alrihla magazine final

Upload: zaid-fattuhi

Post on 29-Jun-2015

1.813 views

Category:

Documents


18 download

TRANSCRIPT

Founded Sponsered مؤسسها وراعيهاحممد اأحمد ال�سويدي

Mohamed Al Sowaidi

Edetor in Chief رئيس التحرير

اح نوري اجلر

Nouri Al Jarrah

Consulting Edetor مدير التحريرعلي كنعان

Ali Kanaan

اإلخراج الفنيناصر بخيت

كتاب العددجونسن دنيس السويدي، أحمد محمد عبد كنعان، علي خالد، محسن ديفس، منقذ، بن أسامة خلدون، بن الرحمن ،شاكر غيفارا، إرنستو باشا، علي محمد لعيبي، أحمد إبراهيم الفقيه، علي بدر، علي مصباح، شاكر نوري، تيم ماكنتوش - سميث، املقدسي املسعري، دلف آبو اجلراح، نوري

البشاري، محمد الشحري، نوري اجلراح

التدقيق اللغويأمين حجازي

التصويرمحمد أحمد السويدي، محسن خالد،

نوري اجلراح، خليل النعيمي، كمال بستاني

حدثا تكون أن لها نريد الصحفية، وخطتها شكلها في المجلة هذه الرحلة نوعها ألدب األولى من أنها العربية. سيما الصحافة تاريخ في في اللغة العربية. ستصدر شهريا لتكون منبرا يغطي األخبار والكتابة

والفنون الخاصة بالسفر واالكتشاف.والصور والرسوم باالستطالعات الرحلة مجلة ستحفل وبالتالي والخرائط المعاصرة عن السفر وأدبه وفنونه، فتقرب البعيد، وتضيء على المجهول، وتجعل القاريء العربي يقوم برحالت في العالم والناس

والمدنية والطبيعة.مع كل عدد، وعلى رأس كل شهر، تشرع مجلة الرحلة نوافذها على العالم وما يذخر به من ثراء وتقدم علمي وأدبي وفني وعلى صعيد إنساني، وفي الوقت نفسه تفتح نافذة على الماضي لتنقل إلينا أخباره لنا لتنقل والوسيطة، القديمة والحضارة والتجارة السفر عبر طرق قصص السفر والمسافرين وكيف تطورت عالقات العرب بجغرافية العالم

بحرا وبرا، وكيف قدموا أنفسهم للعالم وتفاعلوا معه عبر العصور.خطة المجلة تنهض على تبويب مبتكر وحيوي ففي تبويبها مثلا هناك: سكك دبلوماسية، استشراق، تجارة، مدن، أسواق، مسالك، أشرعة، حديد استكشافات، فلك، مواصالت، هجرة، حياة طبيعية، آثار، رواد، رحالت قديمة، سندباد الجديد، أدوات، يوميات، جزر وبحار، كوارث، خزانة الرحلة، فوتوغراف.. وغيرها من األبواب. وهناك ملفات شهرية،

وخرائط، وأقراص موسيقا وأفالم وثائقية توزع مع المجلة شهريا.وسيكون من شأن هذه المجلة أن تنشر يوميات الفائزين بجوائز ابن بطوطة للرحلة المعاصرة الذين أرسلهم المركز في بعثات حول العالم. األعمار مختلف من العربية قراء إلى الوصول المجلة تهدف أخيرا، والمرجعيات، بما يغطي مساحة واسعة منهم، وتحض األجيال الطالعة على السفر للسياحة والمتعة والمعرفة وإقامة الصالت مع اآلخرين بما يساعد على رفع االلتباس وردم الفجوة المعرفية والنفسية بين العرب

والعالم.

املحرر

From The Editorمن املحرر

الرحلة

92 122 50

741611238

الأبواب والزوايا:

أطياف، كلمة من احملرر، البريد، فوتوغراف، سندباد، 24 ساعة، صفحة

من، غرائب األمصار، كتب، إيجاز، حملات، زيارة، رسالة، احلوار

الغالف:

حجر في ميناء سمهرم وعليه كتابة بحروف املسند - تصوير: نوري اجلراح

ال�شرتاكات

سنويا: الوطن العربي 30 دوالر . األمريكيتان: 40 دوالر. آوروبا: 35 يورو

ترسل قيمة االشتراك مبوجب حوالة مصرفية على عنوان املجلة.

ثمن النسخة: 2٫50 دوالر للوطن العربي، 3 يورو أو ما يعادلها في آوروبا

16 رحلة يف اإيطاليا النه�شة العبور من بوابة دافن�شي - حممد اأحمد ال�شويدي

38 الو�شول اإىل زنزانة مانديال ال�شجني الأكرث حرية يف العامل حم�شن خالد

50 الرحلة ال�شماوية يف اأر�ض الرباكني ت�شيلي: �شريط القاع املح�شور بني الآنديز واملحيط - خليل النعيمي

74 يوميات دراجة نارية رحلة اإرن�شتو ت�شي غيفارا يف اأمريكا الالتينية

92 يف ب�شتان ابي �شامل العيا�شي - �شور وحكايات

122 ظفار يف حتفة النظار عر�ض حممد بن م�شتهيل ال�شحري

112 اللقاء العجيب بني العامل وال�شفاح ابن خلدون يف �شيافة تيمور لنك عند اأبواب دم�شق

www.alrihla.com

45 الرحلة دي�شمرب 2010

Mailالربيد

واسمه اجلغرافي لألدب العربي املركز تآسس األدبي "ارتياد اآلفاق" مطلع سنة 2000 في محاولة عـــربيـة جتمــع علمـــاء ودارســـــي املشــرق واملغـــرب، إلحياء االهتمــــام بأدب الــرحلة وبثقافة العلقة مع ونشـــر بتحقيق مختص ربحي غير وهــــو املكــــان يوميات عن والكشف الــــرحلة، أدب كالسيـــكيات وصوال القـــرون، عبر واملســـــلمني الــــعرب الرحلة إلـــى مــدونات الرحــــالة في القـــــرنني التاسع عشر

والعشرين، والرحالت املعاصرة.

املركز العربي لالأدب اجلغرايف

www.alrihla.com

اأعمال التحقيق والتحرير والبحث

جائزة ابن بطوطة لالأدب اجلرايف

ندوة الرحالة العرب وامل�شلمني

دار ال�شويدي النا�شرة لأعمال املركز

Abu Dhabi Office::

tel: 00971263287

fax: 0097126214311

P.O. Box: 44480 Abu Dhabi

Email:[email protected]

London Office:

Telefax: 004402089920507

Adress: 50Sussex SQ

London W2 2sp UK

الإعالنات:

Vono Marketing فونو للت�شويق

Email» [email protected]

القرية الإلكرتونية

موقع «امل�شالك« على �شبكة النرتنت

www.almasalik.comموقع الوراق على �شبكة النرتنت

www.alwaraq.com

اإ�شافة عاملية

إن مشروع تحقيق الرحالت العربية يعد مشروعا نوعيا لما فيه من جوانب مطلوبة

مرحليا، منها أن هذه الرحالت، وقد تحقق منها أربع إلى اآلن وهناك الكثير في طريقه إلى

المعالجة، ستبين كيفية تعامل العربي مع اآلخر المتقدم لجهة

منجزه الحضاري التقني أو الثقافي وكيفية احترامه له على

الرغم من عدم االتفاق معه في المنهج الفكري والبناء المنطقي

مثلا، ومدى إنسانية الرؤية لدى الرحالة العربي وهو يكتب عن

مجتمعات تخالفه في طريقة التفكير والمعتقد، وتطلعاته

ليكون رصيفا لهم مع االحتفاظ بتمايزه عنهم من حيث غائية اعتماره للوجود وسعيه فيه..

الخ؟

شهور من التأسيس صدرت عدة رحالت منها رحلة العالمة ابن

خلدون، والتي كانت ملحقة بتاريخه، هذا بخالف العديد من

الرحالت التي تمت في العصر الحديث.

عالء عريبيجريدة الوفد / 30 يوليو

اإحياء اأدب الرحلة

أدب الرحلة ليس جديدا في الثقافة العربية، لكنه

يتجدد دائما برحالت الرحالة ومشاهداتهم وكتاباتهم

وتصويرهم واكتشافاتهم لمناطق مجهولة في الجغرافية العالمية.

»دارة السويدي الثقافية« حققت هذا التصور عبر ثالث دورات،

وأعادت إلى الحياة نصوص الرحالت إلى مكتباتنا العربية

أصقاع األرض ونشروا العلم ورجعوا ومعهم علم آخر ومعرفة جديدة بأقوام أخرى وحضاراتهم.جهاد الخازنالحياة / 18 مارس 2001

كلما قراأت ال�شم

ال اخفي هنا فرحي كلما قرأت االسم األدبي لهذا المركز »ارتياد

اآلفاق« فهو اسم على جسم وعلم على فكرة إلى أبعد الحدود، لما يجسده من معاني المغامرة مع نصوص السفر بحثا وتحقيقا

وإبداعا ونشرا في مضمار طال إهماله، بل وطالما اعتبر شأنه صغيرا، هو مضمار علم وأدب طالما شغفت به، وألفت فيه

أكثر من كتاب منذ أواسط القرن الماضي، وقد طال الوقت حتى

ولهذا ننظر إلى مشروع تحقيق هذا العدد الكبير من المخطوطات

الغنية للرحالة العرب على أنه مشروع ثقافي فكري علمي، يحمل قيمة معرفية عالية، سيكون إضافة إلى المكتبة العربية، وربما، إذا قيض له

عملية ترجمة دقيقة، سيكون إضافة عالمية..

محمد حسن الحربيصحيفة الخليج/ 17 أكتوبر 2001

مغامرة الأوائل

إن مشروع نشر أدب الرحالت العربية الذي اضطلعت به دار

السويدي ومركزها ارتياد اآلفاق لهو عمل جليل وحدث ريادي

في الثقافة العربية لما فيه من كشف عن مغامرة األوائل من الرحالة العرب الذين جابوا

بأكثر من طريقة.وارد بدر السالمالمرأة اليوم / أبوظبي 10 ديسمبر 2005

قدميا وحديثا

»ارتياد اآلفاق« هو االسم الذي تحمله سلسلة من المنشورات

المكون من يوميات وقصص مغامرات ودراسات وبحوث.

من خالل هذه السلسلة يريد »المركز العربي لألدب

الجغرافي« أن يثبت بأن العرب كانوا منذ القدم منشغلين

بمغامرة ارتياد اآلفاق.كما يطمح إلى إعطاء دفع إضافي

إلى الجدال اإلصالحي الدائر حاليا عن طريق كتب الرحالت

القديمة والحديثة.جوليا غرالخQantara.de

صارت لهذا األدب مؤسسة عربية تعنى به. بينما تأسست له في الغرب جمعيات ومراكز بحث ودور نشر مختصة منذ مطلع

القرن التاسع عشر.نقوال زيادةبيروت أواخر 2005

جائزة ابن بطوطة

جائزة ابن بطوطة« أول جائزة ألدب الرحالت في الوطن العربي، خصصتها »دار السويدي للنشر«

التي أسسها الشاعر اإلماراتي محمد أحمد السويدي ويشرف

على سلسلة أدب الرحالت الشاعر نوري الجراح، وقد

تم تأسيس دار النشر خصيصا إلصدار كتب الرحالت العربية

سواء القديمة أو الحديثة، وبعد

هاتان الصفحتان مخصصتان لنشر المالحظات واألفكار واالنطباعات التي تصدر عن القراء حول المجلة ومشروعها في أدب الرحلة.

قدمنا هذه الزاوية على غيرها من الزوايا تقديرا للقراء واهتماما بمالحظلتهم وآرائهم. في هذا العدد ننشر استثناء آراء بمشروع ارتياد اآلفاق

كانت قد نشرت في الصحافة العربية.

ب عنوان خالا

»ارتياد اآلفاق« عنوان خالب لمشروع طموح والفت يتقصى

أدب الرحلة العربي من ابن بطوطة وابن جبير إلى آخر

رحالة عربي دون رحلته في كتاب، ينطلق المشروع من فكرة

جوهرية هي الحوار مع اآلخر ومعرفته، فإذا كان الرحالة الغربيون قد سعوا بقصد أو

بغيره إلى تنميط الشرق وإنتاج صورة تصوغ إحكام القبضة

عليه فإن هاجس الرحلة العربية البحث عن الجديد واآلخذ بمعطيات التطور والحداثة.

زياد بركاتفضائية الجزيرة الدوحة 11/ 12 / 2006

الرحلة دي�شمرب 620107

فوتوغرافاأ�شرعة SailsPhotograph

ثقافة العبور اإىل الآخر

أخيرا، مجلة الرحلة، في عددها األول. وهذه هي الصيغة التي تطلعنا إليها، لتكون لنا مجلة جديدة من نوعها في الثقافة العربية املعاصرة.

كل شهر تصدر فيه »الرحلة« نريد أن يقوم القاريء العربي برحلة في املعرفة واملتعة واملؤانسة. ففي عالم هيمن عليه التلفزيو، وتراجعت أمامه الكلمة، بات على حراس

الثقافة العربية أن يطوروا عالقة الكلمة بالصورة، وأن يوظفوا هذه العالقة في خدمة وعي راق يبنونه في األجيال اجلديدة املهددة بنوع من الصور االستهالكية السلبية.

مجلة الرحلة، ستعطي، وللمرة األولى مكانة مميزة للصورة، وتظفها بطريقة جتعل من العدد معرضا للفنونن البصرية يعانق متحفا ممتعا من فنون الكتابة في أدب الرحلة. بعد ذلك، املجلة ستكونن الواجهة اجلمالية واإلعالمية الراقية ملشروع »ارتياد اآلفاق«

الذي بنيناه لبنة لبنة على مدار السنوات السبع املنصرمة. ستسعى املجلة، أساسا، إلى تكريس أدب عريق ومهمل في الثقافة العربية، هو أدب العالقة مع املكان والعالقة مع

اآلخر، في محاولة جادة إلعادة االعتبار لثقافة امللموس واملعاين واملستدرك بالوعي الفردي والذائقة الشخصية واحلركة في اجتاه اآلخر. لم يعد مقبوال أن نرى العالم،

نحن العرب، بعيون غيرنا، وحتديدا بعيون غربية. علينا أن ننهض لرؤيته بعيوننا. السفر في العالم يتيح لنا ذلك، ومجلة الرحلة هي مجلة هذا السفر. فهي سوف تتيح

فرصة حقيقية للمبدعني املولعني بالسفر وكتابة اليوميات، وللمصورين العرب الفنانني لكي يستأنفوا اإلبداع في حقل فني ثقافي عربي انقطعت ذخيرته، ومن شأن إحيائه

واستئناف العمل فيه أن يترك أثرا كبيرا في ثقافتنا العربية احلديثة، وفي عالقة العربي بنفسه وبالعالم.

لذلك فإن مجلة الرحلة سوف تعني في خطتها بأدب الرحلة املعاصرة، باليوميات، بالريبورتاج الرحلي، بفن تصوير املناظر الطبيعية والظواهر واخلبرات اإلنسانية

املختلفة، برسم األمكنة »باختصار« بكل ما يرتبط باملكان من أدب وفن على ما في ذلك من غنى وتنوع وقدرة على املفاجأة.

بصدور مجلة »الرحلة« تكتمل حلقات مشروع »ارتياد اآلفاق«، وتتأس الواجهة اجلمالية واإلعالمية للمشروع، الذي بدأناه بسلسلة كتب الرحالت، و«جائزة ابن بطوطة لألدب

اجلغرافي« بفروعها املختلفة، و«ندوة الرحالة العرب واملسلمني: اكتشاف الذات واآلخر« وهي املنتدى السنوي للباحثني العرب في أدب الرحلة معاربة ومشارقة.

وكان قد سبق هذه األعمال زمنيا موقع الوراق على شبكة االنترنت، وهو يحتوي على سلة متكاملة من األعمال واملشروعات التي تربط الثقافة العربية حاضرا وماضيا

بالتكنولوجيا احلديثة، وتعيد تقدمي هذه الثقافة بلغة العصر. مجلة »الرحلة« هي املنبر العربي لثقافة الرحلة، وهي بامتياز ثقافة العبور إلى اآلخر، والتفاعل بني احلضارات.

وصدورها في حد ذاته دعوة إلحياء احلوار بني الثقافة العربية والثقافات األخرى.

حممد اأحمد ال�سويدي

اليافطة �رشاع والعامل على ال�سلم بحار يف مدينة.

�ساب ن�سيط يف و�سط باري�س ي�سعد ال�سلم لين�رش يف

هواء املدينة خربا جديدا.

كهول و�سيوخ يف �ساحة مدينة تيهرت، حيث جالت عد�سة »الرحلة«، والتقطت �سورا وم�ساهد من املدينة التي

طاملا مر بها التاريخ وذكرها املوؤرخون، يف جهة من جهاتها اخل�رشاء العامرة بالأ�سجار املثمرة وا�سجار الزينة،

توجد مغارة. هنا اعتكف العالمة ابن خلدون وكتب املقدمة.

الرحلة دي�شمرب 82010

غافيا وأنا أمشي خلف الظعون. والصوت يتردد من ذيل إلى ذيل: عند غياب

القمر نمرح )من المراح، ال من المرح(! ويهزني الهازوز، برفق: ال تنم، يا خليل! يقول الرجل الراكب قدميه الحافيتين،

لصق امرأته الطرية التي تلتهم المسافات بصمت! وفجأة ينطلق الصوت منها، قلقا:

حمد، وصلنا، الوغد )أي الطفل( نام! قالت وهي تسندني من الوقوع في الفراغ.

وأفتح عيني، وال أرى سوى القمر، وبي رجفة من برد ليل الصحراء الخاتل في

الجو! عالم جئت، مرة أخرى، إلى هافانا؟ اختفى القمر، وعلي أن أختفي!

ما هذا الهباء األعظم؟ ما هذه الروعة؟

خليل النعيمي - طبيب وروائي من سوريا

اأدخل تركياهل يمكن التخلص حقا من ثقل ذاكرة

التاريخ الرابض فوق المدينة؟ هل تتخلص البنايات والمعالم والجدران والحجارة

من وهج األحياء الذين التصقوا بها في يوم ما، في زمن ما، ومن الوقائع وألحداث

التي صاغتها على تلك الشاكلة؟ أال تلبس األرواح بالمكان وتظل تهيم فوقه مثل

إشعاعات تحت األحمرأو فوق البنفسجي؟ أليس اتصالها بنا هو الذي يستثير ذلك

الحشد من الخواطر الذي يجعل محتويات ذاكرتنا تنهض للحضور مجددا؟ أمام حديقة غولهانة يقف شاب أوروبي

قمر هافانا

رأيت القمر، أخيرا فابتسمت. قمر يعلو هافانا بصمت. يقف فوقها مثل صورة مرسومة في الفضاء. الهواء ساكن، واألضواء وكأنهم بعناء أجسادهم يجرون بهدوء. يمشون والناس خافتة، يريدون أن يناموا في المكان. وأقف بعيدا عنه، قمر صحرائي القديم، حين كنا نسري لنستقي الماء من عيون الجبل السرية، ونعود إلى

الفيء قبل سقوط القيظ. أقف في مساء هافانا البديع، وأنا أمشي.الكائنات العدم. من نفسه الكون يستحضر "ترانزيتو"، في شارع البسيطة التي تبدو متوحشة من شدة بساطتها، تتطلع إليك، وأنت المملوءة أعراضها تخفي ال البائسة شيخوختها مذهولا! تمشي بالقشف. وهي ال تتسول العطف منك، حتى ولو خيل إليك ذلك. إنها تحتفي برؤية الغريب، مسرورة لمروره، وكأنها ال تريده أن ينساها. أحد من عالم آخر! عالم ما وراء البحار الذي غمرها بهمجيته، وهو أال تدرك نبي! الغريب المستعمرين. لكأن العكس، مثل كل يدعي هذا؟ ألم يأتها المبشرون من وراء تلك البحار، ذات يوم؟ ولربما كان

ذلك الكذب هو ثمن االنتصار المجيد الذي تحول إلى موت!أعرف "جبهة الكتابة". جبهة الكائن الصغير الذي يمأل رأسه بالكون. يختلق المشاكل التي لم يعان منها، يوما، ليحلها، من أجل أال تفيد أحدا آخر. إحساس مريع، مثل هذا، مأل نفسي، وأنا أرى إلى جاري الضامر الذي انكب على دفتر صغير، يرتب فيه مقدمات المسألة، "إنغالتيرا كافتيريا في مثلي، جالسا، الالمتناهية، حلولها ولواحق الغريب، القلم. عن طويلا، زمنا لجمني، ما وهو الشهير! هوتيل" أنه قام من جانبي، وخرج من المكان كالملسوع، منذ أن رآني أبدأ

ر بها! الكتابة. إننا ال نكتب بلغة واحدة، ولكننا نفكفي الليلة الثالثة، أبدل مكاني ألصبح في مواجهة القمر، من جديد. قمر كامل التدوير. ضوؤه فضي ناصع. يتصدر الفضاء العلوي، بأبهة. ذيل ماسكا القديمة، البوادي في وأراني لي! أنت لـ"هافانا": يقول

فرسي الدهماء.

�شندباد اجلديد

وراء عدد كبير من الكتب المعروضة مباشرة فوق الرصيف. قال لي إنه طالب إيرلندي، يدرس الموسيقى في إيرلندا، أو في بريطانيا، لم

أعد أذكر ذلك بالتحديد. وهو يعيش لشهور عديدة متجوال عبر المدن والقرى التركية، يستمع إلى الموسيقى ويبيع الكتب القديمة. وقعت

عيناي على كتاب باللغة األلمانية وإذا هو أنطولوجيا شعرية تضم مختارات شعرية لخمس وستين شاعرا تركيا منذ القرن الثالث عشر حتى العشرينات من هذا القرن، ومن أشهرهم: يونس عمري المتوفى سنة 1321 وهو شاعر صوفي من تالمذة موالنا جالل الدين الرومي. ومن أجمل قصائده: »لماذا تبكي أيها العندليب؟ » والقاضي برهان

الدين المتوفى سنة 1398، والنسيمي المتوفى سنة 1405، واألمير شام، وسليمان شلبي، وبير سلطان عبد اهلل، والفوضولي، ونديم المتوفي

سنة 1730، ويحي كمال البياتي، وغيرهم. قلت: ها أنا أدخل تركيا من هذا الباب البديع! وكدت أنسى مجددا لغط الحاضر من حولي.

علي مصباح - كاتب من تونس مقيم في ألمانيا

ذلك النور البعيدالرحلة هي البحث عن سعادة النهار في خرائط المدن، البحث عن

المكان الذي يثير كل ما هو شهواني وأرضي في تجربة الغموض التي يكشف عنها، والقلق واالنفصال ا سد، والمدن التي تختزل في تعاقب وتركيز وكثافة وتتفجر صورا. الرحلة تجدد المدن بالنظرة وبالروح..تغيرها وتنعشها، تجعلها متجددة ألنها تعطيها قيمتها، فمدننا التي نألفها

وال نراها سنراها مرة أخرى بعيون اآلخرين، بعيون الرحالة الذين يهبونها صورة جديدة ونظرة عميقة، سنراها نحن أيضا على خالف

ما كانت تبدو لنا، وهكذا سيرى اآلخرون مدنهم التي ألفوها بعيوننا. الرحلة منذورة للشعر من جهة ومنذورة للحقيقة من جهة أخرى،

وهذا التوتر والصراع يمنحها جوهرها الوجودي، يعطيها روح الكائن، أي أن المكان يبطل أن يكون فضاء خاليا أو مادة أو جمادا، ويتحول إلى كائن

حي يعيش ويتنفس. الرحلة تمنح المكان مفاتيح الفردوس، مثلما المكان يمنح النص أبديته الحية ويجدده، فالمكان الذي يتجدد عبر النص يؤثر في النص، يمنحه صورة جديدة ومعجما جديدا ونسقا إنشائيا جديدا، إنه يجدده ويثريه، ويغنيه بالصور واألحداث والعواطف. وهكذا كان

الشعراء يسيحون بحثا عن مكان يجدد لهم معجمهم وصورهم وحياتهم.

هذه العالقة المتبادلة بين النص والمكان هي النصر الحاسم على

الموت، موت اللغة أو موت المكان، كما أنه تجديد لحوار الكائن مع

مخلوقاته ومع خالقه، إنه النور... النور األبدي الذي يأتينا من هذه الجهة ونرى تأثيره على التراب...

كيف نكتشف المكان، المكان البعيد، والنائي بعيدا عن عاديته، وبعيدا

عن كل ما يجعل منه مألوفا، أتذكر اآلن وصولي األول إلى اسطنبول، كنا نسير على ضفة من الحصى

قرب البحر، وكان الظالم دامسا، وفي الغسق الشفاف كان رذاذ البحر يضرب

وجوهنا، انتابني تلك اللحظة شعور غريب، شيء أشبه بلحظات نسيان

أو نوم، حركة الظالم التي تسقط في المياه العميقة في البحر، صوت

الصخرة التي يضرب بها الموج، وهذا العشب الغضر والذي كنت أجاوره

بحذائي، أحسست بدماء عنيفة تنبض في داخلي، تدفع عني الضعف

والنوم والخور والنسيان، شيء يلهبني يجعلني أركض أو أنغمر بالماء..أتحد

بالبحر والفضاء والرمال ...الرحلة ببساطة هي هذه...الرحلة تمرين حي على الشعر.. تجديد وانبعاث للجسد

مثلما يجدد الشعر بفعالية جسد اللغة ويمنع عنها التكلس والموت...

مثلما يهزها أو ينفضها بقوة ويجعلها نابضة فتية تتالئم بشكل فتان مع

عواطفنا..الرحلة هي الشعر، أي بمعنى آخر هي إخالص للمعرفة والتحرر،

شيء يضاء في الروح وفي الدم واللحم، دروب تنار من جديد تمنحها

نظرة متجددة. والرحالة شاعر تائه تسيطر عليه فكرة عمر اإلنسان

وعمر األرض، وروح المكان.

علي بدر- روائي من العراق

The New Sinbad

الرحلة دي�شمرب 10201011

مقالة له نشرت في »المجلة الجغرافية« عام 1925. لذلك تسابق كل من برترام توماس وجون فيلبي في ثالثينيات القرن العشرين من األلفية الثانية لعبور الربع الخالي، تلك الصحراء التي

سماها العرب األقدمون مفازة صيهد. لكن برترام توماس هو من فاز بإحراز قصب السبق حين

اجتاز بيداء الربع الخالي من صاللة حتى قطر عام 1931، تاركا لمنافسه جون فيلبي عكس رحلته

تلك باجتيازها بعد عام واحد فقط من الشمال إلى الجنوب. وقبل ذلك بكثير استطاع الرحالة جيمس ويل ستيد عام 1835، الذي لم يعبر الربع الخالي،

أن يرصد من قمة الجبل األخضر المشهد المترامي لذلك الربع قائلا في وصفه: »سهول شاسعة من

الرمال المتحركة الفضفاضة تمتد على مرمى البصر، والتي في اجتيازها حتى البدوي الشديد بالكاد يجرؤ على

المجازفة.«. لكن الرحالة البريطاني ويلفرد ثسيجر هو الوحيد الذي استطاع اجتياز تلك البيداء بشاعرية وحب قل نظيرهما، وبوصف لماح

لحياة البدو الذين رافقوه فشرب من مشربهم ولبس مالبسهم وتعلم لغتهم، في محاولة منه للتماهي مع حياتهم التي أسرته وأضحت ذكراه

الطيبة الوحيدة من هذه الحياة التي تتغير باستمرار وال تتيح ألولئك البدو إال أن يغيروا نمط حياتهم كما يروي في كتابه الشيق »الرمال

العربية« عن رحلتيه اللتين عبر فيهما الربع الخالي مرتين بين 1946 - 1948 منزعجا من هول المصير الذي سيؤولون إليه بعد اكتشاف

النفط في الجزيرة العربية.

محمد الحارثي - شاعر من سلطنة عمان

الق�شر ال�شيفي يف بكني العالم في وقتنا إمبراطورية موجودة في أكبر حديقة القصر يعد هذا أدرج ثقافية ومعمارية. وقد أكثرها جمالا وقيمة وأكملها و الحاضر, هذا القصر في قائمة التراث العالمي، وذلك في عام 1998, وهو يجسد خالصة الحدائق الصينية التقليدية، وجوهرها األساس. وقد بني بجوار جبل ساحر االخضرار، وعليه أيضا. و حتى تكتمل الصورة الجمالية لدى يشقوا لكي الفالحين و العمال آالف فقد جمع لونغ تشان اإلمبراطور بحيث يبدو الجبل وراء القصر والبحيرة أمامه. بحيرة واسعة أمامه,

�شوؤال املدينة

هل تكفي القواميس الباردة لتصف لحظة افتراق عن ميناء أو عن امرأة أو عن مدينة تركت فيها أحالمك؟ المدينة تسألك.. وأنت تسألها.. لكن ثمة من يفك أسرارها.

من أين نبدأ في الكتابة عن المدن؟أمن خرائط الجغرافيا أم من سجالت التاريخ أم من أرقام الدليل السياحي ـ كم هي مقيتة األدلة السياحية! - أم نبدأ من عيون

النساء؟ وهل يمكن أن نقرأ المدن من غير أن نقرأ عيون النساء؟

قال لي صديق ذات مرة: » ... ويا صديقي، فالمدينة مثل المرأة، ليست مستوطنة في

الجسد، بل هي مستوطنة في الروح... »ثم أضاف:

»من يصدق أننا نحب مدننا رغم أن مدننا هي كلها انهيارات القلب؟«

المدن هنا موجودة على الخارطة أمامي، أبصرها، أفتح أبوابها، لكني أرغب أن أكون فيها مرة واحدة.. وفي لحظة واحدة.

المدينة هاجس، يتشكل كبذرة في الوعي قبل أن تغزو القلب.ومدن المغرب العربي، هذا البياض الذي ما إن تدخل في دائرته

حتى تكتشف أنك داخل في مدن تركت قدسيتها لتصبح مدنا مألوفة، تتألق بشمس القادمين وتأفل بقمر العشاق.

في هذه النقاط القصية، تقترب من نفسك ومن غرائزك، تستقبلها باحات المنازل المطلة على السماء:

الرباط.. مدينة تتنفس برئة قرية. الجزائر تنفتح كجرح أو كفم على الفضاء.

قرطاج.. ما تزال تبحث عن هنيبعل.طنجة تنظر إلى األندلس بحنين طارق بن زياد.. وإلى الصين

وسمرقند بحماس ابن بطوطة.

وهران تتذكر بألم أقدام الجيش اإلنكشاري والغزاة اإلسبان

والمستعمرين الفرنسيين دون أن تنسى الطاعون.

والقيروان تتألق بالمجانين . وفاس.. تؤدي بك أزقتها إلى المتاهة.. متاهة الذاكرة والكتابة.. ابن عربي

وابن خلدون وابن باجة.وتلمسان.. مدينة الحرير والسبع

وثالثين منارة والحرير... وهمفري بوغارت يتذكر » كازابالنكا ».

وأصيلة تستعير لون أبواب بيوتها من زرقة السماء.

أما العرائش.. فقد اختارها جان جينيه، منزال فقيرا.. أمام البحر .

ما هي المدينة؟أنصنعها نحن أم تصنعنا هي؟

لنسأل المعماريين والبنائين.. ولم ال نسأل دواة الحبر.. وريشة الوراقين؟المدينة تأخذ شكل الحبر.. والحبر

يأخذ شكل الحروف. تبزغ هذه المدن في ذاكرتي كلما حاولت نسيانها..

وأتذكر أن لكل مدينة عطرا خاصا، هو عطر األم .

أليست المدن تولد من رحم الذاكرة؟واأللفاظ تولد من رحم دواة الحبر؟

شاكر نوري - شاعر وروائي عراقي مقيم في اإلمارات العربية المتحدة

يهد عبور مفازة �شمن المصادفات التاريخية التي سيبدو

سردها، هنا، ذا فائدة وطرافة هي أنه لوال مقالة لـ باكون يقترح فيها

إمكانية عبور الربع الخالي بالمنطاد لكان بيرسي كوكس أثناء رحلته بين »عبري« و«أدم« في العام 1905 أول من سيحظى من األوروبيين بريادة اكتشاف الربع الخالي بعد أن وافق رفاقه البدو على مرافقته في تلك

الرحلة، لكنه تراجع عن تلك الفكرة بعد أن قرأ تلك المقالة، كما يروي في

البحيرة القصر مع وتبلغ مساحة هذا حوالي ثالث مائة هكتار.

وتتكون هيكلية هذا القصر - اللوحة الجمالية البديعة - من

البحيرة السابقة بحيرة )كون مينغ(, التي تشكل ثالثة أرباع هذا القصر,

ومن جبل تغطيه غابات جميلة متناسقة، و يطلق عليه الصينيون:

)جبل العمر المديد(، وهو جبل متوسط االرتفاع مغطى بطبقة وفيرة

من النباتات المتناسقة, واألشجار القديمة التي ال تزال تحتفظ بجاذبيتها

وسحرها حتى اآلن. وهو يطل على بحيرة )كون مينغ(. وتتوزع

مقصورات هذا القصر على مساحة جبل العمر المديد، وهي في آية من

اإلبداع في التصميم، و الروعة في الجمال و الزخرفة والتصوير. وهي تقع بالقرب من باب القصر الشرقي, بجوار شاطئ البحيرة, وتجمع بين فخامة القصور اإلمبراطورية عبر

تشكلها التاريخي, وجمال الحدائق المشهورة في جنوب الصين, وروعة

هندستها وتخطيطها الجمالي المدهش. ومن أهم المقاصير الموجودة في هذا

القصر مقصورة )الفضيلة البوذية( التي تقع على قمة الجبل, وهي تعد

مركزا للقصر الصيفي, ورمزا روحيا ودينيا مهما جدا، حيث كان أفراد

األسرة اإلمبراطورية يتعبدون تقربا إلى بوذا داخل هذه المقصورة. وقد بنيت هذه المقصورة البوذية على قاعدة من األحجار الضخمة، وبلغ ارتفاعها أكثر من عشرين مترا.

وتتكون المقصورة من ثمانية جوانب، وثالثة طوابق يغطيها سقف قرميدي

مطلي بالمينا الخضراء والصفراء وهي من أهم رموز العمران اإلمبراطوري

الصيني.

من »رحلة بكين« - 2001محمد عبد الرحمن يونس

الرحلة دي�شمرب 12201013

أن والغريب جديدة.. أما لي وجدت رجعت ولما الفالنية مسكينة، الصديقة أن ألبي مرة قالت أمي فلنأخذها معنا في رحلة.. وهو ما حصل.. وخالل تلك الرحلة بدأت عالقة بينها وبين أبي.. كانت أمي طيبة القلب، ولم تفكر أن شيئا من هذا القبيل يمكن أن يحدث. دخلت في العائلة ونسفتها، عدت من مصر..

كما قلت.. ولم أجد عائلتي!ومع ذلك، فإن صباي المبكر أي أول ما جئت إلى لندن لم يكن سيئة.. بل كانت أياما وسنوات جميلة على

الصعيد العائلي. في أفريقيا لم تكن هناك أي عنصرية من الناس نحو إلى تكوينا. عدت أو ثقافة أو لونا عنهم المختلفين كامباال إلى أذهب لم لكنني كثيرة مرات وادي حلفا حيث عشت سنوات.. أيضا.. إنما زرت زنجبار.. ومن زنجبار سافرت إلى كينيا حيث كنت مرة في مدرسة داخلية، وهناك التقيت الناظر.. وسألني أنت كنت هنا؟ قلت نعم.. كنت هنا من سنة 1926 إلى 1932، فاستغرب كثيرا.. لكنني سعدت، وكنت أعتقد أن مدرستي كبيرة جدا.. كان لها ضخامتها في ذاكرتي ومخيلتي.. ولما دخلت إليها وجدتها أصغر بكثير مما كنت أتصور. تلك

كانت السنوات السعيدة في حياتي.

وصلت إلى إنكلترا قادما من إفريقيا وعمري 11 سنة، عائلتي مع رحلت ،1922 سنة كندا في مولود فأنا ثم السودان، في حلفا وادي فإلى القاهرة، إلى طفلا إلى أوغندا، بعد ذلك إلى إنكلترا التي لم أحبذ العيش فيها أبدا.. عندما جئت إلى ما كان ينبغي أن يكون وطني في األحوال الطبيعية.. لندن كانت مشاعري، قد وأرفض، وافضل أحب وما وتصوراتي وحواسي تشكلت وانتهى األمر.. والسبب أنني عشت طفولة في بيئة مختلفة.. كانت طفولتي غريبة ففي وادي لم يكن هناك أطفال حلفا ومصر مثلا كنت وحيدأ أصدقائي من السودان كان كل إنكليز غيري.. وفي أكثر الوقت ذلك في العربية أتقن وكنت العرب، يقرأ أن يعرف ال الذي لكن اإلنكليزية.. إتقاني من ويكتب العربية ينساها. لم أسعد بهذا االنتقال.. في إنكلترا يتحدثون عن المسرح والفن والحضارة.. وفي عندي كان أوغندا وفي عندي حمار كان السودان بفرح الحمار أركب كنت السودان في بسكليت.. كبير.. وكانت لي صور في النيل على ظهر مركب.. حياة بسيطة، بدائية، لكنها رائعة الجمال، فهي حياة مفعمة بالحرية. في إنكلترا حشرت في مدرسة كلها أوامر وضوابط ونواهي صارمة.. وكان الضرب ينزل لذلك الوقت. ذلك في بقسوة يضربوننا كانوا .. بنا كرهت المدرسة واشتقت إلى الحياة الحرة والعفوية في إفريقيا.. ولك ان تتخيل المصاعب النفسية التي الداخلية.. المدرسة في والناشيء بالطفل تحل أهرب أن الليل، وهكذا.. واستطعت إلى الصباح من بمعجزة.. ففي تلك الفترة من حياتي، لم أكن شاطرا في األلعاب الرائجة بين األقران.. كنت أجيد السكواش وحسب. فقد كانت أمي تحب هذه اللعبة ووجدت الذين جميع أن ..مع السكواش للعبة بطلا نفسي حرمني الناظر لكن مني.. سنا أكبر كانوا يلعبونها

حياة مفعمة باحلرية يف اإفريقيا

أوراق من طفولتي في وادي حلفا وإفريقيا

دينيس جونسون ديفز

البيئة اإىل تنتمي الرحلة م�صور عد�صة التقطتها ال�صور هذه اإن�صانها وخرب الربيطاين، الكاتب فييها عا�ش التي ال�صودانية

وجماليات طبيعتها، من وادي حلفا وحتى �صهول مملكة مروي

من اللعبة ألنني دون سن الـ 16 سنة. والدي الذي لم يكن يهتم بالرياضة.. زعل.. وقال للناظر: إذا لم تترك ابني يلعب السكواش سأخرجه من المدرسة. فقال له الناظر: لن أسمح له بممارسة اللعبة مادام صغيرا.. وهذا مخالف للقواعد، وال نستطيع تغيير القوانين من أجل ابنك! كانت معحزة ووقعت، فقد كنت أحلم لليال طويلة بالخالص من هذه المدرسة.. فإذا بوالدي الذي كان محاميا يومها يتسبب بخالص من تلك المدرسة.

لمنظمة سكرتيرا ليعمل لندن إلى والدي جاء وقد بالكتابة.، تهتم فكانت والدتي أما السيارات. كتبت ونشرت بعض األعمال األدبية. وقد اهتمت هي بدراستي، فقد كان علي ان أدرس واواصل دراستي لدخول جامعة كامبردج.. وقد حاولت ذلك في سن مبكرة.. فرفضت الجامعة.. قالوا أن علي أن أبلغ 18 سنة حتى يسمح لي بدخول الجامعة... وقد توصلت والدتي معهم إلى تسوية فدخلت في سن 16 سنة.. وخالل ذلك الوقت الفاصل دخلت لسنة في مدرسة وذلك العربية، ودرست لندن في الشرقية اللغات

سنة 1937.عندما كنت ما أزال في إنكلترا أذكر أننا كنا نسافر أمي وأبي وأنا بالسيارة ونمضي أسبوعين في فرنسا مثلا.. نشاهد الكنائس .. وكان هذا مملا بالنسبة لي.. إلى مصر. أسافر وأنا الفلوس أعطوني لهم مرة قلت وذات مرة فوجئت بأمي وأبي يوافقان، وكان عمري 14 سنة فقط.. وها هما يسمحان لي بالسفر إلى مصر في تلك السن.. رحت وسكنت في منطقة السكاكيني،

مستعرب بريطاني معروف يعيش في القاهرة، أول من ترجم رواية يوسف وتوفيق احلكيم وتوفيق صالح والطيب محفوظ لنجيب

عواد وغسان كنفاني وغيرهم

Hours 2424 �شاعة

الرحلة دي�شمرب 14201015

رحلة يف اإيطاليا النه�شةالعبور من بوابة دافن�شي . حممد اأحمد ال�شويدي

ـحة، بعد اإقامة ت�ساكلت لياليها فبدت طوال كليل العا�سقني. ا�ستجاب هريم�س لنجوى رق لها قلبه، فاأعارنا �سنادله املجن

الأجمل فكافاأته بهيلينا باأنها للربة فينو�س الذي ق�سى باري�س بن بريام بطل طروادة، املقد�سة ميممني ال�سنادل اإنتعلنا

بالويل والدمار على التي دارت رحاها لع�رش �سنني، وعادت الطروادي، وجتلب على وطنه احلرب الإ�سبارطية تديفء خمدعه

طروادة و�سعبها.

باح ق�سدنا اللوفر، وذهبنا لتحية الأمري الطروادي الذي ولد من راأ�س دافيد، وكذلك الإمرباطور املتوج وملا اأ�رشف علينا ال�س

اإيطاليا اإىل الفنون، فالطريق باأك�سجني للتزود الفن اأمة، وعرجنا على روائع اإىل ا�سم اإيطاليا من – الذي حول – نابليون تطول، ونحن يف حاجة للتعرف على الإرث املرتبط برحلتنا املاأمولة، وقد �سمه املتحف، فع�رش النه�سة الذي بداأ يف اإيطاليا

انتقل منها اإىل فرن�سا املرحبة باأنواره، وقد ا�ستقبلت مبدعيه وكبريهم ليوناردو دافن�سي الذي انتقل اليها، ولقى وجه ربه

فيها، خملفا وراءه للملك الفرن�سي وا�سطة عقد اللوفر وتاجه: املونا ليزا، وبها يبداأ الذكر اجلميل ويختم.

ها هي اإيطاليا تنادينا فليوناردو حار�س ميالنو ينتظرنا عند باب حجرة طعام دير القدي�سة ماريا ديلي غرات�سي ليك�سف

لنا بع�س اأ�رشار الع�ساء الأخري، وفيفالدي يقف اأمام كاتدرائية �سان ماركو�س ي�ستعد واأورك�سرتاه لعزف ف�سوله الأربعة،

وجولييت تطل من �رشفتها يف فريونا وت�سائلنا عن اخبار روميو، وراعوث اأم النبي مت�سح روؤو�سنا يف قد�س اأقدا�س متحف الفنون

املعا�رشة يف بولونيا، وال�سيدة مونتاجو حت�رش لنا الإ�سرب�سو على الطريقة اجلنوية، وبايرون يعد �سفينته البوليفار لياأخذنا

اىل رحلة يف خليج ال�سعراء برفقة �سيللي، اأما كاروزو، فقد وعدنا اأن يغني لأجلنا ثانية يف مدينته نابويل: »اأو �سال ميو«.

هنا يوا�سل حممد اأحمد ال�سويدي رحلته الإيطالية، اإنها رحلة من بوابات خمتلفة، لكن اأعلى هذه البوابات واكرثها جاذبية

وقوة وثراء هي �سخ�س ليوناردو دافن�سي جوهرة النه�سة الأوربية وا�سطورتها الفنية.

نويال

ة مدين

س مار

حشي

افنو د

ردونا

ليال

مثت

تصوير: محمد أحمد السويدي

1617

مقطع من البوابة البرونزية ذائعة الصيت لجبرتي

الرحلة دي�شمرب 18201019

�شيدة من فلورن�شا

بدأ دافنشي، وقد ناهز الخمسين، يقلب يكتب: وراح الموت عن راودته أفكارا تنزع الروح إلى أن تبقى مالزمة لجسدها، الحياة. وآلية الحس يمنحها الذي فهو وقال: لكل أذى ما، ذكرى مؤلمة يخلفها، إال أعظمها، وهو الموت، الذي يقتل الذكرى جنبا إلى جنب مع الحياة. وقال أيضا: أيها

القابع في سباتك، ما النوم؟ النوم صورة الموت، فاألحرى بك أن تبتدع من األعمال ما يخلدك بعد موتك، بدلا من أن تفني حياتك نائما متشبها بالميتين. وكان يردد على أصحابه: الحياة المادية هي موطن الروح، والموت هو إقصاؤها، إنها تخرج »على غير إرادتها«، وال يبدو أنها

متجهة إلى السكنى باألعالي. غزوات في العين رأي الموت رأى قد دافنشي كان سيزاري وحروبه، رأى مصارع الرجال بشكل مكثف في ذلك العام الذى بدأ فيه بصره يخبو، رأى آالته وخرائطه وسالحه كيف راحت تحصد األرواح، وانتهى بعد عام في فلورنسا يتابع ما انتهت اليه دولة آل بورجيا وما انتهى إليه سيده، فشرع يفتش عن وجه لمشروعه الجديد كعادته، ووجد ضالته في امرأة متزوجة، لعلها زوجة عاما، والعشرين األربع ذات جيرارديني ليزا تاجر الحرير الفلورنسي. وكانت أما لثالثة أطفال، مات

1

20

آخرهم )طفلة( عام 1499م. وشرع في الرسم عام 1503م. أطلق الفلورنسيون على اللوحة يعرض وكان )المرحة(، الجيوكاندا اسم على زائريه في مرسمه في فرنسا في سنيه القديس لوحة األولى لوحات: ثالث األخيرة يوحنا، والثانية العذراء والطفل مع القديسة بقوله: سيدة من يقدمها ثالثة ولوحة آن، فلورنسا، يجمع النقاد على أنها الموناليزا، االسم الذي

لحق بها، وظل يالحقها في زمن السر الدائم حتى اآلن.هل اختار ليوناردو دافنشي ليزا جيرارديني من فلورنسا نموذجا لمالك األرواح؟ تلك اليد الخفية التي ستستل روحه بعد سنين، هذا ما صرت إليه كلما اقتربت متأمال اللوحة، عيناها الضيقتان، نظرتها المحدقة، ابتسامتها الغامضة، عطلها من الحلي، زيها الضارب إلى السواد، والدروب الموحشة الموحلة لتوسكانيا خلفها، واأللوان التي تشعرك بدنو ساعة غروب األجل، وتعلله الدائم، بأنه لم يفرغ منها بعد )قبل أن تفرغ منه(، والقاعة الثالثة عشرة التي تسكنها في سماء قصر اللوفر األولى. وأظنه نظر إليها يوم السبت الثالث والعشرين من أبريل عام 1519م، بعد أن فرغ من إمالء وصيته، وظل ينظر إليها إلى أن فاضت روحه في الثاني من مايو بعد بضعة أيام، بعد أن استعد العالم فيه والفنان لولوج البحر العظيم.

يف عام 1502م، اقتنى ليوناردو عد�شات مكربة، دلت على بداية �شعف ب�شره، وبعد

عام ذهب يفت�ض عن فتاة توافق م�شروعه اجلديد الذي مل مينحه ا�شما بعد، اأو ظل

ميه جتاوزا: �شيدة من فلورن�شا. ي�ش

الموناليزا أو السيدة ليزا

الرحلة دي�شمرب 201021

بونتي فيشوPonte Vecchio )الجسر المسقوف( في فلورنسا

الرحلة دي�شمرب 22201023

وعلى الرغم من حماس البعض للموناليزا، إال أنها لم نجمها بزوغ ولكن استثنائيا. أو خارقا عمال تعد في وولد عشر، التاسع القرن منتصف في بدأ بعصر االفتنان موجة إثر بالتحديد، أوروبا شمال ليوناردو وبعبقرية عام، بشكل إيطاليا في النهضة السيدة اختيار وكان بالتحديد. المواهب المتعدد الفلورنسية قصر اللوفر سكنى لها في باريس منعطفا آخر لتلك الشهرة، إذ اختارت هذه النبيلة ودافنشي نفسه المنفى وطنا. ثم أسهم األدباء في إعالء شأنها بما دبجوا بها من عبارات المديح والثناء. قال عنها الروائي والناقد الفني ثيوفيل جوتيه: عنقاء الجمال ييتس الشاعر وأثنى عليها المحيرة، االبتسامة ذات موم، وايلد، وسومرست أوسكار بطريقته، وكذلك وفورستر الذى نعتها في روايته »غرفة ذات إطاللة« بقوله: تلك التي ال نحبها، ألنها تضن علينا بما يجيش

في صدرها من حديث.أغسطس من والعشرين الحادي االثنين يوم في المجد، سماوات في الموناليزا حلقت 1911م، عام العمر من والثالثين الحادية في لص عندما خطفها وصاحب ومرمم رسام بيروجيا، فينزنسو يدعى اآللهة اختطاف يريد كان اللوفر، في يعمل سوابق أكبر كانت اللوحة ولكن لمانتينا، وفينوس مارس األصغر بالموناليزا فاكتفى كاهله، يحتملها أن من حجما واألخف حمال. ولف الحسناء التي استسلمت

أدنى ريبة. يثير أن للثعلب في قماش، وخرج دون الخاطف، هوية عن الكشف في البوليس يفلح ولم فيهم بمن بهم المشتبه من كثيرا التحقيق وطال اللوحة. يحوم حول مرة الذي شوهد غير بيكاسو وفي أواخر نوفمبر 1913م أرسل فينزنسو رسالة إلى تاجر التحف الفلورنسي ألفريدو جيري يعرض فيها رد السيدة الفلورنسية إلى وطنها لقاء نصف مليون ليرة، فأعلن التاجر قبوله العرض. وفي الثاني عشر الخشبي بصندوقه بيروجيا استقل ديسمبر من القطار إلى فلورنسا، واستأجر لدى وصوله غرفة في فندق خامل، سيعرف باسم الجيوكندا فيما بعد. وفي لحظة اللقاء الحاسمة فتح الصندوق أمام تاجر التحف الذي كاد أن يتوقف قلبه، وأخرج زوجا من األحذية التي البالية الداخلية المالبس من وبعضا القديمة، تبعث على الغثيان، ثم جال العروس التي طال غيابها. اعترف الفريدو بالمشاعر التي انتابته ساعة رآها، دور ويتقمص اللوحة يعرض بورجيا راح وكيف دافنشي نفسه. »أميرتكم ردت إليكم«، قال بيروجيا كمن حقق مجدا مؤثال، وها أنا أنتظر الثواب. عندها القبض وألقوا مكان كل من الشرطة رجال انقض

على الثعلب فينزنسو وأودع السجن. القادمة من الزوار اليوم تصطف طوابير ذلك ومنذ من األول الدور في 13 الغرفة أمام عميق فج كل الفلورنسية، للنبيلة لتقديم واجب االحترام القصر

حمدا على سالمة اإلياب.

اجليوكندا

2

في يسرى غامض بسحر شعر أنه بعضهم: أجاب أحدهم؛ قال بهت، تفسيرا. له يجد ولم جسده، »خيبة أمل كبيرة« قال آخر؛ بعضهم قال: خيل لي أنها قديسة تنزلت من السماء؛ قال شاعر كبير: رأيت فالفتاة ساكنا، فينا تحرك لم قالوا: وآخرون رجال! ليست على حظ وافر من الجمال، إن لم تكن هناك جملة من العيوب: فاألنف طويل نسبيا، والحواجب يعوزهما ضيقتان والعينان الفنان، ريشة نسيتها الكحل؛ وقال آخرون: كلها جبين، أو خفيفة الشعر،

إلى غير ذلك من مثالب.ذات جلست دوني، أجنولو التاجر زوجة مادالينا الجلسة في نفس التاريخ ونفس المدينة أمام الشاب رافائيل الذي كان متأثرا بدافنشي حتى سرق فكرته، وأنجز لوحته الشبيهة بالمادونا على عجل، دون أن قل األلوان في صفاء تمنحك واللوحة جلبة. يثير نظيره، كما أن مادلينا بدت مزينة بقطع المجوهرات

على خالف الموناليزا العاطل.ال يكترث المهتمون اليوم بموناليزا رافائيل المغمورة، بل بالحسناء العاطل، ولكنهم يسألون: أليست العذراء عند الصخور، أوالمادونا في أكثر من لوحة له، أو القديسة آن، أو ليدا المغرية، أكثر جماال؟ ويعجبون، كيف قضى السنوات الباقية من عمره - وكان قد ناهز الخمسين- في لوحة أنفق عليها من ماله وروحه، والمهرجين، العازفين من فريقا لها يسخر راح إذ ليذهب عن نفسها الغم والحزن أو الوحدة والملل،

وهي ماثلة في وضع ثابت ال يرف لها جفن. لقد أسهب فاساري في وصف جفني الموناليزا، ولكن كل االختبارات الحديثة التى أجريت على اللوحة لم تعثر لهما على أثر. فهل تراه رآها أو نقل ما سمعه عنها؟ وهل طالت الترميمات وعوامل األكسدة طوال إلى فبدلته اللوحة نهار الماضية الخمسمائة سنة )غروب(، إذ شكا الناس ذلك منذ مطلع القرن السابع عشر، وسوء ما آلت إليه اللوحة، إثر األخطاء التي

ارتكبها المرممون؟

هل �شبق لك اأن راأيت املوناليزا وجها لوجه؟ �شاألت كل من �شاهد زوجة تاجر احلرير

الفلورن�شي عما انتابه حلظة لقائها العني بالعني؟

السيدة مادالينا زوجة التاجر اغنولو دوني

)بريشة رفآئيل(

اختطاف اآللهة مارس وفينوس للرسام مانتينا

الرحلة دي�شمرب 24201025

في الطريق إلى بوسيتانو

الرحلة دي�شمرب 26201027

لذ فرارا من اأريت�شو

3

لقد دفعت إلى احلياة نوابغ كبترارك واوروتينو وفاساري، ولفظتهم كفم عجوز تلفظ النوى، فمن يلومهم إذا ساروا

في األرض. زرتها وكأني ذهبت أفتش عن تلك األسباب التي جعلت نوابغها يتقلبون في البالد، ودفعني ذلك إلى شعور من التوجس من سبب ما، لعله في الهواء، أو في اجلغرافيا،

أو لعله املاء، أو الشمس.وال البهاء، إلى وال اجلمال إلى تفتقر ال مدينة لكنها الهواء املنعش، وال من اخلضرة احملدقة بك، وال ساحتها القلب من أجمل الساحات، وهي مع ذلك ما زالت في وانا أجوب قلت في نفسي – توسكانيا، لعل السبب – في مخبوء أهلها، وجوه صور وألتقط املدينة، شوارع

أزقتها القدمية، في جدران بيوتها أو في الشيميرا وجه األسد وذيل الثعبان ورأس املعزة تنبثق من الظهر، رمز ذكره على جاء الذي األسطوري وحيوانهم مدينتهم،

هومر في إلياذته. دخلتها وأنا أريد ان أتعقب ما بذره بترارك وصحبه في طريق السالكني إليها، كنت افكر أن رجاال كهؤالء منحوا منهم بقايا تكون وأن البد احلياة، في العالم طريقتهم وساحاتها الضيقة وسبلها اريتسو طرقات في علقت

ومصاطبها.به، نلوذ مطعم عن نفتش ورحنا الغداء، ساعة حانت لطريدة كالفخ نصب ومدخل عريضة، لوحة فشدتنا بترارك هجر ملاذا الفور على وأدركنا فدخلناه، مثلنا،

أريتسو .لم نكن نعرف قراءة قائمة طعام باإلتروسكانية، كما أنه إليه دفعتنا فقد ورواده، باملكان معرفة سابق لنا ليس نصبت التي البغيضة اللوحة وتلك احملضة، الصدفة غالظا، متجهمون حولنا من الناس كان للسادرين. إننا مالمحهم تقول بنهم، الطعام ازدراد على يعكفون

نتحدر من جدود إتروسكان.دانتي جحيم إلى دفعنا الذي باجلوع نشعر نكن لم طبقا واخترت طبقا صاحبي فاختار شفقة، بال هذا أطباق ثالثة من مكون طلبي أن نبهني وعندما آخر، على التوالي، حاولت استدراك األمر على عجل، فقلت لصاحب املطعم بهمس بعد أن سألته اإلقتراب: سأكتفي

بالطبق الرئيسي وال حاجة لي بالطبقني األخريني.

بإجنيليزية وقال صبر، ونفاذ بغلظة، الرجل بي حدق مهشمة ال تكاد تفهم ما معناه: ال ميكنك ذلك، فالطباخون هم انتهوا ولقد أطباقك، إعداد من ينتهوا أن كادوا أنفسهم من تناول وجباتهم، وماعادوا يطيقون على أكل املزيد، وأنا كذلك، أما الزبائن فكما ترى منهمكني بتناول

الطعام، فأين ستراني اذهب بأطباقك؟أن بذلك أريد وكنت الثمن، سأسدد البأس له فقلت ولكنه تهدئته، على أعمل وأن غضبه، بسورة يبالغ ال كان يبدو كمن أعد نفسه ملثل هذه اخلطوب، فقال: وقد بالغ بنفاد صبره أكثر من ذي قبل: األمر ال يتعلق بثمن به، سأذهب أين بنفسك، أنت طلبت مبا بل ماطلبت،

ماذا سأفعل باطباقك الثالث إن لم تأكلها.عباءة من قد خرج الرجل أن اللحظة تلك في شعرت يداولون حرفة زالوا ما أحفادا إلريتينو أن أو أريتينو، اإلبتزاز، واستعدت على نحو غير متوقع في موقف كهذا الشبه ومتاثل األصابع، املقطوعة ويده أريتينو، صورة أريتينو أن حلية نفسي فقلت في الرجلني، بني حليتي

وحدها ال تكفي.كوابيسي، وحدث ماكنت أخشاه من لقد حتققت أسوأ حيث لم أحتسب، فقد كنت متوجسا من مصادفة رجل

كهذا في مدينة كهذه.باإليطالية يحدثهم وصار زبائنه ناحية استدار ثم وهكذا الشديد، احلرج من بغاللة ملفوفا جعلني مما اضطررنا إلى التظاهر باألكل. كان األكل غليظا كاملطعم

وصاحبه.وخرجنا من املطعم عدوا، بل من أريتسو كلها كما خرج من قبلنا بترارك وفاساري، وفارقنا املكان ولسان حالنا فوجيا، ال من فرارا من )لذ الطليان: يقول كما يقول،

فوجيا نفسها، ولكن من أهل فوجيا(.

اأريت�شو، هي الأم التي مل تكن يوما روؤوما قط، وفعلت كل ما من �شاأنه جعل اأبنائها

اأن ما ، اأبناءه يلفظ رحما ت�شبه مدينة اإنها عنها، بعيدا م�شبحة كحبات ينفرطون

تقطع عنها حبلهم ال�شري.

الشيميرا –رمز مدينة أريتسو

ميدان اريتسو )من اجمل ساحات ايطاليا(

2829

بها فيوجهها أنى شاء بما يتفضل عليها بالنزر القليل من المال، والذي هو في األصل مالها هي. لم يحتمل إلى برونو فأسلم التحريض هذا البابوي الحاكم البندقية في عليه قبض أن بعد التفتيش محكمة وذلك بعد أن طاف أوروبا ستة عشر عاما محاضرا والكوليج والسوربون كأكسفورد أرقى جامعاتها في دي فرانس وحمل بعدها أسيرا في مركبة إلى روما وتعرض في عاصمة األنوار إلى الكثير من المهانة واإلذالل من عبيد البابا ورهطه قبل أن يصدر عليه الحكم بالهرطقة والموت حرقا. وبعد ثالثة وثالثين المصير من لقاء نفس التاريخ وخوف عاما من هذا جاليليو الكبير الشيخ وقف ذاتها التفتيش محكمة الكون أن وعدساته بمناظيره ورأى أبصر أن بعد أكبر مما يظن البابا نفسه وأعلن أمام المحكمة في ما الندم على هرطقته وزيف أشد نادم بأنه روما

خيل إليه أنه رآه، وأن كوبرنيكوس ما هو إال مدلس بذكرى احتفاء أقيم الذي النصب أمام أقف كبير. من التبرعات فيه جمعت والذي العظيم، الرجل كل أصقاع الدنيا عام 1889م في قلب ساحة الكامبو دي فيوري وأهمس للهيكل الذي يلفه صمت ووقار: عزيزي برونو أنت من ألي الفضل إلى ما بلغه الغرب بحدسك بل بفلسفتك وعلمك فحسب ال تقدم من الشعري الذي حير الزمان. لعلك تأسى أو لعلك تبتسم إلى ما بلغناه نحن، فنحن يا سيدي بعد خمسة قرون شبيهة صدر بسالمة زلنا ما رحيلك على خلت بغباوة طبع نقسم بأن األرض هي مركز الكون وأن صفحة تزين مصابيح إال هي ما الضخمة المجرات الذي الحاكم بأن راسخ يقين زلنا على وما السماء صاح قائال )على حد قولك(: - يا أيها الرجال كونوا

حميرا - هو مركز األرض الذي ندور في فلكه.

عزيزي برونو

4

لسانه وربط ثيابه، من المشاغب الفيلسوف جرد السليط، وشد إلى خازوق من الحديد وأحرق فوق عندما القضاة أنه خاطب أثر الخشب. من كومة تلوا عليه قرارهم قائال: »لعلكم أشد جزعا من هذا برونو ذنب يكن لم تلقيته«. الذي أنا مني الحكم أنه ذهب مذهب كوبرنيكوس في الذي جناه سوى أن األرض ليست مركز الكون كما زعم بطليموس ليس مركز األرض، وأن األرض ما هي البابا وأن له ليس نهائي ال كون متناه، ال فضاء في ذرة إال مركز أو محيط تنفث فيه الحياة روح واحدة. وخالف أستاذه قائال: أن النجوم )وذلك قبل تغير وأنها ثابتة غير التلسكوب( مولد كان إذا ما وتساءل الدوام على مواقعها ذكية كائنات تسكنها نجوم هناك أيضا. أجلها من المسيح مات فهل بالبهيمة الشعب أشبه ما وقال والحاكم بالطفل الذي يتحكم

يف قلب البيازا كامبو دي فيوري ) �شاحة ميدان الزهور ( يقف ن�شب جيوردانو برونو

يف �شمت وهيبة، يف ذات املكان الذي حتلق حوله �شرذمة من الغوغاء يف �شبيحة

ال�شابع ع�شر من فرباير عام 1600م مل�شاهدة تنفيذ حكم حمكمة التفتي�ض.

نصب برونو في ساحة ميدان الزهور –روما

تمثال البابون في روما

31

خليج ال�شعراء

5

يف طريقه اإىل جنوه، و�شف برتارك مدن الريفريا الإيطالية باأنها تيجان تكلل هامات

اجلبال املنحدرة اإىل بحار لزوردية

منها بالسماء أشبه »إنها الشاب: الشاعر فيها قال باألرض«. فما وسع بايرون إال أن هب إلى تلك الشطآن والشعر، والسباحة العشق في مواهبه فيها يجرب »القرصان«، قصيدته مغاورها أحد في فكتب منيته هناك يلقى أن اختار الذي شيللى وكذلك على غرار التراجيديا اإلغريقية التي كان مولعا بها، جيب في وجدت سوفوكليس من بنسخة فاحتفظ جائزة على الحائز مونتيل أما غرقه، عند بنطاله نوبل في اآلداب عن عام 1975م، فقد آثر أن يوزع أشعاره على أصحاب البقاالت والمحالت وكأنه يعود

بالشعر إلى رحمه األولى. ومن كوكبة النجوم تلك اشتق اسم الخليج.

القرى أهمها وأجملها بورت يحف بالخليج عقد من فينيري، وهي مفردة مركبة ومنحوتة من كلمتين: هكذا فينوس. الحب ربة واألخرى ميناء، األولى اختار الرومان األوائل هذا المكان الرومانسي منتجعا ما هامة جبل، معبدا على لها وأقاموا بالربة، يليق زال العشاق منذ القدم وإلى اليوم يسترقون القبالت وكان الكريم. وجهها على المشرفة صخوره بين أهلها يرون أنه عند بوتوفينيري ينتهي العالم. ولكن

نافذة على خليج الشعراءمعبد فينوس في بورتي فيرني منظر بحري من شرفة شللي

الرحلة دي�شمرب 32201033

قرية في الشينكوي تيري )األراضي الخمس( في الريفييرا اإليطالية

الرحلة دي�شمرب 34201035

استلهمت خطوط حمار وحش ما الكنيسة سرعان إلى الربة ونسبته معبد به ظهر إفريقي مسحت

القديس بطرس في 1277م. واليوم يبدو مثل جرم صغير فقد ذاكرته، وال يسع كل في الطاغي فينوس بمغناطيس الشعور إال الزائر

مكان، وغياب أي أثر لبخور القديس.من تعبق مدينة ما يوما كانت التي سبيزيا، ال ثم بيوتاتها وأزقتها رائحة البحر والسراخس واألصداف والطحالب العالقة على الصخور والتي منحت البحر ميناء إلى الحقا تتحول أن قبل الخالص صفاءه ففسد اإليطالي، الحربي لألسطول ومركز صاخب، أنكرناها، كما أنكرتنا ولقد القديم. سحرها بذلك وذهبا القرية أفسدا قد ملكان واألسطول فالميناء

ببهائها.ومدينة ليرشي، وهي المدينة التي أقام فيها الشاعر القلب في فيها تحسس موقع بيرسي شيللي، وربما صدره قبل أن يفقده في رحلته األخيرة. كما أقام بها

الحقا الروائي دي إتش لورنس.يوم في صبيحة منها شيللي أبحر التي لوفيرنو ثم الثامن من يوليو عام 1822 مع زمرة من صحبه ولم

يصل منهم أحد إلى ليريشي. مات شيللي غرقا، وعثر على جثته بعد أيام عند فياريجيو وقد تحللت على نحو جعل بايرون ينفر منها فزعا فسبح إلى سفينته البوليفار بعد أن حرق جسد الشاعر وانتزع صديقه تريالوني من الجسد

المحترق القلب.نبأ وفاته: بلغها أن بعد البريطانية الصحافة كتبت الرقيق، واآلن سيعرف الشاعر الموت شيللي، طوى

إن كان اهلل هناك أو لم يكن.حياتها، طوال قلبه، برماد ماري زوجته احتفظت

وبعد وفاتها دفن مع ابنهما فلورنس شيللي.بقصيدته موته من عام قبل رثى قد شيللي كان السل في الذي قضى بمرض أدونيس صديقه كيتس ففي بالموت، األخيرة مقاطعها في ورحب روما،

الموت راحته ألنه سيلتقي بالميت الحي )كيتس(:نور اهلل يشرق دائما، وظالل األرض تزول،

والحياة كقبة مزدانة بكثير من الزجاج المعشقتلقي ظاللها على شعاع األبدية األبيض فتغير لونه

حتى يسحقها الموت فيهشمهاأيها الموت إن كان هذا ما تطلبه

فلم تتوانى! لم تتراجع! ولم تحزن قلبي؟ نفيسا شيئا يبدو مضى، وقت أي من وأكثر اآلن،

أن تموت،أن تتوقف أنفاسك في منتصف الليل بال ألم،

بينما أنت تدفع روحك خارجكفي نشوة ما بعدها نشوة، وانجذاب يفوق كل وصف.فينو، بورتو فيها تعد لم إذا تكون أن للجنة كيف لن تكون كذلك أبدا، كنت أتطلع إلى مينائها والحياة التي تدب فيه، ومن ذلك المكان الذي يشرف عليه الرصيف على راسية صغيرة سفن إلى أرنو كنت حديدية قضبان إلى خواصرها من الحبال تخرج يشعرك األلوان من عرسا المشهد وكان لتثبيتها، بأن نبتون يرقص طربا. رأيت رجال بقميصه األحمر قلت القواقع على حافة زورقه، وهو منهمك بجمع لصاحبي وأنا أرمقه: ستكون هذه وجبتنا اليوم في

بورتو فينو.

ر�شم ميثل حرق جثمان ال�شاعر الإنكليزي �شللي بح�شور

�شديقه بايرون

�أ�صفهان ن�صف �لعامل

مدينة �أ�صفهان يف كتابات

�لرحالة �لعرب و�لرتك و�لإير�نيني

يف �لعدد �لقادم

الرحلة دي�شمرب 362010

�لو�صول �إىل زنز�نة مانديالهنا عا�ض ال�شجني الأكرث حرية يف العامل

�لو�صول �إىل زنز�نة مانديالهنا عا�ض ال�شجني الأكرث حرية يف العامل

رحلة إلى روبن أيالند ورأس الرجاء الصالح وقمة جبال املائدةكتابة وتصوير: محسن خالد

يف مطار كاب تاون، بينما امل�سافرون يعربون يف عجلة، خمطويف البال، خمطوفياللغات والألوان، مزعزعني بني تاريخهم

اأنزه واأقيم د�ستور ونظام برملاين، كنت اأعرب بينهم واأنا املخطوف كله، املر، وبني جنوب اإفريقيا اليوم، �ساحبة

وكل ما اختطف. اأح�س�ست بذاك ال�سباح طويال كجدران، واأنا مكر�س بتمامي لأم�سي الذي نفق، قلبي يعدو متعرثا فوق

ق "يز ى، لأول مرة اأح�س�ست بتلك العبارة ال�ساذجة التي تقول: يلفعني كال�رشر ذكريات كثرية، احلزن الوجودي الفاتر

باملرح، من حالها وحال بال�سحك، وقلبي اأ�سداقي اأقراأها متتلئ التي كانت ت�سحكني فيما م�سى، وحني القلب"، نياط

ة، مبا�رشة ال�ستجداء للرحمة. رحمتك يا رب، ثم رحمتك يا �سباح "�سندي وودز مان". لغتها اله�سر

السبت يوم الكاب لمدينة مغادرتي حين كان هذا ببداية مطارها في هبطت قد وكنت جانوري، 7الشهر نفسه، حللتها في ضحى غائم، وقلبي ينكت كأنه على موعد عشق، ومن ورائه خلفية خافتة وجارية مثل نهر، نحو سمو مرتقب. لم أكن أعرف بأنني سأصعد مع المتسلقين إلى قمة جبال المائدة التي تحاصر كاب تاون كمائدة مستديرة، والمدينة وألسنة منافذ لتنوجد وهناك، هنا منها تتفلت العقة للمحيط األطلسي، من أعلى تلوح تلك المائدة ملعوقة لدى جانبين بألسنة من المحيط. أعلى القمة ى "قمة األسود"، من هناك رأيت السحاب يمور يسمارا في مرمى كفي، وبين قدمي، والبعيد مني أراه فوأو وهمي، شالل مثل الجبال أمام وينكب يتماوج المخفي من إلى البياض سندت ظهرها فاقعة كفتاة الجبال. ريح به تتالعب شعرها وتركت الصخور، كأزقة تلوح العلو ذلك من البعيدة المدينة شوارع المنازل بين األسفل، في وهناك هنا تتعرج صغيرة البيضاء والطوبية القانية. أثناء نزولي من قمة األسود من الكثير يساوي هنا المتر وتسلق أمتار، بعدة

الرعب والحذر والزمن، اجتياز المتر في عرض هذه المتر شبحة يساوي ال والسحاب، الرحبة السماء فوق األرض، وجدت شجرة جميلة وظليلة، اختارت لنفسها كل تلك الرفعة والخيالء، جلست تحت ظلها ألرى المدينة من زاوية محيطة ومهيمنة، وألكتب فقد العاطفي، السمو شجرة أسميتها هذا، وصفي حملت من جميع جوانبها نقوشا لمحبين كثر رسموا بأعينهم وكاميراتهم مشهد مدينة الكاب من هنا، كما سجلوا أسماءهم في ارتباط الحب بالحفر على جذعها، نقش ليليان لجانب استيوارت، وبيتر مع حبيبته لورا، قمت بنقش محسن خالد لجانب سندي وودز مان، بالمكان واالحتفاظ المرح باب من البحارة، الصبية وروح اللحظة، فقد شعرت بوخز مجهولها الدافئ في قلبي، بينما أنا أنزل مطار مدينة الكاب، وحين كانت هي في تلك الساعة لدى المنطقة المعروفة بالووتر الزوارق تعد البحري- فرونت Water front-الوجه التي تحمل الناس من لدى بوابة مانديال الشهيرة، من فيها احتبس التي إلى جزيرة روبن، يعبرون حيث مانديال مع معظم مشاهير النضال الوطني في جنوب

إفريقيا.

متحف األكوريم في أول مرة قدمت فيها لبوابة مانديال لم أكن أعرف أن متحف األكوريم يجاور البوابة، فالناس يقصدون الوتر فرونت ألسباب عديدة، أهمها بالطبع الذهاب لجزيرة وأيضا الصيد، رحالت في الخروج وكذلك روبن، لمشاهدة سباقات الزوارق البحرية، أي كان بوسعي أن أتوقع وجود متحف التاريخ المالحي لجنوب إفريقيا بالقرب من هنا، وبالفعل تأكدت من ذلك بالذهاب إلى المتحف، أما متحف األكوريم فقد توقعت أن يكون إلى ى في دعاية تقديمه داخل المرسى أكثر، وهو يسمالمخصص المتحف أي ،"Two Oceans Aquarium»بـ

لمحيطين، بالنسبة البحرية الحياة طبيعية لعرض المحيط األطلسي والمحيط الهندي، هذا بالرغم من أن المتحف يحتوي أيضا على عرض دقيق لحياة الكائنات بداخل نهر لورينز Lourens River، هنا بالطبع تلعب التكنولوجيا واإلمكانيات دورها، فالمتحف شيء مذهل بالفعل، وتبدأ المخلوقات المعروضة بداخله من أقلها ضآلة، كالكائنات الرخوة والبدائية، شديدة القرب من فصيلة من الضخمة الحيتان بلوغ وحتى النباتات، أبي سيف وأبي منشار وجميع أنواع أسماك القرش. ه ز ينو الكائنات الغريبة أو التي تتميز بنوع من التميإليها في الالفتات اإلرشادية المنتشرة في كل مكان، باإلضافة للشابات والشبان األدالء والمتخصصين في

قيادة الزوار بداخل المتحف.أنها أكن أعرف لم التي البحر، لقد أعجبتني نجوم ليست عمياء فحسب، بل هي خلقت بدون عيون، وأن مياه البحر هي التي تجري بداخل أقنيتها بدل الدم، وأنها لخروج أو دخول الطعام إلى أمعائها تقوم بقلب تلك األمعاء إلى الداخل والخارج فحسب، وليس مع الحال هو كما ومعلومة مخصصة منافذ عبر

المخلوقات األخرى.والشوكية الحمراء، النجوم منها شتى، أنواع وهي السرطانات أنواع جميع شاهدت كما .spinyوالرخويات األخرى، الذي يصلح لألكل منها والسام. أما أهم نوع أثر في من هذه األنواع، وكان الجميع يلتف أو ليصوره أو ليتأمله الزجاجي سياجه حول من حتى ليرسمه، فالمعرض يستهوي الكثير من الفنانين وكائنات األسماك برسم يهتمون الذين التشكيليين البحر، فهو سمك الصندوق أو الـBox Jelly Fish، وهو عبارة عن صندوق مربع بكل دقة وهندسة، من يراه يظن أنه "قيطان" فانوس أبيض، من نوع تلك الفوانيس القديمة التي تعمل بالسبيرتو، لوال أنه في شكل مربع غير قيطان الفانوس المثلث الشكل، ونظرا لرهافتها قطن، حالوة يسمونها التي الحلوى كتلك وضعفها، من مخلوقة تكون أن األسماك هذه تشبه وبالفعل القطن الرهيف للغاية وناصع البياض، أو هي بالضبط تبدو كأنها تشكلت من خيوط العنكبوت. ولذلك فهي قاتلة وفتاكة للغاية، كحال كل المخلوقات الضعيفة والواهية، ال بد لها أن تتميز بأسلحة دمار ال يمكن صدها، وذلك من أجل الحفاظ على حياتها ومن ثم من المصنوعة الصناديق فهذه الوجود، في نوعها خيوط العنكبوت مرهوبة للغاية وال يمكن ألي مخلوق

بحري االقتراب منها إال بحذر مبالغ فيه.بين المقارنة في ومتوسعة ضخمة جداول هناك المحيطين األطلسي والهندي، األعماق، طبيعة الحياة البحرية فيهما، درجات الملوحة، الثروات، الشواطئ والثقافات المرتبطة بهما، وكل شيء يدخل في إطار التمايز بين المحيطين كمياه، وكامتدادات لهما خارج

المياه.كما هناك إطارات لعرض المخلوقات البحرية الجميلة، ثم األلوان على أساسي بشكل ينصب الجمال هنا Clown الحقا تقاطيع الكائن، وتقف سمكة الكالونTiggerfish على رأس حسناوات األعماق، بألوانها التي وتنوعها، وتداخلها نقاءها درجة تصديق يمكن ال السمكة األمريكان لدى هذه الفنانين مازحني أحد قائلا: هل تعرفني يا رجل، من أي بلد أنت؟ قلت ال

محسن خالد

طفلتان سائحتان ترقبان من حافة الزورق جزيرة روبن قبل بلوغها

اأف�شل اأنا فاأجابني ال�شودان. اأنا من اأعرفك، ل قلت اأنت؟ بلد اأي رجل، من يا تعرفني هل األوان هذه ال�شمكة. قلت له اأ�شتخدم اأكن ت�شكيلي يف الدنيا، واأنت ل تعرفني فقط لأنني مل �شاحكا، وهل هي حتمل األوانا ل توجد باخلارج اأو ي�شعب حت�شريها؟ اأجابني: بل هي حتمل

األوانا جمهولة بالن�شبة يل، اأنا مل اأر بهاء كهذا يف حياتي

الرحلة دي�شمرب 40201041

ج �شوارع املدينة البعيدة من ذلك العلو تلوح كاأزقة �شغرية تتعرا

هنا وهناك يف الأ�شفل، بني املنازل البي�شاء والطوبية القانية

أنا أفضل تشكيلي أنا من السودان. فأجابني أعرفك، في الدنيا، وأنت ال تعرفني فقط ألنني لم أكن أستخدم ألوان هذه السمكة. قلت له ضاحكا، وهل هي تحمل ألوانا ال توجد بالخارج أو يصعب تحضيرها؟ أجابني: أر لم أنا لي، بالنسبة ألوانا مجهولة تحمل بل هي بهاء كهذا في حياتي. بعدها انتقلت ألغرب موضوعة وجوه تحمل التي األسماك وهي المتحف، في حيوانات معروفة لنا، بكل دقة وتطابق، وليست من الصحفي، من التهويل التي يصنعها الموضوعات نوع جنس أن اسم الجاللة أو الرسول وجد مكتوبا على تكتب السحب وأحيانا طفل رأس أو سمكة، ظهر في يوم عرفة اسم الجاللة في السماء، وحين تنظر إلى الصور ال تجد إال خياالت صاحب الموضوع، هنا Striped eel- الحكاية مختلفة كثيرا، فالسمكة القطةcatfish هي هي، بدون مبالغة أو خياالت، وهي تعيش والباسفيكي الهندي، المحيط من الدافئة المياه في الغربي، وكذلك البحر األحمر نزولا إلى جنوب إفريقيا وحتى ميناء اليزابيث، وتتميز برقتها لدرجة أنها ال تحتمل اللمس. وأيضا هناك أسماك حصان البحر التي تطابق بالفعل وجه الحصان Knysna Seahorse وهي ال توجد بالعالم كله، إال في منطقة كينيسا التي تحمل اسمها ومنطقة سوارتفيلي Swartvlei وشواطئ الكاب

الجنوبية.

جزيرة روبن

قلت علي اآلن الذهاب لبوابة مانديال ومنها إلى جزيرة روبن، وسأعود لالستمتاع بهذا المتحف مرة ثانية.

تحركنا ناحية الجزيرة في الساعة الواحدة من يوم الجمعة. الجانب األسفل من القارب مهيكل بطريقة وهناك الحجم، كبيرة قاعة متحركا، مقهى تشبه تلفزيون يعرض حال المساجين أيام روبن أيالند في

فتوتها ودورها.جيدا، أرى كي األعلى الطابق في أكون أن اخترت التصوير، وأخذ راحتي في تدوين ن من أتمك وكي مالحظاتي. مكبرات الصوت كانت تزودنا بالمعلومات قرية الجزيرة كانت أن منذ التاريخي، والسرد المجرمين يضم لسجن استحالت أن وإلى عادية ذلك سؤال تذكرت واحدة. بقعة في والسياسيين اإلنجليزي لي على قمة جبال المائدة، حين قال لي هذا له فقلت ومكشوف، واضح الجزيرة موقع بأن الجزيرة إلى النظر لك المسموح ألنه من فقط، اآلن األسود. وبالفعل الزوايا، بل ومن قمة رأس من كل في السابق كان هناك نوع من التعتيم الممارس على مادة أصبحت أنها فيكفيها اآلن أما الجزيرة. موقع للدعاية والسياحة. هذه الجزيرة كانت في تاريخها د منطقة وادعة بمساجدها وكنائسها القديم جدا مجرانها من كل شاكلة ولون وصقع، وإن وتجارها وسككانت المياه العذبة تجلب لها من الخارج. الكنيسة Captain التي بداخلها بناها الكابتن ريتشارد وولفكلينيك هناك كما 1841م، العام في Richard Wolfeماركت وسوبر ومسجد ابتدائية ومدرسة طبي ة قار حياة تعيش كانت السابق في أنها أي كبير، وطبيعية إبان العام 1657م قبل أن تحول إلى سجن لم تنقض عجائبه إال في العام 1996م. أثناء تجوالنا كانت

انسراح في تتجول البرية الغزالن من الكثير هناك وحرية تامة، المقبرة أجمل ما أثارني، ألنها تحتفظ وقراصنة وقناصين لبحارين جدا، قديمة بمدافن قساوسة ومناضلين، وقتلة ومساجين ورهبان وأئمة مساجد من جميع الجنسيات. أخذونا للمكان الذي كان يعمل فيه مانديال مكسرا للصخور، ما تزال هناك كومة من الحجارة التي كان يعمل عليها مانديال

كأثارة منه وممن كانوا معه.دائما مانديال مع تعمل األبارتيد إجراءات وكانت م عليهم الحديث مع بعضهم بسياسة العزل، كما تحربعضا، كي ال يكون هنالك تنوير، أو تنظيم وتخطيط ألي فعل جماعي. كنا محظوظين ألن السجين السياسي السابق فينسنت ديبا Vincent Diba كان دليلنا، هم يتعاقدون مع من بقي حيا من السجناء السابقين كي يشرحوا للزوار والمبعوثين الصحفيين والسياسيين ما كان يجري في روبن أيالند، وفنسنت ال تبدو عليه الشيخوخة أبدا، يلوح كرجل في بداية العقد الخامس 18 عاما 1923م وقضى العام منذ وإن كان مسجونا

بداخل روبن أيالند.بعضهم بتدريس السجناء يقوم كان كيف لنا شرح م للسجناء، بعضا، ثم قادنا لقوائم الطعام التي كانت تقدما تزال بطاقة فنسنت كسجين موجودة، وهي مكبرة بحجم واضح ليتم قراءة البيانات من عليها، والجزيرة كانت مخصصة للسجناء السود والهنود ومن األجناس يكن لم األوربيون فحسب، األوربية غير األخرى كبير موضوع األكل اإلطالق. على هنا سجنهم يتم

بالنسبة للسجناء طبعا، وكانت تمرر أجندة السيطرة من خالله، فهم ال يعطونهم ما يكفيهم ليكون التفكير فيه دوما، والصراع حوله، ومع الحرمان من الدخان بجعله تماما الذهنية السجين قدرات تشتيت يتم بهيمة ينحصر تفكيرها في متطلبات غرائزها اليومية فحسب، ومع الحرمان من الصحف والتلفاز والراديو السجين إزالة لهم يكتمل المعرفي، العزل ألجل وبالحراك بالزمن لديه الشعور ومحو الوجود. من والتبدل، فيسقط بذلك العالم الخارجي من اهتماماته. جدا، الصغيرة العنابر من الكثير توجد هنا الدستور تلة أقسام بعض عن قليلا يختلف فالحال بجوهانسبيرغ، الحمامات تقارب ذلك الوضع المزري وإن وغاندي، مانديال خلية في عنه تحدثنا الذي تختلف عنه قليلا لعامل كبر المساحة على الجزيرة بالطبع، وضيق المكان في تلة الدستور. واضح أن العنبر هنا مصمم ليكون باردا في الشتاء وحارا في الصيف، الطبيعة تؤثر على التي ال الحديدية، الزنك كأكواخ بتاتا، تقف في تمام مواعيد العطالة والالوظيفة، الحر

يشعلها ومع البرد تثلج.تسأل إمرأة إسبانية فنسنت، الغسيل يا سيد فنسنت،

كيف كنتم تغسلون مالبسكم؟يقول فنسنت، مع نظرة إلى السحب التي تمر، كنا إلى يشير مالبسنا، غسل في المطر ماء نستخدم قيعان وأخاديد في األرض السبخة والحمراء، يمكنك غير كطشت الحفرة تلك تستعملي أن سيدتي يا

مكلف أبدا.وقطعا به، ح مصر غير وآخر عنبر بين التجوال لت بين العنابر، وتصرف ى عقوبة صارمة لو تنق ستتلقلك عشرة أيام من العمل اإلضافي في تكسير الصخور. استثنائية حاالت وفي نادرا إال ممنوعة والزيارة تستوجب منتهى الضرورة، ويتم الترتيب لها بشكل صارم ودقيق لدرجة القسوة المهينة والمزرية للزائر

والمزار.ذهب بنا فنسنت بعد ذلك في جولة حول السجن، كنت متشوقا ألرى زنزانة مانديال، يسمونها الخلية رقم 5 وفيها توجد متعلقاته، ذكروا بأن الملعقة التي السياح، أحد بواسطة سرقت قد يستخدمها كان للحفاظ متحفا وأصبحت "الخلية" أغلقت ولذلك البطانية هناك مانديال. متعلقات من تبقى ما على التي كانت له، وهي تشبه البطاطين العسكرية جدا، مترين تبدو الزنزانة ر، مغب ومسند للشراب كوز فالوقت الصور، ألخذ هنا الناس تدافع مترين. في المسموح به يشارف على االنتهاء، أخذت الكثير من

قلت علي الآن الذهاب لبوابة مانديال ومنها اإىل جزيرة روبن، و�شاأعود لال�شتمتاع بهذا املتحف اأكون يف اأن الواحدة من يوم اجلمعة. اخرتت ال�شاعة ناحية اجلزيرة يف ثانية. حتركنا مرة

الطابق الأعلى كي اأرى جيدا، وكي اأمتكن من الت�شوير، واأخذ راحتي يف تدوين مالحظاتي.

في الطريق إلى عمق الجزيرة والمعتقل

تمثال مانديال

أحد أعضاء فرق المسرح الجوال التي تقدم عروضها في كل ناحية من بوابة مانديال

4445

الصور بتلكئي المعهود، الدليل ينبهني لكوني ال أراعي القوانين، قلت له، جئت من بالد بعيدة لكي تترسخ األشياء في رأسي، ولكي أؤرخ لها في سجل مذكراتي بكاميرتي، إنني كاتب وما أنا بسائح. أخذنا فنسنت بعدها إلى الفصل الدراسي الذي كان في السابق ملجأ

للسجناء، يتدارسون فيه ما سمح السجان بذلك؟هواء صاف كان يلفح وجوهنا بينما نحن نخرج إلى عالية منارة هنالك كانت الكبرى، العنابر فسحة األبراج تلك إال االرتفاع في تضاهيها ال للجزيرة، اس، الساحة العامة ينتصب المخصصة للدرك والحرفيها بفخار كولينالي أصيل مدفع كبير كان يستخدم في الحراسة، فلم يكونوا يستبعدون أن يتم الهجوم على الجزيرة، فمعظم قادة النضال في جنوب إفريقيا لخالياهم تعليماتهم يصدرون وربما بداخلها، كانوا لم الجزيرة فالحراسة على لذا بمهاجمتها، السرية مليشيا بل أبدا، حراس، طاقم مجرد بها يقوم يكن

عسكرية كاملة وبكامل عتادها.يجلس فنسنت لمحت العودة رحلة في أنني أذكر معنا في الزورق ورائي لم يكن هناك كرسي مجاور له، دعوته ليجلس بقربي وأخذت أتحدث معه حول السجن والسجناء، أنا شخصيا شغلتني فكرة الهرب ر في الهرب من هذه الجزيرة، سألته، هل هناك من فك

أو من استطاع ذلك؟أجاب نعم، وقاطعني بسؤال من أي بلد قدمت، قلت له أنا سوداني وجئت من اإلمارات. قال اإلمارات بلد

ثري. قلت له نعم.قال إن هناك سجينان سياسيان حاوال الهرب، ديفيد ستورمان David Stuurman الذي نجح في الهروب ولم يقبض عليه ثانية. والنجاح في عملية كهذه ال بد له أن يتم على مراحل، اإلفالت أولا من حراس الساحة الخارجية البوابات للعنابر، ثم من حراس الداخلية العسكرية المليشيا مرواغة وبعدها للسجن، المتخندقة خارج كل ذلك، لتفصل بين مجمل الجزيرة ومياه المحيط، قال إن المناضل ديفيد أفلت من كل المرحلة في بعدها نجح ثم بالليل، الحراسات هذه األخطر من كل ذلك، وهي تمضية الليل كله سباحة الحارس من واإلفالت الكاب مدينة شواطئ حتى الكبير "الغرق"، أما السجين الثاني الذي حاول الهرب الحرس، خداع في نجح والذي Makana ماكانا فهو واجتياز كل تلك السياجات والمتاريس، ولكن لم يفلح

في خداع المحيط األطلسي، فلقي حتفه غرقا.المجرمين أحد استطاع الثمانينات في بأنه أضاف

السجناء أن يهرب هو اآلخر من هنا، المسألة ليست مستحيلة فحسب، بل الهرب من الكاتارز يبدو مزحة

مسلية مقارنة بالهرب من جزيرة روبن الشهيرة.هاهنا أمضى مانديال من العمر ما يكفي لوالدة إنسان معظم الجامعة. من تخرجه مرحلة حتى وعيشه من دخل هذا المكان إما أنه مات من سوء التغذية والمعاملة، وإما أنه أصيب بالوحشة وانتحر بنفسه، بعدها الحراس به ليلقي الجنون بكامل أصيب أو تنفرط الذي فنست. لي قال كما المحيط، مياه في المحيط، في يلقى التماسك، يستطيع وال أعصابه هذا قانون معروف هنا، فهم لم يكونوا يعتقدون بأن إلى بعدها يبعث لكي باألساس، عقلا يمتلك األسود مصحة تستعيده له، والذي ينجو من كل ذلك يموت موتا طبيعيا بالداخل، ألن المعتقلين كلهم محكومون

بالتأبيدة.بوابة مانديال من بعيد، كعروق للمدينة في الحت أنها أصدق فما والضباب، المياه غبش بين المحيط، بوابة، من هنا ولج تاريخ هذه البالد منطقة ال يلجها

الزمن نفسه إن لم يكن في صحبة مانديال.

راأ�س الرجاء ال�سالح

صباح في نساء، تكون أن تشبه دائما الصباحات سالي دومينك األشقر قليلا، الصباح البعيد والمعروش سائحة مع تويليب نزل مديرة لي قت نس بالرذاذ، سويدية من جذور فرنسية للذهاب إلى منطقة رأس الرجاء الصالح البعيدة جدا من الكاب، في نفس الصباح الذي كنت قد هيأته لمهمة أخرى، فقد رأيت الجميع وتوديعها رؤيتها دون الكاب مدينة من يذهبون ال برأس تعرف المائدة، جبل في قمة أعلى لدى من ت تلك الفرصة األسود، ولكن ما كان بوسعي أن أفوالغامضة، القارة حافة الصالح، الرجاء رأس لرؤية

طربيزة في باحة السجن كانت مخصصة الستخدام الحراسصخور فتتها مانديال خالل فترة األشغال الشاقة

الديني، األقنعة قارة السحر والغابة، الخلق والطقس بكل المبذولة كورنتها ورؤية سليمان، وكنوز الكبار، المغامرين ألمزجة والبحار، التاريخ مجانية القراصنة والغزاة، المستطلعين، وتجار العاج والذهب والرقيق. قلت إذن لنذهب إلى ما هو أبعد، إلى رأس الرجاء الصالح، بالرغم من أنها دونها المدن والجبال، أن الشخص لو حاول مرتفعة جدا تكون وتكلفتها يذهب إليها بمفرده، لذا تشاركت نفقات الذهاب مع سالي دومينك، صاحبة ذلك الصباح، ليكن رأس الرجاء الصالح، وجبال المائدة باألصل هي منتظرة منذ القديم،

فلتضف النتظارها قليل انتظار.مع تصطرع وهي الوعرة الطبيعة طرق في خرجنا الجسور الوعر، المال ورأس الوعرة، التكنلوجيا القافزة، الطائرة، الدرابزينية، حتى تخال نفسك تسير في عالم مالئكي وبأجمل األجنحة.. غاية الجمال، كل السماء، في معلقة يبدو كالرسم بخطوط فيه شيء السيارة من إحدى جوانب جبل بنا ارتفعت عندما زاوية من المدينة إلى النظر بوسعي أصبح المائدة شاملة وجميلة، توقفنا لنلتقط بعض الصور من ذلك العلو، فبدت منه المدينة مبهولة في البحر، أو كأنها

شفطت البحر إلى حضنها.أمتعنا ذلك الصباح المجنح والمعروش بالرذاذ، قبل أن هي التي Simon’s Town سايمون مدينة إلى نصل إلى ندخل كي نزلنا األنحاء، تلك في مدينة أكبر مرسى السفن الضخم الذي يقوم على وجهها البحري، ولكن الحراس منعونا من الدخول إلى هناك، غافلتهم قليلا والتقطت بعض الصور ليأتي أحدهم ويقول لي امسحها اآلن وفورا، ومد بوزه ناحية الكاميرا مدعيا تصويتات ت تصو فجعلتها بالتكنولوجيا، "بصير" أنه مضحكة ألؤكد له أنها لم تمسح الصور فحسب، بل أعلنت توبتها عن التصوير، وتطالب بكاهن لالعتراف.

ألوانهم بجميع التشكيليين تجذب المدينة هذه

من داخل سجن مانديال أما الفراش والمغسلة والتواليت فهي في زنزانته الشخصية

الرحلة دي�شمرب 46201047

وحركاتهم لهدوئها وجمال طبيعتها، البيوت المتسلقة قامت زاحفة كنباتات تبدو تسميتها، يمكن كما بتسلق الصخور والمرتفعات، التشكيليون يأتونها من أرجاء متفرقة من الدنيا ومن داخل جنوب إفريقيا، هناك مشاغل ومعارض فنون كثيرة جدا، قمنا بزيارة لطيفة ومحنكة في تمتلكه سيدة أهمها واحد من الفنانين، فيه كمية كبيرة من آن، معرضها تشارك وغاليا، جميلا تمثالا دومينك سالي منها اشترت مباشرة، الصالح الرجاء رأس ناحية اتجهنا بعدها تلتف والخضراء، المتعرجة المرتفعات طرق نفس معقولة مسيرة بعد وتتخللها، الهضاب حول من هنا السائق فنب الطريق يكتظ بالسيارات أخرى، أصبح إلى أننا قد اقتربنا، وبالفعل أخذنا نرى قوافل وقواطر الين والمغامرين يملؤون فسحة الوادي السياح والرحنون بمالبسهم الرياضية علو المرتفعات الرحيب، ويلوالقرمة المأكولة في جنبة الجبل، تلك النقطة نحو د بها رأس الرجاء الصالح الشهيرة للمنطقة التي يتحد

فوق قمة الجبل، ما كنا نراها في الصور والخرط.هــاهو يا ربي.. المنعـــرج أو الكـــورنر التي التف مــــن حولها العمالقة وجوابو البحار العظماء، أمثال "ماركو بولو"، "ماجالن"، "فاسكو داغاما" ورفيقه "ابن ماجد"،

واألدميرال جينج خه الصيني المسلم، الذي جاب مياه كوننا في أضخم آرمادا تبجح بها التاريخ المالحي.

أول ما تلمحه موقعا الستئجار الدراجات تعين الناس في التسلق، وإن رأينا أن الدراجات ستكون مرهقة أكثر من السير على األقدام، كما أنك تستخدمها لمسافة صغيرة بعدها يستحيل االعتماد عليها، اتفقنا على ذلك ثالثتنا، السائق وسالي وأنا. ركنا السيارة وانطلقنا في الدنيا. أنحاء تمتلئ ببشر من كافة التي المرتفعات كلهم يقصدون رأس الجبل لبلوغ تلك "القرمة" الشهيرة من تراها التي الصالح، الرجاء رأس نقطة من جبل األرض معينة بمحطة ضخمة أسفلها قليلا، أما النقطة نفسها فهي تشبه أبراج المراقبة المعروفة، وإن كانت مستديرة، ومسيجة لحجب الناس عن الهاوية التي تحيطها من الجوانب كلها، من ذلك العلو ترى السفن

العمالقة مثل سفن أطفال ورقية.ال تستطيع أن تتقدم ألكثر من عشرة أمتار دون أخذ راحة، أخذ السائق يمضغ عشبة التقطها من األرض هي وإن كثيرا، السودانية "التمليكة" عشبة تشبه إن اسمها سورفيكز أخشن منها، سألته عنها، فقال Sourfigs، سألته سالي باستغراب هل تأكلونها هكذا، قال ال، ولكن تلك طريقته هو في أكلها، أما بالنسبة

لآلخرين فهم يطبخونها مع الصوص واللحم. منظر الناس في ذلك الضباب وبين الخضرة بمالبسهم الملونة، بدا يهزني لم الحدود، ألبعد المرح في ومنغمسا فاتنا مشهد مثله إال حينما مررت ببحيرة بروما في قلب مدينة جوهانسبيرغ ورأيت حشودا من الناس يصلون بين األشجار وعلى الحشائش، في ثياب بيضاء كلهم، القساوسة يخطبون، فرق اإلنشاد الديني ترتل، مثل هذه المشاهد تجعل اإلنسان فخورا بنفسه وبالطبيعة كلها الخضراء الطبيعة من جعلوا هم هكذا آن. في

كنيستهم.ونصف، ساعة من ألكثر ذلك زحفنا في واصلنا حتى بلغنا المحطة بقرب النقطة النهائية، هنا أقاموا بناءات مسيجة ومكاتب تعطي الكثير من المعلومات عن رأس الرجاء الصالح، باإلضافة لمحطة صغيرة آللة الجبال ترولي أي إذ يسمونها، Funicular الفنكيلور الذي يسير بالحبال الكهربائية المعلقة، فالناس الذين يركبه من وهناك يركبونه، التسلق يستطيعون ال مطعم يوجد كما بركوبه. واالستمتاع المرح ألجل صغير وبار محشوران بين الصخور وجذوع الشجر. كل من يمر بك قريبا من القمة تجده يلهث وتحت مطر من العرق، ولكن نسبة لهواء المرتفع المنعش، بنش، أو صخرة على دقائق عدة جلوسك بمجرد تستجمع طاقتك فورا وتفارق بلل العرق، المكان ملئ بالبنشات كي يستجم عليها الناس من عناء التسلق. ووقوع الصوت، وقع "بلغنا أخرى دقائق عشر بعد وهي الشرنقة تأمل يجري هنا خارجا، الخالص، تختفي" كما يقول الشاعر نوري الجراح. االزدحام لدى القمة ونقطة النهاية كان مزعجا، ال يمكن للناس كلهم الدخول في لحظة واحدة، والطريق الذي تدخل منه ال يمكنك أن ترجع عبره ألن الناس يسيرون من خلفك، النقطة محدد بعالمة كالصليب، والهواية تحيطها من الجهات األربع، لذلك سوروها بجدار صخري مرتفع، نقطة حدود خارج التجول في أحد يفكر ال كي ال بأن في الناس صياح يردعني فلم أنا أما النهاية، أقفز من فوق الجدار الصخري، لقد جئت من أقصى الدنيا وعلي أن أنظر إلى المحيط من هنا، وليس من صور الهيلكوبتر، فعلتها ودسست نفسي بإحكام بين صخرتين ثابتتين، ألن الهواء خارج الجدار كان قويا جدا، ثم أخرجت كاميرتي ألسجل تلك اللحظة التي ربما ال تتكرر ثانية، فالشاعر محمد أحمد السويدي

د أمواله كلها على رحالتي. لن يبدالناس الجدار لن يسمح لك تزاحم لو بقيت بداخل بأكثر من خمسة دقائق، أما في مكاني الخاص ذلك

ربع من ألكثر بقيت فقد بمجازفتي اشتريته الذي ساعة، ألن الهواء أخذ يشتد.

هبطنا مرة ثانية وتجولنا بين شعاب الجبل والحشائش، التسكع في الطبيعة طاقة مجانية للروح دون شك، والنشاط الحماسة ومعه بعيدا، يجفل نهارنا أخذ الصباحيين، أفواج تصل وأفواج تغادر، زحفنا مرة ثانية ناحية األرض، لنرتاح قليلا في المطاعم واالستراحات انطلقنا ثم الصالح. الرجاء قمة رأس بأسفل المقامة ثانية. قررنا لنمر بمدينة سايمون إيابا من جديد، سالي وأنا زيارة المدينة األشهر في هذه األنحاء، ثم أجرينا اتفاقا جديدا مع السائق ليغير طريقه ويأخذنا إلى مدينة ستيلن بوش Stellen Boasch، مدينة النبيذ، والتي تبعد قليلا عن طريقنا األول. ولكم يشبه مدخلها مدخل فيلم الموسيقار راي شارلز، الذي يبدأ بالزجاج المعلق في األشجار تمرجحه الريح، نفس المشهد هنا، األشجار تمتلئ بالقناني المعلقة، ما جعل ذلك الفيلم يقفز إلى رأسي فور دخولنا المدينة، التي هي مزرعة لصناعة الصغيرة المزارع مئات من ن تتكو عمالقة النبيذ الجنوب إفريقي الشهير، وتعتبر من أبرز معالم السياحة في جنوب إفريقيا. الناحية التي جئناها منها الذي السوق أو المعرض بمثابة تعتبر ناحية هي منتجاتهم. والشركات المزارع أصحاب فيه يعرض اختاروا له مكانا دافئا يجاور بحيرة كبيرة وإن هي جوهانسبيرغ. في بروما بحيرة من حجما أصغر البحيرات هنا وأنواع النبات هي التمايز الوحيد الذي يقف بين طبيعة القارة اإلفريقية لدى آخرها بجنوب إفريقيا، وبين أولها في بلدان المغرب تونس والجزائر والمغرب األقصى، أما ناحية الهضاب القصيرة بداخل

المدن وطبيعة ولون األرض فمتطابقة كما تقدم.لها فوق جداول صغيرة من أقيمت مراوح ال حصر البالستيك يجري فيها النبيذ، تذكرت اآلية: "وأنهار من ة للشاربين"، وإن كان الهدف منها هنا طقس خمر لذغريب، فهذه المراوح تدفع بهوائها من خالل مواسير صغيرة يتسرب منها النبيذ في رفق، ليكون له رذاذ ضون وغبار مسكر، يأتي الناس ليتنفحوه بأيديهم ويعر

وجوههم له، كما نفعل بأعواد البخور وروائحها.هي مدينة باخوس بتفوق، تجولت لجوار البحيرة التي رأيت فيها من الطيور المائة أنواعا غريبة جدا، تتسم بمالمح تشبه طيورا تأتينا في مواسم الصيف عادة. لم لق الز الشط لطبيعة منها وتصويرها االقتراب أستطع للبحيرة، تناولنا غداءنا هناك والشمس تلمع باحمرار مغيبها، ثم غادرنا مدينة أبي نواس ناحية الكاب تاون

من جديد.

بوابة مانديال كرنفال كبير: سباقات زوارق، فرق رقص ومسرح، معارض، سحرة، وسياح من كل أنحاء العالم

الرحلة دي�شمرب 48201049

يط �لقاع بني �لآنديز و�ملحيط ت�صـــيــلــي: �شر

�لرحلة �ل�صماوية يف �أر�ض �لرب�كني

كتابة خليل النعيمي

هذا النص عن التشيلي لروائي وجراح من البادية السورية مقيم في باريس منذ ربع قرن، وهو رحالة عتيد يتجول في العالم

بأكبر قدر من الحرية الفكرية والروحية. تجربة النعيمي تفصح )وتضمر بطبيعة الحال( غنى فكريا ورؤيويا غير مسبوق في أدب

الرحلة الحديث المكتوب بالعربية، وهو عندي نموذج للرحالة الحديث المثابر على السفر وكتابة اليوميات ونشرها، ولكن

الساخر أيضا من فكرة االكتشاف الجغرافي، والمتطلع إلى المكان واإلنسان بوصفهما كينونة متصلة، وإلى الذات واآلخر بوصفهما

الصوة الكاملة للكائن. ولعل ابرز ما يشغل النعيمي حقا هو اإلنسان وجوده الفردي وحياته االجتماعية وأثره الحضاري في

عالم مدهش الجمال، ولكنه قاس وغير رحيم بالبشر. يوميات رحالته التي شملت أربع قارات؛ ذات اللغة الكثيفة، والمطبوعة بتلك النزعة الرؤيوية، لعلها أن تنطق عن هواه

كرحالة يجرب أن يقبض بكلتي يديه على ماء العالم. وخطواته جاست العالم جبلا وسهلا قرية ومدينة، بدوا وحضرا، بحرا

وصحراء، وتنفست رئتاه هواء الكوكب في صباحات وأماسي، تحت سماء مفعمة بزرقة الوجود. فالرحالة الشرقي هذا ال

يسافر ليرى العالم بعينيه، وحسب، وإنما بقلبه أولا، كما يفعل الصوفي السارح في هيام مع المطلق ومخيلة بصيرة.

مع هذه الرحلة إلى ارض التشيلي ارض البراكين كأني بالكاتب يقول: أما وقد اكتشف العالم منذ قرون وقرون، فلم يبق علينا،

نحن البشر إال أن نرى العالم بعيون الشعراء، ليمكننا أن نكتشف القارة االخيرة: اإلنسان.

» م�سكني من ل ي�سافر، لأنه ميت«

ـ بابلو نريودا ـ

خليل نعيمي حائز على »جائزة ابن بطوطة للرحلة املعا�رشة « لعام 2٠٠٦ التي ينحها املركز

العربي لالأدب اجلغرايف »ارتياد الآفاق«، عن كتابه »قراءة العامل«. له يف اأدب الرحلة العديد من

املوؤلفات بينها: »خميلة الأمكنة: من نواك�سوط اإىل ا�ستانبول«، »كتاب الهند: احلج اإىل هاري دوار«

خليل النعيمي في صحراء ''آتاكاما'' التشيلية

الرحلة دي�شمرب 52201053

لنحلق اآلن، في الفضاء. في فضاء الكون المليء باألالعيب.

يطول الليل كثيرا بين » باريس« و »سانتياغو« حتى ليكاد يتضاعف. وفي الصبح نرى الجبال. جبال

عمالقة تحد شريط األرض الطويل الهابط من » البيرو« حتى » أرض النار«.

» التشيلي« شريط أرضي محصور بين سالسل جبال »اآلنديز« المقدسة، وبين المحيط الهاديء، بطول 4٥٠٠ كم تقريبا. و» أرض النار« هي أسفل

نقطة في القطب الجنوبي. إنها » تشيلي« بالد العجائب واألساطير.

شريط أرضي مخيف من شدة الجمال، ينحدر من أعالي الكرة األرضية إلى أسفلها، متجاوزا »مضيق

ماجالن« إلى الجنوب، إلى أغرب نقاط الكوكب األرضي، حيث الهنود األوائل كانوا يشعلون نيرانهم

مساء للتقرب من آلهة » اآلنديز«، مما جعل » ماجالن« يعتقد أن النار تنبجس من القاع : تلك هي

»التشيلي«.سالسل جبال » اآلنديز« العمالقة، تبدو وكأن سطح األرض ال يكفيها عرضا، ولذا فهي تتطاول،

، من أعلى إلى أسفل، حاضنة شريط األرض وتـنـمـطالمسكين، المـلتم على نفسه، لتقدمه »قربانا« ئه، ممهدة، هكذا، للسيطرة األزلية للمحيط لتهد

عليه )المحيط الهاديء(.

خدعوا الهنود.خدعوهم عندما وصلوا على خيولهم.

وقد كان الهنود يعتقدون، حسب مزاعم الغزاة، بأن آلهتهم بيض، ويمتطون الخيل. ولكن، من أين

جاءتهم فكرة ال معقولة كهذه، وهم على العكس من ذلك؟ لعل االسبان ال يصدقون فيما يـروون. على أي حال، براءة الهنود العفوية، وطبعهم المسالم

بالفطرة، وغياب مفهوم التوسع والعبودية لديهم، وكلها قيم إنسانية خالصة، إضافة إلى أنهم يجهلون

تماما »مفهو تراكم الثروة« حتى ولو حساب قتل اآلخرين، هو الذي خدعهم باألحرى.

يقول مؤرخو االسبان إن الهنود استقبلوهم مهللين فرحين بقدومهم، وكأنهم هبطوا من السماء!

)والمقصود في الحقيقة : من أعالي جبال اآلنديز المقدسة، ألن مفهوم السماء غير متمكن من ال

شعور الهندي. وهو ما يفضح التفاوت العميق بين الديني عند االسبان، وبين الطبيعي عند الهنود.

ن بسهولة عمق التلفيق والكذب عند ويجعلنا نخممن أرخوا لهذه الفترة من األوربيين(. ويضيف هؤالء

المؤرخون أن الهنود منذ أن اكتشفوا الخدعة، وعرفوا الطبيعة العدوانية للقادمين، قاوموهم

بعنف. وأتصور أن هذا» العنف« المزعوم، وهو بالتأكيد

نسبي و »بدائي« عند الهنود، كما هو حال العنف » الفلسطيني« اليوم، كان مبررا إلبادة الهنود

واالستيالء على أرضهم.ومنذ أن استقر لهم الحال، بنى اإلسبان »

سانتياغو« لتكون عاصمة للبالد. بنوها في البدء على جزيرة صغيرة وسط النهر الذي يمر بها. وأول

ما أفعله، عندما أصل إليها، هو الذهاب لزيارة » ال مونيدا«: القصر الجمهوري الذي قتل فيه »

سلفادور أليندي«. أمام القصر التاريخي، الذي أصبح تاريخيا باألحرى، يقوم تمثاله المهيب، وعليه مرقوم

قوله األخير: » إنني مؤمن بتشيلي، وبشعبها«. كلماته األخيرة، هذه، قالها في راديو تشيلي. وأطلق

النار.أقف في ساحة القصر، طويلا. حولي جمهور صامت ومتأثر إلى حد البكاء. ومثلهم أنا. ال أحب العاطفة الجياشة عندما أكون »غريبا«.أصمد أمام دموعي، هذه المرة، وأنا أقول : سأعود إلى هنا، مرة أخرى، وحدي. أقول هذا وأغمض عيني للحظات، استعيد

خاللها وقت الهجوم في »دمشق«. مقابل القصر يقع الفندق الذي صار هو اآلخر

ر من معالم »سانتياغو«، الفندق الذي منه صو

قصر المونيدا حيث أغتيل الرئيس أليندي

اأقف يف �ساحة الق�رش، طويال. حويل جمهور �سامت

ومتاأثر اإىل حد البكاء. ومثلهم اأنا

الرحلة دي�شمرب 54201055

الصحافيون األجانب الذين كانوا يتكدسون فيه، وقائع الهجوم البربري على »أليندي« وحاشيته. وعندما أدرك » أليندي« مصيره المفجع، طلب من أهله، أن يغادروا القصر، ألنه يريد

أن يظل وحيدا بعض الوقت. كان يريد أن يمهد لخطابه اإلذاعي األخير، وأن يلقيه بشجاعة مـن يعرف أنه سينتصر بعد قليل.

وإن كان هذا الــ»قليل« بعيدا. وأي أهمية لزمن ال يحمل موقفا وال سلوكا جديدا. يومها، يوم قتله، ألقى خطابه الشهير،

المحفورة كلماته األخيرة على التمثال، والتي ال زال صداها يرن في عيون التشيليين الذين كنت أراهم ساهمين، وكأنهم يقرأون

الوقت.اآلن سيأخذوننا إلى » ساحة األسلحة«، والدليل يحكي: “ أنظروا إلى اليمين.القصر العربي األندلسي. بنى على طراز قصر الحمراء

في أسبانيا. وهو اليوم متحف للفنون”. ويتابع الدليل : “ أنظروا حولكم. هل ال حظتم غياب نمط معماري موحد في سانتياغو” ؟ ويضيف مشمئزا : “ من السهل أن يالحظ الزائر ذلك وسط هذا

االمتزاج العشوائي الصاخب للعمارة هنا”. ويتابع بحماس : “ أنظروا هناك، على اليمين، في أفق النظر، البيت الجميل األحمر هو أول بيت بني بعد اإلستقالل عام ١٨١٠. وه أجمل دار في سانتياغو،

كلها”.وبالفعل يبدو القصر عندما نقترب منه : جميلا، رائعا، وعلى

ر. ويقطعني صوت الدليل من نمط العمارة الكولونيالية. أفكجديد: “ نحن اآلن في مركز المدينة. وكما رأيتم فإن البساطة والفقر هما السائدان”. وبعد لحظة صمت أمام المشهد المحزن،

يتابع : “ على العكس من أوربا، هنا يسكن البسطاء وذوو الدخل المحدود في مراكز المدن. واألثرياء يذهبون بعيدا، يختبئون

ضنا. ولكن، كيف، في قصورهم، وال يراهم أحد منا”. أحسه يحروبأية وسيلة، يمكن لإلنسانية أن تحقق المساواة؟

»وسط المدينة« فقير، قريب من القلب، وكثير األلوان والفقاعات. لست أنا الذي سيتأفف من مشهد كهذا، أكاد أعرفه

عت صغيرا بما هو أشنع منه. أنا، مغمض العينين، أنا الذي تلوفي الحقيقة، في مقامي. وأطيل التأمل والنظر. أستدير إلى

الجهات جميعا. أريد أن أشتمل بكل ما يمكن للعين أن ترسله إلى القلب. أحاول أن أدرك كيف تتماثل أقطاب اإلنسانية رغم افتراقها الكبير. كيف يحس الكائن الذي لم يسعفه الحظ بأن

يتخلص من بؤسه القديم. أريد، ويريد الدليل شيئا آخر. وأفترق

فوهة بركان خامد لكن ماءها يحترق

يف ١٥2٠، كان »ماجالن« اأول من وطئ اأر�س ما ي�سمى اليوم

بــ» ت�ســـيلي«، وقد و�سلها بعد عدة حماولت فا�سلة.

الرحلة دي�شمرب 56201057

عنهم. أصير وحيدا في جسدي، عديدا في مشاعري وارتكاساتي.

في » ساحة الجيوش«) بالزا دي آرماس(، أجد مقهى صغيرا، خاتلا في الزاوية. أجلس فيه على وجل. أطلب القهوة بالحليب. وأدع نفسي تتأمل العابرين بحرية، وتتمعن في أنحاء المكان بال قيود. المكان

هو الوحيد الذي يشف عن خفايا الكائنات التي تقيم فيه. لماذا نلجأ إلى األساليب األخرى، إذن؟

جو »سانتياغو« لطيف هذا النهار. ال برد، وال حر، والناس لطفاء. وأتساءل : “ كيف تتكون ذاكرتنا

النقدية حول األمكنة وسكانها”؟ وكيف ننتقل من موضع إلى آخر، ونحن ، أحيانا، ال نغادر المكان”؟

ال نغادره بالمعنى النفسي، أو المعرفي، مع أننا نبعد عنه آالف الكيلو مترات.

وتحاصرني الذكرى: في »دمشق«، عندما صعد » أليندي« إلى قمة السلطة، كنت متحمسا له، ومنحازا إليه بال حدود. كان الفضاء الدمشقي، آنذاك، يفرز مثل هذه العواطف الجياشة، والتي تبدو، أحيانا، غير مفهومة. كنت أحلم بأن أراه.

بأن أرى تشيلي. وعندما قتل، لم يبق على لساني كلما ذكر سوى: “ إنها تمطر فوق سانتياغو”. وقبل أن أذهب بعيدا، يسحبنا الدليل نحو قمة الهضبة المطلة على المدينة. هضبة »سان كريستوبال«، قديس الرحالة، حيث يقوم تمثال العذراء حامية

»سانتياغو«، أو كما يلفظونها محليا : » سان جياكو«

)ومعناها سان جاك(.أمر سريعا على التمثال. فليس ثمة ما يثير الدهشة فيه. عندما تكون قد رأيت تمثال المسيح فوق أعلى

جبل في »ريو دي جانيرو«، فسيبدو هذا لعبة طفولية، شديدة البساطة. أعود إلى »أليندي«. في

أواسط السبعينيات جئت إلى »باريس«. وكنت أتردد على صالة سينما تجريبية في قلب الحي الالتيني، تعرض، وحدها، الفيلم الذي شدني كثيرا : » إنها تمطر فوق سانتياغو«. كان الفيلم يتعلق بالهجوم

على »المونيدا«. وكنت أضطرب شغفا للبالد البعيدة التي تملؤني بالرؤى واألحالم.

كان » أليندي « قد قتل، وكنت حزينا لذلك وكأنه زا ومتعاطفا ال معه فحسب، وإنما، أبي. كنت متحف

مثل كثيرين غيري في ذلك العهد الذي يبدو اآلن جميلا، مع كل الحركات المناهضة للقمع في العالم. كنت أقف طويلا أمام الصور والعالمات، مأخوذا. لم

يكن يخطر لي أنني سأقف ذات يوم أمام قصر»ال مونيدا«، نفسه. أقف طويلا وأنا أستعيد واجهة

السينما العتيقة وصورها المعلقة في الفراغ.الطريق إلى » فالباريزو«

في الطريق إلى »فالباريزو»، صفائح الهضاب مثل أنصال مسنونة، تتوالى بال حدود. لكأن المحيط

صقلها عمدا على هذا الشكل قبل أن يلقي بها على وجه القاع . المحيط الذي يسمى هادئا.

هضاب بركانية قذفت بها الماء ذات يوم، وتدحرجت متالحقة حتى أسفل نقطة في القطب الجنوبي. األرض، هي األخرى، تلحق اإلنحدار مثل

الماء. بين الهضاب نكتشف الوديان. ألن العلو ال يوجد دون إنخفاض. واإلنخفاض في األرض، كما

في الجسد، هو مصدر الثروة والخصب. وهنا، في ع الماء الثري، والبشر، هذه اإلنخفاضات العظمى، تجم

والشجر، وأكاد أقول والجمال. والجمال أصلا خصوبة. أما قمـم الجبال الصاعدة نحو السماء فال

تحتاج إلى شيء»ثانوي« كهذا، ألنها مكتفية بعلوها حتى ولو كان قاحلا. أوليس البشر كذلك، أيضا؟

بابلو نيرودافي »فالباريزو« سنزور بيت الشاعر » بابلو

نيرودا« الحائز على جائزة »نوبل« ١٩٧١.ولد ١٩٠4، في مقاطعة حدودية بعيدة، في جنوب

التشيلي بالقرب من القطب الجنوبي. أبوه عامل في السكك الحديدية. واسمه الحقيقي : »ريكادو

نيفتالي ريس«، و تسمى أيضا، بـ »فاسوالتو« اسم أمه. وقد أتخذ في حياته أكثر من اسم ) يذكرنا

بيت الشاعر ''بابلو نيرودا'' وقد صممه على شكل باخرة، ألنه كان مصابا برهاب البحر

الرحلة دي�شمرب 58201059

هذا بفرناندو بيسوا البرتغالي(، ولكنه اشتهر فقط بـ»بابلو نيرودا«. تعرف وهو فتى على الشاعرة التشيلية الشهيرة:

»غابرييال ميسترال«، وكانت قد حازت قبله على»نوبل« عام ١٩4٥، وهي تعد بشكل من األشكال معلمة له.

اشتهر بحبه للنساء. وعاش مع الكثيرات، دون أن يكون مخلصا ألي منهن. كان فقيرا، ولكنه لم يكن بائسا وال معدما. عمل في مهن كثيرة، كان آخرها سفيرا لبالده في باريس. توفي عام ١٩٧٣.مأخوذا بالوديان والهضاب ذات الروعة الالمحدودة، ونحن نسير

نحو »فالباريزو«، أتساءل: كيف تتحدد األرض، وما هو دور الهضاب والوديان في جاللها؟ وخارج التناقض الشكلي البسيط بينهما، ماذا يعني هذا الالتماثل المستمر لعناصر الكون؟ وأي

فضاء مرهق للعين سيكون فضاء العالم لو كانت األرض منبسطة ر، هذا اإلنحدار والصعود المتواليان، هذا فقط؟ أيكون هذا التكسالتناقض الخالق الذي نحسه بوضوح في صفائح األرض العظمى، هو، وحده، مصدر السعادة التي بها تـمأل عيوننا أنفسنا الوالهة إلى اإلختالف؟ وفي الحقيقة ليس الجمال سوى شعور الدهشة

العميق إزاء مظاهر الكون)والكائن جزء منها(.

أية مدينة هي هذه؟ تكاد تشبه أي شيء؟ الجنة؟ وديان وهضاب وأبنية ملونة تخرج من بطن القاع لترقى إلى السماء. إلى قمم

هي نفسها جنائن كونية مرمية للبشر ليستأنسوا بها من أجل اكتشاف روح الكون بال توتر أو ضغينة. ومع ذلك أبيد أهلها ذات يوم. واسمها الحقيقي »فال بارا ئيزو« ) أو وادي الجنة(. ياسالم.أصعد إلى أعلى قمة في الجبل. أرى الماء في األسفل باهتا وبعيدا. . إلى القمة ومن قاع الوادي تتراقى األبنية الملونة إلى أن تصل إليالتي الفوق لها سوى السماء. أستدير. وأتطلع. وأرى. تالل مملوءة بتالل. تالل األبنية التي تعلو األبنية األخفض منها تتراصف مثل

ركام أسطوري يريد أن يدفن كونا عمالقا وال يحالفه الحظ. وحدها، الشمس تسطع بهدوء فوق ارتجاجات المحيط الذي ال يتململ وال يغضب مهما راح من البشر ومهما جاء. بشره في

قلبه. وهو حريص على أال يسمح للمتطفلين بأن يؤذوهم كثيرا. عسى أن يستطيع تحقيق ذلك. ولكن لـم ال؟ أولم يكن إلها بالنسبة

سوه؟ للهنود الذين قد فجأة، ينقشع الغمام عن أعالي الهضاب، وتأخذ ألوان البنايات

بالسطوع وكأنها تريد أن تزهو بنفسها بعد أن امتألت بنور

اأية مدينة هي هذه؟ تكاد ت�سبه اأي �سيء؟ اجلنة؟ وديان وه�ساب واأبنية

ملونة تخرج من بطن القاع لرتقى اإىل ال�سماء

منظر لمدينة ''فال باريزو'' أو ''وادي الجنة'

الرحلة دي�شمرب 60201061

الشمس. بنايات »فالباريزو« أعجوبة التشيلي الحقيقية. ألوان وأساطير تمأل فضاء هذه المدينة

التي تشبه في وجه من وجوهها مدينة »عمان« األردنية. وإذا كانت »عمان« سوداء، وشهباء،

وأحيانا باللون، فإن هذه مـنجم لوني ال يقارن. لها أشكال وأحجام من اللون واإلشعاع. لكأن الفضاء، فضاءها، ال يستقيم وجوده إال باللون والنور. حتى

الشمس تبدو من عل وكأنها إحدى التزيينات اليومية لهذه المدينة التي بال نظير. وكل ذلك من أجل أن يشعر الزائر بالسعادة : سعادة ألوان الطيف

الالمحدودة.غياب اللون بالدة.

بالدة حقيقية، تجعل الكائن يشبه الحجر، واألرض تشبه التراب. سكن الكائن هو الكائن نفسه. هذا

ما صرت مقتنعا به في »فالباريزو«. والعربي القديم الذي سكن بيت الشعر ذا اللون الواحد لقرون طويلة، لم يتغير إحساسه اللوني، وال شعوره

بالضوء ) أألن ضوء الشمس الباهر ضأل الفروق لديه؟( عندما حوته ألواح الحجر والطين في المدن

الكثيرة. لكأنه يستحي من التعبير عن مشاعره اللونية. بيوتنا تكاد تكون أضرحة، وهي هنا جنان. لنتجاوز حاالت البذخ في القصور والمضافات. إننا

نتكلم هنا عن مدينة »هامشية« أنقذتها ألوانها من اإلهمال. وألوانها تشبه إلى حد بعيد ألوان أحياء التانغو التاريخية البائسة في »بوينس ايرس« في

األرجنتين. وهو ما يجعلنا نحس أننا نشارك السكان بعض ما يسكنون : ألوان بيوتهم.

نوا بيوتكم قبل أن يأخذكم السيل. سيل الزمان لوالذي ال يفرق األسود عن األبيض.

في أعلى الهضبة المركزية في »فالباريزو« سنزور بيت الشاعر التشيلي الشهير، كما قيل من قبل، »بابلو نيرودا«. منزل جميل مصمم على هيئة

باخرة عمالقة بطوابق ثالث. »بابلو نيرودا« كان يحب البحر، ولكنه يخشى السفر في البواخر.

ولذا بنى هذا البيت ـ الباخرة، في أعلى قمة على

المحيط الهاديء ليعيش فيه. وكان عندما يشرب، و»ينبسط«، يقول ألصحابه :” أرأيتم! يمكن أن

نصاب بدوار البحر دون أن نكون مضطرين للركوب في باخرة”. وقد أصبح اليوم متحفا يضم مخلفات

الشاعر وأغراضه وأثاثه.أمام البيت الباخرة أقف طويلا متأملا الفضاء الرائع،

والمحيط الهاديء، وأعالى الهضاب المحيطة به، ر أسماء نظائر »بيسوا« وأحد ها المدعو وأتذك

:»ريكادو ريس«. وباألسم نفسه رواية للبرتغالي اآلخر، حائز جائزة نوبل : »ساراماغو«، والتي

تدور أحداثها حول »ثنائية« » فيرناندو بيسوا«.»بابلو نيرودا« يتربع فوق المحيط الهاديء، وفمه

ممتليء بالضحك. بضحك كبير وسعيد. كان يحب الحياة كثيرا. ولقد شرحت صدره لهذه الفضيلة

»غابرييال ميسترال« شاعرة البؤساء والرعاة، عندما كان »غض اإلهاب«. وحفظ الدرس جيدا. ال بد

أنه يتذكر، اآلن، في غمرة الضحك السعيد، النساء الكثيرات اللواتي عشقهن بال إخالص. وأنتقل من

واحدة إلى أخرى دون تأنيب ضمير. لقد كان قلبه مفعما بحب اإلنسانية وليس فيه مكان للهفوات.

وأجدني أردد، في باحة بيته الجميل : “ أرقد بسالم، سيدي بابلو نيرودا. بعد أن تمتعت بحياتك،

تمتع اآلن بموتك ”.

أرض النارهذا الصباح، سنسافر إلى الصحراء التشيلية، ذات العجائب الكثيرة : صحراء »آتاكاما« التي تطاول

سالسل جبال » اآلنديز« منذ بداياتها إلى نهاياتها في القطب الجنوبي للكوكب األرضي.

وكما أوضح علماء البيئة والجيولوجيا، حديثا، يستحسن استعمال عبارة : »الكوكب األرضي«، على التسميات »الدينية« القديمة، مثل األرض، واليابسة ) تذكيرا بالطوفان(، والقاع ) تذكيرا

بالسماء(، والكرة األرضية، وغيرها. ألن االكتشافات الحديثة بينت كم هو شديد الوسع والالمحدودية

الرحلة دي�شمرب 62201063

هذا»الكوزموس«، أوهذا »الكون«. وليست األرض، أقصد »الكوكب األرضي« إال ذرة في رماله. ويقولون أننا ال نستطيع حتى مقارنتها بذرة رمل إذا ما أخذنا

في اعتبارنا بعض ما يحتويه مركب الكوزموس الالمتناهي من كواكب وضخامات. لنعد إلى األرض.جبال اآلنديز هي العمود الفقري للقارة. وهي صلة

الوصل لكل بلدان الجزء الجنو بي من القارة األمريكية. وعبرها تصعد الدروب حتى »آالسكا«

في القطب الشمالي للكوكب. تبدأ من أقصى الشمال فوق »بوليفيا«، وتنحدر مطاولة ماء المحيط حتى

أرض النار في الجنوب. تبدأ عالية وشامخة ومليئة ببؤر البراكين الحية

والميتة، أو »المقتولة« حسب المعتقدات الهندية. ألن بركانا »فحلا« يمكن أن يقطع رأس بركان آخر أقل فحولة منه، أى أقل عنجهية وارتفاعا، وخاصة إذا كان مجاورا له. وهي تكون، في البدء، متعددة

األنواء والمشاهد والقمم، ولها صفحات أرضية عجيبة تكاد أن تقرأ عليها تاريخ الكوزموس. وشيئا

فشيئا تتطامن كلما انحدرت نحو الجنوب حتى ل، عند»كاب دو هورن«، إلى فتات جبلية تتحومتناثرة، وهضاب متفرقة ال هيبة لها وإن كانت

مملوءة بالجمال، وجزر صغيرة محدودة، قبل أن تغرق في ماء المحيط. أريد أن أقول »المحيطات«،

ألن التقاء الماء بالماء ال حدود له، وإن كان البحارة الشياطين أعطوا لكل بقعة من الماء فوق سطح

الكوكب األرضي إسما.

البركان المقطوع الرأسصفائح الرقيم على طول الطريق الذاهب من مدينة

المناجم : »كاالما«، إلى حاضرة » سان بيدرو دي آتاكاما«، في قلب الصحراء، حيث سنستقر

بعض الوقت، تعيدني إلى أصولي. وأشعر بالسعادة، على العكس من األوربيين، إلحساسي المفاجيء

بأنني قادم من ال مكان. من الصحراء. من الصحراء العربية، وهذه بعض منها. أنا، إذن، في »مكاني«.

أوه! ما هذه الفضاءات الالمتناهية، وهذه اإلضاءات الكونية التي تحتفل بالتراب؟ ولماذا تبدو الشمس في فرحتها، وبهائها األزلي، وهي لم تترك منذ أول

النهار سمت الكون؟لون القاع ذهبي. وهو كذلك في الصحارى األخرى، ربما. وال بد أن لذلك عالقة بالنور. بنور الشمس

ه األرض إلى مصدره بعد أن ترتوي منه. الذي تردهنا ال تغرب الشمس، وإنما تظل تمشي بهدوء نحو

فضائها األحمر. على الطريق الهابط نحو »سان بيدرو«، يشرح لنا

الشراح: “ أنظروا، هذا هو البركان المقطوع الرأس”. ونكاد نشهق عجبا! لكنه يتابع : “ تقول األسطورة

الهندية إن البركان » الفحل« الذي ال يحب أن يعلو عليه أحد، أو شيء، قطع رأس هذا، وجعله »

أصـلم« على شاكلة هضبة عالية، مستوية الرأس، ال ة لها، وإن ظلت تنفث الدخان”. قم

ونتساءل، ويجيب : “ تقول أساطير الهنود، سكان البالد األوائل: إن البراكين هي التي تسيـر أمور

الكوزموس. وهم لذلك يقدسونها. يقدسون براكين جبالهم : »جبال اآلنديز« التي ترونها اآلن تمر أمامكم كالسراب. كسراب بعيد ال تدركون منه

سوى سماته العابرة كالبرق. أنظروا، اآلن! وننظر. ال ، أنظروا شمالا ، يحدد. وننظر. “ذاك هو البركان

القاطع للرؤوس”. وفي أقصى األفق البعيد نرى، بالفعل، قمة هائلة العلو. دخانها يصعد عموديا نحو السماء. وهي

محاطة بقمم أخرى أقل منها رفعة وعلوا، وال تنفث إال القليل من الدخان. لكأنها تخشى من سورة

غضبها القاطعة إن هي أكثرت. قون بين عناصرالطبيعة والحياة. لم يكن الهنود يفرأقصد بين األشياء والفكر. أو بين المرئي والمجرد.

أو بين ما هو كائن، وما يمكن له أن يكون. هل قت« كثيرا؟ »تعم

كانت عناصر الطبيعية التي نسميها نحن »جامدة«، بالنسبة إليهم عوامل أساسية، وحتى

قون بني عنا�رشالطبيعة واحلياة. بني الأ�سياء والفكر مل يكن الهنود احلمر يفر

اأو بني املرئي واملجرد. اأو بني ما هو كائن، وما يكن له اأن يكون

الرحلة دي�شمرب 64201065

قون كثيرا بين وجودهم ووجودها. فالحجر »عاقلة«. وهم ال يفرعندهم ليس هو الحجر عندنا. أقصد أن إعتبارهم له يختلف

عن إعتبارنا. هم كانوا يعتقدون بأن لألشياء فاعلية وكيانا. لكل »شيء« حجم، ومساحة فعل خاصة به. له مجال تأثيره، تماما، « على قدمين. إن لم يكن »الشيء«، أو مثل الكائن الذي »يدب»العنصر األولي« أكثر أهمية وفاعلية من البشري. ولذلك كانو

يحترمون عناصر الكون، ويقدسون بعضها.كانوا يعتقدون أن البراكين التي تنفث دخان نيرانها الجوانية،

إنما تعبر عن عنف كامن في أعماقها. عنف جدير بأن يهدد الطبيعة، ويفني الكائنات. لذلك كانوا يخشون غضبها كثيرا،

ويحجون إليها مقدسين. العالم عندهم ليس هو جموع البشر البائس الذي يزحف كالديدان

أمام هذه القمم العمالقة. وإنما هو مجموع عناصر الكون. فذرة الرمل، مثلا، ليست أقل أهمية من غيرها. ولكي يكون الكائن

منسجما مع ذاته، كما كانوا يعتقدون، ال بد أن يكون منسجما مع عناصر الكون األخرى، وإال فإنه يسعى إلى الخراب. ظلوا كذلك

إلى أن جاء الفكر الديني التوحيدي، على أيدي الغزاة القادمين من » الشرق األوربي«، ليدمر ثقافتهم : »ثقافة التالؤم العميق بين الكائن وبين عناصر الكون«، ويبيد حضارتهم المسالمة بعمق.

دخان الماءمن أجل أن نشاهد » الظاهرة« في أعالي اآلنديز، نصعد 4٥٠٠م فوق سطح البحر، وبدرجة حرارة ١4 تحت الصفر، لكي نصل

إلى السفح. إلى سفح كبير. إلى دائرة عمالقة تحيط بها الجبال من جميع الجهات. في األرض ثقوب ضخمة، وأخرى أقل شأنا منها. من كل ثقب يصعد الدخان. دخان الماء، كما سيشرحون لنا، يصعد نحو السماء. وال يحدث ذلك إال مرة في النهار، عندما »

تحترق الماء« بفعل الحرارة الجوفية لألرض، وقت الصباح : قبيل شروق الشمس، وبعده بقليل، قبل أن تتعادل الحرارتان : حرارة

جوف األرض، وحرارة سطحها.لكأن الماء التي تغلي في أعماق األرض ترسل أبخرتها الجهنمية

لتخترق قشرة القاع، وتفك الحصارعنها. حصار الدفن األزلي لعناصر الطبيعة السائلة الملوعة بانحباسها تحت كتلة اآلنديز

الخرافية.ماذا تخفي حفرة » جيزر تاتيو« العمالقة، هذه، غير هذا الدخان

خليل النعيمي أمام أحد تماثيل ''جزيرة باك

الرحلة دي�شمرب 66201067

المشبع بالماء المسلوقة تحت األرض؟ الدخان الذي ينفر من أعماق الجبال الكونية، متحديا أنظمة

الكوزموس، أو مستجيبا لها، باألحرى.الكوزموس، هو اآلخر، بحاجة إلى نظام، مثله مثل

كائناته الهشة، السريعة العطب، التي هي نحن. عندما تختلف درجات الحرارة الجوانية والبرانية، عندما يختلف التوتر بين الظاهر والباطن، يحدث

في الكوزموس ما يحدث، تماما، عند الكائن : تنكسر القشرة الماسكة للسطح، أو للنفس، وتحدث فيها فوهات، أو شروخ، منها ينبثق التوتر المحصور

في األعماق، قبل أن يغدو الوجود، أو التوازن، مستحيلا.

“حرروا ما في أعماقكم، قبل أن تنفجروا”، هذا ما تقوله لنا ظاهرة »جيزر تاتيو«، في أعالي جبال

اآلنديز التشيلية.تحت الشمس مباشرة أقف، اآلن، وأكتب.

أتطلع بذهول حولي، وأطوف ببصري أنحاء » الحفرة« المثيرة للقلق من شدة ضخامتها، وأتمتم : ر السلسلة ال بد أنها كانت فوهة بركان عمالق فج

الجبلية في أعالي اآلنديز، ذات يوم. وهذه » قات األرضية« التي أسميها أنا “ صغيرة” التشق

مقارنة ببواذخ الكون المحيطة بها، مع أنها تقارب العملقة، ما هي إالفوهات تنفيس كوني هائلة، مهمتها تخفيف الضغط الجواني البالغ العنف حتى ال تنفجر

األرض. أقول فوهات صغيرة! وقطر الواحدة منها يتجاوز عشرات الكيلومترات. تحيط بها القمم واألحجار البركانية التي انقذفت بعنف ال حدود له خارج بؤرتها. سطحها مشظى ومتعدد العناصر واأللوان.

تربتها مزيج من األرض السوداء، واألحجار المهروسة، والماء النزيز، والملح، وبعض أقحاف

رت هاهنا عند ارتمائها الالزمن له. الجبال التي تكسال تنس! أخاطب أحدا ال أراه، وهو مع ذلك قدامي : أننا في حضرة جبال كونية ال يمكن حتى للخيال

أن يقارب هولها وعظمتها. وأزاءها تبدو اللغة فقيرة

بالتعابير التي يمكن لها أن تشرح ما يراه البصر.ض : أيها الركود وفجأة تشغلني حالي، فأصير أتحر

متى تتحرك؟ أيها الكمون متى تثور؟فج بوريتاما العميق

تعلمت من البركان : “ أختزن الصور واألحاسيس”، وفجأة، أكتب. تنشق نفسي عن ألـهوفة، أو فكرة، أو غمر، وتنبثق الكلمات لتأخذ طريقها إلى منطق العقل

ب الكاتب. خزائن إحساسي تفرغ سريعا، وتتأهلإلمتالء، من جديد. أنا في فضاء خارق ال يسمح لألحاسيس بأن تغفو إال من أجل أن ترتاح، قليلا، لتزداد طاقة. أن تضيق لتـتسع أكثر عندما تفيق. ثمة شبه كبير بين الكائن والبركان. حاولوا أن

تلتقطوا، على األقل، عناصر الشبه األساسية بينكم وبينه، ألنها هي التي ستنقذكم عند الضرورة، إال

إذا أردتم أن تبقوا هامدين.يطلع القمر في منتصف النهار؟ أم هي الشمس لم

تغب، أبدا؟ عندما سرينا كان فوقنا والنجوم تتألأل حوله في أعماق الكون. وها نحن نعود وهو ال زال

واقفا في مكانه، لكن النجوم لم تعد تحيط به. لكأنه عقد حلفا مع » اآلنديز«على أال يغيب عنها، أبدا:

قمر الهنود الجميل.قات. األرض مشطورة بقسوة ، ربوع عظمى وتشقزها بسكين خرافية. إنهدامات هذا وكأن اإلله حزب الطمأنينة التي تعلمناها من سهول الكون تخرالعشب والرمال المبسوطة على وجه القاع مثل

اللباس. هنا، الوضع مختلف تماما. نحن في بؤر كونية ، ال فوق قاع مفهومة.

تحت ضوء الشمس الساطع أقف وأضيع في فضاء اآلنديز الحجري األحمر المتوقد من الغيظ ألنه لم

يبرح مكانه منذ ماليين السنين، بعدما غيضت ماء المحيط عنه. متى يسير؟

النوء ساكن مثل كتل األحجار التي تقذفها البراكين من آن آلخر. الشمس في السمت. والصمت ال يمكن

إختراقه، ألن الضوء الباهر يمتص حركة الكائنات المختفية من حمأة الشمس. أنهكها الجوع، وال

قات. الأر�س م�سطورة بق�سوة ، وكاأن الإله ربوع عظمى وت�سق

زها ب�سكني خرافية حز

صحارى الملح الغنية بالمعادن

الرحلة دي�شمرب 68201069

بد. ولكن من منها يجرؤ على البحث عن طعام والشمس القاسية لها بالمرصاد؟ ال بد أنها “ شبعت جوعا” ! وأكاد أسمع » عبد الباسط عبد الصمد«

يردد بصوته النحيف المتصل كلمات “ موسى” )ص(لفتاه: “... آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا

نصـبا”.أخيرا، نهبط فج »بوريتاما« العميق، حيث منابع

المياه المعدنية الساخنة في أعماق األرض. في أعماقها بالفعل، وليس بالمجاز. نهبط على مراحل

مة من أزلية السيول إلى حضيض القاع المهشر ماؤها سيولا صغيرة الزالت والبراكين. حتى تفجتفور من حرارة جوف القاع المشتعل في األعماق. سيدهشني نبات البردي الذي ينمو بكثافة على كتفي الوادي، غارقا في الماء الساخنة. سنتعرى

ونسبح في األحواض الحجرية التي ابدعتها الطبيعة على مدى قرون. أحواض جاهزة الستقبال الحياة،

وكأن مهندسا بارعا صممها، منذ األزل، لهذه الغاية. ستعيد الماء ارتباطنا باآلنديز وأجماته. سننسى

سريعا إنحدارنا المتأزم إلى الحضيض. وخوفنا المتعثر من السقوط، سيعقبه شعورنا باإلمتنان لهذه

البقعة من وجه األرض. الشيء يعادل الراحة بعد العناء، إال األمن بعد خوف.

أقف مأخوذا : كيف تنفطر األرض من جسد الكون؟ وأين يختفي جراح الكوزموس العظيم الذي أبدع كل هذه الروائع؟ لماذا يظل الماء يسيل من ثنايا

جسد األرض العميقة، وإلى أين يروح؟ لكأن جسد م على هذه الشاكلة، تماما. وفي النهاية، الكائن صمليس نسـق الحياة اإلنسانية إال تقليدا بائسا لعظمة

ر والصمت. الكوزموس. فألكتف بالتبصبعد خروجنا من األعماق، وسيرنا المتباطيء،

نتوقف تحت أضالع الجبل العمالقة، في قرية » سوكايده«. قرية هندية مرمية في فضاء اآلنديز

دون أي إعتبار. تتوسطها كنيسة صغيرة، مبنية من الحجر والتراب، وال يؤمها أحد، هي كل ما بقي من

آثار الغزاة في هذا اإلرتفاع الكوني اآلسر. الجبل يحرس القرية مثل أسد جاثم فوق ربوة يراقب الظباء التي سترد العين، وال بد. والهنود

يمشون الهوينى، وكأن الزمن لم يعد يخصهم. لكأنهم فقدوا روحهم الكونية عندما هبط البيض على

أرضهم األولى. الشيء يثير اهتمام الهنود مما نفعل، أو ال نفعل. ينظرون إلينا بحيادية، ولكن بعدائية واضحة، ويولون األدبار، وكأنهم يشتموننا على

وقوفنا فوق أرواح أجدادهم. الهنود »اللطفاء« بنوا قريتهم تحت الجبل، مباشرة، ليظلوا على اتصال دائم

مع روح الكون العليا، كما يعتقدون.

أنـــا مكـــانيتكلم الهندي بهدوء وحذر، ولكن، لـم يتكلم

بعينيه؟ الكوندور والالما والجبل والريح والشمس

والثلج، ال يحيا الهندي دون أن تحيط به هذه العناصر، ويحسها في روحه بعمق. أما هذه الرائحة،

رائحة مـني الشجر، أين شمـمتها؟ أولم يكن، ذات مساء، في “ دمشق ”؟

بعد قليل، سنخلف هذا الضوء األبيض على األرض، ونترك السماء الزرقاء فوقنا، ونغادر هذا التراب

الذهبي، تراب أرض التشيلي الخالدة. ونعود. ولكم يبدو ذلك ثقيلا على القلب : “ العودة”. العودة

التي ستجعلك تتخلى عن األمكنة التي أحببتها، وكأنك ولدت فيها. وأجدني أتساءل : “ ما سر

هذا اإلرتباط المباشر والعفوي بيني وبين األمكنة، حتى تلك التي لم أرها من قبل ؟ ولـم هذا التعلق

ني مدفوعا بنزوة عميقة لزيارة اآلسر بها “؟ وأحسأخيرة لقصر»ال مونيدا«. القصر الذي “ قتل “ فيه

»سلفادور أليندي« عام ١٩٧٣. في ساحة القصر أقف بصمت، لفترة طويلة. أكاد

أنسى موعد الرحيل. شغف عميق وجميل يملؤني بما ال أعرف كيف أصفه. المكان الذي في وجهي يغدو هائلا ومريبا. أحسه يتكلم. يكلمني. يراني

وأراه. يودعني قبل أن أقوم أنا بتوديعه. وأرى في األفق القريب مكتوبا فوق السراب : » إنها

تمطر فوق سانتياغو«، الجملة التي أسرتني في ها، اآلن، في السماء؟ وعلى صباي. اللعنة! من خط

ظ به »أليندى« الحجر أسمع الكالم األخير الذي تلفقبل أن تخترق الرصاصة رأسه : » إنني مؤمن

بشعبي«. ويدوي الظالم.أقف طويلا في ساحة القصر بال حراك، كـمـن أصابه

شلل مفاجيء. تملؤني نـمـنمـة وخـدر. أحس إلى أي حد يختلط قلبي بالمكان الذي أقف فيه، حتى

أشتهي أن آكله. أقف، وأنا أردد:“ عدت إلى » ال مونيدا« ألودعه.

أحب أن أودع األمكنةوال أحب أن أودع الناس.

أنــا مكــان “.

بعد قليل، �سنخلف هذا ال�سوء الأبي�س على الأر�س، ونرتك ال�سماء الزرقاء

فوقنا، ونغادر هذا الرتاب الذهبي، تراب اأر�س الت�سيلي اخلالدة

أعلى: صورة بابلو نيرودا على طابع بريدأسفل: إلى اليمين سلفدور أليندي - إلى اليسار: فبكتور جارا 7273

يوميات در�جة ناريةالالتينية اأمريكا اأرجاء يف غيفارا ت�سي اإرن�ستو رحلة

القرن مألت شخصية خاص، سحر يطبعها غيفارا تشي يوميات العشرين وفاضت أطيافها على األلفية الثالثة. مثال إنساني وكفاحي مضيء لكل األزمنة. هذه صفحات مقتطفة من اليوميات التي كتبها تشي غيفارا خالل رحلة في أرجاء أميركا الالتينية سنة 1952 قطع خاللها مع صديقه ألبرتو غرانادو على دراجة نارية 4500 كيلومتر، إلى غيفارا الشاب األرجنتيني الطبيب منها ولج التي البوابة كانت األنكا، عاصمة – العالم« »سرة إلى وصوال الالتينية، أميركا فضاء بآالم ومزجتها النقية روحه التي صهرت بالشعلة هناك من ليعود

شعوب القارة المنهوبة.إنها الرحلة هي التي وضعت غيفارا على الطريق التي اختار، طريق أرنستو كتب األرجنتين، غرناطة إلى العودة درب وعلى الفداء. تشي غيفارا، إثر احتفاله بعيد ميالده الرابع والعشرين: »علمت أنه حين تشق الروح الهادية العظيمة اإلنسانية إلى شطرين متصارعين، الليل، أراه مطبوعا في سماء إلى جانب الشعب. أعلم هذا، سأكون أرى نفسي قربانا في الثورة الحقيقية، المعادل العظيم إلرادة األفراد.«.صورة عن بعيدا الشاب، غيفارا تشي يوميات قراءة نستطيع هل األسطورة التي تخطت الزمن بإنسانيتها المذهلة وكفاحيتها العظيمة؟

كان صباح من شهر أكتوبر/تشرين األول. مستفيدا قرطبة إلى ذهبت منه، عشر السابع عطلة من خروج بذكرى احتفاال وطنية عطلة آنذاك )كانت بيرون كان .1945 عام السجن من بيرون خوان ومن ، 1955 وحتى 1946 من األرجنتين رئيس 1973 حتى موته سنة 1974( . كنا في بيت ألبيرتو ونعلق كرمة تحت حلوة »متة« نشرب جرانادو على األحداث الراهنة في »الحياة بنت الكلبة« هذه ونصلح دون طائل »الجبارة )La Poderosa : دراجة جرانادو النارية – نورتون 500 ، التي تعني حرفيا عليه أن حقيقة يندب ألبيرتو كان »الجبارة«(. وظيفته في مستعمرة الجذام في سان فرانسيسكو ديل شانيار، وضآلة راتبه في المستشفى اإلسباني. وأنا كنت قد تركت أيضا عملي، لكني على عكسه أكثر الراحة بعدم شعرت بالمغادرة. سعيدا كنت كنت حالم روح أملك وألني مضى وقت أي من والمستشفيات الطب كلية من خاص بشكل متعبا

واالمتحانات. بلغنا في طرقات حلم يقظتنا بالدا نائية، وأبحرنا في برز وفجأة آسيا. كل عبر وارتحلنا مدارية بحار

السؤال منسابا كما لو كان جزءا من تخيالتنا:»لم ال نذهب إلى أمريكا الشمالية؟«

»أمريكا الشمالية؟ لكن، كيف؟«»على متن الجبارة، يا رجل.«

هكذا اتخذنا قرار الرحلة، ولم يحد قط عن المبدأ أخوة إلينا انضم االرتجال. آنذاك: المطروح الرئيس ألبيرتو في شرب المتة ونحن على وشك االنتهاء من وضع مخططنا بعدم التخلي إطالقا عن الفكرة حتى نحقق الحلم. وهكذا بدأ العمل الرتيب في مالحقة التغلب أي والوثائق، والشهادات الدخول تأشيرات

على العقبات العديدة التي وضعتها األمم العصرية في الوجه، قررنا المحتملين. لحفظ ماء الرحالة طرق

القول إننا ذاهبون إلى تشيلي كاحتياط ليس إال. في أمتحن أن المغادرة قبل الرئيسة مهمتي كانت تحضير ألبيرتو وعلى المواد من ممكن عدد أكبر الدراجة للرحلة الطويلة، ودراسة وتخطيط دربنا. غابت عنا في تلك اللحظات ضخامة مسعانا. كان كل فوق ونحن أمامنا الطريق غبار رؤيته بوسعنا ما

الدراجة نلتهم الكيلومترات طائرين إلى الشمال.

اكت�ساف املحيط

البحر، قبالة ظلية صورة يطل تمامه في القمر يكسو األمواج بانعكاسات فضية. نراقب المد والجزر المستمرين، بأفكارنا الواضحة، ونحن جالسان على مؤتمنا لي بالنسبة دائما البحر كان رملي. كثيب على األسرار، صديقا يمتص كل ما يباح له وال يفشي قط منها شيئا، ودوما يقدم خير النصح - ويمكن أن تفسر أصواته الطافحة بالمعنى على أي وجه تريد. بغرابة، مشوش منظر جديد هو أللبيرتو، بالنسبة تتجمع موجة كل عيناه بها تتابع التي والحدة، دهشته. تعكس الشاطىء، على تهمد ثم وترتفع أول األطلسي يرى الثالثين، من المقترب ألبيرتو، متناهيا ال عددا يعني الذي االكتشاف ويغمره مرة من الدروب إلى كل أطراف العالم. يمأل الهواء العليل إثر كل شيء يتحول وحالته، البحر بقوة الحواس لمسته، حتى كمباك )Comeback االسم اإلنجليزي الصغير الكلب على إرنستو أطلقه الذي المستعار تقضي التي " "تشيشنيا صديقته إلى يأخذه الذي الشامخ الغريب الصغير بأنفه ميرامار( في عطلتها عدة أمامه المنتشرة الفضية األشرطة في يحدق

مرات في الدقيقة. كمباك، رمز وكائن قادر على البقاء حيا في آن: رمز الوحدة التي تريد عودتي، حي رغم حظه التعس – سقطتان عن الدراجة )إحداهما طار وحقيبته من إسهال بطنه المتواصل وحتى أن المقعد الخلفي( –

داسه مرة حصان.نحن في فيليا خيسيل، شمال مار ديل بالتا، نحظى – كلم 1200 أول ونراجع عمي بيت ضيافة بكرم من الجلي أنها األسهل، رغم أنها تمنحنا حسا صحيا بالمسافات. ال ندري إن كنا سنصل إلى هناك أم ال، على األقل لكننا نعلم أن بلوغ ذلك سيكون صعبا – هكذا كان انطباعنا في تلك المرحلة. ألبيرتو يضحك

7475

أن ينبغي التي بدقة، التفاصيل بالغة خططه على في بينما نحن النهاية، اقتربنا من قد نكون وفقها

الواقع كنا قد بدأنا منذ برهة فقط. غادرنا خيسيل محملين بمؤونة من الخضار وعلب اللحم المحفوظ "تبرع" بها عمي. طلب منا أن نرسل إذا وصلنا إلى هناك – له برقية من باريلوتشي – حتى يمكنه أن يشتري برقم البرقية ورقة يانصيب، ما بدا لنا في غاية التفاؤل. في تلميح سخر اآلخرون من أن الدراجة ستكون ذريعة جيدة للسفر ركضا.. أنهم إثبات على القوي تصميمنا من وبالرغم الخ، مخطئون، أبقتنا خشية طبيعية من التصريح بثقتنا

المتبادلة. نبضاته على الساحلي الطريق طوال كمباك يحافظ بأذى من اصطدام المالحية، خارجا دون أن يصاب آخر آت. يصعب التحكم بالدراجة النارية مع وجود ثقل إضافي على الحامل الكائن خلف مركز الجاذبية في هفوة أدنى وتجعلنا األمامي، العجل لرفع ينحو التركيز نطير في الهواء. نتوقف عند قصاب ونشتري بعض اللحم للشواء، وقليلا من الحليب للكلب الذي ال يحاول حتى تذوقه. ينتابني قلق على صحة الحيوان الصغير أكثر من المال المدفوع ثمنا للحليب. ظهر أن اللحم لحم حصان وحلو جدا حتى إننا لم نقدر على المدهش ومن بعيدا، بالقطعة ألقي ضجرا تناوله.

أن يلتهمها الكلب بنهم دفعة واحدة. ألقي له بقطعة تناول في عدم ثانية. حميته األمر أخرى ويتكرر الحليب تنتهي. في غمرة صخب المعجبين بكمباك،

أدخل، هنا ميرمار...واآلن أشعر أن جذوري العظيمة مقتلعة، حر و...

احتمينا في مطبخ مركز الشرطة من عاصفة أطلقت العنان لجام غضبها في الخارج. قرأت وأعدت قراءة الرسالة التي ال تصدق. وهكذا كل أحالمي ببلدتي ميرامار، في ودعتني التي العيون بتلك المرتبطة شديد تعب اعتراني وجيه. سبب بال تحطمت وأصغيت نصف نائم إلى حديث سجين جوال مثير يلفق ألف قصة غريبة ويشعره جهل المستمعين إليه الدافئة كلماته معنى فهم على قادرا كنت باألمان. اللعوبة بينما الوجوه المحيطة به تميل مقتربة كي تسمع بشكل أفضل قصصه وهي تكشف بأسرارها.

كما لو من خلل ضباب بعيد كان بإمكاني رؤية طبيب باريلوتشي يومىء برأسه: قابلناه هناك في أمريكي »أعتقد أنكما ستصالن المكان الذي تقصدانه، فأنتما فترة أنكما ستمكثان أظن لكني الشجاعة. تملكان

في المكسيك، إنها بالد رائعة.« قصية، بالد إلى ار البح مع أحلق بأني فجأة شعرت بعيدا عن مجريات دراما حياتي. انتابني قلق عميق، شعرت بأني غير قادر على اإلحساس بأي شيء. بدأت

رسالة أخط فرحت نفسي على بالخشية أشعر مسيلة للدموع، لكني عجزت عن الكتابة ومن غير الممكن المحاولة. في شبه النور المحيط بنا، دارت أشباح ملتفة كدوامة غير »أنها« لم تظهر. كنت عند اعتقادي أني أحبها حتى تلك اللحظة، عندما أدركت

أني ال أحس بشيء. أجبرت على استدعائها لتعود بإشارة من يدي. توجب

على القتال من أجلها، كانت ملكي... لي... ونمت. مغادرتنا، يوم الجديد، اليوم معتدلة شمس أنارت وداعنا أرض األرجنتين. لم يكن حمل الدراجة إلى نجحنا لكننا يسيرة، مهمة فيكتوريا« »موديستا أخيرا في تحقيق ذلك بقليل من الصبر. شكل إنزالها صعوبة مماثلة. هانحن في تلك البقعة الصغيرة قرب بليست«. »بويرتو طنان باسم المدعوة البحيرة بضعة كيلومترات على الطريق، ثالثة أو أربعة على قذرة هذه بحيرة خضراء الماء، إلى أعادتنا األكثر،

المرة، الغونا فرياس. رحلة قصيرة قبل الوصول أخيرا إلى نقطة الجمارك، الجزء في الكائن التشيلية الهجرة دائرة مركز ثم األدنى كثيرا عند خط – الجبال اآلخر من سلسلة العرض هذا. هناك عبرنا بحيرة أخرى تصب فيها مياه الذي العظيم البركان من ينبع الذي ترونادور ريو يحمل االسم نفسه. تمتاز هذه البحيرة "إسميرالدا"، الحرارة معتدل بماء األرجنتين، بحيرات نقيض أعالي في هناك مغرية جدا. متعة السباحة يجعل موقع بانغو كازا يدعى مكان في الجبال سلسلة يشرف على منظر خالب فوق تشيلي. نقطة تقاطع

إلى حد ما، على األقل بالنسبة لي في تلك اللحظة. الضيق الشريط عبر المستقبل إلى أتطلع كنت أوتيرو قصيدة أبيات يعيد مما وما وراءه، لتشيلي

سيلفا إلى ذهني.

اخلرباء

الكرم التشيلي، كما ال يتعبني القول، أحد أسباب جعل لنا متعة عظيمة. ولقد المجاور البلد الترحال في تدريجيا استيقظت استفادة. أيما ذلك من استفدنا المالءة مفكرا بقيمة السرير الجيد ومحصيا تحت السابقة. الليلة لوجبة الحرارية السعرات كمية عجل ثقب ذهني: في األخيرة األحداث راجعت الطريق في قارعة الذي خلفنا على الغادر، الجبارة المطر وفي مكان مجهول، مساعدة راؤول الكريمة، التي اآلن، والمقابلة فيه ننام الذي الفراش صاحب أجريناها مع صحيفة » Al Austral » في تيموكو. كان راؤول طالب طب بيطري، ليس مولعا بالدراسة كما بدا، وكان قد حمل دراجتنا القديمة المسكينة الوديعة وسط البلدة إلى هذه في شاحنته، وجلبنا اثنتان أو لحظة هناك كانت ربما حقا، تشيلي. سببنا ألننا يقابلنا، لم أنه لو صديقنا فيهما تمنى له ليلة من النوم غير المريح، لكن ينبغي عليه أن على أنفقه الذي بالمال متباهيا نفسه، إال يلوم ال حسابه على "كاباريه" إلى ليلة ودعوتنا النساء طبعا. كانت دعوته وراء تطويل إقامتنا في بالد بابلو لبعض حية تفاخر وصلة في واشتركنا نيرودا، هذه من الحال، بطبيعة النهاية، في خرج الوقت.

ار اإىل بالد ق�سية، بعيدا عن جمريات دراما حياتي. انتابني قلق عميق، �سعرت فجاأة باأين اأحلق مع البح

�سعرت باأين غري قادر على الإح�سا�س باأي �سيء. بداأت اأ�سعر باخل�سية على نف�سي فرحت اأخط ر�سالة

م�سيلة للدموع

الرحلة دي�شمرب 76201077

المعضلة المحتومة )نقص النقود(، بمعنى أننا أجبرنا على تأجيل زيارتنا إلى مكان اللهو المثير لالهتمام ومأوى. فراشا ذلك على تعويضا لنا قدم وإن ذاك، بالرضا ونلتهم الواحدة صباحا نشعر في وها نحن إلى باإلضافة حقا، كثير وهو المائدة، على ما كل ما جلب الحقا. ثم استولينا على سرير مضيفنا ألن والده كان قد نقل إلى سانتياجو ولم يبق كثير من

األثاث في البيت. محاولة يقاوم حركة دون الساكن ألبيرتو كان رحت بينما العميق، نومه إلقالق الصباح شمس على صعبة نجدها لم مهمة ببطء، مالبسي أرتدي الليل في لباسنا بين الفرق ألن الخصوص وجه الصحفية تباهت الحذاء. عادة يكون النهار وفي بعدد وافر من الصفحات على عكس صحفنا اليومية الفقيرة غير المتطورة، لكني لم أكن مهتما بأي شيء سوى خبر محلي وجدته مطبوع بحروف كبيرة في

القسم الثاني:خبيرا جذام من األرجنتين يطوفانأمريكا الالتينية على دراجة نارية

ثم بحروف أصغر:موجودان في تيموكو ويريدان زيارة رابا-نوي

هذه خالصة تهورنا. نحن، خبراء، شخصيات رئيسة بتجربة األمريكية، الدول في الجذام حقل في مراكز أهم نعرف مريض، 3000 عالجنا واسعة، الجذام في القارة والباحثين في الحاالت الصحية في هذه المراكز، قبلنا زيارة هذا البلدة الصغيرة الرائعة احترامنا كليا يقدرون قد أنهم حسبنا الكئيبة.

اجتمعت نعرف. الواقع في نكن لم لكننا للبلدة، كل وأصبحت المقالة بعد حين حول كلها العائلة األخبار األخرى في الصحيفة موضع ازدراء أولمبي. هؤالء ودعنا بتقديرهم، متنعمان ونحن وهكذا، الناس الذين ال نذكر عنهم شيئا، وال حتى أسماءهم. رجل مرآب في الدراجة بترك لنا السماح طلبنا يعيش على أطراف البلدة وسرنا هناك، لم نعد مجرد متشردين محبوبين بدراجة مقطورة، كال، أصبحنا اآلن »الخبراء« وعوملنا كذلك. قضينا اليوم كله في إصالح وإعداد الدراجة بينما بين فينة وأخرى تأتي خادمة داكنة البشرة ومعها بعض الطعام الخفيف. في الساعة الخامسة، بعد شاي بعد الظهيرة اللذيذ الذي أعده مضيفنا، ودعنا تيموكو وانطلقنا إلى الشمال.

الو�سول اإىل �سانتياجو

وصلنا سانتياجو يوم أحد وكان الذهاب مباشرة إلى رسالة نحمل كنا به. قمنا ما أول أوستين مرآب توصية إلى المالك، لكننا دهشنا بتعاسة حين وجدنا أن المرآب مقفل. أخيرا، أقنعنا المسؤول هناك قبول ما لقاء الجبين عرق من لندفع وغادرنا الدراجة

تبقى من رحلتنا. مختلفة: مراحل أثاث كناقلي لمهمتنا كان استهالك من تتألف خاص، بشكل المثيرة األولى، يساعدنا قياسي، وقت في العنب من كيلوجرامين في ذلك غياب أصحاب البيت. الثانية، وصول أصحاب الثالثة، المهام الصعبة. القيام ببعض البيت وبالتالي اكتشاف ألبيرتو أن غرور زميل سائق الشاحنة كان

ربح وعليه بجسده، يتعلق ما في خاصة مفرطا، أكثر أثاث لحمل معه أجريناه رهان كل المسكين األحمق دور األخير )لعب معا والمالك االثنين منا

براحة همجية(.استطعنا تعقب قنصل سفارتنا الذي ظهر أخيرا في ما يمكن أن يدعى مكتبا متحجر الوجه )ال بأس إذا أخذ في االعتبار أن ذلك كان يوم أحد( وسمح لنا بالنوم في الباحة، بعد خطبة الذعة ساخرة حول واجباتنا لنا، الخ، توج كرمه بتقديم 200 بيسوس كمواطنين المبلغ أنه عرض هذا لو إهانة. رفضناها العتبارها بعد ثالثة أشهر لكانت هناك قصة أخرى. يا للتوفير!

قرطبة، أجواء ما حد إلى سانتياجو أجواء تشبه المرور فيها اليومي أسرع وحركة إيقاعها رغم أن شوارعها وطبيعة أبنيتها تذكرنا أكثف. ما نوعا لم المتوسطية. بمدننا أهلها ومناخها وحتى وجوه نستطع معرفة المدينة جيدا ألننا كنا هناك لبضعة أيام وتحت ضغط الوقت إلنجاز كثير من المهام قبل

الشروع في الترحال ثانية. رفض قنصل بيرو منحنا تأشيرة دخول دون رسالة بدوره رفض الذي األرجنتيني، مثيله من توصية إعطاءها لنا بحجة أن الدراجة قد ال توصلنا إلى هناك وسينتهي بنا األمر لطلب المساعدة من السفارة )لم لكنه انتهت(، قد الدراجة أن الصغير المالك يدر الن أخيرا ومنحنا تأشيرة بيرو مقابل 400 بيسوس

تشيلي، مبلغ كبير بالنسبة لنا. في أيام سوكويا هذه، جاء فريق بولو الماء من قرطبة في زيارة لسانتياجو. كان كثير من الالعبين من أصدقائنا، لذا قمنا بزيارة إحدى إلى فدعينا مباراة، لعبهم أثناء لهم مجاملة الوالئم التشيلية النمط التي تسير على النحو التالي: اشرب الجبن، بعض جرب خنزير، فخذ »تفضل من إجهاد كل إذا استطعت – – أكثر« وتقف نبيذا التالي اليوم عضالت الصدر في جسمك. صعدنا في المدينة في وسط كتلة صخرية لوسيا، سانتا إلى لها تاريخها الخاص. كنا نقوم بمهمة تصوير المدينة يقودهم سوكويا أعضاء موكب وصل عندما بسالم أحرج المضيف. النادي من مميزة بهيئات أشخاص سيدات إلى أيقدموننا متأكدين غير – المساكين أو الحقا، فعلوا كما المرموقات، التشيلي المجتمع )تذكر معرفتنا بعدم والتظاهر الحمقى دور لعب إدارة في نجحوا لكنهم التقليدية(، غير مالبسنا الورطة العويصة بكل مهارة ممكنة وكانوا ودودين – كما يمكن للناس أن يكونوا من عوالم مختلفة عن عوالمهم وعالمنا في تلك اللحظة المعينة من حياتنا. حرثتا دمعتان وانحدرت الكبير، اليوم حل أخيرا وجنتي ألبيرتو بشكل رمزي. مع آخر وداع للجبارة إلى رحلتنا شرعنا المرآب، في خلفنا المتروكة ما أجمل رائع، في طريق جبلي انطلقنا فالباريسو. يمكن للحضارة أن تقدمه مقارنة بعجائب الطبيعة

ا�ستطعنا تعقب قن�سل �سفارتنا الذي ظهر اأخريا ا متحجر الوجه و�سمح لنا بالنوم يف الباحة، بعد خطبة

لذعة �ساخرة حول واجباتنا كمواطنني

الرحلة دي�شمرب 78201079

الحقيقية )التي لم تخربها أيدي البشر(، في شاحنة تحمل حملنا الثقيل، نحن المتحررين من األحمال.

مدينة الفرا�س

كنا في نهاية واحدة من أهم مراحل رحلتنا، دون أي لكسب القصير المدى في فرصة أي أو سنت

نقود، لكننا كنا سعداء. مدينة جميلة أخمدت ماضيها االستعماري تحت كثيرا تبدو كوزكو زيارة )بعد الجديدة بيوتها مبررة، غير ثمينة ودرة كمدينة شهرتها كذلك(. المنتجعات مع متصلة السكنية ضواحيها أن غير المقبولة القريبة من البحر بشوارع عريضة. يسافر سكان ليما من المدينة إلى ميناء كالالو على طول ال دقائق. غضون في عريضة رئيسة طرق عدة جميع بناء أن )يبدو خاصة بفتنة الميناء يتحلى الحصن، باستثناء واحد( نسق على يسير المواني موقع معارك عديدة. وقفنا على طول أسواره الضخمة الخارق حين اللورد كوتشراني متعجبين من عمل هذا وهاجم الالتينيين األمريكيين بحارته قاد تاريخ فصول أشهر من واحدة في واحتله الحصن

تحرير أمريكا الالتينية. مركز هو ليما في الوصف يستحق الذي الجزء المدينة المحيط بكاتدرائيتها الرائعة المختلفة تماما

عن الثقل الوحشي لكاتدرائية كوزكو، حيث خلد أسلوبيا الفن أصبح ليما، في بقسوة. أنفسهم الغزاة عالية الكاتدرائية أبراج ما: نوعا أنثوية بلمسة مهيبة، لعلها األرفع بين كل كاتدرائيات المستعمرات السخية الفنية الخشبية القطع تركت اإلسبانية. الكنائس هنا الذهب. صحن في كوزكو وتبنت هنا خفيف طليق الهواء، على نقيض تلك الكهوف المظلمة والعدوانية في مدينة إنكا. اللوحات متألقة ساطعة أيضا، مبهجة إلى حد ما، وتتبع مدارس أحدث من أنفسهم، على المتكتمين الهجن الفنانين لوحات القديسين بغضب مظلم أسير. تحمل الذين رسموا كل الكنائس في واجهاتها ومذابحها الخواص الكاملة إسبانية تتصف باروك لفن شوريجوريسك )عمارة بالسطح المفصل والمعقد المحكم. ( المزين بالذهب. لمقاومة األرستقراطية الهائلة الثروة هذه أهلت جيوش تحرير أمريكا حتى اللحظة األخيرة. ليما هي المثال الكامل لبيرو التي لم تتطور ما وراء ظروف ثورة دم انتظار في زالت وما اإلقطاعية، االستعمار

التحرر الحقيقي. المدينة من الفاخر الجزء في ركنا هناك أن غير عزيزا على قلبي، وكثيرا ما كنا نذهب هناك الستعادة ذكريات ماتشو بيتشو، ذلك هو متحف اآلثار وعلم اإلنسان. كان دون خوليو تيللو قيم المتحف دارسا تجري في عروقه دماء هندية نقية. يحتوي المتحف

على مجموعة قيمة، توليفة ثقافية كاملة. ليما هادئة على عكس قرطبة، وإن كانت لها سمة الريفية. باألحرى أو نفسها، االستعمارية المدينة زرنا القنصلية حيث كانت هناك رسائل في انتظارنا. برسالة فعله يمكننا ما لنرى ذهبنا قراءتها بعد مكتب في بيروقراطي إلى نحملها التي التوصية يتعرف أن طبعا، يود، لم الذي الخارجية، وزارة إلى شرطة مركز من وجهينا على همنا علينا. آخر – حتى حصلنا أخيرا في واحدة منها على طبق أرز – وبعد الظهر زرنا الدكتور هوجو بيسي، خبير الجذام، الذي رحب بنا بلطف غير عادي لمسؤول عن إقامتنا مكان أمن هذه. مثل محترمة وحدة طبية لتناول الليلة تلك ودعانا الجذام، مستشفى في الطعام في بيته. تبين أنه متحدث رائع، وكان الوقت

متأخرا حين ذهبنا للنوم. كما استيقظنا في وقت متأخر أيضا وتناولنا اإلفطار. كان من الواضح عدم وجود "أمر" بتقديم الطعام لنا، لذا قررنا الذهاب إلى كلالو وزيارة الميناء. كان الذهاب وليست مايو/أيار من األول كان ذلك ألن بطيئا مسافة األقدام على فسرنا عامة، مواصالت هناك لزيارته معين شيء هناك يكن لم كيلومترا. 14األرجنتينية. المراكب ذلك من وأقل كالالو، في بوجه جريء أكثر من أي وقت مضى، قدمنا أنفسنا عدنا ثم الطعام، بعض متسولين شرطة مركز في بسرعة إلى ليما. مرة أخرى تناولنا الطعام في منزل أنواع مع تجاربه أخبرنا عن الذي بيسي، الدكتور

الجذام المختلفة.

في الصباح ذهبنا إلى متحف اآلثار وعلم اإلنسان. شيء ال يصدق، لكن ضيق الوقت كان يعنى أننا لن نتمكن عمن رؤية كل شيء. كرسنا بعد الظهر للتعرف على برفقة المسمى دي غيا القريب، الجذام مستشفى إلى باإلضافة وهو مولينا، الدكتور الدكتور دليلنا كونه مختصا جيدا في الجذام، من الواضح أنه جراح صدر ممتاز. كما هي عادتنا ذهبنا لتناول الطعام في

بيت الدكتور بيسي. أضعنا صباح يوم السبت كله في مركز المدينة في أخيرا نجحنا سويديا. كرونا 50 لصرف محاولة بعد قليل من الخداع. قضينا بعد الظهر في اكتشاف الحسد. يستحق ما على يحتوي ال الذي المختبر كانت ذلك، مع الكثير. إلى بحاجة كان الواقع، في سجالت حياة األشخاص مروعة في وضوحها ومنهج المساء في الشاملة. تفاصيلها في وكذلك تنظيمها بيسي، الدكتور بيت في العشاء على مدعوين كنا

وكالعادة أثبت مهارته في الحديث المفعم بالحياة.أول مصارعة رأينا إذ لنا، بالنسبة مهم يوم األحد ثيران، وبالرغم من أنها جرت تحت اسم »نوفيالدا«، من كفاءة أقل ومصارعين ثيران مع مصارعة أقدر لم أني لدرجة اإلثارة غاية في كنا المألوف، على التركيز على أحد كتب تيللو التي كنت أقرأها في المكتبة ذاك الصباح. وصلنا في بداية المصارعة، ومع دخولنا كان ثمة ثور يقتل لكن ليس بالطريقة يعاني الثور كان وعليه رحمة«، »ضربة العادية مطروحا على األرض والمصارع يحاول إنهاء المهمة والجمهور يصرخ. صاحب الثور الثالث إثارة معتبرة

اجلزء الذي ي�ستحق الو�سف يف ليما هو مركز املدينة املحيط بكاتدرائيتها الرائعة املختلفة متاما عن الثقل

الوح�سي لكاتدرائية كوزكو، حيث خلد الغزاة اأنف�سهم بق�سوة

الرحلة دي�شمرب 80201081

عندما أمسك بالمصارع بشكل مشهدي وألقى به إلى االحتفال أقفل األمر. في ما كل هذا وكان األرض، مع موت الثور السادس غير المالحظ. فن! لم أر منه كثيرة. ليست مهارة! ما. حد إلى شجاعة! شيئا. ما على يعتمد شيء كل باختصار، نسبية. إثارة!

ستفعله هنالك يوم األحد. المساء في المتحف. إلى ثانية ذهبنا االثنين صباح إلى بيت الدكتور بيسي، حيث قابلنا برفسور طب نفسي، الدكتور فالينزا، متحدث جيد آخر روى لنا التالية: الحكاية مثل وأخرى الحرب عن حكايات »قبل أيام ذهبت إلى دار السينما المحلية لمشاهدة فيلم لكانتينفالس. كان الجميع يضحكون لكني لم أفهم شيئا، ولم يكن ذلك شيئا غير عادي، ألن الباقين لم يستطيعوا فهم شيء أيضا. إذا، لم كانوا يضحكون؟ في الواقع كانوا يضحكون على أنفسهم. كل واحد منهم يضحك على جزء منهم. نحن دولة فتية دون تقاليد لذا ضحكوا على كل ثقافة، وبالكاد مكتشفون، أو الفساد الذي استطاعت حضارتنا الناشئة إصالحه… لكن هل نضجت أمريكا الشمالية تماما رغم ناطحات سحابها وعرباتها وثروتها الجيدة؟ هل تركت شبابها في الوراء؟ كال، الفروق في الشكل فقط، هم ليسوا أساسيين أصيلين، كل أمريكا واحدة في ذلك. فهمت أميركا كلها وأنا أشاهد الكوميدي الشهير كاتينفالس!"لم تسنح فرصة يوم الثالثاء لزيارة المتحف، لكن في

أعطى الذي الدكتور بيسي قابلنا الظهر بعد الثالثة اللون من جاكيت لي وقدم أبيض طاقما ألبيرتو إلى حد ما كالبشر. الجميع، فبدونا نفسه. استوى أيام بضعة مهم. مرت اليوم شيء بقية في يكن لم وضعنا خاللها قدما في ركاب الجواد، وإن بقينا غير نغادر أن علينا كان المغادرة. موعد من متأكدين المفترض من التي الشاحنة أن غير يومين، قبل التي تشكل العديدة أن تقلنا لم تغادر بعد. األجزاء في يتعلق ما في تسير سيرا حسنا. كانت رحلتنا إثراء معلوماتنا، زرنا متاحف ومكتبات، لكن المتحف اآلثار متحف كان أهمية حقيقية له الذي الوحيد وعلم اإلنسان الذي أسسه الدكتور تيللو. من منظور علمي، كان الجذام حيث قابلنا الدكتور بيسي أهم حدث، بينما كان الباقون تالمذته وعليهم قطع طريق لم تذكر. وحيث قيمة له تقديم شيء قبل طويل يكن هناك مختصون في الكيمياء الحيوية في بيرو، مع ألبيرتو تحدث مختصون أطباء المختبر يدير بعضهم، حيث وصلهم بأناس من بيونس أيرس. انسجم حسنا، قدم الثالث… لكن منهم، اثنين مع ألبيرتو في مختص جرانادو، الدكتور باسم نفسه ألبيرتو الجذام …الخ فاعتبروه طبيبا. أجاب الرجل السخيف الذي سأله بقوله »كال، ال يوجد مختصون بالكيمياء من األطباء يمنع قانون هناك ومثلما هنا، الحيوية فتح الصيدليات، فإننا ال نسمح للصيادلة بالتدخل في

أشياء ال يفهمونها.«كان ألبيرتو مستعدا ألن يصبح عنيفا، لذا أمسكت به

برفق وهذا ثناه عن فعل ذلك. المستشفى مرضى بها ودعنا التي الطريقة كانت في ليما، على بساطتها، من أهم األشياء التي تركت تأثيرا قويا لدينا. قدموا لنا مئة نصف من السوليس مع رسالة معبرة جدا. بعد ذلك جاء بعضهم لوداعنا وهم دموعا، ذرفوا حالة من أكثر وفي شخصيا فيهم. بعثت التي الحياة القليل من يشكروننا على صافحنا أيديهم، قبلنا هداياهم وجلسنا معهم نصغي إلى مباراة كرة قدم تبث في المذياع. إن كان هناك ما سيجعلنا نكرس أنفسنا بجد إلى الجذام، ستكون الذين المرضى هؤالء كل لنا أظهرها التي العاطفة

قابلناهم في الطريق.كعاصمة الطويل تقليدها إلى ترقى ال ليما كمدينة جدا جميلة السكنية ضواحيها لكن بالنيابة، المثير األمر الجديدة. شوارعها وكذلك وواسعة بالسفارة المحيطين الشرطة عدد كان لالهتمام شرطيا 50 عن يقل ال ما هناك كان الكولومبية. بالبزة الرسمية والمالبس المدنية يقومون بحراسة

دائمة حول المبنى كله. اليوم األول في رحلة الخروج من ليما لم يكن شيئا يذكر. رأينا الطريق إلى ال أورويا والباقي قطعناه في الفجر. في باسكو دي سيرو وصلنا أن إلى الليل، أطلقنا اللذين بيكيرا، األخوين صحبة في سافرنا تحف باإلسبانية )تعني »كامباالتشي« لقب عليهما زينة كالخزف والتماثيل أو مخزن خردة( أو كامبا،

األكبر خاصة اللطف، منتهى في كانا لالختصار. سنا. داومنا على السير بالعربة طوال اليوم هابطين عام وشعور صداع أصابني بهجة، أكثر أماكن إلى مغادرتنا منذ منه أعان لم ما الصحة، باعتالل فوق مترا 4853 ارتفاع على أصبحنا حين تيكليو. سطح البحر بدأت في التحسن. عندما عبرنا وانوكو واقترابنا من تينغو ماريا كسر محور العجلة األمامي العجلة أن الحظ من حسن لكن اليسار، من جهة العربة. اضطررنا تلك التصقت بالرفرف فلم تنقلب الليلة للنزول بفندق. احتجت إلى أخذ حقنة، لكن

كما شاء حظي كسرت إبرة الحقنة. كان اليوم التالي هادئا خاليا من األحداث ويوم ربو، لكن في الليل حالفنا الحظ حين ذكر ألبيرتو بصوت الشهر ذكرى هو مايو/أيار، 20 اليوم، أن كئيب السادس لرحيلنا. كان ذلك ذريعة لتطاير السوليس. أرضا، وانطرح ألبيرتو تعثر الثالثة القارورة بعد يديه بين يحمله الذي الصغير القرد عن متخليا وغاب عن المكان. استمر كامبا األصغر في احتساء

نصف قارورة أخرى حتى سقط على األرض. تستيقظ أن قبل التالي الصباح في بسرعة غادرنا المرأة التي تملك المحل، ألننا لم ندفع الفاتورة ولم يملك األخوان كامبا مالا بسبب تصليح محور العجلة. سارت العربة بنا طوال النهار حتى انتهى بنا األمر إلى أحد حواجز الطرق التي أقامها الجيش لمنع الناس

من السفر عند هطول مطر غزير. عند ثانية وحجزنا التالي اليوم في ثانية انطلقنا حاجز. لم يسمح لنا بالمرور حتى حلول المساء، وإن

اإىل اجلذام، �شتكون اأنف�شنا بجد اإن كان هناك ما �شيجعلنا نكر�ض الذين قابلناهم يف الطريق. اأظهرها لنا كل هوؤلء املر�شى التي العاطفة

الرحلة دي�شمرب 82201083

توقفنا مرة أخرى في بلدة صغيرة تدعى نيسكويال، آخر موقف لنا في ذاك النهار.

لذا التالي، اليوم في مقفلا يزال ال الدرب كان ذهبنا إلى مركز الجيش للحصول على بعض الطعام. غادرنا بعد الظهر ومعنا جندي جريح ليساعدنا في المرور عند حواجز الطرق العسكرية. بالفعل، بعد كلومترات على الطريق، حين كانت باقي الشاحنات التي بوكالبا إلى بالمرور لشاحنتنا سمح متوقفة، ثمن الصغير كامبا دفع الليل. حلول بعد وصلناها النبيذ من زجاجات أربع شربنا وللوداع وجبتنا، التي جعلته عاطفيا فنذر لنا حبه السرمدي، ودفع

ثمن إقامتنا في الفندق. الوصول هي علينا الملقاة الرئيسة المهمة كانت زرناه، من أول البلدية رئيس كان إيكيتوس. إلى شخص يدعى كوهين سمعنا عنه كثيرا. كان يهوديا أنه ريب ال طيب. رجل لكنه بالمال، يتعلق فيما كان بخيلا مغلول اليد، المشكلة كانت هل هو من البحري الشحن وكيل إلى بنا عهد جيدة. نوعية اللطيف، الربان مع للحديث بدوره أرسلنا الذي الذي وعدنا بمنحنا امتياز السفر في الدرجة األولى لم يسرنا الثالثة. الدرجة في السفر تكاليف ودفع ذلك، فذهبنا لمقابلة رئيس الحامية العسكرية الذي المسؤول وعد ثم لنا. يقدمه ما يملك ال إنه قال عظيما( غباء أبدى )وبذلك استجوابنا بعد الثاني

بالمساعدة. ذهبنا للسباحة بعد ظهر ذلك اليوم في ريو أوكايالي التي بدت إلى حد ما مثل بارانا العليا. صادفنا الوكيل لنا، إكراما له الكثير إنه ضمن الذي قال المساعد الثالثة الدرجة تكاليف ندفع أن على الربان وافق

ونسافر في الدرجة األولى. صفقة عظيمة !نسبح حيث السمك من نادران نوعان هناك كان يدعوهما مواطنو المنطقة »بوفيو«. تقول األسطورة ألف وترتكب النساء وتغتصب الرجال تأكل إنها نهري، أنها دولفين الواضح عميلة عنف أخرى. من التي لها أعضاء تناسلية مثل المرأة، فضال عن سمات لكن كبديل الهنود يستخدمها لذا أخرى،. غريبة عليهم قتلها حالما ينتهون من معاشرتها ألن منطقة األعضاء التناسلية تقبض على عضو الرجل وال يمكن زمالئنا مقابلة بمهمة الليلة تلك قمنا إخراجه. الشاقة في المستشفي لنطلب مكانا نقيم فيه. كما يرفضوا أن يمكن وكان ببرود قابلونا متوقع هو طلبنا لو لم تكسبنا رباطة جأشنا ودهم فقدموا لنا

سريرين حيث استطعنا إراحة عظامنا المتعبة.

هذه الصفحات مقتطفة من الكتاب الذي أصدرته "دار السويدي" في ي�شدر قريباأبو ظبي حتت عنوان "يوميات دراجة نارية" ترجمة صالح صالح.

ترجمة نعمان الحموي الرحلة دي�شمرب 842010

85

يحتوي هذا امللف على عدد من املو�سوعات التي تتحرك يف ف�ساء الرحلة العربية يف الف عام، من ابن

ف�سالن واملقد�سي الب�ساري وابي دلف امل�سعري يف القرنني 10 و11 اإىل ابن بطوطة

يف القرن الرابع ع�رش وابن خلدون يف القرن اخلام�س ع�رش، واأبي �سامل العيا�سي يف القرن ال�سابع ع�رش، و�سول اإىل

رحالة الع�رش احلديث، طواف على ثيمات �سغلت الرحالة ون�سو�سهم، وحيث حتولت الرحلة اإىل مراآة الأزمنة،

والرحالة اإىل موؤرخ من طراز خا�س.

ثيمات هذا امللف ون�سو�سه يف غالبيتها �سغلت اأبحاث املوؤمتر الدويل لأدب الرحلة امل�سمى » العرب بني البحر

وال�سحراء«، وها هي ت�سغل �سفحات من جملة الرحلة يف عددها الأول.

وبعد اأيام من �سدور العدد الأول من جملة »الرحلة«، �سيكون هذا املوؤمتر قد عقد بالتعاون بني »املركز العربي

لالأدب اجلغرايف-ارتياد الآفاق« لندن-اأبو ظبي، و »احلي الثقايف-كاتارا« يف الدوحة حتت عنوان عري�س هو »العرب

بني البحر وال�سحراء« وير�سد الأدوار الثقافية واحل�سارية للعرب وامل�سلمني يف عالقتهم بجوارهم ال�رشقي

وبالآخر الغربي من خالل ن�سو�س اأدب الرحلة، وروؤى الرحالة وكتابات اجلغرافيني والبلدانيني العرب

وامل�سلمني. ويتزامن انعقاد املوؤمتر مع منا�سبة مرور ع�رش �سنوات على تاأ�سي�س »املركز العربي لالأدب اجلغرايف-

ارتياد الآفاق«، و�سبع �سنوات على تاأ�سي�س »جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة«. وياأتي هذا الن�ساط كاأول ن�ساط

ثقايف كبري ي�ست�سيفه »احلي الثقايف-كاتارا« يف قاعاته واأروقته.

وكما جاء يف ن�رشة املوؤمتر فاإن اأبحاثه ت�سلط ال�سوء على م�سيق هرمز وال�سواطئ العربية والآ�سيوية والإفريقية،

والرحالت عربها، اإ�سافة اإىل التوا�سل بني الآ�ستانة واجلزيرة العربية من خالل ن�سو�س ال�سفر، وكذلك على دور

العرب يف تاريخ العلوم البحرية والفلكية وريادتهم يف التاأ�سي�س لعلم اجلغرافية ولأدب الرحلة، وعلى دور رحالت

احلج يف نقل العلوم واملعارف والأفكار اجلديدة.

ير�سد عدد مهم من اأبحاث املوؤمتر العالقات الثقافية وال�سيا�سية والقت�سادية بني كل من العرب وال�سني والهند

وفار�س والرتك قديا وو�سيط، والعالقة باإفريقيا من جهة، وبني العرب واأوروبا حديثا من جهة اأخرى.

وي�سهد املوؤمتر، وللمرة الأوىل لقاء ي�سم عددا من مرتجمي رحلة ابن بطوطة اإىل لغات اأوروبية واآ�سيوية خمتلفة،

�سيقدمون �سهادات حول جتاربهم يف نقل الرحلة اإىل لغاتهم.

هنا يف هذا امللف مغامرة املا�سي بني ما هو ذاتي وما هو مو�سوعي تتحول اإىل م�سافات جتتازها وت�ستجليها عني

احلا�رش.

امللف

�لعرب بني �لبحر و�ل�صحر�ء

الرحلة العربية يف األف عام

The File

8687

1 م73

2 هلل«

د اعب

ن د ب

حمة م

يفخل

« جي

حاها

عدب أ

عر ال

رةزي

جيم

إقلل

شكة

رطخا

ر فا

ظفي

م هر

سمء

يناي م

ة فجر

مهار

يوط

ليخا

الربع

الم

خوى ت

علوا

ليراء

صحي

ل فما

رال

شكأ

يف ب�شتان �أبي �صامل �لعيا�صي

�شور وحكايات

طويلة هي الرحلة من الدار البيضاء إلى سجلماسة حيث تقع زاوية العياشي، وضريحه وضريح أجداده وأحفاده، وجمعهم ينتمون إلى قبيلة آيت أعياش، وفي المصادر المختلفة ولكن في نقل مباشر عن الصديق الراحل سعيد الفاضلي الذي حقق رحلته »المسماة الرحلة المغربية«، ان الرحالة واسمه الكامل عبد اهلل بن محمد بن ابي بكر بن يوسف بن موسى العياشي الملقب

بعفيف الدين ولد في 1628 وتوفي بالطاعون سنة 1679.يا لمشقة الطريق وقصر العمر. لقد شد العياشي الرحال إلى المشرق فزار مكة والمدينة وأدى

فريضة الحج ثم يمم شطر أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، فحج وزار وعاد إلى المفرب

عبر مصر.الرحلة إلى زاوية العياشي وبيت اهله شاقة في الصيف، فقد كانت رحلة صيفية...وما من كثرة

من الناس تفكر في زيارة قبر هذا العالم األديب وزاويته في فصل الصيف، بل في أصعب شهور الصيف.

مع ذلك كانت الفكرة ان أتجول في سجلماسة وأتوقف حيثما عن لي، ولرفاق الرحلة ذلك، لنطلع، عن قرب، ولو لوقت قصير، على المكان الذي اطلع هذا الرحالة الذي دون في رحلته العلم واألدب والفتوى والحكمة، والحكاية والخبر والمالحظة والخاطرة، والطرفة، والشعر وغير ذلك مما جعل

من نص رحلته ديوان أدب، وزاوية تصوف، وفضاء، ومحراب عبادة.

اختيار: محمد أحمد السويديتصوير: كمال بستاني

في الجوارزاوية العياشي في سجلماسة

الرحلة دي�شمرب 92201093

في بيته، حيث ضريحه وبستانه والهضبة التي أطل منها على العالم، هناك عبرنا ساقية ماء، عذب، ومررنا بنساء يغسلن المالبس واألواني، وسرعان ما حضر صبية وحضر رجل ترك عمله

وسعى أمامنا كدليل، بمنتهى الحماسة واللطف والكرم.وجاء فقيه فتح لنا مكتبة الزاوية حيث كتب العياشي ومخطوطاته مكبس تجليد المخطوطات ومالبسه ونعله وجرة السمن كلها دليل إلى نفس بسيطة متقشفة، كذا هو الصوفي...على باب

اهلل، ال يتطلب لكنه يفني ذاته في وجود فسيح.قصدت أن أعود ومعي صور للبيئة التي ظهر فيها العياشي في الطريق من األطلس المتوسط نحو

الريصاني..مررورا بالرشيدية ووصوال إلى مرزوكة على الحدود الجزائرية.ولما أزف الوقت كانت طريق العودة عبر جبال األطلس، وواحات أوفوس وغيرها من الواحات

الخضراء المنخفظة في أرض تشقها األنهار ويكثر فيها النخيل. هي نفسها كطريق الرحالة

والمتصوفة الذين عبروا هذه الواحات ذهابا وغيابا في الطريق إلى الحج، وكذا في الرحالت الداخلية التي لم تتوقف عبر قرون، والتي تركت لنا غرثا مغربيا ومغاربيا هائال، جله ما يزال

ينتظر التحقيق والنشر.محمد أحمد السويدي الذي فكك الرحلة والذي مشى معي الرحلة عبر غوغل واتصل بي مرارا

على الطريق بين نقطتي االنطالق والعودة في مسار طوله أكثر من ألف كيلومتر وخمسمائة كيلو مترا.

هنا في هذه الصفحات ماعادت به عدسة المصور من سجلماسة، وما اختاره محمد أحمد السويدي من نصوص حكائية، ومرات طريفة استلها من رحلة ابي سالم العياشي لتكون قطوفا

أولى من الرحلة ندنيها من ذائقة القارئ.

في جوار الزاوية: حياة بسيطة

مفتاح الزاوية

الرحلة دي�شمرب 94201095

واركال

وكان دخولنا للمدينة عشية الخميس، وأقمنا بها يوم الجمعة واليومين اللذين بعده، ودخلنا للمدينة لحضور صالة الجمعة، وصلينا بجامع يسمى جامع المالكية، وخطب الخطيب بخطبة أكثر فيها اللحن

والخطأ والتحريف، والتقديم والتأخير، مع إدغام أكثر حروفها، حتى كأنها همهمة، فكنت أتخوف

أال تصح لنا معه جمعة إن كانت صالته كخطبته، فنجى اهلل، فأحسن في قراءة الفاتحة. فما ظننا أن صالتنا معه مجزية، ودعا في خطبته لإلمام

المهدي ثم للسلطان األعظم، الخاقان األفخم، محمد بن إبراهيم بن مراد، ثم لسلطان بلده موالي عالهم.

فلما فرغ من الصالة بعثت بعض أصحابنا ليسأله عن المهدي المدعو له في الخطبة، أهو المنتظر

أم أحد المنتحلين ذلك ممن مضى، فسأله عن ذلك فإذا هو ال يفقه شيئا من ذلك، وقال: أظنه

النبي صلى اهلل عليه وسلم. فعلمت أنه إنما وجد الخطبة مكتوبة في صحيفة عنده فحفظها كما

وجدها، إال أنه لم يحرر حفظها ونقلها، ولعلها من خطب بعض من كان في أيام المهدي بن تومرت )مؤسس دولة الموحدين بالمغرب( زاد فيها هذا

الدعاء لإلمامين اللذين في عصره.

الألعاب النارية

رنا لدفن بعض األشراف ولما وصلنا إلى البحر تأخمات بعد النزول من العقبة مطعونا، وخشي أقاربه من جور الوالة إن أوصلوه إلى البندر، فدفن هناك

رحمة اهلل علينا وعليه، ووصلنا إلى البندر عند الظهر، وفيه حصن حصين في قرية على شاطئ

البحر في سفح جبل، وبها آبار كثيرة، وفيها نخيل وسوق كبير يحضره أهل غزة وتأتيه األعراب باإلبل والغنم والسمن والعسل والعلف للدواب،

ووجدنا الفول فيها رخيصا أرخص مما اكتري عليه من مصر، وبتنا بها، وبات المصري هناك، وأوقد

بالليل نيرانا كثيرة وضرب المدافع ورمى المحارق في الهواء، ولها منظر عجيب وأسلوب غريب كأنها

شهب النجوم يرمى بها من األرض إلى السماء، فتراها في الجو طالعة حتى ترى من هام شوامخ الجبال دونها، ثم تنعطف راجعة كأنها ثعبان، ثم

يسمع لها صوت وتخرج منها شرارات من النار، فإذا انقطعت تلك أتبعها بأخرى، وخروجهن فيما نرى

من نار زرقا كأنها نار الكبريت تشتعل اشتعالا قويا

فتطلع منها تلك الشهب، وال نعلم صنعة ذلك، وهي من الغرائب، والرمي بها وبالمدافع عادة المصري في

كل منزل أقام فيه إذا أراد الرحيل.

تون�ض

وقد خرج معنا رجل من أهل الزاوية المذكورة ممن ينتحل الفقه ومعه بعض الحمارنة قدموا

هنالك يمتارون تمرا، وسألهم أمير الركب أن يدلونا الطريق إلى بالدهم فساروا معنا، فبينما أنا أسير

في اليوم الثاني ضحى إذ هم قد جاؤوا على خيلهم، وبأيديهم صقور، يسألون عني في الركب حتى

وجدوني، فسلموا علي بعدما نزلوا عن خيلهم. فلما ركبوا قال لي المتفقه منهم: أريد أن تأذن لي في

المدخل الرئيسي لمبنى الزاويةمن متعلقات الرحالة

الرحلة دي�شمرب 98201099

السؤال عن مسائل فقهية، واستحسنت أدبه في االستئذان في السؤال، واستقبحت فعله في سؤاله

إياي وهو راكب وأنا ماش. فأذنت له في السؤال حياء من رده، فأخذ يسأل عن مسائل من العبادات،

فبينما أنا آخذ معه في ذلك إذ نفج الركب أرنبا فتصايح الحجاج عليها يمينا وشماال، فلما رأى ذلك

أرسل عليها الصقر، وأخذ يركض في إثرها، وذهب وتركني ولم يسمع تمام الجواب عن مسائله.

فتعجبت من استئذانه في السؤال وذهابه من غير استئذان قبل إتمام الجواب، فعلمت أن الرجل

في الغالب أخرق وأن استئذانه أوال لم يكن عن أدب، وإنما هو شيء رآه من غيره أو سمع به فعلق

بذهنه. وفي اليوم الثلث من رحيلنا من نفزاوة

تركنا جبال مطماطة )موقعها بالقرب من مدينة قابس، ماؤها شروب، وبها نخل كثير( عن يميننا.

لغط امل�شرياني

ولما كان يوم الثالثاء سابع الشهر ارتحل الركب المصري من المدينة بعد إقامة ثالثة أيام بها، وكان

الحرم الشريف في أيام إقامتهم ال تكاد تسمع فيه صوت قارئ وال مؤذن لكثرة اللغط والصخب ورفع

األصوات وازدحام الناس في المسجد، ال ينقطع ذلك ليلا وال نهارا، ألن أبواب الحرم الشريف ال

تغلق ماداموا هناك، ويكثرون بالليل إيقاد الشموع

في المسجد ويجتمع إليهم صبيان أهل المدينة يقرؤون لهم موالد وقصائد في مدح النبي، صلى

اهلل عليه وسلم، وهم محدقون بهم، ويسمون ذلك مولد النبي، صلى اهلل عليه وسلم، يستعدون له

من بالدهم بالشمع والحلواء، ويدفعون للصبيان أجرة على ذلك، ويقع على أرض الحرم من

الشمع المذاب شيء كثير ألجل ذلك، فيلتقطونه كا به، ويجمعونه ويرجعون به إلى بالدهم تبرفتجد منهم في المسجد بالليل جماعات كثيرة

على هذا النمط، فيكثر لذلك الصياح في المسجد واللغط الذي ال ينبغي، ال سيما مع ما ينضاف إلى ذلك من والول النساء وبكاء األطفال واختالط

النساء بالرجال. وبالجملة فعوام المصريين من أبعد

الغوغاء عن إصابة الصواب لوال أن مسجد رسول اهلل، صلى اهلل عليه وسلم، ال تكدره الدالء لكانوا جديرين بالمقت بسبب ما يحصل منهم من سوء

األدب وسيئ األقذار في الحرم الشريف.وألهل المدينة عند قدومهم عادة مذمومة، وهي أنه ال تبقى مخدرة من النساء شريفة كانت أو

وضيعة إال خرجت تباشر البيع والشراء بنفسها، ولهن على الرجال في ذلك الوقت إتاوة يؤدونها

لهن يبتعن بها ما أحببن من الالئق بهن، من طيب أو شبهه، وربما ال تقنع إحداهن من زوجها إال بالخمسين دينارا فما فوقها، فقد حكي أن امرأة بعض المدرسين بها أعرفه طلبت منه في ذلك

اليوم ما تخرج به إلى السوق على العادة، فدفع لها

ممر في الطريق خروجا من الزاوية جرة السمن الخاصة بأبي سالم العياشي ومكبس الورق الخاص به، والفقيه يشرح للزائر

الرحلة دي�شمرب 1002010101

عشرة دنانير ذهبا، فاستقلتها وذهبت من شدة الغيظ فرمت بها في المرحاض وأتلفتها عليه وقالت له: أمثلي يخرج إلى السوق بهذا المقدار، فلم يملك

من أمره إلى أن ذهب وتسلف خمسين دينارا فدفعها لها، وهذه حسرة عظيمة وذل للرجال الذين جعلهم اهلل قوامين على النساء، فال ينبغي لذي همة أن يرضى بذلك، بيد أن نساءهم يبالغون في الستر

الظاهر بحيث ال يبدو من المرأة وال مغرز إبرة، حتى من أطرافها، يلبسن الخفاف السود، ويتبرقعن ويسدلن من أزورهن ما يكون نهاية في الستر، إال أنهن يكثرن من الطيب عند الخروج فيوجد عرف الطيب منهن من مسافة فيكون ما سترنه ظاهرا

أبدينه باطنا، وبهذا فسر بعض العلماء قوله، صلى اهلل عليه وسلم: رب كاسية في الدنيا عارية في

اآلخرة، ألن الحكم في اآلخرة إنما هو للحقائق، ومن هذه صفته من النساء، وإن اكتست في الظاهر فهي

في الحقيقة عارية، ألن حقيقة التعري إبداء ما حقه أن يخفى، كما أن التستر إخفاء ما ال ينبغي

أن يظهر، وال خفاء أن عطر المرأة من أعظم زينتها وألذ ما يشتهى منها، وقد أمرت بإخفاء ما هذا سبيله من أوصافها، فإذا ظهر منها ذلك فهي في

الحقيقة عارية وإن اكتست، فإن من العورات ما ال

تواريه الكسوة وال يواريه إال تركه رأسا أو الخلوة؛ ككالم المرأة، فالصحيح أنه عورة، وكذلك عطرها،

فال يواريه إال تركه، ولذلك جاز لها الطيب المؤنث، وهو ما ظهر لونه وخفي ريحه، ألن اللون تستره الثياب، بخالف الريح فال يستره إال الترك رأسا، أو

عدم الخروج، فليتأمل.

اأعجوبة

حكى لي بعض المجاورين أنه وجد في بعض المواسم رجل مع امرأة في الحرم الشريف، فحمال

إلى الحاكم، فشهدت البينة أنها زوجته، وقيل له: ما حملك على ما فعلت؟ فقال: إنه ال ولد لنا، فرجوت أن تحمل المرأة ببركة هذا الحرم، فعذر

بجهله، ولم يعاقب.

البداوة

ولقد أخبرت أن للنساء عليهم عادة يسمونها الشخشخة، وهو ما تشتري به المرأة ما تشتهيه

من األزهار، فربما بلغ ذلك ريالا في كل يوم، ولقد سألت شيخنا الثعالبي عن سبب إيثاره سكنى مكة على المدينة، مع أنا نقول بفضل المدينة

على مكة، فقال: إن أهل هذه المدينة قد تحضروا وغلب عليهم طبع األعاجم ورفاهيتهم وإسرافهم،

وتشبهوا بهم في ملبسهم وفي غالب أحوالهم، وأنا امرؤ مسكين فقير أخاف أن ينشأ أوالدي وأزواجي

ويتطبعوا بطبعهم في ذلك، بخالف أهل مكة فإنهم لم يزالوا على أعرابيتهم واستعمال البداوة وعدم المباالة واالعتناء في الملبس والمأكل، قد غلبت

عليهم البداوة، وكثرة مخالطتهم ألهل البادية وسكناهم بها حتى أمراؤها من األشراف، فإن غالب سكناهم بالبادية، وإن كانت لهم منازل بمكة، ومن ولد له مولود منهم استرضع له من العرب بالبادية،

فال يأت به حتى يقارب الحلم، ولباس الملك وأوالده وبني عمه، وإن كان في غاية الرفعة واللطافة

فإنه على زي لباس العرب في تعممهم وتقمصهم، فيلبسون العمائم القصار ذوات األهداب الطويلة

ويرسلون لها العذبة إلى قريب من ذراع، ويلبسون الدشوت الرفيعة إال أنها على هيئة دشوت األعراب،

وال يلبسون الجوخ التي تلبسها العجم وال األقبية التي هي على زيهم، ويلبسون النعال ذات السيور

التي على ظهر القدم دون السرموجة )السرموجة: نوع من األحذية( التي تلبسها األعاجم. وعلى

كل حال فأهل مكة قد غلبت البداوة على جميع شؤونهم وظهرت فيهم دون أهل المدينة، ولذلك قل

سكنى األعاجم بها، إال القليل، ألنها وطن السلطان وأوالده وأقاربه، ونفوسهم ال تنقاد للذل وجريان

بعض المخطوطات الخاصة بالعياشي

النعل الذي كان يرتديه الرحالة

الرحلة دي�شمرب 1022010103

األحكام عليها في كل ورد وصدر، فيشمئزون من سكنى مكة ويميلون إلى المدينة لكون عسكر

الترك بها وهم جنسهم وأحكام السلطان، وإن كانت نافذة هناك أيضا، لكنها بعيدة منهم فليست كمحل وطنه. أخبرني بهذا من سبر حال البلدين وعلمه

زيادة على ما رأيته أنا من ذلك.

الأغوات

ولقد أجاد شيخ الحرم في وضع هذا الحاجز وفي تنقية البالليع التي في صحن المسجد، وشيخ الحرم

وهو كبير العبيد األغوات الموقوفين على خدمة

المسجد والحجرة الشريفة، واآلغا بلغتهم كناية عن الخصي من العبيد، واختاروا وقف الخصي دون غيره لكونه أطهر وأنزه وأكثر فراغا من االشتغال،

إذ ال أهل له وال ولد يشتغل بهم، وهو أبعد من دنس الجنابة ومباشرة النساء، وهم عدد كثير قريب من الثمانين، يزيدون وينقصون بحسب كثرة

الراغبين في الوقف وقلتهم، واألربعون منهم هم الكبار الذين يأتي رزقهم ومؤونتهم من بيت المال، وما زاد على ذلك إنما يرزقون من األوقاف التي لهم

بالمدينة، أو مما يأتيهم من الهدايا والصدقات من أقطار األرض، ويسمى ما سوى األربعين البطالين، ألنهم إنما يستعملون في األشغال التي هي خارج الحجرة والمسجد النبوي من األعمال الممتهنة،

وال يجلسون مع األكابر في الدكة، إنما يجلسون خارجها، ولهم ضبط وسياسة كسياسة الملوك،

فلكل واحد منهم رتبة معلومة وشغل معلوم. فإذا مر باألصاغر أحد األكابر قاموا كلهم، وكذلك األكابر

فيما بينهم، فأكبرهم شيخ الحرم وهو يتجدد في الغالب إما في سنة أو سنتين أو أكثر، وال يأتي إال من دار السلطان من عبيده، ويليه النقيب،

ويليه المستشار، وهو الذي يتولى قبض الصدقات وما يهدى لهم أو للحجرة، وبيده مفاتيح الحجرة

وحواصل الزيت والشمع، والحاصل أن جميع ما يتصرف فيه األغوات ومصالح المسجد ومن

أوقافهم كل ذلك بيده، فإذا مات أحد من األربعين دخل أحد البطالين في موضعه، وهو من كان شيخ

البطالين والترتيب في ذلك بالتقدم، فمن تقدم مجيئه يقدم على من تأخر مجيئه، وليس فيهم

شافعي وال حنبلي، بل كلهم حنفية ومالكية على مذهب ساداتهم الذين أوقفوهم، وذلك ألن الشافعية

والحنابلة ال يرون صحة وقف الحيوان.ومن أوقف عبدا من األغوات على الحجرة نسب

إليه، سواء كان من التجار أو من األمراء أو العلماء، فيقال: آغا فالن، وقد كان كبيرهم المستسلم أيام

مجاورتنا األغا يحيى، وهو من أوقاف الشيخ الصالح الحاج األبر سيدي أبي حفص بن الشيخ عبد القادر

بن بوسماحة المغربي من ناحية فجيج، وتوفي األغا يحيى بعد خروجنا من المدينة ونحن بمكة،

وتولى مكانه اآلغا مصطفى وهو مالكي أيضا.

الخط المغربي وزخارف المخطوطمخطوطة جميلة الخط

الرحلة دي�شمرب 1042010105

وكالهما كان يبالغ في تعظيمنا واإلحسان إلينا، فجزاهما اهلل خيرا، وكل األغوات أهل خير وبركة

قد اختارهم اهلل لخدمة أشرف البقاع وشرفهم بالنسبة إلى أشرف الخلق، صلى اهلل عليه وسلم،

ولقد شاهدت منهم أناسا على قدم صدق في العبادة منهم األغا عبد النبي، وهو شيخ البطالين إذ ذاك، واألغا عنبر منهم أيضا، ولقد اعتكفت ليلة في المسجد فلم يبت فيه أحد غير سوى األغوات،

فاجتهدت أن أساويه في القيام والصالة فما قدرت، والفضل بيد اهلل.

واألغوات كلهم يبيتون في المسجد ما عدا شيخ الحرم والنقيب، وأما اآلخرون فال يبيت واحد منهم

بداره إال لعذر بين من مرض أو نحوه، ولكنهم، جزاهم اهلل خيرا عن تعظيم المكان وتوقيره

وتبجيله، وعادتهم كل ليلة، إذا فرغ الناس من صالة العشاء ورواتبها، قاموا بيدهم الفوانيس الكبار

مشعلة، ليخرجوا الناس من المسجد، فيأتون إلى المواجهة والصف األول فيقف بعضهم أول الصف

ووسطه وآخره، فيخرجون كل من فيه، فإذا لم يبق أحد في ذلك الصف، تكلموا بكلمة ذكر

رافعين أصواتهم بها، فينتقلون إلى الصف الذي يليه، ثم كذلك حتى ال يبقى في المسجد أحد إال هم، فيغلقون األبواب ويطفئون المصابيح كلها إال

التي في مواجهة الوجه الشريف والتي في داخل الحجرة، فيخرجون من المسجد إلى الصحن

وإلى األروقة التي بجانبه، فيخرجون فرشهم من الحواصل، وينامون هناك، وال ينام أحد منهم في المسجد، بل وال يأتيه إال من قصد منهم الصالة،

وغالب نوم الصغار منهم في مؤخر المسجد. ومن وراء المسجد، في الناحية الشامية، ميضأة كبيرة فيها بئر كبيرة وأخلية، وفتح لها باب إلى

مؤخر المسجد وال تفتح إال ليال بعد غلق األبواب، وتسرج فيها المصابيح لوضوء األغوات وإزالة

حقنة من احتاج إلى ذلك بليل، فإذا غلقت األبواب هدأت األصوات منهم وخشعوا، فال تكاد تسمع من أحد منهم كلمة، فمن احتاج منهم إلى أحد كلمه

رار. ولقد رأيتهم يبالغون في خفض اآلخر السأصواتهم بالليل، حتى بالسعال والعطاس، وتنزل عليهم السكينة، وتلحقهم هيبة المكان، وليس ذلك منهم مجرد استعمال، بل لما يخالط قلوبهم

من هيبة المكان. ولقد أخبروني أنه ال يقدر أحد منهم بليل أن يصل إلى الروضة وأطراف الحجرة والمواجهة إال األفراد منهم، وأنهم يسمعون بالليل قعقعة السقوف وفرقعة الشبابيك، حتى يظن أن

أحد أبواب الحجرة فتح، وأن بعض السقوف وقع، فال يجدون شيئا من ذلك، واهلل أعلم، لتنزل مالئكة

الرحمة على قبره، صلى اهلل عليه وسلم، أو قدوم بعض رجال الغيب للزيارة، ويظهر ذلك بالليل لهدوء األصوات به وخلو المكان، وإن كان تنزل المالئكة

على قبره، صلى اهلل عليه وسلم، وغشيان الرحمة له ال ينقطع ليلا وال نهارا، ولقد شاهدت من الهيبة

والعظمة في إحدى الليالي التي بتها في المسجد ما أعجز عن وصفه، ولقد كنت أجهد إذا عسعس

الليل أن أصل إلى المواجهة وأقف للتسليم والدعاء فما أصل إلى ذلك حتى تكاد أوصالي تتقطع هيبة، فإذا وصلت وسلمت وأردت إطالة الوقوف للدعاء

كما كنت أفعل نهارا فال أقدر، فأخفف السالم والدعاء وأرجع، ولقد سمعت بعض ما ذكر من

فرقعة السقف وما أشبه ذلك فملئت منه رعبا إال أني كنت أشتغل عنه وأتلهى عن سماعه بقراءة القرآن سرا، فيا لها من ليلة هي نتيجة عمري

وفريدة أيامي، فلئن كانت ليلة القدر كألف شهر فهذه الليلة عندي كألف ليلة القدر، اللهم ال أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك، فلك الحمد

على جزيل عطائك ولك الشكر على سوابغ آالئك.فإذا كان بعد الثلث اآلخر من الليل جاء رئيس

قبر العياشي ابي سالم: تنقصه العناية

جماعة من أحفاده

الرحلة دي�شمرب 1062010107

المؤذنين، ففتحوا له وصعد إلى المئذنة الرايسية، وأذن وشرع في الدعاء والذكر والصالة على النبي، صلى اهلل عليه وسلم، فيقوم كل من في المسجد

من األغوات فيتوضؤون، ثم يصبحون كل ما في المسجد من المصابيح، فإذا فرغوا من اإلصباح،

وقرب الصباح، فتحوا أبواب الحرم، وال يأتي وقت فتحها حتى تجتمع بأبواب المسجد جماعات

كثيرة من المجتهدين، ينتظرون الفتح، فإذا فتحت األبواب دخلوا مزدحمين، وتسابقوا الصف األول

من الروضة فيما بين القبر والمنبر، فمن سبق إلى موضع كان أحق به، فإذا أراد القيام لحاجة كزيارة

أو تجديد وضوء بسط نمرة له في محله، فال يجلس فيه أحد ولو أبطأ، وكثيرا ما يعتدي في ذلك أقوام فيدخلون مع أول داخل من غير طهارة لقصد السبق إلى الموضع وتحجيره، فإذا بسط فيه فروته أو منديله ذهب إذ ذاك إلى الطهارة وأسبابها، وكثير

منهم يبطئ في الطهارة فيحجر على الناس المحل، وربما عرض ألحدهم حاجة في منزله أو في

السوق فيترك النمرة في محله فال يقربه أحد وإن أبطأ كثيرا، وفي ذلك من الضرر على المصلين ما

ال يخفى، على أن في دخولهم مزدحمين واستباقهم إلى الروضة ربما سمع ألقدامهم دوي من شدة

العدو، سوء أدب ال يخفى وربما يحتج لذلك محتج بقوله عليه السالم: لو يعلم الناس ما في الصف

األول الستبقوا إليه، فال بد بتقييد ذلك بما ال يخل بأدب البقعة المطهرة وساكنها لقوله عليه السالم:

وآتوها تمشون، يعني الصالة، وعليكم السكينة والوقار، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا،

والمراد بالمسابقة في الحديث المتقدم االهتمام بشأنه والحرص على الصالة فيه والتبكير إليه من

غير عدو باألقدام ومزاحمة بالمناكب.وساداتنا األغوات، رضي اهلل عنهم، ال يغفلون طرفة عين عن حراسة الحرم الشريف وتأديب من أساء األدب فيه بلغط ورفع صوت أو نوم، ولو في قائلة، إال في مؤخر المسجد، ومن وجدوه مضطجعا من دون نوم لالستراحة، فإن مد رجليه إلى ناحية الحجرة زجروه، وإن استقبل القبلة بوجهه أو

الحجرة من غير أن يكون مستدبرا لها تركوه، وال يغفلون عن حضور المسجد في ساعة من ليل أو

نهار، فإن خرجت طائفة جلست طائفة.ولهم ديار وخدم وأتباع، وضياع وخيل، وسعة

ا هم بصدده من خدمة دنيا، وال يشغلهم ذلك عمالمسجد، بل لبعضهم أزواج وسراري، اتخذوها

للتلذذ بما سوى الجماع.

وأحكامهم فيما بينهم منضبطة غاية االنضباط، وال يحكم فيهم سلطان وال غيره، وال يولى عليهم وال يعزل منهم، إال بأمر شيخهم. وال يرث معهم بيت المال إن مات أحدهم، إنما يتوارثون بينهم. ومن وجبت عليه عقوبة أو أدب منهم أدبوه، من غير

أن تكون ألحد عليهم والية، كل ذلك تعظيما لجانب النبي، صلى اهلل عليه وسلم، أن تكون ألحد والية

على عبيده. ولقد أنكرت منهم تأديب من لزمه األدب من صغارهم في المسجد في بيت بإزاء دكتهم

قريبا من الحجرة فيسمع صياحه وصوت الضرب كل من بإزاء الحجرة، فكنت أرى أن لو جعلوا لذلك

محلا بعيدا من المسجد والحجرة الشريفة، وال يدخل معهم من العبيد الذين يهدون من اآلفاق إال

من أرادوا إدخاله بمال يدفعه عنه سيده عنه، أو يدفعه هو إن كان له مال، ومع ذلك يبقى في مرتبة

الصغار المشتغلين بالخدمة الخارجية، فإن رضوا حاله وحسنت أخالقه تركوه حتى تأتي نوبته في الدخول في زمرة األربعين، وإن ظهرت منه خيانة

وسوء أخالق وسرقة أو شيء يشينه، نفوه إلى حيث شاء من البالد.

ولقد وجدت هناك خصيا لبعض ملوك المغرب دفع لهم مالا جزيال ليدخل في زمرتهم وكان كهال ال يحسن خدمة الصغار، فدفع لهم مالا آخر على

تحريره من الخدمة، وقنع بأن يكون محسوبا في زمرتهم يناله من أوقافهم وصدقاتهم، ولقد أصاب في ذلك وأحسن النظر لنفسه إذ أنقذه اهلل من

أحصنة األلعاب النارية وفرسانها يرتدون ازياء تقليدية

حصان مغربي اصيل

الرحلة دي�شمرب 1082010109

اجتماع ذلك منه خارجا عن محل البول ال يمر به أصال، وإنما هو جليدة رقيقة عن يمين المحل أو

يساره يجتمع فيها ذلك العرق وتشتد عليه وتنطوي حتى يؤخذ منها. قال: فحينئذ اطمأنت نفوسنا

وأيقنا بطهارته )وردت الحكاية في كتاب: صفوة من انتشر(.

خدمة سالطين الدنيا إلى خدمة سلطان الدنيا واآلخرة، ومن جوار الظلمة العجزة إلى جوار

الكرام البررة.وبالجملة فلعبيد النبي، صلى اهلل عليه وسلم،

وخدام مسجده جاللة قدر، وعظم منصب، وسعة أرزاق، وكرم أخالق، وهم أحقاء بذلك. ولكبيرهم

كلمة نافذة في المدينة، تنفذ أحكامه، وتمضي تصرفاته، في القوي والضعيف ويطأ عقبه الكبراء

واألشراف.وعلى طول إقامتي بالمدينة لم أدر كيفية تصرف الوالة فيها، وال من له التصرف التام بها، فإن شيخ الحرم وهو كبير الخدام كما تقدم تنفذ أحكامه، وكبير العسكر الساكنين بالقلعة أمير أيضا، وابن

عم السلطان زيد وزوج ابنته السيدة تقية النائب عنه في النظر في مصالح البلد كذلك، واألمير الذي تنسب إليه إمرة المدينة من الشرفاء الحسينيين

كذلك، والحاكم الذي يسجن ويضرب ويقتل ويؤدب، وهو من خدام السلطان كذلك. وال أعلم هل

لكل واحد من هؤالء والية على قوم بالخصوص أو على عمل من األعمال، ولم يشف لي أحد غرض

إال مجرد العلم باإلحاطة بأخبار المدينة دينيها ودنيويها لحبي لها ولساكنيها أسأل غرضا في

كيفية ذلك، ولم أبالغ في الفحص عنه، إذ لم يتعلق لي به اهلل أن يحقق لي ذلك ويجعل قبري بها على

أحسن حال تسر المؤمن في دينه ودنياه آمين.

الزباد

أخبرني أن سيدي علي الخضيري ذكر في شرحه على المختصر )يقصد مختصر خليل( أن الزباد )مثل السنور الصغير يجلب من نواحي الهند(

المسمى في عرف غربنا بالغالية )نوع من الطيب( ، نجس وأن كان عرق حي لمروره بمحل البول. قال:

وكان بعض الصالحين ال يتطيب به لذلك، وأظنه شيخنا اللقاني. قال شيخنا: وكنت أتوهم ذلك إلى

أن بعثت بحضرة الشيخ سيدي عبد الحفيظ إلى قط من القطوط التي يستخرج منها الزباد، وكان عند بعض األتراك، فلما أحضر أمرنا متولي استخراج

الزباد منه بإخراجه بحضرتنا ففعل. فشاهدنا محل

كتاب من واقتطفت اختيرت الصفحات هذه الفاضلي سعيد د. حتقيق العياشية« »الرحلة ابن »جائزة على حائزة القرشي، سليمان ود. منشورات ، 2005 اجلغرافي« لألدب بطوطة

دار السويدي 2006.

الطفولة طرافة الوجودفي جوار الزاوية: وقائع حياة

الرحلة دي�شمرب 1102010111

ابن خلدون يف �سيافة تيمور لنك عند اأبواب دم�سق �سنة 803 هـ

فاح اللقاء العجيب بني العاملم وال�شا

يف �سنة 803 هجرية �سد ابن خلدون رحاله متوجها من املغرب نحو امل�رشق. وقد وردت اأخبار هذه

الرحلة ووقائعها يف ذيل كتابه "العرب" حتت عنوان "التعريف بابن خلدون ورحلته �رشقا وغربا". ويت�سمن

هذا الق�سم الأخري من الكتاب ما يعرب كتابا م�ستقال، ترجم فيه ابن خلدون لنف�سه، م�ستعر�سا ن�ساأته

وم�سيخته وحاله. ودون وقائع رحالته املتكررة ما بني املغرب وتون�س واجلزائر والأندل�س ومن ثم رحلته

اإىل ال�سام والقاهرة، مبا يف ذلك اأخبار توليه املنا�سب وعزله عنها يف امل�رشق العربي. وما لعبه من اأدوار يف

ال�سيا�سة والق�ساء، وما ت�سلع به من دور الو�سيط بني �سالطني امل�رشق و�سالطني املغرب.

و�سل ابن خلدون اإىل دم�سق مع و�سول التتار اإىل اأ�سوارها. واإذا كانت واقعة �سقوط هذه املدينة العظيمة

حتت �سيوف التتار هي واحدة من الوقائع الأكرث �سوؤما يف تاريخها، ملا �سهدته خالل ذلك من فظائع تق�سعر

لها الأبدان، فاإن هذه امل�سادفة �ست�سكل عالمة فارقة يف حياة ابن خلدون. ولعل هذا العالمة الكبري ما كان

ليخطر يف باله يوما اأن يلعب دور الو�سيط بني املدينة وتيمور لنك الذي ن�سب خيمته حتت اأ�سوارها و�رشب

احل�سار عليها، فدافعت املدينة عن نف�سها متحدة اإىل اأن بداأت بوادر الفرقى تدب ب�سبب خالف بني القلعة

املدافعة عنها والق�ساة الذين ياأ�سوا من اإمكان ا�ستمرار املدينة يف ال�سمود، وخافوا على اأنف�سهم وعلى

رعاياهم من مذبحة ل تبقي اأحدا يف دم�سق، فاآثروا ت�سليم املدينة. لكن اأهل القلعة رف�سوا ال�ست�سالم

لتيمور لنك وع�ساكره وقرروا موا�سلة الدفاع.

هنا يبرز دور ابن خلدون الذي طلب من القضاة الذين اجتمعوا في مدرسة العادلية، وشكلوا- بحضوره - وفدا للقاء تيمور، وبحث صيغة

االستسالم أن يساعدوه على الخروج معهم. وبالفعل فإن ابن خلدون سيتدلى من السور ويخرج من

المدينة المحاصرة بعد عودة الوفد من اللقاء األول له مع تيمور. رأس الوفد القاضي برهان الدين

بن ابرهيم بن محمد بن مفلح، وكان يجيد إلى جانب اللغة العربية، اللغتين التركية والفارسية. يذكر ابن خلدون أنه خالل اللقاء الذي دار بين القضاة الدمشقيين وتيمور، سأل األخير عن ابن خلدون باالسم، وما إذا كان فر مع الوفد المسافر

إلى القاهرة لطلب النجدة؟ فقيل له ال، وهو موجود في المدرسة العادلية حيث يقيم. ويذكر المؤرخ

المغربي أن تيمور أحسن لقاء الوفد وكتب له الرقاع باألمان، ورد أعضاءه إلى المدينة بوعود

وآمال عراض، إذا ما أمكنهم إقناع المدافعين بالكف عن األعمال الحربية وفتح األبواب لجيشه.

في تلك الليلة بات ابن خلدون على أهبة الخروج للقاء تيمورلنك، ولما علم المدافعون عن المدينة بأخبار الوفد، والمفاوضات دارت سجاالت واسعة

بين فريقي الداعين إلى الصمود والقتال حتى النصر أو الشهادة، وبين القائلين باالستسالم،

ووقعت شجارات يذكر ابن خلدون أحدها بقوله: "فحدث بين بعض الناس تشاجر في المسجد

الجامع، وأنكر البعض ما وقع من االستنامة إلى القول )أي االطمئنان إلى وعود التتار(". وهنا يعبر

ابن خلدون عن خشيته على نفسه من أذى الرافضين االستسالم. وعلى األرجح أن المؤرخ

المغربي لم ينم تلك الليلة، وفي الفجر سيكون عند السور. يقول: "... وبكرت سحرا إلى جماعة القضاة عند الباب، وطلبت الخروج أو التدلي من السور، لما حدث عندي من توهمات ذلك الخبر،

فأبو علي أولا، ثم أصبحوا، ودلوني من السور، فوجدت بطانته –يقصد تيمور- عند الباب، ونائبه الذي عينه للوالية على دمشق". وكان هذا التتاري يدعى شاه ملك، يصف ابن خلدون لقاءه به على

النحو التالي: " فحييتهم وحيوني، وفديت وفدوني، وقدم لي شاه ملك، مركوبا، وبعث معي من بطانة

السلطان من أوصلني إليه".بعد ذلك نجوز إلى واقعة دخول ابن خلدون على تيمور لنك في خيمته. والنص المنشور، هنا، هو

ما دونه ابن خلدون بنفسه عما دار في هذا اللقاء

بينه وبين تيمور من سؤال وجواب وحوار حول مسائل مختلفة. وال يذكر ابن خلدون شيئا عن

وساطته بين قضاة المدينة والسفاح، إال ما كان من طلبه العون لبعض األصدقاء والمعارف في المدينة

أن يلحقهم تيمور في خدمته.

مستويات النصيمكن قراءة هذا النص في مستويات مختلفة. في جانب منه تتجلى لغة ابن خلدون الموضوعية

الخالية من أي مبالغة، والبعيدة عن الحماسة؛ لغة تقرير ورصد وإخبار. وعلى رغم أنه أقرب إلى سرديات أدب الرحلة منه إلى الدرس والتحليل العلمي الذي طالما كان األركز واألكثر أساسية

في آثار ابن خلدون كعالم اجتماع ومؤرخ، فإن ما يسرده ابن خلدون ويدونه عن هذا اللقاء يترك

المجال واسعا أمام التكهن والتحليل، والقراءة المعاصرة بحرية كبيرة. فهو لم يصمت عما وسم

شخصه من خضوع خالل اللقاء، وال هو سكت عن محاولته استمالة تيمورلنك عن طريق

الخطاب والهدية. في خطابه زيغ ومواربة وتدليس واستعمال للخرافة لم يعهد عنه في تأريخه أو في نظرته إلى األشياء، السيما عندما يمثل ابن خلدون

الشوق للقاء من كتبت له األقدار أن يلتقي به. أما الهدية: المصحف، والسجادة والقصيدة وعلب

الحلوى، فهي تحمل أكثر من تحية وترحاب. إنها في تلك اللحظة العصيبة بالنسبة إلى مدينة

محاصرة فعلة غريبة من عالم هو قاض وفقيه ومؤرخ له مكانته في ديار اإلسالم، كما لو كانت تقديرا إستثنائيا لما قام به، وما سيقوم به سفاح

رسم يمثل ابن خلدون

113

يطوق مدينة ويتأهب لالنقضاض عليها. هنا في هذا النص القيم بما يعكسه من أحوال

شخصية لعالم كبير، في برهة غير شخصية أبدا، وما يحمله من دالالت استثنائية في حركة الكاتب

والمثقف باتجاه الغازي العدو، يمكننا أن نقف على نموذج في سلوك المثقف، ال نغامر في إطالق

توصيف جازم في رخاوته، ولكننا ندعو، أقله، إلى التأمل فيه، في سياق إعادة النظر، وفي سياق

الضرورة القائلة بأهمية جذور األشياء في فهم ظواهر حديثة تتعلق بموقف المثقف من الطاغية

أكان أهليا أم غريما خارجيا وغازيا له سمعة كتلك التي أسبغتها على تيمورلنك أعماله الوحشية بحق

اإلنسان والمدنية في التاريخ.ما يضاعف من قوة المفارقة في سلوك ابن

خلدون خالل لقاء تيمور لنك أنه عالم رصد البعد المتحضر في سلوك الناس والمجتمعات!

لقاء األمير تمر سلطان المغل والططر

لما وصل الخبر إلى مصر بأن األمير تمر ملك بالد الروم، وخرب سيواس ورجع إلى الشام، جمع

السلطان عساكره، وفتح ديوان العطاء، ونادى في الجند بالرحيل إلى الشام، وكنت أنا يومئذ معزولا عن الوظيفة، فاستدعاني دواداره يشبك )من أمراء الملك الظاهر(، وأرادني على السفر معه في ركاب

السلطان، فتجافيت عن ذلك. ثم أظهر العزم علي

بلين القول، وجزيل اإلنعام فأصخيت، وسافرت معهم منتصف شهر المولد الكريم من سنة ثالث

وثمانمائة، فوصلنا إلى غزة، فأرحنا بها أياما نترقب األخبار، ثم وصلنا إلى الشام مسابقين الططر إلى

أن نزلنا شقحب )جنوب دمشق(، وأسرينا فصبحنا دمشق، واألمير تمر في عساكره قد رحل من بعلبك

قاصدا دمشق، فضرب السلطان خيامه وأبنيته بساحة قبة يلبغا. ويئس األمير تمر من مهاجمة

البلد، فأقام بمرقب على قبة يلبغا يراقبنا ونراقبه أكثر من شهر. تجاول العسكران في هذه األيام

مرات ثالثا أو أربعا، فكانت حربهم سجالا، ثم نمي الخبر إلى السلطان وأكابر أمرائه، أن بعض األمراء

المنغمسين في الفتنة يحاولون الهرب إلى مصر للثورة بها، فأجمع رأيهم للرجوع إلى مصر خشية من انتقاض الناس وراءهم، واختالل الدولة بذلك،

فأسروا ليلة الجمعة، وركبوا جبل الصالحية، ثم انحطوا في شعابه، وساروا على شافة البحر

إلى غزة، وركب الناس ليلا يعتقدون أن السلطان سار على الطريق األعظم إلى مصر، فساروا عصبا وجماعات على شقحب إلى أن وصلوا إلى مصر،

وأصبح أهل دمشق متحيرين قد عميت عليهم األنباء.

قضاة دمشق يستسلمونوجاءني القضاة والفقهاء، واجتمعت بمدرسة

العادلية، واتفق رأيهم على طلب األمان من األمير تمر على بيوتهم وحرمهم، وشاوروا في ذلك نائب القلعة، فأبى عليهم ذلك ونكره، فلم يوافقوه. وخرج القاضي برهان الدين بن مفلح الحنبلي )749--803 وكان يحسن اللغتين التركية والفارسية ( ومعه

شيخ الفقراء، فأجابهم إلى التأمين، وردهم باستدعاء الوجوه والقضاة، فخرجوا إليه متدلين من السور

بما صبحهم من التقدمة، فأحسن لقاءهم وكتب لهم الرقاع باألمان، وردهم على أحسن اآلمال، واتفقوا معه على فتح المدينة من الغد، وتصرف الناس في المعامالت، ودخول أمير ينزل بمحل اإلمارة منها،

ويملك أمرهم بعز واليته.

تيمور لنك يسأل عن ابن خلدونوأخبرني القاضي برهان الدين أنه سأله عني، وهل سافرت مع عساكر مصر أو أقمت بالمدينة، فأخبره

بمقامي بالمدرسة حيث كنت، وبتنا تلك الليلة على أهبة الخروج إليه، فحدث بين بعض الناس

تشاجر في المسجد الجامع، وأنكر البعض ما وقع من االستنامة إلى القول.

وبلغني الخبر من جوف الليل، فخشيت البادرة على نفسي، وبكرت سحرا إلى جماعة القضاة عند

الباب، وطلبت الخروج أو التدلي من السور، لما حدث عندي من توهمات ذلك الخبر، فأبوا علي أولا، ثم أصخوا لي، ودلوني من السور، فوجدت

بطانته عند الباب، ونائبه الذي عينه للوالية على دمشق، واسمه شاه ملك، من بني جقطاي أهل عصابته، فحييتهم وحيوني، وفديت وفدوني،

وقدم لي شاه ملك، مركوبا، وبعث معي من بطانة السلطان من أوصلني إليه. فلما وقفت بالباب خرج

اإلذن بإجالسي في خيمة هنالك تجاور خيمة جلوسه، ثم زيد في التعريف باسمي أني القاضي

المالكي المغربي، فاستدعاني، ودخلت عليه بخيمة جلوسه، متكئا على مرفقه، وصحاف الطعام تمر

بين يديه، يشير بها إلى عصب المغل جلوسا أمام خيمته، حلقا حلقا. فلما دخلت عليه فاتحت بالسالم، وأوميت إيماءة الخضوع، فرفع رأسه، ومد يده إلي فقبلتها، وأشار بالجلوس فجلست

حيث انتهيت. ثم استدعى من بطانته الفقيه عبد الجبار بن النعمان من فقهاء الحنفية بخوارزم،

فأقعده يترجم ما بيننا، وسألني: من أين جئت من المغرب، ولم جئت؟

فقلت: جئت من بالدي لقضاء الفرض ركبت إليها البحر، ووافيت مرسى اإلسكندرية يوم الفطر سنة أربع وثمانين من هذه المائة الثامنة، والمفرحات

بأسوارهم لجلوس الظاهر على تخت الملك لتلك العشرة األيام بعددها.

فقال لي: وما فعل معك؟ قلت: كل خير، بر مقدمي، وأرغد قراي، وزودني للحج، ولما رجعت وفر جرايتي، وأقمت في ظله

ونعمته، رحمه اهلل وجزاه. فقال: وكيف كانت توليته إياك القضاء؟

فقلت: مات قاضي المالكية قبل موته بشهر، وكان يظن بي المقام المحمود في القيام بالوظيفة،

وتحري المعدلة والحق، واإلعراض عن الجاه، فوالني مكانه، ومات لشهر بعدها، فلم يرض أهل الدولة بمكاني، فأدالوني منها بغيري جزاهم اهلل.

فقال لي: وأين ولدك؟ فقلت: بالمغرب الجواني كاتبا للملك األعظم هنالك. فقال وما معنى الجواني في وصف المغرب، فقلت

هو في عرف خطابهم معناه الداخلي، أي األبعد، ألن المغرب كله على ساحل البحر الشامي من جنوبه،

فاألقرب إلى هنا برقه، إفريقية )تونس السوم(، والمغرب األوسط )الجزائر اليوم(: تلمسان وبالد

زناتة، واألقصى: فاس ومراكش، وهو معنى الجواني. فقال لي: وأين مكان طنجة من ذلك المغرب؟

فقلت: في الزاوية التي بين البحر المحيط، والخليج المسمى بالزقاق، وهو خليج البحر الشامي.

فقال: وسبته؟ قلت: على مسافة من طنجة على ساحل الزقاق،

ومنها التعدية إلى األندلس، لقرب مسافته، ألنها

المدرسة العادلية القسم الشمالي

رسم يمثل تيمور لنك

الرحلة دي�شمرب 1142010115

قد سمعت كثيرا من الحدثان في ظهوره، وكان المنجمون المتكلمون في قرانات العلويين )لقاء

زحل بالمشتري( يترقبون القران العاشر في المثلثة الهوائية، وكان يترقب عام ستة وستين من المائة

السابعة. فلقيت ذات يوم من عام أحد وستين بجامع القرويين من فاس، الخطيب أبا علي بن

باديس خطيب قسنطينة، وكان ماهرا في ذلك الفن، فسألته عن هذا القرآن المتوقع، وما هي آثاره؟

فقال لي: يدل على ثائر عظيم في الجانب الشمالي الشرقي، من أمة بادية أهل خيام، تتغلب على

الممالك، وتقلب الدول، وتستولي على أكثر المعمور.

فقلت: ومتى زمنه؟ فقال: عام أربعة وثمانين تنتشر أخباره. وكتب لي بمثل ذلك الطبيب ابن زرزر اليهودي، طبيب ملك اإلفرنج ابن أذفونش ومنجمه. وكان شيخي رحمه اهلل إمام المعقوالت محمد بن إبراهيم اآلبلي متى

فاوضته في ذلك، أو سايلته عنه يقول: أمره قريب، وال بد لك إن عشت أن تراه.

وأما المتصوفة فكنا نسمع عنهم بالمغرب لرقبهم لهذا الكائن، ويرون إن القائم به هو الفاطمي المشار إليه في األحاديث النبوية من الشيعة

وغيرهم، فأخبرني يحيى بن عبد اهلل حافد الشيخ أبي يعقوب البادسي كبير األولياء بالمغرب، إن

الشيخ قال لهم ذات يوم، وقد انفتل من صالة الغداة: إن هذا اليوم ولد فيه القائم الفاطمي، وكان ذلك

في عشر األربعين من المائة الثامنة، فكان في

هناك نحو العشرين ميلا. فقال: وفاس؟

فقلت: ليست على البحر، وهي في وسط التلول، وكرسي ملوك المغرب من بني مرين.

فقال: وسجلماسة؟ قلت: في الحد ما بين األرياف والرمال من جهة

الجنوب. فقال: ال يقنعني هذا، وأحب أن تكتب لي بالد

المغرب كلها، أقاصيها وأدانيها وجباله وأنهاره وقراه وأمصاره، حتى كأني أشاهده. فقلت: يحصل ذلك بسعادتك.

العالم والسفاحوكتبت له بعد انصرافي من المجلس لما طلب

من ذلك، وأوعبت الغرض فيه في مختصر وجيز فة يكون قدر اثنتي عشرة من الكراريس المنظ

القطع. ثم أشار إلى خدمه بإحضار طعام من بيته يسمونه الرشتة، ويحكمونه على أبلغ ما يمكن،

فأحضرت األواني منه، وأشار تعرضها علي، فمثلت قائما، وتناولتها وشربت واستطبت، ووقع ذلك منه

أحسن المواقع، ثم جلست وسكتنا، وقد غلبني الوجل بما وقع من نكبة قاضي القضاة الشافعية،

صدر الدين المناوي، أسره التابعون لعسكر مصر، بشقحب، وردوه، فحبس عندهم في طلب الفدية

منه، فأصابنا من ذلك وجل. فزورت في نفسي كالما أخاطبه به، وأتلطفه

بتعظيم أحواله، وملكه. وكنت قبل ذلك بالمغرب

نفسي من ذلك كله ترقب له فوقع في نفسي ألجل الوجل الذي كنت فيه أن أفاوضه في شيء من ذلك يستريح إليه، ويأنس به مني، ففاتحته وقلت: أيدك اهلل! لي اليوم ثالثون، أو أربعون سنة أتمنى لقاءك.

فقال لي الترجمان عبد الجبار: وما سبب ذلك، فقلت: أمران، األول أنك سلطان العالم، وملك الدنيا، وما أعتقد أنه ظهر في الخليقة منذ آدم لهذا العهد ملك مثلك، ولست ممن يقول في األمور بالجزاف،

فإني من أهل العلم، وأبين ذلك فأقول: إن الملك إنما يكون بالعصبية، وعلى كثرتها يكون قدر الملك، واتفق أهل العلم من قبل ومن بعد، أن أكثر أمم

البشر فرقتان: العرب والترك، وأنتم تعلمون ملك العرب كيف كان لما اجتمعوا في دينهم على نبيهم،

وأما الترك ففي مزاحمتهم لملوك الفرس وانتزاع ملكهم أفراسياب خراسان من أيديهم شاهد بنصابهم

من الملك. وال يساويهم في عصبيتهم أحد من ملوك األرض من كسرى، أو قيصر، أو اإلسكندر،

أو بختنصر )نبوخذ نصر )604-561( : أعظم ملوك الكلدانيين( أما كسرى فكبير الفرس ومليكهم، وأين الفرس من الترك، وأما قيصر واإلسكندر

فملوك الروم، وأين الروم من الترك، وأما بختنصر فكبير أهل بابل، والنبط. وأين هؤالء من الترك،

وهذا برهان ظاهر على ما ادعيته في هذا الملك.وأما األمر الثاني مما يحملني على تمني لقائه، فهو ما كنت أسمعه من أهل الحدثان بالمغرب،

واألولياء، وذكرت ما قصصته من ذلك قبل. فقال لي: وأراك قد ذكرت بختنصر مع كسرى، وقيصر،

واإلسكندر، ولم يكن في عدادهم، ألنهم ملوك أكابر. وبختنصر قائد من قواد الفرس، كما أنا نائب من

نواب صاحب التخت، وهو هذا، وأشار إلى الصف القائمين وراءه، وكان واقفا معهم، وهو ربيبه الذي تقدم لنا أنه تزوج أمه بعد أبيه ساطلمش فلم يلفه هناك، وذكر له القائمون في ذلك الصف أنه خرج

عنهم. ، فقال: ومن أي الطوائف هو بختنصر؟ فرجع إلي

فقلت: بين الناس فيه خالف، فقيل من النبط بقية ملوك بابل، وقيل من الفرس األولى، فقال: يعني من ولد منوشهر )منوجهر: اسم ملك من الفرس

القدماء، ومعناه فضي الطلعة( قلت نعم هكذا ذكروا. فقال: ومنوشهر له علينا والدة من قبل األمهات.

ثم أفضت مع الترجمان في تعظيم هذا القول منه، وقلت له: وهذا مما يجعلني على تمني لقائه.

فقال الملك: وأي القولين أرجح عندك فيه، فقلت

إنه من عقبة ملوك بابل، فذهب هو إلى ترجيح القول اآلخر.

فقلت: يعكر علينا رأي الطبري، فإنه مؤرخ األمة ومحدثهم، وال يرجحه غيره.

فقال: وما علينا من الطبري؟ نحضر كتب التاريخ للعرب والعجم، ونناظرك.

فقلت: وأنا أيضا أناظر على رأي الطبري.

خبر فتح باب دمشقوانتهى بنا القول، فسكت، وجاءه الخبر بفتح باب

المدينة، وخروج القضاة وفاء بما زعموا من الطاعة التي بذل لهم فيها األمان، فرفع من بين أيدينا، لما

في ركبته من الداء، وحمل على فرسه فقبض شكائمه، واستوى في مركبه. وضربت اآلالت

حفافيه حتى ارتج لها الجو. وسار نحو دمشق، ونزل في تربة منجك عند باب الجابية، فجلس هناك، ودخل إليه القضاة وأعيان البلد، ودخلت

في جملتهم، فأشار إليهم باالنصراف، وإلى شاه ملك نائبه أن يخلع عليهم في وظائفهم، وأشار إلي

بالجلوس، فجلست بين يديه. ثم استدعى أمراء دولته القائمين على أمر البناء، فأحضروا عرفاء

البنيان المهندسين، وتناظروا في إذهاب الماء الدائر بحفير القلعة، لعلهم يعثرون بالصناعة على منفذه، فتناظروا في مجلسه طويلا، ثم انصرفوا، وانصرفت إلى بيتي داخل المدينة بعد أن استأذنته في ذلك،

فأذن فيه.

سقوط القلعة وحريق "األموي"!وأقمت في كسر البيت، واشتغلت بما طلب مني

في وصف بالد المغرب، فكتبته في أيام قليلة، ورفعته إليه فأخذه من يدي، وأمر فوقعه بترجمته

إلى اللسان المغلي. ثم اشتد في حصار القلعة، ونصب عليها اآلالت من المجانيق، والنفوط،

والعرادات، والنقب، فنصبوا أليام قليلة ستين منجنيقا إلى ما يشاكلها من اآلالت األخرى، وضاق الحصار بأهل القلعة، وتهدم بناؤها من كل جهة،

فطلبوا األمان.وكان بها جماعة من خدام السلطان ومخلفه، فأمنهم السلطان تمر، وحضروا عنده. وخرب القلعة وطمس معالمها، وصادر أهل البلد على

قناطير من األموال استولى عليها بعد أن أخذ جميع ما خلفه صاحب مصر هنالك، من األموال والظهر

والخيام أطلق أيدي النهابة على بيوت أهل المدينة،

أعمدة جوبيتر )سوق المسكية(جانب من السور بين باب السالم وباب توما

الرحلة دي�شمرب 1162010117

بمصر، ألن آبائي الذين ورثتهم كانوا قد استحقوه، وصار إلي هذا بغير مستند.

فاستدعى عبد الجبار كلا منا في أمره، فسكتنا برهة.

ثم قال: ما تقولون في هذا الحديث؟ فقال برهان الدين بن مفلح: الحديث ليس بصحيح.واستدعى ما عندي في ذلك فقلت: األمر كما قلتم

من أنه غير صحيح. فقال السلطان تمر: فما الذي أصار الخالفة لبني

العباس إلى هذا العهد في اإلسالم؟وشافهني بالقول، فقلت: أيدك اهلل! اختلف

المسلمون من لدن وفاة النبي صلى اهلل عليه وسلم، هل يجب على المسلمين والية رجل منهم يقوم بأمورهم في دينهم ودنياهم، أم ال يجب ذلك؟ فذهبت طائفة إلى أنه ال يجب، ومنهم الخوارج،

وذهب الجماعة إلى وجوبه، واختلفوا في مستند ذلك الوجوب، فذهب الشيعة كلهم إلى حديث

الوصية، وأن النبي صلى اهلل عليه وسلم أوصى بذلك لعلي، واختلفوا في تنقلها عنه إلى عقبه إلى

مذاهب كثيرة تشذ عن الحصر. وأجمع أهل السنة على إنكار هذه الوصية، وأن مستند الوجوب في ذلك إنما هو االجتهاد، يعنون أن المسلمين

يجتهدون في اختيار رجل من أهل الحق والفقه والعدل، يفوضون إليه النظر في أمورهم.

ولما تعددت فرق العلوية وانتقلت الوصية بزعمهم من بني الحنفية إلى بني العباس، أوصى بها أبو

فاستوعبوا أناسيها، وأمتعتها، وأضرموا النار فيما بقي من سقط األقمشة والخرثي، فاتصلت النار

بحيطان الدور المدعمة بالخشب، فلم تزل تتوقد إلى أن اتصلت بالجامع األعظم )الجامع األموي(، وارتفعت إلى سقفه، فسال رصاصه، وتهدمت

سقفه وحوائطه، وكان أمرا بلغ مبالغه في الشناعة والقبح. وتصاريف األمور بيد اهلل يفعل في خلقه

ما يريد، ويحكم في ملكه ما يشاء.

الحاكم العباسيوكان أيام مقامي عند السلطان تمر، خرج إليه

من القلعة يوم أمن أهلها رجل من أعقاب الخلفاء بمصر، من ذرية الحاكم العباسي) أبو العباس أحمد بن أبي علي الحسن المتوفي سنة 701( الذي نصبه

الظاهر بيبرس، فوقف إلى السلطان تمر يسأله النصفة في أمره، ويطلب منه منصب الخالفة كما

كان لسلفه.فقال له السلطان تمر: أنا أحضر لك الفقهاء

والقضاة، فإن حكموا لك بشيء أنصفتك فيه. واستدعى الفقهاء والقضاة، واستدعاني فيهم، فحضرنا عنده وحضر هذا الرجل الذي يسأل

منصب الخالفة. فقال له عبد الجبار: هذا مجلس النصفة فتكلم. فقال: إن هذه الخالفة لنا ولسلفنا، وإن الحديث صح بأن األمر لبني العباس ما بقيت الدنيا، يعني

أمر الخالفة. وإني أحق من صاحب المنصب اآلن

هاشم بن محمد بن الحنفية إلى محمد بن علي بن عبد اهلل بن عباس، وبث دعاته بخراسان، وقام أبو مسلم بهذه الدعوة، فملك خراسان والعراق، ونزل شيعتهم الكوفة، واختاروا لألمر أبا العباس السفاح بن صاحب هذه الدعوة، ثم أرادوا أن تكون بيعته يعة، فكاتبوا كبار على إجماع من أهل السنة والشاألمة يومئذ، وأهل الحل والعقد، بالحجاز والعراق،

يشاورونهم في أمره، فوقع اختيارهم كلهم على الرضى به، فبايع له شيعته بالكوفة بيعة إجماع وإصفاق ثم عهد بها إلى أخيه المنصور، وعهد

بها المنصور إلى بنيه، فلما تزل متناقلة فيهم، إما بعهد أو باختيار أهل العصر، إلى أن كان المستعصم

آخرهم ببغداد. فلما استولى عليها هوالكو ))نحو 1217-1265(: فاتح مغولي ومؤسس دولة المغول

اإللخانية في إيران 1251-1265 ( وقتله، افترق قرابته، ولحق بعضهم بمصر، وهو أحمد الحاكم من عقب الراشد، فنصبه الظاهر بيبرس بمصر، بمماألة أهل الحل والعقد من الجند والفقهاء، وانتقل األمر

في بيته إلى هذا الذي بمصر، ال يعلم خالف ذلك.فقال لهذا الرافع: قد سمعت مقال القضاة، وأهل

الفتيا، وظهر أنه ليس لك حق تطلبه عندي. فانصرف راشدا.

أسألك: أن تعرف لي ما أريد؟!كنت لما لقيته، وتدليت إليه من السور، كما مر أشار علي بعض الصحاب ممن يخبر أحوالهم بما

تقدمت له من المعرفة بهم، فأشار بأن أطرفه ببعض هدية، وإن كانت نزرة فهي عندهم متأكدة في لقاء ملوكهم، فانتقيت من سوق الكتب مصحفا

رائعا حسنا في جزء محذو، وسجادة أنيقة، ونسخة من قصيدة البردة المشهورة لألبوصيري في

مدح النبي صلى اهلل عليه وسلم وأربع علب من حالوة مصر الفاخرة. وجئت بذلك فدخلت عليه،

وهو بالقصر األبلق جالس في إيوانه، فلما رآني مقبلا مثل قائما وأشار إلي عن يمينه، فجلست وأكابر من الجقطية حفافية، فجلست قليلا، ثم استدرت

بين يديه، وأشرت إلى الهدية التي ذكرتها، وهي بيد خدامي، فوضعتها، واستقبلني، ففتحت

المصحف فلما رآه وعرفه، قام مبادرا فوضعه على رأسه. ثم ناولته البردة، فسألني عنها وعن ناظمها

فأخبرته بما وقفت عليه من أمرها. ثم ناولته السجادة، فتناولها وقبلها. ثم وضعت علب الحلوى

بين يديه، وتناولت منها حرفا على العادة في

التأنيس بذلك. ثم قسم هو ما فيها من الحلوى بين الحاضرين في مجلسه، وتقبل ذلك كله، وأشعر مت على الكالم بما عندي في بالرضى به. ثم حو

شأن نفسي، وشأن أصحاب لي هنالك. فقلت: أيدك اهلل! لي كالم أذكره بين يديك.

فقال: قل. فقلت: أنا غريب بهذه البالد غربتين، واحدة من

المغرب الذي هو وطني ومنشئي وأخرى من مصر وأهل جيلي بها، وقد حصلت في ظلك، وأنا أرجو

رأيك لي فيما يؤنسني في غربتي؟فقال: قل الذي تريد أفعله لك؟

فقلت: حال الغربة أنستني ما أريد، وعساك -أيدك اهلل- أن تعرف لي ما أريد )!!!(

فقال: انتقل من المدينة إلى األردو )المعسكر بالتركية( عندي، وأنا إن شاء اهلل أوفى كنه

قصدك. فقلت يأمر لي بذلك نائبك شاه ملك.

فأشار إليه بإمضاء ذلك، فشكرت ودعوت، وقلت: وبقيت لي أخرى.

فقال: وما هي؟ فقلت: هؤالء المخلفون عن سلطان مصر، من

القراء والموقعين، والدواوين، والعمال، صاروا إلى إيالتك، والملك ال يغفل مثل هؤالء، فسلطانكم كبير، وعماالتكم متسعة، وحاجة ملككم إلى المتصرفين

في صنوف الخدم أشد من حاجة غيركم. فقال وما تريد لهم؟

قلت: مكتوب أمان يستنيمون )بمعنى يطمئنون( إليه، ويعولون في أحوالهم عليه.

فقال لكاتبه: أكتب لهم بذلك. فشكرت، ودعوت، وخرجت مع الكاتب حتى كتب

لي مكتوب األمان، وختمه شاه ملك بخاتم السلطان، وانصرفت إلى منزلي. ولما قرب سفره واعتزم

علم الرحيل عن الشام، دخلت عليه ذات يوم، فلما قضينا المعتاد، التفت إلي وقال: عندك بغلة هنا؟

قلت نعم. قال حسنة؟

قلت نعم. قال وتبيعها؟ فأنا اشتريها منك.

فقلت: أيدك اهلل! مثلي ال يبيع من مثلك، إنما أنا أخدمك بها، وبأمثالها لو كانت لي.

فقال: أنا أردت أن أكافئك عنها باإلحسان. فقلت: وهل بقي إحسان وراء ما أحسنت به،

اصطنعتني، وأحللتني من مجلسك محل خواصك،

دار قديمة في شقحب

الرحلة دي�شمرب 1182010119

بجوار رسالته، فركبت معهم البحر إلى غزة، ونزلت بها، وسافرت منها إلى مصر، فوصلتها في

شعبان من هذه السنة، وهي سنة ثالث وثمانمائة، وكان السلطان صاحب مصر، قد بعث من بابه

سفيرا إلى األمير تمر إجابة إلى الصلح الذي طلب منه، فأعقبني إليه. فلما قضى رسالته رجع، وكان وصوله بعد وصولي، فبعث إلي مع بعض أصحابه يقول لي: إن األمير تمر قد بعث معي إليك ثمن

البغلة التي ابتاع منك، وهي هذه فخذها، فإنه عزم علينا من خالص ذمته من مالك هذا.

فقلت ال أقبله إال بعد إذن من السلطان الذي بعثك إليه، وأما دون ذلك فال. ومضيت إلى صاحب

الدولة فأخبرته الخبر فقال: وما عليك؟! فقلت إن ذلك ال يجمل بي أن أفعله دون اطالعكم

عليه، فأغضى عن ذلك، وبعثوا إلي بذلك المبلغ بعد مدة، واعتذر الحامل عن نقصه بأنه أعطيه كذلك،

وحمدت اهلل على الخالص. وكتبت حينئذ كتابا إلى صاحب المغرب، عرفته

بما دار بيني وبين سلطان الططر تمر، وكيف كانت واقعته معنا بالشام، وضمنت ذلك في فصل من

الكتاب )يقصد كتاب العبر(.

كتاب اآلفاق" ارتياد الجغرافي- لألدب العربي "المركز أصدر "رحلة ابن خلدون" من تحقيق ابن تاويت الطنجي، وقد حرره و قدم له نوري الجراح ونشر الكتاب "دار السويدي" في أبو ظبي

بالتعاون مع "المؤسسة العربية للدراسات والنشر" في بيروت.

وقابلتني من الكرامة والخير بما أرجو اهلل أن يقابلك بمثله، وسكت وسكت، وحملت البغلة

-وأنا معه في المجلس- إليه، ولم أرها بعد.ثم دخلت عليه يوما آخر، فقال لي: أتسافر إلى

مصر؟ فقلت: أيدك اهلل، رغبتي إنما هي أنت، وأنت

قد أويت وكفلت، فإن كان السفر إلى مصر في خدمتك فنعم، وإال فال بغية لي فيه.

فقال ال، بل تسافر إلى عيالك وأهلك فالتفت إلى ابنه، وكان مسافرا إلى شقحب لمرباع دوابه،

واشتغل يحادثه، فقال لي الفقيه عبد الجبار الذي كان يترجم بيننا: إن السلطان يوصي ابنه بك.

فدعوت له، ثم رأيت أن السفر مع ابنه غير مستبين الوجهة، والسفر إلى صفد أقرب السواحل

إلينا أملك ألمري. فقلت له ذلك، فأجاب إليه، وأوصى بي قاصدا كان عنده من حاجب صفد ابن الداويداري فودعته وانصرفت، واختلفت الطريق

مع ذلك القاصد، فذهب عني، وذهبت عنه.

السفر إلى القاهرةوسافرت في جمع من أصحابي، فاعترضتنا جماعة

من العشير قطعوا علينا الطريق، ونهبوا ما معنا، ونجونا إلى قرية هنالك عرايا. واتصلنا بعد يومين بيبة فخلفنا بعض الملبوس، وأجزنا أو ثالثة بالصإلى صفد، فأقمنا بها أياما. ثم مر بنا مركب من

مراكب ابن عثمان سلطان بالد الروم، وصل فيه رسول كان سفر إليه عن سلطان مصر، ورجع

مئذنة العروس مئذنة جامع محمد الطالوي

الرحلة دي�شمرب 1202010

إن المدينة التي ذكرها ابن بطوطة في ظفار هي مدينة المنصورة، والتي بناها حاكمها أحمد بن

عبد اهلل الحبوضي سنة 620هـ/ 1228م، وانتقل إليها من ظفار القديمة، التي يعتقد البعض أنها

مدينة مرباط، عاصمة الدولة المنجوية، وقد سمى بعض الجغرافيين والرحالة المدينة الجديدة التي

بناها الحبوضي )بظفار الحبوضي(.زار ابن بطوطة ظفار في 23 من رمضان من

سنة 731 هـ/ 30 يونيو 1331م، قادما إليها من كلوا »ركبنا البحر من كلوا إلى مدينة ظفار الحموض وهي آخر بالد اليمن على ساحل البحر الهندي،

ومنها تحمل الخيل العتاق إلى الهند، ويقطع البحر فيما بينها وبين بالد الهند مع مساعدة الريح في

شهر كامل، قد قطعته مرة من قالقوط من بالد الهند إلى ظفار في ثمانية وعشرين يوما بالريح الطيب، لم ينقطع لنا جري بالليل وال بالنهار، وبين ظفار

وعدن مسيرة شهر في الصحراء، وبينها وبين حضرموت ستة عشر يوما، وبينها وبين عمان

عشرون يوما«، سمى ابن بطوطة ظفار الحموض، ولكن اسمها الصحيح هو ظفار الحبوضي، وقد

زارها مرتين، كانت الزيارة األولى ضمن رحلته األولى التي امتدت نحو 28 سنة، وزار ظفار مرة

أخرى حين عودته من القارة الهندية.كانت ظفار حينما زارها ابن بطوطة في عهد

الدولة الرسولية، أيام السلطان المغيث ابن الملك الفائز ابن عم ملك اليمن، وكان أبوه أميرا على

ظفار من قبل صاحب اليمن.يقدم ابن بطوطة في رحلته وصفا لمدينة ظفار

من حيث المكان فيقول: »ومدينة في صحراء منقطعة ال قرية بها وال عمالة لها«، ولكن في الواقع الجغرافي فإن مدينة ظفار – صاللة الحالية- تقع في سهل حجري أجرد منبسط يسمى )الجربيب(

تحيط به جبال ظفار من جهة الشمال وبحر العرب من جهة الجنوب.

يمتد هذا السهل من مرفأ ريسوت غربا إلى مدينة مرباط شرقا، ويرجع إغفال ابن بطوطة عن ذكر الجبال المحيطة بالمدينة، إلى حالة الطقس في الوقت الذي زار فيه ظفار، حيث يسود المناخ

الموسمي نتيجة هبوب الرياح الموسمية الغربية من المحيط الهندي، فإذا كانت زيارته قد تمت في

23 من رمضان من سنة 731 هـ، وهو ما يقابله في التاريخ الميالدي 30 يونيو 1331م، فيعني ذلك

أن زيارته كانت في فصل الخريف كما يسمى في ظفار، فالفصول األربعة يتم تقسيمها في ظفار على غير عادة تقسيم الفصول، فعلى سبيل الذكر يبدأ

فصل الخريف في 21 يونيو وينتهي 21 سبتمبر، وخالل هذا الفصل تتساقط األمطار لمدة ثالثة

شهور متتالية، وتعد هذه األمطار مهمة للنشاط الزراعي في ظفار، أما فصل الربيع الذي يسمى )بالصرب( فيبدأ من 21 سبتمبر وينتهي في 21

ديسمبر، ويبدأ فصل الشتاء في 21 ديسمبر وينتهي

اأ�سبحت كتابات الرحالة واجلغرافيني حقال مهما للدار�سني والباحثني، خا�سة اأولئك املهتمني بالعلوم

الإن�سانية، نظرا لغنى تلك الكتابات واحتوائها على معلومات ومالحظات قيمة تزداد احلاجة اإليها كلما

تقدم بها الزمن، فقد وثق الرحالة حالة املجتمعات التي مروا بها ودونوا كل ما �ساهدوه من عادات

وتقاليد وفنون واأ�سلوب حياة، ومن اأولئك، الرحالة ابن بطوطة �ساحب رحلة )حتفة النظار يف غرائب

الأم�سار وعجائب الأ�سفار(، والذي زار ظفار يف �سنة 1331م، ور�سد احلياة الجتماعية والثقافية والدينية

يف مدينة ظفار، واأ�سبحت رحلة ابن بطوطة مرجعا للعديد من الباحثني واملهتمني بتاريخ املنطقة.

ار ظفار يف حتفة النظا

كتابة حممد بن م�ستهيل ال�سحري

ت�سوير: نوري اجلراح

حجر في ميناء سمهرم عليه كتابة المسند

الرحلة دي�شمرب 1222010123

في 21 مارس، وبعد الشتاء يأتي فصل الصيف ويسمى )القيظ( ويبدأ من 21 مارس وينتهي 21

يونيو. لكن ذلك ال يعني أن ما كتبه ابن بطوطة في

ظفار يدخل في باب التزييف أو االفتراء، فقد أنصف أهل ظفار ولم يجاملهم، في الوقت الذي نجد فيه

إجحافا بحق بعض المدن العمانية التي كتب عنها بعض المغالطات مثل قصته مع السلطان حامي

الفساد. إن زيارة ابن بطوطة لظفار، ووصفه للحالة التي رآها فيها، تعد من أهم المراجع التي اعتمد عليها

الدارسين والمهتمين بالتاريخ العماني بشكل عام وتاريخ ظفار بصفة خاصة، وذلك للمعلومات

الدقيقة التي احتفظت بها ذاكرة ابن بطوطة لمدة ربع قرن من الزمان، وقد رصد من خالل إقامته

بعض الظواهر االجتماعية واالقتصادية، وكتب عن بعض العادات الدينية كما رآها، واعتمادا على

وصفه يمكننا أن نتحدث عن ثالثة جوانب من حياة أهل ظفار في رحلة )تحفة النظار في غرائب

األمصار وعجائب األسفار( هي الحياة االقتصادية، والحياة االجتماعية، والحياة الدينية، وسنتحدث

عن كل جانب ببعض التفصيل.

احلياة القت�سادية:

عدد ابن بطوطة األنشطة االقتصادية التي يمارسها أهل ظفار، فيقول بأنهم أهل تجارة وال عيش لهم إال

منها، وكان حكمه على ذلك بناء على مشاهدته للسوق الموجود خارج القرية في مكان يسمى

الحرجاء، وقد وصف السوق بأنه من أقذر األسواق وأشدها نتنا، وأكثرها ذبابا لكثرة ما يباع بها من الثمرات والسمك، وهو كالم دقيق إذا اعتبرنا أن

الرجل قد جاء إلى ظفار في موسم الخريف، حيث يكثر الذباب، وتصبح األماكن رطبا بفعل األمطار،

وذلك ال يعني أن ما ينطبق على السوق ينطبق على أهل ظفار، فقد قال عنهم »يغتسلون مرات في

اليوم...، ولهم في كل مسجد مطاهر كثيرة معدة لالغتسال«، وذلك يعني أن الرجل يكتب بعفوية

عما يتذكره، دون أن يتحامل على أهل البلدان التي زارها.

ويقول أيضا عن ظفار »ومنها تحمل الخيل العتاق إلى الهند«، كذلك وصفه عن استقبال أهل ظفار

للتجار، كل ما ذكره يدعم وصفه ألهل ظفار بأنهم أهل تجارة.

أما قوله »أكثر سمكها النوع المعروف بالسردين، وهو بها في النهاية من السمن، ومن العجائب أن

دوابهم إنما علفها من هذا السردين، وكذلك غنمهم، ولم أر ذلك في سواها«.

وهو قول صحيح، ألن المجتمع في ظفار مجتمع رعوي يربي الماشية إلطعام ماشيتهم من أجل

االنتفاع بحليبها ولحمها وسمنها، وظهرها.إذا وصف ابن بطوطة أهل ظفار بأنهم أهل تجارة،

فيمكننا أن نضيف أيضا أن أهل ظفار هم أهل

بحر، فهم صيادون في معظم أنشطتهم االقتصادية، فهو يصف قرية األحقاف بأنها قرية صيادين، وهو

وصف صحيح لنشاط السكان القاطنين في السواحل التي مر عليها ابن بطوطة في رحلته في ظفار.

كان سمك السردين في ظفار يلفت أنظار الرحالة، فقد ذكر ابن المجاور »ومطعوم دوابهم السمك

اليابس وهو العيد، ولم يزبلوا أراضيهم إال بالسمك«، ولم يكن الرحالة العرب وحدهم من ذكر سمك

السردين في ظفار، فهذا الرحالة البريطاني ثيسيجر يقول حينما زار صاللة في 15 أكتوبر 1945م،«عندما وصلت كان الصيادون يصطادون بشباكهم سمك السردين، وتحت أشعة الشمس

يجففون كميات كبيرة منه، ورائحتها العفنة تعم البلدة«، ويتم اصطياد السردين في صاللة في

الشواطئ الممتدة من ريسوت غربا إلى شواطئ طاقة شرقا.

ويتم صيد السردين بطريقتين تقليديتين، الطريقة األولى تتم في شهر أكتوبر وتمتد حتى شهر

أبريل وتسمى )الضواغي( وتعني تعاون عدد كبير من الناس لصيد السردين بكميات كبيرة، ويقوم الصيادين يقودهم الربان باإلبحار في السنبوق، ويلقون بالشبكة الكبيرة في البحر، التي تجمع أعدادا كبيرة من السردين، ومن ثم يسحبون

الشبكة إلى الشاطئ«، كما ذكر باعمر، حسين علي المشهور، تاريخ ظفار التجاري ) 1950-1800(.

أما الطريق الثانية فتسمى صيد عيد العال، وهي عادة اقتصادية تنتشر في سواحل محافظة ظفار

ويمارسها الذكور من سن العاشرة إلى سن الستين، وتشارك النساء في هذه العادة ولكن بأعداد قليلة

رممه

ساء

ميني

ا فنيه

مبا و

دةلبل

ل اطال

ا

دةبلي

الف

ب ص

خعى

مر

لةصال

ي د ف

هون

ر بعاب

ح ري

ضى

إلرة

شاإ

الرحلة دي�شمرب 1242010125

ويقتصر دورهن على تقليب العيد و جمعها. تمارس هذه العادة في آخر شهر أبريل من كل سنة عندما تجنح أعداد كبيرة من أسماك السردين إلى

الشواطئ الشرقية لمحافظة ظفار، وقد قمت بصيد عيد العال، وجففتها وحشوتها في أكياس من

الخيش لنطعهما لإلبل، أو نقوم بتخزينها في حفر ونغطيها بساتر من البالستيك أو من أقمشة بالية،

ومن ثم نفرش فوقها التراب والرمال.باإلضافة إلى سمك السردين يذكر ابن بطوطة

أصناف عدة من األسماك التي رآها في ظفار فيقول عن أهل حاسك »وال معيشة ألهل ذلك المرسى

إال من صيد األسماك، وسمكهم يعرف باللخم، وهو شبيه كلب البحر، يشرح ويقدد ويقتات

به، وبيوتهم من عظام السمك«، وهو قول صحيح، فإلى هذه الساعة فإن أهل حاسك يشتغلون بصيد

السمك، ومنها سمك القرش الذي يقدد ويجفف، وتلك هي طريقة حفظه، وتوجد في قرية حاسك

القديمة بقايا البيوت التي شاهدها ابن بطوطة، وعظام األسماك التي ذكرها هي عظام لحوت العنبر،

فإذا جنح الحوت إلى البر، ينتفع األهالي بعظمه.يعد ابن بطوطة من الرحالة القالئل الذين تحدثوا

عن العملة المتداولة في ظفار أثناء زيارتهم

لها، فقد ذكر بأن دراهم هذه المدينة من النحاس والقصدير، وال تنفق في سواها، وقد قمنا بالبحث عن هذه العملة، ووجدنا أنه كانت في ظفار دار

ضرب للنقود أيام حكم الدولة الرسولية، التي حكمت ظفار أثناء زيارة ابن بطوطة، وقد سكت

عملة معدنية هي درهم على الطراز الرسولي التقليدي مؤرخ في 689هـ، وهذه العملة موجودة حاليا ضمن مجموعة الجمعية األمريكية لقطع

النقود في نيويورك، ويحمل وجه هذا الدرهم لفظ الشهادتين والمعنى المأخوذ من اآلية 33 من سورة التوبة، وأسماء الخلفاء الراشدين، أبو بكر وعمر

وعثمان وعلي، أما الظهر فيحمل ألقاب المظفر يوسف: »السلطان الملك المظفر شمس الدين يوسف

بن الملك المنصور عمر«، ويوجد على الحاشية اسم آخر خلفاء العباسين، المستعصم باهلل أمير

المؤمنين، باإلضافة إلى دار الضرب والتاريخ، تتسم دراهم األسرة الرسولية برقتها وبكونها أخف كثيرا

من الدراهم التقليدية، ومن المحتمل أن يكون الرحالة األمريكي ويندل فيليبس هو الذي أخذ معه

هذه العملة المعدنية من ظفار إلى نيويورك.

ساهمت ذاكرة ابن بطوطة في حفظ العملة الرسولية وذكرها ضمن المظاهر االقتصادية التي

شاهدها وكتبها كما هي، األمر الذي جعل الباحثين يتوصلون إلى معرفة النقد المتداول في ظفار أيام

الرسوليين، كما يكشف أيضا عن االستقالل اإلداري لسلطان ظفار عن القوى اإلقليمية في جنوب

الجزيرة العربية.يذكر ابن بطوطة العديد من المحاصيل الزراعية

في ظفار ويعدد استخداماتها وفوائدها، فهو يتحدث عن شجرة النارجيل )جوز الهند(، ويتحدث عن

التنبول، وعن شجر الموز، والقمح الذي يسمى في ظفار العلس، ويسمى بذلك ألنه يطحن، كما ذكر أيضا شجرة اللبان حينما نزل في بندر حاسك،

وسماه شجر الكندر، ويستخرج من الجبال المحيط بحاسك أجود أنواع اللبان في ظفار، وذلك لبعده

عن المناطق التي تتأثر بالرياح الموسمية، ويكون

ملتقى الخور بالبحر في مدخل ميناء سمهرم

جوز النارجيل الذي تحدث عنه ابن بطوطة

126127

اللبان جيدا في المناطق التي تشتد فيها الحرارة. لم يغب عن بال ابن بطوطة الوجبات الغذائية ألهل ظفار، فيقول إن األرز أكثر طعامهم، وأكلهم الذرة،

وإنه أحضر معه كعك وخبز من ظفار حينما سافر على ظهر المركب، وتشتهر ظفار بصناعة خبز في تنور أرضي، و يسمى الخبز بالكعك، أو خبز القالب، ويذكر أنهم يشوون السمك ويأكلونه مع التمر، ال تزال هذه العادة في ظفار، مما يدل على أن أهل ظفار متمسكين بعاداتهم، منذ زيارة ابن

بطوطة إلى هذه الساعة. لقد وصف ابن بطوطة طريقة سقي المزارع في

ظفار، »وكيفية سقيهم أنهم يصنعون دلوا كبيرة، ويجعلون لها حباال كثيرة، ويتحزم بكل حبل عبد أو خادم، ويجرون الدلو على عود كبير مرتفع عن البئر، ويصبونها في صهاريج يسقون منه«، وهذه الطريقة تسمى في ظفار بالسناوه »وهي طريقة

تقليدية في سقي المزروعات، وأدواتها الشروعة، وتتكون الشروعة من حبال وعجالت وقطع من الحطب وأخشاب النارجيل، إذ يربط الغرب )دلو مصنوع من جلد الماعز أو الوعل( بحبل غليظ يسمى »الرشا« وينزل إلى البئر، ومن ثم يرفع

الماء على عجال مصنوعة من خشب جوز الهند

بواسطة الجمال، ويقوم واحد أو اثنان من الرجال بإدارة الجمال ذهابا ورواحا« كما ورد في دراسة

باعمر، حسين علي المشهور، تاريخ ظفار التجاري ) 1800-1950(، وكانت هذه الطريقة مستخدمة في

رعي المزارع في ظفار إلى بداية سنة 1970. ويوجد هناك تشابه بين اسم هذه العادة وبين اسم المزرعة في بالد المغرب العربي، حيث يطلق على

المزرعة هناك اسم )السانية(، وتوجد في والية وهران في الغرب الجزائري بلدية اسمها )السانية(

واسمها مشتق من الساقية أو النافورة، وجمعها سوان كما جاء في موقع الموسوعة الحرة

.http://ar.wikipedia.org/wiki وقد رصد ابن بطوطة األمراض السائدة في ظفار والمنتشرة بين أهلها حيث قال: »والغالب على

أهلها رجالا ونساء المرض المعروف بداء السفيل، وهو انتفاخ القدمين، وأكثر رجالهم مبتلون باألدر. وقد رأيت رجال في بداية العام 2000 مصاب بداء

السفيل، أما األدر فيصيب الرجال في ظفار بسبب تسلقهم ألشجار النارجيل حيث يؤدي تسلق النخلة

في بعض األحيان إلى اصطدام الخصية بجذع الشجرة مما يسبب في فتقها.

احلياة الجتماعية:

قدم ابن بطوطة وصفا فوتوغرافيا لسكان ظفار، حيث ذكر مالبسهم وطريقة لبسها، فيقول »أكثر

باعتها الخدم، وهن يلبسن السواد...، ولباسهم القطن...، ويشدون الفوط في أوساطهم عوض

السروال، وأكثرهم يشد فوطة في وسطه، ويجعل

فوق ظهره أخرى من شدة الحر، وأكثر أهلها رؤوسهم مكشوفة ال يجعلون عليها عمائم«. تتفق مالحظات ابن بطوطة مع صورة المجتمع الظفاري،

فال تزال بعض النسوة ذوات البشرة السمراء يبعن في األسواق، ولكن دون اللباس األسود، وهو

في الحقيقة لباس من النيلة يستورد من الهند، وبمرور الوقت تذهب النيلة منه، ويتحول الثوب

إلى لون السواد، وهذا اللباس يشبه لباس النساء في الصحراء الكبرى، حيث يطلى الثوب النسائي

بالنيلة، لما للنيلة من فوائد حيث تستخدمه النساء كمفتح للبشرة، ومن هنا يمكن أن تكون

مقارنة ابن بطوطة صحيحة حينما عقد مقارنة في ذهنه بين أهل ظفار وأهل المغرب، وليست

األزياء وحدها من دعمت تشابه أهل ظفار وأهل المغرب عند ابن بطوطة، بل أسماء الجواري أيضا،

فقد نزل بدار خطيب المسجد عيسى بن علي، الذي يملك جواري مسميات بأسماء خدام المغرب

)بخيتة، وزاد المال(. أما فيما يتعلق بالخدم فإن ظاهرة تجارة الرقيق كانت تجارة رائجة في ظفار، نظرا لقربها من

السواحل اإلفريقية، إضافة إلى كون ظفار إحدى المحطات البحرية في الذهاب والعودة من السواحل اإلفريقية، وقد قامت ثورة ظفار بعد مؤتمر حمرين

1968 بتجريم تجارة الرق وحررت العبيد. لكن وضع الخدم في ظفار كان أفضل حاال من بعض

المجتمعات التي عرفت الرق والعبودية. يلبس الرجال في جنوب الجزيرة العربية الفوطة

التي تسمى )الوزار( عوضا عن السراويل، أما

ليصال

ه وج

اإلزار الظفاري الذي وصفه ابن بطوطة

الصائد والسمكة العمانيون مازالوا صائدي سمك مهرة

النارجيل

الرحلة دي�شمرب 1282010129

الفوطة التي ذكرها ابن بطوطة فهي الصبيغة، وهي قطعة طويلة من القماش المصبوغ بالنيلة،

فيشد الرجل نصفها حول وسط جسمه بينما يترك النصف اآلخر على ظهره، ومع مرور الوقت أصبح هذا لباس أهل الجبل في ظفار، وهذا اللباس يثير انتباه الرحالة ومنهم الرحالة البريطاني ثيسجر. إن الحديث عن الحياة االجتماعية في ظفار أثناء

زيارة ابن بطوطة، يقودنا إلى التطرق إلى الحديث عن العادات والتقاليد في تلك الفترة، ومنها تلك

المتعلقة باستقبال التجار وطريقة معاملتهم وحسن ضيافتهم، وهي عادة لم تعد موجودة نتيجة

لتطور الحياة االقتصادية، أما العادة الثانية وهي مصافحة المصلين بعد صالة الفجر والعصر وصالة الجمعة، فإنها ال تزال موجودة في ظفار باستثناء

التصافح بعد صالة الجمعة، حيث ينصرف الناس إلى شؤونهم دون انتظار مصافحة جميع المصلين.

يذكر ابن بطوطة عادة قرع الطبول واألبواق واألنفار على أبواب قصر السلطان الرسولي المسمى )بالحصن(، وإذا بحثنا عن هذه العادة لوجدنا شيئا

منها حاضرا في الحياة الثقافية في ظفار إذ تقام األفراح وحفالت الرقص التي يؤديها الرجال والنساء

معا، وخاصة رقصات الزنوج، أما قصر الحصن فال

يزال عامرا حتى اآلن، حيث يتخذه السلطان قابوس مقرا حينما يتواجد في مدينة صاللة، ويوجد

بالقرب منه سوق الحصن الشعبي.

احلياة الدينية:

إن االهتمام الذي أبداه ابن بطوطة تجاه ظفار يرجعه بعض الباحثين إلى عدة أسباب منها تصوف

ابن بطوطة وتحمسه لعالم الصوفية والمتصوفة، ومن خالل بعض الدالئل الواردة في الرحلة نجد الصوفية حاضرة بقوة لدى ابن بطوطة من خالل

جلوسه مع مشايخ ظفار وخطيب الجامع كما اشار

بوتشيش، إبراهيم القادري، في دراسته »أضواء على مجتمع ظفار وعاداته الشعبية من خالل رحلة ابن بطوطة«، وقد نتفق مع هذا الرأي

إذا علمنا أن الفكر الصوفي قد بدأ بالظهور في القرن السادس الهجري في منطقة جنوب الجزيرة

العربية، وكانت مدينة مرباط هي الحاضنة األولى للفكر الصوفي، إذ توجد أضرحة للعديد من علماء الصوفية، مثل محمد بن علي باعلوي، ومحمد بن

علي القلعي، باإلضافة إلى وجود قبر الصحابي زهير بن قرضم الذي وفد على النبي صلى اهلل عليه

وسلم على رأس قومه يعلنون دخول أهل ظفار إلى

لوحة تشير الى زيارة ابن بطوطة موقع مدينة البليدقبر عابر بن هود

قباب في جوار ضريح عابر بن هود موقع مدينة البليد: زارها ابن بطوطة وتحدث عنها

130131

اإلسالم، وقد أكرمه النبي صلى اهلل عليه وسلم لبعد بالده وكتب له كتابا إلى قومه.

وتحظى قبور علماء الصوفية في ظفار باهتمام الناس، ويوجد العديد من األسر التي تطوعت لخدمة هذه األضرحة، وتقام عند قبر محمد بن علي باعلوي، بعض الشعائر المعروفة لدى

الصوفيين مثل الحضرة التي تقام صبيحة كل يوم جمعة، وليلة المولد النبوي، وليلة الخامس عشر

من شعبان والتي تسمى بالشعبانية. وقد انتقل التصوف من مرباط إلى ظفار الحبوضي.

يذكر ابن بطوطة صورة أخرى من صور التصوف

في ظفار اإلقليم، حينما نزلوا من المركب بإحدى جزر كوريا موريا )الحالنيات حاليا(، ووجدوا

بالجزيرة شيخا نائما، وليس معه متاع فال ركوة وال إبريق وال عكاز وال نعل، وهي عادة من انقطع إلى اهلل وترك الدنيا، وقد رفض طعامهم، وصلى

بهم العصر والمغرب والعشاء، وكان حسن الصوت مجيدا لها.

إذن هل نستطيع أن نقول إن )الذاكرة الصوفية( لدى ابن بطوطة، حفظت اسم صاحب الزاوية الشيخ الصالح العابد أبي محمد بن أبي بكر بن

عيسى من أهل ظفار، كما احتفظت بأسماء أبناء

الشيخ أبي بكر، أبي العباس أحمد وأبي عبد اهلل محمد ابني الشيخ المذكور، باإلضافة إلى ذكر

قاضي المدينة أبي هاشم عبد الملك الزبيدي، والتي ما تزال عائلته )الزبيدي( موجودة اآلن في ظفار.

إن قوة التذكير عند ابن بطوطة واحتفاظه بأسماء العلماء والشيوخ في ظفار، تعود إلى أنه أعاد الحياة

إلى اللحظة الصوفية التي رآها وسمعها وعايشها أثناء تواجده في ظفار، ألن قوة التذكر تكمن في

إعادة الحياة إلى الشيء المراد تذكره، ومن ثم يمكن استرجاع المعلومة من الذهن، ومن هنا

نقول إن ظفار قد ارتبطت في ذهن ابن بطوطة

بالتصوف. التشابه بين أهل ظفار وأهل المغرب:

أشرنا في بداية هذا البحث إلى أن ابن بطوطة يعتبر من األوائل القائلين بعروبة البربر وسكان

شمال إفريقيا، فهو ال يورد وجه المقارنة بين أهل ظفار وأهل المغرب من باب عجائب األسفار،

بل يورد األدلة المادية على ذلك التشابه فيذكر »من الغرائب أن أهل هذه المدينة أشبه الناس بأهل المغرب في شؤونهم. نزلت بدار الخطيب

بمسجدها األعظم، وهو عيسى بن علي، كبير القدر كريم النفس. فكان له جوار مسميات بأسماء خدام المغرب، إحداهن اسمها بخيتة واألخرى زاد المال.

ولم أسمع هذه األسماء في بلد سواها...، وفي كل دار من دورهم سجادة الخوص، معلقة في البيت،

يصلي عليها صاحب البيت، كما يفعل أهل المغرب. وأكلهم الذرة. وهذا التشابه كله مما يقوي القول

بأن صنهاجة وسواهم من قبائل المغرب أصلهم من حمير«.

في ختام هذه الجولة يبقى أن نذكر بأن الظفاريين ال يزالون يحتفظون ببعض العادات االجتماعية التي

ذكرها ابن بطوطة مثل التقوى وإكرام الضيف، وأهل تواضع وحسن أخالق ومحبة للغرباء، كما ال يزال طبق الرز بالسمك من أفضل الوجبات في

ظفار، بل يعتبر الطبق اليومي في أي بيت ظفاري، باإلضافة إلى أكل التمر مع السمك، وصيد السردين وتجفيفه، وال زال الناس في ظفار يسمون أبنائهم

وبناتهم بأسماء مثل بخيت وبخيتة وزاد المال.إن رحلة ابن بطوطة إلى ظفار تعتبر من أهم

الوثائق التاريخية واالجتماعية لهذه المنطقة، وال يمكن أن تذكر ظفار دون ذكر رحلة ابن بطوطة وتقديم تصوره عن مدينة ظفار )البليد الحالية( والتي اتسعت وأصبح يطلق عليها مدينة صاللة، وهذا ما قدمه أدب الرحلة إلى الثقافة العربية.

لقد اجتهدنا هنا لكشف وتوضيح بعض اآلثار التي ذكرها ابن بطوطة حينما زار ظفار، مثل ذكر

األسر الحاكمة في ظفار من المنجويين وحتى آل كثير، وكذلك الكشف عن الدرهم الرسولي، وإلقاء

الضوء على الفكر الصوفي في ظفار، وكذلك التطرق إلى التشابه بين لهجات أهل ظفار وأهل المغرب.

السنبوق: مركب صاللي قديم في ميناء البليد

الرحلة دي�شمرب 1322010133

عجوز يف �صفينة تقتل �صابة بخ�صبة

لت�صافر مع �مللك �إىل �لعامل �لآخر

قطوف من رحلة ابن ف�سالن

ل نعرف الكثري عنه. انطلق ابن ف�سالن يوم اخلمي�س 11 �سفر �سنة 309هـ ، املوافق 21 حزيران �سنة 921م، برحلة �سائقة بتكليف من

اخلليفة املقتدر العبا�سي الذي طلب ال�سقالبة العون منه. وا�ستغرقت الرحلة من بغداد وحتى ما يعتقد اليوم انه فنلندا اأحد ع�رش �سهرا

الرتك الرحالة على ثقافيا. وقد مر املختلف الآخر ة والنفتاح على ال�سيا�سير باملغامرات وامل�ساق وامل�ساعب مليئة هاب، وكانت الذر يف

الوخزر والرو�س، و�سول اإىل بالد ال�سقالبة. وقد اعتمد حمرر الطبعة الأحدث من هذه الرحلة ال�ساعر �ساكر لعيبي على التحقيق الذي

ا�ستند على خمطوطة م�سهد-ايران. و�سدرت هذه الطبعة عن »م�رشوع ارتياد الآفاق« �سنة 2003، و�ست�سدر قريبا يف طبعة جديدة.

وكان يقال لي إنهم يفعلون برؤسائهم عند الموت أمورا أقلها الحرق، فكنت أحب أن

أقف على ذلك، حتى بلغني موت رجل منهم جليل فجعلوه في قبره وسقفوا عليه عشرة أيام حتى فرغوا

من قطع ثيابه وخياطتها. وذلك أن الرجل الفقير منهم يعملون له سفينة صغيرة

ويجعلونه فيها ويحرقونها، والغني يجمعون ماله ويجعلونه ثالثة أثالث: فثلث ألهله، وثلث يقطعون له به ثيابا، وثلث ينبذون به نبيذا يشربونه يوم تقتل

جاريته نفسها وتحرق مع موالها. وهم مستهترون بالنبيذ يشربونه ليلا ونهارا، وربما مات الواحد منهم والقدح في يده. وإذا مات الرئيس منهم قال أهله لجواريه وغلمانه: من منكم يموت

معه؟ فيقول بعضهم: أنا. فإذا قال ذلك فقد وجب عليه، ال يستوي له أن يرجع أبدا ولو أراد ذلك ما ترك. وأكثر

من يفعل هذا الجواري. فلما مات ذلك الرجل الذي قدمت ذكره قالوا لجواريه: من يموت معه فقالت إحداهن: أنا فوكلوا بها جاريتين تحفظانها وتكونان معها حيث سلكت، حتى إنها ربما

غسلتا رجليها بأيديهما. وأخذوا في شأنه وقطع الثياب له وإصالح ما يحتاج إليه، والجارية في كل يوم

تشرب وتغني فرحة مستبشرة. فلما كان اليوم الذي يحرق فيه هو والجارية حضرت

إلى النهر الذي فيه سفينته، فإذا هي قد أخرجت وجعل لها أربعة أركان من خشب الخدنك وغيره،

وجعل أيضا حولها مثل األنابير الكبار من الخشب. ثم مدت حتى جعلت على ذلك الخشب، وأقبلوا يذهبون ويجيئون ويتكلمون بكالم ال أفهم، وهو بعد في قبره لم يخرجوه. ثم جاءوا بسرير فجعلوه على السفينة

وغشوه بالمضربات الديباج الرومي والمساند الديباج الرومي، ثم جاءت امرأة عجوز يقولون لها ملك الموت ففرشت على السرير الفرش التي ذكرنا، وهي وليت

خياطته وإصالحه، وهي تقتل الجواري، ورأيت جوان بيرة ضخمة مكفهرة.

فلما وافوا قبره نحوا التراب عن الخشب، ونحوا الخشب واستخرجوه في اإلزار الذي مات فيه،

فرأيته قد اسود لبرد البلد، وقد كانوا جعلوا معه في قبره نبيذا وفاكهة وطنبورا، فأخرجوا جميع ذلك فإذا

هو لم ينتن ولم يتغير منه شيء غير لونه. فألبسوه سراويل ورانا وخفا وقرطقا وقفتان

ديباج له أزرار ذهب، وجعلوا على رأسه قلنسوة ديباج سمورية، وحملوه حتى أدخلوه القبة التي على السفينة، وأجلسوه على المضربة وأسندوه

بالمساند، وجاءوا بالنبيذ والفاكهة والريحان فجعلوه معه.

وجاءوا بخبز ولحم وبصل فطرحوه بين يديه، وجاءوا بكلب فقطعوه نصفين وألقوه في السفينة. ثم

جاءوا بجميع سالحه فجعلوه إلى جانبه، ثم أخذوا دابتين فأجروهما حتى عرقتا ثم قطعوهما بالسيف

وألقوا لحمهما في السفينة. ثم جاءوا ببقرتين فقطعوهما أيضا وألقوهما فيها ثم أحضروا ديكا ودجاجة فقتلوهما وطرحوهما فيها. والجارية التي تريد أن تقتل ذاهبة وجائية تدخل قبة قبة من قبابهم فيجامعها صاحب القبة ويقول

لها: قولي لموالك إنما فعلت هذا من محبتك. فلما كان وقت العصر من يوم الجمعة جاءوا

بالجارية إلى شيء قد عملوه مثل ملبن الباب، فوضعت رجليها على أكف الرجال وأشرفت على

ذلك الملبن، وتكلمت بكالم لها فأنزلوها ثم أصعدوها ثانية ففعلت كفعلها في المرة األولى، ثم أنزلوها

وأصعدوها ثالثة ففعلت فعلها في المرتين، ثم دفعوا إليها دجاجة فقطعت رأسها ورمت به وأخذوا

الدجاجة فألقوها في السفينة. فسألت الترجمان عن فعلها، فقال: قالت في أول مرة

أصعدوها: هو ذا أرى أبي وأمي. وقالت في الثانية: هو ذا أرى جميع قرابتي الموتى قعودا. وقالت في المرة الثالثة: هو ذا أرى موالي قاعدا في الجنة،

والجنة حسنة خضراء ومعه الرجال والغلمان وهو يدعوني فاذهبوا بي إليه.

فمروا بها نحو السفينة فنزعت سوارين كانا عليها ودفعتهما إلى المرأة التي تسمى ملك الموت وهي التي

تقتلها. ونزعت خلخالين كانا عليها ودفعتهما إلى الجاريتين اللتين كانتا تخدمانها، وهما ابنتا المرأة

المعروفة بملك الموت. ثم أصعدوها إلى السفينة ولم يدخلوها إلى القبة

وجاء الرجال ومعهم التراس والخشب، ودفعوا إليها قدحا نبيذا فغنت عليه وشربته. فقال لي الترجمان:

إنها تودع صواحباتها بذلك. ثم دفع إليها قدحا آخر فأخذته وطولت الغناء، والعجوز تستحثها على

شربه والدخول إلى القبة التي فيها موالها، فرأيتها وقد تبلدت وأرادت دخول القبة فأدخلت رأسها بينها وبين السفينة، فأخذت العجوز رأسها وأدخلتها القبة

ودخلت معها. وأخذ الرجال يضربون بالخشب على التراس لئال

يسمع صوت صياحها فيجزع غيرها من الجواري وال يطلبن الموت مع مواليهن. ثم دخل إلى القبة ستة رجال فجامعوا بأسرهم الجارية ثم أضجعوها إلى جانب موالها، وأمسك اثنان رجليها واثنان يديها

وجعلت العجوز التي تسمى ملك الموت في عنقها حبلا مخالفا ودفعته إلى اثنين ليجذباه، وأقبلت

ومعها خنجر عريض النصل، فأقبلت تدخله بين أضالعها موضعا موضعا وتخرجه، والرجالن يخنقانها

بالحبل حتى ماتت. ثم وافى أقرب الناس إلى ذلك الميت فأخذ خشبة

وأشعلها بالنار، ثم مشى القهقرى نحو قفاه إلى السفينة ووجهه إلى الناس، والخشبة المشعلة

في يده الواحدة، ويده األخرى على باب استه وهو عريان، حتى أحرق الخشب المعبأ الذي تحت

السفينة، من بعدما وضعوا الجارية التي قتلوها في جنب موالها.

ثم وافى الناس بالخشب والحطب، ومع كل واحد خشبة قد ألهب رأسها، فيلقيها في ذلك الخشب

فتأخذ النار في الحطب، ثم في السفينة، ثم في القبة والرجل والجارية وجميع ما فيها. ثم هبت ريح

عظيمة هائلة فاشتد لهب النار واضطرم تسعرها. وكان إلى جانبي رجل من الروسية فسمعته يكلم

الترجمان الذي معي، فسألته عما قال له؟ فقال: إنه يقول: أنتم يا معاشر العرب حمقى.

فقلت: لم ذلك؟ قال: إنكم تعمدون إلى أحب الناس إليكم وأكرمهم عليكم فتطرحونه في التراب وتأكله

التراب والهوام والدود، ونحن نحرقه بالنار في لحظة فيدخل الجنة من وقته وساعته.

ثم ضحك ضحكا مفرطا، فسألت عن ذلك فقال: من محبة ربه له قد بعث الريح حتى تأخذه في ساعة، فما مضت على الحقيقة ساعة حتى صارت السفينة

والحطب والجارية والمولى رمادا مددا. ثم بنوا على موضع السفينة وكانوا قد أخرجوها من النهر شبيها بالتل المدور، ونصبوا في وسطه خشبة

كبيرة خدنك، وكتبوا عليها اسم الرجل واسم ملك الروس وانصرفوا.

قال: ومن رسم ملك الروس أن يكون معه في قصره أربعمئة رجل من صناديد أصحابه وأهل الثقة

عنده، فهم يموتون بموته ويقتلون دونه، ومع كل واحد منهم جارية تخدمه وتغسل رأسه وتصنع

له ما يأكل ويشرب، وجارية أخرى يطؤها. وهؤالء األربعمئة يجلسون تحت سريره، وسريره عظيم مرصع بنفيس الجوهر، ويجلس معه على السرير

أربعون جارية لفراشه، وربما وطئ الواحدة منهن بحضرة أصحابه الذين ذكرنا.

وال ينزل عن سريره، فإذا أراد قضاء حاجة قضاها في طشت، وإذا أراد الركوب قدموا دابته إلى السرير

فركبها منه، وإذا أراد النزول قدم دابته حتى يكون نزوله عليه، وله خليفة يسوس الجيوش

ويواقع األعداء ويخلفه في رعيته.

الرحلة دي�شمرب 1342010135

الفل�شطيني الذي من فل�شطني

قطوف من رحلة املقد�سي الب�ساري

ولد املقد�سي كما يرى البع�س عام 336 للهجرة اأي �سنة 947 امليالدية وتويف �سنة 380 الهجرية التي تعادل �سنة 990 امليالدية.

ولالأ�سف ال�سديد فاإن معظم معاجم الرجالت قد اأغفلت ذكره، حتى اأن معا�رشه ابن الندمي �ساحب )الفهر�ست( ال�سهري الذي �سنفه

ج على الكثري من جغرافيي امل�سلمني، وهو اأمر يدل على عدم اإيالء الثقافة املعا�رشة عام 377 الهجري مل يذكر عنه �سيئا مثلما مل يعر

لبن الندمي اهتماما كبريا لأدب الرحلة والرحالت.

هذ� �لبحر

»وبينا أنا يوما جالس مع أبي علي بن حازم أنظر في البحر ونحن بساحل عدن إذ قال لي:

- ما لي أراك متفكرا.قلت:

- أيد اهلل الشيخ قد حار عقلي في هذا البحر لكثرة االختالف فيه، والشيخ اليوم من أعلم الناس

به ألنه إمام التجار ومراكبه أبدا تسافر إلى أقاصيه، فإن رأى أن يصفه لي صفة اعتمد عليها

وأرجع من الشك إليها فعل.فقال:

- على الخبير بها سقطت. )ثم مسح الرمل بكفه ورسم البحر عليه ال طيلسان وال طير، وجعل له

معارج متلسنة وشعبا عدة ثم قال(: هذه صفة هذا البحر ال صورة له غيرها«.

عارف بالعمارة

وقال في مطارحته ألحد البنائين في شيراز أثناء إحدى رحالته، وفيها يتكشف عارفا بفن العمارة،

وقد كان يقول قبل ذلك، من جهة أخرى، مالحظات جد مهمة أخرى عن معرفته ونظراته الجمالية

بالعمارة في ثنايا كتابه:»وجلست يوما إلى بعض البنائين، أعني بشيراز، وأصحابه ينقشون بمعاول وحشة وإذا حجارتهم روها ثم خطوا على ثخانة اللبن فإذا اعتدلت قد

خطا وقطعوه بالمعول، فربما انكسرت البالطة فإذا أعتدلت أقاموها على حدها. فقلت لهم:

- لو أتخذتم مسفنة وربعتم األحجار، وأحكيت لهم بناء فلسطين وطارحتهم مسائل في البناء.

فقال لي األستاذ:- أنت مصري؟

قلت: - ال بل فلسطيني؟.

قال:م م األحجار كما يخر - سمعت أن عندكم تخر

الخشب. قلت:

- أجل.قال:

- أحجاركم لينة ولصناعكم لطافة«.

الرحالة ساردايبدو المقدسي )حكواتيا( حقيقيا في بعض تلك

السرديات بل قصاصا يستمتع بحبكات وعقد وحل قصته، يقول مثلا:

وكنت يوما في مجلس القاضي المختار أبي يحيى بن بهرام بالبصرة فجرى ذكر مصر إلى أن سئلت

؟ أي بلد أجل قلت:

- بلدنا.قيل: فأيها أطيب؟

قلت: - بلدنا،

قيل: فأيها أفضل؟قلت:

- بلدنا؟ قيل: فأيها أحسن؟

قلت: - بلدنا.

قيل:فأيها أكثر خيرات؟

قلت:- بلدنا.

قيل: فأيها أكبر؟قلت:

- بلدنا.

فتعجب أهل المجلس من ذلك.ل وقد أدعيت ما ال يقبل وقيل: أنت رجل محص

منك وما مثلك إال كصاحب الناقة مع الحجاج.قلت:

أما قولي أجل..« إلى آخر القصة.أنا من فلسطين

هنا مثال أخير لهذه السرديات ويكشف عن روح الفكاهة والطرافة لدى المقدسي:

»وبعث إلي أمير عدن مصحفا أجلده، فسألت عن األشراس بالعطارين فلم يعرفوه ودلوني على

المحتسب وقالوا عساه يعرفه، فلما سألته،قال:

- من أين أنت؟قلت:

- من فلسطين.قال:

- أنت من بلدة الرخاء لو كان لهم أشراس ألكلوه عليك بالنشاء«.

يت بستة وثالثين إسما دعيت »ولقد سموخوطبت بها مثل: مقدسي وفلسطيني ومصري

ومغربي وخراساني وسلمي ومقرئ وفقيه وصوفي وولي وعابد وزاهد وسياح ووراق ومجلد

وتاجر ومذكر وإمام ومؤذن وخطيب وغريب وعراقي وبغدادي وشامي وحنيفي ومتؤدب وكرى

ومتفقه ومتعلم وفرائضي واستاذ ودانشومند وشيخ ونشاسته وراكب ورسول، وذلك الختالف البلدان التي حللتها، وكثرة المواضع التي دخلتها. ثم إنه لم يبق شيء مما يلحق المسافرين إال وقد أخذت منه نصيبا غير الكدية وركوب الكبيرة، فقد تفقهت وتأدبت، وتزهدت وتعبدت، وفقهت

وأدبت. وخطبت على المنابر، وأذنت على المنائر. وأممت في المساجد، وذكرت في الجوامع،

واختلفت إلى المدارس. ودعوت في المحافل، وتكلمت في المجالس. وأكلت مع الصوفية الهرائس.

ومع الخانقائيين الثرائد، ومع النواتي العصائد. وطردت في الليالي من المساجد، وسحت في

البراري، وتهت في الصحاري. وصدقت في الورع زمانا، وأكلت الحرام عيانا. وصحبت عباد جبل لبنان، وخالطت حينا السلطان. وملكت العبيد،

وحملت على رأسي بالزبيل. وأشرفت مرارا على الغرق، وقطع على قوافلنا الطرق. وخدمت القضاة والكبراء، وخاطبت السالطين والوزراء. وصاحبت في الطرق الفساق، وبعت البضائع في

األسواق. وسجنت في الحبوس، وأخذت على أني جاسوس، وعاينت حرب الروم في الشواني وضرب

النواقيس في الليالي. وجلدت المصاحف بالكرى، واشتريت الماء بالغال وركبت الكنائس والخيول، ومشيت في السمائم والثلوج، ونزلت في عرصة

الملوك بين االجلة، وسكنت بين الجهال في محلة الحاكة. وكم نلت العز والرفعة، ودبر في قتلي

غير مرة. وحججت وجاورت، وغزوت ورابطت. وشربت بمكة من السقاية السويق، وأكلت الخبز

والجلبان بالسيق. ومن ضيافة ابراهيم الخليل، وجميز عسقالن السبيل. وكسيت خلع الملوك وأمروا لي بالصالت. وعريت وافتقرت مرات،

وكاتبني السادات، ووبخني األشراف. وعرضت علي األوقاف، وخضعت لألخالف. ورميت بالبدع،

واتهمت بالطمع. وأقامني األمراء والقضاة أمينا، ودخلت في الوصايا وجعلت وكيال. وامتحنت

الطرارين، ورأيت دول العيارين. واتبعني االرذلون، وعاندني الحاسدون، وسعي بي إلى السالطين.

ودخلت حمامات طبرية، والقالع الفارسية. ورأيت يوم الفوارة، وعيد بربارة، وبئر قضاعه، وقصر

يعقوب وضياعه«.

136137

من البحر الأحمر اإىل نهر ال�شني

قطوف من رحلة اأبي دلف

اأبو دلف م�سعر بن مهلهل اخلزرجي الينبوعي )...- 093هـ/...-1000م تقريبا( �ساعر ورحالة عبا�سي. جتاوز الت�سعني من عمره متنقال

�سة لفنون الكدية يف البالد. كان يرتدد اإىل ال�ساحب بن عباد فريتزق منه ويتزود كتبه يف اأ�سفاره. �ساحب )الق�سيدة ال�سا�سانية( املكر

التي ت�ستمل على جمموعة كبرية من الكلمات ال�سائعة يف عامية الع�رش العبا�سي، وقد اأورد الثعالبي بع�سها يف »يتيمة الدهر«. والن�س

املن�سور هنا منتزع من كتاب �سي�سدر يف من�سورات »املركز العربي لالأدب اجلغرايف«. من حتقيق ال�ساعر �ساكر لعيبي.

ثم انتهينا إلى مقام الباب، وهو بلد في الرمل، يكون )يرد لمن يستأذن الصين(. ومنه ملك في )حجبة ببلد( الصين من قبائل الترك وغيرهم. فسرنا فيه ثالثة أيام في ضيافة الملك، يغير لنا عند كل رأس فرسخ مركوب . ثم انتهينا إلى وادي المقام، فاستؤذن متنا الرسل، فأذن لنا، بعد أن أقمنا بهذا لنا منه، وتقدأيام ثالثة ، )بالد اهلل وأحسنها( أنزه الوادي، وهو في ضيافة الملك. ثم عبرنا الوادي، وسرنا يوما تاما، وأشرفنا على مدينة سندابل. وهي قصبة الصين ، وبها دار المملكة، فبتنا على مرحلة منها، ثم سرنا من الغد طول نهارنا حتى وصلنا إليها عند المغرب.

وهي مدينة عظيمة، تكون مسيرة يوم، ولها ستون شارعا، كل شارع منها إلى دار الملك، ثم إلى باب من وعرضه ، ذراعا تسعون سورها وارتفاع . أبوابها تسعون ذراعا. وعلى رأس السور نهر عظيم يتفرق على ستين جزءا، كل جزء منها ينزل على باب من إلى ثم دونها ما على تصب رحى تتلقاه األبواب، غيرها، ثم يصير إلى األرض، ثم يخرج نصفه تحت السور، فيسقي البساتين، ويرجع نصفه إلى المدينة، يخرج ثم الملك، دار إلى الشارع ذلك أهل فيسقي شارع فكل البلد. خارج إلى واآلخر الشارع. في فيه نهران. وكل خالء فيها مجريان كل يخالف صاحبه. فالداخل يسقيهم، والخارج يخرج فضوالتهم . )ولهم بيت عبادة عظيم، يقال: إنه أكبر من مسجد ]بيت[ المقدس . وفيه تماثيل وصور وأصنام. وبده عظيم . ولهم سياسة عجيبة وأحكام متقنة( . وال منهم قتل ومن أصلا. اللحوم يأكلون وال يذبحون شيئا من الحيوان قتل. وهي دار مملكة الهند والترك

معا. ودخلت على ملكها فوجدته فائقا في فنه ، كاملا

في رأيه، فخاطبه الرسل فيما جاؤوا له تزويجه ابنته من نوح بن نصر ، فأجاب إلى ذلك وأحسن نجزت حتى ضيافته في وأقمنا الرسل. وإلى إلي أمور المرأة، وتم ما جهزها به، ثم سلمها إلى مائتي خادم وثالثماية جارية من خواص خدمه وجواريه؛ )فأولدها نصر، بن نوح إلى إلى خراسان، وحملت موافاتها، قبل أحمد بن نصر )ومات . الملك( عبد

ك بها( . وصارت المملكة إلى نوح بن نصر، فتبر

وبلغنا أن نصرا عمل قبره قبل وفاته بعشر سنين مبلغ عمره ووقت مولده في له أخذ أنه ، وذلك انقضاء أجله، وأن موته يكون بالسل، وعرف اليوم الذي يموت فيه، فخرج يوم موته إلى بخارى ، وقد أعلم الناس أنه ميت يومه ذلك، وأمرهم أن يتجهزوا موته بعد رهم ليتصو والمصيبة التعزية بجهاز له من ألوف يديه بين فسار بها، يراهم التي بالحال الغلمان األتراك المرد، وقد ظاهروا اللباس السواد ، وشقوا عن صدورهم، وجعلوا التراب على رؤوسهم، ثم تبعهم نحو ألفا جارية من أصناف الرقيق مختلفي على جاء ثم ؛ الهيئة تلك على واللغات األجناس دوابهم يجنبون واألولياء الجيش عامة آثارهم السروج نصب في خالفوا وقد ، قودهم ويفردون التراب حاثين وجباهها، نواصيها دوا وسو عليها، على رؤوسهم؛ واتصل بهم الرعية والتجار في غم مهم أوالدهم ونساؤهم؛ وحزن وبكاء وضجيج، يتقدوالحمالون، والمكارون الشاكرية بهم اتصل ثم )كل فريق منهم قد غير زيه( وشهر نفسه بضرب اللباس، ثم جاء أوالده، يمشون بين يديه حفاة من حاسرين، والتراب في رؤوسهم، وبين أيديهم وجوه أقبل ثم قواده؛ ورؤساء خدمه وجلة ، الكتاب والقضاة والمعدلون والفقهاء والعلماء )يسايرونه

القضاة فأمر ملفوفا، وأحضر سجلا وكآبة غم في والمعدلين ( والفقهاء والكتاب )ومن يجري مجراهم بختمة ( ، وأمر نوحا ابنه أن يعمل بما فيه بعده ، واستدعى لها شيئا من حساء في زبدية من الصيني األصفر ، فتناول منه شيئا يسيرا، ثم تغرغرت عيناه، وحمد اهلل تعالى، وتشهد، ثم قال: هذا آخر زاد يغر من دنياكم، وسار إلى قبره، ودخله، وقرأ عشرا فيه ، وخرج عنه، واستقر به. ومات رحمه اهلل تعالى.

وتولى األمر نوح ابنه .]نحن نشك في صحة هذا الخبر، ألن محدثنا كان ربما ذكر شيئا، نسأل اهلل تعالى أن ال يؤاخذنا بها[.

ة، ألقى ملكها قال: وأقمت بسندابل مدينة الصين مدأمور في األحايين، فيفاوضني شيئا ، ويسألني عن االنصراف، في استأذنت ثم اإلسالم. بلد أمور من فأذن لي بعد أن أحسن إلي، ولم يبق غاية في أمري، أول وهي . »كله« أريد الساحل على فخرجت لها يتهيأ ال المراكب. مسير ومنتهى الهند، مدينة رأيتها ، إليها وصلت فلما ، غرقت وإال تجاوزها،

البساتين، كثيرة السور، عالية منيعة عظيمة، غزيرة الماء. ووجدت بها معدنا للرصاص القلعي ، ال يكون إال في قلعتها في سائر الدنيا. وفي هذه القلعة تضرب السيوف المعروفة بالقلعية ، وهي الهندية إذا القلعة يمتنعون على ملكهم العتيقة، وأهل هذه الصين رسم ورسمهم أحبوا، إذا ويطيعونه أرادوا األرض( )أقاليم جميع في وليس الذباحة، ترك في وبينها القلعة. هذه في إال القلعي للرصاص معدن الصين ثالثمائة فرسخ ، وحولها مدن وبين مدينة

ورساتيق ، وفيها لهم )أحكام وحبوس وجنايات( .

وزنا، تباع كلها وبقولهم والتمور، البسر وأكلهم وأرغفة خبزهم تباع عددا. وال )حمامات لهم( ، بل عندهم أعين حارة يغتسلون فيها . ودرهمهم يزن ثلثي درهمنا، ويعرف بالفهري . ولهم فلوس يتعاملون الصيني اإلفرند ، الصين كأهل ويلبسون بها. لملك ويخطب الصين، ملك دون وملكها المثمن.

الصين، وقبلته إليه، وبيته بيت عبادة له.

الرحلة دي�شمرب 1382010139

عمره زهرة اأعطى والذي املعروف، الربيطاين والكاتب الرحالة – �سميث ماكنتو�س تيم مع احلوار هذا

لل�سفر مع ابن بطوطة، جرى يف لندن التي ياأتيها تيم زائرا. مل تكن هذه املرة زيارة �سعيدة، بل كانت قلقة،

والدته للقاء جاء م�سطرب، �سخ�س و�سول بــ»مدينتي« ي�سميها التي �سنعاء، من و�سل فقد حزينة.

املري�سة، وهو ل يعرف اإن كان �سيلحق بها على قيد احلياة اأم ل. لحقا قال يل تيم: اليوم فقط �رشت يتيما.

رغم حزن الفقد فهو حوار �سيق مع كاتب من طراز خمتلف، واإن�سان له روح وثابة تتطلع اإىل معانقة الوجود،

كل الوجود، والحتفاء بكل ما هو اإن�ساين، ول�سان حاله ما نطق به ال�سيخ الأكرب حميي الدين ابن عربي :

راأى الربق �رشقيا فحن اإىل ال�رشق

ولو لح غــربيا حلن اإىل الغــرب

فـاإن غــرامي بالربوق وملحــهـا

ولي�س غرامي بالأماكن والرتب

الكاتب والرحالة الربيطاين تيم ماكنتو�س - �سميث يف جل�سة لندنية مع »الرحلة«

وطني هو العامل

ومدينتـي �شنعـاء

Interviewحوار

يعتبر تيم ماكنتوش - سميث الكاتب البريطاني المولود سنة 1961، والذي طاف العالم على خطا شمس الدين الطنجي ابن بطوطة لربع قرن من

الزمن، واحدا من أشهر الكتاب وأكثرهم ارتباطا بفكرة السفر والبحث جريا وراء شيخ الرحالين

العرب والمسلمين المنتمي برحالته واسفاره إلى عالم القرون الوسطى.

وخالل مسيرته األدبية والبحثية وتجواله في العالم، وضع تيم ماكنتوش - سميث الذي تخرج من جامعة اكسفورد، وضع العديد من المؤلفات، وصورت البيبي سي سلسلة من األفالم الوثائقية عن اسفار تيم. من مؤلفاته المطبوعة: “أسفار مع

ابن طنجة” عام 2001، »قاعة األلف عمود« عام

2005. »الوصول إلى اليابسة«. 2010.وعلى رغم ان تيم هو أصال كاتب نثر مميز، فقد

اشتهر بكتب الرحالت، فقد كتب عن رحالته إلى عدد من مدن العالم العربي، والشرق وأشهرها

رحلتان إلى طنجة واليمن، ورحلة إلى هندوستان وذلك خالل تجواله وترحاله على خطى الرحالة

شمس الدين الطنجي المشهور بأبن ان بطوطة. وبالتالي فإن كتاباته األشهر هي التي تناول فيها

أسفار ابن بطوطة ورحالته، والتي أبرز من خاللها صدى المستكشف العربي العظيم في أغرب األماكن

وأعجب الحوادث.وعن سر حبه لصنعاء واختيار اليمن بلدا لسكناه

وعيشه، يقول ماكنتوش - سميث مرددا أبيات

الشيخ عبد الهادي الجواهري: �سنعـ ـاء يا دار احلـــ�سارة والعـال

ومقام كـل �سميدع ومليك

باري�س دونك يف اجلـمـــال ولندن

وعوا�سم الرومـان والأمـريك

فـجـمال تلك مـزخـرف متكلف

وجمـالك املطبوع مـن باريك

ويضيف: ال تزال صنعاء جميلة، وهي من اهم المدن التاريخية العربية، وألن أبي كان من محبي

كتب الرحالت، ويملك مجموعة من الكتب من بينها كتب مصورة، كانت نفسي ، تسول لي أن

اطلع على كتبه وعلى صور اليمن خاصة، لي في اليمن ما يقارب الستة والعشرين عاما، وليست

لدي أي رغبة في أن اغادرها. وإذا كان وطني هو العالم كله، فإن صنعاء هي مدينتي.

كاتب ال رحالةحول تجاربه مع السفر والترحال يقول سميث »لست متيما بحب السفر«. يبدو هذا اعترافا

غريبا من رجل تعتبر سلسلة كتبه التي تتبع فيها خطى ابن بطوطة، المستكشف العربي الذي عاش

في القرن الرابع عشر الميالدي، من بين أفضل الكتب الحديثة عن األسفار والرحالت.

في كتبه عموما ينسج سميث خيوطا من المعرفة الواسعة، التي تتسم غالبا بالروح المرحة، وأحيانا

بعمق الفكر، ودائما بالجاذبية، وينسجها بوجهة نظر لمستعرب تخرج من جامعة أكسفورد، ولكنه

اختار أن يعيش في اليمن ويتجول في العالم العربي. في مستهل لقائي به سالني إن كنت مرتاحا في

لندن فقلت إنها مدينتي األحب، إنها وطني الثاني. فقال أما أنا فوطني هو اليومن ومدينتي هي صنعاء.

في اليمن يشعر تيم ماكنتوش - سميث أنه بين أهله وذويه، وفي بعض أجزاء العالم اإلسالمي يشعر

أن هذا العالم الذي اختاره هو العالم الذي ينتمي إليه أكثر مما ينتمي إلى مسقط راسه في وطنه

األم، بريطانيا.بعض من التقى به في منزله التقليدي القديم

المتعدد الطبقات بصنعاء ، حيث يعيش منذ أكثر من 20 عاما، يقول، إن تم يظل يكرر »لست ممن

ينطلقون للسفر بعيدا ويكادون يهلكون أنفسهم على الطريق. من هذا المنطلق أعتقد أني مختلف

عن ابن بطوطة، فالمظاهر يمكن أن تكون خادعة«. فأنا اوال واخيرا كاتب. وبالتالي فأنا رحالة ألنني

�بن بطوطة هو كاتب �لأ�صفار �لنموذجي يف �لعامل، ورحالته

غطت �لعامل �لإ�صالمي كله وما حوله، من متبكتو �إىل

بكني

تيم في مكتبة »الساقي« بلندن

الرحلة دي�شمرب 1422010143

كاتب، وليس العكس.من هنا، وبينما توحي كتبه وأدبياته بأنه رجل

مسفار ولد وفي جيبه أدلة رحالت، فإنه في الحقيقة يفضل عادة الجلوس في منزله بين أرفف

مكتبته. وبعد أن عاد من رحلة استمرت عدة أشهر في إسبانيا متعقبا خطى سلفه الذي يعود للقرون

الوسطى، فإنه اآلن يعد لجولة في الصحراء األفريقية الكبرى إلعداد الجزء الثالث من ثالثية

ابن بطوطة، ولينهي المغامرة التي بدأها في كتابه “أسفار مع ابن طنجة” الصادر عام 2001، الذي يبدأ

من مسقط رأس الرحالة العظيم في طنجة بالمغرب، والرحلة التي تواصلت في رحلته التي جال بها في أرجاء الهند، وهي الرحلة التي ضمنها كتابا يحمل

عنوان “قاعة األلف عمود” أصدره في عام 2005.

م�سار الرحلة

الرحلة كيف كان مخططك في رحلة تتبعك لمسار

ابن بطوطة ففي رحالته. هل كان ذلك ممكنا دائما بالنسبة إليك... خصوصا ان بعض المدن الواقعة اليوم

على مسار رحلته تعتبر اماكن يسودها االضطراب السياسي؟

تيم: هذه مالحظة في مكانها. والواقع انني تتبعت طريق ابن بطوطة، ولكن ليس بشكل أعمى. فابن بطوطة سافر مثلا عبر الجزائر، وعندما كان علي

أن أفعل مثله خالل سنوات التسعينات، كانت البالد تعاني من حمامات دم. في الواقع ال أعتقد أنه كان مهتما جدا بالجزائر، لذا تغاضيت عن

هذا الجزء من رحلته. وبالمثل مع العراق. فلم يكن لديه الكثير مما يقوله، أو حكايات مشوقة

عما وجده هناك، لذا، تخليت عن هذا الجزء أيضا. كانت الطريق التي سلكها ابن بطوطة إلى

الهند من أفغانستان قد اكتنفتها صعوبات كثيرة. وكما أوضحت في الكتاب الخاص بالهند، الفرصة

الوحيدة لحل هذه المشكلة كانت السير راجلا عبر الحدود بين باكستان وأفغانستان.

ملاذا ابن بطوطة

الرحلة لكن لماذا ابن بطوطة.. كهدف يكاد يكون

األبرز لك ككاتب... تمشي على خطاه، وتبحث في زوايا حياته المكشوف منها والغامض أو الظليل؟

تيم: الواقع ان الرحلة على خطا ابن بطوطة ليست

مجرد سياحة او معامرة لقياس المسافات بين زمنين زمن الرحالة القروسطي، والزمن الحديث. هذا مجرد ملمح بسيط من الهدف، جزء صغير من طموح الرحلة. الواقع أن ابن بطوطة، الذي أمضى أكثر من ربع قرن يتنقل بين آسيا وأفريقيا، انما يوفر لنا صورة مفصلة وغير مسبوقة عن واقع

الحضارة في القرون الوسطى. وهنا تكمن اهميته الفعلية، والطاقة المذهلة الكامنة في نصه السردي

وما احتوى عليه من اخبار وحكايات ومعلومات وتواريخ واسماء بشرية وجغرافية.

موجز حياة

الرحلة لديك تلخيصك الشخصي لرحلة ابن بطوطة،

شخصيته، رحلته واخباره، وهو تلخيص البد أن يسر كل قاريء عربي أن يستمع إليه لكونه يقدم

له الرحالة العظيم بعيني كاتب ينتميحضارة وزمن مختلفين...هل لك ان توجز لنا هذا التلخيص؟

تيم: ولد الشيخ أبو عبد اهلل محمد ابن بطوطة في طنجة عام 1304 م وهو ابن لقاض ينتمي إلى المذهب المالكي في الفقه اإلسالمي، اتجه نحو الشرق وعمره 21 عاما، ويبدو أنه كان ينوي

الحج. ازدادت سعة اطالعه وأفقه وهو مسافر إلى الشرق. في عام 1341م أرسله السلطان محمد

بن تغلق سلطان دلهي محمال بهدايا في مهمة إلى إمبراطور الصين لكن ابن بطوطة أضاع هذه الهدايا

في ساحل ما

ليبار، وبدال من المخاطرة بالعودة إلى دلهي أقام في جزر المالديف اإلسالمية وعمل فيها كقاض.

وبعد أكثر من سنة اتخذ طريقه نحو الصين عن طريق سيالن والبنغال وسومطرة. بالتأكيد كان

ابن بطوطة يحاول تطبيق ما جاء في األثر: »اطلبوا العلم ولو في الصي.

مملكة مايل

عاد ابن بطوطة إلى المغرب وإسبانيا عبر دول فتك بها مرض الطاعون ثم قام برحلة إلى منطقة

الصحارى ثم مملكة مالي حيث انتهت رحلته في عام 1353م. وقد قام بقطع مسافات تعادل ما قطعه ماركو بولو قبل عشر سنوات منه، لكنه، أي ابن بطوطة، ال يعتمد في أسفاره على معلومات غير

مؤكدة أو ثانوية. وقد كتب المختصر لرحالته ابن جزي نيابة عن السلطان المغربي في عام 1356،

لقطتان لتيم في المغرب والهند

أغلفة بعض إصدارات الرحالة

144145

وال يعرف أحد تفاصيل أخرى عن حياته بعد ذلك التاريخ إال فيما ندر.

�سالم املغول

كان ابن بطوطة وماركو بولو محظوظين في حياتهما إذ إن كليهما عاشا في الفترة التي عرفت

بـ«سالم المغول« حيث اتخذ الخلفاء الذين جاؤوا بعد جنكيز خان بعد تدميره للشرق اإلسالمي ممثلا في بغداد مبادئ تدعو إلى السالم وذلك

بفتحهم لطرق التجارة، وكانت خبرة ابن بطوطة في الفقه اإلسالمي تساعده في العمل في المناطق

التي دخلت اإلسالم حديثا في ذلك الوقت.كان الرحالة ابن بطوطة مقتنعا بعلو شأن الثقافة

تيم: كانت الخطة األصلية تتبع أسفار ابن بطوطة كلها في مجلد واحد، ولكن سرعان ما تراجعت

هذه الفكرة بعد أن اتضح المدى البعيد الذي وصلت إليه رحالت ابن بطوطة، والتي استغرقت

نحو 29 عاما. والبداية من مسقط رأس الرحالة العظيم في طنجة بالمغرب، ومن هنا جاء عنوان

المجلد األول. وحيث كانت البداية غير مشجعة لتيم عند

زيارته القبر المفترض لبطله العربي، والذي فشل في الشعور باتصال خاص مع ساكنه وشبه القبر

بحمام عام تابع للبلدية، وظل على مدى الصفحات الـ 300 التالية من كتابه، يسعى الهثا وراء شعور مراوغ بانه يصطحب أثر سلفه الرحالة العربي

معه. وجاءت النتيجة على شكل رواية شخصية إلى حد كبير تدور حول محاولة االتصال بالماضي

من خالل األسواق، واألزقة، وأماكن بيع البيتزا المنتشرة في أنحاء القارات األربع، تتخللها لحظات

مما يطلق عليه تيم الدوار المؤقت وهو شعور بالدوار مرتبط بالنظر إلى نقطة بالزمن، بعيدة، ولكن يمكن الوصول إليها بوثبة تأخذ باألنفاس.

ورغم أن كال من رحلتي تيم تبدأ بنقلة تاريخية عظيمة، فقد توجت كالهما بلحظات إنسانية

غريبة. ففي السوق الكبير بطنجة، يبرز رجل رث الثياب من بين الجمهور، ويهمس بغموض قائال أنه

سبق ان شاهد المؤلف عند محطة القطارات، ثم يختفي ثانية وسط الزحام دون أي توضيح. هذه

مفاجآت السفر وتقلباته، وتيم يكتب عنها بحماس شديد.

عبارات وجمل ترغب بوضع خط تحتها أو نقلها لآلخرين بصوت عال، وتصعب قراءتها دون ان ترتسم على شفتيك ابتسامة عريضة كل بضع

صفحات. وبمذاق ممتع يستمر طويال تحت لسانك يصور تيم. بكل دقة مشاعر المسافر وميله الفطري إلى أن يكون دائما خارج السرب إلى حد ما، فعندما

يكون المرء عابر سبيل، يمكنه أن يخطو بعيدا عن نفسه التي بين جنبيه، وبهذا يصبح قادرا

على مالحظة سير الحياة حوله بمزيد من الوضوح والعمق.

على حدود طالبان

وعندما يصل حدود افغانستان يقول تيم: وفي الوقت الذي كان يفترض أن أقوم فيه بذلك، فإن

حركة طالبان كانت ما تزال تحكم أفغانستان، وال

التي ينتمي إليها وهي هنا اإلسالم والمدرسة المالكية، وكان لديه في الوقت نفسه حب

استطالع لمعرفة المدارس األخرى والحضارات األخرى غير اإلسالمية. أقلقته الصين بكفرها

ومدنها الواسعة وتطورها المذهل، كما وجد مالي دولة غير متحضرة تماما، اصبح ابن بطوطة مرنا نوعا ما رغم أنه يبدو من الخارج متعصبا، لكنه

حافظ على دينه وإنسانيته.

نزار قباين

الرحلة سئلت مؤخرا عن معنى وجود اشعار نزار

قباني في وذكره في بعض كتاباتك.. والواقع انني مشوق لمعرفة ذلك ايضا؟

تيم: زرت سوريا مرة قبل سنوات كثيرة ، ودخلت مدينة دمشق، مدينة نزار قباني، ومدينة الياسمين الذي في شعر هذا الشاعر المجيد. وجاءني عاشق تلى علي ابياتا من شعر نزار وطلب مني أن اكتب

رسالة لحبيبته، فسجلت االبيات وحفظتها، ثم كانت لي رحلة مع شعره.

اخلطة الوىل

الرحلة كيف تورطت بابن بطوطة، وما هو المخطط

األولي الذي حملك على الخوض في رحلة تشبه الحرب مرة مع المعلوم ومرة مع المجهول لم تضع أوزارها حتى اليوم... وقد مضى على الشروع بها

اكثر من عقدين؟

ما يفترض أنه ضريح ابن بطوطة في قصبة طنجة بالمغرب

146147

أعتقد أنهم كانوا سيرحبون بغرباء يستكشفون . الجغرافيا التاريخية لبالدهم.

ورغم هذه المعوقات - أو بفضلها - يرسم تيم، ببطء وبقلم خفيف صورة للمغامر غريب األطوار الذي سبقه بنحو سبعة قرون. وبعيدا عن كتاب ابن بطوطة الموسوعي والذي يتحف، فيه القارئ بحكايات عن رحلته شملت وصفا مسهبا للهدايا التي أنعم بها عليه الملوك والخانات والمهراجات الذين مر بهم، فإن اإلشارات إلى السيرة الذاتية البن بطوطة نفسه تظل هزيلة إلى حد بعيد في

كتابه. فكل ما نعرفه عنه أنه ترك موطنه طنجة حوالي عام 1325 وهو في سن 21 ألداء فريضة الحج إلى مكة، وعاد بعد أن قضى نصف حياته مسافرا،

قطع خاللها نحو 120 ألف كيلومتر.

وإلى جانب ماركو بولو، والذي قطع نحو ثلث هذه المسافة فقط، يعد ابن بطوطة كاتب األسفار

النموذجي في العالم، حيث غطى كل العالم اإلسالمي وما حوله، من تمبكتو إلى بكين، واجتاز عددا ال يحصى من الممالك واإلمارات والمشيخات. ومع

عودته إلى المغرب، جمع الكثير من النوادر الكفيلة بأن تجعل المستمعين في حالة ذهول. وأمره حاكم

فاس أن يضع قصصه في رحالت « كتاب، فكانت النتيجة كتاب ابن بطوطة.

�سخ�سية م�ساك�سة

يقول تيم: لقد كان ابن بطوطة شخصية مشاكسة ، ومفعمة بالحيوية صغيرا، ويشبه إلى حد ما

كلب صيد نشيط. كانت لديه الكثير من الرغبات،

ولكنه كان دائما، بالطبع، ملتزما بخط الشريعة اإلسالمية. ينتهي المجلد األول في القسطنطينية، حيث اقتيد ابن بطوطة، في قصر بالكرنه، محاطا

بالفسيفساء البراقة ورجال الحاشية الصامتين، إلى حضرة اإلمبراطور أندرونيكوس الثالث نفسه،

وريث القياصرة. وبعدما وقف أمام الرجل ذي الحذاء البنفسجي، حدثه ابن بطوطة عن أسفاره،

وطلب بتواضع دليال ومترجما يجوالن به بين األماكن المهمة في االمبراطورية البيزنطية. تأثر

اإلمبراطور بحديثه وطيب خاطره، وأرسله مكرما على صهوة حصان مكسو مزين، تحفه مظلة تقيه

حر الشمس، برفقة مترجم محترف. كان ابن بطوطة بارعا في انتزاع إعجاب الحكام والناس

ووصف األجواء من حوله. غير أن تيم، وفي المكان ذاته باسطنبول اليوم،

مني بخيبة أمل. فقد وجد القصر المتداعي مسودا تغطيه بقرب ملعب، خيوط العنكبوت لكرة القدم ومكب نفايات ترعى فيه وليس سوى بضعة

لوحات. الماعز مهملة ملقاة على األرض في الساحة المهجورة تشير إلى األهمية التي كان عليها المكان.في المجلد الثاني، نقرأ ثانية كيف قدم ابن بطوطة على حكام الهند، حيث ظل يتلقى الهدايا الثمينة

والجواري الحسان أينما حل. كما مر بمرحلة صوفية، كما يسميها تيم حيث عاش الرحالة

كناسك بين مجموعة من النساك بعد أن فشل في نيل رضا السلطان المحلي. ودعاه نفس هذا

السلطان في النهاية من المنفى، وقادته مباهج حياة البالط السلطاني مرة أخرى بعيدا عن حياة التأمل

الروحي التي عاش فيها.

بني املادة والروح

كان ابن بطوطة مسلما يسعى لاللتزام بأحكام دينه، لكنه اتسم ببعض التناقض في شخصيته، حيث لم

يستطع حسم أمره بين المادة والروح. يقول تيم:لقد أراد ابن بطوطة الحصول سميث على الوظائف الجيدة، والرواتب العالية، وغير هذا، ولكنه كان

متيما أيضا بالنساك والعباد واألماكن المقدسة. وفي لحظات نادرة، شعرت كما لو أنني كنت أقف

جنبا إلى جنب مع هذا الرحالة األسطوري »الحاضر الخالد« الحاالت، واللحظة األهم في رحالته،

جاءته في الهند، قرب مدينة دار، التي تعرف اآلن بماديا براديش. فهناك، شهد ابن بطوطة طقوس

مرعبة إلحراق أحياء، كانت فيها الزوجات األرامل يلقين أنفسهن فوق محارق جثث أزواجهن في

الجنازات. ووصف ابن بطوطة تلك الطقوس بتفصيل رهيب، ولم ينس تسجيل كلمات زوجة قبل أن

تلقي بنفسها إلى التهلكة. وقد عثرت على الموقع ووجدت أن المكان لم يتغير قيد أنملة عما كان

عليه قبل 660 عاما فما تزال األشجار ذاتها تعلو في

مازلت �جد �ل�صري بحثا ورحلتي مع �بن بطوطة �صتطول

خارطة لرحلةابن بطوطة

مأخوذة من أحد مؤلفات تيم

الرحلة دي�شمرب 1482010149

األفق الفسيح، وبعضها أقدم من ابن بطوطة نفسه، وما يزال يقف هناك حجر مسود متفحم، كما لو

كانت نيران المحارق قد انطفأت لتوها. لقد وقف شعر رأسي من الرهبة، كما شعر ابن بطوطة تماما قبل قرون مضت. وهو اإلحساس

بالرعب نفسه الذي انتاب ابن بطوطة أمام هذا المنظر المخيف، بل إني أستطيع سماع األصوات

نفسها تتردد في المكان.إنها مثل هذه اللحظات غير المتوقعة التي تجعل كل

رحلة جديرة بتحمل العناء ألجلها، حتى بالنسبة ألولئك األكثر ولعا بالكتب أو المتنسكين الذين

يفضلون المكوث في بيوتهم. فهل شعر ابن بطوطة بهذا الوجود الذي يكاد يخدر العمود الفقري، أيضا؟ يتذكر تيم قول الفيلسوف ديكارت، الذي قال ذات

مرة إن قراءة الكتب العظيمة أشبه بمحادثة النبالء. لقد كان صوت ابن بطوطة .» من القرون الماضية

ابن بطوطة، وهو يتردد عبر القرون الخوالي كلها واضحا كصوت الرنين، كفيال بإنجاح هذا المشروع.

جديد الرحلة

بعد رحلة مع ابن بطوطة استمرت أكثر من عشرين عاما، أختم بالسؤال. تيم، ما هو مشروعك

المقبل، هل بقي شيء تعمله مع ابن بطوطة؟بقي الكثير، فأنا اآلن بصدد البحث عن الحياة

المجهولة البن بطوطة، سواء عن طريق الكتب أو السفر للبحث عن أي ما يخص هذا الرحالة

العظيم، أو عن طريق ما يسمع ويتناقل عنه، وكل ذلك يأتي بهدف إثبات شخصية السيد شمس الدين الطنجي، وأن ما وصلنا عنه ليس من قبيل الخرافة أو األكذوبة بل انه واقع وقع ذات يوم، وها انا اجد السير بحثا عنه لكشف جوانبه المجهولة، وتمام معرفتي به، إنها محاولة... فلنر ما ستسفر عنه.

ي�صور ماكنتو�ض بكل دقة م�صاعر �مل�صافر وميله �لفطري �إىل �أن يكون د�ئما خارج �ل�شب

لوحة من أعمال الفنان والرحالة االسكتلندي ديفد روبيرتس

www.almasalik.com

www.almasalik.com

امل�سالك موقع على الإنرتنت

يهدف هذا املوقع اإىل اإعادة اكت�شاف ح�شارة املكانوحا�شره

وما ات�شل به من اأحداث ووقائع، وحكايات و�شخ�شيات، و�شلوك

وفكر ، من خالل املزج بني الو�شائط املتعددة واخلرائط احلية

)املرتبطة مبوقع غرغل(، لإحداث عملية تفاعل متبادل بني

املكان وبني الفنون والآداب والعلوم واملعارف.

الرحلة دي�شمرب 1502010

خروف ينطح اأ�شداواأ�شد يفر اأمام كلب

كان بمدينة دمشق جرو أسد قد رباه سباع معه، حتى كبر وصار

يطلب الخيل، وتأذى الناس به. فقيل لألمير معين الدين رحمه اهلل وأنا عنده: »هذا السبع قد آذى الناس، والخيل تنفر منه، وهو في الطريق«. وكان على

مصطبة، بالقرب من دار معين الدين, في النهار والليل، فقال:

»قولوا للسباع يجيء به«. فقال للخوان سالر )أي مدير المطلخ بالفارسية(: »أخرج من ذبائح

المطبخ خروفا، اتركه في قاعة الدار، حتى نبصر كيف يكسره

السبع«. فأخرج خروفا إلى قاعة الدار. ودخل السباع ومعه

السبع. فساعة رآه الخروف، وقد أرسله السباع من السلسلة التي

في رقبته، حمل عليه فنطحه! فانهزم السبع يدور حول البركة، والخروف خلفه يطرده وينطحه!

ونحن قد غلبنا الضحك عليه. فقال األمير معين الدين رحمه

اهلل: »ذا سبع منحوس! أخرجوه اذبحوه، واسلخوه. وهاتوا جلده«.

فذبحوه وسلخوه، وأعتق ذلك الخروف من الذبح.

من عجيب أمور السباع: أن أسدا ظهر عندنا في أرض شيزر.

فخرجنا إليه، ومعنا رجالة من أهل شيزر، فيهم غالم للمتعبد الذي كان يطيعه أهل الجبل،

ويكاد أن يعبد. ومع ذلك الغالم كلب له، فأخذ ذلك الغالم وبرك

عليه. فوثب الكلب على ظهر األسد، فنفر عن الرجل وعاد إلى

األجمة! وخرج الرجل إلى بين يدي والدي رحمه اهلل يضحك.

وقال: »يا موالي! وحياتك، ما

جرحني وال آذاني!«، وقتلوا األسد. ودخل الرجل فمات في تلك الليلة

من غير جرح أصابه! إال انقطع قلبه، فكنت أعجب من إقدام ذلك الكلب على األسد، وكل الحيوان

ينفر من األسد ويتجنبه.

"كتاب االعتبار" أسامة بن منقذ 584هـ /-1095 1188متحقيق وتقديم د. عبد الكريم األشتر

املاأمون قتلته �شمكة

بعد أن فتح المأمون أربعة عشر حصنا وانصرف من غزاته فنزل

عين البذندون المعروفة بالقشيرة وأقام هناك حتى ترجع رسله من الحصون، فوقف على العين ومنبع

الماء فأعجبه برد مائها وصفاءه وحسن بياضه وطيب الموضع

وكثرة الخضرة، فأمر بقطع خشب طوال فبسطت على العين كالجسر وجلس عليه والماء تحته، وطرح

في الماء درهما فقرأ كتابته وهو في قرار الماء لصفائه، ولم يقدر أحد يدخل الماء من شدة برده، فبينما

هو كذلك إذ الحت سمكة نحو الذراع كأنها سبيكة فضة، فأمر من

أخرجها. فلما صارت على حرف العين أو على الخشب اضطربت

وانملست من يد الفراش فوقعت في

الماء كالحجر، فنضحت الماء على صدر المأمون ونحره وترقوته،

فبلت ثوبه. ثم أخذها الفراش ثانية فوضعها بين يدي المأمون في منديل

تضطرب. فقال المأمون: - تقلى الساعة.

ثم أخذته رعدة من ساعته لم يقدر يتحرك من مكانه، فغطي باللحف والدواويج وهو يرعد

كالسعفة ويصيح: - البرد.. البرد..

ثم حول إلى المضرب ودثر وأوقدت النيران حوله وهو، يصيح:

- البرد. ثم أتي بالسمكة وقد فرغ من قليها فلم يقدر على ذوقها، وشغله ما هو

فيه عن تناول شيء منها. ولما اشتد األمر عليه سأل المعتصم بختيشوع وابن ماسويه عنه وهو في سكرات

الموت: ما الذي يدل عليه علم الطب من أمره وهل يمكن برؤه؟

فتقدم ابن ماسويه فأخذ إحدى يديه وبختيشوع األخرى، وأخذا

المجسة من كلتا يديه فوجدا نبضه خارجا عن االعتدال منذرا بالفناء، والتزقت أيديهما ببشرته لعرق كان يظهر في سائر جسده كالرب أو كلعاب األفاعي، فأنكرا

معرفة العرق، وذكرا أنهما لم يجداه في شيء من الكتب، وأنه دال على

انحالل الجسد. وأفاق المأمون من غشيته وفتح

عينيه، وأمر بإحضار ناس من الروم فسألهم عن اسم الموضع، فأحضر له

عدة من األسرى واألدالء فقيل لهم: - ما تفسير هذا االسم وهو

القشيرة؟ فقالوا:

- تفسيره مد رجليك. فلما سمعها المأمون اضطرب من

هذا الفأل وتطير به، فقال: - سلوهم ما اسم هذا الموضع

بالعربية؟ فقالوا:

- الرقة. وكان فيما عمل من مولد المأمون،

أنه يموت بالموضع المعروف بالرقة، فكان يحيد عن المقام

بمدينة الرقة خوفا من الموت. فلما سمع هذا من الروم علم أنه الموضع

الذي وعد فيه فيما تقدم من مولده، وأن فيه وفاته. والبذندون

تفسيره مد رجليك. فلما ثقل المأمون، قال:

- أخرجوني أشرف على عسكري وأنظر إلى رجالي وأتبين ملكي.

وذلك بالليل. وأخرج فأشرف على الخيم والجيش وانتشاره وكثرته

وما قد أوقد من النيران، فقال: - يا من ال يزول ملكه ارحم من

قد زال ملكه. ثم رد إلى مرقده، وأجلس المعتصم رجلا يلقنه الشهادة، لما أثقل فرفع الرجل بها صوته ليقولها المأمون،

فقال ابن ماسويه: - ال تصح، فواهلل ما يفرق اآلن بين

ربه وبين ماني! ففتح المأمون عينيه وبها من العظم والتورم واالحمرار ما لم ير مثله

قط، وأقبل يحاول البطش بابن ماسويه، ورام مخاطبته فعجز عن ذلك، فرمى بطرفه نحو السماء وقد امتألت عيناه دموعا، وانطلق لسانه

من ساعته فقال: - يا من ال يموت ارحم من يموت.

وقضى من ساعته، وذلك لثالث عشرة ليلة بقيت من رجب سنة ثمان عشرة ومائتين، وحمل إلى

طرسوس فدفن بها.

من "الروض المعطار في خبر االقطار" للحميري المتوفي سنة 800 هـ

غرقا وهما متعانقانعلى �شرير يف تايتانيك

ولما قررت السفر إلى الجهات )األمريكية(، اتفقت مع كوك وقررت السفر على الباخرة

)كرون برنسيس سيسيل( في أول مايو، أي قبل دخول فصل الحر الشديد بأمريكا. وهذه

الباخرة تابعة لشركة )النورد تشر لويد( األلمانية. ولما وصلت إلى باريس أخذت أعد العدة لهذا

السفر، وكنت أتردد على محل كوك ألقرر خطة السياحة النهائية. وقد

ساعدني الحظ ووفقت لعمل برنامج السياحة بمساعدة المستر بروكر،

أحد رؤساء محل كوك الذي رأيت فيه الكفاءة العظيمة، فلم نترك أعجوبة أو منظرا جميال يستحق الزيارة في الدنيا الجديدة إال وقررناه في خطة سياحتنا التي تستغرق ثالثة شهور. وبينما كنا نعلل النفس بقرب السفر

وننتظر بفارغ صبر يوم قيامنا برحلتنا الجميلة، حدثت فاجعة غرق أكبر

باخرة في العالم، )في 14 فبراير/ شباط 1912( وهي التي تسمى »تيتانيك« التابعة لشركة »ويت ستار الين«

أثناء سفرها ألول مرة من إنجلترا إلى أمريكا، وكانت حمولتها »46000«

طن وسرعتها 21 عقدة. وسبب غرقها مصادمتها، في الساعة الثانية عشرة مساء، بجبل من الجليد »آيس برج«

عائم على وجه الماء. وقد فصلت الجرائد األوربية كيف كانت المصادمة وحصول الغرق تفصيال مسهبا، ال داعي إلعادته اآلن في رحلتنا. إال أننا نقتصر

من ذلك على ذكر ما رأيناه مهما، ويستحق المدح واإلعجاب. إن عدد

الركاب الذين كانوا في التيتانيك ال يقل عن 2500 شخص، كان من المستحيل

نجاتهم جميعا بواسطة الستة عشر زورقا )من زوارق النجاة( التي كانت بها. ولذا ابتدئ بإنقاذ النساء واألطفال أوال، ثم نزل بعض الرجال في المحال

الباقية من هذه الزوارق. وكان من بين الراكبين في الباخرة الكولونيل

»أستور« ياور المستر »تافت« رئيس الجمهورية السابق، وهو من أصحاب الثروة التي تقدر بمبلغ 750 مليون

فرنك، وكان قد تزوج في إنجلترا بممثلة اشتهرت بجمالها الرائع، وكان عائدا بعد أن قضيا »شهر العسل« في مصر في فصل الشتاء الماضي احتفاال باليوبيل الذهبي لزواجهما، فبدل أن

يسرع إلى النجاة بنفسه أظهر شهامة

Wonderlandغرائب الأم�شار

152153

ومروءة وصار يساعد السيدات واألطفال على النجاة وفضلهم على

نفسه. والذي أثر في نفسي كثيرا منتهى اإلخالص والصداقة التي أظهرتها السيدة »ستورس« لزوجها الذي كان معها في هذه الباخرة، وهو

المشهور بثروته التي ال تقل عن 250 مليون فرنك، فإنها لما دعيت لمفارقة الباخرة كغيرها

من السيدات أبت نفسها الشريفة أن تفارق زوجها، وأجابت الربان

الذي كان يدعوها إلى النجاة بنفسها قائلة: إن الخمسين سنة التي

أمضيتها مع زوجي المحبوب بين السعادة والشقاء ال تسمح لي اليوم

بأن أفارقه في وقت الشدة، فأنا أفضل الموت معه على أن أعيش لحظة واحدة بعده، فمات االثنان

المسنان متعانقين بعد قبلة الوداع األخير. وأضافت السيدة ستورس

إلى صحيفة اإلخالص أكمل مثال له يستحق أن يدون بالذهب وينشر

في العالم، ليكون عبرة ومثال لمحبي المروءة والشهامة واإلخالص.

إن هذا الضرب من اإلخالص قلما يوجد له مثال بين الرجال والنساء.

وهل لنا أن نؤمل، بعد أن أبدت هذه السيدة أمام العالم أجمع هذا المثال لإلخالص الكامل، أن هذه

الروح الطاهرة ستسري بين النفوس في أكثر األسرات حتى تقوي صالت المحبة بين أفرادها، وبذلك تسود

األلفة بين أبناء البشر؟ أما أسباب الغرق فهي االعتقاد بأن هذه الباخرة الكبيرة متينة جدا وال سبيل إلى أن تغرق، ولذا أمر ربانها بأن يسرع في السير بآخر قوة باخرته حتى يقطع المسافة بين إنجلترا وأمريكا في مدة أقل

مما تقطعها باقي بواخر العالم فتأخذ التيتانيك الشهرة وتفوز بالسبق.

ولكن، يا لألسف، خاب الظن وكانت العاقبة وباال. لقد أسرعت

السفينة، ولكن ماذا كانت العاقبة؟ تصادمت بذلك الجبل الهائل ولشدة

سرعتها لم يمكن تحويل سيرها وإيقافها دفعة واحدة، فذهبت هباء

منثورا. إن هذه الحادثة أخذت دورا هائال

في باريس، حتى كنا من الصباح إلى المساء ال نسمع إال أخبار

غرق التيتانيك. إن حصول مثل هذه الفاجعة لمما يثني الهمم عن

السياحات. فكم من صديق كان ينصحنا بالرجوع عن عزمنا، ولكن

هلل الحمد، أنا ورفيقاي مسلمون مخلصون هلل ولدينه الحنيف،

نعتقد أن لكل أجل كتابا، فيقيننا باهلل زادنا توكال عليه، فلم ننثن

عن عزمنا. وكنت كلما سئلت: هل أنت مسافر؟ قلت نعم.

- أفلست خائفا؟ - ال. إن اهلل قادر أن يحميني من

األذى، وهو الحي الذي ال يموت.إني ال أريد أن أخفي عليك، أيها

القارئ، مقدار ما كان من تأثري من سماع كل هذه األخبار المزعجة

التي ال تطمئن القلوب لها. نعم، إني كنت أشعر بسرور ألني سأرى

أشياء جديدة لم أرها أثناء سياحاتي

الماضية، إال أني في الحقيقة كنت أشعر بأن هذا السرور يكون عندي

أعظم، بعد أن أتمم هذه الرحلة وأعود سالما إلى بالدي العزيزة. ولما لم يبق

لنا سوى 24 ساعة على ميعاد السفر، ذهبت إلى كوك وتسلمت جواز

السفر ووقعت على حسابي عندهم، وأخذت منه دفتر شيكات ألخذ

ما يلزمني من النقود بأمريكا. وقد أخبرت بأن الشركة اعتنت بي كثيرا،

وأعدت لي أحسن محل بالباخرة »رون برنسيس سيسيل«. وقد

أخبرني أيضا محل كوك إنه سيمر على محل سكننا اليوم »30 أبريل

سنة 1912« الساعة 8 ونصف مساء من هو مكلف بأخذ أمتعتنا الثقيلة

إلرسالها مباشرة إلى الباخرة حتى ال نتعب، وقد حصل ذلك. وبما أننا غدا

صباحا سنقوم الساعة 9 والدقيقة 50 من محطة »سان الزار« ويلزمنا أن نكون مبكرين إلى المحطة، فضلنا أن نبادر إلى النوم حتى يكون لنا من

الراحة ما يساعدنا على تحمل مشاق السفر، إن شاء اهلل تعالى.

األمير محمد علي باشا الرحلة األميركية - 1912

مو�سوعة رحالت احلج

مائة رحلة اإىل مكة واملدينة وبيت املقد�س

الرحلة دي�شمرب 1542010

م�شطلحات

خريطة:Carte, Carta, Cart, Mapعلم الخرائط وفن رسمها:

Cartographie, Cartographyالكارتوغرافيا: هي مجموعة الدراسات

والتجارب العلمية والفنية والتقنية المستخلصة من مشاهدات الرحالة

والبلدانيين ومالحظاتهم المباشرة واالستفادة من مدوناتهم من أجل إعداد

الخرائط والمصورات والتصاميم، وكيفية استعمالها كذلك.

الخرائط البحرية:Cartes marines

األرصاد الجويةMétéorologie, meterology

رسم الخرائط والبيانات الجوية: Meteorographics

علم الظواهر الجوية ودراسة األنواء:Météorologie meteorology

الدسار )ج دسر( : مسمار أو خيط من ليف تشد به ألواح

السفينة.

قل : الد)الصاري الرئيسي( وهو العمود الخشبي

الذي يمد عليها الشراع.وف )جمع أطواف(: الط

ما يعوم على وجه الماء، وهي قطع من خشب أو قرب ينفخ فيها ويشد بعضها إلى بعض فتصير كهيئة سطح لركوب

الماء أو حمل األمتعة.

اأعالم

ابن حوقل :)توفي سنة 977م( محمد بن حوقل

البغدادي الموصلي، أبو القاسم: رحالة،

من علماء البلدان. كان تاجرا. رحل من بغداد سنة 331هـ،

ودخل المغرب وصقلية، وجاب بالد األندلس وغيرها. ويقال: كان

عينا للفاطميين. وله "المسالك والممالك".

البيرونيبدأ القرن الحادي عشر مشرقا بالنسبة للعلم العربي؛ ففي عام )390هـ: 1000( أتم تأليف كتابه المشهور "اآلثار الباقية" عالمة

شاب هو البيروني، وهو كتاب ال مثيل له في جميع آداب الشرق. وفي خالل نصف قرن تقريبا من

هذا التاريخ لم يتوقف البيروني عن تزويد مختلف فروع العلم

بمؤلفاته العديدة التي يمكن القول بأنها بلغت ذروتها بكتابه عن الهند المسمى "تحقيق ما للهند...."، ذلك

الكتاب الذي وصفه روزن منذ أكثر من خمسين عاما بأنه "أثر

فريد في بابه ال مثيل له في األدب العلمي القديم أو الوسيط سواء في

الغرب أو الشرق". ولد البيروني في الثاني من ذي

الحجة عام )362هـ: 4 سبتمبر 973( بضاحية من ضواحي خوارزم،

ومنها أخذ نسبته البيروني التي تنطق في العربية بكسر الباء،

وكنيته أبو الريحان غير واضحة بدورها، كما وأن نسبه مجهول تماما. أما اسمه محمد بن أحمد

فال يفاد منه شيء البتة، بل جرت العادة على استعمال هذه األسماء

عندما تكون األسماء الحقيقية غير معروفة. توفي البيروني بغزنة

في الثالث من رجب عام )444هـ الموافق 13 ديسمبر 1048(.

أطلق علماء الغرب على القرن الحادي عشر اسم عصر البيروني ألنه أكبر شخصية علمية عاشت

في ذلك الوقت.

مدينة

: مدينة مشهورة من أمهات البالد ي الروأعالم المدن، كثيرة الفواكه والخيرات،

وهي محط الحاج على طريق السابلة وقصبة بالد الجبال، بينها وبين نيسابور مائة وستون فرسخا، وإلى قزوين سبعة وعشرون فرسخا، ومن قزوين إلى أبهر

اثنا عشر فرسخا، وإلى زنجان خمسة عثر فرسخا.

ي بلد بناه فيروز بن قال العمراني: الري يزدجرد وسماه رام فيروز، ثم ذكر الر

المشهورة بعدها وجعلهما بلدتين، وال ي المشهورة فإني أعرف األخرى، فأما الر

رأيتها، وهي مدينة عجيبة الحسن مبنية باآلجر المنمق الملمع بالزرقة، وإلى جانبها

جبل مشرف عليها أقرع ال ينبت فيه شيء. وكانت مدينة عظيمة خرب أكثرها، واتفق أنني اجتزت في خرابها في سنة 617هـ وأنا

منهزم من التتر، فرأيت حيطان خرابها قائمة ومنابرها باقية وتزاويق الحيطان بحالها

لقرب عهدها بالخراب، إال أنها خاوية على عروشها.

ووصفها اإلصطخري بأنها كانت أكبر من ي مدينة ليس بعد أصبهان. وقال: والر

بغداد في المشرق أعمر منها. وهي مدينة مقدارها فرسخ ونصف في مثله، والغالب ي قرى على بنائها الخشب والطين. وللر

د منها كبار كل واحدة أكبر من مدينة وعدقوهذ والسد ومرجبى وغير ذلك من القرى التي بلغني أنها تخرج من أهلها ما يزيد على

عشرة آالف رجل. قال جعفر بن محمد الرازي: لما قدم المهدي

ي ي في خالفة المنصور بنى مدينة الر الرالتي بها الناس اليوم وجعل حولها خندقا

وبنى فيها مسجدا جامعا وجرى ذلك على يد عمار بن أبي الخصيب وكتب اسمه

على حائطها وتم عملها سنة 158هـ وجعل لها فصيلا يطيف به فارقين آجر، والفارقين

الخندق وسماها المحمدية. فأهل الري يدعون المدينة الداخلة المدينة، ويسمون

الفصيل المدينة الخارجة، والحصن المعروف بالزينبدى في داخل المدينة

المعروفة بالمحمدية.

Abeigmentاإيجاز

156

أما كيفية إرضاعه وتغذيته، فيجب أن يرضع ما أمكن بلبن أمه، فإنه أشبه األغذية بجوهر ما سلف من غذائه، وهو في الرحم أعني طمث أمه، فإنه بعينه

هو المستحيل لبنا، وهو أقبل لذلك وآلف له حتى إنه قد صح بالتجربة أن إلقامه حلمة أمه عظيم النفع جدا في دفع ما يؤذيه. ويجب أن يكتفى

بإرضاعه في اليوم مرتين أو ثالثا، وال يبدأ في أول األمر في إرضاعه بإرضاع كثير، على أنه يستحب أن تكون من ترضعه في أول األمر غير أمه حتى يعتدل مزاج أمه. واألجود أن يلعق عسلا ثم يرضع. ويجب أن يحلب من

اللبن الذي يرضع منه الصبي في أول النهار حلبتان أو ثالث ثم يلقم الحلمة، وخصوصا إذا كان باللبن عيب. واألولى باللبن الرديء والحريف أن ال ترضعها

المرضعة وهي على الريق، ومع ذلك فإنه من الواجب أن يلزم الطفل شيئين نافعين أيضا لتقوية مزاجه، أحدهما: التحريك اللطيف، واآلخر: الموسيقى

والتلحين الذي جرت به العادة لتنويم األطفال. وبمقدار قبوله لذلك يوقف على تهيئته للرياضة، والموسيقى: أحدهما ببدنه واآلخر بنفسه، فإن منع عن إرضاعه

لبن والدته مانع من ضعف وفساد لبنها أو ميله إلى الرقة، فينبغي أن يختار له مرضعة على الشرائط التي نصفها، بعضها في سنها، وبعضها في سحنتها، وبعضها في أخالقها، وبعضها في هيئة ثديها، وبعضها في كيفية لبنها، وبعضها في مقدار

مدة ما بينها وبين وضعها، وبعضها من جنس مولودها. وإذا أصبت شرائطها فيجب أن يجاد غذاؤها فيجعل من الحنطة والخندريس ولحوم الخرفان والجداء والسمك الذي ليس بعفن اللحم وال صلبه. والخس غذاء

محمود، واللوز أيضا والبندق. وشر البقول لها الجرجير والخردل والباذروج فإنه يفسد اللبن، وفي النعناع قوة من ذلك.

وأما شرائط المرضع فسنذكرها: ونبدأ بشريطة سنها فنقول: إن األحسن أن يكون ما بين خمس وعشرين سنة إلى خمس وثالثين سنة، فإن هذا هو سن الشباب وسن الصحة والكمال. وأما في شريطة سحنتها وتركيبها، فيجب أن تكون حسنة اللون، قوية العنق والصدر واسعته، عضالنية صلبة اللحم، متوسطة

في السمن والهزال لحمانية ال شحمانية. وأما في أخالقها فأن تكون حسنة األخالق محمودتها بطيئة عن االنفعاالت النفسانية الرديئة من الغضب والغم والجبن وغير ذلك، فإن جميع ذلك يفسد المزاج وربما

أعدى بالرضاع ولهذا نهى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عن استظئار المجنونة، على أن سوء خلقها أيضا مما يسلك بها سوء العناية بتعهد الصبي وإقالل مداراته. وأما في هيئة ثديها، فأن يكون ثديها مكتنزا

عظيما، وليس مع عظمه بمسترخ، وال ينبغي أيضا أن يكون فاحش العظم، ويجب أن يكون معتدلا في الصالبة واللين. وأما في كيفية لبنها، فأن يكون قوامه معتدلا، ومقداره معتدلا، ولونه إلى البياض، ال كمد

وال أخضر وال أصفر وال أحمر، ورائحته طيبة ال ونة فيها وال عفونة. وطعمه إلى الحالوة ال مرارة فيه وال ملوحة وال حموضة، وإلى الكثرة ما هو وأجزاؤه متشابهة، فحينئذ ال يكون رقيقا سيالا وال غليظا جدا

جبنيا، وال مختلف األجزاء، وال كثير الرغوة، وقد يجرب قوامه بالتقطير على الظفر فإن سال فهو رقيق، وإن وقف عن اإلسالة من الظفر فهو ثخين. ويجرب أيضا في زجاجة بأن يلقي عليه شيء من المر ويحرك

باألصبع فيعرف مقدار جبنيته ومائيته، فإن اللبن المحمود هو المتعادل الجبنية والمائية، فإن اضطر إلى من لبنها ليس بهذه الصفة دبر فيه، من وجه السقي، ومن عالج المرضعة. أما من وجه السقي فما كان من األلبان غليظا كريه الرائحة، فاألصوب أن يسقى بعد حلب ويعرض للهواء، وما كان شديد الحرارة،

فاألصوب أن ال يسقى على الريق البتة.

كتاب القانون - ابن �شينا

اإر�شـاع املـولود

A page from�شفحة من

158

بسم اهلل الرحمن الرحيموال حول وال قوة إال باهلل العلي العيم

من عبد اهلل تعالى اإلمام المظفر باهلل، أمير المؤمنين، المجاهد في سبيل رب العالمين، الشريف الحسني أيده اهلل ونصره آمين.

)الطابع السلطاني بداخله()إسماعيل بن الشريف الحسني أيده اهلل()وبدائرته اليمن واإلقبال، وبلوغ األمال(

إلى عظيم الروم بفرانصيص، لويس الرابع عشر من هذا االسم. السالم على من اتبع الهدى، وباعد طريق ألغي والردى.

هذه الر�سالة ذات قيمة ا�ستثنائية لكونها تك�سف عن طبيعة العالقة

التي قامت بني املغرب وفرن�سا يف القرن ال�سابع ع�رش يف ظل وجود

�سلطان مغربي قوي يف احلكم، هو مولي اإ�سماعيل اإىل متيز عهده بالقوة يف

العالقة مع اأوروبا، وبالبط�س يف عالقته بخ�سومه الداخليني. لقد هز هذا

ال�سلطان قب�سته لإ�سبانيا عندما خا�س جي�سه عدة معارك ناجحة مع

جي�سها وكذلك متيزت دبلوما�سيته مع فرن�سا بال�سدة وال�سالبة.

من �ل�صلطان مولي �إ�صماعيل �إىل لوي�ض �لر�بع ع�ش

لي�ض عندك قول �شحيح ول كالم رجيح

Letterر�شالة

أما بعد، فأعلم أن الذي ظهر لنا أنك ليس عندك قول صحيح، وال كالم رجيح، وال أظنك إال غلب

عليك أهل ديوانك، وصاروا يلعبون بك كيف شاءوا، وال بقي لك معهم ضرب وال لقب، ودليل ذلك أننا ما زلنا ما قبضنا منك صحة قول وال أبرمت معنا شئيا، ففال منك الذين ليس لهم رئيس وما عندهم

إال الديوان، تكلموا معنا كلمة معنا كلمة وقبضناها عليك وثبتوا فيها ووفوا بها، واالنجليز تكلموا معنا كلمة وقبضناها عليهم وثبتوا فيها ووفوا بها، فحين ذهب خديمنا لبالدهم لما أن طلبوا منا ذلك فرحوا به وأكرموه وبروا به، وأتى من عندهم بعشر مئة مكحلة وستة عشر مئة قنطار من البارود ومئة

وسبعة من المسلمين أطلقوهم من األسر لوجوهنا، وعملوا من الخير ما عملوا مراعاة لنا، وثبتوا في قولهم، ووفوا بكالمهم، وأنت ال زال لم يصح منك

قول وال وفاء، وأوالئك الذين كانوا قدموا إليك من هذه البالدج ليس هم من خدامنا وال من أصحابنا وال ممن له معرفة معنا، فالحاج علي معنينو حيث أسر له ولده الذ بالبعض من خدامنا واستحرم به، وقدم

إليكم على شأن أوالئك المسلمين، وجاز على دار السباع ودار النعام، وأتى إليكم بما أتى وال شعرنا

به وال عرفناه كم أخذ، وقلفنا إنه إن وصلكم وال بد تعملون له غرضه في أوالئك المسلمين

وتسرحونهم، فإذا به هو تحيل على ولده إلى أن جاء به، وأنتم ما عملتهم صوابا في غيره، وال صدر

منكم ما تراعون ألجله.ثم بعد ذلك قدم لعلي مقامنا صاحبكم انبسدور

وأتانا بشيء من الخرق مع فالصو الحرير، وهل نحن ممن يعجبه ذلك ويسره؟ فنحن معشر العرب ال نعرف إال الصحيح، وال يسرنا إال مخا فيه مصلحة المسلمين كلهم، ومع ذلك أعطينا لصاحبك عشرين

نصرانيا سيفظناه بها، وظننا أنك وال بد تراعي الخير وتبعث لنا ولو عشرين مسلما تجبر بها

خواطرنا، وتكون هي الطريق للكالم الذي تريده منا، فإذا بك ما عملت شئيا من هذا، وال جازيت

بإحسان.وثانيا قبضنا لك سفينة قبل أن يقع الكالم بيننا وبينك بثالثة أيام أو أربعة على التحقيق، وهي موسوقة بالسكر وتبغة وثقفناها نحوا من ثالث

سنين بقصدك، وال تركنا أحدا يمد يده فيها، وقلنا إنك تراعي خيرنا، وتعمل ألولئك المسلمين طريقا وتسرحهم، وإن كان ليس فيهم من هو خديمنا وال

من هو محسوب من جيشنا وال من هو معرفتنا، فما هو إال ممن ال خالق له، وال يركب البحر عندنا

إال أهل التمرييل ولو أطلقتهم وإن كانوا ليسوا بشيء فتكون عملت الخير بذلك، وتقول إنك

عملت مسألة تراعي عليها.وأعظم من ذلك كله هو أن رئيسا من بالدنا اسمه التاج كان أعطاه صاحبك الذي أتانا خط يده، على أن يشتري سفينة من الجزائر يسافر بها قرصان

وما عليه فيمن لقيه من فرانصيص، فلما أن اشتراها وسافر بها وغنم قطارمة موسوقة بالرخام

والريال مع ما فيها من الحرير وغيره وبعثنا مع أصحابه ستة وعشرين مسلما، وتعرضوا لها

سفنكم وأخذوها وثقفتها أنت أياما ثم بعد ذلك مزقتها، والمسلمون الذين كانوا معها خدمتهم في الغراب فلما ذا لم تردها أو تثقفها ثالث سنين كما ثقفنا نحن سفينتكم؟ وهل هذه هي صحة القول؟ فهاذا مما يدل على عدم صحة كالمك، ومما يثبت االخالل بقولك وقلة وفائك، فحتى اآلن فالذي ظهر لنا أنه ما يليق بنا معك إال الشر، وإن أردت تثبيت المهادنة وإبرام الكالم فيها وإمضاء حجتها، فابعث

لنا من عندك قونصو بالتفويض على هذا األمر، ويجلس هنا في أحد مراسينا، ويكون كالمنا معه

في هذا كله، ونبرم معه هذا األمر، ويكون من أهل الحل والربط عندكم، وإال فإن ظهر لكم خالف ذلك فأعلمنا وعرفنا بما عليه عملك وما أضمرته

طويتك، والسالم على من اتبع الهدى.

في التاسع من شعبان المبارك سنة خمس وتسعين وألفأعضاء وفد السلطان المغربي كما رسمتهم الصحافة الفرنسية

160161

Booksكتب

�شندباد من ال�شوداناأحمد ح�شن مطر

أحمد حسن مطر الرحالة السوداني األشهر في القرن العشرين، طاف العالم مرارا

خالل 33 سنة وقعت ما بين النصف األول من القرن العشرين

والنصف الثاني منه.عندما استلم العمل في مصلحة

البريد والبرق، وعمل مع اسكندر رينو الذي تولى بناء خزان سنار، استطاع في فترة

وجيزة أن يتحدث اإليطالية. سنة 1918 اتصل بشركة إنجليزية

في ود مدني وعمل معها فكان ك لكل أعمال الشركة في المحرمكاتب الحكومة ومع الشركة

الزراعية السودانية. قرر مطر أن يهجر السودان،

فذهب إلى القاهرة عام 1922 ورأى أن ميدانه هو الصحافة، فاتصل ب به، بجريدة األهرام ولم ترحوعرضت عليه جريدة المقطم أن يعمل مراسلا لها في باريس

بمكافأة، فذهب إلى باريس واستطاع أن ينشئ مكتبا باسمه،

وليس باسم المقطم. وتأخرت المكافأة شهرين، فكتب للدكتور

فارس نمر وشاهين مكاريوس مهددا بأنه سيستقيل، فأرسلت

المقطم له مبلغ ثالثين جنيها إسترلينيا، ولكنه شق طريقه وامتد مكتبه إلى التعاون مع صحف أمريكية، وصحف في

أمريكا الالتينية، فنجح في لقائه مع السياسي الفرنسي الشهير

حينذاك كليمنصو، والتقى بالعالم السياسي بونكاريه، وبالفنانة

العالمية سارة برنار، ونشر لقاءه معها في أكثر من عشرين

صحيفة، فأبرقت له جريدة األهرام ليتعاون معها وعرضت

عليه مكافأة شهرية قدرها

في أن الوقوف عندها سيعطي فكرة عامة وشاملة وموضوعية عن خصائص القرن الحادي عشر

الهجري الثقافية واالجتماعية واالقتصادية والسياسية، فكانت، كما وصفها، صاحبها ديوان علم

ال كتاب سمر وفكاهة، فقد دارت عجلتها باتجاه الديني

في تساوق تام مع العلمي، وال غرابة أن يتالزم الهدفان عند

أبي سالم العياشي الفقيه العالم، والمؤمن الورع خالل رحلته

الروحية إلى من المغرب العربي إلى الديار المقدسة وجوارها

المشرقي. ولكونها تمت في سياق تاريخي محدد، ونظرا لخصوصية

المجتمع العربي اإلسالمي، االقتصادية والسياسية والثقافية

واالجتماعية، خالل القرن الحادي عشر للهجرة، فقد عمد الرحالة

العالم بحرص الفقيه، وعين الرحالة اليقظة، إلى تسجيل

وتدوين كل ما صادفه في طريقه أثناء رحلته الموسوعية

من أفكار ومعتقدات، وأعراف وعادات، وطقوس وممارسات،

تداخل في تكوينها الخرافي بالديني، وشارك في نشأتها

االجتماعي واالقتصادي، وتعاون على تشكيلها اليومي والمعيش

جنبا إلى جنب مع الثقافي والمكتسب.

هذا النص أكبر أثر دونه المغرب العربي في أدب الرحلة. حققه

عشرين جنيها إسترلينيا.في عام 1925م رأى أن سفره إلى

أمريكا الالتينية سيهيئ له فرص النجاح، ويحكى أنه لم يملك أكثر

من عشرة جنيهات إسترلينية بعد ما دفع ثمن التذاكر على

باخرة في الدرجة األولى.وصل إلى األرجنتين، وهو ال

م لنفسه يعرف أحدا هناك، فنظعددا من المحاضرات التي ألقاها

في األندية العربية نظير أجر دفعته له وكالة صحيفة بوينس إيرس. وبعد أسبوع حصل على

ترخيص إلصدار جريدة باللغتين العربية واألسبانية. ويحكى أنه

لم يكن يعرف من اللغة األسبانية غير األلفاظ المشتركة بينها وبين اللغة الفرنسية واإليطالية، ولكنه

استعان ببعض الشباب العرب في تحرير القسم األسباني وبعد

أسبوع أتقن اللغة األسبانية!عانت األرجنتين انقالبا عسكريا،

وأغلقت كل الصحف ما عدا صحيفة مطر واستطاع مطر أن

يلج مغاليق السياسة، وخاض االنتخابات وحصل على مقعد في

البرلمان األرجنتيني ونال كل أصوات العرب هناك. لكنه ضاق بالعيش في األرجنتين فهاجر إلى بوليفيا، وأخرج صحيفة أخرى

هناك باسم الوطن وباللغتين العربية واألسبانية، وشخص بعد ذلك إلى البرازيل وأخرج صحيفة

بالعربية والبرتغالية، ودخل البرلمان وكاد أن يكون وزيرا.ولما نشبت الحرب اإليطالية

اإلثيوبية، جاء إلى ميدان القتال كمراسل عسكري، يرتدي بدلة

ضابط برازيلي برتبة عميد، وبعد ذلك ذهب إلى برلين، فالتقى بصديقه القديم يونس بحري

وبالسياسي الفلسطيني تاج الدين الحسيني، ورتب له لقاء مع

أدولف هتلر. ولم يستقر ببرلين

الراحل د. سعيد الفاضل بالتعاون مع تلميذه وصديقه سليمان

القرشي

المؤلف: أبو سالم عبد اهلل بن محمد العياشيتحقيق: د. سعيد الفاضلي، د. سليمان القرشيالناشر: دار السويدي- أبوظبي

خرائط منت�شف الليلعلي بدر

اختير هذا الكتاب للفوز بجائزة ابن بطوطة للرحلة المعاصرة في سنتها الثالثة، وهو األول لمؤلفه

في هذا الميدان، لكونه يجمع في لغته وموضوعاته وأفكاره بين توق المسافر إلى السفر

الحر بحثا عن المعرفة مقرونة بالمتعة، وبين العين التي ترى العالم ذاخرا بالحقائق المرئية

والمحتجبة، وقد عبر عن الكاتب شغفه باألمكنة من خالل لغة مبدعة ذكية في التقاطاتها، وشاعرية في ما تنزع إليه من مغامرة مع األمكنة وبحث فيها.

فالرحلة له هي الشعر والشعري بامتياز، مادام العالم قد تم

اكتشافه منذ قرون.الرحلة لدى كاتب هذه اليوميات هي البحث عن سعادة النهار في

خرائط المدن، البحث عن المكان الذي يثير كل ما هو شهواني

طويلا وكتب مقالا نشرته الديلي تلغراف تنبأ بنشوب الحرب

ع عصبة العالمية الثانية، وتصداألمم.

وفي عام 1956 دعاه السيد عبد اهلل بك خليل للرجوع إلى

م وزارة الخارجية السودان فنظالسودانية وكان من رأي عبد

اهلل خليل أن يعينه سفيرا، ولكن وقفت عقبات أمامه، فعين مسؤولا عن المراسم والترجمة.ولما استولى العسكر عام 1958م

على الحكم في السودان، استطاع مطر أن يدعو وفودا من أمريكا

الالتينية، وكان أول وفد هو وفد كوبا وكان به شي جيفارا، وظهر

جيفارا في حديث في اإلذاعة السودانية ترجمه مطر.

كتاب مهم ومؤثر عن مغامر من طراز فريدد

المؤلف: أحمد صالح مطرم لها: محسن خالد حررها وقد

الناشر: دار السويدي- أبو ظبي

الرحلة العيا�شية1661م–1663

اأبو �شامل عبد اهلل العيا�شي

تعتبر هذه الرحلة ديوان علم وأدب، وسجل تاريخ وتصوف، وكتاب أخبار وآثار، انفردت،

دون سواها من الكتب والرحالت وأمهات المصادر، بإيراد جملة

من النصوص والرسائل واإلجازات والنقول وخطب الكتب التي ال

نكاد نقف لها على أثر في غيرها من المظان، نص يكشف النقاب عن عدد من المواقف والرجال،

والطرق والزوايا، والكتب واألشعار،والخزائن والمكتبات،

والوقائع واألحداث، والمعارك والجوالت، والبيوع والمعامالت،

واإلجازات والتوقيعات التي ال شك

وأرضي في تجربة الغموض التي يكشف عنها، والقلق واالنفصال الذي يذهب وال يعود، واألرض الباردة التي تتحول إلى شعر

غنائي للتجسد، والرحالة شاعر أصيل وغامض، مكتشف رائد، كائن مليء باألسرار، إنه مثل

الشاعر متوحش قليال، وحيواني أيضا ألنه يفترس الجمال بنهم مثل

حيوان جائع.بهذا الوعي رفيع المستوى كتب الروائي العراقي يوميات اتصاله

باألمكنة التي زارها وسفره عنها، مدن صنعت التاريخ:

اسطانبول، أثينا، الجزائر طهران، لكنها اآلن مسرح وقائع معاصرة وجمال سديمي منهوب تحت

بصر الساكنة والزوار، في عالم اكتشف بال رحمة ولم يبق للرحالة المعاصرين إال

أن يكتشفوا على سطح الصور المرئية صور أعماقهم اإلنسانية.

لغة مدهشة في نضارتها وجاذبيتها، وعين ترى العالم

بحواس خالقة وتقرن المرئي في المدن القديمة باألبدي الذي ال

يرى من دون عمل قلب. يوميات استحق عنها صاحبها بجدارة

جائزة ابن بطوطة للرحلة المعاصرة.

تأليف: علي بدرالناشر: دار السويدي - أبوظبي 2006

162163

بلغة املرام يف الرحلة اإىل بيت اهلل احلرام

واملدينة النبوية

تعتبر هذه المخطوطة من نوادر المخطوطات وأنفسها في مجال الرحالت التي تركها أهل اليمن.

وهي عبارة عن وصف لرحلة قام بها المؤلف ألداء فريضة الحج عام

1211 هجرية

يقدم الرحالة وصفا دقيقا لتفاصيل رحلته من لحظة

خروجه من مقر إقامته في صنعاء وحتى وصوله الى مكة

المكرمة والمدينة المنورة، ومن ثم عودته إلى صنعاء، وينقل

لنا ما لقيه والجماعة التي حج معها من مصاعب السفر في

البر والبحر، خصوصا مشاق اإلبحار في المركب. وقد أعطى الرحالة وصفا دقيقا للمراكب

التي شاهدها والتي كانت ترسو في موانئ المدن التي مر عليها في أثناء رحلته، فجاء وصفه

أشبه ما يكون بالتحقيقات العلمية التي اتصف بها عالمتنا

في سائر مؤلفاته الفقهية والتاريخية، ويتحدث عن قيادة

السفينة ودائرتها والشراع، ويعطي معلومات مهمة عن السفن وأنواعها في ذلك الوقت، ويتحدث

عن البحر وعجائبه، ويعد أو من وصف الغوص من أهل اليمن،

ويروى مشاهدته للحيتان في البحر، كما يتحدث عن آالت الصيد وطرقـه. وبين أفضل

ما تقدمه الرحلة ذلك الوصف الشامل والدقيق لما كانت عليه

مكة المكرمة والمدينة المنورة، ومدينة جدة في عصره.

وقد اجتهد الباحثان المحققان اللذان كشفا عن هذا النص

النادر في تقديم شروح وهوامش

األمور بقيت على حالها دون تغيير أو حتى أصبحت أسوأ،

وهذا تحد للذين يتحلون منا، مثل هذا الشاب الذي أصبح

بعد سنوات تشي، بحساسية إزاء الواقع الذي يسيء معاملة أكثر التعساء بيننا، الملتزمين

بالمساعدة لخلق عالم أكثر عدلا. سأترككم اآلن مع الرجل الذي عرفته، الرجل الذي أحببته...

استمتعوا بالقراءة! ودوما إلى األمام!

المؤلف: أرنستو تشي غيفاراالناشر: دار السويدي أبو ظبي 2005

الرحلة ال�شفارية اإنتاج الدلئل ومنطق الأ�شياء

د. الطائع احلداوي

جهد أكاديمي رفيع المستوى، م وعمل بحثي رصين ومحكيتناول أدب الرحلة بوصفه

منظومة معرفية وبنية مرآوية تنعكس عليها وتتقاطع عندها

العلوم والمعارف والتجارب والخبرات اإلنسانية والثقافات في تالقيها وتالقحها، ما تنتجه

من دالالت. وهي دراسة مبتكرة في منهجها وأسلوب تناولها للموضوعات التي عالجتها، خصوصا ربطها الخالق بين األجزاء المختلفة لمكونات

مفيدة أضاءت على الرحالة وعصره، ووضعته المقدمة في مكانته العلمية، فاستحقا عن

عملهما جائزة ابن بطوطة لألدب الجغرافي.

تحقيق: عبد اهلل الحبشي وحسني محمد ذياب الناشر: دار السويدي- أبوظبي/2005

يوميات دراجة ناريةاإرن�شتو ت�شي غيفارا

يوميات تشي غيفارا يطبعها سحر خاص، شخصية مألت القرن

العشرين وفاضت أطيافها على األلفية الثالثة. مثال إنساني

وكفاحي مضيء لكل األزمنة. هذه اليوميات كتبها تشي غيفارا

خالل رحلة في أرجاء أميركا الالتينية سنة 1952 وقطع خاللها مع صديقه ألبرتو غرانادو على

دراجة نارية 4500 كيلومتر، فكانت البوابة التي ولج منها

الطبيب األرجنتيني الشاب غيفارا إلى فضاء أميركا الالتينية، وصوال إلى "سرة العالم" – عاصمة األنكا،

ليعود من هناك بالشعلة التي صهرت روحه النقية ومزجتها

بآالم شعوب القارة المنهوبة، بدءا من تاريخ اإلبادات الجماعية التي ارتكبتها غزوات الرجل األبيض، وانتهاء باألمل اإلنساني المعذب.

كتب أرنستو تشي غيفارا، إثر احتفاله بعيد ميالده الرابع

والعشرين: "علمت أنه حين تشق الروح الهادية العظيمة اإلنسانية إلى شطرين متصارعين، سأكون

إلى جانب الشعب. أعلم هذا، أراه مطبوعا في سماء الليل، أرى

نفسي قربانا في الثورة الحقيقية، المعادل العظيم إلرادة األفراد.

أشعر أن أنفي يتسع ليستنشق

المعرفة كما تحصلت عند العرب، وبين األصول النظرية اليونانية من جهة، والمصادر

والمراجع األوربية الحديثة من جهه أخرى، وصولا إلى الربط المبدع بين المهاد والمداخل

النظرية للدراسة وبين األمثلة المتمثلة في نماذج أساسية من أدب الرحلة السفارية

عند العرب، في حركتهم شرقا وغربا، ومع رحالة من أمثال

المكناسي، والصفار، والطهطاوي، والتمجروتي، البلوي، الزياني،

وغيرهم. وإذا كانت الدالئل ماثلة في عالقات النصوص، فإن الوقوف عليها وتجليتها تحت ضوء الدرس

هو ما أنجزته هذه الدراسة بتميز واقتدار. وبذلك استحقت بجدارة جائزة ابن بطوطة لألدب

الجغرافي.

المؤلف: د. الطائع الحداوي الناشر: دار السويدي أبوظبي/2005

تطور الفكر اجلغرايف عند العرب وامل�شلمني

حتى نهاية الع�شر العبا�شي

556هـ 1258م

عبد الرحمن �شالح مزوري

تبحث هذه الدراسة المحكمة في نشوء الجغرافية اإلسالمية

على أيدي الجغرافيين والرحالة

الرائحة الالذعة للبارود والدم وموت العدو. أفعم جسدي بعزم

فوالذي، و أعد نفسي للمعركة...".حين قرأت هذه اليوميات أول

مرة، لم تكن قد وضعت في شكل كتاب بعد، ولم أعرف الشخص

الذي كتبها. كنت آنذاك صغيرة، وتقمصت ذلك الرجل الذي سرد مغامراته بطريقة تلقائية كهذه.

ثم بدأت، وأنا مستمرة في القراءة، أرى من كان هذا الشخص بوضوح

أكثر، ولكم سررت ألني ابنته. كانت هناك لحظات آخذ فيها مكان جرانادو على الدراجة النارية وأتشبث بظهر أبي،

مسافرة معه فوق الجبال وحول البحيرات. وصدقا، إني كلما قرأت

أكثر، كلما أحببت الفتى الذي كان عليه والدي... وهو يروي لنا عن عالم أمريكا الالتينية المعقد

الفطري، عن فقر أهلها واالستغالل الذي يتعرضون له...

أبي )هذا الرجل الذي كان( يرينا أمريكا الالتينية، ويصف مناظرها الطبيعية بكلمات تلون كل صورة

لتصل حواسنا، حتى يمكننا أن نرى األشياء كما شهدتها

عيناه... وفي وعيه ينمو إدراك أن ما يحتاجه الفقراء ليست

معرفته العلمية كطبيب، بل قوته ومثابرته في محاولة إحالل

تغيير اجتماعي قد يمكنهم من العيش بالكرامة التي سلبت منهم

وسحقتهم لقرون. يرينا هذا المغامر الشاب بعطشه للمعرفة ومقدرته العظيمة على الحب كيف يمكن للواقع إذا فسر بشكل سليم أن يخترق اإلنسان إلى درجة تغيير طريقة تفكيره

أو تفكيرها. إذا سنحت لكم الفرصة يوما

للسير فعلا على خطواته، ستكتشفون بحزن أن كثيرا من

والبلدانيين العرب والمسلمين، وترصد تطور الفكر الجغرافي

وعلومه في الثقافة العربية بدقة وشمول، وتحلل ألجل ذلك كما

هائال من األفكار والتصورات والمعلومات الجغرافية التي وردت

في الكتب والمخطوطات الجغرافية وخارجها؛ في نصوص دينية

وعلمية وشعرية وأدبية، وبالتالي فإن الدارس مسح كتب المغازي

والتاريخ واألخبار واألموال والخراج، وهو ما لم يسبق االلتفات إليه من قبل الدارسين في هذا الحقل، أو أقله لم يجر التركيز عليه. إضافة إلى وقوف الدراسة على الخرائط والمصورات التي رسمها وصنعها

الجغرافيون المسلمون. هذه الدراسة جعلت هدفها األساسي هو البحث بعمق وموضوعية وشمول في تطور الفكر الجغرافي اإلسالمي نفسه، بفروعه المختلفة وتحديد المستويات العلمية آلفاقه وتعيين

رؤاه، والتي أثرت من جملة ما أثرت على الفكر الجغرافي األوروبي

في العصور الوسطى، ومن ثم بيان مساهمة العرب والمسلمين في

تنمية علم الجغرافيا، وتعميق أفكاره وتوسيع آفاقه.

المؤلف: عبد الرحمن صالح مزوري

الناشر: دار السويدي أبو ظبي 2005

164165

Visionاأطياف

نزهة يف اأ�شخم �شفينة ف�شائية

الزمان أوائل الستينات من القرن املاضي، واملكان بادية الشام على مقربة من حمامات )أبو رباح( الكبريتية بني حمص وتدمر، والوقت أواخر الربيع. كانت ليلة صافية والنجوم قريبة منا تتألأل فوقنا

مبودة وبهجة وكأنها تواقة أن تسمر معنا.كنا في رحلة جامعية لالستمتاع بصفاء صفحة السماء في البادية وتأمل حركة أجرامها. راح األستاذ

املشغول بالفلك يحدثنا عن مواقع الكواكب والنجوم وحركتها في النهر اللبني )در التبانة( وخارجة. كنت أعرف أسماء بعض النجوم كالثريا وامليزان والنسر الرامح والواقع وبنات نعش الكبرى والصغرى، حيث يبدو جنم القطب مسمرا في الشمال كحارس أبدي. لكن حديث األستاذ أخذني إلى تلك العوالم

القصية املغشاة بسدمي ضبابي ساحر. ولعلي في تلك الليلة التي سهرنا فيها حتى الثالثة صباحا، وقعت في عشق أكثر من جنمة، كما فعل غيري، دون أن يجرؤ أحد منا على البوح مبا يختلج في حبة

القلب وسكينة الوجدان.حياة البادية تفرض اإلملام بعلم الفلك ومسار النجوم، كما تقضي املالحة البحرية بذلك أيضا. وقد

كان أجدادنا، منذ أقدم العصور، مولعني بهذا العلم والتبحر في مطالع أجرامه ومواسمه وأنوائه. في البحر والصحراء، ال تستطيع أن حتدد موقعك وال تعرف الشرق من الغرب وال الشمال من اجلنوب

إال بفضل تلك اخلريطة النيرة املبسوطة في السماء، وال بد أن تعرف مطلع كل جنم وموقعه وحركته في كل فصل، بل وفي كل شهر.

اليوم النجمي يقل عن اليوم الشمسي نحو أربع دقائق إال قليال، وذلك بسبب ميالن محور األرض؛ وهذا يعني أن النجم يبكر في الطلوع أربع دقائق إال أربع ثوان كل يوم.

فلو تأملت الثريا، وحددت موقعها في الساعة العاشرة ليال من أول يوليو/ متوز، على سبيل املثال، ستراها في مثل هذا التاريخ من السنة التالية في موقعها ذاته، وهذا يعني أن السنة النجمية تزيد

السنة الشمسية يوما كامال كل سنة.لم تكن سهرة مألوفة، ومن املؤسف أنها لم تتكرر. املشاعر واخلواطر واألحالم التي عشتها في

تلك التجربة املدهشة حملتني عبر األجيال السالفة مئات السنني. ويوم زرت املرصد الفلكي في ضاحية سمرقند، وهو من آثار العصر الذهبي في احلضارة العربية أيام كانت بغداد عاصمة الدنيا شرقا وغربا، تذكرت رحلة البادية الشامية.. وأخذت أطل من الشبابيك الثمانية في جدران املرصد

الثماني، لعلي أرى وميض جنم بعيد ولو في عز الظهيرة! لكن الزمن تغير، وموجات الغزو نسفت تلك األطياف احلضارية املشرقة على قاع التاريخ...

وأعود إلى نزهتنا في بادية الشام، وإلى تلك احللقة الطالبية املستغرقة في حديث األستاذ وجتواله في فضاء سماوي كاخليال. والسؤال املدهش الذي سألنا إياه األستاذ كان: أتعرفون ما هي أضخم سفينة فضائية مأهولة؟ وحني عجزنا عن اجلواب قال: ال جتنحوا وراء اخليال، نحن اآلن على منت

هذه السفينة، وإن كنا ال نحس بحركتها! فاألرض تدور حول نفسها مرة كل يوم، وتدور حول الشمس مرة كل سنة، والشمس وتوابعها تدور حول مركز املجرة )درب التبانة( أو النهر اللبني، واملجرة تدور حول مركز كوني ال علم لنا به... وهكذا ننطلق في فضاء ال نهائي بسرعة خارقة، من دون أن نشعر

بذلك.ويبدو أن أجدادنا كانوا يدركون ذلك، لكن كثيرا منهم آثر السكوت خوفا أن تكون نهايته كما انتهى

السهروردي واحلالج.

علي كنعان

166

Landmarkكلمة

األف عام جمهولة من ال�شفر

قبل بضع سنوات فوجئت خالل محاضرة لي في معرض فرنكفورت الدولي للكتاب موضوعها »الرحالة العرب إلى أوروبا في القرن التاسع عشر، واحلداثة«، بتلك االنتباهة املميزة التي سجلتها النظرة األملانية إلى وحاهة

فكرة أن تكون وصافا عبر أدب الرحلة ال موصوفا.. على الدوام، أي فاعال ال مفعوال بك في كل وقت!كان وقتا طيبا، وأكاد أقول استثنائيا لي، أن أملس عن قرب، في الديار األملانية، وقع الفكرة التي طاملا شغلتني،

وهي أن العرب لم يكن طوال الوقت كائنا عجيبا يقرأه األوروبيون ويحارون فيه! وأن هذا الكائن القادم من ثقافة غير أوروبية، ليواجه بثقافة طاملا انشغلت بشرقيته، وعبرت عن انشغالها عبر وسائط بينها أدب الرحلة،

له نظر في الغرب ومدنيته، مبنى على اخلبرة املباشرة.وفي لقاءات حميمة جمعتني مرات بنخبة من الكتاب األملان من مشارب فكرية مختلفة، أبدى البعض منهم دهشة كبيرة من فكرة أن تكون هناك مصنفات عربية يعتد بها تعود إلى ثالثة قرون مضت، مكرسة بصورة

مباشرة النطباعات ومالحظات وأفكار عن املدنية الغربية، دونها مسافرون عرب حلوا في ظهراني األوروبيني، وطافوا احلواضر األوروبية ودونوا يومياتهم. وقد اتسعت دهشتهم عندما نبهت إلى أن عدد هذه املصنفات في

الفترة التي أشرت إليها يكاد يربو على املائة مصنف.ليس مفزعا لثقافة أن ال تكون قرئت من قبل ثقافة أخرى، ما دامت أعمال مؤلفيها لم تغادر اللغة التي كتبت

فيها.. إمنا املفزع أن جتهل الثقافة ذاتها. أن ال حتفظ ذاكرة القارئ العربي من مجمل أدب الرحلة العربي الذي ميتد على مدار عشرة قرون سوى عمل أو اثنني، هما ابن بطوطة وابن جبير للعموم، وللمثقفني من القراء ابن فضالن، وأن ال حتفظ باملقابل من أدب الرحلة العربي إلى أوروبا سوى رفاعة رافع الطهطاوي

وأحمد فارس الشدياق، وكلتا الرحتلني وضعتا في النصف األول من القرن التاسع عشر.لقد علكت النخبة العربية اسم الطهطاوي حتى لم يعد مثقف يستطيع أن يغادر هذا االسم إلى سواه من

أسماء عشرات الرحالة الذين ال يقولون أهمية عنه، وإلى الدرجة التي لم تبق للشدياق نفسه معاصر الطهطاوي قارئا متفكرا.

قرئ الطهطاوي معزوال عن إرث كامل من أعمال الرحالة العرب املشارقة واملغاربة الذين سبقوه أو عاصروه، فبات نسيج وحده، وأوحى القراء والشارحون والصحافيون وحتى املفكرون من جنباء أمتنا ممن تناولوا نص الطهطاوي على مدار القرن العشرين، بفقر املكتبة العربية من أعمال النظرة إلى اآلخر، أو على األقل بندرة هذه النظرة، بينما يتكشف لنا اليوم مع األعمال املتالحقة التي أخذت تظهر إلى النور، مؤخرا، أن الرحالة العرب قبل الطهطاوي وبعده يتجاوز عددهم األلف، وتتجاوز مصنفاتهم عددهم، وهي مصنفات ثاوية في مخطوطات وكراسات لم حتقق بعد، وطبعات حجرية لم تعد في التداول، ومؤلفات صدرت ملرة ولم تشغل

النخبة العربية املثقفة نفسها بالبحث عنها. بل إن الكثيرين من أبناء هذه النخبة لطاملا نظروا إلى هذا األدب على أنه أدب وضيع. والتعبير هذا ليس لي وإمنا للمؤرخ الراحل نقوال زيادة الذي كان وما يزال من بني قلة من

املثقفني العرب الذين أبدوا انشغاال بهذا األدب.ومما يؤسف له أن أول انتباهة موضوعية وشاملة في التأريخ ألدب الرحلة العربي بصفته وثائق على وقوف

الثقافات في مرايا الثقافات، والشعوب في مريا الشعوب، وإن يكن ذلك عبر األفراد، جاءت من مستعرب روسي وليس من مؤرخ أو باحث عربي، وأعني بها ذلك السفر الضخم الذي كتبه أغناطيوس كراتشكوفسكي حتت عنوان »تاريخ األدب اجلغرافي العربي« ويقع في مجلدين ضخمني وما يزيد على األلف صفحة، صرف

في تأليفهما خمسني عاما. وبدءا من هذا األثر التأريخي ميكن لقراء العربية أن يقفوا على مئات األعمال واملؤلفني من جغرافيني وبلدانيني ورحالة، ويكتشفوا بالتالي فداحة اجلهل بكل هذا الثراء.

اح نوري اجلر

168