أنهار الجنة

164

Upload: abdul-ghani-mahfouz

Post on 16-Apr-2017

839 views

Category:

Art & Photos


11 download

TRANSCRIPT

Page 1: أنهار الجنة
Page 2: أنهار الجنة

- 1 -

Page 3: أنهار الجنة

- 2 -

أنھار الجنة عبدالغني محفوظ

[email protected]

2013ديسمبر

نسخة الكترونية

للمؤلف محفوظةكافة الحقوق

Page 4: أنهار الجنة

- 3 -

.غير مقصودأي تشابه في ا�ماكن او الشخصيات أو ا�حداث مع أخرى في الواقع ھو صدفة بحتة و

Page 5: أنهار الجنة

- 4 -

أنھار الجنة

Page 6: أنهار الجنة

- 5 -

Page 7: أنهار الجنة

- 6 -

مثل ، كل مرة يتكرر ولكن بتفاصيل مختلفة،نفس الكابوس الذي داھمه مرارامع كل مرة نفس الكابوس، .حولهمن ا?شياء صوراخت;ف الساعات و

يتذكرھا في ايامه ھي، كما كانت أخرى نأحيافي . اخت;ف زھيد في التفاصيلتشير وآخرين او غير عابئة، تقف مع تبرز واجمة او حزينةاJخيرة معھا،

ولكن . وھي تتفوه بكلمات غير مفھومة وغير مسموعة في غضبإليهتأتي شخصيات وتختفي .. تتجدد وتتحوروا?ح;م ا?يامالكوابيس مثل

والفزع عندما يرى نفسه الخوف والرعب ما بينا?شياء ألوانتتبدل ..أخرى السحيقةا?عماقمياه في مكان مرتفع الى من نظر يتدلى من ارتفاع شاھق او ي

. وة تجذبه الى الھبوط رغما عنهوق

حرام : " كتفه كان يتصبب عرقا وھو يقولفي هت زوجعندما دفعته همحم;الھلع يرتسم على وحبات العرق تكسو وجھه ".حرام عليكم..عليكمكان جالسا في غرفة زجاجية صغيرة أشبه بغرفته . ن الجو لم يكن حارارغم أ

، ويسحبونه من ذراعيه وقدميه في المكتب وإذ بھم ينتزعونه منھا، بقوة وعنفيحاولون دفعه وھو يتشبث م مبنى شاھق ث، ويصعدون به إلىا?رضعلى

يسترحم صوته أعلىبأحد ا?طباق التي تلتقط ا?قمار الصناعية، ويصيح بالمارة في الشارع يضحكون ويشيرون قاتليه من آن kخر، بينما وقف بعض

يلتقط صورة له في لحظاته ل ووجه البعض منھم ھاتفه المحمول ،إليه ساخرين .ا?خيرة الفاصلة بين عالمين

.؟مالك يا منيب -

.نفس الكابوس -

.ألم تذھب الى الطبيب؟ -

.أشاح بيده في JمباJة

. لھا حلھذه الحالة يجب ان يكون..ان تذھب لطبيبعليك -

Page 8: أنهار الجنة

- 7 -

. ولكن تفاصيل الكابوس لم تترك مخيلته. أعطى زوجته ظھره وأغمض عينيهھناك حتى حسام وقف جانبا كانوا أعدائهكل . الواقفينراح يستدعي وجوه

سمع انه بعد . ولكن ما الذي أعاده بعد كل ھذه السنوات. يبتسم ب; مباJة تنشر ، وأسس دارا كبرى للنشرانجاحھاجر إلى الغرب وأصاب ا افتراقھم

ولكن ھل كان مھند . للكتاب العرب في الغرب وتترجم للغرب في ب;د العرب لھا نفس وجوه الشامتة الھازئة الساخرةولكن كل ال...انه J يتذكر وجھه. ھناك؟

وي من فرط الشكل ونفس العيون المنحرفة وا?فواه المسحوبة والشفاه التي تلتالسخرية، وكلھا كانت ھناك تقف في صف واحد تصفق وتضحك لما يحدث له

نفس اللون كلھا. ألوانھالم يتبين م;بسھم وJ. كأنھا تشاھد مباراة لكرة القدممع بينھم الذي يجاkخرالشيء . لم يكن ھناك اخت;ف..ونفس طريقة التطريز

نھم صور متكررة من كأالسخرية درجة نفس طريقة الضحك ونفس ھي . بعضھم البعض مع التباين الخفيف للم;مح والطول

حسام ھو الوحيد الذي كانت م;محه واضحة بين الجميع وبدا في ابتسامته غير كان يضحك في . يعترف بتاريخ ما بينھماووقفته البعيدة المترفعة المكترثة

يدقق وعندما". ھيديانت من الكوادر الجديدة يا ب"وجھه ساخرا وھو يقول له ثم تتحول في يده سيجارة وبرز في وجھه شاربفي وجھه مستفھما ومستغيثا ي . الرجل اJمنيم;محه تدريجيا الى م;مح

ليتشفى ھل عاد في الكابوس. الذي أعاده اkن لم يره فما سنوات بعيدةمنذ . فيه؟

ا في ظلمة لم ير م;محھ. وأعطى وجھه لزوجته ا?يسرتقلب على جانبه تحسس . أنفاسھا المنتظمة تشي بأنھا استسلمت للنوم مرة أخرى.. الخفيفةالغرفة

دفعته بغير . وجھھا بيده اليمنى وراح يربت على وجنتھا ويقرب فمه منھا .عنف

. أريد أن أنام -

. لنتكلم قلي; -

. أدركت ما يرمي إليه

. لدي مشاوير كثيرة غدا -

Page 9: أنهار الجنة

- 8 -

.أريدك -

- Jمر على الطبيب أو .

راح يحدق في البقع البيضاء تراجع وتقلب حتى صار وجھه إلى السقف وولكنه J يعرف . ما زال يريدھا. كم يكرھھم ويتمنى لو ھلكوا جميعا.الباھتةكل مرة تكون لديه نفس الرغبة القوية ولكن مثل طائرة على المدرج . العواقب

، تنتابه حالة م بھاتتھاوى وترتطما أن ترتفع فوق ا?رض حتى وتھم باzق;ع ويتعلل بأي . اJختناق ويتراجع مھزوما بعد أن شرعت الق;ع أبوابھا Jستقباله

.شيء

.كم أنا مرھق -

.اصبر حتى تستريح. J بأس -

.لم أكن في حياتي أبدا كذلك..ما الذي دھاني ھذه ا?يام -

. ھذه أمور تحدث كثيرا -

وجودھا معه في . لصحافةكرھھا ھي أيضا وكره طموحھا المجنون أن تعمل بافواه التي تلقي الھمس من العيون المفتوحة وا?. نفس المكان يضعف موقفه

عملت في . ؟ن تلتحق بالمكانسمح لھا ألماذا . تشعل الخوف بداخلهخلف ظھرهلم يكن لديھا الموھبة لعمل أي . عدة صحف ولكنھا كانت تترك مكانھا بعد فترة

أي مسئول في الصحف قلما يفوت ا?مرھو أول من عرف ذلك ولكن..شيءما يلبث رئيسھا أن . التي أرسلھا إليھا مصحوبة بتوصية منهاو المج;ت

تظل ھناك لبعض الوقت . يكتشف تواضع ملكاتھا حتى يخرجھا من حساباتهولكن ..ھنا توقع أJ تعمر كثيرا. دون عمل تقريبا ثم تترك الصحيفة إلى أخرى

اJنحناءات اللزجة انسالت عليھا مع اzشادة بمواھبھا اJبتسامات المجاملة و أليست زوجة نائب رئيس التحرير. ا?صل في الفذة التي لم يكن لھا أي وجود

. استطابت المكان والمرتب فربضت. ؟ثم رئيس التحرير

ولكنه J يعترف بذلك ولو حتى امام مكان ما في ذھنه يعرف سبب المحنةفي بل لعل ھذا ھو سبب تسامحھا . جته ھي اJخرى تعرفربما كانت زو. نفسه

Page 10: أنهار الجنة

- 9 -

يود لو انتفضت او غضبت او قالت أي شيء ولكنھا تبدي تحم; . وصبرھاربما كان اJشفاق عليه او احساسھا بانه مقاتل ضعيف للغاية، يقاتل . أسطوريا

. على جبھات كثيرة بسيف مكسور وقلب مسحوق

عله يجد لديھار باJختناق عاد إليھالما شعك..يا تري أين نھى اkن ولكنلكنھا صارت مجرد ...ترطب روحه بمرورھا..متنفسا فيما يعانيه

ھل . سويايتلمسھا كطيف في الشوارع او ا?ماكن التي كانا يرتادانھا..ذكرىالقاھرة ربما تكون ..لماذا لم يعد لھا وجود في أي مكان..اختفت حقا؟

إنھا أكثر المدن عريا ودمامة في .. ا?شياءلكنھا J تخفي الكثير من..كبيرةنھى ھي التي تعرفه أكثر من . ؟كيف اختفت نھى في تضاعيفھا البذيئة..العالم

ذي يعود إليه مطمئنا إنھا الرحم ال. بل ھي عالمه الذي يحتويه..أي شخص آخر . ولكن أين السبيل إليھا اkن؟.. الجميعظهلفبعد أن ي

يحدق في . حول الكرة ا?رضية وھو يبحث عنھاقطع أمياJ تكفي الدورانطاعم والحدائق التي يتوقف أمام ا?سواق الكبيرة والم..المارة في الشوارع ھل ..ه عليھاھل تقع عينا..يتفرس في وجوه الناسيدخل ل...اقترنت فيھا خطاھماولكن ..في لحظة ما مثلما التقت بھما للمرة ا?ولى..تلتقي بعينيھا يوما ما

ي كل سيدات القاھرة خيل إليه انه رأ..كأنما ا?رض انشقت وابتلعتھا..اتھيھ ويقول له الشيخ حمدان إن . في الشوارع ولكنھا لم تكن بينھنمن كل ا?عمار

الشيخ حمدان رجل خرف يدعي العلم بما J يرى وJ . المياه عادت لمجاريھاويمكن ?ي سھل أمر امرأة أن الشخص الذي يبحث عنهكتشافه ا..يعرف

. يدركه من لھفتهشخص أن

اkن ويطلب عونه او يكلفه أن يذھب إليهمن الجنونولكن ..ا?منيالرجل ھل جرفته ا?مواج ..انه حتى J يدري أين ھو اkن. بالمساعدة في البحث عنھا

العاتية فألقت به على شاطيء مھجور مثل الكثيرين من أقرانه من العھد البائد مازال متربعا في موقعه بنفس القوة يصدر ا?وامر مضمخة بالثقة، أم انه ما

ليشيع لدى من يحادثه أحساسا يقينيا بان النظام في رسوخ الجبال والمستقبل . إلى ماJ نھايةأمامه منبسط وممھد

Page 11: أنهار الجنة

- 10 -

نحن وكالة خاصة وجوزيف ..مخاوفك J أساس لھا: "تقول له زوجته ھامسة . "يدعمك

ريك في كل الكوارث ولكنه عندما تزداد الظلمة ينظر جوزيف ھو اkخر ش . أمامه وJ يبالي بمن حوله

.ھذا خطأك..مستر بھيدي -

. يبتسم في صمت فيسجل الخطأ في خانته

. من يبلغناأوللو حدث شيء لكانت .. ھناكمنيرةھل نسيت أن -

. ھناكمنيرة..حقا..نعم..آه -

الوكالة لم تكن أبدا . شيء في العالم ويكره الوكالة ويكره كلمنيرةلكنه يكره مكانا مريحا له ولكن تعين عليه أن يقاتل ويدخل في صراعات J حد لھا حتى يحتفظ بنفسه طافيا وJ يھبط إلى القاع مثل كثيرين من تلك العمالة المؤقتة التي

يعملون لسنوات J احد يدري بھم ويخرجون دون أن يلتفت إليھم . تم� الخدمةمالم تطأ ..بل كل مكان في البلد فيه ھذه ا?شياء..كل المؤسسات اzع;مية. احد

فسوف أمامكمالتلحق بالموقع الشاغر زميلك لتصعد على ظھره او تتقدمه ة والذكاء في الجامعة كم من زم;ء ممن كانوا محدودي الموھب..يطأك ھو في اوفرؤساء تحرير وكتاب أعمدة وضي.. نجوما في عالم الصحافةأصبحوا

Jيحسنون قو Jيفقھون شيئا و J كل ندوة وبرنامج حتى لو كانوا .

ابريل آخر يوم 26 اغد..لساعة الثانية والنصف صباحاكانت ا..ارتدى م;بسهرصيده الكبير من العط;ت استنفذه ..في عطلته وبعدھا يبدأ العودة الى المكتب

ليخرج يستنشق متأخر ولكن الوقت ..J رغبة لديه في النوم.. في البحث عنھان يبدد ضيق صدره ويخفف من كربه أ اتساع الليل في الخارج الھواء عسى

. ويسقط مخاوفه مع سرعة انط;ق السيارة

على الوصول الى أوشكتو تسفر عن أي شيء،م ل ةجوJته في شوارع القاھريعثر أJ ...ولما J..ولكن مازال لديه بصيص من أمل في أن يراھا ،نھايتھا

Page 12: أنهار الجنة

- 11 -

قد تفاجئه في أي ..اzنسان دوما على ا?شياء حيث J يتوقع وجودھا بالمرةشارع او عند أي تقاطع او تمر أمام سيارته أثناء وقوفه في إشارة مرور او

كل شيء ممكن في ..ولم J..يجدھا تنظر إليه من نافذة سيارة أجرة مجاورةمصر أصبحت . ثيرةأليست بلد ا?ولياء الصالحين والكرامات الك..مصر

مسرحا تعرض عليه مسرحية عبثية J تعرف نھاية عق;نية وJ يسدل عليھا . ستار

حسمت القضية وأعلنت أنھا ذھبت إلى غير منى صديقتھا الوحيدةأليس غريبا ان تجتمع على شيء واحد مع الشيخ حمدان الرجل ..رجعة

دقائق يدافع عن نفسه. ق ولو لدقائلقائھاع إلى تطلولكنه مازال ي. المجنونأJ يحق ?ي متھم أن يدافع عن . أمامھا وليذھب العالم كله بعد ذلك إلى الجحيم

ولكنه حرم من الفرصة لتقديم دفاعه . ن يصدر عليه الحكم باzعدامأنفسه قبل ألم يصدر عليه الحكم باzعدام بالفعل؟ ولكن الكارثة انه كان . حتى بعد إعدامهكان كل شيء فيھا، وھو . د والضحيةلقاضي والمتھم والج;في القضية ھو ا

. ايضاالذي وقعت عليه العقوبة

ولو يوم واحد ھو شيء طيب فوق رأسه وابتعاده عن الوكالةالعالم يتھاوى لحظات وآخرانه المكان الذي شھد مولد حبھما ..ومؤلم في نفس الوقت

ربما يكون غيابه ..ناك ومع ذلك يؤرقه انه J يعرف ما يدور ھاحتضاره،أJ يكفي ..J يريد أن يفقد كل شيء..يا الھي..فرصة مواتية لنسج مؤامرة ضده

كم من ..المعاول تطيح بالرؤوس من حوله..ھل يفقد عمله أيضا..انه فقد نھىا?عمدة التي كانت راسخة فجأة رآھا تتھشم وتنھار وتتحول إلى رماد تذروه

. ه إلى ھذا الحد؟لماذا ضاق العالم علي..الريح

انه ..قيادة السيارة في الشوارع الخالية لي; أصبحت متنفسه الوحيد بل م;ذهانه يھرب من ..نوع من الھروب المجنون من كل ما يؤرقه وينغص حياته

ولكنه يدرك انه ..خذ بت;بيبهأ حتى J ييفر منه ويراوغه..شيء يكاد يطبق عليهما طال ھد وانه سيضع قبضته عليه J محالة مJ يستطيع أن يفر منه الى ا?ب

. بهوھر

Page 13: أنهار الجنة

- 12 -

كانت بين ..كانت ھنا ولم تكن وھما وJ حلما..كانت ھناك امرأة من لحم ودمولكنه ..انه J يصدق ما حدث..يديه ولكنھا تبخرت فجأة مثل طيف او سرابانت من الكوادر الجديدة يا "من آن Jخر يھمس لنفسه في سخرية مريرة

.البكاءما يشبه ثم ينطلق في ضحك ھستيري J يلبث أن يتحول الى " بھيدي

كما اصبح " الجحيمالجوJت المجنونة في "رح;ت البحث عنھا في القاھرة او في كومة من القش فربما إبرةلو كان يبحث عن . لم تعد لھا من جدوى يسميھا

ته للحظة ثم حياأفقولكنھا تبخرت كما لو كانت شبحا ظھر في . عثر عليھالم يكن في لحظات J نھائية لم تكن شبحا وذوبان جسديھما أنھابيد . اختفى، رائحتھا وملمسھا موجودة في داخله بكل تفاصيلھا وجوارحھاإنھا. وھما

كأنھا لم تنفلت من بين يديه شغل كل مسامه وتحتل كيانه ولفتتاتھا وھمساتھا تJمن لحظات قليلةإ .

وراح " ابريل اشد شھور العام قسوة"ھمس لنفسه ..رة مروروقف في أول إشاوقف الخلق جميع ينظرون "انطلق صوت أم كلثوم ..يعبث في مفاتيح الراديو

".كيف ابني قواعد المجد وحدي

أثارته ا?غنية على نحو خاص فراح يضحك بصوت عال لفت أنظار جميع صل إلى حالة من ضحكه حتى وتزاد..الركاب في السيارات المتوقفة حوله

ھا "الھستيريا وھو يشير إلى رتل من المصفحات المتوقفة في جانب الطريق بدأ الركاب يلتفتون إليه ويبتسمون من ". ھي قواعد المجد تصطف في الشارع

وترن في صمت الليل ضحكته التي تبدأ من جديد كلما أوشكت أن تنتھيمن واجبه أن يستوقفه جندي المرور في اzشارة شعر للحظة أن . الخفيف

ولكنه تغاضى عن ،ل قيادته السيارة وھو مخمورويسأله عن أوراقه واحتما . ا?مر والتفت إلى الناحية ا?خرى ثم تثاءب وأشار لھم بحدة أن ينطلقوا

ھا ھي قواعد المجد تصطف في . يا حافظ يا إبراھيميا لك من رجل غرتھا الصغيرة نظرة ضائعة ا من كوالشارع يعلوھا جنود ينظرون إلى المستقبل

وأي أمجاد يحملھا . ما ھو المجد الذي يتغنون به. بين السخط وال;مباJة

Page 14: أنهار الجنة

- 13 -

المجد J ينتسب للشعوب وJ . التاريخ الملطخ بالعار والجريمة والفشلالمجد توق فردي إلى ..للجماعات إJ على سبيل اJستعارة وسعيا لحشدھا

يتمدد الحلم بداخلك وتشعر يوما انك Jمست عندما. إلى ال;نھائي..المطلقھذه بلد تؤد فيھا ا?ح;م في المھد . ولكن متى كان ذلك؟. السماء بأناملك

.وأحيانا قبل أن تصير أجنة

ھبط الخبر على صالة التحرير الھادئة مثل دوامة . عندما رحل مھدي عبدالعليمأما ھو فقد . مأعرب الجميع عن حزنھم وعدم تصديقھ. في بحيرة ساكنة

ھو الذي يقف خلفه في الصف على درب الترقي ..ھو ا?قرب إلى وراثته..بكىھو الوحيد الذي بكى وانسالت الدموع من عينيه غزيرة سخية ..والصعود

لم يفھم كثيرون سر بكائه بل أن . على وجھهالتلطخ النظارة وترسم أخاديدتخيلوا أن البھيدي له "أو " ھل يبكي أمثال البھيدي؟: "بعضھم تساءل علنا من "و" آي وهللا رأيته يبكي والدموع تنھمر من عينيه! قلب مثله مثلنا تماماسمع ھذا وھو يمر إلى جانب ". ن يحزن على أحد؟أكان يتخيل أنه يمكن

ھل : "مدافعا مستنكرا وبعضھم في سرادق العزاء بينما تناھى إليه صوت آخر ". انه بشر من دم ولحم مثلنا..حجرتعتقد أن البھيدي قد قلبه من

وترك له عبدالعليم اzشراف على المھام . كان نائب رئيس التحرير ساعتھاالقذرة في الخدمة العربية، وأطلق يده في كل شيء يفصل ويخصم ويعين

خاصة جيش ..وينفي، فكان الجميع يخشونه ويھابونه ويعملون له ألف حسابلم يكونوا كذلك بالفعل . ھم يعملون بالقطعةالمحررين الذين اصطلح على أن

ولكن الفارق بينھم وبين اkخرين ھو انه يمكن طرد أي منھم بسھولة في أي . رانذإوقت ودون سابق

كان يعرف ما يقوله ھؤJء عندما يجتمعون في البوفيه والسباب الذي يصبونه يھتم كثيرا كان J. على رأسه وعلى الخدمة وحتى الخواجة صاحب الوكالة

ھمسوا بما يحلو لھم عسى أن فلي،طالما J يقال ھذا الك;م علنا وJ بصوت عالوا عما يمور في صدورھم أوJ بأول فھذا أفضل وأحرى أJ تحدث ثورة ينفث

ضحك كثيرا عندما سمع أن احدھم قال يصف حالتھم أنھم . مفاجئة في المكان

Page 15: أنهار الجنة

- 14 -

ا?طلسي في القرن السابع عشر يشبھون عبيدا مبحرين في سفينة تمخر عبابيقف على رؤوسھم رجل شرس يحمل في يده سوطا كلما تھاون أحد منھم ھوى به على ظھره ولو أصاب احدھم المرض واzعياء ولم يقو على رفع المجداف تكفل زم;ؤه بحمله وطرحه في الماء لتتغذى على لحمه اسماك

خيال ذلك المحرر وقال عندما سمع ذلك ضحك كثيرا من. القرش المتوحشةانظر لقد جعلونا نخاسين "لمھند صھره وكانت ع;قتھما J تزال حميمة للغاية

". أسوأ من ذلك؟ھل رأيت شيئا. قرن الحادي والعشرينفي ال

، صادقا من اJرتياح الداخلي عبدالعليم، الذي مازجه كثيركان بكائه علىأراد أن يزجي . موعا سخية وساخنةوالدموع التي جرت من عينيه ذلك اليوم د

لم يكن أبدا أوان الرحيل ..إليه الشكر على رحيله المبكر ليفسح له الطريقسنوات ويشع بالفتوة ث;ث او أربع فقد كان J يكبره بأكثر من ..بالنسبة لهلم يكن أوانه ولكنه آثره على نفسه وفضل أن يترجل لكي يركب ھو ..والقوة

نزلة برد خفيفة تحولت إلى التھاب رئوي . مة لسنواتبعد أن ظل يقود الخد . ورحلأيامحاد لم يدم ث;ثة

تجاوزه في الصف ليشغل موقع.. وسبقه عليهقفزلكن رشاد، على غير توقع، ، يدير أعمال عبدالعليمعلى مدى أيام، بعد رحيل ھو، ظل . الشاغرعبدالعليم

جاء وتفانيه فيه حتى إذاالنشرة مشغوJ بان يظھر مدى اھتمامه بالعمل ساعات امتدت. طبيعية للغاية منصب رئيس التحرير بدت ا?مورصعوده الى

بدأ . عمله وأصبح يقضي سحابة يومه وجزءا غير ھين من الليل في المكتبضحية الرسالة التي توشك أن تھبط عليه وقد ..تدريجيا يتخذ شكل الضحية

من الھزال والزھد والضعف الذي استعد لھا كما ھي عادة ا?نبياء بحالةطالت ذقنه . على نار الصبر واJنتظار النقية بعد أن تشفيخترق ا?رواح

وذوى عوده ولكن عماد ذات صباح لفت انتباھه شعره واحمرت عيناهوتشعث يتردد على جدول الدورات وJن الكل. دول الدوراتإلى ورقة وضعت مع ج

ة أن توضع ا?وراق الھامة ھناك لكي ليرى مواعيد عمله فقد أصبحت عاد ظل في موضعه لسنوات في صدره آنذاكغرسالخنجر الذي . يقرأھا الجميع

وصوله إلى نفس المنصب بعدھا بفترة J تزيد كثيرا عن بعد حتىلم يقتلع . العام

Page 16: أنهار الجنة

- 15 -

ھنيء : "قال له عماد بوجه جاھد أن يخنق السعادة والبھجة فيه قدر طاقته توقف عقله مرات . رقة وھو J يدري بأي لغة وبأي عين يقرأوقرأ الو". رشاد

أعاد قراءتھا . أخرىبعد وعيناه تجري على السطور لكي تعاود الكرة مرة ولما انتبه إلى أن البعض ينظرون إليه سارع إلى . مرات محاوJ استيعابھا

اJبتسام ووضع الملف على المكتب ثم انطلق إلى غرفة رئيس التحرير فاردا . ذراعيه لرشاد

وھو يزيد سرعة السيارة بضغطات قصيرة متوالية على بدال البنزين تذكر انه لم يكره رشاد وجوزيف والعالم كله مثلما كرھھم في ذلك الوقت، حتى النظرة

أنا : " ضاحكا عبدالعليمعندما قدم عماد إلى المؤسسة قال له. اللزجة لعماد في أبيه انه J يتورع عن بيع كفن أتيت لك بمحرر بصراحة يقولون عنه

أنت تعرف ..ما يعنينا يا بك ھنا ھو العمل والكفاءة"ه ب; مباJة يلع رد". المزاد ". ا?مور الشخصية J تھمنا في شيء

يعرفان أن الخدمة . في لحظة فضحكا ضحكة عاليةنظرات اJثنين والتقتا كل رئيس التحرير تسير ب; قواعد من زمن او على ا?قل القواعد يصنعھ

ومساعدوه وفقا ?ھوائھم، وھي في الغالب تقوم على المحاباة الفجة وشراء . سواء كانوا في الوكالة او خارجھاواJصدقاء خواطر المقربين

بكثير فھو شخص جاف اشبه ثبت أن عماد أكثر مما وصفه عبدالعليمقلبه Jي مشاعر، كل بالروبوت، J معنى للقيم وJ المثل لديه وJ مكان في

شبقه الدائم إلى . اJ ما يتعلق بالنقودوب; لون شيء بالنسبة له محايد تماما المال جعله مثل سيارة ا?جرة ينتقل من مكان إلى آخر وبنفس السھولة التي

لديه استعداد أن يعمل على مدى ث;ثة او أربعة أيام . يدخل بھا المكان يغادره .ا مادياما كان ھناك عائد نوم طالمامتوالية دون

الفضل في انه أول من نبھه إلى ا?يدي الخفية لزوجة رشاد غير انه لم ينس له . في ترقيته

وعندما تكلمھم لن يرفضوا ..ھل نسيت أنھا من مواطني أصحاب الوكالة - .لھا طلبا

Page 17: أنهار الجنة

- 16 -

أنھم معقول ھذا المنطق موجود عند ا?جانب الذين نقول عليھم - .؟نموضوعيو

ھنا يعملون .. لكن ليس عندنا...عية يمكن أن تكون في ب;دھمالموضو - . ويتعاملون مع أناس غير موضوعيين

مصر وأجزاء كبيرة من ي سره وتذكر كل مخازيھم فيراح يلعنھم جميعا فالعالم واستغ;ل سكانھا وكل ما ارتكبوه من جرائم وكوارث بحق الشعب

ما عن كوارثھم لينشره، تابا وعزم على أن يكتب يوما ك. المصري المسكينالتاريخ يجب أJ ينسينا أعداء ا?مس Jن أعداء ا?مس . باسم مستعارحتى ولو . وكل يوم في حياتنااليوم والغدھم أعداء

أقدامھمأت وبدأ فع; في وضع خطة للكتاب والبحث في تاريخھم منذ وطلكن بمجرد أن ين رشاد، والشرق ا?وسط وا?راضي المصرية إلى حادثة تعي

محله قرر أن يتنازل عن فكرة الكتاب ربما ترحما على ھو ر وحل رحل اkخ . رشاد ومواساة لزوجته، ا?نثى الوحيدة التي كرھھا أكثر من زوجته

عن زواجيھماأن يترفعا في ورشادعبدالعليمتساءل من قبل كثيرا لماذا اختار الثاني بعد وفاتھا بينما بنى أمريكية بردفھايلتاي;ندية ا?ول فاختار ابنات بلدھم

. لعل ما حدث لم يخطر لھما عندما تزوجا. بريطانية ولكنه ربما يدرك اkنبمن زمن قبل أن يأتي للعمل زوجته الثانية تزوج عبدالعليمانه يعرف أن

غير انه قطع في النھاية أن . بالوكالة ولكن رشاد تزوج وھو يعمل بھا . مشاريعھما المھنيةأو ع;قة أبدا بخططھما المستقبليةامزواجيھما لم يكن لھ

في جنازة رشاد عندما كان يناقش مع أقاربه مستحقاته من الوكالة علم انه

عماد أبدى اھتماما كبيرا بمعرفة . من ثروة زوجتهJ يستھان به ورث جزءا راح . ولالمبلغ وبعد الجنازة كان يتحدث عن مزايا الزواج من سيدات العالم ا?

يمتدح بعد النظر في الزواج من الدول الغربية وتمنى لو لم يكن متزوجا ليسير . على نفس الدرب

:قال له البھيدي ضاحكاالمھم أن أليس .. غيرھاأوھل ترى فارقا حقيقا في الزواج من مصرية -

تشعر بالراحة معھا؟

Page 18: أنهار الجنة

- 17 -

في أشياء ..في المعاملة..في الثقافة..في العلم..طبعا ھناك فارق كبير - .كثيرة أخرى

مثل؟ - :قال ضاحكا

. يعني مث; J يمكنك أن تضع الكافيار والتونة والبلطي في خانة واحدة - . ھذه استعارة طيبة من عالم ا?سماك -

رغم كراھيته لعماد إJ انه يعتقد انه نافذ البصيرة في . إنھا استعارة طيبة فع;جربته مع كارJ من سنوات، ھل يمكنه أن ينسى ت. بعض ا?مور وله منطقه

وأھالت عليھا التراب وعيھا زوايا إحدى في دفنتھاأنھان ھل نسيتھا ھي أم ولكوكأنھا لم تقع إط;قا في بدا حتى في اليوم التالي لحدوثھا، وان لم تشر إليھا أ

لقد بدا في عينيھا طيف من التوجس والحذر لبعض الوقت ما لبث أن . ا?صل . س الثقة وا?لفة القديمةغاب لتحل محله نف

والواقع أن استدعائه إلى الفندق . كانت قد استدعته إلى الفندق تلك الليلة

القيام ببعض الخدمات سواء لھا او لبعض كبار أولمناقشته في بعض ا?مور عن ا ويقوم بھ كان يعرض خدماتهھو نفسه. غريبازوار الوكالة لم يكن أمرا

. غضاضةون يجدون في قبولھا خاطر ولم يكن اkخرطيب

. رحبت به وأجلسته في جناحھا. مساءلليلة وصل إلى الفندق نحو السادسةتلك اكانت دوما تحجز نفس الجناح في نفس الفندق وكان ھو دوما يختار نفس

وكان في . باب غرفة نومھاإلىالمقعد وھو مقعد يجعله J يتطفل بالنظر على ن طوال الوقت بحيث J ينظر نحوھا،والغالب يدير وجھه إلى التلفزي

. فانه يتصرف بقدر اكبر من الحريةعكس ا?مر عندما يكون الضيف رج;سمع صوت المياه وبعدھا بعض . طال به اJنتظار في جلسته ولكن لم يتبرم

. مغامرة جنسيةل اانه لم يفكر أبدا في كارJ باعتبارھا موضوع. ا?صواتة وفائقة الحيوية ولكنه حتى لم يتطرق أبدا إلى مجرد صحيح أنھا جميلة ورقيق

كل حديثھما J يخرج عن ا?مور المتعلقة . نقاش الع;قات الشخصية معھاإنھا تصغره بسنوات كثيرة ولكنھا في نفس الوقت رئيسته بل . بالعمل بأي حالأي أن وضعھا الوظيفي يفرض عليه نوعا من الخوف والرھبة . رئيسة رئيسه

ن يولون أي أھمية للحواجز اجزا بينھما ولكن متى كان الغربيويشكل حيكاد

Page 19: أنهار الجنة

- 18 -

يخطئه وترحيبھا صوت المياه J يمكنه أن. فية إزاء تدفق المشاعرالوظي .الشديد به عندما أتى

كارJ منظمة جدا وJ يمكن أن . ظل يتقلب في مقعده وھو يفكر في ا?مر

ل ھذه مث..ذه ھي العفوية نفسھاھ أنبيد .. حتى في ھذه ا?مور بعفويةتتصرف J تعرف النظام وJ الترتيبات وJ المواعيد المسبقة وJ جدول ا?مورما الذي يجعل كارJ تفكر فيه ھو تحديدا إذا كانت تفكر في ..ولكن حقا. ا?عمال

. مغامرة سريعة؟

ووقف البھيدي ونبض . كان يقلب ا?مر في ذھنه عندما نادته إلى غرفة نومھاكانت جالسة أمام . عيناهتسبقه بله يقفز إلى إضعاف سرعته الطبيعية ودخل ق

لم يصدق أنھا كارJ التي ترتدي البنطلون الجينز والتي . المرآة مثل ملكةكانت . "البوصة تبقى عروسة"حقا لبس . شيرت وتبدو أشبه برجل في المكتب

لم يكن البھيدي . تضع آخر لمسات الماكياج على وجھھا واستقبلته بابتسامهيدري لماذا نادته وJ ماذا يتعين عليه أن يفعل، ولكن عندما وقعت عيناه عليھا

الكثير من أفكاره التي ظل يقلبھا لساعات حيث وجدھا جالسة أمامه تتبخرلمح . الفستانوأشارت له باJقتراب zغ;ق سحابعلى الكرسي بفستان سھرة

نھدھا من تحت ذراعھا وظل يحدق في البھيدي كتفيھا ولمح بروز جزء من ولكنه لم يتحرك من . علىأ إلى الشفاف لبعض الوقت ثم جذب السحابلحمھا طويلة وجد نفسه يميل عليھا دون وعي ويمسك رأسھا بيديه ويطبع قبلة . خلفھا

أفلتھا من ية ولكن عندما في البداوارتباك نظرت إليه في فزع . على وجنتھا . أنت مجنون..بھيدي: وقالت له بسرعة ضحكتبين يديه

أخذھا بعد ذلك في سيارته إلى قصر محمد علي لحضور أصلحت أثر قبلته ثم

.حفل تقيمه السفارة بمناسبة عيد اJستق;ل

. دعوة؟إليك يرسلون أJ..لماذا J تحضر حفل السفارة - .كنت أتمنى أن أكون بجانبك طوال الليل..لم أتلق دعوة..ل�سف - لماذا؟ -أنت فائقة الجمال وتستحقين أن يكون شخص في ..كي أحرسكل -

.حراستك

Page 20: أنهار الجنة

- 19 -

: للحظة ثم قالتالخارج من نافذة السيارة إلىضحكت كثيرا ونظرت

.أحيانا تتصرف بجنون - . أنا آسف - .J عليك -

. يفتح فمهأنھز رأسه شاكرا دون سأطلب منھم أن يسجلوا اسمك اليوم لكي يدعوك لحضور الحفل -

. انه في العادة يكون حف; جمي; للغاية. سفارة ا?خرىومناسبات ال .ھل دخلته من قبل؟..وقصر محمد علي رائع من الداخل

.ل�سف لم ادخله -

لماذا لم ..سأل نفسه لماذا لم يحاول أن يدير وجھھا إليه ويضع فمه على فمھال البھيدي حتى اkن J يعرف لماذا فعل ما فع. يحاول أن يعتصرھا بين يديه؟

ولكن الموقف تم تجاھله تماما من جانبھا وان . ولماذا لم يفعل مالم يفعل . أصبحت تعامله ببعض التحفظ منذ ذلك الحين

أن رحلت رغم ذلك ظل البھيدي يتخوف من أي رد فعل انتقامي منھا إلى

.ة فبدا أنھا بالفعل نست كل شيءوجاءت في الزيارة التالي*****

أمامه ووجد نفسه على الطريق لرصاصي بلونه ا انبسط اJسفلتبل ..سمع عن الكثير من حوادث قطع الطريق تقع ھنا ولكنه لم يبال..الدائري

تمنى لو كان بوسعه أن ..خفت حركة السيارات حوله..تمنى لو خرجوا إليهيبتعد ..أن يتحرر من ا?ثقال التي تربطه إلى ا?رض ويحلق بعيدا عنھا..يطير

ولكن السيارة J تستجيب .. لھالتي اتخذت من عقله مسكناعن تلك الجرثومة ا .وJ ترتفع مھما بالغ في ضغط بدال البنزين

التقادم في . منذ بدأ العمل في المكان وھو يطارد حلما أوشك أن يكون وھماطالما استعمل ھو واkخرين من ..الوظيفة ھنا غير معترف به وإنما الكفاءة

خرصوا أي اعتراض من المحررين غير كبار المحررين ھذه الحجة لي

Page 21: أنهار الجنة

- 20 -

المعينين الذين كانوا يأتون بھم ليعملوا معھم سنوات وسنوات ثم يخرجون إلى .الشارع بعد ذلك سفر اليدين إJ من بضعة جنيھات وورقة J قيمة لھا

ه غضب واحتج وزمجر يعندما صعد رشاد إلى المقعد الذي كان يبسط له ذراعتذكر أبيه . كانت ثورة داخلية لم يلحظ موارھا احد..ولكن دون أن يسمعه احد

العامل في شركة اسمنت حلوان عندما حمل إليھم ا?نباء بأنه سيعين مشرفا على عمال الوردية الصباحية وسيزيد راتبه عدة جنيھات ولكنه بعد أيام عاد

قال له بعض . مھموما فقد ذھب الموقع إلى احد أقارب مھندس في الشركةإن الدور سيحين عليه في المرة القادمة، ولكنه بعد سنوات خرج على الزم;ء

ولم يبق له من ذكريات العمل في شركة . المعاش دون أن يحصل على الترقيةعمره سوى حكايات يرويھا، في ساعات الفراغ جانبا من أضاع فيھا

والصفاء، عن دخوله الفرن الذي يصھر فيه اJسمنت نفسه والمبطن إلى الفضاء، وظل يلوك ھذه الحكايات س، في حلة تشبه حلل روادباJسبستو

. أن رحل عن الدنيا وھو يشعر بالمرارة

أنت واحد من أھم ركائز ": قال له رشاد وھو يحتضنه ويضغط عليه بصدقيام التي أعقبت وفاة ولوJ جھودك الكبيرة لكانت سقطت في ا?..ھذه الوكالة

ھل . أن يدري ما الذي قاله على سبيل الردغمغم دون. "المرحوم عبدالعليمكان يأتي في ..قالھا رشاد على سبيل المجاملة الحقيقية أم على سبيل السخرية

شيء ساعات العمل المعتادة J يزيد وJ ينقص عنھا دون أن يظھر عليه أيالمكالمات .. تديرھا خلف الكواليسلزوجته ا?مور لكنه على ما يبدو ترك

وJن اللغة . خطابات السريعة تحمل منھا الدعم والتأييد لزوجھاالھاتفية وال. بخفي حنينواحدة والثقافة واحدة والمشاعر واحدة خرج ھو من المشروع

يا عيني على إلى . "ءنغصه أكثر شعوره بأنه أصبح موضوعا لسخرية الزم;قالتھا محررة وھو يمر بجانبھا ثم تھانفت وراحت تضحك ". حب وJ طالش

تذكر دخوله قبل موعده بساعات وذھابه بعد ساعات من . زميلة أخرى لھامعأصحاب زدھر فيه إJ يمستنقع J مصر انقضاء عمله فلعن العالم وقال إن

. العاھات والمعوقين

نه كما ھو نائب رئيس التحرير وغمزقال له رشاد وھو يغادر المكتب إن مكا منه له الحلم ولكن آJمه كانت أشد مثكان عماد أيضا يعيش. بعينه إلى عماد

أقصى أمانيه وھو أن يكون ىحدإعماد سبقه إلى الوكالة بسنوات وحقق ..بكثير

Page 22: أنهار الجنة

- 21 -

عندما تلوح له فرصة في الخارج ..رئيس قسم ولكنه تجمد عندھا ولم يبرحھاكلما حدثت . براتب اكبر يركض إليھا ثم يعود ثانية قائ; إن المكان مثل بيته

التراب ويبدأ مه فينفض عنه في الوكالة يخرج عماد حلغير عاديةحركة يتطلع حوله في أمل ولكنه J يلبث أن يدس حلمه حيث انتزعه مرة أخرى

شعر أن رشاد J يحب البھيدي وظل على . ويعود إلى روتين حياته العاديةالتي تشبه مطلعا مدى أسبوع يرتدي الحلة الجديدة الوحيدة لديه ويلمع رأسه

من يده إلى مدير في انتظار أن يأخذه رشادأكتوبر كوبري حدى مداخل zزقا ولكنه ،"لقد اخترت ف;نا نائبا لي": ويقول له كما جرت العادة ا?جنبيالمكتب

. عندما سمع أن البھيدي سيظل في موضعه توقف عن الحلم

لحد ذلك لم يحاول اول. ترك له رشاد العمل كله وأصبح يكتفي بالرقابة من بعيدعرف بين المحررين وJسيما غير . بتعسف كان يستخدمھاالتيمن سلطاته

وكان الجميع يسعون إلى إرضائه او مھادنته " الجزار"المعينين منھم باسم اعتبر أن التنكيل بالزم;ء ا?ضعف أمر من ا?مور الطبيعية للغاية . على ا?قل

ك أراح نفسه من أي في أي مؤسسة رأسمالية سواء في مصر او غيرھا وبذلومع انه اعترف أنھا في مصر تكون أسوأ حيث J توجد قوانين . أعباء أخ;قية

لحماية أي شيء من أي شيء، إJ أن ذلك لم يكن يعني بالنسبة له أن تتغير المعينون :ت عليه لسنوات او ربما حتى لعقودا?وضاع في النشرة عما درج

. قوق لھم بالمرةمعينون والذين يعملون ب; عقد J ح

قاد مظاھرات ونظم اجتماعات ووضع ..كان من قادة اليسار في الجامعةحرية الحب حيث أباح الى وعرف عنه انه كان من الداعين. ات وفسرھانظريية والقيمة اJقتصادية التبادلية التي علع;قة عاطفية تتجرد من الصفة السأي

وبدأ ينشر فلسفته في . العلنتحكم أي رابطة اجتماعية سواء في السر اومحيطه اليساري دون أن ينتبه أن شقيقته الصغرى التي أصبحت يسارية أيضا

ولما دخل السجن نحو . بحكم ولعھا به بدأت تفھم الفلسفة الجديدة لشقيقھا ا?كبرخرج ليجدھا متورطة في ع;قة حب مع ضمن التنظيمات اليسارية شھرين

أن يعرف زاد حنقهوميذه وصديق مقرب له، حسام وھو رجل متزوج من ت;قطع ع;قته بحسام وانقلب على اليسار . للزواج بينھما اه كانت ھناك خططنأ

وكل ما يمت لليسار بسبب وتقلب بين عدة وظائف إلى أن أتى ليدفن نفسه في ولكي يبلع أقصى درجات التنصل من ماضيه ،ھذه المؤسسة الرأسمالية العاتية

Page 23: أنهار الجنة

- 22 -

يضطھد كل من يعملون في المكان وJسيما الزم;ء ا?صغر اليساري راح . غير المعينين

كابوس مثل ه بعيد ولكنه عاد ليطارده في كوابيس زمنذغاب حسام من افقه من في الغرب جعلت اسمه علما بين المثقفين دار النشر الناجحة التي أقامھا. الليلة

ولكن لماذا عاد إليه . عربيةوالكتاب وحتى المتطلعين للكتابة في المنطقة الاkن؟ ھل ھي رغبته في اJنتقام وتسوية الحسابات القديمة وقد شعر بضعف

. خصمه وكثرة أعدائه؟

ھو ومھند زوج شقيقته أصبحا كل شيء في الخدمة وانضمت زوجته أيضا ھي كل الع;قات العامة . إليھما ليصبح عبئه اكبر في حماية المواقع الث;ثة

إليه ذا العالم الغريب أما المھارة والمواھب ھي آخر ما يتطلعشيء في ھ كل الذي خرجت من عباءتهالع;قات العامة ھو العلم ا?م. المرءع;قاتك الجيدة بالكبار في الوكالة جعلتك دوما في المقدمة عندما تحين ..العلوم

. عيونھم فيھااJكثر ثق; أي ترقية او ع;وة J يضع اkخرون

ع سخرية الزم;ء أحيانا من خلف ظھره ولكنه يتجاھلھم ويمضي في يسمطريقه دوما متطلعا إلى المستقبل متغاضيا عن كم من التقاليد العفنة والبالية

أJ "يلقي لھا باJأحيانا تصل إليه سخريتھم ولكنه J. يعيش ھؤJء أسراھا او" المطار؟يوجد سائق في الوكالة يمكن أن يذھب بالضيفة ا?جنبية إلى

لعله سيبيت "او " لماذا J ينادي الساعي لحمل الحقيبة بدJ من حملھا بنفسه؟" ھذه العبارات ".اليوم في اJستقبال في الفندق ليكون تحت الطلب في أي لحظة

ھم فكان يسخر منھا معزيا نفسه بان من يرددونھا أذنيهوغيرھا كانت تصك لمجرد ان يسعون الى بذل الغالي والنفذين يتطلين المن الحاقدين والحاسد

. يكونوا في موقعه

كثيرا ن يقدم او يؤخرمھند في النھاية مجرد Jجيء ل..مھند وأيام مھند..آهاء به للمرة مازال يتذكر عندما ج. ولكن ماذا لو اتفق مع عدد من الخصوم

ثم أردف ھنا ھذا رجل يريد أن يؤدي اJختبار قال له. ا?ولى إلى عبدالعليمكنت أتمنى أJ أقول لك ولكني خشيت أن يبلغك الوشاة ويقدمون لك ": ضاحكا

. "زوج شقيقتي..ھذا الرجل صھري...تفسيرات غريبة

Page 24: أنهار الجنة

- 23 -

ھي التي تعرفه أكثر من كل ..كلما كره حياته فكر فيھا..يا تري أين نھى اkن مئنا بعد أنإنھا الرحم الذي يعود إليه مط..بل ھي عالمه الذي يحتويه..العالم . ولكن أين السبيل إليھا اkن؟.. الجميعيلفظه

بات ينطلق إلى الشوارع كالمسعور وكل يوم يواتيه شعور بان ھذا اليوم ھو

ولكنه يعود بعد جوJت شاقة ومطولة بدون أن . اليوم الذي سيعثر عليھا فيهلو وجدھا . ويعود للبدء في اليوم التالي وا?مل لديه اكبر. يصل إلى أي شيء

سيبلل قدميھا بدموعه . سينحني أمامھا ويبكي حتى لو وقف العالم كله يشاھدهسيقترح عليھا أن تطلب منه أي وسيلة للتكفير حتى لو . ويطلب منھا المغفرة

لن يتوانى للحظة في اJستجابة ?ي من . طلبت منه أن يلقي بنفسه في النيل . أين ھي؟ولكن أين ھي؟ ..مطالبھا مھما بدت مستحيلة

ويشعر بالدموع ترسم خطوطا . لأحيانا يشعر بالھزيمة وھو عائد إلى المنز

م التالي يغازله أمل جديد مع كل ولكنه ينھض في اليو.. على وجنتيهملحية . شراقة شمس بان اليوم يحمل له مفاجأة سعيدةا

ل عنھاخانه لم يت..لماذا اختار أن يطارد السراب ويترك الحقيقية الحية أمامهماذا تقول . أعلن في وجھھا انه J يريدھا..فحسب بل تجاھلھا وعمد إلى إھانتھا

بل كيف تتصور الساعات بل ..عنه اkن وكيف تتصور لحظاتھما ا?خيرةھل اختزن حبھما . المتعةالعشق و والسنين والقرون التي عاشاھا من الحب

مل إJ في تلك ا?شھر مكتبأنه كلالبھيدي لم يشعر . العالم والوجود كله؟أن ..ھا الحياة وليس في صراع معمؤتلفا معشعر بمعني أن يكون جزءا ..القليلة

ا?بد فقد توازنه الى بأنهلديه شعور . بالبھجة وا?مليكون جزءا من كل مفعم . اzط;قوربما J يستعيده على

يط بخصرھا J يصدق أن يده لن تح..انه J يصدق انه سيحرم منھا إلى ا?بد

Jمرة أخرى وھما يسيران مثل مراھقين على الكورنيش غير عابيء بالعالم وھل يعقل أن يصحو على ھذا . وھو يعتصرھا بين ذراعية في الشرفة

J ..أنا أريد نھى.."أراد أن يقف في الميدان ويصرخ بأعلى صوته..الكابوس مظاھرة او إضرابا أJ يجوز له أن ينظم اعتصاما او". يمكن أن أحيا بدونھا

عشرات العمال ينظمون احتجاجات فئوية J يطلبون أكثر من . ليعلن مطالبه

Page 25: أنهار الجنة

- 24 -

انه أولى ..بل ما ھو أسمى من الحياة..بضعة جنيھات ولكنه يطلب الحياة نفسھاورغم عدم معقولية الطلب رأي نفسه يسترسل مع الفكرة ..من كل ھؤJء

أريد الحب ..أريد نھى محمود"ويحمل Jفتة كبيرة كتب عليھا بخط واضح وأوصى الخطاط أن يضع لھا صورة في جانب اللوحة سيصفھا له ". والحياة

نظرة ..تلك النظرة الھادئة المترفعة على كل شيء في ا?رض..كما يتذكرھا . ولة ونقائھاطفتوحي بأنھا ولدت في الحياة لتوھا تحمل كل براءة ال

ولكنه لم يتوقع إن يمتد ذلك إلى المر رة الخسامذاق معاركه اعتاد من في كثيركان . ھو الحائط المائل سواء كان نائب رئيس تحرير او رئيس تحرير. الحب

رشاد أيضا عندما تقع كارثة في الخدمة وتبدو ا?مور متأزمة بينه وبين جوزيف يستدعيه وأحيانا يوبخه أمامه على خطأ قد J يكون ھو المتسبب في

وعندما يتحمل اللوم عن ا?مر في صمت تبدأ . تى J يعرفهارتكابه وأحيانا ح . اJنفراجة بينه وبين جوزيف وينسحب ھو في صمت

رشاد كان دوما يتفضل عليك بأنه اختارك أنت لتكون نائبه وتجاھل عماد ا?صلع المتربص ھناك الذي ينتظر أي فرصة حتى أصبح البعض يطلقون

عبده "وأحياناة إلى رواية نجيب محفوظ في إشار" حضرة المحترم"عليه لفظ ". مشتاق

عاش أياما من الرعب وھو يجد الكثير من الزم;ء في مواقع صحفية أخرى ممن كانوا موضع حسده او غبطته بما راكموه من ثروة وما حققوه من قرب من النظام ونجومية في وسائل اzع;م، يطردون من مواقعھم في مواكب

سي الرؤوس، تطاردھم أصوات الغوغاء إلى حافة مسيرتھم مشينة ومذلة منكم يحركون رأى الكثيرون ممن خيل إليه يوما أنھ. العملية وكفاحھم الطويلوھم يسيرون إلى ا?ركان المظلمة والزوايا المعتمة، العالم بأطراف أصابعھم

ا ويخسرون ليس فحسب مكانتھم بل أيضا ما كانوا يجنونه من فوائد مادية او م ". بدل الوJء"اعتاد البعض أن يطلقوا عليه

كل يوم ھناك حالة طرد او تحرش برئيس . وسائل اzع;م تعج بأنباء الطرد

Page 26: أنهار الجنة

- 25 -

المرؤوسون الناقمون الذين ضاقوا بحمل النير . مجلس إدارة او رئيس تحريرلسنوات وربما عقود وجدوھا فرصة ل;نقضاض على من كانوا يستعبدونھم

أرادوا أن يطرحوا كل شيء عن ظھورھم ولم يميزوا . دعمهباسم النظام والكل يجب أن يترجلوا وأن . وغيرهھمكثيرا بين من كان يسلك مسلكا طيبا فيكل يوم يجد أف;ما جديدة على مواقع . يھبطوا من عليائھم ويطردوا شر طردة

. ةالفيديو تسجل معارك الطرد بكاميرا جھاز محمول غير حازق

تحرير المؤسسات ث;ثة من رؤساء . ل شرا مستطيرا جديداكل يوم يحم

قدموا استقاJتھم الھ;ل والتحرير والجمھورية في ضربة الصحفية الحكومية ما الذي ينتظره العالم لكي يتطھر وما الذي تخبئه ا?يام له . واحدة والبقية تأتي

وھل . الفساد؟ھل البلد كان فيھا بالفعل كل ھذا الكم البشع من . من مفاجئات؟ن أوعندما سمع . وكالتك ھي الوحيدة التي تلفھا الطھارة والشفافية والنزاھة؟

شباب الثورة أصدروا قائمة سوداء بھا عدد من الصحفيين والفنانين الذين ھل كان يتوقع أن يكون . زعموا أنھم وقفوا ضد الثورة لم يخف لھفته لقراءتھا

إنھا الرغبة الكامنة . عيدا عندما خلت منهاسمه فيھا؟ J يدري ولكنه لم يكن س. في التحدي والشعور بأنه جزء من كل يتعرض ل;ضطھاد بصورة ظالمة

. اك؟ومن سمع عن اسمك من قبل حتى تجد اسمك ھن"قالت زوجته ساخرة وكتبوا مقاJت في الصحف وعلقوا وحللوا وأدانوا ھؤJء تحدثوا في التلفزيون

". واستنكروا وشجبوا ئيس وكالة أخرى طرده الصحفيون والعاملون في الوكالة واتھموه بإط;ق ر

شائعة الكنتاكي والخمسين دوJرا ثم شكلوا لجنة لتسيير أعمال الوكالة لحين اتھموه بأنه كان مقربا من . تعيين رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير جديد

عم النظام النظام وحصل على امتيازات ضخمة من الدولة وسخر الوكالة لدكانت اكبر جرائمه وابغضھا على اzط;ق انه وصف الثورة . ضد الشعب

أن لم تكن ذلك ةوما ھي إذن تلك اJنف;تة المجنون". ھمجية"و " غوغاء"بأنھا . بل وأكثر؟

وة من الجيش، في حماية ق" طردوا"رئيس تحرير الوكالة وصحيفة المساء

رؤساء . نوا سيأكلونھم أو يسحلونھمھل كا. ؟ ھناك الجيشماذا لو لم يكن

Page 27: أنهار الجنة

- 26 -

التحرير الذين حملوا المؤسسات على ظھورھم لسنوات أصبحوا فجأة مخبرين .لجھاز ا?من وخونة للثورة ومروجي أكاذيب عن استقرار مبارك ونظامه

المھنة علم. لم يصدق عينيه وھو يشاھد الفيديو الذي وضع على موقع يوتيوباJنكسار والحزن يكسوان وجھه وھو . ذا الموقفوقطبھا السامي يقف في ھ

م ل .في حياته والغوغاء يھتفون حولهيسير بخطوات ظن أنھا ستكون ا?خيرة كثير من ھؤJء Jشك عملوا تحت قيادته . يحترموا سنه وJ مكانته وJ تاريخه

يوما ما وھاھم يسلمون أنفسھم للحظات التشفي واJنتقام طواعية فينساقون عمل . وغلين في طيات الحقد ا?سود الذي اختزنوه في صدورھم طوي;معھا م

معه عدة اشھر في شبابه لكنھا لم تكن كافية لكي يتذكره اkخر او يلمس ھو تطوع البعض ربما إشفاقا عليه لكبر سنه باJحاطة به . شيئا مما يشاع عنه

ن والزحف حوله في موكب بطيء وحزين حتى وصل إلى الباب وسط سيل م . البذاءات والھتافات المجنونة

الرجل لم يصب بجلطة ولم يعثر عليه . بعد أسبوع من الحادث كان يطرق بابهھل كنت مبالغا في تصوراتك أم ھي . ميتا في فراشه في اليوم التالي كما توقع

الوقوف على "النھاية التي تتوق إليھا أنت لكي تتخلص من موقفك الحالي؟ ". وينتھي ا?مرجنةيم او حجأما .. مؤرق جدالجحيم والجنةالحد الفاصل بين ا

انه في حالته ھذه يموت مرات كل يوم وJ يعرف من أين وJ متى ستأتي رف انه يقف على بوابات المجھولJ تع. زوجته قلما يشغلھا ا?مر. الضربة

.كلما ذكر لھا مخاوفه كانت تقول إن قلقه أكثر من ال;زم. بعينين معصوبتينلو كانت نھى معه وخسر العمل لما كان توJه ..خسارة واحدة تكفي..ولكنولكن نھى ذھبت وتركته ..يستطيع أن يواجه العالم كله وھي في يده..الحزن

من كان يتخيل أن كل أح;مه . غارقا في المستنقع يصارع ل�بقاء على وظيفته ليظل يصارع .ن تختزل إلى ھذا الحد؟ أن تھبط به إلى ھذا القاعأيمكن

. ھواجسه لي; ونھارا؟

:استقبله الرجل في قليل من الدھشة

.سيدي أنا منيب البھيدي -

Page 28: أنهار الجنة

- 27 -

- ...........

. عاما20منذ نحو ......عملت معكم في -

أھ; وسھ; يا بني -

. جئت ?طمئن على سيادتكم -

.انفرجت شفتاه عن ابتسامة واھنة

. أھ; وسھ; يا بني -

فيھا بعض أشجار كانت حديقة صغيرة تناثرت..زلقة المنجلس معه في حديالفيكس إلى جانب السور بينما تناثرت بعض الزھور في الداخل على مسافات

بدا على الحديقة اzھمال . من بعضھا ونباتات غريبة لم يفلح في معرفتھاوفي وسطھا ارتفعت دائرة . باستثناء ربما فتح المياه لتجرى فيھا من آن kخر

الب;ط ا?حمر يقود إليھا ممشى يتفرع من المدخل وضعت عليھا صغيرة مندعاه الرجل للجلوس إليھا وھو يرحب به في . مقاعدةمائدة تتوسط بضع

. توجس

عندما ..ھل يتذكر مرارة تركھا في حلقه من سنوات بعيدة..ھل يتذكره الرجلتوسط له كان احد معارفه قد . التحق بالعمل معه بعد تخرجه بسنوات قليلة

ولكنه وجد نفسه مجرد رقم من أرقام كثيرة J حصر لھا في المؤسسة ..عندهوضعوه في القسم الخارجي مع رئيس قسم كان . الكبيرة قلما يحفل بھم احد

وقال أمامه يوما . يعامله بقدر كبير من اJحتقار ويسخر من عمله على الدوامخطر له مرة . أي مھنة أخرىانه لم يولد أبدا للعمل في الصحافة بل ربما في

أن يرد عليه ويكف لسانه عنه فقال له في شيء من التحدي إن حلمه كان أن . يعمل بالصحافة ولوJ أن ا?ستاذ قريبه لمح فيه الموھبة لما أتى به للعمل معه

يتحمل ووقعت كلمة قريبه موقعا مخيفا من رئيس القسم فبدأ يبتعد عنه وفبدأ زم;ؤه اkخرون لرئيس التحرير ر قرابته وشاع أمكوارثه على مضض،

كان رئيس القسم رج; وقورا وصارما ممن عانوا بسبب . يعاملونه بحذرميولھم السياسية وراح ھو يتحسس طريقه إليه مستعينا بخلفيته الماركسية ولكن الرجل شعر انه انتھازي عتيد J يؤمن كثيرا بما يقوله فظلت الع;قة

. ف الطريقبينھما في منتص

Page 29: أنهار الجنة

- 28 -

سلم على رئيس القسم . يوما ما دخل زميل من المؤسسة لم يسبق له أن رآه

وضحك رئيس القسم قائ; له انه دوما يميل إلى . وقال له انه رأى حلما غريبا في مكتب ا جالسقال له الرجل انه رآه. ?ح;متفسير الحياة كلھا عن طريق ا

. له إن العالم J تسيره ا?ح;مضحك رئيس القسم وھو يقول. رئيس التحريرقال والذي كان يتحدث الى رئيس القسم عندما دخل الرجل فجأة تدخل البھيدي

. عندما رأى ذلك الحلمإن مؤخرته Jشك كانت عاريةله في ھدوء وألفة غريبة وللحظة توقف الجميع عن الضحك وخيم الصمت عليھم ونظروا إلى بعضھم

لرجل الذي أھين بعد لحظات وكأنه يفيق من قال له ا. البعض في ذھولوحدث مالم يكن ". من أنت وكيف تتحدث إلى بھذه اللھجة؟: "غيبوبة. شجار كبير انتھي بقيام رئيس التحرير نفسه بطرده من المؤسسة..متوقعا

وخرج البھيدي الى الشارع وقد وعي الدرس بانه يجب دوما أن يحفظ لسانه ، بل وجد بمرور الوقت أن اقع ھبوب الرياحيبتعد عن موشاعره وويقمع م

خفض الجناح وتقديم التنازJت لمن بيدھم اJمر غالبا ما يكون وسيلة للترقي . والصعود

. أردت أن اطمئن عليكم في ھذه ا?جواء العاصفة..سيدي -

:قال له اkخر بعد تمعن . الحمد � الذي J يحمد على مكروه سواه -قامة من قامات الصحافة ..وضى أنا J اصدق ما يحدثالبلد صارت ف -

...أنا J اصدق..مثل سيادتكميا بني J أنا وJ أنت بأيدينا شيء وJ أنا وJ أنت بأيدينا الحكم على -

التاريخ ھو الذي سيحكم يا بني وھو الذي سيعطي لكل ذي حق ..شيء . حقه

: قال وھو يتحسس طريقه بحذر عساه أن يصل إلى ما يريدأنا اشعر بالحزن يا سيدي عندما أرى ھذا التنكر للجميل وعدم -

اJعتراف بالفضل ?صحابه والرغبة في إھالة التراب على من كانوا . اع;ما ومنارات لنا

ولكن عفوا ...يعطي لكل ذي حق حقهالتاريخ جدير بان ...J تقلق يا بني - ....أنت قلت لي اسمك..يا بني

Page 30: أنهار الجنة

- 29 -

.سيدياسمي منيب البھيدي يا - .أنا اذكر ھذا اJسم...لبھيديا...البھيدي -

تھلل اkخر ...أنا يا سيدي رئيس تحرير - الكثير من د جاءت من وكالتكملق..اعذرني يا بني..تذكرت..آه...آه -

وكلما بدأنا نحقق فيھا قيل لنا إنھا شركة أجنبية وتدخلت ..الشكاوى إلينا .جھات أمنية لصالحكم

.أJ ترى ما يحدث حولنا؟..ديكلھا شكاوى كيدية يا سي - كثيرة أنھا...جاءتني قبل الثورة بفترة طويلة... يا بنيالشكاوى قديمة -

. وتفاصيلھا سيئة للغاية .Jشك انھا يا سيدي شكاوى J اساس لھا - . حاول يا بني أن تدرس مصدر الشكاوى وتعالجھا قبل أن تستفحل -

.دنى من ھدفهاقترب منه أكثر وھو يشعر انه قاب قوسين او أھل ترى أن ذلك يمكن أن يجري في ..ولكن...ولكن...سأحاول يا سيدي -

.ھذا الجو؟ .ودع الباقي على هللا...يا بني افعل ما عليك -

:قال له في لھفة .بما تنصحني يا سيدي؟ -

بينما تغضن وجھه وبدا عليه صفراء من التدخين ابتسم الرجل فبانت أسنانه :محه محفورة في ذھنه وھو يصيح به في مكتبهمازالت م;. اثر السنين

.ومن ھذه الساعة..انت مفصول ابتداء من اليوم -

اJسماء الكثيرة التي عبرت اJ القليل من ذكر ت J يربما..ھل يذكر ھو ھذا اليومكثير من امثاله J شك مكثوا في المكان Jشھر او سنوات ..المكان مثل السحب

اكن اخرى دون ان يتركوا فيه أي بصمة او يتركوا قليلة ثم خرجوا منه الى ام . في ذھنه أي ذكرى

النجاح في الحياة J يتحقق بما تتوJه من مناصب وJ بما ..انظر يا بني -

بل من السكينة ...تجمعه من مال وJ بقدرتك على اJحتفاظ باJثنين

Page 31: أنهار الجنة

- 30 -

ك من إحساسك بأنك راض عما تفعله وانه العمل الصائب في تل..الداخلية . اللحظة

: صمت الرجل فنھض وھو يقول له

.ھل تسمح لي يا سيدي أن أتشرف بالمرور عليك من آن kخر؟ - .مرحبا بك دوما يا بني -

عندما خرج من منزله لم يفلح ھواء القاھرة الذي لفح وجھه عبر زجاج السيارة

.في تھدئة مخاوفه بل أججھا أكثر

. يريحهتماسا للطمأنينة لعله يجد عنده ماالرجل العجوز يدرك جيدا انه زاره ال من ا?سماء العديدة التي مرت به في ولكن الرجل J يعرفه اJ باعتباره أسما

الرجل J يمكن أن ..J..J. حياته وليته حتى يذكره في سياق يستحق الذكرفضل أن يراوغه ويتسربل في زي الواعظ والفيلسوف . يبوح له بما لديه

الحياة ھي ا?رصدة . ياة ليست رواية لنجيب محفوظ يا سيديالح. ا?خ;قيالحياة تعني ..المصرفية والفي; التي تحلم بھا زوجتي في التجمع الخامسالحياة ھي شبكة ..السيطرة على الخدمة ومجاملة ا?صدقاء ومساعدة ا?قارب

من الع;قات يمكن أن تلتقط المرء عندما يسقط وJ يكون أسفله سوى الحياة يا سيدي ھي أن تترك الكرة كل من حولك لتسقط في يدك . رالصخو . أنت

كم يا سيدي في ". ضحك كثيرا عندما تذكر كلمات الرجل عن الرضا عن عملهأراھن انه J يوجد شخص واحد في مصر راض ..مصر راضون عما يفعلونه

ھل . هعما يفعله إذا تجاوز ھذا الفعل إعداد كوب من الشاي او مضاجعة زوجتھل المجلس العسكري ..أنت راض عما فعلته او عما تفعله او عما فعلوه بك؟

راض عما يفعله بالمصريين؟ ھل الفلول راضون عما يفعلونه؟ أنا يا سيدي لقد تجاوزت ..أعترف لك بأنني لم أكن راضيا عن أي شيء فعلته في حياتي

عيدة يا سيدي لم سنوات بذمن... زمنذمسألة الرضا ا?خ;قي عن أفعالي منافعل شيئا كنت راضيا عنه سوى ما افعله استجابة لنداء الطبيعة مثل بقية

".؟ھل كنت راضيا عن زواجي مث;. الكائنات الحية ا?خرى

Page 32: أنهار الجنة

- 31 -

عيش عيشة اھلك وكف عن "أخته الكبرى قالت له ساخرة ولكن بنبرة جادة

".أنھم قبلوا بكالبنت من عيلة كبيرة وأنت احمد ربنا ...تطلعاتك المجنونةأنا خريج جامعة من أفضل الجامعات ولدي ...ماذا تعنين أنھم قبلوا بي -

.شقة وأي فتاة تتمنى الزواج مني .قالت له ضاحكة

.ابن الحسب والنسب وا?صول..ما شاء هللا - .ماذا تعني؟ -

تقترب من منطقة ا?لم حثيثا وھو يختفي لھا في شقيقته كانت ھدى تطرق إلى ا?مر كان يواتيه شعور بعدمية الحياة وانعدام كلما بدأت ت..الطريق. ما معني أن نطارد في حياتنا بسبب اعتبارات سخيفة J معنى لھا. جدواھا

.كرر سؤاله مرة أخرى وھو يحدق فيھا بغل ماذا تعنين يا ھدى؟ -هللا يرحمه كان اكبر فخر له أن يدخل ...اعني أن من تواضع � رفعه -

.لة أشبه ببدل رواد الفضاءفرن اJسمنت ببدJ احد ..أرجوك حاذري في ك;مك..ھذا الك;م سخيف..أرجوك...ھدى -

. وأنت تغامرين بتحطيمنا..يعرف شيئا عن ھذه ا?موريا بھيدي يا صغير الحقيقة J يمكن تغييرھا مھما وضعنا عليھا من -

.J تتبطر على البنت..ط;ء . لبنت ليست جميلة كما يجبكل ما قلته أن ا..أنا لم اتبطر عليھا - .والجمال J يبدو جماJ إJ لمن يراه..الجمال ھبة من عند هللا - .وھذا الحول في عينيھا -أنا لم أJحظه أبدا رغم أني اعرف البنت منذ ...ھذا حول خفيف جدا جدا -

J تحدق في الشيء لكي تفضح عيوبه . سنوات إJ عندما نبھتني أنت إليه .لكي ترى مفاتنه ومواطن جمالهبل انظر إليه بحنو

...هللا يرحمه يبدو انه كان فليسوفا أيضا - .ولكن نسله لم يعد كذلك - . اذن اذھبي إليھم غدا ورتبي كل شيء -

وھو يصعد الدرج إلى شقته معھا بعد الفرح وسط الزغاريد وأصوات العرس ھل أنا فع; الذي امسك. لم يكن يصدق ما يحدث كأنه يحدث لشخص آخر

Page 33: أنهار الجنة

- 32 -

ھل ھذه ھي . وھل ھذه ھي فع; التي خرجت بھا من العالم؟..بيدھا وأسير بھاكل ما أسفرت عنه الخياJت الجميلة وا?ح;م الكبيرة والرحلة الطويلة

. في ھذا العالم؟والمعاناة والحرمان المحفوفة باJkم

طق الشقة التي اعتبرھا على الدوام بالمن..كان يضن عليھا في الواقع بشقتهكل .ل أي أسرة محترمة تحلم بمصاھرتهاJقتصادي أحدى ا?صول التي تجع

أصدقائه قالوا له آنذاك لو لديك شقة يمكنك أن تصاھر كبريات العائ;ت أراھا لكثير من أصدقائه حتى قال له زميل ذھب معه إليھا في يوم . بسھولة

. "كون سعيدة بھا ستلو تزوجت فتاة من حي شعبي...وةشقة حل": أثناء دھانھا

ضايقته م;حظة صديقه كثيرا وصنفھا في خانة ا?حقاد ولكن عندما رأى أھل عروسه الشقة لم يكونوا سعداء وھي نفسھا ظلت طوال وقت الزيارة تتنقل بين

.وعندما سألھا عنھا قالت إنھا J بأس بھا. غرفاتھا وھي شبه مھمومة

ه الفي; الضخمة بنوافذھا الكبيرة عندما ذھب ھو وشقيقته لطلب يدھا اذھلتآه لو : المكسوة بالستائر من الداخل والحديقة التي تنبسط امامھا وھمس لنفسه

. اجمل قلي;– التي رآھا مرتين في لقاء دبرته اخته –كانت الفتاة

وقال ?خته التي كانت معھما ذلك اليوم عندما عادا انه أحنقه تعليقھا على الشقةالبنت J تروقه كثيرا وا?سوأ أن شقته J . رف نظر عن ا?مر كلهيفكر أن يص

. تعجبھا

إلى المعصرة يمثل حلم للبن في الدقھليةمنزل مشيد بالطوب اكان اJنتقال من جيل سبقه، وبالنسبة له كانت الرحلة من شقة صغيرة في شارع ضيق في

اخته،. من اkخرينالمعصرة إلى مدينة نصر رحلة كبيرة توقع أن تجد تقديرا وتعيش مع زوجھا المحامي في ا?ميرية، تناديه دوما التي تكبره بعقد ونيف

بأنه ذا عقليةباسم البھيدي الصغير وكثيرا ما تصفه عندما يحتدم الجدل بينھما . اقطاعية وJ ع;قة له باليسار من قريب او بعيد

ھذا العالم الزاحف إلى آتون ..زقھاالثمانينيات بوھجھا وألقھا وتقلباتھا ونانھا

ماركس ولينين وحلم البشرية بمجتمع عالمي كبير ..الثورة العالمية الكبرى

Page 34: أنهار الجنة

- 33 -

. تظلله العدالة وتقود خطاه البروليتاريا لبسط الس;م وا?مل على ا?رض ھتافات وشعارات ومطاردات من الشرطة وجدل سياسي وتنظير وتأطير

قرأ كل ما كتب عن . دأ شغفه باليسارببل ان يعاشتھا اخته وزوجھا المحامي قالماركسية حتى قيل إن الفتي اليافع الذي لم يغادر مقاعد الدرس في الجامعة

عزف عن اJلتحاق بأي . أصبح إحدى حجج اJشتراكية العلمية في مصرقال إن دور المفكر اكبر من أن تستوعبه ا?طر المحدودة لحزب يعمل ..حزب

تسربت ..لى ارض الواقعة ويسعى لتحقيق أھداف محددة عبإيديولوجية ضيقآمنت بھا شقيقته الصغرى التي صارت ت;حقه في كل ندوة . أفكاره إلى ا?سرة

ونقاش وتحظى باJھتمام واzعجاب باعتبارھا شقيقة المفكر البارز والمنظر .الملھم

عقلھا تقبلJ يدري حقا كيف بدأ دفاعه عن حرية الحب يؤثر فيھا وJ كيف اس

صدمه جھرھا برغبتھا في زيارة صديقه اليساري . الصغير ھذه ا?فكار. حاول أن يتوكأ على ما تبقى منه بعد أن زلزلته الفضيحة. المتزوج في السجن

صاح فيھا ..رائه عن حرية الحببأفكاره وآصارحته أخته بإيمانھا الشديد شيء والواقع شيء ندواته في ومع لطمته ذكرھا بان ما يقوله . غاضبا ولطمھا

. آخر

مھند القادم من دولة ..كان من أتباعه ي;حقه مثل ظله..لم يجد أمامه سوى مھندلمحيط الھادر إلى الخليج عربية مجاورة يؤمن بثورة كبرى توحد العرب من ا

يتودد إليھا وھي تصده بشدة ولكن بعد الفضيحة لم اكان يعرف أن مھند .الثائرا?زمة التي كانت منعطفا حادا في حياته جعلته يتخلى عن . هيكن يعرف موقف

بل كل صداقاته التي نشأت بمباركة ماركس ولينين اله ع;قة بالشيوعية كل م . نجلزإو

عارضت أخته بشدة في البداية فكرة الزواج من مھند باعتباره Jجيء ولكنھا بدأ باختبار مھند . Jنت بعد أن ھددت أمھا المريضة باzضراب عن الطعام

. ولدھشته وجد اkخر مرحبا ومبتھجا رغم معرفته بكل شيء

نه بل أطلقت مخاوف جديدة في صدره كما زيارة الصحفي العجوز لم تطمئ. تنطلق الشياطين من عقالھا عندما حدثه عن الشكاوى الكثيرة التي وصلته

Page 35: أنهار الجنة

- 34 -

ھل كان ھناك . ھل كان ھناك عالما سريا يتشكل بعيدا عن رقابته؟..ولكن كيفإذا كان ا?مر كذلك . تكت; يحاول زحزحته من مكانه قبل ما يسمونھا بالثورة؟

. ذھبوا إلى النقابة لشكوته؟نومن يا ترى أولئك الذي. فما أسھل مھمته اkنولكن ھل يمكن أن يتذكر عدد أولئك الذين شردھم من الخدمة؟ ھل يتذكر ا?سد

حبل المشنقة حول رقابھم او د من وضع يتذكر الج;د عدأوعدد فرائسه ھم؟ ربما تمر بخياله مجرد صورة باھتة دون م;مح لوجوھھم يعتصرھا أسماء

. كثر..إنھم كثر..ل لنفسهد وقاتنھ..ا?لم ولكنھا J تلتصق كثيرا بالذاكرة

كانت تكفي كلمة او ھمسة او نبرة احتجاج لكي يستدعي المحرر ويقول له بيله يمضي المحرر إلى حال س. معنا ينتھي بنھاية الشھرعملك..بلھجة جازمة

من تقديم شكوى في أي مكان او الشركة محامي بعد أن يتم تحذيره من قبل الشركة . لن تستفيد شيئا سوى إھدار وقتك وأموالك. "رفع دعوى على الشركةJ احد يستطيع تحديھا او الوقوف ..دايته من نھايتهاخطبوط J احد يعرف ب

احذرك يانا محامي ولكن.. ان توفر نقودكانا انصحك كمصري مثلي..امھاام ". موقفنا قانوني..كنمن ان زم;ئي سيستنزفو

الصق بك . كنت أنت مسئول الفصل حتى قبل أن يختارك رشاد نائبا له

وعندما تدخل " الج;د"وأحيانا " الجزار"المحررون غير المعينين صفة ذات الشفاه السميكة لوى المديرة اzداريةالغرفة الصغيرة في صحبة س

وكانوا ھم يقدمون من . والمحامي يعرفون أن رقبة احدھم ستطيرالشھوانية وقع عليه اJختيار بھدوء ودونما انفعال او غضب مثلما كان أجدادھم يقدمون

صار لديك اعتقاد بان المصريين شعب من ..عروس النيل في رضا وسعادةھم شعب خلق من عجينة مطيعة ..وJ يتذمرون وJ يتمردونالعبيد J يثورون

مثل قطعة اJسفنج مھما تعرضت لكدمات ولطمات وضربات J تترك ..ولينةولكن من أين خرج أولئك الشياطين الذين ..فيھا اثرا وJ تلبث ان تعود لطبيعتھا

من أي بركان أھوج خرج . ؟ھدموا الناموس الراسخ والمستقر في ارض هللا .؟Jء بصيحاتھم المجنونةھؤ

البھيدي الصغير كما ..أنا العبد الضعيف ..دعني أقول لك يا مبارك إنني

كنت أذكى منك كثيرا واعرف شعبي أكثر مما تعرف شعبك ..تسميني أختيالكثير من وأطحت بنفسك الذي اھلكت أنت..رغم انك J تقل عني ميكافيلية

Page 36: أنهار الجنة

- 35 -

كيف فات جھاز ..إلى غياھب المجھولثوابت الحياة وتوشك أن تلقي بي أيضا . أمنك الكبير ما يتھددك من أخطار وما يتھدد كثيرين غيرك؟

. ھل تكون له مقدمات أم انه سينقض عليك فجأة..ولكن كيف سيقع الزلزال

الزJزل في العادة تقع دون سابق إنذار، J احد يستطيع أن يتنبأ بتوقيتھا وJ ما حتى قبل ايعرفھ..الوحيد الذي يعرف نتيجة زلزالهولكنك أنت . تحدثه من دمارعشرات ..تختلج ا?رض أي اخت;جة واھنة لهأن يقع وقبل أن يدخلون عليك غرفتك الصغيرة ..كلھا تصب في تيار واحد..السيناريوھات

وينتزعونك من على مكتبك وتسير معھم في زفة إجبارية منكس الرأس حتى ة وJ جيش وقد J يتورع بعضھم عن لن تكون ھناك شرط...باب المصعد

ن قد يك المعينئحتى زم;..الموتورون كثر. لرك;تتشييعك باللكمات وربما ابعضھم احتج بعد عودة مھند وحصوله . J يضنون عليك ببعض الصفعاتطلبوا منك أن تكتب إلى الشركة ..طالبوا بزيادة..على مرتب يفوق كثيرين منھم

لكنك جبنت عن طلب الزيادة ..غم خبرتھم ا?كبرلمساواتھم به على اJقل رقلت لھم في سخط انك لم تحدد راتب مھند . وظللت تسوف إلى أن عيل صبرھم

ھؤJء لن يتورعوا عن توديعك بأيديھم الخشنة إلى ..ولست مسئوJ عما حدثجانب اkخرين ممن شربوا حتى غصوا من بحور الجور التي تجري في ھذا

. المكان الصغير

وJ حدود مھند عندما يريد شيئا تجده يتصرف بلزوجة من J سقف للخجلعندما عزم . ما تواتيه الجرأة يكون وقحا إلى أقصى حدولكنه حال. للھبوط لديه

س في الصالة وبدا كما لو كان على ترك الوكالة كان يسير مثل الطاوويطلب منك أن ونظر إليك مستغيثا يريد أن . يتوسل إليه أن يبقىعبدالعليم

ولكنك ركبت الموجة أنت اkخر وأعلنت انك J تستطيع . تنصح قريبك بالبقاءكان وقتا صعبا بالنسبة للوكالة فحرب أمريكا في . أن تؤثر عليه في ھذه ا?مور

العراق تصدر طنينا في كل وسائل اzع;م يطغي على كل ما عداھا وكل عينا في وظيفة يطمح إليھا كان مھند م. ا?خبار تصب في مكتب القاھرة

أن ولكنه ترك الوكالة وھو واثق انه يمكنهوموھبة كثيرون ممن يفوقونه كفاءة . ھناكشقيق زوجته يعود إليھا متى شاء طالما كان

Page 37: أنهار الجنة

- 36 -

ناعما ومتفض; ويتحدث معك وكأنه يقول لك إني تجده،تكلمعندما يمھند، ضع نفسي على قدم المساواة أتجاھل أرثا ضخما وھائ; من الثقافة والفكر ?

يحشر نفسه في موضوع خارج العمل احيانا. وھذا تواضع كبير مني..معكيجد بعض الزم;ء يتحدثون فيه فيندفع كش;ل يھدر بالكلمات الغريبة

وا?جنبية ويروح يلوكھا على مھل وھو يقيس جھل مستمعيه الواضح في ا تعلمه عندما كان يسير في لم يتجاوز كثيرا مولكنه في الواقع . م;محھم

. ايام اليسارصھره السابق بارك

ع; سھمه بعد أن اقترح على مھند. في أي لحظةضربل قد ييعرف أن الزلزاالشركة تأسيس خدمة جديدة في المكتب يسعى إلى اJستق;ل بھا عنه ويعامل

بمدير لم يكتف بتوثيق ع;قته. أي ند له..نفسه كما لو كان رئيس تحرير موازالمكتب بل سعى إلى فتح حوار مستمر مع المقر الرئيسي وكل يوم يقدم

في موقع رأ له مقالق". بتطوير العمل"اقتراحات ماسخة حول ما يسميه اسمه فظل يضحك عربي مؤخرا ذيله بلقب المحلل السياسي إلى جانب

: الذي لفت نظره إلى المقالقال للصديق. لساعات .ة محلل كبيرنا في الوكالعلى ا?قل صار لدي -

:قال اJخر ضاحكامصر كان فيھا نقص في كل شيء قبل الثورة وأصبح فيھا فائض في -

فجأة ولد لدينا محللون . كل شيء بعد الثورة إJ في العمل الجاد والتفكيروسياسيون وثوريون J يمكن أن تتخيل في عھد مبارك أنھم كانوا

.موجودين- Jء؟ أين كان يختفي كل ھؤ. .كانوا يعملون تحت السطح حتى رفعت الثورة الغطاء عنھم -مصر تمثل لي في عھد مبارك ...كانوا يختفون تحت غطاء المجروربل -

كل انوع الكوارث وJن الغطاء في تحتھاتبالوعة مجاري ھائلة كانت تخمت ھذا ولكن مقطورة طائشة حط. محكم لم يكن احد ير او يسمع ما فيھا

انا J اصدق ان . والخبائث من ھذه البالوعةقت كل الشرورالغطاء فانطل التي مصر كان فيھا ھذا الكم من الجنون والشرور وكل انواع الموبقات

اJغرب ان يسمي الناس ھذا الطفح المنفلت للصرف . نراھا ونعيشھا . الصحي بالثورة

Page 38: أنهار الجنة

- 37 -

،لى الثورةيقف مھند وسط صالة التحرير ويتخذ سيماء المفكر ويقول تعليقا عمسيرة التاريخ حتمية J يمكن ?حد أن "والبھيدي يعرف انه يقصد المكتب

". يقف أمامھا

طوال اليوم . لم يعد العمل يشغله ولم يعد يقرأ موضوعا ?حد او يراجع تقريراكل . يجلس في مكتبه يراقب الصالة من النافذة الزجاجية وھم جالسون أمامه

من آن kخر ينتزع نفسه من دوامة ا?فكار السوداء لكنه . منھمك أمام جھازهدما يرفع بصره من خلف الزجاج، أحيانا يتوقع، عن. ليلقي نظرة على الصالة

ينتزعونه من على مقعده ويخرجون به في الموكب . يجدھم قادمين إليهان ، كما رآه يحدث مع لموكب الذي رآه يتكرر كثيرا في الكوابيسا. المعتاد

.لواقعآخرين في ا

لم يجد غضاضة في . عفيفي أع;ھم صوتا وان كان يغلب عليه طابع المھرجأن يقف في صالة التحرير ويقول لھم بصوت عال سمعه الجميع حتى محرري

كان ". يا جماعة على فكرة التوريث في مصر قادم J محالة. "قسم اzنجليزيلت بانتقالك الى تعليقا على تعيين زوجتك رئيسة قسم في الوظيفة التي خ

التوريث يبدأ : "وأضاف بعد أن خف الضحك قلي; . منصب رئيس التحرير ". من قاعدة الھرم متجھا إلى قمته

كنت تتحدث إلى جوزيف في الطرقة المؤدية إلى البوفيه وبعد أن مضى توقفت

قلي; ليطمئن الجميع عند دخولك انك لم تسمع شيئا وأJ تعين عليك أن تتخذ او درس واzجراء ضد محرر معين ھو أمر لم يسبق ?حد أن فكر فيهإجراء . عواقبه

ليس حبا في العمل وJ حبا في وجودھا ...زوجتك المقززة تصر على أن تعملھذه ھي الطبقة التي لم تشبع ولن تشبع أبدا ..بالقرب منك بل حبا في جمع النقودلماذا .. ھو مھمتھا وديدنھااكتناز المال ...من السعي إلى المال بكل الطرقفي السابق كان جمع المال وسيلة ل�نفاق ..انحطت ھذه الطبقة في كل شيء

أصبح جمع المال ھو غاية في حد ذاته وأصبح اكتنازه ..على المتع والنزھةفي السابق كان أمثال أولئك الناس يقومون ..يضفي متعة J تعدلھا متعة

رائف يدة يحملون منھا الحكايات والطبرح;ت سنوية إلى أماكن غريبة وجد

Page 39: أنهار الجنة

- 38 -

ھو تكديس ا?موال ..أصبحوا يجيدون شيئا واحدا. عن عالم لم يراه مستمعيھمھذه ..في البنوك وأصبحت متعتھم أن يراجعوا خطابات البنوك كأنھا القصائد

وإذا ما انفقوا فإنھم J ينفقون ..ھي القصائد التي تجعلھم يذوبون عشقا ووجداJيأكلون كما لو كانوا لم يأكلوا من قبل او كأنھم سيحرمون من ...ام على الطعإ

ما بال ھذا المجتمع لم يعد يخرج سوى القادرين على ..تناول الطعام إلى ا?بدتوقف المصريون عن أي نشاط آدمي او إنساني سوى تناول . تناول الطعام

.الطعام والتناسل

الشوارع وتختفي بين أشجار وأنت يا سيدي صورك الكثيرة التي كانت تم�تطل علينا ونحن نسير بينھا فتبعث في قلوبنا الطمأنينة بان عالمنا ..الميادين

متد ركائزه في ت..ھذا عالم في رسوخ الجبال..قواعده راسخة J يبيد ولن يبيدولكن .. بسھولةزيحهوJ احد يستطيع أن ي..ة عقود ونيفا?رض على مدى ست على جوانبھا ا?مواج العاتية تحطمتكانت ت السفينة التي الرياح الھوجاء اقتلع

أفقنا من الدوامة . وحملتھا على صفحتھا في دوامة جھنمية لترتطم بالصخورن على تفى وسيطر صغار البحارة والمتمردويا سيدي لنجد ربان السفينة قد اخ

. يعفالبحر فيه متسع للجم واJ ..قمرة القيادة والدفة وقالوا لنا اصمتوا

في ھذا المكان وعلى ھذا العمود العاري الرابض بين ا?شجار كنت أطالع ابتسامة الثقة، التي تضيئھا الخيوط ...لعملصورتك كل يوم وأنا ذاھب إلى ا

ستعود ھل..وھا وابقوا على العمودرفع .شمس الصباح، تشع منھال الذھبية ابتسامته كما اعتدنا على لتشغله يوما أم سيعلق عليه زعيم آخر ربما نعتاد على

بل ..العاصفة لم تقتلع صورك فقط يا سيدي .ابتسامتك وتقطيبك وعبوسكلم يعد لك في ..رفعت اسمك من على كل مبنى او حتى جدار التصق به يوما

الب;د ما يحمل اسمك سوى مقبرتك التي ستقضي بھا ما يفوق سنوات حكمك ھناك يلتئم شمل ا?سرة مرة .. ومداھاسنوات J يعلم اJ هللا طولھا...المديدة

ھناك في عالم . أخرى بعد أن فرقت بينكم العواصف المسمومة في الحياةيلة للدموع وJ السكون والصمت حيث J ثورة وJ رصاص وJ غازات مس

ھدوء إلى ماJ ..ھدوء..بل ھدوء..ھتافات وJ عسكر وJ شعب وJ شرطة . نھاية

Page 40: أنهار الجنة

- 39 -

دي؟ نحن الذين نعيش على اليابسة نراقب تقلبات كيف داھمك اzعصار يا سينحن الذين نعيش ..المياه الھوجاء يبست جلودنا وتكرمشت من ھول المفاجأة

على الھامش ويمكننا دوما أن نھرب ونترك خلفنا أي دمار خلفته العاصفة فكيف بك أنت يا . اعتصرنا الخوف ولم نعرف للحياة بعدھا طعما او مذاقا

ابد الدوامات والتقلبات واJنف;تات المجنونة وأي صراع مضن سيدي وأنت تكنحن كنا ھناك ووقع أمامنا كل شيء وشھدنا . ذلك الذي خاضته روحك الكبيرة

لكننا ..يديك ترتفع من بين ا?مواج مستنجدة كما صافحت آذاننا استغاثتك النبيلةفنذھب جميعا كنا اجبن من أن نمد يدا إليك خشية أن يجرفنا التيار

اعذرني يا سيدي فا?يدي التي كانت تمتد على الدوام لتتلقى العطايا ...معكلقد اعتادت التلقي واJستقبال ولم تتمرس ...والھبات يصعب أن ترتفع للنجدة

. أبدا على العطاء

Jرضائك لي; ونھارا وJ يواتيھمأين ت;ميذك ومريديك الذين كانوا يسعون ،نعيم بفضل اياديك البيضاء يرسموا لك عالما ورديا يرفل في الالنوم اJ بعد ان

لماذا . اليك دعوات الضائعين في فيافي المحروسة بالتوفيق والنجاحويحملوالماذا اصيبت . صمتوا فجأة ولم يستخدموا حتى اق;مھم في الذود عنك؟ . اصواتھم العالية بالخرس وجفت الكلمات في حلوقھم؟

ام يوليو عندما كان خارجا من ھذا المطعم مع نھى وأوقف تذكر في احد أيلم يشعر بسعادة طوال حياته كما شعر ذلك اليوم حتى انه كان . سيارة أجرة لھا

كانت المرة الثانية التي يخرج . الساعة المعلقة على الجدار بقلقعقارب يراقب نه يولد من ا. لم يشأ ان يمضي الوقت وتمني لو توقف الزمن عن الحركة. معھا

لو ظلت جالسة أمامه إلى ودو لد في عالم جديد لم يألفه من قبل،جديد بل ويوربما لم يكن يشعر بالحركة حوله في المطعم بل والجلبة الخفيفة التي . الصباح

المحسوبةمدل وحركاتھ والكلمات الھامسة للناد ودخولھميثيرھا خروج الروكانت .ة ا?جرة بعينيه سمع من يناديهروھو يشيع سيا. وسط اJضاءة الخفيفة

، يجلس سائقھا السيارة التي توقفت أمامه سيارة فخمة للغاية كل زجاجھا مظللJيمن وھبط الزجاج . في معقده متخشبا كما لو كان تمثاJالخلفي واطل منه ا

وجه عليه نظارة كبيرة ويرتدي قميصا عليه ربطة عنق وتتدلى الى جانبه على . لفي اJيسر حلة معلقة في مشجبالزجاج الخ

Page 41: أنهار الجنة

- 40 -

أفاق من ذھوله واقترب من السيارة ليفاجأ بعادل عمران الذي فتح له باب :السيارة

.؟ما الذي دھاك يا رجل..ناديتك ث;ث مرات وأنت ذاھل - .كنت أفكر..أبدا - .تفكر في ماذا؟ -

:ضحك قائ; .في أحوال الدنيا - .والى أين وصل تفكيرك؟ - .كانلم يصل إلى أي م -

كان عادل يسبقه بعام في الجامعة وعم; سويا في مجلة إع;نات لفترة قصيرة اولته عادل استطاع اJلتحاق بمؤسسة حكومية أم ھو فقد باءت مح. بعد تخرجه

. من الصحفيين والمنظرين المعدودين للنظام في البلديعرف انه أصبح. بالفشلعلى والدسائس ات المؤامرات كما تطفح منه حكايالزعاف قلمه يقطر بالسم

واذا وقع . او حتى اJقتراب منهكل من تسول له نفسه الھجوم على النظامخ;ف بين النظام ودولة اخرى او حتى منظمة تجده J يتورع عن فضح

اصبح النظام يدخره . عوراتھا وكشف ھناتھا وجرجرة تاريخھا في الرغام ل ويفسح له مساحة في الصحف في الخارج او الداخلمعاركه الكبرى سواء

اصبح من اكبر د به وينكل بخصومه حتى قيل انهواJذاعة والتلفزيون ليشيسدنته وازاح كل من كانوا امامه بقلمه ومنطقه القوي ليصبح على ع;قة

. مباشرة بالكبار

. لكنك Jزلت في مكانك في الوكالة؟ - .ما كبيرا في عملكأنت على ما أرى تحقق تقد...وھل لي غيرھا..طبعا - ."نقال" امسك الخشب وكف عن -

.ضحك اJثنان كثيرا . على الناس"النق"طول عمرك بتحب - . أنا توقفت عن ذلك من زمن ?نه لم يعد يأتي بفائدة -

Page 42: أنهار الجنة

- 41 -

كنا نجد الوقت ..ھل تذكر أيام زمان..أنا J أجد وقتا للتلفت حولي -منذ ..ياه..كورنيشبجلسة على المقھى أو نزھة على ال.. لنستمتع بحياتنا

. ھل تذكر عندما كنت اھزمك طوال الليل؟متى لم نلعب شطرنج؟ .كنت تسرق الوزير خلسة - .ولكني لم اكن اضيع فرصة Jخراجه من الساحة..لم أكن اسرقه - . عندما يكون وزيرك في خطراحذرك دوماانا كنت -رقعة الشطرنح مثل الحياة لو اضعت فرصة للتقدم الى اJمام لضاعت -

.؟منذ متى لم نلتق.. وربما J تعودالى اJبد .؟ حتى في التليفونبل قل منذ متى لم نتحدث سويا - .اعتقد اكثر من عام - . لم اعد أراك إJ في التلفزيون...ل�سف - .اعذرني أنا مشغول جدا -

انه يشكو التعاسة . رغم النجاح الكبير الذي يتحدث عنه صديقه شعر بالرثاء لهبينما ھو . على الكورنيشللجلوس على المقھى او حتى نزھةوعدم وجود وقت

لقد تحول ھذا المطعم العادي إلى . من المطعم بعد أن جالس نھى لساعاتخرج; كل مكان ما يشبه الجنة التي غادرھا ادم وحواء منذ قليل بإرادتھما ليجع

. هللا الواسعةيح;ن فيه جنة من جنان

. الحياة تمضي بنا بسرعة..تعيشلكن عليك أن تجد الوقت لكي - .أنا ألقيت بكل ثقلي وراء المؤسسة وربطت مصيري بھا -كلنا نعمل في مؤسسات تشغل جانبا كبيرا من وقتنا ولكننا يجب حتى أن -

...نخترع الوقت لكي نعيشعملي في المؤسسة الصحفية J يمثل ...أنا J اقصد المؤسسة الصحفية -

يمكن أن تستنفذ كل إنھا. لمؤسسة الحاكمةاأنا اقصد ..عبئا بالنسبة لي . وقتك وتشعر انك بحاجة إلى زمن إضافي لكي تلبي احتياجاتھا

.J اعتقد انك مجبر على ذلك - .ليس ھناك إجبار وJ إكراه بل انك تسعى إليھا بكامل ارادتك - .والنتيجة؟ -

Page 43: أنهار الجنة

- 42 -

الحياة ..مجرد محاولة اJ تكون على الھامش انسانيا واقتصاديا ومھنيا -اصبحت صعبة والمھنة اصبحت اصعب حتى علي الصحفي

.القرب من النظام يتيح لك معلومات J تتاح للصحفي العادي..المحترف .ولكنك J تستطيع ان تستخدم كل ما تعرفه -الوزير يلقي بيانا ..ھذا صحيح بل ربما J تستخدم منه شيئا على اJط;ق -

ونقيضه ثم يقول لك ھذا ورديا ولكن عندما تلتقي به يقول عكس الك;م .الك;م لك انت وليس للنشر

.وما الفائدة اذن؟ - :قال ضاحكا

على ،وان لم تستفد منھا مھنيا..نحن نعيش في عالم يعج بالمعلومات - . اJقل يمكنك ان تستفيد بھا في حياتك الشخصية

ربما . مسألة جس نبض بسيطة. خطر له أن يسأله عن الرجل ا?مني الكبير

. ھناك جوانب خافية في عمله J يعرفھا ھوكانت

يمكن أن يؤثر في قرارات خطيرة J تصدر ..ھذا رجل خطير للغاية -ولكني وصلت إلى مرحلة تتيح . انه أيضا مقرب جدا من المؤسسة..منه

انه ودود للغاية . أحيانا التقي به في حفل او اجتماع. لي تجاوزه بسھولة .عهولكن يلزم الحذر في التعامل م

كان يشعر بخطورته ذلك اليوم عندما وافاه في مكتبه كما لو كان خارجا ھل

انه لم يره ولم يتصل . المقھىالى نزھة او ذاھبا للجلوس الى احد اصدقائه فيمكترث به او لبى دعوته وھو غير يي لعلھا المرة الوحيدة الت. به منذ ذلك اللقاء

ته اليه كما تغيرت نظرته الى الكثير لقد تغيرت نظر. هحتى غير راغب في لقائنھى فتحت امامه العالم ليراه اكثر رحابة من ذي قبل وعادت به . من اJشياء

جعلته . رھا الكثير من اJھتمامعالتي لم يكن يللتدقيق في كثير من المسلمات فمھا الصغير عندما يتدفق في يتذكر . عند اشياء كثيرة متأم; وناقدايتوقف غاضب وتھز رأسھا الجميل لتضفي عليه تأكيدا لم يكن ھو في حاجة الك;م ال

.اليه لكي يدرك صدقھا

Page 44: أنهار الجنة

- 43 -

لماذا كانت منقبضة من تلك الزيارة وقالت انھا تفضل لو قطع ع;قته بھذا . الرجل

:قال ضاحكا . انھا جزء من عملي..J يمكن أن اقطع ع;قتي به - . بهك لقاءات منتستطيع على اJقل أن تقلل -حن J نتحدث في أمور السياسة وJ نجلس على المقھى لندخن الشيشة ن -

. ولكنه عمل

لم يكن البھيدي يعرف السبب الذي استدعاه من . استقبله الرجل بترحاب شديدلم يعد يشغله سوى قربه من نھى ومتى يلتقي . اجله ولم يشغل باله بالتفكير فيه

جد المي الزحف إلى بواباتطموحه ف. المكتببھا في الشقة او يراھا في تراجع كثيرا والتطلع الى الفردوس الذي ينعم به الكثير ممن يقلون عنه موھبة،

لو عرض ..شعر انه لم يعد في حاجة إلى المزيد. إزاء الحب الذي م� حياتهرحب به الرجل كثيرا ثم مد له علبة السجائر ولكنه . عليه العالم ما قايضه بھا

.توقف عن التدخينشكره واعتذر بأنه

نحن عملنا J يسمح لنا برفاھية التفكير . حقيقة ھذا تطور ايجابي تماما -عملنا يتطلب أن يكون عقل اzنسان في حالة ..في التوقف عن التدخين

ساعة حتى وھو نائم ولو توقف ضخ النيكوتين يتوقف الذھن 24عمل . عن العمل

ب يوقف شرور التدخين ويوقف الح..ع;جك يا سيدي ھو الحب"ھمس لنفسه

ولكن نھى تقول أنكم انتم اصل الب;ء ومنبع الداء ..كل الشرور في ا?رضص دماء المصريين ويحيلھم إلى تانتم تحمون نظاما يم..ومصدر الشرور كلھا

انتم تدعمون نظاما يدمر الحياة ويقتل الحب ويجعل الشعب يشعر ..أشباه بشربدية بعيدا عن وجوھكم ى القبر حيث الراحة ا?أن اكبر أح;مه ھو الوصول إل

". الكئيبة .التدخين بدأ يرھقني -- Jالمرء عندما تكون جھوده مشتتة وحتى مشاعره يشعر بالضعف و

.يؤدي عمله على ما يرام

Page 45: أنهار الجنة

- 44 -

.تذكر كلمة نھى فقال بصورة اوتوماتيكية

. التدخين J يساعد على التركيز -التركيز . أن له ع;قة بالتركيزانه وھم أن نتخيل ..أنا اعرف ذلك -

. مطلوب جدا في العمل خاصة بالنسبة لنا ولكم ...طبعا...طبعا -النجاح في الحياة يحتاج دوما إلى تقديم تنازJت وتضحيات وعمل -

وJ يمكن للمرء أبدا أن يحرك العالم كيفما يحلو له ووفقا ..موائمات .رالرغباته وفي نفس الوقت يتوقع أن يحقق نجاحا كبي

.. طبعا..طبعا -لكن المرء قد يرتكب ھفوة يمكن أن تؤثر على مسيرته العملية وتحد من -

.فرص نجاحه .قال دون أن يدري ما يقصده محدثه

....طبعا..طبعا -

اخذ الرجل نفسا عميقا من سيجارته ونظر في عينيه وھو ينفث دخانه وعلى .وجھه شبح ابتسامة

- Jتكون متاحة إ J ولئك الذين يقفون إلى جانبھا أبواب النجاح?

. ينتظرون انفراجھا ويتحينونه

:قال في فتور وھو J يدري ما الذي يرمي إليه الرجل

..طبعا -

انه J يدري حقا عما يتحدث الرجل ولكن حديثه بدا له لغزا او انه يتجه في ون ولكن متى كان ھؤJء حقا يتعامل. حذر إلى شيء ما ويريد أن يمھد له جيدا

ومن ". كن فيكون"إنھم يتعاملون مع الشعب بأسلوب . مع أمثالنا بھذا ا?سلوب . يمتلك اJعتراض او حتى القدرة على مناقشة قراراتھم او حتى ھواجسھم

Page 46: أنهار الجنة

- 45 -

صديق حقيقي كما كان مع رؤساء ..بدا له الرجل ودودا وأليفا على غير العادةانه يمقته ..ه من أعماقهولكنه شعر بصورة ما انه يبغض..التحرير السابقين

Jشك انه تأثير نھى عليه . ويمقت كل ما يمثله بل ويمقت النظام الذي يقف خلفهكان يعامله دون . وكراھيتھا لھم التي تسربت إلى حناياه حتى رسخت في داخله

انه في النھاية شخص أجوف . اكتراث كبير كما لو كان يتعامل مع محرر عندهكما تقول نھى يتخفى وراء منصبه وبدونه J حول له وJ مثل بقية افراد النظام

. قوة

....ھل تذكر عما تحدثنا في المرة ا?خيرة التي التقينا فيھا في شھر - . اعتقد أنھا كانت منذ شھرين.نعم يا سيدي - ھل ما زلت تذكر عما تحدثنا؟ -- …………

.ظل صامتا وھو يتطلع إلى الرجل الذي امسك ملفه وفتحه

كنا نتحدث عن التغيير القادم في قمة السلطة في مصر ..كركدعني أذ -

في ا?ولىوانتخابات البرلمان الوشيكة التي نعتبرھا الخطوة ھل تذكر ذلك؟..الطريق

. اذكره..نعم يا سيدي -

ا?لفة الزائدة التي يتحدث بھا الرجل وھذا الود أمر غير معتاد بالنسبة شبه صديقين ولكن أوصديقين وأصبحا ع;قتھما توطدت أنصحيح ..له

ما الذي غيره ھذه ..الرجل احتفظ بشيء من سلطته عليه ولم يفرط فيھا من قبلانه يحدثه كما لو كان ندا وليس تابعا يستطيع أن يوجه إليه ا?وامر ..المرةليس كموظف تابع لھم في مؤسسة ..كلنواھي وينصحه بترك ھذا وعمل ذاوا

تھم من اجل لقمة العيش والحصول على أي مغنم أجنبية يجب أن يلتزم بسياسا .منھم، قد J يكون في النھاية أكثر من كف أذاھم عنه

تستطيع أن تدرك ذلك وأنت وJشك ...ادم J محالةيبدو أن التغيير ق -

.بحاستك الصحفية .ھناك إحساس قوي في الجو..نعم يا سيدي -

Page 47: أنهار الجنة

- 46 -

جسه أمامھم واضحة وان لم يعد يشعر بالخوف منھم بل ھو مستعد أن يبدي ھوا

يمكنه أن . يحدثھم عن عجزھم وعن أشقاء شعب بأكمله بفضل سياساتھم العفنةيقول لھم إن التغيير القادم لن يقدم ولن يؤخر كثيرا إذا كانوا سيسيرون على

يعلن لھم موقفه اkن وھو يشعر بأنفاس نھى تطوف به يمكنه أن. نفس النھجلن يحاول . ن يتعاون معھم حتى لو أغضبھم ذلكل. ومن الحياةمنھم ومن عمله

ثمة ھاجس . أن يتستر على خطأ مالم يكن ھناك دافع إلى ذلك من إدارة الوكالة J لتعبير وحرية الصحافة التييناديه بان يستفزھم بان يتحدث إليھم عن حرية ا

. طريقه للنجاح وJ التقدمبدونھا يعرف المجتمع

ربما يتم اتخاذ خطوات كبيرة خ;ل .. الطبيعيا?مور تمضي في طريقھا -أنا اشعر من التحركات أن كل . 2011 بدايات أوا?شھر القليلة القادمة .شيء ربما يعلن فجأة

أنھل يعقل . خطواتكم ستكون للخلف كما كانت دوماأنJشك "ھمس لنفسه

". ؟اzص;حتتخذوا خطوة جادة نحو

طية الوكالة حاسمة إلى ھذا الحد في تمرير ھل يستدرجني ھذا الرجل؟ ھل تغھذا المشروع الشيطاني؟ على أي حال ما الذي يمكن أن أقدمه له؟ إذا كان يريد

كما يسميھا ف; بأس لدي؟ إنھا أوامر الشركة على أي " المواتية"مني التغطية ولكن ما الذي يريده ھذا الرجل . حال أJ نفعل أي شيء يمكن أن يثير غضبھم

. تحديد؟بال

:صمت الرجل قلي; كأنه يشوقه ثم أردف. الخطوات التالية واضحة ومعدة سلفا ولكنھا تحتاج إلى دقة في التنفيذ -

اzع;م سيلعب دورا حاسما في كل تحركاتنا بداء من اzع;ن عن .التغيرات إلى استتاب ا?مور

روع فھذا غير إذا كنت تطمح في الخروج عن المألوف ودعم الوكالة علنا للمش

أما إذا كنت تريد أن تمشي الوكالة بجانب الحائط فھذا . مستطاع وأنت تعلم ذلك .ما نفعله بالفعل إJ إذا كنت تريدنا أن نمشي داخل الحائط نفسه؟

Page 48: أنهار الجنة

- 47 -

:اتجه إليه الرجل بعد أن أشعل سيجارة جديدة وقال فيما يشبه الھمس

أنت يا ..عة الصفرنحن في انتظار سا..الكوادر جاھزة وكل شيء معد -

.بھيدي من ا?شخاص الذين وضعت أسمائھم ضمن الكوادر الجديدة

.شعر البھيدي بالمقعد يزحف به إلى ا?مام

جھات عدة J داعي لتسميتھا قدمت ..لم أكن الوحيد الذي طرح اسمك - .اسمك مشفوعا بتوصيات طيبة للغاية

كان اJخير يحاول ان .هتوقف قلي; ونظر إلى عيني البھيدي ليرى وقع ك;م .يجمع شتات نفسه ويسيطر عليھا حتى J ينھار امامه

ولكن اليوم فقط وصلتني معلومات غريبة جعلتني اشعر بالندم إنني -

لقد جعلني ذلك اشعر بالخجل أمام جھات عليا J داعي ..قدمت اسمك .لتسميتھا

....ھل...أنا يا سيدي - .لم يمھله اJخر بل صاح بصوت قوي

تخيل عندما تكتب توصية لشخص ما ثم يتضح أن ...ع نفسك مكانيض - .له صحيفة حالة جنائية مشينة

.؟....أنا لدي صحيفة حالة جنائية - ..مث;...بل اضرب لك مث;...أنا لم اقل ذلك - ....ولكن -

: لم يتوقف الرجل ليستمع إليه في يقول لي.. كان معي اkن على الھاتفيس ديوان رئاسة الجمھوريةرئ -

نوع من الشماتة ھذا ھو الرجل الذي رشحته أنت لشغل منصب قيادي . انھا كارثة..في النظام الجديد

ولست ادري إلي أي كارثة تشير حتى . أنا J ادري عما تتحدث يا سيدي - .يتسنى لي الدفاع عن نفسي

Page 49: أنهار الجنة

- 48 -

:قال له الرجل بصوت قوي وجازم

.الكارثة التي اقصدھا اسمھا نھي محمود - سقف الغرفة وجدرانھا بدأت تتلوى وتتثنى ..ت ا?رض تميد به للحظةبدأ

الخزنة التي يبدو أنھا تحوي ا?وراق . وتميل وتتداخل مع بعضھا البعضالھامة والملفات السرية الخطيرة كانت تتأرجح وتتداخل مع مقاعد المائدة

ن خ;ل الكبيرة ثم سارت في الھواء كما لو كانت تتجه الى مغادرة الغرفة مة أمامه بدا انه يقرب وجھه منه النافذة، والرجل الذي يتحرك في الغرف

غمزان له في تهعيناشعر بوجھه ضخما وانفه بارزة و. يضحك ساخراو . حاول أن يتمالك نفسه قلي;. سخرية ثم يتراجع الى الخلف

.إنھا زوجتي يا سيدي - ليست مستحبة ناھيك عن أن فكرة الزواج العرفي...وھذه ھي المصيبة -

في مجتمع شرقي خاصة بالنسبة لرجل قيادي فأنت J تعرف الكثير عن لك إن لھا ھل قالت لك مث; إنھا تحرض ضد النظام؟ ھل قالت . نھى؟

لي; ونھارا؟ ھل ذكرت لك إنھا ليست من أصول مدونة تشتم فيھا مصراستدرجته . ھل تعرف أن زوجھا طلقھا وھو في السجن؟. مصرية؟

. أھله اجبروه على تطليقھا..ل معھا في السياسة حتى دخل السجنللعم . ھل قالت لك كل ذلك؟

رغم أن البھيدي كان يعرف كل ذلك، إJ انه رأى من اJصوب على سبيل

.اJحتياط، أن يبدي دھشته

. لم يمھله الرجل كثيرا

فرص النجاح والترقي J تتاح كل يوم ولكن الحب موجود في كل ساعة - . في كل وقت مثله مثل أي شيء آخرو

: واردف بعد ان زم شفتيه وھز رأسه في JمباJة . إJ إذا كنت تعتبر تلك الخرابة المھجورة التي تعمل بھا آخر طموحاتك -

Page 50: أنهار الجنة

- 49 -

الحب شيء رفيع وسام J . الحب ليس ھو ما تصفه على اzط;ق..J سيدي"

الحب . عظمته وج;لهيقترب من عرشه سوى من ترھبنوا في محرابه وخبروا وھو الھواء الذي ھو الماء الذي يجدد الحياة ويؤدي إلى تدفقھا إلى ا?مام

الحب ھو الوجه الحقيقي . يصيب ھذا الكوكب العطب والفسادماوبدونھنتنفسه ". للحياة وبدونه J تكون الحياة حياة

: بلھجة عملية قاطعةعاجله الرجل

ا?وراق تنتقل بسرعة من مكان ..تعليك أن تحسم أمرك في أقرب وق -

كما J يمكنني أن أتابع ..وأنا J يمكنني أن أعطلھا لدي كثيرا..إلى آخر .كفي ما حدث. ملفا عليه ع;مات استفھام

....أنا يا سيدي -

توقف ورأسه تطن كأن مطارق ضخمة بدأت . لم يستطع أن يكمل بقية ك;مهويرتفع في سماء الغرفة حتى شعر بجسده ينتزع من المكان . تھوي عليھا

ھل أنا حقا في وعيي أم إنني في غيبوبة وما ..ما ھذا..يخترق سقفھا ويغادرھا . ھذا الجو الغريب الذي J استطيع أن امسك فيه بشيء

انتزعه صوت الرجل القوي من الغمامة التي كان يحلق في وسطھا فعاد إلى

: الغرفة

قضية شخصية وJ ع;قة لھا إنھا ..اعرف جيدا ما يدور في ذھنك -بالصورة وبالتحريات ..ولكن ا?مر يتعلق في النھاية بالمظاھر..بالعمل

ونحن ..نحن J نطمح إلى صورة م;ئكية..التي تقوم بھا جھات عديدة .لسنا م;ئكة ?نه J يوجد م;ئكة يعيشون على ا?رض

ويتنفسون نفس J يا سيدي بل ھناك م;ئكة يعيشون بيننا ويتحدثون معنا "

وأنا اعرف الم;ك الوحيد الذي تواضع وھبط على ھذه . الھواء الذي نتنفسه ".J اعتقد يا سيدي انك تعرفه مثلي. ا?رض ليعيش بيننا

Page 51: أنهار الجنة

- 50 -

ربما لو كانت امرأة ليست حولھا ..نحن نريد صورة J تكون فيھا شوائب -لكن مع كل و..ع;مات استفھام كثيرة ولم يكن ھناك زواج لتجاھلنا ا?مر

J ھذه التعقيدات أرى انه ستكون ھناك توصيات مضادة من جھات عدة .داعي لتسميتھا

انه J يصدق انه ..انه J يصدق ما قيل وJ ما يقال..لم يعد البھيدي يشعر بوزنه

ھل ھو الحلم وتداخله مع الواقع كما ..يجلس أمام ھذا الرجل وفي ھذا المكان مع الواقع في قتال عنيف انه كابوس مريع يشتبك. عاشه في ا?شھر ا?خيرة

. يقف بينھما J يعرف إلى ايھما ينتمي ومن ايھما يجب أن يفروھو أنا مثل رجل حائر بين نھرين من انھار الجنة نھر عب ويعب منه ..يا الھي"

".حتى الثمالة ونھر لم يتذوق قط عسله وJ خمره ويقال له اختر احدھما

ئرا بين الحب الذي تمثل له في تلك اللحظة في ساعات من كان البھيدي حا وصور المجد ،محراب الحب في ھذا العالم..مع نھى والشرفةال;نھائي التدفق

والبذخ التي تحف بأساطين النظام وصناع الصحافة والفكر من الكوكبة القليلة أصعب ھذا..آه يا بھيدي لو جمعت بين اJثنين لدانت لك ا?رض. المحيطة به

. خيار تواجھه في حياتك كلھا

امتدت يده إلى علبة السجائر أمامه على المكتب فانتزعت سيجارة بيد مرتعشة وقدم له الرجل الوJعة التي كانت بيده وابتسامة مشجعة وساخرة تتراقص

: على وجھه

.سيجارة لن تضر كثيرا...J بأس -

.ة لسانه انطلق يجادلوكأنما السيجارة فتحت مغاليق فكره وفكت عقد

. ولكن ماذا لو كنت أحب ھذه المرأة؟ -وجودھا . بالجانب العاطفي من الع;قة بل بالحقائقنحن لسنا معنيين -

. عائق وع;مة حمراء في ملفك

Page 52: أنهار الجنة

- 51 -

ولكن يا إلھي ما الذي سيبقى له في الحياة . ھل يمكنه حقا أن يتخلى عن نھىم يعرف الحب في حياته وJ يمكن لعله ل..ھذا الرجل Jشك مجنون. بعد ذلك

وكيف يعرف أمثال . حتى أن يكون من نسل أناس عرفوا الحب من أجيالإنھم يقضون حياتھم غارقين في بحار الكراھية والتعذيب وا?لم . ھؤJء الحب

وJ يمكن إط;قا أن يقف الحب بباب احدھم واJ بدا كمتطفل او متسول . ضرير

. معه تمامالم يشأ أن ينھي الموضوع

.ھل تمنحني فرصة للتفكير في ا?مر؟ -اريد ان . أي في منتصف اكتوبر..لك أن تتخذ القرار خ;ل اسبوع -

أنا أتعلل باستكمال . اتخلص من ھذه الملفات قبل ان تدھمنا اJنتخاباتاتصل بالسكرتير قبل الظھر .بعض ا?وراق فيھا لتأخير ملفك عندي

له انك أزلت الغموض من ا?مر ومالم تتصل قل. لتبلغه بقرارك النھائي. فانا أتفھم موقفك تماما واحترمه أيضا، وسوف احسم ا?مر في ضوءه

نحترم الخيارات الشخصية والعواطف اzنسانية، ونضع ..نحن بشر .المشاعر في موضعھا ال;ئق

أراد أن ينفجر ضاحكا إزاء جملته ا?خيرة، ولكنه لم يكن با?ساس يعرف كيفيتصرف حيالھا وحيال الرجل الذي يلقيھا بل وحيال كل ما يلقي به عليه من

ھل ..ھل تعرفون الحب..ھل انتم حقا تعرفون المشاعر..يا الھي. كوارثأن أكون داخل الرحم وتمتد أيديكم ..تعرفون معنى أن تكون حياتي معلقة بنھى

. الغليظة لتنزع الحبل السري عني

. أنا أشكرك يا سيدي -فكر في ا?مر جيدا وJ تتصل بي إJ بعد أن تكون قد .. إمامك وقت كاف -

أنا اعرف انه خيار صعب ولكن كثيرا ما يقف المرء . درست الموضوع .في مفترق طرق مثل ذلك في حياته

كل ما يحيط بي ..أنا J أقف في مفترق طريق يا سيدي بل أقف في التيه وحدي

Jنأمة فيھا و J حياةصحراء جرداء Jظلمة حالكة اختفت من ..حركة و

Page 53: أنهار الجنة

- 52 -

سمائھا كل النجوم او غابة من كثافتھا وتشابك أغصانھا J تكاد ترى فيھا وأنا حائر بين طريق الحب وطريق المجد J أدري في أيھا أمضي لكني ..كفك

طريق مضيء أشجاره وارفة ..أعرف الطريق ا?ول وسرت فيه كثيراوطريق المجد الذي تبھرك . لسماء والخلودوأطياره تعزف على الدوام لحن ا

عالم ..صوره وتتناھى إليك حكاياته عن عالم J يختلف عن ألف ليلة وليلةالسلطان والسؤدد الذي تحف به العظمة والكبرياء وJ يقربه إJ من كان من

. ذوي الحظوة

ما لقد تغير الكثير منذ لحظة دخوله وكأن..لم يشعر بوزنه وھو يغادر البوابةانه J . البوابة لم تعد ھي وJ الجنود وJ المكان..قضى في المكان سنوات

الوقت ھل تغير كل شيء في ھذا..حو الساعةيصدق انه مر من ھنا منذ ن الليل المقتحم وتلك الكآبة التي تصاحب سعى إلى طمأنة نفسه بأنه. لضيقا

. يحاول إيھام نفسهتقلب الجو في ھذا الوقت من العام، ولكنه كان واثقا انه

كان يحسب للقاء الرجل اJمني ألف حساب ولكن تعدد ع;قته به بداية في اللقاءات لم يعد يثير لديه خوفا او ھواجس بل أصبح أحيانا يجعله يشعر بالقرب

يحدثه أحيانا في أشياء . منه ويعامله معاملة ھي اقرب إلى الصداقة او الزمالةواليس العمل الصحفي في مصر وأحيانا يسر له دقيقة لم يكن يعلمھا عن ك

كل شھر او شھرين يلتقي به مع عدد . بأشياء عن دھاليز الحكم وعالم الكبارمن الصحفيين او يرسل له وحده عندما يكون ھناك خبر J يروقه نشرته

وكان البھيدي . الوكالة ويحاول أن ينبھه إلى بعض الجوانب التي غمضت عليهمر ولكنه كان دوما يلقي باللوم على سياسة الوكالة التي J يمكنه يبدي تفھما ل�

توجيھاته قدر ل أن يستجيب- كما يقول له -ان يغيرھا وان كان يحاول كان يعرف أن سياسة الوكالة ھي عدم إغضاب المسئولين وان حرية . اJمكان

ن الصحافة والشفافية والموضوعية ھي آخر ما يشغل كبار مسئوليھا الذيفي واJرباح عائد الخدمة عدد اJشتراكات وتستحوذ على اھتمامھم حسابات

. نھاية العام

اصبح تركيزه ،ولكن منذ ملف ازمة الجزائر الذي كاد يطيح به من الوكالة. منصبا عليه كما لو كان يعمل تحت قيادته مباشرة او انه كان صاحب الوكالة

امامھم بانه يقوم بعمل اداري عادي يعرف جيدا ان ھذا الرجل الذي يتظاھر

Page 54: أنهار الجنة

- 53 -

يمكنه ان يفعل الكثير في سبيل الدفع بصحفي الى سلم الصعود او تجميده في بات يتلھف بشوق الى مكالمة من سكرتيره او ملحوظة يرسلھا له مع . موضعهلم يغب عن وعيه ابدا الحديث الذي . الذي عرف انه عينھم في الوكالةعمر

لم يغب . عن احتمال وقوع تغيير في صفوف القيادة العليادار بينھما ذلك اليومما ذكره له . عنه ابدا تحذيره من التغيير القريب البعيد الذي يمكن ان يھبط فجأة

الرجل لم يكن سرا بل ھو احساس عام ليس لدى الصحفيين فحسب بل لدى كل ل اJلم ولكنه مث،التغيير يكاد يكون موجودا. المواطنين على ارض المحروسة

ھذا الرجل موكول اليه . تشعر به بشده دون ان تتمكن من اJمساك به او رؤيته ن يذھب في تفسير كل كلمة منهكا. ترتيب الكوادر الجديدة في عالم الصحافة

لصحفيين اخرين دما يكون ھناك اجتماع مع الرجلمذاھب شتى ويحرص، عنا مع يراه الرجل متماشيغيره، ان يبدي رأيه بقوة ودون مواربة لصالح ما

يلتفت اليه مشجعا واحيانا ما ينوه بارائه كان غالبا. وجھات نظر النظام . مستصوبا

. عندما يكون اللقاء معه وحده يتحدث الرجل ب; تحفظ وكأنه يتحدث الى نفسه

من عن اعطاء توقف من ز. يبدو حديثه اليه كما لو كان نوعا من المناجاةوادرك انه يعرف مھمته ربما اكثر مما يفيده أي اليه والتوجيھات راJوام

لم يعد عمل الوكالة، على اJقل في شقھا العربي، يمثل ھما . توجيه او تحذير اطمأن يتخوف منه في البداية ولكنهبالنسبة له واسر الى البھيدي يوما انه كان

ر اصبح من اJمو. ان موافقته على ترشيحه لم تكن خطأفيما بعد تماما ومالم يكن . الروتينية ان يلقي احدھما بكلمة او اخرى عن المشاريع المستقبلية

ھو يبادر البھيدي بالقاء تساؤل يبدو عابرا ليلتقط اJخر الخيط ويبعث اليه . برسالة مطمئنة

صل عمران إلى منحنى سيدور منه متجھا إلى منطقة أخرى في عندما وو

ھبط من السيارة وھو يشعر بان السامية، محمومة ?ھداف المؤسسة مطاردته ال. العالم أضيق مما كان يتخيل، وان الحب ھو الذي يضفي عليه السعة والرحابة

. حمد هللا انه لم يبتلى بالقرب من المؤسسة بل حباه القرب من قلب نھى

عندما كان يعمل محررا صغيرا في بعض الصحف وفي البعض اJخر كان عادل يقضي . انات عن طريق عادل عمرانبالقطعة عرف طريقه الى الح

Page 55: أنهار الجنة

- 54 -

كان يستھويه الجلوس . من حانات وسط البلدالليل متنق; من حانة الى اخرىويتطلع الى سقفھا المرتفع من آن Jخر في شارع عبد الخالق ثروت احداھافي

J تكاد تبين فيه دوامات الدخان التي يرسلھا الجالسون وتمنى لو كانت كل يقول . تروقه المباني القديمة ذات السقف العالي. اھرة بھذا Jرتفاعمباني الق

سك أ تشعر وكأن رحانة اخرىانھا فرصة للتنفس وتجديد الھواء على عكس كان ھو مقتصدا في شرابه حيث يكتفي بزجاجتين او ث;ث من . سترتطم بسقفھا

من الليل البيرة على عكس الكثير من اصدقائه ممن كانوا يقضون جانبا كبيرا جوھا الدافيء الحميم الذي احداھااحب في . يتنقلون بين الحانات المختلفة

عندما زار المكان . اوجده ضيق المكان وقرب الجالسين من بعضھم البعضالكثير من الوجوه القديمة اختفت وظھرت وجوه جديدة، ولكن مؤخرا وجد ان

ضح كما زاد وزنه النادل العجوز الذي كان يعرج قلي; اصبح عرجه اووھو جالس فكر ان يسأل عن ع;ء . واصبحت حركته اكثر تثاق; بين الموائد

كل متردد عليھا يذكره حتى اصبح احدى م;محھا والحانةالذي اشتھرت به على نفس المائدة في ركن على كل يوم كان ع;ء يجلس . واذا افتقده يسأل عنه

احنا : "يقف ويرقص وھو يغني انشودة وعندما يبدأ تأثير الكحول يمين الداخلكان يواصل الرقص لدقائق ثم يجلس ". احنا الحزب الوطني..الحزب الحاكم

: سأل عنه النادل فقال . وھو يلعن العالم كله وينكب على الشراب مرة اخرىاصيب في موقعة الجمل ..هللا يمسيه بالخير...ع;ء بتاع الحزب الوطني..ياه .لمستشفى فترة في ايعالج منذو

:قال له في دھشة ھل كان في المظاھرات في ذلك اليوم؟ - . لتفريق المتظاھرينالتحرير ميدان كان مع الناس الذين دخلوا - تقصد البلطجية؟ - .بل دخلوا Jخ;ء الميدان..انا لم اقل انھم بلطجية -

. مبتسما ومضىتوقف امامه النادل للحظة ثم نظر اليه

في الطابق الرابع عشر يحمل اسما فرعونيا لى ملھي كان عادل عمران يأخذه االكحول يكون افضل كلما ابتعدت عن : من مبنى في وسط البلد ويقول ضاحكا

.ترى ھل ھو ضعف تأثير الجاذبية؟: ثم يسأل ضاحكا. اJرض

Page 56: أنهار الجنة

- 55 -

دخل عادل بدأ يزيد مع ولوجه . ضعفت ع;قته بعادل وبھذه اJماكن من زمن

بح يستنكف الجلوس في الحانات الشعبية التي تجمع عالم الحزب الوطني واص اصبح. مين والطلبة وھواة السياسةاصحاب الحرف والصنايع وصغار المحا

. مختلفينايسھر في اماكن ارقى ويشارب اناس

بدأ اJرتقاء بمقھى ريش والجريون ثم قاطعھما تماما بسبب ھجوم اليساريين الى حانات افخم واماكن اغلى ولم يعد جهات. عليه والفجاجة التي يتحدثون بھا

كان . حريصا على اصطحاب البھيدي معه، وكان اJخير اقل شغفا بصحبتهاول يوم في الشھر يذھب الى ناد ليلي رخيص حيث يشرب ويلقي بكومة من

كن راقصات . النقود على أي راقصة وكأنھا مھمة رسمية كلف بھا ثم يخرجذقات وJ جمي;ت ولكنه كان يستمتع بالقاء نقوده من الدرجة الثالثة J ھن حا

وھو بين ي للبھيديحزينا وبائسا واوشك ان يبكي ثم روبدا وفي ليلة . عليھناليقظة والسكر ان امه تؤثر عليه اخيه اJكبر وانھا تخصه بكل نصيبھا من

. ريع اJرض التي تركھا ابيه ل;سرة

يرا منذ التحق بالحزب وبدأ العمل في تداعت ع;قته بعمران واصبح J يراه كثصحفه ثم ضمه جمال مبارك الى مجلس السياسات فاصبح لقاءه به نادرا وفھم

عندما كان . ك;ھما ان الوضع الجديد جعل صديق الحانات الشعبية بعيد المناليجلس في جروبي او الجريون كان كل الندل يحفون به وكل يتطلع الى تلبية

اما ھو فقد توقف عن . تعد عن ھذه اJماكن وقاطعھا تماماطلبه لكنه حتى اب ته لديھا تدين الطبقة الوسطى القائمالشراب بعد زواجه مباشرة فاسرة زوج

. على التظاھر المغلف بالنفاق

ھو المكان المفضل له للعب الشطرنج مع عادل عمران كان ذلك المقھىدة مرات ان يزور المكان خطر له ع. واخرين ولكنه من زمن لم يتردد عليه

. نوا يتخذونه مكانا ل;لتقاءالقديم لعله يخرج بشيء من زم;ء المھنة الذي كانتف وشذرات من اJخبار التي تتطاير مع . ما يسميه بالمطبخ الصحفيھنا

جو التوتر والتربص والتكتم . دخان الشيشة والسجائر ويتھامس بھا الجلوسبون الشطرنج لم يتمكنوا من علاولئك الذين كانوا يحتى . لموائدھو السائد على ا

البعض ھبط . اخفاء قلقھم وتحولھم عن الرقعة من آن Jخر لمتابعة التلفزيون

Page 57: أنهار الجنة

- 56 -

والبعض ارتفع والبعض اختفى ولكن اJصعب عندما يكون ھؤJء واولئك في نفس المؤسسة يعملون من زمن في مكان واحد ثم تتغير اJوضاع فيصعد من

ة ويھبط من في المقدمة ومع ذلك يتعين على الجميع ان يتعاملوا مع في المؤخرلكن الجميع على ما يبدو مثله جاءوا الى . بعضھم البعض ومع الموقف الجديد

تكان. بأقرانھمھنا لتسقط اJخبار ومعرفة اين القت اJمواج والرياح الھوجاءھم بعض الكلمات، معجلس قلي; وتبادل . وائدھناك حالة من التوتر على الم

يشفع له ان الجميع يعرفون انه على الحياد وخارج دائرة منافساتھم، وان كانت . محصن نوعا مانظراتھم J تخلو من حسد لمعرفتھم ان مكانه في الوكالة

يتحكم يمكن ان منھم ان الرجل الجالس الى جانبھم كان ولكن ھل يدرك احد . المباغتةفي رقاب الكثيرين منھم، لوJ العاصفة

عمران لديه وJشك الكثير . حاول مؤخرا عدة مرات ان يتحدث اليه ويلتقي به

قديم فحسب بل كان من النظام الا مقربا بارزامن المعلومات فھو ليس صحفيJ ھاتف ..ھاتفه J يرد على اJط;ق. في البرلمان قبل حلهايضا عضوا

ول سيرته وتتحدث عن وبدأت الصحف فجأة تتنا. المنزل وJ المحمولالقصور والفلل والشقق وقطع اJراضي السكنية والزراعية التي حصل عليھا

ووصل اJمر الى اتھامه بانه كان .الخارجالداخل وامواله وعقاراته في كان البھيدي يقرأ ذلك وھو شبه مصاب .يتقاضى مرتبا من السفارة اJسرائيلية

الوكالة لقرون لما استطاع ان يحصل على أيعقل ھذا؟ انه لو عمل في. بالذھولاخيرا فھم . يا الھي. قصر وليس شقة..قصر في لبنان. ربع ما حصل عليه

معني ك;مه وشكواه من ضيق الوقت الذي J يتيح له خدمة المؤسسة على ھل كان ھو قاب قوسين او ادنى . جعله ذلك يشعر بالضياع اكثر. الوجه اJكمل

وحلم زوجته المتواضع في ان يكون لھما سخر من حلمه . ھذا العالم فع;؟منم ھو حلم صغير J يليق حقا اJ برجل صغير القيمة ك. في; في التجمع الخامس

. والقامة محدود الطموح مثله

*****

أنا يا سيدي على ا?قل فعلت ما يمليه ..وھو يدخل طريق المقطم ھمس لنفسهاو على ا?قل إذا كان ھناك ..اللومعليه ضميري تجاھك ولن اشعر أبدا ب

ربما لم ..نعم ھو أنا..شخص J ينبغي أن يشعر باللوم لنفسه لتخليه عنك فھو أنا

Page 58: أنهار الجنة

- 57 -

التوريث ا?كبر يا سيدي .. ما حدث كان طبيعيا للغايةيكن ا?مر مقصودا ولكنكان ھو أملنا في استقرار ا?وضاع واستتباب ا?مور على ما ھي عليه لنا

ما آلت إليه ا?مور ?نك لم تحكم قبضتك على ولكن انظر. قادمة الول�جيالجواد اخذ يتململ لعقود دون أن تفلح في ...العنان الذي يھزه جواد جامح

كلما تململ كنت تزجره بشدة خفيفة من العنان حتى أصبح العنان .استئناسهوجاءت الساعة التي انطلق فيھا بعد أن أفلت من . رخوا حول رقبته

ذھبت أنت يا ..انطلق كبركان يضطرم تحت ا?رض Jkف السنين..نانالعالشھاب الذي كان ينير لنا طريق الحياة والنجم الذي كنا ..تائھين سيدي وتركتنا

نرنو إليه فنطمئن إلى أن الفضاء خال من أي أخطار وان طرقنا معبدة وأنھا . لن تستعصي أبدا على خطونا الوئيد

أقنعنا بمعدنك الطيب عندما تتحزب اJمور ..ي سبى القلوبانفعال نجلك يا سيد

مصر كلھا غضبت لضرب أبنائھا في السودان على يد ..وتدلھم السماءالجزائريين وتجاوبت القلوب مع غضب نجلك الشقيق ا?كبر لحامل الراية

صغار رأيت ..كن ھناك وسيلةأتحرق للمشاركة يا سيدي ولكن لم تكنت . القادمولكن لك هللا يا .. نجلك ويرددون كلماتهرون في لحظة وھم يحاورونالقوم يكبأنت الذي قتلت الحلم في المھد وحولته ..أنت الذي قضيت على كل شيء..ماھر

ھا ايامي اJخيرة في إلى كابوس ظل قابعا على صدري ?سابيع حتى ظننت أن .الوكالة

دخول إلى العالم كان الموضوع الصحفي القادم من السودان ھو بوابتي لل

الرجل الذي ..عالم كان سيقوده الرجل الواقف خلفك على درب الوراثة...الجديدولكنك لم تكن تعرف يا سيدي متى تسلمه ..أوكلت إليه قيادة ا?مة من بعدك

كتبه صحفي الموضوع الصحفي .. كل شيءلك هللا يا ماھر فقد أفسدت..الراية الوفد الذاھب فيتمكن من حشر نفسه..امغمور لدينا لم أكن أنا اعرف له اسم

ظل في سلة الموضوعات التي لم . الفريق واختص وكالتنا بالموضوعمعفقد جاء لي; وقرأه صحفي آخر متحذلق قال انه .. ساعة12تراجع ?كثر من

وعندما رأيته أنت في السلة قلت ھذا . غير متوازن ويفتقر إلى الموضوعيةوقد يكون نقطة ..سيراهلكبير ك أن الرجل ا?مني اJ ش..رزق ساقه هللا إليكستكون ممن يركنون إليھم ويثقون بھم وقد يلتفت . بالكباركتحول في ع;قات

لماذا J يرشحونك لقيادة صحيفة من الصحف ..إليك صناع العھد الجديد

Page 59: أنهار الجنة

- 58 -

الكبرى تستخدم فيھا قلمك الذي يسيل شوقا إلى خدمتھم بدJ من ھذا المكان ليكن . عالم اJمتيازات والع;قات مع الحزب. لذي J يعرفك فيه احدالمنزوي ا

ليكن تكئة ..ھذا المكان بكل اضغانه وتنافساته ومزاحماته جزءا من الماضيعوالم تكون ملعبا ?ح;مك ..تنطلق منھا إلى عوالم أرحب وأكثر اتساعا

. الكبيرة

طبعت منه الموضوع الذي حرصت أن تضع اسمك عليه كمراجع وونشرتتخيلت نفسك وأنت تلقيھا أمامه ..عدة نسخ لتحملھا للرجل ا?مني الكبير

وبعد أن تغادر مكتبه يطلب ملفك ..بصورة عابرة فيرقص طربا بعد أن يقرأھاآفاق رؤساء ..كلمة تفتح اkفاق أمامك..ربما كلمة..ملحوظة..ليضع فيه شيئا

ي تسمع عنھا كما ومية الت اzدارة في المؤسسات القالتحرير ورؤساء مجالسحيث ا?موال ب; حساب والرضا ب; ..لو كانت تنتمي إلى عوالم ألف ليلة وليلة

. سقف والصعود ب; حدود

كن يحلم به في الصحف واzذاعات ومواقع اJنترنت حقق الموضوع مالم يوانسالت عليه ا?لقاب . وأصبح المحرر الصغير نجما في سماء الصحافة

الصحفي المصري ..الصحفي الوطني..الصحفي الطليعي..الرائدالصحفي ..وأصبح اسم الوكالة مقرونا بالدفاع عن مصر والمصريين وضمنا ..ا?صيل

النجاح الكبير فاق كل التوقعات وانداح الحلم بداخلك وانت . النظام والتوريثتخيلته ينھض من على مكتبه ويعانقك ثم يسترسل في ...تقدمه للرجل الكبير

حديث طويل عن اللغو في الصحف والقنوات وكل وسائل اzع;م ثم يعرج على موضوعك ليقول انك اثبت أن العمل الجاد J يحتاج إلى الكثير من ربما ..الثرثرة واJنفعال بل يكون باتا وباترا ويحقق المراد وبأسرع الطرق كن دعني كنا مخطأين بدفنك في ھذا المكان الذي J يستوعب كل قدراتك ول

ربما كنت مرشحا لمكان اكبر في أول تغيير ..انظر في ا?مر مليايكفي أن تعرف انك في الحسبان ..ولكني J أعدك متى وJ كيف...يحدث

. واجتزت عتبة اJختبار

المحرر الصغير في ..ھو والصحفي المغمور يحلقان على جناح المجد والشھرة?ول مرة يشعر بالغيرة من ..احدالواقع ينال نصيب ا?سد ولم يذكره ھو

ا?ھم ھو انه ھو الذي سيجني ..ولكن J بأس..لتفت إليه من قبليمحرر لم

Page 60: أنهار الجنة

- 59 -

الكبار الذين يعرفون انه رئيس التحرير في المكان سيسجلونھا باسمه ...الثمار . ويرصدون له المكافأة

ا بعد أيام قليلة كان جوزيف يحدثه باھتمام عن الموضوع فقد اتصل شخص م

عدم التوازن ..نفس الك;م السخيف...رج وأعطاه تقريرا سيئا عنهمن الخاأJ يذكرك اJسم : ولكنه سأل جوزيف ضاحكا..وانعدام الموضوعية

الشخص الذي ..نعم اذكره: غاب للحظات وكأنه يقلب في ذھنه ثم قال ..بشيء . تقدم لشغل وظيفتك من خارج الوكالة

ھنا ھو ..بصون بالناجحين ولكن ليموتوا بغيظھمكم ھم بشعون أولئك الذين يتر

يحتل منصب رئيس التحرير ويمتلك عھدا ل;نط;ق إلي ما ھو اكبر يعرف جيدا ..الطريق طويل ومليء با?شواك..بوادر الحقد بدأت تنطلق..واكبر

شاھده وشارك فيه في كل مراحل حياته وذاق بعض اJنتصار ..ھذا الصراع . الھزائم واJنتكاساتوتجرع مرارة الكثير من

عشرة أيام والقصة تشق طريقھا إلى المزيد من مواقع اJنترنت والمزيد من

يريد أن يجد بعض الوقت ل;تصال بالرجل ..عقول وقلوب القراءربما أمكنه أن يستشف منه ..يريد ان يطرق على الحديد وھو ساخن..ومقابلته

لي العھد او شقيقه ما يكون ورب..شيئا عن تأثير الموضوع في دوائر الكبارم يكن زكريا عزمي يحدثه ذات مرة عندما أل.. ووصله التعليقحتى علقا عليه

رن الھاتف مرات دون أن يرفع السماعة فوجد الجندي يطرق عليه . كان عندهJشك انه . ساعتھا التقط السماعة على الفور. الباب ويبلغه بمن على الھاتف اkخر إلى رؤيته لتھنئته على ھذا النجاح الكبير قرأھا وربما كان يتحرق ھو

. وطمأنته إلى ثقته وثقة الكبار فيه

ولكن اJنتصار الكبير الذي صنعه سھر الليالي واقتات على ا?ح;م العظام .جندي لم يكن احد يعرفه او يتوقعه..يمكن أن يبدده جندي صغير

رة المصري بجوزيف باتحاد الكالكبير منير ماھر المسؤولفجأة اتصل

قدم كرة ال المقال إلى ملف اتحاد وشكره على الموضوع وقال إن مصر ستضمو?ول مرة شعر جوزيف بالقلق وبدأ يقرأ . إلى الفيفا في خ;فھا مع الجزائر

Page 61: أنهار الجنة

- 60 -

لم تكن أنت في . ن اللغة العربيةصة مستجمعا في جھده كل ما يعرفه مالقد أسوأ طلب يمكن أن يدور المكتب في ذلك اليوم وطلب جوزيف من مھن

. وھو أن يرسل ملحوظة بسحب الخبر من النشرة واعتباره كأنه لم يكن..بخلدك لم يفعل شيئا بسعادة منذ التحق بالعمل كسعادته بإلغاء ھذا اوقيل لك إن مھند

.الخبر

كان مھند قد عاد إلى الوكالة بعد أن طفح به الكيل في المكان اkخر الذي فر لك;م بعيدا عنك حول رغبته في العودة ولكنك أوصدت أذنك دونه بدأ ا. منه

. مامه طالما كنت أنت ھنا?نك تعرف في النھاية أن أبواب الوكالة مشرعة أ قد رحل ورحب به رشاد ولدھشتك وافق على تعيينه مما أثار كان عبدالعليم

مة لم ولكنھا، كما ھو الحال دائما، كانت ضجة مكتو..ضجة كبيرة في الصالةوعلى . فالعبيد غالبا ما تكون ثورتھم إلى الداخل، من أثارھا أي شيءىيتبد

سبيل اJحتياط، ولكي تمر ا?مور بھدوء، لم تجد مفرا من التضحية بمحرر . من غير المعينين أبدى امتعاضا واضحا من عودته

مقالته كان في اليوم التالي استقبله جوزيف بالتوبيخ الشديد وقال له فيما قال إن

أن يعقد اجتماعا للمحررين كاتب للوكالة وطلب منهيمكن أن تغلق ث;ثة م. يعترف فيه بان ھذا ليس ا?سلوب اJمثل للتعامل مع مثل ھذه الموضوعات

قال له في النھاية انه سيكتب لرؤسائه ?نه J يمكن أن يتحمل مغبة حدوث أي .شيء

كيف يمكن لجوزيف . لى العالم كلهشعر بالسخط على المحرر وعلى نفسه وعيعرف انه عنصري وحقير ولكن ھذه المرة ا?ولى ..أن يحدثه بھذه الطريقة

كان عليه أن يقول ..كان عليه أن يرد عن نفسه. الذي يعامله فيھا بھذا اJزدراءولكنه Jذ بالصبر ..له أي شيء بدJ من الوقوف أمامه صامتا ومنكسا

.والصمت

جوزيف عند ھذا الحد بل فوجيء به يرسل له خطابا بضمه إلى لم تقف إھانات محاضرة مدتھا ساعتين للتحرير الصحفي كانت مرتبة قبل ذلك بأسبوعين

فكر أن يدخل إليه غرفته ويعاتبه ولكن ربما . وجوزيف ھو الذي يحاضر فيھاانه يعرفه ..ھذا الحقير J يحترم أحدا...انفعل اkخر وحدث ماJ تحمد عقباه

Page 62: أنهار الجنة

- 61 -

رآه مرة يھين زميله البريطاني ويعامله باحتقار لمجرد انه من اصل ..جيداكلما اقترب من ..مر أمام غرفته مرات ولكنه لم يدخل إليه. باكستاني او ھندي

باب الغرفة يشعر بثقل في قدميه ويجد نفسه وكأن قوة تسحبه رغما عنه وفي يعرف انه . البوفيهنھاية المطاف يمضي في طريقه مباشرة وكأنه ذاھب إلى

. في قبضته وتحت رحمته اkن وان ما يكتبه يمكن أن يؤثر عليه

ما الذي يمكن أن..في يوم المحاضرة اتصل بھم صباحا وقال انه مريض. ا?صغر يمسك بأوراقه ويحضر المحاضرة معھميتوقعه عندما يراه زم;ؤه

مر ا?ال لم يثر ربما فھم جوزيف او لم يفھم سبب تمارضه ولكنه على أي ح . مرة أخرى

ولكن ھل ھول جوزيف في . كان أكثر ما يخشاه موقف الكبار في الوكالةمرة اخرى نعود الى التوازن ..تقريره أم كتب تقريرا موضوعيا ومتوازنا؟

كل شيء في ھذا العالم أصبح مريضا الى أي مدى يا الھي ..والموضوعية . بالموضوعية والتوازن

ھا ھو الدرج الذي أوشك أن ..لصعود قد ذھب أدراج الرياحظن أن حلمه با

ما أصعب الطموح وما أبشع . يضع عليه قدميه للصعود يھبط به إلى الجحيمحتى ا?جانب الذين لم يتعلموا فنون الحقد . النجاح في ھذا البلد المنكود

أدرك بعد أن حدثه جوزيف باستفاضة أن . المصري J يتورعون عن إذJلكرؤساء تحرير سابقون ذھبوا إلى حيث ألقت في أخطاء . لم يكن ھيناالخطأ . مماثلة

وجھه في شحوب الموت ..ظل أياما يروح ويغدو إلى العمل وكأنه قضي عليه

وأذناه متدليتان ونظرات عينيه زائغة كرجل يقف في طابور اzعدام ينتظر ود ھي التي تؤرقك ھل كانت الوظيفة أم النق. دوره لتلتف المشنقة حول رقبته

كثيرا؟ ھل ھي الخطط المستقبلية أم الھزيمة اkنية ھي التي كانت فوق جوزيف بوجھه ا?ملس الذي تنزلق عليه مشاعره J يكشف عن أي . طاقتك؟يسعى إلى الخروج بأي شيء من ..يتحدث بحيادية وبرود عندما تحدثه. شيء

كان يعرف في أي جوزيف على ما يبدو. تعبيرات وجھه ولكنه J يفصح . عذاب يعيش وكان يستمتع بذلك

Page 63: أنهار الجنة

- 62 -

يجب أن ..الوقت وطأته ثقيلة والحياة في اJعراف J تطيب له أما ھذا او ذاك

أريد أن . توجه إلى مكتب جوزيف مباشرة. يتخلص من ھذا العذاب الممضقال له في برود دون أن ينصرف عن . اعرف ماذا بشأن تقريرك عن المباراة؟

. لتي كان يطالعھا انه لم يصله شيء بعدا?وراق ا

Jجاءه صوتھا عبر ..عندما شعر أن العالم يكاد يطبق على أنفاسه انتشلته كارذلك الصوت .. كما كان وكما سيظل دومااالھاتف معاتبا ومشجعا ولكنه رقيق

إنھا تصغره بنحو عشرة ..الذي تجد لديه دوما مساحة لفھم الضعف البشريربما كانت ھي الفجوة . ولكنھا تفھم أكثر منه عشرين مرةأعوام او اكثر

أوضحت له أنھا سعت لدى كل الدوائر العليا zقناعھم بالتجاوز . الحضاريةأوشك أن يبكي على الھاتف وھو . عن ھذا الخطأ واJكتفاء بتوجيه إنذار لهته ارتياح من التقطه قارب في لحظا. يحدثھا وقد غمره شعور باJرتياح الشديد

. ا?خيرة بعد أن بدأ يستسلم للغرق

ما الذي . بعد أن اطمأن إلى موضعه في الوكالة بدأت ھواجس أخرى تستبد بهبعد حذف الموضوع تحول لقاء الرجل . يمكن أن يحدث في الجانب اkخر؟

ا?مني من رغبة في تقديم أوراق اعتماده وزيادة رصيده إلى ضرورة لتقديم Jشك أن الرجل قرأ الموضوع وقرأ حذفه أيضا . دثمبررات وحيثيات ما ح

وربما يتساءل لماذا كانت ا?ولى ولماذا كانت الثانية؟ غياب التفسيرات في ھذه استفھام في الحالة ربما يؤدي إلى ضعف موقفه او ربما حتى وضع ع;مة

لمعت في ذھنه فكرة أن يجعل من حذف الموضوع ذريعة . ملفه قد تعوق تقدمهوتخيل نفسه وھو تسجل ضده منھم بدJ من أن يصبح نقطة ضعف لتقربه

جالس أمام الرجل الكبير يشرح له في حماس أن ھناك الكثيرين ممن يتربصون بھذا الوطن ويقفون حائ; دون تقدمه ورفعته ولو بالدس للشرفاء

إذا كان قد خسر في . ھذه طبعا لن يقولھا بل ربما تلفظ بھا الرجل). من أمثاله( . الوكالة فانه سيجعل من ذلك وسيلة للنجاح في العالم ا?وسع

طبع القصة كما نشرت وطبع الملحوظة التي نزلت بعد ذلك بعشرة أيام ووضع

سأله السكرتير ما إذا كان موضوعا . كل ا?وراق في ملف وطلب سكرتيره. رد بان الموضوع ليس عاج;. امنيا عاج; أم يمكن أن ينتظر بعض الوقت

Page 64: أنهار الجنة

- 63 -

بعد ث;ثة أيام اتصل به السكرتير وحدد له موعدا بين الساعة السادسة والسابعة يعرف انه قد ينتظر إلى التاسعة حتى يدخل إليه ولكنه J يستطيع أن . مساء

منذ دخوله المبنى وبمجرد أن يتلفظ . يذھب إليه متأخرا دقيقة واحدة عن الموعدعاجلة ثم يمر بإجراءات عديدة باسمه تتم سلسلة من المكالمات الھاتفية ال

واستجوابات بعضھا يسجل عن عمله ومسكنه وحتى رح;ته إلي الخارج ة نيض الماعتاد ھذه اzجراءات. ومرات تردده على المبنى وتواريخھا وأسبابھا

كما اعتاد اختراق ا?بواب المحصنة وكل شخص يسلمه إلى آخر وينطق اسم في غرفة صغيرة بھا جھاز تلفزيون ربما الرجل الكبير حتى ينتھي به المطاف

ھناك يجلس ويمر عليه جندي . لم يغلق او يتحول عن القناة ا?ولى منذ سنواتكل عشر دقائق ليسأله عن المشروب الذي يريده إلى أن يطرق الباب سكرتير

. الرجل الكبير ويصحبه إليه

ت البوابات ومر على مئاي زار المبنى خيل إليه انه اجتازفي المرة ا?ولى الت . عشرات الوجوه حتى وصل إليه

. يمكن أن يتجاوز ما يبدو عليه للجميععمرفي تلك ا?يام لم يكن يشعر أن

يتعامل مع الجھات ا?منية Jستخراج في الوكالة مجرد موظف صغير تصاريح العمل للصحفيين ا?جانب والموافقات ا?منية وحجز تذاكر الطيران

يقوم بعمله في صمت وكل شيء في مظھره او سلوكه عمركان . وما إليھاموظف صغير من الموظفين ..يعزز لدى الجميع الشعور بوضعه المعروف

. اzداريين في الوكالة

كان رشاد قد أحيل إلى التقاعد قبل بلوغه سن المعاش بسبب حالته الصحية أعلن مدير ..كالةالتي J يرجى منھا شفاء وبدأت التكھنات المجنونة في الو

بالنيابة ..المكتب عن ثقته به كرئيس تحرير بالنيابة ولكن ذلك لم يكن كافيا . معناھا أن ا?مر ليس نھائيا ويمكن أن يذھب في أي لحظة من بين يديه

بما الوحيدة التي تتعاطف معهر. ليس لديه زوجة أمريكية او بريطانية لتدعمه

انه ليس .. معناه شيء واحدفي ھذا التوقيتكارJ ولكن الحديث إلى كارJ ھي يمكن أن . مطمئنا إلى جوزيف وقد يقود ذلك جوزيف إلى سلوك مناويء له

Page 65: أنهار الجنة

- 64 -

ظل أياما يوازن بين . يتحدى كارJ فھو رئيسه المباشر والمسئول عن المكتب : وھو يدخل المكتبعمرالفعل وعدم الفعل إلى اليوم الذي استوقفه فيه

.أستاذ بھيدي - ....نعم - مكانه خلف مكتب اJستقبال الذي يتخذ شكل نصف دائرة واقترب عمرترك

.كان المكان خاليا..منه وبيده بطاقة صغيرةيمكنك أن تتصل بسكرتيره على ..خ;ل أيامھذا الرجل يريد أن يراك -

. ھذا الرقم وتحدد معه موعدا

ن الوكالة ھذا اJسم معروف وسبق أن استدعى البعض م..ارتبك البھيدي قلي;للتحقيق معھم في تفاصيل عملھم وما نشروه او التلفزيونية ومن القنوات

ولكنه لم يفعل شيئا في الفترة ا?خيرة وJ حتى فعل شيئا طوال . او بثوهأذاعوهحياته ضد النظام وJ يذكر أن الوكالة نشرت مؤخرا أي شيء يمكن أن يكون

. موضع خ;ف مع الحكومة

:من نظراته الحائرة القلقة فابتسم له عمرأشفق عليه ..الزيارة خير.. يا استاذ بھيديخير أن شاء هللا -

يا الھي ولكنه لم يلتق أبدا بھذا .. بدت له كقشه يتعلق بھا غريقعمرابتسامة . الرجل وJ يتوقع أبدا أن يأتي منه خير

ھا أن إشارة معناعمربمجرد أن دخل محرر آخر من باب الوكالة أشار إليه

. الموضوع الذي تحدثا فيه يجب أن يظل سرا

عمر. الحقيقي الذي J يعرفه احدعمر ودور عمرأشرقت عليه عندئذ أھمية فكر كثيرا من قبل لماذا يتصرف بكل ھذه الثقة وھو ..ھو عين ا?من في الوكالة

مجرد جزء من جيش اzداريين الذين J يحفل بھم احد في ..موظف صغير . الخدمة

اkن دھشته عندما دخل مكتب الرجل اJمني الكبير للمرة يستطيع أن يتذكركان جالسا خلف مكتب ضخم على يمينه مائدة صغيرة الى جانب . اJولى

Page 66: أنهار الجنة

- 65 -

بألوان وأشكال مختلفة ھاتفالمكتب صفت عليھا نحو خمسة او ستة أجھزة ر خلفه خزنة صغيرة ثم جدا. ووضعت عليھا أيضا عدد من علب السجائر

يجعل المكان الذي يجلس فيه أشبه بمربع صغير والى يمين المكتب من ا?مام تمتد الغرفة مستطيلة حيث توجد بھا مائدة اجتماعات طويلة صفت حولھا

مقاعد من الجلد كلھا من شكل واحد ووضعت في تنسيق غريب كأن أحدا لم يكن أدنى منھا يجلس عليھا أبدا وقبل آخر مقعد من ناحيته بجوار الخزنة وان

وعلى الجدران وضعت ملفات على ارفف من الخشب . وضعت ث;جة صغيرة . معلقة على الجدار

قال في نفسه Jشك أن ھذه المائدة ھي التي يتم استجواب الصحفيين عليھا قبل

قال له جوزيف أنھم أحيانا يعاقبونھم بتركھم . أن يتم اتخاذ إجراءات ضدھمة في انتظار استجوابھم لمدة خمس ساعات ثم يسمحون جالسين إلى ھذه المائد

نظر الرجل في ملف كان أمامه بعد أن قلب . لھم بالذھاب دون أي اجراء : أوراقه ووصل إلى نھايتھا ثم عاد إلى المنتصف ثانية

- Jوافقنا على تعيينك في منصب رئيس التحرير بعد تزكية من كار...

: ة ثم قالوبدا انه يمھله حتى يبتلع المفاجأ. الوكاJت ا?جنبية يكون موقفھا حساسا في معالجة الشؤون المحلية -

نحن بالطبع J نفرض عليھا رقابة مثل الصحف وJ يعرضون علينا ولذا تعين أن يكون ھناك بعض التدقيق في تعيين . ا?خبار قبل بثھا

.كارJ تنسق معنا في الغالب في مثل ھذه ا?مور. رؤساء التحرير بھا- ............ أنا أحببت أن أقابلك ?ھنئك على المنصب وان الفت انتباھك إلى أننا -

نھتم كثيرا بما يقال عن مصر في النشرة وخاصة ما يترجم منھا إلى في النشرة اzنجليزية في العادة تقول الوكاJت ما تريد . اللغة العربية

النشرة العربية في. شريطة إJ تمس ا?مور ا?منية والسياسة العليا .تكون ا?مور أكثر حساسية ودقة

: ازدرد ريقه وھو يقول

.افھم ذلك يا سيدي -

Page 67: أنهار الجنة

- 66 -

قالت كارJ إن لك خبرة طويلة في المكان وتعرف جيدا أسلوب العمل - أليس كذلك؟..وما يتعين أن تقوم به

غير أني أرجو أJ تبخل على بتوجيھاتك ..اعرف ذلك ..نعم يا سيدي - .ناك أي تقصير من جانبيكلما شعرت بان ھ

:قال الرجل في صوت قوي وصارمينبغي أJ يكون ھناك أي مكان للتقصير ومع ذلك سنكون أنا وأنت على -

رشاد هللا يرحمه كان صديقا لي وقبله مھدي عبدالعليم هللا ..اتصال دائمعملنا يحتاج إلى تنسيق دائم حتى نتجنب الوقوع في ..يرحمه ھو اJخر

. الخطأ . ياسيديطبعا -فيما عدا ذلك نحن J نتدخل وJ يعنينا ما يحدث ...نحن يھمنا التغطية -

.ھناك ....J افھم ما تعني يا سيدي -توظيف غير ..اقصد إنني اعرف أن لديكم كوارث في المكتب -

تھرب من أي التزامات مالية تجاه التأمينات اJجتماعية ...قانوني ...أخرى كثيرةوتھرب ضريبي أيضا وفصل تعسفي وكوارث

.نحن يا سيدي نلتزم بالقانون قدر اJمكان -الترخيص الذي حصلتم عليه للعمل ھنا J . J يوجد أدنى التزام بالقانون -

يسمح لكم بما تفعلونه من التھرب الضريبي والتھرب من التزاماتكم إزاء الموظفين ولكن ھذه ا?مور نحن نعرفھا ونتابعھا ونتغاضى عنھا

. ا أمور ثانوية عندما تكون ھناك تغطية ايجابية صحيحةباعتبار أنھما تتحدث عنه يا سيدي يتعلق بترتيبات إدارية وليست جوانب تحريرية -

.أنا على إط;ع بھاانه جزء من . أنا اعلم جيدا ما يدور لديكم في الوكالة وبالتفاصيل الدقيقة -

.عملنا- ................ نقل إليھم كل شيء ولكنه رغم ذلك J يالذي ھو .. لعنة هللا عليهعمرانه

بصورة ما يبدو انه أھم شخص في الوكالة عمر. يستطيع أن يقترب منهتذكر عندما أجرت صحفية تم تھريبھا إلى دبي . ولكنه حريص على التخفي

بعد ث;ثة أيام كان . حوارا مع احد أقطاب اzخوانھم لكي تبتعد عن مضايقات

Page 68: أنهار الجنة

- 67 -

عمرجد شخصين غريبين عن الوكالة يتھامسان مع داخ; المكتب عندما و . وجاءته ا?نباء بعد قليل بانھما أخذا معھما الصحفية. في اJستقبال

في انتظار مقابلته راح يقلب ملف وھو جالس وحده في الغرفة الصغيرة

يشاھد التلفزيون الذي J يبث سوى القناة ا?ولى رغم وجود الملغية والمقالةرشاد جاءه المنصب فجأة . أن الحياة J تستحق كل ھذه العناء خطر له .دش

. تشف مرض زوجته التي اختفت بسرعةولكن لم يمض عليه اشھر حتى اك والقوة التي تدفعھا الى اJستمرار توجھھاالبوصلة التي ..كانت محور حياته

السن ازداد تعلقھما ببعضھما حتى اصبحا اشبه بكائنكلما تقدما في . والبقاءلم يكن يشغلھما عن بعض أوJد سوى ابنة للزوجة . واحد ينفصل ويندمج

.من رجل آخر متزوجة ومشغولة بأطفالھا خارج مصر

لكن بمجرد اختفائھا من عالمه بدا كما لو كان يتداعى وJ يستطيع على ىبدا مثل شجرة تعصف بھا ريح شديدة وJ تقو. اJستمرار بدونھان يترك وحده يعيش في شقتھما مع كل ذكرياته آلمه أ..المقاومة طوي;

أوراق ..منقوصةواشكال خطوط وألوان ..وبقايا لوحاتھا التي لم تكملھاجمع بينھما . تركتھا مجرد سكتشات عليھا خربشات لم تتضح م;محھا بعد

. ن لم يجد ھو ابدا الوقت لممارسة ھوايته مثلھااما للرسم وحبھ

. وأثناء استيقاظه من النوم شعر بإعياء شديد من رحيلھا بعد ث;ثة اشھر. كان ك;م الطبيب باترا. فحصه الطبيب وطلب منھا إجراء تحلي;ت كثيرةرفض في البداية ولكنه . عليه أن يبدأ في الحال الع;ج باzشعاع والكيماوي

ھل كانت صدفة أن يكون نفس المرض . رضخ ?وامره في نھاية المطاف وان يكون اكتشافه له أيضا بالصدفة كما حدث الذي رحلت به زوجته

. معھا؟

قال . كانت تزور ابنتھا عندما شعرت بألم في البطن واتجھت إلي الطبيبلھا إن ا?مل ضعيف فقد استفحل المرض ولم يعد ثمة طريقة zيقافه ولكن

سألت الطبيب عن الفترة التي قد يستغرقھا المرض لكي . J مفر من الع;جقال لھا إن الحياة J تقاس بالساعة ولكن ا?مر قد . فاسھا تمامايخمد أن

. بريطانياق بھا في حل لياتصلت برشاد. أسابيعسبعة إلى خمسةيستغرق من

Page 69: أنهار الجنة

- 68 -

أرادت أن تعيش معه ..أوعزت إليه أن يطلب من العمل عطلة طويلة طويلةخرجت من تتقافز حوله مثل فراشة ظلت. لحظة متبقية من حياتھاكل تلوح لھا عن كثب الھوة المظلمة التي لن تلبث أن تقفز فيھا نقة لتوھا الشر ..ش;Jت وغابات وجسور وحدائق..أخذته إلى أماكن كثيرة. وحدھا

لم تكن تھدأ كأنھا تريد ان تعب .والتقطت معه عددا J يحصى من الصورمرح كانت تلھو وت..من الحياة ما يفوق طاقتھا للتزود به في رحلتھا الطويلة

يھدھا التعب واJلم الى ان وكأنھا ولدت في الحياة توا وتسعى الى اكتشافھاكانت تقھر الموت بالضحك واللھو واستقطار الحياة من كل ..ي;لفتھدأ ق

ولكن اJبتسامة كانت تغيض من وجھھا وتتراجع لتخلي محلھا شيء حولھا يھا سوى الظلمة حفھا فلصورة تقتحم خيالھا عن رحلة تقوم بھا وحدھا J ي

كان ھو عندما تستسلم للمسكنات وتنام يظل . والخوف وبرودة الوحدةساھرا الى جانبھا يبكي عجزه عن الحيلولة بينھا وبين السير في ھذا

ك يعيدھا الى تيار حياته الذي يوش..يريد ان يستردھا اليه..الطريق الطويلله مثل طفلة صغيرة تقول له وھي تتقافز حو. ان يتوقف وتغيض منه المياه

:تحاول ان تعرف اكبر قدر عن الغابة قبل ان تغيب الشمس بعد سنوات وتتذكرني وتقول انك كنت تحب إلى ھذه الصورستنظر -

في شيخوختك ستكون ھذه الصور انيسا لك في وحدتك ..ھذه المرأةكم ساعة ستقضي في مطالعة ھذه الصور كل . وتذكرك بأيامنا معا

".يوم؟ .وضعھا في قلبي دوماسيكون م -. ترفع الصورة بصعوبة لكي تطالع تفاصيلھافي التسعين عجوزا اتخيلك -

ھل يظل حبي في قلبك على مدى اربعة عقود، بينما اعيش انا في عالم . آخر

. ستعيشين في قلبي الى اJبد -

ن ينتھي ا?سبوع ا?ول بعد الشھر ا?ول بدأت الحياة تغيض من أقبل تقو على الحركة بسھولة وطالعته بوجه شاحب، باسم وجھھا ولم تعد

بعد أيام . ومودع يعكس نوعا من التسليم الرافض لفكرة اقترابه من النھايةكان يسير مع بعض أقاربھا والغيبوبة المتقطعة قليلة من اJkم الشديدة

. الذين J يعرفھم وJ يعرفونه إلى الكنيسة ليواروھا الثرى

Page 70: أنهار الجنة

- 69 -

. و يقول لنفسه إن الحياة J تستحق بالفعل كل ھذا العناءوھالبھيدي تنھد ولكن لماذا J تنتابك حاJت التأمل حول عدم جدوى الحياة إJ في تلك

عندما يكون ھناك شيئا ما ھاما ..اللحظات التي تشعر أنھا مفصلية في حياتكيعترف انه نوع من . الزھد، وھو يعترف بذلك، ليس من شيمه. على المحك

ويض او العزاء عندما يخسر شيئا او تفوته فرصة الحصول عليه، التعولعله في جانب منه نتاج المزاج السوداوي الھزائمي الذي يغلب عليه في

الزھد والقھر يستجلب أي منھما اkخر ولكن ايھما يكون . تلك ا?حيان . المقدمة وايھما يكون النتيجة؟

تريد أن . J تتمسح في انكار الذاتJ تتصنع الزھد أبدا و..زوجته أقوى منه

ع بحياتھا تتعرف كيف تستم..تأخذه كام;..تأخذ نصيبھا من كل شيءومع ذلك يغيظه . وتعتصر السعادة حتى آخر قطراتھا من كل شيء تفعله

حرصھا الشديد على اJدخار والنظر إلى الحياة بانفعاJتھا وصخبھا إنھا . فتحة ماكينة الصرف اkليوكل ما فيھا من ھجھا اوآJمھا ومبوحزنھا

بقايا بشر ..البرجوازية المصرية الصغيرة التي أكل الدھر عليھا وشربومع ذلك . يتحركون ويأكلون ويتناسلون وھم J يدركون أنھم أشباه بشر

يشعر بالسخط عندما يجد حقيبة الخادمة ممتلئة أثناء انصرافھا وJ يتردد زوجته ترسم المستقبل با?رقام . الحقيبة عما تحويه – زوجته –في سؤالھا

. والتواريخ وتحقق ما تريده بثقة في اغلب ا?حيان

لم تشعر أبدا بالقلق او . كره فيھا ثقتھا في المستقبل واطمئنانھا إلى الغدوعندما طرق عليه سكرتير الرجل الكبير المكتب كان . الحزن لفقدان شيء

. زواج خاطئة كما كانت في كل شيء؟يتساءل لماذا كانت اختياراته في ال

. لعله راجعه قبل أن يستدعيه.. عندما وجد ملفه على مكتب الرجلتفاءل وكاJت –إع;م "كان مغلقا وعليه اسمه ومكتوب أسفله بين قوسين

بعد التحيات المعتادة أعطاه الملف الذي أعده وبدأ يرتب في ذھنه ". أجنبيةيجب أJ يغادر المكتب . جل zقناعه انه رجلھما?فكار التي سيناقشھا مع الر

خدمة ..إJ وقد اقتنع الرجل انه يستحق دورا كبيرا قد يكون ھو وسيلته إليها?وراق التي سلمھا له بسرعة ثم نظرة على الرجل ألقى. وتقربا للنظام

:وضعھا إلى جانبه وأشعل سيجارة وابتسم له

Page 71: أنهار الجنة

- 70 -

.تخيل فع;سيدي يبدو أن أعداء النظام أكثر مما ن -

. ولكن قبل أن يسترسل زم الرجل شفتيه ونفث الدخان من فمه .ھذا موضوع تافه J تشغل نفسك به كثيرا -ولكن يا سيدي الصحف ووسائل اzع;م كلھا مقلوبة رأسا على ..تافه -

..لقد تحدث حتى نجل الرئيس..عقب .من الذي تحدث؟..لقد قلتھا..حسنا -

ھل اخطأ بذكر . عين عليه تجنب الوقوع فيهشعر أن الرجل ينصب له فخا يت .ھل يكون ذكره ھنا من المحرمات؟..نجل الرئيس

..اقصد يا سيدي أن السيد ع;ء مبارك غاضب - .قاطعه الرجل بسرعة

السيد ع;ء مبارك ھو الذي تحدث وھو الذي غضب وھو الذي - لماذا؟..شتم

ر على اzيقاع تخيل أن الرجل يجرب معه فخا آخر ومص..بدأ يرتبك أكثر

.به ..J ادري يا سيدي -

: مال عليه الرجل قلي; .ھذا ك;م ما كنت أقوله لك لوJ ثقتي بأنك لن تتحدث فيه حتى إلى نفسك -

.شعر بالقرب من الرجل ولھج لسانه مشجعا ..نعم يا سيدي -المسألة كلھا صراع بين الحيتان في عالم البيزنس انجرت إليه الدولتان -

ع;مھما وكل شيء حتى أصبح وكأنه لم يعد ينقصنا سوى بشعبيھما وإالموضوع صراع تجاري بين ع;ء مبارك وشقيق . إع;ن الحرب

القيادة السياسية ..الرئيس ابو تفليقة انطلق إلى العلن تحت غطاء رياضيما اJشارة في البلدين تعرف ذلك جيدا ولكن J مصر وJ الجزائر يمكنھ

. ذلكالى

.م أردفصمت قلي; ث

Page 72: أنهار الجنة

- 71 -

ه لوقت إخفاؤJشيء يمكن ..ستجد ذلك يوما ما في الصحف لدينا -نحن بالطبع نؤدي عملنا في أJ نترك الموضوع ينفجر اkن حتى ..طويل

J يجعل وضع القيادة السياسية حرجا في حمأة الموقف ولكن الشيء J المؤكد أن كل شيء سيعرف يوما ما ربما في ظروف أفضل بحيث

.لذي يمكن أن يتركه اkنيترك ا?ثر ا ولكن المشكلة يا سيدي انه وقعت ھجمات كثيرة على شركات مصرية -

.وأفراد مصريين في الجزائر وھناك حالة من التحفز بين الشعبينع;قة ..مھمتنا أJ نجعل ا?مور تتسع أكثر من ذلك..ھذه ضريبة الفساد -

.ھاية المطافوھذا ھو ما نحرص عليه في ن..الشعبين ع;قة تاريخية

: م قاللدخان من السيجارة فتوھجت قلي; ثصمت ريثما سحب الكن على أي حال كنا نتمنى أن يكون موقف مصر في الملعب أفضل -

..كان ذلك سيساعد كثيرا..من ذلك .. امام الفيفاتقصد يا سيدي انه كان سيجعل موقفنا أفضل في الخ;ف -- J..J..ط;قzاقصد ذلك على ا J ا?مور في مصر ربما تتجه .أنا

Jتخاذ منحنى آخر خ;ل ا?شھر او السنوات القليلة القادمة وكان . وصولنا إلى كأس العالم سيعتبر أمرا مبشرا

.تقصد يا سيدي أننا يمكن أن نحصل على الكأس؟ - :ضحك الرجل بصوت عال

- J..J..أتحدث عن الكرة إط;قا J أتحدث عن السياسة..أنا. يدي تغييرا سياسيا؟تقصد يا س - ...تغيير في أعلى ھياكل الحكم..نعم تغيير سياسي - ؟.............. - ..تغيير رئاسي..نعم -- ................... إحساسنا بالفشل في الملعب وضياع الضجة اzع;مية التي كانت -

ستصاحب الفوز واقترانھا بدJ من ذلك بالتناطح في عالم البيزنس في النجاح . ى على الموضوع كل ھذا اJنفعال الشديدالخارج ھو ما أضف

ولكن ل�سف ا?وJد كان..في الملعب كان جزءا تمھيديا من السيناريو

Page 73: أنهار الجنة

- 72 -

ربما بعض ...لكن ذلك J يعني حدوث تغيير في الخطط..ھم ضعيفاأداؤ .التأجيل او بعض التعدي;ت

دنيا ھمس لنفسه ھا ھو التغيير المنشود الذي قد يحمله على جناحه إلى

.الكبار يلوح في ا?فق .نتمنى يا سيدي أن يتم ذلك التغيير بسرعة حتى تستقر ا?مور وتھدأ -ولكننا نشعر أنھا ربما تكون ..J احد يعرف متى ستكون شرارة البدء -

. قريبة . ف; يكاد شعر بوزنهقال وھو تعلو به سحابة من اللھفة

.نتمنى ذلك يا سيدي - .ده دJلة على انتھاء وقتهونھض الرجل وھو يمد له ي

.الموقف دقيق ويحتاج إلى توخي الحرص الشديد - .أنا واثق أن ا?مور ستسير على ما يرام -

.قالھا وھو يسبق الرجل إلى باب الغرفة

كانت الظلمة قد بدأت تتشكل في ا?فق . عندما خرج من المكان اخذ نفسا عميقازي ونسمة ندية تمر وكأنھا J تريد والمصابيح تبدو قوية واثقة أمام الليل الغا

ثم توقف إلى جانب نصف كيلومترمضى بالسيارة نحو . أن تعلن عن نفسھابعض عبارات او ..أشعل سيجارة وراح يستعيد المقابلة من أولھا. الرصيف

لفتات او اشارات ربما نسيھا من فرط انفعاله او بعض الكلمات ربما أفلتت منه كان J شك انه ..ل امن J تفوته حتى طرفة عين رجلكن الرجل الجالس أمامه

ولكن ھل وفق ھو . يقرأ ذھنه طوال الوقت كأنه يقرأ من كتاب مبسوط أمامهھذا الرجل من صناع النجوم وJشك في عالم ..في خلق انطباع طيب عنده

تقاريره وكلماته من . الصحافة أن لم يكن من اكبر صناعھا على اzط;قولكنه على أي حال يثق فيه . مة في صعود وھبوط كثيرينالمؤكد تكون حاس

ھل يمكن ..وإJ ما باح له بھذه ا?سرار التي J يمكن أن يبوح بھا إJ لصديقأن ينتقد النظام أمامه إJ إذا كان يشعر بأنه يتحدث إلى صديق او من يقترب

ھو يثق كان ودودا وصريحا اكثر مما ھو معتاد ولكن ھل. لديه من ھذه المنزلةفيه فع; من خ;ل متابعته لعمله أم أنھا الثقة في انه مھما كشف أمامه من

ا?ھم من كل ذلك . أسرار النظام فلن يجرؤ محدثه أن يتفوه بھا أمام اkخرين؟ما ھو اJنطباع الذي تركه وھل يعود إلى ملفه الذي رآه على مكتبه ليضع عليه

Page 74: أنهار الجنة

- 73 -

تيقن . ھل يعده ھذا الرجل لمھمة ما؟. يد؟ع;مة تفتح أمامه أبواب العالم الجديوما بعد اkخر وھو يستعيد أجزاء من المقابلة أن ھذا الرجل سيلعب دورا

. ربما اخطر ا?دوار على اzط;ق..كبيرا في حياته

وجود مھند أمامه ھو ما يحرق دمه ومع ذلك ھو الذي جلب كل ھذه المتاعب ظر عندما رفضته في البداية قالت انه كانت إيمان بعيدة الن. على نفسه

كان يعرف أنھا J تحبه بل تحتقره ومع ذلك كانت ". مجرد Jجيء..Jجيء" ويتمتع بوظيفة ما كان لشخص سلم صعود له ليعيش حياة اجتماعية مستقرة

كان كثير الك;م عن قيم الشھامة . متواضع المواھب مثله ان يحصل عليھا للزواج منھا سيبدو أمام أخيھا تصرفا يتسم والعروبة واعتبر أن تقدمه

بالرجولة والنخوة ولكنه في قرارة نفسه كان يشعر بأنه يتخذھا كمرحلة لترتيب أوضاعه في مصر ولعل أحدا لم يكسب كما كسب من ھذه الزيجة التي خرج

. ھو منھا مصابا بالسكر

ھي التي أصرت على . بعد شھرين من عودته ثانية إلى الوكالة طلق شقيقته. بالنسبة لھاالط;ق ومع ذلك يعرف انه ھو الذي جعل الحياة شبه مستحيلة

وبدء وبدا له انه اتخذه وشقيقته مجرد درج للصعود إلى الوظيفة واJستقراربعدھا بأيام كان يعلن خطبته على امرأة . حياة من Jشيء في بلد غريب عليه

وتقدم إليه بطلب سب لليسار في الظاھر وتنتأخرى تحلق على تخوم الثراء صحيح لم يذكر شھر العسل في طلبه . للحصول على عطلة لقضاء شھر العسل

واحتدم الجدل ك أكثر مما يطيق لوكان ذ. ولكن الصالة كلھا كانت تتحدث عنهھذا ھو جدول العمل إذا كان : "وانفجر فيه في الصالة أمام اkخرينبينھما ". يروقك؟

أيام ابلغه الطبيب انه مصاب بالسكر ويجب أن يكون حذرا في طعامه بعدھا ب

. وانفعاJته

طريق الضياع بداية سقوطه وسيره في يناير على انه28كثيرا ما فكر في يوم على وجھه J يلوي على شيء فراغالم في يھيب فككو عن مثل نيزك ينسلخ

في لحظة ما في . فضاءت;شى في اجواز اليصطدم بأي كوكب اخر او ن يالى ا ما اذا كانتانه حتى ھذه اللحظة J يدرك. ساعة ما رآھا او خيل اليه انه رآھا

Page 75: أنهار الجنة

- 74 -

، وھم ام واقع، في ذاكرته منذ ذلك اليوم ھي خيال ام حقيقةالصور التي حفرت. وماذا لو كانت ھي؟. ولكن ما يعزيه ان اJمر في النھاية يستوي في الحالتين

.م يجن منه سوى الحسرة التي رسبت ثمالتھا في نفسه، وللقد انتھى اJمر

كانت الساعة بين السادسة والسابعة مساء وعيناه ملتصقتان بشاشة التلفزيون قصر النيل ويدفع امامه عددا من ا لمح حشدا كبيرا يتحرك فوق كوبريعندم

برى وفي لمحة خاطفة لمحھا بين وفي منتصف الك. مدرعات الشرطةانھا ..انھا ھي..اصابه الذھول وتجمد في وقفته. من الشبانمجموعة كبيرة

التقطت الكاميرا الصورة لفترة . حتى صوته شعر انه فقده ولم يخرج منه..ھيثم انتقلت الى لقطة موسعة للكوبري الذي او ث;ث ربما J تتجاوز ثانيتين

انت ھي ك. كانت تعلوه وتتقاطع فوقه الخطوط البيضاء للغازات المسيلة للدموع .ما في ذلك شك

رغم الصورة . انه J يمكن ان يخطأھا ولو كانت بين نساء العالمين اجمع

البعيدة اJ انه J يمكن ان يخطأ م;محھا خاصة ان الكاميرا قربت وجھھا وھي يعرفھا في لحظات . انه يعرف تلك الم;مح عندما تكون شديدة اJنفعال. تھتف .انھا ھي ب;شك..شكانھا ھي ب;.. دافئةحميمة

في ذلك ا منهواحيانا اخرى يرفض تصديق ضياعھ. لنفسه ذلك احيانا يقول

ولكن اذا . وينخرط في جدل مع نفسه. شبيھة لھامجرد ربما كانت يقول ..اليومولكن لماذا J . كانت ھي فما الذي سيجعلھا تأتي من الطرف اJخر للكوبري

الغريب في ان تكون قادمة من ھذه الناحية ما ھو . تكون مع صديقة لھا ھناك؟المظاھرات باعتبارھا خروج عن اJوضاع المألوفة، J تخضع لمنطق . او تلك

. الجغرافيا

بعد ذلك اصبحت تلك اللحظة الخاطفة مصدر عذاب بالنسبة له عندما اكتشف لماذا لم ..وفكر كثيرا. ان العثور عليھا مرة اخرى اصبح امرا بعيد المنال

ولكن ما ..ان الوكالة J تبتعد كثيرا عن المكان الذي رآھا فيھا..ركض اليھايذا عجز عن عمل أي شيء الم..الذي شل قدرته وتفكيره عن الحركة انذاك

كانت ساعات فارقة ومصر كلھا مثل سفينة انفلتت من المرسى ..Jستعادتھاھل . تتوقفوانطلقت الى عباب البحر J احد يعرف الى اين ستتجه وJ متى

Page 76: أنهار الجنة

- 75 -

صدمة ..اخطأ عندما ظل متجمدا امام شاشة التلفزيون ام انھا كانت الصدمةعلى الرغم من ..دمة انف;ت اJرض تحت قدميهاJنتفاضة وصدمة رؤيتھا وص

ندما ان الصورة كانت عابرة اJ انه ارتبك وشعر للحظة كما لو كان سيسقط عظنونه مؤكدين جابھا كثيرونوا. نھى؟مش دي..شوفتوا ياوJد : منيرة ھتفت

وظل . بينما تجاھل اخرون اJمر باعتباره تفصيلة صغيرة في لوحة اكبرالجميع يتابعون الشاشة بشغف عسى ان تأتي صورتھا مرة اخرى ولكن

ن يزحفون خلفھا الى ان اجلوھا ات الشرطة بدأت تتراجع والمتظاھرومدرعة اخرى من النقاط الملتھبة في الى نھاية الكوبري وتحولت الكاميرا الى نقط

. الميدان

كثيرا ما تخيل نفسه يركض الى المصعد ويھبط مسرعا ثم يخترق الشوارع انه يعرف الطريق جيدا من باب المصعد في الطابق اJرضي الى ..ليصل اليھا

الكوبري وسار فيه مرارا بعدھا مرات ليرى ما الذي كان عليه ان يفعله ولو ويحشر نفسه ي الضائعة ليصل اليھا ذلك اليوم على الكوبري من قبيل اJمانولكنه سيصر او يركلوه ربما يضربوه بالعصي وربما يصفعوه . بين الجنود

. على الوصول اليھا ھناك بين رفاقھا

رأى نفسه يصطدم بالناس في الشوارع ويركض مثل المجنون وھم يتوقفون البعض Jخر ينھرونه ولكنه كان ويشيرون اليه ورأي البعض منھم يضربونه و

يتجاھل كل شيء اJ ھدفه الوحيد بالوصول اليھا وانتشالھا من ھذا الزحام . الخانق

انھا مرة من المرات النادرة التي يجد نفسه . ولكن ما تخيله كثيرا اصبح واقعا

مضطرا الى الركض في الشارع ولكنه كان يدرك، في الوقت نفسه، انه لن في مصر اصبح ما كان مستنكرا امرا عاديا للغاية وما كان . احديلفت انتباه

ميدان تلك اJيام بعد ان ھده اللف في احد . شاذا وغريبا اصبح ھو العادةراح يخوض في اJجساد على تخوم كتلة كبيرة من النساء تتوسط التحرير

ھا الميدان ويدور حولھا من جميع الجھات وھو يتمعن فيھا بشدة عسى ان يلمحفي طياتھا ولكنه قرأ في عيون بعض الشباب الواقفين اتھامات صامتة

فابتعد قلي; وراح يلعن كل شيء في . بالتحرش وتحذيرات من اJقتراب اكثر

Page 77: أنهار الجنة

- 76 -

الدنيا النظام القديم والعسكر والثورة وھؤJء الشباب العاطلين وكل نساء . اJرض

ھو نفسه ايضا تغير . يرة ليست بالكثقد تغير المجتمع المصري خ;ل سنواتل

قدماه تمضيان كانت عيناه عليھا و. وعليه ان يواصل ركضه حتى J تغيب عنهتا انفصلتا عنه وتسيران وحدھما، بل كل جسمه يندفع باتجاه وتبدوان كما لو كان

ما تراه عينياه دون ان يلتفت الى ما قد يصادفه من معوقات كأنه فعل الجاذبية عض وكان يعتذر بصوت عال دون ان يلتفت الى من ارتطم بالب. اJرضية

. يعتذر له حتى J تغيب عن عينيه

سار في شارع . عندما انتزع نفسه من كتلة اللحم الھائلة وخرج من الميدان فيھا بجسده قلي; ليلتقط انفاسه ويتناول يلقيمحمد محمود يبحث عن مقھى

ه لم يجد مقعدا خاليا في أي كوبا من الشاي ثم يعود ادراجه الى المنزل ولكنمقھي في الشارع فقد كانت كل المقاھي مكتظة بروادھا حتى ان بعض الشبان جلسوا على رصيف الشارع تحت سور الجامعة اJمريكية وراحوا يرشفون

عرج على ميدان باب اللوق وظل يسير فيه . الشاي وھم يدخنون ويجادلون . هوھو يدخن ويستمع الى احاديث الناس حول

عندما يمر . وسط البلد تغير كثيرا عما كان عليه الحال ايام دراسته الجامعية

تحسر . شوارعه اJن يتذكر متاجر غيرت نشاطھا واخرى اغلقت ابوابھافي يوليو تحولت الى متجر 26كثيرا عندما مر امام مكتبة كان يعرفھا في شارع

نعم يتذكر السيدة ..جليزيةكان يشتري منھا بعض الروايات اJن. لبيع الخموركانت تبحث كثيرا وعندما J تجد الكتاب الذي ..الرقيقة التي كانت تعمل فيھايوما دخل المكتبة فوجد عددا ھائ; من الكتب . طلبه تھز رأسھا في اسف

وجد الكثير من ھذه الكتب . منزوعة الغ;ف وملقاة على ارضية المكتبةJيتركونھا ة وكان يتيكزبموجودة على سور ا Jعجب لماذا ينزعون غ;فھا و

بعدھا علم ان الكتاب اذا ظل في المكتبة فترة معينة دون ان يباع . كما ھييتعين على صاحب المكتبة نزع غ;فه وارساله الى الناشر كدليل على ان

كثيرا ما قطع المسافة من رمسيس الى كوبري قصر النيل ھو . الكتاب لم يباعولكن كل . ي جدوى التحول اJجتماعي في دولة مثل مصروصديق يتجادJن ف

Page 78: أنهار الجنة

- 77 -

د مزدحما وقميئا واضواء المتاجر فيه لذلك اصبح اJن ذكريات وبات وسط الب . زاعقة

نفس القوام ونفس الم;بس بل ربما ..اقترب من مقھى الحرية وھناك لمحھا

ل ھذاھل يمكن ان يعثر عليھا بعد ك..انه J يصدق نفسه. كانت نفس الخطواتركبه احساس بالظفر وراح يتلوي بين الحشود . العناء الذي تكبده في البحث

التي كانت تسير في الشارع واجمة وھو حريص على اJقتراب منھا او على كانت تسير وحدھا ولكن في خطى جاد يكاد يكون . اJقل عدم اف;تھا منه

ظل يتابعھا . الغريبةھل يمكن ان يعثر عليھا في النھاية بھذه الصدفة . سريعاعبرت ميدان محمد فريد ودخلت . وھو يحاول ان يضيق المسافة بينه وبينھا

وتوقف ھو للحظة خالھا دھرا حتى عبرت بضع سيارات من آخرالى شارع ووقف مذھوJ وسط الشارع يتلفت . امامه وقفز ليتابعھا ولكنھا غابت عنه

حدة، انه لم يستغرق سوى ھل يعقل ان تختفي عن عينيه في لحظة وا. حولهھل يعقل ان يفصل بين وصوله اليھا . ثوان معدودة قبل عبوره الشارع

مضي بضع خطوات وھو ينظر . وضياعھا منه ثوان معدودة على ھذا النحوكان . الى المتاجر على يمينه ولكنھا كانت ھناك تدلف من باب متجر م;بس

شارع وغابت عن عينيه المتجر في الطابق اJرضي منخفضا عن مستوى الربما دخلت للسؤال عن شيء . ولكنه وقف مطمئنا الى انه J يوجد له باب اخر

خرج اليه احد . او شراء شيء وبإمكانه ان يقف في انتظارھا حتى الصباحراح .الباعة وراح ينظر اليه في شك فألقى بالسيجارة وھبط الدرجات القليلة

انت اقرب اليه ويقرأ ال;فتات الورقية يتفرج على الم;بس الرجالي التي كبعد دقائق فوجيء بھا تخرج . الصغيرة التي كتبت عليھا اJسعار والمقاسات

من غرفة صغيرة لتجربة الم;بس وھي تمسك بجاكت في يدھا واصابته . لم تكن ھي وتأكد ان نھى أكثر رشاقة منھا وربما اطول ايضا. حسرة شديدة . ن ضعف نظرهعليتمدد بداخله وھو يتجر واJحباط خرج من الم

تحمل سماجة بعض الزم;ء في ميدان التحرير وتساؤJتھم الغريبة عن ييوم

. تدخل مشيرا الى ماضيه اليساري الثورييسبب تواجده ھناك، ولكن احدھم ظلوا يضحكون لبعض الوقت ويتذاكرون انباء من سقط ومن صعد من

انزله العفريت بأمان في مكان لم يكن الزم;ء ومن كان على كف عفريت ثمكان يضحك معھم ويجاريھم في مزاحھم ولكنه كان غائبا تماما عنھم . يحلم به

Page 79: أنهار الجنة

- 78 -

كان يعرف ما يقولونه عنه وقد وصله . يمسح المحيط حوله بعينين يقظتينكانوا يعتقدون انه رسول النظام المترنح للتجسس على . تلميحاتھمطرفا منه

اتھام أي صحفي بانه كان مخبرا Jمن بعد ايام صار. نزم;ئه من الصحفييالدولة ھو اJتھام الشائع وظل اياما يفكر ھل تفسر ع;قته بالرجل اJمني

ولكن ما بالنا اذا ما كانت اجھزة . الكبير على انھا تعاون مع اجھزة اJمن اJمن ھي التي تسير كل شيء في البلد من المواص;ت العامة الى الوكاJتاJجنبية الى مطاعم الفول والطعمية وJ يوجد صحفي في مصر سواء في

المحطات اJجنبية اJ الصحف الحكومية او المستقلة او حتى الوكاJت اوومن يجرؤ على العمل بدون . ويوجد بينه وبينھا نوع من التعاون او التنسيق

كراھية اJشخاص ولكنه لم يتوقف ابدا عن ااراحه ھذه الخاطر كثير. موافقتھم . الذين كانوا يتحدثون عن علة وجوده في التحرير

سخر كثيرا من اقامة ص;ة الجمعة والقداس في التحرير، وJسيما الفتاة

القبطية التي قيل انھا كانت تصب الماء لشاب مسلم لكي يتوضأ في الميدان ين لحماية ووقوف اJقباط لحماية المسلمين اثناء ص;ة الجمعة ووقوف المسلم

قال انھا كلھا محاوJت يائسة لتسول اJنتصار على . اJقباط اثناء القداسالمصريون بلھاء يعتقدون ان هللا دوما يقف الى جانبھم ويفضلھم عن . النظام

هللا معھم ضد مبارك طالما كان بوسعھم السيطرة على . سواھم من البشرميدان في موقعة الجمل لكانوا الميدان ولو كان مبارك نجح في السيطرة على ال

عرفوا ان هللا يقف الى جانبه وانھم آثمون في خروجھم عليه، ولكان انصار اننا حقا . الحزب الوطني اقاموا صلوات الشكر ونحروا الذبائح في الميدان

شعب متدين ولكن حظه من التدين J يتجاوز اقامة المعابد والكنائس والمساجد اما النفوس فھي . ھا، خاصة في ساعات اJزماتوالحرص على التردد عليJ تقبع فيھا سوى بقايا واش;ء ضمائر كانت حية في ..جوفاء مثل القبر الفارغ

بل حقد ..J امانة وJ اخ;ق وJ فھم..عھود غابرة ولكنھا لحقت بالديناصورات واJرواح التائھة الى ما J وكراھية تغلي تحت اJقنعة المنحوتةوضغينة

. ايةنھ

عمه نيستع الم. ولكن الدين في النھاية يظل وسما يعطي لكل شيء الشرعيةرآھما يدخ;ن على ابيه . ابيه مام مسجد القرية في انتزاع جزءا من ميراثبإ

ه اخالي; وراحا يحاججانه بانه ظل في مقاعد الدرس الى اJعدادية بينما كان

Page 80: أنهار الجنة

- 79 -

. م يقترب ابدا من باب المدرسةيعمل في الحقل مع جده منذ نعومة اظفاره وله واقسم اJ يبيت في القرية ليلته واخذ كل اسرته التي صرت الكثير ابا غضب

.من اJشياء في عدة صرر كبيرة وتوجھوا الى ميت غمر ومنھا الى القاھرة

عندما قامت اJسرة كان قد انھي دراسته اJعدادية وانتقل الى المرحلة الثانويةة الى ميت غمر، ولكنه احب المدينة فھي اكبر من قريتھم برحلتھا الغاضب

على عكس قريتھم وتوجد بھا الكثير من المتاجر والسيارات وتضج بالحياةرحب بھم خاله وافسح لھم في شقته الصغيرة . ترعة صغيرةالغافية الى جانب

ولكنه تجنب الخوض في الخ;ف بين ابيه وعمه كما لم يتطوع بالتدخل لرأب دع، وبدأ يتحدث عن خطط المستقبل بالنسبة ل;سرة في ميت غمر ولكنالصوبعد ث;ثة ايام في ميت غمر كانوا . ه قال انھم سيتوجھون الى القاھرةابي

يتوجھون الى محطة القطار للركوب الى القاھرة، بعد ان شھدا خ;ل اقامتھم ان تبكي القصيرة في المدينة مقتل السادات في العرض العسكري، وادھشه

. حد اقاربھما ھو الذي صرعه الرصاصزوجة خاله وامه كما لو كان ا

تكسرت ..النظام انھار دون حتى ان يتمكن من اJستعانة بأي من موارده..اللعنةھل كان . كل اسلحته قبل ان ينزل الى الساحة وبدا عاريا حتى من ورقة التوت

عتقد ھو وكثيرون ان موارد طالما ا. ذلك يخطر بخيال اكثر خصومه عداء له؟ J النظام في السيطرة غير محدودة حتى خيل اليھم احيانا انه يستعين بقوى

ولكنه انكشف في الميدان وبدا . يعرفون عنھا شيئا وJ قبل Jحد بصدھا . مخذوJ وضعيفا وھشا وغير قادر على الصمود امام الجماھير الزاحفة

*****

لسيارة عندما ضغط زر الزجاج فھبط إلى نھايته انداحت نسمة رقيقة داخل ا

الحديقة الصغيرة . مر طيف نھى والليالي الجميلة في شرفتھاداعبت وجھه فوي تنبسط امامھما وحفيف الھواء الخفيف الذي ينساب بين أوراق ا?شجار تلا

فتنتابھا رعدة سريعة تتحول إلى حركة ھادئة J تلبث أن تت;شى ويرجع إلي صمتھا وتمايلھا ال;مبالي ثم تمر عليه وھو نائم إلى جانبھا عاريين ا?غصان

. امھاتھما تماما كما ولدتھما

Page 81: أنهار الجنة

- 80 -

سقط عليھا من النوافذ خيوط من الضوء تالحديقة مظلمة إJ من في الليل تكون كفي لتبديد ذلك السحر الذي لم يكن يجعلك تألفھا لوJ انك ا J تالمجاورة ولكنھالشجرة الكبيرة المائلة التي ينحني جزعھا تبدو و. ضوء النھارتعرفھا جيدا في

، كوجود مھيب باتجاھھما وي;مس احد أغصانھا نافذة الغرفة المجاورة للشرفة . في الظلمة

كانت الحديقة تمثل مربعا يعلوه سور حديدي من ناحية الطريق وفي مقابلھم

ھا بعد الظھر بينما الجانب تماما الجانب الخلفي لبناية حكومية ينتھي العمل باkخر عن شمالھم سور مدرسة يبدو الفناء الخلفي لھا خاليا وتترك بعض

فصولھا مضاءة لي; تلقي بضوء خفيف على الحديقة التي كانت تبدو وكأنھا كانت شجرة الفيكس عتيقة تتشعب إلى ث;ثة أفرع كبيرة بعد . عالم خاص بھما

ا مائ; باتجاه شرفتھما وبعض أغصانھا نحو مترين من ا?رض ويمتد احدھ بينما تمتد أغضان أخرى ليصدر احتكاكھا الدائم بجدار الشرفة ات;مس نافذتھمJ تبدو الحديقة بالليل سوى فجوة مظلمة تمتد من إطرافھا ذؤابات . حفيفا واھنا

النباتات واzعشاب ولكن في ضوء النھار كانت تكشف عن وجه آخر حيث ?وركيد في ركن منھا وتتخذ شكل دائرة تمتد في جانب لتسلم تصطف أزھار ا

نفسھا لدائرة أخرى اكبر من الورد المرجاني الذي يمتزج مع السوسن ا?حمر وتمتد في بقية ،رة تجعلك تطيل النظر إليهوا?بيض زرع متداخ; بصو

الليلك والسيك;مين والنرجس ا?صفر لتنتھيازھار الحديقة في غير ما نظام تعانقھا بعض كتل اكليل الجبل عند الجانب اkخر بكتل ضخمة من الريحان

وتتناثر في أرجاء الحديقة نباتات وأشجار قصيرة لم يكن يعرفھا ولكنھا كانت . تبعث برائحة جميلة طوال الليل

.قال لھا يوما انه يريد أن يقطع ھذا الفرع خشية أن يتسلل إليھا احد منه

ھا احد لي; وJ احد خطر له أن يتسلق الشجرة ولو حاول الحديقة J يدخل -

يصعد إلى فسوف يسقط قبل وصوله إلى النافذة بأمتار حتى لو كان . وزنه خمسة كيلوجرامات Jن الغصن J يتحمل

ولكني أريد أن اقطعه حتى اطمئن إلى انه ليس ھناك ما يمكن أن يربطك - . بالعالم حتى لو على سبيل اJحتمال

Page 82: أنهار الجنة

- 81 -

ه فانا أحب أن أرى العصافير تتقافز عليه عندما تستيقظ في الصباح اترك - .وأنا في الفراش

.أنا أغار منھا..J أحب حتى أن تنظر إليك العصافير وأنت في الفراش - قالت ضاحكة

. أنا التي انظر إليھا..إنھا J تنظر إلى -

ن وھما ممددان في الفراش بعد أن ھدأ ت;حق انفاسھما كقطار يقترب م :المحطة النھائية سألته

.ماذا لو قدر لك أن تفقدني؟ - .ھذا خاطر لم يرد في ذھني إط;قا ?نه مستحيل - ...ما ھو المستحيل - .مستحيل أن أتخيل نفسي في عالم ا?حياء بدونك - ...كل الرجال يقولون ذلك في مرحلة ما - .لست شاعرا وJ أفاقا وإنما اذكر الحقيقة المجردة -

قبلھا بعمق وجنون وتشابكت ا?يدي وا?رجل في عناق طويل ظن جذبھا إليه وانه يمكن أن يشعل العالم كله حبا إلى أن بدأ تقلص جوارحھما يخف وقال لھا

. بأنفاس Jھثة وھو يوشك على البكاء

من البئر أنت التي أخرجتني..J أستطيع أن أتخيل حياتي بدونك - .ي الصحراء ثانيةوأنقذتني J أتخيل للحظة أن تلقي بي ف

واستطاع أن يلمح في الضوء راح يتأمل النجوم فوق الشرفة ثم استدار إليھا

. الشحيح المتسلل من الداخل بقايا دمعة تنحدر من عينيھا لماذا تبكين؟ - ..أنا J ابكي - .أرى دموعا في عينيك - . أخشى أن أفقدك وJ أتخيل حياتي بدونك -او بمعنى ... تقول المرأة ھذه الجملةھل يمكن أن اسأل كم مرة يمكن أن -

.اصح لكم رجل؟ . او ربما اثنين..مرأة السوية J تقولھا إJ لواحدال -

Page 83: أنهار الجنة

- 82 -

.ا?مر يعتمد على تعريفك لكلمة سوية -- Jتتحدث إ Jسوية بمعنى صادقة في مشاعرھا وواثقة منھا و

.المرأة التي J تعرف الزيف او الرياء او تصنع المشاعر...الصدق

ولكنك فقدتھا ?نك وضعتھا كجزء من معادلة ظالمة كانت ھي الخاسرة حتى وجودك يبدو ..أنت الذي خسرت كل شيء..J بل كنت أنت الخاسر..فيھا

غدوت جثة متحركة J تستفزھا إلى الحركة والعمل إJ مشاعر ..انك خسرتهت غدو. الرغبة في الحفاظ على الذاتالخوف واzحساس بالخطر الوشيك و

ھي ...ما أحوجك إليھا اليوم. مثل فريسة في البرية تخشى الجوارح ا?كبر. الوحيدة التي كان يمكن أن تواسيك وتشجعك وتمنحك الثقة في الحياة والعالم

أن الحب ليس إحدى الكماليات التي لم تدرك. لقد فقدتھا ?نك لم تكن صادقا أبداات الحياة التي يستحيل علينا أن يمكن اJستغناء عنھا بل ضرورة من ضروري

.نعيش بدونھا مثله مثل الھواء الذي نتنفسه

لماذا . يسأل نفسه لماذا يلتقي الناس دوما في التوقيت الخطأ والمكان الخطأ؟. تضن علينا الحياة بالفرصة؟ ولماذا تحرمنا من أعظم ھباتھا لنا وھو الحب؟

ن خ;ل فرجة باب ضيقة J تلبث لماذا J تكشف لنا عن معناھا الحقيقي إJ م . أن توصدھا في وجوھنا؟

قال له الرجل ا?مني الكبير أن فرص الحب كثيرة ولكن فرص النجاح J تأتي

مرة واحدة ..اكتشف بعد فوات ا?وان أن الحب J يأتي إJ مرة واحدة. كل يومى ذلك ھل يمكن أن يعود إل. ھل يمكن أن يعيد الماضي؟. مثل المي;د والموت

ھل يمكن أن يعود بالتاريخ إلى تلك الساعة . اليوم الذي شھد افتراقھا إلى ا?بد؟ . ؟ الخواء ا?بدي ھذاالتي مات فيھا قلبه وأسلمه إلى

*****

النور العالي من يارة تسير في اتجاھه وسائقھا يستخدمسفجأة انتبه على ضوء شعر . يح ومع ذلك يحذرهانه يسير عكس اJتجاه الصح. آن kخر لكي يحذره

ولكنه . أراد أن يوقف سيارته أمامه متحديا ويھبط ليصارعه. بثورة داخليةعدل عن الفكرة عندما اقترب من السيارة ا?خرى وسائقھا يكرر تحذيراته

Page 84: أنهار الجنة

- 83 -

من قال إن ھذا شعب تصلح معه الديمقراطية او ..يا الھي. بسرعة اكبر. م التي ترعى في حقل J حدود لهالحرية ھو أن يعيش مثل السوائ. الحرية؟

منذ تنحيه لم يعد . الرجل الصالح ھو الذي كان يعرف كيف يسوس ھذا الشعبغجر ولتھنئوا لن يجود الزمان بمثله يا. ھناك قبطان للسفينة وJ راع للقطيع

بحريتكم ولتنعموا بثورتكم وترتعوا في براري ديمقراطيتكم ما وسعتكم أرجلكم حرية مطلقة من ..ھا ھي الحرية التي كنتم تنشدونھا. الضحلةالكليلة وعقولكم

حرية تتجاوز كل القوانين وتعلو على كل الشرائع وتسخر من كل ..أي قيدانفتح القمقم لتنطلق . فلتتجرعوا منھا حتى الثمالة. النواميس التي عرفھا البشر

ركام وبقايا منه المردة والشياطين وا?بالسة ليحيلوا وجه الحياة إلى حطام وھذا ھو الشرق ..المؤامرة ا?مريكية اكتملت خيوطھا وحبكت أطرافھا. ونثار

الكبير حتى أن ابناءه يخبون فيه وJ يعرفون له رأسا ..ا?وسط الجديد والكبيرالجالسون في واشنطن ينظرون إليكم بعدستھم كعالم الحشرات الذي . من ذيل

الم الذي تريده أمريكا وھذا ھو ھذا ھو الع. يدرس سلوك النمل في معملهكل ما ھو ثابت وراسخ وأصيل استحال . الشرق ا?وسط الجديد والطريف

أجيال وأجيال من أبناء الشوارع انطلقوا يخربون وينھبون ..مباحا باسم الثورةأولئك الذين لم يعرفوا حنان ا?سرة وJ ..ويحرقون ويدمرون تحت راية الثورة

. كل البشر..الحياة خرجوا ليصبوا نقمتھم على البشردفء الجدران وJ مذاق وجدوھا ..ولدوا في الخرائب وترعرعوا مع الك;ب والقطط بين أكوام القمامة

اليوم فرصة ليعبروا عن غضبھم على المجتمع فراحوا يھزون أعمدته أولئك الذين لم يعرفوا النجاح يوما ولم . ويحطمون ركائزه ويلوثون رموزه

Jالجوع والتشرد والمعاناة والضياع في زحام المدن وعشوائياتھا يعرفوا إانطلقوا لينفثوا عن حقدھم على كل ناجح وكراھيتھم لكل متفوق ويسحبون

كل ناجح بات . الجميع معھم إلى ا?عماق السحيقة لكي يشعروا بمتعة المساواةاء مقربا من النظام وكل ثري او حتى ميسور الحال أصبح لصا أثرى من دم

الكسالى الذين اترع الحقد قلوبھم والسخيمة . الشعب وعلى حساب جوعه وفقره . نفوسھم وجدوھا فرصة ل�جھاز على كل نجاح والقضاء على كل تقدم

وجد ث;ثة أكشاك متجاورة . مر عليه من قبل مراراالمنحنى الذي نظر إلى

المقوى أمامھا كلھا برزت فجأة تت�? ا?نوار فيھا وتتكدس صناديق الورق ھا ھي مصر تعود للخلف بسرعة . لتشغل جزءا كبيرا من ارضية الشارع

Page 85: أنهار الجنة

- 84 -

حيث ھاھم المصريون يرتدون الى عھد البداوة اJول . يصعب على احد تخيلھا . J قانون وJ منطق يحكم الحياة

ھي الوحيدة التي يمكن أن . ما أحوجه إليھا اkن أكثر من أي وقت مضى..آه

الوحيدة التي كان ھي. يشعر بالخجل او الضعفھا دون أنيبكي على صدريمكن أن تأسو جراحه وتزيل أحزانه بكلمة او لمسة او ھمسة او حتى مجرد

ھا وھل يمكنه أن ينسى عينيھا لو نسى كل عيون من عينينعم ..نظرة من عينيھا . العالمنساء

سأله . ريد أن تقابلهعندما قال له موظف اJستقبال إن ھناك سيدة تذلك اليوم

أراد أن يقول له اصرفھا . في سخط لماذا؟ قال له إنھا جاءت ?داء اJختبارقرر في . كان ذلك في أعقاب أزمة من أزماته مع جوزيف. ولتأت في يوم آخر

وعندما . النھاية أن يلقيھا على احد من المحررين لكي يختبرھا وينتھي منھالم ير . Jستقبالھاخفر نھض على قدميه ولمحھا تدخل من باب صالة التحريوجد نفسه مدفوعا للمضي اليھا حتى باب . امرأة تسير بھذه الخطى من قبل

وجلست أمامه فشعر كما لو كان J يستمع إلى كلماتھا، فقد . الصالة واستقبالھابحيرة ب; شطئان ..التقت عيناه بعينيھا وبدأ يغوص في بحيرة J قرار لھا

ولكنه لم . اعمة تستدرجه لتزحف به زحفا ھينا حتى يصل ا?عماقوالرمال النانه لم يصدق أن عيني امرأة ..يصل إليھا أبدا وكلما ھبط شعر بتفاھة ما قطعه

. جمع كل ما يخيف وكل ما يأسر في الحياة إلى ھذا الحد تيمكن أن

ھل . ع أن ينتزع نفسه من عينيھا انه لم يستطقالو ذكر لھا ذلك اليوم مراراه لكي يبتعد عن تلك الدوامة عيني قال لھا انه حاول أن يغلق. عينا ميدوزا؟ھما

. الغريبة ولكن حتى ھذا لم يكن قادرا عليه

- Jعندما رأيتك أول مرة شعرت أن بدر شاكر السياب لم يكن يقصد إ نخيل وقت السحر او ك غابتاعينا"أنت من بين كل النساء عندما قال

لم أتخيل انه قال ھذه القصيدة Jمرأة أخرى ". ھما القمرشرفتان يطل من .غيرك

ھل تقرأ الشعر؟ - . وكنت اكتب الشعر ولكني توقفت من زمن..طبعا -

Page 86: أنهار الجنة

- 85 -

ي مجموعة لكنه في الواقع رأى ھذا البيت في رسالة أتت إليه من مجھول ف

. التي اودعھا الذاكرة مثل كثير من ا?شياء الصغيرةبريدية الكترونية وحفظهيظھر بھا سعة إط;عه منذ أيام الشباب أن يحفظ أشياءكانت عادة راسخة لديه

في أمور غير اJشتراكية شأن المفكر الموسوعي بعد أن اتھمه حسام باJنغ;ق واطلق عليه . اJشتراكية فلم يعد يعرف سواھاوبأنه حصر نفسه في الدراسات

ق البھيدي كثيرا وJ وھي تسمية كانت تضاي" حامل اسفار اليسار"ساخرا وفي الواقع . يسمعھا اJ ويثور ويغضب ويتھم غريمه بالسطحية والضحالة

كانت ھناك الكثير من اJسباب التي جعلته يكره حسام ويحقد عليه فقد كان اوفر حظا مع الفتيات في مركز اJبحاث الذي عم; فيه سويا لفترة بسبب

، على عكس البھيدي الذي كان ساءمته وقدرته على التسلل الى عالم النوسا . يثير نفورھن بج;فته وغلظته

إلى جانب بعض أبيات من أمل دنقل في رفوف يقبع كان بيت السيابو

. وص;ح عبد الصبور يستدعيھا وقت الحاجة لتعبر عن موقف معين

. لكن السياب لم يراني أبدا ومات حتى قبل أن أولد بكثير - . أنا لم أر ھذه العيون في حياتي..غيركولكنه لم يكن يقصد أحدا -

وامتحنتھا بنفسك وحددت مرتبھا وغضب كثيرون وتشنج آخرون بان راتبھا لم تكن . ذكية ولماحة وJ تكرر الخطأ أبدا. كبير ولكنك تعللت بخبرتھا السابقة

أنت الوحيد الذي لم يستطع أن ينظر في عينيھا ويشعر باJرتباك فقد سرى قمة ا قال انه عندما ينظر في عينيھا يشعر وكأنه يحدق من ھمس بان محررالنساء قلن أن المكان لم تمر . رض وتنتابه حالة من الدواربرج شاھق إلى ا?

وبدأت دوائر صغيرة من نيران الغيرة تشتعل حولھا . عليه أبدا مثل تلك العيونمل لھا ولكن سلوكھا لم يتح الفرصة ?حد لكي يوجه لھا أي انتقاد او يح

العجوز الذي اعتاد مشاكسة المحرر من كان يصدق حتى أن غانم . ضغينة عندما رآھا قال بصوت جھوري ،الفتيات كلما مرت به او اقتربت منه إحداھن

J يدري احد ان كان للتغزل ام وھو يھز رأسهسمعه كل من في الصالة : التعجب

Page 87: أنهار الجنة

- 86 -

تلك العيون التي في طرفھا حور ين قت;نانا ثم لم يحيقتلن

وأنت يا بھيدي الزوج الوقور الذي يضرب به المثل في الرزانة والحكمة بدأت انك . ما ھذه الخياJت المجنونة التي تنتابك كمراھق. تفقد صوابك رويدا رويدا

تقف على حافة منحدر بمجرد أن ترفع قدمك J تدري أين يمكن أن يتوقف رجل المكافح المجتھد الذي يعد صورة ال..صورتك أمام أسرة زوجتك. السقوط

. مثاJ طيبا لكل زوج تفخر به ا?سرة الكبيرة

أصبحت تقف أمام المرآة لساعات وتتأنق في م;بسك وتسريحة شعرك وتضع وقعوا في تابك السھاد وا?رق مثل الفتية الذين من العطور أثمنھا وأحدثھا وين

بابك وأنت في منتصف ھل ھو الحب الذي يطرق. بواكير الشبابفي الحبأنت زوج مثالي وأب مثالي لطفلين ..وألف J ھذا جنون..؟ JاJربعينيات

اصرف ھذا الخاطر المجنون . نعم مثالي رغم كل شيء..وموظف مثالي أيضا . من ذھنك تماما وإJ انھارت حياتك رأسا على عقب

. ھمومه شاردازم غرفته غارقا في J تظھر فيه في صالة التحرير يلاليوم الذي

ھل . يحاول أن ي;حقھا في الخارج بخياله ويرى ما الذي تفعله في تلك الساعة. وقع خطوھا عليهوأي طريق ذلك الذي يسعد ب..ھي نائمة أم خارج منزلھا

تتحرك بينه وأي شخص بل وأي شيء ذلك المحظوظ الذي تقع وأي جمع . عيناھا الجميلتان عليه؟

يظل في حالة . J يجلس في غرفته وJ يقر له قرارعندما تكون في المكتب

مالم يكن يتحدث إليھا تكون عيناه عليھا ومالم تكن ھذه وJ تلك . حركة دائبةيكون مستغرقا في قراءة خبر ترجمته وھو يتمعن في كل كلمة فيه وكأنھا

في المكتب يريد أن يمتد به اليوم إلى ما J . ستوحي إليه بمكنون ذات كاتبتھاأصعب لحظاته . J يريد أن تدور عقارب الساعة باتجاه نھاية الدورة..نھاية

عندما تنھض بقوامھا الممشوق من على المكتب فتسلم آخر خبر في يدھا عندما تنطوي أھدابھا الطويلة على ...للمراجع ثم تشير لھم بيدھا مودعة

، لنھرالبحيرات العميقة كأنھا أشجار البيلسان تميل على شاطيء مھجورتنبعث ته القفر تھتز بوقع موسيقى وقتھا يشعر البھيدي أن حيا. وتمضي خارجة

Page 88: أنهار الجنة

- 87 -

موسيقى J عھد له بھا ..في أرجائھا فترسل إلى روحه باعذب ا?لحان وارقھا . من قبل

يتظاھر . في المنزل ينفرد في ركنه الذي يسميه بمكتبه وحده وفي يده كتاب

إلى أي . ويستغرق في التفكير. او ا?طفالبالقراءة حتى J تتطفل عليه زوجتهجحيم تقوده تلك المرأة؟ انه J ينسى رعدتھا الخفيفة عندما يقترب منھا ليشير . إلى بعض ا?خطاء على شاشة الكمبيوتر وJ اتساع عينيھا وابتسامتھا الممتنة

وعندما اصطدمت يده بيدھا وھو يحرك الماوس شعر كأن مسا كھربائيا . أصابه

راجعت صورة البھيدي المستبد القاھر في الخدمة وطغت عليھا تلك السكينة ت

الديكتاتور الذي يتربص عنه سمتزال. م مع نفسه ومع العالموالصفاء والوئابرعاياه وشھدت النشرة فترة من الھدوء لم يفصل خ;لھا او يجازي أحدا حتى

" الزاھد"و" لعاشقا"وأطلقوا عليه لقب " الج;د"اسقط عنه المحررون لقب وقال البعض متفكھا إن ستالين وھتلر . كل حسب تفكيره في علة التغيير

وموسوليني وغيرھم لو نظروا إلى تلك العيون لكانوا وفروا الكثير من الدماء . التي سالت في العالم

الك;م الذي تناثر في صالة التحرير، حول المحررة الجديدة، وصله طرف

يلة ذات العيون التي لم يرھا من قبل مطلقة في أوائل السيدة الجم. منهشعر أن الھوة ..زاد القلق لدى البھيدي عندما تناھى إليه ھذا الك;م. الث;ثينيات

البحيرة التي J يعرف ..ھا ھو يوشك أن يسقط فيھا...التي يخشاھا تقترب منه . لھا قرار تناديه أن يغمض عينيه ويستسلم لھا

ثر التھابا عندما أخذت زوجته عطلة مطولة للوضع أصبح المشھد أك

بدأ يعيد ترتيب جدوله وجدولھا ليكونا متواجدين معا في نفس . والحضانةأصبح يتردد على مكتبھا في جرأة أكثر بعد غياب زوجته ويستدعيھا . التوقيت

بات النظر . إلى مكتبه لمناقشة بعض ا?خطاء او إعطائھا بعض التوجيھات يومي له رات التي J قرار لھا بمثابة زاد والغرق في تلك البحيإلى عينيھا

تحول مع الوقت إلى نوع من اzدمان وراح يتحسس طريقه إلى قلبھا دونما استمرأ ذلك . حذر وقد أيقن انه مسوق بقوة قاھرة تفوق طاقته على المقاومة

Page 89: أنهار الجنة

- 88 -

المرة وسط اJستس;م اللذيذ الذي يركن إليه الغريق وقد أدرك أJ نجاة له ب . كلت قدرته على التشبث بطوق نجاةا?مواج العاتية بعد أن

غير أن السحب كانت تتجمع في ا?فق لتنذر بعاصفة Jحت بوادرھا يوم مولد

قالت له زوجته إن قوانين العمل تعطي ل�ب حق الحصول على . طفله الثالث . أليس كذلك؟..يوم واحد عطلة عندما يولد له طفل

. يستغني عنھا ويصعب أن يضيع لحظة دون أن يراھا فيھا أمام عينيهلم يعد

كيف . وجودھا أصبح بالنسبة له مؤشر على الس;م واJستقرار في العالم كلهيجلس في المنزل ليحدق في وجه امرأة لم يعد يربطه بھا سوى احترام العشرة

ى جانب وھو جالس إل. كيف ساقھا القدر اليه؟. الماضية ووجود ا?طفالن توقف على العينين اللتيفراشھا تخيل نھى نائمة محلھا تنظر إليه بھاتين

ھل يكون له او لھا ..أي طفل م;ئكي يمكن أن تلد..والطفل. شطآنھما حائرا رة التي يمكن أن تضم البشرالنظ..ن وتلك النظرة الموغلة في البعدھاتان العينا

.باء؟إ في قسوة وم في حنو او تلفظھمكلھ

:ضحك وھو يقول لھا

لمن في مثل وضعي في الوكالة الغياب ليس شيئا محببا إJ لسبب - . رئيس التحرير ليس له ع;قة بعط;ت قوانين العمل او سواھا...قھري

. لكنك أخذت يوما عندما ولدت مروى -لم أكن عندئذ رئيس تحرير ثم انك تعرفين جيدا إنني كثيرا ما ..حسنا -

. حتى في أيام العط;ت الرسمية أو عط;تي ا?سبوعيةاذھب إلى العمل .يبدو أن العمل ھذه ا?يام أصبح جذابا أكثر مما يجب - .ماذا تقصدين؟ -وJ ھذا التأنق ..لم تكن عادتك أن تنكب على العمل بھذا الحماس -

.والوقوف ساعات أمام المرآة عندما تتوجه إلى الوكالة

وھي ..صديقتھا وزميلتھا في النادي..منيرة J شك أنھا ا?فعى..اسقط في يدهعمل ومھدت التي ابتلته بھا عندما أقنعتھا أن الوكالة ھي المكان المناسب لھا لل

تأخذ لھا كل يوم ا?خبار وترجمتھا وتجلس تعلمھا لھا الطريق عندما صارت

Page 90: أنهار الجنة

- 89 -

ضيف شبه دائم عليھم في المنزل وطالما وقف ھو على قدميه منيرة . لساعاتمطبخ لساعات يعد الطعام لھا ولكن عندما تعين عليھا أن تختار بينھما في ال

يعرف أنھا تكره الرجال وتعتبر أي نظرة منه إلى المحررة . اختارت صديقتھاالجديدة خيانة لصديقتھا وخيانة من كل صنف الرجال عليھا أن تكافحھا

. وتفضحھا

ب بحجة القيام ببعض زوجھا على ما يبدو لم يعد يحتملھا فھاجر إلى الغرلم يعد في حياتھا ما يسمن او يغني من جوع سوى . ا?بحاث وظل ھناك

غانم الذي يعد عالم النساء وما يحويه بالنسبة . اJستجابة لمداعبات غانم اللفظيةله مجرد تاريخ مضي عليه من السنوات أكثر مما يفصل بداية الحرب العالمية

. ا?ولى ونھاية الثانية

*****

بوقھا ضغطا متواص; ىسائقھا يضغط علانفلتت بجانبه مقطورة ضخمة كان . وعندما مر به اطل من نافذته المرتفعة وأطلق سي; من السباب على السكارى

إذا كنت أنا سكير فمصر كلھا . ؟ھذا الذي يتحدث عنه ھذا المعتوهكير أي سن المواطن الذي J إذا كا. أول مرة أجد بلدا بأكملھا من السكارى..سكارى

نعم نحن بلد . يعرف أين تقذف به المقادير غدا سكيرا فالبلد كلھا سكارىتجرعنا من نھر الثورة حتى الثمالة ولكن بمجرد أن استقر شرابھا المسكر في أمعائنا المريضة اكتشفنا انه سم زعاف فرحنا نتقيأ في الشوارع حتى م�ناھا

التي J زالت واJحقاد أما جبال القاذورات . من القمامةالكبيرة بتلك الت;ل . في نفوسنا فھي ا?سوأ وھي التي ستقضي علينا وعلى البلدمترسبة

ميراث . المصريون ما ولدوا إJ للحقد والضغينة واختزان اzساءة والتشفيفجأة وجدوا بينھم الكثير من ..تاريخ طويل من العبودية واzكراه والقسر والقھر

انتم أحرار ..واليوم فقط...إنكم ولدتم اليوم.. الكاذبين الذين صاحوا فيھما?نبياءلم يحمل أس;فكم النير لم يلھب السوط ظھوركم و..من نسل شعب من ا?حرار

. حتى اسلموه اليكموJ ركضوا به جي; بعد اkخر

Page 91: أنهار الجنة

- 90 -

حاولت أن تداعبه ولكنھا لم تجد منه . سبب سخط ا?ستاذ غانممنيرة لم تفھم ورغم سعادتك بقرار الشركة ..إJ انك كنت تعرف..كان ساخطا بحق..ستجابةا

J تظاھرت أمامه بالغضب ورحت تلعن ا?غبياء في مقر الشركة الذينكنت قد أوعزت إلى المدير اzداري . يقدرون الخبرات الكبيرة من أمثاله

كة مع بإب;غه بقرار اJستغناء عن خدماته بنصه كما ھو وارد من مقر الشروفتحت أنت بريدك . إرسال نسخة إليك بالبريد اJلكتروني على سبيل اzط;ع

كنت تحاول رسم اJنفعاJت وإعداد ..اJلكتروني قبل أن تصل الرسالة ھذا ولكنك لم يصلكصباح ھو يعرف منذ ال..ستتفوه بھا أمامهالعبارات التي :ز وقال في غلكشر عن أنيابه مثل ذئب عجو. إJ اkنالخبر المشئوم

أناس J يراعون المعروف وJ يعرفون ...آخر خدمة الغز علقة..J عليك -

. غادرون J أمان وJ عھد لھم..الجميل

:ثم ابتسم وقال ترة ?كتب شھادتي على في الواقع أنا كنت أفكر في اJستقالة من ف -

ولكني ..ته ما بين السياسية إلى ا?دب إلى التاريخعصر صاخب طوي . ت أؤجل ا?مر إلى أن اشعر بان ا?مور مستقرة تماما في الوكالةكن

راح يتنحنح بعد لحظات نھض واقفا وألقى نظرة على يمينه وعن يساره و

زامله منذ الخمسينيات في الذيعاوده حماسه للخطابة، . وكأنه يختبر صوتهألقى خطبة . الطلبة أيام كانت الخطابة واحدة من مقومات العمل السياسياتحاد

كزعيم يسلم الراية لجيل تال بعد أن نال منه الكفاح واسخنته جراح النضال قال انه . والقتال لبناء ھذا الصرح الكبير للوكالة الغربية العظيمة في مصر

يسعده دوما أن يكون في ظھرھم ويلبي دعوتھم لتقديم العون والمساعدة نام "لتي شيدھا ھو ورفاق والنصح والمشورة zكمال مسيرة ھذه المنارة ا

".، لبنة بعد اخرىبعرقھم وجھدھماغلبھم تحت الثرى،

J كنت أنت تحبس أنفاسك وتستخدم كل طاقتك في السيطرة على نفسك حتىوقفت إلى جانبه ورسمت على . تنفجر ضاحكا فتحيل الموقف الجاد إلى سخرية

لي بأسنانك وجھك مسحة كاذبة من الحزن وا?سى وأنت تضغط شفتك السف

Page 92: أنهار الجنة

- 91 -

وخشيت أن يختتم الخطبة العصماء بوصلة من الردح . حتى كدت أن تدميھاوالسباب لكبار المسئولين في الشركة الذين أكلوه لحما ولفظوه إلى الشارع

عظاما ولكنه اكتفى وھو يرفع يده كما لو كان سعد زغلول في إحدى لحظاته مال باقية وا?فراد زائلون ا?ع"الحرجة يصارح الشعب بحقيقة J تقبل الجدل

". وسيرى الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون

بالبكاء وھي تلعن الغباء والجھل منيرةصفق الجميع في حماس وأجھشت لعنت القطاع الخاص ثم أردفت بشتم اJستعمار وختمت بإدانة . وعدم التقدير

. اzمبريالية العالمية التي أرسلت الشركات لتحل محل الجيوش

بعد أن ھدأت اJنفعاJت وغادر غانم مقر الوكالة على أن يزورھا في الغد تزحف إلى منيرةلحضور الحفل الكبير الذي يقام توديعا له، وجد البھيدي

.مكتبه المسئولين في الشركة حتى يستغنوا عن رجل بخبرة ما ھذا الذي دھى -

. ا?ستاذ غانم : قال لھا وھو يحد بصره إليھا

ا سن المعاش وك سياسة جديدة على ما يبدو ل;ستغناء عمن تجاوز ھنا- عاما بعد خروجه 18وا?ستاذ غانم كما ترين قارب الثمانين أي انه عمل

. على المعاش .إنھم بھذه الطريقة سوف يخربون الوكالة ويغلقون أبوابھا قبل ا?وان -

أكثر من خمس بدا عازفا عن الرد عليھا فھي أيضا خرجت على المعاش منذ .سنوات

دعھا تتعلم أن من .. الصمت..دعھا تتعلم شيئا من حكمة الحياة"ھمس لنفسه

". يقف في سبيل الحب يمكن أن يجرفه التيار إلى حديث J يدري :صمتت قلي; ثم قالت

. وما ھو موقفك من ذلك؟ -مھا في منزله اعتاد أن يتحدث بحرية أما. ھا نظرة اتھام شديدةيكانت في عين

وقال أمامھا يوما إن . عن الوكالة وكثيرا ما انتقد نوم غانم الكثير على مكتبه

Page 93: أنهار الجنة

- 92 -

غير أن غانما كان يعرف ھو . ھذا الرجل يحيره وJ يستبعد أن يصيبه بالمرارة أن البھيدي يمكن أن يكون رئيس ببعد نظرهأدرك. اkخر من أين تؤكل الكتف

انة بزوجته، رغم إدراكه ى اJستعالتحرير بمجرد مرض رشاد فعمد إلتواضع مواھبھا، في مشروع صحفي كبير در عليھا قدرا كبيرا من العملة ب

.غانم يعرف كيف يختار الجواد الرابح في التوقيت الصحيح. الصعبة

كنت أمام معادلة . ولكن خياراتك كانت كلھا خاطئة كما كانت دائمان ت;مس السماء بنجاحك أردت أ. ك;ھما ب; حدود..الحب او النجاح..صعبة

وأنت عليك .ك;ھما يتوسدان المطلق..وان تنھل من نھر الحب إلى ماJ نھايةھل ?ننا أبناء تلك الطبقة ..لماذا تفرض علينا تلك الخيارات البغيضة..اJختيار

او جانبا ..كتب علينا أJ نرى إJ جانبا واحدا من الحياة..المھمشة من المجتمع . لماذا؟..لماذا نحرم من أكثر ا?شياء او منھا كلھا..ةواحدا من المتع

J احد في التاريخ البشري كله استطاع اعادة الماضي للحظة ..الماضي J يعودفي ا?بدية دون ..اللحظة التي تمر بك تنداح في الزمن ال;نھائي..وتغيير مساره

ا بالنسبة إنھا تحتل حيزا وتشغل مكانا في زمنك أنت الشخصي ولكنھ..عودة للزمن الكبير المطلق J تمثل سوى إضافة زھيدة J تكون ملحوظة لديه في

مثل شعوب ..ذكر تاريخ ا?مم والشعوبربما ي. استمراره السرمدي الطويلمنطقتنا الذين يشعر المرء أن تاريخھم دوما ما يسير في دوائر متقاطعة ولكنه

مجتمع ربما يتكرر عندما تتماثل تاريخ ال. يراوح مكانه وJ يمضي ل�مام أبداأحداثه اkنية مع أحداثه الماضية ولكن التاريخ الشخصي ل�نسان J يتكرر فيه

ابتسامتھا ..الحب كذلك J يتكرر وJ يولد مرة أخرى حتى اJبتسامة. شيءونظرة عينيھا في الصباح ليست ھي التي تراھا في الظھيرة وJ في

نقطة منفلتة تنطلق إلى بحر الزمن ..خاص بھالكل لحظة طابعھا ال..المساء . الواسع J احد يمكنه أن يوقفھا ولو حتى للحظات قصيرة ليتأملھا

الوJء للسلطة والدولة والوظيفة ھو ميراث العبيد الذين يميلون دوما إلى

صفوف الوظيفة وصفوف الترقية وصفوف الصعود ..الوقوف في صفوفوصفوف الخبز وحتى صفوف لحماية ما J وصفوف الع;وة وصفوف الوJء

. يخشى عليه من التآكل والبلى او السرقة

Page 94: أنهار الجنة

- 93 -

كانت في ...اJنتظام في الصفوف ھو ما تعلموه منذ تفتحت أعينھم على الحياةصفوف ..البدء صفوف اJنط;ق في الغابة ثم صفوف النخاس ثم صفوف البيع

على فكرة الصفوف حفاظ ھي ال صفوف كأن وظيفة العبيد في الحياةصفوف . من الزوال

ھل ھؤJء حقا ھم الذين خرجوا ليفسدوا المسيرة الھادئة والھانئة للحياة في . مجتمع يقاوم التغيير كما يقاوم المرض ويركن إلى كل ما ھو مألوف ومعتادلم يتوقع أبدا أن يباغت بتلك الھزة الكبيرة التي أخذت بمجامع البلد كلھا لتلقي

؟ عندما الذين أطاحوا بكل شيء وأين ترعرعواأين نشأ ھؤJء. قبھا من حالكان يتوجه إلى الميدان للبحث عن نھى كان أيضا يبحث عن الباكستانيين

لم يتوقع أبدا أن يبلغ الشطط . واzيرانيين الذين قيل إنھم يزحمون الميدان . بالمصريين ھذا الحد

ر في الشوارع القريبة من التحرير لماذا تذكر لقاءه ا?خير مع حسام وھو يسي

بدا اkخر . كمن ذھب عقله وھو يفتش عنھا في كل ركن او مقھى منزويحاججه كما لو كان يناقشه في مفاھيم تتعلق باJشتراكية العلمية او است;ب

لم يكن يفھمه عندما كان يتحدث عن الحب كمفھوم . العمالة وأدوات اzنتاجوعندما اتھمه بأنه ما . والنظريات اJجتماعيةأثيري غير خاضع للتحلي;ت

فة التي حملھا من قريته في الدقھلية زال يعيش أسير الجھل والعادات المتخل. أن يأخذ بت;بيبهكاد ،والتي يحاول تغطيتھا بقشرة من اJشتراكية والليبرالية

.ربما اkن فقط بدأ يدرك جزءا من مرارة حسام ويعرف لماذا غادر مصر ذكره وھو يصيح فيه دون أن يكترث بالمارة الذين كانوا يتمھلون قلي; على يت

: الكورنيش وھم ينظرون اليھماوكل ما تقوله ليس سوى ھراء تردده على .. أنت J تؤمن بجدوى الحب-

.مسامع الناسھل خلت القاھرة .. من حق كل شخص في البلد أن يحب ولكن ليس أختي-

.من البناتبل في كون ھدف ھذا الحب ھي .. المسألة إذن ليست في فكرة الحب- .أختك . أختي J يمكن أن تكون زوجة ثانية-

Page 95: أنهار الجنة

- 94 -

إنھا ازدواجية غريبة أن تؤمن بالتطبيق اJنتقائي حتى للمشاعر - .اzنسانية

. أنا ھكذا ومن J تروقه طريقة تفكيري يبتعد عني- :ما يشبه التوسلقال له في

. ولكني أحبھا واجد صعوبة في اJستمرار في الحياة بدونھا- أنت مجنون ولو سمعت مثل ھذا الك;م منك ثانية او عرفت انك سعيت - .ھا سيكون لي معك شأن آخرلقائإلى

. وتركه واقفا وحده وانصرف

الب;د على وقع اJنتفاضة كلما اشتد اھتزاز . كان ھناك ذلك اzيقاع المجنونالتغيير قادم J محالة وعليه أJ يقف وقد خسر كل . انتابته حمى البحث عنھا

بل عليه أن يجدھا إذا كان يريد أن يستعيد ..عليه أن يبحث عنھا بسرعة..شيءأصبح البحث عنھا ھو ھاجسه الذي يلح عليه . ولو النزر اليسير من التوازن

. لي; ونھارا

لبحث عنھا طالت في احشاء القاھرة وامتدت ايامھا وJزمھا انعدام جوJت اجوJت "الجدوي واليأس حتى اصبح يطلق عليھا كلما تھيأ للخروج فيھا

ومع ذلك اصبحت اشبه بالعادة او اJدمان يجد صعوبة ". مجنونة في الجحيم اJ: وعندما يتخلف عنھا يوما يظل يساءل نفسه لساعات . في التخلي عنھا

ه بھا في المكتب لقائ ألم يكن يوم. ؟ه بھالقائيمكن ان يكون ھذا اليوم ھو يوم نائب رئيس التحرير كان يوم عطلته اJسبوعية ولكن .اول يوم صدفة ايضا

. اتصل به وابلغه ان ھناك مشكلة في المكتب وھو مريض ولن يستطيع الذھابروج لي; لزيارة اسرة كان يعتزم قضاء اليوم مع اJسرة في المنزل ثم الخ

زوجته ولكنه بدJ من ذلك وجد نفسه يرتدي م;بسه ويتوجه الى العمل وھناك . اصطدم بجوزيف قبل ان تأتي

Jتخضع لمنطق و Jاصبح يعتقد اعتقادا جازما ان حياته تسير بالصدفة و

وحتى وصوله الى دخوله الجامعة وعمله وزواجه..كل شيء في حياته. لقانونأJ . كلھا جاءت بالصدفة دون تخطيط وJ تدبير منه.. رئيس التحريرمنصبالسيارة اصبحت ھي عالمه . فةدصمرة اخرى ا لقاؤه بھ ن ايضا ان يكونيمك

Page 96: أنهار الجنة

- 95 -

يخيل اليه احيانا انه قطع بھا مسافه تكفيه للدوران ..التي يقضي فيھا الساعاتاحة ھذه المس. حول اJرض عدة مرات منذ منتصف فبراير حتى اليوم

الصغيرة المتنقلة التي يمكن ان يحتويھا اذا فرد ذراعيه عن اخرھما اضحت . ھي كل ما يشغله من فراغ على ھذا الكوكب الذي ضاق عليه على اتساعهولكنھا، في نھاية المطاف، ھي كل ما تبقى له منھا ففيھا رائحتھا وفيھا

به وترنو اليه صورھا التي تسكن خياله كما لو كانت مازالت تجلس الى جانھل كانت ھنا يوما على بعد سنتيمترات منك؟ ھل جلست في ھذا . بعينيھا

د؟ وانھا J يمكن ان تغادر المكان وھمست لك بانك كل ما تبقى لھا في ھذا البل في العالم ابيھا يربطھا بھا رباطا J فكاك منه، كأنھا مشدودة اليه نمصر ?

العالم الذي J يقل عن العالم اJخر وتجيء في ھذااJخر وھي تخطو وتروحيتخيلھا عندما تلتفت الى . مواتا، ثم برزت انت في حياتھا فربطتھا بھا اكثر

يمينھا وتستغرق في تأمل الشارع والزغب الخفيف يتحرك مع الھواء حول السيارة اكتسبت لديه اھمية خاصة فھي التي يمكن ان تقوده اليھا، وھي . رقبتھا

شھدت كلماتھما وھمساتھما وحتى . بھما الذي طواه الزمنالشاھد على ح يلمسان خلوا في الطريق وبعدا عن الناس، وعناقھما اقب;تھما عندما كان

. المجنون

كل يوم وھو خارج في رحلته يشعر انھا بعد دقائق وربما ساعات ستجلس الى انت تركبھا لم يشعر ابدا باھمية ھذه السيارة عندما ك. جانبه في نفس موضعھا

في بداية زواجھما كانت تكثر من انتقادھا الى ان اشترت سيارة لھا . زوجتهواستغنت عن الركوب معه اJ في زيارات معينة، عندما تريد ان تعطي

. ن نھى لم تعلق عليھا ابداولك. ا وانطباعا زائفا بالترابط اJسري القويمظھر جديد من مداورة العقل في رحلة غريبة في يومكل يوم تحمله السيارة . يحمله الى مجھول جديدق والتماھي مع الجنون، يطل عليه لوالمنط

وھو يسير الى جانب اشجار المانجو بجوار ترعة اJسماعيلية كان يوما ما

Jول مرة يعرف ان . يفكر في مدى العبث الذي وصل اليه في البحث عن نھىفيھا شخص ويصعب الوصول اليه على القاھرة بھذا اJتساع الكبير بحيث يتوه

. رحلة عبثية مثل جوJته في مدينة الموتى..بدت له رحلته غريبة. ھذا النحوكانت القرية التي يقصدھا مجھولة له تماما بل ربما لم يسمع عن وجودھا من

تحدثت الى زوجته عن صديقة لھا فقدت قطعة من مجوھراتھا منيرة. قبل

Page 97: أنهار الجنة

- 96 -

لم يكن يصغى الى . تمكنت من استعادتھا من الخادمةواتجھت الى ھذه القرية ووھو ينظر الى اشجار . التقط اسم القرية واسم الشيخ حمدانالتفاصيل ولكنه

المانجو العم;قة عن يمينه تعجب من يمتلك كل تلك المساحات الشاسعة من وخطر له انھا ربما كانت مملوكة لبعض اعضاء النظام الفاني الذين . اJراضي

ما تاق الى اJنضمام اليھم، فھم يمتلكون كل شيء سواء كانت اراضي طاليعيشون في . ، او حتى الھواء الذي يتنفسهزراعية او عقارات او منتجعات

عالم اخر غير الذي يعيش فيه ھو واضرابه ممن قنعوا بالوقوف في الظل كن لم ي. تجرى عليھم احداث الحياة كما تجرى ظ;ل قطار سريع على الطريق

الى ان يكون مباركيا ترجل ا وJ ساداتيا وفي الوقت الذي تطلع فيهناصري ولكن ھذا ماض ذھب صحيح انه كان يساريا يوما ما. النظام وترك العالم خلفه

التي يجترھا احيانا د لديه منه سوى ذكريات وبعض القراءات واندثر ولم يع . ى اع;نھا الظواھر اJجتماعية دون ان يجرؤ حتى علليفسر بھا

كانت القرية تشبه كل القرى المصرية يقع مدخلھا الرئيسي الى جوار محطة

للسكة الحديد وتزينه اشجار كافور ضخمة تصطف على ترعة مجاورة للطريق تتوقف فيھا امام قنطرة جثث بعض المواشي النافقة مختلطة باغصان

وسأل احد وقف مضي قلي; ثم ت. الشجر واعواد الغاب واكياس الب;ستيكبدا ان الرجل يعرف مقصده فالقرية كما قالت . انالرجال عن منزل الشيخ حمد

صديقة زوجته يتردد عليھا اشخاص من كافة انحاء مصر للبحث عن شيء تجاھل الرجل سؤاله وذكر له اسماء . مفقود او استرداد امتعة سرقت منھم

زاولة المھنة ولھم بعض الشيوخ قال انھم يحملون تراخيص من الحكومة لم التي عة وھي نوع من المحاكمة العرفيةيعرف البش". البشعة"خبرة طويلة في

م يتعين فيھا على المتھم ان يضع لسانه على سكين محماة بالنار لكي يثبت انه ل .ان تحديدا فوصف له المنزلقال له انه يريد الشيخ حمد. يسرق

ر ورحب به وجاء احد اوJده جلس ينتظر الشيخ حتى انتھي من ص;ة العص

كانا يجلسان في سقيفة صغيرة امام . ليضع غ;ية الشاي في موقد نار امامھا; عن اJرض على اعمدة من الطوب تتقاطع عليھا افرع المنزل ترتفع قلي

وتعلوھا شجرة عنب تھبط بعض غصونھا حتى ت;مس اوجه جافة اشجارجافا بدا جلده محروقا ربما بفعل كان الرجل بدويا . اJشخاص عندما يقفون

نظر الى البھيدي . ولكن في عينيه صفاء غريبووطأة السنوات الشمس

Page 98: أنهار الجنة

- 97 -

اح ر. له طوال الوقت عن أي شيءأمرحبا وھو يمد له يده بالشاي ولم يس اذا كان يتعين عليه ان ما ظر الى البعيد وتساءل البھيدييتناول الشاي وھو ين

الشيخ الجالس امامه بدا كما . ينتظر حتى ينتھي من تناول الشاييبدأ الك;م ام لو كان J يشعر بوجوده ويحدق ھناك في البعيد وخطر له اJ يقطع عليه

وضع الرجل كوب الشاي الفارغ وامسك بعصا . خلوته ويتركه ھو يتحدثقصيرة راح يجمع بھا بعض قطع النار في كومة صغيرة، ثم نظر اليه بھاتين

:نين النافذتين حتى خيل اليه انھما سيخترقانهالعي

.مرحبا يا بني - .مرحبا ياسيدي - .فيما قصدتني يا بني - . انا ابحث عن شخص -ھل تعرف ما اذا كان حيا ام ..Jشك في ذلك عندي..شخص عزيز عليك -

.ميتا .ما اتوقعه ھو انه حي - .نعم ھو كذلك -- ------- .ھل يعنيك امرھا كثيرا يا بني -

الرجل في دھشة حدق الى . نعم يا سيدي - .ما دافعك للبحث عنھا يا بني -

:قال فيما يشبه الھمس .انا احبھا -

ذي عاد لتقليب بعض الجمرات توقف عن الك;م وھو يحدق في وجه الرجل الا كان ما يحدثه به له ع;قة حدق فيه ليرى ما اذ. ووضعھا فوق بعضھا البعض

لجمر بصورة عفوية محاوJ جمعھا حول ولكنه كان يقلب قطع ابعبثه بالنار . وضع العصا على حافة الموقد ونظر اليه مباشرة. قاعدة الغ;ية

.ومن ادراك انه الحب؟ - .انھا تمثل الحياة بالنسبة لي J استطيع ان اعيش بدونھا - .انه ليس حبا يا بني بل ھو الجسد ما تسعى اليه -- ................

Page 99: أنهار الجنة

- 98 -

.ان ھناك طيف ابتسامة خفيفة تلوح على وجھهنظر اليه الرجل وخيل اليه . لو كان حبا حقيقيا ما خسرتھا من اJساس - .انا احبھا فع; - .ھذا ما تتخيله - .لو لم اكن احبھا لما سعيت للبحث عنھا - .الطريق اليھا اضحى وعرا للغاية...لن تصل اليھا يا بني - .لى المجيء اليكھذا ھو ما حملني ع -ويصعب ان يسير النھر ..ياه عادت الى مجاريھااقول لك يا بني ان الم -

. عكس مجراه . ولكني اريد ان اعرف اين ھي؟ - .لن يفيد ذلك في شيء - لماذا؟ -اقول لك يا بني ان المياه عادت الى مجاريھا وما تطلبه ھو المستحيل -

. بعينهكيف ..اريد ان اعرف عنوانھا. ولكني اريد ان اعرف اين ھي؟ -

.ما احوالھا؟..تعيشوJ تفكر ..J تشغل نفسك بھا بل اشغلھا عنھا..ي يا بني في خير حالھ -

.في النظر الى الخلف :عبس قلي; ولكنه اصر

.انا اريد فقط ان اراھا واتحدث اليھا وقيل لي انك يمكن ان تدلني عليھا - . لن يجدي ذلك فتي; - .ولكني اريد ان اتحدث اليھا - . ذلك ليسرته عليكولو كانت تريد.. ھي تعرف انك تبحث عنھا -

قال في يأس وھو ينظر الى بعض الجمرات التي خبت امامه وكساھا غشاء . رمادي خفيف

.اذن فقد اتيت كل ھذه المسافة دون جدوى - . تطمئن عليھا وان تعرف انھا بخيريكفيك ان - . كيف تكون سعيدة وھي بعيدة عني؟ -

.الخفيفة لكانت قاسية للغايةنظر الرجل في عينيه بقوة شعر انھا لوJ اJبتسامة .اJ يجوز ان سعادتھا تكون في البعد عنك؟ -

Page 100: أنهار الجنة

- 99 -

. ھذا ھو السبب في انني اريد ان اتحدث اليھا - لكنت اول من فائدة او انھا J تعارض ذلكلو كنت ارى ان ھناك -

. ساعدك .شعر بحزن انه اضاع وقته وھمس للرجل وھو يضع يده في جيبه

.كم على ان ادفع يا سيدي - .كنت اتمنى ان اساعدك ولكن J سبيل...J شيء يا بني -

J يدري حقيقة ان كانت منى قد خطرت له في نفس اليوم وھو عائد من تلك

إنھا صديقتھا الوحيدة التي ..يف غابت عنهك..القرية الغربية أم في يوم آخركانت . كم يمقتھا ھذه المرأة البغيضة. نعم ليس ھناك سوى منى..يعرفھاھر دوما بالحب لنھى والصداقة له رغم انه يشعر أنھا في قرارة نفسھا J تتظا

ثم ان كان لديه إحساس قوي ب. تحبه وتشعر انه استحوذ على صديقتھا منھا أي اثر نھى حرص الث;ثة أJ يكون لهروح بينه وبينھا على صراعا مكتوما

ذعة بشأن ومع ذلك لم تكن تفوتھا بعض التعليقات ال;. ظاھر في سلوكھمكان يتحمل تعليقاتھا وتلميحاتھا على مضض من اجل نھى بينما . ع;قتھما

منى انسانة : "تقول ھي بعد أن تمضي بابتسامتھا العذبة فيما يشبه اJعتذاروھي دوما تقول ما يعن لھا دون أن تكترث بالعواقب وھذا ھو الذي ..طيبة جدا

يبدو أنھا طيبة ..نعم"ي تسامح ويقول ھو ف". أوقف نموھا الوظيفي حتى اkن ". فع; وتحبك كثيرا

ومعھا الخمور الرخيصة التي تنكب عليھا نھى كثيرا كانت تتردد على شقة

وتستيقظ فجأة لتسأل ما الذي أتى بھا إلى ھنا وتصر ا إلى أن تثمل ثم تناموحدھ كانت نھى تكره سكرھا الدائم وتحاول نصحھا. على النزول مھما كان الوقت

. دون فائدة

كان يخشى أن يطول البحث عنھا ھي ا?خرى ولكنه اھتدى إلى مكان عملھا وھو . بسھولة في إحدى الصحف الجديدة التي كثرت خ;ل السنوات ا?خيرة

يعرفھا جيدا ھذه اJبتسامة . يقترب منھا Jح على وجھھا شبح ابتسامة ساخرةبة بھزة رأس خفيفة دJلة مصحورا ما ارتسمت على وجھھا في شقة نھىوكثي

أعطته سيجارة من . رحبت به في برود وجلس أمامھا. اJستنكار او الرفض

Page 101: أنهار الجنة

- 100 -

بدأ الحديث وجد من يصيح بصوت قبل أن ي. نوع رديء فأخذھا مجاملة لھا :عال .الس;م عليكم يا أستاذ بھيدي -ال ق. نظر إلى الشاب الواقف أمامه في محاولة للتذكر. سلم بحرارةول عليه وما

.عملت لديكم في الوكالة العام قبل الماضي. له أنا ف;ن الف;ني

. واحزانهھا ھو واحد من ضحاياه يثير الماضي البشع بكل كوامنه..اللعنةشعب ..إنھم المصريون. ولكنه عكس ما توقع لم يستقبله باللكمات بل بالترحاب

ية على التسامح ھل ھي القدرة غير العاد..درج على اzھانة وتناسيھا بسرعةوالنسيان أم العبودية المتأصلة فيھم ھي التي تجعلھم يتناسون الظلم بسرعة

. ويمضون في الحياة وھم يشعرون باJمتنان تجاه من ظلمھم

.بھيدي يا منى؟ھل تعرفين ا?ستاذ - .طبعا - .أنا عملت معه في الوكالة من نحو عام ونصف -

:قالت ضاحكة .ھبت أنتوأنا أيضا ولكن بعد أن ذ - .؟كيف ا?حوال ھناك اkن يا أستاذ بھيدي - .الحمد � كل شيء على ما يرام -

أي ريح خبيثة قذفت به اkن إلى ..ليته ينصرف اkن..ياله من موقف سخيف

. Jشيء يشير أبدا إلى أن مھمته ستكون سھلة. يا الھي..مكتب منى

اذ البھيدي ثم سلم وما لبث أن سأل الشاب منى إذا كانت طلبت شيئا ل�ستتذكر عندما احتج الشاب على تعيين . وتنفس البھيدي الصعداء. منصرفا

قال له البھيدي اJحتجاج ھنا حتى مرفوض . شخص جاء بعده بفترة طويلةعملك معنا ينتھي بعد ث;ثة : "ثم أردف بثقة . ومجرد التفكير فيه يعتبر جريمة

وانتھى ا?مر عند ھذا ". مدفوعة اJجر أيام وأنا أعطيتك ا?يام الث;ثة إجازة .الحد

Page 102: أنهار الجنة

- 101 -

نظر إلى وجھھا الطفولي وشعرھا المنسدل على جانبيه ودخان السيجارة بدا عليھا نوع من .الرديء يتدفق من بين شفتيھا مكونا سحابة صغيرة بينھما

. Jشك أنھا اللعنة التي يسمونھا الثورة. م;محھاالھدوء والسكينة قلما عكسته .أن يدخل لھا من ھذا الجانبأراد .الحمد � الثورة نجحت وأطاحت بالطاغوت - والى ان يقضى عليھم جميعا ..ولكن البلد مازال فيھا الكثير من الطواغيت -

.لن تعتبر الثورة كاملة

. الطواغيت الصغار سيسھل التخلص منھم-

ري بعد الثورة في كل انخرطت في حديث طويل عن ضرورة التغيير الجذ ة وما إليه وھو ينصت إليھا ضجرامؤسسات الدولة وما تقتضيه الحالة الثوري

وأحيانا يلقي تعليقا صغيرا ولكنه لم يكن معھا بالمرة وكان يريد أن تنتھي من :وانتھزھا فرصة عندما توقفت قلي; وقاطعھا. حديثھا بسرعة

.نھي Jشك سعيدة أيضا بالثورة -

.ه في تمعن ثم قالت ب; اكتراثنظرت إلي

.الكل سعيد بالثورة وليست نھى وحدھا -

.مال عليھا فيما يشبه التوسل

لي مطلب عندك أرجو أJ ترفضيه وإJ قضيت على البقية المتبقية ..منى - من حياتي؟

اختلج صوته في نھاية الجملة وكأنه سيبكي مما جعل منى تحدق في وجھه

منى اkن ھي التي تمسك بمفاتيح سعادته او . تقاربمزيج من الدھشة واJح .مني ھي التي يمكنھا أن تفتح العالم كله أمامه او توصده في وجھه..ھ;كه

Page 103: أنهار الجنة

- 102 -

.لو كان في وسعي ما أستطيع أن افعله من أجلك فلن أتردد للحظة - عاجلھا بلھفة

.أنا اعرف انك انسانة عظيمة...صحيح يا منى - ردت في ھدوء

تعلق بنفسي أنا أما في ا?مور التي تخص اkخرين فليس ھذا طبعا فيما ي - .لي عليھا سيطرة

:قال وھو ينظر إلى عينيھا في قلق .ماذا تعنين؟ -Jشك انك أتيت تبحث عن ...دعنا نتحدث بصراحة يا بھيدي -

.أليس كذلك؟...نھى .عليك أن تقدري ذلك...لم يعد بوسعي أن أعيش بدونھا -

ھو يشعر انه يقترب أكثر من ھدفه حتى يكاد وشى صوته باخت;جة اكبر و

.ي;مسه

.قالت في صرامة وھي تنظر إلى عينيه مباشرة في مزيج من السخط والغضب

وأنا ..عادتھاويستحيل إ..ماع;قتكما انتھت تما..لنواجه مواقفنا بشجاعة - . غير مسموح لي أن أبلغك أي معلومات عنھا

. ظروفا صعبة للغايةكانت...نت J تعرفين ظروف انفصالناا - .أنا في الواقع لست معنية بدراسة قضية وإنما بما وصل إليه الحكم فيھا -

:نظرت إليه بأسى ثم قالت

ولكن سوء الحظ ..نھى طوال عمرھا مثل سفينة تبحث عن مرسى - .كانت تعتقد انك آخر مراسيھا..ي;زمھا

ي فيما لماذا J تصدقين..أريد أن أعوضھا عن كل ما مر بھا من آJم - .أقول

. ل�سف بعض السفن J تقف بالميناء إJ مرة واحدة - . يمكنك أن تقنعيھا بمقابلتي مرة واحدة..أنا اعرف تأثيرك عليھا - . لم يعد ثمة وقت وJ مجال لذلك..ل�سف -

Page 104: أنهار الجنة

- 103 -

دعيني أراھا لبضعة دقائق وليكن ذلك في ...ليتك تقدرين مدى عذابي - . حضورك

ذ بھيدي قد يرتكب المرء أحيانا خطأ يغير ل�سف يا أستا...ھذا مستحيل - .مسار حياته وحياة اkخرين أيضا دون أن يدري

ما الذي تقصدينه؟ - .اقصد ما قلت - .أJ يوجد أي أمل أن تغيري تفكيرك؟ -أنت تعرفني عندما يتعلق ا?مر ..ليس ا?مر سھ; كما تتخيل..ل�سف -

.بالمباديء

لماذا أصبحت البلد . ھذا اللفظ أساسالعنة هللا على المباديء وعلى من اخترعھل كنا نعيش في عصر من الھمجية ثم أصبحنا فجأة . كلھا تتمسح في المباديء

. اللعنة على كل شيء..متحضرين وأدركنا أن ھناك شيء اسمه المباديء والقيم

قال وھو ينھضJ تنس أن المرء قد يرتكب خطأ أحيانا فيقتل ...أرجوك فكري في ا?مر -

.خصينش

ضحكت وھي تودعه .أنا واثقة في قوتك ا?خ;قية -

لم يتحدث احد حتى من قبل ..ھذا أجمل تعبير سمعته عن نفسي..قوتي ا?خ;قيةزميلك ربما يشھد بمدى ..عن أن لي أي أخ;ق ناھيك عن أن يكون لھا قوة

وتتكيفأخ;ق مرنة ت;حق التطورات ..إنھا أخ;ق في حالة تطور دائم..قوتھا، وJ تبالي باJم وتسابق الزمن وتسعى إلى اقتناص اللحظةمع المستجدات

.اJخرين وJ احزانھم مرة أخرى إلى الدوران في الشوارع عاد ..منى كانت آخر أمل له...نةاللع

ھل الصدفة قانون أم حالة؟ التدبير وليست الصدفة ..والعزف على نغمة الصدفةن الصدفة ھي التي تجعلك تسير في الشوارع ھو الذي ساقك إلى منى اليوم ولك

التدبير والصدفة وجھان لعذابك ولكن منى لھا مكان معلوم . عسى أن ترى نھى

Page 105: أنهار الجنة

- 104 -

ھل نشأ الكون بالصدفة؟ ھل كان من الممكن . أما نھى فلن تراھا إJ بالصدفةولكن ھل ضاعت نھى منك . أJ يحدث اJنفجار الكبير؟ ألم يكن حدوثه صدفة؟

فة؟ ضغط على بدال البنزين قبل أن يجيب على السؤال الذي شعر أيضا بالصد .بمدى عبثيته

*****

لم يجد بھا سجائر فأطاح بھا من النافذة وبدأ .ھز علبة السجائر بيده اليمنى

ينظر إلى جانب الطريق ليرى ما إذا كان سيجد في ھذا المكان سجائره وسعدت . J طائل من ورائھازوجته ترى أن السجائر J معنى لھا و. المفضلة

جيوبه او حقيبته أيما سعادة عندما أصبح يدخل عليھا المنزل دون أن يكون في . وراحت تزف البشرى Jسرتھا بان زوجھا توقف عن التدخينالكثير منھا

يشعر أن عليه أن يدخن إلى أن يموت، بل . يحتاط للمستقبل فيحمل منھا الكثير

في بعض . و وسيلته التي J يمكن أن يقاومھا للموتربما كان التدخين نفسه ھع الذي يدخنه في كثير من المح;ت النوا?حيان يضطر إلى السؤال عن

. وا?كشاك دون أن يجده

J يطيل . ليس ا?مر سوى أوھام. من قال إن السجائر تقصر العمر او تطيلهJشيء ..?موال J الوظيفة وJ السجائر وJ ا..العمر وJ يقصره سوى الحب

. دم سوى الحبآفي العالم يمكن أن يجعلك تحب اJستمرار في الحياة إلى عمر الحب ھو ما يدفعنا إلى السير في دروب الحياة دون أن نلتفت إلى آJمھا

حالكة والزاد الذي نقتات عليه ھو النجم الذي ينير ليالينا ال. ومعاناتھا وبشاعتھا . رضا وقناعة المضنية في لنتحمل أعبائھا

لم تكن تحب النوم . في الشرفة التي اعتادا النوم فيھاكان ممددا إلى جانب نھى

الشتاء حتى يبدأ البرد يشتد فتنتقل إلى بدايةفي مكان غيرھا في الصيف وسألھا ما سبب عشقھا للشرفة قالت إنھا عندما تكون فيھا تشعر بأنھا . الداخل

. ليست محاصرة في مكان مغلق..ل شيءعلى اتصال بالطبيعة والعالم وك

.سأطلب منك طلبا إذا أجبتني كان ذلك إع;نا عن حبك الحقيقي لي -

Page 106: أنهار الجنة

- 105 -

.وھل لديك شك في ذلك؟ - .ولكن لماذا J تعطيني تأكيدا؟..ليس لدي شك على اzط;ق -

لم تعارض في الزواج العرفي بل قالت انه . مضى على زواجھما نحو شھروھو من جانبه أكد لھا . نبه أما الصيغة فھي مسألة شكليةيكفيھا أن تكون إلى جا

ولكنه فقط ينتظر ..أن زواجھما سيتحول إلى زواج رسمي في القريب العاجلكان ..في الواقع لم يفكر في خطة للمستقبل وJ كيف سيتم ذلك. فرصة مناسبة

أJ تغيب عنه كشمس أضاءت ظلمة حياته ولو . كل ما يعنيه ھو أJ يفقدھا . بت منھا فلن تكون سوى حلكة مطلقة وموات J حياة بعدهغر

يعرف أن منى J تني ..خطر له وھو يقبلھا أنھا ستطلب منه إع;ن زواجھما. ا وانھا تمضي في طريق مسدودتحرضھا ضده وتسخر من عبثية ع;قتھم

أنھا ستكون الطرف الخاسر إذا ما صادفتھما أي عقبة مرارا أمامهذكرتمن جبل صخرة او لت ساخرة إن حبھما سيتحطم كقارب يرتطم بقا. صغيرة . عند أول أزمةالجليد

أخذته الشجاعة وھمس لنفسه انه سيلبي طلبھا بإع;ن زواجھما حتى لو احترق

خيل إليه أن إع;ن زواجه الوشيك الذي ..أريد اJنعتاق..أريد حريتي..العالملى العبودية الممتدة من عستطلبه منه سيكون بمثابة الثورة الممتدة

سيشق عصا الطاعة ويعلن رفضه للعبودية واzقطاع وكل ما من شأنه ..أجداده أليس من حقه ان .أن يكبل اzنسان ويكدر حياته او يفرض طوقا على سعادته

لن يستسلم للشكليات التي طالما وضعھا موضع . يعيش كما يعيش بقية البشرھذه خرافات . لوضع اJجتماعي واصھارهالتقديس مثل اJسرة والعائلة وا .صنعھا الكبت والقمع والعبودية

.يؤسفني أن اسمع أن لديك أي شك في مدي حبي لك - .وما يضيرك أن تقدم لي تنازJ صغيرا على سبيل البرھان - . اطلبي ما تشائين أنا طوع بنانك -

تب استرسل في تخي;ته عما ھو مقدم عليه من الوقوف في وسط المك سقطت مغشيا عليھا بينما نظر إليه مھند منيرة. وإع;ن زواجھما

Page 107: أنهار الجنة

- 106 -

وبدأ ". يا ابن العفاريت لقد كان لدينا شك في ذلك"واkخرون في حسد يتصور شجارا كبيرا مع زوجته في المنزل وتدخل من عائلتھا وربما تحطم

. ليكن ولكنه سيخرج بھا..حياته الزوجية

:ولكنھا قطعت تخي;ته بقولھا ...أن تتوقف عن التدخين - ؟...ماذا - . ھل ھذا مطلب صعب لكي تبرھن لي على حبك؟..تتوقف عن التدخين -

تنفس الصعداء وھو يتراجع عن ثورته التي كانت ستغير وجه الكوكب .ويكتشف مدى سخفھا

أنا يسعدني أن افعل أي شيء من أجلك ولو طلبت مني أن القي بنفسي -

. ةمن ھنا لما ترددت للحظ

. وألقت بھا في الحديقةسجائر الكثيرةقبلته ونھضت بسرعة إلى علب ال . غدا سيأخذھا البستاني لو جاء - . ألم تتركي لي سيجارة واحدة ?ودع بھا التدخين -أريدك أن تعيش لي كل لحظة ..ھذه السيجارة يمكن أن تقلل حبي لك -

ك ?نھا ستكون J أريد أن تضيع لحظة واحدة من حيات...ممكنة في الحياة . أتمنى لو نعيش إلى ا?بد..ضائعة من حياتي أنا أيضا

وأخشى أن نظل . ھذا ما قرأته في بحث حديث.الحب يطيل حياة اzنسان - . أنا وأنت في الدنيا إلى أن نمل الحياة وتملنا

. لن نملھا أبدا حتى لو بلغنا من العمر أرذله طالما كان الحب موجودا - . ل حياتنا فلن تقصره السجائرإذا كان الحب سيطي -- J.. نسان خمسzانا قرأت دراسة أن كل سيجارة تنقص من عمر ا

. وأنا J أريد أن اخسر وJ دقيقة واحدة وJ حتى ثانية بعيدا عنك. دقائقكلما فكرت في تدخين سيجارة تذكر انك تضيع من حياتك خمس دقائق

. يمكن أن تعيشھا إلى جانبي . ن أعود إلى التدخين ما حييتھذا معناه إنني ل -

Page 108: أنهار الجنة

- 107 -

. لن تعود إلى التدخين إJ في حالة واحدة - ما ھي؟ - . إذا توقفت عن حبي - . ھذا معناه أن التدخين أصبح من ا?مور المستحيلة بالنسبة لي - . ھذا يجعلني سعيدة -

لم يتخيل ان . لقد اصبح ايقاع جسده وجسدھا واحدا. اقبل عليھا بحيوية متجددةحياته مع . ان يكون مصدرا لھذه المتعة وھذا اJنصھار من قبلالجسد يمكن

زوجته كانت فاترة وآلية في افضل اJحول ولكنه ھنا يجد الشعر والتدفق غير . المحدود

قال انه أصبح يسمع لتنفسه صفارة غريبة ..في المكتب كان ا?مر بسيطا للغاية

.ف عن التدخين في الحالأثناء النوم فذھب إلى الطبيب الذي أمره أن يتوق :منيرةقالت .الم يذكر ما ھي الحالة؟ -- J..حقJ سأجري بعض التحاليل وا?شعة في وقت.

:قالت بلھجة لم تفته ما فيھا من سخرية. انه يؤثر على كل أجھزة الجسم. علي أي حال التدخين ليس أمرا طيبا -

.؟التدخينيحذر من ..ھل رأيتم اzع;ن الذي كان على علبة السجائر

.تظاھر انه J يعرف .؟أي إع;ن تقصدين - .إع;ن السيجارة المائلة -

. وانطلق المكتب كله في الضحك مالم تذھب لزوجته او تلتقي بھا . ھي أكثر شخصية يخشاھا في المكتبمنيرة

Jشك أنھا تبلغھا بكل . في النادي فإنھا تتحدث معھا لساعات في الھاتفبعد . حذر نھى منھا مرارا. كل ھمسة وكل لفتة..كتبصغيرة وكبيرة في الم

:خلع غانم نظرت إليه في تحد وقالتمن ايام

Page 109: أنهار الجنة

- 108 -

إذا كنت أنت مثلي تؤمن بأھمية الخبرات القديمة فلماذا J تدافع عنھا - .أمام الشركة؟

منذ كان محررا مبتدئا في الوكالة وھو رئيس اكان يكره غانم. لم يفته ا?مر

تورع أن يشتم أي محرر لديه ويناديه بصوت عال أمام كل لم يكن ي. تحرير :وبعد أن يوبخه ويصرفه يقول على الم�. الناسالمحرر الذي J يعرف أن وزير خارجية دولة كذا سيدة وليست رج; -

.أولى به أن يبيع بصل في سوق الخضار

ا التي تطل برأسھمنيرةومع ذلك تناسى البھيدي كل شيء ولكن ھذه ا?فعى أرسل للوكالة خطابا . بحاجة إلى إنذار وكان ھذا اzنذار ھو التخلص من غانم

أشار . سريا بان راتبه يمكن أن يكفي ث;ثة محررين جدد أكثر إنتاجا وحيويةوأشار . إلى انه يفضل أن يأتي القرار من اzدارة حفاظا على ع;قاته بزم;ئه

توقع منھم تفھم موقفه إذا ما في ملحوظة جعلھا حاشية في الخطاب إلى انه ي . اتخذ بعض اzجراءات حفاظا على صورته أمام الزم;ء

انه يفعل ما بوسعه للدفاع عن الخبرات القديمة في الشركة وعن كل منيرةقال ل

من يعمل فيھا ولكن أحيانا تكون القرارات اكبر من قدرته على العمل ف; يملك .إJ اJنصياع لھا

.ي; وأدار الشاشة نحوھاحرك الماوس قل

.انظري إلى ھذا الخطاب -

كان خطابا طوي; كتبه إلى ھنريتا سكرتيرة رئيس النشرات ا?جنبية في الوكالة يشيد فيه بغانم ويثني على إنجازاته الماضية وعمله الحالي ويوصي بإرجاء اJستغناء عنه عام واحد على ا?قل حتى يتسنى العثور على كوادر

وجاء الرد من ھنريتا بان طلبه ل�سف رفض وأنھا تتمنى لو كان . بديلة . بوسعھا أن تنقل إليه ردا ايجابيا

.قال وقد شعر أنھا انتھت من قراءة الخطاب ورده

Page 110: أنهار الجنة

- 109 -

أنا J أحب أن أتحدث عما افعله ولو كنت أنت في موضعي فماذا - .ستفعلين؟

:Jنت م;محھا وابتسمت له ولكن لي رجاء بسيط ". آخر خدمة الغز علقة "فع; كما قال ا?ستاذ غانم -

عندما يصلك خطابا مثل ھذا ..أرجو أن تعدني بتنفيذه..عندك .أرجو أن تبلغني في الحال..بشأني

:تريثت للحظة ثم قالت

.بل إنني أفكر أنا نفسي في تقديم استقالتي -

.كان يعرف انه تھديد أجوف وأنھا لن تفعل ذلك أبداولكني في الواقع ساخط .. غانم بلغ من العمر أرذلهذJ تنسي أن ا?ستا -

. كان وجوده بيننا بخبرته الطويلة شيئا طيبا..عليھم. ھذا يعني أن اzنفاق مقدم على الجودة..Jشك إنھم يحاولون التوفير -

.وھذه أولى خطوات اJنھيار .اعتقد أنھم فع; يفكرون في ضغط اzنفاق..ھذا وارد جدا -يمكنھم أن يأتوا من أكشاك ..أسھل من خفض اzنفاقعلى أي حال ليس -

بين السرايات بعدد كبير من المحررين ويستبدلوا بھم من ھنا ويوفروا . ما شاء هللا لھم أن يوفروا

عندما خرجت من مكتبه وجلست على مكتبھا شعر بأنھا مشغولة الفكر فأسعده

. على ا?قل ستبتعد عنك وعن نھى قلي;. ذلك

ائما تدھشه بمفاجآتھا وتبدو كما لو كانت استولت على زوجته دمنيرةبعد توليه منصب رئيس . واصبحت تسھم بجزء كبير في صياغة حياتھما

Jالتحرير ولم يكن قد مضى على عمل زوجته في الوكالة عامين فاجأته كار :

.تعرف ان زوجتك تقدمت لوظيفة رئيس قسم الرياضة؟..بھيدي -

Page 111: أنهار الجنة

- 110 -

انه نفس المنصب الذي كان يشغله الى جانب . د عليھالم يعرف بماذا ير الفور انھا ما ىلم تبلغه باJمر ولكنه ادرك عل. منصب نائب رئيس التحرير Jويعرف جيدا انھا ھي التي اشارت عليھا بعدم منيرةكانت تقدم على ذلك لو

ان ھناك من ھم اولى منھا بوظيفته تعرف انھا J تستحق ذلك ومنيرة. اب;غه . ولكنھا تعرف انھم في الوكالة سيجاملونھا من اجل زوجھاالسابقة

.ولكنھا لم تحدثني في اJمر -لعلھا لم تحدثك حتى J يكون ھناك أي شبھة . لم تحدثك في ذلك؟..أحقا -

ولكن . انا ليس لدي مانع من الموافقة على طلبھا..انا اتفھم ذلك..محاباةJعتبارھناك شيء ھام علينا ان نأخذه في ا.

ما ھو؟ -ربما يكون ھناك احتجاجات من البعض ممن ينظرون الى انفسھم على -

.انھم اولى بالمكان ...ولكن..لن تكون ھناك احتجاجات وJ شيء..من ناحية اJحتجاجات - فسوف أوقع ك وتستطيع ان تدير اJمر في الخدمةاذا كنت واثقا من ذل -

.ما رأيك؟..اتورق تعيينھا حالما تنتھي مھلة دراسة الطلبتعرفين انني J يمكن ان اعارض ليس من ...اذا كنت حقا تريدين تعيينھا -

...اجلھا بل Jنھا رغبتك انت . لماذا J نعطيھا الفرصة..انا اعرف انھا مجتھدة يا بھيدي - . لك ما تشائين -

انه . التي تتوھمھا كارJضحك كثيرا من فكرة بروز احتجاجات في الخدمةي تمضي في الصالة وھم تا ويعرف ان اوامره ونواھيه ھي اليعرفھم جيد

خبروه كنائب لرئيسي . يطيعونھا مرغمين Jنھم يعرفون عواقب رفضھاتحرير عندما كان يتصرف في مصائر بعضھم ويقف اJخرون في صمت

. اصواتھمنبرة محاذرين ان تظھر حتى أي لمحة غضب على م;محم او في كما يفعل ھو هل شخص يدير مرؤوسيكان كلو . دمةواJن ھو الذي يدير الخ

. في البلدتداعت اJوضاع على ھذا النحولما عض سحرھا عد الثورة انساقوا وراء اJوھام ونفثت فيھم روح الميدان بب

، ولكنه كتبنوا ان ما يحدث في الخارج يمكن ان يكون له اصداء في الموظ

Page 112: أنهار الجنة

- 111 -

ن الميدان شيء والوكالة شيء حذرھم بلھجة واضحة ا.كان لھم بالمرصاداوقات فراغھم او وكنوع من التنفيس عن الكبت اصبح البعض منھم، في . اخر

، يذھبون الى ميدان التحرير ليلتقطوا الصور بجانب الدبابات بعد انتھاء العملوعندما رآھا قال ساخرا ان الوكالة . ويضعونھا على صفحاتھم على الفيسبوك

مھمتنا ھنا ان نغطي اJخبار . "بالثورة من قريب او بعيدمستقلة وJ ع;قة بھا الموضوعية . J يجب ان يكون لنا موقف منه. J ان نشجع ما يحدث او ننتقده ". والحياد الصحفي يقتضيان ذلك

كان . رغم كل شيء لم يكن يتخيل أن يكون اختفاء نھى من حياته حدثا عابرا

ا من ا?لم، ولكن لم يصل به الخيال أبدا إلى يتوقع الكثير من المعاناة وربما قدرتصور ھذا القدر من الضياع، ھذا التداعي في قدرته على اJستمرار في الحياة

ولكنه فجأة وھو يقاوم آJمه ويحاول مداواتھا وجد العالم . كشخص طبيعيتصدعت ا?رض فجأة بفعل زلزال خبيث وراحت تزحف . ينھار فوق رأسه

أين البشر الذين . في طريقھاافعوانية خبيثة تبتلع كل شيءعلى قشرتھا شقوق لقد ابتلعت ا?رض منھم من ابتلعت وأطبقت . كانوا يدبون على ذلك ا?ديم

عليھم بينما ظل آخرون يصرخون بين فكيھا وان لم تبتلعھم تماما فظلوا يعيشون حالة من اJنقسام بين عالمين، نصف منھم تحت ا?نقاض والنصف

معلق بالحياة التي تغير لونھا ومذاقھا عما كانت عليه من سنين وربما اkخر . عقود J يدرون لھا عددا

تجتاح الزJزل عندما . محمود عبدالعظيمعندما قلب الوجوه في ذاكرته برز

رأسا على عقب يسأل المرء كل شيء فيھاقلب والبراكين واJعاصير بلدا وتيا ..ون سعيا للنجاة او Jنقاذ ما يمكن انقاذه، بعد ان يھدأ الركض المجننفسه

ووجوه قديمة ربما تاھت منه في ترى أين ف;ن وف;ن ويبدأ في استدعاء أسماء اkن بعد أن اھتز كل شيء وانتقل من ھو. الحياة او تضاعيف الذاكرةزحام

دلھمت منذ ا. أقصى ناحية إلى الناحية ا?خرى يتساءل ما الذي حل بھؤJء . ع لم يتحدث إلى عبدالعظيما?وضا

الصحيفة وقد ينتظر لساعات حتى على بل لكي يراه كان عليه أن يمرقمن

يتسنى له اJلتفات إليه وأحيانا يجلس بجانبه لوقت طويل وھو يقرأ أوراقا ليرد عليه ويھمس ويوقع أوراقا أخرى ويتحدث في الھاتف ثم يمسك بالمحمول

Page 113: أنهار الجنة

- 112 -

وما ان يجد سانحة ويبدأ الحديث إليه حتى ". ھيدياعذرني يا ب"له من آن kخر كان ينظر إليه في . يدخل صحفي او موظف يطلب توقيعا او موافقة على شيء

. غير قليل من الحسد

محمود كان زميل وصديق دراسة استمرت ع;قته به حتى بعد الجامعة، على صعد إلى اتجه للعمل في الصحافة وظل ي. عكس كثيرين ممن التھمھم الزحام

عرف . أن احتل منصب نائب رئيس التحرير في مؤسسة صحفية حكوميةمؤخرا انه ورئيس التحرير وعدد كبير من زم;ئھم أطيح بھم من مواقعھم بعد

. ثورة داخل الصحيفة

طموح وذكي وأستاذ . محمود كان قاب قوسين او ادني إلى صعود قمة الدرجكان يدرك انه التجديد ا?خير لرئيس . منهفي الع;قات العامة J ينكر انه أفاد

ضيف دائم في برامج التلفزيون . التحرير في مؤسسته واعد نفسه ليحل محلهJتفوته فرصة في كل القنوات تقريبا يدافع عن النظام ويھاجم خصومه و

ظار وأصبح من في الحوار واzشادة به حتى لفت ا?نلحشر اسم ولي العھدكان يعرف أنھا خطوة صغيرة ويبلغ . جلس السياساتالمقربين إليه في م

ولكن ا?مور. الذروة وانتظر على مضض أن تأتي الساعة ويتلقى اzشارة . ھشيما تذروه الريح أح;مهسارت مسارا مخيفا وجعلت

: يدخل المقھىقال له ضاحكا عندما رآه

.ه أيضاأول مرة اكتشف أن ھذا المكان اللعين الذي تختفي فيه له مزايا - وما ھي؟ -ھذه وكالة أجنبية ليس ?حد سلطة . أن أحدا لن يستطيع أن يقترب منك -

.عليھامن الذي كان يطرد الصحفيين في المؤسسات ...ل�سف أفكارك مغلوطة -

المكان ..أليسوا ھم الصحفيين الصغار الفاشلين الموتورين...الحكومية .الذي اعمل فيه J يخلو منھم أيضا

كما J يمكنھم أن يثوروا عليك..ن موقفك أفضل بكثيرولكني اعتقد أ - .حدث في أماكن اخرى كثيرة

.حتى أنت تسميھا ثورة؟ -

Page 114: أنهار الجنة

- 113 -

أنا اسميھا ثورة وفقا لما درج عليه العرف الصحفي في استعمال -ولكني على أي حال J . الكلمات متى شاعت حتى لو كانت خاطئة

.أنا اعترف بأنھا ثورة حقيقية..أكابرورة J بالمفھوم الصحفي وJ اJجتماعي وJ التاريخي وJ ھذه ليست ث -

. الثورة شيء مختلف تماما.بأي مفھومأنا شبه مقيم ..انظر إلى حالي أنا وأنت مث;...بصرف النظر عن المسمى -

وأنت ربما J تعرف النوم ?نك لم تختبر بعد وتخشى أن ...في المنزل .توضع في ھذا الموضع في أي وقت

. للعمل؟أJ تذھب - :ضحك محمود كثيرا

أنا اذھب إلى الصحيفة وادخل إلى مكتب صغير خصصوه لي مؤخرا -فاجلس بضع ساعات اشرب الشاي واقرأ الصحف والمج;ت ثم أعود

J احد ھناك يطلب مني أي عمل وJ رئيس ..أدراجي إلى المنزل التحرير الجديد يطلبني وفي نھاية الشھر أجد شيكا بخمسة آJف جنيه

أحيانا J اذھب إلى المكتب نحو أسبوع ثم أتوجه إلى ھناك ..على مكتبيJ احد يحفل بسؤالي عن سبب غيابي ...?جد كل شيء على ما يرام

. سوى العمال والسعاة وصغار المحررين .ورئيس التحرير الجديد ما ع;قتك به؟ -ض في بداية توليه المنصب كان أحيانا يمر على مكتبي ليسألني في بع -

بعد ذلك أصبح يرسل . ا?مور التي تستشكل عليه ثم يشكرني ويمضيوفي يوم أرسل يسألني في أمر وجدت أن اذھب إلى . لي بأحد معاونيه

شعر بضيق غريب كما لو كنت اقتحم قلعته وراح . مكتبه ?تحدث إليه . يرحب بي بصورة مبالغ فيھا جعلتني J أكررھا ثانية

يحسده على موقعه الذي كان ھو يتململ ضجرا فيه فكر وھو جالس أن محمود

ولكن عندما أجدبت ا?رض أصبح يتطلع إلى ..ويتطلع إلى اليوم الذي يغادره . حمايته وضاقت ا?رض به حتى صارت اكبر أح;مه أJ يلقى به خارجه

ألف جنيه شھريا خمسينمن أكثر من ...ولكن كيف يدبر محمود أموره المالية

Jر أراد أن يسأله كيف تسير أموره المالية ولكنه شع. يا للھول...فإلى خمسة آ

Page 115: أنهار الجنة

- 114 -

محمود في النھاية . فلن تعطيه الشركة قرشاأما ھو فلو غادر مكانه. بالحرج .ربما كان في وضع أفضل وما زال يستحق حسده

كثيرا ما تخيل دھشة . كان ھو اkخر يمني نفسه بالصعود إلى أن ھبت العاصفة

علم بصعوده المفاجيء إلى رئاسة التحرير في مؤسسة حكومية محمود عندما يلم يتخيل أبدا أن يذھب إلى مؤسسة محمود ولو حتى كرئيس مجلس . كبرىليس ?نه يتعفف عن مفاجئته بشيء كذلك بل ?نھا مؤسسة صغيرة . إدارة

كان يعتبر . وJ ترقى الى مستوى تطلعاته الكبيرةومتعثرة وغارقة في الديون نھاية الحلم حمله الىساعة تل يوم يقربه من الھدف ولم يكن يعرف أن كل أن ك

ھو ومحمود ضحايا الواقع القاسي وا?ح;م الكبيرة التي J تجد لھا . والصدمة . التعس كافية لتتمدد في فضاء ھذا البلدفسحة

جاءني صحفي زميل منذ أيام وقال لي انه ...البلد أصبحت في فوضى -

المقھى عندما وجد بعض الشبان الصغار يسألون عن كان جالسا على .عنوان منزلي فضللھم ووجھھم إلى مكان آخر

لماذا أرادوا عنوانك؟ - ..يعني علقة بسيطة باعتبار أنني من الفلول..أرادوا أن يضربوني -

:قال له في غضب .لو كنت مكانك لما سكت حقيقة - .ماذا بوسعي أن افعل؟ - .ھب ودب يتجرأ عليناسكوتنا ھو الذي جعل كل من -المھم أن تسير البلد باتجاه الخروج ...إنھم شبان صغار J يدركون شيئا -

.من ا?زمة :رد عليه بمرارة وتشف

كارثة وكل ..كل يوم أسوأ من سابقه..J اعتقد أنھا ستخرج منھا أبدا - .تفضي الى كوارث اخرى

.ولكنه سيھدأ بمرور الوقت..انه الزخم الثوري - .على أن تسميھا ثورةمازلت مصرا -

: مرارة واست;ميقال له ف .ھي ثورة بالفعل واJ ما أجلستني في البيت مثل كم مھمل - .يوما ما ربما تتغير ا?مور -

Page 116: أنهار الجنة

- 115 -

.J اعتقد انه سيكون ھناك تغيير في صالحنا - .كيف تشغل وقتك؟ -كل الكتب التي ..القراءة ھي خير معين على النسيان..القراءة والكتابة -

وبدأت أيضا ..يت أن اقرأھا ولم أجد لھا وقتا بدأت اkن اقرأھاطالما تمن . أكتب

ربما يكون من السابق Jوانه ان تكتب كتابا عن ھذا الخازوق الذي - .يسمونه بالثورة

- J..اكتب في السياسة J أنا J.. أنا أحاول أن اكتب رواية او لنقل عدة .روايات

.أنت تكتب روايات؟..رواية - .أليست الروايات م;ذا جمي; لمن في حالتنا.. ذلكوما المانع في - من زمن لم امسك كتابا إJ لكي اھرب من زوجتي او ..القراءة شيء طيب..حقا

. ا?وJد

الكتابة والقراءة عن عوالم افتراضية أفضل . ربما كنت على صواب - .كثيرا من الواقع الكالح

وJ حتى .. اJنحدارالقراءة ربما J تكون مفيدة لرجل مثلي يتجه إلى -كما تعرف فانا J ..الكتابة ولكني لم أجد ترياقا أفضل لما أنا فيه

.وJ أطيق الجلوس على المقاھي..اشرب

مود عبدالعظيم اشبهمح..كم في الحياة من المتشابھات وكم فيھا من المتناقضاتفارس يستعد للصعود إلى ظھر الحصان ولكنه يفاجيء بالسرج بين يده ب

وھم وسراب تبخر وذاب في العدم ولم يبق منه سوى ..صان غير موجودوالح . العيش في عالم وھمي يحاول صياغته ليلوذ به في ختام مسيرته

محمود كان يصر دوما على انه سيصدر صحيفة بمجرد ..عاد إلى أيام الجامعة

.أن يتخرج تضرب جميع الصحف

.ھل تذكر مشروعك القديم؟ - : وجھه الدھشةضحك عاليا وبدت على

Page 117: أنهار الجنة

- 116 -

المشاريع ھذه ا?يام أصبحت كثيرة للغاية بحيث يصعب ...أي مشروع - . ھاإحصاؤ

. مشروع الصحيفة التي صدعتنا في الجامعة بأنك ستصدرھا -

.ضحك كثيرا . ربع قرنذ اكثر منھل تحاسب طف; على كلمة قالھا من..يا رجل -

الوجه الممتليء .. بدا له ضئي; ومنكمشا اشبه بجسد صبي..نظر إلى محمود

بالبسمة بدأ يتغضن بفعل السن والمحنة ولكنه اكتسى بعضا من البشاشة وا?لفةرغم زمالتھما وصداقتھما إJ أن موقع . لم يأنسه فيه أبدا أثناء العملوالدفء

. المشتركة بفعل الكارثةمحمود السابق أوجد حاجزا ما بينھما، بدأ يتداعى اkنبدا ..ظھرت على وجھه بصمات الزمن فجأة..تمل الصدمةولكن يبدو انه لم يح

بدا مثل رجل . ساخرة J تفارق شفتيه سوادا وتغضنا وابتسامةوجھه أكثريشاھد مسرحية غير مقتنع بھا ولكنه يبتسم على سبيل المجاملة لكاتبھا او

. مخرجھا

ھل تذكر يا محمود صحفية صغيرة عملت لديكم في المجلة منذ نحو - .سنوات اسمھا نھى محمودأربع

تعرف أنني كنت بعيدا ..J اذكر ھذا اJسم..نھى محمود..نھى محمود -كنت أطالع موضوعاتھا قبل الطباعة ولكني J احتك ...قلي; عن المجلة .لماذا تبحث عنھا؟...كثيرا بالمحررين

. عملت لدينا لبعض الوقت ثم اختفت فجأة ولديھا مستحقات مالية..ابدا - ان نجد من يسعون الى اعطاء الناس حقوقھم في وقت J شيء طيب -

. عن مصالحه الشخصيةىيبحث فيه احد سو .ھذه مسألة مباديء -ھذه اكثر كلمة يسيء المصريون ..با� عليك J داعي لھذه الكلمة -

. استخدامھاالمصريون يسيئون استخدام كل شيء حتى ما يحصلون عليه دون عناء -

. لطريقاو يجدونه على قارعة ا

Page 118: أنهار الجنة

- 117 -

ويكاد يشعر بحركة وانفاس صورة المكان محفورة في ذھنه بكل تفاصيلھاعلى الرغم من انه لم ، عاداتھم وحركاتھم وسعالھم ومزاحھم، الموجودين فيهالصالة الكبيرة التي تصطف فيھا المكاتب عليھا أجھزة . يدخله منذ فترة

مثل ا?صنام يحدقون الكمبيوتر وأمامھا المقاعد والمحررون جالسون عليھاوعلى يمين الداخل تجد مقعد ا?ستاذ غانم، أما انه غارق . في الشاشات أمامھم

. في النوم وھو جالس مثل تمثال بوذا او انه يلقي بالقفشات لتسلية السيداتسيه ووھناك في الركن يقبع مھند وھو يرفع رأسه ليتطلع من آن Jخر الى مرؤ

جلس المنتصف توفي . رعاياهملك يطمئن على بمشاعر في النشرة الجديدةيبدو وكأنه قد فرغ وتعطي ظھرھا للداخل والى جانبھا يجلس محرر منيرة

بل عالقة ا ومازال المنجل في يده وبقايا سنلتوه من حصاد فدان من القمحھل يمكن أن يتحرك ھؤJء العبيد لطرده ويرى نفسه يخرج من باب . بم;بسه

ھل . الضيقة إلى اJستقبال ثم إلى المصعد ليلقوا به فيهالصالة إلى الطرقة ، لو كان موجودا، إلى نجدته على اعتبار أنھما يشتركان في بعض عمريسارع

الشعب يريد تطھير "ھل تھتف له الجوقة . ا?سرار غير المعروفة ل�خرينكل شيء اصبح يلصقونه بارادة ". الشعب يريد اعدام البھيدي"او " الوكالة

خرج من الكواليس ولم يكن احد العجيب الذي الخرافي ذلك الكائن ..شعبالالشعب اصبح يريد كل شيء يريده أي من الغوغاء . حتى بوجودهيعلم

اصبح الصاقھا بالشعب مبررا ..والرعاع حتى لو كانت مصلحة شخصية ضيقة . ل;ستجابة لھا باعتبارھا ارادة الجماعةومسوغا

ل الشارع الذي وعي يسير في ثكنات المعادي ويدخيوما ما وجد نفسه دون خطر له ان يمر على المنزل بحجة أن صديقا له . فظ كل اشجاره ومبانيهح

سيصعد معه البواب . يريد الشقة ولكنه طلب منه أن يتأكد من مساحة المطبخيمكنه أن يمنحه بضعة جنيھات ويتركه لبعض الوقت وحده، . ويفتح له الشقةيمكنه أن يتحرك في الغرف . تعيد بعضا من ذكرياته معھا ھناعلى ا?قل يس

سيجد . المألوفة له ويقف في الشرفة مثلما كان يقف كثيرا ويطالع الحديقةيرى ا?شياء التي كانت س. بھا ملمس يديھارائحتھا عالقة في الھواء واJبواب

يري س. Jثاثالمقاعد والموائد واالحديقة والشرفة و. عيناھا كل يومتقع عليھا كانت تھتم بھذه الصورة . المعلقة على الجدارمكان صورة العروس والعروسة. لتزيل عنھا اتربة وھميةيوم مقعد كل ىاھتماما خاصا ويمكن ان تصعد عل

كانت تتوسط تابلوه لفتيات يرقصن على لسان في البحر برزت عليه بضع

Page 119: أنهار الجنة

- 118 -

كانت لشاب ة العرس صور . المرعى;ت وتابلوه اخر لغزال صغير يتشممنخذي شارب قصير مقصوص يقف في فتوة الى جانب فتاة ربما لم تتجاوز

حاول التركيز في عينيھا . العشرين من عمرھا تشبه في بعض م;محھا نھىليعرف من اين تأتي اصداء البحار العميقة ولكنه لم يتبينھا ابدا ولم يعرف ما

من صاحب الصورة يوماسألھا . اذا كان سحر العيون وراثة من اJم او اJبكان يعمل في السفارة المصرية في . يتهفقالت انه لوالدھا ثم روت له حكا

علم لغات جديدة ويأخذ موظفا صغيرا ولكنه كان طموحا يحاول ان يتسورياالذھاب يوما ما للعمل دورات تدريبية في مجاJت كثيرة سعيا للترقي ويحلم ب

ولكنه في يوم كان في زيارة . او امريكاوبافي احدى سفارات مصر في اوررأى بمجرد ان : "وتقول ھامسة وھي تبتسم . مھاأJصدقاء سوريين ورأي

كان ذلك في اعقاب زيارة السادات للقدس ولما تقدم بطلب ". أمي وقع في حبھاللزواج منھا نصحه السفير بان ينصرف عن اJمر ويھتم بعمله ولكنه اصر

وھنا رفضت الوزارة . ب الى وزارة الخارجية في القاھرةعلى ان يرسل الطل. يفصل من عمله اذا ما اقدم على ھذه الخطوةوحذرته من انه يمكن ان

لم تفصله الوزارة كما . وضرب والدھا عرض الحائط بتحذير السفارة وتزوج حيث اصبحت زوجته محور حياته ھددت ولكنھا نقلته الى مقرھا في القاھرة

قال . حه الوظيفي وظل يعمل في القاھرة الى ان رحل عن الدنياتناسى طموو، وانه لو لھا انه يحترم ابيھا جدا لتمسكه بحبه في وجه اعتبارات سياسية واھية

كنت سألقى باJستقالة ". كان في موضع ابيھا لما كان سلوكه مغايرا لما قام بها حيث تعيش مع ذھبت امھا بعد ذلك الى سوري". في وجوھھم من تلقاء نفسي

سيرى موضع ھذه اللوحة على اJن . اسرتھا بينما فضلت ھي البقاء في مصر برقة كما لو كانت تخشى ان ويتخيلھا وھي تقف فوق المقعد وتمسحھاالجدار

. تخدش زجاجھا

قال ليكتف بصعود الدرج والوقوف أمام الباب . لم يجد البواب فصعد إلى أعلىثوان كما كان يفعل قبل أن يفتح أن يطرقه وينتظر ليمكنه حتى . ھذه المرة

أحيانا كان يلتقط رأسھا بين يديه من فتحة . الباب وتستقبله ابتسامتھا المتلھفةالباب ثم يدخل ويدفع الباب بقدمه ليغلقه ويدفعھا الى اقرب فراش او مكان

ولكن بدا له شيء غريب بمجرد أن صعد الدرجة ا?خيرة اذ وجد ضوء. مستووشعر بارتفاع دقات قلبه حتى كاد يقفز من بين . ينبعث من تحت الباب

Page 120: أنهار الجنة

- 119 -

الطيور تعود . ھل عادت مرة أخرى.. ھل يمكن أن تكون قد عادت. ضلوعهإلى أوكارھا دوما بعض العواصف الشديدة لتسترجع شعورھا با?مان وتبدأ

. فاسھاماذا تفعل اkن وأي غرفة تلك التي تعطرھا أن. مواصلة حياتھا ثانيةتخيلھا متوقفة في الشرفة تطالع زھور ا?قحوان التي قالت أنھا أكثر ما يجذبھا

. في الحديقة

تريث أمام الباب قلي; لتخف حركة قلبه ثم ضغط الجرس وبعد لحظات سمع زادت دقات قلبه سرعة حتى تخيل انه سيتوقف تماما . صوتا من الداخل يقترب

Jھل . سقط في موضعه عندما تقع عيناه عليھام تزحف نحوه وخشي أن ياقدواربما لو عرفت انه ھو لركضت إليه وانتزعت الباب كما ..تقدر مدى لھفته

يخمن ھو أنھا كانت تنتظر على اقرب مقعد حتى J يتوقف كثيرا . كانت تفعل .إلى أن اعطته نسخة من مفتاح الشقة

رت إليه في تساؤل ثم فتاة صغيرة في نحو العاشرة نظوأطلت منهوفتح الباب

. جاء صوت أمھا من الداخل متسائ; عن ماھية الطارقكانت تسكن ھذه الشقة سيدة قريبة لي تغيبت منذ ..أنا آسف يا سيدتي -

.بعض الوقت ونخشى أن يكون ألم بھا مكروه .ھل ھي متغيبة قبل الثورة أم بعدھا؟ - . بعد بدء الثورة بأيام -

.حزننظرت إليه المرأة في إشفاق و

. نحن نسكن ھنا منذ أسبوع واحد فقط وكانت الشقة خالية عندما تسلمناھا - .أنا آسف يا سيدتي zزعاجك -

واستدار ليمضي ولكن السيدة استمھلتهربما ..لدي بعض ا?وراق التي وجدتھا في احد أركان المطبخ..انتظر -

.تساعدك في الوصول إليھا .من ا?وراق وتسلمه لهودخلت لتأتي له بكيس ابيض به الكثير

، ولو ھبط البھيدي الدرج وھو يشعر انه عثر على كنز ربما يعوض جزءا

، وقد يجد به ضوءا ينير له طريق من خيبته في عدم وجودھا بالشقةيسيرا،

Page 121: أنهار الجنة

- 120 -

وراح يقلب في توقف في سيارته وأضاء لمبة الصالون.الوصول اليھامقدمات مقاJت من تلك ..اليدكانت كلھا أوراق مكتوبة بخط ..ا?وراق بلھفة

التي تضعھا في المدونة ورقم ھاتف توقف عنده كثيرا ولكنه اكتشف مع ولم يخرج من كل ا?وراق سوى بصورة شھادة . التدقيق انه احد ارقام الوكالة

يناير 24مي;د لھا تشير إلى مي;دھا في دمشق ?ب مصري وأم سورية في 1980 .

تفض الى شيء سوى تعميق احساسه بالفقدان وانه ربما جوJته في الجحيم لم ولكن لماذا J يحاول مع منى مرة أخرى إذا كانت كل . J يراھا مرة اخرى

يعرف كيف . سوف يسعى إلى إغرائھا ھذه المرة. الطرق ا?خرى مغلقةزجاجة من . لماذا لم يوفر على نفسه في المرة السابقة كل ھذا الوقت..يستميلھالديھا نھم غريب . يا الفاخرة تجعل منى تبوح بأدق ا?سرار في العالمالشمبان

قالت له نھى إنھا تشرب بأكثر من نصف . للشراب وتقدر الخمور الفاخرةساعات قليلة ..يمكنه حتى أن يلوح لھا بفرصة عمل في الوكالة. دخلھا شھريا

جه الشيطان يمكنه أن يقدم مبررات إلى اzدارة ويقف في و. مقابل مرتب كبير . لو كان ھذا سيجعلھا تلين وتدله على مكان نھى

خطر له أن . عندما فتحت الباب أبدت دھشة من زيارته لھا ووقفت تحدق فيه

وھل سأقف ..أJ ترحبون بضيوفكم: قال لھا مداعبا . نھى ربما تكون بالداخل . طوي; ھنا؟

.جمعت إزارھا حول جسدھا وأفسحت له الطريق للدخول

س وحده حتى عادت إليه وقد غيرت م;بسھا جل !.لعلك نسيتني؟..لم أراك منذ فترة قلت ?طمئن عليك -

: اجة الشمبانيا بشغفوھي ترمق زجبلھجة ساخرة قالت ضاحكة .أنت يصعب نسيانك -

وھمس لنفسه أن . كانت قد ارتدت عباءة مغربية فبدت له سيدة غير مصريةوان طريقتھا اJرتجالية في . دما يدقق فيهوجھھا J يخلو من جمال وحيوية عن

التعامل مع الناس والمواقف ھي التي تجعل أحدا J يأخذھا بجدية ويتجاھل . جانب ا?نثى فيھا

.لقد كان عيشا وملحا...طبعا..طبعا -

Page 122: أنهار الجنة

- 121 -

قالت ضاحكة .ربما كان ملحا فقط - .أنا أتحدث عن العيش والملح باعتباره رمز لعشرة سابقة تستلزم الوفاء - .ولكني أتحدث عما بقى في الحلق من تلك ا?يام - .العالم تغير كثيرا..مازلت ناقمة على الحياة كلھا..لن تتغيري أبدا -ولكن إلى أين ..العالم يتغير بسرعة ربما تفوق قدرتنا على اJستيعاب -

ھناك . صورة الحياة أصبحت عبثية إلى حد كبير..J احد يعلم..نسير . وكاملضياع واzحساس بأنه ضياع عامحالة من التماھي مع ال

.ابداJ تقفين موقفا محايدا ..انت دائما في حالة ثورة -لم أكن إط;قا على الحياد حتى قبل الثورة ومازلت مؤمنة بھا أكثر من -

.الفكرة ھي إنني J اشعر باJطمئنان للمستقبل.. آخرأي شيء

ر باJطمئنان للمستقبل او بل ربما في العالم يشع..ومن في مصر كلھا..يا ألھيالتقلب السريع العبث وحياتنا لم يعد يحكمھا اJ الجنون و..حتى للحظة التالية

شعر به اJ منذ بعضة اشھر ولكني لم ا. من حال الى حال اخرى مغايرة تماما . J غير، عندما اشرقت على شمس نھى ثم غابت الى ا?بد

:سرعة البرقة وھو يحسب خسائره في زفر زفرة طويل

.J احد يمكنه أن يطمئن للمستقبل -كان ھذا اzحساس موجودا قبل الثورة وظننا انه انتھى مع الثورة ولكن -

.ل�سف الثورة زادته حدة

قالت ذلك ونھضت فاتت بكأسين بھما ثلج وقطع من الجبن الرومي في طبق .وفتحت الزجاجة وبدأت تصب له ولھا

نظر إلى تقاطيع . رب بالحمرة وشفتاھا تلمعانبدأ وجھھا يتشمع الشراب

. ربما حجبتھا نھي. كيف غاب عنه إنھا أنثي. وجھھا وصدرھا مرة أخرى

لم نتوقع ابدا ان يكون ھذا ھو .. بالتغيير الواسع المنشودالثورة لم تأت - .كل ما اسفرت عنه

Page 123: أنهار الجنة

- 122 -

.ولكنھا خلفت الكثير من الضحايا - .ائر الماديةغير الخس.. الجرحىھناك اJف القتلى -

. تذكر عادل عمران وثروته التي كتبت عنھا الصحف وقصوره العديدة

وھناك . نعم من لم يتعرض Jصابة بدنية تعرض لخسائر مادية كبيرة - . اخرون يبدو لك انھم لم يخسروا شيئا وان كانوا قد خسروا كل شيء

.ازيونانھم يستحقون ذلك Jنھم كلھم تقريبا انتھ..تقصد رجال السياسة -ابت الثورة اJ ان ..ونيدبل مواطنون عا.. من رجال السياسةليسوا كلھم -

. تطيح باح;مھم . اول مرة اعرف انك ذواقة في انواع النبيذ..ولكن قل يا بھيدي - . انا J اشرب كثيرا ولكن عندما اشرب يجب ان يكون نوعا طيبا -وبعدھا اشعر في فرنسا كنت اشرب نصف زجاجة من النبيذ الجيد ..ياه -

إنني اسبح في الفضاء ثم يقتحمني شعور بأنني أريد رج; في الحال فاھبط Jبتسم ?ي احد من الشباب القادمين من شمال إفريقيا او اتصل

.من شمال إفريقيا أيضا فيأتي لزيارتي فورا في الكليةبأي من زم;ئي ولماذا تستبعدين المصريين من دائرة الكرم؟ -رة العليق يحول الع;قة Jبتزاز ويسعى ل;ستفادة منھا المصري مثل شج -

.وربما أيضا يسعى لتركھا ليستفيد منھا الورثة... طوال عمر بأكمله

. ضحكا كثيرا

.ولكن المصريين ربما كانوا أولى - .ليس في كل الحاJت - .وما رأيك في الرجال في مصر - . أسوأ من المصريين في فرنسا -

ولكن J ..قد يفضي إلى مغامرة في نھاية المطاف معھاھمس لنفسه أن الحديث من المؤكد أنھا لن تبلغ . بأس إذا كانت ستلين وتخبره بمكان نھى او تقوده إليھا

.نھى بشيء من ذلك ....أنا مث;...بالطبع ليس كل الرجال المصريين -

Page 124: أنهار الجنة

- 123 -

كانت ضحكة متھتكة من امرأة ...وفوجيء بھا تضحك بصوت عال وساخر

وشعر . معھا في أي حانة في وسط القاھرة بعد منتصف الليلسكرى قد يس .بسخط شديد عليھا ولكنه ضحك

.ھل سبق أن وضعتني موضع اJختبار؟ - .أنت يا بھيدي ليس لك ع;قة بالرجال من قريب او بعيد -

. شعر بالنبيذ يطير من رأسه كما لو كان تلقى صفعة قوية على وجھه .و سكرىأنا J ألومك ?نك على ما يبد -الرجل الذي يتخلى عن ..أنا اعي ما أقول جيدا..لست سكرى يا بھيدي -

انظر اkن إلى الذين ...امرأة تحبه لمجرد انه تلقى تھديدا J يعد رج; .أنت تعتقد أن نھى غافلة او J تعرف ما حدث...أين ھم اkن...ھددوك

. سقطت الكلمات على رأسه كحجر الرحى

.لم يكن تھديدا - .قت نفس الضحكة المتھتكةأطل ماذا كان إذن؟ - .اقصد لم يكن تھديدا عاديا -

. في سخريةفتحت عينيھا عن اخرھما دھشةھل تعتبر أن التھديد بإفشاء ع;قتك ..يا للھول ھل ھددوك باJغتيال -

تھديدا غير عادي يستوجب يمثل بالمرأة التي تحبھا أمام زوجتك ھذا ھو السبب في إنني ... من شيم الرجالالفرار من الحب ليس...الفرار

أنت أشبه بخصيان الحرملك..أقول انك لست رج; ولن تكون رج; .ھنا وJ ھناكالذين J ينتمون

.شعر بنيران الغضب تصعد في رأسه

.أنت J تفھمين شيئا وJ تعرفين شيئا...اخرسي -

Page 125: أنهار الجنة

- 124 -

.وفجأة اھتز صوته وبدأ ينتفض

.اماا?مور غير ما تتصورين تم -النظام كان ...ربما ھددوك باختطاف ا?وJد والتمثيل بھم...يا الھي -

.وJ يتورع عن عمل أي شيء..عصابة فع; .أنا J أستطيع أن أدير معك حوارا أبدا..ھا قد عدت للسخرية -أنت رجل مسرف يا ..أنا J اسخر منك ?نك J تستحق سوى الرثاء -

.رجل مت;ف..بھيدي

.بيذ أمامهنظر إلى زجاجة الن

.عيونكأنا J ابخل عليك بأي شيء من اجل -

:عادت الى ضحكتھا العالية

بل اقصد انك أضعت كنزا ...أنا J اقصد زجاجة النبيذ يا بھيدي -نھى كانت كنزا بالنسبة . كنزا قلما يعثر عليه اzنسان في حياته..ثمينالت لي أنھا لقد قا..أنا التي اعرف جيدا كم أحبتك وكم كانت تحبك..لك

ا وقلت شعرت بانقباض غريب في صدرھا تلك الليلة التي تركتھا مبكر . ة ھامةأمنيإن لديك موعد ھام مع شخصية

.قال وقد أشفى على اليأس

.ھل تعتقدين أن حبھا لي مات تماما ولم يعد ھناك أمل في إحيائه؟ -ه عائق الحب الكبير مثل النھر المتدفق عندما يقابل...J أمل بالمرة -

أنت J ..الكراھية والعناد..يمضي بنفس القوة ولكن في طرق أخرى .مرأةمع اعامل تتعرف كيف ت

بالعكس أي امرأة تعاملت ...لم يقل احد من قبل ذلك عني مطلقا...أنا..أنا - ....معھا كانت تشيد بدماثة خلقي و

Page 126: أنهار الجنة

- 125 -

ر ھناك فرق بين حمل الحقائب وقيادة السيارات لزوا..اسمح لي يا بھيدي -أنت J تعرف ...الوكالة ا?جانب من السيدات والتعامل مع امرأة تحبھا

. حتى ما ھو الحب .معنى ذلك انك لن تسمحي لي برؤيتھا -من اجل ذلك يمكنك أن تأخذ ھذه لو كنت قد أتيت بزجاجة النبيذ الطيب -

.نحن على أي حال لم نشرب منھا كثيرا..بقيتھا معك

ويضغط بكلتا يديه على رقبتھا وJ يتركھا إJ خطر له للحظة أن ينقض عليھاوتخيل وجھھا يتحول إلى اJحمرار ثم اللون ا?زرق . وھي جثة ھامدة

.المحتقن

درج كانت ضحكتھا وھو يھبط ال. ولكنه نھض ونظر إليھا بحدة ثم خرج . المتھتكة تطارده وتخيل ان بقاياھا تسابقه على الدرج

وت اذان الفجر الذي بدا بعضه اصداء للبعض انشغل سماء القاھرة فجأة بص

ولفت ذلك ومتماثلة تمثل خليطا غريبا،كانت كلھا اصوات متباينة. اJخردخل من . انتباھه الى ان الساعة تقترب من الخامسة او ربما تجاوزتھا بقليل

. طريق السويس الى الدائري مرة اخرى وانسابت السيارة في الشوارع الخاليةانھا المرة الثانية التي يمر ...د نفسه أمام مبنى الرجل ا?مني الكبيربالصدفة وج

المرة الوحيدة التي دخل ھذا المكتب وھو ..تذكر لقاءه ا?خير به. الليلةھذه به قوة جعلته يستھين بالرجل والنظام الذي يعمل لديه ..يشعر بقوة غير عادية

النفايات القذرة التي تستحق كلھا مجموعة من. وحتى أمريكا التي تساند اJثنينحديثھا عن الفقراء ..نھى غيرت نظرته للعالم. الحريق كما قالت له نھى

حديثھا عن عالم J يعرفه عن ..والمطحونين والظلم والقھر والفساد والمرضكثب اkن وان كان قد طبع بصمته في ذاكرته وبقيت له ظ;ل فيھا يحاول

قوت يومھم وJ ثمن الدواء، يعيشون كل عن أناس J يجدون...الھروب منھاعن الثروات التي تھبط بالمجان ..حدثته عن الثراء الفاحش..عشرة في غرفة

سعة التي يحصلون عن مساحات اJرضي الشا..على اعوان النظام واذنابه يعرف .و بدون ثمن على اJط;ق ثم يبيعونھا بالملياراتعليھا بثمن بخس ا

ولكنھا المرة ا?ولى التي يجد فيھا شخص يمكن أن يؤمن الكثير مما حدثته عنهقالت له إن ھذه ا?وضاع . بحديثه عن ھذه ا?شياء ويجعله يتخذ موقفا منھا

Page 127: أنهار الجنة

- 126 -

ستتغير يوما ما ربما يكون قريبا او بعيدا ولكن من المستحيل أن تستمر على .ھذا النحو إلى ماJ نھاية

ه في الشرفة وقد وضعت رأسھا كان يستمع إلى صوتھا وھو ينساب إلى جانب

لم يكن ما يتناھى إليه من صوتھا ھو ھدير الثورة . الجميل على ذراعهوصخبھا والدماء التي تسيل على اzسفلت وقنابل الدخان المسيل للدموع التي تنطلق مثل فئران مذعورة، بل موسيقى ھادئة تسير على وقعھا جموع تحلم

. ھانيءبالحب والحياة والعيش الكريم ال

:شرد قلي; وقال لھا

في الماضي كان لي ...يا الھي إني أرى فيك حلمي الجميل الذي ذھب -أيام الجامعة طفت كل مكتبات القاھرة ابحث ..نفس الحلم بالثورة والعدالة

وعندما وجدته بعد سنوات أمامي " اzيديولوجية ا?لمانية"كتاب عن .كني اقتنيته كنوع من التذكارة ولكنت قد توقفت عن اzيمان بالشيوعي

.؟ولكن أين الحلم اJن -

تنھد في يأس وقد عاد اليه رحيق السنوات الذاھبة وحسام ومھند التلميذ . الشغوف بمعلمه

. لقد قبر من زمن -بل تغطيھا غشاوة الحياة ومشاكلھا ولكن لو نفضت ..ا?ح;م J تقبر -

الزمن يزيد ا?ح;م قوة ..عنھا الغبار لرأيتھا انصع وأبھى مما كانت . فتصبح اقرب إلى التحقق

كنت أنت حلمي الذي كنت احلمه دون أن ..لقد توقفت عن الحلم من زمن -كل أح;مي توقفت ..J أتوقع لي حلما وJ طموحا بعدك...ادري كنھهتحققت كل ا?ح;م وحلت محلھا المخاوف المضنية من أن ..على أعتابك

إلى جانبك اشعر بتداخل الحلم .. جانبكأمنيتي أن أظل إلى..تتبخر . J أستطيع أن أميز ھذا من ذاك..والواقع

.يجب أن نحلم ل�خرين أيضا..ھذا حلم جميل ولكنه حلم شخصي - .أتريدين أن يشاركني العالم كله حبي لك؟..يا الھي -

Page 128: أنهار الجنة

- 127 -

ولكن ھناك الحلم ا?كبر الذي يظلل كل البشر بان ..أنا J اقصد ذلك -ھناك كثيرون أح;مھم بسيطة ..س;م والحب والسكينةيسود العالم ال

للغاية J تتجاوز الحصول على رغيف خبز وغرفة ينامون فيھا لكنھم علينا نحن القادرون ...لعجز في المجتمع وليس فيھم J يستطيعون الحلم

.على الحلم أن نحلم لھم

:قال وھو يقرب فمه منھا ويقبلھا

- J..أستطيع أن احلم J لو أوتيت طاقة للحلم لكل كائن .. بشيء سواكأناأنت كما يقول المتصوفون البدء والمنتھى . في العالم لما حلمت بسواك . بالنسبة لي وما عداك خواء

ھل ھي الثقة التي يمنحھا الحب للمرء ھي التي تجعله يستھين بالخطر حتى انه

تكن ھي ما جعلته يقامر ھذه الثقة وھذه اJستھانة ألم. ليمد يده في جحر ا?فعىھل يوجد في العالم من ..كيف فعلتھا يا مجنون..كيف فعلتھا يا بھيدي. بحياته

لقد دفنت نفسك بيدك ولم يعد أمامك حتى رفاھية . يستھين بحياته إلى ھذا الحدالندم وJ الحزن، كأنما قلبك تيبس فلم يعد حتى قادرا على الحزن او أن

. ه دون أن تترك فيه أثراالمشاعر أصبحت تنزلق علي

تلك الليلة بعد ان خرج من مكتب الرجل اJمني وھو J يكاد يشعر باJشياء من ابتعد قلي; عن المكان ثم أوقف سيارته أمام كشك سجائر وھبط ليشتري حوله،

السجائر . حتى بدا له انه لم يتوقف عن التدخين يوما علبة وراح يدخن بنھمريخا حيا لم يحدث فيه أي انقطاع او ضعف كأنما مذاقھا مألوف تصل تا

تبخرت في لحظة مثل غمامة فيھا عن التدخينا?شھر وا?سابيع التي امتنع . عابرة

شارع يسلمه إلى ..ظل يقود سيارته لساعاتلم يذھب اليھا وJ الى منزله بل

وده شارع وطريق يلقي به إلى آخر وھو J يحفل في أي مكان يسير وJ أين يقابتعد كثيرا عن المنطقة التي خرج منھا ومر بالقرب من منزله دون ..الطريق

مضت به السيارة كما لو كانت ھي التي تمتلك إرادة تسييره ..أن يحفل بالتوقفلم يشعر بالوقت وJ حتى أين ..وھو يتعامل معھا كمتفرج ينظر إليھا من بعيد

Page 129: أنهار الجنة

- 128 -

فقط ينطلق وھو J يستطيع أن يسير وكأنه فقد إحساسه بالزمان والمكان وظل ھو هما يطلبونه من. يصل إلى أي شيء كما لو كان عقله توقف تماما عن العمل

انه في الحالتين سيدفع ثمنا ..المستحيل نفسه ولكنه لن يكون ب; مقابلالحلم الذي طالما داعب مخيلته بان يصبح من القلة المصطفاة يلوح له ..باھظا

ليس قريبا بل عليه أن يقطع طريقا طوي; ويجتاز في نھاية المطاف ولكنه أسوارا من ا?شواك والجبال الوعرة والوھاد التي تربض فيھا الوحوش

ن أكم حلم ب. انه طريق قد يستنزف الحياة من داخله..واJفاعي لكي يصل إليهولكن .. المؤسسة التي يتكالب على خدمتھا الجميع..يكون جزءا من المؤسسة

أمضه التفكير . سة تضع أمامه الشروط والعراقيل ل;لتحاق بھاھا ھي المؤسھل يطلب منه . لم يتخيل انه يمكن أن يبتعد عن نھى..ولكنه لم يصل إلى قرار .ھل يمكن فطام الرضيع الذي لم يكمل اشھرا..أن يبتعد عن الحياة نفسھا

J..يداء الحياة لن القي بنفسي في ب..فليحترق العالم اجمع ولكني لن أتخلى عنھاJ يمكن أن ..مرة أخرى بعد أن وجدت شجرة وارفة استظل بھا من لظى ا?يام

ولكن الرجل والملفات والعالم الجديد الذي . تكون الحياة بھذه القسوة علينامر بالقرب من ..يتطلع إليه الكثير من أمثالك كما يتطلعون إلى ا?ف;ك البعيدة

فة التي طالما نھل من انھار الحب فيھا الشارع الذي توجد به الشقة والشر انطلقواوربما اJن Jشك أنھم يتابعونك ..ولكنه لم يجرؤ على دخول الشارع

لو .. ما في ھذه اللحظةمنذ غادرت المبنى ويختفون في مكان او سيارةخلفك كلمة بسيطة في الملف ..أنت تحت المراقبة الدقيقة..طرقت شقتھا سيصلھم النبأ

ھل تريد أن تبقى في ھذا المكان المدفون بقية ..ر حياتك كلھايمكن أن تغي . حياتك؟

كان . أضاء مؤشر البنزين فدخل محطة وقود وھناك سمع صوت أذان الفجرالصوت عميقا ينساب مع ھدوء الليل ويسقط على المحطة المضيئة الھادئة،

به بدل رواد المتماثلة التي تشبم;بسھم فيبدو العمال الذين يتحركون في بطء إنھا تلك الساعات التي يبدون فيھا . كما لو كانوا قادمين من عالم آخرالفضاء اليك يخدمونك دون أن يتحدثوا . من أي وقت آخر اقرب إلى الروبوتأكثر

. ودون أن يتوقعوا منك شكرا

منذ سنوات لم يطرق أبواب المساجد إJ ليشيع صديقا او ..فكر أن يدخل المسجد . وفاة رشادJ يذكر آخر مرة توضأ فيھا وصلي ولكنھا ربما تعود إلى ..قريبا

Page 130: أنهار الجنة

- 129 -

زم;ئه يذھبون مع والدھم إلى المسجد لص;ة قال له ابنه ذات يوم أن كلإصر ابنه على . قال له انه يكون في العمل او نائما. الجمعة إJ ھو يذھب وحده

. أن يوقظه في اليوم التالي ليذھب معه إلى المسجد سوى اللجوء ونجد J ي ا?موراروا او التبست عليھمكلما احت..نھم المصريونا

ترياق لذيذ رغم ما قاله ماركس عنه يھدھد مخاوفھم ويريح ضمائرھم ..للدين أوزارھم بالطريق فعلى ا?قل للتخلص من لم يكن ليبصرھم إليه أنونلجأي..

باzثم على عاتق ھموإحساس بأخطائھم واzلقاء صوت الجدل الداخليوإسكات . بھاقوى J قبل لھم

توضأ وخطا إلى المسجد وصلى الفجر وبعد أن انتھى المصلون خرجوا وبقى

زحف . ا?مام ومعه بعض الناس الذين تحلقوا حوله يتحدثون بصوت خافت .إليھم حتى جلس قريبا منھم

:لمحه ا?مام فتبسم وقال

.خيرا أن شاء هللا..اقترب يا بني -دد قلي; ولكن اzمام الذي بدا وجھه بشوشا ومألوفا كأنه يعرفه من زمن تر

:ابتسم له مشجعا .تفضل يا بني - .أريدك في كلمتين يا موJنا - .عسى هللا أن يوفقني إلى إجابة سؤالك يأبني -

بعضھم اتجه . متفرقين في انحاء المسجدبدأ اkخرون ينسحبون من أمام اzمام . مسك البعض بالمصاحف وجلسوا بعيدا عنھماناحية الباب بينما ا

.احتار قلي; من أين يبدأ ولكن الرجل بوجھه الطيب الباسم نظر إليه محفزا

له تفسيرا J ادري..ته با?مس ومازال يؤرقني رأيھناك حلم يا موJنا -

. وJ حتى كيف أتصرف فيه

Page 131: أنهار الجنة

- 130 -

.بشرى خير أن شاء هللا يا بني - .شك نعم ھي جنة ب;.. أسير في الجنةأرى نفسي يا موJنا وكأنني -

كل شيء فيھا يقول . أصوات الطيور وألوانھا وا?شجار الجميلة الوارفة .وھناك نھرين على جانبي الطريق الذي أسير فيه. انھا الجنة

.أكمل..أكمل..إن شاء هللا يا بني..خير..خير - عن نھر شربت منه كثيرا واعرفه وما ذقت قطرة منه إJ أحببته ونھر -

وكلما ملت إلى النھر الموجود عن يميني وھممت ..شمالي لونه مختلفأن أعب منه قيل لي إن النھر الثاني أفضل واذھب إلى النھر اkخر الذي

يقع عن شمالي ولكني اسمع تحذيرات بان النھر اkخر الذي اعرفه .يجب على ان اشرب من أي نھر موJناأنا J ادري يا . أفضل

اسماؤھا واوصافھا وألوانھا في وصف انھار الجنة وعيونھا،لرجلاسھب ا

وصفة الشاربين منھا والنشوى والسرور الذي يعتريھم كلما عبوا منھا ثم سأله :

.؟النھر الذي عن يمينكمن متى شربت يا بنيولكن -في ليلة سابقة حلمت بأنني اتجھت إليه ولم يكن ھناك احد ليحذرني -

ولكنه ري ..شعرت بأنني ارتويت تمامافظللت أعب منه حتى . كلما ارتويت منه اشعر برغبة اكثر في الشراب..كالظمأ

أنھا خمر ولبن ..يا بني انھار الجنة كلھا ح;ل..ما شاء هللا..ما شاء هللا - .ھل تذكر لونھا يا بني؟...وعسل

النھر الذي على اليمين كان لونه ابيض أما النھر اkخر فربما كان لونه - .ر قلي; يميل إلى اللون السمنياصف

انھار الجنة كلھا ح;ل يا بني ولن تجد فيھا سوى ..ما شاء هللا..ما شاء هللا -وJ تستمع إلى من ..J يصدعنك عنھا شيئا...اشرب منھا ما شئت...الخير

انه الشيطان الذي يخيفك من انھار ...يحذرك من الشرب منھا يا بنيقل أعوذ با� من الشيطان الرجيم وسم إذا سمعت صوت يحذرك ف..الجنة

. باسم هللا وارتو ما شاء لك هللا أن ترتوي

ھا قد عاد إلى التدخين كأنه لم يتركه يوما بل زاد كثيرا . شكر الرجل وخرجإذا كنت قد ارتويت من نھر . الرجل ك;مه منطقي جدا. ليعوض ما فأته منه

Page 132: أنهار الجنة

- 131 -

من نھر نھى ولو ِ ترتو بھيدي لمولكنك يا. حتى الثمالة فلتجرب النھر اkخرلن تصدع عنه أبدا ولو جعلت منه زادك بقية ..ظللت تعب منه إلى ا?بد

إنھا بحيرات الجنة التي J يشبع منھا احد أبدا وكلما ارتويت منھا ...حياتكأليس ھم سدنة ..ومنذ متى يا بھيدي وأنت تؤمن بقول الشيوخ. تشعر بظمأ أكثر

. اد وحماة اJستغ;ل في ھذا العالم؟الظلم ومكرسو اJستبد

تريد أن تلحق بالحاشية ..أنت يا بھيدي تتطلع إلى الركب السلطانيأولياء ..صناع التاريخ ومانحو الثروات والصاعدون إلى ذرى المجد..المھيمنة

النعم الذين يتحكمون في المصائر فيرفعون من يوافق ھواھم ويھبطون بمن من باب واسع يفتح أمامك آفاق لم تطأھا قدمك الكليلة المجد يلوح لك..يناوئھم

وJ شغل بھا خيالك العاجز بينما يلوح الحب من شرفة صغيرة تطل على ما الحياة إJ سلسلة من التضحيات الكبيرة التي يقدمھا المرء . حديقة ھادئة

وعندما تصل إلى الذرى ستدرك كم كانت تضحياتك . قربانا للوصول إلى القمة . رة وھينة في سبيل ما وصلت إليهصغي

ظل . نت الساعة قد جاوزت التاسعةكاذلك الصباح عندما وصل الى البيت العائلة تحيط به يعلوھا وجه Jيام J يدريھا وبعد ان افاق رأىنائما عددا من ا

في حالة من ث;ثة ايامقالت له زوجته انه ظل لمدة . صھره المزموم في غضب افاقوعندما .اتوا له بطبيبوحراراته مرتفعة للغاية حتى انھم الھذيان الكامل

استيقظ قبل منتصف الليل بقليل كان يشعر بان ثمة تغيير كبير في كل وزوجته وا?طفال وا?شياء المحيطة به حتى غرفة نومه لم يشعر أنھا ..شيء

قالت زوجته إن بياته بالخارج ليس شيئا. عھدھا من سنواتكما كانت وكما قال . طيبا وانه ظل طوال نومه يتقلب في فراشه ويھمھم بكلمات غير مفھومة

لھا ب; مباJة انه من اثر اzرھاق والتفكير في أوضاع العمل ولكنه ظل بقية ، وقد عاد اليه ما انقطع من متاعبه الليل مستيقظا ينتقل بين الشرفة والفراش

. قبل المرض

وى نظرة صھره الغاضبة الذي غطى من كل ھذيانه ومرضه لم يتذكر سبعد اشھر . ، وصوته في الغرفة المجاورة يأتيه محتداللحظات على طيف نھى

. اليه مستنجداكان الرجل يتھاوى ويتطلع

Page 133: أنهار الجنة

- 132 -

:فاجأته زوجته اثناء تناول طعام الغداء .سنذھب الى أبي اليوم - .ومتي تعودون؟ - .سنذھب جميعا انا وانت واJوJد - .؟لماذا انا ايضا - .اJ يجدر بك ان تطمئن على حماتك - .انا اعلم ان صحتھا على ما يرام - . ولكن ابي يريدك -

ھل يكون الرجل قد عرف ع;قته بنھى وبحثه المستميت عنھا . ووجف قبله اللعنة وھل . بانه تحت عينيه– دون ان تدري ابنته –ويريد ان ينقل اليه رسالة

فيه ليل نھار ھذا العذاب الذي يتقلب اJ يكفيه . متاعبھناك ما ينقصه من ال . لكي يزيد ھذا من اJمه

تستطيع ان تقول ان العائلة كلھا ..عمي سيكون ھناك واوJد عمي ايضا -

. مجتمعة

ولكن ع;قته . ھل ھي حملة تأديب. مجلس العائلة J يجتمع اJ لكارثة..اللعنةح ان الرجل اJرج. بزوجته طبيعية وليس ھناك ما ينغص صفوھا الزائف

. عرف شيئا ولم يبلغ ابنته

.ولكن فيما يريدني ابيك؟ -

.قلق وتوسلفي وھي تنظر اليه قالت

. ن يتحدث اليكابي قلق ويريد ا - .ھل ھو مريض؟ -عبه زادت ھذه اولكن مت..سكر وضغط..ض المزمنةاابي لديه كل اJمر -

.اJيام .ھل ھو مريض جدا؟ -

Page 134: أنهار الجنة

- 133 -

ا اذا اقول لك انه يريد ان يتحدث م..بل..ليس المرض ھو ما يقلق ابي - . اليك عن اJوضاع في البلد

انه . العجوز يفكر في اناخة القافلة ولكن ابنته تبدو ھادئةالرجل ربما كان

امر مسلم به وJ يتقبل الموت حتى ببرود باعتبارهالھدوء البرجوزاي الذيديه شعور او البرجوزاي لوسأل نفسه ھل. تغيير مسارهسبيل الي تأجيله او

.خيال؟

ينھم اوسعوا له ب. ا من اJسرة من قبللقى ترحابا في مجلس العائلة لم يشھده ابده ان ع;قتJ يذكر قط. صھره" المنصوري بك"ليجلس الى جانب

كان في قرارة نفسه ينظر اليه على انه من . بالمنصوري كانت على ما يرامما بة انه لوJ صداقة زوجته لشقيقته موارنابناء الطبقة العاملة واوضح له دو

شغل منصب وكيل وزارة وشغل مقعدا كان يالمنصوري. كان زوجه ابنته ابداعات ئشاعن الحزب الوطني لث;ث دورات وكانت تنطلق الالشعب سي مجلف

كان فخورا بان عائلته كانت . في كل تغيير وزاري انه مرشح لمنصب وزير. ملتزما في محافظة المنصورة محمد علي جدهعلى الدوام في الحكم منذ عين

الى لحلل اJنيقة وتدخين الغليونحرصه على مظاھر اJبھة بارتداء اويعزى كان يحتفظ ضمن. ث العائلة اكثر مما يرمز الى أي معنى حاضراالتمسك بتر

خزانة التاريخ باشياء تافھة مثل منشةا يسميھة خاصفي خزانةمقتنيات اJسرة اثناء حفر قناة السويس الخديوي سعيدداده الذي عمل مترجما في عھدJحد اج

كانت ھذه اJشياء التي عفى . من عھد السلطان حسينااو طربوشا ونيشانماك الزينة في ا في صندوق زجاجي اشبه بصندوق اسعليھا الزمن تشغل حيز

جده ھا ظبي مجفف قيل انالى جانب بعض العاديات والتحف منمكتبه بالفي; فيھا القوة المصرية ملة المصرية في السودان التي أبيدتاصطاده اثناء الح

بينما وقع في اJسر من 1883 نوفمبر قائدھا اJنجليزي وليام ھكس فيوحتىوھو يصف لك الموقعة ودخول الحملة . بقوا احياء وھم قلة كان جده من بينھم

حيط به الغابات من كل المصرية منھكة من الجوع والعطش الى واد فسيح ت تشعر كما لو كان مؤرخا عاصر المعركة ،جانب وھجوم الدراويش عليھم

ولكنه J يفسر كيف تمكن . واستمع الى بعض من عاشوا تلك اللحظات الرھيبة حتى عاد به الى مصر وان المحنةجده من اJحتفاظ بالغزال المحنط طوال

ه من شجرة ى وقع عندما قفز جداليسرا?مامية ه ير الى كسر في ساقكان يش

Page 135: أنهار الجنة

- 134 -

في اعقاب انتھاء ان اكتشفه الدراويش ودعوه الى الھبوطكان يختفي عليھا بعد . المعركة الدموية

وJ غمامة التاريخ يللم يشفع له الميراث العائ. خائفا و متداعياولكن الباشا بدا

والجذور بدا امامه مجردا من اJمتداد . التي طالما حلقت فوق اجيال منھاالعميقة التي مثلت له نوع من الفخر والحماية ازاء اJخرين وJسيما اولئك

ن الجدد الذين طفوا قة الصاعدة محدثي النعمة المتسلقيالرعاع من ابناء الطب اليوم شعر ان التاريخ يتحرك ضده ويكاد. على السطح في غفلة من كل شيء

كان . وھوياتھم موضوع النقاش من سيماء الجلوس حدس. يدھمه بخطاه الثقيلة الھيئات الحكومية وابنه ضابط لى جانبه اخيه المدير العام باحدىيجلس ا

البھيدي في يوم قرانه وفي بھم وJد اخوانه واخواته الذين التقىالجيش وا . ذكر سوى اسماء بعضھممناسبات عدة وJ يكاد ي

ون بعضھم البعض عرف يالجميع بعد ان قال انھم جميعا J بدقام ھو بتقديم

كان بين . يام الغريبة التي نسينا فيھا كل شيء ھذه اJيفولكن Jبد من التذكير الجلوس قاض ومحام ومھندس وضابط صغير في المخابرات حدس انه ربما

ھذا ،صھرهJسرة حيث اشار له لمصاھرة اجمع معلومات عنه عندما تقدم ن حياتھا في فا ماضي في بھيدة وطرحياة اJسرة في الم، الى الرجل الخائف

محام كبير قال انه صديق اJسرة واحد كان يجلس الى جانبه .المعصرة . اعضائھا

ضاحكا وربما كانت ھذه ھي المرة الوحيدة التي يتبسط فيھا صھرهنظر اليه

ومصطنعا اJخرين، فقد كان الود من جانبه دائما متكلفا ممعه بھذا الشكل امايدفعھا له مقابل زواجه من ابنته، باھظة ضريبة المغلقة وكأنهوفي الغرف

ربما يصنفھا في خانة المساعدات والھدايا المبذولة من اJب Jبنته التي نكبت .بھذا الزوج القادم من قاع المجتمع

خرساء بنظرة يام وھو طريح الفراش عندما حدجهر نظرته في تلك اJيتذك

في يتحدث وسمعه . انتقل لتأمل البايب في يدهملؤھا اJحتقار والقرف ثمالحجرة المجاورة وصوته مفعم باJدانة Jبناء الطبقة الدنيا الذي اتاح لھم

النسب والمصاھرة مع اJسر الكبيرة وشتم تالتعليم اJرتباط بص;

Page 136: أنهار الجنة

- 135 -

على عقب اعبدالناصر قائ; انه ھو الذي قلب موازين العالم المستقرة رأس .يلقي عليه اللوم في الثورة الحاليةالذي سيا ترى من . نةبثورته المجنو

.رته تسيل ودا وكأنه يكشف سرا J يعرفه احد ونظقال له

.الصحفيون ھم اول من يعرف كل شيء قبل اJخرين -

تنحي مبارك بدأت نذر الشر بالمنع من السفر في الثاني من فبراير وقبل المال العام دورانھا فطال لھيب باJستي;ء علىوبدأت طاحونة الب;غات

فبراير بعد اقل من اسبوع من التنحي التاريخي 17وفي .دخانھا الكثيرينJت ولم تلبث اJعتقاJمن نفس الشھر25حالة للجنايات ان بدأت في بدأت ا .

ي ساعة اJن وفي ھذه الساعة وأ. على قلبه ومنذ ذلك الحين والكل يضع يدهء من مكتب النائب العام غ مقدم ضده ويفاجيء باستدعايمكن ان يكون ھناك ب;

حالة الى الجنايات واJنضمام الى قات التي قد تنتھي في الغالب باzقيوبدء التحJما بضع جنيھات ولم كل موظف صغير في الدولة اختلس يو. ء طرةنز اليوم رعلى من سعرھا يشعأحد وكل صاحب حانوت ربما باع سلعة بأھا فيكتش تتطاير مثل ذرات الغبار والب;غات تخط تتھاماعين مفتوحة واJوف فا?بالخأين دولة ا?من وا?مان في عھد مبارك مما يحدث . بثبات غير مسبوقموتقدkن؟ا .

.ھو يشير تجاھهقال المحامي معقبا و

.دعونا اوJ نعرف موقفه مما يحدث -

.قول حقيقةJ يعني ما يقال ضاحكا وھو

حتى اJن اJمور . في من الثورة مثل موقف أي مواطن مصريانا موق - كثير .خوف ان تنحرف الثورة الى مسار خاطيءولكن ال..تبدو طبيعية

انھا فترات محمومة في تاريخ ..من اJخطاء تحدث بعد الثورات اخرى تتحول بھا عن مسارھا الذي وقد تخطف الثورة قوى..الشعوب

. يجب ان تسير فيه

Page 137: أنهار الجنة

- 136 -

: بنظرة متسائلة وھو يحدجهقال صھره

.وھل تعتقد ان المسار حتى اJن طيبا؟..ماذا تعني بالمسار الخاطيء -

ھامات والب;غات عرف انه خائف ان تطاله اJتكان يعرف مدى قلقه ويمام مقدمي ثقة ان موقفه وطبيعة عمله ووضعه J تستحق اھتكان لديه. الكثيرة

مھمة تطھير يعتقدون ان هللا اوكل اليھم رين الذين الب;غات واولئك المتطھ . م;محهمتع برؤية الخوف تعلوتساد ان ي ار ولكنه،اJرض من الفساد

من اJنتقام القاسي ممن تتخيل انھم خصومھا كل الثورات تشھد فترات -

.سواء الظاھرين او المحتملين

:قال القاضي

ربما لو ..ركJ اعتقد ان ھذا ھو اتجاه السلطات التي حلت محل مبا -صعدت للسلطة قوى مدنية كان ذلك مرجحا ولكن الجيش كان جزءا من

. نفسھاتحول ضده لحماية المؤسسة العسكريةالنظام القديم :بتأكيد البھيدي قال

- J مع قبل له بھا خاصة ھذا صحيح ولكن الجيش قد يجد عليه ضغوطاجد الجيش في وقد ي.. به مدنيونيتزايد الدعوات Jنشاء مجلس رئاس

مرحلة مقبلة نفسه مضطرا الى الھاء الناس بسوق الكثيرين الى .المعتق;ت بحجة التطھير

:قال المحامي

لقد تم اعتقال الرؤوس الكبيرة فور سقوط النظام في فبراير ولم نسمع -تقريبا طوال مارس دخول شخصيات جديدة قائمة اJعتقال وان كان

.يش توسيع اJمرربما J يريد الج..شتباهدوائر اJالكثيرين يدورون في

Page 138: أنهار الجنة

- 137 -

: تختلجان في خوف والكآبة ترتسم على م;محهال وھو يرى عيني صھرهق

ة الذين اعتقلوا الى اJن ھم من رجال الصف اJول في النظام من يغالب -الوزراء وكبار الشخصيات الحزبية وھناك معين J ينضب من رجال

الصغرى التي J يشك احد انھا ضالعة الصف الثاني والثالث والكوادر .في الفساد

: واردف

اتمنى اJ يجد الجيش نفسه مضطرا الى تقديم المزيد من اJعتقاJت -

لتملق المشاعر الشعبية واسكات اJصوات المطالبة بتشكيل مجلس . ه المدنيونيرئاسي يھيمن عل

: وقعھا على الجميع وانبري ضابط المخابراتوكان لكلماته

الجيش J يريد تقاسم السلطة مع اطراف J تحظى سوى بشرعية شعبية -

غير انتخابية وھو ضد تكوين مجلس رئاسي مھما يكن اJعضاء ة اJشتباه واJعتقال روقد يضطر فع; الى توسيع دائ. المشاركين فيه

.ليس ل;لھاء فقط وانما للتخويف ايضا

:هقال صھره والغليون يرتعش في يد

- Jتعتقدون ان الرئيس يمكن ان يكون له تأثير على المجلس العسكري؟ا : سريعا وأمن عليه كثيرونان ردهوك

مبارك مشغول بانقاذ مؤخرته واوJده وJ يمكن ان يكون له أي -بل ان المجلس العسكري ربما لو واجه ضغوطا فسيلقي به الى ..رتأثي

.الثوار

:ال في غضبغير مصدقة وقملتھبة نظرة ألقى اليه

Page 139: أنهار الجنة

- 138 -

.تقد ان امريكا يمكن ان تسمح بذلك؟وھل تع -

:عاجله المحامي

ومصالحھا بالطبع مع النظام القائم وليس .. اJ مصالحھااامريكا J يعنيھ - .البائد

: مستسلماقال صھره

لماذا لم يساعدوه كما ارادت بعض ..اJمريكيون ھم سبب كل الكوارث -

.الدول العربية؟

:طريق الرجاء يقطع عليه قال بسرعة لكي

.او كما ارادت اسرائيل -

. في غضباشاح بوجھه عنه

.اسرائيل ليست كلھا شرا صرفا كما نتخيل -

رات ونظر اليه ضابط المخاب..وساد الصمت لدقائق والكل يلوك كلماته بعقلهفي الواقع لم تكن . ة خفيفة ابتسامھو على وجھه فيما يشبه التساؤل بينما رسم

ان نفسه وJ عبدالناصر وJ ل وJ امريكا وJ الشيط اسرائيالبھيديتعني رجل جردته ..ھو رجل ب; ايديولوجية...سادات وJ مبارك وJ طنطاويال

اJيديوجية .. الضيقة لينفتح على ايديولوجية الحبتوجيانھي من كل اJيديول التي افرزھا كل المعتقدات واJفكاريؤمن بھا الجميع وتشحب الى جانبھاالتي

ھل يعرف صھره العزيز انه يمقت الثورة اكثر . ري منذ بدء الخليقةالعقل البش مثل كتلة منه؟ ھل يعرف انه خسر كل شيء بسببھا؟ ھل يعرف انه اصبح

J ما نھائي بعد ان انتزعت الثورة منهتائھة في فراغJحساس باJن؟ ھل ا والساعات اJطول التي ي السيارةجلسھا فيدرك الساعات الطوال التي ي

Page 140: أنهار الجنة

- 139 -

باسوأ ما يمكن ان ملك رفاھية الحلم انه حتى J ي. يقضيھا حبيس نفسه؟ الى السجن ه طموح ان يقتادوه لدييتمخض عنه خياله من مخاوف؟ ليس حتى

رضا اJستقرار طاع وحيث يمكنه ان يخلد لى الراحة ويشعر بطمأنينة اJنقيه على انه ابن الشعب ويحدس ينظر ال صھرهعرف اني. واستواء الطريق؟

انفجرت في وجه اJغنياء يتة القوية ال سعيد سعادة J حد لھا بتلك القنبلانهلى المقاعد التي والسادة وابناء اJسر الكريمة ليزيحھم ابناء الشوارع من ع

. موا من خ;لھا الدولة والمجتمع والقيمح

:خرين فاردفظ البرود في عيون اJتدارك صھره نفسه عندما Jح

ولكن اذا كان ھناك اتفاق في ..انا J اقصد ان اسرائيل فيھا أي ذرة خير -اJ يعني ذلك انه ..موقف اسرائيل وموقف الدول العربية من مبارك

يمكن ان تكون ھناك بعض جوانب الرؤية الموحدة؟ :قال المحامي وكأنه ينفض يده من اJمر

بمصلحتھما ولكنه ليس في ل;سف ھدف الجانبين انتھازي ويتعلق - . صالح الشعب بأي حال

1952بدأ الحديث يتطرق الى ما حدث بعد الثورة الفرنسية واJيرانية وثورة وما يمكن ان يتوقعه الشعب من اJوضاع الحالية التي قبل كل الجالسين

عزيز ولم يعرف احد من الجلوس انه الثورة عليھا اJ صھرهباط;ق مسمى الوظلت نبرة الحديث ترتفع وتنخفض تتخللھا . قلبا وقالبا في رفضه لھاقف معهي

: فجأةالمشروبات اJخرى الى ان قال صھرهفترات من تقديم الشاي و

ربما كان على ان استعد ل;سوأ اذن؟ -

شعر بالشفقة وJول مرة . ن جفنيه وتھدل شفتيهحب ذلك ارتعاشة خفيفة مصا ي لم يشعر يوما بانه يمكن ان يدخل دائرتهھذا الرجل الذ. ى ھذا الرجلعل

واضع اكثر من ال;زم عندما اعطى ابنته ھل كان احساسه بانه ت. اJنسانية . جد العرفان الكافي من اسرتھا؟يھا ولم ي علبانه تفضلھو للبھيدي او احساسه

:كون صادقا قال له وھو يكاد ي

Page 141: أنهار الجنة

- 140 -

ثم ان . ات ضدكانت ياسيدي طبيعة عملك J تسمح بتوجيه أي ب;غ -

وزيركم حتى اJن لم توجه اليه أية اتھامات وكان موقفه ابان الثورة . مشرفا

نوع من ھو فيح وامن عليھا البعض بينما نظر اليه بارتياقوبلت كلماته

قبل سوى في اليوم اJول الذي ذھب رھا في عينيه ابدا من رة لم يظن..اJمتنان . ابنتهيلتقى به للمرة اJولى ويطلب يد

:قال وقد عاد اليه بعض الثبات

لم تمتد يدي لشيء حرام كما يشھد .. انا خدمت ھذه البلد لسنوات دون مقابل-اجيال واجيال من عائلتنا افنت حياتھا واضاعتھا في مصر ..ملف خدمتي

ى وفائي وحبي والخارج من اجل ھذا الوطن، واذا كان مقدرا لي ان اسجن علJيسعني ا J ان اقبل قضاء هللا وقدرهللوطن .

اذا ما كان ابيھا لمنزل في الحادية عشر مساء سألته زوجته اى الاثناء عودتھم

لھا اننا جميعا في خطر اJعتقال قالفي خطر او يمكن ان يصبح مھددا بم من ھانزل. ه أكد لھا انه سعى الى طمأنتهبدأت تبكي ولكن. ومھددون باJعتقال . المجنونةزل وانطلق في جوJتهالسيارة امام المن

وعندما بدأ ..ولم يذھب إليھا في الشقة لم يتكلم إلى نھى على مدى خمسة ايامكان شعوره بالوھن يجعل تفكيره عاجزا عن التفكير في يرجع الى طبيعته

لسخط شعر با.. طوال ھذه اJيامه في الشقةتظرJشك أنھا انت..شيء سواھا. في الشرفة يھمس لھا وتھمس له في مثل ھذا الوقت عندما تخيل نفسهالشديد

يعرف انه منذ خرج من مكتب الرجل ا?مني وھو مراقب وحتى تليفونه كم يتوق إلى ...وتليفون منزله أما تليفونات الوكالة فھم يراقبونھا من زمن

ھل يقدم لھا اعتذارا أم يتعلل بان حياته الزوجية . رؤيتھا ولو حتى لدقائقيا الھي الحجج كثيرة ولكن كيف يقف أمامھا؟ ھل يقوى على التفوه ..مھددة؟

J لن يجرؤ بل ا?رجح انه ..بمثل تلك ا?كاذيب وھو ينظر إلي عينيھاسيضعف ويبكي ويعترف لھا بكل شيء وانه مضطر أن يضحي بھا من اجل

Page 142: أنهار الجنة

- 141 -

سيقول لھا انه ..سيبكي أمامھا ويقول انه ليس أمامه خيار..القمةالصعود الى .حبھا وانه سيظل يحبھا طالما كان فيه قلب ينبض ونفس يترددي J..تكابر J.. لن تجرؤ على النظر إليھا ولكنك رغم ذلك كنت تتمنى أن تنظر

تريد أن تھبط ..كنت تتمنى أن ترى ولو لمرة أخيرة مدى عمقھما..إلى عينيھااkن بحاجة أنت . في تلك البحيرات العميقة لتغسل نفسك مرة أخيرة من أدرانك

أن تحدق فيھما بتحد جديد وان تعلن لنفسك بقوة أنھما لن يستطيعا بعد اليوم أن لن يسحبانك مرة أخرى إلى ا?عماق السحيقة حيث تستسلم كجنين ..يستدرجانك

ھل ..ولكن ھل يمكن ان يكون لديه الشجاعة والقوة لذلك.. الرحمام في استكانةين . ؟يمكنه ان يقاوم نظرة عينيھا

لفظ كلماته بقوة من . في اخر يوم للمھلة التي حددھا له الرجلاتصل بالسكرتير

غير انه كان يعرف انه اتخذ القرار ..يحاول إقناع نفسه قبل أن يقنع اkخرينلم . قبل ان يغادر المبنى وحتى قبل ان ينھض من اجتماعه مع الرجل اJمني

ناجما عن أي اني ولم يكنيكن التأخير اكثر من محاولة Jستھ;ك وقت مج كانت خارج الحسابات ولكنه وجد من اJصوب ان نھى. تردد يتعلق بنھى

يتأخر حتى يشعرھم بمدى اھمية تضحياته عسى ان تجد التقدير الواجب من . جانبھم

عادة سيئة ولكن يبدو أن التخلي "جلس يدخن في المكتب وضحك أمام الزم;ء

لم تعلق ھي على ا?مر وJ اتصلت ". ي;عنھا أمر صعب لمن عاقرھا طوتعمد أن يسير في ..عن زيارتھاعن المكتب وامتناعه غيابه طول بالھاتف رغم

اقترب منھا ونظر إلى عينيھا ولدھشته شعر . الطرقة والسيجارة بين إصبعيهھناك تاريخ . كما لو كانت ھي نفس النظرة ا?ولى عندما جاءت إلى المكان

دفء الباذخ والمعرفة وا?لفة والحميمية طار من ھاتين وحب وعالم من ال .تبخر في لحظة وكأنه لم يسكنھما ابدا..العينين

قال لھا بصورة عابرة وھو يشير إلى سطر كان بحث عنه في غرفته وعلى

:شاشته

.ھنا حرف ناقص غير المعنى تماما -

Page 143: أنهار الجنة

- 142 -

. ووضعت الحرف دون أن تلتفت إليه

:قال ضاحكا .يمكن أن يغير أشياء كثيرةشيء بسيط جدا -

.قالت بحيدة وابتسامة واھنة . ھذا صحيح لكنك تداركت ا?مر في الوقت المناسب - .في الوقت المناسب تماما...نعم -

نظرت في عينيھا بقوة ولكن لم يكن ھناك ذلك ..بدت كمن لم يعرفك يوما

دت عينيھا ب..لم تشعر بقدميك تھبطان رغم انفك إلى حافة البحيرة..اJستدراجلم تتحمل ..مثل صخور بيضاء Jمعة ترد ا?شعة التي تخرج من عينيك إليك

. أنت النظرة فانسحبت بسرعة معلنا ھزيمتك

لم تستدعھا إليك ربما خوفا منھا . كانت استقالتھا على مكتبكفي اليوم السادسنك خشيت أن تبكي أمام كل الناس في المكتب وتقول لھا ا...او خوفا من ضعفك

. جبان وJ تستحق حبھا

ھذه ..وأنت توقع استقالتھا تريثت طوي; وأنت تقرأ كل حرف وكل كلمة فيھاتأملت اسمھا . الكلمات جاءت منھا وھي التي كتبتھا كلمة كلمة وحرفا حرفا

طوي; كما لو كنت تراه للمرة ا?ولى وشعرت والقلم يرسم توقيعك انك توقع عالم . من الحياة إلى عالم J يمثل حياة وJ موتاشھادة خروجك . شھادة وفاتك

. J مذاق له سوى البذاءة والتكرار والملل الممض

ھل كان يمكن أن تكون ھذه ھي . آه لو كان كل منا يعلم ما تخبئه له ا?يام . لماذا تكون التعاسة من نصيبك أنت؟. صورة الحياة

القديمة التي كان يحكيھا لكنك وأنت ترسل لھا ورقة الط;ق تذكرت القصة

جدك عن رجل ھبط إلى قرية فوجد القبور وقد كتبت على شواھدھا أشياء يوليو من 2 مايو عام كذا ومات في 12ھذا قبر الشيخ محمد ولد في "غريبة

ربيع ا?ول عام كذا ومات 2ھذا قبر الحاج عبدالعظيم ولد في "و " نفس العامما ھذا يا قوم كيف "وسأل الرجل في حيرة ." محرم من العام التالي5في

Page 144: أنهار الجنة

- 143 -

نحن J "ولكنھم قالوا له ". يكون شيخا او حاجا وھو لم يعش إJ أياما او اشھر؟نكتب ھنا إJ ا?يام السعيدة في حياة الشخص ?نھا ھي ا?يام التي نعتبر انه

تإذا م"قال لھم الرجل الغريب ". عاشھا حقيقة أما بقية حياته ف; أھمية لھا ". ت ومات لساعتي ولدبينكم إذن فاكتبوا على قبري اني

ھو اkخر يمكنه أن يقول انه لم يعش سوى أربعة اشھر وخمسة أيام وبضع

والقادم منھا مازال . أما بقيتھا فقد ذھبت ھباء..ھذه ھي كل حياته.. ساعات . بظھر الغيب

خيل أنھا تسربت لم يت. اختفت نھى من أمامه ولكنھا لم تختف أبدا من وجوده

م شعر بان جزء كبير من حياته ينھار ويتھاوى ولكنه ل..في مسامه إلى ھذا الحدوان مكالمة بسيطة يمكن أن مراقب يعرف أنه..يحاول معاودة اJتصال بھا

أراد أن يوضح لھا موقفه ...تھدم كل ما فعله وتجعل كل تضحياته تذھب سدى او يتعلل بان قوة اكبر منه ھي التي او يشرح لھا كيف سارت ا?مور او يعتذر

ولكنه، ناھيك عن المراقبة التي Jشك فرضھا . سارت بھما إلى ھذا المصيرلم تواته الشجاعة ..كان يخشى أن يكلمھا..الكبار عليه، كان يخشى مواجھتھا

عاد عاشقا شابا ھجرته صديقته ..وJ الجرأة وعاش في ھذا الحزن الرومانسيك له سوى الضعف والحزن والھزال الذي أورد مئات وتخلت عنه ولم تتر

. العشاق من قبله موارد الردى

أرسل لھا ورقة الط;ق على عنوانھا بالبريد المسجل في نفس اليوم الذي وافق . وJشك سيفتحون خطابه إليھادرك انھم كان ي. فيه على استقالتھا

يمضي بھا .لساعات طويلةكان يقود السيارة . ھام على وجھه أياما في القاھرة

دائما ھي . لم يكن يحلم إJ بھا. على غير ھدى إلى أن يھده اzرھاق فيعود للنومولكن ما أن يفتح عينيه وتقع على زوجته . طرف في أح;مه وحتى كوابيسه

. حتى يغلقھما ثانية ويسترسل في تذكر الماضي

رع حتى J يعرفه الكبار بعد أيام اشترى خط تليفون من ذلك الذي يباع في الشاأراد أن ...أراد فقط أن يسمع صوتھا وھي تقول ألو...واستجمع شجاعته وطلبھا

دون أن تدرك حتى من الذي يقف على ..يعيش تلك اللحظة القصيرة معھا

Page 145: أنهار الجنة

- 144 -

بحاجة إلى ھذا التساؤل ..انه بحاجة إلى ھذا الزاد الصغير..الطرف اkخريشعر وقعھا على ..وتھا في أذنهيريد أن يسترجع نبرة ص..البسيط منھا

يريد أن يلتحم ھذا التساؤل البسيط ويتواصل مع كم J ينفذ من ...مسامعهوارتفع نبضه بعد أن طلب ..ا?صوات والكلمات والھمسات التي أغدقتھا عليه

. الرقم وھو ينتظر اzجابة ولكنه فوجيء أن الرقم ليس موجودا في الخدمةھل يمكن أن ..بدأ يشعر بالقلق عليھا. نفس الردطلب ھاتفھا في المنزل فكان

بدا يفكر جديا في زيارتھا ولكن ماذا يفعل فيمن ..يكون أصابھا مكروهالرجل الكبير قال له إن الملف يجب أن يكون نظيفا عندما يتم ..يراقبونه

. اعتماده لدى الجھات العليا

?يدي الجميلة وھو وھو الذي أمسك تلك ا..قبل تلك الشفاه فع; الذي ھل ھوكأنما كل شيء كان حلما جمي; لم يلبث أن صدق أي شيء وأنه J ي...الذي

ربما تصل إليھا ..في لحظات تنتابه رغبة في البكاء. منه على كابوساستيقظلھة رحيمة تستجيب أن تتطلع إليه مثل إ..دموعه وتستعطفھا أن تنظر إليه

في البكاء بعض الراحة وبعض ربما كان له. لتوس;ت رعاياھا ا?رعنينأJ تصفو السماء بعد المطر وتبدو الطبيعة أكثر ھدوءا وراحة تتنفس ..السكينة

ولكنه دھش أن الدموع تجمدت ..رائحة ندية كطفل وليد يستجيب لدعابات النومھمس لنفسه أن كل ..لم يسقط منھا حتى بعض الماء المخلوط بالملح..في عينيه

. طبيعة بدأت تھجرهشيء فيه تجمد حتى ال

استقبل أنباء المظاھرات في البداية باJستھانة المعھودة قائ; في وسط صالة ولكن عصر يوم . التحرير بصوت عال إنھم لن يلبثوا أن يتفرقوا في نھاية اليوم

رأى المتظاھرين يتصدون للشرطة . جمعة الغضب بدأ يشعر بالقلق الحقيقيرأي الدخان يغطي . المدرعة في تحد سافرببسالة ويصعدون إلى مركباتھا

سماء القاھرة من الحرائق والقنابل المسيلة للدموع ترسل خطوطا بيضاء والحشود تزأر في ميدان التحرير ة فتلون سماءھا با?شرطة البيضاءمتعرج

في المحافظات خارج القاھرة كانوا يفعلون نفس . وتحتشد على الكباريسير الشجاعة الذي جعلھم يأتون بافعال ليست من اين وجد ھؤJء اك. الشيء

ي وا على مر القرون ان يسيروا مطأطئن اعتاديھؤJء الذ..طابعھم بالمرة . س J ينشدون سوي الس;مة والنجاةوالرؤ

Page 146: أنهار الجنة

- 145 -

. ?ول مرة يشعر ان النظام لم يعد متماسكا ولكن ربما امكن امريكا ان تنقذهخليجية التي لديھا مصلحة في بقاء النظام كان لديه امل ان اسرائيل والدول ال

.ستدفع امريكا الى الحفاظ عليه او على اJقل اطالة عمره الى حين

أي خاطر مجنون ذلك الذي داعب خياله ومد له في حبل اJح;م فرأى كل شيء يمضي في اJتجاه المواتي وآماله تولد من جديد وقد نبت لھا زغب

غير . يوماد حتى تزحم العالم كما زحمت نفسهدصغير يوحي بانھا ستنمو وتتمان النوبة كانت صغيرة ومضى كل شيء في تياره المتدفق العاتي الذي لم يكن

التي راحت تأز فوق 16طائرات اف . بوسع احد او شيء صده او ايقافهالميدان فجأة اعطته اJمل رغم ان الوجوه التي علت تراقبھا لم يبد عليھا اكثر

. من صوتھا المزعج دون ان يخالجھا أي شعور بالقلق او الخوفمن الضجر م تكن حمى البحث استحوذت عليه بعد وشغلت حياته كلھا بل كان لديه امل ل

اول انه سيجدھا يوما ما في مكان ما لو ضاعف جھوده في البحث عنھا وح عصرا كان قد اتى ذلك اليوم الى ميدان التحرير .اJستعانة بمعارفه وع;قاته

لم تكن ھناك سوى قلة من السيارات رجح ان . وترك سيارته امام مبنى اJھراموسار الى ميدان التحرير فقام بجولته المعتادة ليتفقد . تكون لمحررين بالمؤسسة

الوجوه ولم يلوح له قوام او لباس على مسافة يشبھھا اJ وراح يجدف اليه حتى وعندما . دھم لزميله ثم مضى غاضباالتقى به بعض الزم;ء وھمس اح. يصله

.ولكنه الح عليه. سأله بعد ان مضى اJخر عن سبب غضبه تملص من اJجابة ما جاء الى ھنا اJ لكي ياخذ اسماء المتظاھرين من البھيدييقول ان -

.زم;ئه ليقدمھا الى مباحث امن الدولة

نه اسر في ضحك كثيرا وسخر من اوھام الرجل الذي مضى وتندر عليه ولكربما . عندما تستقر اJمور للرجل اJمني الكبيرنفسه ان يقدم اسمه بالفعل

اسرف في تشاؤمه يوم جمعة الغضب عندما توقع انھيار النظام ولكنه مازال صامدا حتى اليوم ويسعى بقوة الى اص;ح الخلل الذي اصاب السفينة التي

. اعطته ام; جديدا16ت اف طائرا. تمخر عباب البحر امنة منذ ث;ثين عاما في القوات الميدان وقد يفعلھا او ان ت;ميذهاما ان الرجل الكبير يھدد بسحق

الجوية ارادوا اصدار انذار للقوات الموجودة على اJرض بان لھم اليد العليا

Page 147: أنهار الجنة

- 146 -

وھو يحرك قبضته في ھمس لنفسه . وانھم يدعمون الرجل ولن يتخلوا عنه. انه اشبه بقط له سبعة ارواح. ينتھي بھذه السھولةمبارك J"الھواء في ظفر

المحيطون به والمستفيدون من بقاء نظامه كثر ولن يسمحوا ابدا بسقوطه Jن . "في ذلك ضياع مصالحھم وربما حتى رقابھم

زيز الطائرات مد شراع اJمل في نفسه وان لم يصرفه عن البحث عن نھى ا

اقترب منتصف الليل وبدأ يشعر بالبرد بل ظل ينتقل من حشد الى حشد حتى واJرھاق فغذ السير نحو سيارته ولديه امل جديد في ان النظام الذي ظن انه

يتأرجح على شفا الھاوية قد يكتب له النجاة ولكنه توقع ان تكون ھناك عمليات ا يمكن ان يجرى في مم وان تتم اجراءات التوريث باسرع انتقام شديدة

ولكن قبل . مبارك لن يتراجع عما في مصلحة نظامه ونجله.الظروف المعتادةان يقترب من ميدان عبدالمنعم رياض عند المتحف اوقفه ضابط يقف الى . جانب دبابة تقف بدورھا في عرض الطريق وقال له ممنوع الخروج اJن

ھناك اط;ق نار في المنطقة والجيش يحاول مطاردة من يطلقون النار وغير انطلقت رصاصة من امام المتحف . أي شخص حتى J يصابمسموح بخروج

ولكن الضابط قال ان الصوت J ع;قة له باط;ق الرصاص في شارع بدا . توقف كثيرون عند الدبابة اما ھو فقد بدأ يشعر بشدة البرد. رمسيس

يتجه الى ميدان و االضابط مصرا على اJ يدع احدا يمر الى شارع رمسيسبدا . ترك الجندي والواقفين واتجه الى شارع شامبليون.عبدالمنعم رياض

المتاجر مغلقة وقليل من المارة يمضون في الشارع ھنا او ھناك ..الشارع ھادئاادھشه ان المقاھي كانت مكتظة . وكانھم J يتسكعون وJ يقصدون مكانا بعينه

لكن و. تماما وقد امتدت المقاعد من ابوابھا لتفترش منتصف الشارع تماماالجلوس كانوا واجمين وJحت على وجوھھم وھم يرشفون الشاي او يعبثون

على بعد عشرات اJمتار . بمبسم الشيشة حالة من القلق والخوف وانعدام اليقينر نمط الحياة السائد على منھم تحتشد مصر كلھا في الميدان القريب مطالبة بتغي

ربما جعلتھم يشعرون الطائرات التي حلقت عصر ذلك اليوم . مدى عقودبخوف اكثر وانه كلما Jحت بادرة امل في اJفق على نھاية لھذه العواصف

قرأ في وجوه المارة الذين كانوا يقطعون الشوارع . الرياح تئن من جديدتبدأالمصريون عندما يعتادون عل . نظرة خالية من أي شيء اJ من معاني الجزع

غامرة بالتغيير تحمل في طياتھا دوما احتمال نمط حياة J يحبون تغييره Jن المالدرس الصعب تعلموه ..بالتداعي واJنحدار الى ما ھو اسوأ من الوضع القائم

Page 148: أنهار الجنة

- 147 -

نظر الى المقھى الذي كان يجلس عليه في منتصف الشارع مع . من التاريخصديق له كان يحب ھذا المكان ويجلس طوال الوقت يتأمل القصر اJثري

يا : انه يرجع الى احد امراء اسرة محمد علي، ويھمس له المواجه الذي قالولكن ھل كان اJمير سعيدا ويستمتع بحياته في . الھي انظر الى طول الشرفة؟

. ھذا القصر؟

وصل الى دار القضاء العالي فوجد المبنى الشامخ يتمدد في الليل شبه غاف ، واستسلم للنومة فمد قدميه اJماميتينمثل اسد ھده الركض خلف الفريس

الساحة المجاورة للمبنى ھادئة تماما ولكنه لمح دبابة ھناك عند تقاطع شارع وجنود حولھا J يسمحون Jحد بالخروج الى . يوليو مع شارع رمسيس26

فھم من الواقفين ان ھناك اط;ق . انعطف يمينا ودخل التوفيقية. رمسيساجمين اربعة يطلقون النار رصاص بالقرب من السفارة السويسرية وان المھ

قالوا ان الجيش . على قوات الجيش ثم يعودون الى اJختفاء في كنيسة صغيرةراح يجوس في شوارع . قبض على احدھم وما زال يبحث عن الث;ثة اJخرينلم يسمع صوت اط;ق . التوفيقية ليبدد الوقت حتى تھدأ اJمور في الخارج

لك الھدوء المخيف الذي يمكن ان ينفجر كان ھناك ذ. نيران وJ صوت جلبةوجد اناسا في الشوارع الداخلية يتحلقون . في أي لحظة ويتمخض عن كارثة

انھم ابناء اللجان . حول النار يستدفئون ويتحسرون على ايام الھدوء واJمنللغاية وجلس كانوا ودودين . متاجرھم ومنازلھمالشعبية الذين خرجوا لحراسة

ولون مداخل الشوارع بجانب الحواجز التي نصبوھا يتناالبعض منھم علىكان . البارد مما اثار اJمه وذكره بجوعه وبردهالطعام او يستدفئون من الجو

لم . يلقي عليھم الس;م ليشعرھم بانه واحد منھم وراحوا يرمقونه دون اھتمامل او ثائرا تقطعت به السبن البلطجية او اللصوص بل ظنوهيكن واضحا انه م

دعاه بعضھم الى تنازل الطعام بينما حذره . حاصره ضرب النار القريبالجنود سيمنعونك من الخروج الى . "اخرون من اJقتراب من شارع رمسيس

".الشارع

اخيرا الجوع وھو يمر في شوارع ااJرھاق والبرد مضافا اليھمانھكه لم يكن يكرر ذاته قت الوان يبتعد عن مكان السيارة وفيالتوفيقية J يريد

المرور في نفس الشوارع التي مر بھا منذ فترة وجيرة حتى J يثير انتباه

Page 149: أنهار الجنة

- 148 -

ابتسم من نفسه عندما تخيل نفسه ثائرا شاردا . اللجان الشعبية فتستوقفه وتسأله . سھر حتى الساعة ليسقط نظام مبارك

يتذكر . مضى عليه اكثر من ساعة وھو يخطو على مھل في شوارع التوفيقية

ھذه المنطقة عندما كان يعمل في صحيفة قريبة ولكنه مر اليوم في شوارع راح يستعيد . وازقة لم يمر فيھا يوما رغم السنوات التي عمل فيھا في الصحيفة

ھذا الشارع يبيع . م;مح الشوارع وما تحتويه من بضاعة مغطاة او مكشوفةانيس ومساحات وابواق قطع غيار السيارات وھذا كماليات السيارات من فو

وھذا المتعامد عليه تخصص في فرش الكراسي اما اJخر الذي يصل بينھما اقترب من شارع رمسيس . نشاز غريبفھو يجمع بين قطع الغيار والفاكھة في

لمح دبابة تقف امام سنترال . برز اليه في حذر مستطلعا من على الرصيفوسار بحذر على . بدو خاليااzسعاف والضوء يغمر المكان والسنترال ي

رآه الجندي فلم يحذره او يأمره . الرصيف متجھا الى مكان وجود الدبابةدلف الى . ادرك ان الحظر على المرور في رمسيس ربما انتھى. بالرجوع

كان كشك . اJسعافسنترال شارع عبدالحليم حافظ بين مسرح الشرقاوي وة من سنوات وانفلتت الى جانبه في السجائر الموجود به صامتا كأنه فارق الحيا

قطة وھي تحدث خشيشا بين اوراق تركھا الباعة، فانتفض قبل ان الظلمة . تفر متجھة الى شارع رمسيسيراھا

وموحشا كأنه لم يمر شارع الج;ء لم يكن مألوفا ابدا حيث بدا صامتا وغريبااعات مختلفة من شر ولم يقطعه ھو بالسيارة مئات المرات وفي سفيه من قبل بJول مرة يجد الشارع صامتا تماما واJعمدة الضخمة التي . الليل او النھار

تحمل الكوبري تخلق اماكن مريبة من الظ;ل والظ;م يمكن ان تصبح مكمنا اطل من موقعه فوجد بعض الجنود يجلسون . لكل ما ھو متوقع او غير متوقع عربة م المبنى تقف امامھملقة صغيرة امامع بعض موظفي اJھرام في ح

يخشون ان يسمعھم الليل كانوا يتحدثون بصوت خافت كما لو كانوا. مصفحةاحاط بعض الجنود بالعربة المصفحة . وھم ينظرون الى الشارع في قلق

اقترب من سيارته في حذر ولكنه فوجيء بان ھناك . وايديھم على الس;حقترب منھم واشار الى الحاجز فقال وا. حاجزا حديديا يسد الطريق الى التحرير

وعاد بالسيارة عكس اتجاه طريق . له الجندي يمكنك ان ترجع عكس الطريقالج;ء وشعر انه الوحيد في التاريخ الذي ربما فعل ذلك في ھذا الشارع العتيد

Page 150: أنهار الجنة

- 149 -

ولكن لم تكن ھناك أي سيارات أو أي حركة في الشارع حتى الجنود مبنى اJھرام بدوا في جلستھم تلك شبه متخشبين والموظفين الذين جلسوا امام

. ومتجمدين J تھزھم سوى انفاسھم

م والى ان انتقل الى شارع امنذ انطلقت السيارة في شارع الج;ء من امام اJھررمسيس، كان يتوقع في كل لحظة ان تخترق أي رصاصة السيارة وتخترق

ة الضخمة والظ;ل اJعمد. معھا رأسه او تستقر في مكان ما من جسمهلكارثة كل تلك بدت مؤشرات ل..والكوبري المرتفع واماكن اJختفاء الكثيرة

من . حتى انه ليكاد يشعر بالرصاص يدوي بجانب اذنهالتي ستقع في أي لحظة. ادراه ان اولئك المجرمين لم يأتوا ھنا ل;ختفاء خلف اJعمدة الضخمة

الجيش وبما انه الوحيد الذي غامر واط;ق النار على المارة من اجل اثارة بالقيادة في ھذا الشارع المنكود فقد يكون موضوعا لرھانھم وقدرتھم على

ربما تكون حياته ثمن لحظة لھو بين . احكام التصويب على ھدف متحركالبلطجية الھاربين ولكنه رغم ذلك لم يستطع ان يضغط اكثر على دواسة

في كل لحظة كان يتوقع ان تخترق أي . ةالبنزين، كما لو كانت قدمه مغلولوبالفعل انطلقت الرصاصة . رصاصة زجاح السيارة لكي تستقر في رأسه

سمع انط;قھا المدوي وھو تمر ولكنه لم ير . وكأنه كان ينتظرھا ويتحرق اليھاالرصاص J يشعر بھا المرء في . شيئا وحدس للحظه انھا استقرت في جسمه

بة مباشرة وفي اائق ليدرك انه اصيب مالم تكن اJصلحظتھا بل قد يستغرق دقمرت الدقائق عليه دھرا ولم يصدق نفسه وھو يجد اول . ھكذا قيل له. الرأس

. اءفتحة الى يمينه تؤدي الى شارع رمسيس فاندفع اليھا وھو يتنفس الصعداراد ان يخرج من ..ب ويطمئن انه لم يصوتوقف للحظة يتحسس جسمه

. انه نجا..اه نج الشارع باعلى صوته ان فيالسيارة ويصيح

عن شارع الج;ء حيث تبدو الحياة بكل ا مختلفاشارع رمسيس كان عالمضجيجھا المعھود في أي شارع من شوارع القاھرة في اJوقات العادية رغم

بضع مركبات عسكرية تقف . ان الشارعين J يفصل بينھما سوى بضعة امتارتسير عادية والثوار يعودون من ميدان التحرير في الشارع وحركة المرور

الى منازلھم، بعضھم سيرا على اJقدام والبعض اJخر ينتظر أي سيارة مارة ومن ميدان رمسيس حتى العباسية كانت اللجان الشعبية توقفه كل . لتلتقطه وقفوا على حواجز من ، شباب يبدو انھم طلبة وعاطلونواكان. امتاربضعة

Page 151: أنهار الجنة

- 150 -

تكون ما واJخشاب بالعصي والمدى الطويلة التي رجح انقطع اJحجاركانوا يوقفون السيارة وينظرون فيھا جيدا ثم . فيطلق عليه السنجة والسي

يأمروه بالنزول لفتح حقيبة السيارة الخلفية وكان البعض يبدي مزيدا من وبعد ان ينتھي التفتيش يقولون له . الحذلقة فيأمره بفتح غطاء المحرك ايضا

بضعةسوى لكي يلقيھا عند الحاجز التالي الذي لم يكن يبعد " أسد"كلمة السر وتتكرر نفس عملية التفتيش ثانية حتى ترك حقيبة السيارة مفتوحة لكي . متارأ

وفي النھاية اكتشف ان الثوار اخذوا بعض الكتب . يفتشوا فيھا كيفما شاءوا وصل البيت كان ينتفض من وعندما. واJشياء الصغيرة التي كانت في الحقيبة

وJحظت زوجنه اسنانه التي تصطك وھو يخلع م;بسه فقال . البرد والجوع .لھا مصطنعا نوعا من ال;مباJة

. كنت سأقتل الليلة في ميدان التحرير - .وما الذي ذھب بك الى ميدان التحرير؟ -لقد مرت الرصاصة امامي على بعد اقل من ..اJ يجب ان ندعم الثورة -

. متر :قالت في ھلع

اليست ھذه..وما الذي سيأتينا من الثورة..انت تلقي بنفسك الى التھلكة - .ب على الناسجرأت كل من ھب ودالثورة ھي التي قلبت الموازين و

ولكني ذھبت Jري بعض ..J احد يدري ما الذي ستسير اليه اJمور -ھذه اJصدقاء ھناك واستطلع منھم اJوضاع ولم اعرف ان اJمور ب

. الخطورة

اJ ان ظھور الرئيس في الثاني ،رغم العنف الذي سيطر على جمعة الغضب وان سيعمل خ;ل الفترة المقبلة ،من فبراير واع;نه انه لن يرشح نفسه ثانية

البھيدي بان الساعة ، احيا اJمل في نفس"انتقال سلس للسلطة"من اجل ذي رآه يخب في سيره مثل بعير لديه قناعة بان الرجل ال. الموعودة تقترب

. ه الجديد اكثر ذكاء مما يعتقد كثيرون حولهوزرائعجوز لكي يصافح رئيس سيسعى الى استيعاب اJوضاع وتھدئتھا الى ان يستعيد زمام السيطرة ثم

امريكا ربما تندھش لكن طالما تمت اJمور . يفاجيء العالم بوضع جمال محلهلشكل الشرعي فلن يكون ھناك أي غضاضة في بصورة يتوفر لھا على ا?قل ا

. تسليمھا في النھاية با?مر الواقع سعيا للحفاظ على مصالحھا

Page 152: أنهار الجنة

- 151 -

ة او المرئية وھو J يصدق ما يحدث اJخبار تتوالى عليه سواء المقروءكانتانه J يكاد يصدق . ھل ما يراه ھو الواقع ام انه يشاھد فيلما سينمائيا. حوله

انه اخت;ط الحلم . ا J يمكن ان يكذب كل ھذه الحقائق المريعةعينيه ولكنه ايض. ھل يمكن ان ينجو الرجل من اzعصار. بالكابوس في لحظة اليقظة المؤلمة

ھل يستطيع ان يقود السفينة الى بر اJمان ويرسو بھا في مرفأ آمن ثم يبدأ عصار فسوف كل الشواھد تؤكد انه لو نجا من ھذا اJ. اJعداد للخطوة التالية

تكون نتيجته الحتمية التعجيل بالتغيير المنشود الذي يمكن ان يدفع به الى . الموقع الذي طالما داعبه كحلم

كان كل شيء في المنطقة ھاديء باستثناء بعض المشاغبات بين اسرائيل

حتى . والفلسطينيين وكل الظروف تبدو مھيئة للمضي قدما في المشروع تميل اكثر الى الھدوء وتركز اكثر على العمل والربحية الوكالة اصبحت ايضا

من بدJ من اثارة المشاكل حول الموضوعية والحياد والنزاھة وغيرھا التعميم الذي ارسلته كارJ اJسبوع ذلك المتاعب المزمنة للعمل الصحفي مثل

ان يخففوا التغطية على الجوانب السلبية في ضرورة نبھھم الى تالماضي .ديةالسعو

لم . لكن كل شيء انھار فجأة كما لو كان مبنى عتيق يتم تقويضه بالديناميت

ومستقبل وحلم كان ينسج ..يلحق اJنھيار بنظام سياسي فحسب بل بنظام حياةخيوطه بخياله ويعكف عليه لي; ونھارا ليزيد قطعة ھنا او ينقص حاشية من

لم يعمل مع . ام فاقت الخيالالخسارة التي لحقت به من جراء تداعي النظ. كھنالم يلحق بالركب وJ حتى اقترب ..الكبار وJ دلف إلى عالمھم الغريب الغامض

. انتحر حلمه بداخله قبل ان يرى النور مثل شھاب يسقط على اJرض. منه، هكأن العالم كله يتآمر ضد. ي محطتهلماذا احترق القطار قبل أن يتوقف ف

يقف البعض بينھم حسام، ينظرون اليه في وينظر اليه في سخرية، بينما . JمباJة، واJيدي تجتذبه لتلقي به من حالق

. لم يحدث من قبل فيما تعيه ذاكرته من أحداث. غير معھودشعر أن ذلك شيء

شعر يومھا أن العالم يتھاوى من تحت قدميه وان مشروعه ينھار تحت وطأة أوباما وصيحاته المجنونة جاءت بعد ذلك كلمات . إصرار المتظاھرين

Page 153: أنهار الجنة

- 152 -

وأثمن لتكون بمثابة اليقظة المفجعة من حلم طويل ضحي بأعظم " اkن..اkن" . شيء في حياته من اجله

لم يشأ أن يفقد . انطلق كالمجنون إلى الشوارع بعد تنحي مبارك يبحث عنھا

سوف . عاھد نفسه أن يبوح لھا بكل شيء ويطلب منھا الصفح والغفران. نفسه أمامھا ويبكي ويطلب منھا أن تعفو عنه وتسامحه على خطأه الذي يركعراح يخوض بحار ا?جساد البشرية في التحرير وينفذ في الكتل . ارتكبه

في ا?يام التي أعقبت التنحي أصبح مقامه . المتراصة عسى أن يعثر عليھال ھ. التحرير يفتش في كل الوجوه ويتفرس في السحن ثم ينتقل من مكان kخريعثر عليھا منزوية مع بعض أصدقائھا إلى جانب جدار لمجمع التحرير او . يجدھا واقفة بابتسامتھا الجميلة وعيونھا بالقرب من قاعدة تمثال عمر مكرم

زرع كل الشوارع المحيطة بالميدان مرارا وجاس في كل التجمعات البشرية تار فيظل يخوض كان يلمح واحدة في قوامھا على بعض أم. وحدق فيھا بتمعن

وعندما يقترب منھا يجدھا امرأة مختلفة او . في بحار البشر إلى أن يصل إليھاكان يلتقي ببعض ا?صدقاء والمعارف . يجد أنھا قد مضت وأخفاھا الزحام عنه

من الدھشة لوجوده في ھذا المكان ويرحبون به االذين كانوا يبدون كثيركان يضحك ويتحدث إليھم . أن يكون ثورياويقولون له إنھم لم يتوقعوا منه أبدا

يمسح زوايا المجمع وأركانه . وعيناه تجوJن في الميدان ثم ينصرف إلى حالهھذا مستبعد تماما فأسماء . ھل قتلت في الثورة؟. ويفتش حتى في الجلوس

كثيرا ما توقف في الميدان وراح يمسح ال;فتات ..كلھم تقريبا..الشھداء واضحةي تحمل أسماء الشھداء ثم يعيد قراءتھا مرات ومرات خشية أن العديدة الت

ولكن ھل تكون اختفت مع من اختفى ولم يعرف ما إذا . يكون اسمھا افلت منه . كان قتل من عدمه؟

*****

الساعة تقترب من السادسة وھذه ھي المرة الثالثة التي يمر فيھا من أمام مقر

م ثمة ما يجذبه إلى المرور من ھنا أل ھناك ھ. الكبير ھذه الليلةا?مني الرجل أن المرور ولكنه يذكر جيدا . أن ا?مر J يعدو أن يكون عبورا غير مقصود

مرات وان كان غير مقصود من جانبه وغير ملحوظ بالمكان مرتين او ث;ث. حتى إJ انه ربما كان لديه من ا?سباب الكامنة في ال;وعي ما أدى إلى حدوثه

Page 154: أنهار الجنة

- 153 -

ھل . وجد نفسه يخفف الضغط على دواسة البنزين. ھو شيئا عن ذلك؟الم يقرأبل ھل يكون موجودا اkن في أن يكون لدى الرجل أي شيء مفيد؟يمكن

مكانه؟ وحتى لو كان موجودا في موقعه؟ ھل يمكن أن يكون في المكتب في ھم أن يضغط على الدواسة مرة أخرى وينطلق ولكنه . ھذا الوقت المبكر؟

ربما لو وجده على ا?قل يمكنه أن يطلب منه أن يدله على . المحركأوقف . يمكنه أن يقول إنھا نسيت أوراق لديه ويريد أن يردھا لھا..معرفة مكان نھى

وھو يقترب من المبنى كانت كتل الظلمة تتراجع كأشباح ترتفع من على وجه

حياء بينما بدت ا?رض مفسحة مكانھا لنور خافت بدأ ينتشر في ا?فق على استلم يجد تلك الترتيبات . السحب تركض في السماء وكأنھا تفر من اليوم الجديد

وبمجرد أن سأل الجندي عنه قال انه . ا?منية الصارمة المعتادة على البوابةانتظر أن ينادي الجندي أحدا ليرافقه ولكنه سأله عن اسمه وعمله ثم . الداخلب

من سيجارته أن يدخل وراح يصف له المكتب أشار له وھو يسحب نفسا عميقا . ولكنه قال انه يعرفه

دھش أن كل ا?بواب كانت مفتوحة وان ا?شخاص الذين التقوا به بالصدفة

الغرفة التي . كانوا يسألونه بصورة عارضة عن مقصده ثم يتركونه يمضي اقترب من الباب في تردد ثم طرقه. كان يجلس فيھا السكرتير كانت مغلقة

. وجاءه من الداخل صوت يأمره بالدخول. طرقة خفيفة

.ودفع الباب ليجد الرجل جالسا ينظر إليه في عدم اكتراث . وھو يتلفظ باسمهسلم عليه

كل ..نحن اkن علينا أن نعتمد على الذاكرة في أعمالنا..أتذكركطبعا -

.ملفاتنا أما تلفت او سرقت او احترقت

.مهقال ضاحكا وبه رغبة أن يؤل .ا?مريكان اخذوا منھا قسطا وافرا -أما في مصر فھم ...يقفون وراء الكثير من مصائب العالما?مريكان -

.صناع كل المصائب : له على الفورقال

Page 155: أنهار الجنة

- 154 -

.ھذا صحيح -

كان الرجل يرتدي حلة مدنية وترك الجاكت معلقا خلف ستارة صغيرة في المنقوشة عليھا وكأس إلى جانب الغرفة وأمامه زجاجة لم يتبين للبھيدي الكتابة . جانب منفضة زجاجية كبيرة مليئة بأعقاب السجائر

أنت مبكر للغاية؟..ولكن قل لي لماذا أتيت في ھذا الوقت بالتحديد - .أنا لم أنم - .ھل طردوك من العمل؟...لماذا - .بعداقصد لم يطردوني .. J لم يطردوني من العمل -ونحن كما ..ئك فقدوا أماكنھمالكثير من زم;..أنا سعيد أن اسمع ذلك -

.ترى J نستطيع أن نفعل لھم شيئا .ثم ضحك بصوت عال

لم أتخيل أن ينفرط العقد إلى ..إننا حتى J نستطيع أن نفعل ?نفسنا شيئا - .لم يتخيل احد أبدا حدوث ذلك..ھذا الحد

.ما حدث كان صدمة فاقت كل توقعاتنا -ما ..بھا والتعامل معھاالصدمة مھما كان يمكن استيعا..ليست صدمة -

. حدث كان زلزاJ خارج نطاق السيطرة تماما .أليس ھناك أمل أن تعود ا?مور إلى ما كانت عليه؟ -بل ھو ..لك انه صعبلن أقول ..أنت واھم..ياألھي..آه -

من االتطورات المت;حقة تجعل الرجوع الى الخلف ضرب...مستحيل .الخيال :سأله في لھفة

.معجزة؟تحدث أن اJ يمكن - .ومع ذلك فالمعجزة ھو ما حدث..نحن J نعيش في زمن اJنبياء -ولكن يبدو أن الفشل ھو سيد الموقف ..ما حدث فاق كل التوقعات..فع; -

.اkنلماذا تزورني ..ولكن قل لي.. وقد يظل كذلك لفترة طويلةھذا طبيعي -

دعني ..ولكن قبل أن تتكلم..ھل في وسعى أن أقدم لك أي خدمة..اkنقبل ذلك كان يصعب على أن أجد الوقت ..ادعوك إلى تناول كأس معي

Page 156: أنهار الجنة

- 155 -

آتي إلى ھنا ?حتمي..اkن أنا في فراغ تام. مثل ذلكا?تناول كأس .أعرف بعض ما يدور في مصربالمكان وأتناول ما أريد وأدخن و

أعطاه كأسا ثم قرعه بكأسه

.لنشرب معا نخب الثورة -- ---------- لقد ..يء طيب أن اسمع انك ما زلت في مكانكش..نحن اkن أصدقاء -

رأيت بعضھم في التلفزيون في مواقف مذلة ومھينة ..أطيح بكثيرينرأيتھم ..يتركون أماكنھم وھم يحملون آثام لم يرتكبوا منھا شيئا..للغاية .وشعرت بالحزنوفي التلفزيون على اJنترنت بعيني

حتى لو استعداد ل�قرار بھافحسب بل وعلى لم يبد للبھيدي انه مھزوم

. رفع الكأس إلى فمه ولكنه لم يجد فيه شيئا. طلب منه أن يوقع بذلك بياناأعاد وضعه على المائدة وفتح الث;جة الصغيرة إلى جانبه واخرج منھا

. زجاجة جديدة من كان يتوقع ..انه زمن الغوغاء والرعاع..نحن نعيش في زمن غريب -

.ما حدث؟

بدا للبھيدي وقد زالت عنه السلطة . ;م وھو يتلفت حوله يأساقالھا باستسأين .. وبريقھا متداعيا في مقعده مثل ورقة توت سقطت من شجرتھا

ا?وامر التي كان يصدرھا محملة بالسطوة والھواتف التي كانت J تنقطع بدت جثثا ھامدة رابضة على المكتب .نظر إليھا. عن الرنين في مكتبه

. ينة الرخيصةكقطع من الز

:مجام; البھيدي قال له لم يعد ھناك قيمة محترمة في البلد منذ ..فع; انه زمن الغوغاء والرعاع -

.أطاحوا بكل شيءھنا على ا?قل يتوفر لك بعض ..أنا شبه مقيم ھنا منذ بداية اJضطرابات -

. وفي أسوأ ا?حوال لو قتلوك لن يقتلوك أمام أوJدك..الحماية

Page 157: أنهار الجنة

- 156 -

إنھا تقودنا من سيء إلى .. أن ھذه اJضطرابات يمكن أن تنتھيھل تعتقد - . أسوأ

...ولكني سعيد انك ما زلت في موضعك..ھذا سيء للغاية..نعم -J احد يدري ما الذي ...ربما كنت في موضعي ولكن إلى اkن فحسب -

. سيحدث غدا

: ضحك الرجل بصوت عال

. واحدامصر في سيزيد عدد العاطلين..ستنضم إلينا..J بأس -وJ ..يمكن أن يطاح بھم في أي وقت..الشرفاء كلھم عرضة ?ي شيء -

. عزاء لھم ولن تجد من يقف بجانبھمانه ..الشرفاء من أمثالناوأنا شريف وھذا العالم به الكثير من أنت شريف -

..عصر اضطھاد الشرفاء :صمت الرجل برھة وكأنه ذھب بعيدا ثم قال

دعنا نشرب كأسا آخر ..حايا الشرفاءالضبما إننا أنا وأنت من - الطعام في إناء عظم الصداقات تنشأ بين من تناولوااعرف أن أ..سويا

ضحايا..بة لي أنا وأنت فإننا من الضحاياوبالنس...واحد في السجن .وبالتالي فنحن أشبه بالسجناء..ةالثور

:انفجر ضاحكا بصوت عال وھو يقرع كأسه بكأس البھيدي

مثل ضحايا اJعاصير والكوارث .. حايا الثورةنعم نحن من ض - .الطبيعية

- ............. إلى ولتذھب الثورة ومن قاموا بھا ..ليكن ھذا نخب صداقتنا ا?بدية -

.مظاھراتال ومن كل نحن أقوى من كل الثورات..الشيطان

. ولكنه ايضا في درجة عالية من التركيز حد بعيدبدا له أن الرجل ثمل إلى

ھل ..أريد أن أسألك سؤاJ صريحا...بما إننا أصبحنا أصدقاء..اسمع -جئت تنشد مني خدمة أم انك مررت على لكي تراني وتطمئن على او

.انت تريد ان تشمت في؟..نعم دعنا نقول الحقيقة..لنقل الحقيقة

Page 158: أنهار الجنة

- 157 -

في الواقع اJثنين؟ اقصد أنني أردت أن اطمئن عليك وان اطلب منك - ..خدمة

. اJھم وھورةوان تشمت بي بالم - . كلنا في نفس القارب..J يا سيدي -أرجو أن تكون الخدمة التي تطلبھا في ..انا سعيد ان اسمع ذلك -

أنا J احد يتحدث إلى وJ أتحدث إلى احد وJ ادري ما الذي ...وسعي .قد اخرج من ھذا الباب إلى المحكمة او السجن..يحدث لي غدايمكن ان

..ن ذلكأن شاء هللا لن يحدث شيء م -ولديھا ما يؤمن لھا نعتقد أنھا قوية كنا ..كثير من الرؤوس سقطت -

.لم يعد احد يعرف ما الذي سيحدث غدا..الحماية ولكنھا فجأة تھاوت

:وارتفع صوت الرجل فجأة وھو يوشك على البكاء

كانت كل ا?مور تسير طبيعية كما ..نحن لم نتوقع أبدا أن يحدث ذلك - ..وفجأة وجدنا ھذا الزلزال الغريب..عقودسارت من سنين بل من

...إن شاء هللا ستتحسن ا?مور -الصحف كل يوم تتحدث عن الفساد ..J يبدو ان أي شيء يشير الى ذلك -

ارات التي يلالمليارات التي سرقت من البلد والم..ىواJنف;ت والفوضھل كانت مصر مغارة على بابا حيث يخبئون فيھا الذھب ..ھربت

. انا J اصدق اننا كنا بھذا الثراء اJ من الصحف. واهوJشيء س ..اعتقد ان فيھا جزء من الحقيقة - يكتبون يتعرفون شيئا عن كثير من اJمور الن J ييوفھؤJء الصح -

...لي صديق اسمه عادل عمران..خذ على سبيل المثال..عنھا . عادل عمران؟ - ..لعلك تعرفه..نعم - .شھورني لم التق به منذ دفعتي وصديق ولك..اعرفه طبعا -الصحف تتحدث طوال الوقت عن ثروته وتناسوا ما قدمه للبلد من -

...خدمات .لعلك تقصد ما قدمه للنظام؟ -لكن على أي حال . النظام ھو البلد..وما ھو النظام..ليكن النظام..حسنا -

الصحفيون الذين يتحدثون عن ثروته يتكلمون . ھو المھمھذا ليس

Page 159: أنهار الجنة

- 158 -

فمعلوماتھم رد حساب لكل ما يملكه ولكنھم اغيباء جدا وكأنھم قاموا بجJيعرفونھاقديمة وكثير من ا J يتحدثون عنھا في يتمث; الشقة ال..شياء

كلھم . مكانھا قصرا في الجبلبل بيعت واشترى..بيروت ليست موجودةما يملكه في J يعرفون ان لديه شقة في باريس ربما تعادل كل ايضا

بقيت ھنا يانه اJن على ما اعتقد في الخارج ولكن .هزيد عليمصر او ي . Jواجه ا?سوأ

ح ولكن الباب لم يفتحاول ان يلحق بالقطار ..يا الھي ..شعر بغصة في حلقه

طلق لة وعندما اقترب من الباب انيوسار على الرصيف لمسافة ط..امامهعادل . لھواء منطلقا وظلت يده معلقة في االصفير الحاد معلنا رحيله ودمدم

كانوا . اJح;م او الھواجسييضيعوا اوقاتھم ف عمران وغيره لمخدمة اJجيال القادمة من يعملون لخدمة النظام وخدمة انفسھم و..يعملونم تتوقف طموحاتھم المريضة عند بناء في; في التجمع الخامس بل ل. نسلھم

قرأ ;د بعيدة وتحط في بكانت اكبر من ذلك بكثير بحيث حلقت مع الغمام لت . المستقبل وترسم م;مح عالم اخر له نواميسه المختلفة

.J تيأس ياسيدي فاJمور ربما تسير الى اJفضل - كما قلت انت من من سيء إلى أسوأتسير ا?مور ..أنت واھم -

ولكني وطنت نفسي على ذلك وأعددت ..ھذا واضح حتى للطفل..لحظاتولكن قل لي كيف يمكن أن ...يامنفسي ?سوأ ما يمكن أن تأتي به ا?

.أخدمك؟ . أريد معرفة أين نھى محمود؟ -لو كانت ا?مور ..كل شيء تبخر..ومن يعرف أين أي احد اليوم..يا الھي -

ولكن الخوف ..تسير كما كانت Jتصلت بزم;ئي وسألتھم أن يساعدونيعندما تتصل بزميل لك وتسأله حتى عن رقم ..والشك يكبل الجميع اkن

او القديم وJنهرة يتوجس أن في ا?مر شيئا له ع;قة بالنظام الجديدسيا . ويتملص بسرعةJ يعرف مع أيھما تقف فانه يتلعثم

.أنا ابحث عنھا -لو كنت مكانك لقضيت بقية حياتي وأنا أفتش ..لك الحق أن تبحث عنھا -

أنا عندما رأيتھا شعرت بشيء ...عنھا في كل زقاق في القاھرةھا امرأة عندما تنظر في عينيھا تجد عالما آخر غير ذلك الذي إن...غريب

Page 160: أنهار الجنة

- 159 -

لقد طلبت أن أراھا في اليوم الرابع من اJضطرابات عندما ..تعرفه ...وعندما رأيتھا لم اصدق نفسي..وجدت اسمھا بين المعتقلين

ھل كانت معتقلة؟ -فضولي ھو ..اعتقلت لساعات قليلة مع بعض المدونين ثم أفرج عنھا -

. عني إلى رؤيتھاالذي دف- ...................... الملف الذي أمامك ..لم اصدق أن رج; يمكن أن يتخلى عن ھذه المرأة -

أنت بحاجة إلى رؤية الشخص والنظر في عينيه لكي تعرفه ..أصم .وتعرف نفسك وتعرف العالم

.؟ولكن أين ذھبت يا سيدي بعد اJعتقال -ولكنك ... وأفرج عنھا ومضتإنھا لم تستمر في اJعتقال سوى ساعات -

ما كان أعظمھا من م;ذ لك في ھذه ..أخطأت عندما تركت امرأة كھذه .ا?يام الصعبة

.قال في انفعال واضح وشى بغضبه الشديد

أنت الذي طلب مني ...ھل نسيت يا سيدي انك أنت الذي طلبت مني ذلك - ..أن أتخلى عنھا

.أنا؟ - ..نعم -

:شرد اJخر للحظات ... ولكن من قال لك إنني كنت على صوابھذا صحيح..نعم...نعم - ...ولكنك قلت ساعتھا إن ھذا ھو الصواب بعينه - ايختلف باخت;ف الزاوية الذي تنظر إليه منھالصواب يا صديقي -

لقد كنا حتى اشھر قليلة مضت أنا وأنت ..وباخت;ف التوقيت ايضا يمكننا ولكن انظر اkن ھل. والنظام وكل شيء في مصر على صواب

الصواب والخطأ مسألة نسبية مثل كل شيء في . حتى أن نقول ذلك ، نظرك كذلكما انظر إليه على انه صواب قد J يكون من وجھة. حياتنا

. بل ربما كان الخطأ بعينه .ماذا تعني؟ -

Page 161: أنهار الجنة

- 160 -

عندما .دعني اعترف لك اعترافا صريحا بما إننا أصبحنا أصدقاء -دمة لصديق يعد صديقا لوالد كنت أقدم خنصحتك باJبتعاد عنھا

...زوجتك

.حدق البھيدي في وجھه مثل شخص مذھول ثم قال بصوت عال .أحقا فعلت ذلك؟ -أنا ..ولكن J تلمني على ذلك قبل أن تلوم نفسك...ل�سف ھذا ما حدث -

أنت في النھاية كنت صاحب ..نصحتك ولكن لم يكن بوسعي أن أجبرك بذلك ولكن عندما رأيتھا شعرت صحيح أنا نصحتك. اJختيارالقرار وإنھا ...وشعرت كم كنت أنا قاسيا وب; قلب وكم كنت أنت غبيا..بالذنب

ھذه ..أشبه بطفل صغير تائه بحاجة إلى من يحتضنه ويشعره با?مان .امرأة J يقايض المرء بھا العالم

. انبذھا في العراء وحيدةلكي حرضتنيولذا -وجتك من الموقف كان وضع أسرة ز...قلت لك كانت خدمة -

وكان يتعين ع;جه بصورة ما J تسبب حرجا اجتماعيا ..حساسا . تعرف أنھا أسرة محافظة جدا...لھم

. تذكر البھيدي تلك ا?يام عندما أفاق من ھذيانه بعد لقاءه بالرجل الجالس أمامه

تفرغت تماما له وھي تعامله مثل ممرضة وتستميله ..كانت زوجته رقيقة للغاية ھمسات تزورھا تلك ا?يام تجرى ا?سرة كانتوعندما . شتى صور اzغراءب

انه يتذكر ذلك جيدا ولكنه لم يفطن أبدا إلى أن الجميع . وأحاديث جانبية كثيرةالعالم كله تآمر على قلبه كما تآمروا . ءا من مؤامرة للقضاء على حبهكانوا جز

. على النظام

..ولكنك حطمتني يا سيدي - إننا كلنا أصبحنا حطاما وان ا?مور سارت كلھا على غير ما J تنس -

.نشتھيكان يمكن على ا?قل أن .. نھي اkن لكانت ا?مور مختلفةلو كانت معي -

..التمس العزاء لديھا وفيھاأنا ربما فقدت ا?مل ..إنھا أضعاف محنتي..أنا اعرف مدى محنتك -

..أجلكأنا اشعر با?سف من ..ولكنك ل�سف فقدت كل شيء

Page 162: أنهار الجنة

- 161 -

...وماذا يفيد ا?سف -عندما طلب مني صديقي أن أتدخل ...من المؤكد انه J يفيد في شيء -

انجز ھذه المھمة ان ما يعنيني ھو كان ..لصالح ابنة صديقه أي زوجتكلم تشغلني بالطبع الم;بسات والظروف ووجود مشاعر ..كما طلبت مني المكتب وأنھيت دعيتك إلىاست...انھا طبيعة عملنا..قوية من عدمه

.ولھذا طلبت أن أراھا عندما اعتقلت..لكن اJمر ظل في ذھني. المھمةعندما رأيتھا شعرت كم كنت أنت غبيا وأنانيا ..واسمح لي يا صديقي

اJكتمال النھائي انه..الحب اكبر من أي تطلعات او طموحات..وسطحياء التي تعد الذي J يمكن أن تضيف إليه او تزيد عليه خ;ف كل ا?شيا

. مھما عظم شأنھا وكبر حجمھا، في حالة من النقص .لقد قلت عكس ذلك تماما ساعتھا -نحن J نختار مھام ..قلت لك إنھا كانت مھمة عمل مثل أي مھمة أخرى -

.عملنا بل ھي التي تختارنا

إلى أن انتھى فنھض من ...كان يستمع إلى الرجل وھو في حالة من الذھول :ض الرجل ا?خر وصافحهونھ. على مقعده

ولكن J املك لك ..أنا اشعر بالحزن من اجلك..أرجو أن تغفر لي -

..أنا حتى J املك لنفسي شيئا..شيئااعتقد ان احساسك بالندم بقية حياتك ..تھما تماماسحق..لقد حطمت قلبين -

.لن يعوض شيئا مما جنيت

:قال اkخر

ما نكترث له في ا?شياء التي آخرو..الندم ليس له وجود في قاموسنا..أوه -القلوب وأعمالھا على ا?قل J ..إنھا طبيعة عملنا..نحطمھا ھي القلوب

ولذا فان تحطيمھا J يعد موضع اھتمام ..يمكن كتابة تقارير طبية بشأنھا . الشديد من اجلكولكني رغم ذلك اشعر باkسف. كبير منا

رآه .. الخارجإلى ي يودعه فيھاإنھا المرة ا?ولى الت..نھض الرجل ليخرج معه

عندما خرجا إلى فناء المبنى كانت الشمس ...يضع المسدس في جيبه وينھض

Page 163: أنهار الجنة

- 162 -

والريح تعبث با?غصان وأوراقھا ا?شجار د أشرقت وأشعتھا تتخلل أفرعقحط غراب . والفناء الذي كان يشبه خلية النحل في الزيارات السابقة بدا خاليا

وراح يطلق صيحات سريعة عالية تداخلت مع على شجرة الكافور القريبة . إسعاف تنطلق في الشارعأوصوت صافرة مطافي

توقف الرجل في . أبطأ حركته وھو ينطلق في الفناء واستدار حتى واجه الرجل

. متسائ;قلق ونظر إليهإذا كان التخلص من نھي خدمة Jبنة صديق صديقك فھل كان عالم -

.؟اأيضا وھمالمناصب الذي لوحت لي به .J تجمدت حياتك وانتھتاو..J تتوقف كثيرا عند الماضي..يا صديقي - .ھل كان ھو أيضا وھما؟..أنا فقط أريد أن اعرف -لقد انتھى ..يا صديقي وماذا يجدي اkن أن تعرف أن كان وھما او حقيقة -

ھل يھم اkن أن نعرف إذا كان . كل شيء وأسدل الستار على المسرحيةحاول ان تتطلع الى .البطل حقيقي أم لعبة أطفال اطلقه المسدس الذي

حاول ان تخلق اJمل او ..المستقبل حتى لو كان يلوح لك بدون أمل . لكي تستطيع مواصلة الحياةهتتوھم

استدار وبدأ يتجه إلى الباب وتمھل للحظة واستدار ثانية إليه ليصافحه

:قال له اkخر وھو يشد على يده بقوة ربما تعثر ..J تتوقف..واصل البحث عنھا...ھل تريد نصيحة صديق -

.عليھا

وھو يدخل سيارته . ودعه وھو يوجه إليه نظرة حملھا كل معاني اللوم وا?لموھو يشعر جلس في المقعد . ر إلى الساعة كانت السابعة وث;ث دقائقنظ

يضع يده وبدأ يدير المفتاح ووجھه، خفيف وحبات عرق تسيل علىباعياء حاول أن يضعھا . اليسرى على المقود ولكنه شعر أن أصابعه تنزلق من عليه

مرة أخرى ولكنه Jحظ انه J يستطيع أن يطبق أصابعه عليه وفجأة بدأ يشعر شعر بحدة ا?لم . في ذراعه اليسرى وألم شديد يطبق على صدرهيسري بخدر

ا?لم يصعد إلى رقبته تنطلق في صدره مثل النار وبصعوبة في التنفس وبدأصرخ عاليا من شدة ا?لم يستغيث بالسيارات . وكتفيه وينطلق فيھما كشھاب

Page 164: أنهار الجنة

- 163 -

بدأ يرى ا?شياء من حوله كما لو كانت تتبدى له من خ;ل شبكة هالمارة ولكنومن خ;ل تلك الشبكة رأي . سميكة وھي تمضي كأنھا تتحرك في عالم آخر

. وسرعة لھفةأشباحا تقترب منه فيسيارة تتوقف و

)))))))))))))))))))))))))) (((((((((((((((((((

)))))))))))) ((((( ()