الدكتـــور

عبد الفتاح مصطفى السيد غنيمة

جامعة المنوفية–أستاذ تاريخ العلوم والتكنولوجيا

بكالوريوس العلوم في الكيمياء الحيوية ماجستير في فلسفة العلوم الفيزيائية

ماجستير في الفنون الحضارية دكتوراه في فلسفة العلوم البيولوجية

دكتوراه في التنمية السياحية عضو المجلس األعلى للشئون اإلسالمية

عضو اللجنة القومية لتاريخ العلوم بأكاديمية البحث العلمي

2

3

مقدمة

اعوق اهؾرة ي شت اهسزرث اهؾرتج فبخض , يذ ضدر اإلشالى ادذر تؾظب , يشد هويد اهؾيرا يخعع هأليضبر اهلضتبح اهيد

ف ض ازدر اهتؾط اخر خعر إه يد نتر أضتضح يبئر إشؾبػ . هوضظبرث اإلشاليج

, اشخر ت أؽالى اهؾرة ؽويبء نذر أهفا ؽ اهؾيرا ف اهيد أهف .. ات اهشرخش اهخعة (893-819)فأهف ؽ تغداد ات عفر اهيدائ ات شت ؽتد اهلل ت : ؽ اهيدج , ؽ اهنفج اهذى ت ؽد

نخة ات ؽشبنر ؽ ديشق , اهاكد االزرك : ؽ ينج, أت شؾد اهراق , أهف ؽ اهلرا أت اهؾرة اهضبس , نخة اهزرا ؽ كرعتج ,

. غرى نذر

أيب ؽ نخبة اهخعع فبم اهنذر ات اهضنى نخبت فخش يضر أختبرب اهيشض أختبر يضر , " اهخعع"ات زالق " اهخعع"اهند يؤهف

ات ؽتد اهغبر اهرظج اهتج اهزارث , اهلظبؽ اهيخخبر ف ذنر اهخعع ؽيد نخبة اهخعع اهيلرز , ات دكيبق االخضبر هاشعج ؽلد األيضبر

ضش اهيضبظرث ف : اهشع , اهياؽغ االؽختبر تذنر اهخعع اذبر "أختبر يضر اهلبرث غر ؤالء ت اهيؤرخ اهرضبهج اهسغراف اهذ

. خبها ف يؤهفبخى ضف اهيد خععب أضاهب

ف ذا اهتضد اهيخاظؼ ضبل إهلبء اهظء ؽو تؾط اهؾيرا ف الشيب اهفخرث ي دخل ؽير ت اهؾبص إه . يضر عال اهؾضر اهشع

كد اخخرب يدج (1515-1501)يضر ضخ بج ؽضر كبض اهغر اهفشعبع ؽيراب ي ضد خشد اهيشبسد اهسبيؾج أشبس اهؾيرا خعر

ازدبرب تنذرث اهؾيرا اهشنب خبهب تبهضدد ؽ اهسبيؼ اهؾخق اهؾيرا ي ذى . اهعرق اهشارػ األشاق يشبن اهيدج األشار , االسخيبؽ

يدج اهلعبئؼ سبيؾ كبعر اهتيبرشخب رأب , يشئبح أضيد ت عه

4

ظررث ذنر اهسبيؼ األزر أتل اذبر اهخبهدث هوؾضر اهفبعي أؽيبل ؽتد اهرضي نخخدا اهؾيراج يؼ إهلبء اهظء ؽو اهيدارس األركج ف األزر

. اهشرف

اهشد , كد اخسح هنخبت تؾد ذهم ؽ يشئبح األت اهؾيراج كتج اإليبى اهشبفؾ يشئبح اهيوم , شر اهلبرث , اهؾغى كوؾج ضالش اهد

. اهضبهص سى اهد ازدبد اهؾيرا تبزدبر اهخسبرث خالل اهؾد األت

ؽضر اهييبهم .. كد أكديح ؽو اهنخبتج ؽ أز ؽضر اهؾيرا الشيب اهغبر تترس اخخرب اهيدرشج اهغبرج إضالش أضال اهسبيؼ األزر

اهسبيؼ اهغبر األشاق اخيبي تبهزراؽج اهر إشبء اهلبعر اهسشر تؾط اهيشئبح األخر اهخ خيح ف ؽد اخيبي تبء األشعل

. اهخرشببح هضبؽج اهشف

هلد خضضح تلج اهتضد هوضدد ؽ يشئبح اهبضر كال اهؾيراج اهلبؽبح اهشتؼ اتبر اهؾشرث اهيدا اهؾغى اهلضر األتوق يشسد كال

ضفر اهخوز ؽيل اهشد تبء , ضط اهغى كبعر اهشتبػ يدا اهيبر . خبلب هوضفج االخيبى تخوز اإلشندرج

يشسد كتخ , خبهح ف اهخبخيج اهغر يشئبخ اهؾيراج اهيدا خضح اهلوؾج إضالش كبؽبح اهلوؾج خب اهخوو تبء , يدرشخ

ضفر خوز اهزؽفرا تؾط يشئبخ تبهؾلتج ينج , كضر اهيلبس يشسد اهينبضل األترار خشد اهشف , اهينريج اخيبي تتؾط اهيشئبح اهضرتج

. اهضرتج

5

٧٣

الفھرس

٧٤

٧٥

الفھرس

العمران في مصر طوال العصور الوسطى

٥ ............ أولى المدن اإلفريقية أسسها عمرو بن العاصالفسطاط

٦ ........................ تشييد المساجد الجامعة أساس العمران

٧ .......................... العمرانكثرة تطور ازدهار الفسطاط ب

١١ ................................................. الجامع العتيق

١٣ .................................. العمران االجتماعي بالفسطاط

١٣ ....................................... الطرق والشوارع

١٣ ................................................ اقاألسو

١٥ .......................... "الدور"مساكن مدينة الفسطاط

١٦ ................................................ األسوار

١٧ ............................... أحمد بن طولون ومنشآته العمرانية

١٨ ................................................. مدينة القطائع

٢١ ............................................. جامع ابن طولون

٢٤ ........................................ قناطر أحمد بن طولون

٢٥ ................................................... البيمارستان

٢٧ .................. ابقى اآلثار الخالدة للعصر الفاطمي الجامع األزهر

٢٧ ........................................... المبنى األول لألزهر

٢٨ ........................... العمرانية ن كتخداأعمال عبد الرحم

٢٩ ..................................................... المدارس

٣٠ ....................................................... األروقة

٣١ ........................................ منشآت األيوبيين العمرانية

٣٢ ................................................... السد العظيم

٣٢ .............................................. قلعة صالح الدين

٣٤ .................................................. سور القاهرة

٣٥ ............................................ قبة اإلمام الشافعي

٣٦ .............................. منشئات الملك الصالح نجم الدين

٣٧ ............................... ازدياد العمران بازدهار التجارة

٧٦

٣٩ ................................. الظاهر بيبرس ومنشئاته العمرانية

٣٩ ............................................ المدرسة الظاهرية

٤٠ .................................. إصالح أحوال الجامع األزهر

٤٠ ............................................... الجامع الظاهري

٤٢ ....................................................... األسواق

٤٣ ............ وإنشاء القناطر والجسور االهتمام بالزراعة والري

٤٤ ........................................ منشئات أخرى لبيبرس

٤٦ ................................................. بناء األسطول

٤٧ ................................ الناصر قالوون ومنشئاته العمرانية

٤٧ ................................. القاعات السبع واآلبار العشرة

٤٨ ................................. العظيم والقصر االبلقالميدان

٤٩ ................................................. مسجد قالوون

٥٠ ................................... حوض الغنم وقناطر السباع

٥١ .................................................. ميدان المهار

٥٢ ....................................... حفر الخليج وعمل السد

٥٣ .............................................. الخانقاة للصوفية

٥٥ ............................................. خليج اإلسكندرية

٥٩ ....................................... الغوري ومنشئاته العمرانية

٦٠ ....................................... مسجده وقبته ومدرسته

٦١ ............................................الميدان تحته القلعة

٦٣ .......................................... إصالح قاعات القلعة

٦٣ .................................................. ان الخليليخ

٦٣ ........................................قصر المقياس ومسجده

٦٣ ................................................ خليج الزعفران

٦٤ ............................ من منشئاته بالعقبة ومكة المكرمة

٦٤ ............................................... منشئاته الحربية

٦٥ .............................................. المكاحل واألبراج

٦٦ ......................................... تشييد السفن الحربية

٥

أولى المدن اإلفریقیة الفسطاط

أسسھا عمرو بن العاصانتصاره الرائع علي جيوش الـروم فـي أجنـادين درأي عمرو بن العاص بع

واإلفـالت مـن أي ، واليرموك أن فتح مصر أصبح ضرورة لتأمين الفتـوح الشـامية

عن ومهاجمة الحجاز، محاولة يقوم بها الروم لقطع خط الرجعة علي العرب في الشام

ولم ينس عمرو عندما عزم علي فتح مصر أن فتحهـا يعـود علـي .طريق بحر القلزم

أن فتح مصر سيهيئ المجـال لنشـر اإلسـالم فـي القـارة والمسلمين بالنفع والفائدة

.اإلفريقية

ومضي عمرو علي رأس جيشه إلي العريش فاستولي عليها في أواخـر عـام

الـذي كـان يعـد ) يعرف باسم بيلوزيوم كان( هـ ثم استولي علي حصن الفرما ١٨

هـ وواصل تقدمـه ١٩تحها عام تبلبيس فافإلى مفتاح مصر من الشرق وسار بعد ذلك

وهنـاك اشـتبكت ، حتى أدركت جيوشه مدينة أم دنين الواقعة شمالي حصن بـابليون

وتحصنهم في حصن بـابليون السابيع انتهى بتراجعهم جيوشه مع الروم في قتال عنيف

وبهذه القوة ضـرب ، ستنجد عمرو بالخليفة فبعث إليه جيشا من أربعة أالف رجل فا،

٢٠عمرو الحصار علي الحصن سبعة أشهر نجح بعدها في اقتحامه في أواخـر عـام

.للهجرة

وكانت مدينـة محصـنة ، ثم سار عمرو إلي اإلسكندرية عاصمة مصر إذ ذاك

فـي االسـتيالء عليهـا إذ تـوفى وحاصرها غير أن الظروف السياسية وقتئذ ساعدته

واضطربت أمور اإلمبراطورية البيزنطية ، اإلمبراطور هرقل في أثناء حصار اإلسكندرية

وقامت الفتن من اجل النزاع علي العرش وكان أهل اإلسكندرية قـد سـئموا .بعد وفاته

تسليم إلى الة العرب واضطر الروم ممسالإلى وأثرت فيهم الدعوة ، اضطهاد البيزنطيين

وعقـد ، لهـا فدخلها عمرو بعد أن قضي ما يقرب من أربعة عشر شهرا في حصـاره

وارتفعت أعالم مصر وبذلك تم للعرب فتح ) م ٦٤١ديسمبر (هـ ٢١معاهدة للصلح عام

.اإلسالم علي ربوعها

واتجـه ، فكر عمرو بن العاص بعد الفتح في اختياره حاضره لمصر اإلسالمية

ية بالذات باعتبارها عاصمة الديار المصرية منذ أن أسسها االسكندر تفكيره إلي اإلسكندر

٦

م وكانت اإلسكندرية حصينة يحيط بها سور ضـخم ذو أبـراج .ق ٣٣٢ي عام نالمقدو

فبهـرت الفـاتحين وباب القمر غربـا ، كباب الشمس شرقا وحصون وأبواب متعددة

، وكنيسـة القيصـر ري وعمـود السـوا العرب بآثارها العظيمة كالمنارة المشهورة

والقصور والحمامات والصهاريج والشـوارع المكسـوة بـالمرمر ، ومسلتي كليوباترة

.والرخام

يتميز عصر الفتوح اإلسالمية بإنشاء مدن إسالمية الغرض منها تكوين قواعد

هــ ١٤فأقيمت البصرة عام ، حربية ومراكز للجيوش وصبغ البالد بالصبغة اإلسالمية

وحـرص الفـاتحون ، هـ ٥٠هـ والقيروان عام٢١هـ والفسطاط عام١٧م والكوفة عا

العرب علي أن تكون عواصمهم بعيدة عن األخطار في أماكن متوسطة يستطيع الوالة أن

يحكموا منها البالد وكان موقع اإلسكندرية بعيدا عن مركز الـبالد فعـدل عمـرو عـن

فاهتدي إلـي ، لقطر المصري اختياره وفكر في مكان يسهل منه اإلشراف علي شطري ا

وهو في الوقت ذاته قريـب ، موقع الفسطاط في مكان بين حصن بابليون وجبل المقطم

.من النيل حتى تكون في مأمن من هجوم األعداء وحتى يسهل وصول القوات إليها

: تشیید المساجد الجامعة أساس العمران

أن تشهد عاصـمة جديـدة هكذا أتيح لمصر بعد أن وصلت إليها أنوار اإلسالم

.وكان موقع الفسطاط جديرا باالختيار من الوجهتين الحربية والمناخية

اختار عمرو بن العاص هذا الموقع الرائع لتخطيط حاضرة مصـر اإلسـالمية

وسمي منذ ذلك بجامع الفتح أو ، وهو أول جامع أقيم بمصر ، فأقام أول ما أقام مسجده

وكان هذا الجـامع أسـاس ، مصر وجامع عمرو حينا أخر تاج الجوامع حينها وبجامع

، والمركز الديني الذي التفت حوله بقية مراكزها العمرانيـة ، التنظيم العمراني للمدينة

وكان تشييد المساجد الجامعة في اإلسالم أساس العمران في جميـع المـدن اإلسـالمية

. المفتوحة التي يراد صبغها بالصبغة اإلسالمية البحتة

وكان هذا المسجد يسيطر علي حياة المدينة اجتماعيا واقتصاديا لوقوعه علـي

اكما كانت له أهميته في الحياة السياسية لوقوعـه مالصـق ، وإحاطته باألسواق ، النيل

وتوزيع ألوية الجيش وهكـذا ، ولكونه مركزا لعقد االجتماعات السياسية ، دار اإلمارة ل

واالقتصادي السياسي وللفسطاط وأقام بجـوار المسـجد دارا أسس عمرو المركز الديني

٧

.أخرى وفيها دفن ابنه عبد اهللا كبيرة ثم إقام دارا

ثم قدمت القبائل العربية التي اشتركت في الفتح وتنافسـت علـي المواضـع

ورأي عمرو إزاء ذلك أن يعين علي هذه الخطط أربعة رجـال مـن ، المحيطة بالمسجد

وعمـرو ابـن ، وشريك بن سمي الغطيفـي ، ي ذلك معاوية بن حديج رؤساء جنده فول

وجعلـوا لكـل ، فأنزلوا الناس منازلهم ، وحيويل بن ناشرة المعافري ، قحزم الخوالني

، قبيلة خطة أي حارة تقيم بها وسميت هذه الخطط أو الحارات بأسـماء هـذه القبائـل

، وخطة تجيب ، شرقي الجامع فكانت خطة أهل الراية جنوبي جامع عمرو وخطة مهرة

وقد وصف المـؤرخ ، وغيرها ، وخطة سبأ وخطة غافق ، وخطة الصدف ، وخطة لخم

.المصري عبد الرحمن بن عبد الحكم هذه الخطط في شئ من التفصيل

وأطلـق عليهـا اسـم ، تألفت من هذه الخطط أحياء جديدة لمصر اإلسالمية

ه فتح العرب لمصر الذي ترجمه األستاذ محمـد في كتاب بتلرالمستشرق الفسطاط ويعتقد

، مدينـة الحصـينة الأن لفظ الفسطاط مشتق من اللفظ الالتيني ومعناه ، فريد أبو حديد

فالفسـطاط ، والحقيقة أن العرب حرصوا دائما علي تسمية مدنهم بأسماء عربية بحتـة

والرباط ، الفرنسية Caravanوالقيروان تعني القافلة ومنها جاءت كلمة ، تعني الخيمة

، م فيه المرابطون والمثـاغرون أي المجاهـدون فـي سـبيل اهللا يتعني البناء الذي يق

والقطائع تعني األراضي التي اقتطعـت ، نزلت فيه العساكر الذي والعسكر تعني الموضع

.والقاهرة تعني المدينة التي تقهر الدنيا إلي غيرها، لسكني الطوائف المهنية المختلفة

. العمرانكثرة تطور ازدھار الفسطاط ب

ظلت الفسطاط مقرا للوالة في عهد الخلفاء الراشدين وعهد دولة بنـي أميـة

وأقيمت فيها قصور كثيرة منها قصر الذهب الذي بناه والي مصر عبد العزيز بن مروان

كما أقيم فيها كثير من المنشـآت ، وقد زينت قباب هذا القصر بالذهب ) هـ ٨٦-٦٥(

. العامة كالحمامات والخانات والمتاجر والمتنزهات

، هـ وخضعت مصر للدولة العباسـية ١٣٢فلما سقطت الخالفة األموية عام

هـ مدينة جديدة تقع إلي الشمال من الفسطاط ١٣٣أنشا والي مصر صالح بن علي عام

، قصـوى وكان موضعها يعرف بالحمرة ال، الذين ضاقت بهم الفسطاط هزال عسكرنال

وأقام صالح بن علي العباسي دار اإلمارة وثكنات جنده وسط ، ويقع قريبا من جبل يشكر

٨

هــ مسـجدا جامعـا لهـذه ١٦٩ثم أقام الفضل بن صالح عام ، هذه الحاضرة الجديدة

وكثرت ، وأحيط هذا الجامع باألسواق ، المدينة سمي بجامع عسكر مالصقا لدار اإلمارة

.ت المدينة بالمنشات حتى اتصلت مبانيها بمباني الفسطاطواتسع، حوله العمائر

هـ كانت مدينة العسـكر فقـد ٢٥٤فلما استقل أحمد بن طولون بمصر عام

بالقرب مـن دار اإلمـارة بالعسـكر ، رفأقام مدينة جديدة علي جبل يشك، ضاقت بجنده

نت كل قطيعـة وقسمها إلي قطائع وزعها علي التجار وأرباب الحرف والصناعات ، وكا

تسمي باسم الطائفة التي تسكنها ، فسميت المدينة كلها بالقطـائع ، وعمـرت بالسـكان

. وكثر فيها البناء ، واتصلت عمارتها بعمارة العسكر والفسطاط

، وازدهرت الفسطاط في عهد الدولة الطولونية ، ونمـت عمارتهـا

ولة الطولونية ـ وتولي أبو هـ ضعفت الد ٢٨٢ما مات خماوريه عام لوكثرت مرافقها ف

يه ، ولكنه لم يلبث أن عزل بعد عام واحد من واليته ، وتولي والعساكر جيش ابن خمار

. بعده أبو موسي هارون بن خمارويه ، وكان حدثا في الرابعة عشرة ال يصلح للواليـة

ووضح ضعف الدولة الطولونية لدي العباسيين ، فبعث الخليفة العباسي المكتفـي بـاهللا

. محمد قائده محمدا بن سليمان الكاتب للقضاء علـي الطولـونيين واسـترجاع مصـر

يه إلـي العباسـية ، وواستولي ابن سليمان علي تنيس دمياط وتراجع هارون بن خمار

هـ وتولي شيبان بن أحمد بن طولون ٢٩٢فوثب عليه عماه شيبيان وعدي وقتاله عام

.

علي الفسطاط ، وسار منها إلي القطائع ، وكـان محمد بن سليمان قد استولي

وأضرم فيها النيران ، فأتت علي الدور والمساجد والحمامات واألسواق وصيرتها أثـرا

فسلبت روائعها ، ونهبت نفائسـها ، ولم تنج الفسطاط نفسها من عبث جيشه . بعد عين

. وقد ذكر المقريزي ذلك ،

هد العباسيين ، وأصبحت دار لالمارة واستعادت الفسطاط مكانتها القديمة في ع

وأطلق علي الفسـطاط . ومقرا لإلدارة ومركزا للجند ، فزادت مبانيها وعمرت أرجاؤها

والعسكر وما تبقي من عمارة القطائع اسم مصر ، وظلت كذلك حتى اختط جوهر الصقلي

ودور هـ ، وما لبثت القاهرة أن أصبحت تضم قصور الخلفـاء ٣٥٨مدينة القاهرة عام

. الجند في حين أصبحت مصر الفسطاط مدينة التجار والصناع وأرباب الحرف

٩

ولكن الفسطاط أخذت تضعف شيئا فشيئا منذ بنيت القاهرة ، وذكر هذه األحداث

. ابن سعيد المغربي

وقد وصف ابن حوقل مدينة الفسطاط في ذلك الوقـت بأنهـا مدينـة عـامرة

ويذكر ابن دقمـاق مـن . ن ، وأن معظم أبنيتها من اآلجر باألسواق والمتاجر والبساتي

سوق الكتب المقابل للجانب الشرقي من الجامع العتيق بالقرب من دار عمـرو : أسواقها

، وسوق بربر ، وسويقة دار فرج ، وسويقة كنائس أبي شـنودة ، وسـوق الرقيـق ،

ماق قوفقا البن د –الفنادق وكان بها من . وقيسارية أبي مرة ، وقيسارية ابن أبي الثريا

. فندق ابن حرمة ، وفندق الكارم ، وفندق الوكالة –

وكانت دور الفسطاط تتألف من طابق واحد في أول األمر ، ثم أخذت تقام فوق

هذه الدور غرف عليا ، وكان أول من ابتني غرفة بالفسطاط خارجة بن حذافة بن غـانم

وفي كل طبقة مساكن كاملـة ، داد اتساعا وارتفاعا العدوي ، ثم أخذت الدور بعد ذلك تز

وأصبح يسكن الدار الواحـدة ، وزاد عدد السكان الدور زيادة كبيرة ، بمنافعها ومرافقها

وقد وصف الرحالة الفارسي ناصر خسرو علو مباني الفسطاط فيما . شخص ٢٠٠نحو

: هـ وصفا رائعا فقال ٤٤٤–٤٣٧بين عامي

دة علي ربوة فيضان الماء عليها ، وهذه الربوة كانت مغطاة مدينة مصر مشي"

وتبدو مصر كأنها جبل حين ينظـر .. في وقت ما بأحجار كبيرة جدا ، فكسرت وسويت

. وبمصر بيوت مكونة من أربع عشرة طبقة وبيوت من سـبع طبقـات . إليها من بعيد

ر ، وحمل إليها وسمعت من ثقات أن شخصا غرس حديقة علي سطح بيت من سبعة أدوا

عجال رباه فيها حتى كبر ، ونصب فيها ساقية كان هذا الثور يديرها ويرفع المـاء إلـي

وزرع علي هذا السطح شجر النارنج والموز وغيرهما ، وقد أثمرت . الحديقة من البئر

" . كلها ، كما زرع فيها الورد والريحان وأنواع الزهور األخرى

ومدينة مصر ممتدة علي شاطئ النيل : " ع آخرويقول ناصر خسرو في موض

الماء رفعوه بالحبـال مـن بحيث إذا احتاجوا إلي، الذي عليه القصور والمناظر الكثيرة

وعلي الجانب الشمالي للمسجد : " وقد وصفت هذه الرحالة أسواق الفسطاط فقال . "النيل

كر ثروات أهل الفسطاط وذ" . سوق يسمي سوق القناديل ال يعرف سوق مثله في أي بلد

ورأيت أمواال يملكها بعض المصريين لو ذكرتها أو وصفتها لما صدقني النـاس : " فقال

" . ني ال استطيع أن أحدد أموالهم أو أحصرها إفي فارس ، ف

١٠

ظلت الفسطاط مدينة زاهرة في العصر الفاطمي ، ولكنها كانـت تسـير نحـو

ت الفسطاط كثيرا في النصف الثاني مـن القـرن االضمحالل كلما اتسعت القاهرة ، وقاس

ثـم . الخامس بسبب الشدة العظمي ، ومع ذلك فقد كانت مركزا تجاريا وصناعيا هامـا

حدث النزاع الكبير بين الوزيرين شاور وضرغام ، واستعان شاور بجيـوش الصـليبين

يـت لنصرته ضد أسد الدين شيركوه ، فقدمت جيوش الفرنج بقيادة عمـوري ، ملـك ب

ر شاور وزير العاضد إزاء تقدم الصليبين طالفسطاط ، واضمن المقدس ، واقتربت مصر

خالء الفسطاط من أهلها ، وأمرهم بالنزوح إلي القاهرة ، ثم أمر بإضرام النيران في إإلي

ذكر المقريزي هـذه األحـداث وقد، الفسطاط حتى يشغل الفرنج عن التقدم إلي القاهرة

. بتفصيالتها

إال أن النيران لـم ، يوما ٥٤حيث التهمت النيران دور المدينة وأبنيتها مدة و

فقد عمرت مرة أخرى في عهد الدولة األيوبية ، وعاش الناس بين .. تقض تماما عليها

ي ابن سـعيد المغربـي ، وقد زارها في هذا العصر الرحالة األندلس. خرائبها وأطاللها

: وصفها فقال

والخراب في الفسطاط كثير : " د بين القاهرة والفسطاط فيقول ويقارن ابن سعي

وقد نفخ روح االعتناء والنمو فـي مدينـة . ، والقاهرة أجدد وأعمر وأكثر األجناد فيها

الفسطاط اآلن لمجاورتها للجزيرة الصالحية ، وكثير من الجند قد انتقل إليها للقرب مـن

" . الخدمة

لفسطاط أكثر أرزاقا وأرخص أسعارا من القـاهرة وا: " ويقول في موضع آخر

باع ما يصل ي، لقرب النيل من الفسطاط ، والمراكب التي تصل بالبحيرات تحط هناك ، و

والقـاهرة . فيها بالقرب منها ، وليس يتفق ذلك في ساحل القاهرة ألنه يبعد عن المدينة

ارس ، وأضـم خانـات ، هي أكثر عمارة واحتراما وحشمة من الفسطاط ، ألنها أجل مد

وأعظم ديارا لسكني األمراء فيها ، ألنها المخصوصة بالسلطنة لقرب قلعة الجبل منهـا ،

. فأمور السلطنة كلها في أيسر وأكثر

وقد اهتم بها صالح الدين ، . وظلت الفسطاط مدينة عامرة في العصر األيوبي

تد من القلعة محيطا بالفسطاط فأحاطها سور من الحجر يم ،من عثرتها إنهاضهاوحاول

وما زالت ، وقد بقيت من سور الفسطاط أجزاءا . حتى يتلقي بالنيل عند رباط أثر النبي

إال أن الفسطاط أخذت تضمحل تدريجيا علي الرغم من إحاطتهـا ، ظاهرة إلي وقتنا هذا

١١

. باألسوار واتصالها بالقاهرة

صـبح " قشـندي فـي كتابـه القلوقد وصف ، أخذت الفسطاط تنحدر سريعا

الفسطاط بعد انهيارها ، وذكر أن الخراب تزايد وكثر الخلو ، فلما كانت دولـة "األعشى

الظاهر بيبرس ، صرف الناس هممهم إلي هدم ما خال من أحياء وحـارات الفسـطاط ،

حتـى لـم ) أي في القرن الثامن للهجرة ( وتزايد الهدم ، واستمر حتى عهد القلقشندي

عمارتها سوي الجزء الموازي لساحل النيل وما جاوره إلي مـا يلـي الجـامع يبق من

. العتيق ، واندثرت أكثر الحارات القديمة

وهكذا تحولت الفسطاط إلي أطالل ن بعد أن عمرت ما يقرب من ستة قرون ،

وأخذ سكان القاهرة والروضة وأطراف الفسطاط المطلة علي النيل يلقون علي أنقاضـها

وكلمـا تجمعـت هـذه األنقـاض . خلف من فضالت بيوتهم ومتاعهم وقـاذوراتهم ما ت

وأصبحت تالال فإنها تتحول إلي محاجر يستخرج منها الناس األبنية القديمـة وتتحـول

تها ، وبذلك امنها إلي جزيرة الروضة لردم بعض منخفضوأكوام إلى المخلفات المتراكمة

. ما فيها من آثار امتدت األيدي إلي أطالل المدينة تبعثر

وقد أدت حفريات الفسطاط إلي الكشف عن كميات ضخمة من قطع متنوعة من

الخزف ، وقطع من الزجاج وأوراق البردي المكتوبة باللغة العربية ، وتيجـان األعمـدة

سـطاط روائـع هـذه المدينـة وقد أظهرت وأوضحت حفريات الف. واألدوات المعدنية

. المدفونة

: یق الجامع العت

وهو أول جامع أقيم في مصر اإلسالمية ، ولذلك سمي بالجامع العتيق أو تـاج

٢١أسسه عمرو بن العاص بعد افتتاحـه لإلسـكندرية عـام . الجوامع أو جامع الفتح

ه المسلمون مـن مللهجرة ، وأسوة بجامع المدينة الذي أسسه الرسول ، ووفقا لما ارتس

ار ، مثل جامع البصرة الذي بناه أبو موسي األشعري ، بناة المساجد الجامعة في األمص

. وجامع الكوفة الذي بناه سعد بن أبي وقاص

. واشترك في بناء جامع عمرو عدد من الصحابة ، وحددوا القبلـة بأيـديهم

وكـان طـول جـامع عمـرو . وجاء بناء الجامع بسيطا كبناء مسجد الرسول بالمدينة

منها بابان يقـابالن دار : ذراعا ، وكان له ستة أبواب وخمسين ذراعا وعرضه ثالثين

١٢

وكان الجامع مسقوفا كله ، فلـم . عمرو ، وبابان في الشمال ، وبابان في غرب الجامع

. يكون يشتمل علي صحن مكشوف كجامع الرسول بالمدينة ، وكان سقفه قليل االرتفاع

ث به المحراب المجوف هو ولم يكن لهذا الجامع البسيط محراب مجوف ، وأول من أحد

. هـ بأمر الخليفة الوليد بن عبد الملك ٣٩والي مصر قرة بن شريك عام

يه لعمر بن الخطاب ذلك فكتب إ غوبل. واتخذ عمرو لجامعه منبرا من الخشب

أما بعد ، فقد بلغني أنك أتخذت منبرا ترقي به علي رقاب المسلمين ، أما حسـبك " يقول

ثم أقيم . فكسره " ! لمسلمون تحت عقبيك ؟ فعزمت عليك إال ما كسرته أن تقوم قائما وا

بالمسجد منبرا آخر قيل في عهد عبد العزيز بن مروان ، وقيل في عهد عبد اهللا بن سعد

هـ ٩٤ولم يزل هذا المنبر في المسجد حتى استبدل به قرة بن شريك منبرا آخر عام .

بيتا للمال داخل الجامع –متولي الخراج بمصر –وأقام األمير أسامة بن زيد التنوخي .

، وكان هذا البيت ال يعدو قبة قائمة علي أعمدة في صحن الجامع علي نظام بيت المـال

. بجامع دمشق وجامع حماة

ولو لم يكن عنصر المئذنة قد استحدث بعد ، وكانت المساجد األولي تخلو مـن

بصرة ، ولذلك كانت النواقيس تقـوم مقـام عنصر المئذنة مثل مسجد الكوفة ومسجد ال

. األذان في المساجد المصرية األولي عند صالة الفجر ، شأنها في ذلك شـأن الكنـائس

، ) م ٦٧٣( هــ ٥٣وكان استخدام الناقوس قائما بجامع عمرو بن العاص حتى عام

اري ، أن فأمر الخليفة معاوية ابن أبي سفيان واليه علي مصر ، مسلمة بن مخلد األنص

. ، فبني مسلمة أربع مآذن في أركان جامع عمرو ) مآذن ( يبني صوامع لألذان

ولم يترك لنا المؤرخون . ويعد مسلمة أول من أدخل المئذنة في مساجد مصر

أي وصف لهذه المآذن األولي وكان الغرض منها أن يصعد إليها المؤذنون مـن طريـق

ل األمر كذلك حتى نقله خالـد بـن سـعد داخـل وظ.. درج يرتقونه من خارج المسجد

المسجد ، وقد انتقلت المئذنة المربعة إلي بالد المغرب ، كما انتقل إليها لفـظ صـومعة

. الذي كان يطلق علي أبراج الزهاد بالشام

ولم يلبث هذا الجامع ، بصورته التي وصفناها ، أن تعرض إلضافات كثيـرة ،

فقد . م يبق من بنائه األول سوى الموضع الذي أقيم عليه وأضاعت معالمه األولي حتى ل

أضيف إلي بيت صالته ، وجد في عمارته علي مر العصور منذ أن تولي عمـرو بنـاءه

. حتى وقتنا هذا

١٣

هذا وقد لعب جامع عمرو دورا هاما في الحياة العلمية بمصر ، إذ كان جامعة

م القـرآن واللغـة ، وكـان الصـحابة تدرس فيها علوم التفسير والحديث والفقه وعلو

للحكـم وكان باإلضافة إلي ذلك دارا ،يقومون بالتدريس فيه في حلقات تعقد بين أعمدته

يجلس فيه الحاكم للنظر في مصالح الناس ، ودارا للقضاء يفصـل فيـه القاضـي فـي

. الخصومات

١٤

طالعمران االجتماعي بالفسطا

: الطرق والشوارع

إلسالمية عامة بطرقها الضيقة ، وحاراتها الملتوية المتعرجـة ، تمتاز المدن ا

، وقد كانت شوارع الفسطاط علي نظام الشوارع اإلسالمية ، ودروبها المعلقة أو النافذة

ودخـلت من بابها ، وهو دون غلق ، يفضي إلي : " وقد عبر ابن سعيد عن ذلك بقوله

" . الشوارع خراب معمور بمبان مشتتة الوضع غير مستقيمة

وقد أثبتت الحفائر األثرية بالفسطاط أن شوارعها تؤلف شـبكة معقـدة مـن

الطرق يضل فيها المرء سبيله لكثرة األزقة المتشعبة من الدروب والحارات ، وكانت أهم

دروب الفسطاط تؤدي إلي رحبة الجامع حيث تلتـف حولهـا األسـواق والقيسـاريات

وكانت هذه الدروب تغلق في ، سات والمنشآت االقتصادية والخانات وغير ذلك من المؤس

. المساء بأبواب يقوم بحراستها رجال من الشرطة ، منعا لحوادث السطو والسرقة

: واق ــاألس

كانت ساحة المسجد الجامع بالفسطاط تزخر باألسواق ، ألن المساجد الجامعـة

ويـذكر ناصـر . رية واالقتصـادية في المدن اإلسالمية كانت تؤلف عادة المراكز التجا

. خسرو أن سوق مصر األعظم كان يحيط بمسجدها الجامع

وكانت الحارات واألزقة ضيقة تقابل أحيانا أماكن فسيحة تعرف بالرحاب كانت

إلي أن صرت : " وقد وصف ابن سعيد المغربي هذه األسواق بقوله ، واق ستقام فيها األ

فعانيت من ضيق األسواق التي ... من ازدحام الناس فيها في أسواقها الضيقة ، فقايست

" . ولها أسواق ضخمة إال إنها ضيقة : " ... وفي موضع آخر يقول .. " حول الجامع

وكان من بين األسواق المحيطة بالجامع سوق الكتب ، بجوار دار عمرو حيث

سوق بربـر ، وقـد وكان هذا الزقاق ينتهي بسوق آخر يعرف ب. يشرع زقاق القناديل

سمي كذلك لكثرة تردد البربر عليه ، وتقع بالقرب من هذه السوق قيسارية أبي مرة التي

وذكر ابن دقماق بعض أسماء لألسواق منها سوق دار فرج التي . كان يباع فيها الحرير

وكانت هذه السـوق عـامرة . كانت تقع فيما بين رحبة دار الجوهر وباب جامع عمرو

" وفيه يقول ناصر خسرو أنه ، وإلي شمال المسجد يقع سوق القناديل . لسلع بكثير من ا

وفيه كل ما في العالم من طرائف ، وأنـه رأي هنـاك " ال يعرف سوق مثله في أي بلد

١٥

األدوات كاألوعية واألمشـاط ومقابض السكاكين وغيرها ، ورأي كذلك معلمـين مهـرة

. ينحتون بلورا آية في الجمال

يصنع في سوق الفواخير جميع أنواع الفخار والخزف ، وقد مدح خسرو وكان

ويصنعون بمصر الفخار من كل نوع ، وهو لطيف وشفاف بحيث " فخار الفسطاط بقوله

إذا وضعت يدك عليه من الخارج ظهرت من الداخل ، وتصنع منـه الكئـوس واألقـداح

" . ل جهة تكون بهاوهم يلونوها فتظهر بلون مختلف في ك. واألطباق وغيرها

وقد كشف حفائر الفسطاط عن كميات ضخمة مـن قطـع الفخـار والخـزف

بعد فصح هذه القطع أن بعضـها مصـنوع بالفسـطاط ، وبعضـها ثبتوقد . والزجاج

ومن أعظم ما كشف عنه . مستورد من العراق وتركيا وإيران والشام والمغرب واألندلس

، )الدنتلة ( التي زينت بزخارف هندسية تشبه زخارف " شبابيك القلل " من قطع الفخار

مما يشهد بعبقرية صناع الفخار في ... والرسوم اآلدمية والحيوانية ، والكتابات الكوفية

. مصر ، مع رخص مادتها

والخـزف ،وكشفت حفائر الفسطاط كذلك عن قطع رائعة من الخزف المزجج

والخـزف ،)البورسـلين ( ، والخزف الصيني ) الغضار المذهب ( ذي البريق المعدني

والخزف المعروف بالجرافياتو الذي تكشـط األجـزاء / اإليراني ذي الزخارف المتشععة

المحيطة فيه كشطا عميقا يصل إلي عجينته الحمراء ، ثم تصقل بعد ذلك بدهان مـزجج

يين ، وقد سجلت علي كثير من هذه القطع الخزفية أسماء صـناع مصـر . يجعله شفافا

حمد وناهض والرزاز وإبراهيم واألستاذ المصري وغزال وغزيـل ودرويـش ، مأمثال

. أو التوريزي والهرمزي ، وأسماء خزافين شاميين أمثال غيبي الشامي

وتدل كثرة أسماء الخزافين علي أن صناعة الخزف كانت مزدهرة بالفسطاط ،

تحف الفن اإلسالمي بالقاهرة يزخـر وم. خاصة في العهد الفاطمي واأليوبي والمملوكي

وقد عبر ناصر خسـرو عـن تقـدم ، بأمثلة رائعة من خزف الفسطاط مختلفة أنواعها

ويعطي التجار في مصر من بالين وعطارين وبـزازين " صناعة الخزف والزجاج بقوله

األوعية الالزمة لما يبيعون من زجـاج أو خـزف أو ورق حتـى ال يحتـاج ) خردجية(

وقد كشف حفريات الفسطاط عن فرن من أفران الزجـاج " ن يحمل معه وعاء المشتري أ

.

١٦

اسين تصنع فيه جميع األدوات المعدنيـة ، وعلـي حوكان بالفسطاط سوق للن

وقد ازدهرت صناعة النحـاس ، األخص األواني النحاسية كالقدور والطسوت واألوعية

حين يذكر ما كـان يزخـر بـه في العصر الفاطمي ، وتقدمت تقدما يشهد به المقريزي

ويذكر ناصر خسرو أنه رأي قدورا من النحاس الدمشـقي واسـعة ، . القصر الفاطمي

كذلك تشهد التحف النحاسية التي اكتشـف . كانت من الطالوة بحيث يظنها الرائي ذهبا

. بالفسطاط علي مدي تقدم هذه الصناعة

وقد عثر في أثناء الحفر وكانت تصنع في صاغة الفسطاط الحلي من الذهب ،

في أطالل الفسطاط علي خواتم وأقراط وأساور وعقود نسبها مؤرخو الفن اإلسالمي إلي

. العصر الفاطمي

: ))الدور((مساكن مدینة الفسطاط

عند حديثه عن مسـاكن مدينـة –" صورة األرض " ذكر ابن حوقل في كتابه

بقات وخمس وست ، وربما يسكن فـي الـدار بها سبع ط" أن الدار الواحدة –الفسطاط

وذكر ابن " . وأسفل دورهم غير مسكون ، ومعظم بنيانهم بالطوب . المائتان من الناس

" مبانيها بالقصب والطوب طبقة علـي طبقـة " سعيد المغربي عند وصفه للفسطاط أن

بقـة كن والقصب والنخيـل ط الطوب األد" وذكر في موضع آخر أن هذه الدور بنيت من

" . فوق طبقة

وكانت المياه توزع من البئر في قنوات فخارية تسير داخل الجدران ، وتصـب

لي ذلك في آثار دار كبرى بمدينة الفسطاط ، تقع قريبـا مـن جويت. في بركة أو فسقية

وتمتاز هذه الدار باتساعها واشتمالها . لي بيسور صالح الدين ، تعرف اليوم بدار السلس

وكانت . أصغرهما يعلوها سقف ، والكبرى تتوسط بهوا مكشوفا للهواء : علي فسقيتين

وتستمد هذه األنابيـب مياههـا . المياه تصل إليهما من أنابيب فخارية تسير داخل البناء

وكان في إمكان صاحب الدار وقف المياه متى شاء . من صهريج مرتفع في غرب الدار

وكانت هذه الـدار . بيب من طريق ثقب أفقي باستخدامه محبسا من الخشب يعترض األنا

مزودة بالمرافق الضرورية ، كالحمام والمرحاض ، ويتصل هذان المرفقان بمجار تنتهي

. بمستودع عميق محفور في الصخر يقع جنوبي الدار

أما الدور التي تطل علي النيل فكانت ، علي كبرها واتساعها ، تستقي من مياه

١٧

وقد شاهد ناصر خسـرو هـذه . ق أسطال معلقة بالطاقات يدلونها النيل مباشرة من طري

ومدينة مصر ممتدة علي شاطئ النيل الـذي عليـه القصـور : " الدور فوصفها بقوله

" . والمناظر الكثيرة بحيث إذا احتاجوا إلي الماء رفعوه بالحبال من النيل

بالرجـال ، منطقـة خاصـة : وكانت بعض دور األثرياء تنقسم إلي منطقتين

يزيد ارتفاعها عدة درجات خاصـة ومنطقة. وتعرف بالسالملك ، يؤدي إليها باب خاص

. بالنساء تعرف بالحرملك

ومن أهم آثار الدور التي اكتشف بالفسطاط وأعظمها ، آثار دار مـن العصـر

ة في أثناء قيامه بالتنقيب في منطق ١٩٣٢الطولوني اكتشفها األستاذ حسن الهواري عام

وقد ظهرت بعد البحث أجزاء سليمة من جدران هذه الدار من قاعة فسيحة . أبي السعود

مستطيلة لعلها قاعة لالستقبال ، يكتنفها من جانبيها حجرتان صغيرتان ، ويتقدم القاعـة

والحجرتين رواق تهدم جزؤه الغربي الذي كان يفصله عن فنـاء الـدار ، وزيـن أحـد

. يه كتابات كوفيه نطالع فيها الشهادتين جدرانه بمحراب من الجص عل

وعثر األستاذ الهواري علي فسقية مربعة من أعلي ومثمنة من أسفل تقع في

ويشبه هذا النظام المعماري نظم الدور العباسية بمدنية سامراء ، . محور القاعة الكبرى

لفنية العراقية إلي مما يقطع بأنها ترجع إلي العصر الطولوني الذي تدفقت فيه التأثيرات ا

ويؤيد ذلك أن جميع جدران هذه الدار كانت تزدان بزخارف جصية مـن طـراز . مصر

. الزخارف المحفورة حفرا مائال بجدران دور سامراء

: وار ـــاألس

هــ أن ٣٥٨حاط بها القـاهرة عـام ألم تستطع أسوار جوهر الصقلي التي

لذلك لـم يكـن ... نية من اللبن بنها كانت متصمد أكثر من ثمانين عاما ، ثم تهدمت أل

فلما حلت الشدة العظمي ، واسـتحكمت . للقاهرة زمن المستنصر باهللا أسوار تحيط بها

الفوضى ، وعم االضراب ، استنجد المستنصر ببدر الجمالي والي عكا ، ومنحه سـلطة

قـاهرة ضـد ووجه بدر الجمالي جل همه إلي تحصـين ال . مطلقة في سبيل انقاذ البالد

هـ ويـذكر ٤٨٠فأقام حولها السور الثاني عام ،الغزوات الخارجية والثورات الداخلية

هـ ، في عمـارة سـوار ٥٦٦أن صالح الدين شرع عام " الروضتين " أبو شامة في

ألنه كان قد تهدم أكثره ، وصار طريقـا ال يـرد داخـال وال خارجـا ، وواله ، القاهرة

١٨

قع أن صالح الدين لم يكن قد عقد العزم بعد علي إقامة منشـآت والوا. قراقوش الخادم

، حربية جديدة ، إذ كان ال يزال وقتئذ وزير للعاضد ، فاكتفي بترميم أسوار بدر الجمالي

هـ ، وكان في ذروة مجده وأوج قوته ، عقد ٥٧٣فلما عاد صالح الدين من الشام عام

بسور ضخم أقام علي بنائـه بهـاء الـدين العزم علي إحاطة القاهرة والقلعة والفسطاط

قراقوش وكان مشروع صالح الدين يرمي إلي تحصين القـاهرة والفسـطاط وإحاطتهـا

. باألسوار من جميع الجهات

:أحمد بن طولون ومنشآتھ العمرانیة

إسالمية مصرية كان للمصريين فنية بعد فتح العرب لمصر قامت فيها صناعة

ن كان العرب قد أفلحوا في طبعه بطابع دينهم بحيث بـدأت تتميـز اليد الكبرى فيه ، وإ

وكان عمـاد هـذه ، الفنون والصناعات المصرية عما كان موجودا في مصر قبل الفتح

وشارك المصريون أيضا في كثير من عمـارة مختلـف ،الفنون اإلسالمية المصريون

أن قرة بن شريك أرسل ،او أنحاء الدولة اإلسالمية ، فنعرف من أوراق بردي كوم اشق

عماال مصريين للعمل بالجامع األموي في دمشق ، وأرسل آخرين للعمل في جامع بيـت

المقدس ، وأرسل غيرهم للعمل في قصر أمير المؤمنين ، كذلك شارك المصريون فـي

عمارة مسجد الرسول عليه الصالة والسالم في المدينة المنورة ، وكانـت كتـب والـي

.)١(شريك تحدد النفقة علي الفعلة المصريين ، وعلي مهرة العمال منهم مصر قرة بن

وكان نقل مهرة الصناع والفنانين من إقليم إلي آخر في ديـار اإلسـالم أمـرا

ولما جاء أحمد بن طولـون . شائعا ، وخاصة أن ديار اإلسالم كانت تعتبر وحدة واحدة

شأ في مصر ما يعرف باسم الفن الطولـوني نإلي مصر وأسس الدولة الطولونية فيها ،

ومقدمـة . وفي الوقت نفسه نراه متميزا عما كان موجودا قبله ، نسبة إلي الطولونيين

.لما وجد بعد العصر الطولوني في مصر اإلسالمية من فنون وآثار

، ولم يكن الفن الطولوني مستقال كل االستقالل عن فن الخالفة العباسية آنئـذ

كان تابعا له إلي حد كبير ، وفي الوقت نفسه كان منافسا له ، فقد أراد أحمـد ابـن فقد

بل يفوقه في ، طولون أن يتخذ لنفسه بالطا من بالط الخليفة العباسي في سامرا وبغداد

ومن جـاء ، األبهة والعظمة ، وأصبح البذخ والترف في مصر حديث المعاصرين حينئذ

.٢٧٩–٢٧٨ص. مصر في فجر اإلسالم : سيدة كاشف ) ١(

١٩

ة الزنج والفتن الداخلية قد استنزفت أموال الحكومة العباسية بعدهم ، في وقت كانت ثور

هذا ما ذكرتـه ، لينا آثار الطولونيين وتحفهم إنه وصلت أوجهودها ، ومن حسن الحظ

.)١(عن عظمة الطولونيين وعلو شأن الفنون في عصرهم ةالمصادر التاريخية واألدبي

:مدینة القطائع

هــ ٢٥٦لمحاربة ابن الشيخ في الشام سنة عرفنا أن أحمد ابن طولون خرج

ثم ورد عليه كتاب الخليفة فعاد إلي مصر ، ثم بدأ أحمد ابن طولون في تأسيس حاضرة

وابتدأ أحمد بن طولون في بنيان الميدان في شعبان سـنة " له ، وفي ذلك يقول الكندي

" .ومائتين ست وخمسين

مقر الحكم العربي منذ اختطها وكان أمراء مصر أو والتها ينزلون الفسطاط

ولما جـاء ، المشهور هوبني فيها جامع) م٦٤٢(هـ ٢١عمرو بن العاص في سنة

هـ بقيادة صالح بن علي العباسي وأبـي ١٣٢جيش العباسيين إلي مصر في سنة

عون لمطاردة مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية وإلنهاء الحكم األموي في مصر

صمة جديدة لمصر في الصحراء الواقعة شمال شرقي الفسطاط ، اختط العباسيون عا

وكان اختطاط العسـكر ، إمـا . وسموها العسكر) م ٧٥٠( هـ ١٣٣وذلك في سنة

لرغبة العباسيين في أن يتخذوا ألنفسهم مقرا لن يسبق إليـه غيـرهم ، وإمـا ألن

ط ، كما يقـال مروان بن محمد كان قد أضرم حريقا خرب جانبا كبيرا من الفسطـا

وكان ذلك الجزء من الصـحراء يعـرف باسـم الحمـراء . ) ٢(في بعض الروايات

القصوى ولم يكن به من العمائر إال عدة أديرة وكنائس ، وأمر أبو عـون أصـحابه

فبنو المحال واألسواق والدور العديدة ثم شيد صـالح بـن علـي دارا ، بالبناء فيها

بني الفضل بن صالح بن علي العباسـي فـي )م٧٨٥(هـ ١٦٩لإلمارة وفي سنة

.)٣(جامع العسكرواليته علي مصر من قبل الخليفة المهدي

ولن يفوتنا أن إنشاء القطائع عاصمة أحمد بن طولون لم يقض علي العسـكر

–٢١ص، م١٩٣٥مطبعـة دار الكتـب المصـرية ، الفن اإلسالمي في مصر : زكي محمد حسن . د) ١(

٢٢.

.٥٦ص ١الفن اإلسالمي في مصر ج : المرجع السابق ) ٢(

.٢٤٧مصر في فجر اإلسالم ص: سيدة كاشف . د) ٣(

٢٠

أو الفسطاط ، والواقع أن القطائع والعسكر لم تكونا في الحقيقة إال ضاحيتين للفسـطاط

كمـا ، ع أن الناس حينئذ كانوا يعتبرون العسكر مدينة قائمـة بـذاتها أو امتدادا لها م

اعتبروا القطائع بعد ذلك ، وظلت الفسطاط المركز األكبر للحيـاة المصـرية ، بـل أن

المباني الحكومية القديمة لم تهجر تماما ، فالمعروف مثال أن دار اإلمـارة التـي كـان

، واختط " ديوانا للخراج " عصر الطولونيين يسكنها العباسيون في العسكر أصبحت في

ابن طولون عاصمته الجديدة في المكان الواقع في سفح جبل يشكر إلـي الشـرق مـن

العسكر ، والشمال الشرقي من الفسطاط حيث يوجد اآلن قـرة ميـدان ، والمنشـية ،

.)١(وميدان صالح الدين

نه بذلك إبعاد جيشـه غيـر وكان ابن طولون حكيما في إنشاء القطائع فقد أمك

وتجنب بذلك ما كان ممكنا حدوثه من الشغب ، المتجانس عن األحياء العربية المصرية

بسبب اختالط جنده بالتجار وغيرهم من سواد الشعب علي نحو ما حدث لجند الخليفـة

.المعتصم في بغداد ، وكان سببا في إنشاء سامرا

اإلمارة بمدينة العسكر أو فـي الفسـطاط وكان تفكير ابن طولون في ترك دار

وفي رغبته في منافسـة بـالط العباسـيين ، يمثل اتجاهه الجديد في االستقالل بمصر

وقسم األمير مدينته الجديدة بين جنـده ورجـال . باإلضافة إلي غرامه بالعظمة واألبهة

ن األرض ومن احتاجوا إليهم من صناع أو تجار ، فصارت لكل طائفة قطعة م، حاشيته

وكانت كل قطعة تعرف باسم من سكنها سواء أكانت تربطهم رابطة الجنس أو رابطـة .

العمل ، فكان هناك قطعة الروم وقطعة السودان ، وقطعة البزازين ، وقطعة الجـزارين

الخ وأصبح يطلق علي مدينة ابن طولون اسم القطائع ، ولم يكن التخطيـط أو االسم ..

ط القطائع يشبه إلي حد كبير تخطيط سامرا ، كذلك كان يطلق اسـم غريبا إذ كان تخطي

.القطائع علي مدينة سامرا التي بناها المعتصـم اللهم إال القصور الملكية

أما القصور الطولونية فقد خربت وعفت آثارها ، وأكبر الظـن أن مهندسـيها

بن طولون عدة أبواب وكان لقصر أحمد. نحوا في بنائها نحو قصور الخلفاء في سامرا

كبيرة ، وكان لكل باب منها اسم يدل أحيانا علي الجهة التي يؤدي إليها ، أو علي أنواع

الخدم وذلك كما كان متبعا في قصور سامرا ، وكان أهم أبواب القصر الطولوني كما ذكر

.٥٧ص ١الفن اإلسالمي في مصر ج : زكي محمد حسن . د) ١(

٢١

ين من باب الميدان ، ومنه كلن يمر الجند ، وباب الخاصة للمقرب: المقريزي في الخطط

األمير ، وباب الصوالجة وكان يؤدي إلي الميدان الكبير المخصص للعـب الصـوالجة ،

وباب الحرم الذي كان ال يدخل منه إال النساء أو الخصيان ، وباب الصالة وكان يوصـل

ل المقطم ، وباب الساج نسبة إلي الإلي جامع ابن طولون ، وباب الجبل وتشرف عليه ت

، وباب دعناج وباب الدرمون نسبة إلي حاجبين كانـا يجلسـان الخشب الذي اتخذ منه

.عندهما ، وباب السباع نسبة إلي سبعين كبيرين من الجبس كانا علي جانبيه

ولم تبق القطائع مدة طويلة مقر األمير وخدمه وحشمه ورجال بالطه وجيشـه

، وذكـر بل ما لبث أن اتسع نطاقهـا وزادت عمارتهـا وعمرانهـا وحكومته فحسب ،

مؤرخو مصر اإلسالمية أنها أصبحت مدينة كبيرة زاهرة وأنشئت فيها المساجد الجميلة

وغير ذلك مما نجـده ، والحمامات واألفران والطواحين والشوارع والحوانيت والمنازل

.وامتد عمرانها حتى اتصلت بمدينة الفسطاط ، في المدن

في صـيف سـنة ) اإلسالمي اآلن متحف الفن ( وقد عثرت دار اآلثار العربية

بالتالل المجاورة ألبي السعود علي أطالل منزل طولوني واحتفظ متحـف الفـن ١٩٣٢

.اإلسالمي بالزخارف الجصية التي عثر عليها في أطالل هذا البيت

وعليهـا ، جر آلكذلك كشفت حفائر دار اآلثار عن جدران جزء من دار كبيرة با

المتبع في سامرا وفي الجامع الطولوني ، وحين كشـفت زخارف من الجص علي النحو

أطالل هذا البيت ، كان يظن في بداية المر أنه ربما كانت هـذه األطـالل أنقـاض دار

ألن مساحة البيت صغيرة ال تليق بـدار ، اإلمارة ، ولكن ال يستطيع أحد أن يجزم بذلك

ه مـن ذوي الجـاه اإلمارة ، ولكن ما فيه من زخارف جصية ترجح أن يكـون صـاحب

.)١(واليسار

ويظهر في تخطيط القطائع أن ابن طولون لم يرد أن يجعلهـا مدينـة حربيـة

حصينة يغلب عليها الطابع العسكري ، مثلما كانت بغداد التي بناها أبو جعفر المنصـور

وفي الوقت نفسه قلعة حصينة منيعة ضد أعداء العباسيين ، ، لتكون عاصمة للعباسيين

نري ابن طولون يتجه اتجاه الخليفة العباسي المعتصم حين بني سامرا ، إذ اتجـه وإنما

المعتصم في بناء سامرا إلي اإلبداع في البناء وسائر الفنون الصـناعية والزخرفيـة ،

.٦٣الفن اإلسالمي في مصر ، ص: زكي محمد حسن . د) ١(

٢٢

المهن ليجعلهـا أكبـر منـافس فاستقدم للمشاركة في عمارتها أعظم الصناع وأصحاب

وقد .ي بناء القطائع ليجعلها تنافس سامرا وبغداد وكذلك فعل أحمد بن طولون ف، لبغداد

رأينا أن أحمد ابن طولون اتخذ في جزيرة الروضة حصنا أراد أن يجعلـه معقـال لـه

وكان سقوط األسـرة . ولحرمه وأمواله إذا أفلح موسي بن بغا وجنوده في دخول مصر

ذكراها ال تـزال قائمـة الطولونية إيذانا بسقوط هذه الحاضرة الجديدة وتخريبها ، ولكن

.بفضل المسجد الجامع الذي كان يقوم فيها

:جامع بن طولون

يتضاءل إلـي جانبـه " جامع كبير " أراد أحمد بن طولون أن يكون له مسجد

لعظمة األمير ولرخاء البالد في عصـره ، جامع عمرو وجامع العسكر ، ويكون عنوانا

ألن المصـريين كـانوا )١(جامع علي جبل يشـكر ن طولون مكانا لهذا البفاختار أحمد

)٢(ويزعمون أن اهللا عز وجل كلم موسي عليـه ، يعتقدون أن موضع هذا الجبل مبارك

وفضال عن ذلك فقد كان مكان الجامع يتوسط القطائع عاصمة ابن طولـون الجديـدة ، .

بدايـة واختلف المؤرخون في تاريخ إنشاء هذا الجامع فذكر المقريزي في الخطـط أن

هـ ٢٦٥وكان الفراغ منه في سنة ) ٨٧٧–٨٧٦( هـ٢٦٣بنيان الجامع كان في سنة

وذكر ابن دقماق وأبو المحاسن أن الشروع في تشييد المسجد كـان ) م ٨٧٩–٨٧٨(

أما الكندي فذكر أن أحمد بن طولون بدأ في تشييد ) م ٨٧٤–٨٧٣( هـ ٢٥٩في سنة

.هـ ٢٦٦هـ وأتمه في سنة٢٦٤مسجده في سنة

ونالحظ أن السنين التي ذكرها المؤرخون متقاربة ولكنها تؤكد أن احمد ابـن

طولون لم يبدأ في منشآته العامة ومشاريعه العمرانية إال بعد أن أصبحت مصـر كلهـا

هـ ٢٦٥تحت سلطانه ، ومع ذلك فإن الصواب أن الفراغ من بناء الجامع كان في سنة

تابة التاريخية التي وجدت في الجامع منقوشة بالخط الكوفي ، وهذا التاريخ وارد في الك

أمـا ، كـان رجـال صـالحا " يشكر " صار أن يذكر ابن دقماق في كتابه االنتصار لواسطة عقد األم) ١(

المقريزي في الخطط والقلفشندي في صبح األعشى فيذكر إن نقال عن القضـاعي أن هـذا الجبـل

نسبة إلي يشكر بن جزيلة من قبيلة الخم التي اتخذت خطتها في هذا الجبل بعد أن تم للعرب فـتح

.مصر

. ٣٨ص الفن اإلسالمي في مصر: زكي محمد حسن . د) ٢(

٢٣

، أما المهندس الجامع فيذكر المقريزي أنه كان رجال نصـرانيا )١(على لوح من الرخام

حسن الهندسة حاذقا بها ، وأكبر الظن أن هذا المهندس كان مسيحيا من العراق ، ألنه

ى أنه قبطي ، ولو كان بيزنطي األصل لو كان من مصر لما أغفل المقريزي أن ينص عل

ء إلـى مصـر فـي وال يبعد أن يكون مهندس الجامع قد جا. لقال المقريزي أنه رومي

، أو أن ابن طولون أرسل في استدعائه عندما عقد العـزم علـى ركاب أحمد بن طولون

تشييد المسجد الجامع وغيره من األبنية ، والشك أن هندسة بنـاء الجـامع وزخارفـه

جصية تدل على أن المهندس الطولوني أتى من سامرا ، أو كان خبيرا بما ازدهر فيها ال

. من العمارة والفنون

ويتكون جامع ابن طولون من صحن مربع مكشوف طول كل ضلع فيـه نحـو

مترا مربعا ، وتحيط به أروقـة ٨٤٨٧اثنين وتسعين مترا ، أي أن مساحته تبلغ نحو

. كبر هذه األروقة أوتقع القبلة في من جوانبه األربعة ،

وبين جدران الجامع وسوره الخارجي ثالثة أروقة خارجية تسمى الزيـادات ،

أمر أحمـد بـن ، ويعلل ابن دقماق بناء هذه الزيادات بأنه لما ضاق الجامع بالمصلين

ا ، ائها ، وكانت مثل هذه الزيادات موجودة في الجامع الكبير بمدينـة سـامر نطولون بب

وفي مسجد أبي دلف بالعراق أيضا ، ونحن نعتقد أن الباعث على بناء مثل هذه الزيادات

.ما ذكره ابن دقماق وهو الرغبة في تكبير مساحة الجامع وزيادته

الجامع الطولوني بآجر أحمر داكن ، ويعتقد بعض علمـاء اآلثـار أن وقد شيد

واآلجر خاصة مـن ) الطوب النيئ ( سبب ذلك أن المهندس عراقي األصل ، وان اللبن

.خواص العمارة في العراق لقلة األحجار

وذكر المقريزي وابن دقماق أن ابن طولون لما عقد العزم على تشييد الجـامع

يبنـي " ن غرقت بقي ، فقيـل لـه إو، ن احترقت مصر بقي إأريد أن أبني بناء : قال

نار ، وال يجعل فيه أساطين رخام ، فإنـه ال الأمام بالجير والرماد واآلجر األحمر القوي

. فبناه هذا البناء " صبر لها على النار

والواقع أن أقدم األبنية اإلسالمية في مصر ، وهو مقياس النيل في الروضـة

وما ذكره من مراجع وانظر ايضا ٣٧الفن اإلسالمي في مصر ص : المرجع السابق ) ١(

A. Gorhmann: Die Bauinschrift der Moschee des Ahmed ibn Tulun ( The American University in Cairo press 1965 )

٢٤

. فين في العمارة منذ عهد الفراعنةمشيد بالحجر ، ومع ذلك فإنه اللبن واآلجر كان معرو

ثار في هذا الجامع أن أقواس األروقة مرفوعة علـى ومما يلفت نظر علماء اآل

دعائم ضخمة من اآلجر المغطي بطبقة سميكة من الجص بدال من األعمدة التـي كـان

المسلمون يأخذونها من الكنائس والمعابد القديمة ، ويزعم المؤرخون أنه عنـدما أراد

ل له أنه ال سبيل إلى وقي، عمود من الرخام ٣٠٠أحمد ابن طولون بناء الجامع قدر له

. الكنائس في األرياف فلم يقبل احمد بن طولون ذلك أخذها منالحصول عليها إال إذا

وأهم ما يمتاز به جامع أحمد بن طولون هو مئذنته أو منارته التي تقـع فـي

الرواق الخارجي الغربي ، تكاد ال تتصل بسائر بناء الجامع ، وهي مشيدة مـن الحجـر

اعدة مربعة تقوم عليها طبقة اسطوانية عليها أخرى مثمنة ، وأما الساللم وتتكون من ق

فمن الخارج على شكل مدرج حلزوني ، وليس لهذه المنارة نظير في البالد اإلسـالمية

.اللهم إال في الجامع الكبير وفي مسجد أبي دلف في سامرا

ـ ارة الحاليـة ، وعلماء اآلثار مختلفون في تحديد العصر الذي ترجع إليه المن

فبعضهم ينسبها إلى عصر األمير أحمد بن طولون وينسبها آخرون إلى العصر الفاطمي

، ولكن األرجح أنها من عصر السلطان المملوكي الجين حين عمر المسجد فـي نهايـة

، ومع ذلك فإنها في جوهرها صـورة مـن ) هـ ٦٩٦( القرن الثالث عشر الميالدي

. يت في العصر الطولوني المنارة القديمة التي بن

مؤرخون العرب مختلف القصص عن سبب بنائها على هذا الشـكل الوقد روي

فقالوا أن أحمد بن طولون كان هادئا رزينا ال يلهو أبدا ، وحدث ذات مرة أنه أخذ ورقة

يلهو بها ويطويها في يده ثم انتبه لنفسه وتعجب الجالسون معه ، فقال إنما فعلت ذلـك

مهندس وطلب غليهـا أردت أن أبني منارة الجامع على هذا المثال ، وأمر فأتى بالألني

والواقع أن مؤرخي العرب فطنوا إلى غرابة المنارة ، فهي منسوبة دائمـا . بتنفيذ ذلك

البن طولون كما انه ال توجد صلة بينها وبين منائر العصور التالية ، وأكبر الظن أنها لم

وإنما أقيمت على هذا الشـكل يوضعه المهندس للجامع الطولونتدخل في الرسم الذي

. )١(تحقيقا لرغبة ابن طولون نفسه الذي كان متأثرا بما رآه من المنائر في سامرا

ويمتاز جامع بن طولون بمنبره الخشبي الجميل ، ويعتبر من أجمـل نمـاذج

٤٧الفن اإلسالمي في مصر ص : زكي محمد حسن . د) ١(

٢٥

لسلب إلى بعض أجزائه الصناعة الخشبية في عصر المماليك ،وقد حدث أن امتدت يد ا

ثم عملت لجنة حفظ اآلثار العربية على اسـترداد مـا ، أو حشواته فتسربت إلى أوروبا

استطاعت استرداده منها ، وبذلك أمكن تجديد المنبر كما نـراه اآلن ، وفـي المسـجد

الطولوني ستة محاريب أولها المحراب األصلي المجاور للمنبر ، أما المحاريب الخمسة

ومستوية الوجوه وترجع إلى العصـر الفـاطمي ) الجبس ( صنوعة من الجص فهي م

.وعصر السلطان الجين المملوكي

وفي الجامع الطولوني زخارف كثيرة محفورة في الجـبس تشـبه الزخـارف

الجصية التي ساد استعمالها في العصر العباسي والسيما بمدينة سـامرا ، والحـق أن

م وأقدم اآلثار العربية في مصر ، ذلك أن جامع عمرو بن جامع ابن طولون يعتبر من أه

العاص ، وهو أقدم جامع في مصر ، لم يبق على حاله كما كان في عصر بنائه إذ أدخل

عليه ، على مر العصور اإلسالمية إصالحات كثيرة وأضيف إليه من األبنية مـا غيـر

ا بكـل تصـميماته األولـى معالمه األولى ، أما جامع احمد بن طولون فقد احتفظ تقريب

وأصبح البناء الوحيد الذي توافرت فيه هذه الشروط في مصـر والشـام قبـل العصـر

. )١(الفاطمي

: قناطر أحمد بن طولون

شيد احمد بن طولون في الجهة الجنوبية الشرقية من القطائع قناطر للميـاه ال

ا إلى القطائع ، ويروي مؤرخو تزال بعض عقودها قائمة ، وكان الماء يسير في عيونه

، والحـق )٢(مصر اإلسالمية القصص واألساطير التي تشير إلى سبب بناء هذه القناطر

أن عاصمته الجديدة كانت محتاجة إلى تدبير المياه لها وإلى توفير كـل سـبل الراحـة

حمد بن طولون بأن يجري الماء من عـين ألسكانيها ، وقيل أن الناصحين أشاروا على

وأنه يريـد أن ، بي خليد فاعترض قائال بأن هذه العين ال تعرف أبدا إال باسم أبي خليد أ

فعدل عن العين إلى الشرق وبني عليها القناطر ، وكانت هـذه ، يستنبط بئرا تنسب إليه

وسماها المؤرخـون المسـلمون باسـم ، القناطر شبيهة بالقناطر الرومانية المرفوعة

. السقاية

.٥٤و ٣٥الفن اإلسالمي ، ص : د حسن زكي محم. د) ١(

. ٤٥٧ص ٣خطط ج :المقريزي ) ٢(

٢٦

وأنها كانت من ، ن هذه القناطر تطلبت مجهودا كبيرا وأمواال ضخمة ويظهر أ

المتانة واإلبداع بمكان كبير ، وأشار إليها سعيد القاص في عدة أبيات من قصيدته التي

: رثي بها الدولة الطولونية ومن هذه األبيات قوله

بناء لو آن الجن جـاءت بمثلـه

لقيل لقـد جـاءت بمسـتفظع نكـر

د بنيت قناطر ابن طولون بآجر يماثل في الشـكل والحجـم آجـر الجـامع وق

الطولوني ، والمعروف أن الذي تولى البن طولون بناء هذه العيون هو المهندس الـذي

. شيد له بعد ذلك المسجد الجامع

: البیمارستان

ولـيس ، هـ ، المارسـتان للمرضـى ٢٥٩أنشأ احمد بن طولون في سنة

كون وقفا على المصابين باألمراض العقلية ، ولم يصل إلينا منه أنقاض أو المقصود أن ي

ايا ولم يتعرض المؤرخون الذين تكلموا عنه لرسمه أو تخطيطه ، وشرط احمـد بـن قب

. طولون أال يعالج فيه جندي وال مملوك

وأباحهما مجانـا ، امين أحدهما للرجال واآلخر للنساء مونعرف أنه جعل له ح

من غير تمييز في األديان أو المذاهب ، وادخل ابن طولون في هـذا المارسـتان للناس

ضروبا من النظام جعلته في مستوى أرقى المستشفيات في الوقـت الحاضـر ، فكـان

المريض إذا دخل تنزع ثيابه ويودع ما معه من المال عند أمين المارستان ، ثم تقدم له

كذلك كان يعطـي للمـريض ، يه وسائل الراحة ثياب أخرى وينزل به في مكان تتوافر ف

فإذا قدمت له دجاجة ورغيف فأكلهـا أذن لـه ، يتم شفاؤه حتى األدوية واألغذية مجانا

بمغادرة المارستان بعد أن ترد إليه ثيابه وماله ، وبلغ من عناية أحمد بن طولون بهـذا

فيطوف ، وم الجمعة المارستان وحرصه على راحة المرضى أنه كان يتفقده بنفسه في ي

ويبـالغ فـي ، ويشـرف علـى المرضـى ، على خزائن األدوية ويتفقد أعمال األطباء

. مواساتهم وإدخال السرور عليهم

وروي المؤرخون أن احمد بن طولون حبس على مسجده الجـامع وقنـاطره

–٨٦( ومارستانه دخل بعض األبنية ، ويذكر اليعقوبي أن الوليد بن عبد الملك األموي

. كان أول من عمل البيمارستان للمرضى ) م ٧١٥–٧٠٥= هـ ٩٦

: أخرى إنشاءات وإصالحات

٢٧

هي كل ما فعله احمد بن طولون مـن اجـل مظـاهر المنشآت السابقة لم تكن

وإنما قام بعدة إنشاءات وإصالحات تنم عما ينتظر من ، استقالله أو من أجل المصريين

في قلوب الناس ، لم يكن جامع احمد بن طولون هو المسـجد أمير يريد تأسيس مملكته

الوحيد الذي بناه ابن طولون ، إذ بني مسجدا آخر يسمونه مسجد التنور في أعلى جيل

. المقطم ، بعد أن ضاق جامع العسكر بالمصلين من جند األمين وعامة الشعب

، كان يوقد ر فرعونوويذكر المؤرخون العرب أن مسجد التنور هو موضع تن

له عليه ، فإذا رأوا النار عملوا بركوبه فاتخذوا له ما يريد ، وكذلك إذا ركب منصـرفا

من عين شمس ، ويقال أن تنور فرعون لم يزل في هذا الوضع بحاله إلى أن خرج إليه

. فهدمه وحفر تحته "وصيف قاطر ميز"قائد من قواد أحمد بن طولون يقال له

ولكنه لم يجد شيئا ،ويظهـر أيضـا أن ، ه سيجد ماال تحته ويظهر أنه ظن أن

مسجد التنور لم تقم فيه الجمع ، والمعروف أنه منذ فتح مصر كانـت هنـاك مسـاجد

ولما قدم أحمد بن طولـون إلـى . للصالة وكانت هناك مساجد جامعة تقام فيها الجمعة

سكر إلـى أن بنـي هـو مصر كانت الجمعة تقام في جامع عمرو بن العاص وجامع الع

ويذكر الشاعر الطولوني سعيد القاص مسجد التنـور .مسجده الجامع على جبل يشكر

. )١(في األبيات اآلتية من قصيدته المشهورة التي يعدد فيها مناقب الدولة الطولونية

ــة ــوق قل ــذي ف ــون ال ــور فرع وتن

ــاؤه ــروق بن ــه ي ــجدا في ــي مس بن

ــياءه ــه وضـ تخـــال ســـنا قنديلـ

عـال علـى شـاهق وعـر على جبـل

ويهدي به في الليل إن ضل من يسـري

سهيال إذا مـا الح فـي الليـل للسـفر

إصالح مقياس النيل بالروضة وقام احمد بن طولون بعدة إصالحات هامة منها

. وإصالح منارة اإلسكندريةالذي يربط اإلسكندرية بالنيل ، وتطهير الخليج

انية مدة طويلة وأمواال كثيرة ولذا نرى ابـن وقد استغرقت هذه األعمال العمر

ن ال يستطيع إرسال األموال السنوية إلى الخالفة كالمعتاد ، وتحقق لدى الخالفة ما وطول

غراضه في االستقالل بمصر ، ولهذا يبدأ الخالف والنضال بين أكان يقال عن مطامعه و

، وأيضا ٢٥٥الوالة والقضاة ص : الكندي ) ١(

Zaky M. Hassan : Les Tulunides p. 273 et.

٢٨

. )١(حمد بن طولونأة وبين الموفق أخ الخليفة المعتمد وصاحب األمر والنهي في الخالف

ولم يعد دخل مصر يتسرب إلى بيت مال الخالفة في المدينة أو دمشق أو بغداد

وبـدا ، أو سامرا ، أو إلى جيوب الوالة وأصحاب اإلقطاع بل بقيت أموال مصر فيهـا

. وادي النيل حياته لنفسه في مجموعة األمم اإلسالمية

. ٣٦الفن اإلسالمي في مصر ص : زكي محمد حسن . د) ١(

٢٩

خالدة للعصر الفاطميأبقى اآلثار الالجامع األزھر من جمادي األولى عام ٢٤يوم "جامع األزهر فيما بعد " بدأ بناء جامع القاهرة

ـ ٣٦١رمضان عام ٧وقد أقيمت أول صالة جمعة فيه يوم م ، ٩٧٠= هـ ٣٥٩ ، هـ

اسـتمر دوره فـي وومنذ ذلك اليوم والجامع األزهر مستمر في أداء دوره حتى اآلن ،

إال أنه مستمر ، وهو في خالل هذا كلـه تعـرض .. وضعف في قوة.. صعود وهبوط

. وإعادة البناء بإشراف وأمر الخلفاء والسـالطين والـوالة .. مبناه للتوسعة والترميم

الحاكم بأمر اهللا ، قايتبـاي ، الغـوري ، عبـد الـرحمن : والقائمة طويلة ، نذكر منها

عديد من األروقة ، والمدارس ، وتضم عمارة األزهر ال.. وغيرهم كثيـرون .. كتخـذا

العمـائر .. المـداخل واألبـواب .. الضريح والسبيل .. والقباب والمحاريب ، والمآذن

. والزخارف

جـامع أن األزهر لم يكن الجامعة األولى ، فقد سبقه إلى تلك الصفة والحقيقة

ر أقدم جامعـة ، إال أن األزهر كان له دور االستمرار ، فصا قرطبة ، وجامع القروييـن

وإن كان خالل مسيرته العلمية قد تعرض لإلهمـال ، خاصـة –في العالم –باقية لآلن

العصرين األيوبي ، والعثماني ، إال أنه كان يعود مرة أخرى إلى دوره بفعـل عناصـر

االستمرار التي كانت تنتقل إلى جهة أخرى ، ثم تعود ، فمثال خـالل العصـر العثمـاني

ن علمائه إلى أقاصي الصعيد فرارا من عسف الوالة األتـراك ، ونتيجـة هاجر الكثير م

.مدينة قوص لذلك كان قيام حركة أدبية في مدن صعيد مصر ، خاصة في

، فقـد كـان الحالية مساحته نصف كان صغيرا ، ويعادل المبنى األول لألزهر

بلة ، أما الرواقان يتكون من صحن مكشوف ، يحيط به ثالثة أروقة ، أعمقهم رواق الق

الجانبيان على اليمين واليسار فقد كانا قليلي العمق ، وقد توالت اإلضافات بعد ذلك حتى

أصبح الجامع القديم محصورا في قلب المبنى الحالي ، وكانـت األروقـة ذات سـقوف

مدببة تقف فوق أعمدة رخامية ، بعض هذه األعمـدة " أقواس " مسطحة تحملها عقود

جا ، أو منفردا ، وبعضها كان عبارة عن ثالثة أعمدة متجاورة ، وقد زينـت كان مزدو

عمدة ، ووريدات المناطق فوق األعمدة بمحاريب مزخرفة ، خاصة في المناطق فوق األ

في مناطق الخالخيل بين العمدة أو فوق األقواس ، وهناك شرفة فوق مـدخل الصـحن

عن خمس حطات تتصاغر ألعلى عبارة ذات ظلة خشبية ، ويحيط بأعلى السطح عرائس

ربط العقود بأربطـة خشـبية تم ، وقد " العروسة هي الشرفة الصغيرة "وسة لكل عر،

٣٠

. حتى ال تتعرض هذه العقود إلى االنكسار بفعل األحمال التي فوقها

عليه الدخول من بابه الرئيسي ، وهو باب المزينين ، ثم .. لى األزهر إالداخل

ي ممر طويل ، حيث يقع على يمينه المدرسة األقبغاوية ، وعلـى يسـاره عليه السير ف

المدرسة الطيبرسية ، فإذا فرغ من ذلك الممر ، عليه عبور مدخل آخر إلى الصـحن ،

الذي في مواجهته رواق القبلة ، والذي ينتهي بدوره إلى زيادة عبد الرحمن كتخدا ، بعد

. جدار القبلة القديم

ال العمارة الفاطمية سوى تلك الزخارف الجصية ، التي تشتمل لم يتبق من أعم

المجاز " أقواس " على وحدات كتابية حول النوافذ األصلية بالجامع القديم ، كذلك عقود

القاطع ومشتمالتها من وحدات زخرفيه ، عبارة عن عناصر كتابية ، هذا باإلضافة إلـى

جصية ، كما وأن الزخارف والكتابات المحراب الكبير ، ما يحيط به من زخارف ونقوش

المتواجدة على عقود مؤخرة الرواق الشرقي ، التي تعود إلى عصر الحاكم هي األخرى

زخارف أصلية ، ويمكن اعتبار قبة المجاز القاطع بنقوشها وكتاباتها من األعمال األولى

ر من اسـبق فالزخارف الجصية في األزهر تعتب لوعلى أي األحوا.. في عمارة األزهر

.مثيالتها في الفن اإلسالمي

: العمرانیةكتخداأعمال عبد الرحمن

أحد كبار أمراء المماليك في مصـر ، فـي العصـر كتخداعبد الرحمن يعتبر

العثماني ، له أعمال كثيرة في ترميم العمائر اإلسالمية بالقاهرة ، وإنشاء العديد منها ،

م ، بترميم مباني الجامع األزهر ، وإضافة بعـض ١٧٥٣= هـ ١١٦٧وقد قام في عام

. إليه رانالعم

فقد كان الجامع يتكون من بيت الصالة والصحن واألروقة الجانبيـة ، وكـان

عمودا من الرخام األبيض ، فجـاء عبـد الـرحمن ٧٦سقف بيت الصالة محموال على

وهي زيـادة كبيـرة ، ا ، وأضاف إلى ذلك زيادة جديدة يتسع معها بيت الصالة ،دكتخ

اشتملت على خمسين عقدا ، يحملهم خمسون عمودا جديدا من نفس طراز عقود وعمد

األزهر ، وقام بترميم مباني األزهر ، وأنشأ جدارا جديدا للقبلة ، ضم محرابـا جديـدا ،

بالطة المحراب ، وأضاف إليه منبرا بديع الصـنع ، وبجـواره كـان فوق وقبة جديدة

.وبعد ذلك أقيم محراب آخر حديث الصنع .. ب الدردير محرا

٣١

وإلى شمال هذه الزيادة أقام مبنى واسعا له باب كبير ، يؤدي إلى حارة كتانه ،

وبأعاله غرفة لتحفيظ القرآن الكريم للصبية ، وأقـام " الصعايدةباب" أطلق عليه اسم

ليـه ، إايدة مئذنـة تنتسـب ضريحا له بسقف عبارة عن قبة ، وأنشأ بجوار باب الصع

.وصهريجا ، وسبيل ماء ، ومئذنة ثانية

هذا ، وقد اهتم عبد الرحمن كتخذا بالباب الرئيسي لألزهر ، وهو مـا يعـرف

فقد أعاد بناءه ، وتمت المحافظـة علـى عناصـره " من الزينة " باب المزينين" باسم

زدوج بعقد ضحل لكل فتحـة ، األساسية ، وأعيدت إليه زخارفه الرائعة ، وهو مدخل م

ويخفف حمل البناء عن هذا العقد عقد آخر نصف دائـري بأفـاريز حجريـة بـارزة ،

وأضيف إلى المناطق المحيطة بها وحولهما زخارف نباتية بـارزة ، وشـريط زخرفـي

مناطق وتضم أبياتـا شـعرية ٩ضيق ، ثم يجئ بعد ذلك في القمة وحدات زخرفيه في

:الخطاط البغدادي ها بحروف مذهبة ، كتب

ــاما ــرا يتسـ ــم أزهـ إن للعلـ

ــوال ــاء ول ــاه ذو البن ــين واف ح

ــا ــداك وآيـ رب إن الهـــدى هـ

ــوم مــذ تنــاهي أرخــت بــاب عل

ــماء ــا سـ ــا طاولتهـ ــماء مـ كسـ

ــاء ــيم البنـ ــا أقـ منـــة اهللا مـ

ــاء ــن تش ــه م ــدي ب ــور ته ــك ن ت

ــدعاء ــاب الـ ــه يجـ ــار بـ وفخـ

عظـم اإلضـافات لألزهـر والحقيقة أن أعمال عبد الرحمن كتخدا تعتبر من أ

حتى الزخارف التي أضيفت بأمره كانت ومازالت رائعة ، منها ما هو رخامي .. الشريف

وصـفات .. ، خاصة في منطقة الضريح ، حيث نقش أسماء العشرة المبشرين بالجنـة

. ، وبعض األبيات من الشعر للنبي محمد

:المدارس

.. رسة الطيبرسية ، والمدرسة األقبغاوية أهم المدارس في الجامع األزهر هما المد

عـالء الـدين طيبـرس م ، األميـر ١٣١٩= هـ ٧١٩والمدرسة الطيبرسية أنشأها عام

، وقد انتسـبت هـذه محمد بن قالووننقيب الجيوش في دولة السلطان الناصر الخازندار

.. لصـالة ية باسمها إليه ، وقد تم استخدامها في وقت من األوقات كبيت إضـافي ل سالمدر

وكان قد أقيم بها في األصل مدرسة للشافعية وألحق بجوارها ميضـأة وسـبيال مخصصـا

لشرب الدواب ، ثم تحولت إلى مكتبة في عصر الحق ، وقد تم زخرفة عمارتها بشكل متأنق

٣٢

، واستخدام الرخام في تزويق حوائطها ، كما استخدم ماء الذهب في تلك الزخرفة ، وأقـيم

. مت زخرفته بعقود صغيرة محمولة على أعمدة رشيقة وصغيرة من الرخام بها محراب ت

فقد أنشئت بعد المدرسة الطيبرسية ، حيث تم إنشاؤها األقبغاويةالمدرسةأما

م ، بواسطة األمير عالء الدين أقبغا عبد الواحد ، الـذي كـان ١٢٣٩= هت ٧٤٠عام

وون ، وقد تخصصت هذه المدرسـة يشغل منصب استادار للسلطان الناصر محمد بن قال

لتدريس مذهب الشافعية ، ومذهب الحنفية ، إلى جانب استخدامها كمـأوى للصـوفية ،

فقد زخرفت عقودها الفسيفسـاء المذهبـة مـع تلبـيس . .وقد تم زخرفتها بشكل فخم

جدرانها بالصدف بزخارف نباتية عبارة عن أغصان تخرج من آنية للزهور ، وتلتـوي

وراق النباتية والثمار ، هذه باإلضافة إلى األفاريز الخشبية المحفـورة األل للخارج تحم

ومـن .. بزخارف إسالمية رائعة ، ولهذه المدرسة منـارة تعـرف باسـم األقبغاويـة

وقد سخر العمال في بنائها ، وذلـك .. المعروف أن األمير أقبغا قد بناها بأموال الناس

. ا بخالف طيبرس الذي كان أميرا صالح

: األروقة

ضمت أروقة األزهر العديد من أبناء العالم اإلسالمي الوافدين للدراسة ، وقـد

وقد ازداد عدد المقيمين بها على مر .. رسة فيها اسميت هذه األروقة باسم األجناس الد

الزمن ، وكانوا يحصلون على المال والجراية من األوقاف ، والمحبوسات المخصصـة

أنه لم يزل في هذا الجامع منذ بني ، عدة من الفقـراء " المقريزيكر لنا لألزهر ، ويذ

أوائل القرن التاسع الهجـري ، الخـامس –يقيمون فيه ، وبلغت عدتهم في هذه األيام

ومـن أهـل ريـف مصـر ، –أفارقة –سبعمائة رجل ما بين عجم –عشر الميالدي

ونظرا ألنهم كانوا بجوار األزهر فقـد ، " بهم فومغاوبة ، ولكل طائفة منهم رواق يعر

انـه –القرن الرابع عشر الهجري –علي باشا مباركسموا بالمجاورين ، وتدلنا خطط

حنفيا ١٢٧٨مالكيا ، ٣٨٢٦شافعيا ، ٣٦٥١مجاورا من بينهم ١٠٧٨٠كان باألزهر

. حنبليا ٢٥،

القرن التاسـع عشـر رواقا في ٢٥رواقا ، بقي منهم ٢٩وقد كانت األروقة

الميالدي ، وكان لكل رواق شيخه ، وأروقة المصريين كانت األقل ، إذ أنها كانت تمثـل

من عدد األروقة ، أكبرها رواق الصعايدة ، يليه رواق الشراقوة ، فالبحاروة ، ١/٥الـ

قـة ر المصريين ، ومن بينها أروالباقية فهي لغي ٤/٥الـ فالفيومية ، فالشفوانية ، أما

٣٣

" ، واألتـراك " لطالب سورية ، وفلسـطين ، واألردن ، ولبنـان " وام شغاربة ، والالم

ــتان ــا ، ويوغســالفيا ، وتركس ــان ، وألباني ــا ، واليون ــة " لطــالب تركي ، وأروق

منها رواق السنارية ، الجبرت ، البرناويـة ، دكارتـه صـليح ، –األفارقة –الزيالعة

، أمـا " أوغندا ، وزنجبار ، وكينيا ، وجنـوب أفريقيـا لطالب" البربر وجنوب أفريقيا

أروقة اآلسيويين ، فمنها رواق اليمنية ، الحرمين ، البغدادية ، الهنود ، جاوة ، األفغان

. وغيرهم .. ، الصين

، وهو رواق حـديث ، بنـي فـي عهـد الرواق العباسيوأشهر األروقة هو

ان شبيها بإدارة عامة لألزهر ، فكان يضـم الخديوي عباس حلمي ، وانتسب إليها ، وك

. مجلس إدارة األزهر ، ومشيخته ، وطبيبه ، ومحفوظاته

إن الطالب الغرباء كانوا يسكنون ، رحمه اهللا الدكتور حسين مؤنسويقول لنا

في حارات حول األزهر ، تخصصت لهم ، وعددها ثالث عشرة ، مثل حارة العفيفـي ،

، والسليمانيـة ، والجيزاوية ، والزهار والمناصرة ، وأشار إلـى والزرافة ، والبشاشة

أن الطالب لم يكونوا ينامون في األروقة المنسوبة إليهم ، بـل كـان الـرواق أشـبه

. بسكرتارية ومكتبة لهم ، وخزائن لهم ولكتبهم وألدواتهم

٣٤

منشئات األیوبیین العمرانیة أرسلها السلطان نور الـدين محمـود كان صالح الدين أحد ضباط الحملة التي

إلي مصر بقيادة األمير شيركوه األسدى لطرد الصليبين منها وقد نجحـت الحملـة فـي

تحقيق هدفها ، وكان الخليفة العاضد لدين اهللا قد استوزر صالح الدين فأصـبح بـذلك

. الرجل األول في الدولة

أبعد الـوزير ) م١١٧١(هـ ٥٦٧ولما قضى األمر بوفاة العاضد لدين اهللا عام

صالح الدين ، وتسلم ما كـان هاقراقوش جميع الفاطميين عن قصورهم ، واستولى علي

سـمح ) هـ ٥٦٧(فيها من المال والخزائن والتحف وباستيالء صالح الدين علي مصر

للمصريين بسكني القاهرة بعد أن كانت خاصة بالخلفاء الفواطم وأتبـاعهم ، وإن كـان

الي من قبل ، قد أذن لمن استطاع البناء أن يعمر ما شاء مـن القـاهرة القائد بدر الجم

. مستخدما في ذلك أنقاض الفسطاط

وأقام ضاحية ملكيـة ، لم ينسج صالح الدين علي منوال من سبقوه في الحكم

بل عمل شيئا جديدا ، فقد رأي أن يضم تلك الضواحي ببناء سور " القطائع " علي مثال

شاور " وكانت مصر بعد أن حرفها ، ا بقلعته الشهيرة فوق جبل المقطم حولها ثم يتوجه

تحاول النهوض لتجدد شبابها فوجدت صالح الدين يجمع النـواحي المبعثـرة ضـمن "

ر أن يكون بناء رويضم إليها ميناء المقس ثم يلتف السور حولها وق، الضواحي الخربة

وإلي تـالل ، المقس من ناحية الغرب السور من الحجر وأن يمد سور بدر الجمالي إلي

المقطم من ناحية الجنوب ثم يلتف عند بقايا مدينة الفسطاط القديمة حتى يمـس النيـل

. تقريبا

وأصبحت قاهرة األيوبيين علي يد صالح الدين عاصمة للديار المصرية كلهـا

يف إليهـا والواقع أن قاهرة األيوبيين بما أض، يسكنها الخاصة والعامة شعبا وحكومة

من أحياء وبما أقيم فيها من تحصينات حربية وعمارة مدنية ودينية قد دخلت فـي دور

، حضاري جديد منذ عهد صالح الدين الذي سيطر علي جانب كبير من الشرق العربـي

وشغل ، ولم يتم هذا المشروع العظيم ألن صاحبة شغل عنه بحمالته العسكرية في الشام

فلم يقم ، ئة الرجال المدربين للقتال وتدبير المال الالزم لتجهيزهم في القاهرة بتعب هوزير

. إال ببناء ما احتاجت إليه الدولة

٣٥

: السد العظیم

ومن أهم أعمال صالح الدين الدفاعية بناء السد العظيم علي الضـفة الغربيـة

هذا السدوقد وصف الرحالة ابن جبير ، ويبعد عن مصر سبعة أميال ، للنيل عند الجيزة

بأنه مشروع عظيم ال يقدم عليه إال مالك متنور ساهر علي أحوال رعيته وبالده ، وقال

. عنه أنه يحتوى علي أربعين عقدا من أكبر األحجام التي شاهدها للقناطر ذات العقود

، وال شك أن بناء مثل هذا السد كان لسبب عسكري هام فكر فيه صالح الدين

، ارات الفاطميين المتوالية علي مصر من ناحية الصحراء الليبيـة فإنه لم ينس تاريخ غ

حيث كان المغيرون يتقدمون سيرا حتى يصلوا إلي شاطئ النيل دون أن يقف في سبيلهم

ولهذا رأي صالح الدين أن يتحصن بإقامـة هـذا ، ما يعرقلهم من الحقول أو الجسور

. السد العظيم

: قلعة صالح الدین

ار صالح الدين إال صورة منقحة ألسوار بدر الجمالي ، أما القلعة ولم تكن أسو

مل أن يكون الباعث لصالح الدين علي إقامتها بغضه الشـديد تويح، فكانت فكرة مبتكرة

وقد رغب صالح الدين في أن يجعل القلعة ، للخلفاء الفاطميين ولقصورهم التي سكنوها

دها كقلعة للدفاع نعود إلي حمـالت صـالح ولكي نفسر كيف أراد أن يشي، مقرا لسكناه

فنظر بعينـه العسـكرية ورأي ، الدين في سوريا حيث ال تخلو مدينة سورية من قلعتها

اختار صالح الدين المكان إلقامة تلك . حاجة القاهرة إلي قلعة تحميها فتمت مشيئة اهللا

صالح الدين بتنفيـذ وقام، قدما ٢٥٠القلعة التي تحكم القاهرة علي ارتفاع ال يقل عن

م وأقام علي عمارتها األمير بهاء الـدين قراقـوش ١١٧٧مشروع بناء القلعة في عام

، ولم ينقض علي العمل ست سنوات حتى نقـش علـي األسدي أحد أمرائه المخلصين

. الباب المدرج في الضلع الغربي من القلعة ما نقرأه إلي يومنا هذا

إنشاء هذه القلعة الباهرة المجـاورة لمحروسـة بسم اهللا الرحمن الرحيم أمر ب

القاهرة التي جمعت نفعا وتحسينا وسعة علي من التجأ إلي ظل ملكه وتحصينا موالنـا

الملك الناصر صالح الدنيا والدين أبو المظفر يوسف بـن أيـوب محيـي دولـة أميـر

خليل أميـر المؤمنين في نظر أخيه وولي عهده الملك العادل سيف الدين أبي بكر محمد

المؤمنين علي يد أمير مملكته ومعين دولته قراقوش بن عبد الملك المالكي الناصري في

) . م ١١٨٤–١١٨٣أي في عام ( سنة تسعة وسبعين وخمسمائة

٣٦

فأهمل العمل مدة إلي أن كانـت ، مات صالح الدين قبل أن ينتهي بناء القلعة

وأنابه فـي حكـم مصـر ، في قلعة الجبل سلطنة الملك الكامل محمد بن العادل األيوبي

فاستمرت من بعده دار ، وجعله ولي عهده ، فأتم بناء القلعة وما برح يسكنها حتى مات

ولقد طرأت علي مبانيها تغييرات وإضافات متعـددة وال ، ١٨٥٠مملكة مصر حتى عام

. اب تري فيها اليوم من أعمال صالح الدين األولي سوى بعض أجزاء السور واألبو

ومن المظاهر المعمارية ألسوار القلعة وأبراجها أن األسوار تمتد فـي سـمك

سم ، وتنفذ في هـذا السـور ٩٠ثالثة أمتار ، ويتخلل هذه األسوار ممر يبلغ عرضه

تتوزع علي مسافات متقاربـة أبراج نات السور علي دفتحات كثيرة لإلضاءة ، وترتكز ب

أبراج نصف اسطوانية وأخـرى متجـاوزة نصـف وهذه األبراج مختلفة الشكل فمنها

. األسطوانة ومنها ما يتخذ شكل مستطيل

استخدم في بنائها كتل حجرية مسننة ، وأنه كان بأنهوتتميز األسوار واألبراج

وفي برج كركياالن ، تمثل هذا في برج الحداد ييعلوها في بعض األبراج شرفات بارزة و

المعماري في العمارة الحربية اإلسالمية قبل أن يشـيع وقد انتشر استخدام هذا العنصر

.)١(استخدامه في العمارة الحربية األوروبية

: سور القاھرة

هــ ٥٦٦سور الثالـث للقـاهرة سـنة ابتدأ السلطان صالح الدين عمارة ال

( هــ ٥٦٩وهو يومئذ وزيرا للخليفة العاضد لدين اهللا وفـي عـام ) م٧١/ ١١٧٠(

فبناه بالحجارة كما هـو عليـه ، نتدب بهاء الدين قراقوش لعمل السور ا) ٧٤/ ١١٧٢

والقلعة سورا واحدا فـزاد ) مصر القديمة ( اآلن ، وأراد أن يجعل علي القاهرة ومصر

في سور القاهرة الممتد من باب القنطرة إلي باب الشعرية ومن باب الشعرية إلي بـاب

البحري علي النيل بجانب جامع المقس إلـي ومن قلعة المقس في نهاية السور ، البحر

ثم زاد في سور القاهرة الجزء الذي يلي بـاب ) مصر القديمة ( أن يتصل بسور مصر

: لمزيد من التفصيل راجع )١(

Creswell ; Archaeological researches at the citadel of Cairo 1124

أحمـد دراج القـاهرة . تاريخ ووصف قلعة القاهرة ترجمة د : وأيضا بول كازانوفا

١٩٧٤ .

٣٧

ومن هذا البرج إلي باب البرقية ومنه إلي درب بطـوط وإلـي ، النصر إلي برج الظفر

يقـرب خارج باب الوزير ليتصل بسور قلعة الجبل فانقطع لوفاة صالح الدين من مكان

اآلن من الصوة تحت القلعة وقد ذكر المقريزي أن طول السور المحيط في أيامـه بلـغ

. وهو الذراع الهاشمي ) بذراع العمل ( ذراعا ٢٩٣٠٢

هـ في بناء السور الغربي للقـاهرة علـي ٥٦٦شرع صالح الدين في سنة

علي بعد قليـل و، وسور جوهر ، الحافة الشرقية للخليج المصري في محاذاة سور بدر

وأقام صالح الدين فعال قطعة من السور الغربي وهي الممتـدة ، منهما إلي جهة الغرب

من النهاية الغربية لسور بدر الجمالي البحري ومتجهة نحو الجنوب إلي باب القنطـرة

قوس الذي كـان يعـرف الذي أنشأه صالح الدين في السور الغربي المذكور تجاه باب ال

.بباب الرماحين

سورها الغربي ىثم رأي أن يزيد في سور المدينة البحري ومده إلي الغرب وبن

وذلك لكي يدخل في السور القسم الذي استجد خارج القاهرة ، علي النيل بدال من الخليج

ولكي ينفذ هذا المشروع أوقف بناء السور ، في الجهة الغربية منها بين الخليج والنيل

شرع بهاء ) م ١١٧٣/٧٤( هـ ٥٦٩وفي سنة . اب القنطرة الغربي علي الخليج بعد ب

الدين قراقوش في مد السور البحري من باب الشعرية إلي باب البحر بـالمقس وأتمـه

فعال وأراد أن يبني السور الغربي للقاهرة علي النيل من باب البحر إلـي فـم الخلـيج

حالت دون ذلك ، وقد ليوصل سور القاهرة بسور مصر القديمة ولكن وفاة صالح الدين

اندثر أغلب سور صالح الدين والباقي منه مبين علي خريطة للقاهرة وضـحت عليهـا

اآلثار اإلسالمية بألوان مختلفة طبعتها مصلحة المساحة بإشراف لجنـة حفـظ اآلثـار

. العربية

: قبة اإلمام الشافعي

بة أوالد ابـن دفن بتر) م ٨١٩( هـ ٢٠٤لما توفى اإلمام الشافعي في سنة

شيد السلطان صالح الـدين األيـوبي تربـة ) م١١٧٦(هـ ٥٧٢عبد الحكم وفي عام

وهي أول مدرسة أقيمـت فـي مصـر ، الصالحية ةالشافعي ، وبني بجوارها المدرس

وفـي سـنة ، وقد سبقتها في بغداد المدرسة المستنصرية ، لتدريس المذاهب األربعة

وت الخشبي الذي يعلو تربـة الشـافعي وهـذا فرغ من عمل التاب) م١١٧٨(هـ ٥٧٤

ومكتوب ، التابوت صنع من خشب الساج الهندي المقسم إلي حشوات هندسية منقوشة

٣٨

وذلـك ، عليها آيات قرآنية ، وترجمة حياة الشافعي واسم الصانع الـذي قـام بعملـه

ل سـنة ولما توفيت والدة الملك الكامل بـن العـاد ، بالخطين الكوفي ، والنسخ األيوبي

شيد الكامل قبة كبيرة ضمت إلي قبر الشافعي وقبر أوالد ابن عبد ) م١٢١١(هـ ٦٠٨

ثم أجري الماء إليها من بركة الحبش وكان الفراغ مـن ، الحكم وأفراد األسرة األيوبية

ثم أنشأ تابوتـا مـن ) ١٢١١(هـ ٦٠٨جمادي األولي سنة ٧إنشائها في يوم األحد

. يقل دقة عن تابوت الشافعيالخشب فوق تربة والدته ال

والملك الكامل محمد هذا هو منشئ مدرسة دار الحديث الكاملية الجليلـة فـي

وتقع بقايا الـدار الكامليـة علـي ) م١٢٢٥( هـ ٦٢٢، وكان ذلك في عام النحاسين

الجانب الغربي لسوق النحاسين وإلي الناحية الشمالية لمدرسة وضريح السلطان برقوق

مقريزي أن الكامل محمد أنشأ هذه المدرسة وخصصها للحـديث النبـوي ثـم وذكر ال،

فمن المؤكد أن نظام هذه المدرسة والمـدارس المماثلـة ، درس فيها المذهب الشافعي

. مشتق من نظام المسجد

: منشئات الملك الصالح نجم الدین

ـ وتنسب إلي الملك الصالح نجم الدين األيوبي المدرسة الصالحية ي وضـع الت

وبدأت الدراسة فيها فـي العـالم ) ١٢٤٢(هـ ٦٤٠ربيع األول سنة ١٤أساسها في

، التالي وذلك بالرغم من ضخامة بنائها ، وقامت علي موضع القصر الفاطمي الشـرقي

وتعتبر مئذنـة وكان أول من درس بها في المقابلة قاضي القضاة شمس الدين أبو بكر

أليوبية ولها مكانتها من ناحية التطور المعماري للمئذنةالمدرسة نموذجا فريدا للمآذن ا

.

ضـة ، قلعـة ووشيد الملك الصالح في أقصى جنوب القاهرة ، وفي جزيرة الر

وعمل لها ستين برجا وبني فيها مسـجدا وغـرس ) م١٢٣٩(هـ ٦٣٨منيعة في عام

ا شتى من األشجار وشحنها بالسالح وزودها بكل ما يلزمها وكانت هـذه بداخلها أنواع

فدانا ومنذ ذلـك الحـين شـيد النـاس ٦٥القلعة تشغل مساحة من األرض ال تقل عن

. المساكن في الجزيرة وأصبحت من المناطق اآلهلة بالسكان

احتاج السلطان صالح الدين إلي منشئات حربية ومدنية ، كان مـن أهمهـا إذ

ذاك إقامة الجسور وتطهير الترع ، وتشييد القالع واألسوار المحيطة بالبالد ، لتقيها شر

٣٩

الغارات التي تأتي إليها من جانب الفرنج تارة والفاطميين الموجودين في بقاع كثيرة من

. العالم اإلسالمي تارة أخرى

قراقـوش ومن أجل هذه المشروعات الحربية العظيمة عين األمير بهاء الدين

لكي يبذل فيها جهده وحيث اتسمت شخصيته بالصبر وبالجلد ، فلـه مواهـب هندسـية

سرعان ما كشف عنها صالح الدين وأفاد منها في حروبه فائدة ليس إلي إنكارها مـن

. سبيل

لعل أول المنشئات العمرانية التي أقامها األمير من ذلك قلعة الجبل ، بناها علي

، تم بناؤها في ن جبل المقطم ، وتشرف منها علي القاهرة كلها قطعة مرتفعة تنفصل م

عهد الملك الكامل من ملوك بني أيوب واتخذت منذ ذلك اليوم مقرا للحكومة ، غير أنـه

ما كاد األمير قراقوش يفرغ من بناء قلعة الجبل ، حتى اشتغل في بناء قلعة أخرى يقال

وبني بالقرب منه أبراجا أخرى ، علي النيل لها قلعة المقسى وهي برج كبير بناه األمير

ثم ما كاد األمير يستريح أيضا من يناء هذه األبراج والحصـون ، حتـى شـغل نفسـه

قطع الحجارة مـن األهـرام فبمشروع آخر هو إقامة سور عظيم حول مصر والقاهرة ،

. تجاه الجيزة علي مسافة بعيدة منها –الصغيرة وبناه

وحفر في القلعة بئرا وكانت هذه البئر ش علي بناء السور ، أقبل األمير قراقوو

من عجائب األبنية يدور البقر من أعالها ، وينقل الماء من وسطها ، وتدور أبقار أخري

في وسطها ، فينقل الماء من أسفلها وجميع ذلك حجر منحوت ليس فيه بناء وقيـل أن

ثم أراد قراقوش الزيـادة ، األمر وأن ماءها كان عذبا في أول ساميةمأرض هذه البئر

وكان هذا السور . )١(في مائها ، فوسعها ، فخرجت منها عين مالحة ، غيرت حالوتها

. الذي بناه قراقوش هو ثالث األسوار التي أحاطت بالقاهرة إلي عهده

بذلك أصبحت لقراقوش خبرة بمثل هذه األعمـال الحربيـة الجليلـة ، وكـان

إلي عمارة قلعة ، أو تجديد حصن ، أو تقوية جسر أو إقامة سور ، السلطان كلما احتاج

. أو بناء برج ، عهد إليه في هذا العمل، فقام به علي خير طريقة

م ، ١١٨٧هــ ٥٨٥ولعل آخر ما قام به من ذلك عمارته لسور عكـا عـام

. وذلك في أثناء المحنة الكبرى التي مرت به وبالمسلمين

. حكم قراقوش ، مطبعة مصطفي البابي الحلبي ، القاهرة : عبد اللطيف حمزة . د )١(

٤٠

: زدھار التجارة ازدیاد العمران با

وقد ترتب علي ازدهار التجارة في مصر في العصر األيوبي ازدهارا اتسم بـه

وممـا ال ، العمران المدني في القاهرة والفسطاط وقوص وعيذاب واإلسكندرية ودمياط

شك أن العمران السكندري تطور تطورا كبيرا في العصر األيوبي بسبب المكانة السامية

ويرجع سبب هذا االزدهار إلي اهتمام السـالطين ، لها علميا واقتصاديا التي كانت تشغ

ويعبر عن ازدهار العمران السكندري امتداح الرحالة ، بهذا الثغر وعنايتهم به وبمنشآته

وعمـرت ، الذين زاروها في تلك الفترة لحسن وضـعه واتسـاع مبانيـه ومسـالكه

. التي بالغ الرحالة في عددها اإلسكندرية في هذا العصر بالمساجد العديدة

وقد صحب قيام الدولة األيوبية نشاط عمراني كبير في مصر وبالد الشرق فقد

أقيم في الثمانين سنة التي دام فيها حكم هذه الدولة عددا كبيرا من العمائر وهـذا مـا

أن سجله المؤرخون وخاصة المقريزي في كتابه المواعظ واالعتبار وقد أثبت المقريزي

مما أقامة سالطين هذه الدولة من قالع وحصون وأسوار ومساجد ومدارس ومارستانات

. وقصور

ظاھر بیبرس ومنشآتھ العمرانیة ال

إن حب بيبرس للعلم لم يقف عند حد تشجيع العلماء والعطف عليهم وتقـريبهم ،

ها المدرسة الظاهرية وفي مقدمتوإنما امتد أيضا إلي العناية بإنشاء المؤسسات التعليمية ،

١٢٦٢(التي بناها السلطان الظاهر بين القصـرين ، وقد استغرق بناء تلك المدرسة عامين

، حتى إذا ما تم بناؤها احتفل بافتتاحها احتفاال كبيرا وفق ما جري العرف فـي ) ١٢٦٤–

ع الفقهاء ذلك العصر ، ذلك أن السلطان نزل إلى المدرسة في جمع من أمرائه في حين اجتم

حيث مد سماط زاخر بمختلف ألوان األطعمـة مـن ، والقضاة واألعيان في صحن المدرسة

لحوم وطيور فضال عن الحلوى والفواكه ، فأكل جميع المدعوين ، وبعد أن خلع السـلطان

هم في بناء المدرسة ، عين لها موظفيها من المدرسين والفقهاء والمؤذنين سعلى كل من أ

.راشين وغيرهم والقراء والف

وكانت وظيفة التدريس بالمدرسة جليلة القدر ، يخلع السلطان على صـاحبها

إن ، يختلف باختالف المادة التي يدرسها المدرس ، ويكتب له توقيعا من ديوان اإلنشاء

حديثا ، ويذكر المقريزي عن المدرسة الظاهرية أن أهـل كـل مـذهب أو كانت تفسيرا

، وفوض تدريس الحنيفة للصدر مجد الدين عبد الرحمن بن الصاحب جلسوا في إيوانهم

٤١

.. كمال الدين بن العديم ، وتدريس الشافعية للشيخ تقي الدين محمد بن الحسن بن زين

.)١(وأنشد جمال الدين أو الحسين الجزار يومئذ

أال هكذا يبني المـدارس مـن بنـي

لقد ظهـرت للظـاهر الملـك همـة

قتجمــع فيهــا كــل حســن مفــر

ومذ جاورت قبر الشهيد فنفسه النـ

وما هـي إال جنـة الخلـد أزلفـت

ومن يتغلـى فـي الثـواب وفـي الثنـا

بها اليوم في الـدارين قـد بلـغ المنـى

ــا ــام وأعينـ ــا لألنـ ــت قلوبـ فراقـ

فيســة منهــا فــي ســرور وفــي هنــا

ــا ــار تعجيلهــا هن ــي غــد فاخت ــه ف ل

درسة خزانة كتب يرجـع وقد جرى العرف في ذلك العصر على أن تلحق بكل م

ويستفيدون منها في البحث واالستقصـاء ، لـذلك جعـل ، إليها المعلمون والمتعلمون

–، وعين لها خازنا " خزانة كتب جليلة" السلطان الظاهر بيبرس بمدرسته التي شيدها

من العلماء ، يجيد ترتيب الكتب وتنظيمها وحفظها وإرشاد المطلعين إلى ما –أي أمينا

.يها ف

فأنشأ إلى جانـب ، ثم أن السلطان بيبرس أراد الحصول على مزيد من الثواب

وأجرى عليهم الخبز في كل يوم ، وكسوة الفصلين وسقاية " مدرسته مكتبا لتعليم األيتام

" . ) ٢(تعين على الطهارة

وهي المؤسسات التعليمية –ومن الواضح أن المدرسة ومكتبتها ومكتب األيتام

كانت في حاجة إلى مورد ثابـت لإلنفـاق منـه علـى مرافقهـا –لتي أنشاها بيبرس ا

وقف السلطان بيبـرس األوقـاف الواسـعة علـى أوموظفيها فضال عن طلبتها ، لذلك

. مدرسته لينصرف الجميع إلى أعمالهم في جو من االطمئنان وراحة الفكر

يمكن فصله عـن النشـاط والملحوظ في عصر المماليك أن النشاط التعليمي ال

.. الديني ، ألن التعليم كان مرتبطا إلى حد كبير بالعلوم الدينية من حديث وتفسير وفقه

. وبالتالي فإن األساتذة والطالب في ذلك العصر كانوا من رجال الدين

وكان النشاط الديني في عصر بيبرس ومن جاء بعده عظيما واسع األفق بعيـد

. ٥٠٤ص ١السلوك ج : المقريزي) ١(

. ١٢١ص ٧النجوم الزاهرة ج : أبو المحاسن) ٢(

٤٢

تفسير هذه الظاهرة إال في ضوء الرغبة في ظهور السـالطين فـي المدى ، وال يمكن

صورة حماة اإلسالم وأنصاره وبذلك يكسبون حكمهم صبغة شرعية في نظر المعاصرين

من ناحية ، ويعرضون ما أحسوا به من نقص بسبب أصلهم غيـر الحـر مـن ناحيـة

. )١(أخرى

:إصالح أحوال الجامع األزھر

ني في عهد السلطان بيبرس االهتمام بإنشاء الجوامـع ظاهر النشاط الديمومن

والمعروف أن الجامع األزهر ظل معطال من صالة الجمعة منذ عهد صـالح ،وتعميرها

الدين األيوبي ، حتى إذا ما ولي منصب السلطنة السلطان الظاهر بيبرس عمـل علـى

صالة الجمعة ألول إصالحه وترميمه وعين له الفقهاء والمحدثين والقراء ، وأقيمت به

) . م ١٢٦٧( هـ ٦٦٥ربيع األول سنة ١٨مرة في

هـو –كما أن الظاهر بيبرس اهتم اهتماما كبيرا ببناء جامع جديد في القاهرة

فاستحضر له الرخام واألخشاب من كافة الجهات ، –)٢(الجامع الظاهري الذي نسب إليه

لبناءين ، وعندما استولى على يافـا مـن وخصص لبنائه عددا كبيرا من المهندسين وا

الصليبين وهدم قلعتها شحن مركبا من رخامها وأخشابها إلى القاهرة ، وأمر بأن يبنـي

فعـين ١٢٦٩من هذا كله مقصورة الجامع الظاهري ، وهكذا حتى تم بناء الجامع سنة

امع بيبرس وقف عليه األوقاف السخية ، وقد جاء جأله بيبرس خطيبا حنفي المذهب ، و

آية جميلة في هندسته وتنظيمه وروعة بنائه ، وهو مربع الشكل قوام تصميمه صـحن

يحيط به أربعة ايوانات أكبرها إيوان القبلة ، وعقوده بعضـها محمـول علـى أكتـاف

والبعض اآلخر على عمد من الرخام ، أما واجهاته األربع فهي مبنية بالحجر ، في حين

الطوب ، وقد زينت أبوابه الثالثة بزخارف جميلة ، كما شيدت قبة بنيت مبانيه الداخلية ب

. فوق المحراب بإيوان القبلة ، وطول ضلعها عشرون مترا

واسعا في ميـادين كذلك شهد عصر السلطان الظاهر بيبرس نشاطا اقتصاديا و

لـى التجارة والزراعة والصناعة ، ومهما قيل من أن سالطين المماليك إنما حرصـوا ع

ورغبـة مـنهم فـي ، تشجيع اقتصاديات البالد حرصا على مصالح المماليك الخاصـة

. ٩٢زبدة كشف الممالك ص : خليل بن شاهين الظاهري) ١(

، ج ٤١٩ص ١، صـبح األعشـى ج القلقشندى، وأيضا ١٢٧ص ١أبناء الغمر ج : ابن حجر) ٢(

. ٢٦٥ص ٩النجوم الزاهرة ج : أبو المحاسن، وأيضا ١٧٤ص ١١

٤٣

استغالل موارد مصر الضخمة لبناء ثروات كبيرة ، فإن الذي يعنينـا هـو أن النشـاط

االقتصادي في ذلك العصر ظهرت آثاره واضحة في الحياة االجتماعية في مصر ، فضال

اط عبرت عن نفسها تعبيـرا عمليـا فيمـا شـيده عن أن الثروة الناتجة عن ذلك النش

وغيرها مـن المنشـآت التـي .. المماليك من قصور وجوامع ومدارس وخانات وسبل

مازالت بقاياها حتى اليوم تشهد بما وصلت إليه الحضارة في ذلك العصـر مـن رقـي

. وسمو

منذ عصر الظاهر بيبرس بصـفة –، فقد شهدت مصر أما في ميدان التجارة

نشاطا تجاريا وزاسعا حتى صارت تمثل الطريق الرئيسي لتجـارة الشـرق ، –خاصة

بي البتياع ما يلزمهم من بخور ووالمركز التجاري الكبير الذي يقصده تجار الغرب األور

وتوابل وغيرها من محاصيل الشرق ، وهنا نشير إلى أن غزوات المغـول فـي أقـاليم

سيا الصغــرى ، آشر ، واحتاللهم فارس والعراق والشرق األوسط في القرن الثالث ع

كل ذلك أدى على تعطيل كثير مـن طـرق .. والعداء بين مغول فارس ومغول القفجاق

التجارة بين الشرق والغرب وبخاصة طريق الخليج ، فبغداد فمواني الشام ، أو طريـق

م يبـق ثمـة فالبحر األسود ومواني آسيا الصغرى ، وهكذا ل، فشمال العراق ، فارس

طريق بعيد عن خطر المغول آمن من عبثهم غير طريق البحر األحمر ، فتحـول إليـه

الجزء األكبر من تجارة الشرق األقصى ، وصارت متاجر الشرق تأتي إلى عدن ومنهـا

ما إإلى مواني مصر مثل عيذاب والقصير والقزم ، وبعد ذلك كانت تنقل محاصيل الشرق

ل إلى دميـاط واإلسـكندرية حيـث يحصـل عليهـا التجـار عن طريق القوافل أو الني

. بيون ، وبخاصة تجار ايطاليا كالبنادقة والبيازنة والجنوية واألور

فشـجعوا ، وقد أدرك سالطين مصر أهمية التجارة الخارجية لهـم ولـدولتهم

بيين على المجيء إلى المواني المصرية البتياع ما يلزمهم من محاصـيل والتجار األور

وبخاصـة دميـاط –بيـون فـي المـدن المصـرية وشرق ، وهكذا كثر التجار األورال

وصار لكل جالية منهم قنصل يشرف على شئون أفراد الجالية ومصالحها –واإلسكندرية

. )١(االقتصادية

وأدركوا أن التجارة مع مصر تعود عليهم بثروة طائلة ال غنى لهـم عنهـا ،

٤١زبدة كشف الممالك ص : ن شاهين الظاهريخليل ب) ١(

٤٤

والعصـور التـي –ي عهد السلطان الظاهر بيبرس وهكذا ظلت تجارة مصر الخارجية ف

. تمثل المورد األول لثروة البالد –تلته

: واق ـــاألس

لـت فالتجارة الداخلية عندئذ اقل نشاطا من التجارة الخارجيـة ، إذ ح نولم تك

القاهرة باألسواق الزاخرة التي انفرد كل سوق منها بنوع معين من البضائع ، فسـوق

، وسوق الدجاجين اشتهر ببيع الدجاج والطيور الداجنة ، تص ببيع الشمع الشماعين اخ

. )١(وهكذا.. وسوق السالح اشتهر ببيع القسي والنشاب

وقد تشابهت هذه األسواق في كافة المدن المصرية من حيث نظامها ، فامتازت

يـه حوانيتها بصغر حجمها وبوجود مكان في مقدمة الحانوت يشبه المصطبة يجلس عل

التاجر ومن يتردد عليه من العمالء والزوار ، وقد دأبت الحكومة علـى فـرض رقابـة

ال يمكن ذوي البيـوع " شديدة على التجار لمنعهم من الغش والتالعب ، فكان المحتسب

، أن يغبنوا ضعفاء الرعايا أشياءهم ، وال يفسح لهم أن يرفعوا على الحـق أسـعارهم

.)٢(ويبخسوا الناس أشياءهم

: وإنشاء القناطر والجسوراالھتمام بالزراعة والري

لى توفير أما عن عناية السلطان الظاهر بيبرس بالزراعة فتتضح في حرصه ع

لكثرة ما كان " ر من القناطر والجسور ير الذي دفعه إلى بناء كثالماء لري األرض ، األم

، ومن أهم القنـاطر )٣("يشرق من األراضي في كل سنة ، فانتفعت البالد بهذه القناطر

والجسور التي أنشأها بيبرس تلك القائمة على بحر أبي المنجا والتي وصفها المقريزي

ن كانت إو، وال تزال بقايا هذه القناطر باقية حتى اليوم " بأنها أجل قناطر أرض مصر "

ير غير مستعملة بسبب تحويل مجرى الماء ، هذا عدا قنطرة منية السيرج وقنطرة القص

وقنطرة خليج اإلسكندرية وقنطرة شبرا منت وغيرها ، وثمة قنطرة مشـهورة أنشـأها

القنطـرة " السلطان بيبرس على الخليج المصري ، نسبت إليه فسماها ابـن دقمــاق

ألنه وضـع " قنطرة السباع " وإن كان اسمها الشـائع في المراجـع هو " الظـاهرية

. وما بعدها ١٥٣ص ٣المواعظ واالعتبار ج : المقريزي) ١(

. ٢١٣–٢١٠ص ١١صبح األعشى : القلقشندى) ٢(

. ٤٤٦ص ١السلوك ج : المقريزي) ٣(

٤٥

، واستخدمت )١(السلطان بيبرس نفسه) رنك(شعار عليها سباعا من الحجارة تشير إلى

. هذه القناطر أيضا في االنتقال من جانب إلى آخر من جانبي الخليج

ع بين حين وآخر تروالمعروف أن العناية بالزراعة في مصر تستلزم تطهير ال

ا ع تعرضت لالنسداد ، ممترنه إذا أهمل تطهير الأمما يتراكم فيها من طمي الفيضان ، و

ينزل أفدح الضرر باألراضي المزروعة ،لذلك أهتم السلطان الظاهر بيبـرس بتطهيـر

وبحـر " وكان قد ارتدم بـالطين " ع وحفر الخلجان وإصالحها ، فحفر اإلسكندرية ترال

بالقليوبيـة وخلـيج ) الصمصـام ( وبحر الصماصـم " وكان قد عمي " أشموم طناح

ع حفرهـا تـر هذا عدا عدد آخر كبير مـن ال سردوس بالشرقية ، وأصلح بحر دمياط ،

بيبرس ودأب على حفرها حتى يروي أبو المحاسن أنه حفر في ترعة أبي الفضل وحدها

. ألف قصبة

وجدير بالذكر أن إصالحات بيبرس في ميدان الزراعة لم تقتصر على اإلقلـيم

بـالغور جسـورا كثيـرة " المصري ، وإنما امتدت إلى بالد الشام حيث أنشأ بيبـرس

، ومنها جسر بقرية دامية بالغور على نهر الشريعة ، وقد وقف عليه بيبرس " والساحل

. )٢(وقفا للصالح ما يتهدم منه

تشـهد بـذلك أما عن الصناعة فقد وصلت إلى درجة فائقة من الجودة والدقة

واألوروبية المتاحف العربية والتي تزخر بها ، واآلثار التي ترجع إلى ذلك العصر االبقاي

دور اآلثار في جميع أرجاء العالم ، ولم تقتصر المهارة الفنية للعمال والصناع على مـا

خلفوه من صناعات دقيقة في األسلحة والزجاج والخزف والنسـيج والحلـي المعدنيـة

وغيـرها ، وإنما ظهرت أيضا في الفنون الكبرى كالعمارة والتصوير والنحت ، وحسبنا

.مع السلطان بيبرس بعقوده المحمولة فوق أكتاف وأعمدة من الرخـام ما نلمسه في جا

وقبته الكبيرة الواقعة فوق المحراب ، لـنحكم علـى ، بوابه المزينة بزخارف جميلة أو

هذا إلى روعة النقوش المنحوتة على إفريز قناطر أبي .. مهارة الصناع في ذلك العصر

وتمثل هذه النقـوش م١٢٦٦بيبرس سنة وهي القناطر التي شيدها السلطان –المنجا

سباعا متجهة إلى الجنوب الشرقي ورءوسها منظورة من األمام ، ولكل منهـا شـارب

هو رنك السلطان الظـاهر كان لكل واحد من السالطين المماليك رنك أو شعار خاص به ،و والسبع ) ١(

. بيبرس

. ١٩٤النجوم الزاهرة ج ص : أبو المحاسن) ٢(

٤٦

وأذنان دقيقتان ومدببتان ، وعينان ملوزتان وذنب مرفوع على ظهره ، وتعتبـر هـذه

. )١(النقوش بالذات من أروع أمثلة النحت في عصر المماليك إطالقا

فكانوا أحسن حاال من الفالحين صناع وأرباب الحرف في ذلك العصرأما عن ال

، إذ وجدت لكل حرفة نقابة تنظم شئون المشتغلين بها ، وتحدد معاملتهم فيما بيـنهم ،

أو بينهم وبين الجمهور ، كذلك كلن لكل نقابة من نقابات الحرف رئيس أو شيخ يرأسهم

يهمهم السيما في الوساطة بيـنهم وبـين ويفض مشكالتهم ، ويرجعون إليه في كل ما

. الحكومة

: منشآت أخرى لبیبرس

بني فـي أيامـه " أما عن منشآت السلطان بيبرس فقد قال عنها أبو المحاسن

ن في أيام الخلفاء المصريين وال ملوك بني أيوب مـن األبنيـة ببالديار المصرية ما لم ي

، ولم يكن المؤرخ أبـو )٢("والحمامات والرباع والخانات والقواسير والدور والمساجد

المحاسن مبالغا فيما ذكره ، ألن السلطان الظاهر بيبرس كان بناء فـعال ، إذ أقام كثيرا

ليه فسميت إمن المنشآت الدينية من أنه بني بالشرقية قرب العباسية قرية جديدة نسبت

. )٣("بها جامعا وأنشأ" الظاهرية

، فإن الظـاهر ور ، والقناطر التي شيدها بالديار المصريةوباإلضافة إلى الجس

، وجدد عدة قالع مثل قلعة السويس وقلعة " أنشأ عدة جوامع بالديار المصرية " بيبرس

. )٤(ببرقة نالعموديي

إلى كثير من أنحـاء الحجـاز والعمران وأخيرا فإن يد بيبرس امتدت بالتعمير

وجعل بالضريح " بره ، الحرم النبوي بالمدينة وعمل منوالشام ، من ذلك أنه أتم عمارة

المستشفى ( ، وذهب سقوفه وحدده وبيض حيطانه ، وجدد البيمارستان ابزينالنبوي دار

األدوية ( واألشربة لحاواالك) المراهم ( سائر المعاجين بالمدينة النبوية ، ونقل إليه )

" .، وبعث إليه طبيبا من الديار المصرية )

، وأيضا أطلس الفنون الزخرفيـة والتصـاوير ٦٣٩–٦٣٨فنون اإلسالم ص : زكي محمد حسن) ١(

. ٥٠٠، ٢٦٨اإلسالمية ص

. ١٩٠ص ٧النجوم الزاهرة ج : أبو المحاسن) ٢(

. ٥٦٤ص ١ك ج السلو: المقريزي) ٣(

. ١٩٢ص ٧النجوم الزاهرة ج أبو المحاسن) ٤(

٤٧

وأصلح أبوابه ، وجدد قبته ، وفي الشام رمم بيبرس مقام الخليل عليه السالم

وأنشأ بها خانا للسبيل ، ضأته ، كما أصلح ما كان قد تهدم من قبة الصخرة بالقدس يوم

. وبني مسجدا وطاحونا وفرنا وبستانا

را ، ا كبيفوقف عليه وقأكذلك وسع مشهد جعفر بن أبي طالب رضي اهللا عنه و

يطول " هذا كله عدا الجوامع التي بناها وجددها في قاقون وغيرها من مدن الشام والتي

، فضال عن القالع واألبراج والخانات والسبل التي شيدها في أنحاء " الشرح في ذكرها

. الشام

ومن الواضح أن دمشق فازت بنصيب األسد من تلك المنشآت ، فجدد شـرفات

براجها التي كانت قد هدمها المغول ، وبني بها حماما ، كمـا جـدد ورءوس أ، قلعتها

، مشهد زين العابدين رضي اهللا عنه بجامع دمشق ، وأمر بتـرخيم الحـائط الشـمالي

الـذي شـيده بيبـرس القصر األبلقوتجديد باب البريد وفرشه بالبالط ، هذا كله عدا

. )١(بالميدان في دمشق ، وما حوله من العمائر

هكذا نجد أن حروب بيبرس الطويلة ضد المغول والصليبين لم تصرفه عـن و

. اإلنشاء والتعمير

: األسطول بنـــاء

، اهتم أيضا بـأمر األسـطول لم تقتصر عناية بيبرس على العناية بالجيش بل

يكن الصليبيون قـوة مفالخطر الصليبي والمغولي في بالد الشام كان ال يزال قائما ، ول

فـي صية فحسب ، بل كانوا قوة بحرية أيضا ، وحسبنا ما قام به ملوك جزيرة قبـر بر

فضال عـن تهديـدهم ، ذلك الوقت من تقديم المعونة عن طريق البحر للصليبين بالشام

تجارة دولة المماليك في شرق حوض البحر المتوسط ، هذا باإلضافة إلى األخبار التـي

با باستعداد لويس ملك فرنسا للقيام بحملـة ورب أوركانت ترد بين الحين والحين من غ

صليبية جديدة على الشرق ، وهي األخبار التي ثبتت صحتها عندما هاجم لويس التاسع

، ولهذه األسباب كلها اهتم السلطان الظاهر بيبرس بأمر األسـطول ١٢٧٠تونس سنة

.والبحرية اهتماما يسترعى النظر

على أن األسطول المصري كان قد وصل إلـى التاريخيةوقد أجمعت المراجع

. فوات الوفيات: ابن شاكر الكتبي) ١(

٤٨

وكان قد أهمل أمـر " حالة من الضعف عند قيام بيبرس في السلطنة ، فالمقريزي يقول

ولكن بيبرس حرص علـى إحيـاء األسـطول " .. خذ األمراء رجاله أالسلطان بمصر و

س من أن وإعادته إلى ما كان عليه في أيام الملك الصالح نجم الدين أيوب ، فمنـع النا

، وأعاد رجال األسـطول إلى الخـدمة ، وأمــر ببنـاء السفن يتصرفوا في أخشـاب

تكامل عنده ببر مصر مـا " ، وهي السفن الحربية الكبيرة حتى " الشـواني " عدد من

، وتـذكر )١("ينيف على أربعين قطعة وعدة كثيرة من الحراريق والطرائـد ونحوهـا

ن ينزل بنفسه إلى دار الصناعة بجزيرة الروضة ويشرف المراجع أن السلطان بيبرس كا

بثغري " شواني " ، فضال عن أنه أنشأ عدة " ويرتب ما يجب ترتيبه " على بناء السفن

هو الذي شجعه علـى أسطولهدمياط واإلسكندرية ، والشك في أن شعور بيبرس بقوة

قد انتهت بتحطـيم ، وإذا كانت هذه المحاولة م١٢٧٠محاولة غزو جزيرة قبرص سنة

األسطول المصري بفعل الرياح على شاطئ قبرص ، فإن ذلك لم يدفع بيبرس إلى اليأس

. )٢("ضعفي ما انكسر " من السفن عدد نما سارع إلى إنشاء إو

. ١٣٧–١٣٦الظاهر بيبرس ص : محمد جمال الدين سرور) ١(

. ٤٤٧ص ١السلوك ج : المقريزي) ٢(

٤٩

: قالوون ومنشآتھ العمرانیة الناصر

رت انفرد الناصر بن قالوون بين سالطين المماليك بطول مدة حكمه ، فقد استم

أيام سلطته الثالثة وحدها اثنتين وثالثين سنة تقريبا ، كما امتاز هو عن معظم هـؤالء

وترعرع في أحضانه ، ذلك الحـب السالطين بحب عميق للبلد الذي ولد تحت سمائه ،

، وقد سار على نهجـه الذي انعكس بأجلي صوره فيما قام به من تعمير وعمران البالد

ا نودي في الناس أال يبقى احد حتى يعمر ، وذلك أن النـاس وكأنم" الناس في عصره ،

. كما يقول المقريزي في سلوكه " على دين ملكهم

والواقع أنه منذ قدم الناصر من الكرك في سلطته الثالثة إلى أن مات وهو في

حركة تعمير متواصلة للبالد ، ال يكاد ينتهي من مشروع حتى يبدأ مشروعا جديدا ، وقد

ت كلها مشروعات حيوية ، عظيمة الفائدة للبالد ، قصد بها أول مـا قصـد منفعـة كان

. الناس عامة ومنفعة الفالحين خاصة سواد الشعب

والمنشآت التي يمكن أن يقال أنها أقيمت لمصلحته الخاصة ال تكاد تتعدى ثالثة

الذي يشغله اليوم في المكان، القاعات السبع التي بناها ألجل جواريه داخل القلعة: هي

والقاعات السبع التي أنشأها خارج قلعة الجبل ، في المنطقة المعروفة قصر الجوهرة ،

، وقد خصصها لبناته لينزلن فيهـا للفرجـة اليوم بقلعة الكبش قرب مسجد ابن طولون

التي آمر بحفرها واآلبار العشرةعلى مواكب السلطان في اتجاهها إلى الميدان الكبير ،

وأمر بتركيب ) أي ما يقرب من عشرين مترا ( ل عمق كل منها نحو أربعين ذراعا وجع

حتى ، ويجري عليها إلى القلعة ، السواقي عليها حتى يرتفع الماء من النيل إلى القناطر

تزيد بذلك كمية المياه في داخل القلعة ، وهذا المشروع األخير لم يقتصر فائدتـه علـى

وكانت فيها دواوين الدولة ، ن القلعة كانت يومئذ مقر الحكم أل، شخص الناصر وأسرته

. وقصور األمراء

أما المنشآت العامة فكثيرة يكاد يخطئها العد ، ولذلك سنختار منها ما نعتقد أنه

. أولى بالذكر من غـيره

ولقد كان من أثر حماسته للتعمير واإلصالح أن ارتقت القاهرة حتى سادت في

فق عليها ، وامتدت التـرع والجسـور فـي تن لم يإظم عواصم العالم حينئذ المنزلة مع

. معظم أراضي البالد ، ووصل الماء إلى أماكن ما كان يصل إليها من قبل

٥٠

ولقد كانت هواية الناصر للصيد من العوامل التي ساعدت على توسيع دائـرة

البالد سواء في أعاليها أو جل هذه الهواية إلى شتى أنحاء أإذ كان يركب من ، التعمير

قد أحوال البالد بنفسـه ، والنظـر فـي جسـورها ففي أسافلها ، فأتاح له ذلك فرصة ت

وترعها ، وقناطرها بحيث أنه لم يدع في أيامه موضعا منها حتى عمل به ما يحتاج إليه

.

ولقد اتجه في تعميره إلى العاصمة كما اتجه إلى الريف ، وحظيت األولى بكثير

فجعلت منها عاصمة جميلـة ، ن العمائر والبساتين التي انتشرت في جوانبها المختلفة م

. كأحدث وأجمل ما تكون العواصم

ممـا زاد ، وحظي الريف بالترع والجسور الكثيرة ، والطرق المائية المتعددة

في رقعة الراضي الصالحة للزراعة ، وبالتالي كثـرت الغــالت والخيـرات ، وسـهل

ال من مكان إلى مكان ، وراجت التجارة ، وظهرت مدن جديدة لم تكن موجودة من االنتق

. قبل

ومن أهم منشآته في مدينة القاهرة الميدان العظيم ، والقصر األبلق ، واإليوان

والميدان الناصري ، وبستان بـاب اللـوق ، وقنـاطر ، ومسجد القلعة ،وحوش الغنم

. السباع

قد أنشأه تحت قلعة الجبل بعد جلوسه على العـرش فـي ف الميدان العظيمأما

فصـارت جمـالهم ، سلطنته الثالثة بأربع سنـوات ، وقد وزع العمل فيه على األمراء

وركبت عليها السواقي ، وغـرس فيـه ، تنقل الطين إليه حتى امتأل ، وحفر فيه اآلبار

ا بني خارجه حـوض النخيل واألشجار المختلفة ، وأحاطه بسور عظيم من الحجر ، كم

ماء للسبيل ، وكان يلعب فيه الكرة مع األمراء ، وال يزال هذا الميدان موجـودا تحـت

.أو الميدان األسود " قرة ميدان " اسـم

فقد أنشأه فوق الميدان السالف الذكر ، وقد حرص على أن القصر األبلقوأما

بعد أن ارتفعت مكانة مصـر –يجعله من أعظم أبنية عصره وال عجب فقد كان طبيعيا

أن يهتم ببناء هذا القصـر اهتمامـا –في عهده إلى تلك المنزلة السامية التي عرفناها

عظيما ويستدعى له من دمشق مهرة البناءين والمزخرفين ليساهموا مع مهرة الصناع

في مصر على إبداعه ، وقد كانت واجهته مكونة من أشرطة عريضة متوازيـة لونهـا

٥١

وأصفر على التوالي ، وهذا ناتج من استعمال نوعين مختلفين من الحجر لكل نوع أسود

وتسـميته ) مدماك أسود ومدماك أصفر ( األسود واألصفر منهما لون واحد من اللونين

، بالقصر األبلق إنما جاءت من هذه الظاهرة التي لعبت دورا هاما في العمارة اإلسالمية

ها ، وقد زهر ألول مرة في العمارة اإلسـالمية فـي قصـر حيث كادت تصبح علما علي

الظاهر بيبرس القائم حتى اآلن في ميدان الظاهر بالقاهرة ، ومن أبواب القصر امتـدت

دهاليز إلى الداخل مفروشة بالرخام ومغطاة بأبسطة جميلة ، أما الجدران من الداخل فقد

وكانت السقوف كلها مذهبة ، مموهة كانت تزدان بالرخام وبالصدف وباأللوان الجميلة ،

بالالزورد ، وكانت النوافذ تسدها شبابيك من الحديد جميلة الصنع ، وكانت هناك طاقات

تخترق الجدران ومغطاة بالزجاج المختلف األلوان ، أما أرضية القصر فقد فرشت كلهـا

آية في بالرخام المنقول من شتى أقطار األرض ، ويشرف القصر على بساتين وساحات

الروعة والجمال ، وقد كان السلطان يجلس على تخت الملك المنصوب بصـدر اإليـوان

في هذا القصر يستقبل الوفود في سائر أيام األسبوع ماعدا يـومي االثنـين ، الرئيسي

" فقد كان يجلس فيهما في اإليوان ، وهذا اإليوان كان موجودا بالفعـل قبـل ، الخميس

لده السلطان قالوون ، وجدده بعد الملك األشرف خليل ، وبعـد أن إذ أنشاه وا" الناصر

استقر الناصر في سلطنته الثالثة بنحو عشرين عاما رأي أن يعيد ويزيد فيه ، فأنشأ به

ة حملت إليه من بعض معابد الصعيد ، ونصـب فـي مقبة جليلة ، وأقام فيه عمدا عظي

وأثثه بأفخر األثاث من البسط الفاخرة ، صدره سرير الملك وقد كان من العاج واآلبنوس

والستائر الرائعة ، ورتب له من الخدم والحشم بحيث أصبح يبهر أنظار الزائـرين مـن

وقد جعـل أمامـه رحبـة ،األجانب ، ويأخذ عليه أنفاسهم عندما يشاهدونه ألول مرة

ـ ومزخـرف فسيحة مستطيلة تزيد من جالله ، وتعظم من شأنه ، وله باب مسبوك ن م

الحديد بصناعة بديعة ، وكان موضوعه في المكان الذي يشغله اليوم مسجد محمد على

.بالقلعة

وأما المسجد فقد كان من الطبيعي ان ينشئه إلى جانب القصر واإليوان ، وهو

ولكنه هدم مسجدا صغيرا وبنى مكانه مسجدا كبيرا أدخـل ، في الحقيقة لم ينشئه إنشاء

األخرى المجاورة لكي يجعله واسع األطراف ، يتناسب فـي اتسـاعه فيه بعض األبنية

أرضه مفروشة : وعظمته مع عظمة الدولة على عهده ، ومن هنا جاء آية في اإلبداع

بالرخام ، وسقفه محلي باأللوان الذهبية ، وفي صدره قبة عالية ، وبه مقصورة تحـيط

له مئذنتان تعتبران من أروع المآذن باألروقة ، وبها شبابيك الحديد المحكمة الصنع ، و

٥٢

في مصر، لهما مظهر غريب يميزها عن باقي المآذن المصرية ، وقد كسيتا من أعلـى

. بألواح القاشاني

، واستدعى جميـع مـؤذني " الناصر قالوون " وعندما تم بناء المسجد جلس

إلى أذانهـم ، القاهرة ومصر ، وجميع القراء والخطباء ، وعرضوا بين يديه ، واستمع

وخطابتهم ، وقراءتهم ، فاختار منهم عشرين مؤذنا رتبهم فيه ، وقرر فيه درس فقه ،

. ته اوجعل عليه أوقافا تكفيه وتفيض عن حاج، وقارئا في المصحف

الذي أنشأه للعناية بتربية األغنام واألبقار واألوز ، فقد كان " حوض الغنم" أما

في األصل محجرا تقطع منه الحجارة الالزمة للبناء ، وأصبح في القلعة ، في بقعة كانت

غورا عظيما ، فأمر بإزالة التراب منه ، وكلف األمراء بالعمل في ذلك مـع ممـاليكهم

ورجالهم ، وكان يستحث األمراء على االنتهاء من هذا العمل في أسرع وقـت ، وكـان

استمر العمل ستة وثالثـين يومـا هؤالء بدورهم يستحثون العامة لكي يفرغوا منه ، و

حتى انتهى ، وأجريت إليه المياه ، وأقيمت به األغنام واألبقار ، وبنيت فيه بيوت األوز

.

فيهـا مـن أوجـه " الناصـر " ولنترك القلعة إلى القاهرة حتى نرى ما أحدثه

ل ، والـذي التعمير والعمران ، ولعل أهم ما يذكي له هنا الميدان الكبير الواقع على الني

. كان يعرف بالميدان الناصري نسبة إليه

وإذا أردنا أن نحدد موضوع هذا الميدان اآلن على وجه التقريب وجدنا إنه كان

، وكان يحده مـن الشـمال " جاردن ستي " يشغل الموضع الذي تقوم فيه اليوم منطقة

والـدة باشـا ، شارع رستم ، ومن الشرق شارع القصر العيني ، ومن الجنوب شارع ال

ومن الغرب شارع القصر العالي ، وقد خصص الناصر هذا الميدان لسباق الخيل التـي

. عرفنا مدى عنايته بها طوال حياته

فقـد " الناصـر " من المنشآت التي سبقت في وجودها عهـد وقناطر السباع

ـ ، شيدها من قبل الظاهر بيبرس فوق الخليج بين مصر والقاهرة باعا وجعل عليهـا س

كه كما يقـول مؤرخـو نشعار هذا السلطان أو ر" السبع " حجرية ترمز إليه ، فقد كان

الميـدان الناصـري ، " الناصر " العصور الوسطي ، وقد كانت عالية مرتفعة فلما انشأ

طر السـباع هـذه ، اوتردد إليه كثيرا صار ال يمر إليه من قلعة الجبل دون أن يركب قن

٥٣

وقال لألمراء أن هذه القنطرة حين أمر عليها يتـألم ظهـري مـن فتضرر من علوها ،

ويقال أنه أشاع ذلك ، والقصد إنما هو كراهته النظر إلى أثر أحد من الملـوك ، علوها

ضه أن يذكر ألحد غيره شيء يعرف به ، وهو عندما يمر بها يرى السـباع غقبله ، وب

بناءها لتبقى القنطرة منسوبة إليـه فأحب أن يزيلها ويعيد، التي هي رنك الملك الظاهر

، ومعرفة اآلثار به ، ومعروفة به ، كما يفعل دائما في محو آثار من تقدمه وتخليد ذكره

وأمر بهدم قناطر السـباع وعمارتهـا ، ونسبتها له فاستدعى والي القاهرة والمهندس

سـنة خمـس أوسع مما كانت عليه بعشرة أذرع وأقصر من ارتفاعها األول ، وتم ذلك

في أحسن قالب ، ولم يضع سباع الحجر عليها ) م١٣٣٤( هـ ٧٣٥وسبعمائة وثالثين

ونزل ، فأقام به ، ي قد مرض ونزل إلى الميدان الناصري نوكان األمير الطنبغا الماردا،

ي ما يتحدث به العامة من أن السلطان لم يخرب قناطر نإليه السلطان مرارا فبلغ الماردا

بكسر سباع الحجر ورميهـا فـي رمأد بناءها إال حتى تبقى باسمه ، وأنه السباع ويعي

وركب إلى القلعة وسر ، البحر ، واتفق أن يشفى الطنبغا عقب الفراغ من بناء القنطرة

وسأله عما إذا كانـت أعجبتـه ، السلطان بلقائه ، وجاء ذكر القنطرة في حديثهما معا

كيـف ؟ فأجابه : فقال السلطان " ها ولكنها ما كملت واهللا يا خوند لم يعمل مثل" فأجابه

السباع التي كانت عليها لم توضع مكانها ، والناس يتحدثون أن السلطان له غـرض "

فامتعض السلطان لذلك وأمر في الحـال بإعـادة " في إزالتها لكونها رنك سلطان غيره

. السباع إلى ما كانت عليه ، وقد تم ذلك بالفعل

يدعو إلى العجب أن تثار هذه اإلشاعة حول السلطان على الرغم مـن ولعل ما

من األمور التي ال ينكرها إنسان فـي تالح والتعمير وإقباله عليهما كانأن محبته لإلص

ولكن لم يخل عصر من العصور من أشخاص يسيئون الظن بأعمال غيـرهم ، ، عصره

وينسـجون مـن ، اطن األمـور ويتصيدون األسباب إلظهار أنهم من المطلعين على بو

أن اإلشاعة التـي واعتقد خيالهم قصصا يفسرون بها أعمال الناس حسب هواهم ، وفي

شاعت عن الناصر عندما أراد توسيع قناطر السباع وتخفيض ارتفاعها هي مـن هـذا

، القبيل ، وإال لو صحت لكان جديرا بالناصر أن يهدم كل آثار من تقدمه من السـالطين

ويحـاول أن ، يرة أو على األقل كان يمحو أسماءهم ورنوكهم من هذه اآلثـار وهي كث

بالقلعة الذي كان وال يـزال " الباب المدرج " وأمامه على سبيل المثال ، ينسبها لنفسه

أما ، وإلى وزيره قراقوش ، يحمل رنك صالح الدين واللوحة التأسيسية التي تشير إليه

.أو يعدل فيه ثم يثبت اسمه عليه كان األجدر أن يبدأ به فيهدمه

٥٤

أي المهر وهـو ولـد " ميدان المهار" " الناصر " وبجوار قناطر السباع أنشأ

الفرس وقد كان الدافع إلى انشائه أن يجعل جميع خيوله به ، ولقد نقل إليـه الطـين ،

) يـل أي أنثى الخ( وزرع فيه النخل ، ولعب فيه الكرة مع األمراء ، ورتب فيه الحجرة

للنتاج ، وكان يتردد عليه كثيرا ، وقد احتفظ عنده بسجل كان يقيد فيه تاريخ كل فـرس

يقتنيه ، فيثبت فيه اسم صاحبه األصلي ، وتاريخ مولده ، وتـاريخ شـراءه ، وتـاريخ

. حمله وترقب الوقت الذي تلد فيه

ف الزراعة ، احضر له سائر أصنا وعند باب اللوق انشأ السلطان بستانا عظيما

، كما استقدم له من بالد الشام الخولة ، والمطعمين الذين يحذقون فن تطعيم األشجار ،

ويقول المقريزي أن المصريين قد تعلموا فن تطعيم األشجار منذ إنشاء هذا البسـتان ،

.وإنهم اعتنوا بهذا الفن بعد ذلك عناية كبيرة

على ناحية بوالق ، وأصبح خطـره وقد علم الناصر أن النيل قد قوي اندفاعه

على القاهرة عظيما ، فأمر بإحضار المهندسين لمشاورتهم في ذلك ، ثم خرج معهم إلى

ة الموضع على الطبيعة ، واستقر الرأي على أن ينشأ في الجزيرة الوسطي نالنيل لمعاي

خليج يدخل إليه الماء ، ويعمل جسر وسط النيل يكون مثابة سـد يمتـد مـن جزيـرة

الروضة إلى الجزيرة الوسطي ، فإذا جاء وقت الفيضان ، وارتفع النيل ، جـرى المـاء

إلى الخليج المحفور في الجزيرة الوسطي ، وحال السد المقترح عمله دون اندفاع الماء

إلى بوالق وبالتالي حال دون تهديد القاهرة بالغرق ، وتحول إلى ناحية الخليج وناحيـة

. إمبابة

، وقطعت األحجار وألقيت في النيل ، وكـان فر الخليج وعمل السدوبدئ في ح

السلطان حريصا على إتمام هذا المشروع في أسرع وقت ، فكان ينزل بنفسه إلى مكان

العمل ، ويستنهض همم العمال ، ويستحثهم على السرعة ، حتى تم العمل في مدة شهر

.

لقاهرة من خطر محقـق كـان وقد نجح هذا المشروع نجاحا عظيما ، ونجت ا

يتهددها كل عام من الفيضان ، وفرح الناس ، واطمأنوا على حياتهم ، وكان أعظمهـم

. فرحا هو السلطان الذي اهتم بالمشروع ،ولم يبخل عليه بالمال أو الجهد

ولكن الناصر لم يقتصر في إصالحاته على العاصمة بل اتجه أيضا إلى الريـف

٥٥

ن لم يزد إصيبا وفيرا ال يكاد يقل عن النصيب الذي أعطاه للعاصمة ومنحه من عنايته ن

، وقسم العمل فيه " سرياقوس " عليه ، فقلد أمر بحفر خليج يمتد من القاهرة إلى مدينة

. بين األمراء ، وعين لكل أمير عدة أقصاب يحفرها

قنـاطر واخترق هذا الخليج في امتداده بعض أحياء القاهرة ، وأقيمت عليـه ال

حدد بعض المواضع التـي يجـري نالكثيرة ، ونستطيع على هدى وصف المؤرخين أن

، ونكتفي هنا بأن نذكر على سبيل المثـال ) ١(فيها هذا الخليج في شيء قريب من الدقة

بشارع طلعت ) فؤاد سابقا (يوليو ٢٦قطة التقاء شارع نالقنطرة التي كانت قائمة عند

، والقنطرة التي كانت قائمة بالقرب مـن محطـة كـوبري ) سليمان باشا سابقا(حرب

) . بميدان رمسيس ( الليمون الحالية بجوار محطة مصر

أن " الخلـيج الناصـري " وقد ترتب على إنشاء هذا الخليج الذي عرف باسم

عمرت جهات مختلفة في مصر والقاهرة ، وقامت علـى جانبيـه الـدور والقصـور ،

والبساتين ، وانقلبت أراضي كانت تألأل إلى بقاع مسكونة ال تـرى والمساجد واألسواق

. حد وصف المقريزي على فيها قدر ذراع إال وفيه بناء

ولم ينتشر العمار حول الخليج فحسب ، بل امتد إلى أحياء أخرى من المدينة ،

لناصر ا" فالصحراء الممتدة بين قلعة الجبل وتربة الملك الظاهر برقوق قد مستها عصا

بوابـة ( السحرية فانقلبت إلى مدينة عظيمة ، كما اتصلت العمائر من بـاب زويلـة "

) . دة زينب السيوقد كانت في حي ( إلى قنطرة السد ) المتولي

أما خارج القاهرة فقد ركبت على هذا الخليج السواقي العديـدة التـي سـهلت

. ن الميسور زراعتها وصول الماء إلى أراضي كانت ميتة فأحيتها ، وأصبح م

كما سارت فيه المراكب بين القاهرة وسرياقوس تحمل خيـرات الريـف إلـى

المدينة كما تحمل صناعات المدينة إلى الريف ، ولكن ما الحكمة في مد هذا الخليج إلى

ناحية سرياقوس ؟؟ الواقع أن هذه البقعة قد أحبها الناصر حبا جما ، وأنشأ فيها بالفعل

بير في تحديـد معـالم القـاهرة للمرحوم محمد رمزي بك من أعالم الجغرافيين المعاصرين فضل ك) ١(

النجوم الزاهرة في ملوك " التاريخية على هدى وصف المؤرخين القدامى ، وتعليقاته القيمة في كتاب

للمؤرخ ابن تغري بردي طبعة دار الكتب المصرية خير مرشـد ومعـين فـي هـذا " مصر والقاهرة

. الصدد

٥٦

كانت من أجل الدور ، وقد صارت بمرور الزمن مدينة عظيمـة " خانقاه " لصوفية دارا ل

.وهو كما نرى مستمد من اسم الخانقاه " الخانكاه " تحمل اليوم اسم

وقد عمر الناصر بجوارها القصور وأنشأ البساتين التي حملت األشجار المختلفـة

وقد كان فيها مائة خلوة لمائة ، لشام فنمت فيها فواكه ا، من دمشق وغيرها من بالد الشام

وقد حرص السلطان على أن يوفر لهم ما هم في حاجة إليه ، صوفي يتفرغون فيها للعبادة

، وكل ما يعاون على تفرغهم للعبادة ، فكان يصرف لكل صوفي في اليوم رطال من اللحـم

منهم كل شـهر الضأن تطبخ في طعام شهي ، ومن الخبز أربعة أرطال ، وكان يصرف لكل

رطال من الحلوى ، ورطلين من الزيتون ، ورطلين من الصابون ، ويصرف لكل منهم سنويا

ثمن كسوة ، وفي شهر رمضان ، وفي مواسم رجب وشعبان وعاشوراء ، والعيـدين كـان

. يوسع عليهم ، وكلما ظهرت فاكهة جديدة يصرف لكل منهم مبلغ من المال لشرائها

إلى جانب الخانقاه مسجدا عظيما تقام فيه الجمعة ، كما شـيد وقد أقام الناصر

بناء برسم ضيافة الوافدين إلى هذا المكان ملحقا به حمام فيه الحالقـون والمـدلكون ،

. وفيه مطبخ تعد فيه األطعمة المطلوبة

موائـد ، ومد عند افتتاحها وقد استغرق بناء الخانقاه وملحقاتها أربعين يوما

القضاة ومشايخ الصوفية ، كما عنى السلطان بناحية سرياقوس ، فقـد احضره ةعظيم

عني أيضا بنواحي الجيزة عناية كبيرة ، حتى أنه عمل في كل بالد جسـرا وقنطـرة ،

وساهم في العمل األمراء ورجالهم ، وبنيت القناطر من حجارة أخذت من الهرم الصغير

. وغيره من بعض الجرانيت المتهدمة

وقد ترتب على ذلك أن تحسنت أحوال الري في تلك المنطقة التي كانـت هـي

وكان لها في نفسه مكانة ملحوظة ، وكثيرا ما كان " الناصر " األخـرى تتمتع بعنايـة

يخرج إليهم للنزهة أو للصيد ، وطبيعي أن تعكس هذه العناية على سكان هذه المنطقـة

لم تكن مزروعة من قبل ، وتعميـر أراضـي وزراعة أراضي شاسعة ، فيزداد خيرهم

وقد منحت هذه األراضي المستصلحة إلى بعض األمراء الـذين أوقفوهـا ، كانت خرابا

على كثير من جهات البر والخير ، ويشيد المقريزي بهذا العمل الجليل ، ويعقد مقارنـة

السـالطين ين ما كان يعمله الناصر وأمراء دولته ، وبين ما كان يعمله غيـرهم مـن ب

واألمراء ممن كانوا يستولون على أحسن البالد ألنفسهم فيأخذونها ويوقفونهـا علـى

ذويهم ، ويأتي نظار الوقف من بعدهم فيخربونها بعد سنين ، ويخرج المقريزي من هذه

٥٧

، المقارنة إلى ان السلطان إذا كانت له معرفة بشئون اإلصالح ، تحققـت لـه أهدافـه

. يحتاج معه إلى فرض الضرائب الباهظة التي تثقل كاهل الناس وجمع من المال ماال

إصالحات الناصر عظيما فقد حفر عمران وولقد كان نصيب منطقة الشرقية من

فيها الترع ، وأقام فيها القناطر ، وانشأ الجسور ، فانقلبت األراضي البور التي كـان ال

دة كبيرة ، وعم الخير الـوفير علـى احد إلى أراضي زراعية فزاد خراجها زيا ينفع بها

. سكانها

، أحدهما أتمه فكان من ورائه بقي من أعمال الناصر العمرانية عمالن جليالن

خير عميم للبالد جميعا من أقصاها إلى أقصاها ، واآلخر فكر فيه ولكنـه عنـدما هـم

م بالعـدول عنـه حدهأبإخراج فكرته إلى حيز التنفيذ ، وناقش أمراء دولته فيه ، أقنعه

في الحقيقة لـم يبتكـره ألنـه كـان فهوالمشروع األولأما.لتعذر تحقيقه فعدل عنه

خلـيج موجودا من قبله ، ولكنه أهمل فضاعت الفائدة المرجـوة منـه ، وذلـك هـو

حفر الخلـيج وعلـى بضرورة للسلطان وأقر ، وقد حضر نائب اإلسكندرية اإلسكندرية

الماء فيه طوال العام وال يتعطل جريانه في معظم أيام السنة األصح تطهيره حتى يستمر

.

أن عدم جريان الماء في هذا الخليج طوال العام ينتج عنه " الناصر " وقد الحظ

متاعب كثيرة ألهالي اإلسكندرية إذ ينقطع عنهم مورد الماء العذب الذي منه يشربون ،

موجودة حتى اليوم باإلسكندرية مـن وقد كانوا يضطرون إلى خزنه في صهاريج أمثلة

.يمكن اإلنسان أن يزوره ـمن أراد ذلك " صهريج البنية " اشهرها

وقد نجم أيضا عن إهمال الخليج أن حرمت كثير من األراضي من الماء األمـر

علـى " الناصـر " الذي ترتب عليه أنها خربت وأصبحت ال يستفاد منها ، ولذلك وافق

كندرية وأصدر أوامره بتطهير هذا الخليج ، وتعميقه ، وتوسيعه ، أي اقتراح نائبه باإلس

. انه قد أعاد حفره من جديد

وقد قسم العمل في هذا الخليج بين األمراء والوالة ، فاخرج كل منهم رجالـه

للعمل ، وحفروا ما حدد لهم ، وقد عمل فيه نحوا من األربعين ألف رجل ، وقـد جعـل

ات أي ما يقرب من واحد وعشرين مترا ، وجعل عرضه نحوا صبقعمقه نحوا من ست

. من ثماني قصبات أي ما يقرب من ثمان وعشرين مترا

٥٨

، ولقد ترتب على إعادة الحياة لهذا الخليج أن أنشأ الناس عليه سواقي كثيرة

كانت ترفع المياه إلى الحقـول ، فـزادت األراضـي ، بلغت عدتها نحو ستمائة ساقية

عة على مائة ألف فدان ، واستجدت بسببه نحوا من أربعين قرية ، كما أنشـئت المزرو

نسبة إلى السلطان الناصر أمـا " الناصرية " عليه مدينة جديدة كانت فيما مضى تسمى

. كز المحمودية بمديرية البحيرة ااآلن فتعرف باسم نكال العنب ، وهي إحدى مر

ة هذا ال يزال موجودا بيننا حتـى اآلن وينبغي أن ال ننسى أن خليج اإلسكندري

فقد تغير اسمه في العصر الحديث منذ عهد محمد علي الذي أطلق عليه اسما جديدا هو

الذي كان متربعا على " محمود الثاني " نسبة إلى السلطان العثماني " ترعة المحمودية "

. عرش تركيا في ذلك الوقت

النور فقد رأي الناصر أن يجري النيـل تحـت الذي لم ير المشروع الثانيأما

ينـة اقلعة الجبل بأن يشق له طريقا من ناحية حلوان ، وقد بعث بالفعل المهندسين لمع

األماكن التي تصلح لحفر هذا الخليج فيها ، وبالفعل قاموا بمعاينة األرض مـن حلـوان

معرفة ما يتطلبه هـذا وقاسوا هذه المسافة ل، المطل على القاهرة ، حتى الجبل األحمر

المشروع من تكاليف ، وقدروا العمل في ردم األجزاء المنخفضة حتى ترتفـع ، وحفـر

األجزاء العالية التي سيجرى فيها الماء حتى القلعة ، وعادوا إلـى السـلطان يحملـون

تخطيطاتهم ، ورفعوا إليه تقريرا نتيجة المعاينة التي قاموا بها ، واطلع الناصـر علـى

ثم رأى أن يخرج بنفسه مع هؤالء المهندسين وأن يعاين معهم المكـان ، األوراق هذه

وتقاس األرض بين يديه ، وخرج السلطان من معاينته هـذه مقتنعـا بإمكانيـة تنفيـذ

وبما يمكن أن يأتي به من فوائد ، ولكنه أراد أن يستشير األمراء قبل اإلقدام ، المشروع

وشرح لهم المشروع فوافقوا جميعا عليه ، ولم يعارضه إال على التنفيذ ، فاجتمع بهم ،

عدم ظهـور و، ولعله أدرك جسامة المصاريف وضآلة الفائدة ، واحد هو ناظر الجيش

ثمرته إال بعد زمن طويل ، ولعله من الطريف أن نلخص هنا الحديث التي دار بينه وبين

بمن يحفـر السـلطان هـذا : " لقد سأل أحدهم السلطان قائال: السلطان في هذا الصدد

واهللا لو اجتمع عسـكر آخـر فـوق " فرد عليه " بالعسكر : " فأجابه السلطان " الخليج

نـه إنين عدة يعملون ما قدروا على إتمام هذا العمـل ، ف سالعسكر السلطاني ، وأقاموا

وإلى جهد بشري كبير ثم هل يصـح فـي النهايـة ، يحتاج إلى ثالث خزائن من المال

ؤتى ثماره أو ال ؟ وختم حديثه بأنه يرجو أال يسمع السلطان لكل احد ويصدق كل مـا وي

٥٩

. يقال له ، ويتعب الناس ، ويستجلب دعاءهم عليه

ولعلهـا . وعدل عن تنفيذ هذا المشـروع ، واقتنع السلطان برأي ناظر الجيش

ان موفقا فـي المرة األولى التي يعدل فيها السلطان عن تنفيذ مشروع آمن به ، فلقد ك

بعـض –في بعـض األحيـان –يقترح المشروع فيزهد في تنفيذه ، جميع مشروعاته

إن الذين جـاءوا مـن " المحيطين به من مهندسين أو سواهم ، ويصعبونه عليه قائلين

وال ، ولكنه كان يصم أذنيه عن أقوالهم " قبلنا لو علموا أن هذا المشروع يصح لفعلوه

. ما بدا له من مشروعات فتحقق أغراضها علي ما يجبيلتفت إليها ، ويفعل

، ولشد ما كان يغتبط والعمران كان مشبعا بحب التعمير " الناصر " والواقع أن

إذا ما سأله بعض الجنود أن يصلح شيئا في القرية التي يعيش فيها مثل إنشاء جسر أو

شأن هذه القرية وتزيد تسهيل ري أو غير ذلك من اإلصالحات العمرانية التي ترفع من

من دخلها ، وكان يسارع في إجابة هذا الطلب من غير توقف ، ويأمر بصـرف المـال

وكثيرا ما كان يلقي االعتراض علـي ، الالزم للمشروع المطلوب من غير ملل أو تردد

صرف المال فيقول ذلك القول الذي يفصح عن إدراكـه العميـق لمسـئولية الحـاكم ،

فلم إذن نجمع المال في بيت مال المسلمين ؟ وما هـي : " لعام إذ يقول ولوظيفة المال ا

ولقد كانت منزلة هذا الجندي الـذي " . فائدته إن لم تكن لتحقيق مثل هذه األغراض ؟

اقترح اإلصالح تسمو في نظره وينشرح خاطره ألنه وجد بين جنوده من يحب اإلصالح

. مثله

ل الماء إلي قرية من القرى ، فال يتـرك ولكم كان يحزنه أن يسمع بتعذر وصو

فرصة تمر دون أن يسأل المسئول عن هذه القرية كلما وقع عليه بصره عـن أحـوال

. قريته وشئونها الزراعية

وال يكتفي بهذا السؤال بل كان هو دائم التفكير في تدبير طريقة لري أراضـي

بكل وسيلة ممكنة، يفعل تلك القرية، وال يزال يبحث ويدقق في ذلك حتى يتحقق غرضه

ودون أن يتقدم إليه أحد بشكوى أو برغبة أو يلـتمس عونـا ، كل ذلك من تلقاء نفسه

وكثيرا ما كان بعض األمراء من حاشـيته يعترضـون . منه أو من المسئول عن القرية

، علي سياسته هذه ويقولون له أن أحدا لم يسأله المعاونة في ري أراضي تلك القريـة

هـذه " : م ذلك الجواب الذي يترجم بصدق وإخالص عن مدى حبه العميق لبالده فيجيبه

". قريتي ، وأنا الملزوم بها والمسئول عنها

٦٠

ولقد كان يسعده دائما أن يرى أمراءه ومماليكه ورجال دولته ينسحبون علـي

فـي الحقيقـة هـي " مودة العصر " منواله في التعمير واإلصالح ، ومن هنا أصبحت

ولشد ما كان يثلج صدره أن يعلم أن أحدا قد أنشـأ عمـارة ، تشييد والبناء والعمران ال

فكان ينتهز الفرصة لكي يشكره أمام الناس بعنايته بالعمران ، ثـم يسـعى سـرا إلـي

. مساعدته بالمال واآلالت حتى يتم العمل الذي بدأه في غير ضيق أو عنف

" الناصـر " لمختلفة التي شـيدها وبعد فليس هناك شك في أن هذه المنشآت ا

قالوون أو حفرها ، أو جددها وأعاد بناءها قد عادت بفوائد جمة علي الشعب بأكملـه ،

ولقد كان السلطان حريصا أشد الحرص علي أن تؤتي هذه األعمـال ثمارهـا، وتحقـق

. الغرض منها ، فأفرد لها ديوانا خاصا يشرف علي اإلنشاء والتعمير

و العصور الوسطي في وضوح ال لبس فيه علي هذه األسـئلة لقد أجاب مؤرخ

بالقلعة كان السلطان يستحث األمراء علي االنتهـاء " حوش الغنم"باإليجاب فعند عمل

من العمل في أسرع وقت وكان هؤالء بدورهم يستحثون العامة بالضرب ، وقـد وقـع

وذكروا أيضا عند كالمهـم عليهم ظلم بين إذ كانوا يعملون ليال ونهارا من غير راحة ،

علي الخليج الذي أنشئ في الجزيرة الوسطى ، والجسر الذي عمل في وسط النيل ليكون

بمثابة سد يمتد من جزيرة الروضة إلي الجزيرة الوسطى لكي يحمي القاهرة من الغرق

فكانوا يؤخذون قسرا مـن المسـاجد ، أنه أصدر أمره بتسخير الناس في ذلك العمل –

كما ذكر . واق والطرقات مما اضطر بعضهم أن يلزموا مساكنهم خوفا من السخرةواألس

. هؤالء المؤرخون أيضا أنه بسبب حفر الخليج الناصري قد هدمت أمالك كثيرة

والواقع أن ذلك يضعنا وجها لوجه أمام مشكلتين هما مشكلة السخرة ومشكلة

فالسخرة ، ات صلة وثيقة بمشكلة الرق أما المشكلة األولى فقديمة جدا ، ذ. نزع الملكية

وجدت منذ أن وجد هناك قوي وضعيف ، قوي يملك السـلطة ، وضـعيف ال يملـك إال

الخضوع ، علي أن أهم ما يمكن أن يفرق بين السخرة والرق أن العامل كان يؤجر علي

أمـا . العمل الذي يكلف به في حالة السخرة سواء أكان هذا األجر مجزيا أما غير مجز

. في الرق فال أجر علي العمل ألن العامل ملك لسيده

ولعل أول مظهر للسخرة يصادفنا في تاريخ مصر هو اشـتراك آالف العمـال

. والصناع في بناء األهرامات والمعابد في العصور الفرعونية

٦١

ولقد استوقفت هذه الظاهرة علماء آثار تلك العصور، وراحوا يقلبـون الفكـر

رى هل سيق هؤالء العمال والصناع قسرا إلي العمل ؟ أم سعوا هـم فيها، ويتساءلون ت

إليه رغبة في الحصول علي لقمة العيش ؟ أم كان سعيهم للعمل فيه بدافع من عقيدتهم

الدينية ، ووحي من وجدانهم رغبة منهم في الحصول علي الجزاء في العالم اآلخر ؟

رين ما يحمل الجواب علي هذه الواقع أنه لم تصل إلينا من أقوال هؤالء المسخ

األسئلة ، ومن هنا جاء اختالف علماء اآلثار الفرعونية في تفسير هذه الظاهرة، فمنهم

من قال أنهم كانوا مسخرين ، ومنهم من نفي السخرة عنهم وقال أنها ال تتفق قط مـع

ـ وازع الدرجة العالية من اإلتقان التي وصلوا إليها في عملهم ، ومنهم من قال أنـه ال

وحده كان –وقد أقيمت هذه المنشآت لملوكهم وهم في نظرهم اآللهة المعبودة –الديني

. كفيال بقيامهم بهذا العمل عن طيب خاطر وإخراجه علي تلك الصورة الرائعة من اإلتقان

وتمضي اإلنسانية في طريقها المرسوم ، وتنتهي العصور القديمـة بأديانهـا،

العصور الوسطى ، ويشرق علي العالم نور اإلسالم، وتصـل ويرتقي العقل البشري في

أشعته إلي مصر، ويدخل في الدين الجديد أغلبية الشعب ، وإذا مشكلة السخرة تبرز من

وال يتسع المجال لكي تنقضي جميع الحوادث التي تبرز فيها، ويكفينـا أن نشـير . جديد

يأخـذ النـاس " قراقوش " زيره إلي ما وقع في أيام صالح الدين األيوبي عندما كان و

عنـدما كـان " الناصـر " وما كان في أيام . قسرا ويلزمهم بالعمل ثم يدفع لهم أجرهم

يساق الناس للعمل تحت حرارة الشمس المحرقة في حرارة الصيف ويؤخذون من أبواب

. وإن كان عملهم في النهاية لخدمة الجميع المساجد عند خروجهم بعد أداء صالة الصبح

وأما نزع الملكية من أجل المشروعات العامة فهو من غير شك يلحق الضـرر

ببعض أفراد الشعب، ويكبدهم من الخسائر ما قد ينوء به كاهلهم ، ومن هنا كانت الدولة

" ، في عصرنا الحديث تعوض هؤالء الناس عن خسائرهم ، وهذا بالفعل ما كان يفعلـه

من أنه كان حاكما، يفعل ما يشاء دون رقابة إال منذ ستة قرون ، فعلى الرغم " الناصر

من ضميره ، ويتصرف في أفراد األمة ، وفي أموال الدولة علي الوجه الذي يمليه عليه

هواه إال أنه كان عادال ، ال يرضى أن يقع الظلم علي أفراد رعيته، فعندما أمـر بنـزع

ألرباب هـذه الممتلكـات ملكية األمالك الالزمة لشق الخليج الناصري ، قرر أن يصرف

. ثمن ما خرب منها، ويعوض منهم من هدمت داره ، أو أخذت أنقاضها

: الغوري ومنشآتھ العمرانیة

٦٢

صد بالمنشآت ، ما يبني من القصور والدور ، وما يمهد من الميادين ، وما نق

ر أو يعبد ويغرز من البساتين ، وما يشيد من المساجد والمدارس ، وما يعلي من الجسو

يعقد من القناطر ، أو يشق من الجداول ، إلي غير ذلك ، مما يعتبر من المرافق العامة

وهذا عدا . ، سواء أكانت في داخل البالد أم في خارجها من توابع سلطنتها أو الخاصة

. المنشآت الحربية كاألساطيل والمكاحل واألبراج والحصون

ولعوا بالبنـاء والتشـييد والعمـران ويعتبر الغوري أحد سالطين مصر الذين أ

ولم يقتصر اهتمامه علي ما أنشأه في القاهرة ، بل امتـد إلـي سـواحل . ولوعا بارزا

: ومن أبرز منشآته . بالرغم من مشاكله االقتصادية . الشام وبالد الحجاز ، وبالد الهند

٦٣

: شیین وقبتھ ومدرستھ بمسجده بالشرا

وقد أخذ الغوري يعـد لبنائـه . غورية بالقاهرة وهو مسجده المشهور حاليا بال

" . حي الشرابشيين " وكان يطلق علي هذه الجهة التي أنشئ فيها . بعد واليته بقليل

الـذي " مخـتص " وكان في مكان المسجد قبل بنائه ، مدرسة بناها الطواشي

مر السلطنة ، كان رأس نوبة السقاة في دولة الملك الظاهر قانصوه ، فلما ولي الغوري أ

مفقـد . هذا ، فقبض عليه وصادره ، وفرض عليه غرامة مالية " مختص " غضب علي

فهدمها الغـوري وفسـح . هذه المدرسة في جملة ما دفعه من الغرامة " مختص " إليه

وضم إليها أرض سوق الجملون وما حولها مـن . المكان من حولها لبناء مسجد عظيم

. األسواق

ري في زخرفة بناء المساجد ، حتى بدا غاية في الحسن والرونق وقد بالغ الغو

. وأقيمت له مئذنة بأربعة رءوس .

ولكن شنعت عليه النـاس ، ألن مصـروف عمـارة هـذه : " قال أبن إياس

وأخذ غالب رخامها من أماكن شتي . المدرسة كان من وجوه المظالم ومصادرات الناس

الصيرفي ، وأخذ رخامها وأبوابها " شموال اليهودي " وقد خرب قاعة . بأبخس األثمان

" المسجد الحرام " وقد سمي بعض اللطفاء هذه المدرسة . وفعل مثل ذلك بعدة قاعات .

" . لما وقع فيها من غصوبة األرض ومصروف العمارة من مال شبهات

هـ واحتفل السلطان بـذلك ٩٠٨وقد تمت عمارة المسجد ليلة عيد النحر عام

واختـار . احتفاال شائقا ، وزين حي الشرابشيين زينة عظيمة امتدت إلي باب زويلـة

. الشحنة لكي يكون خطيب هذا المسجد بن السلطان قاضي قضاة الحنفية عبد البر

، فأنعم عليه السلطان شاد العمائر" اينال " وكان القائم علي العمارة المهندس

سين والبنائين والمرخمين والنجارين وغيرهم مـن نعم علي المهندأكما . بامرة عشرة

. الصناع ، بخلع ومنح مالية

ثم استبدل السلطان قيسارية كانت تقع تجاه هذا المسجد ، ليبني عليها مدرسة

هـ ٩١٠وقد كملت هذه العمارة عام . ومدفنا له وقبة وصهريجا ومكتبا لتعليم الصغار

. فت بالقاشاني األزرق وعقدت فوق المدفنة قبة عظيمة ، غل.

وقد نقل الغوري إلي مدفنه هذا ، أثرا للنبي عليـه الصـالة والسـالم ، كـان

٦٤

محفوظا في مسجد الصاحب بهاء الدين المطل علي النيل في حي مصر العتيقـة ونقـل

. معه مصحفا شريفا مكتوبا بماء الذهب ، كان محفوظا بالخانقاه البكتمرية بالقرافة

لذي نقل فيه األثر والمصحف ، رجة ضخمة في ارجاء القـاهرة ، وكان لليوم ا

وساروا بهما في موكب حاشد بالجماهير ، يتقدمه قضاة . لقد احتفل بذلك احتفاال عظيما

واألمراء المقدمون ، وأرباب الطرق الصوفية " قيت الرجبي " الشرع األربعة ،واألتابكي

. انه وتعالي بأعالمهم المختلفة ، وهم يذكرون اهللا سبح

بن أبي شريف ، شيخا اوعين السلطان قاضي الشافعية حينذاك ، برهان الدين

وقرر أن يدرس درسان في اليوم ، وفي هذه المدرسة ، أحـدهما فـي . لهذه المدرسة

والثاني وقت العصر ، يلقيه الشيخ محـب الـدين . بن أبي شريف االصباح الباكر يلقيه

. عين بها عددا من الصوفية و. الحلبي أمام السلطان

: المیدان تحت القلعة

إذ حوله إلي جنة فسيحة وارفـة . وعني الغوري بميدان القلعة عناية قصوى

. الظالل ، توافرت فيها كل أسباب الراحة

، فعلي حوائط سـوره ، وغطـي ـه ٩٠٩وقد ابتدأت عمارته في صفر عام

وسـوي . وذلك في جهته الغربيـة . ذرع أرضه بطمي كثيف ، بلغ سمكه نحو أربعة أ

كمـا أنشـأ . ثم أقام بها مبيتا ومقعدا لتقام به المحاكمـات . أرضه وفرش بها النقارة

وبني بجواره حديقة جميلـة وأمامهـا –في الجهة الغربية من الميدان –قصرا عظيما

. بحيرة عظيمة ، وغير ذلك من المكمالت

قل إليه مجموعة كبيرة مـن سـائر نا عظيما ، وحول هذه األبنية ، أنشأ بستان

ثم أجري إليه الماء من السواقي التي بباب القرافة بحدرة . الفواكه واألزهار والرياحين

. البقر

ومهـد طريقـا . ثم أنشأ علي باب هذا الميدان ، قصرا آخر مطال علي الرملة

وأقـام . المطل علي الرملة للسير من القلعة إلي الميدان بساللم متصلة إلي تلك القصر

للميدان بابين أحدهما كبير واألخر صغير ، ووضع علي كل منهما سلسلة ضـخمة مـن

. الحديد

وقيل إن السلطان أنفق علي ذلك كله نحو ثمانين ألف دينـار وصـارت أكثـر

٦٥

. مواكبة واحتفاالته واستقباالته ومحاكماته تجري في هذا الميدان

وقـد أوصـي بإحضـار ، غرس األشجار ورؤية األزهاروكان الغوري مولعا ب

هـ وصل ٩١٢وفي عام . غراس من بالد الشام لمختلف األزهار والرياحين والفاكهة

إليه من بالد الشام نحو مائة وخمسين حمال من الصناديق الخشـبية ، تحتـوي علـي

وكروم وهي ما بين تفاح شامي وكمثري وسفرجل وقراصية. أشجار ذات جذور بطينها

، وأشجار مزهرة ما بين ورد أبيض وسوسن وزنبق ، وغير ذلك من لطـائف الشـام

. ومعها شجرة جوز هند

وبعد قليل ازدهـر بهـا . وأمر الغوري توا بغرسها جميعا في بستان الميدان

وصار الغوري يقضي بهـا السـاعات . البستان ، حتى صار في جملة منتزهات مصر

. تعة الطويلة للرياضة والم

وهـو . عاينت به وردا أبيض ذكي الرائحـة " قال ابن اياس عن هذا البستان

وقد نقل من الشام ، وكان يطرح فـي أوان الصـيف ، . غير أنواع الورود التي بمصر

" . والنيل في قوة الزيادة

وكانت القلعة ومنشآت الميدان تسقي من مجراة قديمة ، تمتد من ناحيـة درب

ءهـ فـي بنـا ٩١٢فأبطلها الغوري ، وشرع في أواخر عام . العتيقة الخولي بمصر

. مجراة جديدة عوضا عنها

بمصر –واختاروا مكانا تبدأ منه عند موردة الخلفاء بالقرب من الجامع الجديد

. فأنشئوا هناك بئرا لها من النيل ، وأقيمت عليها سواق نقالـة –العتيقة علي ما يبدو

ت المجراة علي قناطر معقودة علي دعائم متصلة إلي الميدان والقلعة ومن هناك المنشآ

. ، توصل إليهما المياه وقد استغرق العمل في ذلك نحو عامين

ولكن صـرف . فجاءت هذه المجراة من العجائب والغرائب : " قال أبن اياس

. موال وال شك أنه يبالغ في تقدير تلك األ" علي بنائها ما ال ينحصر من األموال

ثم أمر ببناء ثالثة صهاريج ، تمتلئ بواسطة سواق تنقل إليها ميـاه النيـل ،

. وأقيمت البحيرة الكبيرة في وسط بسـتان الميـدان " . الرماحة " وخصصها للمماليك

ومن حولها أقيمت عدة مناظر ومقاعـد تطـل علـي . وكان طولها نحو أربعين ذراعا

. يوميا من النيل ، وما يفيض منها يسقي منه البستان وصارت البحيرة تمأل . البستان

٦٦

. سلطانيا ، طوله ستون ذراعا ، وعرضه عشـرون " مقعدا " هـ بني ٩١٥وفي عام

وجمله . وكان بدون أعمدة . أقامه بالميدان خلف البحيرة مطال علي الحوش السلطاني

. األحيان ، ولجلوسه واتخذه مكانا لطعامه وشرابه في بعض . بقطع من الرخام الثمين

: صالح قاعات القلعة إ

ومنها قاعة البيسرية ، ووجه الغوري اهتماما كبيرا إلي قاعات القلعة الشهيرة

. فأصلحها وجدد بنائها وزودها بألوان من الزخارف والزينة . وقاعة العواميد

وذلك . أنه قد وقع بسبب هذا التجديد غاية الضرر : " قال أبن اياس ما مؤداه

ألن السلطان أمر القاضي شهاب الدين أحمد ناظر الجيش ، أن يخلع له رخام قاعة والده

وكان رخامها مثمنـا " نصف الدنيا " وهي القاعة التي تسمي –ناظر الخاص يوسف –

ن وجد له مثيل وكان ناظر الخاص يوسف قد أفني عمره فـي بنـاء هـذه إونفيسا ندر

ل الغوري هذا الرخام إلي القاعة البيسـرية وقاعـة العواميـد وقد نق. القلعة وتجميلها

" . وقد تألم أبناء ناظر الخاص تألما بالغا . وغيرها من مجدداته بالقلعة

البحرة التي كانت بهـا ، وفـرش وسد. وأهتم الغوري بإصالح بناء الدهيشة

السر أبي بكر بـن وفي سبيل ذلك أيضا حل رخام قاعات أبي . أرضها بالرخام المللون

. مزهر ، فجمل به سقوفها وأبوابها وغير ذلك

: خان الخلیلي

جهاركس الخليلي" وكان األمير . وهو المشهور بحي سيدنا الحسين إلي اليوم

ثم آلت ملكيته إلي الغوري ، فهدمه في . هو الذي أنشأه في عهد الملك الظاهر برقوق "

. جميال ، وبني به مخازن وحوانيت هـ وأنشأه من جديد إنشاء ٩١٧سنة

: قصر المقیاس ومسجده

. شيد الغوري قصرا عظيما ببسطة المقياس ، كان ينزل إليه من آن إلـي آن

. وأقام مسجدا بجواره تجاه دار النحاس . وأصلح ما فسد من بناء المقياس

: خلیج الزعفران

وامتد مـن أول القنـاطر .هـ ٩١٧وأهتم بحفر هذا الخليج ، وأتمه في عام

وقد فرض ضرائب فادحة علي األراضي التي . الجديدة إلي قناطر األوز إلي سد الخشب

٦٧

وقيل أنه أخذ من أربابها خراج سنة كاملة ، فجمع من ذلك نحو . تروي من هذه الخليج

. خمسين ألف دينار

. بع آنذاك يد عمارة ميدان المهارة ، وهو قريب من قناطر السدومن أعماله تج

وأنشأ بجانبه حوضا وساقية ، . وجدد سبيل المؤمني إذ عقد له سقفا بالحجر المنحوت

وأصلح جسر أم دينار بالجيزة ، وكان قد تهـدم عـام . عاما لألموات وميضأة ومغسال

وحفـر بئـرا . هـ في ليالي وفاء النيل ، فسخر جماعات من الناس في إصالحه ٩١٥

٩٢٠وأنشأ في ثغر السويس عـام . السواقي لسقي المسافرين بقبة يشبك وأقام عليها

من الدور والحوانيت واآلبار واألسواق ، لينتفع بها قصـاد عةجمومهـ فندفا عظيما و

. السويس من حجاج وغيرهم

وربع وجملة حوانيت خلف . الوكالة والحواصل خاف مدرسته : ومن منشآته

قة عبد المنعم ، وسوق لبيع الرقيق بـالقرب وربع وعدة حوانيت أخرى بسوي. مسجده

. من خان الخليلي وانشأ قنطرة بني وائل وقنطرة الحاجب وغيرهما من القناطر

: المكرمةومن منشآتھ بالعقبة ومكة

ما وعدة بروج وفسـاق ، لراحـة يهـ فندقا عظ ٩١٤أنه أقام في العقبة عام

وقد قام بهـذه . خازن إليداع الودائع وأنشأ عدة م. وبني رصيفا علي البحر . الحجاج

وقد زودت هـذه . مزودا بطائفة من المهندسين والبنائين " خاير بيك المعمار" األعمال

. األنشائيات بطائفة من الجنود للحراسة ، تتجدد مرة كل عام

وأمر الغوري كذلك بإصـالح طريق العقبة ، وإلقامة برج بعجـرود ، وبـرج

إلي غير ذلك ، مما يعاون . وحفر عدة آبار في طريق مكة . األزلم آخر بنخل ، وآخر ب

. علي راحة الحجاج

مستشفي –هـ أرسل خاير بيك المعمار فبني بمكة مارستانا ٩١٥وفي عام

. ورباطا ، وقام بتبليط الحرم المكي وحفر بئر جديدة –

: منشآتھ الحربیة

وقد عـاني . الحربية وما يتصل بذلك ونعني بها األبراج والمكاحل واألساطيل

. الغوري في سبيل إنشائها وتجهيزها كثيرا من المشقة ، وأنفق عليها أمـواال طائلـة

وأرسل رسله أكثر من مرة ، إلي بالد العثمانيين وغيرها ، لشراء كمية من األخشـاب

٦٨

ي مينـاء وكان يبني سفن أساطيله غالبا ف. والحديد والحبال ونحوها من لوازم السفن

هـ للكشف علي األغربة الحربية التي أمر بتشيدها هناك ٩٢٠السويس في رحلة عام

وكانت المكاحل يتم صنعها في مسابك خاصة ، ثم تسحب إلي بعـض . -كما سننوه –

ولم يكن الغوري متوانيا في الكشف علي المكاحل . الجهات النائية عن القاهرة لتجربتها

. إنجـازهم ودة زيارتهم بين اآلن واآلن ، وحثهم علي سرعة وتشجيع صناعتها ، ومعا

: ومن أخبار هذه المنشآت

: ))المدافع((المكاحل

وكانت تصنع من ، لي مسافة بعيدة ’وهي مدفع تقذف قطع الحجارة أو البارود

علي ما يبدو –وبدأ ذلك . وقد اهتم الغوري بصنعها اهتماما بارزا . النحاس أو الحديد

هـ تم صنع خمـس عشـرة مكحلـة ، ٩١٦وفي عام . هـ خلف القلعة ٩١٣عام –

. فتألم الغوري لذلك ألمـا بالغـا . فجربت بالريدانية ، فتفتت أجزاؤها وتطاير نحاسها

هـ وفيه سبكت سـبعون مكحلـة ٩١٨وأعيد السبك وأعيدت التجربة ، حتى كان عام

يبلغ وزن كل منها نحو ستمائة قنطار حجام مختلفة ، كان منها أربع كبار ، أتقريبا من

وقد سحب منها سبع وخمسون إلـي الريدانيـة ، . شامي ، وطولها نحو عشرة أذرع

وأجريت تجربتها بحضور السلطان واألمراء وجموع حاشدة من الناس ، فلم يخطئ منها

وكانت عالمة اإلصابة أن تقذف المكحلة حجرها إلي قـرب ..الهدف إال واحدة أو اثنان

هـ تم صـنع ٩٢٠وفي عـام . وكان يوم عرضها وتجربتها من األيام . بركة الحاج

وتمـت . نحو أربع وسبعين مكحلة جديدة بعضها من النحاس وبعضـها مـن الحديـد

. تجربتها بنجاح كسابقتها

: األبراج

لة علي الطرق والسواحل ، لحمايتهـا مـن طوعني الغوري ببناء األبراج الم

وكان الغـوري . كانت تقيم بها الحاميات ألداء هذه المهمة وللمراقبة أيضا و. المعتدين

. يبعث إليها بين اآلن واآلن بعض الخبراء الفنيين من األمراء للكشف عليها وتفتيشـها

هـ ، ٩٢١هـ و ٩٢٠وبلغ من اهتمامه بها إن قام بزيارة اإلسكندرية ورشيد في عام

ما فيها من األسلحة على وفتش ، األبراج هناك وكشـف علي برج قايتباي وغيرها من

.والمكاحل

. وأبراجا أخرى برشيد وبالعقبة . هـ ٩١٥وقد انشأ أبراجا بالطينة في عام

٦٩

وعلي ساحل جدة وينبع أنشأ سورا ذا أبراج منيعة لحمايتهـا مـن األفـرنج

حسين " بقيادة األمير كما أنشأت حملته البحرية . العابثين بالسواحل والتجارة المصرية

. لغرض نفسه لعدة أبراج علي سواحل الهند ، " الكردي

: الحربیةسفن تشیید ال

وأمر الغوري بتشييد عدد من السفن الحربية في مدينة رشـيد ، وقـد باشـر

٩١٤وذلك عام . ه ، بمعاونة عالء الدين ناظر الخاص بقري" محمد بيك " صنعها األمير

من هذه السفن ، وأجريت في نهر النيل إلي الجزيرة الوسطي ربةستة أغوشيدت . هـ

كبيـرا مـزودا " غليونا" ثم بني . وجربت بجهة طرا ، بحضور السلطان . تجاه بوالق

وجرب فـي . وقد تم بناؤه في رصيف بوالق . بمجموعة عظيمة من األسلحة والمدافع

م بناء عدة سفن أخـرى فـي وفي العام نفسه ت. هـ ٩١٧طرا أمام السلطان في عام

. رصيف بوالق أيضا

ورأي الغوري ضرورة بناء أسطول بحري كبير بالسويس ، ليتعقب الفرنجـة

في البحر األحمر والمحيط الهندي ، ويحمي منهم هذه السواحل ، وما يعتبر فيهـا مـن

تم بناء وقد. وليمد بها تجريدته الثانية إلي سواحل الجنوب والهند . المتاجر المصرية

ة وما تحتاج إليه من القـادة يعشرين سفينة كبيرة ، وزودت بالمكاحل النحاسية والحديد

. هــ ٩١٩وكان ذلك في ربيع الثاني من عام . والجنود ومختلف األسلحة واألدوات

وقام الغوري بزيارة السويس لمشاهدة هذه السفن واستعراضها ، وذلك في المحرم عام

سـليمان " وكان المشـرف علي بنائها الـريس . مامه إلي البحر فأنزلت أ. هـ ٩٢٠

.)١(دينارألف وقيل أن نفقاتها بلغت أكثر من أربعمائة " العثماني

هـ ، وهي كثيرة ٩٢٢حوادث رمضان عام ٥ج عدد أبن أياس منشآت الغوري وأجملها في بدائعه ) ١(

. جدا

٦٧

ع ـــراجـة المـائمـق

٦٨

٦٩

المراجع العربیةأھم

:كتب التراث : أوال

بدون .طبعة بوالق ، الكامل في التاريخ :ابن األثير

.هـ١٣١١طبعة بوالق عام ، بدائع الزهور في وقائع الدهور :ابن إياس

مطبعـة ، تحفة النظار في عجائب األمصار وعجائب االسـفار :ابن بطوطة

١٩٢٦ .ر األزه

تحقيـق محمـد ، النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة :ابن تغري بردي

. دار الكتب المصرية ، جزء ١٢، رمزي

دار ، تحقيق حسـين نصـار ، تذكرة باالفكار عن اتفاقات االسفار :ابن جبير

.الفكر العربي

.تحقيق دي جويه ، طبعة ليدن ، المسالك والممالك :ابن حوقل

. العبر وديوان المبتدأ والخبر :ابن خلدون

بدون .على عبد الواحد راضي . تحقيق د، المقدمة : _______

. م ١٨٩٦طبعة ، االنتصار لواسطة عقد األمصار :ابن دقماق

١٩٥٠ .طبعة جامعة القاهرة ، المغرب في حلي المغرب :ابن سعيد المغربي

لجنة البيان ، تحقيق عبد المنعم عامر ، ر والمغرب فتوح مص :ابن عبد الحكم

١٩٦١ .العربي

بدون . مطبعة األزهر ، مسالك االبصار :ابن فضل العمري

مخطوط ، مفرج الكروب في أخبار بني أيوب : ابن واصل

١٨٩٠ . طبعة بوالق ، جزءان ، عجائب اآلثار في التراجم واالخبار : الجبرتي

.٥٤٥رقم ، مخطوط بدار الكتب ، ة األدباء وسلوة الغرباء تحف: الخياري

تحفة األحباب وبغية الطالب فـي الخطـط والمـزارات والبقـاع : السخاوي

طبعـة العلـوم ، تحقيق محمود ربيع وحسن قاسم ، المباركات

١٩٣٧ .واآلداب

١٩٠٩ .ط القاهرة ، حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة : السيوطي

١٩١٧ .صبح األعشى في صناعة دار الكتب : قلقشنديال

١٨٥٣ .مجلدان ط بوالق ، المواعظ واالعتبار بذكر الخطط واآلثار : المقريزي

٧٠

١٩٦٠ .دار الكتب المصرية ، نهاية االرب في فنون األدب : النويري

المشـاهدة والحـوادث اإلفادة واالعتبار في األمـور : عبد اللطيف البغدادي

. القاهرة ، طبعة المجلة الجديدة ، المعاينة بأرض مصر

١٨٨٨ .طبعة بوالق ، مجلدات ٥، الخطط التوفيقية الجديدة لمصر : علي مبارك

ترجمه ، ١٨٨١ترجمه إلى الفرنسية تشارلز شيفر ، سفرنامة : ناصر خسرو

١٩٤٥ . لترجمة والنشر لجنة التأليف وا، يحيى الخشاب ، إلى العربية د

:المراجع الحدیثة : ثانیا

١٩٦٢ .بيروت ، تاريخ المسلمين واثارهم في األندلس : السيد عبد العزيز سالم

ط ، الفاطميون في مصر وأعمالهم السياسية والدينيـة : حسن إبراهيم حسن

١٩٣٢ .بوالق

١٩٧٠ .االهرام ، القاهرة وتاريخها وفنونها وآثارها : حسن الباشا وآخرون

دار نشر الجامعات ، تخطيط القاهرة وتنظيمها من نشأتها : حسن عبد الوهاب

١٩٥٧ .المصرية

١٩٤٠ دار الكتب ، كنوز الفاطميين : زكي محمد حسن

مطبعة ، ١٤العدد ، أعالم العرب ، الظاهر بيبرس : سعيد عبد الفتاح عاشور

١٩٦٣ .مصر

١٩٦٦ .٤٨العدد ، أعالم العرب ، طولون أحمد بن: سيدة كاشف

١٩٤٢ . ط المستقبل ، القاهرة من المعز إلى العصر الحديث : عبد الرحمن زكي

١٩٣٢ .تاريخ القاهرة إلى نهاية عصر المماليك : ___________

١٩٣٧ .ط المقتطف ، في مصر اإلسالمية : ___________

١٩٧٧ . دار المعارف . مية الحضارة اإلسال: على حسن الخربوطلي

، دار الفكر العربـي ، دولة بني قالوون في مصر : محمد جمال الدين سرور

١٩٤٧ . القاهرة

٢٨العدد ، الناصر محمد بن قالوون أعالم العرب : محمد عبد العزيز مرزوق

١٩٦٤ . مطبعة مصر ،

١٩٣٨ . ط دار الكتب، المصريةمصر اإلسالمية وتاريخ الخطط : محمد عبد اهللا عنان

٧١

المراجع األجنبیة :ثالثا Mayer L.A; A History of Egypt in the middle Ages. London. 1922

Lane-poole; A History of Egypt in the Middle Ages Weit G;

The Mumluke or Slave Dynasty of Egypt. London. 1916

٧٢