قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

97
ﻧﺼﻮﺹ ﻭ ﻧﺼﻮﺹ ﻭ ﻧﺼﻮﺹ ﻭ ﻧﺼﻮﺹ ﻭ ﺷﻬﺎﺩﺍﺕ ﺷﻬﺎﺩﺍﺕ ﺷﻬﺎﺩﺍﺕ ﺷﻬﺎﺩﺍﺕ.. .. .. .. ﻋﺎﺩﺍﺕ ﺇﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻋﺎﺩﺍﺕ ﺇﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻋﺎﺩﺍﺕ ﺇﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻋﺎﺩﺍﺕ ﺇﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻟﺒﻨﺎﻧﻴﺔ ﻟﺒﻨﺎﻧﻴﺔ ﻟﺒﻨﺎﻧﻴﺔ ﻟﺒﻨﺎﻧﻴﺔ ﻣﺤﻤﺪ أﺑﻲ ﺳﻤﺮا اصدا رات: م الجديد اع ﻗﺼﺔ ﺑﲑﻭﺕ ﻗﺼﺔ ﺑﲑﻭﺕ ﻗﺼﺔ ﺑﲑﻭﺕ ﻗﺼﺔ ﺑﲑﻭﺕ ﻭﺣﻜﺎﻳﺔ ﻟﺒﻨﺎﻥ ﻭﺣﻜﺎﻳﺔ ﻟﺒﻨﺎﻥ ﻭﺣﻜﺎﻳﺔ ﻟﺒﻨﺎﻥ ﻭﺣﻜﺎﻳﺔ ﻟﺒﻨﺎﻥ

Upload: -

Post on 17-Mar-2016

257 views

Category:

Documents


9 download

DESCRIPTION

قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

TRANSCRIPT

Page 1: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

.. .. .. .. شهاداتشهاداتشهاداتشهادات نصوص ونصوص ونصوص ونصوص و

لبنانيةلبنانيةلبنانيةلبنانية عادات إجتماعية عادات إجتماعية عادات إجتماعية عادات إجتماعية

محمد أبي سمرا

:رات اصدا

ا�ع�م الجديد

وحكاية لبنانوحكاية لبنانوحكاية لبنانوحكاية لبنانقصة بريوت قصة بريوت قصة بريوت قصة بريوت

Page 2: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

سائقو الجحيم ومضافات ا�حياء

)١(في ب�د الفوضى والتسيب

وسط ما يعيشه لبنان اليوم من تخبط في معض�ت وحوادث وفوضى ويأس من عدم

الى قديمھا المزمن، القدرة على التصدي لھا ومعالجتھا، فينضاف جديدھا المفاجئھل يبدو ترفا وصف ما يبعثه سائقو الدراجات النارية من سعار وفوضى ورعب

الشبابية، ا<ھلية وا<منية، المتكاثرة ” المضافات“في الشوارع، وكيف يمكن وصف في ا<حياء الشعبية؟

دا، بداية، أين الترف في مشھد شاب أو فتى مراھق ينطرح فجأة على ا�سفلت، وحيمجھو�، وب� حراك، بعدما كان قبل ھنيھات طائرا يسابق الھواء والزمن بدراجته النارية، يطوح بھا منتشيا وسط الشارع، لتصدمه سيارة مسرعة، وتقذفه مع دراجته ونشوته امتارا في الھواء، ليھوي ويرتطم رأسه با<رض الصلبة، او بحافة

!الرصيف؟ة بكاملھا وسط جمھرة من العابرين الذين ربما تروعھم الحادثة إذذاك، أ� تتحطم حيا

المفاجئة، وتروع سائق السيارة الذي قد يحاول الھرب خائفا مذعورا، أو يترجل من سيارته مصعوقا ھلعا مسرعا نحو الشاب أو الفتى المجھول المنطرح ارضا،

يحتضر مرتعشا، أو ب� حراك؟

Page 3: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

ل الدراجات النارية وفوضاھا في الشوارع، ھو واحدة من نعم، إن سعار استعماكوارثنا المتناسلة وسط دبيب الفوضى الوطنية والسياسية وا<ھلية وا<خ�قية والقانونية الكبرى التي تتخبط فيھا الب�د كل يوم، بل إنھا من نتائجھا المشھدية أو

لشوارع وا<زقة وعلى فسائقو ھذه الدراجات المتكاثرة كالفطر في ا. المشھودةا<وتوسترادات كلھا، يمتطونھا ويقودونھا مسعورين، كأنھم يخوضون حربا أو

المقصود بالحرب ھنا، ليس كناية و� . يذھبون الى الحرب، أو يفرون من الحربفالذاھبون الى الحرب، أو الفارون . تشبيھا و� استعارة، بل الحرب الحقيقية والفعلية

الذعر، : نطبق عليھم حال سائقي الدراجات النارية في شوارع لبنانمنھا، تكاد تالفوضى، تعليق الزمن العادي والحياة العادية، والقوانين والمسؤولية، تضخيم

كأنما . الفردية وا<نانية وانفجارھما على غير ھدى في ا<ماكن العامة والحياة العامة .العالم مشرف على ھاوية أو كارثة

قاتلةنشوات

الحق أن اللبنانيين حين يخرجون صباحا من بيوتھم، يراودھم شعور بأنھم ينخرطون في متاھة من المفاجآت وغياب ا<من وا<مان في الشوارع المشرعة على فوضى السير وازدحاماته، وإغ�ق الكثير من الطرق بحواجز اQسمنت

ھا وشوارعھا، ويشعر وا<من الذاتي، فتضيق مساحات المدن وضواحيھا وأحياؤأما سائقو . كثيرون بأن عليھم أ� يسلكوا طرقا وشوارع خارج مناطقھم ا<ليفة

الدراجات النارية، وھم في معظمھم من الشبان والفتيان، فينفلتون كالجراد في ا�تجاھات كلھا على الشوارع والطرق، بعدما يئست إدارة السير في قوى ا<من

الكثيرة المتعاقبة لتنظيم انف�تھم الفوضوي العارم، وتقنينه الداخلي من حم�تھا والحد منه، لتنصرف تلك القوى الى الغرق في مستنقع المعض�ت المستجدة في كل

.يوم وساعة

ما إن يمتطي شبان الدراجات النارية وفتيانھا ورجالھا أحيانا، دراجاتھم ھذه، حتى � يتقيدون : وأخ�قي عام أو خاص وذاتييصيروا في حلU من أي وازع قانوني

يطلقون أبواق دراجاتھم . باتجاھات السير، و� باQشارات الضوئية القليلة أص� . على نحو متصل وسط السيارات المسرعة أو المتوقفة بفعل اQشارات أو اQزدحامة يزاحمون السيارات، يعبرون مسرعين كأسھم نارية مفرقعة في الفسحات الضيق

بين أرتالھا، يسيرون حذوھا، ملتصقين بھا، ينعطفون فجأة أمامھا وفي كل اتجاه، بعضھم يحلو له أن يرفع عن . كأنما ا<رض تنشطر ويخرجون منھا مندفعين

ا<رض عجلة دراجته ا<مامية، منتشيا بانط�قة عكس اتجاه السير، متك� على أن Xيغال في نشوته، فينعطفون بسياراتھم جانبا السيارات ويفسحوا له ل ايتفاداه سائقو

Page 4: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

خائفين ھلعين من تلك النشوة الرعناء التي تحمل بعض الدراجين على مد ألسنتھم خارج أفواھھم معلنين انتصارھم البذيء على سائقي السيارات، أو يشتمونھم

. متوارين في الزحام

ارة من المشاة الذين كثيرون ينطلقون بدراجاتھم على ا<رصفة فيروعون المينصاعون عنوة، ھاربين خائفين على أنفسھم من أن تعاجلھم صدمة الدراجين،

ھناك بعض من مستعملي الدراجات يركب خلفه امرأة أو فتاة، . فتوقعھم أرضا زوجته أو أخته أو خطيبته أو صديقته، ويضع أمامه بين جسمه ومقود الدراجة طفله

أما . وأحيانا ترى طفلين اثنين على ھذه الحال. اعدا بين فخذيهالصغير، واقفا أو قسائقو دراجات الديليفري، فإن عملھم نفسه يتطلب السرعة في توصيل طلبات

لكن بعضھم قد يتفادى السرعة، لئ� يتورط في حادثة تفقده . الزبائن المنتظرينا�. عمله ت الجمر المشرقط وسط وھذا ما � يفعله من يحملون على دراجاتھم شع]

الشوارع، لتوصيلھا الى مدخني النراجيل في البيوت أو المتاجر أو على مضافات .ا<رصفة

ثارات الماضي والحاضر

ھذه الحمى اليومية الراھنة على صلة وثيقة بمھرجان فتيان الشوارع وا<حياء فزمر فتيان . وموحتى الي ٢٠٠٥المرتبطة بالمنازعات ا<ھلية والحزبية منذ العام

الدراجات النارية وشبانھا، غالبا ما استعملتھم القوى وا<حزاب ا<ھلية في احتقاناتھا وعراضاتھا وعداواتھا، فأخذوا ينطلقون زمرا زمرا، زاعقين في الشوارع وا<زقة،

قبل ذلك، في أيام ا�حت�ل السوري، . بوصفھم مجموعات حماية واتصال وھجوملدراجات وشبانھا ظھورا قويا في الشوارع بعد مباريات كرة القدم ظھر فتيان ا

وعراضات مشجعيھا المتصلة با�حتقان ا<ھلي والطائفي الناجم عن النعرات .المحلية ضد ممارسات رجال المخابرات السورية في ا<حياء

ملو اليوم تجمعت ھذه ا<سباب والبواعث كلھا في خلفية السلوك الذي يسلكه مستعالدراجات النارية، ثم أضيفت اليھا الفوضى العارمة التي تستنقع فيھا الب�د بفعل الحروب في سوريا التي دفعت الى لبنان بأكثر من مليون ونصف المليون من

على ھذا النحو تظھر حمى استعمال الدراجات النارية كمرآة لما . ال�جئين السوريينسلحو الميليشيات في أيام حروبنا، أعلى مرتبة وشأنا وكما كان م. تتخبط فيه الب�د

من المدنيين غير المسلحين، فإن مستعملي الدراجات النارية اليوم يتمتعون بدالة مصدر ھذه الدالة التي تجعل ھؤ�ء أشبه . استثنائية على سائقي السيارات والمشاة

بأنھم متواضعو المرتبة في ألعاب السيرك القديمة، ھو شعورھم ” سائقي الجحيم”بـ

Page 5: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

ا�جتماعية، وبأنھم في حلU من المراتب وا<خ�قيات العامة المنحسرة أص�، ما إن يمتطون دراجاتھم التي بھا يثأرون من تواضعھم ا�جتماعي، خارج أي وازع عام

.وذاتي في ب�د الفوضى والتسيب

طغيان الذكورة

لدراجات النارية، يغلب عليھا كونھا من ھناك فئة � يستھان بعددھا من سائقي االين، أو العاملين أعما� يومية متقطعة متواضعة . فتيان ا<حياء والشوارع البط]

وعصبا وشبكات من ) جمع نواة(يتخلل ھذه الفئة شبان وفتيان يشكلون نوى . الجمھور الذكوري الطاغي على محازبي الجماعات ا<ھلية في ا<حياء والشوارع

ا<ھلية الناشئة والمزدھرة والمنعقدة ” المضافات”ؤ�ء ھم غالبا المادة البشرية لـھحلقاتھا اليومية في أماكن ثابتة على نواصي الشوارع وا<رصفة في ا<حياء الداخلية

من مواسم ا�حتقانات ” المضافات“يتغذى انعقاد ھذه . وعلى تخومھا وأطرافھازعماء سياسية وأمنية، وكلما ألقى أحدا<ھلية، ويزدھر في خضم حوادث

الجماعات الطائفية الجماھيرية خطبة متلفزة، غالبا ما استوجبت إط�ق النار غضبا وابتھاجا ونكاية، وخصوصا في ا<حياء المختلطة

كما أن ا�حتقانات . طائفيا ومناسباتھا تتغذى من انعقاد

، �سيما بعد نشوء ”المضافات“الذاتي وشيوعھا، في أعقاب التفجيرات ا<خيرة في ضاحية بيروت ظاھرة ا<من

التي ” المضافات“للدراجات النارية مساھماتھا في ازدھار ھذه . الجنوبية وطرابلسغالبا ما تركن الدراجات الكثيرة على ضفافھا، وت�زم انعقادھا، Qقامة جسور

.ات واللياليالتواصل ا<ھلي وا<مني بينھا في أوقات من النھار

)٢( من الرخاء الى الفوضى. ذات الرجع والحمولة والد�لة البدوية والعشائرية” مضافة“نستعير ھنا كلمة

فاQجتماع العشائري � تزال تقاليده وثقافته حية فاعلة في ثنايا شبكات ا�جتماع ي ا<ھلي المحلي الفوضوي الراھن لكثير من الجماعات والتجمعات السكانية ف

. الريف وضواحي المدن، وفي ا<حياء العشوائية والشعبية المدينية المكتظة المختنقة

Page 6: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

ھذه غالبا ما تحاصر فوضاھا المنفجرة ا<حياء السكنية للفئات المتوسطة المجاورة .لھا، وتخنقھا ايضا

فسكان ا<حياء المدينية المتوسطة ليس من عاداتھم وثقافتھم أن تستولي دورة ا<رصفة، نواصي الشوارع، مداخل (اليومية على ا<ماكن العامة في أحيائھم حياتھم

بل إنھم يرتادون ھذه ا<ماكن على نحو وظيفي عابر ومنظم، منصرفين ). البناياتفاQنكفاء على . الى أعمالھم ومشاغلھم، من دون أن يخلفوا أثرا واضحا أو ناتئا فيھا

وعلى شبكات من الع�قات الخاصة، من سمات ذات النفس، الفردية وا<سرية، اجتماع الفئات المدينية المتوسطة والعليا، من حيث المبدأ، وخصوصا في أوقات ا<زمات وتفشي ا�حتقانات ا<ھلية واستنقاعھا وانفجارھا بين حين وآخر، على ما

أھلية ھي عليه حال لبنان الممعن، منذ سنوات، في تفككه وتمزقه إربا مناطقية ووعصبية وطائفية متباعدة نفسيا على قاعدة الھويات الخاصة، على الرغم من ضيق المساحات والمسافات بينھا، فيظھر ا�حتقان والتمزق بين شارعين متجاورين في

.أحياء مختلطة طائفيا

تتكاثر مضافات الشبان والفتيان، يخالطھم رجال وأو�د، في ا<حياء الشعبية وقد تكون المضافة استعادة واستئنافا للحلقات التي كانت . ختلطة طائفيا الصافية والم

تعقد في ساحات القرى، والتي تطورت في أيام الرخاء واQصطياف اللبنانيين في ، ”الكروسة“على ” كسدورة“الستينات والسبعينات من القرن العشرين، فتحولت

رى النھارات القروية ومساءاتھا وذلك في عصا. سيرا على ا<قدام أو في السياراتالصيفية المقمرة التي كان يتخالط فيھا الشبان والصبايا العائدون من بيروت

وفي أزياء عصرية يتباھون بھا ويستعرضونھا صيفا في قراھم، مع ” متمدنين“السيارات الجديدة التي غالبا ما يستعيرونھا من آبائھم، للكسدرة بھا بين قرى

قد يكون لھذه العادات والطقوس المحدثة مصدرھا أو . لداته المزدھرةا�صطياف وبفي الفولكلور ” طريق العين“مرجعھا ا<قدم زمنا في القرى، أيام كان ما يسمى

.الرحباني، ع�مة بارزة في ا�جتماع اللبناني الريفي –والغناء الفيروزي

في حماية الشباب

ونقلت مجموعات كبرى من الفئات العمرية ھذا كله قوضته الحروب في لبنان،. الشابة، من تلك العادات والطقوس الرخية، الى متاريس الحرب في المدن والبلدات

أما اليوم، بعد مضي أكثر من عقدين على حروبنا، فإن ا�جتماع الريفي أو القروي ران، والمديني في لبنان يكاد يذوب في حمى بوتقة فوضوية واحدة متصلة من العم

Page 7: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

الذي يختلط ماضيه المتداعي الخرب بحاضره العشوائي، لنقيم ونعيش في زمن .اجتماعي وعمراني من سماته السعار والفوضى وا�حتقان والكآبة

ليست الدراجات النارية وجحيمھا في الشوارع، وكذلك المضافات ا<ھلية الشبابية ياء الشعبية، إ� من ظواھر والذكورية الناشطة على ا<رصفة والنواصي في ا<ح

.زمننا ا�جتماعي والعمراني المستعر ھذا

قد تكون ھذه المضافات وليدة اQستنقاع وا�حتقان والسعار في حياتنا اليومية ربما ھي بديل من العراضات والمھرجانات الشبابية ا<ھلية والحزبية . وا�جتماعية

الذي انتھت ٢٠٠٨و ٢٠٠٥ھا ما بين التي شھدنا حوادثھا الكثيرة المتنقلة وخبرناوحلفائه على ” حزب e”بعد الحملة التأديبية العسكرية لـ” اتفاق الدوحة”حوادثه بـ

فبعد تلك الحملة الدامية، كثر الحديث عن . كثير من المناطق، �سيما بيروت والجبلادث لكن تزاحم الحو. احت�ل بيروت أمنيا، وعن الرغبة في إخ�ئھا من الس�ح

والمستجدات السياسية وا<منية في لبنان، غالبا ما يطوي الحقب وشعاراتھا، ويجعلھا من المنسيات، فيما تتجدد ا<زمات والحوادث وتتراكم الى ما � نھاية أو

.مستقرنشأ عن الحملة العسكرية التأديبية على أحياء بيروت ما يشبه إذعانا أھليا محتقنا

” أمل“، في مقابل ھيمنة أھلية شبه أمنية لمحازبي الثنائي الشيعي، ومغلوبا على أمره، وسواھم من الشراذم المحلية الملحقة ”السوري القومي ا�جتماعي”، و”حزب e”و

بھم، على كثير من ا<حياء البيروتية المختلطة طائفيا، الشعبية منھا والمتوسطة، مع مرور . تي في رأس بيروتوصو� الى ا<حياء ذات الماضي الكوزموبولي

الوقت وتراجع ا�حتقان العام، شكلت المضافات الشبابية في ا<حياء، الوجه ا<ھلي ھذه المضافات تخفت حينا وتزدھر احيانا، وفقا للظروف . المخفف لتلك الھيمنة

: أما وظيفتھا وغاياتھا فمتنوعة ومتداخلة. والحوادث السياسية وا<منية المتناسلةعار ا<ھالي أو السكان من لون طائفي معين بأنھم يسيطرون على ا<ماكن العامة، إش

وصور الزعماء والقادة والشھداء المرفوعة مرفرفة على ” حماية الشباب“وبأنھم في المضافات، الى جانب ا<ع�م والشعارات الحزبية التي � تخلو من التھديد والوعيد

في مقابل وظيفة السيطرة والحماية، ھنالك وظيفة . ”هويلكم اذا نفد صبر“: من أمثالإشعار ا<ھالي من لون طائفي آخر بأنھم : أخرى معاكسة للمضافات الشبابية الحزبية

دون ومغلوبون على أمرھم ومراقبون، بل في عراء من الحمايات ا<ھلية، مھد] .وعليھم ا�ذعان وا�نكفاء

Page 8: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

غلبة ومآرب أھلية

تشكل المضافات حاميات أھلية وأمنية لفئة مسيطرة من السكان، في ھذا المعنى دة وغالبة لفئة أخرى fأليست، اذا، وجھا من وجوه غلبة أھلية، وحرب أھلية . ومھد

خفية الس�ح الذي غالبا ما تنطلق في الھواء رشقات رصاصه من ھذه المضافات الخطابية المتلفزة لھذا وجوارھا، غاضبة محتفلة متوعدة، في اثناء ا�ط��ت

الزعيم أو القائد المنتصر أو ذاك؟ ھذا فيما ھو يقول <نصاره وجمھوره إن عليه إن يمتنع عن إط�ق النار في مثل ھذه المناسبات، كأنه في قوله ھذا يطلب عكسه

أليس ھذا مركبا اساسيا ومبدئيا في سياسات الجماعات اللبنانية التي غالبا ! ونقيضهضمر خ�ف ما تنطق به من شعارات مستھلكة، وتسلك وترسم مآربھا انط�قا ما ت

مما تضمره، استئناسا بسياسات الرياء والمراوغة والتقية؟

مستنقع ا*حباط والقنوط

اذا كانت المضافات قد نشأت في ھذه الظروف والسياقات ا�جتماعية وا<ھلية ا وصفا تفصيليا موضعيا وعيانيا؟ المحتقنة، فكيف يمكن وصف روادھا وجمھورھ

قد يحتاج مثل ھذا الوصف الى استط�عات ومشاھدات ميدانية يومية شبه .إتنوغرافية

غالبا ما تنعقد المضافات وتزدھر في أوقات ما بعد الظھر وا<مسيات والسھرة، <ن ناشطيھا وروادھا الشبان والفتيان والرجال، يستغرقون في نوم متأخر في

وھم في لقاءات المضافات ھذه، تشتبك في ص�تھم ع�قات الجوار . لصباحاتاالسكني في الحي بع�قات القربى والنسب وا�نتماء الى قرية ومنطقة سابقتين على

ويجمع ھذه الص�ت ويشدھا الى بعضھا ويعضدھا . اQقامة في ا<حياء المدينية .ھلي طائفي معينا�نتساب الى طائفة معينة، والو�ء لتنظيم أ

ھذا النسيج الفسيفسائي المتشابك يجد مظھرا مسرحيا وظائفيا �نعقاده وتجليه في فبدل أن يتفرق شبان ا<حياء كلh الى غاية وشاغل وعمل، يجدون في . المضافات

التئام المضافة في حيھم السكني حضنا حميما وأليفا يعوضھم عن البطالة والتشتت ن في أدوار حياة مھنية واجتماعية قوامھا ا�نصراف الى سياقات ومسالك والذوبا

غالبا ما يكون . متباينة ومختلفة، يفترضھا القيام بأود النفس الفردية والشخصيةھؤ�ء الشبان والفتيان من أصحاب السير التعليمية والمدرسية المضطربة والمنقطعة

ومھن صغيرة متواضعة � تحتاج الى لذا ينصرفون الى أعمال . وغير المكتملةغير أنھم غالبا ما � يستقرون في ھذه . خبرات وتأھيل وإعداد، إ� في الحدود الدنيا

ا<عمال والمھن، فيتنقلون بينھا محبطين قانطين، قبل أن يتركوھا الى بطالة تجد

Page 9: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

تكون م�ذھا في شبكات الع�قات والحياة على ا<رصفة في ا<حياء السكنية، حيثشبكات المنظمات ا<ھلية وأجھزتھا الجماھيرية في انتظارھم، فتتلقفھم وتدرجھم في

. أطرھا الفضفاضة التي يشكل الحي والشارع مسرحھا اليومي

ھكذا تنتشل ھذه ا<طر المفتوحة الشبان والفتيان من إحباطھم وقنوطھم، وتمنحھم ا، يجعلونه ھوية لھم ومأوى دورا وقوة ومعنى، فينخرطون فيھا انخراطا عضوي

في ھذا السياق ينشئ ھؤ�ء الشبان والفتيان المضافات على ا<رصفة . وم�ذا والنواصي في ا<حياء، فيداومون على ارتيادھا وتكريسھا مكانا للقاءاتھم وجلساتھم

يلعبون الورق، يشربون الشاي، يأكلون المناقيش، يتنقلون من مضافة الى : اليوميةعلى صھوات دراجاتھم النارية، يجمع بينھم الو�ء الى تنظيم أھلي واحد، مضافة

.يمكن تسميته مستنقع ا�حباط والقنوط

)٢( اللبنانية العمران نموذجا لسياسات الخراب

ھل وصل لبنان إلى مرحلة استحالة تدارك سقوطه في مھاوي معض�ت مزمنة؟ من زاوية ھذا السقوط، أين ھي معضلة التكالب العشوائي على العمران والبناء؟

ط حفلة على الشواطئ والروابي والجبال ينصب اللبنانيون أبراج شموخھم وستنكرية يزدرون فيھا تراثھم الحضاري المعماري، فيما ھم يتزاحمون على ھدمه، وعبادة كل ما ھو ھوية عصبوية خرافية من ھذا التراث، ليظل لبنان بلدا منذورا

.للحروب والدمار

على مدخل من مداخل زقاق الب�ط وأمثاله من ا<حياء البيروتية التي صمدت بعض التراثية المھجورة المھملة والمتداعية أمام زحف الھبات العقارية بيوتھا وقصورھا

المتعاقبة وتشييد ا<براج المحدثة الشاھقة، نصبت وزارة الثقافة اللبنانية �فتات

Page 10: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

نصب ھذه ال�فتات، وإعداد ما يسمى . ”حي ذو طابع تراثي“: معدنية كتبت عليھاھو ما استطاعت الوزارة الجديدة، شبه للبيوت والمباني التراثية، ” �ئحة جرد“

مع مديرية اjثار الملحقة (اQسمية او ا�فتراضية في عملھا وسلطاتھا، أن تفعله في مجال المحافظة على بقايا التراث المعماري اjيل الى ا�نقراض المتسارع ) بھا

. ا<ط�لفي لبنان، لتبقى تلك ال�فتات شاھدا على انقراضه، كمعلقات الوقوف على

فالكثير من البيوت والقصور والمباني . ھذه الوظيفة ل�فتات ليست مجازية قطالتراثية في ا<حياء المنصوبة فيھا ال�فتات، سارع وارثو م�كھا أو وك�ؤھم الى المساھمة، خفية وبإرادة صلبة، في تنشيط تداعيھا وانھيارھا، فسيجوھا وألصقوا

أو ” ھذا المبنى آيل الى ا�نھيارk انتبه“: وا عليھاعلى السياجات �فتات كتبففي معرض إدعاء تنبيه العابرين قرب . غاية ھذا اQع�ن ماكرة وخبيثة. ”السقوط“

، � يشاء المعلنون رفع ”المحافظة على الس�مة العامة”المبنى الى ت�في الخطر ول يتمنون، نكاية المسؤولية عنھم فحسب، في حال انھيار المبنى على عابرين، ب

بالوزارة و�فتاتھا و�ئحة جردھا، أن ينھار المبنى في أسرع وقت، ويؤذي عابرين وذلك . لتتحمل الوزارة نفسھا نتائج إدعاء المحافظة الشكلية على التراث المعماري

بمنعھا أصحاب البيوت التراثية، منعا ھمايونيا، من التصرف بملكھم المھجور حرره سوى انھياره من ال�ئحة الھمايونية التي تجعله موقوفا الخرب الذي لن ي

وتحرمھم من أن يجنوا ثروات من بيعھم العقار أو من تشييدھم في مكانه بناية .حديثة شاھقة في واحدة من الھبات العقارية الملتھبة في بيروت ولبنان كله

لفئات واسعة من في ما تظھره وتخفيه، � تلخص ھذه الوقائع، السلوك الماكر اللبنانيين، وQجراءات مؤسساتھم اQدارية العامة، في مجال العمارة والتنظيم المدني والعمراني، بل ھي نموذجية في د�لتھا الى ممارساتھم ا<خ�قية والسياسية

المكر في ھذا السلوك، قرينه الجشع وا<نانية، . والحقوقية وا�جتماعية والثقافية، على ما يقول المثل العامي ”الطوفان“أو ” ي ما ينبت حشيشمن بعد حمار”و

الشائع والحبيب على قلوب معظم اللبنانيين، والذي يكاد أن يكون ا�برز وا<قوى .في فوضى سلوكھم وع�قاتھم وإدارتھم مؤسساتھم العامة، منذ أزمنة بعيدة

Page 11: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

عشوائية مزمنة

دمرت مجتمعھم وعمران ) ١٩٩٠ – ١٩٧٥(من نافل القول إن حروب اللبنانيين لكن ھذا التدمير المديد، كانت له . بلدھم ودولتھم التي ارتضوا بھا على مضض

. سوابقه البطيئة، وخصوصا على صعيد العمران والبيئة في المدن كما في ا<ريافالخبير العمراني والبيئي الدكتور عادل مرتضى، ١٩٩٦ففي دراسة وضعھا العام

ا<ساسي المزمن في تردي ا<وضاع العمرانية والبيئية اللبنانية، ھو نجد أن العامل بدائية التخطيط والتنظيم في تصنيف استخدام ا<راضي والعمران عليھا، من دون

. حتى اليوم ١٩٢٠تطوير وتحديث يذكران، منذ نشوء الدولة اللبنانية الحديثة العام :دام ا<راضيتتجلى البدائية المزمنة في وجھين اثنين �ستخ

أراض مصنفة ومنظمة، يسمح بالبناء عليھا وفق معايير غائمة، واھية وبدائية، � -تلحظ التوسع العمراني و� تحدده في المنطقة ومحيطھا، و� تحدد الع�قة بين

إضافة الى ھذا اQھمال . المناطق وامتداداتھا المحتملة، و� بين ا<بنية المتجاورةم، ھناك أيضا غياب كلي ل�ھتمام بالمعايير الفنية والمعمارية والجمالية البنيوي العا

لqبينة، وبع�قات التجانس والت�ؤم بينھا وبين الفضاء العام، من شوارع وطرق تبلغ مساحة ا<راضي المشمولة بھذا التصنيف عشر . وسواھا من خدمات مشتركة

.مساحة لبنان فقط

لمساحة المتبقية من لبنان، وينطبق عليھا قانون أراض غير مصنفة تشمل ا -ا�ستثمار العام البدائي، أي ال�قانون وال�تنظيم، ومن دون أي تمييز بين

ھذا ما أدى إلى ترك المبادرة لم�ك ا<راضي في . ا�ستعما�ت المختلفة لqراضي .استعمالھا كما يشاؤون ويرغبون، ب� حسيب أو رقيب، و� تنظيم وتخطيط

ھذا التصنيف العام البدائي لqراضي، ھو العامل البنيوي ا<برز في الفوضى

Page 12: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

العمرانية القائمة منذ خمسينات القرن العشرين والمستمرة حتى اليوم على حالھا، في ظل عدم وضع مخطط توجيھي شامل ومتكامل، متجانس ومركب، للعمران في

مراني، يستبقه ويرشده، ويحدد بدون ھذا المخطط الذي ينسق التوسع الع. لبناناستعما�ت ا<راضي تحديدا دقيقا، سيبقى لبنان غارقا في عشوائية عمرانية، صار

يشھد على ذلك ما نحن . من المستحيل تداركھا على ا<رجح، إ� على نحو جزئيوكان بعض ا�ختصاصيين . فيه اليوم من فوضى بلغت أشدھا في السنين ا�خيرة

أشاروا إليه وتوقعوه منذ نھاية الخمسينات، لكن من دون جدوى، فبقيت والمھندسين المخططات التوجيھية عشوائية وجزئية وآنية، ومحدودة التأثير في حركة العمران

.وتوسعه بقفزات مضاعفة

تجار حروب

كان لغياب المخطط التوجيھي الشامل أثره البالغ في ما آلت إليه أحوال لبنان لكن ھذا الغياب الذي تقع مسؤوليته على . البيئية وفي نوعية الحياةالعمرانية و

اQدارة العامة والعھود السياسية والحكومات المتعاقبة، � يعفي اللبنانيين، مجتمعا وجماعات ومنظمات ناشطة في المجتمع المدني وتجار بناء وھيئات ونقابات، من

ط والتنظيم والقوانين، بل احتال على فالمجتمع استغل غياب التخطي. ھذه المسؤوليةالقليل القائم منھا، وترك العمران والبناء يتوسع فوضويا وعشوائيا وفق حاجاته

اذ يندر أن رفعت . الملحة، وفي خدمة مصالحه اjنية وا<نانية الخاصة والمدمرةه جماعة أو ھيئة أو نقابة مھنية أو منظمة حقوقية صوتھا محتجة على ما تتعرض ل

الب�د من تشويه وتدمير عمرانيين وبيئيين، ا� اذا كان ا<مر يتعلق بشؤون جزئية أما تلك الفئة من سماسرة العقارات وتجار البناء الجاھز، فاستغلت . أو فئوية خاصة

غياب التخطيط والقوانين في أزمنة الحرب وقبلھا بسنين طويلة، وراحت تشيد ھذه الظواھر كلھا، لھا . حساب إ� لqرباح السريعة المباني كيفما اتفق، من دون أي

وھي تجلت أبھى تجليھا في . مصادرھا العميقة في الذھنية وا<خ�ق اللبنانيتين

Page 13: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

مجال العمران والبناء، فبنى اللبنانيون مدنھم وأحياءھم وقراھم ومساكنھم كأنھم .في بلد غير بلدھم وعلى أرض غير أرضھم” تجار حرب“

الحروب بلبنان وأھله، وأخذت تدمر عمرانه وتشرد جماعاته حين عصفتوتھجرھا، كان على اللبنانيين أن ينتظروا طوال عقدين من سنوات القتل والتدمير والتشرد والھجرات، كي يستفيقوا من الكابوس على بلد صار نحو نصف شعبه من

، و�ذ قسم آخر المھجرين الذين احتل قسم كبير منھم بيوت اjخرين ومنازلھمببنايات قيد ا�نشاء أو متصدعة ومبقورة في ا<حياء القريبة من خطوط التماس الحربية، وخصوصا في وسط بيروت التجاري القديم وسواه من المناطق وا<حياء

.الراقية التي ھجرھا ساكنوھا

ر أھلھا، ويحتلھا أھل آ ر ويھج] خرون، في ا�ثناء كانت أحياء وبلدات وقرى تدم]أما الضواحي المدينية التي كان بعضھا � يزال قرى . ينھبونھا ويقيمون في خرائبھا

ريفية ساحلية، فتوسع فيھا العمران العشوائي على مثال مخيمات ال�جئين الفلسطينيين، من دون أن يتوقف ھذا النوع من العمران، بل تزايد أضعافا مضاعفة

في ھذه الضواحي مساحة صغيرة تخلو من في سنوات ما بعد الحرب، فلم تبق . اQسمنت والجدران المت�صقة

حتى الت�ل والروابي والجبال القريبة من المدن الساحلية والداخلية، انغرست فيھا البنايات انغراسا فوضويا ومت�صقا متشامخا، ب� تخطيط طرق وشوارع و� بنية

البناء الجاھز وا<ھالي المستعجلين، خدمات تحتية، إ� ما جادت به ضرورات تجارفنشأت كتل ضخمة من العمران العشوائي غير الرخيص في التكلفة المادية، على

ھذا كله لم يتوقف بعد الحرب، بل استمر و� يزال . الت�ل والجبال قبالة الساحلألف ھكتار عشية ٢٠من نتائجه تقلص ا<راضي الزراعية من . قائما حتى اليوم

في سھل البقاع الزراعي أقيمت المباني شبه . آ�ف ھكتار ٩ب إلى ما يقل عن الحرھكذا فقد لبنان في السنوات الث�ثين . العشوائية على جانبي الطرق وسط السھل

في المئة من مساحته ٤المنصرمة معظم ثروته النباتية والحرجية التي تقلصت إلى ع والكسارات على ا<حراج المتبقية، وفي الجبال يقضي انتشار المقال. اQجمالية

.ويغير معالم الطبيعة ويلوث المحيط بالغبار

وبحسب نقابة المھندسين أصبحت مخططات ونظم عمران المدن والقرى اللبنانية فھناك مناطق كبرى كثيرة بنيت بكاملھا، . قديمة � تتماشى مع الظروف القائمة

لحرب وما بعدھا، � تزال كلھا خالية تماما وأحياء سكنية وتجارية نشأت في زمن االضاحية . من البناء في سج�ت الدوائر العقارية وفي مخططات التنظيم المدني

في المئة من مساحتھا خالية من البناء في سج�ت ٦٠الجنوبية مث�، � تزال نسبة

Page 14: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

المساحات القابلة الدوائر العقارية، بينما تؤكد الوقائع اليومية والمشاھد العيانية أن .للبناء فيھا يكاد يندر وجودھا

ازدراء العام: عبادة الخاص

وضعت الحرب أوزارھا، واندفعت الھبات العمرانية والعقارية بقوة فوضوية �فتة، فھا ھو الشريط الساحلي اللبناني . انكماش في زمن الحربلتعوض ما فات من

الضيق والجبال المطلة عليه، يتحو�ن عقارا واحدا موحدا تتناھبه فوضى اQسمنت فبعضھا يندفع تحت إلحاح توسع . وتعدياته، وفق روزنامة الجماعات المختلفة

وبعضھا . ق كثيرةديموغرافي وعمراني، وفائض من القوة ا<ھلية المسلحة في مناطاjخر ينكفئ ديموغرافيا وعمرانيا للدفاع عن ھوية وملك عقاري، مھددين في مناطق أخرى، ضعفت سطوة أھلھا وما عاد ينفعھم طلب الحماية من أجھزة

ھذا ما يجعل من لبنان العمراني . ومؤسسات دولة سائبة وعلى حافة ا�نھيارافية وسكانية لحروب اللبنانيين العلنية والعقاري مرآة لجغرافيا بشرية وديموغر

وأعمالھم ” تعايشھم”والخفية في أوقات سلمھم ا<ھلي البارد، ومرآة لنمط عيشھم ووذلك حتى في . المتدافعة لجعل العقار مصدرا أساسيا لXستثمار واQثراء السريع

في مناطق العمران العشوائي المكتظة البائسة التي يستعمل أھلھا فائض قوتھمالعامل الحاسم في . التنافس المحموم على ا�ستي�ء على أم�ك خاصة وعامة

استثمار الھبات العقارية والعمرانية، العشوائية، المشروعة منھا وغير المشروعة منھا، ھو الفوضى والتربص والتحاسد والتسابق على اقتناص الفرص وصو� الى

.ربح وإثراء سريعين

لكبرى اليوم، الممتدة من الدامور جنوبا وجونيه والمعاملتين ھذه ھي حال بيروت اشما� وعاليه شرقا، حيث تغلب على العمران والبناء فوضى تشمل حتى المميز

Page 15: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

فمن مفارقات حياتنا اللبنانية أن اللبنانيين على . والمرتفع ا<سعار والنخبوي منھمافي حياتھم الفردية والخاصة، العموم، يتشددون ويغالون في طلب الرفاه وا<ناقة

سكنا وأثاثا وملبسا واقتناء سيارات فخمة وسواھا من سلع الرفاه وا�ستھ�ك، في مقابل مغا�تھم في إھمال ا�ھتمام بأيU من شؤون الحياة العامة المشتركة ومستلزماتھا في العمران والبناء والخدمات وتنظيم السير وسواھا من وسائل النقل،

ا<رجح أن وجھي . ستعما�ت ا<رصفة وأماكن ا�ستراحة والترفيه العموميةوفي االمغا�ة ھذين، ليسا متعارضين إ� شكليا، إذ ھما يتقاطعان ويتداخ�ن في صدورھما

يحكمھما ا�ستئثار –وإن بتفاوت بين الجماعات –عن ثقافة وسلوك لبنانيين . ابطوا<نانية المستعج�ن والمنفلتان من كل ض

وإ�، ما معنى اQمعان في تدمير كل ما ھو مشترك وعمومي، وفي أحسن ا<حوال إنعدام المسؤولية حياله، وتركه لXھمال والتأكل وا�نحطاط، في مقابل اQمعان

كأن اللبنانيين � يستثمرون ! المرضي في طلب الرفاه الفردي والشخصي والخاص؟تزييني، إ� في المجال ” جمالي“من حرية وحس طاقاتھم وجھودھم وما يتمتعون به

الفردي الخاص، تاركين العام والمشرك إما للتسيب وإما لXستي�ء عليه والتصرف مثل ھذه الثقافة تنطوي على تقديس الخاص ونصبه وثنا للعبادة، . به كملك خاص

.في مقابل ازدراء العام والمشترك ومناصبته العداء والحرب

راھنة والجزئية على ھذا السلوك، ما يحدث في ساحة السوديكو نزو� من ا<مثلة الفالمنطقة ھذه لم تعثر على ھوية . إلى تقاطع شارع بشارة الخوري مع طريق الشام

ساحة الشيخ الرئيس الراحل بشارة الخوري، وتمثاله، متروكان . ووظيفة عمرانيتينطع سير وعبور كثيف ما بين للتسيب واQھمال منذ سنين، برغم أنھما مسرح تقا

، وھما قريبان من وسط بيروت الجديد والفخم، وتصب فيھما تقاطعات ”البيروتين“لذا ھب العمران الخاص في . السوديكو ورأس النبع وحوض الو�ية والخندق الغميق

، من دون أن تنبئ )جسر ونفق كبيران(جنبات الساحة، مختلطا باQنشاءات العامة لكن ا<كيد والواضح أن . بالھوية العمرانية للساحة ومحيطھا القريبھذه الھبة

العمران الجديد جرف عددا من البيوت البيروتية القديمة أو التراثية التي ھدمت و� تزال بقايا بعضھا تنتظر استكمال الھدم، من دون أن يعبأ أحد ب�فتات وزارة الثقافة

.”حي ذو طابع تراثي“وعبارتھا

Page 16: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

أبراج الشوارع الضيقة

من الظواھر العمرانية والمعمارية المستجدة في بيروت السنوات الخمس عشرة ية ضيقة، وعلى ا<خيرة، ظاھرة تشييد أبراج سكنية شاھقة على جنبات شوارع داخل

ا<براج ھذه يشي]د كلh منھا على نحو مستقل عن شارعه . واجھة العاصمة البحريةومحيطه، ف� يحسب أي حساب لمقدرة الشارع والمحيط على استيعاب ما يحتاجه

لكنه يتعالى . البرج من خدمات متنوعة، كأنه يتعالى ويشھق وحيدا في صحراءمة واختناق عمرانيين يضاعفھما البرج المتسامق في ويشھق حقيقة وواقعا في زح

صلف وفخامة ھما مرآة صورة من يشي]د لھم عن أنفسھم وتمايزھم، غير آبھين بما أما بحر بيروت فسد] بسلسلة من . يحوط بالبرج من ازدحام واختناق عمراني

لبحري ا<براج � تقيم أي وزن للتآلف والتجانس مع تراث المدينة العمراني، اھذا مع العلم بأن عددا � بأس به من شقق . والمتوسطي، و� مع حاجات ساكنيھا

ھذه ا<براج � يزال شاغرا في انتظار زبائن من نخب تحصل ثرواتھا في الخارج على ا<رجح، و� تكلف نفسھا عناء ا�ستثمار في غير العقار والمضاربات

.العقارية

فخامة وفوضى

لعمراني ا<برز في لبنان ما بعد الحرب، فھو مشروع إعمار وسط أما المشروع القد . بيروت الذي بدأت ترتسم م�محه ومعالمه ووظائفه الجديدة الراھنة والمستقبلية

رممت المباني التراثية، وشيfدت مبان جديدة، وظھرت ا<نشطة المدينية للوسط، لكن ال�فت أن إدارة شؤون الوسط . وأنشئت خدمات البنية التحتية بمواصفات رفيعة

بل تضطلع بھا المؤسسات العامة ” سوليدير“وخدماته التي � تتو�ھا شركة والحكومية، بدأ يظھر أنھا تعاني من بعض الفوضى والتضارب اللذين ينعكسان سلبا

Page 17: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

فالشوارع الكثيرة المحيطة . على الوظائف وا<نشطة المدينية في الوسط الجديدتجعلھا ” أمنية“اب، مقفلة و� يسمح بالمرور فيھا لغير المشاة، <سباب بمجلس النو

الطرق . أشبه بمنطقة مقتطعة من الوسط، وتسري عليھا إجراءات استثنائية خاصةوكانت أقفلت شوارع . التي تحوط مبنى اQسكوا، أقفلت أخيرا لqسباب نفسھا

ھذا كله ضيق . ”بيت الوسط“ إضافية قبل إقامة الرئيس سعد الحريري في ما يسمى .مساحة الوسط المديني وقلل عدد الشوارع المفتوحة فيه

لكن ھذه أيضا تتكاثر على جنباتھا، وفي وسطھا أحيانا، الحواجز اQسمنتية المصطفة لمنع إيقاف السيارات، و<داء مھام تنظيمية في إدارة السير وتبديل

في ظھيرة كل . ة ومن وظائف شرطة السيراتجاھاته، بدي� من اQشارات الضوئينھار جمعة، تقفل الشوارع المحيطة بجامع محمد ا<مين، وتتحول مرأبا ضخما

وفي الشوارع التي تتكاثر فيھا المحال التجارية . لسيارات المصلين في المسجدوالمطاعم، يأبى زبائنھا أن يمشوا خطوات قليلة للوصول اليھا، ويصرون على

التابعون ” الفاليه الباركينغ“لذا غالبا ما يقوم . ج من سياراتھم الفخمة أمامھاالخروللمحال والمطاعم بالتواطؤ مع عناصر شرطة السير على أن يوقف الزبائن

.سياراتھم على جنبات الشوارع أمام المحال والمطاعم

ط تؤدي ھذه الظواھر مجتمعة الى اختناقات سير في الكثير من نواحي الوسفي ھذا السياق تبرز ظاھرة تكشف عن حال من الفوضى التنظيمية . وشوارعه

واQدارية وا<منية في تدبير شؤون حيز مديني عام يعتبر ا<حدث وا<كثر جدة في ھذا يبشر بأن . بيروت، و� يزال الكثير من مرافقه ومبانيه قيد ا�نشاء والتجھيز

ا يقتصران على اQطناب في فخامة الشكل، التحديث والتجديد العمرانيين في ديارنفيما تترك شؤون إدارة الفخامة المظھرية والشكلية وتنظيمھا لما ھي عليه مؤسسات الدولة وأجھزتھا اQدارية وا<منية العامة من فوضى وتخلف واھتراء موروث من

.زمن الحرب، ما قبلھا وبعدھا

Page 18: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

سياسات الخراب

ھل وصلنا في لبنان اليوم إلى مرحلة استحالة تدارك السقوط في مھاوي معض�ت مزمنة، متراكمة، متداخلة، متناسلة، لم نعد نقوى على جبھھا، فيما ھي تكبر

نا إلى الھاوية؟وتتضخم ككرة من الثلج، فتتضاعف سرعتھا في تدحرجھا ب، كان شعاران إثنان ٢٠٠٥طوال العقد ا<خير من القرن العشرين حتى العام

إعادة إعمار ما : يتعايشان عنوة وقسرا تحت راية اQحت�ل السوري ا<سدي للبنان، تديرھا إيران ”سرية”دمرته الحروب، وبناء جھاز مقاومة إس�مية، فئوية و

. باسم تحرير الجنوب وفلسطين، ولو على جثة لبنانالخمينية وسوريا ا<سد،

ھا نحن اليوم على وشك أن ننسى أن تلك الحقبة انتھت بسلسلة من ا�غتيا�ت واحت�ل وسط بيروت الجديد ” حرب الوعد الصادق“اQجرامية التي لم يوقفھا إ�

رية طوال ما يزيد على السنة، من دون أن ينتھي ذلك ا�حت�ل إ� بحملة عسكالمرتدين “صغيرة عابرة �ستئصال ” عملية جراحية“تأديبية سماھا أصحابھا

. للمقاومة ا<بدية” الخونة

ھي المقاومة نفسھا التي استدارت شرقا وشما� لمساعدة ا<سد اQبن في استئصال ، من الشعب السوري الذي أخذت ”الخائنة والعميلة والتكفيرية“الغالبية الساحقة،

الحرية والكرامة ا�نسانية : الزاحف تحت شعار” الربيع العربي“نه سكرة شبافأي مقاومة، ومقاومة من وماذا، ھي ھذه المقاومة التي تنتقل . والعدالة ا�جتماعية

من بلد إلى بلد، لنجدة مستبد سفاح يغرق سوريا بالدماء، يدمر عمرانھا، يبيد غوطة ر الم�يين من شعبھا، ليصل أكثر من مليونين بقليل عاصمتھا بالغازات السامة، يھج

الى لبنان �جئين عراة، يبحثون عن م�ذ ومأوى في بلد منھك تمزقت أوصاله، المنذور للحروب ” وعد المقاومة الصادق“وتوشك دولته على ا�نھيار، كي يظل بلد

Page 19: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

!والدمار؟تدفقھم المستمر . لبنانتقاتل المقاومة في سوريا، يزداد عدد النازحين منھا الى

رعبه ھذا . يرعب حليف المقاومة ا<كبر، وأحد دھاقنة الحرب والسياسة في لبنانيخرجه عن طوره، وكعادته في إط��ته ا�سبوعية المتكررة، يقف غاضبا متوعدا

أ� فلتنصب الخيم ل�جئين : حاقدا صلفا، وكمن يدفن رأسه وغضبه في الرمال يقولمن قوله ھذا ينضح مقدار من العنصرية الدفينة . في السرايا الحكومية السوريين

والحقد والشماتة الصبيانية التي تزدري رئاسة الحكومة ما بعد اتفاق الطائف باعتبارھا حصنا منيعا يخص إحدى الجماعات الطائفية اللبنانية المرحبة باستضافة

.ال�جئين السوريين

افعة بوصفھا نموذجا لسياسات دھاقنة السياسة والحرب نسوق ھذه الوقائع المتدومن زاوية ھذه السياسة ومعض�تھا، أين . والمعض�ت التي يتخبط فيھا لبنان اليوم

ھي معضلة التكالب العشوائي على العمران والبناء؟ أليست المظھر المادي ا<برز ا بالھرب منھا الى Qجماع اللبنانيين على مراكمة المعض�ت وتكديسھا، ومعالجتھ

ا<مام، كمن يدفن رأسه في الرمال؟ على الشاطئ والروابي والجبال ينصبون أبراج شموخھم وھروبھم، وسط حفلة تنكرية Qزدراء تراثھم الحضاري المعماري، متزاحمين على تقويضه وھدمه، وعلى عبادة كل ما ھو ھوية جزئية، عصبوية

ن على انقاضه صروح حداثتھم المظھرية التي وخرافية، من ھذا التراث الذي يرفعو .تحجب البحر والسماء

ر بذلك التراث، سوى مساحة الجامعة fھل مصادفة أ� تبقى في بيروت مساحة تذكا<ميركية في بيروت؟ كأنھا وحدھا لم تقو عليھا حداثة الخراب الزاحفة، فصمدت

.ثمانيمن زمن التحديث الع” أميركية“على حالھا فسحة لعمارة

)٣( الفاشي السديموخوف وھلع؟ إنه ھل من اسم محدد لما يعيشه اللبنانيون اليوم من تخبط واھتراء

الفاشية ا<صلية، “الفساد الذي يسميه الروائي والفيلسوف اQيطالي أمبرتو ايكو ، بوصفھا خليطا متنافرا من افكار ومشاعر وممارسات متنافضة، ”البدائية وا<بدية

.تشكل نوعا من السديم الفاشي، او الفاشية السديمية

Page 20: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

منصرم، لعلعت فجأة موجات مت�حقة من آب ال ٣١في ھدأة العصر من نھار السبت المرأة المسترخية المستمتعة . الطلقات النارية في أرجاء واسعة من أحياء بيروتية

استمتاعا حزينا وموحشا برشفات من شاي ما بعد القيلولة، جالسة بين أصص نباتات بيتية على شرفة منزلھا العالية في حي من تلك ا<حياء، ھرعت ھلعة،

! سھى، سھى، أين سھى؟. ية، مطأطئة الرأس، من الشرفة إلى صالون بيتھامنحناخذت تردد في صوت مختنق، راكضة في أرجاء الصالون، بحثا عن ھاتفھا

كانت تعلم أن سھى، ابنتھا الصبية، خرجت من المنزل قبل ساعة أو . المحمولدوي ؟، ولولت وسط ”الضربة“رصاص، رصاص، إنه رصاص، بدأت . اثنتين

الطلقات المتمادي، ثم صرخت قائلة لزوجھا في الصالون، أن يشغل جھاز .التلفزيون

فجأة ظھرت على شاشة التلفزيون صورة للرئيس ا<بدي لمجلس النواب وحركة ا�ستاذ نبيه بري يلقي كلمة : في أسفل الشاشة شريط ثابت مكتوب عليه. ”أمل“

لتغييب اQمام موسى ٣٥في الذكرى الـمتلفزة، بعد إلغاء المھرجان الخطابي على شريط آخر متحرك أسفل الشاشة، . الصدر، بسبب الظروف ا<منية في الب�د

طلق ناري أصاب امرأة في بعلبك أثناء تشييع مقاتل من : ظھرت عبارة أخرى“e للحظة عابرة تخيل زوج المرأة أن إط�ق النار يشمل . قتل في سوريا” حزب

لبنانية كثيرة، جنوبا وبقاعا، مرورا بالعاصمة وضاحيتھا الجنوبية، ثم سمع، مناطق وسط تمادي موجات الرصاص، صوت سيارة إسعاف في الشوارع القريبة التي

استعاد للمدينة صورا تعود الى أواسط ثمانينات القرن الماضي، . تخيلھا كئيبة خاويةسوداء ھاذية، كتبھا الشاعر محمد رسختھا في مخيلته وحواسه نصوص تھكمية

.”بعد ظھر خطأ كبير/ بعد ظھر نبيذ احمر“العبدe في عنوان

Page 21: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

في النص الذي حملت المجموعة عنوانه، سجل العبدe صورا عن أحوال مثقفين وأحزاب وقتلة وسماسرة وجماھير رعاعية وقادة، وفساد ھائل يضرب جذوره

.يومية اللبنانيةعميقا عميقا في نسيح الحياة ال

* * *

” المدنيين“حال المرأة الھلعة وسط دوي الطلقات النارية، وحال سواھا من الناس القابعين في بيوتھم في سائر المناسبات المماثلة وغيرھا من يومياتنا اللبنانية ر أيضا بمناخات فيلم fالمسمومة بدبيب الخوف من انفجارات السيارات المفخخة، تذك

ر مشاھد من الحياة اليومية ” اصيوم خ“ للمخرج ا�يطالي إيتور سكو� الذي صو] .في روما أيام الفاشية

وھو . اليوم، � يزال الفساد الھائل نفسه يضرب عميقا في نسيج حياتنا اللبنانيةالفساد الذي يسميه الروائي والفيلسوف السيميولوجي ا�يطالي، أمبرتو إيكو،

الفاشية عبارة عن “يرى إيكو أن . ”دروس في ا<خ�ق“ي كتابه ف” الفاشية ا<بدية“” إيديولوجيا موحدة، بل ھي خليط من أفكار“، ليست لھا ”كتلة توتاليتارية غامضة

قابل للتكيف مع “الخليط ھذا، . ”متنوعة ومليئة بالمتناقضات“ومشاعر وممارسات ” ة من الخصائص النوعية�ئح“لذا يمكن التعرف إلى الفاشية في . ”الوضعيات كلھا

التي ” الفاشية ا<صلية، أي البدائية وا<بدية“، ”إسم الوردة“لما يسميه صاحب ذلك <ن معظم تلك الخصائص . ”في نظام واحد“خصائصھا ” تجتمع“يستحيل أن

) في(لكن يكفي تحقق خاصية واحدة لكي نكون “يناقض بعضھا البعض اjخر، .”سديم فاشي

نزعة تقليدية ترفض العالم الحديث، . عبادة اQرث أو التراث: من ھذه الخصائصإيمان . نزعة �عق�نية ترتبط بعبادة الفعل من أجل الفعل. وتعشق التكنولوجيا

كبت فردي واجتماعي، ونداء . باQجماع يبحث عن استثمار الخوف من ا�خت�ف�ل السياسي، ويضاف الى الطبقات الوسطى المكبوتة التي ھمشتھا ا<زمات أو اQذ

كراھية . الى ذلك الرعب من الضغوط التي تمارسھا مجموعات اجتماعية دونيةاjخر المنبعثة من مركب ھوسي قوامه الخوف من المؤامرة، ومن الشعور بالمھانة

التسليم بمبدأ الحرب الدائمة والنظر الى النزعة السلمية . حيال غنى العدو وقوتهفالبطل . تمجيد البطولة المرتبط وثيقا بتمجيد الموت. لعدوبوصفھا تواطؤا مع ا

. الفاشي يتمنى الموت ويستعجله، ويمكن أن يقتل كثيرين في طريقه الى البطولةالزعيم ھو الصوت المعبر عن جموع الشعب التي � تشكل سوى وظيفة أو دور

.مسرحي أو تلفزيوني

Page 22: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

: <صلية، ينھي أمبرتو إيكو ك�مه بعبارةفي إيراده ھذه الخصائص التلفيقية للفاشية ا، قبل أن يختم بمقتطف شعري ”� تنسوا أن الحرية والتحرر واجب � ينتھي أبدا “

:لفرنكو فورتيني

على ب�ط / في ماء العين لعاب المشنوقين/ رؤوس المشنوقين/ على حافة الجسر“سنان المعدومين أ/ على حشائش المرج الجافة/ السوق أظفار المعدومين بالرصاص

قلبنا لم يعد قلب / لحمنا لم يعد لحم اQنسان/ عض] الحجر/ عض] الھواء/ بالرصاصولكن / الحرية سنحققھا/ وعلى ا<رض/ لكننا قرأنا في عيون الموتى/ اQنسان

.”قبضت عليھا أيدي الموتى

)٤( والجريمة ب�د العنف

تتكاثر حوادث العنف والقتل وتتناسل متنقلة في المدن والمناطق اللبنانية، فتختلط س ا�سباب والدوافع الناجمة عن خ�فات وخصومات ونكايات وثارات فيھا وتلتب

وأھلية وعائلية وأسرية وزوجية، حتى أن خ�ف أقارب أو جيران على ” فردية“ركن سيارة، أو خ�ف شخصين غريبين على أفضلية المرور، قد يؤدي الى

أو أكثر، شجارات تتشارك فيھا جموع، وتستعمل فيھا بنادق حربية، فتنتھي بقتيلكأنما العنف اللفظي والمعنوي والجسماني . مما ينذر بتجددھا ثارات متناسلة

في ع�قاتنا وحياتنا اليومية التي ” التواصل”والمسلح، صار أحد متون لغة التعبير وتقيم في مفاصلھا وثناياھا ودوائرھا أطياف وظ�ل وركام من اجتماع قد يصح

.ماع التمدن الحربيوصفه بالحربي المتمدن، أو اجت

Page 23: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

حوادث العنف والقتل المتصلة بالع�قات والحياة الزوجية وا<سرية والعاطفية، التي غالبا ما تكون النساء ضحاياھا، تثير صيحات ساخطة ومتھكمة أحيانا في مواقع

اما الصيحات التي يطلقھا ناشطات وناشطون في . التواصل ا�جتماعي ا�لكترونيةمدنية وحقوقية، فغالبا ما تتوسل بھذه الحوادث وتجعلھا مناسبات جمعيات ومنظمات

مؤاتية Qط�ق حم�ت استنكار واحتجاج تطالب بإقرار تشريعات وقوانين مدنية غالبا ما تتلقف الناشطات أخبار الحوادث من . خاصة لحماية المرأة من العنف

ا وإجراء تحقيقات عنھا، وسائل ا�ع�م التي تتسابق على نشرھا وإذاعتھا وتصويرھيلي ذلك قيام الناشطات وجمعياتھن . من دون أن تغيب اQثارة عن ھذا التسابق

العنف “ومنظماتھن بإدراج الحوادث في توجھات وبرامج وحم�ت ضد ما يسمى والتحرش بھن ” العنف ضد النساء“أو ” المنزلي“أو ” ا<سري“أو ” الزوجي

لحم�ت ھذه، المظالم التي تتعرض لھا العام�ت غالبا ما تتصدر ا. واغتصابھن .ا<جنبيات والنساء في حياتھن البيتية والزوجية

ال�فت في ھذه البرامج والحم�ت والمطالبات عزلھا ھذا النوع من العنف وجرائمه المتكاثرة في لبنان، عن السياقات والظروف والمناخات ا�جتماعية والسياسية العامة

ب�د، والمتسمة بدبيب العنف المتمادي والمتناضح في شتى ميادين السائدة في الالعزل ھذا، ھدفه حمل العنف ضد النساء وقتلھن على مجريات . الحياة اليومية

العيش في مجتمع مدني عادي أو طبيعي، تحتاج النساء فيه لتشريعات حقوقية الضرب (ية وقوانين مدنية خاصة، لحمايتھن مما يتعرضن له في حياتھن الزوج

، وفي الشوارع )المبرح حتى القتل احيانا، ا�غتصاب الزوجي، وسواھا من المظالمكأن ھذه ا<نواع من ). التحرش الجنسي، اللفظي والجسماني، وا�غتصاب أحيانا (

العنف معزولة ومستقلة عن ثقافات الحياة اليومية، ا�جتماعية والسياسية، وأشكال شرعة على انتھاكات تبدو انھا ا<صل والمتن في المجتمع التعبير والع�قات، الم

.اللبناني الراھن

غاية الناشطات والناشطين المدنيين والحقوقيين وجمعياتھم ومنظماتھم، من عزل العنف والمظالم الواقعة على النساء، وتجريدھا من دبيب العنف العام، استسھال

اب التشريعات والقوانين، وعلى توجيه الحم�ت وصب الم�مة والتبعات على غيتقاعس ا<جھزة ا<منية والمؤسسات القضائية واQدارية، وصو� إلى معزوفة

اللبنانية عن تطبيق القوانين وم�حقة مرتكبي جرائم العنف والقتل ” غياب الدولة“ھذا مع العلم بأن اللبنانيين، جماعات وافرادا، � . ضد النساء، وا�قتصاص منھم

ن على حقيقة في ك�مھم اليومي، اتفاقھم على حقيقة انھيار دولتھم وغيابھا، يتفقوالى حد قولھم الدائم انھم يعيشون في مجتمع ب� دولة وقوانين، يتمتع بحريات

وبما أن ھذه الحرية الفوضوية أمست بنيوية في . فوضوية قصوى، مدمرة وقاتلة

Page 24: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

شبيھا بكفارة عامة يمارسھا كل من معظم ميادين الحياة، أمسى الك�م اليومي عنھاالجماعات وا�فراد، للتعايش مع الفوضى وا�رتكابات والممارسات العنيفة، كأنھا

.قدر لبناني محتوم � راد له و� وازع

ناشطو المجتمع المدني

تجريد الجرائم وعزلھا من السياقات والظروف ا�جتماعية والسياسية العامة، ومن ياة اليومية العامة السائدة في ا�جتماع اللبناني الراھن، ينطويان على ثقافة الح

:غايات مت�زمة متداخلة

إضفاء طابع مدني على العنف والجرائم المرتكبة ضد النساء، والتغاضي عن - .جذرھا العميق في ثقافة الجماعات ا<ھلية وع�قاتھا

<ھلي للعنف، الذي صار ي�بس إرادة ھرب مزمنة ومتعمدة من النظر الى الجذر ا -ثقافتنا ا�جتماعية والسياسية ا<ھلية والعصبية، وكذلك أشكال الع�قات والتواصل

فالعنف يكاد يكون الظاھرة ا<برز في . والتعبير في كثير من دوائر حياتنا المحليةتصريف الخ�فات والمنازعات بين الجماعات وا<فراد، وكذلك في التعبير عن

.اح وا<تراح، في الظروف اللبنانية الراھنة والمزمنةا<فر

حاجات الناشطات والناشطين في جمعيات الحقوق المدنية وا�نسانية ومنظماتھا -المحلية الوثيقة الص�ت بمنظمات دولية وغير حكومية، أوروبية وغربية، إلى

متخي� يناسب في لبنان تصويرا مجردا أو ” المواطنين”تصوير المجتمع والدولة وطموحاتھم وصورھم عن أنفسھم ونمط حياتھم وع�قاتھم الفردية والمدنية، على

Page 25: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

ھوامش الجماعات ا<ھلية وثقافتھا العضوية العصبية التي تتوسل بالعنف والقتل في .تصريف خ�فاتھا ومنازعاتھا، أحقادھا ونكاياتھا

حاجة العاملين فيھا، الى حاجة الجمعيات والمنظمات المدنية والحقوقية، وكذلك -التماسك والعمل في منأى من تجاذبات العصبيات وا�نقسامات ا<ھلية التي تھدد

.تماسكھم وعملھم، خشية أن تتسلل إلى متن نشاطھم المدني والحقوقي

ثقافة العنف ودھاقنته

على تتكامل ھذه العوامل وتبلغ غايتھا بإلقاء أسباب حوادث العنف وجرائمه وتبعاتھاكأنما ھذا . الدولة والقوانين والتشريعات المدنية الحقوقية: كيان معنوي مجرد وموحد

الكيان متفق على وجوده وعلى آليات عمله، وعلى استق�له المعنوي عن الجماعات وعصبياتھا وثقافتھا ا<ھلية العصبية السائدة، التي غالبا ما تتوسل بالعنف وتمجده

ميھا وزعمائھا ودھاقنتھا المفوھين الصادحين على إيقاع في شعاراتھا وخطب مقد زخات رصاص ا<حقاد والثارات والغضب والفرح وا�نتصارات وا�حتفا�ت،

.وانفجارات ألعابھا النارية في كثير من أحياء المدن والبلدات والقرى

القديمة اQھدنية –ففي المرويات الزغرتاوية . الحق أن تراثنا عريق في ھذا المجالقول شائع مأثور يكني عن طرب ا�ھالي بزخات الرصاص التي إذا ما سمعھا

بلغ التغني بثقافة العنف . ”صوتك حنون“: أحدھم من بعيد، يقول مخاطبا الرصاص: في القول المأثور ا<حدث زمنا ود�لة جماھيرية” السياسية“وأدواته ذورته

بة ھذه السطور ھا ھي زخات الرصاص � في اثناء كتا. ”الس�ح زينة الرجال“تتوقف عن الزغردة مع المفرقعات النارية من على الشرفات في كثير من أحياء بيروت، تعبيرا عن احتفال بعض ا<ھالي وفرحتھم بفوز أبنائھم وبناتھم في

ردا على ھذه ا�حتفا�ت كتب أحدھم على صفحته في . امتحانات الشھادات الرسميةال�فت أن . متمنيا فشل أبناء المحتفلين في دراساتھم الجامعية” يسبوكفا”الـ

ا�حتفا�ت الطروبة بدوي الرصاص والمفرقعات، لم تقتصر على أحياء شعبية، بل تجاوزتھا الى أحياء لفئات اجتماعية متوسطة، حيث اختلطت بدوي المفرقعات

.الرمضانية في أمسيات ما بعد اQفطارات العامرة

بل أيام من ھذه ا�حتفا�ت، احتفلت عشيرتا زعيتر وحجو� في الليلكي، بتجديد ق” النھار“شھرا، على ما كتب عباس الصباع في ١٤ثاراتھا المتناسلة فصولھا منذ

، ”تدينان بالو�ء للثنائي الشيعي“، مشيرا الى أن العشيرتين )٢٠١٣حزيران ٢٦(بين شابين من ” ت�سن”أر العشائري بـابتدأت فصول الث. ”حزب e”و” امل“

، فأردى أحدھما اjخر بطلقات ”مرور سيارة“العشيرتين سببه خ�فھما على أفضلية

Page 26: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

أما الفصل ا<خير من عمليات الثأر، فاستمرت اشتباكاته ث�ثة أيام . بندقية أو مسدسمتصلة، وتدخل مشايخ ونواب عبثا لوقفھا، فتبادلت العشيرتان حرق محطة

قبل . ، ومطعم لشخص من آل زعيتر”مدرسة ا�مام الخميني“روقات قرب محتوقف ا�شتباكات بعد تدخل وحدات من الجيش اللبناني، نزحت من الليلكي الى الحدت عائ�ت لتأمين الھدوء والسكينة <بنائھا كي يتمكنوا من التحضير �متحانات

.د زغرد للناجحين فيھاالشھادات الرسمية التي � بد من أن يكون الرصاص قيرد ذكر ھذه ا�يقاعات الخلفية وغيرھا من أمثالھا، للقول إن العنف الرمزي والمعنوي والمادي المسلح أصيل في ثقافات الجماعات المحلية في تعبيرھا عن

فالثقافة . أفراحھا وأتراحھا وأحقادھا وغضبھا وسخطھا وثاراتھا الھاجعة والمتجددةتعبيريا أساسيا في ا�جتماع والسياسة، وفي تصريف الجماعات ھذه تشكل ركنا

وا<فراد شؤون حياتھم اليومية، فيسود اQستقواء بالتضامن العصبي للخروج على الدولة ومؤسساتھا وقوانينھا وتشريعاتھا التي أمست صورية أص� لكثرة ما تتعرض

.ل�نتھاكات في ميادين الحياة اليومية المختلفة

فت في ھذا السياق أن إحدى الجمعيات المدنية والحقوقية البيروتية الناشطة في ال�مجال مكافحة العنف ا�سري والزوجي ضد النساء، قامت بتحريض نساء معنفات

) نشرتھا صحف بيروتية كثيرة(لجأن اليھا واستنجدن بھا، على توجيه رسائل والطوائف في لبنان، تستعطف الدھاقنة من زعماء الجماعات وأمراء الحرب

كأن . وتستجديھم، Qقرار قانون ضد العنف ا<سري والزوجي في مجلس النوابھذا مع اQشارة الى أن . الدھاقنة ھؤ�ء رواد مجتمع مدني وحقوق مدنية وانسانية

الجماعات التي وجھت تلك الرسائل منعھا خوفھا ورعبھا من توجيھھا الى كبير الخروج على الدولة ومؤسساتھا التي اجتاحھا رجاله وسيطروا الدھاقنة اللبنانيين في

على مفاصلھا، قبل خروج جيشه على حدودھا الجغرافية الدولية الواھية أص�، إقليمية، يجري وصفھا با�ستباقية والجھادية والمقدسة، –لخوض حروب أھلية

وب ا�ستعمارية، فتختلط في ھذه الصفات ومثي�تھا الحروب الدينية القديمة بالحر .وبحروب أزمنة ما بعد الحداثة

Page 27: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

ماضي ا:يام ا9تية

وسط ھذا ا�خت�ط الذي يقدس ثقافة العنف ا<ھلي السياسي، وينصبھا مثا< يمتنع ي مقدساته، � يبقى لناشطي المجتمع المدني وناشطاته ولXع�ميين أيضا، التشكيك ف

ا� ذلك الكيان المعنوي المغيب والمسمى الدولة، ل�حتجاج عليه وضده، وتحميله في الحياة ” الشخصي”و” الفردي“المسؤولية عن حوادث العنف والقتل ذات الطابع

لى الرغم من أن تلك الحوادث وثيقة الصلة ، ع”مدنيا “ا�جتماعية ونسيجھا المعتبر .بجذور ثقافة العنف ا<ھلي، وبطاعون ا�نقسامات والعداوات السياسية

الشاعر محمد العبدe اكتشف ھذه الجذور في بدايات حروبنا الملبننة، فكتب أنه استفاق مرة من نومه وخرج الى الشرفة، فوجدھا حربا أھلية، بعدما كان يحسبھا

.وسواھم من اليساريين” الرفاق الشيوعيون“ا طبقية، على ما كان يتوھم حرب

، مقولته ”دولة حزب e“أما وضاح شرارة فكان كتب قبل سنين كثيرة من كتابه ، فاستھلھا بالتنبه الى جذور العنف ودبيبه في نسيج ”حروب ا�ستتباع“الشھيرة في

لع�قات الرأسمالية والمدنية المحدثة التي ا�جتماع ا<ھلي المغطى بقشرة رقيقة من ا .”مئات محمد دبوسي يعيشون بيننا“سرعان ما تمزقت وتكشفت عن

قتل شقيقته على شاطئ : دبوسي ھذا ھو أحد مرتكبي جرائم الشرف الكثيرة المدوية المسابح : خلده، ما بين صروح الحداثة اللبنانية في ستينات القرن العشرين وسبعيناته

بعد غسله . طة المزدھرة، مطار بيروت الدولي، وكلية العلوم في الشويفاتالناشبالدم شرف الرجولة وا<ھل، قطع دبوسي رأس ضحيته، وحمله الى دارة المير مجيد ارس�ن، ليريه رأي العين الشرف المغسول، كي يكون ا<مير سنده وظھره

. أمام القضاء

ار بلدھم وحداثته وتقدمه، من دون أن يروا في ذلك أيام كان اللبنانيون يتغنون بازدھالعنف ا<ھلي وجرائمه ا� بقايا ثقافة نافلة تتكفل الع�قات الرأسمالية الزاحفة على المجتمع اللبناني تجفيفھا ومحوھا، فإذا بتلك البقايا تستفيق استفاقة المكبوت، وتجعل

.وھام أو ا<ح�مالع�قات الرأسمالية والحداثة اللبنانية من أضغاث ا<

مجتمع التحلل العاري

” غير السياسية“مقارنة سريعة بين أخبار حوادث العنف والترويع والخطف والقتل، سياسية، في يوميات صحف –أو غير المتصلة مباشرة بشبكات منظمات أمنية

النصف ا<ول من سبعينات القرن العشرين اللبنانية، وبين أخبار الحوادث المماثلة كانت ) ١٩٧٥(في صحفنا اليوم، تبين أن حوادث عنف السبعينات في عشايا الحرب

Page 28: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

. وثيقة الصلة بانتشار الس�ح الفلسطيني المقاوم ومنظماته الكثيرة وزبانيتھا اللبنانيينھذا إضافة إلى أن تلك الحوادث لم تكن تحظى باستنھاض علني واضح للعصبيات

رية التي ت�بس حوادث العنف وتستنھضه في يومياتنا ا<ھلية والمحلية والعائلية العا .الراھنة

فما كان يبدو ضبابيا ويطل ضبابه من ثنايا الع�قات ا�جتماعية والسياسية ونظامھا، تصلب اليوم عميقا وطغى على النسيج ا�جتماعي، فصارت التشكي�ت والنعرات

وعائلية، أقرب إلى تكون بنية العصبية والعصبوية، من طائفية ومناطقية وعشائرية وسواھا ” الفردية“لذا أخذت تبرز حوادث القتل . تنظيمية أساسية في مجتمع متحلل

من المنازعات اليومية في ا<زقة والشوارع وا<حياء والقرى، وصو� الى تراشق مقدمي الطبقة السياسية، ودھاقنتھا، في ھيئة حوادث أھلية في م�بساتھا وفي ما

ھضه من ردود فعل محلية تنخرط فيھا جموع من ا<ھالي في ا<حياء والمناطق تستنكأن كل مجموعة من ھذه الجموع المتجاورة تسعى الى ترسيخ حقھا . والقرى

وسلطتھا المكتسبين بالقوة الذاتية العارية، في غياب أي سلطة للقانون ومؤسسات لخطف والمشاجرات الدابة اليوم ھكذا تظھر حوادث العنف والقتل وا. الدولة والحكم

في المجتمع اللبناني، أن ھذا المجتمع تحلل الى وحدات طائفية ومناطقية وجھوية وأھلية وعشائرية وعائلية، عارية ومتنابذة، � يكاد يجمعھا جامع سوى تبادل الريبة والتربص والمخاوف وا<حقاد التي تطابق الحدود الجغرافية أو العقارية للجماعات

.ووحداتھا الصغرى

يبرز ھذا . الحوادث التي تظھر ھذه الحال من التحلل الفوضوي أكثر من أن تحصىجليا في جريمة قتل شاب مصري وسحله في مھرجان أھلي غاضب وصاخب، وتعليق جثته على عمود إنارة في ساحة كترمايا، وتصوير مشاھد ھذا المھرجان

ر ا<عراس ومواكب سياراتھا في بعدسات كاميرات الھواتف المحمولة، ك ما تصو]بتر العضو : الحال نفسھا تظھر أيضا في جريمة أخرى أحدث زمنا . البلدات والقرى

الجنسي لشاب من الطائفة السنية من قرية عكارية، <نه تزوج فتاة من بلدة بيصور، .رغما عن إرادة أھلھا الدروز

ه فصولھا حتى كتابة ھذه السطور، تكاد أن الحق أن ھذه الحادثة ا�خيرة التي لم تنتتكون مرآة لqسوار ا<ھلية، المعنوية والمادية والجغرافية، التي ترفعھا حولھا الجماعات اللبنانية الكبرى والصغرى، من دون أي وازع من قانون ومؤسسات

ففيما قوضت شبكات التواصل اQلكتروني الحدود بين الجماعات . دولة جامعةراد، وأتاحت للشاب ربيع ا<حمد العكاري أن يتواصل مع الشابة ردينة م�عب وا<ف

في بلدة بيصور قرب عاليه، فتزوجا خفية عن أھل الشابة، وأقاما في منطقة بعيدة من أھلھما، تمكن أشقاء الزوجة العروس من استدراج الزوجين الى مطعم في

Page 29: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

نانه وبتروا عضوه التناسلي، بيصور، حيث خطفوا الزوج واعتدوا عليه وحطموا أسقبل رميه في ساحة البلدة، كناية عن غسلھم العار في الع�نية العامة البلدية

.وا<ھليةإحدى المحطات التلفزيونية صدرت الخبر عن ھذه الحادثة في نشرتھا اQخبارية

وھي اعتمدت في عرضھا الخبر أسلوبا فجا . المسائية، كأنھا وقعت على صيد ثمينفي إثارته، على ما تعودت أن تفعل في كثير من أخبارھا، لجذب المشاھدين

. الجائعين الى مثل ھذه اQثارة، ولزيادة رصيدھا اQع�مي لديھم

، ثم نقلت عن ”من الحب ما قطع“: بدأت المحطة نشرتھا اQخبارية بالعبارة اjتيةد استغرق الخبر أربع دقائق وق. ”شلحوني ثيابي وقصولي إياه“: الشاب ا<حمد قوله، جعل كثير منھم ”فايسبوك”متبادلو التعليقات على صفحات الـ. في مستھل النشرة

إحدى الناشطات في . الحادثة مدارا لمزيج من السخرية والتھكم الجنسيين والطائفيينصفحة خاصة مستقلة أطلقت ” فايسبوك”مجال الحقوق المدنية، أنشأت على الـ

، ناسية مأساة الشاب ا<حمد ”ضغط للكشف عن مصير ردينة م�عبحملة “عبرھا الذي تبين بعد أيام من خروجه من المستشفى، أن مالك المنزل المتواضع الذي يستأجره في طبرجا، رفض عودته إليه وطرده منه، <ن أھل البلدة الساحلية يأبون

لھا، على ما قال أن يقيم بينھم شخص ساءت سمعته، جراء الحادثة التي تعرض ا<حمد في تحقيق تلفزيوني رصين عن الحادثة وتداعياتھا وأمثالھا من حوادث

.العنف والقتل، بثته محطة تلفزيونية محلية

وروى ا<حمد أيضا أن محاو�ته استئجار مسكن في مناطق أخرى، باءت بالفشل، الحادثة التي أظھرته ” لبط“<ن الم�ك رفضوا طلبه فور تعرفھم إليه ومعرفتھم أنه

لقد صار ا<حمد إذا، فضيحة . في مشاھد كثيرة على شاشات التلفزة الجائعة والنھمةأو عارا اجتماعيا وتلفزيونيا، بسبب براءته وعريه ا<ھلي والعصبي اللذين حم�ه على الظھور المتكرر في الع�نية العامة اQع�مية، راويا مأساته التي ستطويھا

ريبا مآس أغرب منھا وأعصى على التوقع والتخيل في مجمتع سباق في فنون ق .الجريمة، وفي تحلله المتمادي، وتحويله المجاز والخيال وقائع مادية عارية

قد ي�حظ المتتبع تفاوتا في أعداد حوادث العنف والقتل والثأر وتباينا في أنواعھا وادث في ا<حياء العشوائية من ضواحي ضاحية أحيانا تتكاثر ھذه الح. بين المناطق

فبعد يومين . وأحيانا تتصدر عكار وقراھا حوادث العنف والقتل. بيروت الجنوبيةتطور خ�ف بين أفراد من آل المصري في بلدة “م�عب، –من حادثة ا<حمد

ببنين العكارية، الى تبادل النار، فقتل عبد الس�م المصري، وجرح خمسة آخرون ). ٢٠١٣تموز ١٩” النھار“(من العائلة نفسھا

Page 30: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

العنف والقتل في ھذه الحادثة عائليان، حيث تتناسل العداوات والثارات في العائلة ھذا فيما � تزال حادثة قتل . الواحدة، من دون حاجة إلى عائلة أخرى لتبادل الثأر

العكارية وفي وسائل كرم البازي زوجته رو� يعقوب في حلبا، حية راعفة في البلدة .اQع�م وحم�ت الناشطين المدنيين

يبدو أن أعداد مثل ھذه الحوادث مرشحة الى ا�رتفاع في المقبل من ا<يام، بعدما أظھرت إحصاءات أن امرأة تقتل شھريا في لبنان في السنوات ا<خيرة، بسبب

ئية لم تحسم بعد ما إذا فالتحقيقات القضا. جرائم الشرف والخ�فات العائلية والزوجيةكانت بثينة الزين قد انتحرت حرقا أم أن زوجھا أحرقھا، بسبب زواجه من طليقة

قتلت بغداد العيسى في قرية الوزاني، بطعنات سددھا ٢٠١٣شباط ٨في . شقيقھاأما صونيا ياغي فقتلھا شقيقھا أيضا . شقيقھا الى خاصرتھا لدواعي غسل الشرف

منطقة باب الرمل بطرابلس، بعدما شاھدھا برفقة شاب في بطلقات نارية في .الشارع

لكن، اذا كانت الثقافة المحرضة على ارتكاب جرائم الشرف والثارات العشائرية، تختلف عن بواعث الجرائم ا�خرى، فإن حوادث العنف والقتل تتشابه في معظمھا

لى القوة الذاتية العارية، في استسھال ا<فراد والجماعات اQقدام على ا�حتكام إالعضلية والمسلحة غالبا، في كل صغيرة وكبيرة من شؤون الحياة اليومية

.وشجونھافي عراك، بين أفراد عائلتين في بلدة ب�نة الحيصة في عكار، استعملت فيه العصي

). ٢٠١٣تموز ٢٢، ”النھار“(والسكاكين، قتل شخص بضربة عصا على رأسه

” حزب e“عائلة في بلدة شقرا الجنوبية، محاطة برھط من مقاتلي وفيما قامت” سقط أثناء قيامه بواجبه الجھادي في سوريا“الذي ” المقاوم“ومقدميه، بتشييع ابنھا

ادعت النيابة العامة العسكرية على ستة موقوفين “، )٢٠١٣تموز ٢٢، ”النھار“(تأليف عصابة ”، فاتھموا بـ”خائرلبنانيين ضبطت في حوزتھم ث�ث بنادق حربية وذ

.”مسلحة للقيام بأعمال إرھابية

، في إشارة منھم الى تبرير ”أفادوا أنھم يؤيدون المعارضة السورية“لكن المتھمين ). ٢٠١٣تموز ٢٠، ”النھار“(حيازتھم ا<سلحة

فبأي معايير قانونية وحقوقية ووطنية يعتبر نصير المعارضة السورية المسلح الى ” حزب e“، قبل أن يستخدم س�حه في نصرتھا، بينما يشيع مقاتل ”ھابيا إر“

ما بوصفه زا مكر] ! ، بعد قتاله الى جانب النظام السوري؟”جھاديا “مثواه معز]

Page 31: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

على القبول بھذه ” ا�رھاب“في ھذه الحال، ما الذي يحمل أھالي الموقوفين بتھمة ! ؟”حزب e“في عقيدة ” جھادا مقدسا “التھمة التي تنقلب

وصحبھم وجماعتھم على نصرة ” اQرھابيين“وما الذي يحول دون إقدام أھالي أبنائھم الموقوفين بالس�ح، إذا استطاعوا الى ذلك سبي�، على ما فعل أحمد ا�سير

! وجماعته في صيدا؟

تابعة ھذا فيما حاصرت جماعة من أھالي بلدة بليدا الجنوبية دورية اسبانية ل�شتباه في أن عناصرھا تقوم بالتقاط صور في البلدة، فاستمر “، ”اليونيفيل”لـ

، من )٢٠١٣تموز ٢٢، ”النھار“(” الحصار نحو ساعة حتى تدخل الجيش اللبنانيأن ” اليونيفيل“نفى مصدر في “دون أن يعتقل الجيش أيا من المحاصرين، فيما

التي يبدو أنھا تتمتع بحكم ” ور في البلدةتكون عناصر الدورية قد التقطت أي ص . ”الحزب المقاوم“ذاتي أھلي في حمى

أما في حي آل الكيال في بعلبك، فقد أقدم جرافة تابعة لبلدية “على حرق ” مجھولون“

في الحي ” المدينة، وأقفلوا مكب النفاياتدورية من مخابرات “نفسه، بعدما قامت

مذكرة الجيش اللبناني بتوقيف مطلوب بفي الحي الذي اتھم أھله البلدية ” توقيف

٢٠، ”النھار“(” التورط في عملية التوقيف”بـ ).٢٠١٣تموز

من يوميات ! في ھذه الحال، كيف يكون مجھو� من أقدم على حرق الجرافة؟ حوادث العنف المتنقلة في الديار اللبنانية، أقدم مسلحان يمتطيان دراجة نارية على

على عناصر حاجز لقوى ا�من الداخلي، في محلة كورنيش المزرعة، إط�ق النار ، فاضطر )داكن(” مفيم“بعد احتجاز عناصر الحاجز سيارة مخالفة، زجاجھا

عناصر ا<من الى الرد على مصادر النار، مما أدى الى إصابة أحد المھاجمين، )٢٠١٣تموز ٢٠، ”النھار“(وتوقيف رفيقه

صندوق الفرجة

غيض من فيض يوميات حوادث العنف والقتل المتناسلة في مجتمع التحلل، ھذا مجتمع تھجم فيه . مجتمع التمدن البدائي والدبيب البطيء لعنف الحروب المتمدنة

Page 32: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

وسائل اQع�م والتواصل ا�لكتروني ھجوما محموما على أخبار تحلله الذي تحسب . ه � يصيبھم، بل يصيب اjخرينكل جماعة أنھا في منأى منه، ويحسب الجميع أن

.تعا تفرج يا س�م: كأن ھذه الب�د صندوق للفرجة، يھزج كثير من سكانه فرحين

)٥(! دولة خارجة على الدولة. المبنى ب

تتسارع وتائر الشغب والتمرد في سجن رومية المركزي، وكذلك ١٩٩٨منذ العام

ي الذ. معظم ھذه الحوادث مسرحھا المبنى ب. حوادث الفرار ومحاو�ت الفراروفي ظل . ”فتح اQس�م“فيه الموقوفون ا�س�ميون، وفي طليعتھم عناصر ” ينزل“

التسيب والفساد المستشريين في إدارة السجن، يبدو حبل الشغب والتمرد والعنف .والجريمة فيه مشرع على الغارب

، لم يكن الخبر ١٩٩٨قبل انتفاضة السجناء في سجن رومية المركزي في نيسان ونز�ئھا وحوادثھا حاضرا في التداول اللبناني العمومي، و� عرف عن السجون

لبنان بوصفه بلد مداھمات أمنية واعتقا�ت وسجون، خ�فا للبلدان العربية الشھيرة بأنظمتھا المخابراتية ومعتق�تھا وأدب سجونھا، وخصوصا العراق البعثي الصدامي

في رومية وا�خبار المدوية عنھا لم لكن انتفاضات السجناء. ”سوريا ا<سد”وتكرس للبنان صورة بلد اعتقا�ت وسجون، قدر ما كشفت عن حال اQھمال

الحريات في “والفوضى والتخلف في نظام ھذه السجون وإدارتھا، وعن أن بلد . والحروب ا<ھلية الملبننة لم يكن يوما، ولن يكون، بلد اعتقا�ت وسجون” الشرق

افتتح سلسلة متتالية من ا�نتفاضات والفرار من سجن ١٩٩٨ث في بل ان ما حد .رومية، � تزال تتكرر فصولھا حتى اليوم، و� يبدو أنھا ستتوقف في ا<يام المقبلة

yفي سنوات الحرب خلت السجون اللبنانية من نز�ئھا تقريبا، لكنھا راحت تغصلذي ظلت سجونه على حالھا، وتزدحم بھم في زمن الوصاية السورية على لبنان ا

Page 33: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

بل تدھورت أنظمتھا وخدماتھا وإدارتھا وضاقت مساحاتھا وازدادت قسوة وإھما� عما كانت عليه قبل الحرب، واستشرى فيھا الفساد الذي أخذ يضرب معظم مؤسسات الدولة، بعدما دمرتھا الحرب، من دون أن تقوى حكومات الوصاية على

.والفوضى والفسادانتشالھا من لجة ا�نحطاط

س فيه fوھكذا جاءت انتفاضة سجناء رومية نذيرا من ذلك القاع ا�جتماعي الذي كدسجينا في زنزانة � تستوعب ٣٠: من ساقتھم أقدارھم وأفعالھم الى بؤسه وقسوته

. أكثر من عشرة، ث�ثة آ�ف سجين ينتظرون المعاينة الصحية لدى طبيب واحد

جناء موقوفون منذ سنوات من دون محاكمة، ومنھم مرتكبو أعداد كبرى من السلم يكن بين السجناء . جرائم مخدرات ھي أقرب الى مآس انسانية منھا الى جرائم

سجينا موقوفين بتھمة الخطف وا�رھاب وا�عتداء على ٢٣المنتفضين آنذاك سوى ج النوافذ وبعدما أحرق المنتفضون الفرش وا<غطية وحطموا زجا. أمن الدولة

وخلعوا بوابات الزنازين، وشطب بعضھم جسمه بآ�ت حادة، أذاعوا مطالبھم، في ٨٠فجاوبھم وزير الداخلية، ميشال المر آنذاك، عبر مكبر للصوت قائ� إن

.في المئة منھم يمكن أن يكونوا بريئين ٩٥المئة من المطالب محقة، و

وزراء، بغية إص�حھا وتحسين ثم وعد بعرض أوضاع السجون في جلسة مجلس ال خدماتھا وأنظمتھا، لكن ا�نتفاضة ت�شت بعد يومين، وذھبت الوعود أدراج الرياح، وتفاقم ا�كتظاظ والبؤس واQھمال في زنانين رومية التي استضافت في مطلع العام

موجات مت�حقة من المعتقلين والموقوفين اQس�ميين بتھم اQرھاب ٢٠٠١لى أمن الدولة في حادثة الضنية الشھيرة التي ھزت لبنان في الليلة وا�عتداء ع

بوصفه مرتعا للموقوفين ” المبنى ب“ومذذاك برز . ا<خيرة من ا<لفية الثانيةا�س�ميين من دون محاكمات، وأخذ أھالي ھؤ�ء ينظمون وقفات احتجاجية

ء على ذمة التحقيق، والذين بمساعدة ھيئات دينية لXسراع في محاكمة أبنائھم السجناقاموا بدورھم بحركات احتجاج داخل السجن، منھا إضراب بعضھم عن الطعام في

.، عشية ا�ع�ن عن بدء محاكماتھم٢٠٠٢أيار

لكن فصول موقوفي الضنية اQس�ميين ظلت مفتوحة حتى عشايا ا�نتخابات ي أدت الى عقد ، والت٢٠٠٥النيابية ا<ولى من دون وصاية سورية في صيف

ضربت عرض الحائط باQجراءات القضائية والقانونية، فجرى ” سياسية“صفقة اQفراج عن عدد من الموقوفين اQس�ميين <سباب انتخابية، في مقابل اQفراج عن

سمير جعجع، في عملية تذكير بتبادل طائفي للمخطوفين في ” القوات اللبنانية“قائد .زمن الحرب

Page 34: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

فرارانتفاضات و

في سجن روميه، بل ھو تكرس سجنا للموقوفين ” .المبنى ب“لم ينه ذلك قصة بين الجيش اللبناني ومسلحي منظمة ا�س�ميين قبيل انفجار حرب مخيم نھر البارد

، فتكدس في المبنى مئات من المعتقلين بتھمة ا�نتماء ٢٠٠٧في ايار ” فتح ا�س�م“ . ميينالى تلك المنظمة وسواھم من ا�س�

. ھؤ�ء جلھم من الفلسطينيين والسورييين الى اس�ميين طرابلسيين وعكاريين

سجينا في ٥٠، ورد ان ”الخيام لتأھيل ضحايا التعذيب“وفي تقرير نشر على مدونة نتيجة تدھور الخدمات الصحية في سجن اختصرت ٢٠٠٧روميه توفوا العام

. دون ان تجري تحقيقا في ا�مر ادارته سبب وفاتھم بالسكتة القلبية، من

تتالت في السجن حوادث الشغب والتمرد في مبنيي ٢٠٠٨ومنذ مطالع العام المحكومين والموقوفين، اضافة الى حوادث فرار ومحاو�ت فرار من المبنى ب

. خصوصا

بعملية شغب في مبنى المحكومين، تحولت تمردا ٢٠٠٨نيسان ٢٤بدأ ذلك في انعدام التدفئة والتبريد وسوء التغذية وغياب ا�سرة واھتراء احتجاجا على

. المراحيض وعدم وجود مياه ساخنة في السجن، فأحرق السجناء الفرش وا<غطية

مجندين من ٥ساعات، وتمكن السجناء من اسر عريف و ٩استمر التمرد حوالى ھما فلسطيني قوى ا�من، فجرت مفاوضات بين ادارة السجن وقائدي التمرد، احد

وبينت تحقيقات صحافية ان ا�نقسامات والنعرات وا�حتقانات . واjخر لبنانيالقائمة في المجتمع اللبناني انتقلت الى السجناء وأخذت تحدث شجارات في ما بينھم،

.كما تردد ان رجال ا�من يعاملون السجناء بناء على انتماءاتھم الطائفية

السوري طه احمد حاجي ” فتح ا�س�م“رار موقوف من أعقبت ھذا التمرد عملية ف، فيما قبض على سبعة سجناء ٢٠٠٩ايلول ١٨فجر ” .المبنى ب“سليمان من

آخرين من المنظمة عينھا حاولوا الفرار بواسطة أغطية موصولة كحبال مدوھا من طع حديد الطبقة الثالثة من مبنى المحكومين الى باحة السجن الرئيسة، بعد قيامھم بق

وتبين ان عملية قطع قضبان الحديد والتحضير للفرار . نافذة القاووش بنصلة منشاراستغرقتا اسبوعين، وضع السجناء في اثنائھما معجونا اسود في مكان القضبان

٢٠١٠تشرين الثاني ٢٢وصبيحة عيد ا�ضحى في . المقطوعة تضلي� للحراسر، فيما باءت بالفشل محاولة زميله السوري تمكن السجين وليد البستاني من الفرا

. منجد الفحام اللحاق به

Page 35: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

، وبينت تحقيقات المفتشية العامة في قوى ا�من ”فتح ا�س�م“ك� السجينين من الداخلي تورط مجند في قوى ا�من في تسھيل عملية الھرب، بتأمينه للسجينين

ريات، فقطعا به حديد نافذة لقطع الحديد يعمل على البطا) صاروخا(جھازا صامتا وبواسطة حبل أمنه لھما المجند تمكن البستاني من النزول من الطبقة . القاووش

وھذا ما لم يستطعه الفحام بسبب انقطاع الحبل، . الخامسة الى باحة السجن الخارجيةفھوى الى الباحة واصيب بكسور في عظامه ادت الى بقائه مغميا عليه يئن حتى

ر العيد، فسمعت احدى الزائرات انينه وأبلغت الحراس الذين نقلوه الى غروب نھااما البستاني فكان انتظر خروج قوافل الزوار واندس بينھم وخرج . مستشفى السجن

.من بوابة السجن الرئيسية

حاف� بالتمرد

ففي مطلع نيسان من . حاف� بتمرد سجناء رومية وبفرار بعضھم ٢٠١١كان العام عام بدأ السجناء تمردا واسعا ضد ما اعتبروه إجراءات انتقامية قام بھا ضدھم ذلك ال

. ضابطان من قوى ا<من الداخلي في بداية احتجاجھم على سوء المعاملة

منه، أشعل السجناء في أثنائھا حرائق ٨و نيسان ٥استمر التمرد ث�ثة أيام ما بين جين روي عازار في انفجار قنبلة في المبنى ودمروا بعض محتوياته، فقتل الس

صوتية حاول رميھا على عناصر القوة ا<منية أثناء قيامھا بعملية دھم السجن Qنھاء . أما السجين جميل أبو غني فقضى بأزمة قلبية حادة في نھاية عملية الدھم. التمرد

سمح لكن الجديد كان قيام أھالي السجناء بتجمعات احتجاجية أمام السجن، وإذ لم ي لھم بالدخول إليه، قاموا برشق رجال ا<من بالحجار وقطعوا الطريق المجاورة للسجن، ما حمل عسكريا من فوج المغاوير على قيادة سيارته مسرعا محاو� تفريق المعتصمين، فصدم إمرأة ھوت إلى ا<رض وأصيبت برضوض في رجلھا، فنقل

. ا�ھالي ا�عتصام الى أمام مجلس النواب

المبنى “، نشر خمسة سجناء في ٢٠١١آب ١٣عد أربعة أشھر، في منتصف ليل بحديد شباك زنزانتھم، وخرجوا منھا تباعا ھابطين بواسطة شراشف موصولة ” ب

ث�ثة منھم ينتمون إلى . إلى باحة السجن الخارجية، ثم إندسوا بين الزوار وفروالشكري وعبد العزيز أحمد ، ھم السوريان عبدe سعد الدين ا”فتح اQس�م“

أما اjخران فھما موقوف سوداني وآخر . المصري، واللبناني عبد الناصر سنجر .”أبو طلحة“يدعى ” القاعدة“كويتي من تنظيم

المبنى “فقبل فرار ث�ثة سجناء من . كان حاف� بدوره بعمليات الفرار ٢٠١٢العام د دقيق لطريقة فرارھم، قامت ، من دون أن تتمكن قوى ا<من الداخلي من تحدي”ب

Page 36: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

بتوقيف امرأة حاولت إدخال أجھزة ٢٠١٢كانون الثاني ١٩القوى ا<منية في . ھاتف خليوية في وجبة طعام تحملھا Qبنھا السجين

ما أن علم اQبن بتوقيف أمه، حتى عمد مع رفاقه السجناء إلى إثارة شغب في � بعدما علم اQبن بأن ا<م سيطلق السجن، استمر حتى السابعة مساء، ولم يتوقف إ

لكن الفضيحة تجلت في أن فرار السجناء الث�ثة جرى . سراحھا بسند إقامةبالتواطئ مع عناصر من قوى ا<من، وفي أن كاميرات المراقبة في السجن معطلة

.٢٠١٠منذ العام

بالخارج ھذا إضافة إلى قدرة السجناء الدائمة على ا�تصال عبر الھواتف المحمولة أحبط رجال ٢٠١٢تشرين الثاني ١وفي . وبنواب وسياسيين ومسؤولين كبارا

، بعد ضبطھم شادورا نسائيا وحبا� في ”فتح اQس�م“ا<من محاولة فرار سجناء من كانون ا<ول، أحبطت قوى ١٣بعد حوالى شھر، أي في . إحدى قواويش السجن

، قاموا بقطع حديد ”فتح اQس�م“فا من ا<من محاولة فرار جماعية لعشرين موقونوافد مشغل السجن، وبإحداث ثغرة في جدار يصلون عبرھا إلى مكتبته التي كانوا

من الشھر عينه حدث تململ بين سجناء ٢٣وفي . أحرقوھا في عمليات شغب سابقة .مبنى المحكومين، بعد تلقيھم أوامر بنقلھم إلى مبنى آخر

كانون ٢في : عام الحالي تزايدت وتيرة الحوادث في السجنفي الشھر ا<ول من ال

” .المبنى ب“الثاني الماضي، وقعت أعمال شغب وإحراق فرش وأغطية في احتجاجا على انقطاع المياه، وقام سجناء بخطف عسكريين من الحراس، ثم أطلقوا

.سراحھمفي المبنى ب غسان لكن الحادثة ا<خيرة كانت ا�نتحار المشبوه للسجين الفلسطيني

كانون ١٧قندقلي الذي قيل إنه شنق نفسه بوشاح من الصوف في المرحاض في وثمة اعتقاد بأن قندقلي تم شنقه، على ما ذھبت إليه الظنون الناجمة . الثاني الماضي

من الشھر نفسه، عملية فرار جماعي Qس�ميين في ٢١عن إحباط قوى ا<من في ا طوال ث�ثة أشھر للعملية، فقطعوا قضبان الحديد في ، بعدما خططو”.المبنى ب“

الباب الفاصل ما بين المبنى وبرج المراقبة، ونصبوا شراشف موصولة على أربعة وشاع أن خلية . خطوط بطول عشرات ا<متار للتزحلق عليھا من البرج إلى الخارج

ليه تھمة أو حلقة من السجناء اQس�ميين أجرت محاكمة لقندقلي بعدما وجھت إ .اQغتصاب والقتل، وحكمت عليه باQعدام ونفذته شنقا في المرحاض

Page 37: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

ا*ھمال والتسيب

تجمع ا<خبار والتحقيقات الصحافية، وكذلك روايات بعض اQس�ميين المفرج عنھم وسواھم من ” فتح اQس�م“من سجن رومية بعد قضائھم سنوات فيه، على أن سجناء

ية أصحاب الميول اQس�مية، يقيمون ما يشبه إمارات داخل السجن، أي خ�يا دعووإرشادية، فيصدرون فتاوى وأحكاما تتعلق بسلوك السجناء، كأنھم امراء ودعاة في

وقد ساعدھم في ذلك ما قاموا به من أعمال تمرد . إس�مي خاص بھم” مجتمع“وعصيان متعاقبة، أرغمت إدارة السجن ا<منية على تركھم وشأنھم وت�في التدخل

دات يفيد بأن السجناء اQس�ميين حتى ان بعض الروايات والشھا. في شؤونھم .صارت لھم كلمتھم في اختيار ضباط ا<من الذين يشرفون على إدارة السجن

ولXنتماءات والو�ءات الطائفية نصيب وافر في تعاطف عناصر القوى ا<منية مع ويبلغ التعاطف . السجناء وغض النظر عن أفعالھم وعما يصل إليھم من الخارج

تواطىء بعض رجال ا<من مع اQس�ميين لقاء رشاوى، مما يتيح وغض النظر حد للسجناء الحصول على ما يحتاجون إليه من أجھزة اتصال، إلى آ�ت ووسائل

عبد الحميد كرامي (” ساحة النور“وحين أقيمت في . يستعملونھا من عمليات الفرارمن أجل تسريع الطرابلسية خيمة إعتصم فيھا إس�ميون قبل حوالى سنة،) سابقا

محاكمة الموقوفين اQس�ميين، كان التواصل الھاتفي يوميا ما بين المعتصمين وأحد في السجن، فيتلقى المعتصمون منه إرشادات تتعلق بتصعيد ” فتح اQس�م“مشايخ

.اQحتجاج والتظاھر، ويطلعونه على ما يجري ويحدث في ساحة اQعتصام

Page 38: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

لتسيب واQھمال وسوء الخدمات في سجن رومية، في حال جمع ھذه الوقائع، مع ايمكن القول إن ذلك السجن ليس أقل من قنبلة موقوتة قابلة Qنفجارات متتالية في ظروف ومواقيت، يختارھا السجناء بالتنسيق مع أھلھم وجماعاتھم خارج السجن

إدارة السجون فالقوانين وا<نظمة المتعلقة ب. الذي تشبه اQقامة فيه اQقامة في الجحيمسجن “وتصنيف السجناء غائبة تماما في لبنان، على ما أشار عمر نشابه في كتابه

. ”روميه إن حكى

والغياب يشمل تصنيف السجناء وفقا لجرائمھم وسجلھم اQجتماعي والنفسي، ويشمل كذلك برامج تأھيل وعناية تضمن إنز�ق السجناء إلى العنف والشذوذ والجريمة

فقوى ا�من الداخلي المولجة بادارة السجون في لبنان غير مؤھلة . جنداخل السوالضباط المشرفون على ا�دارة � يتلقون تدريبا مھنيا . اص� لھذه المھمة

عھد إلى قوى ا�من ١٩٦٤فالقانون الصادر العام . متخصصا للتعامل مع السجناءية خاصة لھذه الغاية، على ان الداخلي ادارة السجون موقتا، واقترح انشاء مدير

لكن ھذه المديرية � تزال حبرا على ورق حتى . تخضع �دارة وزارة العدلومنذ افتتاحه في مطلع السبعينات، � تزال تجھيزات سجن رومية على . الساعة

ثم ان السلطات اللبنانية � تولي اھتماما للحد . حالھا من دون تجديد و� صيانة .ا�نسان والمعايير الدولية في ادارة السجون ا�دنى من حقوق

الحلول المؤجلة

المدير العام لقوى ا<من الداخلي اللواء اشرف ريفي اشار بعد تمرد السجناء في سجين، وكاد تمردھم ان ٣٧٠٠، إلى ان عددھم في روميه يبلغ ٢٠١١مطلع نيسان

” فئات ث�ث متنافرة“ وقسم ريفي السجناء إلى. يصل إلى حد سيطرتھم على السجنالفئة ا�ولى ھي . ”مذابح“تقوم بينھا ع�قات قابلة �نفجار عنيف قد يؤدي إلى

مخدرات التي تشمل الموقوفين بجرائم قتل وسرقة وتعاطي” المجموعة الجنائية“. ”ذوي الخصوصية ا�منية“الفئتان ا�خريان تجتمعان تحت عنوان . واQتجار بھا

وسواھم من ا�س�ميين، والثانية تضم الموقوفين ” فتح ا�س�م“ ا�ولى تضم عناصروتستفحل بين ھاتين الفئتين . والمحكومين في جرائم التعامل مع العدو ا�سرائيلي

عدم وجود سجون خاصة حتم وضع ھذه . عداوات قابلة ل�نفجار في اي لحظةلكن عمليات التمرد .الفئات المتنافرة في سجن واحد، بعد عزل كل فئة عن ا�خرى

أدت إلى ازالة معظم ا<بواب الفاصلة بين ھذه الفئات، من دون ان يعاد اص�ح .ا�بواب

وجه ريفي كتابا إلى مجلس الوزراء يحذر فيه من احتمال ٢٠١٠آب ٢٧في استند الكتاب إلى تقرير اشار إلى الخطر المتفاقم . كبير في سجن رومية” انفجار“

Page 39: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

موقوفا اس�ميا إلى المحاكمة، وعن عدم توزيعھم ٢٨٠حالة الناجم عن عدم اوعزلھم، ما دامت التوجھات إياھا تجمع بينھم وتشكل خطرا عليھم وعلى سواھم

واعترف ا�منيون، وفقا للتقرير، بأن الفساد اصاب الجسم ا�مني في . من السجناءب المخدرة، السجن، مما سھل حصول السجناء على الھواتف الخليوية والحبو

والمراقبة ا�لكترونية وسواھا من . وغيرھا من ا�دوات التي تمكنھم من الفرارالتجھيزات ا�منية معدومة في سجن رومية، وما استقدم منھا تبين أنه غير صالح

آ�ف سجين محشورون في سجن � ٥واذا اضيف إلى ھذا كله ان حوالى . للعمل. ا تنذر حال ا�ھمال والتسيب القائمة في ھذا السجنيتسع <كثر من الفين، نعلم بماذ

:ومما اقترحه تقرير ريفي لحل ھذه المعضلة

.استعجال القضاء في بت ملفات الموقوفين -

.ايجاد حل جذري لترحيل ا�جانب المنتھية محكومياتھم -

.ا�سراع في عملية الحاق ادارة السجون بوزارة العدل -

.اص للموقوفين من ذوي الحا�ت ا<منية الخاصةالعمل على ايجاد سجن خ -

*********************

-------------------

Page 40: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

)٦( الغائب الفولكلور اللبناني والتأريخ

نائي الناطور من أشخاص الحنين في ا<غاني اللبنانية وفي لوحات المسرح الغ

ھو في صور الحنين . ا�ستعراضي اللبناني في الربع الثالث من القرن العشرينالفولكلوري تلك، شخص مرسوم بألوان مائية رقيقة زاھية، وجواب دروب وبساتين

يمضي ناطور ا<غاني ” المنطرة“في خيمة . أقنية ري” حفافي”وحقول ومزارع ومثله من ” بري“ه ولياليه وحيدا أو مع رجل واللوحات الفولكلورية أوقاتا من نھارات

ضوء فانوس شحيح أو ظ�ل من ضوء القمر والنجوم . الرعاة أو المكارين العابرين .البعيدة، تنير الخيمة في عتمة ا<وقات الليلية

من ھذه . لكن الناطور في المرويات العامية غيره في ھذه الصور واللوحاتع النواطير رجا� اشداء، غالبا ما يبدأون عملھم المرويات في قرى الساحل يطل

” البريان“وافدين أو طارئين على دوائر ا�جتماع القروي، فيؤھلھم دورھم وعملھم أعمال وأدوار اخرى في خضم تغير وإقامتھم على تخوم تلك الدوائر، ل�نتقال الى

.نمط العيش والع�قات ا�جتماعية

حماة السقي والنواطير

ي مرويات خليل الفغالي وميشال ا�بيض يستمد النواطير حضورھم من الوظيفة فحماية البساتين، : الحيوية التي يوكلھم بھا ا<ھالي في نمط حياتھم القروية الزراعية

ا�شراف على توزيع مياه الري من ا�قنية، ومراقبة تدفقھا وجريانھا فيھا، الحازمية، (لسقي، من سفوح الجبل ووصولھا، في مواقيت معينة الى اراضي ا

كان عمل النواطير يتطلب نوعا من الرجال ا�شداء في مجتمع ). الحدت، وكفرشيما

Page 41: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

.كانت القوة العضلية او البدنية من اعمدة اعماله ومھنه وقيمه وع�قاته العامية� يخفى تأثير شخصية الناطور ودوره وحضوره في مجتمعه الزراعي وقيمه، على

.ة الفغالي وميوله منذ طفولته التي ارتسم فيھا الناطور مثا� له ولسواه من امثالهنشأ

في المريجة، كان من فتوات ١٨٨٨فإبن عم والده، المدعو مسعود، والمولود عام مرفأ بيروت منذ عشايا الحرب العالمية ا<ولى حتى نھاية الحرب العالمية الثانية،

اتين السقي في المريجة وتحويطة الغدير، وصو� إلى قبل تعيينه ناطورا على بسكروم الزيتون في صحراء الشويفات، فانجذب الفغالي الفتى الى شخصية قريبه

شاربان مفتو�ن، على خصره مسدس وخنجر وجناد : ودروه، وحكاياته ورح�تهاثناء رح�تھما معا في الحقول . من الخرطوش، وبندقية صيد معلقة بكتفه

ساتين، افتتن الفتى بحكايات الناطور القديمة، ايام كان يھرب في قاربه الصغير والبمھاجري جبل لبنان من المرفأ الى البواخر في عتمات الليل، كما يھرب اسلحة

. المھاجرين العائدين من أميركا الى لبنان

بنت نجمة ”و” سفر برلك“تبدو ھذه الصور كأنھا مستلة من فيلمي ا<خوين رحباني لكن ال�فت فيھا ھو خبر الفغالي عن اكتساب قريبه مسعود دور الفتوة . ”الحارس

ھذه الواقعة تتكرر ايضا في . خارج ضيعته المنقطع عنھا طوال عمله في المرفأبنية النواطير البدنية القوية التي تمكنھم من القيام بعملھم : مرويات ميشال ا<بيض

نشأة ھؤ�ء الرجال : وعن عامل آخر اجتماعي ، تصدر عن ميل فطري”البري“وإقامتھم خارج دوائر ا�جتماع، وعلى تخومه، كأنھم من الطفار أو الطياح التائھين

ھنا ايضا . في المرويات الشعبية اللبنانية في عشايا الحرب العالمية ا<ولى وغداتھاوتيھه طياحا، قبل يحضر ما رواه منصور الرحباني من سيرة والده العائد من مصر .إنشائه مقھى على فوار انطلياس، واستقراره في الضيعة الساحلية

في وجه من وجوھھا، تشير ھذه المرويات والصور المتكررة في الفنون الفولكلورية، الى أن النواطير وأصحاب المقاھي والخمارات فيھا، غالبا ما يشرعون

رد وفرار، ل�قامة وا�ستقرار في أعمالھم ھذه بعد عودتھم من رح�ت تشوالتوطن، أو بعد ھجرتھم ل�قامة في موطن جديد، لكن على تخوم دوائر السكن في مجتمع محلي اخذ ينحو نحو ا�ستقرار، وتنشأ فيه أعمال وأدوار جديدة ومتجددة،

له السيرة العائلية jل ھذا ما تنقل صورة عنه ومثا� . بعيد الحرب العالمية ا�ولى .ا<بيض التي توطنت في السقي على تخوم دوائر السكن في حارة حريك

روى ميشال ا<بيض ان والده الياس، المولود مطلع القرن العشرين في فالوغا كبرى عائ�ت (بأعالي المتن، اصطحبه من موطنه ا<ول ھذا، رجل من آل الدكاش

فالوغا، وشغله في كان يصطاف وعائلته في ) حارة كريك وأقدمھا توطنا فيھا

Page 42: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

بعد مدة قصيرة اشترى عامل . كرخانة للحرير في الحارة بعيد الحرب ا<ولىقطعة ارض صغيرة، يكني اسمھا عن عودة من مھجر (” عودة“الكرخانة الشاب

على طرف بساتين سقي الحارة الشرقي الخالي من السكن، ) ل�ستقرار في موطنثم سرعان ما استقدم زوجته وبكر اطفاله من فأنشأ فيھا كوخا، واخذ يزرع العودة،

فالوغا Qقامة زراعية دائمة في السقي، حيث أنجب سبعة او�د، منھم الراوي . ١٩٣٠المولود عام

في ا�ثناء كان الياس ا<بيض قد استقدم ايضا الى موطنه الجديد إخوته الث�ثة مع . ث�ثة ما بين خمسة أو�د وسبعةابنائھم الذين تزايد عددھم، فصار لكل من ا�خوة ال

زراعية عائلية مع توسيع أم�ك آل ا<بيض، بعيدا من دوائر ” ديرة“ھكذا نشأت الخ�ء الذي تعبره الرياح قوية باردة في (على باب البوغاز “: السكن في الحارة

على التصدي للغرباء، برغم كوننا –قال الراوي –حيث ساعدتنا كثرتنا ) الشتاء . ”عائلة في الحارة أصغر

الغرباء ھؤ�ء، ھم ط�ئع عشيرة آل المقداد النازلين من جرود جبيل، الى الطرفين ، في مطالع )المسيحية(وحارة حريك ) الشيعية(الشماليين لكل من برج البراجنة

العشرينات من القرن العشرين، وفقا لرواية رستم المقداد المولود في حي آل المقداد ميشال ا<بيض الذي أبى ان يذكر من ھم . ١٩٤٤لجھة الحارة في العام العشائري

بيننا وبينھم “الحارة، وكانت تحصل ” خارج“، اكتفى بالقول انھم من ”الغرباء“الخ�ء على الحدود ما بين “، مشددا على موقع اقامة عائلته الموسعة في ”مناوشات

أنا. الحارة والرويس وبرج البراجنة على أدوار التصدي –أضاف – وھذا ما نش] .”والمنازلة التي تتطلب الشدة والسطوة والبأس

كان رجال آل ا<بيض بطاشين � “: راوي آل المقداد شدد على ذلك ايضا ” شيخ شباب“: ، قال رستم، من دون ان يتكتم عن انه كان من المعدن نفسه”يرحمون

آل ” ديرة“غير بعيد من عشائري في الحي العشائري على طرف حارة حريك، .ا<بيض العائلية التي سميت حي ا<بيض في مواجھة حي المقداد

لم يقل راوي آل ا<بيض ان الدور الذي تصدت له عائلته ونشأت عليه، ذودا عن حارة حريك المسيحية، ولحيازة ا�نتساب اليھا والتأصل فيھا، شبيه بأدوار الحاميات

تكرر حضورھا في التراث العربي ا�س�مي، ومنھا العسكرية في الثغور التي يالتراث العثماني المتأخر زمنا، والذي كانت ظ�له � تزال ماثلة في ا�جتماع

.اللبناني

Page 43: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

في موطنھم الجديد، أو ” صو�ت وجو�ت“الدور ھذا جعل آل ا<بيض أصحاب ر العائلي نفسه ھو الدو. الحامية التي استمدت إسمھا من كنيتھم العائلية –” ديرتھم“

الذي أھل عم الراوي، حليم، بكر إخوته الوافد من فالوغا، ليعين ناطورا على ، ”صاحب أدوار ومراجل وقبضنة“بساتين الحارة وأقنية مياه الري فيھا، <نه كان

تعضدھا شكيمة رجال العائلة الموسعة وشبانھا في السقي، على تخوم المجتمع الذي قاموا نواة سكنية خارج مركزه السكني ا<قدم عھدا، ودافعوا عنه، وفدوا اليه، وأ

.وعملوا في مھن تتطلب جھدا عضليا أكسبھم قوة وبأسا أقرب الى فطرة الطبيعة

والد الراوي، بعد انھيار ا�عمال الزراعية والصناعية المتصلة بالحرير، عمل ھذه مھنة، الى . ا با�سمنتتطيين جدران البيوت والمباني وسقوفھ: ”مورق بناء“

سواھا من أعمال البناء، كالطرش والدھان، راجت وانتشرت بين أبناء الفئات العامية في حارة حريك والمريجة، وعمل فيھا اثنان من إخوة الياس ا<بيض

في المباني الجديدة، الى جانب ” التوريق“وأو�دھما، فصاروا من ملتزمي أعمال .ار وبيع حليبھاالزراعة وتربية ا<بق

بعدما كانت والدة الراوي تنقل على رأسھا الخضر في مواسمھا لبيعھا في سوق مرورا بقصقص على حدود المدينة، حيث كان يدفع الباعة –بيروت للخضر

– ٤٠(صار والده صاحب مزرعة أبقار –ليسمح لھم باجتياز الحدود ” دخولية“ .من كبريات مزارع الحارة) رأسا ٥٠

قبضايات مافيا محلية

في مطلع ا<ربعينات كان الراوي ميشال ا<بيض � يزال في العاشرة من عمره، عندما أخذ عمه الناطور يتعاطى تجارة الس�ح في بطانة رجل يدعى إميل الخوري،

في مخيلة الراوي تبدو صورة الخوري أقرب الى نوع من رجال مافيا . وحمايته

Page 44: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

وھي . في مرويات الفغالي المشغوف برواية أخبارھم محليين، يكثر حضورھمأخبار تكشف عن نشوء ھذا النوع الجديد من الرجال في أدوارھم وشبكات ع�قاتھم

. على مسرح الحياة العامة المحلية وفي كواليسه في قرى الساحل وأحياء بيروت

ھم الك�م وسطاء متنوعي ا<دوار، أبرزھم من يسمي –تحوي ھذه الشبكات رجا� ظھر ھؤ�ء الوسطاء في . ”قبضايات ا<حياء”و” المفاتيح ا�نتخابية“: اللبناني الدارج

السياسية مع قيام دولة لبنان –سياق تحول ھجين في بنية الع�قات ا�جتماعية الكبير، وبلغ ذروته في العشايا والبدايات �ستق�ل لبنان عن ا�نتداب الفرنسي الذي

حياة السياسية وتسيير دفة الحكم وا�دارة العامة في الدولة الناشئة، ترك إدارة ال . <قطاب الجماعات اللبنانية وزعمائھا السياسيين

بعد تفلتھم من قبضة المندوب السامي وا�دارة الفرنسيين، أخذ ھؤ�ء ا<قطاب والزعماء من دھاقنة السياسة ا<ھلية يتنافسون ويختصمون على بناء عصبيات

وفقا –بكات أھلية وشعبية في النسيج ا�جتماعي للجماعات والمناطق، لتكون وشركيزة زعاماتھم ومعاركھم وأح�فھم في –لسيرة الفغالي ا�جتماعية ومروياته

. ا�نتخابات النيابية

أقطاب العائ�ت ووجھاؤھا : لعب ا<دوار ا<برز في ھذه الشبكات والعصبياتخاتير وأعضاء المجالس البلدية، الموظفون اQداريون، وأعيانھا المحليون، الم

ات و والقبضايات في القرى والبلدات وأحياء المدن، العاملون ” مشايخ الشباب”الفتو]وفي ظل ضعف المنظمات والھيئات الحزبية . في مھن النقل ومواقف السيارات

لشبكات المتنوعة المستقلة عن النسيج ا<ھلي العصبي، استعمل دھاقنة السياسة تلك اجسورا لتجييش ا<ھالي، وفي إثارة ھياجھم في ا<حياء والشوارع، وتھدئتھم خدمة

. لحاجاتھم ونفوذھم

كان ھنري فرعون وحبيب أبو شھ� ورياض الصلح وسواھم، من أقطاب ھذه المنافسات والمعارك، فيما كانت قرى الساحل منقسمة معسكرين في و�ئھا

ا<غلب أن فرعون كان صاحب النفوذ ا<وسع في . ودستوري كتلوي: ا�نتخابيتكون تلك الشبكات، بسبب شبكة مصالحه وأعماله الواسعة، و�سيما قوة نفوذه في أعمال ميدان سباق الخيل وبين م�]ك الخيول، ناھيك بقدرته المالية الكبيرة وتمويله

.المعارك ا�نتخابية للكتلة الدستورية

روى ميشال . ميل الخوري في حارة حريك من محازبي ھذه الكتلةآل ا<بيض وإا<بيض أن الخوري كان يستيقظ من نومه في الحادية عشرة ظھرا، فيجد في

يرتدي بذلة : ”مطقما “صالون بيته جمعا من الناس ينتظرون خروجه من غرفة النوم

Page 45: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

من الخدمات، يأتي طلبا <نواع شتى. إفرنجية وربطة عنق، ويعتمر طربوشه المائلعضويته أو : ھؤ�ء المنتظرون الى بيته، تقودھم اعتبارات وعوامل متنوعة متداخلة

عضوية أخيه في مجلس حارة حريك البلدي، نفوذه وسطوته وصيته بين أھاليھا، حظوته لدى أقطاب وزعماء سياسيين في الحكم يؤمنون له شبكة ع�قات بكبار

ة ومتوسطي مراتبھا، وبالجھاز القضائي وبضباط في الموظفين في ا�دارة العام . قوى ا<من والجيش

رجال من ھذا النوع غالبا ما � تعرف لھم مھنة وعمل علنيان محددان، سوى الظھور المتدرج على مسرح الحياة العامة المحلية الذي تختفي دائما في كواليسه

لك المسرح وأدواره العلنية، و� شبكة ع�قات رمادية ومتشعبة، بدونھا � قيامة لذقيامة لما يسمى في لبنان ع�قات وحياة سياسية قوامھا الخطوة والو�ء وا�ستز�م

.والمحسوبية والشقاق وا<ح�ف العائلية وا<ھلية

رجل مثل إميل الخوري الذي � تغيب أخباره عن مرويات قدامى الحكائين العاميين ور فاعل على ذلك المسرح الرمادي وفي كواليسه، في قرى الساحل، كان صاحب د

وصو� الى بيروت وبلدات ا�صطياف كعاليه وبحمدون، ما بين ا�ربعينات .والخمسينات

محلية ” حامية”دوره ذاك ھو نسخة جديدة ومتطورة لدور آل ا<بيض وناطورھم كـ سلطانية على تخوم حارة حريك أيام كانت ظ�ل الزمن العثماني وتقسيماته ال

� تزال ماثلة في الع�قة ما بين ) متصرفية جبل لبنان، و�ية بيروت(ا�دارية وما انضمام الناطور ا<بيض الى حاشية . الجماعات اللبنانية، وفي ع�قاتھا الداخلية

الخوري وبطانته، ا� مرآة لسطوع نجم ا<خير كشخصية شبه مافيوية يشير اليھا .همشھد حضوره في صالون بيت

ظھر في حارة ” فرخ قبضاي“اميل الخوري : ھذا ما يؤكده الراوية الفغالي بقوله حريك في بدايات عھد ا�ستق�ل، وكان ھنري فرعون وليه وحاميه، وراعي شبكة ع�قاته ونفوذه في ا�دارة العامة لقاء تجيير الخوري حظوته وسطوته المحليتين

المافيوي ” شيخ الشباب“رز، والذي به كان لصالح القطب النيابي الكاثوليكي ا�بالطابع في الحارة، يستقوي ويتجرأ على اط�ق النار من مسدسه في الھواء ترويعا،

.أو مصيبا خصومه عندما تدعوه الحاجة والظروف

في المقابل كان ولي أمر الرجل المافيوي، يتكفل تخليصه من تبعات افعاله، ويمده تصريف : مكنه من تلبية طالبي خدماته في صالون بيتهبأسباب الحظوة التي ت

معام�تھم في ا�دارة العامة، تخليصھم من احكام قضائية، مساعدتھم في ارتكاب

Page 46: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

الى k مخالفات والتملص من القوانين، السعي في حيازة ابنائھم وظائف حكوميةن ا�دارة العامة آخر قائمة ھذه ا<عمال وا�دوار الرمادية التي غالبا ما تسير شؤو

.اللبنانية ومعام�تھا الصغيرة منھا والكبيرة

)٧( ”المكشوف“ رحلة في منسيات

ا�سبوعية اللبنانية التي كانت ” المكشوف“لم أعثر على نسخ ورقية من أعداد

، واشتھرت كجريدة أدبية رائدة لمؤسسھا ١٩٤٩و ١٩٣٥تصدر في بيروت ما بين ، الى ”ر المسؤولرئيس التحري“بصفته ) ١٩٧٣ – ١٩٠٤(وصاحبھا فؤاد حبيش

، على ما يتصدر غلف أعدادھا كلھا ”جريدة أدب وفن وسياسة“جانب التعريف بھا في مكتبة ” ميكروفيلم“التي أمضيت بضعة نھارات أتصفح الكثير منھا على شاشة

.الجامعة ا�ميركية في بيروت

من دون خطة مسبقة وب� نظام، دونت أثناء تصفحي وقراءتي المتقطعة، طائفة مشتتة من عناوين أبواب ومقا�ت ومقتطفات منھا، وأسماء كتاب وشعراء

ھي رغبة تقصي تراث الصحافة . وصحافيين، وم�حظات وتعليقات وخواطرالتي لم أكن ” المكشوف“والحركة ا<دبية، لغة وموضوعات وأع�ما، ما قادني الى

١٥ة في لبنان طوال أعلم عنھا سوى أنھا كانت رائدة في صناعة الصحافة ا<دبيألوف من الصفحات والمقا�ت، مئات من ا�سماء والعناوين، تواترت تباعا . سنة

، فأصابني ما يشبه الدوار ”الميكروفيلم“وسريعا أمام ناظري على شاشة جھاز . والضياع

Page 47: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

بعض الصفحات والموضوعات وا�سماء مر بصري سريعا عليھا، وبعضھا اjخر ، فقرأت ھذا المقال أو ذاك، ودونت م�حظاتي آم� في استعمالھا استوقفني مطو�

لكنني في الحالتين، غرقت ھائما مأخوذا بتلك اللذة الغريبة . للتعريف بالمجلة القديمةأثناء رحلتي على بساط ريح، نسيجه الكلمات وا�سماء المنبثقة من فجوة في الزمن،

يني، مبعثرة كقطع بازل طالعة من ذلك الماضي والمنداحة سريعا أو بطيئا أمام عالبعيد اjفل والمنقطع، الذي تبعث محاولة تأليف صوره وعناوينه واتجاھاته، وتأويلھا، ضربا من المتعة المعذبة تشبه اختبار توليد زمن وحوادث وشخصيات

.وسياقات روائية

، للعثور على خيوط ھذه الحال �زمت قراءتي مدونات الرحلة بعد الفراغ منھا تمكنني من تنظيم قطع البازل المتناثرة التي جمعتھا من المتاھة، علھا تفضي الى رواية استقصائية وصفية لم�مح جزئية من تاريخ حقبة من الحياة الصحافية

.وا<دبية المنصرمة في لبنان

التاريخ المجھض

الدوريات القديمة في البداية � بد من م�حظة أولى يخلص اليھا متصفحتقنيات التوثيق وا<رشفة، وجمع المطبوعات والكتب : وسواھا” المكشوف”كـ

وتنظيمھا وتبويبھا واستعمالھا في مكتبات الجامعات غير الحكومية، متقدمة بأشواط على برامج التدريس والبحث وأساليبھما في مجا�ت العلوم ا�نسانية في ھذه

. الجامعات

Page 48: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

جامعة اللبنانية من ھذه المقارنة، فھو من تحصيل الحاصل، و� يبعث أما استبعاد الزرية التي انحدرت اليھا ھذه الجامعة منذ بدايات الحرب معلى غير التذكير بالحال ال

)١٩٩٠ – ١٩٧٥ .(

والحال ھذه تطاول أساليب التدريس والبحث وا�دارة واختيار المدرسين، وتبلغ ا<رشفة وجمع الكتب والمطبوعات وتنظيم المكتبات ذروتھا في مجا�ت التوثيق و

التي أھملت محتوياتھا وبليت وغزاھا التلف والغبار من دون أن تستعمل في حال .توافرھا في كليات الجامعة اللبنانية وفروعھا المتناسلة

في مكتبة الجامعة ا�ميركية، بليت ” الميكروفيلم“التي صانتھا تقنيات ” المكشوف“ا الورقية واھترأت، من دون أن تحظى بدراسة تعرف بھا وتضعھا في صفحاتھ

سياق � يزال مفقودا للحياة الصحافية والثقافية التي لم يؤرخ بعد <شكالھا الكتابية . وموضوعاتھا وأع�مھا

، فقد أجھض قبل حوالى ”المكشوف“أما مشروع إعادة طباعة منتخبات من أعداد النور، فذھب سدى، جھد ا�ختيار والتبويب والطباعة سنين من دون أن يبصر ١٠

ا<ولية الذي أنجزه الشاعر أنسي الحاج، ومات المشروع جنينا من دون أن يرثيه أحد، في وقت درج صحافيون وكتاب وشعراء على رثاء مظاھر الحياة الثقافية

. وأماكنھا الراحلة، و�سيما المقاھي التي أقفلت في شارع الحمراء

جاءت تلك المراثي شبيھة بالبكاء على ا�ط�ل في إطار ما يعتبره كثيرون أفول حقبة ثقافية بيروتية ولبنانية زاھية، ھي ستينات القرن العشرين والنصف ا�ول من سبعيناته التي رفعت أع�مھا ورفعت نشاطاتھا وأماكنھا أنصابا للحنين والتبجيل،

.مبدل التأريخ لھا ولھم و<دوارھ

لذا ظلت الصحافة والحركات ا<دبية وتياراتھا وأنواع الفنون المختلفة، ب� تأريخ .كتبت منه شذرات ضئيلة مشتتة

وتدوين م�حظات وانطباعات وخواطر حول ” المكشوف“ھذا ما يجعل تصفح مادتھا، محاولة � تتجاوز وضع إشارات وع�مات متباعدة مختنقة الضوء في

فالحساسية التاريخية ضعيفة في ثقافتنا . وفي محاق عتمته ضباب تاريخ غائبالعربية التي غالبا ما تعوض عن ذلك الضعف باQنشاء الخطابي واللفظي الممتلئ بفراغ اللغة من مادتھا الحية ومن الوقائع المتدافعة، بدل أن تنجبل الكتابة ولغاتھا

.ةبمادة العيش والعالم المولدة للروايات التاريخي

Page 49: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

فاعلية الحضور الخفي: المنشط الثقافي

، فؤاد حبيش، و� لسواه من المؤسسين في الحياة ”المكشوف“لم تكتب لمؤسس ، مؤسس )١٩٨٥ – ١٩١٤(الثقافية اللبنانية المعاصرة، من أمثال ميشال أسمر

فالرج�ن يتميزان ويتشابھان . ، سير تأريخية)١٩٧٥ – ١٩٤٦(” الندوة اللبنانية“ي أن حضورھما الفاعل في الحركة الصحافية وا<دبية والفكرية، اختفى خلف ف

نشاط المؤسسة التي أنشأھا كلh منھما، والتصق بھا اسمه وحضوره حتى الذوبان ا�ختفاء، أو الحضور الخفي، –والحق أن ھذا النوع من الحضور . وا�محاء

لم تصدر شھرته عن إنتاجه النجوم في أن ك� منھما –يختلف عن حضور ا�ع�م تھا الشخصي في مجال الصحافة وا<دب والثقافة، بل عن فاعلية مؤسسته، وجد]

.وريادتھا، بعد مبادرته الشخصية الى إنشائھا وإدارتھا بنفسه

قوة حضور مؤسستيھما وتأثيرھما في المجال العام، أديا في حالة حبيش وأسمر ين من جھدھما ونشاطھما في استقطاب الى صناعة اسم وشھرة لكلU منھما، مستمد]

طاقات وأسماء أدبية وثقافية بارزة، وفي إنشاء جسور للتفاعل بين ھذه الطاقات، لقد ذاب الرج�ن واختفيا في عمل . وبينھا وبين جمھور واسع في الحياة العامة

ا توليفي وتأطيري مركب، وحضرا في نسيجه ومفاصله كمحفزين ومنشطين، كأنھم .جنديان مجھو�ن ومعلومان في وقت واحد

قھا، لم يكن مشروع كلh منھما مثل كل فكرة جديدة ومبادرة الى تجريبھا وتحقيتجربتھما في العمل الصحافي والثقافي المزدھر . واضح المعالم وا<فق في بداياته

والناشط في ث�ثينات القرن العشرين، كانت دليلھما الى توافر قابليات يمكن جذبھا الى مشروع جديد، ما كان له أن يقوم وينطلق إ� بمشاركة وجھود جماعية، شغل

Page 50: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

. �ن دورين محوريين فيھا، وكان استقطابھا في أصل مشروعيھما وفصليھماالرجوما إن نجح المشروعان وارتسم لھما أفق في الحياة الصحافية وا<دبية والثقافية، حتى انعطفت حياة كلU منھما ونشاطه ومساره ومصيره انعطافا جديدا حاسما،

زمنه، وبعد رحيله الى عالم أخرجه من الظل واQغفال الى الضوء والعلن في .الغيب

يحضر فورا اسم فؤاد حبيش قبل كل اسم آخر من المساھمين ” المكشوف“حين يقال في صناعة شھرتھا بعد استقطابھا نخبة واسعة من الكتاب والشعراء والصحافيين أمثال الياس أبو شبكة ورئيف خوري وعمر فاخوري ومارون عبود وسعيد عقل

واد وخليل تقي الدين وفؤاد أفرام البستاني وسواه من البساتنة، وتوفيق يوسف عھؤ�ء وغيرھم كثر، كان لھم ). أبو الحن(وكامل مروة ولويس الحاج وفؤاد حداد

، وساھموا في نھضتھا كما ساھمت ھي ”المكشوف“حضورھم الدائم والمتقطع في . سنة ١٥في شھرتھم طوال

من دون الحضور الفوري Qسم ميشال أسمر، ” يةالندوة اللبنان“و� يمكن أن يقال ” الندوة“قبل غابة من أسماء المثقفين والمفكرين والسياسيين الذين وقفوا على منبر

.محاضرين

دور كلU من حبيش وأسمر ونشاطه التأطيري، وليدا خبرة وممارسة وع�قات ا منظما لنشاطات وميول ثقافية سابقة في حياة الرجلين على إنشاء كلU منھما إطار

/ المنشط“إنھما دور وإطار يشيران الى ما يسمى . يشارك فيھا سواه من أمثالهالذي ينصبy عمله على توظيف رؤيته وجھده وع�قاته في إقامة ” المنسق الثقافي

جسور وفضاءات للتعارف والتبادل والتفاعل والتثاقف ما بين ناشطين وفاعلين في .فكار وا<دب والسياسة والصحافةميادين الثقافة وا�

ھذه ا<طر والجسور، أكانت مؤسسة أم منبرا أم صحيفة أم مجلة أم حلقة في في ” دوائر الع�نية العامة“مقھى، ھي ما يسميھا المفكر ا�لماني يورغين ھابرماس

من كتاب له بھذا ا�سم، معتبرا أن � قيامة للمجتمع المديني، المدني الديموقراطي،دون وجود ھذه الدوائر وتوسعھا، وتكاثر روادھا وسجا�تھم، وتعدد آرائھم

في قلب ھذه الدوائر المتناسلة، المتقاطعة وغير الثابتة والزئبقية، يولد . وتفاعلھاالمؤطر أو المنسق أو المنشط، ودوره كقطب يعمل على تشبيك مبادرات وع�قات

.ومراكمتھا وإط�قھا

في ” المكشوف“ه وبادر اليه فؤاد حبيش بعد سنة واحدة على إصداره ھذا ما باشر ١٠بعد حوالى ” الندوة اللبنانية“وھذه حال ميشال أسمر حين تأسيسه . ١٩٣٥العام

Page 51: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

لكن الدور الذي تصدى له كلh منھما لم يولد فجأة و� من فراغ، بل سبقته . سنينوالمھنية والثقافية، وفي خبرات وتجارب مھدت له في حياة الرجلين الشخصية

التجربة التاريخية العامة التي تتجاوز حياتھما الى البيئة ا�جتماعية التي صدرا عنھا ) حقبة ما بين الحربين العالميتين(ونشأا فيھا وتفاع� في إطارھا الزمني

). الصحافة ومنتدياتھا وحلقاتھا ا<دبية(والمھني ) جبل لبنان وبيروت(وا�جتماعي

ھاتين الحقبة والبيئة، تكونت العوامل والخبرات والتجارب التي أدت، على نحو فيبطيء، الى نشوء دوائر الع�نية العامة اللبنانية، الثقافية والسياسية، فنمت في ھذه الدوائر أشكال تعبير ومھن وأنماط تفكير وتذوق وتواصل وشبكات ع�قات جديدة،

ل لبنان وبيروت، اللذين قامت بينھما، منذ نجمت كلھا عن تحو�ت مديدة في جبأواسط القرن التاسع عشر، جسور تواصل وتفاعل مھدت لتكون النواة ا�جتماعية

.١٩٢٠والسياسية والثقافية وا�قتصادية لدولة لبنان الكبير الوليدة في العام

ح بدأت تلك الجسور والدوائر تنشأ وتنمو في إطار ما سمfي التحديث أو ا�ص�العثماني، وتزامن نموھا مع منح السلطان العثماني امتيازات واسعة لقناصل الدول ا<وروبية وتجارھا وبعثاتھا التبشيرية والتعليمية وجالياتھا في و�يات ا<مبراطورية

وھذا ما أدى الى و�دة نوع جديد وغير مسبوق من الحراك . طوال تفككھا المديد . مةا�جتماعي والحريات العا

ولعل توسع قاعدة التعليم ا�رسالي ا<وروبي وا�ميركي، ونشوء الصحف وتكاثرھا الى جانب المنتديات والجمعيات على اخت�فھا، ھي الع�مات ا<برز على ذلك الحراك وتلك الحريات في كلU من مجتمع جبل لبنان وبيروت التي توسعت عمرانيا

مدارسھا ا�رسالية، ونشأت فيھا جامعتان وخرجت من أسوارھا القديمة، وتكاثرت .سرعان ما صارتا، بعد قيام دولة لبنان الكبير، ا<ھم في الشرق ا�وسط

الضابط اليتيم في حمى الصحافة وا:دب

Page 52: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

يحتاج انشاء سيرة تأريخية لفؤاد حبيش بوصفه منشطا صحافيا وأدبيا، ولدوره لى عمل تراكمي واسع، بطيء ومتنوع واثره في الحركة الصحافية وا<دبية، ا

المصادر، يفوق ما يحتاج اليه انشاء سير <ع�م ا<دب والصحافة ونجومھما .المكرسين مع إنتاجھم انصابا في الذاكرة الجماعية العامة

يقوم ھذا العمل على تقصي المعلومات وا<خبار، جمعھا وتنسيقھا، تأويلھا وھذا � توفره . ج متنوع ا�لوان والسياقاتواستدخال عناصرھا وخيوطھا في نسي

ا� مخيلة تأريخية تعتمد التأليف والتوليف والتركيب اسلوبا يقترب من الفن الروائي الذي يخالف اسلوب السرد الميكانيكي الحدثي المتسلسل والشائع تكرارا في

ن ا�خبار فھذه غالبا ما تحول التأريخ سلسلة م. المصادر المدرسية وا�كاديميةالجامدة عن الحوادث والوقائع، تبدأ بو�دة ا�شخاص، وتتوقف في محطات من

. حياتھم، معروفة وشائعة كالمحفوظات، وتنتھي بموتھم

اما السيرة التأريخية لqشخاص وأدوارھم، فدأبھا ا�قتراب بھم ليكونوا شخصيات في ١٩٠٤لذي ولد العام روائية، وھذا ما � تدعيه ھذه المحاولة عن فؤاد حبيش ا

بلدة غزير الكسروانية صادرا عن عائلة من العائ�ت ا�قطاعية، مضى اكثر من سنة على بدايات تصدع عالمھا مع تصدع نظام ا�قطاع وا�مارة، بعد انط�ق ٥٠

.الحركات العامية الف�حية في جبل لبنان اواسط القرن التاسع عشر

الديني الكنسي والرھباني ودوره في التنظيم سبق ھذا ا�نط�ق بروز السلك والتأطير ا�جتماعيين في مجتمع الجبل، فتوسعت قاعدة التعليم المحدث المتصل بذلك السلك وبالبعثات التبشيرية والتعليمية ا�وروبية وا<ميركية، وتراجع دور

النفوذ، ملكية ا�رض والع�قات والعائ�ت ا�قطاعية في مراكمة القوة والثروة ووجرى توظيف ذلك الدور وتلك الع�قات في سياقات جديدة مدارھا ا�رتقاء

.ا�جتماعي والثقافي والمھني عبر التعليم والتجارة

الشذرات القليلة المتداولة من سيرة فؤاد حبيش الحدثية، تشكل مرآة لھذين الحراك الحركة ا�دبية في “تروي سھام ايليا ابو جودة في بحثھا الجامعي حول . والتحول

في ١٩٩٧، الذي أعدته العام ”المكشوف“من خ�ل جريدة ١٨٤٥ – ١٩٣٥لبنان كان مدير القلم ) والد فؤاد(الشيخ اسد حبيش “الجامعة ا�ميركية في بيروت، ان

، لكنه توفى ”وأتقن العربية والتركية وا�يطالية. التركي في متصرفية جبل لبنان” المزار“بعد تعلمه ا�ولي في مدرسة . اد قد تجاوز الطفولةحينما لم يكن ابنه فؤ

الى مدرسة الحكمة التي أسسھا في بيروت المطران ١٩١٣بغزير، أدخل في العام ). ١٩٠٧ – ١٨٣٣(يوسف الدبس

Page 53: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

لكن سنوات الحرب العالمية ا�ولى سرعان ما أعادت الفتى الى مسقطه واھله، ويبدو انه عاش فتوة، بل . ”رسة تحت السنديانةمد“حيث تابع تعليما بدائيا في

طفولة، شقية في تلك السنوات، متنق� بين غزير وجونيه مع رفاق له يلعبون القمار . والبليار وطاولة الزھر

ما ان انتھت الحرب حتى استدعاه ابناء عمومته الى القاھرة، فسافر اليھا وامضى قبل عودته الى لبنان العام ” ية الفرنسيةالمدرسة العلمان“فيھا سنتين دراسيتين في

كان الجيش . ، فلم يستطع الدخول الى كلية الحقوق في جامعة القديس يوسف١٩٢٢اللبناني في بداية تأسيسه غداة قيام دولة لبنان الكبير تحت سلطة ا�نتداب الفرنسي،

تخرج فالتحق فؤاد حبيش بالمدرسة الحربية التي انشأھا الفرنسيون في دمشق، واشھر على رأس قسم الترجمة ١٠، فأمضى ١٩٢٤منھا برتبة ضابط مترجم العام

.العسكري في حماة، قبل عودته الى بيروت

شبكة ع�قات القربى لعبت دورا في زواجه من يمنى لحود ابنة خالته زاھدة حبيش

للقربى حضورھا في صلة فؤاد حبيش . التي يعود نسب امھا الى عائلة الدحداح . الذي تنتسب امه الى آل حبيش) قائد الجيش اللبناني �حقا (فؤاد شھاب ب

العائ�ت ھذه، الى كسروانيتھا، كانت من عائ�ت المقاطعجية التي تعلوھا مرتبة آل شھاب ا�ميرية، وأدى انھيار النظام ا�قطاعي ومراتبه الى تشتتھا في المھاجر

ستھوت فؤاد حبيش في وقت نشاطھا وا�عمال المحدثة، ومنھا الصحافة التي ا . وازدھارھا القوي ال�فت في العاصمة اللبنانية الجديدة آنذاك

ففي بيروت العشرينات كانت تصدر عشرات الجرائد التي اجتمعت معظم مكاتبھا تحلق في تلك المكاتب مئات . في الوسط المديني حول ساحة الشھداء وفي ا�سواق

خوذين بسحر الكلمة وا�دب، وبعھد جديد للحرية في من الشبان المتعلمين، مأوفي . التعبير والحراك ا�جتماعي والسياسي، وفي تداول الرأي في الع�نية العامة

تلك المكاتب وعلى صفحات الجرائد، تجاور وتخالط ابناء العائ�ت من اصحاب انت غالبيتھم من النسب والمراتب القديمة وابناء العامة العصاميين المتعلمين الذين ك

.المسيحيين

Page 54: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

عصبة العشرة

لم يبق فؤاد حبيش ھاويا للصحافة، بل ترك عمله ضابطا مترجما في المؤسسة العسكرية، وانخرط في المھنة الجديدة الواعدة، فحرر في ما � يقل عن اربع

ھا الجريدة ا�سبوعية ا�دبية، لمؤسسيھا وصاحبي” المعرض”جرائد، قبل ان يلتحق بـكانت ). ١٩٣٧ – ١٨٩٣(وميشال زكور ) ١٩٦٥ – ١٨٩٨(ميشال ابو شھ�

من اھم الجرائد في بيروت النصف الثاني من العشرينات والنصف ” المعرض“ا�ول من الث�ثينات، وتحلق على صفحاتھا وفي مكتبھا كتاب بارزون، انشأوا في

عصبة “ا باسم صحافية ناشطة عرفت وذاعت صيتھ –شلة ادبية ١٩٣٠العام ميشال ابو شھ�، الياس ابو شبكة، خليل تقي : التي تألفت نواتھا من أربعة” العشرة

احيانا يقال ان واحدھم كان يكتب ويوقع بعدد . الدين، ولولبھم الصحافي فؤاد حبيش، بينما ھم اربعة في ”المعرض“من اسماء مستعارة، فصاروا عشرة على صفحات

كرم ملحم كرم، يوسف ابرھيم يزبك، توفيق يوسف عواد، :مكاتبھا يتحلق حولھمندوة ا�ثني عشر، قبل “اسس �حقا عصبة ادبية ھي (عبدe لحود، ميشال اسمر

). ١٩٤٦العام ” الندوة اللبنانية“انفراده بتأسيس

. فكان تقي الدين الصلح” عصبة العشرة“اما سادس الستة المتحلقين حول نواة ح كان يھوى التمثيل المسرحي قبل الصحافة والى جانبھا، وفقا لما وال�فت ان الصل

لعب تقي ١٩٢٤ففي العام . ٢٠١٠ايار ٢٣في ” ملحق النھار“كتبه جان داية في الدين الصلح، ايام كان طالبا في الجامعة ا�ميركية في بيروت، الدور الرئيسي في

في ” العروة الوثقى“س جمعية لكاتبھا سعيد تقي الدين، رئي” قضي ا�مر“مسرحية .الجامعة

Page 55: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

: ھذه ا�دوار والتجارب المتدافعة والمتقاطعة في مسارات ذلك الجيل الشابا�دبية والصحافية، من ع�مات و�دة ” العصب“المسرح، الصحافة، الجمعيات او

اطر ودوائر وشبكات متنامية في حياة مدينة جديدة مسرحھا وسط بيروت القديم، انتشار المسارح والمقاھي ودور السينما والم�ھي ومكاتب الصحف حيث توسع

التي كانت محطات في مسيرة كثيرين من شبان العائ�ت القديمة والجديدة الى النيابة .والوزارة والسلك الديبلوماسي الناشئ

معارك ادبية حامية ضد التقليد ” المعرض“على صفحات ” عصبة العشرة“خاضت ) ا<خطل الصغير(الذي كان يمثله بشارة الخوري ” المخضرم“ر في ا�دب والشع، فشكلت تلك المعارك محورا اساسيا في الحياة ا<دبية ”البرق“صاحب جريدة .والصحافية آنذاك

في مكتب ادارة تحرير ” عصبة العشرة“مما كتبه الياس ابو شبكة عن لقاءات اقشون في شؤون ا�دب والسياسة، حيث كانوا يتناولون طعام الغداء ويتن” المعرض“

يستشف القارئ أن النراجيل وكركراتھا، وربما الطرابيش على بعض الرؤوس، ” أفاعي الفردوس”و” غلواء“كانت حاضرة في تلك الجلسات التي يسمي شاعر

لن تقف عينك على مشھد ألطف وأكمل ) الذين(الجنود الروحيين “ج�سھا ا�عضاء ، ”جوابة“: وا يكتبون مقا�تھم النقدية ال�ذعة بأسماء مستعارةوھم كان. ”من مشھدھم

كانت ھذه المقا�ت . �لياس ابو شبكة” رسام“، ”غضبضب“. لفؤاد حبيش” منخل“ابو شبكة في ” ھجاھم“ولرجا�ت السياسة الذين ” شيوخ ا�دب التقليدي”تتصدى لـ

.”المستعارةھتك ستورھم واقنعتھم ”مقا�ته ورسومه الكاريكاتورية لـ

، فظلت صامتة حوالى سنتين ”المعرض“لذا عطل رئيس الجمھورية شارل دباس فرسانھا قد تفرقوا، فالتزمت “وحين عادت الى الصدور كان . اواسط الث�ثينات

<حد مؤسسيھا، ميشال ١٩٣٧، قبيل الوفاة المفاجئة العام ”جانب ا�عتدال وا�تزانالى ” عصبة العشرة“حكومة، فانتقل نشاط زكور، وھو في منصب وزير في ال

.التي اسسھا فؤاد حبيش” المكشوف“

شبكات عائلية ومؤسسات

كتبھا عيسى فتوح في ” المكشوف“ال�فت أن ھذه الشذرات من سيرة مؤسس ٤اللبنانية، ضمن تحقيق في ” مجلة الجيش“من ٢٤٠في العدد ٢٠٠٥حزيران

فما الذي يحمل مجلة عسكرية على كتابة . ”انالصالونات ا�دبية في لبن“حلقات عن الى تخرجه ضابطا مترجما من المدرسة الحربية في : الجواب! مثل ھذه التحقيقات؟

وھذه . دوراتھا ا<ولى، كانت تربط فؤاد حبيش صلة مصاھرة باللواء فؤاد شھاب

Page 56: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

ة واقعة جزئية من سلسلة من امثالھا تشير الى ان المدرسة الحربية في المؤسسالعسكرية اللبنانية منذ بدايات نشوئھا، استقطبت شبانا من شبكات عائلية محددة

آل البستاني، آل لحود، آل : من ھذه الشبكات. تجمعھا ع�قات القربى والمصاھراتشھاب، آل نجيم، وسواھم من العائ�ت التي تكاثر ابناؤھا بين كبار الضباط

الشبكات العائلية لھا دورھا المماثل تقريبا في و. والمراتب العسكرية القيادية العلياسلك الرھبانيات الذي شكل رافعة اساسية <بناء ھذه الشبكات وسواھم من العامة في

) التعليم(التعليم الرھباني وا�رسالي في المجتمع المسيحي، قبل أن تلتحق به .وتستفيد منه فئات اجتماعية من المسلمين

ش، ھنالك عامل اضافي مھني وثق صلته بالمؤسسة لكن في حالة فؤاد حبي : للنشر، تعھد اصدار مج�ت كثيرة” دار المكشوف“ فبعد تأسيسه. العسكرية

، ”الحرب“، ”الشرف العسكري“، ”الجندي اللبناني“، ”الراديو“، ”، ا�ذاعة”المدرسة“ .٢٠٠٥على استذكاره في العام ” مجلة الجيش“وھذا ما حمل . ”قرأت لك”و

” امبراطورية نشر“كانت ” دار المكشوف“ى أن نشير في ھذا السياق الى أن يبقأدبي ولقطاعات مھنية وتربوية ما بين الث�ثينات والخمسينات من القرن العشرين، ايام كانت الكلمة المكتوبة في الصحف والمج�ت، والكلمة المسموعة عبر

والترفيه وتناقل المعلومات ا�ذاعات، الفضاء ا�ساسي ا<رحب للتواصل والتعبيرلدى الفئات ا�جتماعية والعمرية والمھنية المختلفة في تلك الحقبة التي شھدت طفرة في اصدار مج�ت ومطبوعات ترفيھية واع�نية ومعرفية خاصة بقطاعات جديدة

لكن ال�فت ان ھذه القطاعات المھنية والتربوية، استنكفت عن . ناشئة ومتوسعةتاجه من مطبوعات وعن اختبار طاقاتھا في نقل تجاربھا الى مجال انتاج ما تح

الكتابة، بتلزيم تحرير واصدار ما تتطلبه من المطبوعات الى ھيئات تحرير . ومؤسسات نشر محترفة وغريبة عنھا وعن حاجاتھا وتجاربھا وخبراتھا المھنية

سسية للنشر، بفصلھا اول دار لبنانية ارست تقاليد مؤ” دار المكشوف“ھذا فيما كانت ھذه المھنة عن مھنتي الطباعة وبيع الكتب، بعدما كان الناشرون أصحاب مطابع

.ومكتبات تجارية

Page 57: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

أخبار الشھوة المدبلجة

� نملك معطيات وافية تمكننا من تقديم شبكة العوامل التي حملت الشيخ فؤاد حبيش وج على التقاليد السائرة في العمل حينما كان في مطلع الث�ثين من عمره، على الخر

الصحافي الناشط والمزدھر، وعلى أنواع المادة التي كانت تقدمھا الجرائد إلى .القراء في بيروت ث�ثينات القرن العشرين

يتطلب تقديم تصور ما عن ھذه العوامل، العودة الى ما كان يكتبه حبش وسواه في ثقافية ما، حقيقية –سيرة اجتماعية وسواھا، كما يتطلب أيضا توافر” المعرض“

للرجل، لم تكتب بعد، شأن غيرھا من سير رواد الصحافة وكتابھا في تلك الحقبة، وفي ظل غياب مثل . وشأن التأريخ الفعلي للصحافة والعمل الصحافي وموضوعاته

ھذه السير وذلك التأريخ، يصعب اج�ء دواعي فؤاد حبيش الى اصدار جريدة ولما يحف بھا من ” ا�ثارة الجنسية”تبدو اليوم اقرب الى جريدة ا<مس لـاسبوعية

. صور وأھواء ومن حوادث وأصداء اجتماعية

ويظل ضربا من الحدس التقريبي التعرف إلى ما دار في وعي الرجل ومخيلته كي ينشئ تلك الجريدة التي � ندري إن كان أحد ما في ث�ثينات بيروت والقاھرة، قد

جريدة توقف مادتھا : قه في انشاء مثيل له، فاستلھمه حبيش ونسج على منوالهسبكلھا تقريبا على إثارة مدارھا ومحورھا النساء والجنس، كما تحضر أخبارھن وأخباره في بعض الحصف والمطبوعات الغربية، الشعبية والرائجة آنذاك، على

على نحو ما تجري اليوم دبلجة (إثارة يجري استلھامھا، ترجمتھا ودبلجتھا . ا<رجح، لتقديمھا في مطبوعة عربية اللغة )المسلس�ت التلفزيونية المكسيكية والتركية

والتھويم والتخييل ا�جتماعيين والثقافيين، ليخالف حبيش في ھذا سربه الصحافي يتبادر ھنا حدس ما، بعيد، بأن حبيش رغب في ان . ”عصبة العشرة“والكتابي في

Page 58: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

كما يتبادر . ة صحافية تكسر الجدية والرصانة السائدتين في الكتابة آنذاكيقدم مادحدس آخر بأن ما دار في وعيه ومخيلته، استلھم على نحو معكوس أشعار صديقه

. إلياس ابو شبكة” العصبة“في

ففي مقابل حمى الشھوات وفحيحھا ا<سود اjثم والملتاع، وفي مقابل آ�م حرقھا ” خيانتھا“عدم تلبيتھا جراء تمنع المرأة وامتناعھا وشبقھا المستتر مع الناجمة عن

” أفاعي الفردوس“واختبائھا خلف حجب التقاليد والحشمة والفضيلة، كما في قصائد البودليرية وبالرومنطيقية أو ” أزھار الشر”التي يقال ان ابو شبكة كتبھا متأثرا بـ –ا كله، عمل فؤاد حبيش على دبلجة مادة صحافية في مقابل ھذ –” الواقعية الرمزية“

عن فحيح الشھوات وا<ھواء وأصدائھا في أخبار الحوادث والوقائع ا�جتماعية لكنه نزع عن ذلك الفحيح . والقصص ا�وروبية في حقبة ما بين الحربين العالميتين

، مشاعر اQثم واللوعة وآ�م حرقھا، وقدمه في أسلوب نثري، قصصي وإخباري .يجمع اQثارة والتشويق واللھو إلى واقعية حسية مفترضة

رسول العري والبصبصة

من فكرته ” المكشوف“استھل فؤاد حبيش تسمية جريدته ا�سبوعية الجديدة الرغبة في ھتك : وتصوره عنھا وعن مادتھا ومتطلبات جمھورھا المفترض

ي اQخبار والقص وذلك بتعريضھا ف. ا<سرار والحجب عن المرأة وجسمھاالمفترض انھما حدثيان وواقعيان، إلى حساسية جديدة ھي وليدة السفور والتعرية، وفقا لمبدأ الواقع اQباحي، على خ�ف مبدأ اQع�ء الطھراني والروحاني للرغبات والشھوات، وQستتار النساء وأجسامھن خلف حجب التقاليد المحافظة والفضائل

. ية الباليةا�خ�قية وا�جتماع

وبيان جريدته، ” بيانه التأسيسي“وإصدارھا، نشر حبيش ” المكشوف“غداة تأسيسه الذي ” رسول العري”، و”بحث في حب النساء الشاذ –السجينات “في كتابين ھما

Page 59: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

صار لقبا له، وإسما آخر لجريدته التي جرى تداول اسمھا في صيغة المذكر، فقيل ال�فت . ١٩٣٥ا صدرت اسبوعيا ابتداء من أول أيار ، بعدم”ھذا المكشوف“وكتب

ان أعدادھا ا<ولى خلت من اسماء كتاب أو محرري مادتھا ومدبلجيھا، سوى اسم . فؤاد حبيش فقط” محررھا المسؤول“

قصة غرام “ھي ” قصة لم يسبق نشرھا“على صفتحھا ا<ولى في عددھا ا<ول وتكرy سبحة . أجزاء مثيرة من جسمھا إلى جانب صورة امرأة تنكشف” النبي�ت

أتفضل أن –العري في الحب “: أشباه ھذا العنوان على صفحات العدد ا<ول كلھازوجة متطرفة في “: ، تحته عنوان فرعي”الحب في الكتب“، ”تكون عاريا أم �بسا؟

.”مدرسة � تكره الشھوات“، ”القضايا القذرة والمحاكمات السرية“، ثم ”تقواھا

طوال السنة ا<ولى من صدورھا تتعزز مثل ھذه العناوين وا<بواب وتتناسل ، )طبيب(” قصة زواج حكيم“: متزايدة، كأنھا قصص وحكايات متسلسلة

العاشق “، ”كيف تحب رج� متزوجا “، ”المطارحات الغرامية التي تفضلھا المرأة“مخدر جديد يستعبد النساء “، ”جسد ملتھب“، ”واجبه قبل الحب وفيه وبعده: الحقيقي

فوق الصخور، القبلة : ما ھي اللذة التي تفضلھا في الحب“، ”ويوقظ شھواتھنالمغازلة “، ”الغرام في اسبانيا يشمل الكبار والصغار“، ”الجارحة، العضة في ا<ذن؟

، ”كيف سحر ھتلر الفاتنة بريجيت“، ”بغاء القاصرات، أسعار الحب: في السينما، ”ريق امرأة يشفي من سم ا<فاعي“، ”الجرائم في بولونيا“، ”ي لندناللھو والحب ف“الفحش المقدس في ب�د “، ”السحاقيات عند اليونان“، ”مومس تتحدث إلى ابنھا“

.إلخ”k المھاتما غاندي

، ظل ١٩٣٦كانون الثاني ٧عددا صدر ا<خير منھا في ٣٣على صفحات قريبا، رسو� لھذا النوع من العناوين ت” وان مان شو“فؤاد حبيش بوصفه ” مكشوف“

والكتابة ا�سبوعية المترجمة والمدبلجة والمعدة والمنقولة عن صحف ومطبوعات إلى جانب ھذه العناوين وموضوعاتھا، صور اباحية . أوروبية معظمھا فرنسية

لنساء ومضاجعات شديدة اQثارة، يقوم بحفرھا على معدن الزنك حرفي أو فنان الذي يبدو ” بغدادي“إليه في بعض أعدادھا باسم ” المكشوف“، فتشير ”كوغرافالزن“

لذا . ان رقابة المطبوعات آنذاك أخذت تحذف بعض صوره الشديدة اQباحيةأصدرت الجريدة بعض أعدادھا بمساحات بيضاء على عدد من صفحاتھا، بسبب

.حذف الرقابة تلك الصور

Page 60: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

المرأة محور ا*ع�نات

ه العناوين والموضوعات المثيرة إع�نات محلية تشير الى ظھور مھن تتخلل ھذ: ”المكشوف“التي تشيعھا ” ثقافة السفور اQباحية“وخدمات وسلع جديدة متناسبة مع

” عيادة طبيب ا<سنان“، ”الدكتور جرجي ربيز ا�ختصاصي با<مراض التناسلية“بعض ا�ع�نات تحظى . ”شكريم ھالينا المزيل للنم“لطبيب في محطة الناصرة،

جمالھا الطبيعي “: ، والجواب”ماذا يحب الرجل في المرأة؟“: بمقدمات مثيرة مطولة . ”كريم سندس”عليك إذا بـ. ”الخ�ب، صفاء الوجه، نقاء البشرة

تجدھا خصوصا في : الشوكو� الوطنية، صنع معامل الجميل الشھيرة”ثم دعاية لـل�صطياف والفنادق والمطاعم والخمور حصتھا . ”ءصيدلية الجميل بساحة الشھدا

، ”فندق الھنود في دير القمر“، ”نزل قاصوف في ضھور الشوير“: من الدعاية، ”مطعم عارف الجديد المشرف على سينما روكسي“، ”عرق الزوق الفاخر“حتي إخوان <وراق السفر إلى “، ”أمباسادور: الويسكي اللذيذة الخالية من الضرر“

دليل “، وإع�ن عن شركة جديدة لنقل المصطافين، وعن ”أنحاء العالمجميع عليك ان ” المكشوف“، ول�ع�نات على صفحات ”ا�صطياف لمؤلفه اسكندر يارد

.”قرب البركة –تخابر في شأنھا ا�دارة في سوق اياس “

<نيس دية، مقالة عن ” اQغواء“متسلسلة عنوانھا ” رواية“إلى جانب حلقات حم�ت الصحف وا<حاديث الخاصة “، يرد فيھا ان ”عات اللذة في فرنسا ولبنانبائ“

أثمرت اخيرا عن ضرورة التساھل بالسماح لبائعات اللذة ممارسة حرفتھن في ، حيث تنقل الجريدة أخبار انتخاب ملكات للجمال في حمانا ”أماكن ا�صطياف

تخبة اjنسة كيتا كفوري التي مقابلة مع المن” المكشوف“لذا نشرت . وضھور الشوير

Page 61: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

تغريني المكشوف وأقرأھا بلذة <نھا جريدة الجمال الحقيقي والفضيلة “: قالت .”الحقيقية

”السنوات المجنونة“استعارة أوروبا

للسفور والعري في أعداد السنة ” عالم المكشوف“ھذا غيض من فيض عناوين مادة الجريدة ا�سبوعية أثارت يتخيل متصفح ھذه ا<عداد أن. ا�ولى من صدورھا

من الصعب التحقق من ھذا . عاصفة في مجتمع ث�ثينات المجتمع اللبناني والبيروتيا<مر من دون استط�عات واسعة تبين وقع تلك المادة الصحافية على جمھور قراء تلك الحقبة التي عمل فؤاد حبيش فيھا على إعداد مواد صحافية وكتابات أوروبية

.”المكشوف“رة، ترجمتھا وتلخيصھا ونشرھا في مثي

، أي ”السنوات المجنونة“كان العالم آنذاك يعيش في حقبة ما سمي في أوروبا وھي سنوات ). ١٩١٨ – ١٩١٤(العشرينات التي أعقبت الحرب العالمية ا�ولى

مضطربة ومضطرمة بأنماط عيش وتفكير جديدة، منھا رسوخ خروج المرأة الى الحياة العامة واتساعه على نطاق جماھيري في البلدان ا<وروبية، حيث العمل و

شاع تحرر النساء من ا<زياء القديمة التي كانت ت�فيفھا الكثيرة تغطي أجسامھن .وتعوق حركتھا

، ”المجنونة“ويبدو أن فؤاد حبيش زار ألمانيا في مطلع تلك السنوات ا<وروبية أفراد من طبقات اجتماعية مختلفة، يمضون “حيث ” نوادي العراة“فتردد ھناك على

، ”عطلھم، رجا� ونساء، في الھواء الطلق، عراة، لتنقية أجسامھم من ا<مراضواصفا رحلته ا<لمانية ” رسول العري“على ما كتب حبيش نفسه في مقدمة كتابه

في” ا<حرار المصورة“تلك التي كان قد نشر بعض فصولھا مقا�ت في جريدة أما ذلك الكتاب فكان حصيلة ترجمة وتلخيص لكتاب . ”العري في ألمانيا“عنوان

إيمان بأھمية “كان دافع حبيش الى ذلك العمل . للفرنسي شارل رواييه” ب�د العري“

Page 62: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

الثقافة الجنسية القائمة على قواعد طبية وصحية يتوجب تلقينھا للطلبة منذ نعومة .”ا�نحراف الخلقي”ب بـ، فاتھم، بعد نشره الكتا”أظفارھم

على ظاھر من التفلت “إنه كان ١٩٧٤صديقه ادوار حنين قال في رثائه العام مشدودا الى ) k(ما رأيته يوما إ� في جانب الخلق النبيل “، لكنني ”منقطع النظير

منھا jل حبيش ومنھا jل لحود ومنھا للصخرة التي أدمت : الجبل بشروش � أمتنأما عديله أنطون غطاس كرم فقال عنه في السياق الرثائي . ”ي غزيرقدميه صبيا ف

جسر الى الحميم، ) عنده(إذا لقيته نضح بالبشر ثم زفك العبث، كأنما الدعابة “: نفسه .”وانز�ق اللسان أسلوب من المودة

الساخرة، ” البذاءة“كثيرة ھي ا�شارات التي تؤكد أن حبيش كان سليط اللسان حتى أناقته “، على ما ذكر أنسي الحاج، متذكرا ”شتيمة بلھجته الكسروانية الشھيرةال“أو

ھذه الصفات قد نجد مصدرھا في محطات سيرة حبيش . ”ا<ريستوقراطيةفإبن عائلة المشايخ التي تفكك عالمھا القديم، والمقامر . ا�جتماعية والشخصية

لمتخرج من المدرسة الحربية الصغير في فتوته أيام الحرب العالمية ا�ولى، وافي انضباط الجندي، مؤرقا “ضابطا مترجما، قال عنه أنطون غطاس كرم إنه كان

يفلي صحف العالم، يخط با<حمر، يترصد ثمار المطابع في كل فن، )من الورق(يجمع مختار الطرائف من المد العالمي، يطوعه وفق قرائه، يلطفه، يضغطه مادة

دة، أيام كانت الصحافة تنطلق ناشطة مزدھرة في بيروت ولبنان في جري” لصفحة . العشرينات والث�ثينات

الى فھل استشف فؤاد حبيش أن سوق الصحافة وجمھورھا المحليين متعطشان توقا مطبوعة جديدة تتفرد في المجتمع المحلي بالتعبير عن شبق محموم، مكبوب أو

ع�نية العامة؟ لكن � حبيش و� ذلك المجتمع مكتوم، يريد أن يسفر عن نفسه في الكانا يمتلكان ثقافة وتجربة وخبرات ولغة تمكنھما، بغير الترجمة والتلخيص

لذا أقدم الصحافي، . والدوب�ج، من التعبير عن ذلك التوق الشبق الى السفورالسنوات “، وكذلك مجتمعه، على استعارة مادة توقھما من أوروبا ”رسول العري“مذذاك، قبله وبعده، تعمل ثقافتنا ولغتنا العربيتان على استعارة عالم . ”مجنونةال

الحداثة ا<وروبية وترجمته على نحو سيئ غالبا، ونشره في شتى ميادين حياتنا .المحلية

الخيال الصحافي السباق

، ذاك الذي سبق انق�بھا جريدة لqدب وا<دباء في ”المكشوف“من ٣٣في العدد ، حاول توفيق يوسف عواد إدخال استعارة فعل أوروبا في نسيج ١٩٣٦ع العام مطل

Page 63: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

اللواتي ” بنات المدينة“ا�جتماع البيروتي، فكتب في أسلوب قصصي تحقيقا عن طائفة البنات . يعملن في المؤسسات والمخازن والمكاتب، كما يعمل الرجال

ويجب أن –كتب عواد –ولى لم يكن لنا بھا عھد قبل الحرب الكونية ا�“العام�ت وينقل الكاتب . في بيروت” المئات“، بعدما بلغ عددھا ”نحسب لھا حسابا اليوم

. مقتطفات من محادثته بعض بنات ھذه الطائفة الجديدة

كل ما تشتھيه “إحداھن تقول إنھا تعمل للحصول على مبلغ من المال لتشتري به تحب الجمال أكثر “وھي . ”طاقات سينمافساتين، برانيط، عطور، كلسات، وب: نفسي

تحب الحرية، الخروج وركوب “أخرى تقول إنھا . ”من التحصن في المنزلالترامواي، وأن يمشي ورائي شاب يسارقني النظر، فأضحك عليه في سري،

أحب العودة “: ثالثة تقول. ”وأتمتع بتلك الرعشات تنزل من قلبي الى أخمص قدميرابعة تعمل في . ”كنت في الشغل: الدي أين كنت، فأجاوبهالى البيت، ليسألني و

ليرات سورية في الشھر، وتقول إنھا تعيل بھا أمھا ا<رملة ١٠مخزن وتتقاضى .وإخوتھا اليتامى

في المئة من العام�ت يحافظن ٥٠أنستطيع القول إن “: أخيرا يخلص عواد متسائ� العذراء . في المئة ٥ تتجاوز نسبتھن السالمات �“جازما يجاوب . ”على عفافھن؟

التي تعطي بسخاء . منھن نصف عذراء، وھي تعطي كل شيء سوى خيط عنكبوت. ”إنما تعطي مدير المكتب أو المخزن أو المؤسسة، من دون أن تبخل في الشارع

في الصباح والمساء، عندما تتزاحم ا<قدام “: ويختتم الكاتب في أسلوبه القصصيساتين القصيرة على ا<رصفة، تجد كثيرات يقفن في محطة ترامواي أو العالية والف

إنھا ظاھرة فرحة لذيذة، لكنھا � تخلو من . على ملتقى طرق، ينتظرن العشاق .”!ومتى كانت الحرية خالية من ا<خطار؟. خطر

رسول العري يستعيد صواب ا<دب

Page 64: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

صفحتھا ا<ولى ببيان ”المكشوف“صدرت ١٩٣٦في عددھا ا<ربعين مطالع أيار جريدة جديدة “سوف تصير : ”مفاجأة كبرى سارة لم يحلم بھا القراء“أعلنت فيه

لتصبح لسان حال النھضة ا<دبية في ھذه الربوع ” بشكلھا وروحھا ومادتھا وكتابھا .بما تنشره من مقا�ت تدبجھا أق�م نخبة من أدباء ھذا الجيل

سة بإخ�ص لخدمة الب�د، وتعالج مواضيع مواضيع السيا” “المكشوف“تطرق ويضيف . ”تحرير ا<دب العربي من عبودية التقليد وعبودية التجارة) لـ(ا<دب

ستبحث المكشوف في الفن والعلوم والسينما، وقد تمكنا من ا�تفاق مع عدد “: البيانالتغير، بل أما ما سينجم عن ھذا . ”نفاجئ بھم قراءنا) الذين(من كتابنا الممتازين

اQنق�ب، بعد أكثر من سنة على صدور الجريدة، فيقصره البيان على أن المكشوف ستصبح الجريدة التي تقرأھا العذراء في خدرھا دون أن ت�قي في “

.”ما عزمنا على اھماله تماما ) وھو(قراءتھا ما درجت عليه حتى اليوم،

التدبيج والعذارى

ية البارزة في مطلعه، ينطوي القاموس اللغوي للبيان على الى النبرة اQع�نية الدعائبوصفھا حركة عامة ” النھضة ا<دبية“عبارات وكلمات قد يكون جامعھا ما سمي

صيغ مفھومھا منذ نھايات القرن التاسع عشر ما بين مصر ولبنان، مستلھما حركة باء العرب واللبنانيين، التنوير ا<وروبي، وصار دارجا بين المثقفين والكتاب وا<د

ومدار سجا�تھم وانقساماتھم وحامل رغباتھم في التجديد والتقدم والتحرر، طوال .النصف ا<ول من القرن العشرين

مثل معظم البيانات النھضوية ا<دبية العربية واللغة التي تعتمدھا، تظھر في بيان وتعبيري ” وعي لغوي�“عبارات وكلمات وصياغات إنشائية تعود الى ” المكشوف“

يفترض أنه سابق على النھضة ا<دبية، ويخالف مضمونھا الذي قد تكون العبارة .اQع�نية في مطلع البيان ھي ا<قرب إليه

مرسل ويخالف المضمون ” �وعي لغوي“أما العبارات والكلمات الصادرة عن العذراء في “، ”تدبجھا أق�م“، ”ھذه الربوع“: المفترض للنھضة، فھي من أمثال

ذلك أن ھذه الكلمات تنتمي الى لغة عربية فائتة فقدت صلتھا بوقائع الحياة . ”خدرھانفسھا ان ” المكشوف“اليومية ومخيلتھا وأفعالھا وع�قاتھا السائرة، وفقا لما رغبت

” كشف الستر”و” رسول العري“تحمل رايته في حلتھا السابقة على البيان بوصفھا الوقائع والحوادث وا<فعال والع�قات الناجمة عنھما في الحياة عن الرغبة و

” المكشوف“لكن مراجعة عناوين ومقتطفات من مادة . ا�جتماعية والخاصة

Page 65: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

الرسالة جاءت مترجمة –الصحافية في سنة صدورھا ا<ولى، بينت أن تلك الرغبة صلة بأحوال ، ومنقطعة ال)فرنسية غالبا (ومدبلجة عن مواد صحافية أوروبية

المجتمع المحلي ووقائعه وحوادثه في معظم الحا�ت، ما خ� اQصرار على طلب اQثارة في ما يتصل بشؤون النساء وأجسامھن وملبسھن وشھواتھن وشھوات الرجال، تلك التي دأبت الجريدة على نشر أخبارھا وحكاياتھا المترجمة في ع�نية

.ت ث�ثينات القرن العشرينعامة، صحافية ناشطة ومزدھرة في بيرو

إذ كيف يمكن الحديث عن إرادة العري والسفور والرغبات والع�قات والحوادث الناجمة عنھما، في لغة تستعيد كلمات مثل العذارى والخدور والتدبيج والربوع؟

الصحافية ” المكشوف“والحق أن فعل التدبيج ينطبق تماما على معظم مقا�ت الفعل نفسه حاضر في بيانھا . ”رسو� للعري“ي طورھا ا<ول المغفلة التوقيع ف

ا<دبي الجديد الذي يزف الى قرائھا بشارة صيرورتھا جريدة أدبية، استقطبت قو� وفع� نخبة واسعة من كتاب لبنان أو�، وسوريا تاليا، في ا<دب والصحافة في

ى ما تبين مراجعة أعدادھا ما عقدي الث�ثينات وا<ربعينات من القرن العشرين، عل .تقريبا، قبل توقفھا عن الصدور مطلع الخمسينات ٥٠٠و ٣٣بين العدد

الث�ثينات” �يف ستايل “

” المكشوف“� ريب في أن كاتب البيان ا<دبي، أو المشارك في كتابته، ھو مؤسس بيان، أن الشيخ فؤاد حبيش الذي روى في صفحة داخلية من العدد المنشور فيه ال

أو�د ٧أم وأب و“وتتألف من ” مثقفة”، أي مرموقة اجتماعيا و”عائلة ھاي �يف“التي ترسل اليه أعدادھا ” المكشوف“في ” كل منھم يشترك سرا “، كان ”بينھم فتيات

تغيب في ھذا الخبر كلمتا العذارى والخدور، . به وحده منفردا ” على عنوان خاص“في ” �يف ستايل“ا<جنبية، كما يقال اليوم ” ھاي �يف“ وتحضر كلمة فتيات وعبارة

Page 66: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

لغة ا�ع�ميات التلفزيونيات اللواتي غزا حضورھن وغزت لغتھن الصحافة في طورھا ا<ول ما قبل ا<دبي، قدم في ” مكشوفه“ا<رجح أن حبيش في . المكتوبة

ال�يف “منتصف ث�ثينات القرن العشرين مادة صحافية سباقة ورائدة من نمط . ، مشوبا باQثارة”ستايل

ھذه الثقافة في نموذجھا اللبناني والعربي الراھن، ھي شكل من أشكال ثقافة العولمة التي تختلط فيھا انماط تفكير وتعبير ونظر وسلوك ) البوست مودرن(الما بعد حديثة

مرسل، كما كانت تختلط في ” �وعي“غير متجانسة، بل عشوائية، صادرة عن وفتيات وعذارى ” ھاي �يف“ث�ثينات في لغة فؤاد حبيش كلمات وعبارات ال

. وخدور، الصادر كل منھا عن فضاء لغوي مختلف عن اjخر، ومتعارض معه

كان يمكن ان نضرب صفحا عن ھذا التعارض العشوائي، ونقدره تقديرا مختلفا، لو الفنون البصرية الما بعد أننا في معرض من فنون التجھيز الرائجة منذ سنوات في

.حديثةا<دبي الجديد، تفصح إشارة حبيش الى عائلة ” المكشوف“عطفا على بيان

، عن أن العذارى كن] ”رسو� للعري“المشتركين السريين في جريدته حينما كانت من قرائھا، لكن خارج خدورھن البيتية والعائلية التي صار يمكنھن أن يقرأنھا فيھا

. بعد تحولھا جريدة أدبية مطمئنات

: في حلتھا السابقة كانت علنية وسرية في وقت واحد” المكشوف“ھذا يشير الى أن مطروحة علنا في سوق المطبوعات الناشطة، وللمشتركين الذين يلتھمون مادتھا

اصا . الصحافية كل بمفرده وفي السر أو الخفاء عن اjخرين وھذا يجعل القارئ بص]أ، على رغم أن ما يقرأه مطروح علنا في السوق، من دون أن تلغي ھذه على ما يقر

أما بعد تحولھا جريدة لqدب . العلنية والغفلية حذره من تداول الجريدة وقراءتھا .وا<دباء فسيزول الخوف والتسري والقلق وال�طمأنينة أثناء قراءتھا

” المباركة”لتي يصفھا بـا” عائلة الھاي �يف“وبسخريته ال�ذعة يؤكد حبيش أن ، ليصير عددھا ”بعدد واحد فقط“الجديدة ” المكشوف“علنا في ” ستشترك“متھكما،

ا<سبوعي مطروحا في البيت لجميع أفراد العائلة، يتناوله كل منھم بدعة مطمئنة، � أثر فيھا لذلك القلق المشوق المثير الذي كان يجعل الجريدة واسعة ا�نتشار كنار في

وقد . مرغوبة يجري تداولھا فرديا في سوق سوداء –الھشيم، أو كسلعة ممنوعة وانتشارھا السريع في سنتھا ا<ولى، قبل ” المكشوف“يكون ھذا مصدر قوة حضور

توسلھا بھذين الحضور وا�نتشار وتوظيفھما في تحويلھا جريدة لqدباء وا<دب في لتسري والبصبصة على انفراد وفي � أثر فيھا للسر وا” بيضاء“ع�نية عامة

، تحسرا ”رسول العري واQثارة“والحق أن ھذا ما يتحسر عليه فؤاد حبيس . الخفاء

Page 67: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

مواربا، ربما لم تشفه منه القوة المعنوية الموعودة لجريدته التي قد يكون عل]ل نفسه مئنات وواساھا بقوله في البيان الجديد إن العذارى سوف يواصلن قراءتھا، لكن مط

لكن ھذا ليس أمرا مؤكدا، إذ متى كان ا<دب وصحافته قبلة قلوب . في خدورھنستتدنى مبيعاتھا وأعداد ” المكشوف ا<دبية“العذارى ورغباتھن؟ فحبيش يؤكد أن

لكن المؤكد أيضا أنھا في الحالتين، برغم قصر مدة حالتھا ا<ولى، . مشتركيھاسنة في حقبة ١٥ر طوال ما � يقل عن جعلت من فؤاد حبيش رائد صحافة ونش

.في صناعة الصحافة والنشر ا<دبيين” المكشوف“سميت حقبة

ا�نق�ب ا:دبي

، ١٩٣٦نيسان ٥في حلتھا ا<دبية الجديدة في ” المكشوف“صدر العدد ا<ول من على صفحته ا<ولى قائمة بأسماء ا<دباء والشعراء المشاركين في . ٤٣حام� الرقم

: تلي القائمة افتتاحية غير موقعة، عنوانھا �فت. يره، وفق الترتيب ا<بجديتحر .”تشريع الطوائف وا�عتراف بھا: لqحوال الشخصية ١٩٢٦دستور “

يه أصحاب خبرة ثقافية وأدبية، وبذلوا جھدا في fموضوعات العدد تنبئ بأن معددين لكتابتھا، كي تطل مناقشة مواده وموضوعاته واختيارھا واختيار كتاب محد

الجريدة إط�لة مثقفة بالغة الرصانة والشمول والتنوع، لكن المتجانسة في أسلوبھا :ووجھتھا في ميادين ا<دب والفلسفة وا�جتماعيات والشعر والقصة

. مناقشا طه حسين” نظرية جديدة في ا<دب الجاھلي“فؤاد أفرام البستاني كتب في : نفسه سؤا�قسطنطين زريق طرح على

الطبيعة “. وجاوب عن السؤال ھذا في مقالة” ھل في العالم العربي اليوم فيلسوف؟“عنوان يقترب من اجتماعيات ا<دب لبطرس ” والعمران في الشعر ا<ندلسي

. البستاني

، ”بين ا<دب والشعر والصحافة“في الميدان نفسه كتب الشاعر إلياس أبو شبكة أثر ا<دباء اللبنانيين والسوريين في “جار الذي بحث في وكذلك ابرھيم سليم الن

خدمات المستشرقين “، فيما كتب جبرائيل جبور عن ”السينما والمسرح العربيين . ”لqدب العربي

قيصر الجميل الذي لن . عبدe لحود كتب مقالة تعريف بمارسيل بروست وأدبهاتبا وراسم بورتريھات طوال عھدھا إ� نادرا، ك” المكشوف“يغيب اسمه عن

ھل يرى المصور في الطبيعة غير ما يراه “لqدباء، خص] العدد بمقالة عنوانھا في مجال الفن السابع، درة حداثة القرن العشرين، كتب كرم البستاني . ”عامة الناس؟

Page 68: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

اللواتي وضع الفيلسوف الفرنسي إدغار ” أسرار الجمال عند غادات السينما“عن بوصفھن صنيعة ” نجوم السينما“رائدا عنھن في الستينات عنوانه موران كتابا

.تعبدھا الجماھير المعاصرة” أنصاف آلھة“جديد يجعلھم ” نظام“ –ظاھرة

، تحضر إرھاصات ”آفة المسايرة في حياتنا ا�جتماعية العامة“في مقالة حنا غصن ويشمل ھذا التناول مقالة . ةالمعالجة ا<نثربولوجية في تناول العادات والتقاليد المحلي

بوصفھما عنوان انق�ب ” بين القبعة والفستان“مغفلة التوقيع عن ا<زياء عنوانھا الزي النسائي وعصريته تعبيرا عن شيوع سفور المرأة وخروجھا الى الفضاء

وصية منقولة عن ا<ديب الفرنسي موريس ١٤“ھذا فيما كتب فؤاد حبيش . العام . ”تكون المرأة محبوبةدير كويره، لكي

، كأنه انتبه الى الرصانة ”تفكھة للقراء“إنه يعرضھا ” المكشوف“يقول صاحب يتھا الثقيلة fوالثقل الثقافيين في مواد جريدته في حلتھا الجديدة، فأراد التخفيف من جد

.معتذرا لقراءھا من النساء

ه في المقابل حضور للمواد الصحافية حضورھا الطفيف في عدد الجريدة ھذا، لكنأخبار العالم “نوعي في جدته ود�لته وتناوله السياسة الدولية في باب مستقل عنوانه

، يعده ويحرره كامل مروة، قبل أن يصير في ا<عداد التالية من نصيب ”في أسبوعالباب الصحافي ا<سبوعي اjخر ھو أخبار الرياضة التي يستھلھا . لويس الحاج

وھو عنوان ينبه الى أھمية . ”النھضة الرياضية في لبنان“عنوانه العدد بموضوع السياسي في نھضة الرياضة المتزامنة في المجتمع المحلي مع –العامل ا�جتماعي

نھضة رياضية عارمة في أوروبا، حقبة ما بين الحربين العالميتين، التي شھدت فائضة التنظيم والعنف، ظھور ا<حزاب الفاشية ومنظماتھا الشبابية العصبوية ال

.والمرتبطة بالتربية الرياضية

Page 69: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

ضد امارة الشعر

سعيد . في عددھا ا<دبي ا�ول وأعدادھا ال�حقة” المكشوف“� يغيب الشعر عن في ا�ول، وكذلك ميخائيل نعيمه له قصيدة عنوانھا ” عشتروت“عقل نشر قصيدته

ي الجريدة طوال سنتين او يتكرر حضور سعيد عقل الشعري المتقطع ف. ”قبور“في حضور قصائده على ” المكشوف“اما الياس ابو شبكة فھو شاعر . ث�ث

صفحاتھا، اضافة الى مساھماته النثرية والنقدية المتكررة حتى وفاته المفاجئة العام منذ ” عصبة العشرة“كان أحد اقطاب ” افاعي الفردوس”و” غلواء“فشاعر . ١٩٤٧

، وخوضھا مناظرات ومعارك ادبية على ”المعرض“ نشأتھا في مكاتب جريدةومتابعتھا المناظرات ” المكشوف“صفحاتھا، قبل انتقال العصبة الى مكاتب

ر نشاط الصحافة والمعارك على صفحات ھذا المنبر الجديد الذي سرعان ما تصد]كانت العصبة قد وق]عت باسمھا، من دون ذكر اسماء اعضائھا، المقال . ا�دبية

في حلتھا الجديدة، وكان عنوانه ” المكشوف“قدي ا�دبي ا�فتتاحي في عدد الن .”عبودية التقليد القديمة وعبودية التجارة الحديثة: ا�دب العربي بين عبوديتين“

” التشريفات“المقال يشبه بيانا يستأنف سجا�ت العصبة حول شعر المناسبات او التي سخرت، ربما بقلم ابو شبكة، بھذا ” وفالمكش“المنبرية، على ما يسميه نق]اد

ا�خطل (النوع من الشعر الذي كان يتصدره احمد شوقي ثم بشارة الخوري ق الذي تحدثه “لم تلبث الجريدة ان لخصت على صفحاتھا ). الصغير fالحديث المشو

عن احمد شوقي وشاعريته ) الشاعر الملھم(خليل تقي الدين في صالون شارل قرم .”من نظام الى موظف الى شاعر الى امير الشعراء“: ةالعجيب

بشارة : امير الشعراء يبكيه شاعران“: ”المكشوف“في مناسبة وفاة شوقي كتبت ، كأنھا تومئ الى تسابق الشاعرين على حيازة اللقب او ”الخوري وامين نخلة

نات في منتصف ا�ربعي. ”امارة الشعر العربي“المنصب الذي شغر بوفاة متصدر جائزة سنوية كبرى مقدارھا الف ليرة لبنانية <فضل ” المكشوف“خصصت

رواية، : لكن الجائزة شملت، الى الشعر، انواعا ادبية اخرى. مجموعة شعريةقصص، ودراسة عن شخصية ادبية او سياسية من لبنان، على أن ينال الجائزة في

آ�ف ٣طباعة ” مكشوفدار ال“كل سنة كتاب في نوع من ھذه ا�نواع، لتتولى .نسخة من المخطوط الفائز

Page 70: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

خلق G ا�نسان في قصة

كانت قد بادرت الى ا�حتفال با�دب القصصي وتشجيعه ” المكشوف“على ان ليرة ٢٥، وكان مقدار الجائزة ١٩٣٦في تموز ٥٩وتخصيص جائزة له منذ عددھا

. سورية آنذاك

�ول الذي نشر فيه توفيق يوسف عواد لم تغب القصة عن عدد الجريدة ا�دبي افعواد الى جانب خليل تقي الدين، وھما قصاصان، من . ”شھوة الدم“قصة عنوانھا

، لذا دعت الجريدة الكتاب الى نشر ”عصبة العشرة”و” المكشوف“اركان محرري تحفيزا لھذا الفن الكتابي كتبت . قصصھم على صفحاتھا للمشاركة في المباراة

.”تفتح افقا جديدا لqدب“انھا ترغب في أن ٦٨في افتتاحية عددھا الجريدة في تحد لنجومية الشعر والشعراء على ا�رجح، وخصوصا شعراء المناسبات

خلق “: ، أشارت الى ذلك ا<فق في اسلوب فني اع�ني باھر”التشريفات”والمراثي و، وذلك في ”اة الى يومنا ھذاقصة منذ ا�دب المكتوب في التور) من(e ا�نسان في

. استعارة <سطورة آدم وحواء اQلھية

توزيعھا ھدية مجانية ” المكشوف“مع تأسيسھا دار نشر حملت اسمھا، أعلنت التي نشرتھا الدار لتوفيق يوسف ” الصبي ا�عرج“نسخة من رواية : للمشتركين فيھا

وا<دب ” بي ا�عرجالص“عواد، ثم شرعت في نشر مقا�ت على صفحاتھا تتناول . القصصي

امين الريحاني، ميخائيل نعيمة، وميشال اسمر الذي ذيل : من موقعي ھذه المقا�ت، وكان ”عصبة العشرة“الناشئة بعد ” ندوة ا�ثني عشر“مقالته بإشارة الى أنه من

.بعض من اعضائھا يدورون في فلكھا

القصة؟ كيف تولد شخصياتھا اين نحن من “: جاءت مقالة اسمر �فتة في عنوانھابو (في اطار متابعته النشاط القصصي كتب فؤاد حداد . ”المؤلف؟) وعي(في نفس

كانت تصدرھا جمعية بھذا ا�سم في الجامعة (” العروة الوثقى“عن عدد مجلة ) الحنوسرعان ما . ”القصة ونھضتھا في البلدان العربية”الخاص بـ) ا�ميركية في بيروت

نشر القصص على صفحاتھا وتخصيصھا جائزة سنوية ” المكشوف“اثمر تحفيز لھا، فبرزت اسماء قصصية سورية، منھا جورج سالم، خلدون ساطع الحصري

. ١٩٣٩بالجائزة للعام ” المكشوف“الذي فازت قصة له منشورة باسم مستعار في ل عمر فاخوري، يوسف غصوب، الياس ابو شبكة، خلي: وقد تألفت لجنة التحكيم من

تقي الدين، رئيف خوري، فؤاد افرام البستاني، توفيق يوسف عواد، شفيق جحا، .وفؤاد حبيش

Page 71: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

. ”المكشوف“ھؤ�ء جميعا وسواھم عشرات كانوا من المداومين على الكتابة في حتى مطالع ا�ربعينات حظي الفن القصصي بوقفات نقدية مت�حقة اكثر من كتابتھا

اما . ”ادباؤنا“وية اسبوعية ثابتة في الجريدة عنوانھا مارون عبود الذي كانت له زاالترجمات وا�قتباسات القصصية عن القصة ا�وروبية، وخصوصا الفرنسية، فكان

.”المكشوف“لھا حضور متصل على صفحات

مذ نشرت بيان تحولھا جريدة اسبوعية لqدب وا�دباء وصحافيي الھوى ا<دبي في جريدة ” المكشوف“ن الصدور مطلع الخمسينات، ظلت ، حتى توقفھا ع١٩٣٦ايار

.ودار نشر، محورا للحركة ا�دبية وصحافتھا النشيطة والفاعلة في لبنان، وصدر مؤسسھا، ١٩٤٦بدأت نشاطھا في –” الندوة اللبنانية“مع ” المكشوف“

مديرھا ومنشطھا، ميشال اسمر، عن حلقات الحركة ا�دبية نفسھا وصحافتھا اللتين ومؤسسھا المنشط، واستقطبت جريدته وداره ” المكشوف“صدر عنھما كل من

للنشر معظم اع�م تلك الحركة، ادباء وكتابا وصحافيين، واضطلعت الدار بنشر شكلت محاور ث�ثة اساسية –الكثير من المطبوعات الصحافية القطاعية والمھنية

الث�ث تقاطعت ادوارھا زمنيا وفي ” اتالمؤسس”فـ. وفاعلة في الحياة الثقافية اللبنانيةالتعبير عن وجھة لبنانية في دوائر النشاط ا�دبي والصحافة ا�دبية والنشر، وفي دوائر انتاج ثقافة سياسية لبنانية، مستقلة ودستورية وديموقراطية في كثير من

.وجوھھا، وتصدرتھا النخب المسيحية

ات خمس، انتھت في مطلع الخمسينات في سنو” الندوة”و” المكشوف“تزامن نشاط عن الصدور بعد رحيل او انكفاء معظم أع�مھا ا�دبيين، ” المكشوف“حين توقفت

فتابعت نشاطھا ” الندوة“أما . وانتقال صحافييھا الى العمل في صحف يومية بيروتية .١٩٧٥حتى بدايات الحرب في

حياة الثقافية والثقافة السياسية شكلتا حلقتين اساسيتين في تاريخ ال” المؤسستين“لكن سنة، موقعا رائدا في التأريخ غير ١٥، طوال ”المكشوف“شغلت : في لبنان

دورا اساسيا في ” الندوة“وشغلت . المكتوب بعد للحركة ا�دبية اللبنانية وصحافتھاانتاج ثقافة سياسية وادارية محورھا الدولة اللبنانية المستقلة، وتمتين ركائزھا وحضورھا في ثقافة جماعات لبنان المتباينة، قبل ان تقوض ھذه الجماعات بحروبھا

واذا قدر لذلك التأريخ ان يكتب يوما ما، فإن ھاتين . ا�ھلية الملبننة تلك الدولة .ستكونان من مصادره المحورية” المؤسستين“

لقة من تاريخ وصفحاتھا ھي السجل المرجعي الوثائقي ا�وسع لح” المكشوف“أعداد الحركة ا<دبية اللبنانية غير المكتوب، <نھا المطبوعة ا�دبية ا<طول عمرا وا<كثر استقطابا <ق�م اجيال متباينة في أعمارھا، متقاربة ومتفاعلة في نشاطھا وذائقتھا

Page 72: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

البادئة في لبنان ” عصر النھضة ا�دبية“وتجاربھا، في الحقبة ا<خيرة مما سمي واستلھاما لطريقة . لمھجر ا�ميركي منذ أواسط القرن التاسع عشرومصر وا

المؤرخ الفرنسي فرنان بروديل في التأريخ للحقب المتصلة والمنقطعة على ا<مد حلقة انتقالية وسيطة ما بين بدايات تلك النھضة ” المكشوف“الطويل، شغلت

نجومه ”رھا الشعر الحديث والتي تصد ” الحداثة الثقافية“ونھاياتھا، ممھدة لما سمي في الخمسينات والستينات، وشكلت بيروت، في مج�تھا ا�دبية وصحافتھا ” الرواد

الثقافية ونمط حياتھا الحر والمفتوح، مساحة حرة وقطبا رحبا لتلك الحداثة ونجوم .شعرھا حتى مطلع الثمانينات

التعليم، المدينة، الصحافة

ا وفي منشورات دارھا حشدا كبيرا من اسماء على صفحاتھ” المكشوف“جمعت صدرت ھذه ا<جيال وتلك . ا�دباء والكتاب والصحافيين المنتمين الى اجيال متباينة

ا<سماء عن نھضة التعليم ا�رسالي المحدث واتساع قاعدته ا�جتماعية ابتداء من ا�قطاعيين فشمل التعليم، الى ابناء عائ�ت قدامى . منتصف القرن التاسع عشر

والوجھاء والتجار والمھنيين الجدد، ابناء فئات عامية واسعة في جبل لبنان وبيروت، ومن المسيحيين خصوصا، وسواھم من الوافدين الى بيروت من بلدان

.المشرق ما بعد الحرب العالمية ا�ولى

النھضة التعليمية ھذه كانت رافعتھا ا�ساسية مدارس ا�رساليات وجامعتاھاالقديس يوسف للمرسلين اليسوعيين الكاثوليك، والجامعة : المتنافستان في بيروت

وقد تزامنت نھضة التعليم وشمولھا . ا�ميركية للمرسلين ا�نجيليين البروتستانتاجيا� متعاقبة، مع نشوء الصحافة وازدھارھا في بيروت وحواضر جبل لبنان منذ

ن تشھد توسعا نوعيا في بيروت غداة تلك عشايا الحرب العالمية ا�ولى، قبل افبيروت عاشت منذ ما قبل منتصف القرن التاسع عشر، اكثر من نھضة . الحرب

وفي . مدينية وسعت رقعة عمرانھا وأخرجته من انكفائه داخل اسوارھا القديمة نشر مرفقا بالعدد –” الخروج من البوابات الثماني الى عمران المدينة“كتيب عنوانه

شركة اعمار “، عن ٢٠١٢ا<ول من مجلة جديدة صدرت في مطلع تشرين الثاني وصف وضاح شرارة حلقات –” البوابة التاسعة“باسم ) سوليدير(” وسط بيروت

:ذلك الخروج المتدرج

يناھز المئة الف نسمة في اوائل القرن العشرين، بعدما “كان عدد سكان بيروت “زايد سكان المدينة كانت سريعة ومضاعفة ايضا قفزات ت. ″١٨٣٦الفا في ٦٠كان

ويشدد الكاتب في ھذه الزيادة السكانية الكبيرة على . منذ مطالع القرن التاسع عشر

Page 73: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

، اي الھجرات المشرقية وتوافد ”الخارجية”، اي المسيحية، و”ثقل الروافد الجبلية“ ١٩٠٣بيروت سنة حادثة طائفية أوقعت في “من ا<دلة على ذلك . الجاليات ا�جنبية

) أي القتلى) (؟(قتي� في اشتباك اشقياء برأس النبع، معظمھم ) ؟(١٥نحو السكن . ”الف مسيحي بيروتي ٣٠مسيحيون، فترك بيروت �ئذا بالجبل نحو

المسيحي في بيروت تزايد ايضا بعد الحرب العالمية ا�ولى وقيام دولة لبنان . ”روافد كثيرة، غلب عليھا المصدر الجبلي“بعاصمته الجديدة التي خالطت سكانھا

تجارا واصحاب مھن جديدة، اطباء ) البيروتية(في صلب ا�سواق “ھذا كله ادخل ومعالجين ووك�ء ومقاولين وبياعي مفرق وموظفين اداريين ومترجمين وخبراء

كان قبل ذلك الميسورون في نواة السكن البيروتي القديم . ”عمارة ورصف طرقالقريبة من ” الظواھر والمزارع والضواحي والروابي“كفئ، يخرجون الى والمن

المھاجرين من جبل لبنان ومن مدن الو�يات العثمانية ومن “المدينة، ويخالطون .”المرافئ والحواضر ا�وروبية والغربية

التقت بشرق طريق الشام، بين الصيفي والناصرة، “تأسيسا على ھجرات سابقة اقامت ”، نشأت مدينة بيروت المتجددة والمختلطة، و”ط والقنطاريوبزقاق الب�

محل سورھا وخندقھا وھوية اھلھا مستودعات بضاعة، ومسارح ومراقص ومقاه ، وكذلك مطاعم ووكا�ت تجارية ومكاتب ”ومحطات سفر) ودور سينما(وشاشات

.صحفا، كما كانت كان التعليم ركنا اساسيا في نھضة بيروت الحديثة ھذه وازدھارھ

نھضتھا وازدھارھا من عوامل تنامي التعليم وتوسعه وشموله النساء وخروجھن من ” المكشوف“وكان صدور . كنف الحياة البيتية والعائلية الى الفضاء المديني العام

، ع�مة فاقعة ومثيرة لذلك الخروج ١٩٣٥في سنتھا ا<ولى عام ” العري”جريدة لـتيھاميا مترجما ومدبلجا عن الصحافة ا<جنبية، قبل أن وللتحريض عليه تحريضا اس

تصير الجريدة جريدة لqدب وا�دباء والكتاب، شأن عشرات الصحف الناشئة . والمتخذة مكاتب لھا في وسط بيروت المديني المتجدد منذ مطلع القرن العشرين

بما اجتمع والتقى وتعارف في مكاتب ھذه الصحف وعلى صفحاتھا عشرات، وروحدھا ” المكشوف“في . مئات من الكتاب المتفاوتي ا<جيال والتجارب والخبرات

أمين الريحاني، : التقى بعض من أدباء وأع�م النھضة ا�دبية في لبنان والمھجرھؤ�ء، على تفاوت . ميخائيل نعيمة، عمر فاخوري، الياس ابو شبكة ومارون عبود

الى جانب كتابات أجيال ” المكشوف“فحات أعمارھم، كانت كتاباتھم تجتمع على صفؤاد حبيش، ميشال : اصغر منھم عمرا، وتختلف عنھم في التجربة والتكون الثقافي

أسمر، لويس الحاج، فؤاد حداد، خليل تقي الدين، توفيق يوسف عواد، فؤاد أفرام

Page 74: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

متھان معظم ھؤ�ء اختلطت ميولھم ا<دبية با. البستاني وسواه من البساتنة الكتابكتاب من الشبان الجدد ” المكشوف“الصحافة والتعليم والترجمة، وخالطھم في

.وأصحاب الميل ا<دبي

زمن اجتماعي صاعد

كان ا<دب والتأدب والترجمة في أصل الرابطة العامة لمجموعات ھذه ا�جيال ندوة ”و” عصبة العشرة“المتباينة وشللھا ا<دبية والصحافية التي انضوى بعضھا في

جريدة ادبية، ” المكشوف“وجاء تحول . وسواھا” أھل القلم”و” الثريا”و” اQثني عشرإمارة على توسع ھذه الدوائر والروابط، وعلى تفاعل ا�دباء والكتاب والصحافيين

زمن “في ھذا المعنى قيل ويقال . سنة على صفحاتھا ١٥وأجيالھم المختلفة طوال .�حقا ” ة اللبنانيةزمن الندو“، وكذلك ”المكشوف

دائرة أع�م ا<دب المتكونين في لبنان او المھجر، البارزين على صفحات ، أخذ )نعيمة، الريحاني، فاخوري، أبو شبكة، عبود، ورئيف خوري(” المكشوف“

: الموت يفاجىء بعضھم واحدا تلو آخر، ابتداء من مطلع اربعينات القرن العشرين

لرثاء أمين ٢٧١عددھا الـ” المكشوف“صصت خ ١٩٤٠تشرين ا<ول ٢٢في قبل ذلك، في . خصت رشيد نخلة بعدد كامل ايضا ١٩٤٠آذار ١٨وفي . الريحاني

التي تخرج ” الحكمة“، وقفت عددھا كله للكتابة عن مدرسة ١٩٣٦كانون الثاني ٢٣منھا ودرس فيھا كثيرون من كتابھا وكتاب سواھا من الصحف، فاستعاد المشاركون

وأفضالھا وريادتھا في حركة التعليم ” الحكمة“في كتابه العدد الخاص، أھمية . اللبناني

عمر فاخوري بعدد خاص كامل تصدرته ” المكشوف“ودعت ١٩٤٦آب ٣في قصيدة رثائية �لياس ابو شبكة الذي لم تلبث الجريدة نفسھا ان ودعته بعدد خاص

ر ميخائيل نعيمة، وھو من . ١٩٤٧شباط ٣في جيل النھضة ا<دبية ا<قدم، عم]ك في ببسكنتا حتى مطالع الثمانينات، مستمرا على نفور من المدينة ” شخروبه“وتنس]

أما مارون عبود الكاتب . اخترق الكثير من إنتاج ا<دب اللباني حتى عھد قريبمر في نھضة التعليم، فاست” معلم ا<جيال”والقاص الريفي الساخر والناقد ا<دبي و

رئيف خوري الناقد . حتى عشايا توقفھا عن الصدور” المكشوف“اسمه حاضرا في والمدرس وواضع كتب مناھج التعليم في آداب اللغة ” أديب في السوق“وصاحب

العربية، ظل شأن عبود، حاضر القلم في الخمسينات والستينات، بعد مساھمته .”المكشوف“الدائمة في

Page 75: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

، لكنھا ”المكشوف“خصوصا في نصفھا ا<ول عھد إزھار كانت ا�ربعينات، إذا، كانت كلھا وفي بعض سنواتھا، محطات لرحيل أعمدة الجريدة وبدايات انصرام عھد نوع من ا<دب والتأدب وا<ساتذة الذين كان صار كثيرون منھم مدرسين في

ضلعوا في الجامعة اللبنانية وكلياتھا الناشئة وفي دار المعلمين والمعلمات، حيث تربية أجيال جديدة من المتعلمين والمثقفين بثقافة أدبية جديدة عمادھا الشعر الحديث

فرفدت ثقافة ھؤ�ء الشبان الجدد صحافة الخمسينات والستينات والسبعينات . غالبا غلب على أولئك الشبان تعلمھم في الجامعة . ا<دبية وغير ا<دبية بطاقات جديدة

، وعملھم سنوات قليلة أو )خصوصا كليتي التربية واjداب(م منھا اللبنانية وتخرجھ) ١٩٧٥(كثيرة في التعليم الرسمي في بدايات انھياره في عشايا الحروب الملبننة

من بيئات اجتماعية ريفية مھاجرة ” العصامي“وغلب عليھم أيضا تحدرھم . وأثنائھا .الى المدينة

الثقافي –خيط ما يخترق التكون ا�جتماعي شجرة ا<نساب السريعة ھذه تشير الىالمتقطع والمتحول <جيال مت�حقة من المتعلمين والمتثقفين ثقافة أدبية، والعاملين في مھن الكتابة والصحافة والتعليم في حقب مديدة صاعدة وواعدة اجتماعيا وثقافيا،

جتماعي، المادي ومنحت أجيالھم المتعاقبة معنى وقيمة في سلم ا�رتقاء ا�والمعنوي والرمزي، منذ بدايات نھضة التعليم والنھضة ا<دبية في منتصف القرن التاسع عشر، وطوال حوالى قرن ونصف القرن من زمن لبنان وبيروت ا�جتماعي

.وا�قتصادي والثقافي المحدث والصاعد حتى عشايا الحرب

منعطف سوري

على صعيد الكتابة ” المكشوف”يد لـعلى عتبة ا�ربعينات يستوقف منعطف جدتكاثر اسماء الكتاب العرب على صفحاتھا، وخصوصا : ا�دبية والصحافية

نجاتي : من ا�سماء المتكررة. السوريين، من دون ان يغيب العراقيون والفلسطينيونصدقي، انور البرازي، وصفي قرنفل، نزيه الحكيم، قدري قلعجي، حيدر البرازي،

سي، سليم الجندي، احمد عبد الجبار، سعيد الجزائري، انطوان انطون المقدبعض . موصلي، ميشال الصراف، اديب الداودي، زھير الحمزاوي، وفايز صايغ

الى جانب متابعاته النشاط ا�دبي في المدن السورية، والعراقية احيانا –ھؤ�ء كتب الذي أرادته ” ات ا�دبيةالسرق“واسعا ودائما عنوانه ” المكشوف“في باب شرعته –

مثيرا وجاذبا لمناظرات ومعارك ادبية، لتوسيع دوائر قرائھا في لبنان والعواصم . العربية، وخصوصا في المدن السورية، دمشق وحمص وحلب

Page 76: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

يبرز في ھذا ا�طار شقاق ادبي ما بين الكتاب اللبنانيين والسوريين من جھة، ھذا السياق كان الياس ابو شبكة قد كتب في في. والكتاب المصريين من جھة اخرى

ثم . ”ابطال الحركة ا�وروبية في لبنان وسوريا“مقالة طويلة عنوانھا ١٩٣٩العام عددا خاصا ممتازا “آذار من العام نفسه، ٢٧ان اصدرت في ” المكشوف“لم تلبث

ن لك. شاركت فيه كوكبة من الكتاب السوريين” عن مظاھر الثقافة في سورياعن “ايضا، الى اصدار عدد مماثل ١٩٣٩تموز ١٠الجريدة سرعان ما بادرت في

.شارك فيه كتاب مصريون” مظاھر الثقافة في مصر

التأريخ الغائب لبيروت

مذ نشرت بيان تحولھا جريدة اسبوعية لqدب وا�دباء وصحافيي الھوى ا<دبي في جريدة ” المكشوف“خمسينات، ظلت ، حتى توقفھا عن الصدور مطلع ال١٩٣٦ايار

.ودار نشر، محورا للحركة ا�دبية وصحافتھا النشيطة والفاعلة في لبنان

، وصدر مؤسسھا، ١٩٤٦بدأت نشاطھا في –” الندوة اللبنانية“مع ” المكشوف“مديرھا ومنشطھا، ميشال اسمر، عن حلقات الحركة ا�دبية نفسھا وصحافتھا اللتين

ومؤسسھا المنشط، واستقطبت جريدته وداره ” المكشوف“صدر عنھما كل من للنشر معظم اع�م تلك الحركة، ادباء وكتابا وصحافيين، واضطلعت الدار بنشر

شكلت محاور ث�ثة اساسية –الكثير من المطبوعات الصحافية القطاعية والمھنية ت ادوارھا زمنيا وفي الث�ث تقاطع” المؤسسات”فـ. وفاعلة في الحياة الثقافية اللبنانية

التعبير عن وجھة لبنانية في دوائر النشاط ا�دبي والصحافة ا�دبية والنشر، وفي دوائر انتاج ثقافة سياسية لبنانية، مستقلة ودستورية وديموقراطية في كثير من

.وجوھھا، وتصدرتھا النخب المسيحية

Page 77: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

ي مطلع الخمسينات في سنوات خمس، انتھت ف” الندوة”و” المكشوف“تزامن نشاط عن الصدور بعد رحيل او انكفاء معظم أع�مھا ا�دبيين، ” المكشوف“حين توقفت

فتابعت نشاطھا ” الندوة“أما . وانتقال صحافييھا الى العمل في صحف يومية بيروتيةشكلتا حلقتين اساسيتين في تاريخ ” المؤسستين“لكن . ١٩٧٥حتى بدايات الحرب في

سنة، موقعا ١٥، طوال ”المكشوف“شغلت : لثقافة السياسية في لبنانالحياة الثقافية واوشغلت . رائدا في التأريخ غير المكتوب بعد للحركة ا�دبية اللبنانية وصحافتھا

دورا اساسيا في انتاج ثقافة سياسية وادارية محورھا الدولة اللبنانية ” الندوة“جماعات لبنان المتباينة، قبل ان المستقلة، وتمتين ركائزھا وحضورھا في ثقافة

واذا قدر لذلك التأريخ ان . تقوض ھذه الجماعات بحروبھا ا�ھلية الملبننة تلك الدولة .ستكونان من مصادره المحورية” المؤسستين“يكتب يوما ما، فإن ھاتين

وصفحاتھا ھي السجل المرجعي الوثائقي ا�وسع لحلقة من تاريخ ” المكشوف“أعداد ركة ا<دبية اللبنانية غير المكتوب، <نھا المطبوعة ا�دبية ا<طول عمرا وا<كثر الح

استقطابا <ق�م اجيال متباينة في أعمارھا، متقاربة ومتفاعلة في نشاطھا وذائقتھا البادئة في لبنان ” عصر النھضة ا�دبية“وتجاربھا، في الحقبة ا<خيرة مما سمي

. نذ أواسط القرن التاسع عشرومصر والمھجر ا�ميركي م

واستلھاما لطريقة المؤرخ الفرنسي فرنان بروديل في التأريخ للحقب المتصلة حلقة انتقالية وسيطة ما بين ” المكشوف“والمنقطعة على ا<مد الطويل، شغلت

التي تصدرھا الشعر ” الحداثة الثقافية“بدايات تلك النھضة ونھاياتھا، ممھدة لما سمي في الخمسينات والستينات، وشكلت بيروت، في مج�تھا ” نجومه الرواد”يث والحد

ا�دبية وصحافتھا الثقافية ونمط حياتھا الحر والمفتوح، مساحة حرة وقطبا رحبا .لتلك الحداثة ونجوم شعرھا حتى مطلع الثمانينات

أدبي؟ –لغوي : جذر النھضة

Page 78: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

اة ا<دبية وصحافتھا وأع�مھا على في سياق التأريخ السريع لمحطات من الحي، ١٩٤٦شباط ١٥في ” المكشوف“المدى الطويل، يستوقف عدد خاص نشرته

سنة على وفاة الشيخ ناصيف اليازجي، وإحياء لذكراه بصفته ٧٥لمناسبة مرور ھل النھضة ھذه . أحد ا<ع�م الث�ثة المؤسسين للنھضة ا<دبية واللغوية في لبنان

الشيخ ناصيف اليازجي، : ي جذرھا؟ أع�مھا في جيلھا ا<ول ھمأدبية ولغوية فويلحق بھم ويزامنھم لبعض الوقت في سياق آخر . نقو� الترك، وبطرس كرامة

.المعلم بطرس البستاني

مارون عبود، : الخاص به” المكشوف“ساھم في الكتابة عن اليازجي في عدد لياس ابو شبكة، فؤاد افرام ، إ)ھو غير المعلم بطرس طبعا (بطرس البستاني

ھؤ�ء جميعا وسواھم برغم . البستاني، يوسف اسعد داغر وص�ح الدين ع�متفاوت أعمارھم ھم من ا<جيال ا<خيرة للنھضة ا<دبية، وساھموا في إط�ق

–لكن ص�ح الدين ع�م قد يكون أحد اسمين مستعارين ( ١٩٣٦في ” المكشوف“استعما� دائما وكثيفا لكتابة مقا�ت ” المكشوف“ھما استعملت –اjخر زھير زھير

وا�ستعارة ھذه . سجالية متعلقة بالفكرة اللبنانية وبا�نقسامات الساخنة الدائرة حولھاتطرح سؤا� حول معنى ھذا التخفي ود�لته حين تصدي الجريدة لسجا�ت اساسية

)� يخفى بعدھا السياسي والطائفي

التبحر في “مغفلة التوقيع، تشير الى ان دور اليازجي في النھضة كان مقدمة العدد ال

أسرار اللغة العربية، تبسيطھا وتطويعھا لqفھام وتحبيبھا الى القلوب، ونشرھا بين في ھذا السياق، قبل و�دة الزمن ” الجماھير“غريب استعمال كلمة (” الجماھير

) فانصرفوا(أبناء اليازجي وبناته “ أما). الجماھيري وطغيانه بدءا من الخمسيناتالتحقيق والدرس : اللبنانية) العائ�ت(إلى مثل عمله انصراف العشرات من العيال

Page 79: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

لكن مارون عبود في مقالته عن اليازجي، يخالف ھذه الوجھة . ”والنشر والتعليمكان شيخنا يستوحي الكتب القديمة، � يستلھم غيرھا في كل “: النھضوية وينقضھا

فكأني به ذات مجردة من المكان والزمان، فما علق بشعره شيء . نظم وكتب ما . وھذا يؤكد الجذر اللغوي للنھضة. إنه ذات لغوية محضة أو خالصة إذا . ”منھما

نشأ في ) اليازجي(من � يعرف انه “: وبأسلوبه النقدي الثاقب والساخر، يتابع عبود) ن، بديوان قصر ا<مير بشير الثانيبيت الدي(كفرشيما وشب واكتھل في بتدين

. ، حيث المصدر البعيد للغة العرب”وشاخ في بيروت، خاله من مواليد نجد واليمنمقامة في مجمع البحرين “وتبلغ سخرية عبود ذروتھا، فيكتب أن اليازجي وضع

فالمتنبي . لبنان) رائحة(ليس فيھا شيء من ريحة ) لكن(” المقامة اللبنانية“سماھا ذي مر] عرضا من وراء لبنان وشاھد قفاه أو قممه من حمص، تأثر به أكثر من ال

.المساھم في تأسيس النھضة” شيخنا

خدمته الفصحى “يشير في مقالته عن اليازجي إلى ) غير المعلم(بطرس البستاني قاعة العمود “: ، ثم إلى عمله في ديوان ا<مير بشير)اللغة أيضا وأيضا(” وأبناءھا

للسياسة والتدبير وللكتاب والشعراء يرتفع فيھا ) أميرية(حلقات ) يث كانت تنعقدح(يقظة الوعي “أما رئيف خوري فكتب عن . صوت نقو� الترك وبطرس كرامة

اليقظة والوعي ھذان ماذا يكونان في المقامات سوى : ”العربي في مقامات اليازجير، في سياق مقالته عن اليازجي، أن لغويين؟ ھذا ما يؤكده الياس أبو شبكة حين يذك

صاحب “فھو . ، مجدد لغوي بامتياز١٨٤٤المعلم بطرس البستاني المولود سنة حرة في ، وأول من أنشأ جريدة عربية”دائرة المعارف”و” محيط المحيط“قاموس

. ”ھذه الديار

عھد ”، و)١٨٧١(التي أصدرھا البستاني سنة وفاة اليازجي ” الجنان“الجريدة ھي تحريرھا �بنه سليم البستاني، فنشرت ترجمة لليازجي بقلم ا<ديب سليم أفندي

وأثبتتھا في عددھا ” الجنان“، بدورھا نقلت ھذه الترجمة عن ”المكشوف“. ”ديابوھي، بعد مرور حوالى مئة سنة على . الخاص عن علم النھضة ناصيف اليازجي

، لم ”للعري) صحافيا مترجما (سو� ر“بدايات النھضة، وعودتھا من سنة ض�لھا جادة “لغوية، تشھد على ذلك عودتھا الى –تكن نھضتھا شيئا آخر غير نھضة أدبية

، مجددة في تناول الموضوعات ا<دبية وفي لغة الصحافة، ”الصواب ا<دبيومساجلة في شؤون ا<دب وا<دباء والشعراء وفي ما يتصل بذلك من قضايا

.واھتماماترت طوال عھدھا وجوھا كثيرة من العمل الصحافي، فتابعت قضايا وقطاعات طو

، وخصصت زوايا )السينما خصوصا (ونشاطات في الحياة ا�جتماعية والفنية

Page 80: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

لموضوعات إدارية ومعيشية، ولشؤون السياسة الدولية، لكن ھذا � يقاس بمادتھا ي تتناول موضوعات أدبية وتطلق ا<دب ھنا ھو الكتابة ا<دبية الت. ا<دبية الطاغية

سجا�ت مدارھا ا<دب وحرفة ا<دب التي تبحر غالبا وتتبحر في ما يسمى التبحر في تلك العصور، ما ھي . أو ا<قرب عھدا ” العصور ا<دبية الك�سيكية“

ألھذا شاعت في أدبيات الحداثة الشعرية المتأخرة زمنا عبارات (مادته؟ اللغة طبعا )جير اللغة؟تف: مثل

الى ھذا التبحر في مدارات ا<دب واللغة ا<دبية، ھنالك الترحال في بعض Qنتاجات أما . ا<دب العالمي، قصة وشعرا ومقا�ت صحافية، اقتباسا وترجمة وتلخيصا

الغائب ا<كبر عن مدارات ا<دب ھذه، فھو العالم المادي الحسي، ھنا واjن، وھناك وحين يجري تناول ھذا العالم الدنيوي، غالبا ما تنتصب . القريبفي ا<مس البعيد و

) وغالبا عن صحافتنا اليوم(” المكشوف“تغيب عن . دونه غشاوات اQنشاء ا<دبيالكتابة الميدانية الحية التي تصف وقائع الحياة المادية وا�جتماعية الزائلة،

ة التي تؤرخ وتطلق الوعي أي الكتاب. ظواھرھا، حوادثھا، تحو�تھا، سياقاتھاا<رجح أن . والمخيلة في النظر الى الوقائع، بعيدا من ا�نشاء ا<دبي اللغوي

العوامل المؤسسة لھذا الغياب والباعثة عليه كثيرة متدافعة، ومتعلقة بطبيعة الثقافة واللغة العربيتين النھضويتين، وبطبيعة تكون الكتاب والصحافيين تكونا أدبيا

.متأدبا، كأن النھضة إحياء لغوي في جذرھا ا<ساسو

يمتلك لغة أدبية متميزة في الكتابة التي تنأى من ” المكشوف“والحق أن معظم كتاب قوية النبض ” زمن المكشوف“كانت الحياة في . حيوية الوقائع الحسية وسيولتھا

كن ھذا لم سنة في المدينة وفي أرجاء لبنان، ل ١٥والحوادث والتحو�ت طوال ولعل أمين الريحاني وعمر . يحضر على صفحات الجريدة إ� أدبيا وفي لغة أدبية

ليس ” فيلسوف الفريكة”فـ. فاخوري ومارون عبود يخالفون ھذا المذھب في الكتابةأما . فيلسوفا في الحقيقة، بل أقرب الى رحالة يشاھد ويشھد ويؤرخ مشاھداته

وتوفيق يوسف عواد، فيتركون جانبا من فاخوري وعبود، وكذلك رئيف خوري .أثقال لغة ا<دب ا�نشائية وتراثھا، فيما ھم يكتبون متابعاتھم النقدية

حداثة الفردية المختنقة�

اعترض الروائي التشيكي والفرنسي �حقا، على التشوھات التي أدخلھا مترجم : إنه كتب في روايته يقول كونديرا. من التشيكية الى الفرنسية” المزحة“روايته

السماء التشرينية ترفع رايتھا : المترجم الفرنسي كتب. السماء التشرينية زرقاءعلقت في : استولى علي الحزن، أما المترجم فكتب: وكتب كونديرا. الباذخة

Page 81: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

النساء : النساء عاريات، كتب المترجم: وحين كتب الروائي. أنشطوطة حزن عظيمه التشوھات وأمثالھا الكثير حاضرة حضورا طاغيا في ھذ. يرتدين لباس حواء

التي تناول أحدھم فيھا ” المكشوف“أساليبنا الكتابية العربية حتى اليوم ومنذ ما قبل آخر وصف الكاتب . ”نحيي فيه الملح الخالدة“الجنرال ديغول، فكتب إن علينا أن

، ”الطرفة“ال كلمات ثالث أكثر من استعم. ”الفكه ”ا�ميركي مارك توين بـ . ، فيما ھو يكتب عن أشعار عزرا باوند”الطرف“

خامس . ”كان نفر قليل يتناھد الى النعش“: رابع وصف جنازة عمر فاخوري، فكتب، ”الحلم الذي ھدھد المھد jبائكم مئات السنين“: قائ� –يخاطب اللبنانيين كاتبا

، قاصدا ا�ستق�ل بھذين الحلم ”رزا<منية التي زغردتھا فتاة زغرتا لفتى ا<”و .وا<منية

ترى ھل “: لكن عمر فاخوري كتب وھو على فراش المرض قبيل أيام من رحيلهنحن � “: وكتب ايضا . ”نقضي العمر في التفلسف على الحياة من دون أن نحيا؟

.”نؤرخ اليأس. لكننا نؤرخ. تاريخ لنا <نه � حياة

دار “عن ” مذكرات ميشال زكور“اب ميشال أسمر قبل فاخوري، غداة صدور كتعلى الكتاب، فاعتبر أنه ) أبو الحن(، علق فؤاد حداد ١٩٣٨عام ” المكشوف

وكتب حداد أن . مذكرات جيله وجيل أسمر، المولود في الحرب العالمية ا<ولىا<رجح أن (” أدب ا<نانية“الذي يكتبه ذلك الجيل الطالع في لبنان، ھو ” ا<دب“وھا ھوذا يشرح معنى ذلك ). المعلق كان يقصد با<نانية الذاتية أو الفردية –لكاتب االضعف المستتر بالقوة، الطھارة المغلفة “: فيكتب أنه يعبر عن” ا<دب ا<ناني“

بالشھوات، الحياة الراكدة تحت ھيجان المخيلة وغربة اQحساس، فيض الحب ، برغم تعدد )أي الغفل(جھول الشخصية المھدور، اQيمان المبطن بالكفر، الم

.”الشخصياتخلف ھذه الثنائيات التي � يزال ا<دب اللبناني ا<حدث، شعرا ونثرا، يعتبرھا قدس أقداس �ھوته التعبيري، يكمن ا�ختناق الجديد، الفردي والذاتي، بالفردية المقلقة أو

جھاز التعبيري والفني الذي ال –من ا�ختناق ھذا يصدر معظم ال�ھوت . الموقوفةميشال أسمر يعبر . به تجاوزت الكتابة اللبنانية الحديثة ا�نشاء اللغوي للنھضة

آه منك “: صادقا في مذكراته عن اختناقه بتلك الفردية ا<سيرة غير القابلة ل�حتمالقل الى أين يقودني اھتمامي بكل نفثة من نفثاتك ونغمة من نغماتك؟ أنا مث! يا نفسي

.”بك، متعب بنضجك

Page 82: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

ھل � خ�ص من ھذه الحال إ� ببراءة الطفولة أو بالنبوة ! لماذا متعب ھو النضج؟

الجبرانية أو بالموت؟

)٨( ا<خ�قي الحرية والتصدعالضياع “صورا ومواقف وع�قات لما يمكن تسميته ” طواحين بيروت“أتذكر من

ة اللبنانية المحدثة في ، كما صاغته المخيلة ا<دبي)بيروت(في المدينة ” الوجوديعنوان الرواية يوحي أيضا بذلك . الستينات ومطالع السبعينات من القرن العشرين

. المدينة تطحن البشر، أي تخلطھم، تھصرھم، تفككھم، وتذررھم: النوع من الضياعالتي تكني، في العنوان، كناية مادية مباشرة عما تفعله المدينة ” طواحين“لكن كلمة

ر، تحمل رجعا وأصداء من المخيلة ا<دبية القروية التي تشكل مصدرا أساسيا بالبشوفي تلك . لqدب اللبناني، في لغته وقيمه وقاموسه التعبيري، حتى ا<مس القريب

يكثر حضور ) المسيحي غالبا (المخيلة ا<دبية القروية ذات الجذر العامي الجبلي يلة والضياع، في مقابل الطھر والنقاء والبراءة المدينة بوصفھا إطارا للفساد والرذ

.وا<صالة القروية

حينما قرأتھا ” طواحين بيروت“في ما أتذكره من صور ومواقف روائية للضياع في

في مطالع السبعينات، أن الضياع ا<خ�قي والوجداني والعاطفي والجنسي وي، إ� على نحو لشخصيات الرواية في بيروت، لم يكن له مقابله ونقيضه القر

لكن ذلك الضياع، أو التمزق الوجودي الذي تعيشه تلك . خفي أو مضمرالشخصيات، تقدمه الرواية بوصفه تصدعا قيميا وأخ�قيا يلم بالوافدين الى المدينة، نتيجة انس�خھم عن بيئاتھم وثقافاتھم السابقة المستقرة اjمنة والمطمئنة التي

.ھاصدروا وانسلخوا عن

. حاضرة بقوة �فتة في موضوعات الشعر اللبناني) بيروت(ھذه النظرة إلى المدينة ففي مطلع سبعينات القرن العشرين كتب أحد الشعراء اللبنانيين الجنوبيين الشبان

، فشاعت مقاطع منھا على ألسنة جماعات طالبية ”بيروت“آنذاك قصيدة عنوانھا / ي موت شد يا بيروت رجلي إلى ظھريأ“): منھم كاتب ھذه السطور(واسعة / بل خياناتي <مي/ لست أمي/ أزني با<غاني/ عند قدميك أبيع الضحك/ رماني

Page 83: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

من رضع / وشفاھي سئمت من حلمة الكاوتشوك/ ثدياك زجاج/ لملمي ثدييك .”القناني

، كان قبل أكثر من عقدين من ”قميص الصوف”و” الرغيف“الغريب أن صاحب ، قد عبر عن نظرة مختلفة تماما إلى المدينة، حينما كتب ”ين بيروتطواح“نشره

منتصف ث�ثينات القرن العشرين، تحقيقا قصصي ا<سلوب ” المكشوف“في جريدة عن بنات بيروت اللواتي خرجن إلى العمل في المكاتب والمخازن والمتاجر، جازما

العذراء ”فـ. في المئة ٥الـ � تتجاوز نسبتھن” العفاف“بأن المحافظات منھن على .”منھن تعطي كل شيء ما عدا خيط عنكبوت

لكنھا � تخلو من . ظاھرة جميلة، فرحة ولذيذة“وھذا، على ما يختم عواد تحقيقه، متى كانت الحرية “: لكنه يحرض على اقتحام ھذا الخطر في سؤال ملھم. ”خطر

الروائي ا�خطار التي فألبس” طواحين بيروت“أما في . ”خالية من ا<خطار؟ .تنطوي عليھا الحرية في المدينة لبوس التصدع ا<خ�قي

مجتمع العمران البري والمنافي السكنية على ت�ل خلدة المحتقنة �ع والتذرر وعنف الھوياتنموذج ل�قت

)٩(

وھي كانت مقفرة يكسوھا غ�ف صخري تتخلله نباتات –على ت�ل خلدة الساحلية ارتفعت بنايات العمران –من السنين او اكثر بقليل وشجيرات برية قبل عقدين

ت العشوائي شاھقة، وتمددت تدريجا في القفر، من دون نظام و� تصنيف �ستعما�

Page 84: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

والمتجول العابر . ا�راضي، وقبل ترتيبھا وشق طرق وانشاء شبكات للخدمات فيھااليوم في السيارة على طرق تلك الت�ل، بين البنايات العالية وورش البناء، يصعب عليه تصنيف نوع العمران الناشئ والعثور على تسمية محددة له وفق التصنيفات

: العمرانية المعروفة

تاحتھا عشوائيا بنايات سكنية عالية � يربط بينھا اي نظام سوى ت�ل مقفرة اجمحاذاتھا طرق شقھا تجار البناء الجاھز والعقارات، كل منھم على ھواه وكيفما اتفق

لكن ت�ل خلدة وجوارھا في خراج . وبأقل التكاليف الى بنايته وارضه وسط القفرالنوع من العمران المنتشر كثيفا عرمون � تنفرد وحدھا في لبنان اليوم بمثل ھذا

. في ارجاء كثيرة من الجمھورية السائبة

فالناظر متأم� في ما صار اليه عمران لبنان، وفي انماط الحياة ودبيبھا فيه، يدرك على اي حال من التمزق والفوضى العارمة يعيش اھالي ھذه الب�د ويتدبرون

ويحدث على ت�ل خلدة وعرمون ا� لذا ليس ما حدث. شؤونھم العامة ويديرونھانموذجا لما ھي عليه احوال العمران في مناطق لبنانية كثيرة، مع بعض التفاوت

.وا�خت�ف بين منطقة واخرى

العمران البري

ادى انشاء ا�وتوستراد الساحلي السريع الذي ربط بيروت بصيدا جنوبا، الى فورة تبع ھذه . متوسطة وصغيرة على جانبيهكثيفة من تشييد منشآت تجارية كبرى و

الفورة تشييد بنايات سكنية خلف شريط المؤسسات التجارية، ثم تمدد انشاء البنايات . تدريجا على الت�ل، فوصل اليوم الى اعاليھا، وتوسعت الكتل العمرانية وتضخمت

وللوصول اليھا والخروج منھا ما بين مثلث خلدة ودوحة الحص، تفرعت من د ا�وت وستراد السريع طرق صغيرة شبه عشوائية � يراھا سوى من خبرھا وتعو]

الطرق ھذه تتعرج على الت�ل بين البنايات وسط القفر ب� ارصفة، . ا�نعطاف اليھاالخدمات . وطبقة ا�سفلت عليھا رقيقة ھشة سرعان ما تتآكل وتغزوھا الحفر

أنشئت مثل الطرق، ب� ا�ساسية للبنايات، من ماء وكھرباء، وصرف صحي، لكل بناية بئرھا ا�رتوازي للحصول على الماء، وبئرھا او : تنظيم و� تخطيط

جورتھا لتجميع المياه المبتذلة والصرف الصحي، ومولدھا لتوليد الطاقة الكھربائية، .اضافة الى ا�تصال غير المنظم بالشبكة العامة

شاع المقفرة بعدما صادرھا على مثال العمران الفوضوي على ا�راضي المالنافذون وجماعاتھم المسلحة في ضواحي المدن والبلدات والقرى، فتقاسموھا اقتساما داميا في بعض ا<حيان وشيدوا عليھا متاجر وبيوتا وبنايات عشوائية في

Page 85: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

أزمنة الحرب، على ھذا المثال شيد تجار ا�راضي وسماسرتھا وتجار البناء الجاھز الية على ت�ل خلدة، فنشأ عن ذلك عمران بري وتجمعات سكنية � بناياتھم الع

فقط طرق بدائية وبنايات في قفر لم . تاريخ لھا و� نظام او نسيج عمراني يجمعھايجر ترتيب اراضيه وانسنتھا، � قبل وضع اساسات المباني و� بعد انجازھا وبيعھا

بنايات مبعثرة على . �قامة فيھاشققا سكنية جاھزة وانتقال اصحابھا ومستأجريھا ل. الت�ل بين الصخور، وسكان بنايات في قفر ارسخ واقوى من العمران والسكان

واذا كانت ھذه حال العمران وساكنيه، فان الحياة والع�قات ا�جتماعية ما بين يان يقومان بين جدران : السكان � تختلف عن تلك الحال fاجتماع ومجتمع بر

وا�قامة في ھذا . خور وعلى منحدرات تشرف على بحر بعيدالباطون والص .المجتمع البري لھا طعم المنفى

عرب المسلخ

النازلين قرب ” عرب المسلخ“تبدأ حكاية عمران ت�ل خلدة المقفرة بلجوء مھجري - ١٩٧٥(الكرنتينا شرق بيروت، الى مسابح خلدة وشاليھاتھا في حرب السنتين

نظم آنذاك اقامة المھجرين ورعاھا في تلك ” دمي ا�شتراكيالحزب التق“). ١٩٧٦المسابح البحرية التي يوالي م�كھا وم�ك ا�راضي المجاورة العائلة ا�رس�نية

. ”ا�شتراكي“المناوئة للعائلة الجنب�طية التي تتصدر زعامتھا الحزب الجنب�طي

واقامت جماعة منھم المھجرون مضاربھم خارج المسابح، ” عرب المسلخ“وسع مخيما لھا في القفر، اسفل الت�ل الصخرية، على مسافة قصيرة من الطريق

.الساحلي القديم السابق على انشاء ا�وتوستراد السريع الذي أزال انشاؤه المخيم

، ازدھرت تجارة )١٩٩٠ – ١٩٧٥(في ا�ثناء، اي في سنوات الحروب المتعاقبة دامى العارفين بأحوال المنطقة وعقاراتھا، ان م�كھا اراضي الت�ل التي يروي ق

ھؤ�ء الم�ك ارغمتھم الحرب على بيع . كانوا في معظمھم من المسيحيين والدروزارضھم المقفرة بأسعار متھاودة لمستثمرين كويتيين وتجار عقارات لبنانيين، وذلك

نزل مھجرو بعد شعورھم بغموض مصير ام�كھم والمشاعات القريبة منھا، حيث . المسلخ وأقاموا مضاربھم

الحزب التقدمي الجنب�طي، برز دورھم ”النافذون من المھجرين، اولئك المستقوين بـكسماسرة عقارات في عمليات البيع والشراء، ثم اشتروا بعض العقارات وضموا

Page 86: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

كا اليھا مساحات من المشاعات على الت�ل القريبة، فتحولوا شيئا فشيئا تجارا وم�وللبناء عليھا ابتداء من مطالع التسعينات، شاركوا تجار البناء الجاھز، . للعقارات

.وحصلوا على شقق سكنوھا في البنايات الجديدة

صور ملحمية

المقيمين في البنايات ” عرب المسلخ“وھو الوجه ا<برز اليوم بين قدامى –ابو ديب مه عن عشيرته اثناء لقائنا معه في اضفى صورا ملحمية على ك� –على ت�ل خلدة

كانت “. مضافته الزجاجية قرب سوبرماركت في الطبقة ا�رضية من احدى البناياتھذه . ، قال”المدافع تقصف وتدمر، فيما نحن ابناء العشيرة نشيد البنايات في خلدة

. الصورة الملحمية كان ابو ديب قد استبقھا بأخرى تعود الى ايام الحروب الصليبية

جوابا منه على سؤالنا ا�ول عن بداية العمران في خلدة، قال ان عمرانھا عرف في المرحلة ا�ولى كنا نحن ابناء عشيرة زريقات من عرب الثغور “: ث�ث مراحل

. واھلھا، الى جانب التنوخيين، في الدفاع عن السواحل ضد الغزاة الصليبيينوالفنادق على ساحل خلدة ابتداء من حوالمرحلة الثانية ھي مرحلة انشاء المساب

اما المرحلة الثالثة فھي مرحلة الحرب عندما اشترى اھلنا، عرب . اوائل الستيناتخلدة، أراض على الت�ل من م�كھا ا�رس�نيين وسواھم من الدروز، ثم شيدوا

، منھم حسين ”عليھا البنايات، وباعوا قطعا منھا من مستثمرين وتجار عقارات .ن ومحمد نائلطعا

اثناء جلستنا دخل الى المضافة عدد من ا�و�د والفتيان، تقدم كل منھم من ابو ديب اما الشاب الذي دخل اخيرا فوقف ابو ديب �ستقباله وتباد� القبل على . وقبل يده

.الخدين

سألنا ابو ديب عن حوادث وصدامات تحصل بين السكان في المنطقة، ومنھا الحادثة ، وكان ”ابو عدي –كمال “قتل فيھا قبل أشھر شاب من آل شيخ موسى يدعى التي

سببھا المباشر شجار بين شبان نشب على خلفية تعليق صور و�فتات، فأدى الى . تبادل اط�ق نار ومطاردات

كان جواب محدثنا أن خلدة فيھا احزاب وتنشب خ�فات ومنازعات بين احزابھا، نحن عرب خلدة، فنعالج الخ�فات بروح “اما . نيةكغيرھا من المناطق اللبنا

. ”عشائرية وننبذ ا<حزاب والحزبية

بعد حملة –ووفقا لك�م ابو دبيب يبلغ عدد الناخبين من عشيرة الزبقات في خلدة .حوالى الف ناخب –التجنيس ا�خيرة في التسعينات

Page 87: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

. دھم حوالى مئة الف نسمةاما ابناء العشيرة المقيمين في بنايات المنطقة فيبلغ غد وھذه ارقام مبالغ فيھا كثيرا، <ن ابو ديب نفسه قال ان ابناء عشيرته � تتجاوز

في ا لمئة من اجمالي عدد سكان خلدة الذين توافد معظمھم من ٥او ٤نسبتھم .مناطق بيروت وضواحيھا واشتروا او استأجروا شققا في البنايات واقاموا فيھا

السكنيخليط المنفى

في الروايات المختلفة التي جمعناھا عن إعمار ت�ل خلدة من بعض سكانھا وأحد كبار تجار العقارات ” شيخ العرب“المقيمين، يتوارد ذكر ابو ديب بوصفه

والبناء الجاھز في المنطقة، الى جانب آخرين كثيرين من آل الحسيني والخنسا ض التي تشغلھا معارض لتجارة اما قطع ا�ر. والسعدي ونائل وعائ�ت اخرى

السيارات المستعملة الى جانب ا�وتوستراد، فتعود ملكية معظمھا الى كويتيين اشتروھا في زمن الحرب او قبلھا من قدامى م�كھا المسيحيين او الدروز بأسعار

وبعد انشاء ا�وتوستراد صادر نافذون في . ”عرب المسلخ“بخسة عبر سماسرة من واقاموا عليھا معارض تجارة ” الداشرة“عا من ا�راضي المملوكة الميليشيات قط

افران “تزايدت على جانبي ا�وتوستراد المؤسسات التجارية، ومنھا . السياراتلصاحبھا ابو فادي الحلبي الذي يعمل في افرانه عمال سوريون كثيرون ” شمسين

ا في غرف مؤقتة الى جانب غيرھم من العاملين في ورش البناء والمقيمين قربھلكن العمال السوريين اخذوا يستأجرون في البنايات شققا . مشيدة على عجل

” عرب المسلخ“ويستقدمون من سوريا نساءھم واو�دھم ل�قامة فيھا، فخالطوا .وسواھم من سكان الشقق المباعة والمستأجرة

السنة، من ” عرب المسلخ“كانت غالبية سكان البنايات، اضافة الى ٢٠٠٠قبل العام أسر سنية من العرقوب وأخرى بيروتية من الطريق الجديدة � يمكنھا وضعھا

وكانت تخالط ھذا الخليط اقلية . ا�قتصادي من شراء شقق او استئجارھا في بيروتفأسعار الشقق في خلدة ادنى بكثير . شيعية وافدة من الضاحية الجنوبية أو الجنوب

لكن الوافدين البيارتة للسكن في شققھم لم يألفوا .منھا في العاصمة وضواحيھاونمط العيش في الطبيعة البرية، و� في بيئتھا ا�جتماعية الجديدة الشبيھة ا�قامة

. بالمنفى، فقام كثيرون منھم بتأجير شققھم وعادوا ل�قامة في احياء بيروت الشعبيةيد البنايات بما يفوق الطلب غير ان تجار العقارات والبناء الجاھز ثابروا على تشي

.في اثناء الشروع ببنائھا” على الخريطة”على الشقق التي يبيعونھا بالتقسيط و

Page 88: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

ا<سعار المتھاودة للشقق السكنية في خلدة حملت فئات شعبية من صغار المدخرين على شراء شقق يستثمرون بھا مدخراتھم في انتظار بيع الشقق بعد ارتفاع أسعارھا،

.رھاأو تأجي

مشروع نائل

الذي يضم مجموعة كبرى من البنايات على منحدر غير بعيد ” مشروع نائل“كان وبعده ٢٠٠٠من ا<وتوستراد، من أضخم المشاريع العمرانية في خلدة قبيل العام

من صغار مدخرين ” على الخريطة“يحوي المشروع مئات الشقق التي بيعت . بقليلكن محمد نائل توفي قبل إنجاز مشروعه، فعمد مشترو ل. سنة في غالبيتھم الساحقة

الشقق في المجمع الكبير الى استكمال البناء وتجھيزه كل على ھواه ووفق إمكاناته والمجتمع . نجم عن ذلك قيام مجمعات سكنية مشوھة غير مكتملة الخدمات. المادية

العمراني الناشىء في بنايات المجمع يشبه في اضطرابه وتمزقه وتذرره الوضعمياه الصرف الصحي تسيل على اسفلت الطرق الھش وتحفر فيھا : المشوه للمشروع

السكان خليط من . امام البنايات وخلفھا ترعى بعض من ا<غنام والشاة. أخاديدعلى الطريق الصاعدة . وفقراء السنة الريفيين أو البيارته المھمشين” عرب المسلخ“

وتوستراد، نشأ ما يشبه سوق صغيرة غير بعيد من الى خلدة من تحت جسر يعلو ا�روائح المياه المبتذلة السائلة على الطريق تفوح نفاذة في ا<رجاء، . بنايات المجمع

المصلى أو الجامع الصغير أقيم الى جانب الطريق في . وصو� الى أعلى المنحدر .جھة من السوق

. ط شھر تشرين الثاني الجاريھذه المشاھد الجزئية تعود الى نھار جمعة من أواسرجال وشبان وفتيان ملتحون في . كان دبيب الحياة قويا في ظھيرة الجمعة تلك

كثيرون منھم يرتدون دشاشيش، . المسجد –غالبيتھم يتوافدون الى المصلى . فيخلعون أحذيتھم ويدخلون الى باحة المصلى الداخلية، حيث يفترشون الحصر

” اليھود المجرمون“ير في الزاوية يتحدث عما يفعله خطيب المسجد على منبر صغصوت الخطيب يختلط بصوت شيخ آخر كان قد ركن سيارته المرسيدس . في غزة

شيخ المبرة . أمام مبنى المبرة او الحسينية ودخل اليھا على مسافة أمتار من المصلىوستراد خلف ا<وت. يتلو مقتطفات من السيرة الحسينية الكرب�ئية في عاشوراء

على مدخل . والمنشآت التجارية المحاذية له بنايات سكانھا في غالبيتھم من الشيعة .٢٠٠٣المبرة �فتة رخامية مكتوب عليھا أنھا شيدت في العام

لكن حركة السيارات . شعور بالتوتر وعدم ا<مان يراود الغريب عن ھذه البيئةا ا<صوات العالية المنبعثة من والمشاة في المكان متسارعة ومضطربة، وتخيم عليھ

Page 89: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

في جولة في . المصلى والحسينية، وصو� الى ا<رجاء المتباعدة في ا<عاليالكئيبة، ” مجمع نائل“السيارة المبتاطئة في سيرھا على الطرق وسط بنايات

الشاھقة، كانت أصداء خطيب المصلى والحسينية تتردد قوية من مكبرات صوت مياه الشطف والغسيل والصرف الصحي مندلعة على . اياتمنصوبة على أعالي البن

.اسفلت الطريق، وفي بورة صغيرة تحيطھا صخور تسرح دجاجات وصيصان

جولة سريعة

في جولة سابقة بالسيارة قبل شھرين أو ث�ثة من نھار الجمعة، كان الدليل المقيم في أنظر، : ، قد قال)يةعلمت أخيرا أنه نزيل في سجن روم( ٢٠٠٥المنطقة منذ العام

إنھا تلبس بلوزة تنحسر عن . أنظر الى تلك المرأة التي تترجل من الرانج الروفركانت السيارة تنطلق . بطنھا، وھي زوجة مسؤول إحدى المنظمات الحزبية في خلدة

ت�وة القرآن من . على تلة صغيرة” ھارون الرشيد“بنا من السوق في اتجاه مطعم ھنا سكان البنايات خليط من العرب والسنة . انت تتباعد خلفناالحسينية والمصلى ك

ابن بيروت يشتري شقة ھنا ليؤجرھا أو ليبيعھا : والشيعة، قال الدليل، وتابعھنالك في ا<على . ويحصل بعض ا<رباح، ف� يسكن فيھا، <ن الجو ھنا ليس جوه

محليون، منھم بعض الفي�ت للبيع، يتشارك في انشائھا مستثمرون كويتيون و .”شركة عقاريا“

. تصعد السيارة على الطريق بين الروابي الصخرية والبنايات والورش المتباعدةا<ع�م وال�فتات الحركية والحزبية تشير الى ھوية المستثمرين والسكان، قال

. ، والعكس يحدث ايضا ”عمر“كتبت كلمة ” أمل“على ذلك الجدار فوق كلمة . الدليلابتعدت السيارة قلي� . رفرف على كثير من أعمدة شبكة الطاقة الكھربائيةا<ع�م ت

أصوات . <نھا بعيدة، تابع الدليل” قبرص“ھذه المنطقة يسمنونھا . من العمرانذلك البناء الكبير كان مدرسة خاصة، بعد موت صاحبھا . جرافات تصل من البعيديأتي في ا<وتوكارات للتعلم فيھما ،”� سيتيه”و” � سيم“: اقتسمھا نج�ه مدرستين

ت�مذة من إقليم الخروب وبلدات الجية والناعمة وحارة الناعمة التي تبدلت ھويتھا ابتعدنا من خلدة قلي�، وھذا خراج لقد: الديموغرافية تماما، قال الدليل، وتابع

لنعبر الخاصة على حدودھا، وعلينا أن نعود نزو� ” البيادر“عرمون، حيث مدرسة .”مشروع نسيم البحر“في بنايات

مشروع نسيم البحر

روى الدليل وسواه من سكان المنطقة، أن موجة من تجارة العقارات وتشييد البنايات غلب الشيعة . ٢٠٠٠في خلدة، ھبت قوية بعد تحرير الشريط الحدودي في العام

Page 90: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

الى الت�ل العالية، على ھذه الموجة الصاعدة تدريجا من قرب ا<وتوستراد وصو� الذي قال أبو ديب إن ا�راضي ” نسيم البحر“حيث نشأ المشروع ا<كبر المسمى

التي أنشئ عليھا كان يملكھا ا<مير فيصل ارس�ن، فباعھا لتجار البناء الجاھز، وبعد تشييد الحسينية في أسفل السوق القريبة من . وكان معظمھم من الطائفة الشيعية

الذي ضم ” نسيم البحر“، أخذت تنشأ مصلبات صغيرة في أسافل بنايات ا<وتوسترادعشرات البنايات المنحدرة من أعالي الت�ل حتى مضافة أبو ديب غير بعيد من

حين التقينا أبو ديب في مضافته، كانت فرس مربوطة في فسحة . (”مشروع نائل“تصاعدة حتى العام استمرت موجة البناء ھذه م). أرض صغيرة أمام السوبر ماركت

” نسيم البحر“وفي ا<ثناء شيدت على تلة ما بين . ، فتوقفت أو ضمرت قلي� ٢٠٠٥<حد المشايخ ا<قطاب في الطائفة ” مجمع الطاھر“، بنايات ”مشروع نائل”و

لكن شقق ھذا المجمع اشتراھا خليط من أبناء الطائفتين السنية والشيعية، . الدرزية .روزالى قلة قليلة من الد

، ھبت موجة عمرانية جديدة في مجمع ٢٠٠٦بعد أسابيع قليلة من نھاية حرب تموز لت في منزل مقاتل . (، فتزايدت بناياته”نسيم البحر“ في نھار من تلك ا�سابيع سج]

يقيم في إحدى بنايات المجمع، شھادة عن تلك الحرب التي شارك ” حزب e“من غداة ). ستشھد له فيھا ولدان اثنان مقات�ن معهالرجل في معاركھا في الجنوب، وا

تلك الحرب كانت الحياة في بنايات المجمع خافتة، ومجللة با<ع�م والرايات السود .و� تزال

التوتر وا�حتقان

في الزيارتين المتباعدتين لخلدة أخيرا، روى الدليل أن تجار البناء الشيعة ما بين عقارات على ت�ل خلدة بأسعار عالية، ويشيدون ، كانوا يشترون ال٢٠٠٨و ٢٠٠٦

أبو ديب . عليھا البنايات، رغم تضخم عرض الشقق للبيع وزيادته عن طلب شرائھانفسه أكد ھذه الواقعة ونسبھا الى تسابق اللبنانيين على ا�ستثمار في العقارات

لى شراء الى جانب ھذه الظاھرة، روى الدليل ايضا أن التسابق ع. وتجارة البناء، ٢٠٠٨أيار ٧و ٢٠٠٦ما بين حرب تموز . العقارات وصل الى بلدة الشويفات

عاشت منطقة خلدة ومجمعاتھا السكنية توترا على إيقاع الخطب المتعاقبة التي كان يلقيھا كل من السيد حسن نصرe والرئيس فؤاد السنيورة أو سعد الحريري، فيطلق

حتى أن . ء احتفا� بخطيبھم ونكاية بالخطيب اjخرشبان في المنطقة النار في الھواالس�ح بدأ يطھر في مناسبات كثيرة، منھا أثناء ص�ة الجمع وخطبھا في المسجد

وفي ھذه الحقبة بدأ يظھر تكاثر شبان من السلفيين الملتحين والمتطرفين . والحسينية .”مجمع نائل“جھاديا في بنايات

Page 91: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

أيار ٧يرصدون ھؤ�ء السلفيين وس�حھم، وصو� الى كانوا ” حزب e“لكن شبان بدخول المجمع في ” حزب e“، حينما قامت مجموعات مسلحة ومقنعة من ٢٠٠٨

وھذا ما حصل . سيارات، طالبة من كل من لديه س�حا من سكانه أن يسلمه فورا ا وإعدادا فع�، <ن المسلحين المھاجمين باغتوا سكان المجمع وكانوا أقدر تنظيم

عسكريا، ويعرفون الشبان السلفيين ومن المسلح منھم، ولديھم لوائح تفصيلية كانوا حتى ” حزب e”وروى الدليل ايضا أن تجار س�ح على صلة بـ. باسمائھمأيار يقومون بشراء الس�ح بأسعار عالية ومغرية من المحازبين الدروز ٧عشية

.دةفي الشويفات وخل” ا�شتراكيين“

بعد ذلك أخذ ا�حتقان يتزاد في خلدة، معطوفا على موجة جديدة من تزايد البناء، مجمع ”و” مجمع نائل“قطبا ھذا ا�حتقان ھما . وعلى فرز طائفي متفاقم بين السكان

أما ا�حتكاكات فغالبا ما تحدث في السوق، حيث المسجد الذي يتكاثر . ”نسيم البحرفية، وحيث الحسينية في طرف السوق غير بعيد من فيه المصلون من شبان السل

، أما محازبوا ”حزب e“الترصد مستمر بين شبان السلفية وشبان . ا<وتوسترادفغالبا ما يلتزمون بيوتھم في أوقات ا�حتقان، على ما روى الدليل، ” تيار المستقبل“

تشكل مناطق وأضاف أن للسلفية إمتداداتھا في الناعمة وحارة الناعمة، فيما في صحراء الشويفات امتدادات ” العباس”و” الحسين“ا<وزاعي وحي السلم ومدينتي

.في نسيم البحر وسواه من البنايات في خلدة” حركة أمل”و” حزب e“لشبان

” حضرية“لذا يفتقد سكانه شروط إقامة . ھذا المجتمع البري أقرب الى منفى سكنيوأطرا تتعدى السكن العاري في بنايات يحوطھا تؤمن دورة حياة وفضاءات ووسائل

في ھذا المنفى ينغلق العالم وتنغلق مخيلة الساكنين وع�قاتھم، . قفر طبيعيوخصوصا الشبان والفتيان منھم، على احتقان وعنف مقيمين، ھما مرآة تلك ا�قامة

ي العارية في قفر الجدران والطرق والصخور، ومرآة مكبرة لفراغ نفسي وروحيعيشه سكان مقتلعون ومنفيون الى مكان � تاريخ عمرانيا واجتماعيا له سوى تاريخ

.الھويات المحتقنة

Page 92: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

بلس للنخبة الطالبية في شارع” المتقشف“ا�ستھ�ك

)١٠(

ركية على خ�ف الصورة الشائعة عنھم من أنھم مسرفون يبدو طلبة الجامعة ا�ميمبذرون في مصاريفھم، منظورا اليھم من زاوية نمط ا�ستھ�ك اليومي السريع،

ھذا ما تؤكده طبيعة . ومن طبيعة السلع والخدمات التي يقدمھا إليھم شارع بلسا�ستھ�كي المتاجر والمطاعم والخدمات في الشارع الجامعي الذي يتحكم السلوك

اما . والنخبوي غير الباذخ للجمھرة الطالبية التي ترتاده طوال النھار” المتقشف“المكتبات وسواھا من مستلزمات الحياة الثقافية، فيشير تضاؤلھا في بلس الى

.انصراف الطلبة عن ا�ھتمام بالثقافة، ا� في دوائر طالبية ضيقة

ه من خدمات، � يشبه شارع بلس، الشوارع في معالمه البارزة الراھنة وفي ما يقدمفالمكتبات القليلة واقتصار بعضھا على تقديم . المماثلة له في كثير من مدن العالم

خدمة ا�ستنساخ، وكذلك ندرة المؤسسات والمنتديات الثقافية في الشارع الجامعي، منھا على وجه تعكس ضعف اھتمام الطلبة اليوم بالثقافة العامة، المكتوبة أو الكتابية

اما ثقافة ا�داء . الخصوص، ا� في دوائر ضيقة وغير بارزة في الحياة الطالبيةوالصور والعروض البصرية والمشھدية المحدثة والما بعد حداثية، الشائعة والمزدھرة نسبيا في دوائر شبابية متفرقة من بيروت، فتكاد نشاطاتھا تستقل

لعامة للطلبة، و� حضور لمنتدياتھا في شارع وتنفصل عن اطر الحياة اليومية ا .بلس

Page 93: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

ا�قتصاد الطالبي

تزدھر في الشارع مطاعم الوجبات السريعة التي تناسب كثافة الحياة اليومية .السريعة العابرة على رصيف شارع يعج بمئات الطلبة طوال ساعات النھار

نھم يتمتعون بقدرة على خ�ف الفكرة الشائعة عن طلبة الجامعة ا�ميركية من اشرائية عالية، ويقبلون على استھ�ك خدمات باذخة مرتفعة ا�سعار، ھم في الحقيقة

في مصاريفھم اليومية، بما يتناسب مع ما يحصلون عليه من ” مقتصدون“والواقع لكن تدني . من اھلھم، ومداخيل من اعمالھم الموقتة في الجامعة والعطل” خرجية“فطلبة الجامعة . المادي ة � يعني ان اھلھم من ذوي العسرالشخصي” مداخيلھم“

ا�ميركية ھم من فئات اجتماعية متوسطة على وجه ا�جمال وفي غالبيتھم العددية، من دون ان تخلو ھذه الغالبية من طلبة ينتمي اھلھم الى فئات ميسورة وعالية

السلوك ا�ستھ�كي اما ما يحدد. المداخيل، او الى فئات اخرى ما دون المتوسطةالشخصي الشائع للطلبة على وجه العموم، فھو سلوك طالب الفئات المتوسطة ل اسرھا نفقات ا�قساط الجامعية المرتفعة <بنائھا، اضافة الى المحدثة التي تتحم]مصاريفھم الشخصية التي يحرص ا<بناء الطلبة على اتباع سلوك مقتصد فيھا،

.ياتھم الجامعية اليوميةقوامه عدم التبذير في ح

طابعه على اصحاب المتاجر ومطاعم الوجبات السريعة ” ا�قتصاد الطالبي“يفرض

المتنافسة تنافسا قويا ودقيقا في ابتكاراتھا المتجددة وفي اسعار وجباتھا وسلعھا وخدماتھا في بلس، كي تناسب اذواق الطلبة المحدثة والمتغيرة ومقدرتھم الشرائية

ھذا بدوره يفرض نوع المنشآت وا�ستثمارات المربحة في شارع جامعي . ودةالمحدترتفع اسعار عقاراته واستثمارھا على نحو قد يكون ا�على في بيروت، بعد وسطھا

.الجديدغالبا ما يقوم طلبة ھذه الجامعة بتدارس اسعار ما يحتاجونه من سلع يومية،

لمتوافرة في متاجر الشارع ومطاعمه، كي وبمقارنة جودتھا واسعارھا بمثي�تھا اھذه حال ا<كثرية من . يقبلوا على شراء المناسب منھا مع ضبط لمصاريفھم اليومية

الطلبة، أما ا�قلية التي تبذر من غير حساب، فليست ھي من يحدد السلوك ا�ستھ�كي الطالبي الكثيف والمقتصد في الشارع، مما يحمل المستثمرين على عدم

. عويل على القدرة الشرائية العالية لھذه ا�قليةالت

وبالرغم من ان الجمھور الطالبي العام في بلس، نخبوي وحديث ثقافيا وفي نمط العيش والقيم، فإن المستثمرين في ھذا الشارع يحرصون على عدم تقديم سلع

وھم فوق ھذا شديدو . وخدمات نخبوية باذخة او فخمة في متاجرھم ومطاعمھم

Page 94: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

لتنافس في تقديم حاجات ووجبات تناسب جودتھا أذواق الطلبة النخبويين ثقافيا وفي اذلك أن من الصعب على طالب يقيم في المسكن الجامعي او في منزل . نمط العيش

اھله او في شقة طالبية مشتركة، ويتحمل اھله كلفة اقساطه الجامعية المرتفعة، رتاد مطاعم فخمة تقدم وجبات مرتفعة ويحصل منھم على مصاريفه اليومية، ان ي

من فطور عابر الى –فسرعة الحياة اليومية الطالبية ومتطلباتھا وخفتھا . ا�سعارغداء في مطعم للوجبات السريعة، الى سھرة مع صديقة او صديق في مقھى او مربع ليلي، الى اختيار ثياب وازياء شبابية محدثة ونخبوية لكن غير باھظة ا�سعار

.تحتfم على الطلبة موازنة مصاريفھم واختيار السلع والخدمات المنخفضة ا�سعار –

اذا اضفنا الى ھذا كله ان الطلبة غالبا ما يوفرون من مصاريفھم اليومية كي يتمكنوا من شراء ھدية مميزة لصديقة حميمة او صديق حميم، وان اھل الطلبة يحاولون

وفيرة، لتعويدھم، تربويا، على ا�ستق�ل ) خارجية(عدم تزويد ابنائھم مداخيل المادي وضبط المصاريف، نعلم لماذا تتحكم الدقة في الحسابات بسلوك المستثمرين

المستثمرون عليھم مراعاة كل ھذه العوامل المتشابكة والمعقدة في . في شارع بلس .سلوك الطلبة وأمزجتھم ومقدرتھم ا�ستھ�كية

ستثمارات الباھظة في الشارع والمنطقة كلھا، فتحتم على أما أسعار العقارات وا� المستثمرين ابتكار معادلة صعبة ودقيقة تمكنھم من تقديم سلع وخدمات يقبل الطلبة عليھا إقبا� كثيفا وضخما يعوضان تدني اسعار مبيعھا، مع المحافظة على جودتھا

ھذه . طلب وضخامته عليھاالنسبية، وتكفل أرباحا مدروسة ناجمة عن كثافة الالمعادلة ھي التي تفضي الى تكاثر مطاعم ا<كل السريع وبيع المناقيش ومتاجر بيع المرطبات وزجاجات المياه، وسواھا من سلع مماثلة، كالشوكو� والعلكة والبوظة،

.في شارع بلس

طفرة الفاست فود

وھو فرن رواية (لس في وسط ب” ا<فران الوطنية“الفرن القديم الذي كان اسمه ، بدل اسمه وديكوره ونوع سلعه اخيرا، كي يتناسب )لحسن داوود” سنة ا<توماتيك“

مع الطابع ا�ستھ�كي الطالبي الجديد في الشارع، فترجم اسمه العربي القديم الى ثم إنه قلص من انتاجه الخبز وتوزيعه على . ”ناشيونال بيكري“ا�نكليزية، وصار

طقة ومطاعمھا، وحدث نوع المناقيش التي يبيعھا واضاف اليھا مناقيش متاجر المن . الصاج، إلى جانب بيعه القھوة وزجاجات المياه وسواھا من سلع سريعة مشابھة

Page 95: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

زعتر “الراحلة في بداية الشارع، افتتح مطعم من سلسلة ” أورلي“مكان سينما من المناقيش التي أصبحت الذي اطلق موجة حديثة، متطورة وشديدة التنوع ” وزيت

. في لبنان كله من أقوى سلع ا<كل السريع انتشارا واستھ�كا

دخلت الى بلس الدكاكين والزوايا الصغيرة التي تقدم مناقيش الصاج المتنوعة، قبالة مدخل الجامعة الرئيسي، فلم ” أنكل سام”أما مربع الـ. والبوظة” ھوت دوغ”والـ

فمستثمروه الجدد . فه عن كونه مربعا ليليا شھيرا يستقر على حال، منذ توقالمت�حقون لم يھتدوا الى معادلة تمكنھم من تقديم سلع وخدمات مناسبة <ذواق

” انكل سام“قبالة ” يونيفرسل“الطلبة ومداخيلھم، فيما حافظ مطعم الھامبرغر القديم ار في بلس ليست على استمراره برغم أن مقدرة المتاجر والمطاعم على ا�ستمر

سھلة في سوق يشتد فيھا التنافس القاسي، وتنتشر المعلومات عن نوعية سلعھا واسعارھا انتشارا سريعا بين الطلبة المستھلكين الذين غالبا ما تحدد متطلباتھم انواع

. السلع الرائجة، ويفرضون أذواقھم على المستثمرين

ائجة والناجحة في الشارع، حملت اخيرا خبرة بعض الطلبة في أشكال ا�ستھ�ك الر طالب ھندسة على فتح محل صغير للمناقيش سماه اسما خفيفا �ھيا

“Come ci come sage” متبعا اسلوبا حديثا في العرض والديكور وبيع ،ھذا ما مكنه من إنشاء فرع ثان لمحله قرب الجامعة اللبنانية ا�ميركية، . السلعة

فود وان “المطعم ا<حدث، فاستوحى اسمه –اما المقھى . الجميزة وثالث في شارع، وقدم الى القھوة، اصنافا من )وان أو وان(من أحد المقررات الجامعية ” أو وان

السلطات والمآكل السريعة المدروسة ا<سعار، مما مكنه من النجاح، عاكسا في .ديكوره طابع الحياة الطالبية

يشارع الليل الشعب

لكن شارع بلس الطالبي، طابعا وجمھورا واستھ�كا في النھار، غيره تماما في الليل الذي يخليه من الطلبة خلوا تاما، ويحوله محطة لجمھور آخر من المرتادين العابرين الذين يأتون اليه في سياراتھم غالبا، في نھايات السھرات ومن أحياء

بية منھا، لتناول ما تقدمه مطاعمه من المآكل السريعة المدينة المختلفة، �سيما الشعومن البوظة والعصائر، مستفيدين من بقائھا مفتوحة حتى ساعة متأخرة من الليل،

يختلط في جمھور الشارع الليلي الساھرون المتأخرون . ومن أسعارھا المتدنيةائجة، وعائ�ت القادمون وشبان ا<حياء الشعبية الصادحة في سياراتھم ا<غاني الر

من الضواحي تخرج لي� للتنزه وتناول السندويشات والمناقيش والبوظة والعصير،

Page 96: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة

فتزدحم جنبات الشارع بسيارات ھذه الفئات من المساء حتى ما بعد منتصف الليل، فيما تكون ازدحمت طوال النھار بسيارات الطلبة وبالمشاة العابرين الذين تغلب

.عليھم الجمھرة الطالبية

الجمھرة الليلية الكثيفة وسياراتھا التي تجتمع روافدھا المتنوعة وتختلط في الشارع أمام مطاعم ا<كل السريع ومحال البوظة، تماثل جمھرة اخرى تشبھھا ويستمر

قبالة البيكاديللي في شارع ” بربر“حضورھا طوال الليل تقريبا أمام مطاعم قد يكون جاذب الفئات الشعبية من . نطاريالحمراء، وفي نھاية شارع سبيرز في الق

روافد الجمھرة الليلية ھو سمعة الشارع الكوزموبوليتية الراقية او النخبوية المتصلة . بالجامعة ا�ميركية وبمنطقة رأس بيروت عموما

ھذا إضافة الى تدني اسعار ما تقدمه مطاعم الشارع الطالبي النھاري ومحاله، من لقاصديه وعابريه الليليين الذين يتوافدون اليه من نواحي سلع وخدمات سريعة

ھذه الوظيفة الليلية للشارع خلقتھا وظيفته ا�خرى . المدينة وأحيائھا المختلفةفتعدد وظيفة الشارع الواحد ودوره في المدينة، وكذلك تباين فئات . الطالبية النھارية

طعھا، ھما من طبيعة الحياة رواده واخت�فھا بحسب مواقيت الحياة اليومية وتقوھذه حال المتنزھين والمتريضين . المدينية التي � تھدأ و� تستقر على حال واحدة

.والعابرين على كورنيش بيروت البحري

المراجع

٢٠١٣- ١٠-٢٦ملحق النھار في ) ١(

٢٠١٣-٠٩-٢٨ملحق جريدة النھار في ) ٢(

٢٠١٣- ٠٩-٠٤جريدة النھار في ) ٣(

٢٠١٣-٠٨-٠٣يدة النھار في ملحق جر) ٤(

٢٠١٣- ٠٢-٢٨جريدة النھار في ) ٥(

٢٠١٣-٠١-١٢ملحق جريدة النھار في ) ٦(

١٢-١٢-٠١ملحق جريدة النھار في ) ٧(

٢٠١٢-١١-٣٠جريدة النھار في )٨(

٢٠١٢-١٢- ٢ جريدة النھار في ) ٩(

٢٠١٢-١١-١٠ملحق جريدة النھار في ) ١٠(

Page 97: قصة بيروت وحكاية لبنان تاريخ الفوضى والتناقض والحياة