مجلة سورمَي - القسم العربي

55
مقراطية والديقتصادقة بين الية الع في إشكا في مسرحة السرد القصصيقية خ الحرب والقيم امكن؟اني معلمون اللقـان هل ا يَ سورم كل شهرينة – ثقافية تصدر مجلة فكريلثقافيةجرا اسة جار منشورات مؤس منولول – تشرين ا / أيل8 د العد الحقيقة خميرة الواقع.. نشوة

Upload: -kovara-sormeye

Post on 24-Jul-2016

235 views

Category:

Documents


5 download

DESCRIPTION

العدد 8 من مجلة سورمَي فكرية - ثقافية، تصدر كل شهرين عن مؤسسة جارجرا للثقافة

TRANSCRIPT

Page 1: مجلة سورمَي - القسم العربي

• في إشكالية العالقة بين االقتصاد والديمقراطية• في مسرحة السرد القصصي

• الحرب والقيم األخالقية• هل القـانون العلماني ممكن؟

مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرينسورمي

من منشورات مؤسسة جارجرا الثقافية

العدد 8 / أيلول – تشرين األولخميرة الواقع.. نشوة الحقيقة

Page 2: مجلة سورمَي - القسم العربي

سورمي

مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرينالعدد: 8

أيلول – تشرين األولالمدير العام: نهاد إسكان

هيئة التحرير: عباس علي موسى، عبدهللا شيخو، محمد مجيد حسين، خالد عمر

تحرير وتدقيق القسم العربي: عباس علي موسى

تحرير وتدقيق القسم الكردي: عبدهللا شيخولوحتا الغالف: زهير حسيب

تصميم الغالف، واإلخراج الفني: شفان ديركي

مجلة سورمي

تلفون: 0938408206 )963+( )+963( 0999656125 -

البريد اإللكتروني[email protected] :

حقوق النشر محفوظة لمجلة سورمي.الكاتب مسؤول عن محتوى مادته.

ترتيب المواد يخضع العتبارات فنية

المحتوى

هيئة التحرير: سورمي في عدد جديد وروح جديدة\ 2

بين العالقة إشكالية في عيسى: شيار االقتصاد والديمقراطية \ 4

عزيز توما: الديمقراطية العابرة للحدود \ 16

فرحان كلش: ماهية الديمقراطية ونشأتها واشكاالتها النظرية والتطبيقية \ 22

السرد مسرحة في محمد: باقي محمد القصصي \ 29

شفان ابراهيم: الحرب والقيم األخالقية \ 34

العلماني القانون هل ماكلوري: ديفيد ممكن؟ \ 38

عمران عزالدين: أفريقيا بعيني لوكلوزيو 49 \

نافذة \ 52

سورمي خميرة الواقع.. نشوة الحقيقة

مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين

من منشورات مؤسسة جارجرا الثقافية

العدد 8 / أيلول – تشرين األول

Page 3: مجلة سورمَي - القسم العربي

العدد 8 / أيلول – تشرين األول 2

العابرة )الديمقراطية عنوان تحت أخرى للحدود، نحو بناء معرفة بديلة(، فهي – كما مقاربة بناء إلى تهدف الكاتب- يقول وبنى الثقافات، من ألنماط ابستمولوجية فكرية تتصل بالديمقراطية، والصعوبات التي تحول دون تطبيقها، وصوال إلى تفكيكها ثم كما العصر، لترسيمات طبقا بنائها إعادة واالجتماعية الفكرية السياقات ستتناول )ماهية وعن بالموضوع. المرتبطة النظرية واشكاالتها ونشأتها الديمقراطية كلش فرحان الكاتب يقدم والتطبيقية(، وبعض الديمقراطية، تاريخ عن بانوراما إسقاطاتها الراهنة، فهو يبدأ بنشأة الديمقراطية وظهور مصطلحها، ورؤية اإلسالميين إلى الماركسيين رؤية وكذلك الديمقراطية، والليبراليين إليها، وتوقف أيضا على بعض التي النظر وجهة من الديمقراطية عيوب على أيضا وتوقف المفهوم، بها تناول عن وبعيدا األوسط. الشرق ديمقراطية سورمي تناولت فقد الديمقراطية موضوع السرد مسرحة )في بعنوان آخر موضوعا محمد باقي محمد للقاص )! القصصي عبر والمسرح القصصي السرد بين متنقال إسماعيل المسرحي للمخرج لعمل عرضه الخلف المعنون بـ عن هول ما جرى والذي اشتغل فيه على نصوص قصصية، والكاتب إذ يستعرض هذه التجربة يعرف بخصوصيات بينهما فيما والتداخالت والقصة المسرح )الحرب وعن القصة. مسرحة وصعوبات والقيم األخالقية( يتناول الكاتب شفان إبراهيم انتهاك الحرب للقيم األخالقية، فأيديولوجية الفاقع الشكل هي الثورات في الحرب

جديد، عدد في األحمر النبيذ سورمي/ إشكاالت ذات مواضيع طياتها في تحمل تكرس إذ فهي والثقافة، الفكر في متعددة وشرفات آخر أفقا تفتح الحداثة لمفاهيم أخرى لتطل على هذا العالم بالعين الحصيفة ذاتها؛ عين الكتابة. سورمي أكدت في بيانها ترتيب في األول أو السابع/ العدد في في الخوف سلطة فرضته الذي انقطاعها أنها اآلن إلى أثبتت التي الجغرافية هذه األعتى في كم األفواه وحجب الحقيقة، أنها ستكون منبرا حرا للكلمة، وهي تؤكد مقولتها دوما، وتفتتح شرفاتها لألقالم الحرة. في هذا عديدة كتابات عبر سورمي توقفت العدد الراهنة أهميتها تحمل مواضيع على موضوعا تتناول إذ فهي والمتجددة، ففي بحثه فيه عميقا، كالديمقراطية تغوص األكاديمي )جزء من كتاب غير منشور، وقد اختارته سورمي باالتفاق مع الكاتب(، يقدم )في بعنوان بحثه عيسى شيار الكاتب إشكالية العالقة بين االقتصاد والديمقراطية(، يطرح الكاتب إشكالية هذه العالقة في مقاربة إلى وتصل القارئ وتناقش األسئلة تطرح هذا من الهدف فيقول: وخالصات، نتائج االقتصاد بين العالقة دراسة هو البحث قد مخرجات إلى للوصول والديمقراطية، حول الغموض بعض إلزالة سبيال تكون إشكالية تلك العالقة، ولتوظيف تلك النتائج لصالح وضع تصورات للشكل األمثل لنظام لواقع تسعى التي الدول تجارب في الحكم أفضل في المستقبل كدول تسعى للديمقراطية، وسبيال لالزدهار االقتصاد. أما الكاتب عزيز توما فيتناول موضوع الديمقراطية من زاوية

سورمي في عدد جديد وروح جديدةP

Page 4: مجلة سورمَي - القسم العربي

سورمي - مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين 3

حج سوز اإلنكليزية عن ترجمتها والتي بتساؤالت دراسته الكاتب فيفتتح يونس، عميقة وصادمة ربما فيقول: من الضروري تعطي قد التي المختلفة المعاني فهم بأنه يعرف حيث »العلمانية« لمصطلح وهذا السياسة، عن الدين فصل حصيلة الفصل بينهما ليس فقط مستحيال، بل خطرا أيضا، ويعتبر الدين المسيحي نفسه مساهما العلماني. القانون فكرة ظهور في رئيسا لتحمل الشرفات هذه بين سورمي تتنقل وقت في ومتجددة جديرة، كتابات لقرائها تفوح الجغرافيا برائحة الدم والبارود، نسكب هاهنا/ وندلقها أيديكم، بين هاهنا الحبر هاهناك عل الحبر يحمل عبقا آخر. سورمي بذخ على تأكيدا والكردية العربية باللغتين اللغة ومساهمتها في رأب بعض الصدع أو وخاصة المستويات من العديد في كثيره

المستوى الثقافي.

هيئة التحرير

الثورية اإليديولوجيا هذه القتل، أليديولوجيا تقسم القيم إلى قسمين؛ ظاهر وخفي، الظاهر هو والخفي الزائفة، المعلنة األهداف هو أمام نحن وبالتالي الحقيقية، األهداف أيديولوجيتين معا، واحدة تضفي على الثورات وهي وحقانية وعقالنية أخالقية دالالت الملوثة هي واألخرى العلنية، األيديولوجية جديرة قراءة في الدنيوية. األهداف بكل يأخذنا القاص عمران عز الدين إلى أدغال أفريقيا في المادة المعنونة بـ )أفريقيا بعيني الفرنسي لوكلوزيو( والتي يتناول فيها رواية لوكلوزيو التي تحمل عنوان اإلفريقي، التي يقول عنها الروائي )هذه هي أفريقيا الحقيقية، ذات الكثافة السكانية الكبيرة، الرازحة تحت لكنها العشائرية، والحروب األمراض وطأة أطفالها، بأعداد والمبهجة، أيضا، القوية رعيانها وظرافة بطبيعة الراقصة، بأعيادها الذين يرزحون في الطرقات(. أخيرا يناقشنا ديفيد ماكلوري العلمانية واإللحاد في دراسة الدراسة في وذلك المفهومين، عن مسهبة المعنونة بـ )هل القانون العلماني ممكن؟!(،

Page 5: مجلة سورمَي - القسم العربي

العدد 8 / أيلول – تشرين األول 4

األمثل لنظام الحكم في تجارب الدول التي تسعى لواقع أفضل في المستقبل كدول تسعى

للديمقراطية، وسبيال لالزدهار االقتصاد.لذلك سأقوم بشرح عام ومختصر لنظرية االقتصاد أن مقولة تتبنى التي التحديث؛ المزدهر يؤدي إلى دمقرطة النظام السياسي.

على الضوء البحث هذا سيسلط كما نظرية أخرى تفيد بأن شكل نظام الحكم هو الذي يؤثر في االقتصاد؛ أي المقوالت التي تتبنى الديمقراطية كفعل مثبط، أو تلك التي تتبنى الديمقراطية كفعل منشط لعملية التنمية هذه على التركيز من الهدف االقتصادية. إلى االنتقال إذا كان تبيان ما الجزئية هو نظام حكم ديمقراطي له جدوى اقتصادية،

أم أنه سيؤدي إلى االنحدار اقتصاديا.

إلى االقتصادية التنمية تؤدي هل دمقرطة النظام السياسي؟!

من أهم المدارس التي تتبنى مقولة دمقرطة إلى تؤدي االقتصادية التنمية أن النظام السياسي، هم أتباع ما يسمى بنظرية نهاية في تداولها تم التي التحديث، خمسينيات القرن الماضي وبداية الستينيات. تعتمد النظرية على مبدأ أن الدول التي مرت بمراحل من التحديث االقتصادي واالجتماعي التعليم، لمستوى مرتفعة بمعدالت متمثلة تكنولوجي، وتطور الفرد دخل في وزيادة

تكون في الغالب ديمقراطية.أحد أهم رواد نظرية التحديث هو الباحث ن ليبست]4[ الذي يعتمد في نظريته سيمور مارت�ي

والتنمية الديمقراطية بين العالقة تعتبر أصبحت التي اإلشكاليات من االقتصادية الباحثين للمواطنين، وكذلك الشاغل الشغل وساسة الدول في العالم، لما لهذين المفهومين تلك ورخاء تطور على مباشر تأثير من

الدول.العالقة تلك شكل في يكمن االختالف ومدى تأثيرها، فالمفكر اإلنكليزي توماس هوبز يؤمن بأن الحاكم في النظام الملكي يحرص على االستقرار السياسي]1[، الذي يعد المحرك ال كان بينما االقتصادية، للتنمية األساس ينفك عن إبداء مخاوفه من أن يؤدي النظام وعدم الفوضى أجواء إثارة إلى الديمقراطي التنمية على سلبا يؤثر مما االستقرار،

االقتصادية]2[. رائد - سميث آدام للكاتب كان بينما نظرية فكرة السوق الحرة - رأي ينطلق من على للحفاظ مهم الديمقراطي النظام أن للنظام عمادا تعد التي الفردية، الملكية االقتصادي، من جهة أخرى فإن العديد من المدارس تتحدث عن اتجاه معاكس للعالقة أن مفادها والديمقراطية، االقتصاد بين التنمية االقتصادية تؤدي بشكل تدريجي إلى سيمور يعد السياسي، حيث النظام دمقرطة ن ليبست من أهم رواد تلك النظرية، كما مارت�ي

أنه أحد أهم رواد نظرية التحديث أيضا]3[. الهدف من هذا الفصل هو دراسة العالقة إلى للوصول والديمقراطية، االقتصاد بين بعض إلزالة سبيال تكون قد مخرجات الغموض حول إشكالية تلك العالقة، ولتوظيف للشكل تصورات وضع لصالح النتائج تلك

في إشكالية العالقة بين االقتصاد والديمقراطيةP

شيار عيسى

Page 6: مجلة سورمَي - القسم العربي

سورمي - مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين 5

منظمات وتقوية الوسطى، الطبقة ونمو المجتمع المدني، األمر الذي يؤدي إلى نشر قيم الديمقراطية، والتسامح، والحد من القيم غير تقييمها في األبحاث تلك كانت الديمقراطية. لتحسن الوضع االقتصادي، تعتمد في الغالب المحلي الناتج إجمالي مستوى ارتفاع على كمقياس للنمو االقتصادي]7[، وكانت تعتمد على عدد من المعايير لتقييم ديمقراطية أي بلد، على الرغم من أن تلك األبحاث أثبتت أن النمو االقتصادي في بعض الدول كالهند تبعه تقدم ملحوظ في ملف حقوق اإلنسان الدول من العديد ثمة أيضا أنه إال والديمقراطية، فيها االقتصادي النمو يؤد لم وروسيا، كالصين، النظام دمقرطة لى واإ التسامح، قيم تعزيز إلى السياسي، ففي دراسة تم الوصول إلى نتيجة تقول أن قيم التسامح نحو األقليات والمهاجرين مثال لم والروسي، الصيني المجتمعين في بعد تتأصل

رغم التقدم الصناعي في البلدين]8[. الباحثين من كبيرا قسما حملت النتائج هذه على نفي أي عالقة طردية بين النمو االقتصادي ودمقرطة الدولة، والوصول إلى نتيجة مفادها أن لكني عملية، إثباتات لها ليس ليبست نظرية عدة ألسباب االستنتاجات تلك مع أختلف

سألخصها في نقطتين أساسيتين:أن نفي نظرية ليبست مرده بشكل 1- أعتقد أساس هو الفهم المجتزء لها، فليبست يؤكد بشكل قطعي أن الشرط األساس لفرضيته ليس فقط في ارتفاع مستوى الناتج المحلي اإلجمالي، بل أيضا المحلي الناتج ارتفاع للثروات، العادل التوزيع دخل ارتفاع بالضرورة يعني ال قد اإلجمالي، هنالك تكون أن الممكن فمن المواطنين، أغلبية من صغيرة طبقة تكون بحيث طبقية، فوارق السكان مسيطرة على غالبية موارد الدولة، وهو أمر شائع في الكثير من الدول، وبالتالي فإن لن اإلجمالي، المحلي الناتج وزيادة التنمية يكون له تأثير كبير على تحسن مستوى األفراد، ألن استثمار موارد الدولة ال يكون في صالح

إلى يؤدي الصناعي التطور أن على بدورها تؤدي التي المتغيرات من مجموعة

إلى دمقرطة نظام الحكم.االزدهار فإن ليبست نظرية بحسب االقتصادي يؤدي إلى نمو الطبقة الوسطى، وبذلك يختل النظام الطبقي في المجتمع، من واسعة شريحة من يتألف والذي والتي الفقيرة، الطبقات من المواطنين تتقلص لصالح نمو الطبقة الوسطى في حالة النمو االقتصادي، ونمو الطبقة الوسطى يؤدي تحجيم وكذلك النزاعات، من الحد إلى

المجموعات المتطرفة في المجتمع.ليبست عنه يتحدث الذي الثاني التغير تحسن هو االقتصادي، النمو يرافق والذي الوضع تحسن فمع التعليم]5[، مستوى كالطرق، التحتية البنية تتحسن االقتصادي، تنقل سهولة على تؤثر التي النقل ووسائل بالتعلم، منهم المزيد رغبة وبالتالي الطالب، وكذلك على بناء المزيد من المدارس، وتحسين كتب، كتوفير التعليم، بمستلزمات يتعلق ما ومخابر، وأدوات تعليمية حديثة، وزيادة رواتب تؤدي أن تستطيع أمور كلها المعلمين، وهي تشجيع خالل من المتعلمين نسبة زيادة إلى الطالب على إكمال تحصيلهم العلمي، وزيادة المتعلمين بدوره يؤدي إلى إشاعة قيم التسامح، لى الحد من القوى التي تقف في التضاد من واإ

قيم الديمقراطية والحرية. الوضع تحسن فإن ليبست وبحسب ثالثا، االقتصادي يؤدي إلى تنشيط وتقوية منظمات منظمات تقوم حيث المدني]6[، المجتمع عمل على الرقيب بدور المدني المجتمع في الديمقراطية القيم على وتحافظ الحكومة،

المجتمع.أجرى العديد من العلماء أبحاثا للتحقق مما النمو بأن مزاعمه، في محقا ليبست كان إذا التعليم تحسين مستوى إلى يؤدي االقتصادي

Page 7: مجلة سورمَي - القسم العربي

العدد 8 / أيلول – تشرين األول 6

كالبرلمان، أو حكومات كانت تتخذ أشكاال التي التاريخية للمرحلة تبعا ديمقراطية وجدت فيها، فمن المحتمل أن يؤثر ذلك تاريخ من الحقة فترات في األفراد على تلك الشعوب، أو تلك الدولة، ألن النظام السياسي يؤثر بشكل مباشر على تصرفات األفراد، وينتقل ذلك التأثير بدوره من جيل آلخر، وبالتالي فمن الممكن أن يكون لدى األفراد أفكار تستطيع التأقلم بشكل أفضل

مع المفاهيم الديمقراطية الحديثة. - المستوى الجمعي:

المستوى تأثير على الثقافي للموروث تصرفات على تؤثر أيضا، الجمعي أو سياسية أكانت سواء المجموعات، السويد، مثل دولة ففي دينية، أو ثقافية تؤثر حقيقة كون السويد لم تدخل في أي حرب مباشرة منذ مئتي عام على تصرفات المجموعات السياسية، والثقافة التي تسعى النزاعات، في الدخول تجنب إلى دائما وهي ما تسمى في السويد بعقلية التوافق، األفراد، عقلية على تسيطر التي التوصل في بذلك وتؤثر والمجموعات، بشكل دائم إلى توافقات، أدت تاريخيا إلى

دمقرطة النظام السياسي.كانت العشرين، القرن بدايات في تيارين بين كبيرة هنالك خالفات سياسية بالتيار األولى الكتلة تمثلت متصارعين، يسعى كان الذي الملك، بقيادة المحافظ للحفاظ على سلطاته شبه المطلقة، والتيار وبقية والليبراليين، اليسار، بقيادة اآلخر تسعى كانت التي الديمقراطية، القوى قامة إصالحات، لتقويض سلطة الملك، واإ

وتعزيز الحياة الديمقراطية. كان من الممكن أن يأخذ ذلك الصراع منحى عنفيا، كما في دول أخرى كروسيا لكن عدة عوامل، من التي شهدت ثورة،

الطبقة مصلحة حسب يتم بل المواطنين، المقربة من نظام الحكم.

تتبع الكثير من األنظمة الديكتاتورية طريقة محددة في الحفاظ على سلطتها عبر االعتماد على األقليات، سواء أكانت عرقية، أو دينية، أو اقتصادية، وتمنحها امتيازات سياسية واقتصادية حالة لديها تخلق التي األغلبية، على حساب تتعرض لالضطهاد، بالغبن وأنها الشعور من بأن الغالبية لدى شعورا تولد الحالة هذه في شريكة باالمتيازات المتمتعة األقلية االضطهاد، وتخلق لدى األقلية شعورا بأن الصراع على الحكم هو معركتها، وليست ستفقد ألنها وحده، الحاكم النظام معركة الحاكم، النظام تغير إن امتيازاتها كل وخوفا من انتقام األغلبية، تدافع هذه األقلية

عن النظام باستماتة.مساعد شرط االقتصادي النمو -2لدمقرطة نظام الحكم، لكنه ليس كافيا؛ أي فإن مالئمة، ظروف توفرت لو فيما أنه النمو االقتصادي يمكن أن يؤدي مع غيره مالئمة أرضية تشكيل إلى األسباب من

للديمقراطية.وتساهم تتداخل قد التي العوامل ومن

في الديمقراطية، أو إثباطها:الباحثين بحسب الثقافي: الموروث -ي وأريكسون فإن الثقافة هي مجموع كل

ال�ناألفكار والعواطف والعادات]9[، وباعتقادي أن لمجموعة اآلراء، واألفكار، والعواطف المتوارثة تأثيرا مباشرا على دمقرطة الدول

على عدة مستويات:- مستوى األفراد:

ديمقراطي تاريخ هنالك يكون عندما النظام مستوى على سواء ما، لشعب السياسي، متمثال في وجود إرث ديمقراطي محددة بآليات منتخبة سلطات في

Page 8: مجلة سورمَي - القسم العربي

سورمي - مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين 7

بشكل مباشر على مواقف األشخاص، ووجهات نظرهم تجاه السياسة، وكذلك التاريخ السياسي للدولة، والذي يؤثر أيضا في الموروثين الثقافي، إلى باإلضافة نشأتهما، وفي والسياسي، الظروف السياسية الراهنة، التي تعد مؤثرا مهما

على الثقافة السياسية.ثقافي، انتشار موروث في ظل أجواء من وسياسي يساعد على خلق أجواء من عدم الثقة تعاقب جراء الحاكمة، والسلطة المواطن بين حكومات مستبدة مثال، وتعزز تلك النظرة من النخبة عن المواطنين رضى عدم خالل خاللها من يمكن ال حالة ستتولد السياسية، النهوض بالحالة الديمقراطية، ألن أجواء عدم الثقة قد تؤدي إلى عزوف المواطنين عن العمل القيام فرص تضاؤل وبالتالي السياسي،

بإصالحات حقيقية. لألزمات يكون االقتصادية: األزمات -االقتصادية دور سلبي في دمقرطة نظام الحكم، األزمات أن التاريخية، التجارب أثبتت فقد االقتصادية قد تؤدي إلى انتشار قيم تحد من قيم التسامح وتقبل اآلخر، وتدفع بالكثيرين نحو التطرف، فقد نشأت بعد األزمة االقتصادية في المنصرم - حركات القرن أوربا - تسعينيات بشكل أوربا في المهاجرين تعادي عنصرية على والتضييق الهجرة، من بالحد وطالبت علني،

المهاجرين.الوضع استقرار بعد األحزاب تلك دور تضائل االقتصادية األزمة بعد بقوة عادت لكن االقتصادي، من قياسية نسب حصد في ونجحت األخيرة، ودخلت الدول، تلك برلمانات في األصوات األحزاب تلك ومن األوربية، الدول برلمانات حصل الذي السويديين« الديمقراطيين »حزب انتخابات في األصوات من 12,86 نسبة على

البرلمان السويدي]12[.مجال في واالختصاصية الصحفية تصف بأنها األحزاب تلك يونغار كاترين آن الدول إدارة

على سيطرت التي التوافق عقلية أهمها النخب السياسية السويدية أدت إلى حصول بقوة، األزمات تلك من والخروج توافقات،

لى دمقرطة النظام السياسي]10[. واإثمة مثاال آخر عن تأثير الموروث الثقافي على دمقرطة الدولة، وهو مبدأ المساواة الذي عقلية وعلى السياسية، الحياة على يطغى األفراد، والمجموعات في السويد، وكان من نتيجة إلى الوصول أسبابها دراسة نتيجة ثقافي، موروث المساواة مبدأ أن مفادها، حيث أن البرلمان السويدي وقبل عدة قرون، لطبقة ويسمح ديمقراطيا، منحى يأخذ بدأ أن كما البرلمان، في بالتمثيل الفالحين الثامن القرن في تمت التي اإلصالحات عشر كانت سببا لهذا المنحى الديمقراطي، بشكل الفالحين على األراضي وزعت فقد الطبقية، الفوارق تناقصت وبذلك متساو، وسيطر مفهوم المساواة بين جميع المواطنين، في متجذر عرف إلى تحول الذي األمر العقلية السويدية، حتى الوقت الراهن، وهو ما السويد في فثمة الدولة، دمقرطة في أثر نظاما من الرخاء االقتصادي، الذي يضمن الدخل، حيث أن معين من للفرد مستوى المستوى ذلك تأمين في تتكفل الدولة األدنى من الدخل، حتى لو لم ينجح الفرد في الحصول على عمل، أو في حالة فقدان العمل، أو المرض، أو الدراسة. ذلك كله أدى إلى دمقرطة الدولة، من حيث توفير حياة متساوية لجميع المواطنين اقتصاديا، وكذلك من المثول أيضا، كالمساواة في حالة نواح أخرى

أمام القانون، وغيرها من النواح السياسية.- الثقافة السياسية: هذا المصطلح تعريفا؛ يعني بأنها نموذج لمواقف ووجهات نظر األفراد

وتصرفاتهم تجاه السياسة]11[.عدة تضافر جراء السياسية الثقافة تنشأ عوامل من أهمها الموروث الثقافي الذي يؤثر

Page 9: مجلة سورمَي - القسم العربي

العدد 8 / أيلول – تشرين األول 8

زيادة إلى الديمقراطية تؤدي هل معدالت التنمية االقتصادية؟!

في النقاش الدائر حول تأثير الديمقراطية محوران يبرز االقتصادية التنمية على أساسيان، متناقضان تماما، أوالها الفرضية التي تنطلق من مبدأ أن الديمقراطية تؤدي والثانية االقتصادي، النظام عرقلة إلى األساسي المحرك الديمقراطية أن هي

للتنمية االقتصادية.

الديمقراطية كمعرقل للتنميةالديمقراطية مفهوم حول النقاش بدأ قرون، عدة منذ التنمية لعملية كمعرقل النظام أن هوبز توماس الفيلسوف اعتقد الديمقراطي، النظام على يتفوق الملكي من حيث تأثيره على الوضع االقتصادي، حيث أن الحاكم في النظام الملكي يحرص السياسي، االستقرار على الحفاظ على التنمية في األساس المحرك يعد الذي فيه توجد الذي الحين في االقتصادية، هواجس من أن يؤدي النظام الديمقراطي ما االستقرار، وعدم القالقل، إثارة إلى

يؤثر سلبا على التنمية االقتصادية]14[.بمبدأ تؤمن التي الحديثة الفرضيات الديمقراطية كمعرقل لعملية التنمية، تأخذ أن في تختصر أن يمكن متعددة، مناح االستهالك زيادة إلى تؤدي الديمقراطية إلى بدوره يؤدي الذي األمر الفرد، لدى عرقلة وبالتالي االستثمارات، تناقص

التنمية االقتصادية.عندما تزداد نسبة االدخار في الدولة، يؤدي ذلك إلى إمكانية أكبر لالستثمار في مشاريع جديدة، وكذلك لشراء آالت، وبناء مصانع، وبذلك يزداد االنتاج ويزداد النمو في األساس العنصر إن االقتصادي.

)عائلة متنافرة من القوميين، النازيين، المحافظين األحزاب ومن المبادئ(، ومسطحي المتطرفين، األوربية المتطرفة التي حصلت على نسب عالية األوربي االتحاد انتخابات في األصوات من الجبهة حزب حصل ،2014 عام األخيرة من % 30 من أكثر على الفرنسية القومية األصوات التي كانت كفيلة بأن تتصدر األحزاب المتحدة المملكة حزب تصدر كما الفرنسية، وحصل البريطانية، األحزاب قائمة المستقل، على 23 مقعدا، باإلضافة إلى أحزاب أخرى في

كل القارة األوربية تقريبا]13[.أن األزمات االقتصادية بالذكر هنا، يجدر ليس بالضرورة أن تبدأ في أي بلد كي تساهم الحياة تعطيل وكذلك االقتصاد، تدهور في نما يمكن أن ن بشكل جزئي، واإ الديمقراطية، واإإلى معينة بلدان في اقتصادية أزمات تؤدي العالقة نتيجة بالعدوى، أخرى دول إصابة االقتصادية بين تلك البلدان، فعلى سبيل المثال لو افترضنا أن لسوريا عالقات اقتصادية جيدة اقتصادية أزمة األردن واجتاحت األردن، مع ن فإن ذلك يؤثر بشكل مباشر على سوريا، واإأدت األزمة االقتصادية إلى انخفاض في سعر صرف العملة األردنية مقابل الليرة السورية، هذا البضائع استيراد يستطيع لن األردن أن يعني األردنية السوق ستتضرر وبالتالي السورية، أكثر، وسيصاب قطاع االنتاج السوري بالشلل التجار عزوف بعد االنتاج، تخفيض جراء نتيجة السورية البضائع شراء عن األردنيين غالئها، كل ذلك سيؤدي إلى تسريح الكثير من العمال في المصانع السورية، وتضاؤل ربح تلك المعامل، األمر الذي سيحد من لى واإ السوري، للمواطن الشرائية القوة

تضرر باقي القطاعات من تلك األزمة.

Page 10: مجلة سورمَي - القسم العربي

سورمي - مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين 9

أجور العمال، ستلقى آذانا صاغية، وبالتالي ستتناقص، العمل أرباب أرباح كانت وسيؤدي بدوره إلى تناقص االدخار، وتناقص القدرة على االستثمار، وعدم تحقيق مستويات

جيدة من التنمية.على الرغم من أن النظام غير الديمقراطي - متعددة ظروف بحكم - الصين في من عالية مستويات يحقق أن استطاع في أشك أني إال االقتصادية، التنمية الصين في السياسي النظام إمكانية التنمية من المستوى هذا على المحافظة االقتصادية بالطريقة المعتمدة حاليا، والتي تعود بالفائدة على أرباب العمل، على حساب الذين العمل أرباب على تعتمد كما العمال، المدخرات الستثمارها في فائضا من يمتلكون مشاريع جديدة، ألن زيادة االستثمار في مصانع وآالت جيدة لن يزيد من األرباح بشكل كبير، فعلى سبيل المثال فإن استعمال جهاز كمبيوتر سيكون أكثر فاعلية من الكتابة على آلة كاتبة، مضاعفة تتم أن الممكن من ليس أنه إال االنتاج باستخدام جهازي كمبيوتر، بذات المبدأ في مضاعفتها أو جديدة آالت استخدام فإن معمل معين سيزيد الربح، لكنه لن يكون كبيرا جدا، وبالتالي فإنه وعلى المدى البعيد لن يكون من المجدي اقتصاديا، من وجهة نظر ربحية، أن يتم االستثمار في آالت جديدة، ولن يستطيع االدخار وزيادة الربح زيادة العمل أرباب واالستثمار في مشاريع جديدة مجدية اقتصاديا.

بناءا على ما سبق فإني أعتقد أنه يتوجب على الحكومة الصينية أن تقوم باالستثمار في مجاالت جديدة كالصحة والتعليم، خاصة في تلك أن االستثمار في النائية، حيث المناطق فإن وكذلك اقتصاديا، بها سينهض المناطق إلى بدوره سيؤدي ما سيزداد، التعليم مستوى تقليص الفوارق الطبقية، واالجتماعية، فمستوى أفضل، عمل فرص يوفر التعليم من جيد

كمية هي االدخار، كمية تحديد عملية يقوم فرد فكل فرد، لكل االستهالك نقود بطريقتين، يمتلك من بما بالتصرف فإما أن يدخر أو يستهلك، عملية االستهالك هي أيضا مرتبطة بشكل عضوي بمستوى الفرد دخل كان حال ففي الفرد، دخل متدنيا، فإنه يقوم باستهالك جزء كبير من دخله أو كله، بينما يستطيع الفرد أن يدخر ذلك يكون حين دخله، من كبيرا جزءا مستوى تفاوت يكون بذلك كبيرا، الدخل التنمية، لعملية مشجعا عامال الدخل غير والتوزيع الدخل مستوى في فالتفاوت الدول في عادة يكون للثروات العادل الديكتاتورية، وبذلك نصل إلى نتيجة مفادها أن الديمقراطية تؤدي إلى توزيع أكثر عدالة لى زيادة رواتب العمال، وتتناقص للثروات، واإفوائد صاحب رأس المال، األمر الذي يؤدي لدى االستثمار على القدرة تناقص إلى

التجار]15[. مقارباتهم في االقتصاد علماء ينطلق تلك، من مبدأ أن الحكام في الدول الديمقراطية يجب أن يصغوا إلى المواطنين، ليتم انتخابهم مجددا، مما يدفعهم إلى توفير ظروف تؤدي تقليص وبالتالي الفرد، استهالك زيادة إلى عرقلة وكذلك واالستثمار، االدخار، حجم

التنمية االقتصادية. آلية على األمثلة إحدى الصين تشكل ظل في االقتصادية التنمية عجلة تسريع التنمية أن حيث ديمقراطي، غير نظام في ازدادت التي الصين في االقتصادية انخفاض الثالثين سنة األخيرة، ترافقت مع أرباح تزايد مقابل في العمال، ألجور أدى الذي األمر األموال، أصحاب رؤوس بدوره إلى زيادة االدخار، واالستثمارات، أما كانت فقد ديمقراطي حكم نظام ظل في وزيادة العمل شروط بتحسين المطالبات

Page 11: مجلة سورمَي - القسم العربي

العدد 8 / أيلول – تشرين األول 10

يعتقد الكاتب مانكور أولسون أيضا، أن نظام الحكم يلعب دورا محوريا في التنمية االقتصادية، أرضية يوفر ال الديكاتوري النظام أن حيث لضمان الحفاظ على الملكية الفردية التي تعد الديكتاتورية األنظمة ففي لالقتصاد. عمادا الفئة المسيطرة على زمام األمور قوية، تكون عدم حال في لها التصدي أحد يستطيع وال

احترامها للملكية الفردية]17[.الظروف خلق في محوري دور للدولة معالجة خالل من األسواق، لعمل المالئمة مكامن الضعف في عمل األسواق، وكذلك مد يد العون، والتدخل لسد النقص الحاصل، نتيجة االنتاج تقديم على الحرة السوق قدرة عدم تتميز التي السلع حالة في كما األفضل، السلع وكذلك فائدة جماعية، تدر بكونها يسمى بما مرتبطا انتاجها يكون التي التي السلع أما اإليجابية، بالتأثيرات تتميز جماعية فائدة تدر بكونها تتمتع بصفتين أساسيتين، أوالها أن استعمال فرد لتلك السلعة ال يؤثر على استعمال األفراد اآلخرين لها، وكذلك بأنه ال يمكن أن يتم تلك من االستفادة عن فرد أي استبعاد السلع، أو يكون استبعاد األشخاص مكلفا األمن قوى مثال تشمل السلع تلك جدا، والقانون، الفردية، والحقوق والدفاع، أن اعتبار على القطاعات، من وغيرها يكون السلع من النوع هذا استهالك جماعيا، فإنه من المرجح أن يحاول كل فرد التنصل من المساهمة في بناء منظومة دفاعية مثال، ليقوم اآلخرون ببنائها، في حال لم تتدخل الدولة لبناء تلك المنظومة، بناء يستطيع لن السوق فإن وبالتالي

منظومة دفاعية قوية]18[.مرتبطة بكونها تتميز التي السلع أما أن بخاصية فتتميز اإليجابية، بالتأثيرات تصرفاته من يجعل لها الفرد استعمال

المعيشي المستوى لتحسين فرصا وبالتالي بحيث تصبح أفضل.

أن يمكن الذي - الصين مثال من خالل يطبق في دولة أخرى تشبه في حالتها الحالة حققت التي اآلسيوية الدول كبقية الصينية، مستويات عالية من التنمية االقتصادية - يمكن يؤدي قد الديمقراطي النظام غير أن استنتاج التنمية من عالية مستويات تحقيق إلى االقتصادية، لكن ال يمكن المحافظة على تلك المستويات في المدى البعيد، كما أن لكل دولة ظروفا عدة، قد تؤثر على التنمية االقتصادية، وقد ال يكون شكل نظام الحكم المؤثر الوحيد على التنمية

االقتصادية. البساطة، بتلك ليس حال كل على الموضوع سنتحدث واالستقصاء، البحث من المزيد ويتطلب هنا عن الفرضيات التي تتبنى وجهة النظر التي أساس هي الديمقراطية أن أساس على تبنى

لعملية التنمية االقتصادية.

التنمية إلى الديمقراطية تؤدي هل االقتصادية؟!

وجهة النظر التي تتبنى أهمية نظام الحكم في عملية التنمية االقتصادية ليست بجديدة في الحقل الفكري، فقد طرحت من قبل آدام سميث؛ رائد نظرية فكرة السوق الحرة، التي ركزت على شبه فقد السوق، في حركة الدولة تدخل عدم التي تستطيع الخفية باليد الحرة السوق سميث أن تقوم بتنظيم السوق دون تدخل أحد، لكنه في ذات الوقت أكد على أن وجود نظام سياسي، تعد التي الفردية، الملكية على للحفاظ مهم سميث، تصوره كما االقتصادي النظام عماد االتفاقات لتنفيذ ضامن طرف لوجود وكذلك التي يتم عقدها بين األطراف في السوق، فعدم وجود نظام ما يعني أن العقود لن يتم تنفيذها، بسبب أجواء عدم الثقة المتبادلة بين األفراد]16[.

Page 12: مجلة سورمَي - القسم العربي

سورمي - مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين 11

الناخبين في الدول الديمقراطية، بينما تشكل فئة قليلة في الدول غير الديمقراطية التي ال النتخاب كمنطلق االنتخابات على تعتمد

الحكومات. 2- االحتمال اآلخر هو استغالل موارد الدولة، واالستثمار في مشاريع تدر بالفائدة على كل المجتمع، وليس على فئة صغيرة والجامعات المدارس كافتتاح فحسب، المشاريع من وغيرها كالسدود، والمشاريع، توفير وكذلك الفرد، تنمية في تساهم التي

فرص عمل.يشكل الحكم نظام أن االستنتاج يمكننا حجر األساس لحجم المشاريع، واالستثمارات في الدولة، حيث أن االستثمار يتناسب طردا األنظمة أن اعتبار على المؤيدة، والكتلة لفئات امتيازات بإعطاء تقوم الدكتاتورية قليلة، تعتمد عليها لبقائها على سدة السلطة، الديمقراطية الدول في الحالة تكون بينما مغايرة تماما، حيث أن الكتلة المؤدية للنظام تكون كبيرة، فيصعب تمويل تلك الكتلة من مكلفة ألنها فردية، امتيازات تقديم خالل مشاريع تقديم فيكون الدولة، خزانة على انمائية وخدمية عامة، أكثر فعالية إلرضاء تلك الكتلة، والفوز بأكبر عدد من األصوات. مانكور الكاتب يقول مشابه تحليل في في رئيس دور الحكم لنظام أن أولسون االستثمار، لكن ليس بسبب تناسب االستثمار ألن نما واإ للحكومة، المؤيدة الكتلة مع يمثلون ال الديمقراطية الدول في الحكام نما أيضا جموعا غفيرة من فقط أنفسهم، واإمصلحة للحكام فإن وبالتالي المواطنين، في االستثمار في مشاريع تعود بالفائدة على

المجتمع بأكمله]21[.من الكثير حاول العملية، الناحية من الباحثين دراسة ما إذا كانت الديمقراطية تؤدي فعال إلى ازدهار االقتصاد، وتنميته، لكن تلك

التي تنم عن ذلك االستعمال لتلك المادة، األمثلة ومن أيضا، محيطه على تؤثر الصحي القطاعان السلع تلك على أي تعليم مستوى فتحسن والتعليمي، شخص، لن يؤثر في مستوى معيشة ذلك الفرد بمفرده، بل سيؤدي إلى زيادة االنتاج التي الخبرات استعمال خالل من أيضا االنتاج، عملية إلدارة الفرد ذلك اكتسبها وستؤدي إلى التنمية االقتصادية وكما في المثال السابق، فإن أصبح الفرد صاحب الذكر، اآلنفة السلع شراء في القرار كالطبابة، والتعليم من السوق الحرة، بدون تدخل الدولة، فإنه سيقوم بشراء ما يكفيه دون االلتفات إلى حاجات اآلخرين، ولن يقوموا أن المواطنين كل بإمكان يكون بتأمين تلك المنتجات، وبخاصة الطبقات منخفضا، دخلها مستوى يكون التي بمكان الصعوبة من سيصبح وبالتالي لكل الكافي والتعليم الطبابة تأمين

المواطنين إن لم تتدخل الدولة. تتبنى التي النظريات من الكثير توجد الديمقراطية كمؤدى إلى التنمية االقتصادية، ولكنها متشابهة إلى حد بعيد، تعتمد إحدى النظريات التي أطلقها مجموعة من العلماء]19[

على أن هدف الحكام بالدرجة األساسية هو الحفاظ على الحكم، لذلك تكون االنتخابات مهمة في الدول الديمقراطية، إلعادة انتخاب أولئك الحكام، ولكسب ثقة المواطنين يفترض بطريقة الدولة موارد استثمار بالحكومة العملية في أسهمها زيادة إلى تفضي محدودة، الدولة موارد أن وبما االنتخابية،

فإنه يجب استثمارها بطريقتين هما]20[: خالل من الدولة موارد استثمار -1للحكومة، المناصرة للفئة امتيازات تقديم صوتوا الذين المواطنين كل تشكل وهي للحكومة في أي دولة ديمقراطية، أي غالبية

Page 13: مجلة سورمَي - القسم العربي

العدد 8 / أيلول – تشرين األول 12

الزم، شرط االقتصادية فالتنمية الديمقراطية، لكنه غير كاف لضمان زيادة دخل الفرد، ألن التنمية االقتصادية يجب أن تترافق مع توزيع شرائح كافة استفادة تضمن للثروات، عادل المجتمع من تلك الثروات بشكل عادل، وكذلك ترافق ازدياد إجمالي الناتج المحلي مع ازدياد صغيرة فئة استيالء وعدم األفراد، كل دخل على مقدرات الدولة، كما في الدول التي يتجه نظام الحكم فيها نحو الحكم الفردي االستبدادي. في الدول الديمقراطية يتم سن قوانين تضمن توزيعا عادال للثروات من خالل ضمان حصول مع تتناسب رواتب على والموظفين العمال خالل من وكذلك يقدمونه، الذي المجهود ضمان حقوق العمال، حيث أن أرباب العمل ال أو بسهولة، عنهم االستغناء يستطيعون استغاللهم، كما يقوم أصحاب رؤوس األموال في بدورها الدولة فتقوم للدولة، بدفع ضرائب مستوى تحسين بهدف الضرائب هذه توظيف االجتماعي الرفاه ولضمان األفراد، دخل

واالقتصادي.يضمن نظام الرفاه االقتصادي أن يحصل كل فرد على مستوى معين من الدخل، ويضمن التعليم المجاني والطبابة المجانية، كما يتضمن مالية إعانة على الحصول حق النظام ذلك شهرية في حال فقدان العمل، وكذلك الحصول ومساعدة دوري، بشكل مالية مساعدة على للقيام باألعمال اليومية في حال حصول إعاقة دائمة أو مؤقتة، من خالل أطباء وممرضين

مختصين. باإلضافة إلى هذا وذاك، فإنه عادة ما يتم سن قوانين خاصة تضمن عيشا كريما لألطفال، كل عن لآلباء شهرية مبالغ دفع يتم حيث طفل، حتى يبلغ الطفل سن الرشد )18 سنة( ليتم شراء االحتياجات األساسية للطفل، وذلك كي ال يكون الوضع المادي عائقا أما الوالدين وسببا في عدم تقديم الرعاية الكافية لألطفال،

تلك على نهائية إجابات تقدم لم المحاوالت قام المحاوالت تلك إحدى وفي التساؤالت، باحثان بدراسة 83 بحثا تم إجراؤها بين عامي 1983 و 2006 فتوصال إلى نتيجة مفادها أن أن فكرة تؤيد كانت النتائج، من % 15مستويات انخفاض إلى تؤدي الديمقراطية التنمية االقتصادية، بينما كان 27 % من النتائج يؤيد أن الديمقراطية تؤدي إلى ارتفاع مستويات كانت النتائج من 58 و االقتصادية، التنمية في أهمية له ليس الحكم نظام أن إلى تشير

التنمية االقتصادية]22[.التساؤالت لإلجابة على أخرى محاولة في بالتنمية ارتباطها ومدى بالديمقراطية المتعلقة االقتصادية، قام الكاتب آدم برشوزكي بإثبات أن التنمية االقتصادية في الدول الديمقراطية يكون بطيئا، بينما ال يكون للديمقراطية ونظام الحكم تأثير يذكر على االقتصاد، وحركة االستثمارات في الدول الفقيرة، في تعارض مع الفرضية التي تكون الديمقراطية غير الدول أن على تنص

عامال مساعدا لتحسين االقتصاد]23[. لم الديمقراطية مجال في العلمية األبحاث إلى تؤدي الديمقراطية أن قاطع بشكل تثبت تثبت لم أيضا أنها إال االقتصادية، التنمية لها الديمقراطية أن تثبت لم أنها أي العكس، فعل مثبط لعملية التنمية االقتصادية، كما أن غير الحكم نظم أن تثبت لم الدراسات االقتصادية، التنمية في تساهم الديمقراطية فعلى الرغم من وجود دول غير ديمقراطية إال ذلك أن غير اقتصاديا، تقدما حققت أنها نظام لشكل نتيجة ليس االقتصادي التقدم إال الذكر، اآلنفة الحقائق مع حتى الحكم، نظام أفضل الديمقراطية هي أن أعتقد أنني حكم يساهم في عملية التنمية االقتصادية، أو على

األقل أقلها سوءا ألسباب عديدة منها:الدول في عادال الثروات توزيع يكون -1غير الدول في منها أكثر الديمقراطية،

Page 14: مجلة سورمَي - القسم العربي

سورمي - مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين 13

ضامنة الديمقراطية الدول تكون -3للملكية الفردية، مما يؤدي إلى تحسن الوضع الممتلكات، تلك ألصحاب االقتصادي وخاصة األراضي الزراعية، التي تدر الكثير من األرباح، بذلك يتكون لدى أصحاب تلك غالبا يتم إضافية أموال رؤوس األراضي، زيادة إلى تؤدي مشاريع في استثمارها رفع إلى تؤدي أن الممكن ومن االنتاج،

مستويات التنمية االقتصادية.الديمقراطية فال الدول غير أما في -4الحاكمة السلطات تعرض لعدم ضامن للملكية الفردية، ألنه ال توجد قوة تمنع ذلك، وال سلطة قضائية فاعلة تعيق تلك الممارسات. 5- الدول الديمقراطية تحترم القانون، وال تكون وبالتالي لالعتباطية، مجاال تترك للمستثمرين ومطمئنة مالئمة األجواء لالستثمار فيها، ألنه وفي تلك الدول قوانين المستثمر فإن ولذلك احترامها، يتم متبعة قانونيا، بها يقوم خطوة أي تبعات يعرف االستثمار قرار اتخاذ عليه يسهل وبالتالي

من عدمه.أما في الدول غير الديمقراطية، فإن عدم المستثمرين لعزوف يؤدي القانون احترام غالبا عن االستثمار في تلك الدول، بسبب توجسهم من تنصل أصحاب القرار في تلك أنهم لمعرفتهم التزاماتهم، من الدول يستطيعون التهرب من المسؤوليات القانونية، التنصل من االلتزامات قد يتسبب في ذلك خسارة كبيرة للمستثمر، الذي غالبا ما يرفض

الدخول في هكذا مقامرات.دورا أيضا يلعب السياسي النظام -6محوريا في صقل شخصية مجموعة األفراد في المجتمع، وتتحول بالتدريج إلى جزء من الثقافة السياسية الجمعية ألفراد ذلك المجتمع. طويلة، لعقود اينغلهارت رونالد الباحث قام بدراسة التحول في القيم والمفاهيم في العالم،

كما يتم عادة دفع مبالغ مالية لألطفال في السنة األولى من أعمارهم، وذلك الرتفاع

تكاليف تربية الطفل في تلك السنة.اتخاذها يتم التي اإلجراءات تلك كل في الدول الديمقراطية، وخاصة في الدول األوربية تصب في اتجاه توفير حياة أفضل األموال استخدام خالل من للمواطنين، التي تملكها الدولة، والتي تكون عادة من الضرائب التي يدفعها األغنياء، وتستخدمها الدولة في تحسين حياة المواطنين، وتوزيع غير الدول من للثروة عدالة أكثر الديمقراطية التي تتركز الثروات فيها في يد الفئات المتنفذة اقتصاديا، وسياسيا، وبذلك ال اإلجمالي المحلي الناتج ارتفاع فإن الحالة تحسين كبير على تأثير له يكون

االقتصادية لتلك الدول.فإن الديمقراطية غير الدول في أما عادل، غير بشكل يتم الثروات توزيع المحلي الناتج ازدياد فإن وبالتالي اإلجمالي، ال يعني بالضرورة ازدياد دخل األفراد، ألن طبقة محدودة من البرجوازيين تتحكم بمفاصل االقتصاد، ولردم الهوة بين توزيع يتم أن يجب والفقراء األغنياء

الثروات بشكل أكثر عدالة.الدول في االقتصادي الفساد -2الديمقراطية يكون أقل منه في الدول غير

الديمقراطية، ذلك لسيادة القانون.من خالل الجداول التي يتم نشرها من قبل منظمة الشفافية الدولية، يتم مالحظة مؤشرات تتصدر الديمقراطية الدول أن الشفافية، حيث أن الدول اإلسكندنافية ودول من وغيرها ونيوزيلندا سويسرا مثل أخرى الدول الديمقراطية، تتصدر جداول مؤشرات الشفافية، في حين أن الدول غير الديمقراطية وكوريا كالصومال الجداول تلك تتذيل

الشمالية ومينمار وفنزويال.

Page 15: مجلة سورمَي - القسم العربي

العدد 8 / أيلول – تشرين األول 14

تحقيق ذاته، من خالل أساليب غير مادية، وانتشرت قيم التسامح وهي األجواء المثالية المستثمرون يقوم أن خاللها يمكن التي بافتتاح مشاريع جديدة، ألن أجواء االستقرار تلك تبعد شبح الحروب، والنزاعات التي عادة

ما تكون فزاعة للمستثمرين

كتاب غير المقال, هو جزء من هذا *اختارته وقد عيسى، شيار للكاتب منشور

سورمي باالتفاق مع الكاتب. المصادر والمراجع

المصادر والمراجع

1-Kurzman, Werum & Burkhart, R, 2002, Democracy`s and effect on econom-ic growth: A pooled time-series analysis, 1951-1980, Studies in comparative interna-tional development, 37, 3-332-Smith, A. 1976. An inquiry into the nature and causes of the wealth of the nations. Chicago: University of Chicago Press3-Lipset, S, 1959, Some social requisites of democracy: Economic development and political legitimacy, American political science review, 53, 69-1054- Seymour Martin Lipset5- Lipset, S, 19596-- Lipset, S, 19597- Jackman, R, 1973, Democracy and eco-nomic development: Modernization theory revisited, Comparative Politics, 21, 21-368-Widmalm, S. & Oskarsson, S, 2008, Tolerance and democracy in liberal and authoritarian market economics, Stockholm: Glasshouse Forum9- Lane, Jan-Erik & Ersson, Svante, 1998,” Culture and politics. A comparative ap-proach”, MPG Books Ltd, Bodmin, Cornwall, Britain

القيم بأن تقول مهمة نتائج إلى توصل و تغيرت قد الغربية المجتمعات في السائدة حيث األخيرة، العقود خالل ملحوظ بشكل يعتبر اينغلهارت أن تزايد األمان المادي، أي الضمان لنظامي األوربية المجتمعات بناء الصحي واالجتماعي وغيرها من اإلصالحات التي زادت من مستوى دخل الفرد، أدى إلى

ظهور نوع جديد من القيم. كانت التغيرات الجذرية في بنية األنظمة األوربية نتيجة لحدثين تاريخيين مهمين هما إلى مجتمع الزراعي المجتمع تحول أوال؛ وبالتالي الصناعية، الثورة بعد صناعي إلى الريف من األفراد من الكثير انتقال المدينة، وما رافق ذلك من تحوالت جذرية طبقات وكذلك األسري، النظام بنية في بدأت الوسطى الطبقة أن حيث المجتمع، المفاهيم، في تحول مع ذلك وترافق بالنمو، والبدء باألخذ بالمعايير المادية، وكذلك العقالنية المحيط، الوسط مع والعالقات التعامل في الدول مجتمع تحول كان الثاني التحول المعرفة مجتمع إلى الغربية الصناعية والخدمات، كان ذلك الحدث يعني التحول من عبر الحياة قيد على البقاء على تركز قيم الموارد التحديد وجه وعلى المادية، الوسائل على تركز قيم إلى والعسكرية االقتصادية، الرضا الشخصي، والثقة، والتسامح، والمساواة، وجودة الحياة، وتعدد الفرص للشخص، وكذلك

للوسط المحيط واآلخرين بشكل عام]24[. الدول الديمقراطية يكون فيها أو يتشكل فيها والعدالة، التسامح على يقوم ثقافي، إرث وبالتالي تتشكل أجواء من االستقرار التي تسمح من الكثير ففي الدول، تلك في باالستثمار الدول األوربية وبعد تحسن الوضع االقتصادي حيث أصبح المواطن مكتفيا اقتصاديا نشأت ليازم؛ أي القيم ما بعد المادية، قيم البوست مات�يإلى الفرد اتجه الناشئة القيم تلك إطار في

Page 16: مجلة سورمَي - القسم العربي

سورمي - مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين 15

17- Olson, M. 2000, Power and Prosperity, New york: Basic Books18- Buenode Mesquita, J., Morrow, J., Siverson, R., & Smith, A. 2001, Political competition and economic growth, 12, 58-72المصدر السابق -20المصدر السابق -2122- Doucouliagos, H. & Ulubasoglu, M. 2008, Democracy and economic growth: A metaanalysis, American Journal of Political Science, 52, 61-8323- Przewroski, A., Alvarez, M., Cheibub, J. & Limongi, F. 2000, Democracy and devel-opment, Cambridge: Cambridge University Press24- Björkman, Li Bennich & Blomqvist, Pau-la, 2008

10- Olsson, Stefan, 2000, Den svenska ho-gerns anpassning till demokratin, printed in Sweden by Elanders Gotab, Stockholm11- Denk, Thomas, 2009 ”Politisk kultur”, 11 upplagan, Sahara Printing, Egypten.http://wwwالمفوضية العليا لالنتخابات في السويد -12val.se/val/val2014/slutresultat/R/rike/index.html 13- Nyvalda hogerextrema I Europa, Max Bystrom, 23 december 2014, SvD.se http://www.svd.se/nyheter/valet2014/nyvalda-hogerextrema-partier-i-euro-pa_3603352.svd14-Kurzman, Werum & Burkhart, 200215- Huntington, S. & Dominguez, J. 1975, Political development I F, Greenstein & W, Nelson, Macropolitical theory, Reading: Ad-dison-Wesley16- Smith, A. 1976, An inquiry into the na-ture and causes of the wealth of the nations, Chicago: University of Chicago Press

Page 17: مجلة سورمَي - القسم العربي

العدد 8 / أيلول – تشرين األول 16

الفيلسوف هابرماز - أن هذا المسعى كان له الفضل في تحقيق نبوءات كانط في مجتمع العقالنية المظفرة في الغرب األوروبي، فإذا الغرب استطاع نزعة الديمقراطية كانت يوجه أن هذه الصراع رحلة في الحديث من ذاته اإلنسان ينتزع حيث إلى التفكير وفق واإللغاء والتهميش، االستالب، موقع فإنه ومركب، معقد ووجودي فلسفي سياق عالمه ببناء اإلنسان جدارة إثبات استطاع ال وهذا وجوده، شروط وتحسين الخاص

يتأتى إال بفتوحات العقل الحداثي/ كانط.آنفا، أوردناه الذي التوصيف رغم لكن فقد تتلبس فكرة الديمقراطية لبوسا أيديولوجيا، الثورة وفكرة االشتراكية، فالطرح مثلها فكرة األيديولوجي للديمقراطية قد يرى البعض فيه مفتاحا سحريا للمعضالت الكامنة في الواقع، مثله مثل سائر المفاتيح العجائبية كضامنة العصر قيم استتباب باتجاه النوعية للنقلة من غير مجهود، أو تراكم زمني، ما يغيب عن الوعي األيديولوجي أن الديمقراطية ذاتها وقبل أن تكون مفتاحا ألي باب تحتاج هي ذاتها إلى مفتاح، ولعل بابها ال ينفتح إال بعد أن تفتح سائر األبواب األخرى، على األقل تخضع ذاتها فهي لذا معها، بالتواقت للمشروطية قبل أن تكون آلية للحكم بوصفها

مقاربة بناء إلى الدراسة هذه تهدف وبنى الثقافات، من ألنماط ابستمولوجية فكرية تتصل بالديمقراطية، والصعوبات التي تحول دون تطبيقها، وصوال إلى تفكيكها ثم كما العصر، لترسيمات طبقا بنائها إعادة واالجتماعية الفكرية السياقات ستتناول من انطالقا الهدف - بالموضوع المرتبطة مقاربة استكشافية للواقع الثقافي، ومحاوالت بال لتباينات يتسع فضاءا بوصفه اختراقه قاع، ويمكننا التصدي لمحورية بعض النقاط التي تبدو عائمة وفق أطر فكرية، مع تجنب بضرورة معنيون ألننا والتبسيط، التسطيح مازال الذي عالمنا في المستقبلي التحديث وتضخيمها، الميتافيزيقيا أفخاخ من يعاني

وبضرورة اللحاق بركب التاريخ.المشروع أن أحد على خافيا ليس الديمقراطي المتمثل في تحقيق الفكرة الكونية/ ضرورات من ضرورة أصبح العالمية العصر، ويكفي أن يدلل اإلنسان على هذا حد على والتقنيات األفكار انتقال بواقعة سواء - عبر الحدود، ألن الديمقراطية نوع اإلنسانية وتطلعاتها الذات التعبير عن من شئنا ن واإ والعدالة، المساواة من فضاء في الفعل بعالمية يتميز جديد لعصر إيذانا وبتعميم القيم الحداثية، يمكن القول - بحسب

الديمقراطية العابرة للحدود نحو بناء معرفة بديلةP

عزيز توماالمعرفة الصحيحة اليمكن أن تنهض إال عىل أنقاض المعرفة الخاطئة.

غاستون باشالرفكر انطالقا من ذاتك

هيجل

Page 18: مجلة سورمَي - القسم العربي

سورمي - مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين 17

الربيع »ثورات وخلو المتقدمة، الدول تغيير إلى يهدف مشروع من العربي« مقابلته ي

�ن )أدونيس وقيميا ثقافيا المجتمع ي القاهرة(.

ة �ن االأخ�ي

أزمة عقل أم أزمة ثقافةالمفردات من يحصى ال عددا إن الديمقراطية ومفردة التداول، قيد أصبحت في الصدد هذا في شيوعا األكثر هي وخاصة الراهنة، الثالثية العالم المجتمعات منذ أن تم التواصل مع المجتمعات الغربية، وهي مفردات ولدت فجأة بواسطة النقل عن اللغات األجنبية بواسطة اللغة العربية، لكن من دون إعادة التأسيس لها فلسفيا، لذا بقيت الثقافية الثروة إلى تضاف معلومات مجرد العربية المكونة من معتقدات دينية واجتماعية األحيان أكثر وفي األسالف، من موروثة الناس، مع السواد األعظم من شفهية لدى غياب المؤلفات العلمية والفلسفية، في حين المجال كل على الدينية الكتب استحوذت المعرفي، وفي التصورات األولى للديمقراطية، على وشكلياتها بمظاهرها االهتمام جرى تأسيسها في إعادة فبدال من المثال، سبيل البيئة الجديدة، يتم استخدامها كترف فكري التي األوربية الحداثة أن علما أكثر، ال األنوار، عصر منذ األفكار هذه أنتجت عليها االعتماد تم فكرية لمرجعية وأسست لحل مشكالت اإلنسان المعاصر، لم تبتكرها دفعة واحدة إنما أخذت وقتا طويال تالزما مع ظروف سابقة، أفضت إلى نشوء فكر مميز، يجعل من الذات المنطلق والنهاية لكل نشاط مصدرها إلى الفعلية قيمتها ومرد إنساني، الممارسات، لكل يؤسس الذي اإلنساني هذه وتتميز الحقيقة، إبداع شرط ويشكل أحكام من انطالقا وفاعلية بنشاط الذات العقل، في عالقة قصدية يتوجه من خاللها

ثقافة فبدون حضارية، وممارسة ثقافة سياقها عن الديمقراطية تخرج الديمقراطية الطبيعي للتأدلج، فتغدو مشكلة بدال من أن

تكون حال للمشكالت.من جهة أخرى، هل ثمة إمكانية لتطبيق الديمقراطية في جميع البلدان بال تمييز، أم تتناسب مع مجتمع معين؟ بال أنها صيغة شك ثمة تباينا في وجهات النظر حول هذه تعميم يرفض من فثمة الشائكة، القضية الديمقرطية بوصفها حكرا على وقائع خاصة دون غيرها، ويعتبر الغرب المسيحي الساحة والسيما العصر قيم لتقبل تالؤما األكثر السياسة، عن الدين وفصل العلمانية، فالعلمانية شرط فلسفي، تاريخي، واجتماعي وعنصر داعم لتحقيق الديمقراطية، رغم أن بسبب مضاعف جهد إلى احتاج تحقيقها الحياة في فج نحو على الكنيسة تدخل السياسية، ولم تنشأ االختراقات الكبرى لنظام عقل الكنيسة وعملها إال بضحايا كثر، ولم تولد حركات اإلصالح الديني على يد بعض الالهوتيين إال بعناء شديد، وهناك من يرى، ومنهم الفيلسوف جون ستيوارت بأن الشعوب الثقافي المستوى النضج على تبلغ لم التي والمعرفي، ال يمكنها أن تستفيد من إمكانات االستبداد نظام أن ويقول الديمقراطية، مشروع كنمط من أنماط الحكم، شريطة أن تكون الغاية المنشودة في إصالح الشعوب، أن قبل دولة في تشتغل ال فالديمقراطية وتكون ممارستها، ويدركوا الناس يدركها لديهم القدرة على تحسين أوضاعهم بالمناقشة الحرة على قدم المساواة )جون ستيوارت، أسس الية، المجلد االأول، ص 101(، وعليه فإن اللي�بالديمقراطية ال تتأتى إال في مجتمع ناضج الممارسة تقاليد يدرك مجتمع ثقافيا، تفسير يمكن هنا من بامتياز، الديمقراطية عالم دول في العسكرية االنقالبات كثرة الثالث، ولكن من غير الممكن أن نجدها في

Page 19: مجلة سورمَي - القسم العربي

العدد 8 / أيلول – تشرين األول 18

بين منطقين، بين العلم واألسطورة، ويدخل الدين في مواجهة الحداثة، بعد أن يغدو أداة إيديولوجي دون أن يستطيع اإلجابة صراع على أسئلة العصر، فينتهي إلى النزول إلى إلى ويتحول المتحجرة، الصارمة القواعد تستنهض وهنا للتاريخ، أيديولوجي نتاج في الموجودة المناضلة اإليمانية الثروة الذاكرة الجماعية، وتستنهض معها التيارات التيارات هذه تؤمن فهل اإلسالمية. إلى للوصول وسيلة هي أم بالديمقراطية

السلطة ثم نفيها؟

الحركة اإلسالمية والديمقراطيةالحديث عن الدين أو عن أنساق متصلة وعن الشرعية، عن الحديث يقودنا بالدين تخلق هذه األنساق واأليديولوجيا. السلطة، والثقافية، الروحية التضامنات من شبكة ويربط األفراد مع األسالف بروابط تفخيمية، يجد فيها الفرد إجابات عن أسئلة ميتافيزيقية، كما يجد راحة نفسية ويعيش بواسطتها تصورا محددا للعالم في مجتمع ما، وفي هذا الصدد يعتقد نرص حامد أبو زيد )أن التراث ليس له يتغير ويتبدل، وجود مستقل عن واقع حي الجيل، وتكوين العصر، روح عن يعبر – التراث فليس التاريخي، التطور ومرحلة النظرية العقائد من مجموعة – يقول كما التي ال تتغير، بل الدائمة الثابتة والحقائق هو مجموع تحققات في ظرف معين، وفي موقف تاريخي مجدد( )مفهوم النص – ص16( ترافقه أن من والبد دوما، متجدد فالواقع التجارب في وتراكم القوانين، في تبدالت حداث صدمات كونية بواسطة نشاط العقل واإ

الزمني الذي يعتمد على قدراته الذاتية.بدأ في اآلونة األخيرة االهتمام بموضوع مكانية تطبيقها في الديمقراطية وممارستها واإواقع مختلف جذريا، وتزامن مع هذا االهتمام

تبني تم إذا أما القبلية، بأدواته العالم نحو األفكار من دون إخضاعها للمحاكمة العقلية الجديدة، التربة في األفكار هذه تنبت فلن ولن تولد، بل ستظل هكذا من دون فاعلية.

تبدأ أن عليها الحقيقية النهضة إن إلى برمته فكر نقل إمكانية عن بالتساؤل الواقع حتى يتجسد فيه، ويمنحه شكال مناسبا للواقع المختلف، حيث كان نشوؤه األول، أو الفكرة مع ليتالئم الواقع تطويع إمكانية الصادرة عن واقع آخر، وهكذا فإن األفكار دون آخر إلى وسط من انتقالها يتم حين بل والمكانية، الزمنية تغدو لها التأسيس صورية باهتة، واقعة خارج التاريخ إلى عالم أن البعض ظن فإذا جموده، في غارق محض فهذا ببساطة، يتم األفكار ترسيخ غير من موطنها عن نزعها ألن جنون، إلى ويحولها حيويتها يفقدها قد استعداد أصنام، أما الكالم عن أزمة الفكر أو الوعي أو الثقافة، وغيرها من األزمات التي مازال سريان عدم إلى لإلشارة تداولها يجري أفكار تبني بعد نسجت التي التصورات العربي الوسط في اختيارها ثم الحداثة، اعتباطا، ويمكن تفسير أسباب األزمة بالغيبية والتعصب، والتخلف، والجهل، األسطورية، أنها غير الجديد، القادم من الخوف أو أسباب غير كافية، ألنه يمكن للعقل أن يولد في عالم األسطورة والغيب والجهل، شريطة إجراء القطيعة معها وتجاوزها، وألن القطيعة لم تتم فكان السعي إلى العودة إلى األصوليات المعاصرة، المتمثلة بالهواجس التي تستهدف العقل وممارسته، بغية تقييده ورميه خارجا.

أول خطر على الديمقراطية إنما يأتي بال شك من الحقائق النهائية، واالطالقيات التي المناخ هذا وفي الميتافيزيقيا، سمة هي االطالقي يحظى العنف بكل تقدير، ويصبح القمع مالزما للحق المقدس وتنبثق المواجهة

Page 20: مجلة سورمَي - القسم العربي

سورمي - مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين 19

شعارات، بل ممارسة حقيقية لها أسسها في الواقع السياسي المعاصر، وغدت مفاعيلها تشتغل في الساحة العالمية غير آبهة بمنطق التي أقامها مناصرو الفكر العالية األسوار األسطوري الذي انحدر إلى التقليدية بعد أن هذه على الفعل رد ولعل بالحداثة، جوبه العملية يمثل جوهر األصولية السلفية التي تحقيق في القوة إرادة نهج تتبع ما عادة

غاياتها.

نحو ثقافة بديلةهنا البد من االستنتاج أن الديمقراطية ال تنشأ بمعزل عن الثقافة، والثقافة هي تراكمات من المعارف والتجارب، فالديمقراطية ليست العلم، إذن حقيقة واقعية بذاتها، مثلها مثل نما واإ مباشرة، معطى مجال في حاضرة الحقوق، في التباين تنبذ ممارسة حضارية ولكن ما الذي دفع بثورات الربيع العربي إلى شتاء قارس؟! لماذا غاب المشروع الديمقراطي في أدبيات الثورات العربية؟! ال أحد بوسعه من الكثير هز قد الحراك هذا أن انكار اليقينيات، لكنه افتقر إلى الهدف الذي يرمي إلى تغيير المجتمع؛ أي تغيير ثقافة المجتمع، لهذا قام بتشريع العنف كإثبات للذات، بهذا فقد تساوى مع االستبداد، وغاص في دهاليز الذاكرة المتكلسة في صيغة هستيرية مفعمة عن الحديث باإلمكان يعد فلم بالعنف، المنطقة دخلت لقد الموعودة، الديمقراطية أشكال كل وشهدت وجودي صراع في اإلقصاء المتاحة عبر تنشيط البنى الالاواعية المطالبة بالعودة الصافية إلى األصول، تلك البدايات/ حسب بـ عبادة تتميز التي البنى

سيوران.

إن أي حل نسبي لموضوع الديمقراطية، ووضع حد لهذا العنف الدامي البد من أن مسألة تطرح تاريخية قطيعة عبر يمر

المجال في اإلسالمية الحركات نشاط السياسي، إذ تبنت لنفسها خطابا إيديولوجيا، ببناها، الحداثة بنى تستبدل أن وحاولت وهي أال قضية؛ أهم مناقشة إلى وسعت قضية الديمقراطية، في محاولة حثيثة لربط مفاهيم العصر باألصول الدينية وصوال إلى تحدي اآلخر، باالعتماد على قوتها الذاتية، نفسها قدمت الحركات تلك فإن وعليه مشروع أي ولكن وجديد، بديل كمشروع حضاري ال تكون الديمقراطية ركيزة أساسية ألننا الفشل، مصيره تكوينه في وحيوية التعددية فيه تصبح منفتح عالم في نعيش البشر. بين والتعايش للحياة الزما شرطا والمتتبع هنا لهذه التيارات األصولية المناضلة يستنتج أن لها منحى سياسيا واضحا، يطغى والفكرية، الثقافية األخرى الجوانب على الدين، في مبرراتها عن البحث ذلك ومرد ركيزة اعتمدتها التي هلل الحاكمية وعودة

لحركيتها.أما بخصوص فصل الدين عن الدولة في الفكر اإلسالمي الحديث، فترى هذه الحركات السلطات بين الفصل الحاجة عدم الى التنفيذية والقضائية والتشريعية، ألن المعيار تطبيق هو اإلسالم في الحريات لضمان الشريعة السيما الشورى والعدالة، لكن دون األخذ في االعتبار أن الشرائع تخضع إلى حد كبير للتاريخانية، وتقع في المحصلة في إلى النهاية في لتتحول العقل، خديعة فخ للتاريخ، أيديولوجي نتاج من الدنيا الدرجة اعتبار البعض يحاول ذاته، الوقت وفي وثقافية اقتصادية نتاج ظروف الديمقراطية البيئة عن تماما مختلفة واجتماعية على صعبا تأثيرها يجعل مما اإلسالمية، ال أخرى جهة من اإلسالمية، المجتمعات للحدود العابرة األفكار تجاهل راهنا يمكن ألنها نشطت في الدولة المدنية الحديثة، ولم أو لفظي تعبير مجرد الديمقراطية تعد

Page 21: مجلة سورمَي - القسم العربي

العدد 8 / أيلول – تشرين األول 20

399 عام المحاكمة إلى سقراط الفيلسوف ق.م، حيث كانت من أشهر المحاكمات في الفيلسوف وبحضور اإلنساني، التاريخ أفالطون الذي كان أحد تالمذته، فقد كشف في القضائي النظام زيف عن أفالطون وعدم بالخلل واتهمه األثينية، الديمقراطية احترام حرية الفكر، أما االتهام الذي وجه به من الشباب إفساد بمحاولته فيتعلق سقراط خالل تعاليمه الفلسفية، لكن هذا االتهام ال ألن للمحاكمة؛ سببا يكون أن يمكن بدفاعها معروفة كانت األثينية الديمقراطية عن حرية الرأي والفكر، بيد أن دعوة سقراط كانت واضحة، وهي العناية بالنفس لتسمو المحاكمة بدت لكن الفضيلة، غاية إلى سياسية محضة، هدفها النيل من الفيلسوف

سقراط وألسباب واهية.حارب وقعت، التي األخطاء رغم اآلثينيون من أجل الديمقراطية إلى الرمق األخير، هنا رغم أننا نتعاطف مع سقراط، لكن ال التي حيكت ضده، المؤامرة ونتفهم غنى من االحتفاء بهذه الديمقراطية األثينية ويجهل يجهلها، الشرق مازال التي الوليدة مفاعيلها الثقافية، صحيح أن الشرق يتحدد بسياق ثقافي مختلف عن الغرب، لكن البد المتمثلة الكبرى القيم على االتفاق من إحداث من والبد والديمقراطية، بالحرية غير تراثية أشكال داخل جوهرية تغييرات ما توليفات خالقة إلصالح وبناء مالئمة، من العصر إلى للدخول إصالحه، يمكن

أوسع أبوابه.أوال مرتبط للتطور المرادف التغيير إن والذهني، المادي المستوين على باإلنسان األكثر الكائن هو اإلنسان أن يعني وهذا تفوقا في العالم، وال يعامل العالم على أنه قدر، بل يعامله بصورة تغييرية ثورية، يعيد

تكوينه بشكل واع وهادف.

االنتقال من الذهنية األسطورية إلى إمكانات العقل، ليشعر الفرد بضرورة الحرية والمجتمع ذا لم المدني، فكل عودة إلى الماضي وهم، واإتتمكن الشعوب من تجاوز األزمة المرتبطة بهذه العودة الحنينية إلى الماضي، فستبقى التاريخ، حواشي في لتغور الهامش على حيث من الصعب الخروج منها، فما صنع إبداعات من االستفادة هو الغرب عظمة أنماط مع حوارات فتح خالل من العقل، تاريخي واحد، وال إلى زمن ترقى وجود ال )داريوش األفكار من واحدة منظومة إلى ي

شايكان، أوهام الهوية، ت: محمد مقلد، دار السا�ق- ص 116(

لقد فتحت »الثورات العربية« أفقا جديدة، بمستوى يكن لم وعي عن النقاب وكشفت المجتمعات، كما بنية التغيير الجوهري في لم تكن بمستوى حل المشكالت المعقدة، فلن مستويات بقيت طالما شيء أي يتحقق الوعي متدنية، ولن يتحقق طالما أن األحادية األستبداد هو ذلك كل ومآل مسيطرة، واإلرهاب الديني، واالضطهاد السياسي الكل يتماهى العقائدي والفكري، ذلك حيث مع الواحد األحد، ويطغى الجمعي فيها على أشكال كل إزالة إلى ويسعى الفردي، ترادف األحادية والتعارض، ألن االختالف الظالمية، وتنظر إلى الديمقراطية على أنها الخطاب األصولي بدعة وضاللة، فمسعى أنه - بنزوعه إلى األصل - ينزع إلى أن يصبح هو األصل عبر البحث عن أصالة مفقودة، شكل يستنبطه الفكر من بين أشكال الخطورة الشديدة الدوغمائية أبرزها أخرى أدبية، شؤون مجلة / المع�ن حول حرب، )عىلي

العدد 5 ص 86(.

دموع سقراطالقائمة الديمقرطية مبادئ من انطالقا تقديم تم والفكر، الرأي حرية احترام على

Page 22: مجلة سورمَي - القسم العربي

سورمي - مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين 21

والظلم، االستعباد أشكال التاريخي تطوره فال مصالحه، خدمة في الموجود واضعا نجاح ألي تحول إال بانخراط هذه الشعوب اختتم وهكذا والتثقيف، التعليم عملية في إلى تحتاج الديمقراطية أن ألقول الكالم، ن لم تتوفر هذه التربية تربة ثقافية صالحة، واإتغدو الديمقراطية ذاتها مشكلة بدال من أن

تكون حال.

هو الصاعد التغييري بالمعنى اإلنسان الحياة الحرة ، فال إلى سيد العصر، يتوق اإلنسان خدمة في يكن لم ما ألمر، قيمة العالم مع تعامله وكذا واستقالله وسعادته، في بحث مستمر، هذا العالم الدائم الحاجة إلى الكشف، وهذا المبدأ يمنحه في صراعه مع العالم الثقة المطلقة بقوته، وقدرة التغلب على الطبيعة في تغييرها، جارفا في طريق

Page 23: مجلة سورمَي - القسم العربي

العدد 8 / أيلول – تشرين األول 22

قوي اليجاد سلطة مركزية، وما يمكن تسميته مدن عدة على منقسمة االدارية بالسلطة التي الحروب وحتى متصارعة، أحيانا، لدرء تحالفية صيغ تحت تمت خاضوها الخطر الخارجي )الحرب مع الفرس مثاال(، ورؤية االغريق الفلسفية الى مسائل الموت وعيا خلق الحروب في والتكاتف والخلود، بالمساواة بين المواطنين، ويمكننا أن نقرأ في قديمة يونانية مدينة أنها األثيني التاريخ الملك ككروبس، وكان نصفه رجال أسسها ونصفه اآلخر ثعبانا، وفصل في النزاع بين اإللهين بوسيدون الذي أوجد الحصان، وبين اآللهة أثينا التي أوجدت شجرة الزيتون حول وحكم أنشأها، التي المدينة على الوصاية للبشر، أنفع الزيتون لكون أثينا لمصلحة فأطلق اسمها على مدينته، ويمكن أن أشير إلى أولى ارهاصات الديمقراطية األثينية في القرن السابع قبل الميالد، حينما برزت طبقة األثرياء الجدد نتيجة التجاء أثينا الى اقامة مستعمرات لها في البحر المتوسط، خاصة الحركة فزادت ايطاليا، في صقلية وجنوب التجارية، فبرزت فئة من المستفيدين من هذا التوسع اقتصاديا، فحاولت أن تحصل على االقتصادي وضعها مع تنسجم امتيازات محاولة حصلت قد يكون وقد الناشئ، انقالبية على ما هو قائم، فاستشعر الجميع السيطرة، تحت من الوضع خروج خطر من تماما المستفيدة النبالء طبقة خاصة في المشاركة فكرة فبدأت القائم، الوضع بعده ومن دراكون، الملك فحاول السياسة، بعدهم ومن ق.م( صولون)593 اصالحات باجراء ق.م( 507( ن كاليسثين�ي

من الخطأ الحديث عن تاريخ للديمقراطية من لحظة بدء تناولها كمصطلح، فهي وقبل أن تدخل في قواميس اللغات القديمة كانت كأفراد البشر بين االشتباك فعل من جزءا يمكن ما كان حيث مختلفة، وكجماعات فضاءات يجول الديمقراطية بشبح بتسميته الالوعي في مجمل الصراعات بين التكوينات ن البشرية، بل ومخيلة كل المصطرعين، واإواصطالحه ادراكه حد ويصلوا يعلموا لم كمفهوم، فكل صراع على السلطة ومنذ قابيل الصراع هذا مبرر كان )مهما وهابيل من جزءا هي الديمقراطية كانت ونتائجه( األرضية التي تؤدي الى هذا الصراع، ألنها نتيجة رغبة طرف في استعادة ما يعتقد أنه أم ماديا االستحقاق أكان سواء يستحقه، معنويا، واذا كانت الثورة الفرنسية من أرقى الشعار هذا في فتأمل التاريخ في الثورات للثورة )اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس( بلغته الذي المستوى أن الى يشير وهذا الديمقراطية التي عبرت حقبات من الصراع الدموي، وما زالت تعيش حالة من الصراع

حولها فكريا وتطبيقيا.نشأة الديمقراطية:

ال أعتقد أن الديمقراطية نشأت صدفة، بل هي نتاج صراعات سياسية ودموية، نشأت متعددة، مراحل عبر وتراكميا ديالكتيكيا فديمقراطية أثينا هي نتيجة منطقية للصراعات المجتمع وداخل األغريقية، المدن بين وعلى ساهم الذي األمر بالذات، األثيني قاعدة الحق في تحقيق تكيف مجتمعي سمي ملك هناك يكن فلم األثينية، بالديمقراطية

ماهية الديمقراطية ونشأتها واشكاالتها النظرية والتطبيقيةP

فرحان كلش

Page 24: مجلة سورمَي - القسم العربي

سورمي - مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين 23

القرن أواخر في أثينا لها وسط تمثال أقيم الرابع ق.م.تعريفها:

تعرف الديمقراطية)demoacratia( لغة بأنها كلمة يونانية مركبة من جزئين األول )الشعب-الناس-العامة( ويعني demos - )حكم وتعني ،kratia الثاني والجزء الديمقراطية معنى يكون وبالتالي سلطة(، التعريف خضع هذا ولكن الشعب(، )حكم لرؤى متباينة من حيث االنتماء األيديولوجي ومن المسألة، لهذه تتصدى التي للجهة الشعب الى النظرة على االختالف حيث ونظام الحكم، لذلك نشهد صراعا على فهم الديمقراطية، بدءا من تعريفها وليس ماهية

انتهاءا بتطبيقاتها.رؤية اإلسالميين إلى الديمقراطية:

حول اإلسالميين المفكرين رؤى تباينت جله االختالف وهذا الديمقراطية، مسألة الديمقراطية آليات باستغالل إجرائي متعلق يرفض منهم فقسم السلطة، الى للوصول فكرة الديمقراطية من األساس، ويعتبرها جزءا الثقافة على ودخيلة الغربية، الثقافة من اإلسالمية، فال يمكن األخذ بها، فيما يحاول قسم آخر منهم تحت تأثير الفكر البرغماتي التحدث بايجابية عنها، بل يصل حد األخذ أن منهم ادراكا منها، االجرائي بالجانب التأثير في كبيرا مدى أخذت الديمقراطية المنطق من ليس لذلك الناس، فكر على والذكاء في شيء معاداتها علنا، ولكن في الجوهر علينا االشارة الى مسائل هامة في هذا المنحى، أوالها أننا إذا أمكننا أن نتكلم فالبد اإلسالمية الديمقراطية مصطلح في من تحديد المنطلق الفكري لإلسالم في ذلك، بينهم( شورى )وأمرهم تعالى قوله وهو ذاته، لإلسالم سابق مسند هذا وبالتأكيد حينما كانت دار الندوة في مكة بمثابة مجلس

وبذلك امتيازات، الجدد األثرياء ومنح وهذا الحكم، في المشاركة قاعدة توسعت كان تأصيال للخطوة األولى نحو الديمقراطية، االرستقراطيين زعيم محاولة وكانت كما انهاء كليستنس وبمساعدة األسبرطيين على حاوال الذين وهيبارخوس، هيبياس حكم استخدام العنف في الحكم، خطوة تدل على أن هذه الديمقراطية لم تأت هكذا سلسة في طريق الى أثينا أعاد حيث مجرياتها، األساس فوضع لديمقراطيتها، التأسيس بقبائلهم األفراد ارتباط لفك لها، االداري الوحدات اإلدارية وحقها وزعاماتهم، وأسس لمجلس بالتساوي ممثليها انتخاب في سمي قانونا وأصدر العمومية، الجمعية حق أي النفي(؛ باألوستراكيسموس)قانون خطرا يكون مواطن أي نفي في الجمعية على أمن النظام السياسي القائم لمدة عشر القانوني قد وضع األساس سنوات، ويكون لحماية هذا النظام من االنقالب عليه، ويقال وجدير هذا، النفي قانون بحقه طبق ربما بالذكر أن تجارب ديمقراطية عدة قامت في مناطق مختلفة من العالم، وربما أقدم أشكال من الديمقراطيات في التاريخ القديم ظهرت في الهند القديمة حوالي القرن )6 ق .م( قبل ميالد بوذا، وكانت تعرف بماها جاناداس، وحسب بعض الكتابات أن جمهورية فيشالي

هي أول جمهورية في التاريخ. ظهور مصطلح الديمقراطية:

تدريجيا الديمقراطية وقد ظهر مصطلح 430 عام حوالي البيلوبونية الحرب بعد بعض في ودت ه�ي استخدمها وقد ق.م، كثيسيوس، الشعراء بعض وكذلك كتاباته، سفن على الديمقراطية مفردة وأطلقت كما بعض كانت البشر، على وحتى بحرية والئهم الى إشارة ديموس بـ تسمى العوائل لهذه القيم، حتى كانت اآللهة ديمقراطيا التي

Page 25: مجلة سورمَي - القسم العربي

العدد 8 / أيلول – تشرين األول 24

الشعب المطلقة، بل هي سلطة الشعب وفقا األساليب كل وهنا بالشريعة، بااللتزام أجل من السلطة فكرة إلى تؤدي والطرق تطبيق التشريع الديني المنصوص عليه في لتفسير عمره منه كبير نص خاضع بجزء مئات السنين، فشعار كل االسالميين ومهما اختلفوا في شكل الخطاب هو )اإلسالم هو دين ودولة( فاختصار مقولة )الشعب مصدر الذين االسالميين لرؤية مخالفة السلطات(

يعتبرون الشعب محكوما بشرع هللا.رؤية الماركسية إلى الديمقراطية:

باعتباره الفكر إلى الماركسية تنظر ال فهي لذلك موضوعي، لواقع منعكسا تفصل الديمقراطية عن هذا المنحى، وتعتبر لها اجتماعية اقتصادية- تشكيلة كل ديمقراطيتها المنسجمة مع مصالح السلطة، التي الدولة أشكال من شكال وتعتبرها على للحفاظ الحاكمة، الطبقة أوجدتها وجودها وقمع الطبقات األخرى، فديمقراطية األولى الليلة باعتبار مشروطة االقطاعي هي من حقه مع زوجة قنه، وأن ما يملكه وتعتبر به، المساس يمكن ال إلهي حق تاريخيا، تقدما أكثر البرجوازية الديمقراطية للطبقة السماح في تنحصر هنا ولكنها االقتراع صناديق إلى بالذهاب العاملة في سيحكمها الرأسماليين من من الختيار تعتبر فالماركسية القادمة، سنوات األربع الديمقراطية جزءا من لعبة الصراع الطبقي، ولن تتحقق إال باقامة ديكتاتورية البروليتاريا، فضال الجماهير، مصالح عن تعبر التي عن أنها لن تكون كاملة إال بانتفاء الصراع الطبقي وانحالل الطبقات، والتي تكون هذه عن منبثقة نتيجة هي ذاتها الديمقراطية

بروزها.الديمقراطية من المنظور الليبرالي:

الليبرالية كلمة مشتقة من اللفظة اليونانية

المبعث ساعدة بني سقيفة وكانت شورى، المكاني لهذه الرؤية بعد موت النبي محمد، والنتيجة التي خرج بها بعض الصحابة منها، الحقا، اإلسالمي التطبيق ركيزة خلقت والمفكر اإلسالمي المخلص لسلفيته - وليس ملزم - سلفي غير إسالمي مفكر هناك التقيد بآليات انتقال الحكم في اإلسالم، حيث الخالفة أخذ أي بالمغالبة؛ الخالفة هناك بالقوة كما فعل العباسيون، وأما بيعة من أهل ساعدة، بني سقيفة كاجتماع والعقد الحل وهنا ال أحد يعرف عدد هؤالء، وال من هم، باجتهاده الخطاب بن فعمر يختارهم، ومن أو الصحابة، من ست في الشورى جعل ذلك وحدث خليفة، بوصية الخالفة تكون كثيرا، فأغلب الخلفاء مابعد العصر الراشدي، كانوا يوصونها ألبنائهم، وهكذا تم استغالل ومصالح متطلبات وفق القرآني النص الحاكم/ الخليفة، ومن هنا ندرك غياب الرؤية أخرى ومسألة السلطة، نقل في االسالمية التناقض بين جديرة باالهتمام، بل هي لب الشورى على المؤسسة االسالمية الرؤية وبين الديمقراطية، فعدا أن هذه الشورى فيها محصورة فهي الكثير، الحاكم مزاجية من إشراك على قدرة الديمقراطيات وأقل جدا، بالنتيجة القرارالسياسي، وتهدف في الشعب إلى إحكام السيطرة بالنص على الناس، وكل محاوالت المفكرين اإلسالميين العاملين في حقل السياسة تؤدي إلى النتيجة ذاتها، وهي الديمقراطية الجوانب االجرائية في استغالل هي التي التمكين مرحلة من كجزء عامة، السلطة، الى الوصول حلقات من حلقة وتطبيق الشريعة في النهاية، وهذا يدل قطعيا الشعب مصدرا أنهم ال يؤمنون بكون على بل المحصلة، في المشرع وأنه للسلطات، التشريع وسرمدية شمولية مع يتناقض هذا أن الى يشير ي ا�ب ال�ق حسن هو فها اإللهي، سلطة تعني ال اإلسالم في الديمقراطية

Page 26: مجلة سورمَي - القسم العربي

سورمي - مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين 25

تاريخية ظروف في وجدت بأغلبها والتي خاصة، معطيات وفق وتحددت معينة، فديمقراطية الحزب الواحد والتي تعني أحقية هذا الحزب في السلطة بحكم الشرعية الثورية التي أفرزت نمطية الحزب الواحد في زمن حزبية آليات في محصورة فالسلطة ما، مازالت العائلة ديمقراطية وكذلك داخلية، ولكن العالم، من مناطق عدة في موجودة أفضلية في الواحد المعيار إعطاء علينا جلب على بقدرتها أخرى على ديمقراطية أكثر عدد ممكن من الجماهير الحرة، وغير اقتصادية، تأثيرات مجتمعية، الواقعة تحت وثقافية معينة، إلى ممارسة حقها في صنع التباين خطوط وضع يمكن وبذلك القرار،

بين هذه الديمقراطيات.بعض عيوب الديمقراطية:

وترى الديمقراطية ترفض جهات هناك التي ديمقراطيتها من التضاد على أنها هذه سلطة تكريس إلى النهاية في تهدف تمارس بأنها تقول فالديكتاتوريات الجهة، ديمقراطية خاصة مالئمة لظروف شعوبها، تمنحها الرعية، من الشعب تعتبر حيث ماتراه مناسبا لها، وتقوم بطقوس تدعي أنها حركة وكانت الخاصة، ديمقراطيتها الالسلطوية تعادي الديمقراطية بشكل كامل، هو بالالسلطوي، نفسه سمى من وأول جوزيف بي�ي الفرنسي االقتصادي الفيلسوف إلى )1809-1865م(، حيث يشير برودون طغيان ولكن شيء، ال الديمقراطية )أن األغلبية أسوأ أشكال الطغيان، وذلك ألنه ال وال عرق، نبل وال دين، سلطة إلى يستند على ميزة العقل والغنى، إنه يستند على أرقام كما الناس( اسم خلف ويتخفى مجردة، ن تكر)1854- ويعتبر الالسلطوي اآلخر بنيام�ي

غير شريرا، الحكم يعتبر والذي 1939م(، األغلبية، حكم وجود هو منه األسوأ أن

Liber بمعنى حر، وهي مذهب اقتصادي في األساس يقول بالحرية االقتصادية، من خالل شعار )دعه يعمل دعه يمر( وترفض التجاري األفراد نشاط في الدولة تدخل واالقتصادي، ودعت إلى أن تكون الحكومة على الحياد، أو بمثابة حارس على الحريات الفرد وحق الفردية، مفهوم وتبنت الفردية، المجتمع مصلحة وأن والتملك، الحرية في مرتبطة بما يقوم به الفرد، وأسست على ذلك جملة ركائز أسندت بها فلسفتها، ولكنها بعد االقتصاد أصاب الذي الكبير الكساد الدولة وتدخل 1929 عام في الرأسمالي فلسفتها تأثيرات من جزءا فقدت النقاذه، معطيات أمام التراجع إلى اضطرت حتى المرحلة، وكانت النظرية الكينزية قد فرضت والتي الليبرالية أما جديدة، ضافات واإ واقعا فأوجدت بالسياسة، االقتصاد تربط بدأت أسسا لها ووضعت بها مرتبطة ديمقراطية سميت بالديمقراطية الليبرالية، حتى انتشرت

في أرجاء أوربا.أشكال الديمقراطية:

تعرفنا فيما ورد على رؤى االيديولوجيات التطرق بنا الديمقراطية، فحري إلى الكبرى إلى أشكال هذه الديمقراطية، والتي في أغلبها فالديمقراطية ما، ناحية من مكتملة غير أن وهي النقية(؛ )الديمقراطية المباشرة بشكل القرار صنع سلطة الناس يمارس مباشر، وقد مورست في أثينا القديمة، حيث ولكن المشاركة محدودا، له يحق كان من اآلن وبعد االزدياد الهائل للسكان بات من اتخاذ في المباشرة هذه اتباع المستحيل هذا في اإلنابة آلية ايجاد تم لذلك القرار، حيث النيابية، الديمقراطية فكانت األمر، لهم، مجلس إلى له نوابا الشعب ينتخب وهكذا كله، الشعب عن القرارات يتخذون الديمقراطيات، من متعددة أشكال برزت

Page 27: مجلة سورمَي - القسم العربي

العدد 8 / أيلول – تشرين األول 26

الخالفية من المفترض أن تحل وفق قاعدة القضايا حل إلى وصوال بالحوار اإليمان

الداخلية وحتى الخارجية.اشكاالت التطبيق:

اجراءات مجمل على ما صراع هناك النهاية، في ممارساتها ونتائج الديمقراطية تطبيقات تفضي أن تطمح المكونات فكل فرد إبراز مصالحها، وكل إلى الديمقراطية ما انتخابات نتائج تكون أن على يعمل تصب في صالحه، وهذا التنافس ال يمكن أن ينتهي إال بخلق ذهنية ديمقراطية عالية تقبل بأن الديمقراطية تعني مصالح الجميع، القوانين بطرق يتم خرق وبدون هذا سوف ونعرف متاحة، فرصة أول وفي شتى، صراعات دموية حدثت كنتيجة لما أفرزتها في ألنه بالذات، االنتخابات صناديق الحقيقة ال يكفي أن تصور فردا كديمقراطي لمجرد أنه يضع ورقة في صندوق، بل من المفترض توفير عاملين أساسيين ليأخذ هذا االجراء الديمقراطي مداه وفائدته، أن يكون الفرد حرا، وأن يكون مستعدا لتقبل ما تفرزه هذه الصناديق، والتي هي بال روح، ونحن

من نعطي هذه العملية نجاحها وفشلها.الشرق األوسط والديمقراطية:

حضارات المنطقة هذه على تعاقبت وحروب ضروس، ولكنها إلى اآلن لم تتمكن من الوصول إلى نوع من التسوية المجتمعية، بتوفرها يمكن الديمقراطية من مستوى أو ولذلك والحداثة، الحضارة إلى الدخول اإلشارة القول نافل ومن متعددة، مسببات إحكام من تتمكن لم المنطقة هذه أن إلى مكوناتها خالل من نفسها على السيطرة المختلفة، كما وتأثرت المنطقة بالميثولوجيا الخصوص، وجه على واإلسالمية الدينية عامل إلى مديدة فترات في تحولت حيث المشرعن، بالتخلف يسمى قد لم تأطير

بمثابة ويعتبرها االقتراع، ورقة من ويسخر كمثل األغلبية، بيد والرصاصة السوط مرسوم أكثر الطغاة قساوة والمدعوم بأعتى كل أن نالحظ أن ويمكننا الجيوش، إلى تستند القديمة والمعاصرة الديمقراطيات جزء من الشعب، وفي هذا المجال يمكننا أن بالديمقراطية تسمى ما أن إلى نشير اإلسالمية هي تلك التي تكون فيها القرارات ومصير الشعب مرتبطا بنص ثابت وجملة الذين عكفوا العلم( في )الراسخون مفسرين برؤية اآليات من المتشابهات تفسير على تاريخية معينة، والديمقراطية االشتراكية تقول كونها السلطة، في العاملة الطبقة بأحقية فيما المادية، للخيرات المنتجة الطبقة الفردانية على تركز الليبرالية الديمقراطية التي تخلق في النهاية حالة من تركز الثروة أن والمالحظ محددين، أشخاص يد في التغيرات على تركز الحديثة الديمقراطية الفعل أن المعلوم ومن والقصيرة، الدورية أكله، فضال ليأتي البيروقراطي يحتاج وقتا في الذين تفكير في يساهم ذلك أن عن السلطة، بكيفية التمهيد للنجاح في االنتخابات االنتقادات توجه وهكذا القادمة، السريعة ومازال جميعها، الديمقراطيات الى الكثيرة البحث عن كيفية اإلجابة على هذه األسئلة

ضمن الواقع الديمقراطي المتاح جاريا.ضرورات الديمقراطية:

لنظام كشكل الديمقراطية كانت لطالما لذلك نتائجا، وحتى تطبيقا األفضل حكم، من التضحيات هذه كل تستحق هي ربما من نوعا تخلق األقل على فهي أجلها، االنسجام بين األفراد والمكونات المجتمعية، على قاعدة المشاركة في الحكم، وهذا يفضي إلى نوع من السلم األهلي المؤدي حتما إلى وهي ديمقراطية، لكل مدعم كعامل التنمية تساهم في خلق السلم الدولي، ألن القضايا

Page 28: مجلة سورمَي - القسم العربي

سورمي - مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين 27

واإلرادات الطامحة نحو الحرية والديمقراطية في النهاية، وأنا أعتقد أن ديمقراطية مفصلة على مقاس المنطقة كالديمقراطية التوافقية، تسند التي العكازة بمثابة تعتبر قد التي حل يمكنها ال النهاية في ولكنها مريضا، األزمات المتداخلة في المنطقة، وهي تعني عملية تقاسم النفوذ والقوة، األمر الذي يخلق حاالت من الالتوافق، كما في لبنان والعراق مثال، لذلك فإن أمراض المنطقة التي يعتبر قابلة منها غير تاريخيا وحيويا الكرد جزءا نواتج أهمها وربما متعددة، ألسباب للحل )سايكس- الغربيين الكولونياليين تقسيمات بين التخاصم عقلية وبحكم بيكو1916(، المكونات، وأرى أن اجراء عمل جراحي لهذه الخرائط واإعادة ضروريا، بات المنطقة المتداخلة إلى عواملها المكونة األولية حسب االنسجام المجتمعي الثقافي والقومي، تعتبر متقاربة ثقافات إلحياء موضوعية ممهدات قادرة الى خلق وعي ديمقراطي، والذي كان حتى عند األثينيين من العوامل التي دفعتهم القيم، لهذه حاملة حكم صيغة إيجاد إلى ودون ذلك سيبقى بحثنا عن الديمقراطية في في إبرة األعمى عن كبحث الجغرافيا هذه

بركة دم.الديمقراطية والكرد:

الكرد ككل الشعوب األخرى طامحون إلى الديمقراطية، بل هم في حاجة إليها، لتكون بمختلف لحياتهم حضارية رافعة بمثابة جوانبها، ولكن الظرف الذي يعيشه الكرد من مختلفة، احتالالت تحت ووقوعهم ناحية، من خالل تعاطيها وشكل نظم حكم متباينة، ولم الموضوعي، التاريخي التوازن أفقدهم ديمقراطية خاصة بإقامة الظروف لهم تتح دعوتهم هو به يقولون كانوا ما وكل بهم، مكانهم بأخذ لهم تسمح حكم آليات إلى كان لذلك المتحضرة، األمم بين الطبيعي

فضال عن أن المنطقة تعيش كوكتيل ثقافات في ومتباينة العمق، في متصارعة تبدو المشروع الحضاري بفعل المؤثرات التاريخية، عدا عن أن جل مراحل السيطرة اإلسالمية الديمقراطية قبيل من بقضايا تهتم لم منذ اإلسالمية فالخالفة العامة، والحريات بالعصر تسميته على اصطلح وما بداية الراشدي، وصوال إلى الخالفة العثمانية األشد االستعمار مرحلة كانت ثم رجعية، الكولونيالي، وثم الديكتاتوريات المحلية على اعتبارها واجهة الثورات الوطنية، ولم تستطع وهكذا للمنطقة، حضاريا مشروعا تقدم أن عاشت هذه المنطقة أزمة بنيوية وثقافية، بل صراعا مريرا على الهوية، ويمكنني القول أن وما تماما، فشل قد اإلسالمي المشروع يحدث اآلن هو مجرد محاولة متخلفة إلحياء وباتت والعنف، الصدمة بأساليب ميت محاولة إقامة حكم إسالمي راشد على تضاد الناس، بلغه الذي الحضاري التطور مع الخلف إلى التاريخ جر فمحاولة لذلك تماما، وكذلك فشل يائسة حضاريا محاولة المتمثل بالناصرية المشروع القومي العربي عن كنموذجين قدما حيث والبعثية، الفكرية، البنية في متطابقتين ديكتاتوريتين ركودا أحدثا بل العناوين، في والمختلفتين مسألة وكانت نفوذها، مناطق في تاريخا العربيا، القومية يخدم ما تتبع الديمقراطية قوى صعود سلم إلى الحقا تحولت والتي الديكتاتوريتين هاتين أسقطت هائلة فساد كنتيجة حتمية لغياب الديمقراطية في برنامج من جزءا الناصرية فباتت القومي، الطرح الماضي، واندثرت البعثية في العراق لتتحول الحقا إلى جزء من مشروع تكفيري دولي بالغ الخطورة على كل المنطقة وشعوبها، وحتى حرب إلى البالد أوصلت السورية البعثية أهلية طويلة األمد بحكم آليات الحكم القمعية التي اتبعتها، وهي آيلة للسقوط بحكم التاريخ،

Page 29: مجلة سورمَي - القسم العربي

العدد 8 / أيلول – تشرين األول 28

تماما إلى اآلن على األقل، وال يمكن تحقيق ذلك إال من خالل إلغاء سيطرة األمة الكبير على األقليات األخرى )رغم أن الكرد في كل ولكن بينة، لعوامل شعبا، يشكلون جزء وعدد والحاكمية، السياسي، البعد أقصد سياسة في الداخلة القضايا وهذه األفراد، ما إنشاء دولة كردية، واستكمال الممكن( واإعناصر األمة لديهم، وثم البحث عن شكل لنظام حكمهم يتوائم مع الخصوصية الكردية.

الديمقراطية أن نالحظ وهكذا خاتمة: شهادة على تحصل لم ولكنها ضرورة، اعتراف بها من الثقافات المختلفة، ومازالت هذه كل من لها اكسسوارات عن تبحث البشرية الحضارة ابنة لتكون الثقافات، الصالحة، والتي تساعد اإلنسان ليتحول إلى مؤمن ومتشارك وليبرالي، وذلك ممكن وفق براز تقليص حدة التقوقع المعرفي للجميع، واإن إلى حاالت البحث عن الذات اإلنسانية، واإ

الحد الممكن.

إلى يهدف الكردي الديمقراطي المشروع وطموحهم االحتالل مصالح بين التوفيق المحدود في هذا التكيف، وبقي العقل الكردي يسبح في هذا الفلك لسنوات مديدة، ولم ينشأ لديهم وطني توجه المفروض الواقع بحكم عواصم بين للكردي المزدوج )االنتماء االحتالالت، وبين االنتماء الكردستاني( مع في خلل مؤداه وهذا الديمقراطي، التوجه الكرد فقد ذلك وحتى باألولويات، الوعي عن فضال المنطقي، التعامل على قدرتهم الفكر أخذنا فإذا بعضهم، مع الديمقراطي السياسي الكردي، والذي يعتبر رأس التفكير بالمسائل الديمقراطية عاش خلخلة، وصلت صراع عن فضال الدموي، اإلقتتال إلى سياسي بطبيعة الحال، ومازال الكرد يبحثون عن ذواتهم القادرة على خلق حالة من الوعي الحضاري، والذي له عمق في التاريخ أساسا، الشيء ال بالشي الوعي هو المفقود ولكن إمكانية الكردي عن البحث إن رحلة ذاته، تحويل أنظمة الحكم التي يتبعون لها منتفية

Page 30: مجلة سورمَي - القسم العربي

سورمي - مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين 29

أنها - أي القصة القصيرة - تصنف في خانة أخرى كما نوهنا، قد تتقاطع مع المسرح في عنه تتباين أنها غير السرد، في عن ناهيك األدوات، في أو الخصوصية في اعتمد الخلف ألن ربما الفني، الشكل ما سردية، نصوص مسرحة على عرضه األدبية، األجناس تداخل عن أسئلة يطرح الكتابة في الخاص أسلوبه عن بعيدا اإلبداعية! فهل نحن أمام مصادفة محض، بالنية أم فعل قصدي!؟ فعل بريء محكوم لغير العمد إلى يحتكم فعل أم الحسنة، المشهد خلفية في كان الفعلين أي غاية!؟ من خمسة قاصين إدراج إلى دفعه الذي على االتكاء تعمده نفينا إذا هذا سورية، نصوص محلية، ذلك أننا إذا استثنينا نص المسرحي عدنان خرابشة »العكش«، فإن راية المحلية ستنعقد للنصوص التي أتينا عليها!؟ واضعين في الحسبان أن ما تقدم من مقال ال يعفينا من البحث في القاسم المشترك بين الخلف حرض الذي ذاك النصوص، هذه على إدراجها في توليفة مسرحية!؟ ثم كيف نقوم بمسرحة قص ينهض على السرد كبنية نص إلى لنحوله فيه نحور كيف رئيسة!؟ مسرحي يتأسس على الحوار والتشخيص ال على السرد!؟ وبأي آلية أو أسلوب سندمجه في نص مسرحي واحد!؟ ثم ما هي الحلول عمله بلورة في اعتمدها التي اإلخراجية

كعرض مسرحي ناجز!؟ ألسئلة ابتدائيا جوابا نتحرى إذ إننا عن الرئيس العنوان بتفكيك سنقوم تشغلنا، المستوى على - بأنه لنقول ما جرى، هول

نحن إذ نصنف المسرح في خانة الفنون النثرية، سنتذكر بأنه يختلف عنها باحتكامه ويعرف يسوسه، فقريا عمودا الحوار إلى شروط ذو حوار بد كل من وهو بداللته، شكال، الرشاقة فيه نفترض فنحن خاصة، هذا إلى جانب إسهامه على نحو رئيس في السؤال أن بيد ودراما، حدثا المتن تنامي تجربة خالل من نفسه يفرض راح الذي في الممكنات ما هي أن بالمقاربة، مغوية مسرحة القص أو الرواية مثال، وذلك باالتكاء على اندراجهما في حقل النثر، بمعنى أنهما يتمفصالن مع العمل المسرحي في أكثر من مستو!؟ فهل نقف بذلك على تخوم التناص أو تداخل األجناس األدبية كمفهوم غير قار عناصر بين العالئق ترسم في تماما بعد بين العالئق أوفي الواحد، األدبي الجنس إلغواء استجابة المتباينة األدبية األشكال نداء كان الشاعر الكبير أدونيس قد رفعه، وذلك في الحث على اشتغال خاص ينجز حدودها في األدبية لألجناس عابرا نصا

الصارمة!؟ وفي الجواب على سؤالنا سنتفحص مليا الخلف، إسماعيل المسرحي المخرج تجربة وذلك من خالل عرضه المعنون بـ : عن هول إلى لجأ أنه إذ رئيس، كعنوان جرى ما سبعة، قصصية نصوص على االشتغال تنفيذها، وأساليب الفنية، بنيتها في تختلف لكنها تأتلف في مضامينها؛ أي في الموضوع على باالتكاء وذلك الحياتية، المادة أو تجريب قد ال يكون فريدا في نوعه، إال أنه - يلج فضول السؤال من بابه الوسيع، ذلك

في مسرحة السرد القصصيP

محمد باقي محمد

Page 31: مجلة سورمَي - القسم العربي

العدد 8 / أيلول – تشرين األول 30

يتناهى إلى سمعه أن البلدية استكثرت على برسم أضحى الذي جسده القبر، جسده النقل، وهكذا إذا يكون حلمه قد تحقق، ولكن

بعد أن عاد إلى التراب!على الخلف يتكىء الثاني النص في بـ المعنونة حورانية سعيد الراحل رائعة طبيب إزاء نحن وفيها ، النحاسي الصندوق شاب، لكنه - هو اآلخر - انبثق من القاع االجتماعي، ذلك أن أمه كانت تقوم بغسل دراسته، أنهى االبن لكن اآلخرين، ثياب وقام بافتتاح عيادته فوق حطامها اإلنساني ربما، فهل أزف وقت اختفائها لكي ال تتسبب في إحراجه أمام الناس!؟ هي - من غير أن تتردد أو تناور - تنفذ رغبته، ولكن لتموت معنويا ثم ماديا وتتالشى، وحين انتهى من يباغت حزن، أو بكاء أو ندم بال دفنها به طوحها الذي نفسه الحذاء إنه بحذائه، ذات غضب غير مبرر، يتفاجأ بالحذاء - إذا - محفوظا إلى جانب صورة أبيه الراحل في صندوقها النحاسي القديم، إذاك فقط - ربما - عرف فظاعة ما كان قد أقدم عليه،

ولكن بعد فوات األوان! أما في قصة الـ : د عبد السالم العجيىلي علينا فيقص ، ن الثم�ي الصيد بـ الموسومة على يقوم األب أن ذلك غريبة، حكاية تدريب ابنه حمدان، بهدف أن يصبح صيادا ماهرا، لكن الليل يحل، ويسوق النعاس األب جهات مملكة النوم، لتنهضه حركة غريبة، وكأي صياد متمرس يهرع إلى إطالق النار تك لم طريدته بأن فيتفاجأ غريزي، بشكل سوى ابنه حمدان، ثم كانت المهة األصعب، إذ ال أحد غيره سيتكلف بنقل الخبر الفاجعي

إلى أمه، فأي مهمة هي !في ابن حرام للقاص حسن حميد يعرض عجوز، تربيته على تقوم لقيطا، طفال لنا

السيميائي - يشي بخطب كبير يروم إدراج نغطي وحتى واحدة، خانة في المضامين الفرعي العنوان سنتحرى بالنقاط الحروف لفسحة كبيرا تراجعا فيه فنرى االأحبة، قتل األمل، إن لم يشي بتالشيها! لكن - وعلى المستوى اإلنساني - قد نشرع سؤاال آخر: أن لماذا يقدم اإلنسان على قتل من يحب، أننا إذ مقيما!؟ حزنا حياته يمحض ما أمه ابنه، أو بابن يقتل سنباغت بأب يقتل على نحو مادي أو معنوي .. في مباشرة ما بعدها مباشرة، أو على نحو غير مباشر، أو

شقيق ينحر أخته، فلماذا!؟ إذا استبعدنا إلى حين نص العرابشة، فإن الدراجة تمهد - والقصة تستمد مادتها من للحكاية - المرصي منذر للشاعر قصيدة األولى في توليفة الخلف، إذ أن بطلها يحلم الطفولة - أمام عوالم بدراجة هوائية، نحن إذا - في تشهيها لثيمة صغيرة برسم الحلم اإلنساني، إال أنه يعز، إنها - أي الشخصية االجتماعي، القاع من قادمة - المحورية هناك حيث تتضاءل األحالم أو توأد، فهي أحالم في غالبا والدارج فقير، حمال ابن القاع - على تواضعها القادمين من هؤالء هي وها تتحقق، ال أنها أو التسويف، -فتؤجل الصغير، تماطل الحياة صروف إذا تحقق ذات المرة، حتى تلو المرة حلمه العمر، أرذل في صاحبه أضحى معجزة، فالعظم منه قد وهن والعزم، بحيث أضحى لنا يفسر بشكل دراجته، قيادة عن عاجزا صرخته المتألمة أن : » أليس ابن الحمال إنسانا »!؟ لتبقى صرخته تلك تسوطنا بحرقة السؤال في تبديه اإلنساني الواسم، وفقط حين روحه تصعد عندما فقط .. الوفاة تحضره إلى المأل األعلى، يجلسه االبن على دراجته، حينما وذلك أخرى، مقبرة إلى رفاته لينقل

Page 32: مجلة سورمَي - القسم العربي

سورمي - مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين 31

وزوجته يجرح فيه اإلنساني والنبيل، بيد أنه آثر أن يؤجل إخبار أمه بعودته إلى الصباح، في تقدمها بسبب عليها أشفق أنه ذلك أن إال الزوجية، فراش في وارتاح العمر، المرأة المسنة شعرت بحركة مريبة، فجردت صدر في - بحسبها - وغرزته خنجره، ذ عرفت فداحة الرجل الذي يخون ابنها، واإخطئها، تهاوت على ركبتها، ليتناقل المدى

صدى صرخة آدمية ملوعة !األحبة قتل عن النصوص تتكشف وامحاء أي أمل، ثمة غير موت إذا، ثمة المقبرة في نتفكر إذا فنحن روحي، موات سنراها معادال رمزيا ال تروم اعتقال األجساد ثقيل بحصار األرواح تخنق أنها بل فقط، ومبهظ، ثمة موت مادي أو قتل، يتبدى في .. األحبة بيد تحققه عبر المؤلم وجهه

واضعا األحبة في مقاصده!في العام سيتجلى آخر مستو وفي تفاصيله المقلقة، سواء أكان قلقا اشتغل عليه كتاب هذه النصوص، أم قلقا تبناه المخرج، عبر انتقائه لها، واالشتغال على توليفها، إذ االجتماعي، الفوات في نجمة قصة تبحث ليشي بمجتمع ذكورية فظة مثال! فيما تنشغل تنتفي مقيتة، طبقية بتراتبية الدراجة قصة معها العدالة االجتماعية، من غير أن يسهو عن اإلشارة إلى التبصر في عالقة الحاكم الرعي عالقة إضمار عبر بالمحكوم، بالقطيع المسيحية بحسب ميشيل فوكو، إذ أن البلدية - كأحد رموز السلطة - تنقل رفات الموتى، ذلك كله غير بعيد عن أسئلة مقلقة تذهب إالم إذ الوجودية، بأبعادها ملتفة إحدى الشخصيات في لوحة الختام بقولها: »هكذا أتيت .. هكذا أمضي«، أو أن تقول سيبقى، أحد ال .. »كلنا ضيوف : أخرى الحياة هي صاحبة كلنا ضيوف .. وحدها

بمعزل حياته ويعيش لها، يتنكر أنه غير عنها، فتموت حزنا وحسرة، لتطالعنا األسئلة على نحو حاد : أن هل استل الشوق والحنين روحها!؟ ثم لم لم يدرك اللقيط بأنه قذر إال بعد فوات األوان، فيتمنى موتا لن يستجيب له سريعا!؟ ذلك أن الشعور بأنه كان وراء كان فهل عليه، يثقل ما نحو على قتلها

يدري بأنه كان ينتحر!؟وفي نجمة - وهي األخرى لحسن حميد لكنه - هنا - يحضر ثانية، القتل يتجسد تحت خانة الدفاع عن الشرف، وهو بالتأكيد التجسيد بما هي المرأة في مقاصده، يضع هذه قصته ففي الشرف، لهذا المشخص تصاب الفتاة بانتفاخ عجيب ال يتكرر كثيرا، إال أن الداية تذهب بعيدا في تشخيصها، إذ القرية طبيب ليؤكد الفتاة، بحمل تجزم تشخيصها، ولسوء الطالع - أو لترتيب تدبره قدر عابث - يؤكد طبيب المدينة على ما ذهبا إليه، إذاك يسرع شقيقها في رعونة - ال اإلجهاز إلى - في سياق خاص إال تفهم عليها، ذلك أن األهل يحسبون أللسنة الناس موروث سلطة يؤكد بشكل حساب، ألف اجتماعي مشوه، فيضعهم تحت سطوة قسر

اجتماعي فظ!ثم يتصدى الخلف - في قصة مأساة ممي ي محمد - للحرب كفعل جائر

آالن لمحمد با�قأن صحيح فيدينها، اإلنسانية، يناقض المخرج بقي أمينا لفكرة النص األصل، فلم يجر المشاهد خلفه إلى سوح القتال ليطلعه غير المستباح، اإلنساني الدم منظر على أنه ينجح في إظهار بشاعتها عبر اندياحها على الصالت البشرية، لتتقطع تحت تأثيرها

المدمر!عاد مم من السفربرلك - إذا - بعد غياب زاد على السبع سنوات، كان قلقه على أمه

Page 33: مجلة سورمَي - القسم العربي

العدد 8 / أيلول – تشرين األول 32

- ثم من - لتسر والتذكر، التداعي تقنية القاع في يتموضعون شخوص بمأساة االجتماعي، ما يشي بانحياز الخلف لجموع ال فما مناسبة استحضار بلدية ال الفقراء، واإتجد غضاضة في نقل مقبرة بأكملها، لتخطط في مكانها لسوق تجاري، من غير أن تعبأ عظامهم بطقطقة أو الموتى بأنات

المستكينة!؟ افتتح الخلف عرضه بمشهد لم الشخوص في ما يشبه الكادر، ثم راح العكش يستعيد حكاياتها على التوالي، ما يطرح سؤاال ملحا، إن أمام مونودراما جماعية!؟ أن هل نحن العكش إذ أنشأ يقص حكايات شخوص مروا هؤالء شرع التراجيدي، مقتلهم في به بتشخيص األحداث على الخشبة، ما وضع التي صادفته في توليفته المخرج أمام أحد خشبة بستغل أن له يتأتى كيف إذ تلك، المسرح بالشكل المطلوب عبر عدد محدود من الشخوص!؟ السيما أننا - غالبا - أمام أفعال داخلية تتحدد بالتفكير، ما أجبر الخلف على اعتماد حركة محدودة تتناسب والمقام، على أال يفهم مما أسلف بأن التوفيق جانبه هذا على اللعب أن إذ الجانب، هذا في العنصر كان سيسم أداء شخوصه بالمبالغة أو االفتعال، ناهيك عن اللعب على اإليهام، وبين بينهم الحاجز كسر إلى لجأ إذ الجمهور، فوزعهم داخل صالة العرض في استثارة على ليعملوا الحكايات، إحدى ويوهموهم جهة، من المشاهدين فضول أخرى، جهة من المسرود من جزء بأنهم

وذلك باالتكاء على تقنية تعدد الرواة! أما المشكل اآلخر فتجلى في المسافة بين لغة القص الرفيعة ومسرحتها، ذلك أنها نظرنا إذا هذا المسرحي، الحوار ترهق قد إليه كبطل ينافس الشخوص على البطولة،

المنزل«!، فتشد شخصية ثالثة أزرها بالقول : »قلت لها: أمي .. أتعلمين بأن ثلثي جسدنا دموع«!؟ ثلثيه أن بل .. فقالت: ال ماء!؟ الالفت في المسألة أن هذا اإلنساني ال يقع ال فما معنى أن يصر في مهاوي التسليم، واإيقاوم لمن سيبقى »الحياة أن: أحدها على

أعداء الحياة«!؟ باالتكاء على نص العكش، يربط الخلف إذ موضوعية، وحدة في المتناثرة األجزاء يعتمد فيه على المقبرة كمكان مركزي، ذلك أنها الموطن الذي سيأوي إليه هؤالء األحبة الروحي!؟ مواتهم أو مقتلهم أو موتهم في العكش سيرتسم - إذا بالضرورة - عنه قبور حفار والعكش محورية، كشخصية فوق كشخصية أيضا الراوي بمهمة يطلع

الزمان والمكان ! إننا إزاء تقنية التغريب في المسرح، ذلك أن الراوي - مثلها في ذلك مثل المجنون في والزمان المكان تجاوز على تقوم -إطارهما الفيزيائي، بهذا المعنى فهي إذا فوق أنها عن ناهيك الزمان، وفوق المكان، بمنجاة من مفهوم العقاب والثواب، على هذا فهي تستطيع أن تفشي الحقيقة من دون أن تتكون من أنها ناهيك عن العقاب، يطالها لحم ودم ما يوقعن العمل، ويكسبه المزيد من اإلقناع، ثم أنها ليست شخصية محايدة أبدا، على هذا فهي تتفاعل مع المصير المأساوي تبكي أو تبكيهم وتروح المسرحية، ألبطال ناهيك عن التحقق، المـتأبية على أحالمهم قصتها تروي - األخرى هي - أنها المتمفصلة مع القصص األخرى في تداخل، يأتي على ذكر زوجة تموت ذات أنه ذلك لدواعي البلدي المجلس يهدمه فجأة، وكوخ

تصعب اإلحاطة بها! عبر النصوص تتالت النحو هذا على

Page 34: مجلة سورمَي - القسم العربي

سورمي - مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين 33

العكش - على سبيل لقد حمل كان الفتا، طيلة كبيرا عبئا - الحصر ال التمثيل العرض، وشاركته في ذلك المرأة التي حاولت أنها من الرغم على أدائها، في تنوع أن متقاربة، مناخات ذات شخصيات قدمت في ملوعة أم إما - الدوام وعلى - فهي بعض وقع ربما زوجة، أو تشخيصها أن إال جزئيا، المبالغة خانة في الممثلين

غالبيتهم تفوق على ذاته بشكل الفت!ذا كان الخلف قد افتتح خلف عرضه واإاختتمه فلقد التشكيلية، باللوحة يتشبه بما بها، ذلك أن الشخوص - وبعد أن لخصوا - داللة ذات مقتصدة جمل في أدوارهم مغبرة لوحة كما فبدوا كادرهم، إلى عادوا معلقة على جدار مهدم، لكنها - بالتأكيد -

لوحة بصرية ال تنسى!فشاطأ حقول إذا - الرجل - لقد غنى الشجن والحزن والطرب، ومحض نصوصه بالمزيد فيها الشاعري وشت ضافية رهافة في كانت التي الشاعرية تلك التوتر، من صلب عملية االنتقاء، وليعيش النص - من

ثم - دراماه الالفتة!

سوى - نتوهم ما في - أمامه يكن ولم في وردت كما اللغة تلك يقدم أن حلين، القص، فينتج عرضا يتسم بالنخبوية، أو أن يلجأ إلى البسيط في اللغة لكن األنيق، من غير أن تذهب الظنون بالقارىء إلى إمكان

الوقوع في مطب التسطيح مثال!ومرة ثانية لم يجانبه التوفيق عندما اعتمد إلى األدبي تجمع لغة فأنتج الثاني، الحل ثم إسفاف، ما غير في المبسط الفصيح خشبيا بابا يتعدى ال بسيطا ديكورا اعتمد من ومفتوحا األسفل، من مصمتا قديما شخوصه، لصورة كإطار ليبدو األعلى، وغسالة قديمة صدئة، وعجلة لنقل الشخوص الصالة ستارة إلى إضافة الحوائج، أو السوداء، وال نخاله إال متعمدا ديكوره البسيط هذا، في إشارة إلى بساطة المقام وبشره ، ثم بموسيقى الحكايات ربط في العكش آزر جنائزيا عزيفا المتفرج محضت حزينة، - األخرى هي - راحت موسيقى مهيبا، لعبة أن غير شخوصها، رثاء في تسهم اإلضاءة خذلته، ال ألنه يجهلها، بل لضعف فلقد الممثلين أداء أما الصالة! في إضاءة

Page 35: مجلة سورمَي - القسم العربي

العدد 8 / أيلول – تشرين األول 34

الشخصي الموقف أو الفردية الممارسة الغريب، بل تكبر دائرة العنف لتتحول إلى ظل في أخرى جماعة ضد جماعي فعل حاالت مع المترافقة تلك خاصة الثورات، الفوضى العارمة؛ ألن الفرد وكما يرى جون كونه من أكثر ورغباته ألهوائه يميل لوك غياب ظل وفي الطبيعة، لقانون يسعى القانون والسلطة التي تنظم الحياة والنزاعات بين األفراد أثناء الثورات، فإن أهم ما تفتقده المنظم الحكم هي لوك بحسب الطبيعة في فتؤول النزاعات، فض إلى الساعي نهايتها إلى صراعات ودمار وقتل...، وهو ما يعني انعدام أي قيمة أخالقية في فوضى الثورات، لدرجة أن العنف يتحول إلى حالة طبيعية، تشبه حالة استمرار الصيد، وجعل الصراع البشري ضمن الثورات وكأنه ناموس

لصراع كلي.البلدان ثورات إلى الغرباء دخول إن يعتبرون كمرتزقة من جهة، ومن جهة أخرى تصبح األخالقية القيم وفقدان القتل فإن ما وهو واالستمرار، البقاء لضمان قانونا بشكل وتمجيده والقتل العنف يعني شرعنة في األخالقية القيم فقدان أن علما سافر، الثورات يجعل من العنف ذا وظيفة اجتماعية مشوهة، بحيث يغدو كل ذي قوة أو جماعة، واجهة إلصدار القوانين والفتاوى والتشريعات الدفاع بحالة العنف يربط وربما المزاجية، المسحوقة االجتماعية الطبقات عن ن كان حقا يراد به باطل. والمقهورة، حتى واإ

أصاب الذي الفناء بوادر ظهور يزداد الفطرية، شخصيته في الحديث اإلنسان ركضه بسبب اآلدمي، محتواه من وأفرغ يلهث وهو وجوده، استغرق الذي المستمر وراء قيم المادة والسيطرة والسؤدد، علما أن ورفع العنف، زيادة في الرئيس المتسبب منسوب المآسي، وبؤس اإلنسان في القرن الحالي هو اإلنسان ذاته، فاللذة التي يسعى الفرد ورائها لم تؤمن له االطمئنان الداخلي، سالم على سوى النهاية في يحصل ولم البشر، علما شكلي يئن تحت وزره ماليين للحضارة، حيازته يدعي الذي اإلنسان أن يعيش في اللحظة ذاتها مجموعة من الحروب والثورات، اليزال يخوض غمار بعضها، وهو اليزال يحاول الخروج من انتكاسات حروبه يتأهب إلشعال ذاتها اللحظة السابقة، وفي من بمزيد التاريخ بها ينهي جديدة حرب المآسي والقتل على الهوية، وانعدام الباعث

األخالقي أو القيمي في ثوراته الثالثية.

عنف الثورات والطبيعة البشريةالواجب السؤال فإن أخرى جهة من طرحه، هو عالقة العنف بالطبيعة البشرية، حيث شغل بال المفكرين والفالسفة، كمفهوم مهم يكثر استخدامه ضمن محاوالت صياغة نظرية السلوك اإلنساني أثناء فترات الحروب والنزاعات، سواء لدى األفراد أو الجماعات، فالعنف يحتل مكانا مركزيا في هذا اإلطار، الثورات ظاهرتي في أكثر تبرز ألنها حدود عند تتوقف ال والتي والحروب،

الحرب والقيم األخالقيةP

شفان ابراهيم

Page 36: مجلة سورمَي - القسم العربي

سورمي - مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين 35

في تغرس لكنها بها، مكترثين فنغدوا غير دواخلنا نمطية القتل على أنها حالة طبيعية، جرائم القتل ضد المتظاهرين أصبحت تمر

كطرف العين، وبالكاد تنتج شجبا كالميا. إن كانت الثورة، أي ثورة كانت، هي ثمرة تجارب استحضار فإن اإلنساني الفكر المناهج تركته وما والميديا، التاريخ، من جعلت بليغ، سلبي أثر من المدرسية اإلنسان غير مكترث بزهق األرواح التي لم إنسان فالقاتل عليه، لتعاقب ذنبا ترتكب والمقتول إنسان، خاصة مع تفكك الدولة إلى دويالت تتدافع فيما بينها وتتنابذ، و«كل قوم

بما لديهم فرحون«.

قيم صناعة في الديني الموروث أثر الثورات

األهمية في نشر بالغ أثر الديني للفكر حاالت في سيئة أو إيجابية أخالقيات من خاصة واالضطرابات والثورة األزمات جهة الرغبة في السيطرة، وبسط النفوذ على حيثيات الحدث، وهو ناتج عن وعي النخبة وضرورة وماضيها، هيبتها بفقدان الدينية بغض األمجاد، واإعادة السيطرة استعادة لرغبات التأسيسية المشروعية عن النظر السيطرة على الثورة ورغبتهم في عدم فصل

الدين عن الدولة وربط السلطة بالخالفة.بالبعد الثورات في العنف مفهوم ارتبط الديني، لدرجة اعتبار العنف خاصة أساسية واستدلوا السياسي، اإلسالم خصائص من على ذلك بمسلك جماعات اإلسالم السياسي في مصر وسوريا في السبعينيات، وفي إيران حتى بعد الوصول للسلطة، ثم في الجزائر مفهوم حتى التسعينيات، في وأفغانستان من الجهاد ممارسات من تحول الجهاد حالة انتفاء ورافقه الداخل، إلى الخارج

الحرب والتوجه اإلنسانيعدوانية تتفجر األهلية الحروب في اإلنسان وعنفه، آالف األبرياء تزهق أرواحهم بسبب كلمة مسطورة على هويتهم الشخصية. في السلوك العنصري تظهر أقسى وأقصى إال العنصرية وما اإلنسان، إبادة درجات لنقل أو ثانيا، ممارسة ثم أوال ومن خطابا وحدة الخطاب العنفي مع الممارسة التدميرية، وليس نفي اآلخر وقفا على قتله جسديا. إن الكثيرة، النفي القتل أعلى شكل من أشكال المنتشرة النفي هذا أشكال بعض فلنتأمل والمستمرة عبر التاريخ، لنرى كم هي مشابهة ن بصور أخرى، فنفي اآلخر هو في للقتل واإالمحصلة قتال وعدوانية، وانعدام لألخالق، وحين المباشر، القتل من درجة أقل ليس الثورة عن مضمونها لن تنجح كل تنحرف الجهود في لجم نزوع اإلنسان لنفي اإلنسان.

أخالقية، قيم أي للثورات تعد لم لذا على النزاع طرفي أحد اعتماد مع خاصة لدرجة بالجثث، والتمثيل والتعذيب، القتل، حروب دفتيها بين تضم التاريخ كتب أن هي مآسي من خلفته وما اإلنسان، لبني الثورة ابن أن علمنا ذا واإ للخيال، أقرب المعارضة لنظام الحكم، أو المؤيد للنظام هم المناهج ونتاجات التاريخ، ذلك نتاجات القتل، وبإسهاب تشرح التي المدرسية والسرقة، واالغتصاب، والتعدي على اآلخر أخالقية قيم أية عن حينها ونفيه...إلخ،

للثورة سنتحدث.إن كانت ثورة الميديا هي إحدى وسائل تنمية المجتمعات الغربية، فهي لدينا وسيلة والقتل التنكيل، وارث تاريخ على إطالع لدرجة أن الشاشة الصغيرة في عصر ثورة االتصاالت تضعنا كل يوم أمام مشاهد ألفنا رؤيتها دون أن تثير فينا إحساسا بالضحية، وبخاصة إذا كانت المشاهد ال تعنينا مباشرة،

Page 37: مجلة سورمَي - القسم العربي

العدد 8 / أيلول – تشرين األول 36

كتبت 1914م لعام أعدادها إحدى في جريدة التايمز اللندنية في مقالها االفتتاحي: الكرة أمة متحضرة على وجه هناك ليست المدن تقصف بأن ترضى األرضية، المفتوحة بالقنابل من الجو، ولم تمض عقود العواصم كانت حتى الزمن من قليلة موسكو، باريس، ألوربا، الكبرى التاريخية لم ثم القنابل، قصف تحت تترزح ولندن، حتى قضت الزمن من عقود بضع تمض قنابل ذرية تسقط من الطائرات على الحياة في هيروشيما وناكازاكي، ولم تمضي عقود قليلة حتى قصفت حلبجة بالكيماوي لتكون الوصمة األكثر وحشية على جبين اإلنسانية، مئات ويدفن بالكيماوي اإلنسان يحرق أن اآلالف من الكرد أحياء تحت التراب، ترى هل قتل اآلخر وتعذيبه خصلة متأصلة في اإلنسان إلى الحد الذي ال يمكن استئصالها!

هل هي صفة غريزية ثابتة فيه؟! تأثير الموروث واأليديولوجيا في الجيل

الالحقإن انتشار السادية في الثورات هي من ساد الثورات، تلكم انهيار ركائز أهم بين تعذيب في اللذة اسمه من اشتقت الذي اآلخر، قد بين في قصصه جانبا من المتعة إلى المعذب، وأشار فرويد بها التي يشعر إلى البشر بني عند التدمير غريزة وجود جانب غريزة الحب، وقيل قديما أن الظلم من والمنظر المفكر غياب إن النفوس. شيم انتشار جانب من يعلي ثورة ألي الثوري االنتقام، اإلذالل، التعذيب، القتل، ظواهر والجرائم الفردية، وغياب القيم األخالقية عن الثورات وخاصة في بلدان الشرق، وباألخص آفة الثورات العربية تجعل من هذه البلدان تطيح وتفتك بالمجتمعات، فالموروث الديني القائم على التفسيرات والتحليالت الخاطئة، واالجتماعية، البشرية، الحياة وطبيعة

درجات أقصى ممارسة في والردة التفكير العنف ضد األنظمة، أو الثورات أو بعض

الفئات االجتماعية والثقافية.المرادف العنيف السلوك أن والواقع للثورات إنما يبنى على أساس تفسير معين، معينة، دينية توجهات أو أو خاص آليات الداخل باتجاه المتحول الجهاد وأن خاصة وحرب الطبقي الصراع ذاته هو أصبح

الشعب الطويلة األمد.ألقى عام1095م الثاني كانون 26 في ي خطابا أمام الجموع المحتشدة

البابا أوربان الثا�ندعا فيها إلى حمل السالح ضد قبيلة األتراك من كثيرا وأسرت ذبحت التي الفارسية، لى تحرير قبر السيد المسيح، المسيحيين، واإوتحرير األخوة العائشين هناك )أنا أقول هذا هكذا الغائبين، بإبالغ وأتكلف للحاضرين أمر يسوع المسيح(، لم ينسى البابا أن يقول للجموع أن الرب سيغفر جميع خطاياهم إن هم قاتلوا الكفار، وسيثيبهم في الجنة األبدية واإلقطاعيون الفرسان كان السماء. في الفرنجة يعرفون ما وراء هذا الخطاب، وراحوا فيما والثروة، العسل بالد أجل من يقاتلون المسيح؛ السيد إرادة ينفذون كانوا الجنود من البشر ليخلص جاء الذي المسيح مبرر إلى يتحول فدائهم، عبر خطاياهم وتبريرات خاصة، إيديولوجية بسبب للقتل تخص شخصا معين، وهو ما يسمى استعارة إال هي وما المقدس« القتل »أيديولوجيات عناصر لتزييف وعي البشر، ودفعهم إلفناء

اآلخر من أجل ما هو دنيوي.الثورات في الدينية الفتوى تدخل وحين على تأثيره بفعل الديني المقدس يتحول تحرير تحريضي، خطاب إلى المؤمنين إعالء المحتجزين، األخوة تحرير القدس،

راية هللا وكلمته، الوفاء للرسل...إلخ.

Page 38: مجلة سورمَي - القسم العربي

سورمي - مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين 37

مدينة فحين قصف صدام حسين ومقتول، من اآلالف أرواح وزهق بالكيماوي حلبجة الكرد األبرياء في دقائق، مجد البعض هذا الفعل الذي قام به ) بطل األمة(، ونظر إليه بوصفه انتصارا، فيما الضحية اليزال يحيي ذكرى هذا الفعل على أنه جريمة نكراء بحق

اإلنسانية.هي الثورات في الحرب أيديولوجية إن هذه القتل، أليديولوجيا الفاقع الشكل اإليديولوجيا الثورية تقسم القيم إلى قسمين؛ ظاهر وخفي، الظاهر هو األهداف المعلنة الحقيقية، األهداف هو والخفي الزائفة، وبالتالي نحن أمام أيديولوجيتين معا، واحدة أخالقية دالالت الثورات على تضفي وعقالنية وحقانية وهي األيديولوجية العلنية، واألخرى هي الملوثة بكل األهداف الدنيوية.

واألسرية في فترة الجاهلية، وما تالها، ونقل طبيعة هذه الحياة إلى األجيال الالحقة بما المدرسية، المناهج عبر الراهن الجيل فيها خلقت قد وغيرها، األفالم أو األعالم، أو وزرعت أيديولوجيا مخفية داخل كل فرد تابع أي القتل؛ بأيديولوجيا المليئة المناهج هذه التبرير اإليديولوجي لفعل القتل/ قتل األخر.

القتل أيديولوجيا مصادر في دققنا ولو لوجدنا أن المساهمين الحقيقيين في صناعتها األمة، الشعب، اإلنسانية، الجماعات هم الحزب، التنظيم السري، سلطة الدولة، ويظل السؤال مطروحا في الثورات والنزاعات، هل تنتصر قيم الخير والعدالة؟ أم أن أيديولوجيا ن لم القتل غدت عامل تأثير على البشر، واإنزعة على باألصل ينطوي اإلنسان يكن عدوانية تجاه اآلخر، خاصة وأن االيديولوجيا تمجد وتستنكر معا فعل القتل الذي هو قاتل

Page 39: مجلة سورمَي - القسم العربي

العدد 8 / أيلول – تشرين األول 38

أن هو األول المفهوم »العلمانية«. »العلمانية« أو أي شيء علماني هو ليس فقط غير ديني، بل خال أيضا من أي تأثير اآلخر المفهوم بينما مطلق، بشكل ديني والذي ال ينظر للقانون العلماني بمجرد أنه إليه ينظر نما واإ ديني، تأثير أي خال من على أنه قانون يتم الوصول إليه من خالل التحرر من أساسا المنبثق الشعبي الحافز العلماني، هذا التحرر الذي يهدف ألن يكون نظر وجهات بين يوصل وجسرا محايدا العالم المختلفة، وكان هذا المفهوم هو السائد النصف في العلماني القانون فكرة لتفسير الثاني من القرن العشرين، ورغم أن ثقافتنا فإنه الفهم، لهذا األحيان أغلب في تفتقر الذين المفهومين أن وبوضوح لنا يبدو »العلمانية« مصطلح حول أوردناهما متناقضان تماما. المفهوم األول الذي ينظر إلى القانون العلماني على أنه خال من أي تأثير ديني، فهو بذلك يستثني وجهة النظر من دورها ويلغي منظم، وبشكل الدينية القول يمكننا القانون، وبذلك في المساهمة أن القانون الخالي من وجهة النظر الدينية أن يمكننا نما واإ أبدا، محايدا قانون ليس نعتبره قانونا ملحدا. في بريطانيا اليوم يستند جزء مهم من وعينا الجمعي لمفهوم العدالة إلى أن األفراد الذين يمتلكون معتقدات دينية قوية، أو الذين لديهم معتقدات دينية أقل، أو أولئك الذين ال يتبنون أية معتقدات دينية، أو آخرين لديهم أفكار ومعتقدات معادية للدين، ينبغي أن يعاملوا بنفس الدرجة في مجتمعنا،

السؤال هو، هل القانون العلماني ممكن، وهل يعتبر أمرا استفزازيا؟!

في القرن الواحد والعشرين، في بلد مثل بريطانيا، حيث يعرف أغلب الناس بأنفسهم في يتناقض وهذا مسيحيون، أنهم على أحسن األحوال مع وجهة نظرهم حول رفض تدخل الكنيسة في شؤون السياسة في بلدهم، على أية حال وقبل أن نعالج هذه المسألة، من الضروري فهم المعاني المختلفة التي قد يعرف حيث »العلمانية« لمصطلح تعطي بأنه حصيلة فصل الدين عن السياسة، وهذا الفصل بينهما ليس فقط مستحيال، بل خطرا أيضا، ويعتبر الدين المسيحي نفسه مساهما

رئيسا في ظهور فكرة القانون العلماني.القانون العلماني مستحيل -

الدين إلى ينظرون اليوم الناس أكثر فكل متالزم، ثنائي أنهما على والعلمانية شيء ديني ليس علمانيا، وكل ما هو علماني ينظر إليه على أنه ليس دينيا، وبهذا المعنى ينظر إلى قوانين مثل القانون اإلسالمي أو القانون الكنسي على أنها أمثلة عن أنظمة قانونية دينية، بينما ينظر إلى قوانين الشعب، أو القانون المدني على أنها أمثلة عن أنظمة من ليس حال أية على علمانية. قانونية القانونية األنظمة بين التمييز الصعب العلمانية، الحقا القانونية الدينية، واألنظمة الفهم في متجذر التمييز هذا أن سنجد أيضا تشويش وهناك للعلمانية، المسيحي بين مفهومين آخرين شائعين حول مصطلح

مراجعة القـانون الدينيP

ديفيد ماكلوريمحاضر في القانون، جامعة لندنعن اإلنكليزية: سوز حج يونس

Page 40: مجلة سورمَي - القسم العربي

سورمي - مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين 39

رؤية مشتركة حول الحياة الفاضلة، أصبحت العلمانية التحررية التي تعتمد على اجراءات العام والمقياس اإليجابية، كقانون رسمية للتقسيم، هي القانون البديل في ظل غياب أن يجب لذا األجوف، والعالم األخالق، من القدر بنفس والسياسة األخالق تؤخذ األهمية. في الحقيقة نجد أن الشرط الرئيسي في هذا القانون بنسخته المعاصرة للشرعية، هو أنه يستبعد كل ما يخص األخالق أو ما له عالقة بها، من أية عملية لصياغة هذا قد وضع دوزيناس أن هنا القانون]4[، ونجد العلمانية يخص فيما الجرح على أصبعه من انتقل قد القانون أن فنجد التحررية، في )العدالة الناس معاملة في المساواة معاملة مختلف الناس(، إلى ادعاء الحيادية تحولت والتي األخالقيات، يخص فيما أخالقية، أسئلة إلى الالختالف من بدورها وهذا القانون ال يمكن أن يغمض عينيه عن يتجنب أن أو حتى االختالفات األخالقية، اتخاذ أحكام أخالقية. وكما أن ميغيل ساندل ناقش أيضا الحيادية التحررية، والتي كانت والفلسفة المعاصر القانون على طاغية الشرعية لعقود؛ وتعني بأننا ال يجب أن نقحم العقائد األخالقية والدينية في النقاشات الدائرة هذا الحقيقة، في والحقوق]5[. العدالة حول أمر العدالة أن والسبب هو أمر مستحيل، أو جدالنا كان سواء منه، مفر ال محتوم نقاشنا حول االنقاذ المالي، أو حول األمومة البديلة، أو زواج المثليين، أو أفعال إيجابية أو غير ذلك، فأسئلة العدالة مرتبطة بشكل والفضيلة، الشرف قيم ال-تنافس مع كبير وعن الفخر والتمييز، فالعدالة ليست طريقة لتوزيع االشياء، بل هي الطريقة األمثل لتقييم أن هو مالحظته يمكن وما االشياء]6[. عن تعبر ال ساندل أوردها التي األمثلة عن عبارة هي بل الخصوصية، خيارات أسئلة تدور حول ما يجب على القانون أن

بالحد المجتمع هذا بقوانين يلتزموا وأن لقانون أفضلية نعطي هنا ونحن المعقول، العلمانية الذي يقرب وجهات النظر المختلفة، وجهة يستبعد الذي القانون ذلك من أكثر النظر الدينية؛ أي بمعنى آخر نفضل القانون العلماني القانون على الحيادي، العلماني القانون أن في الصعوبة وتكمن الملحد. العلماني الملحد يبدو ممكنا أكثر من القانون وهما، يعتبر الذي الحيادي، العلماني ومستحيال. وتعتبر نظرية جون راؤولس حول األقوى عن الفلسفية الرؤية العدالة، مفهوم العدالة التي أنتجها القرن العشرون، وراؤولس في نظريته هذه يسير في ركب التنوير الذي رسم اعتبارا من جون لوك وصوال إلى امانويل كانت، راؤول يطلب إلينا في نظريته أن نأخذ ال الذين الناس أولئك من طبيعيا موقفا يعلمون ما إذا كانوا يؤمنون باهلل أو ال، سواء أميين، أم متعلمين فقراء، أم أغنياء أكانوا أم سودا، كانوا بيضا فاشلين، أو موهوبين متزوجين أو ال، وقد طرح راؤول سؤاال حول وهم الناس، سيتبعها التي العدالة أسس متخفون وراء هذا الحجاب من الجهل. جزء كبير من جوابه كان حول أن الناس في مثل هذه الظروف سيختارون نظاما يزيد الوضع في راؤول عنه يبحث ما سوءا. المجتمعي قانونه هو ما يلي]2[: بداية إيجاد ما يسمى بالعدالة العلمانية، ثانيا العدالة المعتمدة على في بصياغته سيقوم والذي فقط، السبب عمله التالي حول العلمانية التحررية، والذي يعتبر عمال مقبوال من الجانبين؛ أي أولئك الذين يؤمنون باهلل، والذين ال يؤمنون به]3[، كفيلسوف تأييده لمنح راؤول يسعى ثالثا توجد ولكن التحررية، الحيادية للعلمانية التحررية. راؤول علمانية في مشكلتان القانوني الناقد فسرها االولى المشكلة الفيلسوف كوستا دوزيناس، وقد كتب دوزيناس في رد على تحررية راؤول )في ظل غياب

Page 41: مجلة سورمَي - القسم العربي

العدد 8 / أيلول – تشرين األول 40

صناعة الخبز. دعنا ننتقل من العام 1905 مجال الى المخابز من 2012 العام إلى حول الدائرة والنقاشات المصرفي، العمل المصرفي، المجال في الرواتب مستويات السوق هو أن يقول فمن جانب هناك من الرواتب مستويات يحدد أن يجب من أن يرون وآخرون الكبار، للمصرفيين الحوافز والمكافئات يجب أن تكون متكافئة مع طبيعة النشاط وقيمته االجتماعية، ولكن المخاطرة على مشجعا يكون ال أن بشرط الزائدة. وقبل أن نسال أسئلة تقنية أو سياسية المدراء رواتب تحدد أن ضرورة حول سؤاال ثمة فإنه فعلي، بشكل وتنظيمها أخالقيا مطروحا مسبقا، وهو؛ هل يجب أن فالقانون أم ال؟ المدراء نحدد رواتب هؤالء لذا اإلمكان، قدر متحررا يكون أن يجب الهولنديين على نتغلب أن لنا ينبغي ربما والدنماركيين في سن قوانين تؤكد على القيم األخالقية، أي القيم األخالقية للحكم الذاتي قانون تطبيق أن هنا ونستنتج الشخصي. علماني محايد هو أمر غير ممكن، ألنه من أال أو محايدا يكون أن للقانون المستحيل يكون متحيزا فيما يخص األسئلة األخالقية الكبيرة في أيامنا هذه. طبعا ال نستطيع أن عند بتلهف األخالقية األحكام كل نتبنى على االعتداء قضايا مثل قضايا مواجهة الملكية يخص ما أو العبودية أو األطفال الفكرية، أو مخالفات األنترنت. وقد ذكر نيل أنفسهم يسمون الذين أولئك كل ماكورميك بالقانونيين اإليجابيين أن القانون يستند على قيم أخالقية]9[، وأن القانون ليس مجردا من التي األخالقية القيم هذه األخالقية. القيم جاءت من مكان ما. فرؤساء وزرائنا الثالث، كانوا الحكومة، على مؤخرا تناوبوا الذين منذ بل�ي ي

فـتو�ن النقطة، لهذه تماما مدركين استقالته ال يوفر جهدا للقيام بأعمال )للتقرب كل في يؤكد كان الذي وهو هللا!(، الى

يسمح به أو ال، وهي أمثلة توضح كيف أن القانون ليس سوى انعكاس لمبادئنا األخالقية العامة]7[، وقد كتب يوسف راز )الفكر القانوني ما هو إال فكر أخالقي!( والمذاهب القانونية األفعال هذه كانت إذا فقط األفعال، تبرر مبررة أخالقيا، وأنه ينبغي اتباع هذه المذاهب األخالقية، الناحية من صحيحة كانت إذا والفكرة هنا أنه ينبغي على القضاة أن يحكموا بأحكام حيادية، وأن يطبقوا القانون أخالقيا، معارضين لمتنازعين مواجهتهم عند وذلك

للمبادئ األخالقية.في أمريكا مثال - قبل نحو مئة عام، في مطلع القرن العشرين - كان القضاة يصرون القانونية، السوابق القانون وتفسير أن على واعتمادا رسمي، واجراء تدريب إال هو ما بـالشكلية؛ المعروفة التفسير نظرية على أن يجب ال القاضي أن على تؤكد والتي المتنازعين اعتمادا على قرارات بين يفصل نما تطبيقا لحكم قانون معين، وأن اخالقية، واإمن جزء أنه على الحكم يطبق الشخص قاعدة قانونية ال أكثر، وقد ظهر هذا األمر اتخذته الذي السمعة القرار سيء في جليا المحكمة االمريكية العليا في قضية لونشير )نيويورك 198 الواليات المتحدة، وذلك سنة المحكمة أنهت حيث لونشير(، في 1905والية في به معموال كان تشريعا العليا العمل ساعات يحدد كان والذي نيويورك، يوميا، 10ساعات بـ الوالية في للخبازين المحكمة إنهاء وعند أسبوعيا، ساعة و60 العليا العمل بهذا القانون أثارت موجة غضب عارمة في الوالية، وأما المحكمة فقد بررت قد التشريع ذلك في المشرعين بأن قرارها انتهكوا حرية العقد؛ أي أن المحكمة لم تتخذ أخالقي]8[، قانون على اعتمادا الحكم هذا )الذي العقد لقانون األولوية أعطت نما واإأهمل والذي عشر(، التاسع للقرن يعود مجال في القوة تفاوتات ملحوظ وبشكل

Page 42: مجلة سورمَي - القسم العربي

سورمي - مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين 41

أحد نفسه الوقت في اعتبر وقد التنوير، األعضاء الدائمين في الكنيسة اإلنجليكانية، ومؤلف كتاب »معقولية المسيحية«، وإمانويل كانت والذي ولد ألبوين تقيين، والذي حاول الدفاع عن الدين، وكما أنه رد على تشكيك حدود »الدين ضمن كتابه في دافيد هيوم راؤولس، جون العالم كان وأخيرا السبب«، الكنسية، قبل يعتبر مأمورا من والذي كان كفيلسوف الكتابة حياة في ينخرط أن قبل

سياسي.العقائد بقوة متعلقة ليست هنا القضية نما متعلقة الدينية لهؤالء المفكرين الثالثة، واإمبدأ عن هؤالء وضعها التي بالفرضيات حالة في مثال فنجد البشر، بين المساواة تبني إلى )الحاجة مثال كتب فقد لوك]12[، اآلخرين(، تقبل بضرورة المتعلق الحكم واألمر ذاته ينطبق على حالة كانت، والذي كتب بدوره )حول الحاجة ألن تكون أحكام مع التعامل يخص فيما مبررة المجتمع األفراد المستضعفين فيه(، وفي حالة راؤولس الفرضيات، جميع نقبل أن )علينا فيقول نحن ألننا وطبيعية معقولة ونعتبرها واآلخرون نتاج حضارة أثرت فيها المسيحية القانون أن نستنتج ملحوظ(]13[، بشكل العلماني الحيادي ال يهدف إال لتوفير ساحة غير يبدو األمر هذا وحتى حيادية، لعب ممكن، فليس هناك ما يمكن تسميته بـ ساحة نما باألحرى يجب أن نسميه مربعا حيادية، واإالتأثيرات كل يستثني الذي فالمربع عاما، الدينية، وتعتبر فيه كل النشاطات المناهضة للعلمانية أمرا مراقبا ومعرضا للمحاسبة، ال مربعا يعتبر نما واإ حياديا، اعتباره يمكن عاما، ال تسمع فيه وجهات النظر الدينية، وعلى العكس تكون األصوات المعادية للدين هكذا فمثل أكبر، بشكل ومعلنة مسموعة، ومتسامحا، حياديا اعتباره يمكن مجتمع ال بل يمكن وصفه بالمجتمع االستبدادي، وهنا

مناسبة عندما كان في مكتب الرئاسة على أهمية اإليمان المسيحي في حياته، وغوردن الكنيسة مسؤول والده كان الذي براون بوصلته منحه من وهو األسكتلندية، تكن ومهما ون كام�ي وديفيد األخالقية، مؤهالته، فقد سار على نفس الدرب. وبذلك بريطانية]10[، قيم المسيحية القيم أصبحت وأصبحت مقبولة من قبل الجميع، سواء كان أولئك الذين لديهم إيمان قوي بوجود الرب، أو إيمان ضعيف، أو حتى أولئك الذين ال لنا أن الرب. وأنه يستحيل يعترفون بوجود نفكر خارج إطار الفهم المسيحي الذي يدعو البشر أن ينشؤوا عالقات فيما بينهم ويتآلفوا،

وهذا ما ورثناه. أن نجد عندما بالصدمة نشعر ربما فيلسوفا مثل أرسطو ينظر إلى العبودية على أنها أمر طبيعي؛ أي أنه يبرر للبشر تحولهم إلى مجرد أدوات حية في يد بشر آخرين! ونشعر بالفزع عندما يستغل آخرون التحيز الطائفي للتأثير على اآلخرين، وتحصل فئة قليلة بموجبه على امتيازات متعلقة بالحصانة وموضوع المشتركة]11[، اإلنسانية نكار واإأنه وفي القدماء، وكما لدى الرحمة انعدام وبكل يحكمون كانوا القديمة الحضارات بأمراض المصابين المرضى على بساطة بعاهات والمصابين المتضررين أو مزمنة لم بأن هؤالء فعلهم هذا بالموت، ويبررون يعودوا قادرين على االعتماد على أنفسهم أو المساهمة في المجتمع. ونحن نرد على مثل هكذا حاالت، بأن مبادئنا األخالقية والعامة، التحررية، أو العالمية تحتم على أي إنسان عاقل أو سوي أن يرفض مثل هكذا إجراءات، ونؤمن أيضا أن مبادئنا األخالقية هي نتيجة الكبار المفكرين وأن المسيحية، للتعاليم األخالقية مبادئنا بصياغة قاموا الذين جون لوك؛ أمثال عالميا، المقبولة التحررية عصر فالسفة عظماء من يعتبر والذي

Page 43: مجلة سورمَي - القسم العربي

العدد 8 / أيلول – تشرين األول 42

اثنتين أو بوصية وتنتهي الزور، وشهادة )هذا يعتمد على أسلوب عد الشخص لهذه إلى تدعو التي األخيرة الوصية الوصايا(. على الحصول في الرغبة عن االمتناع زوجة شخص آخر أو ممتلكاته، هذه الوصية )االمتناع عن الرغبة، أو تجنب االبتغاء( ال يمكن أن يكون قانونا علمانيا على اإلطالق، من هو والخطيئة، الجريمة بين فالتمييز جهة، تمييز بين أمور الأخالقية وخاضعة لحكم هللا، وبين أمور غير قانونية وخاضعة لحكم اإلنسان، وحتى خالل مرحلة المسيحية فقد درس مفكروها هذا التمييز بين الحكومة بين والتمييز الدينية، والسلطة العلمانية أمام مسؤوال الفرد فيها يكون التي األمور الحكومة العلمانية، واألمور التي يكون فيها يكون أخرى وأمور الكنيسة، أمام مسؤوال فيها الفرد مسؤوال أمام هللا وحده، وقد رسم أعظم من يعتبر الذي - اكونياس توماس فرقا - الوسطى العصور كنيسة مفكري واضحا بين دور كل من الحكومة العلمانية، والمؤسسة الكنسية، بالنسبة لـ أكونياس ليس حماية العلمانية]14[، الحكومة مهمة من السالم واألمان الروحي؛ أي الهدوء الروحي على السيطرة خالل من وذلك الدنيوي، أفعال الناس وتوجيهها بشكل صحيح، حيث بالسالم تخل ربما شياطين )هنالك يقول قبل حتى والمسيحية للمجتمع(، الروحي لمدة استمر تقليد لديها كان اإلصالح]15[، طويلة في تعليم أتباعها أن القانون العلماني مساحة توفير يمكن وأنه ممكن، أمر هو لتدريب اإلرادة الحرة لإلنسان عندما ال يكون العقوبات تحت ضغط اإلنسان مرغما هذا القانونية. وقد قرأت المسيحية كتاب التوراة، أكونياس، من كل قرأه كما قديمة، كوصية المقدسة الكتب تلك كالفن، وكاي�ب وآخرون، التي تروي قصة شعب إسرائيل، وكيف أن هللا اختارهم وفضلهم على العالمين، وأعطاهم

سنكون في مواجهة خيارين؛ األول هو نظام قانوني ملحد، واآلخر نظام قانوني مسيحي، ونجد أن القانون الملحد يمكن تطبيقه بشكل وهو أمامنا، تاريخي مثال وهناك واضح، االتحاد السوفيتي في القرن الواحد والعشرين؛ والذي لم تكن نتائجه جيدة، ولم تصب في

مصلحة إعالن القانون اإللحادي. Iالقانون العلماني ممكن

العلماني النظام كون من الرغم على بين االختيار أن إال ممكن، غير المحايد القانون أو الملحدة، )العلمانية متناقضين المسيحي البحت( يبدو أمرا غير دقيق، فمثال عندما نختار قانونا متأثرا بالمسيحية، فليس معناه أن تكون الكنيسة المؤسساتية مهيمنة على هذا النظام القانوني، فمثال تجربة بالد الذاتي الحكم معايير تتضمن التي الويلز إذا فنحن دون أن تتضمن مؤسسة كنسية، أنه أي الحيادي؛ القانوني بالنظام نعني محايد بشأن التساؤالت التي تخص الدين أو المتعلقة بالشؤون الدينية، فهذا غير ممكن، فقط العلماني القانون تطبيق يمكن نما واإعندما نعني »علماني«، وليس »إلحاد« أو سطوة من التخلص إن الدين«. »محايدة يمثل الذي الهدف هو الدينية، المؤسسة عصر ثمرة يعتبر والذي العلمانية جوهر والعلمانية الدين بين التمييز وهذا التنوير، حيث المسيحية من أبعد تمتد جذور لها نجدها مثال في الكتب العبرية المقدسة، وكما كل في معروفة )الحقيقة ن أوس�ق ن ج�ي تقول العالم(، وال يعتبر القانون في كل من بريطانيا األخالقية للمبادئ مماثال الغربي والعالم الجريمة بين التمييز فمثال الموروثة، سة المؤس النصوص الى بالعودة والخطيئة، للمبادئ األخالقية المسيحية، وهي الوصايا ببنودها طويلة ولفترة عرفت والتي العشر، والقتل، والسرقة الزنا من كال تحرم التي

Page 44: مجلة سورمَي - القسم العربي

سورمي - مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين 43

تعاليمها يخص فيما أجوبة بإعطاء ما أو الخارجية، قوانينها أو األخالقية،

يخص التحول الذي يحدث في القلوب.يقع قانون كل هو العلماني؛ القانون كان سواء الكنسية، المؤسسة سلطة خارج معترفا به من قبل الكاتدرائية أو غيرها من ممكن قانون وهو الدينية، المؤسسات التطبيق، لثالثة أسباب رئيسية موجودة في في بدورنا ورثناه الذي المسيحي، اإلرث ثقافتنا وهي؛ أوال في التوراة والوصايا العشر، ثم التمييز بين الجريمة التي تخضع للعقاب من قبل سلطة البشر بحسب الجرم المرتكب، وبين الخطيئة التي ال تنطبق عليها األمور لم األصلية المسيحية ألن ثانيا، السابقة، نما تعتمد في انتشارها على قوانين معينة، واإاعتمدت على اإلقناع، ثالثا، ألن المسيحية لديها قناعة بأن ال قانون كامال عندما يتعلق العالم. وحماية العدالة، بتحقيق األمر لتلخيص األمور التي أتينا على ذكرها فإن الحياد، على يقف الذي العلماني القانون والقضايا بالمسائل األمر يتعلق عندما الدينية، فإنه سيكون غير ممكن، أما القانون سلطة عن الخروج يعني الذي العلماني

المؤسسة الكنيسة، فهو ممكن، أخيرا. .II القانون العلماني هو أمر ضروري

هي Secular اإلنكليزية الكلمة إن الالتينية الكلمة من األصل في مشتقة )العصر(، تعني والتي Saeculum؛ الوسطى العصور في الكلمة هذه وكانت الراهن(، أو)الوقت الراهن(، )العصر تعني و)هنا واآلن(، وهذا العالم الذي خلقه الرب، العالم هذا بروحه. يفديه أن المسيح وأراد الذي لم يكتمل إصالحه وترميمه، ولم يبلغ المجد الكامل الذي أراده له الرب. إن الكلمة ،)Soghalta( والغالية ،)Bydol( الويلزيةSec- )واللتين ترجمتا عن الكلمة اإلنكليزية

قانون بمثابة لتكون موسى النبي وصايا أبقى هللا أن وكيف العامة، حياتهم ينظم من الرغم على الشعب، هذا مع إيمانه القانون، ورفضهم لذلك المتكررة انتهاكاتهم لحب هللا، وأهم الدروس التي استخلصت من التاريخ/عصر هذا من السماوية الديانات التنوير هو أن القانون، بل أفضل قانون في إلهيا، سيكون قانونا كان ن واإ العالم، حتى وحماية العدالة يخص فيما دائما ناقصا

العالم]16[.األولى المسيحية الكنيسة/ تنشر لم الحروب أو الغزوات طريق عن تعاليمها نما عن طريق اإلقناع، ولم يكن السياسية، واإمفهوم الكنيسة مرتبطا فقط بشخص المسيح نما من خالل إيمانها بوجود كابن للرب، واإما وهذا القدس، بالروح تسمى ثالثة قوة يعرف في المسيحية باسم الثالوث المقدس]17[، في األمر هذا عن اكويناس تحدث وقد هو القانون )إن يقول حيث أطروحته، للروح ويشير معين(، عمل ألداء الطريق القدس بـ)بالقانون الجديد(، ويتحدث اكويناس تأخذ القدس الروح أن كيف أطروحته في دورا هاما في عهد وصايا موسى النبي]18[، وأن جوهر المسيحية هو اإليمان بأن العدالة الحقيقية يجب أن تكون عدالة لكل اإلنسانية، ويجب أن تكون مقبولة من الجميع. الروح خالله من تنتقل الذي الوسيط هي القدس عدالة هللا إلى قلوب البشر، وبالتالي تنعكس أنه القانون على أفعالهم، ويفسر هذا على مجموعة القواعد التي تتحكم بتصرفات البشر في محددا دورا تلعب والتي الخارجية، المسعى إلى العدالة. إن الحقوق والواجبات للتوقعات، مجاال تخلق ما عادة اإلنسانية في إطار العدالة التي سيتم اتباعها، والروح القدس يلعب دورا هاما في اإلرث المسيحي، وهو كذلك موجود في األرثوذكسية اليهودية، واإلسالمية، والمسيحية ليست ملزمة بالرد أو

Page 45: مجلة سورمَي - القسم العربي

العدد 8 / أيلول – تشرين األول 44

الفقراء بالقدر ذاته حيال األغنياء! وماذا لو أن الرب أحب المجرمين والمنبوذين، بنفس البرجوازيين وأصحاب القدر الذي يحب به كما فينا سيؤثر األمر كان هل السلطة! األخالقية الفرضيات أن نجد اآلن. يفعل الموجودة في عصرنا هذا إنما هي مرتبطة أصال بالنظريات األخالقية المسيحية، فنجد من طائفية الناس أكثر حتى أنه مثال حقوق احترام إلى يميلون المسيحيين، والعدالة العالمية، واإلنسانية اإلنسان، الفقراء، ورعاية واالقتصادية، االجتماعية وتساوي الجميع أمام القانون، وأن األساس من وغيرها اإلنسان، كرامة احترام هو ولكن المسيحية، أوجدتها التي األخالقيات أن ونجد فيها، المبالغ الطريقة بهذه ليس أو االجتماعية، كالعدالة بفرضيات االلتزام استقبال الالجئين، والمضطهدين، والترحيب العالم]22[، شعوب لدى موجودا كان بهم وحتى والمصريين، واإلغريق، كالرومان، بهذه االلتزام فإن لذا االنكلوساكسونيين، غير من وسيكون طبيعي، أمر المفاهيم سيكون أنه ثانيا، منها. التنصل الطبيعي هناك موعد للحساب؛ أي يوم القيامة، والفكرة مهم أمر هو للحساب يوم وجود أن هنا اليوم قوانين إن أوال؛ ناحيتين، للقانون من ستتم الشخص ن واإ وواضحة، مفهومة محاسبته على أعماله وتصرفاته أمام سلطة دنيوية أو حكومة بشرية، ومن ناحية أخرى يوم فوجود هللا، أمام الشخص مسؤولية للحساب سيجعل المرء يعلم أن هناك قاضيا إن نهائيا وهو هللا، هو من سيحاسبه؛ أي المسؤولية أمام المجال يفسح األمر هذا مجال للفرد فيصبح هللا، أمام الشخصية للتصرف بحرية]23[، وليس من الضروري أن تكون أفعاله سواء األخالقية أو الالأخالقية التي يقوم بها في الوقت الحاضر أن تكون

القانونية.

وتحمل العالم(، )من تعني والتي ular(؛ معاني أخرى مثل )دنيوي(، )آني، أو زائل(، للكلمة، األصلية المعاني وهي )طمع(، ولكنها باتت تستعمل هذه األيام للداللة على ما هو مجتمعي فقط، وكل من يريد التحرر، لكونه ذلك مهما. العلماني القانون ويعتبر

يحدد األمور الدنيوية والشؤون الحالية. أساسية نقاط ثالث المسيحية في توجد فيما يتعلق بـ سيكوليوم، أو الوقت الحاضر، التي القانون والحضارة يعتبر أساس والذي نعيشها، أوال، خلق البشر في صورة الرب، يوم للحساب؛ أي يوم ثانيا، سيكون هنالك القيامة، ثالثا، للحكومة دور محدود ال يجب تجاوزه، فيما يتعلق بالنقطة األولى؛ أن البشر خلقوا على صورة الرب على هذه األرض]19[، ربما لم نفكر بأنفسنا وباآلخرين، كما نفعل أن مجتمعاتنا األيام، حيث الغرب هذه في باتت مهووسة بالحرية أكثر من القيم األخرى، اإلنسان، بأصالة ومرتبط مهم أمر وهذا ومهم ألنه مرتبط بالكرامة والحرية اإلنسانية، بأن المتعلقة بالنقطة مرتبط المفهوم وهذا وأنه الرب]20[، في صورة خلق قد اإلنسان محبوب ومفضل على غيره من المخلوقات يهتم كي كافيا يعتبر وحده وهذا عنده، بها]21[، يعامل التي بالطريقة اإلنسان حساسنا هذا ناتج عن كوننا بشرا، وتفكيرنا واإبالطريقة التي يجب أن نعامل بها تأخذ شكال وقد المسيحية، التعاليم في منفردا ومظهرا الكرامة مفهوم هارت بينتىلي دافيد شرح في قوانيننا على تنعكس والتي اإلنسانية، قد جاء منذ بأنه المتحدة/بريطانيا، المملكة لمعنى المسيحي الفهم فهذا المسيح، ميالد في وبعمق تجسد األمر وهذا بشرا، كونك بمفهوم المتأثرة بشكل كبير الغربية، الثقافة اإلنسان واإلنسانية. ماذا لو أن المسيح ولد في قصر، هل كان الموضوع حينها سيؤثر فينا بذات الطريقة! وماذا لو أن الرب أحب

Page 46: مجلة سورمَي - القسم العربي

سورمي - مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين 45

أدتا إلى أعظم مكتشفات الحضارة، إال وهي الحكومة المحدودة، وعلى اعتبار أن اإلنسان قد خلق على صورة الرب فهو مكرم، وليس فالحكومة دنيوية، بسلطة أو محكوما تابعا هنا ال تملك سلطة نهائية لتطويع الناس، فلم نما واإ الحكومات، ليخدموا البشر يخلق البشر، لخدمة تشكلت التي هي الحكومة وكذلك الحكومة ليست معنية بحل المسائل معها المختلفين إخضاع أو بالقوة، الدينية من ذلك ماكونيل ميغيل ويشرح بالرأي. خالل قوله )قبل أن تظهر العلمانية الليبرالية بشكل نظري، أو عملي وبوقت طويل، لعب دورا والروحية المؤقتة السلطة بين التمييز السمات أهم أحد ظهور في وكبيرا هاما إال الديمقراطي، الليبرالي للنظام الجوهرية الصالحيات، المحدودة الحكومة وهي وفكرة الفردية، الحقوق الفردي، الضمير جاءت السمات وهذه البشر، بين المساواة كدفاع للدين ضد تدخالت الحكومة( والفكرة هنا أن تحديد صالحيات وسلطات الحكومة، جاءت في البدايات كرد فعل للكنيسة على على وجاءت شؤونها، في الحكومة تدخل المؤمنة والجماعات للمؤمنين دفاع شكل السياسية فالسلطة الحكومة. تسلط ضد ليست الكفيل بمنع الخطيئة أو إنقاذ البشر، مقاومة يخص فيما جوهري األمر وهذا الطغيان واالستبداد، وقد ناقش المفكر أوليفر دونافان فكرة وجود يوم للقيامة، وأنها جعلت الحكومة نتفهم أن دور أن من الضروري، ينبغي أن يكون محدودا في سيكوليوم؛ أي الوقت الحاضر، وطرح سؤاال في مشروعه الديمقراطية الليبرالية أخطأت ما إذا وهو، التي نمت في بيئة تسودها الثقافة المسيحية، األزلية، أو األبدية يخص فيما بوصلتها بعد ستكون فهل للقيامة، يوم وجود وفكرة الحكومة بفكرة االقتناع على قادرة ذلك قانون كل الصالحيات؟ والمحدودة المؤقتة

إن مفهوم المسيحية بالنسبة ليوم القيامة، الذي العلماني للقانون إضافيا بعدا يعطي حرية ضمان في لمساهمته مهما يعتبر بعد، وكتاب يأت لم القيامة فيوم اإلنسان، العهد الحديث ركزوا على نقطة أن هللا ينتظر ظهرت والعلمانية ليحاسبنا، القيامة يوم لـ الحقيقي المعنى ونسيان ضياع بمجرد الذي ينتظرنا فيه هللا الوقت سيكوليوم؛ أي للحساب، ولم تفهم المسيحية السيكوليوم، أو الحياة الدنيا على أنها واقع أو وقت مستقل، نما كوقت تكون فيه غايات محبة هللا قد واإتكشفت، ويكون االلتباس بين الخير والشر، والذي يرسم مالمح الوقت الحاضر]24[، وكل كل منح قد هللا أن حقيقة عن ناتج هذا شخص على سطح هذه األرض عمرا ووقتا للتوبة، فرصة يمثل الوقت وهذا محددا، ولإليمان والطاعة؛ أي إنه الوقت الذي تلعب البشر، حياة في دورها القدس الرح فيه المحبة أسلوب فيه يكون الذي والوقت واإلقناع هو األسلوب الرئيسي الذي يعتمده خالل من وليس البشر، الستمالة الرب القوانين بأن هنا والفكرة والعقود، القوانين، الحالي، الوقت في تعتبر ضرورة والشرائع كما القيامة، ليوم ذلك نؤجل أن يجب وال الحياة منحنا قد فاهلل دونوفان، أوليفر يقول الدنيا، لتكون الوقت الذي نعيش فيه ونؤمن، ونعيش األمل، تحت سلطة أو نظام محدد، نحقق أن الممكن من أنه نجد أيضا وهنا تسوية معينة خالل هذه الفترة، إلى أن تنتهي مرحلة انتظار الرب لبني اإلنسان، وأنه من الممكن أن نحمي عالمنا من التدمير الذاتي الكالم لهذا العملي والتطبيق والتصارع، يكون من خالل تصرف سياسي يؤدي لوجود حكومة تكون بمثابة سلطة للمحاسبة، ثالثا؛ وجود حكومة محدودة، فالنقطتان المتمثلتان بأن اإلنسان قد خلق على صورة هللا، وأن هنالك يوما للحساب؛ أال وهو يوم الحساب،

Page 47: مجلة سورمَي - القسم العربي

العدد 8 / أيلول – تشرين األول 46

حاول هؤالء المفكرون أن يربطوا أية محاولة والنظرية الدارويني، العلم مع أخالقية الداروينية، وجعلها منسجمة مع هذه النظرية، كما فعلت حركة تحسين النسل االشتراكية، والحركة النازية التي انبثقت عنها، وقد ناقش نقد على رده في ذاتها النقطة غراي جون حيث للمسيحية، نيتشه فريدريك المفكر وضح غراي أن نيتشه لم يثبت مطلقا وجود نما أي ارتباط بين اإللحاد والقيم التحررية، واإعلى العكس بدا وكأن هذه القيم هي وليدة نيتشه يقوم وبينما المسيحية ومنبثقة عنها، وكذلك السبب، لنفس المسيحية بنقد الملحدون اإلنجيليون أمثال ريتشارد داوكينس عن الدفاع خدمة في نفسه وضع الذي ما نادرا الملحدون فهؤالء الحريات، يستفسرون عن األصل الذي نشأت عنه هذه الحريات أساسا، ولم يناقشوا أبدا ما إذا كان الدين قد لعب دورا في ظهور هذه األفكار

التحررية. اإلنسانية بالكرامة المتعلقة األفكار إن والحكومة المحدودة، تعتبر السبب الرئيسي منظور من تاريخيا المسيحية لظهور المسيحية. وهناك تحذير هام ينبغي توجيهه للعلمانيين الليبراليين، بأنهم سيتحملون الذنب المساهمات وتجاهل إهمال تعمدوا ما إذا لصياغة المسيحية قدمتها التي الجوهرية من أنكروها فإذا العليا، اإلنسانية القيم بذلك فهم والكتب، التاريخية السجالت سيضعفون وبشكل خطير، المصادر الثقافية الملحة والحاجة الجانبين، كال من ودورها للدفاع عن هذه المصادر ودورها، وقد كان الفيلسوف أرسطو مثاال لذلك، ليؤكد بأال أحد مكانته تكن مهما الخطأ عن معصوم يرتكبون قد أيضا فالحكماء التاريخية، األمور في تفكيرهم عند كبيرة أخطاء ثقافي سياق ضمن نفكر فكلنا األساسية، تفكيرنا، صياغة يعيد بدوره والذي معين،

النهاية الإنسانيا]25[، في العلماني سيصبح فهم؛ المفكرون المسيحيون وقبل فترة طويلة من قصة الخادمة مارغريت اتوودس يقولون إن على السماء سلطة لتمثيل محاولة أية األرض ستؤدي الى االستبداد، وكما أن أية األرض على السماء جنة لتمثيل محاولة على يد يوتوبيا ملحدة، تستثني الدين، ويكون لن فإنه ديني، تأثير أي من خاليا قانونها السلطة أن وكما إنسانيا، قانونا يكون السياسية التي تقوض حرية الراي والكتابة، ليست إنسانية أيضا، والقرارات البيروقراطية التي تصنف من يجب أن يتمتع باإلنسانية قرارات أيضا هي بها، يتمتع ال ومن مع تتعامل التي واالجراءات الإنسانية، اآلخرين على أنهم بشر من الدرجة الثانية، ذلك، وغير الإنسانية، اجراءات هي بيد الثروات التعسفية، وحصر كاإلعدامات قلة من الناس، في حين أن األغلبية تعاني هذه إن ذلك. إلى وما المجاعات، من اإلجراءات تبدو بعيدة عن تعاليم المسيحية، الذي القانون وحدود اإلنسان، كرامة حول عادة ما يتم تجاوزها، وقد ناقش دايفيد بيتىلي هذه النقطة، وبشكل متألق في كتابه »أوهام االفتراض هو أكثر، يحيرني )ما ملحدة« سيكون علماني مجتمع أي بأن الغريب، من عنفا وأقل تسامحا، أكثر بطبيعته الحديث العصر ولكن الديني، المجتمع حيث االفتراض، هذا يخالف مثاال أعطى عنفا األكثر هي الملحدة الحكومات كانت يخص فيما اإلنساني، التاريخ في ووحشية عدد الضحايا، لماذا يتخيل هؤالء المفكرون بأن العالم الخالي من الدين يجب أن يقف بتحيز في المسائل األخالقية، ولماذا يفترض األصلية، المادية بأن المفكرون هؤالء المنبثقة عن علم األحياء الدارويني ستجعل اإلنسان يترك تصرفاته القبلية والالعقالنية، وستجعله أكثر تسامحا وتقبال لآلخر، وكما

Page 48: مجلة سورمَي - القسم العربي

سورمي - مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين 47 This essay was first printed in the journal Law and Justice: The Christian Law Review No.

169, Trinity/ Michaelmas 2012[1]A previous version of this essay was given at in a lecture at Cardiff University on 27th January 2012, the lecture subsequently being printed in Law and Justice. The author is grateful to the participants in that event, and has revised parts of the argument as a result of their contributions. All errors remain his responsibility.[2] Dombrowski, Rawls and Religion, (Albany, NY: State University of New York Press, 2001), ixI[3] Rawls, Political Liberalism, expanded edn. (New York: Columbia University Press, 2005), 40.[4] Douzinas and Gearey, Critical Jurispru-dence: The Political Philosophy of Justice, (Oxford: Hart Publishing, 2005), 133. This criticism is possibly unfair with regards to Rawls. He acknowledges, in Political Liberal-ism, that his political constructivism is a mor-al stance (446) and restricts the exclusion of moralities derived from comprehensive doc-trines to constitutional essentials and ques-tions of basic justice (44, 442). Nonetheless, Douzinas and Gearey’s criticism seems sound with regards to secular liberalism in its popu-lar forms.[5] Sandel, Justice: What’s the Right Thing to Do? (London: Penguin, 2009), 248.[6] Sandel, Justice, 261.[7] Joseph Raz, Ethics in the Public Domain: Essays in the Morality of Law and Politics (Oxford: Clarendon, 1994), 324.[8] Discussed in Tamanaha, Law as a Means to an End: Threat to the Rule of Law (Cam-bridge: Cambridge University Press, 2006), at 47-52. [9] MacCormick, Legal Reasoning and Legal Theory (Oxford: Clarendon, 1994), 233.[10] Cameron, ‘Prime Minister’s King James Bible Speech’, http://www.number10.gov.uk/news/king-james-bible/[11] Aristotle, Nicomachean Ethics tr. D. Ross (Oxford: OUP, 2009) and Eudemian Ethics tr. A. Kenny (Oxford: OUP, 2011).[12] Waldron, God, Locke and Equality: Chris-

وهناك من يخطأ في فهم األمور بحسن نية، وآخرون يتقصدون ذلك، كما كان اإلغريق نظر لوجهات إهمالهم مثال؛ يفعلون، الضعفاء منهم، لذا نجد أن من يريد الدفاع عن الكرامة اإلنسانية، والشرعية، فإنه يجب أن يتعاون مع حلفائه في الرأي، وكما يجب النظر وجهات لكل يستمع أن عليه المطروحة، وأخيرا نجد أن القانون العلماني هو ضروري على أن يكون متأثرا بالتعاليم المسيحية، حول الكرامة اإلنسانية، وضرورة المؤقتة والحكومة للقيامة، يوم وجود والمحدودة، فإذا ما كنا نريد قوانين جيدة فإننا بحاجة إلى قوانين ال تشوه سمعة البشر، وال هذه في مكانتهم وتحترم إنسانيتهم، تنكر ونريد واحترام، بكرامة وتعاملهم الحياة، مسؤولياتها، مع بصدق تتعامل حكومة وسائل في المسؤولية ثقافة الى ونحتاج القانون والسياسة، والمجتمع المدني، والحكام أمام بالمسؤولية يتحلوا أن يجب الذين القاضي الذي سيكون وأمام هللا، ضمائرهم على سيحاسبهم الذي النهائي، والحاكم تعرف حدود نريد حكومة أننا أي أفعالهم، سلطتها، وال تتجاوزها، وتدرك أن الناس هم الناحية من الحكم. إلى أوصلوهم من التاريخية كانت المسيحية هي الملهم للعديد من هذه األفكار، والتي أصبحت جزءا من

قيمنا المشتركة، والمقبولة عالميا.القانون صحيفة في مرة ألول نشرت

والعدالة العدد 169، 2012، بريطانيا.

Page 49: مجلة سورمَي - القسم العربي

العدد 8 / أيلول – تشرين األول 48

[23] O’Donovan, The Desire of the Nations: Rediscovering the Roots of Political Theology (Cambridge: Cambridge University Press, 1996), 255.[24] Milbank, “The Gift of Ruling”, 217.[25] O’Donovan The Just War Re-visited (Cambridge: CUP, 2003), 6.[26] McConnell, ‘Liberalism and People of Faith’, in McConnell, Cochran and Carmella eds. Christian Perspectives on Legal Thought (New Haven: Yale University Press, 2001), 6.[27] McConnell, ‘Liberalism and People of Faith’, 10.[28] O’Donovan, Common Objects of Love: Moral Reflection and the Shaping of Commu-nity (Grand Rapids: Eerdmans, 2002), 42, 69; The Ways of Judgment (Grand Rapids: Eerd-mans, 2005), 76-77.[29] McConnell, ‘Liberalism and People of Faith’, 8. There were, however, many ‘Chris-tian’ rulers whose rule was tyrannous.[30] David Bentley Hart, Atheist Delusions, 16I[31] Gray, Gray’s Anatomy: Selected Writings (Penguin: Harmondsworth, 2009), edited extract published at http://www.abc.net.au/religion/articles/2012/01/09/3213725.htm[32] See the discussion of the exchanges between Athens and Samos, Mytilene and Melos during the fifth-century BC, as dis-cussed in Alasdair MacIntyre, Whose Justice? Which Rationality? (London: Duckworth, 1988), 52-53.

tian Foundations in Locke’s Political Thought (Cambridge: CUP< 2002). [13] Dombrowski also notes that Rawls’s atti-tude to animals ‘relies on the traditional view of animals found in comprehensive Christian doctrine’: Rawls and Religion, 143.[14] Aquinas, Summa Theologiae, I-II.98.1. [15] On the importance of the removal of the Church from political and judicial roles in the Lutheran Reformation, see Witte Law and Protestantism: The Legal Teaching of the Lu-theran Reformation (Cambridge: CUP, 2002).[16] The same is true of morality, even Chris-tian morality. Christianity places its hope for the world not in moral education but in a crucified Saviour.[17] Holmes, The Politics of Christmas (Lon-don: Theos, 2011).[18] Aquinas, Summa Theologiae, I-II.96.5 ad.2.[19] Ruston, Human Rights and the Image of God (London: SCM, 2004).[20] This is part of Bentley Hart’s argument in Atheist Delusions: The Christian Revolution and its Fashionable Enemies (New Haven: Yale University Press, 2009).[21] Milbank ‘The Gift of Ruling: Seculariza-tion and Political Authority’ New Blackfriars 85 (2004) 212-238 at 237; Wolterstorff, Jus-tice; Rights and Wrongs (Princeton: Princeton University Press, 2008).[22] Bentley Hart, Atheist Delusions, 32-33.

Page 50: مجلة سورمَي - القسم العربي

سورمي - مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين 49

العالم، وعن أخبار أسرته، يتحدث عن تأثير الحرب على والده، الحرب التي جعلت منه رجال بمزاج متقلب، إذ تنشطر شخصيته إلى ما قبل الحرب وما بعدها، لقد جعلت الحرب للتسلط، ومحبا ومتشائما محبطا والده من بعد الخمسينيات، مطلع في إفريقيا فغادر أفريقيا في قضاها عاما عشرين من أكثر قد أنه الجيش قرر عندما وذلك وأريافها،

تجاوز سن التقاعد.

بأدواته األعمال كل يمارس والده كان الطبية البدائية على نحو ما، من التوليد إلى بالجذام، عنايته عن ناهيك التشريح، والمصابين بالطفيليات، أو ضحايا االلتهاب اختار إلهي، سبات في الغارقين الدماغي لروح ميله من بسبب الوضع هذا والده المجتمع وضاعة من وليهرب المغامرة،

االأفريقي، بـ الموسوم الروائي عمله في لوكلوزيو غوستاف ماري جان الفرنسي يتحدث عن فرنسية وأم بريطاني أب من 1940والكاميرون نيجيريا إلى أفريقيا، إلى رحلته عام 1948 ليعيش مع والده الذي كان يعمل طبيبا استعماريا في الجيش البريطاني، وذلك التوالي: على هي فصول، سبعة عبر - وسواهما والنمل األرضة - )الجسد األفريقي - من جورج تاون إلى فكتوريا – بانسو - غضب أبوجا – النسيان(، ترجمة راغدة خوري، ونشر دار عالء الدين، يؤرشف لوكلوزيو في هذه الرواية ما عاصره والده من عام إفريقيا إلى الذي وصل والده أحداث؛ غويانا في عامين قضى أن بعد 1928األنهار، حول جوال كطبيب اإلنكليزية، يتبعهما الطبية، جوالته في زوجته ترافقه الشرقية، الجبال عبر والحمالون المترجم يتنقالن من مخيم آلخر، في قرى قام والده الصغير دفتره على أسمائها بتسجيل

)بابونغو، نجي نيكوم، أوبوكون(. سببت من هي بالذات أفريقيا تكن لم لـصاحب الزمة الجوع، نال عنها جائزة نوبل هذا اكتشاف بل الصدمة، ،2008 عام األب الغريب المجهول، فالرجل الذي قابله وهو في الثامنة من عمره، كان متعبا، وهرما قبل األوان بتأثير من المناخ المداري، غدا كان الذي التيوفيلين بسبب الغضب سريع الربو، حزينا بمرارة يقاوم نوبات يأخذه كي عن منقطعا الحرب سني كل عاش كونه

أفريقيا بعيني لوكلوزيوP

عمران عز الدين

والحروب االأمراض وطأة تحت الرازحة ة، الكب�ي السكانية الكثافة ذات الحقيقية، أفريقيا هي هذه العشائرية، لكنها القوية أيضا، والمبهجة، بأعداد أطفالها، بأعيادها الراقصة، بطبيعة وظرافة رعيانها الذين

ي الطرقات.يرزحون �ن

Page 51: مجلة سورمَي - القسم العربي

العدد 8 / أيلول – تشرين األول 50

المنزل. أثاث إلى ووصوال األشياء من التفسير الذي يقدمه لهذه الحالة كان بسبب كآبة الحرب، والعالم المغلق المظلم، فضال عن الخبز األسود المخلوط بنشارة الخشب، وانفجار مرفأ نيس الذي رماه أرضا في غرفة حمام جدته، السفر إلى أفريقيا وضع نهاية لكل هذا، نهاية أللم رأسه الرهيب، ونوبات

غضب الطفولة.يخبرنا أيضا أنه في سن الثامنة من عمره نيجيريا في أفريقيا غرب في عاش تقريبا بمقاطعة معزولة تماما، بصحبة والده ووالدته األوربيين الوحيدين في تلك المقاطعة. كانت وحرب أهلية، حرب تهدأ، ال فيها الحرب السيئة المعاملة على وحرب الفقر، على وحرب االستعمار، من المتوارث للفساد بشكل خاص على الجراثيم، إذ لم يكن العدو وال يعبدونه، الذي واإلله اآلروشوكو قبائل العدو كان بل ببنادقهم، الفوالني جيوش والدودة الباسيلية العصيات يدعى الحقيقي والزحار والجدري، والبلهارسيا، الشريطية، األميبي. أمام هذه الحرب، كان فريق عمل الطبية، األدوات يفتقر ألبسط بائسا، والده الوقت ذلك في الموظفين مساكن كانت الحكومة تعطيها صغير، كوخ عن عبارة اإلنكليزية لألطباء العسكريين، ال توجد فيها أية امتيازات، وال لوحات أو مرايا، كان والده في أبوجا مسؤوال عن مستوصف هو )عبارة قبل من مهجور قديم ديني مستشفى عن الراهبات(. وهنا تعلم لوكلوزيو النسيان، فذلك الكوخ شكل تاريخا لمحو وجهه، كما وجوه كل الذين من حوله، فيطلق على هذا الزمن »زمن تعاقب األجساد«، إذ الحرية في أبوجا

كانت تسيد الجسد.يوم دخوله إلى أبودو برفقة والديه، تجمع تتلمسه األيادي وأخذت حولهم، الناس ورأسه وشعره ذراعيه فوق أصابعها وتمرر مؤلم، بشكل يتذكر قبعته. أطراف وحول كيف أنه كان مسجونا هو وعائلته في شقة

اإلنكليزي، الذي لم يكن اإلنسان بنظر أفراده منه تعلم إقامة«، »بطاقة عن عبارة إال لقد أكثر مما يحبه، يتحاشاه لوكلوزيو كيف كان رجال قاسيا، متقشفا، ومهووسا بالنظافة والده، بعوالم أيضا المفتون لوكلوزيو أيضا. كان يستنكر بعض تصرفاته على الرغم من حب والده الشديد لوالدته، والتي عندما قررت أن تذهب وتعيش مع زوجها في الكاميرون،

قال لها أصدقاؤها الباريسيون: - ماذا، ستعيشين عند هؤالء المتوحشين؟!

سكان من وحشية أكثر ليسوا إنهم -باريس! )ردت عليهم(.

كان يستنكر بعض تصرفات والده، وكأنه كالمشهد أيضا، البالد لتلك مستعمرا كان الذي أحرق فيه عقربا أنثى تحمل صغارها فوق ظهرها، فألقى عليها زجاجة من الكحول، بلل العقرب، ومن ثم أشعل عود ثقاب ورماها تحاول وهي تحتها صغارها فاحتوت به، جاهدة أن تبعدهم عن النار. يتأثر لوكلوزيو الطفل بهذا المشهد، ويرى أن الحرب جعلت تلك بعد وصلفا، قاسيا رجال والده من الحادثة، وفي كل ليلة، وكما لو كان انتقاما لعالم الحيوان، كان مسكنهم يجتاح من قبل

جيوش من الحشرات الطائرة! عاش لوكلوزيو سنواته األولى في الطابق بفرنسا، نيس في برجوازية ببناية السادس، هذه يحب كان حيث وجدته، أمه ربته األخيرة، ألنها تجيد سرد الحكايات، فيتحدث لنا، عبر سرده المشوق، عن عادات وتقاليد في عاشه تختلف جذريا عما التي أفريقيا، وأفريقيا، فرنسا بين ما شتان نيس، بلدته وكان األلمان، قبل من محتلة نيس كانت مصحوبا ضعيفا، جسدا وقتذاك يملك وأوجاع المحمول، غير المتالحق بالسعال رأس مؤلمة جدا، ملحة وغير محتملة، فكانت إثره وعلى المحموم، الغضب نوبات تنتابه كان يرمي من النافذة كل ما يصل إلى يديه،

Page 52: مجلة سورمَي - القسم العربي

سورمي - مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين 51

عينان وفك سفلي، باستطاعته فرز السموم، النمل طريقه، يعترض كائن أي ومهاجمة ذاك، كان سيد أبوجا الحقيقي، والذي لم يسلم منه، ففتك به، وقرض أظافره، أفقده التوازن، وطببته، إليه سارعت والدته أن وكيف معقم ملقط بواسطة واحدا واحدا اقتلعتهم بالكحول. أفريقيا إذا، كانت الجسد، ال الوجه، قوة األحاسيس، قوة الشهوات، عنف الفصول، فإنها إذا كانت قد نزعت عنه وجهه، وهي إليه جسده متألما، هذا الجسد الذي أعادت كانت فرنسا قد خبأته له ضمن الرقة الباهتة

لمنزل جدته دون أية حرية أو غرائز.يتقاعد والده، وكأنه لم يغادر أفريقيا قط، فعند عودته إلى فرنسا احتفظ كجندي بعادات مهنته: يستيقظ في السابعة صباحا، يرتدي ثيابه وحذاءه الملمع، يضع قبعته على رأسه، عندما السابق في كما ليتسوق، يذهب ثم في المرضى أسرة بين ليتجول يذهب كان الثامنة الساعة في ويعود تفقدية، زيارة ويصلح األطباق، يجلي طعامه، لتجهيز يديه، يغسل شقته، في المكسورة القطع ويخيط جواربه. لقد غدت تلك البالد وطنه، جعل كثيرين يرون النور، كما رافق كثيرين الشكل، سيبقى حتى القبر، وعلى هذا إلى تلك وتأثير بأثر محتفظا حياته نهاية قطعها، التي والمروج والغابات الهضاب،

وهؤالء األشخاص الذين عرفهم. بالترحال المغرم لوكلوزيو يعري والمغامرات، المبحر دوما صوب جغرافيات غريبة، في هذه الرواية/ السيرة الذاتية، تلك الالإنسانية والممارسات التجاوزات الساحرة أفريقيا طبيعة بحق والالأخالقية والخالبة، ووداعة أناسها البسطاء المسالمين. إنها الحرب إذا، تلك التي كسرت أحالم والده من بنوع يشعر جعلته والتي األفريقية، أشكاله، بكل للمستعمر العميقة الكراهية قيودها من محررة أفريقيا بنهضة ويحلم

االستعمارية، ومن قدرها المليء بالفساد.

في نيس حيث الحرب الدائرة كانت تمنعهم والدته على يتوجب كان إذ الخروج، من االختباء خوفا من اعتقالها من قبل الجستابو، أفريقيا، في حاضره الحاضر، بأن يقول غير أضحى سبقه، قد كان ما كل أمحى حقيقي، ومن اآلن وصاعدا، سيصبح هناك ما قبل وما بعد أفريقيا، فهذه ليست أفريقيا تارتاران بطل رواية الكاتب الفونس دوديه، بل الكثافة ذات الحقيقية، أفريقيا هي هذه وطأة تحت الرازحة الكبيرة، السكانية القوية األمراض والحروب العشائرية، لكنها أيضا، والمبهجة، بأعداد أطفالها، بأعيادها الذين رعيانها وظرافة بطبيعة الراقصة، أذكر )مازلت يقول الطرقات. في يرزحون كل ما تلقيته منذ لحظة وصولي إلى أفريقيا للمرة األولى، حرية كانت من الشدة بحيث لحد فيها استمتعت وأسكرتني، أحرقتني،

األلم...( ص 108دروب أفريقيا هي األخرى شهدت ركضه مع أخيه حفاة عبر السافانا إلى قالع أعشاش الوقت ذلك في الشمس وكانت األرضة، تحرق جبهتهما البيضاء، كان جسده المغطى بطفح جلدي لحبيبات صغيرة سببتها الحرارة الشديدة، هي حالة يعاني منها بيض البشرة يتحدث االستوائية. المنطقة دخولهم لحظة ينتبهوا لم الذين أفريقيا، أطفال وداعة عن للفرق بين سوادهم وبياضه، وبمجرد مغادرة والده إلى العمل، كانا يقصدان أولئك األطفال، يهدمون بعضا، بعضهم مع حفاة ويلعبون والنمل الحشرات يقتلون األرضة، بيوت تلك أوكارها. والضفادع، ويستخرجونها من األيام من الركض على األعشاب العالية في أبوجا شكلت حريته األولى، يذكر ذلك كنوع من السيطرة، أو كان يرد بها على السلطة له ضربات معيدين عليهم، لوالده المتزايدة عصاه، ضربة إثر ضربة. يسرد أيضا كيف أنه تعرض لغزو النمل في أبوجا، كان عبارة له متوحشة، حمراء ضخمة، حشرات عن

Page 53: مجلة سورمَي - القسم العربي

العدد 8 / أيلول – تشرين األول 52

كتب القصة القصيرة والشعر، فضال عن المقال والدراسة. قدم العديد من

المحاضرات حول قضايا الفن التشكيلي.مؤلفاته:

ـ »شاللو.. ال قبر له«، قصص، ط1، 1984، مجلة الثقافة. ط2، 2000، دار

الشموس، دمشق. ـ »طائرة هيشون«، قصص، ط1،

1999، دار الشموس، دمشق.ـ »حديث التراب«، شعر، ط1،

2007، دار الشموس، دمشق. ـ »صوتي عصاي.. خطو الطريق«،

شعر، ط1، 2012، دار بعل، دمشق.

فنان تشكيلي سوري، من مواليد ريف الالذقية ضيعة »خربة هيشون« 1953،

إجازة في »الرياضيات« من جامعة تشرين بالالذقية. درس الفن دراسة خاصة، وأقام الكثير من المعارض

التشكيلية، فرديا وجماعيا، داخل سوريا وخارجها، متخذا لنفسه اللقب )هيشون(

وهو اسم القرية التي ولد فيها الفنان ومدلول االسم يعني؛ إله الكائنات التي تنمو

دون تربية، من نباتات وحيوانات.أسس والفنان محمد سموقان مجموعة أوغاريت، وقدمت خالل األعوام )1980 - 1990( ما يربو عن 16 معرضا حول

حضارة أوغاريت، وأسس في العام 1989 مجموعة األبابيل التشكيلية، والتي اعتمدت على حق االختالف، لتقدم هذه المجموعة

بدورها 10 معارض فنية.

نافذةP

*هيشون »عيسى بعجانو«2011-1953

Page 54: مجلة سورمَي - القسم العربي

سورمي - مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين 53

15 آب 2013.خصوصا المتوجهة - المجلة تهدف القائمين بحسب - السوري الجمهور إلى الواقع بموضوعية بهدف نقل إلى » عليها تحميل أن الحقيقة، من دون إلى الوصول رسائل ذات شحنة طائفية أو أيديولوجية ألي

طرف من أطراف الصراع في سوريا ».

مركز عن تصدر شهرية مجلة صور بالشأن تهتم والديمقراطية، المدني المجتمع

المدني وحرية التعبير وحقوق اإلنسان.شهرية مجلة باصدار المركز قرار بعد مطبوعة تم تكليف الفريق اإلعالمي العامل خطة وضع على بالعمل المركز في في صور مجلة بدأت حيث لإلصدار، الصدور كمجلة شهرية مطبوعة اعتبارا من

مجلة صور ... تتأصل المدنية بالوعي

Page 55: مجلة سورمَي - القسم العربي

العدد 8 / أيلول – تشرين األول 54

ومقاالت الرأي لكبار الكتاب والمفكرين، إلى من نخبة مع الحوارات من العديد جانب بالشأن والمهتمين والسياسيين المثقفين

السوري العام. المشاريع من العديد صور مجلة لدى باللغة موقع إطالق مثل المستقبلية، ترجمة على باالعتماد وذلك اإلنكليزية، الملفات والتحقيقات الخاصة بالمجلة خدمة

للقارئ األجنبي المهتم بالشأن السوري.كما تتطلع مجلة صور إلى عقد شراكات بهدف ودولية محلية إعالم وسائل مع مميز إعالمي منتج تقديم على التعاون للجمهور السوري، يحمل في طياته عوامل ديمقراطي تحول وعملية فكر نحو التغيير داخل المجتمع السوري بهدف تحقيق العدالة

والحرية والعيش المشترك.وسائل من العديد مثل صور مجلة الثورة بعد ظهرت التي السورية اإلعالم في بالغة صعوبات من تعاني السورية، غير المشاريع من تعتبر كونها التمويل، الربحية، وليست لها إيردات أو موارد مالية؛ هي تحاول فقط العمل مع المنظمات التي تدعم قضايا حقوق اإلنسان وحرية التعبير، معينة، أجندات تتخندق خلف لم أنها كما جلب بهدف سياسي تيار ألي تنحاز ولم

التمويل.

أهداف والقضايا بالمسائل صور مجلة تعنى معرفة لتقديم محاولة في السورية، المحلية بموضوعية الواقع، حول للجمهور عميقة األفكار بعض تناول إلى إضافة ودقة، وحرية المدني، بالشأن الخاصة والمفاهيم بأساليب اإلنسان حقوق وقضايا التعبير،

وقوالب حديثة واحترافية.في اإلعالمية للساحة عملية رصد بعد صحافة إلى ة الماس الحاجة تبين سوريا، تكرس قيمة حرية التعبير، وتميل للتخصص في الشأن المدني، وتعتمد أنواع صحفية ذات طابع استقصائي لنقل الواقع والكشف عن

االنتهاكات بحق المدنيين.على أساسي بشكل صور مجلة تركز داخل من الصحفية والتحقيقات الملفات، من واسعة شبكة على باالعتماد سوريا تتجاوز الذين والمصوريين الصحفيين، ينتشرون وصحفية، 130 صحفيا أعدادهم

في كافة المحافظات السورية.تطبع صور 3000 نسخة في كل عدد، تضم تركية محافظات 7 في توزيعها ويتم تجمعات السوريين المقيمين فيها، باإلضافة في شمال المناطق في بعض توزيعها إلى سوريا، كما أن لمجلة صور موقع الكتروني يضم أرشيفا ضخما من التحقيقات، الملفات،