شروط ال إلھ إال اهللا

الشرط األول : العلم المنافي للجھل

إن الحمد هللا نحمده ونستعینه ونستھديه ونستغفره ونعوذ باهللا من شرور أنفسنا ومن سیئات أعمالنا من يھده اهللا فال مضل له ومن يضلل فال ھادي

له وأشھد أن ال إله إال اهللا وحده ال شريك له وأشھد أن محمد عبده ولهورس :

( يا أيھا الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منھا زوجھا وبث منھما رجاال كثیرا ونساء واتقوا اهللا الذي تتساءلون به واألرحام إن اهللا

يا أيھا الذين آمنوا اتقوا اهللا ولتنظر نفس ) ( ١/نساءال) ( كان علیكم رقیبا يا أيھا ) ( ١٨/الحشر) ( ما قدمت لغد واتقوا اهللا إن اهللا خبیر بما تعملون

آل ) ( سلمون الذين آمنوا اتقوا اهللا حق تقاته وال تموتن إال وأنتم مأما بعد فإن خیر الحديث كتاب اهللا وخیر الھدي ھدي محمد ) ١٠٢/عمران

صلي اهللا علیه وسلم وشر األمور محدثاتھا وكل محدثة بدعة وكل بدعة .. ضاللة وكل ضاللة في النار

ال إله إال اهللا محمد رسول اهللا ، روي أبو ذر : عباد اهللا أفضل كلمة تقال ما من عبد قال : ( أن رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم قال رضي اهللا عنه

وھو حديث صحیح رواه ) ال إله إال اهللا ثم مات على ذلك إال دخل الجنة البخاري ، وروي أيضا أن النبي صلي اهللا علیه وسلم قال لمعاذ بن جبل

ن أحد يشھد أن ال إله إال اهللا وأن محمدا رسول اهللا ما م: ( رضي اهللا عنه . ( صدقا من قلبه إال حرمه اهللا على النار

ال إله إال اهللا كلمة التوحید ، تلك الكلمة التي كان المشركون يعلمون م كانوا يدركون أبعادھا ويفھمون مرادھا ، وشق علیھم أن يشھدوا بھا ألنھ

أن قولھا يغیر معالم الحیاة ، ال إله إال اهللا تعني عندھم أنه ال معبود بحق سواه ، فال يخضع العبد عن حب إال لربه وھمه في الحیاة ابتغاء قربه ،

. يخافه ويرجوه ويحبه ويدعوه

كثیر من الناس يظنون أنھم سیدخلون الجنان وال يعذبون في النیران ال إله إال اهللا ، ويحتجون بقول رسول اهللا صلي اهللا علیه بمجرد قولھم

) ما من عبد قال ال إله إال اهللا ثم مات على ذلك إال دخل الجنة : ( وسلم ولم يعلم ھؤالء أن شھادة التوحید إن لم يحقق العبد شروطھا ويستوفي

ن ، أو نطق بھا أعجمي ال يفھم أركانھا فھي مجرد كلمة خرجت من اللساإن أناسا يقولون من قال ال : القرآن ، قیل للحسن بن على رضي اهللا عنه

من قال ال إله إال اهللا فأدي حقھا وفرضھا : إله إال اهللا دخل الجنة ، فقال . دخل الجنة

ما أعددت لھذا الیوم ، : وقال الحسن بن على للفرزدق وھو يدفن امرأته نعم العدة : ة أن ال إله إال اهللا منذ سبعین سنة ، قال الحسن شھاد: قال

، لكن اعلم أن ال إله إال اهللا لھا شروط ، فإياك وقذف المحصنة ، وقیل : إن أناسا يقولون من قال ال إله إال اهللا دخل الجنة ، فقال : للحسن أيضا

. من قال ال إله إال اهللا فأدي حقھا وفرضھا دخل الجنة

بلي ، : ألیس ال إله إال اهللا مفتاح الجنة ؟ قال : ب لمن سأله وقال وھولكن ما من مفتاح إال له أسنان ، فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك وإال

. لم يفتح المفتاح لك

ومن حديث أبي ھريرة رضي اهللا عنه لما عزم أبو بكر على قتال مانعي كیف تقاتل الناس وقد قال :الزكاة ، قال له عمر بن الخطاب رضي اهللا عنه

أمرت أن أقاتل الناس حتى يشھدوا : ( رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم

فقال ) أن ال إله إال اهللا فإذا قالوھا عصموا مني دماءھم وأموالھم إال بحقھا الزكاة حق المال ، واهللا ألقاتلن من فرق بین الصالة : أبو بكر رضي اهللا عنه

نعوني عناقا كانوا يؤدونھا إلي رسول اهللا صلي اهللا علیه والزكاة ، واهللا لو مففھم عمر وجماعة من الصحابة أن من أتي ) وسلم لقاتلتھم على منعھا

بالشھادتین امتنع من عقوبة الدنیا بمجرد ذلك فأرادوا أن يتوقفوا في قتال ائھا مانع الزكاة ، وفھم أبو بكر الصديق أن لھا حقوقا ال تمنع القتال إال بأد

فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءھم إال : ( لقوله صلي اهللا علیه وسلم ، فلما قرر أبو بكر رضي اهللا عنه ھذا األمر ) بحقھا وحسابھم على اهللا

: للصحابة رجعوا إلي قوله ورأوه صوابا ، قال عمر رضي اهللا عنه

( لقتالھم فواهللا ما ھو إال أن رأيت أن اهللا تعالى قد شرح صدر أبي بكر، فوقف الجمیع مع أبي بكر في قتال المرتدين ومانعي ) فعرفت أنه الحق

. الزكاة حتى نصرھم اهللا وأعز دينه

فوجب على من أراد النجاة أن يلتزم بشروط ال إله إال اهللا حتى يسلم في دينه ودنیاه ، فإذا كنت يا عبد اهللا ترغب في توحید اهللا بیقین وصدق

لم أن شروط ال إله إال اهللا التي وردت في كتاب اهللا وفي وعقیدة حق ، فاعسنة رسوله صلي اهللا علیه وسلم ثمانیة شروط ، ال يصح قول اللسان وال

أولھا العلم المنافي للجھل ، ثم : يصلح ركن من أركان اإليمان إال بھا الیقین المنافي للشك ، ثم اإلخالص المنافي للشرك ، ثم الصدق

ذب ، ثم المحبة التي تنافي البغض ، ثم القبول الذي ينافي المنافي للكالرد ، ثم االنقیاد الذي ينافي الترك ، والثامن من ھذه الشروط ھو الكفر

بما يعبد من دون اهللا ، وقد أحسن من جمعھا وعدھا وحصرھا في ھذين : البیتین فقال

محبة وانقیاد والقبول لھا: علم يقین وإخالص وصدقك مع

سوي اإلله من األشیاء قد ألھا: د ثامنھا الكفران منك بما وزي

وحديثنا بإذن اهللا في محاضرة الیوم عن أول شرط من ھذه الشروط ، وھو العلم المنافي للجھل ، فالعلم بال إله إال اهللا أساس اإلسالم ومبدأ الكالم

لم قبل ، وھو مقدم على القول والعمل ، ولذلك قال اإلمام البخاري باب العفبدأ بالعلم ، ) فاعلم أنه ال إله إال اهللا: ( القول والعمل لقول اهللا تعالى

إنما يخشي اهللا من عباده : ( فالعلماء ھم ورثة األنبیاء وقال جل ذكره : كین في جھنم سألھم خزنتھا ، ولما عذب اهللا الكافرين والمشر) العلماء

ألم يأتكم نذير قالوا بلي قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل اهللا من شيء ( إن أنتم إال في ضالل كبیر وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب

اعترفوا بذنبھم وأنھم ) فاعترفوا بذنبھم فسحقا ألصحاب السعیر السعیرالمتسببون في جھلھم ، والسؤال الذي يتردد على األذھان والذي يطرح

كیف يكون العلم شرطا من شروط ال إله إال اهللا ؟: نفسه اآلن

اهللا ، فھذا معناه أنه ال معبود والجواب على ذلك أنه إذا قال المرء ال إله إالبحق إال اهللا ، والعبادة ھي طاعة اهللا بامتثال ما أمر به على ألسنة الرسل ، فالمسلم بقوله ال إله إال اهللا قد أعلن أنه سیخضع هللا عن حب وتعظیم ،

. وطاعة وتسلیم ، يسلم نفسه لمعبوده ويعمل في تحقیق مطلوبه

لعبیده الصادقین في عبادته ، بین فیھا أحكام فلو أرسل المعبود رسالةشريعته ، وأصول طاعته ، وبین فیھا ماذا نفعل حتى نصل إلي قربه

ومحبته ، وماذا نترك حني نفوز بجنته ، فلو كان العبد صادقا في شھادته أنه ال إله إال اهللا وأن محمدا رسول اهللا ، لبذل كل ما في استطاعته

لكي يطلع على ھذه الرسالة ويتمكن من قراءتھا واجتھد بكل طاقتهويدقق في مادتھا ، حتى لو كان مسلما أعجمیا أمیا ، لبحث عن متخصص

في اللغات يترجم له ما جاء في الوحي من كلمات ، طالما أن ھذه الرسالة فیھا النجاة من غضب اهللا ، وفیھا القرب من حبه ورضاه ، فكلمة

هللا ، التزمت به يوم قلت أشھد أال إله إال اهللا وأن التوحید عقد بینك وبین امحمدا رسول اهللا وھو خیر عقد يجب على المسلم أن يوفي فیه

: ( بالتزاماته ويؤدي ما علیه من واجباته ، لقول اهللا تعالى في محكم آياته والموفون بعھدھم إذا عاھدوا) ( يأيھا الذين آمنوا أوفوا بالعقود ) .

كل عقد بین البشر له قواعد وأحكام ، وشروط جزاء يضعونھا وإذا كانلاللتزام ، وكان كل إنسان قبل أن يوقع على أي عقد يقرأ شروطه بإمعان

وإتقان ، فحري بالمسلم الصادق في إسالمه ، أن يعرف مضمون العقد الذي بینه وبین اهللا ، عندما شھد أال معبود بحق سواه ، ولذلك أوجب اهللا

فاسألوا أھل الذكر إن كنتم ال تعلمون: ( السؤال فقال علینا ) .

• وھناك أمران الزمان لمعرفة اإلنسان عقد التوحید وصدق شھادة العبید: أنه ال إله إال اهللا

معرفة األسماء وحدود األشیاء والعلم بخصائصھا ، واإلنسان : األمر األول ي يوم وفاته ومماته ، لكن اهللا منا يكتسب ھذا العلم تلقائیا في حیاته إل

من عدله وحكمته ومن فضله ورحمته أنه ال يكلف إنسانا في طفولته ، كما رفع القلم عن ثالثة عن : ( قال نبینا المصطفي صلي اهللا علیه وسلم

تى يعقل ، النائم حتى يستیقظ وعن الصبي حتى يشب وعن المعتوه ح، وھو حديث صحیح رواه ) وفي رواية رفع القلم عن الغالم حتى يحتلم

. الترمذي وصححه الشیخ األلباني

وبنو آدم يكتسبون معرفة األسماء ويتعلمون حدود األشیاء من العالم المحسوس بعد والدتھم ، فیتعلمون ذلك شیئا فشیئا ، ومن عجیب

لقة ، أن اهللا سبحانه وتعالي أوجد في اإلنسان جھازا الصنعة وكمال الخمتكامال لإلدراك والتمییز ، يشبھه إلي حد كبیر جھاز الكمبیوتر ، حیث يشتمل على عقل الكتروني لتحلیل المعلومات ، ويشتمل أيضا على

وسائل إلدخال البیانات ، ووسائل أخرى لحفظ الملفات ، ويشتمل على ات من الجھاز ، فاهللا وله المثل األعلى خلق اإلنسان أدوات إلخراج المعلوم

وعلمه البیان ، نزل اإلنسان من بطن أمه مؤھال للعلم ، صالحا للتمییز

والفھم ، يقبل أي برنامج للحیاة ، والسعید من وفقه اهللا إلي برامج الشرع فحملھا في قلبه ، واستحضرھا في عقله واستضاء بنور اهللا كما قال تعالي

إنا خلقنا اإلنسان من نطفة أمشاج نبتلیه فجعلناه سمیعا بصیرا إنا : (واهللا أخرجكم من بطون : ( ، وقال ) ھديناه السبیل إما شاكرا وإما كفورا لسمع واألبصار واألفئدة لعلكم أمھاتكم ال تعلمون شیئا وجعل لكم ا

. ( تشكرون

أوجد لإلنسان عقال في القلب يقوم بتمییز المعلومات وتخزينھا ، وأوجد له حواسا إلدخال المعلومات وإخراجھا ، فالسمع والبصر وبقیة الحواس ،

یانات ، وسائل خلقھا اهللا لتجمیع المعلومات ، وھي أيضا وسائل إلظھار البوالناس يتعلمون األسماء ويعرفون األشیاء شیئا فشیئا ، فربما يتعلم

الطفل الصغیر في ساعة واحدة أو بضع ساعات كلمة واحدة أو بضع كلمات : ، كل يوم يزداد علمه وتقوى معرفته لألسماء وتمییز األشیاء ، فیقال له

ن األسماء ، ھذه ھرة وھذه جرة وھذه بقرة وھذه شجرة إلي غیر ذلك مويبین له أن لماذا فعلنا ھذا ، وھذا يصلح لھذا ، وھذا ال يصلح لذاك ، حتى

يصل عند البلوغ إلي حصیلة علمیة ، تكفي لتكلیفة باألحكام الشرعیة ، . وإدراك الغاية من ھذه الحیاة وكیف يعبد اهللا وحده وال يشرك به شیئا

سنوات ، علمه اهللا آلدم ومن العجیب أن العلم الذي يحصله اإلنسان فيعلیه السالم في لحظات ، فتعلم األسماء وخصائص األشیاء مرة واحدة ،

وعلم : ( ونزلت المعلومات بقدرة اهللا على قلبه دفعة واحدة ، فقال تعالى ء إن آدم األسماء كلھا ثم عرضھم على المالئكة فقال أنبئوني بأسماء ھؤال

كنتم صادقین قالوا سبحانك ال علم لنا إال ما علمتنا إنك أنت العلیم الحكیم قال يا آدم أنبئھم بأسمائھم فلما أنبأھم بأسمائھم قال ألم أقل لكم إني

) األرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون أعلم غیب السماوات و٣١/البقرة( ) .

فآدم علیه السالم تعلم األسماء وخصائص األشیاء مرة واحدة ، وكذلك فعل اهللا بعیسي علیه السالم بعد نزوله من بطن أمه وبعد ادعاء قومة أنه

، وأدركھا عیسي ولد من الزني ، تجمعت الكلمات بقدرة اهللا في لحظات علیه السالم بعقله واستوعبھا بقلبه حتى اجتمع البیان لديه ونزلت حكمة

قالوا كیف نكلم من كان في المھد صبیا ( اهللا علیه ، فلما أشارت أمه إلیه أين ما كنتقال إني عبد اهللا آتاني الكتاب وجعلني نبیا وجعلني مباركا

وأوصاني بالصالة والزكاة ما دمت حیا وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقیا . ( والسالم على يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حیا

كل ھذه المعلومات سبحان اهللا أطفل صغیر ينطق بھذه الكلمات ؟ ويعرف إن مثل عیسي عند اهللا كمثل آدم خلقه من تراب ( ويفھم لوازم العبارات ذلك عیسي ابن مريم قول الحق الذي فیه ( ، ) ثم قال له كن فیكون

انه إذا قضي أمرا فإنما يقول له كن يمترون ما كان هللا أن يتخذ من ولد سبح، فاهللا عز وجل قادر على أن يعلم الناس ما يشاء كما قال ) فیكون

البقرة ، ) وال يحیطون بشيء من علمه إال بما شاء : ( سبحانه وتعالي نوعا من ولكنه من حكمته جعل العلم بین الناس درجات ، وجعل طلبه

أنواع االبتالءات ، لیجتھد الناس في جمعه وتحصیله ، ويتعرفوا على الشيء بدلیله ، ولیعلموا منزلة األنبیاء ، وأھمیة الوحي الذي نزل من : ( السماء ، ولذلك كان أكثر الناس خشیة هللا ھم العلماء كما قال تعالى

٢٨/فاطر)إنما يخشي اهللا من عباده العلماء .

فآيات القرآن أثبتت لإلنسان جھازا لإلدراك شامال متكامال أساسه في القلب ، أول مھامه إدراك األشیاء ومعرفة األسماء ، وتمییز خصائصھا

أفلم يسیروا في األرض فتكون لھم : ( والتعرف على أوصافھا ، يقول تعالى ان يسمعون بھا فإنھا ال تعمي األبصار ولكن تعمي قلوب يعقلون بھا أو آذ

ولقد ذرأنا لجھنم كثیرا من الجن : ( ، وقال أيضا ) القلوب التي في الصدور

ولھم آذان ال واإلنس لھم قلوب ال يفقھون بھا ولھم أعین ال يبصرون بھا. ( يسمعون بھا أولئك كاألنعام بل ھم أضل أولئك ھم الغافلون

وقد أمر اهللا عبادة باستخدام ھذا الجھاز اإلدراكي في النظر إلي اإلبداع إن ( الكوني ، والتأمل في خلق السماوات والتفكر في سائر المخلوقات ،

السماوات واألرض واختالف اللیل والنھار آليات ألولي األلباب في خلقالذين يذكرون اهللا قیاما وقعودا وعلى جنوبھم ويتفكرون في خلق

عذاب النارالسماوات واألرض ربنا ما خلقت ھذا باطال سبحانك فقنا ) .

أفلم ينظروا إلي السماء فوقھم كیف بنیناھا وزيناھا وما لھا : ( وقال تعالى من فروج واألرض مددناھا وألقینا فیھا رواسي وأنبتنا فیھا من كل زوج بھیج

ري لكل عبد منیب ونزلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا به جنات تبصرة وذكوحب الحصید والنخل باسقات لھا طلع نضید رزقا للعباد وأحیینا به بلدة

. ( میتا كذلك الخروج

نظرون إلي اإلبل كیف خلقت وإلي السماء كیف رفعت أفال ي: ( وقال أيضا . (وإلي الجبال كیف نصبت وإلي األرض كیف سطحت فذكر إنما أنت مذكر

•الحق سبحانه وتعالي يدعوا عباده إلي توحید الربوبیة بطريقین اثنین :

ر في آياتة الكونیة ، والمخلوقات المرئیة ، بما في ذلك النظ: أحدھما النفس البشرية ، فھي في حقیقتھا صفحات كونیة وأدلة عقلیة في كتاب اهللا الكوني ، ودور اإلنسان الذي أمر اهللا به في القرآن ھو التفكر واالعتبار

سماء والنظر في اآلثار ، فاألثر يدل على المسیر والبعرة تدل على البعیر ، ذات أبراج وأرض ذات فجاج أال تدل على اللطیف الخبیر ، فدور العقل ھنا

البحث في المخلوقات وما فیھا من حكم وآيات ، فإن المفعوالت دالة على األفعال ، واألفعال دالة على الصفات ، فالمفعول يدل على الفاعل ،

وقدرته والمخلوق يدل على الخالق ، وذلك يدل باللزوم على وجود اهللا. وعلمه ومشیئته

ثم ما في المخلوقات من أنواع التغییرات ، وما فیھا من تنوع في األشكال والجمال والحسن والكمال ، يدل على وجود إرادة للحق في إدارة الملك ، كما أن ما فیھا من المصالح والغايات والحكم البینات الواضحات ، يدل على

ك مما دعانا اهللا تعالى إلي النظر فیه فقال حكمته وإتقان صنعته ، وغیر ذلإن في خلق السماوات واألرض واختالف اللیل والنھار : ( سبحانه تعالى

والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل اهللا من السماء من رض بعد موتھا وبث فیھا من كل دابة وتصريف الرياح ماء فأحیا به األ

١٦٤/البقرة) والسحاب المسخر بین السماء واألرض آليات لقوم يعقلون .

أما الطريق الثاني لمعرفة ربوبیة اهللا على خلقه وانفراده بتدبیر ملكه ، فھو ي آياتة المسموعة وكلماته المقروءة التي وردت في كتاب اهللا كما التفكر ف

٢٤/محمد) أفال يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالھا : ( قال جل في عاله كتاب أنزلناه إلیك مبارك لیدبروا آياته ولیتذكر أولوا : ( ، وقال سبحانه

، فاهللا عز وجل جعل اآليات الكونیة المرئیة في اآلفاق وفي النفس ) أللبابا: ( البشرية ، جعلھا دلیال على صدق اآليات القرآنیة والنبوية فقال تعالى

سنريھم آياتنا في اآلفاق وفي أنفسھم حتى يتبین لھم أنه الحق أولم ك أنه على كل شيء شھید أال إنھم في مرية من لقاء ربھم أال يكف برب

. ( إنه بكل شيء محیط

الالزم لإلنسان في عقد التوحید وأخذ العھد على العبید : أما األمر الثاني اإلنسان ما عند شھادتھم أال إله إال اهللا وأنه ال معبود بحق سواه ، أن يعلم

جاءت به الرسالة السماوية من أحكام شرعیة وھداية دينیة ، فاهللا عز يا آدم اسكن : ( وجل بعد أن علم آدم األسماء كلفه بافعل وال تفعل فقال

أنت وزوجك الجنة وكال منھا رغدا حیث شئتما وال تقربا ھذه الشجرة وبعد أن أنزله من السماء كلفه أيضا بافعل وال تفعل ) ا من الظالمین فتكوناھبطا منھا جمیعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتینكم مني ھدي : ( فقال

له معیشة فمن اتبع ھداي فال يضل وال يشقي ومن أعرض عن ذكري فإن

ضنكا ونحشره يوم القیامة أعمي قال رب لم حشرتني أعمي وقد كنت ١٢٦: ١٢٣/طه) بصیرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسیتھا وكذلك الیوم تنسي .

ا ، إال إذا بلغ العبد سن وھكذا ال يكلف اهللا عبیده أمرا وال يكتب علیھم وزراالحتالم واستوعب المعني الذي ورد في الكالم ، وأدرك شیئا من رسالة

اإلسالم ، فقد ثبت مرفوعا أنه قد رفع القلم عن الغالم حتى يحتلم ، وعن ا وما كن: ( النائم حتى يستیقظ وعن المعتوه حتى يعقل ، وقال تعالى

. ( معذبین حتى نبعث رسوال

واعلم عبد اهللا أن الرسالة السماوية جاءت بأحكام شرعیة تسمي أحكام العبودية ، يجب على كل مسلم نطق بال إله إال اهللا أن يسأل عنھا ، وأن

ينفذ ما علم منھا ، وھي خمسة أحكام احفظھا واسأل أھل العلم عنھا ، مات ، ثم بعد ذلك المستحبات والمكروھات ، ثم ما وھي الواجبات والمحر

خیرنا اهللا فیه من أنواع المباحات ، فالعلم باإلرادة الشرعیة المتمثلة في أحكام العبودية من وظائف أجھزة اإلدراك البشرية ، فجھاز اإلدراك في اإلنسان يمد القلب بالعلم وما ورد من أدلة الحكم ، فالقلب ھو محل

اإلنسان ، والمؤمن إرادته مطابقة لما ورد في القرآن ، ومن ثم اإلرادة في . تتحرك األبدان في طاعة اهللا عز وجل

وكلما ازداد المسلم علما باهللا كلما علت خشیته وازدادت محبته ، وظھرت إنما ( سكینته وبانت حكمته وتواضع لخلق اهللا ، فالعلماء ھم ورثة األنبیاء ،

، وقال النبي صلي اهللا علیه ٢٨/فاطر) عباده العلماء يخشي اهللا منومن يرد اهللا به خیرا يفقھه في الدين ، وإنما العلم بالتعلم: وسلم ) .

أولھا : واعلم عبد اهللا أن كمال العلم باهللا يكمن في معرفة خمسة أشیاء ا معرفة معرفة الخالق تبارك وتعالي وھو العلم بتوحید الربوبیة وثانیھ

أسمائه وصفاته وھو العلم بتوحید األسماء والصفات ، وثالثھا معرفة الطريق الموصل إلي اهللا وھو العلم بتوحید العبودية ، ورابعھا معرفة عوائق

الطريق وآفاته ، وھو الشرك بجمیع أنواعه وتقسیماته وخطوات الشیطان ى مداواتھا من وشبھاته ، وخامسھا معرفة النفس وعیبوبھا ، والصبر عل

. آفاتھا ، واالستعانة باهللا في حفظھا على منھج العبودية والتوحید

ذكر العالمة ابن القیم أن حیاة القلب وصحتة ال تحصل إال بأن يكون مدركا قوة العلم : للحق مريدا له مؤثرا له على غیره ، وذلك ألن القلب فیه قوتان

لقلب وصالحه في استعمال ھاتین والتمیز ، وقوة اإلرادة والحب ، فكمال االقوتین فیما ينفعه ويعود علیه بالسعادة في الدنیا واآلخرة ، فیستعمل

قوة العلم في إدراك الحق ومعرفتة والتمییز بینه وبین الباطل، ويستعمل قوة اإلرادة والحب في طلب الحق ومحبتة وإيثاره على الباطل ، فمن ال

، ومن عرفة وآثر غیره علیه فھو مغضوب يعرف الحق كان من أھل الضالل علیه ، ومن عرفة واتبعه فقد أنعم اهللا علیه ، وقد أمرنا اهللا سبحانه وتعالي

أن نسأله في صالتنا أن يھدينا صراطه المستقیم صراط الذين أنعم اهللا . علیھم غیر المغضوب علیھم وال الضالین

، وكان الیھود أخص ولھذا كان النصارى أخص بالضالل ألنھم أمة جھلبالغضب ألنھم أمة عناد ، وھذه األمة أطاعت ربھا ووحدت معبودھا كما قال

ومن يطع اهللا والرسول فأولئك مع الذين أنعم اهللا علیھم : ( اهللا عز وجل النساء) ن أولئك رفیقا من النبیین والصديقین والشھداء والصالحین وحس .

وھنا مسألة طالما اختلف فیھا الناس ، وتسبب الجھل بھا في الخلط والتخبط وااللتباس ، إنھا مسألة العذر بالجھل ، فھل الجاھل معذور بجھله أم أنه مسئول على فعله ؟ والناس في ھذه المسألة طرفان ، فمن قائل

ول ال يعذر اإلنسان في ارتكاب العصیان معذور ومن قائل مسئول ، قول يقعن جھل ، وقول يقول يعذر اإلنسان وإن كان معرضا عن العلم ومعرفة

الحكم ، ومذھب الحق في ھذا الموضوع ھو مذھب السلف والوسطیة ، المذھب الذي يجمع بین األدلة القرآنیة والنبوية ، فالحق سبحانه وتعالي

وإعالمھم برسالة السماء ، كما قال تعالى ال يعذب الناس إال بعد إنذارھم ١٥/اإلسراء ) وما كنا معذبین حتى نبعث رسوال : ( في سورة اإلسراء .

فال يعذب اهللا أحدا إال بعد بلوغ الرسالة ، وإعراضه عن الھداية إلي الضاللة وقالوا لوال : ( ، لئال يكون له حجة على اهللا في نفي العدالة ، فقال تعالى

تینا بآية من ربه أولم تأتھم بینة ما في الصحف األولي ولو أنا أھلكناھم يأبعذاب من قبله لقالوا ربنا لوال أرسلت إلینا رسوال فنتبع آياتك من قبل أن

ص فتربصوا فستعلمون من أصحاب الصراط السوي نذل ونخزي قل كل مترب. ( ومن اھتدى

فإن أرسل اهللا إلي الناس رسالته وأدركوا بعقولھم حجته ، ثم أعرضوا عنھا وتملصوا منھا ووقعوا في الجھل بتكذيبھم وإعراضھم ، كان كفرھم كفر

بیب في الحديث الذي رواه اإلمام جھل وتكذيب ، كما ثبت عن نبینا الحمسلم بسنده عن أبي ھريرة عن رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم أنه

والذي نفس محمد بیده ال يسمع بي أحد من ھذه األمة يھودي : ( قال ) من بالذي أرسلت به إال كان من أصحاب النار وال نصراني ثم يموت ولم يؤ

ويوم نحشر من كل أمة فوجا ممن يكذب بآياتنا : ( ، وقال سبحانه وتعالي ا أماذا فھم يوزعون حتى إذا جاءوا قال أكذبتم بآياتي ولم تحیطوا بھا علم

، وقال جل ) كنتم تعملون ووقع القول علیھم بما ظلموا فھم ال ينطقون بل كذبوا بما لم يحیطوا بعلمه ولما يأتھم تأويله كذلك كذب الذين : ( جالله

اقبة الظالمینمن قبلھم فانظر كیف كان ع ) .

كلما ألقي فیھا فوج سألھم خزنتھا ألم يأتكم نذير قالوا بلي : ( قال تعالى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل اهللا من شيء إن أنتم إال في ضالل كبیر

ا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعیر فاعترفوا بذنبھم وقالوا لو كنالملك) فسحقا ألصحاب السعیر .

فھؤالء الكفار لوال أن الحجة بلغتھم ما اعترفوا بذنبھم أو أقروا بحمقھم ، حتواھا ولم فأعراضھم عن الرسالة بالكلیة أدي إلي كفرھم وإن جھلوا م

يفھموا معناھا ، ولذلك وقعوا في كفر الجھل والتكذيب ، وھو أول أنواع الكفر باهللا ، فتجد العبد يعرض عن اهللا عند أول سماعه للدلیل ، ويكذب بالحق حتى لو ورد في التنزيل ، يغلق قلبه وعقله ويوقف نظره وفكره ،

أن رسول اهللا صلي اهللا روي البخاري من حديث ابن عباس رضي اهللا عنه علیه وسلم بعث بكتابه إلي كسري مع عبد اهللا بن حذافة السھمي

فأمره أن يدفعه إلي عظیم البحرين فدفعه عظیم البحرين إلي كسري فلما ون تفكر أو سؤال أو نظر واستدالل ، وقد ورد في قرأه مزقه ، مزقه د

فدعا علیھم رسول اهللا صلي اهللا علیه : الحديث أن عبد اهللا بن عباس قال . وسلم أن يمزقوا كل ممزق

فاإلنسان مسئول عن السبب في جھله ، فإن كان الجھل من كسبه سب على كل معصیة وقع فیھا بجھله ، وفعله ، وإعراضه وكبره ، فھو محا

سواء كانت المخالفة مخالفة عظیمة تؤدي إلي الخلود في النار ، أو كانت المخالفة كبیرة تحت مشیئة الواحد الجبار ، إن شاء غفرھا لعبده وإن شاء

. عذبه بذنبه

أما إذا انقطعت به األسباب وانسدت في وجھه األبواب ، ولم يتمكن من ل في الكتاب بعد الطلب والبحث والسؤال ولم يعص اهللا فیما معرفة ما نز

، فھو باتفاق ) ٤٣:النحل) (فاسألوا أھل الذكر إن كنتم ال تعلمون : (قال معذور بجھله ال يؤاخذ على ذنبه ألن الجھل لیس من كسبه ، بل ھو من

كنا معذبین حتى نبعث وما: ( تقدير اهللا وفعله ، وقد قال سبحانه وتعالي . ( رسوال

فلو ضربنا مثال لذلك وفرضنا أن رجال من المسلمین لقلة علمه وقع في معصیة بجھله فاحتار في نفسه ، وتساءل أھي معصیة هللا أم ال ، فعزم

األمر على أن يسأل أھل الذكر ، حتى ولو كانوا على مسافة بعیدة تتطلب لطريق دھمته سیارة ومات في الحال ، مات ھذا شد الرحال ، وفي ا

الشخص على المعصیة بجھله ، أيقول عاقل إنه مؤاخذ على ذنبه قبل علمه ؟ فالموت من تقدير اهللا وفعله ، والجھل الذي وقع فیه ھذا الشخص لیس من فعله وكسبه ، فنیته التي مات علیھا أن يطیع اهللا إذا علم الحكم

، وقد سمع عمر بن الخطاب رضي اهللا عنه رسول الذي ورد في كتاب اهللاإنما األعمال بالنیات وإنما لكل امرئ ما : ( اهللا صلي اهللا علیه وسلم يقول

. ( نوي

واعلم عبد اهللا أنه ال أحد أحب إلیه العذر من اهللا ، فمن حديث عبد اهللا بن لیس أحد أحب إلیه : ( عود أن رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم قال مس

المدح من اهللا عز وجل من أجل ذلك مدح نفسه ولیس أحد أغیر من اهللا عذر من اهللا من أجل من أجل ذلك حرم الفواحش ولیس أحد أحب إلیه ال

: ، وفي رواية البخاري من حديث المغیرة ) ذلك أنزل الكتاب وأرسل الرسل وال أحد أحب إلیه العذر من اهللا ومن أجل ذلك بعث المبشرين والمنذرين( ) .

والسؤال ، إن لم يصل إلي العلم فالجاھل من المسلمین بعد الطلببالحكم في مسألة ما ، فھو معذور بجھله في ھذه المسألة ، وإن كان محاسبا على غیرھا مما ألم بحكمھا ، وخالصة القول في مسألة العذر

بالجھل أن الجاھل معذور بجھله إن لم يكن الجھل من كسبه وفعله ، . وذلك من كمال عدله وفضله سبحانه وتعالي

روي اإلمام البخاري من حديث ابن عمر رضي اهللا عنه أن زيد بن عمرو بن نفیل سافر إلي الشام يسأل عن الدين الحق ويبتغي اتباعه ، وكان ذلك

r قبل مبعث النبي : فلقي عالما من الیھود فسأله عن دينه ، وقال ا إنك ال تكون على دينن: أخبرني عن دينكم لعلى أدين به ؟ قال الیھودي

وھل أفر إال من غضب اهللا ؟ واهللا : حتى تأخذ بنصیبك من غضب اهللا ؟ قال ال أحمل من غضب اهللا شیئا أبدا ، فھل تدلني على دين لیس ھذا فیه ؟

دين إبراھیم : وما الحنیف ؟ قال : ما أعلم إال أن تكون حنیفا ؟ قال : قال خرج زيد بن عمرو يطلب لم يكن يھوديا وال نصرانیا وكان ال يعبد إال اهللا ، ف

المزيد ويبحث عن القول السديد ، حتى لقي عالما من النصارى ، فسأله أخبرني عن دينكم لعلى أدين به ؟ فقال له عالم : عن دينه ، وقال

: إنك ال تكون على ديننا حتى تأخذ بنصیبك من لعنة اهللا ؟ فقال : النصارى یئا أبدا ، فھل تدلني على دين واهللا ال أحمل من لعنة اهللا وال من غضبه ش

ال أعلمه إال أن تكون حنیفا ، فعاد زيد إلي مكة : لیس ھذا فیه ؟ فقال لهوقد رضي بما أخبروه واتفقوا علیه من دين إبراھیم علیه السالم ، فلما برز

اللھم إني أشھدك أني : زيد إلي أھل مكة رفع يديه إلي السماء قائال . على دين إبراھیم

: ( لبخاري أيضا عن أسماء بنت أبي بكر رضي اهللا عنھما أنھا قالت وروي ايا : رأيت زيد بن عمرو بن نفیل قائما مسندا ظھره إلي الكعبة يقول

كان يحیي الموءودة معاشر قريش واهللا ما منكم على دين إبراھیم غیري وال تقتلھا أنا أكفیك مئونتھا ، فیأخذھا : يقول للرجل إذا أراد أن يقتل ابنته

. ( فإذا ترعرعت قال ألبیھا إن شئت دفعتھا إلیك وإن شئت كفیتك مئونتھا

واقدي أن زيد بن عمرو بن نفیل آمن برسول اهللاوقد ذكر ال r قبل مبعثه يا عامر إني خالفت قومي واتبعت : ( وقال لعامر بن ربیعة رضي اهللا عنه

ملة إبراھیم وإسماعیل وما كانا يعبدان ، كانا يصلیان إلي ھذه القبلة ، وأنا وأصدقه ، انتظر نبیا من بني إسماعیل يبعث وال أراني أدركه وأنا أومن به

وأشھد أنه نبي فإن طالت بك الحیاة يا عامر فأقرئه مني السالم ، قال فلما أسلمت أعلمت النبي صلي اهللا علیه وسلم بخبره ، : عامر بن ربیعة

زيد بن عمرو يبعث يوم القیامة أمة : فرد علیه السالم وترحم علیه ، وقال . ( وحده ، ولقد رأيته في الجنة يسحب ثوبه وذيوله

فھذا الرجل لم يقصر في البحث والسؤال لدي العلماء ، وإن مات قبل أن يدرك رسالة السماء التي نزلت على سید األنبیاء فقد آمن بالنبي صلي

اهللا علیه وسلم قبل مبعثه ، وآمن بكل أحكام العبودية وإن لم يدرك ماھیة ان من األحكام الشرعیة ، فأخذ حكم من اتبع النبي ومات على دربه وك

. أتباعه وحزبه

ويجب على على إخواننا الدعاة أن يعلموا أن أغلب المسلمین يجھلون الجزء األكبر من أحكام العبودية ، وأنھم لو علموا وفھموا ألطاعوا ربھم ألنھم يرغبون في حبه وقربه ، فھم يحبون ال إله إال اهللا ويشھدون أن

لفطنة الرأفة بھم واألخذ محمدا رسول اهللا ، ولذلك فإن من الحكمة وابأيديھم إلي العلم بأحكام اهللا ، السیما في المسائل المتعلقة بتوحید اإلله ، دون الحكم علیھم قبل سابق إنذار ، أو تكفیرھم وإخراجھم من

. الملة إلي الخلود في النار

كما ينبغي أن يعلم أن اهللا إذا أخبرنا عن إنسان أنه في النار ، فیجب أن يقینا أن الحجة بلغته وأن الرسالة وصلته ، ألن ذلك الزم للعدل ندرك

اإللھي ، فاهللا ال يعذب أحدا إال بسابق إنذار ، وقد حاول بعض الناس بجھلھم وحبا في نبیھم أن يرد حديث أنس بن مالك رضي اهللا عنه الذي

ال يا رواه اإلمام مسلم بسنده عن النبي صلي اهللا علیه وسلم أن رجال قرسول اهللا أين أبي قال في النار فلما قفي دعاه فقال إن أبي وأباك في

النار ، وكذلك حديث أبي ھريرة رضي اهللا عنه أن رسول اهللا صلي اهللا : علیه وسلم قال

( لم يأذن لي واستأذنته أن أزور قبرھا استأذنت ربي أن أستغفر ألمي ف، فالحديثان صحیحان وثابتان عن المصطفي صلي اهللا علیه ) فأذن لي

وسلم ، ويدالن بال لبس أو غموض على أن والد النبي صلي اهللا علیه وسلم وأمه في النار وأنھما ماتا على الشرك باهللا ، وھذا يدل يقینا على

الحجة وصلتھم وأن رسالة التوحید بلغتھم ، وإن كنا ال نعلم كیف أنوصلتھم أو بلغتھم ، وال يحتاج األمر إلي تأويل ، أو خروج عن الدلیل ، أو الكذب على رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم في أن اهللا أحیا أباه وأمه

منه صلي اهللا فآمنا به ثم ماتا ، أو ندعي ألنفسنا أننا نحب أباه وأمه أكثر . علیه وسلم

ھل يلزمني لكي أحقق شرط العلم الذي ھو من : وقد يسأل سائل ويقول شروط ال إله إال اهللا ، أن أتعلم كل صغیرة وكبیرة في الدين ؟ وأن أترك

عملي ألسلك سبیل المتعصبین المتشددين ؟ والجواب على ذلك سھل إلسالم أحدا أن يترك عمله ويسیر على من ھداه اللطیف الخبیر ، لم يأمر ا

ويتواكل على غیره ، ودين اهللا يسر ال سبیل فیه للمتعصبین والمتشددين ، ولكن المطلوب منك أن تسأل المتخصصین عما يظھر لك في حیاتك من أحكام ، ألنك بقولك ال إله إال اهللا عاھدت اهللا على االلتزام ، عاھدته على

ق خبره إذا عرفته ، فإن سمعت آية أن تنفذ أمره إذا علمته ، وأن تصديأمرك اهللا فیھا بفعل معین ، فواجب علیك الطاعة لرب العالمین ، وإن

سمعت آية يخبرك اهللا فیھا عن شيء من الغیبیات ، وجب علیك التصديق الذي يبلغ حد الیقین ، ولن يستطیع إنسان بمجرد إسالمه أن يتعلم الفقه

سؤال واالستفسار ، يزداد علمه بربه ، بكل أحكامه ، ولكنه مع كثرة الوتنمو المعرفة في قلبه ، ومن زادت معرفته باهللا ازدادت ھیبته ، ونما وقاره

. وازدادت سكینته

وشرف لك أيھا المسلم أن تتعلم الفقه في الدين ، وأن تطلب العلم على : ( أيدي العلماء الراسخین ، فقد ثبت عن سید األنبیاء والمرسلین أنه قال

، ومن حديث ) من يرد اهللا به خیرا يفقھه في الدين وإنما العلم بالتعلم ذكر لرسول اهللا صلي اهللا علیه : أبي أمامة الباھلي رضي اهللا عنه قال

رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم رجالن ، أحدھما عابد واآلخر عالم فقالفضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم ، ثم قال رسول : ( وسلم

اهللا صلي اهللا علیه وسلم إن اهللا ومالئكته وأھل السماوات واألرضین حتى ، وھو ) صلون على معلم الناس الخیر النملة في جحرھا وحتى الحوت لی

. حديث صحیح رواه الترمذي وصححه الشیخ األلباني

تعلموا العلم فإن تعلمه هللا : وروي عن معاذ بن جبل رضي اهللا عنه أنه قال خشیة ، وطلبه عبادة ، ومذاكرته تسبیح ، والبحث عنه جھاد ، وتعلیمه

ھله قربة ، ألنه معالم الحالل والحرام ، ومنار لمن ال يعلمه صدقة ، وبذله ألالسبیل ألھل الجنة ، وھو األنیس في الوحشة ، والصاحب في الغربة ، والمحدث في الخلوة ، والدلیل على السراء والضراء ، وھو السالح على

األعداء ، وزينة األخالء ، يرفع اهللا به أقواما فیجعلھم في الخیر قادة ، وأئمة آثارھم ، ويقتدي بأ فعالھم ، وينتھي إلي رأيھم ، ترغب المالئكة تقتص

في خلتھم وبأجنحتھا تمسحھم ، ويستغفر لھم كل رطب ويابس ، وحیتان البحر وھوامه ، وسباع البر وأنعامه ، ألن العلم حیاة القلوب من الجھل ،

درجات ومصابیح األبصار من الظلم ، يبلغ العبد بالعلم منازل األخیار ، والالعلى في الدنیا واآلخرة ، به توصل األرحام ، وبه يعرف الحالل من الحرام ،

وھو إمام العمل والعمل تابعه ، يلھم اهللا العلم للسعداء ، ويحرم منه . األشقیاء

العلم يتشعب منه عدة خصال ، الشرف وإن كان صاحبه دنیا ، : وقال وھب إن كان فقیرا والنبل ، وإن كان والقرب وإن كان صاحبه قصیا ، والغني و

. حقیرا ، والمھابة وإن كان وضیعا ، والسالمة وإن كان سفیھا

عالم : وقد كان سلفنا الصالح ، يصنفون الناس في العلم إلي ثالثة أنواع رباني ، ومتعلم على سبیل النجاة ، وھمج رعاع يتبعون كل ناعق ،

م ، ولم يدركوا بركة الفھم ، يمیلون مع كل ريح ، لم يستضیئوا بنور العلالعلم خیر من المال ، العلم يحرسك وأنت تحرس المال ، العلم يكسب العالم الطاعة في حیاته ، وجمیل الذكري بعد وفاته ، مات خزان األموال

وھم أحیاء ، والعلماء باقون ما بقي الدھر ، أعیانھم مفقودة ، وآثارھم دة ، يموت العلم بموت حاملیه ، وال موجودة ، وأمثالھم في القلوب محمو

تخلو األرض من قائم هللا بحجة ، لئال يكون للناس على اهللا حجة بعد الرسل ، أولئك ھم األقلون بین الناس عددا ، األعظمون عند اهللا قدرا ،

حفظوا اهللا فحفظھم ونصروا اهللا فنصرھم وشكروه فشكرھم وذكروه ن وحزبه الغالبون الذين ال خوف علیھم فذكرھم أولئك ھم أولیاء اهللا المتقو

. وال ھم يحزنون

وخالصة شرط العلم ، الشرط األول من شروط ال إله إال اهللا ، دوام السؤال ، عن كل ما يمر به اإلنسان من أفعال ، ھل فعلھا رسول اهللا صلي اهللا ذلك علیه وسلم أو أمر بھا أو أقرھا ، وما ھو الدلیل على ذلك ؟ اسأل فيعالما فقیھا ، وال تسأل أحمقا سفیھا ، يدعي العلم والفھم ، فینبغي

علیك أن تقصد من الفقھاء من اشتھر بالديانة ، وعرف بالستر واألمانة ، إن من أشراط الساعة : ( فقد ثبت عن نبینا صلي اهللا علیه وسلم أنه قال

رالبركة مع األكاب) ( أن يلتمس العلم عن األصاغر ) .

ال يزال الناس بخیر ما أخذوا العلم عن : ( وقال عبد اهللا بن مسعود فاسمع من العالم ) أكابرھم فإذا أخذوه من أصاغرھم وشرارھم ھلكوا

التقي وانتبه لجوابه وانظر في خطابه ، وال تفتن بمن يأتیك بكالم غريب ، ف والتبديل ، بعید عن سنة الحبیب ، فیأتیك بالتأويل والتعطیل أو التحري

تحت ستار األقیسة العقلیة أو األصول الكالمیة أو المواجید الذوقیة وخرافات الصوفیة ، أو قد يقول لك ھذا علم لدني قوي ، ويفتیك بكالم

عجیب فقل له العلم اللدني في اتباع سنة الحبیب صلي اهللا علیه وسلم تجب هللا كما أمر المؤمنین ، فإن علمت الحكم ونور اهللا بصیرتك بالفھم فاس

يا أيھا الذين آمنوا استجیبوا هللا وللرسول إذا دعاكم لما : ( الموحدين فقال . ( يحییكم واعلموا أن اهللا يحول بین المرء وقلبه وأنه إلیه تحشرون

شروط ال إله إال اهللا أدعوكفیا عبد اهللا أدعوك إلي أن تحقق

- مطاعا إن نھیت وإن أمرتا.. إلي علم تكون به إماما -

وتھديك السبیل إذا ضللتا.. وتجلو ما بعینك من غشاھا -

ويكسوك الجمال إذا اغتربتا.. وتحمل منه في ناديك تاجا -

ويبقي ذخره لك إن ذھبتا.. ينالك نفعه ما دمت حیا -

وينقص به إن كفا شددتا.. ق منه يزيد بكثرة اإلنفا -

آلثرت التعلم واجتھدتا.. فلو قد ذقت من حلواه طعما -

وال دنیا بزخرفھا فتنتا..ولم يشغلك عنه ھوى مطاع -

ولیس بأن يقال لقد رأستا... فرأس العلم تقوى اهللا حقا -

فخیر منه أن لو قد جھلتا.. إذا ما لم يفدك العلم خیرا -

فلیتك ثم لیتك ما فھمتا.. مك في مھاو وإن ألقاك فھ -

فلیس المال إال ما علمتا.. وال تحفل بمالك واله عنه -

ولو ملك األرض له تأتي.. ولیس لجاھل في الناس معني -

إذا بالجھل نفسك قد ھدمتا.. وما يغنیك تشیید المباني -

ألنت لواء علمك قد رفعتا.. لئن رفع الغني لواء مال -

ألنت على الكواكب قد جلستا.. الغني على الجبال وإن جلس -

ألنت بمنھج التقوى ركبتا.. وإن ركب الجیاد مسومات -

فإن أعرضت عنه فقد خسرتا.. فقابل بالقبول صحیح نصحي -

وصلي اهللا على سیدنا محمد وعلى آله الطاھرين ، وسائر أصحابه . أجمعین والتابعین لھم بإحسان إلي يوم الدين

شروط ال إله إال اهللا الشرط الثاني

الیقین المنافي للشك: الشرط الثاني

الحمد هللا الذي يجیب الداعین ويعطي الطالبین ويرضي الراغبین ويرشد السالكین رحیم بالمؤمنین رحمان بالعالمین ، أحمده سبحانه وتعالي

ال شريك له وأشكره ، وأتوب إلیه وأستغفره ، وأشھد أن ال إله إال اهللا وحده، شھادة نبلغ بھا أحسن المآب وأعظم الثواب ، وأشھد أن سیدنا محمدا

عبده ورسوله المبعوث لتشريع الملة وتوجیه الخطاب ، وإيضاح األحكام من واجب واستحباب ، وحرام ومكروه ومتروك لذوي األلباب ، صلي اهللا علیه

. وعلى آله وصحبة صالة وسالما دائمین إلي يوم الحساب

عصیتك سیدي - أتیتك راجیا يا ذا الجالل ففرج ما تري من سوء حالي ويلي بجھلي وعیب الذنب لم يخطر ببالي

لعمري لیت - إلي من يشتكي المملوك إال إلي مواله يا مولي الموالي أمي لم تلدني ولم أغضبك في ظلم اللیالي

فھا أنا عبدك العاصي فقیر إلي رحماك فاقبل لي سؤالي

بعدأما ..

فأعظم نعمة يعطاھا العبد ، الیقین المنافي للشك ، ومحاضرة الیوم تدور بإذن اهللا حول الشرط الثاني من شروط ل إله إال اهللا وھو الیقین المنافي

للشك ، فإن الیقین ھو رأس مال الدين ، وأساس العقیدة عند المؤمنین ، ین اإليمان كلهالیق: ( كما قال عبد اهللا بن مسعود رضي اهللا عنه ) .

كیف يكون الیقین ھو اإليمان ؟ ذلك ألن اإليمان له ركنان يتعلقان بلغة القرآن ، فلغة القرآن ضربان من الكالم أو نوعان ، أخبار وأوامر ، الخبر ما

يحتمل الصدق أو الكذب واألخبار تتطلب التصديق ، واألمر ماال يحتمل نفیذ ، واإليمان يتعلق باألخبار واألوامر ، الصدق أو الكذب ، األوامر تتطلب الت

فاإليمان في باب األخبار له ستة أركان ، وردت في حديث جبريل علیه الصالة السالم ، عندما أتي النبي صلي اهللا علیه وسلم في صورة أعرابي

السفر وال يعرفه ، شديد بیاض الثیاب شديد سواد الشعر ال يري علیه أثرمن الصحابة أحد حتى جلس إلي النبي صلي اهللا علیه وسلم وأسند

يا محمد أخبرني عن : ركبتیه إلي ركبتیه ووضع كفیه على فخذيه وقال اإلسالم ؟

فأخبرني عن اإليمان ؟ قال : روفة ، ثم قال فأخبره عن أركان اإلسالم المعأن تؤمن باهللا ومالئكته وكتبه ورسله والیوم اآلخر وتؤمن بالقدر خیره :

صدقت ، فھذه ستة أركان لإليمان ، تتعلق بتصديق : وشره ، قال جبريل م الغیب في القرآن ، فاهللا أخبرنا في كثیر من اآليات األخبار وما جاء عن عال

عن األسماء والصفات التي عرفنا فیھا بنفسه وأبان لنا عن وصفه ، وكل ذلك من الغیبیات التي تتطلب التصديق الذي يبلغ حد الیقین ، وأخبرنا عن

مالئكته وخلقتھم ووصفھم وفعلھم ودورھم الذي يتعلق باإلنسان ، يمان ، وكذلك أخبرنا عن كتبه ورسله ما عمنا منھم وما لم ويتطلب منا اإل

نعلم ، ولیس لنا فیھم إال اإليمان والتصديق ، وأخبرنا عن الیوم األخر وما فیه من أحوال وأھوال ، وھذه األخبار تطلب أيضا التصديق ، وأخبرنا عن

ء ، وھذه القدر خیره وشره وحلوه ومره ، وأنه فعل اهللا لالبتالء وترتیب الجزا. أخبار تتطلب التصديق وعلم الیقین

ومن العجیب أن الترتیب النبوي المذكور في الحديث لھذه األركان اشتمل على السر في حیاة اإلنسان ، وأصحاب البصیرة يرون ھذا السر في ترتیب

األركان مشھودا وبین الكلمات موجودا ، وترتیب الرسول لھا كان ترتیبا الموضوع بین أركان اإليمان ، أن تؤمن باهللا الذي أنزل مقصودا ، فالمعني

مالئكته ، أنزلھم بماذا ؟ أنزلھم بكتبه على من ؟ على رسله ، أنزل مالئكته بكتبه على رسله لماذا ؟ لیحذروا العباد من الیوم اآلخر ، من تقرير

المصیر وعواقب التدبیر ، فإذا انتھي الناس بعد العرض والحساب ، ا في اآلخرة للثواب والعقاب ، عندھا يتم المصیر مطابقا للتقدير واستقرو

الذي دون في أم الكتاب ، قبل أن يخلق اهللا السماوات واألرض بخمسین . ألف سنة

فأركان اإليمان في باب األخبار أن تؤمن باهللا ومالئكته وكتبه ورسله والیوم لقدر خیره وشره ، وال يكون اإليمان بھذه األركان إال بالیقین اآلخر وتؤمن با

. الذي ال شك فیه ، وھو التصديق الجازم الذي ال تكذيب فیه

وكما أن اإليمان له في باب األخبار ستة أركان ، كذلك له في باب األوامر ، وھي عدة أركان ، تصديق بالجنان وقول باللسان وعمل بالجوارح واألركان

تتعلق بتفیذ األمر وتحقیق المطلوب والسعي في رضا المحبوب ، فإذا تم ھذا اإليمان بنوعیه ، ظھر كمال الدين وصدق والیقین كما قال عبد اهللا بن

. مسعود الیقین اإليمان كله

ومن أجل ذلك أيضا كلف اهللا اإلنسان بالتصديق الجازم ألركان اإليمان ، الم : ( لقرآن ، فقال تعالى في توضیح ھذه المعان وكل خبر ورد ذكره في ا

، ذلك الكتاب ال ريب فیه ھدي للمتقین ، الذين يؤمنون بالغیب ويقیمون الصالة ومما رزقناھم ينفقون ، والذين يؤمنون بما أنزل إلیك وما أنزل من

بلك وباآلخرة ھم يوقنون ، أولئك على ھدي من ربھم وأولئك ھم ق. ( المفلحون

والسؤال الذي يتردد على األذھان ويطرح نفسه اآلن ، كیف يكون الیقین المنافي للشك شرطا من شروط ال إله إال اهللا ؟ اعلم عبد اهللا أن الیقین

ون شرطا من شروط ال إله إال اهللا ، بأن يكون قائلھا المنافي للشك يك: ( مستیقنا بمدلولھا يقینا جازما ، ينفي الوھم والشك والظن ، قال تعالى

إنما المؤمنون الذين آمنوا باهللا ورسوله ثم لم يرتابوا وجاھدوا بأموالھم ، فاشترط القرآن في صدق ) أولئك ھم الصادقون وأنفسھم في سبیل اهللا

إيمانھم بربھم ونبیھم أال يرتابوا أي ال يشكوا ، فالمرتابون ھم المنافقون ، إنما يستأذنك الذين ال يؤمنون باهللا والیوم : ( الذين قال اهللا تعالى فیھم

فھم في ريبھم يترددوناآلخر وارتابت قلوبھم ) .

وعند البخاري من حديث أسماء بنت أبي بكر ، أن النبي صلي اهللا علیه أوحي إلي أنكم تفتنون في قبوركم مثل فتنة المسیح الدجال :وسلم قال

الرجل فأما المؤمن أو الموقن فیقول ھو محمد ، يقال للمیت ما علمك بھذا رسول اهللا جاءنا بالبینات والھدي فأجبنا واتبعنا ھو محمد ثالثا فیقال نم

لمرتاب فیقول ال أدري صالحا قد علمنا إن كنت لموقنا به وأما المنافق أو ا. سمعت الناس يقولون شیئا فقلته

كنا قعودا حول : روي اإلمام مسلم بسنده من حديث أبي ھريرة قال رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم معنا أبو بكر وعمر في نفر من الصحابة ،

سول اهللا صلي اهللا علیه وسلم من بین أظھرنا ، فأبطأ علینا فقام روخشینا أن يقتطع دوننا وفزعنا فقمنا ، فكنت أول من فزع ، فخرجت أبتغي

–لألنصار لبني النجار رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم ، حتى أتیت حائطافدرت به ھل : يقول أبو ھريرة –والحائط ھو السور المقام حول المزرعة

أجد له بابا فلم أجد ، فإذا ربیع يدخل في جوف الحائط من بئر خارجة ، فاحتفزت كما يحتفز : قول أبو ھريرة والربیع الجدول قناة الماء الصغیرة ، ي

أبو ھريرة : الثعلب ، فدخلت على رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم فقال فقلت نعم يا رسول اهللا قال ما شأنك قلت كنت بین أظھرنا فقمت فأبطأت

ینا أن تقتطع دوننا ففزعنا فكنت أول من فزع فأتیت ھذا الحائط علینا فخشيا أبا ھريرة :فاحتفزت كما يحتفز الثعلب وھؤالء الناس ورائي فقال

من لقیت من وراء ھذا الحائط اذھب بنعلى ھاتین ف: وأعطاني نعلیه ، قال . يشھد أن ال إله إال اهللا مستیقنا بھا قلبه فبشره بالجنة

فكان أول من لقیت عمر بن الخطاب ، فقال ما ھاتان النعالن يا أبا ھريرة ل اهللا صلي اهللا علیه وسلم بعثني بھما من لقیت فقلت ھاتان نعال رسو

يشھد أن ال إله إال اهللا مستیقنا بھا قلبه بشرته بالجنة ، فضرب عمر بیده با فقال ارجع يا أ- يعني وقع على مقعدته –بین ثديي فخررت إلستي

-ھريرة فرجعت إلي رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم فأجھشت بكاء فإذا ھو على أثري فقال لي رسول اهللا صلي -وتبعني عمر - وركبني عمر

رته بالذي بعثتني اهللا علیه وسلم ما لك يا أبا ھريرة قلت لقیت عمر فأخببه فضرب بین ثديي ضربة خررت إلستي قال ارجع فقال له رسول اهللا يا

عمر ما حملك على ما فعلت قال يا رسول اهللا بأبي أنت وأمي ، أبعثت أبا من لقي يشھد أن ال إله إال اهللا مستیقنا - لقیه كل من –ھريرة بنعلیك

بھا قلبه بشره بالجنة قال نعم قال فال تفعل فإني أخشي أن يتكل الناس علیھا فخلھم يعملون قال رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم فخلھم .

فالحديث بین في أن الیقین من شروط ال إله إال اهللا ، ولمزيد البیان عن الیقین ، كیف يكون شرطا من شروط ال إله إال اهللا ؟ نضرب لذلك مثال ، إذا

أخبرك أحد ألول مرة أن األرض تدور حول نفسھا مرة كل يوم ، فإما أن أكبر من التصديق تصدقه وإما أن تكذبه ، فإن كان تكذيب القلب لھذا الخبر

سمي ذلك عند العلماء وھما ، كالذي يقول كیف أن األرض تدور ولیس ھذا بمأثور وال مذكور ، ونحن في أماكننا ال نقع أنا أستبعد ھذا الخبر ، فالوھم

أن يكون عدم ثبات األمر في القلب أرجح من ثباته وھو يشبه النسیان إلي دة الوھم ، فعن عبد اهللا بن حد كبیر ، ولذلك سمیت سجدة السھو بسج

مالك رضي اهللا عنه أن رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم ، صلي بھم الظھر

، فقام في الركعتین األولیین ولم يجلس ، فقام الناس معه حتى إذا قضي وھو جالس فسجد سجدتي الوھم الصالة وانتظر الناس تسلیمه ، كبر

قبل أن يسلم ثم سلم ، والمقصود ھنا سجدتا السھو عند انعدام الیقین ، فالوھم أن يكون عدم ثبات األمر في القلب أكبر من ثباته ، والیقین ينفي

. الوھم

أما لو استوت نسبة التكذيب في القلب مع نسبة التصديق ، واعتدل یح بینھما في ثبوت الخبر ، سمي ذلك شكا ، كما في حديث أبي الترج

ما حدثكم : ( ھريرة رضي اهللا عنه قال رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلمآمنا باهللا ورسله ، فإن : أھل الكتاب فال تصدقوھم وال تكذبوھم ، وقولوا

ال لم تصدقوه ، وإن كان حقا لم تكذبوهكان باط ) .

وقد روي عن أبي سعید الخدري رضي اهللا عنه ، عن النبي صلي اهللا إذا شك أحدكم في صالته فلیلغ الشك ولیبن على : ( علیه وسلم أنه قال

لیسجد سجدتین وھو قاعد فإن كان صلي الیقین فإذا استیقن بالتمام ف. خمسا شفعتا له صالته وإن صلي أربعا كانتا ترغیما للشیطان

ومن حديث أبي ھريرة رضي اهللا عنه الذي رواه الترمذي وصححه الشیخ إذا كان أحدكم في ( : األلباني ، أن رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم قال

) المسجد فوجد ريحا بین ألیتیه فال يخرج حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا قال عبد اهللا بن المبارك في معني الحديث إذا شك في الحدث فإنه ال

قن استیقانا يقدر أن يحلف علیه ، والشك يجب علیه الوضوء حتى يستی: يحدث الريبة في القلب كما قال تعالى

( ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبینات فما زلتم في شك مما جاءكم به ال كذلك يضل اهللا من ھو حتى إذا ھلك قلتم لن يبعث اهللا من بعده رسو

قالوا يا صالح قد كنت فینا مرجوا قبل ( غافر ، وقوم صالح ) مسرف مرتاب ) ھذا أتنھانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا وإننا لفي شك مما تدعونا إلیه مريب

وقولھم إنا قتلنا المسیح عیسي ابن مريم رسول اهللا ( لى ھود ، وقال تعاوما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لھم وإن الذين اختلفوا فیه لفي شك منه

، فاآلية دلت على أن ) ما لھم به من علم إال اتباع الظن وما قتلوه يقیناالیقین ينفي الشك والظن ، فالشك أن يكون عدم ثبات األمر في القلب

. مستويا مع ثباته

أما الظن فھو زيادة التصديق على التكذيب في القلب ، حتى لو امتأل القلب بالتصديق لكن بقي من التكذيب شيء يسیر ، فإنه يسمي ظنا وال

قف المشركین والكافرين من يوم القیامة ، يبلغ حد الیقین ، كما في موفإن تصديقھم به في قرارة أنفسھم أرجح عندھم من التكذيب ، كما قال

وإذا قیل إن وعد اهللا حق والساعة ال ريب فیھا قلتم ما ندري : ( اهللا تعالى ، فلما ) ٣٢/الجاثیة) (بمستیقنین ما الساعة إن نظن إال ظنا وما نحن

انتقلوا إلي ربھم ورأوا العذاب بأبصارھم ، اعترفوا بذنبھم ، وندموا على ظنھم ، وتمنوا العودة إلي الدنیا لیبلغوا علم الیقین ، فقال تعالى في

ربنا أبصرنا ولو تري إذ المجرمون ناكسوا رءوسھم عند ربھم: ( شأنھم . ( وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون

ومن حديث عروة بن الزبیر رضي اهللا عنه ، أنه سأل عائشة رضي اهللا حتى إذا استیئس الرسل وظنوا أنھم قد : ( عنھا ، عن قول اهللا تعالى

: يأم المؤمنین أكذبوا أم كذبوا ؟ قالت : قلت ، ) ١١٠/يوسف) (كذبوا فقد استیقنوا أن قومھم كذبوھم ، : عائشة رضي اهللا عنھا كذبوا ، قلت

ا وظنو: أجل لعمري لقد استیقنوا بذلك ، فقلت لھا : فما ھو بالظن ، قالت يعني ھل ظنوا أن اهللا خذلھم ولم ينصرھم على - أنھم قد كذبوا ؟

فما : معاذ اهللا ، لم تكن الرسل تظن ذلك بربھا ، قلت : قالت -أعدائھم وھم ، فطال ھم أتباع الرسل الذين آمنوا بربھم وصدق: ھذه اآلية ؟ ، قالت

علیھم البالء ، واستأخر عنھم النصر ، حتى إذا استیأس الرسل ممن

كذبھم من قومھم ، وظنت الرسل أن أتباعھم قد كذبوھم جاءھم نصر اهللا . عند ذلك

والشك والظن ، فإذا صدقت بقلبك تصديقا جازما فالیقین ينفي الوھم كامال ال مجال للتكذيب فیه ، فإن ذلك يسمي يقینا ، وھو المسمي علم

) كال لو تعلمون علم الیقین لترون الجحیم : ( الیقین في قول اهللا تعالى تدخل في التكاثر ، وھو شرط ال إله إال اهللا ، فإذا أخبرك اهللا عن شيء فلن

اإلسالم إال بھذا الیقین ، أن يصدق المسلم تصديقا كامال ، يمحو التكذيب . من القلب محوا شامال

: وكما قال عبد اهللا بن رواحة

إذا انشق معروف من الفجر ساطع: وفینا رسول اهللا يتلو كتابه

به موقنات أن ما قال واقع: ي فقلوبنا أرانا الھدي بعد العم

إذا استثقلت بالمشركین المضاجع: يبیت يجافي جنبه عن فراشه

وقد يطلق الیقین على الظن في بعض المواطن من القرآن ، على اعتبار ذيب أيضا شیئا فشیئا أن التصديق والتثبت يزداد شیئا فشیئا ، ويقل التك

حتى يصل التثبت إلي منتھاه ، فیمتأل القلب تصديقا فیكون يقینا ، كما في ) كال إذا بلغت التراقي وقیل من راق وظن أنه الفراق : ( قول اهللا تعالى

٢٨:٢٦/القیامة( ) .

منه كائن في ولذلك فإن الیقین يرد بمعني الموت على اعتبار أن التثبتواعبد ربك حتى : ( جمیع القلوب وإن تغافل الناس عنه ، كقوله تعالى

، فالیقین ھنا ھو الموت ، وعن أم العالء رضي ) ٩٩/الحجر) (يأتیك الیقین اهللا عنھا وھي امرأة من األنصار أنھا قالت في عثمان بن مظعون رضي اهللا

اهللا علیك أبا السائب فشھادتي علیك ، لقد رحمة : ( عنه حین موته وما يدريك أن اهللا قد : أكرمك اهللا ، فقال النبي صلي اهللا علیه وسلم

و أما ھ: بأبي أنت يا رسول اهللا فمن يكرمه اهللا ؟ فقال : أكرمه ، فقلت فقد جاءه الیقین ، واهللا إني ألرجو له الخیر ، واهللا ما أدري وأنا رسول اهللا

فواهللا ال أزكي أحدا بعده أبدا: ما يفعل بي ، قالت .

فالمسلم ال يكون مسلما إال بالیقین وال يخرج عن الیقین وال ينزل إلي رجة الظن أو الشك أو الوھم ، ألنه إن اتصف بشيء مما ينافي الیقین ، د

انتفي شرط من شروط ال إله إال اهللا ، ولكن ربما يضعف نور الیقین في قلب المسلم ، فیكون الیقین ضعیف اإلضاءة لديه ، ولذلك كان خوف النبي

یقین ما أخاف على أمتي إال ضعف ال: ( صلي اهللا علیه وسلم علیه فقال ، فالیقین نور في القلب إذا سكن وتمكن أبصر المسلم حقائق األمور )

. بذلك النور

ومن ھنا كان تصنیف الیقین في القلب على ثالث درجات متتالیة ، علم الیقین وعین الیقین وحق الیقین ، فاألولي كعلمك بوجود العسل وعین

: الیقین كرؤيتك له ، وحق الیقین كشربك منه

والتكاثر –ألھاكم التكاثر : ( وقد ورد في قوله تعالى : فعلم الیقین : أولھا تنبیھا على أن الزائر البد أن - حتى زرتم المقابر -ھو جمع متاع الدنیا

كال سوف تعلمون ثم كال -ينتقل عن مزاره فھو تنبیه على الموت والبعث ) ٦:٥/ التكاثر) (تعلمون علم الیقین لترون الجحیم سوف تعلمون كال لو

فعلم الیقین ھو العلم الذي يصل به صاحبه إلي حقائق األمور بنفي الوھم والشك والظن ، فال يماري في صحتھا وال يرتاب في ثبوتھا ، كعلم الیقین

، وأن النار دار بالجنة والنار ، وتیقنه أن الجنة دار المتقین ومقر المؤمنینالكافرين ومقر المشركین وأن الرسل أخبروا بھا عن ربھم ، وأنھم بینوا

. للناس أمرھم ، فھذه الدرجة تسمي علم الیقین

فھي عین الیقین ، وھي درجة الرؤية : إما الدرجة الثانیة للیقین وبین ھذه الدرجة ، ) ثم لترونھا عین الیقین : ( والمشاھدة كما قال تعالى

والتي قبلھا فرق ما بین العلم والمشاھدة ، فالیقین للسمع وعین الیقین للبصر ، فلیس الخبر كالمعاينة ، إن اهللا عز وجل أخبر موسي بما صنع

قي األلواح قومه في العجل فلم يلق األلواح ، فلما عاين ما صنعوا ألفانكسرت ، وھذه المرتبة ھي التي سألھا إبراھیم الخلیل ربه أن يريه

كیف يحیي الموتي لیحصل له مع علم الیقین عین الیقین ، فكان سؤاله زيادة لنفسه وطمأنینة لقلبه ، فیسكن القلب عند المعاينة ويطمئن برؤية

. الحقیقیة

ى أنه مر برسول اهللا صلي اهللا علیه وفي حديث حارثة بن مالك األنصاركیف أصبحت يا حارثة قال أصبحت مؤمنا حقا قال انظر ما : وسلم فقال له

تقول فإن لكل شيء حقیقة فما حقیقة إيمانك فقال عزفت نفسي عن الدنیا فأسھرت لیلي وأظمأت نھاري وكأني أنظر إلي عرش ربي بارزا

ا وكأني أنظر إلي أھل النار وكأني أنظر إلي أھل الجنة يتزاورون فیھيتضاغون فیھا فقال يا حارثة عرفت فالزم ثالثا ، ومن وصل الي ھذا استالن ما يستوعره المترفون وأنس مما يشتوحش منه الجاھلون ، ومن لم يثبت

قدم يقینه على ھذه الدرجة فھو ضعیف الیقین ، وعالمة الیقین انشراح ألمر اهللا ، والتجافي عن دار الغرور ، الصدر بذكر اهللا ، وطمأنینة القلب

واالستعداد للموت وظلمة القبور ، وھذه ھي الحالة التي كانت تحدث للصحابة األخیار إذا ذكرھم النبي صلي اهللا علیه وسلم بالجنة أو النار ،

فقد روي الترمذي وصححه الشیخ األلباني من حديث أبي عثمان النھدي األسیدي قالعن حنظلة :

نافق حنظلة ، : كیف أنت يا حنظلة ؟ قلت : لقیني أبو بكر الصديق فقال قال سبحان اهللا ما تقول ؟ قلت نافق حنظلة يا أبا بكر ، نكون عند رسول

بالنار والجنة ، حتى كأنا رأي عین ، فإذا اهللا صلي اهللا علیه وسلم يذكرنا خرجنا من عند رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم عافسنا األزواج واألوالد

قول فواهللا إنا لنلقي مثل ھذا ، ي: والضیعات ، فنسینا كثیرا ، قال أبو بكر

حنظلة ، فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول اهللا صلي اهللا علیه نافق حنظلة يا رسول اهللا فقال رسول اهللا صلي اهللا علیه : وسلم ، قلت

نا بالنار والجنة يا رسول اهللا نكون عندك تذكر: وما ذاك ؟ قلت : وسلم حتى كأنا رأي عین ، فإذا خرجنا من عندك عافسنا األزواج واألوالد

والذي : والضیعات نسینا كثیرا ، فقال رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم نفسي بیده لو تدومون على ما

المالئكة على فرشكم وفي طرقكم ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ولكن يا . حنظلة ساعة وساعة ولكن يا حنظلة ساعة وساعة

بین منازل الیقین ، فتارة ومعني ساعة وساعة ، أي يتقلب في األوقات في علم الیقین لیتابع حیاته في البیع والشراء والسراء والضراء ، وتارة في عین الیقین ينظر إلي ملكوت السماوات ، ويعتبر بما فیھا من حكم وآيات ،

ولیس كما يفسرھا الجاھلون فیقولون ساعة لقلبك وساعة لربك ، اإليمان ، وھذا باطل ، ألن ويقصدون ساعة للعصیان وساعة للطاعة و

الیقین يرفع مقام المؤمنین ، فمن ثمرات الیقین أن القلب إذا استیقن ما أخبر اهللا به من كرامة ألولیائه ومھانة ألعدائه ، بحیث كأنه ينظر إلي ذلك

من وراء حجاب ، ويعلم أنه إذا زال ھذا الحجاب ، رأي ذلك يقینا عیانا ، عند التي يجدھا المتخلفون ، والن له ما استوعره ذلك زالت عنه الوحشة

. المترفون

فھي حق الیقین وھي مباشرة المعلوم : وأما الدرجة الثالثة للیقین وإدراكه اإلدراك التام ، فعلم الیقین كعلمك بوجود العسل ، وعین الیقین رؤيتك له بالبصر ، فتحملق فیه العینان ، وحق الیقین إحساسك بمذاقه

يا أمة محمد واهللا : ( ان ، وقد قال النبي صلي اهللا علیه وسلم على اللسلو تعلمون ما أعلم ، لضحكتم قلیال ولبكیتم كثیرا ، وفي رواية ، وما تلذذتم

إلي اهللابالنساء على الفرشات ، ولخرجتم إلي الصعدات تجأرون ) .

وقد ذكر اهللا حق الیقین في القرآن ، في سورتین من أسماء القیامة فال أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم : ( الواقعة والحاقة ، فقال في الواقعة

قسم عظیم يعلم قدره المتخصصون في النجوم ، فإنھم ) لو تعلمون عظیم نراه في السماء من نجوم ، ھي في حقیقتھا مواقع للنجوم يقولون إن ما

، أما النجوم فقد ذھبت في مساراتھا وتحركت في مداراتھا ، فنظرا لعظم المسافات بیننا وبین ھذه المخلوقات ، فإننا ال نري النجوم أبدا ، ولكننا

نري مواقع مرت بھا فحینما ينبثق الضوء بسرعته من النجم إلي أن يصل ا ، يكون النجم قد تحرك من موقعه وذھب عن موضعه ، لیس ھذا إلین

وفقط ، بل إن الضوء كما قال العلماء ، ينحني في صفحة السماء ، فحینما يصل إلینا منحنیا ، يراه البصر موقعا وھمیا ، غیر الموقع الحقیقي للنجم ،

آن لنا ولذلك أقسم اهللا بالنجوم لیبین عجزنا عند علمنا ، ويثبت صدق القر: فقال

( ال : قال قتادة ) إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون ال يمسه إال المطھرون يمسه عند اهللا إال المطھرون ، أما في الدنیا فإنه يمسه المجوسي

ولیس ھو كما -تنزيل من رب العالمین ( النجس والمنافق الرجس ، سحر مبین أو شعر متین أو كھانة تنزلت بھا الشیاطین ، بل ھو يقولون إنه

أفبھذا الحديث أنتم مدھنون : ( الحق الذي نزل من رب العالمین ، ثم قال وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون فلوال إذا بلغت الحلقوم وأنتم حینئذ تنظرون

نحن أقرب إلیه منكم ولكن ال تبصرون فلوال إن كنتم غیر مدينین ترجعونھا وإن كنتم صادقین فأما إن كان من المقربین فروح وريحان وجنة نعیم وأما إن

فسالم لك من أصحاب الیمین وأما إن كان من كان من أصحاب الیمین) المكذبین الضالین فنزل من حمیم وتصلیة جحیم إن ھذا لھو حق الیقین

فسبح : ( ولیس بعد حق الیقین إال أن نسبح اهللا تسبیح الموقنین فقال الواقعة) عظیم باسم ربك ال .

وعلى نفس المنھج في آيات الواقعة جاءت آيات سورة الحاقة ، فقال فال أقسم بما تبصرون وما ال تبصرون إنه لقول رسول كريم وما : ( تعالى

ذكرون تنزيل من ھو بقول شاعر قلیال ما تؤمنون وال بقول كاھن قلیال ما ترب العالمین ولو تقول علینا بعض األقاويل ألخذنا منه بالیمین ثم لقطعنا

منه الوتین فما منكم من أحد عنه حاجزين وإنه لتذكرة للمتقین وإنا لنعلم نكم مكذبین وإنه لحسرة على الكافرين وإنه لحق الیقین فسبح أن م

الحاقة) باسم ربك العظیم .

ما ھي الوسائل التي يدرك بھا الیقین ، : ولنتحدث اآلن عن مدارك الیقین درك بھا كیف يتأكد الإلنسان أنه على يقین من أمره ؟ ھناك عدة أشیاء ي

: الیقین

وذلك كالحكم على أن البعرة تدل يقینا على : أولھا البديھیات أو األولیات البعیر وأن األثر يدل يقینا على المسیر ، ومن ھنا كان المسلم على يقین

بوجود اهللا من خالل إثبات وجود الخالق بداللة المخلوقات ، وقد ثبت ذلك ن أكبر المحرمات جريمة الزني ، والحكم بحكم األولیات أو البديھیات ، إن م

فیھا ال بد أن يقوم على مفردات يقینیة وال يبني على أمور ظنیة ، وقد بین القرآن وسائل إدراك الیقین عند الحكم على المرتكبین لھا ، فمن ذلك

: البديھیات وارتباط العلل بالمعلوالت ، كما قالت مريم للملك عندما قال لھا نا رسول ربك ألھب لك غالما زكیا قالت أني يكون لي غالم ولم إنما أ(

ألن البديھیات تجعل العاقل –بزنا - ولم أكن بغیا - بزواج –يمسسني بشر يحكم حكما يقینیا بأن الولد ال يأتي إال من طريق مشروع أو طريق ممنوع

الملك أن ذلك واضح صحیح ، وأن حالتھا استثناء وأن اهللا ولذلك أكد لھا–قال كذلك قال ربك ھو على ھین ولنجعله آية للناس - يخلق ما يشاء

من أجل ذلك أثبت لھا الخالق براءتھا ، بخرق –ورحمة منا وكان أمرا مقضیا وحي إلیھا أنھا إذا رأت من أنكر علیھا ، أن العادات وظھور المعجزات ، وأ

تلزم الصمت وتمتنع عن الكالم ، وكل ما علیھا أن تشیر إلي الغالم وتقول

إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم الیوم إنسیا فأتت به قومھا تحمله : ( ئا فريا يا أخت ھارون ما كان أبوك امرأ سوء وما قالوا يا مريم لقد جئت شی

كانت أمك بغیا فأشارت إلیه قالوا كیف نكلم من كان في المھد صبیا قال ا أين ما كنتإني عبد اهللا آتاني الكتاب وجعلني نبیا وجعلني مبارك

وأوصاني بالصالة والزكاة ما دمت حیا وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقیا والسالم على يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حیا ذلك عیسي ابن مريم

یه يمترون ما كان هللا أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضي قول الحق الذي ف. ( أمرا فإنما يقول له كن فیكون

المحسوسات ، وقد جعلھا اهللا وسیلة : ومن األمور التي يدرك بھا الیقین يرمون والذين: ( من وسائل اإلثبات ، في الحكم على المومسات فقال

المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شھداء فاجلدوھم ثمانین جلدة وال تقبلوا لھم شھادة أبدا وأولئك ھم الفاسقون إال الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن

كنا : في الصحیح عن عبد اهللا بن مسعود أنه قال جاء–اهللا غفور رحیم لو أن رجال وجد : لیلة الجمعة في المسجد إذ جاء رجل من األنصار فقال

مع امرأته رجال فتكلم جلدتموه ، أو قتل قتلتموه ، وإن سكت سكت على غیظ ، واهللا ألسألن عنه رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم ، فلما كان من

لو : الغد أتي رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم فسأله ، فقال يا رسول اهللا قتل قتلتموه أو سكت أن رجال وجد مع امرأته رجال فتكلم جلدتموه أو

والذين يرمون أزواجھم ولم يكن : ( سكت على غیظ ، فنزل قول اهللا تعالى لھم شھداء إال أنفسھم فشھادة أحدھم أربع شھادات باهللا إنه لمن

نة اهللا علیه إن كان من الكاذبین ويدرأ عنھا الصادقین والخامسة أن لعالعذاب أن تشھد أربع شھادات باهللا إنه لمن الكاذبین والخامسة أن غضب

. ( اهللا علیھا إن كان من الصادقین

، فاإلنسان أدري بنفسه وأعلم بوصفه ، ومن مدارك الیقین أيضا االعترافات فإن ثبت عند القاضي اعترافه على نفسه حكم بالیقین على زناه كما ثبت

يا : عن رسول اهللا أن امرأة من جھینة أتته وھي حبلي من الزني فقالت اهللا صلي اهللا علیه وسلم نبي اهللا أصبت حدا فأقمه على ، فدعا نبي

ولیھا فقال أحسن إلیھا فإذا وضعت فأتني بھا ففعل ، فأمر بھا نبي اهللا صلي اهللا علیه وسلم ، فشدت علیھا ثیابھا ثم أمر بھا فرجمت ثم صلي

له عمر تصلي علیھا يا نبي اهللا وقد زنت فقال لقد تابت توبة لو علیھا فقالقسمت بین سبعین من أھل المدينة لوسعتھم وھل وجدت توبة أفضل

. من أن جادت بنفسھا هللا تعالى

مالك إلي النبي صلي اهللا علیه وسلم فقال يا رسول وكذلك جاء ماعز بناهللا طھرني فقال ويحك ارجع فاستغفر اهللا وتب إلیه قال فرجع غیر بعید ثم

ه وسلم جاء فقال يا رسول اهللا طھرني فقال رسول اهللا صلي اهللا علیويحك ارجع فاستغفر اهللا وتب إلیه قال فرجع غیر بعید ثم جاء فقال يا

رسول اهللا طھرني فقال النبي صلي اهللا علیه وسلم مثل ذلك حتى إذا طھرك فقال من الزني فسأل رسول كانت الرابعة قال له رسول اهللا فیم أ

اهللا صلي اهللا علیه وسلم أبه جنون فأخبر أنه لیس بمجنون فقال أشرب خمرا فقام رجل فاستنكھه فلم يجد منه ريح خمر قال فقال رسول اهللا

علیه وسلم أزنیت فقال نعم فأمر به فرجمصلي اهللا .

كعلمنا بوجود مكة والمدينة ، فإن : ومن وسائل إدراك الیقین المتواترات العلم بوجودھما علم يقیني ، وكذلك بعثة النبي العلم بھا علم يقیني ،

ماء الحديث على لما ورد فیھا من تواتر األخبار وحملة اآلثار ، وقد اتفق علأن األحاديث المتواترة تدل على الیقین وھي التي رواھا جمع يستحیل

اتفاقھم على الكذب عن جمع آخر يستحیل اتفاقھم على الكذب إلي . نھاية اإلسناد إلي رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم

عادات ، ومن وسائل إدراك الیقین أيضا التجريبیات ، وقد يعبر عنھا باطراد الوذلك مثل حكمك بأن النار محرقة وأن الشمس مشرقة ، وأن الماء ينزل

من السماء فیحي األرض بعد موتھا ، فھي سنن وعادات وتجربة وممارسات ، ولذلك حذرنا اهللا من العصیان ، بما حدث ألعدائه في سالف

: ( الزمان ، كان مصیرھم الخسف والمسخ والصیحة والنبران فقال تعالى قد خلت من قبلكم سنن فسیروا في األرض فانظروا كیف كان عاقبة

قل للذين كفروا إن ينتھوا يغفر لھم ما قد سلف وإن : ( وقال ) المكذبین ال سنة األولین فلن تجد فھل ينظرون إ) ( يعودوا فقد مضت سنة األولین

ال يلدغ ( ، وفي الحديث ) لسنة اهللا تبديال ولن تجد لسنة اهللا تحويال وعن عبد اهللا بن مسعود أن رسول اهللا ) المؤمن من جحر واحد مرتین

إن الصدق بر وإن البر يھدي إلي الجنة وإن ( :صلي اهللا علیه وسلم قال العبد لیتحرىالصدق حتى يكتب عند اهللا صديقا ، وإن الكذب فجور وإن

. ( الفجور يھدي إلي النار وإن العبد لیتحرىالكذب حتى يكتب كذابا

فھذه مدارك الیقین ، جعلھا اهللا عالمات تدل علیه وترشد إلیه ، فأين الیقین باهللا يا عباد اهللا ، ذم موالنا الدنیا فمدحناھا ، وأبغضھا فأحببناھا ، وزھدنا فیھا فآثرناھا ، وعدنا خرابھا فحصناھا ، ونھانا عن طلبھا فطلبنھا ،

نیا الغرورة فأجبناھا ، تمرغنا في وأنذرنا كنزھا فكنزناھا ، دعتنا ھذه الدزھوتھا وتمتعنا بلذتھا وتنعمنا بشھوتھا ، نبشنا بمخالب الحرص عن

خزائنھا وحفرنا بمعاول الطمع في معادنھا ، بنینا بالغفلة في أماكنھا ، وتحصنا بالجھل في مساكنھا ، وعصینا اهللا في شريعته ، فھل بعد ذلك

مع في جنته ، أيھا المتقون جنة اهللا يقوي أحد على طلب واليته أو الطيدخلھا المؤمنون بطاعته ، ووالية اهللا ال تدرك إال بمحبته ، ولن نصل إلي مرضاته إال بتوحیده وعبوديته يا ربي ال قوة لنا فننتصر وال براءة من ذنوبنا

فنعتذر ، فإن تعاقب فأھل للعقاب وإن تغفر فعفوك مأمول ومنتظر ، إن يعف مقتدرا عن العباد فمن يعفو ويقتدرالعظیم إذا لم .

عالمات الیقین يا عبد اهللا أن تعظم الحق في عینیك ، وأن يصغر ما دونه عندك ، وأن يثبت الخوف والرجاء في قلبك ، وروي عن على بن أبي طالب

رضي اهللا عنه أنه شیع جنازة فلما وضعت في لحدھا ، عج أھلھا بالبكاء ، ما تبكون ، أما واهللا لو عاينوا ما عاين میتھم ، :فقال رضي اهللا عنه

ألذھلتھم معاينتھم عن میتھم ، أوصیكم عباد اهللا بتقوى اهللا الذي ضرب لكم األمثال ، ووقت لكم اآلجال ، وجعل لكم أسماعا تعي معناھا ، وأبصارا تجلوا عن غشاھا ، وأفئدة تفھم ما دھاھا ، فإن اهللا لم يخلقكم عبثا ولم

عنكم الذكر صفحا ، بل أكرمكم بالنعمة السابغة ، والحجة البالغة ، يضرب وأحاط بكم االحصاء ، وأرصد لكم الجزاء في السراء والضراء ، فاتقوا اهللا عباد اهللا وجدوا في الطلب ، وإياكم ومقطع النھمات ، وھادم اللذات ، فإن الدنیا

زائل ، وسند مائل ، ال يدوم نعیمھا وال تؤمن فجائعھا ، غرور حائل وشبحاتعظوا عباد اهللا بالعبر ، واعتبروا باآليات واألثر ، وازدجروا بالنذر ، وانتفعوا بالمواعظ ، أتتكم مخالب المنیة ، وضمكم بیت التراب ، ودھمتكم فظائع

األمور ، بنفخة الصور ، وبعثرة القبور ، وسیاقة المحشر وموقف الحساب ، نفس معھا سائق يسوقھا لمحشرھا ، وشاھد بإحاطة قدرة الجبار ، كل

يشھد علیھا بمخبرھا ، وأشرقت األرض بنور ربھا ، ووضع الكتاب وجيء بالنبیین والشھداء ، وقضي بینھم بالحق وھم ال يظلمون ، ھذا يوم التالق

يوم يكشف عن ساق ، كسفت الشمس وحشرت الوحوش ، وبدت ة فنزلت بأھل النار ، تأجج األسرار ، وھلكت األشرار ، وارتجت األفئد

جحیمھا ، وغال حمیمھا ، معھم مالئكة يبشرونھم بنزل من حمیم وتصلیة جحیم ، عن اهللا محجوبون ، وألولیائه مفارقون ، وإلي النار منطلقون ، عباد

اهللا اتقوا اهللا تقیة من قنع فخنع ، ووجل فرحل ، وحذر فابصر فازدجر ، م للمعاد ، واستظھر بالزاد ، وكفي باهللا فاحتث طلبا ، ونجا ھربا ، وقد

منتقما وبصیرا ، وكفي بالكتاب خصما وحجیجا وكفي بالجنة ثوابا ، وكفي بالنار وباال وعقابا ، وأستغفر اهللا لي ولكم فھذا شأن الیقین ورأس مال

الدين وبعض عالمات الموقنین ، وھذا ھو الشرط الثاني من شروط ال إله اللھم وبحمدك أشھد أال إله إال أنت أن أستغفرك وأتوب إال اهللا ، سبحانك

إلیك

شروط ال إله إال اهللا الشرط الثالث

الشرط الثالث اإلخالص المنافي للشرك

الحمد هللا الكبیر المتعال ، ذي القدرة والجالل ، والكمال والجمال ، والنعم و اللطیف الخبیر واألفضال ، سبحانه ھو العلى الكبیر ، ھو العلیم القدير ، ھ

، تبارك الذي بیده الملك وھو على كل شيء قدير ، أحمده حمد المعترف بالعجز والتقصیر ، وأشكره على ما أوالنا من نعم وفضل كبیر ، وأشھد أن ال إله إال اهللا وحده ال شريك له ، شھادة من يؤمن بأنه ال معین له وال ظھیر ،

د بالخلق والتدبیر ، سبحانه منفرد وال وزير له وال مشیر ، سبحانه منفر. واألمر والتقدير ، لیس كمثله وھو السمیع البصیر

وأشھد أن سیدنا وحبیبنا محمدا عبده ورسوله ، البشیر النذير ، والسراج المنیر ، المبعوث إلي كافة الخلق من غني وفقیر ، ومأمور وأمیر ، صلي

أجمعین والتابعین لھم اهللا علیه وعلى آله الطاھرين ، وسائر أصحابهبإحسان إلي يوم الدين ، صالة تنجي قائلھا من ھول المطلع في يوم

عسیر ، ومن حساب يحصي الصغیر والكبیر ، صالة تباعد بیننا وبین عذاب يا أيھا الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق ( السعیر ،

وجھا وبث منھما رجاال كثیرا ونساء واتقوا اهللا الذي تتساءلون به منھا زيا أيھا الذين آمنوا اتقوا اهللا ) ( ١:النساء) (واألرحام إن اهللا كان علیكم رقیبا

) إن اهللا خبیر بما تعملون ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا اهللايا أيھا الذين آمنوا اتقوا اهللا حق تقاته وال تموتن إال وأنتم ) ( ١٨:الحشر(

، أما بعد) ١٠٢:آل عمران) (مسلمون ..

فإن كثیرا من الناس يقولون ال إله إال اهللا ، وتراھم يھدمون توحیدھم ال إله إال اهللا قد : نقضونه بسوء أفعالھم ويحسبون أنھم بمجرد قولھم وي

عبدوا ربھم ووحدوه وأنھم ال محالة سیدخلون الجنان وال يعذبون في النیران ، فتراھم يتوجھون بقلوبھم إلي األضرحة والقباب ، ويطوفون حولھا

ن خاشعین مقبلین العمم واألعتاب ، يدعونھم ويضرعون إلیھم ويطلبوالمدد منھم ، ويضعون في صناديق النذور أفضل ما عندھم ، ويقیمون

الموالد والمشاھد والعمائم والمعابد ، زيادة في حبھم وتعظیمھم ، ودعوة في شد الرحال إلیھم ، مستبیحین حرمة األدلة في النھي عن بناء القبور

ألولیاء على المساجد ، وشد الرحال إلي األضرحة والموالد ، يزعمون أن ايتحكمون في المنافد والطرقات ، ويحمون أتباعھم ولو كان على أبعد

. المسافات

والناس بالماليین يصدقون ويقبلون في حلقات الذكر يتراقصون ، يھللون ويتمايلون ، تراھم عشرات اآلالف مجذوبین قائمین ملھوفین ، عاكفین

األضرحة والقباب ، على القبر مستغیثین بصاحب الضريح ، آالف وآالف منمنتشرة في كثیر من البلدان ، وقائمة في كل میدان ، وھؤالء يظنون أنھم

بھذه األعمال في أعلى مقام من مقامات اإليمان ، والسؤال الذي يطرح نفسه اآلن ؟ كیف يكون العبد مخلصا هللا حنیفا موحدا ال يشرك باهللا شیئا

؟

للطیف الخبیر ، وھذا ھو وجواب ذلك سھل ويسیر على من ھداه االموضوع الذي نتحدث عنه بشيء من التفصیل في محاضرة الیوم ، اعلم

أخي المسلم يا من ترغب في توحید اهللا بیقین وصدق وتبحث عن عقیدة حق ، أن ال إله إال اهللا ال تفع قائلھا إال إذا حقق شروطھا واستوفي أركانھا

أركان اإليمان إال بھذه الشرط، فال يصح قول اللسان وال يصلح ركن من .

علم ينافي الجھل ، ثم يقین ينافي الشك ، وإخالص ينافي الشرك ، ثم الصدق الذي ينافي الكذب ، ثم المحبة التي تنافي البغض ، ثم القبول

الذي ينافي الرد ثم االنقیاد الذي ينافي الترك ، والثامن من ھذه الشروط ، وقد أحسن من جمعھا وعدھا وحصرھا ھو الكفر بما يعبد من دون اهللا

: في ھذين البیتین فقال

محبة وانقیاد والقبول لھا: علم يقین وإخالص وصدقك مع

سوي اإلله من األشیاء قد ألھا: وزيد ثامنھا الكفران منك بما .

وموضوعنا الیوم عن اإلخالص كشرط من شروط ال إله إال اهللا ، فاإلخالص نقیته من الشوائب ، فالخالص ھو ما زالت عنه معناه تصفیة الشيء وت

وإن لكم في األنعام لعبرة : ( الشوائب بعد أن كانت فیه ، قال تعالى ) نسقیكم مما في بطونه من بین فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربین

شاء بالطعام والدماء ، فجعله فاللبن كان مختلطا في األح) ٦٦:النحل(الحق بقدرته غاية في الصفاء والنقاء ، فالخالص في الشيء ھو النقي

. الصافي

واإلخالص الذي ھو شرط من شروط ال إله إال اهللا يتمثل في توحید الحق ونبذ الشرك ، فالمسلم الحق يتصف باإلخالص ، ألنه أفرد اهللا بعبادته ،

ه ، أو خوفه ورجائه ودعوته كما قال سبحانه ولم يشرك به شیئا في محبتوما أمروا إال لیعبدوا اهللا مخلصین له الدين حنفاء ويقیموا الصالة : ( وتعالي

أكثر العلماء على أن الحنیف ) ٥: البینة) (ويؤتوا الزكاة وذلك دين القیمة هللا وحده ، فالحنیفیة دين إبراھیم وھو دين ھو المخلص الذي يعبد ا

التوحید واإلخالص هللا وحده ، وقد كان المشركون في الجاھلیة يعلمون حقیقة اإلخالص والتوحید ، وعلى الرغم من ذلك يصرون على الشرك في

الدعاء عند النعمة والرخاء ، لكنھم يوحدون إله السماء عند الشدائد من دان باإلخالص وتحرىالخالص من الشرك وحدوث البالء ، وقلیل منھم

وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إال إياه : ( قال تعالى عن ھؤالء ٦٩:٦٧:اإلسراء) (فلما نجاكم إلي البر أعرضتم وكان اإلنسان كفورا ) .

كون باهللا في الرخاء والنعمة ، لكنھم كان الكافرون في الجاھلیة يشريخلصون له عند الشدائد والنقمة ، روي النسائي في سننه وصححه

أن رسول اهللا يوم : ( الشیخ األلبانیمن حديث مصعب بن سعد عن أبیه تلوھم وإن وجدتموھم اق: فتح مكة أمن الناس إال أربعة نفر وامرأتین وقال

متعلقین بأستار الكعبة ، فكان منھم عكرمة بن أبي جھل ، بعد أن علم أن أباح دمه ركب عكرمة البحر فأصابتھم عاصفة شديدة أيقنوا أنھا r النبي

أي وحدوا ربكم -ا أصحاب السفینة أخلصو: فقال –-ستغرق سفینتھم في الدعاء واالستغاثة وقد كانوا يلجأون في الرخاء إلي الالت والعزي ومناة

أصحاب السفینة أخلصوا : فقال –-الثالثة األخرى وعند الشدائد يوحدون ن لم ينجني واهللا لئ: فإن آلھتكم ال تغني عنكم شیئا ھاھنا فقال عكرمة

من البحر إال اإلخالص ال ينجیني في البر غیره فعاد عكرمة إلي عقله اللھم إن لك على عھدا -وفطرته، وقال معلنا للتوحید عند نجاته وعودته

علیه وسلم حتى إن أنت عافیتني مما أنا فیه أن آتي محمدا صلي اهللاجاء فأسلم -وبالفعل وفي بوعده -أضع يدي في يده فألجدنه عفوا كريما

ومات عكرمة بفضل اهللا على اإلخالص والتوحید بعد أن كان من أسوا .r العبید عداء لرسول اهللا

• ي كتاب اهللا واعلموا عباد اهللا أن اإلخالص الذي ينافي الشرك يقوم فr وسنة رسوله : على ركنین اثنین

(1) - توحید العبادة هللا ،فالمخلص ال يشبه غیر اهللا باهللا ، ألن : الركن األول أصل الشرك تشبیه المخلوق بالخالق والمملوك بالمالك ، فیعظمه كتعظیم

تخذ ومن الناس من ي: ( اهللا ، ويحبه كمحبة اهللا ، كما قال جل في عاله من دون اهللا أندادا يحبونھم كحب اهللا والذين آمنوا أشد حبا هللا ولو يري

، ) الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة هللا جمیعا وأن اهللا شديد العذاب یھا يختصمون تاهللا إن كنا لفي ضالل وھم ف: ( ولما عذبوا في جھنم قالوا

فسوا بین اهللا وبین آلھتھم في المحبة ) مبین إذ نسويكم برب العالمین التعظیم ، وخضعوا لألولیاء في أضرحتھم كخضوعھم للعلى العظیم ، كل

ن أي ذلك بزعمھم رھبة وخوفا من غضبھم ، إذ يوحون إلي أتباعھم ، أشخص لم يقدم النذر في موعده ، أو لم يأت طنطا إلي البدوي في مولده

، حلت علیه اللعنة في نومه ومرقده ، ونزلت علیه المصائب في يومه وغده ، حتى يعود إلي الضريح بخضوع صريح صحیح ، مخلصا له مقرا تائبا ،

: أو قائال ما قاله ھذا الجاھل

مستشفعا من ذنوبي عندكم بكموا: وقفت بالذل في أبواب عزمكموا

أن ترحموني وترضوني عبیدكموا: أعفر الخد ذال في التراب عسي

وإن أبیتم فمن أرجوه غیركموا: فإن رضیتم فیا عزي ويا شرفي

فھؤالء العامة من األمة يخلصون في تضرعھم للقباب واألوثان ، ويطلبون ذا تركوا للواحد الديان ؟ منھم الرحمة والمدد والغفران ، فقل لي بربك ما

انظر أيھا العاقل مدي تعظیمھم لسیدھم أحمد الرفاعي ، ومدي اعتقادھم في قدرته وتأثیره علیھم ، على الرغم من كونه مات من مئات

: السنین ، وقد أكله الدود في قبره وأصبح من الغابرين ، يقول قائلھم

تشبه القدرنصالھا ماضیات: شیخي الرفاعي له بین الوري ھمم

رمضاء دھري فجاء الدھر معتذر: دخلت في ظلھا أبتغي التفیؤ من

والمعني المقصود في ھذين البیتین ، أن شیخه الرفاعي قوته في العالم تشبه قوة اهللا في جريان المقادير ، وأنه لما استغاث بابن الرفاعي مما

دھر معتذرا ، فالرفاعي فعله اهللا به من أنواع البالء ومصائب االبتالء ، جاء ال

في اعتقاده قوته أشد من قوة اهللا وقدرته في جريان المقادير حاكمة على . قدرة اهللا ، تعالى اهللا عما يقولون علوا كبیرا

أمثل ھذا قد شھد أنه ال إله إال اهللا ، وأنه ال معبود بحق سواه ، أھذا ھو عي وھو میت في التوحید الذي بعث به محمد بن عبد اهللا ، شیخه الرفا

قبره ، يتحكم فیما جرت به المقادير ولو استغاث به أحد يعتذر إلیه الدھر الذي يقلبه رب السماوات واألرض ، سبحانك أنت اللطیف الخبیر وأنت

العلیم القدير ، وأنت الملك الذي بیده الملك وھو على كل شيء قدير ، ولیاء اهللا ، آه لو اعترضت إياك إياك أن تعترض على أ: يقولون !!! ويحذرونك

على الرفاعي أو السید البدوي ، أو إبراھیم الدسوقي أو عبد القادر وإال ماذا ؟.. الجیالني أو أبي العباس المرسي ، إياك إياك أن تعترض وإال

ما العقاب وما .. سیلحق بك العقاب وينزل بك العذاب ، عقاب وعذاب بقرة تموت ، وتمنع : اب ؟ يقولون العذاب لو أنكرنا على األضرحة والقب

القوت ، وخیر يفوت ، ولعنة تطاردك في الملك والملكوت ، بحق ما للضريح من جبروت ، ولدك سیكون مشلوال ، وزوجتك معلولة ، وستبقي ذلیال

. مخذوال ، ال حول لك وال قوة إال عدت وتبت

لم ماذا ذكر ال أع: أال تعلم ما ذكره سیدنا عبد الوھاب الشعراني ؟ ال ذكر أن أبا الغیث بن قتیبة العالم الفقیه أنكر على : الشعراني ؟ يقولون

الناس وھم يركبون المراكب في النیل من بوالق متوجھین إلي طنطا ھیھات ھیھات أن يكون : لحضور مولد سیدي البدوي ، فأنكر علیھم وقال

: ل أحدھم يا فقیه اھتمامھم بزيارة نبیھم كاھتمامھم بالسید البدوي ، فقاسیدي البدوي ولي حلیم وجاھه عظیم ، فال تنكر علیه فیمسك منه

عذاب ألیم ، ثم انصرف أبو الغیث الفقیه فدعاه بعض محبیه على الطعام ، فأطعمه سمكة كبیرة ، فدخلت في حلقه شوكة طويلة ، سدت أنفاسه

، وعجز بسبب إنكاره على البدوي ، فلم يقدروا على نزعھا بأي وسیلة

األطباء عن إخراجھا أو عالجھا بأي حیلة ، حتى ورمت رقبته ، وتآكلت معدته ، ال يدخل إلیھا طعام وال شراب إال بعويل وعذاب ، وبقي تسعة

أشھر على ھذا الحال ، ال يھنأ له بال ، حتى يئس من الحیاة ، وكاد أن : تذكر قال ينتحر ، وقد أنساه اهللا السبب ، ال يدري ما السبب وعندما

احملوني إلي قبة سیدي أحمد البدوي ، فقد تبت من اإلنكار ، وسلمت له بالقدرة وكمال الحال ، وعندما وصل إلي الضريح بعد ھذه المسافة البعیدة

، عطس عطسة شديدة ، فخرجت الشوكة مغمسة دما ، وذھب الورم : على الفور من رقبته وقال معلنا لتوبتة

يرتاح من راحاتھا مسكینه: فیمینه غوث وغیث في الوري

ھذا رجائي عنده وأظنه: تسدي العدو من العدو تصونه

قبل الرجاء من المقل المجھد

ولظھر بحر النیل يركب سائرا: ذو الفقر والفاقات يسعي زائرا

السیما ولقد أتیت مبادرا: أفال يكون لي القبول بال مرا

أسعي إلیه من الرحاب األحمدي

إياك أن تتخلف عن مولده ، أال تعلم أن الشیخ محمد السري تخلف يقولونعن حضور مولد البدوي ألنه أنكر ما يحدث فیه فناداه البدوي من قبره وقال

اختالط الرجال والنساء في المولد ، قال : ماذا تنكر علینا ؟ قال : له ي الطواف ھذا واقع في الطواف بالكعبة ، فلم لم تنكر االختالط ف: البدوي

موضع يحضره : وأنكرته في مولدي ، ثم قال له اسمع يا شیخ محمد . رسول اهللا ، واألنبیاء وأصحابھم وسائر األولیاء ال تحضره أنت

وعزة ربي ما عصي أحد في مولدي إال وتاب : ثم يقول ھذا الكاذب وحسنت توبته وإذا كنت أرعي الوحوش في القفار والسمك في البحار

من بعضھم البعض أفیعجزني اهللا عن حماية من يحضر إلي وأحمیھم . مولدي

ھل منكم من يرضي لنفسه أن السید البدوي يرعي : انظروا يا عباد اهللا الوحوش في القفار والسمك في البحار ؟ إذا كان البدوي يرعي الوحوش في القفار والسمك في البحار ؟ فما الذي يرعاه رب العزة والجالل ؟ وما

ي تركه من تدبیر األمر هللا ، كل ھذا اإلفك ، لكي ترضي بالشرك ، الذوتحید عن الحق ، كیف نسترد المسجد األقصي وأغلب األمة على ھذا

الحال ؟ كیف سنواجه األعداء والمسلمون يلجئون إلي البدوي ويستغیثون بأبي العباس المرسي فمن قائل أغثنا يا بدوي ، أنقذنا من أمريكا يا عدوي

يا شاذلي رحماك ، رحماك يا ابن الرفاعي ، أھكذا يكون اإلخالص هللا يا ،عباد اهللا ، أھؤالء يستوجبون نصر اهللا ، أتقولون للمیت في قبره أغثنا أغثنا

… ، وال توحدون اهللا ، إلھي

أنت الذي -أنت الذي صورتني وخلقتني وھديتني لشرائع اإليمان أنت الذي أطعمتني -القرآن علمتني ورحمتني وجعلت صدري واعي

وجبرتني وسترتني -وسقیتني من غیر كسب كان في الحسبان أنت الذي آويتني وحبوتني -ونصرتني وغمرتني بالفضل واإلحسان

وزرعت لي بین القلوب مودة والعطف منك -وھديتني من حیرة الخذالن ونشرت لي في العالمین محاسنا وسترت عن أبصارھم- برحمة وحنان

فوحق -ولقد مننت على رب بأنعم مالي بشكر أقلھن يدان - عصیاني لئن اجتبتني من رضاك -حكمتك التي آتیتني حتى شددت بنورھا برھاني

ألسبحنك بكرة وعشیة ولتخدمنك في -معونة حتى تقوى أيدھا إيماني - وألذكرنك قائما أو قاعدا وألشكرنك سائر األحیان -الدجي أركاني

وألجعلن - عن األنام مطامعي بحسام يأس لم تشبه بناني وألحسمن وألقصدنك في جمیع -رضاك أكبر ھمتي وألضربن من الھوى شیطاني

. حوائجي من دون قصد فالنة وفالن

أتقصدون میتا ھو أحوج ما يكون إلیكم ، وتزعمون أن بركاته تعود علیكم ؟ ، ، ومن أدراكم أن حلت بك البركات يا من أتیت لشیخ العرب: يقولون

البركات قد حلت بشیخ العرب أو من أتي إلیه ، األمر خطیر والموضوع يطلب منك إعادة النظر والتفكیر ، فأول وصیة وصاھا لقمان لبنه وھو يعظه

وإذ قال لقمان البنه وھو يعظه يا بني ال تشرك بالله إن الشرك: ( قال له ، فیا من نطقت بال إله إال اهللا ، تشبه المخلوق ) ١٣:لقمان) (لظلم عظیم

بالخالق في الدعاء والنداء ، والمحبة والخوف والرجاء ؟ انظروا إلي تعظیمھم لشیخ العرب في ھذه األبیات الشعرية ، ووصفھم له بأوصاف

الربوبیة ، ماذا يقولون ؟

جاءت لك الزوار من أقصي القرى: يا من ھو البحر الخضم إذا جري

فلقد حويت الفضل يا غوث الورى: كل ينادي يستغیث لما جري

أيھا العاقل أال تري ؟ ھل البدوي غوث الوري ؟ يأتیه الملھوف من أقصي القرى ؟ ماذا جري لعقولكم ماذا جري ؟ من المغیث للملھوف يا تري ؟

اه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء األرض أئله أمن يجیب المضطر إذا دع(مع اهللا قلیال ما تذكرون أمن يھديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل

كون أمن يبدأ الرياح بشرا بین يدي رحمته أئله مع اهللا تعالى اهللا عما يشرالخلق ثم يعیده ومن يرزقكم من السماء واألرض أئله مع اهللا قل ھاتوا

برھانكم إن كنتم صادقین قل ال يعلم من في السماوات واألرض الغیب إال ٦٥:٦٢:النمل) (ان يبعثون اهللا وما يشعرون أي ) .

أال تعلمون أن دعاء األموات يستلزم أن تجعل من ال يملك : عباد اهللا لنفسه نفعا وال ضرا مشابھا لمن كانت أزمة األمور بیديه ومرجعھا إلیه ،

فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ؟

أنواع الشرك أال تعلمون أن دعاء األموات ، أو طلب المدد منھم ، من أقبحعلى اإلطالق ، لماذا ؟ ألنه ينافي التوحید واإلخالص ، ويثبت للمیت

بدعائه أوصاف األلوھیة ، نعم يثبت للمیت بصورة حتمیة أوصاف الربوبیة كیف ، فالذي يقول مدد يثبت الداعي صفة الحیاة للمقبور ألنه لو اعتقد أنه

لیكم أيھا العقالء ، ما تقولون في میت ما توجه إلیه بالنداء والدعاء ، أباهللا عرجل توفي أباه ، فذھب إلي قبره ودعاه ، وناداه أبتاه أجبني أبتاه أجبني أنا في حیرة من أمري أغثني ، ولدي مريض ولیس عندي زاد ، وزوجتي

أصابھا العقم والفساد ، أعطني المال يا أبتاه ، حتى أداوي زوجتي وولدي ولون عن ھذا مجنون ، وال تقولونه لملیون وأشفي بفضل زادك مرضي ؟ تق

أو سبعة ملیون ممن يشدون الرحال ويذھبون يتراقصون في الموالد ، يقبلون األعتاب ، ويستغیثون بسكان األضرحة والقباب ؟

أال تعلم يا من أخلصت قلبك هللا أنك إذا استغثت بالضريح أثبت أنه يسمع فقیر ال يدعي وال يقصد ، ألم ويبصر ، ويعلم ويقدر ، أثبت أنه غني فال

ذلكم اهللا ربكم له الملك والذين : ( تسمع قول عالم الغیب والشھادة تدعون من دونه ما يملكون من قطمیر إن تدعوھم ال يسمعوا دعاءكم ولو

مة يكفرون بشرككم وال ينبئك مثل خبیر سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القیا١٤:١٣:فاطر) ( ) .

ألم تسمع إلي الكبیر المتعال ، ذي القدرة والجالل ، والنعم واألفضال ، يا أيھا الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن : ( وھو يخاطب العقالء عندما قال

من دون اهللا لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبھم الذين تدعونالذباب شیئا ال يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب ما قدروا اهللا حق

٧٤:٧٣:الحج) (قدره إن اهللا لقوي عزيز ) .

أين ما كنتم تعبدون : ا قال المشركون عندما سألھم اهللا أتنتظر أن تقول كمقالوا وھم فیھا يختصمون تاهللا إن كنا لفي ضالل مبین إذ نسويكم : ( ؟

٩٩:٩٥:الشعراء) (برب العالمین وما أضلنا إال المجرمون ) .

الء وبین ربك ، وتجعل الشرك حائال أتسوي في الحب والتعظیم بین ھؤ: لغفران ذنبك ، أال تعلم أن اهللا قد قال

( وما يستوي األعمي والبصیر وال الظلمات وال النور وال الظل وال الحرور وما ا أنت بمسمع من يستوي األحیاء وال األموات إن اهللا يسمع من يشاء وم

٢٢:٢٣:فاطر) (في القبور ) .

من السمیع لما ذھبت إلي أصم أبكم ؟ ، ومن البصیر لما استغثت بعاجز عم ؟ ، ومن الغني لما توجھت إلي فقیر معدم ؟ ، ومن القدير لما ذھبت

إلي مقبور آدم ؟ ، ومن الرزاق الذي رزق يونس في الیم ؟

إذ قال ألبیه وقومه ما : ( ى العظیم عن خلیله إبراھیم ألم تسمع قول العلتعبدون قالوا نعبد أصناما فنظل لھا عاكفین قال ھل يسمعونكم إذ تدعون

قال أفرأيتم ما أو ينفعونكم أو يضرون قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلونكنتم تعبدون أنتم وآباؤكم األقدمون فإنھم عدو لي إال رب العالمین الذي

خلقني فھو يھديني والذي ھو يطعمني ويسقیني وإذا مرضت فھو م يحیین والذي أطمع أن يغفر لي خطیئتي يوم يشفیني والذي يمیتني ث

٨٢:٦٩:الشعراء)(الدين ) .

من السمیع لما ذھبت إلي أصم أبكم ؟ روي اإلمام أحمد والنسائي من حديث عروة عن عائشة رضي اهللا عنھا ٣٤٦٠وصححه الشیخ األلباني

الذي وسع سمعه األصوات لقد جاءت خولة بنت الحمد هللا: ( أنھا قالت r ثعلبة إلي رسول اهللا تشكو زوجھا لما ظاھر منھا ، وأنا معھا في ناحیة

: ( البیت فكان يخفي على كالمھا وما أسمع ما تقول فأنزل اهللا عز وجل ع اهللا قول التي تجادلك في زوجھا وتشتكي إلي اهللا واهللا يسمع قد سم

أم يحسبون أنا ال نسمع ( ، ) ) ١:المجادلة) (تحاوركما إن اهللا سمیع بصیر . ( سرھم ونجواھم بلي ورسلنا لديھم يكتبون

البصیر لما استغثت بعاجز عم ؟ ومن الغني لما توجھت إلي فقیر منوربك الغني ذو الرحمة إن يشأ يذھبكم ويستخلف من بعدكم : ( معدم ؟

الناس يا أيھا ) : ( ١٢٣:األنعام) (ما يشاء كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين ، ومن القدير لما ) ١٥:فاطر) (أنتم الفقراء إلي اهللا واهللا ھو الغني الحمید

قل من : ( ذھبت إلي مقبور آدم ؟ ومن الرزاق الذي رزق يونس في الیم ؟ ن يخرج الحي من يرزقكم من السماء واألرض أمن يملك السمع واألبصار وم

المیت ويخرج المیت من الحي ومن يدبر األمر فسیقولون اهللا فقل أفال يا أيھا الناس اذكروا نعمة اهللا علیكم ھل من خالق ) : ( ٣١:يونس) (تتقون

٣:فاطر) (ن السماء واألرض ال إله إال ھو فأني تؤفكون غیر اهللا يرزقكم م ) .

عن أبي ذر عن النبي صلي اهللا ٢٥٧٧ألم تسمع ما رواه اإلمام مسلم ت يا عبادي إني حرم: علیه وسلم فیما روي عن اهللا تبارك وتعالي أنه قال

الظلم على نفسي وجعلته بینكم محرما فال تظالموا ، يا عبادي كلكم ضال إال من ھديته فاستھدوني أھدكم ، يا عبادي كلكم جائع إال من أطعمته

كلكم عار إال من كسوته فاستكسوني فاستطعموني أطعمكم ، يا عبادي أكسكم ، يا عبادي إنكم تخطئون باللیل والنھار وأنا أغفر الذنوب جمیعا

لن فاستغفروني أغفر لكم ، يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني وتبلغوا نفعي فتنفعوني ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقي قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شیئا ، يا

وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكمواحد ما نقص ذلك من ملكي شیئا ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم

وإنسكم وجنكم قاموا في صعید واحد فسألوني فأعطیت كل إنسان ذلك مما عندي إال كما ينقص المخیط إذا أدخل البحر ، يا مسألته ما نقص

عبادي إنما ھي أعمالكم أحصیھا لكم ثم أوفیكم إياھا فمن وجد خیرا سهفلیحمد اهللا ومن وجد غیر ذلك فال يلومن إال نف ) .

فطھر نفسك عبد اهللا باإلخالص هللا وحده ، واحذر الشرك فإنه ال ذنب بعده ، وتحرىفي قولك وفعلك التوحید فإن األجر عنده ، فال تدعوا غیر اهللا ، وال تطلب المدد من سواه ، وال تستغث إال باهللا ، واجعل الطواف مقصورا ببیت

را إال حجرا واحدا في بیت اهللا ، اهللا فقط ، وال تقبل ضريحا أو مقصورة أو حجوال تذبح إال هللا ، واذبح باسم اهللا وحده ، وال تجعل النذر لسواه ، وال تتخذا

على القبر مسجدا ، وال تقم فیه أبدا ، فالمساجد بیوت اهللا فال تجعلھا مستعمرة لسواه ، يحتلھا أصحاب الضريح ويذكرون اسمه بالتصريح

في بیوت أذن اهللا أن ترفع ويذكر فیھا اسمه : ( والتلمیح ، وقد قال تعالىوأن المساجد هللا : ( وقال أيضا ) ٣٦:النور) (يسبح له فیھا بالغدو واآلصال

، ولكنك تري أنھم يتوجھون بقلوبھم ) ١٨:الجن) (فال تدعوا مع اهللا أحدطوفون بقبره ، ويدعون الناس إلي تقديسه وحبه لتعظیم الضريح وي

بالكرامات المزعومة واألحالم المذمومة ، التي ھي من وحي الشیطان أو اختالق بني اإلنسان ، وكل ھذا كما تعلمون ينافي اإلخالص والتوحید ،

.. ويغضب رب العبید

توكلت على اهللا : فتحرى عبد اهللا في قولك وفعلك التوحید ، وال تقل توكلت على اهللا ثم : وعلیك ألنك تشرك غیره معه في التوكل ، ولكن قل

مالي إال اهللا ثم أنت ، : مالي إال اهللا وأنت ، ولكن قل : علیك ، وال تقل ما : ما شاء اهللا وشئت ، ولكن قل : فھذا ھو اإلخالص والتوحید ، وال تقل

ي السماء وأنت اهللا لي ف: شاء اهللا وحده ، وال تقل ألي شخص أيا كان ھذا فضل اهللا وجزاك : لي في األرض أو ھذا من فضل اهللا ومنك ، ولكن قل

مدد يا بدوي أو شي اهللا يا : اهللا خیرا ، واطلب المدد من اهللا ، وال تقل عدوي ، وال تشرك باهللا فتفعل كما يفعل الجاھلون ، إياك أن تعلق في

عین الذئاب ، أو تعلق برقبة رقبتك خرزة أو تمیمة أو حجابا ، أو نابا أوالحیوان عظمة ، تظن أنك تدفع عنه بھذا الشرك مكروھا ، أو تتقي مصیبة

عظموھا ، فطھر قلبك بالتوحید ، واجعل نفسك من العبید ، الذين أخلصوا : لربھم واستجابوا هللا لما أمرھم أن يعبدوه مخلصین له الدين

( ) عوه مخلصین له الدين الحمد هللا رب العالمین ھو الحي ال إله إال ھو فادإنني ھداني ربي إلي صراط مستقیم دينا قیما : ( وقل عبد اهللا ) ٦٥:غافر(

ملة إبراھیم حنیفا وما كان من المشركین قل إن صالتي ونسكي ومحیاي مماتي هللا رب العالمین ال شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمین و

١٦٣:١٦١:األنعام)( ) .

الذي بني علیه اإلخالص هللا ھو توحید العبادة له ، : فالركن األول فالمخلص ال يشبه المخلوق بالخالق أو المملوك بالمالك ، ولكنه يفرد اهللا

م الدعاء ، والحب الخوف والرجاء ، فھو عبد لمعبود واحد ال يشرك بالتعظی. به شیئا

الذي بني علیه اإلخالص فھو توحید الربوبیة هللا ، فال : أما الركن الثاني يمكن لعبد أن ينال درجة اإلخالص إال إذا خلع عن نفسه رداء الربوبیة

سیده مستخلف واكتسي بثوب العبودية ، فعلم واعتقد أنه عبد في ملك في أرضه أمین على ملكه ، قد ابتاله فیما أعطاه ، وامتحنه فیما خوله

واسترعاه ، أيرد الملك إلي المالك ؟ أم ينسب لنفسه أوصاف الخالق ؟ يتكبر على الخلق بنعم اهللا ، ويتعالي على العباد بما منحه وأعطاه ، كما

وفي قارون الذي ظغي فعل فرعون وھامان ومن قبلھما النمرود بن كنعان ،وبغي ، أبلغ مثل وعظة ، فقد استكبر على قومه بأمواله الباھظة ، ولم

تؤثر فیه الدعوة أو الموعظة ، فلم يفھم أن المال مال اهللا ، وأن الحیاة : ابتالء من اهللا

( ز ما إن إن قارون كان من قوم موسي فبغي علیھم وآتیناه من الكنومفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه ال تفرح إن اهللا ال يحب

الفرحین وابتغ فیما آتاك اهللا الدار اآلخرة وال تنس نصیبك من الدنیا وأحسن

) ك وال تبغ الفساد في األرض إن اهللا ال يحب المفسدين كما أحسن اهللا إلیفنسب الفضل إلي ) .. قال إنما أوتیته على علم عندي ( ،فماذا قال ؟

نفسه ، وتناسي فضل ربه ، وتناسي أنه أمین في ملكه ، مبتلي بالمال يدوم ، كما قال سبحانه إلي لوقت معلوم ، وبقاؤه على ھذا الحال ال

أولم يعلم أن اهللا قد أھلك من قبله من القرون من ھو أشد منه : ( وتعالي فلم يتذكر ولم يعبأ ، ) قوة وأكثر جمعا وال يسأل عن ذنوبھم المجرمون

فخرج ( اهللا ما أعطاه شیئا من نعمه وخرج متزينا يھزأ بدين اهللا ، وكأن. (على قومه في زينته

رغب في مدحھم وثنائھم لیعلم الناس عزه وسلطانه ، ويعظموا من قدره قال الذين يريدون الحیاة ( وشانه ، وصار فتنه للناس حتى تمنوا مكانه

، فقال المخلصون ) ن إنه لذو حظ عظیم الدنیا يا لیت لنا مثل ما أوتي قاروالعابدون ، المؤمنون بأنھم في األرض مستخلفون ، وأن الملك لسیدھم

ويلكم ثواب اهللا خیر لمن آمن وعمل صالحا وال يلقاھا إال : ( ولیس لقارون . ( الصابرون

یه وعصیانه ، وظلمه وطغیانه ، وأن فصدر حكم اهللا على قارون وحكم ببغيكون عبرة لنظرائه وأقرانه ، فشق األرض تحت أقدامه فانطبقت علیه ،

فخسفنا به وبداره : ( وجاءه ملك الموت يعیده فقیرا لعزة اهللا وسلطانه ) ن المنتصرين األرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون اهللا وما كان م

ھذا جزاء المستكبرين الظالمین ، لیعود الناس إلي التوحید ، وإلي فطرة المخلصین من العبید ، الذين ال ينازعون اهللا في ملكه ، أو يطمعون في

وأصبح الذين تمنوا مكانه باألمس يقولون ويكأن اهللا :( شيء من حقه الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لوال أن من اهللا علینا لخسف بنا يبسط

فأدركوا عند ذلك أن اهللا ھو المالك ) ٨٢:القصص) (ويكأنه ال يفلح الكافرون وأنه سبحانه وتعالي ھو الخالق الرازق فقالوا مقرينبعد أن كانوا في الحیاة

ینراغب :

( ) ٨٢:القصص) (لوال أن من اهللا علینا لخسف بنا ويكأنه ال يفلح الكافرون لوال أن من اهللا علینا بفقرنا لخسف بنا ، فأصبح الفقر : وكأنھم يقولون

نعمة ومنة ، والرضا بالمقسوم حكمة وفطنة ، فبئس المال الذي يجعل اك ، إياك من العلو صاحبه في ھذا الحال ، فإياك إياك مھما منحك اهللا وأعط

تلك الدار اآلخرة نجعلھا للذين ال : ( واالستكبار ألن اهللا ھو الملك الجبار ٨٣: القصص) (يريدون علوا في االرض وال فسادا والعاقبة للمتقین ) .

، وصبر على واعلم أن الغني ال يكرمه اهللا ، إال إذا شكر ربه شكر الزاھدين إغراء المال ومقاومته صبر الموقنین الموحدين ، وعاد فقیرا بماله إلي ربه ،

ينسب الملك والفضل لرب العالمین ، فإن اهللا أعطي المال والنبوة ألبي األنبیاء وإمام الحنفاء إبراھیم ، وأعطي الملك والسلطان لداود وسلیمان

ملكھم موحدين عابدين ، علیھم الصالة والسالم أجمعین، فكانوا فيمخلصین زاھدين ، وكانوا أمناء في األرض مستخلفین ،فقال عن سلیمان

فأنعم ) ٣٠:ص) (ووھبنا لداوود سلیمان نعم العبد إنه أواب : (علیه السالم به من عبدعلى الرغم من كونه كان قويا غنیا ، وملكا نبیا ، لديه الدنیا

، وبھجة الحیاة بأنواعھا ، فانظر إلي قول سلیمان وتوحیده لرب بأسرھاالعالمین ،عندما رأي عرش بلقیس منقوال من الیمن إلي فلسطین ،

: ومستقرا بین يديه بقدرة اهللا

( فالفضل لیس لي وال لجندي ، وإنما ) ٤٠:النمل) (قال ھذا من فضل ربي لیبلوني أأشكر أم ( لكه واستخلفني ھو فضل ربي ، وقد استرعاني في م

) أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم فھو المنفرد بالتوحید في الغني ، ال يسامیه وال يساويه أحد ) ٤٠:النمل(

ھل ( سموا إلي عاله من خلقه ، فال غني يرقي إلي غناه ، وال على ي٦٥:مريم) (تعلم له سمیا ) .

وھذا نبي اهللا داود أعطاه اهللا الملك ، فأطاع فیه ربه ومالكه ، وأظھر فقره ) u موحدا خالقه وقال تعالى عن داود ) واذكر عبدنا داوود ذا االيد إنه أواب

وھذا إبراھیم)٢٥:ص) (حسن مآب وإن له عندنا لزلفي و) ( ٢٠:١٧:ص( uأسلم هللا وأخلص له ، وخضع هللا محبا له معظما إياه ، في كل ما منحه

وأعطاه ، من مال وجاه ، ولما تعلق قلبه بولده الذي تمناه ، وعلمه ورباه، . ابتاله الحق بذبح ولده ، لیكون خالصا بحبه لربه

الرزق على إنسان فال يعني ذلك واعلموا أيھا المخلصون أن اهللا إذا ضیق أنه مھان ، فالفقیر ال يھانإال باعتراضه على المقسوم من قدره ، أو خجله

من فقره وحسده وحقده ، يحقد الفقیر على األغنیاء ويعترض على مر ) ٥٤:النساء) (أم يحسدون الناس على ما آتاھم اهللا من فضله ( القضاء

س له دواء ، إال الرضا بالقضاءفالحسد داء لی .

فوجب على الموحدين أن يتمنوا السعادة لآلخرين ، وأن يسألوا رب العالمین ، أن يمنحھم من فضله وعطائه ومدده ونعمائه ، فمن ابتاله اهللا

بالفقرفلم يصبر على بلواه ، لم يأخذ إال ما قدره اهللا ، وسوف يھان في تعاستین ، ويھینه اهللا مرتین ، مرة في الدنیا الدنیا واآلخرة ، سیجمع بین ال

بحقده وحرمانه ومرة في اآلخرة بعذابه وكفرانه ، فالفقیر الصابرله أسوة r في رسول اهللا ، نشأ يتیما في لوعة الیتم فآواه اهللا ورعاه ، وحنن علیه r القلوب بعد أن أمات أباه ،ربط الحجر على بطنه من شدة الجوع ، ومات

ة عینه حتى سالت من عینه الدموع ، وأدماه قومه وطال نومه ولده وقرعلى الحصیر ، حتى أثر في جنبه وعمر رضي اهللا عنه يبكي ويعجب ،

كسري وقیصر في الثمار واألنھار ، ورسول اهللا يطوي : ويقول ويتعجب بطنه باللیل والنھار ، كل ھذا حدث له وھو صاحب المقام واللواء ، وإمام

سید الشفعاء علیه أفضل الصالة والسالماألنبیاء و .

فاإلخالص يوجب على العبد أن يوحد اهللا في أوصاف الربوبیة ، فإذا ظلم العبد نفسه وخلع رداء العبودية ، لینازع ربه في وصف الربوبیة ، أو يشاركه في العلو والكبرياء ، وعظمة األوصاف واألسماء ، فلیس للظالم إال الشقاء

يقول اهللا عز وجل في الحديث ( ودوام العذاب في النیران ، والحرمان ، الكبرياء ردائي والعظمة إزاري ، فمن نازعني شیئا منھما ألقیته : القدسي

، وعن عبد اهللا بن مسعود عن النبي) في جھنم r ه في الحديث الذي روا) ال يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر : ( اإلمام مسلم قال

، فإن لم تكن عبدا لربك تعتقد أنك وما خولك وملكك خالصا له خاضعا ألمره ، فإنك تطمع إلي تألیه نفسك والخروج عن وصفك ، فتدعي لنفسك ما

یةادعاه فرعون من أوصاف الربوب .

r فأين اإلخالص والتوحید الذي أمر اهللا به نبیه إنا أنزلنا إلیك : ( فقال له ) الكتاب بالحق فاعبد اهللا مخلصا له الدين أال هللا الدين الخالص

ھو الحي ال إله إال ھو فادعوه : ( وأمرنا أن نتأسي به فقال )٢:الزمر(وقد جعل اهللا طريقا ) ٦٥:غافر) (مخلصین له الدين الحمد هللا رب العالمین

واحدا للنجاه ، ھو السبیل لمن أراد الخالص في دنیه ودنیاه ، أال وھو : طريق اإلخالص والتوحید ، فأي عمل ال يقبل عند اهللا إال بشرطین اثنین

1- حید الحق ونبذ الشرك ، وھذا تفسیر ھو اإلخالص هللا بتو: الشرط األول الركن األول من شھادة التوحید وقول العبد أشھد أال إله إال اهللا ، يقول

إن اهللا ال يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن : ( تعالى وقد ورد في تفسیر الركن ) ١١٦:النساء) (يشرك باهللا فقد ضل ضالال بعیدا

–أشھد أال إله إال اهللا وأن محمدا رسول اهللا –األول من شھادة اإلسالم عن أبي ھريرة عن النبي٢٩٨٥ورد حديث قدسي رواه اإلمام مسلم r

أنا أغني الشركاء عن الشرك من عمل: ( قال اهللا تبارك وتعالي : قال . ( عمال أشرك فیه معي غیري تركته وشركه

2- فھو اتباع الرسول: أما الشرط الثاني في قبول العمل r وعدم االبتداع ، أشھد أن : وھذا ھو معني الركن الثاني من شھادة التوحید وقول العبد

رواه محمدا رسول اهللا ، وقد ورد أيضا في تفسیر ھذا الركن حديث نبويعن عائشة عن النبي١٧١٨اإلمام مسلم r من عمل عمال لیس : ( قال

. ( علیه أمرنا فھو رد

•واعلم عبد اهللا أن اإلخالص يمنع نوعین من الرياء :

(1- ھو الرياء األكبر نعوذ باهللا منه وھو النفاق الذي المخرج : النوع األول شأن المنافقین ، أيام سید األنبیاء والمرسلین ، كعبد عن الملة كما كان

اهللا بن أبي بن سلول وفرقته ، فإنھم أظھروا اإليمان وأبطنوا الكفر والذين : ( والفسوق والعصیان ، وقد بین اهللا شأنھم في القرآن فقال

لیوم اآلخر ومن يكن ينفقون أموالھم رئاء الناس وال يؤمنون باهللا وال بافھؤالء أبعد ما يكون عن وصف ) ٣٨:النساء) (الشیطان له قرينا فساء قرينا

إن المنافقین يخادعون اهللا وھو خادعھم وإذا قاموا إلي : ( المخلصین يذكرون اهللا إال قلیال مذبذبین بین الصالة قاموا كسالي يراءون الناس وال

) ذلك ال إلي ھؤالء وال إلي ھؤالء ومن يضلل اهللا فلن تجد له سبیال وھذا الرياء من أعظم الكفر وصاحبه في الدرك األسفل من ) ١٤٣:النساء(

. النار

(2- ر ومثاله التصنع للمخلوق وعدم الرياء األصغ: النوع الثاني من الرياء اإلخالص هللا تعالى في العبادة بل يعمل لحظ نفسه تارة ولطلب الدنیا تارة أخرى ، ولطلب المنزلة والجاه عند الخلق تارة ثالثه ، فلله من عمله نصیب

ولغیره منه نصیب ، وھذا ھو الشرك الخفي وھو ال يخرج من الملة ثواب العمل وقد يحبطه إذا ازاد كالشرك األكبر الجلي ولكنه ينقص

واستفحل ، لقول اهللا في الحديث القدسي الذي رواه أبو ھريرة عن النبي

أنا أغني الشركاء عن الشرك من عمل عمال : ( صلي اهللا علیه وسلم . ( أشرك فیه معي غیري تركته وشركه

عیم في حلیة األولیاء أن األمیر عمر بن ھبیرة الذي ولي إمارة روي أبو نالعراق في عھد أمیر المؤمنین يزيد بن عبد الملك بن مروان أرسل إلي

أبي سعید الحسن البصري وإلي أبي عمر الشعبي واستضافھما شھرا وفي ذات يوم دخل علیھما وھو يتوكأ على عصاه ، ثم جلس معظما لھما ،

إن أمیر المؤمنین يزيد بن عبد الملك : البصري والشعبي وقال للحسن يرسل إلي كتبا وأوامر ، أعرف أن في تنفیذھا الھلكة ، فإن أطعته عصیت اهللا ، وإن عصیته أطعت اهللا عز وجل ، فھل تجداني لي معه فرجا ومخرجا

؟

يا أبا عمرو أجب األمیر ؟ فتكلم الشعبي بكالم فیه : فقال الحسن البصري اق ، بأن يفعل ما يرضي أمیر المؤمنین يزيد بن عبد الملك ووالیه عمر بن نف

أيھا األمیر ، قد قال : ما تقول أنت يا أبا سعید ؟ فقال : ھبیرة ، فقال عمر ما تقول أنت يا : الشعبي ما قد سمعت ، فعاد عمر بن ھبیرة كالمه وقال

ل بك ملك من مالئكة أقول يا ابن ھبیرة ، يوشك أن ينز: أبا سعید ، فقال اهللا تعالى ، فظ غلیظ ال يعصى اهللا ما أمره ، فیخرجك من سعة قصرك إلي ضیق قبرك ، يا عمر بن ھبیرة ، إن تتق اهللا يعصمك من يزيد بن عبد الملك

، وال يعصمك يزيد بن عبد الملك من اهللا عز وجل ، يا عمر بن ھبیرة ال تعمل في طاعة يزيد بن عبد الملك تأمن أن ينظر اهللا إلیك نظرة مقت وأنت

، فیغلق بھا باب المغفرة دونك ، يا عمر بن ھبیرة لقد أدركت ناسا من صدر ھذه األمة ، كانوا واهللا على الدنیا وھي مقبلة ، أشد إدبارا من إقبالكم

: علیھا وھي مدبرة ، يا ابن ھبیرة إني أخوفك مقاما ، خوفكه اهللا ، فقال

( يا ابن ھبیرة ) ١٤من اآلية: ابراھیم) (اف مقامي وخاف وعید ذلك لمن خ، إن تك مع اهللا تعالى في طاعته ، كفاك بائقة يزيد بن عبد الملك ، وإن

تك مع يزيد بن عبد الملك على معاصي اهللا ، وكلك اهللا إلیه ، فبكي عمر ائزة ، فكانت بن ھبیرة وقام بعبرته ، فلما كان من الغد أرسل إلیھما بج

جائزة الحسن البصري أكبر من جائزة الشعبي ، فخرج الشعبي إلي يا أيھا الناس من استطاع منكم أن يؤثر اهللا تعالى على : المسجد يصیح

خلقه فلیفعل ، فوالذي نفسي بیده ما قال الحسن البصري لألمیر شیئا منهأجھله ، ولكني أردت وجه األمیر ولم أخلص هللا فأقصاني اهللا .

من حديث أبي ٢٨٨٧فتعس عبد الدينار وعبد الدرھم ، روي البخاري r ھريرة عن النبي تعس عبد الدينار وعبد الدرھم وعبد الخمیصة : ( أنه قال

ال انتقش إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط تعس وانتكس وإذا شیك فطوبي لعبد آخذ بعنان فرسه في سبیل اهللا أشعث رأسه مغبرة قدماه إن كان في الحراسة كان في الحراسة وإن كان في الساقة كان في الساقة

لم يشفعإن استأذن لم يؤذن له وإن شفع ) .

ومن عالمات اإلخالص محبة الخیر للغیر والقیام على خدمتھم لوجه اهللا إنما نطعمكم ، ألن المخلص ال يحقد على أحد ، وال يحسد أحد فال مأرب له في الحیاة ، إال أن ينال رضا اهللا ، ومن ثم يتمني السعادة لآلخرين ،

ق ، والغیرة من الكفر الشرك ، ومن عالمات اإلخالص أيضا الجرادة في الحوالرغبة في استقامة الخلق على طاعة اهللا عز وجل ، فھذه بعض عالمات المخلصین ، وھذا ھو حال اإلخالص الذي ھو شرط من شروط ال إله إال اهللا

. ، سبحانك اللھم وبحمدك أشھد أال إله إال أن أستغفرك وأتوب إلیك

شروط ال إله إال اهللا الشرط الرابع

الشرط الرابع الصدق المنافي للكذب

الحمد هللا الذي تفرد بوحدانیة األلوھیة ، وتعزز بعظمة الربوبیة ، القائم على نفوس العالم بآجالھا ، والعالم بتقلبھا وأحوالھا ، المان علیھم بتواتر

آالئه ، المتفضل علیھم بسوابغ نعمائه ، الذي أنشأ الخلق حین أراد بال شیر ، وخلق البشر كما أراد بال شبیه وال نظیر ، فمضت فیھم وزير وال م

بقدرته مشیئته ، ونفذت فیھم بعزته إرادته ، فألھمھم حسن اإلطالق ، وركب فیھم تشعب األخالق ، فھم على طبقات أقدارھم يمشون ، وعلى تشعب أخالقھم يدورون وفیما قضي وقدر علیھم يھیمون ، وكل حزب بما

. لديھم فرحون

وأشھد أن ال إله إال اهللا ، فاطر السماوات العال ، ومنشيء األرضین والثري ، ال راد لقضائه وال معقب لحكمه ، ال يسأل عما يفعل وھم يسألون ،

وأشھد أن محمدا عبده المجتبي ، ورسوله المرتضي ، بعثه على حین مان فترة من الرسل ودروس من السبل ، فدمغ به الطغیان ، وأكمل به اإلي

، وأظھره على كل األديان ، وقمع به أھل األوثان ، فصلي اهللا علیه وسلم ما دار في السماء فلك ، وما سبح في الملكوت ملك وعلى آله وصحبه

. أجمعین ، أما بعد

فحديثنا بإذن اهللا عن الشرط الرابع من شروط ال إله إال اهللا ، التي جمعھا : الناظم في قوله رحمه اهللا

محبة وانقیاد والقبول لھا: ین وإخالص وصدقك مع علم يق

سوي اإلله من األشیاء قد ألھا: وزيد ثامنھا الكفران منك بما

وحديثناإن شاء اهللا يدور حول الصدق المنافي للكذب ، فالصدق عماد اإليمان ، وبه تمامه وفیه نظامه ، والصديقون يعقبون النبیین ، كما قال اهللا

فأولئك مع الذين أنعم اهللا علیھم من النبیین والصديقین } : رب العالمین ، وأقل الصدق استواء السر والعالنیة ، والصادق ) ٦٩/النساء({ والشھداء

من صدق في أقواله ، والصديق من صدق في جمیع أقواله وأفعاله وأحواله

، { ا الذين آمنوا اتقوا اهللا وكونوا مع الصادقین يا أيھ} : ، قال اهللا تعالى فلیس للعبد شيء ، أنفع من الصدق مع ربه ، والصدق في تنفیذ أمره ،

طاعة وقول معروف فإذا عزم األمر : (والصدق في عزمه وفعله ، قال تعالى مفلو صدقوا اهللا لكان خیرا لھ ) .

فالعبد سعادته في صدق عزيته ، وصدق حركته وسكنته ، فصدق العزيمة جمعھا وجزمھا ، بحیث ال يشوبھا تردد ، فإذا صدق في عزيمته ، بقي

علیه الصدق في حركته وسكنته ، فیستفرغ وسعه في رضا اهللا وطاعته ، من ويبذل جھده في ابتغاء قربه ومحبته ، وأال يتخلف عن عبوديته بشيء

ظاھره أو سريرته ، فعزيمة القصد تمنعه من ضعف إرادته ، وصدق الفعل يمنعه من فتور ھمته ، ومن صدق اهللا في جمیع األمور ، صدق في التوكل علیه وصح اإلخالص لديه ، ونجاه اهللا عند البالء ، ورفع عنه أسباب الشقاء

ل من ، خطب الحجاج بن يوسف الثقفي فأطال في الخطبة ، فقام رجالصالة يا حجاج ، فان الوقت ال ينتظرك والرب ال يعذرك ، : المسلمین فقال

فأمر الحجاج بحبسه ، فأتاه قومه ، وزعموا أنه مجنون وسألوه أن يخلي إن أقر بالجنون خلیت سبیله ، فقالوا لھذا : سبیله ، فقال الحجاج

ال أزعم أن اهللا معاذ اهللا ، واهللا: قل للحجاج إنك مجنون ، فقال : المسجون عفوت عنه لصدقه: ابتالني وقد عافاني ، فبلغ ذلك الحجاج فقال .

وخطب بالل رضي اهللا عنه ألخیه امرأة من قريش ، فقال ألھلھا نحن من قد عرفتم ، كنا عبدين فأعتقنا اهللا تعالى وكنا ضالین فھدانا اهللا تعالى ،

ب إلیكم ابنتكم ألخي ، فان وكنا فقیرين فأغنانا اهللا تعالى ، وأنا أخطتنكحوھا له فالحمد هللا تعالى ، وإن تردونا فاهللا أكبر ، فأقبل بعضھم على

بالل ممن عرفتم سابقته ، وعلمتم مكانته من رسول اهللا ، : بعض ، فقالوا يغفر اهللا لك يا بالل ، أما : فزوجوا أخاه فزوجوه ، فلما انصرفوا قال له أخوه

: ومشاھدنا مع رسول اهللا ، وتترك ما عدا ذلك ؟ فقال كنت تذكر سوابقنا . مه يا أخي ، إنما صدقت فأنكحك الصدق

لیس البر أن تولوا وجوھكم : ( وقال اهللا تعالى في وصف المتقین الصادقین والمالئكة قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن باهللا والیوم اآلخر

والكتاب والنبیین وأتي المال على حبه ذوي القربي والیتامي والمساكین وابن السبیل والسائلین وفي الرقاب وأقام الصالة وأتي الزكاة والموفون

ن في البأساء والضراء وحین البأس أولئك بعھدھم إذا عاھدوا والصابري. ( الذين صدقوا وأولئك ھم المتقون

غاب عمي : وعند البخاري من حديث أنس بن مالك رضي اهللا عنه أنه قال هللا غبت عن أول قتال يا رسول ا: أنس بن النضر عن القتال في بدر ، فقال

قاتلت المشركین فیه ، لئن اهللا أشھدني قتال المشركین ، لیرين اهللا ما اللھم إني أعتذر : أصنع ، فلما كان يوم أحد وانكشف المسلمون ، قال

يعني جیش المؤمنین ، وأبرأ إلیك مما صنع ھؤالء –إلیك مما صنع ھؤالءيا سعد بن معاذ ، : المشركین ، ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ ، فقال فما استطعت سعد : الجنة ورب النضر ، إني أجد ريحھا من دون أحد ، قال

فوجدنا به بضعا وثمانین ضربة بالسیف ، : يا رسول اهللا ما صنع ، قال أنس أو طعنة برمح أو رمیة بسھم ، ووجدناه قد قتل ، وقد مثل به المشركون ،

من : ( ببنانه ، فنزل فیه قول اهللا تعالى - عرفته –ال أخته فما عرفه أحد إالمؤمنین رجال صدقوا ما عاھدوا اهللا علیه فمنھم من قضي نحبه ومنھم

. ( من ينتظر وما بدلوا تبديال

الخدري أن رسول اهللا صلي اهللا وروي اإلمام مسلم بسنده عن أبي سعیدإن أھل الجنة لیتراءون أھل الغرف من فوقھم كما : علیه وسلم قال

تتراءون الكوكب الدري الغابر من األفق من المشرق أو المغرب ، لتفاضل ما والذي : يا رسول اهللا تلك منازل األنبیاء ال يبلغھا غیرھم ، قال : م قالوا بینھ

. نفسي بیده رجال آمنوا باهللا وصدقوا المرسلین

•وربما يسأل سائل عن ماھیة الصدق ؟ ما ھي حقیقته الصدق ؟

دقة ، والمصاحبة والمطابقة ، وسمي الصدق أصله من الموافقة والمصاالصاحب صاحبا لمصادقته صحبه في أغلب األمور ، ومناصحته بالصدق في

الشدة والسرور ، فالمصادقة ھي الموافقة والمالقاة ، فإذا توافق قول الجنان مع قول اللسان وفعل الجنان مع حركة األبدان ، ظھرت معاني

القلب مع قول اللسان وفعل القلب الصدق في اإلنسان ، وإن اختلف قول مع فعل األبدان ، ظھرت لنا حقیقة الكذب والخیانة ، والنفاق والغدر وعدم

األمانة ، فالصدق مطابقة القول والفعل في الظاھر ، للقول والفعل في قالوا يا أبانا إنا } : الباطن ، فإن إخوة يوسف علیه السالم لم يصدقوا عندما

نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو ذھبنا، لم يصدقوا ألن العلم الذي ھو قول الجنان ) ١٧/يوسف({ كنا صادقین

خالف الشھادة التي ھي قول اللسان ، ولكن لما توافق العلم مع الشھادة يا أبانا } : لجنان مع قول اللسان ، ظھر صدقھم في قولھم ، وتطابق قول ا

إن ابنك سرق وما شھدنا إال بما علمنا وما كنا للغیب حافظین واسأل . } القرىة التي كنا فیھا والعیر التي أقبلنا فیھا وإنا لصادقون

ة رھط من قوم صالح عن علم ، لما اجتمع رأيھم على وكذلك كذب تسعقتله ، وأرادوا القضاء على أھله ، كما قال تعالى في شأنھم وادعائھم

وكان في المدينة تسعة رھط يفسدون في األرض وال يصلحون }: لصدقھم ثم لنقولن لولیه ما شھدنا مھلك أھله وإنا قالوا تقاسموا باهللا لنبیتنه وأھله

. }لصادقون

أما إن اتفق فعل القلب الذي ھو النیة واإلرادة ، مع فعل البدن الذي ھو القدر واالستطاعة ، وتوافق الفعل الظاھر مع الفعل الباطن ظھر الصدق

ما رأيت شیئا : ( أنه قال في األفعال ، كما روي عن عبد اهللا بن عباس أشبه باللمم مما قال أبو ھريرة عن النبي صلي اهللا علیه وسلم إن اهللا

كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك ال محالة فزنا العین النظر وزنا ) طق والنفس تتمني وتشتھي والفرج يصدق ذلك كله ويكذبه اللسان المن

، وھو حديث صحیح وراه البخاري ، وروي اإلمام أحمد بإسناد الثقات عن خزيمة بن ثابت األنصارى أنه رأي في المنام أنه سجد على جبھة النبي

علیه وسلم ، فأخبر رسول اهللا بذلك ، فاضطجع له رسول اهللا صلي اهللاصلي اهللا علیه وسلم وقال له صدق بذلك رؤياك ، فسجد على جبھة

، وقال تعالى عن إسماعیل علیه ) رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم ذكر في الكتاب إسماعیل إنه كان صادق الوعد وكان وا} : الصالة والسالم

٥٤/مريم({رسوال نبیا ) .

ومن معاني الصدق مطابقة الخبر للحقیقة ، ووقوعه على نحو يتوافق معھا t ، فعند البخاري من حديث أبي ھريرة شھدنا خیبر فقال رسول اهللا : قال

هللا علیه وسلم لرجل ممن معه يدعي اإلسالم ، ھذا من أھل النار صلي افلما حضر القتال ، قاتل الرجل أشد القتال حتى كثرت به الجراحة ، فكاد

، فأھوى بیده إلي كنانته ، بعض الناس يرتاب ، فوجد الرجل ألم الجراحةفاستخرج منھا أسھما فنحر بھا نفسه ، فاشتد رجال من المسلمین ، قم : فقالوا يا رسول اهللا صدق اهللا حديثك ، انتحر فالن فقتل نفسه ، فقال

أنه ال يدخل الجنة إال مؤمن ، إن اهللا يؤيد -في الناس -ذن يا فالن ، فأ. ( الدين بالرجل الفاجر

دخلت على عجوزان : ( وعن أم المؤمنین عائشة رضي اهللا عنھا ، قالت بتھما إن أھل القبور يعذبون في قبورھم فكذ: ، فقالتا لي - الیھود –من

e ولم أنعم أن أصدقھما فخرجتا ، ودخل على النبي : ، فأخبرته ، فقال . ( صدقتا إنھم يعذبون عذابا تسمعه البھائم كلھا

والصدق يطلق على تنفیذ الوعد والوفاء بالعھد ، أو مطابقة الفعل لما تم يفعل المرء كان كاذبا منافقا ، ولم يكن في في شروط العقد ، وإن لم

: عھده صادقا ، قال تعالى عن عمن قالوا آمنا بأفواھھم ولم تؤمن قلوبھم ولیعلم الذين نافقوا وقیل لھم تعالوا قاتلوا في سبیل اهللا أو ادفعوا قالوا لو (

لكفر يومئذ أقرب منھم لإليمان يقولون بأفواھھم نعلم قتاال التبعناكم ھم لوإذا قیل لھم } : وقال تعالى ) ما لیس في قلوبھم واهللا أعلم بما يكتمون

عند ، ومن السنة ) ٤٨/المرسالت({ اركعوا ال يركعون ويل يومئذ للمكذبین جاء رجل إلي رسول اهللا صلي اهللا : البخاري عن طلحة بن عبید اهللا قال

علیه وسلم من أھل نجد ، ثائر الرأس يسمع دوي صوته ، وال يفقه ما سأل عن فإذا ھو ي-من النبي صلي اهللا علیه وسلم –يقول ، حتى دنا

خمس صلوات في : اإلسالم ، فقال رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم ال إال أن تطوع ، قال رسول : ھل على غیرھا ؟ قال : الیوم واللیلة ، فقال

ال : على غیره ؟ قال ھل : اهللا صلي اهللا علیه وسلم وصیام رمضان ، قال : وذكر له رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم الزكاة ، قال : إال أن تطوع ، قال

: فأدبر الرجل وھو يقول : ال إال أن تطوع ، قال : ھل على غیرھا ؟ قال : أنقص ، قال رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم واهللا ال أزيد على ھذا وال

. أفلح إن صدق

t وروي البخاري عن أبي ھريرة لما فتحت خیبر ، أھديت للنبي : ( ، قال م صلي اهللا علیه وسلم شاة فیھا سم ، فقال النبي صلي اهللا علیه وسل

إني سائلكم : اجمعوا إلي من كان ھا ھنا من يھود ، فجمعوا له ، فقال لھم النبي صلي اهللا : نعم ، قال : عن شيء فھل أنتم صادقي ؟ فقالوا

كذبتم بل أبوكم فالن ، قالوا :فالن ، فقال : علیه وسلم من أبوكم ؟ قالوا نعم يا : فھل أنتم صادقي عن شيء إن سألت عنه ، فقالوا : صدقت ، قال

من : أبا القاسم ، وإن كذبنا عرفت كذبنا كما عرفته في أبینا ، فقال لھم نكون فیھا يسیرا ثم تخلفونا فیھا ، فقال النبي صلي اهللا : النار ، قالوا أھل

ھل أنتم : اخسئوا فیھا ، واهللا ال نخلفكم فیھا أبدا ، ثم قال : علیه وسلم ھل : نعم يا أبا القاسم ، قال : قالوا صادقي عن شيء إن سألتكم عنه ، ف

ما حملكم على ذلك ؟ : نعم ، قال : جعلتم في ھذه الشاة سما ، قالوا أردنا إن كنت كاذبا نستريح ، وإن كنت نبیا لم يضرك: قالوا .

الصدق شرطا من شروط كلمة التوحید ؟ الصدق وھنا سؤال ؟ كیف يكونالمنافي للكذب شرط من شروط ال إله إال اهللا ، ويلزم في ذلك أن يقول

العبد ال إله إال اهللا صدقا من قلبه يتوافق القلب واللسان عند النطق بھا ، ويرسخ في اعتقاده الصدق بھا ، ومھما ابتلي في الحیاة فلن يشك في

الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وھم : ( تعالى صدقھا ، قال اهللاال يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلھم فلیعلمن اهللا الذين صدقوا ولیعلمن

. ( الكاذبین

: ( صادقین وقال تعالى في شأن المنافقین ، الذين قالوا آمنا وھم غیرومن الناس من يقول آمنا باهللا وبالیوم اآلخر وما ھم بمؤمنین يخادعون اهللا

والذين آمنوا وما يخدعون إال أنفسھم وما يشعرون في قلوبھم مرض ، وكم ذكر اهللا تعالى ) ألیم بما كانوا يكذبون فزادھم اهللا مرضا ولھم عذاب

من شأنھم ، وأبدي للناس سوء نفاقھم ، وأظھر ما كان في قلوبھم ، وبین للجمیع عدم صدقھم ، وفضحھم وكشف سترھم ، وأنزل سورة كاملة في شأنھم وغیر ذلك من سور القرآن ، وفي الصحیح عن معاذ بن جبل رضي

ما من أحد يشھد أن : ( النبي صلي اهللا علیه وسلم أنه قال اهللا عنه عن ال إله إال اهللا وأن محمدا عبده ورسوله صدقا من قلبه إال حرمه اهللا على

، فاشترط النبي صلي اهللا علیه وسلم لقائلھا حتى ينجو من النار ، ) النار اللفظ أن يقولھا صدقا من قلبه ، وعزما على تنفیذ أمره ، فال ينفعه مجرد

بدون مواطأة القلب ، فال بد في الصدق من تنفیذ العھد ، الذي قطعه العبد على نفسه بشھادة التوحید ، والوعد الذي سیؤدي فیه حق اهللا على

. العبید ، أن يعبد اهللا وال يشرك به شیئا

كیف يكون الصدق شرطا من شروط ال إله إال اهللا ؟ إذا عاھدت من أحببت المحكمة أنه برئ من تھمة القتل ، وقد رأيته بريئا على أن تشھد في

بالفعل ، وأنت تعلم أنك سبب نجاته ، وشھادتك بالحق فیھا بقاء حیاته ، ثم جاء يوم الحكم ، فأقسمت أمام القاضي على أن تقول الحق ، وال

وشھدت بقول الزور ٨شيء غیر الصدق ، ثم كذبت أمام القاضي وأخلفت ، القاضي على صحبك باإلعدام ، ونفذ فیه الحكم بعد وبالغت ، حتى حكم

أيام ، أال تستحق لعدم الصدق ، أن تكون أتعس الخلق ، وأن تستحق أشد العذاب ، وتستوجب أسوأ العقاب ؟

فكیف يا من عاھدت اهللا على أن تنقذ نفسك من النار ، وأن تفر من غضب ادي أني أنا الغفور الرحیم وأن نبئ عب: (الجبار ، لما حذرك اهللا تعالى فقال

، وأي عذاب أشد من عذاب رب العالمین كما ) عذابي ھو العذاب األلیم وإن جھنم لموعدھم أجمعین لھا سبعة : ( قال تعالى في شأن الكافرين

يوم تجد كل نفس ما عملت من خیر ) ( أبواب لكل باب منھم جزء مقسوممحضرا وما عملت من سوء تود لو أن بینھا وبینه أمدا بعیدا ويحذركم اهللا

أما الذين يوم تبیض وجوه وتسود وجوه ف) ( نفسه واهللا رءوف بالعباد . ( اسودت وجوھھم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون

فأنت عندما شھدت أال إله إال اهللا وأنه ال معبود بحق سواه ، عاھدت اهللا على أن تنقذ نفسك بالطاعة والعبادة ، وأنك صادق عند النطق بھذه

ھادة ، ستصدق اهللا في خبره وتطیعه في أمره ، وتتقیه وال تعصیه ، الشلكنك بعد ھذا العھد ، ھل وفیت بشروط العقد ، العقد الذي بینك وبین اهللا ، والذي التزمت فیه عند قولك ال إله إال اهللا بتنفیذ أوامره دون عصیان ، وأن

ما : بك ؟ تقول يكون خلقك ھو القرآن ، فلو سألت ھل صلیت ؟ ما جواما أديت الفرض وال : صلیت ، ھل زكیت وزرت البیت ؟ ما جوابك ؟ تقول

زكیت ، ھل اتقیت اهللا في عملك وأخلصت أم ظلمت وتعالیت وارتشیت ؟ ھل انتبھت وتذكرت الموت ؟

وتدعوك المنون دعاء -تفت فؤادك األيام فتا وتنحت جسمك الساعات نحتا أنتاصدق أال يا صاح أنت أريد

تنام الدھر ويحك في - أراك تحب عرسا ذات غدر أبت طالقھا األكیاس بتا غطیط بھا حتى إذا مت انتبھتا

فكم ذا أنت مخدوع وحتى متي ال ترعوي عنھا وحتى

فلیست ھذه الدنیا بشيء تسوؤك حقبة وتسر وقتا

سجنت بھا وأنت لھا -وغايتھا إذا فكرت فیھا كظلك أو كحلمك إن حلمتا ب فكیف تحب ما فیه سجنتامح

وتشھد كل يوم -وتطعمك الطعام وعن قريب ستطعم منك ما منھا طعمتا دفن خل كأنك ال تراد بما شھدتا

وإن ھدمت فزدھا أنت -ولم تخلق لتعمرھا ولكن لتعبرھا فجد لما خلقتا ھدما وحصن أمر دينك ما استطعتا

فلیس بنافع ما نلت - أخراك فزتا وال تحزن على ما فات منھا إذا ما أنت في فیھا من الفاني إذا الباقي حرمتا

وال تضحك مع السفھاء لھوا فإنك سوف تبكي إن ضحكتا

وسل من ربك التوفیق فیھا وأخلص في السؤال إذا سألتا

والزم بابه قرعا - وناد إذا سجدت له اعترافا بما ناداه ذو النون بن متي رعتاعساه سیفتح بابه لك إن ق

وال تقل الصبا فیه -وأكثر ذكره في األرض دأبا لتذكر في السماء إذا ذكرتا مجال وفكر كم صغیر قد دفنتا

. وقل لي يا ناصحي ألنت أولي بنصحك لو بعقلك قد نظرتا

إن من أسوا ما يقع فیه اإلنسان أن يصدق في وعده مع الناس ، ويخلف يستخفون من الناس وال : ( وعده وينقض عھده مع ملك الناس إله الناس

يستخفون من اهللا وھو معھم إذ يبیتون ما ال يرضي من القول وكان اهللا بما . ( يعملون محیطا

في كل مرة تعصیه وتقول سأتوب عما أن فیه ، حتى تستمرؤ العصیان أھل الكفر والفسوق والعصیان ، تفعل وتلزم حزب الشیطان ، وتتشبه ب

أفعال الكافرين الذين يستحقرون الدين ويبغضون المؤمنین ، فتسیر خلفھم شبرا بشر ، وذراعا بذراع ، حتى لو دخلوا جحر ضب دخلته خلفھم ،

ولبست لباسھم ، وتعريت مثلھم ، وشربت خمرھم وألفت سكرھم ، فسقھم ، ونشرت وطعمت بیسراك طعامھم ، وشاھدت في التلفاز

بجھلك فكرھم ، وقلدت بغبائك أفعالھم ، وخرجت عن وصفك ، ووالیتھم على بني جنسك ، ثم سمیت ذلك حضارة ، وتحررا واستنارة ، ثم تأتي

وتقول أنا مسلم أشھد أال إله إال اهللا ، ولن أغیر حیأتي وسأبقي على ھذا ك لربك ؟ ال إله إلي يوم وفأتي ، أتكذب على نفسك ، أين الصدق في عھد

إال اهللا لیست مجرد كلمة خرجت من اللسان ، ال شروط لھا وال أركان ، إن عبدا قلبه عامر باإليمان ، وقع في شيء من العصیان ، خاصمه المصطفي

علیه الصالة والسالم قرابة الشھرين حتى صدق في توبته ، وكفر عن بن مالك رضي اهللا ذنبه وخطیئته ، روي البخاري بسنده من حديث كعب

: عنه حین تخلف عن غزوة تبوك ، قال كعب

لم أتخلف عن رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم في غزوة غزاھا إال في دا تخلف غزوة تبوك ، غیر أني كنت تخلفت في غزوة بدر ، ولم يعاتب أح

عنھا ، إنما خرج رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم يريد عیر قريش ، حتى جمع اهللا بینھم وبین عدوھم على غیر میعاد ، ولقد شھدت مع رسول اهللا

ن تواثقنا على اإلسالم ، وما أحب أن صلي اهللا علیه وسلم لیلة العقبة حیلي بھا مشھد بدر ، وإن كانت بدر أذكر في الناس منھا ، كان من خبري

ا أني لم أكن قط ، أقوي وال أيسر حین تخلفت عنه في تلك الغزاة ، واهللا ماجتمعت عندي قبله راحلتان قط ، حتى جمعتھما في تلك الغزوة ، ولم يكن رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم يريد غزوة ، إال وري بغیرھا حتى

ه وسلم في حر شديد ، كانت تلك الغزوة ، غزاھا رسول اهللا صلي اهللا علیواستقبل سفرا بعیدا ومفازا وعدوا كثیرا ، فجلي للمسلمین أمرھم ،

لیتأھبوا أھبة غزوھم ، فأخبرھم بوجھه الذي يريد ، والمسلمون مع رسول يريد الديوان - وسلم كثیر ، وال يجمعھم كتاب حافظ اهللا صلي اهللا علیه

قال كعب-ديوان الجند :

فما رجل يريد أن يتغیب إال ظن أن سیخفي ما لم ينزل فیه وحي اهللا ، الغزوة حین طابت الثمار وغزا رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم تلك

والظالل ، وتجھز رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم والمسلمون معه ، فطفقت أغدو لكي أتجھز معھم فأرجع ولم أقض شیئا ، فأقول في نفسي

بي حتى اشتد بالناس الجد ، -الوسواس –يزل يتمادي أنا قادر علیه ، لمفأصبح رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم والمسلمون معه ، ولم أقض من

غدوت بعد أن جھازي شیئا ، فقلت أتجھز بعده بیوم أو يومین ثم ألحقھم ، ففصلوا ألتجھز ، فرجعت ولم أقض شیئا ، ثم غدوت ثم رجعت ولم أقض

شیئا ، فلم يزل بي حتى أسرعوا وتفارط الغزو ، وھممت أن أرتحل قدر لي ذلك ، فكنت إذا خرجت في الناس فأدركھم ولیتني فعلت ، فلم ي

بعد خروج رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم ، فطفت فیھم ، أحزنني أني ال أري إال رجال مغموصا علیه النفاق ، أو رجال ممن عذر اهللا من الضعفاء ،

ولم يذكرني رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم حتى بلغ تبوك ، فقال وھو جالس في القوم بتبوك ما فعل كعب ، فقال رجل من بني سلمة يا رسول

جبلاهللا حبسه برداه ونظره في عطفه ، فقال معاذ بن :

بئس ما قلت ، واهللا يا رسول اهللا ما علمنا علیه إال خیرا ، فسكت رسول فلما بلغني أنه توجه قافال : اهللا صلي اهللا علیه وسلم ، قال كعب بن مالك

ذب ، وأقول بماذا أخرج من سخطه غدا ، ، حضرني ھمي وطفقت أتذكر الكواستعنت على ذلك بكل ذي رأي من أھلي ، فلما قیل إن رسول اهللا

صلي اهللا علیه وسلم قد أظل قادما ، زاح عني الباطل وعرفت أني لن دا بشيء فیه كذب ، فأجمعت صدقه وأصبح رسول اهللا صلي أخرج منه أب

اهللا علیه وسلم قادما ، وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد ، فیركع فیه فون ، فطفقوا يعتذرون ركعتین ، ثم جلس للناس فلما فعل ذلك جاءه المخل

إلیه ويحلفون له ، وكانوا بضعة وثمانین رجال ، فقبل منھم رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم عالنیتھم ، وبايعھم واستغفر لھم ، ووكل سرائرھم إلي

، فلما سلمت علیه ، تبسم تبسم المغضب ، ثم قالاهللا ، فجئته :

ما خلفك ألم : تعال ، فجئت أمشي حتى جلست بین يديه ، فقال لي إني واهللا لو جلست عند غیرك من: تكن قد ابتعت ظھرك ، فقلت بلي

أھل الدنیا ، لرأيت أني سأخرج من سخطه بعذر ولقد أعطیت جدال ، ولكني واهللا لقد علمت ، أنني إن حدثتك الیوم حديث كذب ، ترضي به

حديث صدق تجد عني ، لیوشكن اهللا أن يسخطك على ، ولئن حدثتك على فیه ، إني ألرجو فیه عفو اهللا ، ال واهللا يا رسول اهللا ، ما كان لي من

عذر ، واهللا ما كنت قط أقوي وال أيسر مني حین تخلفت عنك ، فقال ا ھذا فقد صدق ، فقم حتى يقضي أم: رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم

: اهللا فیك ، فقمت وثار رجال من بني سلمة فاتبعوني ، فقالوا لي

واهللا ما علمناك أذنبت ذنبا قبل ھذا ، ولقد عجزت أن تعتذر إلي رسول اهللا سلم بما اعتذر إلیه المتخلفون ، قد كان كافیك ذنبك ، صلي اهللا علیه و

استغفار رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم لك ، فواهللا ما زالوا يؤنبوني ا معي حتى أردت أن أرجع ، فأكذب نفسي ، ثم قلت لھم ھل لقي ھذ

نعم ، رجالن قاال مثل ما قلت ، فقیل لھما مثل ما قیل لك ، : أحد ؟ قالوا من ھما ؟: فقلت

مرارة بن الربیع العمري وھالل بن أمیة الواقفي ، فذكروا لي رجلین : قالوا شھدا بدرا ، فیھما أسوة ، فمضیت حین ذكروھما لي ، صالحین ، قد

ونھي رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم المسلمین عن كالمنا ، نحن رت الثالثة من بین من تخلف عنه ، فاجتنبنا الناس وتغیروا لنا ، حتى تنك

في نفسي األرض ، فما ھي التي أعرفھا ، فلبثنا على ذلك خمسین لیلة ، فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بیوتھما يبكیان ، وأما أنا فكنت أشب

د الصالة مع المسلمین ، وأطوف في القوم وأجلدھم ، فكنت أخرج فأشھاألسواق وال يكلمني أحد ، وآتي رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم فأسلم

علیه وھو في مجلسه بعد الصالة ، فأقول في نفسي ھل حرك شفتیه م ال ، ثم أصلي قريبا منه فأسارقه النظر ، فإذا أقبلت برد السالم على أ

على صالتي أقبل إلي ، وإذا التفت نحوه أعرض عني ، حتى إذا طال على ادة ، وھو ذلك من جفوة الناس ، مشیت حتى تسورت جدار حائط أبي قت

. ابن عمي وأحب الناس إلي فسلمت علیه ، فواهللا ما رد على السالم

يا أبا قتادة أنشدك باهللا ھل تعلمني أحب اهللا ورسوله ؟ فسكت : فقلت اهللا ورسوله أعلم ، : له فنشدته ، فقال فعدت له فنشدته فسكت ، فعدت

فبینا أنا أمشي بسوق : ففاضت عیناي وتولیت حتى تسورت الجدار ، قال المدينة ، إذا نبطي من أنباط أھل الشأم ، ممن قدم بالطعام يبیعه

من يدل على كعب بن مالك ، فطفق الناس يشیرون له : بالمدينة ، يقول ، حتى إذا جاءني دفع إلي كتابا من ملك غسان ، فإذا فیه أما بعد ، فإنه

جعلك اهللا بدار ھوان وال مضیعة ، قد بلغني أن صاحبك قد جفاك ، ولم ي: فالحق بنا نواسك فقلت لما قرأتھا

وھذا أيضا من البالء ، فتیممت بھا التنور فسجرته بھا ، حتى إذا مضت رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم أربعون لیلة من الخمسین ، إذا رسول

يأتیني ، فقال إن رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك ، ال بل اعتزلھا وال تقربھا ؟ وأرسل إلي : أطلقھا أم ماذا أفعل ؟ قال : فقلت

الحقي بأھلك فتكوني عندھم ، حتى : مثل ذلك ، فقلت المرأتي صاحبيفجاءت امرأة ھالل بن أمیة رسول : يقضي اهللا في ھذا األمر ، قال كعب

بن أمیة شیخ يا رسول اهللا إن ھالل: اهللا صلي اهللا علیه وسلم ، فقالت ضائع ، لیس له خادم ، فھل تكره أن أخدمه ؟

إنه واهللا ما به حركة إلي شيء ، واهللا ما : ال ، ولكن ال يقربك ، قالت : قال ذا ، فقال لي بعض أھلي زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلي يومه ھ

لو استأذنت رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم في امرأتك ، كما أذن المرأة واهللا ال أستأذن فیھا رسول اهللا صلي : ھالل بن أمیة أن تخدمه ، فقلت

يدريني ما يقول رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم إذا اهللا علیه وسلم ، ومااستأذنته فیھا وأنا رجل شاب ، فلبثت بعد ذلك عشر لیال ، حتى كملت لنا خمسون لیلة ، من حین نھي رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم عن

مناكال .

فلما صلیت صالة الفجر صبح خمسین لیلة ، وأنا على ظھر بیت من بیوتنا ، فبینا أنا جالس على الحال التي ذكر اهللا ، قد ضاقت على نفسي

أوفي على جبل وضاقت على األرض بما رحبت ، سمعت صوت صارخ ،سلع بأعلى صوته ، يا كعب بن مالك أبشر ، قال فخررت ساجدا ، وعرفت

أن قد جاء فرج ، وآذن رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم بتوبة اهللا علینا ، ناس يبشروننا ، وذھب قبل صاحبي حین صلي صالة الفجر ، فذھب ال

مبشرون ، وركض إلي رجل فرسا ، وسعي ساع من أسلم فأوفي على الجبل، وكان الصوت أسرع من الفرس ، فلما جاءني الذي سمعت صوته

له ثوبي فكسوته إياھما ببشراه ، واهللا ما أملك غیرھما يبشرني ، نزعت يومئذ ، واستعرت ثوبین فلبستھما ، وانطلقت إلي رسول اهللا صلي اهللا

وبة ، يقولون لتھنك علیه وسلم ، فیتلقاني الناس فوجا فوجا يھنوني بالت. توبة اهللا علیك

حتى دخلت المسجد ، فإذا رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم : قال كعب جالس حوله الناس ، فقام إلي طلحة بن عبید اهللا يھرول حتى صافحني

هللا ما قام إلي رجل من المھاجرين غیره وال أنساھا لطلحة ، وھناني ، واقال كعب فلما سلمت على رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم ، قال ووجھه

: أمك ، قال قلت يبرق من السرور ، أبشر بخیر يوم مر علیك منذ ولدتكال بل من عند اهللا ؟: أمن عندك يا رسول اهللا أم من عند اهللا ، قال

وكان رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم إذا سر استنار وجھه حتى كأنه ه ، فلما جلست بین يديه ، قلت يا رسول قطعة قمر ، وكنا نعرف ذلك من

اهللا إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلي اهللا وإلي رسول اهللا ، قال رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم أمسك علیك بعض مالك فھو خیر لك ،

إني أمسك سھمي الذي بخیبر ، فقلت يا رسول اهللا إن اهللا إنما ف: قلت نجاني بالصدق وإن من توبتي أن ال أحدث إال صدقا ما بقیت ، فواهللا ما

حديث ، منذ ذكرت ذلك أعلم أحدا من المسلمین أباله اهللا في صدق اللرسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم ، أحسن مما أبالني ، ما تعمدت منذ

ذكرت ذلك لرسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم إلي يومي ھذا كذبا ، وإني بقیت ، وأنزل اهللا على رسوله صلي اهللا علیه ألرجو أن يحفظني اهللا فیما

: وسلم

( لقد تاب اهللا على النبي والمھاجرين واألنصار الذين اتبعوه في ساعة ه بھم رءوف العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منھم ثم تاب علیھم إن

رحیم وعلى الثالثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت علیھم األرض بما رحبت وضاقت علیھم أنفسھم وظنوا أن ال ملجأ من اهللا إال إلیه ثم تاب علیھم

الرحیم يا أيھا الذين آمنوا اتقوا اهللا وكونوا مع لیتوبوا إن اهللا ھو التوابالصادقین ما كان ألھل المدينة ومن حولھم من األعراب أن يتخلفوا عن

ھم ظمأ وال رسول اهللا وال يرغبوا بأنفسھم عن نفسه ذلك بأنھم ال يصیبنصب وال مخمصة في سبیل اهللا وال يطئون موطئا يغیظ الكفار وال ينالون

من عدو نیال إال كتب لھم به عمل صالح إن اهللا ال يضیع أجر المحسنین وال كبیرة وال يقطعون واديا إال كتب لھم لیجزيھم اهللا ينفقون نفقة صغیرة وال

. ( أحسن ما كانوا يعملون

فواهللا ما أنعم اهللا على من نعمة قط ، بعد أن ھداني لإلسالم : يقول كعب صلي اهللا علیه وسلم ، أن ال أعظم في نفسي من صدقي لرسول اهللا

أكون كذبته ، فأھلك كما ھلك الذين كذبوا ، فإن اهللا قال للذين كذبوا حین يعتذرون إلیكم إذا : ( أنزل الوحي شر ما قال ألحد فقال تبارك وتعالي

یھم قل ال تعتذروا لن نؤمن لكم قد نبأنا اهللا من أخباركم وسیري رجعتم إلاهللا عملكم ورسوله ثم تردون إلي عالم الغیب والشھادة فینبئكم بما كنتم

لبتم إلیھم لتعرضوا عنھم فأعرضوا عنھم تعملون سیحلفون باهللا لكم إذا انقإنھم رجس ومأواھم جھنم جزاء بما كانوا يكسبون يحلفون لكم لترضوا

. ( عنھم فإن ترضوا عنھم فإن اهللا ال يرضي عن القوم الفاسقین

وابغ رضا المولي فأغبى الورى - لیك بالصدق ولو أنه أحرقك بنار الوعید فعمن أسخط المولي وأرضي العبید

واحذر من الكذب المذموم في الخلق: الصدق عز فال تعدل عن الصدق

فالزمه دأبا تفز بالعز والسبق: من الزم الصدق ھابته الورى وعال .

، وعلیك بالصدق حیث تري أنه دع الكذب حیث تري أنه ينفعك فإنه يضركيضرك فإنه ينفعك ، روي أبو داود وحسنه الشیخ األلباني أن أم عبد اهللا بن

تعالى أعطیك ، تعني أعطیك حلوي ، فقال لھا رسول : عامر قالت لولدھا فقال لھا اهللا صلي اهللا علیه وسلم وما أردت أن تعطیه قالت أعطیه تمرا

رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم أما إنك لو لم تعطه شیئا كتبت علیك . كذبة

ومن عالمات الصدق الخوف من اهللا والزھد في الحیاة ، فالصادق في يقینه يخاف أن يأكل من حرام ويتحمل الفقر والمشقة لیحیا في سالم ،

فإنه ال ينام ، حتى يرجع إلي ربه ، حتى يتوب من ذنبه ، قال وإن أتي ذنبايا معشر الحجاج : رأيت رجال من خراسان ينادي ويقول : ابن جرير الطبري

يا أھل مكة من الحاضر والباد ، فقدت كیسا فیه ألف دينار فمن رده إلي . جزاه اهللا خیرا وأعتقه من النار ، وله األجر والثواب يوم الحساب

يا خراساني بلدنا حالتھا : قام إلیه شیخ كبیر من أھل مكة فقال له فشديدة ، وأيام الحج معدودة ، ومواسمه محدودة ، وأبواب الكسب

مسدودة ، فلعل ھذا المال يقع في يد مؤمن فقیر وشیخ كبیر ، يطمع في . عھد علیك ، لو رد المال إلیك ، تمنحه شیئا شیئا يسیرا ، وماال حالال

يريد : فما مقدار حلوانه ؟ كم يريد ، قال الشیخ الكبیر : الخراساني قالال أفعل ولكني : العشر مائة دينار عشر األلف ، فلم يرض الخرساني وقال

أفوض أمره إلي اهللا ، ونشكوه إلیه يوم نلقاه ، وھو حسبنا ونعم الوكیل ، فقیر ، قد قال ابن جرير الطبري ، فوقع في نفسي أن الشیخ الكبیر رجل

وجد كیس الدنانیر ويطمع في جزء يسیر ، فتبعته حتى عاد إلي منزله ، : يا لبابة ، فقالت له : فكان كما ظننت ، سمعته ينادي على امرأته ويقول

. لبیك أبا غیاث

وجدت صاحب الدنانیر ينادي علیه ، وال يريد أن يجعل لواجده شیئا ، : قال نار ، فأبي وفوض أمره إلي اهللا ، ماذا أفعل يا أعطنا منه مائة دي: فقلت له

. لبابة ؟ ال بد لي من رده ، إني أخاف من ربي ، وأخاف أن يضاعف ذنبي

يا رجل نحن نقاسي الفقر معك منذ خمسین سنة ، : فقالت له زوجته ولك أربع بنات وأختان وأنا وأمي ، وأنت تاسعنا ، ال شاة لنا وال مرعي ، خذ

شبعنا منه فإننا جوعي وأكسنا به فأنت بحالنا أوعي ، ولعل المال كله ، أ

اهللا عز وجل يغنیك بعد ذلك ، فتعطیه المال بعد إطعامك لعیالك ، أو يقضي . اهللا دينك يوم يكون الملك للمالك

أآكل حراما بعد ست وثمانین سنة بلغھا عمري ، وأحرق : فقال لھا يا لبابة فقري ، وأستوجب غضب الجبار وأنا أحشائي بالنار بعد أن صبرت على. قريب من قبري ، ال واهللا ال أفعل

فانصرفت وأنا في عجب من أمره ھو وزوجته ، فلما : قال ابن جرير الطبري : أصبحنا في ساعة من ساعات من النھار ، سمعت صاحب الدنانیر يقول

من وجد يا أھل مكة ، يا معاشر الحجاج يا وفد اهللا من الحاضر والبادي ، . كیسا فیه ألف دينار فلیرده لي وله األجر والثواب عند اهللا

وقال يا خراساني قد قلت لك باألمس ونصحتك ، : فقام إلیه الشیخ الكبیر وبلدنا واهللا قلیلة الزرع والضرع ، فجد على من وجد المال بشيء حتى ال

ت ، فإن يخالف الشرع ، وقد قلت لك أن تدفع لمن وجده مائة دينار فأبیوقع مالك في يد رجل يخاف اهللا عز وجل ، فھال أعطیتھم عشرة دنانیر فقط بدال من مائة ، يكون لھم فھا ستر وصیانة وكفاف وأمانة ، فقال له

ال نفعل ، ولكن نحتسب مالنا عند اهللا ، ونشكوه إلیه يوم : الخراساني قال ابن جرير نلقاه وھو حسبنا ونعم الوكیل ، ثم افترق الناس وذھبوا ،

فلما أصبحنا في ساعة من ساعات من النھار ، سمعت صاحب : الطبري يا معاشر الحجاج ، يا وفد اهللا من : الدنانیر ينادي ذلك النداء بعینه ويقول

الحاضر والبادي ، من وجد كیسا فیه ألف دينار فرده على له األجر والثواب . عند اهللا

له يا خراساني قلت لك أول أمس امنح من فقال: فقام إلیه الشیخ الكبیر وجده مائة دينار فأبیت ثم عشرة فأبیت فھال منحت من وجده دينارا واحدا

، يشتري بنصفه إربة يطلبھا ، وبالنصف األخر شاة يحلبھا ، فیسقي الناس ال نفعل ولكن نحیله : ويكتسب ، ويطعم أوالده ويحتسب ، قال الخرساني

ه يوم نلقاه ، وحسبنا اهللا ونعم الوكیل فجذبه الشیخ على اهللا ونشكوه لربتعال يا ھذا وخذ دنانیرك ودعني أنام اللیل ، فلم يھنأ لي : الكبیر ، وقال له

. بال منذ أن وجدت ھذا المال

فذھب مع صاحب الدنانیر وتبعتھما حتى دخل الشیخ : يقول ابن جرير ك ، وأسأل اهللا أن يعفو منزله فنبش األرض وأخرج الدنانیر وقال خذ مال

عني ويرزقني من فضله ، فأخذھا الخرساني وأراد الخروج ، فلما بلغ باب يا شیخ مات أبي رحمه اهللا وترك لي ثالثة آالف دينار ، وقال لي : الدار قال

أخرج ثلثھا ففرقه على أحق الناس عندك ، فربطتھا في ھذا الكیس : منذ خرجت من خراسان إلي ھا حتى أنفقه على من يستحق ، وما رأيت

ھنا رجال أولي بھا منك ، فخذه بارك اهللا لك فیه ، وجزاك خیرا على أمانتك وصبرك على فقرك ، ثم ذھب وترك المال ، فقام الشیخ الكبیر يبكي ويدعو

رحم اهللا صاحب المال في قبره وبارك اهللا في ولده ، وأجزل : اهللا ويقول ل ابتاله اهللا في إيمانه فصدق فیه فأكرمه اهللا ، فھذا الرج. مثوبتھم عنده

الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وھم ال ( وأعطاه ونعمه ھداه ، يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلھم فلیعلمن اهللا الذين صدقوا ولیعلمن

،سبحانك اللھم وبحمدك أشھد أال إله إال أن أستغفرك وأتوب ) الكاذبین إلیك وصلي اهللا على سیدنا محمد وعلى آله الطاھرين ، وسائر أصحابه

. أجمعین والتابعین لھم بإحسان إلي يوم الدين

نقال عن موقع الدكتور محمود عبد الرازق الرضواني

شروط ال إله إال اهللا الشرط الخامس

س المحبة التي تنافي البغضالشرط الخام

الحمد هللا الذي خلق السماوات واألرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربھم يعدلون سبحانه عالم بما كان وما ھو كائن وما سیكون ، إنما

فیكون وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان أمره إذا أراد شیئا أن يقول له كن لھم الخیرة سبحان اهللا وتعالي عما يشركون ، وھو اهللا ال إله إال ھو له

الحمد في األولي واآلخرة وله الحكم وإلیه ترجعون ، دلت على وحدانیته بوبیة أجناس اآليات ، وشھد لكمال علمه إتقان الصنعة في في الر

المخلوقات وأظھر قدرته على بريته فیما أبدعه من أصناف المحدثات ، وأھدي برحمته لعباده نعمه التي ال يحصیھا إال رب السماوات ، ال يحصي

العباد ثناء علیه لما له من أنواع الكمال في األسماء والصفات ، وھو نعوت الكمال وصفات الجالل التي ال يماثله فیھا شيء من المنعوت ب

الموجودات ، وھو القدوس السالم الذي ال يلحقه شيء من اآلفات ، وأشھد أن ال إله إال اهللا وحده ال شريك له شھادة من أقر بربوبیته ، وشھد

بوحدانیته وانقاد لمحبته وأذعن بطاعته ، واعترف بنعمته ، وفر إلیه من طیئته ، شھادة عبد أمل في عفوه ورحمته ، وطمع في قبول توبته ذنبه وخ

. ، وبريء إلي اهللا من حوله وقوته

وأشھد أن سیدنا وحبیبنا محمدا عبده ورسوله ، وخیرته من خلقه ، وأمینه على وحیه ، وسفیره بینه وبین عباده ، أقرب الخلق إلیه وسیلة ،

، وأحبھم إلیه وأكرمھم وأعظمھم عنده جاھا ، وأسمعھم لديه شفاعةعلیه ، أرسله لإليمان مناديا ، وإلي الجنة داعیا ، وإلي صراطه المستقیم

ھاديا ، وفي مرضاته ومحبته ساعیا ، وبكل معروف آمرا ، وعن كل منكر ناھیا ، رفع ذكره ، وشرح صدره ووضع وزره ، وجعل الذل والصغار على من

مشركین ، أقسم اهللا بحیاته في خالف أمره ، نبي أمي تقي قوي على الكتابه المبین ، وقرن اسمه باسم رب العالمین ، فال يصح ألحد خطبة وال

تشھد وال أذان ، حتى ترد على اآلذان شھادتان ، شھادة أال إله إال اهللا وأن : محمدا رسول اهللا

إذ قال في الخمس المؤذن أشھد: ضم اإلله اسم النبي إلي اسمه

فذو العرش محمود وھذا محمد: ه لیجله وشق له من إسم

أرسله على حین فترة من الرسل ، فھدي به إلي أقوم الطرق وأوضح السبل ، فال مطمع في الفوز بجزيل الثواب أو النجاة من وبیل العقاب إال لمن كان خلفه من السالكین ، وال يؤمن عبد حتى يكون أحب إلیه من

، فصلي اهللا علیه وعلى آله الطاھرين نفسه وولده ووالده والناس أجمعین وأصحابه الموحدين وسائر عباده المؤمنین المتبعین لھم بإحسان إلي يوم

. الدين

أما بعد فإن اهللا جل ثناؤه وتقدست أسماؤه جعل في األبدان دلیال على صدق المحبین ، وجعل محبته في القلوب نورا للعابدين ، وسببا في منزلة

، جعل في القلوب وأوعیة وبیوتا ، فخیرھا أوعاھا للخیر أولیائه الصالحینوالرشاد ، وشرھا أوعاھا للغي والفساد ، وما ذلك إال البتالء العباد بحكمته

، لیبقي الفائزون برحمته في جنته ، ويشقي الخاسرون في العذاب . بنقمته

عاله فالقلب وعاء قد يمتأل بحب اهللا أو يمتأل بحب غیره ، كما قال جل فيومن الناس من يتخذ من دون اهللا أندادا يحبونھم كحب اهللا والذين آمنوا } :

فالقلب له الخیار في نوعیة الحب ومقدار ) ١٦٥/البقرة({ أشد حبا هللا التعلق بالمحبوب ، والمحبة التي ھي موضوع محاضرة الیوم شرط من

إله إال اهللا وإقرار العبد أنه ال معبود بحق سواه ، فال يصح قول شروط ال اللسان وال يصلح ركن من أركان اإليمان إال بإفراد اهللا بالمحبة مع تحقیق

الشروط الباقیة ، فشروط ال إله إال اهللا ثمانیة كما قال القائل في عدھا : ونظما

لھامحبة وانقیاد والقبول: علم يقین وإخالص وصدقك مع

سوي اإلله من األشیاء قد ألھا: وزيد ثامنھا الكفران منك بما

ال : ( روي البخاري من حديث أنس أن النبي صلي اهللا علیه وسلم قال يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إلیه من والده وولده والناس أجمعین ، ومن

والذي نفسي بیده ال يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إلیه : رة رواية أبي ھري. ( من والده وولده

والحب شيء في القلب من علم الغیب ، يدفع النفس إلي السعي في رضا المحبوب ، والحصول على المطلوب ، والمحبة عمل من أعمال القلوب

ن أبي ھريرة رضي اهللا عنه أن النبي، فقد روي البخاري ومسلم ع r : قال فنسب ) قلب الشیخ شاب على حب اثنتین طول الحیاة وحب المال (

الحب إلي القلب ، فالحب عمل من أعمال القلوب يعرف بآثاره على r النبياللسان أو بعالماته في ظاھر األبدن ، فالحب مخفي في القلب ، ولكن البدن يفضحه بآثاره وعالماته ، واهللا سبحانه وتعالي أعطي بعض خلقه القدرة على قیاس درجة الحب في القلب ، كیف يقوي الحب ويشتد ،

ويعلو ويمتد ، فالمالئكة المكرمون يدونون مقدار األجر على حب العبد هللا ومقدار الوزر على حبه لمن سواه ، وكل ذلك حسب توجیه اإلله لھم ،

م كما تعلمون ال يعصون اهللا ما أمرھم ، ويفعلون ما يأمرونفھ .

والمحبة درجات تنموا في القلب كلما ازداد مقدار الحب ، فمنھا الھوى والغرام والشوق ، والھیام والشغف والعشق ، والوجد والكمد والحرق ،

درجات تنموا في القلب كلما ازداد مقدار الحب ، حتى تصل المحبة إلي درجاتھا ، وھي التي تسمي درجة العبادة ، فالتعبد ھو غاية الحب أعلى

عبده الحب أي ذهللا ، وطريق معبد باألقدام : مع غاية الذل للمحبوب ، يقال أي مذلل ، وكذلك المحب قد ذهللا الحب ، وال تصلح ھذه المرتبة في الحب

شرف لغیر اهللا عز وجل ، فالمحبة التي تصل إلي درجة العبودية ھي أأنواع المحبة وھي حق اهللا على عباده ، وال يصح فیھا الشرك أبدا ، ولذا

فإنه من الخطأ الجسیم والظلم العظیم أن يعبر الشخص عن حبه لغیره أنا أعبدك ، أو ھذا معبود الجماھیر أو معبودة الجماھیر ، أو كما : بقوله

ساء ، يقول يفعل الحمقى من المحبین ، المتیمین المجانین في حب النأنا أ عبدھا ، أو ما شابه ذلك من ألوان الشرك باهللا ، : الشخص لمحبوبته

. فانتبه عبد اهللا وكن عبدا موحدا

بینا أنا رديف : وفي صحیح البخاري عن معاذ بن جبل رضي اهللا عنه قال r النبي : يا معاذ بن جبل ، قلت : حل فقال لیس بیني وبینه إال أخرة الر

ھل تدري ما حق اهللا على عباده ؟ قلت : لبیك رسول اهللا وسعديك ، قال حق اهللا على عباده أن يعبدوه وال يشركوا به : اهللا ورسوله أعلم ، قال :

لبیك رسول اهللا : يا معاذ بن جبل ، قلت : سار ساعة ثم قال شیئا ، ثماهللا : حق العباد على اهللا إذا فعلوه ، قلت ھل تدري ما : وسعديك ، فقال

حق العباد على اهللا أن ال يعذبھم: ورسوله أعلم ، قال .

r وقد وصف اهللا رسوله بالعبودية في أشرف المقامات ، في مقام التحدي ل في مقام وفي مقام اإلسراء ، وفي مقام الدعوة إلي رب السماء ، فقا

وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله } :التحدي وقال في ) ٢٣/البقرة({ وادعوا شھداءكم من دون اهللا إن كنتم صادقین

ن المسجد الحرام إلي سبحان الذي أسري بعبده لیال م} : مقام اإلسراء { المسجد األقصي الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه ھو السمیع البصیر

وأن المساجد هللا فال تدعوا مع اهللا } : وقال في مقام الدعوة ) ١/اإلسراء(اهللا يدعوه كادوا يكونون علیه لبدا قل إنما أدعو ربي أحدا وأنه لما قام عبد٢٠:١٨/الجن ({وال أشرك به أحدا ) .

وفي الصحیحین من حديث أنس رضي اهللا عنه أن الرسل يدفعون ويقول عیسي : الشفاعة العظمي عن أنفسھم ، كل يقول لست لھا

ائتوا محمدا: (علیه السالم r عبدا غفر اهللا له ما تقدم من ذنبه وما تأخر

، فیأتوني فأنطلق حتى أستأذن على ربي ، فیؤذن لي ، فإذا رأيت ربي ع رأسك وسل تعطه وقل ارف: وقعت ساجدا فیدعني ما شاء اهللا ، ثم يقال

يسمع ، واشفع تشفع ، فأرفع رأسي فأحمده بتحمید يعلمنیه ، ثم أشفع . ( ، فیحد لي حدا فأدخلھم الجنة

r فالنبي ل نال ذلك المقام بشرف العبودية وكمالھا ، ومن ثم جعله المثاألوحد لإلنسانیة في تحقیقھا ، فأشرف صفات العبد صفة العبودية وأحب r أسمائه إلي اهللا اسم العبودية ، كما ثبت عن النبي في حديث مسلم

r من حديث عبد اهللا بن عمر أن رسول اهللا إن أحب أسمائكم إلي : ( قال ( اهللا عبد اهللا وعبد الرحمن

وھناك درجة تفوق العبادة تسمي درجة الخلة ، ولكنھا درجة خاصة الثنین r من البشر أولھما محمد r والثاني إبراھیم ، ورسولنا يفوق إبراھیم فیھا ، لما ورد عنه من التفضیل العام على سائر ولد آدم ، فمن حديث أبي ھريرة

r رضي اهللا عنه عند مسلم عن رسول اهللا أنا سید ولد آدم يوم : ( قال، وربما يظن ) القیامة وأول من ينشق عنه القبر وأول شافع وأول مشفع

بعض من ال فقه لھم بالدين وال بإكرام سید األنبیاء والمرسلین أن المحبة حبیب اهللا ، وھذا جھل أكمل من الخلة ، وأن إبراھیم خلیل اهللا ومحمد

r وتنقیص من شأن النبي r ، فان الخلة نھاية المحبة ، وقد أخبر النبي أن اهللا اتخذ إبراھیم خلیال ونفي أن يكون له خلیل غیر اهللا ، أي يحبه حبا يبلغ

في درجاته منتھاه ، والخلة ھي كمال المحبة التي تستغرق كل درجات قلب وتمتزج بسائر أجزاء البدنالحب ، والتي تتخلل في أعماق ال .

r وفي الصحیح من حديث عبد اهللا بن مسعود أن النبي لو كنت : ( قال متخذا من أھل األرض خلیال التخذت ابن أبي قحافة خلیال ولكن صاحبكم

كل خل من خله ولو كنت متخذا أال إني أبرأ إلي: ( وفي رواية ) خلیل اهللا فبین) خلیال التخذت أبا بكر خلیال إن صاحبكم خلیل اهللا r أنه ال يصلح له

أن يتخذ من المخلوقین خلیال ، وأنه لو كان ذلك ، لكان أحق الناس بھا أبو . بكر الصديق رضي اهللا عنه

الخلیل ھو الذي توحد حبه لمحبوبه ، وھي رتبة ال فالخلة توحید المحبة وتقبل المشاركة ، ولھذا امتحن اهللا تعالى خلیله إبراھیم بذبح ولده ، لما

تعلق به قلبه ، فھو الشیخ الكبیر الذي أنجب بعد عقم الطويل ، فأراد اهللا تعالى أن يكون الخلیل خالصا بحبه لربه ، ال يكون لغیره في قلبه نصیب ،

} : ا أسلم ألمر اهللا وقدم محبته على من سواه ، فداه بذبح عظیم فلمفلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أري في المنام أني أذبحك فانظر

ين فلما ماذا تري قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء اهللا من الصابرأسلما وتله للجبین وناديناه أن يا إبراھیم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي

١٠٢/الصافات({ المحسنین إن ھذا لھو البالء المبین وفديناه بذبح عظیم ).

في القلب ؟ المحبة باعثھا في لكن ما الذي يبعث على وجود الحب القلب جالل المحبوب ، والجالل منتھي الحسن والعظمة في الذات

الركن األول ھو : واألسماء والصفات ، والجالل يقوم على ركنین اثنین الكمال ، والركن الثاني ھو الجمال ، فالكمال ھو بلوغ الوصف أعاله ،

حبوب في غاية الكمال وفي والجمال بلوغ الحسن منتھاه ، فمتي كان المغاية الجمال ، وشعر المحب بكماله وجماله حدث الحب في القلب ، وقد

يكون الكمال أو الجمال ناقصا ، لكن ھو في عین المحب كامل جمیل ، فال يري المحب أحدا أحسن من محبوبه على الرغم من نقصه وعیوبه ، كما

ى بلغ اآلفاق دخلت على يحكي أن عزة التي أحبھا كثیر وتغني بحبھا حتأيھا : يا عزة واهللا ما أنت كما قال فیك كثیر ، فقالت : الحجاج فقال لھا

األمیر إنه لم يرني بالعین التي رأيتني بھا ، فالمحب يري قبح المحبوب في عینه جمال ، أال تري أنه في المثل يقال ، القرد في عین أمه غزال ،

وحسنا على : هللا ما أدري أزيدت مالحة وا: وقد عبر بعضھم عن ھذا فقال . النسوان أم لیس لي عقل

وقد يكون الجمال في منتھاه والكمال في أعاله ، ولكن المحب ال يشعر بجمال محبوبه وال بكماله فتنعدم المحبة ، ولھذا أمرت النساء بستر

وجوھھن عن الرجال ، فإن ظھور الوجه وخصوصا وجوه الحسان ، يدعو ي النظر واالفتتان ، ولھذا أيضا أجاز الشرع للخاطب أن ينظر إلي القلوب إل

المخطوبة ، فإنه إذا شاھد حسنھا وجمالھا ، ورأي الكمال في سلوكھا ، كان ذلك أدعي إلي حبھا والتعلق بھا ، روي ابن ماجة وصححه الشیخ

تیت النبيأ: ( األلباني من حديث المغیرة بن شعبة رضي اهللا عنه أنه قال r اذھب فانظر إلیھا فإنه أجدر أن يؤدم : فذكرت له امرأة أخطبھا فقال

فأتیت امرأة من األنصار فخطبتھا إلي أبويھا وأخبرتھما بقول : بینكما ، قال r رسول اهللا فسمعت ذلك المرأة وھي : ، فكأنھما كرھا ذلك ، قال المغیرة

إن كان رسول اهللا: في خدرھا ، فقالت r أمرك أن تنظر فانظر وإال فإني زوجتھافنظرت إلیھا فت: قال المغیرة - أال تفعل –أنشدك ) .

وإذا كانت دواعي المحبة تتمثل في كمال المحبوب وجماله ، وكان شعور المحب بجمال محبوبه وكماله باعثا على نماء الحب في القلب ، فإن اهللا عز وجل إن أعطي الكمال ألحد سواه سلبه الجمال ، وإن أعطي الجمال

ألحد سواه سلبه ألحد سواه سلبه الكمال ، وإن أعطي الكمال والجمالالحلو ما يكمل: دوام الحال ، وما أصدق المثل الذي يقال .

فانظر إلي حكمة اهللا فیمن أعطاھم الكمال وسلبھم الجمال ، غني بلغ الكمال في الغني ولكنه مريض بالسكر أو قبیح في المنظر أو جاھل أكبر ،

اه ، وال ينعم بما أو عقیم يشتھي الولد ويتمناه ، فھو ال يتلذذ بماله أو غنمنحه اهللا ، إال إذا أدرك أن االبتالء سر الحیاة ، فسلم هللا وآمن بقدر اهللا ، أو

انظر إلي امرأة لھا كمال في الخلق والنسب ، والشرف والحسب ، وھي

أبعد ما يكون عن الخیانة ، ومتصفة بالصدق واألمانة ، ولكنھا في الجمال ترعب الخاطبین ، أو انظر إلي من أعطاه قبیحة ال تسر الناظرين ، دمیمة

اهللا أرضا كبیرة واسعة ، فله في الملك كمال وسعة ، لكنه يفشل في استصالحھا ألي منفعة ، وعلى العكس من ذلك انظر إلي من أعطاھم الجمال وسلبھم الكمال ، رجل عالم ذكي قوي فتي ، لكنه فقیر مھان

أو انظر إلي امرأة جمالھا يتغنى به يبیت جوعان وال يجد ما يستر األبدان ،الشبان ، وقوامھا ال تراه العینان ، لكنھا تخون زوجھا وال تصون عرضھا وھي معرة على أھلھا وكل الناس يتمني موتھا ، أو انظر إلي فالح بسیط لیس له من األرض سوي بضعة قراريط ، لكن زراعته بارعة ، وأشجاره طالعة ،

في الحیاة أن تكون أرضه واسة ، لكن الحلو ال يكملوثمارھا يانعة ، مناه .

فالوحید الذي اتصف بالكمال والجمال ھو رب العزة والجالل ، فإذا أضفت إلي ذلك ما كان من إحسانه في ملكه ، وإنعامه على خلقه ، لم يتخلف

عن حبه إال الجاحدون أصحاب القلوب والخبیثة ، والنفوس الخسیسة ، فإن لقلوب على محبة المحسنین إلیھم ، المتصفین بالكمال لديھم ، اهللا فطر ا

وإذا كانت ھذه فطرة اهللا التي فطر علیھا القلوب ، فمن المعلوم أن مقلب القلوب ال أحد أعظم منه إحسانا وجماال ، أو إنعاما وكماال ، فال شيء

أكمل من اهللا ، وال شيء أجمل من اهللا ، فكل كمال وجمال في المخلوق ن آثار صنعته وكمال قدرته وبديع حكمته ، سبحانه ال نحصي ثناء علیه م

ھو كما أثني على نفسه ، له على خلقه وجنه وإنسه النعمة السابغة ، والحجة البالغة ، والسطوة الدامغة ، فھو المحبوب المحمود على كل ما

فعل ، وھو المطلوب المقصود عند اإلخالص في العمل ، لیس في أفعاله بث وال في أوامره سفه ، بل أفعاله كلھا ال تخرج عن المصلحة والحكمة ، ع

والعدل والفضل والرحمة ، كالمه صدق ، ووعده حق ، وعدله ظاھر في سائر الخلق ، إن أعطي فبفضله ورحمته ، وكرمه ونعمته ، وإن منع أو

: عاقب فبعدله وحكمته

ئعكال وال سعي لديه ضا: ما للعباد علیه حق واجب

فبفضله وھو الكريم الواسع: إن عذبوا فبعدله أو نعموا

ومن أسمائه الحسني الجمیل ، روي اإلمام مسلم من حديث عبد اهللا بن r مسعود عن النبي له جمال الذات ) إن اهللا جمیل يحب الجمال : ( قال

لوقات ، ال تقوى األبصار وجمال الصافات ، وجمال األفعال في سائر المخفي ھذه الدار على النظر إلي رب العزة والجالل ، فإذا رأوه سبحانه في

دار القرار ، أنستھم رؤيته ما ھم فیه من نعیم جنته ، حجابه النور لو كشفه ألحرقت سبحات وجھه ما انتھي إلیه بصره من خلقه ، وفي صحیح

قام : ( عنه أنه قال البخاري من حديث أبي موسي األشعري رضي اهللاr فینا رسول اهللا حجابه النور لو كشفه : بخمس كلمات ، فذكر منھا

. ( ألحرقت سبحات وجھه ما انتھي إلیه بصره من خلقه

، فإذا كان ھذا وصف ربك ، فوجب أن تفرده بحبك ، عند قولك ال إله إال اهللاوأن يكون حبك لربك أعظم من حبك لنفسك و أعظم من حبك لمالك

وولدك ، وأعظم من حبك ألھلك وعشیرتك وأعظم من حبك لكل شيء قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم } : سواه ، ولھذا قال اهللا عز وجل قترفتموھا وتجارة تخشون كسادھا ومساكن وأزواجكم وعشیرتكم وأموال ا

ترضونھا أحب إلیكم من اهللا ورسوله وجھاد في سبیله فتربصوا حتى يأتي فالمؤمنون أشد حبا) ٢٤/التوبة({ اهللا بأمره واهللا ال يھدي القوم الفاسقین

لربھم ، وتعظیما لمعبودھم من كل شيء سواه ، وھذا شرط ال إله إال اهللا ، ومقتضي اإليمان باهللا ، فإن اإلله ھو المحبوب المعبود الذي تعبده القلوب

بحبھا ، وتخضع له العبید عن طوعھا ، تخافه وترجوه ، وفي شدائدھا حبه ، وذلك تدعوه ، تتوكل علیه وتلجأ إلیه ، وتطمئن بذكره وتسكن إلي

لیس إال هللا وحده ، ولھذا كانت ال إله إال اهللا أصدق الكالم ، وأساس اإلسالم ، ودعوة الرسل الكرام ، وھي مسك الختام ، لمن أراد أن يدخل

من كان آخر : (الجنة بسالم ، كما ورد ذلك عن نبینا علیه الصالة والسالم ومن أجلھا صار حزبھا حزب اهللا ، ) نة كالمه ال إله إال اهللا دخل الج

والمنكرون لھا أعداء اهللا ، فھي قطب الدين ورحاه ، وبھا صالح العبد في . دينه ودنیاه

•والمحبة التي ھي شرط من شروط الإله إال اهللا أنواع :

فمنھا محبة اهللا عز وجل وھي أصل المحاب المحمودة في قلوب العبید ، والتوحید ، وأصل دعوة الرسل من أولھم الي آخرھم ، وأصل اإليمان باهللا

r وقد ثبت عند البخاري عن أنس عن النبي ال يؤمن أحدكم حتى : ( أنه وفي صحیح البخاري عن ) أكون أحب إلیه من ولده ووالده والناس أجمعین

ا مع النبيكن: عبد اهللا بن ھشام قال r وھو آخذ بید عمر بن الخطاب يا رسول اهللا ألنت أحب إلي من كل شيء إال من نفسي ، : فقال له عمر

:r فقال النبي حتى أكون أحب إلیك من -ال تؤمن - ال والذي نفسي بیده فإنه اآلن واهللا ألنت أحب إلي من نفسي فقال : ك ، فقال له عمر نفس

: r النبي فإذا كان ھذا شأن محبة الرسول فما ظنك بمحبة ) اآلن يا عمر . مرسله سبحانه وتعالي

ومن المحبة المحمودة النافعة التي أمر بھا الشرع المحبة في اهللا ، فمحبة الرسول ھي من محبة اهللا ، وكل حب في اهللا فھو حب هللا ،

فالمؤمنون يحبون هللا ويبغضون هللا ، كما ثبت عند البخاري من حديث أنس r عن النبي : أنه قال

( ما ثالث من كن فیه وجد حالوة اإليمان أن يكون اهللا ورسوله أحب إلیه مسواھما وأن يحب المرء ال يحبه إال هللا وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره

وصححه الشیخ األلباني أن ٤٦٨١وفي سنن أبي داود ) أن يقذف في النار هللا وأبغض هللا وأعطي من أحب : ( رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم قال

من حديث أبي ٦٦٠، وعند البخاري ) هللا ومنع هللا فقد استكمل اإليمان

r ھريرة عن النبي سبعة يظلھم اهللا في ظله يوم ال ظل إال ظله ، : ( قال تمعا علیه وتفرقا علیهوذكر منھم رجالن تحابا في اهللا اج ) .

ومن المحبة المحمودة أيضا محبة ما يعین على طاعة اهللا تعالى واجتناب معصیته وھي أيضا تابعة لمحبة اهللا ، فمحبة ما يحبه اهللا من تمام محبة

اهللا ، وكذلك محبة كالمه وأسمائه وصفاته روي البخاري عن أنس بن مالك كان رجل من األنصار يؤمھم في مسجد قباء : ( هللا عنه أنه قال رضي ا

وكان كلما افتتح سورة يقرأ بھا لھم في الصالة ، افتتح بقل ھو اهللا أحد يصنع ذلك في كل حتى يفرغ منھا ، ثم يقرأ سورة أخرى معھا ، وكان

إنك تفتتح بھذه السورة ثم ال تري أنھا : ركعة فكلمه أصحابه ، فقالوا : تجزئك حتى تقرأ بأخرى فإما تقرأ بھا وإما أن تدعھا وتقرأ بأخرى ، فقال

ركھا إن أحببتم أن أؤمكم بذلك فعلت وإن كرھتم تركتكم ، وكانوا ما أنا بتاr يرون أنه من أفضلھم وكرھوا أن يؤمھم غیره ، فلما أتاھم النبي أخبروه

عك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك وما يحملك يا فالن ما يمن: الخبر فقال حبك : إني أحبھا ، فقال : على لزوم ھذه السورة في كل ركعة ؟ فقال

. ( إياھا أدخلك الجنة

الشقاء واحذر عبد اهللا من المحبة الضارة المذمومة التي تجلب لصاحبھا والحرمان ، وقد تصل عقوبتھا إلي العذاب في النیران ، فمنھا المحبة مع

اهللا وھي أصل الشرك ، كمحبة الطواغیت واألنداد وتعظیمھم كتعظیم اهللا ومن الناس من } : ومحبتھم كمحبة اهللا ، كما قال تعالى في وصف حالھم

ونھم كحب اهللا والذين آمنوا أشد حبا هللا ولو يتخذ من دون اهللا أندادا يحبيري الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة هللا جمیعا وأن اهللا شديد العذاب

{ .

وأصل الشرك الذي ال يغفره اهللا ھو الشرك في ھذه المحبة فإن ن آلھتھم وأوثانھم شاركت اهللا في خلق السماوات المشركین لم يزعموا أ

واألرض ، وإنما كان شركھم من جھة حبھم لھا مع اهللا ، فوالوا علیھا ھم وسیلتنا إلیه ، وشفعاؤنا لديه : وعادوا علیھا ، وعظموھا تألھوھا وقالوا

. ، ھذه آلھة صغار تقربنا إلي اإلله األعظم

اهللا تعالى وھي تابعة للمحبة مع ومن المحبة المذمومة محبة ما يبغضهبعث النبي: ( اهللا ، روي البخاري عن أبي ھريرة رضي اهللا عنه أنه قال r

خیال قبل نجد فجاءت برجل من بني حنیفة يقال له ثمامة بن أثال ، فربطوه مسجد ، فخرج إلیه النبيبسارية من سواري ال r ما عندك يا ثمامة : فقال

فقال عندي خیر يا محمد إن تقتلني تقتل ذا دم وإن تنعم تنعم على شاكر لغد ، ثم قال له وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت ، فترك حتى كان ا

: rالنبي ما قلت لك يا محمد إن تنعم تنعم على : ما عندك يا ثمامة قال عندي : ما عندك يا ثمامة فقال : شاكر ، فتركه حتى كان بعد الغد فقال

وا ثمامة فانطلق إلي نجل قريب من المسجد ، أطلق: ما قلت لك ، فقال : موضع قريب من المسجد فیه ماء ، فاغتسل ثم دخل المسجد فقال

أشھد أن ال إله إال اهللا وأشھد أن محمدا رسول اهللا ، يا محمد واهللا ما كان وجه أبغض إلي من وجھك فقد أصبح وجھك أحب الوجوه إلي على األرض

، واهللا ما كان من دين أبغض إلي من دينك ، فأصبح دينك أحب الدين إلي ، أصبح بلدك أحب البالد إلي ، وإن واهللا ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك ف

r خیلك أخذتني وأنا أريد العمرة ، فماذا تري ؟ فبشره رسول اهللا وأمره أن مع ال ، ولكن أسلمت: صبوت ؟ قال : يعتمر فلما قدم مكة ، قال له قائل

r محمد رسول اهللا وال واهللا ال يأتیكم من الیمامة حبة حنطة حتى يأذن . ( r فیھا النبي

كنا بعرفة فمر : أن سھیل بن أبي صالح قال ٢٦٣٧وروي اإلمام مسلم موسم أمیرا ، فقام الناس ينظرون إلیه ، عمر بن عبد العزيز وھو على ال

وما ذاك ؟ : يا أبت إني أري اهللا يحب عمر بن عبد العزيز قال : فقلت ألبي لما له من الحب في قلوب الناس ، فقال يا بني قال رسول اهللا: قلت r : (

فیحبه : إني أحب فالنا فأحبه ، قال : اهللا إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال إنإن اهللا يحب فالنا فأحبوه فیحبه أھل : جبريل ثم ينادي في السماء فیقول

ه القبول في األرض ، وإذا أبغض عبدا دعا جبريل ثم يوضع ل: السماء ، قال فیبغضه جبريل ثم ينادي في أھل : إني أبغض فالنا فأبغضه ؟ قال : فیقول

م توضع له البغضاء فیبغضونه ث: إن اهللا يبغض فالنا فأبغضوه ، قال : السماء . ( في األرض

كیف يعرف العبد أنه يحب اهللا : وھنا سؤال ھام في تحقیق شرط المحبة r تعالى ويحب رسوله ؟ وأنه حقق المحبة التي ھي من شروط ال إله إال

اهللا ؟ أو ما ھي الدالئل التي نتعرف من خاللھا على وجود الحب في القلب ؟

اهللا جل ثناؤه وتقدست أسماؤه جعل في األبدان دلیال من العجیب أنعلى صدق المحبین ، عالمات تظھر بالضرورة على األبدان ال تخفي على الناظرين ، تلك العالمات مفصحة عن الحب ، فاضحة لوجوده في القلب ،

: ال يستطیع اإلنسان دفعھا مھما قاوم أو حاول

(1) - وإقبال البصر علیه ، فإن العین باب منھا إدمان النظر إلي المحبوب القلب وھي المعبرة عن أفكاره والكاشفة عن أسراره ، وھي أبلغ في ذلك

من كالم اللسان ومن حركة األبدان ، فتري نظر المحب يدور مع محبوبه كیف ما دار ، يتابعه أينما سار ، بل ربما يعز على بعض المحبین أن يحرك

لمحبوب عن بصره لمحات ، أو يخفي جمال رموش العین حتى ال يغیب امحبوبه لحظات ، فالمحب نظره متعلق بمحبوبه إذا رآه ، وإذا غاب عنه قال

أريد أن أراه: .

ھذه فطرة في العباد وھي حجة ظاھرة على أھل الفساد ، إذا كانت ھذه العالمات تظھر علیھم في محبتھم لغیر اهللا ، أال تظھر علیھم ھذه

ي ادعائھم لحب اهللا ، فحري بك إن كنت صادقا في محبتك هللا ، العالمات ف

أن تعبد اهللا كأنك تراه وتنعم بأنسه في الصالة والمناجاة ، وتتطلع إلي أن ينعم علیك برؤياه ، وھذا ھو السر الذي طلب به موسي علیه السالم

}رؤية اهللا ، طلبھا بباعث الحب وظھور عالماته ، وفھمه ألسمائه وصفاته ولما جاء موسي لمیقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إلیك قال لن تراني

ولكن انظر إلي الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلي ربه ١٤٣/رافاألع({ للجبل جعله دكا وخر موسي صعقا ) .

طلب موسي الرؤية شوقا وعبادة ، ولم يطلبھا تكذيبا وعنادا ، كما طلبھا لن نؤمن لك حتى نري اهللا جھرة فأخذتكم } : قومه فقالوا لموسي

ولكن موسي طلب رؤية اهللا طاعة ) ٥٥/البقرة({ الصاعقة وأنتم تنظرون ولھذا كانت أعظم نعمة ينالھا المسلم في الدنیا ، وقربا ، ورغبة وحبا ،

نعمة المراقبة هللا ، وأن يعبد اهللا كأنه يراه ، وكذلك فإن النظر إلي اهللا عند لقیاه ، أعظم نعمة يوم القیامة ينعم بھا الموحدون ، فالمؤمنون يتلذذون

r بالنظر إلي وجھه الكريم ، وھم في جنات النعیم ، وقد كان من دعائه : (وأسألك لذة النظر إلي وجھك والشوق إلي لقائك في غیر ضراء مضرة وال

وھو حديث ) فتنة مضلة اللھم زينا بزينة اإليمان واجعلنا ھداة مھتدين . إسناده قوي رواه النسائي وابن حبان في صحیحه

وجوه يومئذ ناضرة إلي } : تعالى في شأن أولیائه وأحبائه عند لقائه وقال : ( وروي البخاري عن جرير بن عبد اهللا قال ) ٢٣:٢٢/القیامة({ ربھا ناظرة

r كنا جلوسا لیلة مع النبي إنكم : فقال فنظر إلي القمر لیلة أربع عشرة سترون ربكم كما ترون ھذا ال تضامون في رؤيته ، فإن استطعتم أن ال

وسبح ( تغلبوا على صالة قبل طلوع الشمس وقبل غروبھا فافعلوا ، ثم قرأ ، وفي سنن الترمذي عن ) لشمس وقبل الغروب بحمد ربك قبل طلوع ا

تال رسول اهللا: ( صھیب الرومي رضي اهللا عنه أنه قال r : ( ھذه اآلية إذا دخل أھل الجنة الجنة وأھل : وقال ) للذين أحسنوا الحسني وزيادة

يا أھل الجنة ، إن لكم عند اهللا موعدا يريد أن : ناد النار النار ، نادي م

وما ھو ؟ ألم يثقل اهللا موازيننا ويبیض وجوھنا : ينجزكموه ، فیقولون جاب فینظرون إلیه فواهللا فیكشف الح: ويدخلنا الجنة وينجنا من النار ؟ قال

. ( ما أعطاھم اهللا شیئا أحب إلیھم من النظر إلیه وال أقر ألعینھم

(2) - ومن عالمات المحبة التي تدل على صدق المحب في دعواه أنه ال لبصر بین يديه ، إله إال اهللا ، غض الطرف عند نظر المحبوب إلیه ، وخفض ا

وذلك من مھابته وعظمته ، وخشیته في صدره وتواضعه لقدره ، فإذا كان ملوك األرض يستھجنون من يخاطبھم وھو يحد النظر إلیھم ويستقبحون من يكلمھم بغیر التواضع إلیھم ، فما بالنا بملك الملوك من فوق عرشه

كساءا وھو مطلع على خلقه ، إذا وقفت بین يديه فلیكن الخشوعلتواضعك ، ولتكن المھابة دلیال على صدق محبتك ، ولھذا اشتد نھي

النبي أن يرفع المصلي بصره إلي السماء ، وتوعدھم على ذلك بالبالء ، فینبغي أن تقف بین يدي اهللا وأن في الصالة ناكس الرأس مطرقا ، تتلو بيآياته وذكره مدققا ، روي البخاري عن أنس بن مالك عن الن r : ( أنه قال

- يقول أنس - ما بال أقوام يرفعون أبصارھم إلي السماء في صالتھم ، لینتھن عن ذلك أو لتخطفن أبصارھم: فاشتد قوله في ذلك حتى قال ) .

: راء لما عرج به إلي السماء وانظر إلي كمال أدب رسول اهللا في لیلة اإلسفأوحي إلي عبده ما أوحي قال تعالى ما زاغ البصر وما طغي } وھذا غاية األدب فإن البصر ما طغي ، وال طمع وال بغي ، ) ١٨:١١/النجم({

فلم يتجاوزا إلي غیر ما ھو رائیه ، ولم يقبل على غیر ما ھو فیه ، ولذلك r فإن رسول اهللا لما سأله أبو ذر رضي اهللا عنه ھل رأيت ربك يا رسول اهللا

١٧٨رواه مسلم ) نور أني أراه : ( ؟ قال .

(3) - ومن عالمات المحبة الغیرة للمحبوب ، فالغیرة للمحبوب أن يكره ما يكرھه المحبوب ويغار إذا عصي في كل مطلوبه ، فیغار العبد لربه إذا

عت كلماته ، فھذه غیرة المحب على معبوده حقا ، انتھكت حرماته ، وضی

ودين اهللا يندرج تحتھا صدقا ، فأقوي الناس دينا أعظمھم غیرة هللا ، روي لو رأيت رجال مع امرأتي : ( بسنده أن سعد بن عبادة قال ٧٤١٦البخاري

رسول اهللالضربته بالسیف غیر مصفح ، فبلغ ذلك r أتعجبون من : فقال غیرة سعد ، واهللا ألنا أغیر منه واهللا أغیر مني ، ومن أجل غیرة اهللا حرم

. ( الفواحش ما ظھر منھا وما بطن

غار هللا ويغار فمن قال ال إله إال اهللا بحق وأحب اهللا ورسوله بصدق ، يلرسوله على قدر محبته وإجالله ، وإذا انعدمت الغیرة هللا ولرسوله من

القلب انعدم الحب فیه ، وإن زعم أنه من المحبین فھو كاذب ، فإذا كان من ادعي محبة إنسان ورأي غیره منتھكا لحرمته ويسعى في أذيته ويخوض

رد ال يغار لصديقه في عرضه وذمته ، وھو ساكن ال يتحرك ، قلبه قلب باومحبوبه ، فإنه عند الجمیع كاذب في حبه منافق في ادعاء قربه ، لعلمھم

أن الغیرة للمحبوب من عالمات المحبة الصادقة ، فكیف يصح لعبد أن يدعي محبة اهللا وھو ال يغار لمحارمه إذا انتھكت ، وال لحقوقه إذا ضیعت ،

ي إلي الشھوة ، ومن شیطانه فأضعف اإليمان أن يغار هللا من ھواه الداعوطغیانه الداعي إلي الشبھة ، فیغار لمحبوبه من تفريطه في حقه ، وارتكابه لمعصیته ، وإذا ذھبت ھذه الغیرة من القلب ذھب منه الحب

وسقط شرط من شروط ال إله إال اهللا بل ذھب منه الدين وأصوله وإن بقیت . آثاره وأطالله

األكبر ، وأصل األمر بالمعروف والنھي عن وھذه الغیرة ھي أصل الجھادالمنكر ، فإن خلت ھذه الغیرة من القلب لم يجاھد اإلنسان ولم يأمر

يا أيھا } : بالطاعة واإليمان ولم ينه عن المنكر والعصیان ، يقول اهللا تعالى بقوم يحبھم ويحبونه الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي اهللا

أذلة على المؤمنین أعزة على الكافرين يجاھدون في سبیل اهللا وال { يخافون لومة الئم ذلك فضل اهللا يؤتیه من يشاء واهللا واسع علیم

٥٤/المائدة( ) .

ب كغیرة اإلنسان على زوجته ، وغیرته على أمته وأما الغیرة على المحبووابنته ، فیغار أن يتعرض أحد لذكرھن أو المساس بعرضھن ، فإن ھذه

الغیرة تختص بالمخلوق ، وال يجوز تصورھا في حق الخالق ، ألن المحب الصادق ، يحب أن الناس كلھم يحبون اهللا ويذكرونه ويعبدونه ، ويحمدونه

أقر لعین المؤمن من ذلك ، بل ھو يدعو إلي ذلك ويشكرونه ، وال شيء بقوله وعمله ، وكثیر من الصوفیة لم يفرقوا بین الغیرة هللا والغیرة على اهللا ، فضلوا وشبھوا غیرتھم على اهللا بغیرتھم على نسائھم ، حتى وقع في

كالمھم غلط عظیم ، وبھتان جسیم ، وكان بعض جھلتھم إذا رأي من يذكر غیرة حبي على : ، يغار منه ، وربما أسكته إن أمكنه ، ويقول اهللا أو يحبه

ربي تحملني على ھذا ، وإنما ذلك حسد وعصیان وبغي وعدوان ونوع معادة للرحمن أخرجوھا في قالب الغیرة وشبھوا محبة اهللا بمحبة

. المخلوقین

(4) - ومن عالمات المحبة بذل المحب كل ما في وسعه وطاقته لرضا ، كما كان الصحابة رضي اهللا عنھم يدافعون عن رسول اهللالمحبوبه r في

الحرب بنفوسھم ، حتى ولو أدي ذلك لھالكھم ومصرعھم ، وذلك من فرط r حبھم له ، ومعلوم أن من آثر محبوبه بنفسه ، بذل ما في وسعه من

ماله وملكه ، والصحابة رضي اهللا عنھم سلموا أنفسھم وأموالھم لرسول r اهللا قالوا ھذه أموالنا نقدمھا إلیك ، وھذه نفوسنا بین يديك ، فاحكم ، ف

فیھا بما شئت يا رسول اهللا ، لو خضت بنا البحر لخضناه معك يا رسول اهللا ، نقاتل بین يديك ، ومن خلفك وعن يمینك وعن شمالك ، روي البخاري

يا رسول اهللا : بدر عن عبد اهللا بن مسعود ، أن المقداد بن األسود قال يومفاذھب أنت وربك فقاتال } : إنا ال نقول لك كما قالت بنو إسرائیل لموسي

ولكن امض يا رسول اهللا ونحن معك ) ٢٤/المائدة({ إنا ھا ھنا قاعدون . ( مقاتلون

في حبھا وحسن تصرفھا ، فنظر إلیھا وھي أراد رجل أن يختبر امرأته صاعدة على درجات السلم ، فقال لھا أنت طالق إن صعدت وطالق إن

نزلت وطالق إن وقفت ، فرمت نفسھا على األرض ، فقال لھا فداك أبي وأمي ، واهللا إن مات اإلمام مالك ، احتاج إلیك أھل المدينة في التعرف

. على أحكامھم

(5)- لمحبة التي تكشف مقدار الحب في القلب ، سرور ومن عالمات االمحب بما يسر به محبوبه كائنا ما كان وإن كرھته نفس اإلنسان ، فیكون عنده بمنزلة الدواء ، يحبه لما فیه من الشفاء ، وھكذا المحب مع محبوبه

عن أبي ھريرة ١٢٥يسره ما يرضیه على أي حال ، وري اإلمام مسلم عنه لما نزلت على رسول اهللارضي اهللا r : } هللا ما في السماوات وما في

، اشتد ذلك { األرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اهللا r على أصحاب رسول اهللا r ، فأتوا رسول اهللا : كب فقالوا ثم بركوا على الرأي رسول اهللا كلفنا من األعمال ما نطیق الصالة والصیام والجھاد والصدقة

: r وقد أنزلت علیك ھذه اآلية وال نطیقھا ، قال رسول اهللا أتريدون أن تقولوا ابین من قبلكم سمعنا وعصینا بل قولوا سمعنا وأطعنا كما قال أھل الكت

افعلوا ذلك محبة : غفرانك ربنا وإلیك المصیر ، وكأن الرسول يقول لھم سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا : لربكم وإن كان شاقا على نفوسكم ، فقالوا

آمن الرسول بما أنزل إلیه من ربه } : المصیر ، فأنزل اهللا في إثرھا وإلیكوالمؤمنون كل آمن باهللا ومالئكته وكتبه ورسله ال نفرق بین أحد من رسله

فلما فعلوا ذلك نسخھا { بنا وإلیك المصیر وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك رال يكلف اهللا نفسا إال وسعھا لھا ما كسبت وعلیھا ما } : اهللا تعالى فقال

، فھؤالء أصحاب رسول اهللا{ اكتسبت ربنا ال تؤاخذنا إن نسینا أو أخطأنا rا ابتالھم اهللا بمراده كائنا ما كان ، وإن كرھته نفس اإلنسان ، رفع الحرج لم

عنھم وغفر ما كان منھم ، أما من كان واقفا مع ما تشتھیه نفسه من

الرخص في األحكام ، متتبعا لفتاوى أھل الكالم ، فلیست محبته هللا محبة . صادقة ، بل ھي محبة علیلة ناقصة

(6) - كثرة ذكر المحبوب واالستمتاع بحديثه ، فمن ومن عالمات المحبةأحب شیئا أكثر من ذكره واطمئن إلیه بقلبه ، وشتان بین أن تذكر اهللا ألنك مطر إلي ذكره وحیاتك قائمة على أمره ، وبین من يكثر من ذكره رغبة في حبه وقربه ، ولھذا أمر اهللا عباده بذكره على جمیع األحوال ، وأمرھم بذكره

يا أيھا الذين آمنوا إذا لقیتم فئة فاثبتوا } : عند القتال فقال حتى وھموأمرھم بذكره بعد الصالة ) ٤٥/األنفال({ واذكروا اهللا كثیرا لعلكم تفلحون

ن فإذا قضیت الصالة فانتشروا في األرض وابتغوا م} : على كل حال فقال يا أيھا } : وقال ) ١٠/الجمعة({ فضل اهللا واذكروا اهللا كثیرا لعلكم تفلحون

) ٤٢:٤١/األحزاب({ الذين آمنوا اذكروا اهللا ذكرا كثیرا وسبحوه بكرة وأصیال رين اهللا كثیرا والذاك}: ومدح سبحانه الذاكرين اهللا كثیرا والذاكرات فقال

وذم الشعراء ) ٣٥/األحزاب({ والذاكرات أعد اهللا لھم مغفرة وأجرا عظیما والشعراء يتبعھم الغاوون ألم تري } : واستثني المؤمنین الذاكرين فقال

ون ما ال يفعلون إال الذين آمنوا وعملوا أنھم في كل واد يھیمون وأنھم يقول٢٧٧/الشعراء({ الصالحات وذكروا اهللا كثیرا ) .

(7) _ ومن عالمات الحبة الصادقة النظر إلي أفعال المحبوب فإن كانت نقصا سترھا وإن كانت كماال أذاعھا ونشرھا ، أال تري الوالد مع ولده ، من

من شأنه ودرجته ، ويھون من نقصه وعیبته ، فما بالنا إذا كان محبته يرفعربنا ومحبوبنا ، أفعاله كمال من كل وجه وال نقص فیھا بوجه من الوجوه ،

أال يحتم ذلك علینا مدحه والنظر في صنعه والمدوامة على شكره وذكره ، سالم ومن ھنا وبدافع الحب الذي ھیمن على القلب أراد إبراھیم علیه ال

: مزيدا من القرب ، برؤيته لفعل اهللا في إحیاء موتاه فقال

} رب أرني كیف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلي ولكن لیطمئن قلبي جزءا قال فخذ أربعة من الطیر فصرھن إلیك ثم اجعل على كل جبل منھن

٢٦٠/البقرة({ ثم ادعھن يأتینك سعیا واعلم أن اهللا عزيز حكیم ) .

: أمره أن يأخذ غرابا وحمامة وديكا ويمامة ، ثم قال له : قال المفسرون أوثقھن واذبحھن وقطعھن ، فقطعھن ونتف ريشھن ومزقھن وخلط بعضھن

ل منھن جزءا ، وأخذ رؤوسھن بیده ، ببعض ثم جزأھن وجعل على كل جبثم أمره اهللا تعالى أن يدعوھن فدعاھن ، فجعل ينظر إلي الريش يطیر إلي

الريش ، والدم يجتمع على الدم والعظم يلتحم بالعظم ، واللحم يلتصق باللحم ، كل طائر أجزاؤه تلتئم وتنضم ، حتى اكتمل البدن وتم ، وقام كل

رأسه ، ويرغب في التحامھا بجسمه ، إذا قدم طائر يسعى بین يديه بغیر له غیر رأسه يأباه ، فسبحان من خلقھا وسواھا ، كل ذلك وإبراھیم علیه السالم ينظر إلي فعل اهللا وقدرته ، ويتعجب من حكمته وقوته ، فآيات اهللا

إن في } : في خلقه تدعوا المحبین إلي التفكر في اآلثار ، والنظر واالعتبار السماوات واألرض واختالف اللیل والنھار آليات ألولي األلباب الذين خلق

يذكرون اهللا قیاما وقعودا وعلى جنوبھم ويتفكرون في خلق السماوات آل ({ عذاب النار واألرض ربنا ما خلقت ھذا باطال سبحانك فقنا

١٩١/عمران ) .

(8) _ ومن العالمات الدالة على صدق المحبة في القلب أن ينام المحب على ذكر محبوبه ، يذكره بلسانه عند نیامه وقیامه ، ولذلك كان رسول اهللا

r ينام وآخر كالمه ذكر اهللا ، ويقوم وأول كالمه ذكر اهللا ، وروي البخاريكان النبي: ( ة رضي اهللا عنه أنه قال عن حذيف٦٣٢٤ r إذا أراد أن ينام

باسمك اللھم أموت وأحیا وإذا استیقظ من منامه قال الحمد هللا الذي : قال أبي ھريرة عن عن٦٣٢٠وروي البخاري ) أحیانا بعد ما أماتنا وإلیه النشور

r النبي إذا أوي أحدكم إلي فراشه فلینفض فراشه ، ثم يقول : ( أنه قال

باسمك رب وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت نفسي فارحمھا وإن ظ به عبادك الصالحینأرسلتھا فاحفظھا بما تحف ) .

(9) - ومن أھم عالمات المحبة التي ھي شرط من شروط ال إله إال اهللا ، طاعة المحبوب ، واالنقیاد ألمره ، والتصديق بخبره ، وھذا يحصل فقط

{r بكمال المتابعة لنبیه ويغفر قل إن كنتم تحبون اهللا فاتبعوني يحببكم اهللافجعل سبحانه وتعالي ) ٣١/آل عمران({ لكم ذنوبكم واهللا غفور رحیم

r متابعة رسوله سببا لمحبتھم وغفران ذلتھم ، فالطاعة للمحبوب عنوان : محبته كما قیل

ھذا محال في القیاس بديع: تعصي اإلله وأنت تزعم حبه

لمن أحب مطیعإن المحب: لو كان حبك صادقا ألطعته

(10) - ومن عالمات المحبة ترديد كالم المحبوب واإلقبال على حديثه خ فمن حديث عبد اهللا بن مسعود في ٥٠٥٠وإلقاء السمع إلیه ،

قال لي النبي: الصحیحین قال r : يا رسول اهللا : اقرأ على القرآن ، قلت نعم ، فقرأت سورة النساء حتى أتیت إلي : زل ؟ قال آقرأ علیك وعلیك أن

فكیف إذا جئنا من كل أمة بشھید وجئنا بك على ھؤالء شھیدا ، : قوله د وفي سنن أبي داو) حسبك اآلن فالتفت إلیه فإذا عیناه تذرفان : قال

عن أبي سعید الخدري أن رسول اهللا١٤٦٩ r لیس منا من لم : ( قال . ( يتغن بالقرآن

(11)- ومن عالمات المحبة محبة بیت المحبوب ، وانشراح الصدر لرؤيته ، وشد الرحال لزيارته ، وھذا ھو السر الذي من أجله تعلقت القلوب بالبیت

تى ھجروا األوطان من أجل محبتة ، وتحملوا السفر الحرام وكعبته ، حبمشقته ، طمعا في حب اهللا وعبادته ، ركبوا األخطار ، وجابوا المفاوز والقفار ، واحتملوا في الوصول إلي البیت مشقة األسفار ، وسر ھذه

وعھدنا إلي } : المحبة ھي إضافة البیت إلي نفسه سبحانه وتعالي

{ سماعیل أن طھرا بیتي للطائفین والعاكفین والركع السجود إبراھیم وإ١٢٨:١٢٥/البقرة( ) .

(12) - ومن عالمات المحبة توافق المحب مع محبوبه في المنطق والكالم ، والتحیة والسالم ، فتتوافق السالمات بینھما في نفس األوقات ، وتتوافق

في إخراج العبارات انظر إلي التوافق العجیب بین الحبیب الكلمات بینھماr محمد وحبیبه أبي بكر الصديق ، في ردھما على عمر بن الخطاب ، فقد

أن قريشا في صلح الحديبة ألزمت رسول اهللا٢٧٣٤روي البخاري r بأشیاء : r لم يرغب فیھا عمر بن الخطاب رضي اهللا عنه فقال عمر للنبي

ألسنا على الحق وعدونا على : بلي ، قلت : ي اهللا حقا ؟ قال ألست نبإني : فلم نعطي الدنیة في ديننا إذا ؟ قال : بلي ، قلت : الباطل ؟ قال

تحدثنا أولیس كنت : رسول اهللا ولست أعصیه يا عمر وھو ناصري ، قلت بلي ، لكن ھل أخبرتك أنا سنأتیه ھذا : أنا سنأتي البیت فنطوف به ؟ قال

فإنك : ال ، فحثه الرسول على الصبر وقال مبشرا له : العام ؟ فقال عمر يا أبا بكر : ر فقلت فأتیت أبا بك: آتیه ومطوف به ، قال عمر بن الخطاب

ألسنا على الحق : بلي ، قال عمر : ألیس ھذا نبي اهللا حقا فقال أبو بكر فلم نعطي الدنیة في ديننا إذا ؟ : بلي ، قلت : وعدونا على الباطل ؟ قال

ول اهللاأيھا الرجل إنه لرس: قال r ولیس يعصى ربه وھو ناصره فاستمسك ألیس كان يحدثنا أنا سنأتي البیت : بغرزه فواهللا إنه على الحق قلت

: قال ال ، : بلي أفأخبرك أنك ستأتیه ھذا العام ؟ قلت : ونطوف به ؟ قال فأجاب أبو بكر عمر بجواب رسول اهللا) فإنك آتیه ومطوف بھـ r حرفا بحرف ،

. توافقا بین المحب ومحبوبه

(13) - ومن عالمات المحبة بكاء المحب من شدة الفرح بمحبوبه فقد روي r مسلم عن أنس أن رسول اهللا ني أن أقرأ علیك إن اهللا أمر: ( قال ألبي

اهللا سماك لي ، فجعل أبي يبكي من : آهللا سماني لك ؟ قال : القرآن قال

لما نزلت سورة البینة لم يكن الذين : ( وفي رواية أحمد ) شدة الفرح ك يأمرك يا محمد إن رب: كفروا من أھل الكتاب ، قال جبريل علیه السالم

:r أن تقرئ ھذه السورة أبي بن كعب ، فقال النبي يا أبي إن ربي عز : نعم قال : آهللا سماني لك ؟ قال : وجل أمرني أن أقرئك ھذه السورة قال

وبكي أبي بن كعب ) قد ذكرت عند رب العالمین ؟ قال نعم فذرفت عیناه المحبة شجرة في القلب ، عروقھا الذل للمحبوب وساقھا فرحا وسروا ، ف

معرفته ، وأغصانھا خشیته وورقھا الحیاء منه ، وثمرتھا طاعته ، وماء سقیاھا ذكره ، فمتي خال الحب عن شيء من ذلك كان حبا ناقصا لم

يحقق شرط ال إله إال اهللا على الوجه المطلوب ، أكتفي بذلك وأقول أشھد أال إله إال أنت أستغفرك وأتوب إلیكسبحانك اللھم وبحمدك

شروط ال إله إال اهللا الشرط السادس

________________________________________

الشرط السادس االنقیاد المنافي للترك

الحمد هللا رب العالمین الرحمن الرحیم ، أحمده وأستعینه وأستغفره ، دي ، وأعوذ به من الضاللة وأومن به وأتوكل علیه ، وأستھدي اهللا بالھ

والردى ، من يھد اهللا فھو المھتدي ، ومن يضلل فلن تجد له ولیا مرشدا ، وأشھد أن ال إله إال اهللا ، وحده ال شريك له ، له الملك وله الحمد يحیي

ويمیت وھو على كل شىء قدير ، وأشھد أن محمدا عبده ورسوله أرسله كله ولو كره المشركون ، أرسله بالھدي ودين الحق لیظھره على الدين

إلي الناس كافة ، رحمة لھم ورأفة بھم ، والناس يومھا على شر حال ، في ظلمات الجاھلیة يتقلبون ، وفي الشرك والوثنیة غارقون ، دينھم بدعة ، ودعوتھم فرية ، فأعز اهللا الدين بمحمد صلي اهللا علیه وسلم ، وألف بین

إخوانا ، فأطیعوا اهللا عباد اهللا واستنوا بسنة قلوبھم وأصبحوا بنعمة اهللا

من يطع الرسول فقد : ( نبیه صلي اهللا علیه وسلم ، فإن اهللا عز وجل قال ، أما بعد) ٨٠:النساء) (أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك علیھم حفیظا ..

المنافي للترك ، شروط ال إله إال اهللا فمن شروط ال إله إال اهللا االنقیاد: جمعھا الناظم في قوله رحمه اهللا

محبة وانقیاد والقبول لھا: علم يقین وإخالص وصدقك مع

سوي اإلله من األشیاء قد ألھا: وزيد ثامنھا الكفران منك بما

وحديثنا إن شاء اهللا يدور حول الشرط السادس من ھذه الشروط ، وھو نافي للترك ، فمن شروط ال إله إال اهللا االنقیاد لما دلت علیه االنقیاد الم

ومن أحسن : ( كلمة التوحید ، االنقیاد المنافي للترك ، قال اهللا عز وجل ) دينا ممن أسلم وجھه هللا وھو محسن واتبع ملة إبراھیم حنیفا

ومن يسلم وجھه إلي اهللا وھو محسن فقد ( : ، وقال تعالى ٥٢١/النساءأي بال إله إال ٢٢/لقمان) استمسك بالعروة الوثقي وإلي اهللا عاقبة األمور

اهللا ، وتسلیم وجھه لربه يعني أن ينقاد ألمره ، وھو محسن أي موحد هللا ، فإنه لم يستمسك بال إله يعبد اهللا كأنه يراه ، فمن لم يسلم وجھه

ومن كفر : ( إال اهللا ، لم يستمسك بالعروة الوثقي ، ألن اهللا قال بعد ذلك فال يحزنك كفره إلینا مرجعھم فننبئھم بما عملوا إن اهللا علیم بذات الصدور

وفي الصحیح ٢٤:٢٣/لقمان) ھم إلي عذاب غلیظ نمتعھم قلیال ثم نضطرال يؤمن أحدكم حتى يكون : ( أن رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم قال

وھذا ھو تمام االنقیاد والغاية من خلق العباد) ھواه تبعا لما جئت به .

ر وإذا كان الیقین متعلقا بباب الخبر وتصديقه ، فإن االنقیاد متعلق بباب األموتنفیذه ، ذلك ألن االنقیاد يتطلب من العباد العبادة ، وھي طاعة اهللا

بامتثال ما أمر به على ألسنة الرسل ، وھذا ھو اإلسالم وتوحید العبودية ، فتوحید العبودية ھو توحید األلوھیة ، وتوحید األلوھیة في مفھوم السلف

أجل ذلك دعت الرسل يعني أنه ال إله إال اهللا ، وال معبود بحق سواه ، من

وإلى : ( سائر العباد إلي توحید الطاعة واالنقیاد ، كما قال سبحانه وتعالي ) عاد أخاھم ھودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غیره أفال تتقون

اهللا بالعبودية ، قائلین ، فأجابوا منكرين توحید األلوھیة وإفراد ) ٦٥:ألعراف(قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا فأتنا بما تعدنا إن : (

، وقال تعالى في بیان أن ھذا المنھج ) ٧٠:األعراف) (كنت من الصادقین وما أرسلنا من قبلك من رسول إال : ( ھو ما دعا إلیه المرسلون أجمعون

، فاإلله بمعني المألوه ) ٢٥/األنبیاء) (نوحي إلیه أنه ال إله إال أنا فاعبدون الذي يستحق العبادة واالنقیاد واالنصیاع ، ولیس اإلله بمعني القادر على

لمتكلمین ، فلو أقر اإلنسان بما الخلق واالختراع ، كما يقول ذلك كثیر من ايستحقه رب العالمین ، من األسماء والصفات ، ونزھه عن كل العیوب

واآلفات ، وأقر بأن اهللا وحده ھو خالق الموجودات ، لم يكن مسلما موحدا حتى يشھد بكلمة التوحید ، ويحقق شروطھا ويستوفي أركانھا والتي من

المشركین في الجاھلیة كانوا مقرين ضمنھا ، االنقیاد لرب العباد ، فإنبتوحید الربوبیة ، ولكن إشكالھم أنھم كانوا يوحدون اهللا في الدعاء عند

ولئن : ( الشدائد والنقمة ، ويشركون به عند الرخاء والنعمة ، يقول تعالى ولئن (، ٨٧/الزخرف) سألتھم من خلقھم لیقولن اهللا فأني يؤفكون

سألتھم من خلق السماوات واألرض لیقولن اهللا قل أفرأيتم ما تدعون من دون اهللا إن أرادني اهللا بضر ھل ھن كاشفات ضره أو أرادني برحمة ھل

، ٣٨/الزمر) اهللا علیه يتوكل المتوكلون ھن ممسكات رحمته قل حسبي روي النسائي في سننه وصححه الشیخ األلباني من حديث مصعب بن

سعد عن أبیه ، أن رسول اهللا يوم فتح مكة أمن الناس إال أربعة نفر ن وجدتموھم متعلقین بأستار الكعبة ، فكان اقتلوھم وإ: وامرأتین وقال

أباح دمه ركب عكرمة r منھم عكرمة بن أبي جھل ، بعد أن علم أن النبي: فقال –-البحر فأصابتھم عاصفة شديدة أيقنوا أنھا ستغرق سفینتھم

ربكم في الدعاء واالستغاثة وقد ، أي وحدوا- أصحاب السفینة أخلصوا كانوا كما تعلمون يلجئون في الرخاء إلي الالت والعزي ومناة الثالثة األخرى

أصحاب السفینة أخلصوا فإن آلھتكم ال : فقال –-وعند الشدائد يوحدون لم ينجني من البحر إال واهللا لئن: تغني عنكم شیئا ھاھنا فقال عكرمة

اإلخالص ال ينجیني في البر غیره ، فعاد عكرمة إلي عقله وفطرته، وقال اللھم إن لك على عھدا إن أنت عافیتني - معلنا للتوحید عند نجاته وعودته

علیه وسلم حتى أضع يدي في يده مما أنا فیه أن آتي محمدا صلي اهللاجاء فأسلم ومات عكرمة - وبالفعل وفي بوعده - فالجدنه عفوا كريما

. بفضل اهللا على كمة التوحید

فال إله إال اهللا ، أو قضیة األلوھیة ، لم تكن مثار جدل بین المشركین العبودية وإفراد العباد ربھم بالطاعة ورسلھم ، إال ألنھا مبنیة على توحید

. واالنقیاد

إذا علمت ذلك فاعلم االنقیاد لرب العباد ، يتمثل في امتثالك ألحكام العبودية وتنفیذ األوامر الشرعیة ، فالعبادة طاعة اهللا بامتثال ما أمر به على ألسنة الرسل ، وما أمر اهللا به على ألسنة الرسل ، يطلق علیه

لشرعیة أو الھداية الدينیة ، أو ما أراده اهللا من المكلفین ، وما أمر اإلرادة ابه على ألسنة المرسلین ، لیحقق معني العبودية وصالح البشرية ، واألمر

الصادر من اهللا للعباد ، وكلفھم فیه بالطاعة واالنقیاد ، له خمس درجات : متنوعة

1- ، وھو التي تسمي في الحكم األول أو الدرجة األولي درجة اإللزام األحكام بالواجب أو الفرض ، فاهللا عز وجل إذا أمر عباده بأمر ، فإن ھذا

األمر ملزم للمسلمین ، ويتحتم علیھم االنقیاد له محبین خاضعین ، ألن اإلنسان في األصل عبد خلقه اهللا ، ويلزم من كونه عبدا أن يطیع سیده

ى سبیل الحتم واإللزام ، وإذا امتنع ومواله ، فإذا أمرنا اهللا بأمر فھو علالعبد عن تنفیده وقع في الحرام ، واستوجب الحساب والعقاب ، والواجب ھو الفرض عند جمھور العلماء ، وال فرق بینھما إال من جھة األسماء ، وقد

ھو ما أمر اهللا به أمرا ملزما يترتب على تركه العقاب ، وقد : عرفوه بقولھم تابه وفي سنة نبیه صلي اهللا علیه وسلم ، بأن ننقاد ألمره أمرنا اهللا في ك

إذا كان مجردا عن قرينة االختیار ، ولیس للعبد في تركه مجال ، فقال فلیحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصیبھم فتنة أو : ( سبحانه وتعالى

، فحذر اهللا المخالفین لرسول ) ٦٣من اآلية: النور) ( يصیبھم عذاب ألیم اهللا من الفتنة والعذاب ، فدل ھذا العقاب على أن األمر الذي خالفوه واجب

وما كان لمؤمن وال مؤمنة إذا قضى الله ورسوله : ( مفروض ، وقال تعالى ھم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضالال أمرا أن يكون لھم الخیرة من أمر

، فبین اهللا تعالى أنه ال اختیار للعباد إذا أمرھم سوي ) ٣٦:األحزاب) (مبیناالتنفیذ واالنقیاد ، وھذا يعني أن األمر المطلوب حكمه الفرض والوجوب ،

عوا الله وأطیعوا الرسول وال تبطلوا يا أيھا الذين آمنوا أطی: ( وقال تعالى ، فاالنقیاد شرط لصحة األعمال وكمالھا ، وعدم ) ٣٣:محمد) (أعمالكم

. االنقیاد يؤدي إلي إحباط األعمال وبطالنھا

قدم رسول اهللا : وفي صحیح مسلم عن عائشة رضي اهللا عنھا أنھا قالت اهللا علیه وسلم ألربع مضین من ذي الحجة أو خمس فدخل على صلي

وھو غضبان فقلت من أغضبك يا رسول اهللا أدخله اهللا النار قال أوما شعرت رواية ابن ماجة عن البراء بن أني أمرت الناس بأمر فإذا ھم يترددون ، وفي

عاذب أن النبي صلي اهللا علیه وسلم أمر أصحابه بفسخ الحج إلي عمرة ، فردوا علیه القول ، فغضب ثم انطلق حتى دخل على عائشة غضبان ،

ومالي ال أغضب وأنا آمر باألمر فال : من أغضبك أغضبه اهللا ؟ فقال : فقالت صلي اهللا علیه وسلم ينبغي أن ينفذ ، فالحديث دلیل على أن أمره) أتبع

. بال عصیان ، ولوال أن أمره للوجوب ما دخل على عائشة غضبان

أن بريرة كانت أمة متزوجة من عبد يقال ٤٨٧٥وقد ثبت عند البخاري مغیث وأنجبت له ولدا ، فأعتقتھا عائشة رضي اهللا عنھا فخیرھا رسول اهللا

ة للعبد أو تنفصل عنه وتنعم صلي اهللا علیه وسلم بین أن تبقي زوج

لو أعطیت : بحريتھا ، فاختار حريتھا وفضلتھا على البقاء مع زوجھا وقالت كذا وكذا ما بقیت معه ، فكان يمشي خلفھا ويطوف حولھا ، ويبكي حتى

عودي إلي يا بريرة ، فتأبي علیه : تسیل دموعه على لحیته ويقول بعبرته يا عباس أال تعجب من : فكان رسول اهللا يقول للعباس بن عبد المطلب ،

حب مغیث بريرة ومن بغض بريرة مغیثا ، فقال لھا النبي صلي اهللا علیه رسول اهللا أتأمرني يا : يا بريرة لو راجعتیه ، فإنه أبو ولدك ؟ قالت : وسلم

فال حاجة لي فیه: إنما أنا شفیع ، قالت : ؟ قال .

والشاھد من الحديث في االنقیاد ألمر اهللا ، أن شفاعة رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم في رجوعھا إلي زوجھا لیست الزمة ولكنھا علمت أنه لو

، فإن أمره صلي اهللا علیه وسلم للوجوب أمرھا بالرجوع لزوجھا للزمھا ذلك . ويلزمھا االنقیاد والطاعة

وكل فعل أمر ورد في القران أو السنة ، وفیه إلزام بتنفیذ المطلوب ، فإن وأقیموا الصالة وآتوا : ( الحكم فیه يدل على الوجوب كما في قوله تعالى

، ففعل األمر أقیموا يدل على ٢٠/المزمل) الزكاة وأقرضوا اهللا قرضا حسنا أن إقامة الصالة فرض عین على المسلمین ، وكذلك األمر في قوله وآتوا الزكاة يدل على أن الزكاة واجب على األغنیاء للفقراء والمساكین ، ولو

رأيت الفعل مقترنا بالم األمر ، فاعلم أن األمر المطلوب يدل على الوجوب ، ثم لیقضوا تفثھم ولیوفوا نذورھم ولیطوفوا : ( له تعالى ومثاله في قو

، فالفعل المضارع يقضوا ويوفوا وكذلك يطوفوا ، ٢٩/الحج) بالبیت العتیق اقترنا األمر فیھما بالالم ، فدل األمر على الحتم واإل لزام ، وھذا يعني أن

حكمھما المطلوب ھو الفرض والوجوبالوفاء بالنذر والطواف بالبیت .

وإذا وردت آية فیھا لفظ كتب علیكم أو كتبنا علیھم ، فإن الحكم فیھا يا أيھا الذين آمنوا كتب علیكم الصیام كما كتب : ( الوجوب كقوله تعالى

، ولو ردت آية أو ١٨٣/البقرة) ١٨٣(على الذين من قبلكم لعلكم تتقون

حديث صرح بلفظ فرض أو وجب ، علمنا أيضا أن درجة الحكم ھي الوجوب : والفرضیة ، كما قال عبادة بن الصامت في الحديث الذي رواه أبو داود

خمس صلوات : أشھد أني سمعت رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم يقول ھن اهللا تعالى ، من أحسن وضوءھن وصالھن لوقتھن وأتم ركوعھن افترض

، وكما جاء في حديث ) وخشوعھن كان له على اهللا عھد أن يغفر له ذا جلس إ: البخاري عن أبي ھريرة عن النبي صلي اهللا علیه وسلم قال

. ( بین شعبھا األربع ثم جھدھا فقد وجب الغسل

فالغسل من الجماع حكمه الوجوب لتصريح النبي بذلك ، وكذلك إذا كانت الصیغة التي تدل على طلب الفعل مقترنة بوعید وتھديد ، كعذاب أو لعن

ذلك على أن الحكم على ترك الفعل أو غضب على عدم امتثال األمر ، دللعن : ھو الوجوب ومثال ذلك في حديث ابن عباس رضي اهللا عنه قال رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم المتشبھین من الرجال بالنساء

ملزم ، فترك الرجال التشبه بالنساء أمر ) والمتشبھات من النساء بالرجال وتشبه النساء بالرجال فعل محرم ، ومصدر ھذا اإللزام بالوجوب أو الحرام ،

. ھو قرينة اللعن المترتبة على الفعل

2- الحكم الثاني من أحكام العبودية ، ھو المندوب أو المستحب ، فقد تقدم أن األمر الملزم يسمي بالواجب أو الفرض ، وھو الحكم األول من

أو الدرجة األولي من األحكام الشرعیة ، التي تتطلب من أحكام العبودية العباد االمتثال واالنقیاد ، ولكن قد يأمر اهللا بأمر وال يريد اإللزام والوجوب ، وإنما يريد أمرا فعله محبوب مندوب ، وھو المسمي في أحكام اإلسالم

م بالمستحب ، فالمستحب ھو ما أمر به الشرع ال على وجه الحتم واإللزا، أو ما ندب الشرع إلي فعله دون إلزام ، أولوم أو لعن أو عقاب ، بل بحث على الطاعة واستحباب ، فیثاب المسلم على فعله وال يعاقب على تركه

يا أيھا الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلي أجل : ( ، ومثاله في قوله تعالى ، فاألمر في اآلية ٢٨٢/البقرة) كتب بینكم كاتب بالعدلمسمي فاكتبوه ولی

بكتابة الدين قد يدل على أنه للوجوب ، ولكن لیس ھذا بمقصود وال مطلوب ، وإنما الحكم أن األمر بكتابة الدين محبوب مندوب ، وال يريد اهللا

تم على سفر وإن كن: (من أمره لنا الفرض والوجوب ، ألنه قال بعد ذلك ولم تجدوا كاتبا فرھان مقبوضة فإن أمن بعضكم بعضا فلیؤد الذي اؤتمن

، وھذا ما ذھب إلیه الشعبي والحسن ١٨٣/البقرة) أمانته ولیتق اهللا ربھـرشاد ال على البصري ومالك والشافعي أن كتابة الدين على الندب واإل

. الفرض وإلزام العباد

ومن أمثلة ما استحبه الشرع دون إلزام ، أمر النبي علیه الصالة والسالم ، بصالة ركعتین قبل صالة المغرب ، فقد روي البخاري من حديث عبد اهللا

المغرب صلوا قبل صالة : المزني عن النبي صلي اهللا علیه وسلم أنه قال ، وال يقصد فیه النبي صلي اهللا علیه وسلم إال ) قال في الثالثة لمن شاء

الندب واالستحباب ، كما ذكر ذلك العلماء ، فقوله لمن شاء دلیل على . صرف األمر من الوجوب إلي المندوب

باإلضافة إلي أنه صلي اهللا علیه وسلم بین الصالة المفروضة على ففي الصحیح عن طلحة بن عبید اهللا أن أعرابیا جاء إلي رسول المسلم ،

اهللا صلي اهللا علیه وسلم ثائر الرأس فقال يا رسول اهللا أخبرني ماذا فرض یئا فقال أخبرني اهللا على من الصالة فقال الصلوات الخمس إال أن تطوع ش

ما فرض اهللا على من الصیام فقال شھر رمضان إال أن تطوع شیئا فقال أخبرني بما فرض اهللا على من الزكاة ، فأخبره رسول اهللا صلي اهللا علیه

الذي أكرمك ال أتطوع شیئا وال أنقص مما فرض وسلم شرائع اإلسالم قال واهللا على شیئا فقال رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم أفلح إن صدق أو دخل الجنة إن صدق ، فوضح النبي صلي اهللا علیه وسلم الصالة التي

عدا ذلك فھو مستحب ومندوبحكمھا الوجوب ، وبین أن ما .

ومن أمثلة المستحب أيضا ما ورد عند مسلم من حديث أبي ھريرة أنه سمعت رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم يقول توضئوا مما مست : (قال ب فاألمر بالوضوء بعد تناول الطعام الذي مسته النار يدل على الوجو) النار

، ولكن فعله صلي اهللا علیه وسلم صرف األمر من الوجوب إلي المندوب ، أنه رأي رسول اهللا صلي : فقد روي البخاري عن عمرو بن أمیة عن أبیه

اهللا علیه وسلم يحتز من كتف شاة فدعي إلي الصالة فألقي السكین يتوضأفصلي ولم ) .

3- أما الحكم الثالث من أحكام العبودية فھو المحرم ومعناه في اللغة الممنوع ، ويقصد به في األحكام ما نھي عنه الشرع بإلزام ، فإذا ورد النص

في الكتاب والسنة بالنھي عن بعض األشیاء ، علمنا أن اهللا حرم ھذه الزنى إنه كان فاحشة وساء سبیال وال وال تقربوا : ( األشیاء كما قال تعالى

تقتلوا النفس التي حرم الله إال بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لولیه ٣٢/٣٣:االسراء) (سلطانا فال يسرف في القتل إنه كان منصورا ) .

: ( عرف الحرام من األحكام أيضا ، بورود النص بلفظ التحريم كقوله تعالى ويحرمت علیكم المیتة والدم ولحم الخنزير وما أھل لغیر الله به والمنخنقة

سبع إال ما ذكیتم وما ذبح على والموقوذة والمتردية والنطیحة وما أكل ال: ( ، وقال تعالى ) ٣:المائدة) (النصب وأن تستقسموا باألزالم ذلكم فسق

رم الزاني ال ينكح إلا زانیة أو مشركة والزانیة ال ينكحھا إلا زان أو مشرك وح، فھذا التحريم تكلیف من اهللا للعباد ، ) ٣:النور) (ذلك على المؤمنین

يتطلب االمتثال واالنقیاد ، ويعرف الحرام أيضا بأن تكون الصیغة التي تدل على ترك الفعل مقترنة بوعید وعقاب أو الحرمان من الجنة ودخول العذاب

ذلك ما روي من حديث ابن عباس قال، أو اللعن أو الغضب أو الذم ، ومثال :

( إنھما يعذبان وما : مر رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم على قبرين فقال يعذبان في كبیر ، أما أحدھما فكان ال يستنزه من يوله وأما ھذا فكان

، فقرينة العقاب ، والوعید بالعذاب دلت على أن ) يمشي بالنمیمة الغیبة والنمیمة محرمة ، وكذلك قوله صلي الطھارة من البول واجبة ، وأن

، فالوعید بالمنع من دخول ) ال يدخل الجنة قاطع رحم : ( اهللا علیه وسلم الجنة دلیل على تحريم قطیعة األرحام ، وكذلك قوله علیه الصالة والسالم

وآكل ولعن الواشمة والمستوشمة: ( من حديث أبي جحیفة عند البخاري فاللعن دلیل على حرمة الربا ، وكذلك قوله ) الربا وموكله ولعن المصور

لیس منا : ( صلي اهللا علیه وسلم من حديث ابن مسعود رضي اهللا عنه فقوله لیس منا ، ) من لطم الخدود وشق الجیوب ودعا بدعوى الجاھلیة

ن لطم الخدود وشق الجیوب ودعوة الجاھلیة أفعال محرمة دلیل على أ. في األحكام الشرعیة

4- أما الحكم الرابع من أحكام العبودية فھو المكروه ، والمكروه ھو ما نھي عنه الشرع بغیر إلزام ، فھو أقل من درجة الحرام ، فالمكروه يثاب تاركه وال

في الصالة ، فقد كرھه رسول يعاقب فاعله ، ومن أمثلة المكروه ، التثاؤبإن اهللا يحب العطاس ويكره التثاؤب : ( اهللا صلي اهللا علیه وسلم حیث قال

فإذا عطس فحمد اهللا فحق على كل مسلم سمعه أن يشمته وأما یرده ما استطاع فإذا قال ھا ضحك منه التثاؤب فإنما ھو من الشیطان فل

وسبب كراھة التثاؤب ، أن التثاؤب يكون من الشبع وامتالء ) الشیطان البطون ، فینشأ عنه الكسل والفتور والخمول ، ويؤدي في النھاية إلي ثقل

األبدان ، فإذا صلي اإلنسان ضحك على صالته الشیطان ، ومن ثم كان ي دفعه ثواب ولیس في فعله عذاب وال عقاب ، ومن أمثلة المكروه في ف

األحكام ، صبغ الشعر باللون األسود ، كما ورد في صحیح مسلم أن كما : قال النیي صلي اهللا علیه وسلم عن الشیب

( ، فالشیب أو بیاض شعر الرأس ) غیروا ھذا بشيء واجتنبوا السواد قار ، والمعھود في السنة أن يصبغ بلون فیه حمرة أو اصفرار ، واللحیة و

ومثال المكروه أيضا مباشرة الرجل لزوجته وھي حائض ، بدون ثوب أو حفائض ، وذلك حتى ال تجد النفس ذريعة إلي جماعھا والوقاع بھا ، فیقع في الحرام ، واألصل في األحكام أنه يحل له منھا كل شیئ إال الجماع ،

فیما دون الفرج فھو مباح له في وقت الحیض ، ولكن الرسول صلي وأمااهللا علیه وسلم أدب المؤمنین ، وسد علیھم أبواب العصیان ، وأغلق لھم

أسباب االفتتان ، فعن میمونة أن رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم كان يباشر المرأة من نسائه وھي حائض إذا كان علیھا إزار إلي أنصاف

أو الركبتین تحتجز بهالفخذين ) .

5- أما الخامس من أحكام العبودية فھو المباح ، والمباح ھو ما خیرنا الشرع في فعله أو تركه ، فال يثاب المرء على فعله وال يعاقب على تركه ،

أحلت لكم بھیمة : ( ويسمي المباح أيضا بالحالل أو الجائز ، كقوله تعالى ما يتلى علیكم غیر محلي الصید وأنتم حرم إن الله يحكم ما األنعام إال

، فحرم اهللا االصطیاد على المسلمین أثناء ) ١من اآلية: المائدة)(يريد حجھم أو عمرتھم ، لكن بعد أن يتحللوا من إحرامھم ، أباح لھم االصطیاد ،

فاألمر مباح لھم على وجه التخییر وحرية التدبیر ، يصطادوا أو ال يصطادواوكذلك األمر ) ٢من اآلية: المائدة) (وإذا حللتم فاصطادوا : ( فقال تعالى

فإذا قضیت الصالة فانتشروا في األرض وابتغوا من فضل : ( في قوله تعالى ، فاألمر في قوله ) ١٠:الجمعة) (ثیرا لعلكم تفلحونالله واذكروا الله ك

تعالى فانتشروا للتخییر وإباحة البیع ، ألنه كان محرما وقت صالة الجمعة ، يا أيھا الذين آمنوا إذا نودي للصالة من يوم الجمعة فاسعوا : ( فقال تعالى ، ) ٩:الجمعة) (ه وذروا البیع ذلكم خیر لكم إن كنتم تعلمون إلى ذكر الل

وذلك ألنھم قاموا إلي التجارة والبیع أثناء الخطبة والنبي صلي اهللا علیه وسلم على المنبر ، فحرم اهللا علیھم البیع والشراء تحريما مؤقتا أثناء

لصالة وأن ينتشروا في األرض ويبتغوا من الصالة ، ثم أباحه لھم إذا قضیت ا. فضل اهللا

فھذه أحكام العبودية التي اشتملت على األوامر التكلیفیة ، التي تتطلب من العباد االمتثال واالنقیاد ، والناس فیھا على نوعین ، وتنفیذھم لھا

على مرتبتین ، مرتبة أصحاب الیمین ، ومرتبة السابقین المقربین ، فأما أصحاب الیمین ، فأداء الواجبات وترك المحرمات ، مع ارتكاب بعض مرتبة

المكروھات وترك المستحبات ، والتوسع في بعض المباحات ، وأما مرتبة المقربین ، فھي القیام بالواجبات والمندوبات وترك المحرمات والمكروھات

فا زاھدين فیما ال ينفعھم يوم الممات ، متورعین عن بعض المباحات ، خومن ربھم حتى صارت المباحات في حقھم طاعات وقربات بصدق النیة

وكمال االنقیاد في العبادات ، فھذا انقیاد الموحدين ، السابقین المقربین ، كان الشخص منھم إذا رفع صوته في حضرة رسول اهللا صلي اهللا علیه إلمام وسلم أحس كأن مصیبة حلت بقلبه ، وكأن النار أحرقته بذنبه ، روي ا

لما نزل قول اهللا : ( عن أنس بن مالك رضي اهللا عنه أنه قال ١١٩مسلم : تعالى

} يا أيھا الذين آمنوا ال ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي وال تجھروا له عمالكم وأنتم ال تشعرون بالقول كجھر بعضكم لبعض أن تحبط أ

وكان صوته مرتفعا في –جلس ثابت بن قیس في بیته ) ٢/الحجرات({أنا من أھل النار : جلس وقال -حضرة النبي صلي اهللا علیه وسلم

نبي صلي اهللا علیه واحتبس عن النبي صلي اهللا علیه وسلم فسأل الوسلم سعد بن معاذ فقال ؟ يا أبا عمرو ما شأن ثابت اشتكي ؟

فأتاه : إنه لجاري يا رسول اهللا ، وما علمت له بشكوى قال : قال سعد أنزلت : ه وسلم فقال ثابت سعد فذكر له قول رسول اهللا صلي اهللا علی

ھذه اآلية ولقد علمتم أني من أرفعكم صوتا على رسول اهللا صلي اهللا

علیه وسلم فأنا من أھل النار ، فذكر ذلك سعد للنبي صلي اهللا علیه بل ھو من أھل الجنة ، : صلي اهللا علیه وسلم وسلم فقال رسول اهللا

. ( فكنا نراه يمشي بین أظھرنا رجل من أھل الجنة

وإذا كان الشخص عامال في مصنع وينقاد لصاحبه أتم انقیاد حرصا على لربه وخالقه وظیفته ، وطمعا في قربه ومحبته ، ألیس من األولي أن ينقاد

وأن يسلم أمره لمعبوده ومالكه ، انظر إلي مدي انقیاد المخلوق للمخلوق وطاعة األمراء للملوك ، لما بلغ أمیر المؤمنین عبد الملك بن مروان اضطراب أھل العراق وكثرة التمرد والنفاق ، جمع أھل بیته وأولي النجدة من جنده

ؤھا ، وكثر غوغاؤھا ، وأملولح عذبھا ، ، وقال أيھا الناس إن العراق تكدر ماوعظم خطبھا وظھر ضرامھا ، وعسر إخماد نیرانھا ، فھل من ممھد لھم

بسیف قاطع ، وذھن جامع ، وقلب ذكي وأنف حمي فیخمد نیرانھا ويردع غیالنھا وينصف مظلومھا ويداوي الجرح حتى يندمل ، فتصفو البالد ويأمن

يتكلم أحد ، فقام الحجاج وقال يا أمیر المؤمنین العباد ، فسكت القوم ولم أنا للعراق قال من أنت هللا أبوك ، قال أنا اللیث الضمضام والھزبر الھشام :

أنا الحجاج بن يوسف الثقفي قال ومن أين قال من ثقیف كھوف الضیوف ومستعملوا السیوف قال أجلس ال أم لك فلست لھا ثم قال أمیر المؤمنین

مالي أري الرؤوس مطرقة والوجوه ممزقة ، فلم : ن مروان عبد الملك ب. يجبه أحد فقام إلیه الحجاج وقال أنا مجندل الفساق ومطفيء نار النفاق

قال ومن أنت قال أنا قاصم الظلمة ومعدن الحكمة الحجاج بن يوسف ، معدن العفو والعقوبة وآفة الكفر والريبة قال إلیك عني فلست لھا ، ثم قال

لعراق فسكت القوم وقام الحجاج وقال أنا للعراق فقال إذن أظنك من لصاحبھا والظافر بغنائمھا وإن لكل شيء يا ابن يوسف آية وعالمة ، فما

آيتك وما عالمتك ؟

انظر إلي مدي انقیاد المخلوق للمخلوق ، وانقیاد الحجاج للملوك ، قال والبسط واالزورار واالدناء العقوبة والعفو واالقتدار : الحجاج آيتي وعالمتي

واالبعاد والجفاء والبر والتأھب والحزم وخوض غمرات الحروب بجنان غیر ھیوب فمن جادلني قطعته ومن نازعني قصمته ومن خالفني نزعته ومن دنا مني أكرمته ومن طلب األمان أعطیته ومن سارع إلي الطاعة بجلته

ین إال أن تبلوني في االنقیاد ، فھذه آيتي وعالمتي وما علیك يا أمیر المؤمنفان لم أكن لالعناق قطاعا ولألموال جماعا ولألرواح نزاعا فاستبدلني يا

أمیر المؤمنین ، فان الناس كثیر ومن يقوم بھذا األمر عدد قلیل قلیل ، فقال عبد الملك أنت لھا فما الذي تحتاج إلیه قال قلیل من الجند والمال ،

جنده فقال ھیىء له من الجند شھوته ، وألزمھم فدعا عبد الملك صاحب . طاعته وحذرھم مخالفته ثم دعا الخازن فأمره بمثل ذلك

فخرج الحجاج قاصدا نحو العراق فصعد المنبر ونھض قائما فكان أول شيء نطق به أن قال واهللا إني ألري رؤسا قد أينعت وحان وقت قطافھا وإني

يا غالم : ء تترقرق بین العمائم واللحي ، ثم قال لصاحبھا ، وإني ألري الدمااقرأ كتاب أمیر المؤمنین فقرأ بسم اهللا الرحمن الرحیم من عبد اهللا عبد الملك بن مروان إلي من بالكوفة من المسلمین سالم علیكم ، فلم يرد

أحد من الجالسین فقال الحجاج أيسلم علیكم أمیر المؤمنین فال تردون ، لذي تأدبتم به أما واهللا ألودبنكم أدبا غیر ھذا األدب ، اقرأ يا أھذا أدبكم ا

غالم فقرأ حتى بلغ قوله سالم علیكم فلم يبق أحد إال قال وعلى أمیر . المؤمنین السالم

فھذا انقیاد المخلوق للملوك فأولي بالمسلم العاقل أن ينقاد لملك الملوك يرة أن النبي صلي اهللا علیه ، ويكفینا ما رواه البخاري من حديث أبي ھر

كل أمتي يدخلون الجنة إال من أبي قالوا يا رسول اهللا ومن : ( وسلم قال . ( يأبي قال من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبي

تباع السنة ويمنعك من إظھار واعلم أن االنقیاد المنافي للترك يلزمك بالقد من اهللا على المؤمنین إذ بعث فیھم : ( البدعة ، فإن اهللا عز وجل قال

رسوال من أنفسھم يتلوا علیھم آياته ويزكیھم ويعلمھم الكتاب والحكمة يا أيھا : ( ، وقال ١٦٤/آل عمران ) الل مبین وإن كانوا من قبل لفي ض

الذين آمنوا أطیعوا اهللا وأطیعوا الرسول وأولي األمر منكم فإن تنازعتم في خیر شيء فردوه إلي اهللا والرسول إن كنتم تؤمنون باهللا والیوم اآلخر ذلك

وعن جابر بن عبد اهللا رضي اهللا عنه قال كان رسول اهللا ) وأحسن تأويل صلي اهللا علیه وسلم في خطبته يحمد اهللا ويثني علیه بما ھو أھله ثم

من يھده اهللا فال مضل له ومن يضلل فال ھادي له أصدق الحديث : يقول ثاتھا وكل محدثة كتاب اهللا وأحسن الھدي ھدي محمد وشر األمور محد

. بدعة وكل بدعة ضاللة وكل ضاللة في النار

وقد سمي اإلسالم إسالما ألن من دخل فیه استسلم هللا وأحسن االنقیاد وأسلم وجھه لرب العباد ، واتبع كل ما جاء عن اهللا ورسوله من

وقد كان السلف الصالح يتبعون السنة ويجتنبون البدعة ، ويعذر , أحكام ، أما اآلن فإلي اهللا المشتكي من تغیر الزمان وانتكاسه ، بعضھم بعضا

وتقلبه وانعكاسه ، ودثور السنة وخمولھا ، وظھور البدعة وشمولھا ، وما يحدث بین اإلخوان والجماعات من التناكر والتحاسد ، والتدابر والتباعد ، وما

ظھرت في يقارب ھذه األفعال ويدانیھا ، ويناسبھا ويضاھیھا ، فإنھا مصیبة سائر األقطار وبلیة انتشرت في سائر القرى واألمصار ، فنسأل اهللا للجمیع

الھداية ، ونسأله الحماية من ھوى النفس الذي يزيغ بقلب اإلنسان ، . ونعوذ به من وسواس الشیطان

ومن حديث العرباض بن سارية قال صلي بنا رسول اهللا صلي اهللا علیه ینا فوعظنا موعظة وجلت منھا القلوب وسلم صالة الصبح ثم أقبل عل

وذرفت منھا العیون فقلنا يا رسول اهللا كأنھا موعظة مودع فأوصنا قال أوصیكم بتقوى اهللا عز وجل والسمع والطاعة وإن أمر علیكم عبد فإنه من

يعیش منكم فسیري اختالفا كثیرا فعلیكم بسنتي وسنة الخلفاء . ( الراشدين المھديین عضوا علیھا

لیك باالنقیاد للسنة وترك البدعة فإن البدعة ھي كل ما أحدث على غیر فعمثال سابق ، فالبدعة التي تتعلق بالمعامالت وشؤون الدنیا كاختراع

اآلالت ووسائل النقل والمواصالت ، كالطائرات والسیارات ، وأدوات الطھي ح وغیرھا من األجھزة والمصنوعات ، إلي غیر ذلك مما يرجع إلي مصال

الفرد والجماعات ، فھذه في نفسھا ال حرج فیھا وال إثم في اختراعھا ، أما بالنسبة للمقصد من اختراعھا وما تستعمل فیه ، فإن استعملت في الخیر فھي خیر ونعماء ، وإن قصد بھا شر فھي شر وبالء ، وقد تكون البدعة في

نت البدعة قولیة الدين بدعة عقائدية أو بدعة في منھج العبودية ، سواء كاأو فعلیة ، كبدعة نفي التقدير وما سبق في أم الكتاب من أنواع التدبیر ، وكبدعة بناء المساجد على القبور ، وإقامة القباب على المقبور ، وقراءة

القرآن على األموات ، والتباھي بإقامة السرادقات ، واالحتفال بالموالد الحین والوجھاء ، واالستغاثة بھم في المدد والمزارات ، وإحیاء ذكري الص

والدعاء ، فھذه وأمثالھا كلھا ضالل لقول النبي صلي اهللا علیه وسلم إياكم ومحدثات األمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضاللة ، لكن منھا ما ھو

شرك أكبر يخرج من اإلسالم ، كاالستغاثة بغیر اهللا فیما ال يقدر علیه ، اهللا وتقديم النذر إلیه ، إلي أمثال ذلك مما ھو عبادة مختصة والذبح لغیر

باهللا ، ومنھا ما ھو ذريعة إلي الشرك باهللا ، كالتوسل إلي اهللا بجاه الصالحین والحلف بسید األنبیاء والمرسلین ، وقول الشخص ما شاء اهللا

وشئت ، ما لي إال اهللا وأنت ، وغیر ذلك من األلفاظ الشركیة واألمور. البدعیة

واعلم أيھا المسلم أن الدين قد كمل فال يحتاج إلي زيادة أو نقصان ، وإنما يحتاج إلي شرح وبیان وفتوة ببرھان ، والقرون الفاضلة ھم خیر الناس

وأفضل الناس وأوالھم بالمتابعة ، والبدعة اتھام لدين اهللا بالنقص والمذمة

مستحبة ، فال يكون الدين صحیحا أو ، ألنه إن ادعي صاحبھا أنھا واجبة أو كامال إال بھا ، فالرسول صلي اهللا علیه وسلم ما ستر شیئا مما أمر اهللا به

: ( المسلمین في أمور الدين ، ولم يدع إلي تلك البدعة ، ولما قال تعالى ) اإلسالم دينا الیوم أكملت لكم دينكم وأتممت علیكم نعمتي ورضیت لكم

علمنا أنه إما أن يكون اهللا تعالى ھو الصادق في إكمال دينه أو ) ٣/المائدة(أن المبتدع ھو الصادق في نقصانه ؟

ولما استحال األمر الثاني ثبت األمر األول ، ولو سئل المبتدع عن بدعته ، : قال ھل علمھا رسول اهللا أم جھلھا ؟ فإن ادعي علم الرسول بھا ، فسی

إذا علمھا ولم يثبت أنه دعي إلیھا بل سكت عنھا ، فنحن أولي بالسكوت جھلھا ادعي أنه أعلم من رسول اهللا صلي اهللا علیه : عنھا ، وإذا قال

وسلم بما ينفع الناس ، وال ينفع المبتدع في ترك السنة والتمسك سلم أنكر بالبدعة حسن النیة ، فقد ثبت أن رسول اهللا صلي اهللا علیه و

على المتشددين في العبادة ، فعند البخاري من حديث أنس بن مالك : رضي اهللا عنه قال

( جاء ثالثة رھط إلي بیوت أزواج النبي صلي اهللا علیه وسلم يسألون عن وأين : الوھا فقالوا عبادة النبي صلي اهللا علیه وسلم فلما أخبروا كأنھم تق

نحن من النبي صلي اهللا علیه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر أنا أصوم الدھر وال : أما أنا فإني أصلي اللیل أبدا ، وقال آخر : ، قال أحدھم

أنا أعتزل النساء فال أتزوج أبدا ، فجاء رسول اهللا صلي : قال آخر أفطر ، وأنتم الذين قلتم كذا وكذا ، أما واهللا إني : اهللا علیه وسلم إلیھم ، فقال

وأصلي وأرقد وأتزوج النساء ألخشاكم هللا وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر ، وعند البخاري أيضا من حديث ) فمن رغب عن سنتي فلیس مني

من : ( عائشة رضي اهللا عنھا ، قال رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم . ( أحدث في أمرنا ھذا ما لیس فیه فھو رد

البدعة مرفوضة بكل سبیل ، مھما بالغ صاحبھا في التحلیل ومن ھنا فإن والتعلیل ، فال بد في كل طاعة من قیام الدلیل ، وال يمكن التأخي بین

األمور البدعیة وبین األدلة القرآنیة والنبوية ، فالسلف اتخذوا كتاب اهللا إماما صلي اهللا وآياته فرقانا ، ونصبوا الحق بین أعینھم عیانا ، وسنن رسول اهللا

علیه وسلم جنة وسالحا ، واتخذوا طريق الحق منھاجا ، وجعلوه نورا . وبرھانا

وھذه وصیة الخطاب بن المعلى لولده يعظه فیھا باتباع السنة والعمل يا بني : باألحكام ، وھي وصیة نافعة جامعة في معاني اإلسالم ، فقال

باع سنته ومعالمه ، حتى علیك بتقوى اهللا وطاعته ، واجتناب محارمه ، باتتصح عیوبك ، وتقر عینك ، فانھا ال تخفي على اهللا خافیه ، إياك وھذر

الكالم ، وكثرة الضحكك والمزاح ، ومھازلة اإلخوان ، فإن ذلك يذھب البھاء ، ويوقع الشحناء ، وينمي الخیالء ، وعلیك بالرزانة والوقار ، من غیر علو أو

ك وعدوك بوجه الرضي ، وكف األذي ، من غیر ذلة استكبار ، وقابل صديقلھم ، وال ھیبة منھم ، وكن في جمیع أمورك في أوسطھا ، فإن خیر األمور أوسطھا ، وقلل الكالم وأفش السالم ، وال تكثر المراء ، وال تنازع السفھاء ،

فإن تكلمت فاختصر ، وإن مزحت فاقتصر ، وغض الطرف عن الفكاھات ضاحكات وطول الحكايات ، وال تحدث الناس عن إعجابك بولدك وال وأنواع الم

جاريتك ، وال عن فرسك وال عن سفیك ، وال تعلم أھلك وولدك فضال عن غیرھم عدد مالك ، فإنھم إن رأوه قلیال ھنت علیھم ، وإن كان كثیرا لم

. تبلغ به رضاھم ، وأخفھم من غیر عنف ، ولن لھم من غیر ضعف

ت فحقق وإذا حدثت فاصدق ، وتخیر محاسن القول بالحديث وإذا وعدالمقبول وإذا حدثت بسماع ، فانسبه إلي أھله ، وال تمسك في اإلنفاق

إمساك المثبور ، وال تبذر تبذير السفیه المغرور ، وإياك وإخوان السوء فإنھم يخونون من رافقھم ، يحزنون من صادقھم ، قربھم أعدي من الجرب

كمال لألدب ، واإلخوان إثنان فمحافظ علیك عند البالء ، ورفضھم است

وصديق لك في الرخاء ، فاحفظ صديق البالء وتجنب صديق العافیة ، فإنھم أعدي األعداء ، وذم الجاھل إياك أفضل من ثنائه علیك ، وعلیك بمعرفة الحق من أخالق الصدق ، واعلم أن السماجة سفاھة ، وأن السكران

كالمه ھذيان ، والشعر من السحر والتھديد من الھجر ، والشح شیطان ، و. شقاء والشجاعة بقاء

يا بني إن زوجة الرجل سكن له ، وال عیش له مع منازعتھا ، فإذا ھممت بنكاح امرأة فسل عن أھلھا ، فإن العروق الطیبة تنبت الثمار الطیبة ،

ھن المعجبة بنفسھا ، واعلم أن النساء أشد اختالفا من أصابع الكف ، فمنومنھن المزرية ببعلھا ، إن أكرمھتا نسبت الفضل لنفسھا ، ال تشكر على

جمیل ، وال ترضي منه بقلیل ، لسانھا علیه سیف صقیل ، قد كشفت ستر الحیاء عن وجھھا ، فال تستحي من عیوبھا ، وجه زوجھا مكلوم ،

وطعامه مر ، نھاره وعرضه مشتوم ، يصبح كئیبا ويمسي كئیبا ، شرابه مرلیل ، ولیله ويل ، تلدغه مثل الحیة العقارة ، وتلسعه مثل العقرب الجرارة ،

إن قال زوجھا ال قالت نعم ، وإن قال نعم قالت ال ، كأنھا مولدة لمخازيه ، محتقرة لما ھو فیه ، ومنھن الورھاء الحمقاء ، الماضغة للسانھا ، اآلخذة

بحبه ورضیت بكسبه ، تأكل كالحمار الراتع ، في غیر شأنھا ، قد قنعت تنتشر الشمس ولما يسمع لھا صوت ، ولم يكنس لھا بیت ، طعامھا بائت

وعجینھا حامض وماؤھا فاتر ، ومتاعھا مزروع وماعونھا ممنوع وخادمھا مضروب وجارھا مغلوب ، ومنھن العطوف الودود المباركة الولود ، المحبوبة

ة في سرھا وإعالنھا ، كريمة التبعل كثیرة التفضل ، في جیرانھا ، المحمودخافضة صوتھا ، نظیفة في بیتھا ، خیرھا دائم وزوجھا ناعم ، محبوبة

مألوفه ، وبالعفاف موصوفة ، جوھرة مثمرة ، وذكرھا مفخرة ، حريصة على عرضھا ، أمینة على بیتھا ، تحفظ زوجھا في غیبته ويأنس بھا في حضرته

من ھذا الصنف تسعد بھا في دنیاك وأخراك، فلتكن زوجتك .

فاللھم اسقنا من حوض نبیك المورود وشرفنا بلوائه المعقود وشفعه فینا إن : في الیوم المشھود وارحمنا به إذا صرنا تحت أطباق اللحود عباد اهللا اهللا ومالئكته يصلون على النبي يا أيھا الذين آمنوا صلوا علیه وسلموا

الم علیكم ورحمة اهللا وبركاتهتسلیما ، والس .

شروط ال إله إال اهللا الشرط السابع

الشرط السابع القبول المنافي للرد

الحمد هللا الذي كان ولم يكن شيء معه وكان عرشه على الماء ، كان وال إنس وال جان وال طائر وال حیوان وأشھد أن ال إله إال اهللا ، وحده ال شريك

دانیته والدائم في أبديته ، تقدس في صمدانیته ، له ، ھو المتفرد بوحلیس له سمي وال وزير ، وال شبه وال نظیر ، انفرد بالخلق والتصوير ،

وانفرد بالمشیئة والتقدير ، لیس كمثله شيء وھو السمیع البصیر ، له الرفعة والحمد والثناء ، وله الفوقیة والعلو واالستواء ، أول بال ابتداء ، دائم

انتھاء ، ال تبلغه األوھام وال تدركه األفھام وال يشبھه األنام ، حي ال بال يموت قیوم ال ينام ، له األسماء الحسني وله الصفات العلى ، وأشھد أن

محمدا عبده ورسوله ، خاتم النبیین وإمام المتقین وسید األنبیاء وأنار والمرسلین ، اصطفاه ربه لرسالته واختاره لبريته ، فبین السبیل

الدلیل ، صلي اهللا علیه وعلى آله الطاھرين وأصحابه السابقین والتابعین يا أيھا الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من } لھم بإحسان إلي يوم الدين ،

قوا اهللا نفس واحدة وخلق منھا زوجھا وبث منھما رجاال كثیرا ونساء واتيا أيھا } ) ١/النساء({ الذي تتساءلون به واألرحام إن اهللا كان علیكم رقیبا

الذين آمنوا اتقوا اهللا ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا اهللا إن اهللا خبیر بما ، أما بعد) ١٠٢/آل عمران({ تعملون ..

فإن منھج ال إله إال اهللا يغیر معالم الحیاة ، ال إله إال اهللا تعني أنه ال معبود بحق إال اهللا ، فال يخضع العبد عن حب إال لربه ، وھمه في الحیاة ابتغاء

قربه ، يخافه ويرجوه ، ويحبه ويدعوه ، روي البخاري بسنده أن النبي صلي ما من أحد يشھد أن : ( ال لمعاذ بن جبل رضي اهللا عنه اهللا علیه وسلم ق

( ال إله إال اهللا وأن محمدا رسول اهللا صدقا من قلبه إال حرمه اهللا على النار.

واعلم عبد اهللا أن ال إله إال اهللا لھا شروط وردت في كتاب اهللا وفي سنة هرسول r : ، فال يصح قول اللسان وال يصلح ركن من أركان اإليمان إال بھا

أولھا العلم المنافي للجھل ، ثم الیقین المنافي للشك ، ثم اإلخالص المنافي للشرك ، ثم الصدق المنافي للكذب ، تم المحبة التي تنافي

د البغض ، ، ثم االنقیاد الذي ينافي الترك ، ثم القبول الذي ينافي الروالثامن من ھذه الشروط ھو الكفر بما يعبد من دون اهللا ، وقد أحسن من

: جمعھا وعدھا وحصرھا في ھذين البیتین فقال

محبة وانقیاد والقبول لھا: علم يقین وإخالص وصدقك مع

سوي اإلله من األشیاء قد ألھا: وزيد ثامنھا الكفران منك بما

ن الشرط السابع من شروط ال إله إال وحديثنا بإذن اهللا في محاضرة الیوم عاهللا ، وھو القبول المنافي للرد ، القبول لما اقتضته ھذه الكلمة ، القبول

الذي يحرك القلب واللسان واألبدان ، وقد قص اهللا تعالى في القرآن ، نباء من قبل قبلھا ، وانتقامه ممن ردھا ، وعذابه لمن كفر بھا ، كما قال تعالى

لك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إال قال مترفوھا إنا وجدنا وكذ: ( آباءنا على أمة وإنا على آثارھم مقتدون قال أولو جئتكم بأھدي مما وجدتم

تم به كافرون فانتقمنا منھم فانظر كیف كان علیه آباءكم قالوا إنا بما أرسل. ( عاقبة المكذبین

وكذلك أخبرنا اهللا تعالى بما أعده لمن قبل كلمة التوحید من أنواع الثواب ، وما أعده لمن ردھا من ألوان العذاب فقال تعالى عن الكافرين يوم الحساب

:

( لنا ھذا يوم الدين ھذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون احشروا وقالوا ياويالذين ظلموا وأزواجھم وما كانوا يعبدون من دون اهللا فاھدوھم إلي صراط

رون بل ھم الیوم الجحیم وقفوھم إنھم مسئولون ما لكم ال تناصمستسلمون وأقبل بعضھم على بعض يتساءلون قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن الیمین قالوا بل لم تكونوا مؤمنین وما كان لنا علیكم من سلطان بل

علینا قول ربنا إنا لذائقون فأغويناكم إنا كنا غاوين كنتم قوما طاغین فحق ما سبب –) فإنھم يومئذ في العذاب مشتركون إنا كذلك نفعل بالمجرمین

إجرامھم ، وما علة تعذيبھم ، سببه ھو استكبارھم عن قول ال إال إله اهللا يھزأون برسول اهللا –) إنھم كانوا إذا قیل لھم ال إله إال اهللا يستكبرون (–

- ) ويقولون أئنا لتاركوا آلھتنا لشاعر مجنون ( –ويصفونه بالسحر والجنون فكذبھم اهللا عز وجل ورد ذلك علیھم وصدق رسول اهللا صلي اهللا علیه

بل جاء بالحق وصدق المرسلین إنكم لذائقو العذاب األلیم ( –فقال وسلم ثم استثني اهللا عباده المخلصین الذين –) وما تجزون إال ما كنتم تعملون

إال ( –صدقوا المرسلین وقبلوا ال إله إال اهللا خاضعین مؤمنین فقال تعالى اهللا المخلصین أولئك لھم رزق معلوم فواكه وھم مكرمون في جنات عباد

النعیم على سرر متقابلین يطاف علیھم بكأس من معین بیضاء لذة ھم قاصرات الطرف عین للشاربین ال فیھا غول وال ھم عنھا ينزفون وعند

أكرمھم اهللا وشفا صدورھم وأراحھم وري غلیلھم –) كأنھن بیض مكنون فأقبل بعضھم على بعض يتساءلون قال قائل منھم إني ( –في الكافرين

أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا كان لي قرين يقول أئنك لمن المصدقینلمدينون قال ھل أنتم مطلعون فاطلع فرآه في سواء الجحیم قال تاهللا إن كدت لترديني ولوال نعمة ربي لكنت من المحضرين أفما نحن بمیتین إال

موتتنا األولي وما نحن بمعذبین إن ھذا لھو الفوز العظیم لمثل ھذا فلیعمل . ( العاملون

وقال سبحانه وتعالي عن الكافرين وردھم دعوة األنبیاء المرسلین ، جاءھم وعجبوا أن: ( وتكذيبھم بتوحید رب العالمین ورسالة خاتم النبیین

منذر منھم وقال الكافرون ھذا ساحر كذاب أجعل اآللھة إلھا واحدا إن ھذا لشيء عجاب وانطلق المأل منھم أن امشوا واصبروا على آلھتكم إن ھذا

لملة اآلخرة إن ھذا إال اختالق أؤنزل علیه لشيء يراد ما سمعنا بھذا في ا. ( الذكر من بیننا بل ھم في شك من ذكري بل لما يذوقوا عذاب

عن أبي موسي األشعري أن النبي صلي اهللا ٧٧وفي صحیح البخاري عثني اهللا به من الھدي والعلم كمثل الغیث مثل ما ب: ( علیه وسلم قال

أصاب أرضا فكان منھا نقیة قبلت -والغیث الكثیر ھو المطر الغزير–الكثیر –الماء فأنبتت الكأل والعشب الكثیر وكانت منھا أجادب أمسكت الماء

فنفع اهللا -جادب ھي األرض الجافة التي ال تنبت زرعا وال تشرب ماءا واألوأصابت منھا طائفة أخرى ، إنما ھي -بھا الناس فشربوا وسقوا وزرعوا

اهللا ونفعه قیعان ال تمسك ماء وال تنبت كأل ، فذلك مثل من فقه في دين ما بعثني اهللا به فعلم وعلم ، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل ھدي

. اهللا الذي أرسلت به

والقبول الذي ينافي الترك يحتم علیك الرضي باهللا ربا وباإلسالم دينا اهللا وال تخالف سنة رسول اهللا ، وبمحمد نبیا ورسوال ، فال تعترض على أمر

من حديث أنس ٥٠٧وتتخذ اإلسالم منھجا لك في الحیاة ، روي البخاري بن مالك أن رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم أكثروا علیه السؤال حتى

زاغت أحفوه المسألة فغضب صلي اهللا علیه وسلم فصلي الظھر حینالشمس ثم صعد المنبر ، فذكر الساعة ، وذكر أن فیھا أمورا عظاما ثم قال

من أحب أن يسأل عن شيء فلیسأل ، فال تسألوني عن شيء إال

ر الناس في البكاء وأكثر رسول اهللا أخبرتكم ما دمت في مقامي ھذا ، فأكثيقول أنس فجعلت أنظر يمینا –صلي اهللا علیه وسلم أن يقول سلوني

فقام عبد اهللا بن حذافة -وشماال فإذا كل رجل الف رأسه في ثوبه يبكي يدعي لغیر -أي خاصمھم أو جادلھم–ن إذا الحي الرجال السھمي ، وكا

أبوك حذافة ، ثم : فقال من أبي يا رسول اهللا ؟ قال -أبیه ، فشك في أبیه أكثر أن يقول سلوني ، فبرك عمر على ركبتیه ، وقال رضینا باهللا ربا

سالم دينا وبمحمد نبیا فسكت رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم ، ثم وباإلقال عرضت على الجنة والنار آنفا في عرض ھذا الحائط فلم أر كالخیر

. والشر

أن رسول اهللا وري البخاري بسنده عن أنس بن مالك رضي اهللا عنهأعطي رجاال من قريش المائة من اإلبل حین كثرت الغنائم من أموال ھوازن

يغفر اهللا لرسول اهللا : وأفاء اهللا علیه ما أفاء من أموال ، فقال بعض األنصار ركنا و، سیوفنا تقطر من دمائھم ، صلي اهللا علیه وسلم ، يعطي قريشا ويت

فعلم رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم بمقالتھم فأرسل إلي األنصار فجمعھم ، ولم يدع معھم غیرھم ، فلما اجتمعوا قام النبي صلي اهللا علیه

أما رؤساؤنا يا : ما حديث بلغني عنكم ، فقال فقھاء األنصار : وسلم فقالرسول اهللا فلم يقولوا شیئا ، وأما ناس منا حديثة أسنانھم فقالوا يغفر اهللا

ا ويتركنا وسیوفنا تقطر من لرسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم يعطي قريشدمائھم ، فقال النبي صلي اهللا علیه وسلم إني أعطي رجاال حديثي عھد بكفر أتألفھم ، أما ترضون أن يذھب الناس باألموال وتذھبون بالنبي صلي

لیه وسلم إلي رحالكم ، فواهللا لما تنقلبون به خیر مما ينقلبون به ، اهللا ع: قالوا يا رسول اهللا قد رضینا ، فقال لھم النبي صلي اهللا علیه وسلم

رسوله ، فإني على الحوضستجدون أثرة شديدة فاصبروا حتى تلقوا اهللا و.

فالرضا أساس القبول والزمه القناعة والطاعة والتسلیم ، فالرضا باهللا ربا وھو أن ال يكره ما يجري به القضاء ويشكره على النعماء والسراء وصبر

على البالء والضراء ، والرضا باإلسالم دينا أن يخضع ألمر اهللا ونھیه ، فیذم يكره ما كرھه اهللا ، لموافته رضاه في كل شيء شرعه اهللا ، ما ذمه اهللا و

على تفصیل العلم الذي جاءنا عن رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم ، فما كان من خیر وبر أمر اهللا به على الوجوب ، أو االستحباب والمندوب ، رضي

نا به العبد ونفذه على الوجه المطلوب ، وما كان من شر نھي عنه وحذرمنه ، فعلى العبد أن يمتنع ويرتدع ، ويعلم أنه إذا اقترف سوءا فإنه يعترف بذنبه وخطیئته ، ويستوجب العقوبة بعدل اهللا وحكمته ، ويسارع هللا في

تقديم توبته ، وأنه لن يخالف أمرا من شريعته ، أما الرضا بمحمد صلي اهللا يخالف سنة نبیه صلي علیه وسلمنبیا ورسوال أال يحدث في دين اهللا أمرا

اهللا علیه وسلم قوال وفعال ، ورضا اهللا عن العبد ھو أن يراه مؤتمرا ألمره . ومنتھیا عن نھیه

واعلم عبد اهللا أن أساس القبول أو الرد كائن في القلب ، فالقلب له نیة أصیلة وإرادة مختارة ، وله دوره الفعال في تحديد المصیر وعواقب التدبیر ،

قلب مصدر أفعال اإلنسان ، وأساس النیات والرغبات ، والقصود فإرادة الواالختیارات والحركات والسكنات ، سواء الداخلیة في ذات اإلنسان أو

الخارجیة في حركة األبدان ، ولما كان اإليمان قول وعمل ، قول وعمل في باطن اإلنسان و قول وعمل في ظاھره ، فإن أصول القبول الذي ينافي الرد

ربعة أركان ، قبول القلب وھو عمله وعمله ، وقبول اللسان وھو قوله أونطقه ، وقبول الجوارح بالخضوع واالنقیاد ، أما أصول الرد التي تنفي القبول ، فھي أربعة أنواع من الكفران ، وھي ضد أركان اإليمان في

اإلنسان ، كفر الجھل والتكذيب وكفر النفاق وكفر الجحود وكفر العناد . واالستكبار

فقول القلب ھو علمه وقبول القلب حصول العلم فیه ، فالقلب أساس أولھا العلم باألسماء : المعرفة والتمییز ويقوم بإدراك نوعین من العلوم

وحدود األشیاء ، وثانیھا العلم بمنھج الرسل واألنبیاء ، فاهللا عز وجل قد ، ال يعلم شیئا من شاء ، أن يخرج اإلنسان من بطن أمه صفحة بیضاء

األسماء ، فیتعلم حدود األشیاء على فترات ، ويكتسب المعرفة على مدار : ( األوقات ، كما علم اهللا آدم األسماء في لحظات ، فقال تعالى في حقه

واهللا أخرجكم من بطون : ( وقال أيضا في ولده ) وعلم آدم األسماء كلھا م ال تعلمون شیئا وجعل لكم السمع واألبصار واألفئدة لعلكم أمھاتك

٧٨/ النحل ) تشكرون .

ومن عدل اهللا وحكمته ومن فضله ورحمته أنه ال يكلف إنسانا في طفولته ، ولكن بعد تحصیل القلب للعلم وإدراك المعرفة والفھم ، كلف اهللا باألحكام

ة ، ومنھج العبودية ، الذي يعود علیه بالصالح في دنیاه ، والفالح الشرعیفإما يأتینكم مني ھدي فمن اتبع ھداي فال : ( في أخراه ، فقال تعالى

يضل وال يشقي ومن أعرض عن ذكري فإن له معیشة ضنكا ونحشره يوم لقیامة أعمي قال رب لم حشرتني أعمي وقد كنت بصیرا قال كذلك أتتك ا

١٢٦: ١٢٣/ طه ) آياتنا فنسیتھا وكذلك الیوم تنسي .

فالقبول بال إله إال اهللا يعني أن المسلم سیخضع هللا عن حب وتعظیم ، ه لمعبوده ويعمل في تحقیق مطلوبه ، فلو وطاعة وتسلیم ، يسلم نفس

أرسل اهللا رسالة لعبیده الصادقین في عبادته ، بین فیھا أحكام شريعته ، وأصول طاعته ، وبین فیھا ماذا نفعل حتى نصل إلي قربه ومحبته ، وماذا

نترك حني نفوز بجنته ، فلو كان العبد صادقا في شھادته أنه ال إله إال اهللا ا رسول اهللا ، لبذل كل ما في استطاعته واجتھد بكل طاقته وأن محمد

لكي يطلع على ھذه الرسالة ويتمكن من قراءتھا ويدقق في مادتھا ، طالما أن ھذه الرسالة فیھا النجاة من غضب اهللا ، وفیھا القرب من حبه

ورضاه ، فكلمة التوحید عقد بینك وبین اهللا ، التزمت به يوم قلت أشھد أال

إال اهللا وأن محمدا رسول اهللا وھو خیر عقد يجب على المسلم أن إلهيوفي فیه بالتزاماته ويؤدي ما علیه من واجباته ، لقول اهللا تعالى في

والموفون ) ( ١:المائدة) (يا أيھا الذين آمنوا أوفوا بالعقود : ( محكم آياته ١٧٧من اآلية: البقرة()بعھدھم إذا عاھدوا ) .

وإذا كان كل عقد بین البشر له قواعد وأحكام ، وكان كل إنسان قبل أن يوقع على أي عقد يقرأ شروطه بإمعان وإتقان ، فحري بالمسلم الصادق

في إسالمه ، أن يعرف مضمون العقد الذي بینه وبین اهللا ، عندما شھد أال فاسألوا أھل الذكر إن : ( ا السؤال فقال إله إال اهللا ، ولذلك أوجب اهللا علین

٤٣من اآلية: النحل) (كنتم ال تعلمون ) .

فإن أرسل اهللا إلي الناس رسالته وأدركوا بعقولھم حجته ، ثم أعرضوا عنھا وتملصوا منھا ووقعوا في الجھل بتكذيبھم وإعراضھم ، كان كفرھم كفر

ويوم نحشر من كل أمة فوجا : ( حانه وتعالي جھل وتكذيب ، كما قال سبممن يكذب بآياتنا فھم يوزعون حتى إذا جاءوا قال أكذبتم بآياتي ولم

ھم ال تحیطوا بھا علما أماذا كنتم تعملون ووقع القول علیھم بما ظلموا فبل كذبوا بما لم يحیطوا بعلمه : ( ، وقال جل جالله ٨٤/النمل ) ينطقون

ولما يأتھم تأويله كذلك كذب الذين من قبلھم فانظر كیف كان عاقبة ٣٩/ يونس ) الظالمین .

یھا فوج سألھم خزنتھا ألم يأتكم نذير قالوا بلي كلما ألقي ف: ( قال تعالى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل اهللا من شيء إن أنتم إال في ضالل كبیر

عیر فاعترفوا بذنبھم وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب الس. ( فسحقا ألصحاب السعیر

فھؤالء الكفار لوال أن الحجة بلغتھم ما أعترفوا بذنبھم أو أقروا بحمقھم ، فبسبب ردھم وعدم قبولھم وقعوا في الكفر برسالة السماء وإن جھلوا

كذيب ھو أول أنواع محتواھا ولم يفھموا معناھا ، ولذلك كان كفر الجھل والت

الكفر باهللا ، فتجد العبد يعرض عن اهللا عند أول سماعه للدلیل ، ويكذب بالحق حتى لو ورد في التنزيل ، يغلق قلبه وعقله ويوقف نظره وفكره ،

روي البخاري من حديث ابن عباس رضي اهللا عنه أن رسول اهللا صلي اهللا به إلي كسري مع عبد اهللا بن حذافة السھمي علیه وسلم بعث بكتا

فأمره أن يدفعه إلي عظیم البحرين فدفعه عظیم البحرين إلي كسري فلما قرأه مزقه ، مزقه دون تفكر أو سؤال أو نظر واستدالل ، وقد ورد في

فدعا علیھم رسول اهللا صلي اهللا علیه : بن عباس قال الحديث أن عبد اهللا. وسلم أن يمزقوا كل ممزق

فاإلنسان مسئول عن السبب في جھله ، فإن كان الجھل من كسبه وفعله ، وإعراضه وكبره وعدم قبوله للحق ورده ، فھو محاسب على كل

ت المخالفة مخالفة عظیمة تؤدي إلي معصیة وقع فیھا بجھله ، سواء كانالخلود في النار ، أو كانت المخالفة كبیرة تحت مشیئة الواحد الجبار ، إن

. شاء غفرھا لعبده وإن شاء عذبه بذنبه

أما إذا انقطعت به األسباب وانسدت في وجھه األبواب ، ولم يتمكن من يعص اهللا فیما معرفة ما نزل في الكتاب بعد الطلب والبحث والسؤال ولم

، فھو ) ٤٣من اآلية: النحل) (فاسألوا أھل الذكر إن كنتم ال تعلمون : ( قال باتفاق معذور بجھله ال يؤاخذ على ذنبه ألن الجھل لیس من كسبه ، بل

وما كنا معذبین : ( ھو من تقدير اهللا وفعله ، وقد قال سبحانه وتعالي عث رسوالحتى نب ) .

أما الركن الثاني في اإليمان والقبول بال إله إال اهللا ، فھو عمل القلب ، فصالح اإلنسان مبني على صالح القلب ، وصالح القلب مبني إدراك العلم وتحصیله ، ثم اعتقاد الحق وقبوله ، فإن تظاھر اإلنسان بالقبول في فعله

لثاني من أنواع الكفر وھو كفر ولم يقبل الحق في قلبه ، ظھر النوع ا

النفاق ، فكفر النفاق ينشأ عن انتفاء عمل القلب مع اإلقرار باللسان : وانقیاد الجوارح في ظاھر اإلنسان ، لقوله تعالى

( ومن الناس من يقول آمنا باهللا وبالیوم اآلخر وما ھم بمؤمنین يخادعون الذين آمنوا وما يخدعون إال أنفسھم وما يشعرون في قلوبھم مرض اهللا و

فزادھم اهللا مرضا ولھم عذاب ألیم بما كانوا يكذبون وإذا قیل لھم ال ھم ھم المفسدون ولكن تفسدوا في األرض قالوا إنما نحن مصلحون أال إن

إن المنافقین يخادعون اهللا وھو خادعھم وإذا : ( وقال تعالى ) ال يشعرون ) قاموا إلي الصالة قاموا كسالي يراءون الناس وال يذكرون اهللا إال قلیال

أن تقبل منھم نفقاتھم إال أنھم كفروا باهللا وما منعھم: ( وقال أيضا ) وبرسوله وال يأتون الصالة إال وھم كسالي وال ينفقون إال وھم كارھون

إن المنافقین : ( وقال تعالى في إثبات كفرھم ودوام عذابھم أبد اآلبدين األسفل من النار ولن تجد لھم نصیرافي الدرك ) .

أما الركن الثالث من القبول بال إله إال اهللا وتحقیق أركان اإليمان فھو قول اللسان ، وقبول اللسان ھو شھادته بال إله إال اهللا ، شھادته بالحق وقول

دونه الشفاعة إال من وال يملك الذين يدعون من: ( الصدق ، يقول تعالى ، يقول المفسرون في معني إال ٨٦/الزخرف) شھد بالحق وھم يعلمون

من شھد بالحق أي شھد بال إله إال اهللا بكلمة اإلخالص والتوحید فإن لم يشھد اللسان بھا مع علمه بصدقھا ، ظھر النوع الثالث من أنواع الكفر وھو

الجحود ، فكفر الجحود له ركنان ، وجود علم القلب وامتناع اللسان ، كفرككفر فرعون ، فإنه استیقن في الجنان بصدق بموسي وھارون ، وجحد

وجحدوا بھا واستیقنتھا : ( باللسان أن يوافقھم فیما يقولون ، فقال تعالى ، وقال ١٤/النمل) كان عاقبة المفسدين أنفسھم ظلما وعلوا فانظر كیف

ولقد آتینا موسي تسع آيات بینات فاسأل بني إسرائیل إذ : ( جل جالله جاءھم فقال له فرعون إني ألظنك ياموسي مسحورا قال لقد علمت ما

ب السماوات واألرض بصائر وإني ألظنك يافرعون مثبورا فأراد أنزل ھؤالء إال ر. ( أن يستفزھم من األرض فأغرقناه ومن معه جمیعا

ومن أمثلة كفر الجحود كفر الیھود ، فإنھم كانوا يعرفون النبي صلي اهللا كمعرفتھم ألبنائھم ، وكانوا قبل مبعثه يفخرون على العرب علیه وسلم

الذين آتیناھم الكتاب يعرفونه كما : ( باتباعھم له وانتمائھم ، يقول تعالى ولما ( ، ) يعرفون أبناءھم وإن فريقا منھم لیكتمون الحق وھم يعلمون

ھم كتاب من عند اهللا مصدق لما معھم وكانوا من قبل يستفتحون جاءعلى الذين كفروا فلما جاءھم ما عرفوا كفروا به فلعنة اهللا على الكافرين

ل اهللا بغیا أن ينزل اهللا من بئسما اشتروا به أنفسھم أن يكفروا بما أنزفضله أن ينزل اهللا من فضله على من يشاء من عباده فباءوا بغضب على

. ( غضب وللكافرين عذاب مھین

الم بلغ عبد اهللا بن س: روي البخاري عن أنس رضي اللھم عنه أنه قال إني سائلك : مقدم رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم المدينة فأتاه وقال له

ما أول أشراط الساعة وما أول طعام : عن ثالث ال يعلمھن إال نبي ، قال ينزع الولد إلي أبیه ومن أي شيء ينزع يأكله أھل الجنة ومن أي شيء

إلي أخواله ؟ فقال رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم خبرني بھن آنفا ذاك عدو : نعم ، قال : جبريل ؟ قال : جبريل ، قال عبد اهللا بن سالم

مالئكة فقرأ رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلمالیھود من ال :

( قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن اهللا مصدقا لما بین وجبريل يديه وھدي وبشري للمؤمنین من كان عدوا هللا ومالئكته ورسله

ومیكال فإن اهللا عدو للكافرين فقال رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم أما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلي المغرب وأما أول

ادة كبد الحوت ، وأما الشبه في الولد فإن الرجل طعام يأكله أھل الجنة فزيإذا غشي المرأة فسبقھا ماؤه كان الشبه له ، وإذا سبق ماؤھا كان

ن الیھود يا رسول اهللا إ: أشھد أنك رسول اهللا ، ثم قال : الشبه لھا ، قال قوم بھت إن علموا بإسالمي قبل أن تسألھم بھتوني عندك ، فجاءت

الیھود ودخل عبد اهللا البیت لیختبئ فقال رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم أعلمنا وابن أعلمنا وأخبرنا وابن : وا أي رجل فیكم عبد اهللا بن سالم ؟ قال

أفرأيتم إن أسلم عبد اهللا : أخیرنا ، فقال رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم إله إال أشھد أن ال: أعاذه اهللا من ذلك ، فخرج عبد اهللا إلیھم فقال : ؟ قالوا

اهللا وأشھد أن محمدا رسول اهللا ، فقالوا ھو شرنا وابن شرنا ووقعوا فیه فھذا الذي كنت أخافه يا رسول اهللا: وانتقصوه ، قال .

ومن أمثلة كفر الجحود كذلك كفر ھرقل ملك الروم ، فعند البخاري من يث ابن عباس أن أبا سفیان بن حرب أخبره أن ھرقل أرسل إلیه في حد

ركب من قريش ، وكانوا تجارا بالشأم ، فدعاھم في مجلسه وحوله عظماء قرب نسبا بھذا الرجل الذي يزعم أنه أيكم أ: الروم ، ثم دعا بترجمانه فقال

نبي ؟ فقال أبو سفیان فقلت أنا أقربھم نسبا ، فقال أدنوه مني وقربوا ل ھذا أصحابه ، فاجعلوھم عند ظھره ، ثم قال لترجمانه قل لھم إني سائ

فواهللا لوال الحیاء : عن ھذا الرجل ، فإن كذبني فكذبوه ، يقول أبو سفیان : من أن يأثروا على كذبا لكذبت علیه ، ثم كان أول ما سألني عنه أن قال

فھل قال ھذا القول : و نسب ، قال ھو فینا ذ: كیف نسبه فیكم ؟ قلت ال : فھل كان من آبائه من ملك ؟ قلت : ال ، قال : منكم أحد قط قبله قلت

فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤھم ؟: ، قال

بل يزيدون ، قال : ون أم ينقصون ؟ قلت أيزيد: بل ضعفاؤھم ، قال : فقلت : ال ، قال : فھل يرتد أحد منھم سخطة لدينه بعد أن يدخل فیه ؟ قلت :

فھل : ال ، قال : فھل كنتم تتھمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ قلت ؟ قلت ال ، ونحن منه في مدة ال ندري ما ھو فاعل فیھا ، يقول أبو يغدر

: ولم تمكني كلمة أدخل فیھا شیئا غیر ھذه الكلمة ، قال ھرقل : سفیان الحرب : إياه ؟ قلت فكیف كان قتالكم: نعم ، قال : فھل قاتلتموه ؟ قلت

يقول : ماذا يأمركم ؟ قلت : بیننا وبینه سجال ينال منا وننال منه ، قال اعبدوا اهللا وحده وال تشركوا به شیئا واتركوا ما يقول آباؤكم ويأمرنا بالصالة

زكاة والصدق والعفاف والصلةوال .

قل له سألتك عن نسبه فذكرت أنه فیكم ذو نسب : فقال للترجمان فكذلك الرسل تبعث في نسب قومھا ، وسألتك ھل قال أحد منكم ھذا

أن ال فقلت لو كان أحد قال ھذا القول قبله لقلت رجل القول ، فذكرت يأتسي بقول قیل قبله ، وسألتك ھل كان من آبائه من ملك فذكرت أن ال ،

وسألتك ھل قلت فلو كان من آبائه من ملك قلت رجل يطلب ملك أبیه ،كنتم تتھمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال فذكرت أن ال ، فقد أعرف أنه لم

يكن لیذر الكذب على الناس ويكذب على اهللا ، وسألتك أشراف الناس رت أن ضعفاءھم اتبعوه وھم أتباع الرسل ، اتبعوه أم ضعفاؤھم فذك

وسألتك أيزيدون أم ينقصون فذكرت أنھم يزيدون وكذلك أمر اإليمان حتى كرت أن ال ، يتم ، وسألتك أيرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فیه فذ

وكذلك اإليمان حین تخالط بشاشته القلوب ، وسألتك ھل يغدر فذكرت أن ال وكذلك الرسل ال تغدر ، وسألتك بما يأمركم فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا

ه شیئا وينھاكم عن عبادة األوثان ويأمركم بالصالة اهللا وال تشركوا بوالصدق والعفاف ، فإن كان ما تقول حقا فسیملك موضع قدمي ھاتین ،

فلو أني أعلم أني أخلص وقد كنت أعلم أنه خارج لم أكن أظن أنه منكم ، . إلیه لتجشمت لقاءه ، ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه

ثم دعا بكتاب رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم الذي بعث به إلیه ، فقرأه حیم من محمد عبد اهللا ورسوله إلي ھرقل بسم اهللا الرحمن الر: فإذا فیه

عظیم الروم سالم على من اتبع الھدي أما بعد فإني أدعوك بدعاية اإلسالم أسلم تسلم يؤتك اهللا أجرك مرتین فإن تولیت فإن علیك إثم

واألريسیون ھم عامة الناس من الفالحین والحرفیین –األريسیین يا أھل الكتاب تعالوا إلي كلمة سواء بیننا وبینكم أن ال نعبد ( والبسطاء و

دون اهللا فإن تولوا إال اهللا وال نشرك به شیئا وال يتخذ بعضنا بعضا أربابا من. ( فقولوا اشھدوا بأنا مسلمون

فلما قال ما قال وفرغ من قراءة الكتاب كثر عنده الصخب : قال أبو سفیان ا لقد أمر أمر ابن وارتفعت األصوات وأخرجنا ، فقلت ألصحابي حین أخرجن

أبي كبشة إنه يخافه ملك بني األصفر ، فما زلت موقنا أنه سیظھر حتى يا : أدخل اهللا على اإلسالم ، وقد جمع ھرقل عظماء الروم في وقال لھم

الح والرشد وأن يثبت ملككم فتبايعوا ھذا معشر الروم ھل لكم في الفالنبي فحاصوا حیصة حمر الوحش إلي األبواب فوجدوھا قد غلقت ، فلما

رأي ھرقل نفرتھم وأيس من إيمان ، جحد رسول اهللا وكلمة التوحید وقال على ، إني قلت مقالتي آنفا أختبر بھا شدتكم على دينكم ، وقد ردوھم

. رأيت فسجدوا له ورضوا عنه فكان ذلك آخر شأنه وجحوده وكفره

ومن أمثلة كفر الجحود أيضا كفر أبي طالب عم النبي صلي اهللا علیه يا عم : ول اهللا صلي اهللا علیه وسلم عند الوفاة وسلم حیث قال له رس

قل ال إله إال اهللا كلمة أشھد لك بھا عند اهللا ، فقال أنا على ملة عبد المطلب وأبي أن يقول ال إله إال اهللا ، وقد كان يعلم صدق رسول اهللا صلي

فھو القائلاهللا علیه وسلم :

من خیر أديان البرية دينا: ولقد علمت بأن دين محمد

لوجدتني سمحا بذاك مبینا: لوال المالمة أو حذار مسبة

فكفر الجحود مبني على عدم قبول اللسان مع اعتقاد الجنان ، فإذا وجد علم القلب وامتنع اللسان ، انتفي أيضا عمل القلب على اإليمان ، لوجود

كفران ، وكذلك امتنعت حركة األبدان عن الطاعة واإليمانالكبر وال .

أما الركن الربع من القبول بال إله إال اهللا وتحقیق أركان اإليمان فھو عمل الجوارح وطاعة األبدان ، فالجوارح ھي أدوات االستطاعة التي تحول عمل

القلب إلي فعل خارجي مرئي ملموس ، يكتسبه اإلنسان ويحاسب علیه عمل الجوارح مقسم على الحواس ، السمع والبصر وبقیة الحواس ، ، و

وعمل الجوارح في الطاعة من عالمات القبول ، أما إذا امتنع اإلنسان بجوارحه عن تنفیذ أمر اهللا بإصرار ، ووقر في قلبه العلو واالستكبار ظھر

عناد مبني النوع الرابع من أنواع الكفر ، وھو كفر العناد واالستكبار ، فكفر العلى علم القلب بال إله إال اهللا ، وإقرار باللسان أنه ال معبود بحق سواه ، وامتناع الجوارح من الطاعة واالستسالم ، ورد ما جاء عن اهللا من أحكام ،

وذلك المتناع عمل القلب عن القبول واإليمان ، ووجود العناد والكبر ، واالستكبار ، كفر إبلیس لعنه والعزم على عدم الفعل ، ومثال كفر العناد

. اهللا ، ومن لم يحكم بما أنزل اهللا ، وكفر المواظب على ترك الصالة

قال يا إبلیس ما منعك أن تسجد لما خلقت بیدي : ( فإن اهللا تعالى لة في فحصر السبب في أمرين وجعل الع) أاستكبرت أم كنت من العالین

فسجد المالئكة كلھم أجمعون إال إبلیس ( سببین ، إما كبرياء أو استعالء ، أبي أن يكون مع الساجدين قال يا إبلیس ما لك أال تكون مع الساجدين

مسنون قال فاخرج قال لم أكن ألسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ. ( منھا فإنك رجیم وإن علیك اللعنة إلي يوم الدين

فال : ( وقال تعالى فیمن لم يقبل حكم اهللا ولم يرض بحكم رسول اهللا أنفسھم وربك ال يؤمنون حتى يحكموك فیما شجر بینھم ثم ال يجدوا في

، روي البخاري أن رجال من األنصار ) حرجا مما قضیت ويسلموا تسلیما في شراج الحرة التي يسقون ٢١٨٧خاصم الزبیر بن العوام رضي اهللا عنه

نصارى بھا النخل ، اختلفا على قناة الماء التي تروي أرضھما ، فقال األوكانت أرض الزبیر قبل أرضه والماء يمر أوال –سرح الماء يمر فأبي علیه

فاختصما عند النبي صلي اهللا علیه وسلم ، فقال رسول اهللا -على نخله إلي جارك ، صلي اهللا علیه وسلم للزبیر اسق يا زبیر ثم أرسل الماء

أي حكمت لصالحه من أجل - فغضب األنصارى وقال أن كان ابن عمتك

فتلون وجه رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم وغضب ، فقال اسق -قرابته ماء اسق حتى يغطي ال–يا زبیر ثم احبس الماء حتى يرجع إلي الجدر

فاستوعي للزبیر حقه -أصول نخلك ويبلغ إلي مقدار الكعبین وال علیك منه فال وربك ال يؤمنون حتى : ( في صريح الحكم ، فنزل قول اهللا تعالى

ا قضیت يحكموك فیما شجر بینھم ثم ال يجدوا في أنفسھم حرجا مم( ويسلموا تسلیما ،

: ( وقال تعالى فیمن حكم غیر شرع اهللا واستكبر عن تطبیق منھج اهللا ومن لم يحكم بما أنزل ) ( ومن لم يحكم بما أنزل اهللا فأولئك ھم الكافرون

م يحكم بما أنزل اهللا فأولئك ھم ومن ل) ( اهللا فأولئك ھم الظالمون . ( الفاسقون

فالحاكم أو اإلمام أو الذي زعم اإلقرار باإلسالم ، إن لم يقبل الشرع ومنھج اإلسالم ، وينفذ ما جاء فیه من أحكام ، مع وجود قدرته وقیام استطاعته ،

ود للمعبود ، فقد شابه إبلیس في عناده وحماقته ، وامتناعه عن السجواعلم أن الحكم بغیر ما أنزل اهللا له درجات متفاوته ، تتردد بین الكفر األكبر الذي ينقض أصل اإليمان والكفر األصغر ينقض كمال اإليمان ، فیجب التنبه

ومن لم يحكم بما أنزل اهللا فأولئك ھم الكافرون : ( إلي ذلك ، فقوله تعالى اول الكفرين األصغر واألكبر بحسب حال الحاكم ، فإن اعتقد وجوب يتن)

الحكم بما أنزل اهللا في واقعة معینة ، وعدل عنه لحاجة في نفسه مع اعترافه بذنبه ومعصیته لربه وأنه مستحق للعقوبة بوزره ، فھذا كفر أصغر ال

أنه يخرج عن الملة ، وإن اعتقد أنه غیر واجب وأنه مخیر فیه مع تیقنه حكم اهللا ، فھذا كفر أكبر يخرج عن الملة ، وإن جھل حكم اهللا ، وأخطأ في

. إدراك شرع اهللا ، فھو مخطئ له حكم المخطئین

فمن نحي شرع اهللا بالكلیة ، بعد علمه بكمال األحكام اإللھیة ، وقدم شرعا من انتاج العقول البشرية سواء كانت شرقیة أو غربیة ، فقد وقع في

ناد واالستكباركفر الع .

وإذا قیل : ( أما تارك الصالة ، فكفره من جنس كفر إبلیس ، قال تعالى ) لھم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمان أنسجد لما تأمرنا وزادھم نفورا

ويل يومئذ وإذا قیل لھم اركعوا ال يركعون: ( الفرقان ، وقال تعالى بین : ( المرسالت ، وقال رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم ) للمكذبین

: ( وقال صلي اهللا علیه وسلم ) الرجل وبین الشرك والكفر ترك الصالة فتارك الصالة ممن ) العھد الذي بیننا وبینھم الصالة فمن تركھا فقد كفر

لسانه ولكنه امتنع بجوارحه ، وھذا انتسب إلي اإلسالم علم بقلبه وأقر بيدلنا على انتفاء إرادته وامتناع قلبه ، لوجود التالزم بین عمل القلب وعمل الجوارح ، فلو كانت في نیته طاعة اهللا وعزم بإرادته على السجود هللا لظھر ذلك في عمل الجوارح وقام إلي أداء الصالة ، ولكن امتناعه عن الصالة مع

لیھا يحتم فساد قلبه وخلوه من اإليمانوجود القدرة ع .

إال إن في الجسد مضغة إذا : ( قال رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم ، ) صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله أال وھي القلب

إن الذين عند ربك ال يستكبرون عن عبادته : ( واهللا عز وجل يقول ومن آياته اللیل : ( ، وقال تعالى ٢٠٦/األعراف) حونه وله يسجدون ويسب

والنھار والشمس والقمر ال تسجدوا للشمس وال للقمر واسجدوا هللا الذي عند ربك يسبحون له خلقھن إن كنتم إياه تعبدون فإن استكبروا فالذين

، فالمانع المباشر لعدم ٣٨:٣٧/فصلت) باللیل والنھار وھم ال يسأمون السجود كما ذكره اهللا ھو اإلباء واالستكبار ، فإياك أخي المسلم من

. التقصیر في الصالة فإنھا عماد الدين وحیاة المؤمنین

افي الرد في تحقیق شروط ال إله إال اهللا ، ومن عالمات القبول الذي يناألمر بالمعروف والنھي عن المنكر ، فال يمكن لعبد يقبل كلمة التوحید ويرضي بالمنكر وال يأمر بالمعروف ، واألمر بالمعروف والنھي عن المنكر

مبني على االستطاعة والقدرة كما روي البخاري عن أبي سعید الخدري من رأي منكم منكرا فلیغیره بیده : ( صلي اهللا علیه وسلم قال أن النبي

) فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف اإليمان فأضعف اإليمان أن ينكر بالجنان عند عجز اللسان واألبدان ، وال يجوز أن

قلب إنسان شھد أال إله إال اهللا ، فاإلنكار القلبي يجب أن يخلو ذلك منيكون كامال ودائما بالنسبة لكل منكر ، وھو يبقي القلب في حساسیة

دائمة ضد المنكر والعصیان ، ويبقي عزمه على التغییر عند اإلمكان ، أما . اإلنكار القولي أو الفعلي فیكون حسب االستطاعة وما يسر اهللا لإلنسان

القبول الذي ينافي الترك يحتم علینا أن نتزين بشريعة اإلسالم ، ودين فالرسل الكرام ، دين التوحید والعبودية وإفراد اهللا باأللوھیة ، فشريعة

ھو دين رب العالمین _ اإلسالم أفضل شرعة دين النبي الصادق العدنان المالئك قبله ھو دين نوح ھو دين آدم و-وشرعه وھو القديم وسید األديان

وبه -وله دعا ھود النبي وصالح وھما لدين اهللا معتقدان - صاحب الطوفان ھو دين إبراھیم - أتي لوط وصاحب مدين فكالھما في الدين مجتھدان

وبه حمي اهللا الذبیح من البال لما - وابنیه معا وبه نجا من نفحة النیران ھو دين يعقوب النبي ويونس وكالھما في اهللا -أعظم القربان فداه ب

ھو دين -ھو دين داود الخلیفة وابنه وبه أذل له ملوك الجان -مبتلیان وله دعا عیسي بن -يحیي مع أبیه وأمه ، نعم الصبي وحبذا الشیخان

اهللا أنطقه صبیا بالھدي في المھد و-مريم قومه لم يدعھم لعبادة الصلبان وكمال دين اهللا شرع محمد صلي علیه منزل -ثم سما على الصبیان

الطاھر - الطیب الذاكي الذي لم يجتمع يوما على زلل له أبوان -القرآن ما وأولو النبوة والھدي-النسوان والولد الذي من ظھره الزھراء والحسنان

بل مسلمون ومؤمنون بربھم حنفاء في -منھم أحد يھودي وال نصراني دن بالشريعة والكتاب كلیھما فكالھما للدين واسطتان –اإلسرار واإلعالن

والبعث بعد -وكذا الشريعة والكتاب كالھما بجمیع ما تأتیه محتفظان -وصراطنا حق وحوض نبینا -األرواح في األبدان الموت وعد صادق بإعادة

يسقي بھا السني أعذب شربة ويذاد كل - صدق له عدد النجوم أواني يوم -وكذلك األعمال يومئذ تري موضوعة في كفة المیزان -مخالف فتان

م تشققت السماء يو-القیامة لو علمت بھوله لفررت من أھل ومن أوطان يوم عبوس قمطرير شره في الخلق -لھوله وتشیب فیه مفارق الولدان

- والجنة العلیا ونار جھنم داران للخصمین دائمتان -منتشر عظیم الشأن قم بالصالة - فإذا دعیت إلي أداء فريضة فانشط وال تك في اإلجابة واني

ال تمنعن زكاة مالك -ن عند اهللا أعظم شان الخمس واعرف قدرھا فلھوالوتر بعد الفرض آكد سنة والجمعة الزھراء -ظالما فصالتنا وزكاتنا أختان

وصیامنا - مع كل بر صلھا أو فاجر ما لم يكن في دينه بمشان - والعیدان علیك والحج مفترض- رمضان فرض واجب وقیامنا المسنون في رمضان

. وشرطه أمن الطريق وصحة األبدان

عباد اهللا اتقوا اهللا وجددوا إيمانكم بال إله إال اهللا ، وصلي على سیدنا . محمد وعلى آله وصحبه وسلم والسالم علیكم ورحمة اهللا

شروط ال إله إال اهللا الشرط الثامن

الشرط الثامن الكفر بما يعبد من دون اهللا

الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قیما لینذر بأسا الحمد هللاشديدا من لدنه ويبشر المؤمنین الذين يعملون الصالحات أنلھم أجرا حسنا

اهللا ولدا ما لھم به من علم وال ماكثین فیه أبدا وينذر الذين قالوا اتخذآلبائھم كبرت كلمة تخرج من أفواھھم إن يقولون إال كذبا فلعلك باخع

نفسك على آثارھم إن لم يؤمنوا بھذا الحديث أسفا إنا جعلنا ما على

ة لھا لنبلوھم أيھم أحسن عمال وإنا لجاعلون ما علیھا صعیدا األرض زينوأشھد أال إله إال اهللا ، وحده ال شريك له ، شھادة تضمن اإلسعاد ) جرزا

يوم يقوم األشھاد ، وأشھد أن سیدنا محمدا عبده ورسوله ، الداعي إلي وعلى آله وأصحابه الذين قمعوا أھل العناد سبیل الرشاد ، صلي اهللا علیه

، وحكموا سیوفھم في رقاب أھل الفساد ، فلم يجرؤ أحد في زمانھم على إلحاد ، بتمثیل أو تعطیل أو حلول أو اتحاد ، أبعدنا اهللا عن ذلك أيما

.. إبعاد ، وحمانا منه على مر الدھور واآلباد ، أما بعد

وم عن الشرط الثامن واألخیر من شروط فحديثنا بإذن اهللا في محاضرة الیال إله إال اهللا ، وھو الكفر بما يعبد من دون اهللا ، فشروط ال إله إال اهللا التي

r وردت في كتاب اهللا وفي سنة رسوله ثمانیة شروط ، ال يصح قول أولھا العلم المنافي : اللسان وال يصلح ركن من أركان اإليمان إال بھا

ن المنافي للشك ، ثم اإلخالص المنافي للشرك ، ثم للجھل ، ثم الیقیالصدق المنافي للكذب ، تم المحبة التي تنافي البغض ، ثم القبول الذي ينافي الرد ، ثم االنقیاد الذي ينافي الترك ، والثامن من ھذه الشروط ھو الكفر بما يعبد من دون اهللا ، وقد أحسن من جمعھا وعدھا وحصرھا في

ن فقالھذين البیتی :

محبة وانقیاد والقبول لھا: علم يقین وإخالص وصدقك مع

سوي اإلله من األشیاء قد ألھا: وزيد ثامنھا الكفران منك بما

ال إكراه في الدين : ( وآخر ھذه الشروط ھو الكفر بالطاغوت يقول تعالى اغوت ويؤمن باهللا فقد استمسك قد تبین الرشد من الغي فمن يكفر بالط

بالعروة الوثقي ال انفصام لھا واهللا سمیع علیم اهللا ولي الذين آمنوا يخرجھم من الظلمات إلي النور والذين كفروا أولیاؤھم الطاغوت يخرجونھم

إلي الظلمات أولئك أصحاب النار ھم فیھا خالدونمن النور ) .

فالتوحید في أساسه ال يتحقق إال بنفي وإثبات ، نفي صفات األلوھیة عما سوي اهللا ، وإثباتھا هللا وحده ، فال يتم التوحید حتى يشھد أن ال إله إال اهللا

ولم تثبتھا هللا وحده لم تكن ، فلو نفیت األلوھیة عما سوي اهللا عز وجل موحدا ، ولو أثبت صفات األلوھیة هللا ، ولم تنفھا عمن سواه لم تكن موحدا

، فالنفي المحض تعطیل محض ، واإلثبات المحض ال يمنع مشاركة فالن غني قوي ، فھنا أثبتنا له : اآلخرين في الحكم ، ولذلك لو قلنا مثال

شاركه غیره في وصف القوة والغني ، القوة والغني ، لكن من الجائز أن يولكن لو قلنا ال قوي وال غني إال فالن ، فھنا وحدناه بھذين الوصفین ، وأفردناه عمن سواه ،فاهللا عز وجل قرن النفي باإلثبات ورتب ذلك في

اآليات ، فال بد في صحة اإليمان بال إله إال اهللا ، من نفي عبادة ما سوي د من دون اهللا ، وإثبات عبادة اهللا وحده ، وھذه حقیقة اهللا ، أو الكفر بما يعب

التوحید التي جاءت بھا رسالة السماء ، ودعت إلیھا الرسل واألنبیاء ، فالعروة الوثقي ھي كلمة التوحید ، وسمیت كلمة التوحید بالعروة الوثقي ، ألن العاقل إذا شھد بھا عن فھم دقیق وإيمان عمیق ، ال يرضي بغیر اهللا

بودا حتى لو مشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظمه أو عصبه ، معوما يصده ذلك عن توحید اهللا عز وجل ، كما روي البخاري من حديث خباب

t بن األرت شكونا إلي رسول اهللا وھو متوسد بردة له في ظل : ( قال كان الرجل فیمن : تنصر لنا ؟ أال تدعو اهللا لنا ؟ قال أال تس: الكعبة ، قلنا له

قبلكم يحفرله في األرض فیجعل فیه ، فیجاء بالمنشار فیوضع على رأسه اط الحديد ما دون ، فیشق باثنتین وما يصده ذلك عن دينه ، ويمشط بأمش

لحمه من عظم أو عصب ، وما يصده ذلك عن دينه واهللا لیتمن ھذا األمر حتى يسیر الراكب من صنعاء إلي حضرموت ال يخاف إال اهللا ، أو الذئب

جلونعلى غنمه ولكنكم تستع .

والعروة في اللغة ھي ما يشد به الثوب وغیره ، بحیث يتداخل بعضھا في بعض دخوال ال ينفصم وال ينفك إال بفصم طرفه ، فإذا انفصمت منه عروة

انفصم جمیعه ، والمرء إذا شھد أال إله إال اهللا فقد عقد العقدة العظمي ھا إال بالشرك باهللا أو عدم والعروة الوثقي لكلمة التوحید ، التي ال انفصام ل

الكفر بما يعبد من دون اهللا ، وقد فسر النبي صلي اهللا علیه وسلم العروة الوثقي بالتوحید الذي ھو عمود اإلسالم في تعبیره رؤيا عبد اهللا بن سالم

كنت جالسا في حلقة في : ، ففي الصحیح عن خرشة ابن الحر أنه قال المدينة وفیھا شیخ حسن الھیئة وھو عبد اهللا بن سالم ، فجعل مسجد

: يحدثھم حديثا حسنا ، فلما قام ، قال القوم

من سره أن ينظر إلي رجل من أھل الجنة فلینظر إلي ھذا الرجل ، فقلت هللا ألتبعنه فألعلمن مكان بیته ، فتبعته فانطلق حتى كاد أن يخرج من وا:

ما حاجتك يا : المدينة ، ثم دخل منزله فاستأذنت علیه فأذن لي ، فقال من سره أن : ولون لك لما قمت سمعت القوم يق: ابن أخي ، فقلت له

ينظر إلي رجل من أھل الجنة فلینظر إلي ھذا ، فأعجبني أن أكون معك ، ذ اهللا أعلم بأھل الجنة ، وسأحدثك مم قالوا ذاك إني بینما أنا نائم إ: قال

قم ، فأخذ بیدي ، فانطلقت معه ، فإذا أنا بجواد عن : أتاني رجل فقال لي ال تأخذ : فأخذت آلخذ فیھا ، فقال لي : شمالي ، الجواد الطريق ، قال

اد منھج على يمیني يعني فإذا جو: فیھا فإنھا طرق أصحاب الشمال ، قال خذ ھاھنا ، أي سر في : أنه رأي عن يمینه طرقا مستقیمة ، فقال لي

اصعد ، : فأتي بي جبال ، فقال لي : ھذا الطريق ، يقول عبد اهللا بن سالم مقعدتي وقعت على–فجعلت إذا أردت أن أصعد خررت على استي : قال

، حتى فعلت ذلك مرارا ، ثم انطلق بي حتى أتي بي عمودا رأسه في -اصعد فوق ھذا : السماء وأسفله في األرض ، في أعاله حلقة ، فقال لي

فأخذ : ء ؟ ، قال كیف أصعد ھذا ورأسه في السما: ، قلت - العمود –أي دفعني ورماني والزجل بالشيء ھو الرمي به ، –بیدي فزجل بي

فإذا أنا متعلق بالحلقة ، ثم ضرب العمود فخر ، : يقول عبد اهللا بن سالم . وبقیت متعلقا بالحلقة حتى أصبحت

فأتیت النبي صلي اهللا علیه وسلم فقصصتھا علیه : قال عبد اهللا بن سالم أما الطرق التي رأيت عن يسارك فھي طرق أصحاب الشمال ، : ، فقال

–ا الجبل وأما الطرق التي رأيت عن يمینك فھي طرق أصحاب الیمین ، وأمفھو منزل الشھداء ، ولن -الذي كنت تحاول صعوده فكنت تقع ولم تستطع

الذي رأسه في السماء وأسفله –وأما العمود -تناله ، فلن تموت شھیدا -لقة التي في أعاله أو الح–وأما العروة - فھو عمود اإلسالم -في األرض

. فھي عروة اإلسالم ولن تزال متمسكا بھا حتى تموت

فالعروة الوثقي ھي عرة اإلسالم وكلمة التوحید ، والمسلم بقوله ال إله إال اهللا قد عھد عھدا على نفسه وعقد في قلبه عقدا ، أنه سیسلم لربه ،

يتحاكم إال إلي شرعهولن يطیع أحدا في معصیته ، ولن .

وقد بین رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم أن الكفر بما يعبد من دون اهللا ، شرط من شروط ال إله إال اهللا ، فقد روي اإلمام مسلم رحمه اهللا من

سمعت رسول اهللا صلي اهللا : حديث أبي مالك األشجعي عن أبیه أنه قال من قال ال إله إال اهللا وكفر بما يعبد من دون اهللا حرم : وسلم يقول علیه

. ماله ودمه وحسابه على اهللا

ومن أولیات الكفر بما يعبد من دون اهللا ، أال توالي أعداء اهللا وأعداء ذائھم ومعاونة المؤمنین الذين يبغضون دين المسلمین ، ويسارعون في إي

ال يتخذ المؤمنون الكافرين أولیاء من دون : ( أعدائھم كما قال تعالى المؤمنین ومن يفعل ذلك فلیس من اهللا في شيء إال أن تتقوا منھم تقاة

. ( ويحذركم اهللا نفسه وإلي اهللا المصیر

لما أراد رسول اهللا فتح مكة وعزم على ذلك أمر أصحابه بكتمان األمر حتى ال تعلم قريش ، فسرب حاطب بن أبي بلتعة الخبر إلیھم رغبة في أن

تكون له يد عندھم ، وروي البخاري من حديث على رضي اهللا عنه أنه قال نا والزبیر بن العوام والمقداد بن بعثني رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم أ:

وھي مكان في الطريق بین –انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ : األسود فقال معھا كتاب فخذوه -والظعینة المرأة الراكبة–فإن بھا ظعینة -مكة والمدينة

نطلقنا تعادي بنا خیلنا حتى أتینا فا: منھا ، قال على رضي اهللا عنه ما معي : أخرجي الكتاب ، قالت : الروضة ، فإذا نحن بالظعینة ، قلنا لھا

فأخرجته من : لتخرجن الكتاب أو لنلقین الثیاب ، قال : كتاب ، فقلنا اصھا ، فأتینا به رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم ، فإذا فیه من حاطب عق

بن أبي بلتعة إلي ناس بمكة من المشركین ، يخبرھم ببعض أمر رسول يا : علیه وسلم اهللا صلي اهللا علیه وسلم ، فقال رسول اهللا صلي اهللا

حاطب ما ھذا ؟

يا رسول اهللا ال تعجل على ، إني كنت امرأ ملصقا في قريش ، يقول : قال كنت حلیفا ولم أكن من أنفسھا ، وكان من معك من المھاجرين من لھم :

ن أھلیھم وأموالھم ، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فیھم قرابات يحموأن أتخذ عندھم يدا يحمون قرابتي ، ولم أفعله ارتدادا عن ديني وال رضا

لیه وسلم أما إنه قد بالكفر بعد اإلسالم ، فقال رسول اهللا صلي اهللا عيا رسول اهللا دعني أضرب عنق ھذا المنافق ، فقال : صدقكم ، فقال عمر

إنه قد شھد بدرا وما يدريك لعل اهللا اطلع على من شھد بدرا فقال : يا أيھا الذين آمنوا ال : ( فرت لكم فأنزل اهللا عز وجل اعملوا ما شئتم فقد غ

تتخذوا عدوي وعدوكم أولیاء تلقون إلیھم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من بكم إن كنتم خرجتم جھادا الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا باهللا ر

في سبیلي وابتغاء مرضاتي تسرون إلیھم بالمودة وأنا أعلم بما أخفیتم ١/الممتحنة) وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبیل .

يھا الذين آمنوا ال تتخذوا بطانة من دونكم ال يألونكم يا أ: ( ويقول تعالى خباال ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواھھم وما تخفي صدورھم أكبر

. ( قد بینا لكم اآليات إن كنتم تعقلون

ز وجل نھي عباده المؤمنین عن اتخاذ المنافقین بطانة يطلعونھم فاهللا ععلى سرائرھم وما يضمرونه ألعدائھم ، والمنافقون بجھدھم وطاقتھم ال

يألون المؤمنین خباال أي يسعون في مخالفتھم وما يضرھم بكل ممكن وبما يستطیعون من المكر والخديعة ويودون ما يعنت المؤمنین ويحرجھم

یھم وقوله تعالىويشق عل :

( ، أي من غیركم ) ١١٨من اآلية: آل عمران) (ال تتخذوا بطانة من دونكم من أھل األديان ، وبطانة الرجل ھم خاصة أھله الذين يطلعون على داخل أمره ، قیل لعمر بن الخطاب رضي اهللا عنه إن ھھنا غالما من أھل الحیرة

قد اتخذت إذا بطانة من : لو اتخذته كاتبا فقال من النصارى حافظ كاتب ، فوھذا األثر مع ھذه اآلية دلیل على أن أھل : دون المؤمنین ، يقول ابن كثیر

الذمة ال يجوز استعمالھم في الكتابة التي فیھا استطالة على المسلمین واطالع على دواخل أمورھم التي يخشي أن يفشوھا إلي األعداء من

بالنا في ھذا العصر ونحن نطلع الغربیین والشرقیین على أھل الحرب ، فماأسرارنا ونفرح بمشاركتھم في أمورنا ، ونسارع في مرضاتھم ونقلد

سلوكیاته ، ونسیر خلفھم شبرا بشبر وذراعا بذراع ، فیا أھل ال إله إال اهللا إن اهللا أين الوالء هللا والبراء من أعداء اهللا ، أين الكفر بما يعبد من دون اهللا ؟

: تعالى يقول

( ألم تر إلي الذين يزعمون أنھم آمنوا بما أنزل إلیك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلي الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشیطان أن

،فأنكر اهللا عز وجل على من يدعي اإليمان بما أنزل ) یدا يضلھم ضالال بعاهللا على رسوله في القرآن ، وعلى األنبیاء السايقین ، وھو مع ذلك يريد أن يتحاكم في فصل الخصومات وفض المنازعات إلي غیر منھج اهللا الذي

. نزل في كتاب اهللا وسنة رسوله صلي اهللا علیه وسلم

ذه اآلية أن رجال من األنصار ورجال من الیھود وقد ذكر في سبب نزول ھبیني وبینك محمد وما يحكم به ، : تخاصما فیما بینھما ، فقال الیھودي

بیني وبینك كعب بن األشرف وما يحكم به ، وقیل أنھا : وقال األنصارى نزلت في جماعة من المنافقین ممن أظھروا اإلسالم والعبودية ، وأرادوا أن

حكام الجاھلیة ، واآلية عامة وذامة لكل من تحاكم إلي غیر يتحاكموا إليالشريعة اإلسالمیة ، وعدل عن الكتاب والسنة إلي ما سواھما من الباطل

أن يتحاكموا إلي : ( ، وھو المراد بالطاغوت ھنا ، ولھذا قال تعالى وإلي الرسول رأيت وإذا قیل لھم تعالوا إلي ما أنزل اهللا) ( الطاغوت

، يعرضون عنك إعراض المستكبرين ، ) المنافقین يصدون عنك صدودا : ويفعلون أفعال المشركین ، وھؤالء بخالف المؤمنین الذين قال اهللا فیھم

ینھم أن يقولوا إنما كان قول المؤمنین إذا دعوا إلي اهللا ورسوله لیحكم ب( . ( سمعنا وأطعنا وأولئك ھم المفلحون

وحال ھؤالء المنافقین يشبه حال الكثیرين ممن يدعون العلم واإليمان في ھذه األزمان ، إذا قیل لھم تعالوا إلي ما أنزل اهللا وإلي الرسول رأيتھم

عرفون وال يعقلون ، وھؤالء يصدون وھم مستكبرون ، ويعتذرون بأنھم ال يھم المعطلون ، الذين يحرفون الكلم عن مواضعه ، يقولون بزعمھم إنما

قصدنا التوفیق بین القواطع العقلیة والفلسفة والكالمیة ، وبین األدلة النقلیة التي وردت في اآليات القرآنیة واألحاديث النبوية ، ثم يجعلون

صول االعتقادية التي يحكمون بھا الفلسفة الكالمیة ھي األساس في األعلى اآليات القرآنیة واألحاديث النبوية ، فما وافقھا قبلوه وما خالفھا ردوه وعطلوه وطلبوا له وجوه التأويالت البعیدة والتكلفات الشديدة التي تلوي

. أعناق النصوص

صیبة بما فكیف إذا أصابتھم م: ( ثم قال اهللا تعالى في ذم المنافقین ، إذا ) قدمت أيديھم ثم جاءوك يحلفون باهللا إن أردنا إال إحسانا وتوفیقا

ساقتھم المقادير إلیك في مصائب أصابتھم بسبب ذنوبھم وحمقھم ،

واحتاجوا إلیك جاءوك يعتذرون إلیك ويحلفون باهللا لديك ، ما أردنا بذھابنا غیرك ، وتحاكمنا إلي أعدائك إال اإلحسان والتوفیق ، والمداراة إلي

والمصانعة ، ال اعتقادا منا في صحة حكمھم ، وصواب رأيھم ، فقال تعالى : في شأنھم

( ھؤالء ھم المنافقون ، يخادعون ) أولئك الذين يعلم اهللا ما في قلوبھم م ما في قلوبھم وسیحاسبھم على رسول اهللا وال يعلمون أن اهللا يعل

أفعالھم ، فإن اهللا يعلم خائنة األعین وما تخفي الصدور ، فقال اهللا عز وجل : لنبیه في شأن المنافقین وخذالنھم للمؤمنین

( فأعرض عنھم وعظھم وقل لھم في أنفسھم قوال بلیغا ، أمر اهللا رسوله أولھا اإلعراض عنھم إھانة لھم : فیھم بثالثة أشیاء صلي اهللا علیه وسلم

تخويفھم عقوبة اهللا وشدة : وتحقیرا لشأنھم وتصغیرا ألمرھم ، ثانیھا بأسه ونقمته ، إن أصروا على التحاكم إلي غیر رسوله صلي اهللا علیه وسلم وما أنزل علیه ، وثالثھا قوله وقل لھم في أنفسھم قوال بلیغا أي

لي قلوبھم لیس قوال لینا ال يتأثرون به ، ويقول تعالىيبلغ تأثیره إ :

( وما أرسلنا من رسول إال لیطاع بإذن اهللا ولو أنھم إذ ظلموا أنفسھم رشد ي) جاءوك فاستغفروا اهللا واستغفر لھم الرسول لوجدوا اهللا توابا رحیما

اهللا تعالى المنافقین أنھم لو كانوا صادقین في دعواھم اإليمان ووقع منھم الخطأ والعصیان ، ألتوا رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم لیستغفر لھم عند ربھم ، ويتوبوا من ذنبھم ، فإنھم إذا فعلوا ذلك لو جدوا اهللا توابا رحیما ، ثم

نون حتى يحكموك فیما شجر بینھم ثم ال فال وربك ال يؤم: ( قال تعالى . ( يجدوا في أنفسھم حرجا مما قضیت ويسلموا تسلیما

روي البخاري أن رجال من األنصار خاصم الزبیر بن العوام رضي اهللا عنه بھا النخل ، اختلفا على قناة الماء في شراج الحرة التي يسقون ٢١٨٧

وكانت –التي تروي أرضھما ، فقال األنصارى سرح الماء يمر فأبي علیه

فاختصما عند النبي صلي -أرض الزبیر قبل أرضه والماء يمر أوال على نخله علیه وسلم للزبیر اسق يا اهللا علیه وسلم ، فقال رسول اهللا صلي اهللا

-زبیر ثم أرسل الماء إلي جارك ، فغضب األنصارى وقال أن كان ابن عمتك فتلون وجه رسول اهللا صلي اهللا علیه -أي حكمت لصالحه من أجل قرابته

–ر ثم احبس الماء حتى يرجع إلي الجدر وسلم وغضب ، فقال اسق يا زبیويعني اسق حتى يغطي الماء أصول نخلك ويبلغ إلي مقدار الكعبین وال

فاستوعي للزبیر حقه في صريح الحكم ، فنزل قول اهللا تعالى - علیك منه وك فیما شجر بینھم ثم ال يجدوا في فال وربك ال يؤمنون حتى يحكم: (

. ( أنفسھم حرجا مما قضیت ويسلموا تسلیما

فالتحاكم إلي الطاغوت مناف لاليمان وزيادة في الكفر والفسوق والعصیان ، فال يصح اإليمان باهللا اال بالكفر بما يعبد من دون اهللا ، والبراءة من

ين والوالية للمؤمنین ، فال تجتمع البراءة والوالية أبدا ، فالوالية الكافر. للمؤمنین عزة ونصرة ، والوالية للكافرين ذلة وخسة

وقد كان المشركون في الجاھلبیة يعلمون أن شھادة أال إله إال اهللا ، تستلزم الكفر بما يعبد من دون اهللا ، وأن اإلقرار بھا يحتم كامل المواله هللا

لرسوله ، ولذلك لما طلب رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم من عمه أن وينطق بكلمة التوحید وھو يحتضر ، لم يطاوعه قلبه على أن ينطق بال إله

إال اهللا لعلمه بلوازمھا ، فانتصر لدين اآلباء المشركین وأبي أن يؤمن بخاتم فھم كانوا يعلمون شروطھا األنبیاء والمرسلین ، ولم يشھد أال إله إال اهللا ،

جاء في الصحیح من حديث سعید بن المسیب عن أبیه أنه ١٣٦٠ولوازمھا لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم فوجد

بي أمیة بن المغیرة ، قال رسول عنده أبا جھل بن ھشام وعبد اهللا بن أ يا عم قل ال إله إال اهللا كلمة :اهللا صلي اهللا علیه وسلم ألبي طالب

يا أبا طالب : أشھد لك بھا عند اهللا ، فقال أبو جھل وعبد اهللا بن أبي أمیة عن ملة عبد المطلب ، فلم يزل رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم أترغب

ھو : يعرضھا علیه ويعودان بتلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمھم ال رسول اهللا صلي على ملة عبد المطلب وأبي أن يقول ال إله إال اهللا ، فق

اهللا علیه وسلم ، أما واهللا ألستغفرن لك ما لم أنه عنك ، أسوة بإبراھیم : لما استغفر ألبیه المشرك الذي قال له

} ا قال أراغب أنت عن آلھتي يا إبراھیم لئن لم تنته ألرجمنك واھجرني ملیسالم علیك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفیا وأعتزلكم وما تدعون من

فلما ) ٤٨:٤٦/مريم({ دون اهللا وأدعو ربي عسي أال أكون بدعاء ربي شقیا ن عقیدته علم الصحابة أن رسول اهللا سیستغفر لعمه على الرغم م

الشركیة ، بدؤوا يستغفرون آلبائھم المشركین الذين ماتوا في الجاھلیة ، عند ذلك منعھم اهللا عز وجل وبین لھم أن ذلك ال يجوز في حقھم ، وأن

إبراھیم ما استغفر ألبیه إال عن موعدة وعدھا إياه بأنه سیشھد أال إله إال له أنه عدو هللا تبرأ منه إبراھیم علیه اهللا وأن إبراھیم نبي اهللا ، فلما تبین: الصالة والسالم وأنزل اهللا عز وجل

ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركین ولو كانوا أولي قربي وما كان استغفار إبراھیم ألبیه من بعد ما تبین لھم أنھم أصحاب الجحیم

إال عن موعدة وعدھا إياه فلما تبین له أنه عدو هللا تبرأ منه إن إبراھیم ألواه ما يتقون إن حلیم وما كان اهللا لیضل قوما بعد إذ ھداھم حتى يبین لھم

١١٥:١١٣/التوبة({ اهللا بكل شيء علیم )

إبراھیم علیه السالم تبرأ من أبیه لما أصر على الشرك باهللا وامتنع عن التوحید ، فبعد أن كان والده قريبا حبیبا أصبح بسبب شركه بعیدا غريبا ،

ال ينفع مال وال بنون ، بل سأل إبراھیم ربه أال يخزيه فیه يوم يبعثون ، يوم وال تخزني يوم يبعثون يوم ال ينفع مال وال بنون إال من أتي اهللا }: فقال

ماذا سیحدث آلزر والد إبراھیم يوم ) ٨٩:٨٧/الشعراء({ بقلب سلیم القیامة ؟

ديث أبي يحوله إلي ضبع من أقذر المخلوقات وساخة ونجاسة فمن حيلقي إبراھیم : ھريرة في الصحیح أن النبي صلي اهللا علیه وسلم قال

أباه آزر يوم القیامة وعلى وجه آزر قترة وغبرة فیقول له إبراھیم ألم أقل لك أعصیك فیقول إبراھیم يا رب إنك وعدتني أن ال تعصني فیقول أبوه فالیوم ال

ال تخزيني يوم يبعثون فأي خزي أخزي من أبي األبعد فیقول اهللا تعالى حت رجلیك إني حرمت الجنة على الكافرين ثم يقال يا إبراھیم انظر ما ت. فینظر فإذا ھو بذيخ ملتطخ فیؤخذ بقوائمه فیلقي في النار

فیمسخ اهللا أباه ويسخطه في صورة قبیحة وريحة منتنة ، يحوله ضبعا متلطخا يتمرغ في نتانته ، فال يخزي إبراھیم في أبوته وال يبقي في النار

له سبحانه مشابھا للضبع في قذارته وحماقته ، يذكر على صورته ، جعابن حجر أن الحكمة في مسخه ضبعا أن الضبع من أحمق الحیوانات وآزر

كان من أحمق المخلوقات ، فبعد أن ظھرت له اآليات البینات الواضحات على توحید اهللا ، أصر آزر على الشرك ، رفض توحید اهللا وأصر على تعظیم

الكفر على اإليمان ووقع في الظلم والعصیانمن سواه فاستحب .

قد كانت لكم أسوة حسنة في }: ولذلك قال تعالى لنبیه وللمؤمنین إبراھیم والذين معه إذ قالوا لقومھم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون اهللا

بدا بیننا وبینكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا باهللا وحده إال كفرنا بكم وقول إبراھیم ألبیه ألستغفرن لك وما أملك لك من اهللا من شيء ربنا علیك

ر ربنا ال تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا ربنا توكلنا وإلیك أنبنا وإلیك المصی٥:٤/الممتحنة({ إنك أنت العزيز الحكیم ) .

فكلمة ال إله إال اهللا ، تقلب العدو إذا شھد بھا إلي حبیب ، وتحول القريب نور يخرج من إذا كفر بھا إلي غريب ، ألنھا فرقان بین الحق والباطل ، و

. القلب إلي اللسان يضیئ األركان في سائر األبدان

والرسول صلي اهللا علیه وسلم يشفع لعمه في اآلخرة ، لیس في الخروج من النار ، ولكن في تخفیف العذاب عنه ھتي يكون عذابه أھون أھل النار

أن النبي فمن حديث النعمان بن بشیر رضي اهللا عنه ٦٠٧٦عند البخاري إن أھون أھل النار عذابا يوم القیامة لرجل : صلي اهللا علیه وسلم قال

. توضع في أخمص قدمیه جمرة يغلي منھا دماغه

الحارث بن نوفل عن ٥٧٤٠ويريد بذلك عمه أبو طالب لما ورد من حديث يا رسول اهللا ھل نفعت أبا طالب بشيء : عباس بن عبد المطلب أنه قال ال

فإنه كان يحوطك ويغضب لك قال نعم ھو في ضحضاح من نار ، لوال أنا لكان . في الدرك األسفل من النار

إلیھا رسوال من نوح إلي محمد يأمرھم بعبادة اهللا وحده وكل أمة بعث اهللا ولقد بعثنا : ( وينھاھم عن عبادة الطاغوت والدلیل على ذلك قوله تعالى

في كل أمة رسوال أن اعبدوا اهللا واجتنبوا الطاغوت فمنھم من ھدي اهللا الضاللة فسیروا في األرض فانظروا كیف كان عاقبة ومنھم من حقت علیه

. ( المكذبین

وأصول الطواغیت التي تعبد من دون اهللا محصورة في أصلین من أبواب األصل األول عبودية الھوى وما يتعلق به من أصناف الدنیا وأنواع : الضالل

لشیطان وما يبثه في قلب اإلنسان المشتھیات ، واألصل الثاني عبودية ا. من شبھات

فاألصل األول يدخل تحته ما تجاوز به العبد حده وتجاوز به وصفه ، كمن عظم نفسه ودعا الناس إلي إطرائه ومدحه حتى يصل به الھوى إلي إدعاء ربوبیته ، ودعوتھم لعبوديته ، كما فعل فرعون وھامان ومن قبلھما النمرود

احد منھم ألبس نفسه رداء الربوبیة ولم يكتس بثوب بن كنعان ، كل والعبودية ، ولم يعلم أنه عبد في ملك سیده مستخلف في أرضه أمین

على ملكه ، قد ابتاله فیما أعطاه ، وامتحنه فیما خوله واسترعاه ، فلم يرد

الملك إلي المالك ونسب لنفسه أوصاف الخالق ؟ فتكبر على الخلق بنعم علیھم بما منحه وأعطاه ، لینازع ربه في وصف الربوبیة ، اهللا ، وتعالي

ويشاركه في العلو والكبرياء ، وعظمة األوصاف واألسماء ، فأصبح طاغوتا يستوجب الشقاء والحرمان ، ودوام العذاب في النیران ، يقول اهللا عز وجل

: في الحديث القدسي

( زاري ، فمن نازعني شیئا منھما ألقیته في الكبرياء ردائي والعظمة إ، وعن عبد اهللا بن مسعود عن النبي) جھنم r في الحديث الذي رواه

) ال يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر : ( اإلمام مسلم قال عبدا لربك تعتقد أنك وما خولك وملكك خالصا له خاضعا ألمره ، فإن لم تكن

فإنك تطمع إلي تألیه نفسك والخروج عن وصفك ، فتدعي لنفسك ما . ادعاه فرعون من أوصاف الربوبیة

وقال فرعون يا ھامان ابن لي : ( فرعون بلغت به الوقاحة إلي أن قال ب أسباب السماوات فأطلع إلي إله موسي وإني صرحا لعلى أبلغ األسبا

ألظنه كاذبا وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبیل وما كید ملك ونادي فرعون في قومه قال ياقوم ألیس لي( ، ) فرعون إال في تباب

مصر وھذه األنھار تجري من تحتى أفال تبصرون أم أنا خیر من ھذا الذي ھو مھین وال يكاد يبین فلوال ألقي علیه أسورة من ذھب أو جاء معه المالئكة

فأطاعوه إنھم كانوا قوما فاسقین فلما آسفونا مقترنین فاستخف قومه ، وقد ) انتقمنا منھم فأغرقناھم أجمعین فجعلناھم سلفا ومثال لآلخرين

لعلو كذلك يطبع اهللا على كل قلب متكبر جبار فإياك إياء من ا: ( قال تعالى تلك الدار اآلخرة نجعلھا : ( واالستكبار ألن اهللا تعالى ھو الملك الجبار

/ القصص) (للذين ال يريدون علوا في االرض وال فسادا والعاقبة للمتقین ٨٣) .

ألم تر إلي الذي حاج( وھذا النمرود بن كنعان حاج إبراھیم في ربه إبراھیم في ربه أن آتاه اهللا الملك إذ قال إبراھیم ربي الذي يحیي ويمیت

قال أنا أحیي وأمیت قال إبراھیم فإن اهللا يأتي بالشمس من المشرق فأت ، فھؤالء ) واهللا ال يھدي القوم الظالمین بھا من المغرب فبھت الذي كفر

الظالمون اتبعوا أھواءھم وعظموا وصفھم حتى ادعوا األلوھیة مع علمھم أنھم ال دوام لھم في الحیاة إال بإذن اهللا ، فكان الھوى ھو طاغوتھم الذي

: عبدوه من دون اهللا

( أفرأيت من اتخذ ( ، ) نت تكون علیه وكیال أرأيت من اتخذ إلھه ھواه أفأإلھه ھواه وأضله اهللا على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره

، فاهللا عز وجل يبتلي العباد ، ) غشاوة فمن يھديه من بعد اهللا أفال تذكرونواع الفتن لیمحص المؤمنین من أھل الفساد والعناد ، فمن حديث بأن

تعرض الفتن : ( حذيفة بن الیمان أن النبي صلي اهللا علیه وسلم قال على القلوب كالحصیر عودا عودا فأي قلب أشربھا نكت فیه نكتة سوداء

أنكرھا نكت فیه نكتة بیضاء حتى تصیر على قلبین على أبیض وأي قلبمثل الصفا فال تضره فتنة ما دامت السماوات واألرض واآلخر أسود مربادا

، ) ا إال ما أشرب من ھواه كالكوز مجخیا ال يعرف معروفا وال ينكر منكرفالھوى طاغوت يعبد من دون اهللا ويتعلق بأنواع الدنیا من المشتھیات كما

: قال تعالى

( زين للناس حب الشھوات من النساء والبنین والقناطیر المقنطرة من ومة واألنعام والحرث ذلك متاع الحیاة الدنیا الذھب والفضة والخیل المس

، فھذه األصناف السبعة ھي أنواع المشتھیات ، ) واهللا عنده حسن المآب فإن لم تكن وسائل لطاعة اهللا والفوز في أخراه فھي طواغیت عبدت من

ينار وعبد الدرھم وعبد تعس عبد الد: ( دون اهللا وقد قال رسول اهللا الخمیصة إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط تعس وانتكس وإذا شیك فال

. ( انتقش

ويدخل تحت األصل األول وھو عبودية الھوى وما يتعلق به من أصناف الدنیا ھو راض بھذه العبودية ، كما وأنواع المشتھیات ، من عبد من دون اهللا و

يفعل كثیر من شیوخ الصوفیة الذي يزعم الوالية واإليمان ثم يوصي قبل موته أن يقیموا مسجدا على قبره ، ويجتمعوا علیه في مولده ثم بعد ذلك

يعبد من دون اهللا ، وكذلك من ادعي شیئا من علم الغیب فإنه طاغوت نا بقصر مداركنا ومحدودية علمنا وضن يعبد من دون اهللا ، فإن اهللا قد ابتال

وال تقف ما لیس لك به علم إن السمع : ( علینا بعلم الغیب ، فقال تعالى قل ال : ( ، وقال اهللا تعالى ) والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئوال

الغیب إال اهللا وما يشعرون أيان يبعثونيعلم من في السماوات واألرض ) .

ألم تر إلي : ( فالسحر والكاھنة من الجبت والطاغوت واهللا تعالى يقول الذين أوتوا نصیبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا

، فال نصدق كاھنا وال عرافا ، فمن ) ي من الذين آمنوا سبیال ھؤالء أھدمن أتي عرافا أو كاھنا فصدقه بما يقول : ( حديث أبي ھريرة أن النبي قال

سئل رسول اهللا عن : ، وعن عائشة قالت ) فقد كفر بما أنزل على محمد یانا بالشيء الكھان فقال لیسوا بشيء فقالوا يا رسول اهللا إنھم يحدثون أح

يكون حقا فقال رسول اهللا تلك الكلمة من الحق يخطفھا الجني فیقرھا . في أذن ولیه فیخلطون فیھا أكثر من مائة كذبة

فیدخل تحت الطاغوت الذي يجب أن تكفر به ، كشرط من شروط ال إله إال اهللا ، كل من ادعي معرفة الغیب كالكاھن والذي يضرب الودع والحصي ،

ط باألرض في الرمال ، والمنجم الذي يدعي العلم باألبراج والذي يخوالنجوم ، وغیرھم ممن يتكلم في معرفة األمور الغائبة ، كالداللة على شي مسروق أو التعرف على مكان الضالة ونحوھا أو اإلخبار عن أمور

تحدث في المستقبل ، كمجئ المطر أو رجوع الغائب أو ھبوب الرياح ، استأثر اهللا عز وجل بعلمه ، فال يعلمه ملك مقرب وال نبي ونحو ذلك مما

عالم : ( مرسل إال من طريق الوحي وترابط األسباب ، كما قال اهللا تعالى

الغیب فال يظھر على غیبه أحدا إال من ارتضى من رسول فإنه يسلك من ٢٧:الجن) (ه رصدا بین يديه ومن خلف ) .

أما األصل الثاني من أصول الضالل ، والطاغوت الذي يعبد من دون اهللا ، فھي عبودية الشیطان وما يبثه في قلب اإلنسان من شبھات ، فإبلیس لما امتنع عن السجود آلدم ، وتملكه العلو واالستكبار ، وأظھر االعتراض

حسدا وحقدا على آدم وذريته ، كیف واالستنكار على رب العزة والجالل ، فضلھم اهللا بمنزلة أعلى من مكانته ؟ لعنه اهللا وطرده من رحمته ، وأيقن

قال رب ( إبلیس بھالكه وشقوته ، وأنه ال محالة ممنوع من جنته ، أخرتني قال أرأيتك ھذا الذي كرمت على لئن ) ( فأنظرني إلي يوم يبعثون

وقال ألتخذن من عبادك نصیبا ( ، ) إلي يوم القیامة ألحتنكن ذريته إال قلیال مفروضا ، وألضلنھم وألمنینھم وآلمرنھم فلیبتكن آذان األنعام وآلمرنھم

خلق اهللا ومن يتخذ الشیطان ولیا من دون اهللا فقد خسر خسرانا فلیغیرن مبینا ، يعدھم ويمنیھم وما يعدھم الشیطان إال غرورا ، أولئك مأواھم

قال فإنك ( أنه أمھله ، ، فكان من عدل اهللا) جھنم وال يجدون عنھا محیصافازداد الشیطان حقدا على ) من المنظرين ، إلي يوم الوقت المعلوم

قال رب : ( اإلنسان ، وأكد أنه لن يسأم في إغوائه ودعوته إلي العصیان معین ، إال عبادك منھم بما أغويتني ألزينن لھم في األرض وألغوينھم أج

المخلصین ، قال ھذا صراط على مستقیم ، إن عبادي لیس لك علیھم سلطان إال من اتبعك من الغاوين ، وإن جھنم لموعدھم أجمعین ، لھا

م جزء مقسومسبعة أبواب لكل باب منھ ) .

وقد بین اهللا أن سلطان الشیطان عن أولیاء اهللا مرفوع ، وأن كیده مدفوع ، فلما نزل الخبیث إبلیس وضع لنفسه عرشا على الماء ، يشبه نفسه باستواء اهللا على عرشه في السماء ، وجعل نفسه إلھا ألتباعه من

، وجلس على عرشه العصاة ، وحبب إلي نفسه من جنسه أسوأ الدعاةt لیبعث في األرض سراياه ، كما روي مسلم بسنده عن جابر بن عبد اهللا

يبعث الشیطان سراياه : ( أنه سمع النبي صلي اهللا علیه وسلم يقول ، وفي رواية أخرى ) فیفتنون الناس فأعظمھم عنده منزلة أعظمھم فتنة

إن عرش إبلیس على البحر فیبعث سراياه : ( قال صلي اهللا علیه وسلم وفي رواية ثالثة قال صلي ) فیفتنون الناس فأعظمھم عنده أعظمھم فتنة

اء ثم يبعث سراياه إن إبلیس يضع عرشه على الم: ( اهللا علیه وسلم فأدناھم منه منزلة أعظمھم فتنة يجيء أحدھم فیقول فعلت كذا وكذا

فیقول ما صنعت شیئا قال ثم يجيء أحدھم فیقول ما تركته حتى فرقت أته قال فیدنیه منه ويقول نعم أنتبینه وبین امر ) .

وانظر أيھا المستمع البصیر ، وأمعن النظر ورتب التفكیر ، في عدل اهللا وحكمة التدبیر ، كیف أوجد اهللا في كل إنسان منا نازعین نفسیین

متقابلین ومتضادين ، لیس ألحدھما غلبة على اآلخر ، نازع يدعوه إلي ة وفعل الخیر وھو نازع التقوى والرغبة في اآلخرة بالطاعة واإليمان ، الطاع

وآخر يدعوه إلي المعصیة وفعل الشر وھو نازع الھوى والرغبة في الدنیا بالمخالفة والعصیان ، واإلنسان حر بینھما في االختیار ، كما قال رب العزة

: والجالل

( جورھا وتقواھا ، قد أفلح من زكاھا ، وقد ونفس وما سواھا ، فألھمھا فومن ھنا كان األصل األول من أبواب الضالل وأصول ) خاب من دساھا

الطواغیت التي تعبد من دون اهللا ، وھي عبودية الھوى وما يتعلق به من أن يوسوس أصناف الدنیا وأنواع المشتھیات ، فلما أذن اهللا للشیطان أيضا

لإلنسان ، واتفق الشیطان مع نازع الشر في اإلنسان ، كالھما يدعوان إلي الكفر والعصیان ، كان األصل الثاني من أبواب الضالل وأصول الطواغیت

في اإلنسان التي تعبد من دون اهللا عبادة الشیطان ، كما ظھرت في ، فجعل اهللا اإلنسان حكمة اهللا ، وبلغ كمال العدل في األشیاء منتھاه

تركیب اإلنسان على مستوي الكمال ، ظاھرا وباطنا على قمة االعتدال ، يا أيھا اإلنسان ما غرك بربك الكريم ، الذي : ( فقال رب العزة والجالل

ان فكلف اهللا بكل إنس) خلقك فسواك فعدلك ، في أي صورة ما شاء ركبك ملكا قرينا ، وأمره أن يالزمه مالزمة الشیطان لإلنسان ، ال يفارقه إال إذا فارق الدنیا دار االمتحان ، وأمره أيضا أن يدعوه إلي الخیر ويحضه علیه ، كما أن الشیطان يدعوه إلي الشر ويحضه علیه ، فیستوي بذلك مقدار

ال يكون ألحد من الدواعي في اإلنسان ، وتعتدل الكفتان في المیزان ، و. أھل الخسران حجة على اهللا يوم القیامة

فاهللا كما ھداه النجدين ، وركب فیه نازعین نفسیین متقابلین ومتضادين ، لیس ألحدھما غلبة على اآلخر ، وكل باإلنسان أيضا قرينین ھاتفین

مرغبین بلمتین ، لیس ألحدھما سلطان على إرادة اإلنسان ، فبات مقدرا بحكمة اهللا وعدل المیزان ، قرينان داعیان ، ھاتفان مرغبان ، إما لكل منا

في الخیر وإما في الشر ، ولم يستثن اهللا أحدا من ذلك حتى نبینا صلي اهللا علیه وسلم ففي حديث ابن مسعود رضي اهللا عنه أن رسول اهللا قال

منما منكم من أحد إال وقد وكل به قرينه: ( ، الجن وقرينه من المالئكةوإياي ولكن اهللا أعانني علیه فال يأمرني : وإياك يا رسول اهللا ، قال : قالوا

. ( إال بحق

واهللا عز وجل أمرنا بأن نكفر بما يعبد من دون اهللا كشرك من شروط ال إله إلمام مسلم رحمه اهللا من حديث أبي مالك األشجعي عن إال اهللا روي امن قال ال : سمعت رسول اهللا صلي اهللا علیه وسلم يقول : أبیه أنه قال

. إله إال اهللا وكفر بما يعبد من دون اهللا حرم ماله ودمه وحسابه على اهللا

أمرنا بأال يتبع اإلنسان ھواه وتخذ الھوى إله يعبد من دون اهللا ، وأمرنا بأال فنتبع الشیطان فإنه يدعو إلي الفسوق والعصیان ، وأعظم دعواه أن يشرك

اإلنسان باهللا ، ولذلك حذرنا اهللا من الشرك كأعظم ذنب يقع فیه العبد ، : ( لعظیم ، فقال تعالى وأخذ العھد علینا والمیثاق أال نقع في ھذا الظلم ا

وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظھورھم ذريتھم وأشھدھم على أنفسھم

ألست بربكم قالوا بلي شھدنا أن تقولوا يوم القیامة إنا كنا عن ھذا غافلین ما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدھم أفتھلكنا بما فعل أو تقولوا إن

( المبطلون وكذلك نفصل اآليات ولعلھم يرجعون

فاهللا عز وجل يخبرنا أنه أخذ العھد والمیثاق الغلیظ على اإلنسان قبل مستخلف فقط ، أمین في ملك اهللا لالبتالء بداية حیاته لیقرره أنه

واالمتحان ، لیعرفوا جمیعا حق اهللا على العباد ، وحق العباد على اهللا ، فحق اهللا علیھم أن يعبدوه وال يشركوا به شیئا ، وحقھم علیه أال يعذبھم

إذا فعلوا ذلك ، أشھدھم على أنفسھم وسألھم جمیعا ألست بربكم ؟ نه لما انفرد به من معاني الربوبیة ، وأنه منفرد بالخلق قالوا بلي ، إظھارا م

واألمر ال إله إال ھو وال رب سواه ، وھو وحده مالك الملك ألنه وحده خالق الكل ، منفرد بإنشاء العالم وتركیبه على ھذه الھیئة البديعة ، فاهللا لن ن يقبل منھم أن يتخذوا شريكا له في خلقه أو منازعا له على ملكه ، ول

: يقبل المساس بتوحیده أبدا ، فقال

( إن اهللا ال يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك باهللا فلكون الشرك ظلما عظیما ، أخذ اهللا العھد ) فقد افتري إثما عظیما

األرض ، فإن وسوس الشیطان والمیثاق على اإلنسان قبل نزوله إلي لإلنسان بأن اهللا له شريك في السماوات واألرض أو له معین في شيء

من الخلق فقد وقع في الظلم العظیم وتجاوز حدوده ، ولن يفلح وقتھا احتجاج بالنسیان أو إغواء الشیطان ، أو اتباع لآلباء في سالف الزمان ألن

إال إذا أرسل الرسل مذكرين بالعھد اهللا بین لنا في القرآن أنه لن يعذبھموما كنا معذبین حتى نبعث رسوال: ( مرارا وتكرارا فقال ) .

فوجب على اإلنسان أن يراعي في قوله وعمله الخوف من اهللا وحده ال من سواه ، ألن صاحب األمانة وولي النعمة ھو اهللا ، وما سواه ال يملك

قل ادعوا الذين : ( في الحیاة ، فقال تعالى شیئا بل ھو مجرد أمین

زعمتم من دون اهللا ال يملكون مثقال ذرة في السماوات وال في األرض وما ، فاهللا أعلمھم جمیعا بأنه ) لھم فیھما من شرك وما له منھم من ظھیر

العلو في الشأن والقھر والفوقیه ، ال يقبل شريكا منفرد بالملك والربوبیة لهمعه في العبوديه وال يقبل أن يتشبه به أحد في وصف الربوبیه ، فلما

أشھدھم اهللا على أنفسھم بالتوحید ونبذ الشرك ، أقروا أمام خالقھم بأن المنفرد بالملك ھو اهللا ، وأنه خالقھم ومدبر أمرھم ال حول وال قوة لھم إال

، وأنھم ال ينسبون شیئا من ملكه لھم أو لغیرھم ، إال على سبیل بربھماستخالفھم فیه وابتالئھم ، فاألمر هللا في كونه على سبیل الربوبیة

وتصريف خلقه ، واألمر هللا في شرعه على سبیل العبودية وتطبیق حكمه ، الفضل له والملك له ، والحمد له ، والشكر له ، وھم على ھذا العھد

ون ، يوحدون وال يشركون ويشكرون وال يكفرون ، صابرون مؤمنون ، قائمإلي أن يعیدھم يوم القیامة إلیه ، ويكرمھم بالجنة لديه وھذا حقھم علیه

إذا لم يشركوا به شیئا ، وعدا علیه بعدله ، وتفضال منه بكرمه كما ذكر : ذلك في سائر كتبه فقال

( اة واإلنجیل والقرآن ومن أوفي بعھده من اهللا وعدا علیه حقا في التورفبین بعدھا أن ) فاستبشروا ببیعكم الذي بايعتم به وذلك ھو الفوز العظیم

ھذا الوعد سیناله من اتصف من المستخلفین في ملكه بمثل ھذه الحامدون السائحون الراكعون الساجدون التائبون العابدون: ( الصفات

اآلمرون بالمعروف والناھون عن المنكر والحافظون لحدود اهللا وبشر ( المؤمنین

فھذا آخر شرط من شروط ال إله إال اهللا وھو الكفر بما يعبد من دون اهللا ، من الموحدين المخلصین الذين يسمعون القول نسأله اهللا أن نكون

. فیتبعون أحسنه والسالم علیكم ورحمة اهللا وبركاته