منبر التوحيد والجهاد...

ملة إبراهيمودعوة األنبياء والمرسلين

وأساليب الطغاة في تمييعها وصرفالدعاة عنها

أبو محمد عاصم المقدسي

منبر التوحيدوالجهاد

* * *http://www.tawhed.wshttp://www.almaqdese.nethttp://www.alsunnah.infohttp://www.abu-qatada.comhttp://www.mtj.tw

مـلــــة إبراهـيـــم

بـــراءةإلى الطواغيت في كل زمان ومكان...

إلى الطواغيت حكاما وأمراء وقياصرة وأكاسرةوفراعنة وملوكا...

إلى سدنتهم وعلمائهم المضلين... إلى أوليائهم وجيوشهم وشرطتهم وأجهزة مخابراتهم

وحرسهم...إلى هؤالء جميعا.. نقول

إنا برءاؤا منكم ومما تعبدون من دون الله براء من قوانينكم ومناهجكم ودساتيركم ومبادئكم

النتنة.. براء من حكوماتكم ومحاكمكم وشعاراتكم وأعالمكم

العفنة.. كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة

والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده

وألجعلن قتالهمألجاهدن عداك ما أبقيتنــيديـــدان

وألفرين أيديمهموألفضحنهم على رؤوس المال بلســـان بسرائر منكم وخبثموتوا بغيظكم فربي عالــمجنـان

ورسوله بالعلمفالله ناصر دينه وكتابـــهوالسلطــان

(1)منبر التوحيد والجهاد


أحد ولو جمعت لهوالحق ركن ال يقوم لهــدهالثقـالن

)ابن القيم(



مقدمةالحمد لله ولي المتقين، وخاذل أعداء الدين.. وأطيب الصالة وأتم التسليم على نبينا وأسوتنا

.(1)(.. إن الله اتخذني خليال كما اتخذ إبراهيم)القائل: وبعد فهذا كتابي ملة إبراهيم أقدمه إلى القراء

الكرام بحلته الجديدة هذه، بعد أن انتشر وطبع وصور مرارا، وتداوله الشباب في أرجاء المعمورة، قبل أن

أجهزه للطبع، وذلك أني كنت قد أهديت منه نسخة بخط يدي إلى بعض إخواننا الجزائريين في الباكستان، وكان

آنذاك فصال من كتاب كنت أعده في )أساليب الطغاة في الكيد للدعوة والدعاة( حال تقلب األيام والتنقل بين الديار

دون إتمامه، فقام أولئك اإلخوة بطبع ذلك الفصل طبعة بحسب إمكاناتهم المتواضعة، ولكنها كانت أول خروجه

وسبب انتشاره. ثم لما فرج الله تعالى بمنه وكرمه بادرت إلى إعداده للطبع خصوصا بعد أن عاينت طوال مدة اعتقالي وسجني

مدى غيظ أعداء الله من هذا الكتاب، فقد كانوا كلما اعتقلوا أخا يسألونه أول ما يسألونه عن هذا الكتاب، هل

قرأه؟ وهل يعرف مؤلفه؟ وكان بعضهم يقول لمن يجيب على ذلك باإليجاب:

"يكفي هذا ليكون فكرك جهاديا وتقتني سالحا، ما اعتقلناتنظيما مسلحا إال ووجدنا عنده هذا الكتاب".

فالحمد لله الذي جعله شوكة في حلوقهم وغصة في صدورهم وقرحة في كبودهم وأسأل الله أن يظل لنا . (2)سعدا، ومرعاه للطاغوت سعدانا

هذا ولقد كنت منذ طبع الكتاب طبعته تلك إلى حين كتابة هذه السطور أنتظر أن يصلني نصح أو تنبيه،

وأتحرى أن أقع على ملحوظات أو وقفات؛ من كثير ممن أطالوا ألسنتهم فينا وفي دعوتنا، وفي هذا الكتاب، ورمونا

)( جزء من حديث رواه مسلم عن جندب بن عبد الله مرفوعا. 1 )( السعدان: شوك معروف، جاء في األحاديث أن كالليب جهنم2

على صفته.



وبهتونا بما لم يصدر عنا في يوم من األيام.. حتى خطب أحدهم خطبة جمعة في أحد مساجد الكويت فزعم أني

أقول بأني وحدي على ملة إبراهيم في هذا الزمان، وزعم أننا نكفر الناس جميعهم هكذا، ووصفنا بالخوارج

المعاصرين، وغير ذلك من االفتراءات التي ما عادتتنطلي إال على مقلدتهم العميان..

أما طلبة الحق الذين استنارت بصائرهم بنور الوحي،فإنهم يعرفون أن حالنا مع هؤالء كما قال الشاعر:

طويت أتاح لهاوإذا أراد الله نشر فضيلةلسان حسود

فرغم طول المدة التي نشر فيها الكتاب ورغم كثرة الخصوم والحساد، ووفرة الطاعنين والشانئين لم يصلني

طول هذه المدة رد أو نقد أو ملحوظات جادة حول الكتاب، وكل الذي وصلني شقشقات عامة من بعضالمخالفين نقلوها مشافهة عن شيوخهم هذا مجملها:

- قالوا إن الله وصف إبراهيم بأنه أواه حليم ألنه كان يجادل عن قوم لوط الكفار، وهذا مناف لعداوتهم التي

ذكرتم أنها من ثوابت هذه الملة. - وقالوا )ويا عجبا لما قالوا(: إننا مأمورون باتباع

وملته.. صلى الله عليه وسلمطريقة محمد أما ملة إبراهيم فهي من شرع من قبلنا وشرع من

قبلنا ليس شرعا لنا.. - وقالوا إن آية الممتحنة المذكورة فيها ملة إبراهيم مدنية، فهي نزلت في مرحلة كان للمسلمين فيها دولة،

وقرروا بذلك أن هذه الملة العظيمة إنما تظهر وتتبع فقطعند وجود الدولة..

- وقالوا إن حديث تكسير األصنام في مكة حديث ضعيف، وأوضعوا بذلك يبغون رد أهم ما جاء في الكتاب

بتضعيف ذلك الحديث. ولعل القارىء الفطن:



ينتقد علينا تنزلنا معهم للرد على مثل هذه األقاويلوالتي حقيقتها كما قال الشاعر: حقا وكل كاسر مكسورشبه تهافت كالزجاج تخالها

ولكنني ال أرى مع ذلك مانعا من التصدي لها مخافة أن تنطلي على البعض أو يتلقفها بعض األغرار، خاصة

وأنه لم يصلني غيرها، فأقول على وجه االختصار.. فلما ذهب}أما قوله تعالى عن إبراهيم: * أوال:

وع وجاءته البشرى يجادلنا في عن إبراهيم الر ]هود: {قوم لوط * إن إبراهيم لحليم أواه منيب

74-75 .] فليس فيه وجه داللة يرقع به المجادلون باطلهم فقد

روى أهل التفسير أن جدال إبراهيم عن قوم لوط، إنما كان ألجل لوط وليس ألجلهم فذكروا أنه لما سمع قول

]العنكبوت:{ إنا مهلكوا أهل هذه القرية}المالئكة: 31.]

قال: أرأيتم إن كان منهم خمسون من المسلمينأتهلكونهم؟

قالوا: ال قال: فأربعون؟

قالوا: القال: فعشرون؟

قالوا: الثم قال: فعشرة، فخمسة؟

قالوا: القال: فواحد؟

قالوا: ال



قال إن فيها لوطا. قالوا: نحن أعلم بمن} [.. اآلية، وهذا32 ]العنكبوت: {فيها لننجينه وأهله

الذي ذكره المفسرون تدل عليه آيات الكتاب.. فإن من أولى أنواع التفسير تفسير القرآن بالقرآن، فآية سورة هود األولى تفسرها آية العنكبوت المذكورة..

فهي مبينة مفسرة لها.. ولما جاءت رسلنا إبراهيم}قال تعالى:

بالبشرى قالوا إنا مهلكوا أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين * قال إن فيها لوطا قالوا

نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إال امرأته[.32-31]العنكبوت: {كانت من الغابرين

ثم هب أن جدال إبراهيم كان عن قوم لوط أنفسهم، أوليس المعرفة بحقيقة دعوة األنبياء؛ وأنهم كانوا أرحم

الناس بأقوامهم، تستلزم حمل ذلك الجدال على الحرصعلى هدايتهم قبل إهالكهم؟

أوليس الفقه السليم؛ يقتضي حمل مثل هذا الجدال صلى الله عليهالمطلق، وفهمه على ضوء قول النبي

، لما بعث الله إليه ملك الجبال ليأمره بما شاء فيوسلم بل): صلى الله عليه وسلمقومه، حين ردوا دعوته، فقال

أرجو أن يخرج الله من أصالبهم من يعبد الله وحده ال ، والحديث رواه الشيخان. (يشرك به شيئا أوليس األدب مع األنبياء وحسن الظن بهم يقتضي هذا الفهم، ويقتضي تنزيههم عن تلك األفهام السقيمة،

التي تضرب آيات الكتاب بعضها ببعض، وتشوه دعوة األنبياء وتزري بهم؛ إذ تجعلهم من المرقعين للباطل،

المجادلين عن الذين يختانون أنفسهم؟؟ وهم الذين ما بعثوا أصال إال للبراءة من الشرك

وأهله.. لكن هؤالء لما لم يجدوا في األدلة الصريحة ما يرقع

باطلهم صاروا إلى ما تهواه أنفسهم من النصوص المحتملة )ظنية الداللة(، وأولوها بأفهامهم السقيمة،

ليطعنوا بها في نحر النصوص المحكمة البينة القطعية، قد}كقوله تعالى في سورة الممتحنة بكل وضوح:

كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه



إذ قالوا لقومهم إنا برءاؤا منكم ومما تعبدون اآلية وتأمل كيف [...4]الممتحنة: {من دون الله

صدرها الله تعالى بأنها األسوة الحسنة لنا.. ثم أتبعها لقد كان لكم فيهم أسوة}بالتأكيد على ذلك، فقال:

[6 ]الممتحنة: {حسنة، لمن كان يرجوا الله... فانظر كيف أعرضوا عن هذا النص المحكم الواضح

الصريح، وحاصوا إلى آية سورة هود المتقدمة، والتي {يا إبراهيم أعرض عن هذا}يقول الله في آخرها:

فتدبر حال القوم كيف تالعبت بهم الشياطين، واحمدإلهك أن هداك إلى الحق المبين.

من خشيةواجعل لقلبك مقلتين كالهمــا الرحمن باكيتان

فالقلب بين أصابعلو شاء ربك كنت أيضا مثلهم الرحمن

أما قولهم، إن ملة إبراهيم من شرع من* ثانيا: قبلنا، وشرع من قبلنا ليس بشرع لنا، فهو من العجب

العجاب، إذ أين يذهب هؤالء بقوله تعالى الواضح الصريح: قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين}

معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم {العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده...

لقد كان لكم فيهم}[، إلى قوله تعالى: 4]الممتحنة: أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم اآلخر

]الممتحنة: {ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد6.]

ومن يرغب عن ملة}وأين يذهبون بقوله تعالى: [.130]البقرة: {إبراهيم إال من سفه نفسه

ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة}وبقوله عز وجل: ]النحل: {إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين

[، وكم من حديث صحيح في السنة، يوصي به النبي123 باتباع الحنيفية السمحة ملة أبيناصلى الله عليه وسلم

صلىإبراهيم، فالنصوص كثيرة وصريحة بأن طريقة النبي وأصل دعوته، كانت البراءة من الكفارالله عليه وسلم

ومعبوداتهم الزائفة وشرائعهم الباطلة، وهي عين طريقةإبراهيم عليه السالم وملته..



أي(األنبياء أوالد عالت)وفي الحديث المتفق عليه: أن أصلهم واحد وإن اختلفت فروعهم، وأعظم ما دندنا

حوله في هذا الكتاب، إنما هو أصل التوحيد ولوازمه من البراءة من الشرك والتنديد بأوليائه.. ومعلوم أن هذا

الباب ال نسخ فيه وال يقال فيه، إنه من شرع من قبلنا، ألن شريعة األنبياء جميعهم في أصل التوحيد والبراءة من

الشرك وأهله واحدة.. ولقد بعثنا في كل أمة رسوال أن}قال تعالى:

[، وقال36]النحل: {اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت وما أرسلنا من قبلك من رسول إال}سبحانه:

]األنبياء: {نوحي إليه أنه ال إله إال أنا فاعبدون شرع لكم من الدين ما وصى}[، وقال عز وجل: 25

به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به[.13]الشورى: ...{إبراهيم

أما قولهم إن آية الممتحنة مدنية نزلت لما* ثالثا: كان للمسلمين دولة..

فنقول قد أكمل الله لنا الدين وأتم علينا بذلك نعمته، فمن أراد اليوم أن يفرق بين ما أنزل الله، بحجة أن هذا

مدني وذاك مكي، فليأت ببرهان من الشرع على ما يريد، قل هاتوا برهانكم}وإال كان من الكاذبين، قال تعالى:

. {إن كنتم صادقين وفتح هذا الباب دون ضابط من الشرع أو دليل يدل عليه هو في الحقيقة فتح باب عظيم من الشر على دين

الله، وفيه تعطيل لكثير من أدلة الشريعة، ولو قال قائلهم: إن إظهار هذه الملة العظيمة وإعالنها منوط

باالستطاعة، لما تعرضنا له، لكنهم أرادوا إماتتها بحجة أنها مدنية، نزلت لما كان للمسلمين دولة.. مع أن إبراهيم

والذين معه عندما قالوها وصدعوا بها، كانوا مستضعفين ولم تكن لهم دولة، ومع ذلك بين الله أن لنا فيهم أسوة

حسنة لمن كان يرجو الله واليوم اآلخر.. ومعلوم أن النبي سار على طريقهم، فكان أهمصلى الله عليه وسلم

مهمات دعوته طوال حياته سواء المكية منها أو المدنية، الصدع بالتوحيد والبراءة من الشرك والتنديد، وما يتعلق

بذلك ويلزم عنه من عرى اإليمان الوثقى.. وسيرته صلوات الله وسالمه عليه شاهدة بذلك وقد ذكرنا لك

أمثلة منها في هذا الكتاب..



ثم هب جدال أن ما قالوه في آية الممتحنة المدنيةحقا.

قل يا}فهل سورة البراءة من الشرك كذلك؟؟ إلى قوله تعالى:{أيها الكافرون ال أعبد ما تعبدون

[.6-1 ]الكافرون: {لكم دينكم ولي دين} {تبت يدا أبي لهب وتب}وهل قوله تعالى:

[.. إلى آخر اآليات كذلك؟؟ وقوله تعالى:1]المسد: أفرأيتم الالت والعزى * ومناة الثالثة األخرى *}

ألكم الذكر وله األنثى * تلك إذا قسمة ضيزى * إن هي إال أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما

[.23-19 اآليات ]النجم: {أنزل الله بها من سلطان إنكم وما تعبدون من}ومثل ذلك قوله تعالى:

دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون * لو كان {هؤالء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون

[.6]األنبياء: ونحو ذلك من آيات الكتاب المكية وهي كثير..

وقد ذكرنا في هذا الكتاب قوله تعالى: واصفا نبيه: وإذا رءاك الذين كفروا إن يتخذونك إال هزوا}

[.36]األنبياء: ...{أهذا الذي يذكر آلهتكم : أي يبرأ منها ومن عابديها{ يذكر آلهتكم}فقوله:

ويكفر بها ويسفهها.. فهل هذا كله لم يكن إال في المدينةفقط..؟ كيف واآليات مكية؟؟ وأمثالها كثير..

صلى زعم بعضهم أن حديث تكسير النبي* رابعا: للصنم في مكة ضعيف، وظنوا أنهم بذلكالله عليه وسلم

يهدمون أهم ما جاء في الكتاب من معالم هذه الملةالعظيمة..

فنقول أوال: الحديث ثابت بإسناد حسن وهو مروي(.1/84في مسند اإلمام أحمد )

قال عبد الله حدثني أبي حدثنا أسباط بن محمد حدثنا نعيم بن حكيم المدائني عن أبي مريم عن علي

صلى الله عليهرضي الله عنه قال: "انطلقت أنا والنبي صلى اللهحتى أتينا الكعبة، فقال لي رسول اللهوسلم



اجلس. وصعد على منكبي فذهبت ألنهض): عليه وسلم صلى اللهبه، فرأى مني ضعفا، فنزل وجلس لي نبي الله

وقال: اصعد على منكبي، قال: فصعدت علىعليه وسلم منكبيه قال فنهض بي قال: فإنه يخيل إلي أني لو شئت لنلت أفق السماء حتى صعدت على البيت وعليه تمثال

صفر أو نحاس، فجعلت أزاوله عن يمينه وعن شماله وبين يديه ومن خلفه، حتى إذا استمكنت منه قال لي

: "اقذف به"، فقذفتصلى الله عليه وسلمرسول الله به، فتكسر كما تتكسر القوارير، ثم نزلت، فانطلقت أنا

نستبق حتى تواريناصلى الله عليه وسلمورسول الله .(بالبيوت خشية أن يلقانا أحد من الناس

قلت: أسباط بن محمد: ثقة، إنما ضعف في الثوري،وهو هنا لم يروه عنه.

ونعيم بن حكيم المدائني: وثقه يحيى بن معين(.13/303والعجلي كما في تاريخ بغداد )

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل في المسند أيضا ) (: حدثني نصر ابن علي، ثنا عبد الله بن داود، عن1/151

كان على)نعيم بن حكيم، عن علي رضي الله عنه قال: صلى الله عليه وسلمالكعبة أصنام فذهبت ألحمل النبي

إليها فلم أستطع فحملني فجعلت أقطعها ولو شئت لنلت.(السماء

(6/23وأورد الهيثمي الحديث في مجمع الزوائد ) األصنام( وقال عقبة:صلى الله عليه وسلم )باب تكسيره

)رواه أحمد وابنه أبو يعلى والبزار، زاد بعد قوله حتى استترنا بالبيوت: فلم يوضع عليها بعد؛ يعني شيئا من تلك

األصنام( قال: )ورجال الجميع ثقات(. ،13/302وقال الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد )

(: حدثنا أبو نعيم الحافظ إمالء، حدثنا أبو بكر أحمد303 بن يوسف بن خالد، حدثنا محمد بن يونس، حدثنا عبد الله

بن داود الخريبي، عن نعيم بن حكيم المدائني، قال انطلق)حدثني أبو مريم عن علي ابن أبي طالب، قال:

إلى األصنام فقال:صلى الله عليه وسلمبي رسول الله فجلست إلى جنب الكعبة ثم صعد رسول الله(اجلس)

انهض بي إلى) على منكبي ثم قال: صلى الله عليه وسلم ، فنهضت فلما رأى ضعفي تحته قال: اجلس،(الصنم

صلى اللهفجلست وأنزلته عني وجلس لي رسول الله



(يا علي اصعد على منكبي) ثم قال لي: عليه وسلم صلى اللهفصعدت على منكبيه، ثم نهض بي رسول الله

، فلما نهض خيل إلي أني لو شئت نلتعليه وسلم صلىالسماء وصعدت على الكعبة، وتنحى رسول الله

، فألقيت صنمهم األكبر - صنم قريش -الله عليه وسلم وكان من نحاس موتدا بأوتاد من حديد إلى األرض، فقال

فعالجته(عالجه): صلى الله عليه وسلملي رسول الله صلى الله عليه وسلمفما زلت أعالجه ورسول الله

، فلم أزل أعالجه حتى استمكنت(إيه، إيه، إيه)يقول: .(منه، فقال: "دقه" فدققته وكسرته، ونزلت

قلت: أبو مريم: هو قيس الثقفي المدائني، يروي عن علي وعنه نعيم بن حكيم، ذكره ابن حبان في الثقات،

وهم)ووثقه النسائي، ولكنه كما قال الحافظ ابن حجر: في قوله أن أبا مريم الحنفي يسمى قيسا، والصواب أن

الذي يسمى قيسا هو أبو مريم الثقفي.. إلى أن قال: على أن النسخة التي وقفت عليها من كتاب التمييز

للنسائي إنما فيه أبو مريم قيس الثقفي نعم ذكره في التمييز.. وأما أبو مريم الحنفي فلم يذكره النسائي ألنه

اهـ.( لم يذكر إال من عرفه والذين تكلموا في الحديث خلطوا بين الرجلين..

فتنبه لهذا.. وقد وثقه أيضا الحافظ الذهبي في الكاشف ) ( وذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل،3/376

والبخاري في التاريخ الكبير، ولم يذكر فيه جرحا وال تعديال.. فهو غير الحنفي وغير الكوفي أيضا راجع ميزان

(.4/573االعتدال ) والحديث صححه العالمة أحمد شاكر فقال في

(: "إسناده صحيح، نعيم بن2/58هامش تحقيقه للمسند ) حكيم وثقه ابن معين وغيره وترجم له البخاري في

فلم يذكر فيه جرحا، أبو مريم: هو4/2/99التاريخ الكبير الثقفي المدائني، وهو ثقة وترجم له البخاري أيضا )

قال: ومن الواضح أن ( فلم يذكر فيه جرحا...4/1/151هذه القصة كانت قبل الهجرة" اهـ.

أقول: ومع هذا فقد قلنا في هذا الكتاب بعد أن سقنا الحديث: )ومع ذلك نقول لو سلمنا جدال أنه لم يصح عن

تحطيم األصنام في مكة زمنصلى الله عليه وسلمالنبي االستضعاف، فإنه صلوات الله وسالمه عليه كان متبعا لملة إبراهيم أشد االتباع آخذا بها بقوة، فما داهن الكفار



لحظة واحدة وما سكت عن باطلهم أو عن آلهتهم، بل كان همه وشغله الشاغل في تلك الثالث عشرة سنة، بل

{اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}وغيرها هو: [، فال يعني كونه جلس بينها تلك الثالث عشرة36]النحل:

سنة، أنه مدحها أو أثنى عليها أو أقسم على احترامها...( إلى قولنا: )بل كان يعلن براءته من المشركين وأعمالهم، ويبدي كفره بآلهتهم رغم استضعافه واستضعاف أصحابه،

وقد فصلنا لك هذا فيما مضى ولو تأملت القرآن المكيلوضح لك من ذلك الكثير.. إلخ(.

فالمسألة إذن ليست كما يظنها هؤالء القوم، موقوفة على حديث فرد يقضى عليها بتضعيفه، بل لها شواهد

عظيمة، وبراهين صريحة، وأصول ثابتة، وقواعد راسيةمن أدلة الشرع، ال يقوى على ردها إال مكابر جاحد.

أحد ولو جمعت لهفالحق ركن ال يقوم لهده الثقالن

ولعل في هذا القدر الكفاية لمن أراد الهداية. وقبل أن أختم هذه المقدمة أحب أن أضيف إليها،

بأنني كنت قد ناظرت في السجن بعض أفراد حزب سياسي إرجائي معروف، حول موضوع )اإليمان(

ومتعلقاته.. وكان فيهم رأس من رؤوسهم، فكان فيما احتج به ترقيعا لعساكر الشرك والقانون، قصة حاطب بن أبي

بلتعة، وقصة أبي لبابة األنصاري، فزعم أن حاطب تجسس للكفار وواالهم، وأن أبا لبابة خان الله والرسول،

(3)صلى الله عليه وسلمومع ذلك لم يكفرهما رسول الله

ومن ثم قاس حرابه عساكر الشرك والقانون للشريعة وعداوتهم ألهلها، على فعل هذين الصحابيين الجليلين.

وخرج من ذلك بأن أنصار الطواغيت وعساكرهم، الذين يفنون أعمارهم في حراسة الشرك والقانون، وحفظ

عروش الطواغيت وحرب الشريعة وأهلها، ال يجوز تكفيرهم، ألن جرائمهم ال تعدوا فعل حاطب أو فعل أبي لبابة..! بل زاد على ذلك أن استشاط غضبا لما نقلنا عنه

)( وقد كتبت ردا على مقالتهم هذه، في رسالة من رسائل3 السجن سميتها: "الشهاب الثاقب في الرد على من افترى على

الصحابي حاطب".



أنه ال يكفر عساكر الشرك والقانون، بل يقول عنهم ظلمة وفجار، فثار لذلك واتهمنا بأننا غيرنا سياق كالمه،

فهو كما قال لم يصفهم بأنهم ظلمة وفجار، هكذا بإطالق، وإنما قال في سياق الدفع عن تكفيرهم: "قد يكون

بعضهم ظلمة أو فجارا" أي بحسب حال آحادهم، ال بسبب طبيعة عملهم، ونصرتهم للطواغيت وحربهم للشريعة

وأهلها.. فقلت لهم: عجبا لكم تتحرجون من وصف جند

الطواغيت وعساكر الشرك والتنديد بالظلم والفجور، وال تتحرجون من القول عن حاطب: والى الكفار وتجسس

لهم، وعن أبي لبابة: خان الله والرسول!! وكان هذا فراقبيننا وبينهم..

ولما حاول بعض اإلسالميين في السجن أن يجمعوا ويصلحوا بيننا، جرى بيننا وبينهم بعض الكالم، فوجدناهم

على ما كانوا عليه من المقال، فقلت لهم: )أنا لست على صحبتكم بحريص، ألنكم ال تتحرجون من الكالم في بعض

ووصفهم بالخيانة،صلى الله عليه وسلمأصحاب النبي بينما تتحرجون من وصف أعداء الله وجند الطواغيت

بالظلم والفجور.. لذا فلسنا والله حريصون على صحبتكم وإنما نداريكم ونتجنب االنشغال بكم، ألننا في سجن وبين

وهنا غضب ناطقهم وأخرج ما كان(4)أعداء الله تعالى يكنه في صدره وقال: )أنت أصال رجل تدعو إلى ملة

إبراهيم، والذي يدعو إلى ملة إبراهيم رجل مشبوه سياسيا، يدعو إلى الذي يصالح اليهود والنصارى، الذين

هم من أبناء إبراهيم( أهـ - وما سقت القصة هنا إال ألجلهذا، وهو محل الشاهد منها..

فال أدري ما أقول في هذا؟؟ وبأي شيء أرد على أناس يرومون إقامة الخالفة،

وهم ال يميزون بين مقولة )أبناء إبراهيم( التي يروج لها4 )( مع العلم أنهم كانوا في السجن سلما على أعداء الله حربا

على دعوة التوحيد بل ويصلون خلف عساكر الشرك والقانون دونما إكراه، فنحن نقيم الجمعة والجماعة وحدنا ويصلي معنا سجناء آخرين، أما هؤالء فيصلون خلف أهل الشرك والتنديد،

ويبادرونهم بالسالم واإلكرام وبعضهم يقبلهم ويهنئهم بالمناسبات واألعياد، بل رأينا ممن ينتسبون للدعوة إلى اإلسالم من يهنئهم

على رتبهم الطاغوتية الكفرية.



الطواغيت اليوم ليؤاخوا اليهود ويصالحوهم، وهي مقولة يراد بها هدم عرى اإليمان، وتمييع أصل الدين، ودك

قواعد الوالء والبراء.. وقد رد الله تعالى عليهم فقال: ما كان إبراهيم يهوديا وال نصرانيا ولكن كان}

]آل{حنيفا مسلما وما كان من المشركين[.67عمران:

فال يميزون بين هذه المقولة وبين )ملة إبراهيم( التي فرقت بين اآلباء واألبناء، إذ هي الفرقان بين أولياء

الرحمن وأولياء الشيطان، والتي قال الله تعالى عنها في ومن يرغب عن ملة إبراهيم إال من}القرآن:

[.130.. ]البقرة: {سفه نفسه وقد فصلناها لك في هذا الكتاب.. فتأملها وال تلتفت

إلى شغب المخالفين.. وهكذا أخا التوحيد.. ولألسف الشديد فإنني طوال

المدة السابقة من طباعة الكتاب لم يصلني من المخالفين المجادلين الطاعنين فينا وفي دعوتنا إال أمثال هذه المهاترات التي ما كان ينبغي لنا أن نتنزل معهم في

الرد عليها.. لوال معرفتنا ألحوال أهل زماننا، واندراس أعالم ومعالم هذه الملة العظيمة بينهم، وأن فيهم

سماعون ألهل الزيغ الذين وصفهم الله تعالى في مطلعسورة آل عمران..

فأسأله تعالى أن ينصر دينه ويكبت أعدائه.. وأن يستعملنا ما حيينا في نصرة هذه الملة، ويجعلنا من جندها وعساكرها ويتقبل منا ويختم لنا بالشهادة في

سبيله.. إنه جواد كريم. وصلى الله على نبيه محمد وعلى آله وصحبه

أجمعين.. أبو محمد



بسم الله وهو حسبي ونعم الوكيل

فصلفي بيان ملة إبراهيم

ومن يرغب عن}يقول تعالى عن ملة إبراهيم: ]سورة البقرة:{ملة إبراهيم إال من سفه نفسه

130.] صلى الله عليهويقول أيضا مخاطبا نبيه محمد

ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم} وسلم: ]سورة النحل:{حنيفا وما كان من المشركين

123.] بهذه النصاعة، وبهذا الوضوح بين الله تعالى لنا

فالطريق الصحيح والمنهاج القويم.. المنهاج والطريق... ال غموض في ذلك وال التباس، ومن هو ملة إبراهيم...

يرغب عن هذه الطريق بحجة مصلحة الدعوة أو أن سلوكها يجر فتنا وويالت على المسلمين، أو غير ذلك من

المزاعم الجوفاء.. التي يلقيها الشيطان في نفوس ضعفاء اإليمان - فهو سفيه، مغرور يظن نفسه أعلم

بأسلوب الدعوة من إبراهيم عليه الصالة والسالم الذي {ولقد آتينا إبراهيم رشده}زكاه الله فقال:

ولقد اصطفيناه في الدنيا}[، وقال: 51]األنبياء: [،130 ]البقرة: {وإنه في اآلخرة لمن الصالحين

وزكى دعوته لنا وأمر خاتم األنبياء والمرسلين باتباعها، وجعل السفاهة وصفا لكل من رغب عن طريقه ومنهجه.

وملة إبراهيم هي: * إخالص العبادة لله وحده، بكل ما تحويه كلمة

.(5)العبادة من معان )( ولن يستطيع العبد مواجهة الشرك وأهله ولن يقوى على التبرؤ5

منهم وإظهار العداوة لباطلهم إال بعبادة الله حق عبادته، ولقد أمر بتالوة القرآنصلى الله عليه وسلمالله عز وجل نبيه محمدا

وقيام الليل في مكة وأعلمه بأن ذلك هو الزاد الذي يعينه على }إنا سنلقي عليكتحمل أعباء الدعوة الثقيلة وذلك قبل قوله:

}يا أيها المزمل قم الليل[، فقال: 5 ]المزمل: قوال ثقيال{



* والبراءة من الشرك وأهله. يقول اإلمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله

تعالى: "أصل دين اإلسالم وقاعدته أمران: األمر بعبادة الله وحده ال شريك له األول:

والتحريض على ذلك والمواالة فيه وتكفير من تركه. اإلنذار عن الشرك في عبادة الله والتغليظالثاني:

في ذلك والمعاداة فيه وتكفير من فعله"اهـ. وهذا هو التوحيد الذي دعا إليه الرسل صلوات الله

وسالمه عليهم أجمعين.. وهو معنى ال إله إال الله. إخالص وتوحيد وإفراد لله عز وجل في العبادة والوالء لدينه وألوليائه، وكفر وبراءة من كل معبود سواه ومعاداة

أعدائه.. فهو توحيد اعتقادي وعملي في آن واحد.. فسورة

اإلخالص دليل على االعتقادي منه وسورة الكافرون دليل على العملي، وكان النبي صلوات الله وسالمه عليه يكثر

إال قليال، نصفه أو انقص منه قليال أو زد عليه ورتل [، فقام صلوات الله وسالمه عليه4-1 ]المزمل: القرآن ترتيال{

وقام معه أصحابه حتى تفطرت أقدامهم.. إلى أن أنزل سبحانهالتخفيف في آخر اآليات.

وإن هذا القيام بتالوة آيات الله عز وجل وتدبر كالمه.. لخير زاد ومعين للداعي، يثبته ويعينه على مشاق الدعوة وعقباتها.. وإن

الذين يظنون أنفسهم قادرين على تحمل الدعوة العظيمة بأعبائها الثقيلة بدون إخالص العبادة لله عز وجل وبدون إطالة ذكره

وتسبيحه لمخطئون وواهمون.. وإن ساروا خطوات، فلن يستطيعوا مواصلة الطريق الصحيح المستقيم بغير زاد.. وإن خير

الزاد التقوى.. ولقد وصف الله عز وجل أصحاب هذه الدعوة والذين أمر نبيه

صلوات الله وسالمه عليه أن يصبر نفسه معهم بأنهم يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، وبأنهم قليال من الليل ما يهجعون..

وتتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا.. ويخافون من ربهم يوما عبوسا قمطريرا.. وغير ذلك من الصفات التي ال يصلح لهذه الدعوة وتحمل أعبائها إال من اتصف بها، جعلنا

الله تعالى وإياك منهم، فتنبه!!



من القراءة بهاتين السورتين ويداوم عليهما في سنةالفجر وغيرها.. ألهميتهما البالغة.

وقد يظن ظان أن ملة إبراهيم- تنبيه ال بد منه: هذه تتحقق في زماننا هذا بدراسة التوحيد، ومعرفة أقسامه وأنواعه الثالثة معرفة نظرية وحسب.. مع

السكوت عن أهل الباطل وعدم إعالن وإظهار البراءة منباطلهم.

فلمثل هؤالء نقول: لو أن ملة إبراهيم كانت هكذا لما ألقاه قومه من أجلها في النار، بل ربما لو أنه داهنهم وسكت عن بعض باطلهم ولم يسفه آلهتهم وال أعلن العداوة لهم واكتفى بتوحيد نظري يتدارسه مع أتباعه

تدارسا ال يخرج إلى الواقع العملي متمثال بالوالء والبراء والحب والبغض والمعاداة والهجران في الله. ربما لو أنه

فعل ذلك لفتحوا له جميع األبواب، بل ربما أسسوا له مدارس ومعاهد كما في زماننا يدرس فيها هذا التوحيد النظري.. ولربما وضعوا عليها الفتات ضخمة وسموها: مدرسة أو معهد التوحيد، وكلية الدعوة وأصول الدين..

وما إلى ذلك.. فهذا كله ال يضرهم، وال يؤثر فيهم ما دام ال يخرج إلى الواقع والتطبيق.. ولو خرجت لهم هذه

الجامعات والمدارس والكليات آالف األطروحات ورسائل الماجستير والدكتوراه في اإلخالص والتوحيد والدعوة..

لما أنكروا ذلك عليها، بل لباركوها ومنحوا أصحابها جوائز وشهادات وألقابا ضخمة، ما دامت ال تتعرض لباطلهم

وحالهم وواقعهم وما دامت على ذلك الحال الممسوخ. * يقول الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن في

ال يتصور أن -أحدا- يعرف التوحيد ويعمل)الدرر السنية: به وال يعادي المشركين ومن لم يعادهم ال يقال له عرف

.167 أهـ. جزء الجهاد ص(التوحيد وعمل به لو أنهصلى الله عليه وسلموكذلك رسول الله

سكت في بادىء األمر عن تسفيه أحالم قريش والتعرض آللهتهم وعيبها ولو أنه "حاشاه" كتم اآليات التي فيها

تسفيه لمعبوداتهم كالالت والعزى ومناة الثالثة األخرى.. واآليات التي تتعرض ألبي لهب والوليد وغيرهما.. وكذا

وما أكثرها آيات البراءة منهم ومن دينهم ومعبوداتهم - كسورة )الكافرون( وغيرها.. لو فعل ذلك.. وحاشاه من

ذلك.. لجالسوه وألكرموه وقربوه.. ولما وضعوا على رأسه سلى الجزور وهو ساجد، ولما حصل له ما حصل



من أذاهم مما هو مبسوط ومذكور في الثابت من السيرة.. ولما احتاج إلى هجرة وتعب ونصب وعناء..

ولجلس هو وأصحابه في ديارهم وأوطانهم آمنين.. فقضية مواالة دين الله وأهله ومعاداة الباطل وأهله فرضت على

المسلمين في فجر دعوتهم قبل فرض الصالة والزكاة والصوم والحج، ومن أجلها ال لغيرها حصل العذاب واألذى

واالبتالء. * يقول الشيخ حمد بن عتيق في رسالة له في الدرر

فليتأمل العاقل وليبحث الناصح لنفسه عن)السنية: صلى اللهالسبب الحامل لقريش على إخراج رسول الله

وأصحابه من مكة وهي أشرف البقاع، فإنعليه وسلم المعلوم أنهم ما أخرجوهم إال بعدما صرحوا لهم بعيب

صلى الله عليه وسلمدينهم وضالل آبائهم، فأرادوا منه الكف عن ذلك وتوعدوه وأصحابه باإلخراج، وشكا إليه

أصحابه شدة أذى المشركين لهم، فأمرهم بالصبر والتأسي بمن كان قبلهم ممن أوذي، ولم يقل لهم اتركوا

عيب دين المشركين وتسفيه أحالمهم، فاختار الخروج بأصحابه ومفارقة األوطان مع أنها أشرف بقعة على وجه

لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}األرض .199 أهـ. من جزء الجهاد ص {كثيرا لمن كان يرجو الله واليوم اآلخر وذكر الله وهكذا فإن الطواغيت في كل زمان ومكان ال

يظهرون الرضا عن اإلسالم أو يهادنونه ويقيمون له المؤتمرات وينشرونه في الكتب والمجالت ويؤسسون له المعاهد والجامعات إال إذا كان دينا أعور أعرج مقصوص

الجناحين بعيدا عن واقعهم وعن مواالة المؤمنين والبراءة من أعداء الدين وإظهار العداوة لهم ولمعبوداتهم

ومناهجهم الباطلة. وإننا لنشاهد هذا واضحا في الدولة المسماة

"السعودية" فإنها تغر الناس بتشجيعها للتوحيد وكتب التوحيد، وبسماحها بل وحثها للعلماء على محاربة القبور

والصوفية وشرك التمائم والتوله واألشجار واألحجار.. وغير ذلك مما ال تخشاه وال يضرها أو يؤثر في سياساتها الخارجية والداخلية.. وما دام هذا التوحيد المجزأ الناقص بعيدا عن السالطين وعروشهم الكافرة فإنه يتلقى منهم

وإال فأين كتابات جهيمان الدعم والمساندة والتشجيع... وأمثاله رحمه الله تعالى التي تمتلىء وتزخر بالتوحيد؟ لماذا لم تدعمها الحكومة وتشجعها؟؟ رغم أنه لم يكن



يكفرها في تلك الكتابات.. أم أنه توحيد يخالف أمزجة )الطغاة( وأهواءهم ويتكلم بالسياسة ويتعرض للوالء

والبراء والبيعة واإلمارة. وراجع كالمه في مختصر رسالة 110 إلى 108األمر بالمعروف والنهي عن المنكر من ص

من الرسائل السبع، فقد وجدته متبصرا في هذه القضيةرحمه الله تعالى.

يقول الشيخ العالمة حمد بن عتيق رحمه الله في كتابه سبيل النجاة والفكاك من مواالة المرتدين وأهل

إن كثيرا من الناس قد يظن أنه إذا قدر على)اإلشراك: أن يتلفظ بالشهادتين وأن يصلي الصلوات الخمس، وال يرد عن المسجد فقد أظهر دينه وإن كان مع ذلك بين

المشركين أو في أماكن المرتدين، وقد غلطوا في ذلكأقبح الغلط.

واعلم أن الكفر له أنواع وأقسام بتعدد المكفرات وكل طائفة من طوائف الكفر قد اشتهر عندها نوع منه،

وال يكون المسلم مظهرا لدينه حتى يخالف كل طائفة بما أهـ.(اشتهر عندها ويصرح لها بعداوته، والبراءة منه..

وإظهار الدين:)ويقول أيضا في الدرر السنية: تكفيرهم وعيب دينهم والطعن عليهم والبراءة منهم

والتحفظ من موادتهم والركون إليهم واعتزالهم، وليس أهـ. من جزء الجهاد(فعل الصلوات فقط إظهارا للدين

.196ص ويقول الشيخ سليمان بن سحمان في ديوان عقود

: -77، 76الجواهر المنضدة الحسان ص بالكفر إذ همإظهار هذا الدين تصريح لهـم معشر كفــار يا للعقول أما لكموعداوة تبدو وبغض ظاهــر

أفكـــار والحـب منه وماهـذا وليس القلب كاف بغضههو المعيار

لكنما المعيار أن تأتي بـــه جهـرا وتصريحالهم وجهار



ويقول الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن في جزء ودعوى من أعمى الله): 141الجهاد من الدرر السنية ص

بصيرته وزعم أن إظهار الدين هو عدم منعهم من يتعبد أو يدرس دعوى باطلة، فزعمه مردود عقال وشرعا، وليهن من كان في بالد النصارى والمجوس والهند ذلك الحكم

الباطل، ألن الصالة واآلذان والتدريس موجود في أهـ.(بلدانهم..

ورحم الله من قال: وفعــل صالةيظنون أن الدين لبيك في الفــالوالسكوت عن المال

وما الدين إالوسالم وخالط من لذا الدين قد قالالحب والبغض والوال

كذاك البرا من كل غاو وآثم إذا)* ويقول أبو الوفاء بن عقيل رحمه الله تعالى:

أردت أن تعرف محل اإلسالم من أهل الزمان، فال تنظر إلى ازدحامهم في أبواب المساجد وال في ضجيجهم بلبيك

ولكن انظر إلى مواطأتهم ألعداء الشريعة، فاللجا اللجا إلى حصن الدين واالعتصام بحبل الله المتين، واالنحياز

إلى أوليائه المؤمنين، والحذر الحذر من أعدائه المخالفين، فأفضل القرب إلى الله تعالى، مقت من حاد (الله ورسوله وجهاده باليد واللسان والجنان بقدر اإلمكان

.238أهـ من الدرر السنية - جزء الجهاد ص وفي مقابل هذه البراءة من الشركتنبيه ثان:

وأهله.. هناك أيضا: )مواالة دين الله وأوليائه ونصرتهم ومؤازرتهم والنصح لهم وإبداء ذلك وإظهاره( حتى تتآلف القلوب وتتراص الصفوف، ومهما عنفنا إخواننا الموحدين

المنحرفين عن جادة الصواب ومهما شددنا في النصح لهم ونقد طرائقهم المخالفة لطريق األنبياء.. فالمسلم للمسلم كما يقول شيخ اإلسالم كاليدين تغسل إحداهما األخرى، وربما احتاج إزالة الوسخ أحيانا إلى شيء من

الشدة التي تحمد عاقبتها، ألن المقصود من ورائها اإلبقاء على سالمة اليدين ونظافتهما.. وال نستجيز بحال من

األحوال التبرؤ منهم بالكلية، ألن للمسلم على أخيه حق المواالة التي ال تنقطع إال بالردة والخروج من دائرة اإلسالم.. وقد عظم الله سبحانه من شأن هذا الحق



إال تفعلوه تكن فتنة في األرض وفساد}فقال: [. والمسلم المنحرف إنما يتبرأ من73 ]األنفال: {كبير

باطله أو بدعته وانحرافه مع بقاء أصل المواالة.. ألم تر أن أحكام قتال البغاة وأمثالهم.. تختلف مثال عن أحكام

وال نقر أعين الطغاة ونفرحهم بعكس قتال المرتدين... ذلك أبدا، كما يفعل كثير من المنتسبين إلى اإلسالم ممن اختل لديهم ميزان الوالء والبراء في هذا الزمان، فبالغوا في البراءة والشماتة من مخالفيهم الموحدين والتحذير

منهم بل ومن كثير من الحق الذي عندهم وربما على صفحات الجرائد النتنة المعادية لإلسالم والمسلمين ناهيك

عن إغراء السفهاء والحكام بهم وبدعواتهم.. حتى ليشارك كثير من هؤالء الدعاة أولئك الحكام بالقضاء

عليهم وعلى دعواتهم بإلصاق التهم الباطلة بهم أو ترقيع الفتاوى للطواغيت لقمعهم، كأن يقولوا عنهم: بغاة أو

خوارج أو أخطر على اإلسالم من اليهود والنصارى، إلى غير ذلك.. وأعرف كثيرا ممن يفرح بوقوع من يخالفهم

من المسلمين بأيدي الطغاة، ويقولون: )يستاهل( أو )زين يسوون فيه( إلى غير ذلك من الكلمات التي ربما تهوي

بأحدهم في جهنم سبعين خريفا من حيث ال يدري وهو اليلقي لها باال.

واعلم أن من أخص خصائص ملة إبراهيم ومن أهم مهماتها التي نرى غالبية دعاة زماننا مقصرين فيها تقصيراعظيما بل أكثرهم هجرها وأماتها: -

- إظهار البراءة من المشركين ومعبوداتهم الباطلة. - وإعالن الكفر بهم وبآلهتهم ومناهجهم وقوانينهم

وشرائعهم الشركية. - وإبداء العداوة والبغضاء لهم وألوضاعهم وألحوالهم

الكفرية حتى يرجعوا إلى الله، ويتركوا ذلك كله ويبرأوامنه ويكفروا به. قد كانت لكم أسوة حسنة في}قال تعالى:

إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا

بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا[.4]الممتحنة: { بالله وحده



لما نهى الله تعالى)* يقول العالمة ابن القيم: المؤمنين عن مواالة الكفار اقتضى ذلك معاداتهم أهـ.(والبراءة منهم ومجاهرتهم بالعدوان في كل حال

(.3/69من بدائع الفوائد ) * ويقول الشيخ حمد بن عتيق رحمه الله تعالى:

أي ظهر وبان، وتأمل تقديم العداوة{وبدا}فقوله: ) على البغضاء، ألن األولى أهم من الثانية، فإن اإلنسان قد يبغض المشركين وال يعاديهم فال يكون آتيا بالواجب عليه

حتى تحصل منه العداوة والبغضاء، وال بد أيضا من أن تكون العداوة والبغضاء باديتين ظاهرتين بينتين. واعلم أنه

وإن كانت البغضاء متعلقة بالقلب، فإنها ال تنفعه حتى تظهر آثارها وتتبين عالماتها، وال تكون كذلك حتى تقترن

بالعداوة والمقاطعة، فحينئذ تكون العداوة والبغضاء أهـ. "من سبيل النجاة والفكاك من مواالة(ظاهرتين

المرتدين وأهل اإلشراك". وال يكفي)* ويقول الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن:

بغضهم بالقلب، بل ال بد من إظهار العداوة والبغضاء - وذكر آية الممتحنة السابقة ثم قال- فانظر إلى هذا البيان

أي ظهر،{بدا بيننا}الذي ليس بعده بيان، حيث قال: هذا هو إظهار الدين فال بد من التصريح بالعداوة

وتكفيرهم جهارا والمفارقة بالبدن، ومعنى العداوة أن تكون في عدوة والضد في عدوة أخرى كما أن أصل

البراءة المقاطعة بالقلب واللسان والبدن، وقلب المؤمن ال يخلو من عداوة الكافر، وإنما النزاع في إظهار

جزء الجهاد.141 أهـ. من الدرر ص(العداوة... * ويقول الشيخ العالمة عبد الرحمن بن حسن بن

الشيخ محمد بن عبد الوهاب )صاحب كتاب فتح المجيد( فمن تدبر هذه اآليات عرف)حول آية الممتحنة السابقة:

التوحيد الذي بعث الله به رسله وأنزل به كتبه وعرف حال المخالفين لما عليه الرسل وأتباعهم من الجهلة يعني المغرورين األخسرين قال شيخنا اإلمام رحمه الله –

صلى- في سياق دعوة النبي جده محمد بن عبد الوهاب قريشا إلى التوحيد وما جرى منهم عندالله عليه وسلم

ذكر آلهتهم بأنهم ال ينفعون وال يضرون أنهم جعلوا ذلك فإذا عرفت هذا عرفت أن اإلنسان ال يستقيم له"شتما،

(6)إسالم ولو وحد الله وترك الشرك إال بعداوة المشركين

)( انظر الهامش التالي. 6



ال تجد}والتصريح لهم بالعداوة والبغضاء كما قال تعالى: قوما يؤمنون بالله واليوم اآلخر يوادون من حاد

[ اآلية، فإذا فهمت هذا22 ]المجادلة: {الله ورسوله... فهما جيدا عرفت أن كثيرا ممن يدعي الدين ال يعرفه،

وإال فما الذي حمل المسلمين على الصبر على ذلك العذاب واألسر والهجرة إلى الحبشة مع أنه أرحم الناس

ولو وجد لهم رخصة أرخص لهم، كيف وقد أنزل الله ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي}عليه:

]العنكبوت:{في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله [ فإذا كانت هذه اآلية فيمن وافق بلسانه فكيف بغير10

ذلك"؛ يعني من وافقهم بالقول والفعل بال أذى فظاهرهم وأعانهم وذب عنهم وعن من وافقهم وأنكر على من

وأنا93- جزء الجهاد ص الدرر خالفهم كما هو الواقع" -أقول لهم: لله درك كأنك تتكلم في زماننا...

* ويقول الشيخ محمد بن عبد اللطيف في الدرر السنية: اعلم وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى أنه ال

يستقيم للعبد إسالم وال دين إال بمعاداة أعداء الله يا}، ومواالة أولياء الله ورسوله قال تعالى: (7)ورسوله

أيها الذين آمنوا ال تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء [ أهـ.23 ]التوبة: {إن استحبوا الكفر على اإليمان

.208من جزء الجهاد ص وهذا هو دين جميع المرسلين.. وهذه هي دعوتهم

وطريقتهم كما تدل عليه عموم آيات القرآن وأخبار النبي .. وكذلك قوله تعالى في آيةصلى الله عليه وسلم

أي المرسلين الذين على{والذين معه}الممتحنة هذه دينه وملته.. قاله غير واحد من المفسرين.

)( إن أريد أصل العداوة فالكالم على إطالقه، وإن أريد عموم7 العداوة؛ إظهارها وتفاصيلها والصدع بها، فالكالم في استقامة

اإلسالم ال في زوال أصله، وللشيخ عبد اللطيف في كتابه "مصباح الظالم" تفصيل حول هذا الموضوع، فليراجعه من شاء، وفيه

فالذي يفهم تكفير من لم يصرح بالعداوة من كالم الشيخ)قوله: أهـ. وسيأتي تفصيل كالمه الحقا في(فهمه باطل ورأيه ضال..

هذه األوراق، ونحن إنما أوردنا مقوالتهم في هذا الفصل لبيان أهمية هذا األصل الذي طمست معالمه عند أكثر دعاة هذا الزمان.

- لنسد الطريق رغم وضوح الكالم ثم ألحقنا هذه التوضيحات - على من يحاولون الصيد في الماء العكر؛ فيبحثون عن عمومات

وأشياء ترقع لهم رمينا بعقيدة الخوارج.



* ويقول الشيخ محمد بن عبد اللطيف بن عبد وهذا هو إظهار الدين ال كما يظن الجهلة من)الرحمن:

أنه إذا تركه الكفار وخلوا بينه وبين أن يصلي ويقرأ القرآن ويشتغل بما شاء من النوافل أنه يصير مظهرا لدينه هذا غلط فاحش فإن من يصرح بالعداوة للمشركين

والبراءة منهم ال يتركونه بين أظهرهم بل إما قتلوه وإما أخرجوه إن وجدوا إلى ذلك سبيال كما ذكره الله عن

وقال الذين كفروا لرسلهم}الكفار قال تعالى: {لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا

[ اآلية. وقال إخبارا عن قوم شعيب:13]إبراهيم: لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من}

[ اآلية.88 ]األعراف: {قريتنا أو لتعودن في ملتنا إنهم إن يظهروا}وذكر عن أهل الكهف أنهم قالوا:

عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن [ وهل اشتدت العداوة20 ]الكهف: {تفلحوا إذا أبدا

بين الرسل وقومهم إال بعد التصريح بمسبة دينهم وتسفيه.207 أهـ. الدرر - جزء الجهاد ص(أحالمهم وعيب آلهتهم

* ويقول الشيخ سليمان بن سحمان عند آية فهذه هي ملة إبراهيم التي قال الله)الممتحنة أيضا:

ومن يرغب عن ملة إبراهيم إال من سفه}فيها: [، فعلى المسلم أن يعادي أعداء130 ]البقرة: {نفسه

الله ويظهر عداوتهم ويتباعد عنهم كل التباعد وأن ال ، جزء221 أهـ ص(يواليهم وال يعاشرهم وال يخالطهم...

الجهاد - الدرر السنية. وأخبر الله تعالى عن إبراهيم عليه السالم في موضع

قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون * أنتم}آخر: وآباؤكم األقدمون * فإنهم عدو لي إال رب

[.76-75 ]الشعراء: {العالمين وإذ قال}وفي موضع ثالث يقول سبحانه:

إبراهيم ألبيه وقومه إنني براء مما تعبدون إال[.27 ]الزخرف: {الذي فطرني فإنه سيهدين

* يقول الشيخ العالمة عبد الرحمن بن حسن بن وقد افترض الله تعالى)الشيخ محمد بن عبد الوهاب:

البراءة من الشرك والمشركين والكفر بهم وعداوتهم فبدل الذين ظلموا قوال غير}وبغضهم وجهادهم:

[، فوالوهم وأعانوهم59 ]البقرة: {الذي قيل لهم وظاهروهم، واستنصروا بهم على المؤمنين وأبغضوهم



وسبوهم من أجل ذلك، وكل هذه األمور تناقض اإلسالم.(كما دل عليه الكتاب والسنة في مواضع

- وهاهنا شبهة يطرحها كثير من المتسرعين، وهي قولهم إن ملة إبراهيم هذه إنما هي مرحلة أخيرة من

مراحل الدعوة، يسبقها البالغ بالحكمة والجدال بالتي هي أحسن، وال يلجأ الداعية إلى ملة إبراهيم هذه من البراءة

من أعداء الله ومعبوداتهم والكفر بها وإظهار العداوة والبغضاء لهم إال بعد استنفاذ جميع أساليب اللين

والحكمة.. فنقول وبالله التوفيق: إن هذا اإلشكال إنما حصل بسبب عدم وضوح ملة إبراهيم لدى هؤالء الناس،

وبسبب الخلط بين طريقة الدعوة للكفار ابتداء وطريقتها مع المعاندين منهم.. وأيضا الفرق بين ذلك كله وبين موقف المسلم من معبودات ومناهج وشرائع الكفار الباطلة نفسها.. فملة إبراهيم من حيث أنها إخالص

للعبادة لله وحده وكفر بكل معبود سواه ال يصح أن تؤخر أو تؤجل.. بل ينبغي أن ال يبدأ إال بها، ألن ذلك هو تماما ما

تحويه كلمة ال إله إال الله من النفي واإلثبات وهو أصل الدين وقطب الرحى في دعوة األنبياء والمرسلين، وألجل

أن يزول عنك، كل إشكال فهاهنا قضيتان: وهي البراءة من الطواغيت واآللهة التي* األولى:

تعبد من دون الله عز وجل والكفر بها، فهذه ال تؤخر والتؤجل.. بل ينبغي أن تظهر وتعلن منذ أول الطريق.

البراءة من األقوام المشركين هم* الثانية:أنفسهم إن أصروا على باطلهم. وإليك التفصيل والبيان: -

وهي الكفر بالطواغيت التي تعبد القضية األولى: من دون الله عز وجل، سواء اكانت هذه الطواغيت

أصناما من حجر، أو شمسا أو قمرا، أو قبرا أو شجرا، أو تشريعات وقوانين من وضع البشر.. فملة إبراهيم ودعوة األنبياء والمرسلين تستلزم إظهار الكفر بهذه المعبودات كلها وإبداء العداوة والبغضاء لها، وتسفيه قدرها والحط من قيمتها وشأنها وإظهار زيفها ونقائصها وعيوبها منذ

أول الطريق. وهكذا كان حال األنبياء حين كانوا يبدأون اعبدوا الله واجتنبوا}دعوتهم ألقوامهم بقولهم:

[، ومن هذا قول الله تعالى عن36 ]النحل: {الطاغوت قال أفرأيتم ما كنتم}الحنيف إبراهيم عليه السالم:

تعبدون أنتم وآباؤكم األقدمون فإنهم عدو لي[.75 ]الشعراء: {إال رب العالمين



قال يا قوم إني بريء مما}وقوله في األنعام: إذا قال إبراهيم}[، وقوله: 78 ]األنعام: {تشركون

ألبيه وقومه إنني براء مما تعبدون إال الذي[.27.. ]الزخرف: {فطرني فإنه سيهدين

قالوا من}وكذا قوله سبحانه عن قوم إبراهيم: فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين قالوا سمعنا

[. قال60]األنبياء: {فتى يذكرهم يقال له إبراهيم أي يعيبهم ويستهزىء بهم{يذكرهم}المفسرون:

ويتنقصهم. والكتاب والسنة يمتلئان باألدلة على ذلك.. بمكة،صلى الله عليه وسلمويكفينا من ذلك هدي النبي

وكيف كان يسفه آلهة قريش ويظهر البراءة منها والكفربها حتى كانوا يلقبونه بالصابئ.

وإن شئت أن تتأكد من ذلك وتتيقنه فارجع وتدبر صلى اللهالقرآن المكي، الذي ما كانت تتنزل على النبي

منه بضع آيات حتى تضرب بها أكباد المطيعليه وسلم شرقا وغربا وشماال وجنوبا، وتتناقلها األلسنة في األسواق

والمجالس والنوادي.. وكانت هذه اآليات تخاطب العرب بلغتهم العربية المفهومة.. بكل وضوح وجالء تسفه آلهتهم

وعلى رأسها الالت والعزى ومناة الثالثة األخرى، أعظم اآللهة عند القوم في ذلك الزمان، وتعلن البراءة منها

صلى اللهوعدم االلتقاء معها أو الرضى بها وما كان النبي ليكتم شيئا من ذلك.. إن هو إال نذير. عليه وسلم

فالذين يصدرون أنفسهم للدعوة في هذا الزمان بحاجة إلى تدبر هذا األمر جيدا ومحاسبة أنفسهم عليه كثيرا، ألن دعوة تسعى لنصرة دين الله ثم تلقي بهذا

األصل األصيل وراءها ظهريا ال يمكن أن تكون على منهج األنبياء والمرسلين.. وها نحن نعايش في هذا الزمان

انتشار شرك التحاكم إلى الدساتير والقوانين الوضعية بين ظهرانينا، فيلزم هذه الدعوات وال بد، التأسي بنبيها

في اتباع ملة إبراهيم بتسفيه قدر هذه الدساتير وتلك القوانين وذكر نقائصها للناس وإبداء الكفر بها وإظهار

وإعالن العداوة لها ودعوة الناس إلى ذلك.. وبيان تلبيس الحكومات وضحكها على الناس.. وإال فمتى يظهر الحق، وكيف يعرف الناس دينهم حق المعرفة، ويميزون الحق

من الباطل والعدو من الولي.. ولعل الغالبية يتعذرون بمصلحة الدعوة وبالفتنة.. وأي فتنة أعظم من كتمان التوحيد والتلبيس على الناس في دينهم، وأي مصلحة

أعظم من إقامة ملة إبراهيم وإظهار المواالة لدين الله



والمعاداة للطواغيت التي تعبد ويدان لها من دون الله، وإذا لم يبتل المسلمون ألجل ذلك وإذا لم تقدم

التضحيات في سبيله فألي شيء إذا يكون البالء.. فالكفر بالطواغيت كلها واجب على كل مسلم بشطر شهادة اإلسالم.. وإعالن ذلك وإبداؤه وإظهاره واجب عظيم أيضا

ال بد وأن تصدع به جماعات المسلمين أو طائفة من كل جماعة منهم على األقل، حتى يشتهر وينتشر ويكون هو

الشعار والصفة المميزة لهذه الدعوات كما كان حال ، ليس في زمن التمكينصلى الله عليه وسلمالنبي

وحسب بل وفي زمن االستضعاف، حيث كان يشار إليه باألصابع ويحذر منه ويوصف بعداوة اآللهة وغير ذلك..

وإننا لنعجب أي دعوة هذه التي يتباكى أولئك الدعاة على مصلحتها وأي دين هذا الذي يريدون إقامته وإظهاره وأكثرهم يلهج بمدح القانون الوضعي - ويا للمصيبة -

وبعضهم يثني عليه ويشهد بنزاهته وكثير منهم يقسم على احترامه وااللتزام ببنوده وحدوده، عكسا للقضية والطريق

فبدال من إظهار وإبداء العداوة له والكفر به، يظهرون الوالء له والرضى عنه، فهل مثل هؤالء ينشرون توحيدا أو

يقيمون دينا؟! إلى الله المشتكى.. وإبداء هذا األمر وإظهاره ليس له عالقة بتكفير

الحاكم أو إصراره على الحكم بغير شريعة الرحمن.. ألنه متعلق بالدستور أو التشريع أو القانون القائم المحترم

المطبق المبجل المحكم بين الناس. وهي البراءة من المشركين- القضية الثانية:

والكفر بهم وإظهار العداوة والبغضاء لهم هم أنفسهم. * يقول العالمة ابن القيم رحمه الله تعالى في إغاثة

وما نجا من شرك هذا الشرك األكبر إال من)اللهفان: جرد توحيده لله وعادى المشركين في الله وتقرب

أهـ. وينسب لشيخ اإلسالم وهذه القضية(بمقتهم إلى الله - أهم من األولى أعني أي البراءة من المشركين -

)البراءة من معبوداتهم(. * يقول الشيخ حمد بن عتيق رحمه الله تعالى في

إنا برءاؤا}"سبيل النجاة والفكاك" عند قوله تعالى: [:4 ]الممتحنة: {منكم ومما تعبدون من دون الله

وهاهنا نكتة بديعة وهي أن الله تعالى قدم البراءة من) المشركين العابدين غير الله، على البراءة من األوثان

المعبودة من دون الله ألن األول أهم من الثاني، فإنه إن



تبرأ من األوثان ولم يتبرأ ممن عبدها ال يكون آتيا بالواجب عليه. وأما إذا تبرأ من المشركين فإن هذا يستلزم البراءة

وأعتزلكم وما تدعون}من معبوداتهم، وكذا قوله: [ اآلية. فقدم اعتزالهم على48]مريم: {من دون الله

فلما}اعتزال ما يدعون من دون الله. وكذا قوله: [،49]مريم: {اعتزلهم وما يعبدون من دون الله

وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون من دون}وقوله: [، فعليك بهذه النكتة فإنها تفتح لك16]الكهف: {الله

بابا إلى عداوة أعداء الله. فكم من إنسان ال يقع منه الشرك ولكنه ال يعادي أهله فال يكون مسلما بذلك إذ

أهـ.(8)(ترك دين جميع المرسلين * ويقول الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن في

والمرء قد ينجو من الشرك)رسالة له في الدرر السنية: ويحب التوحيد، ولكنه يأتيه الخلل من جهة عدم البراءة

من أهل الشرك وترك مواالة أهل التوحيد ونصرتهم. فيكون متبعا لهواه داخال من الشرك في شعب تهدم دينه

وما بناه، تاركا من التوحيد أصوال وشعبا ال يستقيم معها إيمانه الذي ارتضاه فال يحب وال يبغض لله وال يعادي وال

يوالي لجالل من أنشأه وسواه، وكل هذا يؤخذ من شهادة. 681 أهـ من جزء الجهاد ص(أن ال إله إال الله

* ويقول أيضا في رسالة أخرى له من الكتاب نفسه وأفضل القرب إلى الله مقت أعدائه): 842ص

المشركين وبغضهم وعداوتهم وجهادهم وبهذا ينجو العبد من توليهم من دون المؤمنين، وإن لم يفعل ذلك فله من واليتهم بحسب ما أخل به وتركه من ذلك، فالحذر الحذر

أهـ.(مما يهدم اإلسالم ويقلع أساسه* ويقول سليمان بن سحمان: يوال ولم يبغض ولمفمن لم يعاد المشركين ولـم

يتجنـب

)( مقصود الشيخ هنا والله أعلم أن ال يعاديهم وال يبغضهم جملة8 وتفصيال حتى في قلبه، بل يضمر لهم بدال من ذلك الود والمحبة

فهذا ال شك قد نقض إيمانه وترك دين جميع المرسلين، قال ال تجد قوما يؤمنون بالله واليوم اآلخر يوادون}تعالى:

.من حاد الله ورسوله{



وليس على نهج قويمفليس على منهاج سنة أحمد معرب

ال)* وقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: بد للمسلم من التصريح بأنه من هذه الطائفة المؤمنة،

حتى يقويها وتقوى به ويفزع الطواغيت، الذين ال يبلغون الغاية في العداوة حتى يصرح لهم أنه من هذه الطائفة

. أهـ من مجموعة التوحيد. (المحاربة لهم * وسئل الشيخ حسين والشيخ عبد الله ابنا الشيخ محمد بن عبد الوهاب عن رجل دخل هذا الدين وأحبه وأحب أهله، ولكن ال يعادي المشركين أو عاداهم ولم

من قال ال أعادي)يكفرهم؟ فكان مما أجابا به: المشركين، أو عاداهم ولم يكفرهم؟ فهو غير مسلم؟ وهو

ويقولون نؤمن ببعض}ممن قال الله تعالى فيهم: .(9)[. أهـ. من الدرر151 ]النساء: {مهينا أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيال،

* يقول سليمان بن سحمان: فعاد الذي عــادى لدين محمـد ووال الذي

وااله من كل مهتــد وأبغضوأحبب لحب الله من كان مـؤمنـالبغض الله أهــل التمرد

كذاك البــراوما الدين إال الحب والبغض والوالمن كل غاو ومعتد

* ويقول أيضا: نعم لو صدقت الله فيما زعمتـه

لعاديت من باللـه ويحك يكفر ولماوواليت أهل الحق سرا وجهرة

تهاجيهـم وللـكفر تنصر ولكنفما كل من قد قال ما قلت مسلم

بأشــراط هنالك تذكر)( انظر الهامش السابق. 9



بذا جاءنامباينة الكفار في كل مـوطـنالنص الصحيح المقرر

وتضليلهـموتكفيرهم جهرا وتسفيه رأيهـمفيما أتوه وأظهروا

وتدعوهمواوتصدع بالتوحيد بين ظهورهـمسـرا لذاك وتجهر

وملةفهذا هو الدين الحنيفي والهـدىإبراهيم لـو كنـت تشعر

بالطبع ال نقول إن إظهار مثل هذه البراءة والعداوة شاملة حتى للمؤلفة قلوبهم، أو من يظهرون التقبل وال

يظهرون العداوة لدين الله، وإن كان الواجب وجودها في القلب لكل مشرك، حتى يتطهر من شركه، ولكن الكالم على اإلظهار واإلعالن والمجاهرة واإلبداء، فهؤالء وحتى

المتجبرين والظالمين يدعون إلى طاعة الله بالحكمة والموعظة الحسنة ابتداء فإن استجابوا فهم إخواننا نحبهم

بقدر طاعتهم ولهم ما لنا، وعليهم ما علينا. وإن أبوا مع وضوح الحجة واستكبروا وأصروا على ما هم عليه من

الباطل والشرك ووقفوا في الصف المعادي لدين الله، فال مجاملة معهم وال مداهنة.. بل يجب إظهار وإبداء

البراءة منهم عند ذلك.. وينبغي التفريق هنا بين الحرص على هداية المشركين والكفار وكسب أنصار للدين واللين في البالغ والحكمة والموعظة الحسنة وبين قضية الحب والبغض والمواالة والمعاداة في دين الله، ألن كثيرا من

الناس يخلط في ذلك فتستشكل عليهم كثير من النصوص مثل: "اللهم اهد قومي فإنهم ال يعلمون" وما

إلى ذلك. وقد تبرأ إبراهيم من أقرب الناس إليه، لما تبين له

فلما}أنه مصر على شركه وكفره، قال تعالى عنه: [.. ذلك114 ]التوبة: {تبين له أنه عدو لله تبرأ منه

بعد أن دعاه بالحكمة والموعظة الحسنة، فتجده يخاطبه ]مريم:{يا أبت إني قد جاءني من العلم}بقوله:

يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من}[.. 43 [.. وهكذا موسى مع فرعون.. بعد45 ]مريم: {الرحمن

فقوال له قوال لينا لعله}أن أرسله الله إليه وقال: [.. فقد بدأ معه بالقول44 ]طه: {يتذكر أو يخشى

هل لك إلى أن تزكى}اللين استجابة ألمر الله فقال:



وأراه اآليات والبينات..{وأهديك إلى ربك فتخشى فلما أظهر فرعون التكذيب والعناد واإلصرار على

لقد علمت ما}الباطل، قال له موسى كما أخبر تعالى: أنزل هؤالء إال رب السماوات واألرض بصائر

[. بل102 ]اإلسراء: {وإني أظنك يا فرعون مثبورا ربنا إنك آتيت فرعون ومأله}ويدعو عليهم قائال:

زينة وأمواال في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على

{قلوبهم فال يؤمنوا حتى يروا العذاب األليم [، فالذين يدندنون على نصوص الرفق واللين88]يونس:

والتيسير على إطالقها ويحملونها على غير محملها، ويضعونها في غير موضعها، ينبغي لهم أن يقفوا عند هذه القضية طويال، ويتدبروها ويفهموها فهما جيدا.. إن كانوا

مخلصين.. وليعلموا بعد ذلك جيدا، أن من كلم بشتى األساليب

وأغلبها من أساليب الرفق واللين، سواء عن طريق الرسائل والكتب أو مباشرة ومواجهة عن طريق كثير من الدعاة، وبين له أن الحكم بغير ما أنزل الله كفر.. وعلم

بأنه ال يجوز له الحكم بغير شريعة الله.. ولكنه برغم ذلك يصر ويستكبر.. وإن كان في ظاهره في كثير من

المناسبات يضحك على أذقان المساكين بوعوده الفارغة الكاذبة وكلماته المعسولة وحججه الواهية الزائفة..

ولسان حاله يكذب مقاله. وذلك بإقراره وسكوته عن ازدياد الكفر والفساد في البالد والعباد يوما بعد يوم..

وتشديده على الدعاة والمؤمنين، وتضييقه على المصلحين ورصده لهم بأجهزة مخابراته وشرطته..

وتوسيعه في الوقت ذاته على كل محارب لدين الله، وتسهيل وسائل الفساد واإلفساد ألعداء الله بل وتسخير

وسائل اإلعالم لهم ولفسادهم وإللحادهم.. وإصدار القوانين واللوائح التي تعاقب كل من تهجم على ياسقه

العصري الوضعي الشركي أو أعلن الكفر والبراءة منه أو تنقصه أو بين باطله للناس.. وإصراره على إبقائه الحاكم

الذي يفصل بين العباد في دمائهم وأموالهم وفروجهم، رغم ما هو مشحون به من الكفر البواح.. وعدم

استسالمه لشرع الله وتحكيمه مع علمه بوجوب ذلك ومطالبة المصلحين به.. فمثل هذا ال تجوز مداهنته أو مهادنته أو مجاملته أو تبجيله بألقابه أو تهنئته باألعياد

والمناسبات أو إظهار الوالء له أو لحكومته.. بل ال يقال له إال كما قال إبراهيم والذين معه لقومهم: إنا برءاء منك ومن دستورك وقوانينك الشركية وحكومتك الكفرية..



كفرنا بكم.. وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى ترجعوا إلى الله وتستسلموا وتنقادوا لشرعه وحده..

ويدخل في ذلك أيضا التحذير من مواالتهم ومن الدخول في طاعتهم واالطمئنان إليهم والمشي في ركابهم وتكثير سوادهم عن طريق الوظائف التي تعينهم على باطلهم أو تثبت حكوماتهم وتحفظ أو تنفذ قوانينهم الباطلة كالجيش

والشرطة والمباحث وغير ذلك.. ولقد كانت مواقف السلف مع أمراء زمانهم - الذين

ال تصح بحال من األحوال مقارنتهم بهذا الطاغوت وأمثاله - مواقف حازمة واضحة نظيفة.. وأين مواقف كثير من أصحاب الدعوات في زماننا هذا منها.. مع شهرة هؤالء

وتصفيق أتباعهم لهم.. ومع أن أولئك السلف ما تخرجوا من كليات العلوم السياسية أو الحقوق، وال كانوا يقرأون الجرائد أو المجالت النتنة بحجة التبصر بمكايد األعداء..

مع ذلك كانوا يفرون من السلطان وأبوابه والسلطان يطلبهم ويغريهم باألموال وغيرها.. أما المنتسبون إليهم اليوم ممن لعب الشيطان بدينهم فيطلبون صالح دنياهم

بفساد دينهم؛ فيأتون ويطلبون أبواب السلطان والسلطان يذلهم ويعرض عنهم.. وكان السلف رضوان الله عليهم

ينهون عن الدخول على أمراء الجور، حتى لمن أراد أمرهم بالمعروف أو نهيهم عن المنكر، مخافة أن يفتتن بهم فيداهنهم أو يجاملهم إلكرامهم أو يسكت عن بعض

باطلهم ويقره، ويرون أن البعد عنهم واعتزالهم خير براءة وإنكار ألحوالهم.. واستمع إلى سفيان الثوري وهو

إياك واألمراء)يكتب إلى عباد بن عباد فيقول في كتابه: أن تدنو منهم أو تخالطهم في شيء من األشياء، وإياك ويقال لك لتشفع وتدرأ عن مظلوم أو ترد مظلمة فإن اهـ.(ذلك خديعة إبليس.. وإنما اتخذها فجار القراء سلما..

( وجامع بيان العلم13/586من سير أعالم النبالء ) ( فانظر إلى سفيان رحمه الله تعالى وهو1/179وفضله )

يسمي ما يصفه دعاة اليوم بمصلحة الدعوة: "خديعة إبليس".. ولم يقل لصاحبه كما يفعل كثير من دعاة هذا

الزمان الذين يضيعون أعمارهم في طلب مصلحة الدعوة ال يا أخي!! اثبت)ونصر الدين عند أعدائه ومحاربيه:

وجودك وتقرب إليهم لعلك تحصل على منصب أو كرسي في مجلس الوزراء أو مجلس األمة، ولعلك تقلل من الظلم أو تنفع إخوانك. وال تترك هذا المنصب للعصاة

بل وصف ذلك بأنه سلم(و.. والفجرة ليستغلوه.. و... للدنيا عند فجار القراء وإذا كان هذا في زمانه فكيف في



زماننا. نسأل الله العافية، ونعوذ بالله من شر أهل هذاالزمان وشر تلبيساتهم.. ورحم الله من قال:

فيه الشقاءقوم تراهم مهطعين لمجلـس وكل كفـــــر دان من دونبل فيه قانون النصارى حاكما

نص جاء في القـــرآن حــبتبا لكم من معشر قد أشربـوا

الخالف ورشوة السلطان * وهذا شيخ اإلسالم محمد بن عبد الوهاب يكرر

من جالس)كثيرا ما جاء عن سفيان الثوري من قوله: صاحب بدعة لم يسلم من إحدى ثالث:

إما أن يكون فتنة لغيره بالجلوس معه، وقد ورد- من سن في اإلسالم سنة حسنة فله أجرها)في الحديث:

وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء ومن سن في اإلسالم سنة سيئة كان عليه وزرها

ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من رواه مسلم.(أوزارهم شيء

أن يقع في قلبه شيء من االستحسان، فيزل به- فيدخله الله النار بسبب ذلك.

والله ما أبالي بما تكلموا وإني واثق من)أن يقول: - نفسي فمن أمن الله على دينه طرفة عين سلبه الله

اهـ. من الدرر السنية وغيرها. (إياه فإذا كانت هذه أقوالهم في مجالسة أهل البدع وإن

كانت بدعهم غير مكفرة كما هو معلوم في مواضع كثيرة من كالمهم.. فكيف بمجالسة المرتدين من عبيد القانون

إني)وغيرهم من المشركين.. وتأمل قوله في الثالثة: وكم سقط بسببها وبمثلها كثير من دعاة(واثق من نفسي

زماننا، فالسالمة.. السالمة.. وعلى كل حال فقد أبطل الله تعالى جميع هذه الطرق المعوجة التي يحلم أصحابها أن وراءها نصرا

للدين.. فبين جل وعال أن ال نصر يرتجى وال مصلحة دينية أبدا في التقرب إلى الظلمة.. فقال سبحانه في سورة



بت النبي وال} صلى الله عليه وسلم:هود التي شي تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم

]هود:{من دون الله من أولياء ثم ال تنصرون113 [، فليس وراء هذه المداهنات والسبل الملتوية نصرا

لدين الله وال مصلحة وإن توهم ذلك المتوهمون.. اللهم إال أن يكون مسيس النار عندهم مصلحة للدعوة.. فأفق

من نومك، وال تغتر بكل ناعق وزاعق.. وال}* وقد قال المفسرون في قوله تعالى:

الركون هو الميل اليسير. {تركنوا * وقال أبو العالية: ال تميلوا إليهم كل الميل في

المحبة ولين الكالم. * وقال سفيان الثوري: من الق لهم دواة أو برى لهم

قلما أو ناولهم قرطاسا دخل في ذلك. * قال الشيخ حمد بن عتيق: فتوعد سبحانه بمسيس

النار من ركن إلى أعدائه ولو بلين الكالم. * وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن -وهو من

أئمة الدعوة النجدية السلفية أيضا- بعد أن ذكر بعض وذلك ألن)أقوال المفسرين السابقة في معنى الركون:

ذنب الشرك أعظم ذنب عصي الله به على اختالف رتبه، فكيف إذا انضاف إليه ما هو أفحش، من االستهزاء بآيات

الله وعزل أحكامه وأوامره وتسمية ما ضاده وخالفه بالعدالة، والله يعلم ورسوله والمؤمنون أنها الكفر

والجهل والضاللة، ومن له أدنى أنفة وفي قلبه نصيب من الحياة يغار لله ورسوله وكتابه ودينه ويشتد إنكاره وبراءته

في كل محفل، وكل مجلس، وهذا من الجهاد الذي ال يحصل جهاد العدو إال به، فاغتنم إظهار دين الله

والمذاكرة به وذم ما خالفه والبراءة منه ومن أهله، وتأمل الوسائل المفضية إلى هذه المفسدة الكبرى وتأمل نصوص الشارع في قطع الوسائل والذرائع، وأكثر الناس

ولو تبرأ من هذا ومن أهله، فهو جند لمن توالهم وأنس اهـ من الدرر، جزء(بهم وأقام بحماهم والله المستعان

. فلله دره كأنه يتكلم عن زماننا. 161الجهاد ص فالله الله يا)* يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب:

إخواني تمسكوا بأصل دينكم، وأوله وأسه ورأسه، شهادة أن ال إله إال الله، واعرفوا معناها وأحبوها، وأحبوا أهلها،



واجعلوهم إخوانكم، ولو كانوا بعيدين منكم نسبا واكفروا بالطواغيت وعادوهم وأبغضوهم، وأبغضوا من أحبهم. أو جادل عنهم أو لم يكفرهم، أو قال ما علي منهم، أو قال ما كلفني الله بهم، فقد كذب هذا على الله وافترى إثما

مبينا، فقد كلف الله كل مسلم ببغض الكفار، وافترض عليه عداوتهم، وتكفيرهم والبراءة منهم، ولو كانوا آبائهم

أو أبنائهم أو إخوانهم، فالله الله تمسكوا بذلك لعلكم أهـ. من مجموعة(تلقون ربكم ال تشركون به شيئاالتوحيد.

*تنبيه: واعلم بعد ذلك كله، أن ال تنافي بين القيام بملة إبراهيم واألخذ بأسباب السرية والكتمان في العمل

الجاد لنصرة الدين.. وكالمنا هذا كله ال يرد هذا السبب صلى الله عليه وسلمالعظيم الذي كان يأخذ به النبي

واألدلة عليه من سيرته أكثر من أن تحصى.. ولكن الذي يقال: إن هذه السرية يجب أن توضع في مكانها

الحقيقي.. وهي سرية التخطيط واإلعداد، اما ملة إبراهيم والكفر بالطواغيت ومناهجهم وآلهتهم الباطلة فهذه ال

تدخل في السرية بل من علنية الدعوة فينبغي إعالنها منذ أول الطريق كما بينا سابقا، وعلى ذلك يحمل قول النبي

ال تزال طائفة من أمتي ظاهرين): صلى الله عليه وسلم .. الحديث. رواه مسلم وغيره.. أما إخفاؤها(على الحق

وكتمها مداهنة للطواغيت، وتغلغال في صفوفهم وارتقاء .. بل هو منفي مناصبهم.. فليس من هدي نبينا محمد

هدي وسرية أصحاب التنظيمات األرضية الذين يجب أن .. وخالصة{لكم دينكم ولي دين}يقال لهم أيضا:

األمر أنها: سرية في اإلعداد والتخطيط علنية في الدعوةوالتبليغ.

* وإنما قلنا ذلك ألن كثيرا من الناس سواء من المرجفين أو ممن لم يفهموا دعوة األنبياء حق الفهم،

يقولون عن جهل منهم إن هذه الطريق التي تدعون إليها تكشفنا وتفضح تخطيطاتنا وتعجل بالقضاء على الدعوة

وثمراتها.. فيقال لهم أوال: إن هذه الثمرات المزعومة لن تينع ولن يبدو صالحها حتى يكون الغراس على منهاج النبوة،

وواقع هذه الدعوات العصرية أكبر دليل وشاهد على ذلك بعد األدلة الشرعية المتقدمة من ملة إبراهيم ودعوة

األنبياء والمرسلين صلوات الله وسالمه عليهم أجمعين.. حيث إن ما نعانيه اليوم من جهل أبناء المسلمين والتباس



الحق عليهم بالباطل، وعدم وضوح مواقف الوالء والبراء، إنما هو من سكوت وكتمان العلماء والدعاة لهذا الحق ولو أنهم صرحوا وصدعوا به وابتلوا كما هو حال األنبياء

لظهر وبان للناس جميعا، ولتمحص وتميز بذلك أهل الحق من أهل الباطل ولبلغت رساالت الله ولزال التلبيس

الحاصل على الناس خاصة في األمور المهمة والخطيرة إذا تكلم العالم تقية والجاهل)في هذا الزمان، وكما قيل:

. وإذا لم يظهر دين الله وتوحيده(بجهله فمتى يظهر الحق العملي واالعتقادي للناس.. فأي ثمار تلك التي ينتظرها

ويرجوها هؤالء الدعاة.؟ أهي )الدولة اإلسالمية(؟ إن إظهار توحيد الله الحق للناس وإخراجهم من ظلمات الشرك إلى أنوار التوحيد هي الغاية العظمى والمقصود األهم وإن نكل بالدعوات

وإن ابتلي الدعاة.. ولوال دفع}وهل يظهر الدين إال بالمدافعة والبالء:

{الله الناس بعضهم ببعض لفسدت األرض [، فبذلك يكون إعالء دين الله وإنقاذ الناس251]البقرة:

وإخراجهم من الشرك باختالف صوره، وهذه هي الغاية التي يكون من أجلها البالء وتنحر على عتباتها التضحيات..

وما الدولة اإلسالمية أصال إال وسيلة من وسائل هذه الغاية العظمى.. وفي قصة أصحاب األخدود عبرة ألولي األلباب فإن ذلك الغالم الداعية الصادق ما أقام دولة وال

صولة ولكنه أظهر توحيد الله أيما إظهار، ونصر الدين الحق نصرا مؤزرا ونال الشهادة، وما قيمة الحياة بعد

ذلك، وما وزن القتل والحرق والتعذيب إذا فاز الداعيةق بالفوز األكبر.. كانت الدولة أم لم تكن.. وإن حر

المؤمنين وإن خدت لهم األخاديد فإنهم منتصرون ألن كلمة الله هي الظاهرة والعليا.. أضف إلى ذلك أن

الشهادة طريقهم والجنة نزلهم.. فأنعم بذلك أنعم.. إن هذه الطريق)* وبهذا تعلم أن قول أولئك الجهال: جهل وإرجاف،(تقضي على الدعوة وتعجل ببوار ثمراتها

ألن هذه الدعوة هي دين الله الذي وعد الله عز وجل بأن يظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وذلك كائن ال

ريب فيه، ونصرة دين الله وإعالؤه ليست متعلقة بأشخاص هؤالء المرجفين، تذهب بذهابهم أو تهلك

وإن تتولوا يستبدل}بهالكهم أو توليهم.. قال تعالى: [.38 ]محمد: {قوما غيركم ثم ال يكونوا أمثالكم

يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه}وقال:



فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في

سبيل الله وال يخافون لومة الئم ذلك فضل الله [،54 ]المائدة: {يؤتيه من يشاء والله واسع عليم

ومن يتول فإن الله هو الغني}وقال سبحانه: [، وها هي دعوات الرسل واألنبياء24 ]الحديد: {الحميد

وأتباعهم خير شاهد في شعاب الزمان.. وقد كانوا أشد الناس بالء وامتحانا وما أثر ذلك البالء في نور دعواتهم،

بل ما زادها إال ظهورا واشتهارا وتغلغال في قلوب الناس وبين صفوفهم، وها هي إلى اليوم ما زالت نورا يهتدي به

السائرون في طريق الدعوة إلى الله، وهذا هو الحقالذي ال مرية فيه.

* ثم ومع ذلك كله فال بد من معرفة قضية أخيرة هنا.. وهي أن هذا الصدع بإظهار العداوة والبراءة من

الكفار المعاندين وإبداء الكفر بمعبوداتهم وباطلهم المتنوع في كل زمان، وإن كان هو األصل في حال الداعية المسلم.. وهو صفة األنبياء وطريق دعوتهم

المستقيم الواضح.. ولن تفلح هذه الدعوات ولن يصلح مرادها وحالها ولن يظهر دين الله ولن يعرف الناس الحق

إال بالتزام ذلك واتباعه، مع ذلك يقال بأنه إذا صدعت به طائفة من أهل الحق سقط عن اآلخرين والمستضعفين منهم من باب أولى، وذلكم الصدع به، أما هو بحد ذاته

فإنه واجب على كل مسلم في كل زمان ومكان ألنه كما أسلفنا من ال إله إال الله التي ال يصح إسالم امرىء إال بها،

أما أن يهمل ويلغى الصدع به كلية من حساب الدعوات مع أنه أصل أصيل في دعوات األنبياء، فأمر غريب محدث

ليس من دين اإلسالم في شيء، بل دخل على هؤالء صلى الله عليهالدعاة الذين يدعون بغير هدي النبي

بتقليدهم ومحاكاتهم لألحزاب األرضية وطرائقهاوسلم التي تدين بالتقية في كل أحوالها وال تبالي بالمداهنة أو

تتحرج من النفاق.. * واستثناؤنا هذا غير نابع من الهوى والتكتيكات العقلية بل من النصوص الشرعية النقلية الكثيرة..

في عهدصلى الله عليه وسلموالمتأمل لسيرة النبي االستضعاف يتجلى له ذلك واضحا.. وانظر على سبيل

المثال ال الحصر.. قصة إسالم عمرو بن عبسة السلمي إني)في صحيح مسلم ومحل الشاهد منها قوله، قلت:

إنك ال تستطيع ذلك يومك هذا أال ترى). قال: (متبعك حالي وحال الناس ولكن ارجع إلى أهلك فإذا سمعت بي



معناه قلت له) قال النووي: (قد ظهرت فأتني.. الحديث إني متبعك على إظهار اإلسالم هنا وإقامتي معك. فقال:

ال تستطيع ذلك لضعف شوكة المسلمين ونخاف عليك من أذى كفار قريش ولكن قد حصل أجرك فابق على

إسالمك وارجع إلى قومك واستمر على اإلسالم في أهـ. فهذا واحد قد(موضعك حتى تعلمني ظهرت فأتني...

في عدم إعالنصلى الله عليه وسلمأذن له النبي صلى الله عليهوإظهار الدين.. ألن دين الله ودعوة النبي

كانت مشتهرة معروفة ظاهرة في ذلك الوقتوسلم في الحديثصلى الله عليه وسلمويدلك على ذلك قوله

.(أال ترى حالي وحال الناس)نفسه: وقصة إسالم أبي ذر في البخاري أيضا، ومحل

يا أبا ذر أكتم) له: صلى الله عليه وسلمالشاهد منها قوله (هذا األمر وارجع إلى بلدك، فإذا بلغك ظهورنا فأقبل...

الحديث ومع هذا فقد صدع به أبو ذر بين ظهراني الكفار وطريقتهصلى الله عليه وسلممتابعة منه لهدي النبي

في ذلك، ومع أنهم ضربوه ليموت كما جاء في الحديث، صلى الله عليهومع تكراره لذلك الصدع، فإن النبي

لم ينكر عليه فعله ذلك، وال خذله وال قال له كماوسلم يقول دعاة زماننا إنك بفعلك هذا ستبلبل الدعوة وستثير فتنة، وتضر مصلحة الدعوة أو أخرت الدعوة مائة سنة..

حاشاه من أن يقول مثل ذلك.. فهو قدوة الناس كافة وأسوتهم إلى يوم القيامة في هذا الطريق.. فاستخفاء

بعض المستضعفين من اتباع الدعوة شيء وظهور الدين صلى الله عليه وسلموإعالنه شيء آخر، ودعوة النبي

كانت ظاهرة معروفة مشتهرة، والكل يعرف أن أصلها وقطب رحاها الكفر بطواغيت ذلك الزمان وتوحيد العبادة

بكل أنواعها لله عز وجل.. حتى أنه ليحذر منها وتحارب بشتى الوسائل.. وما احتاج أتباعه المستضعفين أصال لالستخفاء والهجرة وما حصل لهم من األذى واالستضعاف

ما حصل إال بسبب وضوح الدعوة واشتهار أصلها، ولو كان عندهم من المداهنة قليال مما عند أهل زماننا لما

حصل لهم ذلك كله. * وبمعرفتك لهذه النكتة تتضح لك فائدة أخرى مهمة:

وهي جواز مخادعة الكفار وتخفي بعض المسلمين بين صفوفهم أثناء المواجهة والقتال إذا ما كان الدين ظاهرا وأصل الدعوة مشتهرا.. ففي هذه األحوال يصح

االستشهاد بحادثة قتل كعب بن األشرف وأمثالها.. أما أن يضيع كثير من الدعاة أعمارهم في جيوش الطواغيت



موالين مداهنين يحيون ويموتون وهم في خدمتهم وخدمة مؤسساتهم الخبيثة بحجة الدعوة ونصر الدين.. فيلبسوا

على الناس دينهم ويقبروا التوحيد.. فهذه السبل في وهديه عنها في أقاصي المشرق. المغرب ودعوة النبي

قسارت مشر قة وسرت مغربا شتان بين مشرب ومغر

فملة إبراهيم إذا هي طريق الدعوة الصحيحة.. التي فيها مفارقة األحباب وقطع الرقاب.. أما غيرها من

الطرائق والمناهج الملتوية والسبل المعوجة المنحرفة تلك التي يريد أصحابها إقامة دين الله دون أن يستغنوا

عن المراكز والمناصب، ودون أن يغضبوا أصحاب السلطان.. أو يفقدوا القصور والنسوان والسعادة في األهل والبيوت واألوطان، فليست من ملة إبراهيم في

شيء. وإن ادعى أصحاب هذه الدعوات أنهم على منهج السلف ودعوة األنبياء والمرسلين.. فوالله لقد رأيناهم.. رأيناهم كيف يبشون في وجوه المنافقين والظالمين بل

والكفار المحادين لله ورسوله ال لدعوتهم ورجاء هدايتهم، بل يجالسونهم مداهنة وإقرارا لباطلهم ويصفقون لهم

ويقومون لهم إكراما يبجلونهم ويدعونهم بألقابهم.. نحو: صاحب الجاللة والملك المعظم والرئيس المؤمن وصاحب السمو بل وإمام المسلمين وأمير المؤمنين مع أنهم حرب

.. نعم والله لقد رأيناهم يغدو(10)على اإلسالم والمسلمين )( فائدة مهمة تفضح علماء الحكومات: اعلم عافانا الله وإياك10

من تلبيس الملبسين أن ما يفعله كثير من الجهال وإن لقبوا بالمشايخ وتمسحوا بالسلفية من تلقيب كثير من طغاة هذا الزمان

بلقب أمير المؤمنين أو إمام المسلمين.. إنما ينهجون بذلك نهج الخوارج والمعتزلة في عدم اعتبار شرط القرشية في اإلمام.. راجع في ذلك صحيح البخاري: كتاب األحكام )باب: األمراء من

قريش(، وغيره من كتب السنة والفقه واألحكام السلطانية فإنه أمر معروف لن تجد عناء في مراجعته.. ونقل الحافظ ابن حجر في الفتح عن القاضي عياض قوله: اشتراط كون اإلمام قرشيا

مذهب العلماء كافة وقد عدوها في مسائل اإلجماع، ولم ينقل عن أحد من السلف فيه خالف وكذلك من بعدهم في جميع األمصار.قال: وال اعتداد بقول الخوارج ومن وافقهم في المعتزلة" اهـ )

31/91.) * ثم رأيت الشيخ عبد الله أبا بطين وهو من علماء الدعوة

النجدية يرد على بعض المعارضين المنكرين لتلقيب الشيخ محمد



أحدهم ويروح.. يبيع دينه بأقل من جناح بعوضة.. يمسي مؤمنا يدرس التوحيد وربما درسه ويصبح يقسم على

احترام الدستور بقوانينه الكفرية، ويشهد بنزاهة القانون الوضعي.. ويكثر سواد الظالمين ويلقاهم بوجه منبسط ولسان عذب.. مع أنهم يمرون بآيات الله الليل والنهار تنهاهم عن الركون للظالمين أو طاعتهم والرضى عن بعض باطلهم.. فهم يقرأون هذه اآليات، كقوله تعالى:

{وال تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار} وقد نزل عليكم في}[، وقوله عز وجل: 113]هود:

الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فال تقعدوا معهم حتى يخوضوا في

اآلية ]النساء: {حديث غيره إنكم إذا مثلهم...140.]

* يقول الشيخ سليمان بن عبد الله بن الشيخ محمد إنكم إذا}بن عبد الوهاب في معنى قوله تبارك وتعالى:

اآلية على ظاهرها وهو أن الرجل إذا سمع)، {مثلهم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فجلس عند الكافرين

المستهزئين من غير إكراه وال إنكار وال قيام عنهم حتى

بن عبد الوهاب وعبد العزيز بن محمد بن سعود بلقب اإلمام وهما ومحمد بن عبد الوهاب رحمه الله ما ادعى)غير قرشيين.. يقول:

إمامة األمة، وإنما هو عالم دعا إلى الهدى وقاتل عليه ولم يلقب في حياته باإلمام وال عبد العزيز بن محمد بن سعود ما كان أحد في حياته منهم يسمى إماما، وإنما حدث تسمية من تولى إماما

، فانظر إلى هذا240 أهـ. انظر الدرر جزء الجهاد ص(بعد موتهما العالم الرباني كيف يتبرأ من ذلك وينكره رغم أن المذكورين كانا من دعاة الهدى، وال يكابر مكابرة كثير من مشايخ الحكومات في

هذا الزمان الذين يصرون على تسمية طواغيتهم باإلمام وأمير المؤمنين.. فبشراهم بأنهم على نهج الخوارج سائرون.. ذلك الوصف الذي طالما رموا به طلبة العلم ودعاة الحق الذين

ينابذون طواغيتهم.. أولى ليدفع عنهورموهم بغيا بما الرامي بـه

فعل الجاني ولذاك عند الغريرمي البريء بما جناه مباهتا

يشتبهــــان وهذا كله بالنسبة لشرط القرشية، فكيف إذا انضم إلى ذلك

انعدام العدالة والعلم والحكمة وغير ذلك من شروط اإلمامة؟وكيف إذا عدم اإلسالم واإليمان؟ كيف، كيف؟



يخوضوا في حديث غيره فهو كافر مثلهم وإن لم يفعل.79 اهـ من الدرر جزء الجهاد ص(فعلهم..

وإذا رأيت الذين يخوضون}وقوله عز وجل: في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث

[.68 ]األنعام: {غيره * قال الحسن البصري: ال يجوز له القعود معهم

وإما ينسينك}خاضوا أو لم يخوضوا لقوله تعالى: الشيطان فال تقعد بعد الذكرى مع القوم

أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليال إذا ولوال}[، وكذا قوله تعالى: 68 ]األنعام: {الظالمين[.74 ]اإلسراء: {لك علينا نصيرا ألذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم ال تجد

فإذا كان هذا)* يقول الشيخ سليمان بن عبد الله: الخطاب ألشرف مخلوق صلوات الله وسالمه عليه فكيف

.47 اهـ. من الدرر جزء الجهاد ص(بغيره والذين هم}ويقرأون قوله تعالى واصفا المؤمنين:

[، وقوله:3 ]المؤمنون: {عن اللغو معرضونوا} [.72 ]الفرقان: {كراما والذين ال يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مر

ويزعمون أنهم على منهج السلف، والسلف كانوا يفرون من أبواب السالطين ومناصبهم في عهد أرباب

الشريعة والهدى ال في عهود الجور والظلمات.. ووالله ما وضع السيف على رقابهم وال علقوا من أرجلهم وما أجبروا على ذلك.. بل فعلوه مختارين ومنحوا عليه

األموال الطائلة.. والحصانات الدبلوماسية.. فنعوذ بالله من هوى النفوس وطمس البصائر.. وليتهم أعلنوها

وقالوا: فعلناها حرصا على الدنيا.. بل يقولون مصلحة الدعوة ونصر الدين.. فعلى من تضحكون يا مساكين..

أعلينا نحن الضعفاء؟؟ فإننا وأمثالنا ال نملك لكم ضرا وال أم على جبار السموات واألرضين، الذي ال تخفى نفعا...

عليه خافية، ويعلم سركم ونجواكم.. ولقد سمعناهم يرمون من خالفهم أو انكر عليهم

ذلك، بضحالة الفكر وقلة الخبرة وأنهم ليس عندهم حكمة في الدعوة وال صبر في اقتطاف الثمر أو بصيرة في

الواقع والسنن الكونية.. وأنهم ينقصهم علم بالسياسة



وعندهم قصور في التصورات.. وما درى هؤالء المساكين.. أنهم ال يرمون بذلك أشخاصا محددين، وإنما

يرمون بذلك دين جميع المرسلين وملة إبراهيم.. التي من أهم مهماتها إبداء البراءة من أعداء الله والكفر بهم

وبطرائقهم المعوجة وإظهار العداوة والبغضاء لمناهجهم الكافرة.. وما دروا أن كالمهم ذلك يقتضي أن إبراهيم

والذين معه لم يكن عندهم حكمة بالدعوة وال دراية بالواقع.. وأنهم كانوا متطرفين متسرعين.. مع أن الله عز

قد كانت}وجل قد زكاهم وأمرنا بالتأسي بهم.. فقال: {لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه

ومن أحسن دينا ممن}[، وقال سبحانه: 4]الممتحنة: [،125]النساء: {حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليال أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم ونزه سبحانه إبراهيم من السفه فوصفه بالرشد فقال:

ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به} [، ثم ذكر دعوته، بل بين سبحانه51 ]األنبياء: {عالمين

كما قدمنا أن ملة إبراهيم ال يرغب عنها إال السفيه.. وأنى للسفيه حكمة الدعوة ووضوح التصورات وصحة المنهج

واستقامة الطريق المزعومة..؟؟



فصــل واعلم ثبتنا الله وإياك على صراطه المستقيم أن هذه البراءة والعداوة التي تقتضي ملة إبراهيم إعالنها وإبداءها

ألهل الكفر ومعبوداتهم، تكلف الكثير الكثير.. فال يظن ظان أن هذه الطريق مفروشة بالورد والرياحين أو محفوفة بالراحة والدعة، بل هي والله

محفوفة بالمكاره واالبتالءات.. ولكن ختامها مسك وروح وريحان ورب غير غضبان.. ونحن ال نتمنى البالء ألنفسنا

وال للمسلمين، ولكن البالء هو سنة الله عز وجل في هذه الطريق، ليميز به الخبيث من الطيب، فهي الطريق التي ال ترضي أصحاب الهوى والسلطان ألنها مصادمة صريحة لواقعهم، وبراءة واضحة من معبوداتهم وشركياتهم.. أما غير هذه الطريق، فإنك تجد أصحابها في الغالب مترفين

وللدنيا راكنين، ال يبدو عليهم أثر البالء، ألن المرء إنما يبتلى على قدر دينه، فأشد الناس بالء األنبياء ثم األمثل فاألمثل.. وأتباع ملة إبراهيم من أشد الناس بالء ألنهم

يتبعون منهج األنبياء في الدعوة إلى الله.. كما قال ورقة لم يأت رجل قط): صلى الله عليه وسلمبن نوفل للنبي

رواه البخاري.. فإن رأيت(بمثل ما جئت به إال عودي.. في زماننا من يزعم أنه يدعو لمثل ما كان يدعو إليه

وبمثل طريقته، ويدعي أنه صلى الله عليه وسلمالنبي على منهجه، وال يعادى من أهل الباطل والسلطان، بل هو

مطمئن مرتاح بين ظهرانيهم.. فانظر في حاله.. إما أن يكون ضاال عن الطريق.. لم يأت بمثل ما جاء به النبي

صلى الله عليه وسلم واتخذ سبال معوجة.. أو يكون كاذبا في دعواه يتزيا بما ليس هو أهال أن يتزيا به، إما لهوى مطاع وإعجاب كل ذي رأي برأيه.. أو لدنيا يصيبها كأن

يكون جاسوسا وعينا ألصحاب السلطان على أهل الدين.. هوصلى الله عليه وسلموهذا الذي قاله ورقة للنبي

الذي كان مقررا في نفوس الصحابة عندما بايعوا النبي ، حيث وقف أسعد بن زرارةصلى الله عليه وسلم

رويدا يا أهل يثرب، إن إخراجه اليوم)يذكرهم ويقول: مفارقة للعرب كافة، أو قتل خياركم وأن تعضكم

السيوف، فإما أنتم قوم تصبرون على ذلك، فخذوه وأجركم على الله، وإما أنتم قوم تخافون من أنفسكم

رواه(خيفة فذروه، فبينوا ذلك فهو أعذر لكم عند اللهاإلمام أحمد والبيهقي.



فتأمل هذا جيدا فإننا في أمس الحاجة إليه في هذه األيام التي تلبس فيها كل من هب ودب بلباس الدعوة والدعاة.. فارجع إلى نفسك وزنها، واعرض عليها هذا

الطريق وحاسبها على تقصيرها في ذلك، فإما أن تكون من قوم يصبرون على ذلك فخذها بحقها واسأل الله عز وجل أن يثبتك على ما يعقبها من بالء.. أو إنك من قوم

يخافون من أنفسهم خيفة وال ترى من نفسك القدرة على القيام والصدع بهذه الملة فذر عنك التزيي بزي

الدعاة وأغلق عليك بيتك وأقبل على خاصة أمرك ودع عنك أمر العامة.. أو اعتزل في شعب من الشعاب

بغنيمات لك.. فإنه والله كما قال أسعد بن زرارة أعذر لك عند الله، نعم إن ذلك أعذر لك عند الله من أن تضحك على نفسك وعلى الناس إذ ال تقوى على القيام بملة

إبراهيم فتتصدر للدعوة بطرق معوجة وتهتدي بغير هدي مجامال مداهنا للطواغيتصلى الله عليه وسلمالنبي

كاتما غير مظهر للعداوة لهم، وال لباطلهم.. فوالله ثم والله، إن الذي يعتزل في شعب من الشعاب بغنيمات لهو

خير وأهدى سبيال منك ساعتئذ.. وصدق من قال: نجس السريرةالصمت أفضل من كالم مـداهن

طيب الكلمـات يرضي ويعجبعرف الحقيقة ثم حاد إلى الـذي

كل طاغ عات في هذه األيامال تعجبوا يا قوم ممن أخصبـوا

بالكلمــــات وتقدموا فيوعلوا المنابر والصحائف سودوا

سائــر الحفالت كال وال كــشفواوالله ما قالوا الحقيقة والهــدى

عن الهلكات في وصل أهلأنى يشير إلى الحقيقة راغــب

الظلم والشهوات التقديـــر للمشهورأو طالبا للجاه في عصريـــة

بالنزوات



في عصرنا بتوفرفنصيحتي يا قوم أال تطمعــواالرغبــات

محفوفة بالريبعيشوا لدين الله ال لحضــارةوالشبهـــات

ولقد رأيناهم كثيرا يسخرون ممن تبينت لهم انحرافاتهم وسبلهم المعوجة، فاعرضوا عنهم وعن دعواتهم تلك التي على غير منهاج النبوة.. رأيناهم

يسخرون منهم العتزالهم.. ويلمزونهم بالقعود والركون وإذا كان األمر إلى الدنيا والتقصير في الدعوة إلى الله...

كذلك، فأية دعوة هذه التي قصر فيها هؤالء؟ دعوتكم هذه التي تلجون بها الجيش والشرطة، ومجالس األمة

والبرلمانات الشركية وغير ذلك من الوظائف التي تكثر سواد الظالمين، أم تلك التي تدخلون بها مجالس

الفاحشة من الجامعات المختلطة والمعاهد والمدارس الفاسدة وغيرها بحجة مصلحة الدعوة فال تظهرون دينكم

صلى الله عليهالحق وتدعون فيها بغير هدي النبي ... أم أنهم قصروا في الدعوة الحقة التي قصر فيهاوسلم

صلىالفريقان وهي )ملة إبراهيم(، ويحتجون بقول النبي فيما رواه اإلمام أحمد والترمذيالله عليه وسلم

وغيرهما: "المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من المؤمن الذي ال يخالط الناس وال يصبر على

أذاهم" ونحن نقول إن هذا الحديث في الشرق وأنتم عنه في الغرب، حيث إن المخالطة يجب أن تكون على هدي

وليس تبعا آلرائكم وأهوائكمصلى الله عليه وسلمالنبي وأساليب دعوتكم البدعية.. فإن كانت كذلك أي على هديه

حصل األذى واألجر معا.. وإال فأيصلى الله عليه وسلم صلى اللهأجر هذا الذي ينتظره من ال يدعو بهدي النبي

وقد أهمل شرطا عظيما من شروط قبولعليه وسلم العمل وهو )االتباع(، وأي أذى ذلك الذي سيالقيه من ال

يظهر العداوة ألهل الفسق والفجور والعصيان، وال يعلن البراءة من شركياتهم وطرائقهم المعوجة.. بل يجالسهم ويقر باطلهم ويبش في وجوههم، وال يتمعر أو يغضب لله طرفة عين إذا انتهكوا حرمات الله، بحجة اللين والحكمة

والموعظة الحسنة، وعدم تنفير الناس عن الدين، ومصلحة الدعوة وغير ذلك، ويهدم الدين عروة عروة

بمعاول لينهم وحكمتهم البدعية. يقول الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن في رسالة له في الدرر السنية وهو يتكلم عن الصدع بالدين واألمر



وترك ذلك على سبيل)بالمعروف والنهي عن المنكر: المداهنة والمعاشرة ونحو ذلك مما يفعله بعض الجاهلين أعظم ضررا وأكبر إثما من تركه لمجرد الجهالة فإن هذا الصنف رأوا أن نيل المعيشة ال يحصل إال بذلك فخالفوا الرسل وأتباعهم وخرجوا عن سبيلهم ومنهاجهم، ألنهم يرون العقل إرضاء الناس على طبقاتهم ويسالمونهم

ويستجلبون مودتهم ومحبتهم، وهذا مع أنه ال سبيل إليه فهو إيثار للحظوظ النفسانية والدعة ومسالمة الناس

وترك المعاداة في الله وتحمل األذى في ذاته وهذا في الحقيقة هو الهلكة في اآلجلة، فما ذاق طعم اإليمان من لم يوال في الله ويعاد فيه، والعقل كل العقل ما أوصل

إلى رضى الله ورسوله، وهذا إنما يحصل بمراغمة أعداء الله وإيثار مرضاته، والغضب إذا انتهكت محارمه.

والغضب ينشأ من حياة القلب وغيرته وتعظيمه وإذا عدم الحياة والغيرة والتعظيم وعدم الغضب واالشمئزاز،

وسوى بين الخبيث والطيب في معاملته ومواالته اهـ. من جزء(ومعاداته فأي خير يبقى في قلب هذا...

.35الجهاد ص وتجد بعضهم يضحكون على أتباعهم من الشباب

ويحاربون العزلة على اإلطالق ويردون النصوص الثابتة في ذلك.. ويتغنون بشعر ابن المبارك رحمه الله تعالى

حين أرسل إلى الفضيل يقول: لعلمت أنك بالعبادةيا عابد الحرمين لو أبصرتنـا

تلعب فنحورنا بدمائنامن كان يخضب جيده بدموعه

تتخضـبإلى آخر األبيات. ...

ولو أبصرهم عابد الحرمين وأبصر دعواتهم هذه الحمد لله الذي عافاني مما ابتالكم)المعوجة فلعله يقول: ...(به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيال

وأنا أقول: شتان بين دعواتكم وطرائقكم هذه وبين جهاد ابن المبارك وأولئك الصالحين، حتى تنافسوا بها

عبادة الصالحين.. بل وربما لو أبصر ابن المبارك دعواتهمهذه ألرسل للفضيل يقول:



لحمدت أنكيا عابد الحرمين لو أبصرتهم بالعبادة غائب فهو الجهول بدينهمن كان ال يدعو بهدي نبيـه

يتالعب



فصــل نعم.. إن ملة إبراهيم تكلف الكثير.. ولكن بها يتعلق نصر الله والفوز الكبير.. وبها يتميز الناس إلى فريقين.. فريق إيمان، وفريق كفر وفسوق وعصيان.. وبها يتضح أولياء الرحمن من أولياء الشيطان.. وهكذا كانت دعوة

األنبياء والمرسلين.. لم تكن عندهم هذه األوضاع المرضية التي نعيشها اليوم من اختالط الحابل بالنابل، والصالح بالطالح، ومداهنة ومجالسة أهل اللحى ألهل

الفسق والفجور وإكرامهم وتقديرهم وتقديمهم على أهل التقى والصالح.. رغم إظهار أولئك بغض الدين وعداوته بصور شتى وتربصهم بأهله الدوائر.. بل كانت دعواتهم

براءة واضحة من أقوامهم المعرضين عن شرع الله، وعداوة ظاهرة لمعبوداتهم الباطلة، ال التقاء في وسط

الطريق وال مداهنة وال مجاملة في تبليغ شرع الله... * واستمع إلى نوح في عمق الزمان، وهو يخاطب يا}قومه وحيدا ال يخشى سلطانهم وال طغيانهم.. يقول:

قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت، فاجمعوا أمركم

وشركاءكم، ثم ال يكن أمركم عليكم غمة ثم[.71 ]يونس: {أقضوا إلي وال تنظرون

إنه كما وهل يقول مثل ذلك رجل مداهن لقومه... التحدي الصريح المثير،)يقول سيد قطب رحمه الله:

الذي ال يقوله القائل إال وهو مالىء يديه من قوته، واثق كل الوثوق من عدته، حتى ليغري خصومه بنفسه،

ويحرضهم بمثيرات القول على أن يهاجموه، فماذا كان اهـ. كان معه الله، وكفى(وراء نوح من القوة والعدة؟...

صلىوقد أمر الله تعالى نبيه محمدا بالله هاديا ونصيرا... في مطلع هذه اآليات أن يتلو ذلك علىالله عليه وسلم

واتل عليهم نبأ نوح إذ قال}قومه، فقال: [.71 ]يونس: {لقومه...

وهو يواجهصلى الله عليه وسلم* وانظر إلى هود قومه الذين كانوا أشد الناس قوة وأعتاهم بطشا،

يواجههم وحده.. ولكن بثبات كثبات الجبال أو أشد.. استمع إليه وهو يعلن براءته واضحة جلية من شركياتهم

إني أشهد الله واشهدوا}ويسمعهم كلماته الخالدة:



أني بريء مما تشركون، من دونه، فكيدون [. يقول لهم ذلك وهو55 ]هود: {جميعا ثم ال تنظرون

كيدوني بعددكم وجيشكم وآلهتكم الباطلة.. رجل واحد... إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إال}

{هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم[.56]هود:

وإلى الذين يتشدقون بكثير من كالم سيد رحمه الله تعالى، في الوقت الذي يحرصون بل يتسابقون فيه على

استجداء الطواغيت المعرضين عن شرع الله من أجل أن يحكموا شرع الله في بعض القضايا، أو كي يمنحوهم إذنا للدعوة إلى الله أو من أجل الحصول على مقاعد في

إلى هؤالء نسوق مجالس الشرك والفسوق والعصيان... إنها انتفاضة)كالم سيد حول هذه اآليات.. حيث يقول:

التبرؤ من القوم وقد كان منهم وكان أخاهم وانتفاضة الخوف من البقاء فيهم وقد اتخذوا غير طريق الله

طريقا.. وانتفاضة المفاصلة بين حزبين ال يلتقيان.. وهو يشهد الله ربه على براءته من قومه الضالين وانعزاله عنهم وانفصاله منهم. ويشهدهم هم أنفسهم على هذه

البراءة منهم في وجوههم، كي ال تبقى في أنفسهم شبهةمن نفوره وخوفه أن يكون منهم!

وإن اإلنسان ليدهش لرجل يواجه هؤالء القوم الواثقين بآلهتهم المفتراة هذه الثقة، فيسفه عقيدتهم

ويقرعهم عليها، ثم يهيج ضراوتهم بالتحدي، ال يطلب مهلة ليستعد استعدادهم، وال يدعهم يتريثون فيفثأ غضبهم. إن أصحاب الدعوة إلى الله في كل مكان وزمان بحاجة إلى

أن يقفوا طويال أمام هذا )الموقف( الباهر.. رجل واحد، لم يؤمن معه إال القليل، يواجه أعتى أهل األرض وأغنى

أهل األرض وأكثر أهل األرض حضارة مادية في زمانهم.. فهم العتاة الجبارون الذين يبطشون بال رحمة، والذين أبطرتهم النعمة، والذين يقيمون المصانع يرجون من

إنه اإليمان والثقة واالطمئنان.. ورائها االمتداد والخلود... اإليمان بالله، والثقة بوعده، واالطمئنان إلى نصره..

إني توكلت على الله ربي وربكم، ما من دابة} إال هو آخذ بناصيتها، إن ربي على صراط

[.. وهؤالء الغالظ األشداء من قومه56 ]هود: {مستقيم إن هم إال دواب من تلك الدواب التي يأخذ ربه بناصيتها

ويقهرها بقوته قهرا.. فما خوفه من هذه الدواب وما احتفاله بها؟ وهي ال تسلط عليه إن سلطت إال بإذن ربه؟



أهـ(وما بقاؤه فيها وقد اختلف طريقها عن طريقه؟مختصرا من الظالل.

هكذا كانت أحوال الرسل صلوات الله وسالمه عليهم، مع أقوامهم المعاندين.. وهكذا كانت دعوتهم،

صراع دائم مع الباطل، ووضوح في الدعوة، وإعالن للعداوة والبراءة.. ولم تعرف دعواتهم المداهنة أو الرضى

عن بعض الباطل أو االلتقاء معه في وسط الطريق. فمعاداة أهل الحق للباطل وأهله ومفارقتهم لهم

صلىقضية قديمة جدا افترضها الله منذ أن أهبط آدم الله عليه وسلم إلى هذه األرض.. وشاءها الله قدرا

وشرعا ليتميز أولياؤه من أعدائه وحزبه من حربه والخبيث من الطيب ويتخذ من المؤمنمين شهداء.. فقال

]األعراف:{اهبطوا بعضكم لبعض عدو}جل وعال: [، وعلى هذا مضت وسارت قافلة الرسل جميعا وهذا24

وكذلك جعلنا لكل}هو دينهم كما عرفت، قال تعالى: [،112 ]األنعام: {نبي عدوا شياطين اإلنس والجن

وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من}وقال سبحانه: [، فمنهم من قص الله علينا31 ]الفرقان: {المجرمين

ويؤيد هذا قصصهم مع أعدائهم ومنهم من لم يقصص... صلى اللهأيضا حديث أبي هريرة المتفق عليه أن النبي

والعلة هي(واألنبياء أوالد عالت.. ...) قال: عليه وسلم الضرة مأخوذة من العلل وهي الشربة الثانية بعد األولى:

وكأن الزوج قد عل منها بعد ما كان ناهال من األخرى. وأوالد العالت أوالد الضرات من رجل واحد.. يؤيد أن

األنبياء أصل دينهم ودعوتهم وطريقهم واحد وفروعهممختلفة.

* وهكذا كان خاتم األنبياء والمرسلين صلوات الله وسالمه عليه وهو الذي جاء في وصفه أنه "فرق بين

الناس" رواه البخاري، وفي رواية: "فرق بين الناس". فقد استجاب ألمر الله تعالى باتباع ملة إبراهيم عليه

السالم، فما سكت عن الشرك وأهله أو داهنهم أو جاملهم أو غير ذلك.. بل كان في مكة على قلة اتباعه.

واستضعافهم يعلن براءته من الكفار ومعبوداتهم الباطلة.. ويسفهها ويقول كما أمره الله تعالى أن يقول متبرءا من

الشرك ومصرحا بكفر أهله وبراءتهم من دينه وبراءة دينهمنهم:



قل يا أيها الكافرون. ال أعبد ما تعبدون. وال} أنتم عابدون ما أعبد. وال أنا عابد ما عبدتم. وال

{أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولي دين [. ويصرح لهم بأنه ثابت على طريقته6-1]الكافرون:

هذه بريء ممن خالفها وأنه من المؤمنين الذين هم أعداء قل يا أيها الناس إن كنتم في شك}لهم ولدينهم:

من ديني فال أعبد الذين تدعون من دون الله ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم وأمرت أن أكون

104 ]يونس: {من المؤمنين [. ويقول تعالى مخاطبا وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم}له:

{أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون الله ربنا}ويقول سبحانه معلما المؤمنين أن يقولوا:

[.51 ]الشورى: {وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم جاء في الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود وغيره

قال ألحد أصحابه:صلى الله عليه وسلمأن رسول الله ثم نم على خاتمتها، {قل يا أيها الكافرون}إقرأ )

. وجاء في "رسالة أسباب نجاة(فإنها براءة من الشرك السؤول من السيف المسلول" ما ملخصه: "إن كلمة

اإلخالص )ال إله إال الله( قيدت بقيود ثـقال فإمام الحنفاء لم يكتف بمجرد قولها ولم تتم لهصلى الله عليه وسلم

المحبة والمواالة وهو إمام المحبين إال بالمعاداة. كما يخبر أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم}تعالى عنه:

{األقدمون فإنهم عدو لي إال رب العالمين [، وهذا هو معنى قول )ال إله إال الله( كما77]الشعراء:

وإذ قال إبراهيم ألبيه وقومه إنني}قال تعالى: براء مما تعبدون إال الذي فطرني فإنه سيهدين

{وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون صلى الله عليه[، فأورثها إمام الحنفاء 28]الزخرف:

ألتباعه يتوارثها األنبياء بعضهم عن بعض فلما بعثوسلم أمره الله بقولها كماصلى الله عليه وسلمنبينا محمد

قالها أبونا إبراهيم فأنزل الله عز وجل بها سورة كاملةهي سورة الكافرون" اهـ. من مجموعة التوحيد.

وأعلنها وماصلى الله عليه وسلموقد صدع بها النبي كتمها، وتحمل هو وأصحابه ما نالهم من أذى على ذلك

وما داهنهم ألجل ذلك، وحاشاه من أن يداهنهم، وإنما كان يثبت أولئك المؤمنون ويذكرهم بوعد الله تعالى وجنته،

صبرا آل)وبمواقف أهل الثبات ممن كانوا قبلهم، كقوله: رواه الحاكم وغيره. (ياسر فإن موعدكم الجنة



قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر)وقوله لخباب: له في األرض فيجعل فيها، ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على

رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن الله

تعالى هذا األمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت فال يخاف إال الله والذئب على غنمه، ولكنكم

.(11)(تستعجلون يقول ألصحابه ذلك.. وفي الوقت نفسه يقول لقريش

قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى}كما أمره الله تعالى: إلي أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه

[ واآليات6 ]فصلت: {واستغفروه وويل للمشركين قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون فال}مكية. ويقول:

تنظرون * إن ولي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين * والذين تدعون من دونه ال

{يستطيعون نصركم وال أنفسهم ينصرون[ واآليات مكية. 197- 195]األعراف:

لذلك كله وألجل أن دعوته كانت كذلك فإن الظالمين ما رضوا عنه يوما ما، وال طابت أنفسهم أو قرت أعينهم

بدعوته.. بل ثارت ثائرتهم وقامت قيامتهم.. وكم ساوموه.. ولكنه وقف شامخا ينظر إلى باطلهم وجموعهم

التي يكيدونه بها، ويترفع مع حرصه على هدايتهم عن االلتقاء معهم على الباطل في منتصف الطريق أو اتباع

قليل من بعض ما يهوونه أو يحبونه من باطلهم.. بل كان قل}يقول لهم بعد ذلك ودائما كما أمره ربه أن يقول:

للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم[.12]آل عمران: {وبئس المهاد

يقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن بعدما ذكر بعض :صلى الله عليهمواقف الصدع والثبات ألصحاب النبي

)( رواه البخاري وغيره، وهكذا كان صلوات الله وسالمه عليه،11 يثبت أصحابه ويذكرهم دوما بأخبار أهل الثبات، حتى إذا ما ابتلي

أحدهم في الله بالء شديدا، ال يطيقه، ووقع فيما وقع فيه عمار ال رضي الله عنه، ذكر له عفو الله عن ذلك وترخيصه فيه...

كأحوال كثير من دعاة زماننا، يدندنون على أحاديث الرخص واإلكراه والضرورات طوال حياتهم، وكل أيامهم في غير مقامها،

ويلجون بحجتها في كل باطل، ويكثرون سواد حكومات الكفر واإلشراك، دونما إكراه أو اضطرار حقيقين...فمتى يظهرون

الدين؟؟



وماصلى الله عليه وسلم"فهذه حال أصحاب رسول الله لقوا من المشركين من شدة األذى، فأين هذا من حال

هؤالء المفتونين الذين سارعوا إلى الباطل وأوضعوا فيه وأقبلوا وأدبروا وتوددوا وداهنوا وركنوا وعظموا ومدحوا؟

ولو دخلت عليهم}فكانوا أشبه بما قال الله تعالى: [، نسأل الله تعالى الثبات14]األحزاب: {بها إال يسيرا من أقطارها ثم سئلوا الفتنة ألتوها وما تلبثوا على اإلسالم، ونعوذ به من مضالت الفتن ما ظهر منها وما بطن، ومن المعلوم أن الذين أسلموا وآمنوا بالنبي

وبما جاء به لوال أنهم تبرؤوا منصلى الله عليه وسلم الشرك وأهله وبادروا المشركين بسب دينهم وعيب

أهـ. من الدرر -(آلهتهم لما تصدوا لهم بأنواع األذى...(.124جزء الجهاد ص)

* يقول الشيخ حمد بن عتيق عند كالمه على سورة صلى الله عليه)البراءة من الشرك(: "فأمر الله رسوله

أن يقول للكفار: دينكم الذي أنتم عليه أنا بريءوسلم منه وديني الذي أنا عليه أنتم براء منه، والمراد التصريح

لهم بأنهم على الكفر، وإنه بريء منهم ومن دينهم، فعلى أن يقول ذلك،صلى الله عليه وسلممن كان متبعا للنبي

وال يكون مظهرا لدينه إال بذلك، ولهذا لما علم الصحابة بذلك، وآذاهم المشركون، أمرهم "بالهجرة إلى الحبشة

ولو وجد لهم رخصة في السكوت عن المشركين لما أمرهم بالهجرة إلى بلد الغربة" اهـ. من سبيل النجاة

(.67والفكاك. ص) وهنا شبهة يرددها أكثر ما يرددها من لم يفقه ملة

إبراهيم عليه السالم ولم يعرف مضمونها وذلك قول كثير من الجهال إن ملة إبراهيم منسوخة في حقنا، ويستدلون

على ذلك باألصنام التي كانت حول الكعبة والتي لم بزعمهم طوال مكوثه فيصلى الله عليه وسلميكسرها

مكة عهد االستضعاف.. حتى أنني سمعت أحد هؤالء وهو من المشايخ المعروفين وقد مألت كتبه األسواق، سمعته

إن)في محاضرة مسجلة له، يتبجح ويقول ما مجمله: أول من أعرض عن ملةصلى الله عليه وسلمالرسول

إبراهيم هذه التي تريدونها إذ جلس في مكة ثالث عشرة فنقول له وألمثاله:( سنة بين تلك األصنام لم يحطمها...

إن الذي صدكم عن فهم ملة إبراهيم ومعرفتها هو انكماش أفهامكم وضيق أفق أذهانكم بحصركم لها في

تكسير األصنام، وظنكم أن ملة إبراهيم التي نقصدها حين راغصلى الله عليه وسلممستوحاة فقط من فعله



على أصنام قومه ضربا باليمين، فجعلهم جذاذا إال كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون.. ولما لم يثبت عندكم أن رسول

فعل ذلك مع أصنام قومه..صلى الله عليه وسلمالله أمست هذه الملة في أنظاركم الضيقة منسوخة في حقنا

كلها، وال تتناولنا في شيء من األشياء، وبالتالي فالزم قولكم هذا أن كل ما جاء من اآليات المتقدمة الذكر في الحث على اتباع ملة إبراهيم والتحذير من اإلعراض عنها

والذين آمنواصلى الله عليه وسلموتفصيل دعوة إبراهيم معه، وموقفهم من أقوامهم ومواقف األنبياء وغيرهم مع أقوامهم.. كل ذلك عبث وزيادة ال طائل تحتها وال فائدة

من ورائها في كتاب الله، سبحانك ربنا هذا بهتان عظيم..ورحم الله ابن القيم إذ يقول:

فليستترمن كان هذا القدر مبلغ علمه بالصمت والكتمان

وتنزه الله وتعالى عن العبث وعن أن يكون في كتابه جل وعال ما ال فائدة من ذكره.. ومثل هذه األغاليط

ليست من الشبهات التي تستحق طول الرد والتفصيل وما هي إال تناقضات في أذهان أصحابها حالت دون

فهمهم لهذه الملة العظيمة بتفاصيلها.. خاصة وقد علمت فيما تقدم ملة إبراهيم وفهمت مضمونها وما يراد بها..

فعلمت أنها أصل اإلسالم ومعنى ال إله إال الله وأن فيها ما حوته هذه الكلمة من النفي واإلثبات وهما التبرؤ من

الشرك وأهله وإظهار العداوة لهم، وإخالص العبادة لله وحده ومواالة أوليائه، وعلمت أن هذا أصل الدين فهو

شرع محكم لو اجتمع على دفعه من بأقطارها من عالم وجاهل لما قدروا على رده بحجة أصال، وبينا لك أن الله

ومنصلى الله عليه وسلمتعالى ذكر لنا حال إبراهيم معه من المؤمنين مع قومهم، وكيف تبرؤوا منهم وأظهروا

لهم العداوة والبغضاء.. وأنه سبحانه قال قبل ذكر قد كانت لكم أسوة حسنة}موقفهم هذا مباشرة:

[، وقال4]الممتحنة: {في إبراهيم والذين معه لقد كان لكم فيهم أسوة}سبحانه بعد ذلك أيضا:

{حسنة لمن كان يرجو الله واليوم اآلخر ومن}[، ثم قال سبحانه.. وتنبه لما قال: 6]الممتحنة:

[،6]الممتحنة: {يتول فإن الله هو الغني الحميد وعلمت أيضا أن هذا هو أصل ملة إبراهيم التي نقصدها

وندعو إليها ونرى أكثر أهل األرض مقصرين فيها.. وعلمت أنها الطريق الذي فيه نصر الله عز وجل وإعزاز

دينه وتحطيم الشرك وأهله.. وإذا كان األمر كذلك.. فالرد



على هذه الطريق إذا يكون بأن يصحح ذلك الشيخ عبارته مكثصلى الله عليه وسلمإن النبي )المذكورة فيقول:

ثالث عشرة سنة في مكة بين تلك األصنام ال يتبرأ منها ليقال له بعدها؛ عد(وال يظهر الكفر بها والعداوة لها

نفسك نصرانيا أو يهوديا أو مجوسيا، أو ما شئت، أما ملةاإلسالم فقل لها عليك السالم...

ونقول: أما تحطيم األصنام حقيقة وحسيا كما فعل أنه فعلصلى الله عليه وسلمإبراهيم فقد صح عن النبي

شيئا منه حينما تمكن من ذلك وقدر عليه في غفلة من كفار قريش، وال أعني بعد الفتح بل في مكة في عهد االستضعاف، كما روى اإلمام أحمد وأبو يعلى والبزار

بإسناد حسن عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: حتى أتيناصلى الله عليه وسلمانطلقت أنا والنبي )

اجلسصلى الله عليه وسلمالكعبة، فقال لي رسول الله وصعد على منكبي فذهبت ألنهض به فرأى مني ضعفا وقال:صلى الله عليه وسلمفنزل وجلس لي نبي الله

اصعد على منكبي. قال فصعدت على منكبيه، قال فنهض بي قال فإنه يخيل إلي أني لو شئت لنلت أفق السماء

حتى صعدت على البيت وعليه تمثال صفر أو نحاس فجعلت أزاوله عن يمينه وشماله وبين يديه ومن خلفه،

صلى اللهحتى إذا استمكنت منه قال لي رسول الله : اقذف به فقذفت به فتكسر كما تتكسرعليه وسلم

صلى اللهالقوارير، ثم نزلت فانطلقت أنا ورسول الله نستبق حتى توارينا بالبيوت خشية أن يلقاناعليه وسلم

وبوب له الهيثمي في مجمع الزوائد:(أحد من الناس األصنام( وذكر روايةصلى الله عليه وسلم)باب تكسيره

صلىكان على الكعبة أصنام فذهبت أحمل رسول الله ) ( فلم أستطع فحملني فجعلت أقطعها...الله عليه وسلم فلم يوضع عليها بعد، يعني شيئا من تلك)وفي رواية زاد

قال: ورجال الجميع ثقات.. وذكره أبو جعفر(األصنام الطبري في )تهذيب اآلثار( وتكلم على بعض الفوائد

من مسند علي243 إلى ص236الفقهية فيه، أنظر صفيه..

لذلك فنحن ال نتحرج أبدا من القول بأن ذلك مطلوب منا أيضا حال القدرة عليه في عهد االستضعاف وغيره.. سواء كان ذلك الصنم تمثاال أو قبرا أو طاغوتا أو نظاما..

أو غيره، حسب تنوع الصور واختالفها في كل زمان ومكان.. وأقصد بذلك الجهاد والقتال وهو أعلى مراتب

إظهار العداوة والبغضاء ألعداء الله...



ومع ذلك نقول لو سلمنا جدال أنه لم يصح عن النبيتحطيم األصنام في مكة زمن االستضعاف.. فإنه

صلوات الله وسالمه عليه كان متبعا لملة إبراهيم أشد االتباع آخذا بها بقوة.. فما داهن الكفار لحظة واحدة وما

سكت عن باطلهم أو عن آلهتهم.. بل كان همه وشغله الشاغل في تلك الثالث عشرة سنة بل وغيرها هو

[.36 ]النحل: {اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} فال يعني كونه جلس بينها تلك الثالث عشرة سنة أنه

مدحها أو أثنى عليها أو أقسم على احترامها كما يفعل كثير من الجهال المنتسبين إلى الدعوة مع الياسق العصري في هذا الزمان.. بل كان يعلن براءته من

المشركين وأعمالهم، ويبدي كفره بآلهتهم رغم استضعافه واستضعاف أصحابه.. وقد فصلنا لك هذا فيما

مضى ولو تأملت القرآن المكي، لوضح لك مثل ذلك الكثير.. منه على سبيل المثال، قوله تعالى واصفا حال

وإذا رآك الذين كفروا} في مكة مع الكفار: نبيه إن يتخذونك إال هزوا. أهذا الذي يذكر آلهتكم

[، قال36 ]األنبياء: {وهم بذكر الرحمن هم كافرون يعنون أهذا الذي يسب آلهتكم ويسفه)ابن كثير:

.(أحالمكم.. إلى غير ذلك وإليك أيضا ما جاء في مسند اإلمام أحمد وغيره

فيصلى الله عليه وسلمبإسناد صحيح في صفته وحاله مكة زمن االستضعاف.. تأمله وتدبره وانظر كيف يصف

بسب آلهتهم وتسفيهصلى الله عليه وسلمالكفار نبينا أحالمهم وو.. وانظر إليهم وهو يحيطون به وحيدا فريدا أنت الذي تقول كذا)يقررونه بما يقول ويقولون له:

فيرد عليهم دون مداهنة أو مهابة أو خوف أو(وكذا؟؟ نعم، أنا الذي أقول)وجل، بل بكل صالبة وثبات ووضوح:

.(ذلك قال عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي قال

يعقوب: حدثنا أبي عن ابن إسحاق قال: وحدثني يحيى بن عروة بن الزبير عن أبيه عروة عن عبد الله ابن عمرو بن العاص، قال: قلت له: ما أكثر ما رأيت قريشا أصابت من

، فيما كانت تظهر منصلى الله عليه وسلمرسول الله عداوته؟ قال: حضرتهم وقد اجتمع أشرافهم يوما في

، فقالوا:صلى الله عليه وسلمالحجر، فذكروا رسول الله ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من هذا الرجل قط سفه

أحالمنا. وشتم آبائنا، وعاب ديننا، وفرق جماعتنا، وسب



آلهتنا، لقد صبرنا منه على أمر عظيم، أو كما قالوا، قال: صلى اللهفبينما هم كذلك، إذ طلع عليهم رسول الله

، فأقبل يمشي، حتى استلم الركن، ثم مر بهمعليه وسلم طائفا بالبيت، فلما أن مر بهم، غمزوه ببعض ما يقول،

قال: فعرفت ذلك في وجهه، ثم مضى، فمر بهم الثانية، فغمزوه بمثلها، فعرفت ذلك في وجهه، ثم مضى، ثم مر

تسمعون يا معشر)بهم الثالثة، فغمزوه بمثلها، فقال: (قريش، أما والذي نفس محمد بيده، لقد جئتكم بالذبح فأخذت القوم كلمته، حتى ما منهم رجل إال كأنما على رأسه طائر واقع، حتى إن أشدهم فيه وصاه قبل ذلك

ليرفؤه بأحسن ما يجد من القول حتى إنه ليقول: انصرف يا أبا القاسم، انصرف راشدا، فوالله ما كنت جهوال، قال:

، حتى إذا كانصلى الله عليه وسلمفانصرف رسول الله الغد، اجتمعوا في الحجر وأنا معهم، فقال بعضهم لبعض:

ذكرتم ما بلغ منكم وما بلغكم عنه، حتى إذا بادأكم بما تكرهون تركتموه! فبينما هم في ذلك، إذ طلع ]عليهم[

فوثبوا إليه وثبة رجلصلى الله عليه وسلمرسول الله واحد، فأحاطوا به، يقولون له: أنت الذي تقول كذا وكذا، لما كان يبلغهم عنه من عيب آلهتهم ودينهم، قال: فيقول

: نعم، أنا الذي أقولصلى الله عليه وسلمرسول الله كذا، قال: فلقد رأيت رجال منهم أخذ بمجمع ردائه، قال:

وقام أبو بكر الصديق رضي الله عنه، دونه يقول وهو . ثم انصرفوا(أتقتلون رجال أن يقول ربي الله؟)يبكي:

عنه فإن ذلك ألشد ما رأيت قريشا بلغت منه قط" اهـ. ) من المسند تحقيق أحمد شاكر وقال: إسناده7036 صحيح( وهو كما قال. وفي رواية أخرى في المسند أيضا

كان في المرةصلى الله عليه وسلم( أن النبي 2/204) الثانية في صالة عند الكعبة، إذ أقبل عقبة بن أبي معيط

ولوى ثوبه فيصلى الله عليه وسلمفأخذ بمنكب النبي عنقه، فخنقه به خنقا شديدا، فأقبل أبو بكر رضي الله

صلى الله عليهعنه فأخذ بمنكبه ودفعه عن رسول الله أتقتلون رجال أن يقول ربي الله وقد جاءكم) وقال: وسلم

.(بالبينات من ربكم الذي وصفتهصلى الله عليه وسلمفتأمل حال النبي

صلى الله عليهأنه )المالئكة كما في صحيح البخاري: تأمل حاله هذه مع كفار زمانه( فرق بين الناسوسلم

وكيف أنها عداوة ظاهرة لكل من عادى الدين، وافتراق طريق، وبراءة واضحة.. وليس كأوضاع أهل زماننا الشاذة

من ركون أهل الدين ألهل الباطل.. داهنوهم وجاملوهم بل وآزروهم وناصروهم ولم تعد القضية قضية عداوة وال



براءة، بل تعاون وتكاتف لصالح الوطن والمجتمع وجلسوافي أحضانهم ورضعوا من ألبانهم.. فالله المستعان.

* يقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن وهو يتكلم عن خاضوا في غمرات االفتتان واطمأنت)أمثال هؤالء:

قلوبهم إلى أهل الظلم والعدوان، وأكثروا التردد عليهم والمسير إليهم طوعا واختيارا وتعرضوا لما في أيديهم من

حطام الدنيا سرا وجهارا، فأين القلب المطمئن باإليمان إذا كان مدعيه يجري مع الهوى في كل ميدان، فما أشبه حال هذا وأمثاله بالضرب الذين ذكرهم العالمة ابن القيم

رحمه الله وهم الذين لهم أوفر نصيب من قوله تعالى: وال تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن}

يحمدوا بما لم يفعلوا فال تحسبنهم بمفازة من [،188]آل عمران: {العذاب ولهم عذاب أليم

يفرحون بما أتوا من البدعة والضاللة، ويحبون أن يحمدوا باتباع السنة واإلخالص، وهذا يكثر فيمن انحرف من

اهـ(المنتسبين إلى العلم والعبادة عن الصراط المستقيم.127الدرر - جزء الجهاد ص

* وها هنا مسألة قد يرد فيها إشكال على البعض، آلهتهمصلى الله عليه وسلموهي كيفية الجمع بين عيبه

ودينهم كما في هذا الحديث وغيره، وبين قوله تعالى: وال تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا}

[، فنقول وبالله108]األنعام: {الله عدوا بغير علم التوفيق: أن كل ما ذكرناه مما تقدم في تفصيل ملة إبراهيم من عيب اآللهة الباطلة وتسفيهها والحط من

قدرها وإن سماه البعض سبا.. فإنه ليس سبا مجردا وإنماأصل المقصود به بيان التوحيد للناس وذلك..

* بإبطال ألوهية هذه األرباب المتفرقة المزعومة إن الذين}والكفر بها وبيان زيفها للخلق: كقوله تعالى:

تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين * ألهم أرجل

يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها قل

ادعوا شركاءكم ثم كيدون فال تنظرون * إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين

* والذين تدعون من دونه ال يستطيعون نصركم [، وقول197-194]األعراف: {وال أنفسهم ينصرون

[، وقوله42 ]مريم: {وال يبصر وال يغني عنك شيئا يا أبت لم تعبد ما ال يسمع}إبراهيم عليه السالم:



أفرأيتم الالت والعزى *}تعالى في سورة النجم: ومناة الثالثة األخرى * ألكم الذكر وله األنثى تلك

إذا قسمة ضيزى * إن هي إال أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن

يتبعون إال الظن وما تهوى األنفس وقد جاءكم [. وكذا كل ما جاء22-19 ]النجم: {من ربكم الهدى

في وصف هذه اآللهة كبيان أنها ال تستحق العبادة أو تسميتها بالطاغوت أو جعل عبادتها طاعة للشيطان وإنها

وإياهم حصب جهنم.. وغير ذلك. * وكذلك القيام بهذا التوحيد عمليا بإظهار عداوتها

وبغضها والبراءة منها والكفر بها، كقوله تعالى عن قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون * أنتم}إبراهيم:

وآباؤكم األقدمون * فإنهم عدو لي إال رب قال يا قوم}[. وقوله: 77-75 ]الشعراء: {العالمين

[، وما تضمنته78]األنعام: {إني بريء مما تعبدون.. سورة البراءة من الشرك من معان وغير ذلك مما

قدمناه.. فذلك كله ال يدخل في السب المجرد الذي نهت عنه اآلية المذكورة، والذي من طبيعته أن يستثير الخصم

ويهينه ويعيره فقط دون فائدة أو بيان، فيسب الله عز وجل عدوا وجهال وربما دون قصد، خاصة فيمن يعتقد

بالربوبية ككفار قريش، وكذلك الحال بالنسبة لعبيد الياسق.. فإن ملة إبراهيم تقتضي أن يحذر من ياسقهم ويعادى ويبغض ويدعى الناس إلى الكفر به والبراءة منه

ومن أوليائه وعبيده المصرين على تحكيمه، بذكر فضائحه وكشف زيوفه وبطالن أحكامه ومصادمتها الصريحة لدين

الله بإباحتها للردة والربا وتسهيلها للفاحشة والفجور وتعطيلها لحدود الله كحد الزنا والقذف والسرقة وشرب الخمر واستبدال القوانين الفاجرة الكافرة بهذه الحدود

العظيمة.. وما إلى ذلك وهو كثير جدا.. فهذا كله ال يدخل فيما نهت عنه اآلية وإن سماه عبيد الياسق وسدنتهم

سبا.. أو إطالة لسان بل الواجب كما عرفت مما تقدم أن يظهره الدعاة ويصدعوا به.. أما سبهم وسب حكوماتهم

وحكامهم ودساتيرهم سبا مجردا هكذا لإلستثارة المجردة.. فهو المنهي عنه لما يترتب عليه من سب

أولئك الجهال للساب ولدينه وطريقته وإن كانوا ينتسبون إلى اإلسالم زورا وبهتانا.. ويشهدون بربوبية الله وربما

يوحدونه ببعض أنواع ألوهيته دون الحكم والتشريع.. كما أي فيسبوا آمركم{فيسبوا الله}ذكر المفسرون:

بسبها فيعود ذلك على الله جهال وعدوا بغير علم، كما قد يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه، وربما كانا أخوين ألب



واحد، فالغيظ والغضب واالستثارة المجردة تعمي الخصم عن التفكير والتدبر وتستسبه؛ أي تحمله على السب..

الباعث على العمل)قال محمد رشيد رضا في تفسيره: هنا هو إرادة السب التي يقصد بها إهانة المسبوب، فإن

هذا الساب ال يتوجه قصده إال إلى إهانة مخاطبه الذي اهـ. بخالف تدخيل العقل، والدعوة إلى إعماله(سبه

ومخاطبته ولفت انتباهه إلى زيف هذه اآللهة وكونها ال تسمع وال تبصر وال تضر وال تنفع وال تقرب وال تشفع وال تغني عن أنفسها وأتباعها شيئا.. وتأمل قصة إبراهيم مع

قومه وكيف يلفت فيها انتباههم إلى زيف تلك اآللهة المزعومة، ويستشيرهم ال لمجرد االستثارة أو اإلهانة بل

ليفكروا ويتصادموا مع عقولهم في ذلك.. وتأمل كيف يفتضح أمرهم بذلك وينتكسوا ويتناقضوا ويتخبطوا..

أف لكم ولما تعبدون}فيقول لهم عند ذلك معنفا: [.67]األنبياء: {من دون الله أفال تعقلون

ولو تأملت قول عبد الله بن عمرو راوي الحديث صلى الله عليه وسلمالسابق حين ذكر قول قريش للنبي

لما بلغهم) قال مفسرا لذلك: (أنت الذي تقول كذا كذا) . والعيب عند العرب سب أو(عنه من عيب آلهتهم ودينهم

كالسب وقد عده ابن تيمية رحمه الله تعالى كذلك في كتابه الصارم المسلول على شاتم الرسول في )بيان

وغيرها.. ولكنه في هذا الموضع528أقسام السب( ص صلى الله عليهليس سبا مجردا كما عرفت.. فالنبي

كان قائما بدعوة التوحيد التي أرسله الله بها وبملةوسلم إبراهيم التي أمره سبحانه باتباعها. وهذا كله سب عند

أولئك المشركين، ألنه إبطال لدينهم وتنقص آللهتهم المزعومة بتجريدها من صفات األلوهية التي ينعتونها بها..

وهذا هو عيب آلهتهم الذي ذكروه.. وكذلك وصف آبائهم بالضالل ليس استثارة مجردة لذاتها، بل لزجرهم عن

تقليدهم ونهيهم عن متابعتهم على ضاللهم.. نقل وفي اآلية تأديب)القاسمي في تفسيره عن الرازي قوله:

لمن يدعو إلى الدين، لئال يتشاغل بما ال فائدة له في المطلوب، ألن وصف األوثان بأنها جمادات ال تضر وال

تنفع، يكفي في القدح في إلهيتها فال حاجة مع ذلك إلى ولكن ذلك أيضا ال يرضي الكفار وال يعجبهم اهـ...(شتمها

وإن لم يكن سبا مجردا، فهو نسف آللهتهم وكفر بها.. لذا سموه سبا، كما سموا وصف آبائهم بالضالل، شتما حيث

سفه أحالمنا وشتم آباءنا وعاب ديننا وفرق)قالوا: . (جماعتنا وسب آلهتنا...



يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الموضع الثاني من المواضع الستة التي ذكرها في السيرة عن

أنه لما صرح بسب دينهمصلى الله عليه وسلمالنبي وتجهيل علمائهم فحينئذ شمروا له وألصحابه عن ساق العداوة وقالوا: سفه أحالمنا وعاب ديننا وشتم آلهتنا،

لم يشتم عيسى وأمهصلى الله عليه وسلمومعلوم أنه وال المالئكة وال الصالحين ولكن لما ذكر انهم ال يدعون وال أهـ.(ينفعون وال يضرون جعلوا ذلك شتما

والخالصة أن ذلك كله ال يدخل في السب المجرد الذي نهى الله عنه في اآلية، وال هو مقصود بها، حتى ولو

ترتب على مثله أن يسب الكافر الله أو الدين عدوا، فليس للمسلم أن يترك ألجله ما أوجب الله عليه من الصدع بالتوحيد وإظهار الدين فالسب هنا ال يكون إال عدوا بعلم، لورود الحجة والبيان، وإال لو حسبنا حسابا لمثل ذلك، لتركنا ديننا كله وتنازلنا عنه لسواد عيون

الكفار.. ألنه كله قائم على أصل اإليمان بالله والكفر بكل فتنبه.. وقس على ذلك ما يقال في هذه طاغوت...

الطواغيت العصرية.. من دساتير ومناهج وقوانين وحكام وغيرهم.. وال تقصر المعنى على األصنام الحجرية، فتحجر

واسعا.. * فهذه القاعدة إذا إنما تكون صوابا في المباحات

والمستحبات ال في الواجبات فال يترك واجب من واجبات الدين كبيان التوحيد وإبطال دين المشركين سدا لهذه

الذريعة. كما قد يفهم البعض.. ولو توسعنا في ذلك ألضعنا جل ديننا.. لذا قال أبو بكر بن العربي في أحكام

هذا يدل على أن)(: المسألة الثانية: )473القرآن، ص للمحق أن يكف عن حق يكون له إذا أدى ذلك إلى ضرر

يكون في الدين، وهذا فيه نظر طويل، اختصاره أن الحق إن كان واجبا فيؤخذ بكل حال، وإن كان جائزا ففيه يكون

) اهـ. ويقول محمد رشيد رضا: (هذا القول والله أعلم ما نقل عن أبي منصور قال: كيف نهانا الله{ومنها}

تعالى عن سب من يستحق السب لئال يسب من ال يستحقه، وقد أمرنا بقتالهم وإذا قاتلناهم قاتلونا، وقتل

صلى الله عليهالمؤمن بغير حق منكر؟ وكذا أمر النبي وأجاب بالتبليغ والتالوة عليهم وإن كانوا يكذبونه...وسلم

عنه: بأن سب اآللهة مباح غير مفروض، وقتالهم فرض وكذا التبليغ، وما كان مباحا ينهى عما يتولد منه ويحدث،

أهـ. وبمثل ذلك(وما كان فرضا ال ينهى عما يتولد عنه.. يرد على من احتج إلبطال ما ذكرناه من وجوب إظهار



الدين، بما رواه البخاري في صحيحه، أن قوله تعالى: ]اإلسراء: {وال تجهر بصالتك وال تخافت بها}

متوارصلى الله عليه وسلم[. أنزلت ورسول الله 110 بمكة. فكان إذا رفع صوته سمع المشركون فسبوا القرآن

وال تجهر}ومن أنزله ومن جاء به، وقال الله تعالى: [، ال تجهر110]اإلسراء: {بصالتك وال تخافت بها

بصالتك حتى يسمع المشركون. وال تخافت بها عنأصحابك فال تسمعهم، وابتغ بين ذلك سبيال.

فالدعوة إلى الله قائمة ودين المسلمين ظاهر ودعوتهم لنبذ األوثان معلومة لكل أحد في مكة وبراءتهم منها بينة بادية، وإذا كان األمر كذلك فترك الجهر بقراءة

القرآن عند تالوته، لدفع هذه المفسدة ال يطفىء نور الدعوة وال يؤثر فيها تأثيرا سلبيا أبدا.. فالقرآن ينتشر في

كل مكان رغم أنوف المشركين.. وملة إبراهيم معلنة لدرجة أن كل من يعلن إسالمه يسمى بالصابىء، أي

الكافر بدينهم وبأوثانهم، واألمر في غاية الوضوح ال لبس فيه وال إشكال.. أضف إلى ذلك أن رفع الصوت بالقراءة في الصالة ليسمعه غير المصلين ليس واجبا من واجبات

الصالة، فجاز تركه سدا لهذه الذريعة، طبقا لقاعدتها المذكورة الخاصة بترك المباحات والمستحبات دون

الواجبات، فليس هذا تركا لواجب بل يكفي في ذلك أن يسمع اإلمام من يصلي خلفه وهو ما أمر الله تعالى به

أي عن أصحابك. {وال تخافت بها}رسوله في قوله: * وهناك شبهة أخرى قد يحتج بها البعض.. وهي إيواء

الذي امتن الله عز وجل به عليهأبي طالب للنبي [، وكذا6 ]الضحى: {ألم يجدك يتيما فآوى}فقال:

قصة جوار وأمان الكافر للمسلم وأمثلته كثيرة، من ذلك ما رواه البخاري في صحيحه عن جوار ابن الدغنة ألبي

بكر في مكة.. وكذا النجاشي وإيوائه للمسلمين وهو على وخالصة هذه وما شابهه... نصرانيته قبل إسالمه...

كيف يرضى المسلم في مثل هذه األحوال)الشبهة: بإيواء وحماية وجوار الكافر المخالف له في عقيدته

ومنهجه؟؟ أفال يتنافى هذا مع ملة إبراهيم في البراءة من.(المشركين...؟

فنقول وبالله التوفيق: أن ال تعارض في هذه األمثلة المذكورة مع ملة إبراهيم، ودعوة األنبياء والمرسلين

وذلك ألن األمر كما قدمنا لك من قبل قسمان:



البراءة من آلهتهم الباطلة والكفر بطواغيتهماألول:التي تعبد من دون الله عز وجل.

عداوة المشركين المعاندين المصرين علىالثاني: باطلهم.. وقدمنا أيضا أن األول مطلوب من المسلم منذ أول خطوة في الطريق دون توان أو تأخير، بل يجب أن

يعلن ويظهر ويبدى من قبل طائفة من المسلمين كي يعرف الناس به أصل الدعوة، ويشتهر حتى يصبح بدهية

يوصف بها كل من يدخل في هذا الدين.. أما الثاني، فال يبدى أو يعلن، إال بعد اإلصرار على

الباطل وعداوة الحق وأهله. فأبو طالب مثال.. على الرغم من بقائه على الكفر لم يكن مظهرا العداوة والبغضاء للحق وأهله، بل على العكس من ذلك فقد كان ردءا

صلى الله عليه وسلممدافعا عن صاحب الحق ورسوله كما وصفه العباس رضي الله عنه في حديث البخاري

ما أغنيت عن): صلى الله عليه وسلمحيث قال للنبي (الحديث عمك فإنه كان يحوطك وينصرك ويغضب لك...

وإن كان ذلك في عصبية ولروابط نسبية وراجع في ذلك ما ذكره العالمة الشنقيطي في أضواء البيان المجلد

( في تأييد الدين بالرجل407، 406، 43، 41الثالث )ص الفاجر وبالروابط العصبية واألواصر النسبية مع بطالن

والشاهد هذه الروابط وبطالن الود على أساسها وحدها... من ذلك أن مثل هذا النصير أو المجير.. يبقى األمل واردا في هدايته واتباعه للحق إلى آخر لحظة ما دام ال يقف مع

الصف المعادي المحارب له بل يقف مدافعا عن بعض فكيف إذا أضيف إلى ذلك كونه من خاصة أتباعه...

ولذلك فإن النبي الداعية وقرابته الذين يتعلقون به... لم ييأس من دعوة عمه الذي كانصلى الله عليه وسلم

يقول: حتى أوسدوالله لن يصلوا إليك بجمعهم

في التراب دفينا أبشـر بذاك وقر منهفاصدع بأمرك ما عليـــك عيونا

وهي النقطة األولى وقبل ذلك كله، هناك أمر آخر... صلى الله عليه وسلموالمهمة في الموضوع.. أن النبي

مع موقف عمه المدافع هذا، لم يكن ليداهنه على حساب صلى الله عليهدعوته ودينه، بل كان عمه يعرف بدعوته



ويسمع بعداوته وبعيبه آللهتهم الباطلة، وقد حاولتوسلم صلى الله عليه وسلمقريش معه للضغط على النبي

ليكف عن دعوته وعن عيب آلهتهم وتسفيه أحالمهم، وعندما حاول أبو طالب السعي لمثل ذلك، ما داهنه

صلوات الله وسالمه عليه وال تنازل عن شيء من أمر دينه تطييبا لخاطر عمه الذي كان يحميه وينصره ويؤويه،

والله ما أنا بأقدر أن أدع ما)بل قال قولته المعروفة: بعثت به، من أن يشعل أحد من هذه الشمس شعلة من

صلى الله عليه وسلم كما في الطبراني وغيره. وهو (نار كذلك أوال وآخرا لم يكن ليربطه بعمه الكافر ود وال حب

قدوتنا ومثلنا األعلى فيصلى الله عليه وسلمكيف وهو ال تجد قوما يؤمنون بالله واليوم}قوله تعالى:

اآلخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا فذلك شيء اآلية، مع حرصه على هدايته... {آباءهم...

رغم إيواءوما كان النبي والحب والود شيء آخر... عمه وحمايته له ودفاعه عنه ليصلي عليه يوم أن مات...

بل نهاه الله عز وجل عن مجرد االستغفار له يوم أنزل ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا}عليه:

[ اآلية، وما كان منه113]التوبة: {للمشركين.. صلوات الله وسالمه عليه عندما جاءه علي رضي الله عنه

إن عمك الشيخ الضال قد مات فمن)فقال له: رواه اإلمام(اذهب فواره) غير أن يقول له: (يواريه؟...

أحمد والنسائي وغيرهما. ومثل ذلك أيضا يقال في رهط شعيب الذين كانوا

مانعا دونه والكفار، قال تعالى مخبرا عن أعداء نبيه: [. وقد كانوا91 ]هود: {ولوال رهطك لرجمناك}

وكذا نبي الله صالح عليه السالم ووليه الذي كان كفارا... قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله}الكفار يحاذرونه

ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا[.49]النمل: {لصادقون

* أضف إلى ذلك أن هناك فرقا واضحا يجب أن يالحظ ويعتبر بين أن يعين الكافر مسلما أو يجيره

وينصره ويحميه ويأويه بنفسه دون أن يلجأ المسلم إليه أو يذل نفسه له أو يتودد، وإنما يفعل الكافر ذلك من

تلقاء نفسه بدافع القبلية أو العصبية أو القرابة وغيرها... وبين أن يطلب المسلم ذلك منه ويكون في طلبه نوع ذل

ومهانة ومداهنة أو إقرار وسكوت عن باطله أو رضى بشركه.. ال شك أن الفرق بين الحالتين واضح بين ال

يخفى على البصير، ولو تأملت هذه األمثلة لرأيتها من



الجنس األول.. وألبي جعفر الطحاوي كالما لطيفا يشبه ( فرق فيه بين االستعانة239/3هذا في مشكل اآلثار )

بالمشركين في القتال وكون ذلك مما نهى الله تعالى عنه يا أيها الذين آمنوا ال تتخذوا بطانة من}في قوله:

[ اآلية،118]آل عمران: {دونكم ال يألونكم خباال.. وبين قتالهم بأنفسهم ضد أعداء المسلمين دون طلب

واستعانة من المسلمين أنفسهم، فراجعه فإنه مفيد في فكله من هذا الباب.. وكذا جوار ابن الدغنة ألبي بكر...

هذا القبيل.. ومن ذلك أيضا صلة الوالدين المشركين ومصاحبتهما

بالمعروف وتألف قلبيهما، ألن أمل التأثر بابنهما واتباع الحق الذي يدعو إليه وارد باق ما داما متعلقين بالولد..

ما لم يقفا في حتى وإن جاهداه على أن يشرك بالله... فإن فعال الصف المحارب المعادي الصاد عن سبيل الله...

ذلك تبرأ منهما عالنية كما فعل إبراهيم مع أبيه لما تبين له أنه عدو لله.. بل ويعاديهما ويقاتلهما كما فعل أبو

عبيدة وغيره من الصحابة في بدر.. فإبراهيم عليه السالم كما قدمنا كان يتألف قلب أبيه ويدعوه بالحسنى واللين ويظهر حرصه على هدايته وخوفه عليه من عذاب الله

ألولياء الشيطان.. ولكنه تبرأ منه واعتزله عندما تبين له واستثنى سبحانه مما دعانا عداوته الصريحة لله...

للتأسي فيه بإبراهيم والذين معه في سورة الممتحنة؛ استغفاره ألبيه، ونهى المؤمنين في سورة التوبة عن

االستغفار للمشركين ولو كانوا أولي قربى ثم قال عن فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه. إن}إبراهيم:

. {إبراهيم ألواه حليم وال تجادلوا أهل الكتاب إال}ومنه قوله تعالى:

إال الذين} ثم استثنى سبحانه: {بالتي هي أحسن[.64]العنكبوت: {ظلموا منهم...

وكذا أمان النجاشي للمهاجرين.. وارجع إلى قصة جعفر وموقفه رضي الله عنه في الصدع بدينه ومعتقده

في عيسى عليه السالم الذي يخالف فيه دين من هو بين ظهرانيهم، رغم استضعافه ومن معه، ورغم دخولهم في

أمانهم.. بل إن النجاشي بكى لما سمع كالم الله يتلى، وأظهر التأييد والقبول وأعطاهم األمان فأظهروا دينهم ومعتقدهم لكل أحد، فكان إسالم النجاشي ومن أسلم من أهل الحبشة بتوفيق الله تعالى ثم بسبب إظهارهم

لدينهم رضي الله تعالى عنهم.. وراجع في رد هذه الشبهة



وإبطالها رسالة )المورد العذب الزالل( للشيخ عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب

رحمهم الله أجمعين في الدرر السنية جزء مختصرات من الجزء نفسه فإنه مهم197 وكذا ص124الردود ص

في رد هذه الشبهة وشبهة أخرى وهي احتجاجهم )بمؤمن.212آل فرعون( وكذا ص

أن معاداة أهل * وخالصة القول في ذلك كله... الباطل وإظهار البراءة منهم ومن آلهتهم الزائفة وأديانهم

الباطلة وقوانينهم العفنة.. أصل عظيم، وركن وثيق في دعوة األنبياء والمرسلين.. وهو كما عرفت شرع محكم يرتكز على أصل دين اإلسالم وقاعدته.. فلو اجتمع أهل األرض جميعا ألجل رده وإبطاله لما استطاعوا إلى ذلك سبيال.. والمخالفون فيه ال يستدلون كما رأيت إال بأمثال

هذه القضايا العينية الخاصة التي ال عموم لها عند جماهير األصوليين والنظار، بل هي نفسها مطروحة على التقييد

والتخصيص.. وإذا تقرر أن هذه الطريق أصل عظيم فقد أمست هذه األدلة الجزئية وغيرها مما محكم...

متشابها يجب رده إلى يتوهمه المخالفون معارضا... المحكم، ال أن يضرب كتاب الله بعضه ببعض وال سنة

المصطفى كذلك.. فتنبه وال تغتر بشبه الملبسين.. "وهكذا فال بد أن يقف أصحاب الدعوة من قومهم

موقف المفاصلة الكاملة.. ويوم تتم هذه المفاصلة يتحقق وعد الله بالنصر ألوليائه والتدمير على أعدائه.. ففي تاريخ

الدعوة إلى الله على مدار التاريخ، لم يفصل الله بين أوليائه وأعدائه إال بعد أن فاصل أولياؤه أعداءه على

أساس العقيدة، فاختاروا الله وحده.. وأصحاب الدعوة وإنه لينبغي إلى الله لهم أسوة حسنة في رسل الله...

لهم أن تمتلىء قلوبهم بالثقة حتى تفيض.. وإن لهم أن يتوكلوا على الله وحده في وجه الطاغوت أيا كان.. ولن

يضرهم الطاغوت إال أذى.. ابتالء من الله ال عجزا منه سبحانه عن نصرة أوليائه، وال تركا لهم ليسلمهم إلى

أعدائه، ولكنه االبتالء الذي يمحص القلوب والصفوف.. ثم تعود الكرة للمؤمنين.. ويحق وعد الله لهم بالنصر

والتمكين..." اهـ. من الظالل بتصرف. * ولتعلم أخيرا أن الناس مع هذا الحق أقسام:

* رجل ثابت صادع بملة إبراهيم وبدين جميع المرسلين على النحو الذي تقدم ال يخاف في الله لومة



الئم، فهذا من الطائفة الظاهرة المنصورة وهو الداعي إلى الحق الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، وهو

الذي يفوز بكرامة الدارين، والذي يقول تعالى فيه: ومن أحسن قوال ممن دعا إلى الله وعمل}

[،33 ]فصلت: {صالحا وقال إنني من المسلمين المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر)وهو المعني بحديث:

؟ (على أذاهم خير... وإنما حصل له األذى ألنه جاء بمثل ما جاء به

المرسلون.. ال يداهن أهل الباطل وال يركن إليهم أو يرضى بباطلهم بل يتبرأ منهم ويظهر العداوة لهم ويهجر

كل ما يعينهم على باطلهم من منصب ووظيفة أو عمل أو طريق، ومن كانت هذه حاله ال يأثم بإقامته في

مجتمعاتهم وديارهم وال تجب عليه الهجرة من أي بلد كان. يقول الشيخ حمد بن عتيق في الدرر السنية عند

قد كانت لكم أسوة حسنة}كالمه على قوله تعالى: [ اآلية،4]الممتحنة: {في إبراهيم والذين معه…

أي ظهر وبان والمراد التصريح{بدا }ومعنى قوله: باستمرار العداوة والبغضاء لمن يوحد ربه، فمن حقق

ذلك علما وعمال وصرح به حتى يعلمه منه أهل بلده لم تجب عليه الهجرة من أي بلد كان، وأما من لم يكن كذلك

بل ظن أنه إذا ترك يصلي ويصوم ويحج سقطت عنه الهجرة، فهذا من الجهل بالدين وغفول عن زبدة رسالة

من جزء الجهاد وهذا القسم199 اهـ. ص(المرسلين… من الناس إذا صدع بالحق وهدد بالقتل والتعذيب وليس

ثم بلد يهاجر إليها فله أسوة حسنة في أهل الكهف الذين شحوا بدينهم وفروا به إلى الجبال.. وأسوة أخرى

حرقوا في سبيل عقيدتهم بأصحاب األخدود الذين وتوحيدهم وما وهنوا وما استكانوا.. وأسوة بأصحاب النبي الذين هاجروا وجاهدوا وقاتلوا وقتلوا وكفى بربك هاديا

ونصيرا. ولكن رواسيها وأوتادهاولوالهم كادت تميد بأهلهـاهم

ولكن هم فيها بدورولوالهم كانت ظالما بأهلهاوأنجم

* أو رجل أقل منزلة من األول ال يقدر على هذه الطريق المحفوفة بالمكاره، ويخاف على دينه وال يطيق



الصدع بذلك.. فهو يعتزل بغنيمات له يتبع بهن مواقعالقطر وشعب الجبال يعبد الله ويفر بدينه من الفتن..

* أو رجل مستضعف مغلق عليه بيته مقبل على خاصة أمره يسعى في نجاتهم ووقايتهم من الشرك وأهله ومن نار وقودها الناس والحجارة.. يتجنب الكفار ويعرض عنهم، وال يظهر الرضى عن باطلهم وال يؤيده بأي صورة من الصور.. وال بد لهذا من أجل سالمة توحيده. أن يبقى

قلبه مطمئنا بالعداوة والبغضاء للشرك والمشركين ينتظر زوال المانع.. ويتحين الفرص للفرار بدينه والهجرة إلى بلد أهون شرا.. يظهر بها دينه، كهجرة المهاجرين إلى

الحبشة. * أو آخر مظهر للرضى عن أهل الباطل مداهن

إلفكهم وضاللهم فهذا له ثالث حاالت ذكرها الشيخ ابن فقال: 62عتيق في سبيل النجاة والفكاك ص

"الحالة األولى: أن يوافقهم في الظاهر والباطن فهذا كافر خارج من اإلسالم. سواء أكان مكرها أم غير مكره،

ولكن من شرح بالكفر}فهو ممن قال الله فيه: {صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم

[.106]النحل: الحالة الثانية: أن يوافقهم ويميل إليهم في الباطن،

مع مخالفتهم في الظاهر، فهذا كافر أيضا، وهمالمنافقون.

الحالة الثالثة أن يوافقهم في الظاهر مع مخالفته لهم في الباطن وهو على وجهين: أحدهما: أن يفعل ذلك لكونه في سلطانهم مع ضربهم وتقييدهم له وتهديده

بالقتل، فإنه والحالة هذه يجوز له موافقتهم في الظاهر مع كون قلبه مطمئنا باإليمان كما جرى لعمار قال تعالى:

]النحل:{إال من أكره وقلبه مطمئن باإليمان}106."]

قلت: وينبغي لمثل هذا كما قدمنا أن يسعى دوما صلى الله عليهمثل المستضعفين من أصحاب النبي

القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا ربنا أخرجنا من هذه} للفرار بدينه ويدعو دوما: وسلم [. 75 ]النساء: {واجعل لنا من لدنك نصيرا



الوجه الثاني: أن يوافقهم في الظاهر مع)ثم قال: مخالفته لهم في الباطن، وهو ليس في سلطانهم، وإنما

حمله على ذلك إما طمع في رئاسة أو مال أو مشحة بوطن أو عيال أو خوف مما يحدث في المال فإنه في

هذه الحالة يكون مرتدا وال ينفعه كراهته لهم في الباطن ذلك بأنهم استحبوا الحياة}وهو ممن قال الله فيهم:

الدنيا على اآلخرة وإن الله ال يهدي القوم [، فأخبر أنه لم يحملهم على107 ]النحل: {الكافرين

الكفر الجهل أو بغضه، وال محبة الباطل، وإنما هو أن لهم حظا من حظوظ الدنيا آثروه على الدين.. قال: وهذا

معنى كالم شيخ اإلسالم محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.(تعالى

* قلت: معنى كالم الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذي أشار إليه ابن عتيق موجود في مواضع كثيرة من

42كتبه ورسائله، من ذلك على سبيل المثال قوله ص اعلم أن األدلة على)في مجموعة الرسائل النجدية:

تكفير المسلم الصالح إذا أشرك بالله أو صار مع المشركين على الموحدين ولم يشرك، أكثر من أن

تحصى من كالم الله وكالم رسوله وكالم العلماء. وأنا أذكر لك آية من كالم الله أجمع أهل العلم على تفسيرها

وأنها في المسلمين وأن الرجل إذا قال ذلك فهو كافر من كفر بالله من}في أي زمان كان، قال الله تعالى:

{بعد إيمانه إال من أكره وقلبه مطمئن باإليمان [ اآلية، وفيها ذكر أنهم استحبوا الحياة الدنيا106]النحل:

على اآلخرة، فإذا كان العلماء ذكروا أنها نزلت في الصحابة لما فتنهم أهل مكة وذكروا أن الصحابي إذا تكلم

بكالم الشرك بلسانه مع بغضه لذلك وعداوة أهله لكن.(خوفا منهم فهو كافر بعد إيمانه

وهو مطابق لكالم الشيخ ابن عتيق السابق وكالم الشيخ سليمان اآلتي بعده.. وهو كالم خطير، أعلم علم

اليقين بأنه لو كان من كالمنا وليس من كالم هؤالء األئمة األعالم لقيل: خوارج وتكفير.. مع أن اآلية نص واضح

عليه.. وهذه القضية تختلف عن قضية اإلكراه على كلمة الكفر التي يعذر صاحبها، فنحن هاهنا مع أناس لم يكرهوا ولم يضربوا ولم يعذبوا وإنما حملهم على إظهار الموافقة

والوالء للمشركين، حب الدنيا والخوف عليها والطمع بالمال والمشحة بالمسكن )واألرض والقرض كما

يقولون( فهو استحباب للحياة الدنيا على اآلخرة واشتراء لمتاعها الزائل ببذل الدين والتوحيد والعقيدة.. ربما



تستروا مع ذلك باإلكراه وادعوا الضرورات وليسوا في الحقيقة من أهلها، لذا قال تعالى في سورة آل عمران

بعدما نهى عن مواالة أعدائه وأباح التقية للمكره ويحذركم الله نفسه وإلى}الحقيقي، قال محذرا:

الله المصير * قل إن تخفوا ما صدوركم أو تبدوه [، وقال في اآلية29-28 ]آل عمران: {يعلمه الله...

يوم تجد كل نفس ما عملت}التي تلتها مباشرة: من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن

]آل{بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه.. [، وهذا من أعظم الوعيد والتهديد لمن تدبر30عمران:

كتاب الله وعقله.. ولكن من يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا.. ذلك أن كثيرا ممن الخالق لهم يتعذرون

باإلكراه وليسوا من أهله.. وقد ذكر العلماء شروطا لصحةاإلكراه منها:

- أن يكون المكره )بكسر الراء( قادرا على إيقاع مايهدد به، والمأمور المكره عاجزا عن الدفع ولو بالفرار..

- أن يغلب على ظنه أنه إذا امتنع أوقع به ذلك. - أن يكون ما هدد به فوريا، فلو قال: إن لم تفعل

كذا ضربتك غدا، ال يعد مكرها. - أن ال يظهر من المأمور ما يدل على تماديه بأن

يعمل زيادة على ما يمكن أن يزول به عنه البالء. * كما فرقوا فيما يهدد به المكره ويخوف بين اإلكراه

على المعاصي، وبين اإلكراه على قول كلمة الكفر أو مواالة الكفار وأمثاله، فلم يجوزوا الثاني إال لمن عذب

عذابا ال طاقة له به، وذكروا القتل والتحريق بالنار وقطع األعضاء والتخليد في السجن وأمثال ذلك، وعمار رضي الله عنه هو الذي نزلت بسببه آيات التقية، ومعروف أنه

لم يقل ما قال إال بعدما رأى مقتل أمه وأبيه، وبعدما ذاق من العذاب ألوانا، فكسرت ضلوعه وأوذي في الله أذى شديدا.. وأكثر هؤالء المتعذرين بالتقية ممن أوضعوا في

الفتنة وغرقوا في الباطل والشرك لم ينلهم عشر معشار ما ناله.. ولكن كما قلنا سابقا؛ من يرد الله فتنته فلن

تملك له من الله شيئا.. أضف إلى هذا أن أهل العلم يذكرون مع ذلك في

أبواب اإلكراه على كلمة الكفر؛ أن األخذ بالعزيمة والصبر



على األذى واحتساب األجر عند الله تعالى أعظم وأفضل، وهذه مواقف الصحابة وتابعيهم واألئمة شاهدة بذلك

فبأمثال هذه المواقف يكون إظهار الدين وإعزازه، وانظر صحيح البخاري باب )من اختار الضرب والقتل والهوان

على الكفر( والشواهد في ذلك كثيرة وكذا مواقف األئمة أكثر من أن تحصى كموقف اإلمام أحمد في فتنة خلق

القرآن وغيرها كثير... ومن الناس من يقول}ويذكرون قوله تعالى:

آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس[.10]العنكبوت: {كعذاب الله

كما يذكرون أن التخيير ينافي اإلكراه وذلك كحال شعيب عليه السالم مع قومه إذ خيروه بين العودة إلى

الكفر أو الخروج من قريتهم، ولم يجوزوا لذلك االستجابة وإظهار الكفر في هذه الحالة. وإنما سردنا هذا كله ليعلم

من وهبه الله نعمة العقل والتوحيد غربة هذا الدين في زماننا وغربة دعاته وأهله الذين يعرفونه حق المعرفة...

وأن أكثر الناس اليوم قد دخلوا في دين الحكومات ودين الطواغيت مختارين بال إكراه حقيقي، وإنما استحبابا للحياة الدنيا ومساكنها وأموالها ومتاعها ومناصبها على

دين الله، وبذلوه وباعوه بأبخس األثمان، فإياك أن تكونمنهم فتصبح من النادمين..

* وبهذا وأمثاله يزول ما قد يستغربه ويستهجنه كثير من الناس من قول الشيخ ابن عتيق هذا فيمن وافق

المشركين في الظاهر مع مخالفته لهم في الباطن وهو ليس في سلطانهم وإنما حمله على ذلك ما ذكر من

الدنيا وليس اإلكراه.. وقوله: "مع مخالفته لهم في الباطن" يقصد به والله أعلم: )بحسب زعمه( وإال فكيف

نعلم ونطلع على حقيقة باطنه في حاله تلك، إال عن طريق الوحي كما في قصة حاطب بن أبي بلتعة.. والله

عز وجل لم يكلفنا بالبواطن بل نحكم بالظاهر.. فكما أننا نكف سيوفنا عمن أبطن النفاق وأبدى مواالة اإلسالم

وأظهر شعائره، فكذلك نعملها في هام من أظهر مواالة الكفار وشايعهم وانحاز لهم، وإن زعم أنه يبطن اإلسالم.. فالله عز وجل تعبدنا في أحكام الدنيا بالظواهر وهو وحده

سبحانه الذي يتولى السرائر ويعلم الصادق من الكاذب، فيحاسب الناس على أعمالهم ويبعثهم على نياتهم كما في حديث أم المؤمنين المتفق عليه في الجيش الذي يخسف به وفيه المستبصر والمجبور، فيهلكهم الله جميعا



وهذا معنى في الدنيا ويبعثهم على نياتهم يوم القيامة... قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما في صحيح

إن أناسا كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول)البخاري: فمن أظهر لنا خيرا أمناهصلى الله عليه وسلمالله

وقربناه وليس إلينا من سريرته شيء الله يحاسب سريرته. ومن أظهر لنا سوءا لم نأمنه ولم نصدقه وإن

.(قال إن سريرته حسنة فيصلى الله عليه وسلموهكذا كان أمر النبي

تعامالته مع الناس في الحروب وغيرها، فها هو العباس بن عبد المطلب وقد كان يدعي اإلسالم وينتسب إليه،

( من مجمع91/6 و89 و88انظر على سبيل المثال ) ( من مشكل اآلثار وغيره..246/4-242الزوائد، و)ص

ولكنه بقي في مكة وهي دار كفر آنذاك ولم يهاجر إلى دار اإلسالم وخرج مع المشركين يوم بدر، فأسره

المسلمون وعاملوه على ظاهره ال بما زعمه وادعاه من إبطان اإلسالم، ألنه خرج في صفوف المشركين يكثر

سوادهم، وروي أنه زعم أنه كان مكرها في الخروج معهم كما في بعض اآلثار المشار إليها آنفا، وفي بعضها أن

قال له عندما رآه يتعذرصلى الله عليه وسلمالنبي الله أعلم بشأنك إن يك ما)باإلكراه ويدعي اإلسالم:

تدعي حقا فالله يجزيك بذلك، فأما ظاهر أمرك فقد كان رواه اإلمام أحمد ورجاله ثقات، إال(علينا فافد نفسك..

أن فيه راو لم يسم، وعلى كل حال يكفينا في هذا ما هو صلى اللهثابت في صحيح البخاري وغيره، من أن النبي

عامله بظاهر أمره ولم يطلقه إال بعدما فدىعليه وسلم نفسه كبقية األسرى المشركين.. ولعل من هذا الباب

أيضا ما جاء في صحيح مسلم من حديث عمران بن حصين في قصة الرجل من بني عقيل الذي كان من

رغم ادعائه اإلسالم،حلفاء ثقيف أسر ولم يطلقه النبي (.. 1008انظره في مختصر المنذري تحت رقم )

فعلم من هذا كله أننا مكلفون في معامالتنا وأحكامنا في الدنيا بالظاهر دون الباطن، وهذا من فضل الله عز وجل علينا وإال ألمسى اإلسالم وأهله ألعوبة وأضحوكة

لكل جاسوس وخبيث وزنديق. ومن هذا الباب قصة حاطب وما كان من صنيعه عام الفتح.. فاألصل أن يحكم

على ظاهر من عمل مثل عمله بالكفر وأن يجري المسلمون عليه ما يستوجب ظاهره من األحكام في

الدنيا كالقتل واألسر، ومن طالع حال المرتدين وأقسامهم وبعض حججهم وتأويالتهم، وحجج من خدع منهم بشهود



الرجال على نبوة مسيلمة وقصة ثمامة واليشكري وما إلى ذلك.. وكيف أن الصديق عاملهم جميعا بالظاهر. فأعمل فيهم القتل واألسر.. وأن هذا كان من أعظم

فضائله ومناقبه وحسناته؛ عرف صحة ما نقصده ونرمي إليه، ويراجع في ذلك كالم الشيخ محمد بن عبد الوهاب

رحمه الله تعالى فهو كثير في هذا الباب.. انظر على سبيل المثال المواضيع الستة التي ذكرها في مقدمة

السيرة وغيرها كثير.. وهذا هو تماما ما فهمه عمر رضي الله عنه في قصة حاطب وصرح به في حضرة النبي

صلى الله عليه، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله لم ينكر على عمر هذا الفهم، وال قال له وسلم

إذا قال الرجل ألخيه يا كافر) في ذلك المقام: عليه وسلم ، بل أقر حكمه ولم ينكره فيمن ليس(فقد باء به أحدهما

وما)له مانع كمانع حاطب، وزكى لنا باطن حاطب بقوله: إلخ، وقد قال(يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر..

ما)حاطب رضي الله عنه كما جاء في البخاري وغيره: (فعلت ذلك كفرا وال ارتدادا وال رضى بالكفر بعد اإلسالم

..(قد صدقكم) مزكيا له: صلى الله عليه وسلمفقال والمبادرة إلى هذا القول منه رضي الله عنه من أظهر

األدلة على أن الصحابة قد كان مستقرا في نفوسهم أن األصل في ظاهر هذا العمل أن يكون ردة وكفرا.. وفي

)رواية أبي يعلى وأحمد قال: أما إني لم أفعله غشا وال نفاقا، قد علمت أنصلى الله عليه وسلملرسول الله

وفي رواية أخرى لهما(الله مظهر رسوله ومتم له نوره (أما والله يا رسول الله ما تغير اإليمان من قلبي..)أيضا:

صلى الله( وتأمل قول النبي 306/9انظر مجمع الزوائد ) فهذا(قد صدقكم) في رواية البخاري: عليه وسلم

صلى الله عليه وسلمالصحابي البدري قد استثناه النبي وزكاه وشهد بصدق سريرته وباطنه وأنه لم يفعل ذلك

ردة وكفرا بل كانت منه كبيرة من كبائر الذنوب اغتفرت في مقابل كونه بدريا.. فهل في المهونين من شأن مواالة الكفار المتنطعين بقصة حاطب هل فيهم اليوم على وجه

األرض بدريا اطلع الله على قلبه، ليجعلوا هذا الفعلكبيرة على اإلطالق ويتهاونوا فيه ويتساقطوا تساقطا..؟؟ وال نسأل هذا السؤال إال بعد أن نعلم صدق سرائرهم

وأنهم ما فعلوه ردة وال كفرا.. ودون ذلك خرط القتاد.. فمن أين لنا أن نعلم بعد انقطاع الوحي صدق سرائرهم

صلىوبواطنهم ومن يزكيهم ويشهد لنا بعد رسول الله بذلك. فهذا مانع من موانع الكفر الباطنةالله عليه وسلم

غير الظاهرة، وال نكلف به بعد انقطاع الوحي، ألجل ذلك



كان األصل فيمن أظهر الركون إلى الكفار وموافقتهم ومواالتهم أن نحكم عليه بظاهره كما تقدم والله يتولى

السرائر إن كان على غير ذلك، ويبعث على نيته إن قتله المسلمون في صفوف الكفار، وإن أسر تجري عليه

أحكام الكفار كما تقدم، والمسلمون معذورون في قتل من أظهر مثل هذا وإن ادعى وزعم أنه يبطن اإلسالم

ومواالة أهله، وانظر في هذا كالم شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه الله تعالى حول الجيش الذي يغزو الكعبة فيخسف

به، وقصة أسر العباس يوم بدر وادعائه اإلسالم.. في ( وكذا كالم تلميذه العالمة ابن537/28مجموع الفتاوى ) ( وغيرهما من العلماء المحققين..422/3القيم في الزاد )

إن الذين} وتأمل كذلك سبب نزول قوله تعالى: [97]النساء: {توفاهم المالئكة ظالمي أنفسهم

ارجع إليه في صحيح البخاري وغيره فإنه مفيد في هذا الباب أيضا.. انشط وتأمل ذلك كله وانفض غبار النوم عن

عينيك وال تكن مع الكسالى المقلدين.. ( عن521/7* وأخيرا فقد ذكر الحافظ في الفتح )

بعض أهل المغازي قال وهو في )تفسير يحيى بن سالم( أما بعد يا معشر قريش، فإن)أن لفظ كتاب حاطب كان:

قد جاءكم بجيش كالليل يسير كالسيل،رسول الله فوالله لو جاءكم وحده لنصره الله وأنجز له وعده،

وكذا حكاه السهيلي. (فانظروا ألنفسكم والسالم قلت: فلو تأمل العاقل كتاب حاطب هذا وما فيه من

وتعظيمه منصلى الله عليه وسلمثقته بنصر الله لنبيه شأنه، ومع ذلك فقد أنزل الله تعالى بسبب فعلته هذه

يا}آيات عظيمات تقشعر منها جلود الذين آمنوا فقال: أيها الذين آمنوا ال تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله

ربكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما

أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل [، فلو تأملت هذا هداك1 ]الممتحنة: {سواء السبيل

الله، وكيف شدد الله تعالى فيه وجعله من مواالة ومودة أعدائه.. ثم نظرت في أحوال كثير من المنتسبين للدعوة

واإلسالم في هذا الزمان، وما يقع منهم من مباركة ومداهنة بل ومناصرة ومؤازرة عبيد القانون وأذناب الفرنجة وأعداء الشريعة والتوحيد، وما يظهروه من مواالة دساتيرهم وحكوماتهم والقسم على احترام



قوانينهم؛ لعرفت غربة الدين الحقيقة، وغربة أهله العارفين له حق المعرفة وندرتهم فإياك والتفريط بالدين،

إياك.. إياك. وأما ما يعتقده كثير من)قال الشيخ حمد بن عتيق:

الناس عذرا، فإنه من تزيين الشيطان وتسويله وذلك أن بعضهم إذا خوفه أولياء الشيطان خوفا ال حقيقة له ظن أنه يجوز له إظهار الموافقة للمشركين واالنقياد لهم..

. ثم ذكر كالما لشيخ اإلسالم ابن تيمية في صفة(إلخ اإلكراه على كلمة الكفر وأنه ال يكون إال بالضرب

والتعذيب والقتل ال بمجرد الكالم وال بالتخويف بالحيلولة ثم قال رحمه الله دونه ودون زوجته أو ماله أو أهله...

فإذا علمت ذلك وعرفت ما وقع من كثير من)تعالى: بدأ): صلى الله عليه وسلمالناس تبين لك قول النبي

وقد عاد غريبا،(اإلسالم غريبا وسيعود غريبا كما بدأ اهـ(وأغرب منه من يعرفه على الحقيقة، وبالله التوفيق

من "سبيل النجاة" الموضع نفسه. * ويقول الشيخ سليمان بن عبد الله بن الشيخ محمد

بن عبد الوهاب )صاحب كتاب تيسير العزيز الحميد( في اعلم رحمك)مقدمة رسالة )حكم مواالة أهل اإلشراك(:

الله أن اإلنسان إذا أظهر للمشركين الموافقة على دينهم خوفا منهم، ومداراة لهم، ومداهنة لدفع شرهم، فإنه كافر

مثلهم وإن كان يكره دينهم ويبغضهم ويحب اإلسالم.(والمسلمين...

ثم ذكر ما هو أشد من ذلك من مناصرة المشركين بالمال ومواالتهم وقطع مواالة المسلمين.. إلى أن قال:

وال يستثنى من ذلك إال المكره وهو الذي يستولي عليه) المشركون، فيقولون له: اكفر، أو افعل كذا، وإال فعلنا بك

وقتلناك، أو يأخذونه فيعذبونه حتى يوافقهم، فيجوز له الموافقة باللسان مع طمأنينة القلب باإليمان. وقد أجمع العلماء على أن من تكلم بالكفر هازال، أنه يكفر، فكيف

اهـ. ثم أخذ(بمن أظهر الكفر خوفا وطمعا في الدنيا؟! بسرد أكثر من عشرين دليال على ذلك.. ولذلك اشتهر

كتابه باسم )الدالئل(… فليتأمل ذلك كله المنتسبون إلى الدعوة ممن يظهرون مواالة عبيد الياسق وموافقتهم

وينافحون عنهم وعن قوانينهم وحكوماتهم وجيوشهم.. وليتدبروه.. فإنه يهمهم جدا، خصوصا، إذا علموا أنه كله

منصب على عساكر الدولة المصرية حينما دخلوا نجدا في عهد الشيخ حمد بن عتيق والشيخ سليمان رحمهما الله،



حيث صنفا كتاب )سبيل النجاة والفكاك( وكتاب )الدالئل( في ذلك الوقت لتحذير الناس من مواالة أولئك العساكر

الذين كانوا يتشبثون بكثير من البدع والخرافات وغيرها من جزء الجهاد309وشركيات القبور، انظر ص

من كتاب الدرر السنية.. ومن المعلوم عن علماء نجد المشاهير من أوالد الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه

في ذلك الزمان أنهم كانوا يكفرون الدولة المصرية وعساكرها التابعين للدولة التركية كما هو مشهور في

كثير من رسائلهم، بل يكفرون كل من واالهم أو دخل في طاعتهم ورضي عنهم واتخذهم وليجة من دون المؤمنين.. والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح اآلن: إذا كان هذا حكم

أولئك األئمة األعالم في العساكر التابعين للدولة التي يتباكى عليها وعلى أيامها أكثر مسلمي هذا الزمان.. وإذا

كانت هذه مصنفاتهم فيمن واالها وأحبها أو أحب ظهورها.. فماذا تراه يكون قولهم في عبيد الياسق

العصري؟؟ وبماذا كانوا سيحكمون على من أظهر الوالء لهم

ولجيوشهم وشرطتهم خوفا من الحرمان من المساكن والقسائم أو الوظائف أو غير ذلك من قشور الدنيا

ومتاعها؟؟ وبماذا كانوا سيحكمون على من أقسم على اإلخالص لهم أو على احترام قوانينهم.. لو أنهم أدركوا هذا

الزمان؟؟؟ "فالحذر الحذر أيها العاقلون والتوبة التوبة أيها الغافلون فإن الفتنة حصلت في أصل الدين ال في

فروعه، وال في الدنيا، فيجب أن تكون العشيرة واألزواج واألموال والتجارة والمساكن وقاية للدين وفداء عنه، وال

قل إن}يجعل الدين فداء عنها ووقاية لها قال تعالى: كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم

وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي

{الله بأمره والله ال يهدي القوم الفاسقين [، فتفطن لها وتأملها فإن الله أوجب أن يكون24]التوبة: الله ورسوله والجهاد أحب من تلك الثمانية كلها، فضال

عن واحدة منها أو أكثر، أو شيء دونها مما هو أحقر، فليكن الدين عندك أغلى األشياء وأعالها..." اهـ. من

جزء الجهاد.127الدرر ص



فصـل من أساليب الطغاة لتمييع ملة إبراهيم وقتلها في

نفوس الدعاة وبعد.. فإذا كنت قد فهمت ملة إبراهيم فهما جيدا.. وعلمت أنها منهج الرسل وأتباعهم.. وأنها طريق النصر

والفوز والسعادة في الدارين.. فلتعلم بعد ذلك علم اليقين أن الطغاة في كل زمان ال يرضون عنها، بل

يخافون هذه الملة العظيمة ويخشونها.. ويحرصون كل الحرص على قتلها ونزعها من نفوس الدعاة بشتى الحيل

واألساليب.. كما أخبر تعالى بذلك عنهم منذ القديم فقال في

{ودوا لو تدهن فيدهنون}سورة القلم وهي مكية: [. فهم يتمنون أن يسلك الدعاة غيره من السبل9]القلم:

المعوجة وينحرفوا عن دعوة األنبياء الصلبة المستقيمة.. وال يزالون يخططون ألجل حرف الدعاة عن هذا الصراط المستقيم.. إلى سبل فيها سكوت عن كثير من باطلهم،

ترضي خواطرهم.. أو تلتقي معهم في بعض أمورهم.. هكذا.. حتى تموت الدعوة وتتميع قضيتها وينحرف دعاتها

عن خطها الواضح البين المستقيم فالطغاة يعلمون أن أول التقهقر خطوة إلى الوراء.. ثم تعقب هذه الخطوة،

خطوات وخطوات.. ينسى معها الدعاة منهج الدعوة األصيل.. ويحصل يقينا من هذا االنحراف.. التقاء مع أهل

الباطل في كثير من باطلهم أو بعضه.. وذلك غاية ما يتمنونه ابتداء.. لذلك فإنهم إن يروا من هؤالء الدعاة

تنازال أو تقهقرا.. أظهروا لهم الرضى عنهم وعن دعواتهم، وقربوهم وأثنوا على جهودهم وأظهروا لهم الود والحب..

وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا}قال تعالى: {إليك لتفتري علينا غيره وإذا التخذوك خليال

[.73]اإلسراء: يقول سيد قطب رحمه الله تعالى عند هذه اآلية بعد

صلى اللهأن ذكر محاوالت المشركين لمساومة الرسول على كثير من أمور دينه ودعوته ومن ذلك:عليه وسلم



ترك التنديد بآلهتهم وما كان عليه آباؤهم إلى غير ذلك.. يقول: "هذه المحاوالت التي عصم الله منها رسوله، وهي

محاوالت أصحاب السلطان مع أصحاب الدعوات دائما، محاولة إغرائهم لينحرفوا ولو قليال عن استقامة الدعوة وصالبتها. ويرضوا بالحلول الوسط التي يغرونهم بها في

مقابل مغانم كثير. ومن حملة الدعوات من يفتن بهذا عن دعوته ألنه يرى األمر هينا. فأصحاب السلطان ال يطلبون

إليه أن يترك دعوته كلية، إنما هم يطلبون تعديالت طفيفة ليلتقي الطرفان في منتصف الطريق. وقد يدخل

الشيطان على حامل الدعوة من هذه الثغرة، فيتصور أن خير الدعوة في كسب أصحاب السلطان إليها ولو

بالتنازل عن جانب منها! ولكن االنحراف الطفيف في أول الطريق ينتهي إلى االنحراف الكامل في نهاية الطريق، وصاحب الدعوة الذي يقبل التسليم في جزء منها ولو يسير، وفي إغفال طرف منها ولو بضئيل، ال يملك أن

يقف عند ما سلم به أول مرة.. ألن استعداده للتسليم يتزايد كلما رجع خطوة إلى الوراء! وأصحاب السلطان يستدرجون أصحاب الدعوات، فإذا سلموا في الجزء،

فقدوا هيبتهم وحصانتهم، وعرف المتسلطون أن استمرار المساومة، وارتفاع السعر ينتهيان لكسب أصحاب

السلطان إلى صفها، هو هزيمة روحية باالعتماد على أصحاب السلطان في نصر الدعوة. والله وحده هو الذي يعتمد عليه المؤمنون بدعوتهم.. ومتى دبت الهزيمة في

أعماق السريرة، فلن تنقلب الهزيمة نصرا!" اهـ. نعم.. وإننا لنرى كثيرا من دعاة اليوم قد اتخذهم

الطغاة أخالء، فهم ال يضرونهم أو يعادونهم.. ألن أولئك الدعاة قد أظهروا الرضى عن كثير من باطلهم فالتقوا

معهم في منتصف الطريق.. وجالسوهم في الندواتوالحفالت والهلكات.

ومن أمثلة هذه األساليب في واقعنا المعاصر.. : * ما أشرنا إليه مما يؤسسه كثير من الطواغيت من

برلمانات ومجالس أمة وأشباهها.. ليجمعوا فيها خصومهم من الدعاة وغيرهم فيجالسونهم فيها ويقاعدونهم

ويختلطون بهم حتى يميعوا القضية بينهم، فال تعود المسألة مسألة براءة منهم أو كفر بقوانينهم ودساتيرهم

أو انخالع من باطلهم كله.. بل تعاون وتآزر ومناصحة وجلوس على طاولة الحوار ألجل صالح البالد واقتصادها

ألجل الوطن الذي يتحكم به الطاغوت و... و... وأمنها و...



ويحكمه بأهوائه وكفرياته.. ، وهذه مزلة عايشنا أهلها ورأينا أكثرهم ممن ينتسبون إلى منهج السلف أو

يتمسحون بكالم سيد قطب وأمثاله.. ومع ذلك أمسوا بعد سقوطهم في هذه المزلة يصفقون للطواغيت ويقومون

لهم إجالال واحتراما ويخاطبونهم بألقابهم بل وينادون بالوالء لحكوماتهم وجيوشهم وأمنهم.. ويقسمون على احترام دساتيرهم وقوانينهم.. وغير ذلك.. فماذا أبقوا

لدعواتهم؟ نعوذ بالله من الضالل.. * ومن ذلك أيضا ما يلجأ إليه كثير من هؤالء

الطواغيت من تجنيد العلماء وشغل أوقاتهم لصالحهم في محاربة خصومهم ومن يخافونهم على أنظمتهم

وحكوماتهم كالشيوعيين مثال أو الشيعة أو غيرهم ممن يهددونهم ويهددون حكمهم.. فيلجأ الطاغوت إلى بعض

هؤالء العلماء المتحمسين المبغضين لتلك االتجاهات الضالة.. فيعينهم على أولئك األعداء المشتركين ويخادع

هؤالء العلماء بإظهار حرصه على الدين وعلى أهله وتخوفه من أولئك على حرمات المسلمين، ويمدهم

بالعون والدعم المادي والمعنون لمحاربة أولئك.. فيسقط هؤالء المساكين بحبائله ويضيعون أعمارهم وأوقاتهم

ودعواتهم في نصرة عدو على عدو.. بل يصل الحال بكثير منهم بأن يلغوا عداوتهم للطاغوت القريب ويصادقونه بل ربما أصبحوا في يوم من األيام جندا وأعوانا مخلصين له

ولحكومته.. يكرسون حياتهم في خدمته وتثبيت عرشه وحكمه ودولته.. شعروا أو من حيث ال يشعرون.. وليتهم

رب بما أنعمت علي فلن}عقلوا قولة العبد الصالح: [، فقد نقل17 ]القصص: {أكون ظهيرا للمجرمين

القرطبي في هذه اآلية عن بعض الروايات "أن اإلسرائيلي الذي استنصر موسى كان كافرا وإنما قيل له

من شيعته ألنه كان إسرائيليا ولم يرد الموافقة في الدين.. فعلى هذا ندم ألنه أعان كافرا على كافر، فقال:

"ال أكون بعدها ظهيرا للكافرين" وظهيرا: أي معينا. يا أيها الذين آمنوا قاتلوا}وليتهم عقلوا قوله تعالى:

{الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة.. [. إذا لما وقعوا فيما وقعوا فيه.. فإن أولئك123]التوبة:

الشيوعيين أو غيرهم وإن كانوا أعداء لإلسالم وأهله.. وعداوتهم والبراءة منهم والكفر بباطلهم مطلوبة أيضا..

إال أن البدء باألهم فاألهم واألقرب فاألقرب أمر مقرر ، بلصلى الله عليه وسلمومعروف في سيرة نبينا محمد

وتأبى العقول السليمة خالفه، ذلك ألن خطر األقرب المباشر وتأثيره وفساده وفتنته أعظم وأشد من البعيد،



أو القريب غير المباشر، ولذا كانت مجاهدة النفس والشيطان قبل مجاهدة األعداء عموما.. وما كان رسول

ليبدأ أول ما بدأ بفارس والرومصلى الله عليه وسلمالله أو باليهود، ويتغافل عمن هو بين ظهرانيهم.

* بل ربما استغل كثير من الطواغيت هذا المزلق الخطير.. وسخروا كثيرا من هؤالء العلماء الجهالء.. في

الصد عن كثير من الدعاة والتنفير من جماعاتهم اإلسالمية ممن هم خصوم ألولئك العلماء في الدعوة إلى

بل ربما الله أو في المذهب أو المنهج.. أو غير ذلك... استخلصوا منهم الفتاوى لقمعهم والقضاء عليهم وعلى

دعواتهم بحجة أنهم من الخوارج أو البغاة المارقين {أال إنهم هم المفسدون}المفسدين في األرض..

وهم يعلمون ويشعرون.. ولقد شاهدنا هذه المزلة كثيرا في أهل زماننا وإلى الله المشتكى.. وما درى أولئك العلماء المساكين أو إخوانهم الدعاة مهما بلغوا من

االنحراف.. فإنه انحراف عن جهل أو تأويل.. بل حتى لو كان عن علم وإصرار، فلن يبلغ مبلغ انحراف الطواغيت

ومحادتهم لله ولدينه.. * ومن ذلك أيضا إغراء المؤمنين والدعاة بالمناصب

والمراكز والوظائف واأللقاب.. ومنحهم االمتيازات واألموال والمساكن، واإلغداق عليهم بالخيرات وغير ذلك.

حتى يقيدوهم ويثقـلوهم ويقفلوا أفواههم بها.. ويحققوا معهم قول قائلهم: )الثدي الذي يرضعك ال تعضه( وهكذا إلى أن يفتتن بهم هؤالء الدعاة أو أولئك العلماء ويفتنون

بحكوماتهم، حتى يصل بهم الحال إلى أن يرقعوا باطل أولئك الطغاة بفتاويهم المختلفة.. وبترديدهم ألفضالهم

وتسبيحهم بحمدهم ليل نهار... ومن): 121يقول ابن الجوزي في تلبيس إبليس ص

تلبيس إبليس على الفقهاء، مخالطتهم األمراء والسالطين .(ومداهنتهم وترك اإلنكار عليهم مع القدرة على ذلك

وفي الجملة، فالدخول على السالطين): 122وقال ص خطر عظيم ألن النية قد تحسن في أول الدخول ثم تتغير

بإكرامهم وإنعامهم أو بالطمع فيهم، وال يتماسك عن مداهنتهم وترك اإلنكار عليهم، وقد كان سفيان الثوري رضي الله عنه يقول: "ما أخاف من إهانتهم لي، إنما

اهـ.(أخاف من إكرامهم فيميل قلبي إليهم



ولو تفكر العاقل في أولئك الذين كان يخاف سفيان أن يميل قلبه إليهم.. لوجد البون بينهم وبين طغاة زماننا

واسعا شاسعا.. فالله المستعان.. ورحم الله من قال: لعبت به الدنياال شيء أخسر صفقة من عالم

مع الجهال ويزيله حرصا لجمعفغدا يفرق دينـه أيد ســبا

المال تبـت يــداه وماله والمن ال يراقــب ربه ويخاـه

* ومنه أيضا إظهار بعض هؤالء الطواغيت حرصهم على جوانب وفروع من الدين والدعوة إليها ليستقطبوا

بذلك كثيرا من الدعاة والعلماء الذين يخافون من إخالصهم، وحب الناس لهم، فيؤسسون لهم معاهد ودورا وإذاعات ويشغلونهم بوزارات األوقاف ومشاريعها وموسوعاتها وغير ذلك مما ال يمس طغيان هؤالء

الطواغيت وفسادهم.. ومن قبيل ذلك أيضا روابط ومؤسسات الضرار التي يؤسسها هؤالء الطواغيت.. كرابطة العالم اإلسالمي التي

انخدع بها كثير من علمائنا المساكين رغم خطها المكشوف األسود المداهن لكثير من الحكومات الفاسدة

عموما، وللحكومة السعودية وطواغيتها خصوصا.. حتى لقلما تخلو نشرة أو كتاب من مطبوعاتهم إال ويطفح

بالتملق والنفاق لتلك الدولة.. ناهيك عن عالقاتها وعالقات مسؤوليها المشبوهة مع طواغيت الدول

وخالفها وانتقادها لبعض تلك الدول المختلفة األخرى... إنما يكون تبعا ألهواء دولتها األم.. فإذا كانت األمور بين الطواغيت على ما يرام فهي كذلك عندها.. وإذا هاجم

طاغوت كالقذافي مثال دولتها أو طواغيتها وسياستهم فإن الفتاوى واالستنكارات تتابع وتنهال.. ثم إذا رجعت األمور

إلى حالها األول بين الطواغيت، هدأت وخرست تلك الفتاوى وما عدنا نسمع لها حسا.. مع أن الطاغوت هو

هو.. ما تغير وما تبدل بل ربما أصبحت حاله أشد وأنكى ولو رأوه بأعينهم يطوف بالبيت بنجسه مما مضى...

وطغيانه.. لما حركوا ساكنا.. فإلى الله المشتكى.. وعلى كل حال فهذه المؤسسة وأمثالها لن تعدو كونها مؤسسة

حكومية ولقد اعتدنا أال نثق بما يأتي من الحكومات..ونعمت العادة.



* ومنه أيضا ما يمنحونه لكثير من الدعاة من أذون وتراخيص للدعوة والخطابة وما ينشئونه من )هيئات األمر بالمعروف والنهي عن المنكر( التي تعمل على استيعاب

واحتواء الدعاة المتحمسين وصدهم عن منكرات الحكومة وسياساتها وباطلها وفساد طواغيتها الكبير.. بشغلهم

ببعض منكرات العامة.. خالصة تلك المنكرات التي قد تهدد أمن الدولة واستقرار حكم الطواغيت.. ولن يتعدوها إلى مستويات أعلى وأعظم ما داموا قد ربطوا أنفسهم

بتلك الهيئات أو ذلك اإلذن الذي يتحكم فيهم وفيدعواتهم.. ويشدهم شدا..

* ومن ذلك أيضا تدميرهم وتحطيمهم وقتلهم لهذه الملة في نفوس النشىء من ذراري المؤمنين.. عن

طريق مدارسهم ومعاهدهم وأجهزة إعالمهم ومؤسساتهم الطاغوتية المختلفة.. فحيث أن هؤالء الطواغيت أشد خبثا

وأعظم مكرا من فرعون.. فهم ال يلجأوون إلى أسلوبه في تقتيل األبناء، إال في آخر األمر حين تعجز أساليبهم الخبيثة األخرى، فيحاولون جاهدين قبل ذلك أن يقتلوا هذه الملة في نفوسهم، فبدال من أن يهلكوا األجيال حسيا

كما فعل فرعون، يقتلون فيهم هذه الملة فيهلكونهم أيما إهالك، وذلك بتربيتهم على حبهم والوالء لهم ولقوانينهم

وحكوماتهم عبر مدارسهم الفاسدة هذه، ووسائل إعالمهم األخرى التي يدخلها وينقلها كثير من جهال

المسلمين إلى بيوتهم.. فبدال من أن يثير هؤالء الطواغيت يتبعون هذه السياسة الناس باستعجال القتل الحقيقي...

الخبيثة ليسبح الناس بحمدهم وبأفضالهم على أنهم ماسحوا األمية وناشروا العلم والحضارة.. وفوق ذلك كله وتحت هذا الغطاء يربون من ذراري المسلمين أتباعا

أوفياء وخدما مخلصين لحكوماتهم ولقوانينهم وأسرهم الحاكمة.. أو على أقل األحوال يربون جيال مائعا جاهال منحرفا، راغبا عن هذه الدعوة الصلبة والملة القويمة..

مداهنا ألهل الباطل.. ال يقوى بل وال يصلح لمواجهتهم أو يفكر فيها.. وقد فصلنا هذا األمر وكشفنا أسلوبهم الخبيث

هذا في رسالتنا المسماة: )إعداد القادة الفوارس بهجرفساد المدارس(.

وكم يسقط ويهبط الداعية إذا زل بشيء من هذه المزالت، فما هذه الحال التي نعايشها اليوم من انعدام ثقة الناس بالقيادات اإلسالمية وبالعلماء إال واحدة من

ثمرات هذه المزلة.. وكم يصغر في أعين الطغاة أنفسهم وتنتزع هيبته من قلوبهم، فال يخافونه وال يخشون دعوته..



وال يحسبون له عند ذلك أي حساب.. أما إذا رأوا منه صالبة وثباتا كثبات الجبال، وبراءة وإباء وترفعا عن

االلتقاء بهم في أي نقطة من نقاط طرائقهم المخالفة لمنهج الدعوة القويم فعند ذلك يحسبون له ألف حساب ويلقي الله الرعب المهابة في قلوب الطغاة.. كما كانت

في نفوس الكفار.. وكماصلى الله عليه وسلمهيبة النبي كان ينصر بالرعب من مسيرة شهر.. فالحذر من هذه

المنزلقات.. والحذر من السقوط في أالعيب الطغاة.. أخيرا.. فقد بين الله عز وجل لنا هذه المخططات،

وكشف لنا تلك األالعيب، وحذرنا منها.. وأعطانا الحل والعالج.. وأرشدنا إلى الطريق الصحيح، فقال مباشرة

[،9 ]القلم: {ودوا لو تدهن فيدهنون}قبل قوله: [.8 ]القلم: {فال تطع المكذبين}قال:

ال تطعهم.. وال تركن إليهم، وال تقبل أنصاف حلولهم.. فإن ربك قد أعطاك الدين الحق، ودلك على الصراط

المستقيم، وهداك إلى ملة إبراهيم.. * ومثل ذلك تماما، قوله تعالى في سورة اإلنسان

}وهي مكية أيضا: إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيال {فاصبر لحكم ربك وال تطع منهم آثما أو كفورا [، وفي ذكر القرآن وامتنان الله عز وجل24]اإلنسان:

على نبيه بتنزيله عليه، قبل النهي عن طاعة الكفار اآلثمين، بيان لطريق الدعوة الصحيح.. فإن هذه الطريق

ال يختارها الدعاة من عند أنفسهم، وليس لهم أن يرسموها أو يحددوا معالمها كما يهوون أو يتخيرون.. وإنما

هي ملة إبراهيم ودعوة األنبياء والمرسلين المذكورةالمفصلة في هذا القرآن.

* ومثل ذلك أيضا قوله تعالى في سورة الفرقان أي{وجاهدهم به}[، 52 ]الفرقان: {جهادا كبيرا فال تطع الكافرين وجاهدهم به}وهي مكية أيضا:

بالقرآن الكريم.. فال تعدل لمنهج وأسلوب وطريق للدعوة سوى الطريق التي أمرت بها في القرآن.. وأنذرهم بهذا القرآن وال تتبع غيره من الطرائق المعوجة الملتوية التي

فيها طاعة للكفار، أو سكوت عن بعض باطلهم..



بعدصلى الله عليه وسلم* ومثله أيضا قوله لنبيه وال تطع من أغفلنا قلبه} بقليل: (12)أمره بتالوة كتابه

عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا * وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء

[ واآليات مكية. 29-28 ]الكهف: {فليكفر.. * ومثله قوله تعالى في سورة الشورى وهي أيضا

مكية، بعدما ذكر ما شرعه لنا وللنبيين من قبل، نوح فلذلك فادع واستقم}وإبراهيم وموسى وعيسى.. :

[،15 ]الشورى: {كما أمرت وال تتبع أهواءهم.. وأمره سبحانه لنبيه بعد ذلك بقليل أن يقول للكافرين:

[.. براءة15 ]الشورى: {لنا أعمالنا ولكم أعمالكم} واضحة منهم ومن أهوائهم ومناهجهم وطرائقهم

المنحرفة.. صلى الله عليه وسلمومثله أيضا قوله تعالى لنبيه

ثم جعلناك على}في سورة الجاثية وهي مكية أيضا: شريعة من األمر فاتبعها وال تتبع أهواء الذين ال يعلمون * إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن

الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي[.19-18 ]الجاثية: {المتقين

وهكذا فلو تتبعنا آيات القرآن، لوجدنا عشرات بل مئات اآليات الدالة على هذه المعاني المهمة.. فالله عز وجل لم يخلق عباده عبثا.. ولم يتركهم همال.. أفال يكفي

الدعاة وضوح هذا المنهج واستقامته.. ؟؟ أو ال يسعهم ما والنبيين منصلى الله عليه وسلموسع رسول الله

قبله..؟؟ أما آن لهم أن يستيقظوا من الغفالت؟؟ ويقوموا اإلنحرافات.. أوما كفاهم سقوطا في أالعيب الطغاة.. وكتمانا للحق.. وتلبيسا على الناس.. ومضيعة للجهود

واألعمار..؟؟ فإنه والله اختيار واحد.. "إما شريعة الله، وإما أهواء الذين ال يعلمون...

)( ومن معاني التالوة: االتباع، من تال الشيء، أي تبعه.. 12 وال شك أن تالوة كتاب الله عز وجل، بقراءته وتعلمه والتمسك به

واتباع أوامره من أعظم أسباب الثبات على هذه الطريق كما تقدم، ويلتحق بذلك دوام ذكر الله عز وجل ومراقبته وقيام الليل..

كما قال تعالى بعد اآلية المتقدمة من سورة اإلنسان مباشرة: }واذكر اسم ربك بكرة وأصيال ومن الليل فاسجد له

[.25 ]اإلنسان: وسبحه ليال طويال{



وليس هناك من فرض ثالث، وال طريق وسط بينالشريعة المستقيمة، واألهواء المتقلبة..

وإن هذه اآليات لتعين سبيل صاحب الدعوة وتحدده، وتغني في هذا عن كل قول وعن كل تعليق أو تفصيل..

إنها شريعة واحدة هي التي تستحق هذا الوصف، وما عداها أهواء منبعها الجهل.. وعلى صاحب الدعوة أن يتبع الشريعة وحدها، ويدع األهواء كلها.. وعليه أال ينحرف عن شيء من الشريعة إلى شيء من األهواء.. فأصحاب هذه

األهواء يتساندون فيما بينهم ضد صاحب الشريعة.. فال يجوز أن يأمل في بعضهم نصرة له.. فهم إلب عليه، بعضهم ولي لبعض.. ولكنهم مع ذلك أضعف من أن

يضروه.. ولن يضروه إال أذى، فالله وليه وناصره، وأين والية من والية؟ وأين ضعاف جهال مهازيل يتولى بعضهم

والله ولي}، (13 )بعضا من صاحب شريعة يتواله الله...". {المتقين

هذا هو الطريق.. فهل من رجال؟؟ أبو محمدسنة خمس وأربعمائة وألف من هجرة المصطفى

)( من الظالل بتصرف. 13

منبر التوحيد والجهاد


* * *http://www.tawhed.wshttp://www.almaqdese.nethttp://www.alsunnah.infohttp://www.abu-qatada.com

(85)


الفهــــرس ـ براءة ـ مقدمة

ـ في بيان ملة إبراهيم ـ عبادة الله حق العبــادة ممــا يعين على القيــام بهــذه

الملة العظيمة ـ ملة إبراهيم ليست توحيدا نظريا قوليا وحسب

ـ معاداة الشرك وأهله من أصول ملة إبراهيم ـ الطغاة ال يرضــون عن الــدين إال إذا كــان بعيــدا عن

عدواة باطلهمـ معنى الصدع بالحق وإظهار الدين

ــة ــه من أصــول مل ــه ونصــرة أوليائ ــ مــواالة دين الل ـإبراهيم

ــوداتهم وإظهارهــا ــداء العــداوة للمشــركين ومعب ــ إب ـ وإعالنها من أهم معاني ملة إبراهيم

ـ شبهة: حول إظهار العداوة للشرك وأهلهــراهيم على ــة إب ــبراءة والعــداوة في مل ــان أن ال ــ بي ـ

قسمينــان ــ القســم األول: عــداوة الطــواغيت واألوث ـ

المعبودة ـ القسم الثاني: عداوة المشركين أنفسهم

ـ الموقف من حكام هذا الزمان وطواغيتهم القانونية ـ الموقف من حكام هذا الزمان وطواغيتهم القانونية

منبر التوحيد والجهاد


* * *http://www.tawhed.wshttp://www.almaqdese.nethttp://www.alsunnah.infohttp://www.abu-qatada.com

(86)


ــة الشــريعة ـ موقف السلف مع أمراء الجور في أزمنوالفتوحات

ـ هاوية مصلحة الدعوة أو خديعة ابليسـ من معاني الركون إلى الظالمين

ـ شبهة: أن ملة إبراهيم هــذه تفضــح الــدعوة وتنــافيالسرية

ـ أعظم نصــر للــدين إعالن ملــة إبــراهيم ولــو لم تقم الدولة وأبيد الدعاة جميعا فما الدولة االسالمية إال وســيلة

إلعالء هذه الملة وإعالنها ـ إذا صدع بعض الدعاة بهــذه الملــة وأعلنوهــا، رخص

لغيرهم ترك الصدع بها ـــ الفــرق بين مخادعــة الكفــار أثنــاء المواجهــة لنصــر

الدين وبين انحرافات كثير من الدعاة ـ ملة ابراهيم مصادمة صريحة ألصحاب السلطان في

هذا الزمان ـــ من لقب غــير القرشــي بإمــام المســلمين أو أمــير

المؤمنين فقد سلك مسلك الخوارج ـ انحراف كثير من الــدعاة في هــذا الرمــان عن ملــة

إبراهيمـ اإلبتالء هو سنة الله مع من صدع بملة إبراهيم

ـ عداوة الناس ومفارقتهم من صفات هذه الطريق ـ العزلة خير وأفضل من الدعوة المنحرفة عن طريق

المرسلين ـ الصمت خير من المداهنة

ـ العابد المعتزل خير من الداعية المداهن الملبس ـ ملة إبــراهيم هي طريــق النصــر وهي دعــوة االنبيــاء

والمرسلين



ـ إلى المنحرفين عن دعوة لمرسلين ممن يتشــدقونبكالم سيد قطب

ـــ دعــوة النــبي صــلى اللــه عليــه وســلم اتبــاع لملــةإبراهيم وصدع بها

ـ شبهة: األصنام التي كانت حــول الكعبــة ودعــوى أنالنبي صلى الله عليه وسلم كان ساكتا عنها

ـ النبي صلى الله عليه وسلم يكسر األصنام في مكــةزمن االستضعاف

ـ أصل دعوة النبي صلى الله عليه وسلم كانت إعالن البراءة من المشركين وأصنامهم زمن االستضــعاف وزمن

التمكين ـ بيان مشكل مــا جــاء في عيب اآللهــة مــع نهي اللــه

تعالى عن سبهم في محكم التنزيل ـ بيان إشكال معاداة المشركين مع إيــواء أبي طــالب

لنبي صلى الله عليه وسلم ـ وصلة الوالدين المشــركين، وجــوار ابن الدغنــة ألبي

بكر، وإيواء النجاشي، وأمثاله ــــ الفـــرق بين االســـتعانة بالمشـــركين، وبين إعانـــة المشرك للمســلم بنفســه بــدافع العصــبية أو غيرهــا، دون

لجوء من المسلم لو ركونـ أقسام الناس مع ملة ابراهيم

ـــ الركــون للمشــركين وإظهــار مــواالتهم خوفــا علىحظوظ الدنيا بال إكراه، عمل ظاهره الكفر

ـــ شــروط صــحة اإلكــراه والتفريــق بين اإلكــراه علىالمعاصي واإلكراه على الكفر

ــول ــه يت ــواهر والل ــرى على الظ ــدنيا تج ــام ال ــ أحك ـالسرائر

ـ قصة حاطب بن أبي بلتعة



ـ دعوى اإلكراه عنــد كثــير من النــاس وبيــان المكــرهالحقيقي

ــة ومن ــة التركي ــ تكفــير علمــاء نجــد لعســاكر الدول ـواالهم

ـ الطغاة يتمنون أن ينحرف الــدعاة عن ملــة ابــراهيمإلى المداهنة

ـ محاوالت الطغاة لحرف الدعاة عن هذه الطريقـ أساليب الطغاة لتمييع ملة إبراهيم في هذا الزمان

ـ البرلمانــات ومجــالس األمــة الشــركية وجــر الــدعاةإليها

ــدعاة واســتغفالهم ــير من العلمــاء وال ــ اســتغالل كث ـوتجنيدهم لمحاربة أعداء الطواغيت

ـ واستغاللهم في محاربة إخوانهم المسلمين أيضا ـ إغراءهم بالمناصب والمراكز واأللقاب

ـ إشغالهم في مؤسسات الضــرار الحكوميــة كرابطــة العــالم اإلســالمي ووزارات االوقــاف والمعاهـد واإلذاعــات وهبئات األمــر بــالمعروف واســتغالل ذلــك لصــالح الطغــاة

وحكوماتهم ـ تربية أجيال مواليــة لهم تســبح بحمــدهم وأفضــالهم

عن طريق هذه المدارس ـ الحل والعالج والمخرج من الفتنة هو )ملة إبراهيم(

ـ متى يصحوا الدعاة؟؟؟ ومتى تنتهي الغفالت؟؟؟


منبر التوحيد والجهاد...

Documents