فصول في الإمامة والبيعة للشيخ أبي المنذر الشنقيطي...

فصول في اإلمامة والبيعة

للشيخ

المنذر الشنقيطيأبي حفظه اهلل

م2013| ه 1435

(1) منرب التوحيد واجلهاد


محتويات الكتاب املقدمة

فصل يف وجوب نصب اإلمام

فصل وجوب نصب اإلمام على الفور ال على الرتاخي

فصل وجوب نصب اإلمام منوط بوجود اجلماعة ال مبظنة اخلالف

يس شرطا لصحة البيعةفصل التمكني والشوكة ل

فصل أهل احلل والعقد ال يشرتط أن يكونوا هم أهل الشوكة

فصل ال تتعني مشورة من غاب عن جملس العقد

فصل جيب الدخول يف بيعة من كان جامعا للشروط وحيرم االعرتاض عليها

فصل ال يشرتط للبيعة عدد حمدود

بتت البيعة ولو مع اجلهالةفصل إذا دار األمر بني انعدام اإلمام وجهالة عينه ث

اخلامتة



بسم اهلل الرحمن الرحيم

المقدمة

.احلمد هلل رب العاملني وصلى اهلل على نبيه الكرمي وعلى آله وصحبه أمجعني

فقد ثارت يف الفرتة املاضية بعض النقاشات وترددت بعض الشبهات حول : وبعد .. من أركان موضوع البيعة واإلمامة وما يلزم فيه من شروط ويتعني

.وقد كتب بعض اإلخوة يف هذا الباب فأفادوا وأجادوا وأحسنوا ما بنوه وشادوا

لكن رأينا من ركب املوج العباب وأفرغ بدلوه يف هذا الباب إال أنه أطال يف غري طائل ..وعاد بغري نائل

فأحببت أن أكتب يف املسألة خمتصرا معدودا وضابطا حمدودا يبني ما التبس من مشكالت وجيمع ما تناثر من مهمات يكون ساملا من الطول املمجوج والقصر املخدوج فال

..ميله السرعان وال يستقله الظمآن

.واجتهدت قدر املستطاع أن أحتاشى ما ال يدخل يف مسائل النزاع

.ينطلق منها الشارد ويعود إليها الوارد، قواعدو وقد جعلته على شكل فصول

من األبواب اليت ضاقت فيه " اإلمامة وبيعة األمراء " لتنبيه إىل أن باب وال بد من ا .النصوص واتسعت اآلراء

ال تكون إال باتباع النصوص ، وركوب األهواء، ونرى أن العصمة فيه من ولوج األخطاء ال جمرد ، االستداللو واالعتماد على دقة االستنباط، واقتفاء اجلماعة الوافرة، الظاهرة .يات األقوال حكا

.فنسأل اهلل تعاىل أن يرزقنا التوفيق واإلصابة يف األقوال واألعمال



فصل في وجوب نصب اإلمام

.ال بد للناس من أمام جيمع الكلمة ويسوس الرعية ويدفع العادية

.وبانعدام اإلمام ختتل مصاحل األنام وتتعطل مجلة من األحكام

كلما مات ملك من ملوكهم أن يرتكوا الناس وشؤوهنموقد قيل أنه كان من عادة الفرس حىت تضطرب األمور ، وال رادع يردع الطغاة أو يقمع اجلناة، مخسة أيام بال سلطان وال زمام

.فيدرك الناس ضرورة السلطان وينقادوا له بالطاعة واإلذعان ، وتعم الشرور

س وميضي فيهم أحكام اهلل ال بد للناس من إمام يقوم بأمر النا): قال اإلمام اخلطايب 3/6، معامل السنن( ويردعهم عن الشر ومينعهم من التظامل والتفاسد

" :حبرق " وقال حممد بن عمر بن مبارك احلمريي

ألن الناس إذا كان هلم رئيس قاهر انتظمت ، فإن نصب اإلمام يتضمن دفع الضرر) فيما شرع اهلل ورسوله فيه من األحكام ألن مقاصد الشرع الشريف، مصاحل دينهم ودنياهم

، إما عاجال وإما آجال، إنا هي مصاحل عائدة إىل اخللق، وإظهار شعائر الدين، واحلدود. وإال ألفضى ذلك إىل اهلالك، ومعلوم أن ذلك ال يتم إال بإمام يرجعون إليه عند اختالفهم

ي يقطع بأهنا لو متادت لتعطلت أمور حب، ويشهد لذلك ما يثور من الفنت عند موت األئمة (393-393: ص)، حدائق األنوار لبحرق( املعاش واملعاد

: وقال الغزايل

ال يتمارى العاقل يف أن اخللق على اختالف طبقاهتم وما هم عليه من تشتت األهواء ) ، خرهموتباين اآلراء لو خلوا وآراءهم ومل يكن رأي مطاع جيمع شتاهتم هللكوا من عند آ

فبان أن السلطان ضروري ، وهذا داء ال عالج له إال بسلطان قاهر مطاع جيمع شتات اآلراءونظام الدين ضروري يف الفوز بسعادة ، ونظام الدنيا ضروري يف نظام الدين، يف نظام الدنيا

فكان وجوب نصب اإلمام من ضروريات الشرع الذي ال ، اآلخرة وهو مقصود األنبياء قطعا . 823:ص، االقتصاد يف االعتقاد للغزايل( ىل تركهسبيل إ

:رمحه اهلل -وما أحسن قول عبد اهلل بن املبارك



عن ديننا وبه إصالح دنيانا..اهلل يدفع بالسلطان معضلة

وكان أضعفنا هنبا ألقوانا..لوال األئمة مل تأمن لنا سبل

ونصبه ’يعة اإلمام وقد دلت النصوص الصرحية من األحادي الصحيحة على وجوب ب : ومن هذه النصوص، يف الدوام على وجه اإللزام

: قال –صلى اهلل عليه وسلم -حدي عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما أن النيب -8

.رواه مسلم «من مات وليس يف عنقه بيعة مات ميتة جاهلية »

إذا خرج ثالثة » :أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال، حدي أيب سعيد اخلدري -2 .رواه أبو داود«يف سفر فليؤمروا أحدهم

وال حيل ... »: أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال، حدي عبد اهلل بن عمرو -3رواه أمحد والطرباين يف املعجم .«لثالثة نفر يكونون بأرض فالة إال أمروا عليهم أحدهم

.الكبري

.األعظم وهذا دال باألحرى على وجوب نصب اإلمام

:ويف ذالك يقول الشوكاين

وإذا شرع هذا لثالثة يكونون يف فالة من األرض أو يسافرون فشرعيته لعدد أكثر ) ويف ذلك ، يسكنون القرى واألمصار وحيتاجون لدفع التظامل وفصل التخاصم أوىل وأحرى

: نيل األوطار..( إنه جيب على املسلمني نصب األئمة والوالة واحلكام: دليل لقول من قال3/292 .

: وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل

كان ، أن يويل أحدهم، فإذا كان قد أوجب يف أقل اجلماعات وأقصر االجتماعات) أو وظيفة ، احلسبة يف اإلسالم( هذا تنبيه ا على وجوب ذلك فيما هو أكثر من ذلك

9: احلكومة اإلسالمية ص

.وب نصب اإلمام غري واحد من األئمة األعالم وقد نقل اإلمجاع على وج



شرح ..(. وأمجعوا على أنه جيب على املسلمني نصب خليفة ) : قال النووي رمحه اهلل 202/ 82، النووي على مسلم

:وقال ابن حزم

اتفق مجيع أهل السنة ومجيع املرجئة ومجيع الشيعة ومجيع اخلوارج على وجوب اإلمامة )ها االنقياد إلمام عادل يقيم فيهم أحكام اهلل ويسوسهم بأحكام وأن األمة واجب علي

، الفصل يف امللل واألهواء والنحل( الشريعة اليت أتى هبا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم2/32

: وقال حبرق

إلمجاع الصحابة رضي ، اعلم أن مذهب أهل السنة أن نصب اإلمام واجب على األمة)رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم على امتناع خلو الوقت عن خليفة له اهلل عنهم بعد وفاة

وإمام

: وقد قال الصديق رضي اهلل عنه يف خطبته يف سقيفة بين ساعدة بني املهاجرين واألنصارفبادر الكل إىل قبول " . وأنه ال بد هلذا الدين من إمام يقوم به، أال وإن حممدا قد مات"، حدائق األنوار( واجتمعوا له، بل اتفقوا عليه، أحد ال حاجة يل إىل ذلكومل يقل ، قوله 393: ص

فهو ، وإذا كان وجوب نصب اإلمام دلت عليه النصوص وأمجع عليه أهل اإلسالم .واجب على املسلمني يف كل مصر ومكان وال خيتص به زمان عن زمان

افرتى على اهلل ألنه عارض أن نصب اإلمام غري واجب يف هذه األيام فقد ومن زعم .االئتالف وزعم أن الشرع أقر الناس على التفرق واالختالف

وإذا مل يتيسر نصب اإلمام إال لطائفة من املسلمني تعني األمر عليها وحتتم على سائر .املسلمني متابعتها والدخول يف بيعتها

: تنبيه

من مات » : –صلى اهلل عليه وسلم -ومن املهم التنبيه إىل أن البيعة املقصودة يف قوله ليست كل بيعة على اإلطالق وإنا هي بيعة اإلمام « وليس يف عنقه بيعة مات ميتة جاهلية



وال تنوب عنها أي بيعة أخرى كبيعة أمري يف احلرب على جهاد ، العام على السمع والطاعة .عن املنكر أو بيعة شيخ أو مجاعة على األمر باملعروف والنهي ، العدو الصائل

.فهذه البيعات وإن كانت مشروعة فهي ال تنوب عن بيعة اإلمام الواجبة

ن عدم، أو التأخر عن بيعته إن وجد، حبجة وجود مثل فال يشرع تأخري نصب اإلمام إبل مىت كانت هذه البيعات مانعة من بيعة اإلمام أو مزامحة هلا فهي غري ، هذه البيعات . مشروعة



فصل اإلمام على الفور ال على التراخيوجوب نصب

إذا تقرر وجوب نصب اإلمام فاعلم أنه واجب على الفور ال على الرتاخي ؛ ألن ما .يتعلق به من مهمة وأحكام ال حيتمل التأخري

فإذا كان املسلمون بال إمام حيكمهم وال خليفة جيمعهم فمن أهم ما جتب املبادرة إليه يتوقف على غياب بيعته من تعطل مصاحل األنام وغياب هو السعي إىل نصب اإلمام ملا

.الشريعة واألحكام

: قال اجلويين

ومعظم األمور ، واالهتمام مبهمات اإلسالم، الغرض من نصب اإلمام حفظ احلوزة)وخبال متفاقما ، ولو أخر النظر فيه جلر ذالك خلال ال يتالفا، اخلطرية ال يقبل الري واملك

.63: اث األمم صغي.(ال يستدرك

وهلذا بادر الصحابة رضي اهلل عنهم إىل عقد البيعة أليب بكر رضي اهلل عنه قبل دفن ! .ساعة 22النيب صلى اهلل عليه وسلم حىت اضطرهم ذالك إىل تأخري دفنه ألكثر من

: رمحة اهلل عليه يقال النوو

يلة األربعاء أواخر هنار وإنا أخروا دفنه صلى اهلل عليه وسلم من يوم االثنني إىل ل) الثالثاء لالشتغال بأمر البيعة ليكون هلم إمام يرجعون إىل قوله إن اختلفوا يف شيء من أمور جتهيزه ودفنه وينقادون ألمره لئال يؤدي إىل النزاع واختالف الكلمة وكان هذا أهم األمور

36/ 3شرح النووي على مسلم ( واهلل أعلم

:وقال الغزايل

حظ العصر االول كيف تسارع الصحابة بعد وفاة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فليال) اىل نصب االمام وعقد البيعة وكيف اعتقدوا ذلك فرضا حمتوما وحقا واجبا على الفور والبدار وكيف اجتنبوا فيه التواين واالستئخار حىت تركوا بسبب االشتغال به جتهيز رسول اهلل

لموا انه لو تصرم عليهم حلظة ال إمام هلم فرمبا هجم عليهم حادثة صلى اهلل عليه وسلم وعجيمع شتات ، وختلف متبوع مطاع، وارتبكوا يف حادثة عظيمة تتشتت فيها اآلراء، ملمة



ال خنرم النظام وبطل العصام وتداعت باالنفصام عرى األحكام فألجل ذلك آثروا ، اآلراء . 838:ص، فضائح الباطنية( ليهالبدار إليه ومل يعرجوا يف احلال إال ع

وليت شعري إذا كان الرسول صلى اهلل عليه وسلم وهو أشرف خملوق واألوىل بأداء ما له ..من حقوق يشرع تأخري دفنه تالفيا لتعطيل منصب اإلمامة وغياب السلطة والزعامة

رة إىل أو يسوغ بعد هذا أن يزعم زاعم مشروعية تأخري نصب اإلمام أو يدعي أن املباد نصبه ليست على وجه اإللزام ؟

بل إن فعل الصحابة هذا فيه دليل قاطع وبرهان ساطع على وجوب املبادرة إىل عقد .الوالية الشرعية وتقدميها على سائر املهمات الدينية والدنيوية

.أما تأخريها فهو معصية يأمث هبا املسلمون مجيعا



فصل عة ال بمظنة الخالفوجوب نصب اإلمام منوط بوجود الجما

ال مشاحة يف وجوب االجتماع واالنضواء حتت راية أمري : قال بعض اإلخوة الفاضلنيلكن احلكمة من االجتماع هي حصول األلفة واالتفاق والفرار من اخلالف ، مطاع

عاد األمر إىل عكسه وانقلب احلكم إىل ، فمىت كان االجتماع سببا يف الفرقة، واالفرتاق !د االجتماع مأمورا به ضده ومل يع

: واجلواب على هذا يف مسألتني: قلت

: المسألة األولى

أن اهلل سبحانه وتعاىل جعل نصب اإلمام سببا من أسباب األلفة واالتفاق فمن زعم أنه وحذر مما ، فقد كذب خرب اهلل تعاىل، سبيل إىل التنازع والشقاق وبريد إىل التباغض واالفرتاق

!!ما أنزل اهلل من الدواء قد يكون سببا إىل زيادة الداء هنى عنه وزعم أن

إن الذين ف رقوا دين هم وكانوا شيعا }: وهل يكون يف التفرق خري بعد أن قال اهلل تعاىلهم في شي ؟...{ء لست من

.{ ...وا واعتصموا بحبل الله جميعا وال ت فرق }: وقال تعاىل

:قال ابن كثري

وقد وردت األحادي ، أمرهم باجلماعة وهناهم عن التفرقة{ وال تفرقوا}: وقوله) وقد ضمنت هلم العصمة .... ، واألمر باالجتماع واالئتالف، املتعددة بالنهي عن التفرقاق وخيف عليهم االفرت ، كما وردت بذلك األحادي املتعددة أيضا، عند اتفاقهم من اخلطأ

33/ 2:تفسري ابن كثري (، واالختالف

..وقد أخرب النيب صلى اهلل عليه وسلم يف مجلة من أحاديثه بأن يد اهلل مع اجلماعة

قال رأيت النيب صلى اهلل عليه وسلم وهو على املنرب ، عن عرفجة بن ضريح األشجعي :فقال، خيطب الناس



اجلماعة أو يريد أن يفرق أمر أمة فمن رأيتموه فارق ، إنه سيكون بعدي هنات وهنات) وإن الشيطان ، فإن يد اهلل على اجلماعة، حممد صلى اهلل عليه وسلم كائنا من كان فاقتلوه

.رواه النسائي(مع من فارق اجلماعة يركض

:قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم: قال، وعن أسامة بن شريك

طفه الشيطان كما خيتطف الذئب الشاة فإذا شذ الشاذ منهم اخت، يد اهلل على اجلماعة) .رواه الطرباين يف املعجم الكبري(من الغنم

: المسألة الثانية

.أن قائل هذا الكالم التبست عليه األمور يف قواعد األحكام

.فال بد من التفريق بني العلة واحلكمة

عدم فمىت عدم ذالك الوصف، فالعلة هي الوصف الذي يدور معه احلكم وجودا وعدما .احلكم

كاإلسكار بالنسبة للخمر فمىت كان الشراب مسكرا فهو حرام ومىت كان غري مسكر .فهو حالل

.أما احلكمة فهي املعىن الذي من أجله صار الوصف علة

: قال سيدي عبد اهلل يف مراقي السعود يف تعريف احلكمة

.علة حكم عند كل من درى ... وهي اليت من أجلها الوصف جرى

.علة حرمة اخلمر هي اإلسكار واحلكمة من ذالك هي احلفاظ على العقل ف

.واحلكم يدور وجودا وعدما مع العلة ال مع احلكمة

.فإذا وجد اإلسكار وجدت احلرمة وإذا عدم اإلسكار عدمت احلرمة

، فإن حدث يف بعض احلاالت أن وجد شخص ال يغلب على عقله اخلمر وال يسكره .ر بالنسبة له حالل فال يقال إن اخلم



.وختلفهما يف بعض اجلزئيات ال يؤثر على احلكم ، ألن احلكم منوط باملظنة والغالب

فإذا كان السفر يف بعض احلاالت ال توجد ، فالصوم أبيح يف السفر ألنه مظنة للمشقة .فيه مشقة فال تأثري لذالك على احلكم بل يبقى الفطر مشروعا وإن كان السفر غري شاق

" .املعلل باملظان ال يتخلف فيه احلكم بتخلف احلكمة " القاعدة أن و

: يقول ابن القيم رمحه اهلل

وال ينقضها ختلف احلكمة يف ، شأن الشرائع الكلية أن تراعي األمور العامة املنضبطة) ، كما هذا شأن اخللق؛ فهو موجب حكمة اهلل يف خلقه وأمره يف قضائه وشرعه، أفراد الصور

2/63:عالم املوقعني عن رب العاملني إ(

ال" السفر"وهلذا فإن علة الرخصة يف الفطر اليت يدور معها احلكم وجودا وعدما هي .وجود املشقة

: وأما التعليل باحلكمة فقد أشار إىل اخلالف فيه صاحب املراقي بقوله

.للظن والنفي خالف عرفا...ويف ثبوت احلكم عند االنتفا

ومن األدلة على ،ل يف هذه املسألة هو عدم مشروعية التعليل باحلكمةوأصح األقوا : ذالك

واالختالف حبسب األحوال ، وعدم االنضباط، أن احلكمة الغالب فيها اخلفاء :أوال .واألشخاص واألزمان

وهذه املشقة ختتلف من ، فخشية املشقة هي احلكمة من مشروعية الفطر يف السفرص وقوته ومن وقت آلخر حسب فصول السنة برودة وحرا شخص آلخر حسب جلد الشخ

.وحسب تفاوت وسائل النقل من الدابة إىل الطائرة ، وظروفا مناخية

ال حيل الفطر إال ملن " )فقلنا " خشية املشقة"فلو جعلنا العلة يف الفطر يف السفر هي من شخص و ، لرتتب على ذالك اضطراب احلكم وتغريه من حالة حلالة( كان سفره شاقا

.ومن وقت آلخر ، آلخر



فهذا وصف ظاهر " كل مسافر حيل له الفطر" : وأما لو جعلنا العلة جمرد السفر فقلنا وبذالك يندفع االضطراب عن منضبط ال يتغري حبسب األشخاص واألحوال واألزمان

.احلكم

: ثانيا

عدم وجود أي وجود العلة مع )أن التعليل باحلكمة يؤدي على ختلف احلكم عن علته ( .احلكم

:مثال ذالك

واحلكمة يف حرمة الزنا هي خشية اختالط ، العلة يف وجوب حد الزنا هي اإليالج احملرم .النسب

فإذا عللنا باحلكمة يف هذه املسألة كان احلد واجبا على كل من تسبب يف اختالط ( كقابلة استبدلت مولود امرأة بغريه عمدا)النسب

باحلد كان ذالك خالف األصل ألن احلكم يدور مع علته وجودا وإن مل حنكم عليها .فمىت وجد اختالط النسب تعني أن يوجد احلد ، وعدما

.وإنا جعلت العلة هي مناط احلكم ألهنا مكان نوطه أي تعليقه فحيثما وجدت وجد

:كما قال أبو متام

وأول أرض مس جلدي تراهبا... ... بالد هبا نيطت على متائمي

***

فاعلم بأن اهلل تعاىل أوجب على ، واطمأنت له القرائح واألفهام، إذا تقرر هذا الكالم .عباده التوحد واالعتصام واالنضواء حتت راية اإلمام

وأن علة هذا الوجوب اليت يدور معها وجودا وعدما هي وجود اجلماعة اليت ال يستقيم : عليه وسلم يف حدي عبد اهلل بن عمرولقول النيب صلى اهلل، أمرها إال بالسمع والطاعة

رواه أمحد والطرباين .«وال حيل لثالثة نفر يكونون بأرض فالة إال أمروا عليهم أحدهم... » .يف املعجم الكبري



.فهي حكمة هذا الوجوب ال علته " خشية التفرق واالختالف " وأما

.واحلكم يدور مع العلة ال مع احلكمة

ال ": ي مناط احلكم يف هذه املسألة لكان بإمكان البعض أن يقولولو جعلنا احلكمة ه " !!جيب علينا نصب اإلمام ألنا ال خنشى من الفرقة واالنقسام

..!وهذا من أشنع ما تتفتق عنه القرائح واألفهام



فصل التمكين والشوكة ليس شرطا لصحة البيعة

متكني فال يقدح ذالك يف أمري إذا بايع املسلمون إماما هلم وهم يف حالة ضعف وعدم ..وال يوهن عقد بيعة املبايعني ، املؤمنني

ولنا يف رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أسوة حسنة فقد بايع من وفد إليه من األنصار .ليلة العقبة ومل يكن آنذاك له قوة أو شوكة

وسلم يف العقبة يف ذكر بيعة األنصار للنيب صلى اهلل عليه رضي اهلل عنه، جابرقال ، حىت قدموا عليه يف املوسم فواعدناه بيعة العقبة، فرحل إليه منا سبعون رجال) : الثانية

: يا رسول اهلل عالم نبايعك؟ قال: فقلنا، حىت توافينا، فاجتمعنا عندها من رجل ورجلنياألمر وعلى ، والنفقة يف العسر واليسر، تبايعوين على السمع والطاعة يف النشاط والكسل»

، وعلى أن تنصروين، وأن يقوهلا ال يبايل يف اهلل لومة الئم، باملعروف والنهي عن املنكرفقمنا ، «ولكم اجلنة، ومتنعوين إذا قدمت عليكم مما متنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم

.رواه ابن حبان (، إليه فبايعناه

لنيب صلى اهلل عليه وسلم على ففي هذا احلدي صرح جابر رضي اهلل عنه أهنم بايعوا ا .السمع والطاعة يف النشاط والكسل وتلك بيعة على اإلمامة

وقد كان صلى اهلل عليه وسلم يعرض نفسه على القبائل يف موسم احلج ويدعوهم إىل فقال ، روى ابن كثري يف سريته أنه عرض نفسه على بين عامر ابن صعصعة، و نصرته وإيوائه

واهلل لو أين أخذت هذا الفىت من قريش ألكلت به :"رية ابن فارس رجل منهم يقال له حب : مث قال للنيب صلى اهلل عليه وسلم".. العرب

مث أظهرك اهلل على من خيالفك أيكون لنا األمر من ، أرأيت إن حنن تابعناك على أمرك) " ..األمر هلل يضعه حي يشاء: بعدك؟ قال

ال حاجة لنا ! فإذا أظهرك اهلل كان األمر لغرينا، أفنهدف حنورنا للعرب دونك: فقال له 823/ 2:السرية النبوية البن كثري ( بأمرك

أن النصرة اليت كان يطلبها النيب صلى اهلل عليه وسلم كانت متضمنة والشاهد من القصة . بيعته على اإلمرة واإلمامة ومل تكن منفصلة عنها



بايعنا رسول اهلل صلى اهلل عليه »: قال، ومن ذالك أيضا حدي عبادة بن الصامت وأن نقوم أو نقول ، وأن ال ننازع األمر أهله، وسلم على السمع والطاعة يف املنشط واملكره

.رواه البخاري« ال خناف يف اهلل لومة الئم، باحلق حيثما كنا

أي أن البيعة ، (كيف يبايع اإلمام الناس: باب): وقد بوب البخاري هلذا احلدي بقوله .لواردة يف احلدي بيعة على اإلمامة العظمى ا

وقد ورد يف بعض ألفاظها البيعة على نصرة ،وقد كانت هذه البيعة ليلة العقبة الثانية : كما يف رواية أمحد يف املسند، رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إذا قدم املدينة

بايعنا رسول اهلل صلى اهلل يا أبا هريرة إنك مل تكن معنا إذ : عبادة أليب هريرة: فقال)وعلى النفقة يف اليسر ، عليه وسلم إنا بايعناه على السمع والطاعة يف النشاط والكسل

وعلى أن نقول يف اهلل تبارك وتعاىل وال ، وعلى األمر باملعروف والنهي عن املنكر، والعسرلينا يثرب فنمنعه وعلى أن ننصر النيب صلى اهلل عليه وسلم إذا قدم ع، خناف لومة الئم فيه

....(.ولنا اجلنة ، مما ننع منه أنفسنا وأزواجنا وأبناءنا

: وقال احلافظ ابن رجب تعليقا على هذا احلدي

عن ابن إسحاق وحيي ، من رواية ابن إدريس" مسنده " وقد خرجه اهليثم بن كليب يف ) بايعنا : عن جده قال، عن عبادة بن الوليد أن أباه حدثه، بن سعيد وعبيد اهلل بن عمر

وهذا ......فذكره، رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يف العقبة اآلخرة على السمع والطاعة/ 8فتح الباري البن رجب ..( يدل على أن هذه البيعة كانت قبل اهلجرة وذلك ليلة العقبة

30

البيعة على فأنت ترى أن حدي جابر وحدي عبادة ابن الصامت كالمها ورد فيهالسمع والطاعة يف املنشط واملكره وهذا هو الذي تنعقد به اإلمامة وتلزم به املتابعة وأن البيعة الواردة فيهما كانت يف ليلة العقبة وأن الصحابة كانوا يف حالة ضعف وعدم متكني حىت أهنم

حديثه ويشهد لذالك قول جابر يف، كانوا خيفون هذا االجتماع الذي عقدت فيه البيعة ( .فاجتمعنا عندها من رجل ورجلني، فواعدناه بيعة العقبة): السابق

.وإنا حصل التمكني بعد جميء النيب صلى اهلل عليه وسلم إىل املدينة

: كما قال ابن هشام يف سريته



واجتمع ، باملدينة -صلى اهلل عليه وسلم-فلما اطمأن رسول اهلل : قال ابن إسحاق) ، فقامت الصالة، استحكم أمر اإلسالم، واجتمع أمر األنصار، املهاجرينإليه إخوانه من

، وتبوأ اإلسالم بني أظهرهم، وفرض احلالل واحلرام، وقامت احلدود، وفرضت الزكاة والصيام .888/ 2سرية ابن هشام (

؟" ال عربة بالبيعة يف حال عدم التمكني": فهل يسوغ بعد هذا أن يقول قائل

، ة هبذا القول من جهة األثر فال عربة له أيضا من جهة النظروكما أنه ال عرب

:ذالك من وجوه و

أن القول باشرتاط التمكني لعقد البيعة ابتداء يفضي إىل القول ببطالن البيعة وانعزال -8 .اإلمام كلما عدمت القوة والشوكة بعد وجودها

عنه فقد انعقدت له أن هذا القول يفضي إىل التشكيك يف إمامة علي رضي اهلل -2ومل يستطع القصاص من قتلة عثمان رضي اهلل عنه لعدم ، البيعة يف أيام فتنة وغياب شوكة

.القدرة

أن األمور اليت ندب الشرع إليها وحض املسلمني عليها مل جيعل هلا شروطا مانعة وال -3بابا دونهقا ومل جيعل ومن ذالك االجتماع والتوحد فإن الشرع أمر به أمرا مطل، حدودا رادعة

.مغلقا

قيد ما أطلقه فمن قال ال يشرع االجتماع حتت راية أمري إال يف حالة التمكني فقد .الشرع

ولعمري ، أن اإلمامة معقودة الجتماع الكلمة وجمانبة الفرقة واألخذ بأسباب القوة -2 ..إن أهل الضعف أشد حاجة إىل هذا من أهل القوة

ن ما يرجونه من القوة والتمكني إن بقوا على حاهلم متفرقني ؟ومىت يبلغ املسلمو

!تفرقوا فإنكم ضعفاء : وإن من املنايف ملقاصد الشرع وقرائح الطبع أن يقال

بل إن الشرعة احلكيمة والفطرة السليمة جعلتا وجود الضعف داعيا إىل االجتماع أمال يف .حصول القوة والظفر واالتساع



فصل عقد ال يشترط أن يكونوا هم أهل الشوكةأهل الحل وال

وغريهم إىل أن أهل ذهب بعض أهل العلم كشيخ اإلسالم ابن تيمية والغزايل واجلويين ..احلل والعقد الذين تنعقد هبم البيعة هم الذين تتحقق هبم الشوكة

: والرد على هذا القول من وجوه

دلة على عدم اشرتاط القوة والشوكة أن ما ذكرناه يف الفصل السابق من األ :الوجه األول .يدل باللزوم على عدم اشرتاط الشوكة يف من تنعقد هبم البيعة ، لعقد البيعة

. أن أهل الشوكة املذكورين ليس هلم نصاب حمدود وال قدر معدود :الوجه الثاني

.والشروط اليت من خالهلا حيكم بالعدم والوجود ال بد أن تكون مقدرة احلدود

أن اشرتاط القوة والشوكة يفضي إىل مفسدة كربى وهي مشروعية نقض :الثالث الوجه !البيعة بعد إبرامها كلما عدمت الشوكة وأرباهبا

إذا كانت اإلمامة ال تثبت أركاهنا وال يستقر حاهلا إال بعد حصول الشوكة :الوجه الرابعقد يتسع فيه اجملال ويقتتل فلك أن تتخيل أن الزمن الفاصل بني عقد البيعة وحصول الشوكة

!ألن البيعة مل تتأكد يف احلال الرجال

.وهذا خمالف للحكمة من وجوب نصب اإلمام على الفور واالستعجال

مؤدى هذا القول هو أن البيعة الشرعية ال تتحقق إال ملن له القوة :الوجه الخامس ..والشوكة

وكة والقوة كثريا ما تكون مع فاقد وهذا يضعنا أمام إشكال ظاهر وخلل سائر ألن الش !األهلية

فإذا بايع بعض أهل احلل والعقد ملن كان جامعا لألوصاف ومل تكن له شوكة مانعة وال .. قوة رادعة وبايع آخرون فاقد األهلية ذا املال الغزير واجلمع الوفري

فأيهما أعظم ميزة ؟



؟ ومن منهما أعلى ركيزة

وتلغى سائر األوصاف اليت هلا السبق يف احللبة ؟ هل تقدم الشوكة والغلبة

وهل جتب طاعة املتغلب الغاصب وتشرع معصية املبايع الراتب ؟

كان شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحة اهلل عليه ممن يعترب الغلبة ووقوع التمكني شرطا لإلمامة احلل والعقد وركنا للبيعة ويغلب جانب القوة على جانب الشرعية وهلذا فإنه يصف أهل

.بأهنم أهل القوة والشوكة

فاإلمامة عند شيخ اإلسالم ال تتحقق إال بالتغلب والقوة بغض النظر عن مدى شرعية ..!هذا املتغلب

: يقول شيخ اإلسالم رمحة اهلل عليه

وأما نفس الوالية والسلطان فهو عبارة عن القدرة ، فاحلل واحلرمة متعلق باألفعال) وقد حتصل ، كسلطان اخللفاء الراشدين، قد حتصل على وجه حيبه اهلل ورسوله مث، احلاصلة

(230/ 8)منهاج السنة النبوية ..( كسلطان الظاملني، على وجه فيه معصية

وكالمه يعين أن االستيالء على اإلمامة بالغلبة مع فقد أركان البيعة وشروط اإلمامة يفيد ..!لب احلرمة وال يقدح يف شرعية إمامة املتغ

وأما بقية األركان فهي، فكأنه رمحه اهلل جعل لشرعية اإلمامة شرطا واحدا هو القوة !!بالنسبة له واجبة غري شرط يف صحة اإلمامة

أهل " وانطالقه من هذا املبدأ هو الذي جعله دائما يصف أهل احلل والعقد بأهنم العلم على ذكرها كالعلم والعدالة دون ذكر لسائر األوصاف اليت اتفق أهل" القدرة والشوكة

..

.بل ذهب رمحه اهلل إىل أن اإلمام ال يصري إماما إال مببايعة أهل القدرة والشوكة له

: فقال

230/ 8منهاج السنة النبوية .( فذلك مببايعة أهل القدرة له، مىت صار إماما)..



: طلة غري نافذةو يرى أن كل بيعة ال حتدث من طرف أهل الشوكة والقدرة فهي با

الذين حيصل بطاعتهم له مقصود وال يصري الرجل إماما حىت يوافقه أهل الشوكة عليها)فإذا بويع بيعة حصلت هبا ، فإن املقصود من اإلمامة إنا حيصل بالقدرة والسلطان، اإلمامة

223/ 8منهاج السنة النبوية ..( القدرة والسلطان صار إماما

ضي اهلل عنه إنا متت مببايعة أهل القدرة والشوكة ال مبجرد بيعة ويرى أن بيعة أيب بكر ر ..!أهل السقيفة

: قال رمحه اهلل

مل يصر إماما ، وامتنع سائر الصحابة عن البيعة، ولو قدر أن عمر وطائفة معه بايعوه) ج منها ...( الذين هم أهل القدرة والشوكة، وإنا صار إماما مببايعة مجهور الصحابة، بذلك

230/ 8السنة النبوية

!وهو أيضا يرى أن الوصية بالعهد ال تنفذ حىت يرضى هبا أهل القدرة والشوكة ويقبلوها

، إنا صار إماما ملا بايعوه وأطاعوه، وكذلك عمر ملا عهد إليه أبو بكر): يقول رمحه اهللن ذلك جائزا أو غري سواء كا، ولو قدر أهنم مل ينفذوا عهد أيب بكر ومل يبايعوه مل يصر إماما

230/ 8منهاج السنة النبوية ( جائز

، (سواء كان ذلك جائزا أو غري جائز): وهذه العبارة األخرية من كالمه وهي قوله: قلت ..دالة على أنه رمحة اهلل عليه يغلب جانب القوة على جانب الشرعية

لك نعترب إمامته إذ كيف يكون هذا املتغلب وصل لإلمامة بطريقة غري شرعية ومع ذا ؟..شرعية

" .املعدوم شرعا كاملعدوم حسا " : فهذا خمالف للقاعدة املعلومة عند أهل األصول

.والعربة من الناحية الشرعية إنا تكون ملن حاز أوصاف اإلمامة ومجع الشروط املعتربة

ألن ، رعياوأما من هجم على اإلمامة بالقوة وانتزعها بطريق الغلبة فال يعترب إماما ش .املعدوم شرعا كاملعدوم حسا



وال حتصل به ، وال يعترب به الزوج حمصنا ، فوطء الزوجة وهي حائض ال حيلل املبتوتة ، ألن الوطء حمرم شرعا ، وال حتصل به الفيئة من الزوج املويل، الرجعة يف العدة للمطلقة

.فكأنه مل يكن ، واملعدوم شرعا كاملعدوم حسا

أهل العلم بطاعة املتغلب اضطرارا إذا مل يوجد غريه أو كان يف إزاحته فتنة وإنا أفىت .تدوم

:كما قال ابن مجاعة

وقهر الناس بشوكته وجنوده ، إن خال الوقت من إمام فتصدى هلا من ليس من أهلها) وال يقدح يف ، ولزمت طاعته؛ لينتظم مشل املسلمني، انعقدت بيعته، بغري بيعة أو استخالف

(.ما دام قد متت له الغلبة، إمامته كونه فاسقا أو جاهال

.والقول بأن له الشرعية ابتداء ، وفرق بني القول بأن املتغلب يطاع اضطرارا

القول بأن اإلمامة ال تنعقد إال ملن له الغلبة يوهن عقد البيعة وجيعله :الوجه السادس ! وال يقدم من أخره الضعف ’ قوة ألنه ال يؤخر من قدمته ال، إجراء شكليا ال أثر له

: قال اإلمام اجلويين

، فالوجه عندي يف ذلك أن يعترب يف البيعة حصول مبلغ من األتباع واألنصار واألشياع) ملا غلب على الظن أن ، حبي لو فرض ثوران خالف، ومنعة قاهرة، حتصل هبم شوكة ظاهرة، واعتضدت، ت بالشوكة والعدد والعددوتأطد، فإذا تأكدت البيعة، يصطلم أتباع اإلمام

، وتستقر، فإذا ذاك تثبت اإلمامة، واستظهرت بأسباب االستيالء واالستعالء، وتأيدت باملنة .38-30: ص، غياث األمم يف التياث الظلم( ، وتتأكد الوالية وتستمر

ة وتأكد وحاصل هذا الكالم أن البيعة ال تنعقد بعقد البيعة نفسه وإنا تنعقد بظهور القو !الشوكة

مبلغ "حيصل على فمن عقدت له البيعة يف جملس عقد البيعة فال حق له يف اإلمامة حىت " !!حتصل هبم شوكة ظاهرة، من األتباع واألنصار واألشياع

!فأين أثر العقد إذن ؟؟



، وسائر الناس هلم تبع، واحلق أن أهل االدين والرأي هم رؤوس الناس والقدوة واألساس فإن صادف ذالك أن ، ختاروه وبايعوه تعني على سائر الناس أن ينقادوا له ويطيعوهفمن ا

.رام هبا نقض ما أبرموه فال يعطي على ذالك وال يتابع يف املهالك و الشوكة والقوة عند غريه

.وإال كانت الشوكة والقوة راجحة على بيعة أهل العلم واملشورة

.. ط عقد البيعة من طرف أصحاب القوة والشوكة وإذا تقرر هذا فليس من السائغ اشرتا

. ألن انعقاد اإلمامة إما أن يكون بالبيعة نفسها وإما أن يكون بالقوة والغلبة



:فصل ال تتعين مشورة من غاب عن مجلس العقد

يكفي يف انعقاد البيعة ولزومها مشورة من حضر من أهل احلل والعقد جمللسها وال يتعني .يسر حضوره مشورة من مل يت

وقد ، فأهل السقيفة الذين بايعوا أبا بكر رضي اهلل عنه مل يستشريوا من غاب عن اجمللس ..كانت بيعتهم ملزمة وماضية

.ويف هذا دليل على أنه ال تشرتط مشورة من مل يتيسر حضوره جمللس البيعة

مني فال يبايع من بايع رجال عن غري مشورة من املسل)... : وأما قول عمر رضي اهلل عنه ..(.تغرة أن يقتال، هو وال الذي بايعه

ألنه رضي اهلل عنه قال ذالك ردا على من ، فقد برت عن سياقه وحاد به البعض عن نطاقه (.واهلل لو قد مات عمر بايعت فالنا ) : قال

: ورد يف حدي ابن عباس أن عمر رضي اهلل عنه قال

فال يغرتن امرؤ أن ، لو قد مات عمر بايعت فالناواهلل: إنه بلغين أن قائال منكم يقول) ، ولكن اهلل وقى شرها، أال وإهنا قد كانت كذلك، إنا كانت بيعة أيب بكر فلتة ومتت: يقول

من بايع رجال عن غري مشورة من ، وليس منكم من تقطع األعناق إليه مثل أيب بكر .رواه البخاري ( ،تغرة أن يقتال، املسلمني فال يبايع هو وال الذي بايعه

.{وأمرهم شورى بينهم}: واحلق أن املشورة قبل البيعة ال بد منها لقوله تعاىل

والبيعة من أهم املهمات وأعم العمومات فال ينبغي التقحم يف باهبا إال بعد املشورة ..والنظر يف مآهلا

ل احلل وال يشرع للفرد الواحد أن يبادر إىل بيعة أحد قبل مشاورة من تيسر من أه وهلذا اعتذر عمر رضي اهلل عنه عن مبايعته أليب بكر دون مشورة من أحد ملا كان ، والعقد

.يرجوه من قطع النزاع ومنع الصراع



حىت فرقت من ، وارتفعت األصوات، فكثر اللغط)..: قال عمر رضي اهلل عنه جرون مث بايعته وبايعه املها، فبسط يده فبايعته، ابسط يدك يا أبا بكر: فقلت، االختالف .رواه البخاري ...(األنصار

: قال ابن حجر

وقد بني عمر سبب إسراعهم ببيعة أيب بكر ملا خشوا أن يبايع األنصار سعد بن ) عبادة قال أبو عبيدة عاجلوا ببيعة أيب بكر خيفة انتشار األمر وأن يتعلق به من ال يستحقه

أهنا وقعت من غري مشورة مع مجيع من كان فيقع الشر وقال الداودي معىن قوله كانت فلتة 820/ 82:فتح الباري البن حجر ( ينبغي أن يشاور

ومنع الواحد من املبايعة لرجل دون مشورة من حضر من أهل احلل العقد ال تعين منع مجاعة من أهل احلل والعقد من املبادرة إىل البيعة قبل مشورة سائر أهل احلل والعقد بل

.قط التشاور مع من تيسر حضوره جملس البيعة يتعني عليهم ف

ومن فهم من كالم عمر رضي اهلل عنه أن البيعة اليت يعقدها احلاضرون ال تعد ملزمة حىت .يرضى هبا الغائبون فقد جانب الصواب وأسس بنيانه على خراب

ولو قلنا بأن البيعة ال تنعقد إال مبشورة كل من يوصفون بأهل احلل والعقد ممن اليضمهم جملس واحد التسع اخلرق على الراقع واستمر األمر حىت تتوقف صحة البيعة على

. مشورة الرؤساء واألشراف يف املدن واألمصار القريبة مث النائية

وهو ما مل حيدث يف العهد األول بل كان األمر موقوفا على مشورة احلاضرين واملتابعة من .طرف الغائبني

وال أهل العلم على أن مضي البيعة ال يتوقف على رضا الغائبنيوقد نص غري واحد من .إمجاع مجيع املسلمني

: قال ابن حزم

أما من قال أن اإلمامة ال تصح إال بعقد فضالء األمة يف أقطار البالد فباطل ألنه ) مع أنه لو كان ممكنا ملا لزم ألنه دعوى بال ...... تكليف ما ال يطاق وما ليس يف الوسع

829/ 2:الفصل يف امللل واألهواء والنحل ( رهانب



" :حبرق"وقال حممد بن عمر احلمريي

فضال ، من أهل احلل والعقد، وال يشرتط يف صحة البيعة إمجاع احلاضرين منهم ببلدها)ألن الصحابة مل يفتقروا يف عقدها أليب بكر إىل حضور علي ، عن إمجاع أهل األقطار 208: ص، حدائق األنوار( ، اشم رضي اهلل عنهم أمجعنيوعباس وسائر بين ه

: وقال النووي

أن املعترب بيعة أهل احلل والعقد من العلماء والرؤساء وسائر وجوه الناس الذين : األصح) بل إذا ، وال يشرتط اتفاق أهل احلل والعقد يف سائر البالد واألصقاع، يتيسر حضورهم

روضة الطالبني وعمدة املفتني ( ، لزمهم املوافقة واملتابعة، وصلهم خرب أهل البالد البعيدة:80 /23

: وقال أيضا

وتنعقد اإلمامة بالبيعة واألصح بيعة أهل احلل والعقد من العلماء والرؤساء ووجوه الناس ) 292: ص: منهاج الطالبني وعمدة املفتني يف الفقه..( الذين يتيسر اجتماعهم

: وقال الغزايل

ألن ذالك مما ميتنع أو ، يعترب إمجاع أهل احلل والعقد يف مجيع أقطار األرضوباطل أن )وألنه ملا عقدت البيعة أليب بكر رضي اهلل عنه مل ينتظر انتشار األخبار إىل سائر ....يتعذر وال تواتر كتب البيعة من أقاصي األقطار بل اشتغل باإلمامة وخاض يف القيام ، األمصار

.836 -832:ئح الباطنية صفضا (مبوجب الزعامة

: وقال اجلويين

مما يقطع به أن اإلمجاع ليس شرطا يف عقد اإلمامة باإلمجاع)

، فقضى وحكم; صحت له البيعة -رضي اهلل عنه -والذي يوضح ذلك أن أبا بكر ، وجىب األموال، وجر العساكر إىل مانعي الزكاة، وعقد األلوية، وجهز اجليوش، وأبرم وأمضىوتقرير البيعة ، ومل ينتظر يف تنفيذ األمور انتشار األخبار يف أقطار خطة اإلسالم، نهاوفرق م

فهذا مما ال ، وكذلك جرى األمر يف إمامة اخللفاء األربعة، من الذين مل يكونوا يف بلدة اهلجرة 63: ص، غياث األمم يف التياث الظلم( يسرتيب فيه لبيب



: وقال القلقشندي

نا الشافعية رضي اهلل عنهم أهنا تنعقد مبن تيسر حضوره وقت األصح عند أصحاب) املبايعة يف ذالك املوضع من العلماء والرؤساء وسائر وجوه الناس املتصفني بصفات الشهود

بل إذا بلغهم خرب البيعة وجب عليهم املوافقة ، وال التفات إىل أهل البالد النائية..... .22/ 8: خلالفةمآثر اإلنافة يف معامل ا( واملتابعة

وإنا ذهب إىل القول باشرتاط اإلمجاع يف البيعة من أراد الطعن يف إمامة علي رضي اهلل .عنه

: قال ابن حزم

قدحا يف إمامة علي رضي اهلل عنه ، واألصم من أصحابه، هشام بن عمرو الفوطي) .30/ 8:والنحل امللل (إن اإلمامة ال تنعقد إال بإمجاع األمة عن بكرة أبيهم:بقوهلما

وعدم االكرتاث مبن عارضها ، ومما يدل على وجوب متابعة املبادرين إىل البيعة املعقودةمث ال يستمر سرياهنا وال ، أن البيعة رمبا أبرمت من طرف أهلها وأصحاهبا، مبزاعم مردودة

!يدوم جرياهنا بسبب دعوة مضادة أو عصبية حادة

أن بيعة أهل احلل والعقد يف هذه احلالة تلغى فهل يزعم ذو لب وبصرية ليس له شوى وأن أمرها يطوى ؟

فما املخرج إن بايعت طائفة أخرى من.. وهب أنا غلبنا على عقولنا وقبلنا ذالك ؟..مث مل تسر البيعة الرتياب مرتاب أوملا تقدم من أسباب ، الصفوة وذوي األلباب

!!ا من جهة الغائبني ؟أو تربم البيعة من طرف احلاضرين مث يشرع نقضه



فصل يجب الدخول في بيعة من كان جامعا للشروط ويحرم االعتراض عليها

، املبادرة إىل بيعة من اجتمعت فيه الشروط املعلومة وحاز السبق يف األوصاف املرقومة .توجب على من حضر من أهل احلل والعقد املسابقة إليها والتحريض عليها

ل الصحابة رضي اهلل عنهم فإنك ال ترى هلم إال االستجابة وهذا هو املتواتر من فع .والدخول يف أول بيعة شرعية الفورية

.لعلمهم أن االعرتاض يف مثل هذه احلال يفضي إىل االختالف واالختالل

لدعاية احلال وإمالء ، وقد سارع عمر يوم السقيفة إىل البيعة للصديق دون مشورة .فتحدث الفتنة وتضطرب األمور، در إىل بيعة غريه من احلضورخشية أن يسرع مبا، الضرورة

ملا ، وحرمة اإلعراض عنها معلومة بينة، ولو مل تكن متابعة املبادر إىل البيعة واجبة متعينة .كان لتخوفه مكان وال لتسرعه إىل البيعة برهان

أقوى من مبايعة وإنا واهلل ما وجدنا فيما حضرنا من أمر ): وهلذا قال عمر رضي اهلل عنه فإما بايعناهم ، أن يبايعوا رجال منهم بعدنا: خشينا إن فارقنا القوم ومل تكن بيعة، أيب بكر

.رواه البخاري..(وإما خنالفهم فيكون فساد، على ما ال نرضى

فكالم عمر رضي اهلل عنه مشعر بوجوب املتابعة ملن بادر إىل املبايعة ونصرته باملشايعة ملا .الفته من الفساد الذي يشقي به العباد وختتل به أمور البالديرتتب على خم

يشعر أنه يؤمثه لتخلفه عن البيعة وقد كان " قتله اهلل"مث إن قول عمر رضي اهلل عنه لسعد !حاضرا اجمللس

..وإذا كان احلضور جمللس البيعة قد يأمثون للتخلف عنها فكيف مبن غاب عنها

.وليس العرتاضهم بعد إبرام األمر حظ من السداد ، نقيادبل يتعني عليهم املوافقة واال

: وقد نص ابن العريب املالكي على وجوب متابعة املبادرين إىل البيعة فقال

وهو مكره ، ومن بايع بعد ذالك فهو الزم له، ألن واحدا أو اثنني تنعقد البيعة هبما وتتم) (.822: ص)العواصم من القواصم ( على ذالك شرعا



صريح يف " ومن بايع بعد ذالك فهو الزم له ومكره على ذالك شرعا " له رمحه اهلل فقو .أنه ال خيار فيه وأنه ال يسع بقية الناس إال متابعة السابق إىل عقد البيعة

: وقال النووي

بل إذا وصلهم خرب ، وال يشرتط اتفاق أهل احلل والعقد يف سائر البالد واألصقاع، ) 23/ 80:روضة الطالبني( ، لزمهم املوافقة واملتابعة، يدةأهل البالد البع

: وكذالك قال القلقشندي يف كالمه السابق

مآثر اإلنافة يف معامل ( بل إذا بلغهم خرب البيعة وجب عليهم املوافقة واملتابعة)..... .22/ 8: اخلالفة

ضور من أن البيعة إذا عقدت من طرف احل "السرب والتقسيم"والذي يظهر من خالل .توفرت الشروط يف املعقود له وجب الدخول فيها وحرم االعرتاضو أهل احلل والعقد

: ألن املعارض للبيعة ال خيرج عن ثالث احتماالت

.أن يكون اعرتاضه طلبا ملن هو أعلى مزية وأكمل مرتبة -8

.وهو غري مشروع بعد عقد البيعة لغريه

..(.ببيعة األول فوا): لقول النيب صلى اهلل عليه وسلم

فهذا يدل من باب أوىل على حرمة ، فإذا كانت البيعة للثاين تبطل وترد بعد إبرامها .إنشائها

.بأسبقية البيعة ترجيحا للمساوي الذي رجح عليه املبايعاعرتاضه أن يكون -2

.وفساد ما قبله يدل على فساده

بايع وهذا االحتمال أشنع من أن يكون اعرتاضه ترجيحا ملن هو أدىن مرتبة من امل-3 .غريه وأوىل باالضمحالل



أن املعرتض على البيعة املسبوق إليها واقع ال حمالة يف " السرب والتقسيم"فبان من هذا .واجل باب فتنة من الشرور و احملظور

.بعد انتظامه ألنه نقض األمر بعد إبرامه وفرق السلك



فصل ال يشترط للبيعة عدد محدود

لو مل يبايع إال مخسة أو عشرة ومل يتابعهم الناس على ذالك مل متض : ا من قالوأم .فال مستند له على قوله والنصوص أقرب إىل رد هذا من قبوله ، البيعة

فإن الذين عقدوا البيعة أليب بكر رضي اهلل عنه يف السقيفة كانوا عددا حمصورا ال خلقا .. وفريا أو مجعا غفريا

وكانت طائفة منهم قد بايعوه قبل ذلك يف سقيفة : )لك رضي اهلل عنهقال أنس بن ما .رواه البخاري ..( وكانت بيعة العامة على املنرب، بين ساعدة

وقد ورد يف كالم النيب صلى اهلل عليه وسلم ما يدل على أن والية األمر تنعقد حىت وإن .كان عدد الرعية حمصورا حمدودا

: عليه وسلم قال رضي اهلل عنه أن النيب صلى اهللومن ذالك حدي أيب أمامة

إال أتى اهلل عز وجل مغلوال يوم القيامة يده ، ما من رجل يلي أمر عشرة فما فوق ذلك) ( .وآخراه خزي يوم القيامة، وأوسطها ندامة، أوهلا مالمة، أو أوبقه إمثه، فكه بره، إىل عنقه

( .263 / 2" )املسند"أخرجه اإلمام أمحد يف

( .3322رقم 202/ 3)والطرباين يف الكبري

ما من أمري عشرة إال أتى يوم القيامة مغلوال ال يطلقه إال ): ويف لفظ يف مسند احلارث ...(.العدل

أن النيب صلى اهلل عليه وسلم أخرب بأن املقصر يف أداء حقوق : وجه الداللة من احلدي ، حىت وإن كان من توىل أمرهم ال يزيدون على العشرة الرعية حياسب يوم القيامة على تقصريه

.لكنه يدل على مشروعية عقد البيعة من طرف العشرة ، وهذا على سبيل املبالغة

ومن ذالك أيضا ما فعله عمر رضي اهلل عنه من جعل األمر شورى بني ستة من الصحابة .ا خيتارونه منهم ومل يعرتض عليه أحد من الصحابة فكان ذالك إمجاع

.مسة اخلوهذا أيضا يدل على مشروعية عقد البيعة من طرف



فإذا ثبت أن العدد القليل احملصور كاخلمسة والعشرة تنعقد به البيعة ومل يدل دليل على . حتديد عدد معني فالصواب أن يقال بأن أقل ما تنعقد به البيعة هو أقل اجلمع

.نان وقد ذهب بعض أهل العلم إىل أن أقل اجلمع هو اث

: ومن األدلة على ذالك، والصحيح أن أقل اجلمع من الناحية الشرعية ثالثة

: حدي أيب سعيد اخلدري أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال -8

..(إذا خرج ثالثة يف سفر فليؤمروا أحدهم)

: قال ابن عبد الرب

ده كذلك إن شاء ويف هذا احلدي ما يدل على أن االثنني ليسا جبماعة فتدبره جت) 3/ 20: التمهيد..( اهلل

فامتاز الثالثة ، ووجه الداللة من احلدي أن اإلثنني ال جيب عليهما تأمري أحدمها: قلت . عن االثنني بتعلق الوجوب هبم فدل ذالك على أن أقل اجلمع ثالثة

قال رسول اهلل صلى اهلل عليه : قال، عن جده، عن أبيه، حدي عمرو بن شعيب -2 .رواه مالك وأمحد وأبو داود (والثالثة ركب، والراكبان شيطانان، الراكب شيطان): لموس

أن املقصد الشرعي املرجو من رفقة اجلماعة ال يتحقق إال مع : وجه الداللة من احلدي .فدل ذالك على أن الثالثة هي أقل اجلمع، وجود الثالثة فصاعدا

ب ووصله ابن عبد الرب يف التمهيد عن أيب ما رواه مالك مرسال عن سعيد ابن املسي -3 : هريرة ان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال

(.الشيطان يهم بالواحد واالثنني فإذا كانوا ثالثة مل يهم هبم)

: قال ابن عبد الرب

وهذا يف معىن ما ذكرنا أن االثنني ال حيكم هلما حبكم اجلماعة إال فيما خصته السنة ) عرب أن نون االثنني مكسورة ونون اجلمع مفتوحة ففرقت بني االثنني ومل خيتلف ال .3/ 20:التمهيد ..( واجلماعة



!أن أقل اجلمع اثنان" االستذكار"إال أنه رجح يف أكثر من موضع يف’ كذا قال رمحه اهلل

ما من : " مسعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول: حدي أيب الدرداء قال -2، فعليك باجلماعة، ية ال يؤذن وال تقام فيهم الصالة إال استحوذ عليهم الشيطانثالثة يف قر

"فإن الذئب يأكل القاصية

.أبو داود والنسائي وابن خزمية و رواه أمحد

أنه ملا تعلق وجوب صالة اجلماعة بالثالثة دون من دوهنم دل : وجه الداللة من احلدي .ذالك على أن الثالثة هي أقل اجلمع

.حىت من الناحية اللغوية فقد ذهب بعض أهل العلم إىل أن أقل اجلمع ثالثة و

: قال النووي

شرح ..( اجلمهور يقولون أقل اجلمع ثالثة فجمع االثنني جماز وقالت طائفة أقله اثنان) )82/ 86)النووي على مسلم

:وقال احلافظ العراقي

صلوات إذ أقل اجلمع ثالثة على قوله حافظوا على الصلوات يدل على ثالثة من ال) (838/ 2)طرح التثريب يف شرح التقريب ( األصح

وقد ذهب مجع من أهل العلم إىل أن البيعة تنعقد من طرف شخص واحد وجيب على .الناس متابعته

: قال النووي

، حىت لو تعلق احلل والعقد بواحد مطاع، بل ال يعترب العدد، ال يتعني لالعتبار عدد) (23/ 80)روضة الطالبني وعمدة املفتني ( ;بيعته كفت

: وقال القرطيب

خالفا لبعض ، فإن عقدها واحد من أهل احلل والعقد فذلك ثابت ويلزم الغري فعله)ال تنعقد إال جبماعة من أهل احلل والعقد ودليلنا أن عمر رضي اهلل عنه : الناس حي قال



وألنه عقد فوجب أال يفتقر إىل عدد ، حابة ذلكعقد البيعة أليب بكر ومل ينكر أحد من الص 269/ 8تفسري القرطيب ( يعقدونه كسائر العقود

: وقال القلقشندي

22/ 8:مآثر اإلنافة يف معامل اخلالفة ( لو تعلق احلل والعقد بواحد مطاع كفى)

" :حبرق " وقال حممد بن عمر بن مبارك احلمريي

ووجوب اتباع املعقود له ، هم يف ثبوت اإلمامة ملن عقدها لهبل يكتفى ببيعة واحد من) الكتفاء الصحابة مع صالبتهم يف الدين بعقد عمر أليب بكر كما ، على سائر أهل اإلسالم

..(وعقد عبد الرمحن بن عوف لعثمان كما سيأيت، سبق

:وذالك ألمور ، البيعة ال تنعقد إال من طرف مجاعة والصحيح أن

ن األمر يتعلق مبسألة عامة ختص مجيع املسلمني فال يشرع أن يقضي فيها أل :األولوإنا جيب أن يكون األمر صادرا عن شورى من املسلمني ، شخص واحد برأيه أو اجتهاده

.{وأمرهم شورى بينهم}: لقوله تعاىل

.حدي عمر الذي حيذر فيه أن يبايع أحد أمريا دون مشورة املسلمني :الثاني

أن ويل األمر يعهد ملن بعده باألمر ويأمر الناس مببايعته كما فعل أبوبكر رضي :الثالث .اهلل عنه بالعهد باألمر من بعده لعمر وأمجع الصحابة على وجوب إنفاذ عهده

فقد ألزمناهم باختياره ومل ، وإذا قلنا بأن الناس ملزمون ببيعة صادرة من شخص واحد ..!مزية على بيعة سائر الناس يكن للوالية بالعهد من طرف اإلمام

.أي أنه ال فرق بني والية األمر بالعهد ووالية األمر بالبيعة

: تنبيه

جعل عمر رضي اهلل عنه األمر شورى بني ستة من الصحابة فيه دليل على مشروعية اختيار مجاعة حمدودة مكلفة بنصب اإلمام وبيعته ختتاره حسب اتفاقها إما باألغلبية أو مبا

.تفق عليه من مرجحات ت



.فمع وجود هذه اهليئة وتعيينها فاإلمام الشرعي هو املبايع من طرفها

وأما مع عدم وجودها فاإلمام الشرعي هو أول حائز على الشروط بايعته مجاعة من أهل . احلل والعقد



فصل إذا دار األمر بين انعدام اإلمام وجهالة عينه ثبتت البيعة ولو مع الجهالة

وأخذ احليطة ذا كان إخفاء اسم اإلمام وعينه لغرض احلفاظ على منصب اإلمامةإ .للسالمة فال ينبغي أن يكون الشرتاط معرفته مكان وال لالعرتاض عليه وجه أو لسان

..والعبادة ال يسقط كلها بتعذر بعضها ، ألن نصب اإلمام عبادة

فقاعدا فإن مل تستطع فعلى صل قائما فإن مل تستطع): لقوله صلى اهلل عليه وسلم .رواه البخاري( جنب

، "امليسور ال يسقط باملعسور"والقاعدة أن

فإذا تعذر اإلعالن عن اسم الشخص املبايع بعينه فال يسقط وجوب نصب اإلمام .جبملته

.فيسقط شرط اإلعالن وتثبت البيعة مع هذا النقصان

وصاف أوىل من التفرق وبقاء االختالفألن االجتماع حتت راية من مل جيمع األ

: ويف مثل هذا يقول الغزايل

فلو انتهض هلذا األمر من فيه الشروط كلها سوى شروط القضاء ولكنه مع ذلك يراجع ) أجيب خلعه وخمالفته أم جتب طاعته؟، العلماء ويعمل بقوهلم فماذا ترون فيه

ن يستبدل عنه من هو موصوف الذي نراه ونقطع أنه جيب خلعه إن قدر على أ: قلنا وإن مل يكن ذلك إال بتحريك قتال وجبت ، جبميع الشروط من غري إثارة فتنة وهتييج قتال

طاعته وحكم بإمامته ألن ما يفوتنا من املصارفة بني كونه عاملا بنفسه أو مستفتيا من غريه ورمبا يؤدي ذلك إىل . بتهادون ما يفوتنا بتقليد غريه إذا افتقرنا إىل هتييج فتنة ال ندري عاق

وزيادة صفة العلم إنا تراعى مزية وتتمة للمصاحل فال جيوز أن يعطل ، هالك النفوس واألموالفإن قيل فإن تساحمتم خبصلة العلم .......أصل املصاحل يف التشوق إىل مزاياها وتكمالهتا

مساحمة عن ليست هذه : قلنا، لزمكم التسامح خبصلة العدالة وغري ذلك من اخلصالفنحن نعلم أن تناول امليتة حمظور ولكن املوت ، االختيار ولكن الضرورات تبيح احملظوارت

فليت شعري من ال يساعد على هذا ويقضي ببطالن اإلمامة يف عصرنا لفوات ، أشد منه



!! ؟، شروطها وهو عاجز عن االستبدال باملتصدي هلا بل هو فاقد للمتصف بشروطها وجيب على العاقل ، وأهون الشرين خري باالضافة، بعيد مع األبعد قريبومعلوم أن ال.... 830-829: ص، االقتصاد يف االعتقاد للغزايل...(، اختياره

.والذي يظهر واهلل اعلم أن املتعني هو معرفة املبايع بأوصافه وأحواله ال بامسه وومسه

وإنا اشرتط له أوصافا حمددة ، ألن الشرع مل يشرتط لإلمام امسا معينا وال صورة ثابتة فحيثما وجدت هذه األوصاف كان أهال لإلمامة سواء كان امسه عمرا أو زيدا وسواء كان

.أبيض او أسود أو طويال أو قصريا

.فال يشرتط يف البيعة معرفة هيئة املبايع وال صفة شكله

..عينه وقد كان مع النيب صلى اهلل عليه وسلم يف املدينة من ال يعرفه ب

مر النيب صلى اهلل عليه وسلم بامرأة تبكي عند : قال، عن أنس بن مالك رضي اهلل عنهفقيل ، ومل تعرفه، فإنك مل تصب مبصيبيت، إليك عين: قالت« اتقي اهلل واصربي»: فقال، قربفلم جتد عنده ، فأتت باب النيب صلى اهلل عليه وسلم، إنه النيب صلى اهلل عليه وسلم: هلا .رواه البخاري" إنا الصرب عند الصدمة األوىل: "فقال، مل أعرفك: فقالت، بنيبوا

، وال شك أن كل من كان يبايع اإلمام يف األقطار النائية ال يعرف أوصافه إال بالسماع .ال بيعة إال بعد املعاينة واالجتماع : ومع هذا مل يقل أحد منهم



الخاتمة

نصب اإلمام واجب على املسلمني وأن وجوبه على تبني من خالل الفصول السابقة أن .وأنه ال مانع مينع املسلمني اليوم من نصبه وال عذر هلم يف تركه ، الفور

أما من يقولون بتعطيل البيعة الواجبة وبقاء املسلمني على حال من الفرقة إىل أن يرضى .بالبيعة جل املسلمني فال يدل لقوهلم نص صريح وال عقل صحيح

د عجبت من موقف بعض الشيوخ الفاضلني الذين قالوا بأن كل البيعات املوجودة وق !اليوم ما هي إال بيعات على اجلهاد وليس فيها أي بيعة على اإلمامة

يستنكرون أن تقوم اجلماعات اجملاهدة بتنصيب اإلمام ومبايعته على وكأهنم هبذا الكالم !تطبيق الشريعة واألحكام

: نقول وردا على ذالك

فيه حض على ترك فريضة نصب اإلمام الواجبة و هذا الكالم بريد إىل وقوع النزاع -8، وحتريض للجماعات اجملاهدة على أن تبقى بال راية مرفوعة وال قيادة متبوعه..باإلمجاع

..وجعله من أسباب اخلالف األثيم، وهذا هو عني ما حذر منه الشرع احلكيم

:ا يرتتب على تعدد األمراء من املفاسد قال اجلويين يف بيان م

وإنا ، وتعليق التقدم بأمريين، داعية التقاطع والتدابر والشقاق ربط األمور بنظر ناظرين) وإذا ، ونظر متحد رابط، تستمر أكناف املمالك برجوع أمراء األطراف إىل رأي واحد ضابط

، وتغالبوا وتصاولوا، فسوا وتتطاولواتنا، ومطمح إليه يتشوفون، مل يكن هلم موئل عنه يصدرون، وتغالبوا غري مكرتثني باستئصال اجلماهري والدمهاء، وتواثبوا على ابتغاء االستيالء واالستعالء

( وفيه تنطحن السالطني والرعايا، ومهلكة الربايا، وهذا مثار الباليا، فتكون الداهية الدهياء 832: غياث األمم يف التياث الظلم ص

لى أهل العلم أن يبينوا للناس وجوب هذه الفريضة ويدعوهم إىل العمل هبا ال فواجب ع ..أن ينفروهم منها

ما هو املانع من كون بعض البيعات املوجودة بيعة على اإلمامة الشرعية ؟ -2

أألن مبايعة اإلمام ونصبه يف زماننا غري واجب وغري مشروع ؟



ال ألن يكون من ضمنها مجاعة من أهل احلل أم ألن اجلماعات اجملاهدة كلها ليست أه والعقد الذين تنعقد هبم بيعة اإلمامة ؟

..أال فليتق اهلل تعاىل من يروج هلذه الشبهات

فمآهلا إىل تفريق اجلماعة واالعرتاض ، وليعلموا أن كل دعوة إىل ترك فريضة نصب اإلمام ..على الواجب والطاعة

.كرناه جتلية للصواب وبيانا للحق يف هذا الباب ونسأل اهلل تعاىل أن يكون فيما ذ

.ونسأله أن جيمع كلمة املسلمني ويوفقهم للتمسك بالسنة والكتاب

.وآخر دعوانا أن احلمد هلل رب العاملني

:كتبه أبو المنذر الشنقيطي

.هـ 8232صفر 03الثالثاء .م 2083ديسمرب 80

ـ

منبر التوحيد والجهاد* * *

http: //www.tawhed.ws

http: //www.almaqdese.net

http: //www.abu-qatada.com

http: //www.mtj.tw

http://www.tawhed.ws/

فصول في الإمامة والبيعة للشيخ أبي المنذر الشنقيطي...

Documents