אא..אא

طبقا لقوانني امللكية الفكريةא אא

א .אא

א א أو عـرب االنرتنـت(א اى أو املدجمــة األقــراص أو مكتبــات االلكرتونيــةلل

א )أخرىوسيلة אא.

.א א

٣

٥.............................................................................اإلهداء

٦...............................................................................مقدمة

١٥.............................................طارق رفا"ل " حلم المقهور"

١٥...........................................دهشة ممهورة بمزيد من األسئلة

١٧.........................................................................قالوا عن

١٧........................................"طارق رفاعي"ل" حلم المقهور"

٢٠..................................................................عشق الشمس

٢٤..............................................................يقولون إني سفاح

٣٠.............................................................................أحياء

٣٠.............................................................علي درب األموات

٣٩...............................................................دموع على النهر

٤٣.............................................................ال تحت التهديدرج

٤٧.......................................................................لعنة الكوخ

٥٧.....................................................................حلم المقهور

٧١...............................................................................حب

٧١.............................................................على طرف الذآرى

٧٧................................................................حتحوت والقرية

٨٦....................................................................فقدت حبيبتي

٨٧............................................................................الشهيد

٤

٩٠....................................................................ثورة الصمت

٩٧..........................................................المدينة تغلق األبواب

١٠١.....................................................................طفلة النور

١٠٦.................................................................بلطجي المولد

١١١..............................................................مدينتي البسيطة

١٢٠................................................................قراءات جليدية

١٢٥...............................................................دفاعا عن الحب

١٣٢.........................................................مقام سيدي المقطوع

١٣٦......................................................صدر من هذه السلسلة

٥

اإلهداءاإلهداء ، وسـاندوني ، الذين أحبـوني ،إلى كل األحبة المخلصين

، محمـد ، سحر ، إخوتي عالء ، أمي الحنون ،المرحوم والدي وروح عمـي ، نيفين، نرمين،نورهان: بناتي ،زوجتي صفاء

صـدقائي العظمـاء وأ، الطاهرة محمد عبد الحليم عبـد اهللا األديبـة نعمـات ،األديب الشاعر الدكتور بيومي الشـيمي

، واألدبـاء خالـد جـودة ، األديب نبيل عبد الحميد ،البحيري ، محمد عـادل ، هشام سلطان ، معتز محسن ،مرفت أبو بكر

لو الذي كل الحب أهدي ،ماجدة جبر الرقيقة الشاعرة والفنانة وإلـى كـل ، ما يكفي ووزعته عليهم ، من العالم كله هجمعت

.إنسان يحمل لقب إنسان في كل أنحاء العالم ،ومع خالص حبي وتقديري

لكل من تواضع وقرأ لي

طارق رفاعي عبد اهللاطارق رفاعي عبد اهللا

٦

مقدمةمقدمة ، وأشـرب ، وأسمع ،مشأ.. .شخص عادي ، أنا مثلك تماما

فـإنني عنـدما ،ال تتعجب من كلماتي . .وأمشي على قدمين وأصـبح ، أجـدني محلقـا ، فأنا لست أنا ،كتبأمسك القلم أل

أجسدها ، أقلع األوجاع من صدر العالم ،طائرا يجوب األفاق ، نور ، حلم ، عذابات ، خيال :في أي صورة ممكنة " حواديتا "

.موت

أطرحـه ، هو انتزاع الوجع من النفـوس ،إن ما يتملكني ، وعندما أسبح في بحر الكتابة أجـدني تالشـيت ،للعالم كله

إلى أعماقك ألخرج الهم – بعد إذنك – وأدخل ،سابق الريح أ فأطلقهـا ، فتفوح رائحته ، وأنزع قشرته ،الخفي من صدرك

يا : وأعلنها صرخة مدوية ، ليراها ويشمها الجميع ،في الهواء فلتشـاهد ، فقد أخرجت همـه ،أيها العالم أنظر إلى اإلنسان

.ولتتأمل

ونكسـر ،طحن الهـم ون ، لنفتت الوجع ، وأخيرا هيا معي . االنكسار، الذل،أحاديات القهر

٧

إني أكتب لكل حي مـن ، أختي اإلنسانة ،لذا أخي اإلنسان فرؤيتـي بـال ، واألزمان ، في كل األماكن ،جميع الخالئق

حتـى ، وحلمي أن أعبر عنك وعنـي . أو هكذا أظن ،حدود . ونصير نسيجا واحدا ممزوجا بالطهر والبراءة،نتحد

٨

فينتقـل مـن حالـة ، اإلبداع حالة إلهامية تتلبس المبدع حتـى يمتـزج بتلـك ،الخيالفي الشعور إلى حالة التحليق

خرج لنا نبعا صافيا من في ،اإلرهاصات التي تجلت في كيانه ويختلف مذاقه من نوع ، الذي تتنوع صوره ،العسل المصفى مـا ، ذهنيا رائعـا فنجد إبداعا،أخر إبداعي إبداعي إلى نوع

أو متميز، أو قصص ،بين أشعار محلقة في سماوات الخيال أو مسرحية ،رواية تعبيرية تأخذنا إلى مسالك ودروب متعددة

أو غير ذلـك مـن اإلبـداع ؛ أو من هناك من هنا مستلهمة وال يفوتني في هـذا المجـال أن أنـوه أن ،الكتابيالذهني

، أنواع أخرى من اإلبـداع بل هناك ،اإلبداع ليس فقط كتابيا ولكننا ، أو غير ذلك ،منها اإلبداع الفني ما بين الرسم والنحت

.ا في درب اإلبداع الذهني الكتابياآلن نسير مع

ومن بين ، هو أحد هذه اإلبداعات الراقية ،والفن القصصي التي تبدو أنهـا لغـة هـذا ،هذا الفن تبرز القصة القصيرة

والذي ال يجد اإلنسان وقتا ،نت عصر اإلنتر ،العصر السريع في كبير لقصة القصيرة دور ل ومن هنا كان ،للقراءة المتأنية

من خالل قصـة ال تتعـدى ،إثراء الحركة األدبية والثقافية .بضع صفحات أو ربما بضعة سطور

٩

والقصة القصيرة هي تلك اللحظة اإلبداعية التـي تتملـك ليخـرج ، أركانها مما يجعله يجول في ، وتحتل ذهنه ،المبدع

معبرا عن الشعور الداخلي لهذه الحالـة ،بمردود فني إبداعي قـد يسـقط ، ليشع نورا ،اللحظية المتألقة بمكنونه الال واعي

أو علـى مـا ، أو على أحالم الحاضر ،على أوهام الماضي ومن هنا فإن القصة القصيرة قد ؛يخبئه المستقبل من مفاجآت

أو تسلط ، ما يصلح ه لتأخذ من تلقي ضوءا خافتا على الماضي ما له من الضوء على الحاضر لتبرز ما به من جمال أو تندد

أو تخترق حجب المستقبل لتشير إلى حلم جميل قـد ،مساوئ .يتحقق أو ال يتحقق

إبداع مواز لهـذه الصـور األدبيـة ،وهناك من اإلبداع وقـد يختلـف ، قد يتفق معي البعض .المتعددة التي ذكرتها

ولكـن الكـل يتفـق علـى ، األخر في كونه إبداعا البعض الـذي أعتبـره هـو ، إنه النقد األدبي ،مضمونه وعلى هدفه الحالـة الذي يسـقطه الناقـد علـى ، الضوء القوي الحنون

، ليبرز ما بها من محاسن وجماليات مختلفة ،اإلبداعية الذهنية إلى جانب توجيه المبدع إلى المثالب التي قد تكون في عمله

١٠

أو قد يصحح مساره ، فيتقيها في أعماله المستقبلية ،إلبداعيا .في أعماله الحالية

لمبـدع ،وبين أيدينا اآلن أحد األعمال اإلبداعية المتميزة سـار إنأعتقد أن نجمه سيبزغ في سماء الحياة األدبية قريبا

وكعادتي قبل أن ألقي الضوء على بعـض ،على نفس النهج ألقي الضوء علـى صـاحب هـذه أود أن ،هذه اإلبداعات

رقيق ، دمث الخلق ، وديع المحيا ، هو شاب طموح .اإلبداعات ، يعتبر كل المخلصين حوله أهل لـه ، طيب القلب ،المعاملة

مقتنع دائما بالعمل مع الجماعة ومـن ،ليس فرديا وال شلليا ينتمي إلى الكاتب الكبير ، إنه طارق رفاعي عبد اهللا ؛خاللها

ولن يكـون، لكنه لم يكن ظال له ،لحليم عبد اهللا محمد عبد ا بل اتخذ لنفسه دربا خاصا ،ولم يكن في نفس الوقت مقلدا له

، أثرت مهنته في إبداعاتـه المختلفـة ، هو محام .ليس لغيره ما استطاع أن يعالجه بصورة ، ومن مجتمعه ،حيث أخذ منها

يجمـع بمزيج، ليجود علينا به،أدوات مكتملةب و ،فنية متميزة فأثر فـي قارئـه تـأثيرا جليـا ،الخيالبين ما بين الواقع و

.وواضحا

١١

تحتوي على تسـع " حلم المقهور " والمجموعة القصصية يروي من خاللها ما يعانيـه اإلنسـان ،عشرة قصة قصيرة

ويصـور لنـا فـي ، وفي أحضان وطنه ،المقهور بين أهله وقد يثـور ،ه الذي يستسلم له ويمتزج ب ،واقعية خيالية الشقاء

بعض هـذه القصـص آخذ وسوف .عليه في بعض األحيان . اختيار مسبقما وأتعرض لها دون،عشوائيا

أحيـاء " وبين دفتي هذه المجموعة نرى هؤالء الذين هم الكاتب يتجـول بـين جنبـات ونري ،"على درب األموات

كيف يصل الفرد منهم إلى هـذا ،، ليروي لنا قصتهم المقابر والحاجة أدت بإنسان إلى أن يحطـم لعوزين أن ا يب ،المكان . يسـرق ، يقتـل ، يطلق زوجته ، يعيش بين األموات ؛حياته

وفـي ، وفي أسلوب مشوق ،يروي لنا هذا في صورة ساخرة وأذكر لكم بعض .مرارة نكاد أن نتذوقها مع بطل هذه القصة

يسري ماء القـوة فـي /تراوضه الشفقة : (الصور الطارقية نرى كاتبنا وقد أوضح أسباب اللجوء إلى السـكن ،)عروقها

التي آل إليهـا أولئـك ، وبين لنا النتيجة الشرسة ،في المقابر . األحياء، لتتلقفهم دنيا األمواتالذين لفظتهم دنيا

١٢

كانت هي ،لحظة عابرة " فقدت حبيبتي " ويصور لنا في كمـا ضـاع ،التي ضاعت اللقاء الخاطف بينه وبين حبيبته

نجد كاتبنـا . وبين عصي الشرطة ،األمل بين الهرج والمرج أنظر معي كيـف يصـوغ .يأخذ الواقع في صورة إبداعية

لملمـت : ( يقول ؛عباراته في صور جمالية لها رائحة الكاتب / كثيرون يمرون بيننا على خيوط نظراتنـا /صوتها في أذني

ى أنه يسرد علينا لحظتـه كما نر ،)عيناي تلتهم وجهها بفرح .الجميلة بأسلوب شعري جميل

ذلك الرجل الذي أستشـهد مـن أجـل ،"الشهيد " وفي الذي علـم األجيـال ، ذلك الرجل العمالق ،الواجب الوطني

، المدرسـة ، كيـف يبنـون مسـتقبلهم ،كيف يحبون وطنهم عـة وفي صورة رائ . إنه المعلم ؛ المسرح ، النادي ،المستشفى

ـ : ( كانت جنازتـه يصور لنا كيف ، ازة األطـول إنهـا الجنلـم (ة منه ويبين لنا موقف أهل القري ،)في القرية ، األضخم

حتـى ، حتى الطيور سبحت فوقهـا ،يتخلف أحد عن جنازته مطأطئة الرأس لمـوت أخـي ، الزروع مالت عن استقامتها

يصل إلى قلب المتلقي قبـل - يعبر بأسلوب بسيط ،)الشهيد عن المعلم الذي علم أهل قريته أال -ة عقله بسالسة وسهول

١٣

: قصته بما لم يتوقعـه أحـد ثم ينهي . يخشوا في الحق أحدا : قالـت ، مزقت شرنقة الغضب داخلنـا ،صرخت عجوز (

.)ملعونة االنتخابات، قتل المعلمملعون كل من

وينتقل بنا الكاتب إلى موقع أخـر مـن مواقـع الحيـاة ،"بلطجي المولد " لنرى ما يفعله ،لمولد ينتقل إلى ا ،ألمتعددة

، فاتجه إلى المولـد ،الذي طردته أسرته بسبب ما فعله بأخيه ألهل المولد، عي حمايته ويد من لقد باع أخاه ،!!؟ ولكن من ،

وما يفعله مع ، ويرسم لنا الكاتب خطواته ،وسرق أهل الخير ي الذي ال وممارسته لدور الحاو ،أهل المولد الذين ال يحبونه

، إلى أن يلقى مصيره المحتـوم ، مع افتتانه بنفسه ،يفقه شيئا ف، ويصـور ذلـك دفاعا عن الشر ؛رجل عجوز ي على يد

.بأسلوب تهكمي ساخر

والـذي ، بطل هذه المجموعة ،"حلم المقهور " أما قصة فقد وفق الكاتب في ،اختارها الكاتب لتكون عنوانا لمجموعته

وبـين ،عة تجمع بين الواقع المـر هي مجمو .هذا االختيار ، والكاتب استفاد من التراث في هذه القصـة ،الخيال الجامح

ليلبي ، والجني الذي يظهر له ،حيث وظف قصة عالء الدين كي يظهر واقعا سياسيا مريرا تمر به ،ثالث حاجات يطلبها

١٤

بل ، حيث تجثم على صدورها قوة طاغية ،معظم دول العالم بل في النهاية تسـخر ، وتتلصص عليها ،تتغلغل في أذهانها

ويوضح الكاتب أن القوة في ، للوصول إلى أغراضها ،الجان وإلى ، إنها في الرجوع إلى اهللا ، ولكنه ال يعرفها ،يد الضعيف

.دين اهللا

ببساطة شديدة أستطيع أن أزعم أن هذه المجوعة تحـوي الـذي ، العديد من القضايا الوطنية واالجتماعيـة ،بين دفتيها

. عل أحدا يجد لهـا حـال ،يسعى الكاتب إلماطة اللثام عنها ع حيث نو ،وأرى أن القاص قد تحدى نفسه في معظم أعماله

وخلـق بصـمة ، من قصة إلى أخرى ،في أسلوبه المستخدم ، وانتقائه لمفرداته ، من خالل ابتكاره لصور جديدة ،خاصة به

،ناسـب مل ووضعها في مكانهـا ا ،وتوظيفه لها بصورة جيدة وأروع ، وجعلها في أبهى صورة ،مما أثرى هذه المجموعة

.حلة

١٥

طارق رفاطارق رفا""ل ل " " حلم المقهورحلم المقهور" "

دهشة ممهورة بمزيد من األسئلةدهشة ممهورة بمزيد من األسئلة عمات البحيريعمات البحيرينن

يدهشني االقتراب كثيرا من المبدعين الجدد، وتسـتهويني تطلعـا ،متابعة الكيفية التي يؤسسون بها تجاربهم اإلبداعيـة

وهناك من يفرط في االحتفـاء ،سياقات مغايرة عمن سبقهم ل ومـنهم مـن ،بالشكل واللغة على حساب القضية االجتماعية

لكنها لـم ، ربما قتلت كتابة ،يحتفي بقضايا اجتماعية وفكرية .ما زالت تنبض نحو مزيد من األسئلة. .تمت

باعتبارهـا قصصـا ،في مغامرة تحمل الكثير من الجرأة كانت المجموعة األولى ،"حلم المقهور "م المقهور حل" قصيرة .طارق رفاعيللقاص

وأدهشـني ، أكتوبر الرياضي ٦ قابلته في نادي مدينة . واللغة المشحونة بالتوتر،بروحه القلقة

سنجد الشخصيات واألحداث " حلم المقهور "في مجموعته لكن الواقع االجتمـاعي الـذي ،المقدمة هي من نسج الخيال

١٦

لذا سنجد الفن عند ، وشرس ، وقاس ، وواضح ،تجها حقيقي أن مارا بأدوات شـكل ، هو إعادة إنتاج هذا الواقع طارق رفاعي

.بها رؤيته الخاصة جدا للعالم

حيـث أن مجموعتـه ،بموهبة عالية طارق رفاعي يبشر تتبدى من خـالل ، تشي بملكة من اإلبداع ،القصصية األولى ويطغـى ،في أغلب قصصـه ، الواضحة ،حبكته الصارمة

وبالمثابرة والجلـد يسـتطيع الكاتـب ،عليها نصاعة الرؤية وفي . التي تعبر عن رؤيته الطموحة للوجود ،استكمال أدواته

حين يكون إيجابيـا ،تصوري أن النجاح يكون حليف الكاتب وقضـايا ، وقرائـه ، وإبداعـه ، وبكتابتـه ،في عالقته بنفسه

فـي هـذه طارق رفـاعي ص وهذا ما حققه القا ؛مجتمعه ولذا نطمـح ، أو حدود ، فالمعرفة عنده بال سقف ،المجموعة

.في تحقيق المزيد في األعمال القادمة

نعمات البحيرينعمات البحيري

١٧

قالوا عنقالوا عن ""طارق رفاعيطارق رفاعي""لل" " حلم المقهورحلم المقهور""

حيث نجد شعاع ، قيمة النور طارق رفاعي يعشق القاص رية بأفـانين هذا النور متسربا بمادته القصصية المنوعة والث

وهذا االتحاد يعكس إيمان القـاص برسـالته ،القص الممتعة ، من معاني العطـاء والجمـال ، لما تمثله قيمة النور ،األدبية

بحيـث يصـعب ،ويمتزج بإيمانه ذلك األداء الفني المشوق والتـي ،التنبؤ بما تخبئه فضاءات التناول األدبي في قصصه

.لمتعة في آن وا، والجمال، والفكرة،تضم الخيال

خالد جودةخالد جودة

بين أيدينا مجموعة قصصية متميزة، ألديب متميز، يحلق بنا في عالم خاص، جميل، فيمزج الخيـال بـالواقع مزجـا ممتعا، يتناول القضايا االجتماعية واإلنسانية، تناوال جريئـا،

أتمنى أن يستمتع القارئ بهذه المجموعة، التـي لـن . جديداة منها فبل أن تنهيها، فكـل قصـة تستطيع أن تترك أي قص

عالم متفرد، يجذبك من السطر األول، حتى أخر كلمة، كمـا

١٨

أنك لن تستطيع أن تتنبأ بنهايتهـا،وأتمنى للكاتـب المزيـد .والمزيد من األعمال، واإلبداعات الجميلة

مرفت أبو بكر عليمرفت أبو بكر عليسوزان مبارك ألدب األطفال سوزان مبارك ألدب األطفال الحائزة على جائزةالحائزة على جائزة

٢٠٠٥٢٠٠٥

، أراد أن يقدم لنا فـي شـكل ق رفاعي طار إن األستاذ قصصي رائع مجموعته القصصية، مأساة اإلنسان المعـذب على وجه األرض، في مزيج من الواقعية، ما يبث األلم وال

.، والسخرية)حلم المقهور(

معتز محسن عزتمعتز محسن عزت

، لكاتبنا "حلم المقهور " هذه المجموعة القصصية الرائعة فيكاتبنا ولد عمالقا، يمتلـك المبدع فيعرضه األول، أشعر أن

موهبة فذة في التصوير الفني، وكأنه سيناريو بكل عناصـره أتمنى أن أرى مجموعات قصصية . الفنية والتصويرية الشيقة

.أخرى تصدر قريبا،بما تحويه من موهبة وطرافة

١٩

األديب الشاعراألديب الشاعر

سلطان سلطانهشامهشام

٢٠

عشق الشمس عشق الشمس

ولـم تتمالـك ، ومداهنة لعليائها أمـامي ، ضحكت قهرا ، لقهقهة بها رنة مـن الحـزن ، فاتسعت الضحكة ،نفسها

وتـدحرجت ، ودون إرادة منها اختفت ابتسامتها في وجنيتها ..دموع وليدة من عينيها

الحـب سـألتها بعطـف ،وعندما ارتجف جسدي لهـا :المخبوء

؟ما بك يا فرح الناس -

راحت . بكت وبكت، وصمت ولم تنفرج شفتاي عن حرف ذ ، تتحامل في مداراة دمعها عني ،تجفف دموعها في تخاذل

.بل وجهها في لحظة

كم هو بديع في أحالمـي وثـري ،أتأمل هذا الوجه النقي فمـا ،ريني غربة حزينـة تعت .لكنه اآلن باك ،علي أوراقي

لعله الوجه الخفـي مـن ، يبكي وجهاتخيلت أن لهذا القلب .قهره،اإلنسان بأحزانه

: قلت

٢١

؟ما للعيون الطيبة تبكي - تسـلل ،تحـدثت . .كنسمة الحب المتسللة لجوف قلبـي

: قالت،قلبي يفتتهى لإحديثها خنجرا

.أحبه -

ولـن ، ي لم أنطـق نلكن، صرختو، وصرخت، صرخت . مالمحي ضمرت حتى التالشي.أنطق

وأنا أصرخ وال أتكلم قالت. .ظلت تسرد:

،والـزواج صـعب ، والسنون عائق ، لكنه تغير ، أحبه - .... .والظروف، لكني متخوفة منه والظروف،أحبه

مميـت ، تبدل القمر إلي لظـى الشاعري ذاك الكوكب، شقه حتى !ولمنله األحالم مواكبـا ،روحه ؟ لمن ع وصنع ،

صدري يتسع لمزيـد سألتني وشق ،تدور به كل ليل و مساء :من األحزان المباغتة

ــل ــاذا أفع ــي ! ؟م ــال ل ــرف ح ــل تع ؟ه جيدا ، تستطيع أن تهدهد ما بنفسـي إني أعرفك

.دوما

٢٢

هربـت ، واتسع هولها حول صـدري ، ازدادت صرختي أخفتهـا ، نظرت إليها فلم أجدها ،دموعي الخائنة إلي خدي ولـن تعـود حلـم ، فلم تعد هي ،دموعي من شاشة عيني

وجهي المقهور يلقي وجهها بنظرة .ومصفاة آالمي ، مسائيتمنيت أن تكون دموعي المتساقطة أحجارا صغيرة . ةمذبوح االنتفاضة -تندفع إلي قلبها لتعلنها باليقظة- عبر .

: قالت، أخيرا لمحت دموعي تنحدر

. ي؟ إني أشكرك، أشكرك جداأتبكي من أجل -

:فانفجرت فيها آن لصرختي أن تنفجر،

.إني أبكي زمني الحزين الذي وضعك في طريقي -

بد لـت توبغرابة زحفت علي شفتيها وعينيها المتعبتين، ف :قالت. مالمحها

- ؟ماذا تقصد

نظرت ألفق السماء فرأيت الشـمس ملتهبـة حتـى : قلت.الحرق

- شقت الشمسأني قد ع أقصد.

٢٣

@

@@@@@

٢٤

ني سفاحني سفاحإإيقولون يقولون بالصـبغة دهنـت وجهـي ، أرقبه، أختبئ خلف الظالم

لبست مالبس سوداء حتى صرت نسيجا في عباءة ،السوداءأنفاسي ، قبه منذ ساعة أر، صامت إليه بغضب أنظر .الليل هدفي أال يرانـي أو يسـمعني ، أكتمها قدر استطاعتي ،تدقوال جسدي وإن كـل ، وطاللوقت وإن امتد يهمني ا ال ،أحد .الثأر.. . المهم عندي،وتعب

وأنـا ، ال أنسى أثر دمائهما علـى يـدي ، صالح وسعد وقد تلونت مالبسهما البيضـاء بهـذه ،أحملهما ألهرب بهما

أن نكون كان يجب ، تي كنا نعدها للخداع الالة الدماء والصبغ . ثأرا وثـأرا ، ر ليزداد الثأ، لكني أصبحت وحدي ،اآلنمعا

أمنيتي أن ، أرمقه بجنون غاضب ،أتابعه وهو يتحدث معهم ، أرقبه ، أشتاق لرائحة دمه النجسة ،أفصل رأسه عن جسده

ال ، شـكله يزلزلنـي ، الزال أمامي يتحرك من مكان لمكان ي بغ أ لكنى ال ، يمكنني أن أقتله ،يفصل بين وبينه إال خطوات

. ثأري وثأر صالح وسعد إنه، بل أريده كله لي؛ ذلك

٢٥

، يزعجني هذا أبدا ال. يقولون أني أشرس من سمعوا عنه وهبت عمري للثأر ولـن .فإن هذا يزيح عني بعض الغضب

أ كره أن يستنشق هواء أرضي بعد ما قتل صالح ،أتراجع أتلـذذ ،ي أني عاشق لـدمائهم ن أن يصفون ييهمن ال .وسعد

إنـه ثـأري ،إنسان ر ال ني جزا إ يقولون ،همعضائبتقطيع أ . صالح وسعدوثأر

وصـالح ، سعد يغنـي ، نجلس على الشاطئ ،كنا ال ننام : قال.يحكى لنا عن حليم ابنه

، عندها بكيت وبكى حلـيم ،تعلق بثيابي وأنا قادم إليكم - ثم حدثنا عن رغرغة ، نظرة مقدام لكنه نظر إلي ،عمره عام

ليخرجه عند خروج ، هيختزن بكاء ، صوته باأللحان الطفولية لديـه االسـتعداد ، كنا نرى صالح فـي حلـيم .صالح إلينا

كنا ال ،سعد فثأره ثأري وثأر ،يتراجع ال، يخاف ال ،للموت :قال صالح في أسى ، نفترق

وأغلقت الباب على دموع زوجتـي ، خرجت من بيتي -جلسـت ، ألغـادر ، لم أستطع أن أرفع قدمي ، وصراخ حليم

شـعرت ،ة زوجتي هأسمع أنين حليم ونهن ؛ يتباب الب بجوار . بل شاق،أن األمر عسير

٢٦

.لثـأر ثأرنـا وا ، عـرض ، فاألرض لكن البد أن أعود حيثمـا ، أحثه أن يتـرك عواطفـه ، وضعت يدي على كتفه

. فالثأر إما موت أو موتغلقت زوجته الباب، أ

وفجـأة انطلقـت ،فرأيت نورا يشع من وجهه ، ابتسم لي تحمل شـهادة مـوت ، الجانب اآلخر للشاطئ الرشاشات من

ألرجعـه إلـى ، وأنا ألملم دمـه ،صالح ليعلقها على صدره .إال أن الدم قد غذى ثأري بثأر صالح، جسده

: قال،اختطفنا أحدهم ذات ليلة

نتمنـى أن ، هكذا نطلق علـيكم ،أنتم السافحون الثالثة - . فأنتم البشاعة التي نعيشها،نظفر بأحدكم

،قمنا بحشوه ، أخرجنا أحشاءه ، وصراخه ،بال بنباحه لم ن ، وعند الصباح تعالـت صـيحاتهم ،ثم أعدناه إلى شاطئهم

. إنه مقتول،وجدناه

انفجـر ، ضغطت علـى الـزر ، تجمعوا ، تدافعوا ،تدفقواالموت ، فالثأر عندنا ،لم نفرح كثيرا ، أشالؤهم تناثرت ،قتيلهم

.أو الموت

٢٧

، لم يظفروا بأحـدنا ، علينا النيران ا صبو ،اشتطوا غضبا :علق سعد، لكن زاد ثأرنا عليهم

. كما دمروا منازلنا،أريد أن أفجر منازلهم -

:قلت

.لو أمهلنا القدر لفعلنا -

:رد سعد

المهم عندي ، أو مهندسا ،ال يهمني أن أكون مخترعا - .أن آخذ بالثأر، اآلن

:راقتني الفكرة قلت

.ل ما هو أكثرسأجعلك تفع -

دهنـا ، لبسنا المالبس السـوداء ،تسللنا ليال خلف شاطئهم انطلق ينـبح ، وخزناه ، أخذنا كلبنا المدرب ،وجوهنا بالصبغة

راحوا يلتفون حولـه ، اجتمعوا حوله ، أصابتهم الدهشة ،بينهم : قال أحدهم،بحذر

ال بد أن أحد السـفاحين يسـكن ،ابتعدوا عن هذا الكلب .جسده

٢٨

، وجـدوه جمـيال ، تقدموا منه بتـأني ،ا للخلف تراجعو ، تسللنا إلى حجـراتهم ، التفوا حوله يداعبونه ،آلفوه، اطمأنوا

،مع الكلب وهم بالخارج يتسابقون جريا مألناها بالمتفجرات انـدفع ، لم تسترع انتبـاههم ، أطلقت صفارة ، خرجنا ،انتهينا

، الثـاني أطلقت الصفير ، انطلقوا خلفه ،الكلب تجاه حجراتهم انطلقـت أشـالؤهم ،انطلقنا عائدين ، إليناطار الكلب عائدا

.الهواء متطايرة في

وضـع . نكررها وال نمـل ، إما موت أو موت ،إنه الثأر انطلقـت ذات ،راح يغنـي ، صـالح سعد رأسه على فخـذ

فقد تسلم شهادة ، لم يستطع أن يرفع رأسه ،الرشاشات نحونا . هاربا بهماا حملته وصالح،ةوفاته بواسطة طلقاتهم الغادر

و أضـعها ،أقسمت أني لن أنام حتى آتي برأس قائـدهم ال زالت ،الغربان والبوم فيها ألتلذذ بنقر ،على رأس العامود

بدأوا يتحركون ،هيلإأرقبه وقلبي متلهف

قفزت ، أصبح وحيدا ، تصاعدبدأ فرحي ي ، حوله للخارج ، نفسا واحدا بعدها لم يستطع أن يخرج ،كالسهم على عنقه

، عبأته مفككا داخلـه ، فتحت الجوال ،أخرجت نصلي الحاد .حملته وعدت عائما به إلى شاطئنا

٢٩

، وال أمي ،تذكرت بيتي الذي نسفوه ولم أجد جثة زوجتي ، وسعد وصالح وهمـا ينزفـان ، بل أشالء محترقة ،وال أبي

. في الصباح وأنا أهرب بهما إلى الموت،فوق كتفي

ينقرونها من فوق ،كانت البوم والغربان تحوم حول رأسه أخرجت قميص صالح األبيض الذي امتزج بالدماء ، العامود

ورفعته يرفرف فوق الصـاري ، الحمراء والصبغة السوداء وأنـا أصـرخ ، توجهت ببصري إلى شاطئهم ،أعلى العامود

:بقوة تحمل صوتي إليهم

ال تعـودوا ، و ترحلوا أو أن ،الثأر إما موتكم أو موتكم - .مرة أخرى

. إلى روح كل شهيد ضحى بدمه من أجل وطنه:إهداء

١٩/١١/٢٠٠٥

الجيزة/ أكتوبر٦

٣٠

أحياء أحياء علي درب األمواتعلي درب األموات

أرخي جسده بفتور علي كرسـي متهالـك، راح يعبث في أحالمه، فوجد أنها قد تكسـرت جميعهـا، عود، عود علي مقصلة الحياة الحامية، منذ تخرجه، وعمله موظفا وحتى اآلن، وزواجه من امرأة عنيفـة

. الطباع، عاشقة األحزانيتذكر يوم أن بكت زوجته بحرقة، حتى أحس

أن الدموع قد شقت بحورا من الماء المالح في قلبها، كان ينظر إليها متألما، وصورتها تهتز أمامه حتـى شعر بالدوار، فقامت بقذف قطعة حديدية كانت فـي

. علي زجاج الشباك، فهشمتهقبضة يدهااختلس النظر إليها في صمت، خشية انفجارها فيه،

: قالت والدمع الموجع يتقطر من عينيها البد من الرحيل؟ أ

٣١

: يحملق في غضبها المنعقد علي جبينها . لن أستطيع دفع األقساط المتأخرة

تقذف بزجاجة علي الحـائط، فتتنـاثر أشـالؤها، :ب منهيتراجع للخلف، تقتر

. إذن طلقني : هب منتصبا متوجها إلحدى الحجرات، وهو يقول

. أنت طالقتنزع إطارا زجاجيا من الحائط به صورة زفافهما، وتلقيه به، يسارع، ويغلق باب الحجرة خلفه ، مستترا

: اقتحمت عليه الحجرة زاعقة فيه. من عدوانها ! تطلقني لتهرب من الفقر يا جبان

: ها، ودفعها إلي الحائط بقوةجذبها من يديسأذهب للحياة في مقبرة جدي، هل ستأتين معي أم

ال؟ بكت وبكي معها انكسـارها، تهـاوت، افترشـت

: األرض

٣٢

. أخرتها، أعيش في مقبرةتراوضه الشفقة، يحاول مسـاعدتها كـي تقـف،

: فيقول مستسلما. فتأبي األقساط المتأخرة علي الشقة للبنك، حوالي ستة -

الف جنيه، والفوائد تقترب من عشرة آالف جنيـه، آومصاريف إدارية، ال أعرف كيف تصل إلـى هـذا

ألفان من الجنيهات، من أين آتي بكـل هـذا ! المبلغ؟ !المبلغ؟

يسري ماء القوة في عروقها، تقف وهـي تمسـح : همومها من علي وجهها بيديها

إذن أرسل لي ورقة الطالق علي بيـت أمـي، - . وحدك وعش بالمقابرواذهب أنت

كلما تذكر هذا الموقف المأسوي، الذي لن ينسـاه أبدا؛ تسقط الدموع من عينيه بخـزي علـي سـقف

يخرجه من همه، سـماعه طـرق . كرامته المشروخ على باب المقبرة، فيرسل نظره إلى بابها المـوارب،

٣٣

الذي يفصل هواء األحياء في الخارج، عـن هـواء .األموات بالداخل

:قال . دخل يا سيد يا تربيأ

:عال صوت غريب عليه، باستنفار .أنا لست سيد التربي

:تتشكل لديه لوحة ساخرة للطارق المتعالي فيقول .إذن أدخل يا سيادة الوزير

يدفع الباب، ويدخل رجـل قـوي البنيـان بيـده :مجموعة من األوراق، قائال بترفع

أتسخر مني؟ أنا؟، محوال بصره إلـى نظر إليه من أعاله إلى أسفله

:الشاهد الذي به جثث جده وأمه وأبيه، قائال .كبير، صغير، كله نازلها، نازلها

ينفض الرجل التراب من على قميصـه، ويقلـب :األوراق في يديه، ويسأله

٣٤

هل هذه مقبرة سعيد سعد المسعود؟ :قائال له بتعجب. يخبط يدا على يد

.نعم، خير : ثم يقول لهيصمت الرجل ويخرج ألة حاسبة،

المقبرة عليها رسوم يجب دفعها، منذ إنشـائها، - .إلى جانب فوائدها الكبيرة

ينتفض الوجع من داخله لتلك الكلمات، يتوجه إليه، ويلقي ببصره على األوراق، كأنه يمسـحها قـراءة،

:فيقول مستهزئا كم؟

.ثالثة أالف جنيه

:فيلملم الرجل أوراقه مستشعرا االستهجان أم أحجز على المقبرة؟ أتدفع،

يندفع إليه سريعا حامال كرسيا نظيفا، يجلسه عليه، :قائال

٣٥

دقائق سأحضر المبلغ لك، لكن إياك أن تحجز على .مقبرة جدي

يتوارى عنه، يدخل حجرته، وينظر إلي مالبسـه المبعثرة التي تلونت بالتراب، ويصرخ في قلبه أيـن

يعاوده مـن ، ثم يضمر شيئا في نفسه، ف !إذن أعيش؟ الخلف قابضا على عنقه، راح الموظف يقاومه بشدة، لكن شعوره بالقهر أعطاه قوة تعاظمت، حتى أزهـق

: روحه، نظر في وجهه، وجده ممقوتا، فقال له . ألم أقل لك، كبير، صغير، نازلها، نازلها

بعد عام يفتح إحدى الصحف، يجد خبرا صـغيرا بمصـلحة عن اختفاء حوالي عشرين من المـوظفين

الضرائب، والمحافظة، والحـي، وهيئـة النظافـة، وصندوق التنمية بين المقابر خالل هذا العـام، ولـم يعثر ألي منهم علي أثر؛ ينطلق مذعورا إلي حجرته التي ينام فيها، يبدأ في عد األحذية التي بها، يجـدها

٣٦

خمسة وثالثين زوجا من األحذية، يقهقه بهسـتيريا، : ترجرج الحجرة

ومن أين جاء الباقون؟ لم يأت أحد إال وكانت معه فاتورة، والحمد هللا سددت كل الفواتير، والباقي أعيش

. به حتى اآلن

يداهمه طرق علي الباب، فيسرع نحوه، ينكشف له : عالم األحياء باردا، قاتما، فيسأل الطارق

نعم، من أنت؟ : يتصنع الطارق التأدب أتسمح لي بالدخول؟

بروية، ويتذكر العدد الخاطئ للمـوظفين يتفحصه : المختفين فيبتسم

. قدر وكل ذاهب إليه. تفضل : يبتسم الطارق، قائال

أنا يا أخي، مهندس من وزارة البيئة، جئت أحصل . منك علي الرسوم، مطلوب منك مائة جنيه فقط

٣٧

:اندفعت الضحكات عبر أوصاله ناطقة علي لسانه

وهل يدفع أحد هذه الرسوم؟ : تنفرج أسارير المهندس قائال

. اليوم فقط جمعت ألفين من الجنيهات. كثير : تنطلق أساريره مزغردة بفرحة

. عظيم، استرح هنا حتى أحضر لك المبلغيلمح المهندس الجريدة، يلتقطها، يقرأ الخبـر، ال يأبه، يأتيه من الخلف قابضا على عنقه كالفهد، قـائال

:له .حتى البيئة ال ترحم

سقط من بين يديه جثة هامدة على التراب، فضحك :وهو يقول

أجمل ما تحمل معك حذاءك، أخرج حافظتـه، -وجدها مليئة بأوراق نقدية، و بها صـورة زفـاف،

:تمعن فيها، صرخ

٣٨

الملعونة تزوجت بهذه السـرعة، عمومـا لـن -أحرمك من شيء، أخذت لقب مطلقـة منـى، واآلن

. ستحملين لقب أرملة منه

٣٩

دموع على النهر دموع على النهر ، نظرت إليـه بحـدة ، لقد لسعتها كلماته . فتوقف، توقفت : سألته. ا مطأطأ الرأس مخفيا عينيه عنهانظر إليه

ومتى حدث هذا؟- : خفض رأسه أكثر، متصنعا اإلرهاق

. باألمس-ارتكنـت ، بدأت تفقد القدرة على الصمود ، أذهلتها كلماته

وقفت ، تحاملت على نفسها ، سندها، كادت تسقط ، على الحائط : قالت بانكسار، وهي ترتجف

. حدث باألمس- :صور أمامها بسرعة البرق فتهمس تندفع ال

... ماذا أقول ألبي؟ لقد حذرني منك-مما دفعه أن يجعلها ، بدأت نظرات المارة تعبث بوجهيهما اختار مكانـا نائيـا ، تتحرك بعيدا عن الطريق تجاه النهر

رأت النهـر، مـاؤه ، رفعت رأسها تجـاه النهـر ، وأجلسها . البعيدوعيناه تتابع إبحار القوارب إلى،تعكر

٤٠

تغير لون بشرتها البيضـاء ، فبكت أنوثتها معها ،بكت تمنى أن يأتي الطوفـان ليأخـذه ، توجع بداخله ، إلى الحمرة ...بعيدا عنها : تسأله

لماذا لم تخبرني قبل أن تفعل ذلك؟-فلـم ، أراد أن يلتقط كلمات مـن داخلـه ليبـرر بهـا

، ن كرامتهـا تتوالى دموعها لتسقط بحرارة على غص ،يستطع .فلم يعد قادرا على الرد، يتلعثم، وهو يتهته

وهو ، الزال البكاء يأتي بالدموع المدموغة بكسر كرامتها .يتمنى اللحظة التي ينتهي فيها هذا اللقاء

: قالت بصوت مجروح هل نسيت كلمات العشق؟ هل نست اقتحامك لجسـدي؟ -

هل نسيت وعدك لي بالزواج بعد أسبوع؟ : فف دمعها ثم تستطردتصمت لتج

ضغطوا عليك وأرجعـت زوجتـك ، وفي النهاية تقول - .لعصمتك

فأعلنتـه ، وهي تستشعر رائحة القذارة منـه ، نفخ بحدة : بجرأة

٤١

واآلن ، لم أكن عندك إال امرأة تلهـو معهـا ، أنت بارد - ... تريد الفرار

قاذفا ببصره تجاه النهـر بعيـدا ، وضع يديه على وسطه :فيحدثها بال مباالةعنها،

ماذا أفعل؟ عدت إلى المنـزل، فوجـدت أبـي، وأمـي، . لم أجد مفرا ، والمأذون، وهي وأهلها

تتوجع بألم من كلماته ، وتتذكر أن والدها قد استدان مبلغا ، وهي اآلن تكتشف أن له وجهـين ، ضخما لشراء لوازمها

عورها لكن ش ، تعلم أنها قادمة على الهالك ، عاطفي وخسيس قررت ، فقررت أن ترفض لقب مخدوعة ، باالستسالم يعذبها

فدائما يقال عنها صـاحبة ، أن يكون لها وجهين هي األخرى .الحكمة والفتنة

: جففت دموعها، وقالت .ال أنساه، وليكن وداعنا جميال ، دعنا نقترب من النهر-

فتعاوده ، وهي تبتسم له بدهاء ، شعر أن الهم قد تدلى منه فتظهر ، ويحاول أن يقبلها ، يجذبها من يدها ، جرأته المعهودة

:فيتودد إليها، له التمنع . صدقيني، ال أستطيع العيش بدونك-

٤٢

تبكي بداخلها والنيران تحرق فؤادها، وهي تـراه ال زال وهـو ، فترد بابتسامة مصـطنعة ، يسكب الخداع على أذنيها

مدت يدها، ، فليةيشدها ليهبطا الدرج معا نحو حافة النهر الس وهو ينظر إلى القوارب المغادرة نحـو ، فلسعتها برودة الماء

: قالت، البعيد . ما أجمل النهر-

انتشى من داخله فرحا ، وشـعر أن العقـدة قـد بـدأت فأرسل بصره وراء القوارب التي تغيب في الـال ، تتالشى .مجهول

ـ ، تستجمع قوى االنهزام واالنكسار من داخلها وة دفعته بق : وهو يصرخ ، القهر إلى داخل النهر

.سأغرق، سأغرق، ال أعرف العوم-شعرت أن حجرا ثقيال قد أنفلت من داخل صدرها

وهو ، تراقبه،صعدت الدرج بهدوء ، تنظر ألعلى ، لقاع النهر :يصرخ ....إني، إني أغرق-

. لم يكمل جملته فقد ابتلعه النهر

٤٣

رجال تحت التهديدرجال تحت التهديدب، فتحته، نظرت إليه، عرفـت مـاذا يريـد، طرق البا

توجهت إلى المطبخ، وعدت بكيس؛ فتح جواله مبتلعا كيسي، :أدهشني وجود كيس ضخم هش، سألته عنه قال

إنه للسيدة نعناعة التي تسكن فـي الطـابق األعلـى، - :تعجبت، فأكمل

كل يومين تعطيني مثل هذا الكـيس، وأجـده ممتلئـا -جرائد والمجالت، وفي كـل مـرة بصور رجال، من شتى ال

أجد تشويها مكررا في كل الصور، فمرة التشويه في الرأس، . ومرة في األنف، وأخرى في الرقبة، وهكذا

ارتعبت من قوله، دسست يدي في كيسها، فأخرجت بعض األوراق الممزقة، المليئة بصور لرجال تم تشويها بقطع فروة

حسسـت أن هـذه الرأس، ازدادت درجة الرعب داخلـي، أ السيدة التي تعيش وحيدة، وتفرض على نفسها سـياجا مـن العزلة، ال تكلم أحدا، وال ترد السالم علـى أحـد، أمورهـا

. تقضيها بنفسها، مما جعل الكل يتجاهلونهاتذكرت عندما حاولت امرأة البواب مساعدتها ذات مـرة،

يع فكان جزاؤها محاولة ضربها، والطرد، وبعدها أهملها جم

٤٤

مطلقة، زوجة رجل مهم، : السكان، وانتشرت حولها األقاويل وهكـذا؛ لكـن تجميـع صـور ، ثرية تخشى السرقة، بخيلة

الرجال، وتمزيقها بهذه الطريقة، يثير الشك والريبـة، بـل حمدت اهللا أنني ال أقضي كثيرا من الوقت . الخوف والرعب

ن، وأدفع في شقتي هذه، فآتي مرة كل شهر أبيت ليلة أو ليلتي مستحقات الشقة، ثم أغادر إلى بلدتنا بعـد شـراء طلبـات

.زوجتي واألوالدعند منتصف تلك الليلة، استيقظت على صـوت حركـة قوية، تدب في شقة تلك المرأة، قعدت، ونظرت إلى السـقف في حيرة، وخيالي يرسم كثيرا من القصص الوحشية عن هذه

متمنيا الهـدوء، كـي السيدة، هدأت الحركة، فرقدت نائما، أستطيع السفر عند الفجر كما تعـودت، أفزعنـي صـوت، كانفجار القنابل فوق سقف حجرتـي، اسـتعذت بـاهللا مـن الشيطان، ولعنت جامع القمامة اللعين، الذي كشف لي سـر الصور المشوهة، وأخذ خيالي ينسج القصـص المزعجـة،

في حول تلك المرأة، سمعت صوت صراخها بعنف، فترددت أخيـرا اسـتجمعت . الصعود، ألرى سبب هـذا الصـراخ

شجاعتي، وقررت الصعود، لعل هناك كارثـة قـد تصـيب

٤٥

الجميع، خرجت من شقتي، فوجدت أكثر السكان في طريقهم : إليها، طرقنا الباب بينما الصراخ ما زال مستمرا

. سأقتله... سأقتله

:ثم تهاوى الصوت .قتلته...قتلته

ام قوي باألرض، ثم تالشى الصـوت أعقبه صوت ارتط تماما، أخذنا نتبادل النظرات في حيرة، وقررنا كسر البـاب فدفعناه دفعة قوية، دخلت بعض السيدات ، صرخت إحداهن بمجرد الدخول؛ وجدت السيدة نعناعة في صورة غريبة ملقاة

رجالي ووجهها ) بيجامة(على األرض، رأسها حليق، ترتدي ، استدعى أحدهم رجـال اإلسـعاف، مشوه، وجروح تنزف

والنجدة، وآخر اتصل بأهلها من خـالل مفكـرة الهـاتف، حضرت أختها، بينما كانت سيارة اإلسـعاف تنقلهـا إلـى

.المستشفى : سألت أختها بلطف

! هل عندك تفسير لما حدث؟- : تمعضت أختها ثم دمعت، وقالت

٤٦

منذ أن طلقها زوجها، وتزوج بـأخرى، وأخـذ كـل - .الها وهي على هذا الحالأمو

:قلت هل يمكن أن تكون قد حلقت شعرها، لتنتقم من الرجل -

!في نفسها؟ : بينما انطلقت سيارة اإلسعاف قالت، اشتد بكاء أختها

.كانت ستقتل زوجي ذات مرة وهو نائم : وضعت يدي على رقبتي، وقلت

. الحمد هللا أنها جاءت بعيدا عني- @@@@@

٤٧

لعنة الكوخلعنة الكوخ ليلة رقيقة تتساقط فيها حبات النـدى علـى طبقـات في

الهواء الهزازة قبيل الفجر، استيقظ أبو مصعب مـن نومـه الخاطف الذي يصاحبه منذ عام ، وهـم أن يـوقظ زوجتـه رابعة، فوجدها تغادر الفراش لتتوضأ قبله، لصـالة الفجـر،

: ألها بعدما أتم وضوءهأعطاها المنشفة الخشنة المتهالكة ، س كم من الوقت تبقي على الفجر تقريبا؟-

ـ الديكة لم تصح بعـد، : قالت األشـجار فولكـن حفي .وترنيماتها المتزايدة ، تعني أنه يتبقى نصف الساعة تقريبا

نظر االثنان على صورة معلقة علـى الحـائط، دمعـت :عيناهما، فربت على كتفها قائال

.أذكري اهللا واصبريأحضرا المصحف، ظال يقرأن حتى صـاحت الديكـة ، وسمعا صوت الكروان، ووجدا سكينة ألوراق الشجر ، فعلما أن الفجر قد حان، فلم يكن حولهم بيوت قريبة أو مسـاجد،

.فأقرب مكان لهما هو معبر شالوم السابع تضع وفي الصباح خرجت الزوجة إلى أطراف المعبر،

، عسل "زيت الزيتون " صندوق من الخشب، فوقه بضاعتها

٤٨

النحل، بسكويت، زجاجات مـن المـاء وبعـض حلويـات األطفال، وزوجها بجوارهـا يقـدم المشـروبات السـاخنة والباردة، وهكذا تتكرر عليهما األيام ، وال يزيـد عليهـا إال حكايات ومآسي الشهداء واالغتصـاب اليـومي ألصـحاب

:رت امرأة على رابعة، قبلتها و سألتها األرض، م ما أخبار ابنتك الزهراء؟. لم نعد نراك يا رابعة-

كأنك فجرت قنبلة هيروشيما من جديد في قلـب رابعـة، فانفجرت تبكى بعنف، جلب عليها جميـع السـيدات حولهـا

: والمرأة تهدأ من روعها، وتسألها ماذا هناك؟ هل أخطأت في شيء يا رابعة؟ -ى زوجها وضمها إلى صـدره، واصـطحبها للكـوخ أت

...... الخشبي، وظل يربت على كتفيها، أرقدها لتنام في المساء عاد، فوجد الطعام معد، و زوجته فـي أبهـى صورها ، وتعتذر له، وتشفق عليه من العمل وحـده طيلـة

جلسا يتناوالن الطعام، وهو يضع لقمه في فم رابعـة، . اليوم : ئا يقولسمعا صوتا مفاج

أمي ادفنا أموالكما بسرعة خارج الكوخ، أسرع يا .. أبي -تسمر األبوان مكانهما وأخذا يبحثان في .أبي، أسرعي يا أمي

٤٩

الكوخ عن مصدر لهذا الصوت فلم يجدا أحدا حملقا كل في إنه صوت الزهراء، لكـن : األخر، وصاحا في صوت واحد

.كيف وقد ماتت منذ عام يده على فم زوجته، وبسرعة أخـذ المـال، وضع الرجل

: ودفنه خلف شجرة زيتون عتيقة، سألته زوجته في دهشة . قد يكون هذا صوت سارق، أراد سرقة مالنا-

: أجابها بيقين إنه صوت الزهراء، فما من يوم إال وهي معـي فـي -

.الرؤيا، تحكي لي كل ما يحدث حولناثة من جنود اليهود، وفجأة انكسر الباب،واقتحم الكوخ ثال

ومعهم امرأة غليظة الهيئة، أخذوا يفتشون الكوخ، ويعبثـون بمحتوياته، حتى مالبس زوجته لم تسلم من التفتـيش، نظـر

: الجنود لبعضهم قائلين .الشيء هنا، ال بارود، وال مال

: قهقهوا بسخرية . ال بارود وال مال

بمسـك هموا بالخروج، إال أن المجندة الغليظـة، همـت : المصحف، فقفزت رابعة وهي تقول

٥٠

. إال المصحف- : قالت المجندة بسخرية

. لم تخافي على مالبسك كخوفك على المصحف- .وأخيرا ذهبوا

في الصباح خرجا كالمعتاد ببضاعتهم إلى المعبر، مر بهم : أبو فرات صديق الزوج، قال

. يوم عصيب رغم سعادتنا- : سأله أبو مصعب

! لماذا؟- : أبو فرات

باألمس انقلبت سيارة جنود إسرائيلية من فـوق هـذا -الجبل، وحتى اآلن لم ينتهوا من جمع األشالء التي تمزقـت

.على أطراف الصخور واألشجارلملم الزوجان بضاعتهم، وعادا مسرعين للكـوخ، فهمـا

.يعلمان مدى غضبة اليهود لهذا األمر : بعةجلسا بعد العشاء يتحدثان، قالت را . هم الذين اقتحموا الكوخ باألمس

:كتم فمها وهو يهمس

٥١

. اصمتي، أشعر أن هذا اليوم لن يمر بسالم- :جاءه صوت الزهراء من سقف الكوخ . اثبتا، فإن اهللا يدافع عن الذين آمنوا

:قامت األم تحتضنها فوجدتها مثل الهواء، قالت الزهراءي، أنا في جنـة أنا اآلن روح يا أمي لن تستطيعي لمس -

ربي، أريد أن أخبركما بما سيحدث خالل الساعات القادمـة، ستأتي قوة من اليهود وتفجر الكوخ انتقاما لمـوت جنـودهم

.باألمس، فارحال سريعا اآلنجمعا أشياءهما وخرجا متسللين مـن بـين المنحـدرات واألشجار في منحنيات الليل المقمر، سـارا قرابـة نصـف

مرتفعا أخضرا، عليه بعـض األكـواخ الساعة، حتى وصال .المتناثرة

جلسا في مواجهة كوخهما، ينتظـران مـا أخبـرت بـه بعد ساعات قليلة، سمعا صوت انفجار، أضيئت له . الزهراء

. الجبال والسماءشرعا في بناء كوخ جديد، وفي صباح اليوم الثالث مـر

: بهما أبو فرات، سأله

٥٢

كوخ أكثر من مـرة فلـم أين أنت يا رجل؟ مررت بال - .أجدكما

: أبو مصعب .أبني كوخا هنا. كما ترى-

: أبو فرات ! ولمن تترك الكوخ القديم؟-

: أبو مصعب ! أال تعلم ما حدث؟-

: وجهت رابعة الحديث ألبي فرات متى رأيت الكوخ آخر مرة؟-

: أبو فرات باألمس وجدته مضاء، فطرقت الباب أكثر من مرة، ثم - . خشية أن يكون قد أصابكما مكروهدخلت

تبادال نظرات تعجب ولم ينطقـا، ودار أمامهمـا منظـر انفجار الكوخ، فكيف عاد الكوخ للحياة مرة أخرى

: ضحك أبو فرات وقال . يقولون أن هذا الكوخ به لعنة-

: صاحت رابعة

٥٣

. أية لعنة يا أبا فرات، وأنت تعلم أنه بيت شريف- : داخله وقالارتجع أبو فرات في

واهللا لقد سمعت هذا الكالم من اليهود، فلي معهم بعض -المصالح، يقولون إن كل من قام بتفتـيش الكـوخ الجمعـة الماضية، قد انقلبت سيارتهم من فوق الجبل، ولم ينج مـنهم أحدا، ثم ذهبوا ليفجروه في اليوم التالي، ففجروا بـدال منـه

عبر، أوقفها السائق بجـوار سيارة إسرائيلية، كانت قادمة للم الكوخ ليقضي بعض الوقت بصحبة فتاة كانت معه، وخـبط

: يديه ببعضهما وهو يسألهم !بماذا تفسران كل هذا؟

: قالت رابعة . إرادة اهللا أنقذتنا-

: سألهما لماذا تركتما الكوخ في هذا اليوم؟-

: أجابه أبو مصعبكانت في الثالثـة إنه يذكرنا بمقتل الزهراء، أتذكر ها، -

من عمرها، كانت أمها تبيع بضاعتها كالعادة، عندما حـدث وبين اليهود، - على المعبر -اشتباك بين بعض الفلسطينيين

٥٤

وفقأت سيدة فلسـطينية عـين أحـد المجنـدين، فتوجهـوا كالحيوانات الشرسة العمياء، يقتلون من حـولهم، وانتزعـا

حمـام وأطلقـوا ابنتي من حضن أمها، ورفعوها ألعلـى كال . عليها النار، آه يا حبيبتي آه

وفي المساء كان الكوخ الجديد قد أكتمل، فتحا المصحف، وجلسا يقرآن سورة الرحمن،ما إن فرغا من القـراءة حتـى

: وجدا الزهراء أمامهما سألها األب ما هذه العنة التي يتحدثون عنها؟-

: قالتعموما هم يراقبونكم، ألنهم ال تقل لعنة، بل قل بركة، -

يتشككون في امتالككم أسلحة حديثة للتشويش على أجهزتهم، . واحذرا أيضا أبا فرات

بعد أسبوع حضرت الزهراء، بكت األم عنـدما سـمعتها :هذه المرة، قالت

اشتقت لك ياحبيبتي، ولمصعب فمنـذ استشـهاده لـم - .يزرني

:قالت الزهراء

٥٥

ـ - ي جنـات الـرحمن، لكـن ال تحزني يا أمي فنحن فاسمعيني جيدا الجمعة القادمة ستأتي ثالث سيارات يهوديـة محملة بالذخيرة والسالح لتأمين المعبر من محاولة انتحارية،

: سألها أبوها هل ستحدث فعال محاولة إرهابية؟-

: الزهراءكال يا أبي، ليست هناك أية محاولة ، لكـنهم سـيفتعلون

ا كل من على المعبر، بحجـة إبطـال مشاجرة يقتلون خالله محاولة انتحارية ، ومن ثم يعتقلـون أي شـاب، ويلبسـونه

. حزاما ناسفا، فهم يريدون الثأر لقتالهم : قال أبو مصعب

لو أخذوا أجسادنا، فإن أرواحنا ستظل تدافع عن هـذه -... األرض ، قولي لي ماذا افعل؟ لـديك سـالحك الحـالي

. ا اهللا أن يحفظ دمائنا الغاليةوادعو. الصالة والقرآنوفي فجر الخميس حضرت السيارات الـثالث، وباتـت بالقرب من الكوخ بجوار المعبر، وبعد الفجر قامـت رابعـة

وعند العاشـرة . وزوجها، وأخذا بضاعتهما وجلسا كالمعتاد اكتظ المعبر باألهالي، فقام مجند بضرب سيدة فلسطينية على

٥٦

ون مبرر، فقفز عليه شاب فلسطيني رأسها، ونزع حجابها بد : يضربه، فتجمع جنود االحتالل، وأخذوا يصيحون

. انتحاري، انتحاري-لكن فجأة دوى صوت انفجار قوي من اتجاه كـوخ اتجه الجميع ببصرهم صوب الكوخ، حيـث شـاهدا . رابعة

شابين مجندين يتبادالن إطالق النار بهستيريا، فأصابت طلقة ت في خزانة الوقـود وتوالـت االنفجـارات، إحدى الشاحنا

وخالل ساعات قليلة اندثرت السيارات الثالث تمامـا، ولـم .يتبق منها سوى الرماد

في المساء تم القبض على رابعة وزوجها بتهمة اإلرهاب، ....حيث قلبا سيارة عسكرية، وتفجير سيارة أخرى و

لعدم بعد ثالثة أسابيع من السجن، تم اإلفراج عنهما وفي اليوم التالي لإلفراج تقـدم جميـع جنـود . وجود أدلة

المعبر، بطلب نقلهم من معبر شالوم خشية اللعنـة المنبعثـة . حول كوخ رابعة

٥٧

المقهورالمقهور حلمحلم حلبة في أصارع كأنني، البشر بين أخطو، كغيره يوم في

، الدائمـة بأعطالهـا السـيارة أرهقتني فقد، فيها المهزوم أنا أنـا وال، بيعها أستطيع أنا فال، الحرجة األوقات في خاصة بكلية معيدا مثلي رجال أن يعقل فهل، غيرها شراء على قادر

.حالي هذا يكون وأن، الحقوق، عنوانـه جـذبني ، الجرائـد حامل على كتاب استوقفني

،روايـة عـن عبـارة ، الفرنسية باللغة فهو، غالفه وتصميم إحنا هوا، داخلي من ضحكت ؟،الجان تصاحب كيف عنوانها مخهـا نـاس ! ؟ الجان نصاحب لما البشر نصاحب عارفين فـي فمـاذا ، فارغـة رؤوسهم كانت إذا صحيح لكن فارغ

! ؟نحن رؤوسنا، السـيارة غبـار لقطـع جزء، معي التي النقود حسبت .الرواية هذه واشتري : وقال شفتيه مصمص الذي، للميكانيكي الغيار بقطع عدت

بالليـل عـدي ، رخيصـة الحاجة جبت، باشا يا برافو - .جاهزة تالقيها : مبتسما قلت

٥٨

.الشغل علشان عتريس حاج يا بالليل - : بسرعة رد باشا يا حاضر -

وأقـرأ ، الظهر أصلي، للمكتب أذهب، نفسي محدثا قلت وأن خاصـة ، الميكانيكي إلى أعود حتى، الرواية من جزءا .المكتب أجازة اليوم

ضـحكت ، امرأة المؤلف أن وجدت، الرواية يف نظرت تستطيع التي الوحيدة هي فالمرأة حقا، ضحكت لماذا أعلم وال الطرائـف بعض تذكرت، الجان حتى شيء كل تصاحب أن

ثم، أمي من بدءا، المرأة بسبب كلها كانت حياتي في الحزينة ثم، ثم، والخديعة فالحب، الطالق ثم، زوجتي ثم، أبي زوجة.....

أشـعر وأنا، الصالون كنبة على واستلقيت، الظهر صليت أقـرأ وبدأت الرواية سحبت، هادئة لقواعدها تعود، بمفاصلي

، األول االستفسـار لـي تكشـف الصفحات أول وفي، فيها، األرواح بعـالم اتصـاالت ولها، روحانيات عالمة فالمؤلفة كـي دفعني الفضول لكن، الرواية أغلق وكدت، بدني اقشعر الكاتبة تنصح، قوالب شكل في مجمعة رموزا وجدت، أكمل

٥٩

األرواح هذه أطياف تحضر حتى، الرواية قراءة قبل بقراءتها وقلبـي ، الروايـة أغلقت مضمونة مش كده المسألة، قلت،

فوق من أطير كدت، الهاتف جرس دق، يهزني بعنف ينبض رأوأق، روعي من أهدئ وأخذت، التليفون على أرد لم، الكنبة الفضول لكن، هدأت لحظات وبعد، الكريم القرآن آيات بعض صديق لي أهداه قديما كتابا تذكرت، خاطري في ينقر مازال فقمـت ، والجـان العفاريت عن يتحدث الكتاب الصغر، منذ

إحـدى فتحـت ، المكتبـة قاع في وجدته حتى، عنه أبحث هذه بعض تكون قد، سؤال بالي على خطر المهترئة صفحاته التطفل روح لكن الشر؟ تجلب وقد، للتوحيد مخالفة العبارات، التوحيـد تخـالف ال صـفحات عن أبحث أخذت، غلبتني، الجان أحد لتحضير دعوة، األخيرة قبل الصفحة في فوجدت اقرأ وظللت، بداخلي يغلي نفسيا وصراعا، القراءة في بدأت فسـا ن واستنشـقت ، فتنهدت، القراءة من انتهيت حتى، وأقرأ أنـام وقلـت ، األخـرى الرواية على بالكتاب وقذفت، عميقا جـانبي علـى انقلبت، للميكانيكي الذهاب قبل الوقت بعض : وقلت، فصرخت، عفريتا أمامي وجدت، األيمن

. أبيض نهار يا عفريت

٦٠

فأصـبح ، وطار جمجمتي نصف انتزع كأنه رأسي شعر : يأمرني وهو بهدوء قال التفكير يمهلني لم، عاريا مخي

. وحدثني اعتدل

: قال. الحرب كطبول قلبي ونبضات، تلقائيا اعتدلت أنـت ، حضـرت قـد وهاأنـذا استدعيتني أنت اسمع -

.لك أقضيها، حاجات ثالث لك، محظوظ : قلت

.أحلم أني أو، مجنون أني إما آه - استدعي ورحت، عيني وأغمضت، الكنبة على استرخيت

، عنـدي الـدنيا وهانت، الوهم هذا من تريحني، نوم لحظة : مجسم بصوت فقال، عيني إغماض على فصممت

. اعتدل - : بأدب وقلت داخلي ودخلت، نفسي جمعت . حاضر، الكليـة فـي طالبـي أن لو ماذا، غريب شعور داخلني : قلت، الخوف من الحالة هذه على رأوني ؟ مني تريد ماذا -

٦١

وال أبدا يضحك الأ تمنيت، المخيفة أنيابه فظهرت، ضحك : قال. يتكلم حتى .حاجات ثالث لك أقضي جئت -

: مخبوءة بسخرية قلت !؟الدين عالء تعرف هل -

وقبل، أمره في تحيرت، العميق وفمه أنيابه فظهرت قهقه : قال أحدثه أن

السـخرية مـن وأحذرك، تقصد ماذا أعرف، مقبل أستاذ والمصـباح ينالد عالء، تفكر بماذا أعرف أني وأعلم، مني

أطلب لك وأقول هنا أمامك أقف لكني، خيالية قصة السحري .واحد شرط لي ولكن، تجد

: قلت ؟هو ما - : قال . موجود وأنا القرآن تقرأ أن إياك -

:أجابني أسأله أن وقبل .سرك في حتى وال -

٦٢

و المنطـق درجـات وسـقطت ، داخلي الموازين انقلبت لم ألنه فرحت، رأسه يهز هفوجدت أجرب قلت، داخلي التنوير : قلت، فمه يفتح .جنيها ألف مائة أريد -

أن خفت، وخداعهم الجان حكايات تذكرت، أمامي وجدتها البطـل يـذهب عندما، القديمة األفالم تذكرت، مزورة تكون منـه فيسخر، يحتاجه ما ليشتري النقود هذه بمثل السوق إلى

:قائال عاجلني كنهل، بيضاء ألوراق النقود ويحول، الجان . بي الظن تسء ال - ! ؟هذا كل معي تفعل لماذا - .النهاية في ستعرف - . وأفكر قليال أسترخي أن يمكن هل -

يعيدان الشاي من كوبان، لنفسي قلت، موافقا برأسه طأطأ، أمـامي الشاي فوجدت، الشاي لعمل قمت، لرأسي التوازن : فيه صرخت

.نفسي أحدث كنت، طلب يكن لم هذا - يسـتطيالن قرنيـه جعلـت ، وتجهم، وعبوس، بحدة قال : ألعلى

٦٣

.طلب لك باقي - وكلـي ، جسـدي أرجاء يزلزل، والصمت بهدوء جلست

أفكـر أن وقبل أركز بدأت، األخير الطلب فقدان على خوف : له قلت

.به سأبلغك، طلبي أحدد وعندما، سأفكر

: وقال، ببالده تبسم . وفكر، خلص. حاضر : قلت

ال. مثال مليون كذا، أكثر مال في مقبل يا رأيك ما..آه -، مشـهورا دكتورا أصبح آه، الماليين من أهم أمور هناك،

حتى وال ال، أحسن للكلية عميدا،إيه قسم لكن، للقسم ورئيسا ،للجامعة رئيسا،للكلية عميدا من وأجعلها الجامعة أمور كل أصلح، للجامعة رئيسا نعم

للجامعـة رئـيس منصب حتى وال، ال،العالم جامعات فضلأ .يروقني : قال . يبرد أن قبل الشاي اشرب -

: وقال، بغضب في حدق). غلس (عفريت، داخلي في قلت

٦٤

. أفكارك أقرأ أنا، بأدب عاملني - أصـبح لـو مـاذا ، فكرة برأسي ولمعت، ألفكاري عدتـ ، رئيس له الوزير لكن، سالم يا وزيرا، فـي لمعـت اوهن، للـوزراء رئيسا - : هتفت الزئبقية اللمبة ببريق فكرة رأسي تسـبق التربيـة أجعـل ، القمح أزرع، به أحلم ما كل أحقق . التعليم

سـيتركك مـن ، رأسي أعلى يدق معول علي أفقت لكني لك تقول، بالمرصاد لك تقف الحرية بلد فهناك؟ هذا كل تفعل يحقق لن المنصب هذا إذن ،السيارات تصنع وال اللبان اصنع : األيونية القنبلة فجرت وكأني، قلت، أحالمي مدخلي هو هذا إذن؟ احتلها كيف ولكن، الحرية بلد أحتل .طلبي لتحقيق

أتعجـب وأنـا ، أمـامي الجـالس المخلوق إلى نظرت خشـيت ؟، حلمي لي يحقق أن الكائن لهذا يمكن هل وأتساءل

: قلت، سريعا أخرى ةلفكر فانتقلت، ألفكاري قراءته من، كيـف ثم، كيف ثم، كيف، الحرية بلد أحتل كيف لكن -

ثـم ، بعيد لعمق األرض يخترق، اليد قبضة حجم في اختراع ثم، النووية مفاعالتها أسفل يصل حتى األرض تحت يتحرك

٦٥

اسـمعوا ؛ النت طريق عن الحرية بلد عن بالمسؤولين اتصل، وارحلوا بالدنا أتركوا: أوال، أدمركم أن قبل، لكم سأقوله ما إن، أموالنـا عـن أيديكم كفوا: ثالثا، وأحالمنا اتركونا: ثانيا النـووي المفاعـل ساعة بعد سأدمر وإال، تركتكم هذا فعلتم وطبعـا ، وناجـازاكي هيروشـيما مـرارة ولتذوقوا، األول

النـووي المفاعـل فأفجر، تستجيب لن الحرية بلد غطرسة هـذا هـل تساءلت لكني، بالطبع جيبونسيست وبعدها، األول .أسأله أن فقررت، ذلك يفعل أن يستطيع الشيء

: فأجابني . أستطيع نعم - . األرض تحت يسير الذي المبتكر الجهاز أريد - . حاضر -

:وقلت تداركت لكني واحد طلب كله الموضوع - .الحرية بلد احتالل،مفهوم، مفهوم - المفاعل أفجر أن قبل، الحرية بلد سفير لي أحضر إذن -

.لهم النووي

٦٦

، رماديـة غمامـة المكتب فساد، المشعرتين بيديه صفق بلـد سـفير وجـدت لحظة وبعد، المكتب معالم جميع أخفت، أحالمي سأحقق بنشوة وفكرت، فرحت، أمامي فعال الحرية أنيقـا أصبح فقد، تماما شكله تغير قد المكتب أن راعني لكن

صور فوجدت،الجدران على نظرت، أسطورية ةلدرج وفخما .الحرية بلد زعماء

: بقوة صرخت .به تأتيني أن من بدل له تأخذني، الكلب عفريت يا

كـوز مثـل فيجعلني، يضربني أن الكالم هذا بعد توقعت ولـم لي ابتسم لكنه، سمين رجل عليه يجلس عندما، البطاطا : ؤدةبت قال الذي الحرية بلد لسفير نظرت، يتحرك أمـوال وأي؟، مـنكم سـرقناها التي األحالم هي ما - ؟ سلبناها

لو حتى، روحه أزهق أن وأمنيتي، بغيظ للعفريت نظرت، العفريـت عينا لمعت وهنا، القرآن... آه فتذكرت، معه مت

السـفير قام، بعضهما أفكار يقرآن وكأنهما السفير إلى ونظر .قط مثلها أشم لم عطره ورائحة : لي وقال

٦٧

.عميلنا) شالوت شي (إن - فـي فـالموت ، شيء بأي أبالي ال وأنا، بسخرية ضحكت

: جم بأدب فقال، الموت هو النهاية . مقبل دكتور، اجلس :لي قال، فجلست قليال وهدأت، دكتور بلقب فرحت .مكتبي خارج أنظر

الشـالوت هذا من جيشا وجدت ، الزجاج خالل نظرت : ضاحكا فقلت، بالخارج يقف .للجان وال، لإلنس سفير سيادتك هو - : وقال هادئة ضحكة ضحك علـم وعنـدنا ، عميلنا شالوت شي، مقبل دكتور اسمع - مـن وأنفع أقوى فهم، والجان األرواح مع التعامل في كامل : فقال معي يمزح أن وأراد، البشر وال، اليـوم شربته الذي، العفاريتي الشاي في رأيك ما - .جنيه ألف ائةالم تنسى

، معه حلمي وطار، طار قد المبلغ أن أدركت فقد، صمت : قال الذي السفير لوجه الجدية عادت

٦٨

فلـن تقبلـه لم وإن، اتفقنا قبلته إن عرضا عليك أعرض . شيئا تخسر ؟ العرض هو ما دوالر ألف عشرين مقابل، قانونيا مستشارا لدينا تعمل - .الشهر في

فـي ألـف عشرين أحسب رحت، الحاسبة اآللة وبسرعة ؟يكون كم، أضعاف ستة

: عقلي في يتوغل وهو اآلالف أحسب وأنا، قاطعني ؟ رأيك ما -

: تفكير دون قلت . موافق -

وجدتـه ، جانبية نظرة) شلتوت شي (للعفريت نظرت : وقال مقعدي نحو السفير تحرك، مبتسما .شهور ثالثة مقدم ومعه، جاهز العقد

مـن صـادرة ، وصـورتي اسمي عليها بطاقة أعطاني . اليوم بتاريخ السفارة

أحمـل ، الحرية بلد سفارة من خرجت عندما ، خـائن بـأنني مؤلم شعور خالطني؛ واألوجاع والمال العقد

٦٩

نفسـي تهدأ حتى، اإلحساس هذا وطأة من أخفف ظللت، قذر وال خائن ال ومحبط مقهور بل؛ لنفسي فقلت، للرضا وتصل . قذر

علـي أخـري مـرة ، الرواية ذات وجدت، سيري وأثناء ). ؟الجان تصاحب كيف (األسوار " داخلـي همست؟ الجان تسخر كيف قل بل ساخرا قلت

". الحرية بلد سفير عند وينقلني، جاسوس يطلع الجنية ابن، فيهـا زاهـد وأنـا ، السيارة أخذت، للميكانيكي وصلت علي مغلوب، مقهور أنني وتقر، تتنازعني متداخلة وأحاسيس

فـي بجـواري ) شالوت شي (وجدت فجأة. خائن ال، أمري : الفور علي قلت. المفاجئ وجوده من فزعت، السيارة . الرجيم الشيطان من باهللا أعوذ

أوقفت، السيارة خارج وطار، وجهه من النيران انفجرت حالتـه إلي وعاد، وجهه شكل راق حتى، وانتظرته السيارة : بعتاب وقال؛ أخري مرة السيارة ركب، المقززة . معك وأنا القرآن تقرأ ال، لك أقل ألم . عليه التفوق يمكنني أنه أشعر مرة فألول، عليه أرد لم

٧٠

، اليسـرى عينـه فـوق السوداء الدماء من نقطة ظهرت : قال. بالغثيان أشعر جعلتني

. مسعد دكتور : سألته، مندهشا نحوه بجسدي توجهت

؟ به أدراك وما لرئيس وأخري، للعميد ضدك مذكرة سيقدم احاصب غدا -

. خصوصية دروس بإعطاء يتهمك، الجامعة ؟ بهذا أدراك وما - . أنصحك إني - ؟ أفعل وماذا - أجازة طلب بتقديم وعليك، الظهر حتى سأعطله، اسمع - . الشكوى يقدم أن قبل، الصباح في مرتب بدون

في نغمسون، لبعضنا نكيد سنظل متى إلي؛ نفسي في قلت راعني، الجو هذا من أخرج أن عسي المذياع فتحت. األحقاد

، الحريـة لبلـد العليا اإلدارة تلقت (األخبار نشرة في يبث ما يعكفون، اإلرهابيين العلماء من مجموعة أن مؤكدة معلومات

، األرض تحت يسير، اليد قبضة حجم في جهاز صناعة علي . )ليفجرها النووية المفاعالت أسفل حتى

٧١

بح بح على طرف الذكرىعلى طرف الذكرى

رالمدينة صاحبة األلف صوت نامت، واشتعل فيها سح .الليل ، الهواء المترقرق داعب شعره فتمايل

يأخذ نفسا عميقا، ليمأل صدره بهواء معطر بماء النيل ، يشعل سيجارة ، مما يجعله يشعر أن سعادته قد اكتملـت،

كل همومه اللزجة المتقعرة - مع دخان سيجارته -يطلق فداخله، فهو خريج بال عمل، وله أب نرجسي الطباع، متزوج بأخرى، يفضلها عليهم، وأم ال تكل في البحث عن المتاعب، ه التي تحبرأس طمليل نهار، تح الحي ال ينضب وضجيج

.وتعشق القراءة والكتابةالموسيقى والتفكير، تنتهي سيجارته، يرسل بصره في وسط النهر الناعس ، فتتشبث الذكرى على واقعه، فيمر بخياله علـى مشـاكله، يلقي السيجارة ، يقذ ف مشاكله معها، فسحر النيل ال يقاوم،

كرى الحب تبعث رجفة وهواء النيل الطري اليضارع ، وذ دافئة بأنقى األحاسيس ، تلك اإلنسانة التي فتحت في حياته شتى النوافذ واألبواب، التي تطل منهـا األنـوار واآلمـال،

٧٢

ه من قبل، قدمت له الحبأخر لم يلمس وجعلت لحياته معنىواإلخالص، دون أن تطلب مقايضة ، بل أصبحت نجاته من

نغماسه في أحزانه، التي تلوكـه بـين حـواف ضروسـها االغاشمة، فأحبها كالنهر، كالحياة، والسماء الزرقاء، كـالحلم

. البعيدأخرج سيجارة، ألقى ببصره على عمـارات متقاربـة،

في الصباح "متشابهة، على الجانب األخر للنهر، ابتسم وتمتم قـاهرة، أمـا اآلن أحتضـن نيـل كنت أ عاني ضـجيج ال

". المنصورة، أتمنى لو أن العمر يقف طويال هناأخرج عود ثقاب وأشعل سيجارته، وانغمس بنشوة داخـل

أحبـك "النيل، يحلم بين ربوعه، يهمس برقة باسم حبيبتـه، لتاسع، من هنا من المنصورة قاهرة لويس ا ! فهل تصلك ؟

"أحبك رغم كل العالميقارن . يخرج نفسا رائقا، يصنع سحابة سريعة، التفتت

همومه وعثراته قبل حبه لها، وبعده، فيجد أنها استطاعت أن تخمد أحزانه بحبها، في جب عميق، وأن تعطيه روحا جديدة

.لم يكن بها من قبل

٧٣

حو الشاطئ اآلخر، فيرى انعكاسـات يمد بصره بتمهل ن األنوار تصنع رقعا متنوعة من األضواء الباهرة المحبوبة، بهدوئها على صفحة النيل الراحـل، يشـرد مـع النهـر، واألضواء في سخونة الحب، فيرى حبيبته المبتسمة دائما في

مقدسا، زى نفرتيتي، أو إيزيس، أو حتشبسوت، تركب قاربا النقوش والزخارف الذهبية، وتحيط بالقارب مراكـب تزينهصغيرة، تصدر منها أنغام القيثارة المبهجة، ويجـد نفسـه فارسا فرعونيا، يلف ذراعيه حول خصرها الغض، فتميـل برأسها الحنون على صدره ويستنشق عبير شعرها المعطـر

.شاب المعطرةبأهازيج األعيفيق بألم من شروده، على صوت شابين جالسين بالقرب منه، دون أن يفطن لهما، وسرعان ما ارتفع صوتهما، تكلم

: األول بصوت هادئهل أمامـك حـل . ماذا تريدها أن تفعل؟ خطبتها غدا - آخر؟

:تصدر عن األخر نفخة قوية، فيها رائحة دخان خانق . جبانة ، خائنة-

:فيرد عليه، بصوت متعقل هادئ ، فيه سالسة االتزان

٧٤

صديقي، البنات يمارسن الحب أكثر مما يخلصن فيـه، - . إنها بنت. فيجب أن تراعي الظروف الحالية وضغط األهل

:زمجر األخر فيه، حتى أحسست كأنه ألقاه بحجرلضعيف والجبـان الـذي البنت ليست ضعيفة ، بل ا -

.يرضى أن يؤمر، دون أن يكون له حق االختيار : تنهيده مضطربة تؤثر على صوته العاقل

صدقت ، لكننا شرقيون، وعموما هي ليست األولـى، - .وال األخيرة التي تضحي بحبها من أجل زواج ميسور

حـالم، بهجة النيل، واألنوار، والموكب الفرعـوني، واأل تالشت عندما أمعن لحوارهما، فتردد رغما عنه سؤال، أفزع

. قلبه وأصابه بالهلع هل يمكن لحبيبتي أن تتزوج غيري، هل يمكن أن أتزوجغيرها، وحلم البيت األرجواني، واألوالد، وحديثها المتكـرر

، بعذوبة، عن كونها ستصبح جدران البيت ولوحاته الموسيقية . وابتساماته المتجددة، أغنياته التي لن ينقطع طربها قط

:جهر بال مباالة . لن تفعل ذلك، لن تفعل، أنا واثق منها-

٧٥

لكن الشيطان زرع الوسواس في نفسه؛ أيها اإلنسان مـن : فتمتم .... يؤمن بالمرأة، فقد آمن بي

! وما أدراك وهي بنت هذا العصر؟-عالي المشـتعل مـرة أخـرى، كـان خطفه صوتهما ال

:المتحدث هذه المرة صاحب الصوت المنفعل هناك بنات كثيرات مخلصات، لمـاذا لـم تخلـص -

مهن؟ لكني أعلم أنها رغبة الحياة الفتاكة في دمثلهن. : جاءه الصوت المتزن بعد استرداد عرشه

ئمـا نهلـك أنفسـنا إن األصابع ال تتشابه، لكننـا دا - .باألمنيات

هما معا وسارا، ودعهما وهو جالس بنظراته القلقة فـي تحير ، انثنى بجسده، وأخذ حجرا صغيرا، قذفه على النهر

. الذي يعشقه، وتمنى لو أن هذا الحجر، يجرح قلبه، ال النهر :تمتم نادما

كيف أشك فيها ال زلت مترددا، غير واثق من نفسي، -وهي التي أحبتني، وأعطتني حياة جديدة بلـون العذوبـة، والمالئكية المفرطة، كيف تعمق الشـيطان بـداخلي بهـذه

السهولة؟

٧٦

دار بجسده تجاه المدينة الصغيرة، التي نامت على كـف :الليل الغامض، ليذهب إليها، وهو يردد

ابـد، والحضـارة أحبك حبيبتي مـلء النيـل ، والمع -والصلوات ، وبيت لقمان القاضي، الشاهد زهوا على هزيمة

أحبك، فهل تسمعين دقات قلبي التي تعـزف . لويس التاسع اسمك في دمي؟

عندما دخل المدينة مبتعدا عن النيل ، كان ال يزال يشـم، لتعب رائحة النهر، التي ال تقاوم، فيفتح رئتيه عن أخرهما

.من عبق الهواء النيلي

٢٨/٨/١٩٨٨المنصورة

٧٧

حتحوت والقريةحتحوت والقرية في يوم مزدحم بالتعقيـدات،ظهرت عالمـات الحيـرة

) القرية الخضـراء (، فقد دخل )حتحوت(الشائكة على وجه فتح حقيبته الجلدية، وأعاد قراءة . منذ قليل ولم يجد بها أحدا

د األعظـم، حتحـوت يعين بأمرنا نحن راعي البال : الخطاب . العالي راعيا على القرية الخضراء

وعندما مر بأحد البيوت المقببة، والمنمقة بزخارف المعة، تعكس أشعة الشمس، فتحولها أنوارا مبهرة، كـألوان قـوس قزح، سمع ريحا قوية تزمجر، وترده للخلف قبيـل البيـت

الريح، المزخرف، ولم يكن به جهدا جسديا كافيا،فتراجع مع وآثر أن يعود من حيث أتى، وأحس بأنه تم خداعه، فقد دفع مبلغا كبيرا من المال، ليكون راعيا على إحـدى المـدن أو القرى، داخله شعور مرير، أنه قد خدع بتعيينه راعيا علـى هذه القرية الخاوية، التي تبدو وكأنها قرية مسحورة، فقـرر

عرفة أصل تلك الخديعة؛ فما العودة لمركز الحراسة العام، لم دفعه يساوي تسعة أالف فدان فواكه غنية بالثمـار، وكلمـا تذكر ذلك، شعر بحبات نارية مريرة، تتساقط علـى قلبـه،

٧٨

فتشعله بالغضب، وعند خروجه من القرية، قابلته سيارة بها :بعض العسكر، الذين توقفوا عند رؤيته وسألوه بلهفة

أأنت حتحوت العالي؟ - إذن -: سم ومألت دماء الفرحة شرايينه، صاح متهلال ابت

.تعرفونني، وتعرفون مهمتي في هذه القريةساد العسكر صمت مغبش بسخرية، فراحوا ينظرون إليه

: نظرات بها شيء من الشفقة ، فتقدم كبيرهم وسأله هل قابلت أحدا من األهالي؟ -

: رد حتحوت بتعجب قرية؟ كنت سأسألك أين أهل هذه ال-

: أجابه كبير العسكر وهو يلف عصا مطعمة بخرز عاجي . إن أهل هذه القرية ال يغادرونها أبدا-

: قال حتحوت وكأنه يمارس عمله الجديد إذن قل لي أين يختبئون؟-

: شد العسكري عمود جسده وقال سيدي الراعي هذه القرية أمرها محير فنحن هنا منـذ -

هم جيدا، ولم نجلس معهم ، ولم ينشـأ ثالث سنوات، ولم نر بيننا وبينهم خالف وال يعيروننا أي اهتمام، بصراحة كأننـا

٧٩

األهم نأكـل . خدمة حمير في هذه القرية، ولكننا سعداء بهذا .ونشرب، ونقبض رواتبنا

:صرخ حتحوت فيه، والدماء تندفع في عروق وجههلـى ماذا تفعل هنا أيها العسكري؟ البد أن أحاسـبك ع - .هذا

ضحك العسكر رغما عنهم،غمز لهم العسكري األكبـر، فركبوا العربة وانطلقوا، ضرب حتحوت يديه في بعضـهما

:بقوة، وراح يتحاور مع عقله الباطنما هذه الكارثة؟ أين الحكم؟ أين الثـروات التـي ! إيه -

سأجنيها من وراء الحكم؟ لقد تم خداعي، ظهرت لـه كلبـة وية، سوداء لها قرون ملت

نظرت إليه بعينين حمراوين، فلم يجزع، واختار شـجرة التفـت . كافور قديمة، وجلس بجوارها على حجر صـخري : الكلبة حوله بميوعة وجلست تحت رجليه، قال لها

. أليست هذه فكرتك الحمقاء؟-تحركــت برقــة ولعقــت حــذاءه المــزركش بالفضــة

:والكريستال، أخذ يتودد إليها بالحديث يك فيما يحدث؟ ما رأ-

٨٠

واجهته، وجلست على قاعدتها، ورفعت رجليها األماميـة : على صدره، وقالت

إني أحبك، وال أضعك في كارثة أبدا، استخدم دهـاءك - .يا حتحوت

: كأنه عائد من رحلة شاقة نعم أهدأ، وأخرج جعبة سهامي النارية التي أسكبها في -

. ود ورحمة على أعدائي : بين قرنيها، فقالت في وداحتضنته، فقبلها

عندما يأتي الليل، ندخل القرية من الجهة الخلفية وسط -المزارع، ونتجسس على أهلها، ونجمع عـنهم المعلومـات، ونبحث نتائج ما نصل إليه، فحكم ا لقرية الخضراء هو بداية

. الطريق لتكون راعي البالد األعظمـ ت عليهـا راقته الفكرة وأشبعت غرائزه المخبـوءة، رب

: وقال تعالي خلف هذه األشجار ننام ونستريح، حتـى يـأتي -

. الليل ونبدأ مهمتنا المقدسة

٨١

عندما فرش الليل سجادته المظلمة على القريـة، تسـلل حتحوت في جهة، وكلبته في جهة أخرى، على أن يلتقيا قبل

.الفجر في ذات المكانجـوم، لما بدأ النور يزيح الظالم للخلف، تقـابال فـي و

: وحزن، كسر حتحوت حدة الصمت وقال ما العمل اآلن؟-

: قالت وهي تنقر بقرنيها الشجرة الضخمة . احك لي ما رأيت-

فرش جسده على األعشاب أسفل الشجرة وقذفها بتنهيـدة اسمعي ، أوال دخلت القرية من الخلف، كنت أظن أنني : قائال

القرية البد أن تكون نائمة لن أجد إال قليال من األفراد، وأن في مثل هذا الوقت، لكني ما إن دخلت أول حقولهـا، حتـى سمعت صفيرا منغما، كأنه عالمة مميزة يتناقلونهـا، وبعـد دقائق سمعت ذات الصفير بذات النغمة ينتقل مـن مكـان ألخر، فأيقنت أن هناك حراسة على كل مداخل القرية حتـى

ظ داخلي فعزمت على المكـر، الزروع والحقول، اشتعل الغي : حتى أصل إلى ما أريد، فصحت

. غريب وجائع، أغيثوني-

٨٢

فسمعت ذات الصفير يتناقل مـن مكـان لمكـان، حتـى أحسست أنني محاصر بقطيع من الذئاب، فاشتد الصمت من حولي، وزادت العزيمة داخلي فتوغلت داخل الحقول متوجها

اية الحقول وشد انتباهي إلى مبانيها الصغيرة، وصلت إلى نه كثرة ثمارها، وعلو أغصانها، ورائحتها المميـزة، وكـأنهم يزرعون زروعا مختلفة عما نزرع في أنحاء المملكة، سرت حتى وصلت إلى منزل مميز بقبابه الالمعـة، وأنـا أرتعـد رعبا، وأشعر بأني مراقب وأن خلفي أكثر مـن شـخص،

).أغيثوني...ئعجا... غريب.. مريض(لكني كنت أكرر : سمعتهم يقولون

ما رأيك يا كبيـر؟ رد . لقد وصل حتحوت إلى القرية - : صوت أجش فوالذي أوجع أذني

من منكم يحكي لنا بعضا من ماضي حتحوت؟- : قال صوت

وقاتـل زوجتـه : صـاح آخـر . هو قاتل أخيه وسارقه وسارقها، لكنه يلبس عباءته الطيبة ويحمل كل شياطين الشر

فقاطعه الكبير. هداخل

٨٣

بصرخة رجت أرجاء المنزل شعرت معها بأن أذني قـد أريد أن أسمع منكم كيفية الخالص منه، حتى يكون : طرشت

: عبرة لمن خلفه من رعاة الشر، قال أحدهمقال . نطلق عليه الذئب المسمم، ينهشه فيموت في الحال -

:صوت آخرعقب . هي أمره أو نطلق عليه األفعى المقدسة تلدغه فينت - : ثالث أو نطلق عليه جان قاتل يحبس الدم عن عروقه حتـى -

:الموت، لكن كبيرهم صرخ فيهم . هذا اليكفي لهذا الزنديق-

دارت رأسي بسرعة الدوامة،وكدت أفقـد الـوعي، فقـد تسللت أشعة الموت لجسدي،كما أن صرخة كبيـرهم كـادت

سـرعة تفقدني السمع، فعدت من حيث أتيت أركض بأقصى وكأن أسدا جائعا يجري ورائي حتى وصـلت إلـى نهايـة الحقول، عندها شعرت ببعض الطمأنينة، إال أن حجرا ثقـيال ألقي على رأسي من الخلف، فأسقطني فاقدا للوعي ولم أفـق إال عند إطاللة النور، وعندما قمت مـن مكـاني تحسسـت

، لكنـي رأسي فوجدتها شجت ويبدو أن دما كثيرا نزف منها

٨٤

أظن أنهم قد أخذوا هذا الدم عمدا، فلم أجد أثرا للدماء علـى األرض، ماذا يمكن أن يفعلوا بهذا الدم؟ إني مرعـوب مـن هذه القرية وأهلها، وكأن الخراب قد حل بي ولن يتخلى عني أبدا، نظر إلى كلبته فبادلته النظرة بأسوأ منها، سكت ثم عاود

: الحديث بسؤالها . ي ما رأيت أحك ل-

:اعتدلت في قعدتها، وقالت وهي تهرش في قرنيها إن هذه القرية تعمل على أن تكون متفردة عن بـاقي -

القرى، خصوماتهم إن وجدت يقوم بحلها الكبير، يزرعـون ويتعلمون داخل قريتهم، ابتعدوا عن كل ما يجعـل للمملكـة

ـ حر، عليهم أي تدخل، فتفوقوا في كل األمور، التجسس والسالعلم والفلك حتـى تـرويض الطبيعـة والوحـوش، حتـى األرواح،إنها قرية لم أر مثلها في حياتي، بصراحة ليست هي

. القرية التي نبحث عنها : هب حتحوت واقفا وقال بحدة

ومالي الذي دفعته؟- : قالت بهدوء ومكر

٨٥

اذهب للراعي األعظم، وقل له إن هذه القرية التروقك، - . في كرمه و في قرية أفضل منهاوإنك تطمع : رد بانفعال

لماذا ال أحكي له عن هذه القريـة، فيرسـل جيشـا -انتفضت كالسهم المنطلق على رجليهـا الخلفيتـين، . يدمرها : وقالت أنسيت الدم الذي أخذوه منك؟-

: سألها باستغراب وصوت مجروح ! ماذا يعني هذا؟-

: قالت في حدة المذكرةلقد كـانوا وراءك ولـو أرادوا . ا سمعته منهم أعني م -

قتلك لقتلوك، لكنهم أرادوا أن يسمعوك ما سمعت، والدم الذي أخذوه يمكن أن يكون سببا في قتلـك، فـاألحرى أن تعـود لمركز الحراسة العام، وتطلب من الراعي األعظم أن يختار

. هم بمغـادرة القريـة . لك قرية، غير التي أهلها ال يختلفون . تفقد حقيبته لكنه لم يجدها

٨٦

فقدت حبيبتيفقدت حبيبتيصوتها الهامس باألنغام، استوقفني، وهى تناديني، التفـت

أعلـم أن . إليها دافعا الزحام عنها ببصري، تلبس السـواد زوجها مات منذ فترة، لكنى رأيت بريق عينيها، الزال يلمع

. في حدقتيها كاللؤلؤتوقفنا، لم يتقدم أحدنا تجاه اآلخر، لملمت صـوتها فـي ، كثيرون يمـرون أذني، ماأطربه، ما أعذبه، ما نسيته أبدابيننا على خيوط نظراتنا، لكن عيناي تلتهم وجهها بفرح، قلت

: لها . معقولة، الزلت جميلة، بل فاتنة بعد كل هذا العمر-

جسدي يتصـاعد وحرارة، قررت التقدم إليها ، تبسمت لي منها الشوق والوجد القديم، وفجأة يعلو الصراخ وتتغير جميع

يتبعثـر ، وأتوه عنهـا ، فتتوه عن بصري ، مواقع الخطوات يظهـر ، يزداد الهرج والنـواح ، البشر في جميع االتجاهات

يهرولون بعصيهم وراء لص شق طريقه ، ضابط خلف جنوده طرحونا أرضا ، رحمةراحوا يدفعوننا بال ، مسرعا من بيننا

. فلم أجدها، أفقت من أثر السقطة، @

٨٧

الشهيدالشهيدانبثقت الدموع مـن ، انطلق النواح في القرية كالطوفان

. تعمقت الجروح بانهزام في القلوب، العيون، تنعي الشهيدلـم ، تعلمت على يديه كل أنواع الحـب ، المعلم، إنه أخي

.كانوا تالميذهبل كل أبناء القرية ، أكن تلميذه الوحيد : وهم يسألونني، أعضائي تكاد تشل، وقفت في حيرة

. هل نخرج الرصاص من جسده، أم ندفنه به-لـم ، يصنعان دوامة قاتلة في تفكيري ، الغضب والدهشة

: قلت، فال أجيب، يتكرر السؤال، أستطع اإلجابة .أكره القتلة، أكره العيش بعده، خذوني معه إلى القبر-

.قرروا أن يدفن الشهيد برصاصاته، القريةاجتمع شيوخ : صرخت

. ليت الرصاصات سكنت قلبي أنا-ومستشـفى ، إنه المعلم، الذي علمنا كيف نبنـي مدرسـة

.بأياديناشاهدت ، دخلت الحجرة التي بها جثمانه، ألقيت نظرة عليه

جسـده األبـيض تتخللـه ، مضيئا بالنور الربـاني ، وجهه، أحسست كأن روحه لم تغادره ، ههقبلته في وج ، الرصاصات

٨٨

ترسـل ، عيناه تالحقني ، أشعر أنه حي ، نبضه لم يغب عني الذي علمنـا ، أحبه، إنه معلمنا ، بطاقات الشفقة على فقدي له

.كيف نحب الوطنبـل األكثـر ، في القرية ، األضخم، إنها الجنازة األطول

إنها ملحمة تؤكـد أن ، بانضمام أهالي القرى المجاورة إليها .وأن على االحتالل أن يغادرنا، والهم واحد، الوطن واحد

علمنـا ، إنه معلمنا ، ليستنشق عبيرنا ، غطينا النعش بالعلم . علمنا أال نخشى في الحق أحدا، كيف نبني ناد ومسرحا

ارتفعت النهنهات ، صلينا عليه ، وضعنا الجثمان أمام القبلة ، لف أحد عن جنازته لم يتخ ، اتجهت الجنازة للمقابر ، الموجعة

حتـى الـزروع مالـت عـن ، حتى الطيور سبحت فوقهـا .مطأطئة الرأس لموت أخي الشهيد، استقامتها

عن جميع ، ارتفعت صرخات النساء ، دخلنا المقابر رغماإنـه ، لم يسعنا إال أن نبكي رغما عنا ، المحاوالت إلسكاتهن

ن ننفقه يجب أ ، الذي علمنا أن الحرية ثمنها غال ، أخي المعلم .بسخاء

عدنا فقـراء ، عدنا من المقابر وقد خسرنا الرمز، المعلم ، ال ندري لماذا قتلـوا المعلـم ، تائهين، فقدنا القوة ، من غيره

٨٩

مزقت شـرنقة ، صرخت عجوز ، الذي أحبنا، وأحب الوطن : قالت، الغضب داخلنا

. ملعونة االنتخابات ، ملعون كل من قتل المعلم-

٢٠٠٥/ ١٢/ ٩: جيزةال

٩٠

ثورة الصمت ثورة الصمت ::مقطع أولمقطع أول

"من يستطيع قتلي يا سادة فليقتلني " الباب مخنوق بين الحائط والحائط، وأنا محشور بين أناس

:ملتفين حول رجل تجاعيده غابرة، يصرخ فيهم . إنت تعالى بكرة- . إنت ورقك ناقص- . إنتي بقى تعالى بعد ما تولدي--ق ليه؟، ورقك ناقص ختم إنت بتزع.

عبرت الباب، كلي تشاؤم، أنه سيردني ثانية، قلـت فـي " اللعنة على السجل المدني "سري

:خاطبته متنعما تفضل يا سعادة الباشا، نظر إلي ثم إلى األوراق، كـاد -

.يقبلها، لوال حضور الساعي بكوب الشاي :سأله

الشاي سخن؟- :أجابه

٩١

. سخن يا ريس- شاي مظبوط؟ ال- . أيوه مظبوط- . أوعى يكون الشاي مغلي- . ال واهللا يا سعادة الريس دا على ميه بيضه- . طب لما أدوقه-

:صرخت فيه . الورق انسكب عليه الشاي- نعم يا خويا،الورق دا لينا مش ليكم، وبعدين فين إخالء -

.الطرف من شغلك التاني : قلت وقد نفذ صبري

.قبل لم أكن أعمل من - : رد بتهكم

.إذن هات لي ما يثبت ذلك- : جن شيطاني عبر عروقي فقلت

! هل وضعوك هنا لتنفذ فينا عقوبة الذل؟- يرتشف الشاي، ويطرقع بلسانه عقب كل رشفة

. اسمع يا ابني، البطاقة دي بالذات مش ها تتعمل-

٩٢

دون أن أدري قفزت فوق مكتبه،وقبضت على عنقه،ظللت .بت عن الوعيأضربه حتى غ

****** ::المقطع الثانيالمقطع الثاني

"أيها السادة من يستطيع أن يقتلني، فليقتلني رأفة بي " أنت فتوة يا وله؟: قال الضابط بوقاحة

نظرت على أكتافه العارية إال من نجمة أشبه بالبصقة، و . لم أردتضـرب . حاضر، ها فرجك . ما سمعتش يا روح أمك -

.ا سيد في التخشيبةحطه ي. موظف، وتبجح فيا، حاضركانوا كثيرين أم قليلين، لم أدر ، . لم أرد،بصقت في وجهه

لكنني أتذكر جيدا، أن الدم الذي فار من فمي، كان من أثـر ركلة الضابط ، حين انحنيت متأوها، أما الذي انبثق من سائر

.أنحاء جسمي، فكان نتيجة ركالت آخرين لم أميزهم

****** ::المقطع الثالثالمقطع الثالث

٩٣

ارس يا بعيد، إنت وهم، وال حكاية حزينة بتجرح في يا ف " "قلوبنا، عفوا اقتلوني أو أعيدوني إلى بطن أمي

رائحة سرير المستشفى عفنة، والحجـرة سـوداء كليـل : السراديب، دخلت علي ممرضة كالحة الوجه، سألتني

. عاوز حاجة-كان هذا آخر ما أحسسته . تركتني وخرجت . لم أرد عليها

: في الصباح، دخل طبيب شاب سألني. هذا الليلفي عامل إيه دلوقت؟-

: لم أقتنع به، فلم أرد عليه، وهو لم ينتظر إجابتي فأكمل .عال، عال، حد يغير له على جروحه

اآلالم تمزقني، وأنا صامت في قمـة ثـورتي، دخلـت :الممرضة وسألتني ، وهي تغير علي جروحي

عامل إيه يا بيه؟ - .لم أستطع الرد

كنت حزينا، كئيبـا كآبـة الحجـرة، . في اليوم الخامس : سألتني بقيت كويس؟ أهلك عارفين إنك هنا؟، ليه مش عـاوز - تتكلم؟

٩٤

:خشيت أن يكون الخرس قد أصابني فقلت . مش مهم-

:سألتني مستفسرة بخداع لماذا يجلس على باب حجرتك عساكر؟-

وت أعلى الجدران والبقع دهشت وأمعنت النظر في العنكب .السوداء التي تظلل السقف والجدران

****** : : المقطع الرابعالمقطع الرابع

يا ناس أنا مش القي ناس، لذا أرجـوكم أن تقتلـوني، " "فالراحة أن أموت ال أن أعود إلى بطن أمي

: قال لي.أنيقة) بدلته(القاعة صغيرة، والقاضي نحيف على ضابط ضربت موظف أثناء تأدية عمله، واعتديت -

.وعورته، واعتديت على بعض المحتجزين بالقسمظل يستطرد، والضابط يجلس في أول صف، وابتسـامته أعرض من وجهه، وقوته تبدو في قسوة نظراتـه، وسـعادة

فـي شـماتة، ) اللبانة(البك، صاحب السجل المدني، يمضغ . وأمي وأخوتي كالعادة صامتين

٩٥

****** ::المقطع األخيرالمقطع األخير

نا بين النار والهالك، والفارس اتأخر كتيـر، دلوقتي أ " "مين دلوقت ينقذني يا بشر. والجالد ماسك الكرباج

القاضي يستمع للضابط، والموظف باهتمام، يستعد للنطق .بالحكم، ينقذني صراخ طفل صغير

: صاح القاضي . اسكتوا هذا الطفل، وضعوا أمه في القفص-

: هعاد لألوراق، سأل الجالس على يمين . وقفنا فين- فأشار إلى ورقة أمامه، نظر إلي بغضب، وهو يشرب -

كوبا من الماء بمتعة، لم أتحمـل، صـرخت رغمـا عنـي أقتلوني وال تحاكموني، هيا يا سادة مـن يسـتطع قتلـي، (

)فليتفضلضحك الجميع كمتفرجي السيرك، وجوههم غريبة، وأنـا

احتبسـت غريب، بخفة انتزعت المسدس مـن الحـارس، ف ..الضحكات، وتحولت إلى صمت مخيف

٩٦

: اختبأ القاضي تحت المنصة، صرخت فيهم.... نحـو ..... كلكم جبناء إال أنا، صوبت المسدس نحو -

.رأسي، ثم ضغطت الزناد

****** ١٩٨٨تمت عام ٢٠٠٥تعديل

@@

٩٧

المدينة تغلق األبوابالمدينة تغلق األبواب))١١((

اصـفرت . األحمق سـيذبح أخـاه : تردد النداء بالمدينة جوه، وتراجعت األجساد في مال بسها، وبدت همهمة بين الو

لم يخف ...، سيشهد على قتله "األحمق يريد قتل أخيه " النساء أخوه أطهر، وأشرف حاكم أنجبته " عجائز المدينة عباراتهم

" .المدينة، لم يقتل أبدا، لكنها غيرته الحمراءهم فـي األطفال تشكلوا في جماعات، ونادوا أن تكون لعبت

. هذا اليوم، لعبة الملك الشريف، وأخيه الملك اللئيمانتشر الجنود في الشوارع، وقد عال وجهها االضـطراب

فالثيـاب (والقلق رغم ما بدا على هندامها من تجديد شـامل جديدة ومنمقة، والنياشين متعددة وزائفـة، والـورود تلـف

لسـهل أعناقهم ضاحكة، مطلقة خلفهم رائحة طيبة، ليس من ا ).زوالها

) ) ٢٢((

٩٨

كانت المدينة هادئة حتى قبيل الظهيرة، بعدها دلف كـل لبيته، وأغلق بابه جيدا، وأوصد النوافذ، وأسـدلت السـتائر

جهز كل منهم جهاز االسطوانات الخـاص بـه، . القرمزيةوانتظر للحظة معينة متفق عليها من قبل رجـال المدينـة

.الشرفاء

))٣٣(( .د بالمدينة عبر مكبرات صوتية عتيقةعال نداء الجنو

يا أهل المدينة الطيبين، الملك يدعوكم لكشـف أسـرار "لم يكن شريفا بل قاتال، .. هامة، عن حكم أخيه الملك الراحل

".سيشرح لكم، كيف قتل أخوه األحرار والشرفاء منكم ساد المدينة الصمت، إال من أقدام الجنـود الثقيلـة فـي

عياهم خروج أهل المدينـة مـن بيـوتهم ، الشوارع، حتى أ فراحوا يدقون األبواب بعنف، ولم يـتمخض الطـرق عـن استجابة ما، فأعلوا نفير األبواق النحاسية بارتفاع قـوى، وال من صدى إال الصمت، وكأن المدينة قـد تالشـى سـكانها، وبقيت مبانيها قائمة باألبيض، والجنود المكفهرون بالشوارع

.زوزة عالمات مه

٩٩

))٤٤(( حضر الملك إلى السرادق الضخم الممتد بالميدان الفسيح،

:في قلب المدينة، الذي تحيط به دائرة من المنازل إن أخي لساحر، كيف استطاع أن يستحوذ على حبهم؟ -

!! كيف ذلك رغم هذه السنوات الطويلة، رغـم أنـه مـات؟ !!كيف؟

))٥٥(( لهواء ينقل دارت أجهزة االسطوانات في البيوت، فصار ا

... صوتا، ويطلقه في كل األرجاء، هو صوت الملك الراحل أهلـي ...اإلنسان... الوفاء... الكرامة... الشرف... الحرية .....كلنا بشر... أنا منكم... أنتم

))٦٦(( تطاير الصوت المتـردد مـن كـل المنـازل المحيطـة بالسرادق، طلقات مشتعلة يمزقه صوتها، فهـاج، وطفـرت

ن األحمر القاني، فقلب منضدة المنصـة، وألقـى عيناه باللو بالزينات من حوله، وداس الورود بأقدامه، وخـرج للمدينـة

١٠٠

يعدو بطرقاتها، وصوته يصرخ عاليا تخالطه بحة، واقتـرب من أحد المنازل، فأخذت كلمات أخيه الراحـل المتطـايرة، تخترق أذنيه، فتهدم من هياجه المتوتر، وجهاز االسطوانات

بشر ...أنا مثلكم ... أنا شاكر جدا على حبكم لي .... وقفال يت أعانى ما تعانونه، أفرح لما يفرحكم، وال أرضـى .... مثلكم

بمظلمة ألحد، وال بأفضلية ألحدكم على األخر، فكلنا بشـر دوى تصفيق مروع ساحق، وأفواه . من أم واحدة، وأب واحد

ملـك يعيش ملك الشعب، يعيش (اجتمعت على جملة واحدة ).الشعب

الملك األهوج يلف رأسه بذراعيه المرتجفتين، وهو يبكي خرجت دموعه ". إنسانا ...لقد كان إنسانا " متمتما قهرا عنه

:ميتة، وأنفاسه متالحقة متزاحمة، وشهق وقرر قائال .لقد كان شريفا، لكن ما ذلتي أنا

وخبط بيديه على رأسه استعطافا لشيء جديـد علـه ..يحضر

١٠١

طفلة النورطفلة النورالبنت المرمرية، ذات العيون العسلية، جلست في اتجـاه القبلة تصلي، وأشعة النور تخترق جوانب الحجرة، التي تشبه الهودج في تمايله فوق الجمل، خرجت األم مسـرعة تجـاه البنت، تلتقطها من داخل سجودها، وتقفز بها إلى الخـارج،

.زلزال: وهي تصرخاب الشقة المجاورة،نظرت إليها جارتها مثل الكماشة فتح ب

:المسنة، وسألتها بابتسامة هادئة هل تعانين من شيء؟ هل أستطيع مساعدتك؟-

قالت األم وهي تعتصر ابنتهـا فـي حضـنها،والحجا ب : األبيض يغطي جسدها الضئيل

.الشقة عندي تهتز بعنف.. زلزال، زلزال لكـل وجـه ابتسمت المرأة المسنة، وألقت نظرة ماسحة

: األم وتفحصتها بطرف من عينيها وقالت . يبدو أنك كنت تحلمين، عودي لشقتك، ال يوجد زلزال-

نظرت األم في بئر السلم وجدته هادئا، وال توجد أية آثار .في العمارة لزلزال

١٠٢

عادت للشقة وفي حضنها ابنتهـا، وقـررت االتصـال :بصديقتها بالعمارة المجاورة

!ال؟ هل شعرت بزلز- .زلزال إيه، دا الفيلم شغال: ردت عليها بضحكة صاخبة

دون أن تعبأ بجهد الرد عليها، أغلقت سماعة التليفـون ، وراحت تبحث في الشقة عن أي مصدر، يكون قـد أحـدث

.رجرجة في الشقة : قطعة النور الضئيلة انسكبت من فمها كلمات تقول

. ماما ممكن أكمل الصالة-تي، لكن أمامي هنا، انتظري، البسي هـذا طبعا يا حبيب -

.الجورب، حتى لو عاد الزلزال فررنا معا واستسلمت قدما طفلة النور ليد األم المرتعشة بمزيج من

جلست الطفلة تصلي مرة أخرى، واألم من . الحنان والخوف ورائها تراقبها، فإذا بهالة من النـور تقـف فـوق رأسـها،

فوجدت قوة تقذف بها علـى انزعجت األم حاولت الوقوف، األريكة، فراحت في غيبوبة، وكأنها انحدرت من أعلى قمـة جبل أسود، وهى تتقلب في الهـواء سـاقطة، وكثيـر مـن

١٠٣

الحيوانات السوداء الغليظة، تتلقفها من كـل جانـب، وهـي :تصرخ بذعر

.ال تقتلوني أنا عاوزة أربي بنتي.. ال..الشكال قميئـة بقـرون وفي النهاية سقطت بجوار ثالثة أ

سوداء طويلة، وعيون حمراء طولية، وذيول قصيرة، وجسد .ملئ بشعر أسود مدبب

: قالوا لها . أنت هنا في مملكة الشياطين-

المفاجأة أحبكت عقد لسانها ، فلم يعد عندها ما تسـتطيع مـاذا يحـدث؟ زلـزال، ! وما هـؤالء الشـياطين؟ . نطقه

حة تريد قتلـي وأخيـرا خبطة،غيبوبة، سقوط، حيوانات قبي .إني أحلم! شياطين، ما هذا؟

: رد عليها الشيطان األوسط نعم أنت معنا هنا -

: قالت ! ماذا يعني هذا؟-

أصدر الثالثة ضـحكات كقـذائف المـدفع، صـرخت، : ووضعت يديها على أذنيها، قالت

١٠٤

.حرام هذا، هذا حرام : نظرت ألعلى وقالت

. يا رب أغثني، أغثني-لق نور كإشعاعات الليزر الشـفافة، القويـة، تجـاه انط

الشياطين فيحرقها، ويستدير ألعلى، فيحرق كل الحيوانـات المخيفة من حولها، ركزت بصرها في خيوط األشعة، وجدت ورائها بؤرة قوية من النور تغذيها، نظرت أكثـر، فوجـدت ابنتها من ورائها، وهي تحرك تلك األشعة تجاه كل المسـخ

ياطين لتحرقها وتضئ لها المكان، جرت نحـو ابنتهـا والش : وضمتها بقوة وهي تقول

. يا حبيبتي، يا ابنتي فعلت كل هذا ألجلي- : أجابتها البنت وهي تبتسم

. بل فعل هذا ربي اهللا، خالقي يا أمي- . تعالي يا ابنتي في حضني، أضمك-أمي كل ما أرجوه منك، أال تحزنـي . أمي إني صاعدة - . لى فراقيع

وفجأة قامت األم من نومها تصرخ واتجهت لحجرة ابنتها، فإذا هي نائمة نومة األبدية، وعلـى صـدرها سلسـلة آيـة

١٠٥

همـت األم بالصـراخ، لكنهـا . الكرسي تمسك عليها بقوة ، "ال تحزني علـى فراقـي " تذكرت ابتسامتها، وهى تقول

. فتبسمت وهي تنظر ألعلى @

١٠٦

بلطجي المولدبلطجي المولديتلذذ بهذا اللقب، ويعشقه؛ عندما يسمعه من أحد، الفتنانه بعضالته المفتولة، تجده دائما يخلع سترته المتسخة من أثـر

دائما مـا . نومه على رأس رقعة المولد لحمايتهم، كما يدعى : يجهر بصوته الفوالذي

. بص شوف العضالت-عندما يميل أحدهم على أذن صاحبه، ينظر إليهما فى حقد

: ويشعر باستنكارهما له، فيردد بقوة ... إياك أن تصدقه-

فيضحك الجميـع منـه، وفـى أوج انبهـاره بنفسـه، ينقض على ساندويتش يأكله واستعراضه بعضالته السوداء،

أمامه، أو كيس فاكهة في يد رجل عابر، فيقتلعـه مـن طفلده، ويدسه في فمه، وسط دهشة العابرين، وكأنه يؤدى دور ي

أحد الحواة الفاشلين، وفى المساء يمر على عربات وأكشـاك المولد يجمع الحصاد، وال يخلو األمر مـن علقـة سـاخنة ألحدهم إذا تراخى فى الدفع، واألهم عنده أن يصيح صاحب

:الكشك . سالم مربع ياجدع للبلطجي-

١٠٧

: الجهوري فيرد عليه بصوته . إياك واإلرهاب-

وغالبا ما يعجب هذا المشهد رواد المولـد فيتضـاحكون، : ويتغامزون عليه، فيكرر جملته، المفضلة

.. إياك أن تصدقه- وال ينسى له يوم أن باع أخاه، ليقبض عشرين جنيهـا، نظير اإلبالغ عنه بسرقة، لم يرتكبها، فأوقع بأخيـه لقـبض

. سجن أخيه ثالث سنوات، فطردته أسرتهالثمن، ولم يهتم بصار أهل المولد أهله الذين ال يحبونه، لكنه يتمسح بهـم

، مبدعوى حمايتهم، وغالبا ما يبصقون عليه بعد أن يمر أمامه وموقف أخر ال ينسى، عندما دخل بعض الرجـال المولـد، يحملون صندوقا لجمع التبرعات، وميكرفونا صغيرا؛ قفـز

: مهم وقالالبلطجي أما أنا دليلكم في المولد، لكن أعطوني شيئا مـن عنـد اهللا -

فأعطوه، وسار معهم يجمع لهم التبرعات، باإلكراه، فجمـع .مبلغا كبيرا، ثم اختطف الصندوق منهم، وهرب

١٠٨

هذان موقفان ال ينساهما له الناس أبدا، وغالبا ما يتندرون العجوز صاحبة بهما، وال يجرؤ أحد على تذكرته بهما، إال

.عربة الحمص، فهي الوحيدة التي ال يستطيع الرد عليهافي ظهيرة أحد األيام، والبلطجي يقف في وسط الـدائرة، يمارس دوره كحاو، لمح فتاة جميلـة تتجـه نحـو عربـة

: األراجوز، ثم دخلتها من الباب الخلفي، وظل يرددعمـل يشفى العليل ويقوى المريض وي .. عنبر، عنبر، -

.العمايلظل خياله ممسكا بصورة الفتاة التي مرت أمامـه، ظـل يتحسسها بنظراته، حتى دخلت صـاحبة الشـعور الذهبيـة

: والعيون الملونة على أبيها، عربة األراجوز، وهي تتهلل . بابا حبيبي-

واحتضـنها ترك والدها العروسة من يده، وقفز إليهـا، : دامعا ابنتي حبيبتي متى وصلت؟-

: ردت بفرحة . اآلن يا بابا-

:أجابها بأسى

١٠٩

. يجب أن تسافري اليوم- : قالت تترجاه

. ال يا بابا سأبقى معك أسبوعين، حتى ينتهي المولد- : رد بعنف

. ال، ال، ستسافرين غدا إلى الفيوم عند أمك- : ردت بخيبة أمل

. كنت أتمنى أن أقضي معك أجازة نصف العام- يـا -: على خد األب وراح ينهنـه سقطت دمعة حزينة

.ابنتي هنا البلطجي : ردت بسخرية

. ما لنا والبلطجي، سأظل هنا، ولن أخرج من العربة- : أجابها وهو يمسح دموعه

البلطجي أقذر مخلوق، ال تستر عليه عوراتنا، بتهجمه - .علينا في كل وقت، وأنا كبرت في السن، والشقاء أخذ مني

كلماته، اقتحم عليهما البلطجي الباب، قبل أن يكمل محيط وكان يرتدي فانلته القذرة، وبنطلونه الرث، وصاح حتى كاد

:يزلزل الحجرة ).أصل أنا شمام( أنا حضرت لما شميت رائحة الحلوة -

١١٠

ثم هم بجذب البنت إليه، فاحتضنها أبوها واسـتدار بهـا : صارخا في وجهه

. إال ابنتي، ولو أخذت روحي- : بلطجي بتهكمقهقه ال

. مثلك له بنت كهذه يا عجوز-وعلى غفلة كعادته، جذبها من فسـتانها، فمزقـه، سـقط

.والدها أرضافي هذه اللحظة ماتت الدنيا في عين األب، وهـو يـرى تمزيق مالبس ابنته بعينيه، أحس ببخار الدم يتصـاعد فـي رأسه، استل سكينا ، وبكل القوة المخزونـة داخلـه، طعـن

طجي في قلبه، وجذب ابنته بعيدا عنه، صـرخت الفتـاة البلصرخة أقوى من صرخة البلطجي، وهو يحتضـن األرض

:متأوها ويتمتم . الوحيد الذي هزمني، هو أنت أيها العجوز-

١١١

مدينتي البسيطةمدينتي البسيطةقرب المساء يلتف الدفء الحنون حول مدينتي البسـيطة،

تى الهزيع األخير من الليل واحتاج في هذا الوقت أن أسير ح . في شوارعها الجميلة

تصبيني نوبة الخروج من المنزل ، عندما تتعاند رأسـي في السرير مع النوم، وأظل قلقا ال أستطيع النوم، وتنازعني

مع هذه الفتـاة المتـرددة - طول طريقي -نفسي في حزن .التي استحوذت علي حبي، واحتفظت علي النقيض بصمتها

صادق غير براق، وغير - في مدينتي -اب المساء اقترتخلصت من أوجاع النوم، نزلت أتجول في شـوارع . مزيفكانت عيناهـا تالحقنـي بهروبهمـا، وشـرودهما ..مدينتيعندما انحرفنا يسارا، علي الكوبري الصغير الذي .. الدائمين

ال يفصل شيئا سوي استواء الطريق، قلت لها وهـي تنـدد وبتضارب األخطاء، التي نتحملها من النتـائج، باالمتحانات

وتميع الموظفين إزاء توسـالتنا .. وصمت وتالهي الدكاترة ):سنة من عمرنا(

. أمامك عميد الكلية اذهب إليه-

١١٢

من تريد؟ العميد؛ انتظره ساعة، وساعة، وساعة، ثـم -غدا، وبعد غدا، سيعود من فرنسا بعد عشرة أيـام انتظـره

العام الجديد بدأ، اجتهد وانس بدال من . لعوضيابني، عليك ا .معاشرة هذه الكلية بقية عمرك

:وقال . يابني، هنا الدكتور ديكتاتور

: وكررت بين نفسي وحزني وهمي ...تور...ديكتا.... هنا.. تور.. الدك-

:في إحدى المرات :قلت لها

مؤامرات الغرب نجحت ضد .. أسعار البترول تتدهور - . العرب : لتقا

الدكتور قال إن امتحان هذا العام، لـن يعتمـد علـي - ، هل تعتقد انه سيفعل ذلك؟)التنشين(

: قلت . فعلوها، ويستطيع أن يفعلها-

١١٣

-: السيارة ذات الرداء المشمعي، التـي ينـادي صـبيها . شبرا، شبرا

قرب المساء في مدينتي أفضـل مـن . صعدت السيارة أحيانـا أذهـب إلـى صـديقي هذيان النوم علي السرير، و

أذهب إليـه، قلقـا . الملتحي ربما يأخذ ما بداخلي ويريحني صار الهواء يلهو برداء السيارة، وكان شعرها يتطاير علـي

.وجنتيها الموردتين :قلت

. الصيف واالمتحانات متعبين- : قلت

. الصيف جميل واالمتحانات مقياس عاجز- :قالت

مس أكواب مـن القهـوة أنا لم أعرف النوم، شربت خ - .أمس

: قلت جواز سفر للمرور إلى العذاب، ومـع ذلـك نحتاجـه -

.ونسعى إليه دائما : قالت

١١٤

.لكن ليس لدي وقت اآلن، ألشاهده ، اشترينا فيديو-أسود العالم يأكلوننا فرادي، ونحن : فابتسمت بنصف شفة

.ننعم علي القشب الرؤوس أنوار الكوبري أضيئت، والهواء الصافي يداع

.في نشوة. حملت لفافة من أحد الركاب ثم قام غيري وأجلس زوجته

ال مساحيق علي وجوه النسـاء، وال تزايـد فـي حركـات الرجال، واألطفال يعرفون الحالل والحرام، والشباب فـي هذا الوقت ال تتقطع األوراق من أيـاديهم، وال تهـدأ أفـواه

.النساء من الدعاء للجميع بالنجاح :ت أميقال . أنا أتمني أشوفك وكيل نيابة، ذاكر يا ابني- أكره الرسميات وأريد أن أكون حـرا ، ال أريد يا أمي -

.بين الناس، أحبهم ويحبونني، ويعرفوني وأعرفهمشيء من الدفء يتقلب في صدري، واشعر أننـي أريـد البكاء، بسبب ما في نفسي، وأن أحزانا كثيرة فـي داخلـي

. مازالت مكبوتة : قالت لي فتاتي

١١٥

. مستقبلك أهم مني، ذاكر جيدا- : قلت لها مؤكدا

وماذا يهم وأنت بعيدة؟-السيارة توشك أن تغادر الكوبري، البد أن صديقي يستعد لصالة المغرب اآلن، والسيارة تهبط بسرعة من الكـوبري،

.مما ترك شيئا من الخوف في قلبي :قلت لها

ا، أنني جزء مـن العـالم، أريدك أن تعرفي جيد - . والبد أن أتفاعل معه

: قالتكم يومـا . االمتحانات أهم من الكتب التي تقرأها اآلن -

!تبقي علي االمتحان بل كم ساعة : قلت لها

انتخابات السودان خطوة جديدة، وتصدي ليبيا ألمريكا -جرأة مفتقدة ، وتالحم العرب أفضل ضرورة بعد ما حـدث

.في فلسطين : التق .أري أنك في خطر. احرص علي نفسك أوال-

١١٦

:قلت . أعطني يدك، فأنا في احتياج لها اآلن

: قالت . بعد االمتحانات يكون لدينا متسعا من الوقت-

. السيارة تركن يمينا، ينزل رجـل وسـيدة، ويشـكروننا .تتحرك السيارة من بداية سكون أخر

: كررت أمي . يابني أنا بدأت أخاف عليك-

: قلت .وأنا بدأت أخاف علي نفسي

. احتضنتها، ثم قبلت يدها : قالت أمي

. قم للصالة- . حاضر يا أمي-

صديقي الملتحي كلما قابلته، أحسست بكلماته تنفذ عبري، . وتسري كالماء الرطب علي حرارة جسدي

: قال

١١٧

هذه الفتاه ال تناسبك، مشكلتك، أنك تبحث عن الحـب - ..وال تنتظره

: تقل . لكني أحبها-

طالت وقفتنا أمام ماكينة التصوير، حتى حملنـا أكوامـا .ضخمة من المذاكرات، كما لو كنا نبيع الجرائد

: قلت لها . هل تعتقدين أنه يمكنا أن نتالقى في نقطة-

: قالت . بالطبع-

: قلت . لك طريق، ولي طريق-

: قالت بغرور هل تستطيع أن تفعل ما تقول؟ - : ت بثقةقل . أنا الذي اخترت هذا اآلن-

أحسست أن العالم قد انشطر بجديـد أتمنـاه .ابتعدت عني .ولكني آسف

١١٨

: قال صديقي .. كان يجب أن تفعل ذلك من زمن-

: قلت له أواثق؟- : قال . أنت تريد من يقف بجوارك، ال من يهزمك-

: قلت . بالفعل-

نهر الطريق صدرت فرقعة عالية، وانحرفت السيارة عن لقد انفجرت العجلة، فنزل الجميع وبقيت أنا، ألكون . وتوقفت .األخير

: قال الولد . يابيه العجل ضرب-

: قلت له . حاضر الجو عموما جميل ، يسمح بالسير-

نزلت وفردت ذراعي عن أخرهما ألستنشق هواء صافيا، ربمـا ، كلنا يحب األخـر . أحسست أن مدينتنا بسيطة بأهلها

.ون مخطئا، لكنني دائما أشعر بهذا في مثل هذا الوقتأك

١١٩

ناديتـه . عبرت الشارع كـان صـديقي يغـادر منزلـه . فانتظرني ووضع يده في يدي وسرنا معا في الطريق

١٢٠

قراءات جليدية قراءات جليدية ارتعاشات متقلبة من البرودة أصابته باالنكمـاش، رغـم

ممـا ، السميك على جسده النحيـف ارتدائه للمعطف الجلدي يسـير . وأغرق قلبه بالبرد الرطب ، نزع عن عينيه بريقهما

يرتشف ، فتتراكم على قبعته قطع الثلج المنمنمة ، متجها لعمله .زفيره الدخاني يكاثف الضباب، أنفه الدخان األبيض الالذع

احتراف البشر لآللية يمثل صراعا دائرا بـين األقـدام رويدا ، رويدا تبلع السـماء . على نعومة األرصفة واألكتاف

، وتسكت عن ضخها الثلجي، والبرق تثـاءب لنومـه ، ريقهاوالضباب تدغدغه أحاديات األشعة الذهبيـة، المنفلتـة مـن

تندمج ألوان من اإلضاءة الربانيـة التـي ، الشمس المخنوقة . تصنعها السماء

لى ساعته الرقمية فينظر إ ، يصل إلى مبنى الهيئة المقوس فيجدها تشـير ، التي تعلو عدة قمصان صوفية فوق معصمه

أمام ، فاجأه ازدحام الموظفين ، إلى الموعد المحدد لبدء العمل . مبنى الهيئة المغلق

١٢١

ارتد ، سأل أحدهم عن سر انغالق الباب، فلم يعره اهتماما ، تتكرر الالمباالة فـي مواجهـة سـؤاله ، ليسأل آخر ، عنه

: أجابته موظفة عانس، دون أن يسألها، وأخيرا الشخص الذي معه مفاتيح الهيئة، غالبا لم يـأت حتـى - .ونحن ننتظر المدير ليبدي رأيه، اآلن

: فسألها بنصف ابتسامة باردة لماذا لم يذهب إليه أحد ليأتي بالمفاتيح؟ -

: فتعجبت منه . قلت لك يا سيدي، نحن ننتظر المدير، ليبدي رأيه-الـذين ، ألقى نظرة شاملة على جمهرة الموظفين ، كهاتر

أعياه منظرهم الذي يشبه ، راحوا في صمت موحش وانتظار . جثث الثالجات

ليحتمي بمظالتها الخشـبية ، توجه للحديقة المواجهة للهيئة مـر ببـائع ، وقبل أن يصل إليهـا ، المنحدرة على المقاعد

دسها فـي ، اشترى إحدى الصحف المتواجدة عنده ، الصحفجلس على أحـد المقاعـد ، الخندق الضئيل بالمعطف الجلدي

. وفردها بأصابع التصق جلدها على عظمها، وأخرج الجريدة

١٢٢

يطويها ، عاصفة بيضاء ندية تلفح الصفحات من بين يديه .ألنصافها ويبدأ القراءة من الخلف

عنوان ضخم يقول، الحب هو المال ، في الصفحة األخيرة راد المختلط؟ كما توجد بنفس الصفحة إعالنات وكم يكون اإلي

وفي الصفحة التي تقع فـي . والدفايات الحديثة ، عن األفالم وضـاحك ، رسومات مهزوزة لكاريكـاتير سـاخر ، ظهرها

لم يكن يحلم بورقة من فئة . فمات، يقول، اليانصيب فاز به . وعنوان آخر يقول، جهاز يوضع على الرأس للفهم . العشرة

المرآوية للكاريكاتير؛ إعالنات كبيرة عن وظـائف والصفحةوإعـالن . المسابقات بدأت من أسبوع وانتهت اليـوم ، خالية

يصعب ، آخر عن شقق وفيالت نموذجية آمنة تحت األرض الصفحة التي خلفها تقـول؛ كـدنا .. وصول اللصوص إليها

نفوز بالكؤوس كلها، لوال أن ظلمنا الحكم الزنجي وبذلك لن البالية . البطولة الكبرى، فلنتظلم أمام اللجنة العالمية نلعب في

..يستورد ليتطور في األعوام القادمةتـزوج : صفحة الشط القابع فـي المواجهـة تقـول

يتم تصوير فـيلم .. نقاد المهرجانات جهالء بحق .. براقصة ... رهيب بداخل أستوديو الحلقة

١٢٣

ـ ، الصفحة التي تقع في ظهرها تقـول يالت تؤكـد التحلدرجـة ، البيولوجية والتضاريسية أن الجو حار جدا اليـوم

. درجة مئوية ٢٢ درجة مئوية، والصغرى ٤٠الحرارة صفحة البداية تصرخ؛ كل اإلدارات والهيئات تنعي الفقيد

تقـام .. الراحل بعضها باالنشراح وبعضها عظـيم األسـى وعنـوان .. حفالت على مدار األسبوع لعيـد مـيالده األول

. غير يقول؛ المجاعة تجتاح البالد قريباصينظر إلى المصلحة؛ يجد األعداد البشرية ، يترك الجريدة

" المصـلحة " قد تزايدت بالجمهور الباغي مصـالحه مـن يشعر بغثة فـي حلقـه ال ، والجميع صامتون كأعمدة البرق

ويقذفها بجواره ، فيطوى الجريدة ، تداويها مياه األنهار جميعها ، الذي بدأ يهطل منذ لحظـات ، عد المبلل من المطر على المق

فيجد أن نصف ، ينظر في ساعته بعد مسح شاشتها من البخار يسقط بصـره سـهوا علـى ، ينهض، وقت العمل قد مضى

مدهونـة بـالبرودة علـى ، يبتسم ابتسامة جامـدة ، الجريدة، مساحات وجهه الحائر يتوجه بخطواته نحو مبنى المصلحة

ما ، ة األصنام ليشترك في جمهر ولكنـه ، التي ال تبالي شيئا

١٢٤

يبتسم عندما يجد أن الموظفة العانس تلح في الحـديث مـع .شخص آخر ال يعيرها اهتماما ما

١٢٥

دفاعا عن الحب دفاعا عن الحب ابتسامات ممتدة من أعماقه، يرسل إحداها لتترجرج على

ابتسامه تمسح أخـرى .. شفتيه، تختفي أسنانه في لحم الفكين ...جلد وجهه الخشنللظهور على

عالم قمعي يرسل بقطرات من االنفجارات على رأسـها، ‘ ليمزق تفكيرها ويشتته، فتجد نفسها عاجزة عـن التفكيـر

قالت ‘ ابتسامة حزينة مضطربة من جراء ابتساماته المبتهجة : له

تبدو سعيدا، وخطبتي ستتم على غيرك يـوم الخمـيس - .القادم

ة داخل صندوقه اللحمي وبحلـق استجمع ابتساماته المتفرق في عينيها، ثم هبطت جفونه نائمة، لكنها انفرجت عنها دمعه

...مجروحة، انتفض لها جسدهارتجفت لدمعته، وقضـمت شـفتيها بأسـنانها الرقيقـة، فتبخترت عيناها بالبكاء، لكنها أمسكت نشيجا وصراخا كـادا

يها يمد يده ليجفف دمعاتها الالتي فوق خـد . يشجان صدرها :الملتهبين، يقول لها

. لست سعيدا أنني العمر، أعلم إننا علي أهوسه النيران-

١٢٦

تتشقق جدران المعبد، وتتصدع أعمدته فينهار كل شيء عندها، فتبكي باشتعال يهز الحزن الذي في صدرها، دموع،

.واحمرار، وزرقة مخطوفة للبحر، منكسرة في عينيهافي لحظات، فيعصـر جنـان أما هو فيعبئ العالم المبعثر

.عقله، يزوم ويزأر في كلماته إليها هل تظنين أنني استسلمت ليأخذك مني؟ لن يأخذك مني -

. غير الموتشهيق مجوف متالحق، ينشطر، ثـم يتوقـف، فيصـيبها بارتعاده، يهتز لها جسدها، فتسأله بدفء يجعل كلماتها إليـه

: حارة وماذا سنفعل اآلن؟ -

سفل، ويعبر البحر الممتد أمامـه بنظـرة يرخي يديه أل هادئة، فيتكور في داخله األسى ، منزويا في تجاويف بعيدة،

: يقول لها بعد أن ثبت عينيه علي وجهها المورد .. بعد اآلن، لن نفعل يا حبيبتي-

امتد في أعماقه، انتزع ابتسامة، تالحق سابقاتها، فيبـدو ألبيض ، يرفع كفيـه فكاه منفصلين، ولسانه األحمر مغبش با

أمام عينيه، يتمعن فيهم بنظرة رخوة، متحشرجة، فيناوشـه

١٢٧

القيء سرا، ينزل يديه بسرعة، ويخبئهما عن عينيه، فيشـعر بشوك ساخن، يقتلعهما من معصمه، تلحظه في صـمت وال

أوهام التآكل تفتك بأفكارها للخالء، تبتلعها بين .. تلقي باال بين أسنانها، ترفع رأسها إليه، وهـي ثناياها، فتتوه أفكارها

:ممتعضة تحدثه أنسيت أن بعد غد الخميس؟ ! أهكذا؟-

:يبرد ، ويثلج، ويجمد كل مشاعره، ويقر لها إني احبك، لن تكوني لغيري، لقد وافقـوا لـي علـي -

.اإلعارة ولن أكرر لك، لن يأخذك مني أحدهزاء يتميع الرجل في مخيلتها، وواقعها، فتشـعر باالسـت

الداخلي منه، دون أن تشعره بذلك، فتختلق حوارا أخر لتسد : به الوقت بينهما فتقول

اتصلت بك ظهر اليوم، أين كنت؟ لم أذكر لآلن أننـي -اتصلت بك في مثل هذا الوقت، ولم أجدك في عملـك، هـل

غاب المدير؟ يطلق ابتسامة مصحوبة بنصل حاد عبر حلقـه، يتحـدث

: ةإليها بكلمات متهرئ

١٢٨

ذهبت ألمزق كابوس بعد الغد، ألحافظ علي خطابات - ..الدم المكتوبة بالحب بيننا، أما اآلن فلم يعد هناك خوف

إشعاعات متموجة باأللم قذفتها كلماته عليها، أحسـت : ببوادر لجنونه، وبعد صمت و تفكير متردد، تعلنه

تبدو غريبا جدا اليوم، ماذا حدث لك؟ - في وجل علي وجهه، لتلتقط ما به، فتجد ترمي بنظراتها

ابتسامته ما زالت منسابة علي شحوب وجهه واصـفراره، وتشعر بالرهبة منه، من رائحة البحر تغيـرت فجـأة، مـن اعوجاج السور الحديدي علـي الشـاطئ، مـن ضـحكات

. العاشقين الباهتة، من مواء قطة سوداء ضالة بجوارهماـ ائرة، فتنتصـب وتقـرر أن أقدامها تشحذ بقوة، كانت خ

تغادره، فتستأذنه ، وتنصـرف دون انتظـار رده، تهـرول مبتعدة عنه، ويبقي في أذنيه وقع نقرات حـذائها كـالجرس

. المشروخأما هو فيمد يده بارتعاش علي سـور الشـاطئ الصـدأ،

. ويقهقه بحزن، ملقيا ببصقة فيها رائحة الدم علي البحرظهر لها أفكار سيئة، تحـاول تلوك خواطرها في خفاء، فت

رفضها حتى تختلط كل األمور بداخلها حزينة، فيتراءى لهـا

١٢٩

الكرب أكثر حدة في الحلكة الخافتـة، التـي غطـت درج .عمارتها، وهي صاعدة لشقتها

تضغط الجرس، ينكشف لها عينان مبللتان بالدموع ألمها، الثقـل . من خالل صنبور ضوئي يشع من سـقف الصـالة

بلزوجة من لقائه، تحلل وسال، حتى طـار مـن المخزون : رأسها، واحتل دمع أمها مكانه، فتقول لها باضطراب

ماذا بك يا أمي؟-يسير الباب من يدها نحو مخدعه في بطء، حتى ينغلـق، تعلو نبضاتها، وتتزايد، حتى تصـبح كطـرق النـواقيس

: النحاسية، ثم تتلفت حولها في ذعر لتفجر سؤالها أين أبي؟ . ي أم-

: يخفت نشيج األم وتمسح دموعها فتقول .أبوك هناك

بصرخة مخضبة بالغضب . وتصمت لتبكي من جديد . والحيرة من اإلبنة، أعطبت بها بكاء األم، وستر الخبر عنها

: قالت . ماذا حدث؟ قولي لي-

١٣٠

وميض من النحيب يتهدل، مع دمعات األم علي الخـدين، : فتقول .ي، انطقي أرجوك يا أم-

غمغمت األم ببعض الكلمات الساكنة من فمهـا، كأنهـا : تجرب الكالم، ثم ألقت بقنبلتها علي ابنتها فجأة

.قتل ظهر اليوم... خطيبك- : وتجشأت األم بالبكاء مرددة

. يا حظك يا بنتي، يا حظك يا بنتي-تسمرت أنفاس اإلبنة، واحتشدت القرعات المرتفعة علي

رها، زمت شفتيها ، وعضضتهما ، حتى تـراءي بؤرة تفكي لمخيلتها سور الشاطئ الحديدي، يترنح، ويسـقط بحبيبهـا

المشهد مقلوب في عدسـتي . للغرق في زرقة البحر المعتمة عينيها الزائغتين، تقع مكورة تحت أقدام أمها، فتسرع إليها، وقد تسلل الزبد األبيض من بين شفتيها للسجادة، علي هيئـة

: قاعات منمنمة، فتمتمت اإلبنة في رعب بداخلهاف .، ال، ال... هل يكون -

:صرخت وعيونها تحمر، وعروقها تشد عن أخرها . ال يمكن أن يكون قتله.. ال، ال-

١٣١

: تهدئ األم ابنتها، وتحتضنها في حنان، قائلة لها . نصيب، ربنا يعوض عليك.. نصيب يا ابنتي-

: صدر أمها وتصرخ فيها فتنزع اإلبنة رأسها من أنت السبب، أنت التي رفضته، أنت التي رفضته إنـه -

.مجنون، وأنا أعرفه جيدا، البد أنه هو الذي قتله، البد

١٣٢

المقطوعالمقطوع مقام سيديمقام سيدييحمل في ثناياه رقائق من رائحة ، هواء هذا المساء جميل

لجد مع حفيده تحيط بالمكان الذي جلس فيه ا ، الفل والياسمين تبسـم . القادم من المدينة، بحثا عن الراحة من عناء الدراسة

. الجد ذو اللحية البيضاء المنيرة، بنور تشعره بالقلب وتحبـه وضعه علـى ، وآخر صغير له ، صب كوبا من الشاي لحفيده

راح الجد ينظر بعمق لألمام، وكأن بصـره ، حافة المصطبة الحظ الحفيد شـرود ، يجريا في الماض ، التف على ذاكرته :الجد فسأله بتأدب

لماذا هـذا المقـام يسـمى بسـيدي . جدي لم تجبني - المقطوع؟

كنت طفال فـي مثـل ، بني هذا ما أتذكره وكأنه اآلن - يغادر أرضه وال عشته كان في هذه األرض رجال ال ، سنك

أو يعمـل فـي ، دائما تراه إما جالسا يصلي ، أبدا الصغيرةكـأن رجـاال يلبسـون ، تحكى عنه حكايات كثيرة ، أرضهيجلسون ، يأتون إليه من السماء ، ووجوههم من نور ، األبيض

، ويذكرون أن صوته في قـراءة القـرآن كالمالئكـة ، معهوأنهـم يشـاهدون أوالدا ، يقولون أنه متزوج من حور الجنة

١٣٣

ويقولون أنـه عنـد ، يلعبون حول عشته ، في الليل صغارا وال ، يصلون معه ، صالة الفجر يسمع أصوات أناس كثيرين

وكان هناك فـي األرض ، فأسماه الناس عم نور ، يراهم أحد ولـه فـيال ، التي خلفه شخص من القاهرة يدعى السـلحدار

، صغيرة على طرف األرض في الشارع الرئيسـي للقريـة :سأله بسخرية، ات مرةفرأى العم نور ذ

وترحل من هنا؟ ، ألم يحن الوقت لتبيعني هذه الزريبة-وعندما التفت السلحدار الساخر عن العم نور إلى الجهـة

فـألقوا السـلحدار ، األخرى، فاجأه قطيع من الجاموس المار والكـل يضـحك إال صـاحب ، فتمرغ في التـراب ، بينهم

سـبب مـا فعلـه الذي أدرك أن نهايته جـاءت ب ، الجاموسوالذي أقسم أنه سيقطع نور هذا إلـى ، جاموسه في السلحدار

بعـد فتـرة قيـل أن . وينثرها على الجبـال ، قطع صغيرة وأتى بقـوة ، السلحدار قد زور عقد بشرائه األرض من نور

لينزعـوا منـه قطعـة األرض ، وعسكر اإلنجليز ، الشرطة . التي يملكها عم نور، والعشة

١٣٤

وفـى ، كان معها ما يشبه الجـرار ، لقوةعندما أتت هذه ا لتسـليم ، وخلـع الـزرع ، مقدمته حديد مسنون لرفع العشة

. األرض إلى السلحدارثم صرخ قائـد ، فتوقف الجرار ، تصدى عم نور للجرار

فتـرك السـائق ، الحملة آمرا السائق أن يدهس العـم نـور : ونزل عنه وقال للقائد، الجرار . نور ال أستطيع أن أدهس عم -

، وأمره القائد بدهس عم نور ، ركب الجرار عسكري آخر ، وفصل نصفه األسفل ، ومزق جسده ، فدهس الجرار عم نور

لبشـاعة ، وعال الصراخ بالقريـة كلهـا ، عن نصفه األعلى إال أن الجميع كانوا ينتظرون شيئا مجهوال ، المنظر وقسوته

، بإحبـاط فبعد تمزيق جسده أصيب الجميع ، ينتصر للعم نور يرفـع يديـه ، إال أنني رأيت نصف جسد عم نور العلـوي

.وكأنه يدعو اهللا، ألعلىإال ، ويصرخ، والجميع يبكي ، أي بني، رأيت هذا جيدا -

، وفي ثوان اشتعلت النيران في الجرار ، إنني رأيته يدعو اهللا إال أن ، وحاول جميع أفرد الشرطة إنقاذ السـائق والجـرار

ولم يمت إال أفراد الشرطة، ، دقائق كالقنبلة الجرار انفجر في

١٣٥

وكأنهم ، حتى السلحدار مات معهم ، وعسكر اإلنجليز جميعهم وبعـدها ، قد انتشلوا من وسط الجميع ليموتوا معا محروقين

، الذي لم تنبت )نور المقطوع (أقام الناس هذا الضريح لسيدي جثمانه ولم يستطع أحد أن ينقل ، أرضه بعد ذلك زرعا أبدا

.أو ضريحه من هذا المكان حتى وقتنا هذاورفع يده إلى السماء يدعو اهللا ، وضع الحفيد كوب الشاي

.أن ينجح هذا العام، وأن يكون مثل العم نور

١٣٦

صدر من هذه السلسلةصدر من هذه السلسلة رواية ـ رامي الشيمي ـ المهمة القاتلة مجموعـة ـ محمد حافظ ـ ستعود أصوات البالبل

)حىفص(شعرية

مجموعـة شـعرية ـ جابر الزهيـري ـ شهر زاد )فصحى(

مجموعة قصصية ـ طارق رفاعي ـ حلم المقهور

::تحت الطبعتحت الطبعـ أشـرف البـور سـعيدي ـ شيخ وحبة عيـال

)عامية(مجموعة شعرية

مجموعـة ـ حامد عبد المعطـي ـ رقص الموت )عامية(شعرية

مجموعة شعرية ـ أحمد سالم ـ شمس وقمر حبيبي )فصحى(

مجموعـة شـعرية ـ أحمد سـالم ـ زمان العجب )عامية(