8756 2019 24 1440 23 24 ! لـيـللا داـصـح..رادقأا ةمحر هنع لا ت أن...
TRANSCRIPT
7 ال�سنة )24( - ال�سبت 23 من ذي احلجة 1440هـ املوافق 24 اأغ�سط�س 2019م العدد )8756( $
اتجاهات ثقافية
حـصـاد اللـيـل !بين حرفين
يه والت املكر يف الطاعنة ــام الأي حلق �سرخة من اأطـــول طويل بنف�س
بقدميه ال�ساعر هو ها تــتــثــاءب، اأن اإىل الطريق تعرف ل وباأ�سابع
جتتاحهما وطاأة رحى امل�ساعر ي�ستدرجه اإىل �سواطئ الثورة قلبه ال�سابح
ج من فرط �ضمور ه ق�ضبان قف�ضه ال�ضدري املت�ضن يف ملكوت �ضيق تد
الع�ضالت..
مع اأ�ضواأ توقع للحظات انفالت احلياة، ها هو ي�ضي ال�ضاعر على ظهر
ه ال�ضعري قارب اإح�ضا�ضه ذاك الذي ال ينطفئ، بل يزيده جمداف نف�ض
جا مهما فرتت رغبة احلياة يف احت�ضان قب�س نوره ال�ضادق ا�ضتعاال وتوه
لي�ضتعل اأكرث فاأكرث وجهها امل�ضيء به..
فتوحات �ضاعر من العيار الثقيل على �ضاكلة ال�ضاعر العراقي بدر �ضاكر
اأبجدياتها اأو تر�ضخت ت رياحها بال�ضدفة ال�ضياب مل تكن يوما قد هب
يف واأب��ح��ر ال�ضعرية الكتابة اأدغ��ال خرب فال�ضاعر اعتباطي، ب�ضكل
حميطات اللغة التي يكتب بها ومل يفته اأن ي�ضتحم مباء بحور اخلليل
�ضكلت التي تلك القافية اأفياء تت وي�ضتظل الفراهيدي، اأحمد بن
لديه املعادل ملقطوعة املو�ضيقى الت�ضويرية يف ال�ضناعة ال�ضينمائية..
واإذا كنا قد ا�ضتجبنا يا �ضديقي ملوعد �ضربه لنا باب »بني حرفني« يف
وقت �ضابق مع »املوم�س العمياء« التي كان ال�ضاعر بدر �ضاكر ال�ضياب
لن�ضرب اليوم نعود فاإننا معها، تعاطفه واأعلن اأحوالها لرثاء غ تفر قد
لنفو�ضنا موعدا جديدا مع رائعة من خالدات الق�ضائد العربية املوقعة
ار القبور«.. ور، اأال وهي ق�ضيدته »حف �ض با�ضم ال�ضاعر ال
»وتنف�س ال�ضوء ال�ضئيل
بعد اختناق بالطيوف الراعبات وبالثام
ثم ارتخت تلك الظالل ال�ضود واجناب الظالم
فاجناب عن ظل طويل
يلقيه حفار القبور« )بدر �ضاكر ال�ضياب، حفار القبور(.
الواقعي انتماوؤه اأخالك قد غاب عنك يا �ضديقي ال القبور« ن�س »حفار
ب�ضكل القبور حفار ده ج ي ما اأك��رث ف��اإن يفوتك ال وكما االجتماعي،
اإخال�س للرغبة يف اإال عام هو املوت ال احلياة، وما فل�ضفة متجيد املوت
ا�ضتمرارية احلياة تلك التي يتوقف ح�ضورها على غياب االآخرين..
بهذا الفهم الالمنطقي من وجهة نظر اإن�ضانية، ير�ضم لنا ال�ضاعر حدود
ها االمتثال ل�ضلطة الغريزة، ومن ثمة يطلب حفار �ضخ�ضية بوهيمية هم
القبور املوت بقوة للنوع الب�ضري اإر�ضاء لرغبته الاحمة يف �ضيء )بل
يف الكثري( من اخلمر والن�س..
»واخيبتاه األن اأعي�س بغري موت االآخرين
والطيبات من الرغيف اإىل الن�ضاء اإىل البنني
هي منة املوتى علي فكيف اأ�ضفق باالأنام
فلتمطرنهم القذائف باحلديد وبال�ضرام
ومبا ت�ضاء من انتقام« )بدر �ضاكر ال�ضياب، حفار القبور(.
لذلك يبدو حفار القبور اأقرب اإىل حيوان مم�ضوخ، فال �ضيء مما يدره عليه
كة، وهو ما يحيلنا يف نهاية املطاف موت االآخرين من مال ت�ضتوطنه الرب
على مفهوم املوت احلقيقي..
»كفان جامدتان اأبرد من جباه اخلاملني
وكاأن حولهما هواء كان يف بع�س اللحود
يف مقلة جوفاء خاوية يهوم يف ركود
كفان قا�ضيتان جائعتان كالذئب ال�ضجني
وفم ك�ضق يف جدار
م�ضتوحد بني ال�ضخور ال�ضم من اأنقا�س دار
عند امل�ساء
ومقلتان تدقان بال بريق
وبال دموع يف الف�ضاء« )بدر �ضاكر ال�ضياب، ق�ضيدة حفار القبور(.
ع ذووهم جنازة الواحد منهم ال يخرج موتهم عن ي اإن كل اأولئك الذين �ض
موت جمازي، اأما امليت بحق فهو حفار القبور هذا الذي ي�ضوره اإح�ضا�س
ال�ضاعر كائنا م�ضوها ال يتجاوز عتبة اليل اإال ليتعرث يف ليل اأ�ضد �ضوادا
منه..
�ضاكر بدر يج�ضد الواقعي، الفني العمق يف �ضاربة �ضردية بروؤية
ال�ضياب الوجه املظلم ل�ضخ�ضية ميتة االإح�ضا�س، �ضخ�ضية تتواطاأ مع
ة.. بل اأكرث من هذا يحدد لنا ديدان االأر�س يف النيل من كربياء جث
ل امل�ضهد التايل: مال�ضاعر م�ضافة الوقاحة يف اأ�ضد امل�ضاهد حقارة، ولنتاأ
»واها لهاتيك النواهد واملاآقي وال�ضفاه
واها الأج�ضاد احل�ضان اأياأكل الليل الرهيب
والدود منها ما متناه الهوى
واخيبتاه
ها �ضفتا حبيب كم جثة بي�ضاء مل تفت�ض
هل كان عدال اأن اأحن اإىل ال�ضراب وال اأنال
اإل احلنني
واألف اأنثى تت اأقدامي تنام
اأفكلما اتقدت رغاب يف الوانح �ضح مال« )بدر �ضاكر ال�ضياب، ق�ضيدة
حفار القبور(.
اإنه احلفار، احلفار االأحقر مما يعيث ف�ضادا تت حذائه، ما زال منفيا
بجثث يحلم هو مافتئ لذلك كينونة، عن الباحثة اأوهامه مرمى يف
�س �ضدورهن بعينيه املخمورتني احل�ضناوات من اأولئك اللواتي يتح�ض
املحمرتني �ضهوة وكاأنه ي�ضتكرث عليهن فرا�س القبور قبل اأن يقتادهن
اإىل فرا�سه..
لن احل��ظ اأن جيدا يعرف ال�ضياب ال�ضاعر حفار ف��اإن ه��ذا، من اأك��رث
يه ترجتفان ي�ضرب له موعدا مع واحدة من فاتناته اللواتي يجعلن كف
عندما تمالن اأج�ضادهن الناعمة اإىل مثواهن االأخري..
وحتى القذرات اللواتي ينتظرن اأ�ضباه الرجال كهذا احلفار يف اخلمارات
اإىل الطريق ج�ضر بهن هو يعرب من وطهارة نقاء من �ضيئا يبلغن لن
ور اأمرياته امليتات عالقة بجدار الذاكرة.. االآخرة، لذلك تظل �ض
»وكان حفار القبور
متعرث اخلطوات ياأخذ دربه تت الظالم
يرعى م�ضابيح املدينة وهي تخفق يف اكتئاب
حفار ال�ضياب، �ضاكر )بدر وباخلمور« العاريات بالن�ضاء يحلم ويظل
القبور(.
ن��ذال حقريا، فكل لو كان �ضخ�ضا القبور كما ال�ضاعر حفار لنا ي�ضور
مبتغاه هو ذيل من املوتى يجلد �ضرخة الوع، مبا فيه الوع العاطفي
ه طالبا للموت، لكن ماأ�ضاوية الق�ضة ري والن�ضي، ذاك الوع الذي ي�ض
التي يحكيها بل�ضان ال�ضعر تكمن يف اأن لظى احلرب غاب عن قريته:
»ما زلت اأ�ضمع باحلروب فاأين اأين هي احلروب؟
ال�ضياب، �ضاكر )بدر ال��دروب؟« يف وال�ضحايا والقذائف ال�ضنابك اأين
ق�ضيدة حفار القبور(.
فاأين غاب لظى احلرب هذا؟! وملاذا؟!
ة، غاب اللظى ليح�ضد لقد غاب بعيدا، اأبعد من حفرة تلم برائحة جث
ية نائية اأبعد ما تكون عن موطئ قدميه.. االأرواح يف اأماكن اأخرى ق�ض
فكيف للحفار البائ�س اأن يعانق باأ�ضابعه قطعة النقود، وهيهات الأولئك
وا �ضفرية رغبات حفار بغري مق�س االأقدار؟! النود هيهات لهم اأال يق�ض
ل موتى.. ل موتى..
»نبئت عن حرب تدور لعل عزرائيل فيها
يف الليل يكدح والنهار
فلن ير على قرانا
اأو باملدينة وهي تو�ضك اأن ت�ضيق ب�ضاكنيها
نبئت اأن القا�ضفات هناك ما تركت مكانا
اإال وحل به الدمار فاأي �ضوق للقبور...
ما زلت اأ�ضمع باحلروب فما الأعني موقديها
ال ت�ضتقر على قرانا
ليت عيني تلتقيها
وتخ�ضهن اإىل القرار وكالنيازك والرعود
تهوي بهن على النخيل على الرجال على املهود
حتى تدق اأعني املوتى كاآالف الالآيل
من كل �ضرب يف املدينة ثم تنظم كالعقود« )بدر �ضاكر ال�ضياب، حفار
القبور(.
�ضفينة احللم جتري على غري جمرى هوى حفار قذر، حفار هو بلغ من
القرف ما بني العته والنون، فال نار ا�ضتهاءاته تخبو، وال حذاء احلكمة
يد املجون.. ي�ضتقر عند باب �ض
ه على ذبالة �ضمعة رغباته تلك التي ترق نف�ض رب فكيف للحفار اأن ي�ض
وال ترتق؟!
ي نف�ضه مب�ضاء اآخر ال ي�ضمح لكاأ�س ال�ضهوة باأن ن وكيف للحفار اأن ي
تندلق؟!
»هو ذا امل�ساء
يدنو واأ�ضباح النجوم تكاد تبدو والطريق
خال فال نع�س يلوح على مداه وال عويل
اإال النعيب
وتنهد الريح الطويل« )بدر �ضاكر ال�ضياب، حفار القبور(.
ري احلقري اإىل زوجته التي تنتظره على مر ك ماذا �ضيحمل احلفار ال�ض
الأيام؟!
وما ع�ضاه يحمل اإليها من ب�ضائر املوت الزوؤام؟!
لقد م�ضى اأ�ضبوع..
اأحقا م�ضى اأ�ضبوع؟!
األي�س كثريا يا رب؟!
د بينه وبني نف�ضه، بعد اأن غابت عنه نعمة هكذا نت�ضور احلفار يرد
نيه.. م املوت اأال يعده وي الثث اأ�ضبوعا كامال، واأق�ض
»يا رب اأ�ضبوع طويل مر كالعام الطويل
والقرب خاو يفغر الفم يف انتظار
يف انتظار
ما زلت اأحفره ويطمره الغبار
حفار ال�ضياب، �ضاكر )بدر البليل« القاع وير�ضح فيه الظلماء تتثاءب
القبور(.
اإنها دوامة خيبة، بل لنقل اإنها اآثار حوافر دابة ترك�س رك�س القدر الذي
ال يهلك �ضيئا من احلكمة قبل اأن يعربك، فاإذا باحلفار ي�ضتع�ضي عليه
اتخاذ القرار الإنهاء بطولته يف م�ضل�ضل النون..
وت�ضرق �ضم�س احلظ العاثر لتت�ضلل اإىل املدفن خطى تتبع جثة، فاإذا ما
من جثة �ضوى املراأة التي خباأ له القدر يف يد من يرافقها اآخر ن�ضيب من
املال قد منحها الدهر اإياه قبل اأن تلفظ اأنفا�ضها االأخرية..
اأنه ال يرتدد يف الر�ضائل، ال �ضيما اأن يرر هنا عددا من ال�ضاعر يريد
ال�ضخ�ضية فيه تتخبط ال��ذي النف�ضي ال��و بغليان علما اإحاطتنا
املنقادة لغرائزها واأهوائها..
ال�ضيئة وتغيري التوبة عن عاداته اإىل طرق باب هل هي دعوة للحفار
ن�ضاطه املهني؟!
حب لبطاقة الثقة يف احلياة مع كل االإ�ضرار؟! هل هو �ض
اإىل لدعوتنا كمدخل ه نف�ض يفر�س والتقومي املراجعة موقف هو هل
الرتيث واالإ�ضالح؟!
بظالله يلقي الذي ذاك احلفار بطولة عليها تتكئ التي الرمزية هي اأم
دين ومتالعبني ب�ضفرة القوانني و�ضحايا من على اأكرث من طغاة مف�ض
ال�ضعوب واالأفراد املا�ضني يف مهب الريح؟!
وهو ال�ضياب �ضاكر ب��در ال�ضاعر ي�ضتعر�ضها ال�ضيكولوجية البنية
د القبور ي يغو�س يف جت�ضيد املناخ الوجداين ل�ضخ�ضية منبوذة مثل �ض
احلفار ذاك الذي ناأت عنه رحمة االأقدار..
ر و وهل من �ضخ�ضية اأكرث جت�ضيدا حلالة الالحياة من حفار ذميم ي�ض
ت�ضييع لغة تعطلت اأن بعد م��ات قد نف�ضه »ع��زرائ��ي��ل« اأن عقله له
االأموات؟!
ال �ضيء يحيط بحفار القبور غري اأ�ضوات الغربان تلك التي تعلن و�ضعية
ن ومن هم على م�ضارف الياأ�س من التحاق الائعني والطاعنني يف ال�ض
الرحيل )دون رحيل( باأم القبور:
»وعالم تنعب هذه الغربان والكون الرحيب
باق يدور يعج باالأحياء مر�ضى جائعني
بي�س ال�ضعور كاأعظم االأموات لكن خالدين
ل يهلكون
عالم تنعب اإن عزرائيل مات
وغدا اأموت
غدا اأموت« )بدر �ضاكر ال�ضياب، ق�ضيدة حفار القبور(.
ق للموت ف فق خلفه باب احلياة وي�ض األي�س حفار القبور هو ذاك الذي ي�ض
ب�ضربة فاأ�س تعيد الطني اإىل الطني وتغدق عليه �ضيئا من النقود التي
ال تكفي ليمالأ بها فمه هو الذي ال ي�ضوم عن �ضهوتيه..؟!
فلماذا يخ�ضى املوت هو؟!
األي�ضت حياته رهينة مبوت االآخرين؟!
مبوته اع��رتاف باأج�ضادهم ل�ضيقة اأرواحهم بقاء اأن هذا معنى األي�س
الو�ضيك هو حفار القبور الذي ال يريد اأن يوت؟!
د له ال�ضاعر ابن »جيكور« بو�ضف ه الو النف�ضي لعامل حفار القبور ي
اللحم نه�س يف الراغبة ال�ضخ�ضية فيه تتواجد الذي البيئي املجال
االآدمي قبل اأن يجف دمه:
»�ضوء االأ�ضيل يغيم كاحللم الكئيب على القبور
واه كما ابت�ضم اليتامى اأو كما بهتت �ضموع
يف غيهب الذكرى يهوم ظلهن على دموع
واملدرج النائي تهب عليه اأ�ضراب الطيور
ال�ضياب، �ضاكر )ب��در ق��دمي« بيت يف كاالأ�ضباح ال�ضود كالعا�ضفات
ق�ضيدة حفار القبور(.
يرة تختل�س �ضيئا من ال�ضوء ر ف مرعب الأرواح �ض اإنه جو اأقرب اإىل ق�ض
ها ت�ض ي اأن قبل الطماأنينة �ضرير على املتمددة املهج به تنب�س الذي
الغياب..
بة ومقام �ضاحبنا عن حالة الغياب هذه يتحدث اإلينا يف اأكرث من منا�ض
اإىل ي�ضركنا معه يف رحلة نف�ضية اأن الراغب يف ال�ضياب بدر �ضاكر
ارة وفتاة.. جوف مغارة اأنفا�س اإن�ضان يختزل احلياة يف خم
نريان رغبة حفار القبور ال تهداأ، ال تهداأ هي حتى بعد اأن يهداأ امل�ضاء، لكن
من اأين للمخمور عن احلياة بكاأ�س الرواء؟!
اإىل مواله، ال اأن يرفع يديه اإال اأمام جمنون رغباته واأ�ضري �ضهواته لي�س
تخ�ضعا وندما، اإمنا طلبا للعنة تبيد �ضاللة الب�ضر:
»وهز حفار القبور
يناه يف وجه ال�ضماء
و�ضاح رب اأما تثور
فتبيد ن�ضل العار ترق بالرجوم املهلكات
اأحفاد عاد باعة الدم واخلطايا والدموع
يا رب ما دام الفناء
هو غاية االأحياء فاأمر يهلكوا هذا امل�ضاء
�ضاأموت من ظماأ وجوع
اإن مل يت هذا امل�ضاء اإىل غد بع�س االأنام
فابعث به قبل الظالم« )بدر �ضاكر ال�ضياب، ق�ضيدة حفار القبور(.
غليله ي�ضفي اأن دون الفر�ضة يرتك ال احلفار ��د جن الق�ضوة ومبنتهى
ه وي�ضتميت يف الدعاء ل�ضكان االأر�س باالإبادة.. فكيف له اأن يني نف�ض
اجتاه يف ال�ضالة �ضجاد بب�ضط كيف يعرف ال ال��ذي هو با�ضتجابة
القبلة؟!
اإن توجهه بالدعاء ولو باملوت ي�ضمر �ضيئا من ب�ضي�س االأمل ذاك الذي
قريب رب وج��ود يف االأق��ل على ي�ضك ال اإن��ه اإذ االأ���ض��ود، قلبه به يعد
التغيري ملن دعاه.. ومعنى هذا بالتاأكيد االعرتاف بقابلية ي�ضتجيب
على املدى البعيد، اإذ ال تخفى ن�ضبة االحتمال يف اأن يكون الغد يوما اآخر
يف و�ضعه اأن ي�ضجع بطل ق�ضة ال�ضياب ال�ضعرية على اأن يحفر حفرة
عميقة يدفن فيها ما�سيه..
اإن ال�ضاعر بدر �ضاكر ال�ضياب نراه بذكائه احلاد يلتم�س بع�س العذر
امه �ضيء من ال�ضك ونحن نقف عند حلفار القبور ذاك الذي ي�ضاورنا قد
ر ق�ضاوة ما جنت يداه: �ضرخة ندمه تلك التي بها يرب
»القاتلون هم الناة ولي�س حفار القبور
وهم الذين يلونون يل البغايا باخلمور
وهم املجاعة واحلرائق واملذابح والنواح
وهم الذين �ضيرتكون اأبي وعمته ال�ضريره
بني اخلرائب ينب�ضان ركامهن عن العظام
اأو يفح�ضان عن الذور ويلهثان« )بدر �ضاكر ال�ضياب، حفار القبور(.
اأ�ضبابا واهية تعفينا من م�ضاءلة بطله �ضاعرنا ال�ضياب ال ي�ضتح�ضر
احلفار، واإن كانت املقربة هي البطل احلقيقي الذي يفعل يف احلدث
املقابل يف ال�ضاعر لكن احل��دث، ��ث وي��وؤث احل��دث مكان ح��دود وير�ضم
يتاأبط احلجج الكفيلة بتربئة �ضخ�ضيته املحورية وت�ضيريها �ضحية:
»اأنا ل�ضت اأحقر من �ضواي واإن ق�ضوت فلي �ضفيع
اإين كوح�س يف الفالة
مل اأقراأ الكتب ال�ضخام و�ضافعي ظماأ وجوع« )بدر �ضاكر ال�ضياب، حفار
القبور(.
حمطات ح�ضيلة عام ب�ضكل ي�ضتعر�س ال�ضياب �ضاكر بدر ال�ضاعر
احلرمان التي يعربها االإن�ضان، مع االأخذ بعني االعتبار درجة الت�ضاق
ال�ضاعر العراقي بواقعه رغم ما جلبت عليه هذه امل�ضاحلة االجتماعية
التغيري ومل ي�ضكك انت�ضر لفكرة من ويالت لي�ضت بخافية عن مبدع
االآخرون يوما يف انتمائه القومي والعربي والوطني..
غرية ال�ضاعر بدر �ضاكر ال�ضياب على الواقع العراقي املزري اآنذاك حالت
ه �ضنما اأو كائنا خ�ضبيا يتجمد دم العروبة واملواطنة يف ري دون اأن ت�ض
عروق.. لذلك بات ال�ضياب رجل الق�ضية، الرجل رقم »1« الذي ال تغريه
اإىل ذلك مما ال يخونه يوؤمن به وما رف النظر عما مغريات احلياة ب�ض
التم�ضك به من اعتقادات جعلت منه �ضوت الق�ضية الذي يوثر ال�ضكتة
الع�ضلية على اأن يلجم ل�ضانه ولو على �ضبيل النية..
اإىل �ضريط قدمي يحتفظ ب�ضيء اأن تن�ضت ب ج��ر ب يا �ضديقي، ج��ر
من اأنفا�س ال�ضاعر بدر �ضاكر ال�ضياب، فلعلك ت�ضتوعب )بناء على ما
لك منه من اإح�ضا�س( اإىل اأي درجة تذوب اأناه يف االآخر، اإىل اأي مدى ي�ض
�ضاعريته �ضالل ق يتدف مدى اأي واإىل االجتماعي، بانتمائه هو يعتز
ليه حلظة عة م�ضتجيبة الإبحار مت د قبالته احلروف طي هو الذي تتمد
�ضعرية عابرة لقارات القلب..
]رحمك اهلل يا اأ�ضتاذي منيب )ب(، مع اأنك غادرت حلبة احلياة يف ريعان ملبادئك وقيمك التي ال تتزعزع، فها هي �ضورتك عطائك منت�ضرا دائما
اأذين ق الأمو�ض ال��وراء اإىل �ضنوات م�ضافة بي ترك�س الذاكرة م��راآة يف
ب�ضوت عذب و�ضجي حلق به يف اأرجاء الغرفة املخ�ض�ضة ملادة ال�ضعر
الذي املرع�س ذاك ال�ضعري االإلقاء احلديث يف رحاب الامعة �ضريط
اجتهدت يف االحتفاظ به لنا من زمن جنومية ال�ضاعر ال�ضياب[.
بقلم :
د. سعاد دريركاتبة مغربية
السياب يستعرض حصيلة محطات الحرمان التي يعبرها اإلنسانالشاعر خبر أدغال الكتابة وأبحر في محيطات اللغة
يجسد الوجه المظلم لشخصية ميتة اإلحساس برؤية سردية ضاربة في العمق الفني الواقعي