أبحاث حول الحدود في الإسلام

38
اﻹﺳﻼم ﻓﻲ اﻟﺤﺪود١ اﻹﺳﻼم ﻓﻲ اﻟﺤﺪود اﻟﺨﻮﻟﻲ ﻋﻠﻲ ﺟﻤﻌﺔ ﻟﻠﺪﻛﺘﻮر ﺑﺎﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻟﺪﻋﻮة ﻗﺴﻢ رﺋﯿﺲ اﻟﻤﻨﻮرة ﺑﺎﻟﻤﺪﯾﻨﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﻣﺠﻠﺔ اﻵﺧﺮ رﺑﯿﻊ- رﻣﻀﺎن١٤٠١ ھـ ﻋﻠﯿﮫ اﻟﻠ ﺻﻠﻰ رﺳﻠﮫ ﺧﺎﺗﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﻦ رب أﻧﺰﻟﮫ ﻛﺎﻣﻞ إﻟﮭﻲ ﻧﻈـﺎم ﻣﻦ ﺟﺰء اﻹﺳﻼم ﻓﻲ اﻟﺤﺪود اﻟ أﺗﺒﻌﮫ ﻟﻤﻦ ﯾﻜﻔﻞ ﻧﻈﺎﻣﺎ ﻟﯿﻜﻮن وﺳﻠﻢ اﻟﺴﺎﻋﺔ ﻗﯿﺎم إﻟﻰ واﻻﺳﺘﻘﺮار واﻷﻣﺎن ﺴﻌﺎدة} أ و ﱠﮫ اﻟﻠ ﱠﮫ اﻟﻠ { ) اﻟﺒﻘﺮة ﺳﻮرة١٣٨ ..( ﺣﻘﻮق ﺑﯿﻦ اﻟﺘﻮازن ﯾﺤﻔﻆ ﺿﺎﺑﻂ أﻧﮭﺎ اﻹﺳﻼم ﻓﻲ اﻟﺤﺪود وأﺳﺎس ﻣﻌﺎ واﻟﺠﻤﺎﻋﺔ اﻟﻔﺮد. وﻣﻘ ﺣﯿﺎﺗﮫ وﺻﯿﺎﻧﺔ وﺣﻔﻈﮭﺎ، ﻣﺼﺎﻟﺤﮫ ﺗﺤﻘﯿﻖ اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﺮد ﺣﻖ ﻓﻤﻦ ﻮﻣﺎﺗﮭﺎ أﯾﻀﺎ ﻧﻔﺴﮫ ﻣﻦ ﺑﻞ ﻏﯿﺮه ﻣﻦ ﻓﻘﻂ ﻟﯿﺲ ﺣﻤﺎﯾﺘﮫ ﻋﻠﻰ واﻟﻌﻤﻞ. ﻛﻞ ﻣﻦ ﻛﯿﺎﻧﮫ ﺻﯿﺎﻧﺔ ﻓﻲ اﻟﺤﻖﻟﻚ وﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊف واﻟﻌﻔﺎﮭﺮ ﺑﺎﻟ ﺗﺘﺴﻢ وادﻋﺔﻣﻨﺔ آ ﺣﯿﺎة ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺼﻮل وﻓﻲ ﻣﺴﺎس، أو اﻋﺘﺪاء. اﻟﺘﻲ اﻟﺠﺮاﺋﻢ وﺟﻤﯿﻊ اﻟﻤﺠﺘﺮاب اﺿ إﻟﻰى ﻷدﻧﮫﺷﺄ و ﺗﺮك ﻟﻮﺬي اﻟع اﻟﻨﻮ ﻣﻦ ھﻲ إﻧﻤﺎ اﻹﺳﻼم ﺣﺮﻣﮭﺎ اﻟﻔﻮﺿﻰﺎﻋﺔ وإ ﻊ، ﻓﯿﮫ واﻟﻘﻼﻗﻞ. ھﺎﺨﺬ ﯾﺘ وﻻ اﻟﻨﺎس ﺑﯿﻦ اﻟﻨﻈﯿﻔﺔ اﻟﺤﯿﺎة ﺎء إﻧ ﻓﻲ اﻟﻌﻘﻮﺑﺔ ﻋﻠﻰ ﯾﻌﺘﻤﺪ اﻹﺳﻼم أن ﯾﻌﻠﻢ أن وﯾﻨﺒﻐﻲﺑﺔ، اﻟﻤﮭ واﻟﻨﻔﺲ،ع اﻟﻮاز ﺑﺎﻟﻀﻤﯿﺮ وﻣﺤﺎرﺑﺘﮭﺎ اﻟﺠﺮﯾﻤﺔ ﻣﻦ اﻟﻮﻗﺎﯾﺔ ﻋﻠﻰ ﯾﻌﻤﻞ وإﻧﻤﺎﻟﻚ، اﻟﻮﺣﯿﺪة اﻟﻮﺳﯿﻠﺔ اﻟﺤﯿ أﺳﺒﺎب وﺗﻮﻓﯿﺮ اﻟﻤﺴﺘﻘﯿﻢ، واﻟﺴﻠﻮك ﻣﻨﮭھﺎﺨﺬ واﺗ اﻷﺳﺒﺎبه ھ ارﺗﻀﻰ ﻓﻤﻦ اﻟﻨﺎس، ﻟﻜﻞ اﻟﻨﻈﯿﻔﺔ ﺎة ﺑﺎﻹﺳﻼم وﻋﺰ ارﺗﻘﻰ ﺣﯿﺎﺗﮫ. وﺳﻌﻰ ﻣﻨﮭﺎ وﻧﻔﺮ اﻷﺳﺒﺎبه ھ ھﺠﺮ وﻣﻦ ﻣﺠﺘﻤﻌﮫ، ﺑﮫ وﺳﻌﺪ ﺑﺎﻟﻤﺠﺘﻤﻊ، وﺳﻌﺪ ﺿﻤﯿﺮ ﻣﻦع واز أو ﺧﻠﻖ ﻣﻦع راد دون ﻓﺴﺎدا،ض اﻷر ﻓﻲ. وﺣﻖﺘﺎرا، اﻟﻮﺣﻞ ﻓﻲغ ﯾﺘﻤﺮ ﻛﻤﻦ ﻓﮭﻮ ﻋﻘﺎﺑ ﺑﮫ ﯾﻨﺰل أنﺳﻼم واﺳﺘﻘﺮاره أﻣﻨﮫ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ وﯾﻮﻓﺮﺮوره، ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﻟﯿﺤﻤﻰ. ١٣٨ ت اﻻﻧﺤﺮاﻓﺎ ﻣﻦﯿﺮا ھﻨﺎك إن ﺑﻞ ﻣﻌﺼﯿﺔ، أوف اﻧﺤﺮا ﻟﻜﻞ دﻧﯿﻮﯾﺔ ﻋﻘﻮﺑﺔ ﯾﺮﺻﺪ ﻟﻢ واﻹﺳﻼمي اﻟﺪﻧﯿﻮ ﻋﻘﺎﺑﮭﻢ ﺗﻘﺪﯾﺮ وﺗﺮك وﻋﻘﺎﺑﮫ، ا ﺑﻐﻀ ﻣﺮﺗﻜﺒﯿﮭﺎر أﻧن ﻓﯿﮭﺎ اﻹﺳﻼم اﻛﺘﻔﻰ،ت واﻟﻤﺤﺮﻣﺎ ﻛﺎﻓﯿﺎ ﯾﺮاه ﺣﺴﺒﻤﺎ ﻟﻠﻘﺎﺿﻲب، اﻟﻜﻟﻚذ و اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻓﻲﺎﻟﻔﺔ اﻟﻤ أ ﻣﻊ وﯾﺘﻼءم واﻟﺘﻌﺰﯾﺮ،دﯾ اﻟﺘ ﻓﻲت اﻟﻤﻌﺎﻣﻼ ﻓﻲ واﻟﻐ،ت واﻟﻤﺤﺮﻣﺎ اﻟﻤﯿﺘﺔ، وأﻛﻞ،ت اﻷﻣﺎﻧﺎ وﺧﯿﺎﻧﺔ اﻟﺰور،ﮭﺎدة و اﻟﺮﺑﺎ، وأﻛﻞ واﻟﺮﯾﺎء،. واﻟﻤﯿﺰان اﻟﻜﯿﻞ ﻓﻲﻔﯿ واﻟﺘ. اﻟﻮاﻟﺪﯾﻦ وﻋﻘﻮق. واﻟﻨﻤﯿﻤﺔ واﻟﻐﯿﺒﺔ. اﻟ.. أر اﻟﺘﻲ اﻟﺠﺮاﺋﻢ أﻣﺎ ﻟﮭﺎ ﺻﺪ اﻟﺴﻨﺔ ﻓﻲ ورد اﻵﺧﺮ وﺑﻌﻀﮭﺎ اﻟﻜﺮﯾﻢ،نآ اﻟﻘﺮ ﺑﮫ ﺟﺎء ﺑﻌﻀﮭﺎ ﻣﺤﺪودة ﺟﺮاﺋﻢ ﻓﮭﻲ ﻣﻌﯿﻨﺔ ﺣﺪودا اﻹﺳﻼم وھﻰ.. اﻟﺤﺮاﺑﺔ اﻟﺒﻐﻲ، اﻟﺮدة،ﻤﺮ، اﻟﺮب،ﺬف اﻟﻘ اﻟﺰﻧﺎ، اﻟﺴﺮﻗﺔ،) ﺮﯾﻖ اﻟ ﺑﻘ ﺗﺴﻤﻰ اﻟﺘﻲ وھﻰ( ، اﻟﻤﻘﺮرة واﻟﻌﻘﻮﺑﺔ،ﺨﻄﺄ اﻟ واﻟﻘﺘﻞ اﻟﻌﻤﺪﺒﮫ واﻟﻘﺘﻞ اﻟﻌﻤﺪ، ﻗﺘﻞ ﺟﺮﯾﻤﺔا، ﺣﺪ ﺗﺴﻤﻰ اﻷوﻟﻰ اﻟﺴﺒﻌﺔ ﻟﻠﺠﺮاﺋﻢ اﻟﻌﻘﻮﺑﺔ أن ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺗﻌﺎﻟﻰ اﻟﻠ ﺣﻖ ھﻲ ﻓﯿﮭﺎ اﻟﻤﻘﺮرة. اﻟﻔﻘﮭﺎء ﯾﻘﻮل وﺣﯿﻨﻤﺎ: اﻟﻔﺮد ﻣﻦ اﻹﺳﻘﺎط ﺗﻘﺒﻞ أﻧﮭﺎﻟﻚ ﯾﻌﻨﻮن ﺗﻌﺎﻟﻰ اﻟﻠ ﺣﻖ اﻟﻌﻘﻮﺑﺔ إن اﺳﺘﻮﺟﺒ ﻛﻠﻤﺎ ﺣﻘﺎ اﻟﻌﻘﻮﺑﺔ ﯾﻌﺘﺒﺮون وھﻢ اﻷﻣﺮ، وﻟﻲ أو اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ وﻻ ﻋﻠﯿﮫ، اﻟﻤﺠﻨﻲ اﻟﻤﺼﻠﺤﺔ ﺘﮭﺎ ﻟﮭﻢ واﻟﺴﻼﻣﺔ اﻷﻣﻦ وﺗﺤﻘﯿﻖ اﻟﻨﺎس ﻋﻦ اﻟﻔﺴﺎد دﻓﻊ وھﻲ اﻟﻌﺎﻣﺔ،١ .. ﺑﺠﺮاﺋﻢ اﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔت اﻟﻌﻘﻮﺑﺎ أﻣﺎ ﺣﺪا ﺗﺴﻤﻰ ﻓﻼ واﻟﺪﯾﺔص اﻟﻘﺼﺎ٢ - اﻟﻔﻘﮭـﺎء ﺑﻌ ﻋﻨﺪ- اﻟﻤﺠﻨﻲ ﻋﻔﺎاذ إ أﻧﮫ ﺑﻤﻌﻨﻰ اﻷﻓﺮاد، ﺣﻖ ﻷﻧﮭﺎ ؛ أ ﻋﻠﯿﮫ ﺳﻘ اﻟﺪﯾﺔ أوص اﻟﻘﺼﺎ ﻋﻦ وﻟﯿﮫ و. أن ھﻨﺎ اﻟﺘﻔﺮﯾﻖ وﻋﻠﺔ اﻷﻓﺮاد، ﯾﺼﯿ ﻣﻤﺎ أﻛ اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ اﻟﻤﺒﺎ ﺿﺮرھﺎ ﯾﺼﯿ اﻟﺤﺪود ﺮاﺋﻢ ﻣﻤﺎ أﻛ اﻷﻓﺮاد ﯾﺼﯿ اﻟﻤﺒﺎ ﺿﺮرھﺎ أن إﻻ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ، ﺑﻜﯿﺎن ﻣﺴﺎﺳﮭﺎ ﻓﻤﻊ واﻟﺪﯾﺔ،ص اﻟﻘﺼﺎ ﺟﺮاﺋﻢ أﻣﺎص ﻟﻠﻘﺼﺎ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻋﻠﯿﮫ ﻟﻠﻤﺠﻨﻲ اﻟﻌﻔﻮ ﺣﻖﺎﺋﮭﺎ إﻋ ﻓﻲ واﻗﻌﯿﺔ ﻋﻤﻠﯿﺔﺮﯾﻌﺔ اﻟ ﻛﺎﻧ وﻟﻘﺪ اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ، ﯾﺼﯿ؛ واﻟﺪﯾﺔ اﻟﺘﺮاﺿﻲ، ﺣﺼﻮل ﺑﻌﺪ إﻻ ﯾﻜﻮن ھﻨﺎ اﻟﻌﻔﻮ وﻷنﺼﮫ،ﺸﺨﯿﻘﺎ و اﺗﺼﺎﻻ ﯾﺘﺼﻼن ﻷﻧﮭﻤﺎ وراﺋﮭـﺎ ﻣﻦ واﻟﻘﺼﺪص اﻟﻘﺼﺎ ﻋﻘﻮﺑﺔ ﻏﺎﯾﺔ ھﻮﻟﻚذ وﺮﻓﯿﻦ، اﻟ ﺑﯿﻦ اﻟﻨﻔﺲ وﺻﻔﺎء واﻟﺘﻨﺎزل،. اﻟﺠـﺎﻧﻲ، ﻋﻦ اﻟﺪﯾـﺔ أوص اﻟﻘﺼﺎ وﺳﻘﻮط ﻋﻠﯿﮫ، اﻟﻤﺠﻨﻲ ﻋﻔﻮ ﺣﺎل ﻓﻲ أﺑﺎﺣﺮﯾﻌﺔ اﻟ أن ھﻨﺎ ﯾﻼﺣﻆ ﻟﻜﻦ أﺑﺎﺣف ﻟﻈﺮو ﻣﻼﺋﻤﺔ ﺗﻌﺰﯾﺮﯾﺔ ﺑﻌﻘﻮﺑﺔ اﻟﺠﺎﻧﻲ ﻣﻌﺎﻗﺒﺔ اﻷﻣﺮ ﻮﻟﻲ

Upload: oz-coz

Post on 27-Jul-2015

142 views

Category:

Documents


2 download

TRANSCRIPT

Page 1: أبحاث حول الحدود في الإسلام

الحدود في اإلسالم

١

الحدود في اإلسالم للدكتور جمعة علي الخولي

رئیس قسم الدعوة بالجامعة

مجلة الجامعة اإلسالمیة بالمدینة المنورة ھـ١٤٠١ رمضان -ربیع اآلخر

الحدود في اإلسالم جزء من نظـام إلھي كامل أنزلھ رب العالمین على خاتم رسلھ صلى اللھ علیھ صبغة اللھ ومن أحسن {سعادة واألمان واالستقرار إلى قیام الساعة وسلم لیكون نظاما یكفل لمن أتبعھ ال

وأساس الحدود في اإلسالم أنھا ضابط یحفظ التوازن بین حقوق ).. ١٣٨سورة البقرة (} من اللھ صبغةوماتھا فمن حق الفرد على الجماعة تحقیق مصالحھ وحفظھا، وصیانة حیاتھ ومق. الفرد والجماعة معا

وللمجتمع كذلك الحق في صیانة كیانھ من كل . والعمل على حمایتھ لیس فقط من غیره بل من نفسھ أیضاوجمیع الجرائم التي . اعتداء أو مساس، وفي الحصول على حیاة آمنة وادعة تتسم بالطھر والعفاف

ع، وإشاعة الفوضى محرمھا اإلسالم إنما ھي من النوع الذي لو ترك وشأنھ ألدى إلى اضطراب المجت .والقالقل فیھ

وینبغي أن یعلم أن اإلسالم ال یعتمد على العقوبة في إنشاء الحیاة النظیفة بین الناس وال یتخذھا الوسیلة الوحیدة لذلك، وإنما یعمل على الوقایة من الجریمة ومحاربتھا بالضمیر الوازع، والنفس المھذبة،

اة النظیفة لكل الناس، فمن ارتضى ھذه األسباب واتخذھا منھج والسلوك المستقیم، وتوفیر أسباب الحیوسعد بالمجتمع، وسعد بھ مجتمعھ، ومن ھجر ھذه األسباب ونفر منھا وسعى . حیاتھ ارتقى وعز باإلسالم

فھو كمن یتمرغ في الوحل مختارا، وحق . في األرض فسادا، دون رادع من خلق أو وازع من ضمیر .ھ لیحمى الناس من شروره، ویوفر للمجتمع أمنھ واستقرارهلإلسالم أن ینزل بھ عقاب

١٣٨ واإلسالم لم یرصد عقوبة دنیویة لكل انحراف أو معصیة، بل إن ھناك كثیرا من االنحرافات والمحرمات، اكتفى اإلسالم فیھا بأن أنذر مرتكبیھا بغضب اهللا وعقابھ، وترك تقدیر عقابھم الدنیوي

في التأدیب والتعزیر، ویتالءم مع أثر المخالفة في المجتمع وذلك مثل الكذب، للقاضي حسبما یراه كافیا. والریاء، وأكل الربا، وشھادة الزور، وخیانة األمانات، وأكل المیتة، والمحرمات، والغش في المعامالت

صد لھا أما الجرائم التي أر.. الخ. والغیبة والنمیمة. وعقوق الوالدین. والتطفیف في الكیل والمیزاناإلسالم حدودا معینة فھي جرائم محدودة بعضھا جاء بھ القرآن الكریم، وبعضھا اآلخر ورد في السنة

، ثم )وھى التي تسمى بقطع الطریق(السرقة، الزنا، القذف، شرب الخمر، الردة، البغي، الحرابة .. وھىللجرائم السبعة األولى تسمى حدا، جریمة قتل العمد، والقتل شبھ العمد والقتل الخطأ، والعقوبة المقررة

.المقررة فیھا ھي حق اللھ تعالىبمعنى أن العقوبة إن العقوبة حق اللھ تعالى یعنون بذلك أنھا ال تقبل اإلسقاط ال من الفرد : وحینما یقول الفقھاء

تھا المصلحة المجني علیھ، وال من الجماعة أو ولي األمر، وھم یعتبرون العقوبة حقا هللا كلما استوجبأما العقوبات المتعلقة بجرائم .. ١العامة، وھي دفع الفساد عن الناس وتحقیق األمن والسالمة لھم

؛ ألنھا حق األفراد، بمعنى أنھ إذا عفا المجني - عند بعض الفقھـاء- ٢القصاص والدیة فال تسمى حدا .و ولیھ عن القصاص أو الدیة سقطاعلیھ أ

رائم الحدود یصیب ضررھا المباشر الجماعة أكثر مما یصیب األفراد، وعلة التفریق ھنا أن جأما جرائم القصاص والدیة، فمع مساسھا بكیان المجتمع، إال أن ضررھا المباشر یصیب األفراد أكثر مما یصیب الجماعة، ولقد كانت الشریعة عملیة واقعیة في إعطائھا حق العفو للمجني علیھ بالنسبة للقصاص

ألنھما یتصالن اتصاال وثیقا بشخصھ، وألن العفو ھنا ال یكون إال بعد حصول التراضي، والدیة؛ .والتنازل، وصفاء النفس بین الطرفین، وذلك ھو غایة عقوبة القصاص والقصد من ورائھـا

لكن یالحظ ھنا أن الشریعة أباحت في حال عفو المجني علیھ، وسقوط القصاص أو الدیـة عن الجـاني، ولي األمر معاقبة الجاني بعقوبة تعزیریة مالئمة لظروفأباحت ل

Page 2: أبحاث حول الحدود في الإسلام

الحدود في اإلسالم

٢

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

١/٧٩٫عبد القادر عودة جـ. التشریع الجنائي اإلسالمي١ ذھب البعض إلى أن الحد یطلق على عقوبة مقدرة بتقدیر الشارع سواء كان جریمة االعتداء فیھا على ٢

ط دار إحیاء التراث العربي ٤ /٥انظر فتح القدیر جـ. أم كان االعتداء فیھا على حقوق العباد. حقوق اهللا ١٩٧٤ ط٧٠وكتاب العقوبة للشیخ محمد أبو زھرة ص. بیروت

١٣٩

؛ حتى ال یستغل أسلوب اإلغراء المادي لإلفالت ٢، أوجب ذلك اإلمام مالك١الجریمة والمجرم .ق العفو عن المجني علیھمن العقـاب، أو یساء استعمال ح

والعقوبات المقررة في اإلسالم عقوبات مالئمة للجرائم المرصودة لھا، وقد شرعت على أساس محاربة الدوافع الخاصة بكل جریمة، فھي في الزنا الرجم للمحصن، والجلد لغیر المحصن وتغریب عام، وھي

إنما {: ة وقطع الطریق كما قـال سبحانھفي السرقة القطع، وفي القذف والشرب الجلد، وھى في الحرابجزاء الذین یحاربون اللھ ورسولھ ویسعون في األرض فسادا أن یقتلوا أو یصلبوا أو تقطع أیدیھم

وھي في الردة والبغي القتل، وھي في ). ٣٣دة سورة المائ(} وأرجلھم من خالف أو ینفوا من األرضوعلة التشدید في ھذه الجرائم بالذات أنھا من . القتل والجرح العمد القصاص، وفي القتل الخطأ الدیة

الخطورة بمكان، والتساھل فیھا یؤدى إلى انھیار األخالق، وفساد المجتمعات، إذ ھي جرائم رئیسیة فالقتل . ررھا على مرتكبیھا فقط، ولكنھ یتعدى إلى األفراد والجماعاتتتصل بالحیاة العامة وال یقتصر ض

العمد عدوان على الحیاة التي اختص اللھ وحده بمنحھا لإلنسان، فھو عدوان على حق اللھ، زد على ذلك ما یترتب على ھذه الجریمة من االستھانة بحرمة الدماء، وتأریث األحقاد والعداوات، وإشاعة الفتن

من أجل ذلك كتبنا على {عر بین الناس؛ ولذلك كان قتل نفس واحدة بمثابة عدوان على البشریة كلھا والذسورة المائدة (} بني إسرائیل أنھ من قتل نفسا بغیر نفس أو فساد في األرض فكأنما قتل الناس جمیعا

ومن یقتل مؤمنا متعمدا {ل النفس عمدا ھو الجرم الذي ال یكفر عنھ دیة وال عتق رقبة ، وكان قت)٣٢ولكم في القصاص حیاة {، وكان القصاص ھو الجزاء العادل )٩٣سورة النساء(} فجزاؤه جھنم خالدا فیھا ).١٧٩سورة البقرة (} ونیا أولي األلباب لعلكم تتق

وجریمة الزنا تشیع الفوضى الجنسیة في بیئات اإلنسان، وتظھر الشخص منتكسا قذرا كالحیوان، وما وفي السرقة عدوان .. یترتب على ذلك من اختالط األنساب، وإثارة األحقاد، وتھدید بنیان األسرة والذریة

وقطع .. أموالھم اللذین من حقھم أن یستمتعوا بھماعلى أموال الناس، وحرمانھم من االستمتاع بأمنھم والطریق فیھ ترویع لآلمنین واالعتداء على أموال الناس ودمائھم، بشكل جماعي أشبھ ما یكون بالعصابات

.المسلحة التي تستھین باإلنسان وما یملكھ اإلنسان ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

. لبنان- ط دار الكتاب العربي١/٢٤٥عبد القادر عودة جـ. اإلسالمي التشریع الجنائي ١ عن المرجع السابق٢/٢٦٨مواھب الجلیل جـ٢

١٤٠

والقذف فیھ تجریح لألعراض، وتلویث للسمعة، وإشاعة للسوء والشكوك في جو األسر، وتلك سلب للعقل - أم الخبائث - وفي شرب الخمر. حاالت تھدد البیوت باالنھیار

كما أنھا تعرض شاربھا للعربدة والتعدي على - أشرف ما وھب اهللا اإلنسان ومیزه بھ عن الحیوان -حرمات الناس، وتحطم قوى الشباب، وتضر بنفوسھم وعقولھم وجسومھم، وكم شرح األطباء ما لھا من

ا ورجالھا ضرر جسیم على النفس والجسم، وأجمعوا على ضرھا البالغ وأثرھا السیئ على األمة في دینھوفي الردة كفر باإلسالم ونظامھ، وتجریح لھ واستھانة بھ، وخروج على نظام الجماعة . ١وأخالقھا

المسلمة، ذلك أن اإلسالم عقیدة وشریعة، أو دین ودولة، فالخارج عن اإلسالم أقل ما یوصف بھ أنھ وعقوبتھا اإلعدام، یقول األستاذ خارج على نظام الدولة، وھو یشبھ في أیامنا ھذه جریمة الخیانة العظمى،

Page 3: أبحاث حول الحدود في الإسلام

الحدود في اإلسالم

٣

من "وقع إجماع المسلمین منذ إنشاء المذاھب الفقھیة على قتل المرتد مستدلـین بحدیث : "عالل الفاسيولكنھم ال یعتبرون قتلھ عقابا لھ على كونھ لم یعد مسلما، إنما یعتبرون ذلك نتیجة خیانتھ " بدل دینھ فاقتلوه

عداد أفرادھا ثم غدرھا فلو ستر كفره لم یتعرض لھ أحد، ولم یثق على للملة اإلسالمیة التي انخرط في .٢"بیضة قلبھ كما كان یقع للمنافقین

فقد ترك التصرف بشأنھ لولي األمر فیؤدب - أما ما عدا ھذه الجرائم من مخالفات، وسبق ضرب أمثلة لھاتأدیب؛ وھو عقوبة لم تحدد ال: المخطئ عن طریق ما یسمى في الفقھ اإلسالمي بالتعزیر، والتعزیر

ولقد أعطى .. الشریعة مقدارھا، وتركت للقاضي التقدیر المالئم لنوع الجریمة ولحال المجرم وسوابقھالشارع قاضي المسلمین صالحیة فرض العقوبة المناسبة والتي یراھا كفیلة بتأدیب الجاني وإصالحھ،

تتراوح بینھما الحبس، والنفي والتوبیخ، وحمایة الجماعة وصیانتھا وھى تبدأ بالزجر والنصح، و.. والحرمان من تولي الوظائف العامة، ومن أداء الشھادة. والغرامات المالیة، ومصادرة أدوات الجریمة

وقد تصل إلى أشد العقوبات كالحبس والجلد والقتل وذلك في الجرائم الخطیرة، كالتجسس لحساب .. الخ .٣یرة العدو مثال، أو معتاد الجرائم الخط

ویثیر حول عجاجة من غبار، ویصفھا . فإنھ ال یزال البعض یتحرج من إقامة حدود اإلسالم: وبعد .بالقسوة والشدة، وعدم مسایرتنا لروح العصر الذي ارتقت فیھ المدارك

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

.ماعیلعبد العزیز إس/ انظر كتاب اإلسالم والطب الحدیث د١ ٢٤٩ ص ١٩٦٣ مقاصد الشریعة اإلسالمیة ط الرباط سنة ٢ حاشیة ابن ٥٨/ الحسبة البن تیمیة١٠٦/ نقال عن طریق الحكیمة البن القیم ١/٦٨٨ التشریع الجنائي جـ٣

على أن الشافعیة ومعظم المالكیة ال یبیحون القتل تعزیرا ویفضلون أن یحبس الجاني .٤/٦٤٧عابدین انظر ( یمة إلى غیر أمد لكف شره عن الجماعة ویؤیدھم في ھذا االتجاه بعض الحنابلة الذي یستضر بجر ).المرجع السابق

١٤١

والطباع اإلنسانیة، ولكن یبدو أن ھؤالء یجھلون فقھ الحدود اإلسالمیة، وحكمتھا، وال یعرفون

ق الفقرات التالیة في مغزى ولھؤالء وأمثالھم أسو. متى تقام ومتى ال تقام، ومتى یؤخذ بتالبیب المجرمالحدود والمالبسات المحیطة بھا، والظروف التي تراعى إقامتھا، وأثرھا في القضاء على الجریمة، وفي

.سالمة المجتمع وأمنھ، فنقول واهللا المستعان إن الذي شرع الحدود، وحدد العقوبات ھو عالم الغیب والشھادة، الخبیر بمسالك النفوس ودروبھا، -١، إذا كان األمر )١٤سورة الملك (} أال یعلم من خلق وھو اللطیف الخبیر{لیم بما یصلحھا ویقومھا الع

والمبالغة . كذلك فتشریع اهللا لعباده أمرا أو نھیا، حكما أوحدا بعید عن كل معاني النقص والقصوربھا البشر وتتسم بھا مناھجھم، وإذا كانت والھوى، وغیر ذلك من صفات الجھل والعجز التي یتصف

الحدود من تشریع اللھ، فإن اللھ أرأف بعباده وأرحم مما یظن القاصرون، وھو أخبر بما یصلح حیاتھم ویھذب طباعھم، فلیس لمتشدق أن یتحدث عن قسوة الحدود، وشدة العقوبات، ألنھ لیس أبصر بمصلحة

.غیر ذلك فقد خرج من اإلیمانوأرحم بھم من خالقھم، ومن یظن . الخلقأما الحكمة : المتأمل في تشریع الحدود یجد أن عالج النفس اإلنسانیة بھا یتسم بالحكمة والرحمة معا-٢

ودون مبالغة أو إفراط، . فتتجلى في أن لكل جرم حدا معینا، ولكل مخالفة عقوبة خاصة دون غلو أو زیادة على أدق المقاییس، وأعدلھا، فالذي -مور كما سار في غیرھابحیث تلحظ أن الشارع قد سار في ھذه األ

والذي یرید الثراء من كسب غیره .. یرید أن یستمتع بنشوة اللذة علیھ أن یتوقع أنھ سیذوق من األلم أشدهوالذي یرید أن یحقر غیره بالقذف سیجد التحقیر من .. یعامل بنقیض مقصوده، وتقطع منھ أداة كسبھ

.تسقط شھادتھ، ویمشي بینھم ال یوثق لھ بكالمالجماعة كلھا، فناسبت كل عقوبة جریمتھا، ووضعت على أساس محاربة الدوافع التي تدفع إلیھا كل .. وھكذا.. وھكذا

Page 4: أبحاث حول الحدود في الإسلام

الحدود في اإلسالم

٤

ولھذا . جریمة، فھي لم توضع اعتباطا، وإنما وضعت على أساس طبیعة اإلنسان وفھم لنفسیتھ وعقلھئمة على واقعیة علمیة فنیة تامة الضبط واإلحكام، ألنھ مما ال شك كانت العقوبة في الشریعة اإلسالمیة قا

فیھ أن العقوبة التي تقوم على أساس العلم بالطبیعة البشریة، وفھم نفسیة المجرم ھي العقوبة التي یكتب ألنھا تحارب اإلجرام في نفس الفرد وداخلھ، قبل أن تحاربھ في حسھ وظاھره، األمر الذي . لھا النجاح

. الشخص یبتعد حتى عن مجرد التفكیر في اقتراف المنكریجعللما تفاوتت مراتب الجنایات لم یكن بد من تفاوت مراتب العقوبات، وكان من : "یقول اإلمام ابن القیم

المعلوم أن الناس لو وكلوا إلى عقولھم في معرفة ذلك وترتب كل عقوبة١٤٢

، لذھبت بھم اآلراء كـل مذھب، وتشعبت بھم على ما یناسبھا من الجنایة جنسا ووصفا وقدرا

الطرق كل متشعب، ولعظم االختالف، فكفاھم أرحم الراحمین مؤنة ذلك، وأزال عنھم كلفتھ، وتولى بحكمتھ وعلمھ ورحمتھ تقدیره نوعا وقدرا، ورتب على كل جنایة ما یناسبھا من العقوبة وما یلیق بھا من

جیدا بین الجریمة وعقوبتھا المقررة لھا بحیث لو وضعت واحدة النكال، و أنت تلحظ أن ھناك تناسبامكان أخرى أو لو عممت عقابا واحدا على جرائم متعددة لظھر لك على الفور االختالل واالضطراب

ولكنھا لم تعاقب على القذف بقطع . فالشریعة مثال عاقبت على السرقة بقطع الید.. وعدم العدل في األحكاموعاقبت في القتل بالقصاص، ولكنھا لم تعاقب في إتالف المال . اقب على الزنا بالخصاءاللسان، ولم تع

فھي كذلك بالنسبة .. وأما أنھا رحمة.. ھذا عن أن الحدود حكمة.. ١"بالقصاص، وسبحان اللطیف الخبیرھ لھ من شیوع أما بالنسبة للمجتمع فذلك ظاھر لما تجلب.. للمنحرف ذاتھ، وبالنسبة للمجتمع الذي یعیش فیھ

فإذا أرخص اإلسالم . وبما تدفعھ عنھ من أذى العدوان والقلق والترویع! األمن والحمایة األموال والدماءولكم في القصاص {دم قاتل، فلكي یحقن ألوف الدماء ویحیط الجماعة كلھا بما یحفظ علیھا حیاتھا وأمنھا

.أي حیاة ھادئة مطمئنة ال بغي فیھا وال عدوان) ١٧٩سورة البقرة (} تتقونحیاة یا أولي األلباب لعلكمحد یعمل بھ في األرض : "زد على ذلك ما في إقامة الحدود من بركات تعم المجتمع بأسره، وفي الحدیث

، أما أن الحدود رحمة "أربعین لیلة" وفي روایة ٢"خیر ألھل األرض من أن یمطروا أربعین صباحافالحدود كفارات لآلثام . معتدي فیتجلى ذلك في مغفرة اللھ ورحمتھ التي تحوطھ بعد إقامة الحد علیھبال

وفي حدیث . وجوابر لھا، تغسل أثرھا وتمحو ذنبھا، وكون الحدود جوابر ال ینفي أنھا زواجر كذلك: وعن الغامدیة٣"لقد تاب توبة لو قسمت بین أمة لوسعتھم: "الرسول صلى اللھ علیھ وسلم عن ماعز

من أصاب في الدنیا : " كما جاء في السنة٤"لقد تابت توبة لو قسمت بین سبعین من أھل المدینة لوسعتھم"السارق إذا تاب سیقت یده إلى "وروي أن . ٥"ذنبا، فعوقب بھ فاللھ أعدل من أن یثني على عبده العقوبة

جرعة من الدواء، فالحد أشبھ ب٦"الجنة وإن لم یتب سیقت یده إلى النار

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ٢/٨٣٫٨٢٫ إعالم الموقعین جـ ١ .باب إقامة الحدود- ابن ماجة ٢ ٣/٢٥ رواه الخمسة واللفظ للترمیذي انظر التاج ٣ ٣/٢٧٫ رواه الخمسة، انظر التاج جـ٤ . ابن ماجة، باب الحد كفارة٥ ٢/٢٦٥المي جـ العقوبة في الفقھ اإلس٦

١٤٣

من أصاب منكم حدا فعجلت : "الكریھ یشربھا اإلنسان لیحصل بعد ذلك على الراحة، وفي الحدیث .١" لھ عقوبتھ فھو كفارتھ

وطھرة تزیل . بلغ من رحمة اهللا تعالى وجوده أن جعل تلك العقوبات كفارات ألھلھا: "یقول ابن القیمفرحمھم . لیھ، وال سیما إذا كان منھم بعدھا التوبة النصوح واإلنابةعنھم المؤاخذة بالجنایات إذا قدموا ع

Page 5: أبحاث حول الحدود في الإسلام

الحدود في اإلسالم

٥

٢٫"بھذه العقوبات أنواعا من الرحمة في الدنیا واآلخرة لتقویم النفس - ضمن وسائل كثیرة أخرى - ال یرى اإلسالم العقوبة غایة في ذاتھا، ولكنھ یراھا وسیلة -٣

الم ال یتربص بالمجرم لكي یوقع علیھ العقاب، وال ینتظر اإلنسانیة وكفھا عن االنحراف؛ ولذلك فإن اإلسعثرة العاثر لیبطش بھ أو ینتقم منھ، إنھ طالما نصح بالستر علیھ لعلھ یتوب أو یستغفر، دلیل ذلك قولھ

: ، وعنھ صلى اهللا علیھ وسلم٣"تعافوا الحدود بینكم فما بلغني من حد فقد وجب: "علیھ الصالة والسالمالقاذورات التي نھى اللھ عز وجل عنھا فمن ألم فلیستتر بستر اللھ عز وجل، فإنھ من یبد لنا اجتنبوا ھذه "

ویكره . ٥"من ستر مسلما ستره اهللا یوم القیامة: "، وقال علیھ الصالة والسالم٤"صفحتھ نقم علیھ الحدویلوث جوھا بالقیل . اإلسالم أن تشیع الفاحشة في الذین آمنوا حتى ال تجرح أعراض الجماعة المسلمة

لو : "- رجل حرضھ على اإلقرار- ولما جاء ماعزا إلى النبي صلى اللھ علیھ وسلم قال لھزال .. والقالأأخبرت أحدا : "ویروى أن ماعزا مر على عمر قبل أن یقر فقال لھ عمر. ٦"سترتھ بثوبك كان خیر لك

وتب إلى اللھ، فإن الناس یعیرون وال یغیرون، فاذھب فاستتر بستر اهللا تعالى: "قال". ال: "، قال"قبليوذھب إلى أبى بكر فقال مثل ما قال ". واهللا تعالى یغیر وال یعیر، فتب إلى اهللا تعالى وال تخبر بھ أحدا

وھذا یدل على ..٧عمر، ثم ذھب إلى ھذا الرجل الذي المھ النبي صلى اللھ علیھ وسلم فأمره بما أقر بھ .رتكبت في غیر إعالن ینبغي سترھا وعدم كشفھاأن الجریمة إذا ا

إنھ یدرأ ما كان ھناك مخرج .. ال.. إذا ضبط الجاني وجيء بھ إلى القاضي ھل یقام علیھ الحد فورا-٤. ادرؤا الحدود عن المسلمین ما استطعتم فإن كان لھ مخرج فخلوا سبیلھ: "منھ لقولھ صلى اللھ علیھ وسلم

العفو خیر من أن یخطئ فيفإن اإلمام إن یخطئ في

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ . ابن ماجة،باب الحد كفارة١ ٢/٨٣٫ إعالم الموقعین ٢تنظر جمع الجوامع : الحاكم والبیھقي٣

٤٧٢ ٢٧٢٫/انظر سلسلة األحادیث الصحیحة جـ. ٤/٢٤٤ والحاكم ٨/٣٣٠ رواه البیھقي ٤ . ابن ماجة باب الحدود٥ . أبو داود باب الحدود٦ .٢١٩ العقوبة في فقھ اإلسالمي، محمد أبو زھرة ٧

١٤٤

: هللا علیھ وسلم فحین توجد أي شبھة، فمبدأ اإلسالم ھنا ھو قول النبي صلى ا .. ١"العقوبة

ألن أعطل الحدود بالشبھات أحب إلى أن : "ولذلك یقول عمر بن الخطاب. ٢"ادرؤوا الحدود بالشبھات" ، ولم یقطع كذلك عندما سرق ٤، ولھذا لم یقطع عام الرمادة عندما انتشرت المجاعة ٣"أقیمھا بالشبھات

سیدھم یجیعھم، وغرم السید ضعف ثمن غلمان حاطب بن أبي بلتعة ناقة رجل من مزینة بعد أن تبین أنولعل القصد من وراء األخذ بمبدأ الشبھة التي تدرأ الحد ھو التقلیل من العقوبات ما . ٥الناقة تأدیبا لھ

ومن أمثلة ذلك ما ذكره الفقھاء من أنھ ال قطع إذا كان . ٦إذ القلیل منھا كاف في الزجر والتخویف . أمكن، وبالنسبة ٨وبالنسبة للقذف قالوا ال حد بالتعریض. و كان في ظروف مجاعةأ. ٧السارق والدا أو زوجا

كما ٩للزنا قالوا ال حد إذا لم یصرح الشھود أو المقر بالعبارات الدالة علیھ من غیر احتمال فإن الحد یقام رضي اللھ جاء في كتاب المغني البن قدامة أنھ إذا ادعى أحد الجھل بفساد نكاح باطل قبل قولھ؛ ألن عمر

عنھ قبل قول المدعي الجھل بتحریم النكاح في العدة، وألن مثل ھذا یجھل كثیرا ویخفى على غیر أھل فالتضییق في الحدود أمر محبب في اإلسالم حتى یكون العقاب قلیال مانعا بدل أن یكون عاما ١٠العلمدود، إال أنھم لم یتفقوا على كل على أن الفقھاء وإن كانوا اتفقوا على أن الشبھات تدرأ الح. جامعا

الشبھات، فما یراه البعض شبھة صالحة للدرء قد ال یراه اآلخرون كذلك، وتلك أمور كلھا من مصلحة

Page 6: أبحاث حول الحدود في الإسلام

الحدود في اإلسالم

٦

المتھم، ومن أمثلة ذلك أن كل نكاح أجمع على بطالنھ كنكاح الخامسة أو المتزوجة أو المعتدة أو المطلقة الجاني عالما بالتحریم ألن العقد في رأي أبي حنیفة شبھة والشبھة ثالثا یدرأ فیھ أبو حنیفة الحد ولو كان

، وال یرى مالك والشافعي وأحمد درء الحد في ھذه الحاالت؛ ألنھم ال یعتبرون العقد شبھة ١١تدرأ الحد ١٢.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ . الترمیذي، باب الحدود١ ١/٢٢٨٫ انظر فیض القدیر جـ. البیھقي والدار قطني٢ ١/٢٠٨٫ التشریع الحنائي جـ٣ . دار الفكر٢٥٩ العقوبة في فقھ اإلسالمي ص٤ . ط دار الھالل٢٦٥ حقائق اإلسالم وأباطیل خصومھ ص ٥ ال ینكر قاعدة درء الحدود بالشبھات إال أھل الظاھر الذین ال یسلون بصحة ما ورد عن الرسول ٦

.)٤/١٣٩انظر فتح القدیر ( والصحابة في ھذا المجال ٢٢٦٫ العقوبة في فقھ اإلسالمي ٧ ٢٥٩٫ العقوبة في فقھ اإلسالمي ٨ ٢٤٢٫ العقوبة في فقھ اإلسالمي ٩

٤/١٤٨٫١٤٣٫ عن فتح القدیر ١/٢١٠ التشریع الجنائي جـ١٠ ٢٣٢٫ المرجع السابق ١١ . ٤/١٢٧ وأسني المطلب جـ٨/٧٧٫٧٦ المرجع السابق عن شرح الزرقاني جـ١٢

١٤٥

ویجعل أبو حنیفة التفاھة شبھة في المال تدرأ الحد عن سارقھ، ویرتب على ذلك أال قطع في التراب والطین والتبن والحصى وأشباھھا إال إذا أخرجتھ الصنعة عن تفاھتھ كان القطع واجبا، ویخالف

.١یبلغ النصاب مالك والشافعي وأحمد مذھب أبي حنیفة، وال یھون شبھة في تفاھة المال ما دام وال یرى أبو حنیفة الحد في سرقة ما یتسارع إلیھ الفساد كالطعام والرطب والبقول واللحم وال في سرقة

٣٫، ویرى مالك والشافعي وأحمد القطع في كل ھذا ٢باب المسجد لشبھة عدم تحریزهل ثابت ولذلك كان من یوفر اإلسالم الضمانات الكاملة والكافیة لكل متھم، حتى ال یؤخذ بغیر دلی-٥

المبادئ المقررة في الشریعة أنھ ال یصح الحكم بالعقوبة إال بعد التثبت من أن الجاني ارتكب جریمتھ، فإن كان ھناك شك في ارتكاب الجاني لجریمتھ، ولم تتقرر بالنسبة لھ أدلة اإلثبات وجب العفو عنھ، وأصل

ن اإلمام إن یخطئ في العفو خیر من أن یخطئ في إ: "ذلك المبدأ قول النبي صلى اللھ علیھ وسلم ومن جھة أخرى نجد أن أدلة اإلثبات التي قررتھا الشریعة في الحدود دقیقة قلما ثبتت إال على . ٤"العقوبة

فھي في الزنا مثال اإلقرار أو أربعة شھود رجاال یقرون برؤیة الفعل، فإذا لم یتكامل .. محترفي اإلجراموذلك لقولھ ٥واحد أو اثنان أو ثالثة على قولھم اعتبر من أصر قاذفا ویحد حد القذف العدد أربعة وأصر

والذین یرمون المحصنات ثم لم یأتوا بأربعة شھداء فاجلدوھم ثمانین جلدة وال تقبلوا لھم شھادة { تعالى ، ٦بعد الدعوى وفى القذف بشھادة اثنین أو باإلقرار ). ٤سورة النور آیة (} أبدا وأولئك ھم الفاسقون

والبد معھا من اإلقرار . الخ تلك الشروط…وفي السرقة االعتداء على مال الغیر المتقوم المحرز خفیةومثل ھذه الشروط ال تنطبق إال . ٨وفي الشرب مثل السرقة باإلقرار أو بشھادة اثنین. ٧وشھادة اثنین

.ع منھ علناعلى المصر المجاھر بمعصیتھ الذي تكررت منھ حتى أمكن أن تق

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ٧/٦٨٫٦٧٫،وبدائع الصنائع جـ٤/١٤٨ المرجع السابق نقال عن فتح القدیر ١ ٤/٢٣٠٫ المرجع السابق عن فتح القدیر ٢ ٤/١٤٠٫ وأسني المطالب ٨/٩٩ المرجع السابق عن شرح الزرقاني ٣ . الترمذي، باب الحدود٤

Page 7: أبحاث حول الحدود في الإسلام

الحدود في اإلسالم

٧

وذكر المغني عن الشافعي ٧٨والجریمة في الفقھ اإلسالمي . ١٣٨٩ ط أولى سنة ١٠/٧٢ي جـ المغن٥ .في المسألة قولین أحدھما ألحد علیھم

٨٣٫ الجریمة في الفقھ اإلسالمي ٦ ٨١٫ المرجع السابق ٧ . المرجع السابق٨

١٤٦

اهللا دون استثناء ألي ویضبط متلبسا بھا، ومن حق المجتمع أن یحمي نفسھ ممن ال یأبھ بحرمة

ولذلك كان صلى اللھ علیھ وسلم یقیم حدود اللھ دون مجاملة، وقد رفض الشفاعة فیھا من . اعتبار كانأتشفع في حد من حدود اللھ، إنما ھلك بنو إسرائیل أنھم كانوا إذا : "أعز أحبابھ أسامھ بن زید وقال لھ

أقاموا علیھ الحد، والذي نفس محمد بیده لو أن سرق فیھم الشریف تركوه، وإذا سرق فیھم الضعیف من حالت شفاعتھ دون حد : "، وعنھ صلى اللھ علیھ وسلم قال١"فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت یدھا ٢٫"من حدود اهللا فقد ضاد اللھ في أمره

. ذھب بعض العلماء إلى أن توبة الجاني تسقط الحد عنھ وتكون سببا للتجاوز عنھ وإخالء سبیلھ-٦إال الذین تابوا من قبل أن تقدروا علیھم فاعلموا أن اللھ {واستدل ھؤالء بقولھ تعالى بعد آیة المحاربة

وحجتھم في ذلك أن القرآن نص على سقوط عقوبة المحارب بالتوبة، ).. ٣٤سورة المائدة (} غفور رحیمفإذا دفعت التوبة عن المحارب عقوبتھ، كان من األولى أن تدفع التوبة . رائموجریمة الحرابة ھي أشد الج

عقوبة ما دون الحرابة من الجرائم، وأن القرآن لما جاء بعقوبة الزنا األولى رتب على التوبة منع العقوبة، ).. ١٦سورة النساء(} صلحا فأعرضوا عنھماوالذان یأتیانھا منكم فآذوھما فإن تابا وأ{وذلك قولھ تعالى

فمن تاب من بعد ظلمھ وأصلح فإن اللھ {وذكر القرآن حد السارق وأتبعھ بذكر التوبة في قولھ تعالى ).٣٨سورة األنفال (} یتوب علیھ

اعتبار توبة المحارب قبل القدرة علیھ دون غیره، وأما : "وقد أید ابن القیم ھذا الرأي ودافع عنھ بقولھإما من . فیقال أین في نصوص الشارع ھذا التفریق، بل نصھ على اعتبار توبة المحارب قبل القدرة علیھ

فإنھ إذا دفعت توبتھ عنھ حد حرابة مع شدة ضررھا . باب التنبیھ على اعتبار توبة غیره بطریق األولىقل للذین {وقد قال اللھ تعالى . ما دون حد الحراب بطریق األولى واألخرىفألن تدفع التوبة. وتعدیھ

التائب من : "وقال النبي صلى اللھ علیھ وسلم). ٣٨سورة األنفال (} كفروا إن ینتھوا یغفر لھم ما قد سلفاب الجـرائم ورفع العقوبة عن التائب واللھ تعالى جعل الحدود عقوبة ألرب ٣" الـذنب كمن ال ذنب لھ

كنت مع : شرعا وقدرا، فلیس في شرع اللھ وقدره عقوبة تائب البتة، وفي الصحیحین من حدیث أنس قـالولم یسألھ : إنـما أصبت حدا فأقمھ علي قال: " النبي صلى اللھ علیھ وسلم فجاء رجل وقال یا رسول اللھ

لى اللھ علیھ وسلم، فلماعنھ فحضرت الصالة فصلى مع النبي ص

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ . رواه الخمسة، انظر أبواب الحدود١ .ط ثالثة٦/٢٥٩ مجمع الزوائد جـ٢ و البیھقي في شعب اإلیمان. ابن ماجة في الزھد٣

١٤٧

اللھ إني أصبت حدا فأقم یا رسول: قضى النبي صلى اهللا علیھ وسلم الصالة، قام إلیھ الرجل فقال: قال ابن القیم". فإن اللھ تعالى قد غفر لك ذنبك"، قال نعم، قال "لیس قد صلیت معنا: "في كتاب اهللا قال

غفر اهللا لھ، ولم یقم علیھ الحد الذي اعترف بھ، وھو أحد - من غیر أن یطلب -فھذا لما جاء تائبا بنفسھ "فإن قیل فماعز جاء تائبا، والغامدیة .. لروایتین عن أحمد، وھو الصوابالقولین في المسألة، وھو إحدى ا

جاءت تائبة وأقام علیھما الحد قیل ال ریب في ذلك، وبھما احتج أصحاب القول اآلخر، وسألت شیخا عن

Page 8: أبحاث حول الحدود في الإسلام

الحدود في اإلسالم

٨

ذلك فأجاب بما مضمونھ أن الحد مطھر وأن التوبة مطھرة، وھما اختاروا التطھیر بالحد على التطھیر لتوبة وأبیا إال أن یطھرا بالحد، فأجابھما النبي صلى اهللا علیھ وسلم إلى ذلك وأرشد إلى اختیار بمجرد ا

ولو تعین ".. ھال تركتموه یتوب فیتوب اهللا علیھ: "التطھیر بالتوبة على التطھیر بالحد، فقال في حق ماعز: -لصاحب الحد الذي اعترف بھ- الحد بعد التوبة لما جاز تركھ، بل اإلمام مخیر بین أن یتركھ كما قال

، وبین أن یقیمھ كما أقامھ على ماعز والغامدیة لما اختارا إقامة الحد وأبیا إال "اذھب فقد غفر اهللا لك"وھذا : "التطھیر بھ، ولذلك ردھما النبي صلى اللھ علیھ وسلم مرارا وھما یأبیان إال إقامتھ علیھما ثم یقول

ال تجوز إقامتھ بعد التوبة البتة، وبین مسلك من یقول تجوز إقامتھ بعد المسلك وسط بین مسلك من یقول ومن مسلك من یقول ال أثر للتوبة في إسقاطھ البتة، وإذا تأملت السنة رأیتھا ال تدل إال على ھذا . التوبة

:فإنھ ینبغي أن یراعى ما یأتي. ، لكنھ إذا أخذ بھذا الرأي الذي یسقط الحد بالتوبة١القول الوسط أن یكون ذلك فیما یتعلق بحق اللھ تعالى كشرب الخمر مثال وال یكون مما یمس حق األفراد، كالقتل أو -أ

.الضرب، فال بد في ذلك من عفو أصحابھما أن تكون تلك التوبة عن الجریمة األولى، فإذا عاد إلى انحرافھ مرة أخرى وضبط وادعى التوبة، -ب

توبتھ حتى ال یتعطل القضاء، أو یستھین بحدود اهللا تعالى، فقد یكون كاذبا فینبغي أن یعاد النظر في قبول ألن شرط . قد خدع القضاء بھا أوال فال یخدعھ ثانیا؛ ألن فعلھ ھذا یثبت أن التوبة األولى لم تكن صحیحة

ن التوبة الصحیحة، التي تقبل الغفران أال یقع الشخص في الفعل الذي تاب منھ مرة أخرى، وال شك أالثانیة من نوع األولى وال فرق بینھما، ثم إن النفس إذا تمرست بالمعصیة أحاطت بھا واستولت علیھا،

. }بلى من كسب سیئة وأحاطت بھ خطیئتھ فأولئك أصحاب النار ھم فیھا خالدون{ولذلك قال اللھ تعالى .٢)٨١سورة البقرة (

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ ١٣٨٩٫ ط دار الكتب الحدیثة سنة٢/٦٤ إعالم الموقعین جـ١ .٢٧٦ انظر العقوبة في الفقھ اإلسالمي ٢

١٤٨

وصدق علیھا اإلنجیل ألن ما ال نص . كثیر من ھذه العقوبات منصوص علیھا في التوراة-٧ما جئت أللغي : "بع بھ نصوص التوراة، ألن عیسى علیھ السالم قالعلیھ في اإلنجیل بالمنع أو اإلباحة تتوكتبنا علیھم فیھا أن النفس { ویقول اللھ عز وجل في ھذا الشأن ". الناموس بل جئت ألحیي الناموس

ن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق بھ فھو بالنفس والعین بالعین واألنف باألنف واألذن باألذن والسكفارة لھ ومن لم یحكم بما أنزل اللھ فأولئك ھم الظالمون ، وقفینا على آثارھم بعیسى ابن مریم مصدقا لما

إنما أھلك من كان قبلكم : "ویقول علیھ الصالة والسالم).. ٤٦٠٤٥سورة المائدة (} وراةبین یدیھ من التوفي سفري . ١" أنھ كان إذا سرق منھم الشریف تركوه وإذا سرق منھم الضعیف أقاموا علیھ الحد

م ، فالذي یھاج٤ أمثلة على عقوبات القتل والغدر والضرب وسائر أنواع القصاص ٣ والتثنیة٢الخروجعلى أنھ إذا كان الیھود . اإلسالم من األوربیین في تشریع العقوبات فھو یھاجم األدیان السابقة كذلك

والمسیحیون قد تركوا تلك األحكام واستغنوا عنھا فنحن المسلمین لیس عندنا استعداد لترك دیننا، والتخلي .عن شریعتنا، ألننا ال نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض

بعض الرقعاء بأن الحدود ال تناسب أذواق العصر ومداركھ؛ ألنھا وضعت لنفوس قاسیة غیر إذا تعلل -٨: مدركة، أما اآلن فقد أرھفت األحاسیس، وعلت المدارك فال سبیل إلى مثل ھذه العقوبات، قلنا لھم

الذي أوجب مصداق ھذا االدعاء أال توجد أسبابھ، فال توجد السرقة التي أوجبت عقوبتھا، وال یوجد الزنا ولكن الجرائم مازالت قائمة، وقد تعددت أسبابھا، وتفتحت أبوابھا، وتفننت العقول في .. وھكذا..عقوبتھ

طرائقھا، وتصفح أي جریدة في أي بلد في العالم تجدھا ال تخلو من جرائم السرقة والقتل والنصب .ان العالمحتى صار الشخص ال یأمن على نفسھ ومالھ في كثیر من بلد. واالختالس

قتل المجرمون -نقال عن وكاالت األنباء- : ولقد نشرت جریدة األخبار القاھریة منذ سبع سنوات ما یليم، وسرق اللصوص ممتلكات ١٩٧٣في الوالیات المتحدة أكثر من عشرین ألف شخص خالل عام

Page 9: أبحاث حول الحدود في الإسلام

الحدود في اإلسالم

٩

جریمة خالل سنة وأشیاء تزید قیمتھا على ألفین وستمائة ملیون دوالر، وذلك بعد أن زادت موجة ال .عن العام األسبق% ١٨ بنسبة ١٩٧٤

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ . رواه الخمسة، انظر أبواب الحدود١ ٣٥٫٢١٫ اإلصحاح ٢ ٩٫ اإلصحاح ٣ ال نذكر ھذه الشواھد على أنھا صحیحة ألن فیھا أمورا تخالف النقل والعقل مثل من شتم أباه أو أمھ ٤ یطعنون في عقوبات اإلسالم كما ال نذكرھا على أنھا التوراة الحقیقة، وإنما لنلطم بھ وجھ الذین. تلیق

.وثبت لھم ولألروبیین أن القصاص وكثیرا من عقوبات موجود في الكتب السابقة

١٤٩ أن عشرة مالیین ومائة ألف جریمة ١٩٧٤وذكر تقریر مكتب التحقیقات الفیدرالیة في عام

، وكان ١٩٧٣یرة وقعت في الوالیات المتحدة، وذلك بزیادة ملیون ونصف ملیون جریمة عن عام خطومثل ذلك كثیر في .. ١ثلث الذین اعتقلوا الرتكاب الجرائم الخطیرة من الشبـاب المراھق تحت العشریندود والعقوبات ودلیل البلدان التي ال تقیم حدود اللھ، فكثرة أسباب العقوبة دلیل على شدة الحاجة إلى الح

على أن النفوس لم تسم عن نفوس السابقین، وإن ارتفعت في مجال العقل والفكر، ألن العقل وحده ال .یكفى، بل ال بد لھ من خلق كریم یسیره، وھدایة إلھیة تھدیھ سواء السبیل

من العقاب، وال یكون وإذا بدا للبعض أن العقوبات شدیدة موجعة، فذلك شأن العقوبة دائما، فاسمھا مشتق .٢أو شیئا قریبا من ھذا . العقاب عقابا إذا كان موسوما بالرخاوة والضعف، بل یكون لعبا وعبثا

أما العقوبات فشأنھا أن تكون رادعة بحیث تكف عن الجریمة قبل وقوعھا، فإذا وقعت كانت كفیلة بتأدیب إنھا موانع قبل الفعل : "د الفقھاء عن العقوباتالجاني وزجر غیره، وإال ما حققت المقصود منھا؛ یقول أح

أي العلم بشرعیتھا یمنع األقدام على الفعل، وإیقاعھا بعده یمنع العود إلیھ، ثم أن عدم ٣"زواجر بعدهالردع في العقوبات الحاضرة دلیل على الحاجة إلى العقوبات السماویة، وإذا كان السجن اآلن ھو أبرز

لعصر، أو ھو العقوبة األساسیة التي یعاقب بھا في كل الجرائم بسیطة كـانت أو العقوبات على مخالفات ا .خطیرة فھل ترى ذلك أغنى شیئا؟

كما تدل على ذلك سجالت المحاكم وملفات المحامین، .. إن الجرائم لم تقل، بل ھي في ازدیاد مستمر بھ فیھ كثیر من العیوب نشیر إلى وفوق أن السجن لم یقض على الجریمة، ولم یوقف نشاطھا فإن العالج

:بعضھا تكلیف الدولة كثیر من النفقات واألموال الباھظة التي ال بد من رصدھا لإلنفاق على نزالء السجون، -١

إن میزانیة . وموظفیھا وعمالھا، زیادة على تكالیف بنائھا وإنشائھا، وكم یرصد من أجل ذلك من أموالالتي یدفعھا المجتمع وھو في حاجة إلیھا دون فائدة أو جدوى، ذلك أنك السجون بین المیزانیات الضخمة

تسأل ھل استطاعت السجون المسماة بدور اإلصالح والتقویم أن تقوم بھذا الغرض فعال من حیث عالج .المجرم والقضاء على الجریمة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ٢٫ص-١٨/١١/١٩٧٥ جریدة األخبار ١ ٤٦٢٫ فقرة ١/٥٦٤ التشریع الجنائي جـ٢ .٤/١١٢ المرجع السابق نقال عن شرح فتح القدیر ٣

١٥٠

إن الواقع یؤكد عكس ھذا، فإن الحبس ال یمنع المجرم من مزاولة ھوایتھ إال مدة لحبس فقط، ثم فیخرج من سجنھ دوه،یعود بعده سیرتھ األولى كأعتى ما یكون، ألنھ یعیش بین قوم ألفوا اإلجرام واعتا

وقد أصبح أستاذا في الجریمة بعد أن أخذ قواعدھا من مدرسة الجریمة، ولذلك فانھ قد یكون في الحبس ولكنھ باختالطھ مع زمالئھ، وتبادل . بعض من لم یتمرس على الجریمة ألنھ لیس مجرما حقیقیا

Page 10: أبحاث حول الحدود في الإسلام

الحدود في اإلسالم

١٠

.المعلومات والخبرات معھم یخرج وقد أصبح خبیرا متخصصاالسجن بین اللصوص وبین العمل خالل فترة السجن، وغالبا ما یكونون أصحاب قدرة ونشاط، یحول -٢

لو أنھم عوقبوا بعقوبة أخرى غیر الحبس تكفي -وفي ذلك تعطیل للمواھب والقدرات، وكـان من الممكن .لتأدیبھم، كـان من الممكن أن یستغلوا جھدھم المعطل في العمل فیستفیدوا ویفیدوا مجتمعھم

كثیرا ما یعود السجن على السجین بالضرر البالغ في صحتھ وجسده نظرا لالزدحام الموجود فیھ، -٣وعدم الرعایة الصحیة والنظافة الكاملة، ولذلك فالسجن غالبا ما یكون وسیلة لنقل األمراض ونشرھا بین

.المسجونین، وسببا إلفساد أخالقھمن السجین ینادى علیھ ھناك برقمھ ال باسمھ وفي ذلك إلغاء السجن فیھ إھدار النسانیة اإلنسان، أل-٤

لشخصیة اإلنسان وذاتھ، وإشعاره باإلھانة وعدم الكرامة، ومن شعر بفقد كرامتھ وانحطاط إنسانیتھ ھانت .علیھ كثیرا من الجرائم

حراف في مدة حبس السارق تكون النتیجة اضطراب أسرتھ، وعدم استقرارھا وفي ذلك من تیسیر االن-٥ .وطرق اإلجرام ما فیھ

وذلك - بعد أن یخرج السارق من السجن نجده محكوما علیھ بالموت األدبي إن لم یكن المادي أیضا- ٦ وقد یضطره ذلك إلى أن . ألن الجمھور ینبذه وال یفتح لھ صدره أو ییسر لھ طریقا الستئناف حیاة نظیفة

االنتقام، فیمرن علیھ ویتشبع بدمھ ویصبح عنده یزاول اإلجرام من جدید، وبصورة فیھا تصمیم على وكثیرا ما قرأنا في الصحف عن أشخاص خرجوا من السجن، ولما نووا االستقامة، أخذوا . حرفة وعادة

یبحثون عن عمل شریف فأوصد المجتمع في وجوھھم أبوابھ، ووصمھم بعار االنحراف والخیانة، ولذلك .، وسیرة أطھركـانوا یناشدون المجتمع في حیاة أنقى

فلقد أخفقت عقوبة الحبس في تأدیب المجرمین، كما أخفقت سائر القوانین الوضعیة في تنظیف .. وبعد المجتمع من االنحرافـات والسوءات، فھل لنا أن نعود إلى طریق الكمال

١٥١

بھ یغفر لكم من ذنوبكم یا قومنا أجیبوا داعي اللھ وآمنوا{.. إلى شرع اهللا.. والطھر والعفافویجركم من عذاب ألیم ومن ال یجب داعي اللھ فلیس بمعجز في الأرض ولیس لھ من دونھ أولیاء أولئك

).٣٣، ٣١سورة األحقاف (} في ضالل مبین

... دقیقة في أمریكا٢٢جریمة قتل كل كشفت وزارة العدل للوالیات المتحدة األمریكیة في تقریر صدر أخیرا أن سیر الجرائم في الوالیات

وبنسبة خمسة وخمسین في المائة خالل اثنتي . المتحدة قد ازداد بنسبة تسعة في المائة بالنسبة للعام السابق دقیقة، ٢٣وجریمة قتل كل . دقیقة٣٤ریر تقع كل جریمة وعمل عنیف كل وطبقا للتق. عشرة سنة أخیرة

٥٤٤ ألف و ٣٣ دقائق وكشفت اإلحصائیات الرسمیة أن عدد القتلى بلغ إلى ٦وانتھاك حرمة كل .وأكثرھم تتراوح أعمارھم بین عشرین وتسعة وعشرین عاما

١٥٢

Page 11: أبحاث حول الحدود في الإسلام

الحدود في اإلسالم

١١

عة اإلسالمیة ومثالیتھاطبیعة العقوبة في الشری: بحث حول للدكتور حمد الحماد كلیة الشریعة

الجامعة اإلسالمیة بالمدینة المنورة السنة السادسة عشرة ،العدد الثاني والستون ربیع اآلخر

ھـ١٤٠٤جمادى اآلخرة

إن األشیاء التي تعتبر في نظر الشریعة جرائم إنما نھي عنھا ألن في ارتكابھا أضرارا جسیمة تلحق .نظام المجتمع وعقائده أو بأمنھ وكرامتھ أو بحیاة أفراده وأموالھم وأعراضھم ومشاعرھمب

وعمل العقوبة ھو أن تشعر المذنب بذنبھ وأن تنبھھ إلى خطئھ عسى أن یقوده ھذا إلى التوبة واإلصالح .وبذلك تصبح الجریمة كالملغاة

ة لم یكن من الحزم اإلصرار على استخـدام وإذا أمكن الوصول إلى ھذه الغایة بوسیلة أخرى أقل كلفالعقـوبـة في غیر الحـدود طبعـا لذا كان العفو أحیانا صورة من صور العقوبة بمعنى أنھ قد یحقق

.غرضھا من اإلصالح غیر أنھ لھ نفوس خاصة وظروف خاصة وذنوب خاصةث أن األمر بفعل شيء وقد شرع العقاب لمنع الناس من ارتكاب المحظور وحملھم فعل المأمور حی

والنھى عن فعـل شيء ال یكفي في تنفیـذه فالعقاب ھو الذي یحمل على التنفیذ ویجعل لألمر والنھى معنى .وھو الذي یزجر ویردع الناس عن المعاصي ویقضي على الفساد في األرض، مفھوما ونتیجة حقیقیة

ارتكاب ما حظر وترك ما أمر بھ لما في والحدود زواجر وضعھا اهللا تعالى للردع عن: "قال الماورديالطبع من مغالبة الشھوات الملھیة عن وعید اآلخرة بعاجل اللذة فجعل اهللا تعالى من زواجر الحدود ما یردع بھ ذا الجھالة حذرا من ألم العقوبة وخیفة من نكال الفضیحة لیكون ما حظر من محارمھ ممنوعا

.١"ن المصلحة أعم والتكلیف أتموما أمم بھ من فروضھ متبوعا فتكو إن تطبیق العقـوبـات في الشریعـة یحقق ما تقدم إلى جانب أنھ سوف یطارد الجریمة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

).الطبعة الثالثة( طبعة مصطفي الحلبي ٢٢١ األحكام السلطانیة ص ١ ١٩٢

ا قضاء تاما فیعیش المجتمع ملتزما إیجابیا بعیدا عن ویحصرھا في مجال ضیق بل یقضي علیھ

.المحالفات وبذلك یتحقق صالح حال البشروإذا كان تطبیقھـا یحقق ما تقـدم فإن تعطیلھـا یھدر ذلـك كـلھ وبسببـھ تتعطل أحكام الشرع من أمر ونھي

ى مثـل حیاة الغـاب یتسلط لعدم وجود ضمان لھا یحمل علیھا من ال ینفذھا طوعا وتعود حیاة المجتمع إلفیھـا القـوي على الضعیف نھبا وسلبا وقتال واعتداء بل تعود الحیاة إلى مثل قطعان البھائم ال شرف وال

.كرامة وال عرض مصانفتعطیل عقوبة الزنا مثال معناه إباحة الزنا الذي حرمتھ جمیع األدیان اإللھیة لما فیھ من المفاسد العظیمة

Page 12: أبحاث حول الحدود في الإسلام

الحدود في اإلسالم

١٢

.لشدیدةوالمضار اوتعطیل عقوبة السرقة معنـاه إبـاحـة لھا كذلـك فیؤدي ذلك إلى االعتداء على ممتلكات الناس فیكون

.اإلنسان غیر آمن على طعامھ وشرابھ وكسائھ ومسكنھ وأداة عملھوتعطیل عقوبة الردة معناه إباحة االعتداء على نظام المجتمع المسلم والخروج على مبادئھ والتشكیك في

.صحة دینھ وال یمكن أن تستقیم األمور في ھذا المجتمع إذا وضع نظامھ موضع التشكیك والطعنوتعطیل القصاص معناه إبـاحة االعتداء على حیاة األفراد من ناحیة واعتداء على نظام المجتمع من ناحیة

.أخرىھنا قاصر على األعراض وتعطیل عقوبة القذف معناه إباحة االعتداء على نظام األسرة حیث أن القذف

كـما یـترتب على القـذف إشـاعة الفـاحشـة فـما ... والذي یمس األعراض یشكك في صحة نظام األسرةإن الذین یحبون أن تشیع الفاحشة في { .ترامى النـاس بھا إال شاع فعلھا بینھم فإن القول یسھل الفعـل

).١٩: النور. (}ذاب ألیم في الدنیا واآلخرة واللھ یعلم وأنتم ال تعلمونالذین آمنوا لھم عوتعطیل عقوبة الخمر معناه إباحة للفساد في األرض عموما إذ ھو یؤدي إلى فقدان الشعور وإذا فقد

أن شربھا یضیع المال ویفسد الشارب شعوره فقد أصبح على استعداد الرتكاب جمیع الجرائم فضال عن .الصحة ویضعف النسل ویذھب العقل الذي ھو مالك التكلیف

وعلى العمـوم فإن تعطیـل ھذه العقـوبـات مدعاة إلى تعطیل أحكام الشرع وانتشار الفسـاد والفـوضى في ى النظام واألمن المجتمـع، وتطبیقھا ھو الضمان الوحید لتنفیذ أحكام الشرع وقطع دابر الفساد والحفاظ عل

واالطمئنان١٩٣

وما یرى اآلن في بعض المجتمعات من مفاسد وفوضى واضطراب واختالل أمن وكثرة جرائم

إنـما ھو بسبب تعطیل العقـوبات في الشریعـة اإلسالمیة التي شرعھا وأنزلھا العلیم الخبیر بھذا الكون وما ). ٥: المائدة(} م یوقنونومن أحسن من اهللا حكما لقو{یصلحھ

كـما - وتأدیب الجاني لیس لالنتقام والتشفي منھ وإنما إلصالحھ، والعقوبات على اختالف أنواعھا تتفق .١"تأدیب استصالح وزجر یختلف بحسب اختالف الذنب" في أنھا - یقول الفقھاء

لخلق وإرادة اإلحسان إلیھم ولذا فھي إنـما شرعت رحمـة من اهللا تعـالى بعبـاده فھي صادرة عن رحمة ایجب على من یؤدب المذنبین أن یقصد بذلك اإلحسان إلیھم والرحمة لھم كـما یقصد الوالد تأدیب ولده

.وكـما یقصد الطبیب معالجة المریض .ھذا وقد نشأت مذاھب مختلفة في العقوبة تعددت اتجاھاتھا في الغرض منھا

تكون انتقامیة فالبد أن ینال الجاني جزاء ما اقـترفت یداه حتى یشعر إن العقـوبـة یجب أن: فمذھب یقول .بأن النتائج الشریرة لجرائمھ وبال علیھ ھو

.یجب أن تكـون العقـوبة رادعة فالغایة منھا ردع الجاني وزجره عن العودة للجنایة: ومذھب یقولجر الناس عن ارتكاب جرائم تشبـھ یجب أن تكـون العقوبة واعظة للغیر فالغایة منھا ز: ومذھب یقول

.جریمـة الذي یعاقب المجـرم من أجلھا فھي تعـظ قومـا لیسوا مجرمین لكیال یصبحوا یوما مجرمینیجب أن تكون العقوبة مصلحة فمعاقبة الجاني الغایة منھ أوال وآخرا ھو إصالح الجاني ال : ومذھب یقول

.٢االنتقام منھ واكتفاء شره وال عظة غیرهوبالنظر إلى ھذه المذاھب نجد كل واحد منھا نظر إلى العقوبة والغرض منھا من زاویة واحدة ولو نظر إلیھا من جمیع الجھات فقد یجد األغراض األخرى یمكن أن تأتي تبعا للغرض الذي یراه ھو المقصود،

یـة بید أن ھذا ال یمنـع أن وكما تقدم أن العقوبات في الشریعة اإلسالمیة ھي في الدرجة األولى استصالحتردع العقوبة وأن تزجر في نفس الوقت كـما ال یمنع أن تكون قصاصا من الجاني فیھ معنى االنتقام

فتتحقق األغراض جمیعا، وكل ما تقدم ال یمنع أن یكـون ھناك مسـائـل استثنائیـة مثل قتل المرتد وقتل القاتل قصاصا إذ ال یتأتى إصالح

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

Page 13: أبحاث حول الحدود في الإسلام

الحدود في اإلسالم

١٣

.٢٣٦ األحكام السلطانیة للماوردي ص ١ ٣٦انظر فلسفة العقوبة لمحمد مھدي عالم ص ٢

١٩٤

الشخص بعـد إزھاق روحـھ ومثل ھذا روعي فیھ مصالح أخرى تتعلق بنظام المجتمع وأمنھ .یجب أن تراعى قبل مراعاة مصلحة الجاني

ل بأن العقـوبات في الشریعة اإلسالمیة استصالحیة نظریة العفو في الشریعة اإلسالمیة ومما یؤیـد القـوفلولي األمر أن یعفو عن تعزیر من استحق التعزیر إذا رأى أن ... في مجال التعازیر والقصاص والدیات

.المصلحة في ذلك مثلما إذا تاب المذنب وندم على ذنبھ واستقام وھكذاجال للعفو فیھا إذا وصلت إلى الحاكم إنما شرع التستر على المسلم ومنـع التجسس علیھ، أما الحـدود فال م

.والحدود تدرأ بالشبھات وكل ذلك یؤید أن االستصالح مراعى فیھا بالدرجة األولى أحیطت بضمانات كثیرة حتى تنحصر في أضیق - وخاصة الحدود-والعقوبات في الشریعة اإلسالمیة

حدود تدرأ بالشبھات واإلثبات فیھا اقـترن بضمانات قویة تمنع الكذب كـما أن اإلسالم في دائرة ممكنة فالیا أیھا الذین آمنوا اجتنبوا كثیرا من الظن إن {تطبیقھ القضائي ما سوغ ألحد التتبع والتجسس على الناس

).١٢: لحجراتا. (}...بعض الظن إثم وال تجسسوا - رضي اهللا عنھ-وقـال الـرسول صلى اهللا علیھ وسلم فیما رواه البخاري ومسلم من حدیث أبي ھریرة

.١..."إیاكم والظن فإن الظن أكذب الحدیث وال تحسسوا وال تجسسوا"اإلعالن إن اإلسالم یعـاقب على الجـرائم إذا أعلنھا فاعلھا وكشف أمره فیھا ولم یستتر عن الناس إذ في

أیھا الناس قد آن لكم تنتھوا عن حدود اهللا من أصاب من ھذه القاذورات . "تحریض علیھا ودعوة إلیھاإذا فال تجسس وال تتبع للعورات بل . ٢"شیئا فلیستتر بستر اهللا فإنھ من یبد لنا صفحتھ نقم علیھ كتاب اهللا لحة وھذهإن العقاب یكون حیث یتحقق اإلثبات فھو مفسدة ودفعھا مص

األصول

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ومسلم تحقیق محمد فؤاد ٦٠٦٤حدیث رقم . ٤٨١/ ١٠البخاري بشرح فتـح الباري الطبعة السلفیة ١

. من كتاب الـبر والصلة٢٨ حدیث رقم ٤/١٩٨٥عبد الباقي ضمن حدیث مرسل وقـد وصل ذلك الحاكم ٢/٨٢٥ رواه مالك في الموطأ ترقیم محمد فؤاد عبد الباقي ٢

وھو حدیث مشھور معروف العمل علیھ٨/٣٣٠ والبیھقي في السنن ٤/٣٨٣في المستدرك

١٩٥

.١"الخمسة حفظھا واقع في رتبة الضرورات فھو أقوى المراتب في المصالح :والحدود تقوم على دعامتین ھما

تفتك بھ وتروع أمنھ وعلى مقدار ما في الجریمة من ضرر حمایـة المجتمـع من الشرور واآلفات التي -١ .وفساد وترویع وإفزاع تكون غلظة العقوبة بقدر ذلك

عمـوم العقـاب في أحكـام الشـریعـة اإلسـالمیة فالحدود تطبق على الجمیع وال یعفى منھا أحد لمركزه -٢ .أو شخصھ أو لغیر ذلك من االعتبارات

:الموازنة بین الضرب والسجنإن المشرعین في القوانین الوضعیة یعیبون على اإلسالم أن العقوبات فیھ أكثرھا بدني بالضـرب المـبرح

.وقـالـوا إن ھذه العقـوبـات لیست إنسـانیة بل فیھا استھانة وحط للكرامة الواجب توفیرھا لإلنسانو مالحظة أكبر منفعة ویرد على ھذا بأن اإلسالم الحظ في العقوبات ما الحظھ في كل تشریعھ وھ

والموارنة بین الضرر الواقع والنفع المطلوب من حیث المقدار وتحمل أقل الضررین والشك أن العقاب .كیفما كان ضرره البد منھ ألنھ یترتب علیھ نفع أكبر من الضرر الالحق بالمعاقب

Page 14: أبحاث حول الحدود في الإسلام

الحدود في اإلسالم

١٤

یكون عاجال غیر معطل وقد الحظ اإلسالم في العقاب الرادع أن یكون ضرره غیر وخیم العاقبة بحیث .للقوى أو مفضیا إلى ما ھو أشد ضررا في عاقبتھ

والناظر في عقوبة السجن التي تعتمد علیھا القوانین الوضعیة إلى حد بعید یوازن بین ضرر السجن وضـرر الضـرب أیھـما أوخم عاقبـة وأیھما أحسم للداء، إنھ یالحظ في السجن أضرارا كثیرة وبالغة

:منھاالخطورة . انقطاع الجاني عن أھلھ وأوالده مدة قد تطول ال یرعونھ وال یرعاھم-١وعدوى الجریمة كعدوى المرض یسري - أنـھ یعـاشـر في السجن المجـرمین فتصل إلیھ عدواھم -٢

فیدخل مریضا بجریمة واحدة ربـما كان وقوعھ فیھا بسبب عارض ولیس متمكنـا -بالمجاورة واالختالط .ھ ولكنھ یخرج وقد أصیب بعدة أمراض أخرى ربما حولتھ إلى إنسان شاذ في المجتمعمن نفسـ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تحقیق محمد مصطفى أبو العال ٢٥١ المستصفى للغزالي ص ١ ١٩٦

مھینا فإن قلبھ وحیث فقدت الكرامة واستمر السجین أمدا ذلیال ، أن السجن تھان فیھ الكرامة-٣

یفسد ویكون مستعدا الرتكاب الكثیر من الجرائم ألن الجریمة مھانة تسھل عند المھین وتصعب على .الكریم

. أن السجناء وقت سجنھم قوة إنسانیة معطلة وبذلك یوقع السجن ضررا بالمجتمع-٤لوائح السجن وقلیل من ینجو أن السجیـن یعـاقب أثنـاء السجن بعقـوبـات بدنیة إذا ارتكب ما یخالف -٥

.من ھذه المخالفات وآثارھا وبھذا یقعون فیما فروا منھ .ھذه بعض أضرار السجن فوق ما فیـھ من تقییـد الحریـات وعـدم الردع الكافي عن ارتكاب الجرائمضرب أما عقوبة الضرب فإنھا وإن كانت ال تخلو من امتھان لكنھ ال یدوم وسرعان ما یسترد المعاقب بال

اعتباره إذا عمل بعد ذلك صالحا ونفسھ لم تتدرن بدرن یأكل الكرامة وإذا مازالت جراحـھ استأنف نشاطـھ واستئناف النشاط یرد إلیھ اعتباره ویستمر بین أھلھ یرعاھم ویرعونھ وال تصل إلیھ عدوى من

.أمراض أخرى كـما ال یوقع الضرب ضررا بالمجتمع كـما ھي الحال في السجنولھم إن في الضرب استھانة وحطا للكرامة فكرة ال محل لھا في العقاب وال یصح أن یحتج بھا لمن ال وق

.یوفر االحترام لنفسھوبعد فإن العقوبات في الحدود وغیرھا شرعت لمنع الكافة عن الجریمة وزجرھم عنھا فھي ضمانـات

قیقتھا وبطبیعة المجتمـع المسلم حیث لتطبیق أحكـام الشریعة ولیس كـما یتصورھا الجاھلون بھا وبحیتصـورونـھ أو یصـورونـھ مجتمعـا مقطـع األیدي في كل زاویـة رجل مصلوب وفي كل شارع رجل

مجلود أو مرجوم ویكفینا لتقریر ھذه الحقیقة ورد ھذه التصورات الجـاھلة أننا حینـما ننظر في المجتمع م ال تقع إال في حاالت قلیلة بل نادرة في بعض أنواعھا، في حین الملتزم بأحكام اهللا وحدوده أن ھذه الجرائ

أننـا نالحـظ ازدیاد جرائم السرقة مثال في المجتمعات التي ال تطبق فیھا الشریعة اإلسالمیة رغم أنھا . تعاقب علیھا أحیانا باإلعدام

ما تستقیم بھ أحوالھم وشئون آمنـا باهللا وبشرعـھ فھو العلیم الخبیر أعلم بطبیعة خلقھ وبما یصلحھم و .حیاتھم

}واللھ یعلم وأنتم ال تعلمون{

١٩٧

Page 15: أبحاث حول الحدود في الإسلام

الحدود في اإلسالم

١٥

دفاع عن العقوبات اإلسالمیة للشیخ محمد بن ناصر السحیباني عمید كلیة الشریعة بالجامعة

الجامعة اإلسالمیة بالمدینة المنورة العددان الثالث والستون والرابع- ة عشر السنة السادس

ھـ١٤٠٤ ذو الحجة -والستون رجب

الحمد هللا رب العالمین والصالة والسالم على أشرف األنبیاء والمرسلین نبینا محمد بن عبد اهللا ...وعلى آلھ وأصحابھ أجمعین، ومن تبعھم بإحسان إلى یوم الدین

:أما بعـد

ابقة تكلمت فیھا عن مزایا التشریع اإلسالمي، وأشرت إلى ما تتعرض لھ فقد سبق أن وعدت في مقالـة سالشریعة اإلسالمیة من استنقاص وازدراء من قبل أعدائھا، ومن قبل من یتظاھرون بأنھم من أبنائھا، وقـد وعدت في تلك المقالة أن أخص العقوبات اإلسالمیة بكلمة مختصرة موجزة، أبین فیھا ما تبین من وجوهالحكمة فیھا، وما تمتاز بھ عن العقوبات التي وضعھا اإلنسان وضعا ارتجالیا متأثرا بأھوائھ ورغباتھ،

مسترشدا بنظره القاصر، وتفكیره المحدود، وقبل أن أدخل في موضوع العقوبات، أقدم بكلمة قصیرة عن :الجریمة ونظرة اإلسالم إلیھا، فأقول مستعینا باهللا

Page 16: أبحاث حول الحدود في الإسلام

الحدود في اإلسالم

١٦

:یمـةتعریف الجر: أوال

وجرم إلیھم وعلیھم جریمة : "قال في اللسان. الجریمة عند أھل اللغة تأتي بمعنى الجنایة وبمعنى الذنب .١"جنى جنایة: وأجرم

وكذلك نجزي {: والمجرمون في قولھ تعالى: وقـال. وفي تاج العروس، والجرم بالضم الـذنب كالجریمة، والذي ٢ من قصتھم التكذیب بآیات اهللا واالستكبار عنھا قالـھ الزجاجالكافرون ألن الذي ذكر} المجرمین

یلفت النظر، أن لفظة اإلجرام وردت في كثیر من اآلیات الكریمة، وكلھا واهللا أعلم یقصد بھا الكافرون أو كـما نقلھ صاحب التاج عن الزجاج، كـما ورد في قولھ . المشركون ونحوھم من المكذبین والمنافقین

.١٢٤: األنعام} سیصیب الذین أجرموا صغار عند اللھ وعذاب شدید بما كانوا یمكرون{: لىتعا ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

٩١٫ ص ١٢/ لسان العرب البن منظور ج ١ .٢٢٤ ص ٨/ تاج العروس للزبیدي ج٢

٧١

.١)٧٤: طھ. (}ھ من یأت ربھ مجرما فإن لھ جھنم ال یموت فیھا وال یحیىإن{: وقولھ تعالىالجرائم محظورات شرعیة زجر اهللا تعالى عنھا بحد أو : "أما عند الفقھاء فقد عرفھا الماوردي بقولھ

.٢"تعزیر :، وقولھ تعالى)١١: المعارج(، }عذاب یومئذ ببنیھیود المجرم لو یفتدي من {: وقولھ تعالى

، بینما في السنة لم ٣، وھي تصل إلى أكثر من خمسین آیة)٣٥: القلم(} أفنجعل المسلمین كالمجرمین{یث سعد بن ترد ھذه الكلمة على لسان رسول اهللا صلى اهللا علیھ وسلم إال في حاالت قلیلة جدا، كـما في حد

إن أعظم المسلمین جرما من سأل عن : "أبي وقاص رضي اهللا عنھ، أن النبي صلى اهللا علیھ وسلم قال .٤أخرجھ البخاري". شيء لم یحرم فحرم من أجل مسألتھقیل لھا إن ابن عمر یرفع إلى النبي صلى اهللا علیھ وسلم إن المیت :" وحدیث عائشة رضي اهللا عنھا قالت

وھل أبو عبد الرحمن، إنما قال إن أھل المیت یبكون علیھ، وأنھ لیعذب : الحي، قالتیعذب ببكاء .٥"بجرمھ

ولم تستعمل ھذه الكلمة من قبل الفقھاء في الصدر األول بمعنى الجنایة إال في حاالت قلیلة، فقد بوب رة لما تخلف ھو البخـاري رحمھ اهللا في كتابھ على حدیث كعب بن مالك رضي اهللا عنھ في قصتھ المشھو

باب ھل لإلمام أن یمنع المجـرمـین وأھل المعصیة من الكالم معھ : ومن معھ عن غزوة تبوك، بوب بقولھ مع أن الحدیث كـما ھو معروف لم یتضمن ھذه الكلمة، وقد ذكر الحافظ رحمھ اهللا أن ٦والزیارة ونحوه

. مین، وإنما بلفظ المحبوس بدل المجرمینروایة ابن التین اإلسماعیلي والجرجاني، لم تكن بلفظ المجرباب إثم من قتل ذمیا بغیر جرم، وساق حدیث عبد اهللا ابن عمرو بھذا : كـما بوب في الدیات بقولھ

، مع أنھ لم یتضمن ھذه الكلمة، ومثل ذلك فعل في كتاب الجزیة فعنون بھذا العنوان وساق ٧الصدد .الحدیث

تحرجون من إطالق ھذه الكلمة في حق العصاة من المسلمین لما فقد یكون السلف رضي اهللا عنھم ی الحظوه من ورودھا في القرآن الكریم في حق الكفار في أكثر المواضع، وإن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ٢٨٢٫، ص ٣٤١، ٦٠ ص ٤/ ، ج٣/ انظر تفسیر النسفي ج ١ ٢١٩٫ األحكام السلطانیة للما وردي ص ٢ ٢٤٦٫، ٢٨٦ ص ١٨/، ج٢٦٧ ص ١٩/ وانظر القرطبي ج ٣ ٢٦٤٫ ص ١٣/ انظر فتح الباري ج ٤ ١١٦٫ ص ٧/، الفتح الرباني ج٥٧ ص ٦/ المسند ج ٥ ٢١٦٫ ص ١٣/ انظر فتح الباري ج ٦ .٢٦٩ ص ٦/، ج٢٥٩ ص ١ ٢/ انظر فتح الباري ج ٧

Page 17: أبحاث حول الحدود في الإسلام

الحدود في اإلسالم

١٧

٧٢ واهللا أعلم... جنایةكان ال یمتنع استعمالھا لغة في ھذا الموضع، أعني موضع ال

:نظرة اإلسالم إلى الجریمة: ثانیا

إنھ باستقراء النصوص من اآلیات القرآنیة الكریمة واألحادیث النبویة الشریفة نالحظ أن نظرة اإلسالم نظرتھ إلى الظاھرة العادیة فھو یعتبر الجریمة جزء من المجتمع اإلنساني ال تنفك - الجنایة-إلى الجریمة

ما أن النقص والتقصیر ال ینفك عن اإلنسان، وبالتالي عن المجتمع اإلنساني، فإن الجریمة كذلك، فك. عنھفھي لیست إال صورة من صور النقص والتقصیر الذي یعتبر صفة مالزمة لبني آدم في ھذه الحیاة یقول

} كال إن اإلنسان لیطغى { )١٧آیة : عبس. (}قتل اإلنسان ما أكفره{: سبحانھ وتعالى عن اإلنسان. }وحملھا اإلنسان إنھ كان ظلوما جھوال{). ١١: اإلسراء. (}وكان اإلنسان عجوال{). ٦: العلق(قد : وفى الحدیث عن أبي أیوب األنصاري رضي اهللا عنھ أنھ قال حین حضرتھ الوفاة) ٧٢: األحزاب(

لوال أنكم تذنبون لخلق اهللا تبارك : "م شیئا سمعتھ من رسول اهللا صلى اهللا علیھ وسلم یقولكنت كتمت عنك، وفى الحدیث عن أنس بن مالك رضي اهللا عنھ أن رسول ١رواه أحمد". وتعالى قوما یذنبون فیغفر لھم: وقال. ترمذيأخرجھ ال. ٢"كل ابن آدم خطاء وخیر الخطائین التوابون: "اهللا صلى اهللا علیھ وسلم قال

.، والحدیث وان اختلف في صحتھ فمعناه صحیح"ھذا حدیث غریب"إذن فالجریمة بحد ذاتھا كظاھرة اجتماعیة، تعتبر في نظر اإلسالم أمرا مسلما بھ، والبد منھ ألن الكـمال

م بوجودھا ولكن كون الجریمة ظاھرة البد منھا، ال یعني ھذا أنـھ یسل. هللا سبحـانـھ، والعصمة هللا وحـدهوتترك في المجتمـع لتنمو وتنتشر وتتكاثر دون أن تستنكر وتحارب، بل إن اإلسالم وضع لھا الحل السلیم

والعالج الشافي والحكم العادل، فاإلسالم یحارب تكـاثر الجریمة وتصاعدھا، إال أنـھ من األمور المسلم ـة، ولو كان ذلـك ممكنا، لكان المجتمع النبوي بھا أنھ ال یمكن بحال من األحوال أن یخلو مجتمع من جریم

في عھد رسول اهللا صلى اهللا علیھ وسلم وفي عھد الخلفاء الراشدین، لكان ھذا المجتمع أولى المجتمعات وأقریھا إلى الخلو من الجریمة وأحراھا بالقضـاء علیھا، إال أنھ من المعروف أن ھذا المجتمع الطاھر

جـرائم على اختالف أنـواعھا، فاإلسالم ال ینظر إلى المجتمع اإلنساني نظرة النظیف قد وجـدت فیـھ المثالیة خیالیة، تھدف إلى إنھاء الجریمة من المجتمع والقضاء علیھا قضاء مبرما، ألن من المبادئ

واهللا سبحانھ قد سلط علیھ-الرئیسیة أن اإلنسان مبتلى بالخیر والشر ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/ وھو صحیح وقد أخرجھ مسلم والترمذي أنظر سلسلة األحادیث الصحیحة ج٤١ ٤ ص ٥/المسند ج ١ ٣٤٫ ص ه ٤ ١ ٧٦ ص ٢/ وراجع كشف الخفاء ج١ ٩ ١ ص ٧/، سنن الترمذي ج٥ ١ ص ه ٢/ جامع األصول ج ٢

.١٦٧وأسنى المطالب للحوت البیروتي ص ٧٣

حانا، فمادام الشیطان موجودا، فالجریمة موجودة ألنھ ھو الذي یوسوس بھا الشیطان، ابتالء وامت

یعدھم ویمنیھم وما یعدھم الشیطان إال {في نفس اإلنسان، وھو الذي یدعوه إلى ارتكابھا ویحسنھا لھ : الحجر(} ن لھم في األرض وألغوینھم أجمعینقال رب بما أغویتني ألزین{) ١٢٠: النسـاء(} غرورا

٤ ٠- ٣٩.( إال أن اإلسالم وھو یسلم بوجود الجریمة ال یتركھا ھكذا . واآلیات بھذا الشأن كثیرة جدا والمسألة واضحـة

من كـما أسلفت بل یسعى إلى تقلیلھا، ووضعھا في حجم معین ویسعى إلى حصر آثارھا والتخفیف نتائجھا، ومن ناحیة أخرى فاإلسالم بھذه النظرة ال یقطع خط الرجعة على المجرمین، بل یدعوھم

ویطالبھم بالعودة إلى المجتمع، ویعید لھم اعتبارھم، وال یجعل من مقار فتھم للجریمة أیا كانت سببا في سون في اإلجرام حیث ال نبذھم وطردھم إال بقدر محدود، عندما یصرون على ارتكاب الجریمة ویر تك

، فإنھ في ھذه الحالة ینتقل إلى العقوبة ومع العقوبة كذلك ال یعتبرھم منبوذین، بل ١تجدي فیھم الموعظةیعتبرھم جزء من المجتمع، ویترك لھم الفرصة لیعیدوا االعتبار إلى أنفسھم إذا كانوا أحیاء، وإذا كانوا في

Page 18: أبحاث حول الحدود في الإسلام

الحدود في اإلسالم

١٨

فھو یعتبرھم مسلمین، لھم ما للمسلمین من حقوق واحترام، في - في حالة العقوبة المتلفة- عداد األمواتالحدیث أن خالد بن الولید رضي اهللا عنھ سب المرأة التي رجمت من الزنا، فقال رسول اهللا صلى اهللا

مھال یا خالد، فوالذي نفسي بیده لقد تابت توبة لو تابھا صاحب مكس لغفر لھ، ثم أمر بھا : "علیھ وسلم . رواه أحمد ومسلم وأبو داود". ودفنتفصلى علیھا

لقد تابت توبة لو قسمت بین سبعین من . "تصلي علیھا وقد زنت: وقال لعمر رضي اهللا عنھ عندما قالرواه مسلم وغیره، في بعض روایات ". أھل المدینة لوسعتھم، وھل وجدت أفضل من أن جادت بنفسھا هللا

ھریرة رضي اهللا عنھ، أن رسول اهللا صلى اهللا علیھ وسلم قصة ماعز بن مالك األسلمي فیما رواه أبو انظر إلى ھذا الذي ستر اهللا علیھ فلم تدعھ نفسھ حتى : سمع رجلین من أصحابھ یقول أحدھما لصاحبھ

" أین فالن وفالن؟: "فقال. رجم رجم الكلب، فسكت عنھما، وسار ساعة حتى مر بجیفة حمار شائال رجلھ: یا نبي اهللا من یأكل من ھذا؟ قال: فقاال" كال من جیفة ھذا الحمار: "قال. اهللانحن ذان یا رسول : فقاال

فما نلتما من عرض أخیكـما أنفا أشد من أكـل منھ، والذي نفسي بیده إنھ اآلن لفي أنھار الجنة ینغمس " .رواه أبو داود". فیھا

:قل استغفر اهللا وأتوب إلیھ فقال": ولما جاءوا بالسارق بعد قطعھ قال رسول اهللا صلى اهللا علیھ وسلم ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ال ینبغي أن یفھم من ذلك أن العقوبة ال توقع علیھم إال في حالة اإلصرار بل أن العقوبة توقع على ١ . یختلفالمجرم بمجرد ارتكابھ للجریمة ولو لم یصر أو تتكرر منھ، إال في التعازیر فاألمر فیھا

٧٤ رواه أحمد وأبو ". اللھم تب علیھ: استغفر اهللا وأتوب إلیھ، فقال رسول اهللا صلى اهللا علیھ وسلم

.داودال : "ولما أتي بشارب خمر وأمر الناس بضربھ، فقال بعض القوم أخزاك اهللا، فقال صلى اهللا علیھ وسلم

.رواه أحمد والبخاري". تقولوا ھكذا ال تعینوا علیھ الشیطانفھذه النصوص وأمثالھا تؤكد ما أشیر إلیھ من أن المسلم إذا ارتكب جرما مھما كان ال یبرر نبذه وطرده،

ولكن تقام علیھ العقوبة المقررة شرعا، وفق األحكام الشرعیة في اإلثبات والحكم والتنفیذ، ویعاد لھ . اعتباره بعد ذلك حیا كان أو میتا إذا تاب وصلحت توبتھ

:١ضرورة اجتماعیـةالعقوبة تعتبر العقوبة من األمور الضروریة للمجتمعات، وال یمكن أن یعیش مجتمع دون أن تفرض فیھ عقوبة، فكما أن الجریمة جزء من المجتمع مالزمة لھ وال یتصور وجود مجتمع بدون جریمة، فكـذلك ال یتصور

ك نجـد حتى في المجتمعات الحیوانیة وجود مجتمع بدون عقوبة، فالعقوبة تعتبر رد فعل للجریمة، ولذل .ومجتمع الطیور والحشرات نجد العقوبة فیما بینھا یوقعھا بعضھا على بعض

والمجتمعـات اإلنسانیة وان كانت العقوبة موجودة فیھا، إال تفاوتا كبیرا بین مجتمع وآخر في مدى تأثیر وبة مع الجریمة باعتبارھا رد فعل، فما لم ھذه العقوبة، ونتائجھا في المجتمع وذلك من حیث تناسب العق

یكن رد الفعل متناسبا مع أن ھناك الفعل بل مساویا لھ، فإن العقوبة تكون في ھذه الحالة فاشلة في عالج .اإلجرام

والذي یحصل أن كثیرا من المجتمعات في العقوبة تفرق بین اإلفراط والتفریط فبعضھا یتشدد في العقوبة ن العقوبة أكبر من الجریمة، مما یدفع بالمجرم أو عائلتھ أو عصـابتھ أن یسعوا في ویقسو حتى تكو

استعادة الفرق، وقـد تكون العقوبة أقل من الجریمة بحیث تغرى المجرم بالعودة إلى الجریمة أو تدفع تساھلة فیھا المعتدى علیھ إلى األخذ ببقیة حقھ بنفسھ، أما بالنسبة للمجتمعات المفرطـة في العقوبـة الم

فأمثلتھا كثیرة ونستطیع أن نقول إن أكثر الدول الغربیة في الوقت الحاضر ومن سار في ركابھا من .الدول اإلسالمیة على ھذه الشاكلة، من تدلیل المجرم وعدم معاملتھ بحزم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ : تعریف العقوبة١

قاب والمعاقبة أن تجزي الرجل بما فعل سوء، واالسم العقوبة وعاقبھ بذنبھ الع: یقول صاحب اللسان ).٦١٩/ ١لسان العرب البن منظور . (ھذا عند أھل اللغة. أخذه بھ: معاقبة وعقابا

Page 19: أبحاث حول الحدود في الإسلام

الحدود في اإلسالم

١٩

أورده عبد ". (بأنھا الجزاء المقرر لمصلحة الجماعة على عصیان أمر الشارع"عرفھا بعض الفقھاء ).١/٦٠٩(لجنائي القادر عودة في التشریع ا

٧٥

أما المجتمعات المفرطة المتشددة فمنھا بعض المجتمعات الغربیة إلى نھایة القرن التاسع عشر المیالدي، فقد عرفت بریطانیا في القرن التاسع عشر التشھیر بمرتكبي جنایات الغش في مواد التموین،

یربط إلى إطار خشبي ویتدلى عنقھ من فتحة فكان الخباز الذي یبیع خبزا یقل وزنا عن الوزن القانوني، اإلطار، وقد علق بعنقھ رغیف، وربما عوقب بوضع أصابع الیدین في آلة ضاغطة أو بالضغط على

الساقین، وعرفت الصین حتى تاریخ حدیث ألوانا من العقوبات القاسیة، كوضع ألواح من الخشب حول وفى الھند . ١ا یمرون بھم وقد وقفوا خارج جدار السجنأعناق المتھمین لیتمكن الناس من معرفتھم عندم

أشد وأبشع فقد نشرت جریدة الریاض في أحد أعدادھا أن وكاالت األنباء الھندیة أعلنت أن إحدى النساء أرغمت خادمتھا البالغـة من العمر خمسة عشر عاما على غمس یدیھا في زیت حار إلثبات برائتھا من

وقالت الوكالة أن الضحیة . األسبوع الماضي في مدینة راجكوت غربي الھندتھمة سرقـة ساعة وقعت فيمانجو ال دیفي نفت التھمة التي وجھتھا لھا سیدتھا بسرقة ساعة، وعندھا قامت السیدة التي لم یعلن عن كر اسمھا بإرغام الخادمة على غمس یدیھا في زیت كان یغلى على النار إلثبات أنھا ال تكذب والجدیر بالذ

أن مثل طرق التعذیب ھذه مألوفة في الریف الھندي، ومن أمثلتھا قیام الشرطة الھندیة بفقأ عیون عشرین وكل ھذه المجتمعات المفرطة منھا ٢متھما في جرائم السرقة في والیـة بیھار الھندیـة الشرقیـة مؤخرا

حاربة الجریمة لمجرد أن والمفرطة فشل في محاربـة الجریمة، وال یرجع فشل ھذه المجتمعات في مالعقوبات ال تتناسب مع الجرائم، بل ھناك أمر مھم وھو أن ھذه المجتمعات المفرطة والمفرطة ال تؤمن

بشرع اهللا وال تحكم بحكم اهللا بل تتبع الھوى في أحكـامھا وأنظمتھا وتتخبط في اجتھادھا ولـذلـك ال یمكن ولو اتبع الحق أھواءھم لفسدت السماوات {: تعالى یقولأن تصل إلى نتیجـة مرضیة وحالة مسعدة واهللا

).٧١: المؤمنون. (}واألرض ومن فیھنأما الشریعة اإلسالمیة فإنھا في عقوباتھا متوسطة ال إفراط وال تفریط خاصة عندما تطبق بأمانة وعدالة،

. من اإلجرام والحد منھفإنھا تؤثر تأثیرا بالغا في التقلیل ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

).١٤١- ا٤٠ص (محمد عبد الفتح إبراھیم : الجریمة والعقاب في المجتمع القبلي اإلفریقي١ ھـ ١ ٤ ٠ ١/ ٣/١ الصادر بتاریخ ٤٧٢٣ جریدة الریاض العدد ٢

:الحكمة من العقـوبةفة عامة ھي معالجة األمراض االجتماعیة فإذا نظرنا إلى المجتمع كوحدة إن الحكمة من العقوبـة بص

واحدة وجسم واحد، ونظرنا إلى األفراد وھم یمثلون خالیا الجسم وأعضائھ٧٦

وأطرافـھ، أمكننا أن نتصور كیف أن إیقاع العقوبات على بعض األفراد یعتبر عالجا للمجتمع،

بأدویة مرة، أو بالمضاد، أو بالشق والجراحة، وقـد یصل األمر إلى تماما كما یعالج جسم اإلنسان، إمابتر العضو وإزالتھ حتى ال یكـون سببا في تلف الجسم كلھ، وھذا ما یحصل لخالیا وأعضاء ھذا الجسم

.الكبیر المجتمع، فقد یعالج بعض أفراده بالجلد، أو الھجر أو الحبس أو القطع أو القتل إذا لزم األمرـوبة من ناحیة أخرى أھداف ترجـع إلى الجاني وأھداف ترجع إلى عموم الناس، فبالنسبة للجاني وللعق

، وبالنسبة لسائر الناس فإن العقوبة )قتال(تھدف العقوبة إلى استصالحھ وزجره إذا لم تكن العقوبة متلفھ العقول، وغیر ذلك تھدف من ناحیة إلى حمایة مصالحھم الضروریة في األعراض واألموال واألبدان، و

من المصالح، ومن ناحیة أخرى تھدف إلى ردع المجرمین وتخویفھم وتحذیرھم من الوقوع فیما وقع فیھ .المتھم فیحل بھم مثل ما حل بھ من العقوبة

Page 20: أبحاث حول الحدود في الإسلام

الحدود في اإلسالم

٢٠

:ھل العقوبات اإلسالمیة قاسیة لتأدیب تعرضت العقوبات التي شرعھا اهللا سبحانھ وتعالى، وشرعھا رسولھ صلى اهللا علیھ وسلم،

المجرمـین وزجـرھم وردعھم، من جلد وھجر أو قطع أو رجم أو قتل، لقد تعرضت للھجوم والسخریة واالستھزاء من قبل كثیر من الكتاب، فتارة توصف بأنھا وحشیة وتارة توصف بأنھا عقوبات قاسیة قدیمة

كتاب المسلمین، فھـذا أحـد وال تلیق بالعصر الحدیث، ومن المؤسف أن نجد مثل ھذا االنتقاد عند بعض الوالتعویض المدني یمتاز عن الدیة بأنھ مرن یزید : الكتاب وھو یتحدث عن العقوبات وتطورھا یقول

وینقص حسب مقدار الضرر الناتج عن الجـریمة، كما أنـھ یمتاز عن القصاص في أنھ ال یقصد بھ مجرد ع على المجني علیھ إذا أمكن، أو تعویضھ عن ھذا االنتقام من الجاني وإنما یقصد بھ إزالـة الضرر الواقـ

الضرر لیخفف أثره إذا لم تكن اإلزالة ممكنة، كما أن التعویض المدني یمتاز عن الدیة والقصاص في أنـھ حق مدني منفصل عن العقوبـة فیمكن للمجني علیھ أن یتنازل عنھ، ولكن ذلك ال یعفى الجاني من العقوبة

ھذا كالم جاھل بالشریعة، وإال فأي مرونة أكثر من المرونة في تقاد یر الدیات و١التي ھي حق للمجتمعفي التشریع اإلسالمي وتقدیرھا بحسب الضرر الذي یصیب المجني علیھ، ولم تبلغ شریعة من الشرائع وال نظام من األنظمة ما بلغتھ ھذه الشریعة في تقدیر الدیات بحسب اإلصابـة، حتى قدروا للظفر دیتھ،

وللشعر دیتھ، ولكل جرح ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

٧ ٥ -٧٣، ٢٤توفیق الشاوي الصفحات . د: العقوبات الجنائیة في التشریعات العربیة١٧٧

بحسب غوره في البدن دیتھ التي تناسبھ، فأي مرونة أكثر من ھذه المرونة، ومن ذا الذي یجھل تنازل عن الـدیة، بل ھو مدعو إلى ذلك ومرغب فیھ، كـما أن التنازل عن الدیة ال أن للمجني علیھ أن ی

یعنى اإلعفاء من المسئولیة مطلقا، بل لولى األمر أن یعزر الجاني تعزیرا مناسبا، كل ھذه المعلومات .یدركھا أقل المسلمین اطالعا، ولكنھ الجھل أو التجاھل

ة إصالح النظم الجنائیة في العصور الحدیثة أصبحت العقوبات ومنذ بدأت حرك: "وفي موضع آخر یقولالبدنیة محل ھجوم شدید من ناحیة الفالسفة والمصلحین، باعتبار أنھا تتضمن امتھانا لكرامة اإلنسانیة

ولم تشذ التشریعات العربیة عن تأثیر المذاھب : "إلى أن قال..." الواجب رعایتھا حتى بالنسبة للمجرمینورغم ... "ثم یمضى في كالمھ..." یة بل نرى أن التطور التشریعي في بالدنا یأخذ نفس االتجاهاإلصالح

العقوبات الجسمانیة، لما یترتب علیھا من مھانة وإذالل لآلدمي - أن االتجاه الحدیث یرمى إلى الغاء ھذه، ولكن االتجاه الغالب بمعاملتھ معاملة الحیوان، فإن بعض المؤلفین یرى ضرورة بقائھا في أحوال معینة

أما عقوبة القتل فھي ١"في العالم المتحضر یدعو إلى الغائھا باعتبارھا ال تتناسب مع المدنیة الحاضرةبزعمھم أصبحت محل نقد كثیر من الفالسفة والباحثین، ألنھم یرون أن القتل إجراء وحشي ال یجوز أن

.٢ یمكن االستعاضة عنھ بالسجن المؤبدیرتكبھ المجتمع ضد أحد األفراد ألي سبب كان ماداملقد تأثرت التشریعات المعاصرة بالنقد الموجھ إلى عقوبة الجلد أو الضرب ذلك النقد : وعن عقوبة الجلد

الذي یستند إلى منافاتھا لكرامة البشریة إذ أن استعمال الضرب في تأدیب اإلنسان تشبیھ لھ بالحیوان یتعارض مع االحترام الذي تقتضیھ الصفة اإلنسانیة التي ال یمكن نزعھا ونزول بھ إلى مرتبة الدواب مما

ونحن نرد على ھؤالء المتھجمین . ھذا نموذج من النـماذج الكثیرة. ٣عن الشخص لمجرد أرتكابھ جریمة .بردین رد مجمـل ورد مفصـل مع االختصار الذي یقتضیھ المقام

: الرد المجمـل فأمالى العقوبات اإلسالمیة أحد رجلین، أما كافر باإلسالم ال یؤمن باهللا وال برسولھ فإن ھؤالء المتھجمین ع

صلى اهللا علیھ وسلم، وأما مسلم، فبالنسبة للكافر فإن القضیة مع الكفار أكبر وأعظم من أن تقف عند فرع من فروع الدین فھم أصال ال یؤمنون باهللا سبحانھ ومن یزعم منھم أنھ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ٧٥٫ -٧٣، ٢٤توفیق الشاوي الصفحات . د. العقوبات الجنائیة في التشریعات العربیة١ ٧٥٫ -٧٣، ٢٤توفیق الشاوي الصفحات . د. العقوبات الجنائیة في التشریعات العربیة٢ ٧٥ - ٧٣، ٢٤توفیق الشاوي . د. العقوبات الجنائیة في التشریعات العربیة٣

Page 21: أبحاث حول الحدود في الإسلام

الحدود في اإلسالم

٢١

٧٨ فھم . یؤمن باهللا فھو ال یؤمن بھ اإلیمان الصحیح الكامل، وال ینطلق في إیمانھ من تصور صحیح

. ال یؤمنون بالرسول وال یقرون برسالتھ وال یؤمنون بالقرآن وال بالبعث بعد الموت والحساب والجزاءین وال یسلمون هللا فمادام ھؤالء ال یسلمون بأصول الد. وھذه القضایا أخطر وأكبر من قضیة العقوبات

سبحانھ بالحكمة والعدالة والرحمة، بل إنھم لیتھجمون على الشریعة اإلسالمیة ویسخرون منھا فمن باب وأما المسلم الذي یتھجم على العقوبات اإلسالمیة فإما أن یكون متظاھرا . أولى أال یسلموا بما دون ذلك

اق، فھذا شأنھ شأن الفریق األول، وإما أن یكون باإلسالم مجرد تظاھر وھو یبطن الكفر واإللحاد والنفمسلما ضعیفا جاھال، فھذا ینبغي أن یعرف أنھ ال یصح إیمانھ حتى یسلم بكل ما شرعھ اهللا وشرعھ

رسولھ صلى اهللا علیھ وسلم، فاهللا سبحانھ وتعالى علیم حكیم خبیر، متصف بكـل صفات الكمال منزه عن تبدو فیھا صفاتھ من الحكمة والرحمة وقد ندرك ذلك وقد ال ندركھ كل صفات النقص فأحكامھ وشرائعھ

ولكن مقتضى اإلیمان أن نسلم هللا سبحانھ بكل ما شرعھ لنا، وإن كان ھذا ال یمنع أن نتحرى الحكمة ونبحث عن أسرار التشریع بأدب مع اهللا سبحانھ ومع رسولھ صلى اهللا علیھ وسلم، ھذا ھو الرد المجمل

.باختصار :الرد المفصل فإنھأما

.یحتاج منا إلى وقفات وھى وقفات سریعة حیث أن المقام ال یتحمل اإلطالة :الوقفة األولى

مقارنـة العقوبات اإلسالمیة بالعقوبات في المجتمعات األخرى لنرى مدى القسوة والشدة فیھما، ولقد : اإلسالمي إلى شيء من ذلك فقالتطرق األستاذ عبد القادر عوده رحمھ اهللا في كتابھ التشریع الجنائي

فإذا قدرنا أن الجرائم التعزیریة التي یمكن العقاب علیھا بالقتل تصل إلى خمس جرائم، كانت كل "الجرائم المعاقب علیھا بالقتل في الشریعة ال تزید على عشر جرائم عند من یجیزون القتل تعزیرا، وكان

جیزون القتل تعزیرا، وتلك میزة انفردت بھا الشریعة عددھا ال یزید على خمس جرائم عند من ال یاإلسالمیة من یوم نزولھا، فھي ال تسـرف في عقوبة القتل وال تفرضھا دون مقتضى، ونستطیع أن نحیط بمدى تفوق الشریعة في ھذه الوجھة، إذا علمنا أن القوانین الوضعیة كانت إلى آواخر القرن الثامن عشر

لى حد بعید، بحیث كان القانون اإلنجلیزي مثال یعاقب على مائتي جریمة تسرف في عقوبة القتل إ .١"باإلعدام، والقانون الفرنسي یعاقب على مائة وخمس عشرة جریمة باإلعدام

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ٦٨ ٩ص ١ التشریع الجنائي اإلسالمي ج ١

٧٩

كانت القوانین "ـدیث عن أساس المسئولیة الجنائیة، ویقول في موضع آخر وھو بصدد الح

الـوضعیة في العصور الوسطى والى ما قبل الثورة الفرنسیة تجعل اإلنسان والحیوان بل والجماد محال للمسئولیة الجنائیة، وكان الجماد یعاقب كالحیوان على ما نسب إلیھ من أفعال ضارة، كـما یعـاقب

من أفعـال محرمة، وكـانت العقوبة تصیب األموات كـما تصیب األحیاء، ولم اإلنسـان على ما ینسب إلیـھولم یكن اإلنسان مسئوال جنائیا عن . یكن المـوت من األسباب التي تعفى المیت من المحاكمة والعقاب

على أفعالھ فقط و إنما كان یسأل عن عمل غیره ولو لم یكن عالما بعمل ھذا الغیر، ولو لم یكن لھ سلطانھذا الغیر، فكانت العقوبة تتعدى المجرم إلى أھلھ وأصدقائھ وتصیبھم كـما تصیبھ، وھو وحده الجاني وھم

.البرءاء من جنایتھوكان اإلنسان یعتبر مسئوال جنائیا عن عملھ، سواء كان رجال أو طفال ممیزا أو غیر ممیز وسـواء كان

ك وكانت األفعال المحرمة ال تعین قبل تحریمھا، وال یعلم مختارا أو غیر مختار، مدركـا أو فاقد اإلدرا ١الخ ..." بھا الناس قبل مؤاخذتھم علیھا، وكانت العقوبات التي توقع غیر معینة في الغالب

وفي العصور الوسطى في أوربا نفسھا أن توقع العقوبات وكان من الممكن في بعض الشرائع القدیمة بل .٢الجنائیة على حیوان، أو على جثة الجاني بعد موتھ أو على من بھ مس من الجنون

Page 22: أبحاث حول الحدود في الإسلام

الحدود في اإلسالم

٢٢

ولقد ألمحت في الفقرة السـابقـة إلى بعض العقـوبات القاسیة التي تمارس في بعض المجتمعات كـما في ا نالحظ من ھذا العرض المختصر المقارن أشد ما تكون قتال أو فالعقوبات اإلسالمیة كـم- الھند والصین

قطعا ومع ذلك فعدد الجرائم التي یعاقب علیھا بالقتل ال یجاوز العشر أو الخمس، والجرائم التي یعاقب وسوف نالحظ فیما بعد الحكمة الدقیقة في سن ھذه العقوبات للجرائم الخاصة . علیھا بالقطع جریمتان فقط

.بھاوانین الوضعیة وإن كان أغلبھا في العصر الحاضر قد استبدل عقوبة الحبس المؤبد بعقوبة اإلعدام والق

وصارت تركز على عقـوبة السجن مؤقتا أو مؤبدا فإن السجن المؤبد أو الطویل األجـل لیس إال قتال رھبتھ وأفضى إلى بالتقسیـط للمجرم، وقتال ألسرتھ معھ، فال ھو بالمیت الذي استراح من عناء السجن و

ما قدم من خـیر أو شر، وال ھو بالمطلق سراحھ لیعمل ویكدح، وكم تعاني أسرة السجین من الشقاء .والضیاع، وكم تفقد من العنایة والرعایة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

٣٨١٫ ص ١ التشریع الجنائي ج١ .٣٢توفیق الشاوي ص . د. تشریعات العربیة محاضرات عن المسئولیة الجنائیة في ال٢

٨٠

رحمھ اهللا عیوب عقـوبـة الحبس بعـدة نقـاط مؤیـدة باألرقـام اإلحصائیة فذكر " عودة"ولقد لخص :١منھاإرھاق خزانـة الدولة وتعطیل اإلنتاج فالشك أن الدولة سوف تتحمل نفقات كبیرة إلعداد السجون : أوال

.مع ذلك فال یزال السجناء یعانون في كثیر من الدول من قلة العنایة والرعایةوصیانتھا والعنایة بھا، وإفساد المسجونین ویقول بھذا الصدد وكان من الممكن أن تتحمل الجماعة ھذه الخسارة الكبیرة سنویا : ثانیا

الواقع أي نفقات ھذا السجن والسجناء لو كانت عقوبة الحبس تؤدي إلى إصالح المسجـونین، ولكنھا فيتؤدي بالصالح إلى الفساد وتزید الفاسد فسادا على فسـاده، فالسجن یجمـع بین المجرم الذي ألف اإلجرام

وتمـرس بأسالیبـھ، وبـین المجرم المتخصص في نوع من اإلجرام وبین المجـرم العادي، كـما یضم اعتبارا كالمحكوم علیھم في حمل السجن أشخـاصا لیسوا بمجرمین حقیقین، وإنما جعلھم القانون مجرمین

األسلحة أو لعـدم زراعـة نسبـة معینة من القمح والشعیر، وكالمحكوم علیھم في جرائم الخطأ واإلھمال، فحاصـل ما ذكـر أن السجن أصبح مدرسة إجرامیة یلقن فیھا المجرمون . إلى آخر ما ذكـره رحمھ اهللا

.العتاة والمعتادون المبتدئین من المجرمینولقـد دلت المشاھـدات على أن الرجل یدخل السجن ألمر ال یعتبره العـرف جریمـة كضبـط : إلى أن قال

قطعـة سالح معـھ، وكان المعروف عنھ قبل دخولھ السجن أنھ یكره المجرمین ویأنف أن یكون منھم، فإذا وھو كالم جید مدعم خرج من السجن حبب إلیھ اإلجرام واحترافھ بل صار یتباھى بھ إلى آخر ما ذكر،

.باإلحصائیات فیحسن الرجوع إلیھوعقوبة الحبس فوق أنھا غیر رادعة فإنھا تؤدى إلى قتل الشعور : قتـل الشعـور بالمسئولیة: ثالثا

.بالمسئولیة في نفوس المجرمین، وتحبب إلیھم التعطل، خاصة من یقضى منھم مدة طویلة في السجنعقـوبـة الحبس قد فرضت على أسـاس أنھا عقوبة رادعة ولكن الواقع قد إن : انعـدام قوة الردع: رابعا

أثبت أنھا ال فائدة منھا وال أثر لھا في نفوس المجرمین، فالذین یعاقبون باألشغال الشاقـة وھى أقصى أنواع الحبس ال یكـادون یخرجـون من السجن حتى یعودوا الرتكـاب الجرائم، ولو كانت العقـوبة رادعة

.عادوا، لما عوقبوا علیھ بھذه السرعة ثم ذكر إحصائیات تدعم ذلكلما ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

.ملخصة بشيء من التصرف. ٧٤.-٧٣٢ من الصفحة ١ نقلتھا من التشریع الجنائي ج١٨١

اء عن بعض ومن الطریف ما ذكره بعض الكتاب أنھم في أمریكا قاموا بعرض أفالم على السجن

المجـرمین وكیف كانت نھایتھم المحـزنة، وأن الجـریمة لم تجرھم إال إلى الخیبـة والفشل، ثم استطلعوا

Page 23: أبحاث حول الحدود في الإسلام

الحدود في اإلسالم

٢٣

آراء السجناء لیعرفوا مدى تأثرھم بھذه األفالم وتأثیرھا في سلوكھم، وكان الباحثون یتوقعون أن یعتبر سجناء كانوا یركزون على البحث في السجناء بمصیر المجرمین ویتعظوا، ولكن الذي حصل ھو أن ال

نقاط الضعف في الخطط التي سلكھا المجرمون، ویركزون على األخطاء التي صدرت عنھم، وكانت سببا في القبض علیھم، فكانوا یقولون لو أن المجرم عمل كذا لنجا، ولو أنھ لم یعمل كذا لما قبض علیھ

ء، وأن السجن لم یزدھم إال عتوا وتمردا، مصادقا وھكذا، مما یدل على تأصل الروح اإلجرامیة في ھؤال .لما ذكره عودة رحمھ اهللا

.ازدیاد سلطان المجرمین بعد خروجھم من السجن وتمردھم على المجتمع: خامسابینما السجناء یزداد . انخفاض المستوى الصحي واألخالقي نظرا ألن السجون ثابتة المساحة: سادسا

.الي ینخفض مستوى الخدمات التي تقدم لھمعددھم یوما بعد یوم، وبالتوقد وضعت عقوبة الحبس على اختالف أنواعھا لمحاربة الجریمة ولكن : ازدیاد الجرائم: سابعا

اإلحصائیات التي ال تكذب تدل على أن الجرائم تزداد عاما بعد عام زیادة تسترعى النظر وتبعث على .ة التي تؤید ذلكالتفكـیر الطویل ثم أورد اإلحصائیات الرسمی

من ینفق علیھا، ومن یقوم . رحمـھ اهللا أال وھو وضع عوائل المسجونین" عودة"وأمر مھم أغفلھ : ثامنابشأنھا، ومن یتـولى تصریف شئونھا وتدبیر أمورھا، من یغمر صغارھم بالعطف والمودة، الشك أن

جرام نتیجـة االنحراف الذي أسرة السجین سوف تتعرض للضیاع، وربما لحقت بولیھا في ركـاب اإلینجـرف بھا إلى اإلجرام، وبسبب الحاجة الماسة وانعدام الشفقة والعطف، وربما قیل إن المجرم وجوده

بل قد یكون وجوده وباال علیھا وسببا في ضاللھا وانحرافھا إن كان ولیا لھا أو مجرد . كعدمھ في األسرة . فرد من أفرادھا ربما قیل ذلك

" عودة"إن أكثر المسجونین والعدد األكبر منھم لیسوا مجرمین بمعنى الكلمة كـما ذكـر : أوالولكننا نقولرحمھ اهللا، ولیست قضایاھم بالقضایا اإلجرامیة الخطیرة، بل قد ال تكون جریمة على اإلطالق، ولكنھا

.مخالفة بسیطة وبالتالي فال خوف على السجین ألنھ لیس مجرما ما كان متمادیا في األجرام فإنھ أولى برعایة أسرتھ وھو أشفق علیھاإن المجرم مھ: ثانیا

٨٢

وأرحم بھا من غیره، كـما أن الحیوانات المتوحشة تعطف على أبنائھا وتربیھم رغم ما فیھا من القسوة والوحشیة، فكذلك ھذا اإلنسان المجرم اللھم إال في الجرائم الخطیرة جدا وھي قلیلة نادرة فقد

.لمصلحة عزلة المجرم وإبعاده عن أسرتھ ألال یفسدھا وھذا نادرتقتضي افمن ھذه الوقفة یتبـین لنا كیف أن العقوبات اإلسالمیة ھي أفضل بكثیر من العقوبات الوضعیة التي تتمثل

أكثر مما تتمثل بالسجن المؤقت أو المؤبد والذي ذكرنا شیئا من مساؤه وعیوبھ فالعقوبات اإلسالمیة . حق المجرم وفي حق المجتمعأفضل في

:الوقفة الثانیـةھؤالء الـذین یزعمـون أن العقـوبات اإلسالمیـة قاسیة ھل درسوھا حقیقة وعرفوا الجرائم الشنیعة التي

فرضت من أجلھا ھذه العقوبات، وھل أدركوا مدى تأثیر ھذه الجرائم على المجتمع وخطورتھا علیھ، ولو ومن ناحیة أخرى ھل درسوا أدلـة اإلثبات في ھذه الجـرائم وكیف . ا ببنت شفھأنھم الحظوا ذلك لما نبسو

أن أدلـة اإلثبات متناسبة مع العقوبة ومع الجریمة فكما أن العقوبة مشددة فإن أدلة اإلثبات كذلك مشددة . المتھمفیھا، وھناك شروط متعددة ودقیقة والبد من توافرھا في المجرم والجریمة كي توقع العقوبة على

إن أغلب الظن أن ھؤالء المتھجمین على العقوبات الشرعیة یسمعون بھا مجرد سماع دون أن یدرسوھا .دراسة متأنیة منصفة متجردة، و إال لو فعلوا ذلك لما وسعھم إال اإلكبار لھذه الشریعة في أحكامھا العادلة

:الوقفة الثالثـةد في تصـورھم إال المجـرم وھو تحت العقوبة جلدا أو قطعا لماذا ھؤالء دائـما في صف المجرم، وال یر

أو قتال، وال یرد في تصورھم مطلقا ذلك الضحیة المسكیـن، الذي اعتدى علیھ بغـیر حق، فجـرح أو .فقئت عینـھ أو قتل ظلما وعـدوانا، ألیس المعتدى علیھ أولى بالعطف والشفقة والرحمة من ذلك المجرم

:ةالوقفة الرابعـ

Page 24: أبحاث حول الحدود في الإسلام

الحدود في اإلسالم

٢٤

:إن العقوبات الشرعیة التي تبدوا شدیدة ال تخرج عن حالتینالقصاص حیث یجرح من جرح قصاصا، وتفقأ عینھ قصاصا إذا فقأ عین غیره عمدا أو : الحالة األولىویقتل من قتل قصاصا، إذا قتل على وجھ العمد، وال یمكن أن یعترض حكیم أو عاقل . جرحھ عمـدا

نظریة القصاص حیث یعاقبمنصف على ھذه النظریة،٨٣

المجـرم بنفس الطـریقة التي أرتكبھا مع الضحیة ما أمكن ذلـك، إال في الحاالت التي ال یمكن

فیما عدا ذلك فالقصاص ھو األصل وال یعترض . تنفیذ القصاص فیھا، أو أن القصاص یؤدى إلى مفسدة .ھذه حالھ. علیھ أو ینتقده إال مغفل أو مغرض

أن تكون العقوبة التي تبدو شدیدة جدا، والعقوبات الحدیة التي قد تكون شدیدة ال تزید عن : انیةالحالة الثعقوبة الزاني المحصن رجما، والمحارب قاطع الطریق، بقطعھ من خالف، یده الیمنى، ورجلھ : ثالث

ال بھذه العقوبات، الیسرى والسارق بقطع یده الیمنى، وھذه الجرائم ال یمكن بحال من األحوال أن تعالج إھذا أمر، واألمر الثاني أن من ینظر في ھذه الحدود الثالثة وطرق إثباتھا یالحظ أنھا ال تثبت إال عن

.طریقین فقططریقة االعتراف الصحیح، الخالي من الموانع، الصادر من عاقل بالغ، وفى حالة : الطریق األولى

على إقراره حتى یتم تنفیذ العقوبة فیھ، ولھ الحق أن معتبرة شرعا، دون إكراه أو ضرورة، وأن یثبت .یرجع عن إقراره ولو بعد الشروع في معاقبتھ

فأي شدة أو قسوة في ذلك؟ إذا كان إنسان عاقل بالغ مدرك یختار عقوبتھ بنفسھ ویعلم أنھ سوف یرجم أو إذا كان ھذا المتھم مؤمن تقطع یده أو یجلد إذا أصر على إقراره واستمر فیھ، فما ذنب الحاكم في ذلك،

ومعتقد بأنھ سوف یقدم على ربھ، ویعتبر تحمل ھذه العقوبة من باب التوبة الصادقة مع العلم بأنھ ال یجوز التحایل ألخذ اإلقرار في الحدود، بل القاعدة على العكس حیث یستحب تلقین المتھم ما یصرفھ عن

. االعتراف الصریحذه الحدود عن طریق الشھادة، وإنھا لطریق صعبة، ومسلك وعر، فقد وضعت أن تثبت ھ: الطریقة الثانیة

شروط دقیقة عدیدة، قل أن تتوفر، خاصة بالنسبة للزنا، فھناك شروط في الشاھد، وھناك شروط في الشھادة وشروط في اإلحصان، وشروط في الزنا، ومن النادر جدا أن تتوفر ھذه الشروط في قضیة من

.١القضایاألنا من نعرف من العلماء والباحثین عما إذا كانوا یعرفون واقعة زنا ثبتت في عصر من العصور ولقد س

بالشھادة، فلم نجد عندھم جوابا، مما یدل على أن ھذا األمر نادر جدا، فھذه العقوبات واهللا أعلم ھي الشك أنھ إذا علم بھذه فالمجرم. للتھویل والتخویف، والتھییب للمجرمین، أكثر مما یراد بھا إیقاعھا بھم

العقوبة الشدیدة، سوف یتصور أنھا ربما أوقعت بھ، وال یزال في ذھنھ شيء من االحتمال مھما كان قلیال، وھذا التصور وھذا االحتمال لھ دور كبیر في صرف المجرم عن جریمتھ، ولفت نظره إلعادة

واهللا سبحانھ وتعالى أعلم. الحساب ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ذكر صاحب المغنى أنھ حصل في عھد اإلمام أحمد بن حنبل رحمھ اهللا واقعة زنا ثبتت بالشھادة وذلك ١ في كتاب الفرائض١٦٣في الجزء السابع ص

٨٤

:الوقفة الخامسـة

لوضعیة في لننظـر في نتائـج وآثار العقوبات اإلسالمیة في المجتمع اإلسالمي، وآثـار العقـوبات ا .المجتمعات األخرى

لقـد كانت آثـار ھذه العقوبات التي یزعمون أنھا قاسیة، لقد كانت آثارھا االستقرار واألمن الذي ال یتصـور، فال تكاد تحدث جریمة، فاطمأن الناس على أنفسھم وأعراضھم وأموالھم وانصرفـوا إلى العمـل

Page 25: أبحاث حول الحدود في الإسلام

الحدود في اإلسالم

٢٥

في الطریق دون أن یتعرض لھ أحد بسوء، وینقل لنا واإلنتاج واإلصالح حتى إن الرجل لیترك متاعھاألستاذ أبو الحسن الندوي انطباعات األستاذ محمد أسد، وھو من النمسا عندما زار دمشق في أول القرن

العشرین المیالدي، ویوم كانت دمشق تعیش تحت ظل الخالفة العثمانیة، على ما كان فیھا من تقصیر ك االستقرار الروحي في حیاة سكانھا، إن أمنھم الباطني كان یمكن أن یرى وقفت على ذلـ: "وإھمال یقول

وفي الطریقة التي كان : في الطریقة التي كان أحـدھم یتصرف بھا نحـو اآلخر، ثم یسـترسـل فیقولأصحاب الدكاكین یعاملون بعضھم بعضا، أولئك التجار في الحوانیت الصغیرة الذین كانوا یبدون وكأنـما

یھم أیـما قدر من الخـوف أو الحسد، حتى إن صاحب دكان فیھم لیترك دكـانـھ في عھـدة جاره لیس فومزاحمـھ، كل ما دعتھ حاجتھ إلى التغیب بعض الوقت، وما أكثر ما رأیت زبونا یقف أمام دكان غاب

الـدكـان المجـاور، صاحبھ عنھ، یتساءل فیما بینھ وبین نفسھ، ما إذا كان ینتظر عودة البائـع أو ینتقل إلى ، ویسأل الـزبـون عن حاجتـھ ویبیعـھ ما یطلب من "التاجر المزاحم " فیتقدم التاجر المجاور دائما

البضاعة، ال بضاعتھ ھو بل بضاعة جاره الغائب، ویـترك لھ الثمن على مقعـده، أین في أوربـا یستطیـع .١ھذه صورة. المرء أن یشـاھد مثل ھذه الصفقھ

فینقلھا لنا األستاذ الدكتور عبد القادر عودة رحمھ اهللا، وھو یشیر إلى ازدیاد الجرائم : رة الثانیةأما الصوفي المجتمع المصري، بسبب عدم تطبیق التشریعات اإلسالمیة، مقارنا بین المجیمع المصري والمجتمع

ن سببا في ازدیاد الجرائم، ما السعودي في ظل اإلسالم، فیقول إن الحالة اإلقتصادیة مھما قیل فیھا ال تكودامت العقوبة رادعة، ولیس أدل على صحة ھذا القول من الحالة في الحجاز، فال شك أن الحالة

اإلقتصادیة واالجتماعیة في مصر أفضل منھا في الحجاز، ومع ذلك فقد قلت الجرائم في الحجاز جاز في یوم ما مضرب األمثال في ولقد كان الح. وازدادت في مصر وانتشر األمن ھناك واختل ھنا

اختالل األمن والنظام، والجرأة على ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

١٥٥من نھر كابل إلى نھر الیرموك أبو الحسن الندوي ص ١٨٥

ارتكاب الجرائم وترویع اآلمنیین، والحجاج والمسافرین، وقطع الطریق علیھم لنھب مالھم

، ولعل الحالة اإلقتصادیة واالجتماعیة في الحجاز اآلن لیست خیرا منھا یوم كان الفساد مستشریا ومتاعھمفي الحجاز، والفرق بین الحجاز قدیما وحدیثا ھو نفس الفرق بین مصر والحجاز الیوم، ھو وجود العقوبة

ة في مصر الیوم، فھذه العقوبة الرادعة في الحجاز اآلن، وانعدامھا قدیما، وھو كذلك انعدام ھذه العقوبالرادعة في ظل الشریعة اإلسالمیة ھي التي وطدت األمن في الحجاز، وقضت على السلب والنھب

وقطع الطریق، وجعلت األمن فیھ مضرب األمثال، فال یسقط من مسافر شيء إال وجده في دار الشرطة، اعھ مادام مع المال ما یدل على اسم وال یضیع ألحد شيء إال رد إلیھ حیث كان، ولو لم یبلغ بضی

- إال في حاالت نادرة- وھذا ما نعیشھ اآلن في ھذه البالد والحمد هللا حیث أن اإلنسان دائما١صاحبھمطمئن على متاعھ وعلى أمـوالـھ یـتركھا غالبا دون ما حراسـة تذكر ودون اھتمام بھا فیوفر المجتمـع

ما الدول األخرى كـما ھو معروف، حیث نقرأ یومیا عن الجرائم بذلـك طاقات كبیرة وجھودا كثیرة بینالبشعة التي ال تتصـور، حیث تداھم البیوت والمؤسسات المالیة ویھجم على المصارف ویختطف التجار

والسیاسیون، أو أبناؤھم وال یطلقون إال مقابل فدیة مالیة كبیرة، وتختطف الطائرات أما ألغراض سیاسیة امیة بحتھ، وأصبح الناس في كثیر من الدول التي تزعم أنھا متطورة ومتقدمة وفي قمة أو ألغراض إجر

الحضارة، أصبح الناس یحذرون من التجول بعد غروب الشمس، وھذا األستاذ محمد قطب یذكر في إحدى محاضراتھ أنھ في سان فرنسسكو حدثھ أكثر من شخص وأنھ قرأ في الصحف كذلك، أن اإلنسان ال

كنت في زیارة قصیرة لمدینة صغیرة : یخرج وحـده في ھذه المدینة بعد غروب الشمس، ویقولیملك أنفي فالدلیفیا مدینة أشبھ بالمدن الریفیة وھي بالنسبة لمدننا كبیرة ولكنھا بالنسبة للمدن األمریكیة صغیرة

ناك، احذروا، ال تستطیعون جدا، وجاء الغروب فحدثتنا أنفسنا أن نخرج قلیال للتنزه، فقال لنا المقیمون ھأن تخرجوا، قلنا لماذا، قالوا بسبب العصابات، حیث إنھا تبدأ عملھا بعد غروب الشمس، قتال وخطفا

.٢وسرقة

Page 26: أبحاث حول الحدود في الإسلام

الحدود في اإلسالم

٢٦

وھذه دولـة من الـدول الحـدیثة، المتقدمة صناعیا، وھي ألمانیا، تقول عنھا إحدى الجـرائـد الیومیة، أنھ مانیا الغربیة یحافظون على سمعة مواطنیھم، بوصفھم شعبا في تقریر نشر عنھا أظھر أن لصوص أل

عرف بتفانیھ في العمل، فقد أوضح التقریر أن ھؤالء اللصوص یرتكبـون حادث سرقـة كل دقیقة في شتى أنحـاء البالد، وتقدر لجنة غیر حكومیة قیمة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ٧٤٠٫ص ١ التشریع الجنائي ج ١ ا ھـ٤٠١ من محاضرة ألقاھا األستاذ محمد قطب في كلیة الشریعة لجامعة قطر في أول عام ٢

٨٦ الممتلكات التي تتعرض للفقد أو اإلتالف نتیجة للسرقات بثالثة آالف ملیون مارك في العام

لھم بواسطة الواحد، وقد طالبت اللجنة المواطنین الذین یقضون عطالتھم خارج مساكنھم بتأمین مناز .١األقفال والسالسل، أو أجھزة اإلنذار

ولم یزل اإلجرام یفتك بالـدول الغـربیة وغـیرھـا حتى أصبـح المجرمون لھم مراكز خطیرة، وكلمة نافـذة، بل أصبـح لھم مؤسسـات رسمیـة أو شبھ رسمیة، تحمیھم وتدافع عنھم، حتى صاروا كـما یقال

األستاذ عودة رحمھ اهللا في ھذا الصدد، وھو یتحدث عن سلطان ویقول. حكـومات داخل الحكوماتومن المجرمین من یغادر السجن لیعیش عالـة على الجـماعة، یستغل جریمتھ السـابقـة إلخافة "المجرمین

الناس وإرھابھم، وابتزاز أموالھم، ویعیش على ھذا السلطان الموھوم وھذا المال المحرم، دون أن یفكر مل الشریف والكسب الحالل، وقد أصبح سلطان ھؤالء المجرمین على السكان اآلمنین، یزاحم في حیاة الع

سلطان الحكـومات، بل أصبـح المجـرمون في الواقع أصحاب الكلمة النافذة، واألمر المطاع، ومن لعامة، الـوقـائـع التي اعرفھا ویعرفھا غیري أن رجال اإلدارة یستعینون بالمجرمین أیام االنتخابات ا

.لیوجھوا الناخبین المتمسكین بحزبیتھم، وجھات معینة بعد أن یعجزوا ھم عن ھذا التوجیھوقـد أدى ھذا المركـز الخطیر، إلى زیادة المجرمین الشباب الذین یتطلعون بدافع من طمـوحھم إلى نوال

عارا وذال في القدیم، كل مركـز ممتاز كما أدى إلى قلب الموازین واألوضـاع، فبعد أن كانت الجریمة أصبحت الیوم مدعاة للتباھي والتفاخر، وبعد أن كان المجرم یطرد ذلیال مھانا، أصبح الیوم عزیز الجانب

.٢"مسموع الكلمة نافذ السلطانفھذه ھي بعض آثار العقوبـات الـوضعیة في المجتمعـات الغربیة لیست إال خوفا واضطرابا ورعبا

.جرائم وأسالیبھا وأنواعھاوزیادة مضطردة في عدد الوتلك بعض آثـار العقوبـات الشرعیة ونتائجھا في المجتمع اإلسالمي قدیما وحدیثا، أمن واستقرار

واطمئنان وانخفاض في نسبـة الجـرائم، فأي الفریقیـن أحق باألمن، وأي الفریقیـن أحق بالفخر ألقاویل، ولیتھجموا مادامت تلك آثارھا وھذه واالعتزاز، فلیصفـوا العقـوبـات الشـرعیة بما شاءوا من ا

.نتائجھاوالحمد هللا رب العالمین والصالة والسالم على أشرف األنبیاء والمرسلین نبینا محمد وآلھ وأصحابھ

.أجمعین ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

. ھـ١ ٣٩٦/ ٥/ ٦ الصادر بتاریخ ١٣٣٣ جریدة الریاض العدد ١ .١/٧٣٧ التشریع الجنائي ٢

٨٧

Page 27: أبحاث حول الحدود في الإسلام

الحدود في اإلسالم

٢٧

دحض الشبھات التي تثار حول العقوبات الشرعیة [*] عبد العزیز بن فوزان بن صالح الفوزان . د

[email protected] ١١٨ الصفحة – ٢٠٠٣ أكتوبر – ١٤٢٤ شعبان – ١٩٢مجلة البیان العدد

: الشبھات العامة : أوال : لعقوبات الشرعیة قدیمة وجامدة أن ا: الشبھة األولى *

عصر التقدم : قد عفى علیھا الزمان ، وتجاوزتھا الحضارة ، ولم تعد مالئمة لھذا العصر فاألخذ بھا تقھقر باإلنسانیة الراقیة ، ورجعة بھا إلى عھود . والمدنیة ، والتحضر التقني والصناعي

العقوبات صالحة للبیئة البدویة التي نزل فیھا القرآن ولئن كانت ھذه. الظالم الدامس ، والقرون الوسطى ، ومناسبة ألولئك الحفاة الجفاة من األعراب قبل ألف وأربعمائة عام ؛ فإنھا ال تصلح للعالم المتحضر

الحدیث ، وال تناسب المتحضرین المتمدینین في القرن العشرین ، وكیف یلیق بھم أن یخضعوا لقانون نشأ كل ما : دحض ھذه الشبھة - ] . ١[المدینة ، وجالمید الصحراء ، وأحراش الجزیرة بین جبال مكة و

في ھذه الشبھة أن العقوبات الشرعیة قدیمة ، شرعت لمجتمعات بدائیة ، تختلف بطبیعتھا وعاداتھا عن فیھ المجتمعات العصریة المتحضرة ، وھذا دلیل على عدم صالحیتھا للتطبیق في ھذا العصر الذي بلغت

أن العاقل المنصف ال یزن األحكام - ١: وھذا قول متھافت ساقط من وجوه . المدنیة ذروتھا ولكن . والتشریعات بالزمان الذي صدرت فیھ أو نقلت منھ ، وال بالبقعة التي جاءت منھا أو كانت فیھا

فالعاقل نصیر الحق ، وناشد . المیزان الذي تقوم بھ ھو مدى صالحیتھا ، وتحقیقھا للغایة المبتغاة منھاوھو عدو الباطل ، . الحكمة أنى وجدھا ، ومن أي شخص جاء بھا ، وفي أي زمان أو مكان وقعت فیھ

وعلیھ ؛ فلیس كل قدیم . بصرف النظر عن مصدره وعن زمانھ ومكانھ ، ومن دعا إلیھ وعمل بھ ] . ٢[ة فاسدا ، وال كل ما نشأ في الحضر صالحا مردودا ، وال كل جدید مقبوال ، وال كل ما نشأ في البادی

أن مصدر ھذا التشریع لیس بقعة من بقاع األرض ، وال اجتھادا بشریا قاصرا ، وإنما ھو شریعة اهللا - ٢وما [ عربھم وعجمھم ، بادیھم وحاضرھم ، أولھم وآخرھم ، : التي أنزلھا ھدى ورحمة للعالمین

: سبأ ]( وما أرسلناك إال كافة للناس بشیرا ونذیرا [ ، ) ١٠٧: األنبیاء ]( حمة للعالمین أرسلناك إال ر، فھو لم ینبع من أرض ] ٣ ) [١٥٨: األعراف ]( قل یا أیھا الناس إني رسول اللھ إلیكم جمیعا [ ، ) ٢٨

أعجمیة ، وال اخترعتھ أدمغة بشریة ، وإنما ھو حكم اهللا الذي أوحى بھ إلى عبده ورسولھ محمد عربیة أو فمن اھتدى فإنما یھتدي لنفسھ [ صلى اهللا علیھ وسلم لیبلغھ للناس ، ولیحملھم تبعة تطبیقھ والعمل بھ ،

أن تعلق ھؤالء بالجدید - ٣] . ٤ ) [١٠٨: یونس ]( علیكم بوكیل ومن ضل فإنما یضل علیھا وما أناونبذھم للقدیم ؛ لیس مبنیا على منطق عقلي سلیم ، وإنما ھو استجابة لوھم من األوھام النفسیة التي تتعلق

م مھما كان بالجدید أیا كان نوعھ ، ظنا منھا بأنھ ال یزال یحتفظ بذخره ومكنون خیراتھ ، وتعاف القدینوعھ أیضا لتبرمھا بھ وتوھمھا بأن الزمن قد استحلب خیراتھ ، وقضى على فوائده ، وأن العقل البشري

وال یجوز لعاقل یحترم عقلھ أن یستجیب لھذه . ال بد أن یكون قد تجاوزه إلى ما ھو أجدى وأنفع ولئن كانت النفس . منطق الصحیح اإلیحاءات النفسیة الخاطئة ، ویلغي ما یقتضیھ العقل السلیم ، وال

البشریة تخیل لصاحبھا أن القدیم قد زال نفعھ ، وجنیت ثماره ، فإن العقل السدید یقرر أن قیمة كل قدیم ورب جدید كان مبعث شقاء ودمار على اإلنسان ، . وجدید بجدواه وآثاره ، وتحقیقھ للثمرة المرجوة منھ

خ الغابر ، والواقع المعاصر ، على أنھ كان وال یزال مصدر خیر ورب قدیم شھد لھ العقالء ، والتاریولقد علم كل إنسان أن مقومات الحیاة في ھذه الدنیا ، من شمس وھواء ، . وسعادة لكل من ظفر بھ

Page 28: أبحاث حول الحدود في الإسلام

الحدود في اإلسالم

٢٨

فھل قاطع أصحاب ! وأرض وماء ، وزرع وضرع ؛ لم یخلقھا تعاقب الزمان ، وكر اللیالي واألیام شمئز من القدیم ھذه المقومات األساسیة لقدمھا ؟ وھل تحولوا ساعة عن التعامل معھا ؟ النفوس التي ت

والعقوبات المقدرة في الشریعة ؛ إنما ھي عقوبات على جرائم ثابتة ال یتبدل وجھ المفسدة فیھا مھما في كل زمان ولھذا فإنھا ال تزال صالحة للتطبیق. اختلفت األزمان واألماكن ، وتطورت الحیاة والنظم

أن ھذه الشبھة جاءت من قیاس العقوبات الشرعیة على العقوبات الوضعیة التي تتطور - ٤] . ٥[ومكان مع الزمن ، ویحصل فیھا التغییر والتبدیل بین الحین والحین ، تالفیا لما فیھا من األخطاء ، وتحقیقا لما

؛ فلم ال نفعل مثل ذلك في العقوبات الشرعیة ؟ وما دامت القوانین تلغى أو تعدل . ھو أجدى وأكمل وھذه نظرة خاطئة إلى الشریعة اإلسالمیة ، ومكمن الخطأ فیھا قیاس شریعة اهللا عز وجل العادلة المحكمة ، على االجتھادات البشریة القاصرة التي تتأثر بما حولھا من مؤثرات شخصیة أو اجتماعیة أو بیئیة ، أو

أنھ ینبغي مسایرة التشریع للعصر ؛ فما مقیاس ذلك ؟ إن كان یرجع إلى : منا جدال ولو سل] . ٦[غیرھا انتشار الفساد ، وكثرة اإلجرام ، وتفشي الظلم والعدوان ؛ فإن العقوبات في ھذا الزمن یجب أن تزید قسوة

ح لمجرمي وما كان یصلح ألولئك األعراب البسطاء ذوي اإلمكانات المحدودة ؛ فإنھ ال یصل. وشدة العصر ، حیث اإلجرام المنظم ، وتوظیف التقنیة الحدیثة لخدمة محترفي اإلجرام ، والساعین في األرض

وإن كان المقیاس ھو التقدم العلمي والتقني ، والتطور الصناعي والمدني ؛ فإن الذي سن . بالفساد والظلم من العلم والتقدم ، فال یمكن أن تكون ھذه ھذه العقوبات الشرعیة ھو الذي منح البشریة ما وصلت إلیھ

قال اهللا !! العقول المخلوقة أعلم ممن خلقھا ، وأكثر منھ إدراكا لمصالح البشریة وأسباب سعادتھا وأمنھا : البقرة ]( أم اللھ قل أأنتم أعلم: [ ، وقال تعالى ) ٨٥: اإلسراء ]( وما أوتیتم من العلم إال قلیال : [ تعالى وإن كان المقیاس ضعف النفوس ورخاوتھا ، والرغبة في إطالق العنان لھا للتمادي في الظلم ) . ١٤٠

أن تحقیق ھذه العقوبات الشرعیة لألمن ، - ٥. واإلجرام ، من غیر رادع وال زاجر ؛ فلیس ھذا بمقیاس م ، على مدى القرون الماضیة التي طبقت فیھا ، مع اختالف وحمایتھا لمصالح الناس ، ومكافحتھا للجرائ

البیئات والثقافات واألجناس ؛ دلیل على أنھا تشریع من حكیم خبیر ، وأنھ ال یمكن أن یقوم غیرھا مقامھا أن العقوبات الشرعیة تتسم بالقسوة : الشبھة الثانیة . * ، وال أن یحقق الثمرة التي تتحقق من خاللھا

وال تتناسب وروح ھذا العصر ، وإنسانیتھ ، وحمایتھ لحقوق : التي تبعث على االشمئزاز والھمجیةأن العقوبة لیست : أوال : وھذه شبھة داحضة من وجوه : دحض ھذه الشبھة -] . ٧[اإلنسان وكرامتھ

وإذا : ردع مكافأة على عمل مبرور ، وإنما ھي جزاء مقرر على ارتكاب جریمة ، یقصد بھ اإلیالم والحتى تأدیب الرجل ولده ؛ ال بد أن . لم تكن العقوبة مؤلمة ؛ فلیس لتطبیقھا أي أثر في الزجر والردع

فقسا ] : ٩[وقدیما قال الشاعر الحكیم ] . ٨[یكون فیھ شيء من اإلیالم والقسوة ، لیتأتى تأدیبھ وإصالحھ من یرحم وال شك أن اإلنسان یتمنى أال توجد في المجتمع لیزدجروا ، ومن یك حازما فلیقس أحیانا على

جریمة أبدا ، حتى ال توجد عقوبات أصال ؛ بحیث یفھم كل فرد ما لھ فیقتصر علیھ ، وما علیھ فیؤدیھ عن فھناك . ولكن ھذا حلم ال یمكن أن یتحقق ، ورغبة خیالیة تصطدم بالواقع المعاش . طواعیة واختیار مقاء ال تلتزم بما لھا وما علیھا ، ونفوس شریرة ظالمة قد تأصل فیھا اإلجرام واإلفساد ، نفوس جاھلة ح

والحیاة ال یمكن أن تستقیم وتنتظم إال بااللتزام ، واحترام . وسعت لإلضرار باآلخرین وبخسھم حقوقھم فسھ وبغیره ، كان فمن خرج عن ھذا االلتزام ، وسعى لإلضرار بن. حقوق اآلخرین ، وعدم المضارة بھم

واسم العقوبة مشتق من العقاب ، وال یكون . ردعھ واجبا عقال وشرعا ، وال ردع إال بقسوة وإیالم یمثل الركن األساسي لمعنى - إذا - فعنصر القسوة . العقاب عقابا إذا كان موسوما بالرخاوة والضعف ولكن ما ھي الدرجة التي یجب أن تقف عندھا . شك العقوبة ، فلو فقدت القسوة فقدت معھا العقوبة بدون

قسوة العقوبة على جریمة ما ؟ إن الذي یحدد ھذه الدرجة ھو تصور مدى خطورة الجریمة التي استلزمتھا ؛ أي أن القسوة یجب أن تكون مالئمة للجریمة ، فتزید بزیادة خطورتھا وشدة آثارھا ، وتنقص

فاق عند جمیع المشتغلین بالتشریع والتقنین ، مھما اختلفوا في تحلیل وھذه الحقیقة محل و. بنقص ذلك فإذا كان في الناس من . وإن اختالف القوانین العقابیة الوضعیة أكبر شاھد على ذلك . فلسفة العقاب

یصف العقوبات الشرعیة بقسوة زائدة على مقتضى ھذه القاعدة التي ال خالف فیھا ؛ فسبب ذلك أنھم ي تقویم خطورة الجرائم التي رتبت علیھا ھذه العقوبات ، دون أن یعتبروا في ذلك نظرة یخطئون ف

والعجیب أن خصوم الشریعة اإلسالمیة یدركون ھذه الحقیقة ، . المشرع لھا ، وتقویمھ لخطورتھا

Page 29: أبحاث حول الحدود في الإسلام

الحدود في اإلسالم

٢٩

ة ال نرى بھا فرب كلم. ویفقھون ھذا المعنى ، عندما یكون البحث متعلقا بقانون من القوانین الوضعیة ورب فاحشة . بأسا ، یتفوه بھا فرد من رعایا دولة تطبق قانونا وضعیا ؛ تواجھھ بسببھا عقوبة اإلعدام

!! عظمى یجب مكافحتھا ، تشیع بین رعایا تلك الدولة ؛ فال یؤبھ بھا ، وال یلتفت إلیھا بأي نقد أو استنكار أن یدافعوا عن كال المذھبین ؛ بأن كل أمة إنما تسن ولیس أیسر على خصوم الشریعة اإلسالمیة من

أفیحق لكل أمة أن تسن ما . قوانینھا حسب مبادئھا وفلسفتھا التي تنظر بھا إلى اإلنسان والكون والحیاة خطأ كانت النظرة أم -تشاء من قوانین الردع والزجر ، حسب نظرتھا إلى الكون واإلنسان والحیاة

حق لخالق الكون واإلنسان والحیاة أن یشرع ھو اآلخر قوانین الردع والزجر بما یتفق ، ثم ال ی-صوابا والحكمة في تغلیظ ] ١٠!! [مع مقاصد شریعتھ ، ویتسق مع نظام كونھ ، ویحقق مصالح عباده ؟

العقوبات الشرعیة التي توصف بالوحشیة والھمجیة ، من قتل القاتل ، ورجم الزاني ، وقطع السارق ، رھا من العقوبات المقدرة ؛ ظاھرة جلیة ، فإن ھذه الجرائم ھي أمھات المفاسد ، وكل واحدة منھا وغی

تتضمن اعتداء على واحدة أو أكثر من المصالح الخمس الكبرى ، والتي أجمعت الشرائع والعقالء في كل جل ھذا كان المرتكب وأل. زمان على وجوب حفظھا وصیانتھا ؛ ألنھا ال یمكن أن تستقیم الحیاة بدونھا

وھا ھي ذي الجرائم . لشيء منھا جدیرا بأن تغلظ علیھ العقوبة ، حتى تكون زاجرة لھ ، ورادعة لغیره الكبرى تعصف بكثیر من الدول التي ال تطبق الشریعة اإلسالمیة ، مع كل ما توفر لھا من إمكانیات

أن ھؤالء الطاعنین في ھذه : ثانیا . ستخباریة وقدرات ، وتقدم مادي وتقني ، وأجھزة أمنیة وإداریة واالعقوبات قد اعتبروا مصلحة المجرم ، ونسوا مصلحة المجتمع ، وأشفقوا على الجاني ، وأھملوا الضحیة

ولو أنھم قرنوا العقوبة بالجریمة ، والحظوا االثنتین : ، واستكثروا العقوبة ، وغفلوا عن قسوة الجریمة فإذا استحضرنا مثال فعل . ین بالعدالة في العقوبات الشرعیة ، ومساواتھا لجرائمھا معا ، لخرجوا موقن

السارق وھو یسیر في جنح الظالم متخفیا ، ینقب الجدار ، ویكسر القفل ، ویشھر السالح ، ویروع كوسیلة یتذرع اآلمنین ، ھاتكا حرمة البیوت ، وعازما على قتل من یقاومھ ، وكثیرا ما تقع جریمة القتل

وإذا تصورنا حالة النساء . بھا السارق إلى إتمام سرقتھ ، أو الفرار من تبعاتھا فیقتل من غیر تمییز واألطفال في البیت وھم یستیقظون ویفتحون أعینھم على وجھ السارق المرعب الشرس ، وھو شاھر

د الناس جمیعا ، وتعطیل لحركتھم ، وتصورنا ما یحدثھ فعل السارق من قلق عن. سالحھ یھدد من یواجھھ وبث للرعب في نفوسھم ، وإذھاب لطاقاتھم في حمایة أموالھم ، وتأمینھا بالمغالیق واألقفال ؛ ألن السارق

لو تصورنا ھذا أو بعضھ . یبغي المال ، وھو موجود عندھم جمیعا ، فھم معرضون إلجرامھ دون تمییز . إنھا قاسیة ظالمة : بقطع یده اآلثمة الظالمة ؛ لما قلنا عن عقوبتھ مما یحدثھ فعل السارق ، ثم قارناه

وھكذا الشأن في بقیة العقوبات ، علینا أن نستحضر جرائمھا ، وما فیھا من أخطار وأضرار ، وظلم واعتداء ، حتى نستیقن أن اهللا تعالى قد شرع لكل جریمة ما یناسبھا ، وجعل الجزاء من جنس العمل ،

أن اهللا تعالى أراد للناس أن یعیشوا آمنین مطمئنین ، ولن یتیسر لھم : ثالثا ] . ١١[ بظالم للعبید وما ربكفإن اإلنسان إذا كان فیھ عضو فاسد ، ال : وھذه سنة اهللا في خلقھ . ذلك إال ببتر الفاسدین وقطع دابرھم

وھذا الطبیب الذي یستأصل بمبضعھ .عالج لھ إال بقطعھ كلھ أو بعضھ ، فال مناص من اإلقدام على ذلك المرھف ھذا العضو الفاسد من جسم أخیھ ؛ ألیس ضربھ المبضع في لحمھ ، وقطعھ الجزء الفاسد من

ولكنھا قسوة ھي عین الحكمة والرحمة والمصلحة ، وبخاصة إذا ! جسمھ مظھرا من مظاھر القسوة ؟. عنھا من آالم وأوجاع تفوق مصلحة بقائھا قیست بما یترتب على تركھا من ھالك وتلف ، وما ینشأ

فھي تحفظ للمجتمع حقھ ، وال ] . ١٢[والمجتمع ھو الجسم كلھ ، وما الفرد الفاسد إال عضو من أعضائھ والعقوبة التي تحابي ھؤالء األفراد على حساب الجماعة ؛ . تضحي بھ في سبیل األفراد الخارجین علیھ

ة معا ؛ ألنھا تؤدي إلى ازدیاد الجرائم واختالل األمن ، وانحالل إنما تضیع مصلحة الفرد والجماعقال عز الدین ] . ١٣[المجتمع ، وإذا دب االنحالل في مجتمع ، فقل على األفراد وعلى المجتمع العفاء

ھا وربما كانت أسباب المصالح مفاسد ، فیؤمر بھا أو تباح ؛ ال لكونھا مفاسد ، بل لكون« : بن عبد السالم . مؤدیة إلى المصالح ، وذلك كقطع األیدي المتآكلة ، حفظا لألرواح ، وكالمخاطرة باألرواح في الجھاد

وكذلك العقوبات الشرعیة كلھا لیست مطلوبة لكونھا مفاسد ، بل ألدائھا إلى المصالح المقصودة من دھم وتغریبھم ، وكذلك شرعھا ، كقطع السارق ، وقطاع الطریق ، وقتل الجناة ، ورجم الزناة وجل

رابعا ] . ١٤[» التعزیرات ، كل ھذه مفاسد أوجبھا الشرع لتحصیل ما رتب علیھا من المصالح الحقیقیة

Page 30: أبحاث حول الحدود في الإسلام

الحدود في اإلسالم

٣٠

حیث : أن اإلسالم قبل أن یستأصل ھؤالء المجرمین ، ویقرر علیھم العقوبات الرادعة ؛ قد أعذر إلیھم : ي إلبعادھم عن الجریمة التي اقترفوھا ؛ لو كانت لھم قلوب قدم لھم من وسائل التربیة والوقایة ما كان یكف

ثم إنھ ال یطبقھا أبدا حتى یضمن أن الفرد الذي ارتكب الجریمة قد ارتكبھا دون . تعقل ، أو نفوس ترحم فوقوعھ فیھا بعد كل ھذا دلیل على فساده وشذوذه ، واستحقاقھ للعقوبات . مسوغ وال شبھة اضطرار

فھو مثال ال یقطع ید السارق إال بعد توفیر الوسائل التي تمنع من السرقة ، فقد عمل . مة الرادعة المؤلعلى توزیع الثروة توزیعا عادال ، وجعل في أموال األغنیاء حقا معلوما للفقراء ، وأوجب النفقة على

ة عن كفالة أفرادھا الزوج واألقارب ، وأمر بإكرام الضیف واإلحسان إلى الجار ، وجعل الدولة مسؤولبتوفیر تمام الكفایة لھم في الحاجات الضروریة من مطعم وملبس ومسكن وغیرھا ، بحیث یعیشون حیاة

كما أنھا تكفل أفرادھا بفتح أبواب العمل الكریم لمن یستطیعھ ، وتمكین كل قادر من أن . الئقة كریمة وبذلك یمنع اإلسالم الدوافع المعقولة للسرقة ، . یعمل بمقدار طاقتھ ، وتھیئة الفرص المتساویة للجمیع

فإن وقعت بعد ذلك ؛ فإنھ یتحقق من ثبوتھا ، وانتفاء موانعھا ، وعدم وجود شبھة تسقطھا ، كأن یرتكبھا وھو یعترف بقوة الدافع الجنسي ، وعنف إلحاحھ على البشر ، ولكنھ ] . ١٥[بدافع الحاجة واالضطرار طریق الزواج ، فیدعو إلى الزواج المبكر ، ویعین : افع بالطریق المشروع یعمل على إشباع ھذا الد

كما أنھ . العاجز عن تكالیفھ المادیة بوسائل كثیرة ، من الزكاة والصدقات ، والنفقة ، وبیت المال یحرص على تنظیف المجتمع من كل وسائل اإلغراء واإلثارة التي تؤجج الغریزة ، وتحرك كوامن

. كما أنھ یأمر بغض البصر ، وحفظ الفرج ، واالستعفاف ، ومجاھدة النفس والتسامي بھا . الشھوة ویحرص كذلك على شغل أوقات الفراغ ، واستنفاد الطاقة الحیویة الفائضة بالتقرب إلى اهللا ، والمسارعة

لھ یمنع الدوافع وبذلك ك. إلى الخیر ، وفعل كل ما من شأنھ أن یحقق لصاحبھ النفع في الدنیا واآلخرة ثم إذا وقعت فإنھ یحتاط احتیاطا شدیدا في إثباتھا ، فال یقیمھا إال على من أقر بھا . التي تسوغ الجریمة

إقرارا صریحا أربع مرات ، وطلب تطھیره بالحد ، ولم یتراجع عن إقراره حتى تنفیذ الحد علیھ ، أو وھكذا شأن اإلسالم في بقیة . ھود وھو على ھذه الحال یكون قد تبجح بارتكابھا ، حتى لیراه أربعة ش

العقوبات ، یعمل على وقایة المجتمع أوال من دوافع الجریمة ، ثم یدرأ الحدود بالشبھات زیادة في فلیست العقوبة ھي الوسیلة األولى أو الوحیدة لإلصالح والتقویم ، ولكن حین یأتي دورھا في . االحتیاط

فھل یبقى بعد ذلك مجال للطعن في عدالة ھذه . تمثل مواجھة حاسمة للظاھرة اإلجرامیة التطبیق ، فإنھا أن الغایة الكبرى من ھذه العقوبات ھو التخویف والردع الذي : خامسا ] . ١٦!! [العقوبات ومناسبتھا ؟

الذین یشنعون بھذه فإن ھؤالء: یمنع وقوعھا ابتداء ، وال یحوج إلى اللجوء إلیھا إال في أضیق الحدود العقوبات یتصورون خطأ أنھا كالعقوبات الوضعیة ، ستطبق كل یوم ، وعلى أعداد غفیرة من الناس ،

ولكن الواقع أن . ھذا یجلد ، وھذا یقطع ، وھذا یرجم : فیتصورون في المجتمع اإلسالمي مجزرة ھائلة دود ، وعلى أعداد یسیرة غارقة في الفساد ، ھذه العقوبات الرادعة ؛ ال تكاد تنفذ إال في نطاق مح

وللدكتور محمد ] . ١٧[ومتأصلة في الشر واإلفساد ، وفي إیذاء األمة ، وزعزعة أمنھا واستقرارھا إن ادعاء القسوة والشدة في حدود « : سعید البوطي كالم قیم في ھذا المعنى ، أنقلھ مع طولھ ، حیث یقول

مظاھر السطحیة في فھمھا ، بل الجھل العجیب بطبیعتھا وأنظمتھا الشریعة اإلسالمیة ؛ مظھر منوإن كل دارس للشریعة اإلسالمیة یدرك أن ما قد یبدو في حدودھا من القسوة ال یعدو أن یكون . وقیودھا

. فھو أسلوب تربوي وقائي أكثر من أن یكون عمال انتقامیا أو عالجا بعد الوقوع . قسوة تلویح وتھدید وتبرز ھذه الحقیقة إذا الحظنا األمور التالیة . بھذا تنطلق من أدق األسس التربویة السلیمة للمجتمع وھي

وھو إعالن مخیف ، وتلویح بسالح . لقد أعلنت الشریعة أن عقوبة الزاني المحصن ھي الرجم : أوال : القاطع الصریح ، أو شھادة االعتراف: ولكنھا شرطت إلیقاع ھذه العقوبة أحد الشرطین . رھیب وال شك

وعندما یقع . فشيء نادر ال یقام علیھ أي اعتبار : فأما اإلقرار . أربعة شھود برؤیة الفعل على حقیقتھ ھذا الشيء النادر ؛ فإن على القاضي أن یبادر فیقطع سبیل اإلقرار على الزاني قبل أن یتفوه باالعتراف

وكلنا یذكر ھدي رسول اهللا صلى اهللا علیھ وسلم في ذلك .. لستر القاطع الصریح ، وأن ینصحھ بالتوبة وافإن علینا أن نالحظ أن ثالثة أرباع الشھادة التامة فیھا ؛ تنقلب ردعا للشاھد وزجرا لھ : وأما الشھادة .

وحسبك أن تعلم أن عدد . عن التفوه بالشھادة ؛ كي یظل المتھم في حمایة من الستر ونجوة من العقاب لشھود ما لم یتكاملوا أربعة ؛ یعدون آثمین متلبسین بجریمة القذف ، وتغدو شھاداتھم سببا إلنزال العقوبة ا

Page 31: أبحاث حول الحدود في الإسلام

الحدود في اإلسالم

٣١

فإذا ما تكامل الشھود أربعة ؛ فإن العقوبة . علیھم بدال من أن تكون موجبا ألخذ المتھم بجریمة الزنا فإنھ لم یقترف جریمتھ ھذه بحیث رآه ...تتحول عندئذ إلى المشھود علیھ ، حیث یستحق عقوبة الزنا

متلبسا بھا أربعة من الرجال الثقات العدول ، إال وھو مستعلن بعملھ في الناس ، مستھین بكرامة األمة وتصرف من ھذا القبیل من شأنھ أن ینشر وباء الفاحشة فیھ كما تنتشر النار في الھشیم . وسمعة المجتمع

بھذا الشكل تستدعي عقوبة صارمة ، تحقق الغایة المرجوة منھا ، وھي ال جرم أن فاحشة ترتكب. لقد أعلنت الشریعة اإلسالمیة أن الحدود تدرأ بالشبھات ، وھي قاعدة فقھیة كبرى : ثانیا . العبرة والردع

وط إقامة أن أي احتمال لعدم تكامل شر: ومعنى القاعدة . ، أجمع على األخذ بھا جماھیر األئمة والفقھاء وعلى الحاكم أن . الحد یطوف بالمتھم ، أو بالظرف الذي تمت فیھ الجریمة ، یسقط الحد ویلغي ثبوتھ

وإننا لنتأمل فنجد أن ھذه االحتماالت . یستعیض عنھ بما یراه من أنواع العقوبات التعزیریة األخرى ثیرة والمختلفة في عھد الصحابة والتابعین كثیرة متنوعة ال تكاد تتناھى ؛ وننظر ؛ فنجد لھا التطبیقات الك

فإذا ما ألغي الحد لشبھة ؛ فإن الجاني . ، كما نجد لھا التطبیقات المتنوعة في تخریجات الفقھاء وفتاواھم التسویة الحقوقیة ؛ إذا كانت الجنایة مما یستلزم ذلك ، : أوالھما : ال یؤخذ عندئذ إال بمسؤولیتین اثنتین

وھو خطاب وضعي یواجھ بھ حتى .. الطریق ، حیث یجب أن یغرم السارق ما قد سرقھ كالسرقة وقطععقوبة التعزیر ، ویتخیر الحاكم نوعھا وكیفیتھا وكمیتھا حسب ما : الثانیة . من لم یكن أھال للتكلیف

ا بعض فتلك ھي قصة القسوة التي ینعت بھ.. تقضي بھ المصلحة ، ویحقق الغایة من شرع العقوبات وإنھ لنعت ظالم باطل ، یندفع إلیھ من ال یرید لھذه األمة أن ترقى إلى . الناس حدود الشریعة اإلسالمیة

ویشفق على وباء اإلباحیة الذي تسفیھ علینا . شيء من االلتزام بمنھج الفضیلة والخلق اإلنساني القویم ھ لشيء مثیر للعجب حقا ؛ أن یضخم أناس وإن. ریاح الغرب والشرق ؛ أن ینقطع سیلھ ، أو تسكن ریحھ

من مظھر ھذه القسوة الخیالیة التي عرفنا حقیقتھا ، في غیبوبة من التأمل العقلي ، ثم ال یلتفتوا بأي نظرة . إلى النتائج اإلنسانیة الحمیدة التي تنبسط في ساحة المجتمع كلھ لدى اتخاذ قرار جاد بتطبیق ھذه الحدود

یعبروا عن مشاعر الرحمة في نفوسھم ، بصدد ما یتخیلونھ من قسوة الحدود ، ثم ال وأعجب من ھذا أنیستشعروا أي رحمة بالمجتمعات التي تشیع فیھا القرصنة وینتشر اإلجرام ، وتزھق فیھا األرواح

وت ولكم سمعنا وقرأنا قصص أسر طاف بھا الم! رخیصة طمعا في تمزیق عرض أو الوصول إلى مال كل ھذه الشراسة المتوحشة ال تحرك !! في جوف اللیالي خنقا أو تذبیحا ؛ ابتغاء اقتناص ثروة من المال

قلوب أولئك الذین یمثلون الرحمة والرحماء ، حتى إذا ما أقبلت الشریعة اإلسالمیة تلوح بعصا التأدیب عبة ، وتغرس في مكانھما األمن والنظام التي ال بدیل عنھا لتقي المجتمع من ھذه الفوضى والوحشیة المر

أن : الشبھة الثالثة ] . * ١٨[» !! والرحمة ؛ استشعروا القسوة فجأة ، وتذكروا الرحمة على حین غرة فھي ال تتفق مع النظریة الحدیثة في تحلیل : العقوبات الشرعیة تھمل شخصیة المجرم وتأثیر البیئة فیھ

فس ، منحرف المزاج ، متأثر بما حولھ ، بل ھو ضحیة من ضحایا نفسیة المجرم ، وأنھ مریض النالمجتمع ، والذي یعد مشتركا معھ لسبب أو آلخر فیما أقدم علیھ ، فكان من العدالة أن یتقاسم معھ

وھذه أیضا شبھة داحضة : دحض ھذه الشبھة -] . ١٩[المسؤولیة ، وأن یعمل على عالجھ ال عقابھ أن الظروف المحیطة بالفرد ذات أثر بعید في تكوینھ ، والعقد النفسیة : الوجھ األول : من ثالثة وجوه

ولكن اإلنسان مع ذلك لیس كائنا سلبیا بحتا بإزاء ھذه . واألمراض العصبیة تدفع أحیانا إلى الجریمة لمحركة في اإلنسان ینظرون إلى الطاقة ا- بطبیعة علمھم - إن عیب المحللین النفسیین ؛ أنھم . الظروف

، وإلى الغرائز الكامنة في ذاتھ ، والتي تدفعھ إلى إشباعھا واالستجابة لھا ، ولكنھم ال ینظرون إلى الطاقة الضابطة لھ ، وإلى قدراتھ العقلیة التي كان من المفترض أن تعقلھ عن اإلقدام على ارتكاب الجریمة ،

( إنھم كما قال محمد قطب ینظرون إلى الطاقة المحركة ، إلى . واالستجابة المطلقة لھذه الغرائز الدافعة ، مع أنھا جزء أصیل من كیان النفس ) الفرامل ( ، وال ینظرون إلى الطاقة الضابطة ، إلى ) الدینامو

إن الطاقة التي تجعل الطفل یضبط إفرازاتھ فال یتبول في . البشریة غیر مفروض علیھا من الخارج معینة حتى لو لم یدر بھ أحد ؛ لھي ذاتھا ، أو شبیھة بھا ، الطاقة التي تضبط انفعاالتھ فراشھ بعد سن

وألجل ھذا أسقط ] . ٢٠[وتصرفاتھ ، فال ینساق دائما وراء الشھوة الجامحة ، أو وراء النزوة الطارئة فما دام ] . ٢١[عاقال اإلسالم الحدود والقصاص عن الصبیان والمجانین ، فال تقام إال على من كان بالغا

المجرم بالغا عاقال مختارا ؛ فإن أحوالھ النفسیة وبیئتھ وثقافتھ ال تصلح مسوغا الرتكاب الجرائم ،

Page 32: أبحاث حول الحدود في الإسلام

الحدود في اإلسالم

٣٢

كما أن ھذه األمور عائمة ال تقوم على أساس متین وال یضبطھا ضابط معین ، . واالعتداء على اآلخرین ت المجرمین من العقاب الرادع ، ومن ثم كثرة الجرائم ، وال حدود تنتھي إلیھا ؛ مما یؤدي إلى إفال

إن بعض « : قال الشیخ أحمد محمد شاكر ] . ٢٢[وانتشار الفوضى ، وزعزعة األمن واالستقرار النظریات الحدیثة ترفھ عن المجرم حتى یظن أنھ موضع إكرام بما جنى ، وتدعي أن القصد من العقاب

) الجاني ( أنھ ال یجوز أن یقصد بھ إلى االنتقام ، وتزعم أن الواجب درس نفسیة التربیة والتأدیب فقط ، و، فتلتمس لھ المعاذیر من ظروفھ الخاصة ، وظروف الجریمة ، ومن نشأتھ وتربیتھ ، ومن صحتھ

ومرضھ ، وما یعتمل في جوانحھ من عواطف وشھوات ، وما یحیط بھ من مغریات أو موبقات ، إلى ھذا الدرس الطریف ، لیروا أي ذنب اجترح ) المجني علیھ ( ونسي قائلوھا أن یدرسوا .. لك آخر ما ھنا

ولم یفكروا أي الفریقین أحق !! حتى یكون مھددا في سربھ ، معتدى علیھ في مأمنھ من حیث ال یشعر ینزع إلى الشر ، فكان مجنیا أمن جعلتھ ظروفھ ونشأتھ ونفسیتھ وما إلى ذلك ھادئا مطمئنا ، ال: بالرعایة

إن اهللا خلق الخلق وھو أعلم بھم ، وھو یعلم خائنة ! علیھ ، أمن كان على الضد من ذلك ، فكان جانیا ؟األعین وما تخفي الصدور ، ویعلم ما یصلح الفرد ، وما یصلح األمة ، وقد شرع الحدود في القرآن زجرا

أن الشریعة اإلسالمیة إذ ترسم : الوجھ الثاني ] . ٢٣[» ل التأویل ونكاال ، بكالم عربي واضح ال یحتمأحكامھا لمعاقبة الجانحین والمجرمین ؛ ال تنطلق في ذلك من حصر المسؤولیة فیھم ، وتحمیلھم وحدھم

عاقبة ما أقدموا علیھ ، بل ھي تجعل المجتمع مسؤوال في بعض الحاالت عن ھذه الجرائم التي ارتكبوھا ، أن : الوجھ الثالث ] . ٢٤[عدة درء الحدود بالشبھات أبلغ تجسید لھذه الحقیقة ، وأوضح برھان علیھا وقا

رغبة المعترضین في جعل العقاب كالعالج للمریض ؛ متحققة في العقوبات الشرعیة التي ھي مبنیة على ھ أن یكون لذیذا تشتھیھ ولكن ھؤالء فاتھم أن العالج ال یشترط فی. أساس الرحمة بالمجرم والمجتمع

النفس ، فقد یكون كریھا مرا ، وقد یتضمن إسالة الدماء وقطع األعضاء ، وھو في جمیع ھذه الصور كما فات ھؤالء أن العقوبات . یبقى عالجا موصوفا بالرحمة في حق المریض ، خالیا من االنتقام منھ

ض ، واألعضاء الفاسدة التي سرت فیھا األمراض شرعت لوقایة المجتمع وتطھیره من جراثیم األمراالمزمنة والمعدیة ، وغفلوا أو نسوا أن التغاضي عن ھذه األعضاء الفاسدة ، والتسامح معھا ، رغبة في

صالحھا وصحتھا ، سینتج عنھ تفاقم المرض واستفحالھ ، وانتشاره في سائر الجسم ، فلم یستصح العضو شأن في العقوبات ، فقد شرعت لتكون عالجا لمن ال یجدي معھم عالج وھذا ھو ال. ولم یسلم الجسم

: یقولون : حول حد الزنا : الشبھة األولى : * الشبھات الخاصة : ثانیا ] . ٢٥[الوعظ والتذكیر واإلنذار إن الزنا برضا الطرفین حریة شخصیة ، وإقامة الحد في ھذه الحال مصادرة لھذ الحریة التي یجب أن

-] . ٢٦[ن ، كما أن حد الزنا فیھ إھدار آلدمیة المجرم ، وإیذاء لھ لم یعد مقبوال في العصر الحدیث تصاأما االحتجاج بالحریة الشخصیة إذا وقع الزنا برضا الطرفین ، فإنھ قول متھافت : دحض ھذه الشبھة

ق الحریة ، إال فیما یعود علیھ فلھ مطل. مردود ؛ ألن اإلنسان لیس حرا في فعل ما یضره ، أو یضر غیره وقد ثبت بالشرع والعقل والحس أن الزنا شر سبیل ، وأن لھ أضرارا كثیرة على . أو على غیره بالضرر

وعلیھ ؛ فإن وقوع الزنا بالتراضي ال یبیح الزنا ، وال . الزانیین ، وعلى أسرتیھما ، وعلى مجتمعھما وأما القول بقسوة ھذه العقوبة ] . ٢٧[ معاقبة فاعلھ واألخذ على یده فوجب. یزیل أضراره وآثاره السیئة

أن الزاني ھو الذي أھان نفسھ وعرضھا : ، وإھدارھا آلدمیة الزاني بجلده أو رجمھ ؛ فالجواب عنھ لإلذالل واإلھدار ، فإنھ لو لم یفعل ھذه الفاحشة المنكرة لبقي محترما موفور الكرامة ، حرمتھ مصونة ،

الشبھة . * وأما اتھام ھذه العقوبة بالقسوة والشدة ، فقد تقدم الجواب عنھ قریبا ] . ٢٨[فسھ معصومة ونإن ھذه العقوبة القاسیة مصادمة لمبدأ عدم اإلكراه في الدین ، والذي : قالوا : حول حد الردة : الثانیة

: البقرة ]( راه في الدین قد تبین الرشد من الغي ال إك: [ قرره اهللا في أكثر من آیة في كتابھ ، كقولھ تعالى ولو شاء ربك آلمن من في األرض كلھم جمیعا أفأنت تكره الناس حتى یكونوا : [ ، وقولھ ) ٢٥٦

ي اختیار الدین الذي یراه اإلنسان وھي كذلك مصادمة للحریة الشخصیة ف ) . ٩٩: یونس ]( مؤمنین إن : أما قولھم : دحض ھذه الشبھة -] . ٣٠[، كما أنھا سبب النتشار النفاق في صفوف المسلمین ] ٢٩[

فإنھ غیر صحیح ؛ ألن اإلكراه المنفي . حد الردة مصادم لما قرره القرآن من مبدأ عدم اإلكراه في الدین الدخول في اإلسالم ابتداء ، فاإلسالم یرید ممن یدخل فیھ أن یدخلھ عن في اآلیتین إنما ھو اإلكراه على

قناعة ورغبة واختیار ، وإدراك لحقائقھ ومیزاتھ ، وأنھ الدین الذي ارتضاه اهللا لعباده ، وجعلھ مھیمنا

Page 33: أبحاث حول الحدود في الإسلام

الحدود في اإلسالم

٣٣

عنھ ، فإذا دخل فیھ كذلك ، فلیس لھ من بعد أن ینكص. على األدیان كلھا ، ولن یقبل من أحد دینا سواه ] ٣١[ویشتري الضاللة بالھدى ، ویستبدل الذي ھو أدنى بالذي ھو خیر ؛ إذ ماذا بعد الحق إال الضالل ؟

وإن القلب الذي تذوق حالوة اإلیمان ، وعاش في ظاللھ الوارفة ؛ ال یمكن أن یرتد عنھ ، وینكص على ومن كان ھذا حالھ ، فجدیر . ه صالح أبدا عقبیھ ، إال إذا غلب علیھ ھواه ، وفسد فسادا ال یرجى لھ بعد

. إنھا مصادمة للحریة الشخصیة في التدین بما یراه اإلنسان : وأما قولھم . بھ أن یقتل ویستأصل أن الحریة الشخصیة مقیدة كما سبق بعدم اإلضرار بالنفس أو : الوجھ األول : فالجواب عنھ من وجھین

فبالردة یحبط عمل المرتد ، . وبالمجتمع المسلم أشد الضرر وأبلغھ بالغیر ، والردة تلحق بصاحبھاوبھا یحصل العدوان على الدین ، والطعن في عقیدة األمة ونظامھا الذي تقوم . ویخسر الدنیا واآلخرة

أن عقوبة الردة ال تتنافى مع الحریة الشخصیة في اختیار العقیدة : الوجھ الثاني . علیھ جمیع شؤونھا وبأن یكون لھ . ي یرتضیھا اإلنسان ؛ ألن حریة العقیدة توجب أن یكون اإلنسان مؤمنا بما یقول ویفعل الت

ومن أین یكون المنطق والعقل . منطق سلیم في انتقالھ من عقیدة إلى أخرى ، وإعالنھ ذلك أمام الناس من دین كل ما فیھ موافق للفطرة السلیم ، لمن یخرج من دیانة التوحید إلى الوثنیة ؟ ومن ذا الذي یخرج

والعقل المستقیم ، إلى دین مناقض للعدل والمصلحة ، وال یستطیع العقل تسویغ ما فیھ ؟ ال یفعل ذلك أحد ، وھو ذو حریة فكریة حقیقیة ، إنما یخرج من ھذا الدین القویم اتباعا للھوى ، أو جنوحا إلى المادة یطلبھا

فإذا حارب اإلسالم اتخاذ األدیان ھزوا ولعبا وتضلیال وعبثا ؛ فإنما یفعل . نا فیھ ، أو كیدا لإلسالم وطعولیست الحریة في أي باب من أبوابھا انطالقا . ذلك لحمایة الفكر والرأي من ھؤالء العابثین والمخربین

وأما ] . ٣٢[ الحقائق عابثا ال یعرف حدودا أو حقوقا ؛ إنما ھي اختیار مبني على حسن اإلدراك وتبینإن عقوبة الردة تؤدي إلى انتشار النفاق في صفوف المسلمین ؛ ألن المرتد إذا علم أنھ سیقتل : قولھم

والحقیقة غیر ھذا ، فإن عقوبة المرتد من أكبر . أخفى على الناس كفره ، وأظھر ما لیس في قلبھ االرتداد ھم الدخالء على اإلسالم لھوى أو طمع دنیوي العوامل المانعة من النفاق ؛ ذلك أن من یكثر منھم

، أو رغبة في التجسس على المسلمین وكشف عوراتھم من الداخل ، فھم لم یدخلوه عن رغبة واقتناع ، وإنما دخلوه لتحقیق حاجة في نفوسھم ، فھم منافقون منذ دخولھم فیھ ، عازمون على االرتداد عنھ عند

وا أن الموت ینتظرھم إذا ارتدوا ؛ امتنعوا من الدخول في اإلسالم ابتداء ، وبھذا فإذا علم. قضاء حاجتھم حول : الشبھة الثالثة ] . * ٣٣[ندرك أن في عقوبة الردة قطعا لرقاب المنافقین ، ولیس فیھا زیادة لعددھم

ذلك بإشاعة البطالة إن العقوبة بتقطیع األطراف فیھا إضرار بالمجتمع ، و: قالوا : حد السرقة والحرابة فیھ ، وتعطیل بعض الطاقات البشریة التي كانت تسھم في العمل واإلنتاج ، وتكثیر المشوھین والمقطعین

الذین أصبحوا عالة على المجتمع بسبب عجزھم عن الكسب واإلنفاق ، فیجب أن یستعاض عن ھذه وھو زعم ینقصھ !! ھكذا یزعمون : دحض ھذه الشبھة - ] . ٣٤[العقوبة بالحبس مع التربیة والتوجیھ

ذلك أن ترك السراق والمحاربین . اإلنصاف والنظر الصحیح ، بل ھو مغالطة صریحة وقلب للحقائق دون عقوبة رادعة ؛ یجعلھم یعیثون في األرض فسادا ، ویھددون أمن المجتمع ، ویھتكون الحرمات ،

مصالحھم ، ویخیفونھم في مأمنھم ، ویفجعون ویقطعون على الناس سبل العیش والكسب ، ویعطلون كما أن ذلك . النساء واألطفال في مساكنھم ، ویسرقون جھود اآلخرین ، ویستبیحون أموالھم بغیر حق

یدعوھم إلى البطالة والقعود عن العمل والكسب المشروع ؛ ألنھم یستطیعون تحصیل ما یریدون عن املین المجتھدین في تحصیل األموال بالسبل المشروعة كما أن الع. طریق السرقة وقطع الطریق

سینقبضون عن العمل ، وینتظمون في سلك الكسالى العاطلین ؛ ما دامت أموالھم مھددة باالستالب ومعنى ذلك أن . والضیاع ، فتتعطل األعمال ، وتفسد األحوال ، ویقعد الناس عن التكسب وجمع المال

إنما یسرق معھ أمن المجتمع واستقراره وطمأنینتھ ، فكان في التساھل مع السارق ال یسرق المال فقط ، وھؤالء السراق خراب العمران ، وشل قدرات اإلنسان ، واستنفاد طاقتھ ووقتھ وجھده في حفظ مالھ

أقسى الجرائم المباشرة من القتل والجرح ، وانتھاك - في الغالب -كما أن السرقة تتبعھا . وحمایتھ وإن السراق یتسلحون دائما خشیة الظفر بھم فیدافعون عن . ، وھتك حرمات البیوت ، وغیرھا األعراض

أنفسھم ، أو لقتل وجرح من یقف في طریقھم ، ویحول بینھم وبین تحقیق مرادھم ، أو یخشون منھ أن . لسرقة وال یكاد یمر یوم في المدن الكبرى من غیر ارتكاب جریمة قتل ألجل ا. یكشفھم ویعلن عنھم

وقد سبق الكالم مفصال عن ھذه األضرار وغیرھا حین الكالم عن الحكمة من مشروعیة حد السرقة وحد

Page 34: أبحاث حول الحدود في الإسلام

الحدود في اإلسالم

٣٤

فقطع طرف واحد ، كما أنھ تنكیل بالمجرم وزجر لھ ، فإنھ یؤدي إلى زجر الجناة من ] . ٣٥[الحرابة وأما دعوتھم إلى ] . ٣٦[تجة أمثالھ ، وحفظ مئات األرواح ، وآالف األطراف سلیمة طاھرة ، عاملة من

فقد شھد واقع الدول التي تطبق - كما ھو الحال في القوانین الوضعیة -االستعاضة عن القطع بالحبس وإن الطواف على السجون . عقوبة الحبس على إخفاق ھذه العقوبة في ردع المجرمین واستصالحھم

، ] ٣٧[ر ، فما ردعت السجون عن الجریمة إال قلیال وعد نزالئھا یرینا أنھم في ازدیاد دائم وتفاقم مستمبل أصبح السجن مدرسة یتعلم فیھا المجرمون كثیرا من فنون السرقة وأسالیبھا الخفیة ، ثم یخرجون بعد

ذلك أكثر خطورة وخبرة وإقداما ، فصار السجن محضنا لإلفساد وتلقین أسالیب اإلجرام ، وكسب ھد بالجریمة ، بل لقد جعلوا من السجن ساحة ممھدة لرسم الخطط ، وتقاسم متعاونین جدد من حدثاء الع

أضف إلى ذلك ما یخلق لدیھم السجن من . المھمات ، یشاركھم إخوان لھم في اإلجرام خارج القضبان كما أن السجن یؤدي إلى تحطیم الطاقات ] . ٣٨[شعور بالعداء ورغبة في االنتقام للنفس ، وإثبات الذات

ادرة على العمل ، وقتل الشعور بالمسؤولیة في نفس المجرم تجاه ذاتھ وأسرتھ ، ویحبب إلیھ القعود القحیث ینعم بتوفیر وسائل الراحة والترفیھ لھ ، وتقدیم الغذاء والكساء والدواء لھ مجانا طیلة بقائھ . والكسل

یحصلھ خارج السجن ، وقد یعاود ولربما رغب في البقاء بالسجن طلبا لذلك الذي قد ال . في السجن ھذا . الجریمة بعد خروجھ منھ من أجل العودة إلیھ ، والتنعم بما فیھ ، وضمان لقمة العیش بین جدرانھ

فضال عما تخسره الدولة في اإلنفاق على ھؤالء المساجین ، وحراستھم والقیام علیھم ، وما تخسره من وفضال عما ینتج من سجنھم من عزلھم . ن العمل والكسب تضییع جھودھم ، وھدر طاقاتھم ، وحبسھم ع

أضف إلى ذلك كلھ أن حبس المساجین . عن بیوتھم وزوجاتھم وأوالدھم ، وتعریضھم للحاجة والضیاع عن مزاولة نشاطھم ، وحرمانھم من االتصال بزوجاتھم ، وجمعھم في مكان واحد قد ال تتوفر فیھ

غلب األحیان سبب مباشر النخفاض المستوى الصحي واألخالقي بینھم المواصفات الصحیة الكاملة في أھذه بعض عیوب العقوبة . ، وانتشار كثیر من األمراض فیھم ، وانتقال العدوى من بعضھم لبعض

والفرق األساسي بین ھذه العقوبة ] . ٣٩[بالحبس ، والتي ینادون بتطبیقھا بدال عن العقوبة الشرعیة ھو أن العقوبة الشرعیة قد وضعت على : عقوبة الشرعیة ، وسبب نجاح ھذه دون تلك الوضعیة وبین ال

فإن السارق حینما یفكر في السرقة إنما یرید منھا . أساس من طبیعة اإلنسان ، وعلم بما یزجره ویردعھ ینمیھ من تكثیر مالھ ، وزیادة كسبھ بكسب غیره ، فھو یستصغر ما یكسبھ عن طریق الحالل ، ویرید أن

وھو یفعل ذلك لیزید من قدرتھ على اإلنفاق أو . طریق الحرام وسرقة جھود اآلخرین وثمرة أتعابھم وقد حاربت الشریعة . فھذا ھو الدافع الذي یدفعھ إلى السرقة . الظھور ، أو لیرتاح من عناء الكد والعمل

لید أو الرجل یؤدي إلى نقص الكسب ؛ إذ الید ھذا الدافع في نفس اإلنسان بتقریر عقوبة القطع ؛ ألن قطع اونقص الكسب یؤدي إلى نقص الثراء ، وھذا یؤدي إلى نقص القدرة . والرجل كالھما أداة العمل أیا كان

كما . على اإلنفاق وعلى الظھور ، ویدعو إلى شدة الكدح وكثرة العمل ، والتخوف الشدید على المستقبل ضح لھ وتشھیر بھ ، وقطع للثقة فیھ ، بخالف ما كان یقصده بسرقتھ من أن قطع یده أو رجلھ فیھ ف

فالشریعة اإلسالمیة بتقریرھا عقوبة القطع ؛ دفعت العوامل النفسیة التي تدعو . الظھور والتباھي فإذا تغلبت العوامل النفسیة الداعیة ، . الرتكاب الجریمة بعوامل نفسیة مضادة ، تصرف عن ارتكابھا

ب اإلنسان الجریمة مرة ، كان في العقوبة والمرارة التي تصیبھ منھا ما یغلب العوامل النفسیة وارتكوأما عقوبة الحبس ؛ فإنھا ال تخلق في نفس السارق ] . ٤٠[الصارفة ، فال یعود إلى الجریمة مرة ثانیة

ن السارق وبین العمل العوامل النفسیة التي تصرفھ عن جریمة السرقة ؛ ألن عقوبة الحبس ال تحول بیوما حاجتھ إلى الكسب في المحبس وھو ملبى الطلبات مكفي الحاجات ؟ فإذا . والكسب إال مدة الحبس

خرج من محبسھ استطاع أن یعمل وأن یكسب ، وكان لدیھ أوسع الفرص ألن یزید من كسبھ وینمي . حد من كسبھ ، ویفقده ثقة الناس بھ ثروتھ من طریق الحالل والحرام على السواء ؛ ألنھ لم یخسر شیئا ی

ولكنھ إذا قطعت یده نقصت قدرتھ على الكسب نقصا كبیرا ، ولن یستطیع أن یخدع الناس ویحملھم على فالخاتمة . الثقة بھ والتعاون معھ وھو یحمل أثر الجریمة في جسمھ ، وتعلن یده المقطوعة عن سوابقھ

ارة مقطوع بھ إذا كانت العقوبة القطع ، وجانب الربح مرجح إذا التي ال یخطئھا الحساب أن جانب الخسوفي طبیعة الناس كلھم ، ال السارق وحده ، أن ال یتأخروا عن عمل یرجح فیھ . كانت العقوبة الحبس

كما أن عقوبة السجن فیھا إخفاء ] . ٤١[جانب المنفعة ، وأن ال یقدموا على عمل تتحقق فیھ الخسارة

Page 35: أبحاث حول الحدود في الإسلام

الحدود في اإلسالم

٣٥

تر على المجرم ، فتنسى جریمتھ ، ویخرج من السجن وكأنھ لم یقترف ذنبا ، ولم یرتكب للجریمة ، وسأما تطبیق الحد الشرعي فإنھ بمثابة إعالن بالخط العریض ، یحملھ المجرم حیثما كان ، معلنا . جرما

جذور البالء ، دناءتھ وخستھ ، وقبح فعلھ ، وسوء عاقبتھ ، فیرتدع بذلك كل من رآه أو سمع بھ ، فتنقطعذلك ھو األساس الذي قامت علیھ عقوبة السرقة في الشریعة . وینقمع المجرمون وأھل المطامع واألھواء

اإلسالمیة ، وھو السر في نجاح ھذه العقوبة في الحد من السرقة أو القضاء علیھا في البالد التي طبقت تحكیم الشریعة فیھا من أسوأ بالد العالم أمنا ، فكان لقد كانت الجزیرة العربیة قبل. فیھا قدیما وحدیثا

المسافر إلیھا وكذلك المقیم فیھا ال یأمن على نفسھ ومالھ وعیالھ ساعة من لیل أو نھار ، بالرغم مما لھ من قوة وما معھ من عدة ، وكان كثیر من السكان لصوصا وقطاع طرق ، دیدنھم السلب والنھب ، والغارات

فلما طبقت الحدود أصبحت الجزیرة خیر بالد العالم كلھ أمنا واستقرارا ، یأمن فیھا المسافر . والثارات والمقیم ، حتى إنھ لتترك األموال على الطرقات دون حراسة ، فال تجد من یسرقھا أو یزیلھا من مكانھا

ضات في متناول الید ، على الطریق ، وتترك المتاجر مفتوحة أوقات الصلوات مدة غیر قلیلة ، والمعروفال یمسھا أحد ، ویأخذ أصحاب األموال ودائعھم من البنوك مھما كثرت غیر متحرجین أو خائفین ،

فقد أقامت ھذه العقوبة الشرعیة أعراب ] . ٤٢[فیذھبون بھا إلى حیث أرادوا وھم آمنون مطمئنون ، فال تمتد ید أحد منھم إلى ما لیس لھ ، ولو البادیة الذین ھم أجرأ من العقبان ، أقامتھم على سواء السبیل

وننظر في المجتمعات الغربیة وغیرھا من الدول التي تطبق . كان في معرض ناظریھ ومتناول یدیھ القوانین الجاھلیة ، ممن یرمون حد السرقة بھذه التھمة ، وكیف یعیش الناس ھناك في فزع دائم ، وخوف

، واعتدائھم على أموالھم وأنفسھم ، في الطرقات والمنازل والمصارف مستمر من سطو اللصوص علیھم والمتاجر وغیرھا ، جھارا نھارا ، یأخذون ما تصل إلیھ أیدیھم ، دون خوف من رادع یردعھم ، أو

ولو أنھ أقیم علیھم الحد . عقوبة تنزل بھم ، اللھم إال عقوبة السجن التي یجدون فیھا كل ما یشتھون لسرقة ؛ لتفیأ الناس ظالل األمن والسكینة ، واطمأنوا على أموالھم ومصالحھم ، ولما رأوا أكثر الشرعي ل

وكونھا تشوه أو تعطل ھذه القلة القلیلة من ] . ٤٣[من ید أو بضعة أید تقطع خالل عام أو أكثر وھو أمر ال بد منھ . المجرمین ؛ فإن ھذا ھو فعلھم بأنفسھم ، وھو جزاء ما اقترفتھ أیدیھم من ظلم وإجرام

فھم حینما یقطعون یدا واحدة خائنة ؛ یحفظون نفوسا . لحمایة أمن الجماعة ، وتحقیق الطمأنینة للكافة ویا لیت الناس یوازنون بین عدد المشوھین . كثیرة ، ویصونون أیدیا أمینة عاملة ال تعد وال تحصى

اللصوص والمجرمین ، وبین من یقطعون لكف عدوانھم والمجروحین والمقتولین الذین جنت علیھم جرأة، وقطع شرھم عن أنفسھم ومجتمعاتھم ، حتى یدركوا أن إقامة الحد الشرعي تأمین للمجتمع ، وتحصین

وصدق اهللا عز وجل حیث ] . ٤٤[لمصالح الناس ، وتوفیر للطاقات العاملة ، والقوى البشریة المنتجة قال الشیخ ) . ٥٠: المائدة ]( لیة یبغون ومن أحسن من اللھ حكما لقوم یوقنون أفحكم الجاھ: [ یقول

أحمد محمد شاكر مخاطبا رجال القانون في مصر ، وھو یقارن بین أثر العقوبة الوضعیة والشرعیة لكم ما جنت كثرتھا على األمة وعلى وھذه جرائم السرقة ، لیست بي حاجة أن أفصل « : لجریمة السرقة

األمن ، وھا أنتم أوالء تسمعون حوادثھا وفظائعھا ، وتقرؤون من أخبارھا في كل یوم ، وترون السجون . قد ملئت بأكابر المجرمین العائدین ، وبتالمیذھم المبتدئین الناشئین ، ثم كلما زادوھم سجنا زادوا طغیانا

لیھم من ربھم ، وحدوا السارق بما حكم اهللا بھ علیھ ؛ لكنتم تتشوفون إلى أن ولو أنھم أقاموا ما أنزل إثم لو وقع كان فاكھة یتندر الناس بھا ؛ ذلك أن عقوبة اهللا حاسمة ، ال . تسمعوا خبرا واحدا عن سرقة

سارق ال یناسب نعم أنا أعرف أن كثیرا منا یرون أن قطع ید ال. یحاول اللص معھا أن یختبر ذكاءه وفنھ أال سحقا لھذا التشریع : ولكن المسلم الصادق اإلیمان ال یستطیع إال أن یقول ! مبادئ التشریع الحدیث

أفندع األلوف من المجرمین یروعون اآلمنین ، ال یرھبون قویا ، وال یرحمون ضعیفا ، في ! الحدیث وأنتم ترون أنھ ] ٤٥! [كون ذلك في كل بضعة أعوام ؟سبیل حمایة ید أو یدین تقطعان في كل عام ، وقد ی

قد تزھق عشرات من النفوس الختالف على مبدأ سیاسي ، أو لمظاھرة قد ال تضر وال تنفع ؛ بحجة فھاكم األمن في . ال تظنوا أنكم ستقطعون من السارقین بقدر ما تسجنون . المحافظة على األمن والنظام كان مجرموھم قساة ال یحصیھم العد ، وعجزت الحكومات السابقة عن الحجاز وبادیة العرب ، وقد

تأدیبھم بمثل قوانینكم ، فما ھو إال أن جاءت الدولة الحاضرة ، واتبعت شرع اهللا وأقامت حدوده ، حتى الشبھة ] . * ٤٦[» استتب األمن ، ثم ال تكاد تجد سارقا ھناك ، إال أن یكون من الغرباء في موسم الحج

Page 36: أبحاث حول الحدود في الإسلام

الحدود في اإلسالم

٣٦

إن القصاص عقوبة قاسیة ال تراعي شخصیة المجرم وظروفھ : قالوا : حول عقوبة القصاص : لرابعة اودوافعھ ، كما أن جعل القصاص حقا ألولیاء القتیل ؛ فیھ تغلیب لجانب االنتقام ، واعتباره أساسا للعقاب ،

- . قاب تھذیبا واستصالحا وھذا من الھمجیة األولى ، وال یتفق مع التحضر والمدنیة ، واعتبار العأما أن القصاص عقوبة قاسیة فھذا حق ، ولكنھا ھي مقتضى العدل واإلنصاف ؛ : دحض ھذه الشبھة

ألن القصاص یفعل بالجاني مثل فعلھ بالمجني علیھ ، فھو جار على سنن المساواة بین الجریمة والعقوبة وأما إھمال شخصیة . یترك الجاني من غیر قصاص مساواة دقیقة ، وال ظلم في القصاص ، بل الظلم أن

المجرم ، فقد ذكرت فیما سبق أن الشریعة تراعي شخصیة المجرم بالقدر الذي تستلزمھ ھذه الرعایة ، فال فإن كانت الجنایة خطأ أو شبھ عمد ، فال قصاص ، . تقیم القصاص إال على من كان عامدا عاقال بالغا

أما تجاوز ھذه الحدود بحجة . ا أو مجنونا ، فعمده خطأ ، وال قصاص علیھ أیضا وإن كان الجاني صغیرمالحظة نفسیة المجرم ومیولھ وتربیتھ ؛ فإن ذلك من شأنھ أن یوقع في متاھات األھواء ، ویجعل أحكام القصاص مضطربة قلقة ، ویؤدي إلى إفالت المجرمین من العقاب ، وانتشار الجریمة وعدم السیطرة

وأما اعتبار القصاص من حق المجني علیھ أو أولیائھ ، ال من حق المجتمع ، فإن ھذا من حسنات . علیھا تشریع ھذه العقوبة ، ال من مثالبھا ؛ ألن الجریمة تمس المجني علیھ وأھلھ مباشرة ، فھم الذین اكتووا

فكان من العدل . رة غیر مباشرة أما تضرر المجتمع فیأتي بصو. بنارھا ، وتلوعوا بما وقع على قریبھم والحكمة شفاء غیظ المجني علیھ خاصة ، وإطفاء نار الغضب في نفسھ بتمكینھ من القصاص إن أحب أو

وال شك أن العنایة بشفاء غیظ المجني علیھ وتمكینھ من الجاني علیھ ، یقتل في . الدیة أو العفو المطلق وإذا عفا المجني علیھ ] . ٤٧[ من اإلسراف في القتل واالعتداء نفسھ الرغبة في الثأر واالنتقام ، ویمنعھ

أو ولیھ عن الجاني ؛ فللقاضي أن یعاقبھ بعقوبة تعزیریة تتناسب مع جرمھ وحالھ حفظا للنظام العام ، ] . ٤٨[ویتأكد ذلك إذا كان ھذا الجاني معروفا بالشر والفساد . وحمایة لحق المجتمع

أستاذ الفقھ المساعد ، بجامعة اإلمام محمد بن سعود (*) ___ _____________________ ، وحول تطبیق ١٧٥ - ١٧٤أثر تطبیق الحدود في المجتمع ، ص : انظر ) ١. (اإلسالمیة ، بالریاض

١٥٧ ، وشبھات حول اإلسالم ، ص ١٢٢ ، وعلى طریق العودة إلى اإلسالم ، ص ٩٣الشریعة ، ص انظر ) ٣ .(٤١٣ ، ومجموعة بحوث فقھیة ، ص ١٧٥ في المجتمع ، ص أثر تطبیق الحدود: انظر ) ٢.(مساجلة فكریة حول قضیة تطبیق الشریعة ، : ، والمحاورة ١٧٥أثر تطبیق الحدود في المجتمع ، ص :

على طریق العودة إلى : انظر ) ٥ .(١١٦على طریق العودة إلى اإلسالم ، ص : انظر ) ٤ .(١٠١ص ، وفي ٩٨ - ٩٧على طریق العودة إلى اإلسالم ، ص : انظر ) ٦ .(١٢٦ - ١٢٤ ، ٩٥اإلسالم ، ص

مجموعة : انظر ) ٧ .(٦٤ ، واإلسالم بین جھل أبنائھ وعجز علمائھ ، ص ٨٩التشریع اإلسالمي ، ص ، وأثر تطبیق الحدود في المجتمع ، ص ٤٢٨ ، وروح الدین اإلسالمي ، ص ٤٠٩بحوث فقھیة ، ص

، وعلى طریق العودة إلى ٩٦ ، وفي التشریع اإلسالمي ، ص ١٥٠سالم ، ص ، وشبھات حول اإل١٦٨ ، وأثر تطبیق الحدود في المجتمع ، ٤٠٩مجموعة بحوث فقھیة ، ص : انظر ) ٨ .(١٢٣اإلسالم ، ص

من : ھو أبو تمام حبیب بن أوس الطائي ، انظر ) ٩ .(١/٦٥٥ ، والتشریع الجنائي اإلسالمي ، ١٦٨ص ) ١١ .(١٢٨ - ١٢٦ ، ١٠٤ - ١٠٣على طریق العودة إلى اإلسالم ، ص : انظر ) ١٠ .(٢/٤٥٨القائل ،

حد : انظر ) ١٢ .(٤٢٩ ، وروح الدین اإلسالمي ، ص ٤١٠ - ٤٠٩مجموعة بحوث فقھیة ، ص : انظر : انظر ) ١٣ .(١٦٩ ، وأثر تطبیق الحدود في المجتمع ، ص ٢٠٩السرقة بین اإلعمال والتعطیل ص

، الطبعة ٣٦ - ٣٥قواعد األحكام في مصالح األنام ، ص ) ١٤ .(١/٦٤٤جنائي اإلسالمي ، التشریع الوذلك كالسرقة عام المجاعة ، فقد ذھب جمھور الفقھاء إلى أن الضرورة شبھة ) ١٥ .(١/١٢القدیمة ،

ما سرقوا قویة تدرأ حد السرقة ، وھو ما فعلھ عمر مع غلمان حاطب بن أبي بلتعة ، حیث درأ عنھم الحد للوال أني أعلم أنكم تستعملونھم وتجیعونھم ، حتى إن ! أما واهللا : (في عام مجاعة ، وقال رضي اهللا عنھ

أن یكون : ، وألن من شروط قطع السارق ) أحدھم لو أكل ما حرم اهللا علیھ ، حل لھ ، لقطعت أیدیھملھ أن یأخذه ما دام مضطرا إلیھ ، وقد مختارا ، وال اختیار لھ عند الجوع الموفي على الھالك ، وألن

روي عن مروان بن الحكم أنھ أتي : (حكى الماوردي اإلجماع على سقوط القطع لشبھة الضرورة ، فقال أراه مضطرا ، فلم ینكر علیھ أحد من الصحابة وعلماء : بسارق سرق عام مجاعة ، فلم یقطعھ ، وقال

ن ابن حزم ال یقول بدرء الحد بالشبھة ، إال أنھ ذھب في ھذه ، وعلى الرغم من أ) عصره ، فكان إجماعا

Page 37: أبحاث حول الحدود في الإسلام

الحدود في اإلسالم

٣٧

وھذا محض : (المسألة مذھب الجمھور ، فدرأ الحد عن السارق للضرورة ، وفي ذلك یقول ابن القیم القیاس ، ومقتضى قواعد الشرع ، فإن السنة إذا كانت سنة مجاعة وشدة ، غلب على الناس الحاجة

م السارق من ضرورة تدعوه إلى ما یسد بھ رمقھ ، ویجب على صاحب المال والضرورة ، فال یكاد یسلبذل ذلك لھ ، إما بالثمن أو مجانا ، على الخالف في ذلك ، والصحیح وجوب بذلھ مجانا ، لوجوب

المواساة وإحیاء النفوس مع القدرة على ذلك ، واإلیثار بالفضل مع ضرورة المحتاج ، وھذه شبھة قویة ع عن المحتاج ، وھي أقوى من كثیر من الشبھ التي یذكرھا كثیر من الفقھاء ، ال سیما وھو تدرأ القط

مأذون لھ في مغالبة صاحب المال على أخذ ما یسد رمقھ ، وعام المجاعة یكثر فیھ المحاویج والمضطرون ، وال یتمیز المستغني منھم ، والسارق لغیر حاجة من غیره ، فاشتبھ من یجب علیھ الحد

، والمھذب ، ١٢/٤٦٢ ، والمغني ، ١٢ - ٣/١١إعالم الموقعین ، : ، انظر ) بمن ال یجب علیھ ، فدري ، وأحكام السرقة في الشریعة اإلسالمیة ١١/٣٤٣ ، والمحلى ١٨/١٠٨ ، والحاوي الكبیر ، ٢/٢٨٢

كبرى ، في ، وحدیث غلمان حاطب ، أخرجھ البیھقي في السنن ال٣٢١ - ٣٢٠والقانون ، للكبیسي ، ص ، و عبد الرزاق في المصنف في كتاب اللقطة ٨/٢٧٨كتاب السرقة ، باب ما جاء في تضعیف الغرامة ،

، وفي ١٥٥ - ١٥٤شبھات حول اإلسالم ، ص : انظر ) ١٦ .(٢٣٩ - ١٠/٢٣٨، باب سرقة العبد ، مھمة المزدوجة ، وال١٦٩ ، وأثر تطبیق الحدود في المجتمع ، ص ٩٨ - ٩٧التشریع اإلسالمي ، ص

٤٧جمال الدین محمود ، في مجلة التضامن اإلسالمي ، ص : للتشریع الجنائي اإلسالمي ، مقال للدكتور على طریق العودة إلى ) ١٨ .(١٥٥شبھات حول اإلسالم ، ص : انظر ) ١٧.(ھـ ١٤٠٨، ذو القعدة ،

، ٤٠٧قھیة ، ص مجموعة بحوث ف: انظر ) ١٩.( ، مع تصرف یسیر ١٣٤ - ١٢٩اإلسالم ، ص شبھات ) ٢٠ .(١٢٣ - ١٠٣ ، وعلى طریق العودة إلى اإلسالم ، ص ١٥٠وشبھات حول اإلسالم ، ص

مجموعة بحوث فقھیة ، ص : انظر ) ٢٢ .(١٠٧٧ص : انظر ) ٢١ .(١٥٢ - ١٥١حول اإلسالم ، ص ر القوانین في الكتاب والسنة یجب أن یكونا مصد) ٢٣ .(١/٧٢٠ ، والتشریع الجنائي اإلسالمي ، ٤٠٨

مجموعة : انظر ) ٢٥ .(١٣٤على طریق العودة إلى اإلسالم ، ص : انظر ) ٢٤ .(٢٨ - ٢٧مصر ، ص ، ومنھج القرآن في ٤١٠مجموعة بحوث فقھیة ، ص : انظر ) ٢٦ .(٤٠٩ - ٤٠٨بحوث فقھیة ، ص

روح الدین :انظر ) ٢٧ .(٤٢٨ ، وروح الدین اإلسالمي ، ص ٢/٢٩٤حمایة المجتمع من الجریمة ، ، ومنھج القرآن في حمایة المجتمع ٤١٢ - ٤١١ ، ومجموعة بحوث فقھیة ، ص ٤٢٨اإلسالمي ، ص

، وأثر تطبیق ٤١٠مجموعة بحوث فقھیة ، ص : انظر ) ٢٨ .(٢٩٥ - ٢٩٤/ ٢من الجریمة ، ص ، ٩٢ العقوبة ، ألبي زھرة ، ص: انظر ) ٢٩ .(٩٧الشریعة اإلسالمیة في منع وقوع الجریمة ، ص

، ٢/٢٩٣ ، ومنھج القرآن في حمایة المجتمع من الجریمة ، ١٧٨وأثر تطبیق الحدود في المجتمع ، ص : انظر ) ٣١ .(٩٣العقوبة ، ألبي زھرة ، ص : انظر ) ٣٠ .(١٣٨والحدود في الشریعة اإلسالمیة ، ص

في حمایة المجتمع ، ومنھج القرآن٤١٥ ، ومجموعة بحوث فقھیة ، ص ٩٣العقوبة ، ألبي زھرة ، ص العقوبة ، ألبي : انظر ) ٣٢ .(٦٤ ، والعقوبات المقدرة وحكمة تشریعھا ، ص ٢/٢٩٣من الجریمة ،

، والعقوبات المقدرة وحكمة تشریعھا ، ٩٤العقوبة ، ألبي زھرة ، ص : انظر ) ٣٣ .(٩٣زھرة ، ص سرقة في اإلسالم ، ص ، ومكافحة جریمة ال٤١٣مجموعة بحوث فقھیة ، ص : انظر ) ٣٤ .(٦٥ص ، وأثر تطبیق ٤٠٢ ، وعقوبة السارق بین القطع وضمان المسروق في الفقھ اإلسالمي ، ص ٢٧٠

، وحول ٢٩٦ ، ومنھج القرآن في حمایة المجتمع من الجریمة ، ص ١٧١الحدود في المجتمع ، ص أثر : انظر ) ٣٦ .(١٠٢٢ - ١٠١٩ ، ص ١٠٠٤ - ٩٩٨ص : انظر ) ٣٥ .(٩٤تطبیق الشریعة ، ص

واإلحصائیات الرسمیة تدل على أن الجرائم تزداد ) ٣٧ .(١٧٢ - ١٧١تطبیق الحدود في المجتمع ، ص عاما بعد عام زیادة تسترعي النظر وتبعث على التفكیر الطویل ، ففي مصر مثال كان عدد السرقات في

د مستمر ، حتى بلغت في عام تسعة آالف وثالثمائة وستا وخمسین ، وما زالت في تزای: م ١٨٩١سنة خمسة وستین ألفا وخمسمائة وسبعا وثمانین سرقة ، ومعنى ھذا أن السرقات زادت في ثمانیة : م ١٩٣٩

وھي نسبة ال تسوغھا زیادة السكان ، وال یقوم لھا أي عذر ! وأربعین عاما سبعة أمثال ما كانت علیھ دھم مرة واحدة ، فكیف تتضاعف السرقة سبع مرات ؟ مھما اختلفت المعاذیر ، فالسكان لم یتضاعف عد

التشریع الجنائي اإلسالمي ، : وما یقال عن السرقات یقال عن غیرھا من الجنح والجنایات ، انظر ، ومنھج القرآن في حمایة المجتمع من ٤١٣مجموعة بحوث فقھیة ، ص : انظر ) ٣٨ .(٧٤٠ - ١/٧٣٩

Page 38: أبحاث حول الحدود في الإسلام

الحدود في اإلسالم

٣٨

، ومكافحة جریمة ٧٤٠ - ٧٣٢/ ١ع الجنائي اإلسالمي ، التشری: انظر ) ٣٩ .(٢/٢٩٧الجریمة ، ، وحد السرقة بین اإلعمال والتعطیل وأثره على المجتمع ٢٤٤ - ٢٤٠السرقة في اإلسالم ، ص

التشریع : انظر ) ٤٠ .(٤٠ - ٣٣ ، ووجوب تطبیق الحدود الشرعیة ، ص ٢١٢ - ٢١١اإلسالمي ، ص ، وحد السرقة بین اإلعمال والتعطیل وأثره ٢/٨٨٤لقرآن ، وفي ظالل ا١/٦٥٢الجنائي اإلسالمي ،

) ٤٢ .(٦٥٤ - ٦٥٣/ ١التشریع الجنائي اإلسالمي ، : انظر ) ٤١ .(٢٠٨على المجتمع اإلسالمي ، ص ، ومجموعة ٢٣٤ ، ومكافحة جریمة السرقة في اإلسالم ص ١/٦٥٣التشریع الجنائي اإلسالمي : انظر

حكمتھا وأثرھا في األفراد : الحدود في اإلسالم : انظر ) ٤٣ .(٤١٤ - ٤١٣بحوث فقھیة ، ص حكمتھا وأثرھا في األفراد : الحدود في اإلسالم : انظر ) ٤٤ .(٧٠ - ٦٩والجماعات واألمم ، ص ، والعقوبة ، ألبي زھرة ، ١٧٢ ، وأثر تطبیق الحدود في المجتمع ، ص ٧٠والجماعات واألمم ، ص

ذكر الشیخ محمد قطب في ) ٤٥ .(٢/٢٩٧یة المجتمع من الجریمة ، ، ومنھج القرآن في حما٨٧ص أن حد السرقة لم ینفذ إال ست مرات فقط خالل أربعمائة عام : ١٥٥، ص ) شبھات حول اإلسالم: (كتابھ

في صدر اإلسالم ، وھذا یدل على أنھا عقوبة قصد بھا التخویف الذي یمنع وقوعھا ابتداء ، ویغني عن انظر ) ٤٧ .(٢٧ - ٢٥الكتاب والسنة یجب أن یكونا مصدر القوانین في مصر ، ص ) ٤٦.(اللجوء إلیھا

، ومنھج القرآن في حمایة ٤٩ - ٤٧ ، والعقوبة ، ألبي زھرة ، ص ٤١٩مجموعة بحوث فقھیة ، ص : ، وأثر ٢٥٢ ، وفلسفة العقوبة في الشریعة اإلسالمیة والقانون ، ص ٢/٣٠٠المجتمع من الجریمة ،

٢/١٨٣التشریع الجنائي اإلسالمي ، : انظر ) ٤٨ .(٥٦یق الشریعة اإلسالمیة في منع الجریمة ، ص تطب ، وأحكام الجنایة على النفس وما دونھا عند ابن القیم ، ص ٤١٩ ، ومجموعة بحوث فقھیة ، ص ١٨٤ -

١٣٤.