3214

Post on 24-Jun-2015

636 Views

Category:

Education

37 Downloads

Preview:

Click to see full reader

TRANSCRIPT

أبي عزيز أباظة

عفاف عزيز أباظة

طبقا لقوانني امللكية الفكريةא אא

א .אא

א א أو عـرب االنرتنـت(א اى أو املدجمــة األقــراص أو مكتبــات االلكرتونيــةلل

א )أخرىوسيلة אא.

.א א

فهرس

٣.............................................................فهرس

٤....................................................أبي عزيز أباظة

١٢٧............................................مختارات من شعره

١٢٧...................................................سنوات عشر

١٣١.....................................................ربيع العمر

١٣٥.......................................١٩٥٨ـ تسبيح الذبيح ل

١٣٨.............................................مهداة إلى أم كلثوم

١٤٠.................................................المولد الشريف

١٤٣..................................................ىالرفيق األعل

١٤٨...........................................................بغداد

١٥٢.................................................بشارة الخوري

١٥٤................................................األخطل الصغير

١٦٨...................................القصائد التي قيلت في رثائه

أبي عزيز أباظة تفتحت عيناي، ورأيتني أعيش في بيت أبي مع عمي

ي لهمـا بأحمد وعثمان، وشبت قلوبنا على حبهما، فقد كان أ . وأختا وكان البيت سعيدا هادئا ي ابنة عم مأخا وأبا، وكانت أ

نشأنا في هذا البيت وسمعنا فيه أول ما سمعنا الشـعر حتـى كنت أرى أبـي جالسـا بـين أخويـه قبل أن نسمع الكالم،

وأعمامه جمال الدين أباظة ومحمد أباظة، يقرأ عليهم بصوته وكنا نهتز للشعر رغـم .. مختاراته من الشعر القديم . الحنون

وقـد ألفـت . نفهم منه ونحن في هذه السن حرفا أننا لم نكن آذاننا الشعر الجاهلي، والشعر اإلسالمي فلـم نهبـه عنـدما

. أوصلتنا إليه األيام في المدارس الثانويةوما زلت أراه وأسمع يردد األبيات األثيـرة عنـده

: ومنها لها بين جلدي العظام دبيب وإني لتعروني لذكراك روعة

فأبهت حتى ما أكاد أجيب راك فجاءةوما هو إال أن أ وأعرض عن رأيي الذي كنت أرتأي

وأنسى الذي أعددت حين تغيب ويظهر قلبي عذرها ويعينها

علي، فما لي في الفؤاد نصيب :أو يروي

أستغفر اهللا إال من محبتكم فإنها حسناتي حين ألقاه

فإن زعمت بأن الحب معصية به اهللافالحب أجمل ما يعصى

: وللعم ابن عبد اهللا قفا ودعا نجدا ومن حل بالحمى

وقل لنجد عندنا أن يودعا بنفسي تلك األرض ما أطيب الربا

وما أحسن المصطاف والمتربعا بكت عيني اليسرى فلما زجرتها

عن الجهل بعد الحلم أسبلتا معا واذكر أيام الحمى ثم انثنى

تصدعاعلى كبدي من خشية أن وليست عشيات الحمى برواجع

خل عينيك تدمعا.. إليك ولكن

: ولعمر بن ربيعة

ومظهرة لخلق اهللا ودا بالتحية والسالميوتلق

أتيت فؤادها أشكو إليه فلم أخلص إليه من الزحام

فيا من ليس يكفيه محب وال ألفا محب كل عام

: ولعروة بن أذينة دك ملها إن التي زعمت فؤا

خلقت هواك كما خلقت هوى لها بيضاء باكرها النعيم فصاغها

بلباقة فأدقها وأحلها فإذا وجدت لها وساوس سلوة

شفع الضمير إلى الفؤاد فسلها منعت تحيتها فقلت لصاحبي

ما كان أكثرها لنا وأقلها فدنا وقال لعلها معذورة

فقلت لعلها. من بعض رقبتها : للشاعر األحوصو

أزور بيوتا الصقات ببيتها ونفسي في الدار التي ال أزورها

: وله أدور ولوال أن أرى أم جعفر

بأبياتكم ما درت حيث أدور : وللبحتري

اهللا جارك في انطالقك تلقاء شامك أو عراقك

ال تعذلني في مسيرك يوم سرت ولم أالقك

إني خشيت مواقفا بين تسفح غرب مآقكلل

وحذرت ما يجد المودع عند ضمك واعتناقك

فتركت ذلك عامدا وخرجت أهرب من فراقك

كان أبي يردد شعر شوقي ويطلب منـا أن نـردده وراءه، وأن نحفظه، فقد كان شديد اإلعجاب بشـوقي شـديد

وكان أخي في سن السادسة يحفظ الكثيـر مـن . التعصب له المجنون أمام زينب صدقي التـي ردومجنون ليلى، ويمثل

. اشتهرت بدور ليلى في ذلك الحين وكانت تجاربه ضاحكةبوهيب دوس المحامي الـذائع الصـيت كان يجمعه

ـ داقة وقـوى أواصـرها إعجابه حينئذ حب وص ا العميـق مفلقد تمرن أبي بعد أن حصل على ليسانس الحقـوق . بشوقي

حاماة وإنما نمت ولم يشتغل أبي بالم .. في مكتب وهيب دوس وأذكر أن أبـي كـان يكلمـه . صداقة قوية بينه وبين أستاذه

ولم يعد ذلك هبلهجة كلها إجالل وتوقير حتى بعد أن علت سن . الشاب اليافع

فـي الصـيف بأعمـامي " الربعماية"كانت تجمعنا وأقاربي محمد وهيام ورأفت وماهر وهو أصـغر أعمـامي

المتفوق و وكان ه ،النفسوهو دمث الخلق عفيف . ومني سنا وكنا نقضـي . الوحيد بيننا، وهو اآلن وكيل لوزارة الكهرباء

. يومنا في االستماع إلى الفنوغراف وفي تأليف المسـرحيات أما الحوار فكنا نؤلفه أثناء التمثيل، وكانـت والـدتي تـأتي

بمقرئ يشبه صوته إلى حد كبير صوت الشيخ محمد رفعت ، وكان يقـرأ السـور الصـغيرة يسمى الشيخ السيد الجمل

وما زالت إلى اآلن أشعر بحنين لطفولتي كلما ،بصوت دافئ سمعت هذه السور، وفي المساء يغني الحاج عبده، وهو مغن

كنا نجتمـع بعـد .. جازة الصيف إيأتي به أبي ليقضي معنا العشاء كبارا وصغارا لنستمع إلى األدوار القديمة والقصـائد

" وحقك أنت المنى والطلب "أبي وأذكر منها التي كان يطلبها وكنا نقاوم النوم حتى ال يرسلنا أهلنا " نوآنست يا نور العي "و

فكان الحاج عبده .. إلى حجراتنا، وكان أبي يشجعه ويستعيده يترك الغناء وينتفض واقفا ويحيي بيده حينا وبعوده أحيانا ثم

د أبـي إلـى يستأنف الغناء وكأنه لم ينقطع عنه قط، ويعـو . ويعود هو إلى الحركات المتتابعة التلقائية.. مداعبته

كنا في الصيف نستأجر باإلسكندرية بيتا جميال فـي جليم، وكانت تزورنا فيه مغنية تعدت سن الشـباب تسـمى

وأذكر أننا كنا نخرج من البيت مساء ونمشي ،فاطمة العراقية وتغنـي على الكورنيش والبحر يضرب الرصيف بأمواجه،

فاطمة العراقية، بصوت ظل جميال ـ األغاني القديمة إلـى أن نصل إلى ستانلي لنزور عمي عبد اهللا فكري أباظة بهـذا

والغريب أنني أذكر أن المارة كانوا قلة، وأذكر أن .. الموكب . أحدا لم يتعجب من هذا المنظر

عود بعد السهرة سيرا على األقدام، ولكن أبي كان نو . لمتعـب منـا إذا غلبنـا النـوم أو أتعبنـا المشـي يحمل ا

وكثيرا ما كنت أسمع أبي يلحن األبيات التي تعجبـه علـى لنفسه وخصوصا هذا البيت الـذي ال جميع النغمات يرددها

: يفارق ذهني أما والذي أبكى وأضحك، والذي

أمات وأحيا، والذي أمره األمر فـي آذاننـا وكبرنا وهذه الكلمات الجميلـة تـرن

والموسيقى والغناء تمأل حياتنا، وعرفنا أم كلثوم وكان لهـا فقد جمعت بينها وبين أبوي صـداقة "مكانة خاصة في بيتنا

واستقبلها في .. ودعاها أبي في كل مديرية عمل بها .. وحب.. وكانت تعود من حفلها إلى بيتنـا .. كل مرة استقباال حافال

آخـر حتى الصباح تغنـي - وال أقول معنا - وتسهر معهم نا إلى المدارس في الصباح كنـا وقبل نزول .. أغنياتها الجديدة

نسمع من أهل المنزل أخبار السهرة ونلعن النوم الذي حرمنا

وكلما نظرت اآلن ورائي إلى البيت الذي ،من غناء أم كلثوم . أراه كالحلم الجميل كله شعر وحب ووفاق.. كانت فيه أمي

وتمكن . حب وطفولة أبي وأمل شبابه أمي فقد كانت هذا الحب منهما حتى أحسسناه نحن، وكنا أطفاال لـم نـزل،

. وشعرنا به يمأل بيتنا وحياتنا إلى أوربا واصطحب معه أمي ١٩٣٧سافر أبي سنة

وبقينا نحن في الربعماية، سافرا للعالج ولحضور المعـرض يل في باريس، ونشرت إحدى المجالت صورتهما مع إسماع

وكان أبـي " أوزونيا"باشا صدقي وهما عائدان على المركب وأذكر أن القيامة قامت وقتذاك في أسرتنا، فقد . يحبه ويقدره

ثار جدي ألمي وهو عم والدي لنشـر صـورة ابنتـه فـي بذلوا جهدا كبيرا حتى وأذكر أن أعمامها . المجالت وقاطعهما

ى أبيها تقبل صفح جدي عن هذا اإلثم العظيم، وذهبت أمي إل . يده ومعها أبي معتذرا خاشعا

وانتظمنا فـي هوحين عين أبي مديرا للمنيا ذهبنا مع وأذكر أن أختي أشارت علي مرة أن نقـول ،المدارس هناك

لمدرسة الحساب التي تأتي إلى البيت إن أبي يطلب منهـا أن وأن نقول ألبينا إن المدرسة ،تعفينا من الدرس في ذلك اليوم

د أصابتها وعكة ولن تحضر، ونغتنم الفرصة ونستأذن فـي قوبعد أيـام ظهـرت الكذبـة، . الذهاب إلى السينما، وقد كان

تمـر ولست أدري كيف؟ فهي كذبة صغيرة كان يمكـن أن وغضب أبي وثار ومنعنا من الظهور أمامه .. ولكنها لم تمر

أسبوعا كامال، ولم يكتف بذلك وإنمـا طلـب مـن نـاظرة فنفذت الناظرة الطلـب ،ة أن تخبر زميالتنا بما حدث المدرس . بدقة

وفي طابور الصباح وأمـام الجميـع روت قصـة التلميذتين الكاذبتين كما أسمتنا، ولن أنسى ما شعرت به مـن خجل وهوان ولست أدري عالم كان كـل هـذا الغضـب، فأوالدنا اليوم يتعجبون إذا نحن احتججنا على هروبهم مـن

المدرسة نفسها، وهم والحق يقال ال يكـذبون الدرس أو من ،ولكن ليس تمسكا بالفضيلة وإنما ألنهم ال يحتاجون للكـذب

وإني أفضل الكذب مع . فهم ال يخافون شيئا وال يهابون أحدا . والالمباالة.. االحترام على الصراحة مع االستخفاف

كنا نقطع المسافة بين المنيا والقاهرة في حوالي سبع ارحـة طات في السيارة، فكنا نتغلب علـى الملـل بالم ساع

أن نضيق الشعرية، وكنا نتبارى في حفظ الشعر حتى يمكننا

وأذكر أنه بعد سنوات من ذلـك تقـدم . الخناق على منافسنا ألختي خطيب ووافقت عليه فقبله أبي ووعد وأعطى كلمتـه، ثم عادت أختي ورفضت الخطبة فأحرجت والـدي، فتـردد

وتعمدنا أن نقول مـن .. الحيرة وبدأنا أمامه مطارحة وانتابته . شعره في قيس ولبنى

مرني أطعك فما عصيتك مرة أبتاه لكن ما طلبت عظيم

والواقع أنه لم يطلب شيئا وإنما نحن الذين طالبناه أن وال نكتفي بذلك بل .. يرجع عن كلمته وأن يتراجع عن وعده

. نلومه أيضاي المناسبات العائلية أن يطلب مني وكان يحلو ألبي ف

أن أقف فوق المائدة وأن أخطب باللغة العربية، واآلن يقـول غير أن أبوي كانـا . لي إخوتي إنني كنت في غاية ثقل الظل

سعيدين بي، وإن كنت أشك في ذلك، فالبد أنهما كانا يريـان أيضا رأي إخوتي، ولكن ال يظهران، فاألطفـال فـي سـن

. ن في قمة السخافة وثقل الظلالثامنة يكونووكنا نحتفل بعيد زواج أبوي احتفاال عائليا، فإذا كنـا في الربعماية دعونا األقارب وقضينا اليوم في الذهبيـة فـي

،بحر مويس كما يسمونه هناك، ويجامل أبي المدعوين جميعا ويشعر كل واحد منهم بأنه الضيف الوحيد، ويـوزع علـيهم

وإذا كنا في المنيـا ،ليشركهم معنا في أعيادنا الهدايا البسيطة . وزع علينا نحن الهدايا وقضيناه معا سعداء فرحين

ومن العجيب أن يكون أهل بيته جميعا مـن غـواة فقد .. الشعر واألدب حتى جمال المشرف على شئون المنزل

اصطحبه أبي إلى المنيا وهـو ابـن عامـل التليفـون فـي البيت وظيفة ثانوية بالنسبة له، أمـا وكانت إدارة ،الربعماية

يـتكلم بالشـعر وكان ،الوظيفة األساسية فكانت حفظ الشعر أذكر أن ابنة خالتي كانت مخطوبة ويبـدو . ويعاتب بالشعر

يأنها ضايقته في شيء يختص بعمله، فكان كلما رآها تصـل : قال لها مداعبا

صلى وصام ألمر كان يطلبه صلى وال صامافلما انقضى األمر ال

المسئول - ن المناظر الغريبة أن نرى جماال وكان م ، يزاول عملـه وفـي يـده الشـوقيات - عن نظافة المنزل

وال أنسى ذلك اليوم، كنا ال نزال في المنيا، وكنا نجلس مـع ويرجوه في ،أبي قبيل الغروب وإذا بصديق له يطلبه تليفونيا

هب أبي مسرعا ثم يـتكلم فيذ،اضطراب بأن يذهب إليه فورا إنه سيقضي الليلة مع صديقه هذا، وكـان : بعد ساعات قائال

هذا الصديق قد طعن في كرامته من أهـل بيتـه، وفـوجئ بحياته تتصدع ووجد نفسه وحيدا مع أوالده، ال يعرف مـاذا يصنع بهم؟ وال ماذا يصنع بكبريائه؟ فكبـر عليـه األمـر،

ولم يبق أبـي معـه ليلـة . وانهار الرجل ،واضطربت نفسه واحدة كما كان مقدرا، وإنما ظل ساهرا إلى جانبه عدة ليال،

. يحاول أن يشد من أزره، وأن يعيد إليه زمام أمرهولكنـه " قيس ولبنى " أبي رواية أوفي المنيا أيضا بد وكان تلميـذا فـي المدرسـة ،بدأها تحت إلحاح ابن خالتي

ح اإلشارة باإلسكندرية العميد رئيس سال السعيدية، وهو اآلن شريف أباظة، يحب الشعر وكله رقة، وكانت تسـانده فـي اإللحاح أخته تغريد وهي قارئة ممتازة وملمة بكـل دقـائق

وما الذي ال تعرفـه ": وكان أبي يقول عنها ،شئون المنزل ـ كان ل " قيس ولبنى "وكما كان لها شأن في تأليف ". تغريد ا ه

. كتابالشأن في ظهور هذا الوكانت أمي قد احتضنتهم بعد وفاة شقيقتها، ووجدوا في أبي أبا وصديقا، وكنا كلمـا اجتمعنـا بعـد الغـذاء زاد

" لنبـدأ غـدا : " وكان جوابه دائمـا ،اإللحاح من أبناء خالتي وتوالت األيام وال يأس من هنا وال شعر من هناك حتى قاال

قـيس "بكتابـة إن شوقي قد كلفك : له في آخر محاولة لهما فابدأ وإن أردت بعد ذلك أال تكملها فلك ما تشاء، فقال " ولبنى .. هات قلما وورقة واكتب يا شريف: ضاحكا

". قيس ولبنى"وكانت بداية أديري علينا شهي السير

وقولي فقولك راح السمر فديتك لبنى فهل عن هوى

حديث وهل عن محب خبر ن وما شأنكم بهوى العاشقي: لبنى

كفاهم عذابهمو المستعر دعوهم لنار تقد الحديد

والعج شوق يذيب الحجر يقومون يومهمو نزعا

ويجمعهم ليلهم بالسهر رثيت لهم في شقاواتهم

كأن حملوا سيئات البشر

ثم ال يمضي شهر إال وقد تم جزء كبير مـن قـيس تـى ثم لم يجد نفسه إال وقـد أ ، وهكذا بدأها مجامال ،ولبنى

بالحسين خاطبا وشفيعا لقيس لدى الحباب والد لبنـى فيقبـل ثم تجري األحداث إلى أن يدب الخالف بينها وبـين ،الزواج

وال يحتمل قيس الصراع القائم ،أهل زوجها ويتهمونها بالعقم في بيته فيمرض، ثم يخضع لرأي أبيه وأمه ويطلـق لبنـى

.وينجح.. فيحاول.. وكانت قد تزوجتسرحية قيس ولبنى هي أول مسرحية ألبـي وكانت م

وهي عبارة عن مشاعر حلوة، وحب حان، ومشاكل تنسـاب برشاقة إلى حلولها، وكذلك كانت حياته فـي ذلـك الوقـت، وجمل الشعر حياتنا منذ طفولتنا األولى وأضفى عليها نوعـا

. من الرومانسية الحالمة ١٩٤٢ومن المنيا نقل أبي محافظا لبورسعيد سـنة

وكانت بورسعيد تضرب يوميا .. أثناء الحرب العالمية الثانية وتعرض مبنى المحافظة حيث كنا نقيم ـ لقنبلة غير . بالقنابل

.. أنها لم تنفجر، ولم يشأ أبي أن تهاجر أسرته إلى الربعماية كيف أبعد أسرتي والزوجات واألطفـال : وإنما سمعته يقول

ن ما يجري على أهـل إ.. أمام عيني يملئون مدينة بورسعيد

المدينة سوف يجري علينا، وبقينا معه، واكتفينا بأن نقضـي وكنت أذهب إلى المدرسة االبتدائية وكانت .. الليل في المخبأ

ال تبعد عن بيتنا إال بمسافة كيلو متر واحد كنت أقطعه عنـد الضرورة سيرا على األقدام في ساعة أو أكثر، فقد كنت مع

أنحك طوال الطريق ويمر الوقت دون زميالتي نتكلم ونض ،نشعر، وكأنما لم نكن معا منذ السـاعة السـابعة صـباحا

وعندما أصل إلى باب البيت يكون قد فـات علـى ميعـاد ولما تكرر . لق علي قثر من ساعتين فكانت أمي ت كرجوعي أ

ساعيا ليعود ياألمر وضاقت بي طلبت من أبي أن يرسل إل وكنت في الثانية عشرة من عمـري . بي إلى البيت مباشرة

وجاء الساعي إلى المدرسة في الساعة الثانية ظهـرا وكـان وكان طربوشـه يخفـي الشـعر .. رجال مسنا سمينا وقورا وأصر الرجـل أن يحمـل عنـي ،األبيض الذي يحدد رأسه

وحاولت بكل قواي ،الحقيبة، وكانت كبيرة جدا ال أدري لماذا م أشأ أن يحملها عني وهو في سن جـدي أن أثنيه فلم أفلح، ل

ولكنه تمسك باستماتة، وقبل أن أغادر المدرسة علمت مـن وسقط قلبي ولـم أدر .. زميالتي أنه جد واحدة من صديقاتي

إننـي "نفسـي لوفي اليوم التالي فكرت وقلـت .. ماذا أفعل؟

سأنتظر حتى تنصرف جميع التلميذات من المدرسـة حتـى وفعال هذا ما حـدث "..لي الحقيبة يحمل ال تراه حفيدته وهو

ولكن قبل أن أغادر المدرسة جاء من يخبرني بـأن حفيدتـه فحـرت فـي . تبكي ألنني تركته ينتظرني كثيرا أمام الباب

وعجـزت ،أمري ووجدت أن هذه المشكلة تفوق احتمـالي ذهبت إلى أبي بخوف وتردد .. تماما عن إيجاد الحل المالئم

القصة ورجوتـه أن يقنـع السـاعي وخجل وقصصت عليه بـل ال يـذهب علـى ةفأجاب أبي بحـد . أال يحمل الحقيبة

لماذا لم تقولي لي من أول يوم؟ لماذا تركته يحمـل "اإلطالق الحقيبة؟ لماذا تركته ينتظرك؟ لقد آلمت صديقتك وسببت لـه

:فقال لـي . يوم فأجبته إنني خفت أن أشكو من أول " الحرج مواعيدك حتى ال تقلقي أمك وال تتسببي عليك أن تعودي في

في إيالم الناس، رحم أبي صديقتي ورحـم مشـاعرها ايومورحم الجد الذي أصر على أداء ما تصور أنه واجبه، وحلت

. المشكلة برفق وبإنسانيةوفي بورسعيد امتحنت أمي بموت شقيقها المهنـدس

وكانت قد فقـدت ،عبد العزيز أباظة وهو في شرخ الشباب ، فلم تحتمـل هـذه النكبـات المتتابعـة، ةقبله شقيقين وشقيق

وزحف إليها المرض، وثقل على قلبها السقم، وبدأنا منذ ذلك اليوم نعيش مع الخوف، ونحيا مع القلـق، وظلـت شـهورا

تقاوم المرض والمرض .. أربعة هي التي عاشتها بعد أخيها ب ليـأتي يقاومها وتدافع الهموم والهموم تدافعها، يخرج طبي

طبيب، ثم نقلت إلى مستشفى القلب باإلسماعيلية، وكان مديره ،الدكتور جوديل الطبيب الفرنسي المشهور في ذلك الوقـت

يخفي هلعه بـين ضـلوعه، .. وكنت أرى أبي شاردا حزينا وكنت كلما خلوت إلى أمي أسندت رأسي إلى كتفها وبكيـت

مرة، وعنفني دون أن أعرف سببا لبكائي، إلى أن رآني أبي على ذلك، فعجبت لتعنيفه، ولكنني قـدرت مشـاعره، بـل ورثيت له، ولكن بعد ذلك بسنوات، وحينما كانت تفاجئ أمي

ويسند ظهرها علـى .. كان أبي يسارع إليها .. النوبة القلبية صدره ويعكس وجهه ما تالقيه هي من آالم وأوجاع، إلى أن

وهي بين يديـه، ١٩٤٢ يونيو سنة ١٩انتزعها الموت يوم ولما أفقنا، وجدنا أبا ملتاعا، ووجـد هـو .فاندك البيت علينا

. ووصف هذا اليوم في ديوانه.. أبناء ذاهلين دفعت صدرها إلي وألقت

رأسها عند راعد ذي خفوق

ة تتهاوىثم قالت في أن أزفت ساعة الفراق السحيق

ال ترع واحمل الفجيعة جلدا ا بخليقلست للضعف عنده

وأشارت لطفلة تشهد الهول بقلب دام وجفن غريق

قالت ارع األوالد وابق كما كنت مثال األب المحب الرفيق

ومضت تنزع الحياة وتلقي في زفير آصارها وشهيق المح وعرف ذكيىفي سن

وابتسام عذب ووجه طليق لو تراها تقول قد مسها البهر

فمالت إلى سبات رقيق وقفنا مروعين نجيل الطرفو

بين التكذيب والتصديق ثم عدنا للحق عانين صرعى

من مفيق يهذي وغير مفيق

ومنذ ذلك اليوم بدأ كل منا يبحث عن طريقه ويتخبط . في الدنيا دون هداية األم وحنانها، ولهفتها

أنـات "واندلعت النار من قلب أبي آهة مدوية هـي ومن األبيات التي " ليها في أكرم جوار إ"وكان إهداؤه " حائرة

هزتني دائما هذه األبيات التي يصف فيها أول زيـارة إلـى قبرها، وكنا نذهب معه إلى هناك، فينتحي جانبـا ويتحـدث إليها في همس، ولم يفارق هذا المنظر مخيلتي، وكنت دائمـا

: أتساءل عما يقوله وال أجد جوابا إلى أن قرأت هذه األبيات : زيارة األولىال

دعاني لها الشوق الدخيل وهزني حنين مكتمىإلى المضجع األسن

أفضت لها حتى إذا جئت شفني لهيب أواب يهم ويحجم

فال أنا أستطيع القفول فأنثني وال أنا أستطيع المثول فأقدم

ولما كففت الدمع إال أقله ونهنهت في جنبي نارا تضرم

ي وروعتيدخلت عليها في وضوئ

كما يدخل البيت المحرم محرم وقفت يقص الدهر تاريخ غابر

من العمر والعمر ابتسام وأنعم تمثلتها منضورة الحسن طفلة

يضيء الدجى منها جبين ومبسم وطاوية عهد الدراسة كاعبا

ضرة وتوسمنتروعك فيها ومجلوة للعرس وضاءة السنى

الشباب وتنعميتأود في وش وجامعة في بيتها شمل بيتها

توسطهم كالبدر حفنة أنجم فمحمولة منه إلى ساح مفضل

يقبل ويعفو عن كثير ويرحم وقفت أناديها وأهتف باسمها

حتى أوشكت تتكلمفوألح وقلت لها يا زين ما من فجيعة

تعاظمني إال وفقدك أعظم فأنت لعيني مذ تراءتك قرة

تمتلك توأموأنت لنفسي مذ وحبب فيك النفس عليا خالئق

إذا لم تحببها الوشائج والدم سأكرم أكبادا تركت فإن أمت

فإن إله الناس بالناس أكرم عليك سالم اهللا يا أم واثق

وواالك من جدواه هتان يثجم سيبكيك ال يقنى دموعا وال دما

مدى العمر مقروح الجوانح أيم انه بين ضلوعه، وذهب بهـم إلـى وحمل أبي أحز

أسيوط مديرا لها، وبقى هناك ثالثة أعوام أحب خاللها أهـل الكلمة الحلوة . أسيوط وأحبوه، فقد كان أبي قريبا إلى القلوب

واالبتسـامة المرحبـة ، تسبق إلى لسانه دون أن يبحث عنها كان يحب النـاس . هافتعلالمطمئنة تبدو على شفتيه دون أن ي

حبونه ويقدر أن للبشر حدودا ال يطـالبهم بـالتفوق كما هم ي وقـد كـان ،وهذا في نظري هو سر حب الناس له .. عليها

علـى ، أنيق الملبس والحركـة ، فارع الطول ،مهيب الطلعة .وجهه جمال وجالل

من الملفت للنظر أن جيل أبـي كلـه أو معظمـه تجمعهم صفات متشابهة، فكلهم قرأ األدب العربـي وأحبـه

كلهم قرأ القرآن وارتكز عليـه ليحمـل . غربي واستوعبه والسـمعتهم يتناقشـون، . كلهم قرأ التراث وبنهم وشغف ،لغته

وسمعت حوارا ممتعا أخـاذا يسـتعرض التـاريخ واألدب وراعني منهم تنوع الثقافة وجمال .. والشعر والفن والسياسة

. صقلتهم التربية القديمة فهم متواضعون في كبرياء ،العرض.. شبوا على تحمل المسئولية والترحيب بهـا ،بسطاء في عز

. إنه جيل شرف مصر كلها في جميع المجاالت يذهب إلى مكتبه فـي ،كانت حياته في أسيوط رتيبة

لى نادي البلدية بعد الظهر، ويعود إلى بيته فـي إ و ،الصباحأختي وأخي وأنا في انتظـاره ولكـن : الساعة التاسعة يجدنا

، فقد كان األدب وقتذاك يقتضي أال نبـادئ الكبـار كالتماثيل وأن نرد على قدر السؤال إذا سئلنا، وكنا فوق ذلك ،بالحديث يفتح أبواب الحديث كنا نغلقهـا أنومهما يحاول . بهكله نها

بكل أمانة، ونعود إلى الصمت المطبق لنحيل حياته إلى ملل . وبيته إلى صحراء

ما فسألنا أبي من بـاب أذكر أننا عدنا مرة من السين . المسامرة

ـ رحتو السينما ـ نعم :ألختيفقال

ـ عجبكم الفيلم؟ هوـ أي

حكايته إيه؟.. ـ الفيلم عبارة عن إيه . ـ واحد بيحب واحدة

.ـ فسكت يأسا واستسالماوكانت أختي تتبع نظاما قاسيا في الغـذاء لتخفـيض

نفسها وال علـى وزنها، فإذا طلب منها برفق أال تقسو على غضبت وحبست نفسها في غرفتها يومين أو أكثر، . صحتها

واعتبرت هذا تدخال في شئونها الخاصة، فإذا ما سأل عنهـا .. األمر يمـر ببسـاطة لم يعلق وإنما يترك . وعلم باحتجابها

ومما يلفت النظر عند أبي أن وجهه كان يعكس كل ما يدور نظرها دخيلة نفسـه، وكانت والدتي تحس به وتقرأ ب ،بنفسه

وتفهم إذا كان يشكو من ضيق أو غضب أو ملـل وتسـارع

، واعتـاد ةدون أن ينطق ببنت شف . وتقترح هي ما يريده هو على ذلك وظل على هذه الحال إلى أن أوقعتـه األيـام فـي

في أيدي ثالثة أوالد يرونـه ،أيدينا، في أيدي ثالث كوارث منهم في حاله، تشغله والهم يعصف به والسأم يمأل نفسه وكل .. المدرسة والمصروف والقلم واألستيكة

وقد ظل أبي مرتديا البدل السوداء عامين كاملين بعد وفاة والدتي، ثم جاء يوما يخبرنا بكل رقة أن أصدقاءه فـي

.. أسيوط، وأذكر منهم وهيب دوس وحبيب دوس وكمال نخلة اآلخر فـي رجوه أن يخلع السواد فإذا بنا ينظر كل منا إلى

امتعاض، وإذا بنا بعد أن نخلو إلى أنفسنا نتهمه بأنه هو الذي نتفق على أن نكشر إظهارا ،يريد ذلك، وكأنه جرم ال يغتفر

منا لالحتجاج، وإني كلما تذكرت تلك القسوة منـا ال أغفـر لنفسي وال إلخوتي هذه التصرفات الصبيانية التي تحمل فـي

فقد كنا سعداء بأحزانـه هـانئين . .ثناياها األنانية والوحشية بآالمه، ولكن ال ننسى نحن أن نـذهب إلـى السـينما كـل

وال أن نختار األلوان الزاهية لمالبسنا ـ والويل كل .. أسبوعوقد نوه عن ذلك . الويل ألبينا إذا هو حاول أن يخفف مما به

: حين قال

لما خلعت سوادي فيك عاتبني يبمطرق من كسيف اللحظ أكباد

أنا الذي تتراقى النار في كبدي أما أحس أوار النار أكبادي

من أجلكم وصباكم في بشاشته نهنهت إرسال دمعي الظاهر البادي

كمورزئحطمتموا بالصبا أصفاد ت أحمل أغاللي وأصفادي لوظل

وإني اآلن أتمنى لو أنه أمسـك بنـا نحـن الثالثـة . الذي يعذبني إلى اليوموأوسعنا ضربا وشفى فينا غليلي

وظللنا سنوات إذا اجتمعنا على المائدة فمكان أمـي . موجود ال يشغله أحد ولو زاد عددنا أو احتجنا إلى المكان

كانت أختي تكبرني بعامين، كانت في السابعة عشرة .. من عمرها، على وشك الزواج من ابن عمتها أكمل أباظة

ـ ي الشـرقية ويحـب وهو اآلن من المزارعين الناجحين فالشعر، ومع مرور الزمن أصبح ذراع أبي األيمـن يباشـر الزراعة التي لم يكن أبي يعرف عنها الكثير، وزادت األلفـة

كانت أختـي بسـبب هـذه ، األكبر هبينهما واعتبره أبي ابن

لنفسها بالتزين، وكنت أرى أال حق لها في هذا الخطبة تسمح : والغيظ يدفعني وقلت لـه فذهبت إلى والدي ،إال بعد الزواج

وطلبت أقسى العقوبة علـى " أختي تتزين وتكثر من الزينة " ولكنني روعت عندما نظر إلي نظرة كلها لوم وتأنيـب ،ذلك

فخرجت مسرعة أبدي حنقي وأخفـي " وأنت مالك ":وقال لي واصطدمت بأختي وهي تكمل زينتها باسمة ولكنـه ي،خجل

وتدور األيام ،أختي بعد ذلك عاتبها على الغذاء كما قالت لي واذهب إليه بعد عشرين عاما ألشكو له ابنتي ومـن نفـس

ويكون رده مشابها لرده القديم، ويطلـب منـي أن .. السببقد كـان دائمـا يتهمنـي ف ،أتخلى عن أفكار القرن الماضي

ويفوقني كثيرا ، وله القدرة على تفهم مشاكل الشباب ،بالتأخرويسخر مني كلما تصديت ... ة أوالدي في الوصول إلى عقلي

لألمر الواقع ويناقش ابنتي في الحب والزواج، وتتكلم هـي راءها بإسهاب وتصـف لـه آمعه ببساطة وحرية وتعرض

وهي في الخامسة عشرة مـن عمرهـا كيـف تريـد زوج تقبل في الوقت الذي ال أجرؤ فيه أنا على إبـداء رأيـي المس

ننـي ال أسـتطيع أن إج، بل أمامه ال في الحب وال في الزوا

أكلم زوجي في وجوده بالحرية التي تتكلم بها هي عن زوج . المستقبل

كانت خاالت أبي وهن كريمات إسماعيل باشا أباظة وكانت تجمعـه بهـن .. دائمات السؤال عنه وهو في أسيوط

كان يجـد عنـدهن .. صداقة قوية وحب متبادل وتفاهم كبير وقدرن أحزانه وآالمـه، بـل ! تيراحة نفسية فقد أحببن والد

ه فيها، وكنا نتوجه إليهن كلما أردنا شيئا كماليا مـن نوشاركصدر إليه فيدفع بعد دفـاع أبينا، فتتحول الطلبات إلى أوامر ت

صوري عن النفس، وكانت أكثرهن إلحاحا عليه هي حـرم الدكتور حسين أباظة، وقد ظلت توالينـا إلـى أن تزوجنـا

.. شكوه إليها إذا فضل أختي عني في شـيء جميعا، وكنت أ وأغتنم فرصة وجوده في القاهرة وأكلمها من أسيوط ألطلب ما أريد، وإذا بأبي يعود ومعه ما طلبت وأكثر، وكـان مـن

وقد " إيش تعمل الماشطة في الوش العكر : "باب االنتقام يقول ظلت صلته بخالته هذه تقوى مع الزمن وكان لها في حياتـه

. تمسمكانة ال وحـاول أبـي أن ،تزوجت أختي ونحن في أسيوط

وأذكره وهو معنا في المحالت ال تكاد أختي .. يكون أبا وأما

تشير إلى شيء حتى يشتريه، وكنا جميعا ال ندري من أيـن وهي " عبد الحميد بك أباظة "خاله ففكر في أن يلجأ البنة . نبدأ

وم بشـراء وكلفها بأن تق ،زوجة عمه محمد في نفس الوقت فـإن ،ما تحتاجه العروس، ولهذه السيدة في حياتنا شأن كبير

ننس لن ننسى وقوفها مع أبي يوم وفاة والدتي، ثـم لجوءنـا وترحيبها واهتمامها بأمرنـا ،إلى بيتها كلما ضاقت بنا الدنيا

فقد كنا نخرج من المدرسة إلى .. ونحن في المدارس الداخلية تذهب بنا مع ابنتها هيام إلى السينما وكانت.. اآلحاد مبيتها أيا

، وكان اليوم يمر كلمح البصـر ،والمسارح والحدائق العامة وال نشعر إال ويوم االثنين قد حل فنـذهب إلـى المدرسـة

. ساخطينجمع فيه .. واحتفل والدي بزفاف أختي احتفاال كبيرا

اذكر أننا كنا نتفرج على الضيوف مـن شـرفة .. أصدقاءه يملئـون حديقـة ١٩٤٥وكان كبراء مصر سـنة المنزل،

وكنت أرى أبـي جمـيال بـين ،الربعماية على موائد الغداء وخيل إلى أنه ليس في مصر كلها من هو أجمـل .. مدعويه

وكـان عمـي .. وال أكثر هيبة من أبي وأعمامي من حوله كما كنا نناديه شديد التعلق بوالدي، شديد الحـب " بابا عثمان "

د كانت له بمثابة األم فازداد عطفـه علينـا بعـد دتي، فق اللورعانا في .. وتغلغل في أمورنا بقلب كله حنان وحب ،رحيلها

طفولتنا وتعهدنا في شبابنا، وأحبنا بملء نفسـه، ولـم نكـن نستطيع أن نجازيه على حبه إال حبا وعلى عطفه إال تعلقـا،

لى وكان ال يحيد عن الحق ولو سلطت عليه السيوف، وكنا ع حبنا الشديد له نخشاه ونخافه، ونعجب به في نفس الوقـت، رآنا يوم زفاف أختي كالتائهين في الصحراء فأخذني وأخوتي

عدنا بعد الفـرح . بين ذراعيه وتالقت قلوبنا وتالقت أدمعنا أخي وأنا إلى أسيوط، وقد كانت مشاجراتنا اليوميـة تقطـع

يحب أن يضـيع فقد كان أخي ال .. الملل الذي يعيش فيه أبي وقت في الدراسة على الرغم من ذكائه، وكان يرجوني فـي امتحانات الفترة أن أخفي شهادتي حتى ال يسأل أبـي عـن

ـ مشهاداته، وكنت أستنزف أمواله ومجا يالتـه حتـى أخف.. ثر، ثم أذهب إلى أبي ليوقـع عليهـا كشهادتي أسبوعا أو أ

. يستعمل أسلوب التسويف هذا إلى اآلنبقى أخي وي فوكان ألخي صديق اسمه سمير ويصا، وهو ابن أل

بك ويصا من أعيان أسيوط، واتفقـا علـى الهـروب مـن المدرسة وأخذا سيارة وذهبا بها إلى ديروط، وبعد دقائق علم

فقـال لـه هالمأمور بوجود ابن المدير فاتصل بأبي في مكتب وجاء أخي وزميله مرتعدين ودخـال " أرسله ومعه عسكري "

وهو من ،وكان سيد بك روحه . ة بعد استئذان الناظر المدرس. الشخصيات التي ال تنسى بين رجال التعليم في ذلك الوقـت

ن انتظم أخي في فصله حتـى فـوجئ بـأبي أمامـه، إوما ا كيف ضفقد ،رب أمام الجميع وال ينسى أخي وزمالؤه جميع

اعتقد أنه يستطيع أن يهرب بسيارة متى شاء بنفوذ المـدير، . لكن نفوذ األب كان أقوى وأوقعو

وحدث بعد ذلك أن صمم الناظر نفسه علـى طـرد وأظن أن السبب كان . نهائيا" البكالوريا"تالميذ السنة الخامسة

ال أذكره اآلن، وصعق أوليـاء األمـور غير أني .. خطيراووسطوا أبي لدى الناظر، وبعد مفاوضات ومحاوالت جـاء

. ومنهم اآلن أسماء معروفةالصفح وعاد كل إلى سبيله ومضت . خفف أهل أسيوط أحزان أبي والتفوا حوله

األيام وفكر أبي في الزواج ثانية، وإذا بالخبر ينـزل علـيأين الشعر الحزين إذن؟ أين الوفـاء؟ أيـن . نزول الصاعقة

القسم الذي أقسمه وكتبه شعرا على قبر والدتي؟ تتابعت فـي ال تتبادر إال إلـى أذهـان أبنـاء ذهني كل هذه األسئلة التي

الخامسة عشرة الذين ال يقبلون من األوضاع إال ما يناسـب عتبر أن هذا البيت مانعا أرغباتهم هم، وكنت حتى هذه السن

: فعليا يقف في وجه أي تفكير في الزواج سألقاك لم يشغل فراغ تركته

ببيتي ولم يمأل مكانك من قلبي أعلن خبر زواجه أرسـلت إليـه والغريب أنه عندما

سيدات من العراق وسوريا يستنكرون هذا الزواج ويعتبـرن أنـات "حن له بديوان وأن قلعة الوفاء للمرأة قد انهارت، ويل

كلها لوم " الرسالة"بعضهن مقاالت في مجلة ونشرت " حائرةوعتاب، وكان يطلعني على تلك الرسائل المشـتعلة وكنـت

صا وأنها تعبر عن رأيـي الـذي خصو.. أبدي إعجابي بها . ال أجرؤ على الجهر به

بل أرسـل إلينـا . لم يكلمنا أبي في موضوع زواجه كما نسميه، وقد اختاره لهذه المهمة لسعة ،عمي، أو بابا أحمد

اد، ولم تكن تختلف معاملته لنا عـن وقأفقه وحيلته وذكائه وال أبينـا، معاملة أبينا، ولم تكن حقوقه علينا تقل عـن حقـوق

وإذا بـي .. أرسله لنا ليمهد لنا الطريق، فإذا بأخوي يسكتان . وأدخل في حوار لست على مسـتواه ،أناقش مناقشة عظيمة

وكـان .. وأخذ عمي يالطفني ويردني إلى أن جمعنا والـدي فنحن مـا زلنـا .. إذا كنتم غير راضين ":رقيقا كعادته وقال

فأجابته أختي .. ونوأريد أن أسمع منكم أنكم راض " على البر فالتفت إلـي .. ناأوكانت قد تزوجت إنها راضية، ولم أجب

وكان هذا فـي وقتنـا .. فلم أجب " قولي إنك مبسوطة ":وقال .. يعتبر منتهى الجرأة والتحدي

وانتهى االجتماع وانتابتني بعد ذلك نوبة من البكاء، . النوبات متعاقبة يثم نوبة من الضحك العصبي وتبادلت عل

. و قلت أكثر من عشر مرات لما كنت مبالغةلوقد أشار أبي إلى هذا الموقف في إحـدى قصـائده

: عندما قال وبنيات تخطرن على

رونق العمر وموشى صباه قلنا ما خطب أبينا بعدما

هصرت بين ذراعيه مناه وبكاها ومضى.. فبكاها

مثال يضرب في الدهر وفاه يا بناتي من ذاق الهوى

قدسا عاد إليه فارتواه لو إذا اقتنيه كدرا لصفي

عن جديد منه قلبي فأباه يا بناتي إذا القلب صبا

وهن العزم وخارت قدماه فإذا عوتب في صبوته

هكذا اهللا يراه.. لج فيها وتزوج أبي من أمينة صدقي ابنة إسماعيل صـدقي

ذكـاء متقـد، فهي ، وهي سيدة لم أر في الناس مثلها ،باشالـم نطالبهـا بشـيء . وسريرة نقية وقلب حان وخلق قويم ولكن كل هذا لم يمنـع ،وأعطتنا من نفسها وقلبها كل شيء

ومشت بنا الحياة . سوء استقبالي لفكر الزواج في أول األمر ةفي أسيوط ولم أكن أريد أن أرى الجوانب الحسنة في زوج

. ومـا بعـد يـوم ولو أن هذه الجوانب تنكشف أمامي ي . أبيوكنت أبتعد عنها وألجأ ألبي في كل أموري، ولعل عالقتـي

أتم أبي في أسـيوط . بأبي بدأت تقوى وتتأصل لذلك السبب ودعاه الملك بعـد أن . ومثلت في دار األوبرا . رواية العباسة

شاهدها إلى قصر عابدين مع الفرقة القومية ولجنة القـراءة

وتبـارى أهـل . ة الباشـوية وأنعم عليه برتب . لتناول الشاي فقـد . أسيوط في إظهار مشاعرهم نحو أبي بمناسبة الباشوية

. كان يدعي كل ليلة ليسهر عند واحـد مـن أعيـان البلـد ودعينا أنا وأخـي . واستمرت هذه الحفاوة شهرا على األقل

وكانت السهرة في قصر له ،عند عمدة أسيوط صمويل شنودة وامتدت المائدة على . لها آخرا حديقة مترامية األطراف لم أر

. النجيلوكانت األطباق التي بهـا ألـوان الطعـام مضـاءة

وكأنهـا أحجـار . والمائدة عبارة عن أنوار تتألأل . بالكهرباءوالحقيقة أن هذا المنظر بهرني وأنـا . كريمة مختلفة األلوان ولم أجرؤ أن أسـأل كيـف يضـاء . في هذه السن الصغيرة

. الدهشة وكأنه شيء طبيعي بالنسبة لـي ولم أظهر ،الطعام . ولم أنس هذا المنظر إلى اليوم

كنا نحضر عرض رواية العباسة كـل ليلـة حتـى وكانـت .. حفظنا نغمات أصوات الممثلين في جميع المواقف

أختي تعد األماكن الخالية في الصالة وتعتبر المقعد الخـالي ب الشـعر أن الجمهور كان يح والحقيقة . إهانة شخصية لها

ففـي . بل كان أحيانا يكمل األبيات مع الممثلـين . ويهتز له

" قـيس "موقف البن أبي عتيق يهدئ من ثائرة " قيس ولبنى " : ىوهو يحاول أن يعيد إليه لبن

اصطنع يا قيس صبرا إنني أعرفهنه

إن للنسوة جهال وهوى يملكهنه

خلق ركب فيهن فواتي طبعهنه

راهال ترع مما ت وتنظر رشدهنه

طابع النسوة فاعلم نعننيتم

فيكمل الجمهور " هنه"و

".. بنىقيس ول "وتكرر ذلك في كل مرة شاهدت فيها ظل أبي مالزمـا الفـراش " قيس ولبنى "وال أنس يوم افتتاح

ملتفا بجميع األغطية الموجودة فـي المنـزل، فقـد انتابتـه تظر في هذه الليلة حكـم من شدة االرتباك فهو ين .. قشعريرة

وكان أخواه ،الجمهور على أول عمل له يظهر على المسرح وأعمامه يهدئون من روعه، ودقت الساعة وذهبنا مساء إلى المسرح وكانت األنوار تتألأل، والسيدات بمالبـس السـهرة الفاتنة، والجواهر الثمينة يزدن دار األوبـرا جمـاال علـى

. جمالت مقابلة حارة، وأظهر النـاس ومثلت الرواية وقوبل

وبكت السيدات إشـفاقا .. إعجابا بالشعر وإحساسا صادقا به : حين قالتىعلى لبن

يا رب هذا ما قضيت فليس لي في العقم من ذنب وأنت عليم

زعموا قضاءك تهمة فتألبوا هذي تعيرني وذاك يلوم

يا رب تعلم أنني صانعتهم وموالقلب منهم مثخن مكل

وبغوا فلما قلت يا نفسي اصبري وعوتب المظلوم.. مغضب الظلو

وذهبت القشعريرة عـن " قيس ولبنى "ونجحت رواية ولم يحاول أن يخفي فرحته فقد كانت عيناه تفيضـان .. أبي

. بها، ولكن تواضعه ورقته لم يفارقاه، لحظة واحدة

: مخرج الروايةخمسون (تابه اطي يتكلم في ك شوأترك األستاذ فتوح ن

وألول مـرة فـي تـاريخ : ويقول) عاما في خدمة المسرح كـل األرقـام " قيس ولبنى "ي تضرب رواية عرالمسرح الش

فقد مثلـت أول األمـر . القياسية في النجاح األدبي والمادي ـ أكبـر ةشهرا ونصفا علـى التـوالي، ودرت علـى الفرق

وقـد . تثم أعدنا تمثيلها بعد ذلك عشرات المرا . تاإليراداقدمت إدارة الفرقة للمخرج والممثلين والممثالت هدايا نفيسة

ولما بذلوه من جهود ممتـازة . لمناسبة نجاح الرواية العظيمة كما قال األستاذ محمد حسن مدير الفرقـة ،في القيام بعملهم

عدا والئم شائقة قدمت لنـا خاللهـا هذا :في حديث صحفي أسـها العـدس األبـاظي ألوانا من الطعام الفاخر وعلـى ر

. المشهور

كتبـت : ويستمر األستاذ فتوح قائال في الكتاب نفسه مجلة آخر ساعة المصورة في صفحة عالم الفن هذه الحادثة

: التي إن دلت على شيء فعلي تواضع مؤلف قـيس ولبنـى أن " قيس ولبنى ومن ظريف ما حدث في حفلة افتتاح رواية "

يحييه، ولكن عزيز أباظـة الجمهور أراد أن يرى المؤلف و المسرح ىوهو رجل متواضع حيي خجول أبي أن يظهر عل

ليرد تحية الجمهور وانكمش في البنوار األول في ركن منزو ودبر محمد حسن مدير الفرقة مؤامرة لطيفة . ال يراه منه أحد

مع األستاذ شكري راغب مدير مسرح األوبرا إلظهار عزيز فطلب إليه أن يذهب بعد . م منه أباظة على المسرح على الرغ

الفصل الثالث مباشرة إلى المسرح ليهنـئ الممثلـين علـى وأجابه عزيز أباظة إلى طلبه ولكنه لم يكد يصـل . نجاحهم

معـه فضـربت . إلى منتصف المسرح حتى ارتفعت الستار ووقف مبهوتا دقيقة أو دقيقتين ال يدري مـاذا يعمـل . لخمة

. لمسرح عدواوالجمهور يصفق ثم خرج من اديـك "وبدأ بعد ذلك في كتابة مسرحية شعرية عـن

وكان ال يزال يملي علينا الشعر وال يكن يكتب رواياته " الجنوكان بعد عودته من عمله يخلع ثياب الخروج، . بخط يده بعد

وبعد تناول غذائه يجلس على كرسيه .. ويلبس ثيابه المنزلية أقالمه وأوراقه، وعلى الخاص به، وإلى جانبه منضدة عليها

األرض وحوله قدميه يضع كتبه ومراجعه، ثم يمسك بحاجبه . ا الشعريناأليمن بإصبعه ويملي عل

أنها لوحة جملية يوكلما تذكرت هذه الصورة خيل إل . تمثل شاعرا مرهفا يكتب وسط عائلته بهدوء ودون ادعاء

وأذكـر " ديك الجن .. " كامال في رواية وقد أتم فصال : ض أبياتهابع

اخطري يا ظبية القاع ويا عود األراك

أنا يا بنت السنا والمجد كالبدر أراك

عز بيت قد تبناك وملك قد نماك

وتسامت شرفات شع منهن سناك

خصك اهللا بحسن لم ينل منه سواك

وأخذنا نقرؤها في غيابه ونقلب فيها حتى أضـعناها، الكراسة فإذا بنا نرتبك ونـتلجلج، وجاء في ميعاده يسأل عن

وأظنه رأى ،ونجد في البحث عنها ونحن نعلم أننا لن نجدها الخوف في أعيننا ففهم وسكت، ولم يقس ولم يعنـف حيثمـا

. كان يجب أن يقسو وأن يعنفثم فكر في كتابة مسرحية شعرية عن معاوية، وكان

حكـم رأيه أن المخرج سوف يجد مجاال واسعا لإلبداع ألن . معاوية كان يتسم بالفخامة واإلبهار

وفي مقابلة مع الدكتور طه حسين كلمه عن معاويـة .وقال له إن الفكرة قد تسلطت عليه تماما

: فقال الدكتورـ أنصحك يا عزيز أال تفعل، فمعاوية شخصية غير

إذا جاملته ثار عليك البعض، وإذا ظلمته ثار عليك . محبوبة . فعدل أبي ولم يتردد.. ن لن تكون منصفاالبعض، وفي الحالي

ط مجرم الصعيد الـذي دوخ األمـن فـي كان الخ وكان من المسـتحيل ،عنفوانه عندما كان أبي مديرا ألسيوط

فقد كان يحميه بعض األعيان، وكـان يخشـاه . القبض عليه فقـرر . سـترون عليـه تالناس فال يبلغون عن مكانه، بل وي

وجته ووالدته حتى يضغط علـى الحكمدار أن يقبض على ز الخط ويسلم نفسه، ولما علم أبي ثار وغضب، وكـان فـي

: وقال للحكمدار في حدة. موقفه هذا إنسانا وشاعراـ إن هذا التصرف ليس مـن اإلنسـانية وال مـن

نصل إليه بـالقوة ال عـن أن إن واجبنا ،الشهامة في شيء . طريق النساء الالئي ال حول لهن وال قوة

سبيل المرأتين، وتمكنوا من القبض عليه بعد لىأخو بخطة محكمة، وكمين وقوة ضـخمة ،شهور بالطريق السليم

. من البوليسوأذكر يوما ونحن ال نزال في أسـيوط أن جـاءت ناظرة المدرسة الثانوية التي كنت بها لزيارة أبي، فرحبـت

ـ . أن أبقـى يبها وبقيت معهما ظنا مني بأن من الواجب عل فدهشت لدرجة أنني ،دعينا وحدنا قليال : وبعد قليل قال والدي

فأعاد طلبـه، فخرجـت ،كذبت أذني، ولم أتحرك من مكاني وكلي حيرة فيما عسى أن يكون سرا بين الناظرة وبين أبي،

ولكن علمت بعد ذلك من ، ولم يهدني طول تفكيري إلى شيء لسـنة إحدى المدرسات أن أبي قد قرر أن يـدفع تكـاليف ا

الدراسية الثنتين من زميالتي في الفصل، ألنني قد عوفيـت

ولكـن . ولم يكن يريدني أن أعرف عن ذلك شيئا ،من دفعها لما استطعت إال أن أكـون .. يا أبي الحبيب لو أني قد علمت

. ابنتكوفي يوم كنت جالسة في حجرتـي أسـتعد لـدخول

قول لـي إن وإذا بمن يدخل علي وي ،امتحان في اليوم التالي ألنهم يعطلون استعدادي لالمتحـان، ؛ فغضبت ،أبي يطلبني

وجدت أبي جالسا في مكانه ،ولكنني ذهبت طبعا على عجل لقـد أرسـلت فـي طلبـك : وعندما رآني قال لي ،المعهود

،ألسمعك ما كتبته اآلن في رواية الناصر فاجلسي واسـمعي مـاقي فجن جنوني من الغيظ، ولكنني كتمته في أعمـاق أع

ستمع إلى الشعر، وعقلي كلـه فـي أوجلست على مضض وزاد من غيظي أنني ال حول لي وال قوة، وأننـي . دروسي

ال أن أبقى وأن أسمع، وعندما انتهى أبـي مـن إال أستطيع ... قراءته أسرعت إلى غرفتي وأخذت أبكي

ألم أكن أعلم وقتذاك أن أبـي لـيس ككـل !! ويحيه عبء المسـرح الشـعري بعـد اآلباء؟ وأنه حمل على كتف

على نفسه أن يحافظ على لغة القرآن رغـم ىشوقي، وأنه آل ألم أكن أعرف أن كثيرا من أساتذة الجامعـة !! كيد الكائدين

والمتخصصين كانوا يتسابقون إلى دراسة أعماله ويتلهفـون كيف كـان .. على معرفة شيء عن حياته؟ كيف كان يكتب

م أتنبه إلى له وكيف وكيف؟؟ أ يعيش وكيف كان يعامل أوالد أنني كنت إلى جانب فنان كبير؟ ألم أكن أشعر برضـاء اهللا

حين أوجدني في كنف شاعر مرهف الحس عنده مـن يعلالرقة أكثرها رقة؟ لعلني اعتقدت أن النـاس جميعـا علـى

أو لعلني كنت مثل باقي الناس الـذين ال يقـدرون !! شاكلته !!الالصقين بهم حق قدرهم

ى أن كبرت ورأيت وفهمت وقارنـت وأحسسـت، إل !ولمت نفسي واإلنسان ما أكفره

وأذكر أنني ذهبت في رحلة إلى تونـا الجبـل مـع مدرستي، واجتمعنا في فناء المدرسة فـي الصـباح البـاكر

ألننا كنا سنقضي اليـوم بأكملـه فـي ؛وأخذنا معنا غذاءنا وبعد أن . ووصلنا إلى تونا الجبل في محافظة المنيا ،الرحلة

شرح لنا المدرسون ما شاهدناه من اآلثار هناك حان ميعـاد نا بتناول غدائنا، وإذا بمـن الغداء، فجلسنا على الرمل وهمم

لى االستراحة القريبة منا حيث إيناديني ويطلب إلي أن أذهب ولما ذهبت رأيت أصـدقاء أبـي . يوجد بعض أصدقاء أبي

. أن أنضـم إلـيهم جالسين على مائدة أنيقة وطلبـوا منـي ـ ؛فتحرجت مـع زميالتـي، ولكننـي ى ألنني أفضل أن أبق

وشكرت بقدر ما استطعت وعـدت . ت برفق ضتشجعت ورف ولكني خشيت أن يغضـب . إلى زميالتي دون أن أقول كلمة

أبي ألني رفضت دعوة أصدقائه، وعندما عدت إلى أسـيوط . وسمع مني أبي قصتي : قال على الفور

أنك تركت زميالتك يتنـاولن ـ بل كنت أغضب لو غداءهن على رمال صحراء تونا الجبل، وبقيت أنـت فـي

ء ثم ما ذنب زميالتك إذا كان ألبيك أصدقا ،االستراحة األنيقة ما ذنبهن حتى تعاملي أنـت .. عةاس، وله عالقات و نكثيرو

.. معاملة خاصة من أجل خاطر أبيك؟ـ .. وقبل أن أترك أسيوط تلـك الحادثـة يتلـح عل

فقد كنا دعينا إلى فرح وجاءت صديقة لي لتـذهب . لصغيرةاأرجـو : "فإذا بوالدي بعد أن حياها يناديني ويقول لي .. معنا

أال تلبسي شيئا من حليك فإن صديقتك ال تلبس حليا بـالمرة ولكني لم أقل إنني أنـا " حاضر يا بابا : "فقلت" فال تضايقيها

وكبرت معـي هـذه .. شيئا ياألخرى لم أكن أملك من الحل

هذا الشـعور المرهـف ولم أجد في الناس .. اللفتة الصغيرة وكلما رأيت من مكنته الحياة من الظهـور بمظهـر . الرحيم

الغنى واألبهة مع من لم تمكنه الحياة من ذلك خارجين معـا . في اجتماع واحد وددت لو أنهم كانوا أقل أناقة وأكثر رحمة

الحكوميـة ودخـل ترك أبي أسيوط وترك الوظائف مجلس النواب ثم مجلس الشيوخ، واستقر بنـا المقـام فـي

وغيـر . إدارة شـركات متعـددة ودخل في مجلس ،القاهرةلقد دخل عزيز باشا ":يقولوكان أخوه أحمد .. مجرى حياته

ودخل الشركات ،الوظيفة فنجح فيها وأحبه الناس أينما ذهب الـذين عمـل ونجح فيها وعقد صداقات قوية مع األجانـب

فقـد ، ودخل ميدان األدب ونجح فيه ورسخت قـدماه ،معهم ". نجح في كل ميدان دخل فيه

كان أبي سعيدا عندما تقدم زوجـي ثـروت أباظـة لخطبتي مع أنه كان ال يزال طالبا في كلية الحقوق، وحـدد

وحدث أثناء تلك الفترة خالف ،الزفاف بعد امتحان الليسانس ظهرت بال تحفظ مسـاندتي لهـا، وإذا وأ.. بين أبي وزوجته

وقفت اآلن وقفة هنا، لوجدتني كنت مخطئـة فـي تقـديري للموقف، فقد كنت في الثامنة عشرة من عمري، وكنت أعتقد

يجب أن تخضع للقوانين وأن حياة النـاس أن مشاعر الناس يجب أن تسير في فلك مرسوم، وكأني أردت أن أخلع البيوت

. هامن واقع الحياة ودفاعتوعز على أبي موقفي منه، وغضب مني وتجـاهلني

ست الثوب األبيض ونزلت علـى بإلى أن جاء يوم زفافي ول السلم، وإذا به يقابلني في وسطه ويأخـذني بـين ذراعيـه

غسلت دموعي ما قضيت في تجميله ساعات .. ويقبلني باكيا الفرح في بيت دسوقي باشـا أباظـة والـد وساعات، وأقيم

ة التـي يبأت الزفة وهي في نظري الدقائق العص زوجي، وبد إنهم يقولون إن هذه الدقائق ال تحسب من .. تمر بها كل فتاة

ألنها تخرج الفتاة من ؛العمر، وهي فعال ال تحسب من العمر فأمام كل هذه العيون الفاحصة التي تنظـر .. الشعور بالحياة

عن في لحظة واحدة إلى شخص واحد ال يسعها إال أن تكف الحياة، وبينما أنا خارج الحياة نفذت إلى عيون أبي الحانيـة

واستطعت أن أسمع أغنيـة ،وهي تتابعني، وبجانبه أم كلثوم الزفاف التي سمعتها أجيال من قبلي وستسمعها أجيـال مـن

.بعدي

وذهبت إلى بيتي، وكان إذا زارني أبي انتظـر فـي فاجأ فيـه الصالون وأرسل في طلبي، في الوقت الذي كنت أ

جـي لـم اولن أقـول إن زو .. ببعض الضيوف في غرفتي تعترضه الصعوبات، فقد كان كـل منـا يحـاول أن يثبـت

أخذا من عمرنـا سـنوات، .. وجوده، فأثبت غباء وغرورا وكان أبي إذا تدخل فبناء على دعوتنا، واضطر اضـطرارا

ـ ا ولـم ألن يكون عادال فإن كان الحق معـي سـاندني علنوإن كان علي شعرت بقلبه يساندني وإن اشتد علـي يتحرج،

ولقد كان شاعرا حتى .. بالقول أو انطلق لسانه بغير ما أريد لم أسـمعه فـي .. كان حانيا ولكن في كبرياء .. في أحكامه

فإن نفرت ،أو تجرح األذن . الذوق يحياته ينطق بكلمة تجاف لناس اآلن من بعض األلفاظ الغليظة التي تجري على ألسنة ا

واتهمني أنني أريد من الجميع أن ،بسهولة سخر مني زوجي يتكلموا بالشعر، ولكن عذري أنني نشأت في بيت شاعر عف

. رشيق اللفظ رحيم القول.. اللسانوفي أول حياتنا الزوجية نظم معنـا أبـي ميزانيـة

وأظنه كان في هذا الموقف أرحم بزوجي، فأفلت من .. البيتوكم لجأت إليه، وكـم اسـتنجدت .. رايدي زمام األمر شهو

.. وكنت إذا ذهبت إليه وأنا معتنية بشـكلي ومظهـري .. به.. أجابني إلى طلبي بسرعة وهو راضي النفس متهلل الوجه

.. وكنت أعرف ذلك وأستغل هذا الضعف فيهية بمالبس الزفاف، ارلم نهتم بأن نصور صورة تذك

إنه .. التليفون قائالكلمنا يوما فيوكدنا أن ننسى ـ لوال أن المصور المعروف في ذلك الوقـت " أرمان"حدد ميعادا مع

وبقـى .. وذهبنا ووجدناه في انتظارنـا .. وأنه سيقابلنا هناك معنا إلى أن انتهى المصور من تحريكنا كالشـطرنج بـنفس الطريقة التي يحرك بها كل من يقع بين يديه، وتكون النتيجة

. حياة فيهاولكن ال.. صورة تذكاريةكنت جالسة مرة مع أبي وسأل زوجي عن مفتاحـه

أتتكلمان كزوج وزوجة ":فابتسم أبي وقال . فوصفت له مكانه وكانت نبراته فرحة مدللة، " ولم يمض على زواجكما أسابيع

ثـم . وكنت أذهب إليه كـل صـباح .. وكنا نسكن قريبا منه ـ .. ا إليهـا وجدنا شقة في نفس العمارة التي يسـكنها فانتقلناء، وكنت دوأصبحت أزوره صباحا ومساء، وأحيانا وقت الغ

وإذا تـأخرت . إذا قللت عدد الزيارات اليومية تملكه العجب يوما ساوره القلق، وحينما انشغلت بتربية األطفال كان هـو

ويالعبهم، ويتقرب إلـيهم بـالوعود ي،الذي يأتي ويجلس إل ا يقال عن حب المـرء كان يرى أن م .. ورغم حبه لهم . فقط

وال يقره .. ألحفاده أكثر من حبه ألوالده شيء ال يقبله العقل فهـو .. كان يعتبر نفسه المسئول الوحيد عن أوالده .. القلب

واسـتقبال ... يتحمل عبء المرض، والعمليـات الجراحيـة .. األطفال أيضا

الفرحـة فهـي أول ؛وكان عنده ضعف شديد ألختي ي شهدت وفاة أمنا حين كنـت وأخـي كما يقولون، وهي الت

بالربعماية، وكان يحلو أن يعلن تفضيله لها ويبالغ في ذلـك والواقـع ،صطنع الثورة واالحتجـاج أأمامي، فكنت أثور أو

ولكنني أعرف .. أني لم أكن أصدق، فأنا أعرف من أنا عنده وكان البد لـي أن أمازحـه وأدعـي .. أيضا أنه يمازحني

أن حب أختي له حب بدأت قوتـه منـذ والحقيقة .. الغضبوتبـدي .. ا ألمي طفولتها حتى أنها كانت تحبه أكثر من حبه

ذلك وال تخفيه، وكان يعاملها برقة وحنان ومجاملـة فـزاد ولعل حبها له هو أقوى حـب فـي حياتهـا، إذا . تعلقها به

. استسمحنا الزوج واألوالد

وكنت إذا طلبت منه شيئا ظللت ألـح وألـح حتـى واعتاد مني على ذلك، بـل إنـه كـان يقـول ،يبني إليه يج

إنه يحب تلك المناقشات وذلك .. ألصدقائه المقربين إلى قلبه اإللحاح، بل ويرفض خصيصا وهو ينوي اإلجابـة ليطيـل

وكنت أفتح باب المرافعة وال أغلقه، وكنت أقول له ،المناقشة :سـاخرا الكثير، فيقول ين مركزي االجتماعي يفرض عل إ يكفي أنني ابنتـك :فأجيبه" وأين هو هذا المركز االجتماعي؟ "

. وهذا يكلفني كثيرافقد كنـت أحبهـا .. وكما كان يحب هذه المناقشات

بدوري وأشعر أن األرض ثابتة تحت أقدامي وأنني أسـتطيع أن أتحدى به الناس واأليام، وإني أشـهد أنـه غمـر أوالده

هم، وقد كتب مرة يصف حبه وبجاهه وعاش حياته ل ببعطفه و : مشاعره في أوتوجراف لي وهبتك قلبا مع شقيقك عامرا

بأغلى الذي عندي من الحب والعطف وأسكنتكم أحناءه منزال لكم

فلو قد صددتم عنه أسكنتم طرفي وأصفيتكم من حبة النفس رحمة

ويسعد نفسي أنها لم تزل تضفي ي حنو الوالدين وأتقيوأبد

يفينهل الحنو الذي أخف.. يفأخف إذا ما بذلتم لي جزاء يضيء لي

فمن ساكب العرف. بقية أيامي وإن كانت اآلباء كهف فروعهم

بكمو كهفيوح.. فكهفكمو حبي أما عالقاته بأصدقائه وأقاربه فكانت أساسها الرحمة

ذهبت إليه أطلب خمسمائة . ونسى األمر ىوالود إذا قصد لب ال تعـرض إكان عليه أن يدفعها فـورا و . جنيه ألحد أقاربي

للقضاء، ولم يتركني أبي أكمل قصتي الطويلة، وإنما أعطاني المبلغ بال تردد، وتكرر مني الطلب في هـذا النـوع مـن

: المشاكل، وتكرر منه العطاء إلى أن قال لي يوما ضـاحكا حكى لي . وال يتردد كالعادة " هو إنتي مستخسرة في فلوسي؟ "

ر ممثلينا المشهورين أنه ذهب وهو في مستهل حياته أحد كبا الفنية إلى أبي وكلمه عن رغبته في أن يدخل عالم اإلنتـاج،

ي أنه يحتـاج إلـى بوكان هذا الممثل فنانا صادقا، وأحس أ مساندة لكي يكمل مشروعه، فكفاه مئونة الطلـب وعـرض

عليه هو أن يساعده، وكانت طريقة عرضه فيها أبوة، وفيها حنان، حتى خيل لهذا الفنان أنه إنما لجأ إلـى أبيـه، وتـم

ورد الممثل المسـاعدة ولـم ،المشروع وظهر الفيلم ونجح أسمع من أبي كلمة واحدة عن هذا الموضوع، وكنت دائمـا

إذا طلب أحد منـه .. أعجب بأبي ألنه يحترم إنسانية اإلنسان وساطة ما، وااله هو بأخبارها حتـى ال يتحـرج الطالـب

وال يشعر أنه يضايق أحدا، كانت رقته تفوق كثيرا الدرجـة كان يتصرف دائما بطريقة ناعمة إنسانية ال يفهمها . المعتادة ..الكثيرون

وقص علي مدير بنك مصر سابق، إنه عندما كـان مديرا للبنك ذهب إليه أبي ليضمن صديقا له من الشرقية في

لصـديق حالتـه الماليـة ا اعتماده، وكان المدير يعلم أن هذا السداد، فحاول أن يؤجـل الضـمان، ولن يستطيع .. مرتبكة

: فرفض أبي، فاضطر المدير أن يخبر أبي بالحقيقة فقال أبي: فأجابـه المـدير " أنا على كل حال ضامن ضامن "

:فأجـاب " نت ضامن ولكنك ستضطر إلى الدفع نيابة عنـه أ".. قاء ألبـي لقد نشأت فوجدت عائلة هـذا الصـديق أصـد "

ورأيتهم وأنا طفل في سالملك الربعماية، فكيف أتخلى عنـه،

أنا ضامن ومستعد أن أدفع هذا الدين ولم يسدد الصديق ودفع ألم أقل لك : لم ينس مدير البنك أن يمازح أبي ويقول له . أبي

ومرت " لقد فعلت ما يجب علي أن أفعله ":يا باشا؟ فقال أبي لقـد : "مدير البنك مبتسما وقال سنوات خمس وجاء أبي إلى

رد الصديق المبلغ وأرسل لي صندوقا مـن الكمثـرى مـن وطوال السنوات لم يتوان " ة التي ساعدته على إنشائها قالحدي

عن رد غيبة الصديق الذي اعتقد الجميع إنـه اختفـى إلـى ". األبد

دخلت مرة محل تحف صينية بجانب سـينما أميـر وسألته عـن ثمـن .. يني مسن رجل ص هباإلسكندرية صاحب

.. لك أنت بالسـعر الـذي تريدينـه ":ترابيزة أعجبتني فقال إنـك : "فدهشت ولكنه قال .. ناسبكوتدفعين في الوقت الذي ي

قد ال تعلمين أفضال والدك علي فلقـد دخـل يومـا محلـي فقلت إننـي محتـاج . ووجدني واجما حزينا فسألني عما بي

قد فاجأني طارئ، وال أجد حـال لمبلغ من المال لمدة شهر، ف فإذا به يخرج دفتر شيكاته ويعطيني المبلغ بال أي ،لمشكلتي

ضمان، وهو ال يعرف غير المحل مكانا لي، فـإذا أغلقتـه وقد رددت المبلغ ولكنني .. أو سافرت فأين له أن يجد مكاني

فأجبته أن هذا شيء طبيعي، وأنا أعلم أنـه .. لم أنس الجميل ودفعت .. في رأي أغلب الناس، وأخذت الترابيزة ليس كذلك

. ثمنها على عدة أقساطسافرت مرة مع أبي إلى اإلسكندرية وكان يجمعه ود

وكان " الحاج رشاد "بصاحب محل بيع فضيات معروف اسمه اشترى أبي واشتريت . الحوار يدور بينهما عن الدين واألدب

: أنا وقلت ألبيأن فأرجوك.. ع أن أدفعه المبلغ كبير جدا ولن أستطي

فوافـق أبـي . ي ثم تخصم مني مبلغا أول كل شهر تدفعه ل ونفذنا االتفاق فعال في الشهر األول، ثم نسى هو وتناسيت أنا ومرت الشهور وذهب أبي إلى اإلسكندرية وتذكر الدين وجاء

: يحاسبني فقلتوإن كنت نسيت فما ذنبي أنا؟ وهـل .. ـ بل دفعت

ولكنني بعـد .. أن أدفع الدين مرتين؟ فسكت تحتمل ميزانيتي : فترة قلت له ضاحكة

. ـ إنني لم أدفع شيئا . ـ فأجاب غاضبا

ـ وأنا لن أتعامل معك بعد ذلك، وقد عرفت أخالقك .. نفس قلة الذمة من ناحيتي ب ولكن التعامل تكرر ،بهذا المبلغ

. الخاطر من ناحيته، ولما ذهبنا إلـى العمـرة وبنفس طيب : أخي لهذا السفر قلت لهةكان قد دعاني مع أختي وزوجو

.. ـ إنني دعوت لك بالصحة وطول العمر عند النبي . ولكني استأذنته في االحتيال عليك أنت فقط

وكنا قد أبدينا رغبتنا في أداء العمرة، فظل يشـجعنا وعن االستعداد للسـفر، .. ويسألنا يوميا عن إجراءات السفر

ل تحمسنا أو يزيد عنه، ثم قرر أن تكـون وكان تحمسه يعاد وكنت أتعجب من شدة حماسه، ولكننـي .. رحلتنا على نفقته

عرفت بعد ذلك أن فريضة الحج كانت أغلى أمنية عند أمـي ولم يمكنها المرض وال العمر من أدائها، فسارع إلى رغبتنا يلبيها لعله بذلك يرضيها ويرضينا، ثم أرسل لألمير عبد اهللا

ولست في حاجة أن أقول ما وجدناه مـن حفـاوة .. لالفيص . وتكريم

كنت وأبي دائمي النقاش، وكان دائما يختلف معـي، ذهنه قابل للحركـة والتجديـد ـ إال فـي ،فهو واسع األفق

فكان يـرى أن ،الشعر، وكان يتهمني بضيق األفق والرجعية

ـ هاإلنسان إنسان وأنه معرض للخطأ وأن الظروف قد تدفعوكان يحـب الجمـال ويغفـر .. حيث ال يريد أن يصل إلى

وكنت أرى أن اإلنسان يجب أن يكون . للمرأة الجميلة الكثير وإذا تساهلت بالنسبة للرجل فال أسـمح ،أقوى من الظروف

وكلما زاد جمالها زادت قسوتي عليها ألنهـا .. للمرأة بالخطأ ثم إن ،يجب أن تحمي نفسها من غرور نفسها ومن الطامعين

أمـا الزوجـة فـال توبـة ،الزوج الخائن يمكن أن يسامح فالمرأة تخون نفسها وتخون أوالدهـا ،وال غفران وال نقاش

وتخون االسم الذي ائتمنت عليه، وإذا حاولت أن أتخلص من عيتي، وحاولت أن أكون مرنـة حتـى يحتملنـي أبـي رج

وفرضت أن حبا دهم الزوجة وهي في عقر دارها، فلتكتـف وكان ،ذا الشعور الجميل، فال كلمة وال لمس وال خيانة إذن به

كان يجب أن تولدي في القرن :" يستمع إلي مبتسما ويقول لي ". الماضي

ذهبت معه يوما لنزور شقيقتي فاستقبلتنا وهي ترتدي روب زوجها وشبشبه، فانتقدها أبي في رحمة ولطف، ولكنه

يس من حقها أن إنه ل : " شعوره بالضيق وقال ىلما خرجنا أبد ومنذ ذلك اليوم ظل يشتري لها مـن ،تبدو أمام زوجها هكذا

كل بلد عربي يزوره أجمل العباءات وأغالها ثمنـا لتكـون كان .. أبداكاملة الزينة في بيتها، وكانت أختي ال تطلب شيئا

بل كان يسألني إن كانـت .. هو الذي يسألها ويلح في السؤال ذا يثير في نفسي الغيرة فكنـت وكان ه ،في حاجة إلى شيء

انتقاما منه اخترع الطلبات وأبالغ فيها، فيأتي بها دون تـردد " يجـب أن تعـدل بيننـا ":ـ ثم اختطف الفرصة وأقول له

.. فيضطر إلى العدل اضطرارا..وأطالبه بالمثلوقد كانت لنا صديقة شابة . قلت إنه كان يحب الجمال

شديد االهتمام بها، وكان وكان أبي ،يفوق جمالها كل وصف ولكنني رفضت هذا العرض بشدة، ،أهتم أنا أيضا يريدني أن

. ألسباب تعرفها الزوجات وقلت لهـ واهللا لو لم تكن هذه الصديقة بهذا الجمال لما بلـغ

. اهتمامك بها إلى هذه الدرجة فأجاب مبتسما ومداعباومحتاجـة أنت ما عندكيش إنسانية دي عيانـة "ـ

والنتيجة أن إنسانية أبي كانت تثير حنقي " رعايتي واهتمامي ل.. على تلك اإلنسانة الجميلة، وكما كان ضعيفا أمام الجمـال

ضعفا يخفيه حينا وينهل منه أحيانـا، . كان ضعيفا أمام أبوته ،فقد خيل إلي يوما أنني أصبت بمرض خطير ال عالج لـه

ت أجـزم بـاألمر، ونسج خيالي ما شاء له أن ينسج حتى كد فأصر أن يذهب معي إلى الطبيب ولم يمنعني هلعي أن أشفق

وأن أثنيه عن مرافقتي، فقد قدرت أن جزعه سـيكون ،عليه وأن ألمه سيكون أكبر من ألمـي، إنهـا ، جزعي نأعمق م

المشاعر التي ال يجرؤ أن يحس بها اإلنسان إال لوالديه، إنها زاننا ومادت األرض تحـت المشاعر التي إذا فقدناها اختل مي

أقدامنا، ولكن يكفي أننا شعرنا بها يوما، وطمأننـا الطبيـب . وزال عنا الخوف

أما عزيز أباظة الزوج، فقد احترم المرأة وقـدرها، وأعطاها حقها من الحرية وعاملها معاملة الند للند رغم أنـه

، ولم أره مع أمي إال واالحترام قائم بينهما ١٨٩٨من مواليد يجلهـا ،الحب يشع من حولهما، ورأيته يقدر زوجته الثانية و

ويحمل لها أصفى الود وأصدقه، فقد رعتـه ورعـت أوالده وقد أكرمه اهللا ولم ،وجمعت شمل بيته بعد أن كان قد تصدع

:ينشأ بيننا وبينها خالف كما يحدث عادة، وكنت أقـول لـه عـال وهو عذاب ف " إنك لم تذق طعم هذه النوع من العذاب "

وإني أحمد اهللا وأحمد زوجته ألنها لم .. لمن هو في مثل رقته تكلفنا هذا العناء، فقد أحببناها ألنها اختارت أن تكـون أمـا

.. اختارت راضية ما تجبـر عليـه األمهـات إجبـارا .. لنااختارت هي فكان حقها علينا أكثر من حق األم وأكثر مـن

حراسة، وفـي حق الرحم، وقد وضعت هي وإخوتها تحت ال ضربة عشواء تغيرت أقدار الناس وتحملوا الظلـم بكرامـة

ولقد .. وثبات، وليس كالظلم يهد كيان اإلنسان ويزلزل إيمانه عرفتهم صغيرة وكبرت بينهم ورأيت بيوتهم تستقبل الغنـى

وأشـهد أنهـم . وتستقبل الفقير بنفس الحفاوة وبنفس التكريم جاه، ولكنهم أسعدوا الناس اهم به اهللا من مال و بتمتعوا بما ح

. وأغاثوا المكروبين ،وأشهد لزوجة أبي بأنها لم تبخل بمالها وال بصحتها

والحمى الراجعة ١٩٤٣فقد كافحت المالريا في األقصر سنة وبنت بتبرعات األهالي في أسـيوط ١٩٤٥في أسيوط سنة

وفي مصر القديمة . مستشفى من أكبر المستشفيات في مصر وصف صغير مستشفى اعتبر في ذلك الحـين جعلت من مست

وكان به أحسن األطبـاء وحتى اآلن من أعظم المستشفيات، وكان مديره الدكتور مصطفى الشربيني ،وأكفأ هيئة تمريض

. الجراح الشهير

وقد يكون مثل أوالد إسماعيل صدقي باشا كثيـرون ممن فرضت عليهم الحراسة، ولكنني أتكلم عـنهم بالـذات

ـ ألنني خال جر عـادل اطتهم وعرفتهم حق المعرفة، وقـد هصدقي على كندا وهو يقترب مـن الخمسـين والقـى مـن المتاعب والهوان ما القى إلى أن وجد عمال يناسـبه، ولقـد فضل المتاعب على الشعور بالظلم وفضل الغربة في كنـدا

. على الغربة في مصروقف أبي إلى جانب زوجته، وكان زوجـا مسـئوال

ولكن لم تحتمل زوجة أبـي ،حانيا، وشريكا دمثا رقيقا وأخا الشعور بالظلم وقام صراع بينهـا وبـين نفسـها أدى إلـى اضطرابات عصبية تسببت في إصابتها بانسداد في شـرايين الساقين، وتقرر أن تجري لها عملية في لندن، سـافر معهـا

واستغرقت العمليـة أربـع سـاعات . أبي واصطحبني معه وقال . وقبيل العملية تحدث الجراح عن خطورة الحالة كاملة،

وإنها قـد ال تسـتطيع أن .. إنه ليس متأكدا من نجاح العملية تسير أكثر من خمس دقائق متتالية، وطلب منها أن تكتب أنها قد أحيطت بالنتائج علما، وأنها قد قبلـت بمحـض إرادتهـا

حم أحيانـا إجراء العملية، وأحببت الكذب حينئذ، ووجدته أر

بالناس من الحقيقة، وأما المريضة فكانت ثابتة هادئـة وأمـا نا أأبي فقد حاول أن يخفي قلقه ـ وأن يكتم اضطرابه، وأما

فقد شعرت بجسمي يتخبط بعضه في بعض، وأحسست بقلبي يترنح في صدري، ومرت العملية بسـالم وكانـت النتيجـة

جانبهـا شـهرا قي أبي إلى بأحسن بكثير مما قدر الجراح، و بأكمله يحنو عليها ويجاملها حتى كادت الغيرة أن تدب فـي

شـاهد نوبعد أن تماثلت للشفاء كنت أخرج مع أبـي ل . قلبيالمتاحف والمسارح، وفي يوم ذهبنا معا إلى السينما، وبعـد انتهاء العرض أمسكت معطفه بكلتـا يـدي ووقفـت وراءه

علينا من كل جانـب أللبسة إياه، وإذا بنظرات التعجب تنهال وكأني قد أجرمت عندما لـم أراع بروتوكـولهم، وقـرروا بالنظرة السريعة الالئمة، أننـي ال أمـت للمدنيـة بصـلة،

لم يكن ووالحقيقة أنني كنت سعيدة وأنا ألبس أبي معطفه، ول إن : "الرأي العام ضدي بهذا الشكل اللتفت إليهم ولقلت لهـم

" قية هو تعلقها بأبيها وأمهـا أجمل شيء في حياة المرأة الشر فاألب يظل أبا حانيا مسئوال ناصـحا إلـى .. امورعايتها له

أما عندكم فاألبوة تنتهي عند بلوغكم ... آخر لحظة في حياته . ن الرشدس

وإن أجلنا الطرف فيما حوله وتركنا أوالده وزوجته فقد كان شـديد الحـب ،جانبا لرأينا عالقاته العائلية متشعبة

لعمته، وهي سيدة شديدة الذكاء، واسعة الصدر تتكلم في كل طري، وكانت ال ترحمنـا نحـن فموضوع باتزان ووضوح

وكان متعلقا بأختـه ،أهل بيته إذا سببنا له أبسط المضايقات سريعة البديهـة تحفـظ وهي تكبره بعدة سنوات، وهي سيدة

طت في الشعر وتستشهد به رغم أنها ال تكاد تقرأ، ولكنها خال صباها جيال من الناس أحب القراءة وحفظ الشعر وتعمق في األدب، وكأن أبي يحب الجلوس إليها ويستعيدان معا ذكريات

أخي : "طفولتهما، وكانت تشهد له دائما بعذوبة الحديث وتقول ولكن كان يحلو لها " عزيز يضع قطعة من السكر على لسانه

بما فعلته له وهما في بيت أن تشكو منه إليه وأن تذكره دائما وكم وضعت في جيبه الجنيهات الذهبية كلما عاد إلى .. أبيهما

وكم تعمد أن يبدو وكأنه ال يراها حتى . جازةالمدرسة بعد اإل وكيـف أنسـى : "ال يمنعها من ذلك وكان يضحك ويقول لها

ولكنها إذا أحست أن به ضيقا كانت نارا على مـن " أفضالكيق، وعندما تنفرج الغمة تعود إلى الشكوى، سبب له هذه الض

أذكر مرة أنه وعدها بأقمشة كهدية في . وكان يحبها كما هي

أحسـن عليك أن تشتري لعمتك : وقال لي أمامها.. مناسبة ما ـ ما في المحالت من أقمشة، فذهبت وأردت أن أرضي أ ي ب

سعر معقول، ولمـا رأت بوأرضيها، فاخترت أقمشة جميلة و عليه االمتعاض ولكنها لم تقل شيئا، فال هي أثنـت الهدية بدا

وال هي انتقدت وإذا بها بعد ذلك تشكوني ألبي وكيف أنني لم أوفيها حقها وكيف أنني اشتريت أقمشة ال تليق بها، وكيـف

تـوفري نوهل طلبت منـك أ "فغضب أبي وقال لي . وكيف كيف تغضبين عمتك؟ وكيف ال تعرفين ما يليـق ممـا . لي

أنا الذي سأشتري لك بنفسي : "يق؟ والتفت إلى أخته قائال ال يل ومرت األيام وجاءت المناسبة تلو المناسـبة ."كل ما تريدين

وطبعا لم يذهب أبي إلى المحالت لشراء الهدايا ألخته، وطال الطيبة وبالطبع لم انتظار عمتي، ولم يصلها إال الوعود والنية

تقابلت معها عنـد أبـي وفي يوم . أتطوع ألحل هذا األشكال فأخذت تربت على كتفي في نعومة، وتنظر إلـى نظـرات

ـ : " مدللة، وتقول وتريد أن يسمع أبي لـك لقـد يالحق علمن قال إن ما اشتريته لي لـم يعجبنـي؟ إذا . يئأدركت خط

لـن . ي كله رنتظر عم أانتظرت أن يشتري لي أبوك فسوف مهام عملـي ويضحك أبي ويأمرني بتسلم " أشكوك بعد اليوم

األول، ولكني تحريت هذه المرة أن أشتري األغلى ثمنا حتى . أرضى عمتي وأعاكس أبي

بنا المقام في القاهرة سكنا في حي الـدقي لما استقر وكنا نتمشى معا كثيرا في شوارع القاهرة، وال يكاد واحد من

فقد كانت معارفـه كثيـرة ، والدي يالمارة يمر دون أن يحي رافعا يده إلـى رأسـه بحـرارة يهلة، وكان يحي بدرجة مذ

تتفاوت على حسب درجة المعرفة، وفي يوم كنا سائرين أمام تعالى أعرفك بسـيدة "منزل صديقه سعيد بك األلفي فقال لي

جذابة الشخصية، ودخلنا ووجدنا صـاحبة المنـزل السـيدة وأقبلت .. اعتماد الطرابلسي جالسة مع زوجها وأصدقاء لهما

وجلسـنا معهـم . بوجه بشوش وصوت ساحر .. تحيينا علينا من قـيس اا باعتماد تقول شعر ودار الحديث عن الشعر فإذ

وبهرتني هـذه .. نطق عربي أخاذ بولبنى بصوتها الجميل و وأذكر يوما أنا خرجنا نتمشى علـى . األديبة الفنانة المعجبة

ـ مالنيل فإذا بي أرى أبي يعانق صديقا له التقينا بـه ة دفاصورأيت شوقا يفيض من عيونهمـا " بيا صديق العمر "ويناديه

وحبا ينطق به وجهاهما، وما أن انتهى اللقاء الحـار حتـى فقال إنـه زميـل دراسـته ،سألته عن هذا الصديق الحبيب

كيف تحبه كل هـذا ":وصديق عمره مصطفى مرعى فقلت إنها الحيـاة تباعـد بـين ":فقال" دفةاصمالحب وال تراه إال

الناس ولكن ال تستطيع أن تنزع الود من قلـوبهم ولطـول عملي في األقاليم قلت لقاءاتنا ولكني أراه دائما عندما أكـون

. كيف تعرف على مصطفى مرعـي يوقص عل " في القاهرة وقد كتبها في الخطبة التي أعدها الستقبال مصطفى مرعـي

ـ ه بعد ذلك بعشرين عاما، وذهب قبل أن يلقيها وأتـرك قلمتالقينا في مدرسة الحقوق وكانت الثـورة " يصف التعارف

الكبرى قد اندلعت في البالد عامة فظاهر أهل البلد أجمع، ثم اختلفوا أي التدابير أسرع وأكفل لتحقيق ،اختلف زعماء البالد

.. اآلمال؟ كان طلبة كلية الحقوق في طليعة الطلبة الثـائرين يؤمنـون أصـدق اإليمـان وكانوا جميعا إال قلة قليلة منهم

بزعامة الزعيم الخالد سعد زغلول ـ تستهويهم وتسـحرهم كلمته، ولم أكن منهم، وكان مقهى مدرسـة الحقـوق نـدوة

وذات صـباح كنـت جالسـا بهـذا .. للطلبة يتشاورون فيه وعلى قيد خطوتين مني جلـس زعمـاء الطلبـة .. المقهى

ـ دابير وإذا يديرون بينهم الحديث ويناقشون في الخطـط والتبواحد منهم قامت بعد ذلك بينه وبيني صداقة رحمه اهللا يقول

احترسوا فـإن إلـى : "يماءة طرف لم يخفهاوهو يشير إلي بإ ولعـل " جوارنا خصما لنا والجتماعنا غير مأمون الجانـب

بعض الحاضرين قد وافقوا على هذا الرأي ولكن واحدا منهم ثم أجال نظرات في اعترت طالقة وجهه مسحة من العبوس

تحدث عاتبا .. إخوانه جميعا ثم بدأ يتحدث في خفوت وهدوء ثم أخذ يتناول حرية الرأي وحرية التعبير، وحريـة . ثم الئما

اإلنسان في اختيار الطريق الذي يتالءم مع نفسيته واقتناعـه مدافعا عن ذلك الذي وجهت إليه تلك اإلشارة النابية، وحـين

ويقـول إن . وت متهـدج يؤيـد آراءه ض اندفع في ص رعووبرهـان علـى . اختالف اآلراء دليل على حيويـة األمـة

محاوالت كريمة تنشد الوصول إلى الحق، ولست أذكر كلمة الزميل على وجه الدقة ولكنني أذكر كلمة وكأنما سمعتها منه

أما عبادة . فليؤمن كل منا بما آمن به وهذا خير : " أمس قال بق إلى تأكيد ما يقولـون وتقـديس مـا والتسا.. األشخاص

" يصنعون فإنها عالمة إسفاف متهافت يصيب األمم والشعوب ثم قام والغضب واألسف في وجهه، مالمح هذا هو مصطفى مرعي كما عرفته في أول لقاء، وظل على ما هو عليه إلـى

. وانتهى وصف أبي لصديق عمره" يومنا هذا

علـى النيـل ورثاه مصطفى مرعي بعد مقابلتنا له وكان أبي قد أعد خطبـة . بعشرين عاما في المجمع اللغوي وأجل سفره إلى الخـارج . الستقبال صديق عمره في المجمع

مرتين ليتمكن من إلقائها بنفسه، إال أن اهللا دعاه إلى جـواره عضو المجمع مـن ولم يلقها، وقد طلب إبراهيم بك مدكور

كان أبي قد أتم الكلمة، بهي الدين باشا بركات أن يسألني إذا ـ ليلقيها ثروت أباظة بدال منه، وكانت لفتـة رقي وألقـى . ةق

ثروت الكلمة وقام مصطفى مرعي وقال وصال وجال وتكلم عن الفلسفة واألدب ثم تكلم عن والدي كصديق وذكر مناداته

وهو نداء ال ينسى ألن نبرات الصوت ". بيا صديق العمر "له تكلم عنه كشاعر بلسان تنساب منه كانت من خفقات القلب ثم

.. العواطف المتدفقة وبقلب ينهل منه األسىوأذكر بعد وفاة السنهوري باشا أقام المجمـع حفـل

: ورثاه أبي بقصيدة منها١٩٦٨تأبين في سنة ظلم الموت أن في أحضانه

مرفأ للغريق في أشجانه ومجازا إلى جوار طهور

كب حوله سنا رحماتهاس

غيب الموت شافعي زمانه وأصاب القانون في برهانه

يعظم الخطب في العظيم إذا لم يرق راق إلى عوالي مكانه

نكس الفقه رأسه يوم أودي وانطوى سامدا على أحزانه

هراض للباحثين جامح الصوب وأرخى لهم عصى عنانه

وحباهم من المراجع بالغيث تضيء الشروح في هطالنه

فوة القول أنه عبقري الجيلص غير المسبوق في ميدانه

ذو حياء في فضله حين بعض الخلق ذو خبلة على نقصانه

جمع الشرق وحده فتالقي علمه وبيانهجفي ديابي

سادن العدل أعرض العدل عنه ساخرا عن يقينه وحصاته

رأيه الحر عد من سيئاته واإلباء الوقور من سقطاته

د الحاسدين يفضي عن السفححس ويرقى للطود في شرفاته اإلنسان ضرب من ىإن رأ

العرض هما األكرمان من حرماته ىفإذا ساقه استطارت قو

الشر فألوت برزقه أو بذاته وإذا البغي لم تزله فأمهل

تفل األيام حد شباته ليس حكما حكم يشق من

اإلرهاب مهواته إلى شهواته ليس شعبا شعب يقر على

الضيم ويشفي غليله في نكاته إيه عبد الرازق أضفى عليك

اهللا من فضله ومن رحماته وتوالك من رضاه بفيض

يتوالى عليك في جناته

يكرم اهللا نافع الناس قبل المنطوي في صيامه وصالته

جزع المجمع الوقور وهل يجزع إال للصم من نكباته حياؤه وجاللكاد لوال العلم يروي أساه في عبراته

أنت حي وإن طوتك المنايا ومن الناس ميت في حياته

كلمني في التليفـون حـوالي يوأذكر أن مصطفى بك مرع أين عزيز؟ أنـي أريـد أن " الساعة الواحدة ظهرا وقال لي

د قبلته فـي قل: " فقلت إنه لم يصل إلى البيت بعد فقال " أقبله مع مهنئا بالقصيدة ولكنني أريد أن تقبليه عني ثانية فلقد المج

وال يفوتني ما دمت قد تكلمـت . كانت القصيدة فوق اإلبداع عن المجمع أن أذكر أن أبي قد دخل عضوا في المجمع عام

وأن األستاذ الكبير عباس محمود العقاد قـد اسـتقبله ١٩٦٢من نحو : " اديقول العق : بخطبة قيمة أسوق منها هذه السطور

عشرين سنة ظهرت في أفق البيان العربي آية مـن آيـات لشاعر لم يعرف " قيس ولبنى " هي رواية : الشعر والمسرح

وهو زميلنا اليوم بمجمـع : له عمل في هذين الفنين قبل ذلك وكان من حظي أن أقـدم . اللغة العربية األستاذ عزيز أباظة

صاحبها اليوم في هذا كما كان من حظي أن أقدم .. تلك اآلية مؤلف قيس ولبنى لو قضى : المجمع فقلت يومئذ في مقدمتها

عشرين سنة في السعي إلى المكانة األدبية التي يعرفهـا لـه .. األدب العربي اآلن لما كان ذلك بالكثير على تلك المكانـة

ألنه باتفاق الجلة من العارفين شاعر مـن شـعراء الطبقـة ومؤلف من مـؤلفي القصـص .. األولى في اللسان العربي

التمثيلي المعدودين في هذا الزمان، وتلـك منزلـة رفيعـة وال في عشر، بـل . ال يكثر عليها أن تدرك في عشرين سنة

عرف بها في أسابيع قالئل بغير مكابرة من أحد وال رغبـة ألنه غنـي بـالجوهر . في المكابرة ممن يستطيعها ويهواها

اف، أو هو قد اهتم بالقـدوة األصيل ولم يعن بالعرض المض . ولم يهتم بالتقدير الذي لم يتطلبه ولم يضيع فيه وقته

آخرها " قيس ولبنى " ثم تمت للشاعر النابع عشر آيات قبل فـي " قافلة النور "عصر عواهل الرومان ومن قبلها " قيصر"

وأرى أنني أعود إلى تلك المقدمة .. عصر الدعوة اإلسالمية ة وأعود إلى تلك القدرة التي تبينت لنا من فال أغير منها كلم

المشاعر في آيته األولى فإذا هي لم تتغير في الجـوهر، وإن تقدم وال يتكرر، فكل مالمح القدرة المعهودة يكانت في ازدياد

كما تتضـح " قيس ولبنى " واضحة في قيصر وضوحها في ن أ هل يـراد بهـذا .مالمح الرجل الكبيرة في صورة صباه

ا بلغ الشأو أخيرا وكان دون الشأو بكثير في بـواكيره شاعرناألولى؟ كال إنه قد ارتفع إلى الطبقة األولـى بـين شـعراء العربية يوم ظهرت له قيس ولبنى بغير مكابرة من أحـد وال

. رغبة في المكابرة كما تقدموربما كان للوظيفة حكمها في هذا االنطواء الفني مدى تلـك

. بها الشاعر في أطوار االستعداد والمراجعة السنين التي تقدم فإن المدير أو الحاكم قلما يناسبه أن يطالع النـاس بنجـوى

ولكنه ال حرج عليـه أن ،فؤاده كل يوم في الصحف السيارة يرفع الستار حينا بعد حين ليتحدث إلـيهم بألسـنة الممثلـين

ةال عجب إذن أن يطالعنا الشاعر بملك . وأبطال الفن والتاريخ من " قيصر"كل ما نراه في " قيس"نمت وأينعت وأن نرى في

ع والخبرة التي انتهت من انتمكن األستاذية وطمأنينة اليد الص . المحاولة إلى الحول، ومن التجويد إلى الجودة

وإنك لتقرأ عمله المسرحي وتقرأ له رأيه في المسرح فـتعلم ويحسـن . أنه يهتدي مع السليقة برأي الناقد وذوق المشـاهد

الموازنة بين رأي ورأي، والمقابلة بين ذوق وذوق، فيعطي ويصدر عن السـليقة قبلهـا، ويكـون أول . الصناعة حقها

. إال حيث يتقيه.. إن أصابه. الناقدين لعمله فال يصيبه الناقدولكننا نستقبل الزميل الجديد فال يفوتنا أن نذكر لـه

وجالء الحقيقـة عـن فضال سابقا إلى إنصاف اللغة العربية فقد طالما قيل إن شعر المسرح لم يظهر فـي .. طبائع أهلها

آدابنا قديما لضيق في حظيرة القريض العربي وقصور فـي خيال أبناء العربية، ولقد طال الرد على هذه الدعوى وتكرر القول ببطالنها، وعاد المؤرخون بالسبب إلى طبيعة الباديـة

فالزميل الجديد يؤدي بمجاميعـه .في مجتمعها وشعائر دينها العشر قسطا فوق قسط الشاهد الواحـد فـي هـذه القضـية الرابحة، فإن له لنهجا من النظم البليغ يلتـزم فيـه شـروط القريض ويتحرج فيه مما يباح للشاعر المـوجز والمطيـل، ويودعه ما يريد على ألسـنة الرجـال والنسـاء، وأمزجـة

ومواقف القـوة .. لعلية والسواد الخيرين واألشرار، وخالئق ا والضعف والضحك والبكاء، والرضى والحزن، فيتسع لمـا

أودع، ويجاوز مدى التعبير إلى غاية مـن البيـان المشـبع ويكاد أن يلتزم ما ال يلزم في القصيد فيجري .. واألثر البليغ

ويفرغ الموقف الواحـد .. الحديث الواحد على وزن ال يتعدد ويوشك أن يتحرج من قصر الممـدود . .في قالب ال يتشعب

ومد المقصور وهما في سعة من العذر المقبول لكل شـاعر . وفي كل مقام

إن اللغوي العامل ـ عزيز أباظة ـ لفـي الرحـب رشحته له أعماله الفصاح، .. والسعة في مجمع اللغة العربية

ولم يرشحه له صاحب األعمال كأنما شاء أن يصدقني اليوم إنه "بل عشرين سنة إذ كنت أقول ما أعيده اآلن كما صدقني ق

اهتم بالقدرة ولم يهتم بالتقدير، فلم يعرف الراصـدون هـذا قد جاوز األفق وأصعد في ىالكوكب إال وهو في برجه األسن

". سمت السماء وعلى ذكر المجمع اللغوي فقد حدث أن اجتمع فـي

ربـو القاهرة أعضاء المجمع اللغوي المصري وكان عددهم ي وأصر أبي أال يخدم ضـيوفه علـى المائـدة .. على المائة

إال أوالده وأوالد إخوته زيادة في إكرامه لهـم وقـد شـعر وأثرت في مشاعرهم وكنا نخدم هـذا .. الضيوف بهذه اللفتة

ةواهتممنا بكل ضيف على حد .. العدد الضخم بسرعة ونشاط نا الـبعض ولكننا كنا نتكلم ونضحك مع بعض .. اهتماما بالغا

والظاهر أن أبـي .. أوالد عمي وأخي وأنا أثناء تأدية العمل نسى أننا لسنا من المحترفين فأبدي مالحظته علـى صـوتنا

.. فسكتنا وأتممنا عملنا بكل هـدوء .. العالي وعلى ضوضائنا ولما خرج هذا الجمع الخفير من حجرة المائدة جلسنا نحـن

ض أعضـاء المجمـع وإذا بـبع .. أهل البيت لنتناول غداءنا : يقتربون منا ويقولون بلطف

ـ إن عزيز أباظة صمم على أال يخـدمنا إال أوالده .. وها نحن أوالء مستعدون أن نخدمكم بدورنا

. ردا على لفتة كريمة.. وكانت لفتة رقيقةفجزع . خطف الموت أخاه عثمان ولما يبلغ األربعين

شهرا بأكمله، وأخذ أبي وأذهلته الصدمة والزمته آالم الكلية أوالد أخيه تحت جناحه، ووجد فيه أشرف وهو ابن أخيه أبا

.. إليه بذات نفسه فيجد قلبا صـاغيا ومجيبـا ومعزبا يفضي وعندما فكر في الزواج أتى إلى عمه فوجد عنده الترحيـب

أهـي : وكان أول سؤال سأله البن أخيه ،والرعاية والمساندة ؟ ..جميلة

: رثائه ألخيه عثمان منهاوهذه أبيات من أخي وابني وأكرم أصدقائي

وأدناهم إلى نفسي مقيال ولدت على يدي فكيف تمضي

وأبقي بعدك الدنف الثكوال هو القدر الذي يرمي، فلوال

لم يهد السبيال: قلت. يقيني سلخت صباك بين يدي وعيني

وفي حضني درجت فتى صقيال إذا اآلباء حملهم بنوهم

وكم زل الصبا ـ الشجن الدخيال فأقسم ما لمحت عليك عابا

وقد البستك الزمن الطويال ورف لك الشباب فكنت بدعا

من الفتيان متئدا جليال كملت فكنت أوفى الناس صدقا

وأسرعهم على حق نزوال أخي وابني وأكرم أصدقائي

وتزدان الدنا بابن صديق قول حسبي أوكنت إذا أراك

سناك يرف في ليلى السحيق وأسمع همس خطوك حين تهفو

إلى غرفي مع الليل الغسوق واقتبل الصباح وأنت منح

إلي بوجهك الضاحي الطليق وتحمل عبء أوالدي وعبئي

فمن لي اليوم بالبر الوثيق هلثتأس أباك أشرف وامت

ورم قلعات سؤدده السموق وظهرت على المسرح " الناصر"اهرة مسرحية وقد أتم في الق

غـروب " و ١٩٥٠ومثلت عام " شجرة الدر " هـ ١٩٤٨عام ومثلـت عـام " شـهريار " و ١٩٥٢ومثلت عـام " األندلسوقد أخرجها جميعا األستاذ فتوح نشاطي مـا عـدا .. ١٩٥٥ . فقد أخرجها األستاذ زكي طليمات" الناصر"رواية

الروايات الشعرية ويقبل وكان الجمهور في ذلك الوقت يحب غير أنـه فـي . عليها بل ويتجاوب معها تجاوبا يلفت النظر

حـرم المشـرفون علـى ١٩٥٥السنوات الماضية منذ سنة المسرح الناس من هذه الروايات بحجة أنها ال تصـل إلـى

فلـو أنهـم رأوا دار .. الجمهور العادي ولست أرى رأيهـم يزيد كـال مـن األوبرا وهي تعرض على مدى شهرين أو

ولو أنهـم رأوا إقبـال " الناصر"و " العباسة"و " قيس ولبنى "ولو أنهم سمعوا كلمـة .. الجمهور وهو يتزايد يوما بعد يوم

تعلو استحسانا وإعجابا بالشعر، لو أنهم رأوا كـل وهي " اهللا"وأسوق هنا مثال يؤيد . هذا لما أصدروا هذه األحكام القاطعة

سيدة أمينة رزق وكتبه األسـتاذ فتـوح كالمي سمعته من ال وهو أن " خمسون عاما في خدمة المسرح " نشاطي في كتابه

لقلـة ١٩٤٦الوزارة قررت أن تحل الفرقة القومية في عام إيراداتها، فطلب المخرج فتوح نشاطي مهلة حتى يتم إخراج

لعزيز أباظة بطولة أمينة رزق وأحمد عـالم، " شجرة الدر "ها الموسم ونجحت نجاحا باهرا وأتـت بـإيرادات وافتتحوا ب

. وعدلت الوزارة عن الحل، واستمرت الفرقة القومية. خياليةكتب أنيس منصور في " الناصر"وفي أوائل عرض مسرحية

جريدة األخبار نقدا عنيفا للمسرحية وهجوما شديدا على أبي، اسـم ولم يكن عادال كل العدل وكانت أول مرة أسمع فيهـا

أنيس منصور ولم أكن أتصور حينئذ أنه يمكن ألي مخلـوق أن يهاجم أبي بهذا العنف، وظللت أكرهه أعواما وأعوامـا،

ذلك بأبي وجمع بينهمـا ود أساسـه ولكن صلته توثقت بعد الحب واإلعجاب، وأزالت األيام ما في قلبي مـن غضـب، ـ ا وعرفته وعرفت زوجته، فلم أستطع إال أن أعجب به أديب

. وبزوجته صديقة من أجل الناس خلقا وأخالقا.. وإنساناوبعد سنوات من ظهور المسرحيات جاءت الثورة ونال أبي

وخطب يوم االحتفال بتوزيـع ١٩٦٣الجائزة التقديرية عام الجوائز ودافع كعادته عن لغة القرآن اللغة التي يجتمع حولها

شأنها والتخلي العرب أجمع، وعرض بمن يدعون للتقليل من فثارت " ددفئة قليلة العدد ـ كثيرة الع "عنها، وقال عنهم إنها

ثائرتهم وظهرت الجرائد والمجالت وقد أرغـب وأزيـدت . وكانوا منتشرين فيها حينذاك

وطالعتنا مقاالت تهاجم هجوما شريفا، وبعضها أو القليل منها دها أن وحدث يوما والحملة على أش ،هاجمت هجوما مسموما

فتحنا التليفزيون فتصدى لنا رجل يلقي زجال كان قـد فاتنـا أوله، وكان ثائرا متوتر األعصاب، فقلت لزوجي، بالحاسـة

عد ثوان أفصح وأبـان بالسادسة ـ هذا الرجل يهاجم أبي، و

وعاب على والدي تحمسه للفصحى ووقوفـه إلـى جانبهـا يين عن وسألت إحدى المجالت مجموعة من الشعراء اليسار

والواضح طبعا أن السؤال كان لتشجيع ،رأيهم في خطبة أبي هؤالء الشعراء على مهاجمته، وقد هاجموه فعال، ولكن فـي رحمة وفي حب، وطلب مني أبي أن أقرأ عليه رأي شـاعر بعينه فقرأته عليه وأحسسنا أنه كالفأر في المصيدة، فال هـو

يسيء إلى أبـي، يريد أن يتخلى عن مذهبه، وال هو يريد أن فقال أبي باسما، يكفيني هذا منه، وأخفى أبي عنا سبب سؤاله ولكنني عرفت بعد ذلك السبب وأني اليوم لن أذكره إكرامـا

. لرغبة أبي في أن يخفيهوأذكر أن أحد الصحفيين قال إن شطرة واحدة مـن زجـل

ماليـين "صالح شاهين بشعر عزيز أباظة كله والشطرة هي ". الكعبالشعب تدق

شاءت األيام أن نسكن مع أبي في بيت واحد في المعـادي، ويكفي أن أقول أنه لم يتدخل مرة في شئوننا، ولم يسأل مـن

إذا نزلنا إلى طابقه رحب . أين أو إلى أين إن لم نخبره نحن بنا وسعد، وإذا لم ننزل تركنا وشأننا إال إذا أحس أن بنا تعبا

. أو ضيقا

بيت، يحب بيته ويقدس األسـرة، يجمـع كان بفطرته رجل شملها ما استطاع إلى ذلك سبيال وكان له مكان خاص فـي

ديـوان "حجرته ال يغيره وبجانبه كتبه األثيرة وخصوصـا إال البحتـري " وإن حاولنا أن نستعيره رفض قائال " البحتري

لست أنساه في مكانه هذا إلـى ". ما أعرفش أعيش من غيره يها أوراقه وأقالمه، وخلفه عمود عليه لمبـة جانبه منضدة عل

لإلضاءة، وعلى األرض وحول قدميه كتبه ومراجعة وكلـب أوالدي لجأ إليه وآمن عنده، وفضل االستكانة إلى جانبه عما

جميلـة يالقيه من العنف واإلجهاد مع أوالدي، إنها صـورة لفنان أحب طول حياته البساطة، ولم يكن فيها مكان للغرور

. لالدعاءوال وقد تأثر أبي تأثرا شديدا عندما مات هـذا الكلـب، ورثـاه بقصيدة أهداها للفنان الكبير األستاذ صالح طـاهر وحرمـه

هما ـ وألنهما مثله بألنهما جزعا جزعا شديدا عندما مات كلوهـذه بعـض مـن أبيـات . في شفافية النفس ورقة القلب

. القصيدة دب الندياإني فقدتك صاحبا بادلته الح

دعني حفياوما إن خرجت سعى فالحقني و

وإذا رجعت هفا إلي وهز عطفيه وحيا إن لم أالطفك النهار حزرت ما أنحى عليا

ا تواردني فأعياوعلمت أني حامل هم فتدور حولي كالذي يستطلع الشجن الخفيا

ا يك يعبث في يدووتمد رأسك في يدي وف ال تغياأنت الصديق العف ال جمح الوداد و كال ولم تعتب إذا جافاك تدليلي مليا

لم تمنح اإلخالص كاإلنسان مأجورا دنيا فاذهب كما ذهب الوفاء طواه لؤم الخلق طيا

وفي المعادي كان للبيت حديقة واسعة يدخل منها الفئران إلى داخل المنزل، وقد أقام فأر صـغير فـي حجـرة المعيشـة

ب مسرعا ثم يعود إلى الخاصة بأبي وكلما حاولوا طرده هر وال - وكانت زوجة أبـي .. مكانه المعهود تحت مقعد والدي

كانت .. - أحب أن أسميها بهذا االسم ألنها كانت أما لنا بحق تنظف الغرفة قبل أن تأوي إلى فراشها حتى ال يبقى فيها أي

ولكن بعد دقائق يعود أبـي . لييأس الفأر ويرحل .. ثر لطعام أن والبسكوت شفقة ورأفة بالفأر الصغير ويضع له بعض الجب . الجوعان المذعور

قامته معنا يفزع عندما يسمع صراخ إوكان في أول أوالدي وشجارهم ويتصور أنه قد ألم بأحدهما مكروه، ولكنه

وانضـم . ما لبث أن اعتاد ذلك، وانشغل بهم وتبني آراءهـم وسعة األفق فتحصنوا به إليهم علي، ووجدوا هم عنده الليونة

وقاوموني بسلطانه علي، كنا حوله في المعادي، حين رمتـه األقدار بما يهدد كيان كل قوي ويزلزل نفس كل ذي بـأس، ولقد كان قادرا على تحمل المسئوليات ويعف عـن الكـالم ويسمو عن الشكوى مهما أصابه، وما أكثر ما يصيب الناس

تز أول األمر، ثم واجه الواقع ـ مألته الصدمة بالمرارة، واه وحده، ومشى إليه وهو فوق السبعين يحاول أن يجـد منفـذا يبدأ منه المقاومة، وجد المنفذ واقترب من الحـل، وسـاعده صديقه الكردي رضوان في ناحية اختصاصه بكـل قـواه، وقاوم ونحن من حوله نفديه بأرواحنا، ولكن ال نستطيع لـه

دتها إلى جانبه موقفا كـأعظم مـا ووقفت زوجته كعا .. شيئاتكون المواقف، ولكن أين لهذا اإلنسـان المرهـف أن يجـد العزاء فيما أصاب آماله وأمانيـه، وكـان ال يكـاد يخـرج

نتركه ـ إال لتذليل عقبة من العقبات التي رمى بها، وكنا ال كنت إذا نويت الخروج وتهيأت له ـ ما إن أصل إلى بـاب

فسي مرتدة على أعقابي ألكون إلى جانبه، الحديقة حتى أجد ن ولكنـه .. فقد خرج من تلك الغمـة ثابتـا .. ولكن اهللا رحمن

. طاقة له به الأعطى من عواطفه ومن ماله ماوكانت قد جمعته بمحمد طاهر أباظة صـلة عمـل،

ة عواتخذه سكرتيرا له عندما كان رئيس مجلس إدارة في مطب ة يبي محمد في هذه األيام العص مصر، واعتبره ابنا له وجاءن

أنا لن أسمح ألحـدكم أن : "يقول وال يحاول أن يغالب ثورته أنه في إمكاني أن أقـتلكم ييسبب كل هذا الغم ألبيه يخيل إل

أنتم لستم جديرين بـأن تكونـوا . كلما رأيته على هذا الحال ولقد حرمتنا األيام مـن هـذه المشـاعر " أوالد عزيز أباظة

د اختطف الموت محمدا ولـم يتجـاوز السـابعة فق. الجياشة . واألربعين من عمره

وحدث أن سافر أبي إلى الخارج وقضـى شـهورا وطالـت .. نزال نسكن في بيت واحـد ثالثة هناك، وكنا ال

علينا غيبته وشعرنا بوحشة شديدة بدونه، ولما عاد وسـمعنا د صوته في الصباح الباكر يتحدث مع البستاني بلهجة كلها و

سل نفسه وأر عر زوجي ثروت أباظة بالفرحة تمأل وبساطة ش :من تأليفه أبيات من الشعر وهي

طربت بصوتك النادي يرن بشارع النادي

فقد كنا على شوق شوقنا الصاديىفرو

: ووقعهما باسم ابننا دسوقيوعرف أبي طبعا أن ثروت هو الذي كتب البيتـين

: وسعد بهما وقال لي وفي مناسـبة . أنك بس اللي بنتي ي تفتكر يـ إوع

مماثلة أرسل إليه ثروت هذه األبيات من تأليفه أيضا يقـول : فيها

بقربك تزدهي الدنيا ويحلو العيش واألمل

منيع حصننا فيها ونضر نبتنا خضل

فإن مالت طرائقها ذكرناكم فتعتدل

م وكنا نستقبل في حديقة المنزل أوالد أخيه وأطفـاله . وكان يسعد بزواره ويخرج من وحدته وينسى ما به

فقـد " إشراقات السيرة الذكيـة " وفي المعادي كتب أن يكتب . اقترح عليه عبد الحميد جودة السحار ـ رحمه اهللا

كلثوم مع تصور سينمائيا وتغنيها أم ثم . السيرة النبوية شعرا ن ينتظـر فالقت الفكرة قبوال في نفسه وكأنه كا ،عبد الوهاب

إال وقد نادانا لنسمع ما كتـب، هذا االقتراح، ولم تمض أيام وأخذ يقرأ علينا، وكانت هذه عادته، ويقول لزوجـي ولـي

ويأتي صديقاه أنور أحمد والدكتور " أنتم جمهوري "وألخوتي الدمرداش أحمد ليسمعا معنا ما تـم مـن السـيرة النبويـة،

يشعر بمرورها أحد، وتمر الساعات ال يكاد وتجمعنا الحديقة، ن اوأذكر أنه عندما كان يكتب آخر أبيات في السيرة النبوية ك

وهـي تغنـي " التوسـكا " سطوانة ألوبرا أأوالدي يديرون وتصرخ وتبكي حبيبها باإليطالية والموسيقى تعلـو وتعلـو

، وفي نفس الوقت كان زوجي وتصاحبها إلى أعلى الدرجات ووسط كل هذا كان أبي . هميصرخ في أوالده أن يترفقوا بجد

فذهبت إليه وأنـا .. يكتب بهدوء عن النبي العربي في المدينة : فقـال برقـة " كيف تكتب والحال هـذه؟ : " له وقلت يأرث

". ال عليك، فإني لم أسمع من ضوضائكم شيئا "

عادتـه، وأثنـاء كوجاء أنور أحمد يوما لزيارة أبي : الحديث سأله

. الذي لم ينشرـ أرني يا باشا شعرك . إنها قصائد كثيرة ولكني أظن أنها ال تهم أحدا

. ـ كم عددها . ـ ال أذكر

ـ أأستطيع أن أراها؟ : أتى أبي بحقيبة بها كل قصائده، فقال أنور أحمد

إنه يمكن .. ـ حرام يا باشا تبقي كل هذا في الظالم . أن تطبعها في ديوانين

.ـ إنني ال أرى داعيا لنشرها ليس من حقك أن تحبس هذا الشعر عن النـاس، ـ

. ولن أخرج من هنا حتى تعدني بنشره في ديواننتهي إلحاح صديقه عليه بموافقته على أن يراجـع او

معه قصائد شعره، وجاء أنور أحمد في اليوم التالي، وأحضر له أبي الحقيبة السوداء التـي تضـم الـدفاتر والكـراريس

عره الذي نظمه في الرثاء والغزل واألوراق التي سجل بها ش واإلخوانيات ووصف ما رآه في رحالته الكثيرة وانفعلت به

نفسه، وفي المناسبات الوطنية ومهرجانات الشعر العربيـة، وكثير من هذه القصائد لم ينشر ولم يكن في حفل ولم تطلـع

. عليها عين إنسانوقضى الصديقان يوما كامال فـي بيتنـا بالمعـادي

جعان ويرتبان وينسقان، ووجدا بعض القصـائد تحتـوي يراوعد أبي بإكمالها، وصمم علـى أن فعلى فراغات لم تكتمل،

. يكتب له أنور أحمد مقدمة للديوانفقد . ولكن شاء القدر أال يصدر الديوان في حياة أبي

اختاره اهللا إلى جواره قبل إتمام ما وعد به صديقه، فسـلمت ر، فقام بإعداد الديوان للطبـع وسـلمه أنور أحمد حقيبة الشع

دار الكتاب اللبناني التي طبعته فـي إلى حسن الزين صاحب مجلد واحد يضم أربعة أجزاء، مكتوبة كلها بخط اليد، علـى

. ورق فاخر، وبإخراج فني رائعوكانت دار الكتاب اللبناني هي التي طبعت قبل ذلك

مجلـدين فـي " أنات حـائرة "جميع مسرحيات أبي وديوان لحساب الحكومة الليبية بتوجيه مـن " مسرح الشعر "بعنوان

وكان ذلك بدايـة صـداقة وطيـدة . الملك إدريس السنوسي بي وبين األستاذين حسن الزين وابن عمه محمد أربطت بين

سعيد الزين صاحبي دار الكتاب اللبناني وقد دعاهما أبي إلى دب العربـي بيته في المعادي، كما قـدمهما إلـى عميـد األ

لنشـر مجموعـة الدكتور طه حسين الذي وقع معهما عقدا وسافر أبي إلى لبنان . مؤلفاته الكاملة في بضعة عشر مجلدا

بدعوة من دار الكتاب اللبناني لحضـور معـرض الكتـاب نسـكو الدولي الذي نظمته الدار واشتركت فيه منظمـة اليو

قـت وكان موضع حفـاوة كبيـرة، وتوث . حيث ألقى قصيدة الصداقة بينه وبين شاعر لبنان الكبير سعيد عقل، الذي جـاء إلى مصر بعد ذلك وألقى قصيدة رائعة في الحفل الكبير الذي . أقيم لتأبين أبي، وهي القصيدة المنشورة في ختام هذا الكتاب

وطوال السنوات التي أقمنا فيها معا في المعادي كان لى بيت صديقه حمـد إأبي يذهب يوم الثالثاء من كل أسبوع

يسهر عنـده مـع أقـرب . الرجيب سفير الكويت في مصر األصدقاء ويستمعون إلى الموسيقى الشرقية التـي يحبونهـا

لى آخر يوم من حيـاة أن حمد الرجيب ظل إ جميعا، والحق وقد شاء أن يؤكد هذا الوفاء أبي صديقا من أوفى األصدقاء،

لتي أعدها أنـور أحمـد ا" قافلة النور "ويعلنه فألف موسيقى . لتليفزيون عن رواية أبيل

وكنت إذا دخلت معه في سهرة عند أصدقائه رأيـت وكنت أرى السيدات يولونه عنايـة . العيون تتجه كلها نحوه

وكان يسعد بها، ويستزيد منها بمـا وهبـه اهللا مـن . خاصة . حالوة الحديث وسماحة الوجه

. مثاليـة تقول صديقة لي وهي سيدة فاضلة وزوجة .. تقول

إنني حـين أراه . ـ لم أر في حياتي أبهى من أبيك سائرا في شوارع الزمالك أسير خلفه ثم أذهب إلـى بيتـي

تبعتـه . وأقص على زوجي ما فعلت، وإذا قابلته مرة أخرى . أيضا وكررت االعتراف

وكنت كلما قصصت على أبي هـذه القصـة قـال :ضاحكا

. مـ أهي دي الستات اللي بتفهلم أر أبي يكتب في حجرة خاصة أو على مكتـب، وإنما كان يكتب على ركبتيه وبمالبس البيت ويحب أن نكون

آلخر في حديثنا، ليشعرنا أنه يتابعنـا، آنمعه، ويتدخل من وكان يحلو له أن يسهر معنا ويحدثنا عـن . وأننا ال نضايقه

عندما كان في المعارضة ١٩٣٦ذكرياته في مجلس النواب

لنـا ىوقد رو . ر االنتخابات في الثالثينيات ويكلمنا عن نواد أنه لما بلغ السابعة من عمره أدخلوه كليـة فيكتوريـا فـي اإلسكندرية مع خمسة من أبناء عمومتـه، وكـان الـدكتور

. محمود أباظة أو الذي أصبح دكتورا فيما بعد أكبرهم سـنا وال أخوتـه يبلغ العاشرة وكان يستغل فارق السن ليصادر أم

وكان يأمرهم أن يقوموا بخدمته وإعداد سـجادة . وأبي معهم وأن يرتبوا سـريره بـدال منـه .. الصالة كلما أراد الصالة

وفرض على المقصر غرامة هي مصروف يومـه، وكـان المساكين يتسابقون إلرضائه ولكنه كان يبدي اسـتياءه مـن

وكان ،خدماتهم حتى تتجمع ثرواتهم الصغيرة في حافظته هو أبي يرويها أمام الدكتور محمود، وكان يضحك من سـذاجة

. أبي وزمالئهوحكى لنا أنه عين مديرا ألول مرة فـي القليوبيـة،

ده، وأقام عند خالته حـرم الـدكتور حليها حينذاك و إوذهب وكانت تقيم مع زوجها هناك، وألنها تصـغره ،حسين أباظة

بعد عودته من المكتب وفي يوم . كثيرا كان دائم المزاح معها صعد السائق والشاويش ليحضرا الحقيبة فوجدا الباشا المدير

. يجري حول المائدة وخالته تجري وراءه مهـددة متوعـدة . فصعق السائق، وذهل الشاويش

وكان يحكي لنا هذه القصة ضاحكا أنه يـوم وفـاة النحاس باشا وكان ذلك بعد الثورة بسنوات وكان هـو فـي

ة، ولم يكن في وسعه أن يلحق بجنازة النحاس باشا اإلسكندريفي القاهرة إال إذا ركب قطار الصحافة الذي يقوم في الساعة الرابعة صباحا، وليس به إال الدرجة الثالثة، ولحق بالقطـار وركب في الدرجة الثالثة، وتعرف عليـه بعـض الركـاب،

صمما ويتغامزون فيما بينهم، ولكنه كان م .. وأخذوا يتعجبون ولم يكن قـط وراء . على السير وراء النحاس باشا في مماته

النحاس باشا في حياته، بل إنه لم ينتسب إلى حـزب الوفـد .. حين كان طالبا وكان الوفد طوفانا

١٩٥١وحكى لنا أنه كان في باريز في صيف سـنة وصوله وتلقى من شامل دسوقي أباظة برقية يحدد فيها موعد

على بكالوريوس شرين وحصل ع شامل في ال إلى باريز، كان الحصول على الدكتوراه من فرنسـا، وذهـب التجارة ويريد وانتظر أبي طويال ألنها . لكن الطائرة لم تصل . أبي إلى لقائه

لشامل وأول مرة يغادر فيها مصر، ولكنه لم ةكانت أول سفر

فعاد أبي إلى الفندق، ولما وصل شامل ولم يجد أبـي . يصلتظاره ارتبك وأرسل برقية إلى أبي قـائال أو صـائحا في ان

باللغة اإلنجليزية التي لم يكن يعرف غيرهـا مـن اللغـات فسارع أبي إليه وعاد به إلى الفندق " عمي أنا ضائع "األجنبية

.. وأخذه معه في حجرتهمشى معه فـي .. وليزيل عنه الحرج ورهبة الغربة

زياء ليريه المانيكان، واصطحبه إلى بيوت األ . شوارع باريز وقال إن .. وهن رائحات غاديات ولكن شامل لم تعجبه باريز

ولكنه غير رأيه بعد أن أقام بها .. أجمل بكثير " غزالة"قريته . سنوات أربع

ومن ذكرياته التي يعتز بها، يوم زارتـه أم كلثـوم وعـاد ١٩٥٨وبة قلبية في السودان سنة نوكانت قد فاجأته

جاءت أم كلثوم وجلست إلـى جانبـه صر، ثم مسرعا إلى م د وصفها في قصيدة فـي الحفـل وق.. هتقرأ له القرآن وترقي

: بيات منها بأ١٩٥٤قيم لها حين عادت من أمريكا سنة الذي أ ةأصغى لك اهللا في علياه قارئ

في غفوة البحر الفجر آيات الحواميم تتلين مبتلة اآلماق خاشعة

ير مسجوموالقلب يذرف دمعا غ ما أنت في الناس روح عذبة لطفت

أذابها اهللا في عليا الترانيم ما أنت إال اعتذار الدهر قربه

لكل عان ومظلوم ومكلوم سمراء من قرية من كان يعرفها

في أي ناحية أو أي إقليم ق هزا فاستدار لها هزت ربي الشر

وقال من تلك؟ في فخر وتعظيم لدنيا بها فغدتتلك التي ازدانت ا

غنية باسمها عن كل تقديم طماي أنجبت لألجيال معجزة

عزت وطالت فكانت أم كلثوم قد توفي بعد فرض الحراسة جاءته ابنة صديق حميم له كان

عليه، وكان من أغنى أغنياء الصعيد وكان يتمتـع بسـلطان هناك محكمـة ى بن .واسع في مركز من أهم مراكز أسيوط

شفى على حسابه الخاص إلى أن وضع تحـت ومدرسة ومست .الحراسة وزال عنه كل شيء، واختاره اهللا إلى جواره

جاءته ابنة هذا الرجل بعد طالقها وطلبت منه أن يجد لهـا عمال، أخذها بين ذراعيه وبكى كاألطفال، وذهب معها إلـى

. إحدى المؤسسات ولم يخرج إال وقد ضمن لها العملوكان حب أبـي . الج في باريز سافر أخوه أحمد للع اجتمع فيه حـب األب البنـه .. ألخيه ال حدود له وال نهاية

واألخ ألخيه، وكنت أقول له إنك تحبه أكثر من أوالدك ولـم يكن يدافع عن نفسه، ولما سافر كان من المتوقع أن تجري له

ي في بيروت في مهرجان شـعر أقـيم بعملية هناك وكان أ فكلمنا ليخبرنا أنه إذا تقررت العمليـة ،تأبينا لبشارة الخوري

وعلينا أن نرسل له المالبـس ،فسيسافر إلى باريز من هناك يكـون أن نه في إمكانه أعتقد وهو في هذه السن االشتوية، و

. رفيقا في مستشفى، ولكن اهللا سلم ولم تجر العمليةه أخـذهن ئنأخويه عنده مكانة خاصة، فإذا ج ولبنات حوريـة ولبنـى ونظيمـة، : ا بثالث شابات على ركبتيه فإذ

يتنافسن على الجلوس على ركبته، وهو سعيد بذلك يجامـل وقد رأيته يوم . هذه ويداعب تلك بابتسامة حلوة وكلمات عذبة

قد أعلنت في بيته في المعادي، رأيتـه خطوبة نظيمة وكانت

الفضية بنفسـه قواقفا في الصالون يضع السجائر في األطبا . ننسى أو نسهومخافة أن

وقد أراد أوالد إخوته أن يجاملوه في هذه المناسـبة فأخذوا يرددون األغنية التي قيلت له يوم زواجه األول وهي

يـا بـن :أغنية كان يرددها الفالحون في الربعماية حينذاك فطرب وهشت أساريره، وابتسـمت .عمي يا قصب منديلي

اللحـن ويغنـي عيناه وامتألت بالذكريات، وأخذ يصحح لهم . معهم

ر أبي السعودية والكويت وتونس والمغـرب اوقد ز واألردن وليبيا قبل ثورتها، وكان الملك إدريس يحبه ويقربه

فهـم . إليه، وأحس بالتكريم والتقدير في جميع البالد العربية الغيورون على لغة القرآن، وهو من حافظ عليهـا وحمـي

وكان : واألنساب.. عرحماها، وهم عرب يقدرون األدب والش واسـتقبلوا . كلما سافر في مؤتمر هناك استقبلوه بالترحـاب

شعره بالتقدير واإلعجاب، وكان هو يعجب بالجواهري شاعر العراق وبأبي سلمى شاعر فلسطين وبعمر أبي ريشه الشاعر

عبد المنعم السوري وبدوي جبل، وكان حينما يجتمع بصديقه ورئيس وزرائها السابق يطلب الرفاعي شاعر األردن الكبير

إليه أن يسمعه بعضا من شعره في الغزل، فيقول الرفـاعي غزال رقيقا صادقا نابعا من أعماق األعمـاق ويهتـز أبـي ويستزيده، وتمر الساعات في حب وشعر وغزل وقد ذهـب

هم قأبي مع أخيه أحمد وزوجته إلى عمان للعزاء فـي صـدي بقصيدة ألقيت فـي ذكـرى وقد رثاه أبي . حيدر بك شكري

، وقامـت نهلـة استقباال حارا األربعين، واستقبله أهل عمان القدسي بواجب الضيافة في بيت أهلها هناك، وكان يناديهـا

. دائما بيا ابنة العمر هناك الملك حسين ولـم يتركـه صـديقه اوقد ز

وسهرا الليالي معا فـي .. الدكتور عبد المنعم الرفاعي لحظة . عمانبيته في

إن أهل األردن قد توافدوا . وقد قالت لي زوجة أخيه ه أن نعليه في الفندق وإن السيدات أقمن له ندوة نسائية وطالب

يلقي قصائد من أنات حائرة في رثاء زوجته األولـى وابنـة كرمت السـيدات . عمه، وكانت ندوة كلها عواطف وذكريات

. ديوانهفيها ضيفهن، وكرمهن هو حينما كرم المرأة في ليس من حقي أن أتجاهل اإللهام في حياة أبي، فقـد

إذا قلت إنه ليس : قال مرة في حديث صحفي ردا على سؤال

هناك ملهم لما صدقتني، ولما صدقني القراء، وإذا قلـت إن هناك ملهما ألحرجت بعضا من الناس والواقع أن قلبـه قـد

نبضـاته وتدفق الشعر مـن .. مألته أقدس المشاعر وأسماها ملكهـا الحـب عذبا صادقا وملتهبا، وتالقت روحه بـروح

وفاض بها اإلعجاب والتقديس، واستطاعت بمـا أغـدق اهللا عليها من هبات أن تمأل عينه وحياته، فعاش أيامه آمنا أمينا، وظللت هذه الروح تحيا في خفقات قلبه إلى أن كـف هـذا

. القلب عن الخفقان علينكيف أصبحت وماذا تف

عصف البعد بقلب الغائبين أنت في إشراقة الفجر معي

كلما رف سناه تشرقين فإذا الليل احتواني ستره

فلهاب النار بي تشعلين أجزع الليل وما أطوله

وأكف العبرة موصول الحنين ساهدا والسهد روح وضني

ال تعرفين.. هل عرفت السهد؟ ال

وقدهإنما السهد وقاك اهللا من من صلوات العاشقين

إنما السهد لمن غيرته أقلقته فمضى ال يستبين

إنما السهد لمن هان على ألفه وهو سليل الكابرين

حمل الهاتف لي عنك صدى خاضع النبرة مخمور األنين

خلته صوتا من الخلد زكا مثلما يزكو ابتهال المرسلين

عذلوني فيك جهال فاغفري الجهل ودعوى الجاهلينسقط

لج بي حبك فودا طفلة والتظى حبك عند األربعين

ليست الزهرة في برعمها إنما الزهرة في يوم تبين

والهالل النضو هل يفتننا في زها مولده؟ أم بعد حين

لم يزدك العمر إال فتنة سنينلكالطال تعذب في حضن ا

كيف أصبحت وماذا تفعلين . بقلب الغائبينعصف البعد

كان أبي يسافر إلى أوربا كل عام وله شقة صـغيرة في لوزان يستأجرها في الصيف وتجملها زوجته فتبدو أنيقة

وال أنـس .. رغم بساطتها، وكان يدعوني لقضاء شهر هناك لي معه، فقد كان يشكو من آالم روماتزمية فـي ةأول سفر

متاحف لندن ولكنه صمم على أن يصحبني إلى .. كتفه وقدمه وكان يجلس هو ويطلب إلى أن آخذ من الوقت مـا . وباريس

وكنا نمشي معا فـي شـوارع بـاريس .أشاء ثم أعود إليه ساعات مع رشدي راشد، وهو شاب يعمل ويعد للدكتوراه في الفلسفة، وقد أحب أبي وقدره وأحبه أبـي وأعجـب بذكائـه

شي حتى وكنت أدعي التعب من الم . وعامله كأب ومثابرته، وليتأكد من أن الذنب ذنبي، وإنه هو .. يرتاح أبي ـ ويجلس . قد فعل فوق ما يستطيع

وهو في السفر وبشهادة كل من صـاحبه ال يفكـر لى من معه وأن يوفر لهـم سـبل إإال في أن يدخل السرور

وال أنساه أمام واجهات المحالت وقد الحـظ أننـي . الراحةقال ووقف هو فامها مراعاة له أختلس النظر إليها وال أقف أم

أنا أيضا أحب الوقوف أمام المحالت ما دمت لـن : ضاحكاوكان ينتهي بنا المطاف في لوزان، وكنا نخـرج . أدفع شيئا

دفة، فلـوزان اصممعا في الصباح، وإذا لم نخرج معا تقابلنا حيث كان يصطاف محمود " أوشى"بلد صغير وإذا ذهبنا إلى

عنـدما ١٩٣٧ يرجع بذكرياته إلـى سـنة كان.. بك تيمور زارها مع والدتي، ويشير إلى الفندق الذي نزال فيـه معـا،

ونحن نطوف حـول . ويعيد علي هذه الذكريات في كل عام .هذا المكان

كان يستيقظ من نومه في لوزان ويصـر علـى أن يتعبني، وطبعا لم يكـن يرتبـه ال يرتب سريره بنفسه حتى

كما هو ويغطيه بالغطاء معتقدا أنه رتبـه، وإنما كان يتركه . أرجو يا بابا أال تعمل شيئا طالما أنا معك: وكنت أقول له

وكان يصمم أن يصنع القهـوة ويصـمم أن يغسـل فنجانه حتى يتعاون معنا في الخدمة وقد أخذت لـه صـورة فوتوغرافية وهو يغسل الفنجان، ورأتها عمته، فاستنكرت منه

كل هذا وأبي غـارق . ه وكادت أن تخنقني هذا، وثارت علي . في الضحك

وأذكر أنني شعرت بوعكة خفيفة في لوزان ووصـف لـي فاشترى لي أبي كمية تكفي لمـدة . الطبيب أدوية لألعصاب

وعدنا . عام بأكمله، ألن األدوية لم تكن توجد في مصر حينئذ وأخذت أنا األدوية، وذهبـت إلـى األجزخانـة . إلى المنزل

ا بمستحضرات تجميل لي ولصديقاتي طبعا دون علمه، وبدلتهوكنت قبيل عودتي إلى مصر أقول له لقد صرفت كـل مـا عندي وعليك أن تساعدني في الهدايا، ثم أخرج مع صديقتي

وفجـأة أراه .. وأظهر ما أخفيت من أموال وأشتري وأشتري وأنا ال أكاد أراه من اللفائف التي أحملها، أمامي في الشارع

أقص عليه قصصا طويلـة ملفقـة يسـمعها وال يجيـب، فوال يحرجني ويشتري لي ما أريده، ويكتفي بأن يقـول لـي

. أنت ال تكفـين عـن الطلبـات : "وهو يودعني في المطار فآخذ يده وأقبلها، وأقبله وأرى فـي عينيـه " وال يكفيك شيء

. وفي ابتسامته الرضا. التأثرتقيم في لـوزان، مصرية ةكنا على صلة قوية بأسر

فرضت عليها الحراسة في مصر فذهبوا إلى هناك وبـدءوا

حياتهم من جديد وكان اهللا معهم فنجحوا نجاحا يشرف كـل الحظ أبي أن عالقة الزوجين يشوبها فتور وصـل . مصري

لها إذا كـان أوطلب مني أن أس . إلى الجفاء بل إلى المقاطعة يكلم الزوج الـذي كأن. في إمكانه أن يصنع شيئا من أجلها .. يعتبره ابنا له وله عليه حق التوجيه

أنني لم أجرؤ على سؤالها، فهي لم تكلمني والحقيقة في الموضوع وأنا أراها كل يوم ونخرج معا في الصباح إلى

وكان أبي يسـألني .. المساء ـ فكيف أقحم نفسي في حياتها؟ إلـى كلما عدت من الخارج، إلى أن أقترب موعد رجوعي

: مصر قال لي ـ هل سألتها؟

.ال لم أجرؤـ إن لم تسأليها أنت فسأسألها أنا ـ أنا ال أسـتطيع

. أن أراهما على هذه الحال وال أحرك ساكنا . ـ ولكنها ال تريد أن تتكلم

ـ لن أترك هذا البيت ينهار أمام ناظري ثم أنا هنـا . في مكانة أبيها

لعـادة وجمعـت وفي اليوم التالي خرجت معهـا كا : أطراف شجاعتي وقلت

وقـد . ـ إن أبي مصر أن يتدخل بينك وبين زوجك طلب مني أن أبلغك ذلك منذ يوم وصولنا فأجابت والـدموع

. في عينيها . ن كنت تعملين طيلة هذا الوقتذـ إ

ـ نعم ولم أجرؤـ قولي ألبيك يكفي أنني شعرت منه بحنـان األب

ولكنه ال يستطيع لي شيئا، فاألمر . ولهفته وأنا في هذه الغربة . أخطر بكثير مما يبدو، ولكن أرجوك ال تخبرا أبي وأمي

ولم يتدخل أبي بطبيعة الحال، وعـدنا إلـى مصـر ومشاعرنا مع هذا البيت الذي أحببناه ومرت األيام وجـاءت هي إلى القاهرة، وأخبرتنا أن السعادة عادت إلى بيتها، وعاد

حقيقة أنها صـعدت للعاصـفة بعقـل ، وال هالطائر إلى عش . وكرامة

وهو يـوم . أغسطس ١٣وكان يصلنا في لوزان يوم عاليـة .. ميالد أبي رسالة من أنور أحمد كلها حب ووفـاء

األسلوب جميلة المعاني، وكان أبي ينتظرها كل عام، ويـرد

وكان يصله من بنات أخيه . بقصيدة يهديها إلى صديقه الكريم من خريجات الجامعة في هذه المناسـبة حورية ولبنى وهما

رسائل تزلزل سيبويه في قبره، ويجزع لها أبي أشد الجزع، وال ينسى عند عودته أن يلوم لبنى على األخطـاء النحويـة

فأصبحت تبعث إليه برسائل تلغرافية كمـا كـان . والهجائيةيسميها عبارة عن سطرين حتى تتحاشى اللوم، وتدع سيبويه

، وآثرت حورية أن تكتب بالفرنسية رسـائل هادئا حيث هو طويلة مفصلة كان يقرؤها على أيام متتابعة وكانت هديتي له

ىفهو لم يكن يحـب أن يهـد . في عيد ميالده هدية رمزية . وال أن يهدي إال إذا لم يكن هناك مفر من ذلك

وكانت له في لـوزان عالقـات عميقـة وأصـيلة، روفه أن يقيم في لـوزان فمصطفى الزناتي قد حتمت عليه ظ

بعـد أن وضـع تحـت هـا وكان من أغنياء األقصر، وترك الحراسة كل شيء، وتوجه إلى سويسرا ونجـح وأثبـت أن المصري الكفء ينجح حيثما يكون، وهو متزوج من كريمة محمود بك العتال وقد حباهـا اهللا جمـال المظهـر وكمـال

معهم أنه المخبر، تجمعنا حديقة بيتهم كل صيف ويشعر أبي . في بيت أوالده، ويشعرون هم به أبا وصديقا

ومن معالم سويسرا بالنسبة له حسين بك أبو الفـتح وحرمه، فقد أقاما في جنيف ـ وكان يلتقي عندهم بأصـدقاء قريبين إلى نفسه، ينسى معهم همومه وأشجانه، وكان يقضي

. نالنهار معهم إذا أراد أن يبتعد عن رتابة الحياة في لوزاوأذكر ونحن في لوزان أيضا أن ذهبنـا معـا إلـى السينما وبعد انتهاء الفيلم أمسكت تلقائيا بمعطف أبـي بكلتـا

وإذا بالنظرات تحوطنا مـن .. يدي ووقفت خلفه أللبسه إياه كل جانب وكأني قد أخطأت عنـدما لـم أراع بروتوكـولهم

ل وساعدت أنا أبي بدال من أن يساعدني هو كما هـو الحـا ة نيوقرروا بنظرة متعجبة مستهجنة أنني ال أمت للمد . عندهم والحقيقة أنني كنت سعيدة وأنا أساعد أبي على ارتداء .بصلة

معطفه ولو كان عندي قليل من الجرأة لقلت لهـم إن أغلـى شيء في حياة المرأة الشرقية هو تعلقها بأبيها وبأمها حتـى

واألم أمـا يعيشـان ففي الشرق يظل األب أبا .. بعد زواجها سان بمشاكلهم ويغرقانهم في بحر من الحنـان حألبنائهما وي

أمـا عنـدكم .. والحب والرعاية إلى آخر لحظة في حياتهما . فاألبوة بجمالها وجاللها تنتهي عند بلوغكم سن الرشد

وكنت أثقـل عليـه قبـل .. وكان الشهر يمر سريعا يا إلخـوتي عودتي إلى القاهرة وأصمم على أن أعود بهـدا

. وأوالدي، وكان يرميني باألنانية وهو في الواقع على حـق إنني أنانية ولكن معك أنت فقط، فأنا أنتظـر : وكنت أقول له

منك كل شيء وال أطالب غيرك بأي شيء فكان يقول باسما ال تحملين للدنيا هما ما دمت على قيد الحياة ثم يحول الجـد

" بيع هدومي عشانك يا ستي إذا لزم األمر أ ":إلى مزاح ويقول ولم يكن مزاحا ما يقول فقد كان هذا ما يشعر به، ولكنه كان

. يخفي بالمزاح ضعف األب فيهوكنا نتبادل الرسائل بعد عودتي إلى بيتي وأوالدي،

حتى أنه تكلم مرة في ،وكان يعجب برسائلي ويشهد لي دائما ـ ة،اإلذاعة وقال عني إنني أكتب أحسن مـن ثـروت أباظ

عـن لمثم تك" نعم"وسألته المذيعة؟ هل هذا الكالم للنشر فقال أخي بما لم يرض أخي، وواضح طبعا أن حديثه في اإلذاعة حديث خفيف وليس بحثا في األدب، ولكن زوجي ثار وأخي

. ولم أجرؤ على الشعور بالزهو بين هؤالء الثوار. ثار . ١٩٦٣وهذه رسالة منه سنة

عزيزتي عفاف

ي خطابك في جنيف قبل أن أقوم إلـى لنـدن وصلن.. بدقائق، وال شك أن الخطاب رقيق السياق عالي األسـلوب

فيم العتاب؟ وفـيم .. ولكنه أدهشني وكان موشكا أن يثيرني الغضب؟ ما الذي وقع في هذه السفرة ولم يقع في السـفرات السابقة؟ وما الجديد الذي أثار فيك الغضب فمنعك أن تكتبـي

تطلبي ما تريدين، وأنـا اعتـدت أن أن ؟ أنت اعتدت متعمدةأجيب إذا كان في مقدوري أن أجيب، ولقد أكون والدا غيـر

. منهىمثالي، ولكنني على التحقيق لست والدا يشتك أبوك

. ولست أدري ما الذي كان يمكن أن يغضبني منـه اعتبرت أن سفره بدوني تقصير شديد في الواجـب يأظن أن

. على اآلباء، وأضفت إلى حقوقي عليه حقا جديداالمفروض بابا العزيز

أنت تتهمني باألنانية ـ نعم إني أنانية معـك ألنـي . أشعر أنك اإلنسان الوحيد الذي سيتحملني ويحبني كما أنـا

فأوالدي يحبونني إذا أنا سامحت ولبيـت وإخـوتي إذا أنـا أنـت أما. وزوجي إذا أنا ساندت ورعيت . جاملت واهتممت

ما أملـك فـي ىفال شروط لحبك فهو نعمة اهللا علي، وأغل

إنـه حقـي .. الحياة، فال ترع إذا أنا طلبت وأخذت وأثقلـت اعتبره حقا مشروعا وأملي أن يبقي هذا الحـق لـي . عليك

ال تجيب، يكفي أنك هنا معنا دائما وأن أطالب به، فتجيب أو . تظللنا بعطفك وحنوك وتساندنا بجاهك ووجودك

. ١٩٦١ومني إليه سنة أبي

إن حب األبناء هو األنانية بعينها، هو حب أطالبـك فيه أن تحبني وترعاني، وأطالبك فيه أن تحميني من النـاس واأليام، وهو حب أطالبك فيه بأن تشركني في جاهك وفـي

فإن .. مالك، هو حب أشعر فيه أن لي عليك حقوقا أطالب بها عتها لم أيأس، إنه شـعور جميـل أعطيتها لم أشكر، وإن من

ال أجرؤ أن أشعر به ألحد سواك، فإن في وجودك يـا أبـي وفـي .. وفي ابتسامتك سعادتي .. يحياتي، وفي قلبك أمنيات هفهل تقبلـه بصـدق .. هذا هو حبي . جاهك عزتي واختيالي

وأنانيته؟ وقد أهداني وشاحا من فراء نادر كرد علـى هـذه

توفيق الحكيم أو نجيب محفـوظ إذا وإنني أتحدى .. الرسالة

كان ألي منهما كتاب بأكمله قد أتى لهما بما أخذته أنـا مـن . كتابة صفحة واحدة

. ١٩٦٥ومنه إلي سنة وصلني جوابك الجميل وال زلت أؤكد لك أنك رزقت

وكثيـرون (بصياغة وإحاطة في التعبير لم يرزقها كثيرون ). دي يدخل تحتها ثروت

ئل أذكر أننا كنا يوما على شـاطئ وعلى ذكر الرسا المنتزه باإلسكندرية وجاء أنور أحمد وقال لي وصلتني اليوم

فتعالوا إلى كابينـة .. من أبيك رسالة من لوزان وبها قصيدة والدكتور الـدمرداش .. الدكتور الدمرداش أحمد لنسمعها معا

طبيب وأديب وذواقة، وقرأ علينا القصيدة، وهي عبارة عـن إلى أن وصـلنا إلـى البيـت .. يق ومشاعر جياشة غزل رق : ثارت نفسي على الرغم مني وهذه بعض أبياتها. األخير

منذ عشرين وخمس رق يأسي واضمحال حين ألقيت على يأسي من عطفك ظال

فإذا الدنيا عيون وغصون تتدلى كان ظلما كل ذم قيل في الدنيا وبطال

إن أمثالك فيها حسنات تتألأل

هل في القيد أمثالك؟ كال.. الكقلت أمث لست حسنا يبهر الطرف فإن عاود مال

قلبا وعقالىإنما حسنك مما يطب قد يراك اهللا من آالئه عز وجل

جامعا فيك إلى الفتنة والعصمة نبال ىولك النظرة يندى تحتها القلب ويصل

وحديث هو أروى من طال الخلد وأحلى إالتلك عشرون وخمس هي عمري ليس

ن سمعت البيت األخير حتى شعرت إوالواقع أنني ما واعتبرتـه تعريضـا . بغصة في قلبي وثـارت مشـاعري

والتـي ال تبـارح .بالسنوات الجميلة التي عاشها مع أمـي مخيلته وال تفارق وجدانه ورأيت أنه ليس من حـق الـوزن

ن حولي إن هذا مأو القافية أن يقرضا مثل هذا الكالم وقلت ل ت قد أثارني، وعاد أبي من لوزان ولم أكلمه فـي شـأن البي

إلى أن قال لي يوما وأنا أسـاعده .. القصيدة، كما هي عادتنا أنور قال لي إنك احتججت على آخـر "على ارتداء مالبسه

وهـل ":فقال مجـامال " نعم"فقلت " قصيدة األخيرة بيت في ال !". صدقت كالم الشعراء؟

خر سفره مـرتين أ، فقد سافر أبي إلى الكويت فجأة ليتمكن من إلقاء كلمة استقبال زميل دراسته مصـطفى بـك مرعى في المجمع اللغوي ولكن الجلسة تأجلت لثالث مـرة،

م فقرر السفر إلى الكويت بين يوم وليلة وكانت وزارة اإلعال بي وأرافقه إلـى المطـار قد دعته وتنتظر قدومه، ويسافر أ

رقة التي اعتدنا أن نتقاسـمها وألول مرة أنسى أن أكتب الو " ال إله إال اهللا محمد رسول اهللا " مكتوبا عليها .. قبل كل سفر

كتبها، ثم يختفي من أمام ناظري، وبعد أسبوع أفيذكرني بها ف أن أبي فاجأتـه أزمـة كيأتينا خبر من وزارة الخارجية هنا

فـيجن جنوننـا .. قلبية في الكويت ودخل مستشفى المواساة أن نتصل به تليفونيا فيقال إن المكالمة لن تأتي قبـل ونحاول

يومين فتعيينا الحيل، إلى أن كلمنا يوسف السباعي اإلنسـان فيقول إنه سيطلبها بنفسه وكـان . الرقيق، الذي يفيض عذوبة

ثم يكلمنا بعد لحظات قائال إن المكالمة ستأتي .. وزيرا للثقافة هتمامـه بقلـب مـا حييـت ا ىولن أنس .. بعد عشر دقائق وسافرنا إلى الكويـت عمـي وزوجتـه .. اعتصرته اللهفة

واستقبلنا بابتسـامة . نا إلى المستشفى هوتوج.. وزوجي وأنا ولـم .. وكأن المرض لم ينقض على جسـده . مرحبة عذبة

ويقـول ألخيـه بصـوت .. يتمكن من قلبه المرهف الرقيق مع وتناوبت" ما الذي أتى بك وأنت ال تحتمل الحر ":متهدج

. زوجة أخيه وهي ابنة عمته في نفس الوقت السـهر عليـه كانت تمرضه بقلب يفيض بالحب وبنفس كلها قلق ولهفة، ولم

إن : وكانت تقول لي .. تكن تغمض عينيها لحظة طوال الليل أباك عظيم حتى في نومه، فهو في أحالمه يتكلم عن الشـعر

تـى وظلت معه تطمئنه وتخفف مما به ح .. واألدب والكتب اضطرت اضطرارا للعودة إلى مصر والدموع لـم تفـارق عينيها، وسافر عمي وكانت ظروفه تحتم عليه أن يعود إلـى

وقـد تصـادف . وانتزع نفسه من الكويت انتزاعـا ،القاهرةوجود محمد أباظة هناك لعمل في اإلذاعـة ومـا إن سـمع بمرض خاله حتى سارع إلى المستشفى ولم يبرحهـا حتـى

تين هما في الواقـع أشـد ملد قضى معه ليلتين كا وصلنا وق وقد وجد نفسه يخدم ويمرض كأحسـن مـا ،الليالي خطورة

يكون التمريض وهو الذي ال يقضي لنفسـه شـيئا، ولكـن وقد توافـد عليـه أهـل . الشدائد تطوع النفس لألمر الواقع

الكويت جميعا فزاره الحاكم وولى العهد والشيخ سعد ودعـاه غير أن حالته الصحية لم تمكنـه .. جه في لندن أن يكمل عال

الشـيخ سـعد وهـو وزيـر الداخليـة ىوقد أبد .. من ذلك والشخصية ذات المكانـة الرفيعـة هنـاك اهتمامـا يفـوق

وعرض أن يذهب إلـى مستشـفى الصـباح ألن .. الوصفمعداتها أحدث من المستشفى الذي أسعف فيها ولم تسـاعده

نا كل هذا االهتمام بقلوب يملؤهـا وتقبل.. حالته على التغيير الوزراء والمـذيعون الـذين هوزار. التأثر والعرفان والشكر

والـذين أرهقـوه .. هم لإلذاعـة ثعرفوه من خـالل أحـادي ومهما فعلنا فلن نفي أهـل . من زيادة الحفاوة به .. باعترافهم

فقد أكرموا ضيافته واحتفوا به بدءا من الحاكم ،الكويت حقهم . فرد منهمإلى أبسط

. وقد طوقوا أعناقنا بالجميل واالهتمام والمجاملةوقد أحاطنا المصريون المقيمون هناك برعاية صادقة واهتمام بالغ وانهالت علينا المكالمات التليفونية مـن مصـر

. وجنيف وباريس وتوالت البرقيات من مصر والبالد العربية راسـته وأرسل محمود فوزي برقية رقيقة بصفته زميـل د

ولكن الجهات الرسمية في مصر لم تحـرك وصديق شبابه، فهو أوال مصري فاجأه .. ساكنا، وهذا عتاب أتحمل مسئوليته

المرض في بلد غير بلده ثم هو ركن من أركان األدب فـي

واهتمت بـه .. مصر والبالد العربية، وقد احتفت به الكويت ال سـؤال .. لـه ولكن بلده؟ ماذا فعلت من أج .. اهتماما بالغا

.وال حتى برقية استفسار أما السفير المصري عز العرب أمـين فقـد اهـتم بصفته الشخصية وهو إنسان رقيق الطباع استحق فعال حب

اإلذاعة تذيع يوميـا بـرامج الناس وتقديرهم هناك، وكانت شعرية سجلت بصوت أبي أو حديثا له أو أسئلة وجهت إليـه

أثر في نفس أبي وصول ابن أخيه ومما. وهو في المستشفى وأشـفق .. لالطمئنان عليه .. من باريس حيث يعد للدكتوراه

وقـد بقـى ،أبي على ميزانيته وما تحملته في هذه السـفرة محمود إلى جانبه ثالثة أيام كان فيها شـعلة مـن النشـاط

قام بالتمريض بدال منا نهارا وأما الليـل فكـان .. والحركةة وينام هو كالطفل أرهقته الحركة، وعالقة يترك لنا المسئولي

محمود بعمه عالقة روحية أساسها الحب واإلعجاب وقوامها الشعر واألدب، وهو يقول الشعر ويحفظ مـن شـعر عمـه الكثير، وعاد إلى باريس بعد وداع تكشفت فيـه العواطـف

. وبدا وكأنه الوداع األخير. الجميلة

الكويت شهرا وجاءت شقيقتي وزوجة أبي وبقينا في فهو ال ينام طيلـة .. بأكمله، وظهر من رقته أكثر مما نعرف

وال يطلـب .. ظنا منه أننا ننـام .. الليل ولكنه ال يطلب شيئا نهارا حتى ال يقلق راحتنا وكنا ننتزع منه الطلب انتزاعـا، إلى أن قلنا له إننا لم نحضر من القاهرة لنرتاح وإنما جئنـا

أختي .. اح هو، وكنا نتناوب السهر عليه لنتعب ونسهر ويرت أطلـب : "وأنا، وكنت في الليلة التي أسهر فيها معه أقول له

من أختي أن تعود إلى القاهرة فما حاجتنا إليهـا؟ أال يكفيـك وإذا سهرت معـه أختـي .. فيبتسم ويوافق على رأيي " "أنا؟

فكنـت .. وافق على نفس االقتراح ولكن على أن أعود أنـا توافق علـى رأي كـل .. إنك كالمتزوج من اثنتين : "هأقول ل

إنني في الحقيقة أريد أن : "فكان يجيب " زوجة لتهدأ أنت باال ، وكـان "تسافر إحداكما ألشعر أنني قريب العودة إلى بيتـي

. ويخشى الموت بعيدا عن بلده . يقلقه المرض بعيدا عن بيته . ولكن ال يقول وال يبين

مسحت بيدي على جبينـه . م ليال وكنت إذا جافاه النو وعلى كتفيه، وقرأت له آية الكرسي كما كنت أفعل ألوالدي

وأخطئ أحيانا في الشـكل مـن . إذا توعكوا، وأظل أعيدها

حتى ولو كان . فيردني في رفق ويصلح الخطأ . كثرة التكرار وكـان .. قد أوشك على النوم، وكنت أعجب لذلك وال زلت

ة بصوت نائم ثم يشير بيديه إعجابا بقوة أحيانا يقرأ معي اآلي ـ .. كل هذا وهو إلى النوم أقرب .األسلوب هـذه ىلـن أنس . لن أنساها ما حييت.. الصورة

إحنا يـوم كـام : "وفي المستشفى كان يسألنا كل يوم فنجيبه واعتقدت أن تكرار السؤال يرجع إلى أنـه "النهاردة؟

إلى أن . في بيته .يريد أن يتعجل األيام ليرى نفسه في مصر . يونيو وهو يوم ذكرى وفاة أمي وسأل، وأجبنا ١٩جاء يوم

وألول مرة أنسى هذه الذكرى بسبب مرض والدي ولهفتـي هل تـذكر هـذا : ويسأل. عليه، ونام وظل يتكلم أثناء نومه

الميعاد أحد في مصر؟ هل زار قبرها أحد؟ وقضـى ليلتـه بـه أي ولم يسأل ولم ومرت األيام بعد ذلك . هو ذاكرها ييحي

وال يذكرها هـو، .. للتاريخ، فقد كان يخشى أن تمر ذكراها بذل الدكتور أندريه تاجر مدير المستشفى وجميع مساعديه ما في وسعهم وهم يعلمون أن مجهودهم لن يغير مـن المقـدر

مضيئة إلى أن نزلوا جميعا يودعونه وظلت ابتسامتهم .. شيئا . شفى مع شعاع الفجريوم عودته على باب المست

وإذا تكلمت عن مرض أبي في الكويت فال أسـتطيع إال أن أتكلم عن الدكتور عثمان خليل مستشار مجلس األمـة

فقد جمعته بأبي صداقة قوية نمت من كثرة ما تـردد .. هناكوكان يقصد إلى بيته بعد نهار كله مواعيد .. أبي على الكويت

.. ثه عن ذكريات شـبابه وكان يأنس إليه ويحد .. وارتباطاتويتخفف مما به من حنين إلى السنين الخوالي، وقـد تحمـل

وكـان .. الدكتور عثمان مسئولية كل ما يرتبط بمرض أبي يأتي مع كبار الزوار بوصفه شخصـية مـن الشخصـيات

أو يستقبلهم في المستشفى بوصـفه .. المصرية البارزة هناك ة عم أبي كل قريب ألبي وصديق، وتحملت زوجته وهي ابن

.. ما يتصل بالمرض من مسئوليات عاطفية، فكان بيتها بيته تشرف منه على راحته وتلبي فيه رغباته، حتى شعرت يـوم

إلى الكويت أنني لن أستطيع أن أفعل أكثر مما فعلت وصولي هي، واستمرت رعايتهم إلى اللحظة التي غادر فيها الكويت

. عائدا إلى مصرار القاهرة استقبله على بـاب وعند وصوله إلى مط

الطائرة أخوه األصغر ماهر أباظة، وكان قـد رتـب لهـذه المقابلة ورافقه الدكتور عبد اهللا على في سيارة المستشفى إلى

إلى الدور السـابع توقـف بهـم . وعند صعودهما .. منزلهوتوقف قلب األسرة بأكملها التي كانت في انتظـار . المصعد

صعود وهبوط مدة نصـف سـاعة عودته وظل المصعد في على األقل، وهو هادئ ال يتكلم، ولكن الطبيب المرافق له لم يكف عن الصياح طالبا أنبوبة أكسجين خوفا على مريضـه،

. وصل إلى بيته وقد أكرمه اهللا وأكرمنا بذلكفركوب الطائرة والسفر الطويل والمرض الجاثم على

له إلى فراشه سالما، صدره، كل هذا قد أفقدنا األمل في وصو ودعونا كبار أطبـاء . ولكنه وصل واستجاب اهللا إلى دعواتنا

الدكتور محمد إبراهيم ـ الدكتور عبد العزيز .. مصر جميعاالدكتور . الدكتور غليونجي. عيسىيالشريف ـ الدكتور عل

دعونـاهم وتضـافرت .. الدكتور حليم دوس . أحمد إسماعيل . مامهمجهودهم وتبدت عنايتهم واهت

وإذا ببيته في الزمالك مليء بأوالد .. ونظرت حولي .. أخيه وأحفاده كل منهم يدخل إليه ويحاول أن يخفف مما به

ويرى في ذلك أمـرا .. كل منهم يتمنى أن يسهر وأن يتعب ليسأل األطباء عن إال .. وإذا بأخيه أحمد ال يفارقه .. مفروضا .. حالته

واعتبر نفسـه . ومساءوكان أنور أحمد يأتي صباحا وإذا جـاء ميعـاد .. ابنا له، وتناوب معنا ساعات التمريض

الغذاء تولى هذه المهمة الصعبة، فقد ظل أبي طـوال مـدة إال دقائق، وحـاول مرضه ال يقرب الطعام وال يقربه النوم

ور أحمد أن ينقل إليه ما يدور في الخارج، حتى يبعده عن نأن يكلمه عن المسرح وعن روايـة الملل الذي استبد به، وكا

. التي كان مفروضا أن يمثلها المسرح القومي" قيصر".. وتأثر أبي تأثرا عميقا من رعاية صديقه أنور أحمد

ولم أكن قد " الواحد يعمل ألنور تمثال من دم القلب : "فقال لي سمعت هذا التعبير من قبل فسألته إن كان تعبيـرا معروفـا

". لذي أقولهبل أنا ا"فأجاب ونفذنا العالج بدقة وأشرف الدكتور عبد اهللا وهو ابن أخته على تنفيذ العالج ولم يفارقه لحظة، وترك بيته وزوجته وأقام معه، ورعاه بقلبه ودمه ودموعه، إلى أن فاجأنا القـدر وأقول فاجأنا ألنني اعتقدت أن طول المرض قد أبعد شـبح

نبه، ومعي عبد الحميد أكبر الموت ولكنه فاجأنا وكنت إلى جا . أحفاده، وكان ساهرا إلى جانبه لم ينم

وذهب الموت بالذي كنا نحتمـل بوجـوده مـرارة الحياة، وحتى بعد ذهابه كان رفيقا رحيما عادال كما عودنـا، فقد ترك لنا رسالة، أراد أن نقرأها بعد وفاته، وتابعنـا مـن

: ذه رسالتههناك ونصحنا حتى وهو في أكرم جوار، وه : أحبائي

تقرءون كتابي هذا، وأنا في أكرم جوار، وأي جوار هو أكرم من جوار اهللا قابل التوب اللطيف الحليم الذي عزت عظائم قدرته، ووسعت خلقه سوابغ رحمته، وإنكم لتعلمـون أن الموت وهو الحق الخالد، مضروب على األحياء، وإن كل

وإنني ،جل وإن تطاول كتابا وإن لكل أ ،مخلوق له لخالقه مآبا فاستعينوا ،ألؤمن أن الفراق فيه لوعة عارمة ومشقة قاصمة

ذلـك إنـه ؛عليه بما تطيقونه من تماسك وتجمـل وصـبر على أننـي ؛ال يجدي في تحمله إال التجلد والتجمل والصبر

ولكنني ألـومكم إذا .. لست ألومكم على حزن يعتصر قلوبكم مة التقدير وأصالة التدبير ومـنكم أفسد هذا الحزن عليكم سال

من تؤدي شعائر اهللا خاشعة في صومها وصالتها، فلتذكرني مترحمة في صالتها، ومنكم من ال تؤديهـا إال فـي قلبهـا

.. فلتذكرني في مكتوب زفراتها، ومسجوم عبراتها .. الطاهر

ولقد أومن أن لي عليكم حق التكريم فلـيكن تكـريمكم هـذا أما أولهما فتجافيكم عن .. موردين كريمين لذكراي نابعا من

وإنهـا .. الدنية فإن الدنية مخبثة موبقـة للكرامـة أو القـيم فسد المنافذ على الخلف :وأما ثانيهما .. لتنقصني كما تنقصكم

بأصحابه إلى منهار مشـنوء، ييدب بينكم، فإن الخلف يهو ين وعيش موبوء، وإنه كما يسقط بمكانتكم في دنياكم الزائلة ب

األقوياء والمخالطين فإنه كذلك يسقط بمكانتي بين من خلفت بينكم من محبين ومقدرين وحاسدين، وإنني وإن كنـت لـم

وأرجو أال أكـون . أورثكم شيئا يذكر من عرض الدنيا فإنني مخدوعا، قد ورثتكم سيرة أستطيع أن أقرر أن المآخذ عليهـا

اضـة وال ليست كثيرة، فإذا هي كثـرت فإنهـا ليسـت بالغ وحسبي أنني لم أشرك باهللا أحدا، ولم أضر من خلقه ،الكبيرة

أحدا ولم أبطن ألحد حسدا وال لددا، على أني مع ذلك كلـه فإلى لقاء بعيـد .. وبعد. بشر من البشر له أخطاؤه وأوزاره

أسعدكم اهللا ورحمكم اهللا ووفقكم لما يحبه .. األجل إن شاء اهللا ا، إن ترك لي حساب الرحمن الرحيم ويرضاه، وأقبلكم جميع

فرصة لهذا التقبيل وإذا استطاعت فتواردت إليكم قبالتي نافذة . من بين ترابي المهيل

وال يعلم حتى رسل اهللا وأنبيـاؤه بمـا .. ولست أعلم وذلك علـم اهللا .. يالقيه اإلنسان وهو ابن الموت بعد الموت

لم اليقين أن ولكن الذي أعلمه ع . وحده أحاط به تعالى وحده اهللا كتب على نفسه الرحمة، وأنه خلق اإلنسان ضعيفا، فلـن

ومسك الختام أن أدعو اهللا بدعاء .. يتلقاه إال مشفقا عليه لطيفا . رسوله محمد بن عبد اهللا

اللهم إن مغفرتك أرجى من عملي، وإن رحمتـك " أوسع من ذنبي، اللهم إن لم أكن أهـال ألن أنـال رحمتـك،

رحـم أ أهل ألن تنالني ألنها وسعت كل شـيء يـا فرحمتك " الراحمين

عزيز أباظة

مختارات من شعره

سنوات عشر وبعد وفاة والدتي بعشـر سـنوات " أنات حائرة "من

: قال لقد ضحك الحزين األيم: قالوا

الجرح يفغر فاه وهو مسمم هل كان إال كالخليفة كائنا

ميطويه ناموس الوجود ويحك أخذوا بظاهر ما يرون فهل رأوا

قلبا يذوب وأضلعا تتحطم؟ ومآقيا غرقى ونفسا يغتلي

، ونفاثة تتضرمىفيها الضن مالي وللوائم أحسبي لوما

هم بين إطواء الجوانح جثم مت حين حنثت بالقسم الذيثأأ

أبرمت يوم هوى القضاء المبرم

أغويت يوم هفا إلى قلبي الهوى فصغا؟ ومن في قلبه المتحكم

ما أهون اإلنسان إن وفاءه وإما مغنم . إما اتقاء أذى

عظمت على أخالقه أكالفه وهو المسير في الحياة المرغم

نفض التراب الضعف في أعراقه وابن التراب الصاغر المستسلم

آنسته باألمس يقسم جاهدا والعجز يسخر منه سرعة يقسم من الهول الذي يعتادنيويلي

كالنار تنشج والرياح تهزم فإذا الوساد كأنه متضرم

وإذا الفراش كأنه متذمم وإذا الكواسر مقعيات جثم

وإذا الجوارح صاغيات حوم وإذا األفاعي الواغرات كأنها

اصطرعت على صدري تفح وترزم

وإذا الطيوف كأنها من عبقر ا الدمهبطت توهج في محاجره جهنميقد حنيت عل: فتقول

وأقول بل أحني على جهنم وأظل أسمع جمجمات عزيفها

وأكاد أفهم منه ما ال يفهم يا صاحب القسم العظيم تمأل الكبد

العظيم وما تراخي أعظم وأقول حسبكمو فكشر ضيغم

عن نابه حردا وتضنضي أرقم وأقول ما جرمي على بهين

لها أتقدملكن بحبي فيقول قائلهم تعست ألم تزل

تتحيف الحب السني وتظلم هب ما الحب وهو تهذب الدنيا

مءإال الوفاء أو الوفاء التو وأدب للمصباح أشعله فما

ألفي سوى متندم يتندم

هن إال نفسهرحما كان مس وضميره المتغلغل المتبرم

أغرته سابقة الهناء فانبرى ها بتوسملنديه مثل

يا أخت منضور الشباب تحية مطلولة في آهة تتضرم

معناك قبلة ناظري أو ورده كالبيت يأنس في ذراه المحرم

أرنو إليك وللحياة بقية تنهل في خلل الدموع وتسجم

ولكم دفعت إليك صدري حانيا في غمرة الوهم الذي أتوهم

وأذبت في أذنيك حبة مهجتي تفجر في مالحته الدمشعرا

فإذا الرخام الجهم ناجيته لثمأوإذا الشفائف ما أضم و

ربيع العمر يا ربيع العمر من حالي الصبا

شد ما هاج افتقاديك شجوني يا ربيع العمر من حالي الصبا

من على فرقتك اليوم معيني عهد ال أعرف للدنيا سوى

ومجونيي أنها مسرح لهو صبح فألفاه وبييسفر ال

بهجة النفس وإشراق الجبين وإذا الليل دجا راحيته

أتخطى من حبيب لخدين يمرض الهم فنجليه كما

يدفع الفجر أهاويل الدجون وكأن العيش يختال بنا

بين أمواه وأيك وغصون زال كالرشفة من كأس الطال

راويا من حر بثي وحنيني

أين صحبي ولداتي؟ عصفت باألعزين فجاءات السنين

وإذا المرء مضت أترابه ذاق أو كاد تباريح المنون

يا ربيعا لم تكن ميعته غير هفهاف عطور ولحون

لن يكن الخلد إال صورة من ديابيجك أو تلك ظنوني

يا عشياتي التي أجرعها أدعم رأسي بيمين ) ١(سامدا

زاكي اللوعة محموم الجوى كف األدمع مصهور األنيناو

ال تقولي من أخو البث الذي من صاحب اللحن الحزين.. هاجنا

النفاثات نفاثاتي أنا والشئون المستهالت شئوني

حائرا(١)

)١(ذكريات الطفولة إني كلفت بمن أحب صغيرة

تدلي بمن تلقي بكامن سرها جبلت على حب اإلساءة واألذى

من جورها ولطالما ضج الورى تسعى إلى األوكار إن سكن الدجى

وثبا فتوقظ ما غفا من طيرها وتقوم إن شاب الظالم لروضة

غناء باسقة تحيط بقصرها فتهيم بين خضيرها ونضيرها

لتضم ضاحكة بواكي زهرها وتصوغ مما تنتقيه ـ حبيرة ـ

عقدا يرف جماله في نحرها حلوةدرجت سويعات الطفولة

بسحرها يأواه لو رجعت عل محىتركت بقلبي لوعة ما ت

أعظمي في قبرهايحتى توار

. بنة عمه نظم أبي هذه القصيدة يتحدث فيها عن ذكرياته مع أمي ا(١)

إني سعدت بحبها وقنعت من تلك النجوم الزاهرات ببدرها

وهويتها أصفى الهوى متغاضيا عن بخلها متسامحا في هجرها

ولكم أداعها فأذكر جورها الماضي فتنسب كل ذاك لغيرها

بيضاء يستهويك العب دلها ويرد غيك رادع من ظهرها

موسومة بالحسن يسطع وجهها في فاحم مسترسل من شعرها

يا نسمة األسحار إن يممتها فاستقبلتك ببشرها في خدرها

فتحدثي عني هناك وقبلي محمر وجنتها وناصع ثغرها

قولي لها مضناك أسهده الهوى ) ١(وضع سرها فعسى يرق على م

. مواضع السر هو القلب(١)

١٩٥٨تسبيح الذبيح لـ ة الضلوع هنيئا ف يا ضيهيإ

لك قلبي مثوى وصدري وظهري في الذراعين في الترائب في مجتمع

العظم هابطا تحت نحري ها تلم أذلل لك المنازل أنت اختر

فارتعي بها واستقري سبيل الخلق. سوف نمضي معا سبيلي

من مفر ما في اجتنابه وغيري .. وتؤمين أنت غيري

لتهضي سراج عمر فعمر يا ليالي الوصال موعدك الحشر

وأين الوصال في روع حشر أكذب اهللا لو أقول قضاء اهللا

وشكر . بحمد. قابلته لست أسمو على النفاق ولكن

ما نفاقي واهللا عالم سري

وماذا . رب غفرانك الكريم غفر آثامي ووزريأنت إن لم ت

قد خلقت النفوس ضعفي وليس الضعف معراجها لفضل وأجر

وأنا ذوىأنت ذو الحول والسن يالضعف أخفيه باجترائي وكبر

ما أنت ال علم يسمو. أنت لعوالي أسماك إال بقدر

أنت ما أنت هذه الشمس والجواء واألرض تحت عرشك تجري

أنت ما أنت همسة منك تنشي كيف؟ أنت وحدك تدري.. غيرها

ال أراني مالقيا غير حسني وصفح وغفر . يءمنك مهما أس

إن في جاهك العريض لمثلي من برايا التراب ظلة بر

نحن إن لم نذنب فكيف تلذ العفو تزجيه مغدقا غير نزر

يا بنياتي أخشعن ألمر اهللا وأصبرن كل صبر بأجر

ولكن لم أخلف ماال لكن من المال ذكرىىرب ذخر أسم

وبحسبي إني عففت فذاق الناس عرفي وآمن الناس شري

مهداة إلى أم كلثوم

أأضوي ولي من ظلك الكنف الرحب ولي من ثغرك المنهل العذبىوأظم

لم تزل. أحبك ألوانا من الحب ال يهدأ لظاها وال يخبو. تجدد

مقلعتراد فن في قلبي جوي غير أال يا شد ما حمل القلب. وبرحا

ومدمع. ولي فيك إجهاش الليالي إذا كف غرب منه أعقبه غرب

ىوجنة مشتاق إذا شط النو إذا جمع القرب. ت محروماوأن

ومحمومة من غيره ما تدافعت زلزت الهضب: بصدري إال قلت

أثبك تحت الفجر والكون هاجر

تبتسابيح نفس ملء أحنائها ع ةإذا كان حب الناس سهدا ولوع

وأفئدة نهفو ألفئدة تصبو فليس الذي ألقاه فيك من الضنى

ومن حرق تفري الضلوع، هو الحب بلى إنه التقديس قد طهر الهوى

ترف كما رف الندى المونق الرطب مدارها.. والدنا في.. قصاراك مني

تقلب حتى ما يقر لها جنب وامح تنصبأساكيب وجد في الج

وحز مدى بين األضالع ال ينبو والوفاء مشقة . وذمة واف

وما حسبي إن آدني المرتقى الصعب إنني. لئن لم أكن حسبا لنفسك

العتد نعمي العمر أنك لي حسب من إشراقات السيرة الزكية

المولد الشريف

اليوم ضاح والنسيم رخاء وتريق فيض روائها الصحراء تحت الظالل وأشرقت وتبرجت كالمحصنات الكعبة الغراء

الجالل جمالها والحسن في ىوش حضن الجالل الفتنة العذراء

همثوقريش حول شيوخها وحدي نجوى إلى أربابهم ودعاء

أرزاء يوم الفيل إن عصفت بهم فلقد مضت بهوائها األرزاء

وتلوح من خلل البيوت إليهمو طوها استحياء يغالب خةأم

ىودنت يشع على ذراعيها السن وتعبق حولها األرجاء . القا

وأومأت )١(ومشت إلى الشيخ الجليل للطفل وهو طهارة وسناء

هذا ابن عبد اهللا وابنك بعده واآلباء )٢(طابت له األمات

فتهلل الشيخ الحزين وضمه " اإلسـراء "من قـد ضـم و " ياسين"

حضان يتم أمه وضعته في أ فإذا األسى طاف عليه عزاء

ولدت كما تلد النساء فهن في وفي عنت المخاض سواء. حمل

سنن الخليفة ليس في قانونها عوج وال في ضبطها استثناء

إن تخب نار أو تدك ركائز فعوارض إن صحت األنباء

ويقول جد الطفل للمأل الذي جاءوا جمعوا جموعهمو إليه و

. عبد المطلب بن هاشم) ١(

. األمهات) ٢(

سموا الصبي محمدا فلعله تسني المحامد فيه واآلالء

لم يدر أن المهد يحمل مرسال األنبياء ببعثه بشراء

د الهدى فالكائنات ضياء ول وفم الزمان تبسم وثناء

الرفيق األعلى

)١(قوى اإلنسان واشتد مطاه اهللا سناه ىوتجلى من سن

وتوالت أشهر ناعمة طاب فيها العيش واخضرت رباه

لم يرع يثرب إال مرض ساور المبعوث بالحق أذاه

شبت الحمى به وقدتها فتداعت تحت مسراها قواه

فإذا أفضى إلى حاجاته حملته في عناء قدماه

)٢(رقرقت من حبها زهراؤه ومن العطف فأنسته السقاما

ومضت تمنحه عائشة

. الظهر: مطاه) ١(

. فاطمة الزهراء) ٢(

ولزاما .. وأنسا.. ىرحمة تند قامت صالة فهوىولقد

)١(بعد أن غالب حماه فقاما

فلينهض أبو بكر بها : قال فاندبوه للمصلين إماما

أترى هل كان رأيا عابرا أم هو العهد توخاه وراما

وأحس المصطفى أن الردى وابتساما .. ماثل فانهل بشرا ه ل وجه من أرسيسيالق

ناس تسنى وسالما رحمة لل يا رسول اهللا أكرمت الورى

فإذا اإلنسان للفضل تسامى وبعثت النفس فيه حرة

تنشد الخير وتأبى أن تضاما وجعلت العقل فيه مبصرا

بعد أن جلله القهر فغاما

. أي أنه قام فلم يقو فهوى صلى اهللا عليه وسلم) ١(

)١(واقتضيت العدل للحكم قواما وبسطت الحق للخلق عصاما

ونشرت الدين نورا وهدى يكشف الحيرة عنهم والظالما

يا رسول اهللا أبلغت الذي شاءه الخالق للخلق نظاما

وانتهت منك إليهم سنة كرمت في اهللا بدءا وختاما

من كف األذى عن غيره: قلت أمن النار عذابا وغراما

والذي يأثم إال مشركا جد في رحمه اهللا مقامااو

والذي يعفو وإن أذنب لن يحرم الخلد مقرا ومقاما

والذي يستر عرضا كالذي صبر النفس فلم يركب حراما

)١(والذي يبذل في اهللا يدا

النظام ) ١(

والذي أنعش في الضيق الكراما والذي يدفع ظلما والذي

رد بأساء األيامى واليتامى والذي يهدي مسيئا فانثنى

عن أذى أوغل فيه فاستقاما عليهم كاآللييغدق اهللا صالة وصياما. قطعوا العمر

رفع اهللا إليه روحه عام أن ثبت للدين الدعاما

أجل المرء مقدور له إن هللا الدواما. ثم يمضي

حسبه وهو نبي بشر وناما . إنه قد أيقظ الكون

الناظر) ١(

هذه األبيات التي كان يحبها أبي " الناصر"ومن رواية :ن يرددها لهوكان يطلب من ثروت أ

غدا تترامى شقة البعد بيننا وأي عذاب اهللا أقسى من البعد

غدا تحمل األمواه رحلي مجاهدا اج عن وجديتفتنهل عن دمعي، وته

غدا يتنزى القلب كالسفن أرقلت على متن رجاف من الموج ممتد

غدا تنطوي نفسي على كل ساعر دومن عقابيل الصبابة والجهد

دا ال يراني الليل إال مدلها غ قليل قرار الجنب متصل السهد

إذا وقعات الدهر أبلين جدتي وفائي وال عهديىفلن يبل.. سلمت

مواثيق من أعماق نفسي قطعتها وأنت؟ فماذا أنت صانعة بعدي؟

بغداد أفق األنجم: قلت. قالوا بلغتم ومدار كل مرجب ومعظم

وال أهل أما .لم ننأ عن وطن جرت العروبة بيننا مجرى الدم

تدافعت: قلت.. قالوا بدت بغداد بين تنعم وتقدم . بغداد

وجعلت أشرع ناظري كأنما )١(أشتف أقصى طلبة المتوسم

أشهدت عرق العتق كيف أمدها عبر القرون بعزة وتكرم

قل للنواسي العظيم الملهم )٢(مسلم والشريف و. وأبي معاذ

والطائيين الخالدين على المدى

. أبو نواس وبشار والشريف الرضي ومسلم بن الوليد)١(

. وأبو تمام البحتري )٢(

)١(وبحر خضرم . من بليل غرد هاتوا من السحر الحالل أزفه

لسنائها القدسي سجدة مقدمي وبين جوانحي. إني أحج لها

شوق كأنفاس اللهيب المضرم )٢(وهبطت في بطحائها فكأنها البطحاء

تسنى في جالل الموسم روبها وسعيت في رحباتها ود

بخشوع معتمر وتقوى محرم أمل يراوحني السنين قنصته

)٣(فلقيتها في مجدها المتنسم

مزهوة األعطاف زهو الصبح قد أضفى سناه على الفضاء المظلم والدنيا الفتية كنتها . بغداد

د لم تعظمئحين البالد وال

بطحاء مكة) ١(

. العالي) ٢(

قربت لألمم المشارع فارتوت تسجممن فيضها المتدفق الم

وكوفي دعت. ما بين بصري لنهج أسلمىأشياخك النصح

هذا رواق األصمعي ومثله )١(واألسلمي . ألبي عبيدة مجلس

حجج الزمان معلمو أمم ربا في حجرهم علم ثري المنجم

العقل قد حررته ودفعته فمضى على غلوائه لم يحجم

هتك السجوف على الكهوف وخاضها ح في الضالل المعتم يقديكالهد

نصب الموازين الدقيقة وانبرى ينفي ويثبت بالدليل المعلم

بغداد السمك هزة سحرية في كل مصر، للعروبة ينتمي

وفخرهم. هو عزة العرب الكرام

هو يحيى بن زياد الفراء) ١(

)١( مزنر ومعمم ينال فرق ب

إني سألت اهللا جل جالله )٢(يحميك من كيد يحاك مدمدم

ستلئم ويقيك غدر عدوك الم ويقيك شر مسيطر متحكم

ومخادع ومضلل ومحطم ومذلل ومقيد ومكمم

قرى على كبد الزمان عزيزة واعتسفى سبيلك واسلمي . بغداد

. يقصد بذلك المسلمين والمسيحيين) ١(

. مهلك)٢(

بشارة الخوري ا الخلد واهتف في مقاصره بقف في ر )١(بشاعر مأل الدنيا كشاعره

سرى له أمس واألمالك تقدمه هشراق غامرفي موكب عامر اإل

البحتري تهادى عن ميامنه والمتنبي عن مياسره . يختال

يسعى أمامهما في قدسي هالته شوقي يزف جديدا عن معاصره

لي حلت ذخائهموالخالدون األ فرفوا من ذخائره . صدر الوجود

تحاشدوا ألخ كانت ترانمه ه وحاضرهبادي. قيثارة الشرق

زكا. لجمالقالوا ظفرنا بخالق ا في األحرف الصم وحيا عن خواطره

. اإلشارة للشاعر الخالد شوقي) ١(

من عباقرة )١(بالعبقري الملقى واألوحدي تعالى عن مناظره

وهشت الروضة الفيحاء ناثرة في بهوها الزهر ترحيبا بزائره

اهللا دبج جنات النعيم لمن الخلق ظال من مآثرهأفيت

أدنى العباد له أوفاهم مددا )٢(أو هداه أو بصائره في فضله

ال المصلى في مساجده. وخيرهم بل في سرائره. أو في كنائسه

ورادع نفسه عن شر ما ضمنت وخلقه عن مسيء من بوادره

والدين في روحه أو في سماحته بنوة بين إنسان وفاطره

. الملهم: الملقى) ١(

. جمع بصيرة وهي العقل) ٢(

األخطل الصغير

لم أنس آخر عهد لي بطلعته اصره في مق)١(وللردى رفرفات

والحول متحطم. والداء محتكم وأول النزع يحبو صوب آخره يلقى في عقيلته. وحوله اهللا من لطفه السمح عذرا عن مقادره

تفيض عطفا وإيثارا وخافقها عاصره)٢(يدوب كالكرم في راووق لو ضمير الشرق أنصفه . في منزل العتده الشرق ركنا من شعائره حين أفضينا له فمضى لم أنسه يعتامنا بكليل الطرف فاتره

فالتقت )١(وقال من أنت؟ فاستعرفت

. حام وأراد أن يقع: رفرق الطائر) ١(

. والكأسالمصفاة: الراووق)٢(

لحاظه ثم غامت في محاجره وقال هل كنت من صحبي؟ فقلت أجل

كصحبة العشب الظامي لماطره وراح صحبي وهم مثلي ذوو نسب

وبنو موسى وسامره . بفنه )٢(فطارحوه وشاقوا من جياهره

فاهتز ينثر عقدا من جواهره ثم طغت . وعاد كالمرح النشوان

هعليه وعكة ذاوي الروح حائر ما رأبه الدهر إال زاده عظما

كالطيب يزداد طيبا في مجامره ثم افترقنا وأدري أن نازلة

إلى عشه الحالي وطائره ىترق ال نألو له حذرا. ونحذر الموت

محاذره نء موالموت أقرب شي يا ويحها ذكريات هجن بي شجنا

. عرف نفسه إلى غيره: استعراف الرجل)١( . الجهير والجهيرة من معناهما الجميل األنيق)٢(

تظل روحي تلظى في هواجره فما طرقن سوى نفس وذابحها

وما تركن سوى قلب وصاهره ن صاحبت سقما سأعدى عدوك

)١(عدا عليها بغاث من مناسره والموت أكرم من . ويح اجتماعهما

)٢(عمر رمى الدهر فيه من فواقره

لشعر، والدنيا تضيء به لم يرحم ا في ذات صائغه األعلى وخابره

أدال منه، ولكن عزه نغم من السماء ترافت عن مزاهره

بشارة أنعم فجار اهللا أنت ومن أرضى وأروح نفسا من مجاوره

قد كنت للدهر عذرا من معاذره بما ابتدهت وفخرا من مفاخره

ضبه ابن البئر نا. عارضتك اليوم

.منقار الطير: المنسر )١(

. جمع فاقرة وهي الداهية )٢(

)١(من مغدق زاخر الدفاع هادره

. وأين من جهده مستفعل فعل )٢(هم مشرق اإلبداع آسره لمن م

أضفى على األدب الريان طابعه فالح مصدر نور من مصادره

وكان ما زفه للناس رائقة من السالفة تندى عفو خاطره قلت الرياح الهوج عاصفة. إن ثار

شكا صب لهاجره قلت . أو قر منمنم النسخ يجري في ديابجة

من كل معنى شفيف الروح نادره يخال من قربه للنفس إن له

وهو عال عن نظائره. نظائرا تهفو العروبة من شتى مناكبها

إلى الرحيق المصفى من بواهره فيا لها نشوة مجت مدامتها

.السيل المندفع )١(

. آسر اهللا اإلنسان خلقه )٢(

أقالمه وهي ريا من محابره تسقيها مشاعرهخواطر الخلق

مستبهمات فتجلى في مشاعره فيرسل القول مأنوسا فيحسبه

من صدقه المرء هما من سرائره شوقي أين؟ هل لهما : بشارة أين من وارث واثب اإللهام ظافره

واحسرتا زال عن روض بالبله فأوحش الروض، إال من عصافره

وود كل نضير فيه مؤتلق رد من أفواف ناضرهلو قد تج

بكى مع األرز ساجي الورد وانعطف الصف صاف يجلي حاله عن ضفائره

والسوسن الضاحك انغاضت بشاشته والنرجس الفضي أغضى من نواظره

حزنا على ناهل منها عواطرها في الزواكي من عواطره )١(يديفها

. مزج: داف )١(

فابكوا على الشعر أمسى دره بددا قوى من عباقره لناديه أاوأسو

بشارة القيم العليا يكيد لها حران كل قصير الباع قاصره

العجز أو شهوة الباني بال أسس أو أنه الجدب في أشقى مظاهره

أو ثورة في طوايا النفس حاقدة بها كل ضحل الجهد عاقره ىيصل والعصر مضطرب. أو أنه قلق السمت صاغره )١(يمضي لكل سقيط

ذكر في زيها خنث فهذه وذاك يخطر أنثى في غدائره

وتلك لوحات معتل يخط بها خاطره )٢(ما لوث الطفل عن ملتاث

غير ذي شية )٣(من كل رسم جهيض

.األحمق: السقيط )١(

.االضطراب: األليتاث )٢(

. المولود قبل موعده: الجهيض )٣(

وكل نقش بغيض اللون نافره وتلك قصة ذي عقل رأى سفها

أن يعري العقل فيها عن مآزره قل جددت في هذر . يقول جددت

ج يعرف فجا في بواكره والف وزاعم إن صقل الشعر منقصة

ووزنه ناقص أركان عامره موسيقاه منتهك ىوأن علو خدر العذارى الغواني من حرائره

ال ما قاله نفر . الشعر ما قلت عدوا على قدسي ماضيه وحاضره

ثم استطالوا على الفصحى وحرمتها بآمر من ذوي الضغن غائره

الوا مجاهيد فارتدوا وما بلغوا ص )١(من فارع الطود إال سفح حاجره

اهللا كرمها فاختارها لغة لمعجز محكم التنزيل باهره

. قاعدته: حاجر الجبل )١(

تبقى على الدهر تسنى في مساجده نورا ـ وتنهل هديا عن منابره

ال فن من غير قيد أو تواثبه فوضى تطيح بمحض من عناصره

ل نجوت به والقيد إن كان في فض قيد من كبائره. كعفة المرء

يا شاعر الشرق في أفياء جنته قم فاشهد الشرق في غاشي مخاطره

قد بات ال تتراءى في عزائمه بل تتجلى في حناجره .. قواه

وفي األهازيج تجدي عن تضافره وفي الهتافات تغني عن بواتره

عجبت منه تغاديه توافهه ويلهو عن مصائره .. فيستثار

قدما ريم األفاعي في بواطنه وشهد المداجي في ظهائره . خلفا

وانقاد للجهل واستهواه باطله فجرد الفضل عن عليا معايره

متى يفيق؟ فما ذل وال ضعة كهونه وهو مستخذ لواتره

حاملة. واأليام.. الدهر يوما حظ الوجود جنينا في سرائره ى والمنى ترضى وإن خدعتلقد أر

طغاوة النور تسري في دياجره رحلت عنه وعن عصر هوى خلفا

في عالم فخره كبرى جوائره يهنيك أنك ناج من براثنه

نفسا وأنت ناء عن أظافره طغى الضالل به حتى ألوهمه

إن الضراوة ضرب من دساتره الحق للباطش األقوى وإن سفرت

ثم غادره ن خسيس اإلنياته ع ينقض ذئبا فما خلق برادعه

وال اجتماع على شكوى بضائره واألمر للجاهل المثري بعسكره

والحكم أهوج في أيدي جبابره

وبات حكامه باسم الشعوب كمن سأم الزمان هوانا من قياصره

محاسنهىن أبدإمنهم قبيل و ففي ضمائره ما في ضمائره

ثم ينقضه . عهداوذاك يبرم وذاك ينفث سما عن منابره

اله سائس الدنيا وقاهرها خت وهو المضرس في أنياب قاهره

يا نكسة العصر ال وال ذمم أليس حمالنه صرعى كواسره

حضارته ىلم تشف نزعته السفل بل زاف منها شعارا في حواضره

حظ العروبة فيه حظ ممتهن جافية وزاجرة في يتمه بين

متى يطالعنا عدل الزمان متى؟ وللزمان قصاص في دوائره

إن ينصر اهللا طاغوتا إذن فلقد ستغفر اهللا أغرى شر كافره ا

دامغة . لبنان يا حجة للعرب بهتان كل دخيل الحقد واغره

وكل ساع بما يغريه من تهم من عفائرهييبثها في المدو

ألديان سقت لهإن يبتعث فتنة ا تسامحا فيك يسمو عن نظائره

قد ألقمته حجرا. أو يذكر الحكم فشعبك الحر قاض في مصائره

أو يذكر الميل عن نهج الحضارة لم يعجزك دفع غوى عن بوادره

حضارة الشرق تجلوها يمازجها ما رقرق الغرب فيها من بصائره

ما بين طوديك رفت نهضة عمم شعبك فيها مجد غابره أجد

وعزة الشعب ليست في تكاثره العقل أجدى عليه من تكاثره

لبنان يا فخر هذا الشرق عشت له في ركب حاضره إنسان ناظره

يا صائغ الحسن في أبهى وسامته ورافع الوعي في أسنى منائره

من كل غيداء ريا من صباحتها )١(وكل يقظان رحب الوسع ثامره

وباعث األدب العالي برشح من فصحاه في عبقري من مآزره

وناشر الروح والتهذيب في لغة )٢( هصحيحها طم دهرا في مغادر

كم لك في أيد مقبلة . سعدت على القريض أضاءت في جواهره

فصادح في رباك الخضر ذو طرف ونائح يتغنى في مهاجره

د يقول وهو رغيد العيش في بل ال تعرف األرض أبهى من حواضره

لبنان أين عليل من نسائمه وأين حبيب من دساكره . النشوى

. الثمر: ثامر الشجر )١(

. الكهوف: المغادر )٢(

)١(وأين حور حسان من مهائره

تشرفن في حاليات من سوامره وأين أثداء تفاح بدغدغها

)٢(طل الصباح فتزهو في تباشره

وأين ماء كراح الخلد تسكبه ن صافي مصادره م)٣(عيونه النجل

عن الدار فانهلت روائعه ىنأ عصارة القلب ماجت في محاجره لست المعزى إنها أمم.. لبنان

في الشرق تأسى له في ناي شاعره إن الموت أعجز من . لم يطوه الموت

أن يطوي النور يسني في سوائره كم ماثل هو ميت في مقاصره

وراحل هو حي في مقابره

. جمع مهيرة وهي حسناء يغالى في مهرها )١(

. أوائله: تباشر الصباح )٢(

. الواسعة: النجل )٣(

ذي نفاثة محزون أخي مقة ه )١(يذيبها عبرات من مشاعره

بادلته الود مخضال وكنت له )٢(في جرحة اللطف ندى وقد ناغره

واهللا ما روعت مصر وقد منيت بكل خطب شديد العرك جائره

بمثل ما لقيت يوم انتقالك من هول رماها بوادي البرح ثائره

ا أهرامها نكست هاماتها جزع وأجهش النيل عن مسك هامره

ىفاذهب كما مال قرص الشمس ضم إل إكبار شاكره.. ذاكرهنشكرا

.المقصود قصائده السائرة على كل لسان )١(

. غرإذا اغتلى الجرح فهو نا )٢(

القصائد التي قيلت في رثائه

عزيز أباظة شعر صالح جودت

ما عزائي فيك يا خير عزاء منذ أن غاب أمير الشعراء

لم تزل تسعى إلى سدته ء بعد أن عز عليها األوليا

فتسنمت إليها دائبا صيب اإللهام موهوب العطاء

تمأل الدنيا نشيدا رائعا يتلقى من فم الدنيا الثناء

وتصوغ المسرحيات التي لبس المسرح منها الخيالء

وتقص السيرة الحسناء في ألمير األنبياء ىخير زلف

فاض منك الشعر، رومي الشجي

البناء بحتري الروح، شوقي طاوعتك الشاعريات التي

لم تطع في الشعر إال األمراء إنما الشعر المصفى دولة

لم يزل فيها السراة الكبراء لم تزلزلها انقالبات وال

هزها سيف وال شقت دماء غير أن المحنة الكبرى بها

ما جناه المحدثون األدعياء أنكروا األوزان في روعتها

لبلبليات الغناء والقوافي ا في زمان عابث يطربه

هذر المرد ولغو اللقطاء سوف يبقى الشعر في سفر العال

ويولون مع الريح جفاء يخلد الشعر على الدهر كما

تخلد األديان بعد األنبياء إنما يمكث في األرض الذي

ينفع الناس وال يبقى الهباء يا عزيز الشعر همي أنني

أشيعك وقد حم القضاء لم جاءني ناعيك في مغترب

أتشهى فيه من مصر الهواء عله يحمل من أنبائها

نفحة منك وبشرى بالشفاء بعد أن فتك في حضن الضنى

واهن الشريان ملهوف الذماء فإذا النفحة شجو وأسى

وإذا البشرى حداد ورثاء فنزفت الدمع حتى خانني

وع الغرباء فتسولت دم قلت من شعرك فاستبكيتهم

وأجل الشعر ما يوحي البكاء قلت من أناتك الحرى على

حرة منزلها دار البقاء لك في فرقتها ملحمة

أصبحت سلوى األيامى التعساء هي لو تملك أن تسمعها

شقت القبر وخفت للنداء عشت في محنتها مضطرما

الرداءنابغي الليلة مسود ثم مر الزمن اآلسي على

جرحك القاسي فارقا وأفاء وتفتحت على الصوت الذي

يوقظ القلب ويشفى البرحاء حين هشت لك أنفاس الهوى

فتنفست بهن الصعداء وتعطرت بنيسان المنى

وتقشبت بألوان الرجاء فإذا ليلك بالنور اكتسى

وإذا قلبك بالحب أضاء ان يغلو في األسى وإذا من ك هام بالصبوة حتى الغلواء

وبنيات على فجر الصبا

يتأزرن بأحزان المساء لم تزل فيهن من يوم النوى

لوعة اليتم وتذكار العناء قلن ما خطب أبينا بعد ما

غاله في أمنا عصف القضاء فبكاها وبكاها ومضى

حزنه أمثولة لألوفياء رحمنني فتوسلت لهن ا

ن الحب داء إيا بنياتي، يا بنياتي من ذاق الهوى

قدسيا، لم يجد عنه غناء إن رجوتن لنفسي راحة

فالهوى والشعر سلوى وعزاء أو تمنيتن لي مجدا، فما

مسلكي للمجد، والقلب خواء؟ أو تلمستن بعدي تركة

ليس بعد الشعر عز وثراء الهوىعمركن اهللا، ما شئت

بيميني، غير أن اهللا شاء يا بنياتي، من روح الهوى

يولد الشعر ويحيا الشعراء يا بني العصر الذي نحيا به

وهو علم وابتكار وذكاء ال تقولوا شاعر مات، وما

قيمة الشاعر في عصر الفضاء؟ قيمة الشاعر في أمته

نه يفتح أبواب السماء إ المنى نه يزرع ألوانإ

نه يبدع ألحان الغناء إ نه يجعل للعمر شذىإ

نه يمنح للروح الضياءإ نه يعزف موسيقى النهى إ

نه ينشر في األرض الصفاء إ نه يحنو على أوطانهإ

نه يلعن ظلم األشقياءإ نه بالشعر يهدي قومهإ

للطريق الحق والرأي السواء إنه بالشعر يروي للورى

لنصر وأمجاد الفداء سير ا نه التاريخ، يبقى صادقاإ

ن روي التاريخ زيفا وادعاءإ نه الحاضر يحيا نابضاإ

وطني الشدو قومي الدعاء نه المستقبل الحلو الذي إ

ينشد الخير ويدعو للرخاء نه لوال رساالت الهدى إ

كان في أمته كاألنبياء في رحاب اهللا من كنت له

ب األخدان نهجا وانتماء أقر لم تزل في ناظري من سمته

قامة مرفوعة بالكبرياء ومعاناة يداريها الرضا

واحتمال يتغذى باإلباء وتحد لصروف عاشها

يحمل المحنة في غير انحناء في زمان نحن أحسنا له

ولقينا من سنمار الجزاء قل ما سر به، لكنه

أساءكان ما أكثره فيما إن قضى األحرار فيه فلهم

في رحاب اهللا أجر الشهداء يا أبي، بل يا أخي، بل يا أنا

أنا من مات، فللشعر البقاء

عزيز الشعر

) بيروت(شعر سعيد عقل في بردي انضنى ألم.. شعر وال أنت؟

عمالق مصر، تطلع، وانحنى هرم دعني من رثا وبكا.. ث أنا اليوم؟را

نار ببالي وفاء كنت أعتزم ؟ ويحهم خطلوا اقالوك تكمل خط

في غفلة الوحي، أنت الطور والكلم الشعر بعدك صار الشعر، ردده

من رأسه فوق، من لم يغره غنم نبل بشعرك لم : اثنان أهواهما

يتعب، ولبنان منه تتعب األمم سكري بشوقي أو إلى غير ذي شيم

السكر والشيم)١(ل جوقول شوقي بز

: إشارة إلى قول شوقي )١(

نكرت كل قصيدة إالك إن تكرمي يا زجل شعري أنني

هنا الهوى شد بين األميين، هنا في الشرق، ما نسمت قبل الهوى نسم

لكن شعرك أنت، الشعر يعبده أنا والليل والنجمىمعي، ونغو

أخال التاج ضللهم.. ما أمروك؟ وجاء جبهتك الشماء يستلم

من األرز، أستظل بهاحملت غصن عظموا أو رعمسيس أو الوقاد من

أو من نماهم ثرى لبنان، مبتدع من نثروا الدنيا ومن نظموا: البداع

به ألف جبينا ال الشموخ حكى أغلى، وال العود وفاه وال النغم

" عقل أمتنا " طوقت جيدي بأني " اإلثبات والهيم " يعل من سحري

كالمك السيف، ها بالسيف ترسله، لقلمواالصطكاك سكوت عنده ا

قامتك: بديع رصفك، فيه أنت

اهللا صاغك والزمان رواك إن الخيال بديعه وغريبه

الشمم : الغيناء، صدرك، صدق العزمة وفيه من أسرة قلت الرماح نمت

قوما، وقلت بخيل طارت الهمم ما القوقاز أنبته . مصر تنشئ

منها الحضارة، منه النبلة الحكم ما الشطر من بيتك المآلن غير صدى

لكرة عبرها األعداء تنهزم ا رد شطر آخر لمعتحتى إذ

أهزوجة النصر يغوي فوقها العلم أما القصيدة، مما رحت تعمره،

فالبرج ماد كمن باألفق يصدم يقول إن ابتهاال سر فتنته

وأن دفا على باب السماء الحكم غير من هجرتىغنيت لبنى، البن

لتسكن الدمع في عينيك ينسجم؟ لنجمة الصبح ودت لو تكون لها

بديلة وعليها الشعر ينهدم واريتها ال بترب، بل بورد ضحى

والحب حبك ورد بالشذا برم وفجر الدمع فيك النبع مصر، ردي

نيال من الشعر يا نيال هو الكرم بمصر حببت الدنيا فكيف إذا

راحت على الريشة الخضراء تضطرم؟ كتب إلي نجم تشد فطر، : أقول

لعب كما لم يلعب القدم حدوث، وا ك الكبار بنا، يعمالق مصر، قواف

بنبلها ما يزال األرز يتسم ومن أنا ألرد اليوم بعض ندى؟

صم قوافي في رد الندى بكم إن شاعر هام بالنيل انتشت قمم

أو تصبى مادت القمم. في أرضنا مصر هي المجد، كان المجد مذ طفرت

ذن بعدها وفم إفي البال، فالكون أو لو النهى الصيد نادتهم هياكلها

وعلمها رفد الصيد األولى علموا غاو بها شرف اإلنسان، ما خذلت

عصرا، وغاو بها ذو الريشة العرم أن ضامها الضيم مس الخالقين دنى

أو نالها الظلم راح الحق يظلم وها نحن الشهود لها .. لبنان نحن

تصاف، ليس نتهمندين يوم ان الحب نحن شرعنا الحسن نحن بدعنا

البعض نحن قطعنا أنه العدم جبيل قالت بقاء النفس واكتشفت

ربا أبي لقضاء السيف يحتكم الليل لوال سراها غربة قتلت

!والشمس لوال هواها وهي من وهموا بلى، جراحات مصر في مضاجعنا،

م ينثلم في الروح يسخى بها، في العظ في الريح في غضبات الغيظ، في غدنا

ن هجموا إفي مبتغى ما ابتغى األبطال ما لم تزن مصر وزن الحق يبق دم

!على الضمير ويبقى أن يراق دم أطللت منك على التاريخ، رنحني،

همي كما الضوء في بالي، كما الديم ويعطر البال أن يمسك عطر يد

حرممست بنفسجة أنفاسها لم ال؟ وفي القصص العالي الذي نسجت

غزارتاك استجدت سحرها النظم غدا الهوى بدعة، مرا ببال هوى

وسكر عقل على القرطاس يرتسم، وآية طرفت حتى ليرشقها

غيان إن أنا ضليل ولي جرم بالكأس أفديك، بالدنيا، بساجعة،

بلوز نيسان للزينات يبتسم بالمجد أشعلني بالشعر بالمنتهى

يحط عيني بعين الحق ألتهم حتى إذا الح لي أني وهمت همت

مني الشجون كمن أفالكها السدم عمر، ذاكر ولها ةرفيق شطر

بشعر مطران واأللباب تحتدم دع خلقي .. ما كان؟.. أسمعتك المرتجى

!للصمت، ال شرف إالك، ال ذمم نمما زلت منها كما بوح النسيم ل

ن النسيمات تشقى وهي ال علم م بدارتنا يا طفل وانحطميمر

على بساط من النسرين ينحطم ! بهديك الريح تنأى، أنت مرتحل

!بقدك الشوك يدمي، أنت منتقم إن كان بالهزج من صبحيك ال أمل

فعند خصرك لم ال يصدق الحلم حتى إذا يندري شعر وكنت غوي

متململين، وآه القول والقم : تهم شمس بأن تغشى فأمنعها

ضيعي معي، يا ضياعي، وأحل، يا ندم لمن سهدي، بمن وجهي؟ : وتسألين !يا قاطف الشمس، أكمل أو أنا الرمم

نتهي ننتهي في قبلة ولهتنو وفوق يغمز فينا بلبل رنم

شيء عن الشعر هذا، استله كلف

بالشعر، أم سكر صب ليس يحتشم؟ ر الكئوس، بها فلنبقه بيننا س

يمر هاو فيدري أنه الجمم عمالق مصر، إذا أعوزت في خلد

فضم من خلدنا ما شاءت الضمم من زهر لبنان خذ عرشا ومن قيم

! ال زهر لبنان منان وال القيم

في رثاء عزيز الشعر عبد الكريم الكرمي : شعر فلسطين ) أبو سلمى(

وحملنا من فلسطين الجراحا ألسنا في المهرجانات فصاحا

وشظايانا اللواتي انتثرت قد عصبناها وشاحا فوشاحا

جلت الثورة أيام اللقا جبهات، تفضح الشمس، صباحا

وغدت أشعارنا صامتة نها في صمتها أمضى سالحا إ

يا فلسطين أتيناك على صهوة الجرح، رعودا ورياحا

تقف السمراء في ساح الوغى تتحدى األسمر الندب كفاحا

حسبوا أن رماحي انكسرت إن لي في كل ميدان رماحا

كلما حطم لي الدهر جناحا مصر مدت لي على األفق جناحا

شيع الشعر عزيزا وبكى خلقا فيه ونبال وسماحا

ال عروس النيل في موكبها ال وال موكبها زف المالحا

ال الليالي خافقات بالسنى ال وال النجم على الموج استراحا

ال الرياحين على الشط زهت ال وال الورد بسر العطر باحا

وانثنى الفارس عن رايته دنياها نواحاوارتمت تمأل

يا عزيز الشعر من بعد النوى لم نجد للشعر فرسانا وساحا

الحروف العربيات انطوت والهجينات تصدرن المراحا

الشعر غدا هانت األنفس ف مرتعا ـ مثل بالدي ـ مستباحا

أرضنا أرضك يا مصر وقد بسطت فوق ظالل الخلد راحا

ونسيمات الربى ما اختلفت والنمير العذب ما زال قراحا

وغرسنا الشوق في كل ثرى ورعيناه غدوا ورواحا

وسقيناه معا، من دمعنا وغذوناه إباء وطماحا

يننا وحد التاريخ فيما ب والدم الحر الذي روى البطاحا

فتراب ومصير واحد أين من يقطع أوشاجا صحاحا

كل يوم قطعة من كبدي ظى وبها الموت أطاحاشتت

لي في كل المناحات أخ لم يجد قبرا ولم يلق أقاحا

وهوى السيف المدمي عاريا دون غمد، والردى رد الجماحا

لم تشيعه بقايا أدمعي ال وال توديعه كان متاحا

والرفات المستجيرات ألم تسمعوا منها عويال وصياحا

شهداء قد كساهم ربهم نضروا روحا وردنا وصياحا

وهم في كل درب شعل أطلعت من ظلم الليل صباحا

إال لظل لمن أعفوا على الذ بئس من كان عن العز أشاحا

باسم شعبي حكموا لكنهم يرجون فالحا ثمهظلمو

تاجروا باسمي وبؤسي ودمي ثم باعوا وطني بيعا سماحا

أيها الالهون بالميسر ال تجعلوا أرض فلسطين قداحا

ذرة من وطني فيها الدنى أين من يبغي بديال أو براحا

أي فك لبني العرب إذا لم يفكوا من فلسطين السراحا

أيها الحر الذي فارقنا لى األرض اجتياحاأن للقيد ع

أيها الصداح ما الروض إذا كنت ال تمأل جنبيه صداحا

أيها الشاعر ما الحفل إذا كنت ال تسقيه من شعرك راحا

ال يضيء النور في الجمع إذا لم يكن منك الجبين الطلق الحا

مثل زيتون بالدي، خالد شعرك الغض اخضرارا واتشاحا

على يا عزيز الشعر ما زلنا عهده، نعتنق الود الصراحا

أينما سرنا، على أعطافنا عبق من شعرك المعطار فاحا

أنت دافعت عن الحرف لم يهو في الوحل ولم يولد سفاحا

إلى عزيز أباظة

محمد التهامي: شعر نام العزيز ولم ينم سلطانه

بل راح يستبق الحياة بيانه والشاعر الخالق يغرس عمره

فيطول فوق ذرا الوجود زمانه تتواكب األجيال دائبة الخطا

وتظل فوق رءوسهم أوزانه يتفيأون من الهجير ظاللها

وتضمهم زمن الربيع جنانه وإذا استباح الزمهرير حياتهم

فمالذ دفئهم الرحيب حنانه وعلى دروب الحب يلمع صوته

فتضيء في ليل الهوى ألحانه اشقين تناوحتوإذا جراح الع

سى جراح قلوبهم تحنانهاو

وإذا تفرق شملهم وتناثروا ضمت شتات جمعوهم أحضانه

وإذا استطال الليل فوق ربوعهم يدعو إلى الفجر القريب أذانه

وإذا تهاوى للضالل فؤادهم يهدي إلى رحمانهم إيمانه

وإذا تنكبت الطريق جموعهم يومي إلى النهج القويم بنانه

وإذا دهي األوطان كيد عداته عزت بظل نشيده أوطانه

م الوإذا استنام الغافلون لظ لذعت مضاجع نومهم نيرانه

وإذا وحوش الغاب سيطر حكمهم غلب الوحوش وردها إنسانه

هذا تراث الخالدين وبينهم لعزيز ويستقر مكانهايأتي

لم يعرف القول الجزاف بل انتقى لشعور جمانهفأضاء في صدق ا

وأقام في حلو الحياة ومرها ما اهتز في وهج الصراع كيانه

زادته في اإلقبال حلو تواضع حين اكتوى بغرورهم أقرانه

ورأته عند البأس أكرم فارس يضوي بليل الحادثات سنانه

ويقول ما يلقي بقدرة ملهم ما خان أعماق الشعور لسانه

ةرفي حبه ووفائه أسطو ت بصدق حروفها أشجانهنطق

وأدارها سفرا يصوغ مداده قلب الحبيب تذيبه أحزانه

أناته الحرى سقت أكبادنا جمرا عليه شواظه ودخانه

واشتد مصقول المشاعر قادرا يجري وراء غباره إخوانه

ةارفله بدنيا الشاعرين صد ووراء طلعته مشت فرسانه

يرتاد آفاق البيان مظفرا ه فكل فنونه ميدانهفي

يلقي كريم القول في ميزانه فيزيد في وزن العال ميزانه

قد روض الفصحى وأحسن صوغها فأضاف في أمجادها إحسانه

وأتاح للشعر األصيل مكانة عليا رست بسمائها أركانه

فالمحتوى فيه النبوغ أصالة وعلى مفاتنه استوى بنيانه

اسه وسرى الشعور الحي في أنف نغما يهز المنتدى فتانه

ه اقوالشاعر الفنان في أعم سر الوجود وفي يديه عنانه

أوتي من اإللهام قدرة شاعر يسع الوجود ومن به وجدانه

فيرى بعين الملهمين حقائقا خفيت وتسمع صمتنا آذانه

ويحس فوق الحس ثم يرده شعرا يسير بسحره ديوانه

ل نفوسنااليسقي من السحر الح ولو أنه أوحى به شيطانه

حي به وفنهيم نذعن للذي ي ويظل يسعد قلبنا إذعانه

هذا دعاء الفن عز نداؤه هذي قيادته وذا سلطانه

إن كان للشعب العريق حضارة كتب الحضارة كلها فنانه

عزيز العرب

مبارك المغربي: شعر ) السودان(

إعظاميلك مني على المدى يا مقيما بقلبي المستهام

يا مطيل الغياب في العالم الرحب بعيدا عن عالم األوهام

.. لك مني ذماء نفسي يا خلي وقلب قد صار بعض حطام

لم تزل روحك الزكية تهدي بلجة الوحي للنفوس الظوامي

لم يزل طيفها يطل علينا في رقة األنسام.. كل حين

. يضوع شذياعبق كالصبا ا أو صرت بين الرغامنكنت في

أما أودع خلي . لهف نفسي

وما أبل أوامي؟ .. ونجيي غائب ماله الغداة رجوع

تاركا صحبه لذل المقام لزمان مدى الحياة عبوس

وقلوب على الدوام دوامي أي رزء أشد من ذلك الرزء

!وأقسى من تلكم اآلالم ح خيالييا مرا: إيه يا مصر

ورؤى خاطري وملقى غرامي كيف أغدوا على ثراك غريبا

بين أهلي ومجتلى أحالمي .. كنت ألقاك مسعد الروح والقلب

فما لي ألقاك دون سالم؟ ما له حال جهما! وجهك النضر

بعد ما كان مشرق االبتسام؟ " عزيزا" فقدنا ذهدنا الحزن م

في كثير من المعاني الفخام في البر بالصحب . في الندى في النقاء

وفي خلقه النبيل السامي في سماء الخيال في األب الفذ

وفي موكب العال والتسامي عبقري زها بمذهبه الشعر

إحجامالونادى له ب صانه من أذى الجديد

زاهرا خالدا على األعوام لن يضير النظيم محض كالم

ظام قد أتى مبهما بغير ن أيهذا الذي تولى كريما

مسرعا في خطاه دون زحام .. أين ألقاك كي أبثك ما عندي

وأشكو إليك حر هيامي " عزيز"سوف ألقاك في محيا

)١(صورة منك في الشباب النامي

.. م الروحءيا تو.. يا شقيق الفؤاد ويا ذاهبا بأقصى مرامي

. االسم الذي أطلقه الشاعر على ابنه وفاء للفقيد العزيز: عزيز )١(

أنا ما عشت أذكر الخير والفضل وفيض الشعور واإلكرام

" عصارة قلبي"لم تزل تزدهي )١(بعض ما زنتها بأغلى وسام

" وبري " " ي ترب" األمس مضى )٢(بين نفح الربى وهمس الغمام

وليال كأنها أرج الخلد تجلت في المقرن البسام من وحيك الثر " الخرطوم"طالعتنا )٣(بسحر يفوق سحر المدام

لنا على ضفة النيل كم لقاء )٤(المترامي " الجزيرة"وشط

ديوان الشاعر الذي تفضل الفقيد بتقديمه عام : عصارة القلب )١(

١٩٥٤ .

أماكن معروفة في ضواحي الخرطوم وبها : تربى وبري والمقرن )٢( . ١٩٥٥كرم الشاعر صديقه عند زيارته األولى للسودان عام

القصيدة التي حيا بها الفقيد السودان في زورته الثانية : الخرطوم )٣( .١٩٥٧عام

. الموقع المعروف بالقاهرة وبها دار الفقيد بالزمالك: الجزيرة )٤(

بين صحب شجتهم ندوة الشعر

)١(فصاغوا شوارد األنعام

ذكريات تعيش في القلب رمزا لصالت تبقى مدى األيام

يا رسول القريض ـ يا شاعر العرب وحادي البيان واإللهام

يا سليل الوفاء يا عترة النبل سل الكراموصنو الحجى ون

ليتك اليوم بيننا تتملى في صمود الرجال واألقدام

لترى العرب في مصافحة المجد خفاقا وفي نداء الوئام

لترى النيل نضر اهللا واديه طروبا يتيه بين األنام

ودعا ١٩٥٤ارة للندوة الكبيرة التي أقامها الفقيد للشاعر عام إش )١(

. إليها أساطين األدب في مصر

فالشقيقان بعد طول التياع تعانقا في التئام .. واشتياق

ذاك يا صاح ما دعوت إليه ت له عرى األرحامفاستجاب

إنما نحن كلما جد جد لترانا أوفى الورى بالذمام

نحن رمز النضال في الموقف الضنك وفي غمرة الخطوب الجسام

يا أخا الود والمروءة والبذل قبرك الغمام الهاميىسق

نم هنيئا فقد غرست ثمار المجد والمجد غرس كل همام

هالم يغب من أعاد للضاد ماضي وللعرب عزة اإلسالم

من قضى العمر في اللجوء إلى اهللا بأعماله الكبار العظام

رب هبه الرضا وأغدق عليه فضلك الجم في أبر مقام

وسالم عليه في جنة الخلد حليف الهناء واإلنعام

top related