مقتطفات من

الحمويةرب البرية بتخليص فتح للعالمة محمد بن صالح العثيمين

فيما يجب على العبد في : الباب األول دينه

صلي اهلل عليه و سلم هو اتباع ما قاله اهلل وقاله رسوله محمدٌ على العبد في دينه الواجب

. والخلفاءُ الراشدون المهديون من بعده من الصحابة والتابعين لهم بإحسان

أن اهلل بعث محمداً صلي اهلل عليه و سلم بالبينات والهدى، وأوجب على جميع الناس أن وذلك قل يا أيها الناس إني رسول اهلل إليكم جميعاً : ) يؤمنوا به، ويتبعوه ظاهراً وباطناً، فقال تعالى

الذي له ملك السماوات واألرض ال إله إال هو يحيي ويميت فآمنوا باهلل ورسوله النبي األمي (. الذي يؤمن باهلل وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون

عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، : ) النبي صلي اهلل عليه و سلم وقال تمسكوا بها وعَضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثاتِ األمور، فإن كل محدثة بدعة وكلَّ بدعة

(.ضاللة

فيما تضمنته رسالة النبي : الباب الثاني من بيان الحق في أصول الدين وفروعه

، كما قال تتضمن شيئين، هما العلم النافع والعمل الصالحرسالة النبي صلي اهلل عليه و سلم

هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره : ) تعالى (.المشركون

الذي اشتمل على اإلخالص هلل، والمتابعةِ ودين الحق هو العمل الصالح فالهدى هو العلم النافع،

.لرسوله صلي اهلل عليه و سلم وأولُ ما يدخل . والعلم النافع يتضمن كل علم يكون لألمة فيه خير وصالح في معاشها ومعادها

فإن العلم بذلك أنفع العلوم، وهو زُبدة الرسالة . في ذلك العلمُ بأسماء اهلل وصفاته وأفعاله . اإللهية وخالصة الدعوة النبوية، وبه قوام الدين قوالً وعمالً واعتقاداً

فيما تضمنته رسالة النبي : الباب الثاني من بيان الحق في أصول الدين وفروعه

ظاهراً ومن أجل هذا كان من المستحيل أن يهمله النبي صلي اهلل عليه و سلم وال يبينَه بياناً

:وبيان استحالته من وجوه. ينفي الشك ويدفع الشبهة

أن رسالة النبي صلي اهلل عليه و سلم كانت مشتملة على النور والهدى، فإن اهلل بعثه : األولبشيراً ونذيراً، وداعياً إلى اهلل بإذنه وسراجاً منيراً، حتى ترك أمته على المحجة البيضاء

ليلُها كنهارها ال يزيغ عنها إال هالك، وأعظم النور وأبلغه ما يحصل للقلب بمعرفة اهلل .وأسمائه وصفاته وأفعاله، فال بد أن يكون النبي صلي اهلل عليه و سلم قد بينه غايةَ البيان

فيما تضمنته رسالة النبي : الباب الثاني من بيان الحق في أصول الدين وفروعه

أن النبي صلي اهلل عليه و سلم علّم أمته جميع ما تحتاج إليه من أمور الدين والدنيا، : الثاني

: قال أبو ذر صلي اهلل عليه و سلم . حتى آدابَ األكل والشرب والجلوس والمنام وغير ذلك(. لقد توفي رسول اهلل صلي اهلل عليه و سلم وما طائرٌ يقلب جناحيه إال ذكر لنا منه علماً )

وال ريب أن العلم باهلل وأسمائه وصفاته وأفعاله داخلٌ تحت هذه الجملة العامة، بل هو أول ما .يدخل فيها لشدة الحاجة إليه

فيما تضمنته رسالة النبي : الباب الثاني من بيان الحق في أصول الدين وفروعه

أن اإليمان باهلل تعالى وأسمائه وصفاته وأفعاله هو أساس الدين وخالصة دعوة : الثالث

فكيف يهمله النبي صلي . المرسلين، وهو أوجب وأفضل ما اكتسبته القلوب وأدركته العقول !؟اهلل عليه و سلم من غير تعليم وال بيان، مع أنه كان يعلّم ما هو دونه في األهمية والفضيلة

أن النبي صلي اهلل عليه و سلم كان أعلمَ الناس بربه، وهو أنصحهم للخلق، وأبلغهم في : الرابع

البيان والفصاحة، فال يمكن مع هذا المقتضي التامّ للبيان أن يتركَ باب اإليمان باهلل وأسمائه .وصفاته ملتبِساً مشتبِهاً

فيما تضمنته رسالة النبي : الباب الثاني من بيان الحق في أصول الدين وفروعه

أن الصحابة صلي اهلل عليه و سلم البد أن يكونوا قائلين بالحق في هذا الباب، ألن : الخامس

. ضد ذلك إما السكوت وإما القول بالباطل، وكالهما ممتنع عليهم، فوجهه أن السكوت إما أن يكون عن جهل منهم بما يجب هلل تعالى من أما امتناع السكوت

األسماء والصفات وما يجوز عليه منها وما يمتنع، وإما أن يكون عن علم منهم بذلك ولكن . كتموه، وكل منهما ممتنع

، فألنه ال يمكن ألي قلب فيه حياةٌ ووعيٌ وطلبٌ للعلم ونهمةٌ في العبادة إال أن أما امتناع الجهل يكون أكبرَ همه هو البحث في اإليمان باهلل تعالى ومعرفتِه بأسمائه وصفاته

هم أبلغ الناس في حياة القلوب ومحبة -وأفضلُهم الصحابة -وال ريبَ أن القرون المفضلةَ خير الناس قرني، ثم ) : النبي صلي اهلل عليه و سلم كما قال الخير وتحقيق العلوم النافعة، (. الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم

فيما تضمنته رسالة النبي : الباب الثاني من بيان الحق في أصول الدين وفروعه

على نشر العلم وحِرْصَهم كلَّ عاقل منصفٍ عرف حال الصحابة وأما امتناع كتمان الحق، فألن

النافع وتبليغِه األمةَ، فإنه لن يمكنه أن ينسب إليهم كتمان الحق، وال سيّما في أوجب األمور . وهو معرفة اهلل وأسمائه وصفاته

:وأما امتناع القول بالباطل عليهم فمن وجهين

الناس عن أبعدُ ومن المعلوم أن الصحابةَ . أن الباطلَ ال يمكن أن يقوم عليه دليل صحيح: أحدهما القول فيما لم يقم عليه دليل صحيح، خصوصاً في أمر اإليمان باهلل تعالى وأمور الغيب،

أن القول الباطل إما أن يكون مصدره الجهل بالحق، وإما أن يكون مصدره إرادة ضالل : ثانيهما .الصحابةوكالهما ممتنع في حق . الخلق

في طريقة أهل السنة : الباب الثالث والجماعة في أسماء اهلل وصفاته

أهل السنة والجماعة هم الذين اجتمعوا على األخذ بسنة النبي صلي اهلل عليه و سلم والعملِ بها

.ظاهراً وباطناً في القول والعمل واالعتقاد

:وطريقتهم في أسماء اهلل وصفاته كما يأتي

أوالً في اإلثبات، فهي إثبات ما أثبته اهلل لنفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلي اهلل عليه و .تحريف وال تعطيل، ومن غير تكييف وال تمثيلسلم ، من غير

ثانياً في النفي، فطريقتهم نفي ما نفاه اهلل عن نفسه في كتابه أوعلى لسان رسوله صلي اهلل عليه

.و سلم ، مع اعتقادهم ثبوتَ كمال ضده هلل تعالى

في طريقة أهل السنة : الباب الثالث والجماعة في أسماء اهلل وصفاته

ثالثاً فيما لم يَردْ نفيه وال إثباته مما تنازع الناس فيه كالجسم والـحَيْز والجهة ونحو ذلك،

، وأما معناه التوقفُ في لفظه فال يثبتونه وال ينفونه لعدم ورود ذلكفطريقتهم فيه -ال يمتنع -رَدُّوه، وإن أريد به حق -يُنَزَّه اهلل عنه -فيستفصلون عنه، فإن أريد به باطل

.على اهلل قبلوه

في طريقة أهل السنة : الباب الثالث والجماعة في أسماء اهلل وصفاته

والتغيير اللفظي قد يتغير معه المعنى وقد . االصطالح تغيير النص لفظاً أو معنىفي التحريف

:ال يتغير، فهذه ثالثة أقساموكلم اللـهُ موسى تكليماً : ) لفظي يتغير معه المعنى، كتحريف بعضِهم قولَه تعالىتحريف 1.

.نصب الجاللة ليكون التكليم من موسىإلى (

(. الحمدُ هلل رب العالمين : ) كفتح الدال من قوله تعالىوتحريف لفظي ال يتغير معه المعنى، . 2 .وهذا في الغالب ال يقع إال من جاهل، إذ ليس فيه غرض مقصود لفاعله غالباً

كتحريف معنى اليدين المضافتين . وتحريف معنوي، وهوصرف اللفظ عن ظاهره بال دليل. 3

.إلى اهلل إلى القوة والنعمة ونحو ذلك

في طريقة أهل السنة : الباب الثالث والجماعة في أسماء اهلل وصفاته

إنكار ما يجب هلل تعالى من األسماء والصفات، أو إنكار -هنا -االصطالح التعطيل في

:بعضه، فهو نوعان .كتعطيل الجهمية الذين ينكرون الصفات، وغالتُهم ينكرون األسماء أيضاً. كليتعطيل 1.

. كتعطيل األشعرية الذين ينكرون بعض الصفات دون بعض. وتعطيل جزئي. 2

.وأول من عرف بالتعطيل من هذه األمة هو الجعد بن درهم

في طريقة أهل السنة : الباب الثالث والجماعة في أسماء اهلل وصفاته

.كيفية يد اهلل أو نزوله إلى السماء الدنيا كذا وكذا: حكاية كيفية الصفة، كقول القائلالتكييف

فالتمثيل يقتضي المماثلة، وهي المساواةُ . والتشبيه إثبات مشابه له. إثبات مثيل للشيء التمثيلوقد يطلق أحدهما . والتشبيه يقضي المشابهة وهي المساواة في أكثر الصفات. من كل وجه .على اآلخر

في طريقة أهل السنة : الباب الثالث والجماعة في أسماء اهلل وصفاته

أحدهما في أسماء اهلل، : وهو قسمان. الميل عما يجب اعتقاده أو عملهاالصطالح في اإللحاد

.الثاني في آياته :وهو أربعة أنواع. فأما اإللحاد في أسمائه فهو العدول عن الحق الواجب فيها

.شيئاً منها، أو مما دلت عليه من الصفات، كما فعل المعطلةأن ينكر . 1 .اهلل بخلقه، كما فعل المشبهةتشبيه أن يجعلها دالة على. 2، ألن أسماء اهلل توقيفيةٌ، كتسمية النصارى له أباً يسميَ اهلل بما لم يسمّ به نفسه أن. 3

.وتسمية الفالسفة إياه علةً فاعلة ونحوِ ذلك .أسماءَ لألصنام، كاشتقاق الالت من اإلله والعزى من العزيزيشتق من أسمائه أن . 4

في طريقة أهل السنة : الباب الثالث والجماعة في أسماء اهلل وصفاته

وهي ما جاءت به الرسل من األحكام -وأما اإللحاد في آياته فيكون في اآليات الشرعية

.-وهي ما خلقه اهلل ويخلقه في السموات واألرض -ويكون في اآليات الكوني -واألخبار .فأما اإللحاد في اآليات الشرعية فهو تحريفها أو تكذيب أخبارها أو عصيان أحكامها

.وأما اإللحاد في اآليات الكونية فهو نسبتها إلى غير اهلل أو اعتقاد شريك أو معين له فيها

في بيان صحة مذهب السلف : الباب الرابع وبطالنِ القول بتفضيل مذهب الخلف في العلم والحكمة

على مذهب السلف

(طريقة السلف أسلم، وطريقة الخلف أعلم وأحكم : ) وقد قال بعض األغبياء :وبيان بطالنه من وجوه

كَوْنَ طريقةِ السلف أسلمَ من لوازم فإنّ . أنه يناقض قولَه إن طريقة السلف أسلم: الوجه األول، إذ ال سالمة إال بالعلم والحكمة، العلمِ بأسباب السالمة، والحكمةِ في كونها أعلمَ وأحكمَ

وهو الزم لهذا الغبي . وبهذا يتبين أن طريقة السلف أسلم وأعلم وأحكم. سلوك تلك األسباب .لزوماً ال محيدَ عنه

أن اعتقادَه أن اهلل ليس له صفةٌ حقيقية دلت عليها هذه النصوصُ اعتقادٌ باطل، : الوجه الثاني

.ألنه مبني على شبهات فاسدة، وألن اهلل تعالى قد ثبتت له صفات الكمال عقالً وفطرة وشرعاً

في بيان صحة مذهب السلف : الباب الرابع وبطالنِ القول بتفضيل مذهب الخلف في العلم والحكمة

على مذهب السلف

مجردُ اإليمان بألفاظ النصوص بغير إثبات معناها أن اعتقاده أن طريقة السلف : الوجه الثالثفإن السلفَ أعلمُ األمة بنصوص الصفات لفظاً ومعنىً، وأبلغُهم في . اعتقاد باطل كذبٌ على السلف

.إثبات معانيها الالئقة باهلل تعالى على حسب مراد اهلل ورسوله

أن السلف هم ورثة األنبياء والمرسلين، فقد تلقوا علومهم من يُنبوع الرسالة : الوجه الرابعأما أولئك الخلفُ فقد تلقَوا ما عندهم من المجوس والمشركين وضالل . اإللهية وحقائق اإليمان

فكيف يكون ورثةُ المجوس والمشركين واليهود واليونان وأفراخهمُ أعلمَ . اليهود واليونان !وأحكمَ في أسماء اهلل وصفاته من ورثة األنبياء والمرسلين؟

في بيان صحة مذهب السلف : الباب الرابع وبطالنِ القول بتفضيل مذهب الخلف في العلم والحكمة

على مذهب السلف

أن هؤالء الخلفَ الذين فضّل هذا الغبي طريقتهم في العلم والحكمة على طريقة : الوجه الخامسالسلف كانوا حيارى مضطربين بسبب إعراضهم عما بعث اهلل به محمداً صلي اهلل عليه و سلم

والهدىمن البينات نهاية إقدام العقول عقال، : ) مبيِّناً ما ينتهي إليه أمرهم -وهو من رؤسائهم -حتى قال الرازي

وأكثر سعي العالمين ضالل، وأرواحنا في وَحشة من جسومنا، وغايةُ دنيانا أذىً ووبالُ، ولم نستفد من لقد تأملت الطرقَ الكالميةَ والمناهجَ الفلسفيةَ فما . بحثنا طولَ عمرنا، سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا

الرحمن ) رأيتها تشفي عليالً وال تروي غليالً، ورأيت أقربَ الطرق طريقةَ القرآن، أقرأ في اإلثبات وال يحيطون به ( ) ليس كمثله شيءٌ ) وأقرأ في النفي ( إليه يصعد الكلم الطيب ( ) على العرش استوى

.انتهى كالمه( ومن جرّب مثلَ تجرِبتي عرف مثل معرفتي(. علماً

في حكاية بعض المتأخرين لمذهب السلف: الباب الخامس

إن مذهب السلف في الصفات إمرار النصوص على ما جاءت به، مع : ) قال بعض المتأخرين

.انتهى( اعتقاد أن ظاهرَها غيرُ مراد .مجمل يحتاج إلى تفصيل( ظاهر ) وهذا القول على إطالقه فيه نظر، فإن لفظ

، فهذا مراد ما يظهر من النصوص من الصفات التي تليق باهلل من غير تشبيهفإن أُريد بالظاهر ومن قال إنه غيرُ مراد فهو ضالّ إن اعتقده في نفسه، وكاذب أو مخطئ إن نسبه إلى . قطعاً

.السلفوإن أريد بالظاهر ما قد يظهر لبعض الناس من أن ظاهرها تشبيهُ اهلل بخلقه، فهذا غير مراد

وليس هو ظاهرَ النصوص، ألن مشابهة اهلل لخلقه أمر مستحيل، وال يمكن أن يكون . قطعاً . ظاهر الكتاب والسنة أمراً مستحيالً

في لَبس الحق بالباطل من بعض المتأخرين: الباب السادس

إنه ال فرق بين مذهب السلف ومذهب المؤولين في نصوص الصفات، : ) قال بعض المتأخرين

فإن الكل اتفقوا على أن اآلياتِ واألحاديثَ ال تدل على صفات اهلل، لكنِ المتأولون رأوُا المصلحة في تأويلها لمسيس الحاجة إليه وعينوا المرادَ، وأما السلف فأمسكوا عن التعيين لجواز أن

.انتهى(. يكون المرادَ غيرُه

كذب صريح على السلف، فما منهم أحد نفى دِاللة النصوص على صفات اهلل التي تليق به، بل هذا ، واإلنكارِ على من نفاها أو شبَّه اهلل بخلقه، كالمهم يدل على تقرير جنس الصفات في الجملة

يدل على إثبات السلف للصفات وأنهم ليسوا على وفاق مع أولئك المتأولين، أن أولئك ومما الصفاتِالـمُتَأَوِّلَةَ كانوا خصوماً للسلف، وكانوا يرمونهم بالتشبيه والتجسيم إلثباتهم

في أقوال السلف المأثورة في الصفات: الباب السابع

. اشتهر عن السلف كلمات عامة وأخرى خاصة في آيات الصفات وأحاديثها

روي هذا عن مكحولٍ والزهريّ (. أمروها كما جاءت بال كيف : ) فمن الكلمات العامة قولهم .ومالكِ بنِ أنسٍ وسفيانَ الثوريّ والليثِ بنِ سعدٍ واألوزاعيّ

. وفي هذه العبارةِ ردٌّ على المعطلة والمشبهةرد على ( بال كيف : ) وفي قولهم. رد على المعطلة( أمروها كما جاءت : ) ففي قولهم

. المشبهة

في أقوال السلف المأثورة في الصفات: الباب السابع

وفيها أيضاً دليل على أن السلف كانوا يثبتون لنصوص الصفات المعانـيَ الصحيحةَ التي تليق

:تدل على ذلك من وجهين. باهللبه من المعاني، وال معناها إبقاء داللتها على ما جاءت ، فإن (أمروها كما جاءت : ) قولهم األول

: ) ولو كانوا ال يعتقدون لها معنىً لقالوا. ريب أنها جاءت إلثبات المعاني الالئقة باهلل تعالى .ونحوِ ذلك( أمروا لفظها وال تتعرضوا لمعناها

، فإنه ظاهر في إثبات حقيقة المعنى، ألنهم لو كانوا ال يعتقدون (بال كيف : ) الثاني قولهم

من لغو فنفي كيفيته ثبوته ما احتاجوا إلى نفي كيفيته، فإن غير الثابت ال وجود له في نفسه، .القول

في علو اهلل تعالى وأدلة العلوّ: الباب الثامن

.علوِّ ذات وعلو صفاتعلو اهلل تعالى من صفاته الذاتية، وينقسم إلى قسمين

فأما علو الصفات فمعناه أنه ما من صفة كمال إال وهلل تعالى أعالها وأكملُها، سواء كانت من .صفات المجد والقهر أم من صفات الجمال والقدْر

وأما علو الذات فمعناه أن اهلل بذاته فوق جميع خلقه، وقد دل على ذلك الكتاب والسنة

.واإلجماع والعقل والفطرة

فأما الكتاب والسنة فإنهما مملوءان بما هو صريح أو ظاهر في إثبات علو اهلل تعالى بذاته فوق . وقد تنوعت داللتهما على ذلك. خلقه

.

في علو اهلل تعالى وأدلة العلوّ: الباب الثامن

وهو : ) فتارة بذكر العلو والفوقية واالستواء على العرش وكونه في السماء، مثلُ قوله تعالى

الرحمن على العرش ( ) يخافون ربهم من فوقهم ( ) سبح اسم ربك األعلى ( ) العلي العظيم : ) وقولِه صلي اهلل عليه و سلم ( ءأمنتم من في السماء أن يخسف بكم األرض ( ) استوى

(.أال تأمنوني وأنا أمين من في السماء ( ) والعرش فوق ذلك، واهلل فوق العرش

( ) إليه يصعد الكلم الطيب : ) وتارة بصعود األشياء وعروجها ورفعها إليه، مثلُ قوله تعالىال ) : وقولِه صلي اهلل عليه و سلم ( بل رفعه اهلل إليه ( ) تعرج المالئكة والروح إليه

يُرفع إليه عملُ الليل قبل ( ) فيعرج الذين باتوا فيكم إلى ربهم ( ) يصعد إلى اهلل إال الطيب (.عمل النهار، وعملُ النهار قبل عمل الليل

في الجهة: الباب التاسع

في هذا أنه ال يصح إطالق الجهة على اهلل تعالى ال نفياً وال إثباتاً، بل البد من والتحقيق

.التفصيلفإن أريد بها جهةَ سُفل، فإنها منتفية عن اهلل وممتنعة عليه، ألن اهلل تعالى قد وجب له العلو

.المطلق بذاته وصفاته وإن أريد بها جهةَ علو تحيط به، فهي منتفية عن اهلل وممتنعة عليه أيضاً، فإن اهلل أعظمُ وأجلُّ

مخلوقاتهمن أن يحيط به شيء من

أريد بها جهةَ علو تليق بعظمته وجالله من غير إحاطة به، فهي حق ثابتة هلل تعالى واجبة وإن . له

في المعية: الباب الحاديَ عشَرَ

.أثبت اهلل لنفسه في كتابه وعلى لسان رسوله صلي اهلل عليه و سلم أنه مع خلقه

إنني معكما ( ) وأن اهلل مع المؤمنين ( ) وهو معكم أينما كنتم : ) فمن أدلة الكتاب قوله تعالى.)

( أفضل اإليمان أن تعلم أن اهلل معك حيثما كنت ) ومن أدلة السنة قوله صلي اهلل عليه و سلم (.ال تحزن إن اهلل معنا : ) وقوله صلي اهلل عليه و سلم لصاحبه أبي بكر وهما في الغار

.وقد أجمع على ذلك سلف األمة وأئمتُهاوالمعية في اللغة مطلق المقارنة والمصاحبة، لكن مقتضاها والزمَها يختلف باختالف اإلضافة

واألحوالِوقرائن السياقِ

في المعية: الباب الحاديَ عشَرَ

.وقد فسر بعض السلف معيةَ اهلل لخلقه بعلمه بهم

الذين قالوا -وغرضهم بذلك الردُّ على حلولية الجهمية . وهذا تفسير للمعية ببعض لوازمها فبين هؤالء السلفُ أنه ال يراد من -إن اهلل بذاته في كل مكان واستدلوا بنصوص المعية

المعية كونُ اهلل معنا بذاته، فإن هذا محالٌ عقالً وشرعاً، ألنه ينافي ما وجب من علوه، ويقتضي .أن تحيط به مخلوقاتُه، وهو أمر محال

في المعية: الباب الحاديَ عشَرَ

.معية اهلل لخلقه إلى قسمينِ عامةٍ وخاصةٍتنقسم هي التي تقتضي اإلحاطةَ بجميع الخلق من مؤمن وكافر وبَرّ وفاجر، في العلم والقدرة فالعامة

وهذه المعية توجب لمن آمن بها كمالَ . والتدبير والسلطان وغير ذلك من معاني الربوبيةأفضل اإليمان أنْ تعلمَ أنّ اهلل معك : ) ولهذا قال النبي صلي اهلل عليه و سلم ، المراقبة هلل

(.حيثما كنت ما يكون من نجوى ثالثة إال هو ( ) وهو معكم أين ما كنتم : ) ومن أمثلةِ هذا القسمِ قولُه تعالى

(.رابعهم وال خمسة إال هو سادسهم وال أدنى من ذلك وال أكثرَ إال هو معهم أينما كانوا فهي التي تقتضي النصرَ والتأييدَ لمن أضيفت له، وهي مختصة بمن يستحق ذلك من وأما الخاصة

.وهذه المعية توجب لمن آمن بها كمالَ الثبات والقوة. الرسل وأتباعِهمإن اهلل مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ( ) وأن اهلل مع المؤمنين : ) ومن أمثلتها قوله تعالى

ال تحزن إن اهلل معنا : ) وقولُه عن نبيه صلي اهلل عليه و سلم ( إنني معكما أسمع وأرى ( ) .)

في المعية: الباب الحاديَ عشَرَ

هل المعية من صفات اهلل الذاتيةِ أو من صفاته الفعليةِ؟: فإن قيل

وأما . المعية العامةَ من الصفات الذاتية، ألن مقتضياتِها ثابتة هلل تعالى أزالً وأبداً فالجواب أن، ألن مقتضياتِها تابعة ألسبابها توجد بوجودها وتنتفي المعيةُ الخاصة فهي من الصفات الفعليةِ

بانتفائها

في الجمع بين نصوص علو اهلل بذاته : الباب الثاني عشَرَ ومعيته

:الجمع بينهما من وجوه: يمكن الجمع بين ما ثبت من علو اهلل بذاته وكونِه قِبَلَ المصلي، فيقال

.أن النصوص جمعت بينهما، والنصوص ال تأتي بالمحال: األولأنه ال منافاة بين معنى العلو والمقابلة، فقد يكون الشيء عالياً وهو مقابل، ألن المقابلة ال : الثاني

( إنها قِبَلَ وجهي : ) أال ترى أن الرجل ينظر إلى الشمس حال بزوغها فيقول. تستلزم المحاذاةمع أنها في السماء، وال يعد ذلك تناقضاً في اللفظ وال في المعنى، فإذا جاز هذا في حق المخلوق

.ففي حق الخالق أولىأنه لو فُرض أن بين معنى العلو والمقابلة تناقضاً وتعارضاً في حق المخلوق، فإن ذلك ال : الثالث

ألن اهلل تعالى ليس كمثله شيء في جميع صفاته، فال يقتضي كونه قِبَلَ . يلزم في حق الخالقوجه المصلي أن يكون في المكانِ أو الحائطِ الذي يصلي إليه، لوجوب علوه بذاته، وألنه ال

.يحيط به شيء من المخلوقات بل هو بكل شيء محيط

في نزول اهلل إلى السماء الدنيا: الباب الثالثَ عشَرَ

ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقي ثلث : ) قال أن النبي في الصحيحين عن أبي هريرة

(. من يدعوني فأستجيبَ له من يسألُني فأعطيَه من يستغفرُنى فأغفرَ له : الليل اآلخِر، فيقولواتفق أهل السنة . نحوُ ثمانٍ وعشرينَ نفساً من الصحابة وقد روى هذا الحديثَ عن النبي

.على تَلَقِّي ذلك بالقَبولونزوله تعالى إلى السماء الدنيا من صفاتِه الفعليةِ التي تتعلق بمشيئته وحكمته، وهو نزول

.حقيقي يليق بجالله وعظمته

في نزول اهلل إلى السماء الدنيا: الباب الثالثَ عشَرَ

:وال يصح تحريف معناه إلى نزول أمره أو رحمته أو مَلَك من مالئكته، فإن هذا باطل لوجوه

أنه خالف ظاهر الحديث، ألن النبي صلي اهلل عليه و سلم أضاف النزولَ إلى اهلل، : األولواألصل أن الشيء إنما يضاف إلى من وقع منه أو قام به، فإذا صرف إلى غيره كان ذلك تحريفاً

.يخالف األصل .أن تفسيره بذلك يقتضي أن يكون في الكالم شيءٌ محذوفٌ، واألصل عدم الحذف: الثانيأن نزول أمره أو رحمته ال يختص بهذا الجزء من الليل، بل أمره ورحمته ينزالن كلَّ : الثالث .وقت

من يدعوني فأستجيبَ له، من يسألُني فأعطيَه، : ) أن الحديث دلَّ على أن الذي ينزل يقول: الرابع .وال يمكن أن يقول ذلك أحدٌ سوى اللـهِ تعالى( من يستغفرُني فأغفرَ له

في إثبات الوجه هلل تعالى: الباب الرابعَ عشَرَ

وقد دلّ . مذهب أهل السنة والجماعة أن هلل وجهاً حقيقياً يليق به، موصوفاً بالجالل واإلكرام

.على ثبوته هلل الكتابُ والسنةُومن أدلة السنة قول (. ويبقى وجه ربك ذو الجالل واإلكرام : ) فمن أدلة الكتاب قوله تعالى

وأسألك لذةَ النظر إلى وجهك والشوقَ إلى : ) النبي صلي اهلل عليه و سلم في الدعاء المأثور (.لقائك

وال يصح تحريف . فوجه اهلل تعالى من صفاته الذاتيةِ الثابتةِ له حقيقةً على الوجه الالئق به :، منهامعناه إلى الثواب لوجوه

أنه خالف ظاهر النص، وما كان مخالفاً لظاهر النص فإنه يحتاج إلى دليل، وال دليل على : أوالً .ذلك

في إثبات الوجه هلل تعالى: الباب الرابعَ عشَرَ

أن هذا الوجهَ ورد في النصوص مضافاً إلى اهلل تعالى، والمضاف إلى اهلل إما أن يكون : ثانياً

شيئاً قائماً بنفسه وإما أن يكون غيرَ قائم بنفسه، وإنما أضيف إليه -كبيت اهلل وناقة اهلل -كان قائماً بنفسه فهو مخلوق وليس من صفاته فإن

إما للتشريف وإما من باب إضافة المملوك والمخلوق إلى مالكه وخالقه،

كان غيرَ قائم بنفسه فهو من صفات اهلل وليس بمخلوق، كعلم اهلل وقدرته وعزته وإن والوجه بال ريبٍ من هذا النوع، فإضافته إلى اهلل من باب . وكالمه ويده وعينه ونحِو ذلك

.إضافة الصفة إلى الموصوفأن الثوابَ مخلوق بائن عن اهلل تعالى، والوجهَ صفةٌ من صفات اهلل غيرُ مخلوق وال بائنٍ، : ثالثاً

!فكيف يفسر هذا بهذا؟

في يدَيِ اهلل : الباب الخامسَ عشَرَ

وهما من صفاته . مذهب أهل السنة والجماعة أن هلل تعالى يدين اثنتين مبسوطتين بالعطاء والنِعَم

.وقد دل على ثبوتهما الكتاب والسنة. الذاتيةِ الثابتةِ له حقيقةً على الوجه الالئقِ به

ومن أدلة السنة قوله صلي (. ما منعك أن تسجد لما خلقتُ بيديَّ : ) فمن أدلة الكتاب قوله تعالىأرأيتم ما أنفق منذ خلق . يد اهلل مَألَى ال تَغيضها نفقةٌ، سَحَّاءُ الليلَ والنهارَ: ) اهلل عليه و سلم

(.السمواتِ واألرضَ؟ فإنه لم يَغِض ما في يمينه

في يدَيِ اهلل : الباب الخامسَ عشَرَ

وال يصح تحريف . وقد أجمع أهل السنة على أنهما يدان حقيقيتان ال تماثالن أيدي المخلوقين

:معناهما إلى القوة أو النعمة أو نحوِ ذلك لوجوه، منها

.أنه صَرْف للكالم عن حقيقته إلى مجازه بال دليل: أوالً

لِما : ) أنه معنىً تأباه اللغة في مثل السياق الذي جاءت به مضافةً إلى اهلل تعالى، فإن اهلل قال: ثانياً .، وال يصح أن يكون المعنى لما خلقت بنعمتَيَّ أو قوتَيَّ(خلقت بيديّ

أنه ورد إضافة اليد إلى اهلل صلي اهلل عليه و سلم بصيغة التثنية، ولم يَرِد في الكتاب : ثالثاً

. إضافةُ النعمة والقوة إلى اهلل بصيغة التثنية -وال في موضع واحد -والسنة

في يدَيِ اهلل : الباب الخامسَ عشَرَ

وهذا . أنه لو كان المرادُ بهما القوةَ، لصحَّ أن يقال إن اهلل خلق إبليسَ بيده، ونحوُ ذلك: رابعاً

ما منعك أن تسجد لما خلقتُ : ) ولو كان جائزاً الحتج به إبليسُ على ربه حين قال له. ممتنع (.بيديَّ

أن اليدَ التي أضافها اهلل إلى نفسه وردت على وجوهٍ تمنع أن يكون المرادُ بها النعمةَ أو : خامساً

القوةَ، فجاءت بلفظ اليدِ والكفّ، وجاء إثبات األصابعِ هلل تعالى، والقبضِ والهزِّ كقوله صلي اهلل أنا الملك : يقبض اهلل سمواتِه بيده واألرضَ باليد األخرى، ثم يهزهن ويقول: ) عليه و سلم

.وهذه الوجوه تمنع أن يكون المرادُ بهما النعمةَ أو القوةَ(.

في عينَيِ اهلل تعالى: الباب السادسَ عشَرَ

. مذهب أهل السنة والجماعة أن هلل عينين اثنتين، ينظر بهما حقيقةً، على الوجه الالئق به

.وهما من الصفات الذاتية الثابتة بالكتاب والسنةومن أدلة السنة قول النبي صلي اهلل عليه و (. تجري بأعيننا : ) فمن أدلة الكتاب قوله تعالى

حجابه النور لو كشفه ( ) ينظر إليكم أَزِلِين قَنِطِين ( ) وإن ربكم ليس بأعورَ : ) سلم (.ألحرقت سُبُحاتُ وجهه ما انتهى إليه بصرُه من خلقه

وال يصح تحريف معناهما إلى العلم والرؤية . فهما عينان حقيقيتان ال تماثالن أَعْيُنَ المخلوقين :لوجوه، منها

.أنه صرف للكالم عن حقيقته إلى مجازه بال دليل : أوالً( ) ينظر إليكم : ) أن في النصوص ما يمنع ذلك مثلُ قوله صلي اهلل عليه و سلم : ثانياً

(.وإن ربكم ليس بأعور ( ) ألحرقت سُبُحاتُ وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه

في الوجوه التي وردت عليها صفتا : الباب السابعَ عشَرَ اليدين والعينين

وردت صفتا اليدين والعينين في النصوص مضافةً إلى اهلل تعالى على ثالثة أوجهٍ اإلفرادِ

.والتثنيةِ والجمعِ

(.ولتصنع على عيني ( ) تبارك الذي بيده الملك : ) فمن أمثلة اإلفراد قوله تعالىتجري بأعيننا ( ) أولم يرَوْا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاماً : ) ومن أمثلة الجمع قوله تعالى

.)

في الوجوه التي وردت عليها صفتا : الباب السابعَ عشَرَ اليدين والعينين

إذا : ) وقول النبي صلي اهلل عليه و سلم ( بل يداه مبسوطتان : ) ومن أمثلة التثنية قوله تعالى

هي الوجوه التي وردت عليها صفتا اليدين هذه ( قام العبد في الصالة، قام بين عيني الرحمن .والعينين

:والجمع بين هذه الوجوه أن يقالإن اإلفراد ال ينافي التثنيةَ وال الجمعَ، ألن المفرد المضافَ يَعُمُّ فيتناول كلَّ ما ثبت هلل من يد أو

.عين واحدةً كانت أو أكثرَ

فإن قلنا أقلُّ الجمع اثنان، فال منافاةَ أصالً : وأما الجمع بين ما جاء بلفظ التثنية وبلفظ الجمع بين صيغتي التثنية والجمع التحاد مدلوليهما

في كالم اهلل : الباب الثامنَ عشَرَ

اتفق أهل السنة والجماعة على أن اهلل يتكلم، وأن كالمَه صفة حقيقية ثابتةٌ له على الوجه

فكالمه صفةُ ذاتٍ باعتبار . وهو سبحانه يتكلم بحرف وصوت، كيف شاء متى شاء. الالئق به . جنسه، وصفةُ فعلٍ باعتبار آحاده

.وقد دل على هذا القول الكتاب والسنةإذ قال اهلل يا : ) وقولُه( ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه : ) فمن أدلة الكتاب قوله تعالى

وناديناه من جانب الطور األيمنِ وقربناه نجيّاً : ) وقولُه( عيسى إني متوفيك ورافعك إليّ .)

في كالم اهلل : الباب الثامنَ عشَرَ

مذهب أهل السنة والجماعة أن القرآن كالم اهلل منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، تكلم

.به حقيقةً وألقاه إلى جبريل فنزل به على قلب محمد صلي اهلل عليه و سلم .وقد دل على هذا القول الكتاب والسنة

وإنْ أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كالم اهلل : ) فمن أدلة الكتاب قوله تعالىعلى قلبك لتكون من . نزل به الروح األمين( ) كتاب أنزلناه إليك : ) يعني القرآنَ، وقولُه(

(.بلسان عربي مبين . المنذرين

في ظهور مقالة التعطيل واستمدادها: الباب التاسعَ عشَرَ

إن اهلل لم يتخذ إبراهيم خليالً، ولم يكلم : ) وأولُ من تكلم بالتعطيل الـجَعْدُ بنُ دِرْهَمٍ، فقال

، فقتله خالدُ بنُ عبد اهلل القَسْرِيُّ الذي كان والياً على العراق لهشامِ بنِ عبد (موسى تكليماً . الملكأيها الناس ضحوا تقبل اهلل ضحاياكم، : ) به إلى مُصَلى العيد بوِثاقه ثم خطب الناس وقالخرج

( فإني مضحٍ بالجعد بن درهم، إنه زعم أن اهلل لم يتخذ إبراهيم خليالً ولم يكلم موسى تكليماً .هـ 119ثم نزل وذبحه، وذلك في عيد األضحى سنة

في ظهور مقالة التعطيل واستمدادها: الباب التاسعَ عشَرَ

وهو الذي يُنسب إليه مذهبُ الجهمية . مثم أخذها عن الجعدِ رجلٌ يُقال له الجهمُ بنُ صَفْوانَ

المعطلةِ ألنه نشره، فقتله سلَمُ بنُ أَحْوَزَ صاحبُ شرطة نصرِ بنِ سَيَّارٍ، وذلك في خراسانَ .هـ 128سنةَ

.وفي حدود الـمِائَةِ الثانيةِ عُرِّبت الكتب اليونانيةُ والرومانيةُ، فازداد األمر بالء وشدة

في طريقة النفاة فيما يجب إثباته أو نفيه : الباب العشرون من صفات اهلل

، وأن ينفُوا عنه ما اقتضت اتفق النفاة على أن يثبتوا هلل من الصفات ما اقتضت عقولُهم إثباتَه

فطريق إثبات الصفات هلل أو نفيها عنه . عقولُهم نفيَه، سواءٌ وافق الكتاب والسنة أم خالفهماثم اختلفوا فيما ال يقتضي العقلُ إثباتَه أو نفيَه، فأكثرهم نفَوْه وخَرَّجوا ما . عندَهم هو العقل

جاء منه على المجاز، وبعضهم توقف فيه وفوّض علمَه إلى اهلل مع نفيِ داللتِه على شيء من .الصفات

. ولكنهم كذبوا في ذلك. وهم يزعمون أنهم وَفَّقُوا بهذه الطريقةِ بين األدلةِ العقليةِ والنقليةِوكل ما جاء في الكتاب والسنة من . ألن األدلة العقليةَ والنقليةَ متفقةٌ على إثبات صفاتِ الكمال هلل

.صفات اهلل فإنه ال يخالف العقل، وإن كان العقل يعجز عن إدراك التفصيل في ذلك

في أن كل واحد من فريقَي : الباب الحادي والعشرون التعطيل والتمثيل قد جمع بين التعطيل والتمثيله

.من نفى شيئاً من أسماء اهلل أو صفاته، كالجهمية والمعتزلة واألشعرية ونحوِهم: المعطل

.من أثبت الصفاتِ هلل مُمَثِّالً له بخلقه، كمتقدِّمي الرافضة ونحوهم: والممثل .وحقيقة األمر أن كلَّ معطلٍ ممثلٌ، وكلَّ ممثلٍ معطلٌ

وأما تمثيله فوجهه أنه إنما عطل ألنه اعتقد أن إثباتَ الصفات . أما المعطل فتعطيله ظاهر

.يستلزم التشبيه، فأخذ ينفي الصفاتِ فراراً من ذلك، فمثل أوالً وعطل ثانياً

في أن كل واحد من فريقَي : الباب الحادي والعشرون التعطيل والتمثيل قد جمع بين التعطيل والتمثيله

:وأما تعطيله فمن وجوه ثالثة. وأما الممثل فتمثيله ظاهر

، فإن أنه عطل نفسَ النص الذي أثبت به الصفةَ حيثُ صرفه عن مقتضى ما يدلّ عليه: أحدها .النصَّ دالٌّ على إثبات صفة تليق باهلل، ال على مشابهة اهلل لخلقه

: ) ، مثلَ قوله تعالىفقد عطل كل نصٍّ يدل على نفي مشابهته لخلقهأنه إذا مثَّل اهلل بخلقه : الثاني

(.ولم يكن له كفُواً أحدٌ ( ) ليس كمثله شيء

، حيثُ شبه الرب الكاملَ من جميع عطله عن كماله الواجبِ أنه إذا مثَّل اهلل بخلقه فقد: الثالث .الوجوه بالمخلوق الناقص

في تحذير السلف عن علم : الباب الثاني والعشرون الكالم

الكالم هو ما أحدثه المتكلمون في أصول الدين من إثبات العقائد بالطرق التي ابتكروها، علم

.وأعرضوا بها عما جاء في الكتاب والسنة به

وقد تنوعت عبارات السلف في التحذير عن الكالم وأهلِه لما يُفْضِي إليه من الشُبُهات حُكمي في : ) وقال الشافعي(. ال يفلح صاحب كالم أبداً : ) حتى قال اإلمام أحمدُ. والشكوك

هذا جزاء من : أهل الكالم أن يُضربوا بالجريد والنعال، ويطافَ بهم في العشائر والقبائل ويقالَ (.ترك الكتاب والسنة وأقبل على علم الكالم

في أقسام المنحرفين عن : الباب الثالث والعشرون االستقامة في باب اإليمان باهلل واليوم اآلخر

طريقة النبي صلي اهلل عليه و سلم وأصحابِه والتابعين لهم بإحسان على الصراط المستقيم

فقد حققوا اإليمان باهلل واليوم اآلخر، -يعرف ذلك من تتبعها بعلم وعدل -علماً وعمالً وأقروا بأن ذلك حق على حقيقته، وهم في عملهم مخلصون هلل متبعون لشرعه، فال شركَ

.وال ابتداعَ، وال تحريفَ وال تكذيبَ

.أهل التخييل وأهل التأويل وأهل التجهيل: وأما المنحرفون عن طريقهم فهم ثالث طوائفوحقيقة . فأما أهل التخييل فهم الفالسفة والباطنية ومن سلك سبيلهم من المتكلمين وغيرهم

مذهبهم أن ما جاءت به األنبياء مما يتعلق باإليمان باهلل واليوم اآلخر أمثالٌ وتخييالتٌ ال حقيقةَ .لها في الواقع، وإنما المقصود بها انتفاع العامة وجمهورِ الناس

في أقسام المنحرفين عن : الباب الثالث والعشرون االستقامة في باب اإليمان باهلل واليوم اآلخر

. أما في األعمال فمنهم من يجعلها حقائقَ يُؤمر بها كل أحد

من يجعلها تخيِيالتٍ ورموزاً يؤمر بها العامةُ دون الخاصة، فيؤولون الصالةَ بمعرفة ومنهم أسرارهم، والصيامَ بكتمانها، والحجَّ بالسفر إلى شيوخهم، ونحوَ ذلك، وهؤالء هم المالحدة

.ونحوِهماإلسماعيلية والباطنية من

في أقسام المنحرفين عن : الباب الثالث والعشرون االستقامة في باب اإليمان باهلل واليوم اآلخر

.وأما أهل التأويل فهم المتكلمون من الجهمية والمعتزلة وأتباعِهم

وحقيقة مذهبهم أن ما جاء به النبي صلي اهلل عليه و سلم من نصوص الصفات لم يُقصد به ظاهرُه،

المقصود به معانٍ تخالفه يعلمها النبي صلي اهلل عليه و سلم ، لكنه تركها للناس وإنما يستنتجونها بعقولهم ثم يحاولون صرف ظواهر النصوص إليها، وغرضه بذلك امتحان عقولهم

وكثرة الثواب بما يعانونه من محاولة صرف الكالم عن ظاهره وتنزيله على شواذ اللغة . وغرائب الكالم

في أقسام المنحرفين عن : الباب الثالث والعشرون االستقامة في باب اإليمان باهلل واليوم اآلخر

ثالثةمعانـيَ التأويل وهذا اصطالح جمهور المفسرين، ومنه قوله . ، وهو إيضاح المعنى وبيانهأحدها التفسير

وهذا معلوم عند (. اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل : ) صلي اهلل عليه و سلم البن عباس .العلماء في آيات الصفات وغيرها

الحقيقة التي يؤول الشيء إليها، وهذا هو المعروف من معنى التأويل في الكتاب والسنة، الثاني

فتأويل آيات الصفات (. ذلك خير وأحسن تأويالً ( ) هل ينظرون إال تأويله : ) كما قال تعالى .بهذا المعنى هو الكُنْهُ والحقيقة التي هي عليها، وهذا ال يعلمه إال اهلل

في أقسام المنحرفين عن : الباب الثالث والعشرون االستقامة في باب اإليمان باهلل واليوم اآلخر

صرف اللفظ عن ظاهره إلى المعنى الذي يخالف الظاهر، وهو اصطالح المتأخرين من الثالث .وهذا نوعانِ صحيحٌ وفاسدٌ. المتكلمين وغيرهم

فإذا قرأت القرآن فاستعذ باهلل من : ) مثلُ تأويل قوله تعالى. ما دل الدليل عليه فالصحيح

.إلى أن المعنى إذا أردت أن تقرأ( الشيطان الرجيم ما ال دليل عليه، كتأويل استواء اهلل على عرشه باستيالئه، ويده بقوته ونعمته، ونحوِ والفاسد

.ذلك

في انقسام أهل القبلة في آيات : الباب الرابع والعشرون الصفات وأحاديثها

. المراد بأهل القبلة من يصلي إلى القبلة، وهم كل من ينتسب إلى اإلسالم

طائفتان قالوا تُجرى على : وقد انقسم أهل القبلة في آيات الصفات وأحاديثها إلى ستِّ طوائفَ .ظاهرها، وطائفتان قالوا تُجرى على خالف ظاهرها، وطائفتان واقفتان

:فالطائفتان الذين قالوا تُجرى على ظاهرها همطائفة المشبهة الذين جعلوها من جنس صفات المخلوقين ، ومذهبهم باطل أنكره عليهم : أوالً

.السلفومذهبهم هو الصواب . طائفة السلف الذين أجرَوْها على ظاهرها الالئقِ باهلل تعالى: ثانياً

المقطوعُ به، لداللة الكتاب والسنة والعقل عليه داللةً ظاهرةً، إما قطعية وإما ظنية، كما تقدم .دليل وجوبها وصحتها في البابين الثالث والرابع

.والفرق بين هاتين الطائفتين أن األولى تقول بالتشبيه والثانية تنكره

في انقسام أهل القبلة في آيات : الباب الرابع والعشرون الصفات وأحاديثها

تُجرى على خالف ظاهرها، وأنكروا أن يكون هلل صفاتٌ ثبوتيةٌ، أو : وأما الطائفتان الذِين قالوا

:فهم. أنكروا بعض الصفات، أو أثبتوا األحوال دونَ الصفات وغيرِهم الذين أوّلوا نصوص الصفات إلى معانٍ عيّنوها، التأويل من الجهمية أهل : أوالً

.ونحوِ ذلككتأويلهم اليدَ بالنعمة واالستواءَ باالستيالء

اهلل أعلم بما أراد بنصوص الصفات، لكننا نعلم أنه لم : الذين قالواالتجهيل المفوضة أهل : ثانياًنعلم أنه لم يُرِد إثبات : ) وهذا القول متناقض، فإن قولَهم. يُرِد إثباتَ صفةٍ خارجية له تعالى

يناقض التفويض، ألن حقيقة التفويض أن ال يحكم المفوض بنفي وال إثبات، ( صفة خارجية له .وهذا ظاهر

في انقسام أهل القبلة في آيات : الباب الرابع والعشرون الصفات وأحاديثها

والفرق بين هاتين الطائفتين أن األولى أثبتوا لنصوص الصفات معنىً لكنه خالف ظاهرها، وأما

الثانية فيفوضون ذلك إلى اهلل من غير إثبات معنى مع قولهم إنه ال يُراد من تلك النصوص .هللإثبات صفة

:وأما الطائفتان الذِين توقفوا فهم

طائفة جوّزوا أن يكون المرادَ بنصوص الصفات إثباتُ صفة تليق باهلل وأن ال يكون : أوالً .المرادَ ذلك، وهؤالء كثير من الفقهاء وغيرهم

.طائفة أعرضوا بقلوبهم وألسنتهم عن هذا كله، ولم يزيدوا على قراءة القرآن والحديث: ثانياًأن األولى تحكم بتَجْوِيز األمرين اإلثباتِ وعدمِه، وأما : والفرق بين هذه الطائفة والتي قبلها

.الثانيةَ فال تحكم بشيء أبداً، واهلل أعلم

في ألقاب السوء التي وضعها : الباب الخامس والعشرون المبتدعة على أهل السنة

زعماً منهم أن إثبات الصفات ( مُشَبِّهَةً ) فالجهمية ومن تبعهم من المعطلة سَمَّوْا أهل السنة

.يستلزم التشبيهَألنهم يوالون أبا بكر وعمرَ كما كانوا يوالون آل ( نواصباً ) والروافض سَمَّوْا أهل السنة

النبي صلي اهلل عليه و سلم .ألن إثبات القدر جَبْرٌ عند هؤالء النُّفاة( مُجْبِرَةٌ ) النُّفاةُ قالوا أهل السنة والقدرية

ألن اإليمان عندهم ( شُكّاكاً ) والمرجئة المانعون من االستثناء في اإليمان يسمون أهل السنة .هو إقرار القلب، واالستثناء شك فيه عند هؤالء المرجئة

. من الـحَشْوِ وهو ما ال خير فيه( حَشَوِيَّةً ) وأهل الكالم والمنطق يسمون أهل السنة ( غثاءً ) ويسمونهم . وهي بذور الزرع التي تنبت معه وال خير فيها( نَوابِتاً ) ويسمونهم

األوساخوهو ما تحمله األودية من

في اإلسالم واإليمان: الباب السادس والعشرون

لغةً االنقياد، وشرعاً استسالم العبد هلل ظاهراً وباطناً بفعل أوامره واجتناب نواهيه، اإلسالم

.فيشمل الدين كلَّهوقال ( إن الدين عند اهلل اإلسالم : ) وقال تعالى( ورضِيت لكم اإلسالم ديناً : ) قال اهلل تعالى

(.ومن يبتغ غير اإلسالم ديناً فلن يقبل منه : ) تعالى

وفي الشرع إقرار القلب (. وما أنت بمؤمن لنا : ) فهو لغةً التصديق، قال اهلل تعالىاإليمان وأما اعتقاد القلب، وقول اللسان، وعمل القلب : فهو اعتقاد وقول وعمل. المستلزِم للقول والعمل

.والجوارح

في اإلسالم واإليمان: الباب السادس والعشرون

. من أصول أهل السنة والجماعة أن اإليمان يزيد وينقص

(. ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم : ) فمن أدلة الكتاب قوله تعالى. وقد دل على ذلك الكتاب والسنةما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهبَ : ) ومن أدلة السنة قوله صلي اهلل عليه و سلم في النساء

ففي اآلية إثبات زيادة اإليمان، وفي الحديث إثبات نقص (. للب الرجل الحازم من إحداكن .الدين

:وخالف في هذا األصل طائفتانوزعموا أن إقرار القلب ال . المرجئة الخالصة الذين يقولون إن اإليمانَ إقرار القلب: إحداهما

.يتفاوت، فالفاسق والعدل عندهم سواء في اإليمانوقالوا إن . الوعيدية من المعتزلة والخوارج الذين أخرجوا أهل الكبائر من اإليمان: الثانية

.اإليمان إما أن يوجد كلُّه وإما أن يُعدَم كلُّه، ومنعوا من تفاضله

في اإلسالم واإليمان: الباب السادس والعشرون

:ولزيادة اإليمان أسباب منها

فإن العبد كلما ازداد معرفة بها وبمقتضياتها وآثارها، ازداد إيماناً . معرفة أسماء اهلل وصفاته. .بربه وحباً له وتعظيماً

فإن العبد كلما نظر فيها وتأمّل ما اشتملت عليه من . لنظر في آيات اهلل الكونية والشرعيةا. 2 .القدرة الباهرة والحكمة البالغة، ازداد إيمانُه ويقينُه بال ريب

. فإن اإليمان يزداد به بحسب حُسْن العمل وجنسه وكثرته .فعل الطاعة. 3وكلما قَوِيَ الداعي إلى فعل المعصية كان زيادةُ اإليمان . اهللترك المعصية خوفاً من . 4

ألن تركها مع قوة الداعي إليها دليل على قوة إيمان العبد وتقديمه ما يحبه اهلل . بتركها أعظمَ .ورسوله على ما تهواه نفسُه

في اإلسالم واإليمان: الباب السادس والعشرون

:وأما نقص اإليمان فله أسباب

.الجهل باهلل تعالى وأسمائه وصفاته. 1فإن ذلك يوجب . الغفلة واإلعراض عن النظر في آيات اهلل وأحكامه الكونية والشرعية. 2

.مرضَ القلب أو موتَه باستيالء الشهوات والشُّبُهات عليهفعل المعصية فيَنقص اإليمان بحسب جنسها وقَدْرها والتهاونِ بها وقوةِ الداعي إليها أو . 3

.ضعفِهالتهاونُ بها، فإن وأما .بالصغائرفأما جنسُها وقدرها، فإن نقصَ اإليمان بالكبائر أعظمُ من نقصه

المعصية إذا صدرت من قلب متهاون بمن عصاه ضعيفِ الخوف منه كان نقصُ اإليمان بها أعظمَ .من نقصه إذا صدرت من قلب معظم هلل تعالى شديدِ الخوف منه لكنْ فَرَطَتْ منه المعصيةُ