رسائل فلسفية الرازي

60
1 ﺭﺳﺎﺋﻞ ﻓﻠﺴﻔﻴﺔ- ﺍﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﺍﻟﺮﺍﺯﻱ ﺭﺳﺎﺋﻞ ﻓﻠﺴﻔﻴﺔ ﺍﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﺍﻟﺮﺍﺯﻱTo PDF: www.al-mostafa.com

Upload: ghassan-kanafani

Post on 02-Apr-2016

222 views

Category:

Documents


6 download

DESCRIPTION

 

TRANSCRIPT

Page 1: رسائل فلسفية الرازي

ابو بكر الرازي-رسائل فلسفية 1

رسائل فلسفية

ابو بكر الرازي

To PDF: www.al-mostafa.com

Page 2: رسائل فلسفية الرازي

ابو بكر الرازي-رسائل فلسفية 2

كتاب السيرة الفلسفية

بسم اهللا الرمحن الرحيم إن ناسا من أهل النظر والتمييز والتحصيل ملا : - أحلق اهللا روحه بالروح والراحة -قال أبو بكر الرازي

رأونا نداخل الناس ونتصرف يف وجوه من املعاش عابونا واستنقصونا وزعموا أنا حائدون عن سرية امللوك ويستخف م إن هم الفالسفة وال سيما عن سرية إمامنا سقراط املأثور عنه أنه كان ال يغشى

غشوه وال يأكل لذيذ الطعام وال يلبس فاخر الثياب وال يبين وال يقتين وال ينسل وال حلما وال يشرب مخرا وال يشهد هلوا بل كان مقتصرا على أكل احلشيش وااللتفاف يف كساء خلق واإليواء إىل حب يف

وام وال للسلطان بل جياهم مبا هو احلق عنده بأشرح األلفاظ الربية، وأنه أيضا مل يكن يستعمل التقية للعمث قالوا يف مساوئ هذه السرية اليت سار ا إمامنا سقراط إا خمالفة . وأما حنن فعلى خالف ذلك. وأبينها

وسنجيبهم مبا . ملا عليه جمرى الطبع وقوام احلرث والنسل وداعية إىل خراب العامل وبوار الناس وهالكهمأما ما أثروه عن سقراط وذكروه فقد صدقوا وقد كان ذلك منه،لكنهم : دنا يف ذلك إن شاء اهللا فنقولعن

وذلك أن هذه األمور اليت . جهلوا منه أشياء أخر وتركوا ذكرها تعمدا لوجوب موضع احلجة علينا كثري منها حىت إنه أثروها عن سقراط قد كانت منه يف ابتداء أمره إىل مدة طويلة من عمره، مث انتقل عن

. مات عن بنات وحارب العدو وحضر جمالس اللهو وأكل الطيبات إال من اللحم وشرب يسري املسكر

وذلك معلوم مأثور عند من عين باستقصاء أخبار هذا الرجل وإمنا كان منه ما كان يف بدء أمره لشدة اللذات إليها ومؤاتاة طبعه له على عجبه بالفلسفة وحبه هلا وحرصه على صرف زمان الشهوات والشغل ب

ذلك، واستخفافه واسترذاله ملن مل يالحظ الفلسفة بالعني اليت تستحق أن تالحظ ا وآثر ما هو أخس وال بد يف أول األمور املشوقة املعشوقة من فضل إليها وإفراط يف حبها ولزومها وشنآن . منها عليها

األمور به قرارها سقط اإلفراط فيها ورجع إىل االعتدال، كما املخالفني فيها، حىت إذا وغل فيها وقرت يقال يف املثل لكل جديد لذة فهذه كانت حالة سقراط يف تلك املدة من عمره، وصار ما أثر عنه من هذه

األمور أشهر وأكثر ألا أطرف وأعجب وأبعد من أحوال الناس، والناس مولعون بإذاعة اخلرب الطريف فلنا إذا مبخالفني لألمر األمحد من سرية سقراط وإن كنا مقصرين . ب عن املألوف واملعتادالنادر واإلضرا

. عنه يف ذلك تقصريا كثريا ومقرين بالنقص عن استعمال السرية العادلة وقمع اهلوى العلم واحلرص عليه

عنه إذ كان ذلك هو فخالفنا إذا لسقراط ليس يف كيفية السرية بل يف كميتها مبنتقصني إن أقررنا بالنقص فهذا ما نقوله يف هذا املوضع وأما ما عابوه من سرييت . احلق وكان اإلقرار باحلق أكثر شرفا وفضيلة

Page 3: رسائل فلسفية الرازي

ابو بكر الرازي-رسائل فلسفية 3

إن املعيب منها حبق أيضا كميتها ال كيفيتها إذ من البني أنه ليس االماك يف الشهوات : سقراط فإنا نقول كتابنا يف الطب الروحاين لكن األخذ من كل حاجة وإيثارها األمر األفضل األشرف على ما بينا يف

وقد رجع سقراط عن املفرط . مبقدار ما ال بد منه أو مبقدار ما ال جيلب أملا يفضل على اللذة املصابة منهامنها الذي هو املعيب باحلقيقة والداعي إىل خراب العامل وبوار الناس، إذ قد عاد إىل أن أنسل وحارب

ومن فعل ذلك فقد خرج عن أن يكون ساعيا يف خراب الدنيا وبوار الناس، . اللهوالعدو وحضر جمالس وحنن وإن كنا غري مستحقني السم . وليس جيب أن ال يكون كذلك حىت يكون مغرقا يف الشهوات

الفلسفة باإلضافة إىل سقراط فإنا مستحقون المسها باإلضافة إىل الناس غري املتفلسفني وإذ قد جرى يف عىن ما جرى فلنتم القول يف السرية الفلسفية لينتفع ا حمبو العلم ومؤثروه هذا امل

إنا حنتاج أن نبين أمرنا فيما هو غرضنا املقصود يف هذه املقالة على أصول قد تقدم بياننا هلا يف : فنقولم اإلهلي وكتابنا يف فمنها كتابنا يف العل. كتب أخر ال بد من االستعانة لتخفيف ما يف هذه املقالة ا

وكتابنا يف عذل من اشتغل بفضول اهلندسة من املوسومني بالفلسفة وكتابنا املوسوم " الطب الروحاينبشرف صناعة الكيمياء وال سيما كتابنا املوسوم بالطب الروحاين، فإنه ال غىن عنه يف استتمام غرض هذه

أن لنا حالة : وهي. أخذها هاهنا ونقتضبها اقتضابااملقالة واألصول اليت عليها فروع السرية الفلسفية ونبعد املوت محيدة أو ذميمة حبسب سريتنا كانت مدة كون أنفسنا مع أجسادنا، وأن األمر األفضل الذي

له خلقنا وإليه أجرى بنا ليس هي إصابة اللذات اجلسدانية بل اقتناء العلم واستعمال العدل اللذين ما عاملنا هذا إىل العامل الذي ال موت فيه وال أمل، وأن الطبيعة واهلوى يدعواننا إىل إيثار يكون خالصنا عن

اللذة احلاضرة وأما العقل فكثريا ما يدعونا إىل ترك اللذات احلاضرة ألمور يؤثرها عليها، وأن املالك لنا ره لنا اجلور واجلهل وحيب الذي منه نرجو الثواب وخناف العقاب ناظر لنا رحيم بنا ال يريد إيالمنا ويك

منا العلم والعدل فإن هذا املالك يعاقب املؤمل منا و من استحق اإليالم بقدر استحقاقه، وأنه ال ينبغي أن حنتمل أملا يف جنب لذة يفضل عليها ذلك األمل يف كميته وكيفيته، وأن البارئ جل و عز قد وكل األشياء

فلتكن لنا . ة والنسج وما أشبه ذلك مما به قوام العامل وقوام املعيشةاجلزئية من حوائجنا إلينا كاحلراثإنه إذا كانت لذات الدنيا وآالمها منقطعة بانقطاع العمر وكانت لذات العامل : مسلمة لنبين عليها فنقول

ة باقية الذي ال موت فيه دائمة غري منقطعة وال متناهية فاملغبون من اشترى لذة بائدة منقطعة متناهية بدائمفإذا كان األمر كذلك تبعه ووجب منه أنه ال ينبغي لنا أن نطلب لذة ال بد يف . غري منقطعة وال متناهية

الوصول إليها من ارتكاب أمر مينعنا من التخلص إىل عامل النفس أو يوجب علينا يف عاملنا هذا أملا مقداره على أن . ما سائر ذلك من اللذات فمباحة لنايف كميته وكيفيته أعظم وأشد من اللذة اليت آثرناه، فأ

الرجل الفيلسوف قد يترك كثريا من هذه املباحات لرين نفسه على ذلك ويعودها فيكون ذلك عليه يف

Page 4: رسائل فلسفية الرازي

ابو بكر الرازي-رسائل فلسفية 4

ألن العادة كما ذكر القدماء طبيعة ثانية . املوضع الواجب أهون وأيسر كما ذكرنا يف يف الطب الروحايننه، إن كان يف األمور النفسية وإن كان يف األمور اجلسدية، كما نرى تسهل العسري وتؤنس باملستوحش م

الفيوج أقوى على املشي واجلند أجرأ على احلرب وحنو ذلك مما ال خفاء به يف تسهيل العادات لألمور أعين ما ذكرناه يف املقدار -وهذا القول وإن كان وجيزا جممال . اليت كانت تصعب وتعسر قبل اعتيادها

فإنه إن . فإنه حتته من اجلزئيات أمورا كثرية، على ما قد بيناها يف كتاب الطب الروحاين-ة احملصورة اللذكان األصل الذي وضعناه من أنه ال ينبغي للعاقل أن ينقاد للذة خيشى معها أملا يرجح على األمل الذي

را عليه فقد وجب منه وتبعه يصل إليه من مكابدة ترك اللذة وقمع الشهوة صحيحا حقا يف نفسه أو مصدأنا لو قدرنا يف حالة على أن منلك األرض كلها مدة عمرنا بارتكاب من الناس ما ال يرضاه اهللا مما كان

ولو . به منعنا من الوصول إىل اخلرية الدائمة والنعيم املقيم مل يكن ينبغي لنا أن نفعل ذلك وال نؤثرهيف أنا إن أكلنا يف املثل طبقا من رطب رمدنا عشرة أيام مل ينبغ استحققنا أيضا أو كان االستحقاق غالبا

على عظم أحدمها وصغر اآلخر -وكذلك احلال فيما بني هذين املثالني اللذين ذكرنامها . أن نؤثر أكلهر، مما من األمور اجلزئية اليت كل واحد منها صغري باإلضافة إىل األعظم كبري باإلضافة إىل األصغ-بإضافة

ال ميكن القول أن يأيت عليه لكثرة ما حتت هذه اجلملة الكلية من األمور املفردات اجلزئية وإذ بان يف هذا املوضع ما أردنا بيانه فلنقصد إىل بيان غرض آخر من أغراضنا تال هلذا الغرض

نا رحيم بنا تبع ذلك أيضا إنه ملا كان األصل الذي وضعناه من أن ربنا ومالكنا مشفق علينا ناظر ل: فنقولأنه يكره أن يقع بنا أمل، وأن مجيع ما يقع بنا منه مما ليس من اكتسابنا واختياراتنا بل مما يف الطبيعة فألمر

ووجب من ذلك أنه ال ينبغي أن نؤمل محسا بتة من غري استحقاق منه . ضروري مل يكن بد من وقوعهوحتت هذه اجلملة أيضا تفصيل كثري يدخل . ك األمل ما هو أشد منهلذلك اإليالم أو لغري صرفنا عنه بذل

. فيها املظامل مجيعا، وما يتلذذ به امللوك من الصيد للحيوان ويفرط فيه الناس من الكد للبهائم يف استعماهلا

فيوقع . فوجب أن يكون ذلك كله على قصد وسنن وطريق ومذهب عقلي عديل ال يتعدى وال جيار عنهيث يرجى به دفع ما هو أعظم منه، حنو بط اجلراح وكي العضو العفن وشرب الدواء املر البشع األمل ح

وتكد البهائم كد قصد ال عنف فيه إال يف املواضع . وترك الطعام اللذيذ خشية األمراض العظيمة األليمةب النجاة من اليت تدعو الضرورة فيها إىل األعنف ويوجب العقل والعدل ذلك كحث الفرس عند طل

العدو، فإنه جيب يف العدل حينئذ أن حيث ويتلف يف ذلك إذا رجي به خالص اإلنسان، وال سيما إذا كان عاملا خريا أو له غناء عظيم يف وجه من الوجوه العائد صالحها على مجلة الناس، إذ كان غناء مثل

كرجلني وقعا يف برية ال ماء فيها ومع أو . هذا الرجل وبقاؤه يف العامل أصلح ألهله من بقاء ذلك الفرس دوأحدمها من املاء ما ميكن أن خيلص به نفسه دون صاحبه، فإنه ينبغي يف تلك احلالة أن يؤثر باملاء أع

Page 5: رسائل فلسفية الرازي

ابو بكر الرازي-رسائل فلسفية 5

فهذا هو القياس يف أمثال هذه األمور وأشباهها وأما الصيد والطرد واإلبادة . الرجلني على الناس بالصالح للحيوان الذي ال يعيش كمال العيش إال باحلم كاألسد والنمور والذئاب وما واإلهالك فينبغي أن يكون

أشبهها، واليت يعظم أذاها وال مطمع يف استصالحها وال حاجة يف استعماهلا مثل احليات والعقارب إحدامها: وإمنا جاز أن تتلف هذه احليوانات من جهتني. فهذا هو القياس يف أمثال هذه األمور. وحنوها

أا مىت مل تتلف أتلفت حيوانات كثرية، من الترهب والتخلي يف الصوامع وكثري من املسلمني من لزوم املساجد وترك املكاسب واالقتصار على يسري الطعام وبشعه ومؤذي اللباس وخشنه، فإن ذلك كله ظلم

هذه السرية من أول عمره منهم ألنفسهم وإيالم هلا ال يدفع به أمل أرجح منه وقد كان سقراط يسري مثل. ويف هذا الباب بني الناس تباين كثري جدا غري متطرق به. غري أنه تركها يف آخر عمره على ما ذكرنا قبل

وال بد أن نقول يف ذلك قوال مقربا ليكون مثاال

طالبه نفسه إنه ملا كان الناس خمتلفني يف أحواهلم فمنهم غذى نعمة ومنهم غذى بؤس ومنهم من ت: فنقولببعض الشهوات مطالبة أكثر كاملغرمني بالنساء أو اخلمر أو حب الرياسة وحنو ذلك من األمور اليت فيها

بني الناس تفاوت كثري صار األمل الذي يقع م من قمع شهوام خمتلفا اختالفا كثريا حبسب اختالف بشرته خشن الثياب وال تقبل معدته بشع فصار املولود من امللوك والناشئ يف نعمهم ال حتتمل . أحواهلم

الطعام باإلضافة إىل ما يقنع به املولود من العامة، لكن يتأمل من ذلك أملا شديدا، أو املعتادون أيضا إصابة لذة ما من اللذات يتأملون عند املنع منها وتكون املؤونة عليهم متضاعفة وأبلغ وأشد ممن مل يعتد تلك

نه ال ميكن أن يكون تكليفهم كلهم تكليفا سواء بل خمتلفا حبسب اختالف اللذة، ومن أجل ذلك أفال يكلف املتفلسف من أوالد امللوك أن يلزم من الطعام والسراب وسائر أمور معايشه ما . أحواهلم

لكن احلد الذي ال ميكن أن يتجاوز هو أن ميتنعوا . يكلف أوالد العامة إال على تدريج إن دعت ضرورةذ اليت ال ميكن الوصول إليها إال بارتكاب الظلم والقتل وباجلملة جبميع ما يسخط اهللا وال جيب يف من املال

وأما احلد . فهذا هو احلد من فوق أعين قي إطالق التنعم. حكم العقل والعدل، ويباح هلم ما دون ذلكه وال يتعدى إىل ما من أسفل أعين يف التقشف والتقليل فأن يأكل اإلنسان ما ال يضره وال ميرض علي

ويلبس ما حتتمله بشرته . يستلذه غاية االستلذاذ ويشتهيه فيكون القصد إليه للذة والشهوة ال لسد اجلوعمن غري أذى وال مييل إىل الفاخر واملنقش من اللباس، ويسن ما يقيه من احلرارة والربد املفرطني وال يتعدى

رفة إال أن يكون له من سعة املال ما ميكن أن يتسع معه يف مثل إىل املساكن اجلليلة البهية املنقوشة املزخولذلك يفضل يف هذا املعىن املولودون . هذه األمور من غري ظلم وال تعد وال إجهاد لنفسه يف االكتساب

من اآلباء الفقراء والناشئون يف األحوال الرثة ألن التقلل والتقشف على أمثال هؤالء أسهل كما كان وما بني هذين احلدين فمباح ال خيرج به . تقشف على سقراط أسهل منهما على افالطونالتقلل وال

Page 6: رسائل فلسفية الرازي

ابو بكر الرازي-رسائل فلسفية 6

مستعمله من اسم الفلسفة بل جيوز أن يسمى ا، وإن كان الفضل يف امليل إىل احلد األسفل دون األعلى د وكانت النفوس الفاضلة وإن كانت مصاحبة ألجساد غذيت يف نعمة تأخذ أجسادها بالتدرج إىل احل

فأما جماوزة احلد األسفل فخروج عن الفلسفة إىل مثل ما ذكرنا من أحوال اهلند واملنانية . األسفلوالرهبان والنساك، وهو خروج عن السرية العادلة وإسخاط اهللا تعاىل بإيالم النفوس باطال واستحقاق

واهب العقل وفارج الغم وكذلك احلال يف جماوزة احلد األعلى، نسأل اهللا . لإلخراج عن اسم الفلسفةإنه ملا : وكاشف اهلم توفيقنا وتسديدنا ومعونتنا على ما هو األرضى عنده واألزلف لنا لديه ومجلة أقول

كان البارئ عز وجل هو العامل الذي ال جيهل والعادل الذي ال جيوز وكان العلم والرمحة بإطالق وكان حب العبيد إىل مواليهم آخذهم بسريهم وأجراهم على لنا بارئا ومالكا وكنا له عبيدا مملوكني وكان أ

وكل هذا الكالم مراد قول . سننهم كان أقرب عبيد اهللا جل وعز إليه أعلمهم وأعدهلم وأرمحهم وأرأفهمالفالسفة مجيعا إن الفلسفة هي التشبه باهللا عز وجل بقدر ما يف طاقة اإلنسان، وهذه مجلة السرية

لى ما يف كتاب الطب الروحاين، فإنا قد ذكرنا هناك كيف تنتزع األخالق فأما تفصيلها فع. الفلسفيةالرديئة عن النفس وكم مقدار ما ينبغي أن جيرى عليه املتفلسف أمره يف االكتساب واالقتناء واإلنفاق

وطلب مراتب الرياسة

نني علينا ونذكر أنا مل نسر وإذ قد بينا ما أوردنا بيانه يف هذا املوضع فنرجع ونبني ما عندنا ونذكر الطاعوذلك أن . نستحق أن خنرج ا عن التسمية فيلسوفا- بتوفيق اهللا ومعونته -بسرية إىل يومنا هذا

جبهل ما - اعين العلم والعمل -املستحق حملو اسم الفلسفة عنه من قصر يف جزئي الفلسفة مجيعا وحنن حبمد اهللا ومنه وتوفيقه وإرشاده فبرآء . هللفيلسوف أن يعلمه أو سار مبا ليس للفيلسوف أن يسري ب

أما يف باب العلم فمن قبل أنا لو مل تكن عندنا منه إال القوة على تأليف مثل هذا الكتاب لكان . من ذلكو يف الطب . ذلك مانعا عن أن ميحى عنا اسم الفلسفة فضال عن مثل كتابنا يف الربهان و يف العلم اإلهلي

يف املدخل إىل العلم الطبيعي املوسوم بسمع الكيان ومقالتنا يف التركيب و أن للجسم الروحاين وكتابناحركة من ذاته وأن احلركة معلومة، وكتابنا يف النفس وكتبنا يف اهليوىل، وكتبنا يف الطب كالكتاب

لوكي املنصوري وكتابنا إىل من ال حيضره طبيب، وكتابنا يف األدوية املوجودة واملوسوم بالطب املوالكتاب املوسوم باجلامع الذي مل يسبقين إليه أحد من أهل اململكة وال احتذى فيه أحد بعد احتذائي وحذوي، وكتبنا يف صناعة احلكمة اليت هي عند العام الكيمياء، وباجلملة فقرابة مائيت كتاب ومقالة

فأما . الطبيعي واإلهليورسالة خرجت عين إىل وقت عملي هذه املقالة يف فنون الفلسفة من العلم الرياضيات فإين مقر بآين إمنا الحظتها مالحظة بقدر ما مل يكن يل منها بد ومل أفن زماين يف التمهر ا

ومن شاء ألوضحت له عذري يف ذلك بأن الصواب يف ذلك ما عملته . بالقصد مين ذلك ال للمعجزة عنه

Page 7: رسائل فلسفية الرازي

ابو بكر الرازي-رسائل فلسفية 7

فإن مل يكن مبلغي . ل اهلندسة من املوسومني بالفلسفةال ما يعمله املفنون ألعمارهم يف االشتغال بفضومن العلم املبلغ الذي أستحق أن أمسي فيلسوفا فمن هو ليت شعري ذلك يف دهرنا هذا وأما اجلزء العملي

فإين بعون اهللا وتوفيقه مل أتعد يف سرييت اجلدين اللذين جددت، ومل يظهر من أفعايل ما استحققت أن فإين مل أصحب السلطان صحبة حامل السالح وال متويل أعماله، بل . سرييت سرية فلسفيةيقال أنه ليست

أما يف وقت مرضه فعالجه وإصالح أمر بدنه، وأما يف : صحبته صحبة متطبب ومنادم يتصرف بني أمرينليه جبميع ما رجوت به عائدة صالح ع- يعلم اهللا ذلك مين -وقت صحة بدنه فإيناسه واملشورة عليه

وال ظهر مين على شره يف مجع مال أسرف فيه وال على منازعات الناس وخماصمام . وعلى رعيتهوأما حاليت يف مطعمي ومشريب . وظلمهم، بل املعلوم مين ضد ذلك كله والتجايف عن كثري من حقوقي

سائر أحوايل مما وهلوي فقد يعلم من يكثر مشاهدة ذلك مين أني مل أتعد إىل اإلفراط، وكذلك يف فأما حمبيت للعلم وحرصي عليه واجتهادي فيه . يشاهده هذا من ملبس أو مركوب أو خادم أو جارية

فمعلوم عند من صحبين وشاهد ذلك مين أين مل أزل منذ حداثيت وإىل وقيت هذا مكبا عليه حىت إين مىت - ولو كان يف ذلك على عظيم ضرر - اتفق يل كتاب مل أقرأه أو رجل مل ألقه مل ألتفت إىل شغل بتة

وإنه بلغ من صربي واجتهادي أني كتبت مبثل خط . دون أن آيت على الكتاب وأعرف ما عند الرجلوبقيت يف عمل اجلامع الكبري مخس عشرة سنة أعمله . التعاويذ يف عام واحد أكثر من عشرين ألف ورقة

ضل يدي مينعاين يف وقيت هذا عن القراءة الليل والنهار حىت ضعف بصري وحدث علي فسخ يف عوالكتابة، وأنا على حايل ال أدعهما مبقدار جهدي وأستعني دائما مبن يقرأ ويكتب يل فإن كان املقدار

الذي أنا عليه من هذه األمور عند هؤالء القوم حيطين عن رتبة الفلسفة يف العمل وكان الغرض من حذو فنا فليثبتوه لنا مشاهدة أو مكاتبة لنقبله منهم إن جاءوا بفضل علم، أو سرية الفلسفة عندهم غري ما وص

وهب أين قد تساهلت عليهم وأقررت بالتقصري يف اجلزء . نرده عليهم أن أثبتنا فيه موضع خطأ أو نقص ذلك العملي، فما عسى أن يقولوا يف اجلزء العلمي؟ فإن كانوا استنقصوين فيه فليلقوا إىل ما يقولونه يف

فإن كانوا ال يستنقصوين يف اجلزء العلمي فأوىل . لننظر فيه ونذعن من بعد حبقهم أو نرد عليهم غلطهم األشياء أن ينتفعوا بعلمي وال يلتفتوا إىل سرييت ليكونوا على مثل ما يقول الشعر

تقصيرياع كررضلا يعلمي و كنفعلييمت في عرقص ل بعلمي فإنم

ولواهب العقل احلمد بال اية كما هو أهله ومستحقه، وصلى اهللا . فهذا ما أردنا أن نودع يف هذه املقالة .على املصطفني من عباده واخلريات من إمائه

Page 8: رسائل فلسفية الرازي

ابو بكر الرازي-رسائل فلسفية 8

كتاب الطب الروحاني

م اهللا الرمحن الرحيم بس

أطال اهللا -جرى حبضرة األمري . أكمل اهللا لألمري السعادة وأمت علية النعمة: قال حممد بن زكريا الرازي ذكر مقالة عملتها يف إصالح األخالق سألنها بعض اخويت مبدينة السالم أيام مقامي ا، فأمر -بقاءه

توي على جمل هذا املعىن بغاية االختصار واإلجياز وأن أمسه بإنشاء كتاب حي- أيده اهللا -سيدي األمري -بالطب الروحاين، فيكون قرينا للكتاب املنصوري الذي غرضه يف الطب اجلسماين وعديال له، لما قدر

فانتهيت إىل ذلك وقدمته على سائر شغلي، واهللا أسأل . أدام إليه من عموم النفع ومشوله للنفس واجلسد .ما يرضي سيدي األمري ويقرب إليه ويدين منهالتوفيق ل

األول يف فضل العقل ومدحه الثاين يف قمع اهلوى وردعه ومجلة : وقد فصلت هذا الكتاب عشرين فصالمن رأي أفالطون احلكيم الثالث مجلة قدمت قبل ذكر عوارض النفس الرديئة على انفرادها الرابع يف

دفع العشق واأللف ومجلة من الكالم يف اللذة السادس يف دفع تعرف الرجل عيوب نفسة اخلامس يف العجب السابع يف دفع احلسد الثامن يف دفع املفرط الضار من الغضب التاسع يف اطراح الكذب العاشر يف اطراح البخل احلادي عشر يف دفع الفضل الضار من الفكر واهلم الثاين عشر يف صرف الغم الثالث عشر

الرابع عشر يف دفع االماك يف الشراب اخلامس عشر يف دفع االستهتار باجلماع السادس يف دفع الشرهعشر يف دفع الولع والعبث واملذهب السابع عشر يف مقدار االكتساب واالقتناء واإلنفاق الثامن عشر يف

ني ما يرى العقل ااهدة واملكادحة على طلب الرتب واملنازل الدنيائية والفرق بني ما يرى اهلوى وب التاسع عشر يف السرية الفاضلة العشرون يف اخلوف من املوت

الفصل األول

في فضل العقل ومدحه

إن البارئ عز امسه إمنا أعطانا العقل وحبانا به لننال ونبلغ به من املنافع العاجلة واآلجلة غاية ما يف : أقولفبالعقل فضلنا على . جوهر مثلنا نيله وبلوغه، وإنه أعظم نعم اهللا عندنا وأنفع األشياء لنا وأجدها علينا

ها وصرفناها يف الوجوه العائدة منافعها علينا، وبالعقل احليوان غري الناطق حىت ملكناها وسسناها وذللنافأنا بالعقل أدركنا صناعة . أدركنا مجيع ما يرفعنا ويحسن ويطيب به عيشنا ونصل إىل بغيتنا ومرادنا

السفن واستعماهلا حىت وصلنا ا إىل ما قطع وحال البحر دوننا ودونه، وبه نلنا الطب الذي فيه الكثري من أجسادنا وسائر الصناعات العائدة علينا النافعة لنا، وبه أدركنا األمور الغامضة البعيدة منا اخلفية مصاحل

Page 9: رسائل فلسفية الرازي

ابو بكر الرازي-رسائل فلسفية 9

املستورة عنا، وبه عرفنا شكل األرض والفلك وعظم الشمس والقمر وسائر الكواكب وأبعادها وباجلملة . بناوحركتها، وبه وصلنا إىل معرفة البارئ عز وجل الذي هو أعظم ما استدركنا وأنفع ما أص

فإنه الشيء الذي لواله كانت حالتنا حالة البهائم واألطفال واانني، والذي به نتصور أفعالنا العقلية قبل ظهورها للحس فنراها كأن قد أحسسناها مث نتمثل بأفعالنا احلسية صورها فتظهر مطابقة لما متثلناه

جاللته فحقيق علينا أن ال حنطه عن رتبته وال ننزله وإذا كان هذا مقداره وحمله وخطره و. وختيلناه منهاعن درجته، وال جنعله وهو احلاكم حمكوما عليه، وال وهو الزمام مزموما ، وال وهو املتبوع تابعا، بل نرجع األمور إليه ونعتربها به ونعتمد فيها عليه، فنمضيها على إمضائه ونوقفها على إيقافه، وال نسلط

الذي هو آفته ومكدره واحلائد به عن سننه وحمجته وقصده واستقامته،واملانع من أن يصيب به عليه اهلوى فإنا إذا . العاقل رشده وما فيه عواقب أمره، بل نروضه ونذهللا وحنمله وجنربه على الوقوف عند أمره ويه

وكنا سعداء مبا وهب . ية قصد بلوغنا بهفعلنا ذلك صفا لنا غاية صفائه وأضاء لنا غاية إضاءته وبلغ بنا ا .اهللا لنا منه ومن علينا به

الفصل الثاني

وجملة من رأي أفالطون الحكيم في قمع الهوى وردعه

أما على أثر ذلك فإنا قائلون يف الطب الروحاين الذي غايته إصالح أخالق النفس وموجزون غاية . علق بالنكت والعيون واملعاين اليت هي أصول مجلة هذا الغرض كلهوالقصد واملبادرة إىل الت. اإلجياز

إنا قد صدرنا وقدمنا من العقل واهلوى ما رأينا أنه جلملة هذا الغرض كله مبرتلة املبدأ، وحنن : فنقولإن أشرف األصول وأجلها وأعوا على بلوغ : متبعوه من أصول هذا الشأن بأجلها وأشرافها فنقول

ا هذا قمع اهلوى وخمالفة ما يدعو إليه الطباع يف أكثر األحوال ومترين النفس على ذلك غرض كتابن. وتدرجيها إليه، فإن أول فضل الناس على البهائم هو هذا، أعىن ملكة اإلرادة وإطالق الفعل بعد الروية

فإنك . منه وال مروية فيهوذلك أن البهائم غري املؤدبة واقفة عند ما يدعوها إليه الطباع عاملة به غري ممتنعةال جتد يمة غري مؤدبة متسك عن أن تروث أو تتناول ما تتغذى به مع حضوره وحاجتها إليه، كما جتد

اإلنسان يترك ذلك ويقهر طباعه عليه ملعان عقلية تدعوه إىل ذلك، بل تأيت منها ما يبعثها عليه الطباع غري قدار وحنوه من الفضل على البهيمة يف زم الطبع هو ألكثر الناس وإن وهذا امل. ممتنعة منه وال خمتارة عليه

كان ذلك تأديبا وتعليما، إال أنه عام وشامل وقريب واضح يعتاده الطفل وينشأ عليه، وال حيتاج إىل

Page 10: رسائل فلسفية الرازي

ابو بكر الرازي-رسائل فلسفية 10

ما وأما البلوغ من هذه الفضيلة أقصى. الكالم فيه،على أن يف ذلك بني األمم تفاضال كثريا وبونا بعيداومبقدار فضل العوام من الناس على . يتهيأ يف طباع اإلنسان فال يكاد يكمله إال الرجل الفيلسوف الفاضل

الطبع وامللكة للهوى ينبغي أن يكون فضل هذا الرجل على العوام ن . البهائم يف زمومن هاهنا نعلم أن م رام أمرا صعبا شديدا وحيتاج أن يوطن نفسه أراد أن يزين نفسة ذه الزينة ويكمل هلا هذه الفضيلة فقد

وألن بني الناس يف طباعهم اختالفا كثريا وبونا بعيدا صار يسهل أو . على جماهدة اهلوى وجمادلته وخمالفتهيعسر على البعض دون البعض منهم اكتساب بعض الفضائل دون بعض واطراح بعض الرذائل دون

إذ كانت أجل هذه - أعين قمع اهلوى وخمالفته -كتساب هذه الفضيلة وأنا مبتدئ بذكر كيفية ا. بعض .الفضائل وأشرفها وكان حملها من مجلة هذا الغرض كله حمل االسطقس التايل للمبدأ

إن اهلوى والطباع يدعوان أبدا إىل إتباع اللذات احلاضرة وإيثارها من غري فكر وال روية يف عاقبة : فأقول. عليه ويعجالن إليه، وإن كان جالبا لألمل من بعد ومانعا من اللذة ما هو أضعاف لما تقدم منهاوحيثان

وذلك أما ال يريان إال حالتهما يف الذي مها فيه ال غري، وليس ما إال إطراح األمل املؤذي عنهما وقتهما عينيه وأكل التمر واللعب مد حكعلى العاقل أن . يف الشمسذلك، كإثار الطفل الر ومن اجل ذلك حيق

يردعهما ويقمعهما وال يطلقهما إال بعد التثبت والنظر فيما يعقبانه وميثل ذلك ويزنه مث يتبع األرجح لئال فإن دخلت عليه من هذا التمثيل واملوازنة . يأمل من حيث ظن أنه يلتذ وحيسر من حيث ظن أنه يربح

وذلك أنه ال يأمن أن يكون يف إلطالقها من سوء . طلق الشهوة لكن يقيم على ردعها ومنعهاشبهة مل يالعاقبة ما يكون إيالمه واحتمال مؤو نته أكثر من احتمال مؤونة الصرب على قمعها أضعافا مضاعفة،

املرارة املتجرعة أهون وإن تكافأت عنده املؤونتان أقام أيضا على ردعها، وذلك أن . فاحلزم إذا يف منعهاوليس يكتفي ذا فقط بل ينبغي أن يقمع هواه . وأيسر من املنتظرة اليت البد من جترعها على األمر األكثر

ليمرن نفسه ويروضها على احتمال ذلك - وإن مل ير لذلك عاقبة مكروهة -يف كثري من األحوال فإن هلا . ئة أسهل، ولئال تتمكن الشهوات منه وتتسلط عليهواعتياده فيكون ذلك عليها عند العواقب الردي

من التمكن يف نفس الطبيعة واجلبلة ما ال حيتاج أن يزاد فضل متكن فضل متكن بالعادة أيضا فيصري حبال ا إىل وينبغي أن تعلم أن املؤثرين للشهوات املدمنني هلا املنهمكني فيها يصريون منه. ال ميكن مقاومتها بتة

-حالة ال يلتذوا وال يستطيعون مع ذلك تركها فإن املدمنني لغشيان النساء وشرب اخلمور والسماع

ال يلتذوا التذاذ غري املدمنني هلا ألا تصري -على أا من أقوى الشهوات وأوكدها غرزا يف الطباع ت عندهم مبرتلة عندهم مبرتلة حالة عنده، أعين املألوفة املعتادة، وال يتهيا قد صارأ هلم اإلقالع عنها أل

فويدخل عليهم من أجلها التقصري يف دينهم . الشيء االضطراري يف العيش ال مبرتلة ما هو فضل وتتر

Page 11: رسائل فلسفية الرازي

ابو بكر الرازي-رسائل فلسفية 11

ودنياهم حىت يضطروا إىل استعمال صنوف احليل واكتساب األموال بالتغرير بالنفس وطرحها يف ث قدروا السعادة واغتنموا من حيث قدروا الفرح وأملوا من حيث قدروا املهالك، فإذا هم شقوا من حي

وما أشبههم يف هذا املوضع باحلاطب على نفسه الساعي يف هالكها، كاحليوان املخدوعة مبا . اللذةينصب هلا يف مصايدها، حىت إذا حصلت يف املصيدة مل تنل ما خدعت به وال أطاقت التخلص مما وقعت

وهذا املقدار من الشهوات مقنع، وهو أن يطلق منها ما علم أن عاقبتة ال جتلب ألما وال ضررا دنيائيا . فيهوهذا يراه . موازيا للذة املصابة منها فضال عما جتلب مما يوىف ويرجح على اللذة اليت أصيبت يف صدرها

سفة ل يرى أن للنفس وجودا بذاا، ويرى أا ويقول به ويوجب محل النفس عليه من كان من الفالفأما من يرى أن للنفس أنية وذاتا ما قائمة بنفسها وأا تستعمل . تفسد بفساد اجلسم الذي هي فيه

اجلسم الذي هلا مبرتلة األداة واآللة وأا ال تفسد بفساده فريتقون من زم الطباع وجماهدة اهلوى وخمالفته كثر من هذا كثريا جدا، ويرذلون ويستنقصون املنقادين له واملائلني معه تنقصا شديدا وحيلوم إىل ما هو أ

يف اتباع اهلوى وإيثاره وامليل مع اللذات واحلب هلا واألسف على ما فات -حمل البهائم، ويرون أن هلم النفس للجسد يكثر ويطول هلا أملها عواقب سوء بعد مفارقة -منها وإيالم احليوان لبلوغها ونيلها

وقد يستدل هؤالء من نفس هيئة اإلنسان على أنه مل يتهيأ للشغل باللذات والشهوات . وأسفها وحسراوذلك أن البهيمة الواحدة . بل الستعمال الفكر والروية من تقصرية يف ذلك عن احليوان غري الناطق

فأما حاهلا يف سقوط اهلم . يبه وال يقدر عليه عدد كثري من الناستصيب من لذة املأكل واملنكح ما ال يصوالفكر عنها وهناءة عيشها وطيبها بذلك فحالة ال يصيب اإلنسان وال يقدر على مثاهلا بتة، وذلك أا

فإنا نرى البهيمة قد حضر وقت ذحبها وهي منهمكة مقبلة على مأكلها . من هذا املعىن يف الغاية والنهاية فلو كانت إصابة الشهوات وامليل مع دواعي : قالوا. ومشرا

ويف خبس اإلنسان وهو . الطباع هو األفضل مل يكن يبخسه اإلنسان ويعطاه ما هو أخس منه من احليوانأفضل احليوان املائت حظه من هذه األشياء وتوفر احلظ له من الروية والفكر ما يعلم منه أن األفضل له

ولئن كان الفضل يف إصابة اللذات :ل النطق وتزكيته ال االستعباد واالنقياد لدواعي الطباع قالوااستعماوالشهوات ليكونون من له الطباع املتهئ لذلك أفضل ممن ليس له ذلك، فإن كان كذلك فالثريان واحلمري

بذى لذة وال شهوة أفضل من الناس ال بل ومن احليوان غري املائت كله ومن البارئ عز وجل إذ ليسولعل بعض الناس ممن ال رياضة له وال يروى وال يفكر يف أمثال هذه املعاين ال يسلم لنا أن البهائم :قالوا

وحيتج علينا مبلك ما ظفر بعدو منازع مث جلس من وقته ذلك للهو .تصيب من اللذة أكثر مما يصيبه الناس حىت بلغ من ذلك غاية ما ميكن الناس بلوغه، فيقول أين التذاذ واحتشد يف إظهار مجيع زينته وهيئته

البهيمة من التذاذ هذا وهل له عنده مقدار وله إليه نسبة؟ فليعلم قائل هذا أن كمال اللذة ونقصاا ليس

Page 12: رسائل فلسفية الرازي

ابو بكر الرازي-رسائل فلسفية 12

ألف فإن من ال يصلح حاله إال . يكون باإلضافة من بعضها إىل بعض بل باإلضافة إىل مقدار احلاجة إليهاومن كان يصلح حاله . دينار إن أعطي منها تسع مائة وتسعة وتسعني دينارا مل يتم له صالح حاله تلك

الدينار الواحد يتم له صالح حالته بإصابة ذلك الدينار الواحد، على أن األول قد أعطي أضعاف هذا فلم يدعوها إليه الطباع كمل ومت التذاذها بذلك، وال والبهيمة إذا توفر عليها ما . يكمل له صالح حالته

على أن للبهيمة فضل اللذة أبدا على . يضرها وال يؤملها فوت ما وراء ذلك إذ كان ال خيطر هلا ببال بتةوذلك أنه ليس أحد من الناس يقدر أن يبلغ كل أمانيه وشهواته، ألن نفسه ملا كانت نفسا . كل حال

متصورة للغائب عنه وكان يف طباعها أن ال تكون لذي حال حالة إال وتكون حالتها هي مفكرة مروية األفضل، ال ختلو يف حالة من األحوال من التشوق والتطلع إىل ما مل تحوه واخلوف واإلشفاق على ما قد

ض لنازعته نفسه إىل ما فإن إنسانا لو ملك نصف األر. حوته، فال تزال لذلك يف نقص من لذا وشهوابقى منها وأشفقت وخافت من تفلت ما حصل له منها، ولو ملك األرض بأسرها لتمنى دوام الصحة

ولقد بلغين عن بعض امللوك الكبار . واخللود وتطلعت نفسه إىل علم خرب مجيع ما يف السماوات واألرضنيمن النعيم مع اخللود، فقال أما أنا فإني أتنغص هذا األنفس أنه ذكر عنده ذات يوم اجلنة وعظيم ما فيها

فمىت يتم التذاذ هذا واغتباطه مبا . النعيم وأستمره إذا فكرت بأني مرتل فيها مرتلة املفضل عليه املحسن إليههو األفضل مل يكن : هو فيه، وهل املغتبط عند نفسه إال البهائم ومن جرى جمراها ؟ كما قال الشاعر

ويف خبس اإلنسان وهو أفضل احليوان املائت حظه . يبخسه اإلنسان ويعطاه ما هو أخس منه من احليوانمن هذه األشياء وتوفر احلظ له من الروية والفكر ما يعلم منه أن األفضل له استعمال النطق وتزكيته ال

اللذات والشهوات ليكونون من له ولئن كان الفضل يف إصابة:االستعباد واالنقياد لدواعي الطباع قالواالطباع املتهئ لذلك أفضل ممن ليس له ذلك، فإن كان كذلك فالثريان واحلمري أفضل من الناس ال بل

ولعل بعض الناس :ومن احليوان غري املائت كله ومن البارئ عز وجل إذ ليس بذى لذة وال شهوة قالواال هذه املعاين ال يسلم لنا أن البهائم تصيب من اللذة أكثر مما ممن ال رياضة له وال يروى وال يفكر يف أمث

وحيتج علينا مبلك ما ظفر بعدو منازع مث جلس من وقته ذلك للهو واحتشد يف إظهار مجيع .يصيبه الناسوهل له زينته وهيئته حىت بلغ من ذلك غاية ما ميكن الناس بلوغه، فيقول أين التذاذ البهيمة من التذاذ هذا

عنده مقدار وله إليه نسبة؟ فليعلم قائل هذا أن كمال اللذة ونقصاا ليس يكون باإلضافة من بعضها إىل فإن من ال يصلح حاله إال ألف دينار إن أعطي منها تسع مائة . بعض بل باإلضافة إىل مقدار احلاجة إليها

ومن كان يصلح حاله الدينار الواحد يتم له صالح . وتسعة وتسعني دينارا مل يتم له صالح حاله تلك. حالته بإصابة ذلك الدينار الواحد، على أن األول قد أعطي أضعاف هذا فلم يكمل له صالح حالته

والبهيمة إذا توفر عليها ما يدعوها إليه الطباع كمل ومت التذاذها بذلك، وال يضرها

Page 13: رسائل فلسفية الرازي

ابو بكر الرازي-رسائل فلسفية 13

على أن للبهيمة فضل اللذة أبدا على كل . إذ كان ال خيطر هلا ببال بتةوال يؤملها فوت ما وراء ذلكوذلك أنه ليس أحد من الناس يقدر أن يبلغ كل أمانيه وشهواته، ألن نفسه ملا كانت نفسا مفكرة . حال

ي األفضل، مروية متصورة للغائب عنه وكان يف طباعها أن ال تكون لذي حال حالة إال وتكون حالتها هال ختلو يف حالة من األحوال من التشوق والتطلع إىل ما مل تحوه واخلوف واإلشفاق على ما قد حوته،

فإن إنسانا لو ملك نصف األرض لنازعته نفسه إىل ما بقى . فال تزال لذلك يف نقص من لذا وشهواألرض بأسرها لتمنى دوام الصحة واخللود منها وأشفقت وخافت من تفلت ما حصل له منها، ولو ملك ا

ولقد بلغين عن بعض امللوك الكبار األنفس . وتطلعت نفسه إىل علم خرب مجيع ما يف السماوات واألرضنيأنه ذكر عنده ذات يوم اجلنة وعظيم ما فيها من النعيم مع اخللود، فقال أما أنا فإني أتنغص هذا النعيم

سن إليهوأستمره إذا فكرت بأنل عليه املحفمىت يتم التذاذ هذا واغتباطه مبا هو . ي مرتل فيها مرتلة املفض : فيه، وهل املغتبط عند نفسه إال البهائم ومن جرى جمراها ؟ كما قال الشاعر

قليل الهموم ما يبيت بأوجال دينعمن إال سعيد مخل وهل

وهذه العصابة من املتفلسفة تترقى من زم اهلوى وخمالفته بل من إهانته وإماتته إىل أمر عظيم جدا، حىت ورمبا أقدم املوغل منهم . إا ال تنال من املأكل واملشرب إال قوتا وبلغة وال تقتين ماال وال عقارا وال دارا

وذا وحنوه حيتجون لصحة رأيهم . ولزوم املواضع الغامرةيف هذا الرأي على اعتزال الناس والتخلي منهمفأما ما حيتجون به له من أحوال النفس بعد مفارقتها للبدن فإن الكالم فيه . من األشياء احلاضرة املشاهدة

أما يف شرفه فإنه يبحث فيه عن النفس ما هي . جياوز مقدار هذا الكتاب يف شرفه ويف طوله ويف عرضه تفارقه وما تكون حاهلا بعد مفارقته، وأما طوله فألن كل واحد من هذه البحوث ولم هي مع اجلسم ولم

حيتاج يف تعبريه وحكايته إىل أضعاف أضعاف ما يف هذا الكتاب من الكالم، وأما يف عرضه فألن قصد اشتراك الكالم هذه املباحث هو إىل صالح حال النفس بعد مفارقتها للجسد وإن كان قد يعرض فيه ب

وال بأس أن حنكي منه مجلة وجيزة من غري أن نتلبس فيه باحتجاج هلم أو عليهم، . أكثر إصالح األخالق .ونقصد منه خاصة للمعاين اليت نظن أا تعني على بلوغ غرض كتابنا هذا وتقوى عليه

يسمى إحداها النفس الناطقة إن فالطن شيخ الفالسفة وعظيمها يرى أن اإلنسان ثالث أنفس: فنقولويرى أن . واإلهلية واألخرى يسميها النفس الغضبية واحليوانية واألخرى النفس النباتية والنامية والشهوانية

أما النباتية فلتغدو اجلسم الذي هو للنفس . النفسني احليوانية والنباتية إمنا كونتا من أجل النفس الناطقةأداة إذ ليس هو من جوهر باق غري متحلل بل من جوهر سيال متحلل، وكان كل الناطقة مبرتلة آلة و

Page 14: رسائل فلسفية الرازي

ابو بكر الرازي-رسائل فلسفية 14

فأما الغضبية فلتستعني ا النفس الناطقة على قمع . متحلل ال يبقى إال بأن خيلف فيه بدال مما حتلل منهذي إذا النفس الشهوانية ومنعها من أن تشغل النفس الناطقة بكثرة شهواا عن استعمال نطقها ال

أعين النباتية -وليس هلاتني النفسني . استعملته كمال كان يف ذلك ختلصها من اجلسم املشتبكة به عنده جوهر خاص يبقى بعد فساد اجلسم كجوهر النفس الناطقة، بل إحداها وهي الغضبية -والغضبية

ا مجلة مزاج الدماغ فإا عنده وأم. هي مجلة مزاج القلب واألخرى وهي الشهوانية هي مجلة مزاج الكبدواألغتذاء والنمو والنشوء لإلنسان من الكبد، واحلرارة وحركة . أول آلة وأداة تستعملها النفس الناطقة

وأما احلس واحلركة اإلرادية والتخيل والفكر والذكر فمن الدماغ، ال على أن ذلك من . النبض من القلبل فيه املستعمل له على استعمال آلة وأداة، إال أنه أقرب اآلالت خاصيته ومزاجه بل من اجلوهر احلا

ويرى أن جيتهد اإلنسان بالطب اجلسداين وهو الطب املعروف، والطب . واألدوات إىل هذا الفاعلالروحاين وهو اإلقناع باحلجج والرباهني يف تعديل أفعال هذه النفوس لئال تقصر عما أريد ا ولئال

لتقصري يف فعل النفس النباتية أن تغدو وال تنمى وال تنشئ بالكمية والكيفية احملتاجة إليها مجلة وا. جتاوزهوإفراطها أن تتعدى ذلك وجتاوزه حىت خيصب اجلسد فوق ما حيتاج إليه ويغرق يف اللذات . اجلسد

جدة ما ميكنها أن تزم وتقصري فعل النفس الغضبية أن ال يكون عندها من احلمية واألنفة والن. والشهواتوتقهر النفس الشهوانية يف حال اشتهائها حىت حتول دوا ودون شهواا، وإفراطه أن يكثر فيها الكرب

وحب الغلبة حىت تروم قهر الناس وسائر احليوان وال يكون هلا هم إال االستعالء والغلبة كاحلالة اليت كان لنفس الناطقة أن ال خيطر بباهلا استغراب هذا العامل واستكباره وتقصري فعل ا. عليها االسكندر امللك

والفكر فيه والتعجب منه والتطلع والتشوق إىل معرفة مجيع ما فيه وخاصة علم جسدها الذي هي فيه وهيئته وعاقبته بعد موته، فإن من مل يستكرب ويستغرب هذا العامل ومل يتعجب من هيئته ومل تتطلع نفسه

معرفة مجيع ما فيه ومل يهتم ويعن بتعرف ما تؤول إليه احلال بعد املوت فنصيبه من النطق نصيب إىلوإفراطه أن مييل به ويستحوذ عليه . البهائم ال بل اخلفاش واحليتان واخلشار اليت ال تتفكر وال تتذكر البتة

أن تنال من الغذاء وما به يصلح اجلسم من الفكر يف هذه األشياء وحنوها حىت ال ميكن النفس الشهوانيةالنوم وغريه مقدار ما حتتاج إليه يف بقاء مزاج الدماغ على حالة الصحة، لكن يبحث ويتطلع وجيتهد غاية

اجلهد ويقدر بلوغ هذه املعاين والوصول إليها يف زمان أقصر من الزمان الذي ال ميكن بلوغها إال فيه، ة اجلسد حىت يقع يف الوسواس السوداوي وامللنخوليا ويفوته ما طلب من حيث فيفسد حينئذ مزاج مجل

ويرى أن املدة اليت جعلت لبقاء هذا اجلسد املتحلل الفاسد باحلال اليت ميكن النفس . قدر سرعة الظفر بهلد اإلنسان إىل وهي املدة اليت منذ حني يو-الناطقة استعماهلا فيما حتتاج إليه لصالح أمرها بعد مفارقته

مدة يفي فيها كل أحد، ولو كان أبلد الناس بعد أن ال يضرب عن الفكر والنظر البتة، -أن يهرم ويذبل

Page 15: رسائل فلسفية الرازي

ابو بكر الرازي-رسائل فلسفية 15

بالتطلع على املعاين اليت ذكرنا أا ختص النفس الناطقة وبأن يرذل هذا اجلسد والعامل اجلسداين البتة ما دامت متعلقة بشيء منه مل تزل يف أحوال مؤذية مؤملة من ويشنأه ويبغضه، ويعلم أن النفس احلساسة

ويرى أنه مىت كانت . أجل تداول الكون والفساد إياه، وال يكره بل يشتاق إىل مفارقته والتخلص منهمفارقة النفس احلساسة للجسد الذي هي فيه وقد اكتسبت هذه املعاين واعتقدا صارت يف عاملها ومل

ق بشيء من اجلسم بعد ذلك البتة، وبقيت بذاا حية ناطقة غري مائتة وال آملة مغتبطة تشتق إىل التعل أما . مبوضعها ومكاا

احليوية والنطق فلها من ذاا، وأما بعدها عن األمل فلبعدها عن الكون والفساد، وأما اغتباطها مبكاا وأنه مىت كانت مفارقتها للجسد وهي مل . لعامل اجلسداينوعاملها فلتخلصها من خمالطة اجلسم والكون يف ا

تكتسب هذه املعاين ومل تعرف العامل اجلسداين حق معرفته بل كانت تشتاق إليه وحترص على الكون فيه يف - لتداول الكون والفساد للجسد الذي هي فيه -مل تربح مكاا ومل تزل متعلقة بشيء منه، ومل تزل

وبعد . فهذه مجلة من رأي فالطن ومن قبله سقراط املتخلي املتأله. فة ومهوم مجة مؤذيةآالم متصلة مترادفما من رأي دنيائي قط إال ويوجب شيئا من زم اهلوى والشهوات وال يطلق إمهاهلا وإمراجها، فزم اهلوى

املعاين بعني عقله وجيعلها فليالحظ العاقل هذه. وردعه واجب يف كل رأي وعند كل عاقل ويف كل دينوإن هو مل يكتسب من هذا الكتاب أعلى الرتب واملنازل يف هذا الباب فال أقل من أن . من مهه وباله

فإنه . يتعلق ولو بأخس املنازل منه، وهو رأي من رأي زم اهلوى مبقدار ما ال جيلب ضررا عاجال دنيائياوى وقمعه مرارة وبشاعة فستعقبه أردافها حالوة ولذاذة يغتبط ا وإن جترع يف صدور أموره من زم اهل

ويعظم ا سروره وارتياحه عندها، مع أن املؤونة يف احتمال مغالبة اهلوى وقمع الشهوات ستخف عليه باالعتياد وال سيما إذا كان ذلك على تدريج بأن يعود نفسه ويأخذها أوال مبنع اليسري من الشهوات

رك بعض ما وى لما يوجبه العقل والرأي، مث يروم من ذلك ما هو أكثر حىت يصري ذلك فيه مقارنا وتمث يزداد ذلك ويتأكد عند سروره . للخلق والعادة وتذل نفسه الشهوانية وتعتاد االنقياد للنفس الناطقة

ما ومدح الناس له على ذلك بالعواقب العائدة عليه من زم هواه وانتفاعه برأيه وعقله وسياسة أمورهيوية والنطق فلها من ذاا، وأما بعدها عن األمل فلبعدها عن الكون والفساد، .واشتياقهم إىل مثل حاله

وأنه مىت كانت . وأما اغتباطها مبكاا وعاملها فلتخلصها من خمالطة اجلسم والكون يف العامل اجلسداين املعاين ومل تعرف العامل اجلسداين حق معرفته بل كانت تشتاق إليه مفارقتها للجسد وهي مل تكتسب هذه

لتداول الكون والفساد -وحترص على الكون فيه مل تربح مكاا ومل تزل متعلقة بشيء منه، ومل تزل فهذه مجلة من رأي فالطن ومن قبله . يف آالم متصلة مترادفة ومهوم مجة مؤذية-للجسد الذي هي فيه

وبعد فما من رأي دنيائي قط إال ويوجب شيئا من زم اهلوى والشهوات وال يطلق . املتخلي املتألهسقراط

Page 16: رسائل فلسفية الرازي

ابو بكر الرازي-رسائل فلسفية 16

فليالحظ العاقل . إمهاهلا وإمراجها، فزم اهلوى وردعه واجب يف كل رأي وعند كل عاقل ويف كل دينهذا الكتاب أعلى الرتب واملنازل يف وإن هو مل يكتسب من . هذه املعاين بعني عقله وجيعلها من مهه وباله

هذا الباب فال أقل من أن يتعلق ولو بأخس املنازل منه، وهو رأي من رأي زم اهلوى مبقدار ما ال جيلب فإنه وإن جترع يف صدور أموره من زم اهلوى وقمعه مرارة وبشاعة فستعقبه أردافها . ضررا عاجال دنيائياط ا ويعظم ا سروره وارتياحه عندها، مع أن املؤونة يف احتمال مغالبة اهلوى وقمع حالوة ولذاذة يغتب

الشهوات ستخف عليه باالعتياد وال سيما إذا كان ذلك على تدريج بأن يعود نفسه ويأخذها أوال مبنع أكثر حىت اليسري من الشهوات وترك بعض ما وى لما يوجبه العقل والرأي، مث يروم من ذلك ما هو

مث يزداد ذلك . يصري ذلك فيه مقارنا للخلق والعادة وتذل نفسه الشهوانية وتعتاد االنقياد للنفس الناطقةويتأكد عند سروره بالعواقب العائدة عليه من زم هواه وانتفاعه برأيه وعقله وسياسة أموره ما ومدح

.الناس له على ذلك واشتياقهم إىل مثل حاله

ثالث الفصل ال

الرديئة على انفرادها جملة قدمت قبل ذكر عوارض النفس

أما وقد وطأنا ملا يأيت بعد من كالمنا أسه وذكرنا أعظم األصول يف ذلك مما فيه غىن وعليه معونة فإنا . ذاكرون من عوارض النفس الردية والتلطف إلصالحها ما يكون قياسا ومثاال لما مل نذكره منها

ونتحرى اإلجياز واالختصار ما أمكن يف الكالم فيها، إذ قدمنا السبب األعظم والعلة الكربى اليت منها حىت أنه لو مل يفرد وال واحد منها بكالم . نستقي وعليها نبين مجيع وجوه التلطف إلصالح خلق ما ردى

باألصل األول غين وكفاية إلصالحها، وذلك خيصه بل أغفل ومل يذكر بتة لكان يف التحفظ والتمسك أن جلها مما يدعو إليه اهلوى وحتمل عليه الشهوات، ويف زم هذين وحفظهما ما مينع التمسك والتخلق

إال أنا على كل حال ذاكرون من ذلك ما نرى أن ذكره أوجب وألزم وأعون على بلوغ غرض . ما .كتابنا هذا، وباهللا نستعني

ل الرابع الفص

في تعرف الرجل عيوب نفسه

Page 17: رسائل فلسفية الرازي

ابو بكر الرازي-رسائل فلسفية 17

من أجل أن كل واحد منا ال ميكنه منع اهلوى حمبة منه لنفسه واستصوابا واستحسانا ألفعاله، وأن ينظر ال يكاد يستبني ما فيه من املعايب والضرائب الذميمة، -بعني العقل اخلالصة احملضة إىل خالئقه وسريته

- مل يقلع عنه إذ ليس يشعر به فضال عن أن يستقبحه ويعمل يف اإلقالع عنه ومىت مل يستبني ذلك فيعرفه

فينبغي أن يسند الرجل أمره يف هذا إىل رجل عاقل كثري اللزوم له والكون معه، ويسأله ويضرع إليه عها عنده، ويؤكد عليه أن يخربه بكل ما يعرفه فيه من املعايب، ويعلمه أن ذلك أحب األشياء إليه وأوق

وأن املنة عليه منه تعظم يف ذلك والشكر يكثر، ويسأله أن ال يستحييه يف ذلك وال جيامله، ويعلمه أنه مىت فإذا أخذ الرجل املشرف . تساهل وضجع يف شيء منه فقد أساء إليه وغشه واستوجب عليه الالئمة عليه

غتماما وال استخزاء، بل اظهر له سرورا مبا يستمع يخربه ويعلمه ما فيه وما ظهر وبان له منه مل يظهر له افإن رآه يف حال ما قد كتمه شيئا استحياء منه أو قصر يف العبارة عن تقبيح . وتشوقا إىل ما مل يستمع منه

ذلك أو حسنها المه على ذلك وأظهر له اغتماما به، وأعلمه أنه ال حيب ذلك منه وال يريد إال التصريح فإن وجده يف حال أخرى قد زاد وأسرف يف تقبيح شيء رآه منه وجينه مل . مه ما يراه على وجههوإعال

وينبغي أن جيدد سؤال هذا املشرف عليه . يغضبه ذلك بل محده عليه وأظهر له بشرا وسرورا مبا رآه منهغي أن يستخرب ويتحسس وينب. فإن األخالق والضرائب الردية قد حتدث بعد أن مل تكن. حاال بعد حال

ما يقول فيه جريانه ومعاملوه وإخوانه ومباذا ميدحونه ومباذا يعيبونه، فإن الرجل إذا سلك يف هذا املعىن فإن اتفق له ووقع عدو ومنازع محب . هذا املسلك مل يكد خيفى عليه شئ من عيوبه وإن قل وخفى

عيوبه، بل إظطر واجلئ إىل اإلقالع عنها، إن كان ممن إلظهار مساويه ومعايبه مل يستدرك من قبله معرفة يف "وقد كتب يف هذا املعىن جالينوس كتابا جعل رمسة . لنفسه مقدار وممن حيب أن يكون خريا فاضال

يف تعرف "وكتب أيضا . ، فذكر فيه منافع صارت أليه من أجل عدو كان له"األخيار ينتفعون بأعدائهموفيما ذكرنا من هذا الباب كفاية . مقالة قد ذكرنا حنن جوامعها ومجلتها هنا" هالرجل عيوب نفس

وبالغ، ومن استعمله مل يزل كالقدح مقوما مثقفا

الفصل الخامس

في العشق واإللف

وجملة الكالم في اللذة

. من نفس طبائعهم وغرائزهمأما الرجال املذكورون الكبار اهلمم واألنفس فإم يبعدون من هذه البلية

Page 18: رسائل فلسفية الرازي

ابو بكر الرازي-رسائل فلسفية 18

وذلك أنه ال شئ أشد على أمثال هؤالء من التذلل واخلضوع واالستكانة وإظهار الفاقة واحلاجة واحتمال فهم إذا فكروا يلزم العشاق من هذه املعاين نفروا منه وتصابروا وأزالوا اهلوى عنه وإن . التجين واالستطالة

فأما اخلنثون من الرجال . غال ومهوم بليغة اضطرارية دنيائية أو دينيةبلوا به، وكذلك الذين تلزمهم أشوالغزلون والفراغ واملترفون واملؤثرون للشهوات الذين ال يهمهم سواها وال يريدون من الدنيا إال

صون من إصابتها، ويرون فوا فوتا وأسفا، وما مل يقدروا عليه منها حسرة وشقاء، فال يكادون يتخلهذه البلية ال سيما إن أكثروا النظر يف قصص العشاق ورواية الرقيق الغزل من الشعر ومساع الشجي من

فلنقل اآلن يف االحتراس من هذا العارض والتنبيه على مخاتله ومكامنه بقدر ما يليق . األحلان والغناء بلوغ غرض ما مر من هذا الكتاب وما يأيت ونقدم قبل ذلك كالما نافعا معينا على. بغرض كتابنا هذا

.بعده، وهو الكالم يف اللذة

كرجل . إن اللذة ليست بشيء سوى إعادة ما أخرجه املؤذي عن حالته إىل حالته اليت كان عليها: فنقولخرج من موضع كنني ظليل إىل صحراء مث سار يف مشس صيفية حىت مسه احلر مث عاد إىل مكانه ذلك،

يزال يستلذ ذلك املكان حىت يعود بدنه إىل حالته األوىل، مث يفقد ذلك االستلذاذ مع عود بدنه إىل فإنه ال . احلالة األوىل، وتكون شدة التذاذه ذا املكان مبقدار شدة إبالغ احلر إليه وسرعة هذا املكان يف تربيده

وألن األذى . عندهم هو رجوع إىل الطبيعةوذا املعىن حد الفالسفة الطبيعيون اللذة، فإن حد اللذةواخلروج عن الطبيعة رمبا حدث قليال يف زمان طويل، مث حدث بعقبه رجوع إىل الطبيعة دفعة يف زمان

قصري صار يف مثل هذه احلال يفوتنا احلس باملؤذي ويتضاعف بيان اإلحساس بالرجوع إىل الطبيعة، ن ال رياضة له أا حدثت من غري أذى تقدمها، ويتصورها مفردة ويظن ا م. فنسمي هذه احلال لذةوليست احلال على احلقيقة كذلك بل ليس ميكن أن تكون لذة بتة إال مبقدار ما . خالصة برية من األذى

فإنه مبقدار أذى الرجوع والعطش يكون بااللتذاذ بالطعام . تقدمها من أذى اخلروج عن الطبيعةذا عاد اجلائع والعطشان إىل حالته األوىل مل يكن شئ أبلغ من عذابه من إكراهه على والشراب، حىت إ

وكذلك احلال يف سائر املالذ فإن هذا احلد باجلملة . تناوهلما بعد أن كانا ألذ األشياء عنده وأحبها إليهوقد . ألطف وأطول من هذاالزم هلا وحمتو عليها، إال أن منها ما حنتاج يف تبيني ذلك منه إىل كالم أدق و

. ، ويف هذا املقدار الذي ذكرناه هاهنا كفاية ملا حنتاج إليه"يف مائية اللذة"شرحنا هذا يف مقالة كتبناها

وأكثر املائلني مع اللذة املنقادين هلا هم الذين مل يعرفوها على احلقيقة ومل يتصوروا منها إال احلالة الثانية، ومن أجل ذلك أحبوها . فعل املؤذي إىل استكمال الرجوع إىل احلالة األوىلأعين اليت من مبدأ انقضاء

ومتنوا أن ال خيلوا يف حال منها، ومل يعلموا أن ذلك غري ممكن ألا حالة ال تكون وال تعرف إال بعد .تقدم األوىل هلا

Page 19: رسائل فلسفية الرازي

ابو بكر الرازي-رسائل فلسفية 19

بشيء وأغرم ن كلفم شاق وسائرس والتملك - به وأقول أن اللذة اليت يتصوروها العشاق للترؤكالع وسائر األمور اليت يفرط ويتمكن حبها من نفوس بعض الناس حىت ال يتمنوا إال إصابتها وال يروا العيش

وذلك أم إمنا يتصورون إصابة . عند تصورهم نيل مرادهم عظيمة جماوزة للمقدار جدا-إال مع نيلها فسهم من غري أن خيطر بباهلم احلالة األوىل اليت هي كالطريق واملسلك املطلوب ونيله مع عظم ذلك يف أن

ولو فكروا ونظروا يف وعورة هذا الطريق وخشونته وصعوبته وخماطره ومهاويه ومهالكه . إىل نيل مطلوم .ملر عليهم ما حال وعظم ما صغر عندهم يف جنب ما حيتاجون إىل مقاساته ومكادحته

ائية اللذة وأوضحنا من أين غلط من تصرها حمضة برية من األمل واألذى فإنا عائدون وإذ قد ذكرنا مجلة م .إىل كالمنا ومنبهون على مساوئ هذا العارض أعين العشق وخساسته

وذلك . إن العشاق جياوزون حد البهائم يف عدم ملكة النفس وزم اهلوى ويف االنقياد للشهوات: فنقول على أا من أمسج الشهوات وأقبحها عند النفس -أن يصيبوا هذه الشهوة، أعين لذ الباه أم مل يرضوا

من أي موضع ميكن إصابتها منه، حىت أرادوها من موضع ما -الناطقة اليت هي اإلنسان على احلقيقة والبهيمة . إىل عبوديةبعينه فضموا شهوة إىل شهوة وانقادوا وذلوا للهوى ذال على ذل وازدادوا له عبودية

ال تصري من هذا الباب إىل هذا احلد وال تبلغه، ولكنها تصيب منه بقدر ما هلا يف الطبع مما تطرح به عنها وهؤالء ملا مل يقتصروا على املقدار . أمل املؤذي املهيج هلا عليه ال غري، مث تصري إىل الراحة الكاملة منه

الذي فضلهم اهللا على البهائم وأعطاهم إياه لريوا -ل استعانوا بالعقل البهيمي من االنقياد للطباع، ب يف التسلق على لطيف الشهوات وخفيها والتحيز هلا والتفوق فيها، -مساوئ اهلوى ويزموه وميلكوه

بكثرة وجب عليهم وحق هلم أال يبلغوا منها إىل غاية وال يصريوا منها إىل راحة، وال يزالوا متأذين لرتوع أنفسهم عنها وتعلق -البواعث عليها ومتحسرين على كثرة الفائت منها غري مغتبطني وال راضني

. مبا نالوه أيضا وقدروا عليه منها-أمانيهم مبا فوقها ومبا ال اية له منها

من حيث يظنون أم إن العشاق مع طاعتهم للهوى وإيثارهم اللذة وتعبدهم هلا حيزنون : ونقول أيضاوذلك أم ال ينالون من مالذهم شيئا وال يصلون إليه إال . يفرحون، ويأملون من حيث يظنون أم يلذون

ورمبا مل يزالوا من ذلك يف كرب منصبة وغصص . بعد أن ميسهم اهلم واجلهد ويأخذ منهم ويبلغ إليهمهم يصري لدوام السهر واهلم وفقد الغذاء إىل اجلنون والوسواس والكثري من. متصلة من غري نيل مطلوب بتة

فإذا هم وقعوا من حبال اللذة وشباكها يف الرديء واملكروه، وأدتهم عواقبها إىل . وإىل الدق والذبولعليه وأما الذين ظنوا أم ينالون لذة العشق كمال ويصيبونه ممن ملكوه وقدروا . غاية الشقاء والتهلكة

وذلك أن اللذة إمنا تكون إذا نيلة مبقدار بالغ أمل املؤذي الباعث عليها . فقد غلطوا وأخطئوا خطا بينا

Page 20: رسائل فلسفية الرازي

ابو بكر الرازي-رسائل فلسفية 20

وقد قيل . الداعي إليها، ومن ملك شيئا وقدر عليه ضعف فيه هذا الباعث الداعي وهدأ وسكن سريعاإن مفارقة احملبوب أمر ال بد منه : أيضاقوال حقا صدقا إن كل موجود مملوك وكل ممنوع مطلوب ونقول

وإذا . اضطرارا باملوت، وإن سلم من سائر حوادث الدنيا وعوارضها املبددة للشمل املفرقة بني األحبةكان ال بد من إساغة هذه الغصة وجترع هذه املرارة فإن تقدميها والراحة منها أصلح من تأخريها

وأيضا فإن منع النفس . مىت قدم أزيح مؤونة اخلوف منه مدة تأخريهواالنتظار هلا، ألن ما ال بد من وقوعهوأيضا فإن العشق مىت انضم .من حمبوا قبل أن يستحكم حبه ويرسخ فيها ويستويل عليها أيسر وأسهل

إليه اإللف عسر الرتوع عنه واخلروج منه، فإن بلية اإللف ليست بدون بلية العشق، بل لو قال قائل إنه كد وأبلغ منه مل يكن خمطئا، ومىت قصرت مدة العشق وقل فيه لقاء احملبوب كان أحرى أن ال خيالطه أو

والواجب يف حكم العقل من هذا الباب أيضا املبادرة يف منع النفس وزمها عن العشق قبل . ويعاونه اإللف فالطن احلكيم احتج ا وهذه احلجة يقال إن. وقوعها فيه، وفطمها منه إذا وقعت قبل استحكامه فيها

فأمر أن يطلب ويؤتى به، فلما مثل .على تلميذ له بلى حبب جارية فأخل مبركزه من جملس مدارس فالطن بني يديه قال أخربين يا فالن هل تشك يف انه

فقال له فالطن فاجعل تلك املرارة . ال بد لك من مفارقة حبتك هذه يوما ما ؟قال ما أشك يف ذلكفقال له فالطن فاجعل تلك املرارة املتجرعة . يف ذلك اليوم يف هذا اليوم، قال ما أشك يف ذلكاملتجرعة

يف ذلك اليوم، وأزح ما بينهما من خوف املنتظر الباقي حباله الذي البد من جميئه وصعوبة معاجلة ذلك إن ما تقول أيها السيد فيقال إن التلميذ قال لفالطن. بعد االستحكام وانضمام اإللف إليه وعضده له

علي ي أخفانتظاري له سلوة مبرور األيام عن لكين أجد ،فقال له فالطن وكيف وثقت . احلكيم حقبسلوة األيام ومل تخف إلفها، ومل أمنت أن تأتيك احلالة املفرقة قبل السلوة وبعد االستحكام، فتشتد بك

إن ذلك الرجل سجد يف تلك الساعة لفالطن وشكره ودعا له فيقال. الغصة وتتضاعف عليك املرارةوأثىن عليه، ومل يعاود شيئا مما كان فيه ومل يظهر منه حزن وال شوق، ومل يزل بعد ذلك الزما الس

ويقال إن فالطن أقبل بعد فراغه من هذا الكالم على وجوه تالمذته فالمهم . فالطن غري مخل ا بتة تركهم وإطالقهم هذا الرجل وصرف كل مهته إىل سائر أبواب الفلسفة قبل إصالح نفسه وعذهلم يف

.الشهوانية وقمعها وتذليلها للنفس الناطقة

وألن قوما روعنا يعاندون ويناصبون الفالسفة يف هذا املعىن بكالم سخيف ركيك كسخافتهم وركاكتهم . فإنا نذكر ما يأتون به يف هذا املعىن ونقول فيه من بعده - وهؤالء هم املوسومون بالظرف واألدب -

إن هؤالء القوم يقولون إن العشق إمنا يعتاده الطبائع الرقيقة واألذهان اللطيفة، وإنه يدعو إىل النظافة ون ويشيعون هذا وحنوه من كالمهم بالغزل من الشعر البليغ يف هذا املعىن، وحيتج. واللباقة والزينة واهليئة

Page 21: رسائل فلسفية الرازي

ابو بكر الرازي-رسائل فلسفية 21

إن رقة الطبع : وحنن نقول. مبن عشق من األدباء والشعراء والسراة والرؤساء ويتخطوم إىل األنبياءولطافة الذهن وصفاءه يعرفان ويعتربان بإشراف أصحاما على األمور الغامضة البعيدة والعلوم اللطيفة

.ملجدية النافعةالدقيقة وتبيني األشياء املشكلة امللتبسة واستخراج الصناعات ا

وحنن جند هذه األمور مع الفالسفة فقط، ونرى العشق ال يعتادهم ويعتاد اعتيادا كثريا دائما أجالف وجند أيضا من األمر العام الكلي أنه ليست أمة من األمم أرق فطنة . األعراب واألكراد واألعالج واألنباط

وهذا يوجب ضد ما . مجلتهم أقل مما يف مجلة سائر األمموأظهر حكمة من اليونانيني، وجند العشق يفادعوه، أعين أنه يوجب أن يكون العشق إمنا يعتاد أصحاب الطبائع الغليظة واألذهان البليدة، ومن قل

وأما احتجاجهم بكثرة . فكره ونظره ورويته بادر إىل اهلجوم على ما دعته إليه نفسه ومالت إليه شهوتهإن السرو والرياسة والشعر والفصاحة ليست : ق من األدباء والشعراء والسراة والرؤساء فإنا نقولمن عش

مما ال يوجد أبدا إال مع كمال العقل واحلكمة، وإذا كان األمر كذلك أمكن أن يكون العشاق من هؤالء العلم واحلكمة إمنا هو وهؤالء القوم جلهلهم ورعونتهم حيسبون أن . من النقص يف عقوهلم وحكمتهم

النحو والشعر والفصاحة والبالغة، وال يعلمون أن احلكماء ال يعدون وال واحدا من هذه حكمة وال احلاذق ا حكيما، بل احلكم عندهم من عرف شروط الربهان وقوانينه واستدراك وبلغ من العلم

ولقد شهدت ذات يوم رجال من . ن بلوغهالرياضي والطبيعي والعلم اإلهلي مقدار ما يف وسع اإلنسامتحذلقيهم عند بعض مشاخينا مبدينة السالم، وكان هلذا الشيخ مع فلسفته حظ وافر من املعرفة بالنحو

واللغة والشعر، وهو جياريه وينشده ويبذخ ويشمخ يف خالل ذلك بأنفه ويطنب ويبالغ يف مدح أهل ذلك حيتمله معرفة منه جبهله وعجبه ويتبسم إىل أن قال فيما صناعته ويرذل من سواهم، والشيخ يف كل

هذا واهللا العلم وما سواه ريح، فقال له الشيخ يا بين هذا علم من ال علم له ويفرح به من ال عقل : قالمث أقبل علي وقال سل فتانا هذا عن شيء من مبادئ العلوم االظطرارية، فإنه ممن يرى أن من مهر يف . له

فقلت خبرين عن العلوم أظطرارية هي أم اصطالحية ؟ ومل أمتم . اللغة ميكنه اجلواب عن مجيع ما يسئل عنهوذلك أنه كان مسع أصحابنا يعريون هذه العصابة . التقسيم على تعمد، فبادر فقال العلوم كلها اصطالحيه

.ا هلم دونه يف هذا البابأن علمهم اصطالحي، فأحب أن يعيهم مبثل ما عابوه جهال منه مب

فقلت له فمن علم أن القمر ينكسف ليلة كذا وكذا، وأن السقمونيا يطلق البطن مىت أخذ، وأن املرداسنج . يذهب حبموضة اخلل مىت سحق وطرح فيه إمنا صح له علم ذلك من اصطالح الناس عليه؟ فقال ال

مث قال فإين أقول إا كلها . ل ما يبني عما به حنوتفقلت فمن أين علم ذلك؟ فلم يكن فيه من الفضفقلت له خبرين عمن علم . اضطرارية، ظنا منه وحسبانا أنه يتهيأ له أن يدرج النحو يف العلوم االضطرارية

Page 22: رسائل فلسفية الرازي

ابو بكر الرازي-رسائل فلسفية 22

م شيئا أن املنادى بالنداء املفرد مرفوع وأن املنادى بالنداء املضاف منصوب، أعلم أمرا اضطراريا طبيعيا أمصطلحا باجتماع من بعض الناس عليه دون بعض ؟ فلجلج بأشياء يروم ا أن يثبت أن هذا األمر

اضطراري مما كان يسمعه من أستاذيه، فأقبلت أريه تداعيه وافته مع ما حلقه من استحياء وخجل شديد وإمنا ذكرنا . ذي هو على احلقيقة علموأقبل الشيخ يتضاحك ويقول له ذق يا بين طعم العلم ال. واغتنام

من هذه القصة ما ذكرنا ليكون أيضا من بعض املنبهات والدواعي إىل األمر األفضل، إذ ليس لنا غرض لجميع من - مبا مر من كالمنا هذا من االستجهال واالستنقاص -يف هذا الكتاب إال ذاك ولسنا نقصد

ا وأخذ منهما، فإن فيهم من قد مجع اهللا له إىل ذلك حظا وافرا من عين بالنحو والعربية واشتغل مالعلوم، بل للجهال من هؤالء الذين ال يرون أن علما موجود سوامها وال أن أحدا يستحق أن يسمى عاملا

ألنبياء إال ما وقد بقي علينا من حجاج القوم شئ مل نقل فيه قوال، وهو احتجاجهم لتحسني العشق باإنه ليس من أحد يستجيز أن يعد العشق منقبة من مناقب األنبياء وال فضيلة من : فنقول. وما بلوا به منه

وإذا كان ذلك . فضائلهم وال أنه شئ آثروه واستحسنوه، بل إمنا يعد هفوة وزلة من هفوام وزالمتة، ألنه إمنا ينبغي لنا أن حنث أنفسنا ونبعثها من كذلك فليس لتحسينه وتزيينه ومدحه وتروجيه م وجه ب

أفعال الرجال الفاضلني على ما رضوه ألنفسهم واستحسنوه هلا وأحبوا أن يقتدى م فيه، ال على فأما قوهلم . هفوام وزالم وما تابوا منه وندموا عليه وودوا أن ال يكون ذلك جرى عليهم وكان منهم

النظافة واللباقة واهليئة والزينة، فما يصنع جبمال اجلسد مع قبح النفس، وهل حيتاج إىل إن العشق يدعو إىل اجلمال اجلسداين وجيتهد فيه إال النساء وذوو اخلنث من الرجال ؟ ويقال إن رجال دعا بعض احلكماء إىل

فسه على غاية اجلهل مرتله، وكان كل شئ له من آلة املرتل على غاية السرور واحلسن، وكان الرجل يف نفلما . ويقال إن ذلك احلكيم تأمل كل شئ يف مرتله مث إنه بصق على الرجل نفسه. والبله والفدامة

استشاط وغضب من ذلك قال له ال تغضب، فإين تأملت مجيع ما يف مرتلك وتفقدته فلم أر فيه أمسج وال ويقال إن ذلك الرجل بعد ذلك . أرذل من نفسك، فجعلتها موضعا للبصاق باستحقاق منها لذلك

.استخف مبا كان فيه وحرص على العلم والنظر

: وألنا قد ذكرنا فيما مر من كالمنا قبيل اإللف فإنا قائلون يف هائيته واالحتراس منه بعض القول، فنقول

لية عظيمة إن اإللف هو ما حيدث يف النفس عن طول الصحبة من كراهية مفارقة املصحوب، وهي أيضا بتنمى وتزداد على األيام وال يحس ا إال عند مفارقة املصحوب، مث يظهر منها حينئذ دفعة أمر مؤذ

واالحتراس منه . وهذا العارض يعرض للبهائم أيضا إال أنه يف بعضها أوكد منه يف البعض. للنفس جدا ينسى ذلك ويفعل البتة بل تدرج نفسه إليه يكون بالتعرض ملفارقة املصحوب حاال بعد احلال، وأن ال

Page 23: رسائل فلسفية الرازي

ابو بكر الرازي-رسائل فلسفية 23

.وتمرن عليه

.وقد بينا من هذا الباب ما فيه كفاية، وحنن اآلن قائلون يف العجب

الفصل السادس

في العجب

إنه من أجل حمبة كل إنسان لنفسه يكون استحسانه للحسن منها فوق حقه واستقباحه للقبيح منها : أقول - إذ كان بريا من حبه وبغضه -قه، ويكون استقباحه للقبيح واستحسانه للحسن من غريه دون ح

ومن أجل ما ذكرنا فإنه إذا كانت . مبقدار حقه، ألن عقله حينئذ صاف ال يشوبه وال جياذبه اهلوىتأكدت فيه هذه وإذا . لإلنسان أدىن فضيلة عظمت عند نفسه وأحب أن يمدح عليها فوق استحقاقه

. احلالة صار عجبا، وال سيما إن وجد قوما يساعدونه على ذلك ويبلغون من تزكيته ومدحه ما حيب

ومن باليا العجب أنه يؤدي إىل النقص يف األمر الذي يقع به العجب، ألن املعجب ال يروم التزيد وال ألن املعجب بفرسه ال يروم أن يستبدل به . بنفسهاالقتناء واالقتباس من غريه يف الباب الذي منه يعجب

. ما هو أفره منه ألنه ال يرى أن فرسا أفره منه، واملعجب بعمله ال يتزيد منه ألنه ال يرى أن فيه مزيدا

إذا كانوا غري -ومن مل يستزد من شئ ما نقص ال حمالة وختلف عن رتبة نظرائه وأمثاله، ألن هؤالء مل يزالوا مستزيدين ومل يزالوا لذلك متزيدين مترقني، فال يلبثوا أن جياوزوا املعجب وال يلبث - معجبني

ومما يدفع به املعجب أن يكل الرجل اعتبار مساويه وحماسنه إىل غريه على ما . املعجب أن يتخلف عنهمرب وال يقيس نفس بقوم أخساء أدنياء ليس ذكرنا قبل حيث ذكرنا تعرف الرجل عيوب نفسه، وأن ال يعت

فأنه من احترس من . هلم حظ وافر من الشيء الذي أعجب به من نفسه، أو يكون يف بلد هذه حالة أهلهويف اجلملة . هذين البابني مل يزل يرد عليه كل يوم ما يكون به إىل تنقص نفسه أميل منه إىل العجب ا

تكرب وتعظم نفسه عنده حىت جياوز مقدار نظرائه عند غريه، وال تصغر وال تقل حىت فإنه ينبغي أن الفإنه إذا فعل ذلك وقوم نفسه عليه كان بريا من زهو . ينحط عنهم أو عمن هو دونه ودوم عند غريه

فلنقل وفيما ذكرنا أيضا يف هذا الباب كفاية،. العجب وخسة الدناءة، ومساه الناس العارف بقدر نفسه اآلن يف احلسد

الفصل السابع

في الحسد

Page 24: رسائل فلسفية الرازي

ابو بكر الرازي-رسائل فلسفية 24

واملتكلمون يف إصالح . إن احلسد أحد العوارض الردية ويتولد من اجتماع البخل والشره يف النفس: أقولاألخالق يسمون الشرير من يلتذ طباعا مضار تقع بالناس ويكره ما وقع مبوافقتهم وإن كانوا مل يتروه ومل

واحلسد شر من البخل ألن . ا أم يسمون اخلري من أحب وإلتذ ما وقع بوفاق الناس ونفعهميسوؤه، كمالبخيل إمنا ال حيب وال يرى أن ينيل أحدا شيئا مما ميلكه وحيويه، واحلسود حيب أن ال ينال أحد خري بتة

به أن يتأمل العاقل احلسد، فأنه ومما يدفع . ولو مما ال ميلكه، وهو داء من أدواء النفس عظيم األذى هلاسيجد له من رسم الشرير حظا وافرا إذ كان احلسود يرسم بأنه كاره لما وقع بوفاق من مل يتره ومل

أما من البارئ فألنه . وهذا شطر من حد الشرير، الشرير مستحق للمقت من البارئ ومن الناس. يسئ بهله يف إرادته إذ هو عز للكلمضاد اخلري ل على الكل املريدبغض ظامل . امسه املفضوأما من الناس فألنه م

فإن كان هذا اإلنسان . هلم، فإن من أحب وقوع املكروه بإنسان ما أو مل حيب وصول خري إليه مبغض لهاسد شيئا مما هو يف وأيضا فإن احملسود مل يزل عن احل. ممن مل يتره ومل يسئ به فإنه مع ذلك ظامل له

وإذا كان ذلك كذلك فما . يديه وال منعه من بلوغ شئ كان يقدر عليه وال استعان به على شئ من أمرهفكيف ال . إال مبرتلة سائر من نال خريا وبلغ أمنيته من الناس الغائبني عن احلاسد-أعين احملسود -هو

ن اجل غيبتهم عنه فليتصورهم بأحواهلم وما ينقلبون فيه حيسد من باهلند والصني ؟ فإن كان ال حيسدهم مفإن كان حمقا أو جنونا أن حيزن ملا نال هؤالء وبلغوا من أمانيهم فإن حمقا مثله احلزن . من نعيمهم

بلوغ واالغتمام ملا نال من حبضرته إذ كانوا مبرتلة الغيب عنه يف أم مل يسلبوه شيئا مما يف يديه وال منعوه وليس بينهم وبني الغيب عنه فرق إال يف . شئ كان يقدر عليه وال استعانوا على أمر من أمورهم به

مشاهدة احلاسد أحواهلم اليت ميكن تصور مثلها من الغيب عنه ويعلم ويستيقن أم منها يف مثل ما هم .فيه

قوما إمنا يكرهون اخلري ملن عليهم منهم يف وقد يغلط بعض الناس يف حد احلسد حىت إم يسمون باحلسد وليس ينبغي أن يسمى وال واحد من هؤالء حاسدا، بل ينبغي أن . إصابتهم ذلك بعض املضار واملؤن

يسمى احلاسد مطلقا من اغتم من خري يناله غريه من حيث ال مضرة عليه منه البتة، ويسمى بليغ احلسد فأما إذا جاءت املؤن واملضار فإا حتدث يف . وإن كان له يف ذلك نفع مامن اغتم من خري يناله غريه

ومثل هذا من التحاسد ال يكاد يكون إال بني األقرباء واملعاشرين . النفس عداوة مبقدارها ال حسدافإنا نرى الرجل الغريب ميلك أهل بلد ما وال يكادون جيدون يف أنفسهم كراهة لذلك، مث . واملعارف

كهم رجل من بلدهم فال يكاد أن يتخلص وال واحد منهم من كراهيته لذلك، هذا على أنه رمبا كان ميلوإمنا يؤتى الناس يف هذا . أرأف م وأنظر إليهم من املالك الغريب- أعين البلدي-هذا الرجل املالك

Page 25: رسائل فلسفية الرازي

ابو بكر الرازي-رسائل فلسفية 25

ب أن يكون سابقا إىل الباب من فرط حمبتهم ألنفسهم، وذلك أن كل واحد منهم من أجل حبه لنفسه حياملراتب املرغوب فيها غري مسبوق إليها فإذا هم رأوا من كان باألمس معهم اليوم سابقا هلم مقدما عليهم

اغتموا لذلك وصعب واشتد عليهم سبقه إياهم إليها، ومل يرضهم منه تعطفه عليهم وال إحسانه إليهم، وأما . ر إليه هذا السابق ال غري ال يرضيهم سواه وال يسترحيون دونهألن أنفسهم متعلقة بالغاية مما صا

املالك الغريب فمن أجل أم مل يشاهدوا حالته األوىل ال يتصورون كمال سبقه هلم وفضله عليهم فيكون .ولوقد ينبغي أن يرجع يف مثل هذا إىل العقل ويتأمل يف هذا األمر ما أق. ذلك أقل لغمهم وأسفهم

إنه ليس لحنق احلاسد وغيظه وبغضه هلذا الرجل القريب السابق له وجه يف العدل بتة، وذلك أنه مل : أقولوليس احلظ الذي ناله هذا السابق شيئا . مينع املسبوق من املبادرة إىل املطلوب وإن حصله وحظي به دونه

إليه، فال ي به أو أحوج أحق ه أو على تراخيه، فإن كان احلاسددعليه بل ليحنق على ج ه إذا وال حينقبغضمع أنه إذا كان هذا السابق أخا أو ابن عم أو قريبا أو . أحدمها هو الذي حرمه وأقعده عن بلوغ أمله

هي وصلة معرفة أو بلديا كان أصلح للحاسد وكان أرجى خلريه وآمن من شره، إذ بينهما وصلة التختن وطبيعية وكيده وأيضا فإنه إذا كان ال بد أن يكون يف الناس الرؤساء وامللوك واملثرون واملكثرون ومل يكن احلاسد ممن يؤمل ويرجو أن يصري ما هو هلم إليه أو إىل من صار إليه انتفع هو به فليس لكراهيته أن يبقى

ه بقى فيهم أو صار إىل غريهم ممن حاله يف عدم انتفاعه م حاله عليه وجه يف العقل بتة، ألنه سواء عليإن العاقل قد يزم ببصرية نفسه الناطقة وقوة نفسه الغضبية نفسه البهيمية حىت يرعها من : وأيضا فنقول

. عاإصابة األشياء اللذيذة الشهية عما ال شهوة وال لذة فيه، وفيه مع ذلك مضرة النفس والبدن مجي

إن احلسد مما ال لذة فيه، وإن كان فيه منها شئ فإنه أقل كثريا من سائر األشياء من اللذات، وهو : وأقولأما بالنفس فألنه يذهلها ويعزب فكرها ويشغلها حىت ال تفرغ للتصرف فيما يعود . مضر بالنفس واجلسد

وأما . لعوارض الرديئة، مثل طول احلزن واهلم والفكرنفعه على اجلسد وعليها لما يعرض معه للنفس من اباجلسد فألنه يعرض له عند حدوث هذه األعراض للنفس طول السهر وسوء االغتذاء، ويعقب ذلك

املقرب إليه الشهوات -وإذا كان العاقل يزم بعقله اهلوى . رداءة اللون وسوء السحنة وفساد املزاج فأوىل به وأوىل أن جيتهد يف حمو هذا العارض عن نفسه ونسيانه -تكون مما يعقب مضرة اللذيذة بعد أن

وأيضا فإن احلسد نعم العون واملنتقم من احلاسد واحملسود، . وإلضراب عنه وترك الفكر فيه مىت خطر ببالهفسه وإضعاف جسده كيده وذلك أنه يدمي مهه وغمه ويذهل عقله ويعذب جسده ويوهن بأشغال ن

فأي رأي هو أوىل بالتسفيه والترذيل من الذي ال جيلب على صاحبه . للمحسود وسعيه عليه إن دام ذلكإال ضررا، وأي سالح أحق وأوىل باالطراح من الذي هو جنة للعدو وجارح للحامل ؟ وأيضا فإن مما

Page 26: رسائل فلسفية الرازي

ابو بكر الرازي-رسائل فلسفية 26

ترقيهم يف املراتب -ا اإلقالع عنه أن يتأمل العاقل أحوال الناس ميحو احلسد عن النفس ويسهل ويطيب هل وأحواهلم مما صاروا إليه من هذين البابني، ويجيد التثبت فيه على ما حنن ذاكروه -ووصوهلم إىل املطالب

م منه على أن حالة احملسود عند نفسه خالفها عند احلاسد، وأن يتصورهجمن هاهنا، فإنه سي ه احلاسدإن اإلنسان ال يزال يستعظم احلالة : أقول. عظمها وجاللتها واية غبطة احملسود ومتتعه ا ليس كذلك

ويستجلها ويود ويتمىن بلوغها والوصول إليها، ويرى بل ال يشك أن الذين قد نالوها وبلغوها هم يف اهلا مل يفرح ومل يسر ا إال مديدة يسرية بقدر ما يستقر غاية االغتباط واالستمتاع ا، حىت إذا بلغها ون

فيها ويتمكن منها ويعرف ا، ويكون هذه املديدة عند نفسه مسعودا مغتبطا ا، حىت إذا حصلت له ىل ما هو واستحكم كونه فيها وملكه هلا ومعرفة الناس له ا سمت نفسه إ- املتمناة كانت -هذه احلالة

فوقها وتعلقت أمنيته مبا هو أعلى منها، فاستقل واسترذل حالته اليت هو فيها اليت قد كانت من قبل غايته أما اخلوف فمن الرتول عن الدرجة اليت ناهلا وحصلها، وأما اهلم فباليت : وأمله، وصار بني هم وخوف

ا زاريا عليها، متعب الفكر واجلسد يف إعمال احليلة للتنقل فال يزال متقنطا هلا متنغصا. يقدر بلوغهاعنها والترقي منها إىل ما سواها، مث تكون حالته يف الثانية كذلك ويف الثالثة إن بلغها ويف كل ما نال

وإذا كان األمر كذلك فيحق على العاقل أن حيسد أحدا على فضل من دنيا ناله مما . ووصل إليه منهايستغىن عنه يف إقامة العيش، وأن ال يظن أن أصحاب الفضل فيها واإلكثار منها هلم من فضل الراحة

وذلك أن هؤالء لمطاولة هذه احلال ودوامها . واللذة حبسب ما عندهم من فضل عروض الدنيا

لة الشيء الطبيعي إىل أن ال يلتذوها، ألا تصري عندهم مبرت- بعد الراحة واللذة ودوامها -يصريون . االضطراري يف بقاء العيش، فيقرب من أجل ذلك التذاذهم ا من التذاذ كل ذي حالة حبالته املعتادة

وكذلك تكون قضيتهم يف قلة الراحة، وذلك أنه من أجل أم ال يزالون مجدين منكمشني يف الترقي كانت أقل من راحة من هو دوم، وال رمبا بل هي يف والعلو إىل ما فوقهم تقل راحتهم، حىت إا رمبا

فإذا الحظ العاقل هذه املعاين وتأملها آخذا فيها بعقله طارحا هلواه علم أن . أكثر األمور دائما أبدا كذلكالغاية اليت ميكن بلوغها من لذاذة العيش وراحته هي الكفاف، وأن ما فوقه من أحوال املعاش مقارب يف

فأي وجه للتحاسد إال اجلهل ا وأتباع اهلوى . لك بعضه لبعض، بل الكفاف دائما فضل الراحة عليهاذ بعد الراحة واللذة -وفيما ذكرنا من هذا الباب أيضا كفاية، فلنقل اآلن يف الغضربون . دون العقل فيها

بيعي االضطراري يف بقاء العيش، فيقرب إىل أن ال يلتذوها، ألا تصري عندهم مبرتلة الشيء الط-ودوامها وكذلك تكون قضيتهم يف قلة الراحة، . من أجل ذلك التذاذهم ا من التذاذ كل ذي حالة حبالته املعتادة

وذلك أنه من أجل أم ال يزالون مجدين منكمشني يف الترقي والعلو إىل ما فوقهم تقل راحتهم، حىت إا فإذا الحظ . ن راحة من هو دوم، وال رمبا بل هي يف أكثر األمور دائما أبدا كذلكرمبا كانت أقل م

Page 27: رسائل فلسفية الرازي

ابو بكر الرازي-رسائل فلسفية 27

العاقل هذه املعاين وتأملها آخذا فيها بعقله طارحا هلواه علم أن الغاية اليت ميكن بلوغها من لذاذة العيش بل الكفاف دائما وراحته هي الكفاف، وأن ما فوقه من أحوال املعاش مقارب يف ذلك بعضه لبعض،

وفيما ذكرنا من هذا . فأي وجه للتحاسد إال اجلهل ا وأتباع اهلوى دون العقل فيها. فضل الراحة عليها الباب أيضا كفاية، فلنقل اآلن يف الغضب

الفصل الثامن

في دفع الغضب

وهذا العارض إذا أفرط وجاوز حده حىت . إن الغضب جعل يف احليوان ليكون له به انتقام من املؤذي. يفقد معه العقل فرمبا كانت نكايته يف الغضب وإبالغه إليه املضرة أشد وأكثر منها يف املغضوب عليه

غضبه إىل أمور مكروهة يف عاجل األمر و ومن أجل ذلك ينبغي للعاقل أن يكثر تذكر أحوال من أدى به فإن كثريا ممن يغضب رمبا لكم ولطم ونطح، فجلب بذلك . آجله، ويأخذ نفسه بتصورها يف حال غضبه

ولقد رأيت من لكم رجال على فكه فكسر . من األمل على نفسه أكثر مما نال به من املغضوب عليهورأيت من استشاط وصاح فنفث الدم . لكوم كثري أذىأصابعه حىت مكث يعاجلها اشهرا، ومل ينل امل

وبلغنا أخبار أناس نالوا أهليهم وأوالدهم ومن يعز . مكانه، وأدى به ذلك إىل السل وصار سبب موتهوقد ذكر جالينوس أن . عليهم يف وقت غضبهم مبا طالت ندامتهم عليه، ورمبا مل يستدركوه آخر عمرهم

ولعمري إنه ليس بني من فقد الفكر . بفمها على القفل فتعضه إذا تعسر عليها فتحهوالدته كانت تثبفإن اإلنسان إذا أكثر تذكر أمثال هذه األحوال يف حال . والروية يف حال غضبه وبني انون كبري فرق

ألفعال وينبغي أن يعلم أن الذين كان منهم مثل هذه ا. سالمته كان أحرى أن يتصورها يف وقت غضبهالقبيحة يف وقت غضبهم إمنا أتوا من فقد عقوهلم يف ذلك الوقت، فيأخذ نفسه بأن ال يكون منه يف وقت غضبه فعل إال بعد الفكر والروية فيه، لئال ينكى نفسه من حيث يروم إنكاء غريه، وال يشارك البهائم يف

الكبر والبغض : يا من أربع خاللوينبغي أن يكون يف وقت املعاقبة بر. إطالق الفعل من غري رويةللمعاقب ومن ضدي هذين، فإن األولني يدعوان إىل أن يكون االنتقام والعقوبة جماوزين ملقدار اجلناية،

وإذا أخطر العاقل بباله هذه املعاين وأخذ هواه باتباعها كان غضبه . واآلخرين إىل أن يكونا مقصرين عنه .ن يعود عليه منه ضرر يف نفسه أو يف جسده يف عاجل أمره وأجلهوانتقامه مبقدار عدل، وأمن أ

الفصل التاسع

في اطراح الكذب

Page 28: رسائل فلسفية الرازي

ابو بكر الرازي-رسائل فلسفية 28

وذلك أن اإلنسان ملا كان حيب التكرب والترؤس . هذا أيضا أحد العوارض الرديئة اليت يدعو إليها اهلوى يف ذلك من الفضل له على من مجيع اجلهات وعلى كل األحوال حيب أن يكون هو أبدا املخرب املعلم، ملا

وقد قلنا إنه ينبغي للعاقل أن ال يطلق هواه فيما خياف أن جيلب عليه من بعد مها وأملا . املخرب املعلموندامة، وجند الكذب جيلب على صاحبه ذلك، ألن املدمن للكذب املكثر منه ال يكاد ختطئه الفضيحة

وإما لعلم بعض من حيدثه واطالعه من . ن حيدثان لهوال يسلم منها، إما ملناقضة تكون منه لسهو ونسيا ولو كذب -وليس يصيب الكذاب من االلتذاذ واالستمتاع بكذبه . حديثه ذلك على خالف ما ذكر

من هم اخلجل - ولو مرة واحدة يف عمره كله - ما يقرب فضال عما يوازي ما يدفع إليه -عمره كله واستصغارهم وتسفيههم وترذيلهم له وقلة ركوم إليه وثقتهم واالستحياء عند افتضاحه واحتقار الناس

فإن مثل هذا ال ينبغي أن يعد . به، إن كان ممن لنفسه عند نفسه مقدار ومل يكن يف غاية اخلسة والدناءةومن أجل أن أسباب الفضيحة يف هذا . يف الناس فضال عن أن يكون يقصد بكالم يطمع به يف صالحه

كثريا ما يغتر اجلاعل بذلك، إال أن العاقل ليس يورط نفسه فيما خياف أو ال يأمن معه املعىن رمبا تأخرت .الفضيحة، بل يستظهر ويأخذ باحلزم يف ذلك

إن اإلخبار مبا ال حقيقة له نوعان، فنوع منه يقصد به املخرب إىل أمر مجيل مستحسن يكون له : وأقولبا ألن يسوق ذلك اخلرب إليه على ما ساقه إليه وإن مل عند تكشف اخلرب عذرا واضحا نافعا للمخرب، موج

مثال ذلك أنه لو أن رجال علم من ملك ما أنه مزمع على قتل صاحب له يف يوم . يكن حقيقة كذلكغد، وأنه مىت انقضى يوم غد ظهر امللك على أمر ما يوجب أن يقتل صاحبه هذا، فجاء إىل صاحبه

ا وأنه حيتاج إىل معاونته عليه يف يوم غد، فأخذ به إىل مرتله فلم يزل وأخربه أنه استخفى يف مرتله كرتيومه ذلك يعلله بل يكده باحلفر والبحث عب ذلك الكرت، حىت إذا انقضى ذلك اليوم وظهر امللك على

ال أقول إن هذا الرجل وإن كان قد أخرب صاحبه أوال مبا. ما ظهر عليه أخربه حينئذ باألمر على حقيقتهحقيقة له فليس يف ذلك مبذموم وال عند تكشف اخلرب على خالف ما حكاه مبفتضح، إذ كان قد قصد به

فهذا وما أشبهه وحناه من اإلخبار مما ال حقيقة له ال يعقب صاحبه . إىل أمر مجيل جليل نافع للمخربلثاين العدمي هلذا الغرض ففي تكشفه وأما النوع ا. فضيحة وال مذمة وال ندامة بل شكرا وثناء مجيال

وأما الفضيحة فإذا مل يكن على املخرب من ذلك ضرر، كرجل حكى لصاحبه أنه عاين . الفضيحة واملذمةمبدينة كذا وكذا حيوانا أو جوهرا أو نباتا من حالته وقصته كذا وكذا، مما ال حقيقة له وال يقصد به

وأما املذمة فإذا جلب على املخرب مع ذلك ضررا، كرجل حكى . طالكاذبون إال إىل التعجب منه فقلصاحبه عن ملك بلدة ما شاسعة رغبة يف قربه وتوقانا إليه، وحقق يف نفسه أنه إن احتمل إليه وسار حنوه

Page 29: رسائل فلسفية الرازي

ابو بكر الرازي-رسائل فلسفية 29

نال منه مكان كذا ومرتبة كذا، وإمنا فعل ذلك لينال شيئا مما خيلفه، حىت إذا تعىن صاحبه وحتمل واجتهد على . فورد على ذلك امللك مل جيد لشيء من ذلك حقيقة، ووجده حنقا مغضبا عليه فأتى على نفسه

األوىل بأن يسمى كاذبا ويجنب وحيترس منه من كذب ال ألمر اضطر إليه وال مطلب عظيم ينال به، فإن عند األغراض العظيمة من استحسن الكذب وأقدم عليه ألغراض دنتة خسيسة كان أحرى وأوىل به

اجلليلة

الفصل العاشر

في البخل

إن هذا العارض ليس ميكننا أن نقول إنه من عوارض اهلوى بإطالق وذلك أنا جند قوما يدعوهم إىل التمسك والتحفظ مبا يف أيديهم فرط خوفهم من الفقر وبعد نظرهم يف العواقب وشدة أخذ منهم باحلزم

نكبات والنوائب، وجند آخرين يلذون اإلمساك لنفسه ال لشيء آخر، وجند من الصبيان يف االستعداد لل. الذين مل يستحكم فيهم الروية والفكر من يسخو مبا معه لقرنائه من الصبيان وجند منهم من يبخل به

ئل فمن أجل ذلك ينبغي أن يقصد إىل ومقاومة ما كان من هذا العارض عن اهلوى فقط، وهو الذي إذا سلكن يكون . صاحبه عن السبب والعلة يف إمساكه مل جيد يف ذلك حجة بينة مقبولة تنبئ عن عذر واضح

وقد سألت مرة رجال من املمسكني عن السبب الداعي له إىل ذلك، . جوابه ملزقا مرقعا ملجلجا مثبجامما اعتل به شيء يوجب مقدار ما وجعلت أبني له فسادها وأنه ليس . فأجابين بأجوبة من حنو ما ذكرت

وذلك أين مل أسمه أن جيود من ماله مبا يبني عليه فضال عما يجحف به أو حيطه . كان عليه من اإلمساكفأعلمته حينئذ أنه قد حاد عن . عن مرتبته يف غناه، فكان آخر جوابه أن قال هكذا أحب وكذا اشتهى

تل به ليس بقادح يف احلالة العاجلة اليت هو عليها وال يف احلزم حكم العقل إىل اهلوى، إذ كان ما يعفهذا املقدار من هذا العارض هو الذي ينبغي أن يصلح وال يقار اهلوى عليه، . والوثيقة والنظر يف العاقبة

فأما . عجزاوهو البخل مبا يؤثر يف احلالة احلاضرة احنطاطا وال فيما يرام بلوغه فيمال بعد باملال ضعفا وال من كان له عذر بين واضح من أحد هذين البابني أو من كليهما فليس ما عرض له اإلمساك عن اهلوى

وليس كل ممسك يسوغ له أن حيتج . بل عن العقل والروية، وال ينبغي أن يزال عنه بل يزيد ويثبت عليه من أن يبلغ بإمساكه رتبة أعلى وأجل وذلك أن من كان من الناس آيسا. بالباب الثاين من هذين البابني

Page 30: رسائل فلسفية الرازي

ابو بكر الرازي-رسائل فلسفية 30

من اليت هو فيها كمن كان يف أواخر عمره أو يف أقصى املراتب اليت ميكن أن يبلغها مثله فليس الحتجاجه بالباب الثاين من هذين البابني وجه بتة

الفصل الحادي عشر

من الفكر والهم في دفع الفضل الضار

يف -انا عرضني عقليني فإن فرطهما مع ما جيلب من األمل واألذى ليس هو إن هذين العرضني وإن ك بدون تقصريمها عما ذكرنا قبل حيث ذكرنا إفراط فعل النفس -إقعادنا عن مطالبنا وقطعنا دوا

ولذلك ينبغي أن يكون العقل يريح اجلسد منهما وأن ينيله من اللهو والسرور واللذة بقدر ما . الناطقةومن أجل اختالف . ه ما يصلحه وحيفظ عليه صحته لئال خيور وينهد وينهك ويقطع بنا دون قصدنايبلغ ل

طبائع الناس وعادام ختتلف مقادير احتمال الفكر واهلم فيهم، فبعض حيتمل الكثري منهما غري أن يضر االزدياد منه ما فينبغي أن يتفقد ذلك ويتدارك قبل أن يعظم وأن يتدرج إىل . ذلك به، وبعض ال حيتمل

وباجلملة فإنه ينبغي أن يكون نيلنا وإصابتنا من اللهو . أمكن، فإن العادة تعني على ذلك وتقوى عليهوالسرور واللذة ال أا هلا لنفسها، بل لكي نتجدد ونقوى به على العدو يف فكرنا ومهنا اللذين ما نبلغ

ه ليس إىل أن ينيلها لذاا بل إىل أن يقويها على بلوغ فإنه كما قصد الرجل السائر يف إعالف دابت.مطالبنافإنه إذا فعلنا ذلك وقدرناه . مكانه ومستقره، فكذلك ينبغي أن يكون حالنا يف االشتغال مبصاحل أجسادنا

هذا التقدير بلغنا مطالبنا يف أسرع األوقات اليت ميكن يف مثلها بلوغها، ومل نكن كالذي أهلك راحلته قبل ضه اليت يؤمها باحلمل عليها واخلرق ا، وال كالذي شغل بإمساا وإخصاا حىت فاته الوقت بلوغه أر

لو أن : وسنأيت يف ذلك مبثل آخر، أقول. الذي كان ينبغي أن يكون قد وصل فيه إىل موضعه ومستقرهلغ سقراطيس رجال أحب علم الفلسفة وآثرها حىت جعلها مهه وشغل ا فكره، مث رام أن يبلغ منها ما ب

وأرسطوطاليس وثوفرسطس وأوذميس وخروسبس وثامسطيس واسكندروس يف مدة سنة مثال، فأدام ، أقول إن هذا الرجل يقع إىل - ومما يتبع ذلك ضرورة دوام السهر -الفكر والنظر وأقل الغذاء والراحة

. ارب هؤالء الذين ذكرناهمالوسواس وامللنخوليا وإىل الدق والذبول قبل مضي متام هذه املدة وقبل أن يق

وأقول لو أن رجال آخر أحب أيضا استكمال علم الفلسفة على أنه إمنا ينظر فيها يف الوقت بعد الوقت إذا فرغ من أشغاله ومل من لذاته وشهواته، فإذا عرض له أدىن شغل أو حتركت فيه أدىن شهوة ترك النظر

يستكمل علم الفلسفة يف عمره وال يقارب ذلك وال وعاد فيما كان فيه أوال، أقول إن هذا الرجل ال

Page 31: رسائل فلسفية الرازي

ابو بكر الرازي-رسائل فلسفية 31

ومن أجل . فقد عدم هذان الرجالن مطلوما أحدمها من جهة اإلفراط واآلخر من جهة التقصري. يدانيهذلك ينبغي أن نعتدل يف فكرنا ومهومنا اليت نروم ا بلوغ مطالبنا لنبلغها وال نعدمها من قبل تقصري أو

.إفراط

شر الفصل الثاني ع

في دفع الغم

وحنتاج يف بيان أن الغم عرض عقلي أو . إن اهلوى إذا تصور بالعقل فقد املوافق احملبوب عرض فيه الغموقد ضمنا يف أول هذا الكتاب أن ال نتعلق فيه من الكالم إال مبا ال . هوائي إىل كالم فيه فضل طول ودقة

اوز الكالم يف هذا املعىن ونصري إىل ما هو املقصود بد منه يف غرضه الذي أجريناه إليه، ومن قبل ذلك نتجعلى أنه قد ميكن من كان به أدىن مسكة من علم الفلسفة أن يستنبط ويستخرج . املطلوب بكتابنا هذا

هذا املعىن من الرسم الذي رمسنا به الغم يف أول هذا الكالم، إال أنا حنن ندع ذلك ونتجاوزه إىل ما هو إنه ملا كان الغم يكدر الفكر والعقل ويؤذي النفس واجلسد حق لنا أن : فأقولاملطلوب ذا الكتاب

وذلك يكون من وجهني، أحدمها باالحتراس . حنتال لصرفه ودفعه أو التقليل منه والتضعيف له ما أمكنمنه قبل حدوثه لئال حيدث أو يكون ما حيدث أقل ما ميكن، واآلخر دفع ما قد حدث ونفيه إما كله وإما

كثر ما ميكن منه والتقدم بالتحفظ لئال حيدث أو ليقل أو يضعف ما حيدث منه، وذلك يكون بتأمل هذه أإنه ملا كانت املادة اليت منها تتولد املغموم إمنا هي فقد احملبوبات، ومل ميكن : املعاين اليت أنا ذاكرها أقول

اد عليها، وجب أن يكون أكثر الناس أن ال تفقد هذه احملبوبات لتداول الناس هلا وكرور الكون والفسوأشدهم غما من كانت حمبوباته أكثر عددا وكان هلا أشد حبا، وأقل الناس غما من كانت حاله بالضد

فقد ينبغي إذا للعاقل أن يقطع مواد الغموم عمه باالستقالل من األشياء اليت جيلب فقدها غما، . من ذلك من احلالوة، بل يتذكر ويتصور املرارة ارعة عند -جودة ما دامت مو-وال يغتر وينخدع مبا نعها

فقدها

فإن قال قائل إن من توقى اختاذ احملبوبات واقتناءها خوفا من الغم عند فقدها فقد استعجل غما، قيل له .إنه وإن كان هذا املتوقى احملترس قد استعجل غما فليس ما استعجله مبساو ملا خاف الوقوع فيه منه

وذلك أنه ليس اغتنام من ولد له كاغتنام من أصيب بولده هذا إن كان الرجل ممن يغتنم بأن ال يكون له ولد فضال عن غريه ممن ال يبايل وال يعبأ بذلك وال يغتم له بتة وال غم من ال معشوق له كغم من فقد

فقال إين من السعي يف إصالح . وقد حكي عن بعض الفالسفة أنه قيل له لو اختذت ولدا. معشوقه

Page 32: رسائل فلسفية الرازي

ابو بكر الرازي-رسائل فلسفية 32

جسدي هذا ونفسي هذه يف مؤن وغموم ال قوام يل ا، فكيف أضم وأقرن إليها مثلها ؟ ومسعت مرأة عاقلة تقول إا عاينت يوما مرأة شديدة التحرق على ولد هلا أصيبت به وأا توقت الدنو من زوجها

ومن أجل أن وجود احملبوب موافق مالئم للطبيعة وفقده . الئهاخوفا من أن ترزق ولدا تبلى فيه مبثل بولذلك صار اإلنسان يكون . خمالف منافر هلا صارت حتس من أمل فقد احملبوب ما ال حتس من لذة وجوده

. صحيحا مدة طويلة فال حيس لصحته بلذة، فإن اعتل بعض أعضائه أحس على املكان فيه بأمل شديد

يف سقوط لذة وجودها - إذا وجدها أو طالت صحبتها له -لها عند اإلنسان وكذلك تصري احملبوبات كعنه ما دامت موجودة له وحصول شدة أمل فقدها عليه إذا فقدها ومن أجل هذا لو أن رجال استمتع

دهرا طويال بأهل وولد مث بلى بفقدمها ألحس من التأمل يف يوم واحد وساعة واحدة ما يفضل ويأيت على وذلك أن الطبيعة حتسب وتعد ذلك االستمتاع الطويل كله حقا واجبا هلا، بل تعده . ه كان مالذة إمتاع

وذلك أا ال ختلو يف تلك اخلالة أيضا من استقالل ما هي فيه الزيادة منه دائما بال اية حبا . دون حقها واالستمتاع باحملبوبات يف حال أعين أن يكون التلذذ-وإذا كان األمر على هذا . منها للذة واشتياقا إليها

-وجودها معوزا منطمسا مستقال مغفال، واحلزن والتحرق والتلظي عند فقدها متبينا مستكثرا مؤملا متلفا

. فما الرأي إال طرحها بتت أو االستقالل منها لتعدم أو تقل عواقبها الرديئة اجلالبة للغموم املؤذية املضنية

ويتلوه يف ذلك أن يتمثل الرجل ويتصور فقد . باب وأمحسها ملواد الغمومفهذه أعلى املراتب يف هذا الحمبوباته ويقيمها يف نفسه وومهه ويعلم أا ليس مما ميكن أن تبقى وتدوم حباهلا، وال خيلو من تذكر ذلك

فإن ذلك مترين وتدريج . منها وإخطار ذلك بباله فيها وتصحيح العزم وشدة اجللد مىت حدث ذلك ااضة وتقوية للنفس على قلة اجلزع عند حدوث املصائب لقلة ما كان من اعتياده وثقته وركونه إىل وري

ويف . بقاء حمبوباته يف حال وجودها ولكثرة ما مثل للنفس وعودها وآنسها بتصور املصائب قبل حدوثها مثل هذا املعىن يقول الشاعر

زالنقبل أن ت مصائبه ذو الحزم في نفسه يصور

الثكان في نفسه م لما هنزلت بغتة لم ترع فإن

ره أوالآخ يرفص رأى األمر يفضي إلى آخر

فإن كان هذا اإلنسان يف غاية الفشالة ومفرط امليل مع اهلوى واللذة وال يثق من نفسه باستعمال شئ من هذين البابني فليس إال أن حيتال أن ينفرد من حمبوباته بواحدة يرتهلا مرتلة ما ال بد منه وما ليس غريه، بل

عن مفقود إن فقد منها، فإنه ذا الوجه ميكن - أو يقارب أن ينوب -يقرن إليها ويتخذ منها ما ينوب فأما ما . به من كون الغم ووقوعهفهذه مجلة حيترس . أن ال يفرط حزنه واغتمامه بأي واحد فقد منها

Page 33: رسائل فلسفية الرازي

ابو بكر الرازي-رسائل فلسفية 33

يدفع به أو يقلل منه إذا كان ووقع فإنا قائلون فيه منذ اآلن

إن العاقل إذا تفقد ونظر فيما يعتوره الكون والفساد من هذا العامل ورأى أن عنصرها عنصر : فنقولا زائل داثر مستحيل فاسد مستحيل منحل سيال ال ثبات لشيء منه وال دوام له بالشخصية، بل كله

دعلب منه وفجع به منها، بل جيب عليه أن يستظعم ويستفظع ما سستكثر ويمضمحل، فال ينبغي أن يمدة بقائها له فضال، وما استمتع به من ذلك رحبا، إذ كان فناؤها وزواهلا كائنا ال حمالة، وال يعظم ويكرب

فإنه مىت أحب دوام بقائها فقد رام ما ال ميكن . يئا ال بد أن يعرض فيهاذلك عليه وقت كونه إذ كان شوجوده هلا، ومن أحب ما ال ميكن وجوده كان جالبا بذلك الغم إىل نفسه ومائال عن عقله إىل هواه

ليها، لكن وأيضا فإن فقد األشياء اليت ليست بأضطرازية يف بقاء احلياة ليس يدوم له الغم ا واحلزن عيسرع منها البديل وعنها النائب ويعقب ذلك السلوة عنها والنسيان هلا، فترجع العيشة وتعود احلالة إىل ما كانت عليه قبل املصيبة فكم رأينا ممن أصيب بعظيم املصائب وفادحها راجعا إىل ما مل يزل عليه قبل

لعاقل أن يذكر النفس يف حال املصيبة مبا تؤول وترجع فلذلك ينبغي ل. مصابه ملتذا بعيشه مغتبطا حبالهإليه من هذه احلالة ويعرضه عليها ويشوقها إليه وجيتلب ما يشغل ويلهي أكثر ما ميكن لسرع اخلروج

ى منها أحدرعه كثرة املشاركني له يف املصائب وأنه ال يكاد يمنها إىل هذه احلالة وأيضا فإن تذكرر حاالم بعد وأبواب سلوم وحاالته وسلوا ته نفسه عن مصائب إن كانت تقدمت له مما خيفف وتذك

وأيضا فإنه إن كان أكثر الناس وأشدهم غما من كانت حمبوباته أكثر عددا . ويسكن من عادية الغمى مقداره، بل يريح نفسه من هم وكان هلا أشد حبا فإنه ليس من واحد يفقد منها إال وفقد من الغم عل

دائم وخوف عليه منتظر، وحيدث له وجرة وجلد على ما حيدث منها بعد، فقد جر فقدها نفعا وإن كان : اهلوى لذلك كارها، فاكتسب راحة وإن كان متذوقها مرا ويف مثل هذه املعاين يقول الشاعر

عله طال التحزن والهل وكهفا يدااك سلئن كنا فقدن لعمري

أمنا على كل الرزايا من الجزع انك أنا لجر نفعا فقدن لقد

فأما ما يعتصم به املؤثر التباع ما يدعوه إليه عقله وجتنب ما يدعوه إليه هواه، التام امللكة والضابط لنفسه من الغم فواحدة، وهي أن العاقل الكامل ال خيتار املقام على حالة تضره، ومن أجل ذلك يبادر إىل النظر

وإزالته جعل بدل االغتنام فكرا يف احليلة لدفع ذلك فإن كان مما ميكن دفعه . يف سبب الغم الوارد عليهالسبب وإزالته، وإن كان ذلك فيه أخذ على املكان يف التلهي عنه والتناسي له وعمل يف حموه عن فكره

وذلك أن الذي يدعوه إىل املقام على االغتنام يف هذه احلالة اهلوى ال العقل، إذ العقل . وإخراجه عن نفسهال إىل ما جلب نفعا عاجال وآجال، وكان االغتنام مما ال درك فيه بتة وال عائدة منه بل فيه ضرر ال يدعو إ

Page 34: رسائل فلسفية الرازي

ابو بكر الرازي-رسائل فلسفية 34

وهو أعين الرجل العاقل الكامل ال يتبع إال ما دعاه . عاجل يؤدي إىل ضرر آجل فضال عن أن يكون نافعا وعذر واضح، وال يتبع اهلوى وال ينقاد له وال إليه العقل وال يقيم إال على ما أطلق له املقام عليه لسبب

يقاربه على خالف ذلك

الفصل الثالث عشر

في الشره

إن الشره والنهم من العوارض الرديئة العائدة من بعد باألمل واملضرة وذلك أنه ليس إمنا جيلب على لك يف سوء اهلضم، ومن سوء اهلضم اإلنسان استنقاص الناس له واسترذاهلم إياه فقط، ولكن يطرحه مع ذ

ويتولد عن قوة النفس الشهوانية، وإذا انضم إليها وساعدها عمى . إىل ضروب من األمراض الرديئة جداوهو أيضا ضرب من أتباع اهلوى يدعو . النفس الناطقة الذي هو قلة احلياء كان مع ذلك ظاهرا مكشوفا

ولقد بلغين أن رجال من أهل الشره أقبل يوما على ضروب . ملتطمإليه وحيمل عليه تصور استلذاذ طعم امن الطعام بنهم وشره شديد، حىت إذا تضلع ومتأل منها مل ميكنه معه تناول شيء بتة، فأخذ يبكي فسؤل

وقد كان رجل مبدينة . عن سبب بكائه، فقال إن ذلك ألنه زعم ال يقدر على أكل شيء مما هو بني يديهيأكل معي من رطب كثري كان بني أيدينا، فأمسكت بعد تناويل منه مقدارا معتدال، وأمعن هو السالم

فسألته بعد امتالئه منه وإمساكه عنه وذلك أني رأيته حمدقا حنو ما رفع . حىت قارب أن يأيت على مجيعه أكون حباليت األوىل من بني أيدينا منه هل انتهت نفسه وسكنت شهوته ؟ فقال ما كنت أحب إال أن

فقلت له فإذا كان أمل حس االشتهاء ومضضه مل يسقط عنك وال . ويكون هذا الطبق إمنا قدم إلينا اآلنيف هذه احلال فما كان الصواب إال اإلمساك قبل التملي لتريح النفس مما أنت فيه اآلن من الثقل والتمدد

ن سوء اهلضم الذي جيلب عليك من األمراض ما يكون تألمك به بالتملي، وما ال تأمن أن تصري إليه مولعمري . فرأيته قد فهم معىن هذا الكالم وبجع فيه وبلغ إليه. أكثر من التذاذك مبا تناولته أضعافا كثرية

األصول إن هذا الكالم وحنوه يقنع من مل يكن مرتاضا برياضات الفلسفة أكثر مما تقنع احلجج املبينة على وذلك أن املعتقد أن النفس الشهوانية إمنا قرنت إىل الناطقة لتنال هذا اجلسد الذي هو للنفس . الفلسفية

الناطقة مبرتلة أداة أو آلة ما يبقى به مدة اكتساب النفس الناطقة املعرفة ذا العامل، يقمع النفس الشهوانية ان يرى أن الغرض والقصد باألغتذاء يف اخللقة ليس ومينعها من اإلصابة من الغذاء فوق الكفاف، إذ ك

وذلك كما حكي عن بعض الفالسفة أنه كان يأكل مع . لألتذاذ بل للبقاء الذي ال ميكن أن يكون إال به

Page 35: رسائل فلسفية الرازي

ابو بكر الرازي-رسائل فلسفية 35

بعض األحداث ممن ال رياضة له، فاستقل ذلك احلدث أكل الفيلسوف ويتعجب منه وقال له يف بعض فقال له الفيلسوف أجل يا بين، أنا آكل . مثل زردك مل أبال أن ال أعيشكالمه لو كان زردي من الغذاءوأما من ال يرى أن عليه من التملي واالستكثار من الغذاء بأسا يف . ألبقى وأنت تريد أن تبقى لتأكل

املعقب هلا كما مذهبه ورأيه فإمنا ينبغي أن يدفع عن ذلك بالكالم يف املوازنة للذة املصابة من ذلك باألمل إنه إذا كان انقطاع الطعم املستلذ عن املتطعم مما ال بد منه فقد ينبغي للعاقل : ونقول أيضا. ذكرنا قبيل

أما . وذلك أنه إن مل يفعل ذلك خسر ومل يربح. أن يقدم ذلك قبل احلال اليت ال يأمن معها عاقبة رديئةوأما أنه مل يربح فألن مضض انقطاع لذة املتطعم عنه قائم على خسرانه فتعريض النفس لألمل والسقم،

وأيضا فإن للشره والنهم . حال، فمىت احنرف عن هذا أو مال إىل ضده فليعلم أنه قد ترك عقله هلواهومىت ردع وقمع . ضراوة واستكالبا شديدا، ومىت أمهل وأمرج قوي ذلك منه وعسر نزوع النفس عنه

ةوفقد البتل وضعف على األيام حىت يبن ودقافل الشاعر . ه

ة وغنىوع فأعلم عصمك جوعا عادة الش وعادة الجوقد تزيدعب

الفصل الرابع عشر

في السكر

. إن إدمان السكر ومواترته أحد العوارض الرديئة املؤدية بصاحبها إىل املهالك والباليا واألسقام اجلمة

وذلك أن املفرط يف السكر مشرف يف وقته على السكتة واالختناق وعلى امتالء بطن القلب اجلالب قوط يف األغوار واآلبار، ومن بعد للموت فجأة وعلى انفجار الشرايني اليت يف الدماغ وعلى التردي والس

فعلى احلميات احلارة واألورام الدموية والصفراوية يف األحشاء واألعضاء الرئيسية وعلى الرعشة والفاجل هذا إىل سائر مال جيلب على صاحبه من فقد العقل وهتك الستر . ال سيما إن كان ضعيف العصب

الب الدينية الدنيائية، حىت إنه ال يكاد يتعلق منها مبأمول وال وإظهار السر والقعود به عن إدراك جل املط : ويف مثاله يقول الشاعر. يبلغ منها حظوة، بل ال يزال منها منحطا متسفال

كانت الخيرات منك على شبر ولو اتدرك الخيرات أو تستطيعه متى

كرانا وأصبحت ممع الظهر القثإذا بت س خمارا وعاودت الشراب

أعين -وباجلملة فإن الشراب من أعظم مواد اهلوى وأعظم آفات العقل، وذلك أنه يقوي النفسني ويشحذ قوامها حىت يطالباه باملبادرة إىل ما يحبانه مطالبة قوية حثيثة، ويوهن النفس -الشهوانية والغضبية

Page 36: رسائل فلسفية الرازي

ابو بكر الرازي-رسائل فلسفية 36

ع العزمية وتطلق األفعال قبل إحكام الناطقة ويبلد قواها حىت ال تكاد تستقصي الفكر والروية بل تسرالصرمية، ويسهل ويسلس انقيادها للنفس الشهوانية حىت ال تكاد تمانعها وال تتأىب عليها، وهذه مفارقة

ومن أجل ذلك ينبغي للعاقل أن يتوقاه وحيله هذا احملل ويرتله هذه املرتلة . النطق والدخول يف البهيميةفإن نال منه شيئا ما ففي حال كظ الفكر واهلم له . فضل عقده وأنفسهاوحيذره حذر من يروم سلب أ

وغموظهما إياه، وعلى أن ال يكون قصده وغرضه فيه إيثار اللذة واتباعها يف مطلوباا، بل دفع الفضل وينبغي أن يتذكر يف هذا املوضع . منهما والسرف فيهما الذي ال يؤمن معه سوء احلال وفساد املزاج

ثاله ما بيناه يف باب قمع اهلوى، ويتصور تلك اجلمل واجلوامع واألصول لئال حيتاج إىل إعادة ذكرها وأموتكريرها، وال سيما قولنا إن اإلدمان واملثابرة على اللذات يسقط االلتذاذ ا وجيعلها مبرتلة الشيء

. السكر أوكد منه يف سائر اللذاتاالضطراري يف بقاء احلياة، فإن هذا املعىن يكاد أن يكون يف لذة

وذلك أن السكري يصري حبالة ال يرى العيش إال مع السكر، وتكون حالة صحوة عنده كحالة من قد لزمته وأيضا فإن ضراوة السكر ليست بدون ضراوة الشره بل أكثر منه كثريا، وحبسب ذلك . مهوم اضطرارية

وقد يحتاج إىل الشراب ضرورة يف دفع اهلم ويف . الزم واملنع منهينبغي أن تكون سرعة تالحقه وشدة املواضع اليت يحتاج فيها إىل فضل من االنبساط ومن اجلرأة واإلقدام والتهور، وينبغي أن يحذر وال يقرب

البتة يف املواضع اليت يحتاج فيها إىل فضل فكر وتبني وتثبت

الفصل الخامس عشر

في الجماع

هذا أيضا أحد العوارض الرديئة اليت يدعو إليها وحيمل عليها اهلوى وإيثار اللذة اجلالبة على صاحبها إنوذلك أنه يضعف البصر ويهد البدن ويخلقه ويسرع بالشيخوخة واهلرم . ضروب الباليا واألسقام الرديئة

ر كثرية يطول ذكرها وله ضراوة والذبول ويضر بالدماغ والعصب ويسقط القوة ويوهنها، إىل أمراض أخومع ذلك . شديدة كضراوة سائر املالذ بل أقوى وأشد منها حبسب ما تذكر النفس من فضل لذته عليها

فإن اإلكثار من الباه يوسع أوعية املني وجيلب إليها دما كثريا يكثر من أجل ذلك تولد املين فيها، فتزداد وبالضد من ذلك فإن اإلقالل منه واإلمساك عنه حيفظ على اجلسد . الشهوة له والشوق إليه وتتضاعف

الرطوبة األصلية اخلاصية جبوهر األعضاء، فتطول مدة النشوء والنماء وتبطئ الشيخوخة واجلفاف والقحل واهلرم وتضيق أوعية املين وال تستجلب املواد، فيقل تولد املين فيها ويضعف االنتشار ويتقلص الذكر

Page 37: رسائل فلسفية الرازي

ابو بكر الرازي-رسائل فلسفية 37

ط الشهوة وتعدم شدة حثها ومطالبتها به ولذلك ينبغي للعاقل أن يزم نفسه عنه ومينعها منه وتسق. وجياهدها على ذلك لئال تغرى به وتضرى عليه، فتصري إىل حالة تعسر وال ميكن صدها عنه ومنعها منه

باب الشره من ثبوت ويتذكر ويخطر بباله مجيع ما ذكرناه من زم اهلوى ومنعه، وال سيما ما ذكرناه يف وذلك أن . مضض الشهوة ورمضها وحثها ومطالبتها مع النيل من املشتهي والبلوغ منه غاية ما يف الوسع

هذا املعىن يف اللذة املصابة باجلماع أوكد وأظهر منه يف سائر اللذات لما يتصور من فضل لذته على ال يسقط عنها -يت يسميها الفلسفة الغري مقموعة السيما املهملة املمرجة الغري مؤدبة ال-سائرها فالنفس

وألن ذلك ليس ميكن أن . اإلدمان للباه شهوا وال االستكثار من السر أري الشوق والرتوع إىل غريهنيتم بال اية فال بد أن يصلى حبر فقد االلتذاذ باملشتهى ورمضائه، ويقاسي ويكابد أمل عدمه مع ثبوت

عليه، إما لعوز من املال واملمكنة وإما لضعف وعجز يف الطبع والبنية، إذ كان ليس الداعي إليه والباعثميكن فيها أن ينال من املشتهي املقدار الذي تطالب به الشهوة وتدعو إليه، كحالة الرجلني املذكورين يف

بد منه ومن وقوعه وإذا كان األمر على هذا فليس الصواب إال تقدمي هذا األمر الذي ال. باب الشره قبل اإلفراط فيه واالستكثار - أعين فقد االلتذاذ باملشتهي مع قيام الباعث عليه الداعي إليه -ومقاساته

وأيضا فإن هذه اللذة من أوىل . منه، ليأمن عواقبه الرديئة ويزيح ضراوته واستكالبه وشدة حثه ومطالبتهطرارية يف بقاء العيش كالطعام والشراب، وليس يف وذلك أا ليست اض. اللذات وأحقها باالطراح

فليس . تركها أمل ظاهر حمسوس كأمل اجلوع والعطش، ويف اإلفراط فيها واإلكثار منها هدم البدن وهدهاالنقياد للداعي إليها واملرور معه سوى غلبة اهلوى وطموسه العقل الذي حيق على العاقل أن يأنف منه

فيه الفحولة من التيوس ومن الثريان وسائر البهائم اليت ليس معها روية وال نظر ويرفع نفسه عنه ول يشبه وأيضا فإن استقباح جل الناس ومجهورهم هلذا الشيء واستسماجهم له وإخفاءهم إياه وسترهم . يف عاقبة

ستسماجه وذلك أن اجتماع الناس على ا. ملا يؤتى منه يوجب أن يكون أمرا مكروها عند النفس الناطقةال خيلو أن يكون إما بنفس الغريزة والبديهة وإما بالتعليم والتأديب، وعلى أي الوجهني كان فقد وجب

وذلك قد قيل يف القوانني الربهانية إن اآلراء اليت ينبغي أن يشك يف . أن يكون سمجا رديئا يف نفسهليس ينبغي لنا أن ننهمك يف إتيان الشيء و. صحتها هي ما اجتمع عليه كل الناس أو أكثرهم أو أحكمهم

السمج القبيح بل الواجب علينا أن ندعه البتة، فإن كان ال بد منه فيكون الذي نأيت منه أقل ما ميكن مع وصاحب هذه احلال . االستيحاء واللوم ألنفسنا عليه، وإال كنا مائلني عن العقل إىل اهلوى وتاركيه له

لهوى من البهائم إليثاره ما دعا إليه اهلوى وانقياده له يف ذلك مع إشراف أخس عند العقالء وأطوع لالعقل به على ما يف ذلك عليه وزجره له، والبهيمة إمنا تنقاد لما يف الطباع من غري زاجر وال مشرف ا

على ما عليها فيه

Page 38: رسائل فلسفية الرازي

ابو بكر الرازي-رسائل فلسفية 38

الفصل السادس عشر

في الولع والعبث والمذهب

واإلضراب عنهما إال إىل صحة العزم على تركمهما - أعين العبث والولع -هذين ليس يحتاج يف ترك واالستيحاء واألنف منهما، مث أخذ النفس بتذكر ذلك يف أوقات العبث والولع، حىت يكون ذلك العبث

بث وقد حكى عن بعض العقالء من امللوك أنه كان يولع ويع. والولع نفسه عنجه مبرتلة الرتيمة املذكرة فطال ذلك منه وكثر قول من يقرب إليه له فيه، فكأن السهو والغفلة - أحسبه حليته -بشيء من جسده حىت قال بعض وزرائه ذات يوم يا أيها امللك جرد هلذا األمر عزمة من عزمات أويل . يأبيان إال ردة إليه

فهذا الرجل أثارت نفسه . البتةفأمحر امللك واستشاط غضبا، مث مل ير عائدا إىل شئ من ذلك.العقلالناطقة نفسه الغضبية باحلمية واألنف وصح العزم وتأكد يف النفس الناطقة حىت أثر فيها أثرا قويا صار

ولعمري إن النفس الغضبية إمنا جعلت لتستعني ا الناطقة على . مذكرا به ومنبها له عليه مىت غفل عنهوإنه حيق على العاقل أن يغضب ويدخله .ة ااذبة عسرة االنقيادالشهوانية مىت كانت شديدة الرتاع قوي

األنف واحلمية مىت رأى الشهوة تروم قهره وغلبته على رأيه وعقله، حىت يذهلا ويقمعها ويقفها على الكرة أن يكون من يقدر على - بل مما ال ميكن بتة -وإنه من العجب . والصغار عند حكم العقل وجيربها عليه

فسه عن الشهوات مع ما هلا من الدواعي والبواعث القوية يعسر عليه منعها من الولع والعبث وليس وم نوأكثر ما حيتاج إليه يف هذا األمر التذكر والتيقظ ألنه إمنا يكون يف أكثر . فيهما كبري شهوة وال لذة

ه أنه عرض هوائي ال عقلي، األحوال مع السهو والغفلة فأما املذهب فإنه مما حيتاج فيه إىل كالم يبني بإن النظافة والطهارة إمنا ينبغي أن تعترب باحلواس ال بالقياس : أقول. وسنقول يف ذلك قوال وجيزا خمتصرا

فما فات احلواس أن تدرك منه . وجيري األمر فيهما حبسب ما يبلغه اإلحساس ال حبسب ما يبلغه الوهم أعين -ومن أجل أنا نقصد هذين ونريدمها . قذرا مسيناه نظيفاجناسة مسيناه طاهرا، وما فاا أن تدرك منه

إما للدين وإما للتقذر، وليس يضرنا وال يف واحد من هذين املعنيني ما فاته احلواس -الطهارة والنظافة وذلك أن الدين قد أطلق الصالة يف الثوب الواحد الذي قد ماسته -قلة من الشيء النجس والشيء القذر

والتطهر باملاء اجلاري ولو علمنا أنه مما يبال فيه، وبالراكد يف . ان الواقعة على الدم والعذرةأرجل الذب وذلك أن ما فات - وليس يضرنا ذلك يف التقذر -الربكة العظيمة ولو علمنا أن فيه قطرة من دم أو مخر

منه فليس لتقذرنا معىن البتة حواسنا مل نشعر به، وما مل نشعر به مل خيش أنفسنا منه، وما مل ختش أنفسنا فليس يضرنا إذا الشيء النجس والقذر إذا كان مستغرقا فائتا لقلته، وال ينبغي أن نفكر فيه وال خيطر -

Page 39: رسائل فلسفية الرازي

ابو بكر الرازي-رسائل فلسفية 39

وإن حنن ذهبنا نطلب الطهارة والنظافة على التحقيق والتدقيق وجعلناه ومهيا ال . وجوده لنا على بالوذلك أن األمواه اليت نستعملها . شئ نظيف على هذا احلكمحسيا مل جند سبيال أبدا إىل شئ طاهر وال

ليس مبأمون عليها تقذير الناس هلا أو وقوع جيف السباع واهلوام والوحش وسائر احليوان وأزباهلا فإن حنن استكثرنا من إفاضته وصبه علينا مل نأمن أن يكون اجلزء األخري هو األقذر . وأذواقها فيها

اهللا على العباد التطهر على هذه السبيل إذ كان ذلك مما ليس يف وسعهم ولذلك ما وضع. واألجنس - يغتذي به وينقلب إليه -وهذا مما يبغض على املتقذر بالوهم عيشه إذ كان ال يصيب شيئا . وقدرم

وإن كانت هذه األمور كما وصفنا مل يبق لصحب املذهب شئ حيتج . يأمن أن يكون فيه قذر مستغرقح بالعاقل أن يقيم على ما ال عذر له فيه وال حجة له فيه وال حجة له عنده ألن ذلك مفارقة وما أقب. به

.للعقل ومتابعة اهلوى اخلالص احملض

الفصل السابع عشر

في االكتساب واالقتناء واإلنفاق

وارتفاق إن العقل الذي خصصنا به وفضلنا على سائر احليوان غري الناطق به أدى بنا إىل حسن املعاش فإنا قل ما نرى البهائم يرتفق يعضها ببعض ونرى أكثر حسن عيشنا من التعاون واإلرتفاق . بعضنا ببعض

وذلك أن البهائم ملا مل يكن . لبعضنا من بعض، فلوال ذلك مل يكن لنا فضل يف حسن العيش على البهائمالكثري على الواحد منها كما نرى هلا كمال التعاون والتعاضد العقلي على ما يصلح عيشنا مل يعد سعى

فإن الرجل الواحد منا طاعم كاس مستكن آمن، وإمنا يزاول من هذه األمور واحدا . ذلك يف اإلنسانفقط ألنه إن كان حراثا مل ميكنه أن يكون بناء، وإن كان بناء مل ميكنه أن يكون حواكا، وإن كان

تومهت إنسانا واحدا مفردا يف فالة لعلك مل تكن وباجلملة إنك لو. حواكا مل ميكنه أن يكون حمارباتتومهه عائشا، ولو تومهته عائشا مل تكن تتوهم عيشه عيشا حسنا هنيئا، كعيش من قد وفر عليه كل

بل عيشا وحشيا يميا مسجا، ملا فقد من التعاون والتعاضد . حوائجه وكفى ما حيتاج أن يسعى فيهوذلك أنه ملا اجتمع ناس كثري متعاونون متعاضدون اقتسموا . هاملؤدي إىل حسن العيش وطيبه وراحت

وجوه املساعي العائدة على مجيعهم، فسعى كل واحد منهم يف واحد منها حىت حصلها وأكملها، فصار فطاب للكل بذلك املعيشة ومت على الكل . لذلك كل واحد منهم خادما وخمدوما وساعيا لغريه ومسعيا له

يف ذلك بينهم بون بعيد وتفاضل كثري، غري أنه ليس من أحد إال خمدوم مسعى له بذلك النعمة وإن كان

Page 40: رسائل فلسفية الرازي

ابو بكر الرازي-رسائل فلسفية 40

مكفى كل حوائجه وإذ قد قدمنا ما رأينا تقدميه يف هذا الباب واجبا فإنا راجعون إىل غرضنا املقصود حد إنه ملا كانت عيشة الناس إمنا تتم وتصلح بالتعاون والتعاضد كان واجبا على كل وا: فنقول. هاهنا

منهم أن يتعلق بباب من أبواب هذه املعاونة ويسعى يف الذي أمكنه وقدر عليه منها ويتوقى يف ذلك طرىف الذلة واخلساسة والدناءة واملهانة إذ كان يؤدي - وهو التقصري -فإن مع أحدمها . اإلفراط والتقصري

احة معه والعبودية اليت ال انقضاء باإلنسان إىل أن يصري عياال وكال على غريه ومع اآلخر الكد الذي ال روذلك أن الرجل مىت رام من صاحبه أن ينيله شيئا مما يف يديه من غري بدل وال تعويض فقد أهان . هلا

وأما من مل جيعل لالكتساب حدا يقف عنده .نفسه وأحلها حمل من أقعدته الزمانة والنقص عن االكتسابتهم له أضعافا كثرية، وال يزال من ذلك يف رق وعبودية ويقتصر عليه فإن خدمته للناس تفضل على خدم

وذلك أن من سعى وتعب عمره كله باكتساب ما يفضل من املال عن نفقته ومقدار حاجته ومجعه . دائمةوذلك أن الناس جعلوا املال عالمة وطابعا يعلم به . وكرته فقد خسر وخدع واستعبد من حيث ال يعلم

فإذا اختص أحدهم جبمع . احد منهم بسعيه وكده العائد على اجلميعبعضهم من بعض ما استحق كل والطوابع بكده وجهده ومل يصرفها يف الوجوه اليت تعود بالراحة عليه من سعى الناس له وكفايتهم إياه

وذلك أنه أعطى كدا وجهدا ومل يستعض منه كفاية وراحة، وال استبدل . كان قد خسر وخدع واستعبددمة بل استبدل ما مل جيد ومل ينفع، فحصل جهده وكده وكفايته للناس فاستمتعوا به كدا بكد وخدمة خب

وفاته من كفاية الناس له وكدهم عليه واستمتاعه م دون قدر استحقاقه بكفايته هلم وكده عليهم، فقد زيادة فالقصد يف االكتساب إذا هو املقدار املوازي ملقدار اإلنفاق و. خسر وخدع واستعبد كما ذكرنا

فإنه يكون حينئذ املكتسب قد اعتاض كدا . فضلة تقتىن وتدخر للنوائب واحلوادث املانعة من االكتساب بكد وخدمة خبدمة

إن االقتناء واالدخار هو أيضا أحد األسباب االضطرارية يف : وأما االقتناء فإنا قائلون فيه منذ اآلن فنقوللية، واألمر يف ذلك أظهر وأوضح من أن حيتاج إىل بيانه، حىت حسن العيش الكائن عن تقدمة املعرفة العق

وأخلق أن يكون هلذه احليوانات فضل يف التصور الفكري . إن كثريا من احليوان غري الناطق يقتين ويدخروذلك أن سبب االقتناء والباعث عليه تصور احلالة اليت يفقد فيها املقتين مع قيام احلاجة . على غري املقتنية

ألن التقصري فيه يؤدي إىل . فقد ينبغي أن يعتدل فيه على ما ذكرناه عند كالمنا يف كمية االكتساب. هإليعدمه مع احلاجة إليه كاحلالة فيمن ينقطع به الزاد يف فالة من األرض، واإلفراط يؤدي إىل ما ذكرنا أنه

إلنسان مستظهرا من املقتنيات يؤدى إليه من دوام الكد والتعب، واالعتدال يف االقتناء هو أن يكون افأما من كان .مبقدار ما يقيم به حالته اليت مل يزل عليها مىت حدثت عليه حادثة مانعة من االكتساب

غرضه يف االقتناء التنقل به عن احلالة اليت هو عليها إىل ما هو أعلى وأجل منها ومل جيعل لذلك حدا

Page 41: رسائل فلسفية الرازي

ابو بكر الرازي-رسائل فلسفية 41

من أية حال -ق دائم، ويعدم أيضا مع ذلك يف أية حال يقتصر عليه ويقف عنده فإنه ال يزال يف كد ور االستمتاع والغبطة ا إذ ال يزال مكدودا فيها غري راض ا عامال يف التنقل منها إىل غريها، -تنقل إليها

متطلعا متشوقا إىل التعلق مبا هو أجل وأعلى منها، على ما ذكرناه يف باب احلسد ونذكره اآلن بتفسري وخري املقتنيات وأبقاها وأمحدها وآمنها عاقبة الصناعات . وأكثر يف الفصل الذي يتلو هذاوشرح أوضح

فإن األمالك . ال سيما الطبيعية االضطرارية اليت احلاجة إليها دائمة قائمة يف مجيع البلدان وعند مجيع األممحدا غنيا إال بالصناعات ولذلك مل تعد الفالسفة أ. واألعالق والذخائر غري مأمون عليها حوادث الدهر

وقد حكى عن بعضهم أنه كسر به يف البحر فهلك مجيع ماله، وأنه ملا أفضى إىل الشط . دون األمالكمث إنه . أبصر يف األرض رسم شكل هندسي، فطابت نفسه وعلم أنه قد وقع إىل جزيرة فيها قوم علماء

د بلده فسألوه هل عنده رسالة حيملوا فمرت به مراكب تري. رزق فيهم الثروة والرياسة فأقام عندهمفقال هلم إذا صرمت إليهم فقولوا هلم اقتنوا وادخروا ما ال يغرق وأما كمية اإلنفاق فإنا . عنه إىل أهل بلده

قد ذكرنا قبيل أن مقدار االكتساب ينبغي أن يكون موازيا ملقدار اإلنفاق والفضلة املقتناة املدخرة للنوائب غري أنه ال ينبغي للمرء أن . اإلنفاق ينبغي إذا أن يكون أقل من مقدار االكتسابواحلوادث، فمقدار

حيمله امليل إىل االقتناء على التقتري والتضيق، وال حب الشهوات وإيثارها على ترك االقتناء البتة، بل يعتدل وما جيب أن يكون فيها كل واحد مبقدار كسبه وعادته اليت جرت يف اإلنفاق ونشأ عليها وحاله ورتبته

.ملثله من القنية والذخرية

الفصل الثامن عشر

في طلب الرتب والمنازل الدنيائية

قد قدمنا يف أبواب من هذا الكتاب مجل ما يحتاج إليه يف هذا الباب، غري أنا من أجل شرف الغرض النكت واملعاين فيه، وضامون املقصود ذا الباب وعظم نفعه مفردوه بكالم خيصه وناظمون ما تقدم من

إن من يريد تزيني نفسه وتشريفها ذه الفضيلة : إليه ما نرى أنه يعني على بلوغه واستتمامه فنقولوإطالقها وإراحتها من األسر والرق واهلموم واألحزان اليت تطرقه وتفضي به إىل اهلوى الداعي إىل ضد

وخيطر بباله أوال ما مر لنا يف فضل العقل واألفعال العقلية، مث الغرض املقصود ذا الباب، ينبغي أن يتذكر ما ذكرنا يف زم اهلوى وقمعه ولطيف خمادعه ومكايده وما قلنا يف اللذة وحددناها به،مث ليجد التثبت والتأمل ويكرر قراءة ما ذكرنا يف باب احلسد حيث قلنا إنه ينبغي للعاقل أن يتأمل أحوال الناس وما

صدر باب دفع الغم حىت يقتلها فهما وتستقر وتتمكن يف نفسه، مث ليقبل على فهم ما نقول يف ذكرنا يف

Page 42: رسائل فلسفية الرازي

ابو بكر الرازي-رسائل فلسفية 42

هذا املوضع

إنه من أجل ما لنا من التمثيل والقياس العقلي كثريا ما نتصور عواقب األمور وأواخرها فنجدها : أقولوذا يكون أكثر حسن . وندركها كأن قد كانت ومضت فنتنكب الضارة منها ونسارع إىل النافعة

فحق علينا أن نعظم هذه الفضيلة وجنلها ونستعملها . عيشنا وسالمتنا من األشياء املؤذية الرديئة املتلفةونستعني ا ومنضي أمورنا على إمضائها إذ كانت سبيال إىل النجاة والسالمة ومفضلة لنا على البهائم

نظر اآلن بعني العقل الربيء من اهلوى يف التنقل يف احلاالت فلن. اهلامجة على ما ال تتصور أواخره وعواقبه: فنقول. واملراتب لنعلم أيها أصلح وأروح وأوىل بالعقل طلبه ولزومه وجنعل مبدأ نظرنا يف ذلك من هاهنا

إن هذه األحوال ثالث، احلالة اليت مل نزل عليها وربينا ونشأنا فيها، واليت هي أجل وأعلى منها، واليت فأما أن النفس تؤثر وتحب وتتعلق من أول وهلة بغري نظر وال فكر باحلالة اليت هي . ىن وأخس منهاهي أد

أجل وأعلى فذاك ما جنده من أنفسنا، غري أنا ال نأمن أن يكون ذلك ليس عن حكم العقل بل عن امليل إن التنقل من احلالة :فلنستحضر اآلن احلجج والرباهني وحنكم بعد حبسب ما توجبه فنقول. وبدار اهلوى

اليت مل نزل عليها املألوفة املعتادة لنا إىل ما هو أجل منها إذا حنن أزلنا عنها االتفاقات النادرة العجيبة ال فلننظر أيضا هل ينبغي لنا أن جنهد أنفسنا ونكدها يف . يكون إال باحلمل على النفس وإجهادها يف الطلب

إن من منى بدنه ونشأ ومل : فنقول. يت قد اعتدناها وألفتها أبداننا أم الالترقي إىل ما هو أجل من حالتنا اليزل معتادا ألن ال يؤمره الناس وال تسري أمامه وخلفه املواكب إن هو اهتم واجتهد يف بلوغ هذه احلالة

لى فقد مال عن عقله إىل هواه وذلك أنه ال ينال هذه الرتبة إال بالكد واجلهد الشديد وحمل النفس عاهلول واخلطر والتغرير الذي يؤدي إىل التلف يف أكثر األحوال، ولن يبلغها حىت يصل إىل نفسه من األمل

وإمنا خيدعه ويغره يف هذه احلال تصوره نيل املطلوب . أضعاف ما يصل إليه مكن االلتذاذ ا بعد املنالحىت إذا نال ووصل إىل ما أمل مل يلبث . من غري أن يتصور الطريق إليه كما ذكرنا عند كالمنا يف اللذة

إال قليال حىت يفقد الغبطة واالستمتاع ا، وذلك أا تصري عنده مبرتلة سائر األحوال املعتادة املألوفة، فيقل التذاذه ا وتشتد وتغلظ املؤن عليه يف استدامتها والتحفظ ا وال ميكنه اهلوى من تركها واخلروج

وأما قولنا إنه مل يربح . فإذا هو مل يربح شيئا وخسر أشياء-عند كالمنا يف زم اهلوى كما ذكرنا -عنها شيئا فمن أجل أن هذه احلالة الثانية إذا هو ألفها واعتادها صارت عنده مبرتلة األوىل وسقط عنه سروره

مث . الذي يسلكه إىل هذه احلالةوأما قولنا إنه خسر أشياء كثرية فالعناء أوال واخلطر والتغرير . واغتباطه ا. اجلهد يف حراستها واخلوف من زواهلا والغم عند فقدها والتعويد للنفس الكون فيها وطلب مثلها

وذلك أن من كان بدنه معتادا للغذاء اليابس واللباس املتوسط إن . وكذلك نقول يف حالة تفوق الكفافني واللباس الفاخر فإن شدة التذاذه ما تسقط عنه إذا هو جهد نفسه حىت يتنقل عنهما إىل الغذاء الل

Page 43: رسائل فلسفية الرازي

ابو بكر الرازي-رسائل فلسفية 43

اعتادمها حىت يصريا عنده مبرتلة األولني وحيصل عليه من فضل العناء واجلهد يف نيل هذين واستدامتها واخلوف من تنقلهما عنه واعتياد النفس هلما ما كان موضوعا عنه قبل ذلك

ئر املطالب الدنيائية إذ ليس من مرتبة تنال ويبلغ إليها إال وجد وكذلك نقول يف العز واجلاه والنباهة وسااالغتباط واالستمتاع ا يقل بعد نيلها ويصغر يف كل يوم حىت يضمحل وتصري عند نائلها مبرتلة احلالة

وذلك . اليت عنها انتقل ومنها ارتقى وحيصل عليه من أجلها فضل مؤن وغموم وأحزان مل تكن فيما مضى يزال يستقل لنفسه ما هو فيه وجيتهد يف الترقي إىل ما هو أعلى منه وال يصري إىل حالة ترضاها أنه ال

فأما قبل الوصول فقد يريه اهلوى الرضى والقنوع باحلالة . نفسه بتة بعد وصوله إليها ومتكنه منهاالة املطلوبة، حىت إذا املقصودة، وذلك من أعظم خدعه وأسلحته ومكايده يف اجتهاده وجره إىل احل

وال تزال تلك احلالة حاله ما صاحب اهلوى وأطاعه، حنو ما قلنا يف . حصلت له تطلع إىل ما هو فوقهاهذا الكتاب إنه من أعظم مكايد اهلوى وخدعه، من أجل أن اهلوى يتشبه يف مثل هذه األحوال بالعقل

خرية ال شهوة بأن يدلى ببعض احلجاج ويقنع بعض ويدلس نفسه ويوهم أنه عقلي ال هوائي وأن ما أراهوالكالم يف . اإلقناع، لكن إقناعه وحجته هذه ال يلبث إذا قوبلت بالنظر املستقيم أن تدحض وتبطل

الفرق بني ما يريه العقل وبني ما يريه اهلوى باب عظيم من أبواب صناعة الربهان ليس نقله إىل هذا لوحنا منه يف غري موضع من كتابنا هذا ميا نكتفي به يف غرضه، وألنا ذاكرون املوضع اضطراريا، ألنا قد

إن العقل يرى وخيتار ويؤثر : جمال منه جمزئة كافية لما يراد منه يف بلوغ مغزى هذا الكتاب، فأقول. الشيء األفضل األرجح األصلح عند العواقب وإن كان على النفس منه يف أوائله مؤنه وشدة وصعوبة

وأما اهلوى فأنه بالضد من هذا املعىن، وذلك أنه خيتار أبدا ويؤثر ما يدفع به الشيء املؤذي املماس املالزق مثال ذلك ما ذكرنا . له يف وقته ذلك وإن كان يعقب مضرة، من غري نظر فيما يأيت من بعد وال روية فيه

كل التمر واللعب يف الشمس على أخذ اهلليلج قبل عند الكالم يف زم اهلوى من أمر الصيب الرمد املؤثر أل. والعقل يرى صاحبه ما له وعليه، فأما اهلوى فإنه يرى أبدا ما له ويعمى عما عليه. واحلجامة ودواء العني

ولذلك ينبغي للعاقل . ومثال ذلك ما يعمى عنه اإلنسان من عيوب نفسه ويبصر قليل حماسنه أكثر مما هييف األشياء اليت هي له ال عليه ويظن به أنه هوى ال عقل ويستقصي النظر فيه قبل أن يتهم رأيه أبدا

والعقل يرى ما برى حبجة وعذر واضح، وأما اهلوى فإنه إمنا يقنع ويرى بامليل واملوافقة ال حبجة . إمضائهجاج ملجلج ميكن أن ينطق ا ويعرب عنها ورمبا تعلق بشيء منذ ذلك إذا أخذ يتشبه بالعقل، غري أنه ح

ومثال ذلك حالة العشاق والذين قد أغروا بالسكر أو بطعام رديء . منقطع وعذر غري بني وال واضحضار وأصحاب املذهب ومن ينتف حليته دائبا ويعبث ويولع بشيء من بدنه، فإن بعض هؤالء إذا سئل

ج به أكثر من ميل إىل عن عذره يف ذلك مل ينطق بشيء بتة وال كان عنده يف نفسه شيء ميكن أن حيت

Page 44: رسائل فلسفية الرازي

ابو بكر الرازي-رسائل فلسفية 44

وبعضهم يأخذ وحيتج ويقول فإذا نقض عليه رجع إىل . ذلك الشيء وموافقته وحمبة طبيعية غري منطقية. اللجلجة والتعلق مبا ال معىن حتته واشتد ذلك عليه وغضب منه وأبلغ إليه مث ينقطع ويثوب بعد ذلك

املرور معه من غري علم به فهذه اجلمل كافية يف هذا املوضع من التحفظ من اهلوى و

وإذ قد بينا يف الترقي إىل الرتب العالية من اجلهد واخلطر واطراح النفس فيما تغتبط وال تسر به إال قليال، مث تكون عليها منه أعظم املؤن والشدائد مما كان موضوعا عنها يف احلالة األوىل وال ميكنها اإلقالع

ح احلاالت حالة الكفاف والتناول لذلك من أسهل ما ميكن من الوجوه والرجوع عنه، فقد بان أن أصلوأسلمها عاقبة، ووجب علينا أن نؤثر هذه احلالة ونقيم عليها إن كنا نريد أن نكون ممن سعد بعقله

وتوقى به اآلفات الرابصة الكامنة يف عواقب اتباع اهلوى وإيثاره ويكمل لنا االنتفاع بالفضل اإلنسي، فإن حنن مل نقدر ومل منلك اهلوى هذه امللكة التامة اليت نطرح . طق الذي قد فضلنا به على البهائموهو الن

معها عنا كل فاضل عن الكفاف فال أقل من أن يقتصر من كان معه منا فضل عن الكفاف على حالته نا التمكن من حالة جليلة من فإن اتفق ل. املعتادة املألوفة وال يكد نفسه وجيهدها وخياطر ا يف التنقل عنها

غري جهد للنفس وال غرر ا فإن األصلح واألوىل ترك االنتقال إليها، ألنا ال نعدم منها اآلفات اليت فإن انتقلنا إليها فينبغي أن ال نغري . عددناها العارضة لنا عن بلوغ الرتبة اليت قصدناها بعد نيلها وبلوغها

ملآكل واملشارب واملالبس وسائر ما يتبع ذلك من حاالتنا وعاداتنا األوىل شيئا مما به قوام أجسادنا من الئال تكسب أنفسنا عادة فضل من السرف وحالة تطالبنا ا إن فقدت هذه احلالة الثانية، ولئال يبلغ الغم

ذكرناها إلينا بفقدها مىت فقدت، وإال كنا منحرفني عن عقولنا إىل هوانا وواقعني لذلك يف الباليا اليت

الفصل التاسع عشر

في السيرة الفاضلة

إن السرية اليت ا سار وعليها مضى أفاضل الفالسفة هي بالقول امل معاملة الناس بالعدل واألخذ عليهم من بعد ذلك بالفضل واستشعار العفة والرمحة والنصح للكل واالجتهاد يف نفع الكل، إال من بدأ

ى يف إفساد السياسة وأباح ما منعته وحظرته من اهلرج والعبث والفساد ومن منهم باجلور والظلم وسعأجل أن كثريا من الناس حتملهم الشرائع والنواميس الرديئة على السرية اجلائرة كالديصانية واحملمرة عامه وغريهم ممن يرى غش املخالفني هلم واغتياهلم، واملنانية يف امتناعهم من سقى من ال يرى رأيهم وإط

ومعاجلته إن كان مريضا، ومن قتل األفاعي والعقارب وحنوها من املؤذية اليت ال طمع يف استصالحها وصرفها يف وجه من وجوه املنافع، وتركهم التطهر باملاء وحنوها من األمور اليت يعود ضرر بعضها على

Page 45: رسائل فلسفية الرازي

ابو بكر الرازي-رسائل فلسفية 45

ة عن هؤالء وأشباههم ألال من اجلماعة وبعضها على نفس الفاعل هلا، ومل ميكن نزع هذه السرية الرديئوجوه الكالم يف اآلراء واملذاهب، وكان الكالم يف ذلك مما جياوز مقدار هذا الكتاب ومغزاه، مل يبق لنا

. من الكالم يف هذا الباب إال التذكري بالسرية اليت إذا سار ا اإلنسان سلم من الناس وأعطي منهم احملبة

والعفة وأقل من مماحكة الناس وجماذبتهم سلم منهم على األمر األكثر، فنقول إن اإلنسان إذا لزم العدلوهاتان اخللتان مها مثرتا السرية . وإذا ضم إىل ذلك اإلفضال عليهم والنصح والرمحة أويت منهم احملبة

الفاضلة، وذلك كاف يف غرضنا من هذا الكتاب

الفصل العشرون

في الخوف من الموت

إن هذا العارض ليس ميكن دفعه عن النفس كمال إال بأن تقنع أا تصري من بعد املوت إىل ما هو أصلح وال وجه للكالم . وهذا باب يطول الكالم فيه جدا إذا طلب من طريق الربهان دون اخلرب. هلا كانت فيه

ز مقداره يف شرفه ويف عرضه ويف فيه البتة ال سيما يف هذا الكتاب، ألن مقداره كما ذكرنا قبل جياوطوله، إذ كان حيوج إىل النظر يف مجيع املذاهب والديانات اليت ترى وتوجب لإلنسان أحواال من بعد

وليس بصعوبة مرام هذا األمر وما يضطر وحيتاج إليه فيه من . موته، واحلكم بعد ملحقها على مبطلهان على إقناع من يرى ويعتقد أن النفس تفسد بفساد فنحن لذلك تاركوه ومقبلو. طول الكالم خفاء

اجلسد، فإنه مىت أقام على اخلوف من املوت كان مائال عن عقله إىل هواه

إن اإلنسان على قول هؤالء ليس يناله من بعد املوت شيء من األذى بتة، إذ األذى حس واحلس : فنقولس فيه، واحلالة اليت ال أذى فيها من احلالة اليت فيها ليس إال للحي وهو يف حال حياته مغمور باألذى منغم

فإن قال قائل إن اإلنسان وإن كان يصيبه يف حال حياته . األذى، فاملوت إذا أصلح لإلنسان من احلياةفهل يتأذى أو يبايل أو يضره بوجه من : األذى فإنه ينال من اللذات ما ليس يناله يف حال موته، قيل له

وكذلك يقول ألنه إن مل يقل ذلك لزمه أن -حلال أن ال ينال اللذات ؟ فإذا قال ال الوجوه يف هذه ا. فليس يضره أن ال ينال اللذات: قيل له-يكون حيا يف حال موته، إذ األذى إمنا يلحق احلي دون امليت

أن وإذا كان ذلك كذلك فقد رجع األمر إىل أن حالة املوت هي األصلح، ألن الشيء الذي حسبت للحي به الفضل هي اللذة وليس بامليت إليها حاجة وال له إليها نزوع وال عليه يف أن ال يناهلا أذى كما

ذاك للحي، فليس للحي عليه فضل فيها ألن التفاضل إمنا يكون بني احملتاجني إىل شيء ما إذا كان وإذا كان ذلك كذلك فقد رجع . ألحدمها فضل مع قيام احلاجة إليه، فأما أن يكون احملتاج على غىن فال

Page 46: رسائل فلسفية الرازي

ابو بكر الرازي-رسائل فلسفية 46

فإن قال إن هذه املعاين ليس ينبغي أن تقال على امليت ألا ليست له . األمر إىل أن حالة املوت أصلحإنا مل نقل عليه هذه املعاين على أا قائمة موجودة له بل إمنا نضعها متومهة متصورة : مبوجودة، قيل له

وهذا باب مىت منعته كنت منقطعا يف قوانني الربهان، وهو . يءلنقيس شيئا على شيء ونعترب شيئا بشوذلك أن صاحبه يغلق الكالم أبدا . باب من االنقطاع معروف عند أهل الربهان يسمونه غلق الكالم

فإذا جلأ إىل التكرار واللجلجة فليس له بعد . ويهرب منه وال يساعد عليه خوف من أن يتوجه عليه احلكملم إن حكم العقل يف أن حالة املوت أصلح من حالة احلياة على حسب اعتقاده يف النفس، هذا أال هذا أع

فإن الفصل بني الرأي اهلوائي والعقلي هو أن الرأي اهلوائي . وقد يوجد أنه مقيم على إتباع اهلوى فيه إىل ذلك يجتىب ويؤثر ويتبع ويتمسك به ال حبجة بينة وال بعذر واضح وإمنا يكون عن ضرب من امليل

الرأي واملوافقة واحلب له يف النفس وأما الرأي العقلي فإنه جيتىب حبجة بينه وعذر واضح وإن كانت النفس وأيضا فما هذه اللذة املرغوب فيها املتنافس عليها، وهل هي يف احلقيقة إال راحة . كارهة له ومنحرفة عنه

ليس يتصورها مقصودة مطلوبة إال اجلاهل ا، ألن من املؤمل على ما قد بينا ؟ وإذا كان ذلك كذلك فإنه وأيضا فإنه وإن كان االغتنام مبا ال بد منه .املستريح من األذى غين عن الراحة اليت مىت أعقبته مسيت لذة

ومن وقوعه فضال كما بينا قبل وكان املوت مما ال بد منه ومن وقوعه فإن االغتنام باخلوف منه فضل ومن أجل ذلك صرنا نغبط البهائم يف هذا املعىن إذ هلا بالطبع هذه . له ربح وغنموالتلهي عنه والتناسي

وكأن ذلك من أنفع . احلالة كمال اليت ليس نقدر حنن عليها إال باحليلة الطراح الفكر والتصور العقليخلائف وذلك أن املتصور للموت ا. األمور يف هذا املوضع إذ كان جيلب من األمل أضعاف أضعاف املنتظر

فاألجود إذا . منه ميوت يف كل تصويره موتة، فتجتمع عليه من تصوره له مدة طويلة موتات كثريةوذلك يكون كما قيل قبيل إن العاقل ال . واألعود على النفس التلطف واالحتيال إلخراج هذا الغم عنها

كرا يف دفع السبب، وإن كان وذلك أنه إذا كان ملا يغتم به سبب ميكنه دفعه جعل مكان الغم ف. يغتم بتةوأيضا فإين . مما ال ميكن دفعه أخذ على املكان يف التلهي والتسلي عنه وعمل يف حموه وإخراجه عن نفسه

إين قد بينت أنه ليس للخوف من املوت على رأى من مل جيعل لإلنسان حالة وعاقبة يصري إليها : أقول وهو الرأي الذي جيعل ملن مات حالة وعاقبة -خر وأقول إنه جيب أيضا يف الرأي اآل. بعد موته وجه

أن ال خياف من املوت اإلنسان اخلري الفاضل املكمل ألداء ما فرضت عليه -يصري إليها بعد املوت فإن شك شاك يف هذه الشريعة .الشريعة احملقة، ألا قد وعدته الفوز والراحة والوصول إىل النعيم الدائم

فإن أفرغ وسعه وجهده غري . تها فليس له إال البحث والنظر جهده وطاقتهومل يعرفها ومل يتيقن صح فاهللا تعاىل أوىل بالصفح - وال يكاد يكون ذلك -فإن عدمه . مقصر وال وان فإنه ال يكاد يعدم الصواب

عنه والغفران له إذ كان غري مطالب مبا ليس يف الوسع بل تكليفه وحتميله عز وجل لعباده دون ذلك

Page 47: رسائل فلسفية الرازي

ابو بكر الرازي-رسائل فلسفية 47

كثريا

. وإذ قد أتينا على قصد كتابنا هذا وبلغنا آخر غرضنا فيه فإنا خامتون كالمنا بالشكر لربنا عز وجل

.فاحلمد هللا واهب كل نعمة وكاشف كل غمة محدا بال اية كما هو أهله ومستحقه

مقالة في إمارات اإلقبال والدولة

بسم اهللا الرمحن الرحيم اعلم أن األمر املسمى إقباال ودولة وإن كان القول يف سببه والنظر : زيقال أبو بكر حممد بن زكريا الرا

وغرضنا يف . فيه واإلبانة عنه عسرا غامضا وطويال بعيدا فإن يئه وموافاته إمارات وشواهد مبشرة بهارات إن من إم: هذه املقالة ذكر بعض هذه اإلمارات باختصار وإجياز ما أمكن ذلك فنقول وباهللا التوفيق

. اإلقبال التنقل والعلم الذي يقع للمرء ضربة واحدة ورفعه إىل حال جليلة باإلضافة إىل ما كان عليها

عن أي سبب كان إهلي . كائنا ما كان-وذلك أن حدوث مثل هذه احلال يدل على تيقظ السعادة له والدليل على . رة مادا بقوة قوية ال تكاد تقصر وتين وختمد سريعا لفرط قوا وغزا-كان أو طبيعي

ذلك إضطالعها بنقل املنقول هذا النقل الغريب البديع الذي ال ميكن أن حيدث من قوة مهينة وال نزرة مادة، فوقوع النقلة من حاله إىل ما هو أجل منها كثريا جدا من إمارات وفور قوة الناقلني وغزارا ومن

ومن إمارات اإلقبال والدولة اتساق األمور واطرادها أجل ذلك هو أحب األسباب الدالة على اإلقبالوجميئها ووقوعها على موافقة التنقل املدال ولو يف دقائق األشياء وخسائسها فضال عن جالئلها

وعظائمها، ألن ذلك يدل على أنه مسوس ومكفى ومؤيد بقوة غري قوته وأنه متكفل به ومصنوع له وقد تهم يستدلون مبا يقدم إليهم الطباخون من األطعمة اليت كانت تقع بوقوع كانت قدماء امللوك وأجل

على ثبات اإلقبال والدولة فضال عما يقع - من غري أن يكونوا تقدموا إليهم فيها وأمروهم ا -شهوام ومن من غري ذلك من جالئل األشياء وعظائمها كنكبات األعداء وبوار املضادين واملخالفني واملنازعني

إمارات اإلقبال والدولة ما حيدث من أخالق النفس املوافقة للرياسة املعينة املقوية عليها بعلو اهلمة والنبل واجلود وقلة مهابة األكفاء وفضل الرأي وإجادته، فإن مثل هذه األمور ال حتدث يف اإلنسان إال وهو يراد

، فأعلمه ومن إمارات ذلك أيضا عشق الرياسة وفرط حمبته للمرتبة اليت يرتقى إليها ذه األخالق وحنوهاألن الطبيعة ال تفعل . فإن ذلك يدل على أنه مهيأ هلا. هلا حىت إنه ال يرى عيشا إال ا وال يهم أمرا سواها

قام ومل يكن يتمكن يف نفس هذا املعىن هذا التمكن ويقوم فيها هذا امل. شيئا باطال بتة وال تترك قوة عطالولوال ذلك لكانت هذه القوى فيها فضلا وباطلا، وذلك ما ال يكون . إال وهي نفس مهيأة للرياسة ال غري

ومن إمارات ذلك أيضا ما حيدث له من احللم والتؤدة يف األمور اليت فيها لبس وشبهة، ألن ذلك يدل

Page 48: رسائل فلسفية الرازي

ابو بكر الرازي-رسائل فلسفية 48

ه إىل إدراك حقائق األمور ومن إمارات على أنه حمروس من ركوب اخلطايا والوقوع يف الزلل وأنه جمري بذلك أيضا فضل صدق ودقة حس النفس واإلدراك والتخمني على ما كان له قبل، فإن ذلك يدل على مسدد موفق بقوة إهلية جتري به إىل أن يكون فاضال ورئيسا سائسا لشدة حاجة الرئيس والسائس إىل

ب أمرهم إىل السائس واكتفائهم بسياسته ومن إمارات فضل وعلم واستغناء املسوسني عن ذلك النتساذلك أيضا امليل إىل موافقة اخللطاء واألصحاب واألعوان واحملبة لصالح أمورهم باستجالب مودام

وتسخريهم وربطهم ا لنفسه، و - ألن ذلك يدل على أنه قد أعطي القوة اليت تدوم -وخلوصهم له ال يضمروا له سوءا وأن ال يروا عيشا إال معه وبه ونتج من ذلك صدق يف ذلك أن ال يتفرقوا عنه وأن

جماهدم األعداء عنه وبذلهم أنفسهم دونه ومن إمارات ذلك أيضا إقبال اخلدم واألصحاب عليه وفضل إجالهلم ومهابتهم له من غري أن يكون حدثت له يف ذلك الوقت حالة ظاهرة توجب ذلك من مزيد يف

زيادة يف إحسان أو إساءة، فإن ذلك إذا كان دل على أبهة حادثة إهلية واقعة يف النفوس طارئة رتبة أو عليها داللة الرياسة والدولة ومن إمارات ذلك أيضا خلو قلبه من الضغائن واألحقاد اليت كانت يف نفسه

ب أن يسوس ويستصلح ال ممن يستفسد على أكفائه وأجلة أصحابه وخلطائه فضال عليهم، وإا ممن يح

ومن إمارات ذلك أيضا ميل النفس إىل العدل وكراهيتها اجلور وإن كان له عاجل ناجز، ألن ذلك يدل وليس ذلك منها إال حبمل قوة . على أن نفسه موقنة بالتمكن من امللك ودوامه وليست خمتطفة مغتنمة

احلمل منها هلا على هذا املعىن إال وقد أهلها لدوامه وبقائه وأكسبه ذلك إهلية هلا على ذلك، ولن يقع هذاويف ذلك توطيد ملكه وإرساء قواعده والبعد من الوهن . ميل الرعايا اململوكني واملسوسني إليه

والتضعضع وانعزال املناوئني واملضادين وإجالهلم إياه وشوقهم إىل مثل حاله إن ساسه فهذه إمارات . األشرف األعظم واليت يرجع إليها ويدخل يف مجلتها سائر اإلمارات الصغرية اجلزئيةاإلقبال

مقالة فيما بعد الطبيعة

محن الرحيم بسم اهللا الر

زعم ارسطو طاليس ومن فسر كتبه يف املقالة الثانية من السماع الطبيعي أن الطبيعة ال حتتاج دليل : قالوزعم من شاهدنا من الفالسفة أن الدليل على وجودها . ارهم بوجودهالظهورها واعتراف الناس ا وإقر

كذهاب النار واهلواء من املركز وذهاب املاء واألرض إليه، . أفعالها وقواها املنبثة يف العامل املوجبة لألفعاليما يوجد يف وكذلك قالوا ف. فيعلم أنه لوال قوى فيها أوجبت تلك احلركات وكانت مبدأ هلا توجد فيها

النبات واحليوان من قوة الغذاء وقوة النمو فأما قوهلم ام مل يدلوا على وجود الطبيعة إلقرار الناس ا، ولو كان حقا إلقرار من أقر به لكان . فالشيء ال يصح إلقرار الناس به كما ال يفسد الختالفهم فيه

Page 49: رسائل فلسفية الرازي

ابو بكر الرازي-رسائل فلسفية 49

فاسدا صحيحا يف حال وباطلا حقا يف حال وهذا فاسدا باطال المتناع من امتنع منه، فيكون الشيءويقال هلم لم زعمتم أن الطبيعة ال حتتاج إىل دليل وقد خالفكم يف وجودها قوم من الفالسفة . حمال

القدماء وما و ما رأيتم إن قال خصماؤكم ام ال حيتاجون على قوهلم انه ال طبيعة إىل دليل ؟ وإمنا ال شياء املشاهدة وأوائل الربهان العقلية وليس الطبيعة مبحسوسة وال العلم ا أول يف حتتاج إىل دليل األ

.العقل

وأما استدالهلم بالقوى اليت ادعوها فيقال هلم ما أنكرمت أن يكون اهللا جل وعز هو املوجب بذاته لقوى ويقال هلم إن كانت . يعة فتكون له ال هلاسائر األفعال ولطبائع األشياء ؟ وإن مل نقل بنسق قولكم يف الطب

حركة األشياء وسكوا بطبيعة واحدة كحركة احلجر وسكونه ومنو اإلنسان ووقوفه فقد صارت وإن قالوا إن حترك األشياء بقوة أخرى، قيل فيجب أن . الواحدة توجب شيئني متضادين وهذا حمال

تبطل جاز أن تبطل أيضا قوة السكون وجاز أن تكون هذه احلركة قد بطلت من الساكن، وإذا جاز أنوإذا جاز أن يتحرك احلجر ويسكن بقوتني فما أنكرمت أن تربد النار وتسخن . تبطل الطبيعة من األشياء

فإن قالوا إن قوة يف األرض ا حتركت حنو املركز مل تكن أوىل بذلك من النار، . بقوتني تردان عليها ؟م أنه لوال أن قوة يف جرم األرض ا قبلت القوة اليت فيها جاز أن حتلها القوة قيل هلم فانفصلوا ممن زع

الذاهبة بالنار عن املركز وقد أدخل حيىي النحوي على نفسه يف حد الطبيعة إدخاالت وأجاب عنها جوابا لفلك فاسدا وهو أنه ملا زعم أن الطبيعة ابتداء حركة والفلك متحرك وليس بساكن فزعم أن مجلة ا

يقال له فقد صار الفلك متحركا وهذا . ساكنة ألنه ال يتغري عن حركته وأنه ال يتنقل عن مجلة موضعهويقال له إذا كانت أجزاء . حمال، فإن مل يكن قول القائل إن جسما واحدا أسود أبيض يف حال حمال

كذلك السؤال عليه يف و. الفلك كلها دائمة احلركة والكل ليس غري األجزاء فالفلك متحرك غري ساكنقوله إن األجرام السماوية يف اياا فلذلك هي ساكنة، وليس يف عودا إىل اياا مع دوام حركاا ما يدل على سكوا، ولو كانت واقفة يف اياا جلاز هذا القول فأما زعمهم أن الطبيعة جوهر إال أا غري

أن األعراض جواهر وهي ال تقوم بأنفسها ؟ فأما قول حيىي النحوي قائمة بنفسها، فيقال هلم لم ال زعمتمأن الطبيعة قوة تنفذ يف األجسام وتدبرها، فيقال له هل ختلو الطبيعية إذا كانت جوهرا من أن تكون تنفذ

يف كل اجلسم فيشيع جوهر يف كل اجلسم ؟ وإذا جاز هذا فما تنكر من كون جسمني يف حال ؟ فإن وهذا خالف قوهلم . له، أبطل قوله ووجب أن بعض اجلسم ال طبيعة فيهقال ليست يف ك

إنا وجدناكم تصفون الطبيعة مبا تصفون به احلي املختار العامل احلكيم : ومما يسألون عنه أن يقال هلمفتقولون إا ال تفعل إال حكمة وصوابا وإا تقصد غرضا وتفعل شيئا لشيء يكون، كفعلها للجنني العني

لنظر واليد للبطش واألضراس للطحن وإا تضع مجيع األشياء مواضعها وترتبها على ما جيب أن ترتبها ل

Page 50: رسائل فلسفية الرازي

ابو بكر الرازي-رسائل فلسفية 50

عليه وإا تصور اجلنني يف الرحم وتدبره ألطف تدبري حىت يكمل مث تدبر اإلنسان وجتلب له الصحة ا موات غري حية وال مث زعمتم مع ذلك أ. وتنفي عنه األسقام حىت قال بقراط الطبائع أطباء األمراض

وهذه مناقضة بينة وإحالة ظاهرة ألن ما وصفتموها به ال يكون . حساسة وال قادرة وال خمتارة وال عاملةولو أن قائال قال آخذ حجرا فقال هذا احلجر ليس حبساس وال متحرك من نفسه . إال من احلي املختار

مع ذلك حي، لعلمنا أنه قد ناقض يف قوله ووصف وال جيوز منه تعقل وال تعلم وال قدرة وال إرادة وهو فكذلك حكمكم يف وصفكم الطبيعة مبا وصفتموها به مما ال يكون إال للحي املختار، . الشيء بغري صفته

ويقال هلم إذا جاز أن تفعل الطبيعة ما وصفتم ويكون عنها ما ذكرمت . مث زعمتم أا موات غري خمتارةويقال هلم كيف يكون . ارها وتقصدها مع العلم ا وتريدها وهي موات ؟وهي موات فلم ال جيوز أن ختت

املوات حكيما وال يكون مميزا وناطقا وحمسا، وكيف يأيت الترتيب والنظر من غري املميز احلي؟ ويقال هلم أخربونا عن الغضب والرضى والكراهية واإلرادة واحلب والبغض هل تقولون إا من أفعال النفس ؟ ال

لوها للطبيعة فقد أبطلوا أفعال النفس وجعلوا الطبيعة علة األفعال اليت ال تقع إال من احلي املختار وجعوإن قالوا نعم قيل هلم وكذلك ما وصفتم من األفعال ال جيوز أن . كما جعلوها علة ما يقع عليه الطبع

وتكون قاصة لغرض ؟ يكون للطبيعة ويقال هلم ما أنكرمت من أن تكون األعراض تفعل حكمة وصوابافإن مضوا على ذلك ازدادوا جتاهال، وإن امتنعوا منه قيل ألي علة امتنعتم من ذلك فإنا جند مثلها يف

املؤلف ال يفعل ذلك ويقال هلم أجيوز أن يكون بناء دار وتأليف مدينة بطبيعة ال من حي قادر ؟ فإن قالوا ويقال هلم ما أنكرمت من أن يكون . من حي قادرال قيل هلم وكذلك تركيب بدن اإلنسان ال يكون إال

اإلنسان للنفس املنطقية دون الطبيعة وتكون القوى املنمية واملغذية هلا دون الطبيعة ؟ ونعكس قولكم فنعطي النفس ما للطبيعة كما أعطيتم الطبيعة ما للنفس املنطقية ويقال هلم إن أكثركم أنكر علينا أن اهللا

- ألم زعموا مل يشاهدوا وال يعقلوا حيا ركب حيوانا -نسان واهللا حي قادر جل و تعاىل ركب اإل

وزعمتم أنتم أن الذي ركبه موات عاجز ويقال ما أنكرمت من أن ختترع الطبيعة األجسام ؟ فإن قالوا اختراع األجسام غري معقول، قيل هلم فانفصلوا ممن زعم أن تركيب شئ من األجسام هلذا اإلنسان غري

قول فقد قال بذلك مجاعة ممن جحد البارئ عز وجل والطبيعة اليت تزعمون فإن قالوا فما وجدناه يف معاملؤلف واحليوان من املنافع اليت ما ختيلناها وال عرفنا شيئا منها يدل على أن الطبيعة فعلت ذلك، قيل هلم

عة بكثري من وصف البارئ، وما تنكرون من أن يكون البارئ فعل ذلك ؟ على أنكم قد وصفتم الطبيألنكم زعمتم أا جوهر مل يزل ليس جبسم وأا ال تستحيل وال تتغري وال يلحقها كون وال فساد وأا تدبر الكل وأن أفعاهلا حكمة وصواب، وإمنا خالفتم بينها وبينه بتصيريكم إياها يف األشياء املطبوعة غري

ا اإلنسان الشخصي عندكم يفسد، فمن احملال أن ال تفسد مفردة وال قائمة بنفسها ويقال هلم قد وجدن

Page 51: رسائل فلسفية الرازي

ابو بكر الرازي-رسائل فلسفية 51

الطبيعة اليت فيه واالسطقسات اليت عنها يكون احلسد، والفلك كذلك وسندل على أنه يكون ويفسد يف غري هذا املوضع وأما قول أرسطوطاليس أن الطبيعة أهلمت باحلكمة من قبل النفس وهي مبثوثة يف العامل

ومن زعم أن يف املوات نفسا فقد جحد . ننقضه يف باب وأقاويل الفالسفة فيهافإنه كالم خرايف، وحنن يعين -الضرورة ويقال جلالينوس إنك وصفت الطبيعة بوصفني متضادين فقلت وإمنا فعلت الطبيعة ذلك

تعمدا، مث قلت إن احلركة اإلرادية من أعمال النفس، والعمد ال يكون إال للنفس كما -األسنان والفم وقلت إن الطبيعة تدبر احليوان، وهذا معكوس وإمنا احلي هو الذي يدبر . ن اإلرادة ال تكون إال للنفسأ

ولو جاز أن يدبر املوات احلي جلاز أن يأمره وينهاه . الطبيعة فيحمى مرة ويأخذ ما يراه من األدوية مرة

لصناعات، فيقال له وكيف تكون األفعال وأما زعم االسكندر أن أفعال الطبيعة فوق األفعال اليت تكون با .العجيبة العالية الشأن للموات العاجز وتكون األفعال اليت هي دوا للحي القادر املختار ؟

وناقض فرفوريوس يف قوله أن الطبيعة تفعل بغري عقل وال فكر وال إرادة وليس تفعل باالتفاق وقد تفعل . العاقل املميز املريدألن هذا ال يكون إال من. شيئا من أجل شيء

فإن كان هذا قد . ومل أر أحدا منهم أطلق عليها لفظ االختيار إال ما حكاه حيىي النحوي عن فلوطينسجعلها خمتارة وهي موات فقد بلغ الغاية يف املناقضة وقد استدل فرفوريوس وغريه يف املقالة الثانية من مسع

فإن قال إن الطبيعة أجل من . لغرض ومن أجل شيء من األشياءالكيان على أن الطبيعة إمنا تفعل ما تفعل املهنة وأعظم قدرا كما أن اإلنسان احلي الذي هو طبيعي أجل قدرا من اإلنسان املصور، قال وإذا كان كذلك وكان صاحب املهنة يفعل ما يفعل من أجل شيء ما فكذلك الطبيعة إمنا تفعل ما تفعل من أجل

بط واالتفاق، فيقال له أليس صاحب املهنة إمنا يفعل من أجل شيء ما وهو حي قادر شيء ما ال جتئ باحلمريد مفكر عامل ملا يف الشيء الذي يقصده ويفعل من أجله من املنفعة ؟ فال بد من نعم، يقال له أفكذلك

تكون وقيل له ما تنكر من أن . الطبيعة؟فإن قال نعم نقض قوله، وإن قال ال فقد خالف موضوعه مثلهاملهنة يفعل ما يفعل ا لغرض ما ومن أجل شيء ما وال تكون الطبيعة كذلك ؟ ويقال هلم إن املهنة عندنا

ال تفعل شيئا ولكن ذا املهنة هو الذي يفعل ألن الفاعل هو النجار والبناء ال البناء والنجارة، والنجار نسان احلي هو الفاعل فهو الطبيعي عندكم وإذا كان اإل. والبناء حيان ومها أعلى من الطبيعة املوات

فكأنكم قستم الشيء على نفسه واحتجوا أيضا ببناء اخلطاف لوكره والزنابري لبيوا وبآثار احلكمة يف فيقال هلم إنكم ختالفون يف ذلك ألن فعل هذا . ذلك وأا فعلت ذلك لغرض ما وأن فعلها ذلك بالطبع

ال يفعل بالطبع، وإمنا املطبوعات كالنار وما جرى جمراها، فكيف يكون احليوان ليس هو بالطبع ألن احليأمثال هذه بالطبع وهلا أفعال خمتلفة كالطريان إذا احتاجت إليه والسكون إذا تعنت واستغنت عن الطريان

ن ولكن احليوان وإ. وكاختيارها كل شئ مما يغذيها دون غريه وختريها ألوكارها املواضع العالية الكنينة

Page 52: رسائل فلسفية الرازي

ابو بكر الرازي-رسائل فلسفية 52

فهذه حية . كان غري مطبوع فله اختيار ما ومتييز وإن مل يكن له كل التمييز وال يبلغ مرتلة العقالء بعدفاجعل الطبيعة حية وإال فقد خالفت حكم ما استشهدت به، فأرنا يف الطبيعة وقصدها مثاال من األشياء

طبيعة تدبر تدبريا طبيعيا وتقصد فإن قالوا إن ال. املوات كحرارة النار وهوى احلجر وإال فدع التلبيسوتفعل قصدا وفعال طبيعيا، قيل هلم انفصلوا ممن زعم أا ختتار اختيارا طبيعيا وتؤثر شيئا على شئ إيثارا

وهذا يتم وليس جيوز أن يفعل ويقصد ويريد ويؤثر إال املختار . طبيعيا وأن النار حترق إحراقا اختياريا بذلك وأما زعم من زعم أن الطبيعة ال تفعل وال تقصد وأا ابتداء احلي، واملطبوع املوات ال يوصف

حركة فيقال له ما تريد بابتداء حركة وسكون ؟ أتريد أا إذا كانت حدثت احلركة والسكون والنمو والغذاء وترتبت األشياء ووضعتها مواضعها ووضع شيء لشيء ا ومن أجلها ؟ فقد وافقت القوم يف

وإن أردت أن ما حيدث ليس ا ومن أجلها تركت القول بالطبيعة وأما ما . تهم يف االسماملعىن وخالفحكي عن أنطيفن أن العنصر وحده هو الطبيعة فإن الكالم عليه يف فعله كالكالم على من أثبت الطبيعة،

ألنه موات حتدث فيه ومنه األشياء ال مبحدث حي وال بفاعل حكمة

لطبيعة غري حكيمة ورام بذلك إبطاهلا وأا تفعل ال بقصد وال ترتيب بأا موات واستدل من زعم أن اومبا نشاهد من العاهات يف أبدان احليوان ومن نقصان أعضائهم وحواسهم، ومن قرون األياييل الطوال

اليت تضر ا ورمبا نطحتها يف أغصان الشجر حىت تصاد وتتلف، وما حيدث من طول مناقري بعض ارح حىت متنعها من تناول ما تغتدي به، وما يف اإلنسان من الثديني اللذين ال ينتفع ما، ومن جميء اجلو

وهذا داخل . املطر يف غري أبانه وجميء الربد واحلر يف غري أوقاما حىت يفسدان الشجر وسائر النباتات يعرض للطبيعة واعتذروا لذلك وقد زعم بعضهم أن ذلك لغلط. على الصنف الذين أثبتوا احلكمة للطبيعة

بأن قال حيىي النحوي يف املقالة الثانية من تفسريه لسمع الكيان ان هذه األمور طبيعية وليست خبارجة عن الطبيعة، ألن الذي أوجبته الطبيعة الكلية اليت أوجبت الكون والفساد حبركات الكواكب وتغيري العناصر

طبيعة الشخصية اليت هي لكل واحد من هذه األنواع، وإمنا مرتلتها مرتلة ومل تغلط ال. مما توجبه بنية العاملالصانع الذي إذا فسدت عليه األشياء اليت يعملها فصنعها على أحكم ما ميكنه ووقع فيها فساد مل ينسب

إىل غري احلكمة، كاخلشبة ذات العقد والفساد الذي ال ميكن النجار احلاذق من صنعتها كرسيا جيدا فإن كان بالغلط . قلنا فلن خيلو ذلك من أن يكون بغلط من الطبيعة الكلية أو ليس بغلط. يرا مستوياوسر

.منها فقد صارت الطبيعة الكلية تغلط وتفعل الفساد لعلة من العلل وهذا خالف قوهلم

وقال . ؤالءوإن جاز أن تغلط الطبيعة الكلية جاز أن تغلط الطبيعة الشخصية ويؤول األمر إىل ما قال هبعضهم إمنا حدث لشيء يف اهليويل يعوق الطبيعة عن تصويره على ما حيب فيقال هلم إمنا زدمتونا دعوى

.أكدمت ا دعوى

Page 53: رسائل فلسفية الرازي

ابو بكر الرازي-رسائل فلسفية 53

ويقال ملن زعم أن الطبيعة تفعل بغري قصد فكيف زعمتم أن تركيب اإلنسان من فعلها، وكيف يقع مثل أن تكون الطبيعة تخطئ وتصيب وقد سألنا هذا من غري قصد ؟ بل جيب على حسب ما أعتللتم به

فأما ما حكينا عنهم يف الطبيعة وقول بعضهم إا فوق الفلك وقول األخر . اجلميع يف الطبيعة مبا فيه كفاية - زعمتم -إا دونه فهو خالف فيما بينهم وقد بينا يف قوليهما حجتيهما ويقال إن اجلنني يتصور

فإذا كانت طبيعته هي اليت تصوره فقد صار املصور . اليت ا يتكون وينمىبطبيعته، وطبيعته هي صورتهولو جاز ذلك جاز أن يكون املؤلف هو املؤلف وقد كان أبو هالل احلمصي املترجم لكتب . هو املصور

اليونانيني زعم أن هذا العرض إمنا هو يف الرحم ولكنه خيرج من الرحم فيداخل النطفة ويصورها كما . وإمنا قال ذلك هربا من أن يقول إن املصور هو املصور. حجر املغناطيس قوة جتذب احلديدخترج من

. قيل أفليس حجر املغناطيس قد يفعل ذلك عندكم وبينه وبني احلديد فرجة وحاجز ؟ فال بد من نعم

خالفوا بني يقال له فكذلك جيوز أن يكون الرحم والنطفة ؟ فإن قالوا نعم تركوا قوهلم، وإن قالوا الويقال إن تصور الفرخ يف البيضة مبرتلة تصور اإلنسان يف الرحم، فأي قوة فيكون عنها . موضوعهم ومثله

أشياء خمتلفة كالسمع والبصر وغريمها وجوهر الرحم جوهر واحد ؟ ويقال له لم ال تقول أن قوة خترج ؟ وأما من زعم من أهل الدهر أن يف املين من األم دون الرحم ومن اهلواء ومن الزمان أو من غري ذلك

قوة تصور اجلنني إما منه وإما من دم الطمث فإم استدلوا على صحة ذلك بأن املين إذا مل يكن يف الرحم مل يكن جنني، فيقال هلم ولو كان بكون املين يكون اجلنني فقد يكون يف الرحم وتتم له الشهور وال جتد

ويقال هلم ما يدريكم لعل يف الرحم . جلنني، فلسنا نرى وجود املين إال مبرتلة عدمهاملرأة علة وال يكون ا تصور اجلنني يف املين ؟ وهذه ظنون االستدالالت

ال بد للمصور من مصور يالمسه : وأما زعم من زعم منهم أن يف الرحم قالبا يتصور فيه اجلنني فإم قالواصور فيه، فلما مل يكن يف الرحم من يعاين ويالمس وال يتهيأ ذلك لو يعانيه أو تقذف النطفة يف قالب تت

فيقال هلم فهل . أراده مريد يف ظلمة الرحم وامتناع اليت هي النطفة ثبت أن النطفة تقذف يف قالبشاهدمت طينة تقذف يف قالب فتأيت بعد قذفها مدة طويلة ؟ فإن قالوا نعم أكذم الوجود، وإن قالوا ال

. فما أنكرمت من أن تكونوا مل تشاهدوا مصورا إال مبؤاتاة، وقد جيوز أن يصور مصور ال مبؤاتاةقيل هلم

ويقال هلم نرى النطفة جوهرا متشابه األجزاء كالذهب والفضة والنحاس إذا صب يف قالب اختلفت . دراكصورا ألن جوهرها وجوهر اإلنسان خمتلف ففيه عظم ومخ رطب وعني دراكة وجلد مينع من اإل

ويقال هلم وكيف ذهبت العني إىل موقعها دون أن ترتل عن موضعها ويكون يف مكاا بعض جسد ويقال هلم اعملوا على أن يف . اإلنسان ؟ وكذلك السؤال عليهم يف سائر األعضاء املرتبة يف موضعها

نعم أكذم الوجود، الرحم قالبا فيه يتصور اجلنني، فهل يف البيضة قالب يتصور فيه الفرخ ؟ فإن قالوا

Page 54: رسائل فلسفية الرازي

ابو بكر الرازي-رسائل فلسفية 54

ويسألون عن احليوان املوجود يف . وإن قالوا ال فكيف يتصور ؟ ويقال يف تصور النبات والشجر مثل ذلكاألرض من احلشرة ما السبب يف تصورها ؟ وبعد فإن جالينوس قد عين بأمر التشريح و كان يدعي فيه

ا تشريح أرحام النساء، قد نشاهد أرحام ويقال هلم هبنا ال ميكنن. دعاوى ولكن مؤكدا للقول بالدهرالغنم وأجوافها فلسنا نرى من ذلك شيئا وكيف تصورت األجنة فيها فإما ما حكاه جالينوس عن بقراط

من أن مقام املين مقام الفاعل واملفعول وقول أرسطوطالس إنه يعطي الدم منه احلركة ويستحيل وقول كتاب املين حكى عن بقراط وال عن نفسه فيه حجة بل ادعى جالينوس إنه يكون من املين، فما رأيته يف

وحتكم وهذى وخرف، وأكثر ما رأيته قال يف ذلك إن املين إذا خرج من الرحم مل يكن اجلنني وإن املين والذي جنده . وهذه دعوى ادعاها وقد خالفه فيها أرسطوطالس. جوهر مبين ملتئم األجزاء يصلح للتمدد

ويف ذلك إكذاب قوهلم إنه عنه أو كان . الرحم فال يتكون منه وال حبركته جننيأن املين قد يكون يفوأما ما قاله بعد . وأما صالحه للتمدد فما هو إال مبرتلة البصاق واملخاط والدم وليس يف هذا داللة. اجلنني

الظلمات اليت ال ذلك من أن العروق متدد بالدم والشريانات بالروح، فيقال له ما الدليل على ما ادعيته يفتقع عليها املشاهدات ؟ وأما قوله إن اجلنني مبرتلة النبات فإنه أراد أن يقربه عند نفسه مما يدعيه بعض

وشئ . الناس أن النبات من الطبيعة، فالداللة على أن اجلنني والنبات مجيعا ليسا من الطبيعة داللة واحدةوضع الذي نشأ فيه حىت يقطعه قاطع أو يقلعه قالع، واجلنني آخر وهو أن النبات ال يفارق بطبعه عندهم امل

ووجه آخر وهو أن النبات منذ يكون إىل أن . ليس كذلك ألنه يفارق موضعه من غري مزعج أزعجهيفسد ال بد له من مكان متصل به وكائن فيه ومستقى منه وال جيوز أن يكون كامال قائما إال كما

وأكثر النبات إذا . م الصورة كامل املعىن وإن فارق الرحم اليت كان فيهاوصفنا، واحليوان أمجعه يكون تاقطعت رؤوسه منى وكمل ومنه ما تقطع أغصانه وأطرافه فينفعه ذلك وال يضر به، وليس كذلك

فإن كان نباتا ألنه فيه حاال تشبه النبات فمحال أن يكون غريه ألن فيه خالال كثرية ال تشبه . اإلنسان ما حكاه جالينوس عن أنباذ قلس من أن أجزاء اإلنسان منقسمة يف مين الذكر واألنثى فال النبات فأما

فصل بني هذا القول وبني من قال إن أجزاء الولد من أحدمها أو منهما منبثة يف رحم املرأة وإن مين ما من زعم أنه وأ. الرجل جيمعها وإا منقسمة يف األغذية أو اهلواء، وهذه كلها دعاوى ال برهان عليها

خيرج من أعضاء اإلنسان أجزاء لطيفة فيها من جنس كل عضو من أعضاء بدن اإلنسان فيقال هلم لو كان هذا على ما يزعم هؤالء لوجب أن يكون ولد األعمى أعمى وولد األعور أعور وولد املقطوع اليد

ال يد له وليس األمر كذلك

مل من أقطاره بأن قالوا إنا مل نشاهد جسما إال وبعده ذراع من واستدل من زعم أن ال اية ألجسام العافيقال هلم أخربونا عن السودان الذين ينشأون يف بالدهم هل جيب عليهم أن يقضوا . أي ناحية قصدنا إليه

Page 55: رسائل فلسفية الرازي

ابو بكر الرازي-رسائل فلسفية 55

ويقال هلم هل . أن ال إنسان إال أسود ؟ فإن قالوا نعم أبطلوا ما نشاهده، وإن قالوا ال أبطلوا استدالهلم على من نشأ يف القرية أن حيكم أنه ال بر إال ومن ورائه بر ؟ ويلزمهم نظري ما ألزمناهم واستدل جيب

أرسطوطالس على أنه ال اية حلركات العامل بأدلة أحدها أنه قدم فيه أن العامل قدمي، وهو قوله إن احلركة غري متحرك مث حترك، وإذا كان له إن احلركة إن كانت مبتدئة يف زمان فقد بقي اجلسم زمانا ال اية له

حمرك قدمي حركة فقد استحال أو استحال اجلسم الذي حركه، وأيهما استحال فقد كانت حركة قبل أن وقولنا إن . ولو أعطينا أن اجلسم مل يزل لوجب أن يتحرك ويسكن ولكن هذا مما مننعه إياه. تكون حركة

ذا املوضع أن يكون البارئ جل وعز ذا فعل أن مل يفعل اجلسم واحلركة مجيعا حادثان، وقد أفسدنا قبل ه .وهذا الدليل ذكره يف مسع الكيان يف املقال الثامنة منه. فقد استحال

واستدل أيضا على أن احلركة مل تزل بأن الزمان عدد حركة الفلك أو حادث عنها، ولو حدث الزمان قول كان بعد أن مل يكن، والقبل والبعد وكان لكان قبل حدوثه زمان ألنه ال بد ملن أثبت حدثه من أن ي

فإذا قال قائل كان الزمان بعد أن مل يكن فقد أثبت زمانا قبل حدوثه، . بعد أن مل يكن أدلة على الزمان. وهذا دليل استدل به يف مقالة الالم من كتاب ما بعد الطبيعة. وإذا ثبت أن الزمان قدمي واحلركة قدمية

تدل به برقلس، وقد قلنا يف مناقضته فيه مبا نكتفي به غري أنا نقول أيضا إنا جنيب وهذا شبيه بدليل قد اسبغري ما قدرته جوابا ونقول إن الزمان متناه، وقول من قال إنه ال أول له حمال وهذا إمنا هو تعلق بالشغب

و ليس يوم السبت وقد نقول يوم السبت قبل يوم األحد، فإن قالوا إن بينهما آنا قيل هلم أ. يف األلفاظيقال هلم فعلى قياس ما استدل به أرسطوطالس جيب . قبل اآلن الذي بينه وبني الزمان ؟ فال بد من نعم

ويقال هلم أليس أجزاء الزمان حتدث وتبطل ؟ فال بد على قوله من نعم وإال . أن يكون زمانا معا يف حالفحدوثه وبطالنه يف زمان ؟ فإن قال ال وهو يقال له أ. كان يوم السبت مل يزل فيجب أن يكون ال يزال

ويقال له إذا زعمت أن . قوله، قيل له فقد صار الزمان حيدث ويبطل ال يف زمان، وهذا نقض قولكالزمن إن كان حادثا فال بد من أن يكون قبل حدوثه زمان فبأي شئ تنفصل ممن زعم أن املكان إن إن

يف مكان، فيبطل هذا القائل املكان أو يكون كل مكان ال إىل كان موجودا يف العامل فال بد من أن يكون اية ؟ ومما يستدل به أيضا على قدم احلركة بأن زعم أن حركة الفلك دورية، وإذا كانت دورية فال

وقد نقضنا هذا فيما أتى به ابرقلس وأذكر ما به هاهنا وقد زعم ثابت بن قرة أن . ابتداء هلا وال انتهاء. ركة واحدة مل تزل وال تزال وأا إمنا تكون حركات على قدر ما نتومهه ونعلمه فيهاحركة الفلك ح

وإمنا قال هذا هربا من أن يلزمها العدد فيكون إما زوجا وإما فردا ويلزمه فيها مسائل توجب التناهي، يس ألا حركة دائمة، وكيف تكون حركات ول- قال -فزعم أا حتدث دائما ومساها حركة جتري

يفصلها سكون ؟ يقال فيجب أن تكون حركته يف زمان أرسطوطالس هي حركته يف زماننا هذا، ولو

Page 56: رسائل فلسفية الرازي

ابو بكر الرازي-رسائل فلسفية 56

. بل جيب أن تكون موجودة معدومة. جاز هذا جلاز أن يكون زمان أرسطوطالس هو زماننا وهذا جتاهل

معدومة ألن ما مضى منها فليس هو الساعة وما منها الساعة الفلك متحرك به فموجودة، فهي موجودةويقال له لم زعمت أن حركة الفلك حركة . وباقية مستأنفة إذ كان منها ما قد مضى ومنها ما يستأنف

واحدة ؟ فإن قال ألنه ال سكون بينها وكل حركة ال يفصلها سكون فهي واحدة، قيل له أليس هي .واحدة وإن منها ما قد مضى ومنها ما مل ميض ؟ فال بد من نعم

ا تنكر من أن تكون حركة واحدة وإن فصلها سكون ؟ فإن قال إن قولك ماض وأتى ومضى يقال له فمومل ميض إمنا هو على حسب ما نتومهه، قلنا مل نسأل عن تومهنا وإمنا سألنا عن احلركة وحكمها يف أا

ا تكون ويقال هلم أفر أيتم إن تومهنا يف حركة الفلك سكون. واقفة وماضية ومستأنفة ال غري ذلكحركتني ؟ فإن قالوا نعم قيل هلم وكذلك لو تومهناها جسما لكانت جسما؟ فإن قالوا ال قلنا وال جيب

إذا تومهناها ماضية أن تكون ماضية وإذا تومهناها مستأنفة أن تكون مستأنفة، فأجيبوا عنها يف نفسها ويقال له أخربنا عنا لو تومهنا اجلوهر غري . هفإنا مل نسأل عنه وال فرج لكم في. واتركوا التعلق بالتوهم

قائم بنفسه والعرض قائما بنفسه والفلك مربعا أو مثلثا أو من الطبائع األربع أو كائنا فاسدا كان جيب أن يكون ما تومهناه على ما تومهناه؟ فإن قالوا نعم تركوا قوهلم، وإن قالوا ال قلنا وكذلك إذا تومهنا حركة

واحدة يف نفسها حركات كثرية مل جيب أن تكون حركات كثرية وزعم ثابت بن قرة أن الفلك اليت هي ال ثالثة منه مضت إال وهي - زعم -وزعم أن له نصفا ألنه . ماال اية له قد يكون موجودا بالفعل

وزعم أن له نصفا ألن ما ميضي . نصف لستة وال مخسة إال وهي نصف لعشرة، وزعم أنه يزيد وينقص وال عشرة إال وفيها مخسة أزواج، فأما األفراد فالواحد والثالثة واخلمسة والسبعة والتسعة وأما عشرات

فيقال له إذا زعم أن ماال اية له أو ليس إمنا زاد . األزواج فاالثنان واألربعة والستة والثمانية والعشرةفإن قال احلركات متناهية . قروا بتناهيهعلى اية جياوزها ما زاد ؟ فإن قالوا ال كابروا، وإن قالوا نعم أ

من إحدى جهتيها وهي اجلهة اليت تلقى منها، قيل له فتناهيها من إحدى جهتيها من إحدى جهتيها أليس وإذا جاز أن يتناهى ما ال اية له من جهة فلم ال جيوز أن . هو تناهي ما ال اية له ؟ فال بد من نعم

ا جاز أن يكون ما ال اية له يزيد وينقص فلم ال يكون ما يتناهى ال يتناهى من جهتني ؟ ويقال له إذيزيد وال ينقص ؟ ويقال له إن كان ملا ال اية له نصف على الوجه الذي وصفت فازعم أن له طرفني ألن ما مضى منه عشرات ومئون وألوف وهذه كلها أول وآخر وزعم أنه ال حركة بعينها إال حمدثة

كما أنه ال حبة من حبات احلنطة إال وهلا شكل وصورة وللكر منها صورة شكل -قال -ومجيعها قدمي فيقال له فأخربنا عن إنسان لو أثبت كل إنسان بعينه أسود هل جيب عليه . وصورة ليس لكل واحدة منها

Page 57: رسائل فلسفية الرازي

ابو بكر الرازي-رسائل فلسفية 57

أن يقول أن يقول كل إنسان أسود ؟ فإن قال ال جتاهل وقد سألناه عن هذا، فقال نعم قلنا فلم ال جيوز له إن كل إنسان بعينه أسود واجلميع بيض، وجنعل هذا قياسا حببات احلنطة والكر ؟ فلم يكن عنده يف هذا فصل وحكى عن أيب يوسف بن إسحق الكندي أنه كان يزعم أن حركة الفلك واحدة والزمان واحد مل

ما غري منفصلني يف وجود يزل وأن غدا موجود غدا معدوم اليوم وأن اليوم موجود اليوم معدوم غدا وأفيقال له فقد كنا حنن إذن مبا حنن أشخاص يف زمن بطليموس بل حنن كائنون يف الزمان الذي . وال وهم

ويقال كيف ندخل حنن يف الزمان الذي يأيت أو يأيت هو إلينا حىت نكون فيه . يأيت بعد، وهذا جتاهل هذا القول أن تكون حركة اليوم هي حركة واألشياء على مراتبها وليس حدوث ؟ ويقال له فيجب على

غدا، وإذا جاز هذا فلم ال جيوز أن تكون حركة اإلنسان اليوم حركته غدا ؟ وهذا حمال كله وجتاهل إال أن يفهم منه القول بالدهر ويقال ألرسطوطالس ومن يذهب مذهبه يف تناهي أجسام العامل وارتفاع

حركة إال وقبلها حركة فلم ال تزعمون أنه ال ذراع إال إذا كانت ال: النهاية عما مضى من حركاتهوبعده ذراع واستدل بعضهم على أنه ال حركة إال وقبلها حركة بأم مل يشاهدوا حركة إال وقبلها

فيقال هلم أخربونا عن إنسان دخل على قوم وهم جمتمعون يف دار هل كان جيوز له أن يقول إنه . حركةتمع مع صاحبه يف تلك الدار ألنه مل يشاهدهم إال كذلك ؟ فإن قالوا نعم ال واحد منهم إال وهو جم

.جتاهلوا، وإن قالوا النقضوا علتهم، وكذلك إن قال إن قبل كل حركة حركة

فأما ما حكاه فلوطرخس عمن زعم من الفالسفة أن العوامل بال اية فأنه حكى عن مطرود منهم أنه ن تنبت سنبلة يف صحراء واسعة وكذلك ال يكون عامل واحد فيما ال احتج لذلك بأن قال إنه حمال أ

على من يزعم أن األشياء ال اية هلا وأن العوامل واحدة منها - إن صحت -وهذا إمنا هي حجة . ايةوبعد فقد تكون ؟ صحراء فيها سنبل وغري سنبل، فهل جيوز أن تكون عوامل وغري عوامل ؟ . عامل واحد

ترك قوله إن األشياء عوامل ال اية هلا، وإن قال ال خالف موضوعه وقد سأهلم اسطوطالس فإن قال نعم ليس خيلو عناصر هذا العامل من أن تكون موافقة لتلك : يف املقالة األوىل من كتابه يف السماءيف ذلك فقال

كهذه، وإمنا علق العناصر يف املعىن أو يف االسم فتلك النار ليست مبحرقة وكذلك سائر العناصر ليستوغن كانت يف املعىن وكانت نار هذا العامل تذهب عن مركزه فلو . هذا القائل أمساء العناصر على غريها

فإن .تومهنا عاملا فوق هذا العامل لكانت النار تذهب إىل مركزه، وهذا خطأ وهو داخل يف القسم األولان ليس ختتلف حركاا الختالف أماكنها قالوا أن كل عامل يذهب عن مركزه يفسد، قيل هلم إن النري

ويقال هلم إذا جاز أن . فالنار اليت يف املشرق تذهب عن املركز والنار اليت يف املغرب أيضا تذهب عنهيكون يف نار هذا العامل مذهب عن مركزه فقد اختلف حكمها، فما ينكر قائل هذا القول من أن تكون

Page 58: رسائل فلسفية الرازي

ابو بكر الرازي-رسائل فلسفية 58

مل ليست حمرقة ؟ فأما ما حكاه عن سالوقس فإنه احتج لقوله يف أن نار هذا العامل حمرقة ونار ذلك العاإذا تناهى العامل فهل يتناهى إىل شئ أو ال إىل شئ ؟ فإن كان إىل شئ فهذا : هذا العامل ال اية له بأن قال

فيقال له ما. قويل، وإن كان ال إىل شئ فيجوز أن يطابق ال شيئا ومياس ال شيئا كما تناهي ال إىل شئ

تنكر أن يكون التناهي إمنا يكون للشيء اية حالة فيه وليس حيتاج إىل غريه ؟ واملماسة تقتضي مماسني كما أن املشاركة تقتضي مشاركني قالوا ولو أن واقفا وقف يف آخر حد من حدود العامل هل كان يرى

هل جيوز أن خيرج يديه أم شيئا أم ال يرى شيئا ؟ فإن كان يرى شيئا فهو قويل، وإن كان ال يرى شيئا فال ؟ فإن قال ال قيل فما الذي مينعه ؟ وإن قال نعم قيل فإذا حتركت يده فهل تتحرك يف شئ ؟ فإن قالوا نعم قيل هذا قويل، وإن قالوا ال قيل هلم فإذا حتركت يده ال يف شئ فلم ال مياس شيئا ؟ ويقال ملن اعتل

مهنا واقفا على حد العامل ال يرى شيئا إذا كان ال يترائى له ؟ ذا ما تنكرون من أن يكون الرائي إذا تووأما ليخرج يده فقد قال قوم أنه ال جيوز ليس ألن مانعا مينعه ولكن ألنه حمال حتركه ال يف شئ ألن

احلركة قطع ملكان فإذا مل يكن مكان فال قطع، وقال آخرون إن جاز أن تتحرك يده ال يف مكان فجائز ان وتتحرك اليد وأما من زعم أن العامل واحد وبعد ذلك عنصر ال اية له فلم أقف هلم على أن يبطل املك

ما تنكرون من أن يكون عوامل ال اية هلا وراء ذلك العنصر وذلك اخلالء؟ علة، ولكن يقال هلم

Page 59: رسائل فلسفية الرازي

ابو بكر الرازي-رسائل فلسفية 59

الفهرس

2............................................................................كتاب السرية الفلسفية

8............................................................................كتاب الطب الروحاين

8..................................................................................الفصل األول

8........................................................................قل ومدحهيف فضل الع

9..................................................................................الفصل الثاين

9.........................................يف قمع اهلوى وردعه ومجلة من رأي أفالطون احلكيم

16...............................................................................لفصل الثالثا

16...................................مجلة قدمت قبل ذكر عوارض النفس الرديئة على انفرادها

16................................................................................الفصل الرابع

16...............................................................يف تعرف الرجل عيوب نفسه

17..............................................................................الفصل اخلامس

17...........................................................................يف العشق واإللف

17.......................................................................ومجلة الكالم يف اللذة

23.............................................................................الفصل السادس

23..................................................................................يف العجب

23...............................................................................الفصل السابع

23...................................................................................يف احلسد

27................................................................................الفصل الثامن

27.............................................................................يف دفع الغضب

27...............................................................................الفصل التاسع

27...........................................................................يف اطراح الكذب

29...............................................................................الفصل العاشر

29....................................................................................يف البخل

30.........................................................................الفصل احلادي عشر

Page 60: رسائل فلسفية الرازي

ابو بكر الرازي-رسائل فلسفية 60

من الفكر واهلم 30........................................................يف دفع الفضل الضار

31...........................................................................الفصل الثاين عشر

31.................................................................................يف دفع الغم

34.........................................................................الفصل الثالث عشر

34....................................................................................يف الشره

35..........................................................................الفصل الرابع عشر

35...................................................................................يف السكر

36........................................................................الفصل اخلامس عشر

36...................................................................................يف اجلماع

38........................................................................الفصل السادس عشر

38...................................................................يف الولع والعبث واملذهب

39.........................................................................الفصل السابع عشر

39.............................................................يف االكتساب واالقتناء واإلنفاق

41..........................................................................الفصل الثامن عشر

41............................................................يف طلب الرتب واملنازل الدنيائية

44.........................................................................الفصل التاسع عشر

44...........................................................................يف السرية الفاضلة

45............................................................................الفصل العشرون

45........................................................................يف اخلوف من املوت

47.................................................................ةللدوامقالة يف إمارات اإلقبال و

48...........................................................................مقالة فيما بعد الطبيعة

59.........................................................................................الفهرس

To PDF: www.al-mostafa.com