4

5

اإلهداء

إلى الصديق الكريم الدكتور زاهي حواستحية تقدير لتاريخه وتأريخه

د. محمد الجوادي

6

7

املحتويات

هذا الكتاب......................................................................................................

الباب األول�صيرة حياة ومالمح �صخ�صية

الفصل األول: موجز سرية حياة عيل ماهر............................................................

الفصل الثاين: شخصية عيل ماهر........................................................................

الباب الثانيال�سعود ال�سيا�سي لعلي ماهر

الفصل الثالث: إسهامات عيل ماهر السياسية املبكرة يف احلركة الوطنية...................

الفصل الرابع: عيل ماهر وزيرا يف االنقالبات الدستورية الثالثة.............................

الباب الثالثعلي ماهر في قمة الم�سئولية

الفصل اخلامس:عيل ماهر رئيسا للديوان امللكي للمرة األوىل )1935 ـ 1936(......

الفصل السادس: عيل ماهر يف وزارته األوىل.........................................................

الفصل السابــع: عيل ماهر رئيسا للديوان امللكي للمرة الثانية )1937 ـ 1939(....

الفصل الثامـــن: عيل ماهر يف وزارته الثانية........................................................

9

15

27

55

64

79

90

97

124

8

الباب الرابععلي ماهر والكهولة ال�سيا�سية

الفصل التاسع: 12 عاما يكافح الظل: عيل ماهر بني 1940 و1952.....................

الفصل العارش: عيل ماهر يف وزارته الثالثة...........................................................

الفصل احلادي عرش: عيل ماهر يف فجر عهد الثورة ونشاطه يف وزارته الرابعة...........

الباب الخامسعلي ماهر بين اأنداده، واأعداء وطنه، وروؤية ذاته

الفصل الثاين عشـر: عالقات عيل ماهر السياسية..................................................

الفصل الثالث عرش: صورة عيل ماهر يف وثائق أجنبية...........................................

الفصل الرابع عرش: مالمح من خواطر عيل ماهر بعد عام من قيام الثورة.................

اخلامتـة.............................................................................................................

قائمة املراجع...................................................................................................

161

179

207

233

266

277

291

299

9

هذا الكتاب

ليبراليا، نفسه هو يكن لم وإن الليبرالية، عصر أعالم من واحد عن كتاب هذا وليس هذا الكتاب سيرة حياته كاملة، وإن كان قد غطى معظم فترات حياة صاحب الحياة وإنجازاته.كما أنه ليس كتاب تمجيد وال كتاب تخليد، وإن كان ال بد له من وصف فهو كتاب »تقييم« و»تحليل«. كما أنه ليس سجال لألعمال واإلنجازات، لكنه استعراض للصراع الذي شارك فيه صاحب السيرة، سواء انتصر أم لم ينتصر، وسواء

أحقق أهدافه أم لم يستطع تحقيقها.

والواقع أن علي ماهر يبدو وكأنه شخصية فريدة، غير أننا نستطيع أن ندرك أن تفرده كان نتيجة لتفرد الدور الذي أتاحه له القدر في أن يتولى بنفسه وبذكائه وضع النهاية

لما وضع البداية له: حقبة الملك فاروق في السياسة المصرية )1936 – 1952(.

وقد أدى علي ماهر األدوار التي أتيحت له باقتدار، وربما كان صالح الوطن في بعض اللحظات يتمنى أو يتطلب أال يؤدي علي ماهر مثل هذه األدوار باقتدار.

ومن الطريف أن علي ماهر في بعض المراحل أجهد نفسه وأجهد الملك وأجهد وكانت الصالح، الملك أنه على فاروق صورة رسم في الحكومة وأجهد القصر النتيجة مأساوية وهي أن الشعب كفر بهذه الصورة بعدما خدع بها وقتا طويال، ولو أن علي ماهر تخلى منذ البداية عن هذا اإلجهاد الرباعي األطراف للقصر وللحكومة على به نبرهن ما هذا كتابنا في وسنرى للوطن، أفضل هذا لكان وللملك ولنفسه

صحة رأينا هذا.

تفوق أضعاف كبيرة بقيمة تحتفظ ماهر أداها علي التي التوفيقية األدوار أن بيد أنظار يوجه بأن كفيل وحدها الحقيقة هذه مثل إدراك ولعل التفريقية، أدواره قيمة

10

وأكثر قيمة، وأكثر صوابا، أكثر هو ما نحو أمثاله من بان الش السياسيين من كثيرين النجاح نواحي ويتأملوا التجربة، هذه مثل يقرءوا أن حظهم من يكون حين خلودا

واإلنجاز فيها قبل أن يمارسوا أدوارهم السياسية.

ويبدو لي أن علي ماهر هو الذي أقصى نفسه بنفسه عن االستمرار لفترات أطول في صدارة المجتمع السياسي المصري، ولم يكن هذا اإلقصاء الذي فعله علي ماهر بالتدليل على ات، وسأبدأ الذ التام حول الزائد، والتمحور نتيجة الطموح بنفسه إال صحة هذا المعنى بذكر حقيقة أن علي ماهر ظل مبعدا وال نقول بعيدا عن المشاركة في الحكم طيلة المدة ما بين يونيو 1940 ويناير 1952، وربما لم تكن الفرصة لتتاح لها وال يمكن الصدارة، هذه حقيقة، لكن هناك حقيقة أخرى مواكبة إلى للعودة له الوصول إليها إال بالتأمل، وهي أن الذي أقصى علي ماهر أو أبعده كان هو علي ماهر

نفسه.. كيف كان ذلك؟

تسير أن الممكن من وكان الحكم، تتولى واألغلبية حكمه فاروق الملك بدأ ماهر علي هو الملكي للديوان رئيس وجود لوال ووفاق وتعاون سالم في األمور نفسه صمم على أن ينتصر للملك بكل ما هو ممكن من الوسائل على الديمقراطية وعلى األغلبية في آن واحد، ولم يكن الملك نفسه يفكر في كل ما كان رئيس الديوان ماهر، جهودا مضنية من أجل الذي هو علي الديوان، رئيس بذل فيه، وقد له يفكر إقصاء الوفد، وقد سخر قدراته العقلية واالجتماعية، بل سخر أخوته نفسها من أجل الوفد وصورته، ويصب في مصلحة األطراف إلى الوفد يسيء في انشقاق إحداث األخرى، وكانت النتيجة أن خرج النقراشي وأحمد ماهر على الوفد، وكانت النتيجة الدستوريين األحرار إلى فاروق عهد طيلة انضموا تبعوهما ومن هما أنهما التالية في تزعم »أقلية« ظلت في كل األحوال »أقلية« لكنها كانت تصور نفسها »أقليات« اجتمعت لتكون أقلية كبيرة تزعم أنها أغلبية كفيلة بأن تناوئ الوفد، ولم يكن كل هذا التحول في األوضاع الحزبية ليتم بهذه السرعة لوال إلحاح علي ماهر على األحداث

ودفعه بالمواقف إلى مثل هذا االتجاه الذي ظنه مفيدا للملك والمؤسسة الملكية.

التكنيك، اختلف وإن ماهر، علي خطوات على ليسير حسنين أحمد جاء ثم ونجح داخله، من الوفد شق في نفسه الدور ممارسا النجاح، قيمة تضاءلت وإن تالية مباشرة ليمارسوا الدور نفسه في هذا مع مكرم عبيد، وجاء آخرون في مرحلة

11

أمام نفسه فاروق الملك وجد أن النتيجة كانت وهكذا الهاللي، نجيب أحمد مع مجموعة أقليات قادرة على تصوير نفسها على أنها أقليات اجتمعت لتكون كما ذكرنا ثم ضاع على علي ماهر وعلى أمثاله من رؤساء شبه أغلبية مستحقة للحكم.. ومن الوزارات ]اإلدارية[ الحظ األكبر الذي كان موجودا في عهد الملك فؤاد حين كان

يريد أن ينصرف عن الوفد إلى ما هو غير وفدي.

الوزارة ليرأسوا وفديين غير سياسيين إلى يلجأ فؤاد الملك كان حين وعلى وحزب االتحاد، كحزب الحكم في وجودهم أثناء في صناعية أحزابا وليؤسسوا الشعب..، إذا بالملك فاروق يجد نفسه في وضع أفضل صنعه علي ماهر ومن ساروا على دربه، فقد وجد فاروق انشقاقات وفدية يدفعها العداء من ناحية، وإثبات الذات الدستورية االنقالبات به قامت الذي بالدور للملك تقوم أن إلى ناحية أخرى، من

الثالثة في عهد سلفه ووالده الملك فؤاد.

وال األول، الدستوري وانقالبه زيور إلى حاجة في يكن لم فاروق فإن وهكذا وانقالبه إلى صدقي في 1928، وال الثاني الدستوري وانقالبه إلى محمد محمود وجد الذي فاروق على أيسر األمور كانت وإنما ،1930 في الثالث الدستوري السعديين والدستوريين معا متشوقين للحكم معا منذ اليوم األخير أو قبل األخير في ـ الوفد وهو ـ العظيم األغلبية لكيان ماهر علي كراهية كانت وكأنما ،1937 عام »القومية محمود محمد وزارة يعطي أن على فيه حرص الذي الحد إلى وصل قد أو يوم في بالحكم تحظى أن في الفرصة ـ الوقت ذلك في سميت كما الكبرى«ـ

يومين من نهاية عام 1937 حتى ال يصبح 1937 كله عاما وفديا!!

وكان الشوق قد استبد بكل هؤالء السعديين الذين خرجوا مؤخرا على الوفد بفضل التلويح الملكي الكريم!! وبكل هؤالء األحرار الدستوريين الذين ظلوا بعيدين عن الحكم منذ نهاية 1929 ـ أي منذ ثماني سنوات كاملة ـ، وهكذا جاء محمد محمود ليخلف النحاس في الظاهر وكأنه قد انتصر عليه، لكنه في حقيقة األمر جاء ليعاني في

الباطن من علي ماهر وتسلطه من خالل موقعه في الديوان الملكي!!

وكلي أمل أن أكون قد أسهمت بهذا الكتاب في خدمة الحقيقة، وفي خدمة التاريخ المصري، وفي خدمة الوطنية، وفي خدمة الوعي بالسياسة واإلدارة ومشكالت الوطن

12

اإلفاضة تعودت مما هذا إلى ما وكل وعالقاته، االجتماعية وإصالحاته الداخلية فيه.

أجل ومن رضاه، أجل من والعمل طاعته إلى الله يوفقني أن ا أيض أمل وكلي صالح وطني، ومن أجل مصلحة قومي، وتوجيه أنظارهم إلى مواضع االعتبار في والتقى، والعفاف والرضا الغنى يرزقني وأن والسياسة، والقانون والحياة التاريخ مع الكريم لوجهه وأن يجعل عملي خالصا كثيرة، يتجاوز عن سيئاتي، وهي وأن

أني ال أنجو من الرياء في كل ما أفعل.

ومعاناة، وألم مرض من أعاني ما عني يذهب أن وتعالى سبحانه الله وأدعو وأن يرزقني الشفاء، وأن يمتعني بالصحة والعافية، وأن يحفظ علي سمعي وبصري وعقلي وذريتي وذاكرتي وكل ما أنعم به علي، وأن يجعلني قادرا على الوفاء بحق

حمده وشكره.

د. محمد الجوادي

13

الباب األول�صيرة حياة.. ومالمح �صخ�صية

14

15

الفصل األول موجز �سيرة حياة علي ماهر

ولد علي ماهر في يوم األربعاء 17 من ذي الحجة سنة 1398هـ الموافق 9 نوفمبر 1881م في بيت والده محمد ماهر باشا في شياخة عفيفي التابعة لحي العباسية، وقد بيوت في متميز تعليم من الموظفين كبار أوالد من أترابه أو نظائره يتلقاه ما تلقى القطر مدارس أفضل هي وكانت االبتدائية، الناصرية بالمدرسة التحق ثم آبائهم، بالمدرسة الخديوية التحق المصري في ذلك الوقت وفيها أتم دراسته االبتدائية ثم الثانوية، ومنها نال شهادة البكالوريا )الثانوية( سنة 1898 بتفوق، وكان ترتيبه األول على أقرانه، وفي هذه المدرسة عرف عنه التفوق في المواهب وفي الرياضة البدنية أيضا، حيث كان رئيسا لفريق كرة القدم، وكان يهوى ركوب الدراجات، كما اشترك في مسابقات العدو السريع، كما نمت في هذه المدرسة مواهبه الخطابية والتنظيمية

على نحو ما سنرى في روايات أقرانه عنه.

محمد والده كان ما هو حياته( من المرحلة هذه )في كله هذا من األهم لكن من به معنيا )1894 في الحربية وزارة وكيل منصب إلى وصل )الذي باشا ماهر تربيته هو وإخوته المتميزين تربية متميزة تستهدف تعويدهم االستقالل، واالعتماد يعنى عناية شخصية دقيقة على الذات، وسعة األفق،، فقد عرف عن والده أنه كان كان وقد ومعارفهم، شخصياتهم تكوين على كثب عن واإلشراف أبنائه بتهذيب حريصا على إدخال جميع أبنائه ومن بينهم علي ماهر القسم الداخلي في المدرسة من أجل تعويدهم االعتماد على الذات، فلما أتموا دراستهم الثانوية، ولم يكن بالمدارس إدارة المنزل االستمرار في ممارسة المسئولية عن العليا أقسام داخلية، هيأ لهم في األمور العامة، وجعل أمر إدارة المنزل في أثناء العطلة الصيفية من شأنهم يتبادلونها

16

كل أسبوع، وتكون مهمة صاحب النوبة منهم السهر على نظافة البيت وملحقاته كلها ومراعاة ما يعد لألكل ألصحاب الدار والخدم أيضا.

ومحمود، وعلي، مصطفى، هم: األشقاء من خمسة من واحدا ماهر علي كان الثاني هما الوزارة رياسة إلى وصال اللذين األخوين فإن وهكذا وأمين، وأحمد، والرابع بين خمسة أشقاء، ولم يصل شقيقان إلى رياسة الوزارة في تاريخنا الحديث

غيرهما.

البكالوريا وأراد أن يلتحق بمدرسة الحقوق )كلية وبعد أن نال علي ماهر شهادة الحقوق(، وجد أنه يشترط فيمن يريد أن يلتحق بها أن يكون ملما باللغة الفرنسية، ولما كانت دراسة علي ماهر حتى ذلك الحين باللغة اإلنجليزية، فإنه درس اللغة الفرنسية

واجتهد في استيعابها واستطاع أن يزامل من درسوا الفرنسية قبله بأعوام.

المحاماة في يعمل أن أراد إنه ويقال بالمحاماة، ماهر علي عمل تخرجه وبعد مكتب في بالعمل زغلول فتحي نصحه وقد معا، المختلطة المحاماة وفي األهلية األهلية، للمحاماة بك يوسف مكتب وفي المختلطة، للمحاماة فيار« دي »كارتون

وكان لدى هذا المكتب في ذلك العهد جميع قضايا وزارة األوقاف.

ثم اختير علي ماهر بعد 3 سنوات من عمله بالمحاماة للعمل قاضيا بمحكمة مصر األهلية في 9 مارس سنة 1907، وظل يعمل قاضيا حتى 9 يناير 1912.

إلى عمله كي باإلضافة طلب أنه ماهر الدكتور محمود عزمي عن علي ويروي يجلس في محكمة عابدين ليعنى بدرس أحوال األحداث، وكان يعالج أمرهم وأمر انزالقهم في هاوية اإلجرام عن طريق تعرف حالتهم العائلية، فكان يطلب إلى كاتب أم بأكثر من واحدة؟ وهل آباء األحداث: هل هم متزوجون إثبات حاالت الجلسة الحدث هي التي تعيش مع أبيه؟ وأخرج من ذلك كله إحصاء دلل به على أن القلق أن على دلل كما األحداث، إجرام سبب الغالب في إليه يرجع الذي هو العائلي الجدير ومن العائلي، القلق ذلك تأثير وتحت صغارا، بدءوا قد اإلجرام معتادي بالذكر أنه كان فيما بعد من الداعين إلى تنظيم الزواج بأكثر من واحدة وتقييده بحيث

ال يتم إال بإذن القاضي.

17

وفي 10 يناير سنة 1912 رقي علي ماهر إلى درجة وكيل النائب العمومي، وظل يشغل هذه الدرجة حتى 30 مايو 1914.

ومن المواقف التي تذكر له خالل عمله في هذه الفترة أنه كان هو الذي أسند إليه التحقيق مع الزعيم الوطني محمد فريد، ولكنه رفض إصدار أمر بالقبض عليه، وكان محمد فريد قد ألقى خطبة في المؤتمر السنوي للحزب الوطني في 22 مارس 1912، ولم يرض هذا الموقف الحكومة وقررت نقل التحقيق من يده وعهدت به إلى علي توفيق رئيس نيابة مصر، وكان الغرض من هذا التدخل أن يتم القبض على محمد فريد الحكومة، وبهذا إفشال خطة فريد من ن محمد بسرعة، لكن تصرف علي ماهر مك

تمكن من الهرب من مصر ووصل اآلستانة في 31 مارس 1912.

إدارة )مدير( ناظر وظيفة إلى العمومي النائب وكيل وظيفة من ماهر علي نقل 18 حتى الوظيفة هذه يشغل وظل ،1914 يونيو أول في الحسبية المجالس

يونيو 1919.

الوطنية الحركة في واشتراكه المصري الوفد في نشاطه من كان ما كان ثم واحتجاجاتها، وقد كانت أول نجومية له هي قيادته للجنة إضراب الموظفين في ثورة 1919، وسوف ننقل في باب تال عن مذكرات الدكتور يوسف نحاس ما يلخص دور

علي ماهر في هذه اللجنة.

وقد اختير علي ماهر عضوا في لجنة الثالثين التي كلفت بوضع الدستور.

ناظرا لمدرسة الحقوق الدستور ثم تعيين علي ماهر انتهاء أعمال لجنة وعقب في نهاية أبريل 1923، وعرف عن علي ماهر أثناء عمادته لمدرسة الحقوق الكفاءة في العمل، وقد اختار تدريس مادة »القانون الدولي العام«، وفي هذه الفترة ألف أول كتاب باللغة العربية في هذه المادة، وقد ظل علي ماهر يتولى منصب ناظر مدرسة المعارف لوزارة وكيال فعين األولى زيور أحمد وزارة لت شك أن إلى الحقوق تقريبا أشهر ثالثة الموقع هذا في ماهر علي استمر وقد ،1924 نوفمبر 30 في أن يخوض ثروت الخالق منه عبد البرلمانية، وقد طلب االنتخابات أجريت حتى معركتها، فرشح نفسه عن دائرة الوايلي بأغلبية مطلقة في 12 مارس، ولكنه لم يؤد حق هذه النيابة أكثر من يوم واحد أو بضع ساعات، إذ لم يقدر لهذا المجلس، كما

18

نعرف أن يباشر مهامه النيابية نتيجة لصدور مرسوم حله في 23 مارس سنة 1925، بعد ساعات من االنعقاد األول للمجلس.

وفي هذه الفترة تزوج علي ماهر )حوالي عام 1924( من ابنة محمد مجدي باشا الذي كان يحتل ما يوازي ما نطلق عليه اآلن لقب »شيخ القضاة«، وأنجب منها ابنهما الوحيد »محمد«، وقد عني بتربيته، وبعد أن أتم محمد علي ماهر دراسته عمل بوزارة ر له أن يتعاون مع عهد الخارجية وتدرج في وظائفها حتى صار مستشارا، لكنه لم يقد

الثورة وسرعان ما ترك وظيفته!

يناير 10 تألف يف الذي االحتاد إىل حزب ماهر انضم عيل أيضا الفرتة ويف هذه اجلديد، وقد صار الصناعي أقطاب هذا احلزب أنه من الواضح 1925، وكان من اختياره تم له، كذلك اإلدارة اختيار جملس بناء عىل له. 1925 وكيال مارس 3 يف شئون تنظيم يف للحزب العمومية اجلمعية بجلسة للحزب التنفيذية باللجنة عضوا اجلرائد التي تصدرها رشكة الصحافة املرصية عىل مبادئ حزب االحتاد وهي »االحتاد لت يف 20 أكتوبر سنة 1926 والليربتيه والشيطان« وذلك من خالل اللجنة التي شكوضمت السيد أبو عيل رئيس الرشكة رئيسا وعضوية كل من عيل ماهر، وحممد حلمي عيسى، وحممود أبو النرص، وإدوار قصريي، وقد تولت هذه اللجنة تقييم تلك اجلرائد من الوجهة االقتصادية ومن جهة التحرير واملحررين والعامل وتنظيم اإلدارة، ومنذ

يونيو عام 1927 أصبح عيل ماهر مرشفا بصفة عامة عىل صحف حزب االحتاد.

دخل علي ماهر الوزارة ألول مرة وزيرا للمعارف في وزارة أحمد زيور الثانية التي شكلت في 13 مارس 1925 وبقي في منصبه حتى نهاية عهد هذه الوزارة في يونيو 1926، وقد تولى وزارة الحقانية بالنيابة لفترة قصيرة )أسبوع( عقب استقالة عبد العزيز

فهمي الشهيرة )سبتمبر 1925(.

وفي هذه الفترة التي تولى فيها وزارة المعارف أثبت علي ماهر قدراته فكان أول من وضع نظما وخططا ذكية إلصالح نظام التعليم، من خالل التشريعات السريعة،

وظهر ذكاؤه وألمعيته في هذه الخطط وفي قدرته على إنجاحها بسرعة.

كذلك وبقي السياسي، الظل إلى ماهر علي خرج زيور وزارة عهد وبانتهاء في نفسه ماهر علي رشح وعندما الدستوريين، واألحرار الوفد ائتالف انعقد حتى

19

من الرغم على وذلك يفز، لم 1926 سنة الوايلي دائرة في البرلمانية االنتخابات مساعدة وزارة الداخلية له، وقد فاز منافسه حسن حسيب مرشح الوفد.

كان التي الثالثة االئتالف وزارة تصديع 1928 يونيو محمود محمد تولى فلما النحاس باشا رئيسا لها، وتولى بنفسه رياسة الوزارة التي تلتها، جاءت الفرصة لعلي عن الدستوريين األحرار بتحول صريحا إعالنا كان فيما الوزارة هذه ليدخل ماهر له، بالوالء يدين الذي االتحاد وحزب الملك مع االتفاق إلى الوفد مع االئتالف والذي كان علي ماهر نفسه أحد أقطابه الشكليين، فقد كان ذلك الحزب كما نعرف

حزبا شكليا ليس له من الحزبية إال اسمها!!

االنقالبات رجل أنه على تأكيدا كان الوزارة هذه ماهر علي دخول أن والواقع الدستورية بعد أن شارك هو نفسه في وزارة زيور الثانية، أي في االنقالب الدستوري األول، لكن االنقالب الدستوري الثاني في 1928 كان أبعد أثرا، كما أن دور علي سبيل على رمضان، العظيم عبد الدكتور نرى ونحن وضوحا،. أكثر كان فيه ماهر المثال، مياال إلى القول بأن علي ماهر كان هو صاحب الفتوى في أول إقالة في تاريخ

الحكم النيابي في مصر، وهي إقالة مصطفى النحاس باشا في يونيو 1928.

)يونيو األولى محمود محمد وزارة طيلة للمالية وزيرا ماهر علي ظل وقد 1928- أكتوبر 1929(، وبهذا فإنه قضى فيها أربعة عشر شهرا، ومن الجدير بالتأمل أن محمد محمود نفسه كان وزيرا للمالية في وزارتي النحاس وثروت السابقتين على تولي محمد محمود الرئاسة، ومن الجدير بالتأمل أيضا أن علي ماهر كان قد وصل

إلى منصب الوزارة قبل محمد محمود، ولكنه قبل العمل تحت رياسته.

وبانتهاء عهد وزارة محمد محمود ترك علي ماهر العمل التنفيذي وظل كذلك ووزارة )أكتوبـر1929(، االنتخابـات أجـرت التـي يكن عدلي وزارتي طيلة يشارك إذا هو ثم )يناير1930(، االنتخابات في الفوز نتيجة التي جاءت النحاس

في االنقالب الدستوري الثالث على يد صدقي )1930(.

عاد علي ماهر إلى العمل التنفيذي في منتصف سنة 1930، حيث اشترك في وزارة صدقي باشا األولى وزيرا للمعارف العمومية )20 يونيو 1930(، لكن تغيرا سريعا حدث لهذه الوزارة بعد ثالثة أسابيع من تشكيلها وقد كان لهذا التغيير تعاقب طريف،

20

فقد استقال وزير الخارجية )حافظ عفيفي( فخلفه في الخارجية وزير الحقانية )عبد الفتاح يحيى(، وخلف هذا في الحقانية وزير المعارف )علي ماهر(، وعين وزير جديد للمعارف. وهكذا أصبح علي ماهر بمقتضى هذا التغيير الوزاري وزيرا للحقانية، وهو

المنصب الذي اشتهر به في أثناء هذه الوزارة، وفيما يروى عنها من وقائع تاريخية.

ومن الجدير بالذكر أن علي ماهر كان سببا رئيسيا من أسباب استقالة وزارة صدقي األولى وتشكيله لوزارته الثانية في يناير 1933، ويقول هواة البحث في االفتراضات أنه ولو الوزارة، استقالة إلى أدى الذي الحقانية هو وزارة في إن وجوده التاريخية في نتناولها وسوف معروفة والقصة حدث ما حدث لما للمعارف وزيرا استمر ترك أنه ماهر لعلي التاريخ البراري، وقد سجل مأمور بأزمة تتعلق موضعها، وهي

هذه الوزارة احتجاجا على بعض تصرفاتها.

رمزا الوزارة في كان وجوده فقد بعد حزبي مهم، ماهر كان الستقالة علي وقد لوجود حزب االتحاد فيها، فلما استقال من الوزارة وهو وكيل للحزب طرح التفكير في بقاء االئتالف الوزاري بين هذا الحزب وحزب الشعب الذي أسسه صدقي باشا، وحرصا من حزب االتحاد على البقاء في الحكم من خالل المشاركة اجتمعت اللجنة التنفيذية لحزب االتحاد للنظر في الخالف الذي طرأ بين علي ماهر ورئيس الوزراء إسماعيل صدقي، ومن الطبيعي أن الحزب أعلن تأييده للوزارة في سياستها واستمرار وفي واختياراته، سياسته وعن ماهر علي عن التخلي هذا معنى وكان لها، معاونته أعقاب ذلك قدم علي ماهر وكيل حزب االتحاد استقالته من الحزب. وتعد استقالة ها بعض علي ماهر من حزب االتحاد آخر عهده باألحزاب وباالنتماء الحزبي، ويعدالمؤرخين بمثابة انتهاء الرتباطه بأي حزب سياسي حتى نهاية حياته، ومع هذا فنحن خالل من مصر جبهة تأسيس حاول أنه نعرف ألننا الحكم؛ هذا مثل على نتحفظ مجموعة من األحزاب أو األشخاص، لكنها كانت تجربة صورية انتهت قبل بدايتها.

وفي الثالثينيات دخل علي ماهر إلى الحياة البرلمانية من باب التعيين، حين عين بالتعيين الشيوخ لمجلس عضويته واستمرت )1930( الشيوخ مجلس في عضوا ل على يعو لم يبدو فيما إلى سنة 1952، لكنه فترات طويلة من سنة 1930 خالل دوره في عضوية البرلمان كثيرا، ويذكر الدكتور رشوان جاب الله في كتابه عن علي

21

ماهر أن نسبة االعتذارات التي قدمها علي ماهر عن حضور جلسات مجلس الشيوخ بلغت أكثر من 57% من جلسات المجلس خالل أدوار االنعقاد المعين فيها، ويشير يدخل أن ماهر في حالة حضوره كان حريصا على أن علي إلى الله الدكتور جاب

صامتا معتدا بنفسه.. قليل الحديث.

* * *

توليه وقبل فؤاد الملك ماهر طيلة عهد دور علي لتأمل هنا نتوقف أن أردنا إذا ندرك أن نستطيع فإننا فؤاد، الملك عهد وزارات آخر ورئاسة الملك ديوان رئاسة بوضوح ومن دون مجاملة أو تحامل أن علي ماهر كان عنصرا فاعال في االنقالبات الدستورية الثالثة التي شهدتها مصر في عهد الملك فؤاد، مع اختالف موقعه في كل من هذه االنقالبات، فقد كان يمثل بالنسبة لزيور وزير المعارف، ولصدقي باشا وزير الحقانية، لكنه بالنسبة لمحمد محمود كان يمثل وزير المالية، وال يرجع هذا إلى رغبة علي ماهر في ارتياد آفاق جديدة أو إثبات نفسه في مواقع متعددة، بقدر ما يرجع هذا أن ذلك ومن ماهر، علي معهم عمل الذين الوزارات رؤساء إلى الدور في التبدل إسماعيل صدقي كان مهتما بالمالية بصفة شخصية وقادرا عليها، لهذا فإنه لم يكن في حاجة إلى علي ماهر فيها، ومن ثم فإنه آثر لعلي ماهر أن يكون في وزارته التي آثر أن المعارف، فلما حدث تعديل وزاري سريع توالها من قبل زيور وهي وزارة ينتفع به في الحقانية، ومن ناحية أخرى فقد كان لمحمد محمود أصدقاء أعزاء جدا في العدل من طبقة خشبة وفي المعارف من طبقة أحمد لطفي السيد، وهكذا فإنه آثر أن يعهد إلى علي ماهر بالمالية، ومن الغريب أن محمد محمود لم يكن حريصا على االحتفاظ بوزارة المالية على نحو ما فعل صدقي باشا فيما بعد، بل إنه تركها في ثالث ومرة ماهر، لعلي مرة تركها فقد به، الالحقين الوزارات لثالثة من رؤساء وزارات لصدقي نفسه، ومرة ألحمد ماهر، كما جمع بينها وبين الرئاسة، كما أنه هو نفسه كان

قد توالها في وزارتي ثروت والنحاس!!

أقرب رأيي، في كان، فقد زيور في عهد المعارف لتولي ماهر اختيار علي أما لكلية مصري عميد أول يكون أن قبل ماهر علي أن ذلك الطبيعية، إلى األمور الحقوق، كان طالبا متميزا متمكنا من فهم جوانب التعليم التي تحتاج إلى اإلصالح

22

عائدا أكثر كان الوزارة هذه في نشاطه أن رأيي، وفي التشريع. وتعديل والتطوير على المجتمع من نشاطه في وزارتي المالية والحقانية.

وبعد خروج علي ماهر من وزارة صدقي إثر أزمة مأمور البراري بقي الرجل بعيدا عن المناصب الوزارية ومناصب الدولة أكثر من عامين.

وقد اعتذر علي ماهر عن االشتراك في وزارة عبد الفتاح يحيى.

استقالته مع االتحاد حزب من استقال أنه عزمي محمود الدكتور روى وقد الدين سيف دائرة من كذلك واستقال قبل، من هذا إلى أشرنا وقد الوزارة، من

وذهب إلى األقصر.

ويروي الدكتور محمود عزمي أيضا أنه جرت ثالث تشريفات ملكية بعد استقالته، بمناسبة عيد الفطر، وعيد الملك، وعيد األضحى، فحضرها وهو مغضوب عليه، ثم

التمس مقابلة جاللة الملك بمناسبة قرب سفره إلى أوروبا فرفض التماسه، وسافر.

ويذكر الدكتور محمود عزمي أنه لما استقال حافظ عفيفي باشا من مفوضية لندن عرضته وقد باشا، ماهر علي على المنصب يحيى باشا الفتاح عبد وزارة عرضت فاعتذر ألنه وقد السنة في إلى عشرة آالف جنيه مالية تصل بمخصصاته بامتيازات رفض االشتراك في الوزارة ال يمكنه أن يتولى منصبا يمثل فيه هذه الوزارة بالذات، واستمسك برأيه حتى في حضرة الملك الذي قال له إنه في منصبه إنما يمثل الملك،

فأجاب بل يمثل الملك والحكومة معا.

ما له تحقق ما بعد ،1935 يوليو في الملكي للديوان رئيسا ماهر علي عين ثم طلب من إخراج اإلبراشى من القصر، وتولى بهذه الصفة كثيرا من المهام السياسية

على نحو ما سوف نتعرض له في الباب الخاص برئاسته األولى للديوان.

المناصب إلى ماهر علي عاد الديوان في عمله من شهور ستة قرابة وبعد الوزارية حين شكل هو نفسه وزارته األولى وزارة المائة يوم )30 يناير 1936 – 9 فؤاد في عهدها، ونصبت هيئة الملك التي أجرت االنتخابات وتوفى مايو 1936( الداخلية والخارجية لنفسه، وعن هذه الوصاية، وقد احتفظ في هذه الوزارة بوزارة الوزارة وإنجازاتها البارزة كتب أستاذنا الدكتور محمود عزمي كتابا مهما في حينه،

23

إذا لكننا الكتاب هذا من خاص باب في الفترة هذه في وأداءه جهوده تناولنا وقد أردنا تلخيص الرأي في أدائه فيمكننا القول بأنه نجح نجاحا باهرا في تنفيذ عدد من المشروعات اإلصالحية التي أضافت إلى مجده وتاريخه، وأثبتت قدرته على النجاح

السريع والمدروس.

وفي أثناء وزارة النحاس باشا فاجأ الملك فاروق الوزارة الوفدية بتعيين علي ماهر رئيسا للديوان في أكتوبر 1937، وقد ثارت معارضات وفدية وصحفية في وجه هذا القصر والوفد تتسارع حتى تمكن من القرار عند صدوره، وبدأت سلسلة خالفات أن يساعد الملك فاروق على إخراج الوفد من الحكم قبل مضي شهور معدودة على به علي ماهر من قدرة غير يتمتع وجوده في منصبه، وهو ما يدل على مدى ما كان

مستترة على المناورة واالنقالب السياسي.

ومع أن محمد محمود جاء بوزارة ائتالفية كبيرة إال أن علي ماهر تمكن من تنغيص األمور عليه طيلة عهده وحتى خلفه على نحو ما سنرى بالتفصيل في كتابنا هذا.

وفي أثناء عمله برئاسة الديوان الملكي للمرة الثانية نال علي ماهر في 10 فبراير الرفيع المقام صاحب للقب صاحبها تؤهل التي وهي األول فؤاد قالدة 1938التالية لم األيام الباشا«، وكان هذا من حسن حظه؛ ألن المختصر »رفعة أواللقب أثناء في القالدة هذه على حصل وقد عليه، للحصول أخرى فرصة له تهيئ تكن نفسه، باشا محمود ومحمد هو عليها حصل وقد للوزارة، محمود محمد رئاسة قد فكان باشا النحاس أما الملكي، الديوان رئاسة يشغل وقتها ماهر علي وكان حصل عليها من قبل على يد هيئة الوصاية عندما تم إنجاز معاهدة 1936، وقد كان

رئيسا لوفد المفاوضين المصريين من أجل إبرام تلك المعاهدة.

حياته طيلة والتقدير التكريم من كثيرا هذا وبعد هذا قبل ماهر علي نال وقد إثر على 1923 سنة األولى الدرجة من »البكوية« رتبة على حصل فقد العامة، القانون« في الشرفية »الدكتوراه منح كما الحقوق، لمدرسة عميدا ناظرا تعيينه

بمناسبة انعقاد المؤتمر الطبي بمصر سنة 1928.

وفي هذه الفترة ظل علي ماهر من خالل موقعه في رياسة الديوان يضع الصعوبات والمشكالت في وجه محمد محمود ووزارته حتى استطاع أن يخلف محمد محمود

24

في رياسة الوزارة، وقد شكل علي ماهر وزارته الثانية )أغسطس 1939- يونيو 1940(، واحتفظ فيها لنفسه أيضا بالخارجية والداخلية، وقد عاشت هذه الوزارة أكثر من عشرة الحرب نذر اندالع الوزارة لهذه تشكيله وواكب عمرا، وزاراته أطول وهي شهور،

العالمية الثانية.

وسرعان ما أقيل علي ماهر من رياسة الوزارة رغم أنفه ورغم أنف الملك فاروق أيضا !!، وذلك بناء على ضغط البريطانيين لما كانوا يلمسونه بوضوح من دالئل تنبئ لهم، بالنسبة في طريق سيئ تمضي، الحرب بينما المحور إلى ماهر ميل علي عن مواجهة في لصالبته ثمن أنها على إقالته تصوير في نجح فقد نفسه ماهر علي أما المطالب البريطانية، ونظم دعاية ضخمة في هذا الطريق حفظت له بعض صورته في

الوجدان الشعبي، وقدمته في صورة كان يتوق إليها.

مظاهرات على االعتماد خالل من الصدارة إلى العودة ماهر علي حاول وقد رئاسة إلى بعودته نادت التي الوقت ذلك في الصاعدة األيديولوجية الجماعات الوزارة لكنه لم يفلح، وربما كان أبرز تلخيص في هذه الفترة هو ذلك الشعار الذي رفعته المظاهرات: »علي ماهر رجل الساعة«، وقد قيل إنه بذل جهدا في إعادة التعاون بين الوفد والقصر، لكن األحداث سبقته، وحدث ما حدث في 4 فبراير 1942، وطيلة هذه الفترة كان أحمد حسنين قد تمكن من أن يقضي على الجزء األكبر من مكانة علي

ماهر عند الملك فاروق.

وبمجيء النحاس باشا إلى الحكم في أعقاب حادث 4 فبراير 1942 صعد علي ماهر من نشاطاته التي كان البريطانيون يرونها خطرا على موقفهم العسكري، وكانت النتيجة أن تم اعتقاله في القصر األخضر على الرغم من تمتعه بعضوية مجلس الشيوخ، بالتفصيل في باب خاص بنشاط علي نتناول هذا كله البرلمانية، وسوف والحصانة

ماهر في أثناء فترة الظل السياسي.

وعقب تشكيل أحمد ماهر للوزارة في أكتوبر 1944 أفرج عن علي ماهر مع تعهد شقيقه رئيس الوزارة الجديد بمسئوليته عن نشاطه.

في مصر جبهة تأسيس إلى ماهر علي دعا عنه اإلفراج من عام من وبعدأكثر 10 نوفمبر سنة 1945، وذكر أن دعوته تعبر عن أمل في تنظيم سياسي ذي برنامج

25

والنواب الشيوخ من كبير لفيف إلى اليوم ذلك في الدعوة وجه وقد إصالحي، المستقلين وأعضاء األحزاب والهيئات السياسية ورجال الفكر والصحافة وذلك في مقر دار جبهة مصر بالقاهرة، لكنه لم يفلح في أداء دور سياسي كبير طيلة هذه الفترة،

إذ رأى الساسة والمراقبون أن فكر هذه الجبهة مجرد واجهة لنشاطه الفردي.

وقد رفع علي ماهر في برنامج الجبهة شعار »وضع حد أقصى للملكية الزراعية قانون وأمضت الثورة، وجاءت دورته دار الزمان أن التاريخ طرائف ومن الكبيرة« اإلصالح الزراعي على نحو ما نعرف، وفي هذه الفترة نسب إلى علي ماهر وربما كان

هذا ظلما أنه عارض تحديد الملكية الزراعية )!!(.

بالجيزة، بمنزله أربعاء يوم مأدبة غداء كل يقيم ماهر األثناء ظل علي وفي هذه أبرز العادة هذه وكانت أسبوع، كل تتكرر منه مفتوحة بدعوة خاصته فيها ويجمع وبعض ماهر علي أصدقاء من لفيفا تضم المائدة وكانت االجتماعية، حياته في ما

الصحفيين وبعض أساتذة الجامعة.

الوزارية ألكثر من 11 عاما حتى شكل المناصب بعيدا عن وقد ظل علي ماهر مارس 1952( وعاشت يناير 1952-أول 27( القاهرة حريق الثالثة عقب وزارته بالخارجية، والحربية والبحرية، لكنه لنفسه فيها وزارته خمسة أسابيع. وقد احتفظ على غير عادته ترك وزارة الداخلية في هذه الوزارة ليتوالها رجل الملك القوي أحمد مرتضى المراغي، ويرى الكثيرون أن سبب خروجه من الحكم كان هو اعتداله في

مواجهة الوفد.

الثورة واستمرت ستة أسابيع )24 ثم شكل علي ماهر وزارته الرابعة عقب قيام الداخلية، وزارات: ثالث الرئاسة مع فيها وجمع )1952 سبتمبر 1952ـ يوليو والخارجية، والبحرية والحربية، وقد شهدت رياسته لهذه الوزارة كل األحداث التي مرت بها مصر في مطلع الثورة من تنازل الملك فاروق البنه عن العرش، ومن سفره إلغاء لأللقاب، وتوجه نحو اإلصالح إلى الخارج، وتكوين مجلس للوصاية، ومن على إدارية قيود فرض وفي األحزاب مناوءة في حثيثة بخطوات والبدء الزراعي، كثير من شخصيات بل على تكوينها، والمضي في خطوات مقيدة لحركة حركتها،

العهد الملكي.

26

وهكذا كان عهد هذه الوزارة هو بداية النهاية للحقبة الليبرالية. وفيما بعد خروجه من رياسة الوزارة بقي علي ماهر بعيدا عن نظام الحكم الجديد، رياسة قبيل من متقدم موقع إلى يعود ألنه نظريا مرشحا، آلخر آن من كان لكنه جمهورية برلمانية! فلما دفعت األمور رجال الثورة إلى اإلعالن عن دستور جديد، وتشكيل لجنة لوضع هذا الدستور، كان علي ماهر هو المرشح الطبيعي ألن يكون

على رأس هذه اللجنة التي أنجزت مشروعا أهملته الثورة تماما.* * *

وفي 24 أغسطس 1960 توفي علي ماهر في جنيف بنوبة قلبية، وكان قد سافر إلى إنجلترا، ثم إلى سويسرا للعالج من مرض القلب.

وفي 27 أغسطس شيعت جنازته في القاهرة، ووصفت »األهرام« تشييع الجنازة:أناب التحرير. ميدان من ماهر علي السابق الرئيس جنازة أمس مساء »شيعت الرئيس جمال عبد الناصر السيد نجيب هاشم وزير التربية والتعليم لتشييع الجنازة. بمحافظات فروعها مختلف من اإلسعاف جمعية متطوعو الجنازة مقدمة في سار اإلقليم المصري بمالبس اإلسعاف يحملون أعالمهم. حمل جثمان الفقيد عشرة من متطوعي اإلسعاف، سار وراء النعش مندوب الرئيس، وأقارب المغفور له علي ماهر، والسادة عزيز المصري، والدكتور محمد بهي الدين بركات، والدكتور محمد هاشم،

وسعد اللبان، واللواء عبد الحميد خيرت حكمدار القاهرة، ومئات من المواطنين«.

قادما من الثالثة صباح أمس الساعة بالطائرة في الفقيد قد وصل »وكان جثمان سويسرا. استقبله في أرض المطار السادة محمود ماهر، وسعد اللبان، وعثمان خليل، وكريمة المغفور له أحمد ماهر، وشقيقته، ورجال اإلسعاف، دخلت أرض المطار الفقيد وكان موضوعا بنقل جثمان المتطوعون قام إسعاف تحمل رقم 31. سيارة داخل صندوق خشبي مغطى بالقماش من الطائرة إلى السيارة. وقف أقارب الفقيد المطار 4 له رجال المطار يودعونه. بكى سائق سيارته بشدة عندما أحضر فناء في نجله الجثمان مع وصل بالخارج. معه كانت التي الفقيد متعلقات تضم حقائب محمد علي ماهر، كان قد سافر صباح أول أمس للقيام باإلشراف على إرسال جثمان

والده إلى القاهرة.

27

الفصل الثاني�سخ�سية علي ماهر

)1(

عصر شخصيات من بارزة سياسية شخصية كان ماهر علي أن فيه الشك مما العمالقة الذين كانوا يجمعون من الميزات ما يؤهلهم للزعامة عن حق، وعلى سبيل المثال فقد اتصف بالذكاء والدهاء السياسي والمرونة في حسم األمور، وكان متحليا

باألدب االجتماعي وكثرة النشاط مع أنه بطبعه كان عصبي المزاج، سريع الغضب.

والمتأمل لتاريخ حياته يراه جديرا بأكثر مما وصل إليه لوال أنه كان سيء التقدير في تفكيره لنفسه.

والشاهد أن سوء الحظ لم يكن بمثابة العامل الذي أخر مكانة علي ماهر باشا عما كان يستحقه من مكانة بين أقرانه من قادة الحياة السياسية قبل الثورة، وإنما كان سوء االختيار هو العامل األكثر تأثيرا في هذه المكانة. فمنذ البداية كان المجال مفتوحا على مصراعيه أمام هذا الرجل ليأخذ مكانة متقدمة جدا في صفوف الحركة الوطنية، لكنه آثر أن يتعجل الخطوات إلى المجد الزائل أو الزائف، مبتعدا بإرادته عن تيار الحركة الوطنية، وهكذا فإنه فقد بالتدريج والتراكم كثيرا من األرضيات التي كان يمكن أن يستند

إليها في صراعه من أجل البقاء والتقدم على المستوى الشخصي.

ومن المهم أن نذكر أن ثورة 1919 هي التي دفعت بعلي ماهر إلى الصفوف األولى من المجتمع، سواء في موقع الوزارة ورئاستها أم إلى المواقع األخرى الموازية، ولوال هذه الثورة ما وصل علي ماهر إلى ما وصل إليه إال بعد 15 عاما من وصوله بالفعل، وقد كان أول شاب من شبان الجيل الجديد الذين يصلون إلى الوزارة بعد المجموعة

28

باشا النحاس وهم: أثنائها وفي 1924 في الوزارة بها ودخل سعد اصطفاها التي يناير( أحمد ماهر )في شهر أكتوبر(، ثم الغرابلي وواصف غالي )في شهر ونجيب علي الشمسي )في شهر نوفمبر(، ثم الوزيران اللذان رضى الوفد عن دخولهما وزارة زيور وهما عثمان محرم وأحمد خشبة في نوفمبر 1924، أما علي ماهر فقد دخل وزارة زيور باشا الثانية في مارس 1925 ليكون بمثابة الرجل البارز من جيل الثورة المناهض لزغلول وللزغلوليين، ومع أن سبعة من جيله سبقوه ووصلوا إلى الوزارة في عهد الليبرالية برعاية زعيم األمة، فإن علي ماهر وصل إلى الوزارة في الوقت الذي وصل إليها عبد العزيز فهمي الذي كان ثالث ثالثة مع سعد وعلي شعراوي في اللقاء

بالمندوب السامي البريطاني من أجل إعالن االستقالل.

)2(

حزب وهو صناعي حزب أول في يشارك أن إال ماهر علي حظ سوء ويأبى باشا، إبراهيم الحزب مع يحيى إلى منصب وكيل الحزب االتحاد، ويصل في هذا ولما كنت من الذين يجتهدون في أن يلتمسوا )أو أن يتقبلوا( في كل اتجاه ميزة تميزه عن غيره وترفع من قدره، فإني أرى في حزب »االتحاد« الذي صنعه الملك ورجاله نوعا من ادعاء أرستقراطية طبقة المعلمين والمتعلمين، ولعل هذا ما دفع أصحابه إلى ل في النهاية ألن يكون رئيسه وزير معارف أن يختاروا أعضاءه على النحو الذي أهسابق وليكون وكيله وزير معارف أيضا، وللرجلين قيمتهما من حيث المكانة العلمية، فيحيى إبراهيم باشا كان رئيسا لمحكمة االستئناف وكان بمثابة قاضي القضاة لفترة

طويلة، كما أن علي ماهر كان عميد كلية الحقوق في سن مبكرة.

التاريخ وال المذكرات المتاحة كيف بدأت عالقة علي ماهر لنا كتب وال تروي إلى علي ماهر يرتاح الملك كان أن قراءتنا لألحداث تدل على فؤاد، لكن بالملك وعبد يكن وعدلي صدقي وإسماعيل محمود محمد من كل إلى يرتاح مما بأكثر الخالق ثروت، فقد كانت له مآخذ جوهرية على كل شخصية من هؤالء األربعة الذين تماما في يثق المقابل كان فؤاد في الملك أن كانوا أفضل من علي ماهر، وصحيح أحمد زيور ومحمد توفيق نسيم، لكن يبدو أن ثقته في علي ماهر لم تكن تقل عن ثقته في هذين الرجلين، وربما بدأت معرفة الملك فؤاد الوثيقة بعلي ماهر في الجامعة ألن

29

بدأت في ملكا، وربما أن يصبح قبل الجامعة إدارة فؤاد كان رئيس مجلس الملك مكان آخر، ولكن األمر المؤكد أن الملك فؤاد كان يثق تماما في علي ماهر، وكان هذا

األمر من حسن حظ الملك فؤاد، ومن سوء حظ علي ماهر.

وعلى النقيض من هذا فإن الملك فاروق لحسن حظ علي ماهر ولسوء حظه هو لم يكن يثق في علي ماهر وال يرتاح إليه لسبب غير ظاهر، وإن كان السبب ال يتعدى نطاق تفكير فاروق المراهق في االبتعاد عن الناصحين األبويين وإبعادهم عنه، وهو أمر معروف في علم النفس. أما حسن حظ علي ماهر في هذه الجزئية فجاء من أنه أنه هو الثورة في 23 يوليو بدا لرجال أثقال فاروق حتى تخفف من حمل كثير من أو نهاية األربعينيات لتعرض لالغتيال قبل فاروق أثقال عهد أنه حمل المنقذ، ولو

لإلعدام في بداية عهد الثورة.

)3(

وقد تولى علي ماهر رئاسة الوزارة أربع مرات في أربع مراحل مختلفة، وهو بهذا متفوق على كل الزعماء في تاريخ مصر فيما عدا النحاس باشا فقط، وسيعجب القارئ لهذا القول مني وأنا الذي قدمت المعلومات الخاصة بالرؤساء اآلخرين وعدد مراتهم التي تفوق مرات علي ماهر لكنني أحب أن ألفت النظر إلى حقيقة مهمة، وهي أن من يفوقون علي ماهر أو يساوونه في عدد مرات رئاسة الوزراء وصلوا إلى رقم الوزارات الناصر فعبد الوزارة على 3 مراحل فقط، منه بسبب رئاستهم أكثر ما هو أو األربع )الذي رأس عشر وزارات( رأس الوزارة في 1954 ألقل من شهر ثم عاد لرئاستها منذ 1954 وحتى 1962 باتصال، ثم عاد لرئاستها منذ 1967 وحتى وفاته، وهكذا فإنه لم يصل إلى المرة الرابعة كعلي ماهر، مع أنه كان هو الذي يكلف نفسه بالوزارة، أما حسين سري الذي رأس خمس وزارات فلم يصل إلى هذه الرئاسة إال ثالث مرات الرابعة مثل علي ماهر، أما وزارات ممدوح سالم الخمس فهي فقط ولم يصل إلى متصلة مع بعضها وكأنها وزارة واحدة، وكذلك فإن وزارات حسين رشدي األربع،

متصلة ببعضها وكذلك وزارات محمود فوزي األربع.

4 الوزارة ليرأس هؤالء( كل على )متفوقا استدعى بالفعل ماهـر علـي لكـن مرات، وبهذا ال يتفوق عليه في التاريخ المصري كله إال النحاس باشا الذي استدعى

30

لتشكيل الوزارة 5 مرات باعتباره زعيم األغلبية، وبهذا فإن علي ماهر من ناحية الكفاءة الشخصية وعالقتها بهذه الجزئية يبقى متفوقا على الجميع.

إنه لم يختر في هذه القراء ولهم الحق يستطيعون أن يقولوا ومع هذا فإن بعض المرات إال ألنه لم يكن هناك غيره ليقبل مثل هذا المنصب في الظروف التي قبله فيها، وفي هذا جزء كبير من الصواب؛ ألن علي ماهر بالفعل قبل المنصب في ظروف دقيقة

جدا في كل المرات التي قبله فيها أو في معظم هذه المرات.

ومع هذا فإن علي ماهر كما ذكرنا كان سيئ االختيار بأكثر مما كان سيئ الحظ، وربما لو أنه خرج عن أنانيته بعض الشيء لحقق في التاريخ المعاصر إنجازات كبري

وخالدة السمه الكبير.

وسندلل على رؤيتنا بعدة وقائع تاريخية ال تحتمل كثيرا من التأويل.

ففي المرة الثالثة التي قبل فيها علي ماهر رئاسة الوزارة

النحاس اللحظة األولى بعد أن أعلن سلفه البرلمان من كان في وسعه أن يحل باشا األحكام العرفية.

وكان في وسعه أيضا أن يعلن أنه لن يحل البرلمان.

وكان بإمكانه ولكن هذا لم يكن بالطبع في وسع شخصيته األنانية وذكائه القاصر فيحافظ الدقيقة المرحلة الوفد من أجل مصر في هذه إلى بنفسه انضمامه يعلن أن لنفسه على البرلمان وعلى الوزارة ويصل بنهاية حياته إلى صفوف الشعب على نحو

ما بدأها في صفوف الشعب.

أو حزبيين على مستقلين الوزارة من ل يشك أن األقل( )على في وسعه كان بل أال يكون في الوزارة أحد اليتمتع بعضوية البرلمان؛ وبهذا يضع الجميع أمام موقف

جديد.

المؤامرات جبل قمة على نفسه وضع االختيار وسوء الشديد لألسف لكنه الصغيرة التي ال تليق باألطباء الشبان، وإنما تليق ببعض و)ال أقول أغلبية( موظفي نون أنفسهم باستمارات قيد المواليد والوفيات، وقد وقعها مكاتب الصحة حين يؤم

31

لهم األطباء الشبان على بياض حتى إذا ما تأخروا في سفريتهم الطارئة أمكن لموظف الصحة أن يمضي األمور بطريقة روتينية مستورة.

)4(

هذا هو بالضبط ما فعله علي ماهر مع الملك والقصر الملكي.

فقد حصل من الملك فاروق على قرار بحل البرلمان بدون تاريخ كي يحل هذا البرلمان الوفدي في الوقت المناسب حين يصعب عليه أن ينال ثقته!!

لم الصعبة( للظروف وبتقدير األداء، وفي النفس في شديدة )بثقة الوفد أن مع مستوى على يكن لم الشديد لألسف ماهر علي فإذا ماهر، علي عن ثقته يحجب تصرف النحاس العظيم وهكذا آثر االحتفاظ بقرار الحل على أن يعيد قرار الحل إلى الحل قرار أن الحتمية هي النتيجة وكانت به.. ليمزقه، وهكذا ظل محتفظا الملك نفسه استغل أسوأ استغالل وكان ضحيته هو علي ماهر نفسه، وذلك حين نشر القرار وأصبح موقف رئيس الوزراء الهمام حرجا أشد ما يكون الحرج، بينما أنه )في رأيي المتواضع(، كان هو الوحيد الذي أحرج نفسه من حيث ظن نفسه ذكيا وداهية، وكثيرا ما حذرت كثيرا من أصدقائي وزمالئي من مثل هذا السلوك الذكي في ظاهره، والقاتل في جوهره، لكنهم شأن علي ماهر باشا كانوا يظنون أنفسهم أذكياء ويظنونني غبيا أو

متغابيا على أقل تقدير.

)5(

ولم يبخل علي ماهر على نفسه بانتهاج هذا األسلوب نفسه في وزارته األخيرة، فقد كان في وسعه منذ اللحظة األولى أن يختار لها مجموعة من الرموز الوطنية التي ى من كيان الوزارة الجديدة أمام ضباط الحركة ورغباتهم الجديدة، ويكون في تقويقاوموا أن الكبيرة( والشخصيات الكبيرة الخبرة ذوي من )الرموز أعضائها وسع

المد الجديد وأن ينتصروا للقانون أو للنظام في ظل األوضاع الجديدة.

الوزارة من أنه سيشكل الشديد أعلن منذ لحظة تكليفه لكن علي ماهر لألسف الوزراء الذين تعاونوا معه في وزارته السابقة التي شكلها عقب حريق القاهرة، وهكذا

32

فعل بالضبط، وبالتالي فإنه لم يدخلها إال ثالثة وزراء جدد غير هؤالء الذين شاركوا في وزارته السابقة مع أنه كان في وسع علي ماهر أن يستعين بكثير من الشخصيات التاريخية المتاحة التي لم يسبق لها دخول الوزارة بحيث تبدو الوزارة وتكون بالفعل وزارة عهد جديد، وكان في وسع علي ماهر وهو يشكل وزارة جديدة أن يؤثر اللجوء إلى شخصيات بارزة في المجتمع في ذلك الوقت لم يصبها بعد داء الحزبية من وزن الشيخ حمروش أو الشيخ عبد المجيد سليم بتعليقاتهما القاسية علي سياسات الملك في آخر أيامه، وكان في وسعه اللجوء إلى صديقه القديم عزيز المصري الذي كان هو أبو الثوار بالفعل، وكان يإمكانه إدخال النائب العام محمد عزمي الذي كانت صورته القصر داخل إلى الفاسدة األسلحة بتحقيق يصل أن استطاع أنه الوقت ذلك حتى الملكي في شجاعة، وكان في استطاعته اختيار رئيس محكمة النقض الذي رد على وزير العدل السعدى شكره وتقديره وثناءه وقال له في وضوح: إن الذي يقبل الشكر والمديح البد أن يقبل النقد، وهذا ليس من حق الوزير، وكان بإمكان علي ماهر أن يدخل إلى الوزارة مدير الجامعة األولى الجراح العظيم عبد الوهاب مورو باشا الذي الوزارة إلى يدخل أن وسعه في وكان والمال، بالفعل الوطنية الحركة يساعد كان تربويا كبيرا كإسماعيل القباني مؤسس معهد التربية، وأن يدخل الكاتب الكبير عباس

العقاد الوزارة وهو يومها عضو شيوخ وعضو نواب سابق.

كل هؤالء وغيرهم كانوا متاحين أمام علي ماهر لكنه لم يشأ إال أن يختار بعض الوزراء الذين شاركوه المسئولية قبل هذا، وهكذا كان وعيه قاصرا على أن يدرك أن عهدا جديدا قد بدأ ولم يكن في وزرائه القدامى من يصلح لالستمرار ولمواجهة عهد جديد غير وزير واحد فقط هو عبد الجليل العمري، وقد حدث بالفعل أنه هو الوحيد الذي استمر من

وزراء علي ماهر.

)6(

وحتى عندما بدأ علي ماهر يلمح عالقات جديدة للمدنيين الكبار بالثوار فإنه لم إلى وزارته، أو فتحي رضوان السنهوري أو سليمان حافظ اقتراح إدخال إلى يلجأ وترك المجال واسعا أمام االزدواجية التي البد أن تنتهي بنهايته هو ال بنهاية اآلخرين،

ألن اآلخرين يصعدون بحكم طبائع األشياء.

33

فإذا قادنا التأمل إلى إعمال القاعدة نفسها على منهج علي ماهر المبكر، فإننا نجد أن مجمل تصرف علي ماهر في وزارته الثانية )1939( لم يكن أذكى بكثير من تصرفه في الوزارتين األخريين، لكنه والحق يقال كان قد نجح في أن يضم في وزارته عناصر

ساعدته على أبرز جوانب النجاح الذي حققه.

الذكي من طلب عزام الرحمن عبد نروي موقف بأن الصدد هذا في وسنكتفي بريطانيا إعالن مصر للحرب، فعلى الرغم من أن أحمد ماهر شقيق علي ماهر نفسه وزعيم الحزب السعدي كان يلح في إعالن الحرب، وعلى الرغم من أن كل اآلراء الدفة وأن الطريق فإن عزام باشا بذكاء شديد استطاع أن يغير كانت تمضي في هذا عاتقه على هو وأخذ مصر، لمصلحة اإلعالن بعدم يقتنع الوزراء مجلس يجعل

مسئولية إقناع البريطانيين بأن مصلحتهم عدم إعالن مصر للحرب.

ومن باشا، عزام وآراء وجود من المثال سبيل على ماهر علي كسب وهكذا العجيب أنه تركه في منصبه في الجامعة العربية ولم يلح عليه في االنضمام إلى وزارته

في 1952 ولو كنائب لرئيس الوزراء ووزير للخارجية.

)7(

نثبت له بعض األمجاد وربما كان من حق علي ماهر في تصويرنا لشخصيته أن مما رواه عنه الدكتور محمود عزمي في كتابه »األيام المائة« ومن ذلك ما يرويه من أن علي ماهر كان يشق عليه حين يتضح له تزوير الشهادة أن يخرج شهود الزور من تثبت التي الشهادة المحبوسون من جراء بينما يظل أحرارا هانئين المحكمة ساحة زورها في السجون، فكان حين تثبت له شهادة الزور يأمر بإدخال شهودها في قفص االتهام، وبإخراج المتهمين منه في الجلسة ذاتها، وهو ال يجهل أن التنفيذ من فوره يسري في حاالت معينة ليس بينها حالة شهادة الزور اللهم إال أمام القاضي المدني، لكنه كان يتوسع في التطبيق ويقيس علي ما يقع أمام القاضي المدني في حالة شهادة

الزور دون تقيد بحرفية القانون.ويشير الدكتور محمود عزمي أيضا إلى أن علي ماهر كان يتسم بالنظرة االجتماعية في أحكامه على القضايا المعروضة عليه، وكان يحرص على أن يضع نفسه موضع

الجمهور، ويعنى باستخالص الحقوق أكثر من عنايته بتوقيع العقاب.

34

يقرر فكان األمانة خيانة جرائم من جريمة في ثابتة التهمة يرى كان مرة »وغير ثبوت التهمة ويعلن في الوقت نفسه تأجيل النطق بالحكم، فإذا ما أدى المتهم الدين عقابا عاقبه وإال تصرفه، مع متناسبة معاملة حكمه في عامله التأجيل مدة أثناء في

شديدا، وكان هذا التصرف االجتماعي يفيد في كل األحوال التي لجأ إليها فيها«.

)8(

ويروي الدكتور محمود عزمي في كتابه »األيام المائة« أن علي ماهر كان »قد عرضت عليه قضية اتهم فيها ممول من كبار الممولين الذين يستطيعون مغادرة القطر في لحظات، ودفع الوكيل بعدم اختصاص المحاكم األهلية وكانت المحاكم المختلطة قد حكمت بعدم اختصاصها هي األخرى من قبل، وطلب المحامي اإلفراج عن المتهم ولو بكفالة جنيه، ألف بكفالة المتهم عن وأفرج األهلي، القضاء باختصاص ماهر علي فقضى ولم يضمن الحكم أسبابا لما رآه في أمر االختصاص، وكان سعد باشا ناظرا للحقانية، فاستدعاه وحدثه في أمر الحكم باالختصاص والكفالة التي لم تكن العادة قد جرت بالذهاب بها إلى ذلك الحد، فرفض أن يجيب سعد باشا إلى حديثه بشأن قضية ينظرها، وسأله بأية صفة يتحدث هو إليه؟ وفطن سعد باشا إلى األمر فأجاب أنه يتحدث بصفة الصديق ال بصفة ناظر الحقانية، فأدلى إليه علي ماهر بأنه كان معتزما أن يفرض خمسة آالف جنيه كفالة، لكنه اكتفى باأللف، وبأنه بصفته قاضيا جزئيا لم يكن مقيدا بتضمين

حكمه أسباب رأيه في االختصاص، ووقف التدخل عند هذا الحد«.

)9(

كتابه في السوادي األستاذ محمد قدمها ترجمة أفضل إن قلت إذا أبالغ ولست وهي باشا، ماهر لعلي ترجمته كانت الثورتين« بين مصر أقطاب ننسى... »لكيال ترجمة دقيقة في كل ما تتضمنه من وقائع تاريخية، كما أنها دقيقة في تسلسل األحداث وليس فيها أي قدر من القفز على حدث ما، وال في وضع لحدث في غير موضعه، وليس فيها خلط بين األسباب والنتائج، كما أن براعة التسبيب فيها واضحة، وكذلك

دقة االستدالل.

35

وقد بدا األستاذ السوادي في ترجمته لعلي ماهر متأثرا بأسلوب العقاد في العثور على مفتاح للشخصية واالنطالق من هذا المفتاح لتفسير سيرة حياة الرجل وتاريخه قا كل التوفيق في المفتاح كله، ومن اإلنصاف أن نذكر أن األستاذ السوادي كان موف

الذي اتخذه لتفسير وتحليل وتلخيص شخصية علي ماهر.

وهذا هو األستاذ السوادي يحدثنا عن مفتاح شخصية علي ماهر من وجهة نظره فيقول:

»كان في تقديري شيئا كبيرا.. وكان في وسع طاقاته وقدراته أن تقدم لبالده خيرا مما قدم.. ولكنه قدره.. أو ولكنها شخصيته )هو( مفتاح هذه الشخصية«.

والحق أن األستاذ السوادي ال يفرض هذا المفتاح فرضا على شخصية علي ماهر، معه يشركنا محررة بكتابة أو مسموع، بصوت التفكير من كثير بعد إليه يصل لكنه في سطورها، أو بصوت القلم )إن صح هذا التعبير(، وهو قبل أن يصل إلى تحليل شخصية علي ماهر بهذا المفتاح يتأمل في طبيعة النجاح الذي أحرزه علي ماهر في

حياته السياسية وفي طبيعة الفشل الذي صادف هذا الرجل في هذه الحياة ويقول:

خطى تقدير يحسن يكن لم أنه خطؤه وكان خطاه.. تقديره يحسن »كان اآلخرين«.

»كان يحسن الظن بذكائه.. وذكاؤه فعال ال ينكر عليه.. وكان خطؤه أنه لم يعمل أي حساب ألي ذكاء آخر.. أو لم يدخل في حسابه أن غيره قد يكون أشطر«.

»ساء تقدير الرجل.. فلم يوفق في جني الثمر«.

الباسم البارع االستهالل ذات المعارك.. هذه بمثل حافل ماهر علي »وتاريخ القائد وثبة النصر إلى ويثب ساخن والحديد الضربة وتسديد لها التمهيد بحسن واعتداد.. ثقة في العباب ويمخر الموجة.. ويركب بالدفة.. ويمسك المدرب قراءة عن وترفع الريح.. يرقب أن نسي العباب.. هذا فوق بالسفينة استوى فإذا البوصلة.. وعن استشارة شيوخ البحار.. فإذا السفينة تجنح.. وإذا السباح العالمي

يغرق على مقربة من الشاطئ«.

36

ا ما كان الرأي في الرجل فقد ترك وراءه ماضيا حافال بالذكاء والدهاء وبالكر » وأيالظالم وبحياة األضواء.. تحت األبطال وبسمات والوثوب.. وبالجرأة والفر.. لوطنه يقدم أن استطاع وهكذا »التناقض«.. كلمة تعنيه ما وبكل السراديب.. في في وليس األخرى.. هي تنسى ال »متاعب« له يسبب وأن تنسى.. ال »خدمات« وسعي إذا ذكرت بعض هذه »المتاعب« أن أشير إلى الرجل وأقول مستريح الضمير »إني أتهم«، وإنما أعتقد أن الرجل كان يستجيب ألصوات مبهمة فيه.. كانت تأتيه من داخله ال من خارجه.. تزين له »الفعلة«.. فال يتردد في أن »يفعلها«.. وكل امرئ ميسر

لما خلق له«.

)10(

يدلنا األستاذ السوادي على جانب من شخصية علي ماهر، وهو أنه كان شكاكا، ى وهو يصور بعض مظاهر هذا الشك من ناحية، كما أنه يدلنا على السبب الذي نملرواية تقديري ومع حياته، من مبكرة مرحلة في شخصيته في الشك روح وقوى األستاذ السوادي ولرواية الدكتور محمود عزمي التي ينقل عنها ويعتمدها، فإني ال أستطيع أن أتقبل هذه المبررات، وال أن أتصورها قادرة على تفسير مثل هذا السلوك في شخصية سياسية أو في شخصية رجل دولة ال ينبغي أن تبنى حساباتها على هذا السوادي المدمي، ومع هذا فإن من حق علي ماهر ومن حق أستاذينا محمد النحو

ومحمود عزمي أن ننقل عنهما رؤيتهما.

يقول السوادي:

»... اكتشف الكثيرون في هذا الرجل الكبير ومن خالل مناصبه الكبيرة. خلة فيه ال تليق به وهي كثرة الشكوك.. كان يشك في كل شيء وفي كل شخص.. فحرم من الرضا وحرم من الطمأنينة.. وعاش حياة القلق.. وليته كان فنانا.. كلما تحرك جنين القلق فيه أعطانا من فنه وليدا.. لكنه كان سياسيا يظل في قلقه حتى يرأس الحكومة أو

الديوان.. ويطارده هذا القلق حتى تفلت منه رياسة الحكومة ورياسة الديوان«.

..............................

37

»وحدثـ والرواية هنا على لسان الدكتور محمود عزميـ صديقه والمعجب به أن محاميا جاءه في جلسة من الجلسات وأبلغه أن التفاهم تم بين موكليهما اللذين يتكون منهما طرفا الخصومة على التأجيل إلى ما بعد فصل اإلجازات، ورجا منه أن يتضامن معه في طلب التأجيل من القاضي فقبل علي ماهر الرجاء وتم التأجيل ثم تبين بعد ذلك أن شيئا مما قاله زميله لم يحدث، فثار علي ماهر واتجه إلى زميله يطلب إليه تعليال لهذا

التصرف، فإذا بزميله يقول له في بساطة: »الذنب ذنبك، لماذا صدقتني؟«.

القضايا.. كانوا يخاصمونه في بعض أن بعض زمالئه ممن ماهر »والحظ علي مطلبهم تؤيد مستندات إنها يقولون بأوراق أيديهم ويمدون التأجيل يطلبون كانوا ويجابون إلى الطلب.. ثم يثبت بعد التأجيل أن هذه األوراق لم تكن إال حيلة رخيصة فتنبه علي ماهر إلى هذا المناخ الذي تعيش فيه العدالة، خالية من األمانة والصدق، وحدث ذات جلسة أن تقدم المحامي الذي يخاصمه بأوراق كهذه يزعم أنها مستندات تؤيد مطلبه، فأمسك علي ماهر بيد الزميل فإذا األوراق بيضاء ال شيء فيها، لكن القاضي المحامي ماهر فارتفع صوت علي به،.. التأجيل وتمسك بقرار خدع ونطق قد كان انسحابه احتجاجا.. »أعجب لمحام يكذب، يعلن القاعة وهو الشاب.. يجلجل في وأعجب لقاض يصادق على الكذب«... فارتاع القاضي ورفع الجلسة ثم أعادها وفتح

باب المرافعة في القضية من جديد عادال عن قرار التأجيل«.

»مثل هذه األحداث لم تكن فردية الوقع علي المحامي الشاب كما كان ينبغي أن تكون، وإنما أعتقد أنها أخالق الشعب كله متجسمة في طائفة من أرقى طوائفه.. ووقر في نفسه أن التحايل أصل في أخالق الناس.. ونما هذا الوهم فيه وسيطر عليه فأصبح يتشكك في كل شيء وفي كل شخص كما قلت، حتى لقد عجبت له وهو يرفع بعض أنصاره المعدودين على أصابع اليد إلى الدرجات العال في أقصر مدى، فإذا ما نقل إليه عن بعضهم بعض ما يريبه فيهم..، ثار من غير تحقيق أو حقق وهو ثائر، وفي لحظات

قصار يقذف بهم من شاهق متأثرا بنارية العاطفة ال بعدالة القاضي«.

)11(

كذلك نجد األستاذ السوادي يصل في سهولة وبراعة واطمئنان أيضا إلى أن يحكم بالبراجماتية أو ما يوازيها على سلوك علي ماهر وذلك في قوله:

38

»مثل هذا الرجل ال يقال عنه إنه صاحب مبدأ، أو صاحب رأي..

أو صاحب خط يلتزمه.. وإنما يقال عنه صاحب هدف يسترخص في سبيل إدراكه كل القيم«.

وبعد صفحات أخرى يقول السوادي:

العجلة أو اللهفة ضحية كان أنه رسمه من يدي أنفض وأنا فيه الرأي »مجمل إلى الطموح في »اللهفة شخصيته لمفتاح أمينة ترجمة وهي أهدافه.. تحقيق في

الرياسة«.

»وكل ما أقوله لك عن نجاح أصابه أو فشل تورط فيه..، إنما كان بسبب األدوات التي استخدمها لتحقيق هذا الطموح.. أو بسبب سبيل سلكه وكان الخطأ في اختيار السبيل.. أو بسبب هوى في نفسه زين له هذه األدوات أو ذلك السبيل.. وعيبه الجذري

أنه كان دائما »يتبع هواه«.

)12(

وربما عن لي أن أختلف مع األستاذ السوادي في تقديره لبعض قدرات علي ماهر باشا، ذلك أن السوادي يرى أن علي ماهر كان في حاجة إلى حزب كبير، بينما رأيي المتواضع أنه لم يكن في حاجة ال إلى حزب كبير وال إلى حزب صغير، فهو شخص فردي إلى أبعد حدود الفردية، أناني إلى أبعد حدود األنانية، وهو في نهاية األمر ليس بالذكاء الذي تصوره عن نفسه وتصوره عنه من كتبوا عنه ومنهم األستاذ السوادي، الفهم إلى أقرب كانا النحاس الزعيم مصطفى بعده الشيخ محمد عبده ومن ولعل

الحقيقي لقدراته المحدودة وإن بدت كبيرة على نحو ما نرى في الفقرات التالية.

يتحدث مصطفى النحاس باشا عن بداية الفترة األولى من عهد الملك فاروق حين عاد من الخارج وصحبه علي ماهر في سيارة مكشوفة إلى زيارة قبر والده في مدافن الرفاعي، واالستقبال الشعبي الذي رتب له في هذه المناسبة، ويشير النحاس إلى أنه لم يجد داعيا لالختالف مع علي ماهر في الفتوى التي استصدرها بشأن بلوغ الملك سلطته الدستورية على الرغم من تحريض األمير محمد علي له ضد هذا التصرف،

39

وبعد كل هذا يعلق النحاس باشا على مسلك علي ماهر في وزارته األولى )1936( تعليقا حكيما يقول فيه:

إجراء على ومقتصرة مؤقتة مهمته أن يعلم ماهر علي أن من الرغم على ...«االنتخابات، فإنه انتهز توليه الوزارة وأصدر قوانين كثيرة في مختلف المسائل، وأحدث انقالبا في اإلدارة الحكومية شأن إنسان يرسم لنفسه، ويوطد لبقائه، وقد تحدثت مع بعض المقربين إليه كما تحدثت في أنه ال داعي لكثرة القوانين والمشروعات، لكنه قال: إن كل ما عمله هو في مصلحة البلد، وإنه يريد أن يسير في ركب التقدم، وأنا لم أنقده في األشياء الضرورية الصالحة كإنشاء وزارة الشئون االجتماعية أو ما شاكلها الصحة في وزارته األولى، أنشأ الصحة، ألن علي ماهر أنه يقصد وزارة )الصواب القوانين يصدر أنه عليه الحظت لكنى الثانية(، وزارته في االجتماعية والشئون واللوائح بسرعة غير مدروسة وال مستوفية، ولقد تذكرت ما روى عن األستاذ اإلمام محمد عبده عندما سأله ماهر باشا والد علي عن ابنه فقال له: إن ابنه ذكي ولكنه ذكاء

اق، وفوق هذا فهو يحب الطفرة وكثيرا ما تضر صاحبها أكثر مما تنفعه«. بر

)13(

ولنقرأ اآلن بقية ما يذكره األستاذ السوادي في ضوء ما ذكرناه وما حللناه.

يقول األستاذ السوادي فيما نختلف معه فيه:

معها.. ويتفاعل منها يفيد كبير إلى حزب في حاجة وقدراته مواهبه كانت ...«وإلى صحافة راشدة أو بارعة تجلو أبعاد هذه المواهب وتنشر عن طريق الجماهير ظاللها.. وإلى أنصار يؤمنون بها ويبشرون بصدقها.. ولكن الرجل لم يفعل شيئا من هذا كله.. لقد قضى العمر رئيسا بغير مرءوسين.. وزعيما بغير حزب.. وشيخا بغير لي رحمة التعبير عن صديقين إن ساغ هذا الحواريين. له من أعرف مريدين.. وال الله عليهما هما سعد اللبان والشافعي اللبان، وماذا يصنع االثنان في معارك الشعوب إبراهيم وتيارات السياسة؟ وكان له من موظفي الشيوخ شاب قدير وموهوب.. هو عبد التواب السكرتير العام.. وقد حرص الشاب على الوالء لعلي ماهر وعلى إشباع

40

الكبرياء فيه.. حتى اختاره فجأة بعد حريق القاهرة وزيرا.. ولم يطل العمر بالوزارة.. ولم يترك والء إبراهيم في عالم السياسة أثرا يفيد الرئيس«.

القادرين.. بعض منهم وينتقي الصحفيين.. بعض يستقطب أن يحب »وكان بانتهاء السخاء خالل الحكم.. صحيح ينتهي ويسخو عليهم.. وهو سلوك ساذج.. ح للصحافة بحبه لها ورغبته في النهوض بها.. وفي قيام نقابة لها معترف من أنه لوالدولة بها.. ولكن حتى هذه المحاولة لم يعجل بها وهو العجول وتريث فيها حتى

اختطف األضواء منه حسين سري فحققها«.

)14(

أدبياتنا في ماهر لعلي المتاحة الصور كل عن الحديث إلى سبيل من وليس التاريخية، لكني البد أن أقدم بعض أمثلة، ولعلي أبدأ بما تضمنته مذكرات إبراهيم عبد الهادي التي لم تنشر إال في مطلع الثمانينيات، أي بعد وفاة علي ماهر بأكثر من

عشرين عاما، وهي فترة كافية للتخلص التام من آثار المعاصرة، واالنفعال الوقتي.

الهادي وتقديره له، إبراهيم عبد والواقع أن علي ماهر يحظى بكثير من تعاطف وإن كان عبد الهادي حريصا على أن يقرن هذا التقدير بانتقاده لبعض سلوكيات علي

ماهر، والعتقاده في نفسه.

وعلى سبيل المثال فإن إبراهيم عبد الهادي يثبت لعلي ماهر الفضل في إقناع سعد زغلول نفسه بعدم التفاوض مع ملنر ولجنته حول قضية المؤامرة الكبرى التي كان

أول المتهمين فيها هو عبد الرحمن فهمي عم علي ماهر نفسه.

وهذه فقرة طريفة من مذكرات إبراهيم عبد الهادي يتحدث فيها عن أسلوب علي ماهر في إدارة جلسات مجلس الوزراء في وزارته الثانية )1936( التي دخلها صاحب

المذكرات وزيرا ألول مرة في حياته:

»... كنت وزيرا للشئون البرلمانية في وزارة علي ماهر باشا عام 1939، وكانت المجلس يعقد كان الوزارات، رؤساء سائر على بها يتميز فريدة طريقة ماهر لعلي الحرب تدير التي أسبوع، وكأن مصر هي أذكر كل ما أربع على أو ثالث جلسات

العالمية الثانية«.

41

»وكان من عادته أيضا أال يجلس على رأس مائدة االجتماع، وإنما يتوسطها، وأقدم وزير على يمينه ويسير الترتيب على هذا األساس حتى يجيء أحدث وزير ويجلس على يساره، وكان من حسن حظي أن كنت أحدث وزير وقتئذ، مسألة شكلية، ولكنها كانت مهمة جدا بالنسبة لي في معرفة كل كلمة وكل حركة تصدر من رئيس الوزراء«.

به تتحدث ما الناس... يقول ما العامة، الشئون في الحديث ماهر علي »ويبدأ الصحافة.. ما يذيعه الراديو من أخبار الحرب، ثم ينتقل إلى بعض المسائل الواردة

بجدول األعمال، وكانت هذه ال تأخذ من وقتنا إال القليل جدا!«.

)15(

وعلى الرغم من أن إبراهيم عبد الهادي يدافع عن وطنية علي ماهر فإنه يرى أنه كان قصير النظر، أقرب إلى الغرور:

»لقد اعتقد علي ماهر أنه في حين يقدم للملك خدمة كبيرة و»يعمله« ملكا وهو الستار، الملك من وراء السراي على طول يحرك بأنه سيبقى في في سن 16 سنة ويسيطر على البلد ورجال السياسة سيطرة كاملة. كان رحمه الله قصير النظر، وإن كان يعد نفسه أنه ال يوجد في البلد »أسيس« منه، وال يفهم في السياسة مثله، حقيقة

يعرفها كل من اشتعل مع علي ماهر أو اقترب منه«.

)16(

ويحرص إبراهيم عبد الهادي على تبرئة علي ماهر باشا وعبد الرحمن عزام مما أشيع في نطاق محدود حول موقف غير كريم لهما من قضية فلسطين:

»سئلت عن قصة نشرت عن فلسطين بأن اليهود اتصلوا بعلي ماهر وعبد الرحمن عزام وأنهم استطاعوا أن يؤثروا في الرجلين أو عليهما حتى سلكا طريقا غير كريم

نحو قضية فلسطين«.

»وإني أشهد بأني عشت وعرفت واتصلت بعبد الرحمن عزام فما لمست فيه يوما ضعفا في وطنيته، وال تهاونا في مصالح بالده واألمة العربية أبدا، هذه كانت أقاويل

42

عبد عن يقول أن إنسان أي وعلى علي وحرام المغرضين، إشاعات وـ المضللين الرحمن عزام مثل هذا«.

بعض من سخرت ما وكثيرا معه، اشتغلوا الذين الناس من وأنا ماهر، »وعلي غير عمال يعمل أن يمكن ال لكنه الملك، فساد عوامل أكبر من وهو تصرفاته

وطني«.

»كان يعتقد أنه ال يوجد في مصر من يفهم في السياسة إال هو، وما كان يطيق أن يعمل مع رجل كبير الرأس في السياسة أو يعتد بنفسه، وكان دائما يختار وزراءه أقرب إلى السكرتيريين منهم إلى الوزراء، وإذا دخل وزارته أحد من غير هذا الطراز سرعان

ما يضيق به وال يحتمله، لكن علي ماهر رجل وطني«.

)17(

كان علي ماهر كما ألمح كثيرون كثير الشك في معاونيه بداع وبدون داع، وليس يرويه بما نكتفي ولكننا المجال، هذا في كثيرة روايات عن للحديث مجاال هذا حسن يوسف عن مظاهر التوتر في عالقته بعلي ماهر في خالل فترة رياسته للوزارة في الصحافة مكتب عن المسئولية يتولى يوسف حسن كان حين 1940 -1939

رياسة الوزراء، وكان علي ماهر نفسه وزيرا للخارجية باإلضافة إلى رياسته للوزارة.

يروي حسن يوسف فيقول:

»كنت سعيدا بالصلة المباشرة في العمل مع علي ماهر باشا لوال أن وقع أمر عكر نجيب، الخير أبو األستاذ »األهرام« مندوب أن ذلك وتفصيل الصلة، تلك صفو الوزارة، وكان أخبار نوفمبر سنة 1939 مستطلعا يوم 25 زارني كعادته في مكتبي أمامي محضر جلسة لجنة التجارة الخارجية وهي لجنة مشتركة بين وزارتي الخارجية مندوب بحضور األوراق فاستعرضت قراراتها نشر على العمل وجرى والتجارة، أي اتخاذ عدم بشأن اقتراحا بحثت أنها اللجنة قرارات بين من وكان »األهرام« الجارية المفاوضات تنتهي الخارج، حتى إلى القطن إجراءات في موضوع تصدير بين مصر وإنجلترا في هذا الشأن، وأن اللجنة رأت إحالة االقتراح إلى مصلحة القطن

بوزارة المالية«.

43

»طلعت جريدة »األهرام« في صباح اليوم التالي بعنوان بارز: »وقف تصدير القطن عزمي، محمود الدكتور النشر مراقبة بمدير فوري من فاتصلت الخارج...« إلى قبل الخبر عليه يعرض لم الرقيب أن من دهشته فأبدى األمر حقيقة له وشرحت إجازة نشره، وقال: إنه سيتصل بالجرائد المسائية لإليعاز إليها بذكر الحقيقة، وظهر ذلك فعال في »المقطم« و »البالغ« وكذلك أصدرت وزارة المالية بالغا رسميا ينفي ما نشرته »األهرام«، وقد عاود األستاذ أبو الخير االتصال بي يسأل كعادته عن أنباء نية ووعد النشر كان بحسن إن فقال: ارتكبه، الذي الخطأ إلى الوزارة، فلفت نظره

بتصحيح الخبر«.

»إمعانا في التحدي نشرت »األهرام« يوم 27 نوفمبر ما أسمته إيضاحا من مكتب الصحافة، وأكدت ما سبق ذكره من موقف تصدير القطن المصري إلى الخارج، مما ترتب عليه حدوث بلبلة في األفكار أدت إلى نزول األسعار في بورصة القطن، ودخل ماهر علي أي الحكومة رئيس وظن واستفادوا، فضاربوا االنتهازيين من الكثيرون أجراها التي التحريات من له اتضح وعندما هذه، المضاربة عملية في مشترك أني ومن االطالع علي حسابي في البنك أن رصيدي لم يزد على مرتبي، عدل عن ظنه، ولكنه وجد نفسه أمام ضغط شديد من المعارضة ومن الرأي العام، وبدال من أن يأمر بإجراء تحقيق مع أصحاب »األهرام« أو مع من استفادوا من المضاربة في السوق، راح يأمر بمجازاتي بخصم خمسة عشر يوما من مرتبي، ولكن وكيل الوزارة وزارة الخارجية، حيث كان حسن يوسف ال يزال على قوتها محمد شرارة باشا أوضح له أن توقيع الجزاءات على موظف السلك السياسي ال يكون إال بقرار من مجلس التأديب، المنصوص عليه في القانون، وأنه. أي وكيل الوزارة. بحكم منصبه عضو في المجلس

وأنه ال يرى في تصرفي ما يوجب المؤاخذة«.

نقلي من مكتب الصحافة الملك يطلب موافقته على إلى ديوان باشا »لجأ علي وتعييني قنصال لمصر في »ليفربول« لكن الديوان طلب مزيدا من اإليضاح عن أسباب هذا التغيير، واعترض شرارة باشا واعتكف في داره مهددا باالستقالة، فاضطر ماهر باشا إلى العدول عن موقفه، وكنت في طلب إعفائي من العمل في مكتب الصحافة

لكن وكيل الوزارة أصر على استمراري في موقعي كأن شيئا لم يحدث«.

44

»وقد انتهى هذا الحادث بسالم، بل إن علي ماهر باشا تفضل بعد ذلك وبعد أن ترك الحكم، فدعاني إلى الغداء في داره وكان كريما كعادته، وأذكر أنه تبسط في الحديث

معي وقال: إنه عندما يعود إلى الحكم فسوف يرشحني لمفوضية واشنطن«.

)18(

أما الدكتور حسين حسني سكرتير الملك فيروي كثيرا من وقائع سوء الفهم الذي حظيت به تعامالته مع علي ماهر وهو رئيس للديوان، ويتطرق إلى محاوالته إلصالح فيها مع علي ماهر التقى التي المشتركة الجلسة الرغم من أنه على األمور، ويروي

على الغداء، فإن علي ماهر ظل على تشككاته في عالقته بكثير من التصرفات.

ويشير السكرتير الخاص للملك فاروق بطريقة مباشرة إلى أن أحمد حسنين باشا صاحب على هو أفعاله بعض عن بالمسئولية يلقي أن على قادرا كان األمناء كبير قد التآمرية ماهر علي عقلية كانت وإن واحد، بحجر عصفورين ضاربا المذكرات ساعدت في إتمام محاوالت حسنين بأن جعلت علي ماهر يميل إلى تصديق مؤامرات

حسنين الذي لم يكن أقل منه قدرة على المؤامرات:

»... على كل حال فإنه بعد ذلك االجتماع لم يبد منه بعدها ما يدل على استمراره في التفكير في ترشيح سكرتير خاص جديد للملك، وإن كان الشك ظل يراوده في شأن اتصاالتي بالملك وما قد ينشأ عنها من مساس بالسياسة العامة، فكان بين حين وآخر يسألني عن مدلول خبر نشر في بعض الصحف وعندما أجيبه بأني ال علم لي بشيء عنه كان يظهر الدهشة ويقول لي: من إذا يتكلم مع الملك في مثل هذه الشئون سواك؟ فكنت أوضح له في هدوء أني كنت أجهل األمر بحذافيره وأدلل على قولي

بما يبين له صحة كالمي«.

»ومما أثبت لي أنه كانت تحاك لي الدسائس لديه أنه في ذات يوم وأنا أتحدث إليه في بعض شئون العمل الرسمي أشار إلى خبر ورد عنه في مجلة »روز اليوسف« يعجبك هل وقال: التابعي، محمد األستاذ للمرحوم المعروف الالذع باألسلوب

45

هذا؟ فقلت له: إن هذا ليس بالجديد على التابعي، فهو أسلوبه الذي عرف به، فقال في انفعال: أليس صديقك الذي رشحته وأخذت موافقة الملك على أن يصحبكم وراء دسيسة هناك أن وعرفت منه سمعت لما فذهلت أوروبا؟ إلى الرحلة في ما وهو القصر، أخبار التابعي منه يستقي الذي المصدر بأني إليه لإليحاء كالمه قبل الباشا دولة يا حدث فيما الحقيقة إن له: فقلت الديوان، رئيس انفعال يفسر الرحلة الملكية إلى أوروبا هو أني على الرغم من أن التابعي كان صديقي لزمالتي إياه في الدراسة، إال أنني عندما اقترح حسنين باشا سفره معنا في الرحلة اعترضت على ذلك من حيث المبدأ في حد ذاته، ألنها رحلة خاصة وقد ال يكون من المالئم أن يالزم صحفي كل خطواتها وينشر كل ما يجري من خاللها، ولكن حسنين باشا ولقد االستئذان، دون شيئا ينشر بأال عهده التابعي على أخذ وأنه برأيه تمسك من كثيرا الرحلة خالل نحوه وأبدى الملك رضا نال حتى بوعده فعال التابعي بر العطف والرضا، وصح ما توقعته، فقد أبدى علي ماهر دهشته لكالمي وأخذ يقول

مستغربا:» يعني حسنين باشا هو الذي رشحه فعال«. فأكدت له ذلك من جديد.

)19(

بقي علينا أن نتأمل في حديث األستاذ السوادي عن بعض جوانب القدرات المتميزة في علي ماهر، وهي قدرات لغير الخير، فقد كان على سبيل المثال يجيد التآمر ويجيد استغالل الوسائل السهلة في محاربة خصومه على نحو ما أشار السوادي إلى ما أدركه في الفترة التي عمل فيها محررا برلمانيا مخضرما، وما وعته ذاكرته من موقف علي

ماهر من زعيم المعارضة الوفدية يوسف الجندي.

التكتيك يجيد كان ماهر علي بأن له مفسرا رآه ما السوادي األستاذ ويروي البرلماني، ولكني على العكس من رأي األستاذ السوادي أرى أن أسلوب علي ماهر في مثل هذه المحاوالت لم يكن إال نموذجا لألسلوب غير األخالقي في ممارسة

السياسة والبرلمانية على حد سواء:

46

قوة من كان الجندي األستاذ له المغفور أن ـ ماهر علي أي ـ الحظ حين ...«الحمالت بحيث إذا تركت له حرية شنها غدا خطرا على أي خصم سياسي، وأن عظمة يوسف كبرلماني كانت تقوم، قبل كل شيء على سيادته على أعصابه خيل إلي أن علي ماهر فكر في أن يفقد زعيم المعارضة هذه السيادة.. فكان يلجأ إلى مقاطعته دائما غير مبال بنصوص الالئحة وال رجاء الرياسة، وكانت المقاطعات أدنى إلى الثورة منها إلى الحجة.. فما يكاد يوسف يسوق عبارة حتى يهب علي ماهر صارخا فيه ومتهجما على يوسف ضاق لقد حتى تفكيره سلسلة عليه وتقطع يوسف تثير بعبارات المعارضة بالمقاطعات ذرعا فجلس مرة خلف المنبر معلنا أنه لم يعد يستطيع الكالم إزاء هذه الطريقة.. وبعد جهد استطاع الرئيس أن يأخذ موثقا على »علي ماهر« بعدم المقاطعة، وبدأ يوسف من جديد، فلما قارب التوفيق هب علي ماهر باشا يمارس المقاطعة مرة

أخرى فأطار من يوسف ما كان قد أعده لكسب المعركة«.

)20(

ومن المهم أيضا أن نتحدث عن جانبين مهمين في تكوين علي ماهر لخصهما لنا األستاذ السوادي معقبا على رواية الدكتور محمود عزمي عن علي ماهر نفسه:

)وعلي ماهر الشيخ، كما رأيناه، وهو امتداد لعلي ماهر الشاب، كان قصير القامة، ضامر الجسم.. حديدي البصر.. عابس الوجه.. صارم القسمات.. سريع الحركة..

دائم التوهج.. بادي الثقة بنفسه.. مجيدا لصبغ شعره.. أنيقا في زيه(.

..............................

بقدر عنايته تعنيه الدراسة الخديوية ولم تكن المدرسة كان علي ماهر طالبا في الطالب.. عند والبحوث الخطابة ملكة لتنمية والنجمة« الهالل »جمعية بتأسيس الدراسية حياته استهل وهكذا هنا، تعنيه التي هي والرياسة لها.. »رئيسا« وليكن

بالرياسة«.

47

وإذا يرثها.. لم موهبة الخطابة أن أدرك ثم خطيبا.. يكون أن الطالب »وحاول فليكن باحثا.. وليبسط رياسته على »البحوث«..

نفسه أخذ وقد عليها.. الصبر وتتطلب ذكي... وهو ذكاء تتطلب والبحوث بالصبر.. وتتطلب الغوص في القاع.. وقد درب نفسه على هذا الغوص.. وتتطلب إقناع المدرسين والمشرفين بأن بحثه خير البحوث.. وقد استطاع أن يقنعهم وأن يؤثر

فيهم وأن يعلو عليهم«.

»كان علي ماهر عميد الحقوق ورئيس الديوان ورئيس الوزراء... امتدادا الشك فيه لعلي ماهر الطالب.. رئيس الجمعية المدرسية.. بالصالت إلى النجوم واألهلة..

رموز السلطان في الدولة يومئذ.. ونفسه إذا تهفو إلى ما هو أبعد«.

..............................

»واستجاب له أبوه فقام الطالب الصغير برحالت إلى أوروبا.. وهناك هاله أن يرى دنيا غير دنيانا.. ومجتمعات حرة وواعية.. وحياة رخيصة وهانئة.. واتسعت اآلفاق أمام الفتى.. ومأل كراساته بكل ما وقعت عليه عيناه.. وعاد ثائرا على األوضاع يدفع في لهفة بكل ما كتب إلى المطابع.. ويرده أبوه برفق عن هذا الشطط.. ويقنعه بتهذيب ما كتب.. حتى يمكن أن يطبع.. وكان هم الفتى في هذه الخطى على مستوى األمة أن

يقال عنه ـ وال تنس المفتاح ـ أنه أول من نادى بإصالح المجتمع«.

)21(

سكرتير حسني حسين الدكتور نظرة يصور ما بعض في نتأمل أن المفيد ومن الملك فاروق إلى شخصية علي ماهر، وهي نظرة عريضة استغرقتها صفحات كثيرة فقرة القصيرة والمعبرة لخصتها في الفقرات الرجل، لكن إحدى من مذكرات هذا

واحدة حين استطرد حسن حسني إلى وصف شخصية علي ماهر فقال:

»....وفي الحق أن علي ماهر باشا كان بالغ الذكاء والمقدرة، وهو ما يشهد له به خصومه أنفسهم، إال أنه مع األسف الشديد كان يبالغ في االعتداد بنفسه إلى حد يكاد

ينسيه احتماالت طوارئ الخطأ في الحكم والتقدير لطبيعة البشر«.

48

)22(

أثناء ق الدكتور عبد العظيم رمضان إلى وصف شخصية علي ماهر في وقد تطرالحرب في الحرب إعالن من بموقف مصر يتعلق فيما مواقفه أحد له عن حديث فوصفه العموم وجه علي ماهر علي شخصية تقييم إلى واستطرد الثانية، العالمية

وصفا دقيقا يعبر عن منهجه في التعامل مع الشخصيات التاريخية:

يؤمنون ال الذين السياسيين طراز من ماهر علي على يعود الضمير »...كان بالجماهير أصال!«.

أساليب إلى يلجأ يكن فلم المتواضع عليه؛ بالمعنى يكن رجعيا لم »ومع ذلك البطش والقمع كما كان يفعل إسماعيل صدقي باشا، أو محمد محمود باشا، وإنما كان إصالحيا مستنيرا يؤمن بفكرة المستبد المستنير، وكان يملك اإلحساس الطاغي بقدرته على القيام بدور ما في شئون بلده، وقد ذكر لي حسن يوسف باشا، الذي كان رئيسا للديوان الملكي بالنيابة قبل ثورة يوليوـ أن علي ماهر كان يعتبر الفترات التي ال

يتولى فيها رئاسة الوزارة مخصومة من عمره!

وبالفعل قد تميزت أعمال علي ماهر باشا في اإلدارة والحكم بروح القوة والجرأة والسرعة، مما لم يكن يتوافر في حكومة برلمانية مقيدة بالقيود الحزبية«.

»وقد كان ذلك ما جعل أنظار كثير من الشباب تطلع إليه، كما تطلعت إليه الحركات بالملك صلته بحكم والتأكيد القوة فيه تلتمس للوفد، المعادية والدينية السياسية فاروق. فقد تطلعت إليه جماعة مصر الفتاة على النحو الذي يعبر عنه أحمد حسين في العبارة اآلتية: »ال عجب إذا رآنا الناس نأخذ جانب علي ماهر باشا، وندعو إلى

رفعه إلى الوزارة ليكون مقدمة لحكم الشباب، ومقدمة لثورة اإلصالح الكبرى«.

»كما تطلعت إليه جماعة اإلخوان المسلمين، وتحمس له فريق منهم على النحو الذي دعاهم إلى الهتاف بحياته في مناسبة عودته من مؤتمر المائدة المستديرة بلندن،

على خالف مألوف هتافهم المعروف لله وحده!«.

لتقوية ركيزة الجماعتين هاتين من باشا ماهر يتخذ علي أن الطبيعي من »وكان الموقع الذي يحكم منه، وهو القصر ومن الناحية الجماهيرية، ويستعيض بجماهير

هاتين الجماعتين المسلحتين عن الجماهير الوفدية«.

49

»ولما كان الوفد يقف إلى جانب الديمقراطية الليبرالية التي تؤمن بحكم الشعب وتحتكم إلى الدستور وحده، فقد كان من الطبيعي أن يختار علي ماهر باشا الجانب اآلخر الذي يعزز به سلطة القصر األوتوقراطية، وهو السلطة الدينية التي كان يرى أنها

الوحيدة التي تستطيع مواجهة السلطة المدنية التي يقف إلى جانبها الوفد«.

التي الخالفة اإلسالمية، في القديمة الملكية المطامع يزكي أخذ فقد هنا »ومن العلم بين ملوك الملك فؤاد، وكان يطمع في أن يكتسب لنفسه بها مهابة بدأت مع بها يعزز نفسه الوقت وفي المسلمين، خليفة عادة يكتسبه مما وشعوبه اإلسالمي

سلطته العلمانية الزمنية في مصر على حساب الحكم الدستوري«.

تلعب أن يمكن مصر أن فكرة إلى بالضرورة باشا ماهر علي قاد الدافع »وهذا دورا كبيرا مما هي عليه إذا هي اتجهت إلى الشرق اإلسالمي دون الغرب المسيحي، وتستطيع بذلك أن تصبح قوة إسالمية رائدة، يمتد نفوذها في آسيا والشرق العربي«.

)23(

وتنفرد مذكرات صالح الشاهد برواية واقعة عجيبة من الوقائع التي تجيد تصوير أسلوب علي ماهر في خلق األزمات والمواجهات ثم محاولة التغلب عليها:

»في أثناء وزارة رفعة علي ماهر باشا أراد ـ أي علي ماهر ـ أن يجري مشاورات مع زعماء األحزاب السياسية للتفاهم على الوضع بعد إقالة الوزراء الوفدية«.

الدين سراج فؤاد األساتذة: الوفد رجال كبار الوزراء رئيس مقابلة إلى »ودعي الدين والدكتور محمد صالح باشا، العرابى باشا، وعلي زكي فرج وإبراهيم باشا،

باشا«.

األحرار حزب رئيس باشا هيكل حسين محمد الدكتور للمقابلة: دعا »كما مكرم واألستاذ الوطني، الحزب رئيس باشا رمضان حافظ واألستاذ الدستوريين،

عبيد باشا«.

»وأخيرا دعي رئيس الوزراء دولة إبراهيم عبد الهادي باشا رئيس حزب السعديين، واألستاذ حسن الهضيبى بك المرشد العام لإلخوان المسلمين رحمة الله عليه«.

50

»وحددت مواعيد المقابالت، وكان من المفارقات أن يأتي دور األستاذ الهضيبى بك بعد دولة عبد الهادي باشا مباشرة«.

»ولكن حدث بعض التأخير في مواعيد المقابالت«.

»وحضر دولة إبراهيم عبد الهادي باشا وقابل رئيس الوزراء«.

بطلب الوزراء عام مجلس فهمي بك سكرتير الدين المرحوم محيي »وفاجأني الوزراء رئيس مكتب المسلمين لإلخوان العام المرشد فضيلة إدخال هو غريب،

مباشرة في أثناء مقابلة إبراهيم عبد الهادي باشا«.

»وحاولت أن أفهم األستاذ محيي الدين فهمي بك غرابة هذا الطلب، إذ كيف يتفق والمرشد باشا، الهادي عبد دولة على المسلمين لإلخوان العام المرشد يدخل أن

العام يتهم الحزب السعدي باغتيال المرحوم حسن البنا«.

»ولكنه أصر على هذا الطلب، بحجة أن هذه أوامر أصدرها رفعة رئيس الوزراء.. العمل والمسئولية أتنصل من هذا أن الوسائل وأعدت محاولتي، وحاولت بجميع الناجمة عنه، ولكن سكرتير عام مجلس الوزراء أصر على موقفه إصرارا شديدا وكرر أنه طلب علي ماهر باشا، وحضر األستاذ الهضيبي ودخل على رئيس الوزراء دون أن

يعلم المفاجأة التي في انتظاره«.

عبد دولة وثار الوزراء، رئيس مكتب في انفجار وحدث الواقعة وقعت »وهنا الهادي باشا واألستاذ الهضيبي معا في الوقت نفسه، وخرج عبد الهادي باشا مسرعا

في مشيته«.

»وكذلك خرج الهضيبي مهروال غاضبا«.

»وطلبني رئيس الوزراء وكان غاضبا غضبا ال يوصف، وصاح بي:

إيه اللي عملته ده؟!. إنت عملت أزمة كبيرة«.

»وقلت وقد تذرعت بالصبر بصوت هادئ: يا رفعة الباشا إن محيي الدين بك هو الذي أمر بذلك«.

51

»ولم ينتظر علي ماهر باشا، بل أسرع إلى مكتب األستاذ محيي الدين فهمي بك ووجه إليه عبارات اللوم على اإلهمال الجسيم الذي صدر منه على رءوس األشهاد

الموجودين بالمجلس«.

»وثار محيي الدين بك، وترك مكتبه«.

»ويبدو أن علي ماهر باشا قد شعر بقسوة مالحظاته على تصرف األستاذ محيي الدين بك فهمي، وأراد أن يعتذر لألستاذ محيي الدين بك فغادر مقر الرئاسة إلى منزل

األستاذ محيي الدين بك السترضائه«.

»ولكنه نظر إلي قبل أن يتوجه لالعتذار، وطلب مني أن أصلح ما أفسده محيي الدين بك بكل الوسائل، وأن أحضر المرشد العام بعد ربع ساعة«.

)24(

على أن األهم من كل هذه القصة هو تعليق صالح الشاهد عليه، فهو بعد أن يورد هذه القصة بكل تفصيالتها يقف ليتساءل وليجيب عن تساؤله فيقول:

»ولن أصف الحيرة التي وقعت فيها، فقد كانت المسألة في نظري دقيقة ومحرجة وتحتاج إلى قدر من الصبر وسعة الصدر«.

الروضة بمنيل العام المرشد منزل إلى وتوجهت الله، على توكلت أنني »على وشرحت لفضيلته رحمه الله المسألة بأبعادها، وأنها حدثت بسبب خطأ أوقعني فيه

سوء الحظ، وأنها لم تكن مقصودة«.

»وكررت الرجاء، ولكن المرشد العام رفض بإباء وشمم«.

»ولم يتطرق اليأس إلى قلبي، وزعمت للمرشد العام أن هذه الغلطة سوف تؤدي إلى فصلي من الخدمة«.

»والن قلب المرشد العام وحضر معي وقابل رئيس الوزراء«.

52

»وانتهت األزمة على خير، ولكني أتساءل: هل قصدها علي ماهر باشا بنفسه أم ال؟«.

»وأغلب الظن أن الشيب الذي عال مفرقي قبل األوان يرجع في المحل األول إلى هذه األزمات التي خضت غمارها في أثناء عملي بمكاتب رؤساء الوزراء«.

)25(

بقي أن نشير إلى بعض نواحي النشاط االجتماعي والعلمي التي كان لعلي ماهر يد عليا فيها، فقد كان رئيسا للجمعية المصرية للدراسات االجتماعية، وكان عضوا

في مجلس جامعة القاهرة، وكان رئيسا لجمعية اإلسعاف.

وفي المجال االقتصادي، كان علي ماهر على سبيل المثال عضوا في مجلس إدارة البنك األهلي، وهو الذي تولى النظارة على دائرة سيف الدين، ودائرة األمير محمد

علي إبراهيم خلفا ألمين منصور.

53

الباب الثاينال�سعود ال�سيا�سي لعلي ماهر

54

55

الفصل الثالثاإ�سهامات علي ماهر ال�سيا�سية

المبكرة في الحركة الوطنية

هل كان بوسع علي ماهر أن يتقدم إلى المكانة السياسية البارزة التي وصل إليها لو لم يكن قد شارك في الحركة الوطنية التي قادها الوفد؟

الرأي هذا على ندلل أن وسعنا وفي الصواب، هي بالنفي اإلجابة أن لي يبدو بأسانيد كثيرة من قبيل أن نقارن بينه وبين زميل له أو أكثر من الذين لم يشتركوا في هذه الحركة وظلوا في عداد كبار الموظفين فحسب، ومن قبيل أن نشير إلى أن ماضيه قدم وعلى والدالل، القوة من بقدر يتعامل أن من مكنه الذي هو الحركة هذه في المساواة، أو قريبا من قدم المساواة مع أقطاب الحياة السياسية المعاصرين له.. لكننا الوطنية، وهو إسهام جيد مع هذا نفضل أن نستعرض إسهام علي ماهر في الحركة ومتميز. صحيح أنه لم ينطو على بطولة خارقة أو فدائية مفرطة أو تضحية جسيمة، لكنه في كل األحوال يدل على وطنية صادقة، وعلى انحياز مبكر إلى الوطنية والحرية

ومستقبل الشعب.

يتقيد بأطر ينبغي أن أثناء ثورة 1919 ال ويبدو لي أن تقييم جهد علي ماهر في األحداث كانت فقد أو من مصالحه، دوافع من شخصيته وفكره، له تتلمس نظرية في ذلك الوقت ال تزال سائلة ال تحتمل مثل هذا المنطق، وإنما األفضل من هذا أن نصوره على نحو ما حدث بالفعل، سواء في موقفه من وزارة رشدي الرابعة التي لم يساندها ولم يتقبل عذرها في تعاملها مع المستعمر، أم في موقفه بعد أن أصبح عضوا

في الوفد المصري )في نوفمبر 1919(.

56

ولهذه األسباب فقد آثرت أن أقدم في هذه الباب ما رواه كل من الدكتور يوسف 1919 ثورة أحداث في ماهر علي دور عن عزمي محمود والدكتور النحاس، بأن سلفا االعتراف مع المتتالية النقاط بطريقة تعاقبها في أقدمها وأن ومعقباتها،

هذا الملخص يحوي كثيرا من الجزئيات الخالفية:

في أبريل سنة 1919 استدعى حسين رشدي باشا رئيس الوزراء علي ماهر باعتباره المحرك األول إلضراب الموظفين، وألح عليه في دعوة الموظفين للعودة، وأوضح

له أنه منع اإلنجليز من اتخاذ وسائل عنيفة ضد الموظفين.

بينهما ودار ماهر علي الثانية للمرة باشا رشدي استقبل 1919 أبريل 17 وفي نقاش حول مسألة إضراب الموظفين، فقد أخبره حسين رشدي: »أن ثم خطرا شديدا يهدد الموظفين إذا هم أصروا على موقفهم« فأجابه علي ماهر بك: وما الذي انتهى

إليه قراركم في المسألة العامة التي وردت في مطالب الموظفين؟

فأجابه رشدي: لم أستطع عمل شيء في هذا، فرد عليه علي ماهر بقوله:

»إذا فأنت لم تدعنا إال لتهددنا؟ اعلم أن هذا غير مجد شيئا« )المصدر: يوسف النحاس: ذكريات سعد، عبد العزيز، ماهر ورفاقه في ثورة 1919، ص 75(.

نتيجة لعدم نجاح حسين رشدي في إقناع علي ماهر بالتأثير على زمالئه أعضاء اإلضراب نطاق واتساع العمل، إلى الموظفين بعودة قرار باتخاذ الموظفين لجنة 21 في السلطان إلى الوزارة استقالة رشدي حسين قدم أبريل، 16 يوم من ابتداء

أبريل.

في 19 يونيو 1919 صدر مرسوم بتعيين علي ماهر وكيال لمحكمة أسيوط األهلية بمرتب شهري قدره سبعون جنيها، وقد كان هذا التعيين بمثابة إبعاد لعلي ماهر عن

االستمرار في نشاطه إلى منطقة نائية بعيدة عن بؤرة األحداث.

وأدرك علي ماهر هدف الحكومة من هذا النقل فرفضه؛ لذا قرر مجلس الوزراء وظيفته عن ماهر علي فصل 1919 سنة سبتمبر 15 بتاريخ المنعقدة جلسته في األستاذ يشير حسبما الوطنية للحركة لمناصرته وذلك أسيوط، لمحكمة كوكيل

عبد الرحمن الرافعي.

57

قرر الوفد في 7 نوفمبر سنة 1919 ضم علي بك إلى الوفد مع بقائه في مصر يعمل مع العاملين بها، وذلك على إثر فصله عن منصبه. وبهذا أصبح علي ماهر في مكانة الوفد إلى أعلى طبقة من طبقات الوطنية، حيث وصل الحركة مرموقة من صفوف وهي عضوية الوفد نفسه. وكان الوفد قد شهد أول انشقاق قبل هذا بأربعة شهور حين فصل إسماعيل صدقي ومحمود أبو النصر وحسين واصف باشا، وبذا فإن علي ماهر لم يكن عضوا في الوفد في الوقت الذي كان إسماعيل صدقي عضوا فيه والعكس

صحيح.

حتى المصري الوفد لعضوية ماهر علي ضم على أسبوعين من أكثر يمض لم ألقت السلطة البريطانية القبض عليه.

اللنبي البريطاني القائد أصدره الذي البيان على ماهر علي رد نوفمبر 16 وفي الصحف قوية نشرت في بكلمات ملنر لجنة معلنا عن قدوم فبراير 1919 في 14 على هيئة بيان صادر من لجنة الوفد المركزية بالقاهرة، وتضمن رده رفض الحماية على القبض البريطانية السلطة ألقت ذلك أجل ومن التام، باالستقالل والمطالبة محمود سليمان رئيس لجنة الوفد المركزية ونائبه إبراهيم سعيد ونقال إلى منزليهما

بالريف بينما اعتقلت علي ماهر في 21 نوفمبر 1919 في قشالق قصر النيل.

باشا جاءت وأرادت تشتيت لجنة أن وزارة سعيد الدكتور محمود عزمي يروي الموظفين فنقلت علي ماهر إلى محكمة أسيوط فرفض النقل، ورفضه بكتاب سجل إلى كتابه الحقانية وزارة فرفعت النقل، ذلك من الوزارة إليه تقصد ما حقيقة فيه

مجلس الوزراء الذي قرر فصله.

الوفد في عضوا ماهر علي يكون أن باريس في وهو باشا سعد رأى ذلك عند المصري، فلما أعلن اللنبي أن الحماية باقية أصدرت لجنة الوفد المركزية بالقاهرة بيانا أمضاه محمود باشا سليمان، وكان بيانا قصيرا لم يتجاوز الخمسة عشر سطرا، صيغة وضع الذي هو ماهر علي وكان االستقالل، وإعالن الحماية رفض تضمن هذا البيان الذي اعتقل من أجل إصداره محمود باشا سليمان، وإبراهيم باشا سعيد،

ومعهما علي ماهر.

58

وبعد عشرة أيام من القبض على علي ماهر واعتقاله في قشالق قصر النيل طلبوا األقصر في إقامته تكون أن فطلب فيها يقيم القاهرة عن بعيدة جهة يختار أن إليه بفندق »ونتر باالس«، وسافر إلى األقصر وظل فيها حتى اليوم الثالث من شهر يناير لسنة 1920، وفي ونتر باالس كان ينزل في الوقت ذاته الكاتب السياسي اإلنجليزي المعروف سير فالتين تشيرول ويضع كتابه عن المسألة المصرية، فلما علم بوصول

علي ماهر إليه وطلب أن يجالسه فقبل، وكثر تبادل الحديث بينهما.

المركزية الوفد لجنة أوفدته يناير 1920 حتى 3 في ماهر أفرج عن علي إن ما المصري أحدهما الوفد إلى يناير 1920، يحمل خطابين باريس في 9 إلى مباشرة من حسين رشدي وعدلي يكن وعبد الخالق ثروت ويتضمن المحادثات التي دارت بين هؤالء الوزراء الثالثة وملنر. أما الخطاب الثاني فقد كان من لجنة الوفد المركزية البالد وتناولت فيه إيضاحا تصريح لجنة ملنر ورفض العامة في وصفت فيه الحالة المفاوضة معه وإحالة هذا األمر إلى الوفد إذا لم يكن في ذلك تعارض بين االستقالل

التام والمصالح البريطانية.

وكانت مهمة علي ماهر الثانية هي السعي لتصفية جو الخالف الذي نشأ بين أعضاء سعد وقابل 1920 سنة يناير 14 في باريس إلى ماهر علي ووصل بباريس، الوفد زغلول وسلمه الخطابين وتحدث معه عن وحدة األمة ووقوفها خلف الوفد، ونجح بين مجاريها إلى المياه وعادت الوفد أعضاء بين الخالفات تصفية في ماهر علي

األعضاء، وعادت الجلسات إلى مجراها الطبعي وتبادل الزمالء الزيارات الودية.

رأى الوفد قبل تلبية دعوة ملنر للتباحث معه في لندن مايو 1920 إيفاد ثالثة من أعضائه إلى لندن كانوا هم: علي ماهر وعبد العزيز فهمي ومحمد محمود، فسافر عدلي يكن واألعضاء الثالثة في 23 مايو1920 إلى لندن بغية التأكد من أن الحكومة البريطانية مستعدة ألن تعترف باالستقالل الحقيقي لمصر مع احترام المصالح البريطانية الحقيقية

على طريقة ال تمحو وال تعطل هذا االستقالل وتجعله حماية مستورة.

اقـترح 1920 يوليو 2 يوم وملنر سعد بين دارت التي المباحثات جلسة وفي ملنر تأليف لجنة فنية مشتركة من رجال القانون من الجانبين المصـري واإلنجلـيزي تكون أن األجانب، على األجنبية وحقوق االمتيـازات وافيـة عـن مذكـرة لوضـع

59

هذه االقـتراحات موضوع المناقشة والتعديل أو اإلقرار، وقد وافق سعد زغلول على هذا االقتراح وتألفت اللجنة التشريعية على الوجه اآلتى:

يمثل الجانب المصري: علي ماهر وعبد العزيز فهمي ومحمد علي علوبة.

يمثـل الجانـب البريطانـي: هرسـت ويعاونـه اثنـان مـن رجـال القانـون فـي الحكومـة البريطانية.

وقـد أسـفرت المباحثات عن مشـروع معاهدة بين مصـر وإنجلترا قدمه ملنـر إلى الوفد في 17 يوليو 1920 ورفضه أعضاء الوفد، ومشـروع قدمه الوفد إلى ملنر في 19 يوليو وقد

ا. ـ رفضته لجنة ملنر أيض

وقـد قامـت لجنة ملنر بوضع مشـروع جديد، وقد قدم هذا المشـروع إلـى الوفد في 10 أغسطس سنة 1920، وفي 15 أغسطس تبادل أعضاء الوفد الرأي في مسألة الذين يسافرون إلى مصر لعرض المشروع على األمة، ثم قرر الوفد اختيار علي ماهر ولطفي السيد ومحمد

محمود وعبد اللطيف المكباتي للسفر إلى مصر الستشارة األمة في المشروع.

وبعد أن قضى المندوبون أكثر من ثالثة أسابيع في مصر وأدوا مهمتهم عادوا إلى باريس فـي أول أكتوبر 1920، وفـي أعقاب ذلك اتصل الوفد بلندن إلتمـام المباحثات وبادر ملنر بدعوة أعضاء الوفد، وفي لندن بدأت المفاوضات في 23 أكتوبر، وقد عقدت الجلسة الثانية

واألخيرة من المباحثات في 9 نوفمبر سنة 1920 بين أعضاء الوفد المصري ولجنة ملنر.

وبعد إعالن تصريح 28 فبراير 1922 حدث خالف مشـهور بين أعضاء الوفد، وقد كان علي ماهر من المرحبين بتصريح 28 فبراير 1922 ومن أجل ذلك، استقال من الوفد في 18 مارس عام 1922، وقد أوضح أسباب استقالته من الوفد في كلمة نشرت في األخبار أوضح فيهـا أنـه اختلف مع زمالئه في تقدير هذا التصريح وفي رسـم الخطة الجديدة التي توصلهم إلى تحقيق مطالب األمة، وكان من رأي علي ماهر أن تصريح 28 فبراير هو خطوة في سبيل االتفـاق مـع بريطانيـا، فهو مـن الوجهة النظريـة القانونية يعترف باسـتقالل مصر وسـيادتها ويلغـي حمايـة عـام 1914 المنصوص عليها في معاهدة فرسـاي عـام 1919، وقد أعلنت مصر اسـتقاللها وسـجلت الـدول إعالنها فأصبحت مصر دولة مسـتقلة، وهـى بهذه الصفة سـتفاوض إنجلتـرا وذلك مما يقوى مركزها. وقد أشـار علي ماهر إلـى أن عدم صدور مثل هذا التصريح في سنة 1920 كان سببا في انقطاع المفاوضة بين الوفد المصري ولجنة ملنر،

60

وعبر علي ماهر عن رأيه في أن أهمية التصريح تسمح بمطالبة الحكومة الجديدة بإحياء صيغ التصريح وإدخالها في دائرة العمل والتطبيق واستثمار النتائج المترتبة عليها في جميع فروع

الحكومة ومظاهر الحياة المصرية.

وكان علـي ماهـر ينظر إلى ظروف التصريح نظرته إلى المواقـع الحربية التي يتخلى فيها أحد الجيشين المتحاربين عن مكان فيتحتم على الجيش اآلخر احتالل هذا المكان، ويعتبر هـذا التصريح أول ثمـرة لجهود المصريين جميعا، وأن اجتناء هذه الثمرة أكبر مشـجع على التريث لحظة واحدة في مضاعفة جهادها والسـير إلى األمام بعزيمة صادقة حتى بلوغ الغاية الكبـرى؛ االسـتقالل التـام، وأن الطريق لتحقيق هـذه الغاية وعر لم يقطع منهـا إال المرحلة األولى، والوسـيلة األسمى لبلوغ هذا الهدف هي السعى إلى تجديد الوحدة القومية وإيجاد روح التضامن بين األمة والحكومة، وبقيام الهيئة النيابية فإن ذلك سيؤدي إلى تهيئة الظروف لمفاوضـات مقبلـة للعمل على وضع حد لهذه التسـوية المؤقتة، والسياسـة القومية لتحقيق

ذلك هي سياسة التفاهم والشورى واالتحاد والتعاون والحرية والعدل والبناء.

ألفت وزارة عبد الخالق ثروت في 3 أبريل 1922 لجنة لوضع مشروع الدستور وقانون االنتخـاب من ثالثين عضوا يرأسـها حسـين رشـدي، واختيـر علي ماهر ليكـون واحدا من

هؤالء الثالثين.

عقدت لجنة الدسـتور جلسـاتها فيمـا بين 11 أبريل و26 أكتوبـر 1922، أي على مدى ستة أشهر متوالية، ومن خالل االطالع على محاضر جلسات لجنة الدستور توصل الدكتور رشـوان جاب الله إلى أن علي ماهر كان حريصا على حضور جميع الجلسات التي عقدت، وكان له باع طويل في المناقشـات التي دارت في اللجنة. وفي الجلسة الثانية للجنة الدستور 13 أبريـل 1922 وافقـت الهيئة على اقتراح لحسـين رشـدي بانتخاب لجنـة فرعية من بين أعضـاء لجنة الدسـتور لوضع المبادئ الدسـتورية العامة وعرضها على اللجنـة العامة لكى يؤخـذ بهـا في الدسـتور وقانون االنتخـاب، وقد حصل علـي ماهر علـى 25 صوتا وأصبح أحـد أعضاء هذه اللجنة التي تكونت من ثمانية عشـر عضـوا، وقد عقدت هذه اللجنة ثماني عشـرة جلسـة من 19 أبريل إلى 20 مايو 1922 حصلت في أثنائها المناقشـات في المبادئ

وأسفرت عن مائة وعشرين قرارا خاصا بالقواعد العامة.

61

يتبنـى الدكتور رشـوان جاب اللـه في كتابه عن علـي ماهر فكرة أن علـي ماهر كان أحد أعضاء »جماعة الملكية الدسـتورية« في لجنة الدسـتور، وذلك في مقابلة جماعتين أخريين همـا »الجماعة الملكية«، و»جماعة الملكيين المعتدليـن«، وقد كان الفريق الذي انتمى إليه علي ماهر حريصا على الدفاع عن سـلطة األمة وسـيادتها واألخذ بمبدأ المسـئولية الوزارية وضـرورة الفصـل بين السـلطات، ومثله في اللجنـة عدد قليل كان فـي مقدمتهم علي ماهر، وعبـد اللطيف المكباتي، ومحمـد علي علوبة، وعلي المنـزالوي، وكانت نظرية علي ماهر أن إطـالق اليـد خير مـدرب على تحمل المسـئوليات، ولهـذا فإنه كان من أنصـار أن ينص في الدسـتور على مبدأ سـلطة األمة وأن كل سـلطة في البالد مسـتمدة من األمة، ولم يسـع إلبعاد الملك عن السـلطة التشـريعية، ولكنه في الوقت نفسـه تبنى المبـدأ اإلنجليزي الذي

يلزم الملك بالتصديق على ما يقرره المجلسان.

وفي جلسـة 28 أغسطس 1922 تقرر تشـكيل لجنتين فرعيتين عن لجنة الدستور: لجنة لتحرير الدسـتور من أربعة أعضاء، ولجنة لوضع قانون االنتخاب من سـتة أعضاء، على أن تكون الرياسة في اللجنتين لحسين رشدي باشا، وتم انتخاب عبد العزيز فهمي وعبد الحميد بـدوي وتوفيـق دوس ومحمـود أبـو النصر للجنـة التحرير، بينمـا انتخب علـي ماهر وعلي المنزالوي ومحمد علي علوبة وحسـن عبد الرازق وتوفيق رفعت وإبراهيم العلباوي للجنة قانون االنتخاب. وتأكيدا من علي ماهر للمحافظة على سلطة األمة طالب بأن يتم االنتخاب علـى درجة واحدة، ألن األصل أن اإلنسـان يسـتعمل حقه بنفسـه، وإذا كانت هناك ضرورة

لوضع بعض الشروط في الناخب فال بأس من عمل ذلك أسوة بإنجلترا.

ويذكر الدكتور محمود عزمي أن الملك فؤاد دعا علي ماهر ثالث مرات أثناء اجتماعات لجنـة الدسـتور وطلب إليه تغييـر رأيه في بعض األمـور التي كانت تعالـج، فرفض، وكانت نظرية الملك أن اإلقالل من المنح أول األمر، ثم اطراد الزيادة، خير من اإلكثار ثم االضطرار

إلى اإلنقاص.

وفـي هـذه الفترة كان نجم علي ماهـر قد بدأ يلمع ويقترب من مناصـب الدولة الكبرى، ويـروى الدكتور محمود عزمي أن رشـدي باشـا اقترح أن يكون علي ماهـر وزيرا في وزارة ثـروت لكن علي ماهـر اعتذر، كما يروي الدكتـور عزمي أن يحيى إبراهيم في أثناء رياسـته للوزارة عرض على علي ماهر منصب مستشار في محكمة االستئناف فقبله، لكنه سرعان ما

62

عين ناظرا لمدرسة الحقوق بعدما عدلت الحكومة عن اختيارها ألحد المستشارين القدامى لشغل هذا المنصب مؤثرة هذا القانوني الشاب النابه.

بقي أن نشير إلى حقيقة أن علي ماهر كان متيما بتضخيم دوره في إرهاصات ثورة 1919، والشك أن دور علي ماهر في ثورة 1919 كان ذا قيمة، لكن تصوير هذا الدور خضع لطريقة الرواة في روايته، وقد أجاد الدكتور محمود عزمي تصويره في كتابه »األيام المائة«، كما أجاد الدكتور يوسـف نحاس تصويره في كتاب »ذكريات«، وهذا هو صالح الشـاهد في مذكراته »بيـن عهديـن« يذهب إلى مدى أوسـع في تصوير هذا الدور، وفي تصويـر مصداقية روايته، راويا هذا الفضل على لسان الزعيم مصطفى النحاس باشا نفسه، ونحن نعرف أن المسئولية

في هذه الرواية تقع على عاتق صالح الشاهد وال تلزم النحاس باشا بشيء:

»... ولما قيل لىـ الحديث للنحاس باشـاـ إنك البد أن تعرف سـعد باشـا وقد كان لك موقـف معـه لما كان وزيرا للحقانية، فقلت إنها معرفة رسـمية سـطحية ال تؤهلني لمفاتحته فـي هذا األمـر الخطير ـ أي قيادة جهود السـعي لدى البريطانيين من أجل اسـتقالل مصر ـ، فقال علي ماهر إنه يعرف عبد العزيز فهمي بك وربما تمكن من إقناعه بمخاطبة سـعد باشـا

بأفكارنا وقيادته حركتنا«.

»وزار علي ماهر عبد العزيز فهمي بك، ثم قمت أنا بزيارته، وتتابعت الزيارات«.

»وذات مساء مال علينا عبد العزيز فهمي بك وقال بصوت خافت:

»اسـمعا.. لقد فكرنا نحن فيما فكرتم فيه أنتم ونفذنا الفكرة.. هذا األمر سـر لكما وأود أال يعلم به أحد«.

»فاندهشت ووجدتنى أقول له: نفذتم الفكرة وكيف ذلك؟«.

»فقال عبد العزيز: إنى وسـعد باشـا وعلي شـعراوي باشـا ومحمد محمود باشا وأحمد لطفـي السـيد بك نواصـل االجتماع والبحث في تأليف وفد يسـافر إلى أوروبا لبسـط قضية مصـر أمام ساسـتها.. هذا سـر بيني وبينكما فاكتمـاه في أعماق قلبيكمـا، والزما وصحبكما كل هـدوء اآلن، وال تكثـرا مـن التردد علينا؛ لئال تلتفت أنظار السـلطة إلينا فتحوم الشـكوك

حولنا«.

63

»ثم نهض واقفا وقال: أستودعكما الله«.

هكذا نفهم من رواية صالح الشاهد على لسان النحاس باشا، أن النحاس كان أقرب إلى علي ماهر، وأن الرجلين اتصال بسـعد عن طريق عبد العزيز فهمي، وليس في منطق األشـياء مـا يحول دون ذلك، وإن كان تصور ما حدث مـن تطور في العالقات فيما بعد يجعلنا نقول

كما يقال في مثل هذه الروايات: »سبحان مغير األحوال«.

64

الفصل الرابععلي ماهروزيرا

في االنقالبات الد�ستورية الثالثة

بالمواكبة أو االتحاد حزب خالل من الوزارة منصب إلى ماهر علي وصل النضمامه إلى حزب االتحاد، ومن الجدير بالمالحظة أن علي ماهر كان يرى نفسه أكبر من الحزب، وكان علي ماهر، على حد ما يرويه صديقه محمود عزمي، متبرئا من الحزبية، وهو يقول: »... ثم عرض عليه أن يكون وزيرا للمعارف، وأن يدخل ويحلو يريد، كما جماعته باسم ومتكلما يشاء، كما قانونه معدال االتحاد حزب لماهر باشا أن يذكر لهذه المناسبة أن دخول حزب االتحاد لم ينل من قوميته وبعد روحه عن الحزبية فتيال، ويدلل على صحة قوله بأنه لم يعمل شيئا لحزب االتحاد

وهو وزير للمعارف، وال وهو وزير للمالية«.

اأوال: وزيرا للمعارف يف االنقالب الد�ستوري االأول

)1(

الشـك عندى في أن علي ماهر هو واحد من أفضل وزراء المعارف في القرن العشـرين، لكنه ال يصل في فضله إلى سعد زغلول، وال إلى أحمد حشمت، وال إلى إسماعيل القباني، وال إلى السنهوري، وال إلى علي الشمسي، ومع هذا فإنه يلي هؤالء مباشرة، ويأتى في طبقة

تضم معه الدكتور محمد حسين هيكل، ومحمد علي علوبة، وأحمد نجيب الهاللي.

65

ومن حسـن حـظ علي ماهر أن كتـاب »وزراء التعليم فـي مصر وأبـرز إنجازاتهم« يعدد إنجازات إدارية وتنظيمية لعلي ماهر في خالل هذه الوزارة.

)2(

وباختصـار شـديد فإن علـي ماهر هو صاحـب التطبيق الواسـع لفكرة اإللـزام والتعليم اإللزامـى، بـل ربما يمكن القول بـأن أبرز طابع لعهد علي ماهر فـي وزارة المعارف كان هو االندفـاع المحسـوب في تنفيذ مشـروع اإللزام الـذي ظهر على يده سـنة 1925 محاوال أن

يدلل للشعب على أن اإلصالحات التي تحدث عنها كثيرا قد أصبحت أمرا واقعا.

وفي هذا المجال يذكر لوزارة المعارف في عهده أنها:

* أنشـأت في سـنة 1925-1926 الدراسـية 762 مكتبا إلزاميا تتولـى مجالس إدارتها بمعرفة لجنة فنية عرفت باسـم لجنة التعليم اإللزامي وتتحمل نفقات إنشـائها وتأثيثها، على أن تقوم الوزارة بإنشاء وإدارة مكاتب المحافظات وتتولى التفتيش على جميع المكاتب فنيا وصحيـا مع دفع نفقات إعداد المعلميـن ومرتباتهم ونفقات التفتيش والخدمة وثمن الكتب

واألدوات.

* عقـدت فـي 11 يوليو سـنة 1925 مؤتمـرا للتعليم اإللزامى هدف إلـى النظر في خير الوسائل لتحقيق فكرة تعميم التعليم اإلجباري.

* شـكلت في 27 يونيو سـنة 1925 لجنة إلعداد مشروع قانون للتعليم اإللزامى يشمل اختصاصات كل مـن وزارة المعارف ومجالس المديريات والمجالس البلدية والمحلية مع

تحديد ما يتطلبه المشروع من نفقات ودرجة مشاركة هذه المجالس.

* أنشـئت في إطار مشـروع اإللزام مدارس عرفت باسم مدارس الحقول، وسميت بهذا االسـم نظرا ألن مناهجها الدراسـية كانت تجمـع بين المواد النظريـة والعملية، وكانت مدة

الدراسة بها 6 سنوات تبدأ من سن السابعة.

)3(

* وفـي إطار االهتمـام بالتعليم األساسـي التالي للتعليـم اإللزامي أنجـز علي ماهر من خالل منصبه الوزاري ونشاطه فيه مجموعة أخرى من الخطوات المهمة:

66

* صدر قرار شـامل لالئحة اإلعالنات التي تمنحها وزارة المعارف العمومية للمدارس الحرة االبتدائية للبنين الخاضعة لتفتيش الوزارة.

* شـجعت مجالس المديريات على أن تقدم طلبات للوزارة تسـتحثها على التنازل عن مدارسها لمجالس المديريات.

* زاد عدد المدارس االبتدائية فأصبح 112 مدرسـة )كان في سـنة 1915 ال يزيد على 22 مدرسة( .

* ألفـت لجنـة بالـوزارة لتوفيـر أماكن مناسـبة للمدارس واسـتئجارها، بعـد أن اكتظت المدارس بالتالميذ، مما دعا إلى منح المدارس االبتدائية الحرة إعانة تأسيس وإعانة استبقاء

لمدة سنة واحدة.

)4(

وفـي مجـال التأهيل التربوي والمهنـي والتعليم المتخصص حقـق علي ماهر نجاحات ذات قيمة:

في األولية بالمدارس المعلمين إلعداد الليلية باألقسام جديدة فصول افتتاح تم *مناطق مختلفة.

لت العليا والثانوي، وشك المعلمين الدراسة والمناهج لمدرستي تنقيح خطط * تقرر لجنة في أبريل سنة 1925 لهذا الغرض.

تقرر تقسيم الشعبتين: األدبية والعلمية لمدرستي المعلمين إلى تخصصات.

)5(

وفي مجال تعليم البنات:

* تقرر بناء مدرسة ثانوية لتحضير البنات لشهادتي الكفاءة والبكالوريا.

67

أذهانهن وتثقيف الراقية الطبقة بنات لتعليم للبنات« الدوبارة قصر »كلية أنشئت *وإعدادهن ألعباء البيت والحياة المنزلية، وكان في الكلية قسمان: الخارجي مصاريفه 40

جنيها، والداخلي 80 جنيها في السنة، وافتتحت الكلية في 10 أكتوبر 1925.

المدارس خريجات بها تلتحق أن على 1925 سنة الطرزية الفنون مدرسة أنشئت *األولية.

* تقرر إنشاء أربع مدارس ابتدائية للبنات في القطر.

* تقرر إنشاء مدرسة روضة األطفال.

)6(

وفي مجال التعليم العالي:

* تم إنشاء مدرسة طب األسنان.

لت الوزارة نظام مدرسة الهندسة الملكية من حيث مدة الدراسة وشروط القبول * عدوأقسام الدراسة والمواد الدراسية.

* تقرر إنشـاء قسم تحضيري لمدرسـة الطب للبنات مدة الدراسة به ثالث سنوات تنقل في نهايتها الطالبات إلى كلية الطب.

* تم إنشاء مكتبتي كلية اآلداب وكلية العلوم.

* صدر قرار بإلغاء المدارس التجهيزية الملحقة بدار العلوم تدريجيا.

* أوفدت الوزارة 116 مبعوثا إلى الخارج في مختلف العلوم والفنون بإشـراف اللجنة الوزارية االستشارية لبعثات الحكومة.

)7(

وقد شهد السلم التعليمي والمناهج في عهد علي ماهر تطويرات مهمة:

68

ل الهيكل التعليمي بما حقق: زيادة سنوات الدراسة بالمرحلة االبتدائية إلى خمس * عدسـنوات بـدال من أربـع، وكذلك الثانويـة حتى يتمكن الطالب من دراسـة المـواد المتعددة

دراسة دقيقة.

* عنيـت الوزارة بترجمة طائفة من المراجع فـي العلوم الحديثة لتعاضد النهضة العلمية في البالد وتكون مرجعا للمدرسين وينتفع بها محبو العلم.

* نقحـت مناهـج التعليـم االبتدائـي والثانـوي، وألفت كتب مدرسـية جديـدة تتفق مع هذه المناهج.

* أدخلت مادة األخالق والتربية الوطنية على خطة الدراسة بالمدارس اإللزامية.

* أعيد تعليم اللغة الفرنسية بالمدارس االبتدائية.

* تـم توجيـه االهتمـام إلـى تعليـم الموسـيقى والتصويـر والرسـم والتعليـم بالسـينما واألعمال اليدوية.

)8(ويذكر أن ميزانية وزارة المعارف قد زادت في ذلك العام حتى وصلت إلى 2.091.664 1.518.429 بلغت قد كانت ،1925-1924 عام الوزارة ميزانية أن نذكر وهنا جنيها

جنيها.

وقد تأسس في عهد علي ماهر مكتب المشروعات الجديدة وقد أنشئ ألول مرة، كما تم إنشاء عدة إدارات ومراقبات. كما تم وضع نظام للتفتيش سنة 1926.

)9(

ويـرى الدكتور رشـوان جاب اللـه أن علي ماهر عندمـا عمل وزيرا للمعـارف في المرة األولـى )1925( قلـب البرامج التعليمية رأسـا على عقـب اعتقادا منه بـأن درجات التعليم يغـذي بعضها بعضـا، لهذا فضل العمل علـى إصالحها دفعة واحدة. وقـد مضى علي ماهر فـي طريقه حتى أتم برنامجه، فبعد أسـبوع من توليه الوزارة أصدر قـرارا وزاريا لبحث نظام مراحـل التعليـم وخطط الدراسـة المناسـبة والمناهج التفعيليـة لهذه الخطـط، وأوكل هذه

69

المهمـة إلى ثالث لجان للتعليـم االبتدائي والثانوي وتعليم البنات.. على أن تجتمع اللجان الثالث مقدما في لجنة عامة واحدة تحت رئاسته.

ويذكـر الدكتور رشـوان جاب الله أن اللجنة العامة التي ألفـت لتنقيح نظام التعليم العام ومناهجـه عقـدت فـي 29 مارس سـنة 1925 أول اجتماع برئاسـة علي ماهـر، وقد تحدث علـي ماهر في هذا االجتماع حول المبادئ العامة إلصالح التعليم وعن سـعيه لجعل تعليم البنات في مسـتوى تعليم الصبيان مع المثابرة على التوسـع في المواد الخاصة بالنسـاء حتى باسـتبدال مناهج جديدة بالمناهـج القديمة الناقصة، مع تنظيـم اإلدارة المركزية حتى تكون قادرة على تنفيذ سياسـة اإلصالح واالهتمام بإيفاد البعوث إلى أوروبا وأمريكا مع تشـجيع

حركة الترجمة والعناية بدور الكتب واالستفادة بخبرات وأبحاث رجال التعليم.

وانكبت هذه اللجان الثالث على العمل، وفي أقل من أربعة أشهر انتهت من أداء عملها ونشرت القوانين واللوائح الجديدة في 22 مايو سنة 1926.

ولعـل الفضل في سـرعة إنجاز هـذه القوانين يرجع إلى علي ماهر نفسـه وما تمتع به من همـة ونشـاط وحزم، وتناولـه برامج التعليم في فرنسـا وإنجلترا وبلجيكا وغيرها بالدراسـة

والتمحيص واإلفادة منها في الوقت نفسه..

ثم آثر علي ماهر كما يشـير الدكتور رشـوان جاب الله أن يمضي في التنفيذ بسـرعة كما فعل في حالة التشـريع، وسـعى لدى مجلس الـوزراء فاعتمد للتعليـم مبلغ 2.091.664

جنيها لميزانية عام 1925 ـ 1926.

ومن الجدير بالذكر أن علي ماهر كان موقفا في اختيار معاونيه في وزارة المعارف، وفي عهـده عيـن عبد الفتاح صبري بك وكيال مسـاعدا للوزارة، وأحمد أمين بك سـكرتيرا عاما،

ومحمد خالد حسنين رئيسا.

ويشير الدكتور رشوان جاب الله إلى أن إصالحات علي ماهر قوبلت بالجحود والنكران من جانب مجلس النواب ذي األغلبية الوفدية سنة 1926، فقد شكل لجنة برلمانية للتحقيق معه فيما أقدم عليه من أعمال في وزارة المعارف. ومع أن هذا البرنامج لم يكن يعوزه سوى

التأني وعدم السرعة في التنفيذ.

70

ثانيا: وزيرا للمالية في االنقالب الد�ستوري الثاني

ال يذكـر التاريخ كثيرا من اإلنجازات المتميزة لعلي ماهر في أثناء عمله وزيرا للمالية إذا ما قورن نشاطه في هذه الوزارة بنشاطه في الوزارتين األخريين: المعارف والحقانية.

ومع هذا فإن الوثائق البريطانية تشير إلى أنه تولى المفاوضات التي انتهت بتسوية مسألة القرض العثماني المعقود في سنة 1855.

وقـد كان علـي ماهر من أوائل الذين اهتموا بما تمثله »مصلحـة التجارة والصناعة« التي كانت نواة لنشاط وزارة التجارة والصناعة فيما بعد، فقرر النهوض بها بعد أن تبين له عجزها عـن القيـام بمهامها لعدم وجود إدارة فعالـة للقيام بعمل األبحاث الصناعيـة والتجارية بغية إيجاد صناعات أهلية غير موجودة وترقية الموجود منها، لذا فإنه رفع ميزانية هذه المصلحة إلى 190.000 جنيه، وأعاد تنظيم المصلحة من جديد من أجل تقديم المسـاعدة للمصانع

والغرف التجارية، وفي الوقت نفسه تكون نواة لوزارة خاصة في المستقبل.

ورغبة في تشـجيع الصناع المصريين على توسـيع أعمالهـم ولتمكين هذه المصنوعات من مزاحمة مثيالتها في األسـواق الخارجية، أعفى علي ماهر الكثير من صادرات مصر إلى الخارج من رسـوم التصدير ورسـوم الرصيف على أن يسري هذا اإلعفاء على المصنوعات

المصرية، سواء كانت مصنوعة من خامات تنتجها البالد أم خامات تستوردها.

اتخذ علي ماهر قرارين مهمين على حد وصف الدكتور رشوان جاب الله بهدف تحسين الشئون الزراعية وتوفير المال الالزم للطبقات الزراعية الفقيرة والمتوسطة للقيام بحاجاتهم

الزراعية، أما القرار األول فتضمن إنشاء احتياطى زراعي.

أمـا القـرار الثاني فنظم تسـليف صغار المـالك والمزارعين، وقد حدد سـعر الفائدة لهم بنسبة 5% بينما خفض إلى نسبة 3% على السلفيات الممنوحة للجمعيات التعاونية إلقراضها

ألعضائها بحيث ال تزيد نسبة الفائدة في حالة اإلقراض من الجمعية ألعضائها على %4.

ويمكـن القـول إن هـذا القـرار كان خطـوة طيبـة فـي سـبيل حمايـة الفـالح الفقيـر من جشـع المرابيـن والبنـوك العقارية فضال عن تنشـيط الجمعيات التعاونية ونشـرها في القطر

وزيادة أعضائها.

71

وقـد اهتم علـي ماهر في أثناء عمله وزيرا للمالية بمسـألة القطن، ونظـرا لعدم توافر كل الشـروط الالزمة لحسـن سـير األعمال في لوائـح البورصات، فقد قرر تأليـف لجنة خاصة لمراجعة وتعديل نظم البورصات المختلفة لألقطان واألوراق المالية، وقد أنشـأ علي ماهر

مكتبا للقطن مهمته األولى جمع وتحليل المعلومات المختلفة الخاصة بالقطن.

ثالثا: وزيرا للحقانية في االنقالب الد�ستوري الثالث

)1(

لعـل أسـوأ ما يذكره التاريخ لعلي ماهـر كوزير للحقانية هو أنه ذلك الوزير الذي سـجن األسـتاذ العقاد في عهده، وليس في هذا ظلم لعلي ماهر، فالتاريخ بحاسـته يعرف أن القضاء في العهود الديكتاتورية ال ينجو تماما من تأثير الحكومة، ولهذا فإن أحدا منصفا لن يسـمح لنفسه بتبرئة علي ماهر من وزر صدور الحكم بالسجن على األستاذ العقاد وتنفيذ هذا الحكم

كامال على ذلك العمالق العظيم.

بل إن التاريخ يذكر أيضا أن علي ماهر حاول زيارة األسـتاذ العقاد وهو في السـجن، فما كان مـن العقـاد إال أن اسـتقبله على أسـوأ صورة، ويروى أنه نام في سـريره ومـد قدميه في مواجهتـه ولـم يرحب به، وقد حاول علي ماهر أن يصور زيارته للعقاد في السـجن على أنها كانت من باب االطمئنان على المفكر العظيم، لكن أحدا لم يكن على استعداد لتصديق علي

ماهر في هذه الجزئية.

وقد قضى العقاد الفترة التي حكم عليه بها كاملة دون أن يسـعى علي ماهر الختصارها، وخرج العقاد فألقى قصيدته الشهيرة:

أشهر تسعة السجن في جنينا ـدوكنت أول الخـلـد وهـأنــذا فــي سـاحـة

سيعهـدنــي كـل كمـــا كـــان يعهــدعـداتــي وصحبــي ال خـالف عليهـم

)2(

وإذا كان الشـيء بالشـيء يذكر فقد كان األسـتاذ العقاد كثير النقد لسياسـة علي ماهر في وزارة صدقي باشا، ويذكر أن محمد عالم باشا كتب مقاال حول اإلصالح التشريعي فما كان

72

مـن علـي ماهـر إال أن رد عليه بمقال بعنوان: »يطلبون اسـتقالل القضاء مـن وزير الحقانية« »المؤيد الجديد، 29 أغسـطس 1930« يعلق فيه على المقال الذي نشـره محمد عالم باشـا

في »األهرام«، ومن هذا المقال نجتزئ قول العقاد:

»... لم يرد عالم باشـا هذا أن يكون مضحكا، ولكنه أضحك من قرأه فعال؛ ألنه يلتمس اسـتقالل القضـاء من الوزارة التـي وقع في زمنها أخطر حادث أصـاب القضاء المصري في الزمـن الحديـث: وقـع في زمانهـا أن يؤمر القاضـي عالنية بـأال يحكم إال بمـا تفرضه عليه الـوزارة، ويوافق أهواء مالحظـي البوليس ورجال اإلدارة، وال نعرف لـوزارة من الوزارات سيئة هي أجسم وأهول من هذه السيئة التي زلزلت قواعد العدل، وأصابت القضية المصرية في المقتل الصميم. نعم، أصابت القضية المصرية في المقتل، ألنها مثلت القضاء المصري فـي أعيـن األوروبييـن تمثيال يعطيهـم الحجـة إذا رفضوا الثقة بـه واالحتكام إليه، وتشـبثوا

باالمتيازات األجنبية التي جاهدت األمة في إصالح شأنها، ذلك الجهاد الطويل«.

)3(

كان من سوء حظ صدقي أن سلط الله عليه نفسه فجعلته يختار علي ماهر وزيرا للحقانية فـي وزارتـه، أو فلنأخـذ باألحوط ولنقل إنه قبـل أن يكون علي ماهر وزيرا فـي وزارته، وقد واله وزارة الحقانيـة، ولـم يتعظ صدقي بما فعله علي ماهر في وزارة اليد الحديدية )1928، 1929( ، وظن أنه بحكم قوة شخصيته ونفوذه قادر على اإلفادة من علي ماهر دون أن يصيبه ضـرر منـه، لكن علي ماهـر تكفل للحركة الوطنيـة دون قصد منه بالطبـع بأكبر ضربة وجهت إلى نظام صدقي، وهي اسـتقالته المدوية من وزارة إسماعيل صدقي حين كان وزيرا للحقانية وذلـك في أعقـاب إعالن التحقيق في إحدى فظائع هذا العهد، وقد أعلن علي ماهر اسـتقالته فـي صورة زاعقة وكأنها احتجاج نبيـل على قيام رجال المباحث والبوليـس بالتعذيب ألفراد الشعب، وهكذا فؤجئ صدقي بهذا التصرف من وزير استوزره على رأس وزارة الحقانية، لكن هذا الوزير آثر أن يلعب على رهان الرأى العام، وأن يلعب على عواطف الشعب، وأن يسجل لنفسه تصرفا يحسب له في مستقبل األيام، وكأنه كان ضد التعذيب إلى حد أن يضحي بمنصبه، وكأنه لم يكن يدرك من البداية مدى عسـف صدقي في سـبيل تحقيق أهدافه ومضيه في سبيله

إلى أسوأ خطوات الديكتاتورية ومراحلها.

73

ولم يكن علي ماهر في تصرفه هذا الذي اندفع إليه ليحسـب حساب غضب الملك فؤاد الـذي قربـه، فقد كانـت حجته جاهـزة، وإن لم تكن منطوقة، وهي أن بوسـعه هـو أن يحقق األهـداف التـي كلف بهـا الملك صدقي ولكـن بطريقة أكثر إنسـانية أو أقل وحشـية أو أقل

صدمة للرأي العام..

هكذا كان علي ماهر جاهزا لتلميع نفسـه على أنقاض صدقي وعهد صدقي كله.. بل إن علـي ماهـر فيما تواترت به الرواية كان من الذكاء بحيث أدرك أن عليه أن يسـعى ألن يخلف هذا النظام الصدقي ال كوزير في حكومة تالية أيا ما كانت كوزارة عبد الفتاح يحيى أو وزراة

محمد توفيق نسيم وإنما كرئيس للوزراء.

ومـن الحـق أن نقـول أو أن نشـير إلى أن هـذا قد حدث بالفعـل.. اعتذر علـي ماهر عن االنضمام إلى وزارة عبد الفتاح يحيى، وبدأ يدس دسا شديدا لوزارة محمد توفيق نسيم حتى

تمكن من أن يكون هو رئيس الوزراء الذي خلف نظام صدقي وتوابع نظام صدقي.

بل إن الذين يتأملون تعاقب األحداث يصلون إلى القول بأن علي ماهر كان هو الذي أشار بعبد الفتاح يحيى كي يخلف صدقي، محققا بذلك رغبة القصر الملكي في أن يذهب صدقي ويبقى النظام الصدقي، ورغبته هو التي توافقت مع رغبة الشعب والقوى الوطنية في أن ينتهي إسماعيل صدقي، على حين يبقى نظامه الدكتاتوري. وقد كان مجيء عبد الفتاح يحيى رئيسا

للوزارة محققا لهذين الهدفين اللذين لم يكن لهما معنى، وإن كانا جزءا من السياق.

)4(

فـي رأيـي المتواضـع أن أهم إنجاز تشـريعى حققه علـي ماهر وهو وزيـر للحقانية هو االهتمـام بقانـون الخبراء، ويروي الدكتور محمود عزمـي عن علي ماهر أنه كان قد الحظ فـي أثناء توليه القضاء أن كثيرا مـن القضاة والمحامين ال يتمكنون من قراءة تقارير الخبراء لطولهـا وتعقدها، فأقام القانون الجديد علـى فكرة إجبارهم جميعا على القراءة، إذ اقتبس مـن التشـريع اإلنجليـزي فكرة تقديـم التقريـر شـفويا واعتبار الخبيـر حين يدلـي بتقريره

الشـفوي شـاهدا تنفذ فيه أحكـام شـهادة الزور.

)5(

وفي رأيي المتواضع أن ثاني إنجاز مهم لعلي ماهر هو فتحه الباب لإلفادة من المحامين المتميزيـن من رجال العمل الوطني للعمل في القضـاء على درجات عليا، وهو ما رواه عبد

74

الرحمن الرافعي بالتفصيل، وقد كان األسـتاذ الرافعي نفسـه أحد المرشحين لهذا المنصب، أما الدكتور محمود عزمي فيروي القصة على النحو التالى:

»... رغـب ]أي علـي ماهـر[ فـي توليـة األسـتاذين زكـى علـي ومصطفى الشـوربجي المحاميين مستشـارين بمحكمة االسـتئناف فعرض عليهما األمر فرفضا، فألح حتى تغلب، وقد لجأ في سبيل إقناعهما إلى اعتبار ضرورة قيامهما بواجبهما الوطني وهو إنما يريد إلغاء االمتيـازات األجنبية ويريد لهذا اإللغاء أن يدعـم القضاء بخير العناصر، وهما إنما يجب أن يتحمـال نصيبهمـا من العبء والتضحية كوطنيين، وكان لزكي اإلبراشـي باشـا قريب يتولى منصـب االستشـارة بمحكمة اسـتئناف أسـيوط، ومن شـأن تعييـن المحامييـن المذكورين مستشـارين بمحكمـة القاهـرة أن يحجـب ذلك القريـب وأن يقطع عليه سـبيل االنتقال إلى العاصمة، وكان في حزب الشـعب وفي حزب االتحاد مـن المحامين من يتطلعون لمنصب المستشار في االستئناف فأغضب التعيين رجل القصر ورجال الحزبين المتوليين الحكم في

ذلك العهد«.

»ولـم يقف اإلغضاب عند هـذا الحد، بل تجاوزه إلى اإلنجليز أنفسهم؛فاألسـتاذان من أسـاطين الحزب الوطني، والبد أن يالحظ المستشـار القضائي على تعيينهما شيئا، وبالفعل تدخل المستشار وطلب إلى الوزير عدم تعيينهما؛ ألن دار المندوب السامي تعتبر مسألتهما من المسـائل السياسـية، لكن ماهر باشا الحظ للمستشـار أن من كبار القضاة في إنجلترا من يختارون من بين كبار المحامين المتصلين باألحزاب السياسية اإلنجليزية فيتركون السياسة

عندما يختارون للقضاء، وليس ما يمنع مصر من أن تأخذ عن إنجلترا هذا التقليد.

»وتم التعيين الذي أغضب الجميع«.

يجـدر بنـا هنا أن نشـير إلى أننـا نقلنا عن عبد الرحمـن الرافعي في كتابنا »على مشـارف الثورة« ما يؤيد هذه الرواية.

)6(

وإلـى علي ماهر يعود الفضل في اسـتحداث محكمة النقـض، وقد بنى فكرته في الغرض منها على صحة تطبيق القانون، وقد تقدم إلى مجلس الوزراء الذي رأسه صدقي باشا بمذكرة حول استحداث هذه المحكمة الجديدة، وقد صدر مرسوم بقانون رقم 68 لسنة 1931 بإنشاء

هذه المحكمة.

75

والشـك أن ظهور هذه المحكمة خدم المتقاضين والقانون في الوقت نفسـه، وقد ظلت تمثـل قمـة الجهاز القضائـي وتختص برقابـة صحة تطبيـق القانون دون التعرض للمسـائل التي تعتبر من قبيل الوقائع، كما أنها تقوم بدور مهم في مجال توحيد واسـتخالص القواعد

القضائية، وكان إنشاء هذه المحكمة بداية طيبة لتنمية استقالل القضاء المصري.

)7(

وقد كان علي ماهر حريصا على أن يضع بصمته على نظام المحاكم الشـرعية؛ لهذا فقد قدم الئحة جديدة بدال من الالئحة القديمة واإلجراءات المتعلقة بها الصادر بها األمر العالى في 27 مايو 1897، والقوانين المعدلة لها، واستهدف علي ماهر من وراء تغيير هذه الالئحة

إزالة بعض أسباب الشكوى العديدة من المتقاضين.

)8(

وقد كان علي ماهر على ما يرويه الدكتور محمود عزمي حريصا على تهيئة أسباب إلغاء االمتيازات »فأتم في ثماني جلسـات وضع قانون األحوال الشـخصية لغير المسلمين قضاء علـى االمتيازات الداخلية، وتشـعب األحكام، كما تولى إصالح المحكمة الشـرعية خالل

شهر واحد.

)9(

وقـد كان فـي مقدمة مـا فكر فيه علـي ماهر من أوجه اإلصالح التشـريعي بحث مسـألة »إعـادة االعتبـار« نظـرا لخلو التشـريع الجنائي المصري مـن النص على أحكام بشـأن هذه المسألة، وأسوة بما هو متبع في التشريعات الحديثة برد االعتبار إما بحكم القانون أو بحكم

القضاء.

وقـد آثر علـي ماهر إدخـال مبدأ إعـادة االعتبـار القضائي فقـط في التشـريع المصري، وبمقتضى ذلك صدر القانون رقم 41 لسنة 1931 بشأن إعادة االعتبار وبصدور هذا القانون أزال علي ماهر الغبن الواقع على هؤالء األفراد الذين ظلوا لفترة طويلة في جسـم المجتمع المصـري أعضـاء مشـلولة مـن الوجهة األدبيـة، نظـرا لحرمانهم ممـا لغيرهم مـن الحقوق

76

السياسـية والمدنية، وفي الوقت نفسـه فقد أفاد المجتمع من اندماج هذه الفئة في المجتمع بعد أن تابوا وحسنت سيرتهم وأقاموا الدليل على ذلك.

)10(

وقـد عني علـي ماهر فيمـا يرويه عنه أنصـاره، بفئة »األحـداث المجرمين« حتى يشـبوا مواطنيـن صالحين العتقـاده أنهم ضحايا التفكك األسـرى والمجتمع، فتقـدم إلى مجلس

الوزراء بقانون حول تعديل قانون العقوبات األهلي بشأن المجرمين األحداث.

77

الباب الثالثعلي ماهر في قمة الم�سئولية

78

79

الفصل الخامسعلي ماهر رئي�سا للديوان الملكي للمرة االأولى

)1936-1935(

)1(

يجدر بنا في البداية أن نشير إلى ما قد فهمه القارئ من عنوان هذا الباب من أن علي ماهر تولى رئاسة الديوان الملكي مرتين، ومن المفارقات الطريفة أنه في كلتا المرتين لم يترك هذا

المنصب إال ليرأس الوزارة.

كانت المرة األولى قبل وصوله إلى رياسة الوزارة في يناير 1936 وقد بدأت هذه الرياسة فـي 1935، وقـد خلف فيها محمد توفيق نسـيم الذي كان هو اآلخر رئيسـا للديوان قبل أن

يترك رياسة الديوان ليرأس الوزارة في أكتوبر 1934.

أما المرة الثانية فكانت في أكتوبر 1937 واسـتمرت حتى أغسـطس 1939 حيث شكل وزارته الثانية.

وفيمـا بيـن المرتيـن أي فيما بين ينايـر 1936 وأكتوبـر 1937 لم يشـغل منصب رئيس الديوان أحد، وإن كان علي ماهر قد مارس في هدوء أو في صمت نفوذا وسـلطات أشـبه ما

تكون بسلطات ونفوذ رئيس الديوان.

)2(

ال يسـتطيع أحد أن يتجاهل النجاح الذي حققه علي ماهر في رئاسـته للديوان في المرة األولـى، كما ال يسـتطيع أحد أن يتجاهل أن نجاحه في هـذه الفترة األقصر يفوق نجاحه في

الفترة الثانية األطول التي رأس فيها الديوان.

80

وهناك بالطبع ظروف مختلفة هيأت لعلي ماهر النجاح في المرة األولى بأكثر من نجاحه فـي الثانيـة، لكـن أهم هذه الظـروف في رأيي هـو أن نية علـي ماهر كانت أصفـى في المرة

األولى، كما أن توجهه نحو النجاح كان أوضح.

كان علـي ماهر في المرة األولى )1935 ـ 1936( يسـتهدف أن يحقق للديوان الملكي دورا إيجابيا في قضية استقالل الوطن وفي العالقة مع القوى السياسية، وقد كانت الظروف

السياسية والعامة تصب في مصلحة نجاح هذا الدور:

فقـد كانـت ثـورة الطلبة 1935 تدعو بقـوة إلى اتحـاد األحزاب والجماعات السياسـية وتوحدها في مواجهة االحتالل.

وكانـت حركـة الجماعات السياسـية المختلفـة إضافة إلى ثـورة 1935 تطالـب بالعودة إلى النظام الدسـتوري والرجوع عن مسـلك إسـماعيل صدقي المتعسف الذي بدأ مرحلة من

الدكتاتورية العنيفة منذ يونيو 1930.

وكان القصر يقدر أن عليه أن ينتهى من سياسـة العسـف باإلدارة الشـعبية، وأن يعود إلى استرضاء هذه اإلرادة وإلى التعاون مع األغلبية.

وكان المسـتعمر يريـد أن يفتح صفحة جديدة من أجل اسـتقرار في العالقات المصرية. البريطانيـة بما يخـدم موقف بريطانيا في الصراع الدولي القادم الـذي بدأت بوادره تظهر في

األفق.

* * *

وهكـذا كانـت الظروف تتطلب دورا يمكـن ألمثال علي ماهر أن يـؤدوه، وقد أدى علي ماهـر هـذا الدور بالفعل من خالل رئاسـته للديوان التى تطورت تلقائيا إلى رئاسـته للوزارة بأسـلوب فتح الجسـور، واسـتيعاب القـوى، وضمان الحـدود الدنيـا من االتفـاق، وإقرار الحقوق، واالعتراف باألغلبية واحترام اإلرادة الشعبية، وتسخير الشكل من أجل المضمون

كالتعجيل بإجراء االنتخابات البرلمانية وتقصير موعدها.. إلخ .

وقد نجح علي ماهر في كل هذا نجاحا ملحوظا.

81

أما في المرة الثانية فقد كانت الظروف كلها تسير في اتجاه آخر، يمكن تلخيصه أو وصفه بالتآمر على الحياة السياسية، ولهذا فشل علي ماهر في وظيفته كرئيس للديوان، وإن كان قد

نجح في التآمر وأصبح رئيسا للوزراء.

)3(

يـرى الدكتـور رشـوان جاب اللـه أن علي ماهـر دخل الديـوان الملكي رئيسـا في يوليو 1935 وفي ذهنه خطة أعدها بهدف جعل القصر الملكي مفتوحا لجميع المصريين مفضال إبعاده عن النزاعات والخالفات الحزبية، فأعرب )أي: علي ماهر( للملك فؤاد عن أن الحل العملي لتحسين الوضع بين القصر واألمة »أن يكون الملك على استعداد للتعاون مع جميع كبـار رجـال الدولة مهما تباينت اتجاهاتهم الحزبية، ناسـيا ما حدث بينـه وبين بعض هؤالء

الزعماء، ووافق الملك فؤاد على وجهة نظر علي ماهر«.

»وعقـب هـذا االتفاق )يقصـد الموافقة( أخذ علي ماهـر يتصل بجميـع الزعماء وكان فـي مقدمة الذين قابلهم رئيس الوزراء محمد توفيق نسـيم، ورئيـس حزب الوفد مصطفى النحـاس، وغيرهمـا من مختلـف النزعات واالتجاهات الستشـارتهم في السياسـة العامة للدولـة، واسـتقبل علـي ماهر كذلـك العديد من رجـال الصحافة على اختالف مشـاربهم ممـن كانـوا على عالقة سـيئة بالقصر مثل محمـود عزمي، وعباس محمـود العقاد، بهدف

التشـاور حول دور الصحافة في تدعيم أواصر الثقة بين األمة والعرش«.

»وقـد عـرض علي ماهر على رئيـس مجلس الـوزراء )أى محمد توفيق نسـيم( برنامجا سـماه »برنامج توزيع االختصاص«، وقد اسـتعان بمعارفه القانونية في تحديد اختصاصات الوزارة والقصر لعدم وقوع نزاع بينهما، وركز علي ماهر حججه في هذه الخطة على أساس أن مصر بغير دستور، والسراي تملك وتحكم في آن واحد، ومن ثم فهى تشاطر الوزارة على األقل في وضع الحلول للمسائل الشائكة واقتراح المشروعات، ومادامت الوزارة القائمة ال

تستمد سلطاتها من البرلمان، فيجب على كل حال أن تستمد سلطتها من رأس الدولة«.

)4(

ومع هذا فإن كثيرين يذهبون إلى أن أكبر ورقة إدانة في ملف علي ماهر السياسـى تتمثل فـي جهـده الحثيث فـي بداية عهد الملـك فاروق من أجـل تصوير الملك علـى غير حقيقته

82

وإضفـاء هـاالت من صـور الصالح والـذكاء واإلخالص والتفـوق على شـخصية الملك، وكان علـي ماهـر يهدف بهذا إلى االنتقاص من شـعبية الوفد والنحاس، وليس من شـك في أنه استطاع تحقيق بعض النجاح في هذا الميدان لكن الطبع كما يقولون يغلب التطبع وهكذا فإن الملك فاروق سرعان ما سلك من السلوك ما كان كفيال بأن يقضي تماما على كل ما بناه

علي ماهر.

ومـع أن كثيرين يرون أن االسـتقبال الذي قوبل به فـاروق كان عفويا وفطريا، فإن هذا ال يمنـع مـن أن نقول إن جزءا وجزءا كبيرا من هذا االسـتقبال كان مدبـرا ومخططا، واألمر في

هذا شبيه إلى حد كبير مع الفارق بما حدث في 9و10 يونيو 1967.

ومـن الفقـرات الكثيـرة التي تصور لنا جهد علـي ماهر على وجه التحديـد في التخطيط للدعايـة للعهـد الفاروقي في بدايته ننقـل للقارئ هذه الفقرة من كتـاب الدكتور عبد العظيم

رمضان »قضايا في تاريخ مصر المعاصر« حيث يقول:

»... ولـم تخـف مجلة »المصـور« في ذلك الحين اسـم مهندس هذه الحملـة الدعائية، وهو علي ماهر باشا! فكتبت تقول: »إن بعض المعجبين برسم »الخطط الملكية«! يهمسون بأن دولة علي ماهر باشـا ال يزال في خدمة مليكه! وذكرت أنه بسـبب هذه »الخطط الملكية« أصبح الوفديون يخشـون من أنه إذا حدث تصادم في االختصاص، وجدوا أنفسهم أمام تيار

شعبي إلى جانب الملك!«.

)5(

تلخص الدكتورة لطيفة سـالم رأيها في الدور الذي لعبه علي ماهر في بداية عهد فاروق من خالل موقعه في رياسة الديوان فتقول:

»... وشـخصية علـي ماهـر وإن اختلـف المؤرخون فـي تقييمها إال أنهـم أجمعوا على صفات اتسـمت بها تعطي االنطباع بقوتها واحترافهـا وكفاءتها وذكائها وثقافتها، وقد ورث الكثيـر عن والده الذي كان حائزا على ثقة الخديو عباس حلمي. وتقرب علي ماهر من فؤاد ودار في فلك القصر وأسـهم في تأسـيس حزب االتحاد واشترك في االنقالبات الدستورية، وبـدا واضحـا أنـه المخلص األمين للعـرش، باإلضافة إلـى الوظائف التي تـدرج فيها، فقد عمل في الميدان القضائي، وتولى وكالة الوزارة، فالوزارة ثم رئاسـة الديوان، وأخيرا رئيسـا

83

للـوزارة. وأثناء شـغله للمنصب األخير مات فؤاد فتمكن مـن أن يخطط للملك الصغير منذ البدايـة، وحـرص على أن يحيطه بسـياج من الحماية ويهيـئ له االمتيـازات، وعندما تولت الـوزارة الوفديـة الحكم، مضى يعد العدة لإلطاحة بها، فرسـم للملك خط سـيره غير عابئ بالدستور، فهو ال يؤمن به قدر إيمانه بالسلطة األوتقراطية. وعلى ذلك فتعزي اإلثباتات إلى

أن هذه الشخصية قد سيطرت على فاروق ووجهته في بداية حياته العملية.

)6(

وتشير الدكتورة لطيفة سالم إلى دور علي ماهر في أن يهيئ الظروف التي كانت كفيلة في الظاهر بأن تعجل باكتمال شـخصية فاروق، ووضع أمامه أى نصب عينيه مسـألة بلوغ سـن الرشـد فيمـا يختص بالتصرفات المدنيـة، وقدم إلى مجلس الوزراء مذكـرة خاصة بتوضيح هذه السـن، وقـد بنيت على الرأي الذي أبداه رئيس لجنة قضايـا الحكومة، ووافق على بيان الرأي الشـرعي شـيخ األزهر ومفتي الديار المصرية ورئيس المحكمة الشرعية العليا، الذين قالوا إنه إذا بلغ الشخص الخامسة عشرة من عمره أصبح أهال للتصرف في ماله، وألن يكون ناظـر وقـف ووصيا علـى غيره، وبالطبـع أيد مجلس الـوزراء المذكرة وعليه صدر مرسـوم بقانون رقم 41 لسـنة 1936 بإعالن سـن رشـد فاروق في هذا الشـأن. وعقب ذلك رفعت الخاصـة الملكية طلبا لمحكمة مصر الشـرعية بأن تمكن فاروق ناظـرا على أوقاف الخديو إسـماعيل، وعقدت الجلسة وقررت ومكنت، واستتبع ذلك طلبات مماثلة لباقي المحاكم. وتولى مراد محسـن الممتلكات الملكية وأصبح المسـئول عن األوقاف الملكية، وأقصيت رقابة مجلس الوصاية كلية في هذا الخصوص، ونجحت سياسـة علي ماهر في جعل القصر

الحصن المنيع للملكية«.

وترى الدكتورة لطيفة سـالم أنه مما يذكر في هذا الصدد أن علي ماهر سبق واقترح إقامة حفلـة مبايعـة بناء على أنـه ليس في مصـر تقاليد حفالت تتويـج، وأن المبايعة عادة شـرقية إسـالمية، وأول من بويع في اإلسـالم محمد صلى الله عليه وسـلم وهي تعبر عن أن األمة

مصدر السلطات وتعترف بقوة الرأى العام.

»وكان القصـر فـي تحركاته يعتمد على مسـاندة القوى المؤثرة فـي المجتمع والمضادة للوفد، فانضم إليه األزهر واإلخوان المسلمون ومصر الفتاة«.

84

)7(

ومن أفضل الفقرات التي تصور عالقة فاروق في بداية عهده بعلي ماهر تلك التي تقدمها الدكتورة لطيفة سالم:

»التصـق فاروق بعلي ماهـر وتأثر به وخضع لتوجيهاته منذ فترة مبكرة بحكم صغر سـنه وحاجتـه لعقل مدبر يقف بجواره، وأدى علي ماهر المهمة بنجاح، فأعطى للقصر مكانة لها طابعها الجديد، فرضت نفسـها على السـاحة السياسية، وشـكل الملك الشاب وهيمن عليه وغرس فيه مبادئه وأعده ودربه على توسـيع سـلطته وحقوقه وتحقيق أطماعه، وعندما حاد عنـه بعـض الوقت أجبره على التراجع، وهنا رأى فاروق وفقا لما تشـربه ضرورة التحرر من التبعية بعد أن تذوق متعة تحريك السياسـيين وتحديهم وساعدته الظروف نظرا لرياء وتملق

الكثيرين منهم له، فأحس بقدرته على ممارسته هوايته على أصحاب الفضل عليه«.

)8(

وربما نسـرع الخطى لنتأمل في عالقة علي ماهر بالملك فاروق في أثناء رياسـته للديوان الملكي، ومن حسـن الحظ أن حسـين حسـني قدم فـي مذكراته أدق تشـخيص لعالقة علي ماهر بالملك فاروق في كثير من المراحل، والواقع أن مذكرات حسين حسني تمثل مصدرا ال يمكـن االسـتغناء عنـه عنـد كتابة تاريـخ علي ماهـر، ويبدو لي أنـه كان يميـل إلى جوهر التشـخيص الذي نتبناه حين نقول إن علي ماهر نفسـه كان مسئوال عن كل ما أصابه هو نفسه في عهد الملك فاروق من تهميش واسـتبعاد، لكن حسـين حسني والحق يقال لم يكن معنيا مثلنا بتشـخيص سـلوك علي ماهر، وال بتسـجيل رأيه فيه، وإنما كان معنيـا بالملك والملك وحـده ومع هذا فقـد أورد نصوصا في غاية األهمية عن عالقات علي ماهر بأحمد حسـنين وبصاحب المذكرات نفسه وبالبريطانيين وبحسين سري وبكامل البنداري وبغيرهم وسوف

نتناول بعض هذه اآلراء في مواضع أخرى من هذا الكتاب.

)9(

ومن اإلنصاف أن نشير إلى أن الدكتور حسين حسني يتحدث بدقة وموضوعية عن طبيعة دور علي ماهر في أول عهد الملك فاروق فيقول:

85

»... ولـم يكن علي ماهر مجرد المستشـار السياسـي األول للملك بحكـم منصبه فقط، بل إننى لمسـت شـخصيا ثقة الملك بإخالصة وكفاءته ثقة مطلقة، السـيما أنه سـبق أن أقام الدليـل على ذلك بالقرار الذي أسـرع بإصداره عقب وفاة الملـك فؤاد بالمناداة بولده ملكا، وبتحديد سن الثامنة عشرة بالحساب الهجرى موعدا لثبوت كمال رشده ولياقته شرعا لتولي سـلطاته الدستورية، وبذلك سـد الطريق على من كانوا يرون تأخير توليه الحكم إلى أن يبلغ سن الحادية والعشرين الميالدية، وإن كان بعض خصوم علي ماهر باشا يرون في هذا القرار ذاته جزءا من مخططه للتعجيل بتوليه هو شـخصيا زمام رئاسـة الحكومة، والله وحده أعلم

بالسرائر«.

)10(

كذلك يشير حسين حسني في بدايات مذكراته إلى أن الملك فاروق كان يؤثر علي ماهر بأخذ رأيه في الفترة المبكرة من عهده حتى من قبل أن يختاره رئيسا للديوان:

»... عندمـا بـدأت تظهر بعض المشـكالت والصعوبـات في التعامل مـع الحكومة )أى الحكومة الوفدية(، عرضت على الملك أن يستعين برأي بعض ذوي الخبرة فأشار باستطالع رأي علي ماهر باشـا، وبدأت أتردد عليه بين حين وآخر، وكان مقيما بمصيفه باإلسـكندرية، وعندما عاد إلى القاهرة ليكون على اتصال مسـتمر بمصادر أخباره، كنت أسـافر إلى القاهرة خصيصـا لمقابلته شـخصيا كلما اتصل بي عـن طريق الخط التليفوني المباشـر بين القصور

الملكية«.

)11(

وفي رأيي أن أخطر فقرات حسـين حسـني فيما يتعلق بعلي ماهر وأدائه كرئيس للديوان هـي تلك التي تتعلق بحديثه عن مسـئولية علي ماهر عـن التدمير الكامل لفكرة وجود عالقة للملك مباشـرة بمجريات األمور من خالل رجال الحاشية، وهى العالقة التي بدأت منتظمة في صورة لقاء يومي كان الملك قادرا من خالله على اإللمام بالكثير، لكن علي ماهر تمكن مـن أن يدمـر هذا التقليـد الجميل مما قاد إلى أوخـم العواقب، وقطع الصلة الشـخصية بين

86

الملـك ومعاونيـه منذ مرحلة مبكرة، وقد عمل علي ماهر على تحقيق هدفه من هذه الخطوة بعزل الملك عن االتصال بأحد إال به، وكان هو نفسـه ـ علي ماهر ـ واحدا من الذين عانوا،

فيما بعد فترة قصيرة، من سيئات هذا النظام:

»... فـي خـالل هـذه الفترة طـرأ تغيير كبيـر بل خطير. على أسـلوب العمـل بين الملك وكبار حاشـيته المسئولين، فإنه بدال من استقباله إياهم كل يوم لعرض ما لديهم من األوراق والشئون وتلقي تعليماته بشأنها كما جرت العادة منذ توليه الملك وكما كانت تجرى كذلك فـي أيام أبيه تلقى رجال الحاشـية المشـار إليهم أمرا من الملك بـأن يرفعوا إليه ما لديهم من ـا في مظاريف كبيرة مغلقة ومعها مذكرات من كل منهم بما يرى لفت أوراق ومذكـرات يوميالنظر إليه، إال إذا كانت هناك مسائل مهمة تستدعي مقابلة الملك شخصيا، فترفع إليه مذكرة عنهـا لتحديـد موعد للمقابلـة، وبذلك انقطعت الصلة الشـخصية اليومية بيـن الملك وكبار حاشـيته إال عن طريق المذكرات، ولم يكن من العسـير معرفة الدافـع لحدوث هذا التغيير، فقد كان علي ماهر باشا يردد بين حين وآخر أنه ال يرى داعيا إلرهاق الملك بهذه المقابالت اليومية، وأنه لصالح سياسـة القصر يجب أن يتولى رئيس الديوان وحده عرض كل ما يتعلق بهـا، وتحـت النظام الجديد لسـير العمل بقي رئيس الديـوان هو الذي يتمتـع وحده بمقابلة الملـك يوميـا، ولكنـه بعد فترة وجيـزة خضع بدوره للنظـام الذي نصح به وأخذ يشـكو من

ضرورة اإللحاح في طلب المقابلة ليظفر بها«.

)12(

ونأتي إلى فقرة بديعة في تصويرها لطبيعة شـخصية علي ماهر في التعامل مع البشـر، فها هو بعد أن أصبح رئيسا للديوان يصبح حريصا بكل السبل على أن يظهر نفوذه وسطوته حتى على سـكرتير الملك نفسـه، أو هكذا يصور لنا الدكتور حسـين حسني األمور. حيث يتدرج

في حديثه حتى يصل إلى ما استنتجه من حديثه مع أحد سكرتيري علي ماهر:

»... بعد فترة وجيزة تبين لي بجالء أن النشاط مستمر للوقيعة بين علي ماهر باشا وبيني، بـل الـدس لي لديه حتى أوغروا صدره ضدي إلى حد أنه أقام مأدبة خاصة للغداء ودعا إليها جميع رجال الحاشـية فيما عداي، فتجاهلت األمر تماما، ولكني دهشـت عندما قابلني أحد سكرتيريه بعدها بأيام وكنت أحسن مقابلته كما أفعل في الواقع مع كل من يتصل بي وكأنما

87

أراد أن يـرى أثـر عـدم دعوتي أو اسـتدراجي للكالم معه في شـأن موقفي من ماهر باشـا أو موقفـه منـي، فسـألني: لماذا ال يراني أحد منهم في توديع الباشـا عند سـفره إلـى القاهرة أو عودته منها كما يفعلون أسبوعيا؟ فقلت له ببساطة: ألني كنت أجهل أنهم يدأبون على ذلك ولعلي كنت أستسـيغ هذا لو كان السـفر في رحلة بعيدة أو لزمن طويل، فقال: ال.. إن الباشا يحـب ذلك ويقدره لمن يفعلـه، فقلت له: إن ذلك ليس من عادتي على اإلطالق، فضال عن أن وجود سـكرتير الملك على المحطة قد يكون فيه ما يسـتلفت النظر أو يحمل الناس على التسـاؤل، وعلـى كل حال، فإن مثل هـذه التصرفات بعيدة عن طبعي، قـال: ولماذا ال تتردد عليـه فـي مكتبه؟ فقلت؟ إنـي أفعل ذلك كلما اقتضـت حاجة العمل، فعـاد يقول: إنه يحب التـردد عليـه ولـو دون حاجة عمل، لمجرد »الدردشـة« وتبـادل ما يدور مـن األحاديث بين الناس، فأجبته: بأني أرى الباشا مشغوال على الدوام، وأني أضن بحرمانه من وقته الثمين في مجـرد »دردشـة«، وفضال عن ذلك، فإني أود أن تعلم بأني أبعـد الناس عن تناقل األحاديث

واإلشاعات، وأود أن يعلم الباشا ذلك عني«.

»ولقـد خرجـت من هذا الحديث بشـيء كنت حقيقة أنـزه علي ماهر باشـا عنه، وهو أنه يحـب من يحاول التقـرب إليه ولو كان بوسـائل رخيصة مثل توديعه واسـتقباله في تنقالته، ونقل األحاديث واألقاويل إليه، على أنه كان أكبر ما يحملني على تجاهل ما عساه كان يحاك

ضدي في الخفاء، أن الملك مازال يوليني ثقته الكاملة، وعنايته الخاصة«.

)13(

وفي حديث حسين حسني عن مجيء علي ماهر رئيسا للوزارة في 1939 نراه يشير بكل وضـوح إلى دور علي ماهر في االنحراف السياسـي للملك وخروجه عـن المبدأ الذي كان ينـوي االرتفـاع من خالله على الخالفات الحزبية، وال يمكن لنا فهم هذا النص إال في إطار

أنه دفاع ضعيف عن ملك مخطئ في توجهه وفي تصرفه على حد سواء:

»... علـى أنه سـواء كان مجيئه إلـى الحكم كان نتيجة تدبير قديـم أو حديث، أو قبل أو بعـد قيـام وزارة محمد محمود باشـا، فـإن هذه التغييـرات المتالحقة كانت تأكيـدا للداللة علـى أن الملـك الشـاب إذ مارس على يد علي ماهـر التجربة األولى بإقالـة وزارة النحاس عام 1937، فإنه اآلن يتلقى على يد األسـتاذ نفسـه درسـا جديدا في عدم احترام الدسـتور،

88

وبذلـك أخذ ينحرف سياسـيا ويخرج علـى المبدأ الـذي كان مقتنعا به عند تولي سـلطاته، وهـو االرتفاع عن الخالفات الحزبية وعن المسـاس بالدسـتور. فبعد إقالـة وزارة األغلبية أعفى وزارة أحزاب األقلية بمشورة رئيس ديوانه في الحالتين بعد أن أقنعه بأن جميع رجال األحـزاب سـواء فـي التلهف على الفـوز بمقاعـد البرلمان أم فـي الرغبة في تولى السـلطة

لمصالح حزبية بغض النظر عن أحكام الدسـتور أو مصالح وحقوق مجموع المواطنين«.

)14(

ويستطرد الدكتور حسين حسني في أحد أحاديثه إلى أن يقدم لنا تفسيرا ال قيمة له للفكرة التـي شـاعت عن أن الشماشـرجية كانوا يدبرون أمـور الدولة في عهد الملـك فاروق، وهو

يقول:

»وهكـذا بـدأ النظام الذي كان فيما بعد موضع الدهشـة بل السـخرية إلـى حد القول بأن »الشماشـرجية« كانوا يدبرون أمور الدولة. ولكن واقـع األمر هو أن الملك في حرصه على االطـالع علـى ما يرفع إليه مـن جميع فروع القصر، وهو ما يمأل عـدة مظاريف كبيرة كان ال يـرى الكتسـاب الوقت مـن أن يكلف »الشماشـرجي« األمين الخاص ، صاحـب الدور في الخدمـة وقتهـا، بأن يفض المظاريـف الواحد بعد اآلخر ويتلو عليه مـا بها ورقة بعد أخرى، في حين كان الملك في الحمام أو يتناول الطعام أو مسـتلقيا للراحة، وكان في أثناء سـماعه للتالوة يشير أحيانا باالتصال بالمسئول الذي رفع الورقة أو المذكرة لالستفسار عن أمر فيها قبل البت في أمرها، وأحيانا كان يكتب تعليماته بيده، وفي أحيان أخرى كان يملي رأيه على

الشماشرجي ليكتبه«.

)15(

وعلى هذا النحو يؤكد الدكتور حسـين حسـني كثيرا ما كان حريصا على أن يشير إليه في أكثر من موضع من اعتقاده في مسئولية علي ماهر عن تدمير عالقة الملك بحاشيته.

بـل إن الدكتور حسـين حسـني كان يـرى ويجاهر بما يـراه من أن علي ماهـر كان بمثابة المسـئول عن سوء أداء الملك السياسي، على نحو ماكان أحمد حسنين بمثابة المسئول عن

سوء أدائه الشخصي، وانظر إلى هذا التشخيص الواضح الصريح حيث يقول:

89

»...... أمـا انحرافـه عـن الطريق السـوي فـي ناحية الشـئون العامة وبـدء تنكبه ألحكام الدستور فقد بدأ االنزالق على يد مستشاره السياسي األول.. رئيس الديوان الملكي في بداية حكمه علي ماهر باشا، الذي أبعده من ناحية عن متابعة السير في تقليد مقابلة المسئولين من الحاشـية يوميا فحال دونهم ودون عرض ما قد يكون لديهم من آراء إلى أن القى هو نفسـه المصير ذاته، ثم أصبح غير المسـئولين هم أصحاب الرأي والنصح على مر الزمن، كما كان هـو صاحب النصيحة بإقالة حكومة األغلبية ليتولى هو رئاسـة الوزارة بعدها، فوجد الملك

في هذا نموذجا يحتذيه فيما بعد«.

»كمـا اسـتقر في وجدانه ضـرورة إيجاد توازن بيـن األحزاب في مقاعد البرلمان خشـية طغيـان األغلبية، إذ بقيت حوادث القمصان الزرقاء ماثلة أمام عينيه، وما كان يؤول إليه حال البـالد لو أطلق لها العنان، ولكن تضارب المصالـح الحزبية وطغيان مصلحة الحزب _ أي حـزب _ علـى الصالح العام في بعـض األحيان لم يؤد إلى تحقيق الغـرض الذي كان يرمي

إليه، وعندما عاد الوفد إلى الحكم سنة 1950 وأبدى استعداده للسير في الحكم«.

90

الفصل السادس

علي ماهر في وزارته االأولى

)1(

يمكن لنا هنا التذكير بالفكرة التي أشـرنا إليها في الباب السـابق من أن رئاسـة علي ماهر لهذه الوزارة كانت في جوهرها اسـتمرارا لرئاسـته للديوان الملكي، كما أن سياسته في هذه

الوزارة كانت استمرارا لسياسته الناجحة في رئاسته للديوان الملكي في عهدها األول.

بل يمكن لنا أن نكرر أيضا أن نية علي ماهر وتوجهاته والعوامل التي واكبت هذه الوزارة، قد سـاعدت هذا الرجل على أن يحقق نجاحا كبيرا في وزارة المائة يوم هذه، وقد كان طابع نجاحه فيها أبرز من مجمل نجاحه في وزارته الثانية التي طال عهدها إلى أربعة عشر شهرا.

شكل علي ماهر وزارته األولى من سبعة وزراء باإلضافة إليه هو نفسه، وقد احتفظ لنفسه بالداخليـة والخارجيـة، ودخل الوزارة على عهده وزيران جديـدان لم يعرف لهما ماض في السياسـة، وال فـي العمل العام، هما صادق وهبة باشـا الـذي اختاره وزيـرا للزراعة، وعلي

صدقي باشا الذي اختاره وزيرا للحربية والبحرية.

أما الوزراء القدامى الذين ضمهم علي ماهر لوزارته فكانوا خمسة، كان بعضهم أقدم منه في تولي الوزارة.

وأول هؤالء هو أحمد علي باشـا الذي هو والد زوجة الوزير الوفدي عبد الفتاح حسـن، وقد اختاره وزيرا للحقانية واألوقاف وكان أحمد علي باشا هذا قد دخل الوزارة منذ نوفمبر

1922 في وزارة نسيم باشا قبل أن يصبح علي ماهر نفسه وزيرا.

91

وثاني هؤالء هو حافظ حسن باشا، وقد اختاره وزيرا لألشغال العمومية، وكان قد دخل الوزارة ألول مرة في وزارة يحيى إبراهيم في مارس 1923.

وثالـث هـؤالء هو محمد علي علوبة، وقد اختاره وزيرا للمعاوف وكان قد دخل الوزارة في اليوم نفسه الذي دخلها فيه علي ماهر في مارس 1925.

ورابع هؤالء هو حسن صبري باشا، الذي اختاره وزيرا للمواصالت والتجارة والصناعة، وكان قد دخل الوزارة في عهد عبد الفتاح يحيى باشا في 1923، أي في الوزارة قبل السابقة

مباشرة.

وخامس هؤالء هو أحمد عبد الوهاب باشـا، الـذي اختاره وزيرا للمالية، وكان قد دخل الوزارة في الوزارة السابقة مباشرة وهي وزارة محمد توفيق نسيم في 1934.

)2(

ولعل أفضل تلخيص إلنجازات علي ماهر في هذه الوزارة هو ما يتحدث به إبراهيم عبد الهادي في مذكراته بإنصاف وإجمال:

»... وقـام علـي ماهـر فـي خـالل األشـهر الثالثة التـي تولى فيهـا الحكـم بإصالحات سريعة، كما قام بجهد كبير في التمهيد للمفاوضات والعمل على نجاحها متعاونا مع الجبهة الوطنيـة أصدق التعاون، مهد للمفاوضـات تمهيدا عظيما يحفظ لمصر حقوقها بالمكاتبات الرسـمية التـي كانت تجري بينه وبين الحكومـة البريطانية عن طريق ممثلها في مصر السـير مايلـز المبسـون، وإزالـة كل ما يشـوب تلـك المكاتبات من غمـوض يفيـد اإلنجليز ويضر

المصريين«.

»وسـار المفاوضـون في طريـق مأمون وعلـى أرض صلبة فاحتفظوا ألنفسـهم بقبول ما يمكـن قبولـه ورفض ما يرونـه ال يحقق للبالد أهدافهـا، ودعوا إلى التزام الهدوء والسـكينة حتى يتمكن الوفد الرسمي للمفاوضات من أداء مهمته على الوجه الذي تحبه األمة وترضاه،

فهدأ الطالب وانتظموا في دراستهم مطمئنين إلى أن الزعماء المصريين يؤدون واجبهم«.

»وفي هذه األثناء استطاع علي ماهر باشا أن يعيد العالقات بين المملكة العربية السعودية ومصـر بعد أن ظلـت مقطوعة وقتا طويال بسـبب موقف المملكة العربية من سـفر المحمل

92

واعتبـاره بالنسـبة لهم عمـال يخالف مذهبهـم الديني الوهابـي، وكانت الحكومـة المصرية تحمـل مـع المحمـل حصيلة أوقـاف الحرميـن الشـريفين ترافقه قوة مسـلحة مـن الجيش

المصري بقيادة ضابط كبير لحراسة الحجاج المصريين«.

)3(

وعلى سـبيل التفصيل يمكن القول بأن أبرز إنجاز حققه علي ماهر في أثناء رياسـته لهذه الـوزارة هو نجاحه فـي أن يعيد صورة الحكم الديمقراطي إلى مصـر بعد أن غاب عنها أكثر من خمس سـنوات على يد إسـماعيل صدقي وخلفائه، فقد أجرى االنتخابات، وضمن لها الحريـة والبعـد عن التزويـر والتدخل الحكومي الممقـوت، وقد أسـفرت االنتخابات التي أجراهـا عـن ظهور مجلس نيابـي منتخب انتخابا حـرا معبرا عن إرادة األمـة بعد أن حرمت

مصر من الحياة النيابية المعبرة عن إرادتها لمدة زادت على خمس سنوات.

وهكـذا سـجل علـي ماهر لنفسـه فضـال كفضل يحيـى إبراهيم فـي انتخابـات 1924، وكفضـل عدلي يكن باشـا في انتخابات 1930، لكنه لألسـف الشـديد سـرعان ما عاد بعد

سنوات فأضاع أثر هذا الفضل.

)4(

أمـا ثانـي أبرز هذه اإلنجازات فهـو التمهيد الجيد لمعاهـدة 1936، إذ تمكن علي ماهر من أن يوفق بين مختلف زعماء األحزاب والمسـتقلين من أجل تكوين هيئة مفاوضين تمثل الوطـن كلـه، وقد تمكن من تحديد عـدد أعضاء كل حزب في هيئـة المفاوضين، ونجح في تشـكيل هيئة المفاوضين المصريين من ثالثة عشـر عضوا يمثلون األحزاب )ما عدا الحزب الوطني والمسـتقلين( برئاسة مصطفى النحاس، واستصدر مرسوما بتأليف هيئة المفاوضين

باعتبارهم مندوبين فوق العادة لكي يكتسبوا الصفة الرسمية.

وهكـذا سـاهم علي ماهر في عمـل قومي جليل اتسـم بتجرد الزعمـاء، وحرصهم على التوافق من أجل مصلحة الوطن، لكن العجيب أن علي ماهر نفسـه سـرعان ما بدأ في العمل

على تبديد هذا الرصيد في أولى الفرص التي سنحت له.

93

)5(

بذل علي ماهر كما أشار إبراهيم عبد الهادي في النص الذي نقلناه عنه، جهودا حثيثة من أجل إعادة العالقات المصرية. السـعودية إلى حالتها الطبيعية بعد أن أصيبت بجفاء سياسي منـذ سـنة 1926، وقد نجح علـي ماهر في معالجة هذه المشـكلة الشـائكة بـروح المبادرة حيث اتصل بالحكومة السـعودية التي اسـتجابت لطلبه وأوفدت إلى مصر فؤاد حمزة وكيل خارجيتها ليبدأ المفاوضات وليوقع مع مصر معاهدة مودة وصداقة. ولقد بدأت المفاوضات بيـن البلديـن في 20 أبريـل 1936، وعلى حين مثل الجانب السـعودي وكيـل الوزارة فؤاد حمـزة فقد مثـل الجانب المصري علي ماهر نفسـه وهـو رئيس للوزارة، وقد أسـفرت هذه المفاوضـات عن توقيـع معاهدة بين البلدين في 7 مايو سـنة 1936، وفي 8 مايو 1936 تم التصديق على المعاهدة من الطرفين ونشرت في البلدين في آن واحد، وذلك قبل نهاية عهد

وزارة علي ماهر بيوم واحد.

ويـرى علي ماهر وأصدقاؤه أن هـذا كان أفضل ختام ألعمال وزارته، وقد ظلت معاهدة الصداقة بين مصر والسـعودية قائمة، وقد نظمت هذه المعاهدة المسـائل الخاصة بالمحمل

والكسوة والصدقات والجنسية وأنهت الخالفات.

ومن الطريف أن هذا الجهد كان فاتحة الجهود التي بذلها علي ماهر في مجال العالقات العربيـة، مما جعله اسـما معروفا على هذا النطـاق ومقدرا فيه، ولنا أن نقـارن بهذا الموقف

موقف أنداده الذين لم يوفقوا إلى مثل هذا الحظ.

)6(

كان لعلـي ماهـر جهـد مبكر فـي صياغة العالقـات األفريقيـة لمصر، وذلك مـن قبل أن يبـدأ الحديث عن مثل هذا المصطلح، وقد عني علي ماهر بتحسـين جو العالقات المصرية اإليطاليـة فـي الوقت الذي كانت فيـه إيطاليا في صراع مع الحبشـة، وقد وضع في حسـبانه أهمية هذه العالقات لسببين األول: أن إيطاليا كانت تسيطر بطريقة ما على ليبيا حيث حدود مصـر الغربية، وكانت تتنازع بطريقة أخرى في الحبشـة حيـث منابع النيل، وهكذا كان على علـي ماهـر علـى حد تعبيـر أنصاره، أن يعمـل من أجل مصر وفـي وجه إيطاليا فـي جبهتين

94

تسـتهدفان حمايـة حدودنا الغربية وعلـى وصول مياه النيل إلى مصر مـن حدودنا الجنوبية، وفي الوقت نفسـه كان عليه أن يتوخى عدم إثارة الجانب البريطانى المعادى إليطاليا والذي

لم تبرم معه معاهدة بعد تحدد طبيعة العالقة بين مصر وإنجلترا.

)7(

خطا علي ماهر خطوات واسعة في سبيل توحيد التشريع، وقد كان وهو صاحب الخبرة القانونيـة والقضائيـة، وهو الذي تولى وزارة الحقانية من قبـل، حريصا على العمل من أجل تحقيـق األمنيـة القوميـة التي كان رجـال القانـون يتمنونها على الـدوام فيما يتعلـق بتوحيد التشـريع الـذي يطبق في المحاكم األهليـة والمحاكم المختلطة، فألف في أول مارس سـنة 1936 لجنتين: اللجنة األولى كلفت بتعديل القانونين المدني والتجاري وقانون المرافعات المدنية والتجارية في مدى عامين على األكثر، واللجنة الثانية للقيام بمثل ذلك العمل بالنسبة

لقانوني العقوبات وتحقيق الجنايات في مدى عام.

وكان علي ماهر طموحا إلى أن تتحقق على يديه خطوة بارزة في تنظيم استقالل القضاء وجعل أمور القضاة من شـأنهم، وقد تقدم إلى مجلس الوزراء بمذكرة إيضاحية حول إنشـاء مجلـس القضـاء األعلى وصدر مرسـوم بقانون بالموافقة على إنشـاء هـذا المجلس في 10

إبريل سنة 1936.

)8(

ـه علي ماهـر عنايته إلصالح مدرسـة البوليس التي تخرج »الكونسـتبالت« ودعمها وجباللـوازم كافـة لتخريج أربعمائة شـاب كل عام لسـد احتياجـات الدولة من رجـال البوليس

المتعلمين وهو ما مهد لالرتقاء بوظيفة البوليس ومهنة الشرطة.

)9(

وفـي مجال التعليم كان علي ماهر طموحا إلى اسـتحداث نمط جديد للتعليم على نمط المدارس اإلنجليزية العامة من أجل جذب أبناء الموسرين لكى يشبوا على الثقافة المصرية بـدال من إرسـالهم إلى الخارج، ولهـذا تقدم إلى مجلـس الوزراء بمذكرة إيضاحية إلنشـاء

معهد جديد للتعليم باسم »معهد فاروق«.

95

وأيـد علـي ماهر صديقه وزيـر المعارف محمد علـي علوبة في إنشـاء المجلس األعلى للتعليم لتنظيم شتى أمور التعليم واالهتمام بشئون القائمين على التعليم.

وفي عهد هذه الوزارة تم االحتفال بمئوية المدرسة الخديوية، وكان هذا االحتفال فرصة لتخليد كثير من ذكريات وأحداث التربية والتعليم في العصر الحديث.

)10(

في أثناء عهد هذه الوزارة أنشئت وزارة الصحة ألول مرة، وكان هذا اإلنشاء دليال على الدكتور عين وقد واإلداري، الوزاري والهيكل االجتماعي باإلصالح ماهر علي اهتمام أبريل 1936 قبل الداخلية للشئون الصحية وزيرا لها في باشا وكيل وزارة محمد شاهين وفاة الملك فؤاد. ونظرا ألن شاهين باشا نفسه كان مريضا فقد قرر مجلس الوزراء أن يتولى

علي ماهر وزارة الصحة بالنيابة عنه.

االجتماعي« لإلصالح أعلى »مجلس إنشاء فكرة صاحب ماهر علي كان فقد كذلك ليضع سياسة ثابتة وغير خاضعة لعوامل التغيير والتبديل التي تطرأ بتغير الحكومات، وقد تقدم بنفسه بمشروع هذا المجلس األعلى إلى مجلس الوزراء، وقد وافق مجلس الوزراء في

7 أبريل 1936 على إنشاء هذا المجلس.

وقد اهتم علي ماهر بالشئون القروية فأنشأ وظيفة وكيل وزارة الداخلية للقرى، وأنشأ مجلسا للمرافق القروية مثلت فيه جميع الجهات المهتمة بالشئون القروية.

ومن الجدير بالذكر أنه مع أن إنشاء وزارة الشئون البلدية والقروية لم يتم على يد علي ماهر على نحو ما أتم إنشاء وزارتي الصحة )1936( والشئون االجتماعية )1939( ، فقد

كان علي ماهر حريصا على أن يفصل هذه الوزارة إلى وزارتين )1952( .

)11(

كان علي ماهر حريصا على إظهار اهتماماته بالصحافة والصحفيين فأصدر القانون رقم 20 لسنة 1936 بشأن المطبوعات بحيث جاء موافقا لرغبات الصحفيين.

96

وأصـدر مرسـوما آخر يقضي بمعاملـة الصحفيين المحكوم عليهم فـي جرائم الصحافة معاملة إنسانية في السجن وال يعاملون كالمجرمين.

وقـد اسـتجاب علـي ماهـر لطلـب الصحفييـن بإنشـاء »جمعيـة الصحافـة« فـي 20 أبريل 1936.

)12(

تقـدم علي ماهر بمشـروع قانون حول شـروط توظيف األجانب وقـد نص فيه على عدم إسـناد أية وظيفة مدنية كانت أو عسـكرية إلى أجنبي إال في الحاالت االستثنائية التي تتطلب مؤهالت علمية أو عملية خاصة ال تتوافر في مصري، على أال يظل األجنبي في الوظيفة أكثر

من خمس سنوات، وقد وافق مجلس الوزراء على هذا المشروع في 4 مايو 1936.

)13(

بقي أن نشـير إلى أن خروج علي ماهر من وزارته األولى في 1936 كان خروجا مشـرفا بكل المقاييس، وهو ما لم يحظ به في المرات التالية، وقد كان علي ماهر من الذكاء والتوفيق بحيـث إنه تمكن من االسـتيالء على عقل الملك فاروق، وعاد إلـى منصب رئيس الديوان، وفـي أثنـاء عمله في هذا المنصب منح وسـاما كبيرا هو أعلى أوسـمة الدولة، وقد مكنه هذا الوسـام من أن يحظى بلقب صاحب المقام الرفيع، ولم يكن هذا كثيرا على خدماته للملك

والملكية.

97

الفصل السابععلي ماهر رئي�سا للديوان الملكي للمرة الثانية

)1939-1937(

)1(

كنت قد أشرت من قبل إلى أن طابع نجاح علي ماهر في وزارته األولى كان أفضل بكثير مـن نجاحه في وزارته الثانية، ولسـت أنكر أني أكرر رأيا مشـابها في فترتي رئاسـته للديوان الملكـي، وإنـي ألعتقد أن علـي ماهر لم يتمكن مـن أن يكرر نجاحه في رياسـة الديوان في فترتـه الثانيـة )1937 1939(على نحو ما نجح في هذه الرياسـة فـي فترتها األولى )1935 1936( ، وربما أن أسباب نجاحه في الفترة األولى، وهي أسباب وظروف خاصة، لم تتكرر

في الفترة الثانية.

ومع هذا فمن منطق السياسـة المكيافيلية التي تعتبر أن النجاح يتحقق بمجرد االسـتمرار في الموقع، وتستشـهد على النجاح بتحقيق األهداف التي وضعها صاحبها نصب عينيه، من منطق هذه السياسـة يمكن القول بأن علي ماهر قد نجح في هذه الفترة، لكنه كان نجاحا في

التآمر من أجل تحقيق هدف شخصي يستهدف النفوذ والسيطرة.

)2(

يشـير حسـن يوسـف باشـا في مذكراته إلـى الصدى المباشـر لتعييـن علي ماهر رئيسـا للديـوان للمـرة الثانية في بداية عهـد الملك فاروق، مقدما تحليال متميـزا لموقف الوفد من

هذا التعيين:

98

»في 20 أكتوبر سنة 1937 فوجئت الوزارة بتعيين علي ماهر باشا رئيسا لديوان الملك، ولم يكن اختيار علي ماهر في حد ذاته هو عنصر المفاجأة في األمر، ذلك ألن اإلنجليز كانوا قد أعدوا النحاس باشـا له، أي السـتقبال هذا القرار بعد أن تبينوا بوسائلهم الخاصة أن علي ماهر يبدي النصح والمشـورة للملك من وراء السـتار، فمن الخير أن يشـغل المنصب بصفة رسـمية لكي يتحمل مسـئولية ما يشير به، وإنما كانت المفاجأة في صدور األمر الملكي بغير مشاورة رئيس الحكومة فيه، وأخذت صحف الوفد تتحدث عن مدى صحة هذا التعيين من الناحية الدسـتورية، وتشـير إلى وجوب توقيع النحاس باشـا على األمـر الملكي إلى جانب توقيـع الملـك، أسـوة بمـا حدث في عهـد وزارة الشـعب بين سـعد زغلول والملـك فؤاد، حول تعيين حسـن نشـأت وكيال للديوان في سـنة 1924، بيد أن حملة الصحف لم تتجاوز

المناقشة الفقهية«.

»وقبل مضي أسبوع واحد على تعيين رئيس الديوان استقبل الملك النحاس باشا يوم 26 أكتوبـر، وفاتحـه في أمر جماعة القمصان الزرقاء وضرورة حلها، وقد نشـرت جريدة البالغ في اليوم التالي مضمون الحديث الذي جرى بين الملك ورئيس الحكومة، وكانت الجريدة يومئـذ مواليـة للقصر، فأصـدر مجلس الوزراء قـرارا بمصادرتها، وبدأ الخـالف بين القصر

والوزارة يأخذ طريقه علنا«.

)3(

أما الدكتورة لطيفة سـالم فتشـير إلى أن تعيين علي ماهر رئيسـا للديوان للمرة الثانية في 1937 كان يحظى بقبول وتأييد البريطانيين:

»... كان واضحا أن علي ماهر مؤيد من السياسة البريطانية، ففي 25 فبراير 1937 طرح المبسـون على حكومته موضوع تعيين رئيس الديوان، وفي البداية اقترح اسـم توفيق نسيم، لكنـه ما لبث أن اسـتبعده لكبر سـنه ومرضه، واألهـم أن فاروق ال يحبه، وعليه رشـح علي ماهـر ألنه رجل قوي وسـيوافق عليه الملك، لكنه نوه إلى أن عالقته بالوفد سـتكون موضع احتـكاك. وعندما أعدت الخارجية البريطانية مذكرتها عن األوضاع السياسـية التي تؤثر في مركـز فاروق أشـارت إلى علي ماهر كرئيـس للديوان، وأنه كرئيس وزراء سـابق ممتاز وذو مقـدرة ملحوظـة، ومع هذا وصفته بأنه يميل للدسيسـة. وفي 30 سـبتمبر تحدث »كلى« مع

99

أحمد حسـنين وأوضح له أن حكومته ال تعارض في تعيين علي ماهر، ولكن عندما شـرح له رائد الملك معارضة النحاس، أشـار إلى سـلبية الموقف البريطانى، وعزوفه عن التدخل في موضـوع بيـن الملك وحكومته. ويكتـب كلي للندن لينقل لها الحديـث الذي دار بين مكرم عبيد والسـكرتير الشـرقي بشـأن المنصب، ويبين أن وزيـر المالية يهدف إلى إثارة السـفارة ضد القصر، والنتيجة ستسـفر عن سـوء العالقة بين الطرفين، وهذا ما كانت تخشاه السياسة

البريطانية«.

»وفي الوقت نفسه حاولت السفارة استرضاء الوزارة ولكن دون إغضاب القصر، فعقب اإلعـالن الرسـمي لتعيين رئيس الديوان، اقترح القائم باألعمـال البريطاني على أمين عثمان بـذل مجهوداته من خالل أحمد ماهر أو علي ماهر نفسـه إلرجـاء موافقته على التعيين حتى

يعطي الفرصة للحصول على موافقة النحاس.. ولم تنجح تلك الخطوة«

»ويذهـب البعـض إلى أن اإلنجليز تبينوا بوسـائلهم الخاصة أن علـي ماهر يبدي النصح والمشـورة للملـك مـن وراء السـتار، فمن الخير أنه يشـغل المنصب رسـميا لكـي يتحمل مسئولية ما يشير به، وإن كان ذلك يتفق مع المنطق، إال أنه ال يشكل السبب الوحيد، ألنه كما اتضح من المراسالت البريطانية أن علي ماهر كان الشخص المناسب في المكان المناسب. ومع بداية ممارسـة رئيس الديوان لعمله الرسـمي، بين كلي للندن أن علي ماهر يأمل العمل

في اتجاه واحد مع السفارة، وهذا ما يسعى إليه التخطيط البريطاني«.

»عولـت بريطانيـا على تعقل علي ماهر كموجه لفاروق، ويبـدو أنه في بداية عهد فاروق كان علي ماهر قادرا على أن يقوم بالدور الذي توقعته منه بريطانيا، لكنه سـرعان ما ترك هذا

الدور ليعمل لحساب توجهاته نحو المحور«.

)4(

هكـذا أصدر الملك فاروق في 20 أكتوبر 1937 قرارا بتعيين علي ماهر رئيسـا للديوان الملكـي.. ومـا أن وطئت قدم علي ماهر في منصبه الجديـد حتى بدأ على حد تعبير الدكتور رشـوان جاب الله »يكثف نشـاطه ضد الوزارة الوفدية، ففتح أبواب السراي على مصارعيها لقبـول أي شـكوى أو مظلمة ضـد حكومة الوفد، وكان يسـتحث هذه الشـكاوى والمظالم

100

ويدفـع الناس إلـى نقديمها، ثم يجابه بهـا حكومة الوفد، ولم تكن حكومـة النحاس تصادر جريدة إال ويالحظ عليها هذه المظالم )!!(«.

»واسـتمر علي ماهر في سياسـة اإلسـاءة إلى الوزارة من تعطيل للمراسـيم التي ترسـلها الحكومـة إلى القصر لإلمضـاء من الملك، ورفض كثير من طلباتها، والتهجم على مصطفى

النحاس ووزارته في الصحف الموالية للقصر وبالذات في جريدة البالغ«.

»وقـد بلـغ الخالف مداه بيـن القصر والوزارة خالل شـهر ديسـمبر 1937 حول نوعين مـن المسـائل: النـوع األول يتعلـق بأهـم المبادئ األساسـية في الدسـتور التي تـدور حول حقـوق العرش واألمة، والنـوع الثاني يتعلق بالخالف حول المواقـف التي اتخذتها الوزارة الوفدية مثل إنشـاء فرق القمصان الزرق، ومحاولة شـل نفوذ الملك على الجيش المصري، وقـد أبـدى علي ماهر رأيه بأن تكـون الكلمة النهائية للملك في تعييـن كبار الموظفين، وفي تقديم مشـروعات القوانيـن للبرلمان، وفي منح الرتب والنياشـين لرجـال الدولة وتعيينات

رجال السراي«.

»وأمـام فشـل جميـع مسـاعى علي ماهـر لحل أزمـة الخالف، سـعى إلى تدعيم سـلطة الملك الشـاب فأخذ ينتزع له حقوقا جديدة تزيد من سـلطته، وفتح عين الملك الشاب على مسـألة خطيـرة تمثلت في ضـرورة »إقالة الـوزارة الوفدية«، ورأى علي ماهر اسـتخدام حق الملك الدسـتوري في إقالة الوزارة وقام بنفسـه بكتابة خطاب إقالة الوزارة في 30 ديسـمبر 1937، هكذا تمت إقالة حكومة الوفد بطريقة مهينة على يد الملك الشاب بتوجيه من رئيس الديوان علي ماهر الذي ضرب عرض الحائط برغبة السفير البريطاني في بقاء حكومة الوفد

في الحكم«.

)5(

أمـا أبرز مؤامرات علي ماهر في رياسـة الديوان الملكي فـي فترته الثانية فهو نجاحه في فصم عرى الوفد وإخراج اثنين من أبرز رجاله الكبار وهما شـقيقه أحمد ماهر والنقراشـي مـن الوفـد، وهو جهد يتفوق على جهد حسـنين باشـا فـي إخراج مكرم عبيـد، وعلى جهد

آخرين ـ جالد وكريم ثابت وغيرهما ـ في إخراج أحمد نجيب الهاللي.

101

والواقـع أن نجـاح علـي ماهر فـي إحداث الوقعيـة بين شـقيقه وبين زعامـة الوفد وتيار األغلبية ال يزال في حاجة إلى تصوير درامي متميز، وإن كان الدكتور رفعت السعيد قد صور

األمر بطريقة عابرة فقال إن القصة أشبه بجناية الشقيق على شقيقه.

أما األستاذ محمد عودة فيصف هذا الجهد التآمري بقوله:

»ولـم يضـع رئيس الديوان وقتا ودبر مؤامرة أخرى في حياتـه الحافلة بها، وقرر أن يغزو الوفد وأن يشق صفوفه من الداخل«.

»استطاع أن يستدرج شقيقه أحمد ماهر القطب »التاريخي« لحزب الوفد، وأن يقنعه بأنه أحق وأجدر برئاسة الوفد وزعامة البالد، وأن خالف الملك ليس مع الوفد ولكن مع زعامة النحاس ومكرم، وهي زعامة ديماجوجية تجاوزها الزمن، ودب االنشقاق الكبير في صفوف الوفد، وفي أسوأ وقت يمكن أن يحدث فيه، وأبطلت الهيئة الوفدية المؤامرة وأجمعت على الـوالء لمصطفـى النحاس، وخـرج أحمد ماهر ومعـه أقلية انفصلت عن الحـزب وانتقلت

لخدمة القصر!«.

)6(

ويصف األسـتاذ محمد عودة دور القصر في اإلجهاز على وزارة النحاس باشـا في نهاية 1937 بطريقة مؤثرة فيقول:

»وتأرجـح البريطانيـون وتـرددوا ورأوا أن يتدخلـوا للتوفيق، وبدا أن لعبـة »القصر ضد الوفد« لم تسـتأصل ومازالت قائمة، وأن ما تسـعى إليه بريطانيا ليس توطيد ملكية دستورية،

ولكن إقامة توازن واقعي لفترة استقرار تكتيكية«.

»ولـم يعـرف عـن بريطانيـا أنها مصـدرة للديمقراطيـة، وقـد احتلت مصر لكـي تقضي علـى صـورة ديمقراطيـة وأعلنـت دائمـا أن الديمقراطيـة نظـام أوروبـي ال يصلح للشـرق

خاصة مصر«.

102

»ولم تمض أسابيع حتى وصل رد القصر على الوفد.. وبينما كان النحاس باشا في طريقه لحضور حفل شـعبي في شـبرا في 28 نوفمبر سنة 1937، أطلقت عليه ثالث رصاصات لم

تصبه«.

»وقبض على الجاني، واتضح أنه »عضو جهادي« في حزب مصر الفتاة، أي من الكوادر العليا المدربة على العمل الفدائي والمسـلح.. وكان الذي وضع المسـدس في يده هو عزيز المصري باشـا المستشار العسـكري لجاللة الملك ومعلمه األول في البعثة إلى لندن.. ولن

يشك أحد في الوفد أن جاللته وراء التدبير.. وكانت نقطة االنفصام التام والالعودة«.

»وقـرر الملك أن ال سـبيل إلى التراجع مهما يكن الثمـن، وأقدم على الفصل األخير من المغامرة«.

»وفوجئت الوزارة وكذلك السـفارة_ يوم 30 ديسـمبر سنة 1937 بعد خمسة أشهر فقط من تولي جاللته العرش، وبعد سنة ونصف سنة من تولي الوفد بخطاب كان األول من نوعه

في سفاهته وبذاءته:

»نظـرا لمـا اجتمع لدينا من األدلة على أن شـعبنا لم يعد يؤيد طريقـه الوزارة في الحكم، وأنـه يأخـذ عليها مجافاتهـا لروح الدسـتور وبعدها عن احتـرام الحريات العامـة وحمايتها وتعذر إيجاد سـبيل السـتصالح األمور على يد الوزارة التي ترأسونها، لم يكن بد من إقالتها

تمهيدا لحكم صالح«.

»وبهـت السـفير البريطانـى وقـال: »حينما تريد اآللهـة أن تدمر أحـدا فإنهـا تصيبه أوال بالجنـون«. ولـم يكـن هناك ما يسـتطيع أن يفعلـه، فقد انهـارت أعمدة السياسـة التي حمل

رسالتها ومسئوليتها«.

)7(

ويشير الدكتور رشوان جاب الله إلى أنه »قبل إعالن مرسوم إقالة وزارة النحاس بيومين، اتصـل علي ماهر بوكيل وزارة الداخلية وحكمدار البوليـس ومدير األمن العام واتفق معهم على أن يكونوا مستعدين للطوارئ بمجرد إعالن مرسوم إقالة النحاس، وقد استجاب رجال

103

اإلدارة لهذا الطلب واستعدوا لكل شىء، وعند ذلك تمت إذاعة مرسوم اإلقالة وإلى جواره مرسوم تأليف الوزارة الجديدة.

)8(

رسـم علي ماهر سياسته في تلك الفترة على أساس ضرب الوفد بوزارة تضم كل رؤساء الوزارات الذين سـبق لهم تولي رياسـة الوزراء، والذين يرأسـون األحـزاب، فيحطم بذلك الوفـد عن طريقهم وينهك الوفد قواهم بمحاربته، وبعد حسـين سـرعان ما يسـقط الطرفان صرعـى فال يكون هناك سـوى علي ماهر ليدعى للحكم بغير منـازع، وقد أيد علي ماهر في

هذه الخطة جماعة مصر الفتاة.

ولم يترك علي ماهر وزارة محمد محمود الجديدة لتقوم بتنفيذ برنامجها في الحكم، بل دخـل في صراع طويل مع رئيس الحكومة وشـجع جماعة مصـر الفتاة على الهجوم العنيف علـى الوزارة ووصفها بأنها وزارة تتصف بالخمول وعدم النشـاط، وقد أكدت جريدة مصر الفتاة أن الوزارة القادمة سـتكون برئاسـة علـي ماهر، وأنها سـتكون وزارة قومية لها برنامج

قوي تشرع في تنفيذه فورا.

)9(

ويصف األستاذ محمد عودة مالمح الجبهة التي نجح علي ماهر في تكوينها وصفا بليغا ومؤثرا فيقول:

»وتقـرر إقامـة جبهة تضـم كل األحـزاب السياسـية األخرى، بال اسـتثناء، وأن تتناسـق وتصفي خالفاتها وتتناسى صراعاتها، وتقوم سدا منيعا يقضي على الوفد ويبدأ عصر ملكي جديد.. واستجابت كل األحزاب واستجاب أيضا المستقلون وهم قبيلة واسعة من النكرات أو الشخصيات الالسياسية أو المهنيين الذين تندر الحاجة إليهم! ولكن أحيانا تتم االستعانة

بهم لملء فراغات أو فض اشتباكات«.

»وكان على رأس الجبهة بالطبع الحزب الحاكم العريق حزب األحرار الدستوريين«.

»وانضم طبعا حزب االتحاد، وهو ميراث ملكي، كونه الملك فؤاد سنة 1925 عن طريق رئيس ديوانه حسن نشأت باشا ليكون أداة القصر مباشرة«.

104

»وانضم بالطبع حزب الشـعب، الذي كونه إسماعيل صدقي باشا لكي يعيد صياغة حياة مصر السياسية من جديد بدستور وحزب وصحافة جديدة«.

»ولـم يسـتغرب أحد أو يصدم النضمام الحزب الوطني، حـزب مصطفى كامل ومحمد فريد، وكان قد ناصب الوفد عداء محموما منذ البداية واتهمه »بالعمالة« لبريطانيا واغتصاب

قيادة الحركة الوطنية«.

»ولم تكن والدة الحزب السعدي قد تمت وأشهرت رسميا بعد، ولهذا لم يعلن انضمامه ولكنه كان قلبا وقالبا في الجبهة بل أقوى أعمدتها.. وانضم جيش من المستقلين الصالحين

والطالحين وأصبح للجبهة احتياطي عريض«.

»وقرر زيادة مجلس الوزراء خمس وزارات جديدة وأصبح يتكون من )ستة عشر( وزيرا بدال من العدد التقليدي وهو أحد عشر تشترك األحزاب برؤسائها أو أبرز أقطابها: إسماعيل صدقي باشا رئيس حزب الشعب، وحلمي عيسى باشا رئيس حزب االتحاد، وحافظ رمضان باشـا رئيس الحزب الوطني، ثم عبد العزيز فهمي باشـا أحد اآلباء الثالثة ليوم الجهاد وفقيه مصـر األول، وأحمد لطفي السـيد باشـا فيلسـوف الجيـل، ومحمد بهي الدين بركات باشـا القطب الوفدي السـابق ابن خاله ]يقصد ابن ابن أخت[ سـعد زغلول باشا، وسميت الوزارة

لذلك وزارة الشخصيات الكبيرة«.

»وتغنت الصحف الملكية بحكمة جاللة الملك التي استطاعت أن تجمع الشمل، وتضم الصفوف، وتوجد بين كل ما شتت وفرق حزب الوفد..«.

وكان أول قـرار اتخذته وزارة الجبهة وبعـد يومين من تأليفها هو حل البرلمان المنتخب ذى األغلبية الوفدية! وتقرر إجراء انتخابات جديدة وعهد إلى وزير المالية إسماعيل صدقي

باشا باإلشراف عليها«.

)10(

ونأتي إلى المرحلة الثانية من عمل علي ماهر رئيسـا للديوان، وهي مرحلة تنغيصه على محمـد محمـود فـي أثنـاء تعديـل وزارتـه التي سـعى هو نفسـه إلى تشـكيلها علـى نحو ما

خرجت به.

105

وقـد انتقـل علي ماهر بتنغيصـه المركز من النحاس ووزارته الوفديـة إلى محمد محمود ووزارته القومية، وال يتسع المقام إليراد كثير من مظاهر هذا التنغيص والتحرش، لكننا نقدم

بعض أمثلة:

يشير حسن يوسف إلى حقيقة المناورة التي تولى علي ماهر بطولتها أو إنجازها في مارس 1939 بإبعاد رئيس الوزراء محمد محمود باشـا عن رئاسـة وفد مصر في المائدة المستديرة في لندن، وهو المؤتمر الذي انعقد مبكرا لمناقشـة مشكلة فلسطين، وربما نعجب لمثل هذا المنطق المعوج الذي كان علي ماهر يسـتند إليه من أجل إتمام مناوراته، لكننا ال ندهش من

مثل هذا األسلوب، فقد رأينا فيما تال ذلك من سنوات ما هو أعوج من هذا المنطق:

»... أراد محمـد محمـود باشـا رئيس الـوزارة أن يكون رئيسـا للوفد، ولكـن علي ماهر باشـا رئيس الديوان الملكي وقتها استطاع أن يستصدر من الملك أمرا بتشكيل الوفد برئاسة األمير محمد عبد المنعم ابن الخديو السابق عباس حلمي ابن عم الملك ، وذلك بدعوى أن بعضا من الوفود العربية يرأسـها أميـر، وأن الحرص على تقدم الوفد المصري عليها يقتضي أن تكون الرياسـة فيه ألمير من األسـرة المالكة، وتألف الوفد من عبـد الرحمن عزام الوزير المفوض بالخارجية، وحسن نشأت سفير مصر في لندن دون أن يكون لمحمد محمود باشا

دخل في هذا التشكيل«.

»ثم ما لبث أن انضم إلى الوفد علي ماهر باشا فكانت له فيه الصدارة الفعلية«.

»وقـد غضب محمـد محمود واعتبر هـذا اإلجراء مخالفـا للدسـتور وكان حريصا على رئاسـة الوفـد ليكـون له في لندن فرصـة التباحث مع المسـئولين اإلنجليز حـول بعض بنود

معاهدة 1936، ولكنه سكت على مضض«.

»أما حرص علي ماهر على أن يسـافر بدال من محمد محمود فقد كان يرجع إلى أسـباب منها تصفية بعض المشاكل بين السراي واإلنجليز، وإقناعهم بالموافقة على إعادة المهندس فيروتشـي اإليطالى الجنسـية إلى وظيفته بالسـراي، ومنها التمهيد مـع اإلنجليز لقبول علي ماهر مسـتقبال رئيسـا لوزراء مصر خلفا لمحمد محمود، ومنها حرص علي ماهر وقتها على

أن يظهر كسياسي مصري مهتم بالقضايا العربية«.

106

)11(

ويصـور الدكتـور محمـد حسـين هيـكل فـي مذكراتـه طبيعـة العالقـة بيـن علـي ماهر ومحمـد محمود فـي هذه الفترة تصويرا جيـدا من خالل ما يرويه عن إحـدى األزمات التي

وقعت بينهما:

»... كان علي ماهر باشا رئيس الديوان الملكي هو صاحب المشورة على جاللة الملك في مثل هذه المواقف، وكانت سياسـته يومئذ تدعوه ليتجاوز المشورة إلى نوع من االتصال المباشـر بشـئون الحكم، وكان محمد محمود باشا شـديد البرم بهذا االتصال، لكنه احتمله بصبر أثناء الحملة االنتخابية يقصد االنتخابات البرلمانية في 1938 ، فلما انتهت االنتخابات ظن محمد باشا أن النجاح الذي أحرزه فيها سينهي تدخل رئيس الديوان، وسيرد األمور إلى نصابها الدسـتوري الصحيح. فلما رفع اسـتقالة الوزارة إلى الملك اسـتبقاها، وقر في نفس محمد باشـا أن لعلي ماهر باشـا يدا في األمر، وازداد اقتناعا بأن أنباء الوزارة وما يجري في مجلس الوزراء كان يبلغ علي ماهر باشا بجملته وتفصيله، ويتيح له الفرصة ليتخذ مواقف ال

تطيب بها نفس محمد باشا وال تطمئن إليها«.

»وضـاق صدر محمد باشـا باألمر ألنه كان يرى أن يتقدم بوزارتـه الجديدة إلى البرلمان يوم انعقاده وإلقاء خطاب العرش، مع ذلك مضت األيام ولم يبت في أمر االسـتقالة وال في أمـر الوزارة الجديدة، ووضـع مجلس الوزراء خطاب العرش وأبلغ إلى القصر وال يزال أمر

الوزارة وبقاؤها أو تعديلها في كفة الميزان«.

»وكان البـد مـن انتخاب رئيس لمجلس النـواب الجديد إثر االنتهاء مـن حفلة االفتتاح ومراسمها، وقد اتجه الرأي إلى ترشيح بهي الدين بركات باشا وزير المعارف لهذه الرئاسة.. واتفـق محمد محمود باشـا مع الدكتـور أحمد ماهر على هذا الترشـيح وعلى انتداب لطفي

السيد باشا وزيرا للمعارف«.

»وأقيمـت حفلـة افتتـاح البرلمان بأفخـم مراسـمها، وألقى محمد محمود باشـا خطاب العـرش بـإذن جاللـة الملك، وانتخـب بهي الدين باشـا رئيسـا لمجلس النواب، واسـتقالة

الوزارة معلقة ال تزال«.

107

»ثم عهد جاللة الملك إلى محمد باشا أن يؤلف الوزارة الجديدة، وقيل يومئذ إن جاللته أبـدى رغبته أال يكـون في الوزارة الجديدة وزراء الدولة، وقدم محمد باشـا كشـفا بأسـماء الـوزراء الذيـن اختارهـم للتعاون معه فـي وزارته البرلمانية، فاسـتبقى الملك هذا الكشـف عنده كما اسـتبقى اسـتقالة الوزارة من قبل، ثم طلب إلى محمد باشـا أن يقدم كشـفا جديدا فقدمه فاستبقي كذلك كما استبقي كشف ثالث وكشف رابع وكشف خامس.. ومحمد باشا يقدم هذه الكشـوف واحدا بعد اآلخر على مضض، محاوال ما استطاع ضبط نفسه والتحكم

في أعصابه«.

)12(

وبعـد هـذا التشـويق األدبـي والسياسـي يبـدأ الدكتـور هيـكل فـي إطالعنـا علـى مـا تكشـف له ولغيـره من طبيعة الصـراع الذي فرضه علـي ماهر على محمد محمود في شـأن

البنداري باشا:

»... ما السـر في هذا كلـه؟ علمت أنها معركة بين رئيس الـوزراء ورئيس الديوان، وقيل في تعليل هذا الوضع إن محمد باشـا لم يرشـح كامل البنداري وزير الصحة لعضوية الوزارة الجديـد بحجـة أنه رجل علي ماهر باشـا، وأنـه ينقل إليه ما يجري في مجلـس الوزراء، وأن علـي باشـا رأى فـي عدم ترشـيح البنداري باشـا لهذا السـبب مـا يحرجه ويحـرج الديوان، فالديـوان هـو سـند الوزارة ومن حقـه أن يطلع على كل مـا دق وجل من شـئونها، ولم يكن محمـد محمـود باشـا ينكـر أن يطلع الملك على ما يشـاء من شـئون الدولة، لكنـه كان يرى أن يكـون رئيـس الوزارة هو وحـده الذي ينقل إلى جاللته مباشـرة أو عن طريـق الديوان ما يريـد الوقـوف عليه، أمـا أن يصطفي رئيس الديوان وزيرا من الـوزراء ينقل إليه ما يجرى في الـوزارات وفي مجلس الوزراء، فذلـك مظهر من مظاهر عدم الثقة برئيس الوزارة، وهو بعد

عمل ال يليق أن يقوم به وزير«.

»عرفـت ذلك فرأيت الخالف يجسـم سـببه في غيـر موجب. فكامل البنداري باشـا حر دسـتوري صـادق الوالء لحزبـه، وهو صديق محمد باشـا ومحاميه، وصديقـي أنا ومحامي كذلك، فإذا صح أنه نقل إلى علي ماهر باشـا شـيئا من أنباء الوزارة فال شـبهة في أنه أجاب عن حسـن قصد على أمور سـأله رئيس الديوان عنها، اقتناعا منه بأن تعاون الوزارة والديوان

108

يحقـق من المصلحة ما ال يحققه اختالفهمـا، ولو أن رئيس الحزب نبهه أال يتكلم مع رجال القصر إال في شـئون وزارته لفعل، أما وهو، حر دسـتوري صريح فال محل لريبة فيه توجب

استبعاده من الوزارة«.

»وقابلت محمد محمود باشا في كلوب محمد علي بحضور لطفي السيد باشا وشرحت له حجتي، وعاونني لطفى باشا على إقناع رئيس الحزب بأن أمر كامل باشا ال يصح أن يكون موجبا لخالف يستطيع علي ماهر باشا أن يستفيد منه إذا أدى األمر إلى قطيعة، واقتنع محمد

باشا وقدم كشفا جديدا فيه اسم كامل البنداري باشا«.

»مـع ذلـك لم تحل األزمـة بتقديم هذا الكشـف، بل اسـتبقي فـي القصر كما اسـتبقيت الكشوف الكثيرة التي سبقت«.

»ليسـت مسألة البنداري باشـا إذا هي العلة الحقيقية للمعركة القائمة بين الديوان ورئيس الـوزارة، وإنمـا هي عاللة ألمر أكثر عمقا، فلو أنها كانت العلـة الحقيقية لقنع رئيس الديوان

بنصره فيها، ولتألفت الوزارة الجديدة يوم تقديم هذا الكشف األخير«.

)13(

ويحـاول الدكتـور هيكل على طريقته أن يصل إلى طبيعـة الجوانب األخرى في الصراع بين القصر ومحمد محمود، مشيرا بذكاء إلى دور علي ماهر في هذا الخالف:

» ما السبب الحقيقي لألزمة إذا؟ ترى هل أريد إحراج محمد محمود باشا حتى ال يؤلف الـوزارة؟ أم أريـد إقناعه وإقنـاع غيره من الطامعين في رئاسـة الوزارة بأنهـم ال أمل لهم في تحقيـق مطمعهـم إال أن ينزلوا على إرادة القصر، فإذا حـرص أحدهم على أن تكون له إرادة إلى جانبه أو سياسـة غير سياسـته، خـاب أمله في تحقيق مطمعه ووجـب عليه أن ينزل على

اإلرادة، أو ينزل عن هذا المطمع؟«.

»كان شـم النسـيم لذلك العام يوم االثنين 25 من شـهر أبريل، وقد دعا بهي الدين بركات باشا رئيس الوزارة وسائر الوزراء لتناول طعام الغداء ذلك اليوم عنده ببساتين بركات، وعلمت ذلك اليوم أن محمد محمود باشـا دعي لمقابلة جاللة الملك بمزارعه بأنشـاص في السـاعة

109

الحادية عشرة من صباح يوم شم النسيم، ثم أخبرنا بهي الدين باشا أن رفعة الباشا سيجيء توا من أنشاص إلى البساتين، فالمسافة بينهما قصيرة ال تزيد على العشرين كيلومترا«.

»وكنا جميعا بالبسـاتين ظهر شم النسـيم ننتظر قدوم رئيس الوزارة من أنشاص، ونتبادل الحديث فيما عسـى أن تسـفر عنه هذه المقابلة الملكية، وكانت الساعة الواحدة ولم يحضر رئيس الوزراء، ثم الواحدة والنصف ولم يحضر رئيس الوزراء، وظن بعض الزمالء أن يكون الملـك قد اسـتبقى محمد باشـا ليتناول طعام الغـداء على المائدة الملكيـة، فلما كنا حوالي السـاعة الثانيـة أقبل محمد باشـا وال يدل محياه علـى غبطة أو ابتهاج، فلما اسـتقر به المقام أنبأنـا أن جاللـة الملـك كان معه لطيفا كل اللطف، وأنه كان قد أعد كشـفا جديـدا اعتقد أنه ينـال الموافقة، فاسـتبقاه جاللة الملك عنده كما اسـتبقى ما سـبقه من كشـوف، وآثر محمد باشـا أال يطـول حديثنـا في هذا األمـر فانتقل بنا إلى حديث غيره، ثم سـرعان مـا انتقلنا إلى

غرفة الطعام«.

»وأخيرا انتهت األزمة وقبلت استقالة الوزارة وألف محمد محمود باشا الوزارة الجديدة وأسـندت إلـي وزارة المعـارف فيها، ولم يكن البنداري باشـا بين أعضائها، وأقسـم أعضاء

الوزراة الجدد جميعا اليمين بين يدي الملك بعد الظهر من يوم 27 أبريل سنة 1938«.

»وفي الصباح الباكر من غداة ذلك اليوم نشرت الصحف أمرا ملكيا بتعيين كامل البنداري وكيـال للديـوان الملكي، وبإسـناد هذا المنصب إليه انتقل من معسـكر الوزارة إلى معسـكر

القصر، ومن معسكر محمد محمود باشا إلى معسكر علي ماهر باشا«.

»فلما مررت بمنزل البنداري باشا صباح السبت أترك له بطاقة تهنئة بمنصبه، ألفيت على بابه عربة حمراء من عربات القصر تنتظره لتقله إلى مقره الجديد«.

)14(

والواقـع أن عالقـة علي ماهـر بالبنداري تمثل نموذجـا دراميا لالنقـالب المفاجئ على صديـق بـدا وكأنه بذل كثيرا مـن أجل علي ماهر، حتـى إنه أضاع منصب الـوزارة من أجله، ويجيد سـكرتير الملك فاروق الدكتور حسـين حسـني في مذكراته تصوير تطور عالقة علي

110

ماهر بالبنداري باشـا على نحو تفصيلي، وبعبارات مختصرة، وتكاد روايته تتفق في كثير من جزئياتها مع معظم الروايات األخرى عن هذا الموضوع وهو يقول:

»... طبقا للسياسـة التي أصر على تنفيذها رئيس الديوان أي علي ماهر من حيث انفراده بالمشـورة علـى الملك والتحدث معه في شـئون الحكم لم تكن لـي صلة من قريب وال من بعيـد بما حدث من التطورات السياسـية التـي أدت إلى تأليف الوزارة الكبرى تحت رئاسـة محمد محمود باشـا، وما تال ذلك ذلك من تشـكيله وزارة إلدارة االنتخابات وما أعقبها من تأليفه وزارة ثالثة على أسـاس ما أسـفرت عنه تلك االنتخابات، وفي خالل ذلك كان محمد محمود باشـا يشـكو منذ المرحلـة األولى لحكمه مـن تصرفات لم يكـن يتوقعها من رئيس الديوان السـيما عند تأليف الوزارة الجديدة بعد االنتخابات، فقد قدم عدة كشـوف بأسـماء من وقع عليهم اختياره لتشـكيل الوزارة، فكان القصر يحفظ الكشـف بعد اآلخر دون البت في قبول اسـتقالة الوزارة السـابقة، وال في الموافقة على تشـكيل الـوزارة الجديدة، وعندما تمت الموافقة النهائية على تأليف الوزارة دهش الكثيرون لعدم اختيار محمد كامل البنداري باشـا بين أعضائها، مع أنه كان عضوا في الوزارة السـابقة، فضال عن أنه من أقطاب األحرار الدسـتوريين ومـن األصدقاء المقربيـن لرئيس الحزب والـوزارة، وازدادت الدهشـة عندما صدر في اليوم التالى لتأليف الوزارة أمر ملكي بتعيين البنداري باشا وكيال للديوان الملكي، وذاع إذ ذاك أن هـذا التعييـن جـاء بمثابة ترضيـة أو تعويض له عن مركز الـوزارة التي حدث التفكير في إبعاده عنها بسـبب الصداقة الوثيقة القائمة بينه وبين رئيس الديوان، حتى إنه كان

يعتمد عليه كلية في موافاته بأخبار الوزارة وكل ما جرى في مجلس الوزراء«.

»ولذا كان من المنتظر أن يسـود حسـن التفاهم بين رئيس الديوان والوكيل الجديد، وهو ما حدث فعال زمنا، ثم بدأت تظهر بوادر تدل على عدم وجود انسجام بينهما«.

)15(

وهنا يشـير حسين حسـني إلى ذكرياته الشخصية، وإلى لقاء له بالبنداري وما دار في هذا اللقاء من شكوى البنداري باشا من اإلحساس باإلهمال وانعدام الدور:

111

»... حـدث ذات يوم أن اتصل بى تليفونيا البنداري باشـا ودعانـي لتناول القهوة معه في مكتبه، فذهبت إليه، وكان أول ما استلفت نظري عدم وجود أي أوراق وال كتب على مكتبه الـذي كان عـادة يضيـق بما عليه من الكتب واألوراق، ولم أتمالك أن أسـأله في دهشـة عن السـبب فـي ذلك، فأجابني وهو يبتسـم في مرارة: ومـا فائدة الكتـب والمراجع وليس هناك من األوراق ما يستدعي الدراسة والبحث كما كنت أتوقع؟! ثم ذكر لي أنه في المدة األولى لتعيينـه بالديـوان كان يطلعـه الرئيـس على جميع شـئون الديوان، ويطلب منه دراسـة بعض الموضوعـات، إال أن ذلـك لـم يدم طويـال، فقد أخذ يقل عدد ما يسـمح لـه باالطالع عليه إلـى أن أصبـح ال يطلب منه أي دراسـة، بل ال تعـرض عليه أي ورقة، ولذلـك فإنه يفكر في االنسحاب من خدمة القصر مادام لم تعد لوجوده فائدة مع ما كان يحدوه من أمل في إمكان خدمـة الملـك بكل مـا يملك من جهد وإخـالص، ولكنه اآلن ال تتاح له الفرصة لشـىء من ذلك، فضال عن الحيلولة دونه ودون مقابلة الملك فأخذت أخفف من تأثره وانفعاله مشـيرا عليـه بالصبـر، فقد تسـنح له الفرصة لتحقيق مـا يرجوه، فطلب مني معاونتـه للحصول على مقابلـة الملك ال ليشـكو إليه من شـيء وإنما لمجرد الوقوف على مـدى رضائه عنه، فإنه ال

يهمه بعدها أن تعرض أو ال تعرض عليه أي أوراق«.

)16(

ويسـتطرد حسين حسني إلى ذكر الدور الذي لعبه هو شـخصيا من أجل تقديم البنداري للملك فاروق، وينسـى حسـين حسـني أن يلوم نفسـه ألنه لعب هذا الدور من وراء ظهر من

ارتاح إلى وجوده كرئيس للديوان.. أي علي ماهر )!!(.

ثم يسـتطرد سـكرتير الملك إلى رواية الموقف الفاصل في عالقة الرجلين، وهو الكلمة الشـهيرة التـي كتبها البنـداري للملك. ومن الطريـف أن بعض المصادر تصـور مصدر هذه الكلمة على أنها كانت من إبداع علي ماهر ال على ما صورها حسـين حسـني من أنها كانت لمزا في علي ماهر نفسه، ويبدو أن تصوير سكرتير الملك كان هو الصواب، وبخاصة أنه هو

نفسه كان طرفا فيما سبق إعداد الكلمة من مناقشات الرجلين:

112

»وقـد هيأت لـي الظروف مقابلة الملك بعد هذا الحديث بأيام فانتهزت الفرصة وأبديت لـه أن البنداري باشـا يشـعر بالقلـق ألنه لم يحظ بدعـوة الملك إياه لمقابلته منذ مدة ليسـت بالقصيـرة، وأن الرجل يحمل أطيب المشـاعر نحو الملـك والرغبة في أداء أي خدمة تطلب منـه، وحبـذت أن يطيب الملـك خاطره باسـتدعائه لمقابلته، وقد اسـتجاب الملك إلى هذا الرجـاء في غضـون أيام قليلة مما كان له بالـغ األثر في رفع الروح المعنوية للبنداري باشـا،

وكذلك في رفع مستوى العالقات بينه وبين علي ماهر باشا«.

»ولم يدم حسن العالقات بينهما طويال مع األسف الشديد، فقد تبين لي بعدها أن الثقة المفـروض بل الواجب وجودها بين رئيس الديـوان ووكيله كانت قد انعدمت، وأقام علي ماهـر باشـا نفسـه الدليل على ذلك عندما سـافر إلى لنـدن لتمثيل مصر فـي مؤتمر المائدة المسـتديرة الـذي دعت إليـه بريطانيا الدول العربيـة للنظر في إيجاد حل للنـزاع القائم في فلسـطين بيـن العـرب واليهـود، وذلك أنه بدال من إرسـال تقاريـره إلى الملـك عما يدور فـي المؤتمر عـن طريق وكيله ورئيس الديـوان بالنيابة طول مدة غيـاب الرئيس، كان يرفع تلك التقارير عن طريق خطابات يرسـلها باسـمى شخصيا، وكنت أجيبه على خطاباته لكي يطمئـن علـى وصولهـا ورفعها إلى الملك في حينهـا، إال أنه في أثناء غياب ماهر باشـا في إنجلتـرا فـي مصر حدث فـي مصر ما كان له أبعد األثـر في اإلجهاز علـى بقية كل أمل في اإلصالح بينه وبين وكيل الديوان، وذلك أنه في مناسـبة حلول العام الهجري الجديد أذاع الملك في الراديو كلمة كعادته السـنوية، ولكنه ختمها في ذلك العام بعبارة أثارت الدهشة والتسـاؤل، حيث ذكر أنـه ورث عن والده عدة صفات لعل أهمها أنـه عند اقتناعه برأي ما فإن أحدا أيا كان ال يسـتطيع حمله على تغيير رأيه، وتهامس الناس في كل مكان، وبخاصة فـي داخـل القصر، أن علي ماهر هو المقصـود بهذه العبارة، وكانت الظـروف كلها تحمل علـى االعتقـاد _ حقا أو ظلما- بأن البنداري باشـا كان وراء ما بدا من جانب الملك، وهو ما سـيطر على يقين علي ماهر باشـا عند عودته إلى مصر، فلم يلبث أن انفجرت على األثر األزمـة الكبـرى بينه وبين البنداري باشـا، وهى التـي أطاحت باألخير من القصر اسـتجابة لطلب علي ماهر باشـا الذي أصر على مطلبه إلى حد التصريح بأنه لن يبقى رئيسـا للديوان إذا بقـي بـه البنـداري، وانتهت األزمة بعد فترة وجيـزة بتعيين البنداري باشـا وزيرا مفوضا

في بروكسـل«.

113

)17(

ومن حسـن الحظ أن تطور هذه العالقة حظي بضوء كاشف في الوثائق البريطانية، وهذه هي الدكتورة لطيفة سالم تلخص الموقف بطريقتها من خالل عرض ما احتوته هذه الوثائق، ونحن نالحظ اختالفا جوهريا بين ما تورده لطيفة سالم وما يورده سكرتير الملك، فعلى حين يروي سـكرتير الملك أن الخالف المسـتحكم نشأ قبل سـفر علي ماهر إلى لندن للمشاركة في مؤتمر المائدة المستديرة فإن ما تورده الدكتورة لطيفة يشير إلى أن أداء البنداري في أثناء

وجود علي ماهر في لندن كان هو السبب:

»... اعتمـد فاروق على البنـداري وكيل الديوان والقائم بأعمال رئاسـة الوزراء في أثناء فترة وجود علي ماهر في لندن، وفي الواقع فإن هذه الشخصية قامت بدور أثر تأثيرا واضحا علـى اتجاه الملـك الذي حتمت عليه طبيعته التنقل بين أحضـان المحيطين به، وبالرغم من أن علي ماهر هو صاحب الفضل في تولي البنداري منصبه، فإنه سـرعان ما أثبتت األحداث أن األخيـر يعمل وفق منهج خاص يختلف كلية عن أسـلوب رئيس الديوان. فالبنداري كان متشـربا لمبـادئ مصر الفتاة، ومألت فكـرة الدم الجديد ذهنه، ومن ثم أسـر إلى فاروق بها، فتحمـس لهـا كنظام جديـد، وبالتالـي فهي تتناقض مـع نمط علـي ماهر ونظامـه التقليدي، وأوضحـت التقاريـر أن وكيل الديوان يجتمع ببعض الشـباب البارزين من األحزاب، وأنهم فهمـوا منه أن »الملك يعتزم إجراء تطويـر إداري وأن يؤلف وزارة منهم نابذا العنصر القديم نبذ النواة«، وعليه سـاءت العالقة بين وكيل الديوان ورئيسـه، ويسـاعد فاروق على جذوتها بتقريـب األول وإهمـال الثاني خاصة بعد مقابلته للنحاس، وأشـار المبسـون لحكومته إلى

الضعف الذي أصاب علي ماهر أثناء غيابه عن مصر«.

»وجـاءت الترجمـة العمليـة في تلـك الخطبة التـي أذاعها فاروق بمناسـبة رأس السـنة الهجريـة في 21 فبراير 1939 حيث أشـهر تشـبهه بأبيـه في أن أحدا ال يسـتطيع التأثير عليه إذا تبين صواب أمر في صالح الشـعب، وأن ثقته في نفسـه وتوكله على ربه يلهمانه تصريف األمـور، ثـم نـوه إلى الدم الجديـد فقال »إنني أومن ومـر األيام يؤيد إيماني أن شـباب مصر المتوثبة للمجد، سـيكتبون صفحة جديدة في تاريخ الوطن، وفي استطاعتهم أن يصنعوا من هـذا الوطـن العزيز مصـر العظيمة المتحدة التي هـي آمالنا وأحالمنا، وعلى الشـباب وحده

114

تحقيـق هذا الحلم«. وفي ذلك أسـلوب جديـد، فهو يريد إعالم النـاس أن القصر يتمثل في فاروق وحده، وأن المهمة أوكلت للعناصر الشابة، ومن ثم فقد أثارت تلك الكلمات االنتباه، واعتبـرت ضربة ملكية موجهة إلى السياسـيين داخل الحكم وخارجه، واسـتاء الوزراء لهذا االتجـاه باإلضافـة إلى إهمـال الخطبة ذكر الحكومـة أو البرلمان. وكان لها انعكاسـها على رئيـس الديـوان الذي طلب إليه سـماعها وهـو في لندن ليتيقـن من أن مركزه اهتـز ولم يعد صاحـب السـلطة وموجههـا، ويكتب المبسـون لحكومته ليسـجل تبرمه منهـا، وأن فاروق يسـير وفق نغمة في نفسـه ويصدر منه ما يثبت أنه ملك شاب تنقصه الخبرة حيث لم يبلغ من العمر إال تسـعة عشـر عاما. وحـرص فاروق على أن تكون الخطبـة مفاجأة، فلم يعرف أحد بمضمونهـا قبل إذاعتها، ويذكر السـفير البريطانى أن الملك أعدها بمعاونة مدرسـه الشـيخ أحمد يوسـف وسـلمها إلى البنداري بعد إذاعتها. ويؤكد مصطفى أمين أنه سمع من فاروق قوله: »أنا الذي وضعت الخطبة بنفسـي«. لكن المعنى واألفكار والمدلول والصياغة تشـير

إلى أصابع البنداري فيها، واللهجة والعظمة والتعالي تنتمي لطباع الملك«.

»وساءت عالقة فاروق برئيس ديوانه ـ أى علي ماهر ـ عقب عودته، فأصبح يجد صعوبة فـي مقابلتـه، وعندما التقى به طلب منـه توضيح المعاني التي جـاءت بالخطبة فأجابه فاروق بأنـه المقصـود، وأرجـع ذلك إلـى أن أقاربـه يرددون بأنـه يعمل كل شـيء، بينمـا الملك ال يعمـل شـيئا، وهذا التصريـح اعتبر طعنة في صدر علـي ماهر الذي اتهم البنـداري بالدس له عنـد فـاروق، وطلـب الملك من رئيس ديوانه تسـليم جزء من عمله للوكيـل خاصة ما يتعلق بالشئون الخارجية، وأراد فاروق أن يوجه له ضربة أخرى، فأخطره بموافقته على تعيين أحمد ماهر رئيسـا للوزارة خلفا لمحمد محمود الذي سيسـتقيل نظرا لسوء حالته الصحية، وهدف مـن ذلك أن يشـعره بضعف مركزه فـي القصر والقضاء على أمله في منصـب رئيس الوزراء. ومحاولة السـتعادة نفوذه لوح ـ أي علي ماهر ـ باالسـتقالة، وهو يعلم أن فاروق سـيرفضها

لحاجته إليه وسيسانده ضد البنداري، ولكن أصدقاءه نصحوه بالتريث حتى تنتهي األزمة«.

»وبنـاء على خشـية الملك من انضمـام علي ماهر إلى معارضيه، سـواء رئيس الوزراء أم السـفير البريطانى أم الوفد، وتكوين جبهة مضادة للقصر، وباإلضافة إلى التوتر في الموقف الدولـي وعدم رغبـة بريطانيا في وجود البنـداري، إذ رأت في أفكاره مـا يؤثر على وضعها،

115

وفي حركاته وتصرفاته ما يسيء لها ويكون خطرا عليها، رفض فاروق االستقالة التي قدمها رئيـس الديوان وطلب منه البقاء في منصبه، وإلقصاء وكيل الديوان أعطي إجازة لمدة شـهر ثـم عيـن وزيرا مفوضا لمصر في بروكسـل. وبذلك عـاد النفوذ لعلي ماهـر لكنه لم يكن إال مؤقتا. وغدت سـطوة الملك على السـلطة سافرة، وأشـار إليها فكري أباظة عالنية في مقال بعنوان »التيارات الخفية في الدولة« نشـر بالمصور، ويتضح منه كيف ذابت سلطة الحكومة

بين يدي الملك«.

)18(

ومـن أطرف التعليقات على هذه المعركة التـي دارت في الديوان الملكي ذلك التعقيب الذي عقب به األسـتاذ عبـد العظيم رمضان عليها في كتابه »مصر والحـرب العالمية الثانية«

حيث يقول:

»على أن نابا أزرق مثل علي ماهر قلب المائدة على البنداري، عن طريق تحسين عالقاته مع الوفد من جهة، ومع اإلنجليز من ناحية أخرى! وتقدم باسـتقالته إلى فاروق، الذي شـعر بأنه ال يستطيع تحمل نتائج هذه المواجهة، فعين البنداري وزيرا مفوضا لمصر في بروكسل، وعاد علي ماهر باشا أشد قوة، وبذلك أصبح أقرب ما يكون من منصب رئيس الوزراء الذي يصبـو إليـه، وقد تصادف أنه حصـل عليه قبل قيام الحـرب العالمية الثانية بأسـبوعين فقط!

ودخول المعاهدة المصرية البريطانية في دور التنفيذ«.

)19(

ونعـود إلـى ما تلخص به الدكتورة لطيفة سـالم بعـض مظاهر نزاع علـي ماهر مع وزارة محمد محمود من خالل ما تضمنته الوثائق البريطانية:

»... واسـتمر رئيـس الديـوان يدفع فاروق في هـذا الطريق، في الوقت الـذي يخطط فيه للوثـوب إلى رئاسـة الـوزارة، فالتجأ إلى حيلة يجـس بها غور الملك تجاهـه وتوطد مركزه في القصر وتفوقه على رئيس الوزراء، فقدم استقالته في 8 مايو من رئاسه الديوان، ورفضها

116

فـاروق فـي خطاب أثنى فيه على وفائـه وإخالصه لوطنه ومليكـه، وكان الخطاب فريدا من نوعه لم يتلق مثله أي رئيس ديوان من قبل، وعليه واصل علي ماهر مهامه في ثقة واعتزاز«.

)20(

وبعد فقرات تتحدث الدكتورة لطيفة سـالم عن عودة تأثر الملك فاروق بتوجيهات علي ماهر في هذه الفترة فتقول:

»وأقـدم بتوجيـه من رئيـس ديوانه على تعديـل الوزارة بإدخـال أحمد ماهر والنقراشـي اعتقادا بأن إشراك السعديين فيه مصلحة للقصر، إما أن يوافق عليه وتستسلم الوزارة لطلباته وترحـب بسـطوته، وإما أن يسـتمر الوضع على ما هو عليه أو يشـتد وبذلـك يصبح االتجاه الجديد معروفا، وبالتالي يستبعد من التصور إمكانية االعتماد على السعديين، وفي الحالتين م الفرصة نفسها رئيس الديوان ليصبح الخليفة المنتظر لمحمد محمود وأصدر له فاروق تقدأمر تشـكيلها في اليوم نفسـه، وقد اعتقد رئيس الوزراء )كما أخبر السـفير البريطاني( أن في إشـراك السـعديين قضاء على دسـائس علي ماهر، بينما رأى أحمد ماهـر تفضيل االنضمام على تركيز السـلطة في يد القصر نتيجة النكماش األحزاب، وسافر محمد محمود إلى لندن وعقـد اتفاقيـة الثكنـات، في الوقت الذي لم تثبـط فيه عزيمة علي ماهر ومضى في معاكسـة الـوزارة، واسـتخدام مصـر الفتاة في الهجوم عليها، ثم كان لقاؤه السـري مـع النحاس على شـاطئ سان اسـتيفانو باإلسكندرية، ونشـرت المصري الخبر، وبرر رئيس الديوان الموقف بالصدفـة، وأعلن عـن نيته الصافية تجاه المقابلة، وأثار هذا اللقـاء فاروق، ومنذ تلك اآلونة

بدأ مركز علي ماهر يهتز«.

)21(ماهر بين علي عنيفة أزمة المثال،إلى بالطبع حتى تصل على سبيل األحداث وتتطور وبين الدكتور حسين حسني سكرتير الملك وربما نظن أن سكرتير الملك قد تجاوز دوره فيما يرويه عن هذه الواقعة، لكننا ال نستطيع أن ننكر مدى ما كان علي ماهر يتمتع به من قدرة

على خلق النزاعات وتدشين الخالفات:

117

علي بين عنيفة أزمة وقعت القاهرة إلى اإلسكندرية من الملكي البالط عودة »وقبيل ماهر باشا وبيني دون إرادة وال تدبير مني على اإلطالق وذلك أنه طبقا لما جرت به العادة القاهرة، ومنها يقوم الركب الملكي والتقاليد كان الملك يعود بقطاره الخاص إلى محطة إلى قصر عابدين حيث يتناول الغداء على المائدة الملكية رئيس الحكومة وجميع الوزراء ورجال الحاشية، إال أنـه فـي ذلك الصـيف عام 1937 أبلغـوا المـلك ولست أدري إلى اليوم من الذي قام بالتبليغ أن كتائب ذوي القمصان الزرقاء سوف تكون محتشدة على طول الطريق، وتفاديا لما تتوقع بعض المصادر أن تقوم به تلك الكتائب من هتافات أو مشاغبات واعتداءات عند مرور الموكب الملكي أو عقب مروره، فإنه يحسن أن يتجه القطار الملكي إلى قصر القبة رأسا بدال من االتجاه إلى محطة العاصمة، ويظهر أن من قام بتبليغ ذلك إلى الملك قد نجح في إقناعه بالموافقة على ذلك الرأي، وصدرت األوامر بتنفيذه فعال، ولكن يظهر أن الملك لم يكن مرتاحا إلى ذلك أو أنه وافق على مضض تحت تأثير الصورة التي رسمت أمامه، فإني عند مقابلتي إياه في مساء ذلك اليوم نفسه سألني عن رأيي فأبديت له دهشتي لما سمعته منه ومن موافقته على تغيير الخطة التي أصبحت راسخة على مر السنين، من العام ذلك في واالنتقال قصوى، ضرورة حالة في إال للتغيير خاضعة يجعلها ال مما اإلسكندرية إلى القاهرة هو األول الذي يحدث بعد توليه سلطاته الدستورية، فكان يحسن

أن يتم وفقا لما جرت به التقاليد من قبل«.

إني فقلت: الزرقاء؟ القمصان أصحاب تحفز عن يقال فيما رأيك ما ولكن »فقال: أعتقد بصراحة أنهم لن يجرءوا على القيام بما يخدش جالل الموكب الملكي، ولو فرض بتأديبهم كفيل للملك الشعب حب فإن بالنظام يخل بما القيام على وتجرءوا المستحيل وإيقافهم عند حدهم، بل إن جرأتهم على ارتكاب شيء من هذا القبيل يكون وحده مبررا

لمطالبة الحكومة بفض شملهم في الحال.

)22(وها نحن نرى علي ماهر قد بدأ يعاني من محاوالت عديدة إلفشال خططه بينما هو ال يعرف مصدرها الحقيقي، ونحن نقرأ اآلن فيما هو متاح لنا من األدبيات أن سكرتير الملك الدكتور حسين حسني كان قد تمكن من إقناع الملك فاروق بوجهة نظره، ومن العجيب أنه

118

يظهر نفسه في مذكراته بريئا تماما وهو يحكي لنا هذه القصة من دون أن ينتبه إلى ما كان يمكن لمثل هذه التصرفات أن تسببه من متاعب لعلي ماهر صاحب المشورة األصلية:

»... وعندما سمعـ أي الملكـ كالمي طلب مني سرعة إبالغ التشريفات وهي المختصة وأن إياها، إبالغها السابق اإلجراءات إليقاف الملك بتحركات المتعلقة األوامر بإصدار تكون ترتيبات االنتقال طبقا لما جرت به العادة على الدوام، أي أن يكون السفر إلى محطة العاصمة، ومنها يقوم الموكب الملكي إلى قصر عابدين حيث تقام مأدبة الغداء، فخرجت مسرعا ونزلت إلى مكتب حسنين باشا فوجدت به علي ماهر باشا فحييته ثم اتجهت إلى التليفون سماعة على يده فوضع تنفيذه، لسرعة مني الملك طلبه ما وأبلغته باشا حسنين واقفا يهب باشا ماهر بعلي وإذا الجديدة، األوامر إلبالغها التشريفة بسكرتيرية لالتصال ويقول في انفعال: انتظر يا حسنين باشا حتى أرى كيف تسير األمور هنا، فال يوجد سوى انتظر حتى أشتغل.. فأنا ال تدبر عن غير طريقي األمور وإذا كانت للديوان، رئيس واحد

أعرف من هو رئيس الديوان؟!«.

»فكانت هذه الثورة العارمة مباغتة لي، لم أكن أتوقعها؛ ألني في الواقع كنت أتصرف ببالغ البساطة وحسن النية، ولم يدر بخلدي على اإلطالق أنه ـ أي رئيس الديوان ـ كانت له أية صلة بهذا الموضوع؛ ألن انتقاالت الملك كانت من اختصاص كبير األمناء وحده، فهو الذي يعرض عنها ]يقصد: يعرض تفصيالتها[ ويتلقى األوامر بشأنها، ولكن انفعال علي ماهر باشا على هذا النحو جعلني أشعر في الحال بأنه كانت له صلة بما جرى، وعلى أية حال فقد أجبته بقولي: »إذا كنت تقصدني يا دولة الباشا بما تقول فإني أؤكد لك أني لم أتدخل في األمر من تلقاء نفسي، وإنما جاللة الملك هو الذي فاتحني في الموضوع وطلب رأيي فأبديته له فأمر بما سمعته مني اآلن«، وما أن أتممت كالمي حتى فوجئنا بالملك يدخل علينا، فمال على أذني حسنين باشا وأوعز إلى أن انصرف، ففعلت، إذ رأيت من جانبي أن خروجي يعتبر في

حد ذاته دليال على اطمئناني إلى ما قلته، وأن الملك سوف يؤيد ما صدر مني«.

)23(علي وبين بينه الجو لتصفية بنفسه بها قام محاولة إلى حسني حسين الدكتور ويشير ماهر، لكنه يردف حديثه عن محاولته بما يدل على أنه لم يكن هناك أمل في علي ماهر أو في

119

صفاء نفسه، ذلك أنه اكتشف عن طريق صديق مشترك لهما أن علي ماهر كان قد بدأ يبحث عمن يخلفه في منصب سكرتير الملك، وقد عرض هذا المنصب على هذا الصديق الذي

التقى بصاحب المذكرات وحاول أن يصلح ما بينه وبين علي ماهر:

»... رغبة مني في تنقية الجو بيني وبين علي ماهر باشا، وإلثبات حسن نيتي وحرصي على سيادة التفاهم الصادق بيننا، قمت بزيارته في مكتبه في اليوم التالي وأبديت له أسفي تقديره عن فأعرب الملك، وبين بيني دار ما كل جديد من له وشرحت حدث، ما على

الهتمامي بإزالة أثر سوء التفاهم، وأنه من جانبه يعتبر األمر منتهيا«.

»ولكن مع األسف الشديد حدث بعد فترة من عودتنا إلى القاهرة أن صديقي المرحوم فؤاد حمدي بك الذي كان يشغل إذ ذاك منصب المحامي العام لدى المحاكم المختلطة، وكان صديقا حميما كذلك لعلي ماهر باشا، قد اتصل تليفونيا وطلب مقابلتي على وجه السرعة، وعندما قابلته بادرني بالسؤال عن مدى حسن الصلة بيني وبين علي ماهر باشا، فقلت: إني أعتقد أنها من ناحيتي ال شائبة فيها وإن كنت ال أعرف تماما شعوره هو شخصيا، ولما سألني القاهرة فضال عن الملك إلى عن السبب في تحفظي، رويت له قصة ما جرى بشأن عودة موقف حسنين باشا مني ال سيما بعد تعيين علي باشا رئيسا للديوان، فصارحني صديقي فؤاد إيجاد في يسعى إنه القصر حتى في بوجودي يضيق أصبح قد باشا أن علي يبدو بأنه بك شخص يثق به لترشيحه للتعيين في مركز السكرتير الخاص للملك، وأنه عرض عليه شخصيا

قبول هذا المنصب ولكنه اعتذر عن قبوله ولم يستطع أن يعرف منه السبب في مسعاه«.

فإنه وبيني، بينه وكذلك باشا، ماهر علي وبين بينه الصداقة من يوجد ما إلى »ونظرا سوف يدعونا معا للغداء في منزله لتصفية الجو بيننا وإزالة ما قد يكون عالقا في نفس علي باشا من ناحيتي، ألنه يعز عليه أن ي يسيء الظن بي وبخاصة أنه ـ أي فؤاد بك ـ يعرفني من

سنين طويلة ويعلم مدى إيماني وتمسكي باألخالق والمبادئ الوطنية القومية«.

».... وبعد أيام قليلة تم تنفيذ اقتراح فؤاد بك وتناولنا ثالثتنا الغداء في منزله، وجرى الحديث في ضرورة مصارحة كل طرف بما لديه نحو اآلخر فكان في الواقع حديثا معادا أو قرارات أي الملك عن تصدر أال خاص بنوع يهمه أنه يؤكد أن باشا علي خالله عني كل عن الوحيد المسئول فهو الديوان رئيس بوصفه ألنه وموافقته، علمه دون تصرفات

قرارات وتصرفات الملك«.

120

)24(ـ الملكي )1937 الديوان الثانية في رياسة فترة علي ماهر إلى ما شهدته وننتقل اآلن 1939( تنامي عالقة علي ماهر بأحمد حسين ومصر الفتاة وتوظيف هذه الجماعة الشابة الوفد مواجهة في وتأييده الملكي القصر مع التعاون غرض خدمة في الطموحة الفتية

وشعبيته الكبيرة، ثم في مواجهة محمد محمود ووزارته.

الذي الدور البريطانية عن ملخص الوثائق لطيفة سالم عما لخصته الدكتورة تتحدث لعبه علي ماهر في تلك الفترة فتقول:

»... وكان تعيين علي ماهر رئيسا للديوان استكماال إلحكام التعاون بين القصر ومصر الفتاة، وأثمر سريعا، وانعكس على تلك األحداث التي أسهم في صنعها أحمد حسين؛ فقد انهالت العرائض على القصر من أعضاء الحزب باألقاليم تطالب بإقالة الوزارة، وقام طلبته أكتوبر 24 في الملك إلى وتوجهوا الوفديين، الطلبة مع مشاجرات في ودخلوا بدورهم وهتفوا بسقوط الوزارة،ومرة أخرى أثاروا االضطراب نفسه بمناسبة عيد الجهاد، ووزعت بالوزارة، ونظمت مظاهرة لوداع الملك في التشهير بيانا على أعضائها تضمن الفتاة مصر

اإلسكندرية واستقباله في القاهرة«.

القائمة، وباإلضافة النماذج الحزبية التنظيم شكال يختلف عن »ووجد فاروق في هذا ميوله وتحمل مع تتفق واتجاهاته مكوناته اعتبر فإنه ماهر، لتوجيهات علي إلى خضوعه

طابعا جديدا، وبالتالي استحسن القصر تصرفاته«.

..............................

»وجد فاروق الوالء التام من مصر الفتاة التي وكل إليها الدفاع عن الحقوق الملكية وفقا لرؤية القصر، فتعلن من على منبرها: »من حق الملك الذي يريد أن يصعد بأمته إلى مصاف الدول العظمى أن يتخذ لها الوسيلة التي تكفل له ما يريد، فهو يختار وزراءه ويشترط عليهم أن يكون حكمهم صالحا، فإذا انحرفوا عن جادة الحكم الصالح أرشدهم، فإن عجزوا عن

اإلصالح أبدلهم بغيرهم«. جاء ذلك عقب األزمة بين فاروق ومحمد محمود.

وقد هاجمت مصر الفتاة محمد محمود على عدم تعاونه مع القصر:

121

أنه تأكيد في الحكم وهو يصرح إلى باشا الرفيع محمد محمود المقام »جاء صاحب له قبل بما حسبه حقا الكامل.. ولكنه عاد ليصطدم التعاون القصر على خطة سيعمل مع العرش، وعمال منه بالدستور، ونسي أن الدستور ليس إال وسيلة لغاية واحدة هي االرتفاع

بمصر إلى مكانتها بين الدول العظمى في أقصر وقت ممكن«.

)25(على أنه يبدو لي أن توظيف علي ماهر لمصر الفتاة سرعان ما تبدل إلى جفاء لها، وذلك بسبب الخالف بين البنداري وعلي ماهر، فلما حاولت مصر الفتاة العودة إلى علي ماهر بعد

تخلصه من البنداري لم تجد عنده ترحيبا بها.

حول البريطانية الوثائق رصدته ما تلخيص في سالم لطيفة الدكتورة وفقت وقد هذه الجزئية:

السنة بمناسبة أذاعها التي الخطبة وكانت األيديولوجية، بتلك واقتنع الملك »وتأثر الهجرية في 21 فبراير 1939 وأشار فيها إلى شباب مصر والدور الذي ينتظرهم انعكاسا لذلك، وللبنداري اتجاهه في هذا الصدد خاصة بعد أن دب الخالف بينه وبين علي ماهر، الجديد، الدم نظرية تبنى الذي الديوان إلى وكيل انحازت الفتاة أن مصر المعروف ومن وكان لما ذكره فاروق دوي كبير، إذ أثبت االتجاه الجديد الذي انجرف فيه، وسعدت مصر وقد أدنى، أو قوسين قاب صار الحكم توليها في األمل أن وأيقنت مهمتها بنجاح الفتاة صرح أحمد حسين بتوقعه انتقال حزبه إلى السلطة بعد ثالث سنوات. ومما يذكر أن نص

الفقرة المعنية من الخطبة الملكية اتخذ مكانه كشعار على الصحيفة بجوار المانشيت«.

صحيفتها ووجهت فاروق، على األوتقراطية من المزيد تضفي الفتاة مصر ومضت حملتها ضد الحكومة في وقت كان فاروق يتحين المناسبة إلسقاطها، وعندما بلغ الصراع ذروته بين علي ماهر والبنداري وقدم األول استقالته ورفضها الملك وبدأ يعزف عن وكيل ديوانه. رأت مصر الفتاة هي األخرى أن تنفي صلتها به وركزت على انتمائها للقصر، وأعد أحمد حسين بيانا نشره ركز فيه على »أن حزب مصر الفتاة هو حزب قد اتخذ العرش جزءا من إيمانه، فإلى هذا العرش طالما فزع باسطا آالمه وشارحا آماله.. وفي تاريخنا لم يكن لنا

ملجأ نلتجئ إليه طالبين الوقاية والحماية والعدل إال السراي«.

122

الديوان والتعلق بالقصر ومحاولة إعادة الوصال التنصل من وكيل »وبذلك يبدو جليا مع رئيس الديوان«.

»ومما ال شك فيه أن خروج البنداري من القصر أفقد مصر الفتاة مكانتها المتوجة لدى السهل أن ة علي ماهر، واألخير لم يكن من كف ح الواقع ورج الذي استسلم لألمر الملك األزمة إسقاط في منها رغبة وذلك مساعيها، بذلت وقد أخرى، مرة الفتاة مصر يحتضن تغيرت ولكن لسياستها، تحقيقا الثالثة األطراف يربط تعاون من الماضي واسترجاع الظروف خاصة بعد ذلك التقارب الذي حدث بين رئيس الديوان واإلنجليز، وعليه أدارت لها، الملك يحمله قد جميل االتجاه هذا في أن أيقنت حيث ماهر علي وهاجمت دفتها فتتهمه صحيفتها بأنه يتلقى تقارير سرية من البوليس السري، وأن موظفي القصر يجب أن يسموا فوق هذه األساليب، وتكشف أطماعه في توليه الوزارة، وتتعرض لمقابلة الكورنيش التي تمت بينه وبين النحاس، واألزمة مع فاروق وما خلفته من أثر في نفسه، وأسرفت في الهجوم وتناولت عالقته باإلنجليز وزوال سوء التفاهم بينهما، والمأدبة التي أقامها للسفير البريطاني ورضاه عن تداخله في مسألة فيروتشي. وواضح أنها مواقف مثلت األهمية عند فاروق، وعندما سألت آخر ساعة أحمد حسين عن السر في مهاجمة مصر الفتاة لعلي ماهر كان صريحا في إجابته فقال: »إن جهاد مصر يعتمد على سواعد الشباب وإيمان الشباب.. ونحن نعتقد أن ال نجاة لمصر ما لم تتحرر من هذا الجيل القديم«، وسرعان ما أسند الملك

الوزارة لعلي ماهر ولم يحقق لمصر الفتاة أمنيتها«.

)26(ومن طرائف ما يروى عن عالقة علي ماهر بمصر الفتاة أن األستاذ العقاد كان الكاتب األول في جريدة »مصر الفتاة« بعد خروجه على الوفد في 1935، وفي إطار دس مكرم عبيد على العقاد في المجتمعات والصالونات فإنه أشار غير مرة في أحاديثه إلى أن العقاد ومصر الفتاة يعمالن لحساب علي ماهر، فما كان من العقاد إال أن رد على مكرم ردا قاطعا حاسما

قال فيه:

علي أجراء ولكنكم الوزارة، وال الطليان وال المستعمرين عمالء لستم يقال قد ...«ماهـر باشـا، كما يهمس مكرم بين أصحابه وفلوله من حين إلى حين، حسن أيضـا، نحـن

123

ال نذكر القراء ماضينا مع علي ماهر، كلما شاع ترشيحه لمنصب أو وزارة أو رئاسة وزارة، وال نذكر القراء ماضي علي ماهر معنا مما هو مشهور أو غير مشهور، ولكننا نختصر الجدال والكالم بدعوة صريحة ندعو إليها مكرم والمكرميين أجمعين.. ها هي ذي أبواب الصحيفة مفتوحة لكل من يشاء منهم أن يكتب نقدا عنيفا أو رقيقا لسياسة ماهر باشا حاضره أو ماضيه غير أجل إلى الموضوع هذا في الكتابة شاءوا كلما الدوام على ننشره ونحن مستقبله أو

محدود«.

ماهر، بعلي له قاطعا أي صلة نفيا العظيم المفكر والكاتب باقتدار العقاد نفى وهكذا الذي كان معروفا أنه كان صديقا لحزب »مصر الفتاة«.

* * *

وعلى كل حال فقد ختم علي ماهر نجاحاته في رياسته الثانية للديوان بالقفزعلى رياسة الوزارة على نحو ما فعل في تتويج رياسته األولى للديوان.. وهكذا أعاد التاريخ نفسه على

يد علي ماهر، على نحو ما سيفعل التاريخ نفسه فيما بعد.

124

الفصل الثامنعلي ماهر في وزارته الثانية

وموقفه من الحرب العالمية الثانية

)1(ممارسة وأشقها ومواقف، أحداثا وأكثرها عمرا، ماهر علي وزارات أطول هي هذه الوصول أجل من بذل التي الوزارة فهي مناال، أصعبها له بالنسبة كانت أنها كما وأداء، قومية وزارة تأليف على بالعمل ثم الوفد، ووزارة للنحاس بالدس بدأه كبيرا جهدا إليها كبرى برئاسة محمد محمود )ديسمبر 1937(، ثم بالدس لوزارات محمد محمود الثالث المتعاقبة التي عمل هو نفسه على وجودها، ثم بوضع المصاعب أمامها ودفعها لالستقالة، وها هو ذا يصل إلى منيته في أن يكلف برئاسة الوزارة، وقد كان من الممكن لهذه الوزارة أن تستمر أكثر من عمرها، لوال أن جبروت اإلنجليز كان أقوى من جبروت الملك وجبروت

علي ماهر وذكائهما معا.

وقد شاء القدر أن تواكب هذه الوزارة بداية الحرب العالمية الثانية التي اندلعت عقب قيام وزارة علي ماهر بأيام قليلة، و هكذا كان على علي ماهر أن يخوض معارك متصلة فيما يتعلق بتحديد موقف مصر من الحرب ودخولها، وإعالن حالة الحرب، وإعالن األحكام

العرفية، وفرض الحراسة على أموال رعايا الدول المعادية لبريطانيا.. إلخ.

وزارة علي فإن فقط، لة من سبعة وزراء مشك كانت التي األولى وعلى عكس وزارته ماهر الثانية كانت وزارة موسعة، وقد ضمت ثالثة عشر وزيرا باإلضافة إليه هو نفسه، وعلى النقيض من وزارته األولى التي كانت مشكلة من مستقلين فحسب، فإن وزارته الثانية ضمت السعديين.. وقد ضمت هذه الوزارة سبعة وزراء جدد أي أكثر من نصف الوزراء فيها وخمسة

125

هذه على اقتصرت الوزارية مشاركاتهم أن أي الوزارة هذه غير في يشارك لم هؤالء من الوزارة فقط ولم يتولوا المنصب الوزاري قبلها وال بعدها وهؤالء الخمسة هم:

عبد الرحمن عزام بك، الذي بدأ وزيرا لألوقاف حتى ديسمبر 1939 ثم تولى الشئون االجتماعية حتى نهاية عهد الوزارة.

عبد السالم الشاذلي باشا، الذي بدأ وزيرا للشئون االجتماعية حتى ديسمبر 1939 ثم تولى األوقاف حتى نهاية عهد الوزارة.

• محمد صالح حرب باشا وزير الدفاع الوطني. • محمود توفيق حفناوي بك وزير الزراعة.

• مصطفى الشوربجي بك وزير العدل أما اآلخران اللذان دخال الوزارة ألول مرة في عهد هذا التشكيل، واشتركا بعد هذا في

وزارات أخرى. فكانا:

• إبراهيم عبد الهادي، وقد دخل هذه الوزارة وزير دولة للشئون البرلمانية، وهو صاحب أكبر عدد من الوزارات توالها وزير واحد فيما قبل الثورة.

عبد القوي أحمد بك، وقد دخل الوزارة وزيرا لألشغال العمومية. وقد عمل وزيرا •وزارة في لألشغال وزيرا عمل كما المدنية، للوقاية ثم سري حسين وزارة في لألشغال

صدقي باشا في 1946.

أما الوزراء القدامى الذين استعان بهم علي ماهر فكانوا:

صديقه وزميله القديم محمد علي علوبة، وقد اختاره وزير دولة للشئون البرلمانية، •العمل في الرجلين زمالة أن الطريف ومن األولى، وزارته في معه وزيرا عمل قد وكان الوزاري توقفت بنهاية هذه الوزارة، ثم اشتركا معا في لجنة وضع الدستور في 1953 وكانا

بمثابة اثنين من ثالثة فقط كانوا أعضاء في لجنتي وضع الدستور في 1923 و1953.

الوقت، الوفدية في ذلك الوزارات غير »التقليدي« في حسين سري وزير األشغال •لكن غير التقليدي فيما يتعلق به أنه تولى في هذه الوزارة وزارة المالية ألول مرة!! وكان شأن

126

وزارة المالية أرفع من شأن الوزارات األخرى، فكان من يتوالها يصبح وكأنه يتمتع بدرجة نائب رئيس وزراء، أو رئيس وزراء قادم، وهو ما حدث بالفعل مع كثيرين.

وإضافة إلى علوبة باشا وحسين سري باشا كان هناك الوزراء السعديون القدامى:

• محمود فهمي النقراشي باشا الذي تولى المعارف العمومية.• محمود غالب باشا الذي تولى المواصالت.

• حامد محمود بك الذي تولى الصحة العمومية. • سابا حبشي باشا الذي تولى التجارة والصناعة.

بين كبيرة بنسبة يتمتعون السعديون كان فقد هؤالء إلى الهادي عبد إبراهيم بإضافة الوزراء على حين امتنع األحرار الدستوريون عن المشاركة في هذه الوزارة التي جاءت على الدكتور مذكرات أن تالية فقرات في باشا، وسنرى رئيسهم محمد محمود وزارة أنقاض

هيكل تصرح بأن الدستوريين أحسوا، مبكرا، برغبة علي ماهر في عدم التعاون معهم.

)2(مواجهة أجل من وزارية مناصب استحدث من أول كان ماهر علي أن في شك وال فيهما عين البرلمانية للشئون وزاريين منصبين هذه وزارته في استحدث وقد البرلمان، بشئون اختص الهادي عبد وإبراهيم الشيوخ، مجلس بشئون واختص علوبة علي محمد

مجلس النواب.

ويقال كذلك إن تشكيل علي ماهر لوزارته على هذا النحو كان يدل على رغبة منه في أن تؤدي الوزارة في المحيط العربي ما هو كفيل بأن يخدم مصالح القصر وعالقاته، وقد ظهرت هذه الفكرة من خالل تعيين محمد علي علوبة وزير دولة، وعبد الرحمن عزام وزير أوقاف،

ومحمد صالح حرب وزير دفاع، وقد واكب هذا إسناد رئاسة األركان إلى عزيز المصري.

وقــد كـان لهـؤالء األربعــة ماض مقـدور في المحيطين: العربي واإلسالمي. أما الدكتور عبد العظيم رمضان فيرى أن نذر الخطورة في تشكيل وزارة علي ماهر كانت

واضحة، وهو يقول:

127

تتفق مع التي العناصر إلى وزارته أن يضم باشا إال فلم يكن في وسع علي ماهر ...«خطة السياسي، وخصوصا في وزارة الدفاع التي عين لها محمد صالح حرب باشا، وكان من الطبيعى أن يؤدي تعيين صالح حرب باشا وزيرا للدفاع إلى تعيين عزيز المصري رئيسا

ألركان حرب القوات المسلحة المصرية، وهو المعروف بميوله إلى األلمان.... «.

)3(في اشتركوا الذين الوزراء من عددا تضم كانت الوزارة هذه أن نذكر أن المهم ومن

الوزارة السابقة عليها،وهي وزارة محمد محمود الرابعة على نحو ما انتهت إليه.

كذلك فمن المهم أن نشير إلى أن هذه الوزارة كانت تضم عددا من الوزراء الذين اشتركوا في الوزارة التالية وهي وزارة حسن صبري باشا.

ولعل في هذا ما يدلنا على طبيعة الصراع الحزبي في العهد الليبرالي فيما بين الوزارات ائتالف،وزارة وزارة اسمها: كان مهما الوفدية غير والوزارات لألغلبية، الممثلة الوفدية غير حزبية ووزارة محايدة، ووزارة إدارية، وزارة قصر، كبرى،وزارة قومية قومية،وزارة

وفدية... إلخ.

)4(

العالمية الحرب أجواء مستغال عسكرية شبه سياسات الوزارة هذه في ماهر علي بدأ الثانية، فقد كان علي ماهر في وزارته هذه صاحب فكرة إنشاء تنظيمات مسلحة ذات طابع سيطرة، عليها لبريطانيا يكون أن دون الدفاعية أو العسكرية مصر قدرات لتنمية شعبي بريطانيا حرمان على للتغلب محاولة بمثابة المرابط« »الجيش إنشاء فكرة كانت وهكذا لمصر من إنشاء جيش قوي على حد تعبير الدكتور رشوان جاب الله وقد تقدم علي ماهر بنفسه بمذكرة إلى مجلس الوزراء بشأن إنشاء »قوات مرابطة« وبمقتضى تلك المذكرة صدر مرسوم بقانون رقم 100 لسنة 1939 بإنشاء قوات مرابطة، ولم تقتصر خطة علي ماهر على إقامة التنظيمات العسكرية التي ال تخضع للجيش مثل فكرة الجيش المرابط، بل أصدر أمرا

لكل المدارس لتعليم الطالب التدريب العسكري.

128

وفي 16 يناير 1940 أصدر علي ماهر أمرا ملكيا حول به قواعد التدريب العسكري للطلبة في الجامعة إلى نظام احتياطي متكامل تحت اسم »سالح تدريب الضباط« بهدف توفير مصدر

من الضباط للقوات المرابطة.

وباإلضافة إلى هذا فقد بذل علي ماهر جهده في سبيل أن يطور وسائل الدفاع العسكري حيث اعتمد خمسين ألف جنيه إلقامة استحكامات من معدات الدفاع المستعملة بمرسى

مطروح والحدود الغربية، واستورد أكثر من خمسين دبابة مستعملة.

وفي عهد وزارة علي ماهر هذه شددت العقوبات على من يلحق ضررا بالوحدات التي تخدم العسكرية.

)5(ويذكر التاريخ لعلي ماهر أنه استأنف في هذه الوزارة ما كان قد بدأه من تودد للصحفيين، وقد رأى علي ماهر أن إنشاء نقابة للصحفيين أفضل من »جمعية الصحفيين« التي اعترفت بها وزارته األولى سنة 1936 على اعتبار أن النقابة أكثر مالءمة للهيئات التي تتصل بالمصلحة بشأن الوزراء مجلس إلى بمذكرة تقدم ذلك أجل واألطباء،ومن المحامين كنقابة العامة هذا على الوزراء مجلس وافق وقد للصحفيين، نقابة بإنشاء الخاص القانون مشروع المشروع في 7 نوفمبر سنة 1939، وتأسست النقابة بعد ذلك في 1941 لتكون ثاني نقابة

مهنية بعد نقابة المحامين، وقبل نقابة األطباء.

)6(الوزراء على مرسوم خاص اقتراح علي ماهر في وزارته هذه وافق مجلس وبناء على بإنشاء »مجلس فؤاد األول األهلي للبحوث« بغرض الربط بين المصالح الحكومية والهيئات الخاصة التي تقوم بالبحوث العلمية في شتى المجاالت، وقد عد إنشاء هذا المجلس خطوة

مهمة في النهوض بالشئون الزراعية والصناعية وغيرها على أسس علمية.

وفيما بعد سنوات تأسس هذا المجلس، وبدأ العمل على إقامة معامله ومبانيه على نحو ماأشرنا في كتابنا من حياة ا لدكتور أحمد زكي، ثم تحول هذا المجلس في عهد الثورة إلى

129

تكونت حولها التي النواة بمثابة المركز للبحوث )1956(، وقد كان هذا القومي المركز أجهزة وزارة البحث العلمي.

)7(بعض إلى سريعة إشارات نذكر أن لنا يمكن الكبرى السياسات هذه إلى وباإلضافة

سياسات علي ماهر في هذه الوزارة:

تخفيض الوزراء مجلس قرر المناصب وأبهة الكماليات في االقتصاد حرصا على *المصروفات بابي وتخفيض جنيه، 3000 من بدال سنويا جنيه 2000 إلى الوزير مرتب النثرية والتأثيث إلى النصف، وبلغت جملة التخفيض في جميع الوزارات والمصالح مبلغ

خمسين ألف جنيه.

* أصدر علي ماهر في أثناء عهد هذه الوزارة قرارا بتحريم تقديم الخمور في الحفالت الرسـمية، وقـد كان لصـدور هـذا القـرار أثر طيب في نفوس أفراد الشعب المصري.

* تبنى علي ماهر العمل على فكرة تحويل القمامة إلى سماد.

)8(ونأتي بعد هذا كله إلى طبيعة السياسة الخارجية واالستراتيجية لعلي ماهر ووزارته، وهو

ما تجلى بصورة بارزة )وربما بصورة شبه كلية( في موقفه من الحرب العالمية الثانية.

يمثل موقف علي ماهر من إعالن دخول مصر الحرب العالمية موقفا مركبا بعض الشيء، حتى وإن شاب التعقيد بعض هذا التركيب.

فقد كان علي ماهر مقدرا لقوة الحلفاء، شأنه في ذلك شأن الذين عاشوا عصر الليبرالية الليبرالية والديمقراطيات، أو فلنقل إنه كان واعيا لهذه القدرة، وكان وكانوا يدركون قيمة علي ماهر بحكم إدراكه للنفوذ البريطاني مياال إلى الحلفاء لكن وجدانه شأن وجدان أمثاله

من الفرديين كان مبهورا باالنتصارات المبدئية للمحور.

ومن ناحية أخرى فإنه بحكم ميول مليكه فاروق وبحكم تبنيه للجماعات األيديولوجية، كان مشجعا للميل إلى المحور.

130

ومن ناحية ثالثة فإن علي ماهر، في حرصه على أن يكون صاحب موقف كان مندفعا في اتجاه إعالن الحرب بحكم المعاهدة وبحكم إيمانه بنفوذ البريطانيين، لكنه في حرصه على أن يكون صاحب مستقبل كان مندفعا في اتجاه إظهار المودة وربما الوالء في مرحلة تالية

للمحور ودوله.

وترى كثير من المصادر العربية والبريطانية أن علي ماهر لم يتبن سياسة »تجنيب مصر ويالت الحرب« غداة نشوب الحرب العالمية الثانية، بل إنه كان من أنصار دخول الحرب يلبث ولم المحور، إنجلترا وحلفائها على دول بانتصار معتقدا بريطانيا، وكان إلى جانب موقفه أن تبدل بعد اقتناعه بوجهة نظر وزيره عبد الرحمن عزام بعدم دخول الحرب إال في البريطاني الجانب وأمام رفض الحرب، إعالن حالة حصول مصر على مكاسب من وراء بسياسة ماهر علي تمسك أمانيها، بقية تحقيق حول المصرية للحكومة وعد بأي االلتزام

تجنيب مصر ويالت الحرب.

)9(

وفي إطار الحديث عن موقف وزارة علي ماهر من إعالن الحرب يلخص الدكتور عبد العظيم رمضان موقف البريطانيين من وزارة علي ماهر الثانية منذ تم تشكيلها فيقول:

»ولم يكن مايلز المبسون وقت تأليف الوزارة في مصر، بل كان يقضي إجازته في بالده، يتولى الذي هو القاهرة، في البريطانية السفارة في ض المفو الوزير بيتمان المستر وكان إرسال المعلومات إلى لندن عن التغيير الوزاري الجديد وآثاره، ونتائج اتصاالته مع علي

ماهر باشا والملك فاروق في هذا الشأن، وسياسة النظام الجديد«.

* * *

»وقد كتب إلى حكومته يوم 25 اغسطس 1939 يعلق على هذا التعيين بقوله:

»لقد سبب لي تعيين صالح حرب باشا وزيرا للدفاع بعض الهواجس، وذلك نظرا للتوتر الدولي الحالي الذي يجعل من المهم وجود وزير مناسب في هذا المنصب الحيوي«.

131

»فقد كان صالح حرب باشا واحدا من المصريين الذين هربوا من الجيش أثناء الحرب العالمية األولى، حين كان يعمل في خفر السواحل مفضال االنضمام إلى جيش السنوسي، وعندما طرح اسمه حرصت على تحذير علي ماهر باشا رئيس الوزراء من تعيينه، نظرا ألني كنت متأكدا، على وجه الخصوص، أن هذا التعيين سوف يؤدي إلى تعيين عزيز المصري

باشا رئيسا لهيئة أركان حرب الجيش المصري!«

خدمته مدة طوال أمضى فإنه مصريا، ضابطا كونه من الرغم على المصري »وعزيز بالجيش التركي، وينظر إليــه باعتبــاره من كبار المطلعين في الشئون العسكرية، ولكنه منذ اللحظــة التي حــاول فيها، منذ بضعة أشهر أن يبرهن لي على أن األلمان لم ينهزموا في معركــة المارن يقصد معركــة المارن الثانية في الحرب العالمية األولى، التي بدأت في 18 يوليو 1918 وانتهت بانتصار الحلفاء على األلمان وانتهاء الحرب لم أعد أميل إلى اعتماد رأيه، إن لم أقل: سالمة عقله! فضال عن ذلك فلدي من األسباب ما يدعوني إلى االعتقاد بأن

تعيينه لن يقابل بالرضا في الجيش المصري، أو من جانب البعثة العسكرية البريطانية«.

)10(البريطاني بعض ما خفف من ض وينقل الدكتور عبد العظيم رمضان عن الوزير المفو

صورة تطرف صالح حرب وعزيز المصري، وأثر وجودهما في وزارة علي ماهر الثانية.

وهو يشير إلى أنه تحدث مع علي ماهر نفسه في هذه الجزئية:

»ولعل الجمع في وزارة الدفاع الوطني بين هارب سابق من الجيش وشخص يعد في بيني أثر محادثة جرت أني على المثالية! على يبدو من األمور النزعة، ال ألماني اعتباري وبين األدميرال سير ج. ويلز، مدير المواني والمنائر الذي كان على صلة عمل وثيقة بصالح حرب باشا، وقد أبدى فيه رأيا طيبا رأيت من األوفق عدم إثارة هذه المسألة، خصوصا أن من المعروف أن الملك فاروق وعلي ماهر باشا مقتنعان اقتناعا كبيرا بمعرفة كل من صالح

حرب وعزيز المصري للصحراء الغربية«.

أبديت له به بعد تسلم مهام منصبه، حين الوزراء في أول لقاء لي »وقد أكد لي رئيس تخوفي من ناحية عزيز المصري باشا ما طمأنني؛ فقد أكد لي أنه إذا اتضح مع الممارسة أن

عزيز المصري ليس صالحا للمنصب الذي يشغله، فإنه سوف ينحيه عن منصبه«.

132

»وأستطيع أن أقرر من واقع ما جمعته من معلومات كافية عن الوزارة أن أية قرارات في الذي بك، عزام الرحمن عبد األوقاف وزير نصيحة أخذ قبل تتخذ لن العسكرية السياسة استدعي من أنقرة لتولي منصبه الجديد، فمعرفته بليبيا التي حارب فيها ضد اإليطاليين لسنوات

عديدة ال يباريه فيها أحد، وهو صديق شخصي لي منذ فترة طويلة، وأثق فيه ثقة تامة«.

»ويمكنني االطمئنان إلى أن علي ماهر باشا مقتنع بضرور العمل مع السفارة والتعاون رئيس لي عبر وقد ذلك، وأنه مصمم على الدفاع، في مسألة قلبيا، خصوصا تعاونا معها الوزراء بنفسه عن هذه المشاعر في وقت مبكر، ويمكنني الحكم من واقع محادثاتي اليومية معه بأنه يبدو مخلصا، وقد تم التفاهم بيننا في كثير من مطالبنا الدفاعية بصورة مرضية في

ساعات قليلة«.

)11(ومن الجدير باإلشارة ما تورده الوثائق البريطانية أن الملك فاروق في هذه الفترة كان قد صرح للبريطانيين بكل وضوح عن رغبته في التخلص من مظاهر الحكم الديمقراطي في

مصر، وأنه كان ال يجد حرجا في السخرية من بعض جوانب النظام الديمقراطي في بلده:

منافسة الدخول في الملك بمساعدة يعتزم باشا ماهر أن علي لي بحق تأكد »... وقد مع الوفد والقضاء على سيطرته على الجماهير تماما إذا أمكن، عن طريق ما سوف يحققه من عنصر يزاح سوف السياسي المسرح عن فعليا الوفد اختفاء وعند إنجازات، من

عناصر االنقسام!«.

»وقد قال لي الملك، بينما كان يبدي بعض اإلعجاب بالدكتاتوريات األوروبية: إنه ال يمكن االدعاء بأن النظم الديمقراطية تحظى بكل الفضائل، وإنما لكل من النظامين محاسنه، الحاضر، فمن األوفق لمصر على الوقت الحال في العصيبة، كما هو ولكن في األوقات وجه التأكيد أن تتخلى عن بعض جوانب النظام الديمقراطي التي ثبت عدم جدواها أو عدم إمكان تطبيقها، وأن تستبدل بها جوانب أخرى أكثر واقعية بحيث تؤدي إلى دفع البالد إلى األمام! وقال: إن البرلمان ويقصد به بدون شك مجلس الشيوخ حيث توجد أغلبية وفدية قد أصبح ال يزيد على جمعية للمناظرات بها ميل واضح إلى إثارة العقبات، وبها عدد من الموظفين الدائمين الذين ال يعملون شيئا إال تقاضي مرتباتهم، وإن علي ماهر باشا قد صمم

133

على أن يذيقهم جرعة من شرابه، على أن الملك طلب مني أال أصدق اإلشاعات التي تقول للمناقشة الكثيرة الفرص البرلمان أمام يكون فسوف مصر، في تقوم دكتاتورية هناك بأن عندما يستأنف دور انعقاده،ولكن على أعضائه أن يتذكروا أن الوقت المتاح لهم لم يعد بال

حدود!«.

)12(

ويشير الدكتور عبد العظيم رمضان إلى أن هذا التحالف سرعان ما تبخر على يد السفير مايلز المبسون الذي واجه علي ماهر بضرورة إعالن الحرب:

»على كل حال فإن هذا التحالف غير المقدس بين السفارة البريطانية من جانب، وكل من الملك فاروق وعلي ماهر باشا من جانب آخر، سرعان ما أثبت أنه تحالف هش عندما تعرض لالختبار عندما عاد السفير مايلز المبسون إلى القاهرة من إجازته في بلده في أواخر أغسطس،

ونفذ هتلر في أول سبتمبر 1939 وعيده بغزو بولندا واالستيالء على ممر دانزج«.

»فقد قابل المبسون علي ماهر في اليوم نفسه وطلب منه إعالن الحرب على ألمانيا في حالة إعالن بريطانيا الحرب عليها، وقد أجاب علي ماهر باشا بأن إعالن الحرب يستدعي

دعوة البرلمان، أما إعالن حالة الحرب فال يستدعيه«.

»وقال: إن الحكومة سوف تسير تدريجيا حسب الظروف والضرورات حتى تصل إلى حالة الحرب، وأثار مسألة ترك األلمان في مصر يسافرون بدال من اعتقالهم، وطلب منه أن

يعرفه برأي القادة العسكريين«.

الحرب حالة رسميا مصر تعلن أن يهمها البريطانية الحكومة بأن السفير أبلغه »ولما ضد ألمانيا، أرسل إليه يوم 2 سبتمبر 1939 كتابا سريا يتضمن استعداد الحكومة المصرية إلعالن حالة الحرب بمجرد دخول بريطانيا الحرب ضد ألمانيا، وكانت عبارة الكتاب كما

جاءت في كتاب سري آخر أرسل للسفارة في 9 سبتمبر 1939 على النحو اآلتي:

»عندما أبلغتموني أنه مما يرضي الحكومة البريطانية بصفة خاصة أن تعلن مصر أنها في حالة حرب مع ألمانيا، فإن الحكومة المصرية ردت في خطاب بتاريخ 2 سبتمبر يفيد أنها

134

على استعداد إلعالن حالة الحرب مع ألمانيا في الوقت الذي تدخل فيه بريطانيا الحرب ضد ألمانيا«.

)13(الحرب من خالل البريطانيين من دخول العظيم رمضان موقف الدكتور عبد ويضيء ما يعقب على الحديث عن موقف مصر من حليفتها، وهو زوايا لزاوية أخرى من قراءته يرويه بحقيقة تفسيره لموقف علي ماهر وفي هذا يقول الدكتور رمضان الذي اشترك مع أكثر

من زميل من زمالئه في وضع مؤلف عن الحرب العالميةالثانية:

»في ذلك الحين كان دخول مصر الحرب إلى جانب بريطانيا قائما في ذهن العسكريين البريطانيين عند نشوب الحرب، فقد كتب اللورد ولسن في مذكراته المعروفة باسم »ثمانية أعوام فيما وراء الحرب« يقول بالحرف الواحد: »لقد كان من المتوقع في حالة قيام الحرب، كتب كما المحور«، الحرب على تعلن بريطانيا كحليفة، إلى جانب فيها تشترك مصر أن المصري في الجيش يشترك أن لمعاهدة 1936، المتوقع، طبقا »إنه كان من يقول: أيضا

الحرب كحليف تحت القيادة البريطانية«.

»على كل حال ففيما يبدو أن علي ماهر لم يكن متحققا من إعالن بريطانيا الحرب على ألمانيا بسبب غزوها لبولندا، ففي مذكرة خاصة أرسلها علي ماهر باشا إلى القصر يوم الغزو،

ورد بها اآلتي:

»حادثني من برلين بالتليفون سعادة مراد سيد أحمد باشا في الساعة الواحدة بعد الظهر، وأخبرني أن هتلر خطب وقال: إنه أعلن الحرب على بولونيا )بولندا( للحصول على مدينة دانتزج والممر، وقال: إن الحرب بدأت الساعة الخامسة صباحا، ثم ذكر أنه ال يشكو شيئا من إنجلترا أو من فرنسا، ولذلك ال يعلن عليهما حربا، وسيبقى السفيران لتلقي تعليمات

حكومتيهما«.

يخلف هيس ثم جورنج، يخلفه بأن أوصى فقد وفاته حالة في أنه هتلر أعلن »وقد جورنج، وبعد هيس يترك األمر للرايشتاغ واألمة«.

»وقد قلت لمراد باشا أن ينتظر تعليمات الحكومة المصرية، فال يغادر مكانه إال بأمر«.

135

)14(ويرى الدكتور عبد العظيم رمضان أن تطور األمور فيما يتعلق بتجنيب مصر ويالت الحرب

قد سار في اتجاهات مختلفة عما كان علي ماهر نفسه يتوقعه:

»... طلب السفير البريطاني مايلز المبسون من علي ماهر باشا إعالن حالة الحرب مع ألمانيا، في مقابلته معه يوم أول سبتمبر 1939 أي بعد نشوب القتال بين ألمانيا وبولندا ولم تكن بريطانيا قد أعلنت بعد الحرب على ألمانيا، وعندما أبلغه علي ماهر باشا أن الحكومة السفير أجابه الحرب، حالة إلى تصل حتى والضرورات الظروف حسب تدريجيا تسير بأن الحكومة البريطانية يهمها أن تعلن مصر رسميا حالة الحرب! وعندئذ أبلغه علي ماهر الحرب العظمى بريطانيا بمجرد دخول اإلعالن المصرية إلصدار هذا الحكومة استعداد

ضد ألمانيا«.

..............................

الواقعة على مصر، والتي المنفذة لاللتزامات بدأ علي ماهر عددا من اإلجراءات وقد فرضتها المعاهدة بالمعنى الوارد في المادة السابعة من المعاهدة الخاصة بقيام حالة دولية مفاجئة يخشى خطرها، وذلك بناء على إخطار رسمي من السلطات البريطانية في يوم 24

أغسطس 1939.

ففي يوم 25 أغسطس أصدر علي ماهر باشا المرسومين رقمي 95 و 96 لسنة 1939، وأولهما خاص بالتدابير االستثنائية التي تتخذ لتأمين سالمة البالد، وثانيهما خاص بإحصاء

المؤن الالزمة لرجال الجيش والسكان المدنيين.

وفي 27 أغسطس أصدر المرسوم رقم 97 لسنة 1939 بحماية األسرار العسكرية.

وفي يوم 29 أغسطس أصدر المرسوم رقم 99 لسنة 1939 بإنشاء نظام لتفتيش السفن بميناء اإلسكندرية لحماية الميناء.

وفي يوم 31 أغسطس أصدر مرسوما بقانون بإنشاء »القوات المرابطة« من المجندين العسكرية، بالخدمة التزامهم مدة تنقض ولم العامل الجيش حاجة على يزيدون الذين وجعل مهمة هذه القوات في زمن الحرب القيام بحراسة المرافق العامة، وأداء الخدمات

136

العسكرية المختلفة وراء ميدان القتال، وفي الوقت نفسه دعا فريقا من الضباط االحتياطيين إلى االنضمام لفرق الجيش العامل!

)15(ويصل الدكتور عبد العظيم رمضان إلى القول بحدوث توافق بين علي ماهر والسفارة حالة إعالن على الموافقة في تأثيره له كان تحالفا[ رمضان الدكتور ]يسميه البريطانية

الحرب:

»... لم تكد إنجلترا تعلن الحرب هي وفرنسا على ألمانيا يوم 3 سبتمبر سنة 1939، حتى اجتمع مجلس الوزراء في بولكلي باإلسكندرية لمناقشة هذه المسألة،وكانت جلسة

طويلة استمرت إلى ساعة متأخرة من الليل«.

»ويفهم من المصادر الرسمية أن التحالف بين علي ماهر باشا والسفارة البريطانية كان له تأثيره في موقف الوزارة من إعالن حالة الحرب، فقد انعقد اجتماع الوزراء على إعالن ينتمي الذي بك الشوربجي مصطفى هو واحدا عضوا عدا ما ألمانيا، ضد الحرب حالة للحزب الوطني، الذي كان من رأيه أن ما اتخذته الوزارة من إجراءات حتى ذلك الحين هو فوق الكفاية، وأن المعاهدة ال تلزمنا بشيء أكثر من ذلك، وليس لمصر شأن في الخالف القائم اآلن، وأنه بصفته من أعضاء الحزب الوطني ال يوافق حتى يعرف ما تستفيده مصر من

وراء ذلك«.

»أما بقية الوزراء فقد وافقوا على إعالن الحرب مع ألمانيا، وكانوا فريقين: فريق الوزراء فريق وكان باشا، ماهر علي أنصار من المستقلين وفريق السعدي، الحزب إلى المنتمين الوزراء السعديين يتكون من محمود فهمي النقراشي باشا، ومحمود غالب باشا، والدكتور حامد محمود،وسابا حبشي بك، وإبراهيم عبد الهادي، أما فريق المستقلين فكان يتكون من محمد علوبة باشا، وعبد الرحمن عزام بك، ومحمد صالح حرب باشا، وعلي رأسهم علي

ماهر باشا«.

»وبالنسبة لفريق الوزراء السعديين فإنهم كانوا مع إعالن حالة الحرب على ألمانيا بدون تحفظ، وكان هذا الحزب قد أعرب عن رأيه في أثناء أزمة سبتمبر 1938 إلى جانب دخول الحرب، وقد حذر بعض شباب السعديين الذين كانوا يتلقون تعليمهم في فرنسا من أن تقف

137

مصر موقفا سلبيا في الحرب كما حدث في سنة 1914، بل ينبغي في حالة اشتراك مصر في الحرب كحليفة إلنجلترا أن يكون اشتراكها فيها كدولة محاربة، وفي هذه الحالة يجب على الحكومة أن تعلن التعبئة العامة! وكان اعتقاد السعديين أن الحرب لو قامت فسيكون النصر للمعسكر الديمقراطي؛ ألن هذا المعسكر أقدر على مواصلة الحرب من المعسكر المتحدة والواليات وروسيا وإنجلترا فرنسا تضارع التي القوة هذه فأين الدكتاتوري، في صغيرة أو متوسطة كثيرة أمم ومعهم مواردها ووفرة آفاقها، اتساع في الصين ومعهم

العدد والعدة!«.

)16(

والمصادر البريطانية للوثائق قراءاته خالل من رمضان العظيم عبد الدكتور ويلقي المصرية الضوء على بعض آراء الوزراء المستقلين الذين كانوا من اختيار علي ماهر نفسه،

وهي آراء تعبر عن وعي سياسي، وعن قدرة على فهم الظروف والمتغيرات الدولية:

اشتغالهم األربعة عن عرف فقد باشا ماهر علي أنصار المستقلين الوزراء فريق »أما العناصر من كانوا فقد وبالتالي فلسطين، مسألة خصوصا واإلسالمية، العربية بالقضايا الساخطة على إنجلترا لموقفها المتحيز لليهود،وكان المتوقع أن يكون موقفهم ضد فكرة باشا ماهر علي بين بالتحالف تأثر الموقف هذا ولكن ألمانيا، مع الحرب حالة إعالن والسفارة البريطانية، فكانوا مع إعالن حالة الحرب، وإن رأى عبد الرحمن عزام بك وزير األوقاف ورئيس القوات المرابطة االنتظار حتى يعود كل المصريين من الخارج، وكذلك البواخر المصرية؛ ألن في رفعها العلم المصري حماية لها من كل سوء ما دامت مصر ليست في حالة حرب مع أية دولة أخرى، أي أن عبد الرحمن عزام بك كان يرى إعالن حالة الحرب

بعد عودة المصريين والبواخر المصرية«.

الحرب، إعالن حالة مع كان الوطني الدفاع وزير باشا حرب محمد صالح أن »على وكذلك محمد علي علوبة باشا وزير الدولة للشئون البرلمانية، وكانت حجة محمد صالح تفتيش في كثيرة صعوبات تلقى المصرية الحكومة أن الدفاع، وزير بوصفه باشا، حرب بباخرة رومانية لم المحايدة بسبب عدم إعالنها حالة الحرب، وضرب مثال لذلك السفن

138

تقف للتفتيش إال بعد أن صوبت النار نحوها، وقال: إن هذه الحالة سببها الموقف الحالي وعدم إعالن حالة الحرب مع ألمانيا«.

»أما محمد علي علوبة باشا فقد ذكر أنه ما دامت قد قطعت العالقات مع ألمانيا، وتكدر صفو هذه العالقات، فليس هناك داع لالنتظار، ويجب إعالن حالة الحرب؛ ألن مصر أصبح مصيرها معلقا بمصير إنجلترا، وما دامت إنجلترا مسئوال عن الدفاع عن مصر، فيجب على كما بأسطولها تحميها فإنجلترا المصرية البواخر أما معها، جنب إلى جنبا تسير أن مصر

تحمي بواخرها سواء بسواء«.

»وقد كتب مايلز المبسون السفير البريطاني إلى حكومته يوم 4 سبتمبر يقول: إنه كان يوجد في البداية أربعة وزراء مترددين، لعدم اقتناعهم بأن مصر في وضع يسمح لها بمواجهة الهجمات اإليطالية، نظرا لقلة عدد القوات البريطانية التي كانت موجودة في ذلك الحين«.

»وقد ذكر علي ماهر باشا للسير مايلز المبسون أنه وإن كان شخصيا مستعدا إلعالن حالة الحرب، فإنه يريد أن يصدر القرار باإلجماع؛ ألن هذه أول حالة من نوعها تواجهها مصر وقد المترددين، زمالئه مخاوف إزالة ضرورة على أصر فقد ولذلك مستقلة، دولة وهي وافق على أن يطلب إلى عزام بك مناقشة اعتراضاته مع المستر بيتمان في السفارة البريطانية، وعلى أن يقابل وزير الحربية محمد صالح حرب باشا القائد العام للقوات البريطانية لبحث

مسألة عدد القوات والموقف االستراتيجي«

صبيحة حتى الحرب من باشا ماهر علي وزارة موقف هو هذا كان النحو هذا »على يوم 4 سبتمبر 1939، وقد كلف علي ماهر باشا األستاذ محمد كامل سليم السكرتير العام للمجلس بالتوجه إلى السفارة البريطانية لتبليغ السفير خالصة رأى المجلس، وبدا أن األمور

قد استقرت على هذا القرار لوال أن تدخل القصر ليقلب الموقف رأسا على عقب!«.

)17(سبتمبر بداية في جرت التي الحاسمة األحداث رمضان العظيم عبد الدكتور ويفسر

1939 تفسيرا ذكيا فيقول:

»في ذلك الحين كان الملك فاروق قد أخذ يمارس من وراء ظهر السفارة البريطانية في مصر جهودا في لندن إلقناع الحكومة البريطانية بالعدول عن فكرة إعالن مصر حالة الحرب

139

على ألمانيا، وذلك من خالل السفير المصري في لندن حسن نشأت باشا، الذي يتبعه بشكل مباشر، حيث كان الجهاز الدبلوماسي المصري في الخارج يتبع الملك من الناحية الفعلية،

وال يخضع للحكومة المصرية إال اسميا«.

»وقد قام السفير حسن نشأت باشا بالمهمة خير قيام، فقد قابل المستر بتلر الوكيل الدائم بوزارة الخارجية البريطانية، وأوضح له المزايا التي تترتب على وقوف مصر على الحياد، الواليات من الحرب ومواد والعتاد السالح بريطانيا شراء يسهل أن شأنه من ذلك إن إذ المتحدة عن طريق مصر،وقد أبدى المستر بتلر ارتياحه للفكرة، ووعد بعرضها على اللورد

هاليفاكس وزير الخارجية البريطانية«.

سبتمبر 7 بتاريخ برقية باشا ماهر إلى علي باشا نشأت حسن أرسل ذلك »وبناء على 1939 بخصوص مقابلته مع المستر بتلر في وزارة الخارجية في 6 سبتمبر، جاء فيها: »وقد اقترحت عليه شراء العتاد العسكري من الواليات المتحدة بواسطة مصر، إذ يتيسر القيام بها لورد يعرضه على باقتراحي، وسوف بتلر سر مستر دولة غير محاربة، وقد لكونها العمل

هاليفاكس«.

فاروق باشا، كان إلى ماهر البرقية المصري هذه السفير فيه الذي أرسل الوقت »وفي يبعث إليه برسالة عاجلة في هذا المعنى، موضحا أن برقية السفير المصري تؤثر على قرار الوزارة الذي اتخذ بشأن إعالن حالة الحرب في ألمانيا إذا وصل خطاب من السفير بضرورة

إعالن قيام حالة الحرب«.

1939 سبتمبر 8 يوم باشا ماهر علي البريطاني السفير قابل عندما ذلك على »وبناء الحرب حالة إلعالن الوزارة اشترطته الذي الخطاب توجيه على حكومته موافقة ليبلغه

على ألمانيا، كان موقف علي ماهر باشا قد تغير إلى النقيض!«.

)18(وال تفوتنا هنا اإلشارة إلى أن حسن يوسف ـ مستندا إلى هذا التعاقب لألحداث ـ يذهب في الفضل صاحب هو كان فاروق الملك أن إلى تماما، نوافقه ال كنا وإن مذكراته، في سياسة تجنيب مصر ويالت الحرب العالمية الثانية، وهو يحرص في مذكراته على أن ينزع هذا الفضل من علي ماهر ومن حكومته، وهو يروي قصة إعالن علي ماهر لألحكام العرفية

140

إنه حصل من عبد الحميد يبين فيه مدى تحمس علي ماهر لهذه األحكام حتى على نحو البرلمان وعرض بأنه »ال حاجة لدعوة باشا رئيس هيئة قضايا الحكومة على فتوى بدوي

المسألة عليه« وذلك على الرغم من أن البرلمان القائم في ذلك الوقت لم يكن وفديا.

)19(

مصر تجنيب في الفضل ينسب أن على يحرص ظل باشا يوسف حسن أن والواقع نظر مختلفة عن وجهات مقدما وجهة فاروق، الملك إلى الثانية العالمية الحرب ويالت نظر كثيرة للمؤرخين المصريين ولكتاب المذكرات والذكريات أشارت في مجملها إلى أن الفضل في هذا كان لعلي ماهر أو لوزارته، كما أن بعض هؤالء قد ذهبوا إلى نسبة الفضل إلى عبد الرحمن عزام بالذات، وإلى القول بأنه هو الذي تولى إقناع البريطانيين بأن بقاء مصر

على الحياد يمثل فائدة لها وللحلفاء في مواجهة المحور.

في مقابل هؤالء جميعا فإن حسن يوسف يقدم في مذكراته بعض تفصيالت دقيقة يرجع بها هذا الفضل مباشرة إلى لقاء عقد بين حسن نشأت سفير مصر في لندن في ذلك الوقت، ومستر بتلر الوكيل الدائم للخارجية البريطانية وأن السفير المصري أبرق إلى مصر بنتيجة هذا اللقاء، مما مكن مصر من تجنب ويالت الحرب،ومن الجدير بالذكر أن حسن يوسف كان واعيا لما استقر عن هذه الواقعة في أدبيات التاريخ المصري، ولهذا فإنه يشير إلى ما

يخالفه من آراء بقوله:

»... عرفت كما عرف الجميع أن علي ماهر هو الذي رفع شعار تجنيب مصر ويالت 1942 سنة يونيو في بالقصر التحقت أن إلى عندي قائما االنطباع هذا الحرب،وظل وكانت الحرب ال تزال مستمرة، فكنت أسمع الملك فاروق يتحدث كثيرا عن أنه هو من جنب مصر ويالت الحرب، وجاءت أحاديثي مع رئيس الديوان )أحمد حسنين( ووكيله مؤيدة بالديوان، المحفوظة والبرقيات الوثائق على واطالعاتي طلعت( الوهاب )عبد لهذا المعنى، ثم أتيحت لي بعد ذلك فرصة االطالع على الوثائق البريطانية، التي حصلت تكاملت وبذلك األهرام، بمؤسسة التاريخية والبحوث الوثائق لمركز منها صورة على

الصورة لدي.

141

)20(النهاية موقف بلورت في أنها يوردها حسن يوسف زاعما التي التفصيالت وهذه هي

الملك فاروق والحكومة القاضي بتجنيب مصر ويالت الحرب:

»... لم يكد يمضي أسبوع على تشكيل الوزارة الجديدة أي وزارة علي ماهر حتى بعث الحق ممارسة فيها يطلب الحكومة رئيس إلى بمذكرة البريطانية السفارة بأعمال القائم جميع تصرفهم تحت مصر تضع وأن مصر، في المتمركزة البريطانية القوات تعزيز في

التسهيالت والمساعدات الواردة بالمادة 7 من المعاهدة«.

»وفي أول سبتمبر، وقبل أن تعلن إنجلترا نفسها قيام حالة الحرب بينها وبين ألمانيا، بادر علي ماهر إلى إعالن األحكام العرفية، وإنشاء مصلحة للرقابة العامة ومراقبة النشر، وكانت الرقابة مشتركة بين مصر وبريطانيا، وقسمت البالد إلى أربع مناطق عسكرية، وتحركت فرق

الجيش المصري إلى مواقعها«.

»وفي 3 سبتمبر 1939 قطعت مصر عالقتها الدبلوماسية مع ألمانيا، وتم القبض على الرعايا األلمان ووضعت أمالكهم تحت الحراسة، وأغلقت قناة السويس في وجه السفن

المعادية«.

إعالن بضرورة مصر طالب البريطاني السفير فإن اإلجراءات تلك كل من »وبالرغم الحرب وقال: إن فكرة الموقف الوسط بين الحرب والحياد ليست إال فكرة وهمية، وإن موقف الحياد يخلق صعوبات في مواجهة أعمال التخريب والجاسوسية، ثم أشار إلى أن

مصر تقوم بدور رائد في العالم العربي، وعليها أن تكون قدوة للعراق وغيرها«.

)21(

يتعلق فيما باشا ماهر علي نظر وجهة عن التعبير يجيد يوسف حسن أن الحق ومن بالمفاوضات مع الحليف البريطاني حول موقف مصر من الحرب العالمية الثانية وإن كان حسن يوسف ينسب إلى علي ماهر بعض آراء وزرائه على نحو ما عرفناها فيما نقلناه من

نصوص:

142

»وكانت وجهة نظر علي ماهر باشا التريث كسبا للوقت ومسايرة للرأي العام، وإلى أن يعود الرعايا المصريون الذين كانوا في ألمانيا وقت قيام الحرب، وإلى أن يتم التجاء السفن التجارية المصرية التي كانت في عرض البحر إلى مراس آمنة، وكذلك أشار رئيس الوزراء المصري الجيش بتزويد طالب كما مصر، إلى فلسطين قوات من لواء نقل ضرورة إلى

بالمدافع الحديثة، وتسليح الجيش المرابط وعدده نحو عشرة آالف بالبنادق«.

»تكررت زيارة السفير البريطاني لرياسة مجلس الوزراء يومي 6 و 7 سبتمبر )1939(، وأمام هذا الضغط المتواصل المتزايد وافق مجلس الوزراء بجلسته المنعقدة باإلسكندرية مساء 7 سبتمبر على إعالن حالة الحرب ضد ألمانيا، وإنما علق موافقته على خطاب يبعث به السفير البريطاني إلى ماهر باشا يقول فيه: »إن إجراءات إعالن األحكام العرفية في مصر وقطع العالقات مع ألمانيا لم تكن كافية لمواجهة التدابير الالزمة للمحافظة على أمن البالد

وسالمة القوات البريطانية، وأن المطلوب هو إعالن قيام حالة الحرب«.

مجلس عام سكرتير سليم كامل محمد األستاذ ماهر علي أوفد نفسه اليوم »وفي الوزراء إلبالغ هذا القرار إلى السفير البريطاني، وليوضح له أن الخطاب المشار إليه يغني أن التي سبق للمعاهدة تنفيذا يعتبر الحالة إنه في هذه إذ إلى االنعقاد، البرلمان عن دعوة

أقرها البرلمان«.

»عرض السفير البريطاني األمر على حكومته التي وافقت على توجيه الخطاب المشار تغير، قد الموقف بأن ما كانت مفاجأته مقابلة علي ماهر، ولشد إلى السفير إليه، وسارع مستر قابل بأنه سبتمبر 7 بتاريخ لندن في مصر سفير من برقية تلقى ماهر علي أن ذلك بتلر الوكيل الدائم بوزارة الخارجية وأوضح له المزايا التي تترتب على وقوف مصر على عن الحلفاء إلى أمريكا من والعتاد السالح ورود يسهل أن شأنه من ذلك إن إذ الحياد، بعرضها ووعد الفكرة، لهذه ارتياحه أبدى بتلر مستر إن باشا: نشأت وقال مصر، طريق

على لورد هاليفاكس وزير الخارجية«.

)22(ويؤثر حسن يوسف النقل عن مذكرات السفير البريطاني وبرقياته التي تبين بوضـوح عن

أن علي ماهر بدأ التراجع عما كان قد وافق عليه من دخول مصر الحرب:

143

»ولندع السفير البريطاني يسجل لقاءه هذا مع علي ماهر، إذ يقول في برقية رقمها 562 بتاريخ 8 سبتمبر 1939:

»سلمت مذكرة إلى رئيس الوزراء في الساعة العاشرة من هذا المساء.. وقد وافق على سلمني أن يلبث ولم الماضية. الليلة في هو اقترحها التي العبارات مع تماما متفقة أنها صورة برقية تسلمها لتوه من سفير مصر في لندن بتاريخ 7 سبتمبر بخصوص مقابلته مع مستر بتلر في وزارة الخارجية في 6 سبتمبر مع توجيه االنتباه إلى الجملة اآلتية )اقترحت القيام بهذا العتاد العسكري من الواليات المتحدة بوساطة مصر، إذ يتيسر لها عليه شراء العمل لكونها دولة غير محاربة( وقد سر مستر بتلر باقتراحي وسوف يعرضه على اللورد

هاليفاكس«.

»ويستطرد السفير فيقول: »وقد الحظ رئيس الوزراء أن هذا قد غير األمور، وأن من رأى زمالئه أن هذا الوضع يؤثر أساسا على القرار الذي اتخذوه باألمس، وأن الملك فاروق قد بعث إليه برسالة عاجلة في نفس المعنى، وقد علقت على هذا بقولي: »إنني آمل أال ينزلق

جاللة الملك إلى عمل قد ال تحمد عقباه..«.

»وفي اليوم التالي عندما قدم علي ماهر مذكرة من عبد الحميد بدوي باشا رئيس لجنة قضايا الحكومة مؤيدة لرأي الحكومة في التريث وضرورة عرض األمر على البرلمان، قال المذكرة، وأضاف أن مذكرة بدوي الملك فاروق حضر إعداد هذه إن للسفير: باشا ماهر

تفرق بين الحرب الهجومية والحرب الدفاعية«.

»قال السفير في برقية بتاريخ 8 سبتمبر: أما فيما يختص بدولة رئيس الوزراء فقد قلت كتابة بما عاهدني عليه الوفاء البريطانية فشله في للحكومة أفسر تامة كيف إنني في حيرة أساء ما سبقها، وقد يكون سفير مصر فتعليماتكم األخيرة نسخت بوضوح كل وشفاهة؟ فهم الحديث مع مستر بتلر، وعلى أي حال فقد تمت المقابلة بينهما منذ يومين وأصبحت

غير ذات موضوع«.

»ثم قال السفير: هل كان علي ماهر يريد حقا أن أبلغكم أنه قد خذلنا مرة أخرى، بعد أن كان قد قدم لنا صيغة الخطاب الذي طلب أن نوجهه إليه؟ فليضع نفسه في مكان فخامتكم

ويتصور األثر الذي ال بد أن يحدثه تقريري هذا لديكم«.

144

»ولم أحاول أن أخفي شعوري، وحذرته مرة أخرى من أثر ذلك على الحكومة البريطانية، المساء عن دخول الفرنسية هذا اإلذاعة يكون ألخبار يحتمل وقد الموقف ال أصبح لقد

القوات األلمانية مدينة فارسوفيا بعض األثر فيه، ولو أني ال أملك دليال عليه«.

»وإذا ما تلقيت إيضاحا يبدد سوء الفهم الذي وقع فيه سفير مصر في لندن فإنني سأعاود ة في شأن مطالبنا«. الكر

ثم يلخص حسن يوسف ما حدث بعد ذلك فيقول:

»لم تشأ الحكومة البريطانية أن ترد على مذكرة بدوي باشا، أو أن تدخل في مناقشة قانونية حول الحرب الهجومية والحرب الدفاعية، وقد أبرق اللورد هاليفاكس في 12 سبتمبر إلى سفيره في مصر ينصحه بذلك وبأن يوقف الضغط على الحكومة المصرية ألن إعالن قيام حالة الحرب يتطلب موافقة البرلمان، وألن الفرصة التي أتاحها قرار مجلس الوزراء الصادر

في 7 سبتمبر قد ضاعت«.

)23(كان حين سبتمبر 8 في حدثت التي المفارقة رمضان العظيم عبد الدكتور ويلخص السفير البريطاني يقدم خطابا تطالب فيه بريطانيا بإعالن حالة الحرب، بينما كان علي ماهر

يقدم للسفير خطاب الخارجية البريطانية المعبر عن اقتناعها بمزايا حياد مصر:

»... لم تكد إنجلترا وفرنسا تعلنان الحرب على ألمانيا يوم 3 سبتمبر 1929 حتى اجتمعت وزارة علي ماهر في اليوم نفسه وقررت بإجماع آراء وزرائها إعالن حالة الحرب ضد ألمانيا، ما عدا عضو الحزب الوطني مصطفى الشوربجي، ولكن عبد الوهاب طلعت باشا، الذي كان قائما بأعمال رئاسة الديوان الملكي، سارع إلى الملك فاروق في قصر المنتزه ليقنعه بأفضلية وقوف مصر على الحياد، وقد وافق فاروق على الفور وطلب إليه إبالغ علي ماهر بذلك فعدل علي ماهر عن قرار الوزارة وأبلغ السفير البريطاني مايلز المبسون بهذا العدول يوم 4 سبتمبر،ولكن السفير أخذ يمارس ضغوطه على علي ماهر يومي 6 و 7 سبتمبر لكي تعلن الوزارة حالة الحرب، ولم تجد الوزارة مفرا من اإلذعان، لكنها علقت موافقتها على ألمانيا على الحرب حالة إعالن إليها يطلب البريطانية الحكومة من إليها خطاب وصول تحت ذريعة أن اإلجراءات التي اتخذتها وزارة علي ماهر من إعالن األحكام العرفية وقطع العالقات مع ألمانيا غير كافية لمواجهة التدابير الالزمة للمحافظة على أمن وسالمة القوات

145

البرلمان إلى البريطانية، واعتبر علي ماهر باشا هذا الخطاب ضروريا ألنه يغني عن دعوة الذي الوقت في أنه البرلمان، على أقرها أن التي سبق للمعاهدة تنفيذا يعتبر إذ االنعقاد، الملك فاروق يمارس البريطاني يستصدر من حكومته هذا الخطاب، كان السفير فيه كان جهوده في لندن من خالل سفيره حسن نشأت باشا، الذي كان يتبعه بشكل مباشر، إلقناع الحكومة البريطانية بمزايا وقوف مصر على الحياد في تسهيل شراء بريطانيا السالح وموارد الحرب من الواليات المتحدة عن طريق مصر، وعلى ذلك لم يكد السفير البريطاني يحصل من حكومته على خطاب مطالبة علي ماهر باشا بإعالن حالة الحرب ضد ألمانيا حتى كان الخارجية لوزارة الدائم الوكيل باقتناع يفيد سفيره من مضاد خطاب على يحصل فاروق البريطانية بفكرة الحياد وعزمه على عرضها على اللورد هاليفاكس، وهكذا لم يكد السفير البريطاني يقدم إلى علي ماهر باشا خطاب المطالبة بإعالن حالة الحرب حتى كان علي ماهر باشا يقدم له خطاب السفير المصري الذي يفيد باقتناع الخارجية البريطانية بمزايا الحياد! وفي اليوم التالي 9 سبتمبر كان علي ماهر باشا يوجه للسفير البريطاني خطاب االعتذار عن

عدم إعالن حالة الحرب«.

)24(ومن اإلنصاف لعلي ماهر ومستشاريه ومعاونيه أن ننقل ما يثني به الدكتور عبد العظيم

رمضان على المهارة الفائقة التي عبر عنها خطاب االعتذار عن عدم إعالن الحرب:

»... ونالحظ على خطاب االعتذار عن عدم إعالن حالة الحرب الذي قدمه علي ماهر باشا، أنه صيغ بمهارة فائقة، واستند إلى أسباب وجيهة، وكان أول هذه األسباب أن التحالف ضد المباشر االعتداء حالة في إال مفعوله يسري ال 1936 معاهدة في عليه المنصوص بذلت أنه باشا ماهر علي ذكر الذي المباشر غير االعتداء حالة على ينص ولم بريطانيا، الوجهة من مصر في داخلية صعوبات يثير قد الذي األمر لتعريفه، مجدية غير محاولة

الدستورية.

األول قرارها اتخذت عندما المصرية الحكومة تقدير في كان أنه الثاني السبب »أما باستعدادها إلعالن الحرب على ألمانيا بمجرد دخول بريطانيا الحرب، أن هذه الحرب هي القطر ضد حربية عدوانية،وعمليات أعمال عنها تنشأ وإيطاليا ألمانيا من مزدوجة حرب

146

المصري، لكن هذا التقدير لم يتحقق، إذ احتفظت إيطاليا بحيادها فأصبحت الحالة لها وجه آخر هنا يعقب الدكتور عبد العظيم رمضان بقوله إن هذه الحجة سوف تزول عندما تدخل

إيطاليا الحرب، األمر الذي سوف يترتب عليه موقف آخر وأزمة أخرى!«.

حربية وعمليات عدوانية ألعمال مصر تعرض فكرة ألن نظرا أنه الثالث السبب »أما كانت وراء قرار الحكومة األول بإعالن حالة الحرب على ألمانيا، فقد كان ذلك ما دعاها إلى طلب وحدات عراقية للمشاركة في الدفاع عن القطر المصري، كما دعاها إلى اإللحاح في تعزيز القوات البريطانية، وأن يورد للجيش المصري األسلحة والذخائر التي كانت في أشد الحاجة إليها. أما السبب الرابع في عدول الحكومة المصرية عن إعالن حال الحرب على ألمانيا، كما ذكر علي ماهر باشا، فهو أنه على الرغم مما اتخذته الوزارة من تدابير ضد ألمانيا وضد رعاياها، فإن هذه التدابير لم تدفع الحكومة األلمانية إلى الحرب على مصر، مصر تعلن أن مصر، على الحرب ألمانيا إعالن قبل من المالئم، غير من يكون ثم ومن اتخاذ تدابير الحالة إذا تطلبت حالة الحرب عليها، وعلى ذلك، كما قال علي ماهر باشا، جديدة من شأنها أن تكون داعية إلعالن حالة الحرب على ألمانيا، فإني لن أتردد في القيام

باإلجراءات التي تقتضيها القواعد الدستورية في هذه الحالة«.

)25(وبدهاء شديد يلفت الدكتور عبد العظيم رمضان النظر إلى عنصر المفارقة في مسارعة ما هو ممكن بكل فيه يقاوم الذي كان الوقت العرفية، في إلى إعالن األحكام ماهر علي فكرة إعالن الحرب على ألمانيا، ويعتمد الدكتور عبد العظيم رمضان في تفسيره على طبيعة

وزارات القصر التي هي بطبيعتها بحاجة إلى مثل هذه األحكام:

»في الوقت الذي كانت فيه فكرة إعالن حالة الحرب على ألمانيا تتخذ شكل شد وجذب القصر تدخل بعد البريطانية، والحكومة باشا، ماهر علي برياسة المصرية الحكومة بين الملكي ضد فكرة إعالن حالة الحرب على ألمانيا، كان هناك شد وجذب آخر في البرلمان

المصري حول فكرة إعالن األحكام العرفية«.

ونحن نعرف ونكرر أن علي ماهر باشا كان قد سارع إلى فرض األحكام العرفية، وعين ألمانيا! وقد كان هذا الحرب على بريطانيا نفسه حاكما عسكريا، وذلك من قبل أن تعلن

147

اإلعالن بمثابة استجابة فورية لطلب السير مايلز المبسون الذي كان قد عاد إلى مصر من زيارته لوطنه بسبب تدهور الحالة الدولية.

)26(البرلمان للحصول على موافقته على قراره، إلى دعوة ومع هذا فقد اضطر علي ماهر األحكام فرض على موافقته على الحصول في واجهته التي الصعوبات نعرف ونحن العرفية، والتبريرات التي حاول أن يتغلب بها على هذه الصعوبات،كما نعرف كيف فشلت محاولته في القفز على ما نص عليه الدستور، واضطراره إلى »عرض« الموضوع بعد أن كان قد أراد أن يختزل األمر إلى »إبالغ« البرلمان فحسب ذلك أن المادة 45 من الدستور كانت تنص على وجوب عرض إعالن األحكام العرفية على البرلمان فورا ليقرر استمرار األحكام العرفية أو إلغاءها، وأنه إذا وقع ذلك اإلعالن في غير دور االنعقاد، وجب دعوة البرلمان

لالجتماع على وجه السرعة التخاذ القرار«.

ولما كان البرلمان عند نشوب الحرب في غير دور االنعقاد، فقد كان من الواجب على وزارة علي ماهر باشا دعوته على وجه السرعة، على أن علي ماهر باشا تباطأ في دعوة البرلمان،

فلم يجتمع البرلمان لمناقشة المرسوم إال بعد شهر كامل، أي في يوم 2 أكتوبر 1939.

وفي الوقت نفسه أراد علي ماهر باشا أن يسلب البرلمان حقه في إقرار استمرار األحكام أن العادي على غير لالنعقاد البرلمان في مرسوم دعوة ينص أن فتعمد إلغائها أو العرفية األحكام مرسوم »عرض« وليس العرفية األحكام بإعالن البرلمان »إبالغ« هو الغرض

العرفية عليه كما فعل مع المراسيم األخرى التي صدرت بعد فض الدورة العادية!

وفي محاولة من الحكومة لعدم مواجهة األغلبية الوفدية في البرلمان صرح عبد الحميد بدوي باشا رئيس لجنة قضايا الحكومة بأن مرسوم األحكام العرفية إنما صدر تنفيذا لقانون المعاهدة، ولم يصدر تنفيذا لقانون نظام األحكام العرفية رقم 15 لسنة 1923 الذي صدر

تنفيذا للمادة 45 من الدستور.

إنما الدستور، من 45 للمادة تنفيذا صدر الذي العرفية األحكام نظام قانون إن وقال أصدره الذي المرسوم ولكن إرادتها، بمحض الحكومة تنشئها لمصر ذاتية بحالة يتعلق علي ماهر باشا يتعلق بحالة ذاتية لدولة أخرى يراد قضاء حاجتها بهذا النظام، فهذه األحكام

148

العرفية التي أعلنت إنما أعلنت تطبيقا لقانون المعاهدة،وهي تقوم وتسقط بصفتها تنفيذها للمعاهدة، وال تقوم لتعني قرارا باالستمرار أو اإللغاء من البرلمان!

المعتاد وأعلن التحرك بدأ فقد الوفد، الشيوخ لحزب ولما كانت األغلبية في مجلس رئيس مجلس الشيوخ أنه تلقى اقتراحا بتأليف لجنة للنظر في المرسوم الخاص باألحكام الوفديين، من أربعة من اللجنة تؤلف أن على المجلس، إلى عنه تقرير وتقديم العرفية، رياسة وأسندت المستقلين، من وثالثة الدستوريين، من وواحد السعديين، من وواحد

اللجنة إلى عبد الفتاح يحيي باشا، وقد وافق المجلس على هذا االقتراح.

إعالن عرض ضرورة في صريح الدستور أن إلى باإلجماع اللجنة هذه وقدانتهت لقانون أم للقانون رقم 15 لسنة 1923، تنفيذا أكان البرلمان سواء العرفية على األحكام

المعاهدة، وذلك إلصدار رأي قاطع باالستمرار أو اإللغاء.

ا من اإلذعان، فأعلن أن الموضوع وفي مواجهة هذا اإلجماع لم يجد علي ماهر باشا بدالمطروح هو »عرض« مرسوم األحكام العرفية ليقرر المجلس استمراره أو عدم استمراره.

)27(

التي دارت حول العظيم رمضان للمناقشات الدكتور عبد ننقل تلخيص بنا أن ويجدر »حدود« األحكام العرفية التي تفرض في مثل هذه الظروف:

»وعند ذلك أخذت اللجنة تتوافر على بحث الموضوع، فاستفسرت أوال من الحكومة عن الكيفية التي طلب بها إعالن األحكام العرفية، وحدود الطلب، وقد أجاب عبد الحميد الحكومة من فيه تطلب رسمية بطريقة البريطانية السفارة من جاء الطلب بأن باشا بدوي المصرية بصفة المعونة المنصوص عليها في المادة السابعة من المعاهدة، إعالن األحكام إيجاد نظام المطبوعات والصحف، وبصورة الرقابة على العرفية وتنفيذها مباشرة بصورة

لتفتيش السفن«

»عندئذ رأى بعض أعضاء اللجنة أنه نظرا ألن األمن والنظام مستتبان في البالد، فإن إعالن األحكام العرفية يجب أن يقتصر على التدابير التي تقتضيها حماية المصالح العسكرية«.

149

يستدعي العرفية األحكام تنفيذ أن بحجة الرأي، هذا رفض باشا ماهر علي أن »على السرعة، وال يمكن تجزئة اإلجراءات العسكرية عن غيرها، حفظا لسالمة الجيش، وسرعة

تموينه، وما يتعلق بهذا من إجراءات كثيرة متنوعة!«.

اإلجراءات العرفية على األحكام لقصر باشا ماهر الرفض من جانب علي »وإزاء هذا العسكرية، كان على اللجنة أن تقرر استمرار األحكام العرفية بالصورة الشاملة التي يريدها علي ماهر باشا، أو عدم الموافقة على استمرارها، ولما كان الوفد هو صاحب األغلبية في مجلس الشيوخ، كما ذكرنا، فقد وقفت األغلبية من أعضاء اللجنة إلى جانب عدم الموافقة على استمرار األحكام العرفية، بينما وقفت األقلية إلى جانب استمرارها مع بعض التحفظات، وكان في وسع علي ماهر باشا اإلذعان لما تقرره اللجنة وال تثريب عليه من جانب اإلنجليز

لكنه آثر أن يخوض معركة حامية في المجلس لصالح استمرار األحكام العرفية«.

..............................

هكذا تتضح لنا الصورة الكاملة في جزئية ظلت أدبيات التاريخ تأخذها على علي ماهر، وهي أنه أعلن األحكام العرفية على مصر عند قيام الحرب العالمية الثانية! وذلك على الرغم

من أن بريطانيا نفسها لم تعلن األحكام العرفية في بالدها! وال في مستعمراتها!

العرفية معركة حامية في مجلس األحكام إعالن أجل باشا من ماهر وقد خاض علي الشيوخ دفاعا عن بقاء األحكام العرفية حتى استطاع الحصول على أغلبية 68 صوتا ضد 59 صوتا، وهو ما يدلنا على حقيقة أن التصويت في البرلمان متعدد االتجاهات كفيل بأن يصل إلى الصواب مهما حدث من تربيط وانحياز، وقد كانت حكومة علي ماهر باشا في ذلك الحين مكونة من السعديين وأنصار علي ماهر، ومع ذلك فقد عانت من أجل الحصول

على هذه األغلبية الضئيلة.

)28(ونأتي إلى مقدمات المرحلة الثانية من مراحل الجدل حول إعالن مصر للحرب الحالة الحرب، وهي المرحلة التي بدأت بإعالن إيطاليا الحرب على بريطانيا وفرنسا، مما خلق

وضعا جديدا أصبحت الحرب فيه على أبواب مصر:

150

والواقع أن علي ماهر باشا لم يكن يدرك أن تطورات الحرب سوف تحدث سريعا على نحو ما وقع بالفعل، ففي يوم 10 يونيو أعلنت إيطاليا الحرب على بريطانيا وفرنسا، وبذلك الحرب ويالت مصر تجنيب فكرة دخلت مصر،وهكذا أبواب على الحرب أصبحت

مرحلتها الثانية!.

وكان دخول إيطاليا الحرب قد أصبح حتما بعد أن حققت ألمانيا انتصارها الساحق على فرنسا وبريطانيا بهجومها الكبير في 10 مايو 1940 الذي احتلت به هولندا، وشمالي فرنسا، دكرنك انسحاب بعملية القيام إلى مايو 28 في والفرنسية اإلنجليزية القوات واضطرت

الشهيرة، كما سلمت بلجيكا، وسقطت النرويج والدنمارك في يد األلمان.

نتيجة من تحققت أن بعد فرنسا على الحرب إيطاليا أعلنت يونيو 10 وفي وطلب باريس، سقطت يونيو 14 ففي وأكثر أكثر األمور تطورت ما الحرب،وسرعان الثانية التحول يونيو 1940. وقد كانت هذه هي نقطة الهدنة في يوم 17 بيتان الماريشال في الحرب العالمية الثانية، التي ضغطت على يد مصر للدخول في الحرب، ذلك أن دخول جديدة جبهات ثالث فتح لبريطانيا، بالنسبة يعني، كان ألمانيا جانب إلى الحرب إيطاليا في مصر، والسودان، والصومال، وتهديد مواصالتها في البحر المتوسط، وبالتالي كان من الطبيعي أن يتغير موقف بريطانيا من فكرة إعالن مصر الحرب على ألمانيا، بعد أن كانت قد قبلت فكرة عدم دخول الحرب، على أساس ابتعـاد مســرح الحرب عن مصر في أوروبا،

لكن دخول إيطاليا الحرب قد نقل مسرح الحرب على حدود مصر مباشرة.

وقد كان من المنطقي إذا أن تصبح فكرة تجنيب مصر ويالت الحرب مجرد فكرة خيالية فقد كان من بريطانيا ناحية العظيم رمضان »فمن الدكتور عبد يقول للتنفيذ كما قابلة غير أن تصبح مصر خطرا على يعني ما الحربية، وهو لعملياتها قاعدة تتخذ مصر أن الطبيعي إيطاليا، ومن ناحية إيطاليا فقد كان من الطبيعي أن يدفعها هذا العمل إلى مهاجمة القوات البريطانية في مصر، وهو ما يعني أن تصبح مصر بالضرورة مسرحا للحرب أرادت أم لم ترد،

وعندئذ كيف يمكن تجنيب مصر ويالت الحرب بينما هي نفسها مسرح الحرب«.

»هنا أصبح واضحا في ذلك الحين لبريطانيا أن وقوف مصر إلى جانبها في هذه المحنة التاريخية، التي لم تتعرض لها منذ أيام نابليون، يتطلب اقتناعا بالنظام الليبرالي، وإدراكا بما يتهدده من خطر على يد الفاشية األلمانية واإليطالية، واستعدادا للقتال إلى جانب بريطانيا

151

على القيود تمثله الذي الخطر من أكبر مصر على خطرا تمثل باعتبارها الفاشية لدحر االستقالل الواردة في معاهدة 1936«.

)29(

ويحرص الدكتور عبد العظيم رمضان على التأكيد على فكرته القائلة بأن علي ماهر لم يكن مقتنعا بالنظام الليبرالي، وأنه كان هو والملك فاروق تحت تأثير معاد للحلفاء وموال

للمحور، وأن البريطانيين كانوا منتبهين كل االنتباه إلى هذه التوجهات:

»ولم يكن هذا االقتناع بالنظام الليبرالي متوافرا في حكومة علي ماهر باشا التي تستمد قوتها من ثقة القصر وليس من ثقة الشعب، كما لم يكن متوافرا في القصر الذي رأينا )...( الحاشية بفضل اإليطالي النفوذ يسوده كان وكيف بإيطاليا، تاريخية صلة على كان كيف اإليطالية التي تحيط بفاروق، وكيف كان يروج لفكرة الحياد على يد إسماعيل صدقي باشا في البرلمان، كما أجرى اتصاال مباشرا بوزير الخارجية اإليطالية شيانو من خالل وزير مصر المفوض في ألمانيا، والسفير البريطاني في ألمانيا يستفسر عما إذا كانت إيطاليا سوف تساند

فاروق إذا ترتب على إعالن مصر حيادها تدخل مباشر من جانب بريطانيا«.

»ولم يخف نشاط مراد سيد أحمد باشا عن عين بريطانيا، فقد سارع السفير البريطاني المبسون إلى مقابلة علي ماهر باشا في 5 يونيو 1940، وسأله دون مواربة عما إذا كان يتبع معه سياسة ذات وجهين؟ وقد أنكر علي ماهر هذا االتهام بحرارة، فأشار المبسون إلى ما كتبته جريدة »البالغ« الحكومية مما يبدو واضحا منه أنها تقصد تهيئة الرأي العام المصري لفكرة عدم دخول الحرب! وطلب إلى علي ماهر باشا أن يتذكر ما سبق أن قاله األخير له من أنه ال يتصور أال تصل الحرب إلى مصر مع وجود األسطول والجيش البريطاني فيها، فلم إذا

يضلل الرأي العام بالسماح، إن لم يكن بتشجيع اآلراء المخالفة؟«.

»وانتقل المبسون إلى مسألة السياسة ذات الوجهين لعلي ماهر باشا، فسأله عما إذا كان يعرف ما يفعله وزيره المفوض في بريطانيا؟ وعندما أجابه علي ماهر باشا باإليجاب سأله: إذا فهل يعرف ما وصل إليه من تقارير موثوق بها بأن هذا الوزير في روما يعمل من أجل حياد

مصر،ويظهر عدم والئه للمعاهدة؟«.

152

»في الوقت نفسه تقريبا )2 يونيو 1940( كان المبسون يفعل المثل مع الملك فاروق، فقد انتهز فرصة تقديم مارشال الجو الجديد إليه ليختلي به، ويثير معه االستعدادات لمواجهة الهجوم اإليطالي، ثم يمضي مباشرة إلى هدفه، منددا بماسمعه في ذلك الوقت عن مسألة

الحياد المصري التي كانت تتردد في الدوائر المطلعة!«.

إقامة بتحديد الذي أصدره بالحديث عن األمر الموقف فاروق من هذا »وقد تخلص أشد أنه مستعد التخاذ األمر على بهذا واستدل الطائش، بسبب تصرفه فريدة الملكة عم

الخطوات فيما يختص بأعضاء األسرة المالكة«.

العمل هذا يواصل أن أيضا وسعه في كان إذا عما بالسؤال فاجأه المبسون أن »على الطيب، ويطبقه على إسماعيل صدقي باشا وابنته، باعتبارهما من أبرز عمالء الطليان؟«.

»في ذلك الحين كان الترويج لفكرة امتناع مصر عن دخول الحرب قد أخذ يتزايد، ولم يتم ذلك سرا، بل ظهر على صفحات الصحف، ومن هنا كان تحذير المبسون لعلي ماهر باشا ومطالبته بمنع نشر تلك الفكرة الخطرة والمضللة، بل العمل على أن تظهر في الصحف

المقاالت التي تخدم فكرة إعالن الحرب«.

..............................

علي البريطانيون أخرج حيث جميعا نعرفه الذي سبيلها في تسير األمور كانت هكذا ماهر من رياسة الوزارة، وأجهضوا حلمه في العودة إلى رياسة الديوان على نحو ما نصل

إليه في نهاية هذا الباب.

)30(وها نحن أتينا إلى نهاية عهد هذه الوزارة.

كان خروج علي ماهر من وزارته الثانية في 1939 خروجا مهينا بكل ما يمكن أن تعنيه هذه الكلمة، فقد أرغمه اإلنجليز على االستقالة على الرغم من أن أجواء الحرب العالمية واعيا يكن لم ماهر علي أن ويبدو ،)!!( وخياالته أفكاره صالح في تمضي كانت الثانية بالقدر الكافي بمنطق األحداث وال بتجارب التاريخ، وكان في هذا صورة مكبرة من صورة

الملك فاروق وكثير من أمثالهما.

153

ألكثر عرضته التي الرهانات وهي الخاسرة رهاناته على مقيما ماهر علي ظل وقد أراه ال فإني هذا، موقفه من كسب أنه يرى المؤرخين بعض أن ومع صعب، موقف من

قد كسب.

ولم يقف علي ماهر في إيمانه بهذه الرهانات عند حد خروجه من الوزارة، لكنه واصلها في عهد وزارتي حسن صبري وحسين سري ثم في عهد وزارة الوفد حتى انتهت رهاناته ولعبه من أجلها باعتقاله في سابقة لم تحدث لمن هم من طبقته، ولنتذكر في هذا الصدد أن

علي ماهر كان حائزا لرتبة صاحب المقام الرفيع.

ويجدر بنا أن أن نثبت هنا بعض عبارات األستاذ محمد السوادي في تصوير موقف علي ماهر في 1939.

يقول السوادي:

»... وإنما يهمني أن أقول إن كل أحالم علي ماهر قد تبددت.. وأرغم على االستقالة.. بهذه يحتفظ أن عليه وأن الشعب.. تشريفات دفتر في اسمه قيد أنه يقينه وفي فاستقال البطولة عن طريق الشغب البرلماني تحت القبة تحميه الحصانة البرلمانية.. فإذا انتصر هتلر فالمستقبل واضح.. وإذا ضعف اإلنجليز واحتاجوا إليه وثب إلى الحكم مرة أخرى.. وإن طال المدى فاحتراف الشغب البرلماني مهمة هينة.. ثم عليه أن يثير الجمعيات المتطرفة في

الوطنية والجمعيات اإلسالمية ضد بريطانيا«.

يصور األستاذ السوادي هذا الجو على هذا النحو، وسرعان ما يعقب فيقول:

»ولكنه لم يكن رجل ذلك الميدان«.

)31(أما الدكتور محمد حسين هيكل فيصور األمور تصويرا تحف به البالغة من كل جانب

ويقول:

الفرنسي الجيش تراجع أن إلى بولونيا في الحرب بدأت منذ أشهر ثمانية »انقضت وحلفاؤه البريطانيون في شمال فرنسا، وفي هذه األثناء كان الشعور في مصر يزداد إعجابا باأللمان، وبتفوقهم المنقطع النظير، ويزداد تبعا لذلك إعراضا عن إنجلترا يأسا من فوزها،

154

حدودها أضيق في المعاهدة تنفيذ على الحرص من تبدي باشا ماهر علي وزارة وكانت األلمان انتصار من الواثق حديث ذلك مع أعضاؤها ويتحدث إنجلترا، لوم يجنبها ما

السريع الساحق«.

الجيش حرب ألركان رئيسا باشا المصري عزيز الفريق عينت قد الوزارة »وكانت المصري، وعزيز باشا رجل تعلم الفنون العسكرية األلمانية، ولم يخف في يوم من األيام إعجابه بألمانيا، أما وموجة اإلعجاب بانتصار األلمان المتواصل ترتفع في مصر،وعزيز باشا تأبى أن تعلن الحرب على المصرية هو رئيس أركان الحرب للجيش المصري، والوزارة بهول نفوسهم أعماق الرسميين في مصر يشعرون في الرسميون وغير ألمانيا، واإلنجليز ما يصيب أبناء وطنهم في ميادين القتال، ويرون بأعينهم هذا الذي يقع في مصر ويسمعون أن عبد الرحمن عزام وزير الشئون االجتماعية، وصالح حرب باشا وزير الحربية يتحدثان في كل مجلس عن انتصارات األلمان وهزائم اإلنجليز، فال عجب أن تمتلئ نفوس السفير البريطاني وأعوانه في السفارة، والمشيرين عليه من اإلنجليز المقيمين في مصر، حفيظة على هذه الوزارة التي رفضت مجـاراتهم في إعــالن الحــرب وأصــرت على هــذا الرفض، وأن يروا فيمـا تقدمــه من المعونة إلنجلترا في حـدود المعاهدة نوعا من النزول على الحكم

ال يرضاه من ضعضعت الهزيمة نفسه فلم يعد قادرا على كبح غضبه أو إخفاء حفيظتة«.

)32(

وبعد صفحات يلخص الدكتور محمد حسين هيكل باشا الفصل األخير من صراع علي ماهر مع السلطات البريطانية في رواية مهمة يدلنا فيها صاحبها على مدى ما كان علي ماهر قد اندفع إليه من تصعيد للموقف مع اإلنجليز، وطعن على سلوك السفير البريطاني،وهو ما عقب عليه الدكتور هيكل نفسه باستنتاجه أن عودة علي ماهر إلى الحكم في أثناء الحرب

قد أصبحت مستحيلة.

يقول الدكتور هيكل:

»... وإننا لكذلك إذ علمنا أن الحكومة البريطانية وجهت عن طريق سفارتها في مصر إلى الملك فاروق تبليغا بأن حكومته ال تقف منها موقف الصديق، وأنها في ريب من نواياها،

155

ورأى الملك حين رفع إليه هذا التبليغ أن يستنير برأي أولي الرأي في البالد، فوجهت إلى للتشاور في يعقد بقصر عابدين اجتماع إلى تبعث مندوبين عنها أن بأمره دعوة األحزاب الموقف، واختار محمد محمود باشا مصطفى عبد الرزاق باشا لينوب عن حزب األحرار الدستوريين في هذا االجتماع،وهناك عرض علي ماهر على المجتمعين ما قامت به وزارته من معاونة إنجلترا في حدود المعاهدة، وما تلقته من خطابات الشكر على هذه المعاونة، لكن الحاضرين وفي مقدمتهم أحمد ماهر باشا رأوا الخير في أن تستقيل وزارة علي ماهر غير تعاونهما أصبح أن وبعد البريطانية، الحكومة وبين بينها الثقة انعدمت أن بعد باشا ممكن، وعلي إثر هذا القرار ألقى علي ماهر باشا في البرلمان تصريحا طعن فيه طعنا جارحا على موقف إنجلترا من مصر، وعلى تصرف سفيرها االستبدادي مع وزارة مصر، مما جعل عودته إلى الحكم والحرب قائمة أمرا غير ممكن، وجعل منه خصما صريحا لممثل إنجلترا

في مصر، وخصما صريحا إلنجلترا نتيجة لذلك«.

»ورفع علي ماهر باشا استقالة وزارته إلى الملك فقبلها«.

)33(أما سكرتير الوقت، ذلك في البليغ لألحداث الدكتور هيكل رأينا تصوير قد نحن ها الملك الدكتور حسين حسني فيجيد هو اآلخر تصوير سيناريو اللحظات التي سبقت إقالة علي ماهر من رئاسة الوزارة في 1940 بناء على إلحاح بريطانيا، ومن العجيب أن الملك فاروق شأنه في ذلك شأن كل ديكتاتور أبى أن يتحمل مثل هذه المسئولية بنفسه واستدعى الزعماء، كما أشرنا في الفقرة السابقة، ليشاركوه في تحملها وهو ما يحدث في العادة مع كل

ديكتاتور يرى المجد شخصيا والكوارث جماعية.

األمر في التفكير يحول المغلقة بعقليته حسني حسين الدكتور نرى أن المذهل ومن من قضية كبيرة إلى قضية سخيفة من ابتداعه ومن ابتداع الملك، وهي فكرة إلزام النحاس الملك عند موظفا النحاس كان وكأنما التمثيلية، لهذه النحاس ورفض قومية بوزارة

وسكرتير الملك:

»... وأيا كان الباعث فقد رأى الملك أال ينفردـ هكذا يقول سكرتير الملكـ باتخاذ قرار األحزاب بينهم زعماء السياسيين من الزعماء بريطانيا، ودعا عددا من الموقف حيال في إلى االجتماع في قصر عابدين لدراسة الموقف وإبداء الرأي، فانتهوا بعد أكثر من خمس

156

بينها الثقة الوزارة النعدام باستقالة تقضي البالد أن مصلحة إلى الرأي تبادل ساعات من وزارة تشكيل بحثوه مما وكان للتصرف، الملك يدي بين األمر وتركوا اإلنجليز، وبين تتولى إجراء قيام وزارة محايدة الفكرة، كعادته.وطلب باشا رفض النحاس أن قومية، إال انتخابات جديدة، وفي اليوم التالي قدم علي ماهر باشا استقالته واجتمع الزعماء السياسيون مرة أخرى دون الوصول إلى قرار موحد بسبب نصح األغلبية بتأليف وزارة قومية وإصرار

النحاس باشا على وزارة حائزة لثقة النحاس باشا«.

)34(ونأتي إلى رؤية ثالثة لخروج علي ماهر أو إخراجه، وهي رؤية حسن يوسف الذي يقدم في مذكراته تفسيره الخاص لتنحي علي ماهر عن رئاسة الوزارة )1940( وما واكب ذلك هذا في السبب يرجع أن على حريصا نراه ونحن الديوان، رئاسة عن إبعاده اشتراط من إلى ما أشاعه تعبير علي ماهر المتكرر عن أمنياته المؤيدة للمحور في حربهم ضد بريطانيا

والحلفاء:

إن إذ الحرب، إعالن إحجامه عن بسبب تكن لم ماهر تنحية علي أن الواضح »ومن اإلنجليز قد انتهوا إلى الموافقة على اتخاذ مصر موقف الدولة غير المحاربة،ولم يشترطوا فيمن يخلف علي ماهر أن يعلن الحرب على إيطاليا، ويبدو أن السبب في إخراج علي ماهر البريطاني، كما يبدو أن إصرار اإلنجليز على عدم عودته بينه وبين السفير الثقة انعدام هو بقوات االستخفاف على الملك يظاهر كان أنه إلى يرجع الديوان، رياسة في منصبه إلى ما كتب إذا إيطاليا نحو مصر نوايا إلى بانتصارات األلمان، واالطمئنان الحلفاء واإلشادة

النصر لدولتي المحور«.

واستحسان العسكري الموقف تحرج ماهر، علي تنحية على اإلنجليز شجع »ومما مسرح على مؤثرة كقوة الظهور إلى الوفد عودة ثم الوزارة، لتغيير المصريين الزعماء

السياسة الداخلية في مصر«.

)35(ومن الجدير بالذكر، بعد هذا كله،أن السبب المباشر في خروج علي ماهر من الحكم في 1940 كان طريفا وهينا، على عادة التاريخ في األسباب الهينة المباشرة التي تغطي أسبابا

157

عميقة ومستحكمة إذ إنه رفض إذالل المفوضية اإليطالية وإحاطتها مع القنصليات اإليطالية بالكردون، وطرد الوزير اإليطالي المفوض ماتزوليني، نظرا للصلة الخاصة التي كانت تربط

العائلة المالكة في مصر بإيطاليا.

اقترن الوزارة، وإنما إبعاد علي ماهر لم يقف عند إخراجه من بالذكر أن الجدير ومن لتصعيد الفرصة مهد ما الملكي، وهو الديوان رياسة تولي احتمال إبعاده عن في بالرغبة

أحمد حسنين إلغالق الفرصة أمام علي ماهر.

ال وإيضاح بتفصيل النقطة هذه تناول قد يوسف حسن أن إلى هنا نشير أن وينبغي الدكتور حسن التعيين لحسن صبري وحده، على نحو ما يذهب الفضل في هذا يجعالن

حسني في مذكراته:

»وانتهت األزمة بتكليف حسن صبري باشا بتشكيل الوزارة االئتالفية الجديدة في 28 يونيو عام 1940، وقد كان من أول ما عني بالقيام به لالطمئنان على دوام حسن التفاهم بينه وبين القصر أنه ألح على الملك، ونجح في الحصول على موافقته على تعيين حسنين باشا

رئيسا للديوان«.

ثالثا أن األمر الملكي الصادر بقبول استقالة علي ماهر قد احتوى ومن الجدير بالذكر على كلمات ثناء لم تصدر لرئيس وزراء سابق:

»أمر ملكي رقم 22 لسنة 1940«.

»بقبول استقالة حضرة صاحب المقام الرفيع علي ماهر باشا«

»عزيزي علي ماهر باشا«

»لقد كان من أشد بواعث األسف لدينا ما حدا بكم إلى رفع استقالتكم إلينا، وال شك أن البالد ستحفظ لكم بالذكر الحميد على مر الزمان، تلك الهمم العالية، والوطنية الصادقة خير منا فلكم واستقاللها، وسالمتها طمأنينتها على حرص في أمورها، بها سستم التي

الثناء، وجميل التقدير«.

»وقد أصدرنا أمرنا هذا إلى مقامكم الرفيع، لتبلغوا شكرنا إلى حضرات الوزراء زمالئكم الذين عاونوكم في مهمتكم، فأديتم بذلك للبالد أجل الخدم«.

158

»صدر بقصر عابدين في 21 من جمادى األولى 1359 هـ )27 يونيو 1940(«.

»فاروق«

بعد هذا كله من المهم أن نشير إلى أن إخراج علي ماهر في 1940 كان بمثابة تجربة أو بروفة مبكرة لما حدث في 4 فبراير 1942.

عهد بداية في الماهرية الحقبة صاحبها، من توقع غير على انتهت، النحو هذا وعلى فاروق، وابتعد الرجل على غير إرادته عن الموقع المتقدم جدا إلى ظل شبه كثيف على نحو

ما سنرى في الفصول التالية.

159

الباب الرابع

علي ماهر والكهولة ا ل�سيا�سية

160

161

الفصل التاسع12 عاما يكافح الظل

علي ماهر بين 1940 و 1952

)1(

تمثل الفترة ما بين خروج علي ماهر من رئاسة الوزارة في أغسطس 1940،وعودته إلى يناير 1952، أحرج وأصعب فترات حياته السياسية، ذلك أنه كان بحكم هذه الرئاسة في كثرة ممارساته السياسية في الفترة السابقة قد وصل إلى مواقف حرجة وربما ال رجعة فيها

مع كثير من األطراف الالعبين على الساحة السياسية في ذلك الوقت.

أوال: فقد ثقة الوفد نتيجة تآمره المستمر عليه، وقد تصاعد تآمر علي ماهر على الوفد حتى وصل إلى إسهامه مرة بعد أخرى في إخراج الوفد من الحكم.. إلخ.

ثانيا: فقد ثقة األحرار الدستوريين بسبب موقفه من زعيمهم محمد محمود الذي أوصله إلى الخروج من الحكم ليحل هو محله، ثم بسبب تخلصه من مشاركتهم له في وزارته بطرق ملتوية، ثم في وقوفه ضد مرشحهم لرياسة النواب بهي الدين بركات وعمله من أجل نجاح

المرشح المنافس وهو شقيقه أحمد ماهر باشا.. إلخ.

ثالثا: فقد ثقة اإلنجليز الذين باتوا يترصدون حركاته وسكناته بعدما وصل إلى علمهم ما يدل على عالقة قوية له بدول المحور، حتى بات وصفه عندهم أنه محوري الهوى مثل

الملك فاروق.

162

نفسه الملك أن كما غيره، في بغيته وجد الذي الملكي للقصر جذابا يعد لم رابعا: الهوى، كمحورية معه ماهر علي فيها يشترك اتهامات ترديد من اإلنجليز مع يعاني كان

والتعاون مع أعداء الدولة الحليفة.. إلخ.

الوهاب عبد أمثال من رجاله بخروج الملكي القصر داخل وجوده فقد قد خامسا: طلعت، وقبل هذا صعود نجم أحمد حسنين وتمكنه تماما من شئون القصر وقرارته.

)2(

وربما كان من المهم هنا أن نستعرض نموذجا أو أكثر لبعض خلفيات المرارة التي تركها )للمرة الديوان رياسة إلى وصل ما عند المختلفة السياسية القوى نفوس في ماهر علي

الثانية( وتفرضها على رئاسة الوزارة )للمرة الثانية(.

ونحن نتأمل فيما توحي به األجواء التي شهدت تشكيل علي ماهر لوزارته الثانية التي والسعديين.ولتحطم الدستوريين األحرار بين ائتالف من موجودا كان ما لتحطم جاءت

عالقته هو نفسه باألحرار الدستوريين

استبعاد في ماهر علي رغبة على بوضوح يدلنا ما مصدر من أكثر في نقرأ ونحن هذه عن هيكل الدكتور مذكرات أن من إليه أشرنا ما ذلك ومن وزارته، من الدستوريين الدكتور أن الطريف صراحة،ومن ذلك إلى تشير الوزارة، هذه تشكيل التي سبقت الفترة القطب فيها خلفه التي المعارف وزارة لترك أسفه عن معبرا بالعام الخاص يمزج هيكل

السعدي النقراشي باشا، وهو يقول:

»... عدنا إلى ديوان الوزارة ببولكلى، ننتظر تأليف الوزارة الجديدة والوزراء مقتنعون بأن التأليف يتم في اليوم نفسه، أو في الغد إذا أراد علي ماهر باشا أن يدخل بعض التعديل

على الوزارة، لكن اليوم انقضى وتاله غده، ولم يتحدث علي باشا إلى أحد فيما كلف به«.

»واتصل بي حسين سري باشا بعد يومين يخبرني أن علي ماهر باشا لم يخاطبه، وأن عبد الحميد بدوي باشا تحدث إليه حديثا غير رسمي، وأنه ال يريد أن يبقى وزيرا لألشغال، وال

يرى إال أن يكون وزيرا للمالية«.

»وفي ذلك اليوم استدعي علي ماهر باشا أحمد خشبة باشا وفاتحه في أمر الوزارة، وذك

163

وزيرا بك الشوربجي مصطفى يكون أن لذلك ويريد فنيين، وزراء يختار أن يريد أنه للعدل، ويعرض على خشبة باشا أن يكون وزيرا للصحة، ودهش خشبة باشا لهذا العرض، فقد كان وزيرا للعدل أكثر من مرة، ومنذ سنوات طويلة، كما كان وزير العدل في الوزارة المستقيلة وهو من رجال القانون فما معنى أن يكون وزيرا للصحة إذا كان علي ماهر باشا ليرفضه، وأنه العرض أنه يعرض عليه هذا أليس معنى هذا يريد أن يعاونه وزراء فنيون؟!

رغب عن معاونة خشبة باشا بالذات، أو رغب عن معاونة األحرار الدستوريين جميعا؟!«

»وكنا ـ معشر األحرار الدستوريين ـ نجتمع أكثر من مرة في كل يوم، في فندق وندسور نتناول ببولكلي أحيانا، وكنا الوزراء حينا، وفي فندق سان استيفانو حينا آخر، وفي مكاتب في أحاديثنا ما نقف عليه من اتصاالت علي باشا ماهر ويعلق كل منا بما يعن له، وقلق بعض الشبان الذين كانت لهم صالت بمحمد باشا محمود فسافروا إليه في مرسى مطروح يعرضون عليه ما اتصل بهم، على الرغم من منع األطباء له من أن يشغل ذهنه بأي أمر ذي بال حرصا

على صحته«.

)3(

ونمضي مع الدكتور هيكل إلى ما يرويه عن حرص علي ماهر على استبعاده من منصبه الوزاري في وزارة المعارف، وكيف توصل أقطاب الدستوريين إلى قرار رفض التعاون مع

علي ماهر في وزارته بعد عرضه الفاتر باختيار وزيرين دستوريين:

»وقيل لي يوما إن علي باشا ال يريد أن أكون معه وزيرا للمعارف، وذلك لما كان بيني وبين الشيخ األكبر أي الشيخ محمد مصطفى المراغي من خالف على مسألة األزهر ودار العلوم. ولم يبق إذا من الوزراء الدستوريين الثالثة في وزارة محمد باشا أي استبعاد خشبة اختلف قد باشا األوقاف، ولم يكن مصطفى الرازق وزير باشا عبد وهيكل غير مصطفى مع أحد خالفا يدعو لعدم اختياره، ومع ذلك لم يرد ذكره بين من يرشحهم علي باشا ماهر

لوزارته«.

عنه أناب قد محمود باشا محمد كان ولما نقفه، أن يجب الذي الموقف في »فكرنا الدكتور أحمد ماهر باشا رئيس الهيئة السعدية في مفاوضات تأليف الوزارة، فقد رأينا أن نتفاهم مع السعديين ليكون موقفنا وموقفهم من علي ماهر باشا واحدا، وذهبنا بعد ظهر يوم

164

الثالثاء إلى منزل النقراشي باشا برمل اإلسكندرية واجتمعنا بالدكتور ماهر باشا والنقراشي باشا وآخرين من زعماء السعديين، فانتهينا إلى اتفاق أن يكون موقفنا وموقفهم واحدا، فإما

أن نشترك ويشتركوا في الوزارة، وإما أن نمتنع ويمتنعوا عن االشتراك فيها«.

باشا ماهر علي قابل بك الهلباوي إبراهيم أن علمنا األربعاء يوم من الصباح »وفي وتحدث إليه في تأليف الوزارة، وألح عليه في ضرورة اشتراك الحزبين فيها، ثم إننا عرفنا بعد الظهر من ذلك اليوم أن علي باشا مستعد أن يشرك معه اثنين من األحرار الدستوريين هما الهلباوي بك وعبد المجيد إبراهيم صالح بك، ولم يكن أيهما وزيرا من قبل، عند ذلك اجتمعنا في المساء وتداولنا الرأي فقر قرارنا على أن هذا التفكير من جانب رئيس الوزارة المقبلة ينطوي على تجريح صريح للوزراء الدستوريين في وزارة محمد محمود باشا، كما أن إشراك اثنين في الوزارة ال يعتبر تمثيال للحزب فيها، ولذلك قررنا عدم اشتراك الحزب

في الوزارة، وأبلغ أحمد خشبة باشا هذا القرار تليفونيا إلى الدكتور أحمد ماهر باشا«.

»وفي مساء الغد ذهبت إلى مقهى ميامي باإلسكندرية، واتخذت مجلسا إلى جانب نافذة مطلة على البحر، وإنني لهناك إذ جاء من أبلغني أن الوزارة تألفت وأن السعديين اشتركوا فيها بأربعة وزراء، وأن النقراشي باشا عين وزيرا للمعارف، وأنه طرب لذلك أشد الطرب، الرحمن عبد إلى وأسندها االجتماعية للشئون جديدة وزارة أنشأ باشا ماهر علي وأن

عزام بك«.

)4(

رأي الوزارة. وهذا هو تجاه هذه نفسه فاروق الملك الحديث عن شعور إلى وننتقل سكرتير الملك حسـين حسـني في أداء علي ماهر لدوره في رياسـة الوزارة في هذه الفترة:

رئاسة باشا ماهر علي تولي بعد باالرتياح شك وال يشعر الشاب الملك كان ...«الحكومة )الحديث عن وزارة 1939(، الطمئنانه على األقل لعدم نشوء أي سوء تفاهم مع الحكومة لطول المدة نسبيا لعمل رئيس الحكومة مع الملك، وثقة الملك المطلقة بالرئيس السفن، تشتهي ال بما تأتي كالرياح العالمية األحداث أن إال السياسية، وعقيدته الجديد بنذر حرب العالم مشحونا الوزارة في 18 أغسطس عام 1939 أن كان فقد سبق تشكيل

عالمية جديدة«.

165

)5(

الثانية وزارته بداية في ماهر علي قوة مظاهر بعض إلى سالم لطيفة الدكتورة وتشير وإسهام الملك فاروق في صياغة هذه القوة:

بشعار ممسكا غالفها على ماهر[ علي صورة ]أي صورته اليوسف روز »ووضعت كتب عليه: »الوطن والعرش«، فكان ذلك تعبيرا عن التبعية المطلقة لفاروق وهذا ما سعى إليه طوال وزارته لعله يعود بعدها إلى القصر مرة أخرى بعد حصوله على الرضا الملكي االهتمام لوزارته، وكان اختارها التي الشخصيات في وزارئه رئيس الملك وأيد الكامل، منصبا على وزارة الدفاع نظرا لظروف الحرب المتأهبة، فعين لها صالح حرب، وتولى عزيز المصري رئاسة األركان، ولهذا األمر مغزاه فيما يتعلق باتجاه الوزارة، ولم تمض أيام على التشكيل إال وأعلنت الحرب في أول سبتمبر 1939، وشعر فاروق باألمان بمساندة علي ماهر الذي اعتبر أيضا كرئيس للديوان بعد أن أجلس في وكالته عبـد الوهاب طلعت وهو أحد رجاله وبالتالي أصبحت أعمال الديوان تنجز من خالله، وبذلك سيطر على الجهتين، وأعطى له قانون الطوارئ حرية التصرف، ولم يكن الملك مستاء من هذا الوضع وإنما سعد به، ففي خطبته اإلذاعية بمناسـبة حلول شـهر رمضـان أشـار صراحـة إلى الثقــة البالغــة به يحظ لم بما يحظى ماهر علي إن وهكذا اليوسف: روز وتعلق وزرائــه«، رئيـس في

رئيس حكومة مصري من قبل«.

)6(

وفي رأيي أن أي حديث عن إنجازات علي ماهر في وزارته الثانية يصاب بالخجل الشديد أمام أسوأ سياساته في هذه الوزارة وهو موقفه هو ووزير ماليته حسين سري باشا من رائد االقتصاد المصري طلعت حرب باشا، حيث تنامي وتكثف ضغط الوزارة على طلعت حرب الحقد عن الحديث أنصار من ولست وعرقه، بجهده بناه الذي مصر بنك من إلخراجه الجانب كان من أسباب ما أن هذا أنكر أن فعله، لكني ال أستطيع يفعل الشخصي وكيف الدكتور محمد انطباعات للقارئ فيما حدث، وسأنقل الرئيس السبب كان هو أو حدث، حسين هيكل وهو شاهد عيان غير منحاز عن هذه القضية، وقد سجلها بعبارات بليغة وجميلة

موحية في مذكراته حيث يقول:

166

»... فقد استدعي حسين سري باشا وزير المالية، محمد طلعت حرب باشا مدير بنك مصر وتحدث إليه في مركز البنك وشركاته، وفي دقة هذا المركز دقة توجب على الحكومة أن تتدخل لمصلحة المساهمين وأصحاب الودائع، وطلب إليه أن يتنحى عن إدارة البنك. وترامى إلى الناس هذا النبأ ففتحوا عيونهم واسعة من الدهشة. فطلعت حرب هو مؤسس البنك منذ عشرين سنة،وهو الذي أنشأ شركات البنك واحدة بعد أخرى، وبعث في البالد نهضة صناعية لم تعهدها من قبل، وهو لهذا موضع تقدير الشعب وإكباره وإجالله، أفيعامل

رجل خدم بالده أجل خدمة على هذا النحو المهين، وهو الجدير بكل إكرام وتقدير؟!!«.

)7(

من العام الرأي وموقف حرب طلعت موقف شديدة ببالغة هيكل الدكتور ويصف تعسف وزير المالية حسين سري ورئيس الوزارء علي ماهر فيقول:

الناس جميعا. لقد كان بنك مصر يعاني المفاجأة ما تولى »وتولى طلعت حرب لهذه في هذه الفترة أزمة تعانيها المنشآت المالية جميعا بسبب األزمة المالية الطاحنة التي حلت بالعالم واستمرت عدة سنين لكن الرجل لم يكن يحسب أن األمر يصل بالحكومة إلى أن تعامله هذه المعاملة، وهو في نظر الشعب المصري أكبر من وزير، وأكبر من رئيس وزارة، بإقدامه؛ لها التابعة والشركات الكبرى المصرية المصرفية المؤسسة أقام الذي هو ألنه فهو الذي خلق هذه المنشآت ولم يخلقه هو إال الله.. وهو لم يتهم يوما في إدارته للبنك، ولم ترق إلى نزاهته شبهة، وبعض الرعاية من جانب الحكومة للبنك كفيل بأن يعاونه على تخطي هذا المركز الذي لم يبلغ من الدقة ما يريد وزير المالية أن يصوره، لكن وزير المالية حاسم فيما طلبه، وللحكومة في البنك ودائع ضخمة إذا هي فكرت في نقلها إلى بنك غيره، عرضت سمعة البنك للخطر، أي عرضت كيان البنك للخطر، والبنك هو طلعت حرب.. هو سمعته.. وهو حياته.. وهو تاريخه الباقي لن تستطيع األيام محوه ما بقي البنك قائما، ووزير المالية حاسم قاطع في طلبه أن يتنحى منشئ البنك عن إدارته، وهو يضرب له موعدا ثالثة أيام ليتلقى جوابه، وهذا الموعد إنذار نهائي، معناه أن ينزل طلعت على الحكم أو أن تقف

الحكومة من البنك موقف الخصم«.

»ما عسى تكون الخواطر التي مرت بنفس طلعت حرب خالل ثالثة األيام التي ينتهي

167

في آخرها هذا اإلنذار النهائي؟ وكيف قضى الرجل هذه األيام الثالثة وهو يفكر في النزول كان عاما عشرين شركاته وفي فيه قضي أن وبعد قواعده، أقام أن بعد مصرفه عرش عن أثناءها مقصد العشرات والمئات واأللوف من المصريين، شبانا وشيبا، رجاال ونساء، أغنياء

وفقراء، وكان أثناءها صاحب الكلمة المسموعة، والرأي النافذ«.

)8(

ويروي الدكتور هيكل ما يذكره عن لقاء له مع طلعت حرب فيما قبل هذه األزمة، فيدلنا بما يرويه على مدى التعسف الذي مارسته وزارة علي ماهر ووزير المالية فيها )حسين سري(:

»... لقد ذهبت إليه بمنزله قبل ذلك بأسابيع إجابة لرجاء من أحمد ماهر باشا وزير المالية أحدثه في وسيلة يقترحها لدعم البنك، فكبر عليه أن يسمع أن البنك في حاجة إلى دعم، وأخبرني أن كل شيء يسير فيه على أقوم طريق. أما وهو اليوم بإزاء هذا اإلنذار من وزير بالتعرض البنك، وإما إدارة بالتخلي عن إما المالية الجديد، فال مفر له من أن يتخذ قرارا

لوقوف الحكومة من البنك موقف الخصومة«.

»وآثر الرجل أن يتخلى عن إدارة البنك؛ إبقاء على تاريخه، فأبلغ وزير المالية رأيه قبل انقضاء الموعد المحدد له، واختارت الوزارة الدكتور حافظ عفيفي باشا مديرا للبنك مكانه، وتخلى كذلك فؤاد سلطان بك عن مركزه بصفته عضوا منتدبا عن مجلس اإلدارة، وحل

محله عبد المقصود أحمد بك«.

)9(

ونمضي مع بعض المعارك السياسية الداخلية التي خاضها علي ماهر من خالل رياسته لوزارته الثانية.

تمكن علي ماهر في أثناء عهد هذه الوزارة من أن يساند شقيقه أحمد ماهر زعيم الهيئة السعدية ضد مرشح األحرار الدستوريين والقصة يرويها الدكتور هيكل بقدر من المرارة:

168

»وقبيل السبت الثالث من نوفمبر دعي البرلمان لالنعقاد في دورته العادية، وأذن الملك يوم إلى النواب جلسة وتأجلت االفتتاح، حفلة في العرش خطاب الوزراء رئيس فألقى

االثنين الذي يلي الحفلة إلجراء انتخاب رئيس المجلس ومكتبه«.

»وبدأت معركة االنتخاب للرياسة بين بهي الدين بركات باشا يؤازره األحرار الدستوريون وبعض المستقلين، والدكتور أحمد ماهر باشا يؤازره السعديون وتؤازره الحكومة وأولياؤها من المستقلين، وكانت معركة حامية شعرت الوزارة بأنها إن انهزمت فيها هددت الهزيمة ينتخب، بل كتب بها من ينتخب المعركة حرة تترك الشعور ولم مركزها، ولم تخف هذا بعض الوزراء في الصحف، وأدلي آخرون بتصريحات نشرتها الصحف كذلك، وقيل في ينهزم بأن ترضى وال معركتها، المعركة ترى الحكومة إن والمقاالت التصريحات هذه مرشحها، ولم ينس محمد محمود باشا ما كان بينه وبين الدكتور أحمد ماهر باشا من مودة أثناء قيام وزارته، ولم ينس أنه عهد إلى الدكتور ماهر باشا عشية سفره إلى مرسى مطروح أن يقوم مقامه في محادثات تأليف الوزارة، ولم ينس اتفاق السعديين مع األحرار الدستوريين على أن يكون موقفهم موحدا باالشتراك في الوزارة أو عدم االشتراك فيها، ونكث السعديون هذا االتفاق، ولهذا كله عني أي محمد محمود أن يقود معركة االنتخابات لرياسة مجلس النواب بنفسه، ودفعت هذه العناية من جانبه إلى مضاعفة الحكومة جهدها من جانبها هي كذلك، حتى لقد اتصلت بجماعة من األعيان األحرار الدستوريين تغريهم وتعدهم ليعطوا أصواتهم للدكتور ماهر باشا، وقد ظفرت من بعضهم بما أرادت، وفاز الدكتور ماهر باشا

بأغلبية ضئيلة في انتخاب الرياسة«.

)10(

الثانية على تعاطف أثناء وزارته ونحن نعرف ما هو شائع من أن علي ماهر اعتمد في أفادته الصغيرة، وقد السياسية الجماعات الفتاة وكثير من هذه المسلمين ومصر اإلخوان

هذه الجماعات في تصويره زعيما ذا جمهور.

ومما يذكر أنه على الرغم من تحول أحمد حسين عن علي ماهر قبل توليه هذه الوزارة، إال أنه غير موقفه وأظهر تأييدا واضحا له أثناء أزمة يونيو 1940.

علي وزارة كانت التي الحرب ويالت مصر تجنيب سياسة الفتاة، مصر ساندت وقد تتبناها، وعبرت عن هذا المعنى في رسالة بعثت بها إلى الملك فاروق كما قام وفد ماهر

169

هذه لمثل لترتاح بريطانيا تكن ولم للوزارة، تأييده معلنا عابدين قصر إلى بالتوجه منها التصرفات، وكتب السفير البريطاني لحكومته يبلغها بأن مصر الفتاة تستمر في العمل ضد

بريطانيا، وتلقى في ذلك التشجيع من القصر.

»مصر بقاء في الفضل البريطانيين ومناورة الحكم، في وأسلوبه ماهر لعلي كان وقد الفتاة« على قيد الحياة طيلة هذه الفترة الحرجة من زمن الحرب العالمية، وفي عهد وزارة حسين سري تحققت الرغبة البريطانية، وصفي حزب مصر الفتاة باعتقال أعضائه وهروب

رئيسه ونائبه وإلغاء صحيفته.

)11(

الملك أن في بوضوح البريطانية الوثائق تضمنته ما إلى سالم لطيفة الدكتور وتشير فاروق كان يحاول إعادة علي ماهر كرئيس للديوان للمرة الثالثة لكن البريطانيين رفضوا، ذلك يكون فلن الحكومة، وتغيير القصر إلى ماهر علي عودة على فاروق أصر إذا وأنه يكن ولم القصر، من إخراجه في بريطانيا مع الجديدة الحكومة تتعاون قد ألنه عائقا؛ 21 ففي التهديد، طريق سلوك على مصمما وكان االتجاه، هذا ليؤيد البريطاني السفير يقبل ال والملك ماهر علي خروج إلى تشير ال الدالئل بأن لهاليفاكس يسجل يونيو االستغناء عن العرش على التنازل عن فاروق بتفضيل أخبره ماهر أحمد وأن النصيحة،

علي ماهر، وعليه فإن بقاء األخير في القصر يضعف نفوذ بريطانيا.

)12(

يزال كان ال ماهر فإن علي والعوائق والمالبسات الظروف الرغم من كل هذه وعلى حريصا على الوجود على الملعب السياسي، وكان ال يفتأ يخلق لنفسه ظروفا تلو ظروف.

1ـ ففي فترة من الفترات حرص علي ماهر على أن يبدو وكأنه صاحب سياسة جديدة تعلن أنها ترمي إلى تحقيق التقارب بين القصر والوفد )!!(، وقد مارس هذا الدور في أثناء عهد وزارة حسين سري في 1941، وكانت النتيجة أنه دفع حسين سري نفسه إلى أقصى درجات العداء له، وسنرى في نصوص ننقلها عن مذكرات حسن يوسف وغيره كيف أن ي باشا طلب إلى األستاذ التابعي الهجوم الشديد على علي ماهر وكيف أنه كان يوجه سر

بعدم نشر أية أخبار عن نشاطه.

170

نفسه من لصالح يلعب أن ماهر لعلي بدا وزارة حسين سري تالية من عهد فترة وفي 2ـ أو في المسلمين، أو في جماعة اإلخوان تتمثل في طلبة األزهر، خالل قواعد شعبية المخطط، النجاح في هذا كبيرة من إلى درجة الفتاة، ووصل علي ماهر جماعة مصر حتى إن المظاهرات سارت تطالب برئاسته للوزارة صراحة، لكن فات علي ماهر أن هذا األسلوب وحده ال يكفل عودته إلى رئاسة الوزارة،وهو الذي شارك في تأسيس دكتاتورية

القصر ضد رغبات حزب األغلبية نفسه ال ضد رغبات جماعات محدودة فحسب.

3ـ وفي فترة تالية حرص علي ماهر على الحركة الدائبة في األوساط االجتماعية والدبلوماسية والسياسية بدرجة باتت تزعج البريطانيين، وهو ما أدى إلى طلب هؤالء تقييد نشاطه.

الحاكمة والسلطات الوفد وزارة يناوئ أن بوسعه أن ماهر لعلي هيئ تالية فترة وفي 4ـ من خالل موقعه في مجلس الشيوخ وقد وصل به األمر إلى حد االعتصام، ولم يكن هناك حل للموقف إال بإخراجه من الحرم البرلماني واعتقاله بعد إخراجه وهو صاحب

المقام الرفيع.

5ـ وفيما بعد الحرب العالمية الثانية حاول علي ماهر ألول مرة في تاريخه، أن ينشئ لنفسه مجتمعا سياسيا يدين بزعامته، وهكذا ظهرت إلى الوجود فكرة »جبهة مصر«، لكن أحدا ذا شأن لم يشجع هذه الجبهة. وربما جاز لنا أن نتوقف هنا لنشير إلى المدى الذي كانت يكون زعيم حزب أن أكبر من أنه إليه، حيث ظن قد وصلت نفسه في ماهر ثقة علي

فحسب، وأن بوسعه أن يكون زعيم جبهة، لكن المعطيات القائمة لم تسعفه.

6ـ وبدأ علي ماهر بعد كل هذه االجتهادات والمناورات يفاوض األطراف التي خسرها من قبل ونجح في هذا بعض النجاح فقد استعاد بعض ثقة اإلنجليز، وبخاصة بعد أن انتهوا من الحرب العالمية الثانية، واستتبت لهم األمور، كما استعاد بعض ثقة القصر، وبخاصة

بعد مصرع أحمد حسنين.

7ـ وكانت أول مهمة سياسية ذات قيمة قام بها علي ماهر في هذه الفترة هي أنه رأس في 1951 لجنة مجلس الشيوخ التي أقرت إلغاء حكومة الوفد لمعاهدة 1936، وهو دور

بروتوكولي الطابع، لكنه على كل حال دور ذو طابع.

171

)13(

وفيما يلي من فقرات نقرأ من أدبيات التاريخ عن هذه الفترة بعض ما يصور مالمح دور علي ماهر في هذه الفترة.

يلخص حسن يوسف موقف علي ماهر في بداية هذه الفترة فيقول:

»... منذ أن استقال علي ماهر من رئاسة الوزارة في يونيو 1940، ظل بعيدا عن المناصب العامة، ألن اإلنجليز عندما طلبوا إخراجه من الحكم، طلبوا أيضا أال يعود إلى رياسة ديوان الملك لكنه كسياسي طموح ونشيط بقي دائب الحركة.. أثارت حركته حذر كل من السراي والحكومة فضال عن اإلنجليز، وقد أصدر رئيس الوزراء تعليمات لي ]في هذه الفترة كان حسن يوسف ال يزال على قوة وزارة الخارجية ومنتدبا كمدير لمكتب الصحافة، ولما ينتقل بعد إلى العمل في القصر الملكي[ بمنع نشر أية أخبار عن علي ماهر، وتنفيذا لذلك منعت نشر العديد من المقاالت وكانت في مجموعها تهاجم سياسة علي ماهر باشا وتصرفاته في الحكم، وبعد أسبوعين طلبني سري باشا تليفونيا وقال: »إن األستاذ التابعي في طريقه إليك بوزارة الداخلية ليطلعك على مقال عن علي ماهر باشا وقد وافقت على نشره في مجلة آخر ساعة...«، اطلعت على المقال فوجدته يتضمن هجوما شديدا ولم أجد وسيلة لتنقيحه أو التخفيف من حدته، وكان نشره مما أعاد الغضب إلى نفس علي ماهر باشا فأرسل لي صديقا للطرفين ]الطرف األول هو علي ماهر والطرف الثاني هو حسن يوسف[ هو األستاذ سعد

اللبان يعاتبني على السماح بنشر المقال، فأوضحت له األمر وأبديت له أسفي«.

)14(

ونأتي إلى نموذج بارز من نماذج محاوالت علي ماهر إبراز وجوده وهو قصة االحتفال بيوم الفقير وإصرار الحكومة على منع استغالله لمثل هذه الفرصة.

ومن الجدير بالذكر أن موقف الملك فاروق من علي ماهر في هذه الفترة كان كالعهد به متأرجحا غير ثابت، فقد كان يؤيد سياسات حسين سري الرامية إلى إيقاف دعاية علي ماهر من ناحية )في 1942( لكنه في مجابهة النحاس والوفد لم يكن يرى مانعا من أن يدفع علي

ماهر إلى مشاكسة الوفد والنحاس والبريطانيين.

172

يقول حسن يوسف:

»... وفي أواخر مارس 1941 اتجه نشاط ماهر باشا إلى ما أسماه »يوم الفقير« ورسم أن يكون االحتفال بهذا اليوم في 28 إبريل، ذكرى وفاة الملك فؤاد، فأصدر سري باشا تعليماته بعدم اإلشارة قط إلى هذا المشروع، وكانت »األهرام« قد أعدت وصفا للحفل الذي أقيم في تلك المناسبة وإبرازه على ثالثة أعمدة، وتقرر حذفه في اللحظة األخيرة، وبهذه المناسبة سجلت »الضمير« لحسن يوسف حديثا جرى بيني وبين األستاذ فريد أبو شادي سكرتير عام وزارة الداخلية آنذاك جاء فيه رد فريد على ما يشاع من أن الرقابة متعنته فيما يتعلق بأخبار الدعاية به إنما قصد الفقير، يوم أن مشروع في رأيه وأبدى الرقابة ماهر..ودافع عن علي الشخصية، إذ أين كان علي باشا منذ 28 إبريل سنة 1940 حيث كان في الحكم، و 28 إبريل

1939 حيث كان رئيسا للديوان ومرشحا للحكم؟ وفي السنين التي قبلها؟«.

»في 30 مايو 1941 سجلت ]الضمير لحسن يوسف[ ما يلي: »استدعاني دولة الرئيس في باشا ماهر علي اسم ذكر بحظر مكتوبة تعليمات وسلمني باشا[ سري حسين ]أي الصحف، وطلب مني بالتوقيع على هذه التعليمات، ألنها سترفع إلى المقامات العليا...«.

ويردف حسن يوسف هذا كله باإلشارة إلى حقيقة موقف الملك فاروق له:

باشا في أنباء علي ماهر الوزراء على منع نشر الملك متفق مع رئيس أن »ومعنى هذا الصحف«.

)15(

ويتحدث الدكتور عبد العظيم رمضان عن بعض مظاهر سعى علي ماهر إلى السلطة في أثناء الحرب العالمية الثانية.

»عندما أيقن علي ماهر باشا أنه ال سبيل إلقالة حسين سري باشا إال بمظاهرات شعبية روميل« يا األمام »إلى مظاهرات دبر األمن: حفظ عن سري حسين حكومة عجز تظهر الحكم استعادة أن البريطاني السفير باشا، وعندئذ فقط شعر التي هتفت بحياة علي ماهر

الدستوري هو أأمن طريق لحفظ مصالح بريطانيا في تلك اللحظات المصيرية«.

»مشغوال بدا قد كان بأنه 1941 في ماهر علي دور فتصف سالم لطيفة الدكتورة أما بترويج فكرة التعاون بين القصر والوفد«.

173

وهي تقول إن نجم علي ماهر في هذه الفترة كان قد بدأ في األفول، »وضعف نفوذه تدريجيا لدي الملك وفقد رضاه وحل مكانه أحمد حسنين، وهو معروف بميوله البريطانية«.

)16(

وعلى الرغم من أن كثيرا من قراء التاريخ المصري يتعاطفون مع علي ماهر نتيجة لتعرضه لالعتقال على يد حكومة الوفد بناء على طلب البريطانيين في أثناء الحرب العالمية الثانية، فإننا نرى حسن يوسف يجاهر بالثناء على النحاس باشا فيما يتعلق بموقفه من اعتقال علي

ماهر وتنحية.. عبد الوهاب طلعت واستبعاد اإليطاليين الملحقين بخدمة الملك:»... في أول لقاء للسفير البريطاني مع النحاس باشا يوم 7 فبراير ]يقصد: بعد تشكيل وزارة الوفد بعد حادث 4 فبراير[ أثار سير مايلز المبسون موضوع علي ماهر باشا وضرورة إبعاده إلى السودان أو أية جهة ثائية أخرى، ثم طلب تنحية عبد الوهاب طلعت باشا وكيل

الديوان عن منصبه، كما طلب استبعاد اإليطاليين الملحقين بخدمة الملك«.

متأنية، حازمة بطريقة الثالثة المطالب هذه عالج باشا النحاس فإن الحقيقة »وفي في وصلت التي البريطاني الجانب من المتزايدة الضغوط مواجهة في سياسية وبشجاعة

بعض األحيان إلى التهديد بأن يتولى السفير بنفسه تنفيذ تلك المطالب«.

»فيما يتعلق بعلي ماهر باشا قابله النحاس باشا وبعد أن شرح له الموقف، ترك له الخيار بين أن يعتكف في داره بالقصر األخضر بضواحي اإلسكندرية أو يعين سفيرا في إحدى دول أمريكا الجنوبية، أو يرسل إلى الخرطوم!.... ولما رفض ماهر باشا كل هذه العروض، اعتقله

النحاس وصدر بذلك بالغ رسمي من رياسة مجلس الوزراء بتاريخ 8 أبريل 1942«.

..............................

)17(

وتلخص الدكتورة لطيفة سالم موقف علي ماهر من تحديد حريته في 1942 ، وتتبنى في تحليلها ما ألمحت به بعض الوثائق البريطانية من أن علي ماهر كان مدفوعا من الملك

174

البريطانيين لم يمكنوا الملك من هذه المشاكسة مما فاروق لمشاكسة النحاس باشا، وأن أفقد علي ماهر وجاهته ودوره!! وهي تقول:

».... ودفعت طبيعة الملك العنيدة إلى إعطاء إشارة التأييد والمساندة لعلي ماهر ودفعه ويتصعد نفسه، ماهر علي رغبة مع يتفق وذلك باشا« »النحاس وزرائه رئيس لمشاكسة الموقف، فقد أخل األخير بوعده في البقاء محدد اإلقامة وهرب والتجأ إلى مجلس الشيوخ، وأثناء خروجه قبض عليه، وأبدى النحاس الرغبة في إرساله إلى السودان وضرورة الوقوف أمام أي اتجاه ملكي في هذا الشأن، فذهب أمين عثمان إلى المبسون ليعرض عليه األمر، فذكره السفير البريطاني بما سبق ووعد به رئيس الوزراء من المساندة الكاملة لتقييد حركة زال ما المساعدة وعد فإن ، ماهر علي إبعاد بسـبب متـاعب وجـود حـالة وفي القصر، قائما، ويوضح أمين عثمان أنه حتى ولو تغاضى الملك عن رحيل علي ماهر فسيتحامل على

رئيس وزرائه في موضوعات أخرى كنتيجة لهذا التصرف.

واتفق المبسون مع النحاس على ضرورة وضع نهاية لهذه المؤامرات، ورحل علي ماهر إلى الغرنيات ثم إلى السرو وبعدها للعياط ووضع تحت حراسة مشددة ولم يتمكن فاروق من الوقوف أمام القوى المضادة وخاصة أنه لم يعد محتاجا إليه بالدرجة التي تجعله يعرض

نفسه لألخطار«.

)18(

أزمات السوادي من ذكريات عن فيما سجله األستاذ محمد نتأمل أن هنا المهم ومن علي ماهر مع وزارتي سري والنحاس اللتين تعاقبتا في تلك الفترة، وكيف أنه نجا في المرة

األولى لكنه لم ينج في المرة الثانية.

»... وفي وزارة حسين سري تسلل إلى مجلس الشيوخ ليمارس حقوقه كعضو فيه تحميه الحصانة، واستطاع أن يضلل المباحث والبوليس ويصل فعال إلى حرم المجلس ويظهر في

القاعة فجأة.. ووضع الشيوخ أيديهم على قلوبهم«

خليل.. محمود محمد المداور الرئيس شارب خاللها اهتز دستورية أزمة »وكانت وكانت ليلة توليت وصفها في »البالغ« بوصفي ناقدا برلمانيا.. وكانت سهرة طويلة قضيناها

175

في حجرة رئيس المجلس والحصار مضروب على مجلس الشيوخ.. ورجال الضبط والربط والمباحث والمخابرات يمألون فجاج الحديقة المحيطة بالمجلس... وعلي ماهر في ثورة عارمة يتمسك في شجاعة بالحصانة البرلمانية.. ولم ينقذ الموقف غير تدخل شقيقه أحمد ماهر الذي أخذ من المسئولين كلمة بتأمين أخيه على أن يعود إلى »القصر األخضر« حرا.. القوات.. . وسحبت بمغادرته له فلن يسمح »القصر« األخضر إلى إن عاد أنه يعلم وهو وصين في الظاهر استقالل البرلمان.. وكانت البراعة يومها في صون الشكل سليما.. وال

أهمية للموضوع« .

»وقصته بعد تلك األحداث معروفة«

»لقد اعتقل.. وظل طوال حكم الوفد ينتقل بين المعتقالت حتى انتهى إلى قصر قوت القلوب في العياط حتى أقيلت وزارة الوفد في 8 أكتوبر 1944 وولي الحكم شقيقه أحمد

ماهر فأعاد الحرية إلى شقيقه«.

)19(

أما الوثائق البريطانية فتحفل بالشكوى المريرة من تصرفات علي ماهر ضد البريطانيين في الحرب العالمية الثانية، ومن ذلك ما تشير إليه الدكتورة لطيفة سالم حيث تقول:

لهتلر فاروق تأكيدات معها حملت مصر من البلغارية البعثة عادت وعندما ...«بصداقته للمحور، وكان علي ماهر اليد المحركة، ففي مذكرة للوزير البلغاري أنه 30 يناير الخارجية وكان وزيرا مفوضا التقى علي ماهر مع سري عمر سكرتير عام وزارة 1942رسالة وسلمه فاروق. ثقة وموضع للمحور وصديق لبريطانيا كبير عدو وهو أثينا، في العالقة مع الرغبة في نفسه: المعنى لهتلر تحمل الملك وبالنيابة عن نفسه باألصالة عن السابق الخديو بمساعي علم على فاروق بأن والتصريح لبريطانيا، والكراهية المحور وأثمرت انتصاره، حالة في البنه العرش استرجاع أمل على ضده للعمل المحور لدى النتيجة بتفضيل ألمانيا لفاروق على عباس حلمي، وواصلت االتصاالت مجراها بين وزير مصر المفوض في حكومة فيشي ومسئولين آخرين في المفوضية وبعض المسئولين األلمان، ويذكر أن الوزير الفرنسي المفوض في مصر قام بدور الوسيط في هذا الشأن، وكان على عالقة

176

وطيدة بفاروق، وتسجل تقارير المخابرات البريطانية النشاط بين مصر وتركيا، والمقابالت التي تمت بين سمير ذوالفقار تشريفاتي سابق وصديق لعلي ماهر والسفير األلماني في تركيا، وسفريات الوزير التركي المفوض في مصر إلى تركيا واتصاالته بالسلطات األلمانية هناك. أيضا اتصاالت الملحق السياسي بسفارة إسبانيا بالقاهرة مع سفارة ألمانيا في مدريد وكانت بريطانيا على علم بتلك التحركات وهذا ما أكدته خارجيتها. لكن التفاصيل الدقيقة لم تكن

على دراية بها إال بعد عثورها على وثائقها في أرشيف الخارجية األلمانية عقب الهزيمة«.

)20(

البريطاني في بداية األربعينيات إلى خطورة دور علي ويبدو لي أن كثيرا من االلتفات الذي حسنين أحمد الصاعد النجم يدي على حدث قد البريطانية السياسات علي ماهر كان راغبا تماما في الحلول محل علي ماهر وقد حل بالفعل وكان يرى نفسه بحكم ثقافته

اإلنجليزية أكثر اتصاال بالبريطانيين من علي ماهر.

)21(

نجد ، ماهر علي دور تحجيم على المتناهية البريطانيين بقدرة الثقة هذه مقابل وفي حديثا آخر عن أن علي ماهر كان ال يزال يسبب القلق لسلطات االحتالل البريطاني.

اعتقال علي أن إلى حقيقة ماهر كتابه عن علي في الله الدكتور رشوان جاب ويشير على بناء العام العسكري الحاكم النحاس مصطفى بأمر 1942 سنة إبريل 8 في ماهر أوامر السلطات البريطانية لم يكن أول محاولة العتقاله، فمنذ أن خرج من الوزارة ورئاسة الديوان الملكي في يونيو 1940 نتيجة لضغط السلطة اإلنجليزية على الملك فاروق، فإن هذه السلطة لم تكتف بإبعاده عن العمل الرسمي فحسب، بل سعت إلى تقييد حريته وشل بينها التي يتحرك أقاويل في األوساط يبثه من بأنه يشكل خطورة لما اعتقادا منها نشاطه

والسيما بين شباب الجامعة.

)22(

وحتى الوفد حكومة عهد بقية المعتقل في ماهر علي ظل فقد األحوال كل وعلى موافقة ماهر أحمد إيدن أبلغ وقد ،1944 أكتوبر في الوزارة ماهر أحمد شقيقه شكل

177

لهذا ونتيجة سلوكه، يضمن أن بشرط شقيقه سراح إطالق على البريطانية الحكومة أكتوبر 23 في سراحه إطالق وبمجرد ، ماهر علي عن اإلفراج تم الودي)!!( االتفاق بعيدا عن بؤرة األحداث القصر األخصر حتى يكون انتقل علي ماهر لإلقامة في 1944

بالقاهرة. السياسية

)23(

وتمضي األيام فيما بعد الحرب العالمية الثانية، وقد تالشى الحديث عن أي دور مؤثر نوفمبر في تكوينه من إليه أشرنا مما الرغم على ]حتى المصرية السياسة في ماهر لعلي 1945 لما أسماه جبهة مصر[ إلى أن انتخب في مجلس الشيوخ سنة 1951 رئيسا للجنة التي اختصت بنظر مشروع إلغاء معاهدة 1936، وكان هذا االختيار في أعقاب قيام مصطفى

النحاس رئيس مجلس الوزراء بإلغاء المعاهدة واتفاقيتي السودان.

تقدير إلى راجعا كان االختيار أن هذا إلى كتابه في الله الدكتور رشوان جاب ويشير أعضاء اللجنة لكفاية علي ماهر وخبرته القانونية وقدرته في العمل من خالل اللجان نظرا

لحاجتها إلى البحوث القانونية والفقهية:

»ولقد كان هذا االختيار موفقا، فسرعان ما وافقت اللجنة باإلجماع على إلغاء المعاهدة ودراسة مشروعات القوانين وشكلت من داخلها لجنة فرعية برئاسة علي ماهر إلعداد تقرير

لعرضه على المجلس«.

في قاله ومما ،1951 أكتوبر 15 في المجلس إلى اللجنة تقرير ماهر علي قدم وقد التاريخي الموقف هذا في الحكومة بها تقدمت التي المشروعات إن ..« الصدد: هذا التي البالد مطالب مع تماما تتفق أنها فوجدت بذلك، المكلفة اللجنة بحثتها العظيم، القومية، وحياتها أراضيها وسالمة شرفها مع تماما وتتفق المصرية األمة عليها أجمعت فإلغاء المعاهدة عمل يقتضيه الشرف والحق والقانون والعدل، وإلغاء االتفاقية الثنائية كان من أهم نتائجه أن رد للسودان حقوقه، وكان التشريع الخاص به تشريعا كريما حفظ ألهل السودان مكانتهم بين األمم ومصر، ولذلك ترجو اللجنة من المجلس الموقر أن يوافق على

مشروعات القوانين«.

أسرع وهكذا باإلجماع، المشروعات هذه على الشيوخ مجلس موافقة تمت »وقد بهذا وأثبت المعاهدة بإلغاء الوزارة لسياسة المؤيد التقرير بإعداد زمالئه مع ماهر علي

178

للوفد عدوه المناوءة للجنة موقف رئاسته يتخذ من القومية ولم للمصلحة تقديره العمل التقليدي«.

..............................

ربما كان من الضروري هنا أن نشير إلى أنه لم يكن في وسع علي ماهر أن يقوم بدور مناوئ للوفد في هذا الوقت، وإنما كان من الممكن أن يأتي خلفا للوفد بعد أية أزمة عنيفة..

وهو ما حدث بالفعل عقب حريق القاهرة في 26 يناير 1952.

179

الفصل العـاشــرعلي ماهر في وزارته الثالثة

)1(

يبدو لي أن علي ماهر كان مخطئا في قبول رئاسة الوزارة عقب حريق القاهرة، وذلك إلى األضواء، ولحكمي هذا مبررات عديدة سوف الشديد للعودة الرغم من تعطشه على

ألخصها على ثالثة محاور تتعلق بالقوى الرئيسة وهي: الشعب والوفد والملك:

أوال: فقد كان الملك نفسه قد وصل إلى حالة من االستهتار باستمرار الملكية، ولست في حققته ما إلى بسرعة أشير أن يكفيني لكن الحالة، هذه وصف في أستطرد أن أحب كتابي »على مشارف الثورة« مما رواه إبراهيم فرج عن مسلكه فيما يتعلق بتغيير اسم السالم الملكي إلى السالم الوطني حتى يكون هو الذي غيره وليس من بعده، كما يكفيني أن أشير األحزاب زعماء من كبير عدد من موقعة له قدمت التي المعارضة وثيقة من موقفه إلى البارزين، كما يكفيني أن أشير إلى تورطه سرا أو علنا أو شبه هذا وذاك في الدفاع عمن ال يستحقون الدفاع من حاشيته، كما يكفيني أن أشير إلى ما رواه مرتضى المراغي وعبد الفتاح

حسن وصليب سامى وإبراهيم عبد الهادي وغيرهم مما يؤكد ما توحي به هذه الروايات.

مرحلة إلى وصلت قد 1936 معاهدة إلغاء فجرها التي الشعبية الثورة كانت ثانيا: متقدمة، ولم يكن من الالئق أن يقف أي زعيم وطني في وجه هذه الثورة مهما كانت نتائجها على النظام العام، وال شك أن الحديث عن هذه الثورة وعن روحها يفوق كتابا يتحدث عن

علي ماهر وحده.

ثالثا: كان الوفد قد وصل إلى درجة رفيعة من االلتحام بالشعب ومحبة هذا الشعب، وقد عادت شعبية الوفد إلى التصاعد والتضاعف ولم يكن من المناسب ألي سياسي مستقل من

180

طراز علي ماهر أن يتصدى لمهمة غير وطنية في الحيلولة بين الشعب وبين أن يقوده من كانوا بمثابة ممثليه الحقيقيين.

)2(

مع هذا كله فقد صور علي ماهر لنفسه أنه قادر على أن يفعل شيئا، أي شيء، ولهذا فقد قبل تشكيل الوزارة، وربما كان معذورا بحكم طموحه، لكني وأنا أضع في الحسبان مدى خبرته الطويلة ال أستطيع أن أعـذره، كما أني ال أستطيع أن أعذره مرة أخرى وهو يقبل ما فرضه عليه الملك من دخول مرتضى المراغي وزكى عبد المتعال إلى وزارته، وهما ليسا من رجاله وإنما من رجال الملك، وإن كان اإلنصاف يقتضيني أن أشير إلى أنه لم يسـلم للملك كلية، فقد رفض تعيين كريم ثابت وزيرا، وهو ما قبله حسين سري بعد شهور قليلة.

ولو أن علي ماهر تدبر بعض الشيء في ذلك اليوم الذي شكل فيه الوزارة وصمم على أن يمضي إرادته أو يعتذر عن التكليف، لكان هذا خيرا له، لكنه لألسف الشديد آثر المضي في طريق الحكم، وكانت النتيجة أن وزارته هذه على الرغم من أنها وزارة إنقاذ )كما قيل( المراغي بمرتضى الداخل من فجرت وقد يوما، وثالثين ثالثة من أكثر البقاء تستطع لم وأمثاله، وفجرت من الخارج بالملك نفسه من ناحية، وبالسفير البريطاني من ناحية أخرى،

وبأصحاب المصالح من ناحية ثالثة.

النجاحات، الوزارة بعض أداء ماهر في هذه ومع هذا كله فنحن نستطيع أن نلمح في ظرف أي في النجاحات بعض يحقق أن وخبرته بتاريخه ماهر علي على بكثير وليس

من الظروف.

)3(

وعلى الرغم من أن هذه الوزارة تشكلت في سرعة إال أنها لم تتشكل من فراغ، وال من نقطة بداية جديدة، وإنما كانت هناك بروفات لتشكيلها على مدى فترات سابقة، سواء بعلي

ماهر أم بغيره، ونحن نقرأ في مذكرات حسن يوسف قوله:

181

في أخذ إنه التشكيل جواب في قال ولكنه المستقلين من وزارته باشا ماهر »ألف التفاهم مع األحزاب المختلفة على معاونته في جبهة سياسية.. وكانت وزارة النحاس باشا قد استصدرت في 26 يناير مرسوما بإعالن األحكام العرفية، ووافق عليه البرلمان في عهد

الوزارة الجديدة يوم 28 يناير«.

أن اقترح وزارته في االشتراك في األحزاب رؤساء فاتح عندما باشا ماهر أن »ويبدو يكونوا وزراء بال وزارة، أو وزراء دولة، وكان هذا مدعاة العتذارهم عن عدم القبول«.

)4(

ويصور صالح الشاهد عالقة الملك بعلي ماهر في هذه الفترة تصويرا جيدا يقول فيه:

»مما الشك فيه أن الملك فاروق لم يكن يطمئن إلى رفعة علي ماهر باشا ألسباب كثيرة إلى ترجع بالملك باشا ماهر علي صلة أن والمعروف بالسراي، المتصلين لدى معروفة بعد ذلك، منه أقصي ثم الملكي، للديوان رئيسا ثم للوزراء رئيسا عام 1936 عندما كان وفي خصومه، حاكها التي والدسائس المناورات بسبب ذلك بعد العالقات وتدهورت

مقدمتهم أحمد حسنين باشا رئيس الديوان فيما بعد«.

)5(

ويضرب صالح الشاهد أمثلة محددة على سوء معاملة الملك فاروق لعلي ماهر باشا، وهي أمثلة لم يضربها غيره على هذا النحو الدقيق:

»وأذكر أن الملك كان يتعمد في مناسبات كثيرة إهانة علي ماهر باشا، بل إن ماهر باشا ال التي األول فؤاد قالدة بحامل يليق الذي االستقبال الملكي القصر في يستقبل ال كان يحملها سوى سبعة أشخاص على قيد الحياة في مصر، وتعطي صاحبها أرفع ألقاب الدولة

وهو: صاحب المقام الرفيع.

182

زفاف بمناسبة القصر أقامه شاي حفل إلى باشا ماهر دعي عندما 1951 سنة »وفي قدره من والحد إهانته بقصد وذلك القصر، حديقة من قصي مكان في أجلس الملك،

وكرامته«.

»وقد ذكر ليـ أي علي ماهرـ أنه ال يذكر أنه جلس في مكانه الالئق بالحضرة الملكية إال في مناسبتين: األولى عندما أعلن علي ماهر باشا عن تأليف »جبهة مصر« وهي أشبه بالحزب السياسي منه بالجماعة السياسية، وأراد الملك أن يحرج السياسي العجوز على مأدبة الغداء أمام الجميع فقال الملك ساخرا: وبصوت عال يحمل االستهزاء: إيه حكاية جبهة مصر؟!

وبدأ »علي ماهر« يروي أهداف هذه الجبهة، ولكن الملك لم يعره أذنا مصغية«.

»أما المناسبة الثانية فقد حدثت عندما دعي إلى مأدبة غداء بالقصر احتفاال بميالد ولي العهد، وكان الملك يجلس بين حسين سري باشا وعلي ماهر باشا، وأمضى كل الوقت على المائدة أو في الصالون وهو يوجه حديثه إلى رفعة سري باشا دون أن يحاول مرة واحدة أن

يخاطب علي ماهر باشا بكلمة واحدة«.

»وكان الملك يتعمد إذالل صاحب المقام الرفيع أمام أقرانه، ولكن علي ماهر باشا كان الخفة إلى الملك سلوك يعزو كان ما وكثيرا واإلساءات، اإلهانات ويبتلع بالصبر يتذرع

والطيش والوشايات والدسائس التي يموج بها القصر«.

)6(

ثم يمضي صالح الشاهد في ذكر بعض ما شهده بنفسه من أزمات علي ماهر باشا في وزارته الثالثة فيشير إلى أن علي ماهر رفض القبول بفكرة تعيين كريم ثابت وزيرا، لكنه أجبر على تعيين اللواء أحمد طلعت حكمدارا للعاصمة، كما أنه لم يستطع فرض رأيه الداعي إلى

عودة السفير المصري عبد الفتاح عمرو إلى لندن.

»ولكن األزمات حاصرت علي ماهر باشا في وزارته التي استمرت شهرا واحدا، وأذكر في أثناء تشكيل هذه الوزارة أن كريم ثابت باشا زار األستاذ إبراهيم عبد الوهاب الذي كان يتمتع بثقة ماهر باشا واقترح عليه أن يرشحه وزيرا ليقوم ببذل المساعي الحميدة بين القصر

183

والوزارة، ويكون رسولها لدى القصر الملكي. ولكن علي ماهر باشا رفض بشدة، وثار في وجـه إبراهيم عبد الوهاب«.

»وبدأت األزمات تطل بوجهها، فقد أراد القصر تعيين اللواء أحمد طلعت بك ـ وكان يمت بصلة القرابة إلى ماهر باشا ـ حكمدارا للعاصمة، ولكن الوزارة كانت رشحت لشغل المنصب اللواء أحمد عبد الهادي، وفعال صدر هذا القرار ونشر بالصحف لكن الوسطاء سعوا بين الوزارة والقصر، وقبل رئيس الوزارء أن يعين اللواء طلعت حكمدارا للعاصمة«.

»وثارت مشكلة جديدة بسبب عودة عبد الفتاح عمرو باشا سفير مصر لدى بالط سان بتعيينه أمر ملكي إلغاء معاهدة 1936، وصدر الوفدية بعد إذ استدعته الحكومة جيمس، مستشارا للملك في الشئون الخارجية، وكان علي ماهر باشا يرى أن يعود عمرو باشا إلى لندن ما دام يراد تحسين العالقات بين مصر وبريطانيا بعد األزمة الخطيرة التي تعرضت لها هذه العالقات، والسيما بعد أن قابل رئيس الوزراء علي ماهر باشا السفير البريطاني السير رالف ستيفنسون في محاولة إلعادة العالقات الطبيعية بين البلدين، ولكن الملك لم يوافق

على هذا الرأي«.

)7(

كذلك يشير صالح الشاهد إلى إجبار علي ماهر على الموافقة على تعيين كامل القاويش أن من الشاهد صالح أورده مما يفهم قد ما على نتحفظ وربما الداخلية، لوزارة وكيال القاويش كوفئ بالبكوية ثم بهذا المنصب على التحقيق الذي تواله في قضية مصرع أمين يتناقلها التي الحقيقة لكن بالتحقيق، مهتما كان الملك أن يعني قد ما وهو باشا، عثمان الذين عاشوا هذه الفترة تكمن في رغبة الملك في إفساد ذلك التحقيق نكاية في أمين عثمان

والوفد واإلنجليز جميعا بسبب حادث 4 فبراير 1942:

»... ولم يقتصر األمر على ذلك بل تعداه إلى محاولة النيل من علي ماهر باشا وإذالله، فقد أراد الملك تعيين األستاذ كامل القاويش نائبا عاما مكافأة له على التحقيق الذي تواله في قضية مصرع أمين عثمان باشا وأنعم عليه برتبة البكوية. ولم يخف رئيس الوزراء غضبه واحتجاجه، وكانت حجته قوية في عدم استحقاق األستاذ القاويش لهذا المنصب الخطير،

184

الجهاز تهز ملكية رغبة لمجرد زمالءه يتخطى أن يمكن وال مستشار أحدث فالقاويش القضائي واستقالله«.

الداخلية لوزارة وكيال القاويش الخالفات وعين أخرى إلزالة مرة الوسطاء »وتدخل لشئون اإلعالم والدعاية«.

)8(

ثم يعرض صالح الشاهد رؤية متميزة لألزمة الرئيسة في عالقة علي ماهر بالملك فاروق في أثناء وزارته الثالثة:

»كل هذه األزمات ـ والحق يقال ـ كانت يسيرة تافهة إلى جانب أزمة نشأت بين القصر وعلي ماهر باشا منذ تأليف الوزارة، ولم يكن في مقدور الوسطاء أن يتخطوها، وهي أزمة للوفد وزعيمه الوزارة مهادنة في تمثلت التي األزمة منذ والدتها، وهي الوزارة عاصرت الكبير مصطفى النحاس باشا، وكان علي ماهر باشا من الذكاء بحيث أبى أن يكون مخلب قط لضرب الوفد، ثم سرعان ما يتخلص القصر منه وفقا للعبة التي يجيدها من قديم خاصة أن علي ماهر باشا ال ينتمي إلى أي حزب سياسي أو يتمتع بأغلبية في البرلمان ، وله في هذه

السياسة باع طويل وقديم«.

»حركة بـ يسمى ما وإجراء الوفدي البرلمان حل الوزراء رئيس من القصر »وطلب التطهير« وتقديم كل من استغل نفوذه أيام الحكومة الوفدية إلى المحاكمة«.

»ولكن علي ماهر باشا لم يوافق على ذلك، وأيا كانت نواياه أو اتجاهاته؛ فقد كان يرى يبدأ بعد ذلك تبدأ الحكومة بمفاوضة اإلنجليز ووضع حل للمشكالت الخارجية، ثم أن

اإلصالح االجتماعي الداخلي«.

)9(

ويصور صالح الشاهد ما يعتقد أنه كان بمثابة خطة الملك فاروق للخالص من وجود علي ماهر كرئيس للوزراء فيقول:

185

»ولقد طلب المرحوم علي ماهر رئيس الوزراء مقابلة الملك مرتين ولم يوافق الملك على المقابلة.

»وربما كان الملك يريد الخالص من علي ماهر ليتمكن من إسناد الوزارة إلى المرحوم أحمد نجيب الهاللي وفقا للخطة التي كان متفقا عليها مع الوزير المفوض بالسفارة البريطانية مستر كريزويل، الذي بناء عليها رشح الهاللي باشا ماهر باشا ليخلف المرحوم النحاس باشا لكى يخلو الطريق أمام الهاللي باشا من أي زعيم آخر يصلح للوزارة في هذا الظرف الدقيق«.

السفير أن الصباح ذات في اليوم« »أخبار نشرت أن وبعد ،1952 مارس أول »وفي البريطاني لن يقابل رئيس الوزراء، وأبلغتني السفارة في الساعة العاشرة والدقيقة الخامسة ماهر لمقابلة علي الحادية عشرة الساعة المحدد الموعد يعتذر عن السفير أن والخمسين باشا بوزارة الخارجية بسبب وعكة برد أصابته بعد لعب التنس في نادي الجزيرة، اتصلت من

مجلس الوزراء برفعة ماهر باشا بوزارة الخارجية وأبلغته االعتذار«.

»وعندئذ كلفني رفعته بدعوة مجلس الوزراء إلى االجتماع فورا بدار الرئاسة، ثم جاء إلى المجلس ودخل حجرته وطلب مني إبالغه عندما يكتمل المجلس ومنع أي اتصال به،

فسألته: خيرا يا رفعة الباشا؟«.

»فقال: إنني أعد استقالة الوزارة«.

كتاب فيها تال دقائق عشر حوالي معهم وبقي عليهم دخل األعضاء اكتمل »ولما االستقالة الذي حرره عندما حضر لمجلس الوزراء بخط يده ثم أغلق عليه مظروفا وسلمه المرحوم حافظ الملكي الديوان إلى رئيس لتسليمه الدين فهمي بك المرحوم محيي إلى عفيفي باشا، ولما لم يكن حافظ باشا موجودا بقصر عابدين فقد سلمه محيي الدين بك إلى

)المرحوم( معالي عبد اللطيف طلعت باشا كبير األمناء«.

)10(

على االختيار وقع كيف لنتأمل الوراء إلى خطوة نعود أن اإلنصاف من كان وربما علي ماهر لرياسة الوزارة؟ على الرغم من هذا التنسيق المستمر الذي ظل الملك وأعوانه

يفرضونه عليه ويواجهونه به.

186

برئاسة ماهر بها علي التي كلف الطريقة في فاروق الملك عند المغامرة ظهرت روح الوزارء عقب حريق القاهرة! فقد كانت هناك إرهاصات لقدوم علي ماهر إلى هذا الموقع واألمريكيين البريطانيين تصرفات في بوضوح اإلرهاصات هذه تجلت وقد الوفد، بعد على حد سواء، وسوف نقدم في مواضع تالية من كتابنا هذا تسجيال للتصوير الذي صور به البريطانيون عالقة علي ماهر بهم في هذه الفترة، ومن ناحية أخرى فإن الوثائق البريطانية تشير إلى أن السفير األمريكي كافري كان أول من استقبله علي ماهر من بين الدبلوماسيين األجانب

العاملين في القاهرة.

لكن األهم من هذا في نظري هو ما نجده في مذكرات الصحفيين الذين تفتحت عيونهم أمين وعلي لعبه األخوان مصطفى الذي الدور أكثر من رواية عن الفترة على أحداث هذه بمثابة كان والمبكر البارز الدور هذا ولعل الموقع، لهذا ودفعه ماهر علي تزكية في أمين سقف الطموحات التي حكمت تصرفات بعض رجال الصحافة في عهد الثورة وأدت إلى ما نعانيه وسنظل نعانيه من كوارث، مع أن األمر في تكليف علي ماهر بالوزارة في حقيقته الوقوع، ومع هذا فمن حق األخوين ومن إقرارا لواقع كان في طريقه إلى لم يعد أن يكون حق تالمذتهما أن ننقل عن األستاذ موسى صبري تصويره لهذة الواقعة التي شهدها بنفسه ورواها في كتابه »خمسين عاما في قطار الصحافة«، وهو يحكي عن االتصاالت بين علي ماهر

والقصر الملكي.

في الفضل صاحب كان صبري موسى رواية حسب على أمين علي أن نرى ونحن حسم قضية تولي علي ماهر باشا رئاسة الوزارة عقب حريق القاهرة، وربما تبدو مثل هذه الرواية صعبة التصديق أو محتوية على قدر من المبالغة، ولكن الذين عاشوا أحداث تلك الفترة ال يستبعدون حدوثها على هذا النحو الذي يوردها به موسى صبري، وهو يحكي عن

االتصاالت بين علي ماهر والقصر الملكي فيقول:

».... ولما وضع علي ماهر السماعة قال له علي أمين:

»لقد نجحت المؤامرة ضدك في القصر.. يجب أن تدق التليفون فورا لحافظ عفيفي وتقول له: إذا لم أؤلف الوزارة اآلن فلن أؤلفها على اإلطالق«.

187

على يضغط وهو عفيفي لحافظ وقال التليفون أمسك لكنه لحظة ماهر علي »تردد كل كلمة:

»قل للملك: إذا لم أؤلف الوزارة اآلن فلن أؤلفها«.»حافظ أمين: سأرد عليك بعد خمس دقائق«.

يوم 27 الليل منتصف عند الوزارة يؤلف أن وقبل ماهر فاروق إلنذار علي »وخضع يناير«.

»وهكذا كانت نصيحة علي أمين هي التي وضعت علي ماهر باشا على مقعد الحكم«.»وفي هذه اللحظات وصل علي خليل رئيس اإلذاعة إلى العوامة«.

الواحدة الساعة في ووصلنا الوزارة.. رئاسة مبنى إلى موكب في جميعا »وتوجهنا صباحا!«.

»أضيئت كل األنوار... وبدأ رئيس الوزراء يباشر عمله، ويتصل بالوزراء الجدد ليبلغهم بأن يستعدوا لحلف اليمين في الصباح التالي«.

مولد فيها أحضر التي الصحفية حياتي في واألخيرة األولى المرة هي هذه »وكانت وزارة... في عوامة، بعد منتصف الليل«.

)11(

ويجدر بنا إذا أن نشير إلى بعض اللحظات الفاصلة في تكليف علي ماهر بتشكيل هذه لطيفة سالم مما الدكتورة ترويه ما ننقل بأن أوردتها مصادرة عديدة ونبدأ الوزارة حسبما

استخلصته من الوثائق البريطانية:

»... وكان قد تقرر إقالة الوزارة أي وزارة الوفد األخيرة بعد الظهر، وعندما وصل محمد احتج للقرار وبمعرفته القصر، إلى الوقت ذلك في المسلحة للقوات العام القائد حيدر إن هناك وفديين االعتبار، وقال: رأيه في أن يوضع تغيير دون أي الملك ضد لدى بشدة النحاس الملك يدعو أن يمكن عمله ما النحاس، وأقصى إقالة يتحملوا الجيش ولن في لتأليف وزارة قومية، وفي حالة رفضه فعلى األقل سيعرف الجيش أن النحاس أعطيت له الفرصة، ثم يدعو الملك علي ماهر لتأليف الوزارة. ودفع ذلك الموقف فاروق إلى عقده الجتماع ضم مستشاريه األساسيين : حافظ عفيفي، وإلياس أندراوس، وعبد الفتاح عمرو،

188

ومحمد حيدر، وحدث احتدام بين المجتمعين، وأصر محمد حيدر على رأيه، وترك فاروق االجتماع واتصل بعلي ماهر مبينا له أنه غير رأيه، وعليه أن يدعو النحاس لتشكيل حكومة،

وفي حالة رفضه سيجدد دعوته له أي علي ماهر الذي وافقه على ذلك«.

درس أنه وأخبره بالملك ماهر علي واتصل إال للغاية قصير وقت سوى يمض »ولم الحالة ويوافق على تأليف وزارة بشرط أال يستدعي النحاس مسبقا، والسبب في تغيير رأيه األول مكث فقد السريعة، أمين وعلي مصطفى األخوين التصاالت نتيجة جاء وتصلبه في القصر، بينما ذهب اآلخر في سيارة إسعاف كان يمكنها السير دون صعوبات فى أثناء إلى باإلضافة هذا الجديد، الموقف يتخذ جعله مما ، ماهر علي منزل إلى التجول حظر ونفى للقاهرة، بريطاني تحرك إلى تشير بتعليمات بالقصر المجتمعين أبلغا األمينين أن أمين مصطفى فاعترض لهذا، تشر لم مخابراته ضباط تقارير أن وبين ذلك حيدر محمد يشجعه عبد الفتاح عمرو وأعلن أنه يتحمل مسئولية ما يقوله، وقام علي أمين بإجراء اتصال تليفوني بالسفارة البريطانية في الساعة التاسعة والربع مساء أمام المجتمعين، فتلقي ردا من شك لديه ليس أنه له بين لكنه الموقف، على بوضوح يدل ال السفارة في الثاني العضو البريطانيين حياة ضد مخاطر هناك كانت إذا للتدخل أعدت قد الحربية السلطات أن في وممتلكاتهم، وأنه ال يمكن ألحد أن يتوقع وقوف الجيش البريطاني موقف المتفرج عندما تقتل النساء البريطانيات. وأعلم مصطفى أمين الملك باألقوال حول التحركات وأن مصدرها ما أعلنته اإلذاعة البريطانية، ثم أخطره بالحديث الذي دار بين أخيه وأن السفارة البريطانية

ستتحرك إن لم يتم تغيير الحكومة«.

)12(

أما رجل البروتوكول والمراسم صالح الشاهد فيقدم في مذكراته معلومات مهمة عن الظروف التي أحاطت باختيار علي ماهر لرياسة الوزارة عقب حريق القاهرة، وهو ال يقدم ما يرويه على أنه شهده أو شاهده، وإنما هو يرويه نقال عن نجيب الهاللي، ومن المهم هنا أن نذكر القارئ بأن صالح الشاهد عمل أمينا في رياسة الوزارة مع علي ماهر والهاللي النحاس

باشا وحسين سري من قبل.

189

ونحن نعرف من مصادر متعددة أن الهاللي كان مرشحا قبل علي ماهر أو أنه كان بديال له، لكن رواية الشاهد تشير بوضوح إلى مناورة علي ماهر ووعده بتعيين فريد زعلوك ونور

الدين طراف وزيرين معه، وكانا من أصدقاء الهاللي.

ومن الطريف أن نشير إلى أن زعلوك قد صار وزيرا بالفعل في وزارتي الهاللي، أما نور اليوم األخير من وزارة علي ماهر الثورة في بداية عهد فقد أصبح وزيرا في الدين طراف

نفسه!! وكأن القدر وفى له بالوعد في العام نفسه ولكن بعد خمس وزارات!!

يقول صالح الشاهد:

يناير 26 مساء إليه بعث الملك أن باشا الهاللي نجيب المرحوم لى روى وقد ...«بتشكيل لتكليفه بالمعادي، منزله في الملكي الديوان رئيس باشا عفيفي حافظ المرحوم وزارة، وأنه فوجئ بوجود إلياس أندراوس باشا يرافق حافظ باشا فأبدى في خلوة استياءه من هذه الرفقة، فخفف حافظ باشا األمر بأن إلياس ركب معه كرها، واعتذر نجيب باشا عن

تأليف الوزارة«.

»وفي أثناء وجود حافظ باشا وصل األستاذ فريد زعلوك وأبلغ نجيب باشا أن علي ماهر باشا الهاللي يرشح أن يطلب المحامي الناحل حمادة األستاذ المرحوم إليه أرسل باشا ماهر باشا لرئاسة الوزارة، مع وعد بتعيين فريد والدكتور نور الدين طراف وزيرين، ورشح

الهاللي باشا علي باشا الذي لم يشرك االثنين معه«.

)13(

جاء علي ماهر إلى رياسة الوزارة على شبه كره من الملك الختياره في هذا الموقع، أو فلنقل إن قبول الملك به كان قبول المضطر )!!(.

وتروي الدكتورة لطيفة سالم من خالل قراءة الوثائق البريطانية كيف تطورت العالقة بين الملك وعلي ماهر حتى وصلت إلى طريق شبه مسدود في أثناء عهد هذه الوزارة.

»... واقترح تقديم العرض أي عرض تشكيل الوزارة لعلي ماهر، الذي كان يحتل مكانا المواجهة على والقوة القدرة وصاحب سياسيا المحنك الرجل فهو الصورة؛ في بارزا

190

واالمتصاص، خاص بعد أحداث حريق القاهرة، باإلضافة إلى أن دوره في األيام األخيرة يجعل المصريين يرضون عنه في هذا الموقع«.

محاوالته تنجح ولم يناير، 27 في الوزارة بتأليف ماهر لعلي الملكي األمر »وصدر في ضم األحزاب لوزارته حيث اشترط القصر أن ينضموا كأفراد معينين باالسم ال أحزابا وال ممثلين لألحزاب. وأصر فاروق على إدخال مرتضى المراغى وزيرا للداخلية، وزكي عبد المتعال وزيرا للمالية واالقتصاد على غير رغبة رئيس الوزراء، ويعلق ستيفنسون على

الوزارة بأنها تسمد قوتها من الملك«.

كريم تعيين رفض فقد التلسط، من تماما فاروق يمكن لم ماهر علي فإن ذلك »ومع ثابت وزيرا بعد استقالته من منصب المستشار الصحفي، وعارض في تعيين كامل قاويش المستشارين، وامتنع له، وألنه أحدث الناس الملك، ولكره نائبا عاما لصلته بشماشرجي في البداية عن إعطاء حكمدارية القاهرة ألحمد طلعت المتهم في نظر اإلخوان المسلمين في حوادث التعذيب والتشريد التي تعرضوا لها، ولكن أمام تعنت فاروق وافق على شغله للمنصب، وعاكس في مسألة عودة عبد الفتاح عمرو إلى منصبه األصلى في لندن، مما أدى

الحتيال فاروق وإرساله ضمن وفد التعزية في وفاة الملك البريطاني«.

»ومما يذكر أن علي ماهر لم يكن عنيفا في رفضه وإنما اتبع أسلوب المراوغة. وشكا فاروق للسفير البريطاني. من أنه يجد بعض الصعوبات مع رئيس وزرائه وبصفة خاصة في مسألة التعيينات، وأوضح له أنه أخذ على عاتقه المسئولية بإقصاء حكومة الوفد، وعليه فال

بد أن تسير األمور وفقا لوجهة نظره«.

)14(

ونأتي إلى نجاحات علي ماهر في هذه الوزارة قصيرة العمر.

الثقة على تصرفات »الدولة« وال نقول ولعل أولها كان نجاحه في سرعة إضفاء مناخ »الحكومة« فحسب فيما يتعلق بعودة االستقرار وتعويض ضحايا حوادث حريق القاهرة، فقد كان هذا الحريق بمثابة لحظة كاشفة عن العجز والثورة معا، وكانت هيبة الدولة وقدرتها

191

متوقفة على الطريقة التي ستتعامل بها مع معقباته من زاويتي اإلحساس بمسئولية الدولة، وسرعتها في حسم األمور.

ومن حسن حظ الدولة أن علي ماهر كان قادرا على أداء متميز في هذا المجال حتى وإن لم يثن المؤرخون بما ينبغي على أدائه،وحتى وإن لم ينتبه السياسيون إلى تفرده.

إظهار األكيدة في القانونية واإلدارية ورغبته بعقليته أن علي ماهر وليس من شك في القدرة على السيطرة على األمور، قد تمكن من تحقيق إنجاز ملموس ومحسوس في هذا

الصدد.

)15(

وربما كان أهم نجاح حققه علي ماهر هو سياساته االقتصادية والتموينية التي يعود الفضل فيها إلى وجود عبد الجليل العمري كوزير للتموين والتجارة، وقد نجح علي ماهر فيما لم ينجح فيه السابقون من إقناع العمري بضرورة قبول المنصب الوزاري، وقد ذكر العمري نفسه في مذكراته أنه قبل المنصب في أثناء تعديل وزارة علي ماهر ألنه رأي الموقف يتطلب هذا اإلنقاذ، ونستطيع أن نرى فيما نعرضه من سياسات اقتصادية لهذه الوزارة الروح التي تعكس األداء المتميز والدقيق لالقتصادي المبرز القادر على تحقيق نجاحات وإصالحات من خالل تشريعات بسيطة هادفة ومحسوبة سلفا، ومن حسن حظ علي ماهر أنه تمكن من إقناع العمري الثالثة هذه، وقد تكرر هذا النجاح في وزارته الرابعة )يوليو 1952( بالمشاركة في وزارته وكان العمري بمثابة النعمة التي وفق الله مصر إليها للحفاظ على الكيان االقتصادي المالي في مرحلة االنتقال من حكم الوفد إلى عهد الوزارات قصيرة العمر ثم إلى عهد الثورة. وذلك الثالثة، وروحه المتعال وزيرا للمالية في وزارة علي ماهر الرغم من وجود زكي عبد على

الحريصة على التركيز على االنتقام من الوفد فحسب.

)16(ولعل ثالث إنجازات علي ماهر البارزة في هذه الوزارة هو حفاظه على البرلمان الوفدي، ومع أن هذا اإلنجاز يبدو في تقدير بعض المؤرخين والمراقبين إنجازا سلبيا؛ ألنه لم يأخذ الخطوة اإليجابية التي درج عليها أسالفه بحل البرلمان في مثل هذا الموقف، إال أني على

192

التي هذه الحكيمة سياسته في ضخما إنجازا أنجز قد ماهر علي أن أعتقد هؤالء خالف هدفت إلى تلجيم علي ماهر لنفسه وللملك ولجماعات المصالح، وتأجيل اتخاذ قرار حل البرلمان الوفدي، وهكذا فإن علي ماهر حافظ على البرلمان المصري حتى مارس 1952 حين حله نجيب الهاللي لألسف الشديد، وكان هذا الحل بمثابة إحدى الكوارث على مصر إلى قضية الدولة العمومية لمجلس الجمعية المستشارين في فيما بعد حين نظرت غالبية بالرأى افتقار الدولة إلى برلمان قائم، وانفرد وحيد رأفت وحده مستقبل الحكم في إطار

الصائب بالدعوة إلى انعقاد البرلمان الوفدي األخير.وهكذا يمكن لنا فهم قيمة إنجاز علي ماهر في هذه الجزئية التي لم تنل االنتباه الالئق

حتى اآلن.المسارعة من بكثير أفضل كان هذا لكن به واحتفظ الحل قرار استصدر أنه صحيح

التلقائية والمعهودة إلى اتخاذ قرار الحل.

)17(

كـان علي ماهـر رئيسا لوزارة إنقاذ منجزة كما سبق لنا أن أوضحنا. وها هو األستاذ عبد الرحمن الرافعي يقدم تقييمه لوزارة علي ماهر الثالثة بصورة أكثر واقعية في كتابه »مقدمات ثورة يوليو«، ويجدر بنا أن نشير إلى حقيقة أن الرافعي في الغالب كان منصفا لعلي ماهر كما

كان يرتاح إليه، وإن لم يمنعه هذا من انتقاد بعض أساليبه الملتوية.

وهو يبدأ هذا التقييم بعد ذكره أسماء أعضاء وزارة علي ماهر مباشرة فيقول:

»وكل هؤالء الوزراء من الموظفين السابقين وممن ال عالقة لهم بالسياسة أو باألحزاب السياسية وليس ألحد منهم برنامج سياسي ما وإنما روعي في اختيارهم صالتهم الشخصية برئيس الوزارة، فجميعهم من ذوى الصلة به أو من أصدقائه المقربين، فيما عدا اثنين منهم

)المراغي وزكي عبد المعتال( فقد فرضا عليه فرضا من السراي«.

األحزاب فيها يشرك أن في برغبته الوزارة تأليف أثناء في ماهر علي تظاهر »ولقد المعارضة للوفد، ولكنه لم يكن جادا في إبداء هذه الرغبة، بل كانت صورة من تظاهره سنة 1939 برغبته في إشراك األحرار الدستوريين في وزارته التي ألفها في تلك السنة، مع وضع

العقبات في سبيل استجابتهم إلى هذه الرغبة، مما أدى إلى عدم اشتراكهم في الوزارة«.

193

»وكذلك فعل في يناير سنة 1952، فقد عرض على األحزاب المعارضة للوفد أن يكون ومعنى دولة، وزراء األحزاب يجعل من رؤساء هذه أن أساس وزارته على في اشتراكها هذا قبول أن رأوا وقد استوزرهم، الذين الموظفين من وعمال شأنا أقل يكونوا أن ذلك

الوضع فيه غض من كرامتهم وكرامة أحزابهم، فاعتذروا، وحسنا فعلوا«.

)18(

إنجازات بها التي لخص الفقرات األربع ننقل عنه الرافعي علينا أن ومن حق األستاذ وزارة علي ماهر، وهي الفقرات التي نقلها عنه كل من كتب عن هذه الوزارة بعد ذلك مع

تغيير بعض الحروف والكلمات:

القنال، في الكفاح توقف عهدها ففي تهدئة، وزارة الجملة في الوزارة هذه »كانت وانسحب الفدائيون، واعتقلت الحكومة كثيرين منهم في اإلسماعيلية وبور سعيد والسويس

والتل الكبير«.

الوزارة على البريطانية، وسكتت المعسكرات إلى المنسحبين العمال كثير من »وعاد هذه العودة«.

تموين وعاد القنال موانئ في البريطانية للقوات والتفريغ الشحن أعمال »واستؤنفت معسكرات اإلنجليز من مختلف أنحاء البالد«.

»ولم يصدر تشريع عدم التعاون مع السلطات العسكرية البريطانية الذي وضعته وزارة الوفد مع أنه كان في مرحلته األخيرة، وتشريع إباحة حمل السالح لجميع المواطنين«.

ومن المهم أن نشير أيضا إلى أن علي ماهر اعتمد خمسة ماليين جنيه لتعويض أصحاب المحال التي أضيرت في حريق القاهرة يوم 26 يناير 1952.

)19(

وننتقل إلى ثناء األستاذ عبد الرحمن الرافعي على اإلنجازات االقتصادية والتموينية في وزارة علي ماهر:

194

»إن أهم عمل لوزارة علي ماهر هو محاربتها للغالء فقد بذلت جهودا موفقة في خفض أسعار الحاجات األساسية، وتوفير المواد التموينية فقررت:

1ـ خفض سعر السكر قرشين لألقة، وهما القرشان اللذان زادتهما حكومة الوفد إلى سعره، بحيث أصبح سعره كما كان قبل هذه الزيادة.

2 ـ إلغاء رسم الدمغة وقدره ثمانية قروش على الطلب الخاص بسكر الطوارئ بحيث يعود إلى سعره األصلي.

3 ـ زيادة مقررات السكر في البطاقات التي تقل عن خمس أقات بمقدار عشرين في المائة من قيمتها«.

4 ـ تعميم البطاقات لألسر واألفراد بحيث تعطى لمن لم يكن لديهم بطاقات.

5 ـ تيسير استيراد السكر من الخارج بدون وسطاء

6 ـ مضاعفة اإلنتاج المحلي من المسلي الصناعي.

7 ـ زيادة مقررات الزيت في البطاقات بمقدار عشرين في المائة.

8 ـ منع تصدير األرز خالل موسم ذلك العام، ومنع تصدير الزيت والبذرة والكسب.

9 ـ تخفيض سعر الحالوة الطحينية إلى 16 قرشا في الجملة و17 قرشا في القطاعي بدال من 17 قرشا و18 قرشا، وذلك تبعا لخفض السكر.

10 ـ تخفيض سعر صفيحة الكيروسين )الغاز( 45 مليما وهي الزيادة التي أضيفت في عهد وزارة الوفد«.

11 ـ تخفيض أسعار األقمشة الشعبية«.

وقد حمد المواطنون لهذه الوزارة جهودها في محاربة الغالء«.

)20(

وظروفها الوزارة هذه إنجازات فيلخص الملكي الديوان وكيل يوسف حسن أما السياسية متأثرا بما كتبه الرافعي وإن كان حريصا على أن يبدو وكأنه يعبر عن وجهة نظره

وهو يقول:

195

الكفاح في توقف ففي عهدها تهدئة ومهادنة، الجملة وزارة الوزارة في »وكانت هذه القنال »نتيجة اتفاق بين رئيس الوزراء والفدائيين« وانسحب هؤالء، بل اعتقلت الحكومة العمال من كثير وعاد الكبير، والتل والسويس وبورسعيد اإلسماعيلية في منهم فريقا للقوات والتفريغ الشحن أعمال واستؤنفت البريطانية، المعسكرات إلى المنسحبين البريطانية في موانئ القنال، وعاد تموين معسكرات اإلنجليز من مختلف أنحاء البالد إلى

ما كان عليه«.

»ولم يصدر تشريع عدم التعاون مع السلطات العسكرية البريطانية الذي وضعته وزارة الوفد وال تشريع إباحة حمل السالح لجميع المواطنين«.

الملك المهادنة أن اهتمت الحكومة باالشتراك رسميا في تشييع جنازة »ومن مظاهر ي يوم 6 فبراير( فأوفدت بعثة ملكية برئاسة األمير محمد عبد المنعم جورج السادس )توفالجوي والملحق جيمس سان بالط لدى مصر سفير باشا عمرو الفتاح عبد وعضوية

بالسفارة المصرية في لندن«.

سلفي لسياسة استمرارا ستكون سياستي »إن البرلمان: في باشا ماهر أعلن »وكذلك العظيم.. يقصد النحاس باشا، مما أرضى الوفديين فأعطوا ثقتهم للوزارة الجديدة ولهم في

البرلمان أغلبية كبيرة ساحقة«.

»كانت محاربة الغالء أهم عمل لهذه الوزارة؛ فقد بذلت جهودا موفقة في خفض أسعار الحاجيات األساسية وتوفير المواد التموينية«.

مبان من القاهرة حريق دمره ما إصالح على وعملت نصابه إلى األمن »وأعادت ألصحاب جنيه ماليين خمسة بمبلغ أول اعتمادا ففتحت ومنشآت، ومؤسسات مليونا عشر باثني قدرت فقد الخسائر جملة أما تعميرها، إلعــادة المنشآت تلك

من الجنيهات«.

»وأعادت النظام إلى الجامعات ومعاهد التعليم واستؤنفت الدراسة فيها«.

قة في الحصول على موافقة الملك على إعادة تعيين الشيخ »وكانت ـ أي الوزارة ـ موفعبد المجيد سليم شيخا لألزهر من جديد«.

196

)21(

على أن األستاذ عبد الرحمن الرافعي كان حريصا على أن ينتقد موقف علي ماهر من بعدائه هو رؤيته في يتأثر وإما، كما إما بمنظور األمر يرى الوفدي، وهو والبرلمان الوفد شخصيا للوفد ولسياسات الوفد، ومن المهم أن نقرأ بعض فقرات عبد الرحمن الرافعي في

هذا الصدد:

»إن في دعوة علي ماهر لجبهة األحزاب المعارضة للوفد إلى االشتراك في وزارته )دليال ناهضا( على أنه هو نفسه كان معارضا لسياسة الوفد، ولقد كانت هذه المعارضة تبدو منه في

مجالسه وأحاديثه في عهد الوزارة الوفدية«.

ومع ذلك فإنه بعد أن تولى الحكم بادر إلى التحالف مع الوفد، وذهب في هذا التحالف فاه التي المشهورة كلمته ذلك هذا في وقال الحكم، في الوفد بسياسة اإلشادة حد إلى مصطفى يريد العظيم«... سلفي لسياسة استمرارا ستكون سياستي »إن البرلمان: في بها

النحاس«.

»فإذا كانت سياسته هي سياسة سلفه العظيم كما يقول ففيم إذا كانت إقالة وزارة الوفد وقبوله الحكم بعد إقالتها؟«.

»ومن ناحية أخرى فبالرغم من أن سياسته كانت سياسة تهدئة وعدول عن الكفاح في القتال، فإن الوفديين في البرلمان وكانوا األغلبية قد أعطوه ثقتهم، وهذا يدل على أنهم ما كانوا مؤمنين بسياسة الكفاح، وإنما كانوا متورطين فيها دفاعا عن مركزهم تجاه الشعب، ألن

الشعب كان يريد الكفاح، ثم ها هم أوالء يعطون ثقتهم لوزارة جاءت لتهدئة الكفاح!«.

البرلمان الوفدي وزارة جديدة جاءت في أعقاب »ولقد كانت هذه أول مرة يؤيد فيها إقالة الوزارة الوفدية«.

)22(

على أن األمور بين علي ماهر والوفديين لم تمض على هذا النحو السلس، فسرعان ما ساءت العالقة بين فاروق وعلي ماهر وبين علي ماهر والوفد، وأخذت صحيفة »المصري« لسان حال الوفد تنقد علي ماهر صراحة، بينما أخذ هو يقيل الوفديين من وظائفهم، لكنه

197

في عداوته للوفد لم يصل إلى ما وصل إليه خلفه الهاللي الذي قام بتحديد إقامة فؤاد سراج الدين وعبد الفتاح حسن في الريف.

)23(

ويثني الدكتور حسين حسنى على سلوك علي ماهر في وزارته الثالثة في أعقاب حريق القاهرة 1952، وإن كنا نلمح في ثنائه ما يدل على أنه هو اآلخر، نقل جمال وعبارات من

كتابات المؤرخ عبد الرحمن الرافعي:

األغلبية وثقة برضاء يفوز أن بذكائه استطاع باشا ماهر علي فإن ذلك عن »وفضال الوفدية في مجلس النواب عندما أعلن أمام المجلس أنه سوف يتبع في خطته سياسة »سلفه العظيم«. وإلى جانب ذلك فإن الوزارة استطاعت بفضل ما بذلته من جهود كبيرة أن توفق مع الشعبية واألقمشة الطعام في األساسية الحاجات أسعار بتخفيض الغالء محاربة في توفير مواد التموين، وذلك فضال عن إعادة سيادة األمن والنظام في كل مكان، كما عملت والمنشآت المباني أصاب ما وإصالح والتخريب الحرائق آثار إزالة حركة تنشيط على المختلفة من إتالف، وذلك بمعاونة أصحابها على القيام بهذه المهمة في أسرع وقت بأن من الغرض، وهذا هذا تحقيق في الجنيهات إلعانتهم من بخمسة ماليين اعتمادا فتحت جملة قيمة الخسائر التي قدرت بمبلغ اثني عشر مليون جنيه، وإلى جانب هذا فإنها أعادت فتح الجامعات والمعاهد الدراسية على اختالف مراحلها، أي أنها في الجملة أعادت الحياة

إلى مجراها ونظامها الطبيعي في كل النواحي«.

)24(

بين ما العمر دامت الرغم من هذا االرتياح لسلوك علي ماهر في وزارة قصيرة وعلى الشهر والخمسة أسابيع، إال أن حقد سكرتير الملك حسين حسني على الوفد يجعله يسارع إلى انتقاد علي ماهر ال لشيء إال لقوله المشهور عند تولى الوزارة : »إنه سوف يسير على سياسة سلفه العظيم«، ونحن نعرف أنه أراد بهذا أن يحظى بثقة البرلمان الوفدي، لكن أمثال حسين حسني من الذين ال يطيقون الوفد لم يكونوا قادرين على أن يتحملوا مثل هذا التعبير

198

اللبق، ولو من باب المجاملة، وانظر إلى هذا الهجوم القاسي والمركز والفظيع الذي يمارسه سكرتير الملك على علي ماهر لهذا السبب حتى إنه يقول:

»... إال أن سياسة الوزارة بوجه عام كانت محال للتساؤل عن حقيقة ما ترمي إليه من عدم منه يفهم إلخ.. بسبب قصور جهودها... السابقة الوزارة »إعفاء« كتاب فإن ورائها، العيوب إلصالح الجديدة الوزارة وجاءت تقصير، من سياستها في كان ما على الرضا واألخطاء التي أدت إلى هذا القصور فكيف يعلن رئيسها اعتزامه على اتباع سياسة »سلفه

العظيم« ويوفق بين ذلك وبين اإلصالح المطلوب منه؟!«.

سياسة اتباعه بمدى مرتبطا أصبح الوفدية األغلبية وتأييد ثقة على اعتماده أن »كما في السابقة الوزارة تؤيد سياسة كانت التي األغلبية هي أن هذه إلى العظيم«، هذا »سلفه غاصبين باعتبارهم مكان كل في ومقاطعتهم اإلنجليز مكافحة وإعالن المعاهدة إلغاء وترحيب المعاهدة إلغاء إعالن بعد قانوني مبرر إلى القناة منطقة في وجودهم يستند ال الحكومة بجهاد الشباب المكافح لخدمة قضية بالده أمام المحتلين، فكيف يتفق هذا كله مع سياسة المهادنة التي أخذت بها الحكومة الجديدة التي أعلنت كذلك أنها شرعت في تنفيذ في للتضامن جميعا منها موحدة سياسية جبهة تشكيل على أقلية أحزاب مفاوضة

سياسة جديدة«.

عليه يرتب الملك سكرتير نرى الوطني، غير بل المنطقي غير الهجوم هذا كل وبعد أحكاما أخرى فيقول:

»لهذا كله فإنه مع التقدير البالغ لما بذلته وزارة علي ماهر باشا من جهود موفقة لمحاربة حيال السياسية تصرفاتها بين واضحا كان التناقض فإن البالد، إلى النظام وإعادة الغالء يهدد كان ما وهو تؤيدها، التي الوفدية لألغلبية السياسية المبادئ وبين الوطنية القضية

بحدوث انهيار فجائى في الموقف بأسره«.

)25(

ويجيد حسين حسني تصوير عالقات علي ماهر والبريطانيين في بداية عام 1952 بعد أن تولى علي ماهر رئاسة الوزارة، وهو يميل إلى القول بأن المؤامرات الداخلية هي التى

199

يدفع سكرتير الذي ما أدري البريطانيين، ولست تفاوضه مع عطلت نجاح علي ماهر في الملك المؤهل بدرجة علمية في التاريخ إلى تبني مثل هذا الموقف الضعيف تاريخيا، بينما الحقائق معروفة عن اعتذار السفير البريطاني عن عدم اللقاء بعلي ماهر صبيحة يوم استقالته، وقد أشار إليها كثيرون كان منهم حسن يوسف الذي اعتمد حسين حسني على مذكراته في

مواضع كثيرة؟!

ينجح في استدراج اإلنجليز أن يراوده األمل في باشا كان أن علي ماهر »... والواقع إلى الدخول معه في مفاوضات يستطيع من خاللها أن يصل إلى اتفاق يحقق ما فشلت كل المفاوضات السابقة في الوصول إليه من حيث إجابة المطالب الوطنية واستقرار األوضاع في مصر والسودان، ومن أجل هذا سعى إلى التفاهم مع السفير البريطاني على تحديد موعد

لالجتماع معا للبدء في المباحثات التمهيدية بينهما«.

يقدر »وتم االتفاق على أن يكون هذا االجتماع في أول مارس عام 1952، إال أنه لم له أن يتم، وذلك أن مجلس الوزراء كان قد قرر في فبراير عام 1952 عقب تشكيل الوزارة المرسوم توقيع فعال البرلمان لمدة شهر وتم انعقاد بتأجيل بزمن وجيز استصدار مرسوم من الملك، لكن رئيس الوزراء احتفظ به في درج مكتبه بدال من إعالن البرلمان به مع أنه الوزراء حينما اجتمع مصادفة في المسألة في مجلس أثيرت هذه أذيع في الصحف، وقد يوم أول مارس عام 1952، فصرح رئيس الوزارة بأنه لم تعد هناك حاجة إلى تنفيذ ذلك المرسوم ألن استصدراره كان بسبب معارضة بعض النواب الوفديين في اعتماد مبلغ خمسة ماليين من الجنيهات الذي قررته الوزارة لمعاونة أصحاب المنشآت التي نكبت في أحداث الحريق المشئوم، ولما كانت )تلك( المعارضة قد زالت في حينها وأقر البرلمان االعتماد المطلوب، فلم يعد هناك ما يقتضي تنفيذ المرسوم، وقدم علي ماهر باشا صيغة بيان بهذا

المعنى لنشره في الصحف«.

»ولكن زكي عبد المتعال باشا وزير المالية وأحمد مرتضى المراغى باشا وزير الداخلية اعترضا على هذا العدول واعتبراه ماسا بكرامة المجلس، وبذلك فإنهما يقدمان استقالتهما من الوزارة، وكان من أثر حدوث هذا االنشقاق في صفوف الوزارة أن أعرب الملك عن رغبته في استقالتها، فلم يسع علي ماهر باشا سوى التنفيذ، وقدم استقالته ظهرا فقبلت من

فورها، وعهد إلى نجيب الهاللي باشا بتأليف الوزارة الجديدة«.

200

)26(

الوزارة شهدت على غير عادة علي ماهر في وزارتيه إلى أن هذه المهم أن نشير ومن ووزارته بدأت، كما انتهت األولى وزارته أن ذلك أثنائها، في كثيرة تعديالت األوليين الثانية لم يحدث فيها سوى تعديل واحد بتبديل وزارتي الشئون االجتماعية واألوقاف بين

عبد الرحمن عزام وعبد السالم الشاذلي.

أما هذه الوزارة التي شكلها علي ماهر من وزراء مستقلين فقط فقد شهدت تعديال كبيرا أسابيع خمسة عمرت حيث عمرها من الثاني الخمس نهاية في أو عمرها، منتصف في

وبالتحديد في 7 فبراير 1952.

بدأت هذه الوزارة بعشرة وزراء )في مقابل 13 في وزارة 1939، و7 في وزارة 1936( وانتهت بأربعة عشر وزير!!

على الوزارة دخلوا كبير( رقم )وهو تسعة فكانوا الوزارة هذه في الجدد الوزراء أما مرحلتين: خمسة عند تشكيل الوزارة ألول عهدها وهم:

• أحمد مرتضى المراغى الذي عين وزيرا للداخلية وظل كذلك حتى نهاية عهد الوزارة، بل استمر وزيرا للداخلية في الوزارة التالية.

• سعد اللبان الذي عين وزيرا لألوقاف وظل كذلك.• محمود حسن باشا الذي عين وزيرا للشئون االجتماعية وظل كذلك.

واثنان تغيرت مسئولياتهما:

• إبراهيم عبد الوهاب بك الذي عين وزيرا للتجارة والصناعة والتموين، وفي تعديل 7 فبراير ترك هاتين الوزارتين وأصبح وزير دولة.

• حامد سليمان باشا الذي عين وزيرا لألشغال العمومية والمواصالت ثم ترك المواصالت في التعديل.

أما الوزراء الجدد الذين دخلوا الوزارة بعد أسبوعين من تشكيلها فقد كانوا أربعة هم:

• محمد على رشدي بك وقد تولى وزارة الشئون البلدية.

201

• عبد الجليل العمرى بك وقد تولى وزارة التجارة والصناعة والتموين.• ألفونس جريس بك وقد تولى وزارة الزراعة.

• محمد زهير جرانة بك وقد تولى وزارة الشئون القروية.وأما الوزراء القدامى الذين استعان بهم علي ماهر فكانوا:

• صليب سامى )وهو وزير قديم منذ عهد صدقي في الثالثينيات(، وقد شارك في وزارة التعديل حدوث مع المواصالت تولى ثم تشكيلها عند للزراعة وزيرا الثالثة ماهر علي

الوزاري، وقد استمر وزيرا في الوزارة التالية.

• محمد عبد الخالق حسونة باشا وزير المعارف وكان وزيرا منذ عهد حسين سري في وزيرا أصبح ماهر علي عهد وفي االجتماعية بالشئون بدأ ،1949 نوفمبر الرابعة وزارته

للمعارف ومن الطريف أنه أصبح وزيرا للخارجية في وزارتي الهاللي األولى والثانية.

• وكان د. إبراهيم شوقي مثل عبد الخالق حسونة من الوزراء الذين دخلوا الوزارة ألول الصحة يتولى وزارة نوفمبر 1949، وقد ظل الرابعة في باشا مرة في وزارة حسين سري حتى نهاية وزارة علي ماهر ، لكنه تخلى عن وزارة الشئون البلدية والقروية 7 فبراير وعهد

بتلك الوزارة بعد فصلها إلى اثنين هما محمد علي رشدى للبلدية وزهير جرانة للقروية.

• محمد علي نمازي وزير العدل، وكان مثل محمد عبد الخالق حسونة وإبراهيم شوقي قد دخل الوزارة على عهد وزارة حسين سري الرابعة كوزير للمواصالت ثم أصبح وزيرا

للعدل.

• د.محمد زكي عبد المتعال وزير المالية واالقتصاد من وزراء الوفد الذين تركوا وزارة الوفد السابقة في وسطها.

)27(

وأخيرا فقد كان خروج علي ماهر من هذه الوزارة مفاجئا له أو شبه مفاجئ لكنه على كل حال كان من حسن حظه.

وربما كان من المفيد أن نتأمل ما ورد عن يوم إقالته في األدبيات المتاحة.

202

يصور حسن يوسف في مذكراته ذلك اليوم تصويرا دقيقا وموحيا فيقول:

تلقى صباحا والنصف التاسعة ففي بالمفاجآت. مشحونا يوما مارس أول يوم »كان رئيس الحكومة من السفير البريطاني كتابا يعتذر فيه عن المقابلة إلصابته ببرد شديد.. وفي العاشرة والنصف اجتمع مجلس الوزراء فجأة عقب زيارة رئيس الديوان لرئيس الوزراء... وفي االجتماع دارت مناقشة حادة حول مرسوم تأجيل البرلمان، وكان الملك قد وقعه بدون الخمسة اعتماد على البرلمان وافق أن بعد إلعالنه حاجة باشا ماهر علي ير ولم تاريخ، ماليين جنيه، لكن صحيفة »أخبار اليوم« نشرته صباح ذلك اليوم، وترتب على المناقشة في هذا األمر استقالة وزير المالية ووزير الداخلية، وطلب رئيس الحكومة مقابلة الملك فأحيل إلى رئيس الديوان... فلم يبق أمامه إال أن يذهب إلى القصر وهو حانق ويقدم استقالته وهو

واقف.. وينصرف دون أن يودعه أحد«.

)28(

هكذا يشير حسن يوسف إلى أن علي ماهر حين استقال في أول مارس 1952 من رياسة واقف وهو استقالته وترك الديوان إلى ذهب صادفته، التي المهينة الظروف في الوزارة

وانصرف دون أن يودعه أحد.

ويستطرد حسن يوسف إلى رواية التفصيالت التي كان هو نفسه طرفا فيها فيقول:

حريصا كنت فقد حدث.. لما األسف شديد آسف وأنا أحد يودعه أن دون »وأقول الوزارات، الزائرين.. وكنت أصحب رؤساء بالديوان على مجاملة كبار طوال مدة عملي سواء أكانوا في الحكم أم خارج الحكم، إلى المصعد ثم إلى الباب الخارجي للقصر، لكن المفاجأة هذه المرة أذهلتني بحيث تجمدت في موقعي وكنت في مكتب حافظ عفيفي باشا عندما دخل علينا ماهر باشا ودفع باستقالته إلى رئيس الديوان وانصرف، وكان حافظ باشا قد بدأ يحدثني عن قيام أزمة بسبب نشر مرسوم تأجيل البرلمان دون علم رئيس الوزارة.. وترجع األزمة إلى خالف بين رئيس الوزراء وبين وزير داخليته ـ أي مرتضى المراغى ـ، وكان القصر قد فرضه عليه، وهذا ما عناه ماهر باشا في كتاب استقالته من قيام عقبات في سبيل مهمته.. وكان وجودي في مكتب رئيس الديوان ثم تقصيري في القيام بالواجب نحو ماهر باشا من دواعي الظن بأني على علم بما يجري في القصر ضد وزارته، والله يعلم أني

203

بريء من هذا الظن.. ويؤسفني أن أسجل أن هذا الحادث ترك أثرا من الحفيظة في نفس ماهر باشا من ناحيتي، وعندما شاء القدر أن يعود إلى الحكم في يوليو 1952 فإنه رد الصاع

صاعين«.

)29(

فترة بها حفلت التي التفصيالت من لكثير جيدا نبعا الشاهد صالح مذكرات وتمثل حكم علي ماهر في وزارته الثالثة )يناير 1952 ـ أول مارس 1952(، وعلى سبيل المثال

فإنه يتحدث بوضوح عن الغدر الذي لقيه هذا الرجل على يد الملك فاروق:

»... وبعد أيام قليلة والرجل يبذل أقصى الجهود في مختلف الجبهات ويواجه أخطر طه الدكتور سكرتير شحاته فريد بصديقنا فوجئت بالبالد مرت التي السياسية الظروف حسين، ]وكان على ما يرويه الشاهد،كثيرا ما يزوده ببعض أخبار »الغد« من خالل عالقات

أجنبية[ يقول لى:

»قبل نهاية شهر فبراير هذا الزم علي ماهر باشا يمشي«.

)30(

إليه صالح الدكتورة لطيفة سالم على ما ذهب التي لخصتها البريطانية الوثائق وتؤكد الشاهد مما استنتجه من معايشته الواقع.

رئيس يقاطع كاد الذي فاروق لدى طيبا صدى الوطنية الجبهة مسألة فشل »ولقي عين إذ اليمين، جريس ألفونس حلف لمناسبة كانت واحدة مرة إال يستقبله فلم وزرائه، وزيرا للزراعة وكان خارج مصر، وذلك بالرغم من تكرار علي ماهر طلب المقابلة الملكية

مما أثر على نفسيته«.

»وفي يوم عيد الميالد الملكي، وعندما أراد التحدث عن الرغبة الملكية في عدم إقامة الحوادث منكوبي من الفقراء على المقررة المبالغ تصرف وأن المناسبة، بهذه زينات األخيرة، وقبل أن يلقي كلمته طلب إليه أن تعرض على الملك، فرفض وصرح بأن التقليد وهو الوزراء، رئيس بموافقة إال القصر من التصريحات تصدر بأال يقضي الدستوري

204

المسئول األول عن تصرفاته وحديثه وال رقابة ألحد عليه، وتناسى أنه لقن فاروق الدرس منذ بداية حياته، ومما زاد الوضع سوءا استمراره في مجاملة الوفد، فحرص على استمرار البرلمان صاحب األغلبية فيه، وأبقى الموظفين المنتمين له في مراكزهم ولم ينشر التقرير الرسمي عن أحداث الحريق خوفا من إلقاء المسئولية على وزرائه، وذلك جميعه ليضمن الحصول على تعاونه، كما ساعد أسلوبه السياسي في الحصول على تأييد عدد من األحزاب

والتفاهم مع اإلخوان المسلمين«.

، ماهر لعلي الكيد في فعال دور الوزارة في الملك رجل المراغى لمرتضى »وكان لم لكنه لفـاروق تقـربه بدرجـة الـوزراء رئيس عـلم ومع الخـالفات، بينهما واشـتدت يضع ذلك في االعتبار، وعنـدما رغب المـلك في حـل البرلمـان، لم يتفـق في هـذا مـع وعليه التـأجيـل بمرسـوم احتفـظ التمهل في األخـير لطريقـة ا ـ ووفـق وزرائه، رئيـس التـوقيـع الملـكي من غـير تاريـخ حـتى يسـتعمله في اللحظة المنـاسـبة السـيما إذا اتخـذ

منه الوفد موقفا«.

»وفي هذه اآلونة قامت األغلبية الوفدية بالمجلس بمعارضة الحكومة في التعويضات بعدم نوابه الوفد أمر ما سرعان لكن يناير، 26 حــوادث ضحايا لمساعدة المالية المعارضة،وعليه رأى علي ماهر أن يبقي المرسوم سرا وال يذاع أو ينشر وفقا لنظريته في من وتيقنه نفسه في ثقته أن والواقع المفاوضات، في للدخول استعدادا األجواء تهدئه نجاحه في مسألة المفاوضات قد أوغرا عليه قلب فاروق الذي تحقق من أن ذلك األسلوب هو لتغطية المشاكل الداخلية، ومن ثم أرسل إليه تحذيرا عن طريق حافظ عفيفي تحت هذا

المعنى، لكنه لم يأت بالمطلوب«.

السفير وحدد المذكرات وأعد المفاوضات في الدخول على الوزراء رئيس »وأصر إعادة في تحققت قد الوزارة مهمة بأن فاروق وأحس لبدئه، ميعادا مارس أول البريطاني نشاط وتجميد بريطانيا، على الهجوم ووقف الخواطر، وتسكين والثقة والنظام الهدوء الفدائيين وإسقاط التوتر في منطقة القناة وعودة العمال المنسحبين من المعسكرات البريطانية، وإخضاع وسائل اإلعالم للرقابة للحد من ثوريتها، وتخفيض بعض األسعار، وبالتالي انتهى الملك سياسة جديدة التى وضعها علي ماهر واعتبرها العقبات إلى دورها، هذا باإلضافة

تهدف إلى تقليم أظافره وتقليص سلطته«.

205

)31(

ثم تلخص الدكتورة لطيفة سالم ما ورد في كثير من الوثائق البريطانية فيما يتعلق بقرار فاروق المبكر التخلص من وزارة علي ماهر ، وأسباب هذه النية، ومظاهرها.

رئيس وكلف تأليفها، من أسبوعين عقب الوزارة إسقاط على العزم فاروق »وعقد ديوانه بتبليغ الهاللي باالستعداد لتولي الوزارة، ثم عاد وأرسل إليه أندراوس في 25 فبراير للغرض نفسه، وارتفع مؤشر حنقه على رئيس وزرائه لتكليفه للجنة الحربية بإعداد مشروع يرتكز على حياد مصر، وفي مساء 26 فبراير التقى ستيفنسون رئيس الديوان الذي أوضح له أن الملك سيرسل خالل أيام قليلة لعلي ماهر ليعلمه بأنه غير راض عن اإلجراءات التي الملك يرضي أو استقالته يقدم أن إما ذلك على ردا منتظرا وأصبح الحكومة، تتخذها وينفذ ما يمليه عليه ويعمل ضد الوفد. ولكنه لم يمتثل وواصل منهجه مع الوفد حتى إنه للمفاوضات عائقا ذلك الديوان رئيس واعتبر والوحدة، الجالء في ندائه بحرفية تمسك وأخبر السفير البريطاني بما يجب أن تكون عليه مقابلته له ونقل إليه الرغبة الملكية بجعل المناقشات مبدئية وعدم الدخول في المضمون فأجابه ستيفنسون بأن نيته اإلصغاء ألفكار علي ماهر، إذا عرض مقترحات نهائية بشأن الجوهر فلن يرفض سماعها، وعليه قال حافظ عفيفى إن القصر يريد كسب أيام قالئل، وبالتالي فهو يتعشم أال يشجع علي ماهر على ذلك فوافق، ثم طلب منه أن يعبر له عن تبكيته التجاهه في التعاون مع زعماء الوفد، وعليه يتضح بين ستيفنسون دار الوزراء من كل جانب. وفي حديث برئيس أحاط الذي فاروق ضغط ومصطفى أمين بشأن تغيير الحكومة، أشار األول إلى أن ذلك من الشئون المصرية، لكن إذا ل بأن حدث فيجب أال يكون بعد بداية علي ماهر في المفاوضات معه مباشرة حتى ال يأوإقالته هي بسبب موقفه المتشدد للدفاع عن حقوق مصر، ووضع الملك ذلك نصب عينيه

عند تنفيذ خطته«.

)32(

ومن المذهل أن نقرأ فيما نقلته الوثائق البريطانية إشارة واضحة وصريحة إلى أن الملك ألنه نظرا ماهر لعلي مقابلته ليؤجل البريطاني السفير إلى ديوانه رئيس أرسل قد فاروق

سيقدم استقالته ليجري فيها تعديال:

206

»... وكلف فاروق رئيس ديوانه باتخاذ إجراءات تغيير الوزارة، على الرغم من مقابلة األخير لرئيس الوزراء في 27 فبراير الذي وعد بالقيام بكل شيء على وجه حسن، ويعلق

السفير اليريطاني على هذا الموقف بأنه يريد أن يلعب لعبته، وسلوكه كاتجاه الوفد«.

وفي 29 فبراير أرسل الملك حافظ عفيفي إلى ستيفنسون ليطلب منه تأجيل مقابلته مع الوزارة، ويذكر علي ماهر المحدد لها أول مارس ألنه سيقدم استقالته ليجري تعديال في

السفير البريطاني لحكومته أنه سيعتذر مدعيا إصابته بالبرد، ونفذ المطلوب«.

)33(

وتشير الوثائق البريطانية بوضوح إلى تورط وزيري المالية والداخلية اللذين كان الملك نفسه قد فرضهما على علي ماهر في تفجير الوزارة من الداخل وذلك للتغطية على رغبة

الملك في التخلص من علي ماهر ووزارته.

»... وبناء على التخطيط وحتى ال يشاع أن علي ماهر استقال لخالف مع القصر أو أن األخير اضطره لذلك، أنيط لوزيري الداخلية والمالية واالقتصاد مهمة دب الشقاق وخلق

أزمة داخل الوزارة بحيث تتحول سريعا إلجبار رئيس الوزراء على تقديم استقالته. ونشر

خبر تأجيل البرلمان عن طريق مرتضى المراغى مما أثار علي ماهر، فعقد اجتماعا بوزارته

بينه وبين وزير الداخلية تضامن فيها زكي عبد المتعال مع صديقه، وقدما وحدثت مشادة

استقالتهما، وأيقن علي ماهر أن لحظة خروجه قد حانت، خاصة بعد رفض فاروق لمقابلته،

فقدم استقالته في أول مارس، وأشار فيها إلى العقبات التى تقوم في سبيل مهمته، وكان رد

الملك عليها تقليديا ومقتضبا، ومن ثم سجل انتصارا على حكومته، وعزز نزوعه المتأصل

في السلطة المطلقة«.

إليه في هذا الموقع.. وهكذا فقد علي ماهر رياسة للوزارة على يد من كان في حاجة

وهو من طبائع األقدار التي تبدو عجائب وما هي كذلك.

207

الفصل الحادي عشر

علي ماهر في فجر عهد الثورة

ون�ساطه في وزارته الرابعة

)1(

أبدأ هذا الفصل بأن أقول إني أستطيع أن أزعم أن أصوب قرار أنجزته الثورة في بداية رئيسا ليكون ماهر لعلي 1952 23يوليو في الجيش حركة رجال اختيار هو كان عهدها أستطيع إني بل الحدود، أبعد إلى موفقا اختياره كان فقد ،1952 يوليو 23 في للوزراء أدبيات في الالئق بالتقدير اآلن حتى يحظ لم الفترة هذه في ماهر علي دور أن أزعم أن

التاريخ المعاصر.

ومن الطرائف أن الذين كتبوا عن هذه الفترة كانوا أحرص ما يكونون على سرقة )وأقولها بوضوح: سرقة، متحمال مسئولياتها( دور علي ماهر ونسبته إلى آخرين، ومن هؤالء على سليمان صديقه إلى الدور هذا نسبة تصوير في أفرط الذي رضوان فتحي المثال: سبيل حافظ، كذلك فإن الصحفيين الذين كتبوا ذكرياتهم عن هذه الفترة حرصوا على أن يصوروا أدوارا لسياسيين آخرين كان دورهم قد انتهى تماما بمجرد قيام حركة الجيش.وفي مقدمة علي دور على هؤالء بعض حقد لكن نفسه، الوزراء رئيس الهاللي نجيب أحمد هؤالء ماهر كان تعبيرا غير مباشر عن عجزهم عن الوصول إليه في ذلك الوقت، وتعبيرا آخر عن الثورة الناصحة لرجال البارز إحسان عبد القدوس في اإلشارة الحقد على دور الصحفي

باالستعانة بعلي ماهر، ثم قيامه بنفسه بإتمام خطوة اتصال الضباط بهذا الرجل.

208

ومع هذا فإن حسن حظ تاريخنا جعل أنور السادات نفسه يروي القصة بتفصيالتها في مندوب هو السادات أنور كان وقد الثورة، تاريخ عن نشرها التي والروايات الكتب كل

زمالئه من قادة حركة الجيش الذي عرض على علي ماهر رياسة الوزارة.

)2(

والشاهد أن علي ماهر قد قبل بعد تفكير يسير أن يتولى المهمة وقد كان قبوله لهذا العمل بمثابة دور وطني كان من السهل عليه أن يتنصل من قبوله، وبخاصة مع وجود األسباب التي

تبرر اعتذاره عن مثل هذا العمل.

وقد كان علي ماهر من الذكاء بحيث أعلن بكل وضوح أنه سيستعين بمن كانوا شاركوه العمل في وزارته السابقة التي شكلها عقب حريق القاهرة، وكان معنى هذا أن علي ماهر يريد أن يدل المجتمع السياسي على أنه صاحب فريق عمل حتى وإن لم يكن صاحب حزب،

وعلى أنه سيستكمل شيئا بدأه وكان يتمنى لو أتمه وقد نفذ علي ماهر ما أعلن عنه بالفعل.

والحق أن علي ماهر قد نجح في أن يصدر عددا من القرارات السياسية التي توافقت مع التوجه الطبيعي لعهد جديد لم تكن مالمحه قد تبلورت بعد، لكن علي ماهر بحس سياسي ذكي كان يلمح طبيعة توجهات العهد الجديد، وكان قادرا على أن يتوافق معها ولو إلى حد التأقلم كانت عالية، وإن كانت شأن معين، وربما يمكنني القول بأن قدرة علي ماهر على كل القدرات ذات حد أو ذات نهاية، وقد جاءت النهاية سريعا ألسباب عديدة كان السبب المعلن منها هو شروع الثورة في تنفيذ قانون اإلصالح الزراعي على نحو مفاجئ دون أن القانون ومن قبول هذا المناورة في بقدر من ماهر لعلي أن تسمح او بديلة، أفكارا تتقبل

الجائز أن السبب الحقيقي كان غير ذلك تماما.

)3(

ومن اإلنصاف للتاريخ أن نفكر في عالقة علي ماهر بالثورة من زاوية أخرى مهمة، وهي زاوية علي ماهر نفسه، فالشك أن هذا الرجل شأنه شأن كل إنسان المع كان يعتقد في نفسه اعتقادات أخرى أرفع قدرا من أن يكون رجل المواقف الحرجة، والشك أنه كان يعتقد،

209

مصر، لقيادة أهال يرونه كانوا الثورة رجال أن بالباطل أم بالحق االعتقاد هذا أكان سواء وأنهم كانوا يرونه أكفأ من غيره، سواء أكان هذا الغير أفرادا أم أحزابا بأكملها.

وكانت ثقة علي ماهر في نفسه وفي قدراته تهيئ له مثل هذا االعتقاد. وكانت الظروف تسمح من آن آلخر بما يؤكد لعلي ماهر على صواب هذا االعتقاد حين كان يسمع من رجال

الثورة مثال أنهم يرشحونه لرئاسة جمهورية برلمانية... وما إلى ذلك.

كما الجديد. الدستور وضع لجنة لرئاسة الرجل اختاروا أنفسهم الثورة رجال إن بل اختاروه لرئاسة لجنة للتعليم الجامعي!! وهكذا كانت كل المؤشرات والدالالت الظاهرة أمام عينيه تدفع به إلى تأكيد االعتقاد في قيمته عند هؤالء مهما حدث منهم من خشونة في

بعض األحيان.

)4(

إلى أن ثالثة بالذكر أن نشير الوزارة ومن الجدير ونأتي إلى رجال علي ماهر في هذه إلى علي ماهر الوزارة عند تشكيلها من عشرة وزراء باإلضافة وزراء جدد قد دخلوا هذه

نفسه وهؤالء هم:

لألشغال • محمد كامل نبيه باشا لألوقاف • فؤاد شيرين باشا

للشئون البلدية والقروية • عبد العزيز عبد الله سالم بك أما السبعة القدامى فقد كان أقدمهم هو الدكتور إبراهيم شوقي »الصحة«، ويعود عهده للصحة وزيرا وكان »1949 »نوفمبر الرابعة سري وزارة عهد إلى الوزاري بالمنصب عهد أول في والقروية البلدية الشئون إليها أضاف بل الثالثة، ماهر علي وزارة في أيضا تلك الوزارة » 27 يناير ـ 10 فبراير1952« وقد ذكر حسن يوسف في مذكراته أن الدكتور إبراهيم شوقي اعتذر عن دخول وزارة الهاللي باشا في مارس 1952 وهو ما يدلنا على أن إبراهيم شوقي كان يفضل علي ماهر على غيره »كالهاللي« ونحن نقرأ أيضا في مذكرات عبد الجليل العمري ما يدلنا على أن العمري في ذلك الوقف كان يتقبل علي ماهر بأكثر مما

يتقبل غيره.

210

أيضا في عهد الوزارة ستة كانوا وزراء القديم نسبيا ضمت الوزير إلى هذا وباإلضافة

وزارة علي ماهر الثالثة. وكانت هذه الوزارة بمثابة أول عهدهم بالمنصب الوزاري وهو:

إبراهيم عبد الوهاب: الذي عين وزيرا للتجارة والصناعة وكان قد توالها لفترة في •وزارة علي ماهر السابقة.

• سعد اللبان: الذي عين وزيرا للمعارف وكان قد تولى وزارة األوقاف في وزارة علي ماهر السابقة.

• محمد على رشدي: الذي عين وزيرا للعدل وكان قد تولى الشئون البلدية في وزارة علي ماهر السابقة.

التجارة تولى قد وكان واالقتصاد للمالية وزيرا عين الذي العمري: الجليل عبد •والصناعة والتموين في وزارة علي ماهر السابقة.

• ألفونس جريس: الذي عين وزيرا للزراعة وكان قد تولى الوزارة نفسها في وزارة علي ماهر السابقة.

• محمد زهير جرانة: الذي عين وزيرا للشئون االجتماعية والمواصالت وكان قد تولى الشئون القروية في وزارة علي ماهر السابقة.

ثم دخل محمد رشاد مهنا هذه الوزارة كوزير للمواصالت في 30 يوليو 1952 كإجراء

أن عين محمد رشاد بعد إلى محمد زهير جرانة المواصالت يومين عادت شكلي، وبعد

مهنا وصيا على العرش.

)5(

وقبل أن نتطرق إلى نشاط علي ماهر في عهد وزارته الرابعة يجدر بنا أن نلمح في عجالة إلى التعديل المهم الذي حاول به علي ماهر أن ينقذ وزارته هذه من النهاية.

211

يقاوم البقاء، وبينما كان علي ماهر الوزارة تصارع من أجل بينما كانت ففي 6سبتمبر الله عبد العزيز نبيه وعبد كامل الوزراء وهما: محمد أحدث وزيران من استقال األنواء،

سالم، ودخل الوزارة خمسة وزراء جدد هم:

للشئون القروية • مريت غالي للمواصالت • محمود محمد محمود

لألشغال العمومية • مراد فهمي لإلنشاء والتعمير • إبراهيم مدكور

للشئون البلدية • نور الدين طراف أو الفرص )أو المناصب هذه ماهر علي أنشأ كيف نتأمل أن الطريف ومن

الحقائب( الوزارية الخمسة:

• وزير األشغال الجديد حل محل وزير أشغال مستقيل • وزيران للشئون البلدية والقروية حال محل وزير واحد مستقيل

• وزير المواصالت تولى وزارة كانت محالة على وزير آخر • وزير اإلنشاء والتعمير تولى وزارة جديدة لم تكن موجود من قبل.

نجيب محمد وجاء كله الوضع هذا أنهت ما سرعان التالية الساعات فإن هذا ومع ليشكل وزارته في 9 سبتمبر 1952.

)6(

كانت التغييرات السياسية ووضع أسس التحول من عهد إلى عهد بمثابة أبرز اإلنجازات الكبرى لهذه الوزارة، و قد تولى علي ماهر معظم هذه اإلنجازات بنفسه، وربما يرى البعض أن اإلنجازات اإلدارية األخرى التي حققتها هذه الوزارة قد اقتصرت على بعض الشكليات كإلغاء مصيف الوزارة باإلسكندرية »28يوليو«. وإلغاء الرتب واأللقاب المدنية »2 أغسطس«، وصدور مرسوم بالعفو الشامل عن جرائم العيب في الذات الملكية أو الملكة أو ولي العهد

212

أو أحد أوصياء العرش أو توجيه اللوم إلى الملك على عمل من أعمال الحكومة التي تكون قد ارتكبت قبل العمل بهذا المرسوم الذي حرر في 2 أغسطس أيضا .

الحق أن علي ماهر وجد الفرصة مواتية ليظهر شماتته في الحياة الحزبية كلها، ولهذا فإنه. )على حد تعبيرا لدكتور عبد العظيم رمضان( لم يلبث »أن أسفر عن عدائه لعودة الحياة النيابية بعد مرور أسبوعيين فقط من توليه رئاسة الوزارة! فقد وجه بيانا إلى »شعب وادي النيل« يوم 11أغسطس 1952 هاجم فيه األحزاب والحياة النيابية هجوما شديدا، وأعلن أن األحزاب بوضعها القائم مقضي عليها، وأنها منذ قيام الحياة البرلمانية كانت في شغل بالتنافس فيما بينها، وأنه بسبب الحزبية تعذر تكون جيل من رجال الدولة المحنكين في السياسة واالقتصاد واالجتماع والعمران، كما تعذر استكمال أسباب االستقالل وتحقيق الجالء، وعرفت مصر البرلمانات في االغتيال السياسي، ولم يكن معروفا فيها من قبل، وكان األمل معقودا على بهذا تقم لم المتعاقبة البرلمانات بالبالد. لكن نزلت التي المحن والكوارث الخالص من

الواجب المقدس.. إلى آخره.

حقبة منهيا الثورة دكتاتورية لقيام الطريق مهد ماهر علي أن نفهم أن نستطيع وهكذا أوتوقراطية 1936لقيام عام في قبل من الطريق مهد ما نحو على وذلك تماما الليبرالية

القصر لالنتقاص من روح الليبرالية وجوها بأقصى ما هو ممكن

)7(

وقد واصل علي ماهر سياسته الملحة والحاثة على ضرورة هذا التغيير ففي 10 أغسطس األحزاب، بتطهير إال تتطهر لن البرلمانية الحياة أن ماهر لعلي بيان أوضح 1952 سنة شغل في األحزاب وظلت األحزاب، تعدد عرفت قيامها منذ البرلمانية الحياة أن وذكر شاغل بالتنافس بينها واعدة أنها متى آلت إليها مقاليد الحكم ستئودي إلى هذا الوطن أكبر

الخدمات، لكنها ما تكاد تصل إليه حتى يسأم الشعب حكمها ويضيق ذرعا بأساليبها.

)8(

وواصل علي ماهر سياسته الهادفة إلى تقوية اإليمان بوجود عهد جديد.

213

وقد أصدر مجلس الوزراء بناء على ما عرضه علي ماهر، مرسوما بقانون 126 لسنة1952 التي العقوبات توقيع وتضمن العقوبات، قانون يتناولها لم التي الوزراء مسئولية بأصول تصل إلى درجة العزل من الوظيفة، وسقوط العضوية في أحد مجلسي البرلمان والحرمان

من الحقوق االنتخابية باإلضافة إلى بقية األحكام المقررة في قانون العقوبات.

اإلهمال وعدم االقتصادية األعمال في النفوذ استغالل عدم إلى القانون هذا وهدف في المحافظة على سالمة الدولة، وعدم استخدام أي تصرف بهدف التأثير على القضاء أو

التدخل في االنتخابات أو إجراءاتها بهدف التأثير في نتيجتها.

)9(

وبعيدا عن هذه التوجهات السياسية فقد نجحت هذه الوزارة قصيرة العمر في بدء التقدم الوزارة، على أن عهد هذه األمر االجتماعي، وواقع التوجه ذات المالية التشريعات نحو قصره، قد حفل ببعض تشريعات مالية استهدفت تحقيق مفهومين مهمين هما القضاء على عجز الموازنة وتحقيق العدالة االجتماعية في الوقت نفسه، وقد توجهت هذه التشريعات الدخل، على الضريبة وزيادة الجمركية الرسوم زيادة قبيل من ذكية سياسات تنفيذ إلى ويبدو الفضل في وضع هذه السياسات راجعا إلى أكفأ وزراء المالية في تلك الحقبة وهو

عبد الجليل العمري، وكان هذا مؤشرا قويا إلمكان نجاح توجهات عهد الثورة الجديد.

الرافعي في كتابه عن ثورة يوليو إشارات إلى كثير من وقد أورد األستاذ عبد الرحمن القرارات التي اتخذتها الوزارة في هذا المجال:

الواردات بعض على الجمركية الرسوم الوزارة زادت سنة1952 أغسطس 6 ففي •ومنها الدخان لتغطية العجز في إيرادات الجمارك.

من األصناف بعض على إضافي إنتاج رسم فرض أغسطس 6 في أيضا وقررت •منتجات الصناعة المحلية.

وفي 12 أغسطس صدر مرسوم بقانون بفرض ضريبة عشرة في المائة على المبالغ •والتحويالت المرخص بها للمسافر إلى الخارج.

214

• وفي 12 أغسطس 1952 زيدت الضريبة على الدخل بصدور مرسوم بقانون قضى بزيادة الضريبة العامة على اإليرادات بالنسبة للشرائح العليا، وزيادة الضريبة النوعية على من وغيرها الحرة المهن أرباح وعلى العمل كسب وعلى والصناعية، التجارية األرباح

المهن غير التجارية.

• وصدر في 18 أغسطس 1952 مرسوم بقانون بفرض ضريبة على التركات مستحقة ضريبة وزيدت إليه، وباإلضافة األيلولة رسم مع الضريبة هذه وتستحق الوفاة، يوم من

األيلولة.

هكذا يمكننا القول بأنه في خالل شهر أغسطس سنة 1952 صدرت خمسة تشريعات مالية »على األقل« ترمي إلى الحد من الدخول الكبيرة بزيادة فئات الضرائب المباشرة.

)10(

وقد كان علي ماهر مهتما دون مبالغة بالحديث عن توجهاته ا لسياسية كرجل تنفيذي يؤدي مهمة ترقى إلى مهمة رجل الدولة، بل ربما تقارب أو تكافئ مهمة رئيسها.

ومن حسن الحظ أن المكتبة الصحفية حفظت لنا بعض النصوص المعبرة ألحاديث أدلى بها علي ماهر في هذه الفترة وأبان بها عن توجهاته وآرائه.

ومن هذه األحاديث ما أدلى به علي ماهر في يوم 10 أغسطس حيث قال مندوب األهرام على لسان علي ماهر :

».. إن النظام البرلماني الذي كان متبعا في مصر لم يستطع أن يؤدي أية خدمة للبالد ألنه كان متأثرا بمناورات األحزاب السياسية التي كانت تنطوي على األنانية وتهدف إلى خدمة

مصالحها دون العناية بخدمة البالد«.

ومضى األهرام يقول: »إن الرئيس علي ماهر منهمك اآلن بوضع بعض مشروعاته فى صيغتها النهائية«.

215

ووصف مندوب »األهرام« هذه المشروعات بأنها »شبه ثورية من شأنها أن تؤدي إلى تحويل تام في كيان مصر االقتصادي واالجتماعي، ألنها تنطوي على توزيع أراضي الحكومة

على الفالحين وإنشاء جمعيات تعاونية زراعية مع تحديد الملكية .... وغير ذلك«.

فقد سبق المشروعات بتلك العهد ليس حديث ماهر »إن علي المندوب: قاله ومما الفرصة له أتيحت كلما فيها وينقح يعدل وظل ،1945 عام الرئيسة وضع خطوطها أن إلى حد أنه وهو خارج الحكم يعمل كما لو كان متوليه. فهو دائب على دراسة المشاكل معينة، ناحية بدراسة منهم كل يقوم الذين األصدقاء من فريق ذلك في يعاونه المصرية وال أدل على صحة ما يقال عنه من هذه الناحية، من أنه بمجرد أن يستدعى لتولي الحكم لإلمضاء، معدة المشروعات من سلسلة ومعه الوزراء من معاونيه بأسماء بقائمة يتقدم

وبذلك أثبت أنه رجل دولة من الطراز األول«.

)11(

والنظام فاروق عهد حساب على الثورة لعهد ماهر علي محاباة في األمر وصل وقد مشلوال، كان البرلمان إن تصريحات: من إليه نسب فيما قال أنه إلى الثورة قبل الملكي واألحزاب تستهدف مصالحها؛ هذا فضال عن هجومه الصريح على الملك وحاشيته: »وقد قال الرئيس علي ماهر للمندوب: إن الملك السابق كان في بداية عهده من أحب الملوك إلى نفوس الشعب؛ لكنه سلك بعد ذلك مسلكا قوامه المنفعة الشخصية، وكان متأثرا في ذلك بنصحاء السوء من بطانته الفاسدة التي نجحت في جعله يتغاضى عن الشعب. كما نجحت

في استغالل نفوذها لتحقيق مصالحها الشخصية.

البرلمان كان مشلوال، وإن األحزاب كانت تسعى لخدمة الرئيس فقال: إن »واستطرد مصالحها دون خدمة البالد، وهكذا لم تكن ثمة وسيلة للقضاء على هذه الحالة إال بالحركة

التي قام بها الجيش المصري أخيرا«

المستقبل، برنامج تفصيالت بعناية درس إنه بقوله:» حديثه ماهر علي الرئيس وختم وهو يقوم على أمرين:

216

لتوحيد صفوف األمة إلى عوامل للتفرقة السياسية من عوامل أوال: تحويل األحزاب وجمعها.

ثانيا: عدم تركيز السلطات، وذلك بتخويل المجالس القروية بعض االختصاصات التي كانت حتى اآلن من حق البرلمان.

كان علي فقد المتميز التنفيذي السياسي واألداء التوجه الحديث عن لهذا وبالموازاة ماهر حريصا على أن يدلي بدلوه في الحديث عن السياسة الخارجية التي سوف يسير عليها إسرائيل، ومن الجديد من العهد التساؤالت حول موقف يجيب عن وأن الجديد، العهد

التعاون مع الدول الغربية.

»وسأله المندوب إذا كانت مصر ستسعى لالنتقام من إسرائيل فأجاب بأن مصر عضو في جامعة الدول العربية، وستتبع السياسة التي ستقررها الجامعة في هذا الصدد، مع مالحظة

أن سياسة الجامعة العربية مستوحاة من قرارات األمم المتحدة«.

في الغربية الدول مع بالتعاون مصر قوة دعم نيته في كان إذا المندوب »وسأله الرئيس بقوله: »نعم، ولكن في نطاق ميثاق الدبلوماسي والعسكري، فرد عليه الميدانين:

األمم المتحدة«.

)12(

ونأتي إلى استقالة علي ماهر من آخر وزاراته.

هذه استـقالة في الرئيسي السبب أن في يعتقد أن الرافعي الرحمن عبد المؤرخ يؤثر الوزارة يعود إلى أن رئيسها لم يتجاوب مع الثورة في أول مشروع إصالحي تقدمت به، وهو الزراعية، وقد كانت هذه الرؤية هي الرؤية المفضلة عند كل الذين أرخوا تحديد الملكية لهذه الفترة في ظل سيطرة الثورة على التوجهات المفسرة لألحداث التي وقعت في عهدها!

وفي ظل استسهال النقل عن األستاذ الرافعي.

الرافعي وروايته إلى ما بعد قراءة النص الرحمن وسوف أؤجل تعقيبي على رأي عبد الذي أورده عن هذه الواقعة حيث يقول:

217

»... وإذ رأت الثورة أنه قد أبطأ في إصدار قانون تحديد الملكية الزراعية. وبدا منه أنه يضع العقبات أمام صدوره ويجتمع بكبار المالك من معارضي هذا القانون، مما شجعهم يريدون الذين األحزاب رجال ذلك في سندهم وكان المشروع. إلحباط التكتل على خلق العقبات لزعزعة مركز الثورة، فلم تر الثورة بدا من تنحية علي ماهر لتحقيق أهدافها

ومشروعاتها«.

»ففي يوم األحد 7 سبتمبر سنة 1952قدم علي ماهر استقالة وزارته إلى مجلس الوصاية، وقبلت من فورها«.

»... وصرح للصحفيين بعد استقالته بأنه رأى أن الوقت أصبح مناسبا ألن تجتمع السلطة في يد واحدة، وفي قوة واحدة، وأن استقالته تمت باالتفاق التام مع قيادة الثورة«.

)13(

ويلخص عبد الرحمن الرافعي األسباب التي أدت من وجهة نظره إلى استقالة علي ماهر فيقول:

»وتدل الظروف والمالبسات على أن تباطؤ وزارة علي ماهر في إصدار قانون اإلصالح الزراعي كان من أهم أسباب استقالته، وأن معارضة األحزاب السياسية للتطهير ومعارضة كبار المالك لمشروع قانون اإلصالح الزراعي، قد أخذت تشتد وتتبلور، مما عجل بالثورة اإلقطاعيين، كبار كبيرا على يبدي عطفا ماهر أن علي بنفسها، ألنها رأت األمر تتولى أن واجتمع وإياهم في قاعة مجلس الوزراء مما شجعهم على إقامة العقبات في سبيل قانون

اإلصالح الزراعي«.

)14(

وواقع األمر أننا نستطيع بقدر يسير من التأمل أن ندرك أن ثمة خالفات سياسية أخرى قد وجدت فيما بين علي ماهر وبين رجال الثورة، ومع أن األستاذ الرافعي ال يشير إلى هذه الخالفات ألنه لم يجد لها صدي في التصريحات المعلنة، فإنه وهو المؤرخ المتميز يورد ما يدلنا على وجود هذه الخالفات حيث يورد في الفقرة التالية لحديثه عن استقالة علي ماهر،

فقرة أخرى يتحدث فيها عن اعتقال عدد كبير من الشخصيات السياسية ويقول:

218

»وكان أول عمل مهم لقيادة الثورة بعد استقالة علي ماهر اعتقال عدد كبير من الشخصيات من رجال السراي ومن رجال األحزاب بحجة أنهم كانوا يقومون بدعاية واسعة النطاق ضد الثورة ومشاريعها، مثل: عباس حليم، وسعيد حليم، وإلهامي حسين، وإبراهيم عبد الهادي، ووحيد المراغي. ومرتضى عفيفي، وحافظ الدين، سراج وفؤاد الهاللي، نجيب وأحمد

شوقي، وحسن يوسف... إلخ«.

الالحقة من األيام في إليهم من أضيف بعد المقبوض عليهم 74 شخصا »وبلغ عدد األسرة المالكة وزعماء األحزاب والوزراء السابقين ورجال الحاشية، وقد اعتقلوا جميعا

بالمدرسة الثانوية العسكرية«

)15(

وقد أجلت تعليقي على رواية أستاذنا الرافعي أللفت النظر إلى مثل بديع يتبلور التعبير هذه فإن هذه حالتنا وفي واحدة، كلمة في التاريخية النظر وجهات في الخالف عن فيه الكلمات هي »بعد« فعبد الرحمن الرافعي في روايته يشير إلى أن الثورة قبضت على 74 من كبار السياسيين »بعد« أن قبلت استقالة علي ماهر، بينما وجهة نظر علي ماهر التي ]رواها ابنه محمد، وسوف نورد روايته بعد قليل[ تشير إلى أن هذا القبض كان هو السبب األهم في

استقالة علي ماهر، أي أنه حدث» قبل« االستقالة.

)16(

وربما كان من حق القارئ أن نورد له اآلن بعض معلوماتنا التاريخية حول هذه القضية:

للتاريخ«، عندما تعرض كتابه »كلمتي أورده في الذي اللواء محمد نجيب برأي نبدأ للخالفات التي وقعت بين مجلس القيادة وعلي ماهر رئيس الوزراء، فقد آثر أن يحصر هذه الخالفات فيما حرصت أدبيات الثورة على التركيز عليه من نقاط قد تكون حقيقية وقد ال تكون، لكنها كانت في المقام األول تعبيرا عن رغبة الثورة في التوكيد على اتجاهاتها، وعلى معها المتحالفين كبار ببعض تضحيتها وعلى مبكرة، مرحلة منذ االتجاهات هذه وجود

بسبب عدم تحملها لهذه الخالفات.

219

علوم في نسميه ما يعدو ال لكنه دقيقا تصويرا األمر يصور نجيب محمد نرى ونحن اإلدارة بمستوى العمليات، أو مستوى الخطوات التنفيذية. وظني أن الخالف بين علي ماهر متجاهال جوانب بدقة الذي وصفه محمد نجيب المستوى أكبر من هذا كان الثورة وبين فهم إلى قصور يعود ال هذا في السبب أن أيضا وظني والعالقات، الموضوع من أخرى محمد نجيب للموقف، وال إلى رغبته في تصوير الخالف على نحو مختلف. وإنما يعود إلى أسلوب كاتب مذكرات نجيب أيا ما كان الذي صورت له مداركه في هذه الفترة أن هذه الخالفات الدقيقة ا لمتكررة كانت كفيلة بهذا الخالف، وبخاصة أن الثقافة بل والمعلومات التاريخية المتاحة عن هذه الفترة كانت كفيلة بحصر الذهن تماما فى هذا الذي ركزت عليه مذكرات محمد نجيب، ولم تكن آفاقنا التاريخية والسياسية في ذلك الوقت قد أدركت كثيرا

من الحقائق العميقة المرتبطة بمثل هذا الخالف.

)17(

وفي كل األحوال فمن المفيد جدا أن نقرأ هذا التصوير الجيد والتفصيلي الذي قدمته مذكرات محمد نجيب، مشيرة إلى ثالثة أسباب لتصاعد الخالف مع علي ماهر:

»... كان شغلي الشاغل في هذه الفترة أن تستقر األوضاع في مصر على أسس واضحة، واتفقت مع علي ماهر أن تجري انتخابات لمجلس نواب جديد في شهر فبراير 1953تنفيذا لرأي مجلس الدولة الذي شكلنا بموجبه مجلس الوصاية، فوجئت ببيان يذيعه علي ماهر ويتحدث فيه عن االنتخابات دون تحديد موعد، بل واعدا بإجرائها في أقرب فرصة،وكنا نوعا من االحتجاج شمل البيان البيان، وأحدث إذاعة القيادة ساعة مجتمعين في مجلس على االنتخابات لموعد ماهر علي تحديد عدم من غمرة وفي كله. المجلس أعضاء الرغم من اتفاقه معنا على ذلك قررنا إذاعة بيان يتعارض مع بيان علي ماهر، ويحدد شهر الواقعة أزمة اختار علي ماهر فيها الصمت فبراير موعدا إلجراء االنتخابات، وكانت هذه حول تتبلور أخرى أزمة هناك كانت ولكن اشتعاال، نزيدها أن نحاول ولم والسكوت ضباط وبعض األوصياء من مؤتمرا ماهر علي وعقد الزراعي، اإلصالح قانون مشروع مجلس القيادة وأعضاء مجلس الدولة في مبنى رئاسة مجلس الوزراء، وتباينت اآلراء، فقد وقف علي ماهر في جانب الضريبة التصاعدية ومعه بهي الدين بركات ورشاد مهنا، ولكن بعد المناقشة الطويلة تنازل رشاد مهنا عن رأيه قائال: إنه ينزل على رأي األغلبية ويوافق على

220

المشروع، وانتهت الجلسة إلى موافقة شبه جماعية على المشروع، مع تحديد الملكية بحد أعلى مائتي فدان«.

»وأعد سليمان حافظ المشروع في صيغته النهائية لكنه دخل في أضابير روتين مجلس الوزراء، مما أثار في نفوسنا شكوكا كثيرة«.

»ولم يقف الخالف مع علي ماهر عند هذا الحد، كان موضوع التعديل الوزاري موضع خالف ثالث، كان علي ماهر قد شكل وزارته تحت ضغط األحداث في سرعة شديدة، وتولى الرئاسة إلى جانب وزارات الداخلية والحربية والخارجية، وكان مفروضا بعد خروج الملك أن يبادر إلى دعم وزارته بعناصر تعطي ثقال للحكومة، وتناقشت معه في أسس التعديل في علي لكن فورها، من التعديل مراسيم تصدر أن مفروضا وكان بالتحديد، العيد وقفة يوم ماهر آثر التأجيل إلى ما بعد عيد الفطر، وسافر إلى برج العرب ومرسى مطروح حيث اجتمع هناك بعدد من الضباط ناقش معهم مشروع اإلصالح الزراعي مرة أخرى من وجهة نظره، ثم فوجئت بعد العيد بمراسيم قد صدرت بتعديل وزاري مخالف لما كنا قد اتفقنا عليه، عرضها علي ماهر على رشاد مهنا الذي بادر بالتوقيع دون الرجوع إلى، ولم يكن هناك من مجال إال تغليب الصبر وحسن النية، ويبدو أن علي ماهر في هذه الفترة كان تحت ضغوط شديدة من رجال األحزاب والسياسيين القدامى لتعطيل قانون اإلصالح الزراعي، ومن زمالئه الوزراء نفسه الوقت باإلحراج وكان طموحا في أمامهم اتفقنا معه على إخراجهم، ثم شعر الذين

الستمرار الوزارة دون انتخابات محددة الموعد، وغير معروفة نتائجها«.

)18(

بين علي ماهر وقادة اللواء جمال حماد فيورد سببا مهما آخر من أسباب الخالف أما ثورة يوليو، وهو سبب عجيب يتعلق بقضية سميت »قضية اإلغارة على الحزب الوطني« من الجديد الوطني الحزب وقادة رضوان فتحي مجموعة بين الصراع عن عبرت التي

ناحية. وقادته القدامى من ناحية أخرى .

والواقع أن ما يرويه جمال حماد عن هذه القضية صحيح باستشاء واحد يتعلق بتسلسل األحداث، ذلك أن علي ماهر أبعد عن رئاسة الوزارة في 9 سبتمبر قبل جلسة13 ديسمبر التي يشير إليها جمال حماد بثالثة شهور، أما جهد فتحي رضوان فقد سبق القضية منذ لحظة

اإلفراج عنه وحتى تم له ما أراد بإقناع الثورة في بداية سبتمبر بضرورة إبعاد علي ماهر:

221

يقول جمال حماد:

»... وعلى الرغم من أن قادة الثورة هم الذين فرضوا وزارة علي ماهر إيمانا منهم بمقدرته على السير بالبالد إلى بر األمان في هذه المرحلة الدقيقة من مراحل الثورة، وعلى الرغم من أن حكومة علي ماهر قد قامت بالعديد من مظاهر التغيير التي نقلت البالد من حال إلى حال فإن العالقة بين مجلس القيادة وعلي ماهر لم تلبث أن تدهورت بالتدريج حتى انتهى األمر

إلى اضطراره إلى تقديم استقالة حكومته بعد شهر ونصف شهر فقط من توليه الحكم«.

»وكان من أكبر العوامل التي أسهمت في إسقاط علي ماهر ذلك المحور الجديد الذي الوزراء مجلس لرئيس القانوني والمستشار الدولة مجلس وكيل حافظ سليمان بين نشأ وزميله القديم فتحي رضوان أحد أقطاب الحزب الوطني، وكان علي ماهر قد أمر باإلفراج عن فتحي رضوان. )الذي كان رهن االعتقال(، عقب توليه الحكم مباشرة، وانتهز فتحي كي الثورة رجال من المقرب بمظهر أظهره والذي عنه السريع اإلفراج ظروف رضوان يحاول الوصول إلى زعامة الحزب الوطني، فسارع بعقد اجتماع اللجنة العليا للحزب في أول أغسطس 1952في غيبة رئيس الحزب حافظ رمضان، وتم للجنة العليا اختياره رئيسا

للحزب الوطني الجديد«.

»لكن الحزب الوطني لم يسكت على هذا التصرف فطلب في نوفمبر1952 من القضاء اإلداري إلغاء الحزب المسمى بالحزب الوطني الجديد واختصم في هذه القضية سليمان الحزب على اإلغارة »قضية باسم اشتهرت التي القضية وهي رضوان، وفتحي حافظ الوطني«، وعرضت القضية أمام محكمة القضاء اإلداري بجلسة13ديسمبر وأعد مفوض الدولة مذكرة أيد فيها الحزب في دعواه، وطلب من المحكمة أن تمنع الغاصب من استعمال االسم البارز للحزب، لكن القضية تأجلت عدة مرات وانتهت الخصومة بصدور قرار حل لقاءات عدة عقد من الفترة هذه خالل رضوان فتحي وتمكن السياسية، األحزاب جميع ماهر علي حكومة إظهار في حجته وقوة بالغته بفضل ونجح القيادة مجلس ضباط مع الثورة، قبل التي كانت سائدة تغير شيئا من األوضاع التي لم العاجزة الحكومة في مظهر انتهى دوره، وتشكيل وزارة جديدة وفي إقناعهم بضرورة التخلص من علي ماهر بعد أن القيادة في روحهم الحماسية الذين يستطيعون مجاراة ضباط مجلس الوطني الشباب من

222

مزايا من به يتمتع لما حافظ سليمان إلى رئاستها تسند أن واقتراح الثورية، وأساليبهم سياسية ووطنية«.

)19(

إليه بها بعث قد كان مهمة رسالة يوليو« ثورة كتابه»أسرار في حماد جمال نشر وقد صاحبها نظر وجهة الرسالة هذه تناولت وقد ماهر، علي نجل ماهر علي محمد األستاذ يتعلق بموقفين مهمين لعلي ماهر، هما موقفه من االنتخابات، وموقفه من اإلصالح فيما

الزراعي.

وأشار جمال حماد قبل الرسالة إلى أن محمد علي ماهر عمل في السلك السياسي بوزارة 11يوليو1955بسبب في االستقالة إلى اضطر حتى الزمن من ردحا المصرية الخارجية

اضطهاد ظالم وقع عليه من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.

وفي هذه الرسالة توجه محمد علي ماهر إلى جمال حماد بالحديث قائال:

»لم أستسغ صمتكم عن التعقيب على موقف علي ماهر من بيانه الصادر في 11أغسطس عدم إلى راجعا صمتكم يكون وربما لالنتخابات، موعد تحديد بعدم 1952الخاص اطالعكم على دقائق األمور وخباياها التي كانت وراء هذا البيان المشار إليه، فاسمحوا لي أن أبين الواقع ال تبريرا لموقف علي ماهر، بل إظهارا للواقع التاريخي، وبيانا للحق الذي غاب كثيرا عن شباب المستقبل، فواقع األمر أن مجلس قيادة الثورة كان قد قرر أن تكون أقرب في االنتخابات ستجرى أن ماهر بيان علي في فبراير1953، وجاء في االنتخابات المتفهم والحكيم المخضرم المحنك الحذر السياسي أسلوب هو وهذا مستطاع، وقت لألوضاع والذي يجعل تفاعالت األمور هي التي تحدد موعد إجراء االنتخابات، ألنه إذا حدد تاريخا لالنتخابات ثم أخلفه، لظهر في صورة المخادع، لكن رجال الثورة لم يعجبهم سيكسبون بذلك بأنهم تصورا لالنتخابات فبراير1953موعدا فحددوا األسلوب هذا

الشعب ويرضونه، وإنه لواضح اآلن من الذي كان على صواب«.

»لقد كان علي ماهر أبعد نظرا من مجلس قيادة الثورة حيث إننا لم نر عودة الدستور إال في إال لم يحدث بانتخابات تسميته يمكن لما وأقرب شيء ناقصا، في عام 1956وجاء

223

السبعينيات بغض النظر عن المبررات واألعذار التي أدت إلى هذا التأخير، فمن الذي كان على حق.. قيادة الثورة أم علي ماهر؟!«.

)20(

إلى حقيقة موقف والده من قضية اإلصالح كذلك أشار محمد علي ماهر في رسالته الزراعي. وقد قدم هذا الموقف على هيئة نقاط محددة على نحو التالي:

»لم يماطل علي ماهر في إصدار هذا القانون ولم يعارض قانون اإلصالح الزراعي، ولم يقدم استقالته في 7 سبتمبر 1952 من أجل اختالفه مع مجلس قيادة الثورة على مشروع

قانون اإلصالح الزراعي.

»كان علي ماهر هو صاحب فكرة اإلصالح الزراعي وأول مهندسي هذه النظرية، وأرجو 1945 سنة في المعلن برنامجها وكاتب صاحبها وهو مصر جبهة برنامج إلى الرجوع سبقت 1945 سنة فإن وبالطبع الزراعية. الملكية بتحديد طالب قد أنه تجدون وسوف سنة 1952 تاريخ قيام الثورة. وبذلك يكون هو صاحب فكرة تحديد الملكية الزراعية ولم يسبقه في ذلك أحد إال أنه اختلف مع مجلس قيادة الثورة على طريقة التطبيق ال على المبدأ وال على الجوهر ولو اتبعت الثورة طريقته في التطبيق لما تعرضت مصر العزيزة للهزات انهيار كامل، باتفاق الجميع، ولما وصلت حالة إليه من الزراعية في مصر إلى ما وصلت الفالح المصري إلى ما هي عليه اآلن، وبغض النظر عن أن الفالح أصبح مالكا ال مستأجرا زراعيا وأجيرا عامال ليعمل وهاجر األرض ترك لما وإال تعيسا أصبح قد فإنه أجيرا وال

بالعراق وغيرها«.

»في االجتماع المشترك الذي أشرتم إليه في مقالكم الذي رأسه علي ماهر بصفته رئيسا لمجلس الوزراء، والذي حضره عضو مجلس الوصاية وقتئذ وبعض أعضاء مجلس قيادة الثورة وبعض الوزراء وأستاذ جامعي لم يقبل علي ماهر افتتاح الجلسة وال الجلوس قبل يجوز التي فهي التفاصيل أما الزراعي، اإلصالح قانون مشروع مبدأ في مناقشة ال قوله مناقشتها وحينئذ فقط جلس وافتتح الجلسة، ويتضح جليا من ذلك أن اختالفه مع رجال الثورة لم يكن على المبدأ، فقد كان ذلك مقررا ومتفقا عليه بال أدنى تردد أو شك، ولكن

224

واجتماعية اقتصادية هزات ألية تجنبا التنفيذ وسرعة التطبيق طريقة على كان الخالف عنيفة. وقد ظهر اآلن جليا بعد مرور 35 عاما من الذي كان صائبا في تفكيره، وفي إدراكه

السياسي، ومن الذي كان لديه التجربة الطويلة بأوضاع البالد ولدية الحنكة وبعد النظر«.

»وإذا قمنا بدراسة موضوعية عن اإلقطاع نجد أنه كان في مصر »ظلم اجتماعي واستبداد« من بعض مالك األراضي الزراعية، ولكن لم يكن في مصر في يوم من األيام إقطاع بالمعنى العلمي الصحيح، فالمعنى العلمي لكلمة إقطاع كما تعلمون بال شك مرتبط ارتباطا وثيقا مهما األرض بمساحة يقاس ال اإلقطاع أن أي فالحين؛ من عليها ومن األرض بوجود يباعون ويشترون كجزء من األرض وهم أو صغرت، ولكن بوجود فالحين عليها كبرت عبيد وملك خاص وخالص لمالك األرض، مثلهم مثل األرض نفسها، فعند التعامل على األرض يدخل ضمن تقدير ثمن األرض، موضوع التعامل عدد الفالحين الموجودين على األرض نفسها، وهذا وضع لم نره في مصر من قبل، ولكن كان هذا هو الحال في الماضي

في روسيا القيصرية، وإال فأرجو أن تدلوني أين كان هذا اإلقطاع في مصر؟«.

»... استعمال كلمة اإلقطاع والتشدق بها على مدى 35 عاما ال لسبب إال لتأليب طبقة على طبقة هو أمر يتنافى مع الهدف األساسي الذي ينادي بعدم تطاحن الطبقات، ويتناسى أن كل الطبقات مهما كانت نوعيتها مصرية قبل كل شيء، وتجريدها من هذا الشرف جريمة في حد ذاته، وبغض النظر عن محاولة بعض كبار المالك ربط مصالحهم باالستعمار، فهذا أمر لم تثبت حقيقته إال في نطاق ضيق جدا لكنه على كل حال شعار أعجب عامة الشعب الذين أصبحوا ألول مرة في تاريخهم أما عن المصريين بينهم وتفشى، الثورة فسرى بعد وضعهم أن أظن ال ولكن قبل. ذي من أكرم أصبح المعنوي وضعهم كان فربما مالكا

المادي تحسن بالدرجة نفسها«.

»ومن واجبي أن أبين بجالء أنه ليس هناك دولة في العالم يوجد فيها مالك فقط، فالمجتمع في كل دولة فيه المالك وفيه العامل واألجير، وال في أن العامل واألجير يحلم كل منهما أن يكون مالكا في المستقبل، ولكن هذا يحتاج إلى تطور اجتماعي بطيء، وحتى حين يأتي ذلك اليوم الموعود فال يمكن أن يصبح كل عامل أو أجير مالكا، وليس هناك من شك في أن

كال من المالك والعامل واألجير هو مواطن صالح يخدم كل منهم بلده بطريقته«.

..............................

225

)21(

ويبلور محمد علي ماهر في رسالته التي بعث بها إلى اللواء جمال حماد رأيه في سبب استقالة والده فيقول:

»... كان سببها في الظاهر االختالف في الرأي على تفاصيل قانون اإلصالح الزراعي، والواقع الثابت هو أن علي ماهر اعترض على القبض على 70 رجال من ساسة العصر بدون وحاكما والدفاع والخارجية للداخلية ووزيرا للوزراء رئيسا كونه من الرغم على علمه عسكريا عاما، فاالختالف على مشروع قانون اإلصالح الزراعي كان ذريعة للتخلص من

علي ماهر ولهدمه«.

هؤالء على القبض لواقعة استنكاره بدافع كانت استقالته أن األمر حقيقة »ولكن السياسيين بدون علمه، وهو عمل ال يتفق مع القانون العام، ويعتبر مظهرا من مظاهر الصراع

على السلطة الذي كان قد بدأ منذ ذلك التاريخ«.

واقعة حدثت الطريف ذكر ربما يكون من الزراعي قانون اإلصالح »تكملة لموضوع في أثناء سير جنازة المرحوم أحمد خشبة باشا أحد أقطاب حزب األحرار الدستوريين قبل حينذاك يتولى الناصر عبد جمال الراحل الرئيس كان والدي، من بنفسي سمعتها الثورة الرئيس الجنازة وبجواره في موكب ماهر سائرا أذكر، وكان علي ما الداخلية على وزارة الراحل جمال عبد الناصر فسأله والدي: »كيف تسمحون ألنفسكم أن تذكروا وتكرروا أنني ضد قانون اإلصالح الزراعي وأنتم تعلمون أن هذا غير الواقع؟ فرد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر: »دي دردشة جرايد« فعقب علي ماهر بقوله: »سمعت ذلك بودني في الراديو«،

فساد الصمت. رحم الله الجميع«.

)22(

بأحاديث يدلي وكان بالسياسة، صلته على ماهر علي ظل الوزارة من خروجه وبعد فقد حفظت وقتية وموقوتة، كانت األنشطة مثل هذه أن أو محاضرات، ومع تعليقات أو

الصحافة بعض نصوصها بما يكشف عن طبيعة تفكير الرجل في ذلك الوقت.

226

حياتنا نواجه أن يرجو 1952بأنه نوفمبر 14 يوم له محاضرة في ماهر علي »وصرح في الحرة الديمقراطية مسايرة عن سنة1923 دستور تخلف يتجنب بدستور السياسية تطورها، وأن دستور سنة 1923 قام على المبادئ التي كانت سائدة في القرن التاسع عشر.

ولم يعد صالحا للبقاء على حالته في العصر الحديث.

)23(

ونأتي بعد ذلك إلى آخر أدوار علي ماهر في عهد الثورة، وهو عضويته ورياسته للجنة يناير سنة 1953 وذلك لوضع مشروع دستور تأليفها في 13 التي صدر مرسوم الدستور جديد »يتفق مع أهداف الثورة، وقيل إن ذلك يمثل تحقيقا للوعد الذي قطعه محمد نجيب

في 10 ديسمبر 1952.

وفي يوم السبت 21 فبراير 1953 افتتح محمد نجيب أعمال لجنة الدستور، وبعد هذه الجلسة االفتتاحية عقدت لجنة الدستور أول جلسة عمل لها وتمت عملية االنتخاب فنال وقد للجنة، رئيسا انتخابه فأعلن الخمسين، األصوات مجموع من صوتا 38 ماهر علي لوضع أيضا ماهر برئاسة علي فرعية من 15 عضوا لجنة أعضائها بين من للجنة شكلت

الخطوط الرئيسة لمشروع الدستور الجديد، وذلك باإلضافة إلى عدة لجان أخرى .

»وهؤالء الخمسون يمثلون مختلف االتجاهات واألحزاب «

والطوائف:

علوبة، علي ومحمد ماهر. علي :1923 سنة دستور لجنة أعضاء من ثالثة وعلي المنزالوي.

صالح ومحمد العرابي، زكي وعلي جمعة، فهمي السالم عبد الوفديين: من وأربعة الدين، وعمر عمر.

واثنان من »األحرار« الدستوريين: أحمد خشبة، ومحمود محمد محمود.

واثنان من السعديين: محمود غالب، وعبد الحميد الساوي.

227

وحسن عشماوي، وصالح عــودة، القادر عبد المسلمين: ــوان اإلخ من وثالثة محمد العشماوي.

ومحمد أباظة، وفكري الرافعي، الرحمن عبد الوطني: الحزب من وثالثة محمود جالل.

واثنان من الحزب الوطني »الجديد«: عبد الرحمن بدوي، ويواقيم غبريال

الرازق وعبد النقض، محكمة رئيس حسن محمد أحمد القضاء: رؤساء من وثالثة السنهوري رئيس مجلس الدولة والشيخ حسن مأمون رئيس المحكمة العليا الشرعية.

وثالثة من رجال الجيش والبوليس المتقاعدين: اللواءات: أحمد حمدي همت. وأحمد فؤاد صادق،وعلي حلمي«

»وقد انتخبت اللجنة علي ماهر رئيسا لها«

»وانتخبت لجنة فرعية 15 عضوا سميت لجنة الخطوط الرئيسة لمشروع الدستور، وعدة لجان أخرى ، وانتخبت لجنة الخطوط لجنة من خمسة أعضاء هم: عبد الرزاق السنهوري، نظام لبحث عثمان خليل وعثمان صبري، والسيد عبيد، ومكرم الرافعي، الرحمن وعبد

الحكم أوال وهل يكون ملكيا أم جمهوريا«.

نظام يكون أن باإلجماع قرارها يتضمن وهو تقريرها، الخماسية اللجنة قدمت »وقد الحكم جمهوريا، على أن يكون تقرير هذا النظام عن طريق استفتاء الشعب«.

...............................

األخرى، الفرعية واللجان الرئيسة الخطوط لجنة اجتماعات استطالت وقد »هذا.. واستطالت مناقشاتها«.

)24(

وعلى الرغم من أن األستاذ عبد الرحمن الرافعي كان عضوا في لجنة الخمسين فإنه يرى

228

أن نشاط لجنة الثالثين عام 1923 كان أكثر جدية وجدوى من نشاط لجنتهم في 1953، وهو يقول في هذا المعنى:

أكثر كانت التي وضعت دستور سنة 1923 الثالثين لجنة أن المقارنة من لي »ويبدو 1922 سنة أبريل 3 في الثالثين لجنة ألفت فقد الخمسين، لجنة من نشاطا وأوفر عمال وأتمت مهمتها في نحو ستة أشهر. وقدمت مشروع الدستور إلى الحكومة في 21 أكتوبر سنة 1922، وهو الذي صار دستور سنة 1922، ولم تقتصر على وضع مشروع الدستور،

بل وضعت أيضا في خالل هذه المدة مشروع قانون االنتخابات«.

ولنا أن نقارن ما لفت األستاذ الرافعي نظرنا إليه بما حدث في لجنة الخمسين: فبالرغم في إال إليه انتهت الذي المشروع تقدم لم فإنها سابق لدستور تعديال كان عملها أن من

أغسطس سنة 1954، أي بعد مضي أكثر من عام ونصف عام على تأليفها.

وكانت المفاجأة أنه عندما انتهت لجنة الخمسين من إعداد مشروع الدستور وأقرته في يعن ولم أحد إليه يلتفت لم الثورة، قيادة مجلس إلى ماهر علي وقدمه 1954 أغسطس

بدراسته من الناحية النظرية أو األكاديمية ومن ثم أهمل.

)25(

وفي أزمة مارس 1954 كان علي ماهر من الذين ال يزالون يظنون أن باإلمكان معه حوارا » 1954 مارس 27« »األهرام« جريدة نشرت وقد الديمقراطية، عودة إنصاف من الحرة، السياسية وباألخالق بالشورى، االعتصام »أهمية إلى فيه أشار للمواطنين جميعا، ومن تحر للصدق والحق، ومن تقدير لحرية الرأي، وتقبل للنقد، وإن جميعا، المواطنين مع بالتعاون إيمان ومن الحق، إلى الرجوع في وشجاعة تباينت آراؤهم ما دامت مصلحة الوطن تقضي بهذا التعاون«، فهذه التقاليد السياسية التي الخطيرة التاريخية القومية، وخاصة في األوقات الشئون النجاح في هي عماد

تضر فيها الفرقة بمصالح البالد العليا. ضررا قد يتعذر تالفيه.

وختم الدكتور علي ماهر حديثه قائال:

229

»لنذكر دائما أن عظمة الشعب، وإن قامت على رفع مستوى الطبقات العامة، ال تقاس إال بنجاح الحكم الحر في البالد«.

وقد قضى علي ماهر السنوات الباقية من عمره بعيدا عن السياسة وربما أنه ظل يفكر في حقيقة دوره الذي أوصل األمور إلى ما وصلت إليه، ولسنا ندري هل كان سعيدا بهذا الذي يراه

أم أنه كان يشعر باللوم تجاه ما جنته يداه.

230

231

الباب الخامسعلي ماهر بني اأنداده،

واأعداء وطنه، وروؤية ذاته

232

233

الفصل الثاني عشر

عالقات علي ماهر ال�سيا�سية

سوف نتناول علي ماهر في هذا الفصل من زوايا بعض ما هو مسجل عن عالقاته، وقد اخترنا خمس زوايا لهذا الترتيب

الزاويـة األولـى: عالقته بالوفد وبالنحاس

الزاويـة الثانيــة: عالقته باألحرار الدستوريين ومحمد محمود

الزاويـة الثالثــة: عالقته بحسين سري كنموذج لعالقته بالوزراء غير السياسيين

الزاوية الرابعــة: عالقته بأحمد حسنين كنموذج لعالقته برجال القصر

الزاوية الخامسة: عالقته بأحمد مرتضى المراغي كنموذج لعالقته بالجيل التالي له.

234

الزاوية االأوىل:

عالقته بالنحا�س با�سا وبالوفد وتيار االأغلبية

)1(

يكاد الناس جميعا يذكرون أن علي ماهر عندما تولى وزارته الثالثة عقب حريق القاهرة في 26 يناير 1952، بدأ بأن أثني على سلفه ووصفه بأنه سلفه العظيم، أي أنه أثنى على النحاس باشا، وقد فسر هذا بأنه رغبة من علي ماهر في أن يحظى بدعم البرلمان الوفدي القائم، ومع هذا فإنه بسبب الضعف الكامن في موقفه السياسي على وجه العموم حرص على أن يحصل من الملك على قرار بحل هذا البرلمان واحتفظ به في مكتبه إلى أن تمكنت الصحافة اليقظة وربما آخرين رغبة على بناء »الكشف« هذا تحقق وقد المستور، كشف من المشاغبة أو مؤامراتهم في »كشف هذا المستور« إحراجا لعلي ماهر نفسه.. وهكذا فقد علي ماهر وجوده الوزارة وهو الوجود الذي لم يدم إال إلى نهاية فبراير 1952، وكان السبب في بساطة في شديدة أنه أراد أن يؤيده الوفد بينما هو يحتاط في حالة عدم التأييد بالتآمر على الوفد، لم تكن

طبيعته غير الليبرالية لتسمح له بالنجاح في مثل هذه األالعيب الخادعة لصاحبها.

كأني أريد أن أقول إن علي ماهر هو أوتوقراطي بطبعه لم يكن يجد حرجا في أن يستغل الدهاء للسيطرة على الوفد. لكن طبائع األشياء لم تكن تساعده على أن يكسب مثل هذه

المعركة على طول الخط.

ومن العجيب أن ثناء علي ماهر على سلفه النحاس باشا في هذا الموقف كان بمثابة أول ثناء سياسي علني منه تجاه النحاس باشا، صحيح أن علي ماهر كان يحسب حساب النحاس باشا وشخصيته وزعامته، لكنه ظل طوال ممارسته السياسية يتآمر على الوفد وعلى النحاس

وعلى الحركة الوطنية على وجه العموم.

)2(

النحاس أن إلى يشير أن على مذكراته في حرص الشاهد صالح أن العجيب ومن التفكير في العمل الجاد من أجل مخاطبة نفسه روى له دورا مميزا لعلي ماهر في مرحلة

البريطانيين ألجل الحصول على استقالل مصر مع نهاية الحرب العالمية األولى.

235

ومن الجدير بالذكر أيضا أن بعض المصادر تشير إلى معلومة غير مؤكدة وغير متوافرة، وهي أن علي ماهر كان قد شارك النحاس باشا في مكتب المحاماة.

)3(

ويمكن القول إن أقوى نقاط التوتر في العالقة بين الرجلين كانت في بداية عهد الملك فاروق حين كثف علي ماهر وهو رئيس للوزراء ثم وهو رئيس للديوان كل جهوده ومهاراته لالرتفاع بشعبية فاروق والقصر على حساب شعبية النحاس باشا والوفد، والقصة معروفة تماما. وقد أصاب علي ماهر فيها بعض النجاح المؤقت، لكنه خالل سنوات معدودة فقد هو ومليكه كل شيء، وأصبح، وهو مدير الحملة في صورة أقرب إلى صورة كبار المخادعين الذين قدموا النقيض على أنه األصل، ولم يكن المواطن العادي ليصدق أن فسادا قد امتد وأن األصل من فاسدا طبقته، في كالغالب كان، الملك أن حدسه من بأكثر الملك إلى

األالعيب )الماهرية( هي التي صورته صالحا.

وهكذا أصيبت مصداقية علي ماهر في مقتل عند الشعب.

التي النحاس مصطفى مذكرات تورده فيما نتأمل أن المفيد فمن األحوال كل وعلى هذه نصوص أن وأعتقد ماهر، علي عن انطباعات من البنا كامل محمد األستاذ رواها المذكرات مفيدة جدا، فلو لم يكن النحاس قد أمالها على هذا النحو بالضبط فإنها على أقل تقدير تعكس الروح الحاكمة لرؤيته ورأيه في علي ماهر، وذلك بحكم قرب محمد كامل

البنا من مشاعر النحاس.

)4(

على أني قبل أن أمضـي في قـراءة بعـض نصـوص هـذه المذكــرات وبخاصة النص الذي يلخص حديث النحاس باشا مع البنا أحب أن أشير إلى أمر رابني حين وجدت النحاس باشا في نصوص محمد كامل البنا يتحدث عن علي ماهر وكأنه زميل دفعته في الحقوق، بينما كان علي ماهر في واقع األمر الذي تدلنا عليه الكتب التذكارية الصادرة عن تاريخ كلية الحقوق من الدفعة التالية لدفعة النحاس باشا، ومن الطريف أن بعض هذه المصادر تشير

إلى أنه تال له بدفعتين. وبعضها يشير إلى أنه لم يتخرج إال في 1905.

236

كذلك فإن كثيرا من المصادر تشير إلى أن علي ماهر كان مع النحاس باشا من أقطاب شباب الحزب الوطني الذين انضموا للوفد مبكرا، لكننا النجد في حديث النحاس أية إشارة إلى هذا المعنى. وهو ما يمكن تفسيره في ضوء محدودية النشاط الشبابي في ذلك الحزب،

أو محدودية معرفة البنا بهذه الفترة من حياة النحاس.

)5(

بداية باشا عن النحاس البنا إلى مصطفى ينسبها محمد كامل التي المذكرات تتحدث سيارة في ماهر علي وصحبه الخارج من عاد حين فاروق الملك عهد من األولى الفترة مكشوفة إلى زيارة قبر والده في مدافن الرفاعي، واالستقبال الشعبي الذي رتب له في هذه التي الفتوى في ماهر مع علي داعيا لالختالف يجد لم أنه إلى النحاس ويشير المناسبة، استصدرها بشأن بلوغ الملك سلطته الدستورية على الرغم من تحريض األمير محمد علي ماهر في باشا على مسلك علي النحاس يعلق التصرف، وبعد كل هذا له ضد هذا توفيق

وزارته األولى 1936 تعليقا حكيما يقول فيه:

»... على الرغم من أن علي ماهر يعلم أن مهمته مؤقتة ومقتصرة على إجراء االنتخابات، فإنه انتهز توليه الوزارة وأصدر قوانين كثيرة في مختلف المسائل، وأحدث انقالبا في اإلدارة الحكومية شأن إنسان يرسم لنفسه، ويوطد لبقائه، وقد تحدثت في هذا مع بعض المقربين إليه كما تحدثت في أال داعي لكثرة القوانين والمشروعات، لكنه قال: إن كل ما عمله، هو في مصلحة البلد، وإنه يريد أن يسير في ركب التقدم، وأنا لم أنقده في األشياء الضرورية يصدر أنه عليه الحظت لكني شاكلها، ما أو االجتماعية للشئون وزارة كإنشاء الصالحة األستاذ عن روي ما تذكرت ولقد مستوفية، وال مدروسة غير بسرعة واللوائح القوانين اإلمام محمد عبده عندما سأله ماهر باشا والد علي عن ابنه فقال له: إن ابنه ذكي ولكنه ذكاء

براق، وفوق هذا فهو يحب الطفرة وكثيرا ما تضر صاحبها أكثر مما تنفعه«.

)6(

ومن المفيد أن نقرأ ما تلخص به الدكتورة لطيفة سالم ما تضمنته الوثائق البريطانية من إشارات إلى موقف الوفد من تعيين علي ماهر باشا رئيسا للديوان في عهد الملك فاروق:

237

»...وكان طبيعيا أن تعترض الوزارة أي وزارة النحاس باشا على أن تتولى هذه الشخصية رئاسة الديوان، وبعث النحاس برسول للقصر ليبلغه بأن التعاون مع علي ماهر أمر مستحيل، الذي شكل الوحيد، وإنما السبب الدستور، ولم يكن ذلك هو له ماضيه وموقفه من وأن ضيقا للوفد أن هذا التعيين سيزيد من نفوذ القصر فوق ما حصل عليه، وأوضح مكرم عبيد

تلك األبعاد للقائم باألعمال البريطاني طالبا عدم تعيينه«.

تعيين يرى النحاس أن األخير ذكر حسنين، وأحمد »كلي« بين جرى حديث »وفي يشبع مصلحته، وأضاف منه حتى بتوصية يكون أن في ديوان على هواه، ويرغب رئيس إلى األمر فسيؤدي ماهر علي لتعيين معارضته حالة في أنه الوزراء لرئيس سيبين أنه

إغضاب الملك«.

أنه ويبدو األمر، في يتدخل أن الوقت ذلك في العهد ولي علي محمد األمير »وحاول لم يكن يؤيد شغل علي ماهر للمنصب. فحينما ترددت األقوال بشأن ذلك في فترة الوصاية، التقى به وأراد أن يقنعه باالعتذار إذا عرض عليه المنصب، ولكن علي ماهر لم يبد رأيا وفضل أن يقف موقفا سلبيا. وعاد األمير ليبذل المساعي لدى فاروق بعدم التعيين قبل الحصول على

موافقة النحاس. إذ لم يكن يعلم جيدا أن رئيس الوزراء لن يوافق بأي حال«.

ماهر، وأحمد عثمان، أمين طريق عن ماهر وعلي النحاس بين مفاوضات »وجرت واستمرت عدة أيام محاولة للحصول على موافقة األول، لكنه لم يكن ليوافق«.

بمعناها المعارضة ال رغبته، معارضة المقصود ـ بالمعارضة فاروق »وضرب االصطالحي، فقد كان الوفد يتولى الحكم ـ عرض الحائط«.

»وفي صباح 20 أكتوبر أبلغ سعيد ذو الفقار النحاس باشا تليفونيا بأن الملك عين علي ماهر رئيسا للديوان. فانفعل وأجاب بأنه ال يوافق على مثل هذا اإلجراء، وأنه عمل غير ودي، وطلب من أمين عثمان االتصال بعلي ماهر لتأجيل رد القبول لحين موافقته، وحاول أحمد الملكي األمر وصدر متأخرا، أصبح الوقت أن معلنا رفض فاروق لكن التأجيل، حسنين في اليوم نفسه بالتعيين. وألول مرة بلغ للصحف عن طريق القصر ال الوزارة، وثارت ثائرة النحاس، وذهب إلى الملك محتجا ومستنكرا، فرد عليه: »أنا عينته؛ ألنه كان محل ثقة والدي

الملك فؤاد، ومحل ثقتي، كما أن األ مة تثق فيه«.

238

)7(

ونأتي إلى المنطقة الرمادية من عالقة الرجلين: النحاس وعلي ماهر. وهي قصة اللقاء بين علي ماهر والنحاس في أثناء حكم وزارة محمد محمود سنة 1938 وكان علي ماهر حدث قد وكأنه يبدو حتى دبر الذي اللقاء وهو الملكي، للديوان رئيسا الوقت ذلك في ائتالف رأس على الحكم في محمود محمد بقاء ضد موجها اللقاء وكان بالمصادفة.

الدستوريين والسعديين.

ونحن نقرأ في مذكرات النحاس قصة ترتيب هذا اللقاء على النحو التالي:

»جاء كامل البنا وقال لي إن شخصا اسمه صادق الذهبي موفد إليك من قبل علي ماهر يقولها لك مباشرة، فسألته: هل تعرف أن يريد برسالة خاصة الملكي الديوان باشا رئيس

ذلك الشخص من قبل؟ فأجاب: نعم، إنه موظف صغير في وزارة التجارة«.

يقابلك أن يريد أنه إلى رفعتك ألبلغك باشا بعث بي بأن رفعة ماهر إلي »قابلته فأسر مقابلة خاصة اليعلم بها أحد، وهو يقترح أن يلقاك عصر الغد على طريق الكورنيش ألنه علم أنك تتمشى كل يوم من سان استيفانو إلى سيدي بشر في موعد خروجك حتى إذا ما تالقيتما كانت كأنها مصادفة بحتة فيتحدث إليك، ولو عرف بها أحد من الصحفيين فهو من

ناحيته سيمنع نشرها ومن جهة رفعتك تأمر الصحف الوفدية بأال تشير إليها«.

»كررت السؤال عن هذا الموظف الصغير وما عالقته بعلي ماهر فعلمت أنه متزوج من ماهر، من هذا لعلي فالنتين ذهبي وهي صديقة حميمة الصالونات تسمى إحدى سيدات

الطريق بعث إلي بزوجها الموظف الصغير وعجبت من تلك األلغاز والمعميات«.

)8(

نفسه وما كان باللقاء يتعلق فيما باشا النحاس البنا عن مايرويه محمد كامل وهذا هو في أعقابه:

»تمشيت على الكورنيش مشيتي اليومية، وفي منتصف الطريق بين محطة السراي وسيدي بشر رقم )1( رأيت علي ماهر يسير في مقابلتي. فلما رآني تقدم إلي مسلما كأنها مفاجأة، وانتحيت وإياه ناحية خلف األكشاك، وبدأ الحديث عن الحالة الدولية وسوئها وتفاقمها، ثم عرج على الموقف الداخلي وأن وزارة محمد محمود باشا مع ائتالفها مع السعديين قد

239

فشلت في سياستها، ويجب أن تحكم البلد وزارة قوية تستطيع أن تواجه الموقف، فأجبته كثيرة التيارات أن فأجاب الصحيح، الطريق الملك تعرف بأنك بصفتك مستشارا لجاللة وهناك في السراي فئة تعمل يتزعمها أحمد حسنين، ولو كان األمر بيدي ألشرت للملك أن يحل الموقف حال صحيحا، لكني أشير عليه بالرأي ونتفق عليه ثم ينقضه في اليوم التالي. وأرى أن تقبل رفعتكم وزارة قومية وإذا كنت ال توافق فتأتي وزارة محايدة ال ينتمي رئيسها

إلى أي حزب ليهدي الحالة ثم يمهد لألغلبية كي تتولى الحكم«.

»أدركت ما يرمي إليه وهو أنه يريد أن يحل محل محمد محمود، فقلت له: إنك تعرف فيها تتولى حرة انتخابات إثر على تؤلف دستورية وزارة الوضوح، غاية في وهو موقفي

األغلبية الحكم، وغير هذا ال أقبل وال أوافق، وهذا رأيي فاعمل به إن شئت.

»استمر الحوار بيننا أكثر من نصف ساعة.. وهو يلف ويدور وأنا عند موقفي وال أوافق. وأخيرا تصافحنا ومضى كل في طريقه«.

من ماهر علي وبين بيني دار ما بعض وكتبت المقابلة، نبأ ساعة آخر مجلة »نشرت حديث، فهاج علي ماهر واضطرب من في القصر وأخذوا يتناطحون ويطعن بعضهم بعضا، رئاسة من إقصائه على يعمل ماهر علي أن أدرك إذ الوزراء، رئيس الغاضبين أشد وكان الوزارة وأعلن هذا ألخصائه وأنصاره، وقال: إنه سيتقدم باالستقالة قبل أن يلعب علي ماهر

لعبته فيوحي إلى الملك بأن يقيل الوزارة كما فعل مع النحاس«.

)9(

في وبالتحديد باشا النحاس مصطفى إلى المنسوبة المذكرات من ثالث موضع وفي أثناء حديث النحاس عن وقائع عام 1939 نراه حريصا على أن يثبت حوارا دار بينه وبين األمير عمر طوسون في أثناء زيارته له، ومع أن آراء النحاس في علي ماهر التي تضمنها هذا الحديث ال تضيف جديدا إلى ما نعرف من رأيه فيه، فإننا نفاجأ برأي األمير عمر طوسون إن عمر بل النحاس، رأي ماهر من تحامال على علي وأكثر يبدو صريحا وواضحا الذي طوسون في رواية محمد كامل البنا عن النحاس ينسب إلى والد علي ماهر الرأي الذي ينسبه

النحاس في موضع سابق إلى الشيخ محمد عبده.

تقول المذكرات:

240

األمير سراي قرب بباكوس سالم أحمد مسجد في الجمعة صالة أديت أن »...بعد طوسون، وجدت من الالئق أن أمر عليه وأترك له بطاقة شكر على تفضله بالسؤال عني، ولما وصلت السراي جاء السكرتير وقال لي: إن سمو األمير في الصالون ويسره أن يستقبلك،

فدخلت وقابلته وكررت له شكري وعرفاني على مداومة سؤاله عني في كل مناسبة«.

بنفسه لحضر الحركة كثرة من تمنعه الصحية ظروفه أن لوال وقال: لي تهنئته »فأعاد لزيارتي، ثم دار بيننا حديث عن تصرفات الملك الشاذة وعن سهراته الحمراء في مختلف المالهي، والمساخر، ومايدور حول أمه وشقيقاته من شائعات ال تشرف، وقال: إننا نحن الدينية وتمسكنا بشريعة سيد المرسلين عليه الصالة والسالم لنا تقاليدنا أبناء محمد علي وإني ألفضل أن يزول ذلك الفتى على صغر سنه من الوجود على أن يحيط بسمعته وسمعة

أسرة محمد علي هذه الشبهات والشائعات المؤلمة«.

»ثم تطرق الحديث إلى علي ماهر وتصرفاته، فقال األمير: إن هذا شخص يدور حول نفسه واليفكر إال في مصلحته، ويشيع بين أصدقائه وأنصاره أنه وطني وليس عنده مثقال ذرة من الوطنية، وإني أعرف والده ماهر باشا حينما كان يعمل في الجيش المصري ويذكر وقد حال، على يستقر ال التقلب سريع طيار ذكاءه ولكن ذكي بأنه دائما علي األكبر ابنه

صدق الوالد في الحكم على ولده«.

تخرجنا حين والعليا الثانوية الدراسة في ماهر علي زاملت إني األمير سمو يا »قلت في عام واحد في مدرسة الحقوق الخديوية إذ ذاك وكان معروفا بيننا بأنه صاحـب مقالـب كان االستئناف محكمة وكيل باشا طلعت زمالئنا بعض إن حتى األلوان بجميع ويتلون

يشبهه بالطائر أبو قلمون كل ساعة بلون، فابتسم األمير، وبدأ يهدأ«.

الزاوية الثانية :

عالقته مبحمد حممود با�سا واالأحرار الد�ستوريني

)1(

كانت عالقة علي ماهر بأقطاب األحرار الدستوريين وأنصارهم متفاوتة القوة والحرارة، ومن الواضح أنه كان أقرب إلى عبد الخالق ثروت منه إلى الباقين وأنصارهم، فثروت هو

241

الذي رشحه للوزارة وللبرلمان ولغيرهما، كما أنه هو الذي دعم وجوده في سلك الحقانية في بداية حياته.

وقد كان من الطبيعي أن يختار علي ماهر في وزارة محمد محمود األولى وزيرا، وإن كان أنه كان يعمل لحساب إلى الوثائق األمريكية قد عين بصفته ممثال لحزب االتحاد، وتشير

الملك فؤاد، وضد مصلحة رئيسه في هذه الوزارة..

ومنذ ذلك الحين فإن عالقته بمحمد محمود لم تصف من كثير من الخالفات التي أثرت في الحياة السياسية فيما بعد.

)2(

ويمكن القول بأن محمد محمود قد لدغ من علي ماهر في وزارته األولى 1928 إلى الحد الذي لم يكن يتصور أحد أن يستعين محمد محمود به في وزارته الكبرى التي ألفها ولم لها[ كسند وال الوزارة، في كعضو ]ال و1938 1937 عامي بين الفاصل اليوم في يكن البروتوكول المتخيل يسمح يومها بأن ينضم علي ماهر لمثل هذه الوزارة وهو الذي وللوفد للنحاس دس الذي هو أليس الوزراء. رئيس موقع يعلو أنه تصور موقع في كان وتآمر عليهما حتى أقال الملك وزارة األغلبية؟! أليس هو رئيس الديوان الحاكم بأمره وبأمر

الملك الشاب الذي كان اليزال عجينة في يده؟!

فيها بمن الوفدية غير الحزبية الزعامات كل ضمت محمود محمد وزارة أن صحيح إسماعيل صدقي وعبد الفتاح يحيى وأحمد لطفي السيد ومحمد حافظ رمضان وعبد العزيز فهمي وغيرهم، لكن علي ماهر في تصور نفسه كان قد أصبح أكبر من هؤالء جميعا، وليس من شك في أنه هو الذي مهد الطريق لهذه الوزارة دون أن يقصد أن يكون رئيسها محمد محمود، ذلك أن أغلب المؤرخين تساندهم وثائق كثيرة يذهبون إلى أنه كان يمهد لوزارة شبيهة يرأسها شقيقه أحمد ماهر وتضم بعض الوفديين لتكون بمثابة تحقيق للمعادلة التي يتصورها هو ومليكه كفيلة بأن تحقق عدم تجاهل الوفد وأن تحقق التخلص من النحاس

باشا في الوقت نفسه، لكن األمور لم تأت بما تشتهي السفن.

242

)3(

وعلى كل األحوال فإن علي ماهر بدأ مؤامراته على محمد محمود من طرق مختلفة حتى وصلت هذه المؤامرات إلى أن يتقرب من النحاس باشا وأن يذهب إليه من أجل أن يضعف وجود محمد محمود، وقد أوردنا في الصفحات الماضية قصة هذا اللقاء، ونحن نرى قصة التقارب تروي بأكثر من صورة تتفق جميعا على روح المؤامرة في التقرب وال نقول هذا

شخصية علي ماهر.

ولنقرأ على سبيل المثال هذا التعليق الذي يرويه المحرر البرلماني القديم األستاذ محمد السوادي عن هذه الواقعة، مغلفا لها بالسخرية من الوفد والنحاس!!(:

»أحس محمد محمود بالدور الذي يلعبه علي ماهر لحساب الملك والوفد فعضب واعتكف في وندسور، وصحت فيه الكبرياء فضرب بعرض الحائط كل التقاليد التي تربط بينه وبين القصر.. فرأى علي ماهر أن تسديد الضربة إلى الرجل المتكبر وهو ينتظر الترضية فرصة للتخلص منه عن طريق الكبرياء.. فأوعز إلى سعيد ذو الفقار كبير األمناء أن يزوره في الفندق كصديق يسأل عن الصحة ويلعب معه النرد كالعادة.. ثم يتسلل إليه ببعض األسئلة المثيرة.. وأدى كبير األمناء دوره بأمانة فكف محمد محمود عن اللعب.. وقال له: »سيأتيك جوابي عن أسئلتك من فور عودتك إلى القصر«، وما كاد ذو الفقار يصل إلى مكتبه حتى تلقى استقالة محمد محمود موجهة إلى الملك

عن طريقه ال عن طريق رئيس الديوان كما تقضي التقاليد.. وكانت استقالته هي كل المطلوب«.

»وآن لعلي ماهر أن يحكم مرة أخرى.. وأن يستقر في الحكم في هذه المرة.. وهذه هي النحاس بإعادته إلى الحكم.. وكان علي أحالمه.. وأدار الرجل ظهره للوفد بعد أن وعد

ماهر قادرا على إدارة الظهر ألي رجل وألي حدث«.

»لم يحسب أي حساب للوفد.. ولكن فاته أن يحسب حسابا للقدر«.

)4(

في سالم لطيفة الدكتورة عن ننقل البريطانية المذكرات سجلته مما متاح هو وعما في محمود محمد مناوأة في ماهر علي لعبه الذي الدور يصور ما بعض »فاروق« كتابها

وزارته الثانية:

243

»...حدثت أول أزمة بين فاروق ورئيس وزرائه أي ـ محمد محمود ـ عند تأليف الوزارة الجديدة عقب االنتخابات، واستمرت المشاورات فترة ساءت فيها العالقات بين الطرفين؛ إذ رفض الملك إشراك عدد كبير من األحرار الدستوريين في الوزارة لرغبته في وزارة ائتالفية، وعرض محمد محمود ترشيح الشيخ مصطفى عبد الرازق، ولم يلق ذلك استحسانا من علي ماهر، فأشار إلى أنه من عامة الشعب وال يشغل مركزا مرموقا، وفي تعيينه إثارة للرأي العام، وبالطبع وضع في اعتباره تلك الخالفات التي سبق ونشأت بين أخيه على عبد الرازق وفؤاد حول مسألة الخالفة اإلسالمية. وبعد محاوالت انتهى األمر بالموافقة عليه، هذا في الوقت الذي استبعد فيه عبد العزيز فهمي، ولم يحافظ محمد محمود على كلمته التي أعطاها للسفارة

البريطانية بأنه واثق من مقدرته على وقف أية أعمال غير دستورية من جانب القصر«.

»وفي لقاء لحسن صبري وزير المواصالت مع المبسون أكد تدخل فاروق الذي يزداد، الوزارة مرة أخرى البنداري له وأثيرت مسألة إدخال اللوم على علي ماهر كموجه وألقى برئيس لصلته الوزراء رئيس ورفض ـ محمود محمد وبين بينه النزاع وتفاقم سبق كان ـ الديوان وخوفا من نقل أخبار الوزارة إليه، ثم عاد وأدرجه مع أسماء المرشحين بناء على إلحاح القصر، وجاء الرد على هذا الموقف بتعيينه وكيال للديوان في مايو دون علم محمد

محمود، فكانت قمة االستهانه به من القصر«.

ومن الجدير بالذكر هنا أن هذا المنصب أي وكالة الديوان كان قد استمر خاليا أكثر من اثنتي عشرة سنة.

)5(

ويجيد الدكتور حسين حسني تصوير الجو القلق الذي عاشت فيه وزارة محمد محمود تولي في يخلفها كي الوزارة هذه إلحراج ماهر علي مناورات بسبب 1939 في باشا

المسئولية:

»...وعلى الرغم مما كان يبدو من صفاء الجو بين القصر والحكومة، إال أن رئيس الحكومة أي محمد محمود باشا كان يشعر بالقلق الشديد وعدم االطمئنان إلى ثبات مركزه، لما كان يلقاه بين الحين واآلخر من اعتراض أو تأخير للبت فيما يعرضه على القصر من مشروعات

244

وقرارات، وزاد الموقف تحرجا بين الطرفين حين لغطت الصحف عن مقابالت كانت تتم يتحدث ]هكذا اإلسكندرية كورنيش طريق على باشا والنحاس باشا ماهر علي بين خفية صاحب المذكرات عن اللقاء اليتيم على أنه كان لقاءات. وهو ما يدلنا على طبيعة التآمر في سيناريوهات الكواليس ـ وعلى الرغم من أن علي ماهر باشا أنكر أن تلك المقابالت ال يزال يتحدث بصيغة الجمع[ كانت بتدبير سابق من جانبه، أو لخدمة غاية معينة، على الرغم من ذلك فقد حملت هذه الواقعة ]يعود سكرتير الملك إلى الصواب متحدثا عن »الواقعة ـ باعتبارها مقابلة واحدة ال مقابالت كما كان قد أشار من قبل وكرر[ الكثيرين على اعتبار أنها بوادر تشير إلى أحداث جديدة سوف تقع في المجال السياسي بعد أجل قد يطول أو يقصر، إذ كان الغرض الواضح من هذه المقابالت إنما هو العمل على تصفية الجو بين الرجلين الكبيرين تمهيدا

لألحداث المنتظرة«.

)6(

الدور الذي قدر له أن المعروفة يشير حسين حسني إلى العموميات وبعد حديث عن يلعبه في زيادة قلق محمد محمود من موقف الملك ورئيس ديوانه، وذلك من خالل اللقاء

الذي التقى فيه بالشيخ المراغي الذي كان في ذلك الوقت صديقا لرئيس الوزراء:

إلى ذاته، في غرابته عن فضال الموضوع، هذا في الصحف لغط شأن من »…وكان كان القصر. أو عقبات من جانب إلى حين من عوائق الوزارة من حين ما تصادفه جانب من شأن هذا كله أن يثير هواجس رئيس الوزراء، كما تبين لي ـ الضمير يعود على سكرتير ودعاني المراغي مصطفى محمد الشيخ األكبر األستاذ تليفونيا بي اتصل عندما ـ الملك لتناول الغداء معه في فندق وندسور الذي كان يقيم فيه إذ ذاك، وكنت منذ سعدت بمعرفة األستاذ األكبر قد قامت بيننا صلة مودة وثقة متبادلة كنت أعتز بها كل االعتزاز، وكان كثيرا ما يدعوني إلى داره لمجرد االئتناس وتبادل الحديث، فاعتدنا الصراحة المطلقة معا، وفي هذه المناسبة ما أن استقر بي المقام معه حتى صارحني بأنه يود أن يجد عندي من المعلومات ما يعين على معرفة حقيقة موقف القصر من الوزارة، فإن صديقه محمد محمود باشا أصبح غير مطمئن لمركزه على االطالق، بسبب ما يلقاه من تصرفات القصر معه دون أي تقصير من جانبه، وهو ما يشغل باله لعدم توقعه ذلك على اإلطالق، وسألني عما إذا كان قد اتصل

245

بعلمي شيء عن اتجاه النية إلى تغيير وزاري، فأبديت له أسفي لعدم استطاعتي تلبية رغبته

النقطاع صلتي بمجرى األحوال العامة تحقيقا لما طلبه رئيس الديوان من وقف التحدث

باالتصال يتعلق فيما ذاك إذ به المعمول النظام له وشرحت الملك. مع وحده عليه فيها

بين الملك ورؤساء الحاشية، إال أنني لم أخف عليه أني شخصيا أشاركه الحيرة في تعليل

موقف القصر من الحكومة إذ ذاك، مما يحمل على االعتقاد بأنه على كل حال، لن تستمر

الحديث بعد هذا فعال البوادر تدل على ذلك، وهو ما حدث فإن كل الحالة طويال، هذه

بفترة وجيزة«.

)7(

كان ماهر علي أن فكرة على يؤكد أن طريقته على حسني حسين الدكتور ويحاول في نهاية 1937، وأن وزارات محمد محمود في إقالته منذ باشا النحاس يخطط لخالفة

1938 و1939 لم تكن إال خطوة انتقالية في سبيل تولي علي ماهر أمور الحكم.

المفاجئ ماهر أداء علي وصفه خالل االستنتاج من هذا منطقيا على دليال يقدم وهو المسئولية وعلى أن لتولي أداء يدل على استعداد صاحبه بأنه الثانية، والمتميز في وزارته

قراراته لم تكن من وحي اللحظة:

»...وقد ذاع في الحال أن علي ماهر باشا قد شرع فعال في التفاوض مع البعض لالشتراك معه في الوزارة الجديدة، وهو ما حمل الكثيرين على االعتقاد بأن ما حدث منذ إقالة النحاس باشا إنما كان تمهيدا لمجيء علي ماهر باشا إلى الحكم، بل إنه كان يخطط لهذا اليوم منذ أمد

بعيد، بدليل أنه ما كادت الوزارة الجديدة تتولى الحكم حتى أخذت القرارات والمشروعات

يسبق ذلك أن للشئون االجتماعية، دون إنشاء وزارة تتالحق في صدورها. وفي مقدمتها

كالعادة الدراسات التمهيدية لمثل تلك المشروعات«.

..............................

246

على هذا النمو من التوتر والريبة انتهت عالقة علي ماهر باألحرار الدستوريين وزعيمهم مضت ثم مستبعدا.. أمرا الثانية وزارته في معه اشتراكهم جعل ما وهو محمود، محمد

السنون فإذا هذه العالقة ال تتحسن أبدا.

الزاوية الثالثة:

عالقته بح�سني �سري كنموذج لعالقته بالوزراء غري ال�سيا�سيني

)1(

على الرغم من أن حسين سري لم يكن من رجال الحركة الوطنية في ثورة 1919، وال كان من الكفاءات القانونية التي اعتمد عليها القصر في تسويغ تصرفاته الهادفة إلى التقليل من سلطة الشعب لمصلحة القصر، فإنه كان »الولد« الذي »اقتنص« الحظوظ التي كان علي ماهر يتصورها من نصيبه. وقد مثل حسين سري البديل الصاعد الذي لم يحتط له علي ماهر

في رسمه لمستقبل الخريطة السياسية في مصر في عهد الملك فاروق.

كان حسين سري وزيرا فنيا ال أكثر وال أقل، لكن ظروفا متعددة جعلته ينتقل من درجة الوزير الفني إلى درجة الوزير ا لسياسي إلى درجة الوزير األول أو رئيس الوزراء. فأما انتقاله حيث الثانية وزارته في نفسه ماهر علي يد وعلى تكرس فقد السياسي الوزير درجة إلى قبيل المهندس وهو ما كان يؤهله لخطوات سياسية أخرى من للمالية، وهو أصبح وزيرا رئاسته للوزراء وهو ما حدث، وكان سري باشا في وزارة محمد محمود باشا الرابعة التي إليه سبقت وزارة علي ماهر مباشرة، قد خطا خطوة أضيق في هذا االتجاه حيث أسندت وزارة الزراعة باإلضافة إلى منصبه حين استقال رشوان محفوظ. ثم ترك األشغال ليتولى

الحربية في يناير 1939 عقب أزمة استقالة حسن صبري باشا من وزارة الحربية.

إلى بحاجة اإلنجليز نفسه حين جعل ماهر التي صنعها علي للظروف نتيجة جاء هذا أصدقاء هم وإنما ملكي، والهو وفدي هو ال ثالث طراز من آخرين رجال عن البحث

247

لإلنجليز قبل هذا وذاك، وفي هذا اإلطار وجد حسن صبري وحسين سري فرصة لم تكن لتتاح ألمثالهما في عهد الملك فؤاد.

على حتى مساعدا وجدانيا عنصرا فريدة الملكة من فاروق الملك زواج أضاف وقد مستوى الفولكلور، فقد كان حسين سري نفسه زوجا لخالة الملكة فريدة.

رياسة ينتظر كان سري حسين أن عن الستار مذكراته في هيكل الدكتور كشف وقد الوزارة منذ مرحلة مبكرة عن نواله لها، وقد تناولت هذه الجزئية بالتفصيل في كتابي »ثالثية

التاريخ واألدب والسياسة«.

)2(

لهذا فمن الطبيعي أن نرى حسين سري وزير األشغال التقليدي الذي أصبح وزيرا للمالية في وزارة علي ماهر الثانية وهو يحرض البريطانيين على علي ماهر، وليس في هذا اجتهاد

منا لكنه ما أثبتته مصادر متعددة بطرق مختلفة.

وهذا على سبيل المثال ما تورده الدكتورة لطيفة سالم من استعراضها للوثائق البريطانية التي تناولت تلك الفترة:

السفير إثارة في بدوره الثانية ماهر في وزارة علي المالية »...وقام حسين سري وزير وأنه الوزراء، رئيس إخالص عدم في معه وتحدث به فاتصل ماهر، علي ضد البريطاني

وزمالءه على استعداد لتقديم االستقالة«

نتوقف هنا لنقول: إن حسين سري فيما هو منسوب إليه كان يقترح أن يكرر بنفسه خطة محمد محمود في تصديع االئتالف الوزاري الذي رأسه النحاس باشا في 1928: ـ

األوسط الشرق في البريطانية للقوات العام القائد ويفل الجنرال مع المبسون واتفق تغيير من بد ال ثم ومن كبيرة، خطورة التأجيل في حيث مبكر إجراء اتخاذ ضرورة على وزاري، ورشح النحاس، وجاء رد الخارجية البريطانية لتؤيد موقف المسئولين البريطانيين التردد اللقاء مع فاروق وإفهامه سوء سياسة في مصر، وأن علي ماهر ال يتعظ، والبد من الشعب المعاهدة واليمثل شعور مع روح يتفق ماهر ال تذبذب علي وأن الحرب، وقت

248

المصري وال هو في صالح مصر، ولذا أصبح من الضرورة تشكيل حكومة جديدة تضم أكبر عدد من العناصر«.

)3(

الحد من إلى دور حسين سري في فاروق كتابها عن لطيفة سالم في الدكتورة وتشير رئيسا اختياره الرغم من فاروق وذلك على الملك التقليدي وتأثيره على ماهر نفوذ علي

للوزراء.

وربما يجدر بنا هنا أن نشير إلى رأينا في أن حسين سري ]والحق يقال.. أو بعبارة أدق: التاريخ يقول[ فشل في السيطرة على علي ماهر، وقد سجل البريطانيون انفسهم هذا، كذلك فإن علي ماهر لم يستعد دوره الخفي أو المستتر في القصر إال في عهد وزارة حسين سري:

تأخذ أن متوقعا أصبح الوزارة، سري حسين وتولي البريطانية السياسة »...وبتحقيق العالقة بين فاروق وبريطانيا طابعا جديدا، فبعد اطمئنان المبسون بإبعاد التابعين لعلي ماهر عن الوزارة، عمل على تكثيف قواه مع رئيس الوزراء الجديد لنجاح التخطيط، وكان األخير واثقا من نفسه في إمكان الوصول مع فاروق إلى نتائج مثمرة ترضي الحليفة ]أي بريطانيا[، وهذا ما صرح به لسفيرها، وذكر أن صلة القرابة ]زوج خالة فريدة[ تعطيه القدرة للتحدث مع مليكه في جميع األمور بوضوح، وأن أول عمل سيقوم به الوقوف أمام تصرفات علي ماهر، معتمدا على رئيس الديوان كصديق له ]نتوقف هنا لنشير إلى أن أحمد حسنين كان قد عين رئيسا للديوان خلفا لعلي ماهر في أثناء وزارة حسن صبري، بعد أن اعترض البريطانيون

على عودة علي ماهر إلى هذا الموقع[«.

القصر أحوال وأن جانبا، اليأس ترك بأنه لحكومته ويكتب لذلك، المبسون »ويرتاح ستتغير وتمحى منه بذور الشر ]هكذا كان تصوير البريطانيين لعلي ماهر في تلك الفترة[«.

البريطاني، وبدت الجهود التي »وعقب أسبوع من تأليف الوزارة يستقبل الملك السفير بذلها حسين سري وأحمد حسنين في هذه الفترة الوجيزة واضحة، إذ كانت المقابلة مرضية في الجديد، وذلك الوزراء رئيس اختيار في توفيقه فاروق على هنأ المبسون وفيها للغاية. محاولة إلقناعه أنه صاحب االختيار، وتسعد لندن بتولي حسين سري وتعتبره عمال موفقا لما

له من تأثير نافع لدى القصر. وتعود وتطلب وجوب التخلص من علي ماهر«.

249

)4(

ومن المهم هنا أن نشير إلى أن عالقة هذين الرجلين سرعان ما شهدت مواجهات خفية متكررة، بل إن هذه المواجهات كانت بمثابة أبرز األحداث السياسية في الفترة التي سبقت حادث 4 فبراير 1942. وقد بذل علي ماهر كل جهده من خالل محاور عديدة ليحل محل حسين سري باشا في رئاسة الوزارة، ووصل تدبيره في هذا الصدد إلى حد تسيير المظاهرات

المطالبة بتوليه الحكم باالسم. وهي ظاهرة لم تتكرر مع غيره من السياسيين المستقلين.

ويشير كثيرون ]منهم جالل الدين الحمامصي في مذكراته التي تناولناها في كتابنا »في خدمة السلطة«[ إلى دور علي ماهر في العمل على إقالة وزارة سري فيما بعد قبل حادث مجلس اجتماع في أعلن قد سري حسين أن حد إلى األمر وصل وقد ،1942 فبراير 4الوزراء أن المدبر علي ماهر والشيخ المراغي وأتباع لهما، وأن لديه التقارير التي تثبت أن اجتماعات عقدت في عوامة األخير لهذا الغرض. وطلب رأي الوزراء في إصدار األوامر

ا على االستقالة. للبوليس لقمع المظاهرات، ولكن ترددهم جعله مصمم

)5(

وتتضمن مذكرات الدكتور حسين حسني سكرتير الملك فاروق تفصيالت قصة طويلة بين علي ماهر وحسين سري في وزارة علي ماهر. وتدل العالقة تبين بوضوح عن طبيعة على صواب ما أشرنا إليه من أن حسين سري كان يتعجل الوصول إلى رياسة الوزارة، وهو ما حدث بالفعل حيث وصل إليها بالفعل بعد حسن صبري الذي خلف علي ماهر في مطلع

الحرب العالمية الثانية، وذلك ما أبعد علي ماهر عن الوزارة وعن الديوان معا.

وها هي األحداث تتيح لعلي ماهر فرصة عابرة ليظهر لحسين سري أنه يتمتع من الملك بما ال يتمتع به رئيس الوزارة سري نفسه، فيستغلها علي ماهر أمكر استغالل. وتكون النتيجة

درامية على نحو ما نرى في مذكرات سكرتير الملك حيث يقول:

»في مساء أحد األيام تلقيت رسالة تليفونية من البلوك ]وهو االسم الذي كان مصطلحا أقرأها أن مني ويطلب أمريكية بمجلة إلي بعث قد »موالنا« بأن به[ الملك جناح تسمية الرسالة أن يتبع نحوها، وكان كثيرا ما يحدث ذلك... إال أن فيها وما يجب برأيي وأبلغه كانت مشفوعة هذه المرة بطلب سرعة الرد، وإذا بها مجلة شهرية لها مكانتها الكبرى في عالم الصحافة، وبها مقال مكتوب بقلم يدل على سعة اطالع صاحبه على مجريات السياسة

250

يراد وكأنما وزعمائها ومليكها مصر ضد تعصبه في جاء لكنه أجمع، والعالم مصر في التشهير بهم جميعا لدى الحلفاء، واتهامهم بالبعد عن الروح الديمقراطية وبميول ألمانية، وكانت تلك تهمة خطيرة في ذلك الظرف بالذات نظرا لتفوق األلمان وانتصاراتهم المتوالية في أوروبا وبدء التفاتهم لشئون أفريقيا بعد ما فشل حلفاؤهم اإليطاليون في إحراز أي نصر،

حتى أصبحت مصر تحت رحمة الجيش األلماني وغزواته المتتالية في ليبيا«.

»ولذلك كان من الضروري التعجيل بتصحيح الصورة الموضحة في المقال. وأخطرت السياسيين الزعماء التصحيح من جانب أن يكون المقال وبأنه من رأيي الملك بمضمون الذين ورد ذكرهم في المقال، مع تكليف الحكومة بمصادرة األعداد التي دخلت إلى مصر الخطة هذه اتخذت دامت ما مستقبال بدخولها السماح عدم ومراعاة المجلة، تلك من

العدائية نحو مصر ومليكها وزعمائها«.

لمعالجة ضروريا أراه ما كل اتخاذ في يفوضني الملك بأن الحال في الرد »وجاءني أي اتخاذ قبل كلها بالقصة باشا حسنين إخطار الواجب من ورأيت بالحكمة، الموضوع خطوة ليقوم من جانبه بإبالغ رئيس الحكومة ]أي حسين سري[، وقد وافقني رئيس الديوان على كل ما رأيته وطلب مني اإلسراع باالتصال شخصيا بالزعماء السياسيين الذين وردت أسماؤهم بالمقال، وأولهم علي ماهر باشا الذي كان له النصيب األوفر من عناية المقال، بل كان المقال بمثابة دفاع عن طلب بريطانيا عزله وإبعاده عن الحكم، ولكي نكسب الوقت ذلك وعلى الحكومة، برئيس االتصال بسرعة باشا حسنين تعهد بالرد اإلسراع مهمة في كلفت سكرتارية مكتبي بإعداد طبع صور من المقال واتصلت بعلي ماهر ومن ورد ذكرهم

أو اإلشارة إليهم في المقال«.

)6(

ويستأنف الدكتور حسين سري سكرتير الملك رواية ما يدلنا على ما وصلت إليه مظاهر الصراع الخفي بين الرجلين:

».... وبعد نحو أسبوع أو أكثر قليال، وكنا في صبيحة يوم جمعة، نستعد لمرافقة الملك إلى أداء صالة الجمعة ثم تناول الغداء على المائدة الملكية طبقا للتقاليد المعتادة فوجئت بتليفون من »البلوك« بأن الملك يود أن يحاط علما قبل صالة الجمعة بما قامت به الحكومة

251

نحو أمره بمصادرة المجلة ومنع دخولها إلى مصر، فأسرعت إلى االتصال بسري باشا في بيته وطلبت مقابلته في الحال ألمر يهم الملك، فدعاني إلى مقابلته في منزله«.

أن له ذكرت ألني العادة به تجر لم ما وهو دقائق بضع أنتظر تركني وصولي »وعند المقابلة كانت ألمر يهم الملك. فكان يجب أن يكون في انتظاري«.

»ولذلك توقعت أن يكون وراء هذا التصرف شيء ما، ولم يطل انتظاري لمعرفة ذلك الشيء فإن سري باشا بدأ حديثه معي بقوله إنه رجل صريح ال يعرف الطرق الملتوية كبعض كلف موضوعا هناك أن لسماعه دهش إنه بالقول يصارحني فإنه ولذلك القصر، رجال الملك به بعض السياسيين بالعناية له ولم ير داعيا أو مناسبا أن يخطر به رئيس الحكومة، مع أنه يتعلق بموضوع صدر من أجله أمر بمصادرة أعداد المجلة ومنع دخولها إلى مصر. مع متفقا كان ألنه قاله، ما لسماع ودهشتي أسفي له فأبديت فعال، تنفيذه تم قد ما وهو رئيس الديوان حسنين باشا على أن يتولى إبالغه باألمر قبل سواه، فنفى ذلك بشدة وقال: ما دام األمر كذلك فسوف يعرف كيف يتفاهم مع حسنين«.»ولما عدت إلى المنزل وأخطرت »البلوك« بما كان من رئيس الحكومة. كان الجواب أن أترك االثنين حسنين وسري يصفيان

حسابهما معا«.

»وعندما وصلت إلى المسجد وجدت حسنين باشا بين المنتظرين فأسرعت إليه وأبلغته أن الواقع في وقال: طويال فضحك عليه، اتفقنا لما لمخالفته لذلك ودهشتي حدث بما الشخصيات كبير من ذوي أمام عدد في حرج شديد أوقعه ماهر معذور؛ ألن علي سري الرفيعة كانوا مدعوين لدى عبد الفتاح يحيى باشا لعقد قران كريمته، وإذا بعلي ماهر باشا يطلب من سري أن يرسل إليه شخصا معينا من موظفي السكرتارية برئاسة الوزارة؛ ألنه يثق بكفاءته وإجادته الكتابة على اآللة الكاتبة؛ ألن الملك قد أوفد إليه سكرتيره الخاص إلعداد مقال ردا على مجلة أمريكية، وبذلك أبدى علي ماهر باشا مدى ثقة الملك به وعدم تقديره لرئيس الحكومة، فمن الطبيعي أن تترك هذه الوخزة المؤلمة أثرا في نفس سري باشا، وفي

نهاية حديثه وعد حسنين باشا بإصالح األمور مع سري باشا«.

بيد أن التاريخ ال يدلنا على أي مظهر من مظاهر إصالح األمور بين هذين الرجلين اللذين ظال على خالفهما التقليدي حتى قامت الثورة.

252

الزاوية الرابعة:

عالقته باأحمد ح�سنني كنموذج لعالقته برجال الق�سر

)1(

السياسة والحكومة في الرياح بما ال يشتهي علي ماهر في محيط على نحو ما جاءت صورة حسين سري، فقد جاءته في محيط القصر والحاشية بأحمد حسنين الذي كان يتطلع ألن يحل محله ويستولي على مكانته، وظل يعمل ألجل هذا الهدف حتى خلف علي ماهر

بالفعل في رياسة الديوان.

وعن الوطنية الحركة عن بعيدا رجال سري حسين شأن شأنه حسنين أحمد كان وقد ممارسة السياسة الوطنية أو الشعبية، لكنه كان مثل حسين سري أيضا يرى أنه أحق من علي ماهر برياسة الديوان. وبالتأثير على الملك، ولم ال.. ألم يكن هو رائد الملك في سفره قبل توليه العرش؟ ولم ال.. أليس هو المقرب من الملكة األم؟، ولم ال .. أليس هو ابن الديوان

العامل فيه ال القادم إليه من خارجه؟

)2(

يبدو لي أن العالقة الدرامية بين هذين الرجلين ال تزال في حاجة إلى دراسة مستفيضة، وتصوير دقيق، ومع هذا فإني أنقل للقارئ بعض ما يصورها.

يقدم السكرتير الخاص للملك فاروق الدكتور حسين حسني في مذكراته صورة بديعة وموحية ودقيقة لما انتاب أحمد حسنين باشا من الغيظ الشديد عندما عين علي ماهر رئيسا للديوان الملكي في المرة الثانية، ويعترف سكرتير الملك فيما يرويه بأنه هو نفسه كان واعيا ما أنه يكفل تخفيف حدة اتخذ من االحتياطات ما ظن باشا، وأنه لحقيقة مشاعر حسنين يصيبه من جراء هذا الموقف، وهو يقدم هذا كله في صورة بديعة يشير فيها إلى ما حدث بالفعل من أنه هو نفسه أصبح عرضة للمؤامرة من قبل الرجلين كل من ناحيته على نحو ما

هي العادة في القصور في مثل هذه األحوال:

»... وقبيل الموعد الذي كان الملك قد حدده لمقابلة علي ماهر بوصفه رئيسا للديوان الملكي، ذهبت إليه بناء على طلبه في الفندق الذي نزل به في رمل االسكندرية لنتوجه معا إلى القصر، إال أنه تفاديا لما يحدثه وصولنا معا في سيارة واحدة من األثر واألقاويل لدى

253

بعض من أساءهم هذا التعيين فقد وافقني على أن أترك سيارته قبل وصولنا إلى قصر المنتزه أللحق به وحدي في سيارتي التي كانت تتبع سيارته، وعند وصولي وجدت حسنين باشا في مكتبه وكأنما كان ينتظر قدومي، فإني عندما دخلت عليه لتحيته كما جرت العادة عند مقابلتي

اليومية للملك بادرني بقوله: »عملتها يا سي حسني .. طيب ارتاح بقى خالص؟!«.

»وفهمت طبعا أنه يشير إلى تعيين علي ماهر باشا وأن ذلك كان بتدبير مني لسد الطريق عليه هو شخصيا، فقلت له:إنه يعلم تماما أن الملك كان متفقا معنا في الرأي بعدم مالءمة تعيين علي ماهر باشا، وإنما ظروف األحداث التي وقعت في المدة األخيرة هي التي حملت الملك على العدول عن هذا الرأي والتمسك بوجوب اإلسراع في تعيينه، فهز رأسه قائال:

»خالص على كل حال«.

»وإنما أدركت من ابتسامته ومالمح وجهه أنه يعتقد اعتقادا جازما بأني كنت وراء إبعاده عن ذلك المركز الخطير الذي كان يتطلع إليه بكل قلبه، وإال لما ظهرت على وجهه أمارات تلك المرارة الشديدة ، وما انطوت عباراته المقتضبة من نذر جعلتني أتوجس شرا مما قد يقوم به لالنتقام مما حدث على غير هواه، تصورا منه أنني قمت به ضده،وهو ما بدأت أشعر

به فعال في األيام التالية«.

بي والحديث معي، في حين التحفظ في عالقته كثيرا من يبدي باشا »أخذ علي ماهر أنه كان قد صارحني بعد أول مقابلة له مع الملك أنه معجب بدقتي المتناهية، وشدة أمانتي في نقل ما كان يدور بينه وبيني من األحاديث في فترة ترددي عليه رسوال من الملك، حتى ن أحاديثنا كلمة كلمة. وعندما قلت له: إني كنت أعتمد على ذاكرتي أنه ظن بأني كنت أدوإلى أنقلها كي أقواله من شيء أي حذف أو زيادة عدم على أحرص كنت وإنما وحدها

الملك بأمانة كما سمعتها«.

»وعلى الرغم من هذا فإنه عمد إلى ما أشرت إليه من التحفظ في التعامل معي بعد أن بدأ اتصال حسنين به، مما لم أجد له تفسيرا سوى أنه قد بدأت محاوالت إلفساد الجو فيما بيننا في حين أخذت تتوثق العالقة بينه وبين حسنين باشا الذي مضى في إساءة الظن بي دون أن

يدري بأن الملك كان يضيق بسماع اسمه ، ويتألم لمجرد رؤيته في القصر«.

..............................ومع هذا فإن حسنين سرعان ما صعد وسرعان ما قطع الطريق على عودة علي ماهر إلى

موقعه األخير في رياسة الديوان.

254

الزاوية اخلام�سة:

عالقته مبرت�سى املراغي كنموذج لعالقته باجليل التايل له

)1(

الثالث لمتاعب علي النموذج بأنه الفقرات ما يمكن وصفه ربما يمثل حديثنا في هذه ماهر مع السياسيين الطموحين إلى إزاحته والحلول محله.

فهذا واحد من جيل أبنائه أو من الجيل التالي له يرى نفسه قادرا على أن يزيحه من موقع رياسة الوزارة، وعلى أن يحل محله حتى وإن لم ينجح في هذا.

)2(

ربما لم يحظ علي ماهر بانتقادات واضحة ألسلوبه في إدارة الوزارة والمهام الوزارية على نحو نراه قد حظي به في مذكرات أحمد مرتضى المراغي، وربما يبدو هذا غريبا إذا المراغي والد للشيخ تأملنا األمور بطريقة نظرية في ظل ما شاع عن صداقة علي ماهر ما مرتضى المراغي، ثم لدخول المراغي نفسه الوزارة ألول مرة في عهد علي ماهر، لكننا كما ذكرنا من قبل في كتابنا »على مشارف الثورة« نعرف أن مرتضى المراغي كان حريصا بكل ما أوتي من قوة على أن يصرح بأنه دخل الوزارة بناء على اختيار الملك ال على اختيار رئيس وزرائه، على حين أن هذا الرئيس كان معارضا الختياره وزيرا، ووزيرا للداخلية، ونحن نرى المراغي في مذكراته حريصا كل الحرص على توجيه انتقادات متعددة ألسلوب علي ماهر

في أثناء رئاسته للوزارة.

يقول أحمد مرتضى المراغي:

»كان علي ماهر شخصية قوية تحب التسلط، وأن توجه األضواء كلها إليه وحده، فإذا تقرر تخفيض أسعار بعض المواد التموينية صدرت الصحف بالعنوان التالي:

»علي ماهر يقرر تخفيض ثمن السكر«

»وإذا صدر تعديل على نظام الجامعة أو التعليم نشرت الصحف أن علي ماهر هو الذي درس التعديالت ووضعها، وإذا بني جسر قيل إن علي ماهر هو الذي أصدر أمرا ببنائه«.

255

قاعة في ال مكتبه غرفة في الوزراء مجلس يجمع كان عنده، كتبة وزراءه يعتبر »كان مجلس الوزراء، ويجلس الوزراء على مقاعد الحجرة ويقرأ عليهم سكرتير مجلس الوزراء وعندما عليهم، وتوزع تطبع تكن لم والتي ماهر علي وضعها التي والمراسيم القرارات ينتهي سكرتير المجلس من قراءتها يقول علي ماهر: »طبعا أنتم موافقون«، ويقوم ويتوجه

إلى مكتبه وينصرف الوزراء.

)3(

ويحرص أحمد مرتضى المراغي على أن يشير إلى أنه لم يتقبل العمل مع علي ماهر، وال أسلوبه في العمل، وأنه ثار على األسلوب وعلى صاحبه.

»وفي الجلسة التالية حين بدأ السكرتير التالوة استوقفته وقلت لعلي ماهر: إنني أطلب تأجيل الجلسة«.

»قال علي ماهر مندهشا: لماذا؟«.

كاف وقت قبل الوزراء على وتوزيعه وطبعه أعمال جدول إعداد أطلب إنني »قلت: في وليس الوزراء مجلس قاعة في الجلسة تعقد أن على القرارات، بدراسة لهم يسمح

مكتبك«.

»قال علي ماهر: ولماذا في قاعة مجلس الوزراء وليس في مكتبي؟«.

»قلت: إن قاعة مجلس الوزراء ليست بعيدة، إنها في الغرفة المواجهة لمكتبك، وفيها إن أمامه، المائدة على يضعها ومشروعاته أوراقه منا كل ومع عليها، نجلس كبيرة مائدة الموائد الموجودة في مكتبك هي لتناول القهوة أو لوضع منافض السجائر، والحكم مظهر

ومخبر، ومظهر الحكم هو قاعة مجلس الوزراء«.

»قال علي ماهر: وهل يعنيك المظهر كثيرا؟«.

»قلت: تعنيني الداللة أكثر من المظهر، إنك تجمعنا في مكتبك ليفهم الناس أننا موظفون عندك ال وزراء، ويؤيد ذلك أنك ال تهتم بأن توزع علينا جدوال بأعمال المجلس«.

256

يجتمع الذي الشكل أقرر الذي وأنا الوزراء، رئيس أنا غاضبا: يصيح وهو »قال به الوزراء«.

بين التقليدي الفارق في ماهر علي وبين بينه الخالف بلورة إلى المراغي يصل وهنا رئيس الوزراء وبين رئيس مجلس الوزراء، مشيرا إلى واقعة تخطيه له، وهي واقعة سنتناولها

بالتفصيل بعد قليل:

تعيينك، مرسوم حسب الوزراء مجلس رئيس أنت للوزراء رئيسا لست أنت »قلت: ومجلس الوزراء ينعقد في قاعة مجلس الوزراء وأحب أن أقول لك شيئا آخر، البارحة طلبت محافظي األقاليم ورؤساء الشرطة لالجتماع بهم، واجتمعت بهم من غير أن تخطرني، وأنا

وزير الداخلية، وتم اجتماعك معهم بغير حضوري، فهل كان ذلك وضعا الئقا؟«.

»قال علي ماهر: هل تريد أن توبخني على ذلك؟«.

»قلت: ال أريد أن أوبخك، ولكن أقول لك إني لن أحضر بعد اليوم اجتماعا لمجلس إذا جرى في قاعة المجلس مع جدول أعمال، وإذا حاولت أن تجتمع مع أي الوزراء إال

موظف في وزارة الداخلية دون علمي فاعتبرني مستقيال من فوري«.

»تدخل إبراهيم عبد الوهاب باشا وزير التموين قائال: إن »رفعة« الرئيس هو بمثابة والد وأستاذ لنا، وإنه ليس لك حق ياأستاذ مرتضى في أن تناقشه بهذه الكيفية«.

»قلت له: اسمع، ليس الحكم عواطف وعالقات عائلية، ولسنا كتبة، وأنت وغيرك من الوزراء عودتم الرئيس على أن يعامل الوزراء هذه المعاملة«.

ويعلق المراغي بعد هذا على روايته لواقعة اختالفه الحاد مع علي ماهر فيقول:

»كانت بالطبع بداية غير طيبة مع علي ماهر ظلت تجرجر ذيولها إلى أن اضطررت إلى االستقالة أكثر من مرة«.

)4(

بدون بالحكمدارين واجتماعه وزارته في الداخلية لوزير ماهر علي تخطي قصة أما علمه، فقد أوردها المراغي في مذكراته على النحو التالي:

257

»...في ثالث أيام اشتراكي في الوزارة وجدت مديري أمن المحافظات وكان يطلق عليهم في ذلك الوقت لقب الحكمدارين يطلبون مقابلتي، قلت إنهم البد جاءوا لتهنئتي، لكنني استدعاهم من محافظاتهم باشا ماهر أن علي انتهزوا فرصة إنهم لي يقولون بهم فوجئت

وبعد اجتماعه بهم مروا علي للسالم«.»كانت مفاجأة لي...فلم يبلغني علي ماهر بهذا االجتماع:.

»فقلت أسألهم: امتى علي ماهر استدعاكم؟«.»استدعانا بمكالمة تليفونية«.

»كان إحساسي على الفور أن علي ماهر بدأ المعركة ضدي، وأنه أراد أن يمزقني أمام هذا أحضر لم أنني يدركوا لم بحيث الغباء من يكونوا فلم والحكمدارين، المحافظين

االجتماع وهو أول اجتماع يعقده معهم رئيس الوزراء، وفي ظروف أحكام عرفية معلنة«.أدخلها أن وقررت المعركة، أدخل أن أو وأسكت، حدث ما أبتلع أن أمامي »وكان

بوضوح وصراحة وبدون أي لف أو دوران«.»قلت لهم : اسمعوا عاوز أقول لكم حاجة، أنا ماأعرفش حاجة عن اجتماعكم برئيس الوزراء...ولم أعرف أنه استدعاكم، لكن أحب أقول لكم من هنا ورايح: أي واحد يستدعيه

رئيس الوزارة يتصل بي مباشرة ويبلغني بذلك، وإال فسيجد نفسه محاال إلى المعاش«.

»قال لي إبراهيم زكي الخولي محافظ كفر الشيخ: يعني معقول يا سيادة الوزير إن رئيس الوزراء يستدعينا وال نلبي طلبه؟«.

»قلت: أنا بأكررها و بأقولها بوضوح إذا استدعاكم تبلغوني، وأنا الذي أقول لكم تروحوا له واال أل«.

....هكذا إذا كان هذا الوزير الجديد جدا في الوزارة يبدو على األقل في نظر الساسة التقليديين الذين تعودوا أن يلقوا بأعباء المسئولية على عاتق رئيس الوزراء دون أن يفرضوا أن الوزراء، ومع أقصى حد ممكن مع رئيس إلى األمور تعقيد نهجهم عليه حريصا على وجه الحق في مثل هذه الواقعة كان في جانب المراغي إال أن تاريخ وخضرمة علي ماهر كانت تحول بين المراقبين وبين فهم حقيقة أن الوزير كان على حق، وبالتالي فقد كان لومهم ليقدر دوافع إلى علي ماهر، وبخاصة أن أحدا لم يكن يتوجه المراغي قبل أن إلى يتوجه المراغي إلى مثل هذا السلوك، وأغلب الظن أن االعتقاد السائد كان أنه ال يمكن أن تكون

258

مثل هذه الرغبة في مثل هذه المواجهة الحادة قد تولدت من فراغ أو دون سند ولم يكن مثل هذا السند بحاجة إلى أن يبحث الناس عنه، وال عن حقيقته، وال عن مداه، فقد كان األمر مرشحا نفسه المراغي يكون أن في تفكير هناك كان وقد ال؟ ولم بحث، كل من أوضح

لرياسة الوزارة.

)5(

ويصل األمر بالمراغي في تصوير خالفاته مع علي ماهر إلى أن يعدد المرات التي قدم أربعة إال الحكم في عهدها يدم لم التي الوزارة وهي ماهر علي وزارة من استقالته فيها البرلمان الواقعة األولى كانت تتصل بقرار حل وثالثين يوما، ومن المهم أن نشير إلى أن الوفدي، ونحن نرى مرتضى المراغي معارضا تماما لسلوك علي ماهر وتوجهاته في هذه القضية، ويبدو أن مرتضى المراغي كان من الذين أوقعوا بعلي ماهر وإن لم يعترف هو نفسه

بهذا مفضال تصوير نفسه مرة أخرى:

»...وكانت المرة األولى عندما دعا علي ماهر إلى عقد مجلس الوزراء وقال إن الملك يريد حل البرلمان، وكانت أغلبيته وفدية بينما حكومة الوفد مقالة، وراجعه علي ماهر وطلب التمهل، لكن الملك أصر وطلب عرض أمر الحل على مجلس الوزراء، فقلت له: وما رأيك

أنت؟«.

»قال: ال أريد أن أصطدم مع الملك. وعلينا أن نقبل حل البرلمان لكن علي ماهر قال: أريد أن يبقى مرسوم الحل في طي الكتمان«.

»وبدت الدهشة على وجوه الوزراء. وقال أحدهم: لماذا تريد أن يبقى الحل سرا؟«.

»قال علي ماهر: إنني سأدخل في مفاوضات مع اإلنجليز، وال أريد أن أهاجم من حزب الوفد لئال يضعف مركزي مع اإلنجليز«.

»قال أحد الوزراء: وكيف يمكن أن يبقى أمر الحل في طي الكتمان؟«.

»قال علي ماهر: أريدكم أن تكتموه وال تذيعوه على الصحافة، وسيبقى األمر في جيبي إلى أن أرى الظروف المناسبة إلعالنه«.

259

.....ويستطرد المراغي ليلقي بعبء تسريب خبر حل البرلمان على عاتق رئيس الديوان قرار نشرت التي الصحيفة اسم يذكر المراغي ال أن العجيب عاتقه هو، ومن وبعيدا عن الحل على حين أن حسن يوسف وهو »المحايد« إذا ما قورن بالمراغي قد أشار إلى صحيفة

»أخبار اليوم« في مذكراته:

حافظ الدكتور إلى الملك أوعز فقد ماهر، علي حسبان في ليس ما حدث »...لكن عفيفي باشا رئيس ديوانه حين رأى أن أمر الحل لم ينشر، باالتصال بإحدى الصحف الكبرى سمحت كيف لي: وقال أقابله أن وطلب ماهر علي وثار فنشرته، الحل، بقرار وإبالغها

وأنت الرقيب العام للصحف بنشر أمر الحل؟«.

نشره، مسئولية وتحملت الرقيب اعتراض من الرغم علي نشرته الصحف إن »قلت: والصحافة موضوعة تحت الرقابة فيما يختص باألنباء العسكرية أو الضارة بأمن الدولة«.

»قال علي ماهر: إنك تريد فضيحتي«.

»قلت: إذا كان أمر الحل فضيحة فلماذا قبلته؟ إن الفضيحة هي أن تكون مع الوفد بوجه ومع الملك بوجه آخر«.

»وتركته والعالقات بيننا قد وصلت إلى درجة كبيرة من السوء، وكان هذا شيئا مؤسفا للغاية، فالحالة الداخلية في البلد لم تكن تسمح بأن يقوم نزاع بين رئيس الحكومة ووزير

الداخلية والمشرف على األمن«.

)6(

ومن الجدير بالذكر أن مرتضى المراغي قد قدم في مذكراته قصة من أطرف ما يمكن عن مناورات علي ماهر وحدودها، فقد كان علي ماهر على حد رواية المراغي قد اختلق نبأ ضخما لم يحدث منه شيء، مما جعل المراغي يصاب بالعصبية والخروج عن الطوع ، ثم هو

يناور وزيره حتى وهو في مكتبه بأن يتركه في الصالون وينصرف بينما الوزير في انتظاره.»ذات يوم فوجئت به يطلبني تليفونيا ويسألني: أنت قاعد في مكتبك وجامعة فاروق في

إسكندرية بتتحرق؟!«.»قلت: امتى؟«.

»قال: دلوقتي..الحريقة شغالة على اآلخر«.

260

»كانت مفاجأة كبيرة لي، فأنا وزير الداخلية ال أعرف عن حريق في موقع من أهم مواقع مصر ورئيس الوزراء يذهب إليه الخبر من مصدر آخر في حين أنني يجب أن أكون مصدره

األول«.إلى ذهب أنه أبلغوني لكنهم اإلسكندرية حكمدار قمحة يسري باللواء »اتصلت

جامعة اإلسكندرية«.أبقى الذي يجعلني إذ ما الوزراء صحيح وأن علي أن أستقيل »وأيقنت أن خبر رئيس الوقت ـ كانت هناك في هذا وزيرا وواحدة من ثالث جامعات موجودة في مصر تحترق ثالث جامعات هي: فؤاد األول القاهرة وفاروق اإلسكندرية وإبراهيم باشا عين شمس ـ«.

»واتصلت بمدير جامعة فاروق الدكتور مصطفى عامر ورد علي بنفسه«.»قلت له وأنا أتحسس الطريق: إزاي الحال عندك؟«.

»قال وقد أحسست دهشته من سؤالي: كويس«.»قلت وأنا أدور وألف: سمعت أنه في اضطرابات في صفوف الطلبة«

»قال: أبدا...مفيش أي حاجة«.ونشأ سيجارة عقب رمى عندك طالب فيه إن بيقول قدامي تقرير فيه معرفش »قلت:

عنه حريق؟«.

»قال في سرعة: مفيش حاجة من دي حصلت يا سيادة الوزير«.

»قلت: أمال اللواء يسري قمحة مش عندك؟«.

»قال: أيوه.. موجود..تحب سيادتك تكلمه؟«.

»قلت من فوري: طبعا أكلمه«.

التحية: أنت رايح اللواء يسري قمحة.. قلت له قبل أن أجعله يكمل »وجاءني صوت عندك تعمل إيه في الجامعة؟«.

»قال مندهشا: والله يا أفندم موضوع خاص بابن أختي عاوز أدخله الجامعة«.

ال بيقولوا إن فيه عندك مظاهرات«. »قلت له بحسم: أم

»قال: والله يا أفندم ما في أي حاجة«.

261

»قلت: مفيش حاجة؟«.

»قال: أبدا«.

)7(

وهذا هو مرتضى المراغي ينفعل ويثور ويحول ثورته إلى مواجهة مع علي ماهر:

»ومن فوري تركت مكتبي وذهبت إلى علي ماهر في رئاسة الوزراء، وبدون حتى أن استأذن سكرتيره وجدت نفسي أفتح مكتبه كأنني أقتحمه«.

»والبد أنه بذكائه كان يتوقع شيئا من ذلك، فقد وجدته أول ما شاهدني يغادر كرسيه في مكتبه ويجري ناحيتي ويقول لي: اتفضل في الصالون ألن األستاذ إسماعيل األزهري معاي

وأنا باتكلم معاه وأول ما أخلص حاجيلك«.

معي، يتحدث أخذ وقد بالفعل، بالمكتب موجودا األزهري إسماعيل األستاذ »كان وأشعرني ذلك بالخجل من التسرع في دخول المكتب دون استئذان«.

علي أنتظر بالمكتب الملحق الصالون إلى وذهبت ماهر علي مكتب غرفة »وتركت ماهر، ولكن مضت نحو ساعة دون أن يحضر«.

»وعندما سألت تبين أنه غادر مبنى رئاسة الوزارة!«.

مدير استدعيت ثم استقالتي، فيها كتبت ورقة وألتقط مكتبه أدخل نفسي »ووجدت مكتبه وقلت له: إن هناك خطابا أرجو أن تسلمه بنفسك إلى علي ماهر باشا«.

»ولكن ما هي إال ساعات حتى اتصل بي محمد علي رشدي وزير العدل وسعد اللبان...الرجل، مع هذا التعاون أستطيع إنني ال لهما: أبلغهما، وقلت ماهر أن علي كان واضحا

وإنني مصمم على االستقالة«.

بالمنزل علي مر الوزراء رئيس رفعة أن يبلغني الخادم علي دخل الصباح في »ولكن وترك لي بطاقته«.

»وبعد دقائق كان علي ماهر يتصل بي من مكتبه برئاسة الوزارة ويرجوني رجاء شديدا أن أعدل عن االستقالة التي لم تكن األخيرة!«.

262

)8(

ومن أطرف ما يمكن أن نقرأ ما يرويه المراغي عن قصة آخر استقاالته من وزارة علي ماهر، وسنرى المراغي حريصا على أن يصور نفسه في صورة من ال يقبل أن يناور به علي ماهر من أجل تحالفاته أو تعامالته مع جماعة اإلخوان المسلمين. وهو ال يعطي علي ماهر أبدا الفرصة لالنسحاب من الموقف الذي وضع نفسه فيه، ومع هذا فإننا نرى علي ماهر ال يكف عن تدبير المؤامرات ضد المراغي، فهو يستدعيه ليزيل الجفاء معه في حضور الوزراء جميعا في مجلس الوزراء، لكن ما أن يخرج المراغي من االجتماع حتى يجد القصر يطلبه، وهناك يكتشف أن علي ماهر قد طلب من الملك إخراجه من الوزارة، وإذا بالملك الذي كان خبيرا بالمؤامرات التي يدبرها رجاله وقادرا على مواجهتها يطلب من علي ماهر في مواجهة هذا الطلب أن يقدم استقالة الوزارة ثم يعيد تشكيلها، وهكذا تمت حماية المراغي

من اإلقالة وإن لم يشر هو نفسه إلى هذا المعنى.

كقطب صورته على جدا حريصا كان المراغي أن كيف ترينا هذا مع الرواية أن على أن يرحب يكن لم وأنه المثال، سبيل على المسلمين اإلخوان جماعة مع خاصة مستقل رئاسة إلى بالفعل خطواته يتحسس وكأنه المعادي، الرجل صورة عندهم صورته تكون

وزارة ال يبادره فيها اإلخوان بالعداء:

يقول مرتضى المراغي:

أو تحية يغير يصيح بصوت وإذا التليفون جرس دق حين مكتبي في جالسا »كنت سالم : إزاي يا مرتضى تقبض على اإلخوان المسلمين األبرياء بغير ذنب؟ مش بالش بقى

اإلجراءات التعسفية اللي أنت بتستخدمها معاهم!!«.

الذين أسماء الباشا رفعة يا لي تذكر تقدر وقلت: المتكلم صوت »عرفت قبضت عليهم؟«.

»قال علي ماهر: أنت تعرفهم أكثر مني، إنك تقبض عليهم بغير علمي«.مكتبه في أن أيقنت حائرا، السماعة على أقبض وتركني التليفوني الحديث »وقطع جماعة من اإلخوان المسلمين وأنه يريد أن يوغر صدور اإلخوان علي، وأن يظهرني بمظهر

المتعسف معهم«.

263

»واستدعيت مدير األمن العام وطلبت منه إحضار كشوف المقبوض عليهم، وراجعتها بأمر من القاهرة أثر حريق فيها إال عشرة من جماعة اإلخوان قبض عليهم على ولم أجد القبض قرار على العام العسكري الحاكم بصفته ماهر علي صادق وقد العرفية، السلطة ووقع عليه، وتوجهت إلى مكتب علي ماهر ودخلت عليه ولم يخب ظني فقد كان في مكتبه عدد من كبار جماعة اإلخوان، وفوجئ بدخولي عليه ولكنه ابتسم وقال: ها قد جئت لتحل

المشكلة«.

»قلت : المشكلة تحلها أنت وليس أنا، إنك أنت الذي صادق على أمر القبض، وهذا هو توقيعك، تفضل اآلن باإلفراج عنهم«.

»قال علي ماهر: إنك أنت الذي أشار بالقبض عليهم«.

»قلت: لست أنا الذي أشار بالقبض، إنما النيابة هي التي اتهمتهم، وأنت الذي صادق على قرار القبض، ومن حقك أال تصادق، ومن حقك أن تفرج عنهم«.

» قال بسرعة: قدم لي مذكرة بحالتهم«.

إنك أقول فيه، ولكني لتتصرف أمامك الكشف أقدم لك مذكرة، وهذا هو »قلت: لن تريد أن تحرض علي جماعة اإلخوان، هذا هو هدفك الوحيد«.

» قال علي ماهر: ال أقبل أن تقول لي إني أحرض عليك اإلخوان«.

»قلت: إنك اتهمتني أمامهم بأني أقبض على األبرياء، وإني أتعسف.... فإن لم يكن هذا تحريضا، أليس على األقل هو تعريضا؟ وهل يليق بك أن تكلم وزيرا في وزارتك أمامهم

بهذه اللهجة؟«.

»وخرجت إلى مكتبي وكتبت استقالة، أرسلت نسخة منها إليه ونسخة أخرى إلى ديوان الملك، وجمعت أوراقي وذهبت إلى بيتي«.

»مر يومان لم أسمع فيهما شيئا، وفي العاشرة صباحا اتصل بي علي ماهر وقال: إنه يرجو حضوري إلى جلسة يعقدها مجلس الوزراء«.

»قلت له : ألم يصلك خطاب استقالتي؟«

»قال:لهذا أرجو حضورك«.

264

الوزراء كل وكان ماهر، علي مكتب ودخلت الوزراء مجلس رئاسة إلى »توجهت مجتمعين عنده، حييتهم وجلست«.

»قال علي ماهر: إن أخانا مرتضى قدم إلي استقالته، ورأيت أن أجمعكم لعرضها عليكم، إني أريد منك ـ وتوجه إلي بالخطاب ـ أن تسحب االستقالة؛ ألنه يسعدني أن تكون زميال

لنا، إني أريد إنهاء الخالف المؤسف بيني وبينك«.»قال وزير التجارة: ونحن جميعا يسعدنا أن تظل بيننا«

»قال وزير الخارجية: وأضم صوتي إلى صوت زميلي«.»قلت: وأنا يسعدني أن أكون معكم لكن بغير الطريقة التي يتبعها رئيس الوزراء، إما أن

نكون وزراء وإما ال نكون«.

»قال علي ماهر: إني أحافظ على كرامتكم بقدر ما أحافظ على كرامتي«.

جماعة بحضور فعلت ما مثل تفعل أن الكرامة على المحافظة من وهل »قلت: اإلخوان«.

»قال علي ماهر: إني آسف«

»وانتهى المجلس وسحبت استقالتي ألصطدم بمفاجأة عجيبة«.

»عدت إلى مكتبي في وزارة الداخلية، ودخل سكرتيري الخاص يقول إن حافظ عفيفي رئيس الديوان الملكي سأل عني تليفونيا، ويرجو أن أتصل به من فور وصولي إلى المكتب. أين فقال: إليه، توجهت ، مباشرة مكتبه إلى أتوجه أن فرجاني عفيفي، بحافظ اتصلت

كنت؟«.

»قلت: عند علي ماهر«

»رأيت الدهشة على وجهه وقال: هل طلب منك أن تذهب إليه أم ذهبت أنت إليه؟«.

»ثم شرحت له ما حدث في المجلس«.

»قال حافظ عفيفي: هذا شيء عجيب ال أكاد أصدقه، هل تعلم أن علي ماهر حضر إلى مكتبي الساعة الثامنة صباح اليوم وقال: أنا ال أستطيع التعاون مع مرتضى المراغي، وأرجو

رفع األمر إلى الملك لكي أصدر مرسوما بإقالته«.

»ظللت صامتا ثم قلت: وماذا فعلت؟«

265

»قال حافظ عفيفي: أبلغته أنني سأعرض األمر على الملك، وفي الساعة التاسعة قابلت الملك فأخبرني أن أبلغ علي ماهر أن يقدم استقالة الحكومة ثم يعيد تشكيلها من دونك«.

قلت: إذا لماذا دعاني وطلب مني سحب االستقالة؟

قال حافظ عفيفي )ضاحكا(: إنه خشي أن يقدم استقالة الحكومة فيعهد الملك إلى غيره بتشكيلها، إنه يريد إقالتك ال استقالة الحكومة.

ويعلق مرتضى المراغي بعد هذه الرواية المعبرة عن آرائه وأمنياته شامتا في علي ماهر:

»ولكن ما هي إال أيام حتى انتهى األمر بأن قدم علي ماهر استقالة حكومته فقبلها الملك وعهد إلى نجيب الهاللي بتأليف الوزارة«.

..............................

ومع أننا لسنا من السذاجة بحيث نقبل كل ما يرويه المراغي على عالته، فإننا نستطيع أن نفهم بوضوح أنه على هذا النحو كان الجيل الجديد يزيح الجيل القديم بسهولة على نحو ما

هو الحال في التاريخ كله.. لكن أحدا ال يدرك حقيقة أن التاريخ ينتصر لنفسه.

266

الفصل الثالث عشر�سورة علي ماهر في وثائق اأجنبية

نطالع أن الليبرالية من دون الحقبة نهاية الحديث عن علي ماهر ودوره في ال يستقيم بعض ما احتوته الوثائق البريطانية واألمريكية التي أتاحتها حكوماتها عن مقابالت علي ماهر مع الدبلوماسيين األمريكيين والبريطانيين المعتمدين في القاهرة وتوجهات حكوماتهم في التعامل معه باعتباره رئيسا للوزراء في نظام جديد، أو في نظام قديم يتجدد، وسوف نورد تعقيباتنا على بعض ما تضمنته هذه الوثائق التي انتقاها األستاذ محسن محمد ونشرها في

مقال له في جريدة األخبار )22 مارس 1986(.

وحتى ال نقطع تواصل هذه المذكرات والتقارير فإننا سوف نعرض تعقيباتنا على هذه الرسائل في فقرات بين أقواس) (.

م األستاذ محسن محمد لهذه الوثائق التي انتقاها باإلشارة إلى رأيه في أن علي وقد قدماهر خالل األسابيع القليلة التي تولى فيها رياسة الوزارة يوليو 1952 سبتمبر 1952 كان يعيش بعقلية ما قبل الثورة، يرى أن في مصر سلطتين فوق رئيس الوزراء: الملك الذي حل

محله أعضاء مجلس الثورة، والسفيرين: البريطاني واألمريكي.

كان الناس في مصر على حد تعبير األستاذ محسن محمد »يتطلعون إلى علي ماهر البرامج وصاحب الملك، ضد يقف أن يستطيع الذي المخضرم السياسي باعتباره اإلصالحية مؤسس »جبهة مصر« التي تسعى إلى وحدة المصريين جميعا بعيدا عن

األحزاب لتحقيق مستقبل أفضل«.

* * *

267

ض )24 يوليو 1952( ـ رسالة من كريزويل الوزير البريطاني المفو»يبدو لي أن علي ماهر لن يكتفي بالعمل رئيسا للوزارة تحت أوامر العسكريين لتقوية موقفه فحسب، ويحتمل أن يسعى للحصول على تأييد سياسي واسع النطاق، وقد احتفظ علي ماهر باشا بمنصب وزارة الخارجية والحربية والبحرية والداخلية ووزارته هي وزارة

الرجل الواحد«.

فلم لها مبرر ال استنتاجات يصطنع أنه يبدو الذي البريطاني الوزير ذكره ما هو )هذا يكن احتفاظ علي ماهر بمثل هذه الوزارات دليال على أن وزارته وزارة الرجل الواحد، ولم يكن مثل هذا االحتفاظ جديدا على النظام الوزاري في ذلك الوقت، إنما كان هذا االحتفاظ والبحرية للحربية وزير بوجود ليسمح يكن لم والذي حدث الذي للظرف طبيعية نتيجة بأنها قامت بسبب اعتراضها على تعيين وزير في الوقت الذي تظاهرت فيه حركة الجيش للحربية !! وهكذا نرى الوزير البريطاني المفوض قد آثر نقل تعبيرات المصريين المتصلين به مما كانوا يدسون لعلي ماهر مع إثبات تقديرهم له حتى تكون لديهم مصداقية، ويبدو لي أن التعليق الذي علق به األستاذ محسن محمد على عقلية علي ماهر ينطبق في المقام األول

على الوزير البريطاني المفوض وعلى عمالئه الذين كانوا يغذونه بمثل هذه التفسيرات(.

ـ رسالة من وزير خارجية بريطانيا إلى القائم باألعمال )24 يوليو 1952(

»يجب أن تلتقي بعلي ماهر بأسرع ما يمكن وإبالغه: ليست لدينا أية رغبة في التدخل في الشئون الدخلية لمصر، لكنها ـ أي حكومة بريطانيا ـ لن تتردد في التدخل لحماية أرواح البريطانيين إذا استدعى األمر ذلك. ويجب عليك أن تمضي إلى القول إني الحظت بمزيد الحتمية للفساد وسوء النتيجة الراهن هو القلق مجرى األحداث في مصر، والموقف من الحكم. ولدي أمل قوي أن تزول العناصر الفاسدة وأن تظفر مصر بإدارة أكثر استقرارا. لكن نتيجة األزمة الراهنة أبعد عن أن تكون واضحة بشكل مؤكد. ومن المستحيل أن نتأكد من

كيفية تطور األحداث«.

وهنا يعلق األستاذ محسن محمد بقوله:

»كان يجب أن يغضب علي ماهر لهذا التدخل البريطاني في شئون مصر بطريقة سياسية وليست عسكرية لكنه لم يفعل كما تقول برقية أخرى تالية من كريزويل:

268

ـ أي وزير للغاية وشكرك »قابلت علي ماهر مدة ساعة وسلمته رسالتك، كان صديقا خارجية بريطانيا أنتوني إيدنـ بحرارة. وأكد لي أنه يوافقك على ما قلت. شرح لي بالتفصيل البكباشي الزعيم الحقيقي لالنقالب ضابط شاب هو الماضية، وأبلغني أن أحداث األيام

أنور السادات«.)هنا ينبغي أن نشير إلى حقيقة أنه كان طبيعيا أن يبذل علي ماهر جهده في معرفة الزعيم الحقيقي لالنقالب، ويبدو أن الرئيس محمد نجيب كان ذكيا بما فيه الكفاية بحيث ترك علي

ماهر يبحث عما يريد البحث عنه بطريقته دون أن يجيبه أو أن يواجهه(.

ـ رسالة من جيفرسون كافري السفير األمريكي بالقاهرة )24 يوليو 1952(»هناك خطر حقيقي وشديد في نمو نفوذ العسكريين وانهيار تأثير عوامل االستقرار، ومن قيام الجماعات المتطرفة، خاصة اإلخوان المسلمين، بدور متزايد. وجاء ذكر حسن الهضيبي

المرشد العام لإلخوان، بالفعل كوزير للعدل«.)يبدو هنا بوضوح أن أصدقاء األمريكيين من المصريين كانوا هم أصحاب هذه النظريات التي يمألون بها الفراغ المطلوب سده فيما يتعلق بالمعلومات المطلوبة.. وهو ما يدلنا على ما يخترعوا أو يؤلفوا األمور ألمثال هؤالء كي ترك بحيث الحنكة كان من ماهر أن علي من عرفوا في قد أشرك بعض إنه كان بل تأثيره، بعيدين عن يكونوا لم أنهم يشاءون، مع

السياسة المصرية في ذلك الوقت على أنهم »أصدقاء األمريكيين« في حكومته السابقة(.

ـ رسالة من كريزويل )27 يوليو 1952(»اتصلت بعلي ماهر لالعتذار عن االتصاالت غير الرسمية التي قمت بها مع اللواء محمد نجيب وليس معه.. فكان جوابه أن دعاني إلى زيارته هذا الصباح لتجاذب أطراف الحديث

الودي، واعترف رئيس الوزراء بأنه يواجه أحيانا بعض الصعاب في التعامل مع الجيش«.)هكذا نفهم أن علي ماهر كان قد بدأ يشكو منذ األيام الثالثة األولى، وأنه لم يكن يجد مانعا في أن يترك اإلنجليز يتفاوضون مع رجال الحركة مباشرة، وهو ما يدل على أن علي ماهر مع تقديره لسلطة اإلنجليز كان يدرك أن هناك سلطة جديدة غير سلطة الملك، وأن هذه

السلطة بدأت تمارس صالحيات خارجية...(.

ـ رسالة من جيفرسون كافري )2 أغسطس 1952(بمعلومات قورنت ما إذا وفيرة أصبحت قد األمريكيين معلومات أن هنا )ونالحظ

البريطانيين(

269

تشكيل في يفكر وهو أشهر، 6 لمدة انتخابات إجراء يعتزم ال إنه قال ماهر، »قابلت حزب سياسي يدخل المعركة االنتخابية. أساس برنامجه إصالح اجتماعي زراعي، وقدم لي بعض التفصيالت حول إجراءات صغيرة سوف يتخذها فورا. وهو مقتنع بأن الشيوعيين

هم العدو الرئيسي، وأن أكثر األسلحة فعالية ضد الشيوعيين تحسين مستوى المعيشة«.

»وقال: إن اللواء نجيب يعني شيئا لكنه ليس قويا، ويبدو أنه في قبضة اثنين من الضباط الشبان هما البكباشي جمال عبد الناصر والبكباشي أنور السادات، لكنه مقتنع بأنه ـ أي علي

ماهر ـ وضع هذين الشابين تحت السيطرة«.

نجيب من كانت الجيش خطط بشأن عليها حصل التي األولى المباشرة واألنباء «يوم األربعاء 23 يوليو، وفي ذلك اللقاء األول مع العسكريين جاء بقائمة من المقترحات غير المقترحات عن بالتخلي وأقنعهم إليهم تحدث العملي، للتطبيق قابل غير معظمها

العملية، وأعرب عن الرغبة الحماسية في العمل بالتعاون معي«.

)... هكذا تنير هذه البرقية لنا الطريق لفهم طبيعة عالقة رجال الثورة باألمريكيين منذ الثورة بيد أن علي أنه كانت هناك مطالب كثيرة لرجال األيام األولى لقيامها، وعن حقيقة ماهر أقنعهم بالتريث فيها وانتقى لهم ما يطلبونه عاجال وما يمكن أن يأجلوه »المقترحات تأثير السفير األمريكي فأبدى تحمسه غير العملية«، وهكذا نرى أن علي ماهر أدرك مدى للعمل معه!! وبالطبع فإن البرقية تشير إلى ما ال يمكن إنكاره، وفي البرقية جملة مهمة جدا عن مدى طغيان شخصية كل من جمال عبد الناصر وأنور السادات منذ مرحلة مبكرة جدا، ويركزون الصغيرة الشاشة أمام الوثائق يتناولون الذين يفعله ما نفعل أن بالطبع وبوسعنا الوثيقة هذه من السطر هذا مع هذا فعلوا أنهم ولو واحد.. سطر على كلها الوثيقة في المتاحة أمامهم لكفوا أنفسهم جهدا حاقدا كلفهم وال يزال يكلفهم أكثر من ثالثين عاما من

حياتهم!(

ـ رسالة من السير رالف ستيفنسون السفير البريطاني )أغسطس 1952(

القضاء منه الزراعي، وطلبت ماهر وتحدثت حول اإلصالح بزيارة علي اليوم »قمت على شائعة سخيفة تقول بأن بريطانيا تنوي التدخل لصالح مالك األراضي، وأن يضيف أني

270

العام أمام احتمال وقوع فعل طائش جدا يؤدي إلى اضطراب األمن البالغ بالقلق شعرت وانهيار االقتصاد القومي«.

أنا اقترحت كما بالتأكيد يتحدث سوف إنه وقال بالشكر لي الوزراء رئيس »توجه أفكاره الخاصة التي تدور في إطار تحديد الملكية الزراعية بخمسمائة فدان، وباقي العزب األراضي دخل على الضرائب ولكن المالك من أخذها يتم لن الكبرى واإلقطاعيات التي تزيد على 500 فدان ستكون 80 في المائة، وسيتم تشجيع المالك على التخلي عن ممتلكاتهم خالل فترة خمس سنوات، وسيتم تحديد اإليجارات الزراعية بحد أقصى 21 جنيها للفدان ما دامت ضريبة األرض قد ظلت ثالثة جنيهات، وأعرب عن أمله في أن يقبل الجيش هذا االقتراح، لكنه واثق من وجود ظلت بعض العناصر المتطرفة في صفوفه، وكنت

أعرف أن سفير الواليات المتحدة قدم نصيحة مشابهة للواء محمد نجيب«.

صالحياته ممارسة إلى حاجته وظهرت البريطاني، السفير ظهر هكذا ...(المعتادة!!..(.

ـ رسالة من كافري )6 أغسطس 1952(

»يقول علي ماهر إن مصر تتوقع أن تلعب في الوقت المناسب دورها في »قيادة الشرق األوسط« ولكنه ال يريد أن يناقش ذلك اآلن، وال يريد أن يناقش العسكريون هذا الموضوع في هذا الظرف مع العسكريين البريطانيين أو األمريكيين، ويرى أن العسكريين المصريين يهتمون اآلن بإعادة تنظيم الجيش أكثر من اهتمامهم بالحصول على معدات جديدة، وأعرف أن ذلك غير صحيح في ضوء االتصاالت المستمرة التي يقوم بها ضباط مصريون مع إيفانز الملحق الجوي األمريكي، ومع ذلك فإنه لما كانت زيادة تحكم علي ماهر في الموقف العام

تشكل جزءا من خطته فإني أتفهم وجهة نظره«.

على اللعب آثروا كعادتهم األمريكيين أن نفهم أن البرقية هذه قراءة من نستطيع ...(أكثر من محور، فالملحق الجوي يتصل بقادة الحركة، والسفير يتصل برئيس الوزراء.. وال مانع عند األمريكيين أن يكون كالم هذا معارضا لكالم ذاك.. ذلك أن سياستهم دائما تترقب الفائز لتقف معه وال حرج.. ما دامت لهم عالقات متصلة بجميع األطراف المحتمل حسم

الصراع لصالحها(.

271

ـ رسالة من وزير الكومنولث البريطاني إلى الدول األعضاء )6 أغسطس 1952(كبيرة ينوي إصدار إعالن سياسي، وبعد صعوبة إنه البريطاني للسفير ماهر »قال علي جعل الجيش يوافق على عدم التدخل كثيرا في اإلدارة السياسية بعد إصدار اإلعالن، وهو واثق أنهم سيحافظون على تعهداتهم ألنهم يعتبرون من الصعب استبداله، أي استبدال علي ماهر، وال ينوي إجراء انتخابات قبل ستة أشهر على األقل ألن القانون االنتخابي والدستور

يتطلبان تعديالت«.

»ويعلق السفير البريطاني بأن لدى علي ماهر ثقة ال حدود لها بقدرته على التغلب على الصعوبات.. إنه رجل ذكي إلى أقصى حد، وسيد في السياسة المصرية، وربما يكون قادرا

على أن يستمر في الحبل الدقيق، ولكني ال أشاركه ثقته الحالية«.

)... كأنما تريد الوثيقة أن تقول إن معلومات البريطانيين تثبت أن هناك عالقة للخارج بالحركة من وراء ظهر علي ماهر(.

ـ رسالة من كافري )7 أغسطس 1952(»تحدث رئيس الوزراء معي حول الحالة السيئة للميزانية المصرية، وأراد التحدث حول نوايا طيبة له في ردي قدمت المتحدة. الواليات مالية من الحصول على معونة اتفاقيات ولكن.. ال وعود، وأبديت مالحظتي وهي أنه في اللحظة الراهنة فإننا ننظر إلى الموقف في مصر بقدر كبير من االهتمام وخاصة فيما يتعلق باالتجاه الذي يحتمل أن تسير فيه التيارات

الراهنة وما إذا كانت ستبقى بمنأى عن التطرف وخاصة االتجاهات الشيوعية المتطرفة«.

)هكذا نرى صورة كالسيكية للتعامل األمريكي التقليدي: نوايا... وال وعود... وتلويح بمتطلبات يعجز أي سياسي أن يحققها(.

»أجاب رئيس الوزراء على نحو مالئم«.

ولكن صادقين، كانوا لو ينبغي.. مما أفضل اآلن حتى الشبان الضباط أن شك »وال الوقت مبكر جدا للتكهن بشأن خاتمة األمور«.

)هكذا نرى كافري ـ ونحن نعرف أنه لم يكن معاديا لمصر ـ يرى الضباط الشبان أفضل مما ينبغي!!.. وهو تعبير عن وجهة نظره األمريكية بالطبع!! وهو تعبير خبيث ومراوغ، وهو يتحوط بأن يشير إلى احتمال أال يكونوا صادقين فال يكون الخطأ صادرا عنه وإنما سببه هو:

272

عدم صدق !!(، ومن الطريف أن مثل هذه التعبيرات التي من قبيل أفضل مما ينبغي ال يقصد أنهم غير القارئ من قبيل بها معاني أخرى ال تخفى على المباشر وإنما يقصد بها معناها

واقعيين، أو أنهم ال يصلحون للتعامل مع الواقع.. إلخ(.

ـ رسالة من جيفرسون كافري )9 أغسطس 1952(حكومات خمس هناك كانت 1949 عام سبتمبر أواخر في مصر إلى وصولي »منذ بتنفيذ القيام عن عال بصوت حكومة كل أعلنت وقد الحالية، الحكومة قبل مختلفة إصالحات اجتماعية هائلة. اآلن يعلن علي ماهر عن عزمه على تطبيق إصالحات اجتماعية بصوت عال مثل اآلخرين جميعا. وأعتقد أن ماهر مخلص، وأني أشجعه على المضي قدما

على أساس قوي«.)... هكذا نرى حقيقة موقف األمريكيين من علي ماهر.. ال شيء أكثر من التشجيع!!

وربما يدلنا هذا على أن أي لقاء باألمريكيين يمثل مضيعة للوقت في المقام األول(.

ـ رسالة من كافري )11 أغسطس 1952(»يبدو أن توترات حتمية في عالقة العمل التي بين نجيب وعلي ماهر تتصاعد، إن ضغط األساسية المشكالت أن مجربين ساسة إدراك مع متزايدة بصورة يصطدم العسكريين الجيش اليومية من جانب اللهجة بواسطة عصا سحرية. وتضاءلت لمصر ال يمكن حلها في اإلشادة بامتناع العسكريين عن التدخل في السياسة، وهناك تركيز أكبر على أن المهمة

ينبغي إنجازها«.

دائرة في مصر تدخل أن لمصر: يريدونه األمريكيون كان ما هو بالضبط )..وهذا الحكم العسكري(.

ـ رسالة من مكتب الملحق الجوي.. السفارة األمريكية )11 أغسطس 1952(»القوات المسلحة المصرية ساخطة إزاء بطء تنفيذ التقدم الذي يحققه علي ماهر رئيس خالل لمصر المصرية المسلحة القوات حددتها التي األهداف تنفيذ مجال في الوزراء بأسرع وقت ممكن، ماهر، ينفذ علي أن في المصرية المسلحة القوات انقالبها، وترغب برامج للقضاء على الفساد ومحاكمة المفسدين ووضع برنامج لفرض الضرائب ذي طابع تصاعدي، وإعادة توزيع األرض الزراعية في مصر، ورغبة القوات المسلحة المصرية في

273

تملك أال ووجوب األرض. من فدان خمسمائة من أكثر شخص أي يملك أال وجوب األسرة الواحدة أكثر من ألف فدان من األرض.

المستقبل تخفيض هذا الحد األقصى للملكية القوات المسلحة المصرية في »وتعتزم ليعرف بدقة ما يعتزم أن يفعله رئيس الزراعية، وسيتوجه محمد نجيب لمقابلة علي ماهر القوات جانب من المطلوب األسرع الزمني اإليقاع ماهر علي يوافق لم وما الوزراء، المسلحة فإن اللواء محمد نجيب يعتزم حمل علي ماهر على االستقالة وتعيين عبد الرزاق ضريبية متعددة برامج وضع على يعكف كان القمم من ومشرع قاض وهو السنهوري

واقتصادية وإصالحية اجتماعية«.

).. هكذا نرى أن ما تم في األسبوع الثاني من سبتمبر 1952 كان شبه معلن عند أصدقاء أن على يدلنا ما وهو أغسطس(، 11 مؤرخة فالرسالة شهر، قبل األمريكيين من الثورة معلومات علي ماهر عن نوايا رجال حركة الجيش تجاه وزارته لم تكن ترقى إلى مستوى

معلومات الملحق الجوي في السفارة األمريكية!!(.

ـ رسالة من كافري )18 أغسطس 1952(

أفكار طرح دون للحيلولة أنه ستيفنسون رالف البريطاني السفير ماهر علي »أبلغ هيئة في القانونيين مستشاريه من اثنين بوضع قام الكفاية.. فيه بما ناضجة غير إصالحية

العاملين مع اللواء نجيب!«.

)نفهم من هذا النص ما أدركه األمريكيون والبريطانيون من أن علي ماهر كان ال يزال يعيش آمال العصر الليبرالي مع أنه كان قد دخل عصرا آخر غير ليبرالي(.

ـ رسالة من ستيفنسون )19 أغسطس 1952(أن من الوزراء رئيس من بنفسي سمعته ما اليوم األمريكي السفير زميلي لي »أكد وكل الزراعي، اإلصالح مسألة حول الجيش مع المصاعب من الكثير تواجه الحكومة من الجيش والحكومة على اتفاق بأن شيئا ما يجب عمله في هذا الموضوع، ولكن أفكار

الجيش متشددة جدا وغير عملية، وستؤدي إلى انهيار اقتصاد مصر الزراعي«.

274

»ولكن لحسن الحظ أن المجموعة العسكرية اتصلت بالسفارة األمريكية طلبا للنصح الرابعة« »النقطة خبراء من أمريكيين ثالثة أو اثنان النصح تقديم ويتولى والمساعدة، المتمركزة في هذا البلد. وهناك أمل في أن يتم اتباع النصيحة األمريكية، ولكني أفهم من

مصدر آخر أنه جرى اجتماع مطول لم يتم التوصل فيه إلى نتيجة«.

الرابعة وخبرائها في بالنقطة )نستطيع أن نرى مالمح واضحة لغياب عالقة علي ماهر مقابل وجود العالقة بين رجال حركة 23 يوليو والخبراء األمريكيين.. وهكذا فإن السفير البريطاني، وهو رجل متزن، ال يجد حرجا في أن يشير بوضوح إلى أنه أصبح يستقي معلوماته

أو بعضها أو يتأكد منها من السفير األمريكي!!(.

ـ رسالة من ستيفنسون )20 أغسطس 1952(»نجح علي ماهر رئيس الوزراء في الحصول على ثقة قادة الجيش، وفي الوقت نفسه الفترة أنه في التوازن بين قناعاته الشخصية وقناعاتهم على الرغم من حافظ على نوع من األخيرة، برزت مؤشرات تدل على نفاد صبر الجيش فيما يتعلق بما يعتقدونه في السياسة الحذرة لعلي ماهر، وفيما يتعلق بالنقطة األخيرة تمكن رئيس الوزراء من إقناع العسكريين في بيانا الجيش أصدر حين بينهما والصدام الخطر نذر وبدت الحذر. توخي بضرورة

منتصف الليل.. وبعد إذاعة خطاب لرئيس الوزراء عن سياسته«.

)... نستطيع أن نلمح في هذه المذكرات إشارة واضحة إلى وثائق سياسية صدرت عن الطرفين المشاركين في الحكم، لكن ذكر هذه الوثائق المتعارضة والفورية اختفى بالطبع من

حديث الثورة عن بداياتها(.

المباشرة واإلصالح بالضرائب غير الخاصة الوزراء رئيس الجيش سياسة انتقد »وقد الثقة بيانات الطرفان من جديد فورا.. وتبادل الخالفات الزراعي. ومع ذلك تمت تسوية المتبادلة. وظل علي ماهر يتمتع بتأييد الجيش، على الرغم من أن اإلصالح الزراعي ثبت أنه

عقبة خطيرة كما كان متوقعا«.

البراوي »جاهد رئيس الوزراء إلقناع العسكريين الذين كان مستشارهم الدكتور راشد بالمشكالت الفنية الصعبة والعواقب االقتصادية الخطيرة إلعادة توزيع األراضي المتعجلة يتعين أنه في تتمثل لي، شرحها كما آراؤه، وكانت الصورة، بهذه المدى البعيدة أو جدا

275

التي تزيد على هذا الحد ال عن الناتج من األراضي الدخل الباهظة على فرض الضرائب طريق المصادرة«.

»وفي 18 أغسطس عقد اجتماع مع مجلس الوصاية والقائد العام ومستشاريه والوزراء المعنيين، وأعلن أخيرا أن مشروعا تم االتفاق عليه أحيل إلى خبراء قانونيين لصياغته، ولكن

من الواضح أنه ما زالت هناك خالفات في هذا الشأن«.

»ويقاوم رئيس الوزراء بالقوة نفسها محاوالت الجيش فرض وجهات نظرهم عليه فيما يتعلق بالتعديل الوزاري المنتظر. ويعدل علي ماهر وزارته ليبقى في الحكم«.

ـ تقرير من جيمس بوكر الوكيل المساعد للخارجية البريطانية )سبتمبر 1952(

في تحسن حدث قد اآلن، حكومته تشكيل أعاد وقد ماهر، علي أن المرء »يفترض عالقاته مع اللواء نجيب والعسكريين، ولكن المستر بالمر وهذا اسم أمريكي جديد على ليلة أمس اجتمع الثورة أن مجلس أبلغني األمريكية السفارة المعروفة من سياق األسماء للنظر فيما إذا كان سيعين رئيس وزراء جديد أم ستعين حكومة عسكرية مؤقتة بدون وزراء

ويكون اللواء نجيب رئيسا اسميا لها«.

»وبينما كان المستر كافري يأمل في اإلبقاء على علي ماهر فليس هناك شك في استمرار األزمة في العالقات بينه وبين العسكريين. وترجع األزمة في األساس إلى رغبة العسكريين في االندفاع إلى اإلصالح الزراعي، الذي يرى علي ماهر أنه سيترك آثارا مدمرة على الهيكل على لكنه لإلصالح، الملحة الحاجة تماما يدرك وهو لمصر، واالجتماعي االقتصادي دراية بالموضوع بما يكفي لجعله يدرك مخاطر اإلجراءات التي ال تضع في اعتبارها الطبيعة

الخاصة لالقتصاد الزراعي المصري«.

»هناك من األسباب ما يدعو لالعتقاد بأن األمريكيين ال يدركون تماما العناصر الخطرة باالعتدال العسكريين ينصح إنه كافري المستر ويقول الراهن. الوضع عليها ينطوي التي

والصبر، ولكنه في الوقت نفسه بعث برسالة إلى علي ماهر يؤكد فيها خطورة التأخير«.

منذ أوانها التي حان نبدو كمعارضين لإلصالحات أن في نرغب أننا ال الواضح »ومن وأن الصحيح، النوع من اإلصالحات تكون أن البالغة األهمية من ولكن طويل، وقت

276

الضرورة الفورية ستتمثل فيما يبدو في منع العسكريين من إجبار علي ماهر على اتخاذ النوع الخاطئ من اإلجراءات«.

المتحفظ من الوثائق األجنبية إشارات واضحة إلى موقف علي ماهر ).. هكذا تعطي اإلصالح الزراعي، ولسنا نعرف هل وصل األمر إلى هذا الحد من المناقشات بين علي ماهر والممثلين األجانب الجانبين بين الثنائية اللقاءات في الحد إلى هذا أنه صور أم والثوار،

على نحو ما توحي به هذه البرقيات والرسائل(

* * *

ويقفز األستاذ محسن محمد إلى سنة 1955 ويقدم للوثائق التي يستعرضها بقوله:

»وتمر السنوات... ويتولى علي ماهر رئاسة لجنة وضع مشروع الدستور، ويتجه السفير البريطاني الجديد يطلب منه الضغط على حكومة مصر كما تقول هذه البرقية:

ـ رسالة من السير همفري تريفليان )15 ديسمبر 1955(

كانت وربما واشنطن، في السابق مصر سفير منزل في اليوم ماهر علي مع »تقابلت اللجنة أن كيف ماهر علي لي روى المقابلة. هذه تتم بحيث مرتبة الغداء إلى الدعوة الدستورية التي يرأسها أعدت دستورا ديموقراطيا، وعلى الرغم من أن أعضاء مجلس قيادة الثورة وافقوا على هذا المشروع، لكنهم عادوا بعد ذلك وغيروا آراءهم ويقترحون اآلن شيئا

مغايرا تماما«.

»إن هناك 60 ألف مواطن مصري يتعرضون للمعاملة الوحشية في المعتقالت، وسيشعر كل مصري باالمتنان لبريطانيا أبد الدهر إذا ضمنت وضع دستور ديموقراطي في مصر، وأية

حكومة يتم انتخابها بمقتضى هذا الدستور ستكون موالية للغرب بصورة مباشرة«.

ويعلق األستاذ محسن محمد على هذه البرقية بقوله:

»إن علي ماهر بعد ثالث سنوات من الثورة لم يدرك أن السفير البريطاني لم يعد يستطيع الضغط على حكومة مصر«.

277

الفصل الرابع عشر

مالمح من خواطر علي ماهر

بعد عام من قيام الثورة

بعد عام من قيام الثورة نشرت »األهرام« في يوم 23 يوليو 1953 حديثا صحفيا مع علي ماهر مسبوقا بمقدمة مهمة، ومن حسن الحظ أن هذا الحديث يقدم صورة شبه كاملة عن

انطباعات علي ماهر عن الفترة األولى من عهد الثورة.له تفسير علي ماهر لسير األحداث ولما تحقق من نجاح كان الحديث يقدم هذا كما

فضل فيه.تكوين إلى صاحبه يحتاج أن قبل مبكرا سجل ألنه كبيرة قيمة وذو نادر حديث وهو

األحداث بصورة أخرى.وسنرى في هذا الحديث كثيرا من االنفرادات الحقيقية والتفسيرات الذكية والتأويالت

المهمة.

وقد قدمت األهرام لحديث علي ماهر بأن وصفته بأنه السياسي الكبير، الذي عركه الدهر وحنكته التجارب، واتجه إليه الوطن دائما في أحلك األوقات واألزمات.

ثم مضى مندوبها يتحدث متغزال في علي ماهر وأدائه السياسي ملخصا حوارا له معه:

الذي ما والتقدير، الميسرة طمأنينة في حياته يمضي أن يستطيع الذي الرجل »هذا في الدائب والكفاح يوليو، شهر في حرها واحتمال القاهرة، في اإلقامة إلى يضطره

سرور وإقبال؟!

278

»لقيت السياسي العامل الدءوب، وهو يراجع بعض التقارير الجامعية، وطلبت إليه أن يفضي إلى الشعب عن طريق »األهرام« ببعض ذكرياته عن مثل هذه األيام من العام الماضي، فقال لي: إنها ذكريات تاريخية خطيرة تقتضي الدقة والنزاهة في الرواية والتحرير. إنني مدين

للتاريخ بتسجيلها، وسأؤدي له الدين في مذكراتي..

»لكنني وجهت إليه السؤال تلو السؤال، ووجدت من سعة صدره ومن االستفاضة في اإلجابة ما أشبعني، واستطعت أن أنقل للقراء بعض هذه الذكريات«.

* * *

»لم يكن الرئيس يعرف عن حركة الجيش شيئا قبل األربعاء 23 يوليو سنة 1952، لكنه بهذه ضيقة طبقاته وأن البالد، شئون إليه انحدرت عما راض غير الشعب أن يعرف كان الحال، وأنه بعد أن فات رجال السياسة إنقاذ البالد، لم يبق سوى الجيش في هذا الوقت، تتجه إليه اآلمال، وكان يحز في نفسه أنه حينما تولى الوزارة في أواخر شهر يناير سنة 1952، مهد لحل المشاكل القومية، ثم حيل بينه وبين استخالص حقوق البالد والظفر بها، مع أن

الخدمات والظروف والمالبسات كانت تؤكد أن البالد واصلة إلى غاياتها«.

»وكان بعد استقالته من رياسة الوزارة في أول مارس سنة 1952، قد عكف على تدوين مذكراته السياسية منذ ثورة سنة 1919، فلما جاء شهر يوليو اعتزم قضاء بعض الصيف في الخارج كي ينال قسطا من الراحة، بعد أن قطع شوطا في كتابة هذه المذكرات.. واختار يوم

30 يوليو موعدا للسفر وحجز مقعده في الطائرة«.

* * *

»وفي ليل 23 يوليو بدأ الجيش حركته، وعلى رأسه اللواء أركان حرب محمد نجيب، باعتقال كبار الضباط الذين خشي القائمون بالحركة أن يكون وجودهم سببا في فشلها، وفي صبيحة يوم األربعاء 23 يوليو أذاع اللواء محمد نجيب بيانه األول، لكن الدكتور علي ماهر لم يسمع هذا البيان، وظل خالي الذهن، ال يعرف شيئا عن هذه الحركة إلى الساعة الثامنة تقريبا من صباح يوم األربعاء، حيث حدثه اللواء محمد نجيب تليفونيا من مقر قيادة الجيش بكوبري القبة وأشار إلى ما صنعه هو وإخوانه بإيجاز، ورجا أن يزوره في مقر القيادة؛ ألن الرئيس اتفقا على أن يزور بأن الحديث المقر، وانتهى إداراته للحركة تمنعه من ترك هذا

علي ماهر في منزله بعض ضباط الحركة ليطلعوه على أسبابها وخطتها وأهدافها«.

279

»وفي الساعة التاسعة صباحا زاره البكباشي أنور السادات والصاغ كمال الدين حسين، بداية منذ الحركة شئون على الضابطان وأطلعه بالجيزة، دارته شرفة في االجتماع وعقد التفكير فيها، وتحدثا إليه عما يلقاه الضباط األحرار من اضطهاد، وعن السخط على طغيان الملك السابق وفساد الحكم، كما أطلعاه على ما اتخذه الجيش من إجراءات للسيطرة على الموقف في القاهرة، وكاشفاه بأن رجال الحركة قد اختاروه لرياسة الوزارة، إذ إنه موضع ثقة الشعب والجيش، وتتفق أهدافه اإلصالحية وأهدافهم، فأبدى االستعداد للمعاونة على الوزارة رياسة توليته تكون أن الحركة إن من مصلحة لهما: وقال الجيش تحقيق مطالب في السير مشاق الشعب وعلى الجيش على نوفر حتى الملك، طريق الطبيعي.. بالطريق طريق محفوف بالمخاطر، وليسهل تحقيق مطالب البالد في أقصر وقت دون ثورة وال إراقة

دماء«.

»واستغرق هذا االجتماع نحو ساعة ونصف ساعة، وقبيل الساعة الثانية بعد الظهر اتصل به اللواء محمد نجيب واستأذنه في المجيء هو وزمالؤه لزيارته ، فرحب بهم«.

* * *»وقد وصلوا إلى دار الرئيس علي ماهر بالجيزة في الساعة الثانية بعد الظهر، وكانوا عشرة أو أحد عشر ضابطا، وبلغ اهتمامهم بالموقف أن شغلوا عن إضاءة مكان االجتماع بعض الوقت،

إذ كانت النوافذ مغلقة اتقاء الحر«.»وفي هذه األثناء تبادلوا التحية، وتحدثوا لحظة سألهم بعدها: أين اللواء محمد نجيب؟ وكان هو الذي يكلمه حينئذ، لكنه لم يستطع أن يتبين الشارات التي على كتفيه، فقال : أنا«.

»ولم يكن قد رآه أو رأى أحد زمالئه قبل ذلك اليوم، اللهم إال مرة واحدة قابله فيها اللواء نجيب مع زمالئه الضباط الكبار جميعا بديوان وزارة الدفاع في شهر فبراير سنة 1952«.

* * *

»وقد تحدث اللواء محمد نجيب وزمالؤه في هذه الزيارة عن أسباب حركة الجيش وما اإلصالح، في الراغبين األحرار الضباط واضطهاد إلفساده وأعوانه السابق الملك صنعه هذه يركزوا أن على واتفقوا معهم األمر فبحث بها، يتقدمون التي المطالب واستعرضوا من مجلس وتأليف عاما قائدا نجيب محمد اللواء تعيين هو رئيسي مطلب في المطالب

280

الضباط إلدارة شئون الجيش وإصالحه وتقويته، على أال يتدخل القصر في هذه الشئون، يحقق ما السلطات من أيديهم في تجمع المطلب هذا إجابة أن على وإياهم واتفق

اإلصالحات التي ينشدونها«.

* * *

وقع قد وبأنهم الموقف، على للسيطرة اتخذوها التي باإلجراءات الضباط وأخبره «السفر اعتزم قد بأنه كان فأجابهم به، التامة لثقتهم الوزارة لتأليف اختيارهم على شخصه إلى الخارج وأعد العدة له، لكنه ال يستطيع أن يتخلف عن خدمة الوطن في مثل هذا الظرف

الدقيق«.

* * *

أن منهم عرف وقد طعام، من موجودا كان ما إليهم قدم االجتماع هذا خالل »ومن إجراءات الحركة شغلتهم عن تناول الطعام 36 ساعة كاملة«.

»ومن خالل هذا االجتماع أيضا اتصل به الدكتور حافظ عفيفي تليفونيا من قصر المنتزه أن منه فطلب الوزارة، بتأليف لتكليفه اإلسكندرية إلى للذهاب يدعوه الملك أن واخبره

يؤجل األمر، ألن ضباط الحركة عنده، وألنه مشغول بمباحثتهم«.

»ثم اتصل به الدكتور حافظ عفيفي مرة أخرى فطلب منه االنتظار كذلك«.

إلى المجيء من يعفيه الملك إن له: وقال االجتماع انتهاء بعد ثالثة مرة به »واتصل اإلسكندرية، وإنه يكلفه بتأليف الوزارة في القاهرة، على أن يصدر المرسوم من اإلسكندرية. الثامنة صباحا إلى اإلسكندرية. وكان قد الساعة التالي في قطار اليوم أنه مسافر في فأنبأه طلب إلى ضباط الحركة تدوين المطلبين اللذين اتفقوا عليهما في كتاب يقدم إليه، فوعده اللواء محمد نجيب بأن يزوره قبل السفر بساعة. أي في الساعة السابعة صباحا، ليعطيه هذا

الكتاب«.

* * *

تليفونيا االتصال في وأخذ اليوم، ذلك مساء في داره ماهر علي الدكتور يبرح »ولم بمن اختارهم لمعاونته، ولم يكن األمر هينا، فقد اعتذر كثيرون ممن عرف فيهم الترحيب

281

خارج يصطافون بهم يثق الذين بعض كان كما والعافية، للسالمة إيثارا معه باالشتراك البالد«.

»وهكذا ظل في حديث تليفوني متصل إلى أن انتهى من هذه المهمة في الساعة الواحدة صباحا، ثم ذهب إلى فراشه، واستيقظ أو ترك الفراش. على األصح، في الساعة الخامسة

صباحا«.

»وجاءه اللواء محمد نجيب في الساعة السابعة، جاء وحده في هذه المرة، فدعاه للصعود إلى الطابق الثاني ريثما ينتهي من إعداد نفسه للسفر، وشربا معا فنجان قهوة باللبن، وأعطاه من سبعة إبعاد هو ثانيا مطلبا األول المطلب إلى أضاف وقد عليه، اتفقا الذي الخطاب

رجال الحاشية الملكية ليستقيم الحكم«.

بعد إال نجيب اللواء ينصرف ولم القاهرة محطة إلى معا ركبا الثامنة الساعة »وقبيل تحرك القطار«.

* * *

الثامنة في عربة تكييف الهواء، ووصل القطار إلى محطة سيدي »وركب قطار الساعة في أقاربه بأحد الليل في تليفونيا اتصل قد الحادية عشرة صباحا، وكان الساعة في جابر أيضا انتظاره انتظاره لكنه وجد في ينتظره بسيارته، فوجده في أن منه اإلسكندرية وطلب فندق سان إلى الجيش أحاطوا بسيارته في صورة موكب حتى وصل مجموعة من رجال بعد إال ينصرفوا ولم مالزمته على فأصروا شكره، القائد يبلغوا أن ورجاهم ستيفانو،

رجاء شديد«.

»وما كاد يجلس ليستريح حتى اتصل بالفندق األميراالي أحمد كامل من قصر المنتزه وأبلغه رسالة هي أن الملك عرف أمر وصوله إلى الفندق في موكب عسكري، فأجابه من سمع رجاء

الرئيس لرجال الجيش بتصوير ما حدث«.

»ولما أنبئ الملك السابق بهذا عرض أن يرسل بعض رجال الحرس الملكي لمرافقته إلى القصر، فقال الرئيس: »إنني لم أرد وال أريد حراسا وال موكبا، بل أحب أن أسير وحدي في هدوء«.. وحينئذ رجاه األميراالي أحمد كامل أن يأذن له بالمجيء ليكون في صحبته إلى

القصر. فلم يمانع الدكتور علي ماهر أن يحضر أحمد كامل بالمالبس المدنية«.

* * *

282

»ووصل الدكتور علي ماهر إلى قصر المنتزه في منتصف الساعة الثانية بعد الظهر فوجد الملك السابق ينتظره في غرفة مكتبه، وكان فاروق يبدو عليه أنه يكتم غيظا شديدا، وروى له علي ماهر ما حدث بينه وبين ضباط الحركة، فأخذ فاروق يتكلم كالم من يقدر الموقف تقديرا تاما، وإن لم يبد عليه أنه يخاف شيئا، لكن الرئيس علي ماهر لم يجد مشقة كبيرة في إصالح شئون في المجلس لهذا الحرية وإطالق الضباط ومجلس القيادة بمطلب إقناعه

الجيش والنهوض به«.

* * *

بالرفض بادره الحاشية، رجال إبعاد وهو الثاني، المطلب عليه عرض حينما »لكنه الحاسم قائال:

»إنني ال أقبل التدخل في شئون من أختارهم لخدمتي، وهذه عندي مسألة مبدأ«.

فأجابه الدكتور علي ماهر بقوله:

البالد، ويتصلون إدارة شئون »إنهم يقوموم بأعمال موظفين عموميين، ويتدخلون في في الخارج ببعض الدول العربية، ويجتمعون بالوزراء«.

وتناول بإسهاب الدور الذي كان يلعبه كل منهم ثم قال:

»ولو أن أعمالهم كانت محصورة في نطاق الخدمة الملكية الخاصة، لما تذمر أحد، وال اعترض على وجودهم معترض«.

وهو وانصرف يقنعه ماهر علي وظل القاطع، الرفض على أصر السابق الملك لكن يقول له:

»إنني ال أعتبرك رافضا، وإنما أرجو أن تفكر في األمر«.

قهوة فيها يذوقا لم الساعة، ونصف ساعتين نحو بينهما الحديث استغرق وقد وال ماء!

* * *

283

وحلفوا القصر إلى ذهبوا ثم بالوزراء، واجتمع الفندق، إلى ماهر علي الدكتور وعاد اليمين ، وعلى إثر هذا خال الدكتور علي ماهر بفاروق وحدثه ثانية في إبعاد رجال الحاشية

السبعة، فإذا به ال يزال مصرا على موقفه، فقال له علي ماهر:

»إنني ما زالت آمل أن تعدل عن رأيك، وإنني أدع، للمرة الثانية، األمر لتفكيرك«.

* * *

من يمكنه مباشر تليفون له المخصص الجناح في يكن ولم فورا الفندق إلى »وعاد بجوار ولبث فيه فجلس مباشر، تليفون الفندق مدير بمكتب وكان واسطة، بال االتصال

التليفون إلى الصباح«.»كان يتصل باللواء محمد نجيب، وبوزارة الداخلية، وبقصر المنتزه«.

ووزير الداخلية ووزير الخارجية ووزير العسكري والحاكم الوزراء رئيس هو »وكان الحربية.. وكان استتباب األمن في البالد، والتنسيق بين األوامر واإلجراءات أهم ما يحرص

عليه في ذلك الوقت العصيب، ولهذا جمع هذه المناصب كلها في يديه«.الليلة عقد مجلس الوزراء اجتماعه األول، وأصدر عدة قرارات دلت على »وفي هذه الوزراء تصييف إلغاء بينها من كان قدرها، حق مسئوليته وتقدير الحكم في جديد اتجاه في اإلسكندرية ، وتسريح سيارات الوزراء الحكومية، وتعديل قانون مجلس الدولة تعديال

يكفل تمام استقالله. واتخاذ قرارات خاصة بتيسير التموين ووسائل العيش«.

* * *

»إن وقال: ماهر علي بالرئيس نجيب محمد اللواء اتصل تقريبا الليل منتصف »وفي واللواء الداخلية، وزارة وكيل محمود المنصف عبد اللواء اعتقال تطلب الحركة تأمين أحمد طلعت حكمدار العاصمة، واألستاذ كامل القاويش محافظ العاصمة؛ وذلك ألن قادة

الحركة ال يطمئنون إليهم«.

»فقال الرئيس: »أرجو أن يكون اعتقالهم وقائيا موقوتا، وأن تعود إليهم حريتهم في أقرب وقت، وأن تحسنوا معاملتهم، وتحفظوا عليهم كرامتهم«، فأمن اللواء نجيب على رجاله«.

مخاوفهم أزال اإلجراء. هذا من ماهر علي الرئيس إلى البوليس رجال شكا »وحين وطمأنهم إلى أن مثل هذا اإلجراء لن يتكرر«.

284

»وفي هذه الليلة، ليلة 25 يوليو، كلف رجال الحاشية بتقديم استقاالتهم، وطلب الدكتور حافظ عفيفي، أال يوضع اسمه مع أسماء الهيئة األخرى، وأن تلقى استقالته إثر استقالتهم،

فوعده بذلك«.

»وفي الساعة الخامسة صباحا اتصل الرئيس الدكتور علي ماهر بالملك تليفونيا وأخبره أن رجال الحاشية المطلوب إبعادهم سيقدمون استقاالتهم. ورجاه قبولها، فوعده الملك

بذلك«.

»وأشرقت شمس يوم الجمعة 25 يوليو وعلي ماهر جالس في مكتب مدير الفندق الذي اتخذه مكتبا له!«.

»وفي الساعة التاسعة صباحا وصل إلى بولكلي، وصرف ، في دقة وسرعة. الشئون التي يقتضي الموقف الدقيق تصريفها«.

* * *

وفي اليوم، ذلك مساء في اإلسكندرية إلى سيحضر أنه فأنبأه نجيب باللواء »واتصل الموقف، فيه تدارسا وقتا به واجتمع بولكلي، في الرئيس على نجيب اللواء وفد المساء وأنبأه نجيب بأن مؤتمرا من ضباط الحركة سيعقد في ساعة متأخرة من الليل للتفاهم على

خطتهم إزاء الملك«.

* * *

»وفهم الرئيس من الحديث أن هناك رأيين: المحاكمة العسكرية العاجلة واإلعدام فورا، أو التنازل ومغادرة البالد، بينما كان رأي الدكتور علي ماهر إلغاء حقوق العرش وأن يكون الملك رمزا يملك وال يحكم، وذلك حسب نظريته القديمة، إذ اقترح في سنة 1937 وعلى الملك حقوقه أن يستعمل للعرش، مهمته األولى إنشاء مجلس القائمة حينذاك الحكومة

الدستورية بوساطته، فإن لم يقبل هذا عزل وأخرج من البالد«.

26 صباح من التاسعة الساعة في الرئيس إلى يعود أن على نجيب اللواء »وانصرف يوليو، ظل مؤتمر ضباط الحركة معقودا في اإلسكندرية، مع االتصال بين الموجودين فيه

285

وبين سائر زمالئهم في القاهرة إلى ساعة مبكرة من الصباح، وبعد أن كان أنصار اإلعدام متفوقين، تغلب أنصار إخراجه من البالد آخر األمر«.

* * *اإلسكندرية في الملك لقصري الجيش رجال محاصرة تمت الباكر الصباح »وفي اتصل الرئيس، إلى نجيب اللواء حضور وقبل صباحا الثامنة الساعة وفي والقاهرة، المحاصر للقصر وبين رجال الجيش بين رجال النار بتبادل إطالق بالرئيس وأنبأه القصر الحرس الملكي، وقتل واحد من كل من الجانبين ، وجرح ثالثة ، واعتقال اللواء عبد الله

النجومي«.»فذهب الرئيس وحده من فور هذا إلى قصر رأس التين، فهدأت الحال عقب وصوله

وكف الجانبان عن إطالق النار«.»وعند وصوله كان قصر رأس التين مقفال، لكنه فتح بعد قليل، وهنا يقول الرئيس علي فقد كثيرة، سنوات في المرات عشرات القصر هذا دخلت أنني من الرغم »وعلى ماهر: الخشب من قطعة الحصون، بأبواب أشبه عجيبا بابا له أن األولى للمرة نظري استوقف

البالغ السمك، طولها نحو عشرة أمتار ومنظرها مهيب«.»وقابل الملك حيث كان في الدور األرضي، فابتدره الملك بقوله: يظهر إنهم يريدون حلمي حسين فقد اتجاه طرف الجيش األخير نحو الجراجات، فطمأنه الرئيس إلى هدوء

الحال، وبعد أن مكث معه بعض الوقت أنبأه بأنه يجب أن يعود لمقابلة اللواء نجيب«.

* * *

الرئيس في بولكلي، ومعه بعض زمالئه، اللواء نجيب على التاسعة قدم »وفي الساعة يتنازل الملك عن العرش قبل الظهر، وأن يغادر إليه كتابا يحوي مطلبين هما: أن وقدموا

البالد قبل الساعة السادسة مساء«.

»فأجابه الرئيس بأن في هذا الكتاب استفزازا، وأنه سيعتمد على وسائل اإلقناع الشفهي، ولن يقدم اإلنذار إال إذا أصر الملك على عدم التنازل، وأنه لهذا سيترك اإلنذار في السيارة،

وسيطلبه إذا اقتضى األمر طلبه«.

التين »وفي الساعة العاشرة والنصف صباحا وصل الدكتور علي ماهر إلى قصر رأس فوجد الحال هادئة كما تركها منذ ساعتين.. ودخل على الملك في غرفة مكتبه، فإذا به واقف

286

وقد ظهر الغضب الشديد على وجهه، فقال له الرئيس علي ماهر: إنك تفاخر دائما بحبك للشعب وإيثارك لصالحه، وليس من تقاليد الملوك وال من شيمهم إهمال مطالب شعوبهم، وأنبأه بالمطلبين األخيرين، وهما التنازل، ومغادرة البالد، فإذا بفاروق يصول ويجول ويقوم

في عزم وتصميم شديدين: »لست جبانا، وسأقاوم، ولدي أسباب النصر«!

مسألة لكنها أمامك، وقوة معك قوة ليست المسألة بأن ماهر علي الرئيس »فأجابه الشعب، وأنت الوطني األول، وال ترضى قيام حرب أهلية في بالدك، وال ترضى مقاومة الشعب، وقد تفاقم سخطه على حكمك في السنوات الثماني األخيرة وصمم على التخلص منه، هذا الشعب الذي كان يحوطك بحبه فيها قبل هذه السنوات الثماني، والملك ال يتسنى

له أن يملك إذا أجمع الشعب وأصر على أال يملك«.

* * *

المقاومة، وأراد علي ماهر أن يحسم األمر، بنفسه مصرا على »لكن فاروق ظل معتزا ويقطع حبل الجدل فقال له: ال مناص من التنازل والسفر، وأنك اآلن لك الخيار فقط في الطريقة التي تسافر بها: هل تريد السفر جوا أم بحرا؟ فأطرق طويال ثم قال: بحرا! وبعد هذه الكلمة بدأت مظاهر القلق تبدو عليه، وقال: إنه يخشى أن يعتدى عليه بعد التنازل، فأكد له

الرئيس علي ماهر أنه لن يصيبه سوء، ما أقر رغبته في السفر بالباخرة »المحروسة«.

وهنا أخذ فاروق يتساءل:

ـ فاروق : هل أستطيع أن آخذ زوجتي؟!

ـ علي ماهر : نعم.

ـ فاروق : وابني؟

ـ علي ماهر: نعم.

ـ فاروق : وبناتي؟

ـ علي ماهر: نعم.

ـ فاروق: وأريد أن أخذ معي بوللي ومحمد حسن«.

ـ علي ماهر: إن هذا الطلب صغير ال يستحق التحدث فيه!«.

287

»وهنا تسلل الخوف إلى نفس فاروق، وبدأت مظاهر القلق تبدو جلية على وجهه.. ثم قال: إنه يريد المحافظة على كرامته في وثيقة التنازل، فأكد له الرئيس الدكتور علي ماهر أن المحافظة على كرامته ستكون موفورة في هذه الوثيقة، وأنها ستعد على مثال الوثيقة التي

تنازل بها ملك البلجيك عن عرشه«.

»وبعد هذا طلب من الدكتور علي ماهر أن يكون موجودا في وداعه، فقال له: سأكون موجودا، وستتخذ لك جميع مراسم التوديع التي تتخذ عند مغادرة الملك البالد«.

في كافري جيفرسون مستر أمريكا سفير الحميم صديقه يكون أن طلب هذا »وبعد توديعه، فوافق علي ماهر على هذا المطلب«.

»ثم طلب أن ترافق مدمرتان مصريتان »المحروسة« في أثناء السفر، وإذا كان علي ماهر يقدر ما قد يترتب على إجابة هذا الطلب فقد اعتذر عن إجابته«.

»وأراد الرئيس علي ماهر أن يطمئنه فقال له: أرجو أن تطمئن وسأقنع اللواء نجيب نفسه بالحضور لتوديعك«.

»وغادر قصر رأس التين بعد أن أوصى الملك السابق بالحرص على احترام وعده بالسفر الوزراء التنازل مع سكرتير مجلس إليه وثيقة بأنه سيرسل السادسة مساء، وأنبأه الساعة قبل

لتوقيعها، فوافق الملك وودعه شاكرا«.

بولكلي إلى وعاد عشرة، الثانية الساعة قبيل القصر ماهر علي السابق الرئيس »غادر حيث كان اللواء محمد نجيب في انتظاره، فأنبأه بأن كل شيء قد تم بال حاجة إلى تقديم

كتاب الجيش، وأن هذا الكتاب ظل في مكانه بالسيارة«.

* * *

عن التنازل وثيقة تحرير إليه طالبا السنهوري الرازق عبد بالدكتور الرئيس »واتصل إليه األستاذ سليمان حافظ مستشار البلجيك، وبعث العرش، على مثال وثيقة تنازل ملك

الرأي لمجلس الوزراء حينئذ«.

»وجاء رئيس مجلس الدولة وقدم إلى الرئيس وثيقة التنازل، فطلب إلى األستاذ سليمان حافظ أن يذهب إلى قصر رأس التين ويقدمها إلى الملك لتوقيعها وإعادتها«.

288

»وطلب الرئيس من اللواء نجيب أن يكون في توديع فاروق، فلم يقبل أول األمر، لكنه أقنعه بأن عدم حضوره سيضيع عليه االشتراك في موقف تاريخي قل نظيره«.

»وفي منتصف الساعة السادسة ذهب الرئيس علي ماهر إلى قصر رأس التين فرأى فاروق مستعدا للسفر، مرتديا مالبس أمير البحر تهيؤا للوداع الرسمي«.

»وجلسا ووصل سفير أمريكا فانضم إليهما، فاتجه إليه الملك السابق بالحديث قائال: لقد طلبت من رئيس الوزراء مدمرتين لمرافقة »المحروسة« فاعتذر، ولهذا أرجو إعطائي مدمرة من أسطولكم في البحر األبيض المتوسط، فاعتذر السفير بأن األسطول األمريكي في أثينا وليس في

طريقه، فرجاه فاروق أن يطلب هذا من الحكومة األمريكية، فاعتذر السفير بضيق الوقت«.

أريد ال وجهها، على الحزن بدا وقد وقالت: »فادية« الصغرى فاروق ابنة »وجاءت الرحيل، إني أحب هذه البالد وال أود مغادرتها، وكان منظرها وحديثها مؤثرين!«.

»ولما حان موعد الرحيل قال فاروق: أظن أن الوقت قد اقترب، ووقف«.

فاروق سار المدافع، وطلقات الموسيقى وعزف الملكي، الحرس صفوف »وبين ومعه الرئيس والسفير األمريكي، حتى بلغوا نهاية الرصيف. وتحركت آالت »المحروسة« استعدادا للرحيل، ولما وافت الساعة السادسة ودع الملك السابق الرئيس علي ماهر مقدرا،

ثم ودع السفير وسائر المودعين، واستقل زورقا بخاريا إلى الباخرة »المحروسة«.»ولم يخف السفير األمريكي دهشته وإعجابه بالطريقة التي تم بها تنازل الملك ومغادرة

البالد، فاتجه إلى الرئيس علي ماهر قائال: »هذا عمل فريد في التاريخ، هذه عظمة، هذه غاية النبل، هذا منتهى الروعة في التمدن«.

الباب أخطأوا بأنهم تأخرهم عن معتذرين وزمالؤه نجيب اللواء وصل دقائق »وبعد المؤدي إلى الرصيف، فأبلغهم علي ماهر أن المحروسة منتظرة حتى يصلوا إليها. فاستقل

اللواء نجيب وزمالؤه زورقا إلى المحروسة وعادوا بعد أن حيوا الملك السابق«.»وتحركت الباخرة، وغادر فاروق البالد«.

تباعا، مذ تتراءى في مخيلته، وتتالحق الرئيس علي ماهر إلى بولكلي والصور »وعاد نادى بفاروق ملكا على مصر، لستة عشر عاما خلت، ومذ سار سيرته الحميدة في السنين األولى لواليته العرش، فظفر بحب الشعب وتقديره، ومذ أحيط بأسباب الفساد والطغيان

289

فتنكب جادة الصواب، حتى انتفضت عليه طوائف األمة طائفة بعد أخرى. وانتهى انتفاضها بحركة الجيش، وعزله، ومغادرة البالد«.

ماهر علي الدكتور نجيب محمد اللواء زار ساعة وعشرين بأربع فاروق سفر »وبعد حربية طائرات إرسال يريدون وزمالءه إنه له: وقال وجهه.. على باد الشديد واالهتمام إلعادة المحروسة« إلى اإلسكندرية أو تدميرها بالقنابل، ألن فاروق أخذ معه محمد حسن

وحسن عاكف«.»فقال علي ماهر: لقد تنفسنا الصعداء، وتحدث العالم أجمع عن هذا العمل التاريخي متاعب ألنفسنا ونخلق نرجعه فكيف الرائع. الفريد النحو هذا على فاروق خروج وعن ومشكالت؟! إني لست في حاجة إلى مثل هذا اإلجراء الذي ينال من روعة ما قمنا به، وال يمكن تقدير عواقبه.. أما المسائل التي تشيرون إليها فعالجها ميسور بالطرق الدبلوماسية وفي عاكف، وحسن حسن محمد تسليم إيطاليا إلى نطلب أن استطاعتنا ففى والدولية،

استطاعتنا أن نأمر ربان الباخرة بإنزال األمتعة وحدها«.»واتخذت الحكومة فعال هذا اإلجراء«.

»وقد تبين بعد هذا أن محمد حسن وحسن عاكف لم يبرحا مصر، وأن فاروق لم يأخذ معه سبائك ذهبية، فقد قدم الربان إثر عودته قائمة بكل ما أخذه فاروق معه«.

»وكان آخر ما سمعته في هذا الموضوع من الرجل الذي أسهم بنصيب كبير في نجاح الذات، وإنكار التضحية، على الحركة قامت »لقد قوله: والخارج الداخل في الحركة

والتجرد للمصالح القومية العليا«.

290

291

الخاتمة

لم يقف تأثير تكنيكات علي ماهر وتكتيكاته في مجريات السياسة المصرية ـ لم يقف عند حد الفترة األولى من عصر الملك فاروق حيث مارس أساليبه، وإنما امتد هذا التأثير في التجارب التالية على يد أحمد حسنين، بل على يد الملك فاروق نفسه أيضا، وعلى سبيل المثال فقد تكررت أفكار علي ماهر في أكتوبر 1944 في خلق صراع دائب على ممارسة السلطة يديره الشركاء في السلطة أنفسهم حين جاء أحمد ماهر على رأس االئتالف السعدي الدستوري – الكتلي – الوطني وقد فرض عليه النصف أفنى الذي عبيد لمكرم السخية الملكية الترضية يتقبل أن األول اليوم منذ التصفيق في األول النصف أفنى ما بعد النحاس الهجوم على في الثاني من حياته له! وظلت األمور تدور منذ أكتوبر 1944 وحتى يوليو 1949 في فلك الدستوريين والسعديين بصفة أساسية حتى لو لم يكن الرئيس منهم وهو ما حدث فيما بين فبراير 1946 وديسمبر 1946 في عهد صدقي باشا ثم ما حدث في 1949 على يد حسين

سري باشا.

النظام على حين أن ولم يكن من الممكن أن يكون علي ماهر بمثابة بديل لهذا نفسه كانت تصور له أنه كان العقل بينما كان هؤالء هم األدوات، لكن نتيجة الصراع النتائج، وهكذا كان السياسي كانت مختلفة المقدمات، وبالتالي فقد كانت مختلفة ومالءمة مواءمة أكثر 1952ـ في ثم 1949 في المثال سبيل على سري حسين للموقف، فهو أخف وطئا على هؤالء وأخف وطئا على الوفد في الوقت ذاته، وبالتالي فإنه كان أكثر قبوال عند »الوفد« وعند »الالوفد«، على حين أن علي ماهر نفسه كان قد أصبح في وضع لم يكن ليستطيع فيه التكيف ال مع هؤالء، وال مع أولئك، وهو

292

الذي أخرج الوفديين من الحكم في نهاية 1937، كما أنه هو الذي أخرج الدستوريين والسعديين في 1939..

ومع أنه في المرة األولى أخرج األولين وجاء اآلخرين، فإن اآلخرين لم يكونوا الوفد لينهكوا بهم جاء أنه حقيقة اكتشاف إلى بحاجة معه المريرة تجربتهم بعد

ولينتهكوه لمصلحته هو.

وإذا باألمور شأنها في ذلك شأن السحر تنقلب على علي ماهر نفسه الذي يفقد المبرر األقوى لفرض نفسه على الحياة السياسية من موقع متقدم، ومع أنه بعد وفاة صدقي باشا كان قد أصبح بمثابة السياسيين الالوفديين العاملين !! الذين ال يزالون على قيد الحياة، ومع أنه قبل هذه الوفاة كان ثالث أقدم السياسيين العاملين عموما، جاز إن الشعبي البروتوكول في موازيا موقعا يحتل لم فإنه وصدقي، النحاس بعد إليها وصل التي الدرجة إلى المتيمين عند وال النقاد عند يصل ولم التعبير، هذا محمد محمود، أو صدقي، أو أحمد ماهر، أو النقراشي، وإنما هو في أقصى تقدير شخصي مواز لحسين سري الذي هو وزير فني ال أكثر وال أقل وربما أنه سابق عليه

بدرجة طفيفة.

ولم يكن السبب الذي حال بين علي ماهر وبين الوصول إلى ما كانت تؤهله له قدراته إال سعيه الحثيث في السر وفي المؤامرة، حتى انتصرت المؤامرة فكرة وتطبيقا، بينما لم ينتصر هو إال من خالل دوره فيها، وهكذا أصبح انتصاره جزءا من انتصار المؤامرة، وأصبح علي ماهر بكل قدراته وخبراته شبيها براكب السيارة الذي لم ينتصر في سباق من سباقات العدو، ولم ينتصر في سباق من سباقات السيارات الرياضية، وإنما حقق ما حقق من سرعة بحكم ركوبه لسيارة يمكن لها أن تحقق من السرعات ما هو أكثر من سرعات اإلنسان القائد لها، بينما السرعة منسوبة لها ال له، فإذا نسبت إليه السرعة أو نسب إليها نسبت إليه كراكب ال كقائد أو محرك، ولم تنسب إليه هو نفسه

كمتسابق بالسيارة، ألنه لم يدخل سباق سيارات وإنما ركب سيارة ذات سرعة.

ولعل هذا يعطينا فكرة عن األهمية القصوى لعنصر قوة الشخصية الحقيقي مهما صحبها من تجبر كما في حالة صدقي، ومهما صحبها من تكبر كما في حالة محمد محمود، أما علي ماهر فإنه كان يسعى إلى أن يستحوذ على ما يتيح له أن يكون األول دون أن يكون األول بالفعل، ولهذا فإن حصوله على لقب »صاحب المقام الرفيع«

293

لم يجعله على سبيل المثال أعلى في قيمته السياسية أو صورته اإلعالمية أو ذاكرته التاريخية من إسماعيل صدقي باشا الذي لم يحصل على هذا اللقب.

ومع هذا كله، فإننا نكون ظالمين إذا لم نلتفت بسرعة إلى الحديث عن اإليجابيات عن الحديث وإلى جدا، كثيرة إيجابيات وهي أدائه في ماهر علي بها تميز التي اإليجابيات التي حققها بالفعل في أثناء اضطالعه بالمسئوليات وهي أيضا إيجابيات كبيرة جدا، كما أننا نكون ظالمين إذا لم ننتبه إلى أنه على سبيل المثال يفوق في قدرته وإنجازاته معظم رؤساء الوزارات في عهد الثورة إن لم يكن كل هؤالء، ومن الحق أن نقول إنه على الرغم من قصر المدد الوزارية التي توالها علي ماهر، فإن بصماته في التاريخ المصري المعاصر واضحة جدا، كما أن براعته السياسية والقانونية والتنظيمية

هي صاحبة الفضل األول في إتمام التحوالت في بداية ونهاية عصر الملك فاروق.

كذلك فإن علي ماهر هو الوزير الوحيد وهو رئيس الوزراء الوحيد الذي شارك في ثالثة عهود كان منها عهد الثورة نقصد عهود، فؤاد وفاروق والثورة ذلك أنه حين دارت عجلة الثورة لم يكن قد بقي أحد غيره في السلطة من وزراء عهد الملك فؤاد.

وربما جاز لنا هنا أن نستطرد إلى التذكير بأن هناك مجموعة من الوزراء شاركوا في ثالثة عهود هي عهود الخديو عباس حلمي الثاني والسلطان حسين كامل والسلطان وفؤاد كامل وحسين حلمي عباس عهود أربعة في شارك الذي الوحيد أما فؤاد،

وفاروق فقد كان هو إسماعيل صدقي وحده.

وإذا جاز لنا أن نجد شبيها لعلي ماهر في إدارته للتحول في بداية عهد حاكم ما ونهاية عهد هذا الحاكم نفسه، فإننا نجد هذا الشبه في سلفه حسين رشدي باشا الذي كان رئيسا للوزارة حين ولي السلطان حسين كامل، وبقي كذلك حتى مات السلطان باتصال، الوزارة يتولى رئاسة يزال بينما كان رشدي ال السلطان فؤاد، وتولى أخوه لكن القراء سيذكروننا في سرعة أن التشبيه مع الفارق، فقد كانت فترة السلطان حسين كلها قصيرة، ولم يكن ما بعدها منقطعا عما قبلها تماما، أما علي ماهر فإنه تولى رياسة الوزارة )1936( ثم تركها )1936( ثم توالها )1939( ثم تركها )1940( ثم توالها )يناير1952( وتركها )مارس 1952( ثم توالها مرة أخرى )يوليو 1952( أيضا على

294

نحو ما نعرف، وهو ما قد ينبىء عن قدرات أكبر من قدرات حسين رشدي باشا، أو ما قد ينبىء عن حسن حظ في الظاهر.

لجنة رأس كليهما أن ماهر وحسين رشدي، بين علي التشابه في الطريف ومن لوضع دستور ما، ومن سوء حظ علي ماهر أنه حين رأس لجنة وضع الدستور بعد الثورة وبذل جهده فيها لم تأخذ الدولة بدستوره هذا ولم يقدر له الظهور، على حين أن رشدي باشا رأس لجنة وضع الدستور في 1923 وصدر الدستور الذي وضعته لجنة الثالثين وظل حتى اآلن رمزا للدستور الوطني الذي يطالب الشعب به ويثور من أجله، ويوقف ثم يعود. وهكذا كان من حسن حظ رشدي أن دستوره بقي على حين أن دستور علي ماهر لم يصدر من األساس، وإنما كان مصيره على حد تعبير صالح

عيسى: »أن ألقى في صفيحة القمامة«.

وقد رأس رشدي باشا مجلس الشيوخ بعد تركه لرئاسة الوزارة بمدة، وكان هذا اعترافا من العهد الذي عاشه بقيمة جهده، لكن علي ماهر خرج إلى الظل تماما وبقي

فيه حتى توفى في 1960.

* * *

ومع كل هذا يظل علي ماهر محتفظا بوضع متميز بين وزراء ما قبل الثورة، فقد دام عهده بالمناصب الوزارية أكثر من 27 عاما، لكنه مع هذا لم يصل في طول العهد بالوزارة والصالحية لها إلى ما وصل إليه إسماعيل صدقي باشا من حدود ثلث القرن

)1914 ـ 1946(.

وقد عمل علي ماهر وزيرا في ثالث وزارات كانت كلها هي وزارات االنقالبات ومحمد زيور، أحمد وزارات: التوالي على وهي فؤاد، الملك عهد في الدستورية

محمود، وإسماعيل صدقي قبل أن يصل هو نفسه إلى رئاسة الوزارة.

وقد تولى علي ماهر باشا 6 وزارات في )مثلث 14 مسئولية وزارية باإلضافة إلى الرئاسات األربعة(: المعارف )في مرتين(، العدل )في مرتين(، المالية )مرة واحدة(، الداخلية)3 مرات(، الخارجية )4 مرات(، الحربية والبحرية )في مرتين(، وقد عمل

295

الوزارة بعد رئاستها، وإنما تحت رياسة ثالثة رؤساء للوزارة، ولم يعد إلى عضوية كان يعود للرئاسة.

وقد بدأ علي ماهر مناصبه الوزارية وزيرا للمعارف طيلة وزارة زيور باشا الثانية )مارس 1925 ـ يونيو 1926(، وتولى الحقانية مؤقتا لمدة أسبوع في سبتمبر 1925 ومن الطريف أيضا أن علي ماهر في وزارة صدقي باشا األولى بدأ بالمعارف العمومية الفترة الحقانية طيلة تولى وزارة ثم الوزارة، أسابيع من عهد ثالثة أول في فتوالها

الباقية من عمر هذه الوزارة )حوالي عامين ونصف العام(.

* * *

وإذا كان من حديث عن إيجابيات أخرى في أداء علي ماهر السياسي، فإنه يمكن لنا القول إن علي ماهر كان تاليا للنحاس وإسماعيل صدقي في ميله إلى إرساء دولة المؤسسات، وكان بهذا الترتيب سابقا على رؤساء الوزراء اآلخرين كافة بمن فيهم ونجيب سري وحسين والنقراشي ماهر، وأحمد صبري، وحسن محمود، محمد الهاللي.. إلخ، وعلى سبيل، المثال فإن الفضل يرجع إليه في إنشاء المجلس األعلى للبحوث العلمية والصناعية، ووكالة أنباء مصرية تستخدم ماكينات طابعات تلغرافية،

ومصلحة الحجر الصحي، ومصلحة القطن.

استصدر الذي وهو عهده، في األول الصحفيين نقابة مجلس تشكيل تم كما مرسوما بإنشاء مجلس أعلى للتعليم، ومجلس أعلى لإلصالح االجتماعي، كما أعاد

تنظيم بعض األمور في الجامع األزهر.

وفي وزارته الثالثة كان هو الذي تولى إنشاء ديوان الموظفين، ومدينة فاروق األول للبعوث اإلسالمية )مدينة البعوث األزهرية المعروفة(إلسكان الطالب الوافدين من دول العالم اإلسالمي. كما أنه هو الذي أنشأ القوات المرابطة في عهد وزارته الثانية

.)1939(

* * *

وإن كان هناك من طابع فرض نفسه على رؤية علي ماهر وتميز به على أقرانه من القول إن اهتمامه األول كان اإلصالح االجتماعي لنا الوزارات، فإنه يمكن رؤساء

296

الفضل في رأينا هو صاحب فقد كان كما المثال، نهج مؤسسي، وعلى سبيل على في االجتماعية الشئون ووزارة ،)1936( األولى وزارته في الصحة وزارة إنشاء وزارته الثانية )1939(، وفصل وزارة الشئون البلدية والقروية مرتين إلى وزارتين في

وزارتيه الثالثة والرابعة )1952(.

وأصـدر الصحافة، حرية إلى ميله يظهر أن على حريصا ماهر علي كان وقد .1931 عام الصـادر القانـون محـل حـل للمطبوعـات جديـدا قانونـا

* * *

ولست أريد بهذه الخاتمة أن أختصر ما في الكتاب مما حرصت عليه من تحليل وتدقيق واستعراض وأحكام، بيد أني أحب أن أقول إني حرصت في بناء هيكل هذا ما نحو كانت، ال على ما نحو يكون صورة من حياة صاحبه على أن الكتاب على تريد األيديولوجية )أية أيديولوجية( أن تصورها، ولهذا فقد كنت على نحو ما رآني التاريخي فيما بين كل األبواب والفصول، وفي داخل القارئ حريصا على الترتيب

الفصول أيضا.

أنداده ببعض أن أخصص )للحديث عن عالقات علي ماهر وقد حرصت على وببعض التالين له من السياسيين( بابا مستقال ، وليس يخفى على القارئ أن العالقات مسالكهم في جوهري محدد بمثابة كانت جميعا الساسة هؤالء بين فيما الثنائية السياسية، كما كانت بمثابة مبلور نهائي لهذه التوجهات التي اختلطت فيها العوامل قابال يزال ال لكنه اآلن متكرر، غير نحو على العمومية بالتوجهات الشخصية

للتكرار.

* * *

الكتاب، هذا في تفصيالت من أوردناه ما كل بعد ماهر لعلي الظلم من وليس الليبرالية في مصر المعاصرة قد إنه كان ذلك الرجل الذي يقال إن الحقبة أن نقول بدأت معاناتها على يديه في 1928، ثم أصيبت على يديه أيضا بمحاولة العدول عنها البديل تزيين من ممكنا كان ما كل مع 1936 في ملكية أوتوقراطية نحو والتوجه ر وكأنه سم زعاف، وتسويغه، بل تقديمه على أنه الترياق من الغذاء اآلخر الذي صو

297

ولهذا فلم تظلم األقدار علي ماهر، وإنما أتاحت له استكمال دوره وتتويجه بانتهاء عهد الليبرالية تماما على يديه.

وليس بمقدور القارئ أن يتجاهل أني في استشهاداتي في هذا الكتاب قد أكثرت من النقل عن مذكرات رجال الحاشية، وعن الوثائق البريطانية التي كانت تعنى عناية في السبب ولعل للسلطة، الموازية والتيارات الشائعات تتداوله ما بتسجيل منظمة يكون رجل قصر، وأن أن لنفسه الذي شاء نفسه ماهر إلى شخصية علي يعود هذا

يكون منبعا للشائعات هنا وهناك.

* * *

ومع هذا، فإني أعتقد أن تصويري لعلي ماهر قد نجا من تصوير الكواليس، كما نجا من تصوير الحانقين على الرجل، وإن لم يتخلص هذا التصوير من الظالل التي

فرضها علي ماهر نفسه على صورته هنا وهناك.

298