منبر التوحيد والجهاد...

إمتاع النظر في كشف شبهات مرجئة

العصر

للشيخأبي محمد عاصم المقدسي

الطبعة الثانيةهـ1420

منبر التوحيدوالجهاد

* * *http://www.tawhed.wshttp://www.almaqdese.nethttp://www.alsunnah.infohttp://www.abu-qatada.comhttp://www.mtj.tw

إمتاع النظر في كشف شبهات

وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا}قال تعالى: شياطين اإلنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض

زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون ولتصغي إليه أفئدة الذين ال

يؤمنون باآلخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم {مقترفون

*** فيا لك من آيات حق لو اهتـدى بـهـن مريد الحق

كن هواديـا ولكن على تلك القلوب أكنـــة فليست وإن أصغت

تجيب المناديا

(1)منبر التوحيد والجهاد


المقدمة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فال

مضل له ومن يضلل فال هادي له..وبعد...

فهذه ورقات، كنت قد كتبت أصلها في محرم سنة من هجرة المصطفى عليه أفضل الصالة وأتم1408

التسليم. حول الموضوع المشار إليه بين يدي الرسالة - وكنت قد قصرتها عليه وسميتها آنذاك )رد الهداة، على

من زعم أن ليس في األعمال واألقوال كفر ما لم يرتبط باعتقاد إال الصالة( ردا على بعض من كان يقول بذلك..

ولم أهتم بنشرها وال بطباعتها آنذاك وإن كان بعض إخواننا في الباكستان قد طبعوها على اآللة الكاتبة وصوروها وتداولوها فيما بينهم وزاد بعضهم عليها

زيادات.. ثم إني لما رأيت أمر المرجئة هذه األيام قد استفحل في هذه البالد واشرأبت فتنتهم وتطاولت وانتشرت بين

الرعاع، رأيت نشرها لينتفع بها إخواننا طلبة الحق في ..(1)قمع شبه أهل التجهم واإلرجاء، فرجعت إلى أصلها

فهذبته وزدت عليه ردودا على شبهات أخرى متعلقة بالموضوع وليست ببعيدة عن أصله.. وال مانع عندنا إن اخترعوا في المستقبل شبهات جديدة أخرى واشتهرت

أن نتتبعها في جزء آخر يأتي، ونبطلها إن كان في العمربقية بعون الله وتوفيقه..

وكانت النعـل لهـاإن عادت العقرب عدنا لهاجاهزة

وسترى أننا في هذا العمل ال نتكلم في فرع من الفروع، وإنما هو أصل الدين وقاعدته ندفع عنها سهام

قوم قد ضلوا وأضلوا عن سواء السبيل.. نسأل الله تعالى أن يرزقنا اإلخالص ويجعلنا من عباده وجنده الموحدين..

)( دون تلك الزيادات التي زادها اإلخوة إذ جلها وإن كانت في1موضوع الحاكمية فليست متعلقة بأصل الموضوع.



هذا والحمد لله أوال وآخرا وصلى الله على نبينا محمدوعلى آله وصحبه أجمعين..

أبو محمد المقدسيهـ1412



بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصـالة والسـالم على خـاتم

األنبياء والمرسلين وبعد... فاعلم رحمنا اللـه تعـالى وإيـاك، أنـه قــد تنـاهى إلينـاــه، ــدعوة إلى الل ــدعي العلم وال ــير ممن ي ــوال عن كث أق مفادهــا أن ليس هنــاك قــول أو عمــل من األعمــال يكفــر صاحبه بــه إال أن يرتبــط ذلــك باعتقــاد وإال فال، ويســتثنون الصالة.. وربما احتج بعضهم بحــديث عبــد اللــه بن شــقيق

صــلى اللــهكان أصــحاب محمــد )العقيلي رضي الله عنه: ال يــرون شــيئا من األعمــال تركــه كفــر غــيرعليــه وســلم

وال). ويحتجون بــالقول المشــهور (2) رواه الترمذي(الصالة وربمــا رفعــه بعضــهم(نكفر مسلما بــذنب مــا لم يســتحله

وجعله حديثا. وحصل أن تحاورت مع بعضــهم وضــربنا بعض األمثلــة الــتي تخـــالف وتنقض مــا قعـــدوه كالســـب واالســـتهزاء والسجود للصــنم ونحــوه.. فقــالوا: إن مثــل هــذه األقــوالــتهزىء واألفعال ال تصدر إال عن اعتقاد.. فالساب أو المس أو الســاجد للصــنم ال بــد وأنــه يضــمر من فســاد االعتقــاد واالســتخفاف بالــدين وبشــرائعه مــا يدفعــه إلى الســب أو االســتهزاء وأمثالهمــا.. فهــذا هــو الكفــر، ال األعمــال.. وال

يحكم على عمل من األعمال بالكفر إال بهذا القيد.

)( ورواه الحاكم أيضا من قول أبي هريرة رضي الله عنه وهو2حديث صحيح بطرقه.



واعلم أن أصل المسألة إنما أثير حول قضية التحــاكم إلى الطاغوت وأن فاعله ال يكفر إال إذا فعله جحودا لحكم الله أو استحالال - يقصدون طواغيت العصر المشرعين مع الله - فجعلــوا الكفــر - أو قيــد الكفــر - في هــذه األعمــال الكفرية هو الجحود واالســتحالل، ال نفس العمــل الكفــري من تحاكم للطاغوت أو تشريع مع اللــه أو اســتهزاء بــدين الله أو سب لشرع الله أو سجود لغير اللــه ونحــوه.. وقــد كنت أظن أن هذا القول الرديء العاري عن األدلة إنما هو وقف على بعض األغــرار حــتى رأيت ممن ينتســبون للعلمــوام ــان بين العـ ــار إليهم بالبنـ ــدعوة ويشـ ــدارة للـ والصـ والطغـــام، من يقـــول بـــذلك الفهم الســـقيم وينشـــرونه ويروجونــه جــداال عن الطغــاة وأعــداء الــدين من الحكــام المرتدين.. فبادرت بكتابة هذه الورقــات ألجــل قمــع هــذه الشــبهة وإبطالهــا، ســائال المــولى عــز وجــل أن ينفــع بهــا

ويجعلها خالصة لوجهه إنه نعم المولى ونعم النصير.



فصلفي بيان من هم المرجئة

المرجئة ثالثة أصناف: - صنف قالوا باإلرجاء في اإليمان وبالقدر على مذاهب

القدرية والمعتزلة. - وصنف قالوا باإلرجاء في اإليمان وبالجبر في األعمال

على مذهب الجهمية. - وصنف ثالث خارجون عن الجبرية والقدرية.. وهم

فرق: اليونسية، الغسانية، الثوبانية، التومنية والمريسية. وإنما سموا مرجئة ألنهم أخروا العمل عن اإليمان،

فاإلرجاء معناه التأخير، يقال: أرجيته، وأرجأته، إذا أخرته.والمرجئة في باب اإليمان قسمان:

األول: غالة المرجئة )المرجئة المتكلمون(..(3)والثاني: مرجئة الفقهاء

فقد قال جهم بن* أما المرجئة المتكلمون: صفوان ومن تابعه: اإليمان؛ مجرد التصديق بالقلب

وعلمه، ولم يجعلوا أعمال القلب من اإليمان، وظنوا أن اإلنسان قد يكون مؤمنا كامل اإليمان بقلبه، وهو مع هذا يسب الله ورسوله، ويعادي أولياء الله ويوالي أعداء الله ويهدم المساجد ويهين المصاحف والمؤمنين غاية اإلهانة،

ويكرم الكفار غاية اإلكرام، قالوا: وهذه كلها معاص ال تنافي اإليمان الذي في قلبه بل يفعل هذا وهو في الباطن

عند الله مؤمن. قالوا: وإنما ثبتت له في الدنيا أحكام الكفار، ألن هذه

األقوال إمارة على الكفر.

)( وهناك قسم ثالث وهم الذين يقولون: إن اإليمان مجرد قول3اللسان، وهذا ال يعرف ألحد قبل الكرامية.



فإذا أورد عليهم الكتاب والسنة واإلجماع على أن الواحد من هؤالء كافر بنفس األمر معذب في اآلخرة. قالوا: فهذا دليل على انتفاء التصديق والعلم من قلبه، فالكفر عندهم شيء واحد، وهو الجهل، واإليمان شيء

واحد وهو العلم، أو تكذيب القلب وتصديقه، فإنهم متنازعون هل تصديق القلب شيء غير العلم أو هو هو.

وهذا القول مع أنه أفسد قول قيل في اإليمان، فقد ذهب إليه كثير من أهل الكالم المرجئة، وقد كفر السلف كوكيع بن الجراح وأحمد بن حنبل وأبي عبيد، وغيرهم من يقول بهذا القول، وقالوا: إبليس كافر بنص القرآن وإنما كفره

باستكباره، وامتناعه عن السجود آلدم ال لكونه كذب خبرا، [.14 ]النمل: {واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا وجحدوا بها}وكذلك فرعون وقومه، قال الله تعالى:

لقد علمت ما}وقال موسى عليه السالم لفرعون: {أنزل هؤالء إال رب السموات واألرض بصائر

[. فهذا موسى الصادق المصدوق يقول له102]اإلسراء: ذلك، فدل على أن فرعون كان عالما بأن الله أنزل

اآليات وهو من أكبر خلق الله عنادا وبغيا لفساد إرادته إن فرعون عال}وقصده، ال لعدم علمه، قال تعالى:

في األرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان

[.4 ]القصص: {من المفسدين الذين آتيناهم}وكذلك اليهود الذين قال الله فيهم:

]البقرة:{الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم146.]

فإنهم ال}وكذلك المشركون الذين قال الله فيهم: {يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون

[.33]األنعام: وهم الذين قالوا اإليمانوأما مرجئة الفقهاء: *

تصديق القلب وقول اللسان، واألعمال ليست منه، وكان منهم طائفة من فقهاء الكوفة وعبادها، ولم يكن قولهم

مثل قول جهم، فعرفوا أن اإلنسان ال يكون مؤمنا إن لم يتكلم باإليمان مع قدرته عليه، وعرفوا أن إبليس وفرعون

وغيرهم كفار مع تصديق قلوبهم، ولكنهم إذا لم يدخلوا أعمال القلوب في اإليمان لزمهم قول جهم، ولم يقولوا

بزيادة اإليمان ونقصانه بسبب العمل، لكن قالوا زيادة اإليمان كانت قبل اكتمال التشريع بمعنى أنه كان كلما

أنزل الله آية وجب التصديق بها، فانضم هذا التصديق إلى



التصديق الذي كان قبله لكن بعد كمال ما أنزل الله ما بقي اإليمان يتفاضل عندهم، بل إيمان الناس كلهم سواء،

إيمان السابقين األولين كأبي بكر وعمر وإيمان أفجر.(4)الناس كالحجاج وأبي مسلم الخراساني وغيرهما"

في عصرنا كثير سواء عند العوام أو عند* واإلرجاءالمنتسبين إلى الدين..

- فمن إرجاء العوام قولهم المشهور: )اإليمان في القلب( وعدم اعتبارهم لألعمال بل إهمالها أو التهاون بها

وتركها بحجة االكتفاء بصالح القلب وصفاء النية. - أما إرجاء المنتسبين إلى الدين أو الدعوة الذين نناقشهم في هذا الكتاب فهو غالبا ليس في تعريف مسمى اإليمان.. فهم يعرفونه كمسمى تعريفا سليما

فيقولون: اإليمان قول باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالجوارح واألركان.. أو يقولون هو قول وعمل وهو قول

أهل السنة في اإليمان.. لكنهم عند تنزيل ذلك على الواقع وفي الناحية العملية

خصوصا مع نواقض اإليمان يظهر لك أن ركن العمل الذي أثبتوه في تعريف اإليمان مهمل عندهم بل يكاد يكون

ساقطا وملغيا.. نعم هم يقولون - أو أكثرهم - أن اإليمان يزيد بالطاعة

وينقص بالمعصية، كما قال أهل السنة.. لكن الذنوب جميعها عندهم ناقصة لكمال اإليمان فقط وليس فيها

شيء ناقض ألصل اإليمان، اللهم إال في حالة واحدة فقط أن يرتبط معها الجحد أو االستحالل أو االعتقاد، هكذا على

صلىإطالقه مهما كان الذنب أو العمل، هذا مع أن النبي اإليمان بضع وسبعون) قد بين فقال: الله عليه وسلم

شعبة ]وفي رواية الترمذي )بابا([ فأفضلها ]وعند الترمذي )أرفعها([ قول: ال إله إال الله وأدناها إماطة األذى

رواه مسلم(عن الطريق، والحياء شعبة من اإليمانوأصحاب السنن من حديث أبي هريرة.

فليس جميع شعب اإليمان وأبوابه متساوية، فشعبة )ال إله إال الله( ليست كشعبة )الحياء( أو )إماطة األذى عن

الطريق(.)( مستفاد ومختصر من كتاب اإليمان لشيخ اإلسالم ابن تيمية.4



بل منها ما في زواله نقص لإليمان فقط كالحياء.. ومنها ما في زواله نقض لإليمان كشعبة )ال إله إال

الله(.. والخوارج ومن وافقهم وتابعهم من غالة المكفرة جعلوا

زوال أي شعبة من شعب اإليمان ناقض ومزيل ألصلاإليمان..

فجاء مرجئة العصر - كرد فعل عليهم وعلى مذهبهم - فجعلوا زوال شعب اإليمان كلها ناقص لإليمان فقط، وال شيء منها مزيل أو ناقض ألصله، اللهم إال ما تعلق منها

بجحد أو اعتقاد.. وكلتا الطائفتين ضالتان. أما أهل الحق وأصحاب الفرقة الناجية والطائفة

المنصورة، فهم وسط في أبواب اإليمان والكفر.. فشعب اإليمان عندهم منها ما يؤثر فقط في كمال اإليمان وال

يزيله.. وهذا النوع ينقسم إلى قسمين؛ األول: ما كان من كمال اإليمان المستحب، والثاني: ما كان من كمال

اإليمان الواجب. ومن شعب اإليمان ما يزيل أصل اإليمان وينقضه..

فاإليمان على ذلك عندهم على ثالثة أقسام: * ما كان من كمال اإليمان المستحب وهو ما رغب فيه

الشارع ولم يتوعد على التفريط فيه. * وما كان من كمال اإليمان الواجب وهو ما توعد

الشارع على التفريط فيه وعيدا ال يصل إلى وعيد الكفر. * وما كان من أصل اإليمان وهو يتركب من كل شعبة

يزول اإليمان وينتقض بزوالها. وال يتحكمون بشيء من ذلك فيجعلونه من هذا النوع أو

صلىذاك إال بدليل شرعي ونص من الله تعالى أو رسوله سبحانك ال علم لنا إال ما} الله عليه وسلم

[.32.. ]البقرة: {علمتنا وأقرب فرق اإلرجاء إلى مرجئة عصرنا هؤالء في أبواب اإليمان والكفر هم المرجئة المريسية: مرجئة بغداد، وهم

أتباع بشر بن غياث المريسي الذي كان يقول في



إنه تصديق بالقلب واللسان جميعا، وأن الكفر)اإليمان: هو الجحد واإلنكار، لذا زعم أن السجود للصنم ليس بكفر

.(5)(ولكنه داللة على الكفر وذلك ألن مرجئة عصرنا ال يرون أن هناك كفرا عمليا

مخرجا من الملة إال أن يرتبط باعتقاد أو جحد أو استحاللفذلك هو الكفر عندهم..

سواء كان ذلك من باب سب الله تعالى أو السجود للصنم أو التشريع مع الله أو االستهزاء بدين الله.. فكل

ذلك ليس كفرا بحد ذاته بل هو دليل على أن فاعله يعتقد الكفر، فالكفر هو معتقده أو جحوده أو استحالله.. ففتحوا بذلك باب شر عظيم على أهل اإلسالم ولج منه كل ملحد

وزنديق وطاعن في دين الله تعالى بأمان واطمئنان، ورقعوا للطواغيت المرتدين وجادلوا عنهم بشبه ما

خطرت يوما على بال أولئك الطواغيت، وما سمعوا بها أصال، وما كانوا ليجدوا جندا مخلصين يذبون عنهم

ويدافعون عن باطلهم مثل مرجئة العصر هؤالء.. لذلك قال بعض السلف عن اإلرجاء: “هو دين يعجب الملوك!!؟

أخوف على هذه)وقال بعضهم عن فتنة المرجئة إنها: .(األمة من فتنة الخوارج

وهذا ليس(الخوارج أعذر عندنا من المرجئة)وقالوا: قوال على عواهنه، بل هو حق وصدق.. فالخوارج كان من

دوافع غلوهم وانحرافهم ابتداء الغضب لمحارم الله إلى(6)- أما المرجئة فقد أدى مذهبهم زعموا وحدوده –

تعدي الحدود الشرعية والتحلل من القيود والضوابط )( انظر على سبيل المثال )الفرق بين الفرق( لعبد القاهر5

. وانظر أيضا الفصل في الملل واألهواء والنحل180البغدادي ص(.5/75البن حزم )

)( أقول: )أدى مذهبهم( ألن المرجئة في بادىء أمرهم كان فيهم6 فقهاء وعباد وكانت مخالفتهم ألهل السنة فقط في تعريف

اإليمان، فمع انهم كانوا ال يرون دخول األعمال تحت مسمى اإليمان لشبه ألقاها الشيطان عليهم، إال أنهم لم يتركوا األعمال

وال هونوا الكفر أو جادلوا عن المشركين.. لكن اإلرجاء تطور بعد ذلك وانقسم أهله إلى فرق وطوائف وصل بهم الحال في آخر

األمر إلى ما نتكلم فيه..



الدينية، وفتح أبواب الردة تسهيال على الكفار وتيسيراللزنادقة.

ولقد شهد عصرنا هذا ردودا كثيرة جدا على الخوارج المعاصرين وعلى أهل الغلو في التكفير حتى امتألت

األسواق بالكتب والرسائل حول ذلك، وقوي في أكثرهاالتجني، وضعف اإلنصاف.

وفي المقابل فقلما نجد من كتب تفصيال طيبا عن اإلرجاء، وخصوصا إرجاء العصر وأهله وحذر من شبهاتهم

.(7 )كما يحذر من شبهات الخوارج.. فلعل كتابنا هذا يسد شيئا من النقص في هذا الباب، أو يسن سنة حسنة فيشجع أهل العلم على الكتابة فيه بيانا للحق وكشفا لزيوف الباطل وشبه المبتدعة التي شوهت الحق المبين.. والله أسأل أن يفتح به آذانا صما وأعينا عميا وقلوبا غلفا ويجعله خالصا لوجهه الكريم والحمد لله

أوال وآخرا..

)( كان هذا قبل اثنتي عشرة سنة، أما اليوم فقد أثلج صدورنا7وقرت عيوننا بما سطره كثير من إخواننا الموحدين في هذا الباب.



فصل في بيان أن من األعمال واألقوال ما

هو كفر مجرد إعلم أوال أن هذه الشبهة ليست بالشبهة الجديدة، بل

هي قديمة ورثها هؤالء المقلدة الجهال عن أشياخهم من أهل الزيغ والضالل أمثال جهم بن صفوان وبشر بن غياث المريسي وأضرابهم.. سواء من طريق الوجادة،

أم من وحي الشياطين.. فمما ينسب إلى بشر المريسي من األقوال الشنيعة،

قوله: أن السجود للشمس والقمر ليس بكفر ولكنهعالمة عليه.. فهي إذن عقيدة جهم وأتباعه..

ولذا قال اإلمام ابن حزم رحمه الله تعالى في محاله ) وأما)( في معرض كالمه عن سب الله تعالى: 13/498

سب الله تعالى فما على ظهر األرض مسلم يخالف أنه كفر مجرد، إال أن الجهمية واألشعرية وهما طائفتان ال يعتد بهما يصرحون بأن سب الله تعالى وإعالن الكفر

ليس كفرا، قال بعضهم: ولكنه دليل على أنه يعتقد الكفر،.(ال أنه كافر بيقين بسبه الله تعالى

قلت: تأمل هذا ومطابقته لقول هؤالء الدعاة الذين ..{أتواصوا به بل هم قوم طاغون}ذكرنا آنفا.. [.53]الذاريات:

وأصلهم في هذا أصل سوء خارج عن إجماع أهل)قال: اإلسالم، وهو أنهم يقولون: اإليمان هو التصديق بالقلب

.(8) أهـ(فقط وإن أعلن الكفر

)( أي ما دام اإليمان عندهم اعتقادا بالقلب فقط وال دخل8 لألعمال فيه، فإنه ال ينتقض عندهم إال باعتقاد، ومرجئة زماننا وإن كان منهم من يخالف المرجئة األوائل في مسمى اإليمان وتعريفه

كتعريف فقط، إال أنهم يوافقونهم على نهجهم هذا في تنزيلاألحكام، ويتبنون شبهاتهم ويتبعونها ويروجونها.



ثم يقال لهم إذ ليس شتم الله تعالى): 499وقال صعندكم كفرا، فمن أين لكم أنه دليل على الكفر؟ فإن قالوا: ألنه محكوم على قائله بحكم الكفر.

قيل لهم: محكوم عليه بنفس قوله ال بمغيب ضميره الذي ال يعلمه إال الله تعالى، فإنما حكم له بالكفر بقوله

فقط، فقوله هو الكفر.. وقد أخبر تعالى عن قوم يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم فكانوا بذلك كفارا كاليهود

كماصلى الله عليه وسلمالذين عرفوا صحة نبوة محمد يعرفون أبناءهم وهم مع هذا كفار بالله تعالى قطعا بيقين

.(إذ أعلنوا كلمة الكفر ولم يختلفوا)وقال رحمه الله تعالى في الموضع نفسه:

في أن فيه - أي كتاب الله - التسمية بالكفر والقطع بحكم الكفر على من نطق بأقوال معروفة، كقوله تعالى:

لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن} ولقد قالوا}[، وقوله تعالى: 17 ]المائدة: {مريم

[74]التوبة: { كلمة الكفر وكفروا بعد إسالمهم اهـ.(فصح أن يكون الكفر كالما وأما األشعرية فقالوا: إن شتم من): (9)وقال في الفصل

أظهر اإلسالم لله تعالى ولرسوله بأفحش ما يكون من الشتم، وإعالن التكذيب بهما باللسان بال تقية وال

، واإلقرار بأنه يدين بذلك، ليس شيء من ذلك(10)حكاية كفرا، ثم خشوا مبادرة جميع أهل اإلسالم لهم، فقالوا: .(لكنه دليل على أن في قلبه كفرا

بل نقل في الموضع نفسه عن األشعرية أنهم يقولون: إن إبليس لم يكفر بمعصية الله تعالى في ترك السجود)

آلدم وال بقوله أنا خير منه، وإنما كفر بجحد لله تعالى كان.(في قلبه

ص5)( الفصل في الملل واألهواء والنحل )طبعة دار الجيل( جـ975.

)( أي النقل واإلخبار على سبيل الحكاية، فإن ذلك مستثنى بال10خالل.



وهذا خالف للقرآن، وتكهن ال يعرف صحته إال)ثم قال: من حدثه به إبليس عن نفسه. على أن الشيخ غير ثقة

اهـ.(فيما يحدث به.. وقد تقصينا الرد على أهل هذه المقالة): 76وقال ص

الملعونة في كتاب لنا اسمه كتاب "اليقين في النقض على الملحدين المحتجين عن إبليس اللعين وسائر

الكافرين". قلت: ولم أقع على هذا الكتاب.. ولكنه أورد في كتابه

"الفصل في الملل واألهواء والنحل" في رده على الجهمية والمرجئة ما يكفي ويشفي الغليل.. انظر الجزء

.(11 ) وما بعدها..239الثالث ص وأما قولهم إن شتم الله تعالى ليس)ومن ذلك قوله:

ولكنهصلى الله عليه وسلمكفرا وكذلك شتم رسول الله . قال: "فهو دعوى، ألن الله(دليل على أن في قلبه كفرا يحلفون بالله ما قالوا، ولقد قالوا}تعالى قال:

[.74 ]التوبة: {كلمة الكفر وكفروا بعد إسالمهمفنص - تعالى - على أن من الكالم ما هو كفر.

إذا سمعتم آيات الله يكفر بها}وقال تعالى: ويستهزأ بها فال تقعدوا معهم حتى يخوضوا في

[.140 ]النساء: {حديث غيره إنكم إذا مثلهم فنص تعالى: أن من الكالم في آيات الله - تعالى - ما

هو كفر بعينه مسموع. قل أبالله وآياته ورسوله كنتم}وقال تعالى:

تستهزءون ال تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن ،65 ]التوبة: {نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة

66.] فنص - تعالى - على أن االستهزاء بالله - تعالى - أو بآياته أو برسول من رسله كفر مخرج عن اإليمان ولم

يقل - تعالى - في ذلك أني علمت أن في قلوبهم كفرا،بل جعلهم كفارا بنفس االستهزاء.

( وحمده19-4/18)( ومعلوم مدح شيخ اإلسالم في الفتاوى )11البن حزم في مسائل اإليمان والرد على المرجئة.



ومن ادعى غير هذا فقد قول الله تعالى ما لم يقل(.3/244وكذب على الله تعالى. أهـ )

( في رده على أهل3/253وقال في الفصل أيضا ) اإلرجاء: )لو أن إنسانا قال: إن محمدا - عليه الصالة

والسالم - كافر وكل من تبعه كافر وسكت، وهو يريد فمن يكفر}كافرون بالطاغوت كما قال تعالى:

بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة [، لما اختلف256 ]البقرة: {الوثقى ال انفصام لها

أحد من أهل اإلسالم في أن قائل هذا محكوم له بالكفر. وكذلك لو قال إن إبليس وفرعون وأبا جهل مؤمنون،

لما اختلف أحد من أهل اإلسالم في أن قائل هذا محكومله بالكفر، وهو يريد أنهم مؤمنون بدين الكفر.." اهـ.

قلت: فصح أننا كفرناه بمجرد قوله وكالمه الكفري وال دخل لنا بمغيب اعتقاده.. وهكذا كل من أظهر قوال أو

عمال كفريا كفرناه بمحض ذلك القول أو العمل إذ مغيب اعتقاده ال يعلمه إال الله عز وجل.. وقد قال الرسول

إني لم أبعث ألشق عن قلوب): صلى الله عليه وسلم فالمدعي خالف هذا مدع علم الغيب، ومدعي(12)(الناس

علم الغيب ال شك كاذب. وقد شهد الله تعالى بأن أهل الكتاب يعرفون الحق"

ويكتمونه، ويعرفون أن الله تعالى حق وأن محمدا رسول حق، ويظهرون بألسنتهم خالفصلى الله عليه وسلمالله

ذلك، وما سماهم الله عز وجل قط كفارا إال بما ظهر.(13)منهم بألسنتهم وأفعالهم"

فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا}وقال تعالى: [.14، 13 ]النمل: {أنفسهم ظلما وعلوا هذا سحر مبين * وجحدوا بها واستيقنتها

)قال ابن حزم: وهذا أيضا نص جلي ال يحتمل تأويال على أن الكفار جحدوا بألسنتهم اآليات التي أتى بها

األنبياء - عليهم الصالة والسالم - واستيقنوا بقلوبهم أنها.(14)(حق

(.60، 40)( رواه البخاري في المغازي )12(.3/259)( الفصل )13(.3/243)( الفصل )14



واحتج بعضهم في هذا المكان بقول)وقال رحمه الله: األخطل النصراني لعنه الله إذ يقول:

جعل اللسان علىإن الكالم لفي الفؤاد وإنما(15)الفؤاد دليال

قال فجوابنا على هذا االحتجاج أن نقول: ملعون، ملعون قائل هذا البيت، وملعون من جعل قول هذا

النصراني حجة في دين الله عز وجل، وليس هذا من باب اللغة التي يحتج فيها بالعربي وإن كان كافرا، وإنما هي

قضية عقلية، فالعقل والحس يكذبان هذا البيت. وقضية شرعية، فالله عز وجل أصدق من النصراني اللعين إذ

يقولون بأفواههم ما ليس في}يقول عز وجل: [، فقد أخبر عز وجل بأن من167 ]آل عمران: {قلوبهم

الناس من يقول بلسانه ما ليس في فؤاده بخالف قولاألخطل لعنه الله.

فأما نحن فنصدق الله عز وجل ونكذب األخطل، ولعن الله من يجعل األخطل حجة في دينه. وحسبنا الله ونعم

(.3/261الوكيل. اهـ ) إن الذين}وقد قال عز وجل: )(: 3/262وقال )

ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى * الشيطان سول لهم وأملى لهم، ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في

بعض األمر والله يعلم إسرارهم فكيف إذا توفتهم المالئكة يضربون وجوههم وأدبارهم

ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه[.28-25 ]محمد: (16){فأحبط أعمالهم

قال: فجعلهم تعالى مرتدين كفارا بعد علمهم الحق.

وبعد أن تبين لهم الهدى، بقولهم للكفار ما قالوا فقط.

)( قال في اإلمتاع والمؤانسة: )البيت موضوع على األخطل،15 فليس هو في نسخ ديوانه، وإنما هو البن ضمضام ولفظه: إن

البيان لفي الفؤاد... الخ. ويراجع28 إلى 25 آية صلى الله عليه وسلم)( سورة محمد 16

كالم العالمة الشنقيطي في تحكيم القوانين حول هذه اآليات فيتفسيره القيم أضواء البيان فإنه مهم.



وأخبرنا تعالى أنه يعرف إسرارهم، ولم يقل تعالى أنها جحد أو تصديق، بل قد صح أن في سرهم التصديق، ألن

الهدى قد تبين لهم. ومن تبين له شيء فال يمكن البتة أن .(يجحده بقلبه أصال يحلفون}وقال رحمه الله تعالى عن قوله تعالى:

بالله ما قالوا، ولقد قالوا كلمة الكفر، وكفروا فصح بنص القرآن. أن)[: 74 ]التوبة: {بعد إسالمهم

من قال كلمة الكفر، دون تقية، فقد كفر بعد إسالمه، فصح أن من اعتقد اإليمان وتلفظ بالكفر فهو عند الله

( من )كتاب الدرة339تعالى كافر بنص القرآن( أهـ ص)فيما يجب اعتقاده(.

يا أيها الذين آمنوا ال ترفعوا}وقال تعالى: أصواتكم فوق صوت النبي وال تجهروا له بالقول

كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم ال[.2 ]الحجرات: {تشعرون

فهذا نص جلي وخطاب للمؤمنين بأن إيمانهم يبطل جملة وأعمالهم تحبط برفع أصواتهم فوق صوت النبي

دون جحد كان منهم أصال، ولو كانصلى الله عليه وسلم منهم جحد لشعروا به، والله تعالى أخبرنا بأن ذلك يكون

وهم ال يشعرون. فصح أن من أعمال الجسد ما يكون كفرا مبطال إليمان

فاعله جملة. ومنه ما ال يكون كفرا لكن على ما حكم الله تعالى به

أهـ.(في كل ذلك وال مزيدقلت: وهذا هو الحق الذي ال مرية فيه.

وليس كما يقول الخوارج الضالون أن جميع الذنوب منأعمال الجسد كفر يناقض اإليمان.

وال كما يقول مرجئة العصر الضالون أيضا، من أن جميع األعمال والذنوب ال يكفر فاعلها إال باعتقاد. بل الحق أن

من األعمال المجردة ما ينقض ويهدم اإليمان كما بان لكوظهر..



ومنها ما ينافي كمال اإليمان فقط فينقصه ويخدشه والينقضه إال باستحالل أو جحود..

وهذا التفصيل ضيعه وأعرض عنه الخوارج بإفراطهم،والمرجئة بتفريطهم.. وكالهما طائفتان ضالتان..

لفتنة المرجئة)بل ينسب إلى إبراهيم النخعي قوله: .(17)(أخوف على هذه األمة من فتنة األزارقة

.(18)(الخوارج أعذر عندي من المرجئة)وقوله: ليس من)ويقول األوزاعي: كان يحيى وقتادة يقوالن:

(األهواء شيء أخوف عندهم على هذه األمة من اإلرجاء(19).

وال شك أن اإلرجاء كان ردة فعل على فتنة الخروج على والة الجور وما ترتب عليه من سجن وقتل

وابتالءات، إذ أول ما ظهر اإلرجاء وانتشر بعد هزيمة عبد ولكنها ردة فعل غير منضبطة(20)الرحمن بن األشعث

بضوابط الشريعة. كحال مرجئة العصر في تخبطاتهم التي غالبها ردة فعل على غالة المكفرة في هذا الزمان..

بل وعلى أهل الحق المكفرين لمن كفره الله ورسوله بالدليل.. تماما كمداهناتهم وركونهمصلى الله عليه وسلم

للطغاة الحاكمين، فهي في الغالب ردة فعل لتنكيل هؤالءالطغاة بأهل التوحيد وسجنهم وتعذيبهم..

(.1/313)( كتاب السنة لعبد الله بن أحمد )17 ( فليهنأ مرجئة العصر وأشياخهم أنهم1/337)( المرجع نفسه )18

أضل من الخوارج، ذلك الوصف الذي طالما رموا به أهل الحقزورا وبهتانا.

(.1/318)( المرجع نفسه )19 )( "ذكر الذهبي عن قتادة، قال: إنما حدث هذا اإلرجاء بعد20

( سير أعالم النبالء وابن األشعث5/275هزيمة ابن األشعث". ) هذا خرج على والة زمانه ومعه طائفة من أهل العلم ووقعت

بينهم وبين الحجاج وقائع كثيرة انهزم في أكثرها الحجاج إلى أن هـ في العراق حيث كان83 أو 82جاءت وقعة الجماجم سنة

الغلب والظفر للحجاج.. وعلى أثر هذه الهزيمة ظهر اإلرجاء..



وطالب الحق ال تتحكم فيه ردود الفعل العكسية هذه، بل يضع نصب عينيه حديث المصطفى صلوات الله عليه

ال يضرهم من)في صفة الطائفة الظاهرة المنصورة: فال يتضرر أو ينحرف أو يتأثر(خالفهم وال من خذلهم

طين.. بل ال يزال قائما ثابتا على بالمفرطين وال بالمفر صلى الله عليهالمحجة البيضاء التي تركه عليها النبي

حتى يلقى الله..وسلم * وبعد أن سقنا لك أكثر كالم اإلمام ابن حزم في هذه

المسألة نعرج على شيخنا شيخ اإلسالم ابن تيمية نستفتيه في هذه المسألة، وليس مرادنا من وراء ذلك إال قطع

حلوق ضالل مرجئة العصر الذين يتشدقون ببعض كالمه رحمه الله تعالى.. إذ ليست الحجة كالم ابن حزم وال كالم

ابن تيمية وال غيرهما بل الحجة كالم الله وكالم رسوله صلوات الله وسالمه عليه.. ومن لم يكتف بكالم الله

وكالم رسوله فال نتعب أنفسنا معه.. فبأي حديث بعد الله وآياته}قال تعالى:

[.6 ]الجاثية: {يؤمنونورحم الله ابن القيم إذ يقول: فال شفاه الله فيمن لم يكن يشفيـــــه ذان

قلـــب وال أبدان فال كفاه الله شرمن لم يكن يكفيـــــه ذان

حــوادث األزمان رماه رب العرش باإلقاللمن لــم يكــن يغنيـه ذان

والحرمان تلك األراذلإن الكالم مع الكبار وليس مع

سفلـة الحيــــوانقال رحمه الله تعالى في كتابه الصارم المسلول:

ب الله أو سب رسوله كفر ظاهرا وباطنا، سواء) إن س كان الساب يعتقد أن ذلك محرم أو كان مستحال له أو كان ذاهال عن اعتقاده. هذا مذهب الفقهاء وسائر أهل

إلى أن قال:)السنة القائلين بأن اإليمان قول وعمل.. وكذلك قال أصحابنا وغيرهم: من سب الله كفر سواء)



وهذا هو الصواب المقطوع) قال: (كان مازحا أو جادا.. به.. وقال القاضي أبو يعلى في المعتمد: من سب الله أو سب رسوله فإنه يكفر سواء استحل سبه أو لم يستحله،

.(فإن قال لم أستحل ذلك لم يقبل منه.. ويجب أن يعلم أن القول بأن كفر)(: 515وقال أيضا )

الساب في نفس األمر إنما هو الستحالله السب، زلة.(منكرة وهفوة عظيمة..

وإنما وقع من وقع في هذه المهواة بما تلقوه من كالم) طائفة من متأخري المتكلمين وهم الجهمية اإلناث الذين

ذهبوا مذهب الجهمية األولى في أن اإليمان هو مجرد.(التصديق الذي في القلب..

إن الحكاية المذكورة عن الفقهاء إنه)(: 517وقال ص) إن كان مستحال كفر وإال فال، ليس لها أصل وإنما نقلها

.(21)(القاضي - من كتاب بعض المتكلمين إن اعتقاد حل السب كفر سواء)(: 516وقال ص)

.(22 )اقترن به وجود السب أو لم يقترن( إنه إذا كان المكفر هو اعتقاد الحل، فليس)وقال أيضا:

في السب ما يدل على أن الساب مستحل، فيجب أن ال

( أن بعض الفقهاء7/403)( وقد ذكر ابن تيمية في الفتاوي )21 تخبطوا بين قول السلف وقول الجهمية في هذه المسألة بسبب أنهم أخذوا بحث هذه المسائل من كتب أهل الكالم الذين نصروا قول جهم في مسائل اإليمان، فتراهم تارة ينصرون قول األئمة، وتارة يذكرون ما يناسب كالم جهم. وذكر أن القاضي عياض لما عرف هذا من قول أصحابه أنكره ونصر قول مالك وأهل السنة

وأنه أحسن في ذلك.. )( قلت: وهذا مطابق لرد تلميذه ابن القيم رحمه الله تعالى22

ومن لم يحكم بما أنزل الله}على من تأول قوله تعالى: بأن فعله جحودا.. إذ قال في مدارج{فأولئك هم الكافرون

السالكين: "وهذا تأول مرجوح فإن نفس جحوده كفر سواء حكم اهـ.(أو لم يحكم



وإنما(23)يكفر ال سيما إذا قال أنا أعتقد أن هذا حرام أقول غيظا وسفها وعبثا أو لعبا كما قال المنافقون:

[.65 ]التوبة: {إنما كنا نخوض ونلعب}فإن قيل: ال يكونون كفارا، فهو خالف نص القرآن.

وإن قيل: يكونون كفارا فهو تكفير بغير موجب إذا لميجعل نفس السب مكفرا.

وقول القائل: أنا ال أصدقه في هذا، ال يستقيم؛ فإن التكفير ال يكون بأمر محتمل، فإذا كان قد قال: )أنا أعتقد أن ذلك ذنب ومعصية وأنا أفعله(، فكيف يكفر إن لم يكن

ذلك كفرا ؟ ال تعتذروا قد كفرتم}ولهذا قال سبحانه وتعالى:

قد كذبتم في)[، ولم يقل: 66 ]التوبة: {بعد إيمانكم فلم يكذبهم في هذا العذر(قولكم: إنما كنا نخوض ونلعب

كما كذبهم في سائر ما أظهروا من العذر الذي يوجببراءتهم من الكفر لو كانوا صادقين.

بل بين أنهم كفروا بعد إيمانهم، بهذا الخوض واللعب، وإذا تبين أن مذهب سلف األمة ومن اتبعهم من الخلف أن هذه المقالة في نفسها كفر، استحلها صاحبها أو لم

اهـ. من(يستحلها، فالدليل على ذلك جميع ما قدمنا(.517الصارم المسلول )

* ويقول رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى: من كفر بالله من بعد إيمانه إال من أrكره وقلبه}

{مطمئن باإليمان ولكن من شرح بالكفر صدرا.. لو كان التكلم بالكفر ال)[، اآليات قال: 106]النحل:

يكون كفرا إال إذا شرح به الصدر لم يستثن المكره. فلما استثنى المكره علم أن كل من تكلم بالكفر غير المكره

. اهـ.(فقد شرح به صدرا. فهو حكم وليس قيدا للحكم

(:6/189)( ومثله قول محمد بن إبراهيم آل الشيخ في فتاويه )23م القانون: أنا أعتقد أنه باطل. فهذا ال أثر له، بل) لو قال من حك

هو عزل للشرع، كما لو قال أحد: أنا أعبد األوثان وأعتقد أنها اهـ.(باطل



فإنه(فهو حكم وليس قيدا للحكم)وتأمل قول األخير.. مهم.. فالمعلن لكلمة الكفر لغير عذر شرعي كافر قد شرح بالكفر صدره، وال يقال ننظر حتى نعرف ما في صدره أمعتقد هو أم مستحل أم ال؟ وكذا الساب لله

ولرسوله ولدينه شارح بسبه هذا صدره للكفر وإن لم يعلمنا هو بذلك، وكذا الساجد للصنم طائعا قد شرح

بالكفر صدره بفعله هذا وال يقال ننظر أمستحل أم غير مستحل، ألن هذه األعمال أعمال مكفرة بذاتها، وكذا المشرع مع الله أو المتبع والمبتغي غير الله حكما ومشرعا ومعبودا قد شرح بالكفر صدره بجعل نفسه طاغوتا معبودا في ذلك أو باتباعه للطاغوت والتزامه

وتحاكمه لشرعه، وال نقول ننظر أستحل التشريع مع الله واعتقده أم لم يعتقده.. وكذا المستهزئ بشيء من دين الله كافر باستهزائه نفسه، شارح بالكفر صدره وإن لم

يخبرنا هو بذلك، فنكفره بمجرد االستهزاء وال نتوقف حتى نسأله عن اعتقاده واستحالله، بل لو صرح بأنه غير معتقد

ال}وال مستحل لكفرناه وقلنا له كما قال تعالى: [.66 ]التوبة: {تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم

فهو حكم بالكفر كما ذكر شيخ اإلسالم وليس قيدا للكفر كما جعله مرجئة العصر. ولو اعتبر مثل هذا األمر

الغيبي الخفي قيدا للكفر في األعمال المكفرة ألصبح دينالله ألعوبة بيد كل زنديق.

فما من كافر وال مشرك إال ويزعم أنه يضمر اإلحسان.(24)والتوفيق واإليمان والرشاد

وأيضا فقد جاء نفر)(: 7/561)( يقول شيخ اإلسالم في الفتاوى )24 فقالوا: نشهد أنكصلى الله عليه وسلممن اليهود إلى النبي

لرسول، ولم يكونوا مسلمين بذلك، ألنهم قالوا ذلك على سبيل اإلخبار عما في أنفسهم أي نعلم ونجزم أنك رسول الله، قال:

؟ قالوا: نخاف من يهود.(فلم ال تتبعوني) فعلم أن مجرد العلم واإلخبار عنه ليس بإيمان، حتى يتكلم

اهـ.(باإليمان على وجه اإلنشاء المتضمن لاللتزام واالنقياد.. وهذا من هذا.. فمجرد اإلخبار عن اعتقادهم اإليمان وإرادة

اإلحسان والرشاد وأنهم في صدورهم يعتقدون أن الشريعة أفضل من قوانينهم، ويعتقدون وجوب تحكيمها، كل هذا الذي يرقع لهم به مرجئة العصر ال يغني عنهم شيئا، ما داموا ال يلتزمون ذلك وال



والشارع الحكيم إنما أناط األحكام الشرعية - ومنها التكفير - في الدنيا بعلل وأسباب ظاهرة ومنضبطة، ولم

ينطها بأسباب خفية أو غيبية أو باطنية فهذا كله يتبعأحكام اآلخرة.

ثم كفر التكذيب والجحود ما هو إال نوع واحد من أنواعالكفر.. وليس هو النوع الوحيد كما هو معلوم..

يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية أيضا في الفتاوى ) فهؤالء القائلون بقول جهم والصالحي قد)(: 7/560

حوا بأن سب الله ورسوله، والتكلم بالتثليث وكل صر كلمة من كالم الكفر ليس هو كفرا في الباطن ولكنه

دليل في الظاهر على الكفر ويجوز مع هذا أن يكون هذا الساب الشاتم في الباطن عارفا بالله موحدا له مؤمنا به،

فإذا أقيمت عليهم الحجة بنص أو إجماع أن هذا كافرباطنا وظاهرا.

قالوا: هذا يقتضي أن ذلك مستلزم للتكذيب الباطن.. فيقال لهم فإنا نعلم أن من سب الله ورسوله طوعا بغير

كره، بل من تكلم بكلمات الكفر طائعا غير مكره، ومن استهزأ بالله وآياته ورسوله فهو كافر باطنا وظاهرا، وأن

من قال: أن مثل هذا قد يكون في الباطن مؤمنا بالله وإنما هو كافر بالظاهر. فإنه قال قوال معلوم الفساد بالضرورة من الدين، وقد ذكر الله كلمات الكفار في

القرآن وحكم بكفرهم واستحقاقهم الوعيد بها.. كقوله {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثالثة}تعالى:

لقد كفر الذين قالوا إن الله هو}[، 73]المائدة: . اهـ([ وأمثال ذلك16]المائدة: {المسيح ابن مريم

مختصرا. ومعلوم أنه)ويقول أيضا عن اية سورة النحل نفسها:

لم يرد بالكفر هنا اعتقاد القلب فقط، ألن ذلك ال يكره الرجل عليه، وهو قد استثنى من أكره، ولم يرد من قال

واعتقد، ألنه استثنى المكره، وهو ال يكره على القصد ينقادون له، بل يضربون به عرض الحائط ويعطلونه، ويعملون

قوانينهم ويقدمونها عليه ويشرعون مع الله ما لم يأذن به الله، ويحاربون أولياء الله الموحدين المتبرئين من تشريعاتهم ويوالون

وينصرون ويكرمون أعداء الله الملتزمين المتبعين المناصرينلتشريعاتهم.



والقول، وإنما يكره على القول فقط، فعلم أنه أراد من تكلم بكلمة الكفر فعليه غضب من الله وله عذاب أليم.

وأنه كافر بذلك إال من أكره وهو مطمئن باإليمان.. ولكنمن شرح بالكفر صدرا من المكرهين، فإنه كافر أيضا.

فصار من تكلم بالكفر كافرا إال من أكره، فقال بلسانهكلمة الكفر وقلبه مطمئن باإليمان.

ال تعتذروا قد}وقال تعالى في حق المستهزئين: [ فبين أنهم كفار66]التوبة: { كفرتم بعد إيمانكم

بالقول مع أنهم لم يعتقدوا صحته وهذا باب واسع" اهـ(.524من الصارم المسلول ص)

* وقد نص رحمه الله تعالى في الصارم المسلول أيضا ( أن إيذاء النبي والدعاء عليه في حياته بالموت222ص)

لو صدر من مسلم كان به مرتدا. ( أن قتل النبي من أكبر أنواع الكفر وإن453وذكر ص)

زعم القاتل أنه لم يقتله مستحال، وذكر عن إسحاق بنراهويه أن هذا إجماع من المسلمين. .. وبالجملة)(: 178ويقول أيضا في الكتاب نفسه ص)

فمن قال أو فعل ما هو كفر كفر بذلك، وإن لم يقصد أن اهـ.(يكون كافرا إذ ال يقصد أحد الكفر إال ما شاء الله

ويستثنى بالطبع من هذا اإلطالق - كما نقلنا لك من قبل من كالم ابن حزم - من أعلن الكفر أو نطق به تقية

أو حكاية أو نحو ذلك مما استثناه الشارع، فإن نعق مرجئة العصر وقالوا: مهال ما هذا االستثناء وما الذي جعل

ناطق الكفر هنا يخرج عما قررتموه من قبل، من أنقائل الكفر وفاعله يكفر ولو لم يعتقد.

قلنا: هو مستثنى في هذه المواضع بنص كالم الله تعالى.. والله عز وجل هو الذي يسمي ويصف ما يشاء

بما يشاء. فالذي أوقع مسمى الكفر على من وقع بأعمال أو نطق بأقوال مكفرة.. هو سبحانه نفسه الذي استثنى هذه المواضع.. وإليكم رد منجنيق الغرب ابن حزم على

أشياخكم وأسالفكم من المرجئة األوائل حول هذهالشبهة.



لقد قلنا)(: 3/250قال رحمه الله تعالى في الفصل )أن التسمية ليست لنا وإنما هي لله تعالى.

- فلما أمرنا تعالى بتالوة القرآن، وقد حكى لنا فيه قول أهل الكفر، وأخبرنا تعالى أنه ال يرضى لعباده الكفر، خرج

القارئ للقرآن بذلك عن الكفر إلى رضى الله عز وجلواإليمان بحكايته ما نص الله تعالى عليه.

- ولما أمر الله تعالى بأداء الشهادة بالحق فقال تعالى: [،86 ]الزخرف: {إال من شهد بالحق وهم يعلمون}

خرج الشاهد المخبر عن الكافر بكفره، عن أن يكونبذلك كافرا إلى رضى الله عز وجل واإليمان.

]النحل: {باإليمان ولكن من شرح بالكفر صدرا إال من أكره وقلبه مطمئن}- ولما قال تعالى: [ خرج من ثبت إكراهه عن أن يكون بإظهار الكفر106

كافرا إلى رخصة الله تعالى والثبات على اإليمان. وبقي من أظهر الكفر ال قارئا وال شاهدا وال حاكيا وال

مكرها على وجوب الكفر له بإجماع األمة على الحكم له بذلك وبنص القرآنبحكم الكفر وبحكم رسول الله

على من قال كلمة الكفر إنه كافر. [ على ما ظنوه من اعتقاد الكفر106 ]النحل: {صدرا ولكن من شرح بالكفر}وليس قول الله عز وجل:

فقط، بل كل من نطق بالكالم الذي يحكم لقائله عند أهل اإلسالم بحكم الكفر ال قارئا وال شاهدا وال حاكيا وال مكرها

فقد شرح بالكفر صدرا بمعنى أنه شرح صدره لقبول الكفر المحرم على أهل اإلسالم وعلى أهل الكفر أن

اهـ.(يقولوه، وسواء اعتقدوه أو لم يعتقدوه.. وال بأس أن أورد هنا للمستزيد أقواال منثورة أخرى

ألئمة آخرين غير ابن حزم وابن تيمية حول هذا الموضوع. * يقول ابن القيم رحمه الله تعالى في )كتاب الصالة(

وشعب اإليمان قسمان: قولية وفعلية، وكذلك): 53صشعب الكفر نوعان: قولية وفعلية.

ومن شعب اإليمان القولية شعبة يوجب زوالها زوال اإليمان فكذلك من شعبه الفعلية ما يوجب – زوالها –

زوال اإليمان.



وكذلك شعب الكفر القولية والفعلية، فكما يكفر باإلتيان بكلمة الكفر اختيارا وهي شعبة من شعب الكفر،

فكذلك يكفر بفعل شعبة من شعبه كالسجود للصنم اهـ.(واالستهانة بالمصحف

ومنه تعرف أن )الكفر العملي( ليس كله أصغر عند أهل العلم، بل منه ما هو كفر مخرج عن الملة، خالفا لما

يروجه مرجئة زماننا. * ويقول ابن الوزير في كتابه )إيثار الحق على الخلق

وقد بالغ): 395في رد الخالفات إلى المذهب الحق( ص الشيخ أبو هاشم وأصحابه وغيرهم فقالوا هذه اآلية -

}يقصد [106 ]النحل: {ولكن من شرح بالكفر صدرا - تدل على أن من لم يعتقد الكفر ونطق بصريح الكفر

وبسب الرسل أجمعين وبالبراءة منهم وبتكذيبهم من غير إكراه وهو يعلم أن ذلك كفر أنه ال يكفر، وهو ظاهر اختيار

الزمخشري في كشافه فإنه فسر شرح الصدر بطيبالنفس بالكفر وباعتقاده معا.. وهذا كله ممنوع ألمرين:

لقد كفر}- أحدهما: معارضة قولهم بقوله تعالى: [73]المائدة: {الذين قالوا إن الله ثالث ثالثة

فقضى بكفر من قال ذلك بغير شرط فخرج المكره بالنص واإلجماع وبقي غيره، فلو قال مكلف مختارا غير

مكره بمقالة النصارى التي نص القرآن على أنها كفر ولم يعتقد صحة ما قال ولم يكفره مع أنه لعلمه بقبح قوله

يجب أن يكون أعظم إثما من بعض الوجوه لقوله تعالى: [ فعكسوا وجعلوا86 ]الزخرف: {وهم يعلمون}

الجاهل بذنبه كافرا والعالم الجاحد بلسانه مع علمهمسلما! !

- األمر الثاني: أن حجتهم دائرة بين داللتين ظنيتين قد اختلف فيهما في الفروع الظنية إحداهما: قياس العامد على المكره والقطع على أن اإلكراه وصف ملغى مثل

نصرانيا، وهذا نازل جدا، ومثله ال(25)كون القائل بالثالثةيقبل في الفروع الظنية.

[ فإنه ال حجة لهم في منطوقها106 ]النحل: {صدرا ولكن من شرح بالكفر}وثانيهما: عموم المفهوم قطعا وفاقا، وفي المفهوم خالف مشهور هل هو حجة -

)( أي القائل بالتثليث مكرها.25



ظنية، مع االتفاق على أنه ليس بحجة قطعية، ثم في إثبات عموم له خالف، وحجتهم هنا من عمومه أيضا وهو

اهـ.(أضعف منه * ويقول ابن قدامة المقدسي رحمه الله تعالى في

تعلم السحر وتعليمه حرام، ال نعلم)(: 8/151المغني ).(فيه خالفا بين أهل العلم

ويكفر الساحر بتعلمه وفعله سواء اعتقد)قال أصحابنا: اهـ.(تحريمه أو إباحته

من كفر باللسان طائعا وقلبه)* وفي الحاوي للفتاوي: وهو(مطمئن باإليمان فهو كافر، وليس مؤمنا عند الله

موافق لكالم شيخ اإلسالم في آية اإلكراه في سورةالنحل.

* ويقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كشف ( بعد أن أنكر على الذين يقولون أن22الشبهات ص)

فما معنى)الكفر ال يكون إال بتكذيب أو إنكار أو جحود: الباب الذي ذكره العلماء في كل مذهب؟ )باب حكم

المرتد( وهو المسلم الذي يكفر بعد إسالمه، ثم ذكروا أنواعا كثيرة، كل نوع منها يكفر، ويحل دم الرجل وماله، حتى إنهم ذكروا أشياء يسيرة عند من فعلها، مثل كلمة

يذكرها بلسانه دون قلبه، أو كلمة يذكرها على وجهالمزاح واللعب.

يحلفون بالله ما}ويقال أيضا: الذين قال الله فيهم: قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد

[ أما سمعت الله كفرهم بكلمة74]التوبة: {إسالمهم صلى الله عليه وسلممع كونهم في زمن رسول الله

ويجاهدون معه ويصلون معه ويزكون ويحجون ويوحدون؟ قل أبالله وآياته}وكذلك الذين قال الله فيهم:

ورسوله كنتم تستهزئون؟ ال تعتذروا قد كفرتم [ فهؤالء الذين صرح الله66، 65]التوبة: {بعد إيمانكم

صلى اللهأنهم كفروا بعد إيمانهم، وهم مع رسول الله في غزوة تبوك، قالوا كلمة ذكروا أنهم قالوهاعليه وسلم

اهـ.(على وجه المزح عليك بفهم)(: 29وقال أيضا في كتاب الشبهات ص)

ال}آيتين من كتاب الله. أولهما: ما تقدم من قوله:



[ فإذا66]التوبة: {تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم تحققت أن بعض الصحابة الذين غزوا الروم مع رسول

كفروا بسبب كلمة قالوها علىصلى الله عليه وسلمالله وجه المزح واللعب، تبين لك أن الذي يتكلم بالكفر، أو يعمل به خوفا من نقص مال، أو جاه، أو مداراة ألحد

أعظم ممن تكلم بكلمة يمزح بها. من كفر بالله من بعد}واآلية الثانية: قوله تعالى:

{إيمانه إال من أكره وقلبه مطمئن باإليمان [ فلم يعذر الله من هؤالء إال من أكره مع106]النحل:

كون قلبه مطمئنا باإليمان. وأما غير هذا فقد كفر بعد إيمانه، سواء فعله خوفا أو مداراة، أو مشحة بوطنه، أو أهله، أو عشيرته، أو ماله أو فعله على وجه المزح، أو

لغير ذلك من األغراض، إال المكره. واآلية تدل على هذامن جهتين:

[ فلم106]النحل: {إال من أكره}األولى: قوله: يستثن إال المكره. ومعلوم أن اإلنسان ال يكره إال على

العمل أو الكالم، وأما عقيدة القلب فال يكره أحد عليها. ذلك بأنهم استحبوا الحياة}والثانية: قوله تعالى:

[ فصرح أن هذا107]النحل: {الدنيا على اآلخرة الكفر والعذاب لم يكن بسبب االعتقاد أو الجهل، أو

البغض للدين، أو محبة الكفر، وإنما سببه أن له في ذلك اهـ.(حظا من حظوظ الدنيا، فآثره على الدين

* ويقول حفيده الشيخ سليمان بن عبد الله في كتابه)التوضيح عن توحيد الخالق في جواب أهل العراق( ص)

المرتد شرعا: الذي يكفر بعد إسالمه نطقا أو)(: 42 (: 101 ويقول ص)(اعتقادا أو فعال وكما يكون الكفر باالعتقاد يكون أيضا بالقول، كسب)

قل}الله أو رسوله أو دينه أو االستهزاء به، قال تعالى: أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون ال تعتذروا

[.66، 65]التوبة: {قد كفرتم بعد إيمانكم وبالفعل أيضا كإلقاء المصحف في القاذورات والسجود

لغير الله ونحوهما وهذان وإن وجدت فيهما العقيدة اهـ.(فالقول والفعل مغلبان عليهما لظهورهما



وقد أجمع العلماء)ويقول أيضا في كتابه )الدالئل(: اهـ.(على أن من تكلم بالكفر هازال أنه يكفر

* ويقول الشيخ حمد بن علي بن عتيق رحمه الله تعالى ردا على من زعم أنه ال يكون كافرا من تكلم بالكفر إال

قاتلك)إذا اعتقده وشرح له صدره وطابت به نفسه: ، إن كنت تزعم أنه ال يكفر إال من شرحالله يا بهيم

بالكفر صدرا فهل يقدر أحد أن يكره أحدا على تغيير العقيدة وأن يشرح صدره بالكفر - يشير إلى آية اإلكراه

في سورة النحل - وسوف نبين إن شاء الله أن اآلية تدل على كفر من قال الكفر وفعله وإن كان يبغضه في

الباطن ما لم يكن مكرها، وأما إذا انشرح صدره بالكفر(وطابت نفسه به فذاك كافر مطلقا مكرها أو غير مكره

(26). وهذا معارضة)وقال أيضا في إبطال ذلك القول نفسه:

لصريح المعقول وصحيح المنقول وسلوك سبيل غير صلى اللهسبيل المؤمنين، فإن كتاب الله وسنة رسوله

وإجماع األمة قد اتفقت على أن من قالعليه وسلم الكفر أو فعله كفر، وال يشترط في ذلك إنشراح الصدر

بالكفر وال يستثنى من ذلك إال المكره، وأما من شرح بالكفر صدرا أي فتحه ووسعه وطابت نفسه به ورضي

فهذا كافر عدو لله ولرسوله وإن لم يتلفظ بذلك بلسانه(.59 اهـ ص)(وال فعله بجوارحه..

* وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الدرر السنية جزء مختصرات الردود

وأيضا فقد ذكر الفقهاء في حكم المرتد أن)(: 214ص) الرجل قد يكفر بقول أو عمل يعمله وإن كان يشهد أن ال

إله إال الله وأن محمدا رسول الله ويصلي ويصوم ويتصدق فيكون مرتدا تحبط أعماله ما قال أو فعل، (خصوصا إن مات على ذلك فيكون حبوط أعماله إجماعا

اهـ. ثم)(: 90* وقال القنائي في )حقيقة اإليمان( ص)

هؤالء قد قالوا - من غير دليل معتبر - أن المسلم مهما أتى من عمل من األعمال ال يكفر بذلك طالما أن اعتقاده

صحيح فيه، وطردوا ذلك المعنى في جميع األعمال فلم ( من رسالة )الدفاع عن أهل السنة واألتباع( من48)( ص)26

مجموعة رسائل حمد بن عتيق - نشر دار الهداية - الرياض.



يفرقوا بين أعمال الكفر وأعمال المعاصي، وجعلوا فساد االعتقاد شرطا في كفر من عمل أي عمل من أعمال

الجوارح أيا كان هذا العمل، والحق أن هذه المسألة لها تفصيل فإنه يجب أن نفرق بين األعمال التي يكفر

فاعلها، وبين أعمال المعصية عامة، فإن اإلتيان بعمل من أعمال الكفر الصراح المخرج من الملة - في حالة ثبوت عدم وجود أي عوارض - يعني بالضرورة فساد االعتقاد

القلبي وال شك، حتى دون أن يصرح بذلك، أو حتى دون أن يقصد إليه، وهذا مقتضى ما ظهر من اعتبار الشريعة

اهـ.(للتالزم بين الظاهر والباطن.. وتذكر أن الفرق بين هذا وقول المرجئة، أنه هنا حكم،

أما المرجئة فيجعلونه قيدا وشرطا للكفر. وأنه ذكر هنا فساد االعتقاد، والعلماء يدخلون في ذلك عمل القلب إضافة إلى التصديق، أما المرجئة فيقصرونه

على فساد التصديق الذي هو الجحد أو التكذيب. وهذا باب واسع جدا لو ذهبنا نتتبعه لطال بنا المقام

ولضاقت به مثل هذه األوراق.. وهو أمر معروف مشهور في كتب أهل العلم وال أظنه يخفى على المبتدئين، ولكنه

التعصب والهوى الذي يعمي ويصم.. * فاألحناف على سبيل المثال - رغم أنهم يخالفون الجمهور في العمل، وفي دخوله في مسمى اإليمان - ومع هذا فإنهم يكفرون في أشياء كثيرة يقولها المرء

بلسانه أو يفعلها بجوارحه، كأن يشد زنار النصارى على وسطه أو يهدي بيضة إلى المجوس يوم نيروزهم، أو يستعمل كالم الله بدل كالمه كمن يقول في ازدحام

}الناس: [ أو يتخاصم99 ]الكهف: {فجمعناهم جمعا فيقول: وما(ال حول وال قوة إال بالله)في مال فيقال له:

أصنع بال حول، )ال حول( ال تؤكل خبز، أو يقول: قصعة ثريد خير من طلب العلم. أو قال: لبيك، جوابا على من

قال: يا كافر أو يا نصراني، أو قال لولده: يا ولد المجوسي أو يا ولد اليهودي. أو قال: النصارى خير من

المسلمين، أو قال: سلطان زماننا عادل، فيسمي الجور المحرم عدال، أو قال: لو دخل فالن الجنة ما دخلتها..

وأمثاله كثير في كتبهم، فهم أكثر الناس خوضا في هذا الباب.. وقد جمع كثيرا من مقاالتهم هذه محمد بن

إسماعيل الرشيد الحنفي في كتابه )البدر الرشيد فياأللفاظ المكفرات( فراجعه إن شئت.



* ومثل ذلك كثير أيضا عند الشافعية.. يقول تقي الدين أبو بكر بن محمد الحسيني الشافعي في كتابه )كفاية

هي) في تعريف الردة: (27 )األخيار في حل غاية االختصار( الرجوع عن اإلسالم إلى الكفر وقطع اإلسالم، ويحصل

تارة بالقول وتارة بالفعل وتارة باالعتقاد، وكل واحد من ثم عدد من(هذه األنواع الثالثة فيه مسائل ال تكاد تحصر..

األقوال واألفعال المكفرة الشيء الكثير على نحو ما (:431/2سقناه لك من كالم األحناف.. ومن ذلك قوله )

ولو فعل فعال أجمع المسلمون على أنه ال يصدر إال من) كافر، وإن كان مصرحا باإلسالم مع فعله، كالسجود للصليب أو المشي إلى الكنائس مع أهلها بزيهم من

اهـ.(الزنانير وغيرها فإنه يكفر وابن حجر الهيتمي الشافعي قد صنف في المكفرات

مصنفا خاصا سماه )اإلعالم بقواطع اإلسالم( ذكر فيه من هذا الباب الشيء الكثير من مذهب الشافعي وعدد

مقاالت الحنفية والمالكية والحنابلة. * والمالكية كذلك فقد ذكر القاضي عياض في آخر

كتاب )الشفا بتعريف حقوق المصطفى( جملة مناأللفاظ المكفرة وصرح بنقل اإلجماع عليها..

* وكذلك الحال بالنسبة للحنابلة فقد عددوا في أبواب حكم المرتد أقواال وأفعاال من صدرت عنه حكم بكفره.. وراجع في ذلك اإلقناع وشرحه في الكالم على نواقض اإلسالم وحكم المرتد فقد ذكروا مما ينتقض به اإلسالم

أكثر من أربعمائة ناقض.. كثير منها من هذا الباب..

)( طبعة - دار الفكر - عمان.27



شبهة احتجاجهم للطواغيت المشرعين

بمقولة)كفر دون كفر(

إذا فهمت ما تقدم كله وعلمت أن الكفر قد يكونقوال أو عمال يخرج صاحبه من ملة اإلسالم..

فاعلم أن القوم - أعني مرجئة العصر - إنما موهوا في هذا الباطل كله، وخلطوا ولبسوا.. ليرقعوا لطغاة العصر

من الحكام المشرعين مع الله ما لم يأذن به الله.. وليهونوا من جريمتهم النكراء هذه فيجعلونها من باب

الذنوب واألعمال التي ال تناقض اإليمان وال تهدمه، فيحكمون لهم باإلسالم وكلم ما يترتب على ذلك من

مواالة ووالية وتول، وما يتفرع عن ذلك من تحريم ألموالهم ودمائهم وأعراضهم ونصرة وتأييد ومظاهرة.. وبالتالي تسمية من كفرهم ودعى لمنازعتهم ومنابذتهم

والبراءة منهم ومن جندهم وأنصارهم وأشياعهم.. بالخوارج، ويستشهدون لهم بما ينسب البن عباس في

إنه ليس الكفر الذي تذهبون إليه، إنه)رده على الخوارج: ومن لم يحكم بما أنزل}ليس كفرا ينقل عن الملة:

[ كفر دون44 ]المائدة: {الله فأولئك هم الكافرون . وال مانع ما دمنا في صدد إبطال شبهاتهم أن أسوق(كفر

ها هنا خالصة القول في هذا األثر من الناحية الحديثية ثم أتبع ذلك بخالصة القول فيه من الناحية الفقهية بيانا للحق

وكشفا للتلبيس. بيان حال هذه اللفظة عن ابن عباس من جهة

اإلسناد "هذا األثر يروى من طريق سفيان بن عيينة عن هشام

إنه ليس)بن حجير عن طاووس عن ابن عباس أنه قال: الكفر الذي تذهبون إليه، إنه ليس كفرا ينقل عن الملة:

ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم} - رواه الحاكم([ كفر دون كفر44]المائدة: {الكافرون

وغيره من طريق هشام بن حجير المكي.



* وهشام بن حجير ضعفه األئمة الثقاة ولم يتابعه علىهذه الرواية أحد.

، وقال:(ليس بالقوي)قال أحمد بن حنبل في )هشام(: وهذا طعن من جهة الرواية. (مكي ضعيف الحديث)

وضعفه يحيى بن سعيد القطان وضرب على حديثه، وضعفه علي بن المديني وذكره العقيلي في الضعفاء،

وكذا ابن عدي. ليس)* وهشام صالح في دينه، لذا قال ابن شبرمة:

. (بمكة مثله .. فهذا في الدين أو العبادة،(28)(صالح)وقال ابن معين:

)بدليل أن ابن معين نفسه قد قال فيه: .(ضعيف جدا. (صدوق له أوهام)وقال الحافظ ابن حجر:

قلت: فلعل هذا من أوهامه. ألن مثل هذا القول مرويثابت عن ابن طاووس فلعله وهم فنسبه إلى ابن عباس.

زعم سفيان قال كان هشام)وقال علي بن المديني: ابن حجير كتب كتبه على غير ما يكتب الناس أي اقتدارا (.203/2 ا.هـ من معرفة الرجال )(عليه، فاضطربت عليه

* وهشام من أهل مكة وسفيان كان عالما عارفا بأهل لم)روى العقيلي بإسناده عن ابن عيينة أنه قال: )مكة،

اهـ.(نأخذ منه إال ما لم نجده عند غيره فصح أن هذا األثر مما تفرد به هشام ألنه من رواية ابن

عيينة عنه.

)( قد يكون مقصود ابن معين، صالح الدين وقد تكون هذه صيغة28 من صيغ التضعيف والتمريض فإنه واإلمام أحمد يفعالن ذلك. قال

ابن حبان في ترجمة عبد الرحمن بن سليمان بن عبد الله بن كان يخطىء ويهم كثيرا، مرض القول فيه)حنظلة األنصاري:

ا.هـ انظر مقدمة الفتح البن حجر،(أحمد ويحيى وقاال: صالحوانظر المجروحين البن حبان.



وهذه أيضا من صيغ(يكتب حديثه)وقال أبو حاتم: التمريض والتضعيف، ألن هذا يعني أن حديثه ال يقبل

استقالال وإنما يؤخذ به في المتابعات فقط. * ولذلك لم يرو له البخاري ومسلم إال متابعة أو مقرونا

مع غيره وكانت أحاديثه من األحاديث المنتقدة علىالصحيحين.

أما البخاري فلم يرو له إال حديثا واحدا هو حديث ألطوفن الليلة على))سليمان بن داود عليهما السالم(:

. أورده في كفارة األيمان من(تسعين امرأة... الحديث طريق هشام وتابعه في كتاب النكاح برواية عبد الله بن طاووس. ومن المعلوم أن الحافظ ابن حجر من عادته

في مقدمة فتح الباري أن يذب عمن تكلم فيهم بغير حق ويدافع بكل ما أوتي من علم، أما من ظهر له ضعفهم وأن البخاري لم يعتمد عليهم وحدهم وإنما أوردهم في

المتابعات أو مقرونين.. فمثل هؤالء ال يكلف نفسه عناء الرد عنهم بل يذكر المتابعات الواردة لهم في الصحيح

وكفى.. وكذلك فعل مع هشام بن حجير )راجع المقدمة(. أما مسلم فكذلك ليس له عنده إال حديثان ولم يرو له

إال مقرونا.. وراجع في هذا ما قاله الشيخ الهروي في خالصة القول المفهم على تراجم رجال اإلمام)كتابه: . (مسلم

والخالصة أنه عرف مما سبق أنه ال حجة لمن حاول تقوية هشام باالحتجاج برواية البخاري ومسلم له.. ألنهما لم يرويا له استقالال ولكن متابعة.. وهذا من األدلة على

تضعيفه إذا انفرد. * ومن أجل هذا كله لم يوثق هشام بن حجير إال المتساهلون كابن حبان فإنه مشهور بالتساهل في

توثيق)التوثيق. ومثله العجلي، قال المعلم اليماني: العجلي وجدته باالستقراء كتوثيق ابن حبان تماما أو

(. 68. األنوار الكاشفة ص: )(أوسع فالعجلي معروف بالتساهل في التوثيق)وقال األلباني:

كابن حبان تماما فتوثيقه مردود إذا خالف أقوال األئمة. انظر السلسلة الصحيحة ص)(الموثوق بنقدهم وجرحهم

633/7.)



وكذا توثيق ابن سعد فإن أغلب مادته من الواقدي المتروك كما ذكر ابن حجر في مقدمة الفتح عند ترجمة

عبد الرحمن بن شريح. فإذا كان هذا حال من وثقوه فإن رواياته ال تقوم بها

حجة بتوثيقهم هذا. فكيف وقد عارضهم وقال بتضعيفه األئمة الجبال

الرواسي كأحمد وابن معين ويحيى بن سعيد القطانوعلي بن المديني وغيرهم.

فخالصة القول: أن هشام بن حجير ضعيف ال تقوم به حجة استقالال وحده. نعم هو يصلح في المتابعات كما

عرفت، والمحتجون به لم يوردوا له على رواية ابن عباس هذه متابع، فيترجح ضعفها وعدم صحة الجزم بنسبتها إلى

ابن عباس. بل قد روى ابن جرير الطبري عن ابن عباس بإسناد

صحيح في تفسير هذه اآلية غير ذلك فقال: ثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن ابن طاووس عن أبيه قال سئل ابن عباس عن قوله تعالى:

ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم} [. قال: هي به كفر. قال ابن44]المائدة: {الكافرون (29)(وليس كمن كفر بالله ومالئكته ورسله)طاووس:

.(30)اهـ

)( قلت: وكذا رواه مسلم بن نصر المروزي في تعظيم قدر29 (، وفي هذه الطريق الصحيحة التصريح بأن قوله:570الصالة ص)

وليس كمن كفر بالله... الخ، مدرج من قول ابن طاووس، وليس) هو من قول ابن عباس كما قد يفهم من ظاهر رواية )سفيان عن

معمر( المجملة عند الطبري، فهذه الرواية مبينة لها، هذا على فرض صحة تلك الرواية، إذ قد ضعفها بعض أهل الحديث لعنعنة

سفيان إذ هو متهم بالتدليس. )( وهو مستفاد ومختصر من رد الشيخ أبي أيوب بن نور البرقوي30

على من صحح هذه اللفظة، أحببت إيراده هاهنا، كزيادة في الفائدة لطالب الحق، ولم أعول في االعتماد على تضعيف األثر

كثيرا، إذ معلوم لدي أن معناه ثابت عن بعض السلف، وإنما



بيان مناط تلك المقولة وأمثالها هذا من جهة الرواية، أما من جهة الدراية، فنقول: أن

قول ابن عباس هذا إن صح - إذ قد صح قريب من معناه عن غيره - فهو رد على الخوارج الذين أرادوا تكفير

الحكمين، وعلي ومعاوية ومن معهما من المسلمين ألجل الخصومة والحكومة التي جرت بينهم في شأن الخالفة والصلح وما جرى بين الحكمين عمرو بن العاص وأبي

موسى األشعري.. إذ تلك الحادثة كانت أول مخرجهم - ومن لم}: (حكمتم الرجال)كما هو معلوم - فقالوا:

{يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون وال شك أنهم مخطئون في ذلك(31 )[44]المائدة:

ضالون.. إذ ذلك الذي وقع بين الصحابة ولو جار بعضهم فيه على بعض ليس بالكفر الذي ينقل عن الملة بحال،

وقد بعث علي رضي الله عنه عبد الله بن عباس إلى الخوارج يناظرهم في ذلك، فخرج إليهم فأقبلوا يكلمونه،

فقال: نقمتم من الحكمين وقد قال الله عز وجل: {فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها}

صلى الله عليه[ اآلية. فكيف بأمة محمد 35]النساء: .وسلم

قالوا له: ما جعل الله حكمه إلى الناس وأمرهم بالنظر فيه فهو إليهم وما حكم فأمضى فليس للعباد أن ينظروا

في هذا. يحكم به}فقال ابن عباس: فإن الله تعالى يقول:

[. 95 ]المائدة: {ذوا عدل منكم قالوا: تجعل الحكم في الصيد والحرث، وبين المرأة وزوجها كالحكم في دماء المسلمين؟ وقالوا له: أعدل عندك عمرو بن العاص وهو باألمس يقاتلنا؟ فإن كان. (عدال، فلسنا بعدول، وقد حكمتم في أمر الله الرجال

تعويلي على ما يأتي بعد هذا.. )( لما قرىء كتاب التحكيم على الناس وسمعه عروة بن حدير31

أتحكمون في دين الله الرجال )ال حكم إال لله()أخو أبي بالل قال: وشد بسيفه، فضرب دابة من قرأ الكتاب، وكان ذلك أول ما ظهر

الخوارج. انظر الفرق بين الفرق في )ذكر المحكمة األولى(( وغيرها..7/278والبداية والنهاية )



والشاهد.. أنه بعد هذه المناظرة رجع منهم إلى الحق خلق.. وأصر آخرون على ضاللهم وانشقوا عن جيش علي

بعد حادثة الحكمين هذه، وهم أصل الخوارج. فعمد مرجئة العصر إلى تلك المقولة المنسوبة البن

عباس وما شابهها من أقوال أخرى لبعض التابعين.. كطاووس وابنه وأبي مجلز والتي كانت كلها في شأن

الخوارج.. وطاروا بها كل مطير، لينزلوها زورا وبهتانا في محل غير محلها وواقع غير واقعها ومقام غير مقامها.

بدليل أن هذه اللفظة التي يحتج بها هؤالء، فيها قول ابن إنه ليس)عباس مخاطبا أناسا بعينهم، عن واقعة بعينها:

خطاب(الذي تذهبون)، فلفظة (الكفر الذي تذهبون إليه للخوارج ومن تبعهم في زمانه، في واقعة معلومة

معروفة.. فقوله إذا ليس في تفسير اآلية، وإنما في المناط الخطأ الذي علقها الخوارج خطأ فيه، بدليل أن اآلية أصال تتكلم عن الكفار المبدلين لشرع الله يهودا

كانوا أو غيرهم وسيأتي تفصيل هذا.. فهل يعقل أن يقول ابن عباس أو غيره من أهل اإلسالم في تبديل اليهود أو غيرهم لحكم أو حد من حدود الله - كالدية أو حد الزنا -

انه كفر دون كفر؟؟ فمقولته هذه إذن - على تقدير صحتها - هي في المناط الباطل الذي أراد الخوارج إنزالها

فيه وليست في بيان اآلية وتفسيرها نفسها.. فتنبه، والتنخدع بتلبيسات الضالين..

يقول العالمة السلفي أحمد محمد شاكر في تعليقاته وهذه اآلثار - عن)على )عمدة التفسير( عن هذه اآلثار:

ابن عباس وغيره - مما يلعب به المضللون في عصرنا هذا، من المنتسبين للعلم، ومن غيرهم من الجرءاء على

الدين: يجعلونها عذرا أو إباحة للقوانين الوثنية الموضوعة،(. 4/156 اهـ )(التي ضربت على بالد اإلسالم

وينقل رحمه الله تعالى في الموضع نفسه تعليق أخيه محمود شاكر على آثار مشابهة، يناقش فيها أبو مجلز

وهو أحد التابعين بعض الخوارج في زمانه، أوردها الطبري اللهم إني أبرأ إليك من)(، قال: 10/348في تفسيره )

الضاللة، وبعد، فإن أهل الريب والفتن ممن تصدروا للكالم في زماننا هذا، قد تلمس المعذرة ألهل السلطان

في ترك الحكم بما أنزل الله، وفي القضاء في الدماء واألعراض واألموال بغير شريعة الله التي أنزلها في

كتابه، وفي اتخاذهم قانون أهل الكفر شريعة في بالد اإلسالم. فلما وقف على هذين الخبرين، اتخذهما رأيا يرى



به صواب القضاء في األموال واألعراض والدماء بغير ما أنزل الله، وأن مخالفة شريعة الله في القضاء العام ال

. (تكفر الراضي بها، والعامل عليها.. وساق مناسبة تلك اآلثار وأنها كانت مناظرة مع

الخوارج الذين أرادوا تكفير والة زمانهم بالمعاصي التي ال وإذن فلم يكن سؤالهم عما)تصل إلى الكفر.. ثم قال:

احتج به مبتدعة زماننا، من القضاء في األموال واألعراض والدماء بقانون مخالف لشريعة أهل اإلسالم، وال في

إصدار قانون ملزم ألهل اإلسالم، باالحتكام إلى حكم غير صلى الله عليهحكم الله في كتابه وعلى لسان نبيه

، فهذا الفعل إعراض عن حكم الله، ورغبة عنوسلم دينه، وإيثار ألحكام أهل الكفر على حكم الله سبحانه

وتعالى، وهذا كفر ال يشك أحد من أهل القبلة علىاختالفهم في تكفير القائل به والداعي إليه. اهـ.

فإذا عرف المنصف الذي وفق لطلب الحق، هذا كله، وفهم مناط تلك األقوال المنسوبة البن عباس وغيره من

. والواقع الذي قيلت فيه وصفة القوم الذين(32)السلفقيلت لهم وصفة مقاالتهم.

ثم نظر بعين البصيرة فيما نحن فيه اليوم من تشريع مع الله ما لم يأذن به الله، واستبدال الذي هو أدنى من

)( إذ أن كثيرا من السلف كاإلمام أحمد، عند كالمه على قوله32 }ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك همتعالى:

[ ينقلون ما اشتهر حول هذه اآلية من44]المائدة: الكافرون{ مقاالت الصحابة والتابعين، ويفسرونها بتلك األقوال ألنهم يعرفون مناطها الذي قيلت فيه فيقرون تلك األقوال ويستشهدون بها في

مناطها أو نظائره، فال يحل نقل أقوالهم واستشهادهم إلى غير مناطها.. إذ ذلك كذب عليهم وتقويل لهم ما لم يقولوه.. إال بدليل

من كالمهم يدل على أنهم أنزلوها في أمثال واقعنا اليوم، وحاشاهم عن أمثال هذه األفهام السقيمة.. ومع ذلك فال معصوم

، فإن حصل مثل ذلك من أحدصلى الله عليه وسلمبعد النبي صلى اللهكل يؤخذ من قوله ويرد إال النبي )منهم، فسوف نقول:

.عليه وسلم(



زباالت القوانين الوضعية وأهواء البشر، بأحكام اللهوتشريعاته وحدوده المطهرة.

عرف فداحة ذلك التلبيس العظيم والتضليل المبين الذي يقوم به مرجئة العصر بإنزال تلك النصوص على واقع مغاير كل المغايرة لواقعها الذي قيلت فيه، ترقيعا

لجريمة العصر هذه ومجرميها.. فهل كان علي ومعاوية ومن معهم من الصحابة يوم أن

واجههم الخوارج بحججهم تلك، يدعون ألنفسهم حق التشريع مع الله؟ أو اخترعوا قوانين ودساتير كفرية تنص على أن ]السلطة التشريعية يتوالها األمير ومجلس األمة

- كما هو الحال في الدول التي تسمى(33 )وفقا للدستور[إسالمية اليوم!!؟؟

حاشاهم، وألف حاشاهم، بل وحاشى مرجئة زمانهممن هذا الكفر البواح.

وبالتالي هل شرع الصحابة قوانين وضعية وفقا لحكم الشعب ورغبته أو تبعا لهوى األغلبية واستبدلوها بحدود

الله تعالى المرفوعة المطهرة..؟؟ حاشا الصحابة.. بل وحاشى السفهاء والمجانين

والرعاع والعوام في ذلك الزمان عن مثل هذا الكفر البواح.. أنى يتصور فيهم مثل هذا، وهم الذين خضبوا

الغبراء بدمائهم الزكية من أجل رفعة شريعة دين الله وعزتها.. وإنما نقول، لو أن أحدا فعل يومئذ مثل ذلك، لما

استشهد عليه الخوارج بتلك النصوص غير الصريحة في ومن لم يحكم بما أنزل}باب التشريع كقوله تعالى:

[، ولما44]المائدة: {الله فأولئك هم الكافرون على كفر(34)تركوا نصوصا أخرى صريحة وقطعية الداللة

المشرعين وكونهم طواغيت وأربابا تعبد من دون الله،

( من الدستور الكويتي، وأختها غير51)( هذه المادة هي المادة )33 ( وبلفظ: "يتولى مجلس86الشرعية في الدستور المصري برقم )

(25الشعب سلطة التشريع" وأختها في الدستور األردني برقم ) وبلفظ: "تناط السلطة التشريعية بمجلس األمة والملك.." هذا

مما كان تحت يدي الساعة من دساتيرهم ومن أراد المزيدفليراجعها.



{إن أطعتموهم إنكم لمشركون}كقوله تعالى: أم لهم شركاء شرعوا}[، وقوله تعالى: 121]األنعام:

[،21]الشورى: {لهم من الدين ما لم يأذن به الله}وقوله تعالى: ]الكهف:{وال يrشرك في حكمه أحدا

[، ونحوها مما لم يكن ليخفى على من كان يحقر26 الصحابة قراءتهم للقرآن إلى قراءته، أو قوله تعالى:

]آل{وأال يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله} اتخذوا أحبارهم}[، وقوله تعالى: 64عمران:

[31]التوبة: {ورهبانهم أربابا من دون الله.. ونحوها.. ولكنهم لم يذكروا شيئا من ذلك، ألنه لم يكن شيئا منه ليتنزل على واقعتهم تلك.. وما كان مثل هذا

ليخفى على ابن عباس أصال لو أن واقعتهم كانت حولة - كيف وهو حبر القرآن - وراوي سبب نزول قوله تعالى:

[. 121 ]األنعام: {وإن أطعتموهم إنكم لمشركون} فقد روى الحاكم بإسناد صحيح عنه رضي الله عنه أنه قال: ]إن ناسا من المشركين كانوا يجادلون المسلمين

تأكلون مما)في مسألة الذبح وتحريم الميتة فيقولون: وإن} فقال تعالى: (قتلتم وال تأكلون مما قتل الله؟ [. فدل121 ]األنعام: {أطعتموهم إنكم لمشركون

على أن المشرع أو متبع تشريع غير الله ولو في مسألة واحدة أنه مشرك كافر بالله، بخالف الحاكم أو القاضي

وال(35)الجائر الذي لم يتخذ شرعا وال دينا غير دين الله جعل لنفسه أو لغيره حق التشريع مع الله. فيحكم بغير

ما أنزل الله بمعنى الظلم والجور والهوى ال بمعنى التشريع واالستبدال فهذا ال يعدو كونه حاكما ظالما جائرا )( النص القطعي الداللة: هو ما دل على معنى متعين فهمه منه34

وال يحتمل تأويال وال مجال لفهم معنى غيره منه. والظني الداللة: هو ما دل على معنى ولكن يحتمل أن يؤول ويصرف عن هذا

المعنى ويراد منه معنى غيره. )( ولمثل هذا المعنى أشار أبو مجلز في قوله عن شرع الله:35 في مناظرته مع الخوارج مشيرا إلى(هو دينهم الذي يدينون به)

والة زمانه الذين لم يشرعوا دينا غير دين الله وال استبدلوا وال قننوا، وإنما صدرت منهم بعض الهفوات التي أراد الخوارج تكفيرهم بها.. وراجع اآلثار في ذلك في تفسير قوله تعالى:

[ من تفسير44 ]المائدة: }ومن لم يحكم بما أنزل الله.. {الطبري وتعليقات محمود شاكر عليها..



وال يكفر ولو حكم بمثل هذه الصورة مئات المرات ما لميستحله..[.

فلو كانت قضيتهم مثل طامتنا لما كان رضي الله عنه ليتردد - ال هو وال غيره من الصحابة طرفة عين، في

تكفير من فعله، إذ أنهم يعرفون جيدا أن التشريع ولو في قضية أو مسألة واحدة فيما ال يجوز إال لله شرك بالله

أكبر وكفر فوق كفر وظلم فوق ظلم وفسق فوق فسق، بل إن مجرد صرف حق التشريع أو ادعائه ألحد من

الخلق )األمير أو الرئيس أو الملك أو الشعب أو مجلسه( شرك وكفر أكبر سواء شرع أم لم يشرع، وسواء تابع صارف ذلك تشريعهم أم لم يتابعه.. فظهر أن واقعتهم

كانت غير واقعتنا وفتنتهم كانت غير فتنتنا.. فافهم التفريق بين الواقعتين والقضيتين، وإياك والخلط

والتلبيس المفضي إلى مرضاة الطواغيت وإبليس.. حجية قول الصحابي

ثم هب يا أخا التوحيد أن ابن عباس، وهو بشر غير معصوم يصيب ويخطئ، أراد بذلك القول المنسوب إليه واقعتنا هذه - وهو محال كما عرفت إذ لم يكن لها مثيل ساعتئذ - فهل نصادم بقول ابن عباس قول الله وقول

الرسول وفي مسألة من مسائل التوحيد الذي بعثت بها الرسل كافة وهي الكفر بالطاغوت، شطر كلمة

التوحيد؟؟ ال شك أن اإلجابة على هذا يفهمها صغار الطلبة فضال

عمن ينتسب إلى العلم والدعوة والدعاة، إذ ال حجة صلى اللهبشيء في ديننا إال بقول الله وبقول الرسول

. عليه وسلم أوليس ابن عباس نفسه هو القائل ردا على من احتج

عليه في شأن متعة الحج بفعل أبي بكر وعمر، وهما هما توشك أن تنزل عليكم حجارة من)- رضي الله عنهما -:

،صلى الله عليه وسلمالسماء، أقول قالها رسول الله . (وتقولون قال أبو بكر وقال عمر

ونقول تكرارا حاشا ابن عباس أن يخلط أو يخبط أو يخالف في أصل من أصول الدين كهذا، وهو ترجمان

القرآن.. ولكن المقصود التذكير بأن قول الصحابي ليس



، فكيف إذا(36)بدين وال هو بحجة في دين الله عند النزاع صلىافترض أنه معارض لقول الله تعالى أو قول رسوله

.. الله عليه وسلم وإنما اضطرنا إلى التذكير بهذه البدهيات ما نسمعه

مرارا وتكرارا من مرجئة زماننا المجادلين عن الطواغيت، من التقديم بين يدي الله ومعارضة كالمه الواضح البين

في شرك اتخاذ الخلق أربابا بالتشريع والتحليل والتحريم،بتلك المقولة المنسوبة البن عباس )كفر دون كفر(..

)( يستثنى قول الصحابي في "سبب النزول" إذ حكمه حكم36الرفع.

ومثله كل ما ال يقال من قبل الرأي كما هو معلوم، لكن بشرطأن ال يكون الصحابي من المكثرين من الرواية عن بني إسرائيل.



بيان أن الحكم بمعنى التشريع كفرمجرد

بخالف الحكم بمعنى الجور فيالقضاء ففيه التفصيل

وأن كفر الطواغيت اليوم وعبيدهممن األول

واستئصاال لشبهات مرجئة العصر وأذناب الجهم وبشر المريسي، بقي أن ننبه األخ الموحد إلى معنى الحكم بغير

ما أنزل الله الذي حكم الله تعالى على أهله بالشرك والكفر المخرج من الملة دون أن يذكر معه االستحالل

واالعتقاد أو نحوه كقيد لذلك.. وأنه هو عينه التشريع العام والملزم الذي جعله طواغيت العصر حقا لهم وآلتباعهم

من الشعب بنيابة برلماناتهم الكفرية، وهو عمل من أعمال الكفر المحض الذي يكفر صاحبه دون أن يقال فيه استحل أو لم يستحل، واعتقد أم لم يعتقد، بخالف الجور

في القضاء والحكم مع التزام اإلسالم وشرائعه وعدم تبديل شيء منها.. فهذا فيه التفصيل المشهور المعلوم

بين معتقد مستحل أو عاص متبع للهوى أو الشهوة ونحوها.. وهذا التفصيل األخير يلبس فيه مرجئة العصر وأشياخهم على األمة وعلى الناس، بتنزيله على النوع

الكفري األول الحاصل من طواغيت العصر فيصورون لهم جريمتهم النكراء هذه على أنها معصية ال يكفر صاحبها إال

باالستحالل أو الجحود.. فال بد أن تعرف معنى التشريع الذي هو متعلق بالشرك

والتوحيد وتفهم الفرق بينه وبين الحكم المتعلق بالفروع ليزول عنك تلبيس مرجئة العصر واإلشكال الذي قد يقع

لك في كالم بعض السلف عندما يجمعون بين )الحكم بغير ما أنزل الله( وبعض الذنوب غير المكفرة التي

كفرا ويدرجون ذلكصلى الله عليه وسلمسماها الرسول كله في الكفر األصغر الذي ال يكفر صاحبه إال باالستحالل

- فإنهم يريدون بالحكم ها هنا معناه غير المخرج من الملة ال المعنى التشريعي التبديلي الحاصل من طواغيت

( وغيرها61العصر.. ومن جنس هذا قول ابن القيم ص) وإذا حكم بغير ما أنزل الله أو فعل ما)من كتاب الصالة:



كفرا وهو ملتزمصلى الله عليه وسلمسماه رسول الله اهـ. فتأمل(لإلسالم وشرائعه فقد قام به كفر وإسالم

تعرف أنهم ال(وهو ملتزم لإلسالم وشرائعه)قوله: يقصدون في مثل هذه المقاالت الحكم بغير ما أنزل الله

.(37)(بصورته التشريعية الكفرية في زماننا.. وقد أشار إلى مثل هذا التفصيل والتفريق الشيخ

سليمان بن عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كتابه )التوضيح عن توحيد الخالق في جواب أهل العراق(

( فقسم الحكم بغير ما أنزل الله إلى نوعين..141ص)نوع شركي يضاد التوحيد. ونوع في الفروع.

وبين أن النوع األول كفر حقيقي ال إيمان فيه.. فذكر التفصيل المعروف فيه على(38)وأما الثاني

قسمين: فهو أيضا كفر(39)- فإن لم يقر اللسان وينقد القلب

حقيقي ال إيمان معه. - "وأما إن اعترف بقلبه وأقر بلسانه بحكم الله ولكنه عمل بضده ظاهرا في الفروع خاصة، فليس بكفر ينقل

ليس)عن الملة" وذكر في هذا آثارا منها قول طاووس: الحكم في الفروع بغير ما أنزل الله مع اإلقرار بحكمه

وبين هذا النوع في موضع(والمحبة له ينقل عن الملة وعدم الحكم بما أنزل)( بقوله: 143آخر من كتابه ص)

)( وهذا قريب من تقسيم شيخه شيخ اإلسالم ابن تيمية لنوعي37 ( عند قوله5/131الحكم بغير ما أنزل الله في منهاج السنة )

}فال وربك ال يؤمنون حتى يحكموك فيما شجرتعالى: حيث قال: )فمن لم يلتزم تحكيم الله ورسوله فيما شجربينهم{

بينهم فقد أقسم الله بنفسه أنه ال يؤمن(.وقال أيضا: )ومن لم يلتزم حكم الله ورسوله فهو كافر(.

)وأما من كان ملتزما بحكم الله ورسوله باطنا وظاهرا لكن عصىواتبع هواه فهو بمنزلة أمثاله من العصاة( هـ.

)( وهو الذي خلط فيه الخوارج ويخلط فيه مرجئة الزمان. 38)( وهذه إشارة للجحد واالستحالل ونحوه. 39



الله في الفروع التي ليست من أصل الدين مع االعتراف بحكم الله في قلبه وقوله ومحبته واختياره وانقياده إليه

اهـ.(فيهما فتأمل تفريقهم بين الحكم المتعلق بالشرك والتوحيد

)التشريع(. والحكم في الفروع بمعنى "الجور في القضاء من غير

تشريع وال استبدال وال استحالل". وكما يخلط بينهما مرجئة العصر جهال أو تلبيسا وتدليسا

فينزلون النوع األخير على طواغيت الزمان المشرعين، فكذلك الخوارج خلطوا وأرادوا جعل األخير كاألول وإن لم

يصاحبه استحالل أو جحود.. ولذلك قال الشيخ سليمان وقد جنح الخوارج إلى العموم لظاهر)في الموضع األول:

اآلية وقالوا أنها نص في أن كل من حكم بغير ما أنزل الله فهو كافر، وكل من أذنب فقد حكم بغير ما أنزل الله

فوجب أن يكون كافرا. وقد انعقد إجماع أهل السنة والجماعة على خالفهم. ونحن لم نكفر إال من لم يحكم بما أنزل الله من التوحيد بل حكم بضده وفعل الشرك

اهـ.(ووالى أهله وظاهرهم على الموحدين أقول: وكذلك نحن فإن الذين كفرناهم بالحكم بغير ما

أنزل الله لم نكفرهم لحكمهم بالفروع بمعنى الجور بالقضاء ونحوه من غير استحالل كما هي طريقة الخوارج،

وإنما كفرناهم ألن حكمهم بغير ما أنزل الله من النوع التشريعي الشركي المناقض ألصل التوحيد، وألنهم اتبعوا

حكما ومشرعا غير الله عز وجل، وابتغوا دينا وشريعة غير دينه وشريعته.. وأيضا لتوليهم أهل الشرك وطواغيته على

اختالف ألوانهم، ومظاهرتهم على الموحدين.. فافهم هذا وال تكن ممن تنطلي عليهم تلبيسات مرجئة

العصر وتخبطاتهم، وفرق بين ما يكفر به الرسلوأتباعهم، وبين ما يكفر به الخوارج وأشياعهم.

ثم اعلم أن التشريع واالستبدال كفرم مجرد ال يقال فيه؛ هل استحل أو اعتقد أو جحد؟ فهذه التقييدات إنما

هي في النوع اآلخر الذي خلط فيه الخوارج. اتخذوا}فأهل الكتاب الذين أنزل الله تعالى فيهم: ]التوبة:{أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله



[، كفروا بالتشريع وطاعة المشرعين في ذلك31 ومتابعتهم لهم على تشريعاتهم، وال يقال كفروا العتقادهم

أنه حرم على الحقيقة أو أبيح على الحقيقة أو أنهم استحلوا التشريع )االستحالل القلبي( أو أنهم اعتقدوا أن

لهم حقا في األلوهية أو الربوبية. يقول الشيخ عبد المجيد الشاذلي في )حد اإلسالم

إن معنى أحلوه أو حرموه)(: 431وحقيقة اإليمان( ص) ليس معناه )االعتقاد( بمعنى العلم بصحة الشيء واإلخبار

عنه، بل العمل بمقتضى تحريمهم وتحليلهم من الحكم.(والتحاكم إليه..

واليهود عندما بدلوا حد الزنا واصطلحوا واجتمعوا على حكم غيره، لم يعتقدوا إباحة الزنا أو استحالله، بل كانوا

يعتقدون حرمته بتحريم الله له، وال هم زعموا أو قالوا أن الحكم الذي وضعوه هو من عند الله، وال قالوا أنه أفضل

من حكم الله أو أعدل، وال صرحوا باستحاللهم للتشريع أو أنهم يعتقدون أن لهم حق التشريع.. أو شيئا نحوه.. بل

كفروا بمجرد تواطئهم واجتماعهم واصطالحهم على حكم وتشريع غير حكم الله وتشريعه، وكانوا أربابا لمنأطاعهم وتابعهم وتواطأ معهم على ذلك التشريع.

يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى من أطاع العلماء واألمراء في تحريم)في كتاب التوحيد:

ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله فقد اتخذهم أربابا من اهـ.(دون الله

فالمتبع لتشريع المشرعين المناقض لشرع الله، مشرك اتخذ غير الله ربا، والمشرع نفسه طاغوت كافر أشرك نفسه مع الله في ألوهية الحكم والتشريع.. قال

}تعالى: [،26 ]الكهف: {وال يشرك في حكمه أحدا [ بصيغة النهي. فالتشريع إما26 ]الكهف: {حكمه أحدا وال تشرك في}وفي قراءة ابن عامر وهو من السبعة:

أن يكون إشراك أو اشتراك مع الله في الحكم وكالهماكفر مجرد..

يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية في رسالته )التسعينية(: واإليجاب والتحريم ليس إال لله ولرسوله فمن عاقب)

على فعل أو ترك، بغير أمر الله ورسوله، وشرع ذلك دينا، فقد جعل لله ندا ولرسوله نظيرا، بمنزلة المشركين

الذين جعلوا لله أندادا أو بمنزلة المرتدين الذين آمنوا



أم لهم شركاء}بمسيلمة الكذاب، وهو ممن قيل فيه: {شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله

.(40)[ اهـ21]الشورى: ويقول الشيخ الشنقيطي رحمه الله في )أضواء البيان(

ولما كان التشريع وجميع األحكام،)(: 169 ص)7جـ شرعية كانت أم كونية قدرية، من خصائص الربوبية.. كان كل من اتبع تشريعا غير تشريع الله قد اتخذ ذلك المشرع

اهـ.(ربا، وأشركه مع الله وعلى كل حال فال شك أن كل من)(: 173ويقول ص)

أطاع غير الله في تشريع مخالف لما شرعه الله، فقد. (أشرك به مع الله

ويفهم من هذه اآليات)* ويقول في موضع آخر: }كقوله: [26]الكهف: {وال يشرك في حكمه أحدا

أن متبعي أحكام المشرعين غير ما شرعه الله أنهم مشركون بالله. وهذا المفهوم جاء مبينا في آيات أخرى،

كقوله فيمن اتبع تشريع الشيطان في إباحة الميتة، وال تأكلوا مما لم يذكر اسم}بدعوى أنها ذبيحة الله:

الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم

[ فصرح أنهم مشركون121 ]األنعام: {لمشركون اهـ.(بطاعتهم..

ألم تر إلى الذين يزعمون}* وفي قوله تعالى: أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك

وبهذه)(: 4 جـ83[ يقول ص)60]النساء: {بعيدا يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضالال يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن النصوص السماوية التي ذكرنا، يظهر غاية الظهور أن الذين يتبعون القوانين الوضعية التي شرعها الشيطان

على ألسنة أوليائه مخالفة لما شرعه الله عز وجل على أنه ال يشك فيصلى الله عليه وسلملسان رسوله

كفرهم وشركهم إال من طمس الله بصيرته وأعماه عن اهـ.(نور الوحي مثلهم

، طبعة دار5( ضمن مجموعة فتاوى ابن تيمية - جـ14)( ص)40الفكر.



* ويقول عبد المجيد الشاذلي في كتابه )حد اإلسالم وال فرق في التشريع بين اإلباحة): (41 )وحقيقة اإليمان(

وغيرها، فالمشرع الوضعي ال يأمر بالشرب أو باستحالل الشرب، بل ذلك راجع إلى دين كل فرد في المجتمع وهو يفصل بين الدين والدولة وهو مشرع الدولة، والدين في نظره عالقة بين العبد وربه، وبالتالي فطاعته في ذلك ال

هذا(42)شأن لها بالفعل وال باالستحالل وإنما في أن يحترمالتحليل وأن يقر بحقه في ممارسته..

وكذلك ال شأن لالعتقاد بمعنى المعرفة باألمر، فاليهود عندما اصطلحوا على الجلد والتحميم بدال من الرجم كانوا

متأثمين بذلك يبحثون له عن مخرج فقهي، ولذلك قالوا: انطلقوا إلى هذا النبي فإنه قد بعث بالتخفيف فإن)

وإن}أفتاكم بالجلد والتحميم كان حجة لكم عند الله: [.41 ]المائدة: {لم تؤتوه فاحذروا

* ويقول عبد الله بن محمد بن أحمد القنائي في كتابه ( حول سبب نزول قوله تعالى:95)حقيقة اإليمان( ص)

ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم} فإن من المعلوم في سبب)[ 44]المائدة: {الكافرون

نزول اآلية أن اليهود إنما غيروا الحكم الذي في التوراة دون حذفه منها، ودون اعتقاد أن هناك حكما جديدا مستأنفا نزل من عند الله، وإنما هم غيروه مع إثبات

الحكم األصلي، وكان ذلك لمجرد اشتداد األمر عليهم، وعدم قدرتهم على تنفيذه لفسقهم، يقول الطبري في

تفسير قوله تعالى: ]المائدة: {وكيف يحكموك وعندهم التوراة} وعندهم التوراة التي أنزلتها على موسى، والتي)[: 43

يقرون بها، وأنها حق، وأنها كتابي الذي أنزلته على نبيي، وأن ما فيه من حكم فمن حكمي، يعلمون ذلك ال

يتناكرونه، وال يتدافعونه. ويعلمون أن حكمي فيها على الزاني المحصن الرجم، وهم مع علمهم بذلك يتولون.

يتركون الحكم به بعد العلم بحكمي فيه جراءة)يقول: ( طبعة جامعة أم القرى.383)( ص)41 )( وهذا هو الذي يقسم عليه أعضاء البرلمان الشركي والوزراء42

في يمينهم الدستورية الشركية التي يؤدونها قبل توليهم مناصبهم. (79 و43( من الدستور الكويتي، والمادة )91 و126انظر المادة )

من الدستور األردني.



والحق أن هذا القول في المسألة ال(علي وعصيانا لي يحتمل المكابرة، فليس في منطوق العبارات وال في

مفهومها أي إشارة إلى ما يزعمون أنه "الحق اإللهي" الذي بمقتضاه يغير بعض النصارى واليهود األحكام لما

يعتقدون في أحبارهم أن الوحي ال يزال ينزل عليهم ليغيروا ما عندهم بإرادة الله. هذا شيء وما ورد عن كفر

اهـ.(من غير الشرائع مع إقرارها شيء آخر * وقريب منه النوع الذي ذكره شيخ اإلسالم في

( وهو يتكلم عن أنواع521الصارم المسلول ص) وتارة يعلم أن الله حرمها ويعلم أن الرسول)االستحالل:

إنما حرم ما حرمه الله، ثم يمتنع عن التزام هذا التحريم، اهـ.(، فهذا أشد كفرا ممن قبله(43)ويعاند المحرم

)( "العناد والتـفضيل" ألفاظ يتالعب بها مرجئة العصر ليروجوا43 إسالم الطواغيت المشرعين حين يصرحون في الوقت الذي يحاربون فيه الدين ويهدمونه بكل ما أوتوا من وسائل وسبل،

ال شك أن حكم الله هو األفضل، ونحن نتمنى أن نقدر)فيقولون: ونحوه من تلبيساتهم(على تحكيم ه!! وأنتم أدعوا لنا وأعينوننا

التي يوحيها إليهم شياطين الجن واإلنس من مستشاريهم المطلعين على غباوة وسفاهة مرجئة الزمان المتصدرين للدعوة والدعاة - إذ أكثر أولئك المستشارين لو راجعت تاريخهم لوجدت لهم جذورا مع جماعات اإلرجاء هذه، وما أوصلهم أصال لمناصبهم هذه إال مذهب اإلرجاء واستحسانات واستصالحات جماعاته.. وأنا

أسأل عن صورة الواقع الذي نعايشه وحسب، بالله ربكم هل هناك أكبر عنادا أو حربا للدين ولشرع الله وتفضيال لحكم

الطاغوت عليه ممن يعلم ويعرف، ويصرح بأنه يعلم ويعرف أن حكم الله والشريعة أفضل من حكم الطاغوت، ثم ومع علمه هذا

او تصريحه به ال يختار إال حكم الطاغوت وشرعه، وليس هو اختيارا شخصيا محضا بل ويلزم الناس اتباعه والدخول فيه

ويعاقب من تركه أو تعدى حدوده، مع تعديه لحدود الله ليل نهار وترخيصه ودعوته بل وأمره الناس بتعديها بأبواب ووسائل شتى..

فإن لم يكن مثل هذا عنادا فليس في الدنيا كلها إذن عناد، ولذا سترى من قول الشيخ محمد بن عبد الوهاب بعد هذا أنه حكم



* وكذا قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كشف ال خالف أن التوحيد ال بد أن يكون)(: 28الشبهات ص)

بالقلب واللسان والعمل، فإن اختل شيء من هذا لم يكن الرجل مسلما، فإن عرف التوحيد ولم يعمل به، فهو كافر معاند كفرعون وإبليس وأمثالهما. وهذا يغلط فيه كثير من

الناس يقولون هذا حق، ونحن نفهم هذا، ونشهد أنه الحق، ولكن ال نقدر أن نفعله، وال يجوز - أي ال يقبل وال

يمشي - عند أهل بلدنا إال من وافقهم وغير ذلك من األعذار، ولم يدر المسكين أن غالب أئمة الكفر يعرفون الحق ولم يتركوه إال لشيء من األعذار. كما قال تعالى:

{ [ وغير9]التوبة: {اشتروا بآيات الله ثمنا قليال اهـ.(ذلك من اآليات

ومثل هذا أو أشد؛ ما يزعمه بعض طغاة هذا الزمان من أنهم يقرون بشرع الله وبدينه وبأنه األفضل واألكمل

واألحسن والواجب تحكيمه وغير ذلك، ثم يجعلون ألنفسهم حق التشريع كما تقدم من دساتيرهم ويبدلون حدود الله وأحكامه بقوانينهم وتشريعاتهم النتنة.. فهم

يزعمون أنهم يؤمنون بالله وبالرسول وبما أنزل إليه وما أنزل من قبله ثم ينصبون أنفسهم أربابا مشرعين

وطواغيب يعبدون الناس لهم ويلزمونهم اتباع تشريعاتهم المناقضة لشرع الله وطاعتها ويمنعون تحكيم شرع الله ففعلهم هذا بحد ذاته فعل وعمل كفري. مخرج من ملة

اإلسالم، وال نبحث فيه عن االعتقاد واالستحالل.. ( في قوله3/245يقول اإلمام ابن حزم في )الفصل( )

الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما إنما النسيء زيادة في الكفر يrضل به}تعالى: ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله

ين لهم سوء أعمالهم والله ال يهدي القوم rز بالعناد على من ترك التوحيد بعد أن عرفه وجعله كفرعون

وإبليس، فكيف بمن حاربه وسعى لهدمه مع تصريحاته بمعرفته.. فتارك أصل التوحيد، إما كافر معرض، أو عالم معاند، والمعاند

ليس بمحارب في كل األحوال، بل هناك معاند )محارب( وهناك معاند )متول ملتزم للضد(، وال شك أن القوم من المعاندين

المحاربين ورب الكعبة، وال يخفى هذا إال على العميان.. وكذلك التفضيل يكون باللسان، ويكون أبلغ بالفعل، وهل التفضيل إال

اختيار المفضل واتباعه واألخذ به؟؟



وبحكم اللغة التي نزل بها)[: 37]التوبة: {الكافرين القرآن أن الزيادة في الشيء ال تكون إال منه ال من غيره.

فصح أن النسيء كفر، وهو عمل من األعمال وهوتحليل ما حرم الله تعالى.

فمن أحل ما حرم الله تعالى وهو عالم بأن الله تعالى اهـ فتأمل قوله:(حرمه فهو كافر بذلك الفعل نفسه..

أحل ما حرم الله وهو) وقوله: (وهو عمل من األعمال) أنى تتسرب إليه شبهة االعتقاد..(عالم بأن الله حرمه

وفي هذا فائدة في أن االستحالل كما أنه يكون باالعتقاد دون العمل تارة وباالعتقاد مع العمل تارة أخرى ..(44)فإنه يكون أيضا كذلك عمال مجردا فاالعتقاد إذن في شأن االستحالل أو التحليل ليس قيدا

في الكفر وإنما هو زيادة فيه.. وال شك أن شرب الخمر أو الوقوع في الزنا أو أكل الربا، كل هذا ال يستوي مع

التشريع لذلك بسن القوانين والمراسيم واألنظمة المبدلة لحدود الله أو المهونة المسهلة للخمر والزنا أو المرخصة

المبيحة للردة والربا مع حراسة ذلك وحمايته واالجتماع والتواطؤ عليه واصطالحه كنظام للحكم.. فاألول هو الذي

يقال فيه عند الكالم في التكفير استحل أو لم يستحلألنها ذنوب غير مكفرة..

أما الثاني فهو كفر تشريع وتحليل وتحريم وال يلتفت فيه إلى االعتقاد ولو أقسم فاعله ألف ألف مرة على أنه

)( ومن هذا الباب تفريق أهل العلم بين الزاني بمحرم من44 محارمه والعياذ بالله، وبين من تزوج من محارمه فعقد عليها عقد

( وزاد المعاد وغيره،3/441نكاح، راجع تهذيب اآلثار للطبري ) حيث ذكروا في هذا ما رواه اإلمام أحمد وأبو داود والترمذي

، بعث خاله أووالنسائي وغيرهم وهو صحيح عن البراء أن النبي عمه إلى رجل تزوج امرأة أبيه فقتله. وفي رواية عن معاوية بن

قرة عن أبيه )أنه خمس ماله(.. فدل على أنه قتله كافرا والروايات جميعا تذكر أنهم أخرجوه وضربوا عنقه ولم يسألوه، هل تزوجها معتقدا حل ذلك أم غير معتقد.. فصح أن االستحالل

يكون عمال.



]التوبة: {ال تعتذروا قد كفرتم}غير مستحل قلنا له: [، وقد كذبكم الله وسمى إيمانكم الذي تدعون زعما..66

إذ فرق كبير كبير بين من يرابي متأثما يبتغي لذة عاجلة وبين من يرخص الربا للناس ويشرع له ويحمي مؤسساته ويتواطأ ويصطلح عليه.. وفرق كبير أيضا بين من يشرب

الخمر مذنبا وبين من يرخص للناس شربها ويرخص لمحالت الخمر بيعها ويحميها ويبدل حد الله في الخمر

بتشريعاته الساقطة. وفرق كبير أيضا بين من يقع في الزنا متأثما استجابة

لغواية، وبين من يبدل حد الزنا ويرخص للبغاء بتشريعات تجعل الزنا جريمة فقط في حق الزوج وبيده، فإن رضي

.(45 )الزوج فال جريمة وال عقوبة بل هو مباح عندهم.. فالتشريع وتحريم الحالل أو تحليل الحرام كما فهمت،

عمل كفري مجرد وليس كسائر الذنوب التي يشترط فيها اعتقاد االستحالل.. وقد ينضاف إليه االعتقاد فيكون كفرا مركبا وزيادة في الكفر.. وليس هو قيدا أو شرطا للكفر

ها هنا، فإن المشركين الذين أحلوا األشهر الحرم بتبديلها بأوقات أخرى، كانوا يعرفون ويعتقدون في قرارة أنفسهم أن األشهر المحرمة من عند الله هي تلك األولى بعينها ال

التي استحدثوها وشرعوها واستبدلوها هم، وهكذا كان معتقد اليهود يوم أن )بدلوا( حد الزنا أو )اجتمعوا( أو

على حكم آخر من عند(46 ))اصطلحوا( أو )تواطؤوا( أنفسهم، ولم يستحلوا الزنا وال صرحوا باستحاللهم القلبي

)( راجع لتتعرف إلى أمثلة من ذلك في قوانينهم العفنة، كتابنا45)كشف النقاب عن شريعة الغاب(.

)( هذه هي األلفاظ التي علق مناط الكفر بها في األحاديث46 الواردة في أمر اليهود وكفرهم لتبديل حكم الله.. وهي مناط

الحكم بالكفر، وليس في تلك األحاديث ذكر لالعتقاد أو الجحود أواالستحالل فراجعها واحفظها لتلجم بها أفواه مرجئة العصر. ومثل هذا ما أشار إليه الشيخ عبد المجيد الشاذلي في )حد

( في األلفاظ التي وصف فيها428اإلسالم وحقيقة اإليمان( ص) من اتخذ األحبار والرهبان أربابا وأشركهم مع الله في التحليل

والتحريم، في طرق حديث عدي، فذكر: "فاتبعوهم" "فأطاعوهم" "تأخذون بقولهم" "فحرموه وأحلوه" ونحوه ولم يرد في شيء



للتشريع والتبديل.. فالكفر أو مناطه ها هنا هو عمل التبديل أو التشريع أو االتفاق أو االجتماع أو االصطالح أو

التواطؤ على حكم غير شرع الله تعالى.. فسواء قالوا نحن نقر في قلوبنا أو نجحد أن األشهر التي حرمها الله

هي الحق أو أن حد الزنا الذي أنزله الله هو الحق، أم لم يقولوا.. فاالعتقاد ال قيمة لذكره ها هنا إال على سبيل

الزيادة في الكفر.. ألن فعلهم ذلك بحد ذاته كفر وإشراك مع الله في حكمه، ومن أشرك نفسه مع الله بالتشريع

فقد نازع الله في خصوصية من خصوصياته وأمسى

منها "فاعتقدوا أنه حالل" وإنما المراد التزام تحريمهم وتحليلهمواالصطالح والتواطؤ عليه واتخاذه قانونا وحكما..

إذ االصطالح والتواطؤ واالجتماع على شريعة غير شريعة الله والتزام ذلك ولو في حد أو حكم هو شيء غير الطاعة المجردة

للمشرع أو لغيره في معصية الله ولو تعددت، والتي يذكر فيها قيد االستحالل أو االعتقاد فهما عمالن مختلفان يخلط فيهما مرجئة

العصر. ولعلهم يستشهدون ببعض كالم شيخ اإلسالم الذي يشترط فيه ذلك الشرط في كفر متبعي المشرعين في المعاصي فقط.. وهذا حق ال شك فيه ولكنه أمر غير االصطالح والتواطؤ على حكم

أو حد أو شرع من غير شريعة الله الذي فعله اليهود وكفروا به دونما ذكر لالعتقاد، وهو ما يمارسه الطواغيت وعبيدهم اليوم، أما

من اعتقد تحريم ما حرمه المشرعون فهذا مشرك كافر سواء التزمه أو لم يلتزمه، وهذا ال دخل له في موضوعنا هذا، ويجدر

( كان في شأن األتباع ال7/70التنبيه إلى أن تفصيله ذاك ) المتبوعين، وقد فصلنا القول فيه في رسالتنا الثالثينية في التحذير من أخطاء التكفير، وذلك ألن الطائع للمشرع ليس بالزم أن يكون متبعا لتشريعه متواطئا عليه ملتزما له في كل حال.. بل قد يطيعه بعض العصاة في معصية الله فقط، فال يكون فعلهم ذلك كفرا إال

مع االستحالل، فلزم التفصيل في شأن االتباع لوجود مثل هذه الحاالت ولورود االحتمال.. أما المشرعون الذين جعلوا من

أنفسهم أندادا لله فمنحوا أنفسهم، بل وغيرهم من النواب خاصية هي من خصائص األلوية )التشريع( فمن السفه كما تقدم أن ينزل

في مثل هؤالء ذلك التفصيل فيقال هل استحلوا أو اعتقدوا؟؟



طاغوتا مشرعا مع الله، وأتباعه وأنصاره وأشياعه علىذلك هم له عابدون..

واعلم أن هؤالء الطواغيت قد جمعوا بين الطامتين، فهم مشرعون. وفي نفس الوقت اتباع للمشرعين الدوليين يتواطؤون ويصطلحون على تشريعاتهم ويجتمعون معهم عليها... فقد جمعوا

كفرا فوق كفر وظلمات بعضها فوق بعض...



شبهة أو فرية أن عمر )لم يحكم بما أنزل الله(

بتعطيله لحد السرقة عن بعض المضطرين

في عام الرمادة هذا وقد رأيت لبعض من ختم الله على سمعه وبصره

وجعله أضل من األنعام بإعراضه وانشغاله عن تعلم أصل دينه وتوحيده بالحياة الدنيا وزخرفها، فرية وكالما أتنزه عن اإلطالة فيه، مفاده أن "الفاروق رضي الله عنه لم يحكم بما أنزل الله يوم عطل العمل بحد السرقة في

عام الرمادة". فأقول كما قال بعض أهل العلم: إن وقوف المؤمن

العارف بدين الله على هذه الضالالت والجهاالت المركبة، فيه تنبيه له على نعمة الله عليه، وحث على شكر نعمة

[،269 ]البقرة: {يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ومن}التوحيد واإلسالم والفهم في دين الله، قال تعالى: قال بعض السلف: من أعطي القرآن ورأى أن أحدا فوقه

فما عرف نعمة الله عليه. ثم أقول بإيجاز: قد فصلنا لك فيما تقدم أن الحكم بغير

ما انزل الله يطلق على معنيين: أحدهما تشريعي استبدالي كفري، واآلخر من الجور في الحكم والقضاء

للهوى أو الشهوة دونما استحالل. وبيان أن فعل عمر الفاروق ال يمت إلى كال النوعين

بصلة، والخوض في ذلك وتفصيله هو في الحقيقة مضيعة للوقت، بل هو استخفاف بالقارئ واستصغار لعقله

بمخاطبته بما هو من قبيل تبيين البين وتوضيح الواضحفهذا ال يكون إال مع السفهاء..

أما فعله رضي الله عنه في عام الرمادة فهو اجتهاد محض مصيب فيه يؤجر عليه أجرين إن شاء الله.. وهو

قطعا وبال شك من الحكم بما أنزل الله وليس بخارج عنه بحال، إذ هو إعمال لمقاصد الشريعة التي بعث الرسول

بها وأنزل الكتاب ووضعت حدودصلى الله عليه وسلم



الشريعة من أجل تحقيقها وهي حفظ مصالح الناس األساسية الشرعية وتحصيل أعظمها ودرء المفاسد عنها..

وهذه المصالح الشرعية مضبوطة معلومة باستقراء نصوص الشريعة وليست هي تبع لألهواء واالستحسانات

كما يتوهمه كثير من الرويبضة السفهاء.. فمنها ما هو ضروري ومنها ما هو حاجي وآخر تحسيني

تكميلي.. اما الضروريات فهي ست: "الدين والنفس والعقل والنسب والعرض والمال" وهي أهم المصالح

على اإلطالق، وأعالها وأجلها هو الدين )التوحيد( فإذا ما تعارضت هذه الضروريات أو أحدها مع مصلحة حاجية أو

تكميلية قدمت الضرورية بال خالف.. أما إذا تعارضت مصلحتان ضروريتان فإن التقديم يكون لألهم واألعظم منهما، من باب تحصيل أعظم المصلحتين المتعارضتين بتفويت أدناهما.. أو درء أعظم المفسدتين

باحتمال أدناهما.. وهذا باب عظيم من أبواب الفقه، وهو من أعظم

مقاصد شريعة الله وحكمها وقواعدها، ومن وفق إلى فهمه ومعرفته فقد هدي إلى معرفة كثير من أسرار

الشريعة وحكمها.. وفهم هذا الباب وتطبيقه في الواقع، هو دون شك من

أصول الشريعة ومن الحكم بما أنزل الله.. ولم يكن اجتهاد عمر رضوان الله تعالى عليه في عام الرمادة إال

من هذا.. فقد قدم مصلحة النفوس وحفظها على مصلحة المال وحفظها عندما تعارضتا، فقد كان الناس في

مخمصة عظيمة والضرورات تبيح المحظورات.. فكان أكل المال المسروق كأكل الميتة في تلك الظروف..

يباح، بل يجب على قول طائفة من أهل العلم إذا تحقق الهالك، وتاركه في مثل ذلك عاص لله قاتل لنفسه كما

وال تقتلوا}يقول ابن حزم، واحتج بقوله تعالى: وهو عموم لكل ما)[، قال: 29]النساء: {أنفـسكم

.(47) اهـ(اقتضاه لفظه فدفع رضي الله عنه قدر ما استطاع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما.. وحافظ على أعظم المصلحتين )أرواح

)( المحلى في )حد السرقة(.47



الناس ونفوسهم( بتفويت أدناهما )أموالهم( لتعارضهما في تلك الظروف الخاصة.. وهذا من فقهه رضي الله عنه في دين الله وهو تحكيم لمقاصد الشريعة ومحافظة على مصالحها وضرورياتها التي ما وضعت الحدود كلها أصال إال لحفظها وتحصيلها ودرء المفاسد عنها. ولذا قال ابن القيم

.(48)(وهذا مقتضى قواعد الشرع)فيه: فهو إذن حكم بما أنزل الله.. وليس كما يلبس أعداء الله.. وهذا واضح بين.. وشتان شتان بينه وبين الحكم

بغير ما أنزل الله بأقل أنواعه شرا.. فكيف بأطمها..؟؟ حتى تشيبوالله ما استويا ولن يتالقيا

مفارق الغربان وال ينسب الفاروق إلى غير هذا أو يتهمه بالحكم بغير ما

أنزل الله إال كافر زنديق.. أو رافضي خبيث غاظه عدلالفاروق ودينه.

( في )تغير الفتوى بتغير الزمان3/11)( أعالم الموقعين )48 والمكان( فصل )سقوط حد السرقة أيام المجاعة( وذكر فيه أثر

أن غلمان حاطب سرقوا ناقة رجل من مزينة وأقروا على)عمر: أنفسهم، فقال: يا كثير بن الصلت اذهب فاقطع أيديهم، فلما ولى بهم، ردهم عمر ثم قال: أما والله لوال أني أعلم أنكم تستعملونهم

وتجيعونهم حتى إن أحدهم لو أكل ما حرم عليه حل له، لقطعت أيديهم. وأيم الله إذ لم أفعل ألغرمنك غرامة توجعك، ثم قال: يا مزني بكم أريدت منك ناقتك؟ قال: بأربعمائة. قال عمر: اذهب

وذكر مذهب أحمد رحمه الله في سقوط الحد(فأعطه ثمانمائة عام المجاعة، وتضعيف الغرم على من درىء عنه الحد والقود

لسبب شرعي.



شبهة صلى الله عليه وسلمأن النبي

وبعض أصحابه قد حرموا أشياء علىأنفسهم

ــرى من ــبهة أخ ــع إلى ش ــذا الموض ــادر ه ــل أن نغ وقب شـبهاتهم.. ننبهــك أخـا التوحيـد إلى معنــيين للتحــريم غـير المعنى التشــريعي الــذي يقابــل التحليــل؛ أحــدهما عــرفي

واآلخر لغوي. قد يتالعب بهما مرجئة العصر ويحاولون خلطهما عليــك

. (49)بالتشريع والتبديل الذي يمارسه ويدين به طواغيتهم فالعرفي: هو لفظــة )التحــريم( الــتي يســتعملها النــاس ويريدون بها اليمين، فال يقــال فيمن ظــاهر امرأتــه وقــال:

ــدل حكم(أنت علي حرام كظهر أمي) مثال أنه مشرع أو ب الله.. بل ذلك عنــد الفقهــاء يمين يحلفــه الرجــل ويقطعــه على نفسه بهجران زوجته وعدم مسها، لغضب أو عقوبــة أو نحوه، وقد ذمه الله تعالى وجعل فيه أغلــظ الكفــارات، تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبلــدل أن يتماسا، فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا.. فــا )اليمين(، إذ التشــريع هذا على أن المراد بالتحريم ها هن

. (50)ال كفارة يمين له يا أولي العقول

)( وهذا تعبير صحيح ال نفتريه عليهم وال نظلمهم أو نبهتهم به،49 فنحن نخاطب هنا بصفة خاصة أولئك المجادلين عن الطغاة،

الذين يصرحون دوما بعدم البراءة منهم، بل هم لهم أنصار وجند محضرون متطوعون يذبون عنهم ويدافعون في كل واد وناد، بل

ويرمون من كفرهم بمذهب الخوارج!! ومن هذا تعرف أن مساواتهم بالمرجئة األوائل ظلم ألولئك، ومعاذ الله أن نساويهم

بهم، وإنما تشبيههم في التسمية، من باب ما ورثوه عنهم منشبهات.. ولذا ميزناهم بنسبتهم إلى عصرنا.

)( وليس له إال كفارة واحدة فقط، وهي كفارة الردة أعني50"التوبة والعودة إلى اإلسالم" وإال فالسيف..



ثم هنــاك فــرق يتمــيز فيــه هــذا النــوع من التحــريم عن التحريم التشريعي الذي يقابــل بالتحليــل واإلباحــة ويفعلــه المشركون مع الله، وهو ما ذكره الشاطبي في االعتصــامم باليمين "ال يلزم بهذا التحريم إال نفسه وال من أن المحر يعدى هذا التحريم إلى غيره" كما هو الشــأن في التحــريم الكفـــري الـــذي يجتمـــع عليـــه المشـــركون ويتواطـــؤونــلطانهم. ثم ــو تحت س ــه من ه ــون ب ــطلحون ويلزم ويصــالمنع فقــط وليس لهــا عالقــة ــة تتعلــق ب اليمين التحريميــل بالتحليل وال باإلباحة خالفا للتشريع الذي يتطــرق للتحلي

واإلباحة كما يتطرق للتحريم.. وهذا أمر بين واضح.. صلىفمن هذا النوع - أعني التحريم باليمين قول النبي

المــروي في صــحيح البخــاري أنــه قــالاللــه عليــه وســلم كنت أشرب عسال عند زينب فلن أعــود لــه)لبعض نسائه:

(فلن أعــود له): صلى الله عليه وسلم فقوله (وقد حلفت هو معنى ما تعارف عليه الناس من )التحــريم( في معــنى

حــرام) أو قــولهم: (هــذا علي حــرام)اليمين في قــولهم: فليس مثــل هــذا وال في(علي كذا وكذا إن لم أفعــل كــذا

تشــريع(ولن أعــود له): صلى الله عليه وســلمقول النبي وال تبديل وال تقنين وال تواطــؤ أو إصــطالح أو اجتمــاع كمــا يورد أعداء اللــه في إلزامــاتهم.. إذ في هــذه القولــة نــزل

يا أيهــا النــبي لم تحــرم مــا أحــل}قول الله تعالى: قد فرض اللــه}[، إلى قوله: 1]التحريم: { الله لك..

[، وإذا كان تحليل مثــل2 ]التحريم: {لكم تحلة أيمانكم هذا هو الكفارة، علم أن تحريمه كــان يمينــا ال تشــريعا وال

تبديال.. فال نلتفت بعـــد هـــذا إلى تلبيســـات مرجئـــة العصـــرــدما تجــادلهم في كفــر ــة الفاســدة عن وإلزامــاتهم الكفريــات ــذه اآلي ــال ه ــون بأمث ــرعين، فيحتج ــواغيتهم المش ط

كبرت}.. (الرســول حــرم فهــل هــو كــافر؟؟)ويقولون: {كلمــة تخــرج من أفــواههم إن يقولــون إال كــذبا

[ فقد علمت مما تقــدم أن هــذا ليس تشــريعا،5]الكهف: وما كان للنبي صلوات الله وسالمه عليه أن يشــرع إذ هــو ليس بمشرع وال يحــل لــه ذلــك.. إن هــو إال وحي يــوحى..

وما هو إال نذير ومبلغ عن المشرع الواحد األحد.. ــاه والمعنى اآلخر: هو )التحريم( الذي يأتي ويراد به معن اللغوي المحض، ال االصطالحي الشرعي التشريعي.. وهــو

االمتناع المجرد ومنه قول امرىء القيس:



امرؤجالت لتصرعني فقلت لها اقصري إني صرعي عليك حرام

أي "ممتنع". وقول اآلخر: ترفئاحرام على عيني أن تطعما الكرى وأن

حتى أالقيك يا هند أي: "ممنـــوع على عينـــاي".. هـــذا إن لم يـــرد اليمين،

فيلتحق بالمعنى العرفي األول. ــالى: ــال تع ــل ق ــا عليــه المراضــع من}وق وحرمن

[، فليس المــراد في هــذا، التحــريم12 ]القصــص: {قبل أي منعنــاه)التشريعي وإنما المنع فقــط. قــال القرطــبي:

(وهــذا تحــريم منــع ال تحــريم شــرع) وقال: (من االرتضاعاهـ.

ــه تعــالى: فإنها محرمــة عليهم أربعين}ومثله قولــة: أي)[، قال القرطبي: 26 ]المائدة: {سنة معنى محرم

وقال في هــذا الموضــع أيضــا:(أنهم ممنوعون من دخولها اهـ.(فهو تحريم منع ال تحريم شرع)

فتنبه إلى هذا المعنى واعلم أنه غير المعــنى التشــريعي الــذي جعلــه الطغــاة اليــوم من خصائصــهم وحقــوقهم وســلطاتهم هم وأتبــاعهم وبرلمانــاتهم، ويتواطــؤون عليــهــائهم من ويصــطلحون، ويتفقــون.. فــإن جــاءك بعض أولي

ــه تعــالى: يا أيهــا}مرجئة العصــر المجــادلين عنهم بقول {الذين آمنوا ال تحرموا طيبات مــا أحــل اللــه لكم

[.. اآلية. وقالوا: هؤالء قد شــرعوا، ومـع هــذا87]المائدة: خاطبهم الله بنداء اإليمان..!

فقل لهم: المراد بهذا يا أعداء أنفسكم التحــريم بمعنــاه اللغــوي المحض، ال التشــريعي الــذي يمارســه طــواغيتكم

والذي هو صنو التحليل وأخوه.. ــه ــا الل فالمراد منع النفس عن بعض الطيبات التي أحله لعباده، نذرا أو تقشــفا وترهبــا.. بــدليل أنهــا نــزلت بســبب

أرادواصــلى اللــه عليــه وســلمجماعة من أصحاب النــبي االمتناع من تناول بعض الطيبات زهدا في الدنيا وتقشفا.. فال هم شرعوا وال بدلوا وال قننــوا. أو تحمــل على المعــنى الســابق، أعــني )اليمين( كمــا ذكــر المفســرون في هــذه



اآلية، وهو مروي عن ابن عباس، أن الذين أرادوا االمتنــاع عن بعض الطيبات، كانوا قد حلفوا على ذلــك فلمــا نــزلت هذه اآلية.. قالوا: ما نصنع بأيماننا؟ فأنزل الله قوله تعالى

ــرة: ــك مباش ــد ذل ــاللغو في}بع ــه ب ال يؤاخــذكم الل [ اآليــة، وبهــا اســتدل الشــافعي89]المائدة: {أيمانكم..

رحمه الله على قوله بأن الحلــف أو اليمين ال يتعلــق بهمــا تحريم الحالل وأن تحريم الحالل لغــو، فال كفــارة على من قال مثل ذلك عنده وعند مالك رحمهما الله تعالى، وسواءــا ليس من ــنى أو ذاك.. فكالهم ــذا المع ــواب ه ــان الص ك

التشريع في شيء كما عرفت.. وقد تكون من باب النذر، كالذي حرم على نفسه

الجلوس والكالم مؤقتا بأن نذر الصوم قائما في الشمس ، وأمره بإتمامصلى الله عليه وسلمساكتا، فنهاه النبي

كل}صومه.. ومنه قوله تعالى عن نبي الله يعقوب: الطعام كان حال لبني إسرائيل إال ما حرم

{إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة [ فقد جاء في تفسيرها أنه مرض فنذر93]آل عمران:

على نفسه نذرا إن شفاه الله أن يمتنع عن أكل أطيب الطعام عنده فحرم على نفسه لحوم اإلبل، وذلك قبل أن تنزل التوراة. فلم يكن منهيا عن مثل ذلك، وقد كانوا إذا

حرموا على أنفسهم شيئا بالنذر أو باليمين لم يجز لهم أن يفعلوه ثم نسخ الله ذلك فنزلت كفارة اليمين. فهو أيضا من جنس اليمين أو النذر وليس من التشريع في شيء،

ولذلك نقل الشاطبي في االعتصام عن القاضي إسماعيل وهذه األشياء وما أشبهها من الشرائع يكون فيها)قوله:

يا أيها}الناسخ والمنسوخ، فكان الناسخ قوله تعالى: {الذين آمنوا ال تحرموا طيبات ما أحل الله لكم

[، فلما وقع النهي لم يجز لإلنسان أن يقول:87]المائدة: الطعام علي حرام وما أشبه ذلك، فإن قال إنسان شيئا من ذلك كان قوله باطال، وإن حلف على ذلك بالله كان له

اهـ. فال يلبس(أن يأتي الذي هو خير ويكفر عن يمينه هذا نبي الله قد شرع من)عليك مرجئة العصر فيقولون:

تلقاء نفسه ودونما أمر من الله، فهل هو كافر؟؟ ، فما هذا بتحريم تشريع، ولو كان كذلك لما كان الناسخ له هذه اآلية التي هي في شأن اليمين أو النذر أو االمتناع المجرد زهدا وتقشفا.. ثم أنت قد علمت مما تقدم أن إفراد الله

في التشريع وعدم إشراك أحد معه في ذلك، هو من أصول التوحيد التي اتفقت عليها كافة الشرائع، وقد كان

اإلخالل بهذا األصل من جملة المكفرات التي كفر بها اليهود والنصارى كما عرفت.. وأصل كهذا ال يدخل بحال



في أبواب المنسوخ كما هو معلوم في األصول.. فصح أنمثل هذا لم يكن تشريعا من نبي الله يعقوب بيقين.. ومثل ذلك ما رواه البخاري ومسلم في النفر الذين

عن عبادته..صلى الله عليه وسلمسألوا أزواج النبي وأنا) وقال آخر: (أصوم الدهر وال أفطر)فقام بعضهم: .. إلى آخر ما قالوه.. ورغم(أعتزل النساء وال أتزوج أبدا

قد أنكر عليهم ذلك،صلى الله عليه وسلمأن النبي .. إال أن هذا كله(من رغب عن سنتي فليس مني)وقال:

ال عالقة له بالتشريع أو التبديل كما علمت.. فال هم شرعوا وال زعم أحد منهم أن له السلطة التشريعية كما

هو حال طغاة العصر.. فال تغتر بشبه ساقطة كهذه.. فإنهذا كله في واد وواقع طواغيت الزمان في واد آخر..

شتان بين مشرقسارت مشرقة وسرت مغرباومغرب

فإن األمر اليوم كما يقول الشيخ عبد المجيد الشاذلي ( عن376في كتابه )حد اإلسالم وحقيقة اإليمان( ص)

واقعنا، بعد أن سرد نصوصا من القوانين الوضعية،وحقائق حول الدساتير ونصوصها.

واآلن.. هذا الواقع قد تجاوز حد التشريع المطلق)قال: إلى اإلقرار الصريح بحق التشريع لغير الله.

بحيث أن نصوص الشريعة ال تكتسب صفة القانون - عندهم - لو أرادوا العمل بها إال بصدورها عمن يملك حق التشريع - عندهم - تعبيرا عن إرادته، وهذا فقط هو الذي

يعطيها صفة القانون فشأنها في ذلك كشأن غيرها من العرف أو القانون الفرنسي أو آراء فقهاء القانون أو ما

استقرت عليه المحاكم. أما صدورها عن الله سبحانه وتعالى فال يعطيها صفة

القانون ألنه - عندهم - ليس مصدر السلطات وليس من اهـ.(حقه التشريع وهذا الواقع قد تجاوز مرتبة)(: 367ويقول ص)

المعصية أو البدعة بل قد تجاوز التشريع المطلق إلى ما وراء ذلك، كيف تختلط قضية المعاصي بقضية التشريع

. (مع ما بينهما من البون الشاسع؟



وإذا كانت البدعة متميزة عن المعصية بفوارق واضحة) جدا، وما ذلك إال لوضعها على مضاهاة التشريع. أفال

اهـ.(يتضح الفرق بين المعصية والتشريع المطلق؟ ويمكننا أن نقول في خالصة هذا الموضع أن لفظة

التحريم، لفظة مشتركة مثل بقية األلفاظ التي تحمل أكثر من معنى، فبعض معانيها لغوي أو عرفي وبعضها

شرعي.. كلفظة اإليمان فإنها في اللغة التصديق ولكن الله تعالى نقلها إلى مسمى ومعنى شرعي غير المعنى

اللغوي فزادها قول اللسان وعمل القلب والجوارح، وكذلك الكفر فكما أن للكفر معناه اللغوي وأصله تغطية الشيء، فيدخل فيه كفران العشير وكفران النعمة وغير

ذلك من األعمال التي يطلق عليها الله تعالى لفظة الكفر، وال يراد بها الكفر الناقل عن الملة ومنها - كما

عرفت - ما هو ناقل عن الملة. وكذلك الشأن في لفظة التحريم هذه.. فإنها تطلق

على معان - وإن كانت مذمومة قد نهى الله تعالى عنها - ولكنها ال تصل إلى الشرك والكفر، كاالمتناع عن بعض الطيبات التي أحلها الله تعالى سواء باأليمان أو زهدا

وكذلك تطلق على التشريع الذي إن(51)وتقشفا ورهبانية صرف إلى غير الله سبحانه كان شركا وكفرا أكبر مخرجا

عن ملة اإلسالم. فالله عز وجل يسمي ما يشاء بما شاء، ونحن ليس لنا

من األمر شيء إال أن نقول سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير.. يقول ابن حزم رحمه الله تعالى في

إننا ال نسمي في الشريعة اسما إال)(: 3/229الفصل ) بأن يأمرنا الله تعالى أن نسميه، أو يبيح لنا الله بالنص أن نسميه، ألننا ال ندري مراد الله عز وجل منا إال بوحي وارد

)( ولعل إطالق لفظة التحريم في حق هؤالء يكون من باب51 التنفير عن هذا الفعل المذموم وتعظيمه، والتنفير عن مشابهة

سبيل المشركين وشركائهم المشرعين، مثلما يطلق الله تعالى في شأن كثيرصلى الله عليه وسلملفظة الكفر على لسان نبيه

من الذنوب التي ال تخرج من الملة تنفيرا منها وتعظيما لجرمها، حتى كان بعض السلف ال يخوضون في تأويلها عن ظاهرها لتكون

أبلغ في الردع والزجر فإن معصية سماها الله كفرا ليستكغيرها.



من عنده، ومع هذا فإن الله عز وجل يقول منكرا لمن إن هي}سمى في الشريعة شيئا بغير إذنه عز وجل:

إال أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إال الظن وما تهوى

األنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى أم[. 24-23]النجم: {لإلنسان ما تمنى

فصح أنه ال تسمية مباحة لملك وال لنبي دون الله تعالى، ومن خالف هذا فقد افترى على الله عز وجل

اهـ.(الكذب، وخالف القرآن..



شبهة بل )كذبة( أن الحجاج كان مشرعا

ولم يكفره السلف ومصيبة القوم أنهم أعرضوا عن التعرف على واقعهم

الذي يعيشون فيه وأعرضوا عن دراسته - بل يعدون ذلك من مضيعة الوقت - فعموا وصموا وضلوا وأضلوا بتنزيلهم

أحكاما في غير مناطها ومقاالت ال تمت إلى الواقع والمقام بصلة.. حتى لترانا نضطر إلى الخوض في مثل

هذه المسلمات واإلطالة فيما ال يستحق اإلطالة وما ذلك إال لما نجده ونسمعه من سفاهة عقول القوم

وإيراداتهم.. حتى إنه بلغني قبل أيام من تبييض هذه الورقات عن

أحدهم - وهو ممن يتصدر المجالس للجدال عن الطواغيت والترقيع لكفرياتهم، ويجمع حوله فيها لفيفا من

الشباب األغرار ليلبس عليهم دينهم وتوحيدهم ويخذلهم عن الكفر بطواغيت الزمان والبراءة منهم - أنه قال ردا على من احتج على تكفيرهم بتشريعاتهم الكفرية: "أن

الحجاج بن يوسف بعث برسالة إلى أحد قادته "أن اقتل "فهذا تشريع!!! ومع هذا لم يكفره أحد - فالنا – المسلم

.(52 )من السلف..!!" )( وهذه الطريقة الفاسدة التي يسلكها هؤالء القوم في الترقيع52

للطواغيت وأوليائهم تعرفك بمدى تالعب الشيطان بهم وأنهم ليسوا طالب حق، إذ الواجب عند أهل الحق أن يكون االحتكام في

جميع األمور إلى الكتاب والسنة ال إلى انحرافات وأخطاء أو هفوات أو إلى مشتبهات من مقاالت العلماء.. وإذا كانت أقوال العلماء واجتهاداتهم بل والصحابة غير ملزمة وال هي بحجة في

دين الله تعالى فكيف بأقوال وأفعال من هم دونهم من الناس.. وكيف إذا كانت هفوات وأخطاء وليست مجرد أقوال، أفيجوز

إيرادها في موضع النزاع فضال عن إيرادها للبس الحق بالباطل والنور بالظالم، وللترقيع للمشركين وأوليائهم؟؟ وال شك أن هذه

من سبل أهل األهواء قديما وحديثا ورثوها بعضهم بعضا.. فالروافض مثال يوردون على األغرار من أهل السنة بعض نصوص



والحق يقال أنني ألستحيي من تسويد األوراق في الرد على مثل هذه الترهات، ولكن من عرف واقعنا هذا، وما

بلغ الناس فيه من الجهل في أصول التوحيد ومقدار غربةالدين عذرنا فيه..

وال أقول إال كما قال ابن حزم في )الفصل( وهو يناقش مقاالت بعض أسالف هؤالء.."فهذه أقوال لو قالها صبيان

يسيل مخاطهم ليئس من فالحهم، وتالله لقد لعبالشيطان بهم كما شاء.. فإنا لله وإنا إليه راجعون..".

الكتاب والسنة التي ظاهرها التعارض واإلشكال ليشككوهم بدينهم الحق وليصححوا مذهب الشيعة الفاسد، وربما تتبعوا

هفوات أو اجتهادات خاطئة لبعض الصحابة وهم بشر غير معصومين، ليوقعوا الغر في الطعن بهم والبراءة منهم. فربما

صلى اللهجاءوك وقالوا لك ما تقول بمن ينهى عما يأمر به النبي أليس بضال، أليس بكذا..؟؟ ثم يأتونك بأحاديث فيهاعليه وسلم

نهي بعض الصحابة عن متعة الحج ونحوها.. وربما قالوا: ما قولك فيمن وصف النبي بأنه )هجر(؟ وربما حرفوها وقالوا )خرف(

فتقول: أعوذ بالله هذا ضالل، ولعلك تقول هذا كفر. فيوردون لك وهوصلى الله عليه وسلمقول عمر رضي الله عنه في النبي

على فراش الموت.. وهكذا مع أن هذا كله لم يهمله أهل العلم وال يعسر على طالب الحق الرجوع إليه وفهم مالبساته من مظانه، وعلى هذا المنوال أهل اإلرجاء في زماننا فإنهم يتتبعون هفوات

بعض أهل العلم وأخطائهم ليصححوا بها مذهبهم الفاسد وليرقعوا للطواغيت أو ألوليائهم فيقولون لك: ما تقول بمن جوز التبرك

بعد موته.. وما تقول بمن يغيرصلى الله عليه وسلمبالنبي الفتوى أو يضعف الحديث للسلطان، فلعلك تضلل أو تبدع..

فيبادرونك بقولهم: اإلمام أحمد قال كذا وابن المديني فعل كذا.. فقل لهم: يا ضالل ما لمثل هذا يكون التحاكم عند النزاع.. أهذه هي طريقة السلف وأهل الحديث التي تتمسحون بها؟ أهذه هي

البينات والبراهين واألدلة والحجج التي تحتجون بها؟ أهذه آيات أم أحاديث، حتى يكون الرد إليها عند النزاع..؟ ثم قل لهم: هذا كله خطأ وباطل، كائنا من كان قائله.. وال يحيله إلى حق كون القائل



ثم أقول لذلك األعمى ومن قلده: أما قولك عن فمردود عليك.. وإن(لم يكفره أحد من السلف)الحجاج:

كان هذا ينطلي على أغرار الشباب الذين تجمعهم لتلبس عليهم دينهم، فإنه ال يخفي على من عرف أقوال السلف

في ذلك.. وإليك مثاال واحدا فقط يكفي لخرق إطالقكهذا الذي ادعيته..

به على مرتبة من العلم أو الدين.. وهذا أمر بدهي.. فكما أننا نقبل الحق وإن جاءنا من أحقر الناس وأجهلهم، فكذلك نرد

الباطل وإن جاءنا من أعظمهم وأجلهم، فماذا تريدون يا أعداء أنفسكم بهذه اإليرادات؟ أتريدون تجويزها؟ أم تريدون إطفاء نور

الله والترقيع للطواغيت وعبيدهم بتهوين كفرياتهم ومقايستها بتلك األخطاء والمخالفات.. فيا فرحة أعداء الدين بكم وبترقيعاتكم..

فشتان بين هذه اإليرادات وبين ما القوم فيه اليوم من كفر صراح، ولو تتبعها طالب الحق في مظانها لعرف بيسر بطالن

مقايستها بأحوال الطغاة، فمنها ما هو في الفروع والذرائع ال فيما نحن في صدد الرد عليه من هدم أصل الدين وقاعدته. ومنها ما هو مطعون في نسبته إلى أولئك األفاضل أو كانوا مكرهين عليه وإذ لم يكونوا مكرهين فهل يجوز معارضة الحق وتمويهه بأقوال

الرجال، فضال عن معارضته وتمويهه بأخطائهم، وهم غير معصومين وال بمشرعين حتى تكون أقوالهم وأفعالهم حجة فيما

هو دون الذي خصومتنا فيه.. وحتى لو صدر الكفر منهم أو من أمثالهم أفيضر هذا الحق شيئا؟ أم تراه يغير من قواعد ديننا

}ومن ينقلب على عقبيه فلنوأصوله شيئا؟ قال تعالى: }وقال موسى إن تكفروا أنتم وقال: يضر الله شيئا{

.. وربماومن في األرض جميعا فإن الله لغني حميد{ أوردوا لك من هذا القبيل نصوصا مبتورة مقطوعة على طريقة

أهل األهواء يذكرون منه ما يوافق أهواءهم، كما فعل أحدهم مع بعض إخواننا فأورد عليهم أكثر من مرة قول أبي حنيفة: "لو أن رجال عبد هذه النعل يتقرب بها إلى الله لم أر بذلك بأسا"، يذكر



وهو ما رواه أبو بكر ابن أبي شيبة في )كتاب اإليمان( أشهد أنه)( بإسناد صحيح عن الشعبي أنه قال: 32ص)

.(مؤمن بالطاغوت كافر بالله - يعني الحجاج وقريب منه قول طاووس في الموضع نفسه بإسناد

عجبا إلخواننا من أهل العراق يسمون)صحيح أيضا: .(الحجاج مؤمناوقد ذكره الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب )

( وقال: )وكفره جماعة منهم سعيد بن جبير2/211 هكذا مبتورا.. وال أدري ما يقصد من وراء هذا اإليراد بهذا القدر؟

أهو تجويز الشرك والكفر وعبادة غير الله؟ أم الصد عن تكفير الطواغيت وأنصارهم وعبيدهم بإلزامنا تكفير أبي حنيفة وتخويفنا

بمخالفة السواد من العوام والطغام في ذلك..؟؟ فهذا دين الله ال يداهن أحدا، ومن ثبت كفره بالدليل كفرناه إن انتفت في حقه الموانع، فالدليل ال يجامل أبا حنيفة وال غيره، والقول في أبي

حنيفة ألئمة زمانه الذين عاصروه، وقد ثبت بأسانيد صحاح في تاريخ بغداد والمجروحين البن حبان والمعرفة والتاريخ للفسوي

عن سفيان الثوري، وغيره أن أبا حنيفة استتيب من الكفر مرتين.. وسواء أكفر أبو حنيفة، أو غيره أم لم يكفر فهذا ال يضر الحق وال يغير منه شيئا.. والذي نقوله هنا أن تلك المقولة التي أوردها هذا

المرجىء كفر سواء أصدرت عن أبي حنيفة أم غيره )*(.. وقد( والخطيب )3/784رواها الفسوي في المعرفة والتاريخ )

( وفيها زيادة3/73( وابن حبان في المجروحين )2/375-377 كتمها هذا المرجىء ألنها تفسد عليه شبهته وإلزامه، وهي قول سعيد بن عبد العزيز في آخر الرواية: )هذا الكفر صراحا( فتنبه لتلبيساتهم وال تغتر بشبههم فإنما يتبع مثل هذا ويستدل به من

أفلس من األدلة والحجج الشرعية، فصار إلى أمثال هذه الترقيعات والتلبيسات يدرأ بها في نحر النصوص الواضحة

الصريحة، وليس بمستعجب وال بمستنكر أن يشتبه الحق بالباطل على أعمى البصيرة، كما يشتبه الليل بالنهار على أعمى البصر. يا

ويلهم أفال يتوبون؟ والله إن لم يتوبوا عن هذا فسيعلمون غدا بتلبيساتهم وشبهاتهم هذه عمن يدفعون وألي شيء يرقعون؟ وفي



والنخعي ومجاهد وعاصم بن أبي النجود والشعبيوغيرهم(.

، وإنما إبطال(53)وليس مرادنا استقصاء ذلك أو تبنيهشبهاتك وخرق إطالقاتك..

ثم أقول: أما تلك الرسالة التي نسبتها للحجاج وبنيت عليها شبهاتك الهشة، فما هي إال أمر كتابي ال يختلف عن

األمر القولي اللفظي الخطابي بالقتل، وكالهما سيان، والقول فيه ليس بمعضلة.. فإن كان ذلك في حق من

يستحقه لرده أو لقصاص، فإن فاعله واآلمر به كتابة أو أي صف يقفون؟ ومن يحاربون؟ وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب

ينقلبون.. تنبيه: )*(

اعلم أن بعض صغار العقول من مرجئة العصر قد استغلوا هذا الموضع فافتروا علينا وادعوا أننا نتبنى تكفير أبي حنيفة النعمان،

وهذا كما يرى البصير المتأمل لكالمنا محض كذب وافتراء، ناتج إما عن غل وحسد وسوء إرادة، أو عن جهل وسطحية وعدم

معرفة بكالم العلماء ومعاني األلفاظ.. فإن المتأمل لكالمنا يعلم أن الذي ذكرناه هنا إنما هو اعتراض بعض أفراخ المرجئة على

تكفيرنا للطواغيت بالمقالة المذكورة عن أبي حنيفة، يريدون بذلك تخويفنا من التكفير مطلقا وصدنا عن تكفير الطواغيت، أو إلزامنا بتكفير أبي حنيفة، فكان ملخص ردنا كما ترى أن بينا أن هذا ليس

من طريقة أهل الحق في االستدالل، وأن ما أرادوا إلزامنا به ال يلزمنا، وإن كانت "تلك المقولة كفر سواء أصدرت عن أبي حنيفة

أم غيره".. وكل من له معرفة بكالم العلماء يعرف معنى هذه العبارة وأنها ال

تعني بحال تكفير أبي حنيفة، إذ معلوم عند صغار الطلبة الفرق بين الحكم على المقالة، وبين الحكم على قائلها، فالحكم على

المقالة بأنها كفر، هين ال يحتاج إلى النظر في موانع التكفير، بخالف الحكم على قائلها، فال بد فيه من ذلك، واإلنسان قد يتلفظ

بكلمة الكفر وال يكفر مع ذلك، لقيام مانع من موانع التكفير فيحقه.



تلفظا مأجور - إن وفق لشروط قبول العمل الصالح - وإن كان ممن ال يستحق القتل فهو في حق فاعله واآلمر به كتابة أو تلفظا، جريمة وكبيرة من كبائر الذنوب وظلم

ال يكفر فاعله إال باإلستحالل، وال يقول بكفر فاعل مثل ذلك إال الخوارج الضالل، بخالف الذين يسنون للخلق

تشريعات في النفوس والدماء واألموال واألعراض واألنساب، ما أنزل الله بها من سلطان يستبدلون بها

حدود الله وتشريعاته المرفوعة المطهرة، ويلزمون الخلق إتباعها والخضوع لها، فهؤالء كما عرفت. كفرة

ونحن إنما تبرأنا من المقالة، وحكمنا عليها، كائنا من كان قائلها، تماما كما هو قول سعيد فيها "هذا الكفر صراحا" ولم نتبن ال نحن وال سعيد في ظاهر مقالته تكفير أبي حنيفة بحال، ولكنها العداوة

والخصومة والغل الذي يدعو إلى االفتراء ويعمي عن الصدق، ويصد عن اإلنصاف. إذ كل من يعرفنا أو يقرأ لنا، يعلم أننا آلينا

على أنفسنا أن ال نشتغل بتكفير أحد من المنتسبين إلى العلم في زماننا رغم مخالفتهم لدعوتنا بل وطعن كثير منهم بنا، وافترائهم علينا. وال يشغلنا شيء من ذلك أو يحرفنا عما ندندن حوله دوما

ونركز عليه من تكفير الطواغيت أو أنصارهم. فكيف يعقل بعد هذا أن ننشغل بتكفير أمثال أبي حنيفة، ممن

أفضوا إلى ما قدموا، وال فائدة ترجى من وراء ذلك أصال. فنحن ال نتحرج من إنكار الباطل ورده على قائله كائنا من كان.. مع علمنا بما حوته كتب التاريخ من ضعيف ومكذوب، ومعرفتنا بخصومات أهل المذاهب، واطالعنا على ما قرره العلماء في جرح األقران

بعضهم لبعض.. فإن أبى بعض الناس مع هذا كله، إال الكذب واالفتراء والبهتان..

فعند الله تجتمع الخصوم. )( فليتأمل هذا من افترى علينا تكفير أبي حنيفة، فإننا ال نشغل53

أنفسنا بتكفير من مضوا وال فائدة من وراء تكفيرهم، ولو كانوا من أمثال الحجاج الذي كفره بعض السلف، فكيف بغيره من

المنتسبين للعلم؟؟ وإنما شغلنا الذي شغلنا أعمارنا به، هو تكفير الطواغيت وأنصارهم من أعداء الشريعة، والسعي إلى جهادهم،

والدعوة إلى ذلك، نسأل الله تعالى أن يستعملنا فيه ويثبتنا ويميتنا



مشركون اعتقدوا أم لم يعتقدوا واستحلوا أم لميستحلوا..

وقد بينا وفصلنا لك ولغيرك فيما تقدم معنى التشريع الكفري فراجعه وتأمله إن رمت الهدى، وذكرنا لك

نصوص الطواغيت في دساتيرهم والتي جعلت السلطة التشريعية حقا مطلقا من حقوقهم، وليست حقا لله

وحده، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا. وإن شئت أن تتعرف على أمثلة كثيرة من تشريعاتهم التي

يستحلون بها دم المسلم المعصوم وماله وعرضه بما لم لترى البون(54)ينزل الله به سلطانا فارجع إلى قوانينهم

الواسع والفرق الشاسع بينهم وبين ذلك الحجاج الغشومالمظلوم.. أي والله فإن مقايستهم عليه لظلم عظيم.. كيف والسلف قد اختلفوا في كفره.. وما كان لهم أن

يختلفوا أبدا في كفر هؤالء المشركين المشرعين.. ولماذا نذهب بالمثال بعيدا.. بل أرجعك إلى بعض أعضاء

جماعتك التي تدعي السلفية والسلف منها براء.. أعني أولئك الذين خانوا الله ورسوله وشاركوا في )مجلس

األمة( التشريعي الشركي يوم أن شرعوا - مع غيرهم من ،(55)- "قوانين الخيانة العظمى" أعضاء البرلمان الوثني

وقدموها للحكومة، للتصويت عليها وإقرارها.. وهاكعليه.

)( بل يستحلونها بمحض التوحيد فيمن كفر بطواغيتهم وسعى54 إلى هدمها وإزالتها كما بينا ذلك وكشفنا معه عوار وسفاهة

تشريعاتهم وقوانينهم في رسالتنا )كشف النقاب عن شريعةالغاب( فراجعها..

)( هكذا سموها ويقصدون خيانة - الوزراء للحكومة الكافرة55 وللدستور الكفري وقوانين الدولة الوضعية فتأمل هذا الكفر

الصراح.. ومع ذلك فإن هؤالء الرويبضة يعدون التقدم بمثل هذه القوانين إلقرارها كياسة وحكمة وخبرة ومكاسب سياسية تحفظ حقوق الناس من سرقة الوزراء.. فسحقا سحقا لمن يهدم أحق

حقوق الله على العبيد بمثل هذا السفه.. ثم يرفض مشروعه ألن أزمة التشريع في خاتمة المطاف بيد األكثرية التي يهيمن عليها

الطاغوت وملؤه من الوزراء وغيرهم، ثم ال يقر قانون بعد إال بتصديق الطاغوت وإقراره.. فتأمل كياسة القوم وحنكتهم في



مقتطفات مما نشر منها في الصحف تلك األيام.. قبل أن يحل ذلك المجلس الكفري وتستطيع الرجوع إليه كامال : "قدم1984في مضابط المجلس واقتراحاته لسنة

النواب.. فذكر أسماء منها "جاسم العون" من رؤوس أدعياء السلفية في الكويت وقد صار وزيرا فيما بعد، و"حمود الرومي.." محسوب على اإلخوان؛ اقتراحا

بمشروع قانون في شأن محاكمة الوزراء فيما يلي نصه: )نص المشروع(: بعد االطالع على الدستور وبخاصة

و131 و126 و109 و101 و91 و79 و65 و58المواد منه. 132

بإصدار قانون1960 لسنة 16وعلى القانون رقم الجزاء والقوانين المعدلة له.

بإصدار قانون1960 لسنة 17وعلى القانون رقم اإلجراءات والمحاكمات الجزائية والقوانين المعدلة له.

بإنشاء ديوان1964 لسنة 30وعلى القانون رقم لسنة4المحاسبة المعدل بالمرسوم بقانون رقم

م. 1977 لقانون1959 لسنة 319وعلى المرسوم األميري رقم

.(56)تنظيم القضاء والقوانين المعدلة له

السياسة!!! واعلم أننا لما تكلمنا في كفر أمثال هؤالء نشر عنا أعداء الله وبعض السفهاء أننا نكفر السلفيين واإلخوان أو نصفهم أو أكثرهم، بهذا اإلطالق ودون ذكر لسبب، صدا عن الحق وأهله.. وسيسألون عن ذلك بين يدي الله.. ونحن إنما كفرنا وما زلنا نكفر

كل من دخل في مثل هذا الكفر أو تابعه أو ناصره أو آزره سواء كان من السلفيين واإلخوان أم من غيرهم، وال يضيرنا كون هذا

الحكم يتناول طائفة ليست بالقليلة من هؤالء.. ومثل هذا ال يرهبنا وال يخذلنا عن القول بالحق كائنا من كان المكفر، ومهما كان لقبه أو اسمه أو انتماؤه أو طول لحيته أو قصر ثوبه.. ما دام الدليل قد

تناوله وانتفت بحقه الموانع.. فالدليل ال يجامل أحدا.. وما طولاللحى وقصر الثياب وتلكم األلقاب من موانع التكفير في شيء..



وافق مجلس األمة على القانون اآلتي نصه وقد صدقناعليه وأصدرناه.

( يعمل بأحكام هذا القانون في شأن1)مادة رقم محاكمة الوزراء ويلغى كل نص يخالف أحكامه..!!

)الباب األول( في مسؤولية الوزراء: - الخيانة العظمى ويدخل فيها عدم الوالء للوطن أو1

لألمير وكل جريمة تمس استقالل البالد أو وحدتها أو سالمة أراضيها أو أمنها الداخلي أو الخارجي أو نظام

الحكم األميري للكويت وتوارث اإلمارة وكل تعاون معاألعداء!!

- المخالفة العمدية ألحكام الدستور األساسية: 2وذكروا في العقوبات:

( يعاقب على الخيانة العظمى باإلعدام أو3)مادة بالحبس المؤبد أو بالحبس المؤقت الذي تزيد مدته على ثالث سنوات وبالغرامة التي يجاوز مقدارها خمسة آالف

دينار" اهـ. أذكر هذا للعبرة وللتاريخ.. وليتعرف طالب الحق على

مخازي هذه الطرق والسبل الشركية التي ينتهجها ويسلكها هؤالء الدعاة على أبواب جهنم، بحجة مصلحة الدعوة فما يلبثون أن ينقلبوا هم أنفسهم إلى طواغيت

وأرباب مشرعين يدعون إلى سبيل طاغوتهم األكبر ومصلحته، وال يستحيون مع ذلك من االستمرار فيالتمسح بالدعوة إلى الله ومصلحتها زورا وبهتانا..

أقول: إال من تاب واجتنب عبادة الطاغوت وبرىء منه ثم

اهتدى.

)( تأمل أدلة المشركين التي يستدلون ويشرعون طبقا لها، ثم56 يسميهم من هو أضل من سائمة األنعام بالمسلمين ال بل

بالسلفيين ويسمي من كفرهم بهذا الكفر البواح )خوارج(، )وقدخاب من افترى(.



شبهة )وال نكفر مسلما بذنب ما لم

يستحله( وهكذا، فإذا كنت قد فهمت ما تقدم كله، فال بد أنه قد

وال نكفر مسلما بذنب ما لم)ظهر لك أن قولهم: ليس على إطالقه، بل ال بد أن يقيد هذا بقيد،(يستحله.(ال نكفر مسلما بذنب غير مكفر ما لم يستحله)فنقول:

بدليل أن االستهزاء بالله ودينه ذنب، وسب الله ورسوله ذنب، والسجود للصنم ذنب، ورمي المصحف في

القذر ذنب، وقتل األنبياء ذنب، والتشريع مع الله ذنب، ومع هذا فقد علمت أن فاعل ذلك كله كافر استحله أم

لم يستحله.. فالذنوب منها ما هو من المكفرات، ومنها ما هو معاص مجردة ال تخرج من دائرة اإلسالم، فال يقال

لألول عند التكفير استحل أو لم يستحل، بخالف الثاني فال بد من ذلك ألن األصل في فاعلها أنه فاسق ملي وليس

بكافر.. ثم هذه المقولة ليست قرآنا منزال حتى يعارض بها كالم

الله وكالم الرسول كما يفعل جهال مرجئة العصر، بلالحق ضبطها وتقييدها بكالم الله وكالم الرسول. صلىوإن كان بعضهم يرفعها ويجعلها من كالم النبي

فإن ذلك ال يصح وهو حديث موضوع الالله عليه وسلم(.4/42أصل له كما ذكر ابن القيم في بدائع الفوائد )

صلى الله- ومن هذا القبيل ما يروى عن أنس أن النبي ثالث من أصل اإليمان: الكف عمن قال) قال: عليه وسلم

ال إله إال الله وال نكفره بذنب وال نخرجه من اإلسالم رواه أبو داود وأبو يعلى وهو حديث ال(بعمل.. الحديث..

يصح، يرويه عن أنس يزيد الرقاشي، قال أبو حاتم: أكثر الرواية عن أنس بما فيه نظر وفي حديثه ضعف. وقال

ابن حبان: غفل عن حفظ الحديث شغال بالعبادة حتى كان



صلى اللهيقلب كالم الحسن فيجعله عن أنس عن النبي .(57) فال تحل الرواية عنه إال على جهة التعجبعليه وسلم

- ومثله ما يرويه الطبراني في الكبير عن ابن عمر كفوا عن أهل ال إله إال الله وال تكفروهم بذنب،)مرفوعا:

.(من كفر أهل ال إله إال الله فهو إلى الكفر أقرب وفيه الضحاك بن حمرة وعلي بن زيد بن جدعان وهما ضعيفان.. فهذه هي بضاعة القوم كلها آثار ضعيفة متكلم فيها.. وحتى لو ثبت شيء منها أو في معناها، فينبغي أن تحمل على مبينها من الكتاب والسنة، فتفهم كما فهمها

السلف ال كما يهوى مرجئة العصر ويشتهون، فيحمل ذلك على من حقق التوحيد واجتنب النواقض والشرك

والتنديد، كما جاء في بعض األحاديث المبينة لهذا، ومنها من قال ال إله إال الله): صلى الله عليه وسلمقول النبي

وكفر بما يعبد من دون الله؛ حرم ماله ودمه وحسابه رواه مسلم. (على الله عز وجل

وهذا من أعظم ما)يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب: يبين لك معنى ال إله إال الله، فإنه لم يجعل التلفظ بها

عاصما للدم والمال، بل وال معرفة معناها مع لفظها، بل وال اإلقرار بذلك، بل وال كونه ال يدعو إال الله وحده ال

شريك له. بل ال يحرم دمه وماله حتى يضيف إلى ذلك اهـ.(الكفر بما يعبد من دون الله

ومعلوم أن النفي في كلمة )ال إله إال الله( يحتوي على وكفر بما)معان منها المعنى الذي فصله الحديث بقوله:

فتأكيد هذا المعنى عقبها مع أنه(يعبد من دون الله مستفاد منها يدل على أنه أجل معانيها وأهمها.. وسيأتي

بسط الكالم في هذا عند شبهة "أنهم يقولون ال إله إالالله ويصلون".

وهكذا الحال في لفظة "أهل القبلة" التي يذكرها السلف في أشباه هذه المقولة. فعن جابر رضي الله عنه

هل كنتم تدعون أحدا من أهل القبلة)أنه قيل له: مشركا؟ قال: معاذ الله ففزع لذلك. قال: هل كنتم

(:166)( قال الشيخ عبد اللطيف في )مصباح الظالم( ص)57 الصحيح وقفه وليس من المرفوع، والجملة األخيرة فيه وهي)

اهـ.(قوله: والجهاد ماض منذ بعثني الله، فهي تروى



رواه أبو يعلى والطبراني(تدعون أحدا منهم كافرا قال: الفي الكبير.

ومثلها ما جاء في العقيدة الطحاوية ويردده أفراخ وال نكفر أحدا من أهل)المرجئة دون أن يفقهوا معناه:

.(القبلة بذنب ما لم يستحله فليس المراد أهل القبلة الذين يصلون عموما وإن كانوا مرتدين من أبواب أخرى، بل المراد المسلمين الموحدين منهم المجتنبين للنواقض، بدليل أن الصحابة كفروا مانعي

الزكاة، ومن السلف من كفر تارك صيام رمضان وتارك الحج كما سيأتي.. وكذلك ليس المراد أن الصالة وحدها تعصم من الكفر وإن أشرك مع الله وعبد غير الله، فإن

الصالة ال تقبل بدون التوحيد الذي هو أصل اإليمان وشرطه.. وسيأتي تفصيل هذا أيضا. )فأهل القبلة( هم

الموحدون المجتنبون لنواقض اإلسالم )والمراد من النهي عن تكفيرهم( أن ال يكفروا بمطلق الذنوب التي ال يكفر

مرتكبها، فإنه ال يكفرهم بذلك إال الخوارج ومن سار على يشير)(: 316نهجهم.. ولذا قال شارح الطحاوية ص)

الشيخ رحمه الله بهذا الكالم إلى الرد على الخوارج.(القائلين بالتكفير بكل ذنب

ولهذا امتنع كثير من األئمة عن)(: 317وقال ص) ال نكفرهم)إطالق القول بأنا ال نكفر أحدا بذنب. بل يقال:

بكل ذنب كما تفعله الخوارج. وفرق بين النفي العام، ونفي العموم، والواجب هو نفي العموم، مناقضة لقول

الخوارج الذين يكفرون بكل ذنب ولهذا والله أعلم - قيده - الشيخ رحمه الله بقوله ما لم يستحله، وفي قوله: ما لم

يستحله، إشارة إلى مراده من هذا النفي لكل ذنب من اهـ.(الذنوب العملية ال العلمية

قلت: المراد باصطالح الذنوب العملية عندهم الذنوب غير المكفرة، كما هو ظاهر من أول كالمه. أما األعمال مطلقا، فقد علمت أن فيها تفصيال وسيأتي المزيد من

التفصيل.. ومن هذا يظهر لك بطالن احتجاجهم للطواغيت بتلك المقولة، وبطالن زعمهم اإلجماع على لفظها المطلق

هذا، وفهمهم الفاسد لها.. وإليك قول إمام أهل السنة والجماعة في ذلك..



قال الخالل: أنبأنا محمد بن هارون أن إسحاق بن حضرت رجال سأل أبا عبد الله)إبراهيم حدثهم قال:

فقال: يا أبا عبد الله، إجماع المسلمين على اإليمانبالقدر خيره وشره؟ قال أبو عبد الله: نعم.

قال: وال نكفر أحدا بذنب؟ فقال أبو عبد الله: اسكت، من ترك الصالة فقد كفر،

.(58) اهـ(ومن قال القرآن مخلوق فهو كافر وقد)ويقول شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه الله تعالى:

اتفق المسلمون على أن من لم يأت بالشهادتين فهو كافر، وأما األعمال األربعة فاختلفوا في تكفير تاركها، ونحن إذا قلنا إن أهل السنة متفقون على أنه ال يكفر

بالذنب، فإنما نريد به المعاصي كالزنا والشرب، أما هذه( الفتاوي.7/302 اهـ )(المباني ففي تكفيرها نزاع مشهور

قلت: فكيف بأصل األصول الذي ال نقبل هذه المبانيبدونه..؟؟

فدل هذا كله على بطالن اإلجماع المذكور. وعلى وجوب فهم هذه المقولة على ضوء األدلة المبينة األخرى،

تماما كما فهمها السلف.. وتقييدها كما قيدوها..

(.1/79)( من المسند تحقيق أحمد شاكر )58 ولعل الشيخ عبد اللطيف يقصد هذا األثر أو نحوه بإشارته في رده

على من عد )أهل الكويت( ونحوهم من عباد القبور في زمن الشيخ محمد بن عبد الوهاب من )أهل القبلة(، حيث قال في

وفيه إشعار بأنه لم يعرف مراد العلماء)(: 144مصباح الظالم ص) ولم يعرف مراد العلماء(أهل القبلة ال يكفرون بالذنوب)بقولهم:

وال أصل هذه الكلمة وما تساق له. فكالمه ظلمات بعضها فوق ال نكفر أهل القبلة)بعض، وقد أنكر اإلمام أحمد قول الناس:

مع أن مراد من قاله، مراد صحيح ال يمنعه أحمد، ولكن(بذنب اهـ.(الشأن في األلفاظ والعموميات وما يسلم منها وما يمنع



شبهة احتجاجهم بقول عبد الله بن شقيق

العقيلي أن الصحابة ال يرون شيئا من األعمال

تركه كفر إال الصالة هذا وقد احتج بعض أفراخ المرجئة للترقيع للطواغيت

كان)بقول عبد الله بن شقيق العقيلي رضي الله عنه: ال يرون شيئا منصلى الله عليه وسلمأصحاب محمد

.(األعمال تركه كفر غير الصالة فإذا ما تساهلنا معهم وأرجأنا الكالم في مسألة حجية

مثل هذا والخالف فيه عند أهل العلم باألصول خصوصا إذا وجد المخالف والمعارض له من الصحابة، وانتقلنا إلى فهم المراد من هذا األثر.. فالواجب علينا لزاما معرفة األعمال المشار إليها فيه.. فإما أن نطلقها فندخل فيها

كل ما يقع عليه مسمى العمل، فيدخل )التوحيد( والكفر بالطاغوت ونحوه.. إذ هي أعمال وهذا باطل، ألن تركها

كفر باالتفاق.. أو نقيدها بما هو دون ذلك من أعمال، فيبطل االحتجاج بهذا األثر على طامة زماننا الشركية - والتي لم يكن لها وجود يوم قيل هذا األثر أصال - أعني

"ترك تحكيم شرع الله وتحكيم الطواغيت المحلية والدولية" خصوصا وأن القضية كما علمت سابقا ليست

مجرد ترك الحكم ببعض شرع الله أحيانا بل هي تول مطلق عن حدود الله، وتشريع واستبدال، أي دخول في دين الطواغيت وعبادتها واتخاذها أربابا متفرقة بطاعتها في التشريع وعدم البراءة منها ومن تشريعاتها.. وليس

في هذا ترك التوحيد واإلعراض عنه وحسب، بل فيه هدمه وحربه.. ومعلوم أن هذا األصل الذي خصومتنا فيه،

ال يكفر محاربه وهادمه والصاد عنه وحسب، بل وحتى التارك له تركا مجردا المعرض عنه، إذ هذا ليس تركا لعمل مستحب أو واجب من الواجبات التي لم يأثم تاركها

وحسب، وإنما هو ترك وإعراض عن أصل اإلسالم األصيل، والشرط الذي ال يقبل عمل من األعمال دونه..

فكيف بالهادم له المحارب الصاد عنه..؟؟



وعلى كل حال، فال ينبغي تحميل هذا األثر أكثر مما يحتمل.. إذ هو ال يتكلم عن شعب الكفر العملية وال

القولية، التي عرفت كثيرا منهم فيما تقدم، وإنما يتكلم عن ترك شعب اإليمان العملية، فليس جميع األعمال التي

هي من شعب اإليمان العملية تركها كفر، كإماطة األذى عن الطريق، والبذاذة والحياء وأن تحب ألخيك ما تحب لنفسك ونحوها، فإنه من المعلوم أنه إذا زال شيء من أمثال هذه الشعب لم يزل اإليمان بالكلية ولم ينتقض.. وإنما ينتقص بقدرها إن كانت من واجبات اإليمان.. أما

شعب اإليمان التي هي من أصله فإن اإليمان ينتقض بزوالها أو بزوال بعضها، كالصالة التي ذكرت في هذا األثر

على أنها الشعبة العملية الوحيدة التي يناقض تركها لإليمان.. وذلك ألن أهل السنة اعتبروا اإليمان اعتقاد

وقول وعمل، فمن األعمال عندهم ما هو من كمال اإليمان )أي: المستحب(، ومنها ما هو من اإليمان

الواجب، ومنها ما هو شرط لصحة اإليمان. يقول ابن القيم رحمه الله تعالى في كتاب الصالة ص)

لما كان اإليمان له شعب متعددة وكل شعبة منها)(: 53 تسمى إيمانا كالحياء والتوكل.. إلخ حتى تنتهي هذه

الشعب إلى إماطة األذى عن الطريق فإنه شعبة منشعب اإليمان.

وهذه الشعب منها ما يزول اإليمان بزوالها كشعبة اهـ(الشهادة. ومنها ما ال يزول بزوالها كترك إماطة األذى

مختصرا. هذا عند أهل السنة.. أما المرجئة والجهمية ومن تابعهم

فإنهم يتخبطون في مسمى اإليمان وعالقة األعمال به.. وبالتالي فليس من األعمال شيء يزول بزواله اإليمان

عندهم.. وتأمل كالم ابن القيم في شعبة الشهادة.. فإندندنتنا كلها حولها..

وأما كون هذا األثر ينص على أن الصحابة ال يرون من شعب اإليمان العملية ما يكفر تاركه إال الصالة، فال ينبغي

فهمه على أنه إجماع منهم رضي الله تعالى عنهم أجمعين، بل أقصى ما يقال فيه أنه قول طائفة منهم،

وأطلق القول فيه تعظيما لشأنها، ألن منطوقه معارض مخالف بأقوال طائفة من الصحابة وأتباعهم، خصوصا فيما يسميه ابن تيمية بـ)المباني(، وهذا مبسوط في

محله قد ذكره أهل العلم فيما صنفوه من كتب اإليمان..



بل هو معارض بإجماع الصحابة على قتال مانعي الزكاة قتال ردة، فقد انعقد إجماعهم بعد المناظرة التي جرت

بين أبي بكر وعمر على قتالهم، ومعلوم أن كثيرا منهم لم يجحدها وإنما منعها منعا مجردا، ومع هذا قاتلهم الصحابة

جميعا وكان قتالهم قتال أهل ردة فاستحلوا دماءهم وأموالهم بل وسبوا نساءهم وما )محمد بن الحنفية( بن علي بن أبي طالب، إال ابن إمرأة من ذلك السبي.. وعد هذا الفعل من مناقب الصديق رضوان الله عليه.. فكيف

إذا كانت قضيتنا هي )الكفر بالطاغوت( الذي ليس هو شعبة كسائر تلك الشعب، بل هو أعالها وأعظمها فهو

شطر أصل اإليمان وقاعدته. يقول الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل

وأصل اإلسالم ومبانيه لها)الشيخ في )مصباح الظالم(: شأن ليس لغيرها من السنن، ولذلك يكفر جاحدها ويقاتل

(عليها.. بل يكفر تاركها عند جمهور السلف بمجرد الترك.(59)اهـ

وقد ذكر شيخ اإلسالم أقوالهم حول ذلك في مواضع وعن أحمد)( حيث قال: 7/302كثيرة من فتاويه انظر )

في ذلك نزاع، وإحدى الروايات عنه أنه يكفر بترك واحدة منها - وهو اختيار أبي بكر وطائفة من أصحاب مالك كابن

حبيب. وعنه رواية ثانية: ال يكفر إال بترك الصالة والزكاة فقط. ورواية ثالثة: ال يكفر إال بترك الصالة، والزكاة إذا قاتل

عليها اإلمام. . (60)ورابعة: ال يكفر إال بترك الصالة

وخامسة: ال يكفر بترك شيء منهن.. وهذه أقوال اهـ.(معروفة للسلف

وكذلك عنه رواية أنه)( وفيه قوله: 7/259وكذا ص) اهـ.(يكفر بترك الصيام والحج، إذا عزم أنه ال يحج أبدا

( من طبعة دار الهداية - الرياض.65)( ص)59 )( وهذه الرواية هي المذهب الذي يشير إليه عبد الله بن شقيق60

في أثره المذكور.



من ترك)( قوله: 7/302ونقل عن الحكم بن عتبة ) الصالة متعمدا فقد كفر، ومن ترك الزكاة متعمدا فقد كفر. ومن ترك الحج متعمدا فقد كفر ومن ترك صوم

من ترك) وعن سعيد بن جبير: (رمضان متعمدا فقد كفر الصالة متعمدا فقد كفر بالله، ومن ترك الزكاة متعمدا فقد كفر بالله، ومن ترك صوم رمضان متعمدا فقد كفر

اهـ.(بالله فمن)(: 333/7ونقل عن محمد بن نصر المروزي )

كان ظاهره أعمال اإلسالم وال يرجع إلى عقود اإليمان بالغيب فهو منافق نفاقا ينقل عن الملة. ومن كان عقده اإليمان بالغيب وال يعمل بأحكام اإليمان وشرائع اإلسالم

.(فهو كافر كفرا ال يثبت معه توحيد ويقول عبد الله بن اإلمام أحمد بن حنبل في كتاب

(: حدثنا سويد ابن سعيد الهروي قال:1/347السنة )سألنا سفيان بن عيينة عن اإلرجاء.

يقولون اإليمان قول، ونحن نقول اإليمان قول)فقال: وعمل، والمرجئة أوجبوا الجنة لمن شهد أن ال إله إال الله مصرا بقلبه على ترك الفرائض وسموا ترك الفرائض ذنبا

بمنزلة ركوب المحارم، وليسوا بسواء. ألن ركوب المحارم من غير استحالل معصية، وترك الفرائض متعمدامن غير جهل وال عذر هو كفر.

وبيان ذلك في أمر آدم صلوات الله عليه وإبليسوعلماء اليهود.

- أما آدم، فنهاه الله عز وجل عن أكل الشجرة وحرمها عليه فأكل منها متعمدا ليكون ملكا أو يكون من الخالدين

فسمي عاصيا من غير كفر. - وأما إبليس لعنه الله فإنه فرض عليه سجدة واحدة

فجحدها متعمدا فسمي كافرا. صلى الله عليه- وأما علماء اليهود فعرفوا نعت النبي

وأنه نبي رسول كما يعرفون أبناءهم وأقروا بهوسلمباللسان ولم يتبعوا شريعته فسماهم الله عز وجل كفارا. فركوب المحارم مثل ذنب آدم عليه السالم وغيره من

األنبياء.



وأما ترك الفرائض جحودا فهو كفر مثل كفر إبليسلعنة الله.

وتركهم على معرفة من غير جحود فهو كفر مثل كفر اهـ.(علماء اليهود والله أعلم

أقول: فإذا كانت هذه أقوالهم حول ترك الفرائض والمباني التي هي من شعب اإليمان.. فكيف بترك بل

بهدم أعظم الفرائض وأولها ورأسها وأصلها. أال وهو الكفر بالطاغوت وتوحيد الله بكافة أنواع العبادة، ونعني من

ذلك ها هنا )الطاعة في التشريع(..؟؟



شبهة أن هؤالء الطواغيت وعبيدهم

يقولون )ال إله إال الله( وللقوم ها هنا شبهة أخرى متعلقة بما قبلها، قد ورثوها

عن أشياخهم المرجئة األوائل، وهو احتجاجهم ببعض صلى اللهالعمومات التي جاءت في أخبار ثابتة عن النبي

دخل الجنة،(ال إله إال الله)، في أن من قال: عليه وسلم أقتلته بعد أن)أو حرم ماله ودمه وكحديث أسامة بن زيد

)وحديث البطاقة( ونحو ذلك.. (قالها.. والحق أن من له اطالع على كتب أهل العلم، يعرف

أنهم قد أشبعوا هذه المسائل ردا وبيانا.. وال مانع استكماال للموضوع أن أتخير لطالب الحق نبذا من

مقاالتهم في هذا الباب، خصوصا وأني قد وجدت ولألسف الشديد من بعض من يكفر بالطواغيت ويتبرأ منهم وال يجادل عنهم؛ خلطا وتخبطا فيها، وال أحسب هذا إال تأثرا

وتضررا بمن خالفهم ومشاغباته، من رمي بالتكفير واتهام بسلوك منهج الخوارج ونحوه من ألوان اإلرهاب الفكري،

والصد والتشويه، التي يمارسها أهل التجهم واإلرجاء ممن يتمسحون بطريقة السلف ومنهاجهم زورا وبهتانا، ألجل

الدفاع عن الطواغيت وحكوماتهم وبرلماناتهم الكفرية.. أما الكالم على هذه الشبهة وإبطالها فهو عند أهل

العلم من وجوه عدة.. من اهمها أن يتذكر الموحد أنالشرائع أنزلت بالتدريج، وهذا أمر معلوم لكل أحد..

يقول اإلمام أبو عبيد القاسم بن سالم في كتاب اإليمان فإن تنازعتم في شيء}بعد أن ذكر قوله تعالى:

]النساء:{ واليوم اآلخر ذلك خير وأحسن تأويال فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله [، وقال: وأنا رددنا األمر إلى ما ابتعث الله عليه59

، وأنزل به كتابه، فوجدناهصلى الله عليه وسلمرسوله قد جعل بدء اإليمان شهادة أن ال إله إال الله وأن محمدا صلى الله، فأقام النبي صلى الله عليه وسلمرسول الله بمكة بعد النبوة عشر سنين أو بضع عشرعليه وسلم

سنة يدعو إلى هذه الشهادة خاصة، وليس اإليمان المفترض على العباد يومئذ سواها، فمن أجاب إليها كان



مؤمنا ال يلزمه اسم في الدين غيره، وليس يجب عليهم زكاة وال صيام وال غير ذلك من شرائع الدين.. فجعل

اإلقرار باأللسن وحدها هو اإليمان المفترض على الناس يومئذ، فكانوا على ذلك إقامتهم بمكة كلها، وبضعة عشر

فلما أثـاب الناس إلى(61)شهرا بالمدينة بعد الهجرة اإلسالم وحسنت فيه رغبتهم زادهم الله في إيمانهم أن

صرف الصالة إلى الكعبة بعد أن كانت إلى بيت المقدس.. ثم خاطبهم وهم بالمدينة باسم اإليمان

المتقدم لهم، في كل ما أمرهم به أو نهاهم عنه. وإنما سماهم بهذا االسم باإلقرار وحده، إذ لم يكن هناك فرض

غيره، فلما نزلت الشرائع بعد هذا وجبت عليهم وجوب )( وبهذا يظهر لك أيضا بطالن شبهة من شبهات مرجئة العصر،61

وهي ترقيعهم لطواغيتهم، بزعمهم أن النجاشي حكم بغير ما أنزل صلى الله عليه وسلمالله بعد أن أسلم ومع هذا لم يكفره النبي بل شهد له باإلسالم وصلى عليه لما مات.

}كبرت كلمة تخرج من أفواههم أن يقولون إال كذبا{ بل قد حكم بما أنزل الله إليهم آنذاك، واتبع ما كان مفترضا عليهم

في ذلك الوقت، إذ لم يكن التشريع قد كمل وقتها، فكان االستسالم واإلنقياد واإلقرار بال إله إال الله وما حوته من البراءة

من كل ما يعبد من دون الله هو اإليمان واتباع الشرع والحكم بما أنزل الله آنذاك، خصوصا إذا عرفت أن النجاشي كتب إلى النبي

صلى الله عليه وسلم يشهد أنه رسول الله آنذاك صادقا مصدقا بل ويبايعه على اإلسالم، حتى إن بعض الحبشة خرجوا عليه

ينازعونه ملكه وأنه انتصر عليهم واستقر له أمر الحبشة بعد ذلك وأقره قومه على اإلسالم واتبعه األساقفة والرهبان، وانظر زاد

( ثم مات بعد إسالمه بيسير، وذلك قبل أن62 ص)3المعاد جـ صلى الله عليهتكتمل الشرائع. أما النجاشي الذي كتب إليه النبي

مع كسرى وقيصر وكل جبار يدعوهم إلى اإلسالم فهو غيروسلم كماصلى الله عليه وسلمالنجاشي المسلم الذي صلى عليه النبي

في صحيح مسلم، وقد أشار إلى هذا أيضا ابن القيم في زاد المعاد، وذكر الوهم الذي وقع فيه بعض الرواة في خلطهم بيناالثنين. وراجع في هذا أيضا كتاب اإليمان لعبد الله القنائي ص)

( وما بعدها.149



األول سواء. ال فرق بينهما، ألنهما جميعا من عند الله وبأمره وبإيجابه، فلو أنهم عند تحول القبلة إلى الكعبة

أبوا أن يصلوا إليها، وتمسكوا بذلك اإليمان الذي لزمهم اسمه والقبلة التي كانوا عليها، لم يكن ذلك مغنيا عنهم

شيئا، ولكان فيه نقض إلقرارهم.. فلما أجابوا الله ورسوله إلى قبول الصالة كإجابتهم إلى اإلقرار، صارا

جميعا معا هما يومئذ اإليمان.. فلبثوا بذلك برهة من دهرهم، فلما أن داروا إلى الصالة مسارعة، وانشرحت

لها صدورهم، أنزل الله فرض الزكاة في إيمانهم إلى ما قبلها، فلو أنهم ممتنعون من الزكاة عند اإلقرار وأعطوه

ذلك باأللسنة. وأقاموا الصالة غير أنهم ممتنعون من الزكاة كان ذلك مزيال لما قبله، وناقضا لإلقرار والصالة..

والمصدق لهذا جهاد أبي بكر الصديق رحمة الله عليه بالمهاجرين واألنصار على منع العرب الزكاة كجهاد رسول

أهل الشرك سواء ال فرقصلى الله عليه وسلمالله بينهما في سفك الدماء وسبي الذرية واغتنام المال. فإنما

كانوا مانعين لها غير جاحدين بها، ثم كذلك كان شرائع اإلسالم كلها، كلما نزلت شريعة صارت مضافة إلى ما

قبلها الحقة به ويشملها جميعا اسم اإليمان، فيقال ألهله مؤمنون. وهذا هو الموضع الذي غلط فيه من ذهب أن

اإليمان بالقول.. صلى الله عليهكما غلطوا في تأويل حديث النبي

.. حين سأله الذي عليه رقبة مؤمنة عن عتقوسلم العجمية. فأمر بعتقها وسماها مؤمنة، إنما هذا على ما

أعلمتك من دخولهم في اإليمان ومن قبولهم وتصديقهم بما نزل منه، وإنما كان ينزل متفرقا كنزول القرآن" اهـ .(62)مختصرا وعلى هذا فإن من دخل اإلسالم بعد أن أكمل الله لنا

الدين، وأقر بـ)ال إله إال الله( فبرئ من كل شرك وطاغوت، فإن دمه وماله يعصم بذلك، ثم يؤمر بشرائع اإلسالم الواجبة على كل مسلم )المباني( فإن عمل بها والتزمها، واجتنب نواقض )ال إله إال الله( استمرت تلك

العصمة التي دخلها بمجرد اإلقرار وااللتزام لكلمة التوحيد، وإن وقع بناقض من النواقض أو امتنع عن شيء

من شروط )ال إله إال الله( ومبانيها، انقطعت العصمة،

( وما بعدها عن النسخة المطبوعة في )أربع رسائل(54)( ص)62بتحقيق األلباني، نشر وتوزيع دار األرقم - الكويت.



على التفصيل في الخالف المعروف في تلك المباني..ومع مراعاة شروط التكفير وموانعه.

لمعاذصلى الله عليه وسلمويفهم هذا من قول النبي أي كلمة(فإن هم أجابوك إليها)لما بعثه إلى اليمن:

فأعلمهم)التوحيد المستلزمة للتبري من دينهم الباطل – الحديث. (أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات..

ولذلك فلو مات من أقر بكلمة التوحيد وبرئ من الشرك وأهله بعد إقراره مباشرة، ولم يقم بأي عمل من أعمال اإلسالم المفروضة، لعدم وجوبها عليه، كأن يسلم وقت الضحى ويموت قبل دخول وقت الظهر، فإنه يموت

مسلما مؤمنا قد قام باإليمان الواجب عليه. صلى الله عليهوهذا مثل ذلك الرجل الذي أتى النبي

فقال: يا رسول الله أقاتل أو أسلم؟(63) في غزوةوسلم. فأسلم ثم قاتل فقتل. (أسلم ثم قاتل)قال

): صلى الله عليه وسلمفقال رسول الله عمل قليال وأجر كثيرا" فهو لم يعمل بعد دخوله في اإلسالم، إال ما

صلىوجب عليه في ذلك الوقت وهو نصرة رسول الله ، ومات دون أن يركع لله ركعة.. وفي هذاالله عليه وسلم

)( رواه البخاري وغيره من حديث البراء، وذكر ابن حجر في63 الفتح )كتاب الجهاد( باب )عمل صالح قبل القتال( أن الغزوة كانت أحد، وذكر عن مغازي ابن إسحاق بإسناد صحيح أن أبا

وأن(رجل دخل الجنة ولم يصل صالة)هريرة كان يقول فيه: اسمه عمرو بن ثابت، فافهم القصة جيدا وال يلبس عليك مرجئة

العصر ويأتوك بلفظ النسائي مبتورا، أن رجال قال للنبي في لو أني حملت على القوم فقاتلت حتى أقتل أكان خير لي)غزوة:

ويزعمون أن هذا كان من أتباع النبي(ولم أصل صالة؟ قال: نعم صلى الله تاركا للصالة ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم

عليه وسلم وال كفره، بل كان من أصحابه وأخرجه معه مجاهدا وأخبره بأنه لو مات على ذلك لمات على خير.. فسحقا لهذه

األفهام والعقول التي ال تشترى وال بالبقول. إذ قد علمت أن هذا الرجل قد أسلم في تلك الغزوة للتو. وروايات الحديث يبين بعضها

بعضا.



(:11/519يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية في الفتاوي ) فالرجل إذا آمن بالرسول إيمانا جازما، ومات قبل دخول)

وقت الصالة أو وجوب شيء من األعمال، مات كامل اإليمان الذي وجب عليه، فإذا دخل وقت الصالة فعليه أن

اهـ.(يصلي، وصار يجب عليه ما لم يجب عليه قبل ذلك إن الله لما بعث محمدا رسوال إلى)(: 7/518ويقول )

الخلق، كان الواجب على الخلق تصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، ولم يأمرهم حينئذ بالصلوات الخمس،

وال صيام شهر رمضان.. وال حج البيت، وال حرم عليهم الخمر والربا، ونحو ذلك، وال كان أكثر القرآن قد نزل

فمن صدقه حينئذ فيما نزل من القرآن وأقر بما أمر به من الشهادتين وتوابع ذلك، كان ذلك الشخص حينئذ مؤمنا تام اإليمان الذي وجب عليه، وإن كان مثل ذلك اإليمان لو

أتى به بعد الهجرة لم يقبل منه، ولو اقتصر عليه كان اليوم أكملت لكم}كافرا. قال تعالى عام حجة الوداع:

[ اهـ.3 ]المائدة: {دينكم وأتممت عليكم نعمتي فاألمر بعد اكتمال الشريعة كما روى البخاري عن وهب

؟(أليس مفتاح الجنة ال إله إال الله)بن منبه أنه قيل له: بلى ولكن ليس مفتاح إال وله أسنان، فإن جئت)قال:

.(بمفتاح له أسنان فتح لك وإال لم يفتح فـ"ال إله إال الله" لها لوازم ومقتضيات ونواقض

ومبطالت.. فإن أتى بلوازمها واجتنب نواقضها استمرت العصمة التي دخلها بمجرد اإلقرار، وإن أتى بناقض

اتقطعت ولم تنفعه الكلمة المجردة بعد ذلك. صلى الله عليه* وبهذا وأمثاله تفهم معنى إنكار النبي

على أسامة لما قتل رجال بعد أن نطق بكلمةوسلم أقتلته بعد أن قال): صلى الله عليه وسلمالتوحيد، وقوله

.. فتلفظه بها إظهار للدخول في اإلسالم،(ال إله إال الله فيعامل بها وبما تستلزمه من عصمة، حتى يصدر منه

صلى الله عليهناقض يقطع تلك العصمة، وإنما أنكر النبي على أسامة قطعه بأنه قالها تقية مخافة السيف،وسلم

وما يدريه لعله صادق سيجتنب نواقضها ويلتزم مقتضياتها وحقوقها بعد ذلك.. فـ"ال إله إال الله" مفتاح الدخول إلى

اإلسالم، يعصم بها دم الداخل ابتداء ثم ال يدوم إسالمه وال تستمر عصمته بعد ذلك، إال بالتزام شروط ذلك المفتاح واجتناب نواقضه.. إذ الدخول في اإلسالم شيء، ودوامصحته بعد ذلك واستمرارها وعدم انتقاضه شيء آخر..



( عند الكالم على279/12يقول الحافظ في الفتح ) (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا ال إله إال الله)حديث:

باب )قتل من أبى قبول الفرائض( من كتاب استتابة وفيه منع قتل من قال ال إله إال الله ولو لم)المرتدين:

يزد عليها وهو كذلك، لكن هل يصير بمجرد ذلك مسلما؟ ، بل يجب الكف عن قتله حتى يختبر فإن(64)الراجح ال

شهد بالرسالة، والتزم أحكام اإلسالم حكم بإسالمه، وإلى.(إال بحق اإلسالم)ذلك اإلشارة باالستثناء بقوله:

)ثم نقل عن البغوي قوله: الكافر إذا كان وثنيا أو ثنويا ال يقر بالوحدانية، فإذا قال ال إله إال الله حكم بإسالمه ثم

يجبر على قبول جميع أحكام اإلسالم ويبرأ من كل دين اهـ.(خالف دين اإلسالم.. إلى آخر كالمه..

وذكر النووي في شرح هذا الحديث عن القاضي عياض اختصاص عصمة المال والنفس بمن قال: ال إله إال)قوله:

الله تعبير عن اإلجابة إلى اإليمان، وأن المراد بهذا

)( قوله )الراجح( إشارة إلى الخالف، وأن الحافظ يرجح هذا،64 والراجح عندنا أن يحكم له باإلسالم ابتداء ويدخل في العصمة ما

دام قد تلفظ بالكلمة للدخول في اإلسالم، وال مانع من التثبت، }وال تقولوا لمن ألقى إليكم السالم لستلقوله تعالى:

فنهانا الله عز وجل عن نفي}فتبينوا{ إلى قوله: مؤمنا..{ اإلسالم عمن أعلن الدخول فيه إال أن يظهر بعد ذلك ناقضا أو

مكفرا - دون مانع من موانع التكفير. فعندئذ ينتفي اإلسالم وتنقطع العصمة، فالدخول في اإلسالم وابتداء العصمة شيء،

واستمرار صحتها وصحة اإلسالم شيء آخر، وهو ما دل عليه قوله . كما أشار الحافظ، وهذا(إال بحق اإلسالم): صلى الله عليه وسلم

الكالم على الداخل لإلسالم حديثا.. أما الرعاع الذين ملؤوا أقطار الدنيا وال يأتون منذ مولدهم وطول دهرهم من اإلسالم إال التلفظ

بهذه الكلمة. مع اإلتيان بنواقضها وعدم التزام شروطها واإلعراض عن تعلم معناها مع توفر مظنة العلم وقيام الحجة عليهم ببلوغ

فهؤالء كفرة معرضون}ألنذركم به ومن بلغ{القرآن إليهم استحبوا الحياة الدنيا على اآلخرة وال ينطبق عليهم الكالم المشار

إليه بحال.



مشركوا العرب وأهل األوثان ومن ال يوحد، وهم كانوا أولمن دعي إلى اإلسالم وقوتل عليه.

فأما غيرهم ممن يقر بالتوحيد فال يكتفي في عصمته إذا كان يقولها في كفره وهي من(ال إله إال الله)بقوله:

وأني رسول الله)اعتقاده فلذلك في الحديث اآلخر: .(ويقيم الصالة ويؤتي الزكاة

وال بد مع هذا من اإليمان بجميع ما)ثم قال النووي: كما جاء فيصلى الله عليه وسلمجاء به رسول الله

الرواية األخرى ألبي هريرة.. )حتى يشهدوا أن ال إله إال اهـ شرح(الله ويؤمنون بي وبما جئت به( والله أعلم

مسلم. إجماع)(: 1/367وحكى الشوكاني في نيل األوطار )

المسلمين على أن هذه األحاديث مقيدة بعدم المانع، ولهذا أولها السلف، فحكى عن جماعة منهم ابن المسيب

أن هذا كان قبل نزول الفرائض واألمر والنهي. وحكى النووي عن بعضهم أنه قال هي مجملة تحتاج إلى شرح، ومعناه من قال الكلمة وأدى حقها وفريضتها، قال: وهذا قول الحسن البصري، وقال البخاري أن ذلك لمن قالها

عند الندم والتوبة ومات على ذلك ذكره في كتاب اهـ.(اللباس..

السؤال الثاني: حاصله، ما حكم األعراب سكان)، (65) ويقول في رسالة )إرشاد السائل إلى داللة المسائل( البادية الذين ال يفعلون شيئا من الشرعيات إال مجرد

التكلم بالشهادة هل هم كفار أم ال وهل على المسلمين من كان تاركا ألركان) قال رحمه الله: - (غزوهم أم ال

اإلسالم وجميع فرائضه ورافضا لما يجب عليه من ذلك من األقوال واألفعال ولم يكن لديه إال مجرد التكلم

بالشهادتين، فال شك وال ريب أن هذا كافر شديد الكفر حالل الدم، وصيانة األموال إنما تكون بالقيام بأركان

اهـ.(اإلسالم ويقول الشيخ حمد بن ناصر بن عثمان آل معمر في

رسالته )الفواكه العذاب في الرد على من لم يحكم قال علماؤنا رحمهم الله إذا)(: 67السنة والكتاب( ص)

قال الكافر ال إله إال الله فقد شرع في العاصم لدمه(.3/88)( الرسالة الخامسة ضمن مجموعة الرسائل المنيرية )65



فيجب الكف عنه فإن تمم ذلك تحققت العصمة وإال قد قال كلصلى الله عليه وسلمبطلت، ويكون النبي

حديث في وقت، فقال: )أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: "ال إله إال الله"( ليعلم المسلمون أن الكافر

المحارب إذا قالها كف عنه وصار دمه وماله معصوما، ثم في الحديث اآلخر أن القتالصلى الله عليه وسلمبين

أمرت أن أقاتل)ممدود إلى الشهادتين والعبادتين. فقال: الناس حتى يشهدوا أن ال إله إال الله وأن محمدا رسول

فبين أن تمام العصمة(الله ويقيموا الصالة ويؤتوا الزكاة ولئال تقع الشبهة بأنوكمالها إنما يحصل بذلك،

اهـ.(مجرد اإلقرار يعصم على الدوام ويقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى

ولهم شبهة أخرى، يقولون: أن)في )كشف الشبهات(: أنكر على أسامة قتل منصلى الله عليه وسلمالنبي

أقتلته بعدما قال: ال إله إال)قال: ال إله إال الله، قال: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا:) وكذلك قوله: (الله؟!

وأحاديث أخرى في الكف عمن قالها.(ال إله إال الله؟) ومراد هؤالء الجهلة أن من قالها ال يكفر، وال يقتل، ولو

فعل ما فعل.. فأما حديث أسامة فإنه قتل رجال ادعى اإلسالم بسبب

أنه ظن أنه ما ادعاه إال خوفا على دمه وماله. والرجل إذا أظهر اإلسالم وجب الكف عنه حتى يتبين ما يخالف ذلك.

يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم}وأنزل الله في ذلك: [، أي: فتثبتوا،94 ]النساء: {في سبيل الله فتبينوا

فاآلية تدل على أنه يجب الكف عنه، والتثبت، فإن تبين {فتبينوا}منه بعد ذلك ما يخالف اإلسالم قتل، لقوله:

ولو كان ال يقتل إذا قالها، لم يكن للتثبت معنى. وكذلك الحديث اآلخر وأمثاله، معناه ما ذكرناه أن من أظهر اإلسالم والتوحيد وجب الكف عنه، إال إن تبين منه ما

(. 24 اهـ مختصرا ص)(يناقض ذلك ويقال أيضا هؤالء أصحاب رسول الله)(: 20وقال ص)

قاتلوا بني حنيفة، وقد أسلموا معصلى الله عليه وسلم وهم يشهدون أن ال إله إالصلى الله عليه وسلمالنبي

الله وأن محمدا عبده ورسوله، ويؤذنون ويصلون. فإن قال: إنهم يقولون: إن مسيلمة نبي. قلنا: هذا هو صلى اللهالمطلوب. إذا كان من رفع رجال إلى رتبة النبي

كفر وحل ماله ودمه ولم تنفعه الشهادتان والعليه وسلم



(66)الصالة، فكيف بمن رفع شمسان أو يوسف أو صحابيا أو نبيا في رتبة جبار السموات واألرض، سبحان الله ما

كذلك يطبع الله على قلوب الذين}أعظم شأنه: اهـ.([59 ]الروم: {ال يعلمون

ونحن نقول بدورنا.. لمرجئة زماننا: إذا كان من رفع كفر وحل مالهصلى الله عليه وسلمرجال إلى رتبة النبي

ودمه لم تنفعه الشهادتان وال الصالة، فكيف بمن رفع )جابرا أو حسنا أو حسينا أو حسنيا( أو غيرهم من األمراء

والرؤساء والملوك، أو نائبا في البرلمان، في رتبة جبار السموات واألرض فجعل له حق التشريع المطلق الذي ال

يكون إال لله تعالى.. وكيف بمن رفع الدستور والقانون في رتبة كتاب الله في الحكم والقضاء والتشريع بين

العباد بل جعله مهيمنا عليه وحاكما عليه فال اعتبار آلية من آياته أو حكما من أحكامه ما لم توافق الدستور

. سبحان الله وتعالى عما يصفون:(67)ويصدق عليها األمير {كذلك يطبع الله على قلوب الذين ال يعلمون}

[.59]الروم: ويقال أيضا: بنو عبيد القداح الذين)ثم قال رحمه الله:

ملكوا المغرب ومصر في زمن بني العباس، كلهم يشهدون أن ال إله إال الله وأن محمدا رسول الله،

ويدعون اإلسالم، ويصلون الجمعة والجماعة فلما أظهروا مخالفة الشريعة في أشياء دون ما نحن فيه، أجمع

العلماء على كفرهم وقتالهم، وأن بالدهم بالد حرب، وغزاهم المسلمون حتى استنقذوا ما بأيديهم من بلدان

اهـ.(المسلمين وذلك)ويقول أيضا في مختصر السيرة في شأن التتار: أنهم بعدما فعلوا بالمسلمين ما فعلوا، وسكنوا بالد

)( يوسف وشمسان وكذا الخضر وأبو علي واألشقر. أسماء66 تتكرر في كتب الشيخ، وقد كانت قبورا وقبابا يدعوها مشركوا

الكويت والعراق وغيرهم من دون الله في زمن الشيخ انظر )مصباح الظالم( للشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل

الشيخ. )( إن كان هذا كله مما يخفى على القارىء فوا أسفاه على عمر67

يضيع دون أن يتبصر المرء بطواغيت زمانه ويكفر بها.. فليراجعفي ذلك كتابنا )كشف النقاب عن شريعة الغاب(.



المسلمين وعرفوا دين اإلسالم: استحسنوه وأسلموا، لكن لم يعملوا بما يجب عليهم من شرائعه، وأظهروا

أشياء من الخروج عن الشريعة ولكنهم كانوا يتلفظون بالشهادتين، ويصلون الصلوات الخمس والجمعة

والجماعة.. ومع هذا كفرهم العلماء، وقاتلوهم وغزوهم، حتى أزالهم الله عن بلدان المسلمين. وفيما ذكرنا كفاية لمن هداه الله. وأما من أراد فتنته: فلو تناطحت الجبال

اهـ مختصرا. (بين يديه لم ينفعه ذلك ويقول حفيده الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن

وجميع - هذه)حسن في كتابه )مصباح الظالم(: االعتراضات - بناء على معتقد باطل، وهو أن من تفوه

بالشهادتين ال يضره ذنب، وال يخل بإيمانه وال ينقض إسالمه شرك وال تجهم.. وال غير ذلك من المكفرات.. حتى المباني ال تعتبر عند هؤالء الضالل.. ومعرفة هذا

(القول وتصوره يكفي في بطالنه عند من عرف اإلسالم( مختصرا. 114اهـ ص)

وأهل العلم واإليمان ال)ويقول أيضا في الدرر السنية: يختلفون في أن من صدر منه قول أو فعل يقتضي كفره

أو شركه أو فسقه أنه يحكم عليه بمقتضى ذلك، وإن كان ممن يقر بالشهادتين ويأتي ببعض األركان، وإنما يكف عن

الكافر األصلي إذا أتى بهما، ولم يتبين منه خالفها.(68) اهـ(ومناقضتها، وهذا ال يخفى على صغار الطلبة

قلت: ومع هذا يجادل فيه شيوخ مرجئة زماننا وكبار رؤوسهم، فضال عن مقلدتهم ورعاعهم.. وهذا ما جعل من

أكثرهم جندا محضرين للطواغيت، وأنصارا متطوعين يجادلون عنهم ويذودون، ويدفعون في صدر نصوص

الكتاب والسنة بشبهاتهم الساقطة، وبأقوالهم الضالةالمتهافتة التي ال تروج على من عرف التوحيد وحقيقته.

وهكذا فإن النصوص التي ذكر فيها تعلق العصمة ودخول الجنة بقول ال إله إال الله، جاءت أحيانا مطلقة، وأحيانا أخرى مقيدة باليقين أو اإلخالص أو العلم. وأحيانا

. (69)ربطت معها حقوقها من الصالة والزكاة وهكذا

( من جزء مختصرات الردود، من الدرر.355)( ص)68 أحدهما:))( أجاب شيخ اإلسالم ابن تيمية عن مثل هذا بجوابين: 69

كان يجيب - السائل - بحسبصلى الله عليه وسلمأن النبي



وجميعها نصوص تتكلم في حكم وسبب واحد، فيحمل المطلق فيها على المقيد كما هي طريقة أهل العلم..

وهؤالء المرجئة كغيرهم من فرق الضاللة، همج رعاع ال يأخذون من العلم إال ما وافق أهواءهم، فينطلقون إلى تلك النصوص المطلقة، فيبنون عليها مذاهبهم الفاسدة

وشبهاتهم الساقطة التي عرفت، ويكتمون مقيداتها. وهذه في الحقيقة ليست مخالفة لطريقة أهل العلم وحسب،

بل هي بال شك من التالعب في دين الله وافتراء الكذب على الله سبحانه، إذ هو تحريف للكلم عن مواضعه، وتعد

لحدود الله التي حدها ووضع كالمه عليها، وتدليس إن الذين يفترون على الله الكذب ال}وتلبيس.. [.116 ]النحل: {يفلحون

وكذلك يفعلون بالنصوص التي تروى عن األئمة، ، أو يأخذون منها ما يوافق أهواءهم،(70)فيقطعون كالمهم

ونحن وإن كنا نعتقد بأنه ال حجة في الدين بغير كالم الله ، إال أنه من اإلنصاف أن الصلى الله عليه وسلمورسوله

يحمل كالم أحد ما ال يحتمله، وأن يحمل المطلق من عباراتهم على المقيد منها في المسألة الواحدة، ال كما

يفعله هؤالء الضالل من ذكر ما يوافق مذاهبهم الفاسدة وطرح ما ال يوافقها أو التكتم عليه.. وهذا مناقض لألمانة. وليس هو من طريقة السلف وأهل الحديث، بل هذا منهج

أهل األهواء الذين من أخبثهم المرجئة.. فأهل األهواء يروون ما لهم فقط، وأما أهل الحديث فيروون ما لهم

وما عليهم.. ومن أمثلة هذا مما قد يتعلق به هؤالء في موضعنا هذا

كانوا)مما ينسب لإلمام أحمد أنه اتبع الزهري في قوله:

نزول الفرائض. وأول ما فرض الله الشهادتين، ثم الصالة.. كان يذكر فيصلى الله عليه وسلمأن النبي ) والثاني: (وهكذا..

كل مقام ما يناسبه، فيذكر تارة الفرائض الظاهرة التي تقاتل على تركها الطائفة الممتنعة كالصالة والزكاة، ويذكر تارة ما يجب

على السائل، فمن أجابه الصالة والصيام لم يكن عليه زكاة ،7/605 إلى آخر كالمه فراجعه في الفتاوي )(يؤديها.. وهكذا..

607.) )( انظر أمثلة صريحة لهذا من كتاباتهم في كتابنا )تبصير العقالء70

بتلبيسات أهل التجهم واإلرجاء(.



ليحكموا باإلسالم(يرون اإلسالم الكلمة، واإليمان العمل على من اكتفى بالشهادتين وإن لم يلتزم األعمال

والفرائض دهره.. ثم يخلصون منه إلى إسالم من تلفظ بهما وإن جاء بقراب الدنيا من النواقض.. ليصلوا في النهاية إلى الترقيع لطواغيتهم والحكم بإسالمهم، وما

يلزم من ذلك من مواالة وعصم للدماء واألموال، فيساهمون بهدم الدين وطمس أوثق عراه ومحو آثاره

ومعالمه األصيلة.. شعروا أو من حيث ال يشعرون. فيقال لهم: على رسلكم.. فما هكذا تورد اإلبل.. وفيما قدمناه الكفاية في إبطال هذا، ولكن الكالم ها هنا على

عبارة اإلمام أحمد.. مع أن الحجة كما قلنا ليست في كالم أحمد وال غيره وإنما الحجة قال الله قال رسوله

، وقد تكلم شيخ اإلسالم في مجموعصلى الله عليه وسلم وهذا على)( على هذه العبارة فقال: 7/258الفتاوى )

وجهين، فإنه قد يراد به الكلمة بتوابعها من األعمال صلى الله عليهالظاهرة، وهذا هو اإلسالم الذي بينه النبي

اإلسالم: أن تشهد أن ال إله إال الله وأن) حيث قال: وسلم محمدا رسول الله وتقيم الصالة وتؤتي الزكاة وتصوم

، وقد يراد به الكلمة فقط من غير(رمضان وتحج البيت فعل الواجبات الظاهرة، وليس هذا هو الذي جعله النبي

اإلسالم. لكن قد يقال: إسالمصلى الله عليه وسلم األعراب كان من هذا، فيقال: األعراب وغيرهم كانوا إذا

ألزمواصلى الله عليه وسلمأسلموا على عهد النبي باألعمال الظاهرة: الصالة والزكاة والصيام والحج، ولم

يكن أحد يترك بمجرد الكلمة. بل كان من أظهر المعصيةيعاقب عليها.

وأحمد إن كان أراد في هذه الرواية أن اإلسالم هو الشهادتين فقط، فكل من قالها فهو مسلم، فهذه إحدى

الروايات عنه. والرواية األخرى: ال يكون مسلما حتى يأتي بها ويصلي، فإذا لم يصل كان كافرا. والثالثة: أنه كافر بترك الزكاة أيضا. والرابعة: أنه يكفر بترك الزكاة إذا

قاتل اإلمام عليها دون ما إذا لم يقاتله. وعنه أنه لو قال: أنا أؤديها وال أدفعها إلى اإلمام لم يكن لإلمام أن يقتله، وكذلك عنه رواية أنه يكفر بترك الصيام والحج إذا عزم

أنه ال يحج أبدا. ومعلوم أنه على القول بكفر تارك المباني يمتنع أن

بل المراد أنه إذا أتىيكون اإلسالم مجرد الكلمة، اهـ.("بالكلمة دخل في اإلسالم



وقد عرفت فيما تقدم الفرق بين الدخول في اإلسالم وابتداء العصمة والموت بعد ذلك مباشرة، وبين ما يلزم

لدوام صحة اإلسالم واستمرار العصمة. ومما تقدم يظهر لك أيضا بطالن احتجاجهم لطواغيتهم

أخرجوا - من النار)وعبيدهم، بحديث "البطاقة" وبحديث وكذا حديث(- من كان في قلبه حبة خردل من إيمان

الجهنميين الذين يخرجهم الله عز وجل من النار دون أن) ونحوها. فقد عرفت أن طريقة أهل(يعملوا خيرا قط

العلم في ذلك ربط األحاديث ببعضها، والجمع بين األخبار ما أمكن إلى ذلك سبيال، ودفع ما يتوهم من تعارضها

بحمل المطلق على المقيد والعام على الخاص،والمتشابه على المحكم، وهكذا..

وأن الفرح بشيء من ذلك وحده واالنطالق به وبناء القواعد والجبال عليه وحده، دون فهمه بربطه مع غيره

هي طريقة أهل األهواء - ومنهم القوم الذين نحن بصددهم أعني المرجئة - حيث يطيرون بهذه األحاديث كل

مطير. يقول الشيخ حمد بن ناصر بن معمر في الدرر السنية:

إن القرآن فيه آيات محكمات هن أم الكتاب، وأخر) متشابهات، فيرد المتشابه إلى المحكم، وال يضرب كتاب

، وكذلك السنة: فيها محكم ومتشابه(71)الله بعضه ببعض فيرد متشابهها إلى المحكم، وال يضرب بعضها ببعض،

ال يتناقض بل يصدقصلى الله عليه وسلمفكالم النبي )( كما احتج علي بعضهم - وهو مع األسف ممن ينتسبون إلى71

}وما يؤمن أكثرهم بالله إال وهمطلب العلم - بقوله تعالى: على إمكان أن يشرك اإلنسان بالله الشرك األكبرمشركون{

ومع هذا ال يفارق اإليمان ويبقى مصيره مصير الموحدين، وسماه )كافرا مليا(، وهذا مما لم يسبقه إليه أحد، وإنما الصواب

فاسق ملي()المستعمل في هذه اللفظة عند أهل العلم قولهم: أي أنه عاص ال يخرج بعصيانه عن ملة اإلسالم، أما الكافر فال ينسب إال إلى ملته الكفرية.. وأما القول في تفسير اآلية، فهو واضح معروف في متناول اليد في أي تفسير من تفاسير أهل

السنة، وخالصة ما قيل فيها إن حملت على الشرك األكبر ال يخرجعن اآلتي:



بعضه بعضا، والسنة توافق القرآن وال تناقضه، وهذا أصل عظيم يجب مراعاته، ومن أهمله فقد وقع في أمر عظيم

اهـ من جزء مختصرات الردود. (وهو ال يدري وقد فصل الشاطبي رحمه الله تعالى ذلك قبله أحسن

إن ذوي االجتهاد ال يقتصرون على التمسك)تفصيل فقال: بالعام حتى يبحثون في مخصصه وعلى المطلق هل له

مقيد أم ال؟ فالعام مع خاصه هو الدليل، فإن فقد الخاص، صار العام - مع إرادة الخصوص فيه - من قبيل المتشابه،

وصار ارتفاعه - أي الخاص - زيفا وانحرافا عن الصواب. وألجل ذلك عدت المعتزلة من أهل الزيغ حيث اتبعوا

[40 ]فصلت: {اعملوا ما شئتم}نحو قوله تعالى: وتركوا مبينه..

إن الحكم}وكذلك الخوارج حيث اتبعوا قوله تعالى: يحكم به ذوا}[ وتركوا مبينه: 40]يوسف: {إال لله

فابعثوا حكما من أهله}، وقوله: {عدل منكم. {وحكما من أهلها

- إما أن يراد بها المشركون من عبدة األوثان الذين يؤمنون }ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله{بالربوبية:

ويشركون في العبادة. - أو يراد مشركوا أهل الكتاب، آمنوا بالله وكفروا برسالة محمد

. صلى الله عليه وسلم- أو يراد المنافقون، آمنوا باللسان وكفروا بقلوبهم.

وجميع أنواع اإليمان هذه باالتفاق غير منجية من النار وأصحابهاباالتفاق ليس لهم مصير الموحدين.

* وال يجوز أن يحمل اإليمان المذكور باآلية على إيمان المسلمين المنجي من النار، إال أن يراد بالشرك المقرون معه، الشرك

األصغر.. وهذه في الحقيقة من المسلمات البدهيات عند صغارالطلبة، ولكن الخصومة أحيانا تعمي وتصم..



{والله خلقكم وما تعملون}واتبع الجبرية قوله: جزاء بما}[، وتركوا بيانه، وهو قوله: 96]الصافات:

[.82 ]التوبة: {كانوا يكسبون وهكذا سائر من اتبع هذه األطراف من غير نظر فيما

وراءها، ولو جمعوا بين ذلك ووصلوا ما أمر الله به أن يوصل، لوصلوا إلى المقصود. فإذا ثبت هذا فالبيان مقترن بالمبين، فإذا أخذ المبين من غير بيان صار

متشابها، وليس المتشابه في نفسه، بل الزائغون أدخلوا (فيه التشابه على أنفسهم فضلوا عن الصراط المستقيم

اهـ مختصرا. قلت: وكذلك أفراخ المرجئة، يتبعون أمثال تلك األخبار، ويتمسكون بها ليرقعوا بها دين أهل الشرك والضالل من طواغيت الحكام وعبيدهم وأنصارهم وأشياعهم، ويتركون

مبينها مما تقدم من أن المراد تحقيق التوحيد والبراءة من الشرك والتنديد، والموت على ذلك، بل واإلتيان من

األعمال بما ال يصير المرء مسلما إال به. فيكون المراد بالسجالت التي وضعت في الكفة

المقابلة للبطاقة صغائر الذنوب وكبائرها مما ال ينقض التوحيد.. والمراد بالبطاقة تحقيق التوحيد والكفر والبراءة

مما يعبد من دون الله لزاما.. وكذلك الشأن فيمن قيل فيهم لم يعملوا خيرا قط، أي

فوق مقتضيات التوحيد المنجية من الخلود في النار.. أخرجوا - أي من النار - من كان في قلبه)وكذا حديث:

قال الحافظ ابن حجر في الفتح )(حبة خردل من إيمان (: والمراد بحبة الخردل هنا ما زاد من األعمال على1/73

أخرجوا من قال)أصل التوحيد. لقوله في الرواية األخرى: اهـ.(ال إله إال الله وعملوا من الخير ما يزن ذرة

ثم نحن نوجه إلى مرجئة العصر هؤالء سؤاال واضحا ال نرضى عنه حيدة وال محيصا.. هؤالء الذين احتججتم بهم

في هذه األحاديث إلنقاذ طواغيتكم من الكفر، هل يقولون صلى الله عليهال إله إال الله وينكرون بعثة محمد

؟؟ وسلمأو يقولون: ال إله إال الله وأن مسيلمة رسول الله؟؟



أو يقولون: ال إله إال الله وأحمد غالم ميرزا رسولالله؟؟

أو يقولون: ال إله إال الله وأن الله هو علي بن أبي طالب أو المسيح أو غيره من الخلق؟؟ ومع هذا خرجوا

من النار وكان مصيرهم مصير الموحدين؟؟ فإن قالوا بذلك فقد أشهدوا الثقلين على فساد عقولهم

وتجرئهم على دين الله بل وعلى كفرهم وزندقتهموإلحادهم في دين الله.

وإن نفوه.. سألناهم أبدليل من تلك األحاديث ذاتها، نفيتم ذلك أم

بدليل غيره؟؟ فإن قالوا: من ذات األحاديث، كذبوا وطالبناهم به ولن يستطيعوه.. وإن قالوا: من خارج

األحاديث.. لزمهم ولزم كل أحد أن أمثال هذه األحاديث التفهم بمجردها، وإنما بمجموع النصوص المبينة لها..

* وبمثل هذا يلزمون إن احتجوا بحديث حذيفة الذي يدرس اإلسالم كما)أخرجه الحاكم وابن ماجه:

ويسرى على كتاب الله عز وجليدرس وشي الثوب في ليلة فال تبقى من األرض منه آية ويبقى طوائف من الناس الشيخ الكبير والمرأة العجوز يقولون: "ال إله إال الله" أدركنا آباءنا على هذه الكلمة فنحن نقولها وهم ال يدرون ما صالة وال صدقة وال نسك، فقال صلة بن زفر

لحذيفة: ما تغني عنهم ال إله إال الله وهم ال يدرون ما صالة وال صيام وال صدقة وال نسك؟ فأعرض عنه حذيفة

ثالثا، ثم قال: يا صلة تنجيهم من النار. والحديث قد صححه األلباني مع أن في إسناده أبا

معاوية محمد بن خازم التميمي السعدي الكوفي الضرير وهو مدلس مضطرب الحديث، ال تقوم بحديثه حجة في

غير األعمش كما ذكر األئمة. وهو ها هنا قد رواه من غير طريق األعمش وقد عنعن أيضا، أضف إلى هذا أنه كان

.(72)يرى اإلرجاء!

)( وقد رجح ابن حجر في نخبة الفكر وشرحه نزهة النظر، رد72 رواية المبتدع إذا كانت مما يقوي وينصر بدعته، فهي ها هنا من

هذا الباب، فكيف إذا انضاف إلى هذا التدليس واالضطراب.



وعلى كل حال.. فبفرض صحة الحديث، فإن القوم كما قلنا يلزمون بما قدمناه من ضرورة فهمه على ضوء غيره

يقولون ال إله إال)من األحاديث المبينة.. فيحمل قوله: أي: يحققون التوحيد ويجتنبون الشرك والتنديد،(الله

وليس التلفظ بالكلمة مجردة.. ثم هؤالء لم يبلغهم القرآن وال شيء من شرائع الدين،

فعلى فرض وقوع مثل ذلك بعد ختم الرسالة، وقد حققوا التوحيد فقد أتوا باإليمان الواجب عليهم وعلى أمثالهم،

وأوحي إلي}ألن اإلنذار إنما يكون بكتاب الله تعالى: [،19 ]األنعام: {هذا القرآن ألنذركم به ومن بلغ

وهؤالء لم يبلغهم كتاب الله، فتحقق أن جهلهم بشرائع الدين ومبانيه الواجبة لم يحصل عن تقصير في طلب

الحق أو إعراض، وإنما لرفع الكتاب وهو أمر قهري خارج عن إرادتهم، فيعذرون بتفاصيل تلك الشرائع التي ال

تعرف إال عن طريق الوحي ما داموا قد حققوا الحنيفية. (73)التي فطر الله الناس عليها

وحالهم قريب من حال من حقق التوحيد قبل البعثة، كزيد بن عمرو بن نفيل فإنه من القوم الذين قال الله

لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم}تعالى فيهم: لتنذر قوما ما أتاهم}[، وقال: 6]يس: {غافلون

[ فما بلغته من46 ]القصص: {من نذير من قبلك تفاصيل الصالة والصيام وال الزكاة المفروضة علينا وال

أتى بشيء منها.

)( بخالف من بلغه القرآن فأعرض عنه ولم يحقق التوحيد، فإنه73 يؤاخذ بالفروع واألصول وال يعذر بشيء من ذلك على الصحيح.

}ما سلككم في سقر * قالوا لم نك منقال تعالى: المصلين * ولم نك نطعم المسكين * وكنا نخوض مع

الخائضين * وكنا نكذب بيوم الدين * حتى أتانا اليقين * }إنه كان ال، وقال تعالى: فما تنفعهم شفاعة الشافعين{

يؤمن بالله العظيم * وال يحض على طعام المسكين{ فتأمل ما في مؤاخذتهم من فروع وأصول، والكالم في هذا يطول،

وتفاصيله تجدها في رسالتنا )الفرق المبين بين العذر بالجهلواإلعراض عن الدين(.



ومع هذا عذر فيها ألنه حقق أصل اإليمان الواجب في حقه وحق كل أحد كامال أال وهو الحنيفية، اجتناب الشرك

وتحقيق أصل التوحيد.. فكان على ملة إبراهيم.. فأخبر أنه يبعث أمة وحده يوم القيامة.. النبي

صلى الله عليهبل حالهم كحال من آمن بعد بعثة النبي ومات بمكة قبل نزول الشرائع فقد أتى هؤالءوسلم

باإليمان الواجب عليهم آنذاك، ما داموا قد حققوا التوحيد صلىواجتنبوا الشرك والتنديد وشهدوا برسالة نبينا محمد

.. الله عليه وسلم وهذا الجواب كله إنما يكون بعد إثبات صحة الحديث، وصحة كون زيادة "يا صلة تنجيهم من النار" مرفوعة ال

مدرجة من قول حذيفة رضي الله عنه.. والحاصل مما تقدم كله أن يتيقن الموحد من أن

"تحقيق التوحيد والبراءة مما يضاده من كل شرك مخرج من الملة وتنديد" أصل الدين وقاعدته، وقوام دعوة

الرسل وقطب رحاها.. وأن جميع الشرائع جاءت لحفظه وتحقيقه وصيانته، وأن هذا أمر محكم ال يتطرق إليه

التشابه بحال.. فالواجب مع كل خبر يشتبه على أحد من الناس أو

يتوهمه المتوهمون معارضا لهذا األصل المحكم، أن يدرج تحته ويحمل عليه، ألنه هو )أم الكتاب وأصله( ال أن يصادم به ويعارض، فضال عن أن يسعى لهدمه بتلك

األخبار كما يفعله مرجئة العصر ألجل سواد عيون فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون}طواغيتهم..

ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إال الله والراسخون في العلم

يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إال[.7 ]آل عمران: {أولوا األلباب

نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياك من الراسخين فيالعلم..

ال يمكن أن تعارض)يقول الشاطبي في االعتصام: الفروع الجزئية األصول الكلية، ألن الفروع الجزئية إن لم تقتض عمال فهي في محل التوقف، وإن اقتضت عمال فالرجوع إلى األصول هو الصراط المستقيم، فمن عكس

اهـ.(األمر حاول شططا ودخل في حكم الذم



وفي هذا القدر الكفاية لطالب الحق في هذا الباب. وأما من يرد الله فتنته، فلن تملك له من الله شيئا.



شبهةأن الطواغيت وعبيدهم )يصلون(

ومما تقدم يظهر لك بطالن شبهة أخرى من شبهاتهم، أال وهي احتجاجهم بأن بعض هؤالء الطواغيت وعبيدهم )يصلون(.. ويذكرون نصوصا تذكر فيها الصالة كعاصم

للدم، فيظنون أنها وحدها العاصم، وأن كل من صلى كان مسلما معصوم الدم والمال وإن اقترف من نواقض

اإلسالم ما اقترف. أليس يصلي؟؟ وقد علمت أن مثل هذه النصوص تجمع مع مبيناتها من

النصوص األخرى فيحملها السلف على المصلين الملتزمين للتوحيد المجتنبين للشرك والتنديد وغيره من

نواقض اإلسالم ولو ظاهرا.. ولم يفهم أحد من السلف أن أمثال هؤالء الذين قيلت

فيهم تلك األحاديث، كانوا مسلمين معصومين بالصالة وحدها، مع تحاكمهم للطاغوت ونصرته واتباعه مثال.. أو مع الطعن في دين الله، أو االستهزاء بشرائعه.. ونحوه

ال تعتذروا}من النواقض.. وقد تقدم قول الله تعالى: [، فإنها نزلت في66 ]التوبة: {قد كفرتم بعد إيمانكم

أناس مظهرين لإلسالم والصالة بل والجهاد - فقد كانوا في غزوة تبوك -صلى الله عليه وسلمخارجين مع النبي

فكفرهم الله رغم ذلك كله لما أتوا بناقض من نواقض اإلسالم.. وقد قدمنا لك من أمثال هذا كثير مما يدل على

بطالن هذا الفهم السقيم.. وأكثر هؤالء الذين يسيئون فهم هذه النصوص أو يلوون أعناقها، تجدهم يكفرون تارك

الصالة ويحكمون عليه بحكم المرتد فيبطلون نكاحه ويبينون عنه زوجته المسلمة ويمنعون إرثه من أهله

المسلمين ونحو ذلك من لوازم الردة.. ويترددون في الوقت نفسه في تكفير طواغيت المشرعين وعبيدهم، مع

أن سلب اإلسالم واإليمان عن تارك الكفر بالطاغوت، أولى من سلبه عن تارك الصالة.. ألن الكفر بالطاغوت

فرض يوم أن فرض، ولم يكن ثم صالة وال زكاة وال غيرها.. فكان في وقت من األوقات وحده مع اإليمان

صلى الله عليهبالله واإلقرار بأن محمدا رسول الله عاصما للدم وعالمة على اإلسالم واإليمان إلىوسلم

حين.. كما تقدم.. وألن الصالة بعد فرضها أيضا لم تصح



وال تصح أبدا إال بتحقيق ذلك الركن العظيم وهذا معلوم بإجماع المسلمين.. فال يسمى تارك الكفر بالطاغوت

مسلما وال مؤمنا وإن كان معه شعبة أو شعب من اإلسالم واإليمان، الصالة وغيرها، حتى يحقق التوحيد

ويكفر بالطواغيت.. بل لو جاء بجميع الشعب اإليمانية لم تنفعه ما دام قد ترك أعلى هذه الشعب وشرط صحتها

كلها.. فمن هذا تعلم بطالن احتجاجهم للطواغيت المصلين!! بهذه األحاديث كالحديث الذي يرويه مسلم عن أم سلمة

ستكون أمراء) قال: صلى الله عليه وسلمأن النبي فتعرفون وتنكرون فمن عرف برىء ومن أنكر سلم،

ال ما) قالوا: أفال نقاتلهم؟ قال: (ولكن من رضي وتابع فأصل السؤال حول الخروج على أئمة الجور..(صلوا

ومرجئة العصر تدور أعينهم من الخوف عند ذكر ذلك، ويعدونه من الفتنة وفكر الخوارج!! وإن كان في أئمة

الكفر.. فذكر الصالة هاهنا كما ذكر أهل العلم إشارة إلى إقامة الدين والتوحيد، بدليل ما تقدم من أن الصالة ال تغني مع نقض أصل التوحيد شيئا.. فقد يكون الرجل مصليا مزكيا

ومجاهدا ومع هذا يكفر ويحل ماله ودمه بمجرد وقوعه بناقض من نواقض "ال إله إال الله"، ولذا قال النووي فيه:

ففيه معنى(ال ما صلوا) قال: (أفال نقاتلهم؟)وأما قوله: ) ما سبق أنه ال يجوز الخروج على الخلفاء بمجرد الظلم

اهـ.(والفسق ما لم يغيروا شيئا من قواعد اإلسالم وقد علمت أن الدخول إلى اإلسالم ليس بالصالة

وحدها، بل ال بد قبل ذلك من )تحقيق التوحيد والبراءة من الشرك والتنديد(، وهذه أهم قواعد اإلسالم وأجلها،

وقد علمت أن القوم قد هدموها. وماذا تغني الصالة والزكاة والصيام والحج وبناء المساجد وتوقيف األوقاف

وغير ذلك مما ليست الخصومة حوله، مع هدم أصل الدين ونقض كلمة اإلخالص التي ال يقبل شيء من ذلك بدونها،

ولم يفرض إال بعدها، وهي أعظم قواعد الدين التي ينهدم الدين وتغدوا األعمال هباء منثورا بانهدامها.. وأعني بذلك

هاهنا، ابتغاء غير الله حكما واتخاذه إلها وربا مشرعا، وإلزام الناس الدخول في دينه واتباع تشريعه المضاد

لشرع الله، وتسميته بالعدالة والله يعلم وكل من هدى قلبه، أنه الكفر والشرك والضاللة، مع الصد عن دين الله،

ومحاربة أولياء الله.. ثم يقال: يصلي أو يصلون..!!



يقول الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ في )مصباح فمن جعل اإلسالم هو اإلتيان)(: 328الظالم( ص)

بأحد المباني فقط، مع ترك التزام توحيد الله (والبراءة من الشرك فهو أجهل الناس وأضلهم

اهـ. وهؤالء الجهلة يقرون بأن من أنكر البعث، كفر وقتل

ى وقال ال إله وحل ماله ودمه وإن صلى وصام وحج وزك إال الله وزعم أنه يعتقدها.. وأن من قال بنبوة أحد بعد

كالبهائية والبابية ونحوهم أنهمصلى الله عليه وسلمالنبي يكفرون بذلك، وتحل أموالهم ودماءهم وإن صلوا وصاموا

وحجوا وزكوا وقالوا ال إله إال الله ألف ألف مرة.. وأن من قال بزيادة القرآن ونقصانه وخون الصحابة

وكفرهم وطعن في عرض المطهرة الصديقة بنت الصديق، أنه يكفر وإن صلى وصام وحج وزكى وأعطى

الخمس!! وشيد المساجد وقال ال إله إال الله وأقسم علىاعتقاده بها.

ثم إذا ذكرنا لهم كفريات طواغيتهم الصريحة ونواقضهم القبيحة، نفروا نفور الحمر، وقايسوهم بقياس فاسد

متشعب الفوارق، بأئمة الجور المحكمين لشرع الله..!! فبعدا للقوم الظالمين.(يصلون)وقالوا:



شبهة ومن لم يحكrم بما أنزلأن قوله تعالى:

ون( rالكافر rمrفأولئك ه rاللهنزلت في اليهود وهي خاصة بهم

ولهم شبهة أخرى في الترقيع للطواغيت المشرعين المعبودين من دون الله، وهي قولهم أن قوله تعالى:

ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم} [ نزلت في اليهود، وهي خاصة44 ]المائدة: {الكافرون

بهم. والرد على هذا من وجوه..

- أولها: أن تعلم أن األصل في منطوق هذه اآلية أن ، إذ ورود التعريف فيها(74)يراد بها الكفر األكبر الصراح

يدل على إرادة الكفر الحقيقي.. "فأولئك" تعريف، و"هم" تعريف، و"الـ" تعريف، فال يوجد تعريف أقوى من هذا،

(أولئك هم أحق بوصف الكفر من غيرهم)فكان المعنى: (75).

وهذا مثل ما روي في الحديث: )فأولئك هم الشهداء( "يعني أنهم مخصوصون بالشهادة دون سائر الشهداء..

كما يستفاد من الجملة اإلسمية المعرفة الطرفين، ومن.(76)ضمير الفصل المقحم بين المبتدأ والخبر"

)( وال يمنع هذا من استعمالها في األصغر من باب ردع وتخويف74 العصاة والظلمة، كما يفعله كثير من أهل العلم في آيات الوعيد.

ال يستبعد أن ينتزع مما أنزل الله في المشركين)يقول القرطبي: واستدل باستشهاد عمر رضي الله عنه(أحكام تليق بالمسلمين

اآلية}أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا..{بقوله تعالى: ثم قال: وهذه اآلية نص في الكفار، ومع ذلك فهم عمر الزجر عما

(يناسب أحوالهم بعض المناسبة، ولم ينكر عليه أحد من الصحابةاهـ.

(.412)( حد اإلسالم وحقيقة اإليمان ص)75



يقول الشيخ عبد المجيد الشاذلي في )حد اإلسالم( في اللفظ على إطالقه، وليس منكر)(: 412هذه اآلية ص)

إثنان في): صلى الله عليه وسلمفي اإلثبات كقوله بل هو من(الناس هما بهم كفر، الطعن بالنسب.. الخ

المعرف بالالم، ليس من المنكر. وال هو من المقيد كما سمي المني ماء{من ماء دافق}في قوله تعالى:

تسمية مقيدة، ولم يدخل في االسم المطلق حيث قال: اهـ.([43 ]النساء: {فلم تجدوا ماء فتيمموا}

فاألصل إذن أن يحمل الكفر في هذه اآلية على إطالقه وعلى حقيقته الشرعية األصلية، وال ينقل عن ذلك فيصار

به إلى المجاز أو يقيد إال بدليل... - الوجه الثاني: أن تعلم، أن هذا األمر - أعني كون اآلية تتكلم عن الكفر األكبر المخرج عن الملة - هو الذي جعل

كثير من السلف يقولون في تأويلها، أنها في الكفار أو في اليهود أو أهل الكتاب، كما ثبت عن البراء بن عازب

في صحيح مسلم قوله: )في الكفار كلها(، أي ليست في العصاة من المسلمين، فهي تتكلم عن الكفر المخرج عن

الملة وليست في المعاصي والذنوب غير المكفرة.. وإنما أرادوا بذلك الرد على الخوارج بأنها ال تحمل على

ظاهرها إذا قيلت في حق المسلمين المخطئين أو العصاة أو الظلمة، ألن حملها على ذلك تنزيل لها في غير مناطها، إذ هي في الكفار المبدلين لقواعد الدين

وحدوده، المشرعين مع الله ما لم يأذن به الله، الذينيفعلون كما فعل اليهود ونحوهم..

فإن وقع أحد بمثل ما وقعوا فيه فاآلية تتناوله على ظاهرها.. وإن كان المتكلم فيهم من العصاة أو الظلمة أو

المخطئين، فال يصح تنزيل اآلية فيهم على ظاهرها، إال بتأويل أن المراد الجحود أو االستحالل أو نحوه.. وكذلك

يفعل علماؤنا المحققون. فافهم هذا جيدا، فإنه يقطععلى مرجئة العصر شبهاتهم في هذا الباب..

وقد وجدت للشاذلي في كتابه )حد اإلسالم وحقيقة أن الخوارج)( ملخصه: 407اإليمان( كالما نحو هذا ص )

أرادوا أن يدخلوا. في )من( طغيان الحكم وجور القضاء )( الدرر السنية من كالم الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن76

(.157حسن في جزء الجهاد ص )



ومطلق المخالفة الشرعية، وأن ال يكتفوا بتكفير اإلمام بمعصية حتى يكفروا معه الرعية، وهذا أمر معلوم بطالنه

صلىمن الدين بالضرورة، ولهذا أنكره صحابة رسول الله والتابعون وتابعوهم من أهل القرونالله عليه وسلم الثالثة األولى، وقالوا ما قالوه في تفسير هذه اآليات ردا

(عليهم، وكالمهم في هذا كان حسب الحاجة الحاضرةاهـ.

وذكر مسلك مرجئة العصر - المتقدم - في االستناد إلى قول ابن عباس وأبي مجلز وغيرهما - في ردهم على

مسلك الخوارج -، ليستدلوا بذلك على أن من رد األمر عند التنازع إلى شريعة أخرى غير شريعة الله ال يخرج

فالخوارج أبقوا الحكم على)بذلك من الملة.. ثم قال: ظاهره وصرفوه إلى غير مناطه، وهؤالء أولوه في مناطه

اهـ.(وفي غير مناطه.. - الوجه الثالث: أن يقال، وألجل ما تقدم، فإن من قال

أنها نزلت في اليهود لم يمنع، أنها عامة تتناول كل من وقع فيما وقعوا فيه.. إذ العبرة في النصوص الشرعية العامة عموم اللفظ ال خصوص السبب. و)من( سواء

كانت موصولة أو شرطية أو استفهامية فإنها من صيغ العموم - كما هو معلوم عند أهل األصول - وقد وقعت

في هذه اآلية في معرض الشرط.. فتعم وتتناول كل من يشمله اللفظ إطالقا وإن كان أول نزولها في قوم

معنيين.. واألصل في اللفظ العام تناوله لجميع أفراده وال يصار

إلى الخصوص إال بدليل.. يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية في كالمه على التتار:

صلىفإن نصوص الكتاب والسنة الذين هما دعوة محمد ) يتناوالن عموم الخلق بالعموم اللفظي أوالله عليه وسلم

بالعموم المعنوي، وعهود الله تعالى في كتابه وسنة تتناول آخر هذه األمة كماصلى الله عليه وسلمرسوله

.(77) اهـ(تناولت أولها ويقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله تعالى

القول: )إن خطاب الله في كتابه)في الدرر السنية: وخطاب رسوله في سنته إنما يتعلق بمن نزل بسببهم

(.84)( نقال عن الدرر السنية - جزء الجهاد ص)77



دون غيرهم( هذا ال يقوله أبلد الناس وأجهلهم بالشريعة وأحكامها، بل ال يتجاسر أن يقوله أحد ممن يجادل

بالباطل صونا لنفسه عن التجهيل والتضليل، ألن هذه ، ولما يلزم قائله(78)على الجهالة والضاللة من أبين دليل

من تعطيل الشريعة والطعن على أصحاب رسول الله في قتال من ارتد عن اإلسالم بعدصلى الله عليه وسلم

وأخذ في سرد لوازم(..صلى الله عليه وسلموفاة نبيهم هذا القول الباطل واألدلة على وجوب تحكيم القرآن

(.89وتقديمه مطلقا.. فراجعه في جزء الجهاد ص) ويقول ابنه الشيخ عبد اللطيف في )مصباح الظالم(:

إن من منع تنزيل القرآن وما دل عليه من األحكام على) األشخاص والحوادث التي تدخل تحت العموم اللفظي،

فهو من أضل الخلق وأجهلهم بما عليه أهل اإلسالم وعلماؤهم، قرنا بعد قرن، وجيال بعد جيل، ومن أعظم

الناس تعطيال للقرآن وهجرا له، وعزال عن االستدالل به فإن تنازعتم في}في موارد النزاع. وقد قال تعالى:

[59 ]النساء: {شيء فردوه إلى الله والرسول اآلية، والرد إلى الله: هو الرد إلى كتابه والرد إلى

ألنذركم به}الرسول الرد إلى سنته.. وقال تعالى: [ فنصوصه وأحكامه عامة، ال19 ]األنعام: {ومن بلغ

خاصة بخصوص السبب. وما المانع من تكفير من فعل ما فعلت اليهود في الصد

(. 140 اهـ ص)(عن سبيل الله والكفر به مع معرفته؟ ويقول الشيخ عبد اللطيف أيضا في جزء )مختصرات

من األسباب المانعة عن فهم كتاب)الردود( من الدرر: الله أنهم ظنوا أن ما حكى الله عن المشركين، وما حكم

عليهم به ووصفهم به خاص بقوم مضوا وأناس سلفوا وانقرضوا ولم يعقبوا وارثا، وربما سمع بعضهم قول من يقول من المفسرين: هذه نزلت في عبادة األصنام، هذه نزلت في النصارى، هذه نزلت في الصابئة، فيظن الغمر

أن ذلك مختص بهم، وأن الحكم ال يتعداهم، وهذا من أكبر (األسباب التي تحول بين العبد وبين فهم القرآن والسنة

اهـ.

)( قلت: قد تجاسر على قوله أفراخ المرجئة مرارا وتكرارا في78 هذا الزمان، وهذا يعرفك بمقدار بالدتهم وجهلهم وضاللهم

وجدالهم بالباطل..



ويقول حفيده الشيخ إبراهيم بن عبد اللطيف بن عبدالرحمن، شعرا:

أسبابمن كان يقصر آيات الكتاب علىإنزالها قد نال خسرانــا

من شاد للملةفاالعتبار عموم اللفظ قال بــذاالسمحاء أركانـا

تفضيلهمهم الهداة األلى نص الرسول على(79)زمنا وعلما وعرفانا

ولذلك كله فقد ثبت عن حذيفة بإسناد صحيح أنه استنكر دعوى الخصوصية في هذه اآليات فقد ذكرت

عنده اآليات فقال رجل: إن هذا في بني إسرائيل، فقال نعم اإلخوة لكم بنو إسرائيل، إن كانت لكم كل)حذيفة:

حلوة ولهم كل مرة، كال والله لتسلكن طريقهم قد.(الشراك

إن هذه)وذكر ابن كثير عن الحسن البصري أنه قال: اهـ.(اآلية نازلة في أهل الكتاب، وهي علينا واجبة

ظاهر)ويقول إسماعيل القاضي في )أحكام القرآن(: اآليات يدل على أن من فعل مثل ما فعلوا واخترع حكما يعمل به، فقد لزمه(80)يخالف به حكم الله وجعله دينا (مثل ما لزمهم من الوعيد المذكور حكما كان أو غيره

(.13/120اهـ. عن فتح الباري )ويقول القاسمي في تفسيره محاسن التأويل )ص

ما أخرجه مسلم عن البراء: أن قوله تعالى:)(: 1999 [ الثالث44]المائدة: {ومن لم يحكم بما أنزل الله}

آيات في الكفار كلها، وكذا ما أخرجه أبو داود عن ابن عباس أنها في اليهود، خاصة بني قريظة والنضير ال ينافي

تناولها لغيرهم، ألن االعتبار بعموم األلفاظ ال بخصوص السبب، وكلمة "من" وقعت في معرض الشرط فتكون

اهـ.(للعموم

( من الدرر السنية جزء )مختصرات الردود(.410)( ص)79 )( لفظة الدين، تأتي بمعنى نظام الحكم ومنهاجه كما قال تعالى80

ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك{.}في شأن يوسف:



ويقول الشيخ سليمان بن عبد الله بن الشيخ محمد بن (:141عبد الوهاب في توضيحه على )توحيد الخالق( ص)

وسبب النزول وإن كان خاصا فعموم اللفظ إذا لم يكن) ومن لم يحكم بما}منسوخا معتبر، وألن قوله تعالى:

[ كالم داخل فيه كلمة )من(44 ]المائدة: {أنزل الله.. اهـ.(في معرض الشرط فتكون للعموموكالم أهل العلم في هذا كثير..

ومهما يكن من أمر، فقد ظهر لك أن اآليات تتناول كل من بدل حدود الله وشرع مع الله ما لم يأذن به الله،

سواء شرع ياسقا أو دستورا أو ميثاقا أو مرسوما كل ذلك كفر مخرج عن الملة، ما دام فاعله أو متبعه قد أعطى

لنفسه أو جعل لغيره حق التشريع مع الله، كما تنص علىذلك قوانينهم وتشريعاتهم وطواغيتهم المحلية والدولية..

ومن هذا تعرف ضالل مرجئة العصر وضالل شيوخهم في تنزيل أقوال السلف حول هذه اآليات في ردهم على الخوارج - الواضعينها في غير مناطها - على طغاة العصر الذين حكموا الطواغيت بل صاروا هم أنفسهم طواغيت

واتخذوا شرعا غير شرع الله حكما ودينا يدينون به.. فيحكمون باإلسالم واإليمان بطريقهم األعوج ومنهجهم

الضال هذا، على من أجمع المسلمون على تكفيرهم.. يقول ابن كثير رحمه الله تعالى في البداية والنهاية )

فمن ترك التشريع المحكم المنزل على)(: 13/119 محمد بن عبد الله خاتم األنبياء، وتحاكم إلى غيره من

الشرائع المنسوخة فقد كفر. فكيف بمن تحاكم إلى الياسا - أي ياسق التتار - وقدمها

اهـ.(ال شك أن هذا يكفر بإجماع المسلمينعليها، والقوم قد اتخذوا ياسقا محليا سموه )الدستور(،

وياسقا دوليا عالميا سموه )الميثاق( يقدمونهما على كتاب الله تعالى في سائر شؤون حياتهم، وشرعهما

وحكمهما هو المحكم المعمول به عندهم، وحكم الكتاب. (81)معطل مبدل مضروب به عرض الحائط

)( وقد فصلنا القول في هذا الباب في كتابنا )كشف النقاب عن81 شريعة الغاب( وأثبتنا باألدلة من مقوالتهم ونصوص قوانينهم أنهم



يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية في مجموع الفتاوى ) ومعلوم باالضطرار من دين المسلمين،)(: 28/524

اتباع غير دين(82)وباتفاق جميع المسلمين، أن من سوغ صلى الله عليهاإلسالم، أو اتباع شريعة غير شريعة محمد

اهـ.( فهو كافروسلم وكيف ال ينعقد اإلجماع على مثل هذا وقد علمت أنه

من أصل الدين وقاعدته؛ إذ الكفر بالطاغوت شطر كلمة اإلخالص والتوحيد، وقطب رحى دعوة األنبياء والمرسلين،

وألجلها كانت وال تزال الخصومة، وفيها النزاع والنجاةوالهالك..

فالقوم - أعني مرجئة العصر - يناطحون بتأويالتهم وشبهاتهم وسفسطاتهم تلك، آيات الكتاب وأحاديث

الرسول وأصل الدين ودعوة الرسل وإجماع أهلالتوحيد.. فبعدا بعدا..

ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور..

يقدمون ياسقهم هذا على شرع الله المحكم، إذ له وحده السلطان عندهم، وأما كتاب الله تعالى فال حكم له وال سلطان

عندهم إن لم يعضده نص دستوري أو قانوني، وقد نصوا في قوانينهم على أن "ال عقوبة إال بنص قانوني" ونصوا في ياسقهم

أن نظام الحكم أي "دين الملك" هو الديمقراطية وليس شرع الله ( من الدستور الكويتي.. فراجعه -6وال حدوده، كما في المادة )

أعني )الكشف( وستجد فيه مزيدا من المقامع تقمع بها شبهاتأهل التجهم واإلرجاء ورؤوسهم..

)( فكيف بمن ألزم أو أوجب وسجن على ذلك وعذب وقاتل82وقتل..؟ )كفاكم نوما يا قوم(!



شبهة فال وربك ال يrؤمنrون}أن قوله تعالى

اآلية{حتى يrحكمrوك..نفي لكمال اإليمان ال أصله

هذا وقد كنا استدللنا على كفر الطواغيت المشرعين[.65 ]النساء: {مما قضيت ويسلموا تسليما فيما شجر بينهم ثم ال يجدوا في أنفسهم حرجا فال وربك ال يؤمنون حتى يحكموك}بقوله تعالى:

وأن الله سبحانه وتعالى قد أقسم بأعظم مقسم به وأكد القسم بتكرار أداة النفي مرتين على نفي اإليمان

واإلسالم عمن لم يحكم شرع الله، فضال عن أن يجد في.(83)نفسه حرجا ولو يسيرا من حكم الله تعالى

ثم إن بعض مرجئة العصر أجلبوا علينا بخيل الشيطان ورجله، وزعموا أن اإليمان المنفي في هذه اآلية هو كمال

جاءت نكرة في سياق النفي وهذه من صيغ}حرجا{)( ألن 83 العموم فتشمل جميع أنواع الحرج كثيره ويسيره فإنه كله مناف إما ألصل اإليمان أو لإليمان الواجب إذ ال ينفي الله اإليمان عمن

قصر في كمال اإليمان المستحب.. وقد كنا أوردنا في كشف تحرجهم البالغ والصريح من جعل الشريعة اإلسالمية هي)النقاب:

كما نصوا على ذلك في(الحكم المشرع الوحيد في نظام حكمهم مذكرتهم التفسيرية للمادة الثانية من الدستور الكويتي وهذا معناه

الحرج البالغ من توحيد الله وإفراده بالعبادة في باب)الحرفي الحرج البالغ من عبادة الله وحده والكفر) أي (التشريع

فتأمل هذا الكفر(الحرج البالغ من ال إله إال الله) أو (بالطاغوت البواح.. واعلم أنه ليس وقفا على الطاغوت المشرع له وحده، بل ويشمل كل من أيده أو طالب بتحكيمه أو مدحه أو نصره أو أحبه أو قال: ال أتبرأ منه أو وصفه بالعدالة.. مهما طالت لحيته ومهما

كان انتماؤه..



اإليمان ال أصله.. وجوابنا على هذا وبالله التوفيق منوجوه..

- أولهما أن نذكر بادئ ذي بدء أن هذه اآلية وبحمد الله تعالى ليست هي الدليل الوحيد على كفر هؤالء الطواغيت المشرعين وأنصارهم وأعوانهم وعبيدهم، وإنما هي دليل

واحد من معين نهر أدلة ال ينضب، تقدم شيء منها، وغيره مبسوطا في غير هذا الموضع، أولها وأعالها

نقضهم ألصل التوحيد وهدمهم لقاعدته بالتشريع مع الله )داخليا( أو باتخاذ غيره سبحانه حكما ومشرعا )دوليا(،

وهذه مناقضة لكلمة اإلخالص وأصل األصول الذي تدور أدلة الكتاب والسنة من أولها إلى آخرها حوله.. وليست المسألة كما يتوهمها مرجئة العصر مسألة آية يؤولونها كما يشتهون وتنتهي القضية، ولكن غلبة الجهل وكثرة الشرك ومخالطة أهله وأنصاره ومجالستهم ومآكلتهم

والركون إليهم طمست بصائر القوم وحجبت عن الهدى والحق المبين قلوبهم، وحالت بينهم وبين تمييز الكفر من اإليمان والتوحيد من اإلشراك في مسائل هي من أوضح

األمور في دين اإلسالم.. - ثم نقول: إن نفي اإليمان، أو الوعيد في أبوابه، ال يرد

، بل ال يكون إال على(84)ألجل التقصير في كمال اإليمان انتقاض أصله أو انتقاص اإليمان الواجب، ثم بعد يرجح أي األمرين هو مراد الشارع، باألدلة الشرعية أو القرائن من

النص نفسه أو غيره من النصوص المبينة له. إذا تقرر هذا فإن المعروف المقرر عند أهل العلم، أن

األصل في األلفاظ حقيقتها وظاهرها وال يصرف اللفظ عن معناه الحقيقي الظاهر إلى المجاز إال بدليل.. بل قرر

المحققون منهم أن ال مجاز في القرآن أصال.. فنحن نقول إن النفي ها هنا نفي لحقيقة اإليمان أي

ألصل اإليمان.. والقائل بهذا مستصحب لألصل، والزاعمأن النفي لغير ذلك، خارج عن األصل مطالب بالدليل..

(3/293يقول ابن حزم رحمه الله تعالى في الفصل ) فهذا هو النص الذي ال يحتمل تأويال وال)عن هذه اآلية:

جاء نص يخرجه عن ظاهره أصال، وال جاء برهان اهـ.(بتخصيصه في بعض وجوه اإليمان

(.7/15)( وانظر مجموع فتاوى شيخ اإلسالم )84



- أضف إلى هذا أن اللفظ ها هنا ليس معنى لغويا بحتا،، وقد نص كثير من أهل العلم بل هو معنى شرعي خاص منهم شارح الطحاوية وشيخ اإلسالم ابن تيمية على أن

لفظة اإليمان مع اإلسالم، إذا اجتمعا افترقا بالمعنى وإذا افترقا اجتمعا.. ومعنى هذا أنه إذا انفرد أحدهما شمل معنى اآلخر وحكمه.. وها هنا ورد لفظ اإليمان منفردا

فيشمل اإلسالم معه.. فنفيه في اآلية نفي لإلسالموالدين..

- ويدل على هذا أيضا سياق اآليات في السورة نفسها وقبل هذه اآلية بقليل، فإنها نافية ألصل اإليمان.. كقوله

فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله}تعالى: والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم اآلخر..

[.59]النساء: {اآلية فدل على أن من لم)يقول ابن كثير رحمه الله تعالى:

يتحاكم في محل النزاع إلى الكتاب والسنة، وال يرجع اهـ.(إليهما في ذلك فليس مؤمنا بالله وال باليوم اآلخر

وذكر اإليمان باليوم اآلخر في اآلية يقطع شبهة القول بكمال اإليمان ألنه شعبة من شعب اإليمان الرئيسة التي

يزول بزوالها أصل اإليمان ومنه قوله تعالى قبلها أيضا: ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل}

إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد

الشيطان أن يضلهم ضالال بعيدا وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت [.61-60 ]النساء: {المنافقين يصدون عنك صدودا

فإذا كانت إرادة التحاكم إلى الطاغوت، مناقضة للكفر به الذي افترضه الله على العباد وأمرهم به.. فكيف

بالتحاكم نفسه، بل كيف بما هو حاصل اليوم من جعل السلطة التشريعية كاملة وفي كل باب بيد الطاغوت

وحقا من حقوقه.. سواء كان هذا الطاغوت )دوليا( أم )محليا( أو كان )أميرا( أم )نائبا( أو كان )ميثاقا( أم

)دستورا(. ومعلوم من أصل دين اإلسالم أن الكفر بالطاغوت ركن

التوحيد وشرط صحة لإليمان بالله ال شرط كمال.. واإليمان بالطاغوت كفر بالله ناقض ألصل اإليمان

والتوحيد واإلسالم، فالمكذب المنفي إذن في هذه اآلية



هو أصل اإليمان وحقيقته ال كماله الواجب، فضال عنالمستحب..

وهكذا فسياق اآليات كلها قبل آية الباب هو حول انتفاء أصل اإليمان ال كماله، ثم جاءت هذه اآلية نصا في

الموضوع نفسه.. وهذا كسابقه، فالقائل بهذا مستصحب ألصل الخطاب المتضمن في السياق.. والمخرج لها عن ذلك خارج عن

هذا األصل مطالب بالدليل.. * أما الحرج المذكور في اآلية فهو ليس قيدا لنفي

حقيقة اإليمان هنا، أو قيدا في كفر من امتنع من التسليم لحكم الله، وإنما وجوده - كما تقدم - زيادة في الكفر..

فالمتحرج من شرع الله كافر سواء حكمه أم لم يحكمه.. والممتنع من التسليم لحكم الله كافر وإن لم يظهر

التحرج منه.. وقد يجتمع الكفران في شقي فيكون كفرهكفرا مركبا.. فهو إذن زيادة حكم ال قيد للحكم..

يقول الجصاص في )أحكام القرآن( عن هذه اآلية بعد وفي)أن ذكر بعض معاني الحرج ومنها الضيق أو الشك:

هذه اآلية داللة على أن من رد شيئا من أوامر الله تعالى فهو خارج منصلى الله عليه وسلمأو أوامر رسوله

اإلسالم. سواء رده من جهة الشك..

أو ترك القبول واالمتناع من التسليم.. وذلك يوجب صحة ما ذهب إليه الصحابة في حكمهم

بارتداد من امتنع عن أداء الزكاة وقتلهم وسبي ذراريهم، فليس منألن الله تعالى حكم بأن من لم يسلم للنبي

اهـ.(أهل اإليمان (:3/235ويقول ابن حزم في )الفصل( عن اآلية ذاتها )

فنص تعالى وأقسم بنفسه أنه ال يكون مؤمنا إال بتحكيم) في كل ما عن، ثم يسلمصلى الله عليه وسلمالنبي

بقلبه وال يجد في نفسه حرجا مما قضى.



فصح أن التحكيم شيء غير التسليم بالقلب، وأنه هو اهـ.(اإليمان الذي ال إيمان لمن لم يأت به

والخالصة يا أخا التوحيد، أن قضيتنا كما قلنا مرارا، مع أناس قد هدموا التوحيد فآمنوا بالطاغوت.. ولم يكفروا

به.. وهذا ناقض من نواقض اإلسالم واإليمان، وعمل كفري ظاهر ال يبحث فيه عن االعتقاد او االستحالل

القلبي أو التحرج القلبي، وال يجعل ذلك قيدا للكفر ها هنا.. إذ هذه أمور مغيبة وأسباب للكفر غير ظاهرة وال

منضبطة في أحكام الدنيا، وال سبيل إلى معرفتها إال منجهتين:

إما عن طريق الوحي، أو أن يصرح مقترف الذنبويتلفظ بلسانه ويخبر عن استحالله وتحرجه القلبي..

واعلم أن القوم ها هنا قد تحقق فيهم كال هذينالوجهين فهم من أكفر الخلق..

- فقد نص الوحي كما تقدم في اآليات على تكذيب إيمان من لم يكفر بالطاغوت وأراد التحاكم إليه، فنحن نحكم ببطالن إيمان أمثال هؤالء ظاهرا وباطنا أيضا تصديقا لله وإيمانا بكلماته، )وهذا حكم وليس قيدا

للحكم( ونكذب هذا المتحاكم للطاغوت ولو زعم الصدق واإليمان والتوفيق واإلحسان، ولو صرح بأن الشريعة

أفضل من دين الطاغوت وقانونه، وأقر بوجوب تحكيم الشرع أو قال: ادعوا لنا.. أو أعينونا.. ونحوه مما

يضحكون به على السفهاء، ويرقع به لهم المرقعون الضالون.. ما دام مستمرا في التحاكم للطواغيت، داخالفي دينها غير كافر بها.. هذا من جهة..

- ومن الجهة األخرى فإن هؤالء الطغاة قد صرحوا في مذكراتهم التفسيرية للدستور - كما بيناه في )كشف

النقاب( - ونصوا على تحرجهم من توحيد الله وإفراده فيالتشريع، في تفسيرهم للمادة الثانية من ياسقهم..

ومن هذا تعلم أن كفر القوم كفر مركب.. بشهادة اللهووحيه، وبتصريحهم هم أنفسهم أيضا..



ومع هذا يتورع في تكفيرهم أفراخ المرجئة، فيعصمون ويستعينون بهم(85)دماءهم وأموالهم بل ويصلون خلفهم

على من خالفهم وخالف مذاهبهم الفاسدة وإن كان من .. ويصفونهم بالخوارج - الكفار على قول(86)أهل التوحيد

طائفة من السلف - لكفرهم بالطاغوت وتكفيرهم له وألوليائه وأنصاره.. فيتورعون من تكفير من رأيت حالهم،

في الوقت الذي ال يتورعون وال يلتزمون حدود الله فينا فيكفروننا بمحض التوحيد.. تماما كما هو حال خصوم

دعاة التوحيد في كل زمان.. قال ابن القيم رحمه اللهتعالى:

هي غاية التوحيدوخصومنا قد كفرونا بالتي واإليمان

بعوا ونحن نكلهم إلى رب العالمين يوم يتبرأ الذين اتبعوا، ويناديهم الجبار: أين شركائي الذين}من الذين ات

[.74 ]القصص: {كنتم تزعمون ويومها سنرفع شكايتنا إلى رب العالمين وسنقول: يا رب قد بدعونا ورمونا وبهتونا بما علمت، ألننا كفرنا من

هدم التوحيد ونصر الشرك والتنديد.. يا رب ما كفرنا إال من كفرته في كتابك وكفره رسلك..

يا رب كفرنا أعداء دينك، تصديقا بكالمك واتباعا لرسلكوإيمانا بكتابك وانتصارا لشريعتك..

)( كما فعل أعضاء هيئة األمر بالمعروف والنهي عن المنكر85 الكويتية، التراثية )من أدعياء السلفية( في بعض زياراتهم

للطاغوت فيومها أمهم الطاغوت وصلوا وراءه.. وال عجب من هذا فطالما قرأنا لجماعتهم وسمعنا من جمعيتهم )جمعية إحياء

التراث( مدح الحكومة والمطالبة بتحكيم الدستور وعودة البرلمان الوثني.. فأي هيئة لألمر بالمعروف والنهي عن المنكر هذه، التي

يقر أتباعها أعظم منكر في البالد )شرك الدستور( ويطمسونأعظم معروف )التوحيد(؟

)( لعلي الحلبي فتوى يوجب بها تبليغ سالطين الكفر عمن86 يصفهم بالتكفيريين أوردناها في هامش كتابنا )كشف شبهات

المجادلين عن عساكر الشرك وأنصار القوانين( في العجز مفزعهم إلىال يفزعون إلى الدليل وإنما

السلطان



أما أنتم يا أفراخ المرجئة فماذا ستقولون؟ وبماذا ستجيبون وتدفعون؟ أتقولون: يا رب تورعنا عن تكفير

أعداء دينك الذين وصفتهم بالكفر في كتابك، وحكمنا لهم باإلسالم تورعا واحتياطا وتنزها.. وبدعنا - وربما كفرنا -

من كفرهم وأنزل وصفك عليهم وسفهناه وحاربناهوصددنا الناس عن دعوته؟

فشمر أخا التوحيد لنصرة دين الله.. وال تبال أو تتضرر بالمخالفين والمخذلين، وتجهز ليوم المحاجة بين يدي جبار السموات واألرض لنحاجج أعداء الدين وأوليائهم

وأنصارهم عند ولينا وناصرنا..



شبهة لم يكفر وال قتلأن النبي

األنصاري المعترض على حكمهيصدون عن حكم الله صدودا في شراج الحرة وال المنافقين الذين

وال الذي قال له )اعدل( وهذه شبهة لهم متفرعة عن التي تقدمت قبلها، فإنا

لما ذكرنا لهم أن اآلية السابقة نافية لحقيقة إيمان قالوا:صلى الله عليه وسلمالمعرض عن حكم الرسول

فما باله صلوات الله وسالمه عليه لم يكفر المعترض . وكذلك المنافقين(87 )على حكمه في شراج الحرة..

وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما}الذين قال تعالى فيهم: [ ومثل ذلك الرجل الذي قال61 ]النساء: {عنك صدودا أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون

هذه قسمة ما): صلى الله عليه وسلمفي قسمة النبي .(أريد بها وجه الله

والجواب على هذا أن نقول: قد تكرر أن األمر الذي نحن بصدده هو من أصل الدين وقاعدته، ومثل هذا ال

يتطرق إليه النسخ أبدا، فال يصح بحال أن يخدش أو يصادم بحوادث األعيان التي قد تكون لها مالبسات

وتأويالت معينة.. بل ينبغي أن يرد أمثال ذلك - إن أشكل تأويله - إلى أمه وأصله كما هو الحال في المتشابه إذ يرد

خاصم الزبير رجال من))( الحديث رواه البخاري عن عروة قال: 87 :صلى الله عليه وسلماألنصار في شراج الحرة. فقال النبي

فقال األنصاري: يا(إسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك) إسق يا زبير)رسول الله إن كان ابن عمتك؟ فتلون وجهه ثم قال:

(ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر ثم أرسل الماء إلى جارك }فالقال الزبير: فما أحسب هذه اآليات إال نزلت في ذلك:

اهـ.وربك ال يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم{ قد أمر ابن عمته أن يقنع بأقلصلى الله عليه وسلموكان النبي

من حقه في الماء إرضاء لألنصاري، فلما قال األنصاري ما قال،استوفى للزبير حقه الذي يستحقه كامال في صريح الحكم.



إلى المحكم من القرآن.. وال يجوز أن تصادم النصوصويضرب ببعضها بعضا..

صلى الله* اما حديث المعترض على حكم الرسول في شراج الحرة وأمر المنافقين الذينعليه وسلم

يصدون عن حكم الله صدودا فهما كما قدمنا لك في موضوع وسياق واحد، فاحتجاجهم لطواغيتهم بأن النبي لم يكفر هؤالء ال حجة لهم فيه. ألن القرآن قد نزل بعد

هذه الحوادث حاكما بكفر كل من يعترض على حكم الله وحكم الرسول، أو يريد التحاكم إلى الطاغوت. فيمتنع أن

بعد ذلك إن أصرواصلى الله عليه وسلمال يكفرهم النبي عليه ولم يظهروا توبة وندما ورجوعا. ويمتنع أن يقرهم

على االستمرار في الطعنصلى الله عليه وسلمالنبي في أحكام الله والتحاكم إلى الطاغوت دون أن يكفرهم

.(من بدل دينه فاقتلوه)ويقتلهم وهو القائل: فلزم أن يقال أنهم بعد نزول اآليات لم يصروا على ذلك الكفر، بل تابوا وندموا واستسلموا وانقادوا لحكم

الله ولو ظاهرا.. ( في11قال اإلمام ابن حزم في محاله المجلد )

حتى إذا بين الله أنهم ال يؤمنون حتى)(: 2199المسألة ) فيما شجرصلى الله عليه وسلميحكموا رسول الله

بينهما، وجب أن من وقف على هذا قديما وحديثا وإلى يوم القيامة فأبى وعند فهو كافر. وليس في اآلية أن

اهـ.(أولئك عندوا بعد نزول اآلية وهذا تماما كالذين استهزؤوا بالقراء في غزوة تبوك،

لم يقتلهم، فال يصح أنصلى الله عليه وسلمفإن النبي .. بل(88)يستدل بهذا على أنهم لم يكفروا باستهزائهم

)( وقد سمعت ذلك صريحا من بعض أشياخ المرجئة في الكويت88 في شريط مسجل بعنوان )الحاكمية( يوزعونه ويفتخرون به،

ويحرصون على إعطائه لكل من سمعوه يذكر طواغيتهم بالتكفير، أعطانيه شاب متأثر بشبهاتهم، بعد أن سمعني أتكلم في تكفير

أن)طاغوت بلده.. والشريط طافح بالتجهم واإلرجاء ومنه قوله: االستهزاء بدين الله كفر عملي ال يكفر فاعله إال إذا استحله بأن

، وغير ذلك من التخبيطات التي(اعتقد أن الشرع محل لالستهزاء ظهر وبان لك بطالنها.. فنصيحتي لمقلدته أن يرعووا، ويستروا على شيخهم جهالته بمثل هذه األصول الظاهرة - خصوصا وأن

الشيخ قد توفي - وليكفوا عن نشر ذلك التخبط، رحمة بالشيخ أن



الصواب أن يقال أنهم أظهروا التوبة بعد أن حكم الله بظاهرهم..صلى الله عليه وسلمبكفرهم، فعاملهم النبي

( بعد أن ذكر11/207يقول ابن حزم في المحلى أيضا ) ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض}قوله تعالى:

]التوبة:{كانوا مجرمين} إلى قوله تعالى: {ونلعب.. هذه بال شك في قوم معروفين كفروا)[، قال: 66، 65

إن}بعد إيمانهم، ولكن التوبة مبسوطة لهم بقوله تعالى: نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا

[، فصح أنهم أظهروا التوبة66]التوبة: {مجرمين والندامة واعترفوا بذنبهم. فمنهم من قبل الله تعالى توبته في الباطن عنده لعلمه تعالى بصحتها، ومنهم من لم تصح توبته في الباطن فهم المعذبون في اآلخرة، وأما الظاهر

اهـ.(فقد تاب جميعهم بنص اآلية، وبالله تعالى التوفيق وهذا صريح في اآليات وليس فيها وال في األخبار أنهم

صلىأصروا على استهزائهم واستمروا فيه، وأقرهم النبي عليه دون أن يقتلهم، بل إن في اآلثارالله عليه وسلم

المروية في تفسير هذه اآليات كما هو عند الطبري وابن أبي حاتم، أن بعضهم كان يعتذر وهو متعلق بحقب ناقة

صلى الله عليه وسلمرسول الله تنكبه الحجارة.. إظهاراللتوبة والندم والرجوع..

وقالصلى الله عليه وسلم- وأما الذي جور الرسول إنه لم يعدل وال أراد بقسمته وجه الله.. فال شك أنه مرتد - ألن هذا طعن في الرسالة المستلزمة لألمانة - وهذا ما فهمه خالد وعمر رضي الله عنهما مباشرة فاستأذنا النبي

بقتله كما في روايات الحديث.. صلى الله عليه وسلم أناط علةصلى الله عليه وسلمويدل عليه أن النبي

نهيه عن قتل هذا وأمثاله - في بعض الروايات - بمخافة )أن يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه( ولم يعلقها

بعصمة دمه، كما هو الشأن في المسلمين، فدل على أنه كان كافرا بتلك المقولة، ولو كان مسلما لكان ذاك

الوصف عديم التأثير وغير مناسب في عصمة دم المعصوم، وال يجوز تعليل الحكم بوصف ال أثر له، بل ال بد

من تعليله بالوصف الذي هو مناط الحكم، وهذا معلوم في كالم أهل العلم في باب )تنقيح المناط(.. وقد ذكر

يحملوه وزر هذه الضالالت والشبهات، وأوزار من يضلون بها إلىيوم القيامة..



هذا المعنى شيخ اإلسالم ابن تيمية في الصارم المسلول(.355ص)

له ونهي عمرصلى الله عليه وسلمأما عدم قتل النبي وخالد عن ذلك.

فالجواب عليه كما قال ابن حزم رحمه الله تعالى في(: 225/11المحلى )

أن الله تعالى لم يكن أمر بعد بقتل من ارتد فلذلك لم) ، ولذلك نهى عنصلى الله عليه وسلميقتله رسول الله

قتله، ثم أمره تعالى بعد ذلك بقتل من ارتد عن دينه، .(فنسخ تحريم قتلهم أما القائل في قسمة)(: 11/411وقال أيضا فيه )

)هذه قسمة ما عدلصلى الله عليه وسلمرسول الله فيها وال أريد بها وجه الله تعالى(.

فقد قلنا أن هذا كان يوم خيبر، وأن هذا قبل أن يأمر الله تعالى بقتل المرتدين، وليس في هذا الخبر أن قائل

.(89) اهـ(هذا القول ليس كافرا بقوله ذلك )( وخالف هذا ابن الوزير في )إيثار الحق على الخلق( فزعم أن89

لم يكفره، ألنه لم يأت بمكفر أصال،صلى الله عليه وسلمالنبي أن يذنب كذنوبصلى الله عليه وسلمو"إنما جوز على النبي [،121 ]طه: }وعصى آدم ربه فغوى{األنبياء كما قال تعالى:

فاعتبره خطأ عظيما ال يصل إلى حد الكفر ما دام محققا للتوحيد باقيا على شهادة أن ال إله إال الله محمدا رسول الله. ولم يقترف

( توجيه ابن حزم ال شك أقوى. 400-399ناقضا، راجعه ص) - أما شيخ اإلسالم ابن تيمية فقد أورد ذلك في )الصارم المسلول

( ألن من آذى199على شاتم الرسول( ونص على أنه كفر ص) الرسول فقد آذى الله، ومن آذى الله فهو كافر حالل الدم،

}إن الذين يؤذون الله( بقوله تعالى: 40واستدل ص) ورسوله لعنهم الله في الدنيا واآلخرة وأعد لهم عذابا

[، فقرن أذى الرسول بأذاه سبحانه، وألن57 ]األحزاب: مهينا{ الطعن في حكمه وتجويره مناقض لما تضمنته الشهادة من األمانة

( وأجاب عن عدم قتله بوجوه: 185ص) ( أن نهيه أصحابه عن قتله كان من باب نهيه لعمر187- منها ص)

صلى اللهعن قتل ابن الصياد لما شكوا بأنه الدجال، حيث قال (إن يكن هو الدجال فلن تسلط عليه): عليه وسلم ألنه يعلم يقينا



فظهر أن ال حجة لهم في ذلك كله، وأنهم لما أفلسوا من الحجج واألدلة، صاروا إلى مثل حوادث األعيان هذه

يريدون أن يناطحوا بها ذلك األصل األصيل والركن الوثيق الذي احتججنا به على كفر طواغيتهم إذا هدموه، ويدعون

الناس ويأمرونهم بهدمه.. ولكن الهاوية التي انزلقوا ها هنا فيها أنهم بتالعبهم في هذه األخبار، وباحتجاجاتهم

صلى الله عليه وسلمالفاسدة تلك قد نسبوا إلى النبي السكوت عن المرتدين والكفار وإقرارهم على كفرهم،

وعدم قتلهم وقتالهم.. وما درى هؤالء المساكين أنهم في

أنه خارج في آخر الزمان ال محالة.. وهكذا هذا فإنه أخبر بما أطلعه الله عليه من علم الغيب بأنه سيخرج من ضئضئه ال محالة أقوام يقرأون القرآن ال يجاوز حناجرهم.. الخ، متيقنا بأن مفسدة خروجهم غير مدفوعة بقتله، فتركه مخافة مفسدة متيقنة عنده

وهي أن يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه الذين يصلون معه فتنفر بذلك قلوب كثير عن اإلسالم من غير مصلحة تغمر هذه

المفسدة. خصوصا وأن ذلك كان حال الضعف واالستئالف.. وهذاوجه ثان وهو الوجه الذي قرره ابن حزم، فذكر شيخ اإلسالم ص)

(237( وص)223( و)220( وص)179( و)178(، وكذا ص)189 بقتلصلى الله عليه وسلم( أن ذلك كان قبل أن يؤمر 359وص)

من أظهر نفاقه وكفره. فقبل بدر حال ضعف المسلمين، كان مأمورا بالصبر على أذاهم والعفو عنهم فيصلى الله عليه وسلم

}وال تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم{قوله تعالى: [ ونحوه.. واما بعد بدر التي كانت بداية عز48]األحزاب:

المسلمين فكان يقاتل من يؤذيه ممن ال مفسدة في قتلهم.. وأما بعد عز المسلمين بفتح مكة وكماله بغزوة تبوك ونزول براءة،

}جاهد الكفارفقد نسخ الله الصبر على أذاهم بقوله تعالى: [، فلم يتمكن بعدها113 ]التوبة: والمنافقين واغلظ عليهم{

كافر وال منافق من أذاهم في مجلس خاص وال عام بل مات بغيظه لعلمه بأنه يقتل إذا تكلم.. فتأمل هذا الوجه وهو تفصيل لما

ذكره ابن حزم، فإن فهمه يزيل عنك أي إشكال في كثير منحوادث األعيان التي هي من هذا القبيل.. ووجه آخر ذكره ص)

( وأشار إليه في أكثر من موضع وهو أن مقالة ذلك الرجل187 صلى وبما يخصه صلى الله عليه وسلمكانت في حق المصطفى

( وأنه كان له أن يعفو434(، )229 من األذى ص)الله عليه وسلم عمن آذاه مطلقا في حياته، فكان يعفو عنهم في أمثال ذلك تآلفا

عن القاضي أبي يعلى في446للقلوب.. وذكر مثل هذا األخير صشأن األنصاري المختصم مع الزبير.



مسلكهم هذا يهلكون أنفسهم في سبيل الجدال عنالطواغيت..

ومن ظن أن)يقول منجنيق الغرب رحمه الله تعالى: ال يقتل من وجب عليهصلى الله عليه وسلمرسول الله

القتل من أصحابه فقد كفر وحل دمه وماله لنسبته إلى الباطل ومخالفة اللهصلى الله عليه وسلمرسول الله

تعالى. صلى الله عليه وسلموالله لقد قتل رسول الله

أصحابه الفضالء المقطوع لهم باإليمان والجنة إذ وجبعليهم القتل كماعز والغامدية والجهنية رضي الله عنهم.

فمن الباطل المتيقن والضالل البحت والفسوق المجرد، بل من الكفر الصريح أن يعتقد أو يظن من هو

يقتلصلى الله عليه وسلممسلم أن رسول الله مسلمين فاضلين من أهل الجنة من أصحابه أشنع قتلة

بالحجارة.. ثم يعطل إقامة الحق الواجب في قتل المرتدعلى كافر يدري أنه ارتد..

ونحن نشهد بشهادة الله تعالى أن من)إلى أن قال: دان بهذا واعتقده فإنه كافر مشرك مرتد حالل الدم

.(90) اهـ(والمال نبرأ إلى الله منه ومن واليته

صلى الله عليه وسلمواما بعد مماته فمن سبه أو آذاه كان كافرا(.226حالل الدم وليس لألمة أن تعفو عنه ص )

( وقد كان كالمه ردا على من11/218)( باختصار من المحلى )90 صلى اللهزعم أن المنافقين كانوا يظهرون الكفر عند رسول الله

ثم يقرهم وال يقتلهم.. والمبحث نفيس وقد أطالعليه وسلم رحمه الله تعالى فيه النفس وأورد كل آية وحديث فيه شبهة من

ذلك، وبينها ورد عليها، فراجعه فإنه مفيد.



الخاتمةوبعد...

فلم يكن مرادنا هنا حصر جميع شبهات مرجئة العصر فإنها ال تنتهي، إذ القوم قد ملئوا إلى مشاشتهم شبها، وال

يزال الشيطان يوحي إليهم زخرف القول غرورا.. حقا وكل كاسرشبه تهافت كالزجاج تخالها

مكسور وإنما تعرضنا في هذه الورقات ألشهر ما يطرحه

سفهاؤهم في هذا البلد، مما هو متعلق أو قريب من أصل الموضوع، بيانا وتنبيها لطلبة الحق السائرين على

الدرب.. وأختم هذا بأن أذكر نفسي وأذكرهم بإشارات وعالمات يهتدي بها الساري في إدالجته وسط فتن وأهواء وظلمات

.(فإن الذكرى تنفع المؤمنين)متشابكة.. ذكرى.. .. * أوال: إياك والهوى

يقول ابن دقيق العيد في األمور المهلكة التي تدخل أحدها: الهوى، وهو شرها، وهو في تاريخ)اآلفة:

اهـ.(المتأخرين كثير فعلى طالب الحق أن يتجرد لطلب الحق وأال يتبع

الهوى.. وال تتبع الهوى فيضلك عن سبيل}قال تعالى:

الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب[.26]ص: {شديد بما نسوا يوم الحساب

فإن الهوى طاغوت من الطواغيت التي يتابعها أكثر الناس.. ولن تمسك بالعروة الوثقى حق التمسك وتلحق بالدرب، حتى تستسلم لله ولحكمه وحده استسالما مطلقا وتكفر بكل الطواغيت.. ومن ذلك طاغوت الهوى

أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت}هذا.. قال تعالى: تكون عليه وكيال * أم تحسب أن أكثرهم



[. 44، 43 ]الفرقان: {أضل سبيال يسمعون أو يعقلون إن هم إال كاألنعام بل هم أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله}وقال تعالى:

الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفال

[.23 ]الجاثية: {تذكرون فاحذر من هذا الطاغوت واجتنبه كما تجتنب الطواغيت

األخرى لتحقق التوحيد الذي هو حق الله على العبيدتحقيقا كامال..

وتأمل صفات عبيده الهلكى المتساقطين على عتباته في اآليات المذكورة، وما عاقبهم الله به من الختم على القلوب واألسماع والغشاوة على األبصار فأمسوا أضل

من األنعام، ال يرفعون باألدلة والبينات رأسا فال يعتبرون بها وال يهتدون أو يتذكرون.. فتالعب بهم الطاغوت بشبهه

كيف شاء.. وتجارى بهم كما يتجارى الكلب بصاحبه.. واحمد إلهك على نعمة الهداية للحق والتوحيد.. وابك

وتضرع إليه أن يثبتك عليه ويختم لك به.. من خشيةواجعل لقلبك مقلتين كالهما

الرحمن باكيتان فالقلب بين أصابعلو شاء ربك كنت أيضا مثلهم

الرحمنوتذكر قول الله تعالى:

وإن تصبروا وتتقوا ال يضركم كيدهم شيئا إن}[.120]آل عمران: {الله بما يعملون محيط

وقوله تعالى: إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى}

ربهم يتوكلون * إنما سلطانه على الذين يتولونه[.100، 99]النحل: {والذين هم به مشركون

* ثانيا: الحذر من االنتصار للحزبية والمشايخ..



أو تقديم ذلك بين يدي الله ورسوله، أو ترك كالم الله المحكم ألقوالهم ومقاالتهم.. فما دام الحق قد وضح لك بدليله.. فعض عليه بنواجذك وال تدعه لقول أو لرأي أحد

من الناس.. وإذا ما اهتديت إلى حق في مسألة فجاء مخالفا لما وجدت عليه مشايخك فال تعارضه بكالمهم أو

فعالهم، فإن كالم الخالق ال يعارض بكالم المخلوق.. وكم صد مثل هذا كثيرا ممن كنا نظنهم طلبة حق عن اللحاق

هل خفي هذا على)بالركب، وخذلهم الشيطان بشبهات: كيف يقول) أو (لو كان حقا لما خفي عليه) و(الشيخ؟

.. فالتوفيق والترجيح وتكلف البحث عن(الشيخ بخالفه؟ الناسخ والمنسوخ العام والخاص أو المطلق والمقيد إنما

يكون فيما يتوهم فيه التعارض من كالم الله أو كالم {من عند غير الله لوجدوا فيه اختالفا كثيرا ولو كان}الرسول.. أما كالم الخلق، فقد قال تعالى:

[.82]النساء: فال يصدنك عن اتباع الحق ونصرته مخالفة بعض

مشايخك له.. فقد كنا في بداية الطلب تتعارض وتشكل علينا بعض أقوال المشايخ الذين كنا نثق بهم، مع ما وضح

لنا من الحق في المسألة، فنتردد كثيرا ونتوقف.. وهذا من العوائق التي تؤخر الركب وتعيق المسير.. وال ينبغي

أن يكون مثله عائقا عند طالب الحق.. وال أن يطيل الوقوف عنده والتردد بسببه، فما دام الحق قد ظهر وبان

بدليله من الكتاب أو السنة فما وافقه فهو مقبول، وما عارضه فمردود مطروح، وكل يؤخذ من قوله ويرد إال

. صلى الله عليه وسلمالمعصوم بأن كالم الله ال يؤخذ)وإياك ومقالة أهل الجهل:

نحن ال نستطيع) و(بظواهره، فربما كان المراد كذا أو كذا ، وغير ذلك مما يصعبون به ما يسره الله(فهم القرآن

ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من}تعالى: [.22 ]القمر: {مدكر

فتلك مقاالت أهل الزيغ في كل مكان، يتوارثونها عن بعضهم ليعطلوا نصوص الكتاب، ويعملوا بدال منها نصوص شيوخهم ومقاالتهم التي ال يوردون عليها أبدا ما يوردونه

على كتاب الله من التعسيرات والعقبات. وحقيقتها دعوة صريحة للتقليد وتعطيل لنصوص

الوحي..



ورحم الله ابن القيم إذ يقول: اإلحكام موزونا بهجعلوا كالم شيوخهم نصا لهالنصانوكالم رب العالمين وعبـده متشابهـا متحمــاللمعان

*ثالثا: عليك بحلة اإلنصاف.. فتحل بها وال تنزعها أبدا.. فإنها أندر حلة بين الخلق في

اإلنصاف حلة)هذا الزمان.. ولذلك قال العلماء: .. ومن ذلك أن تتورع(األشراف، واألشراف أقل األصناف

عن أن تنسب للخصوم أو تقولهم ما لم يقولوه ولو كان من الزم أقوالهم.. واتق الله وال تكذب عليهم أو تأخذهم

بالتوهم والظن، وإن هم كذبوا عليك.. فإن المؤمن اليكذب..

وكم عانينا مثل هذا من مرجئة زماننا.. ولكن ال نرد (:5/33صاع السوء بمثله.. يقول ابن حزم في الفصل )

وليعلم من قرأ كتابنا هذا أننا ال نستحل ما يستحله من ال) خير فيه من تقويل أحد ما لم يقله نصا، وإن آل قوله

إليه.. فاعلموا أن تقويل القائل كافرا كان أو مبتدعا، أو مخطئا ما ال يقوله نصا، كذب عليه، وال يحل الكذب على

اهـ.(أحد فال تتعد حدود الله في المخالفين وإن تعدوا حدود الله فيك.. بل اضبط ما تقول وزنه بميزان العدل الذي قامت

به السموات واألرض.. واعلم أن عين السخط تبدي مساوئ لها في الحقيقة مخارج صحيحة، تعمى عنها

بحجاب السخط.. * رابعا: احذر من التردد والتخاذل عن اتباع

لقلة األنصار السالكين أو لكثرةالحق ونصرته المخالفين والمثبطين، فالجماعة ما وافق الحق ولو كنت

وحدك.. وما بالكثرة يعرف الحق وال بالرجال، وإنما يعرف الرجال بالحق.. وتذكر أن النبي يأتي يوم القيامة وليس

معه من األتباع واألنصار إال الرجل والرجلين.. ويأتي النبيوليس معه أحد.. وهو نبي!!



الطائفةصلى الله عليه وسلموقد وصف رسول الله ال يضرهم من)القائمة بأمر الله إلى قيام الساعة بأنهم:

..(خالفهم وال من خذلهم فإياك أن تتضرر بالمخالفين أو بخذالنهم للحق ولو كانوا

األكثرين.. وتذكر بأن أول من تسعر بهم النار ثالثة نفر، منهم علماء لم ينتفعوا بعلمهم لتضييعهم شرط اإلخالص.

فال تغتر إذن بكثرة العمائم المنحرفة عن هذا الطريق.. أعني علماء الحكومات الذين باعوا دينهم للسلطان بثمن بخس دراهم معدودات، فبايعوه وناصروه وآزروه، ولبسوا

الحق بالباطل وأفسدوا على الناس دينهم.. فما العبرة بمثل هؤالء.. وإنما العبرة بالعلماء العاملين المتبرئين من

أهل الكفر والطغيان، فهؤالء هم ورثة األنبياء.. فالزم طريقهم وإن قلوا.. وال تغتر بالغثاء.. فليس العجب ممن

هلك كيف هلك.. وإنما العجب ممن نجا كيف نجا!! * خامسا: كن على ثقة بأن الحق منتصر ولو

وأن الدولة والرفعة والعزة والعاقبة ال شكبعد حين، ألتباعه وأنصاره..

وتذكر مقالة أبي بكر بن عياش حين قال: )أهل السنة يموتون، ويحيا ذكرهم، وأهل البدعة يموتون، ويموت

، فكانذكرهم، ألن أهل السنة أحيوا ما جاء به الرسول {ورفعنا لك ذكرك}لهم نصيب من قوله تعالى:

صلى[، وأهل البدعة شنؤوا ما جاء به الرسول 4]الشرح: إن}، فكان لهم نصيب من قوله: الله عليه وسلم

[ اهـ.3 ]الكوثر: {شانئك هو األبتر فأدلج وجد بالمسير، وال يعيقنك شيء عن اللحاق بالقافلة لنصرة الحق وأهله.. فما هي إال أيام.. وعند

الصباح يحمد القوم السرى.. اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات

واألرضأنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون

إهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنكإنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم



أبو محمد المقدسيهـ1412

وما عليقدمت لله ما قـدمت مـن عمـلبهم ذمون أو شكروا

ومــا عليعلي في البحث أن أبدي غوامضهإذا لم تفهم البقر

منبر التوحيد والجهاد

منبر التوحيدوالجهاد

* * *http://www.tawhed.wshttp://www.almaqdese.nethttp://www.alsunnah.infohttp://www.abu-qatada.comhttp://www.mtj.tw

(130)


الفهرستالمقدمة- فصل في بيان من هم المرجئة - فصل في بيان أن من األعمال واألقوال ما هو كفر-

مجرد أقوال بن حزم في ذلك - أقوال سيخ اإلسالم ابن تيمية- أقوال متفرقة لعلماء آخرين -

شبهة احتجاجهم بمقولة )كفر دون كفر( - بيان حال هذا اللفظ عن ابن عباس من جهة-

اإلسنادبيان مناط هذه المقولة الحقيقي لو ثبت - حجية قول الصحابي - بيان الفرق بين الحكم بمعنى الجور في-

القضاء وبين معناه التشريعي الكفري الذييمارسه طواغيت العصر

- فرية أن عمر لم يحكم بما أنزل الله بتعطيله حدالسرقة عن بعض الضطرين عام الرمادة

وبعض أصحابهصلى الله عليه وسلمشبهة أن النبي - قد حرموا أشياء على أنفسهم

كذبة ألن الحجاج كان مشرعا ولم يكفره السلف- شبهة )وال نكفر مسلما بذنب ما لم يستحله(- شبهة التذرع بأن )الصحابة كانوا ال يرون شيئا من-

األعمال تركه كفر إال الصالة(



شبهة أن هؤالء الطواغيت وعبيدهم يقولون )ال إله- إال الله( أقتلته بعد أن قال: ال إله إال))حديث أسامة( -

(اللهحديث )البطاقة( و )الجهنميين(- حديث دروس اإلسالم-

شبهة أنهم يصلون - شبهة أن آية }ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك-

هم الكافرون{ خاصة في اليهود - شبهة أن المنفي في قوله تعالى }فال وربك ال

يؤمنون حتى يحكموك...{ هو كمال اإليمان ما كفر والصلى الله عليه وسلم- شبهة أن النبي

قتل األنصاري المعترض على حكمه في شراج الحرة،وال الذي قال له )اعدل( ونحوه

الخاتمة- إياك وطاغوت الهوى- إحذر الحزبية والتعصب للمشايخ - تحل باإلنصاف مع الخصوم- ال تتخاذل عن نصرة الحق لقلة أنصاره-

وكثرة المخالفين كن على ثقة بأن النصر والعاقبة للحق-

وأهله فالحق بهمالفهرست-


منبر التوحيد والجهاد...

Documents