حقوق الانسان بين الكونية والخصوصيات

13
ات ي ص و ص خ ل وا ة ي ن و ك ل ا ن ي ب سان نلا ا وق ق ح ور% ش عا ن ب ع ف د. را* روحة مط، ة ي ق ر لع وا ة ي ن ب والد ة ي ن ط و ل ا ات ي ص و ص خ ل ، وا ة ي م ل عا ل ا?و ا ة ي ن و لك ا ن ي ب سان نلا ا وق ق ح ة@ ي ل كا% شD ال اF ز ت لا ا ري ه اN ظ ة@ ي ل كا% شD لا ه ا هد ساطة ن م غ ، ر ي ف ا% س ل ع ا ن ق م ل ا وات ج ل ى ا لD عد ا ب داء ي هلا ع ا ق ب م لط الدرس وسا ن ي عل ت ق و ل ا ي ف ي ضز ت ي الد ى? ئ ها لن ل ا ح لد ا ا ح ي م لا? ئ الدا ل% س ق ل ا ها س ق ب ي ه ر س ق ب مده ت مع ل ا ات اري ق م ل ا ف ل ت خ م و. ة ي ص و ص خل ل ن ب ر ص تF من ل وا ة ي ن و لك ا ن ع ن عي ف مدا ل سة ا ق ب وق ق ح ار ي م ت ل ه: ة ي ل كا% شD لا ا ري ص ت ع ن ي ب ق ي ق و ي ل ا ة ي ن كا مD ا ي ف ن ن ل? ساو ن ة غ ن ص ي ف رح عاده ط ي وع ض و م ل ا ف رض ف ب ة غ ن ص ي ة@ ي ل كا% شD لا رح ا ط ا?ن ي ه ي د ي ل ا ن م ؟ و ة ي ص و ص خ ل ا ي ار ي م ت س لعك ا ي ي ه ل ه ا?و ة ي ن و لك ا ي سان نلا ا ى ل ا ض ي ل ك% ش ن رح ط ي ماً را ي% ث ك وع ض و م ل ا ة ارب ق م ، ا?ن لك ي د عل د ، ر ض ق ا لن ى ا لD ا ك% ش دون ي دي? و ت ار ي ن خلا ا. ي س ا ي س ل ا ت ر ت ل وا ا ي ج و ل و ت د لاي ة ا ي عل ب ل ع ب ة لا ب? ء وا ا ي ن ي س ا ع لا? ي ص خ ي ا?ن ن مك ت لا ره ي ح? لا ه ا هد ا?نً ا ي ع ، مد سان نلا ا وق ق ح ة ي ن و ك عار% ش ع فز ت ق ت ر ف، الك ي ه ف.. ة ي ن ب ا?و د ة وب لغ ا?و ة ي ق ا ق% ب ا?و ة ضادب/ ت ق ا?و ا ة ي س ا ي س ب نء، كا وا ش ها عن ن طن ب ن ما كا مه ات ي ص و ص خل ل ها@ ع ا ض خD ا ن مك ت م ا?ن ه ي? را ت س خ ف. دسة ق م ها ط وا?ي ت خ م ل ك ي ف و كان ل م ك ي ف واخده سان نلا ا وق ق ح ء ا?ن لا? و ه ري ي ف ره ي لف ا ب ن ما كا مه ها، و ن ق د وخ ت ي لت ا روفN لط ا ب ن ما كا مه ة، و ي ق% س عي ب ي الد كان م ل ا ما كان مه واخد سان نلا ا

Upload: bouchekouf-oussama

Post on 19-Dec-2015

228 views

Category:

Documents


10 download

DESCRIPTION

سؤ

TRANSCRIPT

Page 1: حقوق الانسان بين الكونية والخصوصيات

حقوق االنسان بين الكونية والخصوصيات

* د. رافع بن عاشور

ال تزال إشكالية حقوق االنسان بين الكونية أو العالمية، والخصوصيات الوطنية

والدينية والعرقية، مطروحة على بساط الدرس ولم يقع االهتداء بعد إلى الجواب

;. ومختلف المقاربات المعتمدة المقنع الشافي، رغم بساطة هذه اإلشكالية ظاهريا

تفسر هي نفسها الفشل الدائم اليجاد الحل النهائي الذي يرضي في الوقت نفسه

المدافعين عن الكونية والمنتصرين للخصوصية.

فالموضوع يطرح عادة في صيغة تساؤل ينفي إمكانية التوفيق بين عنصري

اإلشكالية: هل تمتاز حقوق االنسان بالكونية أو هل هي بالعكس تمتاز بالخصوصية؟

ومن البديهي أن طرح اإلشكالية بصيغة تفرض االختيار تؤدي بدون شك إلى

; ما تطرح بشكل نضالي تغلب التناقض، زد على ذلك، أن مقاربة الموضوع كثيرا

عليه االيديولوجيا والتحزب السياسي.

; أن هذه األخيرة ال يمكن أن فهنالك، فريق يرفع شعار كونية حقوق االنسان، مدعيا

تخضع ألي استثناء وأنه ال يمكن إخضاعها للخصوصيات مهما كانت طبيعتها سواء،

كانت سياسية أو اقتصادية أو ثقافية أو لغوية أو دينية.. فيرى هؤالء أن حقوق

االنسان واحدة في كل مكان وفي كل محيط وأنها مقدسة. فحسب رأيهم أن

االنسان واحد مهما كان المكان الذي يعيش فيه، ومهما كانت الظروف التي يوجد

فيها، ومهما كانت الفترة الزمنية التي ينتمي إليها. فاالنسان من هذا المنظور غاية

الكون، منه تنطلق جميع األشياء وإليه تعود.

;، ترى أن الكونية المدعاة وفي مقابل ذلك هناك مiن يقول بنظرية معاكسة تماما

لحقوق االنسان افتراء، وأنها وجه من وجوه الهيمنة الثقافية الغربية وأنها طريقة

لفرض توجه معين، أال وهو النظرية الغربية لحقوق االنسان التي أفرزتها الفلسفة

السياسية خالل القرن الثامن عشر في أوروبا، والتي ترجمها اإلعالن الفرنسي

م. وترى هذه النزعة أن نظرية حقوق1789لحقوق االنسان والمواطن لسنة

; على األمم والشعوب المختلفة. وقد أكدت االنسان هذه، يجب أن تفرض فرضا

شخصيات كبيرة أن هذه الكونية المفترضة لحقوق االنسان ال تقوم على أساس

; صرح الكاتب )إدلمان برنارد( سنة ;: عندما نتحدث1991علمي سليم. فمثال م قائال

عن كونية حقوق االنسان، فاننا ندعي إضفاء صبغة كونية على كونيتنا. فمن هذا

; من وجوه تخليد الخطاب االستعماري المنطلق يكون الحديث عن الكونية وجها

المهيمن. وقد كتب محمد أركون في هذا الصدد: )في ذلك إعادة للخطاب

Page 2: حقوق الانسان بين الكونية والخصوصيات

االستعماري الذي كان يضفي الشرعية على إخضاع الشعوب والثقافات األخرى

بتصدير الحضارة األوروبية(. ولمواجهة هذه الكونية المدعاة يؤكد هذا الحزب على

الخصوصيات الوطنية والجبهوية، ويدافع عنها بتنوع المحيط الثقافي والديني، ويرى

أن لكل حضارة حقوق انسان خاصة بها تتناسب وثقافتها.

وتوجد نزعة ثالثة تحاول التوفيق بين النزعتين المذكورتين، فتؤكد أن الكونية ال

; ; رسميا تنفي الخصوصيات وأنه يمكن الجمع بينهما. وقد وجدت هذه النزعة تكريسا

لرؤياها في اإلعالن النهائي الصادر عن مؤتمر فيينا حول حقوق االنسان، الذي نص

على ما يلي: )جميع حقوق االنسان عالمية وغير قابلة للتجزئة ومترابطة ومتشابكة،

ويجب على المجتمع الدولي أن يعامل حقوق االنسان على نحو شامل وبطريقة

منصفة ومتكافئة، وعلى قدم المساواة، وبنفس القدر من التركيز. وفي حين أنه

يجب أن توضع في االعتبار أهمية الخاصيات الوطنية واالقليمية ومختلف الخلفيات

التاريخية والثقافية والدينية، فإن من واجب الدول بصرف النظر عن نظمها

السياسية واالقتصادية والثقافية، تعزيز وحماية حقوق االنسان والحريات

األساسية(.

وحيال هذا الجدل، يمكن أن نطرح السؤال التالي: هل كل تفكير حول ماهية حقوق

االنسان محكوم عليه بالفشل وبالجدل العقيم؟ وهل من المفروض أن يبقى كل

; باعتقاداته وايديولوجيته؟ وهل يعني عقم هذا الجدل، أن فريق على موقفه متشبثا

; غير علمي، مآله بالضرورة الفشل ; مغلوطا المشكل مطروح من األساس طرحا

والمغالطة؟

; على هذه األسئلة نقول: ان التفكير حول مسألة حقوق االنسان من جميع جوابا

جوانبها، واجب وضروري، بل هو مستعجل لتخليص المسألة من المغالطة ومن

التالعب، وباعتبار أنها مسألة تبوأت الصدارة في االهتمامات الدولية، وأصبحت

طاغية على العالقات بين األمم بل صارت معيار العالقات بين الدول ومكيال

مساعدة الدول الضعيفة.

; غلق باب النقاش، أو إنهاء الجدل العلمي سوف نحاول ـ ومحاولتنا ال تد}عي أبدا

الموضوعي ـ طرح المشكل بطريقة رصينة تتجنب أكثر ما يمكن، المؤثرات الذاتية

وتحاول أن تقترب قدر المستطاع من الموضوعية، وإن كانت هذه األخيرة، في

ميدان العلوم االجتماعية بصفة عامة، وفي ميدان العالقات الدولية بصفة خاصة،

صعبة المنال. ولذلك فإن الطريقة األقل خطورة لطرح المشكل بداية، ولإلجابة

; تتمثل في التساؤل عما نتكلم عنه في الحقيقة: هل أن مفهوم حقوق عنه ثانيا

االنسان متفق عليه، وهل يستعمل أنصار نظرية كونية حقوق االنسان ومعارضوهم

Page 3: حقوق الانسان بين الكونية والخصوصيات

أنصار نظرية خصوصية حقوق االنسان المفهوم نفسه فما هي الكونية التي عنها

يتحدثون، وما هي الخصوصية التي باسمها يدافعون، على أي حقوق انسان هم في

الحقيقة يتنافسون؟

- مفهوم الكونية:

يتعين بادئ ذي بدأ حصر مفهوم الكونية، فهذه األخيرة تطلق على كل ما هو

منسوب إلى الكون، إلى العالم أي إلى البشر كلهم بدون تمييز بين األقطار

; المنتشرين في جميع أنحاء واألجناس، أو بعبارة أخرى كل ما يهم الناس جميعا

; أن جميع الناس يتمتعون بالحقوق المعمورة. وكونية حقوق االنسان تعني مبدئيا

نفسها، وأنه ال أساس للتمييز بينهم. ويبدو أنه يوجد اتفاق عام حول هذا النقطة

بالذات وال يشكك في حقيقتها أي} كان. وقد كرس القرآن العظيم هذا البعد بجالء

; في قول الله تعالى: )يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا

، وتبرز من خالل هذه13وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم( الحجرات/

اآلية الكريمة البليغة وحدة الجنس البشري واستحقاقهم بدون تمييز لجميع

الحقوق، باعتبار أن الدين واحد، وأن القرآن عالمي في رسالته وفي تطبيقه، وأن

التقوى هي القاعدة التي تقوم عليها المسؤولية الفردية.

كما تسل}م جميع الدول وجميع النظريات الفلسفية والسياسية بوجوب احترام حقوق

االنسان وبتعلقها بها. فاليوم ال توجد ولو دولة واحدة في العالم، تصرح برفضها

لحقوق االنسان، بل كلها تعلن عن أهمية الصكوك الدولية المتعلقة بحقوق االنسان

وتمسكها بما جاء فيها من أهداف نبيلة، لكنها تنفي أن تكون لجميع حقوق االنسان

القيمة نفسها، بل إنها تجادل حتى في استحقاق بعض الحقوق والحريات المنصوص

;، الموصوفة بحقوق االنسان. عليها دوليا

; على هذا التوافق في اآلراء والنظريات يمكن أن نعتبر أنه يوجد قاسم وتأسيسا

; ;، فهو ال يعدو أن يكون شكليا مشترك بين الجميع، لكن هذا التوافق ال يجدي نفعا

; بالناس كافة، فإن اإلشكال المطروح ;، فإن كانت حقوق االنسان تتعلق فعال ولفظيا

; برمته، والبد من التساؤل على أي حقوق لالنسان تنطبق هذه الكونية؟ يبقى قائما

وفي ما يتمثل القاسم المشترك؟ فالجدل بين مناصري الكونية ومناصري

الخصوصيات، ال يتعلق بمعرفة هل يتمتع جميع الناس بحقوق، بل هو يدور حول

النقطة التالية: هل يتمتع جميع الناس، مهما اختلفوا، وأينما وجدوا بالحقوق نفسها،

وهل تطبق هذه الحقوق بطريقة متجانسة؟ لذلك فإن التوافق حول وجوب احترام

حقوق االنسان ال يمكن من تجاوز اإلشكال األصلي، ويرجعنا إلى نقطة االنطالق

ووجوب تحديد ماهية حقوق االنسان.

Page 4: حقوق الانسان بين الكونية والخصوصيات

ورغم كل هذا، فإن تعريف الكونية مهما كانت محدوديته، له بعض المزية إذ يمكننا

من التمييز بين كونية حقوق االنسان وتدويل حقوق االنسان. وبفضل هذا التمييز

; يمكننا التشكيك في حقيقة وجود قاسم مشترك. فمفهوم التدويل يفترض أسلوبا

; ال غير بمقتضاه تخرج حماية حقوق االنسان من نطاق النظام القانوني قانونيا

الداخلي للدولة، لتصبح من مشموالت النظام القانوني الدولي، وتجد مصادرها في

عدد من النصوص واالتفاقات الدولية، مثل اإلعالن العالمي لحقوق االنسان الصادر

م والعهدين الدوليين1948 ديسمبر 10عن الجمعية العامة لألمم المتحدة بتاريخ

م المتعلقين بالحقوق المدنية والسياسية من جهة، وبالحقوق1966لسنة

االقتصادية والثقافية واالجتماعية من جهة أخرى، وجميع االتفاقات القطاعية

المبرمة في نطاق منظمة األمم المتحدة، أو في نطاق المنظمات الكونية

المتخصصة )اليونسكو ـ منظمة العمل الدولية..( أو في نطاق بعض المنظمات

الدولية االقليمية مثل منظمة الوحدة اإلفريقية أو جامعة الدول العربية أو منظمة

المؤتمر االسالمي.

دولة،150ورغم أن أغلبية هذه الصكوك الدولية أمضتها إلى حد اليوم أكثر من

وهو ما يقيم الحجة التي ال يمكن دحضها حول حقيقة الكونية، فإنه البد من االشارة

أن هذه الدول، وإنك ثرت، ال تمثل جميع دول العالم، وزيادة على هذا، فإن الدول

; أقل بكثير من هذا ; ملزما ; على هذه االتفاقيات وأصبحت قانونا التي صادقت نهائيا

العدد. فعلى سبيل المثال لم تصادق على العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية

; في األمم184 دولة من 125م سوى 1993 سبتمبر 7والسياسية إلى تاريخ عضوا

;. فالمعاهدة المتحدة في ذلك التاريخ. ويمكن أن نسوق مثالين آخرين أكثر تعبيرا

م حول مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة1984المبرمة سنة

دولة فيما لم76القاسية أو الالإنسانية و الحاطة من الكرامة لم تصادق عليها إال

م حول الغاء1989 ديسمبر 15 دولة على البروتوكول المؤرخ في 19تصادق إال

عقوبة اإلعدام. ويمكن ن نواصل إبراز محدودية الكونية التي تركز على المعطيات

المتعلقة بعدد الدول الملزمة باالتفاقيات الدولية. فكثير من هذه الدول عند

; وقع تسجيل أكثر من 200مصادقتها على االتفاقات أرفقتها بتحفظات عديدة. فمثال

تحفظ إزاء العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية. كما أن كونية

اإلعالن العالمي لحقوق االنسان محل جدل. فعالوة على الجدل الذي يحوم حول

طبيعته القانونية وحول مدى إلزاميته باعتباره مجرد توصية صادرة عن الجمعية

العامة لألمم المتحدة، فإن هذا اإلعالن لم يعتمد باإلجماع.

لقد نظمت معظم الصكوك الدولية التي لم نتعرض إال لبعضها، نظرية معينة لحقوق

Page 5: حقوق الانسان بين الكونية والخصوصيات

االنسان، تجد مصادرها في الفلسفة السياسية والقانونية الغربية المؤسسة على

; في النصوص األساسية الصادرة عن نظرية الحق الطبيعي، والمعبر عنها رسميا

; الثورات البريطانية واألمريكية، وخاصة الفرنسية. وتعتبر هذه النظرية، االنسان كائنا

;، فاالنسان حسب هذا التصور هو الفرد الذي يسمو على جميع االختالفات مجردا

ويتجاوزها. وقد عبرت المادة األولى من اإلعالن الفرنسي لحقوق االنسان

م عن ذلك، إذ جاء فيها )يولد جميع الناس1789 آب سنة 26والمواطن الصادر في

; ومتساوين في الحقوق(. وعلى هذا األساس فإن كل تمييز محجر بل ويبقون أحرارا

أكثر من ذلك، لكل فرد الحق في ممارسة هذه الحقوق ودون قيود، ولكل مجموعة

الحق واألهلية في المطالبة بالتمتع بحقوق االنسان.

إال أن نظرية حقوق االنسان هذه، واجهت انتقادات الذعة وجهتها لها المدرسة

المادية )الماركسية( فهذه األخيرة عابت على النظرية الثورية الفرنسية تكريسها

; وبالذات، هي لحقوق شكلية ال غير، في حين أن الحريات الجديرة بالحماية أوال

الحقوق الحقيقية يعني تلك التي لها عالقة بالحياة اليومية مثل الحق في العمل

; اقتصادية واجتماعية. وغير ذلك من الحقوق التي صارت تنعت بكونها حقوقا

كما أن النظرية الثورية ع�ر}ضت النتقادات المدارس األنثروبولوجية الحديثة التي

قامت بدراسات ميدانية عن االنسان المتوحش العائش في أدغال أفريقيا وأميركا.

فهذه المدارس ترى أن االنسان المجرد ال وجود له وأن لكل فرد خصائصه، ولذلك

فال مجال للحديث عن حقوق جنس االنسان.

إن االنتقادات الموجهة لنظرية حقوق االنسان ال تؤدي إلى نفي كونية حقوق

االنسان، بل بالعكس فإنها تساهم في بلورتها وفي إضفاء واقعية أكثر عليها.

}نت من إثراء نظرية حقوق االنسان بما عبر عنه فانتقادات المدرسة المادية مك

بالجيل الثاني من حقوق االنسان، أي الحقوق ذات الطابع االقتصادي واالجتماعي.

أما النقد االنثروبولوجي، فقد ساعد على فرض فكرة النسبية وضرورة تأقلم حقوق

; لها في المواثيق االنسان مع المحيط االجتماعي. ووجدت هذه الفكرة تكريسا

االقليمية مثل الميثاق األوروبي للدفاع عن حقوق االنسان أو الميثاق األمريكي أو

; الميثاق العربي. الميثاق األفريقي.. وأخيرا

عالوة على هذه االعتبارت، فإن ما يعاب على النظرية الغربية من كونها متأثرة

بظروف ظهورها ومن كونها ال تعكس إال الثقافة الغربية، وال تعبر إال عن مفاهيم

; أمام انتشار هذه غربية غير جدي. فظروف ظهور نظرية أو فكرة، ال تمثل حاجزا

النظرية وأمام كونيتها. فبروز نظرية حقوق االنسان بالغرب، ال يعني أن هذه

الحقوق هي حقوق االنسان الغربي. فمثل هذا االدعاء يؤدي إلى الحكم بعدم انتشار

Page 6: حقوق الانسان بين الكونية والخصوصيات

كل نظرية علمية، ويحكم على حقوق االنسان بأن تبقى غريبة عن المجتمعات غير

الغربية.

إن تقرير كونية حقوق االنسان أو عدم كونيتها، ال يحل اإلشكال الذي انطلقنا منه إال

;، فال يمكن أن نقدم الجواب الشافي إال إذا استطعنا تحديد حقوق االنسان جزئيا

ومحتواها.

- أي حقوق انسان؟

يخضع تحديد محتوى حقوق االنسان، إلى جدل كبير وإلى تعدد التصورات واختالفها.

فكل تحديد دقيق لحقوق االنسان يكون محل إجماع غير ممكن اليوم، وهذا من

شأنه نفي كونية حقوق انسان والتمسك بالخصوصيات الوطنية والتاريخية

والحضارية واالقتصادية. على أن هذا االختالف يجب أن ال يؤدي إلى االعتقاد بأن

اعتبار الخصوصيات ينفي فكرة الكونية من األساس، بل إن هذه النتيجة تفرض

علينا تصحيح المقاربة وطرح اإلشكالية بطريقة سليمة. فعوض طرح اإلشكالية في

صيغة خيارين متناقضين ال سبيل إلى التوفيق بينهما )كونية أو خصوصيات(، البد من

االعتراف بأن الكونية والخصوصيات ال يتنافيان وتواجدهما ممكن في اآلن نفسه،

فنتحدث عندئذ عن الكونية والخصوصيات.

; من هذا التصحيح المنهجي، يمكننا أن نعد} االنسان في وحدته وفي وانطالقا

اختالفاته، واالعتراف مع األستاذ محمد البجاوي )رئيس محكمة العدل الدولية( بأن

تصور حقوق االنسان والتمتع بها وممارستها ال يمكن أن تكون على الوتيرة نفسها

في جميع أنحاء العالم. فحقوق االنسان متأثرة بعوامل عديدة خصوصية ذات طابع

تاريخي وسياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي. على هذا األساس، فإن التمشي

;، بل إلى التفكير الجدي ; مبدئيا الواقعي يدعونا ال إلى نفي كونية حقوق االنسان نفيا

حول أقوم السبل وأنجعها لنشر حقوق االنسان واحترامها في جميع المجتمعات،

وفي جميع الطبقات االجتماعية دون أن يؤدي ذلك إلى نوع جديد من االستعمار أو

إلى ادعاء حق أو واجب التدخل باسم حقوق االنسان.

إن نهج الواقعية يفرض علينا التسليم بمبدأ نسبية حقوق االنسان، وإلى االعتراف

بأن كل مجتمع في زمن معين من تاريخه، ليس له في ميدان حقوق االنسان نفس

تطلعات ونفس تصورات المجتمعات األخرى. فبعض الممارسات التي تعتبر من

حقوق االنسان في بعض المجتمعات، ال يمكن لها أن تد}عي هذه الصفة في بعض

المجتمعات األخرى. فالمسألة هنا مرتبطة بالمعتقدات الدينية وبالعادات االجتماعية

}ن ذلك منذ القدم الفالسفة اإلغريق ـ وبالنضج الفكري واطالق الحريات ـ كما بي

يؤدي إلى الفوضى وإلى العنف اللذين يهددان بقاء نوع االنسان، ولذلك يتعين

Page 7: حقوق الانسان بين الكونية والخصوصيات

تحديد وتنظيم ممارسة الحرية لالنتقال من الحرية الحيوانية البهيمية إلى الحرية

الحقيقية المدنية، التي يحقق بها االنسان انسانيته ككائن اجتماعي.

إن كل صنف من البشر وكل أمة من األمم، لها أولويات خاصة بها، هي نتاج

تطورها الحضاري وتاريخها، وتمثل حالتها الراهنة. لذلك، فإن أساليب تطبيق حقوق

; ـ االنسان واحترامها ال يمكن أن تكون إال متغيرة. فالحق في تقرير المصير مثال

وهو حق كل شعب من الشعوب في تقرير نظامه السياسي وحق كل فرد في

المشاركة في هذا التقرير، رغم اإلجماع الذي يميزه ـ ال يمكن أن يطبق بطريقة

متجانسة في دولة اكتمل بناؤها السياسي وتركيبتها االجتماعية ومجتمع بدائي ما

; للحمية القبلية، وما زال يسوده الجهل والفقر. زال خاضعا

إن االعتراف بوجود مثل هذه األولويات وإقرار هذه النسبية، ال يعني أن نقر} بوجود

تقسيم للعالم في ميدان حقوق االنسان يفرد المجتمعات العربية المتقدمة بنوع من

حقوق االنسان )الحقوق المدنية والسياسية( والمجتمعات النامية بنوع أدنى من

حقوق االنسان )الحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية( ويحكم عليها بعدم

األهلية للحقوق المدنية والسياسية.

;، واالعتراف بوجود مستوى أدنى، كما إن اإلقرار بوجد هذه األوليات، ال يمثل حاجزا

أو نواة صلبة ثابتة من الحقوق ال يمكن أن يشملها أي استثناء واجبة االحترام على

الصعيد الكوني، وال سبيل لمعارضتها باسم الخصوصيات الثقافية أو األولويات

األخرى. فلو شئنا تبيان طبيعة هذه النواة، ألمكن أن نقول إنه من بين القواعد

( تعلوjus cogensالدولية المتعلقة بحقوق االنسان توجد بعض القواعد اآلمرة )

على األخرى، وال يمكن عدم احترامها أو تأويلها. فهذه القواعد تمثل النظام العام

الدولي. ففيم يتمثل هذا النظام العام؟

إن الحقوق التي يمكن أن تكو}ن النواة الصلبة الثابتة لحقوق االنسان، تسعى كلها

إلى هدف نهائي سام، أال وهو تحقيق وضع أخالقي أساسي لكل فرد، ال يمكن تصور

االنسانية بدونه. وعلى هذا األسس، البد من استنتاج هذه الحقوق األساسية من بين

جملة حقوق االنسان، وهي حقوق تكاد تكون مطلقة، وقد أجمعت عليها الشرائع

السماوية وكرستها القوانين الوضعية.

إن هذا اإلجماع حول وجود حقوق أساسية غير قابلة لالستثناء أو للتكيف بحسب

الظروف، يفرض علينا االعتماد على معيار دقيق، يمكننا من تحديدها بدقة ومن

وضع قائمة لها.

وهذا المعيار ال يمكن أن يكون إال العقل. فالحقوق التي تكون النواة الصلبة هي

حقوق قد يؤدي تجاهلها أو عدم احترامها إلى إهدار كرامة االنسان وانسانيته التي

Page 8: حقوق الانسان بين الكونية والخصوصيات

فضله الله بها على جميع المخلوقات في قوله سبحانه وتعالى في سورة اإلسراء:

)ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم

;( اإلسراء/ ، إن انتهاك حقوق االنسان األساسية70على كثير ممن خلقنا تفضيال

يؤدي إلى نكران التفضيل اإللهي لالنسان على سائر المخلوقات. ومن هذه الحقوق

; وبالذات الحق في الحياة وفي احترام الذات االنسانية. فهذه حقوق نذكر أوال

أساسية ال يمكن إخضاعها ألي استثناء وال ألي خصوصية. فهي أولى األولويات وال

تتحقق إنسانية الفرد إال باحترامها. كما يمكن أن نعتبر من بين الحقوق األساسية

التي تشكل النواة الصلبة، حق االنسان في األمان على نفسه وعلى ذويه وعلى

ممتلكاته. وال يمكن لجاحد أن ينكر كونية هذه الحقوق وما يترتب عليها من نتائج

مثل تحريم القتل الجماعي أو التعذيب. فهذه الممارسات تنكرها جميع الشرائع وال

يمكن تسويغها بدعوى الخصوصيات أو بدعوى الهوية. أما بخصوص حقوق االنسان

.; األخرى الخارجة عن النواة الصلبة، فإن الحوار يبقى مفتوحا

إن تأكيد وجود حقوق أساسية لالنسان غير قابل لالستثناء، يعني االتفاق على قاسم

مشترك مفروض على الجميع، ويعلو على جميع الخصوصيات. على أن هذا التمييز

بين الحقوق األساسية وغيرها، يجب أن ال يؤدي إلى االعتقاد بأن الحقوق األساسية

وحدها واجبة التطبيق، في حين أن الحقوق األخرى التي أقرتها مختلف الصكوك

الدولية اختيارية. فوجود الحقوق األساسية يعني فقط أن هذا النوع من الحقوق ال

يمكن أن يشمله أي استثناء. أما الحقوق األخرى فإن طابعها اإلجباري ليس محل

جدل، ولكن طرق تطبيقها يمكن أن تكون موضوع ترتيبات خاصة، حسب أولويات

كل أمة دون أن يؤدي ذلك إلى نفي القواعد الدولية المقررة، وعلى شرط أن

تخضع هذه الترتيبات إلى مراقبة دولية.

وفي الختام، البد من توضيح: إن وجدت اليوم كونية لحقوق االنسان، وإن ارتقت

هذه األخيرة إلى ميدان العالقات بين الدول، فإنه من الضروري أن تكون هذه

الكونية كونية حقيقية تأخذ بعين االعتبار تنوع واختالف الحضارات والثقافات.

فالكونية يجب أن تكون إيجابية أي أن تكون نتيجة إلثراء متبادل بين الحضارات،

ففي كثير من األحيان، تلخصت الكونية في محاولة للهيمنة، أي في كلمة حق أريد

بها باطل.