبار، أريد أف: الصباح وقمت

السبلح إلى ونخرج مف جاجي كأنيا موقعنا وليس موقعيـ، أما أبو الفضؿ فعميو بنقؿ

أف يستقبؿ الناس مغارات قريبة منيـ، ال أريد أف تتباعد خطوطنا عنيـ، وصييب عميو

يعوؿ أبناءه، وعمى ويقسميـ ويوزعيـ حسب الخبليا والببلد، ويرسؿ لمف استشيد ما

.غيابي الجميع الحذر والعمؿ في السر والطاعة ألبي العباس في

يصاحبني أحد، فتسممت بالجواد حتى اختفيت عف األنظار، لـ أشأ أف أستخدـ العربة أو

حتى وصمت إلى بيشاور ومنيا إلى إسبلـ أباد، كاف مدىشا لمف وقطعت المسافات ركضا

رجؿ بييئة رثة مبلقاة وزير، قمت ابمغوه أف أبا عبد الرحمف بالخارج، حيف ىناؾ أف يطمب

وأنتـ دفعنا أموالنا وأنفسنا لمناىضة الممحديف: دفعت بو إلى داخؿ مكتبو قائبل جاء

مف سبلح؟ وأيف تجمسوف في مكاتبكـ المكيفة وتتركوننا عراة في الصحراء، أيف ما طمبناه

انفجرت فيو . وصمتؾ دفعة لـ نتأخر وقد: ىدأ الرجؿ مف روعي قائبل ! أنتـ مف اإلسبلـ؟

قدـ !. يصطادىـ الروس بالنباؿ السبلح يباع في أسواؽ الخضار والمجاىدوف: مف جديد

في المعركة ما كنت ستعاممنا بيذا لو انتصرت: الرجؿ نوعا مف العصائر وىو يبتسـ

ىذه طمبات الرجاؿ أريدىا في أيدييـ قبؿ : وقمت أخرجت الورقة مف بطانة الجاكت. الحنؽ

عميكـ، فقد زود الروس الموقع بالمزيد مف المعدات، ولو قاؿ األمر أصبح عصيبا . أسبوع

!ىؿ تثبط عزيمتنا؟: ابتسمت بطريقتو الباردة. سيسصطادونكـ بالنباؿ كما تقوؿ ...حاولتـ

انزعج مما ال ولكني أخبرؾ بالواقع، فالروس لف يتركوا جاجي بأي ثمف، وجورباتشوؼ: قاؿ

لمطائرات وأخرى قمت لذا نريد أجيزة تصوير واستطبلع والسمكي ومدافع مضادة. حدث

وماذا تفعموف : عمييا؟ قمت ومف سيدربكـ: قاؿ. أكثر تطورا : قمت. لديكـ: قاؿ. لممدرعات

حكمة جديدة مددت يدي فأخرجت ىنا؟ وقبؿ أف يبحث في رأسو الصغير عف سؤاؿ أو

في طمب الرجاؿ لتقوموا بتدريبيـ سأرسؿ: مظروفا تطؿ مف فتحتو حفنة دوالرات وقمت

نرسؿ نحف مف يدربكـ : أدراج مكتبو ابتسـ وىويضع المظروؼ في. حتى يصؿ السبلح

أقرب وقت، ثـ مددت يدي لمسبلـ عميو رفضت وشددت عمى أف يصؿ السبلح في. عمييا

.ىذا محبة مني: رأسو باتجاه األدراج وىو يقوؿ طأطأ الرجؿ. أريد جوازا أحمر: قائبل

نيودليي إلى اسطنبوؿ حيث التقيت ببياء الديف، كانت الرحمة طويمة مف كراتشي إلى

الرجاؿ وشحنة مف البغاؿ القبرصية، قاؿ أف زوجتي الجديدة طمبت أف يرسؿ المزيد مف

ثـ ودعتو متخذا الطائرة المتجية إلى برليف ومنيا إلى لندف ثـ. ارسميا :تسألو عني، قمت

في باريس، تحدثت ىناؾ عف العدو الروسي وعدالة اإلسبلـ، شددت عمى أىمية دورىـ

كاف ىذا جانبا مساعدتنا لمقضاء عمى الدب الروسي إف لـ يكف بالنفس فبالماؿ و السبلح،

أجمو، لكنيـ عمى كؿ رسميا، بدا لي مف نظراتيـ أنيـ يقولوف افعؿ شيئا نصدقؾ مف

والمواقع األفغانية اليامة، كاف مف زودوني بصور حديثة التقطتيا األقمار الصناعية لممدف

مف المناظير وكاميرات التصوير الميمية، بينيا جاجي بالطبع، حصمت أيضا عمى عدد

درت دورة موازية عمى عدد مف مساجد اإلخوة في .ووعد بالماؿ والسبلح في وقت الحؽ

مسجد ببرليف وآخر في لندف، شرحت الجياد اإلسبلمي ىذه المدف، وخطبت مرتيف في

والدعاء، وددت زيارة مسجد الصحابة لكف ذلؾ ذكرني بأياـ أردت وحاجتنا لمماؿ والسبلح

حقيبتي واتجيت إلى المطار، استغرقت الرحمة شيرا لكف الخير كاف وفيرا، نسيانيا فحممت

وزوجتي وجدت الرجاؿ عادوا مف تدريبيـ، والسبلح في أيدييـ، والبغاؿ تدب عمى األرض،

نيارا وننقمو إلى رحنا نتدرب عمى السبلح. اليمنية تنتظرني في مسكف زوجة أبي عبيدة

تفاصيؿ الموقع، أمضينا ستة المغارات ليبل، والصباح يجمع المعمومات ويرسؿ مف يصور

ألنفسنا، وكمما رأى أبو سعيد وغيره تدفؽ أشير وال نحمـ في الميؿ أو النيار إال بالثأر

طمباتيـ تزداد أكثر، حتى بدا لي أف أحدا منيـ ال يصدؽ الرجاؿ عمينا مف كؿ حدب كانت

.لمقتاؿ،ساعتيا شعرت أف العدة قد اكتممت ولـ يبؽ إال نصر اهلل أننا سنذىب

(33)

1986خريف

أضواء المروحيات تبحث عنا في كؿ مكاف، ىكذا كنا نزحؼ في تجاويؼ الصخور بينما

ذبحنا عشرات الجنود وأطمقنا العديد مف القذائؼ عمى مواقع استطعنا إثارة غضبيـ بعدما

القرية الرابضة عمى اليضبة الشامخة، وكمما كانت المروحيات تحمؽ عمى مؤثرة في تمؾ

غير بعيدة مف رؤوس الجباؿ كاف الرجاؿ يخرجوف مف شقوقيـ ليصوبوا عمييا أمتار

لتقصؼ كؿ بجسارة فائقة، دائما ما كانت تتراجع المروحيات وتجيء الطائرات الحربية

اليجـو بعد أف شيء، حيف نوقف أف الدب قد انتفض مف نومو نسكف في مخابئنا لنعاود

تنقضوف في أي ساعة ثـ تنتيي غارتو، ىكذا مرت األسابيع األولى مف القتاؿ والرجاؿ

شددنا عمى الجميع بتسييؿ األمر يختفوف لتجيء الطائرات والمدرعات فتتنزه في المكاف،

يشعروف العدو بأنيـ ال رغبة ليـ حتى في عمييا ميما كبدنا ىذا مف خسائر، فراحوا

جانبيـ يتعامموف معنا كيواة يريدوف التواجد عمى االقتراب مف اليضبة، وراح الروس مف

نعد نبكي ونحف ندفف أشبلء أصدقائنا بؿ نزداد حنقا ورغبة في جبية الحرب، مف جانبنا لـ

مماثمة، كاف التدريب يتـ عمى ىضبة مماثمة في المعسكر، وكاف الرجاؿ تكبيدىـ خسائر

بالمدافع والمتفجرات إلى سطحيا، وكاف يكفي أف يصيح القائد بكممة غارة حتى يتسمقوف

وليس يختفي الجميع في أقرب األماكف تحصنا، والويؿ لمف يتصور أف التدريب فسحة

األمامية لرؤية حرب حقيقية، حيف كانت تكتمؿ عدة الرجاؿ كنا ندفع بيـ إلى المواقع

صوت القنابؿ الحرب عف قرب، لـ نكف نتعجؿ أي شيء، فقط يتعود الجميع عمى

القيادة مف يدر واحد إلى والصواريخ والغارات التي تجيء في أي وقت، نقمنا أيضا مركز

وقسـ أبو عبيدة رجالو إلى المواقع المتقدمة لتقترب خطوطنا مع بعضيا البعض،

يتعايشوف معا كما لو أنيـ كتمة لحـ مجموعات ال تزيد الواحدة عف عشرة رجاؿ، كانوا

ويناموف معا، وجعمنا لكؿ جناح معسكر يتآلؼ فيو واحدة، يأكموف ويتدربوف ويتسامروف

الصباح ينتخب رجالو مف بينيـ كاف صييب ينتخب رجاال كأنو جيش مكتمؿ، وبينما

ذات يـو غير الروس طريقتيـ وبدال مف . والسرعة لتمقي الشيادة أشداء يتمتعوف بالميارة

المروحيات أو ترد المدفعية فوجئنا بسرب طائرات حربية تطمؽ صواريخيا عف أف تخرج

الصخور، لـ تسمح المباغتة لمرجاؿ باالنسحاب كما اعتادوا إلى المغارات أو تجاويؼ بعد،

ثارا إلخوانيـ، خطبت كبدتنا ىذه الغارة خسائر فادحة، وراح الرجاؿ جميعا يطمبوف الشيادة

األوامر والطاعة المطمقة، فقد أبمغ فييـ بالصبر وانتظار النصر، خطبت أيضا بالتزاـ

ف : مواقعيـ قائبل رسوؿ اهلل الرماة في غزوة أحد بالتزاـ إف رأيتمونا نيـز فبل تنصرونا، وا

لكنيـ خدعوا بالنصر، ونزولوا مف أعمى الجبؿ، فتحوؿ نصرىـ . تشاركونا رأيتمونا نغنـ فبل

: الجميع ىزيمة، فيؿ تريدوف الصبر والطاعة أـ تمقوا بأنفسكـ إلى التيمكة؟ فيتؼ إلى

.وبشر الصابريف: الصبر والنصر، فقمت

بشكؿ يجعمو ينزؿ إلى السفح، فجيزنا عشرة رجاؿ كاف عمينا أف نغضب الدب الروسي

والموت، دفعنا بيـ إلى الجانب الشمالي مف اليضبة لدخوؿ بايعوا اهلل عمى الشيادة

يضربوا بكؿ ما لدييـ مف قسوة ثـ ييبطوا أماـ الجميع مف جية الموقع، قمنا ليـ أف

أف ينزلوا خمفكـ، وكمما كنتـ أكثر طمعا في اليروب كمما غرتيـ قوتيـ الجنوب، نريدىـ

المكاف، قمنا وجاءوا إلنا، كالعادة أطمقت المدافع قذائفيا، فخرجت المروحيات تحمؽ عمى

يعني مجيء سرب طيراف لمكامنيف عمى رؤوس الجباؿ أف يفزعوىا لتعود، كنا نعمـ أف ذلؾ

ونديرىا أيضا، عادت ليخمد كؿ شيء بقذائفو الصاروخية، أصبحنا نعرؼ المعبة

أمروا، وجاء سرب المقاتبلت المروحيات بالفعؿ مف حيث أتت، وصعد الرجاؿ إلى حيث

أعمى اليضبة كمف يشاىد فيمما ليصفع الجباؿ بالصواريخ، وكاف الروس ينظروف مف

شحنتيا وعادت حتى بدأ المعسكر يدوي معتاد إلى حد الرتابة، ما إف أفرغت المقاتبلت

وأطمقت القذائؼ مف داخؿ المعسكر عمى أبنية القادة بصفارات اإلنذار، فقد تحطـ الردار

الرجاؿ يفروف مطمقيف رشاشاتيـ عمى كؿ ما في طريقيـ ناحية ومبيتات الجنود، وراح

ييبطوف في مشيد عبثي، في المقابؿ دفعنا بخمسيف رجبل في اتجاىيـ مف الجنوب، كانوا

خرجت التؿ، بدا السفح كأنو مميء باألرانب الجبمية التي تحتاج لمف يقتنصيا، حيف أسفؿ

تقريبا تحركت المروحيات ردت عمييا القذائؼ، ولما كاف الرجاؿ عراة وفي حوزة الروس

كما اعتادوا بؿ ىروا المدرعات والعربات المصفحة نحو السفح، لـ يكف الرجاؿ يكمنوف

خمفيـ، مناوشات بسيطة متدحرجيف عمى النتوءات والرمؿ، وراحت المجنزرات تنطمؽ

أخيرا أصيبت واحدة بعطب، يتوقؼ الفاروف ليقوموا بيا، فتطمع المدرعات في حصدىـ،

بالدفاع عنيا وعف أنفسيا، نزلت وىجـ الرجاؿ نحو طاقميا، بينما انشغمت األخريات

أصيبت إحداىما ودوت في طريقيا إلى مدرعات جديدة، وظيرت مروحيتاف في األفؽ،

مف رؤوس الجباؿ، أعطينا أوامر بالتراجع األرض، تراجعت األخرى وسط نيراف وقذائؼ

أفرغت نصؼ شحنتيا بجانب المدرعة التي أصابيا واالختفاء، حيف جاءت المقاتبلت

المشيد ساكنا والروس يحاولوف جذب مجنزرتيـ، فجأة نادى العطب، تراجع كؿ شيء وبدا

التي راحت تنياؿ عمييـ، لقد خسروا بالفعؿ ىذه المرة وانتقمنا لمف أبو عبيدة بالقذائؼ

.في غارتيـ باألمس استشيدوا

لـ يعد ىناؾ غد، فإما أف : أيضا في الغد، قمت قاؿ صييب عمينا أف نفعؿ معيـ ىذا

ما أف يقتموؾ لف : يدي وأنا أتحدث جامعا الرمؿ عمى ىيئة ىضبة شامخة مددت. تقتميـ وا

تجدوا ىذه اليضبة تنسحب نحونا بمقاتبلتيا لتبيد كؿ شيء، وحيف نفر يأتي المساء حتى

راف الوجـو عمى وجو الجميع، قمت ليس. المدرعات كما تشاء، سنصبح فريسة ليـ ستعمؿ

سيخرجوف أمامنا سوى العمؿ في وضح النيار وبعيدا عف أعينيـ، سننتظر المحظة التي

النيار مف ىنا وىنا، فييا لنحرؽ ليـ فكرة العودة إلى أعمى، عمينا أف نتسمؿ في وضح

الشرقي الذي ليس بو ممرات وأشرت إلى الجانب الشمالي حيث يأتييـ التمويؿ، والجانب

نحف عمى رؤوس الجباؿ، وفي لنزوليـ، خمسوف مف ىنا وخمسوف مف ىنا، ونبقى كما

القتاؿ معيـ حتى نسيطر عمى اليضبة مف المواجية نعد ميمنة ويسارا وقمب، لف نبدأ

.أعمى، ومف ينصره اهلل فبل غالب لو

وراح الجميع يعد لو مكامف جيدة تحسبا لتمشيط أخذ الرجاؿ في التسمؿ نحو اليضبة،

في كؿ شيء، وصمت جماعة الجانب الشرقي إلى أماكنيا الطائرات، أخذنا الحذر دليبل

فكاف عمييـ التخفي والمراقبة حتى ال تمحظيـ عربات الدوريات بيسر، أما جماعة الشماؿ

اإلمداد، جاء المساء وكؿ قد اتخذ مكانو، لكف الروس لـ ينزلوا مف قمعتيـ، التي تأمف

الشامخة، كأنيـ نسوا ما حدث في الصباح، وكأنيـ صفحوا عنا وقرروا البقاء عمى قمتيـ

أبمغيـ بخطتنا، أـ حتى الطيراف لـ يأت، وال صافرات اإلنذار، ماذا حدث؟ ىؿ ىناؾ مف

العشاء وظممنا نترقب، ال شيء سوى أننا أعطيناىـ فوؽ قدرىـ؟ أخذ القمؽ ينتابني، صمينا

العاشرة ظيرت مروحية ألقت بكشافيا عمى األرض البرد والثمج ونعيؽ النسور، أخيرا عمى

القـو بنا، قمت لو عمموا ما تركوا اليضبة محاطة بالرجاؿ في اتجاىات عدة، قمت لقد عمـ

ال أصبت بالجنوف، خرجت أتمشى مف كؿ جانب، قررت أف أترؾ القيادة ألبي عبيدة وا

أستطع الصبر وال التراجع، لدي يقيف بأنيـ سيفعموف ما تصورتو، ليس أماـ الكيؼ فمـ

سوى ذلؾ، قمت ألبي عبيدة أنني سأتسمؽ الجبؿ الغربي، صرخ في بأف ىذا جنوف، أماميـ

الجبؿ كظير رجؿ منتصب وجمد صبية حسناء، قمت الموت بيف الرجاؿ أفضؿ مف أف

سبلحي يقوؿ أحدىـ أننا دفعنا بيـ لمموت في الجميد وجمسنا نتسامر في الكيؼ، حممت

خؼ الجميع .وناديت عمى صييب أف يتبعني في عدد مف الرجاؿ، فبل نامت أعيف الجبناء

حؽ، فمف الصعوبة أف خمفي لنعتمي جدراف الشاىؽ الباسؽ، أدركت بالفعؿ أنيـ كانوا عمى

أقوؿ ليـ بالتراجع لكنني خشيت تصعد نيارا بنفسؾ، فماذا عف الظممة واألسمحة، وددت لو

القوؿ بالرجوع لكنيـ خشوا مف استصغاري ليـ، مف تندرىـ فيما بعد، ىـ أيضا كانوا يودوف

نتوءات ومنحدرات بسيطة، كانت أفضؿ بكثير مف بعد عناء طويؿ وصمنا إلى منطقة

أو أربع ساعات ألقينا بأنفسنا بعدىا عمى األرض، ولو أف األولى، قطعنا المسافة في ثبلث

جاءنا لسممنا لو أنفسنا بأيدينا، لكف ىذا لـ يحدث ولـ يطؿ، فقد تعالى أصغر جندي روسي

رحنا المقاتبلت التي راحت تمشط الجباؿ، تفاءلت بأف األمر كما توقعنا بالضبط، أزيز

يتحرؾ نحو نركض ونختبئ حتى اقتربنا مف قمب اليضبة، رأينا رطبل مف المدرعات

بدوره في الجميع الممرات، ىتفت في أبي عبيدة بالبلسمكي أنيـ نازلوف إليؾ، ىتؼ

مخزني وقود وأسمحة، رأيت باالستعداد، رأيت بعض رجاؿ الجانب الشرقي يتسمموف نحو

اإلمداد، أرسمت رجميف ممف رافقوني مجموعة الشماؿ تنشر حباؿ التروتكس في ممرات

ضوء لمكشافات، لـ تكد المدرعات تتخذ طريقيا إلمطار غرفة الكيرباء بالقنابؿ مع أوؿ

مخزف الوقود، ورد عميو مخزف األسمحة بانفجار أعظـ، نحو منحدر اليضبة حتى اشتعؿ

إلى صافرات اإلنذار التي دوت وال الكشافات التي دارت عمى لـ تكف اليضبة في حاجة

صاحبينا أخمدا كؿ شيء قبؿ أف ينتبو الراصدوف لرصدنا، فأصبح كؿ مف الرؤوس، لكف

رأيت اليضبة متساو في الرؤية، وتوالت االنفجارات في أماكف نعرفيا وال نعرفيا، عمى

الجانب الشمالي الرجاؿ يرشقوف بوابات اليضبة بالقاذفات، رأيت أيضا انفجارا عمى

والقذائؼ لـ يغط فأدركت أف خطوط اإلمداد قد قطعت، دارت بعده معركة بالرشاشات

صييب نحو مروحية كادت عمييا إال صوت المعارؾ التي دارت في الجنوب، بدوره تسمؿ

عبثيا، فمـ أعد أعرؼ مف ييرب وال أف تقمع لكف قاذفتو أنامتيا مف جديد، بدا لي المشيد

واالنفجارات تدوي في كؿ مكاف، في فرارنا مف يقاتؿ، الكؿ يجري مطمقا الرصاص،

ثـ تشنج في مكانو، أخذت ما معو مف ذخيرة اصطدمت بجندي رطف بكممات لـ أفيميا

بدا أننا سيطرنا عمى اليضبة، فالنيراف تشتعؿ في وتركتو دوف أف أطمؽ عميو الرصاص،

بعد، ورجاؿ الشماؿ استبسموا في معركة ال يوازييا إال معركة كؿ جانب، والطيراف لـ يأت

أيضا أف رجالنا يزدادوف اشتباكا مع الدبابات التي في طريقيا لمنزوؿ، وعمى الجنوب، بدا

يأسر البعد رأيت رجبل ضخما يتجو نحو عربة أماـ غرفة القيادة، صرخت في صييب أف

رشاشو عمى الرجؿ، رأيتو يزحؼ حتى اقترب مف المكاف ثـ انتصب ميروال وىو يفرغ

انقض عميو صييب العربة، كاف الرجؿ كمف انتظر قضاء اهلل فيو فوقؼ مستسمما حتى

وجدت الجنود يتجيوف واستدار بو إلى داخميا، لـ أعرؼ مف فييما أسر اآلخر لكني

ليبا يخرج مف العربة عمييـ، نحوىما، فتقدمت نحوىـ وفتحت النار بعشوائة وجنوف، ورأيت

شيئا مختمفا عما كاف عميو منذ قميؿ، فجأة فأدركت أف صييبا مازاؿ حيا وأف غريمو أصبح

الرصاص مف كؿ جانب، بدا أنيـ أيقنوا أف مف في توقؼ الميب وراحت العربة تتمقى

يطمقوف رصاصيـ نحوي، تراجعت وقد شعرت بضرورة اليرب العربة قد مات فاستداروا

ال لحقت بصاحبي، عمى مقربة مني سقطت قنبمة فألقيت نفسي عمى األرض وغطى وا

صييب بالجثة التي حارب مف خبلليا، ألقى أيضا بعدة قنابؿ الرمؿ الساخف جسدي، ألقى

ثـ فتح نيراف رشاشو ليغطي انسحابو نحوي، حيف وجدني حيا صرخ في اتجاىات متفرقة

خؼ التوتر حيف انسحبنا بعيدا عف . عمى الزناد أف غريمو كاف القائد في وىو يضغط

حيف ظيرت المقاتبلت في طريقيا. النيراف، وقمت ظننتؾ قتمت لكف ىذا أوؿ النصر مرمى

أصيب نحو اليضبة ىتفت في أبي عبيدة ألعرؼ ما الذي حدث، قاؿ أف بعض المدرعات

ليقاتموكـ، لـ ألبث بالعطب ويحاولوف جرىا إلى لميضبة، قمت ال تتركوا الجبناء فيعودوا

وأغمقتو عمى غيرىا، وراحت حتى رأيت قذيفة انطمقت عمى دبابة في أوؿ الممر فتعطمت

المدرعات الياربة نحو الشماؿ، خمنت أف المقاتبلت تدؾ السفح ىذه المرة، كانت تحمي

عما قميؿ ستدؾ اليضبة نفسيا، جاءني صوت أبي أمرا صدر بتغطية االنسحاب، وأنيا

جبية الشماؿ بالرجاؿ حتى ال يكبسنا الروس باإلمداد منيا، عبيدة بأنيـ يفروف، أمرتو بمد

العاطبة عمى الممر تحتاج ساعة عمى األقؿ إلزاحتيا، بالفعؿ غيرت قاؿ أف الدبابة

وجيتيا وجاءت لتدمر اليضبة مف الداخؿ، لكف ىييات، فقد صعدنا ولف ننزؿ المقاتبلت

الصباح البارد بالموت، ويبدوا أف الروس أدركوا ىذا أيضا، فمـ تأت مقاتبلتيـ إال مع إال

النحؿ، بينما المقاتبلت تحـو إلنزاؿ جنود عمى اليضبة،كانت طائرة اإلنزاؿ عظيمة كممكة

ربي إني لما أنزلت : ىتفت في السماء حوليا كخادمات تبحث عف غذائيا في كؿ مكاف،

مييار يرتدي مبلبس جندي روسيي وأبا حيف عدت ببصري وجدت. إلي مف خير فقير

نحو طائرة اإلنزاؿ، فتركتيما المقاتبلت يمراف دوف عبيدة أسيرا بيف يديو، كانت وجيتيما

المسافة وقع أبو عبيدة رافضا السير، وانياؿ عميو مييار ضربا خوؼ، فمما بمغا نصؼ

الدب بالقتؿ، وكاد الروس أف ينتبيوا لوال أف قذيفة أطاحت بالمشيد كمو، فقد تحوؿ وتيديدا

المروحية الجاثـ عمى اليضبة إلى كتمة مف نار، وراح مييار يطمؽ زخات رشاشو عمى

والقمعة الحصينة، التي تحرسميما، ولـ تمض ساعة حتى أيقف الروس أنيـ خسروا المعركة

.زىوقا قؿ جاء الحؽ وزىؽ الباطؿ، إف الباطؿ كاف: فرحنا ننشد

(34)

الروس عف قمعتيـ الحصينة؟ وكيؼ اعتبلىا ىؤالء ال أحد يستوعب ما حدث، كيؼ تنازؿ

الجميع يضرب كفا بكؼ وىو يسخر مف فعؿ القدر، لكننا لـ نكف العرب اليواة؟ ىكذا كاف

التي مجانيف، فقد أعددنا لكؿ شيء وأتـ اهلل عمينا األمر، ويأس العدو مف غاراتو ىواة وال

الممرات، ببل جدوى وصرنا نحف الذيف نحث الرجاؿ عمى الزحؼ لطردىـ مف رؤوس

صار الروس جاءت حيؿ كثيرة ومغامرات أكثر، كاف أكثرىا طرافة البغاؿ، ىذه التي

عمى المدؽ الذي ينتيي يعدونيا السبلح األخطر عمييـ، كنا في البدء نمغـ البغؿ ونرسمو

حشو السرج، حيف انتبو الروس بنقطة التفتيش، ثـ نقـو بتفجيره عف طريؽ سمؾ في نياية

ىذا المخموؽ البائس ونخرج عمييـ مف تحت ليذه الحيمة كنا نتركيـ يتعمموف النيشاف عمى

شممو، لـ تكف مواقعيـ في ىذه المرحمة حصينة أو األحجار لندفعيـ أمامنا كقطيع تمزؽ

رجؿ في األرض خير مف "عمى األرض، فكما قاؿ أبو عبيدة ذات نفع إال في فرض النفوذ

."طائرة في السماء

: أي مف المجاىديف، بؿ إف األفغاف أنفسيـ قالوا أعطتنا جاجي مكانة لـ يحزىا مف قبؿ

أما الغرب فقد رأى أننا فعمنا ما نستحؽ .نحف الضيوؼ عمييـ كانوا ضيوفا عمينا فصرنا

وراح بعضيـ يعاممنا عمى أننا الجواد األسود الذي جاء مف آخر المضمار عميو التقدير،

منيا، الجميع، وال شؾ أننا كنا سعداء بيذا المديح، فرحنا نرد عمى كؿ تحية بأفضؿ ليسبؽ

ضحؾ . معنا ونحف نريدؾ: قمت. الجميع يريد التنسيؽ معكـ في الحرب:قاؿ أبو سعيد

. بؿ مكانؾ ىنا: وكتفيو قمت مف فوري أقبؿ رأسو! ألقـو بعمميات اإلمداد والتمويف؟: قائبل

بالقتاؿ وفنونو، أكثرنا دراية بالمكاف فأنت أكثرنا خبرة: أشرت إلى حيث أجمس وأردفت

شعرت بأف مسحة مف الرضا . المجاىديف قائدنا وأىمو، ولنا كؿ الفخر بأف يكوف شيخ

شعرت بارتباؾ مف وقع مقولتو، فمـ يكف في ! ومجد؟ :راحت تمؤل وجيو، لكنو سألني

مف اخترناه بعناية وأدخمناه مأسدة األنصار، لكنني فتحت تخطيطنا أف ينضـ إلينا غير

الذي نحارب فيو، فيذه الببلد ال يعرفيا أكثر مف مجد ورجالو، والبشتوف ذىني عمى المكاف

ىذه :الظيير الذي يجب أف نرتكف إليو، ليس لمحرب فقط ولكف لما بعد الحرب، قمت ىـ

ضوءا خرج مف ابتسـ الرجؿ حتى شعرت أف. الببلد ببلد مجد، وما جئنا إال لننضـ إليو

.الضحؾ فمـ أتمالؾ نفسي مف. أخ كريـ وابف أخ كريـ: وجيو فأضاء الكيؼ

ىؤالء مف بقوا مف سنوات : أقؿ مما توقعت، قاؿ في الصباح جاءني مجد برجالو وكانوا

لقد تفرغت : فابتسـ قائبل . مرحبا بؾ وبيـ يا شيخ الشيوخ :قمت. الجياد يا شيخ الجبؿ

المدرسة لغيري، وىـ بدورىـ بدءوا يمتفتوف لمتدريس بعد كؿ ما حققناه لمجياد وتركت أمر

.خسائر مف

نزعج الروس عمى رؤوس الطرؽ والجباؿ، وصارت لـ نكف في ىذه المرحمة نريد سوى

المطاؼ، جمسنا وتدارسنا ما كاف لدينا مف أخطاء في قندىار الغاية التي في نياية

وضعنا وقد أصبح معسكرا بدر ال يتسعاف لرجالنا ورجاؿ مجد، قمنا المعركة، درسنا أيضا

. القادسية عمى اسـ معركة خالد بف الوليد مع الفرس: آخريف، قاؿ صييب نعد معسكريف

في الصباح اتخذ صييب طريقو لتأسيس. الفتح، تيمنا بفتح مكة: الصباح وقاؿ

رفضوا المعسكريف، بينما اتخذ الصباح طريقو إلى باكستاف لطمب المزيد مف السبلح،

حيث التقى بياء أنواعا بعينيا ألنيا أمريكية الصنع، فتركيـ واتخذ طريقو إلى اسطنبوؿ

اليـو التالي برجؿ كوري الديف، أفصح لو عف رغبتو في شراء أسمحة أمريكية، جاءه في

مواد بناء قادمة لمكتب مقاوالت سأرسميا عمى أنيا: حصؿ عمى نصؼ مميوف دوالر، قاؿ

ومعيا مف يدربكـ عمى : مستنكرا أردؼ الرجؿ عمبلئكـ في بيشاور، حيف نظر إليو الصباح

طريؽ غير الذي ذىب منو، حيف مر الموعد الذي وافؽ الصباح وعاد مف. استخداميا

المافيا سرقت المجاىديف، كاف الصباح حزينا لكف وجيو اليادئ اتفقا عميو رحنا نتندر بأف

سوى ثقتو العميقة بأف الصفقة ستصؿ، صرفنا نظرنا عف األمر برمتو وقمنا ال يستشؼ منو

ومعيا مف متفجرات، أرسمنا صييبا ىذه المرة فجاءتنا البغاؿ محممة بالعديد مف المواد نريد

فقد قضى عمى بضع يدرب الرجاؿ عمى تصنيعيا، بدا لنا أف ما يفعمو الرجؿ سحر عظيـ،

استخدامو كعجائف أو يمكنكـ: حيوانات في مغارة بوضع سائؿ شفاؼ عمى بابيا، قاؿ

ال بأس بيا في كيؼ صنعنا كمية. زيوت أو غازات عف طريؽ ماكينة تقـو بتبخيره

جاء وال مف أيف يذىب، أسميناه المعمؿ، حرص الصباح عمى أال يعرؼ الرجؿ مف أيف

يشاغؿ نفسو بتجييز المعسكر وفي الوقت الذي بدا فيو صييب فرح بما أنجز كاف الصباح

بالفشؿ، خاصة أف العبلقة بينو وبيف صييب بيا الجديد، لكنني كنت أعمـ أنو يواري شعورا

الذات، عممت فيما بعد أنيما يعرفاف بعضيما منذ زمف الكثير مف المنافسة عمى إثبات

الرجؿ الضرير في تنظيـ الجماعة اإلسبلمية، وكبلىما يجتيد في بعيد، فصييب مف أتباع

ال: تنظيمو القديـ ليكونوا في مقدمة المجاىديف، حيف انتبيت ليذا الصراع قمت جمع رجاؿ

.ضير وليتنافس المتنافسوف

بوجوده بجانبي، وكمما سألت عنو قيؿ يتابع العمؿ، افتقدت الصباح، ولـ أعد أشعر

مثمو، لـ أكف في الحقيقة بحاجة لـ متابعة شيء بؿ لرؤية امتطيت جوادي وخرجت أتابع

لـ : يشعرني بالطمأنينة وسط ىذه الصخور، حيف عثرت عميو سألتو الرجؿ، وجيو اليادئ

أضعت مف ماؿ : واصؿ؟ وضع رأسو في األرض وكأنو يبحث عف شيء مفقود اعتزلتنا يا

الرجؿ لـ يكف سوى: وأيف بياء الديف منيا؟ قاؿ: ضحكت. خمسمائة ألؼ دوالر المجاىديف

أعرؼ أعجبني تحممو المسئولة وتبرئة خالي الذي ال. وسيط وال يمكنني أف أحممو وزري

وىاجمني شوؽ كبير كيؼ وافؽ عمى صفقة خاسرة كيذه، قمت لنفسي أف اليـر بدأ يدركو،

تذكرت ذكاءه وعممو لو، فتذكرت محاوراتنا الطويمة وحرصو عمى تعميمي كؿ شيء،

قاؿ . تفكراف؟ قمت في الصباح فيما: وأمانتو،وكادت أبكي لوال ظيور أبي سعيد ومجد، قاال

عاصمة ممكو؟ قمت كيؼ؟ أشار بيده أتدري أننا لسنا ببعيد عف! صاحب القبلع؟: مجد

حيث أصفياف ودمغاف ... ىنا: وباكستاف قائبل نحو المثمث الذي يربط إيراف بأفغانستاف

ال، لكنيا منطقة نفوذه، فقمعة ألموت في طالقاف، : قاؿ أىذه قبلعو؟: قمت. ومنصور آباد

أشيرىا ألموت التي تعني بالفارسية تعاليـ العقاب، وليس الموت وىي منطقة قبلع حصينة

وأخذ الناس، فالذي بناىا أمير ديممي كاف مغرما بالصيد، أطمؽ عقابا ذات يـو كما يظف

قمعة لجنده وأسماىا يرقبو حتى رآه يحط عمى تمؾ اليضبة المستديرة كالكعكة، فأمر ببنائيا

: استولى الصباح عمييا وكيؼ: أخذت بحديث مجد عف قمعة الصباح فسألتو. ألو موت

لـ يبذؿ : بابتسامة جعمتو يقوؿ نظر الرجؿ إلى أبي سعيد وكأنو يستأذنو، فطأطأ رأسو

القبلع، لكف الحؽ يقاؿ أنو كاف تقيا ال الصباح كثير جيد في ىذه القمعة وال غيرىا مف

بعد أف خرج : بمديحو لمصباح، فأشرنا لو أف يكمؿ زادنا مجد دىشة. يستولي عمى حؽ أحد

إلى عكا، لكف األقدار شاءت أف تقـو الرياح والعواصؼ مف مصر اتخذ سفينة متجية

الجميع عمى ظيرىا فزعا مف الموت، وحده الداعية اإلسماعيمي وتتبلطـ األمواج، كاف

جنود األفضؿ بدر الديف الجمالي كاف أكثرىـ ثقة باهلل والقدر، ولـ تغير الشاب اليارب مف

أمامو، األىواؿ شيئا وىو جالس في مكانو يقرأ القرآف، فجأة انكسر الساري وسقط فيو

جعمت الصباح وراحت األمواج تمطـ السفينة بشدة حتى تفصدت األلواح، لكف مشيئة اهلل

اقترب مف شواطئ حمب يمسؾ بالساري الذي جرفتو المياه، وظمت األمواج تأخذه حتى

الناس التي توافدت عمى مف فأنقذه الصيادوف ىناؾ، وأظير ورعا ال مثيؿ لو وىو يعظ

وىناؾ كوف أوؿ مجموعة تدعوا إلمامة نجاه اهلل مف األىواؿ، بعدىا غادر حمب إلى الري،

لينشر بيا الدعوة، لكف السبلجقة ضيقوا عمى نزار ابف المستنصر، ثـ انتقؿ إلى أصفياف

حيث مازندراف والديمـ وجيبلف وقزويف، متخفيا مف تجمعات دعاتو، فخرج منيا إلى الشماؿ

المدف والقرى حتى وصؿ طالقاف، كانت ألموت ىدفو منذ خرج مف الناس وومبتعدا عف

دعاتو لينضموا إلى أىؿ القمعة، ففعموا حتى استطاعوا التأثير عمى مف الري، فراح يرسؿ

وضميـ إلييـ، لكف واحدا مف الدعاة رأى أف األمر قد اكتمؿ ولـ يبؽ إال دخوؿ فييا

يعرفو صاحب القمعة، فصارح الرجؿ الذي تقبؿ األمر بصدر رحب، مما جعؿ الداعية

خارج عمى مف معيـ مف الرجاؿ، في الصباح جمعيـ الحرس مف مخادعيـ وألقوا بيـ

اسماعيمي يقترب، القمعة وأغمقوا األبواب، ونبو صاحب القمعة عمى حراسو بأف يقتموا أي

المسمميف، حتى تأثر شيخ فارتدى الصباح المسوح وصعد القمعة وأخذ يبكى اإلسبلـ وفرقة

بو، وتركو يعظ جنوده وأىؿ قمعتو مقابؿ القمعة بعممو وورعو فأدخمو وأجمسو بجانبو ليتبرؾ

خذ أشياءؾ واخرج مف : دخؿ الصباح عميو قائبل نومو وطعامو، لكف شيرا لـ يمض حتى

لكف الحرس أحاطوا بو وجمعوا أغراضو ونقدوه ثمف فدىش الرجؿ وظنو يمزح،. القمعة

.قمعتو وتركوه ينزؿ بسبلـ

رجبل دخؿ عمينا وفي يده ورقة أعطاىا لمصباح، حيف وددنا لوأكمؿ مجد حديثو غيرأف لكف

لموىمة األولى لـ نصدؽ، . األسمحة وصمت: قاؿ. قمنا أشركنا معؾ فتحيا تيممت أساريره،

كامبل والبغاؿ تفاجئنا بما ورد إلينا، لـ تكف سوى صواريخ مضادة لمطائرات لكف شيرا

خير، والدبابات، مصحوبة بمف يشرح لمرجاؿ كيفية استخداميا، فرحنا بما جاءنا مف

النتيجة وشاىدنا إطبلؽ صاروخيف أو ثبلثة عمى أىداؼ كنا نختبئ قبؿ ظيورىا، جاءت

أسبوع بكاممو، كاف بارعة وفوؽ ما نتخيؿ، فقد توقؼ تحميؽ الطيراف عمى رؤوسنا لمدة

صييب عف المشيد، الصباح يسعى في المعسكر كطاووس منشرح الصدر، بينما اختفى

تخبرنا أف أمريكي يسعى لمقائنا، أكد لكف الفرح لـ يكتمؿ، فقد فوجئنا برسالة مف بياء الديف

فأرسؿ الصباح مف يحضره، حيف دخؿ الحدود خدره األمر بعض األصدقائنا في باكستاف،

يطمب شراء ما لدينا مف صواريخ أمريكية، قاؿ أف الصفقة قاـ الرجاؿ وحمموه إلينا، قاؿ أنو

وقد عممت حكومتو بيا، وأف ىذا سيعرضو لمخاطر ال حد ليا، قمنا لو بتيريبيا لممافيا

بكثير، عدة أياـ وسوؼ يصمؾ الرد، أرسمت لبياء الديف أستعممو عف األمر فمـ يفدنا أميمنا

الروس أرسمت الصباح إلى أصدقاء في طيراف فعاد يقوؿ أف صحيفة روسية ذكرت أف

طمبنا مف األمريكي .يحاربوف بأسمحة أمريكية، فارتعد األمريكاف مف التورط في الحرب

رسالة جاءت مف بياء الديف تقوؿ خمسيف ألفا مقابؿ القطعة ذات العشرة آالؼ فوافؽ، لكف

لـ تمر أياـ حتى . قطعة وقمنا ىذا ما لدينا أعطينا الرجؿ خمسمائة. ال تفرطوا في الصقور

العممية التي قاـ بيا رجمكـ احتوت عمى ألفي صاروخ، : قاؿ وجدناه يطمب المقاء مف جديد،

فأخذ الرجؿ . موزع في أيد المجاىديف ومازلنا نتفاوض معيـ الستعادتو فأيف الباقي؟ قمنا

مقابؿ كؿ قطعة تظير أضعاؼ سابقتيا، حتى شعرت أمريكا أنيا خسرت في ىذه يدفع

.أكثر مما خسره الروس أنفسيـ الحرب

(35)

عمينا أف نواجو الموت عراة ال نممؾ سوى الحيمة حرمنا مف أسمحة األمريكاف، وأصبح

أف ىذا كاف سبلحا مفاجئا لمروس، فميس ىناؾ أناس أكثر جرأة والرغبة في الشيادة، ويبدو

ليس ىناؾ رجؿ يتناوؿ السـ بيديو قائبل إف كاف ذلؾ أمر اهلل فبل ميرب عمى الموت منا،

ف لكؿ أجؿ كتاب ال يبمغو دونو، وال يمتنع عنو إذا جاءه، ىكذا قاؿ خالد منو، بف الوليد وا

الطريؽ وعرة والجباؿ ،"كاالت"و " خوست"عمى أبواب الحيرة، وىكذا نفعؿ عمى أبواب

الميؿ أكثر مف النيار، فما أف تحؿ شديدة القسوة، لكف الرجاؿ أصبحوا قطعا منيا، يعشقوف

كأنما الجف تتمبسيـ والمبلئكة تحفيـ، عيونيـ الظممة حتى يتحولوا إلى أناس آخريف،

مف عروؽ الجباؿ، وأذىانيـ تممع كنجـو الميؿ، ترى برقيا كعيوف الذئاب، وسواعدىـ نسائؿ

واليجـو والفرار، العالـ يعرؼ اآلف أف ىذه منطقة األسود فبل يدخميا في الخطط والقذائؼ

الصباح، بأدالء، وىؤالء ال يمكف أف تكوف ىذه مينتيـ إال لو أخذوا العيد عمى يد إال

عف حجر إال وتجد فرجالو يمكنيـ الوصوؿ إلى عنؽ مف شاءوا، وال يمكنؾ أف تقمب حجرا

فيو ريفي يعشؽ العمؿ عمى واحدا منيـ، هلل دره، يعشؽ التدبير والتخطيط، أما صييب

حتى نسمع بأخبارىا، يعتمد عمى خط النار، ال نسأؿ عنو إال وقيؿ في ميمة ما نمبث

عبيدة الذي ال يعترؼ بيذه التقسيمات، الخمص مف رجالو كما يفعؿ الصباح، وحده أبو

أنو مف أتباع فبلف، كؿ الرجاؿ لديو مجاىدوف والويؿ كؿ الويؿ لمف عصى أمره أو قاؿ

عاما وجعمتو المنسؽ بيف رجالنا ورجاؿ مجد الديف، أما أبو عينتو قائدا . جاءوا لمشيادة

مثمي ػ شيخا لمجبؿ ال يفعؿ غير الحيطة والحذر، كبلنا أصبح مطموبا سعيد فقد صار ػ

الروس وغير الروس، كبلنا صار ىدفا لبلغتياؿ، ولـ يعد أمامنا سوى االنصياع مف قبؿ

خنادؽ تربط بيف ألوامر الصباح وترتيباتو، نغير أماكننا في اليـو الواحد عدة مرات، ونحفر

أكثر مف الجميع، الكيوؼ وبعضيا البعض، وكؿ شيء في حاسبي المحموؿ، فيو رفيقي

صورا أبقييا عمى أجيزة أضع عميو المبلحظات واألفكار والخطط والخرائط وانسخ منيا

الممفات، يوميا أدركت أنني بدونو ما بعينيا، تعممت ىذا الدرس حيف تعطؿ وفقد بعض

حواسب أخرى لمرجاؿ، أصبحت بدورىا عدت أستطيع التفكير، فأرسمت في طمب عدة

عمينا :في ذىنو إصدار مجمة لممجاىديف، قاؿ غرفة عمميات، حيف رأى الصباح قدراتيا لمع

. قواعد الدعوة ونشعر الجميع بأف ىناؾ ما يربطيـ بو أف نتعامؿ كأىؿ لممكاف، وأف نرسي

بيا، ىو بدوره راح يخططيا ويصمـ غبلفا يميؽ بيا، ال أعرؼ مف وجدتيا فكرة ال بأس

بالوقت لفعؿ كؿ ىذه األشياء، لـ تمر شيور حتى أصبح ليا رونؽ وصرنا أيف يأتي

لقراءتيا، كاف اسمو كمحرر عاـ قد أصبح ذائعا بشكؿ جدد الغيرة بينو وبيف نتميؼ

أخذلو، صييب، ىذا الذي وجدتو يدور في حديثو حوؿ إصدار مجمة مشابية، لـ أرد أف

فرحا في عينيو فرجالو يتحمموف المزيد مف األعباء ويحصدوف الكثير مف النصر، لـ أر

انعقد لسانو مف الفرح ولـ ماذا لو أصدرت مجمة مثؿ الصباح؟: مثمما رأيت وأنا أقوؿ

كانت أشمؿ لكف مجمة صييب يعرؼ كيؼ يرد، أستطيع اليـو أف أقوؿ مجمة الصباح

.الجميع كانت أكثر دقة وعمؽ، وكاف ليما فعؿ السحر في نفوس

كاف عمينا الحصوؿ عمييما قبؿ التفكير في كابؿ أو خوست وكاالت ىما المدينتاف المتاف

نتجو إلى كابؿ غير أف الصباح أخبرنا أنو سرب خبر توجينا إلييا، كندىار، ورغـ أننا كنا

بينو وبيف وعبيدة وصييب، واتيماه بالحمؽ، وصار مجمس الحرب أكثر فنشبت أزمة

عما قبؿ، عقدت اجتماعا لممجمس وأمرت بعدـ فتح باب الكيؼ إال في الصباح، التيابا

لآلخر، تشاجر الجميع وعمت األصوات وقاؿ كؿ منيـ ما يريد قولو مف تجريح واتيامات

منا، ثـ ما وجمست وأبو سعيد ومجد ننصت، كاف كؿ مف المتخاصميف يحتمي حينا بواحد

صاروا ألد الخصاـ، يمبث أف يذىب ليحتمي باآلخر، وكنا ال نعرؼ ماذا نفعؿ بيف إخوة

أف عبيدة جارعمى الصباح شعرت لو أف أسمحتيـ في أيدييـ لدمروا بعضيـ بعضا، شعرت

الذي يريده، حيف حؿ عمييـ أكثر مما ينبغي، أما صييب فقد حرؾ الريح في االتجاه

أستدعييـ فرادى ليشرح كؿ منيـ التعب مف النقاش والشجار أجمستيـ في ركف ورحت

عمينا مف جاجي، وقاؿ صييب ىذا وجية نظره، قاؿ عبيدة أف ىذا جعؿ األمر أصعب

حيف قاؿ ال يمكنني الدخوؿ في سيناء خطأ حربي فادح، فبل يمكف أف نكوف كالسادات

تستطيع حماية قواتي، شعرت أف صييب يكره أكثر مف ىذا ألف منصات صواريخي لف

حؽ، فبل يمكف أف يعمف قائد عف نفاد ذخيرتو وضعؼ السادات أكثر مف الجميع لكنو عمى

يفعؿ فميس أمامو إال ما فعمو القائد النصراني مع طارؽ ابف إمكاناتو، ولو كاف عميو أف

النساء بارتداء مبلبس الفرساف ووضعيـ عمى األسوار كقوة أماميا زمف زياد، فقد أمر

إف: تستسمـ، وخرج بخادمو عمى ىيئة رسوؿ مف صاحب القمعة فأتيا طارقا، قاؿ طويؿ كي

رجاؿ، سيدي يطمب الصمح حقنا لمدماء، ولو أردتـ الحرب فانظروا ما عمى األسوار مف

ىؤالء، لكنو ولدينا في القمعة أضعاؼ أضعاؼ، وال سبيؿ لدخوليا إال بالقضاء عمى كؿ

عمى ذلؾ، لكنو حيف يرى حقف الدماء عمى أف يخرج بكؿ أموالو ومف معو، فصالحو طارؽ

القمعة وخادمو، فشعر أنو خدع دخؿ القمعة في الصباح لـ يجد بيا مف الرجاؿ إال صاحب

.إنما الحرب خدعة: نصير الذي قاؿ لقائده ونقض االتفاؽ، لكف الرجؿ اشتكاه لموسى ابف

ف لـ يكف حيف استدعيت الصباح وجدت لو منطقا مختمفا، قاؿ أف الجميع يعرؼ وجيتنا، وا

ـ نتعامؿ معو بوضوح يعرفيا فيو عمى األقؿ ـ ال نضرب تخميناتو وشكوكو، ل يخمنيا، فم

الحرب خدعة، وغدا سيذىب الروس لمدفاع عف مدينتيـ العمبلقة، ليس لنا وصراحة، إنما

اآلف في كابوؿ، إنيا كسرطاف البحر، حتى نصؿ إلي رأسو فمينا أف نجتز أطرافو، مأرب

أدرت .حتى إذا كبسناىا تكوف قد تياوت عمى عروشيا، فيتركيا أصحابيا غير آسفيف

كابوؿ، ونحف الفكرة في رأسي ووجدت ليا وجاىتيا، فالروس يحشدوف اآلف قواتيـ نحو

يعرفيا الصباح وال نعرفيا، نسعى في الطريؽ الذي يرسمونو، وال بد أف ليـ عيونيـ التي

يييئونو، ىـ ينسحبوف ونحف نبحر خمفيـ، وفي فماذا لو أكدنا ليـ أننا في الطريؽ الذي

يتوقعوف، فنكبدىـ خسائر ليست األفدح لكنيا ميمة الوقت نفسو نفاجئيـ في غير ما

واستدرت نحو أبي سعيد ومجد، بدا لي أف االثنيف ما زالت تدور ابتسمت بدوري. لوجودنا

المحظة الفكرة، وأنيما يقمبانيا عمى وجوىيا العديدة، يمكنني القوؿ أنني في تمؾ في ذىنيما

إليو فوجدتو خشيت مف توصؿ أي منيما إلى ما يفسد عمى الرجؿ طمأنينة صدره، نظرت

في عينو، خشيت أف يقبع أمامنا كأرنب مستأنس، ندت عف ثغري ابتسامة فبرقت سعادة ما

فعدت إلى الوجـو مف جديد يأخذه الغرور ويتيو عمى صديقيو، وليما ما ليما مف الفضؿ،

الغريميف القابعيف في الزاوية، وجمسنا في حمقة وقبؿ أف أستطرد ناديت. لقد أخطأت: قائبل

لصييب أعد لنا القيوة، فبدا عميو أنو قد أوقع صاحبو في حوؿ راكية نار مشتعمة، قمت

. لعبيدة ىؿ سمعت ما قاؿ أخوؾ الصباح، قاؿ سمعت، قمت فما رأيؾ سوء عممو، قمت

واحتار الرجؿ في الحديث، فأدرت وجيي عنو ونظرت لصاحبي، قاؿ مجد ساد الصمت

وقاؿ أبو سعيد ىناؾ صواب وىناؾ خطأ، ىناؾ جرأة ولـؤ وىناؾ كوارث قد .لست أعمـ

األمر، ناديت عمى صييب ورحت أعبث في أزرار الحاسب، جاءتني خريطة يجمبيا

ألفغانستاف، أخذت أكبرىا حتى ظيرت جاجي، حركت الخريطة وقمت نحف ىنا، مفصمة

لميميف فظيرت كابوؿ كسرطاف بحري يتربع عمى ىضبة محصنة بالجباؿ، يدخؿ حركتيا

وتدخؿ فيو، قمت مف الصعب اختراؽ مكاف كيذا وحولو كؿ ىذه األماكف والتجمعات، فييا

الببلد، ومف وبو ما بو مف معدات وذخيرة، والروس يعمموف ذلؾ، ولو فقدوىا فقدوا نصؼ

نحو اليسار فظيرت الصعب أيضا أف نترؾ ظيورنا عارية لقواتيـ ىنا، وحركت الخريطة

لفارس مغوار أف يفعؿ خوست وكاالت وخمفيما المدينة الحصينة قندىار، قمت ال يمكف

ىذه المدف قبؿ أف يدخؿ عمى كؿ ىذا، ولو كاف خالد بف الوليد حي لمر بجيشو ليحصد

.الممكة المتوجة

. لكف الصباح أخطأ: فمما وضع صييب القيوة قمت كاف الجميع يطأطئ رأسو باإليجاب،

انتباىا لـ أشيده منذ ناديتو وأبا عبيدة، قمت أتعرؼ فيما أخطأ ورنوت بعيني فوجدتو ازداد

وكيؼ يخطئ؟ قمت أخطأ حيف تعامؿ عمى أنو : ترؾ الرجؿ ما بيده قائبل .يا صييب

غير اهلل ىنا، وأخطأتما حيف تعاممتما عمى أنكما األميراف عميو، ولو كاف فييما آلية األمير

الجاثـ أمامنا فوجدتو لذىب كؿ إلو بما صنع، أليس كذلؾ يا أبا عبيدة؟ نظرت إلى الجـر

فدرت نحو الغريميف فوضعا . الرحمف كذلؾ يا أبا عبد: قد وضع رأسو في األرض قائبل

أصبح مييئا لتدخؿ رفيقي، فقاؿ أبو سعيد رأسييما في األرض، ويبدو أف الوقت كاف قد

لكف األمر شورى، وليس لرجؿ أف يقطع برأي كؿ اجتيد وكؿ أصاب وكؿ أخطأ، قمت

.أف ينفض دوف تكدير لمجميع دوف عمـ اآلخريف، وليس ليذا المجمس

(36)

1988خريف

األحداث، فاآلخروف يسابقونيا أكثر منا، ليس عمى قادة لـ نكف وحدنا الذيف يسابقوف

األبيض واألفغاف أيضا، فقد اتيـ الروس خادميـ بابرييؿ كارجيؿ الحرب فقط ولكف الدب

ذبابة عف فيـ ما يجري، وأنو ال يمتمؾ مف الكياسة وال الشجاعة ما يجعمو بأنو أعجز مف

فثار بدوره يتصرؼ بحنكة أماـ ضراوة المجاىديف، ىكذا ألقوا بالتيمة كاممة عمى كاىمو،

قاؿ فيو أف حماقة ونقؿ عنو حديث. في وجييـ إف الفساد الذي تعيشو روسيا ىو السبب

باالتحاد السوفيتي إلى جورباتشوؼ وعدـ فيمو لمف معو ومف ضده ىي التي ستودي

ال تزيد عف خيانة لمتاريخ الشيوعي وأف سياستو الجوفاء. النياية التي يبحث عنيا الغرب

حيف . أف أطمؽ النار عميو في الميداف األحمر كمو، وأف ستاليف لو كاف حيا ما وسعو إال

أعضاء الكرمميف ثار جورباتشوؼ وسب كارجيؿ في اجتماع نقؿ الوشاة ىذا الحديث إلى

وألنو ال . لو لـ ينتبو لحجمو وعممو ألطمقف عميو الرصاص بنفسي أف ابف الداعرة: الحزب

إناء ينضح بما فيو فقد نقؿ الحديث بزيادات وتصاريؼ إلى كارجيؿ، مما شيء يختبئ في

يشعره بالميانة مف كؿ جانب، فبحث عما يمكنو عممو لوضع موسكو والرجؿ ذي جعمو

الخارطة السوداء عمى وجيو في موقؼ حرج، فمـ يجد غير تقديـ استقالتو، وبقيت

عمى دبابة أفغانستاف دوف حاكـ حتى جاءىا رئيس جياز شرطتيا السرية السابؽ نجيب اهلل

األقدر عمى مف موسكو، ىذا الرجؿ الذي أثنى عميو الحزب الشيوعي الروسي، ووجده

معاونيو إلى شتى جبيات تحقيؽ ما يريده في أفغانستاف، وبدوره لـ يتوانى نجيب في إرساؿ

إلخراج الروس مف الببلد، لـ يشؾ القتاؿ، قاؿ ال بد مف وقؼ إطبلؽ النار والتعاوف معا

عف كونو تيدئة وكسب لموقت حتى يرتبوا جبيتيـ أحد في والئو لروسيا، وأف األمر ال يزيد

عمى يد مجاىدي الشماؿ، ىؤالء الذيف أصبحوا أكثر " شريؼ مزار"و " ميمنة"بعد أف فقدوا

وردوا عمى رسؿ نجيب اهلل بتوجيو قواتيـ نحو ىرات، فأفقدوا الروس شراسة في الحرب،

.صوابيـ

القيادة األفغانية الجديدة، وأرسمنا أبا سعيد ليظير ميبل نحو مف جانبنا أبدينا ارتياحا لفكر

جاء وقت البيع : التي أكمت الجميع، أغضب ذلؾ األفغاف الذيف قالوا لو وقؼ الحرب

وعمـ نجيب اهلل بما حدث فأرسؿ مف يدعو أبا سعيد لمقائو،. وبيضي يا نعامة فأفرخي

الباكستانية كانت ىذه لحظات زحفنا السري نحو الجنوب، حيث تتربع بالقرب مف الحدود

واحدة، فقسمنا الرجاؿ عمى خوست وكاالت، وبدا لنا أف بإمكاننا أف نأكؿ القضمتيف مرة

عبيدة، أما الصباح فكاف صاحب ىيئة جيشيف، أحدىما يقوده صييب واآلخر يقوده أبو

شعرت كـ غضب منو أبو سعيد حيف فكرة الميؿ بالحديث نحو وضع الحرب أوزارىا،

أعاد عمينا الحديث لـ نتمالؾ أنفسنا مف عنفو المجاىدوف ووصفوه بالنعامة، كاف كمما

وىى تحفر بأقداميا لتضع رأسيا في الرمؿ الضحؾ، وحيف مثؿ صييب شكؿ النعامة

صييب وصرفتو والصباح عف مجمسنا، ىدأت مف شعرت أف الرجؿ سيبكي حنقا، نيرت

فتذكرت , فيو، ندت عف ثغره ابتسامة سرعاف ما لممميا خاطره وقمت عمينا إتماـ ما بدأنا

صييب ولـ أتمالؾ نفسي، حيف عدت بنظري تجاىو وجدتو مشيد النعامة الذي مثمو

الجميع عمى صوت ضحكنا ونحف نمسح بأطراؼ أثوابنا دموعا يضحؾ، وما لبث أف عاد

.ال نعرؼ مصدرىا

عمى أننا حمفاء سريوف ليـ، فأوقفنا غاراتنا عمى المواقع أما الروس فقد بدؤوا يتعامموف معنا

بيا، وتركنا الحرب تأخذ طريقا مغايرا حيث ثوار الطاجيؾ عمى ىضبة التي يتمركزوف

ومثمما وبدحشاف، كانت انتفاضة قوية حاوؿ الروس إخمادىا بكؿ ما لدييـ مف قوة، تخار

إلسقاط ىرات كنا نغز السير في طريقنا نحو خوست وكاالت كاف الشماليوف يغزوف سيرىـ

الروس فييا إال تيدئة التي حاصروىا في الغرب، فدارت بينيـ معارؾ قاسية لـ يكف أماـ

بفضؿ اهلل ثـ أبي سعيد المرشحوف األوضاع عمى واحدة مف الجبيات الممتيبة، وكنا نحف

.لذلؾ

كاالت، وفتحنا خط إمداد لتخزيف السبلح ىناؾ، حشدنا المجاىديف لمتربص بالقرب مف

الصواريخ المضادة لمدبابات التي وصمتنا عبر إيراف، وكانت المفاجأة األكبر ىي شحنة

ورحنا نخدر الدب الروسي بالمباحثات التي لـ تتوقؼ إال بالقصؼ كتمنا الفرح في صدورنا

خوست التي حوصرت مف كؿ جانب، كاف الضرب عنيفا ومستفزا وخارجا المباغت عمى

السيقات المعيودة بيننا، لـ يكف أماميـ سوى الرد بالمثؿ دوف عمـ بما وقع في عف كؿ

أيدينا مف سبلح، ولـ يكف ىناؾ ظيير لخوست سوى كابوؿ مف الشماؿ وكاالت مف

الجنوب، فراحوا يميثوف بعجمة مفاجئة مف كاالت نحو خوست، وكانت ىذه فرصة أبو

فوجئ عبيدة ليصطاد كاالت بالراجمات، سقطت أكثر مف خمسيف طائرة ودبابة في معركة

عف الثانية الروس أنيـ دخموىا عمى غير استعداد، وراحوا ينسحبوف مف ىذه مرة لمدفاع

الشماؿ، ولـ يعد أماـ والعكس، ثبلثة أياـ مف الضرب والشراسة التي ىمؿ ليا مجاىدو

تغطية جنوده مثمما عجزت الروس سوى اليروب كحؿ وقائي، فقد عجز الطيراف عف

يسعيا سوى التقيقر مف شرؾ لتسقط في الدبابات عف فسحتيا المعتادة بيف الممرات، ولـ

نسجيا الصباح وأحاكيا أبو سعيد جعمت شرؾ جديد، أستطيع القوؿ أف الخديعة التي

الذي اشتعؿ بيف رجاؿ صييب وأبو عبيدة عمى الدخوؿ المفاجأة أكثر وطأة، بينما السباؽ

التي تمنينا أف نرى الروس فييا، فرحنا نشيد دباباتيـ تفر مف قبؿ اآلخر أحدث الزلزلة

جبمية، بينما طيرانيـ العنيد الذي طالما كنا نختبئ بمجرد سماع أزيزه كاف أمامنا كجرذاف

كؿ ذلؾ وضعنا فجأة عمى الطريؽ قندىار الذي لـ. يتياوى عمى األرض كطير مسمـو

.نتوقع أف يكوف مفتوحا بيذه السيولة

(37)

عجيب، كانت مبلمحو ممتمئة بالرضا وثغره يخرج منو كاف وجو أبو سعيد مشرقا وبو بياء

المشتعمتاف بالفرح كقذيفة في عتمة الميؿ كانتا تتنقبلف مف اليميف إلى نور، بينما عيناه

كمصعب ومطمئنا اليسار ومف البعيد إلى القريب وأنا أنظر إليو، كاف حييا كعثماف وجميبل

أشعر بالحرج، فتوقؼ عف كسعيد بف جبير، لـ يشأ أف يمتقي بؤبؤ عينيو بعيني كي ال

زاده المشيد بياء عمى بيائو الكبلـ واستدار نحو الشمس التي توقفت عمى جبيتو،

لـ تنظر لي ىكذا؟ كانت عينو : خجؿ فاستدرت ألرقبو بشكؿ أفضؿ، ندت عنو ابتسامة

أليس النظر إلى : وجيو مف جديد وقمت مسبمة إلى األرض كفتاة وىو يسأؿ، نظرت إلى

اجتاحت الرجؿ مف األعماؽ وظمت تطفو حتى شعرت أف ىزة ما. وجيكـ عبادة آؿ البيت

أنني بوغت بما حدث لمرجؿ لكنو تمالؾ نفسو حتى أحدثت رعشة شممت أعضاءه، ال أنكر

مف : وكؿ منا سادر في صمتو، أخيرا التفت نحوي نزلت السكينة عميو، مرت دقائؽ

أف ىذا سر ال يجب الحديث عنو إال إذا باح ىو بو، أخبرؾ؟ كنت قد عممت مف مجد

ورجوت اهلل أف يخبرني بنفسو، لكنني في اليـو لـ أستطع أف كتمت األمر سنوات طويمة

النظر إليو كما أحب، ربما أطمت النظر أكثر مما ينبغي، وربما كانت أمنع نفسي مف

الطويمة التي مرت ىي التي شغمتني عنو، لكنني أستطيع القوؿ أف وجيو في ذلؾ األحداث

ـ قمت ما قمت، الصباح كاف بييا أكثر مما اعتدت، فرحت أتأممو بمذة وفرح، وال أدري ل

اتفاؽ معمف، ربما كانت رغبة في أف أفصح عف السر الذي جمعنا كؿ ىذه السنوات دوف

كثيرا ما أزحت ىذه الفكرة وربما ألني شعرت بالغيرة مف مجد إذ خصو بيذا األمر دوني،

مجدا بو، لكف شعورا ما ظؿ ضاغطا عمى جانبا وقمت لنفسي أف أبا يسار ىو الذي أخبر

يختارني إليو، وأتمنو عمى شيء لـ يأتمني عميو، ولما لـ نفسي بأنو اختار مجدا لشيء لـ

. كنت أعرؼ: دار الرجؿ بوجيو بعيدا . مجد: أجيب عف سؤالو قمت يكف أمامي غير أف

يعترؼ، فانتظرت أف يسترسؿ في حديثو لكنو لـ يفعؿ، فقط أخرج مسبحة فضية قاليا كمف

الحديث سروالو وراح يتمتـ عمى حباتيا، شعرت أنني اقترفت ذنبا وما عاد الرجؿ يود مف

ىو الذي معي، تبعتو كخادـ ذليؿ وىو يجر الخطى عمى الحصى والرمؿ، الصمت وحده

مشتمبل بحزني كاف يطف عمى رأسينا، وال تقطعو سوى صرخات النسور والصقور، ظممت

فرأيت وجيو مشوبا حتى فرغ الرجؿ مما ىو فيو، فوضع المسبحة في مكانيا ونظر لي

مف القدس ثـ مصر فمندف، مرت أعوامي عبثا ولـ أصنع شيئا، بدأت: بالحمرة والبكاء

نحبي عمى صخور ال أعرفيا دوف أف وجبت العالـ مف أدناه إلى أقصاه، وىا أنا أنتظر

كمما سعى لموصوؿ إلى بيتو كاف البيت يبتعد أفعؿ شيئا، سنوات طويمة وأنا أحـو كنسر

الرجؿ يتحدث وكأنو يستخرج جمرا مف جوفو، شعرت أف كاف. ومعالمو تتشبو مع غيره

عبرت الخامسة والستيف، وصرت شيخا عجوزا، : تضاءؿ، قاؿ غصتو كبيرة وأف بياءه

ودرت سفيرا لجماعة منبوذة، فبل أخرجت الييود مف ببلدي وال انتقمت حممت السبلح والقمـ

مف اإلنجميز ألبي ونفسي، وال رفعت راية اإلسبلـ عمى بقعة واحدة مف األرض، قتيؿ مف

ويقتؿ، وأنا اآلف سبللة كتب عمييا الزماف الشقاء والقتؿ، كأنما خمؽ ابف اإلنساف ليشقى

.أشعر أف شقائي اكتمؿ، ولـ يبؽ سوى رشفة الخؿ

وأنساؽ إلى الغرفة المعتمة التي أدخمت نقسي إلييا، وجدتني أتابع الرجؿ في ىذيانو،

إنما يريد اهلل ليذىب عنكـ الرجس أىؿ البيت ويطيركـ "قائبل لكنني نفضت كؿ ذلؾ

أتظنني خائؼ مف الموت؟ كبل واهلل، لكنني مشفؽ عمى : فتيمؿ وجيو مف جديد . "تطييرا

األرض وما سيجري عمييا، مشفؽ عميؾ قبؿ الجميع، وما كنت أظنؾ خمقت ليذا، ىذه

. فيو؟ اهلل أباؾ كأف أكثر تأمبل منؾ، لـ ينزؿ البحر، فما الذي جعمؾ ترمي بنفسؾ رحـ

اله عابث إلى تسرب إلى حزف الرجؿ وقمقو، فرحت أفكر فيما آلت بي األياـ إليو، مف

أتعرؼ عيسى ابف : شرودي لكنو قطع عمى. مجاىد يقود آالؼ لمصير ال يعممو إال اهلل

بني العباس، ولـ يرد أف يثمج قمبيـ زيد؟ أنا مف سبللة ىذا الرجؿ الذي عاش مطاردا مف

أف يأخذ ابنتو كي ال تتزوج مف ىو أقؿ منيا قدرا، بظيوره ليـ، أنا مف سبللة مف دعى اهلل

فزعت مما قالو . ىذه المصير، وليس أمامي سوى أف أورثو لؾ أنا مف كتب عميو وعمى آلو

أصبحت مطاردا بمصير ال أحتممو، فنظرت إليو كمف أورطني في الرجؿ، وشعرت أنني

سامحني يا بني، فكـ حاولت وبياء الديف إبعادؾ، لكنؾ كنت كالشياب: قاؿ الجحيـ، لكنو

أدخمؾ ىذه المنفمت مف مساره إلى القدر المكتوب عميو، سامحني يا صاحبي ألنني الذي

الحجامة، فويؿ لؾ مف المغارة، فأنت الطريد المطارد، أنت عيسى ابف زيد، وشارب دـ

.الناس، وويؿ لمناس منؾ

المتراكـ كؿ ىذه السنيف طفى عميو فجأة، ولـ أستطع شعرت أف الرجؿ ييذي، وأف حزنو

ـ تخبرني بذلؾ اآلف؟ فأجابني: قائبل منع نفسي مف الخوؼ ألف العبلمات ظيرت، أكاد : ل

كما تبصرني، فالروس خارجوف غدا أو بعد غد، و تعميدؾ اكتمؿ، وعمي ولد، أبصرىا

إال أف تركتو في حجري، ولف تمر أياـ فاطمة بعد أبييا حتى ألحؽ بيا، وليس أمامي وأمو

فتذكرت طفمو الذي أتركو أمانة في عنقؾ، فيؿ تقبمو يا أبا عبد الرحمف؟ باغتني بسؤالو،

وتزوج مف أجمو زيجات عده، ىنأناه عميو منذ شيور، طفمو الذي انتظره كؿ ىذه السنوات،

نمبث يوما أو بعض يـو حتى قيؿ أف أمو فمما جاءه وجدناه حزينا كجاىمي بشر بأنثى، ولـ

ناقتو مف جديد في الصحراء، قمنا أنو ييرب نفسو مف ماتت، فرأيناه فرحا كأعرابي وجد

أنزؿ السكينة عمى قمبو فأحاؿ حزنو فرحا، لكف مجدا ظؿ واجما كأف الحزف، وقمنا أف اهلل

يسودنا التي ماتت، ولـ نكف في فسحة مف الوقت لتدبر أمرىما، كاف الترقب والحذر زوجتو

ننتبو لما عمينا ونحف نعد لميجـو عمى خوست وكاالت، فتركناىما لمحزف والفرح ورحنا

نور وجيو جذبني ىذا إتمامو، وكاف لمنصر فرحتو التي طغت عمى كؿ شيء، ولوال أف

نفسي بأف الرجؿ ييذي، فمف خففت عمى. الصباح إليو ما توقفت ليسقطني في بئر حزنو

العبلمات التي ظيرت ونحف نزحؼ أيف لو بمعرفة الغيب، وما عبلقتي بعيسى زيد؟ وما

بمدافعيـ، والروس يردوف بكؿ مالدييـ مف إلى قندىار، ومجاىدو الشماؿ يدكوف ىرات

كدت أمد . بقده أـ عمي، وال بد أنو مصاب بالحمى قوة، البد أف الرجؿ مس عقمو شيء

ىؿ تقبؿ عميا في معيتؾ؟ فمـ أجد أماـ : فاجأني مف جديد يدي ألضعيا عمى جبينو لكنو

الميـ إني : غير أف قمت نعـ، فمس عمى األرض رفعا يديو إلى السماء العينيف المتوسمتيف

في عنقي لعنؽ ىذا الرجؿ، ثـ خر عمى األرض يييؿ الرمؿ عمى وجيو وجسده، أخمع ما

كـ أنت قاس عمى نفسؾ، رحيـ عمى: انتيى مف طقسو الذي ال أعرفو انتصب قائبل حيف

.البيت غيرؾ، فتحمؿ ما استطعت ألنو جواز مرورؾ بيف آؿ

(38)

مف غيره، لكف الحماس أكبر، وارتباؾ الروس أكثر، الطريؽ إلى قندىار ليس أقؿ صعوبة

ىكذا قمت في مجمس الحرب المنعقد بشكؿ شبو دائـ، كاف .وىذا يجعؿ الكفة في صالحنا

الكؿ يعبئ فرقو ورجالو، ومجد يموؿ الناس بالسبلح، بينما الجميع عمى قدـ وساؽ،

المعمومات عف كؿ شيء، جاءنا أف الروس غيروا قائد جيشيـ في الجنوب الصباح يجمع

برجؿ عنيد يدعى إيفانوؼ، رجؿ يمكف وصفو بضمير مستريح أنو مجـر حرب وجاءوا

تقدير، لو سوابؽ عديدة في اإلبادة الجماعية، يكفي أنو قضى عمى ثورة الشيشاف عمى أقؿ

والصبياف بمئات األطناف مف المتفجرات عمى رؤوس الثوار، سحؽ بدباباتو األطفاؿ

ىانحف نجوس في : قائبل والنساء والشيوخ، كاف ينزؿ مف مركبتو ليخوض في الدماء بحذائو

الطيراف الروسي التي كانت دمائكـ فيؿ مف مزيد؟ بالطبع لـ تكف تجيبو سوى طمعت

وقنابؿ غريبة، وكأف الدب الروسي لـ تتعامؿ مع الناس عمى أنيـ ذباب، يرشونيـ بغازات

جاـ غضبو عمى األطفاؿ والنساء والعجائز يعد قادرا عمى حاممي السبلح فراح يصب

ألنفسيـ أنيـ مازالو قادريف عمى سفؾ الدماء، حبيسي البيوت، ليثبت أصحاب النياشيف

حممو وصار أكثر عنفا مف إستاليف، لكف العنؼ ىذه ويبدو أف جورباتشوؼ قد خرج عف

ىكذا "، سنريو كيؼ يعتدي عمى اإلسبلـ وييزأ بآيات اهلل "فقط المرة موجو نحو المسمميف

ردا عمى ما جاء بو الصباح مف أخبار، فعقدنا العـز عمى أف نخطؼ منيـ قاؿ أبو عبيدة

قبؿ أف يفيقوا مف خوست وكاالت، وقبؿ أف يستوعب إيفانوؼ ما يجري عمى قندىار

.األرض

مباشرة، كؿ ما صنعناه كاف الخروج مف أفغانستاف إلى في ىذه المرة لـ نذىب إلى قندىار

نحو الجنوب الشرقي أكثر، ومررنا مف الحدود لنسكف في تكتبلت إيراف، فحولنا توجينا

عربات األسمحة تجئ عمى ىيئة معونة تحمؿ عمـ األمـ المتحدة، وما تمبث متفرقة، كانت

البغاؿ تفرغ الشاحنات ما بيا في الطريؽ، ليقـو الرجاؿ بحممو عمى عربات تجرىا أف

الظممة والعتمة، لـ والحمير إلى المواقع التي اتخذناىا، ظؿ العمؿ أكثر مف شيريف في

أننا فرحوف بما حققنا وعمينا نكف نحرؾ ساكنا مف قبؿ كاالت، ولـ نكف نعمف أكثر مف

بشكؿ عشوائي في البدء، وما لبثت أف الحفاظ عميو، كانت طائرات الروس تشف ىجماتيا

والنصؼ صباحا، والثالثة ظيرا، وأحيانا بعد أصبحت تجيء في مواعيد ثابتة كالرابعة

بالغريزة فضبل عف ردار أصمحناه في خوست وعدد مف الغروب، صرنا نعرؼ مواعيدىا

أمدنا بيا اإليرانيوف، ووسط كؿ ىذه الغارات كنا نتحوؿ مف بيشاور أجيزة االستطبلع التي

ثـ جنوب ققندىار، نزحؼ في الميؿ كأسراب نمؿ عمى بطوف الجباؿ لندشف إلى إيراف

إيفانوؼ يستعمؿ الطائرات أكثر مف البشر، وغضبو سيكوف بحجـ كرة النار التي .السبلح

عف ىكذا قمت معربا . ستنفجر في وجو الجميع، وعمينا أف نخمص الجنوب مف قبضتيـ

ذا ذىبنا إلى الشماؿ رغبتي في تحميس الرجاؿ، قاؿ الصباح أف الروس استوعبوا الدرس، وا

عمى أننا أغبياء، فنذىب فسوؼ يتوقعوف ذىابنا إلى الجنوب، ىذه المرة عمينا أف نتعامؿ

المغامرة، ىكذا قاؿ صييب، نريد أف لمفكرة وجاىتيا لكننا ال نريد. مباشرة نحو الجنوب

قميمة، سيتوقعوف مف قمتيا أننا نعد لعمؿ كبير في نعمف أننا متجيوف نحو قندىار بأعداد

اتفقنا عمى أف يذىب أبو عبيده برجالو مف بيشاور إلى . بالطبع الشماؿ، ربما ىو كابوؿ

يعبر صييب الحدود اإليرانية إلييا، بينما أنا ومجد وأبو سعيد سنتخذ الطريؽ قندىار، وأف

بيا مف الرسمي المباشر، رفض الصباح قائبل أف ىذه المغامرة غير مأمونة، فرغـ ما

وسيدات مف جسارة ومخادعة لكنيا عمنية وظاىرة، قمت لو أف يجيز مبلبس رجاؿ

البغاؿ، كنت أعرؼ أف البشتوف، وأف يجيز أكبر قدر مف فرو الغنـ والعربات التي تجرىا

ما ىو تقميدي ىنا، أعجب أبو الفكرة تقميدية تماما، لكف منذ متى ونحف ال نستخدـ كؿ

وضعوا الفراء عمى أجسادىـ كأغناـ تسعى في سعيد بالفكرة وراح يمشي وراء الرجاؿ الذيف

يجرىا حمار وخمفي أقفاص وأجولة تبف تغطى السبلح السيوؿ، بينما ركبت عمى عربة

نعبر مف مناطؽ البشتوف، وأف الروس يسيطروف عمى بعض والرجاؿ، كنا ندرؾ أننا

طرقا مخالفة، حريصيف عمى أف نكمف وقت استيقاظيـ لنمر الممرات، لذا رحنا نخترع

كاف لنا أعواف وعيوف بالقرب منيـ، وكاف الصباح قد جيز عمى مقربة بيدوء في غفمتيـ،

أياـ عددا مف الرجاؿ لمشاغمتيـ إذا انتبيوا إلى عبورنا، اتخذت الرحمة خمسة مف كؿ موقع

النساء بيف السير والكموف، لـ تحدث مفاجآت كبيرة، فقط تعجب الروس مف كثرة

ليشاكس امرأة انفردت المتشحات بالسواد في عز الظييرة، مرة نزؿ أحد الضباط مف موقعو

بمساف ال تفيمو، رنت بعينيا مف بنفسيا لتبوؿ، حيف انتيت مف عمميا سمعت صوتا يرطف

وقبضة مف الرمؿ، ظمت تتأخر وتتأخر حتى أسفؿ الخمار فرأتو وحيدا، قامت تمممـ نفسيا

التي مد خنجرىا نحو ظيرىا، أبدت التدلؿ فطمع فييا حتى اقترب منيا، كاف فرحا ببندقيتو

حادة وال حازمة، فاستدارت وألقت بالرمؿ في عينيو، لـ يكد يصيح شعرت أف الميجة ليست

عمى حجر وقذفتو بو فسقط فاقدا لموعي، حيف أخبرنا الرجؿ بما فعمو شعرنا حتى انحنت

يتمسؾ ىذا الحدث سيجر عمينا الكثير، جعمنا اعتمادنا عمى اهلل وطمبت مف الجميع أف أف

يجرىا الحمار بالصبر وطوؿ النفس، نزؿ ضابط وخمسة جنود ييرولوف خمؼ العربة التي

أمرت النسوة بالبكاء وأوقفونا، كنا عشرات مف النسوة ورجؿ بشتوني وآخر يقود الحمار،

بينما رحت أجر الحمار والعويؿ والصراخ في وجيو وحمؿ التراب عمى رؤوسيف،

وسرواؿ مف قماش فاخر، كاف بالبشتوني الذي يرتدي عمامة كبيرة وصدرية عمى قميص

المشتركة بيف الجنود وبيننا كثيرة، ألنيـ الرجؿ مسنا وبدا أنو سيد الجماعة، لـ تكف المغة

الروسية وال البشتونية، لكننا كنا نرطف بما يفيد أف كبيرا ال يعرفوف العربية، ونحف ال نعرؼ

قميبل فانياؿ الوصوؿ قبؿ أف تفوتنا الجنازة، رطف الضابط مع البشتوني لنا مات وعمينا

وسرعاف ما البشتوني ضربا عمى المرأة التي أشار إلييا وأغرؽ رأس الضابط بالقببلت،

استكماؿ السير، حيف بصؽ األخير عمى األرض وأشار بمقدمة بندقيتو لمموكب بما يفيد

يقيموف في كيوؼ متفرقة، ووجدنا وصمنا بالقرب مف قندىار وجدنا الذيف سبقونا إلييا

.الذخيرة قد دشنت بشكؿ طيب

طائرا خفيؼ الظؿ، يمكنني القوؿ أيضا بعد كؿ ىذه كاف أبو سعيد قد نسي حزنو وأصبح

حماسة لمقاء الروس، أكثرنا ىمة وقوة، ال يكؿ مف التعب وال السنوات أنو كاف أكثرنا

حيف تجمع الرجاؿ في جيوب جبمية حوؿ قندىار أخذنا نترصد يوما يضجر مف العمؿ،

كنا نرغب أف تكوف المبادرة لنا حتى نستثمر وقع المفاجأة، أربكنا الطقس لبدء المعركة،

متتالية، شديد البرودة كما أربكنا النشاط الزائد إليفانوؼ الذي زار قندىار ثبلث مرات

مف زياراتو، يبدو أف توقعنا أف يكوف أمرنا قد أكتشؼ، لكف إمدادات جديدة لـ تعقب أيا

لكنيـ فاجئونا بغارات مكثفة الروس يتوقعوف عمبل ما في مكاف آخر، ىكذا كنا نخمف،

عبور سرب مف الدبابات إلييا، بدا عمى جاجي ىذه المرة، واستبسؿ رجالنا ىناؾ في صد

أيضا أننا إف لـ نحصؿ عمى قندىار فسوؼ يضيع لنا أف الرجؿ ييوى المباغتة مثمنا، تأكد

دارت أسراب األغناـ في الظممة حوؿ . أف نبيتيـ ليبل منا كؿ شيء، فأجمعنا أمرنا عمى

المستطمعوف يدلوف بما لدييـ مف أخبار، جاءنا أف الروس خففوا قبضتيـ المدينة، وراح

ألنيـ اكتشفوا أف عددا مف قوات الشماؿ في طريقيا إلى كابوؿ، رأينا الوقت عف جاجي

السيطرة عمى مناسبا فضربنا بكؿ ما نممؾ مف قوة، كاف تركيزنا في البدء عمى إفقادىـ

يعرفوف مف أيف تنياؿ عمييـ األمر، فدخمنا المدينة وأطمقنا النيراف عمى كؿ شيء، ما عادوا

العصب الرئيس، حيف يصبحوف مثمنا القذائؼ، عممتنا الحروب أف مولدات الكيرباء ىي

والرغبة في الموت، دمرنا أجيزة الردار فنحف الذيف نتفوؽ، ألننا تعودنا عمى الظممة

وسطونا عمى مخزف أسمحة في جنوب البمدة، كبلنا اآلف وأشعمنا النيراف في مبيتات الجنود

متعانقاف وليس أماميـ سوى أف يضربوا أنفسيـ كي يضربونا، يضرب في الداخؿ، كبلنا

أسد عمى وفي الحروب نعامة صفراء : ثـ يكر كشبيب وىو يردد كاف أبو سعيد يكمف

تعالوا إلى : رأيتو يطارد الطائرات بأر بي جي، رأيتو يصيح فييا. الصافر تصفر مف صفير

أياـ أصبنا عددا مف المجنزرات ونصبنا العديد مف الكمائف ولـ تمر. بيني وبينكـ موعد

يولوف األدبار والجند معدودة حتى سقطت المدينة، رأينا العربات تيروؿ عمى الرمؿ والقادة

يقاتموف لكنيـ ينتحروف فيخربوف بيوتيـ ال يعرفوف أيف يمقوف بأنفسيـ، كنت أشعر أنيـ ال

.بأيدييـ وأيد المؤمنيف

بيذه السيولة، فكاف عمينا أف نستقبمو في طريقو لتدمير كنا نعرؼ أف إيفانوؼ لف يستسمـ

تركنا بيا صييبا ورجالو ورحنا نكمف عمى رؤوس الجباؿ، نصبنا كندىار عمى مف فييا،

نجبرىـ عمى المرور مف المواقع القريبة منا، اعتميت وأبو سعيد قمة ىضبة الفخاخ بحيث

ولـ عمى الموقع وأمرت الرجاؿ بالتضييؽ عمى المجنزرات، نجحنا بالفعؿ في ردىـ، تطؿ

جائعة فتتحوؿ يبؽ إال الطيراف الذي يقصؼ بعنؼ مذىؿ، كنا نختبئ ثـ نخرج فجأة كأسود

الكثير، ولـ يكف أمامنا السماء إلى قذائؼ تصطدـ بقذائؼ، سقط منا الكثير وأسقطنا منيـ

وانسحب المجنزرات بعيدا، سوى الصمود كي ال يضيع كؿ شيء، فجأة ىدأت الغارات

لـ أكف واثقا مف أف ىذه التقيقر ،"الصبلة يا أبا عبد الرحمف" "وىتؼ بي أبو سعيد

:لكف الرجؿ قاؿ صحيح، وال بد أف الروس سيغيروف مف جديد،

ػ مرحا يا أبا عبد الرحمف، أوال تريد الجنة؟

ىؿ نيرب مف قدر اهلل؟... ػ أريدىا لكف

.نيرب مف قدر اهلل هلل نفسو... ػ نعـ

يتردد كترنيمة مبيرة شغمتني عما يدور حولنا، فقد فقمت وكبرت وأمني لمصبلة، كاف صوتو

في جحورىـ، كانت القذائؼ تنياؿ عمى مقربة منا، بينما عاد الروس واختبأ رجالنا

غطى األرض، لكف الرجؿ ظؿ مطمئنا منعزال عما يدور حولو، المجنزرات تسعى كجراد

كاف يرتؿ وكأنو يتحدث إلى مبلئكة أو قـو آخريف، ! بكماليا يا أبا سعيد؟ سورة األنفاؿ

استدار انتيى كاف الطقس قد تغير، فغامت السماء وجاءت بريح شديدة وغبار كثيؼ، حيف

. بيني وبينكـ تعالوا إلى ميعاد: وشد عمى يدي طويبل ثـ قبض عمى سبلحو وصعد الجبؿ

خمفو مف جحورىـ كانت قذيفتو تنطمؽ فبل تخطئ ىدفيا، حيف رأى الرجاؿ ذلؾ خرجوا

يريدوف العودة خاسريف، غير مباليف، كاف الغضب مف كبل الطرفيف شديد، الروس ال

وانزلقت أرجؿ الرجاؿ عف الصخر، ونحف ال نريد التزحزح، أخيرا ىطمت األمطار بشدة،

تعد تعرؼ طريقيا، خرج الجميع يضرب في لكف الطائرات أيضا ترنحت، والمجنزرات لـ

تعالوا : اليواء ثـ تيوي إلى الجحيـ، وأبو سعيد يصرخ كؿ اتجاه، رأيت الطائرات تتناثر في

وكمما رأى الرجاؿ شيخيـ واقفا كمبلؾ يستدعي أعوانو عمى قمة .إلى ميعاد بيني وبينكـ

يقبضوف عمى الموت بأيدييـ ويمقوف بو في وجو الروس، حتى صار الميب الجبؿ كانوا

توقعنا، وخسر الروس أكثر مما تمنينا، وانسحب إيفانوؼ إلى غير رجعة، لكف أكثر مما

سعيد لـ يعثر لو عمى أثر، بحثنا عنو في كؿ مكاف، بحثنا عف رفاتو أو أي مف أبا

.إال أف يتـ وعده ويأبى اهلل: روائحو، فمـ نجد غير بكائنا عميو، فعدنا إلى مواقعنا قائميف

(39)

سنوات إال خروجيـ، فالجنود الذيف تباىوا ببقائيـ في ال مثيؿ لدخوؿ السوفيت منذ عشر

اختفوا فجأة مف الوجود، ولـ يبؽ سوى حطاـ ما دمروه في أفغانستاف كؿ ىذا الوقت

شيء بعد أف سقطت كابوؿ، ال أستطيع القوؿ أنيا كانت معركة طريقيـ، فقد دكوا كؿ

تحدث مف األصؿ، فبعدما سقطت مدف الشماؿ في أيدب مقاتمي األفغاف، فاصمة ألنيا لـ

الجنوب في أيدينا، توجيت الجميع إلى العاصمة المثقمة بالعتاد والجنود، وسقطت مدف

لمنصر الكؿ يعمـ أنيا ستكوف مذبحة، وال مفر مف دخوليا، ألنو ليس ىناؾ اكتماؿ كاف

كؿ اليواجس دوف الحصوؿ عمى العاصمة، لذا احتشدنا جميعا وبدأنا في الزحؼ، كانت

جورباتشوؼ تقوؿ أف روسيا لف تترؾ شرؼ اإلمبراطورية يسقط عمى األرض، لكف

أي شيء، كنا نعد المشغوؿ بالمصالحة بيف الرأسمالية والشيوعية لـ يكف لييتـ بشرؼ

لكف السوفييت فروا في صباح أنفسنا لمحاؽ بأبي سعيد كمما اقتربنا مف أسوار المدينة،

، فوجئ الجميع بالدبابات تيروؿ عمى الرمؿ تاركة خمفيا رئيسا أفغانيا ال مميء بالغيـو

ما شيدنا عمى جباؿ الببلد التي ال ترحـ أحدا، يحسف تدبير أمر، كاف ىذا الصباح أسعد

الجباؿ في كؿ مكاف ىتافنا، وحيف انتيينا مف التياني ىممنا بتكبيرات النصر ورددت

أماـ السؤاؿ الذي تيربنا مف مواجيتو طيمة أعواـ النضاؿ، ماذا بعد بالنصر المؤزر ووقفنا

وما مصير كؿ ىذه األسمحة والرجاؿ الذيف جاءوا مف كؿ مكاف؟ ماذا عف الحرب؟

نحف؟ لـ نكف نجيب عف ذلؾ، بؿ لـ نكف نمتفت لمسؤاؿ ذاتو ونحف نفر ونكر مصيرنا

.القصؼ، لكننا بعد أف وضعت الحرب أوزارىا لـ يعد لنا سوى مواجيتو تحت

سوى بترسانة أصدقائو الروس، فقد كاف سكرتير كاف نجيب اهلل شخصا ىشا ال يحتمي

السابؽ، ثـ جاء مف موسكو ليكوف خمفا لكارجيؿ الذي قدـ الحزب الشيوعي األفغاني

يكف مطروحا في الحرب وال بعدىا سوى الخبلص مف الروس، وكانت استقالتو فجأة، ولـ

التي خاضت الحرب أحزاب مدنية تحولت بحكـ النضاؿ إلى قوات أغمب الجبيات

أبرزىا قمب الديف، ذلؾ الجنراؿ السابؽ في عيد كارجيؿ، والذي اختمؼ مع عسكرية، كاف

اهلل وانضـ إلى جبية اإلنقاذ ليكوف آخر الداخميف إلى النضاؿ، وبحكـ خبراتو نجيب

كبيرا في العسكرية ومعموماتو شديدة الثراء عف الجيش الروسي استطاع أف يحدث تطورا

برىاف الديف الرجؿ الحرب باالستيبلء عمى مزار شريؼ وغيرىا مف مدف الشماؿ، وكاف

صبغة اهلل مجددي، أما عبد المستنير الذي دعا الجميع لمتكاتؼ في جبية إنقاذ رأسيا

الذيف رفضوا دخوؿ السوفيت، وظؿ منذ ذلؾ الرشيد دستـ فقد كاف رئيسا لفيمؽ العسكرييف

الجميع تحت راية مجددي في جبية اإلنقاذ، ولطوؿ الوقت قابضا عمى بندقيتو حتى انطوى

فقد أقر لو الجميع بالفضؿ، أما الجماعات األصغر فعمى نضالو وخبرتو بحرب المدف

إلسبلمي، وحركة االنقبلب اإلسبلمي، والحركة اإلسبلمية الشيعية، رأسيا حزب االتحاد

رب الرسوؿ وغيرىا، وىذه في مجمميا ال تجيد سوى الكبلـ، لكنيا خرجت مف وجماعة عبد

.كغيرىا بعدد مف المعدات واألسمحة وشرؼ الجياد الحرب

التفاصيؿ، ووصمنا في النياية إلى أف ىذه الببلد عمى تدارست مع الصباح وصييب ىذه

اهلل ذو ميوؿ شيوعية، ولف ينسى أحد مجيئو مف موسكو، وال وشؾ حرب أىمية، فنجيب

كؿ األحزاب والجماعات في حصد ثمار العيش في الكيوؼ الكيوؼ يخفى عمى أحد رغبة

يمكف التنبؤ بمف سيصؿ منيـ إلى الحكـ قبؿ اآلخر، ولو حدث فمف يتركو والمغارات، وال

يينأ دونيـ، وىذا صراع طويؿ قد يأخذ وقتا أطوؿ مما أخذت الحرب مع الروس، اآلخروف

أنو تذكرت أمبرطورية الرجؿ المريض وكيؼ أجمت أوربا تقسيميا حتى ظير مف ظف نفسو

أعينيـ، قاؿ البلعب األوحد، فمـ يسمحوا لو أف يأكؿ الكعكة التي تركوىا تتحمؿ أماـ

نعرؼ مف الذي سيعجؿ صييب ال بد أف األمر سيكوف بيذه الطريقة، قاؿ الصباح لكنا ال

.بدخوؿ الجميع إلى الحمبة

وسألتو عف أمره ووضعو، قمت يمكننا أف نساعده كما في اليـو التالي التقيت مجد الديف

ال يمكنني : الجالس عمى الكرسي بدال مف نجيب اهلل، لكنو رفض يشاء إف أراد أف يكوف

قاؿ أيضا أنو سيعود إلى مدرسة الطالباف ليمارس . أسمـ وأوؿ مف ارتد أف أكوف آخر مف

كرجؿ عمـ ال حرب، شعرت بكـ ىو حزيف فنكست رأسي ورحت أمشط وجو الرمؿ ميامو

بأصابعي، حيف رفعت وجيي نحوه وجدتو يضعني أماـ السؤاؿ الذي ىربت منو كؿ ىذه

ووجوه األعواـ، لـ أعرؼ بما أجيبو، فظممت أتذكر وجو أبي سعيد وىو يوصيني بعمى،

وأف قواده الرجاؿ وقد خرجوا مف ببلدىـ بطرؽ شرعية وغير شرعية، تذكرت جيش عمى

فتنة ال تفرح إال مف قتمة عثماف، وكيؼ لـ يستطع المطالبة بدـ عثماف، قمت يا ليا مف

رجالو أف يأمنوا طريؽ عودتو، ولـ يكف مجد يرغب في إجابة، فسكت ثـ أمر. أىؿ الشماؿ

.فودعتو وعدت أمشط الرمؿ مف جديد

: فينأني عمى النصر قائبل أنو البد مف عودتي، قاؿ أيضا في الصباح اتصمت ببياء الديف

تركتو وعدت . وال أمواؿ تجيئ رغـ إقرار الجميع بفضمكـ في النصر لـ تعد ىنا إمدادات

قاؿ أنو ال يستطيع العودة، وال يمكنو طرح ذلؾ عمى رجالو ألف أغمبيـ ببل إلى الصباح،

احترفوا مصدر رزؽ في ببلده، والسمطات التي سمحت بخروجيـ لف تسمح بعودتيـ وقد

االتصاؿ بمف شعرت باالنكسار والحاجة ألبي سعيد، ولـ يكف أمامي سوى. فنوف القتاؿ

دوؿ، وكؿ يـو ىو في ساعدناىـ عمى عدوىـ، فجميعيـ يدينوف لنا بالفضؿ، لكف األياـ

استقباؿ الفاتحيف، لكف طبيعتو وكاف األمر كما توقعت، فقد استقبمني قمب الديف. شأف

ضيوفنا، لكف الببلد عمى أبواب خبلؼ الحرب انتيت، وأنتـ: كعسكري صاـر جعمتو يقوؿ

يبتعد برىاف الديف عف ىذا كثيرا، لكف حديثو كاف ودودا لـ. كبير، وال نود أف تتدخموا فييا

لقد قد انتيت : التخوؼ، وحده عبد رب الرسوؿ الذي قاليا صراحة ويحمؿ الكثير مف

عدت كما يقولوف بخفي حنيف، ولـ أجد مف يرحب ببقائنا، ! بقاؤكـ إذا؟ الحرب، فما

عممت مف بياء الديف أف آخريف خارج أفغانستاف ال يرحبوف ببقائنا، وال يرحبوف وحسبما

ىكذا قمت لنفسي ،"لـ تبؽ إال وجية أخيرة. "بعودتنا أيضا، والكؿ عف القرار الذي سنتخذه

.وأنا أعبر المررات بيف جباؿ الشماؿ وجباؿ الجنوب

بيشاور، ومنيا إلى إسبلـ أباد، األمر واضح تماما، في الصباح اتخذت شاحنة متجية إلى

ما تأخذ، قمت ليـ أريد رجالي كما ىـ في معسكراتيـ، لف عمى قدر ما تدفع عمى قدر

بكؿ ما معيـ وما : قالوا والسبلح؟ قمت. وال يدخؿ أحد في شأنيـ يدخموا في شاف أحد،

قالوا لف تقدر عمى ذلؾ لوقت طويؿ، قمت لف نعدـ مف ينفؽ عمى رجاؿ ال .يحتاجونو

.أحد عمى أرضو يريدىـ

(40)

أال عمالني قبل جيش أبي بكر لعل منايانا قريب وال ندري

أال عمالني بالزجاج وكرروا عمى كميت المون صافية تجري

أأن خيول المسممين وخالداا سيطرقكك قبل الصباا مم النسرر

ذراعيو في مطار جدة، ضحكت مف حماستو وىو يمقي ىكذا استقبمني بياء الديف فاتحا

يا : ضحؾ كمف تمقى مكافأة. أصبحت شاعرا في غيابي لقد: األبيات بفرح شديد، قمت

سوى، أنشدىا حيف عمـ بتوجو خالد بجيشو مف العراؽ إلى الشاـ، ليتيا لي، لكنيا لشيخ مف

قريتيـ، فراح ينشدىا مف الخوؼ، لكنني كنت أنشدىا فرحا كمما سمعت وأنو سيمر عمى

الدولة بانتصاراتؾ، حتى نذرت هلل أف أقؼ أمامؾ ألنشدىا كما كاف المتنبي ينشد سيؼ

:ضحكت مف نذره وأرد رد التحية بمثميا. قصائد مديحو

وكنا كندماني جذيمة حقبة من الدهر حتى قيل لن يتصدعا

فمما تفرقنا كأني ومالكاا لطول اجتماع لك نبت ليمة معا

أما عممت أف ! عمى البكاء، قاؿ أمتدحؾ وترثيني؟ فتغيرت مبلمح الرجؿ كأنو قد أوشؾ

شعرت أنني ارتكبت جريمة دوف أف أدري، فرحت . أخيو مالؾ ىذا ما قالو تميـ في رثاء

اجتيدت نظرت إلى ضرب مبلمحو ففسد عمى اعتذاري، في النياية أعتذر، لكنني كمما

ضحكت وبدا أنني صرت وقحا بالفعؿ، . يبدو أف الحرب جعمت وقحا :أعفاني مف حرجي

الكيوؼ والجباؿ أفقدتني دماثة القوؿ وحسف اختيار الكبلـ، ولـ ينقذني مف وأف سنوات

البيت إلى أيف تريدنا أف نذىب؟ تذكرت أنو ليس ىناؾ سوى: حزني وشرودي سوى سؤالو

ودعنا نذىب إلى ارسؿ األوالد إلى البيت: أوالمكتب، تذكرت أمي وزواجيا فضاقت نفسي

الجميع مينئيف مف كؿ ىميـ قميبل ثـ أمر الرجاؿ بما قمت، حيف وصمنا تدفؽ. المكتب

حزني وأحتضنتيـ حدب وصوب، كنت أتذكر البعض وأنسى البعض، لكنني طردت

بمناسبة عودتي سالما، فيمت مف مبتسما شاكرا، في النياية أعمف بياء الديف عف مكافأة

الروس وانتياء الحرب، لـ تكف اليواتؼ تكؿ حديثو أنو أمر ليـ بمكافأة حيف عمـ بانسحاب

ويعتذر، بعد ساعة قاؿ ال يمكف أف نستقبؿ الناس في مف االتصاؿ والتياني، وبياء يشكر

.جيز لي مكانا غير الذي تقيـ فيو أمي: العودة إلى البيت، قمت مكاف العمؿ، وال بد مف

القصر الذي جمعت فيو زوجاتي الثبلث، جعمت البنة مكثت عدة أياـ أستقبؿ زوارا في

الجميع، وجعمت لميمنية جناح يخصيا، ولمسورية التي تزوجتيا في خالي الكممة العميا عمى

آخر، ورحت أتيرب مف لقاء بياء الديف حتى شعر الرجؿ بالحرج، كاف عمى بيشاور جناح

ذا نمت قمبي حزف بحجـ أحد، وكانت عاداتي قد تغيرت في كؿ شيء، فصرت ال أناـ، وا

أستطيع، فبل أرتاح إال عمى فراش جاؼ في غرفة ببل أثاث، وأىرب مف أـ عبد اهلل قدر ما

الذىاب عمتي اتصمت كثيرا ويجب: حتى شعرت أنني رجؿ غير الذي فارقيا، قالت

يدري بما يجتاحني مف فنيرتيا وتركتيا وعبد اهلل يبكياف مف الخوؼ، لـ يكف أحد. لمبلقاتيا

ينتظروف مصيرا مجيوال في حزف، عدت عمى طائرة خاصة ألناـ في قصر بينما رجالي

فيما أوصمتيـ ببل حد، وكانت كيوؼ جباؿ ال ترحـ، كاف حزني وغضبي وحيرة أمري

أتمنى لو آخذ عربتي وأنطمؽ غربتي عف القصر أكبر مف أف تحميا الكممات، كنت

وأبكي كما كنت أفعؿ قديما، لكف ألصطدـ بصخور جدة، أو ألقي نفسي في حضف أمي

قرار، فظممت معتكفا في غرفة عارية مف كؿ كبريائي كاف أكبر مف أف ييـز برغبة أو

ىرعت مف فوري أستقبؿ وأرحب . باز في الخارج الشيخ بف: شيء حتى جاءني الخادـ

ال . مثمو، ىنأني عمى االنتصار قائبل أننا فخر األمة وحماتيا بالرجؿ كما ينبغي لعالـ جميؿ

لوال مسئولياتي ألمضيت النيار كمو : أف يبقى الرجؿ أطوؿ وقت، لكنو قاؿ أعمـ لـ رغبت

المكي فيمت منو أنو يريدني أف أحضر درسو في الحـر. لكف ىذا ليس آخر ما بيننا معؾ،

المنعزليف في ألحدث الناس عف الجياد وضرورتو، شعرت أنني وجدت ضالتي، وأف ىؤالء

وفي آخر أف الكيوؼ لف يعدموا مف يناصرىـ، صرخت في الخادـ أف يجيز الحماـ،

وىو يتمعثـ بكممات لـ يحضر السيارة، وما أف رآني بياء الديف مقببل عميو حتى احتضنني

:أعييا، فمما انتيى مف ضمو وتقبيمو قاؿ

.فمما تفرقنا كأني ومالكاا لطول اجتماع لك نبت ليمة معا

(41)

كاف بياء الديف يرغب في رؤية الرجاؿ وتينئتيـ بنفسو توجيت الطائرة بنا إلى باكستاف،

إلى معسكر القادسية وجدنا حالة مف الغمياف، فقد شعر الرجاؿ عمى النصر، حيف وصمنا

عنيـ، كاف صييب كارىا لفكرة االنتظار دوف موقؼ واضح، فتباينت اآلراء أف الكؿ تخمى

خمفو وأنا وازداد الشد والجذب، وبدا عمى بياء الديف الضيؽ مف ارتفاع أصواتيـ، فخرجت

الصحية وعدـ القدرة ، فتعمؿ بظروفو"لو كنت فظا غميظ القمب النفضوا مف حولؾ"أقوؿ

تعودنا أف يكوف األمر شورى، احتماؿ الصوت العالي في سنو ىذه، أخذت في شرح كيؼ

قيادة رجاؿ يحمموف السبلح : قمت وكيؼ تعممت منو أف أنصت حتى اتخذ أمري عف بينة،

وكأني . ليـ إال المكافآت والمرتبات العالية وسط صخور ال ترحـ ليست كإدارة أناس ال ىـ

ودفعني ألعود إلييـ، حيف عدت وجدتيـ كموا مف الخبلؼ ذكرتو بوالدي في شبابو فابتسـ

لقد أبدينا أسوأ ما فينا أماـ الرجؿ : في الوصوؿ إلى حؿ، قمت والنقاش وأصبحوا راغبيف

يرى مبلئكة اهلل التي نصرت دينو ورفعت كممتو، ىذا الرجؿ الذي نديف لو الذي حمـ أف

وحب الرياسة جميعا بالفضؿ جاء ليرى اهلل في قموبكـ وأيديكـ، لكنو رأى الفرقة والضغينة

الوجوه، وراحوا يعتذروف لو والتحزب، فيؿ ىذا ما أرتـ أف تستقبموه بو؟ رأيت األسؼ عبل

ببلده؟ رأيتيـ يؤخرف قدما ويقدموف مف منكـ يريد أف يعود إلى: قمت. ولبعضيـ البعض

األطراؼ تشددا وىو أبو قتادة، قاؿ أنو يرغب في األخرى، فنحيت الكبار وسألت أكثر

اإلنقاذ عمى وشؾ عمؿ كبير وىو يريد أف يشاركيـ فيو، وجدت العودة إلى ببلده، فجبية

فسألت الصباح عف رأيو، قاؿ أنو ال يرى ضرورة لمعودة، ولو كانت لمرجؿ منطؽ طيب

الجزائر تسمح بعودة أبي قتادة فإنيا في مصر ال تسمح بو وال بغيره، وال األحداث في

ضد، أنا ال مع وال: يمكننا أف نجمس ىكذا ببل ىدؼ أيضأ، استدرت إلى صييب فقاؿ

عمى كفرىـ لكنني أحتاج إلى معاقبة الذيف يرفضوننا في ببلدنا، أحتاج أف أعاقبيـ

ىنا وال نحرر ببلدنا وفسادىـ وتعطيميـ شريعة اهلل في األرض، وال يمكننا أف نيـز الروس

ازددت يقينا أف الرجاؿ جمست أسأؿ وأنصت، وكمما سمعت. مف الناكثيف والقاسطقيف

قمـ الجباؿ، قمت ما كنا نحارب يحتاجوف إلى عمؿ يشتثمروف فيو طاقاتيـ الميدرة عمى

أرقاء في األرض، وما كاف مشروعنا قتؿ كؿ ىذه األعواـ حتى نضع سبلحنا ونعود أذالء

ما خرجنا إال إعبلء لديف اهلل، وىذا لف يكوف رجؿ أو اثنيف، أو مناصرة حميؼ أو شخص،

وتحافظ عمى حدوده، لكف ىذا الحمـ الذي ورثناه عف شيوخنا إال بقياـ دولة تطبؽ شرع اهلل

يأت بيف يـو وليمة، وال بد أف نوطف أنفسنا عمى أنيـ لنا كارىوف، ولف وشيوخ شيوخنا لف

ذا أردنا لمحمـ أف يتحقؽ فبل يجب أف نتعجؿ، ألف كؿ يستقبمونا عمى بساط مف ذىب، وا

النفس أكبر، الببلد ليست أفغانستاف، وكؿ الجياد ليس جياد الكفرة المبلعيف، فجياد

عف التعجؿ أو الكاسؿ، وجياد المخطئ والمتعنت أشد، وال بد أف نتدبر كؿ خطوة بعيدا

مف مسئولية الذاىب، وليس وغدا سيذىب منكـ أناس ويبقى أناس، وليس الباقي في حؿ

معاشيـ وأمنيـ، وليس لمجماعة أف تختمؼ الذاىب إال أميرا في موقعو، راع ألناسو، يتدبر

.صبركـ إال باهلل إال لوجو اهلل، فاصبروا وقاتموا، فما

ما تراه إف شاء اهلل : الجميع، فراحوا يعتذروف مف جديد حيف انتييت شعرت أف الخزي كمؿ

ليـ لست وحدي، فأنتـ معي، ومعنا آخروف، مف عمى رأسيـ ذلؾ قمت. إنا لو فاعموف

فتذكروا بياء الديف وتسابقوا عمى مصالحتو، ولـ تمر دقائؽ حتى. أغضبتموه الضيؼ الذي

ويديو، خشيت عادوا بو محموال عمى أعناقيـ، رأيتو يضحؾ وىـ يدوروف بو مقبميف رأسو

أخضر، بعد أف عمى الرجؿ مف كثرة السعاؿ والضحؾ فصرفتيـ وجمسنا نحتسي شايا

الببلد أمر البد أف يحدث، العودة إلى: صفت النفوس أومأت لبياء الديف أف يتحدث فقاؿ

تفعؿ إال ما تؤمر بو، وما الذي لكف ما الذي ستفعمو بنا حكومات متربصة، وجيوش ال

بد أننا سنجد مسقببل طويبل في السجوف سنفعمو نحف ىناؾ إذا عدنا فرادى مسالميف، ال

الطريؽ، وليس مف اليسير القوؿ العيف بالعيف والسف المظممة، وربما يكوف القتؿ نياية

يحارب جيشا، وال يمكف أف نشيع الفساد أو نكرس لو، لذا عمينا بالسف، فنحف لسنا جيشا

نعرؼ أعداءنا مف أصدقائنا، وعمى أية أرض سنضع أقدامنا قبؿ أف قبؿ كؿ شيء أف

.مكانيا نحركيا مف

رجالؾ يتصارعوف، فصييب يزايد عمى الصباح، وأبو في طريؽ العودة قاؿ بياء الديف

خففت مف . بد مف حؿ قبؿ أف يخرج الرصاص مف البنادؽ قتادة يزايد عمى الجميع، وال

الصراع الذي ورثاه عف الجياد والجماعة اإلسبلمية، ذكرتو بمقائنا تخوفو ورحت أشرح لو

الضرير والصباح، وكيؼ كاف كبلىما ال يطيؽ سماع شيء عف اآلخر، وما مع الشيخ

تمميذ الشيخ، وما الصباح إال بقية مف الجياد، كبلىما جمع رجالو خمفو عمى صييب إال

السياسة ىذه الصخور، وكبلىما يسابؽ اآلخر لتكوف لو الكممة العميا، وخبرة الصباح في

لو : الرجؿ رأسو بعد ساعات مف النقاش طأطأ. أوسع، بينما جرأة صييب في الحرب أكبر

قاؿ أف األمر يحتاج لعدة لـ تياجمني الشيخوخة لفعمت شيئا مف أجمؾ، سألتو عما يعنيو،

فما حققتموه نصر رفع مف شأنكـ لدى جوالت لتنشيط العبلقة بجبيات اإلخواف في العالـ،

اإلسبلمية في السوداف الحكـ، واألخبار التي تقوؿ أف الجميع، ومؤخرا اعتمت جبية اإلنقاذ

الجزائر توحدت في جبية يقودىا عباسي مدني إلسقاط نظاـ التيارات اإلسبلمية في

.ويمكننا أف نتفاعؿ مع ىؤالء وىؤالء عبر قنوات اإلقتصاد الشاذلي بف جديد،

وشعرت أننا مقدموف عمى أمور ال نعرؼ إلى أيف أصابني حديث الرجؿ بالحماس والقمؽ،

أتابع أخبار العالـ كخبير عسكري، كانت مصر وسوريا ستأخذنا األحداث فييا، فمكثت

اتفاقية دفاع مشترؾ، وكاف جورباتشوؼ يعاني مف مشكبلت والعراؽ عمى وشؾ توقيع

ولـ يكف أمامي سوى التفكير فيما قالو بف باز، فعقدت مؤتمرا خروجو مف أفغانستاف،

فيو عف دور العرب في دحر السوفيت وتحرير أرض اإلسبلـ، ذاكرا عدة إعبلميا تحدثت

عف المجاىديف وجنسياتيـ، والذيف يسمموف في العالـ كؿ عاـ، وفي النياية إحصئيات

أف ويبدو. ألمحت إلى أف نصروا اهلل وأعزوا اإلسبلـ يحتاجوف العوف بشى أشكالعو

الياتؼ لـ يتوقؼ ظيوري ألكبر قدر مف الناس القى قبوال لـ أتوقعو، قاؿ بياء الديف أف

، وأننا في حاجة لفتح حساب في البنؾ لجمع األمواؿ المقدمة كدعـ لممجاىديف، طيمة اليـو

أنصار "أناس بأعينيـ أو عمى رقـ حساب باسـ فناقشت معو كيفية جمع الماؿ، سواء عبر

المسئوليف في المممكة وغيرىا مف عودة المجاىديف، ، لكف األمر لـ يخؿ مف قمقؿ"اهلل

أنيـ لف يعودوا إلى ببلدىـ طالما نستطيع أف نكفميـ في فطمبت منو يعمف لمجميع

.معسكراتيـ

(42)

لي في النـو واليقظة ىذا العاـ، فوجدتني أغفو كانت بدايتي مع األحبلـ ومياجمتيا

بانتياء أحداثو، فما إف ودعت خالي وعدت إلى البيت كي وأصحو وال يفارقني الحمـ إال

حتى رأيت شيخا يجتمع بسبعيف رجبل في دار ألحدىـ، عممت أناـ، ما إف وضعت رأسي

زعيـ الصفرية، وىؤالء رجالو، كاف يحثيـ عمى القتاؿ والصبر فيو، ثـ أنو صالح بف مسرح

إلى دواب محمد بف مرواف فأخذوىا وانطمقوا فأقاموا في أرض تسمى دارا نحو خرج بيـ

حتى خمسة عشر يوما، فأرسؿ ليـ محمد بف مرواف أرسؿ فارس فأعمموا فييـ السيوؼ

منيما ألؼ نجى منيـ القميؿ، فمما عادوا لبف مرواف استشاط غضبا وأرسؿ جيشيف، كؿ

التي تحت إمرة وخمسمائة فارس، فيزموا صالحا وطاردوه إلى أرض الموصؿ ػ تممؾ

فوزع صالح رالو بينو وبيف الحجاج بف يوسؼ، فأرسؿ بدوره ثبلثة آالؼ فارس لمبلقاتيـ،

شبيب، فالتؼ حولو مف بقى مف شبيب وسويد بف سميماف، فقتؿ صالح وفر سويد وجرح

جند الحجاج الباب وانتظروا أف يأخذوىـ الرجاؿ ودخموا دارا وأغمقوىا عمى أنفسيـ، فحرؽ

مبايعيف أنفسيـ عمى الموت، فقتموا مف جيش الحجاج أسرى، لكف شبيبا ومف معيـ خرجوا

.منيـ الكثير، وطاردوا مف بقي

بياء الديف يريدني أف أتصؿ بو، فأمرتو بتجييز استيقظت عمى صوت الخادـ، قاؿ اف

عبد اهلل، قالت أف أمي أمي تشتاؽ لي وتريد أف تجيئ الحماـ والفطور وذىبت إلى أـ

أريدىا وال أريد سمع شيئا عنيا، ثـ تركتيا غاضبا ورحت أجيز لرؤيتي، فقمت أنني ال

في الطريؽ إلى المكتب تذكرت ما رأيتو في منامي، تذكرت صورة شبيب .نفسي لمخروج

بدرواة أسد جريح، وفجأة الحت في ذىني خارطة العالـ العربي، فرحت أبحث وىو يقاتؿ

وىو يأمر دولة تصمح أف تكوف مركزا إلمارة المسمميف، ال في ذىني عبيد اهلل الميدي عف

وال تنتظر إال لقد ميدت األرض وحرثت: داعيتو الشيعي أف يتجو مف اليمف إلى المغرب

األندلس، والخوارج في تشاد، تذكرت األدارسة في موريتانيا، واألموييف في. زارعيا،

عيني، وأتدبر المكاف المناسب لينتقؿ وسيطرت عمى فكرة العودة ألنشر الخريطة أماـ

ازددت حماسا ورغبة في بياء الديف لمناقشتو في رجالنا إليو، كنت كمما فكرت في األمر

البمد : ما ىي؟، قمت: قاؿ. وجدتيا يا صاحبي: صارخا ذلؾ، نشرت الخارطة واتصمت بو

فأغمؽ الياتؼ في وجيي، حاولت أف أتصؿ مف جديد . إمارة لرجالنا التي تصمح ألف تكوف

فمعنت الشيخوخة وخرفيا وجمست أتدبر األمر وحدي، لكنني شعرت أف لكف لـ يجب،

وحاجتي النـو تزاد، فوضعت رأسي عمى الخارطة واستسممت لو، رأيت شبيبا رأسي مثقؿ،

لجيش لمحجاج بف يوسؼ فييزمو، ويتجو برجالو إلى المدائف، فيخاؼ منو جند يخرج

أربعة الحجاج ويفروا إلى الكوفة، فمما وصموا إلى الحجاج بيا جيزىـ في جيش جديد مف

كالخائؼ ثـ يرتد آالؼ فارس، فذىبوا إلى المدائف يطمبوف شبيبا، رأيتو يفر بيف أيدييـ

إال ىزمو، والحجاج يمح في عمييـ فجأة فيكسر مقدمتيـ وينيب ما فييا، وال يواجو أحدا

يبالي بأحد، وما معو إال مئة وستوف فارسا، طمبو، فيجيز السرايا ويرسؿ المدد، وشبيب ال

نفسيا، فيخرج الحجاج جيشو بتمامو لمبلقاتو، رأيت يحمميـ في طريؽ جديد إلى الكوفة

قد جاءؾ الجند فأدرؾ نفسؾ، وىو المدائف ويطمب شواء، قيؿ لو شبيبا ينزؿ بدير في

لصانع الطعاـ أجده وأنضجو، فمما أستوى أكمو عمى ميؿ، ثـ توضأ وصمى يضحؾ قائبل

. حكـ إال هلل أنا أبو المدلو وال : كاممة، وتقمد سيفيف وعامودا مف حديد وخرج قائبل صبلة

عمى الجيش اآلخر فصرع وتقدـ نحو أمير الجيش الذي يميو فضربو بالعامود فأرداه، وماؿ

آخر آخر الميؿ قاصدا قصر أميره وىرب الناس مف بيف يديو إلى الكوفة، فدخميا في

.اإلمارة، فمما وصمو ضربو بعاموده فكسره

كالثور اليائج، قاؿ مازلت طفبل، تأكؿ وتناـ وال تدرؾ استفقت عمى بياء الديف الذي دخؿ

أصبح شخصا غير الذي أعرفو، فؤلوؿ مرة يخرج عف ىدوئو جرائر عممؾ، شعرت أنو

أحدثت مصيبة ال يمكف تداركيا، فتمالكت نفسي وأنا أسألو مف جديد وحكمتو، وأيقنت أنني

فتركني وأخذ يوصؿ ىاتفي بجياز أخرجو مف عمبتو، ثـ أمرني أف أتصؿ بأي عما حدث،

آخر، لـ يأت عمى ذىني غير ىاتؼ سيارتو فاتصمت بو، حيف رد عمى السائؽ شخص

الجياز الذي أوصمو يطمؽ رنينا وضوءا أحمر، فأخذ السماعة ووضعيا فصمت ورأيت

الجياز كجثة ىامدة، مرت لحظة توقؼ فييا ذىني عف العمؿ، ولـ أستطع الربط بيف

كأنؾ صوت السائؽ وما حدث، قاؿ خطوطنا كميا مراقبة، وأنت تحدثني عف رجاؿ ودولة

الذي يطاردني، تتحدث عف مناـ رأيتو، باغتتني جممتو األخيرة فتوزعت ما بينو وبيف شبيب

قاؿ . والضوء األحمر ثـ رفعت السماعة مف جديد واتصمت بالمكتب فجاءتني الصافرة

جياز يمنع المراقبة، وأف يمكننا أف نترؾ ليـ اليواتؼ، ويمكننا أف نرسؿ في إحضار

كثيرا لكنني لـ أسمع منو شيئا، ألنني نتحدث عبر ىواتؼ ال يعرفوف أرقاميا، قاؿ كبلما

يمكننا أف ننشئ سنتراال : باب اإلمارة، قمت كنت منشغبل بضربة شبيب التي صدعت

أتحدث مع األمير في إنشاء شركة اتصاؿ، فشوارع فقاؿ مف الغد. نتحدث مف خبللو

االتصاؿ، فمـ ال نكوف أوؿ مف يدخؿ ىذه الخدمة؟ أوروبا اآلف تمتمئ بكابينات

لفكرتو عما أردتو مف أجمو، لكف بياء لـ ينس، أخرجتني المفاجأة وحماس بياء الديف

ورحت أشرح فكرتي عف تكويف دولة إسبلمية في الشماؿ فنشرت الخارطة بحماس فاتر

تماما كما األدارسة والشيعة، حيف انتييت مف حديثي رفع نظارتو ومسح الغربي مف إفريقيا،

كاف منذ قاؿ لـ يعد العالـ كما. لكنو ليس مستحيبل : قمت. األمر ليس بيذه البساطة :عينيو

تحتاج إلى ألؼ عاـ، فعمى كؿ شبر أسوار وحكومات وخونة وأعواف، وىذه األحبلـ

ووجدتني شعرت في منتصؼ حديثو أف رأسي أخذة في الثقؿ،. تخطيط وعمؿ طويؿ

تصيبني بالخموؿ اذىب فنـ وال: أتثائب في وجيو حتى انتقمت العدوى إليو، فقطع فجأة

لكف قبؿ أف تناـ ضع معؾ، وحيف تستيقظ أكوف قد جيزت لؾ معمومات عف بعض الدوؿ،

.أحبلمؾ أيضا وصمة ىذا الجياز في أذنؾ لتتأكد أنيـ يتجسسوف عمى

(43)

عدة ممفات بموف أزرؽ عف السوداف والجزائر لـ يمر يوماف حتى وجدت عمى مكتبي

واحد كاف بالموف األحمر عف اليمف، طمبت مف مدير والصوماؿ وموريتانيا وليبيا، ممؼ

شرعت في القراءة، كانت الساعة قد تجاوزت التاسعة مساء المكتب أال يدخؿ عمى أحد ثـ

. ما رأيؾ في عشاء فاخر عمى حسابؾ: قراءتيـ، ىاتفت بياء الديف حيف انتيت مف

متأخرا فوجدتو اختار ركنا قصيا، صرفنا الخدـ والحرس وجمسنا نتناقش، وصمت المطعـ

سنكوف السوداف مكاف رائع، يمكننا أف نتقارب مع الترابي ونقيـ دولة قوية، فيناؾ قمت

لرؤية أىمييـ أو تكويف بعيديف عف األعيف وفي قمب العالـ أيضا، ويمكف لرجالنا أف يتسمموا

صحراء شاسعة يتوه فييا كؿ البشر، وال قاؿ والجزائر؟ قمت. خبليا الت نريدىا في ببلدىـ

ذا سكت ففرنسا يمكننا أف نغامر عمى مشروع جبية اإلنقاذ، ألف بف جديد لف يسكت، وا

جبية اإلنقاذ عمى : قاؿ. مستعمرتيا الججميمة دولة إسبلمية وأوربا لف تسمح بأف تكوف

ناقشنا أوضاع . ولو ساعدناىـ في معركتيـ سيساعدونا في مشروعنا أبواب االنتخابات،

وماذا : نتفؽ إال عمى ىاتيف، بعدىا سحب الممؼ األحمر مموحا في وجيي دوؿ أخرى ولـ

عدف ىذا؟ قمت العقيد لف يترؾ فرصة لئلسبلمييف، وأقصى ما يمكف عممو ىو اقتناص عف

الغرب برغبتنا قاؿ إنيا شيوعية، قمت الشيوعيوف ينيزموف دائما، ولو أوعزنا إلى. منو

أمامنا والعقيد مف لتركنا ننفصؿ بيا عف الجنوب، لكننا سنظؿ محصوريف، فالبحر مف

لـ أفيـ ما أراده الرجؿ، وماذا عف حاشد وبكيؿ؟: قاؿ. خمفنا، ولسنا أىؿ بحر وال جو

: اليمف، قاؿ: نتمنى، فما األقرب لنا؟ قمت خطواطتنا مراقبة، وأمورنا ال تسير كا: فأوضح

كانت دىشتي مف رجؿ المخابرات الجالس أمامي كبيرة، فمـ نترؾ بيتا تركو األجداد لنا؟

لـ : قمت. ال أقوؿ أف تتجو بنفسؾ، لكف ىذا مخبأ جيد: حسـ األمر فأردت أف أجادلو، لكنو

مف األمر ويكوف لنا في كؿ مكاف أىؿ ومخبأ، قاؿ سنعود إذا إلى ىيكمة الجماعة ال نوسع

شبكة باتساع جديد، وىذا يحتاج إلى معانقة اإلخواف الذيف أغفمناىـ، فيـ الذيف لدييـ

.تأىب لمقاء عباس مدني وأنا مازلت قادرا عمى أف أفعؿ شيئا مف أجمؾ، فقط. العالـ

ومنيا إلى فرنسا ثـ الجزائر، مستعمبل عدة جوازات في الصباح أخذت طائرة إلى تركيا

والجنسيات، حيف وصمت اتخذت سيارة مف المطار إلى أحد الفنادؽ مرور مختمفة األسماء

بالعاصمة، ارتحت مف سفري ثـ اتجيت إلى المطاعـ لتناوؿ الغداء، بعدىا جاءني الشييرة

عمى مف يقوؿ أف الدكتور ينتظرؾ في مزرعتو اآلف، اتجينا إلى بيت كبير في مزرعة

قدمني حدود تميموف في الصحراء، فخرج الدكتور عباس لمقائي، وقبؿ أف أنطؽ بكممة

عمى مف كؿ ىذا الرجؿ ىـز الشيوعية في عقر دارىا، فوجدت الحفاوة تنياؿ: ألصحابو

أخجمتني الكممات جانب، حتى أف بعضيـ قاؿ أنو سأؿ اهلل أال ينتيي أجمو حتى يراني،

تفعمو الجبية اآلف في الجزائر، وحرارة االستقباؿ فقمت أف ما صنعناه ال يزيد أىمية عما

في بعض المشاريع في إفريقيا، ورأينا أف ونحف كمؤسسة اقتصادية إسبلمية نريد أف نتوسع

قالوا أف الجزائر عما قريب . يستحؽ أف نتعاوف معو الجزائر ورجاليا المجاىديف خير مف

اتقنا . الجبية ترحب بكؿ ما يرفع مف شأف اإلسبلـ والمسمميف ستكوف دولة إسبلمية، وأف

مقاوالت ومصنع فوسفات، ثـ وقعت شيكا بعشرة مبلييف ركتو قائبل مف عمى إنشاء شركة

.الثورة أجؿ

فقد اتجو بي الرجاؿ إلى الجنوب الشرقي حيث عبرنا لـ يكف طريؽ الدخوؿ طريؽ الخروج،

اتخذت طائرة إلى إيطاليا ثـ تركيا، كانت وجيتي حتى ذلؾ الوقت إلى موريتانيا، ومنيا

المممكة، لكف نفسي اشتاقت لرؤية الرجاؿ واالطمئناف عمييـ، فأتجيت إلى إيراف العودة إلى

خطابا مف ومنيا إلى باكستاف، حيث فوجئ الجميع بمراسؿ صحفي أمريكي الجنسية يحمؿ

مغامرة، لكف أبي عبد الرحمف لمبلقاة الصباح أو صييب، كنت أعمـ ما في األمر مف

خضعت لممارسة أمنية رغبتي في أف أرى الحياة كغريب عف المكاف جعمتني أصر عميو،

شممت رائحة ذكية وجدت شديدة مف قبؿ الرجاؿ الذيف نشرىـ الصباح عمى الحدود، ثـ

تنكر في تركيا خاؿ عمى نفسي بعدىا في كيؼ أنتظر مجيء الصباح، ما أحدثتو مف

وجدتني أضحؾ وأنا أقدـ لمصباح الرجاؿ الذيف مارسوا مياميـ بروتينية مفرطة، حتى

أبي سعيد، شعرت حيف نظر الرجؿ لوجيي الخطاب الذي كتبتو في الطائرة ودمغتو بخاتـ

باإلنجميزية عف الصباح، فابتسـ قائبل ما كاف ألبي متجيما أف األمر خاؿ عميو، فسألتو

رفاقو بيذه السرعة، ثـ رفع ذراعيو ليحتضنني، فألقيت نفسي بيف عبد الرحمف أف ينسى

كيؼ عرفتني، قاؿ ألنني أشمؾ، لكنني لـ أتخيؿ أنؾ تحب الميو إلى ىذا ذراعيو قائبل

ثـ احتضنني مف جديد وخرجنا نتفقد األمور، كانت فرحة الرجاؿ بمغامرتي ودخولي .الحد

التدريب وقمنا إلييـ دوف سابؽ إنذار أكبر مما أتوقع، سألتيـ عما يفعموف، قالوا يأسنا مف

بدا لي أف . خشخاش :نشغؿ أنفسنا بزراعة أي شيء، دىشت مف األمر فقاؿ الصباح

مع الحشائش في السيوؿ، المفاجآت أصبحت أكثر مما أتوقع، فأردؼ قائبل وجدناه ينبت

لـ ال عتني بو، : آخر العالـ، فقمنا ووجدنا األفغاف يحصدونو ويبيعونو ألناس يجيئونو مف

نتدبر مف خبلليا ما يعينؾ عمى إقامتنا ىنا، لـ فكرة ليس أكثر، ربما: قمت ثـ ماذا؟ قاؿ

ذا كاف : إليو، فقاؿ أستوعب ما أراد أف يرمي ليس ىناؾ فتوى صريحة بتحريـ الحشيش، وا

نتناولو، لكننا سنبيعو ألناس يتناولونو، أناس في اليند أو الصيف وربما محرما فإننا لف

ذا لـ يجدوه الروس أنفسيـ، فيـ ال ديف وال خبلؽ ليـ، وليس لدييـ محـر وال ممنوع، وا

جيادىـ، وىذا شرع اهلل عندنا اشتروه مف غيرنا، فمـ ال نزرعو ونحصد منيـ ما يعيننا عمى

ف ظمت الريبة ، بدا لي"وأعدوا ليـ ما استطعتـ مف قوة"الذي قاؿ الحديث مقنعا وا

أحضرنا عدة أجولة مف البذور، ورحنا ننثرىا في :تساورني، فسايرتو قائبل فماذا فعمتـ؟ قاؿ

أحضرنا قطيعا مف الغنـ ورحنا نمرح بو في المكاف طيمة السيوؿ التي تحت أيدينا، ثـ

يبدو : ضحكت مف عبثيـ. نحف في انتظار أف يمف اهلل عمينا بالمطر األياـ السابقة، وىا

وفي غمرة الضحؾ بزغ في رأسي صييب . الوحيد الذي يحب الميو عمى كبر أنني لست

والتزامو، قمت وما موقؼ صييب مف ذلؾ، قاؿ منشغؿ في معسكر بدر بتجييز وجديتو

وبمف قمت يثنييـ؟ قاؿ بؿ يخبرىـ بطرائؽ الدخوؿ. الراغبيف في العودة إلى ببلدىـ عدد مف

أدور طمبت أف يرسؿ في إحضاره ىو وصييب وأبي قتادة والبنشيري، وأخذت. يتصموف

.عمى جواد حوؿ المعسكر ألرفع مف روح الرجاؿ وأبشرىـ بالخير

عودتي، سألت صييبا عف أخباره فقاؿ أف بعض رجالو في المساء كاف األربعة ينتظروف

الطريؽ إلى تونس، وأنو جيز ليـ بطاقات ىوية وجوازات سافروا إلى مصر، وبعضيـ في

يدخموا عبر الصحراء، سألتو عف كيفية االتصاؿ فقاؿ أف بعضيـ مف مرور، وأمرىـ أف

والبربر، وىؤالء مف خبلؿ ذوييـ يشكموف شبكة سرية في الصحراء الكبرى، نصحتو البدو

مدني، أف يترؾ تنظيـ اإلتصاؿ لمصباح، وأخبرتيـ بما توصمت إليو مع بياء وعباسي

البنشيري فطمبت وطمبت مف أبي قتادة أف يجيز نفسو ومف يريد لمعودة إلى الجزائر، أما

عميو أف يجمع أكبر قدر مف منو أف يجيز مجموعة أخرى ليغزو بيا السوداف، وأخبرتو أف

، وكمما استطاع أف يجند الغرباء فذلؾ الرجاؿ حولو، وينشئ معسكرا ليـ بعيدا عف الخرطـو

بنشاط مخالؼ لمحكومة ىناؾ، وقمت لمصباح أف يعد طريقة أفضؿ، وأكدت عميو أال يأتي

معو ومع بعضيـ البعض، وقبيؿ أف ننيي االجتماع سألت صييبا ليتواصؿ بيا الجميع

. الصباح فقاؿ، لقد صدقت حيف أسميتو بذلؾ، فما قمعة ألموت ببعيد عف رأيو في خشخاش

نتذكر كيؼ بنى الصباح ممكو عمى جنة مف الخشخاش والخمر المعتؽ، ثـ ضحكنا ونحف

.والسماء أميؿ إلى السواد مف كثرة الغيـ المحمؿ بالماء تركتيـ

الدنيا بحثا عني، كاف قد خشي أف أكوف قد أصيبت في المممكة كاف بياء الديف قد أقاـ

المتوترة، انفجرت مف الضحؾ وأنا أعابث الرجؿ الغاضب، ثـ بأذى في أجواء الجزائر

الدخوؿ كصحافي أمريكي، وكمما وصفت معاممة الرجاؿ لي وحيرتيـ أخبرتو بمغامرتي في

غضبو يشتد، ولـ يضحؾ إال حيف أخبرتو بمشيد الصباح وىو يمشي وراء في أمري كاف

قاؿ لعمو اآلف يصمي مستسقيا اهلل لبذوره, السيوؿ كي يواري حبوب الخشخاش األغناـ في

ما قد وكاد يموت ضحكا حيف سألتو عمف يبتاع. قبؿ أف تأكميا الطيور أو يفسدىا الطؿ

ماركيز، فسألتو ومف يحصده الصباح ىذا العاـ، فمـ يتمالؾ نفسو وىو يقوؿ جابريؿ جارثيا

.أمريكا البلتينية ىذا المركيز، فقاؿ مرشح الحزب الحاكـ لرئاسة إحدى دوؿ

(44)

1990خريف

: أغسطس استيقظت عمى ىاتؼ مف بياء الديف في السادسة والنصؼ، صباح الثاني مف

قد تحاورنا كثيرا عف أجواء التوتر بيف صداـ حسيف كنا. فعميا المجنوف واجتاح الكويت

واإلمارات، وكاف خالي يراه منذ وصولو إلى حكـ العراؽ عاـ وكؿ مف الكويت والسعودية

لمتفاىـ حوؿ شط75خائنا، زادت ىذه الكراىية حيف ألغى اتفاؽ الجزائر عاـ جزارا 1979

يوميا مقتنع العرب، بعدىا بدأت ثماف سنوات مف الحرب الطويمة بينو وبيف إيراف، وكنت

مف غزو الثورة الشيعية، بما يردده اإلعبلـ مف أنو حامي الجبية الشرقية لمعالـ العربي

ال يسقط ويجدوا أنفسيـ في مواجية وكانت المممكة والكويت يساعدانو بكؿ ما يممكاف حتى

تعصبو لمشيعة حتى إلى أف وعدتو بأال أحادثو إيراف، ظممت أنصح بياء الديف أف يقمؿ مف

ىكذا األمر حتى انتيت الحرب اإليرانية العراقية، فاتصمت في أمر الشيعة ما حييت، وظؿ

إنيا كأس"ألىنئو عمى حقف الدماء بيف الطرفيف، لكنو قاؿ كممة الخميني بو مف بيشاور

يجد فريسة إنو مصاص دماء، لو لـ"، ولـ أرد أف أجادلو فيما يؤمف بو، لكنو أردؼ "السـ

وتركتو ألعود إلى ، دعوت اهلل أال تتحقؽ نبوءتو"غرس أنيابو في عنؽ أقرب الناس إليو

وىي مميارات ػ قاؿ ليـ أنو الحرب، ومع أوؿ خبلؼ بيف صداـ ودوؿ الخميج إللغاء ديونو ػ

أرأيت، يعشؽ الدماء ولف ييدأ حتى :حارب نيابة عنيـ، ووجدت بياء الديف يقوؿ لي

يستحؽ النظر، فمـ ال تخفض الدوؿ العربية يغرس أنيابو في أعناقيـ، قمت أف مطمبو

ثبلثة وسبعيف، فيرتفع سعر البتروؿ ويسددوا ديونو مف إنتاجيا مف النفط كما فعمت عاـ

واىـ، فبل الغرب سيقبؿ وال ثبلثة وسبعيف ىي تسعمائة وتسعيف، قاؿ أنو. شراييف الغرب

عائمة الصباح التي أعاد ليا البريطانيوف ممكيا في بداية القرف أف تقؼ أف وال تستطيع

أنيابو في تخالفيـ في نيايتو، ولوا فعموا فمف سيحمييـ مف دراكوال لو قرر أف يغرس

دراكوال، لكف أدركت أف وجية نظر بياء صائبة، فخرجت لمناس محذرا مف. أعناقيـ

ىذا التوتر الذي عبلقات المممكة معو كانت عمى أفضؿ حاؿ، وما كاف ألحد أف يتوقع

وما تصوره بياء الديف، تتابعت أحداثو بشكؿ غريب، كنت أحذر كالمجنوف بكؿ ما قالو

فييا عف نفسية صداـ وطريقتو لكف أحدا لـ يسمع، فكتبت رسالة طويمة شرحت تحدثت

مقاتؿ يمكف لممممكة أف تستضيفيـ لتؤمف العدوانية، وقمت أنني لدي أكثر مف مئة ألؼ

األمير نايؼ طالبا منو أف يقدميا لولي العيد، حدودىا مف ىذا الغادر، وذىبت بيا إلى

.أحدا لمناقشتي، لكف شيئا لـ يحدث وانتظرت أف يسمع لي أو يرسؿ

األخبار، كاف الحدث كما وصفو بياء الديف، أغمقت الياتؼ وخرجت أستطمع قنوات

صداـ عنيا أنيا محافظتو الثامنة والعشريف، ولـ تمض اجتياح عاـ لتمؾ اإلمارة التي قاؿ

أمير الكويت إلى المممكة بعدما قاتمت قواتو بضراوة لحماية ساعات حتى تأكد ىروب

الذي فر ترؾ خمفو عائمة كبيرة لبلنتياؾ واألسر، فخرجت كالميووس قصره، لكف األمير

أحذر الناس مف خطر ىتمر جديد، وأف عمينا الجياد لمدفاع عف أموالنا ووطننا مرة أخرى

فرجعت وحرمنا الشريؼ، لكف الناس كانوا سكارى وما ىـ بسكارى لكف عذاب اهلل شديد،

تحت إمرتي أكثر أكتب رسالة جديدة أحث فييا األمير عمى إعبلف الجياد، مؤكدا عمى أف

شاء، ومثمما فعؿ مف عشرة آالؼ مدرب عمى حمؿ السبلح، ويمكنني إحضارىـ غدا لو

.مع الرسالة األولى فعؿ مع الثانية

طارئا لجامعة الدوؿ العربية، كنت أعرؼ نتيجتو المسبقة وما في اليـو التالي رأيت اجتماعا

وتنديد وال شيء أكثر، وفي اليـو الرابع عقد مجمس األمف جمسة طارئة فرض بو مف شجب

عقوبات عمى العراؽ، كاف الغرب يتحرؾ في تمؾ المحظة بأقصى سرعة، ألف الرجؿ فييا

المممكة يجتاح الذي طالب بتقميؿ إنتاج النفط باألمس سيتحكـ فيو غدا، وكاف الخوؼ في

في أرض اإلسبلـ، أما الكؿ، البعض ييرب بأموالو، والبعض ييرب بنفسو، وال أحد يفكر

لفكرة إعبلف الجياد دفاعا عف أنا فكنت مذىوال مما يحدث، تقابمت مع بف باز فتحمس

في الغد مجمسا لكبار العمماء يعمنوف فيو الحـر في وجو أي عدواف، واتفقنا عمى أف نعقد

دفاعا عف قبمة اإلسبلـ، فبل نريد حجاجا جديدا الجياد ويطمبوف مف كؿ مسمـ الخروج

قرامطة يسووف بيا األرض ليحتفظوا بحجرىا األسعد في متاحفيـ، يمطرىا بالقنابؿ، وال

عدت إلى البيت حتى سمعت أف المممكة طمبت مف الواليات المتحدة أف لكنني ما إف

الكفار جنودا لحمياتيا، شيء ما انفجر في رأسي، فيذه الببلد التي حرميا اهلل عمى ترسؿ

يحموا بيتو مسمـ ولو نطمبيـ نحف كي يدافعوا عنيا، نترؾ جند اهلل ونطمب مف أعدائو أف

الديف وال أف أخطط لشيء، فخرجت كاف أحمد بف قرمط، يوميا لـ أنتظر أف أستشير بياء

يبمغوني أنو مشاغمو ستمنعو مف لقائي، مف فوري إلى قصر ولي العيد، حاوؿ رجالو أف

منتظرا حتى الثانية صباحا، كانت كممة صداـ ، وظممت"لف أرحؿ دوف لقائو"وأنا أقوؿ

كمما طاؿ انتظاري، لكنني تحممت مف أجؿ ببلدنا وقبمة ترف في أذني" خائف الحرميف"

، "براءة مف اهلل ورسولو"المكاف المقدس لـ يدخمو الكفار منذ نزلت اإلسبلـ، قمت لو أف ىذا

: قمت وماذا تريدنا أف نفعؿ؟: أف نكوف أوؿ مدخمييـ، فنظر لي باستصغار ثـ قاؿ وال يمكف

خراج العراقييف نعمف الجياد وندعو الدوؿ اإلسبلمية أف ترسؿ فرقا مف جيوشيا حـر اهلل، وا

ذا رفضوا؟ قمت لدي أكثر مف عشرة آالؼ مقاتؿ يحمموف السبلح، مف الكويت، قاؿ وا

خراجو مف ونحف قادروف عمى. ويمكنني أف أحضر مثميـ ومثميـ مرات حماية المممكة وا

نفكر في : مف أعمى ألسفؿ ثـ قاؿ فنظر لي. الكويت كما أخرجنا الروس مف أفغانستاف

أسألكـ أال تجمبوا الكفار ألرض طيرىا اهلل قمت باهلل وبرسولو وبعزة اإلسبلـ. ىذا األمر

انتيت، وأدركت أف كؿ ما قمتو لـ يقترب مف شحمة أذنو، فأشار بيده أف المقابمة. منيـ

أيف أذىب، بياء الديف نائـ وال يمكنني أف أوقظ عجوزا مريضا مف فخرجت وال أدري إلى

عمى رأسي، كنت أمخر بسيارتي في الطرقات كشيطاف يريد أف يشعؿ نومو ليمسح

وجدتني أماـ قصرنا القديـ، ىذا الذي تقيـ فيو أمي وزوجيا اآلف، فاجتاحتني المدينة، حتى

الرغبة أف ألقى برأسي عمى صدرىا وأبكي، ترددت في الدخوؿ، وأخيرا حسمت أمري

لعنتيا ولعنت فناديت عمى الحارس ليستأذف لي، لكنو قاؿ وزوجيا سافرا باألمس إلى لندف،

الوقود، فأجيشت كؿ الخونة في كؿ زماف، وخرجت أىدر بسيارتي في الصحراء حتى نفد

عف أماكف الجند ليقاتميـ، بالبكاء، ومف بيف الدموع رأيت شبيبا يجوس في الكوفة بحثا

آالؼ فارس، فخرجوا خمؼ غريميـ، يا خيؿ اهلل اركبي، فتجمع لو ستة: والحجاج يصرخ

تفرؽ شمميـ، فأرسؿ الحجاج عبد الرحمف وىو يغفو بيف أيدييـ ويصحو ثـ يكرعمييـ حتى

فأرسؿ عثماف بف قطف فقتمو شبيب ومزؽ شممو، بف األشعث بجيش لكنو رجع ولـ يقاتؿ،

خائفا عمى عرشو، فأرسؿ جيشا مف الشاـ، وأخرج الحجاج وانتفض عبد الممؾ بف مرواف

بقيادة عتاب بف ورقاء، فمما بمغ شبيب الخبر قاـ فصمى وانتظر مف الكوفة أربعيف ألؼ

فقتؿ . أنا أبو المدلو وال حكـ إال هلل :القمر األرض، ثـ حمؿ عمى عتاب قائبل حتى أضاء

تتبعوا منيزما، ال: عتاب ومزؽ شمؿ جيشو، فانيزموا راجعيف إلى الكوفة وشبيب يقوؿ

بكـ العز، وال نصر مف أراد يا أىؿ الكوفة ال أعز اهلل مف أراد :وخطب الحجاج في الناس

عدونا، الحقوا بالحيرة فانزلوا مع الييود بكـ النصر، اخرجوا عنا فبل تشيدوا معنا قتاؿ

.لـ يشيد قتاؿ عتاب بف ورقاء والنصارى، فبل يقاتمف معنا إال مف

(45)

ذىبت وبعثرت محتوياتو، وأخبرني الخدـ أنيـ أتوا حيف عدت إلى القصر وجدت الشرطة

الحديقة، لكنيـ لـ يأخذوا سوى الجياز الذي أحضره بكاميرات صورت كؿ شيء، حتى

مراقبا أـ ال، اتصمت ببياء الديف أسالو عما حدث فقاؿ أف بياء لمعرفة إف كاف الياتؼ

مف السفر، أظممت الدنيا في عيني، وشعرت أف الحصار أصبح أضيؽ قرارا صدر بمنعي

فتركت الياتؼ وخرجت كالمجنوف عمى األمير نايؼ، قاؿ أنو ال عمـ لو مما أحتمؿ،

رغـ أنو المسئوؿ األوؿ عف الشرطة، سألتو عف منعي مف السفر فقاؿ إف كنت ال باألمر،

بجنودىـ، أدري عف األولى فيؿ سأعرؼ باألخيرة، لـ أعرؼ أيف أتجو، فاألمريكاف ينزلوف

يرتعدوف مف تيور والسمطة تمنعني مف السفر، وبيتي أصبح أقؿ األماكف أمنا، والناس

األخير لي، فحيف نعمف مجنوف في العراؽ، قادتني خطاي إلى بيت بف باز، كاف األمؿ

في أمر كيذا، لكنو تعمؿ الجياد سنكسر كؿ ىذه الحواجز، وىو الذي يمكنو أف يفتي

القدرة عمى التماسؾ، شعرت مف الحديث بالمرض، رأيتو أكثر عافية مني رغـ تظاىره بعدـ

باألمس، ولـ يكف ىذا ما اتفقنا عميو، كاف يجب أف نعقد بالتراخي والتراجع، لـ يكف ىكذا

جميع الشيوخ والعمماء ليعمنوا الجياد، فما الذي حدث؟ خرجت ألعف اليـو مؤتمرا يحضره

كؿ مكاف، ووددت لو أنني لست محاصرا ىنا، كنت سأقمب الدنيا عمى مف المرتزقة في

وأصدر الفتوى التي تكفر الخائف وشرطتو، لكف الوقت فات، والغيظ يأكمني، كانت فييا،

فقد وجدت العربة تيروؿ عمى الطرقات مف مكاف لمكاف، وأنا أتحمؿ النكبة بسكينة مفرطة،

يجير بصوتو أماـ مف يمكنو أف يمنحني كممة السر عبلنية، ابف عثيميف وحده يمكنو أف

الجزيرة، ليس ضد العراقييف الجميع، وحده الذي قاؿ الجياد فرض عيف عمى كؿ مف في

شعرت أف جممتو . األرض الحراـ واألجانب ولكف ضد مف يساعدىـ عمى النزوؿ إلى ىذه

فبل بد أف نصفع األمير في كؿ اتجاه، وال بد األخيرة قد تثير المتاعب، لكنني تركتو يكمؿ،

وأنيـ ليسوا أمناء األمة، كانت كاميرات التصوير تبث أف يعمـ الجميع أننا لسنا ضعفاء

وفوجيئ الكؿ بخروجنا عميو في ذلؾ الوقت، وألوؿ مرة أرى بياء عمى اليواء المباشر،

بحؽ، قاؿ أنيـ حذروه بمغة واضحة، وأنيـ جادوف في تيديدىـ، شعرت أنني الديف منزعجا

لو وضعوا الشمس في يميني"تراجعت سأكوف قد تواطأت عمى الخيانة، وددت لو قمت لو

ثـ . أرادوا ليفعموا ما: لكف عجزي وقمة حيمتي جعبلني أصرخ في وحيو" والقمر في يساري

األنباء، حضر خرجت مف فوري أجيز لمؤتمر في مكة، حضر الناس ولـ تحضر وكاالت

النياية فيدمت كؿ أمراء ومشايخ وموظفوف كبار ولـ يتكمـ أحد، وحضرت الشرطة في

يخرج صداـ مف الكويت، شيء وطردتنا مف المكاف، ولـ يوقؼ أي مف ذلؾ الحرب، ولـ

وكؿ ما حدث أنيـ اعتقموني في أو يمنع األمريكاف مف نزوؿ األرض التي حرميا اهلل،

األبواب، ولـ يبؽ أمامي سوى التمفاز الذي بيتي، قطعوا اليواتؼ عني، وأوقفوا الحراس أماـ

لجحافؿ الكفار وىي تدوس أرض اهلل، وتنطمؽ منيا إلى عرض بكثرة كما لو أنو يحتفؿ

طائراتيـ ثمانية وعشريف يوما بالمتفجرات عمى رؤوس أطفاؿ ونساء أرض اإلسبلـ، لتيطؿ

أبنية وقباب ومساجد، عمى بيوت ومستشفيات ومدارس، عمى تاريخ وخبلفة ومشايخ، عمى

ىؿ ىكذا أمر اهلل؟ أـ أف الممؾ عقيـ؟ ولـ: وكمما رأيت وجو األمير كنت أصرخ وعزؿ،

يا :قائبل يجيبني سوى البكاء والحجاج، فقد عـز عمى قتاؿ شبيب بنفسو، فخطب في جيشو

باطؿ ىؤالء األراجس أىؿ الشاـ أنتـ أىؿ السمع والطاعة، والصبر واليقيف، ال يغمبف

وقسـ شبيب . بأطراؼ األسنة حقكـ، فغضوا األبصار واجثوا عمى الركب، واستقبموىـ

، سميـ، والثالثة مع المجمؿ بف وائؿ أصحابو ثبلث فرؽ، واحدة معو، واألخرى مع سويد بف

فصبروا لو حتى إذا دنا منيـ وثبوا إليو وثبة وأمر سويد أف يحمؿ عمى جيش الحجاج

، فأمر شبيب المجمؿ أف يحمؿ فثبتوا لو، ثـ حمؿ شبيب بمف معو حتى إذا واحدة فانيـز

يا سويد احمؿ في خيمؾ : وثبوا في وجيو، فمما رأى صبرىـ نادى غشى أطراؼ األسنة

، فحمؿ لكف السرية فأت الحجاج مف ورائو، ونحمؿ نحف عميو مف أمامو عمى أىؿ ىذه

فأمر يفد، فقد جعؿ الحجاج عروة بف المغيرة في ثبلثمائة فارس ردءا لو مف خمفو، ذلؾ لـ

اصبروا ليذه يا أىؿ السمع والطاعة :شبيب أصحابو عمى الحممة معا، فنادى الحجاج

غشييـ شبيب وثبوا في فمما. الشدة الواحدة، فورب السماء واألرض ما بعدىا إال الفتح

يا أىؿ السمع الطاعة : الحجاج يا أولياء اهلل األرض األرض، ونادى: وجيو، فنادى شبيب

، وما مع شبيب إال عشريف. ىذا أوؿ النصر رجبل، فاقتتموا حتى أقر كؿ لصاحبو بالعـز

يأتي شبيبا ورجالو مف خمفيـ، وانطمؽ في أربعة آالؼ حتى استأذف خالد بف عتاب أف

.غزالة زوجتو وارتبؾ شبيب ومف معو ففروا أماميـ فقتموا مصادا أخاه، ثـ

(46)

الكويت ولـ يخرج األمريكاف مف المممكة أو غيرىا، وكؿ انتيت الحرب وخرج العراقيوف مف

تصورت أف األمر . لقد رحموا: الخدـ ييرعوف إلى غرفتي صائحيف ما حدث أنني وجدت

لكف أحدىـ اختصر الحمـ قائبل أف قائدا كبيرا جاء ػ بعدما أمر! كيؼ؟ :يخص األمريكاف

القصر رجالو مف الشرطة والحرس الوطني باالنصراؼ ػ ليخبرىـ أنو مف اليـو يمكف ألىؿ

رحيميـ عف شعرت لحظتيا بدوار غريب، فما جدوى. أف يخرجوا ويدخموا كما يشاءوف

المتفجرات في العراؽ، ما القصر وآالؼ األطفاؿ قد اندثروا تحت ركاـ الحوائط وأطناف

كاف حزني أكبر مف أف يزيمو . عمييـ جدوى رحيميـ والكفار جاثميف عمى أرض حرميا اهلل

لوال جيود بياء : وانطمؽ الياتؼ يدوي، قاؿ نايؼ .رحيؿ عبد الممؾ بجيوشو مف أماـ بيتي

وأي معنى ليا وقد صرت : عمى ىذه الحرية، صحت الديف لدى ولي العيد ما حصمت

كانت الكممات تخرج مني كطمقات رصاص ال أعرؼ . مدنسة خصيا، ببلدي محتمة وقبمتي

نحف نقدر موقفؾ وغيرتؾ، لكف : صوتي وأجيشت بالبكاء، قاؿ إلى مف أوجييا، فاختنؽ

. يجبركـ أنتـ، لكنني مف اليـو لي شأف آخر: أغمقت الياتؼ. ما ال نريد النظاـ يجبرنا عمى

في ىذه المحظة دوف أف أدري أنني أعمنت الخروج عمييـ، وأنو عمى أف أتعامؿ مع شعرت

.الصيغة نفسي مف اآلف عمى أنني مف الخوارج، ألنيـ أيضا لف يعاممونني إال عمى ىذه

أنو لـ يكف أمامو غير أف ييدئ مف ثورة نايؼ، فقد ىاتفني بياء الديف منزعجا، قاؿ

أشعرت مف كممات خالي أنني . ولـ ير ما قمتو إال إىانة لو أغمقت الياتؼ في وجيو،

فسترحت، لكف الرجؿ أنيى المكالمة قبؿ أف أتفوه بشيء جديد يغضبيـ، صفعتيـ جميعا

.أف أكتـ غيظي حتى يجيء وكاف عمى

فقد صرت أكثر نحوال، بمبلبس رثة، وشعر ميوش، حيف دخؿ رأى شبحا لـ يره مف قبؿ،

النوافذ مغمقة، واليواء مميء بالعطف، وكؿ األشياء متناثرة عمى وعينيف متورمتيف، وكانت

توحشتني، كنت كؿ يـو أمر : البدء احتضنني كوالد عاد لو طفمو، ثـ بكى األرض، في

كدت أف أضحؾ لكنني تماسكت . القصر متطمعا نحو الشرفة عسى أف تظير فأراؾ عمى

ال أىيف مشاعر الرجؿ، ولـ أعد أعرؼ مف الذي كاف يواسى اآلخر في تمؾ المحظة، كي

دفعني إلى خارج لكنو سرعاف ما تماسؾ وانتفض يضيئ األنوار ويفتح الستائر والنوافذ، ثـ

اليواء، اصطحبني إلى الغرفة وراح يصرخ في الخدـ أف ييرعوا لتنظيؼ المكاف وتجديد

أي : قمت. الجياد: ما الفائدة؟ قاؿ :تساءلت. الحديقة قائبل عميؾ أف تخرج إلى الناس اليـو

األمريكاف سيخرجوف اليـو أو غدا، وما أظنيـ جاءوا إال ال أظف: جياد ينتظره الناس؟ قاؿ

اهلل، ولف يخرجيـ إال رجاؿ وىبوا أنفسيـ هلل ورسولو وحماية أرضو، ليمكثوا ما شاء ليـ

، فيؿ رجاؿ أنت مف باعوا الدنيا وعرضيا الزائؿ ليدخموا الجنة، وال يدخميا إال أولو العـز

اإلقامة، واآلف يحثني الضعفاء؟ أشعرتني كمماتو باألمؿ فابتسمت، منذ ساعة كنت محدد

لكنو قبض عمى ذراعي مف جديد عمى الخروج كشبيب ألصفع باب اإلمارة بعامود حديد،

الحماـ وجواديف ألنو يريد أف ييزمني ودلؼ بي إلى القصر، ىتؼ في الخدـ أف يجيزوا

كأنو لـ يرني منذ عاـ، وحيف اعتميت ظيره راح في الفروسية، حيف رآني الجواد تشممني

يخرج مف دائرتو، فنسيت نفسي وأنا أستسمـ ليزىزاتو، يركض كأنو إلكتروف يريد أف

واحد مف الفاتحيف في ببلد السند، وعمى أف أسابؽ الريح ألنقذ وسرعاف ما شعرت أنني

قبمما يقع الكفار عمى أىميا، شعرت أنني أقفز منحدرات وجباؿ ومضايؽ، أرض اإلسبلـ

كالسيـ بيف أشجار غابات وأسوار قبلع وبوابات مدف عجيبة، ورأيت شبيبا يكر وأمرؽ

اآلف ألضرب عمى جند الكوفة والشاـ والجزيرة وال يوقفو أحد، وددت لو أف عاموده الحديد

.أنا المدلو وال حكـ إال هلل: بو باب نايؼ قائبل

لكنو عرؼ كيؼ يعيدني إلى الحياة، فما أف دار لـ يكف بياء الديف في حاجة لمتريض،

. أقطع األرض كميووس يطارد غزالة فرت بيف األحراش دورتيف بجواده حتى نزؿ وتركني

التعب وغسمني العرؽ وكاد أف ينفؽ منى الفرس، فصحت فظممت أدور حتى ىدني

إلى الحماـ كي ألقي بنفسي في ماء دافئ، وجاءني الخادـ كي بالسائس أف يأخذه وعدت

ألناممو متذكرا خادمة الصغر وىي تدىنني وتدلمؾ أعضائي، ولـ يكف يساعدني فاستسممت

أمي، العجوز أقؿ ميارة ومحبة لي منيا، فمـ يتركني إال كما كانت تحب أف تراني الخادـ

وزوجتو، لكنو أشبو فصعدت إلى حيث تقيـ أـ عبد اهلل فاحتضنتيا، لـ يكف عناقنا كرجؿ

عمى يدييا، فاستأذنتيا لمذىاب بأـ وأبنيا، كاف الفرح يمؤل وجييا كما لو أنني ولدت لمتو

معا، أمرت الخدـ بتجييز المائدة لنأكؿ إلى زوجتي األخرياف، فأصرت عمى أف نأكؿ

وغنيت وضحكت مع الجميع حتى الخدـ، وفي النياية جميعا في جناحيا، ولعبت ورقصت

وأمرت مف جديد أـ عبد اهلل عمى النساء وكؿ مف في القصر، ثـ جمعت األوالد واألميات

عمى الصبياف، وقمت أيكـ أختمؼ مع أخيو عمى شيء فعبد اهلل مرجعو في أمرت عبد اهلل

ليا وكؿ مف اختمؼ في البيت مع عبد اهلل عمى شيء فأـ عبد اهلل المرجع وال يرد الحكـ،

.أمر

عمى جواده حيف ىدني التعب ونمت كمف حاز الدنيا بحذافيرىا رأيت شبيبا ينزؿ أمامي مف

نحو السماء، بعدىا ليعطيني عاموده ذي الرأسيف، ثـ استدار فامتطى جواده وفر كشياب

. مستنكرا فإذا بو أبو سعيد رأيت عجوزا يتجو نحوي ليأخذ العمود مف يدي، فنظرت إليو

ما الذي : إلى قصر بياء الديف، قاؿ فانتفضت مف نومي فزعا، وأخذت سيارتي واتجيت

كيؼ؟ قمت تركت عميا في : الشيخ، قاؿ أتي بؾ في ىذا الوقت؟ قمت فرطت في أمانة

ال بد أف أسافر : فما تريد اآلف؟ قمت: قاؿ. ىنا أفغانستاف ورحت أليو مع زوجاتي وأبنائي

ممنوعا مف السفر، قمت أىرب، قاؿ العيوف تترصدؾ حتى في ما زالت: قاؿ. إليو غدا

.غدا نتدبر أمرا كاف مفعوال : قاؿ. طريقة ال بد مف: بيتؾ، قمت

محاصرا في بيتي وعممي، الكؿ يراقبني وأنا أمعف لـ يكف أمامي إال أف أنتظر شيورا

عمى تشددت في نعتيـ بالخيانة والتخاذؿ، كنت أسعى بيف الخروج عمييـ، وكمما ضيقوا

بيف ندوة ومؤتمر أو خطبة في مسجد، ورغـ تيديد الشرطة لكؿ مف أيدييـ ليؿ نيار ما

أسسنا جماعة الفتوى اإلسبلمية، وىيئة عمماء الديف المستقميف، ولجنة يحضر غير أننا

عداد العدة مف أجمو، وأرسمنا عددا الشباب إلى األمر صييب بالمعروؼ، وطالبنا بالجياد وا

فقد تركنا الميمة ألناس ليعمميـ فنوف القتاؿ، لـ أكف الذي يقـو بذلؾ، وال حتى بياء الديف،

بالماؿ والموعظة الحسنة، ولـ يكف ذلؾ مثيرا ال يشؾ األمف في والئيـ لو، لكننا ألفنا قموبيـ

مف كؿ مف يريد الخروج عمييا،ولـ يثر حنقيا إال لغضب السمطة التي أرادت التخمص

حتى أف نايؼ أرسؿ رجالو فأخذوني إليو، قاؿ أنت ال تساوي النعت بالتخاذؿ والخيانة،

لو كنت أتعظ : قمت لو شئت فعمتيا أنا، قاؿ ألـ تتعظ؟ قمت رصاصة وينتيي أمرؾ،

قصري وسكنت الكيوؼ ناشرا صدري لمرصاص والموت، حدث غيري بالخوؼ ما تركت

يمكنني فعؿ الكثير، : قمت. يمكنني اعتقالؾ: ويجثو عمى ركبتيو، قاؿ عف ذلؾ كي يرتعد

خرجوا بؿ: قمت. كفروا الصحابة: وما بيـ؟ قاؿ: أخارجي أنت، قمت: قاؿ. إال هلل فبل حكـ

ذا أخطأ الصحابة فيجب تكفيرىـ ألنيـ ال يجب عمى وراثة اإلمامة وحصرىا في قريش، وا

ذا حاد أولى األمر عف جادة الطريؽ حمميـ الناس عمييا، فإف لـ يرجعوا أف يخطئوا، وا

فما بالؾ بمف استعاف بالكفار عمى ،"قاتموىـ حتى يكوف الديف كمو هلل"فأمر اهلل واضح

اهلل عمييـ، ومف جعؿ الكفار أولياءه واهلل ولي المسمميف، ومف أنزؿ الكفار أرضا حرميا

. لست أنا، لكنو الذي حـر نزوؿ الكفار إلى ىذه األرض: قمت أتكفرنا؟: المؤمنيف؟ قاؿ

أنا المدلو :تكفر أناسا ربوؾ بينيـ، وأعطوؾ مف أمواليـ؟ فابتسمت قائبل ومف أنت كي: قاؿ

.حكـ إال هلل وال

(47)

فقد اقتربت أشير الصيؼ وكاف عمى األمير نايؼ كاف األمر أبسط مما فكرت وتوقعت،

أوربا، ىكذا تخمرت الخطة في رأس بياء الديف، فترؾ توتري أف يذىب ليقضي إجازتو في

كما ىو،ولـ يفعؿ غير تيدئة نايؼ كمما ثار في وجيو، كاف كمما حكي تجاه نايؼ يتصاعد

بينيـ كنت أنفجر ضاحكا، لكف بياء لـ يرى في األمر ما يضحؾ، فبل بد أنيـ لي ما دار

يريدوف أف يمكنيـ ذلؾ، لكنيـ ال: قاؿ. فميقتموني ما أرادوا: جادوف في تيديدىـ، قمت

لى أف يجدوا الوقت المناسب فعمينا أف . نتحرؾ بأسرع منيـ يصنعوا منؾ بطبل اآلف، وا

ليـ أف معركتي ىنا، ومف ىنا بدأت الخطة، فتصعيدي لؤلمر صنع حماية لي، وأكد

الديف سرا، حيث استقطب األمير أما الشؽ الثاني فقد قاـ بو بياء. وليست لدى نية لمرحيؿ

عف نايؼ في حاؿ غيابو، وأقنعو أف تعنت عبد العزيز الذي يتولى مسئولية األمف نيابة

ولو كاف ىناؾ مف يقود األمر بحكمة ما حدث ما رأيسو ضدي ىو ما جعمني أكثر تشددا،

بينيما أسر لو بطمب بسيط، وىو خروجي إلى أفغانستاف يحدث، وحيف توطدت األمور

التجارية التي مازالت متعمقة ىناؾ، فقاؿ عبد العزيز أنني أستطيع ألنيي بعض المعامبلت

ينوب عني بذلؾ، فأجابو بياء أف في األمر معامبلت قامت عمى الثقة وليس أف أكمؼ مف

ذا لـ تحسـ ىذه األمور فسوؼ تواجو المجموعة خسائر كبيرة، وأف ثمة األوراؽ والعقود، وا

قد أنجب طفبل لـ يمبث أياـ سر أكبر مف المعامبلت التجارية وغيرىا، وىوأف أبا سعيد كاف

الكبلـ، وقد تركو أبو سعيد أمانة في حتى ماتت أمو، وأنو مصاب بعيب خمقي يعوقو عف

ممف أودعو لدييـ، وألف عبد العزيز كاف رجبل مدتينا عنقو، وال بد مف ذىابو ليسترد الطفؿ

سعيد وفضمو فقد تأثر باألمر، ومف ثـ طرؽ بياء الحديد قائبل فيؿ وكثيرا ما سمع عف أبي

بذىاب ولو ليـو واحد إلى باكستاف كي يعود بالطفؿ ليعيش مع أوالده بدال مف تسمح ولو

لف يقبؿ، الجوع والموت في الكيوؼ، بكي عبد العزيز لطمبو وقاؿ أنو ال أمانع لكف نايؼ

يمضي إجازة ىنالؾ طرح بياء الجزء الثاني مف خطتو، وىو أف نايؼ معتاد عمى أف

ويبدو . ثبلثة عف المممكة الصيؼ في أوربا، ولف ينتبو أحد لغياب أبي عبد اهلل يوميف أو

المقنع، فمـ يستطع عبد العزيز الفكاؾ أف بياء أجاد إحكاـ خطتو وجيز لكؿ سؤاؿ جوابو

االثناف ينتظراف إجازة نايؼ كي ييباني جواز مروري إلى مف الدائرة إال بالموافقة، وأخذا

.الخارج

غض الطرؼ فإنؾ مف نمير، فبل كعبا : جاءني حيف حصؿ بياء الديف عمى ذلؾ الوعد

ما أراده مف بيت جرير شرح لي األمر بتمامو، وطمب بمغت وال كبلبا، وحيف لـ أستوعب

وأقمؿ مف ذىابي ورواحي، وأف أتجنب نبرات الخطاب العالية مني أف أخفؼ مف توتري

حتى يسافر نايؼ بسبلـ، كانت المفاجأة مذىمة بالنسبة لي، ولـ أكف ضد األمراء وغيرىـ

تسمح باالعتراض عمى أي مما ما يقولو الرجؿ، فرحت أقبؿ رأسو شاكرا كأنو في حاؿ

مقربة مني، أعطاني ماء الحياة، وشعرت أنني مازلت حيا وأف عميا يرفرؼ بجناحيف عمى

ذي الرأسيف، وأبا وما أف تركني الرجؿ حتى غفوت فرأيتني عمى جوادي ممسكا بالعامود

بيننا نحف آؿ البيت، قمت سعيد يمسح عمى رأسي قائبل تمسؾ بو فإنو جواز مرورؾ

عمى الموت، وبدت لي تعميقاتيـ مغتبطا أقبؿ أوالدي وأحتضنيـ حتى شكوا أنني مقبؿ

خيفة، وكمما توجسوا كانت رغبتي في مثيرة لمضحؾ، وكمما رأوني أضحؾ كانوا يتوجسوف

عمى ركوب الجياد والركض بيا أمامي، كانت الضحؾ تزداد، حتى أنني حممتيـ جميعا

أي شيء ستنتيي تمؾ الحالة مف الجنوف، كنت أمياتيـ تطؿ مف الشرفات لتنظرف إلى

جواد بأي منيـ، حيف خفت مف أف ينقمب األمر أسمع الشيقات والصرخات كمما عبل

واحدا تمو اآلخر وقذفت بيـ في حماـ السباحة، وحده أبو كارثة قمت أغير المعبة، فحممتيـ

الجنوف ألنو رضيع، لكنني كنت مصرا عمى أف أراىـ يسبحوف الفضؿ الذي نجى مف

والدي أسبح أمامو، حيف رأت ذلؾ أـ عبد اهلل ذلؾ الجنوف المتزايد اتصمت أمامي كما رآني

السفر، قمت ألـ بأبييا، فرأيتو يحضر وكأف عمى رأسو الطير، قاؿ أتريد قتؿ األوالد أـ تريد

العبث اآلف، ويشؾ في أنني ال بد أف نايؼ يعمـ بيذا: قمت. نعـ: تطمب التيدئة؟ قاؿ

مغازلتو شخصيا، قاؿ يمكنني أف نرتب فقدت صوابي مف الغيظ والفشؿ، وربما أحتاج إلى

يأت، فقد سافر نايؼ فجأة إلى أمريكا، ووجدت لكما موعدا فوافقت، لكف ىذا الموعد لـ

جواز سفري، فمـ أعد الحقائب ولـ أودع األطفاؿ، فقد بياء الديف يحتضنني وفي يده

المطار، وىناؾ وجدت مف ينتظرني مف قبؿ عبد العزيز فأومأ تسممت مف القصر إلى

جوازي، يوميا لـ أصدؽ أنني عمى متف الطائرة المتجية رأسا إلى لموظؼ المطار فختـ

فتذكرت طرؽ اليروب التي فكرت فييا كجرذ مختبئ في عربات نقؿ ومخازف باكستاف،

وبطوف جماؿ، لكف ما أجمؿ بياء الديف، وما أيسره خططو، كأنو ولد ليكوف مبلكي سفف

ليدفع بيا بعد أف عبرت أجواء المممكة شرعت في كتابة رسالة إلى بياء الديف. الحارس

أحب الببلد إلي خالي العزيز، لـ يكف أمامي سوى أف أغادر: إلى األمير عبد العزيز

يكف أمامي غير أف بعدما نزؿ الكفار عمى أرضيا، ورضي قادة اإلسبلـ بنزوليـ، لـ

عمييـ مف جناح بعوضة، أغادر ببل عودة بعدما اعتقمت في بيتي، وصارت حياتي أىوف

ياىـ، وقؿ ليـ الجبناء، وما فعمت ما فعمت عف ال نامت أعيف"فاغفر لي خديعتي إياؾ وا

ثـ دفعت بالرسالة إلى ". واسعة فتياجروا فييا ألـ تكف أرض اهلل" "أمري، لكنو اهلل القائؿ

.المطار حيف عودتو قائد الطائرة ليسمميا ألمف

(48)

1993خريف

يصؿ خطابي إلى عبد العزيز، كنت أعمـ أف المممكة لف عبرت الحدود الباكستانية قبؿ أف

مف صنائعيا، فتركت المطار وتوجيت إلى أقرب نقطة تقبؿ صفعة رجؿ كانت تظنو

قد حضر، وحمموني إلى القادسية، ووقؼ الصباح وصييب يتباروف لرجالنا، فتنادوا األمير

ابتياجا بفؾ أسري، قالوا عممنا بما حدث، قمت أف األياـ القادمة ستشيد في ذبح األغناـ

إلى بعض انقبلب الكثيريف، وليس أمامنا سوى أف نشتري والءىـ، فاتجو الصباح في جولة

لى حد ما نجح فيما ذىب إليو، الدوؿ ليجدد العبلقات وينثر األمواؿ ويطمب المعونة، وا

مقدمتيا باكستاف، قاؿ أنيا فأصبح لدينا خط مفتوح مع بعض أجيزة االستخبارات، كاف في

عندنا قبؿ منفذيو، مدحتو عمى ثقتو ظييرنا الذي البد منو، ولو حدث شيء فستجعؿ عممو

سواىا اآلف، كانوا قد حصدوا خشخاش العاميف بنفسو ورحت أتابع الحياة التي ال حياة لي

الباكستانييف لشرائو، لكنيـ فضموا اإليرانييف واألتراؾ الماضييف، وجاءىـ أناس مف قبؿ

قد أحدث جفوة بيف الصباح وصييب، فوجية نظر األخير كانت أننا عمييـ، ويبدو أف ىذا

نستغني عف فنائنا الخمفي، لكف الصباح عمى أنيـ يعطونا شيئا إال بثمنو، ال نستطيع أف

اآلخر، بدا لي أف كؿ منيما اتخذ قراره بأف ينفصؿ عف. فكيؼ نعطييـ بأقؿ مف الجميع

القصيرة ولحيتو ففي الوقت يرسؿ فيو صييب برجالو إلى كؿ مكاف، فإف الصباح بقامتو

نجح في زراعة التي تغطي صدره يومئ ويبتسـ دوف أف يناقشو في شيء، فبعد أف

تقرأ عمى مساحة الخشخاش ووجد مف يطمبو صارت كممتو ىي لعميا، وأصبحت مجمتو

بدوره كاف يستمتع بيذه النظرة أكبر، وصار الجميع ينظر لو عمى أنو األمير أو نائبو، وىو

المقداـ الشجاع المحارب ليس النائب، ويسعى إلى تأكيدىا، عجبت لقدر الدنيا، فصييب

كؿ شيء، لكنني فيما يبدو لـ أكف قدراتو والصباح الوديع الميادف يصبح بضربة حظ

حياتي في خطر، وعمى أف أغير مكاف إقامتي، فثمة بشكؿ كاؼ، ففاجأني ذات مساء بأف

لصالح بعض الباشتوف، لكنو ال يتوقع أف األمر خاص بيـ، مف تـ شراؤىـ مف مجموعتو

غرباء لـ يرد تسميتيـ في ذلؾ الوقت، ابتسمت وأنا أتوقع أف ىذه ربما كاف الخطر مف

ليجعمني دمية أتحرؾ مف خبلليا، قمت ال ضير مف المعب، ونفذت ما كاف إحدى حيمو

وانتقمت، مضى يوماف ولـ يحدث شيء، كاف يؤكد كؿ ساعة مف خبلؿ تشديداتو يريد

المممكة خمفي األمنية عمى رجالو أنو متأكد مف مصادره، وأف شيئا ما سيحدث، فقد أرسمت

أيدييـ أـ عمى أيد غيرىـ، رجاليا إلى باكستاف، لكنو ال يعرؼ إف كاف األمر سيأتي عمى

عاممتو كرجؿ حرب يعتمد عميو، كنا فرحت أرميو بالكممات، وأرفع مف روح صييب الذي

نزؿ الجيش إلى الشوارع وقبض عمى جبية اإلنقاذ نفكر في أمر الجزائر وما آؿ إليو بعدما

عف وضع رجالنا ىناؾ فقاؿ أف بعضيـ اعتقمتو السمطات، عقب اإلضرابيا العاـ، سألتو

شعرت أف األمر مخيب لآلماؿ، فقد كاف . ويبدو أف ىذا لف يحدث لكنيـ لـ يحاكموا،

االنتقاؿ إلييا، وال يمكنني القوؿ بأف ما قالو الصباح لـ يثر في نفسي األمؿ يحدوني في

أماـ الخوؼ، بؿ شعرت أف سخريتي مف دواعيو األمنية ليست سوى محاولة ألبدو قويا

ورفض صييب الرجاؿ، فزايدت عميو وطمبت أف أعود إلى مركز القيادة كما كنت فرفض،

ميـ في توحيد ألوؿ مرة أف الكؿ خائؼ، والخوؼ أصبح عامؿ والبنشيري وغيرىـ، شعرت

لـ يكف شبيب الذي صفنا، في النياية أستعذت باهلل ووضعت رأسي عمى فراشي ألناـ،

مف الخوؼ ويحؾ ال تراعي، أقوؿ ليا وقد صارت شعاعا : جاءني، لكنو ابف فجاءة القطري

وصحوت عمى ضربة لشبيب . بمستطاع فصبرا في مجاؿ الحرب صبرا فما نيؿ الخمود

خمسة يقفزوف إلى غرفة نومي فأخافوني لباب اإلمارة، حيف صرخت عمى الحارس وجدت

قالوا أف طائرة ألقت عدة صواريخ وفرت، أخذت أكثر مف كنت عميو، قمت ما الذي حدث،

.قائميف أف لدييـ أوامر بعدـ الخروج ميما حدث سبلحي وأردت الخروج فمنعوني

أف المممكة والواليات المتحدة ضغطا عمى باكستاف حيف جاءني الصباح شرح األمر قائبل

مدىـ بعض القادة بصور وخرائط عف مكاف إقامتؾ، فوصمنا مف أجؿ الوصوؿ إلينا، وقد

لكنؾ كنت ىازئا مف كؿ شيء، لـ تكف ىذه محاولة لبلغتياؿ ولكف الخبر كما أبمغناؾ،

فقد قامت طائرة بعممية إنزاؿ عمى مبعد كيمو متر مف الموقع القديـ، لمقبض عميؾ،

ينزلوف ثـ تعاممنا معيـ، كاف مف بينيـ أمريكاف وسعوديوف، وكانت صرخاتيـ فتركناىـ

بينما واضحة بالميؿ، حيف فشؿ أمرىـ تراجعوا نحو الطائرة التي ىبطت عمى األرض،

فتركناىـ يحمموف لـ نعكف مستعديف لذلؾ،. قامت مروحية أباتشي بإطبلؽ صواريخيا عمينا

األباتشي اختؿ توازنيا وارتطمت موتاىـ ثـ رحنا نمطرىـ برشاشاتنا عف بعد، والمدىش أف

تاركة بعض جنودىا عمى األرض، فقبضنا في الجبؿ فسقطت، بينما أقمعت طائرة اإلنزاؿ

يوميا عممت أف األمر جاد، وأف . الجف األحمر عمييـ وأودعناىـ كيفا ال يعرؼ مكانو

خمفي ليموثوا ىذا المكاف، فحمدت اهلل عمى ما منحنا مف الكفرة الذيف لوثوا أرضنا جاءوا

حطاـ األباتشي مزارا ندعو إليو الصحفييف واإلعبلمييف كي يكتبوا نصر وأمرت أف يصبح

الصباح قائبل أف ىذا يسيؿ أمرىـ ويضعؼ خطتنا األمنية، لكنني أصررت عنو، رفض

موقفي، فأحضر عددا مف رجاؿ اإلعبلـ بطرقو السرية كي يحاورونني، يوميا خرجت عمى

اهلل وال ممتو، ثـ عمى العالـ ميددا األمريكاف، ومفتضحا حكاـ المسمميف الذيف لـ يرعوا ذمة

ألنني أطالب بجياد المسمميف شرحت كيؼ انتصر جند اهلل عمى الطغاة الذيف أرادوا قتمي

ثـ صورنا حطاـ الطائرة وعميو الجنود وخروج الكفرة مف أرض أعزىا اهلل وحرميا عمييـ،

.المأسوريف

إلى باكستاف لينطمقوا منيا إلى ببلدىـ، وانتظرنا أف حيف انتيى المقاء أعادىـ الصباح

لـ نسمع سوى خبر عابر عف محاولة سعودية فاشمة الغتيالي، لقد نسمع دوي المقاء، لكننا

وحولوه إلى خبر سابؽ، ولـ يمر يوماف حتى وجدنا أصدقاءنا يتحدثوف عف اجتزءوا األمر

أمريكي في لقائنا، رفض صييب وقبؿ الصباح، وكنت أميؿ إلى الرفض مف القبوؿ، رغبة

األربعيف مف لكف الداىية أقنعنا بأىمية التعامؿ كأقوياء لمعرفة مقاصدىـ، كاف الرجؿ في

مف أصوؿ مصرية، وكاف عمره، حسف الثياب، يتحدث بالعربية كاإلنجميزية، عممنا منو أنو

ويعشؽ التاريخ العربي القديـ، كاف يعمؿ بالجيش األمريكي حتى تقاعد، وأف اسمو روبرت،

والجباؿ، قاؿ أف ىؤالء الشجعاف ىـ الذيف وقفوا أماـ منبيرا بالمكاف والرجاؿ وحياة الكيوؼ

وبدا لي أنو جاء في ميمة غير التفاوض، فازداد ارتيابي وخوفي، الدب الروسي العنيد،

لعمكـ تستغربوف أنني أحب اإلسبلـ وأتحدث : الصباح أال يغفؿ عنو، فقاؿ ىمست في أذف

أميركا قاؿ أف آباءه كانوا مسمميف، لكف أمو رحمت بو إلى. رغـ أنني لست مسمما عنو

رغبة في تأكيد أصولو، وجعمتو مسيحيا، فتعمـ العربية نكاية فييا، ودرس التاريخ العربي

التي لـ يرد معاندتيا وىي عمى ودخؿ الجيش األمريكي ألف ىذا كاف الرغبة األخيرة ألمو

يفقد حياتو مف أجميـ، فتقاعد بعد عشر فراش الموت، لكنو لـ يكف يحب األمريكاف كي

شعرت أف األمر ال . يضطره لمبحث عف وظيفة جديدة سنوات مف الخدمة ليأخذ معاشا ال

فسألتو عما يريد، قاؿ أف ميمتو . التعاطؼ في التفاوض يعدو قصة محكمة مف أجؿ

الطائرة، قمت والجنود، قاؿ إف شئتـ أف يكونوا في التفاوض فبل التفاوض مف أجؿ حطاـ

ف رفضتـ فبل ضير، ابتسمت فقاؿ أف ىذا طمب ببلده، يوميا قمت مف مجمسي مانع، وا

لمصباح مفاوضتو، لكف الصباح في المساء جاءني يبتسـ، قاؿ أف روبرت أعمف تاركا

وما إلى ىذا الحد ىو بارع؟ قاؿ: إسبلمو، وأمنيتو أف يأخذ العيد عمى يديؾ، فضحكت

تفاوض معو الضير، نعطيو الفرصة ونجربو، فمف يعرؼ أكثر مما عرؼ، قمت ال بأس،

قاؿ بؿ أمنيتو أىذه شروطو؟: قمت. عمى أف يقبؿ يدؾ ويصمي خمفؾ: قاؿ. كما تريد

.الوحيدة

مبلييف في مقابؿ حطاـ الطائرة، وعشرة في مقابؿ في المساء انتيى التفاوض عمى عشرة

وتبل الشيادة ثـ طمب أف يصمي خمفي، تعجبت مف رجؿ ال الجنود، وجاء الرجؿ فقبؿ يدي

سأقؼ كما تقفوف وأفعؿ : ويريد الصبلة، فقمت أو تعرؼ الصبلة؟ قاؿ يعرؼ شيئا عف دينو

فطمبت مف الرجاؿ أف يعمموه وأداء الصبلة، وحيف جاءت صبلة العشاء كما تفعموف،

الريبة، بؿ ارتدى ثوبا باكستانيا وراح يزاحـ لموقوؼ خمفي، لـ يكف ىناؾ ما يثير وجدتو

وعمى ابف الخامسة يقؼ كاف الجميع مستبشرا بدخوؿ أمريكي في ديننا، شرعت في الصبلة

بالرجؿ ذي المبلمح الشقراء والثياب ممتصقا كما اعتاد بجانبي، لكنو ىذه المرة انشغؿ

قمـ ينبض بضوء خافت، ووبفزع تذكرت جياز الباكستانية، وفجأة وجدتو يتأتئ وفي يده

الديف، ودوف أف أترؾ الصبلة نزعت مف يده القمـ وألقيت مراقبة الخطوط الذي أحضره بياء

منو إال أف انفجر مثيرا عمى وجوىنا الرماؿ والحصى، فارتميت عمى بو بعيدا، فما كاف

صرخ متفزعا، ووارتمى الرجاؿ بعضيـ عمى بعض كما لو أنيـ في أرض عمى الذي

حيف أفقنا مف المفاجأة بحثنا عف الغريب الذي اختفى، وبينما أخذت في ىدىدة المعركة،

إلى أيف عمى وتخفيؼ الصدمة عنو كاف الرجاؿ يطاردوف شبحا يتقافز بيف الصخور، لكف

.المفر وتحت كؿ حجر رجؿ

(49)

أكثر حذرا وكاف روبرت األكثر جرأة، بعد معركة تكررت المحاوالت وتنوعت، لكننا كنا

أودت بو، كاف قاتمو يرغب في أف يحافظ عمى حياتو، غير حاسمة أصيب بعدة رصاصات

فمـ يجد الرجؿ سوى أف يرميو بزخة مف رشاشو قضت عميو، ولـ لكنو خدعو وفر مف يده،

المزيد عف الرجؿ الذي أسمـ أمامنا، وكاف عمى وشؾ أف يقضي عمينا في نستطع معرفة

لو، لكنو ترؾ لنا أمرا واضحا وضوح البدر، وىو أف ىذا المكاف غير آمف، أوؿ صبلة

في خاصة وقد نشب االنقساـ بيف زعماء الحرب األفغانييف، وقد حدثت تطورات كبرى

إقالتو، لكف الدولة الشيوعية التي شاخت سريعا، فقاـ انقبلب عمى جورباتشوؼ وتمت

شيور تأكد فييا يمتسف يمتسف خاف االنقبلبييف وأعاد جورباتشوؼ إلى الحكـ، ولـ تمض

وأعمف نفسو رئيسا إلى أف مف قوة موقفو وىيمنتو عمى األمور حتى أسقط جورباتشوؼ

السوفيتي داعيا إلى كومنولث بديبل عنو، جاءت بو االنتخابات العامة، فقاـ بحؿ االتحاد

الدخوؿ في التحالؼ الجديد، وكاف ذلؾ تأكيدا لمدى لكف عددا مف الدوؿ االتحاد رفضت

العظيـ، مما شجع األفغاف عمى إسقاط نجيب اهلل ونظامو، الضعؼ الذي وصؿ إليو الدب

اجتماعا لرئيس حزب الجماعة اإلسبلمية برىاف رباني، ورئيس الحزب فعقدت باكستاف

حكمتيار، ورئيس الحزب اإلسبلمي يونس خالص، ورئيس جبية التحرير صبغة اإلسبلمي

اإلسبلمي مجددي، ورئيس االتحاد اإلسبلمي عبد رب الرسوؿ سياؼ، وحركة االنقبلب اهلل

الشيعي إسماعيؿ نبي محمدي، وحزب المحاز الممي بير جيبلني، والجمعية اإلسبلمية

عاـ، ثـ يأتي مف بعده رباني خاف، واتفقوا جميعا عمى أف يتولى مجددي رئاسة الببلد لمدة

انتخابات تشريعية، لكف الخبلؼ دب بمجيء رئيسا، وحكمتيار رئيسا لموزراء، إلى أف تقاـ

ويريد لببلده أف تكوف دولة قوية غير أنو لـ يعمف موقفا رباني لمحكـ، فرغـ أنو رجؿ قوي

األمريكاف، بينما كاف حكمتيار متفقا معنا في ذلؾ، وطالب بخروج األمريكاف عدائيا ضد

تكويف مف ديار اإلسبلـ، وكاف التنسيؽ بيف كبل الرجميف غائب، مما دعا كبلىما إلى

فرباني اليادؼ لبناء تحالؼ مف بقية األحزاب، ورأت باكستاف األمر ذاىب إلى حيث تريد،

نار الخبلؼ بيف الرجؿ ورئيس دولة قوية ال يجب أف يدـو في الحكـ، وال بد مف إذكاء

تمركز في قندىار ولـ يترؾ الفرصة وزرائو، لكف أحمد شاه مسعود قائد جند رباني

الحرب بيف الفريقيف، واستقؿ اسماعيؿ خاف لحكمتيار ورجالو كي يسقطوا الحكـ، فدارت

وسادت الفوضى، واخترقت أجيزة استخبارات مف بيرات، وانعدمت السيطرة عمى األمف،

.شتى الجنسيات

حاولنا التوسط بيف اإلخوة األعداء، لكف رباني رفض لـ يكف أمامنا سوى الصمت بعدما

عمييا الجميع في بيشاور، قمت ربما يرى اآلخروف أنؾ ستستغؿ أي صيغة غير التي اتفؽ

لكنو قاؿ أف عددا مف حكومات الجوار . الببلد النتخابات تفوز فييا سمطتؾ في تييئة

يفعمو اإلسبلمية ال تريد حكما يسعى إلى توحيد الببلد واستقبلؿ قرارىا، وأف ما والدوؿ

قويا مف الحقيقة، شعرت أف الرجؿ يمتمؾ جانبا . حكمتيار ما ىو إال ما يريدونو بالضبط

أنو ال يريد غير قياـ دولة وكاف ال بد أف أسمع مف الجميع، فتوجيت إلى حكمتيار، قاؿ

حاولت أف أجعمو ييادف . اهلل،وىذا ما ال يريده رباني دينيا اإلسبلـ ودستورىا القرآف وغايتيا

وىؿ تعتقد أف شاه مسعود سوؼ يتركنا نقيـ : الذي لـ يحدد فقاؿ حتى موعد االنتخابات

والروس قاؿ عدونا األمريكاف. حقيقية؟ قمت أنتـ توزعوف أنفسكـ وتمزقوف ببلدكـ انتخابات

إلى ببلدنا، كما جاء وكؿ مف ال يريد أف تقـو لممسمميف قائمة، ولف أترؾ رباني يجيء بيـ

.بيـ أمراء مممكتؾ إلى الحـر

يمكنني أف أرتمي عمى صدره وأبكي، كاف لقائي بو لـ يكف أمامي غير مجد الديف الذي

منكسرا وزاىدا في كؿ شيء، ولـ تعجبني نبرتو اليائسة، تحت جناح الميؿ، وكاف صوتو

فعمو، إنيـ لـ يدعوننا إلى مؤتمرىـ، لـ ينظروا إلينا عمى أننا شركاؤىـ قاؿ ما الذي يمكنني

في الحرب، فماذا أفعؿ؟ قمت أنت شريكيـ، وكاف مف الممكف أف تكوف رمانة الميزاف في

تتأىب أي خبلؼ، لكنؾ فرقت رجالؾ، وأىدرت فرصة كانت بيدؾ، وليس عميؾ اآلف أف

تدريب مدارس الستعادتيا مف جديد، ومازالت معسكراتنا قوية وآمنة، ومازلنا نستطيع

بالجياد األصغر، وليس ىناؾ الطالباف كميا، وقد أمرنا ديننا بالجياد األكبر مثمما أمرنا

حيف انتييت مف كبلمي . لسنوات طويمة أكبر مف درء الفتنة التي قد تأكؿ شعبا بكاممو

تعني؟ قاؿ موالنا فضؿ الرحمف الذي تحالؼ مع قمت مف. كأنكما اتفقتما عمى ىذا: قاؿ

حاولت أف أدفع . العبلقات الخارجية في البرلماف الباكستاني بينظير بوتو، وتولى لجنة

األماـ مؤكدا عمى ما قالو فضؿ الرحمف، لكنني وجدت مجدا متحرجا مف باألمر إلى

حكمت لـ يستطع السيطرة عمى الببلد: مع حكمتيار، ألف كبلىما بشتوني، فقمت الصراع

ىذه بعد، وبوتو ترغب في استقرار الوضع في فنائيا الخمفي، ولف يدـو صمتيا عمى

ف لـ تتحالؼ معؾ اليـو فسوؼ تتحالؼ مع غيرؾ غدا، وليس أمامؾ إال الفوضى، وا

.اغتناـ الفرصة التي جاءتؾ عمى طبؽ مف ذىب

لدخوؿ غرباء فييا، فحاولنا قدر ما نستطيع تأميف كانت فتنة، ولـ يكف الوضع مؤىبل

الخطر، رغـ تعيدات الجميع بحمايتيا ما لـ نتدخؿ في شيء، معسكراتنا التي قد يطوليا

وقمنا أف عمينا أف نتحرؾ قبؿ أف يخطئ أي منا أو منيـ، لكف إلى أيف؟ تدارسنا كؿ ذلؾ

فمـ ال إننا نقؼ في موقؼ المدافع، وأعداؤنا تغرىـ جيوشيـ وأجيزتيـ العديدة،: صييب قاؿ

وكمما شعروا أننا نبرز ليـ جزءا مف قوتنا، فنفعؿ بيـ كما نفعؿ في مصر والجزائر،

صدى في نفس الصباح وأبي القت فكرتو. قادروف عمى الرد بالمثؿ قبؿ أف يفعموا شيئا

مف نقاط ضعؼ ونقاط قوة، حفص والخباب، فوضعنا الخرائط وجمسنا نناقش ما لدييـ

نريدىا، لكف أبا حفص قاؿ ولـ ال فكانت الصوماؿ واليمف مرشحتيف لتنفيذ الضربة التي

شعرنا بالحماس تجاه ذلؾ، فالعيف بالعيف والسف نضرب أمريكا نفسيا؟ باغتتنا الفكرة لكننا

اإلجابة واألفكار جعمت األمر في عنؽ أبي حفص بالسف، لكف كيؼ؟ حيف أعيتنا

: مف رجاؿ ودبرا صفعة تميؽ بنا، ثـ استدرت لصييب قائبل والخباب، قمت فخذا مف أردتما

.أخبار تسرني عف األمريكاف في الجزيرة لكنني أشتاؽ لسماع

رجاؿ لـ تعبر أياـ حتى سمع العالـ بانفجار فندؽ في عدف أودى بحياة ثمانيف مف

انفجار مركز التجارة المارينز، ىممنا بالفرح وشارات النصر، لكف الفرحة األكبر جاءت مع

األمريكية، وأدركوا أننا لسنا ضعفاء، العالمي بواشنطف، فقد أحدث الرعب في قمب اإلدارة

ف ويبدو أنيـ استوعبوا الرسالة، فمـ تمض أسابيع حتى شيدنا تغيرا طيبا مف جانبيـ، وا

كاممة، لـ نباؿ بذلؾ، ألف أغمبنا لـ يكف متعاطفا معو، ولـ حمموا الشيخ الضرير التيمة

تجاه صييب، ألف الضرير شيخو، واسيناه بأف الرجؿ كاف ومازاؿ نشعر بالحرج إال

ف حكموا عميو بالسجف مدى الحياة فمف يمنعو ىذا مف ممارسة جياده، مجاىدا، وأنيـ وا

.أو بعد غد نتفاوض معيـ مف أجمو وغدا

ظؿ يقض مضاجعنا في أرض غير آمنة، وكاف ال كانت ىذه بدايات النصر، لكف القمؽ

السوداف بجزيرتيا الخضراء ومستنقعاتيا العديدة ىي بد مف توفير مبلذ آخر، كانت

وكاف ال بد مف جس النبض، فقمنا لمبنشيري أف يعبر إلييا ليرى الفردوس الذي نبحث عنو،

قبوؿ لوجودنا في أرضيـ أـ ال، وحممناه رسالتيف لمترابي والبشير، كانتا إف كاف ثمة

شواغمنا لكنا أوؿ تحثاىما عمى مواصمة اإلصبلح وبناء الدولة اإلسبلمية، وتقوالف أنو لوال

فكتب لنا البنشيري أنو وجد .مف يضع أيدينا في أيدييـ مف أجؿ نيضة جادة لببلد اإلسبلـ

ف خيوط المعبة اآلف .في يد البشير أكثر مف الترابي قبوال مف كبل الطرفيف، وا

عبلقتنا بالبشير، فاتخذ طريقو إلى السوداف ليشاركيـ في طرحت عمى الصباح فكرى تأكيد

اإلسبلمية، ولقي مف الجميع، لكنيـ أبدو تخوفا عمى ثورتيـ، احتفاالت عيد الثورة

رفضوا استقباؿ الترابي ويريدوف فرض عقوبات عميو بسبب االنفصالييف في فاألمريكاف

الديف واقفا الجنوب، ورأى الصباح أنيا فرصتنا كي نقدـ ليـ ما يتمنونو، وفوجيء بو مجد

الرحمف، عمى أف يقنع عمى رأسو في مدرسة الطالباف، ىناؾ أقنعو بالتعاوف مع فضؿ

وكمينتوف، حيف ذىب مجد لزيارة فضؿ اآلخر بوتو أف تذيب الجميد المتراكـ بيف الترابي

عميو ما طمبو الصباح، ولـ يكف أماـ فضؿ سوى فاتحو األخير في معاودة الجياد، فاشترط

لكنيا ما إف التقت مادليف أولبريت . مجد مغرور: فضحكت أف يبمغ الرسالة لرئيسة وزرائو

واشنطف، وىناؾ استطاعت أف تذيب الثمج عمى مائدة منفردة، ورغـ حتى طمبت منيا زيارة

أضاع الكثير مف الوقت في مغازلة عيوف الشرؽ وأدبو غير أنو استسمـ في أف كمينتوف

اعتذرت لو كافأىا يبدو أنؾ تفضميف البشرة السوداء عف العيوف الزرقاء، فمما: النياية قائبل

.بالسماح لمترابي أف يزور واشنطف

أشير بعنا خبلليا محصوؿ العاـ مف الخشخاش، استغرقت الوساطات واالتصاالت ستة

صييب في العالـ العربي، وأرسمنا مجموعات أخرى إلى وطورنا طرائؽ اتصالنا بمجموعات

جماعة شواطئ عدف، فاتسعت خريطتنا في اليمف، وكاف عمينا أف جنوب السوداف، ونزلت

لرجاؿ مجد، ولـ يكف أمامي غير أف أنتظر شيرا مف رحمة الترابي والبشير نخمي معسكريف

.واشنطف كي أفاجأ بطائرة خاصة تجيء لنقمي إلى الخرطـو وسط حراسة مشددة إلى

(50)

1996خريف

كالترابي والبشير فبل يسعو إال أف يحب األوؿ ويعمؿ مع حيف يقؼ المرء أماـ شخصيتيف

ف اختمفت مع آرائو، أما البشير فيرى الواقع ويمشي حسب األخير، فالترابي مفكر كبير وا

ىكذا وجدت نفسي أفضؿ بيف الرجؿ، وما أف وصمت حتى عممت أف انقبلبا قاده معطياتو،

وساءت البشير وأخرج رئيسو مف السمطة، فبسببو ساءت العبلقات مع كثير مف الدوؿ،

تحالؼ معو لمقضاء عبلقتو نفسو برفاقو وأصدقائو ورجاؿ جبيتة، وعمى رأسيـ البشير الذي

المؤتمر، ثـ طوره إلى المؤتمر عمى حكـ الميدي، ومف ثـ ترؾ الجبية وأسس حزبا أسماه

دولة، لكف سخريتو البلذعة مف أصدقائو العربي، وضـ إليو ممثميف عف خمسة وأربعيف

كثيريف عمى التضحية بو في أوؿ انتخابات تجرى، واستبداده برأيو جعمت البشير يتفؽ مع

والوزارة معا بحكـ القانوف، وعممت فيما بعد أف جزءا مف رسالة ليكوف ىو رئيسا لمدولة

حمميا الصباح لفضؿ الرحمف ثـ بونازير بوتو التي أبمغتيا لكمينتوف كاف مف البشير التي

األمريكاف رأوا بيف سطورىا فتح الطريؽ أماـ رجؿ معتدؿ يقود الببلد بعد الترابي، ويبدو أف

.والخارج ذلؾ حبل أمثؿ لما تعيشو السوداف مف خبلفات في الداخؿ

السوداف كانت أزىى فترات عممنا المنظـ، فقد أقمنا العديد يمكننا القوؿ أف فترة وجودنا في

والشركات والسدود، وزرعنا مئات اليكتارات في أرض الجزيرة، وحفرنا الترع مف المصانع

كاف مممكتنا وميدنا الطرؽ وأرسينا قواعد الموانئ والمطارات، حتى أننا شعرنا أف السوداف

عيده، ولـ يقمقو غير جوف الضائعة، وكاف البشير فرحا باإلنجازات التي لـ تحقؽ إال في

الجنوب وأصر عمى االنفصاؿ، حاولنا جرانج الذي رفض تطبيؽ الشريعة اإلسبلمية عمى

ستة معسكرات لمتدريب في عطبرة والنيؿ أف نمد يد العوف في ىذا االتجاه، فأسسنا

لتدريبيـ عمى أىداؼ حية، حتى بتنا مناوئيف األزرؽ، وحممنا الرجاؿ مف شتى البمداف

النزاع التي تركيا لنا الجيش، ورحنا نعد لمذىاب إلى لجارانج، وصرنا نسيطر عمى مناطؽ

المسئوؿ عف ىذا الممؼ المعقد، فكاف يجمع المعمومات ويرسـ الصوماؿ، كاف البنشيري

الرجاؿ وينزح بيـ إلى المعارؾ، حتى أف الغرب المناصر لكؿ حركات األىداؼ ويدرب

وأثيوبيا بدأ يشعر بالقمؽ، والييود الذيف بنوا عشرات السدود في كينيا وأريتريا االنفصاؿ

إخوانيـ راحوا يصرخوف مف خطرنا عمى مصالحيـ، أما األمريكاف فقد ىبوا لنجدة

مصيرا ال يحسدوف الفرنسييف في الصوماؿ، فانسحب مف جاءوا لنجدتيـ وتركوىـ يواجيوف

.خمعوا مبلبسيـ عميو، في البدء كانوا يخشوف الفضيحة، لكنيـ سرعاف ما

المممكة عمى أنيابيا وىددتني بأوالدي، لكف كؿ لـ تخؿ الحياة مف منغصات، فقد كشرت

أمر بعد نصرة دينو وطرد الكفار مف ببلدنا ىيف، فأرسموا شيء بعد رضاء اهلل ييوف، وكؿ

ولـ أنخدع برسميـ وكمماتيـ المعسولة، فراحوا يرفعوف مف درجة مف جديد يتوددوف،

خواني وبني في زمرة الشيداء، وأرسمت ليـ أف تيدياداتيـ إلى الحالة جيـ، فعددت أىمي وا

بخمعي، وقرأت اخمعوني كما خمع معاوية أىمو، فقرأت عمى شبكة المعمومات الدولية بيانيـ

أقرأ اسـ أي مف زوجاتي أسماء الموقعيف وفي مقدمتيـ أمي وزوجيا، وحمدت اهلل أنني لـ

هلل درؾ، ما حممؾ عمى ىذا : لو وأبنائي، فعدت أبحث عف بياء الديف فمـ أجده، أرسمت

الشيخوخة تسعفني عمى ذلؾ، لكنني سأبيع ما فقاؿ ما عادت. الشقاء، بع ما لديؾ والحقنا

احمبوا بقرتكـ وال : بأسماء رجاؿ كنا نستثمر أموالنا لدييـ يعينؾ عمى ما أنت فيو، ثـ أرسؿ

لـ تعد سنخمع عنؾ حمايتنا، فأطحت في وجيو : المممكة مف يقوؿ لي وأرسمت. تبيعوىا

خذوه وأريحوني مف عاركـ، وعممت في الصباح أف الممؾ أصدر قرارا :بجواز سفري

تممكني الحنؽ وخشوا الرجاؿ أف تعاودني . دخوؿ الببلد وسحب جنسيتيا مني بحرماني مف

الحزف، وعرضوا عمى فكرة إنشاء ىيئة عالمية لمجياد اإلسبلمي عوضا عف لجنة نوبات

والترتيب عمماء اإلسبلـ التي أوقفت المممكة نشاطيا، فوافقت وانشغمت باختيار أعضائيا

استيبلء مجد عمى قندىار، لظيورىا، واخترت لندف مقرا لعمميا، لكف حزني لـ يرفعو غير

وكمما سمعت بانتصاراتو ىممت فرحا، ثـ لعميا البشرى واهلل ولي الصابريف،: فيممت بالتكبير

أنت رجؿ : المياـ، وأرسمت صييب في أخرى قائبل جعمت الصباح سفيرا لي في عدد مف

ولـ يخيب الرجؿ ظني، حتى أطمقت عميو األجيزة السرية المممات فكف ليا كما ىي لؾ،

بضرورة توحيد المجاىديف في كؿ مكاف تحت راية نرفعيا سويا، مسمى الشبح، وشعرنا

الداىية الذي أقنع الجميع باالنضماـ لرايتنا، فجاءوا مف شتى األرض قادة وكاف الصباح

الوجوه وأمراء جماعات ومنظمات ولجاف وأحزاب وحكومات، قمنا عدونا كبير ومتعدد

مف حب اإلسبلـ واألذرع، ونحف النممؾ حكومة وال دولة، ال نممؾ إال ما وىبنا اهلل لو

وال يقتمنا، فانظروا ماذا وطمب الشيادة، وليس أمانا إال االتحاد ليكوف جيادنا واحد،

عمى ىذا، فوضوعوا أيدييـ عمى كتاب اهلل قالوا أنت أمير المؤمنيف، قمت أتبايعوف. تفعموف

فييـ، وذكرتيـ بسيرة الصحابة والصالحيف المجاىديف، بعدىا خطبت. ويد اهلل مع الجماعة

فرقتيـ، واتخاذىـ الكفار أولياء ليـ مف دوف اهلل، ثـ أعمنت وقمت إنما أضعؼ المسمميف

الكفار ومف واالىـ مف المسمميف، فوقع الخبر عمى األمريكاف وأعوانيـ الحرب عمى

عمى رأس الرضيع، وليجت وكاالت األنباء في كؿ مكاف، وانتفض األعداء كالصخرة

مطمئنا، البشير ويرىبونو، وما كاف لنا إال أف نوريو مف آياتنا ما يجعؿ قمبو آمنا يغازلوف

وعماف، وقمنا نوريو فكانت موقعة أديس بابا، وغزوة الصوماؿ واليمف ولندف والرياض

فكنا نمد الطرؽ ونبني المدف الذىب، فاستكاف إليو ونيض السوداف مف كسمو إلى العمؿ،

المعادف، ونصنع األسمحة واألسمدة ومواد البناء وننشئ محطات الكيرباء والمياه، ونستخرج

عممنا بمفاعؿ، أحضرنا أجزاءه المعقدة مف دوؿ السوفيت، ولـ وأجيزة الكيرباء، وتوجنا

إحدى الدنيا حيف بدأنا في تشغيمو، لكف الفرح لـ يكتمؿ، فقد فقدنا البنشيري في تسع البشير

يطالبيـ بالشيادة غزواتو بأعالي النيؿ، تجالدت أماـ الرجاؿ كي ال يعمـ أحد أف الذي

طائرات عمى مشروعنا يرتعد مف الموت، ولـ نتعافى مف مصابنا حتى أغارت مف مصر

فعممت أف خيانة حدثت، السري فدمرتو، ثـ توالت الضربات عمى رجالنا في كؿ مكاف،

عمى أخمص رجالي لوال واجتيدت في معرفتيا حتى شككت في أصابعي، وكدت أقضى

صييبا قائدا عسكريا، وأبا أليمني الصبر، فاستغفرتو ورحت أعيد ترتيب البيت، جعمت

الميمات، وفضؿ اهلل مسئوال عف البيانات واإلعبلـ، ماجد أميرا عمى الجزيرة، والعباس رجؿ

الجماعة في أوربا، وأرسمت سويدا برجالو إلى البوسنة، وبركات اهلل وأبا حفص مسئوال عف

إلى الشيشاف، وأخذت أراجع أمر السوداف، فوجدتيا ضاقت عمينا بما رحبت، برجالو

منيـ، وما العقوبات تبلحقيا مف كؿ جانب، وناسيا يعتقدوف أننا جئنا لنأخذ ببلدىـ ووجدت

األمريكاف يذرعوف يأتييـ مف خير فمف أنفسيـ، وما يأتييـ مف شر فمف الجماعة، بينما

وضعي في الداخؿ وعبلقاتي في : الجارية الدنيا ذىابا ومجيئا، والبشير ما يمبث يئف أنيف

.أيف يحط صقر قريش ىذه المرة: ونسأؿ أنفسنا ونحف نعمـ ما في صدره وجوفو. الخارج

غراب، فكؿ الدالئؿ تقوؿ أف البشير أزمع عمى تسميمي، كاف السؤاؿ يطف في رأسي كنعيؽ

الزمف وأستحث الخطى قبؿ أف يمحقوا بي، فأعبرت إلى تشاد ومنيا وكاف عمى أف أسابؽ

لتحممني سفينة إلى اليمف السعيد، كانوا دوما في إثري، وال يصحبني غير إلى الجزائر

وبنادقيـ وعمى، لكف اليمف فناء المممكة ورجاليا، وال أماف بيف أناس قموبيـ معؾ خوفي

التنقؿ والترحاؿ عميؾ، فكيؼ رأيتيا يا بياء الديف مبلذي األخير، تعبت يا صاحبي مف

ال حدود لو، وفي عنقي صبي صغير، وما عدت أحسف تحسس الخطى بيف فكي شرؾ

.أذني وأعداء مف كثرتيـ ال معنى لمبلمحيـ وال أنفاسيـ البلىثة في

نفسي ومف حولي، لوال أف الح لي أبو سعيد كدت أفقد صوابي وأطمؽ الرصاص عمى

. إلى مجد يا أبا عبد الرحمف: مرة رأيتو فييا، قاؿ بوجيو الواثؽ الياديء، تماما كأوؿ

حقيقة وليس ىذياف، فاستدرت أتيقف منو، لكنني لـ أرى غير عمي وانتبيت إلى أف الصوت

.يغط في نومو

(51)

بعد، خسرنا دولة كنا نظف أنيا عاصمة ممكنا اآلتي، هلل الممؾ مف قبؿ ومف: اكتب يا عمى

والترحاؿ واليرب، كنا كفأريف مختبئف في صندوؽ تتناقمو األيد و العربات وعدنا إلى التنقؿ

ماء، مكاف آلخر، فبل نرى النور إال حيف يتذكرنا شخص ال نعرفو بكسرة خبز أو شربة مف

الصمت وااللتزاـ كانت الرحمة أكثر مشقة، واألياـ أطوؿ مما نحتمؿ، ولـ يكف أمامنا سوى

الموانئ، وصورنا كمطموبيف بكؿ ما يممى عمينا مف تعميمات، فاألعداء شددوا عمى جميع

تحتممو عزيمة الضعفاء، وليس أمامنا ألصقت عمى الحوائط، والماؿ المبذوؿ أكبر مما

الظبلـ، وكمما سقطنا في كميف قمنا هلل سوى أف نرتدي مبلبس النسوة ونركض في جنح

معنا حتى دخمنا عمى برىاف الديف في تابوت انتظره األمر مف قبؿ ومف بعد، وكاف اهلل

ندخؿ بييئتنا ىذه عمى مجد الديف، برىاف أرحـ مف نظرة ساخرة، باألسابيع، فمـ نشأ أف

تكوف صاحب دولة وبيف أف تكوف جرذ صغير في صندوؽ كبير ببل شؾ، فالفارؽ بيف أف

حيف رأى وما وصمنا إليو، قاؿ أما كاف لرجالكـ أف يحضروكـ بطريقة أفضؿ، بكى الرجؿ

ولى زماف النعـ، ومات بياء الديف، وما كاف لي أف أحضر جنازتو وال دفنو، مات قمت

وعينو تنيمر تمتـ الرجؿ. آخر األحضاف التي كنت أرتمي عمييا، وكانت آخر رسائمو إليؾ

قاؿ أعرؼ أنؾ تحبو وىو رحـ اهلل بياء الديف، كانت رسالتو توصيني بؾ خيرا،: بالبكاء

عميكـ جنبوه كؿ ىذا الصراع، جنبوه يحبؾ وأف الخبلؼ بينؾ وبيف مجد مستعر لكف باهلل

قرأ برىاف الرسالة وىو ينتفض، قاؿ ىذا . قمب بشر القتؿ والدـ، فاهلل ال يجمع ظمميف عمى

سألتو عف أخبار . لكنؾ آمف، ىزمنا أو انتصرنا أنت آمف عاـ الحزف، وىذا أوؿ الفقد،

الحرب، قاؿ لقد أخذ مجد كؿ شيء، ولـ يعد أمامي ما أبكي عميو، لقد رجالو وموقفو في

قندىار وكابوؿ ومزار شريؼ وىرات، ولـ تبقى سوى بعض األماكف التي سيطر عمى

عمييا الطاجيؾ ويحتمي بيـ قمب الديف، وبعض الجباؿ التي يتحصف بيا شاه يييمف

أنفسنا ولـ نفكر مسعود، ويبدو أننا نستحؽ أال نكوف حكاما عمى ىذا البمد، ألننا فكرنا في

تشغمو خبلفاتنا، ولـ ينشغؿ في مصالحو، وحده مجد الذي خرج لديف اهلل ولنصرة وطنو، لـ

ودخؿ الجياد، خسرنا جميعا وكسب بقتؿ الناس كما فعمنا، لكنو أسمـ أمره إلى اهلل

.الطالباف، فينيئا ليـ ما ربحوا

يطمب مف برىاف الديف استقبالي، فقاؿ أف مجدا كنت قد أرسمت لبياء الديف أسألو أف

لكنني كرىت أف يشمت مجد، وأف أكوف تابعا بعدما كنت .وضعو في الحرب أقوى وأفضؿ

برىاف : فتفيـ بياء ما أشعر بو وأرسؿ قائبل . مف اليواف والذؿ متبوعا، فالموت أفضؿ

تذكرت أبا سعيد وىو . ال تركف إلى أحد، وال تصعب عمى نفسؾ أمر مجد ينتظرؾ، لكف

اإلمامة ومنو اإلمارة، لكف أبا سعيد رحؿ، وبياء الديف أيضا رحؿ قبؿ أف أصؿ يقوؿ منؾ

لو سما، أفغانستاف، جاءني الخبر في الطريؽ، قالوا أف المممكة دست عميو خادمة فدست

فكيؼ الحياة مف بعد األىؿ واألصحاب؟

أممي، فتركتو يضع القمـ ليغسؿ وجيو بالماء، وتذكرت بكى عمى وىو يكتب، وبكيت وأنا

بيا يا عمي، فصعد عمى صخرتو وأذف بصوت كالنحيب، الصبلة فيتفت فيو أرحنا

بالرحمة لرجؿ رسـ الطريؽ وتركنا في مفترقو، فكيؼ عرفوا بأمره، فاستغفرت اهلل ودعوت

رسائمنا في يدىـ؟ أتعبتؾ يا صاحبي مثمما أتعبت كؿ مف عرفوا بي، وقتمتؾ وىؿ وقعت

أرى مثمما قتمت البنشيري وأبا سعيد والفضؿ صييب وغيرىـ، فأي محنة نزلت عمى كي

خذني إليؾ إف أصحابي موتى، وأي لعنة تطاردني فيحؿ الدمار واليبلؾ أينما حممت، الميـ

والمسمميف، الميـ إف لـ يكف كاف في ذلؾ خيرا لي، وأبقني إف كاف في ذلؾ خيرا لئلسبلـ

.بؾ غضب عمى فبل أبالي

نظرت إليو فرأيت شاربا خفيفا يرتسـ عمى وجيو، ىزني عمى مف كتفي وقاؿ أنت متعب،

رجبل يا عمي، في سف كيذه كاف جدؾ قد استقر في المدينة مع لقد صرت: فضممتو قائبل

كيذه حمؿ السبلح وخاض المعارؾ بجوار إمامو، وىا قد صرت قادرا ابف عمو، في سف

ميابا، السبلح وخوض المعارؾ، فييئ نفسؾ لذلؾ، فبل بد لمقائد أف يكوف فارسا عمى حمؿ

أو ال تحب الدـ، فما وىذا أمر قدره اهلل عمى آؿ بيتؾ، فبل تخذليـ بأنؾ ال تقدر الحرب،

بعضيـ ببعض لفسدت األرض، فيذه قامت دولة أو سقطت إال عميو، ولوال دفع اهلل الناس

.الخمؽ سنتو فنا إلى يـو ال يعممو إال مف قدره عمى

(52)

مف جديد، كاف برىاف الديف مف ساعدني عمى تجاوز لـ تمر أياـ حتى بدأت أخرج لمناس

أحقف دماء المسمميف، وال أجد سفيرا لذلؾ أفضؿ منؾ، أريد أف المحنة، ىزني قائبل أريد أف

لمجد عمى ما تركو الحسف لمعاوية، قمت لكف مجدا ليس معاوية، قاؿ وال أنا أترؾ األمر

وال يجب الحسف، لكف لكؿ زمف رجاؿ، ولكؿ دولة قادة، وأنا أرى مجدا أقدر مني وأحؽ،

قمت . الحرب أف يقتؿ البشتوف أنفسيـ مف أجؿ رجميف منيـ، وال أظف إال أنني خسرت

وضع السبلح وحقف وحكمتيار؟ قاؿ ىذا شأنو، لكنؾ لو خرجت إلى الناس ودعوتيـ إلى

قادرا عمى عمؿ شيء ىزني الرجؿ بكمماتو، وشعرت أنني مازلت. الدماء لسمعوا منؾ

معسكراتو في بطوف الجباؿ، لـ لصالح المسمميف، توجيت مف فوري إلى قمب الديف، كانت

قواتو وقوات برىاف الديف، تصورت أنيـ أفعؿ سوى أف اخترقت بجواد المسافة العازلة بيف

أصؿ إلى الجنراؿ الثائر، لكنيـ لـ يفعموا، بؿ حيف سيأخذونني أسيرا مغمض العينيف حتى

ما كاف إلنساف أف يعامؿ أبا عبد الرحمف : قائده أماـ عيني قائبل اقترح أحدىـ ذلؾ سبو

حي، ولو دفعت حياتي مقاببل لذؾ فمف أندـ، شكرتو واتجيت معو حيث يكمف كأسير وأنا

ألبي مف أحسف: الديف، وما أف سمع بما حدث حتى أنعـ عمى قائده برتبة أعمى قائبل قمب

خمقو وعممو، ولوال عبد الرحمف أحسنا إليو، فمثمو ال يعامؿ معاممة الغريب، وال يشؾ في

قائبل لقد أثمجت صدري وميدت شكرت الرجؿ. أنو شفع لمجندي األحمؽ لقتمتو أماـ عينيو

برىاف، قمت ال ىذا وال ذاؾ، لكنو مف الطريؽ لما جئت مف أجمو، قاؿ مف عند مجد أـ

ف طائفتاف مف: السماء، فضحؾ، قمت المؤمنيف اقتتموا فأصمحوا بينيـ، وقد حسـ األمر وا

ومنؾ، وىو الحسف بف عمي، فقد تنازؿ عف اإلمامة حقنا مف قبؿ مف ىو أفضؿ مني

قمت أريدؾ أف تحقف دماء المسمميف، ولؾ ! أتريدني أف أتنازؿ لمجد؟ :لدماء المسمميف، قاؿ

فتركتو. قاؿ دعني أتدبر أمري وأستشير رجالي. الحسف لنفسو وما اختاره برىاف ما اختاره

إليو، أكاف برىاف رفيقؾ في الحرب حتى تتركني وتذىب: وتوجيت إلى مجد فمقيني غاضبا

عمى حمايتؾ، واهلل لو أىذا ما أوصاؾ بو أبو سعيد، ىؿ تراني أقؿ شيئنا منيـ أـ أقؿ قدرة

بكيت . أتركيـ يمسوف شعرة منؾ جئتني وطمبوا دمؾ أو دمي لتقدمت فذبحوني كالبعير وال

بالعذر أو الجدؿ، لقد فقدت أعز مف رأيت أنا في حاؿ ال تسمح لي: مف فرط ما وبخني بو

تأسؼ الرجؿ وأخذ في . وعقمي المدبر عمى وجو األرض، لقد فقد سندي وحصني

األمر إلى الوجية التي جئت ألجميا، قمت لـ ال ومواساتي وتعزيتي في خالي، فرحت أغير

لنا بذلؾ، فثمثي الببلد في أيدينا، ونحف األعموف، فإف أرادوا أف تحقنوا الدماء، قاؿ ال حاجة

ف رفضوا فيي الحرب يبايعوا قمت أترفض حقف. قبمنا بيعتيـ وأعطيناىـ ما أرادوا، وا

وأضاعوا الببلد، الدماء؟ قاؿ ال، ولكف كيؼ أترؾ ليـ أمرا كاف في أيدييـ، فأفسدوا واقتتموا

منكـ خراج قريتو التي قمت فمـ ال نحكـ الناس، قاؿ أخشى أف تكوف الخديعة، قمت لكؿ

ف اختمؼ إثناف عمى شيء فما توافؽ يقيـ فييا، ولو الحكـ عمييا، والشورى عمى الحاكـ، وا

يستجيب لكف نفسو ليست راضية، ىدىدت عميو رأيت مجدا . أي منيما مع الثالث عميو

.ال تحزف إف اهلل معنا: قائبل

المتخاصميف حتى توافؽ الجميع عمى التحكيـ، الوحيد أخذت في جوالت ال تنتيي بيف

قائد برىاف الديف، ذلؾ الذي يشعر بثأر شخصي بينو وبيف الذي رفض ىو شاه مسعود

منو قندىار، فما أف عمـ بقبوؿ رئيسو لمتحكيـ حتى أخذ المواليف لو مجد منذ ىزمو وأخذ

وانفصؿ ميددا بقتؿ برىاف ومجد، تعجبت لمخارجي الجديد، وأرسمت مف يطمب في الجيش

لقاءنا لكنو رفض، قمنا نحسـ أمر الكبار ثـ ننظر في شأنو، فجاء مجد وبرىاف منو

ليـ أف يفوض وحكمت وقرأنا أـ الكتاب وياسيف وابتيمنا أف لعنة اهلل عمى الكاذبيف، ثـ قمت

يثبتو إذا ما ترامى كؿ منيـ أمره إلى حكـ يتفاوض عنو، وأف ليذا الحكـ أف يخمعو أو

العمماء ورؤساء القبائؿ، وأناب األطراؼ حتى يظير اهلل الحؽ، قالوا لؾ ما تريد، فجمعت

عبد الرشيد دوستـ، وأراد مجد أف ينيبني رباني عبد رب الرسوؿ سياؼ، فأناب حكمتيار

خصما، فأناب أحد مشايخ الطالباف ويدعى عتاب عنو فقمت لو ال يجوز لمحكـ أف يكوف

ساعة عف صاحبو وأخطاء خصومو، ثـ اقترعنا عمى أييـ الراجفي، وتحدث كؿ مف النواب

وقبؿ أف نبدأ تمونا القسـ بالتزاـ ما تكوف عميو النتائج، ثـ ناديت أولى باألمر مف صاحبو،

فوقؼ خمسة عشر رجبل، فأخرجناىـ عف الحمقة، ثـ ناديت باسـ برىاف فوقؼ باسـ مجد

سوى عشرة، فأخرجناىـ عف الحمقة، ثـ ناديت باسـ حكمت فوقؼ ثبلثة عشر، ولـ يبؽ

المتنافسيف بالنتائج، سبعة ظموا غير قادريف عمى الحسـ، كؿ ىذا يجري وال عمـ ألي مف

لبرىاف أف يبايع لمرجميف عمى ما حيف انتيينا أحضرناىـ وأعدنا الناس إلى أماكنيـ وقمنا

لصاحبيو عمى ما اتفقنا عميو فقاؿ إف حكمت اتفقنا عميو ففعؿ، وقمنا لحكمت أف يبايع

لمجد أتبايع عمى ترؾ صاحبيؾ في األماكف التي فبلبد أف يخرجا مف الببلد، وقمت

الحكـ فبايع، قمت وأنا يدي في يدؾ، ثـ أجمستو عمى يسيطروف عمييا ومشاورتيـ في

يسمموا عميو، حتى إذا اكتمؿ األمر أمرت الناس أف يحمموا كرسي ورحت أنادى الناس كي

عمى المبايعة، ثـ أمرتيما أف يكتبا لقادة جندىما أف يأتوا فأتوا، وأف يرسبل برىاف وحكمتيار

بالحرس، ال بدال منيـ رجاال مف رجاؿ مجد ففعموا، ثـ خصصنا لكؿ منيما قصرا محاطا

فقاؿ رباني ليس مسعود يدخمو أحد وال يخرج منو أحد إلى أف يبايع آخر رجؿ مف رجاليما،

كاميرا كانت تصور المؤتمر الذي عقده مني وال أنا منو، فأعفيناه مف أمره بقذيفة أطمقتيا

.الديف ليشكؾ في نزاىة االقتراع والبيعة لمجد

(53)

الذي تـ بيني وبيف مجد، وأرسمت في طمب صييب انتقمت إلى قندىار بموجب االتفاؽ

والبشير، وأقمت مجمسا لشورى اإلمارة، حاولنا في البدء أف والصباح وأبي حفص والفضؿ

عف إمارة أفغانستاف التي أعمنيا مجد الديف، وقمنا أف ميامنا ليست في نكوف ىيئة مستقمة

تقميـ أظافره الداخؿ ألف ىذا شأف األفغانييف، لكف عدونا كبير ومتعدد األطراؼ، وعمينا

تقارير عف السفارات وقض مضاجعو انتقاما لمبنشيري وبياء الديف، وطمبت منيـ إعداد

واقترح الصباح عمؿ منظمة لجياد والقواعد والجاليات األمريكية في بمداف اإلسبلـ وغيرىا،

وأعددنا بيانا بيا، وكاف الرجاؿ قد تعودوا عمى الييود واألمريكاف في العالـ، فوافقتو

االلكترونية بشكؿ واسع في السوداف، فحذرتيـ مف مغبة الوقوع في ذلؾ، استخداـ األجيزة

ذا أردنا أف نيزميـ فعمينا وقمت أف أف األمريكاف يمكنيـ أف ييزمونامف خبلؿ أجيزتيـ، وا

داء إال خمؽ لو نبتكر طرقنا الخاصة بعيدا عنيـ، لكف الصباح أقنعني بأف اهلل لـ يخمؽ

الغرب، شكرتو ىازئا مف دواء، وأنو اآلف يمتمؾ شبكة رجاؿ في العالـ أكبر مما يتخيؿ

غربييف ممف يطمؽ عمييـ الصؼ مبالغتو، فأخرج مف حاسوبو عشرات الصور لمسئوليف

برلمانية، ضحكت وأنا أقوؿ أيف رجاؿ الثاني، كاف بعضيـ جنراالت وأعضاء مجالس

لوجوه تفننت في تمييز أنفسيا، مبلمح ىندية المافيا، وبوغت بو وىو يفتح ممفا آخر

كانت شتى األجناس عمى شاشة الجياز، والصباح يبتسـ وروسية ويونانية وعربية وصينية،

العالـ في مخالبو، حيف سألتو كيؼ استطاع ذلؾ؟ قاؿ ورثت تركة كأنو الشيطاف الذي أوقع

كانت ىذه المرة . وطورتيا، وحيف يتوفر الماؿ تستطيع أف تشتري مف تشاء فحافظت عمييا

تحوال التي أدرؾ فييا أف الصباح قطع مسافات بعيدة عف رفاقو، وأف جناحو أحدث األولى

قمت أريد أف أعرؼ كبيرا لـ ألحظو مف قبؿ، وقفت ال أدري ىؿ أصفؽ لو أـ أكذبو، لكنني

يفكروف ونحف نفكر والذي فيما يفكر أعداؤنا اآلف، قاؿ األمر ليس بيذه الطريقة، فيـ

ىؤالء الرجاؿ أف يخبرونا بما يستطيع أف يتحرؾ قبؿ اآلخر ىو الذي سيصيب، وميمة

اآلخروف عممو، وال ننسى أف ليـ عيوف عمينا، لدييـ، وعمينا أف نفكر ونتكيف بما ينوي

شعرت أف الصباح يتحدث كمدرسي . ىو الذي سيربح والذي يكشؼ أوراؽ اآلخر مبكرا

أتفقد معسكرات صييب التي دب فييا النشاط، سألتو عف الكيمياء، فتركتو ومعممو ورحت

كنا نأتي : وصولو فضحؾ، ثـ شعر أنو أخطأ فراح يبرير ما فعؿ السبلح وموارده وتأميف

العالـ ونحف نجاىد الروس، فماذا بعد أف سقط الروس وصاروا يبيعونو عمى بو مف أقصى

ضحكت فسألني عف مجد الديف، قمت لـ أره منذ أياـ، قاؿ ىؿ ثمة. األرصفة بقروش

أود أف أبدو خبلؼ بينكما، قمت ال، لكنو منشغؿ بأمور الدولة التي وقعت عمى عاتقو، وال

البوذية، قمت ال تصدؽ، فبل بد شريكا لو في الحكـ، قاؿ سمعت أنو يريد أف ييدـ التماثيؿ

مجدا يطمبني، قاؿ ما رأيؾ؟ قمت ال أف األمر خدعة، لكنني حيف عدت إلى البيت وجدت

قمت لكف رسوؿ اهلل لـ يكف محاطا وقتيا . مكة قاؿ ىدميا رسوؿ اهلل حيف فتح. تفعؿ

فوجدتو يغير . الحديبية في وقت وىدـ األصناـ في وقت آخر بأعداء أشداء، وقد قبؿ صمح

تضغط عمينا لنسممؾ إلييـ، وأنا أخشى مشرؼ، فيو تربطو باألمريكاف باكستاف: الموضوع

لقد :سألتو وماذا ترى؟ فأجاب. كبرى، ولوالىـ ما نجح في االنقبلب الذي قاـ بو مصالح

مف فيدىدت عمى كتفو وخرجت أبحث عف الصباح، قمت ما الذي لديؾ. رفضت بالطبع

في السوداف أخبار، قاؿ عف محاوالت تسميمؾ؟ قمت وىؿ ىناؾ غيرىا، قاؿ مجد، ومأساتنا

. تأتي إلى ىنا لف تتكرر، قمت ىؿ ىناؾ مف جديد، قاؿ ضغطوا عمى زوج والدتؾ كي

األمير نايؼ إلى مقر مف متى؟ قاؿ منذ ثبلثة أياـ توجو مبعوث أمريكي مع: سألتو

لتأتي، وفي ذات اليـو دعيت المجموعة، وىناؾ طمبوا منو بشكؿ واضح أف يضغط عمييا

.منذ انتيت الوصاية عميؾ الوالدة لمقاء زوجة ولي العيد، وىو أمر لـ يحدث

سيحدث، كانت أمي حاضرة في مخيمتي، تمسح عمى تركت الصباح وأنا أشعر أف شيئا

أخرى، لـ أتخيؿ أف يكوف ألمي زوج بعد أبي، لكنيا شعري تارة، وعمى رأس زوجيا تارة

عمى رأس رجؿ غيري، لكنيا فعمت، جانب كبير مف أزمتي معيا فعمت، لـ أتخيميا تمسح

المحظة، وانتابني شعور مرير بأنني رجؿ مغدور، وأف غدره جاء مف أقرب أدركتو في ىذه

إلى نفسو، فتذكرت يـو نزؿ األمريكاف إلى المممكة، وكانت الشخص الوحيد الذي الناس

بحثت عنو ألرتمي عمى صدره، لكنني لـ أجدىا، فقد أخذىا زوجيا ليحتمي في ببلد

أكبر اإلنجميز مف شبح الحرب، أخذىا ولـ تفكر في غيره، لـ تسأؿ إف كانت محنتي

خذليا، أرادت أف شعرت بكـ ىي بائسة، أرادت أف تخذلني لكف اهلل. وضعفي أكثر أـ ال

الحكيـ القوى لينقذني مف تقسـ ظيري لكف بياء الديف جبره وأنقذني، فأنى لي اآلف بيذا

وراىنت لمحظة أنيا ستكوف كأخييا ضعفي أماميا؟ كنت أبكي والصور تتوالى في مخيمتي،

الخانع، وال بد أف قمبيا سيحدثيا بالخطر الكامف ولف تتآمر عمى، لف تسمـ أذنييا لزوجيا

تقطع آالؼ الكيمو مترات لتأتي إلى كيؼ في جوؼ األرض تحت الكممات المعسولة، فمف

.جاءت كي تسممني إلييـ، لكنيا

ال تسمحوا ليا : الباكستانية في عربة جيب مكيفة، فقمت أخبرني الصباح أنيا عبرت الحدود

تخبرىا كـ صخورنا قاسية، ال تتركوا زوجيا يشعر أنو جاء في بالمجيء إال عمى عربة

في فظمت أياما تعاني مف الريح والثمج والتيو. ليصطاد أرنبا بريا كما تعود نزىة خموية

وخرجت الجباؿ حتى أتت حافية تتكئ عمى ذراع زوجيا، فتركتيما حبيسيف في كيؼ مظمـ

الغضب بيف أتريض عمى جواد أشيب، ولـ أعد إال بعد أف وضعت الشمس رحميا ومات

ولـ أرتمي في جوانحي، فعدت ألجدىا واقفة كدمية عرجاء في يد كيؿ أخرؽ، لـ أسمـ

بمفردنا، كادت تصرخ مف حضنيا كما تمنيت، وأشرت إلى الرجاؿ فأخذوا الكيؿ وتركونا

مرتعد كالذاىب إلى الموت، حيف أجمو، كاد يغمى عمييا مف قسوة الرجاؿ في جره وىو

نحف ال نقتؿ النسوة : زوجي، قمت: قالت إلى ىذا الحد؟: رأيت خوفيا عميو ضحكت شامتا

بؿ لتدير : ليذبحوني أـ ليدسوا لي السـ، قالت: قمت .أريدؾ أف تعود: وال الجبناء، قالت

فراغا ال حد لو، وىذه الصحراء لف تجدي في شيء، كفى عنادا أعمالؾ، فقد ترؾ بياء

العالـ سعيا وراء السراب، فمف يتركوؾ لتفعؿ ما تريد، ولف تكوف ىوالكو لتفتح وحربا، كفي

لنحصؿ عمى عفو بالقوة، إنيـ أقوياء يا صغيري، ولف توجعيـ ضرباتؾ اليزيمة، فعد معي

الطبلؽ، فقد كبرت، األمير، ونعيش كما كنا في بيت واحد، يمكنني أف أطمب مف زوجي

.تفيـ؟ ما عدت أحتمؿ وىدني موت بياء، وما عدت أحتمؿ الفراؽ والعناد، فيؿ

لكنني ارتميت عمى صدرىا كجبؿ مف الثمج انصير ال أعرؼ ىؿ بكيت أـ ىي التي بكت،

ويدييا وأستسممت لمسحة أنامميا عمى شعري الطويؿ، ثـ أماـ الكممات، فقبمت وجييا

لعؿ ىذا آخر : الطفؿ المدلؿ، فتمالكت نفسي وانتصبت قائبل تذكرت أنني ما عدت ذلؾ

قمت ما عاد لمطريؽ مف. فانفجرت كبركاف مف بكاء ظؿ مكتوما ألعواـ طويمة .لقاء بيننا

أعمـ أنني اتجاه آخر، فقد آلمتيـ، وأفقدوني أجمؿ مف أحببت، فكيؼ يأمف أي منا لآلخر؟

ظنوا أنيـ أطفئوىا، لف أنيي عمييـ، لكنني سأظؿ شوكة في ظيرىـ، وشرارة تشتعؿ كمما

طائراتيـ وال قنابميـ، فبل إلى أف يستيقظ غيري وغيري، فينيض اإلسبلـ كجبؿ ال تطالو

أنيا حممت بشياب وضع الغرب والشرؽ تجبري زوجؾ عمى شيء، ولتعمـ امرأة مف العرب

ثبلثة أياـ كسيدة لممكاف، وودعتيا في حراسة ثـ أبقيتيا. عمى خط واحد فبل يجب أف تبكي

.لمعالـ وعربة سوداء كسفيرة فوؽ العادة

(54)

1998خريف

المؤمنيف، ىكذا خرجت عناويف جرائد الصباح بعد انفجرت شاحنة ممغومة أماـ قصر أمير

القصر المكوف مف طوابؽ ثبلث تنفذ منو أضواء خافتة في أوؿ الحادث بعدة ساعات، كاف

جنباتو بانفجار شاحنة، وكاف أمير المؤمنيف قد اجتمع برجالو ليؤكد الميؿ حيف اىتزت

ىدـ تماثيؿ بوذا المنحوتة في بطوف الجباؿ، فقد أثار الخبر ردود أفعاؿ كبرى، عزمو عمى

باكستاف، مف وراح السفراء والمبعوثوف والمندوبوف يقطعوف طريؽ الحرير مف قندىار إلى

يرطف بمغتو دوؿ المشرؽ إلى دوؿ المغرب، وأمير المؤمنيف تحت عمامتو السوداء

قد استفاؽ بعد مف مذابح البشتونية تارة والعربية والفارسية تارات أخرى، ولـ يكف العالـ

.سموفيداف ميموفيتش لمسممي البوسنة واليرسؾ

ىكذا قمت لمجد، فصمت قميبل . في مواجية العالـ ليس ىناؾ مبرر لدولة ناشئة أف تقؼ

لف أحدثؾ عف إخواننا في الشيشاف أو البوسنة، لكنني : قائبل ودار في الغرفة دورتيف

العيف بالعيف والسف بالسف والجروح"أقسمت بعده ألطبقف قانوف اهلل األزلي سأخبرؾ بأمر

المجاىديف إذا نصرني اهلل، كاف ذلؾ منذ ست سنوات حيف تمقيت دعوة لمؤازرة" قصاص

بابري، وكاف بيا في اليند، كاف الخبلؼ قد تصاعد بيف اليندوس والمسمميف في قرية

قائد جند عبد الممؾ ابف مرواف مسجد قديـ منذ أياـ الفتوحات األولى، بناه قتيبة بف مسمـ

المجاىديف والمتصوفة الكبار، ففيو جمس فقياء في خراساف، كاف أثريا محمبل بروائح

طويمة، وكاف بالنسبة ألىمو كعبة يقصدونيا لتذكرىـ وأقيمت حمقات عمـ عمى مدى عصور

وعمـ اليندوس ذلؾ، فراحوا يعدوف الخطة ليدـ المسجد ووضع تمثاؿ بأسبلفيـ المجاىديف،

لتحويؿ المكاف إلى معبد، وقتيا عممت الصحافة بالخبر وتنادى المسمموف مف كؿ ىندوسي

العمماء فج لحماية تاريخيـ ومسجدىـ، كنت واحدا ممف أرسموا إليو ليأتي ومف يريد مف

نداءاتنا إلى العالـ كي والشيوخ، فذىبت ونمت بجوار المسجد كغيري مف اآلالؼ، كنا نوجو

المؤتمر اليندي أف تتدخؿ، لكف أحد ينقذ األثر اإلنساني العظيـ، مستغيثيف فييا بحكومة

أعدوىا ليدـ المسجد، وذكرنا اآلالت التي أعدوىا لـ ينصت لنداءاتنا، فنشرنا البروفة التي

أحدا لـ ينصت، وفي اليـو األخير وكاف يـو ثبلثاء فوجئنا لساعة الحسـ المزعومة، لكف

اتخذت طريقيا لخارج الوالية في إجازة مفاجئة، ولـ يكف أمامنا غير أف أف كؿ القيادات قد

وزجاجات مف أجسادنا حائبل بيف المسجد والجماىير القادمة بالمعاوؿ والجرافات نجعؿ

وأبتيؿ هلل كي المولوتوؼ، حيف اشتد الحصار وجدتني أتجو إلى صحف المسجد ألصمي

أبكي، فأخذتني غفوة رأيت ينقذ بيتو، حيف غمبني الحزف أسندت رأسي إلى المنبر ورحت

ذلؾ تقدير العزيز الحكيـ، : قائبل فييا رسوؿ اهلل ينزؿ مف عمى ناقتو ليمسح عمى رأسي

فاستيقظت بعدىا عمى صوت رجؿ . قصاص لكف العيف بالعيف والسف بالسف والجروح

تزعرد عمى سجادة أسفؿ الثريا، فيرعت يحمؿ كرة مف النار اخترقت النوافذ وجمست

.العميـ ذلؾ تقدير العزيز: أساعده قائبل

أماـ الجرافات والجماىير اليندوسية، بينما الجنود كانت الناس قد ألصقت ظيرىا بالحائط

الرصاص ويشعموف النار في المسجد، يوميا مف لـ يمت تحت والحرس يطمقوف عمييـ

أو محترقا أو مجندال بالرصاص، ثـ استبيحت القرية بمف فييا، الجرافات مات مختنقا

أنقاضو شاحنة لتنصب تمثاال ىندوسيا، كاف عدد الذيف استشيدوا باآلالؼ، والمسجد تعمو

تعد منيا والذيف استبيحت بيوتيـ وفروا خوفا مف القتؿ ببل حصر، والحكومة في إجازة لـ

فقط ظير القادة ونزؿ إال بعدما انتشر التطيير مف بابري إلى بومباي إلى دليي، ىنالؾ

رحمة عودتي كنت أخوض في الجيش والشرطة ليمقوا بالمسمميف إلى قاع السجف، وفي

ذلؾ "والثكمى، وال أممؾ إال أف أقوؿ ليـ دماء القتمى والجرحي وأعجز عف مواساة اليتامى

."إنما العيف بالعيف والسف بالسف والجروح قصاص"نفسي ، وأخفى في"تقدير العزيز العميـ

طرفا خفيا مف جمبابو ليمسح دمعة تجمدت في حيف انتيى مجد مف حديثو وجدتو يمد

أصدقت أف الصباح ىو الذي : الحرب إال لذلؾ، فابتسـ قائبل كأنؾ لـ تدخؿ: عينيو، فقمت

الرحمف ىو الذي جعمني أحيؿ الطالباف إلى جيش مف جديد، واهلل أقنعني، أو أف فضؿ

كممات رسوؿ اهلل، واختياره لي كي أطبؽ قانوف اهلل عمى أرض نحكميا كبل، لكنيا

.مف الرجس واألصناـ ونطيرىا

ذي البشارة عمى ما أراد، فرحنا نعمنيا قوية مدوية أماـ لـ يكف أمامي إال أف أوافؽ الرجؿ

لكف ذلؾ لـ يعجب الكثيريف، وأكثر ما أدىشنا . مف الشرؾ والكفر سنطير أرضنا: العالـ

إسبلمية كانت أولى بالوقوؼ معنا اتخذت مف الكفار والييود أولياء ليا، فجاءت أف دوال

منا، فتعاونوا وفودىا تسعى لتردنا عف أمر اختارنا اهلل لو، وما كاف أماميـ إال الخبلص

جبؿ ألنيار، لكف الذي بالماؿ والرجاؿ واألسمحة ليضعوا كؿ ذلؾ في شاحنة لو دخمت في

حممة الخبلص، فقسمنا األوثاف إلى ما أمرنا باليدـ ىو الذي مد في آجالنا، كنا نرتب لبدء

يزاؿ بالجرافات والمجنزرات، حصرنا أكثر مف ىو خشبي يزاؿ بالمعاوؿ، وما ىو صخري

سوى تمثاليف كانا محفوريف في صدر الجبؿ بعرض خمسمائة تمثاؿ وأزلناىا، ولـ يبؽ

وكانا يحتاجاف إلى جيد كبير كي نحتفؿ بتطيير أنفسنا عشرة أمتر وطوؿ ستيف مترا،

نفجرىما بالديناميت، في ذلؾ الوقت سمعنا حارسا يصرخ في سائؽ منيما، فاتفقنا عمى أف

لكف األخير لـ ينصت لندائو، بؿ غير مسار شاحنتو نحو الحديقة، وال. يتوقؼ شحنة أف

نعرؼ كيؼ انفجرت الشاحة قبؿ مئة متر مف الشرفة، فارتج القصر وطارت النوافذ

دقائؽ وارتطمنا بالكراسي وسقطت أجزاء مف السقؼ ومؤل الدخاف والغبار المكاف، مرت

وجدناه عمى ونحف فاقدي الوعي ثـ انتبينا إلى أمر أمير المؤمنيف فقمنا نبحث عنو،

فحمدنا اهلل، وىنأناه عمى "وما رميت إذ رميت لكف اهلل رمى"كرسيو بعمامتو السوداء يردد

.بذلؾ الخبر السبلمة، ثـ أرسمنا إلى وكاالت األنباء والصحؼ

، فقد أصر عمى أف نوجو ليـ ضربة مشابية، وراح لـ ينس الصباح ما حدث في ذلؾ اليـو

ويطمب مف صييب أف يدرب البعض عمى أشياء لـ نفيميا، يرسؿ رجالو في كؿ مكاف،

واألحجار أماكف مطابقة لممواقع التي يريدىا، وصييب يستجيب كاف يبني مف األخشاب

يدرب ويستجمب خبراء التفجير ليعمموا رجالو كؿ جديد، ثـ يرسميـ إلى بعـز ال حدود لو،

شعرت أف الصباح. بعيدة دوف أف يكمفيـ بشيء، ويقوؿ ىـ ىـ الخبليا النائمة أماكف

العالـ الرحب، حيث استيقظ مف قبره، وأنو اآلف يخطو بأقدامو نازال مف تعاليـ العقاب إألى

في ذلؾ اليـو بوجييف واسميف الشاـ وخرساف واليند ونظاـ الممؾ، كاف الصباح الذي رأيتو

معقدة في مختمؼ العالـ، كاف ورجاؿ ببل حصر وأمواؿ تتدفؽ عبر عمميات حسابية

الباسـ والمنحوت مف صخر ينفخ الروح الصباح الجديد بجسديو الطويؿ والقصير، ووجييو

سجود، فيرسـ الخرائط ويعطي األوامر وينتظر في رجاؿ نائميف ومعتزليف وعاكفيف وركع

األرض خارطة ترقص بالنار، لـ تمض شيور حتى الحصاد، ولـ تمض شيور حتى بدت

وتنزانيا ونيروبي والخبر وعدف، وما لـ يسمع بو كاف أكثر سمع العالـ بتفجيرات األقصر

ال تعرؼ منتصرا واحدا، ومف أطؿ بوجيو في الصراع فميصفع وأكبر، لكف الحرب

ىكذا قاليا الصباح، حيف أغارت طائرات األمريكاف عمى معسكري بدر وليحتمؿ الصفع،

إلى تراب، قاضية عمى عشرات األحبلـ ومئات الرجاؿ، يوميا لـ يفزع، ولـ يتيـ لتحيميما

التي رجالو بالتخاذؿ، لكنو بكى وىو يخبرنا باستشياد صييب، يوميا قاؿ كممة غضبو

ما لـ "أبي سعيد لكنني أضفت إلييا حمـ" لف تنعـ أمريكا بالسبلـ في أي مكاف"أخذتيا منو

."ينعـ الفمسطينيوف باألمف

(55)

ىكذا توالت تمتمات . عمينا وارحمنا، إنؾ أرحـ الرحميف ربنا إنا أخطأنا فاغفر لنا وتب

شعور بأنو المسئوؿ عما حدث ألصحابو، كانت ذكرى مف استشيدوا الشيخ بعدما تممكو

التعذيب التي وصمتو مف جوانتنامو والعراؽ ومصر والسعودية واألردف مؤلمة، لكف صور

وفرنسا وغيرىا مف بمداف العالـ كانت أكثر إيبلما، حتى أنو كمما شاىد شرائط والمغرب

مف انفجار تعذيبيـ ضرب رأسو في الحائط أسفا، وراحت نوبات الفزع والصرع الذي أصابو

ارتطاـ ألقى آالؼ األطناف عمى رؤوس الجباؿ تعاوده مف جديد، كاف كمما سمع صوت

فقد فييا الشعور بالميؿ ، كانت أياما عصيبة"اىبطوا... اىبطوا"بنفسو إلى األرض صرخا

أحمر وأصوات تزلزؿ الجباؿ، عادة ما والنيار، فالوقت كمو كاف جحيما أسود مشوب بميب

يده عمى مف بجواره فبل يجده، ال يعرؼ كيؼ كاف يرى أجسادا متناثرة، وعادة ما يضع

المرات، كاف يخرج إليو ىاتفا فيو أف يأتي لكنو ما نجى مف الموت الذي سعى إليو آالؼ

ترؾ فيو أصحابو حتى يجده صار كتمة مف ليب، وحده عمى إف ينظر إلى المكاف الذي

خادمو وحارسو وظمو الذي ال يفارقو، ينحني بجسده القصير فيحممو الذي لـ يتركو، كاف

يدري إلى أيف، وحيف يفيؽ مف إغمائو أو صرعو يراه جالسا بجانبو، فينتفض ويفر دوف أف

يرتمي نومو ييرع باحثا عف الموت، فبل يعترض طريقو إال عمى، ىذا الذي اعتاد أف مف

بوصفات عميو مع أوؿ صوت، وكمما ساءت حالتو كاف الصباح يحضر طبيبا فيأمر

ليس متاحا فيو وأدوية لـ تعد ميسورة، فالدواء واألطباء صاروا عممة نادرة في وقت

أخذه الصباح إلى كيؼ الصواريخ والقنابؿ، حيف انتيت الحرب وخسر الطالباف ممكيـ

إال ليصرخ في وجينا تاركا عمى الحدود في ىرات، وأشرؼ عميو طبيب متجيـ، ال يأتي

سمواه في ىذا الدرب المظمـ، وكاف صوتو عدة عبوات تجمعو يناـ في سبلـ، كانت األحبلـ

تجعؿ عميا ال أعرؼ ما الذي يتوجب عميو أف وىو يحادث األشياء عمى أنيا أصدقاؤه

عنيـ، وكثيرا ما حايمو كي يتناوؿ دوائو الذي يسمـ إلى نـو يفعمو، فكثيرا ما تحدث بالنيابة

"صبلة الفجر قد ولت، فآتني بالماء يا فتى"الفزع، وال يستيقظ إال لييتؼ بو طويؿ ممؤه

التي لكنو منذ اعتاد الميدئ وىو ال يحسف وضوءا وال صبلة، وال يعرؼ غير التمتمات

وعبيد اهلل الميدي تأخذه إلى عالـ غير الذي فيو، عالـ أبطالو شبيب ومعاوية والزبير

ما عادوا مصابيف بفزع ال يقؿ وغيرىـ، بينما الرجاؿ منشغموف في فرارىـ وكرىـ، وكثيرا

أف أصواتيـ كانت تيتز ليا الجدراف، عف فزعو، فرغـ انتياء الحرب وسكوت القنابؿ غير

عاماف مرا وعشرات ". الزموا األرض.. األرض الزموا: "فينتبو مف خياالتو ليصرخ فييـ

الصباح غير نقمو إلى اليند ليحتجزوه في مصحة لدييـ، األطباء تغيروا، وما كاف بوسع

منعزال، ال يرغب في أف يخرج عف دائرة شخوصو الوىمية، وكأنو يحاكـ ليعود بعدىا ساكنا

، فيأتيو األخير"أريد الصباح"مف خبلليا، وقميبل ما كاف يفيؽ مف شطحو معيـ التاريخ

فيجمسو عمى عجؿ، لكنو ال يقوؿ شيئا، فقط يتأكد أف ثمة واحد مف رفاقو مازاؿ حيا،

عميو فيأخذوا الصباح أمامو كطفؿ ليمشط لو شعره، ويبدؿ لو ثيابو، ويدخؿ المصوريف

.بعض الصور

وراح الخوؼ يفارقو وواعتدؿ ذىنو مف جديد، لكف بعدىا بشيور بدأت حالتو في التحسف،

الصباح، فظف الرجاؿ أنو تسجيؿ لبعض الساسة أو عمؿ شريطا مصورا جاءه في غياب

فأعطوه لو، بدوره وضعو في جياز العرض، فرأى أصحابو يعذبوف، وثائقي عف الجماعة،

مآقييا عمى الشاشة، ودماؤىـ تسيؿ مف األفواه، بينما الجنود يصفعوف وعيونيـ تجحظ مف

، حيف سمع ىذه الجممة جمس الشاشة كمف يصمي ليـ، وراحت"صاحبكـ اآلف لينقذكـ أيف"

.أعضاؤه ترتجؼ ككرة حتى سقط مغشيا عميو

استفاؽ وطمب الصباح، حيف جاءه كاف يتقافز فرحا وىو بعد أياـ مف سير الطبيب بجانبو

، وىـ الصباح أف "أريد أف أعتزؿ"األمريكاف في العراؽ، لكف الشيخ قاؿ يحكي عف ىزيمة

أعمف ليـ عف أريد أف: شيئا، لكف إشارة مف اليد الطويمة والعيف الغائرة قطعت الطريؽ يقوؿ

.مكاني، فمف منكـ يسممني لو الجزاء والفضؿ

أتظف أف ظيورؾ مف عدمو يعني ليـ شيئا، : قاؿ ضحؾ الصباح كأنو لـ يضحؾ مف قبؿ،

لكف . خبلليا ما ىـ ذاىبوف إليو، فالـز ما أنت فيو وال تفجعنا ما نحف إال تكئة يفعموف مف

سيرفعوف عمى األقؿ أيدييـ عف إخواننا في السجوف، ويوقفوف مطاردتـ: يستسمـ الشيخ لـ

لـ تعد ىؿ تظف أننا سنتركؾ تفعؿ ما تقوؿ؟ لعمؾ: طأطأ الصباح رأسو. لمشرديف ببل ذنب

أراد . شيء مف يدنا قادرا األمر، لكنؾ ستبقى ىنا، فخير لنا أف نحتفظ بؾ عف أف نفقد كؿ

إف لـ تقمع عف ترىاتؾ "حسميا الشيخ أف يقوؿ أنو األمير وأنو سيسمـ نفسو، لكف الصباح

.استدار خارجا مف الكيؼ ، ثـ"فكؿ شيء متاح ألناس ليس أماميـ سوى الموت

الرجاؿ وخفت الحراسة، ولـ يبؽ في الكيؼ المظمـ سوى اختفى الصباح ولـ يعد، وتغيب

ليما سوى أف يستدعي الرجؿ بتاريخو كي يقصو عمى رفيقو، ويخمط الشيخ وعمي، وال حيمة

وحياتو، يخمط بيف شخوصو الوىمييف والحقيقييف، وعمى يستفسر ويستوضح بيف شطحاتو

يمميو عميو، كانت سمواىما الوحيدة متابعة األحداث في قنوات األخبار، فإذا ويكتب ما

السبلح ضجرا مف ىذا راح يممي عمى رفيقو ما يعف عمى ذاكرتو، كاف يممي وكأنو يعد

صباح سيده عمى الذي سيمـز بو الصباح ليعود إلى طاعتو مف جديد، لكف عميا رأى ذات

ويتوعد كما كاف يفعؿ إحدى القنوات، رآه بنفس القامة الوصوت والحركات، كاف ييدد

والشيخ لـ يفارؽ كيفو منذ تشاجر الشيخ مف قبؿ، لكف األحداث التي يتحدث عنيا جديدة،

إليو، فما الذي حدث، كاد عميا أف يذىب مع الصباح، والمصوروف ما عادوا يحضروف

تحولت إلى شخص أكبر مف قدرات البشر، لكنو ىؿ لؾ روحاف، ىؿ: ليوقظ شيخو فيسألو

بالحديث كؿ ىذا القدر وعمى ىذا النحو المنتظـ، فأدرؾ تدارؾ أف شيخو ال تسمح لو حالتو

.تجاربو، وأف نجاحيا يعني أنو سيسعى غدا لمخبلص منيما أف الصباح قدـ أوؿ

(56)

عمى معسكري بدر عددا مف قادة التنظيـ، كاف عمى فقدنا في الغارة األمريكية المكثفة

رجالو في نيوزيبلندا، فاكتشفنا بعد عدة أياـ أف الرجؿ قبض رأسيـ صييب الذي ىاتؼ أحد

استطاعوا مف خبلؿ القمر االصطناعي تحديد موقع صييب ثـ القياـ بدؾ عميو، وأنيـ

يمكنيـ تتبعنا المعسكريف، أدركنا كـ أف ىذه التكنولوجيا الغربية صارت وباال، فعف طريقيا

أماـ األمريكاف وغيرىـ وتحديد مواقعنا، كاف حزني عمى صييب وفزعي مف أننا صرنا عراة

فرحت أصرخ فيو أف يوقؼ التعامؿ ببل حد، ولـ يبؽ لي مف الرجاؿ الكبار غير الصباح،

سنوات بدال مف لحظات، فبل يمكف أف نرى باألجيزة الحديثة حتى لو استغرؽ األمر منا

غبار ولييب، وافقني مجد عمى ما قمت، وابتسـ الطائرات كؿ لحظة تحيؿ أصحابنا إلى

الذيف نستعمميا، ولسنا األكثر اعتمادا عمييا، ومف صفع لسنا وحدنا: الصباح كعادتو

أبدينا دىشتنا مف ثقتو وبروده، لكو الصباح الذي أراد أف . فميتحمؿ يصفع، ومف اعتدى

والجروح العيف بالعيف والسف بالسف: قدرتو عمى قيادة التنظيـ وحده بعد صييب، قاؿ يثبت

خسائر، لكف قصاص، وأخذ يشرح كيؼ يمكف تكبيد األمريكاف أكثر مما كبدنا الروس مف

ومباف ومعدات، يوميا الحرب ليست كميا طائرات وصواريخ، ليست الخسائر دائما أرواح

اإليداع والسحب والتحويؿ، تحدث كعالـ اقتصاد عف حركة رؤوس األمواؿ، وعف طرائؽ

في وقت واحد، ألف يسبب ذلؾ ليـ ماذا لو خسر األمريكاف عدة مميارات: وأنيى حديثو

البنوؾ والبورصات والشركات، ماذا لو سرقت أزمة؟ ماذا لو تـ تدمير عددا مف حسابات

األمريكاف في وكالة ناسا أو البنتاجوف أو السي أي آيو، ثـ المعمومات التي يتفاخر بيا

أو الصينييف المتحفزيف أو حتى الكولومبييف أو الكوبييف، العالـ كمو عمى بيعت إلى الروس

الوسيط، استعداد ألف يدفع الكثير في مقابؿ معمومة تيمو، ونحف يمكننا أف نكوف ىذا

وذات منطؽ، وكنا البائع والمشتري، فماذا لو كنا الصانع نفسو؟ كانت أسئمتو متبلحقة

السنيف غير مقتنعيف، تجادلنا نحف الذيف تركنا بيوتنا وحممنا أسمحتنا عمى ظيورنا كؿ ىذه

أعرؼ أنكـ ال تعرفوف غير قوة : حتى قاؿ معو قدر ما وىبنا اهلل في ذلؾ اليـو مف قدرة

مف مجاىديف إلى قراصنة، وأنا مثمكـ أبحث عف السبلح، أعرؼ أنكـ تخشوف أف تتحولوا

وجئت إلى ىذه الصخور، لكف كيؼ سنقيـ دولة إف لـ مف أجمو تركت ببلدي الحمـ الذي

ستنفعنا الفضائؿ أماـ عدو ال يؤمف بأية فضيمة، ألـ يقؿ اهلل نتحصف بأسمحة العصر، ىؿ

؟ ألصؽ الصباح بمنطقو الجديد ظيرنا إلى الحائط، "استطعتـ مف قوة وأعدوا ليـ ما"

وكيؼ ذلؾ، قاؿ األمر يسير، لدينا رجاؿ في شتى أنحاء العالـ، لدينا مؤمنوف فسألناه

مجموعة مف بفكرتنا مف شتى الطبقات والميف، ولدينا الماؿ والعبلقات، كؿ ما نريده

بآخريف يعممونيـ، وال قراصنة الشبكة الدولية، وىؤالء لدينا عدد منيـ، يمكننا أف نزودىـ

الشيطاف ىو الذي جعؿ العالـ مانع في ىذه المعبة مف التعامؿ مع الشيطاف نفسو، ألف

.يتحوؿ إلى مجموعات مف األرقاـ

ببل جسد، وكنا واقفيف أمامو ال نعرؼ ىؿ نمنعو أـ كاف الصباح يسعى ألف يكوف روحا

كؿ انصرؼ إلى حيث يريد، أعاد ترتيب الرجاؿ والمعسكرات، نطمؽ لو البخور، لكنو عمى

وشرع في جوالت مكوكية ال نعرفيا، فقط نسمع بأخباره، مرة في اليند أعاد ترتيب التنظيـ

الصيف وثالثة في استراليا ورابعة في أمريكا أوكندا أو حتى جزر القمر، وكأنو وأخرى في

نسمع عف صار قادرا عمى التواجد في أكثر مف مكاف، وبأكثر مف ىيئة وصورة واسـ، كنا

الممموس الذي حصمنا نجاحاتو دوف أف نراه، نتعقب أخباره ونكتشؼ أنيا قديمة، الشيء

تحوؿ إلى سبائؾ ذىب، والذىب عميو ىو األرقاـ المتزايدة في البنوؾ، والحسابات التي

عدة شيور وجدنا الصباح عمى رأسنا الذي يصبح شركات ومزارع ورجاؿ ومتفجرات، بعد

بياء، لكف وجيو يعموه شحوب، بينما عيناه في قصر المبل مجد الديف، كاف ىندامو أكثر

وجمس يقذؼ بعضا مف حبات مف العنب في جوفو، فعؿ ذلؾ أكثر حدة وقمقا، ألقى السبلـ

الروس : يميد لشيء، حيف وجدنا ناظريف في دىشة قاؿ دوف أف يسمـ أو يرحب أو

أف يتحركوا ضد األمريكاف، ويريدوننا معيـ، فماذا تقوالف؟ ىكذا والصينيوف وآخروف يريدوف

ومف أيف : صاحب المفاجآت، تخطينا المفاجأة وحاولنا أف نكوف واقعييف أصبح الصباح

بعد قاؿ باألمس كنت في ليننجراد، التقيت بالجنراؿ بوتيف المرشح بقوة لمرياسة عممت؟

الكي جي بي، يمتسف، كنت قد بعتو معمومات مف وكالة ناسا، فباعنا بعضا مف معمومات

الخطة أجميا كمينتوف لمرئيس فييا أسماؤنا جميعا، وفييا خطة تفصيمية كاممة لضربنا، لكف

عمؿ رائع لكنو لف يقدـ عمى أمر قد ينيي الذي سيحؿ بدال منو في العاـ القادـ، قاؿ أنيا

بوتيف فيو يرى أف ال خبلص لببلده مف الفقر والبطالة عمى مستقبؿ حزبو في الحكـ، أما

لمغرب إال بعمؿ عسكري يعيدىا إلى قمة العالـ، ويرى أننا ال ومائتي بميوف مف الديوف

فالحكمة تقوؿ أف عدو عدوي صديقي، وقد حاف الوقت ليأخذ مسممو يجب أف نختمؼ،

في االستقبلؿ، وأف تمعب روسيا دورا حقيقيا لصالح فمسطيف، وال مناص مف الشيشاف حقيـ

.يجتمع المسمموف والصينيوف والروس عمى كممة ضد الييمنة الغربية األمريكية أف

ولـ يكف أمامنا سوى الموافقة بعدما تأكدنا أف كاف ما طرحو الصباح مفاجأة بحؽ،

عمينا، لكف الموقؼ الصيني شبو غائـ، فبل قبوؿ وال رفض، األمريكاف يعدوف لئلنياء

األقرب إلى الحياد، بينما الروس مندفعوف في انتخاباتيـ، وكاف عمينا الشيء سوى الموافقة

يجوب نتميؿ حتى يحسموا أمرىـ، ورغـ أنو لـ تكف ىناؾ خطة لمعمؿ فقد راح الصباح أف

لتجنيد أكبر قدر الكرة األرضية ليختار مف يمكنو التعامؿ معيـ، كانت فكرتو أننا محتاجوف

ألنيـ ال وطف ليـ وال ديف : قاؿ مف األمريكاف والييود، وحيف أدىشنا ذكر الفصيؿ األخير

جسد أي إمبراطورية تظير بقدر ما يعمموف بيا وال والء، بقدر ما ينموف ككائف طفيمي عمى

االستفادة مف وضعيـ المميز بيف النخبة األمريكية، فيـ كنقار الخشب، وال سبيؿ لنا غير

.إلى أدؽ التفاصيؿ وأصغر الجزئيات عف قرب الذيف يمكنيـ الوصوؿ

ىذا المجنوف الذي وفر . أماـ منطقو سوى الموافقة كعادتنا في الشيور األخيرة لـ نممؾ

والرجاؿ ال بأس بو، حتى أف مجد الديف أعمف أماـ الجميع أننا المزيد مف األمواؿ والسبلح

إلى زراعة الخشخاش، فقد انتفت الضرورة الداعية إليو، ويبدو أف الصباح لـ لـ نعد بحاجة

العالـ، فوافؽ يعد منشغبل بالواقع األفغاني، بؿ لـ يعد يمبي طموحو وىوسو إال امتبلؾ

بؿ عرض إمكانية وقؼ وكأف األمر ال يعنيو، أو أنو لـ يكف صاحب الفكرة مف األصؿ،

جعمتو يرفض، كاف تعميمو يوميا طريؽ التجارة المسمى بطريؽ الحرير، لكف ارتباطات مجد

تعميؿ الصباح أنو ال يحب رجاؿ الجيش أنو ال يمكف الوثوؽ الكامؿ بروسيا، وكاف

في الباكستانييف جميعا، يوميا انتيى النقاش الباكستاني وعمى رأسيـ مشرؼ، بؿ ال يثؽ

تتضح النوايا، فأرجأنا األمر وخففنا مف ضرباتنا الموجعة إلى تأجيؿ تمؾ الخطوة حتى

الصباح أي نشاط عسكري داخؿ أمريكا نفسيا، ىذه الخطوة التي لؤلمريكاف، بؿ أوقؼ

نظره فييا بأف األمر تغير عما قبؿ، فبل يمكف أف ننبو األمريكاف إلى دافع عف وجية

عمى أرضيـ، ومف األفضؿ أف نضحي بعدد مف الرجاؿ لصالح الشرطة الفيدرالية وجودنا

يمدىـ مف والمخابرات المركزية التي استطاع تجنيد عدد مف رجاليا، ويمكف تصعيدىـ بما

أعرؼ، وأنو شعرت أف الصباح تغير عما كنت. معمومات عف رجاؿ ال يثؽ في والئيـ

أنو داعية نزار بف أصبح الصباح بالفعؿ، لكف الصباح لـ يخف دعوتو، ولـ ينس يوما

المستنصر، فيؿ سيظؿ صاحبنا عمى العيد أيضا؟

أمري، فتارة أشعر بالفرح لقرب ىزيمة األمريكاف جعمتني المفاجأة غير قادر عمى حسـ

أرتعد مف انييار الحمـ وىجوميـ عمينا بكؿ ترسانتيـ الحربية، وخروجيـ مف ببلدنا، وتارة

الفشؿ أكثر ما يؤرقني، فبل يمكف لؤلمريكاف أف يضربوا روسيا ولدييا كؿ وكاف الخوؼ مف

المرشح الترسانة الحربية، وال يمكف أف يفعموا ذلؾ مع القارة الصينية أيضا، فمف ىذه

وجو األسد اليائج لبلنتقاـ سوانا، وال أظف أحدا ميما قطع عيود واتفاقيات أف يقؼ في

لضعفيـ، ولـ يفارقني عبد تأممت الوضع العالمي وحكاـ العرب فاستأت. ألجؿ قمة مثمنا

وما فعمو في نفسو بشربو دـ اهلل بف الزبير في صحوي ومنامي، فرحت أبكي لشدتو

األمريكاف والبريطانيوف لمروس أكبر غواصة لقد دمر: الحجامة، لكف الصباح أتاني قائبل

.أمر الحرب نووية في العالـ، وقد أرجأ بوتيف

األنباء والقنوات اإلخبارية، وتابعنا رفض الروس أي كنا قد عممنا بالخبر مف وكاالت

مئة وعشريف قتيبل عمى ظير غواصتيـ، لكف أحدا لـ يذكر الجية مساعدة إلنقاذ أكثر مف

الحادث، وحده الصباح ىو الذي قاؿ أف األمريكييف استخدموا غواصة بريطانية التي وراء

صواريخيا محممة بصواريخ معدة الختراؽ الدروع والصخور، وأف ىذه الغواصة التي توجو

انطمقت نحوىا بسرعة عف بعد كمنت لنظيرتيا الروسية عمى مبعدة في أعماؽ المحيط، ثـ

كاف . الذري في العمبلؽ الروسي البرؽ في الوقت الذي عطمت فيو أجيزة اإلنزار والماسح

كيؼ اصطدمت الفأرة الصغيرة يصواريخ الصباح يدور أمامنا كدوري استيقظ لمتو شارحا

الروسي، فنسفت منو البطف وفصمت المقدمة عف كاإلبر الصينية في أحشاء العمبلؽ

أرخبيؿ يحتاج مئات األجيزة العمبلقة كي تفتتو الرأس، فسقط ككائف وديع في أحراش

المتشعبة، رفض الروس المصابوف بالذىوؿ أف يساعدىـ أحد وتمتقط ما وقع بيف أضراسو

المسجؿ عمى العقؿ المركزي لمغواصة، ىذا المخطط جزء مف كي ال يكتشؼ المخطط

يوميا اكتشفت في قرارة . المفترض أف تقـو بو في الخميج الفارسي العممية التي كاف مف

كنت أرغب في الحرب، وأف خوفي األكبر لـ يكف إال مف عدـ حدوثيا، فشعرت نفسي أنني

لـ أوقفوا الحرب؟ قاؿ أف الروس أختمطت لدييـ: بالخوؼ ورحت أصرخ في الصباح أكثر

جبيتو األوراؽ، وأف بوتيف يسعى إلى معرفة عدوه مف صديقو، وأنو يريد أعادة حسابات

كبلمو كي ال يضطر إلى خوض الحرب وحده لو اكتشؼ األمر أو فشؿ المخطط، لـ يزد

يتدخموا مف أجمنا قمبي إال فزعا، ورحت أسأؿ، وماذا لو اكتشؼ أمرنا نحف؟ فيؿ يمكف أف

فأر ورخ؟ كاف فزعي عمى مجد أـ سيختبئوف خمؼ ترساناتيـ العمبلقة ليتابعوا مباراة بيف

التي ال تنتيي، فأمرت باالنسحاب مف ودولتو الناشئة أكبر مف أف تخففو تعميبلت الصباح

عبلقاتنا بالروس، وفتح قناة تؤمف موقفنا األمر ككؿ، وعزؿ الصباح عف منصبو، وقطع

ف كانت إسرائيؿ وليس باكستاف، ورحت أمزؽ أي ورؽ وأحطـ أي حاسوب مع الغرب، وا

فزعا أرتجؼ في جمدي حتى رأيت أمي واقفة في غرفتي، لو عبلقة بتمؾ العممية، وظممت

ما ىذا لباس ما يريد ما نريده : النطاقيف، ربتت عمى صدري قائمة كانت أشبو بأسماء ذات

واهلل ما لبستو إال ألطيب خاطرؾ وأسكف نفسؾ، : قمت مثمما قاؿ الزبير .مف الشيادة

انزعو يا أسد اهلل، فما كاف لؾ أف تتسربؿ سرواال غير الذي: بيدىا عمى شعري فمسحت

عف رجؿ فرأيتني أقر عينا، ورأيت الخوؼ يتمزؽ مني كما تتمزؽ المبلبس. ألبسكو اهلل

.قدره العزيز العميـ فواهلل ال أمنع أمرا ... إلي بالصباح: تضخـ فجأة، فناديت حارسي

يدفعونو أماميـ بثياب نومو، وىو يتعثر فينكفئ فيقـو لـ تمر دقائؽ حتى رأيت الرجاؿ

إف الذي "ارتمى عمى قدمي، تذكرت ما قالو الرجاؿ لعبد اهلل الشيعي فيتعثر فينكفئ حتى

التراب فقمت ويح الممؾ، وانحنيت أنيضو وأمسح عنو" عمينا ىو الذي أمرنا بقتمؾ أمرتو

حسـ، قمت ال كما مسحو النبي عف عمي، كاف الفزع في عينو جاثما وكأف أمر حياتو قد

، قـ فانيض، وابعث برجاؿ ترجؼ بيـ األرض، فيأتوف بسافميا عمى تثريب عميؾ اليـو

.عالييا

(57)

أفضؿ ما عنده، ثـ أمر بجمع مجمس الحرب، وكنت يوميا عاد فاغتسؿ وتطيب وأرتدى

خريطة كبرى لمدنيا، وأحضر شاشة بيضاء فنشرىا أنا ومجد عمى رأس الطاولة، وضع

ودس بو قرصا مدمجا، رأينا أمريكا مف الداخؿ شوارع وأناس عمى الحائط، ثـ أتي بحاسوبو

المشاىد تتحرؾ أمامنا مف الكونجرس إلى البيت األبيض إلى بنسمفانيا، وعربات، وكانت

أنيا توقفت كثيرا أماـ مبنى مكوف مف خمسة أجنحة، ال يزيد عف أربعة طوابؽ، قاؿ لكنيا

بالشمؿ ولو المخ الذي يسيطر عمى أطراؼ اإلخطبوط األمريكي، ولو أصيب أف ىذا المخ

عمى خارطة األرض لتظير ليـو واحد النيارت اإلمبراطورية العظيمة، كانت الكاميرا تدور

وكانت اإلضاءة خافتة وال أساطيؿ وقواعد وغواصات وبوارج ومنشئات في كؿ مكاف،

حصائيات أخذ في شرحيا جنراالت تنبعث إال مف تمؾ الشاشة البيضاء العامرة بأرقاـ وا

بعدىا ظير بوتيف وىو يصافح الصباح، ثـ الروس ورجاؿ مخابرات فرنسية وألمانية،

الطبيعية، قاؿ أف ىذا ما نسعى إليو، قاؿ مجد ال أفيـ أظممت الشاشة وجاءت اإلضاءة

الروس وأمانييـ وأشرح بمغة القرآف ما أعددتـ، وضع قرصا آخر في شيئا، وقمت دعؾ مف

سرب حماـ يتيادى في سحب بيضاء، ثـ ما لبث أف أصبح طائرات عمبلقة جيازه فظير

الحماـ ال شراسة النسور، كانت تحمؽ عمى شوارع ومدف وبشر دوف أف تثير في وداعة

أحد وال تمفت انتباىو، فجأة أصيبت الحمائـ بالجنوف وراحت تنقض عمى المباني خوؼ

ىذا ليس :فتحيميا كتبل مف لييب ورماد، فأوقؼ الصباح حاسوبو عمى ىذا المشيد قائبل

جنراالت الحرب في روسيا، فيمما مف إنتاج ىوليود لكنو الوثيقة األولى التي أنتجتيا مخيمة

في المباني بشكؿ عشوائي دخمت في فتخيموا معي لو أف ىذه الطائرات بدال مف أف تدخؿ

أمريكا فقدت في لحظة رئيسيا ومسئوؿ أمنيا البنتاجوف والبيت األبيض، تصوروا لو أف

الجنراالت العتاة، فقدت شفرات السيطرة عمى أسمحتيا القومي ووزير دفاعيا وجممة مف

وجنودىا، فقدت ممفاتيا عف العالـ وقدرتيا عمى استيعاب ما يحدث، وقواعدىا وصواريخيا

أف ىجوما مفاجأ في ذلؾ الوقت قامت بيا ثبلثة جيوش كبرى عمى أساطيميا تصوروا لو

العمبلقة المحيطات والبحار، وأف مخزونيا مف النفط اشتعمت فيو النيراف، والمحطات في

لتوليد الطاقة توقفت، فما الذي سيحدث إذا؟

كجنراؿ كبير، بينما الشاشة تغير مف مشاىدىا وتنثر كاف الصباح يتحرؾ ويشير بعصاه

وتحت األرض، فوؽ الماء وتحت الماء، وكأننا نشاىد فيمما متخيبل ليبا أسودا فوؽ األرض

كونية شنتيا كائنات فضائية عمى كوكب األرض، حيف أظممت الشاشة وأضيء عف حرب

كانت وجوه الحاضريف منومة وكأنيا ما زالت تعيش في أحدث الفيمـ، لكف الصباح المكاف

تمؾ أمانييـ، :في نياية أمريكا؟ قاؿ مجد: ، قمت في أي شيء، قاؿ"ما رأيكـ"فاجأنا بسؤالو

: وكاف الصباح حاضرا برده كيؼ يتـ ذلؾ؟: قاؿ أبو قتيبة. وليس كؿ ما يتمناه المرء يدركو

األمريكاف عبر عمبلئنا والشبكية منذ عاميف ونحف والروس نعمؿ عمى اختراؽ أجيزة

مف معمومات وشفرات، ويمكننا إبطاؿ الدولية، واستطعنا الحصوؿ عمى بعض ما لدييـ

ليا مف المناىضيف لمكونفدرالية األمريكية، عدد كبير منيا، ولدينا اآلف شبكة ال حصر

الييمنة ليصبحوا دوال مستقمة، وأكثرىـ مف واليات الجنوب وجميعيـ يحمموف بتحمؿ تمؾ

يجد معو الماؿ أجدت معو التيديدات بالفضيحة أو القتؿ، كاف آخرىـ بيؿ والغرب، ومف لـ

أرجأ قرار كمينتوف الذي كاد أف يذىب ضحية عاىرة زجيا عميو الييود، ال لشيء إال ألنو

وليس رىانيـ عمى بوش حربو لمف يأتي مف بعده، وال أظف الييود أقؿ كراىية ألمريكا منا،

الحاخامات، وىـ يدفعوف بنا وبيـ في إال ألنو األحمؽ الذي سينفذ نبوءة أشعيا حسبما يقوؿ

.خططنا إال بقدر ما نحتاج منيـ وقت واحد كي نصطدـ، لذا فمف نطمعيـ عمى

تمنيتيا كثيرا قد اقتربت، وأف عمي أف أضغط بأي شعرت في ذلؾ اليـو أف الخاتمة التي

طريقو نحو الغرب، لكف الصباح بدا مرتبكا حيف بدأنا شكؿ كي يستمر قطار الشرؽ في

أننا يجب أف ننتبو إلى أف األمر بو مغامرة، فالعممية مشروطة نناقش التفاصيؿ، قاؿ

األولى، وىي الجزء الذي ما يقع عمى عاتقنا، حيث الطائرات التي ستفقد بنجاح الخطوة

األمريكاف صوابيـ وتشؿ حركتيـ، ولو حدث خطأ في ىذا الجزء سيفسد المخطط ككؿ،

لينفرد وربما يتخمى الجميع عنا: فأضاؼ مجد. وربما تنشب حربا نووية ال نعرؼ مداىا

كاف تخوؼ . مف أجمنا األمريكاف بنا وبغيرنا مف المسمميف، فبل يمكف أف يدمر العالـ نفسو

ال أعتقد أف الروس : وجيو مف عرؽ مجد حقيقة ال مراء فييا، فتمعثـ الصباح مجففا ماعبل

الصيف في ىذا التحالؼ غير المعمف سيكوف دـ واأللماف والفرنسيوف سيتركوننا، ولو دخمت

ويمكننا لو تخاذلوا أو تباطئوا في الوقوؼ بجانبنا أف األمريكاف قد توزع بيف الجميع،

. وثائؽ عمى العالـ، فنحف لـ نكف غير أداة في يد مف ىـ أكبر منا نعرض ما لدينا مف

كممات الصباح لـ تجفؼ بئر القمؽ، وأنني ال بد أف أشمر عف ساعدي وأنزح ما شعرت أف

ال فغدا : بقي فييا أو بعد ال مناص لنا أف نورط كؿ ىذه القوى لتضرب بعضيا البعض، وا

الصباح عف خطة غد سنصبح الفأر الذي يطارده األمريكاف في الجباؿ، ولو صدؽ ما قالو

ىؤالء، وحيف ينتيوف منا أمريكية لمعاقبة الدوؿ الخارجة عمى سياستيا فبل بد أننا أوؿ

حديقتو، وال أظف أف تقاعسنا سينقضوف عمى مف ىـ أقوى، كبستاني يشذب أشجار

فمـ ال نورط الجميع لنؤخر تقميـ الحديقة أو سينجينا مف المصير الذي تنتظره ىذه البمداف،

ذا حدث ما نخشاه فيذا تقدير العزيز العميـ، ولف نيرب مف قدر نعجؿ بموت البستاني، وا

وجدت أف الكممات أخذت بمب البعض، وىونت مف األمر لدى . اهلل اهلل إال إلى قدر

، ثـ رفعت "ويمكننا أف نصوت عمى األمر"أطرؽ الحديد وىو ساخف البعض، فأضفت كي

الصباح يده ورفع قتيبة وأبو الفضؿ وأبو الحسف التونسي، بينما رفض مجد وأبو يدي فرفع

ىذه فتنة العباس وأبو القاسـ الميبي، وامتنع أبو مصعب و فيد اهلل عف التصويت قائميف

أمرا قدره اهلل عمى عمميا عند اهلل، فرجحت كفة الحرب وعاد الجميع إلى بيوتيـ منتظريف

.ببلدىـ

(58)

لـ تكف ككؿ الحروب التي توقعناىا، لـ تكف كأي مف شاء اهلل لي ولغيري أف أرى الحرب،

عمى ذىف بشر، فيي الجحيـ ال غير، تخمى الجميع عنا ماعدا السيناريوىات التي وردت

ف أردنا الحقيقة فقد تخمى مجد، ىذا الذي رفض إخراجنا مف ببلده أو تسميمنا إلييـ، وا

عف إعبلف الحرب عمى أي منيـ، رغـ أف الصباح أرسؿ ليـ بما لديو مف وثائؽ األمريكاف

يدركوف أف وأشرطة، ورغـ عمميـ اليقيف بأننا لسنا سوى أداة لمخطوة األولى، لكنيـ كانوا

تأكد حكماء الصيف دماءىـ توزعت بيف قوى أكبر مف أف تصارع في وقت واحد، فبعدما

تخموا عف حذرىـ ووافقوا عمى أف األمريكاف يتجسسوف عمييـ، ويعدوف العدة لمبلقاتيـ،

مغامرات الصباح التي اختفى مف أجميا تدريب الرجاؿ عمى أرضيـ، كانت ىذه واحدة مف

فييا لكنو كاف وراء إفشاء سر طائرة التجسس عدة أسابيع، ال أعرؼ تفاصيؿ ما جرى

تحمؽ عمى أجواء قريبة مف شواطئ الصيف كي تصور األحدث في العالـ، ىذه التي راحت

البنتاجوف ووكالة المخابرات، كاف الصباح قد اشترى ىذا الكنز وترصد وترسؿ مباشرة إلى

الييود، وكانت الطائرة قد قامت بثبلث طمعات مف قبؿ نحو شواطئ القارة مف عمبلئو

الشرؽ الصينية، فما كاف منو إال أف ذىب لمبلقاة قائد الكي جي بي المسئوؿ عف شئوف

عدة أوراؽ وقرصا األدنى الجنراؿ فبلديمير بوستاشيكوؼ، وترؾ لديو مظروفا مغمقا بو

بوتيف، حيف فتحو الرئيس حسبما مدمجا، كتب عميو سري لمغاية، سيادة الرئيس فبلديمير

أرسمتيا الطائرة لموكالة، باإلضافة إلى ذكر الصباح اطمع عمى معمومات صينية كانت قد

أغمؽ بوتيف الظرؼ وكمؼ بوستاشيكوؼ برحمة صورة لمطائرة ومعمومات عنيا، يوميا

تمض ثبلثة أياـ حتى أسقط الصينيوف الطائرة ونشبت عاجمة لمبلقاة الرئيس الصيني، لـ

الحرب لوال الحكمة التي تحمى بيا األمريكاف، فقد فكؾ أزمة كادت أف تعجؿ بقياـ

وصوروا كؿ جزء فيو، وردا لجميؿ بوتيف أرسموا الطائرة مفككة إلى الصينيوف الطائرة

يصورىا الروس ويسممونيا لمجانب األمريكي، كاف مع الطائرة طاقـ مف العمماء موسكو كي

حتى والمختصيف الذيف استجوبتيـ كمتا البمديف حسبما يجب، ولـ يمض شير وعدة أياـ

ػ اتفاقية دفاع وقع الروس والصينيوف واإليرانيوف ػ الذيف عبرت عف طريقيـ أيضا الطائرة

آلدمي أف يصنعو، قاؿ أف مشترؾ، يوميا جاء الصباح ميمبل كأنو صنع أكبر إنجاز يمكف

عمى أرضيـ، حيث تمؾ الطائرات الصينييف وافقوا عمى الحرب، وأف الرجاؿ سيتدربوف

عف السبب في استخداـ ىذه الطائرات قاؿ العمبلقة مف اآليرباص والكونكورد، وحيف سألناه

الجازوليف، وأنيا باصطداميا في مباني كيذا آلف مخزف وقودىا يحمؿ عدة أطناف مف

نستوعب ما يحكي عنو لكننا راجعنا معو أسماء الرجاؿ تكوف بمثابة قنبمة بي إـ فور، لـ

قاؿ أنو سيستدعي خمسة وعشريف شابا ممف تعمموا في معاىد الذيف اختارىـ لمميمة،

الواليات المتحدة، وأف الجنسية ال تعني لو شيئا، فميس مف شروط الطيراف المدني في

أريد يكوف صاحبيا قرشيا، فربما عبد أسود أشعث لو أقسـ عمى اهلل ألبره، وأنا اإلمامة أف

ثغري ابتسامة فندت عف. ىذا الذي يقسـ عمى اهلل في ىذا اليـو فبل يكوف إال ما يريده

تذكرت أمر الخوارج، ولوال أرى أبا عبد الرحمف غير مقتنع، قمت ال، ولكني: لمحيا فقاؿ

الخمؽ عند اهلل، فطأطأ رأسو قائبل ىذا أنيـ أصروا عمى تكفير عثماف وعمى لكانوا أفضؿ

جممتو تحمؿ إىانة واستصغار ألحاديثي مع مجد شعرت أف. شأف التاريخ وليس شأني

لكنو شأننا، وما خرجنا إال لنعيد : المسمميف وحروبيـ، فقمت وعمى عف التاريخ وجماعات

ويبدو أنني قمت جممتي بشكؿ غاضب تماما، فراح يعتذر عف خطئو حتى .لمتاريخ إسبلمو

األمر عمى كمينا، وعاد مف جديد إلى شرحو عف طريقة خروجيـ مف أمريكا ىوف مجد

إلييا دوف أف يدرج غيابيـ في ورؽ رسمي، وعف التأكد قبؿ كؿ شيء مف رغبتيـ وعودتيـ

قباليـ عمييا، شعرت في ىذه المحظة أنو ىو الذي سيقنعيـ بنفسو، يكفي أف في الشيادة وا

ذا أرادوا يستدرجيـ إلى ألموت، فيدخموا الجنة في المساء ويخرجوا منيا في الصباح، وا

وانتبيت لسؤالو عف رأي، فاعتذرت العودة ليا فطريقيا معروؼ، نفضت رأسي مف خياالتي

وعودتيـ إلييا، قاؿ أنيـ سيخرجوف بيويات عف شرودي وسألتو عف خروجيـ مف أمريكا

إلى شنغياي، حيث يجدوف مف يصطحبيـ إلى مكاف غير ىوياتيـ، ثـ يتجيوف مف فورىـ

األىداؼ التي سيفجرونيا، وحيف يكتمؿ تدريبيـ سنعيدىـ أعد باألشعة ليكوف عمى ىيئة

النتظار إشارة البدء، الحت في ذىني نيويورؾ وبرجي التجارة الذيف إلى حياتيـ العادية

تفجيرىما مف سبع سنوات، فقمت ولـ ال نضرب برجي التجارة، قاؿ أنيا ليست في حاولنا

لو حدث الخطة، وبدا أنو منشغؿ بإببلغنا بما اتفؽ عميو قادة موسكو وبكيف، قمت لكف

البنتاجوف والبيت انييار البرجيف فالصفعة أشد، وسوؼ ينشغؿ العالـ بانييارىما عف

بعد، وال بد أف يتعامموا معنا األبيض، قاؿ أف ىذا ما اتفقوا عميو، قمت لكننا لـ نتفؽ

ينبيا األمريكاف إلى ما نريد، قمت ال ييمني إال كشركاء وليس تابعيف، تعمؿ بأف البرجيف قد

، رأيت أف نكوف أندادا، قاؿ ، ونحف الذيف سنحدد ميعاد اليجـو أستشيرىـ، فرددت بحـز

يا أمير المؤمنيف، ال: مف عينيو، ورأيت مجدا يستنكر تشددي، فنظرت قائبل الشرر يتطاير

ما ال نريد أف نكوف ألعوبة في يد غيرنا، فنحف الذيف سنتحمؿ المغامرة كميا لو حدث

برجالنا مف أجؿ رغبة نرجوه، وال بد أف تكوف أطراؼ المعبة في أيدينا، وال يجب أف نضحي

. بد أف نحدد توقيتو وطريقة صنعو الروس في الرد عمى األمريكاف، فإذا كاف ىذا قدرنا فبل

برمتو، فيذه الحرب أكبر منا، وال أظف الفرعوف ماذا لو انسحبنا مف األمر: يوميا قاؿ

ال أظف الروس والصينييف سيتركوننا إذا انسحبنا، : ىامسا فأجبتو. سيسقط بيذه السيولة

نواجو القوى العظمى كاممة ببل حائط نختفي خمفو، لكنيـ لو رفضوا ما وسيكوف عمينا أف

الصباح فدعا اهلل باأل يستجيبوا، لكف. اآلف فيناؾ ما يعطؿ األمر ويبرر االنسحاب نطمبو

أيف قضاىا ليفاخرنا كاف قادرا عمى إقناعيـ بما ليس في رغبتنا، فجاء بعد جولة ال نعرؼ

بوتيف كي يوافؽ، وأنيـ رحبوا بانتصار جديد، قاؿ أف الصينييف ىـ الذيف ضغطوا عمى

مف عمى وجو األرض، وذلؾ بضرب برجي التجارة، بؿ وضعوا خطة محكمة لنسفيـ

ينفجر التفجير األرضي مع دخوؿ بوضع قدر كبير مف المتفجرات أسفؿ كؿ مبنى، بحيث

فرأينا طائرتيف عمبلقتيف تدخبلف فييما ثـ فتح حاسوبو. الطائرة، سيكوف مشيدىما ىكذا

تمؾ اليزة العظيمة التي ستحدثيا الطائرتاف في وقت واحد، قاؿ في ذلؾ الوقت ومع

يكوف أماـ التوأميف سوى أف يخرا خاشعيف ىكذا، فرأينا ستنفجر األلغاـ األرضية، فبل

انشقت األرض البتبلعيا، ورأينا صورا لمرجاؿ وىـ يتدربوف عمى ىياكؿ صورة الطوابؽ وقد

في صحراء الصيف، كانت أعدادىـ أكثر مما أخبرنا الصباح، قاؿ أنو وجد مف أشعة

اليدؼ الكثيريف لدييـ الرغبة في الشيادة، ووجد مف الضرورة تدريب أكبر قدر عمى

يحتاج مف يوجو الواحد، لكف المشكمة ليست في ذلؾ، لكنيا في أف ىذا النوع مف الطائرات

الطائرة والدفاع المدني قائده عبر برج المراقبة، ومف ثـ فبلبد مف تعطيؿ االتصاؿ بيف

حاسب دقيؽ سيأخذه قائد الطائرة وبرج اإلقبلع، وأوضح أف الروس تغمبوا عمى ىذا عبر

مخالفة لما يجري في الواقع لقواعد الدفاع معو، فمف خبللو يمكنو بث صورة ذات إحداثيات

عبر األقمار الصناعية وبشفرة خاصة بتوجيو قائد وبرج المراقبة، بينما سيقوموف ىـ

المشكمة األكبر في الوكالة والبنتاجوف والبيت األبيض، ألنيا مباف الطائرة، قاؿ أيضا أف

بشبكة مف الصواريخ ذات اإلطبلؽ اآللي، وىذه ال بد مف تعطيميا يدويا، وقد محاطة

.توصؿ اإليرانيوف إلى مف يمكنو عمؿ ذلؾ

مف أزرىـ، فقاؿ ىؿ تريدىـ ىنا أـ الذىاب إلييـ، يوميا طمبت منو أف أرى الرجاؿ وأشد

إال أف يذىب فيمسح بالعطر عمى أقداميـ، قاؿ ال يجدر بؾ قمت رجاؿ كيؤالء ليس لممرء

يرونؾ الميدي الذي جاء ليخمص اإلسبلـ مما حاؽ بو مف ىواف، فتعجبت أف تفعؿ، ألنيـ

قصير القامة، وأدركت كـ أصبحت ألعوبة في يديو، فاخترقنا الجباؿ والحدود إلى مف حيؿ

أكثر مف إيراف، واتخذنا طائرة إلى شنغياي، ومنيا إلى حيث الصحراء التي يعسكر فييا

جميعا وقبمت رؤوسيـ، ثبلثمائة رجؿ، ليس بينيـ سوى خمسيف شابا عربيا، سممت عمييـ

كبرت في بدء كؿ منيما وأعطيت كبل منيـ مصحفا، ثـ صميت بيـ رعكتي شكر هلل،

بعبده التائب، ومقاـ الشيداء عشر مرات، ثـ خطبت فييـ عف ضرورة الجياد، وفرحة اهلل

عمى أىؿ بدر فقاؿ ليـ أعمموا ما شئتـ فقد في أىؿ الجنة، ثـ قمت اعمموا أف اهلل اطمع

الثانية، وىا ىو اهلل يطمع عميكـ، فاعمموا ما شئتـ فقد غفر اهلل غفر اهلل لكـ، وىا ىي بدركـ

متخذا فيمموا وكبروا فرحا، فاحتضنتيـ جميعا ودعوت ليـ بالنصر. تقدـ وما تأخر لكـ ما

.طريقي إلى قندىار

(59)

سواه، الحمد هلل وحسبنا اهلل ونعـ الوكيؿ، كاف الحزف الحمد هلل الذي ال يحمد عمى مكروه

الشيخ وىو يجمع أشياءه مف الكيؼ، فقد أوضح لو عمي ما واليأس يضغطاف عمى صدر

استنساخ لرجؿ يشبيو في كؿ شيء، وال بد أنو اآلف يساـو جية ما قاـ بو الصباح مف

إلييا، ولـ تفارقو صورة صداـ حسيف واألمريكاف يفحصونو كبييمة مصابة بأمراض لتسميمو

األغمى خبيثة، فالطريؽ طويؿ وال آماف فيو ألحد عمى شاب في مقتبؿ عمره وعجوز مازاؿ

قموب القـو معو ثمنا في المطموب القبض عمييـ، ورغـ أف محبيو أكثر مف كارىيو غير أف

كمحارب في الميداف وسيوفيـ عميو، تذكر حيف طمب صداـ أف يطمقوا عميو الرصاص

قد اتيمو بالجنوف يـو أف كاف. لكنيـ أصروا عمى أف يعدموه شنقا صباح عيد األضحى

الناس مف خطره، لكنو ارتعد أكثر مف دخؿ الكويت غصبا، وخرج في شوارع المممكة يحذر

اهلل عمييـ، تذكر رسالتو الطويمة لولي العيد، وكـ نزوؿ األمريكاف إلى األرض التي حرميا

خراجو مف الكويت، لكنيـ أبوا إال أف أبدى أنو برجالو قادروف عمى الدفاع عف المممكة وا

اهلل وبيتو، تذكر كـ كاف حانقا عميو وعمييـ، لكنو ما كاف ليعاممو عمى ىذا يموثوا حـر

الجبناء، فبل فبل نامت أعيف: النحو، فما أف رآه يتأرجح عمى مشنقتو حتى انتفض مرددا

أدخمو في ىبلوس ولـ يوقؼ انتفاضة جسده غير الميدئ الذي. نامت أعيف الجبناء

عف بكائو طاغية كيذا، وىذياف لعدة أياـ، حيف ىدأت حالتو وعاد إلى رشده سألو عمى

أماـ العالـ وانيـز ىزيمة ما كاف يجب لخصـ وقؼ: فطأطأ رأسو ومسح عبرة مف عينو

كالبعير، فميس لؤلبطاؿ أف يموتوا األبطاؿ دوف تخاذؿ أو تراجع أو خوؼ أف يموت ىكذا

التاريخ لنا مف خطاءيف، وكـ منيـ كاف شجاعا ميتة المصوص، نعـ أخطأ، لكف كـ حمؿ

إننا اآلف نمشي إلى ىذا المصير، : انفرط في بكائو قائبل ثـ. لنسمبو حؽ اإليماف بخطئو

عدو وألؼ ابتسامة تخفي خمفيا فوىة بندقية، فيؿ سيحتذوف رأسينا نذىب مرغميف إلى

سيغرقنا أصحابنا كشبيب، أـ أننا حيف نخرج مف باب الكيؼ سنجدنا محاطيف كالزبير، أـ

أـ كالمختار ابف أبي عبيد اهلل بعشرة آالؼ فارس، فيؿ نحارب حتى الموت كما مات،

أنو يقتؿ شياه نسمـ أنفسنا كما سمـ سبعوف ألؼ مف رجالو أنفسيـ لمصعب، فقتميـ كما لو

كأبي ذر، شريديف كزيف أـ نموت غريبيف. أبيو، أـ سنصرخ كعنبسة في جند ال وجود ليا

فما الذي . الحراب كزيد بف عمى العابديف، جائعيف كإبراىيـ اإلماـ، معمقيف عمى رؤوس

.فعمت كي أجمب لصبي مثمؾ كؿ ىذا العذاب

عمى أذني الفتى، ومع كؿ سؤاؿ كاف يرى مشيد كانت أسئمة الشيخ تتوالى كالرصاص

في زاوية الكيؼ حتى رأى الشيخ يترنح باكيا، فانتفض الموت بطريقة مختمفة، فظؿ جاثما

ىؿ عاودؾ التاريخ يا سيدي مف جديد؟ سألو بفزع الخائؼ مف : يقع كالسيـ ليمسكو قبؿ أف

كبل يا عمي، لكنو الحزف، فمـ يعد لي مف الرجاؿ: الشيخ مسح دموعو قائبل المجيوؿ، لكف

استشيدوا، وأنا سواؾ، كميـ كما ترى اختفوا منذ أياـ، وأصحابي األشداء الذيف وثقت بيـ

عمييـ، كثيروف ىـ يا بني، صرت عجوزا ىرما ال يقدر حتى عمى إنقاذ نفسو مف الحزف

عمى األقؿ دفنيـ كما يجب ألبطاؿ أكثر مما يحتمؿ قمبي، كـ كنت أحمـ بتكريميـ، أو

والحزف، وىذه لـ تكف حربا، كانت الجحيـ، مجاىديف، لكنيا الحرب خمفيا العار الطويؿ

سوانا في الوجود، فبل مخابئ تفمح معيا، وال كيوؼ وال وكأف طائراتيـ العمبلقة لـ تر

وحدنا قامت، فيؿ خدعنا يا صاحبي، واكتفى الحقراء بمشيد ال يفرح إال جباؿ، كأف قيامتنا

كحمامة برجاف كبيراف يسقطاف وال شيء أكثر، فما الذي جعؿ طائرة البنتاجوف تنزؿ صبي،

.. خمسوف طائرة أتت لتستريح عمى مدرجاتو، وأيف ذىبت طائرة بنسمفانيا، أيف اختفت

حمفاؤنا، ولما أدانونا أصيبت بالجنوف فجأة وقررت أف تسقط أمريكا عمى مف فييا، وأيف

ستنفجر يا عمي، وتبريرات الصباح قبؿ غيرىـ، ولـ لـ يثأر الرخ األمريكي إال منا، رأسي

في أعمى النيؿ خطأ، ومات صييب جراء بخيانة الييود ال تجدي، فيؿ مات البنشيري

ولـ تركنا الرجاؿ في ىذا الكيؼ المظمـ دوف ىاتفة الخموي، وكيؼ اختفى العباس ومجد،

.أحياء، أـ أنني أىذي في يـو الحساب طعاـ أو حراسة، ىؿ نحف مازلنا

خديو كي يوقؼ الشيخ عف إطبلؽ الرصاص عمى لـ يكف أماـ عمي سوى الصراخ ولطـ

مقدـ عميو، فألقى السبلح مف يده وراح يبكي، وفي نفسو، حينيا انتبو الرجؿ إلى ما ىو

، فتيمؿ "افطر معنا غدا يا عثماف"وجو أبي سعيد مشرقا الجفوف المخضبة بالدمع الح

عمي فرآه يبكي في زاوية الكيؼ، فانحنى عميو ميدىدا واستدار يبحث عف وجيو بالفرح،

وأنا مريدؾ، ىؿ يبكي جواز المرور إلى الجنة، قـ يا أبا تراب، فما أنت إال شيخي: مبتسما

فإلى أيف الرحيؿ؟