ab c abcdefgkenanaonline.com/files/0063/63641/issue-265 fóƒá... · 2013. 2. 6. · abcdefg 265...

582
ABCDEFG 265 اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ وﻋﺼﺮ اﳌﻌﻠﻮﻣﺎتﺴﺘﻘﺒﻞ اﳋﻄﺎب اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ اﻟﻌﺮﺑﻲ رؤﻳﺔ ﺗﺄﻟﻴﻒ: د. ﻧﺒﻴﻞ ﻋﻠﻲX¹uJ« ‡ »«œü«Ë ÊuMH«Ë WUI¦K wMÞu« fK:« U¼—bB¹ W¹dNý WOUIŁ V² WKKÝ a c b

Upload: others

Post on 06-Feb-2021

0 views

Category:

Documents


0 download

TRANSCRIPT

  • ABCDEFG 265

    الثقافة العربية وعصر املعلومات

    رؤية �ستقبل اخلطاب الثقافي العربي

    د. نبيل عليتأليف: X¹uJ�« ‡

    »«œü«Ë

    ÊuMH�«

    Ë W�UI

    ¦K� wMÞu

    �« fK:

    « U¼—bB

    ¹ W¹dNý

    WO�UIŁ

    V²� WK�

    acb

  • رؤية �ستقبل اخلطاب الثقافي العربيرؤية �ستقبل اخلطاب الثقافي العربي

    ABCDEFG

    acbالثقافة العربية وعصر املعلومات

    د. نبيل عليتأليف:

    X¹uJ�« ‡ »«œü«Ë ÊuMH�«Ë W�UI¦K� wMÞu�« fK:« U¼—bB¹ W¹dNý WO�UIŁ V²� WK�KÝ

    265

    صدرت السلسلة في يناير ١٩٧٨ بإشراف أحمد مشاري العدواني ١٩٢٣ ـ ١٩٩٠

    d¹U‡‡‡M

    ¹2001

  • ا�واد ا�نشورة في هذه السلسلة تعبر عن رأي كاتبهاوال تعبر بالضرورة عن رأي اجمللس

  • MMMM

    ٥تقد&

    الفصل األول:٩العرب وحوار الثقافة والتقانة

    الفصل الثاني:٦٧منظومة تكنولوجيا ا�علومات

    الفصل الثالث:١١٩منظومة ثقافة ا�علومات

    الفصل الرابع:١٦١منظومة الفكر الثقافي

    الفصل اخلامس:٢٣١ثقافة اللغة - منظور عربي معلوماتي

    الفصل السادس:٢٩٥ثقافة التربية - منظور عربي معلوماتي

    الفصل السابع:٣٤٩ثقافة اإلعالم - منظور عربي معلوماتي

    الفصل الثامن:٤٠٥منظومة القيم وا�عتقدات

    الفصل التاسع:٤٨٥ثقافة اإلبداع الفني - منظور عربي معلوماتي

    ٥٦٣ا8صادر

  • 5

    تقد�

    هـذه الـدراسـة دعـوة إلـى ا8ـشـاركـة فـي جــولــةمعرفية يقوم بها مهندس طيران هـجـر تـخـصـصـهاألصلي منتقال ــ بفضـلـه ـــ إلـى عـالـم الـكـمـبـيـوتـروا8علومات. وعلى ما يبدوR فقد حكم عـلـيـه بـدوامالتنقل عبر ا8هن والتخصصاتR فكانت النقلة الثانيةعندما أتيحت له الـفـرصـة كـي يـرقـى بـتـخـصـصـهاجلديد إلى مجال «هندسة اللغة»R وما كاد يستقرRحتى وجد نفسه ــ بفضلها Rبه ا8قام في رحاب اللغةومن أجلها ــ يخوض في حديث «هندسة الثقافة».لقد باتت الثقافة منظومة شديدة التعقد في أمساحلاجة إلى دعم يأتيها من الـهـنـدسـةR فـهـي ـــ أيالهندسة ــ ستظل دوما فن التحكم في النظم ا8عقدة.والدراسة الراهنة استكـمـال لـدراسـة سـبـق أنقام بـهـا الـكـاتـب عـن «الـعـرب وعـصـر ا8ـعـلـومـات»صدرت في العام ١٩٩٤ (العدد ١٨٤ من سلسلة «عالما8عرفة»)R وأكد فيها أن التنمية ا8علوماتية هي قضيةثقافية في ا8قام األول. لقد احتاج األمر مـنـه إلـىما يقرب من ست سنوات ليعيد تثقيف نفسهR ويجددRعتاده ا8عرفي تأهيال لشرف احلديث عن الثقافةوهو احلديث الذي يحتاج اليوم إلى معرفة نظريـةوخبرة عملية في توظيف هذه ا8عرفة. لقد صارتRالثقافة في عصر ا8علومات صناعة قائمة بذاتهـااألمر الذي أصبحت معه إشكاليـتـهـا ال تـديـن إلـىأحاديث الصالوناتR وسجال ا8نتديات ورؤى ا8قاعدالوثيرةR وتكرار اجلدل الـعـقـيـم حـول الـعـمـومـيـات

    تقد�

  • 6

    الثقافة العربية وعصر ا�علومات

    Rمـن قـبـيـل: أصـالـة أو مـعـاصـرة Rواألمور التي صارت في حكم البدهـيـاتثقافة النخبة وثقافة العامةR تعريب التعليم أو ال... وما شابه.

    والكتاب ليس كتابا في «الثقافة العلمية» بل في «علمية الثقافة»R بعد أنأصبحت الثقافة علما والعلم ثقافة. إن تناول ثقافة عصر ا8علومات يحتاجRاما 8ا كانت احلال عليه في ا8اضيm إلى خلفية معرفية وتكنولوجية مغايرةويهدف الكتاب ــ أساسا ــ إلى اختصار الوقت واجلهد الالزمn الكـتـسـابRمن أجل أن نضع خطابنا الثقافي علـى نقطة بداية متقدمة Rهذه اخللفيةحتى يركز هذا اخلطاب على القضايا االجتماعية ا8تعددة والساخنة التيأفرزها ا8تغير ا8علوماتي. وهو يطرح ثقافة عصـر ا8ـعـلـومـات مـن مـنـظـورعربيR ال يخرج عن كونه مبادرة ضمن مبادرات أخرى عدةR يأمل الكاتب أن

    يسهم بدراسته هذه في خروجها إلى النور.Rلقد أصبحت الثقافة هي «محور» عملية التنمية االجتماعية الشامـلـةفي حn أصبحت تـكـنـولـوجـيـا ا8ـعـلـومـات هـي «مـحـور» الـتـنـمـيـة الـعـلـمـيـةالتكنولوجيةR واحلوار بn هذين «احملورين» هـو مـحـور دراسـتـنـا الـراهـنـة.بقول آخرR إن ما نحن بصدده ليس حديث التدخل في مجال الثقـافـةR بـلحديث تداخلها مع تكنولوجيا ا8علوماتR وما ترتب عليه مـن اتـسـاع نـطـاقتداخلها مع ا8نظومات االجتماعية األخرى والفئات االجتماعية اخملتلـفـة.

    الفصل الثامنمنظومة القيم وا8عتقدات

    الفصل الثاني

    منظومة تكنولوجيا ا8علومات(منظور ثقافي)

    الفصل الثالث

    منظومة الثقافة(منظور معلوماتي)

    الفصل األول

    مالمح ا8شهد العا8يالثقافي ــ ا8علوماتيمالمح ا8شهد العربيالثقافي ــ ا8علوماتي

    الفصل الرابع

    توجهات الفكر الثقافي

    الفصل السادسثقـافة التربـية

    الفصل اخلامسثقـــافــة اللـغــة

    الفصل السابعثقافة اإلعالم

    الفصل التاسعثقافة اإلبداع الفني

    >>

    هذا هو هدف الكتاب أما عن محتواه فيلخصه الشكل أدناه.

  • 7

    تقد�

    إنه حديث خطوط التماس الفاصلة بn التخصصات ا8عرفيةR بكل ما يعنيهذلك من مجازفةR ومسؤولية مضاعفة إلرضاء توقعات أهل التخصص على

    جانبي خطوط التماس هذه.استهلت الدراسة مقدمتها باستعراض مالمح ا8شهد العا8ي الثقافي ــا8علوماتي متبوعا بنظيره العربي. تتفرغ الدراسة بعد فـصـل ا8ـقـدمـة إلـىطرح منظومة تكنولوجيا ا8علومات من منظور ثقافيR وطرح منظومة الثقافةمن منظور معلوماتي. يتلو ذلك حديث عن توجهات الفكر الثقافي ا8عاصر.بعد هذه اخللفية العامةR تكون الدراسة قد تهيأت حلديث أكـثـر تـفـصـيـاليتناول الفروع اخملتلفة 8نظومة الثقافة من منظور معلوماتي. ونقصد بها:ثقافة اللغةR وثقافة التربيةR وثقافة اإلعالمR وثقافة اإلبداع الفنيR ومنظومة

    القيم وا8عتقدات.:nرئيسي nفقد التزمت الدراسة بتوجه Rأما عن منهجها

    R بالنظر إلى الثقافة كمنظومة مكونةSystem approach التوجه ا8نظومي -من منظومات فرعية عدةR يتكون كل منها ــ بدوره ــ من مجموعة من العناصر

    الداخليةR وشبكة من العالقات التي تربط ا8نظومة الفرعية بخارجها. توجه التناول ا8زدوجR حيث يـبـدأ تـنـاول كـل مـسـألـة بــــــ «طـرح عـام»-

    كخلفية ضرورية لطرح ا8سألة ذاتها من «منظور عربي».والكتاب ــ في رأي الكاتب ــ يـحـتـاج إلـى مـسـتـويـn مـن الـقـراءةR قـراءةشاملة تتلوها قراءة متأنيةR حيث ترتبط فصول الكتاب بعضـهـا مـع بـعـضارتباطا عضوياR وذلك تأكيدا 8فهوم التـكـامـل ا8ـعـرفـي الـذي ركـزت عـلـيـه

    .non-linearالدراسة بشدةR من أجل مساندة القراءات االنتقائية الالخطية فقد راعى الكاتب في كثير من ا8واضع أن يحيل القراء إلى فقرات سابقةوالحقةR ضمانا لتوافر اخللفية أو اكتمال الـعـرض. مـن جـانـب آخـرR فـقـدتضمنت الدراسة أشكاال عدةR يوصي الكاتب بضرورة التمعن فيهاR حـيـثتبرز كثيرا من ا8فاهيم األساسية التي سعت الدراسـة إلـى تـقـطـيـرهـا فـي

    .ذهن القاربقي لنا من هذا التقد& التعبير عن امتناننا الشديد ألصحاب الفضلن ساهموا في صنع الكتاب وعقل كاتبهR وعلى رأسهم أستاذي اجلـلـيـلالدكتور أسامة اخلولي الذي علمني ليثقفنيR وثقفني ليعلمنيR وكذلك إلى

  • 8

    الثقافة العربية وعصر ا�علومات

    nوباحثة اللسانيات احلاسوبية نسرين السلمي اللت Rاألستاذة ماجدة رفاعةساهمتا في قراءة مسودة الكتاب. أما الصديق الكاتب أسامة عرابي فقـدشمل فضله ــ عالوة على قراءة مسودة الكتاب بالكامل ــ تصويب أخطـائـهالنحويةR والتخفيف من بعض لوازم الكاتب األسلوبية. وال يفوت الكاتب هناأن يعبر عن شكره للزميل عالء حمودة أخصائي برمجة الكمبيـوتـرR الـذي

    قام بتنفيذ جميع رسومات الكتاب.أما شقيقتي الدكتورة فاطمة علي فقد كان لتشـجـيـعـهـا الـدائـم أعـظـمRوكان نبوغها العلمي وا8هني مثال لالقتـداء وـوذجـا نـادرا لـلـعـطـاء Rاألثرـ أيضا ــ البنتي نانسي التي قامت بتنظيم مصادر ا8علوماتR واألهم والشكر ـمن ذلك أنها أثبتت قترحاتها أن احلكمة لم تعد وقـفـا عـلـى الـكـبـار فـيعصر ا8علومات. ويعجز القلم عن التعبير عن عظيم امتـنـان صـاحـبـه إلـىشريكة حياته نبيلة السلميR إلسهامها ا8تواصل في صناعة الكاتبR وصناعةكتابهR منذ أن كان مجرد فكرة مبهمةR حتى اكتمل في صورته النهائيةR وما

    أكثر ما نبهت الكاتب عندما يجنح به الفكرR أو يسرف القلم.

    وإلى أبي وأمي بالطبع...

    نبيل عليالقاهرة-نوفمبر ٢٠٠٠

  • 9

    العرب وحوار الثقافة والتقانة

    العرب وحوار الثقافة والتقانة

    ١:١ يا له من مخاض عسير!!١:١:١ نهايات وما بعديات

    في البدايةR ليكن حديث الـنـهـايـة. ولـيـس ثـمـةتناقض في ذلك مع عصرنا هذا الذي نسعى هـنـاRعصر يلهث فيه قادمه يكاد يلحق بسابقه Rثلهm إلىRوتتهاوى فيه النظم واألفكار على مرأى من بدايتها

    R عصر)١(*وتتقادم فيه األشياء وهي في أوج جدتهاتتآلف فيه األشياء مع أضدادها. فا8عرفة قوة والقوةأيضا معرفةR معـرفـة تـفـرزهـا هـذه الـقـوة خلـدمـةأغراضها وتبرير ارساتها وmرير قراراتها. ولهذاالتضاد ا8عرفي رفيق اقتصادي; فا8ـعـلـومـات مـالبعد أن أصبحت موردا تنـمـويـا يـفـوق فـي أهـمـيـتـها8وارد ا8اديةR وا8ال بدوره أوشك أن يكون مـجـردمعـلـومـات; نـبـضـات وإشـارات وشـفـرات تـتـبـادلـهـاالبنوك في معامالتها ا8الية إلكترونيا. وثمة عالقةبn هذا التضاد ا8عرفـي ـــ ا8ـعـلـومـاتـيR والـتـضـاداحلاكم في عصرناR الذي أصبح فيه العلم هو ثقافة

    R في حn اقتربت الثقافة من أن تصبح(*٢)ا8ستقبلهي علم ا8ستقبل الشاملR الذي يطوي في عباءته

    فروعا معرفية متعددة ومتباينة.ودعنا نستطرد في حديث األضدادR فما أعجب

    يا له من مخاض عسير!- يا له من حتد جسيم!- العو8ة: ا8نظور ا8علوماتي- حوار احملاور- إسرائيل كخصم ثقافـي ـــ-

    معلوماتي ا8ـثـقـف الـعـربـي وثــقــافــة-

    عصر ا8علومات

    1

  • 10

    الثقافة العربية وعصر ا�علومات

    Rذلك الذي تتعلم فيه األجيال الالحقة من أجيالها السابقة Rأضداد عصرنامثلما تتعلم السابقة من الالحقةR بعد أن أصبحت معرفة من سبق تتهالكعدل يفوق في سرعته معدل اكتسابه لها. وثمة صلة ما بn هذا ومعكوسRالذي يـزعـم أن ا8ـاضـي ال يـؤدي إلـى احلـاضـر Rالتاريخ لدى ميشيل فوكوواحلاضر هو الذي يهب ا8اضـي مـعـنـاه وجـدواه. لـقـد اخـتـلـطـت األضـداد

    R(*٣)وتداخلت في أيامنا حتى أعلن جان بودليار «نهاية األضداد» (٢٣٣:٢٦٧)نهاية تضاد اجلميل والقبيح في الفنR واليسار واليمn في السياسةR والصادقوالزائف في اإلعالمR وا8وضوعي والذاتي في العلمR بل ونهاية تضاد «هناوهناك» أيضا بعد أن كـاد «طـابـع ا8ـكـان» أن يـنـقـرض وقـد سـلـبـتـه عـمـارةاحلداثة خصوصيته وmيزه. إنها بالقطعR وبكل ا8قاييسR ثورة مجـتـمـعـيـةعارمة. لقد دان العالم لسيطرة الصغير متـنـاهـي الـصـغـرR مـن جـسـيـمـاتالذرة وجزيئات البيولوجيا اجلزيئية; واألخطر من ذلك أنه قد دان لسيطرة«ذرة» ا8نطق الصوري التي بلغت ذروتها في ثنائية «الصفر والواحد»R الثنائيةاحلاكمة التي قامت عليها تلك التكنولوجيا الساحقة ا8احقة: تـكـنـولـوجـيـا

    ا8علومات.له معَُوحقا... نحن نواجه عا8ا زاخرا با8تناقضاتR يتوازى فيه تكتل د

    تفتت دويالتهR وال يفوق وه االقتصادي إال زيادة عدد فـقـرائـه. وهـا هـيشبكة اإلنترنتR التي أقيمت أصال التقاء ضربة نووية محتملة را يـقـدمRوليدة احلرب الباردة Rهاهي تلك الشبكة Rعليها اخلصم السوفييتي آنذاكيروجون لها كأداة مثلى إلشاعة ثقافــة الســالمR ونشــر الوفـــــاق والـوئـــــامRارس هوايتها األبدية في مزج اآلمــال باألوهـامm األنام. إنها البشرية nبــفال حرج وال تناقض بn حديث السالم هذاR وا8ائة واخلمسn حربا التينشبت منذ احلرب العا8يـة الـثـانـيـة (١٦:٦٥); األمـر الـذي يـبـدو وكـأن كـبـارRيفتتونها حروبا أهلية Rعا8نا يصدرون لصغاره حروبهم وصراعاتهم وأزماتهموصراعات عرقية ودينية ولغويةR وبطالة وتغريبا وتهميشا واستبعاداR وكـلدرجات هذا الطيف القا الستغالل أيامـنـا. ورـا تـسـايـر نـزعـة تـفـتـيـتالكوارث تلك نزعة الالمركزية التي تسود هذا العصرR وتتبــدى ــ أكثـر مـاتتبدى ــ في شبكة اإلنترنتR شبكة بال محـور وبــال قمـــــة وبـال هـرمـيـة أو

    تراتبية.

  • 11

    العرب وحوار الثقافة والتقانة

    وما زال احلديث عن خصائص عصرنا وتناقضاتهR ذلك العصـر الـذيأثار قلق فيلسوف علمه كارل بوبرR فالعقالنية ــ على حد قوله ــ لم تعد مناألفكار العصرية (٢٥٢:٧٤). وإن جاز لنا أن ننقل هذا إلى نطاق حديثنا ذيالصيغة ا8علوماتيةR فهل لنا أن نتساءل أين تلك العقالنية في زمن صار فيهمن تعرف أهم من ماذا تعرفR ومازال كثيرون فيـه أسـرى الـفـكـر الـثـنـائـيالقاطع: إما هذاR وإما ذاكR في الوقت نفسه الذي يسعى فيه عقل الكمبيوتراآللي إلى التخلص ــ تدريجيا ــ من هذه الصرامة الثنائيةR وذلـك بـالـلـجـوءإلى احلدس واتباع رتب أعلى من تلك التي للمنطق األرسطي القاطع. وأينـ في حاضر يسعى فيه أهله إلى ـ بل أين اإلنسانية بأسرها? ـ تلك العقالنية ـ«أنسـنـة» الـروبـوت (اإلنـسـان اآللـي) بـأن يـهـبـوا هـذا الـغـشـيـم األبـكـم ذكـاءاصطناعيا يحاكي ذكاء اإلنسانR في الوقت ذاتـه الـذي يـسـعـى فـيـه هـؤالء

    إلى مهارات أصغرde- skillingأنفسهم إلى «روبتة» اإلنسانR يفككون مهاراته فأصغر جاعلn منه ترسا في آلة ضخـمـةR حتـيـطـه مـن كـل جـانـب جـوقـةالصناديق السوداء التي ال يدري شيئا عما بداخلها. لقد حق لإلنسان بعدكل هذا أن يرتد ليجتر عقله األولR عقل أسطورتهR عساه يجد في العقالنيتهاما يعينه على فهم لغز حداثتهR وما بـعـد حـداثـتـه. لـقـد صـنـع إنـسـان هـذاالعصر عا8ا يغص باالحتماالت والتوقـعـات والـاليـقـRn إلـى الـدرجـة الـتـيأصبح معها يخشى النجاحR قدر ما يخشى الفشلR بل يصل األمر أحيـانـاإلى حد تفضيل الفشل. فنجاح العو8ة ــ على سبيل ا8ثال ــ في رأي البعضهو الشيء الوحيد األكثر سوءا من فشلها (٢٥٦). لقد استدرج التعقد إنسانهذا العصر إلى شباكه حتى كاد يتجاوز قدراته على احلل. فعلى الرغم منكل ما يزهو به عصرنا من ثراء معرفته ووفرة معلوماتهR وقدرة نظمه وآالتهودينامية تنظيماته وسرعة قراراته; برغم كل هذاR مازال يستبيح لنفسه أنيسلم أقداره لعبث األيدي اخلفية التي حترك اقتصـاده وعـو8ـتـهR ومـعـظـمنظمه االجتماعيةR وأمور بيئته وأوضاع جماعاته. وصدق من قال: كم نحن

    جوعى للحكمة وا8عرفةR ونحن غرقى في بحور ا8علومات والبيانات!!إنه عصر حثيث اخلطىR يـصـنـع تـاريـخـه وفـق قـانـون «حـاصـل اجلـمـعالصفري» (١٥٩:٢١١)R سلسلة المتناهية متسارعة اإليقاع من جوالت الهدموإعـادة الـبـنـاءR فـكـان أن وصـف الـبـعـض الـقـرن الـعـشــريــن بــــــــــــ «الــقــرن

  • 12

    الثقافة العربية وعصر ا�علومات

    القصير»(١٠٠). فما إن يظهر مذهب فكري أو نظام اجتماعيR سرعان مـايلحق به ما يقوضه أو ينسفه. فثورة لينn في العشرينيات تقـضـي عـلـيـهـابريستوريكا جوربا تشوف في نهاية الثمانينياتR وطور اإلنتاجR رابطة عقدوذج االقتصاد ا8اركسيR يحل محله طور إعادة اإلنتاج في وذج ا8اركسيةاجلديدة 8درسة فرانكفورتR بعد أن بات التصور ا8ـاركـسـي الـكـالسـيـكـيغير قادر على الوفاء ستجدات اقتصاد ا8علومات وصناعة الثقافةR وبنيويةالستينيات تطيح بها «ما بعد بنيوية» السبعينيات وكمبيوتر اخلـمـسـيـنـيـات

    الضخم يلقى حتفه على يد ميكرو كمبيوتر الثمانينياتR وهلم جرا.يا له من مخاض عسير حقـاR ذلـك الـذي mـر بـه الـبـشـريـة وهـي عـلـىأعتاب مجتمع ا8علوماتR ومع رهبة الولوج إلى هـذا الـعـالـم ا8ـغـايـر ا8ـثـيـرواخمليفR يحلو حديث النهايات وما بعد النهايات. وفي مقدمتنا هذهR دعنانرسم صورة لهذا ا8شهد احلضاري نشكلها من نبـضـات الـرمـوز وشـظـايـا

    fragmentationRالنصوصR وقد تراءى لنا ذلك صدى لتشظي رسائل ا8علومات تلك الرسائل التي تتدفق كفيض منهمـر مـن ومـيـض الـنـبـضـاتR يـبـعـث بـها8رسل 8ستقبله. وإليك ــ يا عزيزي القار ويا عـزيـزتـي الـقـارئـة ـــ نـبـعـثبشظايا ثالثية: النهايات وا8ابعديات ومنفيات «بال»R في رسالة يحملها لكاجلدول (١:١) وعليك بعد استقبالها تقع مسؤولية استخالص مالمح هـذاالعالم ا8غاير من هذه الفسيفساء الرمزية. ومعظم بنود هذا اجلدولR إمـاRمعروف وإما مفهوم من سياقه. وال يود الكاتب أن يعتذر عما غمض منهافهو يرى في هذا القدر من الغموض اتساقا مع طابع معرفة عصر ا8علومات

    التي تنأى بنفسها عن بداهة الوضوح وسذاجة االكتمال.إن «النهايات» هنا إما بدافع فكر متطرف متسرعR تشابهت عليه الظواهرا8ؤقتة وكأنها قاربت غاياتها أو استنفدت أغراضهاR وإما بـدافـع احلـسـرةعلى ما كدنا أن نفقده أو نودعه خزائن النسيان. أما «مابعد»R فيعلن القطيعةعلى «ما قبل»R مفضال ظلمة «آت مجهول» على نور يضلله يـبـعـث بـه إلـيـه«سالـف مـعـروف»R 8ـا يـرى ـــ أو يـتـراءى لـه ـــ فـي هـذا الـسـالـف مـن أوجـهالقصور والتناقض. وتتـخـذ «مـنـفـيـات بـال» مـوقـفـا وسـطـا بـn الـنـهـايـاتوا8ابعدياتR تكتفي في نفـيـهـا بـاسـتـقـطـاع عـنـاصـر أسـاسـيـة مـن األشـيـاء

    والظواهرR وقد أمكن ذلك بفضل ذلك الذكاء االصطناعي الذي تهبه

  • 13

    العرب وحوار الثقافة والتقانة

    اجلدول (١:١) ثالثية النهايات وا�ابعديات ومنفيات «بال»

    تكنولوجيا ا8علومات لغير ذوات العقول. إنه حقا مجتمع التعلم. فكمـايتعلم اإلنسان ذاتياR كذلك تتـعـلـم األدوات واآلالت وأجـيـال اإلنـسـان اآللـيوالنظم واجلماعات وا8ؤسسات بل الفيروسات أيضا. وها نحن نصبوR من

    ما بعديات

    ما بعد الصناعةما بعد احلداثةما بعد الفورديةمابعد التيلوريةمابعد الكينزية

    مابعد الكولونياليةما بعد السياسة

    ما بعد الكتابةما بعد الرمز

    ما بعد البترولما بعد اإلنسانية

    ما بعد عصر ا�علومات

    نهايات

    نهاية ا�كاننهاية ا�سافةنهاية التاريخ

    نهاية اجلغرافيانهاية الدولة

    نهاية القوميةنهاية ا�دينة

    نهاية ا�درسةنهاية ا�درسنهاية الكتابنهاية ا�ؤلفنهاية الورق

    نهاية الفيزياءنهاية ا�كتبة

    نهاية ا�تحفنهاية ا�يتافيزيقا

    نهاية األيديولوجيانهاية األضداد

    نهاية العملنهاية الطبقة ا�توسطة

    نهاية الوسطاءنهاية الذاكرة

    منفيات «بال»

    مصانع بال عمالcتعليم بال معلمcثلd أفالم بال

    cبرمجة بال مبرمجcمركبات بال سائق

    مدرسة بال أسوارمجتمع بال نقدأقالم بال أحبار

    هواتف بال أرقامكتابة بال أقالم

    مكاتب بال جدرانمكتبات بال رفوف

    موظفون بال مكاتبرواية بال نهاية

    سياسة بال نوابترحال بال انتقالحضور بال وجود

    جيرة بال قربجنس بال رفقة

  • 14

    الثقافة العربية وعصر ا�علومات

    خالل تضافر تكنولوجيا ا8علومات مع هندسة الوراثةR إلى إكساب اخلالياRملكة التعلم ذاتيا; كي تدرك خلية السرطان كيف توقف وها العشـوائـيوتذود عن بقائها ضد الضمور خلية األعصاب غير ا8تجددةR وتتجدد خلية

    الشعر تلقائيا لتهزأ بداء الصلع الذي كان يلهو وتها.

    ٢:١:١ نهايات أم بدايات؟!!كل هذا السجل احلافل لنهايات عصر ا8علومات كن النظر إليهR منالطرف النقيضR على أنه إعالن لبدايات جديدة. فتكنولوجيا ا8علوماتR ماأن تغلق بابا حتى تفتح آخر أكثر رحابة واتساعا; وذلك 8ا تتيحه من بدائلعديدة إلعادة تشكيل ا8فاهيمR وإعادة صياغة العالقاتR وإعادة بناء النظموا8نظمات. سنكتفي هنا بأربع نهايات اختيرت من الـقـائـمـة الـسـابـقـة كـي

    نوضح ما نقصده فهوم «النهاية ــ البداية» الذي نطرحه هنا. ويقصد بها أن التوسع في استخدام تكنولوجيا التعليم(أ) نهاية ا�درس:

    من برامج تعليمية ونظم آلية لتأليف ا8ناهج وتقييم أداء الطلبـةR وانـتـشـارـ إلى االستغناء مواقع التعلم الذاتي عبر اإلنترنتR سيؤديان ــ في نهاية األمر ـعن ا8درس. تعارض أغلبية ا8نظرين التربويn هذا الرأيR وتتنامى وجهـةالنظر ا8ضادة القائلة بأن تكنولوجيا ا8علومات ستجعل مهمة ا8درس أكثرإثارة وثراءR وسترقى به من مجرد ناقل لشحنة ا8عارفR إلى مشرف موجهيشارك طلبته مغامراتهم ا8ثيرة في اكتساب ا8عرفة وتوظيفها. بـاإلضـافـةإلى ذلكR سيزداد ارتباط ا8درس بواقعهR بفضل شبكات االتصـاالت الـتـي

    digitalستربط ا8درسة بالواقع خارجهاR وبفـضـل نـظـم احملـاكـاة الـرقـمـيـة simulationالنماذج الدينامية احلية Rإلى داخل قاعات الدرس Rالتي ستنقل

    لتحاكي هذا الواقع. ويقصد بها أن الفلسفة لم تعد منشغلة بحث(ب) نهاية ا�يتافيزيقا:

    الوجود وما وراء الطبيعةR وصارت تركز على الشق ا8عرفي: إمكان ا8عرفةوحدودها ووسائلها. وهي ــ أي الفلسفـة ـــ عـلـى وشـك أن تـنـعـطـف حـالـيـاصوب الشق األخالقيR بعد أن اقتحمت تكنولوجيا ا8ـعـلـومـات والـهـنـدسـةالوراثية والطبية مناطق غائرة من مخ اإلنسان وجـسـده وخـاليـاهR وهـو مـاكادت معه التكنولوجيا أن تصبح فرعـا مـتـخـصـصـا مـن فـلـسـفـة األخـالق;

  • 15

    العرب وحوار الثقافة والتقانة

    وذلك ضمانا حلسن تطبيق هذه التكنولوجياR وعدالة توزيع خيراتهاR والتقليلمن أضرارها. وها هي ا8يتافيزيقا تـطـل عـلـيـنـا بـرأسـهـا مـن جـديـدR وقـداستدرجتها إلى الساحة الفلسفية هذه ا8رة توابع الوجود الرمزي في فضاء

    R وهي التكنولوجيا التيVirtual Realityاإلنترنت وتكنولوجيا الواقع اخلائلي أمكن من خاللها صنع عوالم وهمية يقيمها الكمبيوتر باستخدام أسالـيـباحملاكاة الرقمية السالفة الذكرR عوالم يجوبها اإلنسان متـحـررا مـن قـيـودجسده وعقله وواقعه (وهو ا8وضوع الذي سنوفيه ما يستحقه مـن إيـضـاحفي الفصل القادم اخلاص نظومة تكنولوجيا ا8علومات). إن أسئلة الوجودالكبرى تطرح نفسها من جديدR بعد أن أثارتها سكنى اإلنسان لهذه العوالماخلائليةR وماذا ستفعل تلك السكنى بوجوده احلقيقي في عالم الواقع الفعلي.

    ويقصد بها أن اإلنسان يوشك أن يستغني عن ذاكرته(ج) نهاية الذاكرة: الطبيعية مستبدال بها وسائل تخزين البيانات اإللكترونية. ووصلت سخريةالبعض في هذا الشأن إلى حد القول بأن القلة القليلة الباقية من حفـظـةجدول الضرب ستكون ضمن قائمة احتياطي األمن القومي التي يـحـتـفـظبها البنتاجونR وذلك بغرض اللجوء إلـيـهـا فـي حـالـة مـا إذا انـقـطـع الـتـيـارالكهربي عن شبكة احلواسيب اإللكترونية الهائلة التي أوكل إليها اجملتـمـع

    . ودعهم يسخرونR فاحلقيقة ا8ستـقـرة (٢٢٩)األمريكي إدارة معظم شؤونـهأن ذاكرة اإلنسان مورد ذهني أساسي ال غنى عنه.

    وستتيح تكنولوجيا ا8علومات وسائل عديدة لتنمية قدرات هذه الذاكرةوتنظيمهـا وترشيـد استخدامهـا. ويصل الطمـوح بعلمـاء تكنولوجيا ا8خ إلىالبحــث فـــي إمكـان تعـزيـزهـا بذاكـــرة صناعـــيـــة مــــن شرائــح السيلـكـون

    اإللكترونية. ويقصد بها سقوط احللقات الوسيطة من سماسرة(د) نهاية الوسطاء:

    ووكالء سياحة وناشرين وأمثالهمR وذلك من خالل الـتـعـامـل ا8ـبـاشـر عـبـرRطالب اخلدمة ومراكز تقد& اخلدمات nوب Rالبائع وا8شتري nب Rاإلنترنتوبn ا8ؤلف وجمهور قرائهR بل يتوقع البعض أن التمثيل النيابي في طريقهR«هو اآلخر إلى األفول لتحل محله «الدوقراطيـة اإللـكـتـرونـيـة ا8ـبـاشـرةحيث كن لكل مواطن أن يوصل رأيه مباشرة ــ من خالل اإلنترنت أيضا ــإلى أصحاب القرار. أجل... سيختفي وسطاء قدامى ليظهر وسطاء جدد.

  • 16

    الثقافة العربية وعصر ا�علومات

    فهناك من يتحدثون عن الوسيط ا8عرفي اآللي كوسيلة ال بد منها 8واجهة ينوب عن ا8ـرءintelligent agentإعصار ا8علوماتR وهو وكيل برمـجـي ذكـي

    في زيارة مواقع اإلنترنت باحثا عما يحتاج إليه من معلومات. وكما سنحتاجإلى وسيط ا8عرفة اآلليR فسوف تزداد حاجتنا إلى وسطاء ا8عرفة من بنيالبشرR مع و اعتمادنا على اخلبراء التكنوقراطR والذين أصبحوا قاسمامشتركا بn اجلماهير وصناع القرارR وذلك بسبب تعقد الظواهر ا8تصاعدباطرادR وتزايد أهمية اجلوانب الفنية في وضع السياسات واتخاذ القرارات

    ومتابعتها.ما قصدناه بأمثلة «النهايات ــ البدايات» تـلـكR إـا هـو الـتـأكـيـد عـلـىRضرورة أن تتناول أمور الثقافة والتقانة من وجهات نظر متعددة ومتباينـةبل متناقضة أحيانا. وما أبهظ الثمن الذي دفعته البشرية نتيجـة ألحـاديـةnالنظرة واختزالية الفكر. ولعل ذلك مرجعه إلى وجود تناقض جوهري بهذه الصالبة الفكريةR ومرونة تلك العجينة الرمادية الرائعة التي توج بهـااخلالق أدمغتنا; ا8عجزة البيولوجية بـالـغـة الـتـعـقـيـدR ذات بـاليـn اخلـاليـاالعصبيةR التي تنطلق بنا حاليا صوب اجملهولR يحف بها رفاق عصرنا من

    ذوات العقول اإللكترونية الباهرة.

    ٣:١:١ معا صوب اجملهولال نريد أن نحرم القراء نصيبهم من رهبة البدايةR ونحن نتـحـرك مـعـاصوب مجهول ثقافة عصر ا8علوماتR وأصدق ما يعـبـر عـن ذلـك اجملـهـولمقولة إليليا بريجوجRn احلائز على جائزة نوبلR يقول شاعر الديـنـامـيـكـااحلراريةR كما يطلقون عليه: «إن القرن العشرين قد حول كوكبنا بأكمله منعالم متناه من احلقائق اليقينية إلى عالم المتناه من الشـكـوك» (٨١:١١٦).

    أن باستطاعتهم معرفـة(*٤)لقد تصور بعض علماء الرياضيات في ا8اضيRا8ستقبل ما إن تتوافر لهم وسيلة يحـددون بـهـا مـواقـع جـمـيـع ا8ـوجـوداتومعرفة بالقوانn التي حتكم سلوكها (١٤٦:٢٩٩). ما أبعده عن احلقيقة ذلكالتصور لــ «كون» يعمل كساعة دقيقة منضبطة. فحتى لو افترضنا ــ جدالــ أنه قد توافر لعا8نا نظام معلومات بهذه الضخامة وتلك الـدقـةR سـيـظـلهذا العالم قادرا على أن يفاجئنا دوما; تفاجئنا نظمه بأدائها غير اخلطي

  • 17

    العرب وحوار الثقافة والتقانة

    non- linearولغته جازها Rوجماعاته بأفعالها وردود أفعالها غير ا8توقعة RRوبشره بإبداعهم الوثاب الذي ال ل االنتهاك. خالصة Rالشارد ا8تمرد عليهالقد حق القول: إن التنبؤ الصادق الوحيدR أمام تقلـبـات هـذا الـعـصـرR هـواستحالة التنبؤ ذاته. ولتكن لنا عظة من نبوءات ا8اضي التي أثبت الـواقـعكم هي بعيدة عن احلقيقة. فلم تكن آلة التسجيل هي آلة التعليم ا8ثلى كماتصور مخترعهاR ولم يكن التليفزيون هو الوسيلة ا8ثلى لتوعية اجلمـاهـيـركما حلم صانعوه وتشيع له مؤيدوه. ولم تقتصر استخدامات الكمبيوتر علىالتطبيقات اإلحصائية كما توقع له مهندسه األولR وحتما جتاوزت مبيعاتهذلك الرقم ا8تواضع للغاية (٤ كمبيوترات سنويا) الذي استـهـدفـه مـؤسـسشركة آي. بي. إم. ومن احملتم أيضا أن هاتف جراهام بيل لم يـكـن ـــ كـمـازعم بعض معاصريه ــ مجرد اختراع مثير ذي قيمة جتارية محدودة. حقا...لقد «كذب ا8نجمون» ولو ساندتهم آالت اإلحصاء العمالقةR واذج احملاكاةا8عقدةR وسماحة السيناريوهات وتعددها. لقد ولت إلى األبد عهود البساطةواحلتميات وسالسة ا8سارات اخلطيةR وفقدنا رفاهية اقتفاء اآلثار انطالقاRوتتبع األمور في هياكل هرمية Rواستنباط النتائج من ا8قدمات Rمن األسبابترقى بنا من الفروع إلى األصول: ومن األبسط إلى األعقدR ومن البسيـط

    بR ومن اجلزئي صوب الكلي. لقد بات علينا أن ندرك أن قانونَّصوب ا8ركالعلة واألثرR وتلك البنى ا8عرفية من هرميات وتراتبيات وأسس مـنـطـقـيـةوما شابهR ما هي إال أمور مـن صـنـع عـقـولـنـاR اخـتـلـطـت عـلـيـنـا مـن فـرطاستخدمها ورسوخهاR حتى تراءت لنا أزلية مطلقة. وما هي بهذه وال بتلك.ذلك يكفي عن مجهول عصرنا. أما كيف نواجههR فعلينا أن نقر ــ بدايةRـ أننا نواجه أخطر ظاهرة اجتماعية واجهتها البشرية على امتداد عصورها ـنواجهها دون سند من نظرية اجتماعية متكاملة أو شبه متكاملة. لقد بهرتناالعلوم الطبيعية بإجنازاتها الرائعةR وكانت الطامـة الـكـبـرى عـنـدمـا جلـأتاإلنسانياتR وعلم االجتماع بصفة خاصةR إلى الطبيعيات تقترض مناهجهاالوضعية وأساليبها اإلحصائية. وهكذاR أخفق علم االجـتـمـاع فـي الـلـحـاقبالواقع االجتماعيR يلوذ بغيره حائرا بn االجتاهn الوظيـفـي وا8ـاركـسـي

    R وتاهت احلقائق االجتماعية في غابات األرقام ودوامة ا8نحنيات وقوائم(٢)استمارات االستبيانR لنكتشفR بعد ضياع الوقت واجلهدR أننا ذهبنا بالعلوم

  • 18

    الثقافة العربية وعصر ا�علومات

    اإلنسانية مذهب اخلطأR وبات من الضروري أن يشـق مـنـظـروهـا أخـاديـدمنهجية جديدة ومبتكرة. وليس مستبعداR إن جنحوا في مسعاهم هذاR أنتقترض العلوم الطبيعية ذاتها بعضا من تلك ا8ناهجR فهي األخـرى تـواجـه

    في هذه األيام نوعا من األزمة ا8نهجية.وحالنا إزاء ظاهرة ا8علومات أكثر صعوبة في ظل تقانة هادرة وثـقـافـةثائرة. لقد أصبحنا نرى العالم بصورة أكثر جتريدا من ذي قبلR وذلك بفعلالوسيط ا8علوماتي. فمن خالل شاشات التليفزيون وشاشات الرادار و8باتاإلنذار ولوحات التحكم واذج احملاكاة وما شـابـهR أصـبـحـنـا نـرى مـعـظـموقائع هذا العالم ونرصد أحداثه ونوجه مـسـاراتـه. لـقـد كـنـا فـيـمـا مـضـىنتعامل مع احملسوسات من عناصر مادية وطرق مواصالت ومسارات ورسائلونصوص وأوراق مالية وعمالت نقديةR واآلن صرنا نتعاملR أكثر فأكثرR معاجملردات من رموز وسمات وعالقات وترابطات ومؤشرات وسينـاريـوهـاتوخالفه. لقد كانت احلقائق ترد إلينا في ا8اضي وهي أقرب ما تكون إلىاالتصال واالكتمالR واآلن يقذف بها إلينا شظـايـا مـتـنـاثـرةR عـلـيـنـا أن نـلـم

    شتاتهاR ونستخلص اجلوهر من قلب فوضاها.

    ٢:١ يا له من حتد جسيم!!١:٢:١ عن بريق األسئلة الذهبية وصدئها وعتمتها

    ويا له من حتد جسيم ذلك الذي ينتظر أمتنا العربيـة فـي هـذا الـعـالـما8غاير احلثيث اخلطىR وقد امتد نطاق التحديات ليشمـل مـعـظـم جـوانـبحياتناR حتديات علمية وتكنولوجية واقتصاديةR تظل برغم حدتها وقسوتهاRدون تلك التي نواجهها على جبهتي السياسة والثقافة. وكما خلص الكثيرونفإننا نواجه معضلة صنعتها أيدينا أكثر ا ساهمـت فـيـهـا أقـدارنـا. وقـد

    شرة تلك ا8عضلة لطول إقامتها بينناR وسئمنا معرفة أسبابهاR وعزفناِألفنا عRــ بالتالي ــ عن التبصر في آثارها. وإن استمر الوضـع عـلـى مـا هـو عـلـيـه

    فليس أقل من الكارثةR وما أدراك ما الكارثة!!ـ باألسئلة ـ كما يلوذ غيره ـ وفي مواجهة ا8عضالت يجوز للكاتب أن يلوذ ـالذهبية (كما يطلق عليها أهل اإلغريق)R أسئـلة: مــاذا و8ـــاذا وكـيـــف? والخالف في أن أكثر هذه األسئلة بريقا هو سؤال: ماذا? ذلك الذي يستدعي

  • 19

    العرب وحوار الثقافة والتقانة

    الشواهد البارزة واألمور السافرة واألحداث اجلاريةR وقد فرعناه في إطارحديثنا الراهن إلى ثالثة أسئلة فرعية هي:

    السؤال األول: ماذا يجري من حـولـنـا? نـسـتـعـرض مـن خـاللـه بـعـض-تضاريس ا8شهد العا8ي للوضع الثقافي ــ ا8علوماتي

    السؤال الثاني: ماذا جرى لنا? نورد من خالله بعض مالمـح ا8ـشـهـد-العربي إزاء ا8تغير الثقافي ــ ا8علوماتي

    -Rالسؤال الثالث: ماذا سيجري بنا? نسرد من خالله بـعـض تـوقـعـاتـنـا نضعها أمام القراء بصراحة اللونn األبيض واألسود

    وسنتناول كال من هذه األسئلة الفرعية في الفقرات الثالث التالية:وأكثر األسئلة الذهبية صدأ في حالتنا هو سؤال: 8اذا? فقد فاض بنـاالكيل من نوبات التشخيص والتبرير. وليكن كل منا خصيم نفسه ليدرك ــمن فوره ــ كم أهدرنا من مواردنا وأفكارنا وتراثنا. ويشهد تاريخنا البعـيـدوالقريب أننا لم نأل جهدا في عقل العقولR واعتقال أصحابهـاR وتـصـفـيـةأجساد حامليهاR من طرفة بن العبدR وابن ا8قفع وبشار بن بردR وغـيـرهـمكثيرونR وكأن «فوق رؤوسنا ــ يا بشار ــ سيوف أقويائنا وقد تكاثفت تظللنا

    كليل حالك تهاوى فيه كواكب مفكرينا فأصبحت ظلمته أكثر حلكة».أما أكثر األسئلة عتمةR فهو سؤال: كيف? كيف لـنـا أن نـواجـه مـجـهـولثقافة عصر ا8علومات? وليكن واضحا من البداية أننا لسنا بصدد وصـفـةناجعة ناجزة تبرئنا من إرث ا8اضي وتلبي لنا توقعات ا8ستقـبـل. فـبـحـثـنـاالراهن ال يعطي حلوالR بقدر ما هو دعوة للتفكير في بدائل احللول. واقتراحاحللول في حالتناR بجانب كونه ضربا من اجملازفة إلى حد السذاجةR فهوــ أيضا ــ نزلة تناقض صريح مع ما أكدنا عليه في فقرتنا السابقة فيمايخص الطبيعية السائلة لهذه الظاهرة االجتماعية غير ا8سبوقة التي نحنبصددها. ولن تدين لنا احللول إال من خالل التفاعل بn فئات عقولنا علىاختالف مذاهبهم وأعمارهم ودوافعهم من جانبR وبn هذه العقول وحقائقواقعنا من جانب آخر. وهذا ــ بدوره ــ رهن بقدرة نخبتنا الثقافية على أنتفلت من قبضة ثالثية: البيروقراط والتكنوقراط والـثـيـوقـراط. مـا يـبـعـثـ كما سنوضح فيما يلي ــ ستجد في مسعاها على األمل هناR أن هذه النخبة ـ

    هذا عونا صادقا من تكنولوجيا ا8علومات.

  • 20

    الثقافة العربية وعصر ا�علومات

    ومع كل ما أسلفناهR يصعب على ا8رء أن يترك السؤال احملوري: كيف?هكذا حائرا دون بعض أفكار أولية في تناولهR نقترح بشأنها الركائز اخلمس

    التالية: تكمنR من جهة في قدرة حـكـومـاتـنـا عـلـى إقـنـاع(أ) الــركـــــيـزة األولـى:

    مواطنيها بضرورة التغيير وحـشـد اجلـهـود وا8ـواردR ومـن جـهـة أخـرى فـيقدرة هؤالء ا8واطنn أنفسهم على توجيه حكوماتهم لتصبح أكثر جتاوبا معمطالبهمR وأكثر تقبال لرجع صدى جماهيرها جتاه ارساتها. ومرة أخرىكن لتكنولوجيا ا8علومات أن تلعب دورا محوريا في إقامة هذا «الديالوج

    االجتماعي» الذي طال انتظاره. إقرارنا بأن حجم ا8شاكل وخطورتها يفرضان علينا(ب) الركيزة الثانية:

    تضحيات عديدة وتغييرات جذرية في ا8واقف والتوجهات. وقـد تـفـاقـمـتأزمات حاضرنا إلى درجة أصبح معها قدر من «طوبائية» التفكير ضـرورةواجبة 8عادلة «ديستوبيا» الواقع الذي نعيشه. ويتوقف حتويل هذا ا8نـحـىالطوبائي إلى واقع عملي على مدخلنا األساسي في تناول اإلشكالية. ومرةRا تتيحه من فرص عديدة Rكن أن تساهم تكنولوجيا ا8علومات Rأخرى

    مساهمة فعالة في عملية التحويل تلك. حتاشي «البداية من الصفر»R وذلك ببعث احليوية(ج) الركيزة الثالثة:

    في أوصال ا8نظمات القائمة بالفعـلR وأن جنـمـع بـn عـالج الـقـد& وبـنـاءاجلديد. ويتطلب ذلك ــ أول ما يتطلـب ـــ أن نـضـع عـلـى قـمـة مـؤسـسـاتـنـاالثقافية فيلقا من ديناموهات التغيير من ذوي التوجه العربي القوميR الذينأثبتوا قدرتهم على اإلجناز في ظل ظروفنا الراهنةR واستعدادهم للتكـيـف

    مع متغيرات عصر ا8علوماتR واكتساب معارفه ومهاراته.في نهاية كتابه السابق «العرب وعصر ا8علومات»R(د) الركيزة الرابعة:

    اقترح الكاتب «ا8دخل ا8علوماتي» كتوجه أساسي من أجل حتقيق التكامـلالعربي; وذلك كبديل للمدخل األمني أو ا8دخل االقتصادي (٤٣١:١١٩). وهوهنا يزيد هـذا االقـتـراح حتـديـدا بـحـصـره فـي نـطـاق «ا8ـدخـل الـثـقـافـي ـــا8علوماتي». استطرادا من هذا التوجهR يقترح الكاتب أن تعيد منظمة اجلامعةالعربية النظر في استراتيجيتها الشاملة. فقد آن لها أن تقر بضيق مساحةا8ناورة السياسية التي تزداد ضيقا يوما عن يومR سواء حتت ضغوط اخلارج

  • 21

    العرب وحوار الثقافة والتقانة

    أو بفعل حساسيات الداخل. وهو يتساءل هنـا: أال ـكـن أن يـكـون اخملـرجاستراتيجية بديلةR تتخذ من الثقافةR ال السياسةR محورا لها? خاصــــة أنRإقليميا وعا8يا وتنمويا وسياسيا Rهــذا التوجـه يتوافق مع تعاظم دور الثقافة

    وللحديث بقية في الفقرة ١:٤:١ من هذا الفصل.ولنترك حاليا سؤال: كيف? دون وداعR مدركn أنه سيظل سكا بتالبيبنا

    طيلة بحثنا احلالي.

    ٢:٢:١ ماذا يجرى من حولنا؟مرة أخرىR جندد لقاءنا مع شظايا النصوصR نحاول أن نلـتـقـط مـنـهـا

    مالمح ما يجري من حولنا على الساحة العا8ية الثقافية ــ ا8علوماتية: ما هذا الذي يشاع عن حال أهل الثقافة والتقانة هذه األيامR فال يكاد-

    يلتقي أهل الثقافة حتى يخوضوا في حديث تكنولوجيا ا8علوماتR وال يجتمعأهل تكنولوجيا ا8علومات حتى ينزلقوا إلى حديث الثقافة. هل نضجت هذهالتكنولوجيا وتأهلت للقاء الثقافة? أم أن أهل الثقافة قد أدركوا ــ أخيرا ــمدى خطورة هذه التكنولوجيا الفريدةR بعد أن أصبحت صـنـاعـة الـثـقـافـة

    أهم صناعات هذا العصر بال منازع. وما كل هذا الضجيج حول اإلنترنتR وطريق ا8علومات الفائق السرعة-

    lnformation SuperhighwayRذات الطابع الفني Rوكيف أصبحت هذه األمور ?قاسما مشتركا في سياسات احلكومات وبرامج األحزاب الـسـيـاسـيـةR مـناحلزب الدوقراطي األمريكي إلى حزب العمال البريطانيR ومن حكومة

    سنغافورة إلى حكومة ساحل العاج?وهل يقصد آل جور نائب الرئيس األمريكيR وصاحب مصطلح طـريـقا8علومات الفائق السرعةR أن يكون هذا الطريق اجلـديـد ـنـزلـة الـنـظـيـرالعصري لسلفه طريق السيارات السريع? وكما كان السالف هو شريان نقل«بضاعة» الصناعات األمريكية التقليدية محلياR فسيكون الالحق هو شريان

    نقل «بضاعة» صناعة الثقافة األمريكية عا8يا. وهل لنا ــ استطرادا 8ا سبق ــ أن نعي حرص آل جور عـلـى أن يـنـقـل-

    طموحه احمللي خارج حدود بالدهR حيث نادى أخيرا بإقامة بنيـة أسـاسـيـةمعلوماتية عا8ية ينعم بهاR سواء بسواءR أغنياء عا8نـا وفـقـراؤه. ولـنـسـتـرق

  • 22

    الثقافة العربية وعصر ا�علومات

    السمع إلى تلك الصيحة السامية النبيلةR التي تواترت مثيالتها منذ ظهور. يقول آل جور: «دعونا نتجاوز األيديولوجيـاR لـنـتـحـرك مـعـا(*٥)الكمبيـوتـر

    صوب هدف مشترك لبناء بنية أساسية معلوماتية عا8ية 8ـصـلـحـة جـمـيـعالدولR من أجل خدمة اقتصادنا احلرR ولتحسn خدمات الصحة والتعليموحماية البيئة والدوقراطية». وكم كان فطنا جون ستراتون (٣١٦) عندمالفت نظرنا إلى «سندويتش» آل جور الوارد في دعـواه تـلـكR حـيـنـمـا وضـعأحالم التنمية البشرية من صحة وتعـلـيـم وحـمـايـة بـيـئـة بـn شـطـري هـذاالسندويتش ونعني بهما «االقتصاد احلر والدوقراطيـة»R مـسـفـرا بـذلـكعن أيديولوجيا النموذج الرأسماليR الذي يسعى القطب األمريكي لتعميمهمن خالل مخططه للعو8ةR ويا لك من «شاطر» يا آل جور ويا له من «شاطرRإال بدعم من ا8نظمات الـعـا8ـيـة Rومشطور!!». وال يكتمل اخملطط العو8يإلضفاء 8سة الشرعية الدولية على ارسات العو8ة األمريـكـيـةR وهـا هـواالحتاد العا8ي لالتصاالت «آي تي يو» يلبي النداءR ويعلن عن استراتيجيتهإلقامة هذه البنية التحتية ا8علوماتية العا8ية ملخصة في التوجهات اخلمسة

    التالية (٣١٦):ــ تنمية من خالل االستثمارات اخلاصة.

    ــ منافسة وفقا لقوانn السوق.ــ قواعد وتنظيمات مرنة لتسهيل عمل مؤسسات االتـصـاالت وتـنـظـيـم

    ا8نافسة بينهم.ــ ال تفرقة في حق النفاذ إلى شبكات االتصاالت.

    ــ التوجه العا8ي خلدمات االتصاالت.وكما هو واضحR يسير االحتاد العا8ي لالتصاالت على الدرب نفسه فيتأكيده الصريح على قوانn السوق احلرةR وذلك في شأن بنية حتتية حيويةأصبحت من ا8قومات األساسية لتنمية شعوب العالم. ويـكـفـي هـذا دلـيـال

    ستخدم سالحا في يد القوي لفرض سيطرتهُعلى أن ا8نظمات الدولية ستوتأمn مصاحلهR في إطار تلك الظاهرة ا8سماة بــ «العو8ة»R الـتـي جتـوبRجميع الديار حتيطها وصيفتاها: الشركات ا8تعدية اجلنسية علـى جـانـب

    وا8نظمات الدولية على اجلانب اآلخر. وماذا يفعل فقراء هذا العالمR وكلفة إنشاء هذه البنية التحتية تـقـدر-

  • 23

    العرب وحوار الثقافة والتقانة

    بتريليونات الدوالرات. وما دمنا قد عرجنا على حديث التريليونات فلنوفهRباإلشارة إلى حجم معامالت التبادل فـي الـعـمـالت واألوراق ا8ـالـيـة Rحقهـ ١٬٢ تريليون دوالر يوميا (نعم يوميا!!)R وتبلغ نسبة ما يخص والذي يقدر بـمضاربات البورصة منه ٩٥% (٨٩:٨١). حقا... إنه ــ وكما أطلق عليه البعض

    مستقل عن اقتصـاد الـواقـعvirtualRــ «اقتصاد الكازينو»; اقتـصـاد خـائـلـي يفصل ما بn العمل وعائدهR وما بn اإلنتاج وقيمـتـهR ومـا بـn االسـتـثـمـارالفعلي ودوران رؤوس األموال جملرد الدوران دوا استثـمـارR لـيـنـتـهـي بـنـا

    األمر إلى ذلك االغتراب الذي يعاني منه معظم البشر في هذا العصر. 8اذا يدعو الكوجنرس األمريكي كاتبا للخيال العلمـي لـيـحـاضـره فـي-

    مستقبل صناعة ا8علوماتR في إطار قيامه بوضـع سـيـاسـة جـديـدة لـنـظـماالتصاالتR في الواليات ا8تحدة? (٣١٤). هل أصبحت بيانات الواقـع غـيـركافية الستخراج ا8ؤشرات وحتديد التوجهات? وذلك بعد أن تاهت اخلطوطالفاصلة بn ثالثية: الواقعي واحملتمل واخلياليR نتيجة لقدرة اإلجناز الهائلة

    التي توفرها تكنولوجيا ا8علومات? ولنترك الكوجنرس األمريكي لنذهب إلى الكنيست اإلسرائيليR الذي-

    Rدعا هو اآلخر عا8نا الفذ أحمد زويل; ليحاضره عن ثمرة خياله الـعـلـمـيوقد حوله ابن قرية محافظة البحيـرة إلـى واقـع عـمـلـيR بـعـد أن جنـح فـيR(سحق الزمن إلى وحدة الفمتو ثانية (واحد على ألف تريليون من الثانيـةالتي تتعامل معها آلة تصويره الفائقة السرعةR وال يجد الكاتب فكاكا من أنيربط بn آلة تصوير زويل العجيبة تلكR التي تستطيع الـتـقـاط مـا يـجـريRوتفوق إسرائيل في مجال التكنولـوجـيـا احلـيـويـة Rداخل جزيئات أنسجتناوما لهذه التكنولوجيا من استخدامات عسكرية ومدنية يصعب التكهن بها.وهل لنا أن نتصور ما يعنيه تضافر آلة التصوير الزويلية تلك مع شقيقاتهاعلى م§ األقمار الصناعية اإلسرائيـلـيـة وأقـمـار أنـصـارهـمR الـتـي تـطـوف

    بسمائناR تلتقط ما يجري على أراضيناR وما يرقد حتت سطحها? وما هذا الذي أدى إلى انهيـار االحتـاد الـسـوفـيـتـي دون حـربR ودون-

    انقالب عسكري أو تدخل أجنبـي? هـل ـكـن أن يـكـون ذلـك ـــ كـمـا يـزعـمالبعض ــ بسبب عجز حكومة السوفييت أن تستمر في تضليل شعبـهـا فـيـ بالتالي عصر شفافية ا8علومات (اجلالسنوست) (٢٥٥)? وهل لنا أن نصغي ـ

  • 24

    الثقافة العربية وعصر ا�علومات

    ــ إلى ما يردده كثيرون من أن شبكة اإلنترنتR وما تنقله من معلومات عبراحلدودR ستكون كفيلة بإسقاط النظم الديكتاتورية واالستبـداديـة? هـل آنـ كعهدنا بها ــ ستكون سباقة إلى حللم البشرية أن يتحقق? أم أن هذه النظم ـاستخدام سالح اإلنترنت لفرض االنصيـاع واالنـضـبـاط عـلـى جـمـاهـيـرهـا

    ا8قهورة? ما كل هذا اجلدل حول ظاهرة الـعـو8ـة (مـا يـزيـد عـلـى ١٥٠٠ مـؤmـر-

    وندوة)? تلـك الـظـاهـرة ولـيـدة ثـورة ا8ـعـلـومـات واالتـصـاالت. هـل هـي ديـنRالرأسمالية اجلديد; نوع متطور من احلتمية االقتصادية 8لء فراغ احلتميات

    بعد أن خال بزوال النازية والفاشية والشيوعية? وما هذا الذي يتردد حول مجتمع الوفرة? في الوقت نفسه الذي تشكو-

    فيه مناطق كثيرة من عا8نا ندرة ا8ياه وندرة الغذاء. وما صلة ذلك بحروبا8واد الغذائية في إطار اتفاقية اجلات: حرب ا8وز الكاريبي واألرز اليابانيواألرز اإليراني والذرة الفيلبينية والبطاطس ا8صرية والتونة ا8ـكـسـيـكـيـة?

    في النزاع بn دولة ا8كسيـك(*٦)وما الذي أقحم صديقنا الدولفn الوديـعوالواليات ا8تحدة األمريكية? والذي حسمته محكمة منظمة التجارة العا8يةـ في ردود انتقامية ـ صدق أو ال تصدق ـ 8صلحة ا8كسيكR معطية لها احلق ـ

    ضد جارتها األمريكية. وكم يبدو براقا ذلك الشعار الذي ترفعه حـالـيـا شـركـات االتـصـاالت-

    العا8يةR الشعار ثالثي «األيات» (جمع «أي»): «أي معلومات في أي وقت منأي مكان». وكيف نوفق بn هذه اليوتوبيا االتصاليةR وكل ما نسمعه حاليـا

    R وما أورده نلسن مانديال في إحدى خطبه منencryptionمن تشفير وتعمية أن ثلثي سكان العالم لم يجر مكا8ة هاتفية واحدة طيلة حياتهR وأن نصفأطفال كوكبنا لم يعرف طريقه إلى ا8درسة?... خلط اآلمال باألوهام مـرة

    أخرى. وما الذي دفع الواليات ا8تحدة األمريكية إلى إجهاض مؤmر األرض-

    في ريو دي جينيرو وقفها ا8تشدد ضد احلفاظ على التنوع البيولوجـي?أليس هذا من أجل حماية مصالح شركات التكنولوجيا احليويـة وعـمـالـقـةصناعة الدواء األمريكية? وهي نفسها الواليات ا8تحدة التي وقفت بصرامةضد احلفاظ على الـتـنـوع الـثـقـافـيR حـمـايـة 8ـصـالـح صـنـاعـة االتـصـاالت

  • 25

    العرب وحوار الثقافة والتقانة

    وا8علومات هذه ا8رةR وذلك عندما وأدت ــ في مهده ــ اقتراح منظمة اليونسكوإلقامة نظام معلوماتي عا8ي جديد; بغية إقامة بيئة معلومات عا8يـة أكـثـرعدال في توزيع مواردها ومنافعها. ثم كان ما كان من انسحابها هي وبريطانياRوبينما جددت بريطانيا عضويتها في ا8نظمة الدولية Rمن منظمة اليونسكولم تستشعر الواليات ا8تحدة ــ قائدة قافلة عو8ة الثقافة حاليا ـــ أي حـرجفي أن تعلن صراحة أنها في غنى عن منظمة اليونسكـوR مـنـتـدى الـثـقـافـةالعا8ية. أما في مؤmر السكان في القاهرةR فكان ال بد للموقف األمريكيأن يختلفR لتصبح هي نفسها حامية حـمـى حـقـوق اإلنـسـانR حتـمـل عـلـىكاهلها حقوق األقلياتR وهموم عمالة األطفالR وفالحة النساء فـي مـزارعاألرياف والغاباتR ومشكـالت خـتـان الـبـنـاتR وتـوزيـع ا8ـواريـث بـn األوالدوالبنات. ووصل حرص حماة اإلنسـانـيـة هـؤالء إلـى أن شـرعـوا فـي إقـامـةمكتب 8تابعة االضطهاد الديني بالكوجنرسR ولـم ـنـعـهـم مـن إقـامـتـه إالnاعتراض وزارة التجارة األمريكية التي كـان لـزامـا عـلـيـهـا أن تـتـدخـل حـ

    تصادمت ا8عايير األخالقية مع مصالح التجارة اخلارجية. ما كل هذه االندماجات بn عمالقة صناعة اإلعالم وصناعة السينما-

    ودور النشر وشركات برمجة الكمبيوتر واإلنترنت? (مثال رقم ١: شركة «إمسي إس» التصاالت األلياف الضوئيةR مع مؤسسات روبرت موردوخ اإلعالميةRـ مثال رقم ٢: شركة «وارنر» لالتصاالت مع «التاز» دار النشر الصحافية ـثم مع «سي إن إن» قطب اإلعالم التليفزيونيR وأخيرا مع مؤسسة «إيه. أو.

    إل» كبرى الشركات األمريكية لتقد& خدمات اإلنترنت).وما الذي دعا شركة سوني اليـابـانـيـة إلـى شـراء شـركـة «سـي بـي إس»للتسجيالت ا8وسيقيةR واستوديوهات «كولومبيا» لإلنتاج السينمـائـي? ومـاهذه األرقام الفلكية التي تتنامى إلى أسماعنا عـن عـوائـد صـنـاعـة ألـعـابالفيديو (حوالي ٧٠ بليون دوالر سنويا) وعما ينفق فيها حاليا من استثماراتضخمة تقدر بعشرات ا8ليارات من الدوالرات سنويا (١٥٤:١٣٤)R تساهم بهاشركات أمريكية عمالقة أقامـت سـمـعـتـهـا عـلـى تـقـد& اخلـدمـات اجلـادة8ؤسسات األعمال واألموال (شركة «إيه تي آند تي» على سبيل ا8ثال). هلوقار الكبار وقد ذهب يبحث عن مصروف الصغارR ويزيد من نصـيـبـه مـنمصروفات ا8نازل? أم أنه التقارب بn اللعب والعمل الذي يشهده مجتـمـع

  • 26

    الثقافة العربية وعصر ا�علومات

    ا8علومات? وما الذي تفعله تلك احللقة الكثيفة من األقمار الصناعية (زهاء ٥٠٠-

    قمر صناعي) التي تدور في فلك كوكبنا األرضيR تشكيلة متنوعة من أقمارالبث ا8باشر والبث غير ا8باشرR وأقمار ا8دارات ا8رتفعة وا8نخفضةR وأقمارالراديو الرقميR وأقمار قنوات اإلرسال التليفزيوني ا8تخصصة? وجميعهايصوب وابل رسائله اإلعالمية إلى عقولنا. ومع كل هذا جند لديـنـا مـن اليستسيغ ألفاظا من قبيل الغزو الثقافيR والعنف الترفيهيR وخلـل الـتـبـادل

    اإلعالميR وفجوة موجات األثير بn مالكي ا8علومة وفاقديها. ما كل هذا السجال احلامي الوطيسR الذي شهدته ساحة اتفاقـيـات-

    اجلات حول أمور ا8لكية الفكرية? وما هذا ا8وقف الصـلـب الـذي اتـخـذتـهفرنسا ضد حليفها األمريكي القد&? حتى منحت ما يعرف بــ «االستثـنـاءالفرنسي»R حفاظا على صناعة الثقافة الفرنسيةR والذي أعطاها احلق فيفرض القيود على استيـراد مـنـتـجـات الـثـقـافـة األمـريـكـيـة وتـقـد& الـدعـملصناعاتها الثقافية الوطنية (١٠:١٠٧). والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: مامصير غير ا8ستثنn? بعد أن أعلنت أمريكا عن نيـتـهـا لـتـطـبـيـق عـقـوبـاترادعة على كل من تساوره نفسه في ا8ساس بحقوق ا8لكية الفكرية لصناعتهاالثقافيةR من ترجمة الكتب إلى توزيع ا8وسيقى واستخدام برامج الكمبيوترالتعليمية والترفيهية. وقد شرعت الواليات ا8تحدة بالفعل في تطبيق هذهالعقوباتR فلوحت بغرامة على الصn تربو على ثالثة مليارات دوالر إن لمتتخذ اإلجراءات الكفيلة نع نسخ سلـع الـثـقـافـة األمـريـكـيـة مـن شـرائـطالفيديو وأقراص السي ــ دي. وتستقطع أمريكا حاليا نسبة معينةR تقدرهاجزافاR ا mنحه وكالتها للتنمية الدوليةR وحتصلـهـا مـن ا8ـنـبـع مـبـاشـرةتعويضا عن حقوق ا8لكية الفكرية لنسخ برامج الكمبيوتر في الدول ا8منوحة.وبالطبع تستثنى من ذلك إسرائيلR أكبر متلق لـلـمـعـونـة األمـريـكـيـةR وذلـكبالرغم ا تشير إليه اإلحصائيات من أنها أكثر دول العالم نسخا لبرامج

    الكمبيوتر. ما هذا الذي يجري على جبهة اللغة? ثورة في التنظير اللغوي تصاحبها-

    Rتكنولوجيا متقدمة ال تقل ثورية في تطبيق أساليـب الـذكـاء االصـطـنـاعـيوعلوم ا8عرفةR وتكنولوجيا األعصابR على معاجلة اللغات اإلنسانية بواسطة

  • 27

    العرب وحوار الثقافة والتقانة

    الكمبيوترR وذلك بهدف إكساب اآللة ا8هارات اللغوية من اشتقاق وتصريفوإعراب واختصار واستخالص وفهرسة بل تأليف للنصوص أيضا?

    وما كل هذا االهتمام الذي توليه اليابان للترجمة اآللية من أجل كسر-عزلتها اللغوية? بعد أن أيقنت أن مصيرها في عصر ا8علومات يتوقف علىRجناحها في التصدي لهيمنة اللغة اإلجنليزية في تكنولوجيا ا8علومات عموماواإلنترنت بصفة خاصة. ويفسر ذلك ــ أيضـا ـــ مـحـاوالت الـيـابـان لـتـزعـمالدول غير الناطقة باإلجنليزيةR عاقدة الـعـزم عـلـى تـكـويـن «حـلـف لـغـوي»للدفاع عن مصير اللغات القومية ضد اخلصم اللغوي األمريكي. ويا لها من

    معركة حاسمة. ما هذا الذي يجري حاليا في وادي السيلكون األمريكي? هل هي ثورة-

    اإلنترنت بعد أن أصبحت األداة ا8ثلى للتجارة اإللكتـرونـيـةR ولـهـفـة سـكـانهذا الوادي الشديدة على تلبية مطالب أهل هذه التجارةR فراحوا يستقطبونعمالة الكمبيـوتـر مـن كـل حـدب وصـوبR مـن مـصـر والـهـنـد واألردن ودول

    a new gold rushRأوروبا الشرقية. إنه اندفاع جديد الستخراج ذهب جديد ذهب األدمغة هذه ا8رة ال ذهب األتربة.

    ما هذا القلق الشديد الذي أبداه أهل الـتـربـيـة فـي أمـريـكـا? عـنـدمـا-صدمتهم البيانات اإلحصائية عن أداء أطفال االبتدائي األمريكيn مقارنةبأقرانهم في اليابان والصn ودول جنوب شرق آسيا (٢٠٤)R لقد عد التربويوناألمريكيون تخلف أطفالهم في ا8هارات األساسية في اللغة واحلساب أمراذا صلة وثيقة بأمنهم القوميR ويذكرنا هذا بقلقهم ا8ماثل عندما شعـروابتهديد لهذا األمن على أثر تفوق االحتاد السوفييتي في بداية سباق الفضاءعندما جنح في إطالق أول قمر صناعي (سبوتنـيـك) عـام ١٩٥٧. إنـه شـأن

    تربية عصر ا8علومات بعد أن أصبحت التربية فيه مرادفة للتنمية. ما هذا التقابل العجيب بn تكتل الكبار وبلقنة الصغارR من يوغسالفيا-

    السابقة إلى إندونسيا? وهم يحومـون حـالـيـا حـول شـمـال الـعـراق وجـنـوبالسودان. هل نحن في طريقنا إلى عالم الــ ١٠٠٠ بلـد كـمـا تـوقـع الـبـعـض?(٩٨:٨١) وكيف يتوافق هذا مع دعوى العو8ة وحلم القرية الكونية الواحدة?!!

    ما هذا الذي نسمعه عن الوباء اجلديد لفيروس الكمبيوتر ( حصر-ما يزيد على ١٠ آالف فيروس)? وما هي تلك اخلسائر الفلكيـة الـتـي تـبـلـغ

  • 28

    الثقافة العربية وعصر ا�علومات

    مليارات الدوالرات في اليوم الواحد بسبب لهو الصغار في اإلنترنت? وأيجرم اقترفه هذا الشاب الـنـرويـجـي الـذي أثـار الـرعـب فـي قـلـوب أبـاطـرةصناعة السينما في هوليوودR بعد أن نشر في اإلنترنت برنامجـا مـن عـدةأسطر كن به فك الشفرة الرقمية التي تبث بها األفالم عبر الشبكة. هلRوذلك االختراق البرمجي نوع من نضال أيامنـا Rهذا الفيروس اإللكترونيقنبلة مولوتوف الرقمية ضد أباطرة صناعة الثقافة? أم أن هذه الفيروساتهي إحدى الوسائل التي تفتق عنها ذهن صانعي البرمجيات حتى يفرضوابيع نسخ أصلية من برامجهم ا8عقمة ضد الفيروساتR وأن هذه االختراقات

    بداية النهيار احتكار سلع الثقافة. ومن الفيروسات إلى اجلراثيمR فما كل هذه الضجة التي أثيرت حول-

    «جرثومة األلفية» التي كان من ا8توقع انتشارها كالنار في الهشيم في جميعنظم احلواسيب مع سطوع شمس أول يناير ...٢? وجــاء اليــوم ومضـى والـ وهو األكثر احتماال شيءR هل هو خداع البسطاء لشــراء الترام? أم أن هذا ـــ دليل آخر على أننا لم نعد قادرين على التكهن ا كن أن تفعله بنا تلك

    التكنولوجيا صنيعة أيادينا وعقولنا?-Rكبرى شركات برمجة الكمبيوتر Rما الذي يدفع شركة ما يكروسوفت

    إلى إنفاق هذه األموال الهائلة جملرد أن ترد في حوار أحـد األفـالم إشـارةعابرة عن توافر النسخة العربية من نظام تشغيـل الـكـمـبـيـوتـر الـشـخـصـيRأخـيـرا Rا8عروف باسم «ويندوز»? (١٨٧:٢٣٨) هل أصبحت السوق الـعـربـيـةRمصدر جذب لشركات صناعة ا8علومات ا8تعدية اجلنسية? وفي هذا الصددجتدر اإلشارة إلى أن كثيرا من احلكومات العربية قد نـشـطـت أخـيـرا فـيRالقيام بدور شرطي حماية ا8لكية الفكرية لهذه الشركات. واللهم ال اعتراضوكل ما نتمناه أن حتظى صناعات ا8علـومـات الـوطـنـيـة بـالـقـدر نـفـسـه مـن

    االهتمام واحلماية. ماذا تعنيه هذه اخلرائط التي تتوالى للكود الوراثي (مشروع الچينوم)-

    وللمخ البشري? هل سيستحيل اإلنسان هو اآلخر إلى نظام مـعـلـومـاتـي أوقاعدة بيانات mاشيا مع النزعة الرمزية التي تسود حضارة اليوم? وما دامهذا الكائن البشري قد دان لسطوة الرمزR هل سيصبح بالتالي قابال للتحديثوللتعديلR شأنه في ذلك شأن أي نظام للمعلومات? وتأتينا األنباء حاليا عن

  • 29

    العرب وحوار الثقافة والتقانة

    وسائل صناعية لتحسn الساللة البشرية وتعزيز ذاكرة ا8خ وقدراته الذهنية.ده ميرفn مينسكـيR عـالـم الـذكـاءَّ وما كل هذا االستفـزاز الـذي تـعـم-

    االصطناعيR عندما شطح به اخليال ليقول: «إن عقول السيلكونR صنيعةالذكاء االصطناعيR ستنمو إلى درجة نصبح معها ــ نحن البشر ــ في عداداحملظوظn لو قبل أصحاب هذه الـعـقـول الـسـيـلـكـونـيـة أن يـحـتـفـظـوا بـنـاكحيوانات أليفة» (١١١:٢٩٩). إنه لضرب من اإلسـرافR لـكـنـه ال يـخـلـو مـنمغزىR وال يضاهيه في تطرفه إال إسـراف زمـيـلـه جـون مـكـارثـي ـقـولـتـهالغريبة: «حتى الترمومترات لها معتقدات». لقد رأينا أن نورد هذه األمثلةا8تطرفة دليال على النية ا8بيتة حملاصرة ا8خ البشري من قبل علماء ا8عرفةومهندسي الذكاء االصطناعي وتكنولوجيا ا8خ واألعصاب. لقد استقر ا8قامأخيرا بظاهرة الذكاء حتت اجملهر «ا8علومـاتـي ـــ الـوراثـي» إيـذانـا بـانـتـهـاءاحتكار اإلنسان 8لكة الذكاءR وبالكشف عن طيف متـصـل يـجـمـع بـn ذكـاءاإلنسان واآلالت والنظم واحليوانات والفـيـروسـات واخلـاليـا وغـيـرهـا مـنRليبرز السؤال: كيف يتعايش إنسان عـصـر ا8ـعـلـومـات مـع عـا8ـه RالكائناتRومنازل ذكـيـة Rوشوارع ذكية Rمحاطا بكل هذا الذكاء من حوله: قرى ذكيةومصاعد ذكيةR وأدوات مطبخ ذكيةR بل دورات مياه ذكية هي األخرى. إنها

    بn اإلنسان وآلتهR وما أدت إليه هذه اآللة وذكاؤهاsynergismRالتعاضدية مزيج مثير للقاء الطبيعي والصناعيR يصعب التكهن ا سيؤول إليه حتى

    على ا8دى القريب.وفي النهايةR ما كل هذا الذي يجري من حولنا? أليس لنا أن نصدق قول

    : «آن لنا أن نعترف بأن الزمان اختلف». ولكن أين هي يا شاعرنا(*٧)الشاعرتلك اخليول التي كان وقع أقدامها يصنع اآلمال?!!. فلم يعد لهذه اخليـولRولينج بنفسه من يستطيع Rموقع قدم على طريق ا8علومات الفائق السرعةوال عاصم اليوم من إعصار ا8علومات إال بأن نلهث لنلحـق بـا8ـركـبـة; فـقـدصار شعار هذا العصر: فلتلحق أو انبطح أرضا ليدهمك الركب ا8نطـلـق.

    خالصة ا8قال: حلاقا أو انسحاقا.

    ٣:٢:١ ماذا جرى لنا؟تتضمن هذه الفقرة والفقرات التالية كثيرا من احلقائق ا8زعجةR والتي

  • 30

    الثقافة العربية وعصر ا�علومات

    را يرى البعض فيها نزعة تشاؤمية متطرفةR وإلى هؤالء نقول: هل يجديدفن الرؤوس في الرمال في عصر شفافية ا8علومات? ويؤمن الكاتـب كـمـايؤمن كثيرون غيره أن زهور التفاؤل تنبت عادة في شقوق الوقائع. ولنستهلحديث «ماذا جرى لنا?» بقول عامR تؤكده شواهد عديدةR مؤداه: أن أداءناأدنى بكثير من قدراتناR وما حققناه أقل بكثير ا أنفقناهR وحماس األغلبيةالعربية إلحداث التغيير ال يحتاج إلى دليلR فما من لقاء عربيR إقليمي أوشبه إقليمي أو قطريR إال وترتفع األصوات ا8طالبة بالتغيـيـرات اجلـذريـةوإشاعة الدوقراطية والتصدي للبيروقـراطـيـة ومـا غـيـر ذلـك. والـسـؤالاحملير هنا: كيف يتسـرب كـل هـذا احلـمـاسR ويـتـبـدد كـل هـذا اجلـهـد فـيالسراديب ا8ظلمة? وعسى لظلمتهـا أن تـنـقـشـعR حتـت األضـواء الـكـاشـفـة

    لتكنولوجيا ا8علومات.واآلن عودة إلى حديث تشظي النصوص زوجا بآالم اجلروح:

    ماذا جرى لنا في وسط هذه ا8وجة من التكتالت العا8ية واإلقليمـيـة-السياسية واالقتصادية واإلعالمية والتكنـولـوجـيـةR لـنـعـجـز حـتـى اآلن عـنالوصول إلى صيغة احلد األدنى لتكتل عربي لم يعد ــ كما يؤكد الكثيرون ــمن قبيل احلمية القوميةR بل مقوم أساسي إلحداث التنمية ومواجهة حتدياتالعو8ة? وال يتحرج البعض عندما يصــرح بأننــا فــي حاجــة إلى «عوربــة» العــو8ةR ونحــن نتفــهـم دوافعــهمR إال أننــا ال نرى «عوربــــة دون عـو8ـــــة» أو«عو8ــة دون عوربــة»R وللحديــث بقيــة في الفقرة ٣:٣:١ من هذا الفصل.

    وكيف فشلنا إلى اآلن في إقامة نوع من احلوار االجتماعي بn حكوماتناوشعوبها? وهل لنا بناء على ذلك أن نصدق ما يتردد على ألسنة البعض منRأن حكوماتنا قد باتت في عصر العو8ة أصغر من مواجهة ضغوط اخلارج

    وأكبر من التعامل مع مشكالت الداخل (٩٦:١١٦). ماذا جرى لنا لكي ينضب فكرنا على هذا النحو في معظم مـجـاالت-

    الثقافة: فكر اللغةR وفكر اإلعالمR وفكر التربيةR وفكر اإلبداع? و8اذا فشلتمجتمعاتنا في أن تصنع فالسفة كبارا يقيمون لنا صروحا فكرية شاملةR أوحتى فالسفة صغارا ينظرون لنا بعض جوانب اخلاص العربي? وهل تكفيتلك ا8بادرات الفردية اجلسورة على يد الناحتn في الـصـخـرR مـن أمـثـالعابد اجلابري وأمn العالم وحسن حنفي وبرهـان غـلـيـون ومـحـمـد أركـون

  • 31

    العرب وحوار الثقافة والتقانة

    وتركي احلمد وجورج طرابيشي وأمثالهم? وكيف جند من بيننا من ال يزال يرى حقوق اإلنسان والدوقراطـيـة-

    أمرا غربيا ال شأن لنا به? في حn يسعى العالم حاليا إلى توسيع مـفـهـومالدوقراطيةR وتأصيله ا يتفق ومطالب عصر ا8علومات ووسائلهR وترتفعرايات الدوقراطية في أفريقيا وجنوب شرق آسيا وأوروبا الشرقيةR فـيحn نرضى نحن بدوقراطية احلد األدنى أو دوقراطية «الالديكتاتورية»Rإن جاز التعبير. لقد فشلنا في أن نلحق وجات الدـوقـراطـيـة ا8ـبـكـرةفهل لنا أن نزج بأنفسنا في حشد جموعها ا8تأخرةR وأن نـدرك أن هـنـاكتناقضا جوهريا بn غياب الدوقراطيةR ووفرة ا8علوماتR وهو مـا ـثـلتهديدا حقيقيا الستقرار النظمR ولتكن لنا عبرة من انهيار االحتاد السوفييتي.

    وما هذا الذي يفوق مؤسساتنا اإلعالمية عن أن تدرك هـي األخـرى-Rمغزى تكتالت اإلعالم العا8ية فلم نر حتى اآلن اندماجا وال حتـى تـعـاونـاومصدر قلقنا هو أن تتحول مؤسساتنا اإلعالمية تدريجيا ــ بشكل مباشـرأو غير مباشر ــ إلى وكالء 8ؤسسات هذه التكتالت. ألم يحن الـوقـت بـعـدلنؤمن بأن نهضة اإلعالم ليست فقط في إقامة القنوات الفضائيةR وإطالقاألقمار الصناعيةR واستيراد أحدث ا8طابع الصحافية? فاألهم من ذلك هوالقدرة على إنتاج رسالة إعالمية مبتكرة ونافذة. فال يخفى عـلـى أحـد أنصحفنا عالة على وكاالت األنباء العا8يةR وأن استيراد البرامج التليفزيونيةهو الوسيلة الوحيدة 8لء ساعات اإلرسال لديناR وأن معظم إذاعاتنا ا8وجهة

    تبث وال تستقبل. وما كل هذا احلديث الذي استهوانا عن النمور اآلسيويةR حتى نسينا-

    معه ذلك النمر العلمي ــ التكنولوجي ا8تربص بنا على بعد كيلومتـرات مـنحدودنا في فلسطn ا8غتصبة? وكيف جعـلـنـا مـنـه ثـقـبـا أسـود يـعـرف عـنشؤوننا أضعافا مضاعفة عما نعرفه نحن عن شؤونه. مـا نـخـشـاه هـنـا أنتكون العتمة ا8علوماتية التي نعشى بها داخل ديـارنـاR قـد وجـدت طـريـقـهـا

    خارج حدودناR تعوقنا عن معرفة غيرناR ومعرفة ذاتنا بالتالي. 8اذا تنسخ بعض دولنا استراتيجية أمريكا فيما يخص اإلنترنت وطريق-

    ا8علومات الفائق السرعة? وهي االستراتيجية التي تـعـطـي األولـويـة ألمـورالتجارة اإللكترونيةR ال أمور التنمية االجتماعية األكثر أهمية. فـي الـوقـت

  • 32

    الثقافة العربية وعصر ا�علومات

    نفسه الذي أبدى فيه الكثيرون في أوروبا حتفظات شديدة على هذا النموذجاألمريكيR مطالبn باستراتيجية مغايرة لإلنترنتR تعطي األولوية الواجبةلالعتبارات االجتماعيةR والتنمية الثقافية (٣٣٠). بل ترتفع األصوات داخلأمريكا نفسهاR مطالبة بحلول أقل كلفةR تقوم احلكومة بـدعـمـهـا لـتـضـمـنقـدرا مـن ا8ـسـاواة فـي حـقــوق االتــصــالR واالســتــفــادة مــن تــكــنــولــوجــيــا

    ا8علومات(٢٥٣). وما كل هذا االنزع