(1اد )د سلسلة كتب اإلمام الح ***************************

النصائح الدينية و الوصايا اإليمانية***************************

تأليف: اإلمام شيخ اإلسالم قطب الدعوة واإلرشاد

عبد اهلل بن علوي بن محمد بن أحمد الحداد الحسيني الحضرمي الشافعي

رحمه اهلل تعالى هـ(1011-1111)

الناشر: دار الحاوي للطباعة والنشرو التوزيع

هـ1111الطبعة األولى سنة هـ1111الطبعة الثانية سنة

بسم اهلل الرحمن الرحيم والحول وال قوة االباهلل العلي العظيم.

سبحانك العلم لنا إال ماعلمتنا إنك أنت العليم الحكيم.رب العالمين ، الذي جعل الدعوة إلى الهدى، والداللة على الحمد هلل

الخير، والنصيحة للمسلمين ، من أفضل القربات، وأرفع الدرجات، وأهم المهمات في الدين، وذلك سبيل أنبياء اهلل المرسلين ، وأوليائه

الصالحين،والعلماء العالمين الراسخين في العلم واليقين.يدنا وموالنا محمد الرسول األمين ، والحبيب وصلى اهلل وسلم على س

مام المتقين، وسيد السابقين والالحقين، وعلى آله المكين، خاتم النبيين، وا وأصحابه المخلصين الصادقين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم

: ))إنما -صلى اهلل عليه وآله وسلم-الدين.)أما بعد( فقد قال رسول اهلل نما لكل امرىء ما نوى، فمن كانت هجرته إلى اهللاألعمال با لنيات، وا

(1/32)

ورسوله ورسوله فهجرته إلى اهلل ورسوله ، ومن كانت هجرته إلى دنيا

يصيبها أو امرأة ينكحها ،فهجرته إلى ما هاجر إليه(()رواه البخاري ومسلم (.وقال عليه الصالة والسالم :))الدين

من يا رسول اهلل؟ قال:))هلل والكتابهالنصيحة((.قالوا: ل ولرسوله وألئمة المسلمين وعامتهم (()رواه مسلم(.

وهذا كتاب ألفناه وجمعنا فيه نبذا من النصائح الدينية ،والوصايا اإليمانية.وقصدنا بذلك النفع واالنتفاع، والتذكر والتذكيرألنفسنا وإلخواننا من

يبة،وألفاظ سلسلة مفهومة؛ حتى يفهمه المسلمين.وقد جعلناه بعبارة سهلة قر الخاص والعالم،من أهل اإليمان واإلسالم . وسميناه كتاب )النصائح الدينية

والوصايا اإليمانية(.نسال اهلل تعالى أن يجعله خالصا لوجهه الكريم، ومقربا إلى جواره في

فإنه ولي جنات النعيم، وأن يعظم النفع به لنا ولكافة إخواننا من المؤمنون، ذلك ، والقادر عليه.وحسبنا اهلل ونعم الوكيل.وما توفيقي إال باهلل عليه

ليه أنيب. توكلت وا * * *

(1/32)

************* *************

مبحث التقوى************* *************

(1/32)

************ ************ ************

************ ************

************ ************

(1/32)

مبحث التقوى

*********** [، )ومن أصدق 78قال اهلل تعالى: ) ومن أصدق من الله حديثا( ]النساء:

[، )يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته وال 133من الله قيال(]النساء:إال وأنتم مسلمون * ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون تموتن

بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون *واعتصموا بحبل الله قوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم جميعا وال تفر

فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك قوا واختلفوا من يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون * و ال ت كونوا كالذين تفر

[ .102-103بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم( ]آل عمران: [103فقوله تعالى:))يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ((]آل عمران:

لعباده المومنين بتقواه.وكأنه سبحانه قد جمع في التقوى أمر منه عز وجل جميع الخيرات العاجلة واالجلة، ثم أمر عباده المؤمنين بها ليفوزوا ويظفروا

بما جعله فيها من الخير والصالح، والسعادة والفالح؛ رحمة بعباده المؤمنين .وكان بالمؤمنين رحيما .

ين لألولين واالخرين،))والتقوى(( وصية اهلل رب العالم 38

(1/38)

ياكم أن اتقوا ينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وا قال اهلل تعالى: )ولقد وصالله (فما من خير عاجل و ال آجل ظاهر والباطن ، إال والتقوى سبيل

آجل ، ظاهر وال موصل إليه، ووسيلة مبلغة له. و ما من شر عاجل والباطن إال والتقوى حرز حريز،وحصن حصين للسالمة منه، والنجاة من

ضرره .وكم علق اهلل العظيم في كتابه العزيز على التقوى من خيرات عظيمة،

وسعادات جسمية.فمن ذلك المعية اإللهية الحفظية اللطفية ،قال اهلل تعالى: )واتقوا الله

الله مع المتقين(. واعلموا أن ومن ذلك العلم اللدني قال اهلل تعالى :)واتقوا الله ويعلمكم الله(،

ومن ذلك الفرقان عند االشتباه ووقوع اإلشكال، والكفارة للسيئات، والمغفرة الله يجعل لكم فرقانا للذنوب؛ قال اهلل تعالى: )يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا

[.7ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم( ]األنفال: ن منكم إال واردها كان على ومن ذلك النجاة من النار، قال اهلل تعالى :) وا

نذر الظالمين فيها جثيا( ]مريم ربك حتما مقضيا * ث ي الذين اتقوا و م ننج:81-83.]

ي الله الذين اتقوا بمفازتهم ال يمسهم السوء وال هم وقال : )و ينج

[.21يحزنون(]الزمر:37

(1/37)

من حيث ال يحتسب، واليسر وعظم ومن ذلك المخروج من الشدائد، والرزق

األجر قال اهلل تعالى : )ومن يتق الله يجعل له مخرجا*ويرزقه من حيث ال [.2-3يحتسب(]الطالق:

[.)ومن يتق الله يكفر 2)ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا(]الطالق : [.2عنه سيئاته ويعظم له أجرا( ]الطالق :

ومن ذلك الوعد بالجنة، قال اهلل تعالى: )تلك الجنة التي نورث من عبادنا ثل الجنة التي وعد المتقون 22من كان تقيا(]مريم : [، وقال اهلل تعالى :)م

[، )إن للمتقين عند ربهم 32، )وأزلفت الجنة للمتقين (]الشعراء :[22(]الرعد:[، )إن المتقين في جنات ونهر* في مقعد صدق 27جنات النعيم (]القلم :

قتدر(]القمر : [.22-22عند مليك مدنيا واالخرة، قال تعالى: ) إن أكرمكم عند الله ومن ذلك الكرامة في ال

[.24أتقاكم (]الحجرات:فجعل الكرامة عنده بالتقوى، ال باألنساب وال باألموال وال بشيء آخر. وكم

وعد اهلل ورسوله على التقوى من خيرات وسعادات، ودرجات وحسنات، ويتعذر حصرها . وصالح وفالح، وغنائم وأرباح، يطول ذكرها،

وما أحسن ما قيل في المعنى : من يتق اهلل فذاك الذي ... سيق إليه المتجر الرابح

34

(1/34)

وقيل أيضا:

من عرف اهلل فلم تغنه ... معرفة اهلل فذاك الشقي ما ضر ذا الطاعة ما ناله ... في طاعة اهلل وماذا لقي

لعز كل العز للمتقيما يصنع العبد بعز الغنى ... واقال العلماء رضوان اهلل عليهم : التقوى عبارة عن امتثال أوامر اهلل تعالى ، واجتناب نواهيه ظاهرا وباطنا ، مع استشعار التعظيم هلل ، والهيبة والخشية

والرهبة من اهلل .تقاته(]ال وقال بعض المفسرين رحمهم اهلل في قوله تعالى : )اتقوا الله حق

[: هو أن يطاع فال يعصى ، ويذكر فال ينسى ، ويشكر فال 103عمرن: يكفر. انتهى

ولن يستطع العبد ولو كان له ألف ألف نفس إلى نفسه، و ألف ألف عمر إلى عمره ، أن يتقي اهلل حق تقاته ولو أنفق جميع ذلك في طاعة اهلل

ده ، ولجالل عظمة اهلل، و ومحابه ، وذلك لعظم حق اهلل تعالى على عباعلو كبريائه ، و ارتفاع مجده، و قد قال أفضل القائمين بحق اهلل، وأكملهم

في دعائه ،اعترافا بالعجز عن القيام -صلى اهلل عليه وآله وسلم-، محمد بإحصاء الثناء على اهلل :))أعوذ برضاك من سخطك ، وبمعافاتك من

أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على عقوبتك ، وأعوذ بك منك ، ال نفسك ((. وقد بلغنا أن هلل مالئكة لم يزالوا منذ خلقهم اهلل في ركوع

20

(1/20)

وسجود، وتسبيح وتقديس، ال يفترون عنه، وال يشتغلون بغيره ، فإذا كان

يوم القيامة يقولون : )) سبحانك ولك الحمد. ما عرفناك حق معرفتك و ال عبادتك((. عبدناك حق

وقد قال بعض العلماء : إن قوله تعالى : )اتقوا الله حق تقاته(]ال [.12[، منسوخ بقوله :)فاتقوا الله ما استطعتم (]التغابن:103عمران:

وقال بعضهم :االية الثانية مبينة للمراد من اآلية األولى ال ناسخة لها ، ال -وله الحمد -اهلل تعالى ، فإن اهلل تعالى وهذا هو الصواب إن شاء

ن كان له ذلك لو أراده وأمربه ، ألن له أن يفعل يكلف نفسا إال وسعها ، وا في ملكه وسلطانه ما شاء ؛ ولكنه سبحانه قد خفف ويسر ، كما قال تعالى

[.37ساء::) يريد الله أن يخفف عنكم وخلق اإلنسان ضعيفا(]الن [.172/3)يريد الله بكم اليسر وال يريد بكم العسر (]البقرة:

قال األمام الغزالي رحمه اهلل في ))اإلحياء((: لما نزل قوله تعالى: )لله ما ن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه ي حاسبكم به في السماوات وما في األرض وا

[.372/3الله (]البقرة:شق ذلك على أصحاب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ورضي عنهم ،فجاء وا إليه وقالوا : يا رسول اهلل ، كلفنا ما ال نطيق ! وفهموا من االية المؤاخذة والمحاسبة حتى على حديث النفس ، فقال لهم عليه لسالم :)) أتريدون أن

ما قالت بنو إسرائيل : سمعنا وعصينا ! ولكن قولوا سمعنا وأطعنا، تقولوا كليك المصير((. غفرانك ربنا وا

21

(1/21)

به والمؤمنون كل فقالوا ذلك ، فأنزل اهلل : )آمن الرسول بما أنزل إليه من ر

سله وقالوا سمعنا آمن بالله ومآلئكته وكتبه ورسله ق بين أحد من ر ال نفرليك المصير (]البقرة: [.372وأطعنا غفرانك ربنا وا

فحكى ذلك عنهم وما بعده من دعائهم :بأن ال يؤاخذهم بالنسيان والخطأ، جاب لهم ,أن ال يحمل عليهم اإلصر ، إلى آخر ما أخبر به عنهم. فاست

وخفف ويسر ورفع الحرج، فله الحمد كثيرا .وبين ذلك عليه السالم بقوله : ))تجوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكبر هوا عليه ، وما حدثوا به أنفسهم ما لم يقولوا أو يعلموا(( الحديث

* * * [. أمر منه 103عمران : وقوله تعالى :)وال تموتن إال وأنتم مسلمون(]ال

سبحانه بالموت على اإلسالم ، وهو دين اهلل الذي أخبر في كتاب أنه الدين عنده ، وأنه ال يقبل من أحد سواه ، وأنه الدين الذي رضيه لرسوله ولعباده

[.14المؤمنين ، فقال تعالى : )إن الدين عند الله اإلسالم (]ال عمران:ليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم وقال تعالى: )ا

[،2اإلسالم دينا (]المائدة:23

(1/23)

وليس يقدر اإلنسان على أن يميت نفسه على اإلسالم ، ولكن قد جعل اهلل

وامتثل ما له سبيال إلى ذلك ، إذا أخذ به كان قد أتى بالذي هو عليه ،

أمره به وهو أن يختار الموت على اإلسالم ، ويحبه ويتمناه ، ويعزم عليه ،ويكره الموت على غيره من األديان، وال يزال داعيا متضرعا وسائال من

اهلل أن يتوفاه مسلما ، وبذلك وصف اهلل األنبياء والصالحين من عباده فقال م : )أنت وليي في الدنيا واآلخرة مخبرا عن يوسف بن يعقوب عليهما السالالحين(]يوسف: [.101توفني مسلما وألحقني بالص

وعن السحرة حين آمنوا فتوعدهم فرعون بالعقوبة: )ربنا أفرغ علينا صبرا [.132وتوفنا مسلمين( ]األعراف:

برهيم عليه السالم الوصية بالموت على اإلسالم فقال وحكى اهلل تعالى عن إتعالى: ) ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين

[.123فال تموتن إال وأنتم مسلمون( ]البقرة:* * *

م وتقويته بفعل ما أمر به من طاعة و على اإلنسان االجتهاد في حفظ إسالاهلل تعالى ، فإن المضيع ألوامر اهلل متعرض للموت على غير ال'سالم ،فإن تركه لذلك دليل على استهانته بحق الدين معلى االستخفاف به ،

فليحذر المسلم من ذلك غاية الحذر . هنه ،وعليه أيضا أن يجانب المعاصي واالثام ، فإنها تضعف اإلسالم وتو

22

(1/22)

-والعياذ باهلل -وتزلزل قواعده وتعرضه للسب عند الموت، كما وقع ذلك

لكثير من المالبسين لها ، والمصرين عليه.وفي قوله تعالى: )ثم كان عاقبة الذين أساؤوا السوأى أن كذبوا بآيات الله

[10]الروم:وكانوا بها يستهزؤون( ما يدل على ذلك ، فتأمله ، وخذ نفسك بامتثال أوامر اهلل تعالى، و اجتناب

ن وقعت في شيء منها فتب إلى اهلل تعالى منه، واحذر كل محارمه . وا الحذر من اإلصرار عليه .

-لعنه اهلل -وال تزال سائال من اهلل حسن الخاتمة ، وقد بلغنا أن الشيطان ظهري الذي يسأل اهلل تعالى حسن الخاتمة . أقول : متى يقول : قصم

يعجب هذا بعمله! أخاف أن قد فطن .وأكثر من الحمد والشكر هلل على نعمة اإلسالم ، فإنها أعظم النعم وأكبرها ، فإن اهلل لو أعطى الدنيا بحذافيرها عبدا ومنعه اإلسالم لكان ذلك وباال

عليه .ه الدنيا لم يضره ذلك ، ألن األول يموت فيصير ولو أعطاه اإلسالم ومنع

إلى النار ، وهذا الثاني يموت فيصير إلى الجنة.وعليه أن ال تزال خائفا وجال من سوء الخاتمة ، فإن اهلل مقلب القلوب ، يهدي من يشاء ،ويضل من يشاء . وفي الحديث الصحيح : )) والذي ال

ل الجنة ،إله غيره : إن أحدكم ليعمل بعمل أه 22

(1/22)

وحتى ما يكون بينه وبينها إال ذراع ، فيسبق عليه الكتاب ، فيعمل بعمل

أهل الجنة فيدخلها(( الحديث.وفيه غاية التخويف ألهل التقوى واألستقامة ،فضال عن أهل التفريط

والتخليط . وكان بعض السلف الصالح يقول : ال سلب .واهلل ما أمن أحد على دينه أن يسلب إ

في غاية الخوف من خاتمة -رحمة اهلل عليهم -وقد كان السلف الصالح السوء مع صالح أعمالهم وقلة ذنوبهم ،حتى قال بعضهم : لو عرض علي الموت على اإلسالم بباب الحجرة ، والشهادة بباب الدار ، يعني الشهادة

ة ، على في سبيل اهلل ، الخترت الموت على اإلسالم على باب الحجر الشهادة على باب الدار، ألني ال أدري ما الذي يعرض لقلبي فيما بين

الحجرة إلى باب الدار!وقال آخر لبعض إخوانه : إذا حضرني الموت فاقعد عند رأسي وانظر ، فإن رأيتني قد مت على اإلسالم فخذ جميع ما معي فبعه ، وخذ به سكرا

ن رأيتني قد مت على غير ذلك فأعلم الناس ولوزا وفرقه على الصبيان . و ا ليصلي علي من أراد أن يصلي ، على بصيرة . وكان قد ذكر له عالمة

يعرف بها الفرق بين األمرين . قال : فرأيته قد مات على اإلسالم 22

(1/22)

وفعل ما أمره به من التصدق على الصبيان . وحكاياتهم في ذلك كثيرة

مشهورة .واعلم أنه كثيرا ما يختم بالسوء للذين يتهاونون بالصالة المفروضة ، والزكاة

الواجبة، والذين يتتعبون عورات المسلمين، والذين ينقصون المكيال والميزان، والذين يخدعون المسلمين ويغشونهم ويلبسون عليهم

يهم بغير حق في أمور الدين والدنيا، والذين يكذبون أولياء اهلل، وينكرون عل، والذين يدعون أحوال األولياء ومقاماتهم من غير صدق، وأشباه ذلك من

األمور الشنيعة .ومن أخوف ما يخاف منه على صاحبه سوء الخاتمة، البدعة في الدين ،وكذلك إضمار الشك في اهلل ورسوله واليوم اآلخر . فليحذر المسلم من

اهلل إال من رحم.ذلك غاية الحذر، وال عاصم من أمر اللهم يا أرحم الرحمين ، نسألك بنور وجهك الكريم ، أن تتوفانا مسلمين

،وأن تلحقنا بالصالحين في عافية يا رب العالمين .* * *

22

(1/22)

قوا (]آل عمران : [. 02وقوله تعالى : ) واعتصموا بحبل الله جميعا وال تفر

تصام بدين اهلل ، وهو التمسك واألخذ به، واالستقامة عليه ، أمر باالعواالجتماع على ذلك، ونهي عن التفرق فيه، ألن الجماعة رحمة والفرقة

عذاب ، كما قال عليه الصالة والسالم .ولما كان قيام هذا الدين الشريف في أصله باالجتماع ، والمعاونة واتحاد

م المساعدة على إقامته موجبا لوهنه وضعفه، الكلمة .كان االفتراق فيه وعدفظهر أن االجتماع في الدين أصل كل خير وصالح . والتفرق فيه أصل

كل شر وبالء .* * *

وقوله تعالى: ) واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم نها كذلك فأصبحتم بنعمت ه إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم م

[.102يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون(]ال عمران:أمر بشكره تعالى على نعمة األلفة التي أنعم اهلل بها عليهم بعد العداوة

األوس والخزرج . الشديدة التي كانت بينوهم أنصار اهلل ورسوله خصوصا، وبين سائر عموما، فإنهم إنما كانوا

يقتتلون ويتناهبون ، ويأكل بعضهم بعضا حتى بعث اهلل فيهم رسوله ،وأنزل عليه كتابه ، فجمع به شتاتهم ،وألف بين قلوبهم، وأزال به ما كان بينهم من

ت، فأصبحوا بنعمته إخونا في دينه الضغائن والعداوات،والفتن والمقاطعا ونصرة رسوله، وتعظيم شعائره.

وقد ذكر اهلل تعالى ذلك في معرض االمتنان على رسوله عليه السالم في 28

(1/28)

قوله تعالى: )هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين(وألف بين قلوبهم

[.22-23...(]األنفال:وقد كانوا من قبل أن يبعث اهلل إليهم رسوله على شفا حفرة من النار ،وذلك بما كانوا عليه من الكفر باهلل وعبادة األصنام ، فأنقذهم اهلل منها بما شرعه

لهم من توحيده، والعمل بطاعته ؛ فطلب منهم سبحانه أن يشكروه على ة ، واجتماعهم بعد ذلك، ويعرفوا حق نعمته عليهم في إنقاذهم من الضالل

الفرقة وحذرهم في ضمن ذلك من موجبات الفرقة ،واالختالف بعد االجتماع

[.102واالئتالف )كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون( ]آل عمران:م هدى أي تزدادون هدى إلى هداكم ،كما قال اهلل تعالى:)والذين اهتدوا زاده

وآتاهم تقواهم( [.18/28]محمد:* * *

نكم أمة(أي جماعة ،)يدعون إلى الخير(]ال وقوله تعالى:)ولتكن م [102/2عمران:

اإلمان والطاعة. والدعوة إلى ذلك منزلة -وهو أغني الخير على الجملة عند اهلل رفيعة ،

وقربة إلى اهلل عظيمة .:))من دعا إلى هدى كان له من األجر -صلى اهلل عليه وآله وسلم-قال

مثل أجور من تبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيء ومن دعا إلى ضاللة كان عليه من اإلثم مثل آثام من تبعه من غير أن ينقص من

آثامهم شيء (( 27

(1/27)

فاعله((. فمن جعل وقال عليه الصالة والسالم : ))الدال على الخير ك

-الدعاء إلى الخير دأبه وشغله فقد أخذ بحظ وافر من ميراث رسول اهلل ، وسار على سبيله التي قال اهلل تعالى فيها: ) -صلى اهلل عليه وآله وسلم

الله وما قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان

[.107أنا من المشركين( ]يوسف:فلم يكن شغله عليه الصالة والسالم في جميع أوقاته غير الدعوة إلى اهلل

بقوله وفعله، ولذلك بعثه اهلل، وبذلك أمره،كما قال تعالى : ) قل إنما أمرت ليه مآب( ]الرعد:أن أعبد الله وال أشرك به إليه أد [.22عو وا

وأوالهم به في -صلى اهلل عليه وآله وسلم-فأقرب الناس من رسول اهلل الدنيا واالخرة ، أحرصهم على هذا األمر ، وأكثرهم شغال به ، وأتمهم دخوال

فيه، أعني به الدعوة إلى الخير المفسر باإليمان والطاعة ، والنهي عن ين هما الكفر والمعصية .ضديهما اللذ

وقوله تعالى: ) ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم [ . والفالح: هو الفوز بسعادة الدنيا واآلخرة.102المفلحون(]ال عمران:

واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر: من أعظم شعائر الدين، وأقوى دعائم إلسالم، وأهم الوظائف على المسلمين و بهما قوام األمر و صالح الشأن ا

كله ، و بإهمالهما تتعطل الحقوق ، وتتعدى الحدود ، ويخفى الحق، ويظهر الباطل.

24

(1/24)

والمعروف : عبارة عن كل شيء أمر اهلل بفعله، وأحب من عباده القيام به.

فعله، وأحب من عباده تركه. والمنكر: كل شيء كره اهللوالقيام بذلك ، أعني األمر والنهي، البد منه، وال رخصة في تركه، وقد قال عليه الصالة والسالم : ))من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع

فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف اإليمان (( وفي رواية أخرى : من اإليمان مثقال ذرة (( . -يعنى اإلنكار بالقلب -)) وليس وراء ذلك

وقال عليه الصالة والسالم : )) ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا، ويأمر بالمعروف وينه عن المنكر ((.

وقال عليه الصالة والسالم : ))والذي نفسي بيده ،لتأمرن بالمعروف لم أو ليبعثن اهلل عليكم عقابا ،ولتنهون عن المنكر ، ولتأخذن على يد الظا

من عنده(( .وقال عليه الصالة والسالم : ))إذا هابت أمتي أن تقول للظالم يا ظالم ،

فقد تودع منها (( ومعنى ذلك :فقد ذهب خيرها،ودنا هالكها.* * *

وال يقبل اهلل تعالى األعذار الباردة، والتعلالت الكاذبة التي يتعلل بها أبناء مان في ترك األمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وذلك كقولهم : إنه ال الز

يقبل منا مهما أمرنا أو نهينا. أو أنه يحصل لنا بواسطة األمر والنهي أذى ال20

(1/20)

نطيقه ، وأشباه ذلك من توهمات من ال بصيرة له ، وال غيرة على دين اهلل

نما يجوز السكوت عند تحقق وقوع ا ألذى الكثير، أو تيقن عدم القبول، . وا ومع وجود ذلك فاألمر والنهي أفضل وأولى ، غير أنه يسقط الوجوب .والعجب أن أحدهم إذا شتم أو أخذ من ماله ولو شيئا يسيرا تضيق عليه

الدنيا، وال يمكنه السكوت وال يتعلل بشيء من تلك التعلالت التي يتعلل بها

على المنكرات .في السكوت فهل لهذا محمل ، أو وجه سوى أن أعراضهم وأموالهم أعز عليهم من

دينهم !ذا سلمنا لهم أنه ال يسمع منهم إذا أمروا أو أنكروا ، فما الذي يحملهم وا على مخالطة أهل المنكر ومعاشر تهم !؟ وقد أوجب اهلل عليهم تركهم

اهلل ورسوله.واإلعراض عنهم مهما لم يستجيبوا وقد ثبت أن الذي يشاهد المنكرات، وال ينكرها مع القدرة شريك ألصحابها ن ن لم يكن حاضرا عندها . بل؛ وا في اإلثم . وكذلك الذي يرضى بها وا كان بينه وبين الموضع الذي تعمل فيه مثل ما بين المشرق والمغرب .

ن لم يعمل بعم لهم معدود عند اهلل والذي يخالط أهل المنكر ويعاشرهم؛ وا ن نزلت بهم عقوبة أصابته معهم، وال ينجو وال يسلم إال بالنهي، ثم منهم، وا

بالمجانبة والمفارقة لهم إن لم يقبلوا وينقادوا للحق . والحب في اهلل ألهل طاعته، والبغض في اهلل ألهل معصيته من أوثق عرى اإليمان .

-عليه وآله وسلم صلى اهلل-وقد بلغنا عن رسول اهلل 21

(1/21)

أنه قال : )) لما أحدث بنو إسرائيل األحداث نهتهم علماؤهم فلم يستجيبوا

لهم، فخالطوهم بعد ذلك وواكلوهم، فلما فعلوا ذلك ضرب اهلل بقلوب بعضهم على بعض ، ولعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم ((.

لبحر: أنهم لما استحلوا وفي قصة أهل القرية التي كانت حاضرة ااالصطياد المحرم عليهم يوم السبت؛ تفرقوا ثالث فرق : ففرقة اصطادوا

واستحلوا ما حرم اهلل عليهم، وفرقة أمسكوا ونهوهم ولم يفارقوهم، وفرقة فارقوهم وخرجوا من بين أظهرهم بعد النهي لهم ، فلما نزلت العقوبة عمت

ن لم يعملوا بعملهم . األولى وكذا الثانية، إلقا متهم مع أهل المعصية وا ونجت الفرقة الثالثة ، وذلك قوله تعالى: )أنجينا الذين ينهون عن السوء

[. 122وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون(]األعراف:الية االخرى :)أو نلعنهم كما لعنا فمسخنهم اهلل قردة ولعنهم ، كما في ا

[.28/2أصحاب السبت (]النساء: وتكون الهجرة والمجانبة ألهل المعاصي ،عند اإلياس من قبولهم للحق.

* * * واعلم أنه ليس بواجب على أحد أن يبحث عن المنكرات المستورة حتى

[.24ى : )وال تجسسوا( ]الحجر:ينكرها إذا رأها ، بل ذلك محرم لقوله تعال23

(1/23)

ولقول النبي عليه الصالة والسالم :))من تتبع عورة أخيه تتبع اهلل عورته

..(( الحديث .نما الواجب هو األمر بالمعروف عندما ترى التاركين له في حال تركهم ، وا

من الناس يغلطون واإلنكار للمنكر كذلك فاعلم هذه الجملة، فإنا رأينا كثيرا فيها .

ومن المهم: أن ال تصدق ، وال تقبل كل ما ينقل إليك ، من أفعال الناس وأقولهم المنكرة حتى تشاهد ذلك بنفسك ، أو ينقله إليك مؤمن تقي ال

يجازف ، وال يقول إال الحق . وذلك ألن حسن الظن بالمسلمين أمر الزم ،

وعم التساهل في ذلك ، وقد كثرت بالغات الناس بعضهم على بعض،وقلت المباالة ، وارتفعت األمانة ، وصار المشكور عند الناس من وافقهم ن كان غير مستقيم هلل ! والمذموم عندهم من خالفهم على هوى أنفسهم وا

ن كان عبدا صالحا، فتراهم يمدحون من ال يستأهل المدح لموافقته إياهم وا يخالفهم، وينصحهم في دينهم !!وسكوته على باطلهم ، ويذمون من

هذا حال األكثر إال من عصمه اهلل ، فوجب االحتراز والتحفظ واالحتياط في جميع األمور ، فإن الزمان مفتون، وأهله عن الحق ناكبون إال من شاء

اهلل منهم وهم األقلون.* * *

ي قبول واعلم أن الرفق واللطف ، ومجانبة الغلظة والعنف ، أصل كبير ف الحق واالنقياد له، فعليك بذلك مع من أمرته أو

22

(1/22)

نهيته أو نصحته من المسلمين، وأحسن السياسة في ذلك ، وكلمه خاليا ، ولن له جناحا، فإن الرفق ما كان في شيء إال زانه، وال نزع من شيء إال

تعالى لرسوله: )فبما شانه؛ كما قال عليه الصالة والسالم ، وكما قال اهللوا من حولك ( ]آل رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب النفض

[.124عمران:* * *

قوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينا ت وقوله تعالى : )وال تكونوا كالذين تفر [102(]ال عمران:

قين المختلفين في دينهم من نهي من اهلل لعباده المؤمنين عن التشبه بالمتفرأهل الكتاب )وأولئك( الذين اختلفوا في دينهم )لهم عذاب عظيم( فاستعظم

جدا عذابا سماه اإلله العظيم عظيما، وتفكر فيه، وانج -رحمك اهلل -، وذلك بمالزمة الكتاب والسنة، و مجانبة الزيغ والبدعة ، واآلراء بنفسك منه

المختلفة ، واألهواء المتفرقة.* * *

واعلم أنه كما تفرق أهل الكتاب واختلفوا في دينهم ، فقد تفرقت هذه األمة صلى اهلل عليه وآله -واختلفت أيضا على وفق ما أخبر به رسول اهلل

) افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت في قوله: ) -وسلم النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق

22

(1/22)

أمتي على ثالث وسبعين فرقة كلها في النار إال فرقة واحدة((

وقد افترقت هذه األمة على هذا العدد من زمان قديم ، وتم ما وعد به نزيله، ولما سئل عليه الصالة الصادق األمين على وحي اهلل تعالى وت

والسالم عن الفرقة الناجية من هي ؟ قال: ))التي تكون على مثل ما أنا عليه و أصحابي ((.

وأمر عليه الصالة والسالم عند االختالف بلزوم السواد األعظم؛ وهو الجمهور األكثر من المسلمين .

ى اليوم هم السواد ولم يزال أهل السنة بحمد اهلل تعالى من الزمن األول إلاألعظم، وصح أنهم الفرقة الناجية بفضل اهلل لذلك ، ولمالزمتهم للكتاب

والسنة ، وما كان عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين، رضوان اهلل عليهم أجمعين .

وبعد: فإنا والحمد هلل قد رضينا باهلل ربا، وباإلسالم دينا، وبمحمد نبيا القران إماما، وبالكعبة قبلة، وبالمؤمنين إخوانا . وتبرأنا من كل ورسوال، وب

دين يخالف دين اإلسالم، وآمنا بكل كتاب أنزله اهلل ، وبكل رسول أرسله اهلل، وبمالئكة اهلل ، وبالقدر خيره وشره، وباليوم اآلخر ، وبكل ما جاء به

اهلل تعالى ، على ذلك عن -صلى اهلل عليه وآله وسلم-محمد رسول اهلل نحيا وعليه نموت ، وعليه نبعث إن شاء اهلل من اآلمنين؛ الذين ال خوف

عليهم وال هم يحزنون، بفضلك اللهم يا رب العالمين .: )) ذاق طعم اإليمان من -صلى اهلل عليه وآله وسلم-وقد قال رسول اهلل

نبيا (( . رضي باهلل ربا، وباإلسالم دينا، وبمحمد22

(1/22)

و قال عليه الصالة والسالم : ))من قال حين يصبح وحين يمسي ثالث

مرات: رضيت باهلل ربا وباإلسالم دينا، وبمحمد نبيا، كان حقا على اهلل أن يرضيه((.* * *

واعلموا معاشر اإلخوان أنه من رضي باهلل ربا: لزمه أن يرضى بتدبيره بمر قضائه ، وأن يقنع بما قسمه له من الرزق، وأن يداوم واختياره له، و

على طاعته، ويحافظ على فرائضه، ويجتنب محارمه، ويكون صابرا عند بالئه، شاكرا لنعمائه، محبا للقائه، راضيا به وكيال ووليا وكفيال، مخلصا له

مات إال إليه في عبادته، ومعتمدا عليه في غيبته وشهادته. اليفزع في المه ،وال يعول في قضاء الحاجات إال عليه سبحانه وتعالى .

ومن رضي باإلسالم دينا: عظم حرماته وشعائره ، ولم يزل مجتهدا فيما يؤكده ويزيده رسوخا واستقامة من العلوم واألعمال ، ويكون به مغتبطا،ومن

ومعاديا. سلبه خائفا، وألهله متحرما ، ولمن كفر به مبغضا ومن رضي بمحمد صلى اهلل عليه وآله وسلم نبيا :كان به متقديا ،و بهديه

مهتديا، ولشرعه متبعا ، وبسنته متمسكا ولحقه معظما، ومن الصالة و السالم عليه مكثرا، وألهل بيته وأصحابه محبا، وعليهم منرضيا ومترحما،

وعلى أمته مشفقا ولهم ناصحا.22

(1/22)

فينبغي لك أيها المؤمن : أن تطالب نفسك بتحقيق هذه المعاني التي

ذكرناها في معنى قولك : ))رضيت باهلل ربا ، وباإلسالم دينا، وبمحمد نبيا(( وكلف نفسك االتصاف بها، وال تقع منها بمجرد القول، فإنه قيل

الجدوى، وأن كان ال يخلو عن منفعة.ع ما تقوله من األذكار واألدعية ونحوها، وطالب وكذلك فافعل في جمي

نفسك بحقائقها واالتصاف بمعانيها، مثل ذلك: أن تكون عند قولك ))سبحان اهلل(( ممتلئ القلب بتنزيه اهلل وتعظيمه، وعند قولك ))الحمد

هلل((ممتلئ القلب بالثناء على اهلل تعالى وشكره ، وعند قولك ))رب اغفر لي((

الرجاء في اهلل أن يغفر لك، ومن خوفه أن ال يغفر لك ، فقس ممتلئا من

على ذلك .واجتهد في الحضور مع اهلل، وتدبر معاني ما تقوله، واجتهد في االتصاف

بما يحبه اهلل منك واالجتناب لما يكرهه .* * *

واصرف نيتك إلى أمر القلب والباطن ، فقد قال عليه الصالة والسالم : )) نما ينظر إلى قلوبكم ونياتكم (( إن اهلل ال ينظر إلى صور كم وأعمالكم، وا

خالصك بتصفيه خالصك، ونيتك وا فحقق قولك بعملك، وعملك بنيتك وا صالح قلبك، فإن القلب هو األصل وعليه المدار . ضميرك وا وفي الحديث : )) أال إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح

28

(1/28)

ذا فسدت فسد سائر الجسد، أال وهي القلب(( فوجب سائر الجسد ، وا

-أعني القلب -االهتمام به، وصرف العناية إلى إصالحه وتقويمه ، وهو سريع التقلب ، وكثير االضطراب حتى قال عليه الصالة والسالم فيه: ))

إنه أسرع تقلبا من القدر إذا استجمعت غليانها ((.كثيرا ما يدعو: )) يا مقلب القلوب ثبت قلبي وكان عليه الصالة والسالم

على دينك(( ، ويقول :))إن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن، إن ن شاء أزاغها (( . شاء أقامها وا

وكان عليه الصالة والسالم إذا حلف واجتهد في اليمين يقول: )) ال .. ومقلب القلوب (( .

عليه السالم :)وال تخزني يوم يبعثون* وقال تعالى حاكيا عن إبرهيم خليله

-42يوم ال ينفع مال وال بنون * إال من أتى الله بقلب سليم ( ]الشعراء:47.]

على أن تأتي ربك بالقلب السليم من -رحمك اهلل -فاحرص كل الحرص مثل الكبر والرياء ، و الحسد الشرك والنفاق ، والبدعة ومنكرات األخالق،

والغش للمسلمين ، وأشباه ذلك .واستعن باهلل واصبر ، واجتهد وشمر ، وقل كثيرا ) ربنا ال تزغ قلوبنا بعد إذ

[. فبذلك 7هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب(]ال عمران: هلل الراسخين في العلم من عباده المومنين .وصف ا* * *

27

(1/27)

ياك والقسوة، وهي غلظ القلب وجموده حتى ال يتأثر بالموعة، وال يرق وال وا

صلى اهلل عليه وآله -يلين عند ذكر الموت والوعد وأحوال االخرة ، قال ال عليه الصالة : )) أبعد األشياء من اهلل تعالى القلب القاسي((، وق -وسلم

والسالم : ))من الشقاء أربع: قسوة القلب ، وجمود العين ،و الحرص ،وطول األمل ((. فاحترز من هذه األربع .

وفي الحديث اآلخر : ))واعملوا أن اهلل ال يقبل دعاء من قلب غافل((. والغفلة دون القسوة، وهي مذمومة ، وفيها غاية الضرر.

ال يستيقظ وال ينتبه إذا وردت عليه المواعظ والقلب الغافل : وهو الذي والزواجر ، وال يلتفت إليها من غفلته وسهوه، واشتغاله بلعبه ولهوه،

وزخارف دنياه، واتباع هواه، قال اهلل تعالى لرسوله عليه الصالة والسالم :

بك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من ا لقول بالغدو )واذكر ر[. فنهاه عن أن يكون من 302واآلصال وال تكن من الغافلين(]األعراف:

أهل الغفلة، كما نهاه عن طاعة الغافلين والسماع منهم في قوله تعالى :)وال [.37رطا( ]الكهف:تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره ف

ومن الغفلة أن يقرأ العبد القرآن الكريم أو يسمعه فال يتدبره وال يتفهم معانيه، وال يقف عند أوامره وزواجره، ومواعظه وقوارعه. وكذلك أحاديث الرسول

عليه الصالة والسالم، وكالم السلف الصالح رضوان اهلل عليهم . 24

(1/24)

يكثر ذكر الموت، وما بعده من أمور االخرة، وأحوال أهل ومن الغفلة أن ال

السعادة، وأهل الشقاوة فيها، وال يدمن على التفكر في ذلك ،ومن الغفلة أن ال يكثر مجالسة العلماء باهلل وبدينه ، المذكرين بأيامه وآالئه ووعده ووعيده، المحرضين على طاعته، وعلى اجتناب معصيته؛ بأفعالهم

والهم ، ومن لم يجدهم فكتبهم التي صنفوها تجزي عن مجالستهم عند وأقن عم فساد الزمان فقدهم ؛ على أن األرض ال تخلو إن شاء اهلل منهم ، وا

وتفاحش ظهور الباطل وأهله ، وأدبر الخاص والعام وأعرضوا عن اهلل وعن الصالة إقامة الحق إال من شاء اهلل وقليل ما هم ، ذلك لقول النبي عليه

والسالم :)) التزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ال يضرهم من ناوأهم حتى يأتي أمر اهلل (( ، مع أخبار وآثار كثيرة تدل على أن األرض ال تخلو في كل زمان عن عصابة من أهل الحق، مستقيمين على كتاب

دعون الناس إلى ، ي-صلى اهلل عليه وآله وسلم-اهلل تعالى وسنة رسوله التمسك بالكتاب والسنة، غير أنهم يقلون جدا في آخر في الزمان، وقد يستترون حتى ال يعرفهم ويهتدي إليهم إال الطالب الصادق ، والراغب

المخلص ، واهلل تعالى أعلم .* * *

20

(1/20)

بها أن خير القلوب وأح -أيدنا اهلل وأياكم -... واعلموا معاشر اإلخوان

اهلل : ما كان نظيفا نقيا من الباطل و الشكوك، ومعاني الشر كلها ، واعيا للحق والهدى، ومعاني الخير والصواب .

وفي الحديث : )) القلوب أربعة: قلب أجرد فيه سراج يزهر؛ فذلك قلب المؤمن ، وقلب أسود منكوس فذلك قلب الكافر ، وقلب مربوط على غالفه

لمنافق ، وقلب مصفح فيه إيمان ونفاق ، فمثل اإليمان فيه فذلك القلب امثل البقلة يمدها الماء العذب ، ومثل النفاق فيه مثل القرحة يمدها القيح

والصديد فأي المادتين غلبت عليه ذهبت به((.قلت : والظاهر أن هذا القلب األخير وصف قلوب أهل التخليط و التفريط

. من عامة المسلمينوفي الحديث أيضا: ))إن اإليمان يبدو في القلب لمعة بيضاء، ثم تزيد ن النفاق يبدو في القلب نكتة سوداء، ثم تزيد حتى يبيض القلب كله ، وا

حتي يسود القلب كله (( نسأل اهلل العافية، والوفاة على اإلسالم لنا نما يزيد اإليمان بالمداومة عل ى األعمال الصالحة واإلكثار والمسلمين وا

منها مع اإلخالص هلل.وأما النفاق فزيادته باألعمال السيئة : من ترك الواجبات، وارتكاب

المحرمات ، كما قال النبي عليه الصالة والسالم :21

(1/21)

ن لم : ))من أذنب ذنبا نكت في قلبه نكتة سوداء، فإن تاب صقل قلبه، وا

لك حتى يسود قلبه (( . فذلك الران الذي قال تعالى :)كال بل يتب؛ زاد ذ [ .12ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون(]المطففين:

فال شيء أشر وأضر على اإلنسان في الدنيا واآلخرة من الذنوب، وال يكاد لى :) وما يخلص إليه سوء، وال ينال مكروه إال من جهتها، قال اهلل تعا

[ .20أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم (]الشورى:فينبغي للمؤمن أن يكون على نهاية االحتراز منها، وفي غاية البعد عنها، و إن أصاب منها شيئا فليبادر بالتوبة منه إلى اهلل، فإنه تعالى يقبل التوبة

لم ما تفعلون . ومن لم يتب فإولئك هم عن عباده، ويعفو عن السيئات، ويعالظالمون ، ظلموا أنفسهم فعرضوها لسخط اهلل بالوقوع في معصيته، ثم باإلصرار عليها بتركهم التوبة منها التي أمرهم ربهم بها ووعدهم بقبولها، ووصف نفسه بذلك فقال تعالى: )غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب

[ .2ذي الطول ال إله إال هو إليه المصير(]غافر:هذه اآلية، وما جمعت من المعاني الشريفة، و -رحمكم اهلل -فتأملوا

األسرار اللطيفة الباعثة على الخوف والرجاء ، والرغبة والرهبة ، وغير الله مخلصين له الدين ولو كره ذلك، )وما يتذكر إال من ينيب * فادعوا

[.12-12الكافرون( ]غافر:* * *

23

(1/23)

: إن هلل في األرض آنية أال -كرم اهلل وجهه -وقال علي بن أبي طالب

وهي القلوب، فخيرها أصفاها وأصلبها وأرقها، ثم فسر ذلك فقال: أصفاها دين ، وأرقها على المؤمنين .في اليقين، وأصلبها في ال

قلت: واليقين عبارة عن تمكن اإليمان من القلب واستيالئه عليه ، وهو الطمأنينة التي سألها إبراهيم عليه السالم ربه فيما أخبر عنه بقوله : )قال

[ .320أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي(]البقرة :من هذا أن اليقين غاية اإليمان ونهايته . وفي الحديث :)) اليقين هو فبان

اإليمان كله((، وما نزل من السماء أشرف من اليقين، وكفى باليقين غنى . وقال أيضا عليه الصالة والسالم :)) سلوا اهلل اليقين والعافية، فإنه ما أوتي

أحد بعد اليقين أفضل من العافية ((.بة في الدين فهي القوة فيه، والثبات عليه، والغيرة له حتى يقول وأما الصال

ن كان مرا، وال يخاف في اهلل لومة الئم . وبذلك وصف اهلل أحباءه الحق وا في قوله : )يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم

ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل يحبهم الله وال يخافون لومة آلئم ذل ك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم(

[.22]المائدة:

22

(1/22)

عمر بن الخطاب -صلى اهلل عليه وآله وسلم- وبذلك وصف رسول اهلل

رضي اهلل عنه فقال فيه :))أقواكم في دين اهلل عمر، قوله الحق، وما له في الناس من صديق ((.

وقد كان رضي اهلل عنه من أصلب المؤمنين في اهلل دين اهلل، وأشدهم أخذا في به في حق نفسه وفي حق غيره، حتى صارت األمثال تضرب به

عدله،وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، وقيامه بالحق على القريب صلى اهلل عليه وآله -والبعيد، رضي اهلل عنه وعن أصحاب رسول اهلل

أجمعين . -وسلمقة على المؤمنين فأن يكون رحيما بهم مشفقا عليهم، وذلك من وأما الر

هلل رسوله فقال : )لقد أشرف األخالق وأفضل الخصال ، وبه وصف اجاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين

[.137رؤوف رحيم(]التوبة:: ))الراحمون يرحمهم الرحمن -صلى اهلل عليه وآله وسلم-وقال رسول اهلل

-صلى اهلل عليه وآله وسلم-((. وقال رسول اهلل . ومن ال يرحم ال يرحمأيضا: ))إن أبدال أمتي ال يدخلون الجنة بكثرة صالة وال صيام ، بل

بسالمة الصدور، وسخاوة النفوس ، والرحمة بكل مسلم ((.قلت : وال يفهم من هذا أن األبدال ليسوا بمكثرين من الصالة والصيام ، بل

ن غيرهما من األعمال الصالحة . ولكن هذه األصاف كانوا مكثرين منهما م

التي وصفهم بها 22

(1/22)

قدمتهم إلى اهلل وقربتهم إليه لفضلها -صلى اهلل عليه وآله وسلم-نبي اهلل

وشرفها أكثر من غيرها من بقية أعمالهم الصالحة أل نهما من أعمال القلوب ، وأوصاف السرائر .. فافهم .

ال توزن أعمال القلوب بأعمال الجوارح في الخير والشر إال واعلم أنهاوترجح أعمال القلوب رجحانا بينا على أعمال الجوارح ، وتزيد عليها زيادة كثيرة . ومن هذه الحيثية فضل أهل التصوف، المعتنون بتزكية القلوب، والمهتمون بما يخصها من األوصاف واألعمال الصالحة، غيرهم من طوائف المسلمين من العباد والعلماء الذين ليس لهم من العناية بأمر

الباطن مثل ما ألهل التصوف، والفضل بيد اهلل يؤتيه من يشاء واهلل واسع عليم .

والرحمة بالمسلمين أمر واجب وحق الزم ، وهي بالضعفاء والمساكين وأهل لبه عند مشاهدة ضعفاء الباليا والمصائب أولى وأوجب . ومن لم يجد في ق

والمسلمين وأهل البالء منهم ، رقة ورحمة فهو غليظ القلب ، قد غلبت عليه القسوة ، ونزعت منه الرحمة ، وال تنزع الرحمة إال من شقي، كما قال عليه

الصالة والسالم .في نفسه تكبرا وأنفة واستنكافا من -أعني هذا القاسي -فإن وجد مع ذلك

الطة أهل الضعف والمسكنة من المسلمين فسحقا له وبعدا ومقتا من اهلل مخ

، قد حل به ما استوجب الطرد عن باب اهلل، ويكون في جملة المتكبرين المنازعين هلل

22

(1/22)

تعالى ، وقد قال عليه الصالة والسالم : ))ال يدخل الجنة من في قلبه

((.مثقال حبة من خردل من كبر* * *

ومن الرقة : خشوع القلب، وكثرة البكاء من خشية اهلل، وذلك وصف شريف ، ومسعى حميد، به وصف اهلل أنبياءه، والصالحين من عباده؛ فقال تعالى

دا وبكيا( ]مريم: وا سج [.27: )إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خرون ل [.104ألذقان يبكون ويزيدهم خشوعا ( ]اإلسراء:وقال تعالى: ) ويخر

وقد عد عليه الصالة والسالم في السبعة الذين يظلهم اهلل في ظله يوم ال ظل إال ظله: )) رجال ذكر اهلل خاليا ففاضت عيناه (( ، وقال عليه الصالة

كت من خشية اهلل ، وعين والسالم : ))كل عين باكية يوم القيامة إال عين بباتت تحرس في سبيل اهلل (( يعني في الجهاد ، وكان البكاء الخالص من خشية اهلل عزيزا جدا حتى صار بهذه المنزلة من اهلل مع كثرة من يبكي من الناس، حتى ورد عنه عليه الصالة والسالم :)) ال يلج النار من بكى من

ضرع ، وحتى يلج الجمل في سم الخياط خشية اهلل ، حتى يعود اللبن في ال ، وفي رواية : ))من خرج من عينه مثل رأس الذباب من خشية اهلل ((

وقد سوى عليه الصالة والسالم بين الدمع من خشية اهلل وبين الدم يهراق

في سبيل اهلل. وورد: ))لو أن باكيا بكى في أمة لرحمهم اهلل ببكائه((، فتبين 22

(1/22)

بما ذكرناه أن البكاء كثير، وأن الذي يكون من خشية اهلل فقط من البكاء

قليل، فابك من خشية اهلل، فأن لم تبك فتباك .ياك والرياء والتصنع والتزين للمخلوقين فتسقط بذلك من عين رب العالمين وا

. * * *

ن عز عليك البكاء فتذكر ما بين يديك من أهوال اآل خرة التي أنت وا مالقيها من غير شك وال ريب، إن كنت قد آمنت باهلل وما جاء به محمد

، فسوف تبكي ال محالة إن كان لك -صلى اهلل عليه وآله وسلم-رسول اهلل قلب يفقه، وعقل يعقل، فإن لم يكن لك شيء من ذلك فاعدد نفسك في

الكأل، فإن اهلل تعالى إنما األنعام السائمة في المرعى، والبهائم الراتعة فيخاطب أهل القلوب وذكرهم، فقال تعالى: )إن في ذلك لذكرى لمن كان له

[.28قلب أو ألقى السمع وهو شهيد(]ق:أولوا وقال تعالى : )كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر

[. وفي غير موضع من الكتاب العزيز : )وما يذكر إال 34األلباب(]ص:[. وهم أولو العقول ، فانظر كيف نفى التذكر 324/3أولوا األلباب(]البقرة:

عن غيرهم.كما خص اهلل تعالى بالتذكر أهل اإلنابة وهم الراجعون إليه، ائفون منه، وأهل اإليمان وهم المصدقون به وبرسوله وأهل الخشية وهم الخ

وبوعده ووعيده، فقال اهلل تعالى : 28

(1/28)

ل لكم من السماء رزقا وما يتذكر إال من )هو الذي يريكم آياته وينز

ذكرى*سيذكر من [، وقال تعالى: )فذكر إن نفعت ال12ينيب(]غافر:[، وقال تعالى : )وذكر فإن الذكرى تنفع 4-10يخشى(]اإلعلى:

[.22المؤمنين(]الذاريات:فشرع التذكر وأمر به رسوله عموما، وخص بنفعه المؤمنين من عباده،وكان

ذلك لهم حجة عنده ومحجة إليه، وكما كان على اآلخرين حجة قائمةمدحضة لحججهم الباطلة، فإنهم أعرضوا بعد العلم ، وأنكروا بعد المعرفة، ولم يستجيبوا هلل ورسوله، )وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا

[،2وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إننا عاملون(]فصلت:)وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى األمم

[ . فهذا وصف من دعاه ربه 23فلما جاءهم نذير ما زادهم إال نفورا(]فاطر:وكفر . ومن إلى توحيده وطاعته على لسان رسوله فأبى واستكبر، وجحد

آمن بلسانه وصدق بظاهره، وأنكر بقلبه فهو المنافق ، والذي له ما للكافر وعليه ما عليه من غضب اهلل ولعنته.

ومن آمن بقلبه ولسانه، وضيع ما فرض اهلل عليه من طاعته، وارتكب ما حرم اهلل عليه من معصيته، فأمره في غاية الخطر، ويخشى عليه إن لم

بالتوفيق لتوبة خالصة يتداركه اهلل27

(1/27)

قبل مماته أن يلتحق بالمنافقين والكافرين ،ويكون معهم في نار اهلل الموقدة

)التي تطلع على األفئدة * إنها عليهم مؤصدة * في عمد [.4-8ممددة(]الهمزة:

،واستكثر منها، واصبر عليه، فاثبت أيها المؤمن المطيع على طاعة ربك وأخلص له فيها، ودم على ذلك حتى تلقاه جل وعال ، فيرضيك ويرضى

ثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها عنك ،ويحلك دار كرامته : )موعقبى الكافرين األنهار أكلها دآئم وظلها تلك عقبى الذين اتقوا

[.22/12النار(]الرعد:وانزع أيها المؤمن العاصي عن معصيتك، وتب إلى ربك منها من قبل أن ينزع بك الموت ،فتلقى ربك دنسا خبيثا، فتكون كما قال اهلل )إنه من يأت

[. وال تأمن إن 82/30 يحيى(]طه:ربه مجرما فإن له جهنم ال يموت فيها وال لم تبادر بالتوبة من عصيانك أن ينزل اهلل بك عقابا من عقابه ، فأن

العاصين لربهم متعرضون لذلك في كل وقت ، ألم تسمع قول اهلل تعالى : يهم العذاب ) أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم األرض أو يأت

ف فإن ربكم لرؤوف رحيم * من حيث ال يشعرون * أو يأخذهم على تخو [.28-22أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين(]النحل:

اللهم اجعلنا يا كريم بتذكيرك منتفعين، ولكتابك ورسولك

24

(1/24)

متبعين، على طاعتك مجتمعين. وتوفنا يا ربنا مسلمين، وألحقنا

بالصالحين، ووالدينا وأحبابنا برحمتك يا أرحم الراحمين .* * *

أيقظ اهلل قلوبنا وقلوبكم من سنة الغفلة، ووفقنا -واعلموا معاشر اإلخوان ياكم لالستعداد للنقلة من الدار الفانية إلى الدار الب وأن من أضر -اقية وا

. ومعنى طول األمل : استشعار طول طول األملاألشياء على اإلنسان البقاء في الدنيا حتى يغلب ذلك على القلب فيأخذ في العمل بمقتضاه ، وقد

من طال أمله ساء عمله . وذلك -رحمة اهلل عليهم -قال السلف الصالح التشمير لعمارتها، حتى ألن طول األمل يحمل على الحرص على الدنيا، و

يقطع اإلنسلن ليله ونهاره بالتفكير في إصالحها، وكيفية السعي لها تارة بقلبه وتارة بالعمل في ذلك، واألخذ فيه بظاهره، فيصير قلبه وجسمه

مستغرقين في العمل لها، فيكون في أمر دنياه مبادرا ومشمرا، في أمر له أن يعكس األمر، فيشمر آخرته مسوفا ومقصرا، وكان الذي ينبغي

-لآلخرة التي هي دار البقاء وموطن اإلقامة، وقد أخبره اهلل تعالى ورسوله أنه ال ينالها بدون السعي والطلب والجد في -صلى اهلل عليه وآله وسلم

ذلك والتشمير له. وأما الدنيا فهي دار زوال وانتقال، وعن 20

(1/20)

خرة ويخلفها وراء ظهره ، وليس مأمورا بطلبها قريب يرتحل منها إلى اآل

والحرص عليها ،بل هو منهي عنه في كتاب اهلل تعالى ، وفي سنة رسوله ونصيبه المقدار له منها ال يفوته ولو لم يطلبه -صلى اهلل عليه وآله وسلم-

، ولكن لما طال عليه األمل حمله على الحرص على الدنيا والتسويف في فال يخطر له أمر الموت ، ووجوب االستعداد له باألعمال اآلخرة،

الصالحة، إال وعد نفسه بالفراغ لذلك من أشغال الدنيا في أوقات مسنقبلة كأن أجله في يده يموت متى شاء . وهذا كله من شؤم طول األمل ،

واجعلوا التسوبف والتأخير في أمور الدنيا ، -رحمكم اهلل -فاحذروه شمير في أمور اآلخرة، كما قال النبي عليه الص :))اعما ومبادرة والت

لدنياك كأنك ال تموت أبدا ،واعمل آلخرتك كأنك ميت غدا((.واستشعروا قرب الموت، فإنه كما في الحدث :))أقرب غائب ينتظر((وما يدري اإلنسان ! لعله لم يبق من أجله إال السيء اليسير ،وهو مقبل على

رته، فإن نزل به الموت وهو على تلك الحالة رجع دنياه ومعرض عن آلخإلى اهلل ، وهو غير مستعد للقائه ، وربما يتمنى اإلمهال عندما ينزل الموت

به فال يجاب إليه وال يمكن منه ، كما قال اهلل تعالى : )حتى إذا جاء حا فيما تركت كال إنها أحدهم الموت قال رب ارجعون()لعلي أعمل صال

[.100-44كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون(]المؤمنون: فال يطيل األمل ويسوف العمل، ويغفل عن

21

(1/21)

صلى اهلل عليه -االستعداد للموت إال أحمق مغرور، وقد قال رسول اهلل

وعمل لما بعد -يعني حاسبها -:)) الكيس من دان نفسه -سلموآله و الموت. والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على اهلل األماني ((. فطول

األمل من اتباع هوى النفس واالنخداع بأمانيها الكاذبة .: لو رأيتم األجل ومسيره -رضي اهلل عنهم -وقال بعض السلف الصالح

ضتم األمل وغروره.ألبغوقال آخر: كم من مستقبل يوما لم يستكمله، ومؤمل غدا لو يدركه. وقال

آخر: رب ضاحك ملء فيه ولعل أكفانه قد خرجت من عند القصار .وفي الحديث : ))ينجو أول هذه األمة بالزهد واليقين ، ويهلك آخرها

بالحرص وطول األمل ((.خوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول وقال علي رضي اهلل عنه: أ

األمل فإما اتباع الهوى فيصد عن الحق، وأما طول األمل فينسي اآلخرة، ومن نسي اآلخرة لم يعمل لها، ومن لم يعمل لها قدم إليها وهو مفلس من األعمال الصالحة التي ال نجاة وال فوز في اآلخرة بدونها، فإن طلب عند

لدنيا ليعمل صالحا حيل بينه وبين ذلك، فيعظم عند ذلك ذلك أن يرد إلى ا تحسره وندمه حيث ال ينفع الندم.

وفي وصية رسول اهلل البن عمر رضي اهلل عنهما : ))كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل (( ، وفي ذلك غاية الحث على قصر األمل، وقلة

الرغبة في الدنيا. وكان ابن عمر

23

(1/23)

ذا أمسيت فال تنتظر يقول : " إذا أصبحت فال تنتظر الموت المساء ، وا

الصباح . وخذ من حياتك لموتك ومن صحتك لسمقك" .* * *

واعلم أن الناس في األمل على ثالث أصناف :الصنف األول : وهم السابقون من األنياء والصديقين ، ال أمل لهم أصال

نزول الموت بهم ، مستعدون له باإلقبال ،وفهم على الدوام مستشعرون لالدائم على اهلل وعلى طاعته ، متفرغين عن أشغال الدنيا بالكلية ، إال ما

كان منها ضروريا في حق أنفسهم أو في حق من ال بد لهم منه من أتباعهم .وقد صاروا من اإلقبال على اهلل وعلى الدار اآلخرة بحيث لو قيل

لم يجد موضعا ألحدهم : إنك ميت غدا للزيادة على ما هو عليه من العمل الصالح ، النتهائه فيه إلى الغاية

القصوى التي ليس وراء ها غاية وكذلك ال يجد شيئا يتركه ، ألنه قد ترك لى ما ذكرناه من كل شيء ال يحب أن ينزل به الموت وهو مالبس له . وا

)) و - عليه وآله وسلمصلى اهلل-حال هذا الصنف الشريف اإلشارة بقوله الذي نفسي بيده ما رفعت قدمي فظننت أني أضعها حتى أقبض ، وال

رفعت لقمة فضننت أني أسيغها حتى أغص بها من الموت ..(( الحديث .وكان عليه الصالة والسالم ربما يتيمم والماء منه قريب، فيقال له في ذلك

.فيقول : )) ال أدري لعلي ال أبلغه ((

والصنف الثاني : وهم المقتصدون من األخيار، واألبرار لهم 22

(1/22)

أمل قصير ال يلهيهم عن اهلل وعن ذكره، وال ينسيهم الدار اآلخرة، وال يشغلهم عن االستعداد للموت، وال يحملهم على عمارة الدنيا وتزيينها ،

يعطوا من القوة واالغترار بزخارفها وشهواتها الفانية المنغصة. ولكنهم لممثل ما أعطي الصنف األول من دوام االستشعار لنزول الموت في كل

وقت، ولو دام عليهم ذلك لتعطلت عليهم أمور معايشهم التي البد لهم منها ، وربما تتعطل عليهم أمور آخرتهم من غلبة الذهول والدهش عليهم ، فأن

تستقل بحمله إال قوة النبوة استشعار نزول الموت على الدوام أمر عظيم، ال أو الصديقية الكاملة .

ومن هذه الحيثية يقال : إن من األمل رحمة، أعني هذا األمل الذي لوال لى ذلك اإلشارة بما بلغنا أن اهلل تعالى وجوده لتزلزت أمور الدين والدنيا، وا

لوا : لما أخرج ذرية آدم عليه يوم الميثاق من ظهره ورأت المالئكة كثرتهم قايا ربنا ال تسعهم الدنيا ! فقال تعالى :)) إني جاعل موتا(( ؛ فقالوا: ال

يهنؤهم العيش ؟ فقال :)) إني جاعل أمال ((.وعن النبي عليه الصالة والسالم : ))إن المالئكة يقولون ألهل الميت إذا

كة انصرفوا عن قبره: انصرفوا إلى دنياكم، أنساكم اهلل موتاكم (( والمالئعليه الصالة والسالم ال يدعون للمؤمنين بالشر الذي هو طول األمل

أعني القدر الذي ال يلهي -المذموم ، بل بالخير الذي هو قصر األمل

واهلل أعلم . -عن اآلخرة ، ويتيسر معه القيام بالمعايش التي ال غنى عنها 22

(1/22)

ن طال عليهم األمل جدا والصنف الثالث: وهم المغرورون والحمقى الذي

حتى أنساهم اآلخرة ، وألهاهم عن ذكر الموت ،وأقلبوا بقلوبهم على محبة الدنيا ، والحرص على عمارتها ، وجمع حطامها ، واالغترار بزخارفها

وزبنتها ، والنظر إلى زهرتها التي نهى اهلل نبيه عليه الصالة والسالم عن نهم مد العين إليها فقال تعالى :)وال تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا م

[.121زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى(]طه:فترى أحدهم ال يكاد يذكر اآلخرة، وال يتفكر فيها، وال يخطر له أمر الموت

ن خطر ل ن خاف من تأثيره وقرب األجل، وا ه نادرا لم يؤثر في قلبه شيئا، وا فيه صرفه عنه وأدخل على نفسه ما ينسيه ذلك، حتى ال يتشوش عليه

إقباله على الدنيا والتمتع بلذاتها وشهواتها .واألمل على هذا الوجه هو األمل المردي المذموم على اإلطالق ،

م وأوالدهم عن ذكر اهلل، وسوف وصاحبه من الخاسرين الذين ألهتهم أموالهرتني إلى أجل يقول عندما ينزل به الموت ويعاين اآلخرة: )رب لوال أخ

[.10قريب(]المنافقون:على وفق ما ذكر اهلل في كتابه حيث يقول تعالى: )يا أيها الذين آمنوا ال

عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون تلهكم أموالكم وال أوالدكم * وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لوال

الحين دق وأكن من الص رتني إلى أجل قريب فأص أخ 22

(1/22)

ر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون(]المنافقون: -4)ولن يؤخ

11.] وقد بلغنا أن ملك الموت عليه الصالة والسالم يظهر لألنسان عندما يبقى

من أجله شي يسير فيخبره به فيقول له :يا ملك الموت ، أخرني قليآل إلى ربي وأستغفر ه فيقول له الملك : قد طالما أخرت وعمرت فلم ألتوب

تتب ولم ترجع إلى ربك حتى اآلن . وقد أنقضت المدة وبلغت األجل الذي كتبه اهلل لك ، فال سبيل إلى التأخير.

رحمة اهلل عليهم : فلو كانت الدنيا بأسرها لهذا -قال بعض العلماء عة واحدة يزيدها في العمره ،ويعتذر فيها اإلنسان وأمكنه أن يشتري بها سا

إلى ربه ، لفعل .ثم إن الغفلة عن اآلخرة واإلعراض عنها بالكلية إقباال على الدنيا واشتغاال بها قد يكون سببه طول األمل كما ذكرناه ، وقد يكون سببه شكا في اآلخرة

كفر باهلل ورسوله فإن من ال -والعياذ باهلل من ذلك -وترددا في كونها حقا . والعالمة المميزة للغافل عن اآلخرة بين أن يكون سبب غفلته طول األمل أو الشك ، هي أن الغافل الذي يكون سبب غفلته طول األمل إذا مرض أو حصل له شيء يتوقع عنده قرب الموت يكثر ذكر اآلخرة ، ويتحسر على

ترك العمل لها ، ويتمنى أن يعافى ليعمل صالحا .

و الذي تكون غفلته عن الشك ال يظهر عليه عند22

(1/22)

المرض ونحوه شيء مما ذكرناه ، بل يظهر عليه التأسف على فراق دنياه ، والتخوف على أوالده وأمواله أن تضيع من بعده، وأشباه ذلك مما يدل على

في - رحمة اهلل -قصور النظر والرغبة في أحوال الدنيا . فاعتبر هذا نفسك ، وفي غيرك؛ حتى تعظه وتنصحه إن شممت منه روائح الشك في الدار اآلخرة . فليس الشك في اآلخرة في الذم والخطر بمنزلة طول األمل

ن كان طول األمل المنسي لآلخرة مذموما جدا . وا * * *

مستحب ومرغب فيه ، وله منافع و فوائد ذكر الموتواعلم أن اإلكثار من جليلة منها : قصر األمل ، والتزهيد في الدنيا، والقناعة منها باليسير ، -والرغبة في اآلخرة، والتزود لها باألعمال الصالحة، وقد قال رسول اهلل

: ))أكثروا من ذكر هاذم اللذات (( يعني: -صلى اهلل عليه وآله وسلم الموت .

ادي : ))جاء الموت بما فيه ، وكان عليه الصالة والسالم يقوم من الليل فين ( تتبعها الرادفة ..(( الحديث .1جاءت الراجفة)

ولما سئل صلوات اهلل عليه من األكياس من الناس من هم؟ قال: ))أكثرهم للموت ذكرا، واحسنهم له استعدادا، أولئك األكياس ذهبوا بشرف الدنيا ونعيم

اآلخرة ((.------------------------

جفة نفخة الصعق . والرادفة نفخة البعث .( الرا1)28

(1/28)

قلت :وليس ذكر الموت النافع هو أن يقول اإلنسان بلسانه :الموت الموت

ن أكثر منه، بل ال بد مع ذلك من تفكر فقط ،فإن ذلك قليل المنفعة وا القلب واستحضاره عند ذكر الموت بالسان .كيف يكون حاله عند الموت

ته ، ومعانيته أمور اآلخرة. وما الذي بقي من أجله وبم يختم وأهواله وسكرالى أي له ،وكيف كان حال من مضى من أقرانه وأصحابه عند الموت ، وا مصير صاروا !! وأشباه ذلك من األفكار واألذكار النافعة للقلب والمؤثرة

فيه .قال بعض السلف : أنظر كل شيء تحب أن يأتيك الموت وأنت عليه

هذه المقالة ، فأنها عظيمة النفع لمن عمل -رحمك اهلل -ه . فتأمل فاجتنب بها . واهلل الموفق والمعين ، الرب غيره .

وأما كراهية الموت فإمر طيبعي ال يكاد اإلنسان ينفك عنه ، وذلك ألن الموت وؤلم في النفسه ، ومفرق بين اإلنسان وبين محبوباته ومألو فاته من

:))من أحب لقاء -صلى اهلل عليه وآله وسلم-رسول اهلل دنياه . ولما قال اهلل أحب اهلل لقاءه . ومن كره لقاء اهلل كره اهلل لقاءه (( قالت له عائشة رضي اهلل عنها: يارسول اهلل ، كلنا نكره الموت ؟ فقال عليه الصالة

اهلل، فإحب لقاء اهلل والسالم : ))إن المؤمن إذا حضره الموت بشر برحمةن الكافر إذا حضره الموت بشر بعذاب اهلل ، فكره لقاء وأحب اهلل لقاءه ، وا

اهلل وكره اهلل لقاءه ((27

(1/27)

وفي وصف المؤمن المحبوب المذكور في قوله عليه الصالة والسالم عن

لى إلى أن قال اهلل :))ما تقرب المتقربون...(( فساق الحديث عن اهلل تعاتعالى :))وما ترددت في شيء أنا فاعله كترددي في قبض نفس عبدي

المؤمن يكره الموت، وأكره مساءته ، وال بد له منه((.فانظر كيف وصفه بكراهية الموت مع كمال إيمانه، وعلو منزلته عنده

تعالى ، تعلم صحة ما ذكرناه .: أنه لطم ملك الموت حين جاء وفي أخبار موسى عليه الصالة والسالم

ليقبضه فأخرج عينه .نعم ، قد تنغمر كراهية الموت حتى ال يحس في حال قوة إشراق أنوار

المعرفة واليقين، ويكون ذلك ألهله في وقت دون وقت . وأما األمر العام في أهل اإليمان: فهو أنهم يحبون الموت لما فيه من لقاء اهلل، والمصير

الباقية، والخروج من الدنيا محل الفتن والمحن . ويكرهون الموت إلى الدار بالنفس بالطبع، لما فيه من األلم وفراق المحبوبات، وكلما كان اإليمان أقوى

كانت الكراهية أقل ومقتضى الطبع أضعف، وبالعكس فتفطن لذلك، واهلل يتولى هداك .

* * * ومطلوب، لقوله عليه الصالة في طاعة اهلل فهو محبوب طول العمروأما

والسالم :))خيركم من طال عمره وحسن عمله((.

24

(1/24)

وكلما كان العمر أطول في طاعة اهلل كانت الحسنات أكثر والدرجات أرفع

. وأما طوله في غير طاعة اهلل فبالء وشر : تكثر السيئات وتتضاعف الخطيئات .

طول البقاء في الدنيا ليستكثر من األعمال ومن زعم من الناس أنه يحب بة إلى اهلل تعالى ، فإن كان مع ذلك حريصا عليها ،ومشمرا الصالحة المقرن فيها ، ومجانبا لما يشغل عنها من أمور الدنيا، فهو بالصادقين أشبه . وا

فا فيها فهو من -أعني األعمال الصالحة -كان متكاسال عنها ومسوذبين المتعللين بما ال يغني عنه، ألن من أحب أن يبقى ألجل شيء الكا

وجد في غاية الحرص على ذلك الشيء؛ مخافة أن يفوته، ويحال بينه وبينه.

سيما والعمل الصالح ال يمكن إال في الدنيا، وال يتصور وجوده في غيرها جدا عسى اهلل البتة، ألن اآلخرة دار جزاء وليس بدار عمل، فتفكر في ذلك

أن ينفعك به، واستعن باهلل واصبر، واجتهد وشمر ، وبادر باألعمال الصالحة من قبل أال تجد إليها سبيال، واغتنم فسحة المهل من قبل أن

نما يفجأك األجل، فإنك غرض لآلفات، وهدف منصوب لسهام المنيات، وا . هذا العمر . رأس مالك الذي يمكنك أن تشتري به من اهلل سعادة األبد

فإياك أن تنفق أو قاته وأيامه وساعاته وأنفاسه فيها ال خير فيه وال منفعة، فيطول تحسرك، ويعظم أسفك بعد الموت إذا عرفت قدر الفائت وتحققته .

وقد ورد أنه تعرض على اإلنسان في الدار اآلخرة ساعات 80

(1/80)

ة أربع وعشرون خزانه بعدد أيامه ولياليه في هيئة الخزائن كل يوم وليل

ساعاتهما، فيرى الساعة التي عمل فيها بطاعة اهلل خزانة مملوءة نورا، والتي عمل فيها بمعصية اهلل مملوءة ظلمة، والتي لم يعمل فيها بطاعة وال

معصية يجدها فارغة ال شيء فيها .فيعظم تحسره إذا نظر إلى الفارغة أن ال يكون عمل فيها بطاعة اهلل

فيجدها مماوءة نورا.و أما التي يجدها مملؤة ظلمة؛ فلو قضي عليه أن يموت عند النظر إليها

من األسف والحسرة لمات، غير أنه ال موت في اآلخرة .فالعامل بطاعة اهلل يكون فيها فرحا مغتبطا على الدوام، يزيد فرحه و

ح مغموم ، ال يزال يزداد اغتباطه على ممر األيام . والعامل بمعصية اهلل تر ما دمت في -رحمك اهلل -ترحه وغمه إلى غير نهاية . فاختر لنفسك

دار االختيار ما ينفعها ويرفعها، فإنك لو قد مت خرج األمر عن اختيارك.* * *

وبادر وال تسوف ، فإن التسويف شر ، واإلنسان معرض آلفات وشواغل :)) اغتنم خمسا قبل خمس: -هلل عليه وآله وسلمصلى ا-كثيرة ، قال

شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وغناك قبل فقرك، وحياتك قبل موتك ((.

وقال عليه الصالة والسالم : )) بادروا باألعمال الصالحة قبل أن تشغلوا، وصلوا الذي بينكم وبين ربكم بكثرة ذكركم له((.

81

(1/81)

وقال عليه الصالة والسالم : ))نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس :

الصحة، والفراغ ((.قلت : فالمغبون فيهما من أوتيهما فعاش صحيحا فارغا، ينفق صحته

وفراغه في الغفالت والبطاالت، أو في معاناة األشغال الدنيويات الملهيات نما يستبين له أنه مغبون بعد عن ذكر اهلل وعن األعمال الصالحات ، و ا

الموت حين يعاين ما فاته من الدرجات العلى التي لو أنفق في طلبها صحته وفراغه لنالها .

قال علي كرم اهلل وجهه : الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا . [.4تغابن:وقال اهلل تعالى: )يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن(]ال

وقال النبي عليه الصالة والسالم : )) ليس يتحسر أهل الجنة إال على ساعة مرت بهم لم يذكروا اهلل فيها (( وذلك إذا رأوا قدر الفائت بسبب الغفلة

في تلك الساعة من القرب والنعيم .وأما من أنفق صحته وفراغه في معاصي اهلل، ومساخطه؛ فهو خاسر

نما المغبون من ينفقها في البطاالت والمباحات .ممقوت وليس بم عبون، وا وقد يكون معنى الغبن في الصحة والفراغ : أن ال يعطاهما اإلنسان فيبتلى باألمراض أو الضعف وكثرة األشتغال، فال يتمكن بسبب ذلك من األعمال

اء الفارغون ، فافهم ههنا الصالحات التي يتمكن منها األصح83

(1/83)

قوله تعالى :

ل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما(]النساء: [.42)وفضوقوله عليه الصالة والسالم : )) المؤمن القوي خير وأحب إلى اهلل تعالى

من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، فاحرص على ما ينفعك واستعن باهلل ياك و ))لو((؛ فإن وال تعجز ، فإن غلبك أمر فقل قدر اهلل وما شاء فعل. وا

))لو(( تفتح عمل الشيطان((.قلت : ألن ))لو(( ال يقولها في األكثر إال عاجز كسالن، يفوت األمور الحسنة عند التمكن منها من عجزه وكسله، أو معتمد على حوله وقوته ،

ا قضى اهلل عليه ، و وسعيه وحيلته ، يحسب أنه ينجو باحترازه وحرصه عم قد قال عليه الصالة والسالم : ))ال يغني حذر من قدر((. فتأمل ذلك

لى اهلل عاقبة األمور وأمعن النظر فيه، فإن معنى جليل، تحته علم كثير. وا .

* * * ودخول الجنة من غير سعي لذلك بفعل المأمورات، و أماني المغفرةوأما

ك المحظورات، ومجانية السيئات، فهو حمق المسارعة الخيرات، مع تر بقبول تزويره وتلبيسه، وترويجه -لعنه اهلل -وغرور ، ومواالة للشيطان

للشر في معرض الخير، قال اهلل تعالى : ) ومن يتخذ الشيطان وليا من بينا * يعدهم ويم نيهم وما يعدهم الشيطان إال دون الله فقد خسر خسرانا م

[.130- 114غرورا(]النساء: 82

(1/82)

فمن ظن أنه يذنب ثم ال يتوب إلى اهلل توبة صحيحة، وأنه تعالى يغفر به، وكذلك يتكاسل عن الطاعات ويتشاغل عنها بأمور الدنيا، ويتوهم مع ذلك

رجات الجنة مع المحسنين فهو المتمني أن اهلل تعالى يكرمه ويرفعه في دالمغرور، العاجز األحمق، وذلك ألن اهلل تعالى يقول وقوله الحق : )ولله ما في السماوات وما في األرض ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي

[.21الذين أحسنوا بالحسنى(]النجم: وصف اهلل الذين أحسنوا بقوله تعالى : )الذين يجتنبون كبائر اإلثم ثم

[.22والفواحش إال اللمم إن ربك واسع المغفرة (]النجم: واللمم : هو الصغائر من الذنوب التي ال يكاد العبد يخلو منها .

الحات كالمفسدين في وقال تعالى : )أم نجعل ال ذين آمنوا وعملوا الصار(] ص: [. أي ال نجعلهم سواء عندنا ال 37األرض أم نجعل المتقين كالفج

في الدنيا وال في اآلخرة، كما قال تعالى : )أم حسب الذين اجترحوا السيئات الحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الص

[.31يحكمون(]الجاثية:فأبطل حسبانهم وتوهمهم ، وذم حكمهم بذلك، أعني: ظنهم التسوية بينهم و

بين أهل اإلحسان عند ربهم .

* * * 82

(1/82)

نبياءه عليهم السالم، وعباده المؤمنين في كتابه وقد وصف اهلل مالئكته وأ

باالعمال الصالحة، وبالمالزمة لها، والمسارعة فيها مع الخوف والخشية واإلشفاق والوجل، فقال تعالى في المالئكة : )بل عباد مكرمون * ال

بين أيديهم وما خلفهم وال يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون * يعلم ما [.37- 32يشفعون إال لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون (]األنبياء:

وقال تعالى في األنبياء: )أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان أقرب ويرجون

[. وقال أيضا فيهم : )إنهم كانوا يسارعون في الخيرات 28محذورا(]اإلسراء: [.40ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين(]األنبياء:

)ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا وقال تعالى في المؤمنين : للمتقين * الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون(]األنبياء:

ن * [. وقال أيضا فيهم : )إن الذين هم من خشية ربهم مشفقو 27-24والذين هم بآيات ربهم يؤمنون * والذين هم بربهم ال يشركون * والذين

قلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون * أولئك يسارعون في يؤتون ما آتوا و [.21-28ون(]المؤمنون:الخيرات وهم لها سابق

-صلى اهلل عليه وآله وسلم-ولما سألت عائشة رضي اهلل عنها رسول اهلل 82

(1/82)

قلوبهم وجلة(]المؤمنون: [.20عن قوله تعالى : )والذين يؤتون ما آتوا و

لي أهو أن الرجل يزني ويسرق ثم يخاف . قال : )) ال، بل هو الرجل يص ويصوم، ويتصدق، ويخاف أن ال يقبل منه ..(( الحديث.

ولما وصف اهلل بعض أعدائه وصفهم بالغرور والتمني فقال عن واحد منهم نها منقلبا(]الكهف: [. يعني من 22: )ولئن رددت إلى ربي ألجدن خيرا م

وتكبر بها وافتخر على جنته التي أعجب بها ونسي نعمة اهلل عليه فيها، من هو خير منه من عباد اهلل !

فانظر ذلك في جملة قصته التي حكاها اهلل عنه، وعن العبد الصالح في قوله تعالى : )واضرب لهم مثال رجلين جعلنا ألحدهما جنتين من أعناب

[.23بينهما زرعا(]الكهفوحففناهما بنخل وجعلنا وقال تعالى عن آخر من األعداء المغرورين: )ألوتين ماال وولدا(

نزاله به .88]مريم: [. يعني في اآلخرة، فكذبه اهلل وتوعده بالعذاب وا ى وقال تعالى عن آخر منهم : )ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسن

[.20(]فصلت:بأي شيء وصف اهلل أحبابه وأولياءه وبغضاءه -رحمك اهلل -فانظر اآلن

وأعداءه ، فبأي الفريقين اقتديت وتشبهت كنت معه ، فإن من تشبه بقوم فهو منهم ، كما ورد .

وقد تبين لك عن مالئكة اهلل وأنبيائه وعباده الصالحين : 82

(1/82)

نوا يسارعون في الخيرات وأنهم مالزمون لصالح العمل، ومجانبون أنهم كا

للسيئات والزلل، مع الخوف من اهلل والوجل، وأن األعداء كانوا على الضد من ذلك : على العصيان وترك اإلحسان، مع الغرور، واألمن من مكر اهلل،

بهم في والتمني على اهلل، فاختر لنفسك صحبة خير الفريقين، وتشبه األعمال واألوصاف، تكن معهم إن شاء اهلل تعالى .

* * * واعلم أن أماني المغفرة مع الكسل والبطالة من أضر شيء على اإلنسان، لنا الكالم وقد فشت على ألسنة المخلطين من أهل هذا الزمان، ولذلك طو

ه، و يستيقظ فيها رجاء أن ينفع اهلل به من وقف عليه منهم، فيتنبه من غفلتمن رقدته عندما يعلم أن أهل النبوة وأهل الصالح كانوا في نهاية الخوف

يقول: )) لو -صلى اهلل عليه وآله وسلم-من اهلل، حتى كان نبينا محمد لعذبنا -يعني السبابة واإلبهام -آخذني اهلل أنا وابن مريم بما جنت هاتان

ثم لم يظلمنا شيئا ((.ن األنبياء واألولياء أعرف باهلل وبكرمه العظيم ورحمته الواسعة من وال شك أ

غيرهم، فلم يبق إال أن يكون أهل التخليط والتفريط أولى بالخوف من كل وجه ، وعلى كل حال .

* * * 88

(1/88)

واعلم أن المتمني المغرور مقطوع الحجة بأيسر مئونة، فإذا قال : إن اهلل ه الذنوب، وال تنفعه الطاعة، وهو غني عني وعن عملي، فقل تعالى ال تضر

له: صدقت، ولكن الذنوب تضرك والطاعات تنفعك، وأنت فقير إلى العمل الصالح .

ثم قل له: اقعد عن الكسب والحركة والسعي للمعاش، فإن اهلل تعالى قد : ضمن لك الرزق، وخزائن السماوات واألرض في قبضته، فسوف يقول لك

صدقت، ولكن ال بد من السعي والحركة، وقلما رأينا شيئا يحصل بدون ذلك . فقل له : إن الدنيا التي أمرك اهلل بتركها، ونهاك عن الرغبة فيها، وضمن

لك قدر الكفاية منها ال تحصل إال بالسعي والطلب . واآلخرة التي رغبك لى لسان نبيه بأنك ال تنجو اهلل فيها، وأمرك بطلبها، وأخبرك في كتابه وع

فيها من عذابه، وتفوز بثوابه حتى تسعى لها وتجتهد في طلبها نراك مضيعا لها، وغير متكرث بها، فما أنت إال شاك مرتاب، أو أحمق مغرور، قد عكست األمر، ووضعت األشياء في غير مواضعها. فبأي حجة ، وبأي

الذي أرسله إليك -هلل عليه وآله وسلمصلى ا-وجه تلقى اهلل ، وتلقى رسوله يدعوك من الدنيا إلى اآلخرة!؟ فعند ذلك تنقطع حجته، وال يدري ما يقول.

* * *

87

(1/87)

يقينا أنه كلما كان اإليمان أقوى والعمل أصلح،كان -رحمك اهلل -واعلم

، الخوف أكثر. وكلما كان اإليمان أضعف والعمل أسوأ، كان الخوف أقل

واألمن واالغترار أغلب، فاعتبر ذلك في نفسك وفي غيرك تجده بينا.وعلى الجملة، فأن المؤمن الصادق هو الذي يعمل بالصالحات، ويخلص فيها ، ويرجو القبول والثواب عليها من فضل اهلل، ويجانب السيئات، ويبعد

ها، ويرجو عنها، ويخاف أن يبتلى بها، ويخشى العقاب على ما عمله منالمغفرة من اهلل بعد التوبة واإلنابة إلى اهلل، فمن كان من المؤمنين على

غير هذه األوصاف فهو من المخلطين، وأمره في غاية الخطر . فافهم هذه الجملة، وطالب نفسك بها تنج وتفز إن شاء اهلل تعالى .

الح في حياته، و واعلم أن عنوان السعادة أن يوفق اهلل العبد للعمل الصييسره له، وعنوان الشقاوة أن ال ييسر للعمل الصالح، ويبتلى بالعمل السوء،

: )) واعملوا فكل ميسر ما خلق -صلى اهلل عليه وآله وسلم-قال رسول اهلل له، من خلق للجنة يسر لعمل أهل الجنة، ومن خلق للنار يسر لعمل أهل

النار(( .و لما قبض اهلل القبضتين قال لقبضة السعداء : هؤالء للجنة وبعمل أهل

الجنة يعملون . وقال لقبضة األشقياء: وهؤالء للنار وبعمل أهل النار يعملون.

84

(1/84)

ثم اعلم أن المؤمن البصير بالدين، الراسخ في العلم واليقين: هو الذي

كليته. ثم يعتمد على اهلل و على فضله، يحسن العمل هلل، ويجتهد في ذلك بحسانه. وعلى هذا الوصف مضى األنبياء والعلماء وال يعتمد على عمله وا

وصالحو السلف والخلف عليهم السالم والرحمة والرضوان.لى ذلك أشار بقوله: ))لن يدخل أحد الجنة -صلى اهلل عليه وآله وسلم-وا

يارسول اهلل ؟ قال : )) وال أنا إال أن يتغمدني اهلل بعمله(( . قالوا : وال أنت برحمته ((.

يجتهد في األعمال الصالحة إلى -صلى اهلل عليه وآله وسلم-ثم كان الغاية والنهاية، حتى تورمت قدماه من طول القيام بالليل .

وأما الذي يجتهد في األعمال الصالحة ويعتمد عليها فهو معجب بنفسه، يء على ربه، وربما يبتلى ليستبين له عجزه وعدم صالحيته لشيء من جر

الصالحات لوال فضل اهلل ورحمته، كما قال تعالى: )ولوال فضل الله عليكم يع ورحمته ما زكا منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكي من يشاء والله سم

[.31عليم(]النور:وكما بلغنا : أن عابدا عبد اهلل خمسمائة سنة، فإذا كان يوم القيامة يقول اهلل له : يا عبدي ادخل الجنة برحمتي . فيقول : يا رب ، بل بعملي ! فيأمر اهلل به فيحاسب على نعمة البصر فتستغرق جميع عبادته، وتبقى

مر به إلى النار؛ فيقول: يا رب ! أدخلني الجنة عنده نعم اهلل كثيرة، فيإ برحمتك، فيإمر به إليها ويثني عليه ويمدحه جل وعال .

70

(1/70)

فقد ظهر أنه ال بد من أمرين:

أحدهما: إصالح العمل . والثاني: االعتماد على اهلل دونه.

اهلل عنه، وما أحسن ما قاله الشيخ محي الدين عبد القادر الجيالني رضي حيث يقول في ذلك: بك ال نصل ، وال بد منك. يعني أننا ال نصل بالعمل

دون فضل اهلل، وال بد من العمل امتثاال ألمر اهلل .وقال الشيخ أبو سعيد الخراز رحمه اهلل تعالى : من ظن أنه بالعمل يصل

، ومن ظن أنه بدون العمل يصل فهو مت يعني أن يصل -من فهو متعنإلى اهلل، والمتمني : هو الذي ال يعمل ويزعم أنه متكل على فضل اهلل، وذلك غرور وحماقة ال يصح منه االتكال على اهلل وعلى فضله إال مع

العمل الصالح كما تقدم .: إن أماني المغفرة قد لعبت بإقوام حتى -رحمه اهلل -قال الحسن لبصري

من الدنيا مفاليس . أي : من األعمال الصالحة .خرجوا ن المنافق جمع إساءة وأمنا وقال أيضا : إن المؤمن جمع إحسانا وخوفا، وا

. قلت : وذلك عجيب جدا ، ألن الخوف بصاحب اإلساءة أليق ؛

------------------------ ( متعن : أي متكلف ما يشق عليه .1) 71

(1/71)

نما أمن مع اإلساءة النتكاس قلبه، وعمى لتعرضه بإساءته لسطوات اهلل ، وا

عين بصيرته، ولكن )من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليا [.18مرشدا(]الكهف:

ترضى به عنا، اللهم اهدنا، وكن لنا يا ربنا وليا مرشدا إلى ما تحبه منا، و فقد فوضنا إليك أمرنا، وتوفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين .

* * * وأما االحتجاج بالقدر الذي يجريه الشيطان اللعين على ألسنة كثير من

وقد ترك -عامة المسلمين ففيه خطر كبير. وهو أن أحدهم إذا قيل له علت ذلك، وخالفت أمر : لم ف -بعض الواجبات أو فعل بعض المحرمات

اهلل وأمر رسوله ؟ ؛ فيقول : ذلك مقدر علي ، ومكتوب ومقضي ، يعذر بذلك نفسه، ويرفع الحرج عنها، ويحتج على اهلل تعالى الذي له الحجة

البالغة على جميع خلقه في كل حال )ال يسأل عما يفعل وهم [.32يسألون(]األنبياء:

أقول: إن قول العاصي هذا أعظم من معصيته، وأكثر ضررا عليه في و دنياه وآخرته، ألن معنى هذه المقالة يدل من صاحبها أنه قالها عن اعتقاد باطن على تزلزل قواعد دينه من أصلها، فمتى يتوب هذا العاصي، ومتى

ى أنهيندم على فعله القبيح، ومتى يستغفر منه! وهو ال يرى له فعال وير 73

(1/73)

مجبورمقهور، ليس له اختيار وال قدرة. وهذا هو بعينه مذهب الجبرية: وهم

فرقة من المبتدعين في الدين، يقولون بعدم االختيار على ضد ما تقوله المعتزلة: وهم فرقة أخرى من أهل البدعة. ومعتقد أهل الحق و السنة و

كما قال بعض العلماء: خارج الجماعة: وسط بين هاتين الفرقتين . وهو

من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين .ومعتقد أهل السنة جعلنا اهلل منهم بفضله: أنه ال يكون كائن صغيرة ال رادته وقدرته. وأن العباد وأفعالهم كبير إال بقضاء اهلل تعالى ومشيئته، وا

يطالبون أنفسهم بامتثال أوامر خيرها وشرها خلق اهلل تعالى ، ثم بعد ذلك اهلل كل المطالبة، وال يرخصون لها في ترك شيء منها ويحملونها على ترك

المنهيات وعلى اجتنابها رأسا .ن ن وقعوا في شيء منها بادروا إلى اهلل تعالى بالتوبة واالستغفار. وا وا

الى من تركه. فرطوا في شيء من األوامر بادروا بقضائه وتابوا إلى اهلل تعوال يحتجون ألنفسهم على اهلل أبدا، وال يعذرونها بسبق القدر، وال يرخصون

في ذلك ألحد، فإن اهلل تعالى وصف بعض أعدائه في كتابه باالحتجاج بالمشيئة ثم أنكر عليهم ذلك ووبخهم عليه، ولم يقبله منهم ورده عليهم

ركوا لو شاء الله ما أشركنا وال آباؤنا وكذبهم فقال تعالى : )سيقول الذين أش منا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل وال حر

ن أنتم إال تخرصون * عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إال الظن وا ة البالغة(]األنعام: [.124-127قل فلله الحج

72

(1/72)

وفي اآلية األخرى : )وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من

منا من دونه من شيء ك ذلك فعل الذين من شيء نحن وال آباؤنا وال حرسل إال البالغ المبين(]النحل: [.22قبلهم فهل على الر

فإياك واالقتداء بالمشركين في االحتجاج على اهلل رب العالمين .وحسبك من القدر اإليمان به خيره وشره، ثم كلف نفسك االمتثال ألمر اهلل

يه، وتب على الدوام من تقصيرك عن القيام بحقه تعالى، واالجتناب لنهواستعن باهلل تعالى، وتوكل عليه، وقد قال عليه الصالة والسالم : )) إذا ذكر القدر فإمسكوا (( فنهى عن الخوض فيه، لما في ذلك من الخطر

وكثرة الضرر.هو بحر وسأل رجل عليا رضي اهلل عنه، عن القدر؟ فقال له في جوابه:

عميق فال تلجه، وطريق مظلم فال تسلكه، سر اهلل تعالى قد خفي عليك فال تفشه .

رحمه اهلل عن القدر ؟ فقال -وسأل رجل من والة األمور محمد بن واسع له : جيرانك من أهل القبور، لك في التفكر فيهم شغل شاغل عن القدر.

على اإليمانوقد مضى عمل السلف والخلف من أهل الحق 72

(1/72)

على ذلك ، وعلى -رحمة اهلل عليهم -بالقدر خيره وشره. وانعقد إجماعهم

تيان النهي . اإلمساك عن االحتجاج بالقضاء والقدر عند ترك األمر وا أعني االحتجاج بأمر القدر عند -وكانوا يرون ذلك من أعظم المنكرات

ن كنت من أهل الحق فاقتد بهم ، فإ -ارتكاب المحارم وترك الواجبات ال فقد سمعت ما قال اهلل تعالى للمتبعين غير سبيل واسلك سبيلهم، وا

المؤمنين، واسمعه اآلن، قال اهلل تعالى : )ومن يشاقق الرسول من بعد ما

ما تولى ونصله جهنم تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله [.112وساءت مصيرا(]النساء:

أنه ال يجوز وال يصح للمؤمن أن يعتقد في نفسه -رحمك اهلل -ثم اعلم أنه ال حرج وال جناح عليه إذا ترك واجبا أو فعل محرما، ألن القدر غالب

يرضى اهلل به، فإن احتج له وسابق عليه. ثم إذا صدر منه فعل أو ترك ال بالقدر على إقامة العذر لنفسه وهو باق على االختيار والتمييز فقد احتمل

ثما مبينا. بهتانا وا وقد خشيت أن تكون هذه البلية قد دبت إلى أناس من المنسوبين إلى العلم

والصالح، فضال عن غيرهم من عامة المسلمين، ويكاد يدل على وجود هذا ع وتألم وتأسف عندما يصدر من األ مر منهم أنه ال يظهر عليهم كثير توج

بعضهم ما يالم عليه ويذم به شرعا. فليتق اهلل مؤمن أحس من نفسه بذلك، وليتكلف نفيه عنها، وليعلم أن اهلل ال يعذره بالقدر، وال يقبل

72

(1/72)

دا، فإذا سمعت من أحد المسلمين هذه منه االحتجاج به ما دام مختارا أب

فه بأن إثمه في االحتجاج بالقضاء والقدر الحجة الساقطة فازجره عنها، وعرعلى ترك األوامر وفعل المحرمات، أعظم من إثمه على نفس الترك

للواجب والفعل للمحرم. فليتق اهلل وال يجمع على نفسه بليتين، ويقودها إلى سخط ربه من جهتين.

* * * وأما ذكر القضاء والقدر والتذكير به عند الشدائد والباليا والمصائب فال

بأس به، وهو احتجاج على النفس وليس احتجاجا لها، ألن العبد المبتلى والمصاب إذا علم أن المبتلي له هو ربه الرحيم به، وأنه بذلك البالء سبق

من ذلك له صالحا وخيرا عليه الكتاب من اهلل تعالى تحقق وأيقن أن ض كثيرا ، فيحمله العلم بذلك على الرضا والتسليم هلل الحكيم العليم .

فقد وضح وتبين لك أن االحتجاج بالقدر عند األمر والنهي محظور ومذموم، فاحذره، وعند البالء والمصائب نافع، ولكن لمن يعقل عن اهلل

ن مصيبة في األرض وال في أنفسكم تعالى، قال اهلل تعالى: )ما أصاب م إال في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير * لكيال تأسوا على

-33د:ما فاتكم وال تفرحوا بما آتاكم والله ال يحب كل مختال فخور(]الحدي32.]

ن تذكر العبد عند المصائب والباليا ما وعد اهلل عليها من وا 72

(1/72)

الدرجات والحسنات، والكفارات للسيئات، فذلك حسن، وهو أنفع لعامة

المسلمين وأقرب إلى أفهامهم، ألن النظر إلى العلم األزلي والقضاء والقدر ن الناس، بخالف الوعد السابق يفتقر إلى فطنة وبصيرة يخلو عنها كثير م

األخروي فإن كل أحد يفهمه، وكذلك الوعيد.ومن أجل ذلك كان التذكير بالوعد والوعد عام المنفعة عند الباليا، وعند

الطاعات، وعند المعاصي وغير ذلك . -صلى اهلل عليه وآله وسلم-ولهذا ترى كتاب اهلل تعالى وسنة رسوله

والوعظ والتذكير بهما، فافهم هذه الجملة مشحونين بذكر الوعد والوعيد،

وتأملها ترشد . وتوكل على اهلل إن اهلل يحب المتوكلين . وال حول وال قوة إال باهلل العلي العظيم .

* * * 78

(1/78)

(1/77)

*********** ***********

مبحث العلم*********** ***********

(1/74)

************ ************

***

************ ************

(1/40)

مبحث العلم

*********** واعلموا معاشر اإلخوان من اهلل علينا وعليكم بالعافية واليقين ، وسلك بنا وبكم مسالك المتقين أنه ال بد لكل مسلم ومسلمة من معرفة العلم ، وال

صح اإليمان رخصة ألحد من المسلمين في تركه أبدا، أعني العلم الذي ال ي واإلسالم بدون معرفته .

وجملته : العلم باهلل ورسوله واليوم اآلخر، والعلم بما أوجب اهلل فعله من صلى اهلل -الفرائض، وبما أوجب تركه من المحارم ، وقد قال رسول اهلل

: ))طلب العلم فريضة على كل مسلم((.-عليه وآله وسلم بوا العلم ولو بالصين((.وقال عليه الصالة والسالم : ))اطل

والصين: إقليم بعيد من أبعد المواضع، وقيل من الناس الذين يصل إليه ن كان في هذا المحل لبعده . فإذا وجب على المسلم أن يطلب العلم وا

البعيد ، فكيف ال يحب عليه إذا كان بين العلماء وال يلحقه في طلبه كثير سالم فترجع جملتها إلى قول رسول اهلل مئونة، وال كبير مشقة؟ فأما علوم اإل

حين سأله جبريل عليه السالم في الحديث -صلى اهلل عليه وآله وسلم-المشهور فقال له: أخبرني عن اإلسالم؟ قال: )) اإلسالم أن يشهد أن ال

إله إال اهلل وأن محمدا رسول اهلل، وتقيم الصالة،41

(1/41)

وتحج البيت إن استطعت إليه سبيال(( ثم وتؤتي الزكاة، وصوم رمضان،

قال له: فأخبرني عن اإليمان؟ قال: ))اإليمان أن تؤمن باهلل، ومالئكته، وكتبه، ورسله، واليوم اآلخر، والقدر خيره وشره ..(( الحديث بطوله .

وأما ما يجب علمه على كل مسلم من علوم اإليمان فيوجد في عقائد األئمة ها لعامة المسلمين، مثل عقيدة اإلمام الغزالي رحمه المختصرة التي وضعو

اهلل، وهي جامعة نافعة وفيها زيادات كثيرة على القدر الولجب علمه على كل مؤمن، ولكنها مؤكدات ومقويات ومكمالت لإليمان وسنورد في آخر

هذاالتصنيف إن شاء اهلل )عقيدة وجيزة تشتمل على ما ال بد من علمه من

ان(.علوم اإليموأما علوم اإلسالم فتوجد في تصانيف األئمة من الفقهاء رضي اهلل عنهم، والواجب من ذلك هو القدر الذي ال يسع مسلما أن يجعهله، كالعلم بوجوب الصلوات الخمس، وكيفية فعلها وشرائطها ومواقيتها والطهارة لها ، وما في

معنى ذلك .ها، والوقت الذي تجب فيه. والعلم وكالعلم بوجوب الزكاة والقدر الواجب من

بوجوب صوم شهر رمضان وشرائط الصوم ومبطالته، والعلم بوجوب الحج على المستطيع شروط االستطاعة .

* * * 43

(1/43)

وبالجملة: فيجب على المسلم أن يعلم بوجوب جميع الواجبات العينية،

لزنا واللواط وبتحريم جميع المحرمات التي هو مستهدف للوقوع فيها: كاوشرب المسكر، وظلم الناس، والسرقة والخيانة، والكذب والنميمة، والغيبة

وأشباه ذلك .وأما العلم بأحكام الزكاة على من ال مال له تجب عليه الزكاة فيه؛ فال يجب، وكذلك العلم بأركان الحج وشرائطه في نفسه ال يجب على غير

على السفر أو على الشروع في المستطيع، وال على المستطيع حتى يعزمالحج. وأما العلم بوجوب الزكاة والحج على كل مسلم فيجب علم ذلك على

الجملة .وأما العلم بشروط البيع والشراء والمعامالت والنكاح فيجب على من أراد الدخول في شيء منها أن يعلم حكم اهلل تعالى فيها، وما تصح به، وما

ي الدوام عليها.تفسد به، في ابتدائها وفال وقع فيما يسخط اهلل عليه شاء أم أبى . فإن الجاهل ال بد له من ذلك، وا

متعرض بجهله لسخط اهلل وللوقوع في الهالك على كل حال، وكيف ال يكون كذلك، وربما يعتقد في بعض الواجبات أنها من المحرمات، أو أنها

اجبات أو من الطاعات، أو ليست بواجبة، و في بعض المحرمات أنها و أنها ليست بمحرمة، وفي ذلك غاية الخطر

42

(1/42)

ونهاية الضرر على أهل الجهل، وربما وقعوا بسبب جهلهم في أمور تشبه الكفر، أو هي الكفر بعينه كما يعرف ذلك من تأمل أحوالهم، واعتبر

سبحانه قد فرض أفعالهم وأقوالهم، وليس يعذرهم اهلل في شيء من ذلك فإنه عليهم طلب العلم، ويسر لهم األسباب، وأوجب على العلماء تعليمهم،

فتقصيرهم بعد ذلك كله اشتغاال بالدنيا، واتباعا للهوى يزيدهم عن اهلل بعدا، ويوجب لهم عنده مقتا وطردا.

وهذا كله في العلم الواجب الذي ال يسع أحدا من المسلمين أن يجهله .ب أنك ترى الجاهل المغرور ال يفتر عن طلب الدنيا ليال ونهارا، وال والعج

يزال متكالبا عليها، وشديد العناية بجمعها ومنعها، والتمتع بها، ويقيملنفسه األعذار الكثيرة على ذلك، ثم تجده جاهال بأمر دينه، لم يطلب علما

، ولم يجالس عالما ليتعلم منه قط.ذلك، احتج لنفسه بما يسقط به من عين اهلل من عدم فإن قيل له في

الفراغ، وكثرة األشغال، مع أن اهلل وله الحمد قد يسر له طلب العلم بوجوده العلماء القدر الواجب من العلم، وأمر الدنيا على الضد من ذلك ، فال يكاد

ينال منها شيئا يسيرا إال بعسر ومشقة وتعب كثير، فليس ذلك موت القلب، وهوان أمر الدين على اإلنسان، وقلة إال من

42

(1/42)

االحتفال بأمر اآلخرة فإنه يرى حاجته إلى متاع الدنيا ظاهرة حاضرة، ويرى حاجته إلى العلم بعيدة غائبة، ألنه ال يحتاج إليه وال يعرف منفعته إال بعد

ه، وفقد العلم الموت، وهو قد نسي الموت، ونسي ما بعده لغلبة الجهل علب عنده.

وصاحب هذا الوصف من الذين قال اهلل تعالى فيهم: )ولكن أكثر الناس ال يعلمون * يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن اآلخرة هم غافلون(

[.8-2]الروم: دهم الدرهم على ظفره : يأخذ أح -رحمه اهلل -قال الحسن البصري

فيخبرك بزنته، يعني من شدة معرفته بأمور الدنيا. قال : ولو سألته عن شروط الطهارة والصالة لم يعرف شيئا منها. انتهى بمعناه .

وعلى الجملة: فالجهل رأس الشرور والباليا كلها في الدنيا واآلخرة . ولو يضروه بمثل ما قد ضر اجتمع على الجاهل أعداؤه ليضروه لم يقدروا أن

به نفسه، كما قال القائل : ما يبلغ األعداء من جاهل ... ما يبلغ الجاهل من نفسه

وقال اآلخر: وفي الجهل قبل الموت ألهله ... فأجسادهم قبل القبور قبور

ثم إن الجهل المذموم على اإلطالق: هو أن يجهل اإلنسان من العلم ما مه .فرض اهلل عليه عل

فاحذر أيها األخ من ذلك، واخرج من ظلمات جهلك إلى أنوار العلم. 42

(1/42)

وليس بواجب عليك أن تتسع في العلم، بل واجب عليك تعلم القدر الذي ال بد لك منه، وال غنى لك عنه .

* * * وكما يجب عليك أن تتعلم في نفسك: يجب عليك أيضا أن تعلم أهلك

ل من لك والية عليه، فإن لم تقدر أن تلمهم كان عليك أن وأوالدك وكال تأمرهم بالخروج إلى أهل العلم حتى يتعلموا منهم القدر المفروض منه، وا

أثمت وأثموا ؛ أعني يأثم منهم من كان مكلفا .والقدر الواجب من العلم على كل مسلم ليس بكثير، وال يكاد يلحق الطالب

اء اهلل لسهولته .له في طلبه مشقة إن شوألن اهلل تعالى يعينه على ذلك، وييسره له إذا صلحت نيته. وله في طلبه

ثواب عظيم .:))من سلك طريقا يلتمس به علما يسر -صلى اهلل عليه وآله وسلم-قال

اهلل له به طريقا إلى لجنة (( ، وقال عليه الصالة والسالم : )) إن المالئكة لطلب العلم رضا بما يصنع((. لتضع أجنحتها

وقال عليه الصالة والسالم: )) حضور مجلس علم أفضل من صالة الف ركعة، وعيادة ألف مريض، وحضور ألف جنازة ..((

42

(1/42)

وقال عليه الصالة والسالم : ))إن اهلل تكفل لطالب العلم برزقه((.

تكفل اهلل لكل دابة في قلت: وهذا تكفل خاص بعد التكفل العام الذي

[. 2األرض في قوله: )وما من دآبة في األرض إال على الله رزقها(]هود:فيكون معناه زيادة التيسير، ورفع المئونة والكلفة في طلب الرزق و

حصوله، واهلل أعلم .لم قال وفي لحديث الطويل الذي ذكر فيه عليه الصالة والسالم فضل الع

ويحرمه األشقياء((. -يعني العلم -في آخره : ))يلهمه السعداء وليس من شيء يجمع جميع أنواع الخير غير السعادة، وليس من شيء

يجمع جميه أنواع الشر سوى الشقاوة .أنه ال عذر لجاهل عند اهلل تعالى في ترك العلم -بما تقدم -فقد علمت

في العمل بعلمه.،وكذلك ال عذر لعالم * * *

ومثل الجاهل المقصر في طلب العلم الواجب عليه كمثل عبد أرسل إليه سيده كتابا يأمره فيه بأشياء وينهاه فيه عن أشياء، فلم ينظر في ذلك الكتاب

ولم يعرف ما فيه أصال مع القدرة على ذلك والتمكن منه. في كتابومثل العالم الذي لم يعمل بعلمه كمثل من نظر

48

(1/48)

سيده وعلم ما فيه؛ فلم يمتثل لشيء من أوامره ولم يجتنب شيئا من نواهيه

التي نص عليها في كتابه.هل ترى تقصيرا أشنع من تقصير هذين العبدين في -رحمك اهلل -فانظر

حق سيدهما؟ وهل تقوم لهما عنده حجة أو عذر! وهل أحد أحق بالعقاب

نهما لجراءتهما وقلة تعظيمهما لسيدهما . فاحذر أن تكون أحد والنكال مالرجلين المشئومين: الجاهل الذي ال يتعلم، أو العالم الذي ال يعمل؛ فتكن

مع الهالكين. وتخسر الدنيا واآلخرة، ذلك هو الخسران المبين .قدر وأما االتساع في العلوم الدينية النافعة ، واالستكثار منها والزيادة على

الحاجة فذلك من أعظم الوسائل إلى اهلل، وأفضل الفضائل عند اهلل، ولكن مع اإلخالص لوجه اهلل في طلب العلم، ومع مطالبة النفس بالعمل بما تعلم

. وتعليمه لعباد اهلل، مريدا بذلك كله وجه اهلل والدار اآلخرة.* * *

اتب المؤمنين أنزل منها. وتلك المرتبة هي التي تلي مرتبة النبوة. وجميع مر صلى اهلل عليه وآله -فإن العلماء العاملين هم الواسطة بين رسول اهلل

وبين المسلمين، وقد قال اهلل تعالى في فضل أهل العلم: )شهد الله -وسلم [.17ط (]آل عمران:أنه ال إله إال هو والمالئكة وأولوا العلم قآئما بالقس

47

(1/47)

فانظر كيف قرنهم مع مالئكته في الشهادة على التوحيده، وقيامه بالقسط

وهو العدل .[. 4وقال تعالى : )قل هل يستوى الذي يعلمون والذين ال يعلمون (]الزمر:

أي : ال يستوون ال في الدنيا وال في اآلخرة ، ولكن يفضل اهلل من يعلم لم بدرجات كثيرة، قال تعالى: )يرفع الله الذين آمنوا منكم على من ال يع

[. أي : على الذين آمنوا.11والذين أوتوا العلم درجات (]المجادلة:

ثوا وقال عليه الصالة والسالم : )) العلماء ورثة األنبياء؛ ألن األنبياء لم يورنما و ثوا العلم ..(( الحديث .دينارا وال درهما وا ر

وقال عليه الصالة والسالم : ))ال حسد إال في اثنتين: رجل آتاه اهلل الحكمة فهو يقضي بها و يعلمها آناء الليل و آناء النهار ، ورجل آتاه اهلل ماال، فهو ينفق منه آنا ء الليل وآناء النهار (( ومعنى الحسد ههنا: البغطة ،

أمور اآلخرة. وهي محمودة فيوقال عليه الصالة والسالم : ))فضل العالم على العابد كفضلي على أدنى رجل من أصحابي(( وفي رواية أخرى :))كفضل القمر ليلة البدرعلى سائر

الكواكب ((.فإذا كان فضل العالم على العابد بهذه المثابة مع العابد ال يخلو عن علم

بدا فكيف يكون فضل العالم على الجاهل ؟بعبادته، ولو ال ذلك لم يسم عا وفضائل العلم وأهله ال تحصى ، وكتاب اهلل وسنة رسوله

44

(1/44)

وآثار السلف الصالح مشهورة ومعروفة في -صلى اهلل عليه وآله وسلم-

ذلك، والكتب مشحونة بها، أعني بفضائل العلم والعلماء .المال: العلم يحرسك، وأنت تحرس قال علي رضي اهلل عنه: العلم خير من

المال ، والعلم يزيد باإلنفاق ، والمال ينقص به . والعلم حاكم، والمال محكوم عليه.

* * * واعلم أن العالم الذي ال يعمل بعلمه مسلوب الفضيلة، فال ينبغي له أن

يغتر بما ورد عن اهلل وعن رسوله في فضل العلم ، ويوهم نفسه أنه داخل ك بمجرد العلم من غير عمل، وقد قال عليه الصالة والسالم:))تعلموا في ذل

ما شئتم، فواهلل ال يقبل منكم حتى تعملوا به (( ، وقال عليه الصالة والسالم: )) من ازداد علما ولم يزدد هدى، لم يزدد من اهلل إال بعدا((.

نما صار العلم بتلك المنزلة الرفيعة عند اهلل لما فيه من ا لمنفعة العامة وا لجميع عباد اهلل تعالى .

ذا لم ينتفع العالم بعلمه في نفسه فكيف ينتفع به غيره؟ وا فاعرف من ههنا بطالن الفضيلة في حق من يعلم وال يعمل. وقد قال عليه

الصالة والسالم : )) أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه اهلل الم يستعيذ باهلل من علم ال ينفع، وقلب ال بعلمه((. وكان عليه الصالة والس

يخشع . وليس عند العالم الذي ال يعمل بعلمه إال صورة العلم

100

(1/100)

: -رحمة اهلل عليهم-ورسمه دون معناه وحقيقته ، كما قال بعض السلف

ال ارتحل ، أعني يرتحل منه روحه ونوره العلم يهتف بالعمل، فإن أجابه وا ة على العالم السوء.وبركته، وأما صورته فال ترتحل بل تبقى مؤكدة للحج

ثم إن كان هذا العالم يعلم علمه للناس وينفعهم به كان بمنزلة الشمعة تضيء للناس وهي تحترق، وكاإلبرة تكسو الناس وهي عارية، قال تعالى

تتلون الكتاب أفال :)أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم [.22تعقلون(]البقرة:

وفي الحديث : ))إنه يؤمر بالعالم إلى النار فتخرج أمعاؤه فيدور بها في النار كما يدور الحمار بالرحى ، فيطوف به أهل النار فيقولون له: ما بالك

؟ فيقول: إني كنت آمر بالخير وال آتيه، وأنهى عن الشر وآتيه ..(( الحديث.

قلت: وهذا العالم الذي يعلم الناس وال يعمل خاسر، وأمره في غاية الخطر ، ولكنه أحسن حاال من الذي ال يعمل وال يعلم الناس ، فإنه خاسر من كل وجه ، وهالك على كل حال ، إذ لم يبق فيه خير وال نفع البتة، وأخشى أن

)) يؤمر بأقوام من حملة يكون من الذين قال فيهم عليه الصالة والسالم : القرآن إلى النار قبل عبدة األوثلن، فيقولون: يبدأ بنا قبل عبدة األصنام !

فيقال لهم : نعم، ليس من يعلم كمن ال يعلم((.* * * 101

(1/101)

فإن كان العالم مع كونه ال يعمل وال يعلم يدعو إلى الشر، ويفتح للعامة

نهم المخادعاتأبواب التأويالت والرخص ، ويلقوالحيل التي يخرجون بها من الحقوق التي عليهم، ويتوصلون بها إلى أخذ

حقوق الناس فهو شيطان مارد ، فاجر معاند هلل ورسوله، قد استخلفه الشيطان، وجعله نائبا عنه في الفتنة والضاللة واإلغواء، وهو عند اهلل من

ال فالحمير والكالب الذين شبههم بالحمير والكالب في الخسة والمها نة، وا خير منه، ألن الحمير والكالب يصيرون إلى التراب وهو يصير إلى النار،

لوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل قال تعالى: )مثل الذين حم

ات الله والله ال يهدي القوم أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآي [.2الظالمين(]الجمعة:

وقال تعالى : )واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان ه أخلد إلى األرض واتبع هواه فكان من الغاوين * ولو شئنا لرفعناه بها ولكن

-182فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث(]األعراف:182.]

* * * وكان عمر رضي اهلل عنه يقول: أخوف ما أخاف عليكم منافق عليم

من علم الكتاب والسنة، باللسان . وقد يتمكن مثل هذا الفاجر المنافق فيكون بالء على المسلمين وفتنة. وفي وفي مثله قال عليه الصالة والسالم:

103

(1/103)

ال (( قيل: وما ذلك ؟ قال : ال أخوف عليكم من الدج ))أنا من غير الدج

))علماء السوء(( .ال وقد وصف عليه الصالة والسالم أناسا يقرءون القرآن كما أنزل وأنه

مية(. يجاوز تراقيهم، وأنهم يمرقون من اإلسالم كما يمرق السهم من الروفي الحديث: )) إن مثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحان ريحه

طيب وطعمه مر ((.فال يستبعد بعد هذا أن من يعلم ظاهر العلم منافق فاجر ، وعالمته أن ال

به، بل يضر به نفسه ويضر به غيره . ينتفع بالعلم وال ينفع

وبالجملة فإن العالم المعلم لعباد اهلل هو الفاضل الخير المعدود من ورثة األنبياء. والعالم الذي ال يعمل ولكنه يعلم الناس الخير والعلم أمره مخطر ، وهو خير بكثير من العلم الشرير الذي ال يعمل وال يعلم خيرا ، ويدعو مع

إلى الشر بتيسير أسبابه وفتح أبوابه. ففرق بين العلماء ، واقتد بخيرهم ذلك، واتصف بصفته ، وسر على سبيله تكن من المهتدين واهلل يهدي من

يشاء إلى صراط المستقيم .* * * 102

(1/102)

ثم اعلم رحمك اهلل أن للعالم العامل بعلمه ، المعدود عند اهلل ورسوله من

ين وعلماء اآلخرة: عالمات وأمارات تفرق بينه وبين العالم المخلط علماء الدالمعدود عند اهلل ورسوله من علماء اللسان ، المتبعين للهوى ، المؤثرين الدنيا على العقبى . فمن عالمات العالم المعدود من علماء اآلخرة : أن

، زاهدا في الدنيا يكون خاشعا متواضعا خائفا وجال مشفقا من خشية اهلل قانعا باليسير منها ، منفقا للفاضل عن حاجته مما في يده ، ناصحا لعباد

اهلل ، شفيقا عليهم ، رحيما بهم ، آمرا بالمعروف، ناهيا عن المنكر ، مسارعا في الخيرات ، مالزما للعبادات ، داال على الخير ، داعيا إلى

ار وسكينة ، حسن األخالق ، واسع الصدر، الهدى ، ذا سمت تؤدة ، ووقلين الجانب ، مخفوض الجناح للمؤمنين ، ال متكبرا وال متجبرا ، وال طامعا في الناس ،وال حريصا على الدنيا ، وال مؤثرا لها على اآلخرة ، وال جامعا

ريا وال مجادال للمال ، وال مانعا له عن حقه ، وال فظا وال غليظا ، وال مما

در ، وال وال مخاصما ، وال قاسيا ، وال سيء األخالق ، وال ضيق الصمداهنا وال مخادعا ، وال غاشا ، وال مقدما لألغنياء على الفقراء ، وال مترددا إلى السالطين ، و ال ساكتا عن اإلنكار عليهم مع القدرة ، وال محبا للجاه

ات ، بل يكون كارها لذلك كله ، ال يدخل في شيء منه ، وال والمال والوالي يالبسه إال من حاجة أو ضرورة .

102

(1/102)

وبالجملة يكون متصفا بجميع ما يحثه عليه العلم ، ويأمره به من األخالق المحمودة واألعمال الصالحة ، مجانبا لكل ما ينهاه العلم عنه من األخالق

مة .واألعمال المذمو وهذه األشياء التي ذكرناها في وصف علماء اآلخرة يجب أن يتحلى بها كل مؤمن، غير أن العالم أولى بها وأحق ، وهي عليه أوجب وأكد، ألنه علم به مام به يقتدى . فإن ضل وغوى وآثر الدنيا على اآلخرة ، وكان يهتدى ، وا

ن استقام واتقى ثم من تابعه على ذلك ، وا كان له أجره وأجر عليه إثمه وا من تابعه على ذلك.

وينبغي للعالم بأمور الدين الظاهرة: أن يضيف إلى ذلك العلم باألخالق الباطنة من صفات القلوب، والعلم بأسرار األعمال وآفاتها، والعلم بالوعد

والوعيد الواقعين في الكتاب والسنة، من ذكر ثواب المحسنين وعقاب العالم، ويكمل النفع له واالنتفاع به. فإن هذه المسيئين، فبذلك يتم أمر

العلوم التي ذكرناها ال يتم بعضها بدون بعض، وهي علوم السلف الصالح، يعرف ذلك من طالع سيرهم.

وأما علم الباطن فال قوام له بدون علم الظاهر، وأما علم الظاهر فال تمام له بدون علم الباطن.

فيهما من الترغيب في إقامة األوامر والفضائل، وأما علم الوعد والوعيد فلما ومن الترهيب عن الوقوع في المحارم والرذائل.

102

(1/102)

وقبيح بالعالم أن يتكلم في حكم بعض الواجبات، أو فضائل الخيرات، أو شيء من المحرمات، فإذا طولب عند ذلك بذكر بعض ما ورد عن اهلل

أن يورد شيئا في ذلك، وصدور وعن رسوله في ذلك األمر لم يقدرالمؤمنين إنما تنشرح بكالم اهلل وبكالم رسوله، تطمئن قلوبهم، وتنتهض

هممهم.فتأمل هذه الجملة وأحسن النظر فيها، وخذ من هذه العلوم الثالثة قدرا

صالحا : وهي علم األحكام الظاهرة من العبادات والمعامالت، وعلم األمور خالق وأوصاف القلوب، وعلم الوعد والوعيد وأعني به ما ورد الباطنة من األ

عن اهلل ورسوله في فضل الطاعات، وهو الوعد، وعقاب السيئات وهو الوعيد.

ذاعته، وبذله وتعليمه وينبغي ويتأكد على أهل لعلم أن يبالغوا في نشره وا سالم.لجميع المسلمين؛ أعني العلم العام النافع علمه لكل أحد من أهل اإل

* * * وينبغي للعالم أن يكون حديثه مع العامة في حال مخالطته ومجالسته لهم في بيان الواجبات و المحرمات، ونوافل الطاعات، وذكر الثواب والعقاب

على اإلحسان واإلساءة، ويكون كالمه معهم بعبارة قريبة واضحة يعرفونها مالبسون لها، وال يسكتويفهمونها، ويزيد بيانا لألمور التي يعلم أنهم

102

(1/102)

حتى يسأل عن شيء من العلم وهو يعلم أنهم محتاجون إليه ومضطرون

له، فإن علمه بذلك سؤال منهم بلسان الحال.والعامة قد غلب عليهم التساهل بأمر الدين علما وعمال، فال ينبغي للعلماء

رش ادهم، فيعم الهالك، ويعظم أن يساعدوهم بذلك السكوت عن تعليمهم وا إال وجدته جاهال -وأكثر الناس عامة -البالء، وقلما تختبر عاميا

بالواجبات والمحرمات، وبأمور الدين التي ال يجوز وال يسوغ الجهل بشيء ن علم شيئا من ن لم يوجد جاهال بالكل وجد جاهال بالبعض. وا منها، وا

مسموعا من ألسنة الناس، ولو أردت أن تقلبه له ذلك وجدت علمه به علما جهال فعلت ذلك بأيسر مئونة لعدم األصل والصحة فيما يعلمه.

* * * و ينبغي للعالم إذا جاءه من يطلب العلم أن ينظر فيه، فإن كان فارغا

ن كان عاميا يقصد أن يتعلم ما ومتأهال لفهم العلم فليأمره بقراءة الكتب، وا له من العلم فليلقنه ذلك تلقينا، وليعلمه ويفهمه، ويختصر له األمر، ال بد

ل عليه بقراءة الكتب التي عساه ال يفهمها وال يفرغ لها، وال يحتاج وال يطو ألكثر ما فيها فإن حاجة العامة من العلم ليست شيئا كثيرا.

* * * 108

(1/108)

والة األحكام أن يعظوا عامة المسلمين عند وينبغي للعلماء وخصوصا منهم

فوهم بما ورد عن اهلل تعالى وعن رسوله من االختصام إليهم، ويخوالتشديدات والتهديات في الدعاوي الكاذبة، وشهادة الزور واأليمان الفاجرة، والمعامالت الفاسدة، مثل الربا وغيره. ويذكروا لهم بعض ما ورد في الشرع

ذه األمور. وشدة العقاب فيها، وذلك لغلبة الجهل، وشدة من تحريم هالحرص، وقلة المباالة بأمر الدين. وكم من عامي من المسلمين إذا سمع تحريم الكذب في الدعاوي والشهادات واإليمان ؛ يرجع عن شيء قد عزم

عليه ذلك لجهله وقلة علمه.ناس بالعلم ، ويحدثوهم به، وعلى الجملة فيتأكد على العلماء أن يجالسوا ال

ويبينوه هم. ويكون كالم العالم معهم في بيان األمر الذي جاءوا إليه من أجله: مثل ما إذا جاءوا لعقد نكاح يكون كالمه معهم فيها يتعلق بحقوق

النساء: من الصداق، والنفقة والمعاشرة بالمعروف، وما يجري هذا المجرى. د بيع وكتاب مسطور بينهم في ذلك. يكون كالمه ومثل ما إذا جاءوا لعق

معهم: في الشهادات، وفي صحيح البيوع وفاسدها، ونحو ذلك .وهذا واهلل خير وأولى في هذه المجالس من الخوض في فضول الكالم، وما

ال تعلق له باألمر الذي من أجله جاءوا ، وال بالدين رأسا.107

(1/107)

يخوض مع الخائضين، وال أن يصرف شيئا من أوقاته وال ينبغي للعالم أن في غير إقامة الدين.

وهذا الذي ذكرناه من أنه ينبغي للعالم ويتأكد عليه: أن يجعل مجالسته ومخالطته مع عامة المسلمين معمورة ومستغرقة بتعليمهم وتنبيههم

ل وتذكيرهم؛ قد صار في هذا الزمان بالخصوص من أهم المهمات على أهالعلم؛ الستيالء الغفلة والجهل واإلعراض عن العلم والعمل على عامة الناس، فإن ساعدهم أهل العلم على ذلك بالسكوت عن التعليم والتذكير

غلب الفساد، وعم الضرر. وذلك مشاهد إلهمال العامة أمر الدين، وسكوت !العلماء عن تعليمهم وتعريفهم، فال حول وال قوة إال باهلل

* * * ثم إن من آكد الوظائف واآلداب في حق العالم: أن يكلم الناس بفعله قبل قوله، وأن ال يأمرهم بشيء من الخير إال ويكون من أحرصهم على فعله

والعمل به، وال ينهاهم عن شيء من الشر إال يكون من أبعدهم عنه ليمه وجه اهلل والدار وأشدهم تركا له، وأن يكون مريدا بعلمه وعمله وتع

اآلخرة فقط، دون شيء آخر من جاه أو مال أو والية أو شيء من أعراض : )) من طلب علما مما -صلى اهلل عليه وآله وسلم-الدنيا، قال رسول اهلل

يبتغى به وجه اهلل ليباهي به العلماء أو ليماري به السفهاء، أو104

(1/104)

وجوه الناس إليه؛ لقي اهلل وهو عليه غضبان (( .ليصرف به

اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا، وزدنا علما، والحمد هلل على كل

حال، ونعوذ باهلل من أحوال أهل النار.

* * *

110

(1/110)

************ ************

مبحث الصالة************ ************

(1/111)

************ ************

*** ************ ************

(1/113)

مبحث الصالة

*********** ياكم في الدين، وألهمنا رشدنا، -واعلموا معاشر اإلخوان فقهنا اهلل وا

وأعاذنا من شر أنفسنا، أن الصالة عماد الدين، وأجل مباني اإلسالم الدين محل الرأس من الجسد، فكما أنه الخمس بعد الشهادتين. ومحلها من

ال حياة لمن ال رأس له، فكذلك ال دين لمن ال صالة له، كذلك ورد في األخبار.

ياكم من المحافظين على الصالة، المقيمين لها، الخاشعين جعلنا اهلل وا فيها، الدائمين عليها، فبذلك أمر اهلل عباده المؤمنين في كتابه، وبه وصفهم

الة الوسطى وقوموا لله فقال عز م لوات والص ن قائل:)حافظوا على الص [.327قانتين (]البقرة:

فالصلوات هي المكتوبات الخمس : الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والصبح . فتلك هي الصلوات التي ال يسع أحدا من المسلمين ترك شيء

دام يعقل، ولو بلغ به العجز والمريض إلى منها في حال من األحوال ما أقصى غاياته.

والصالة الوسطى: هي العصر كما ورد به الحديث112

(1/112)

الصحيح خصها اهلل بالذكر لزيادة الفضل والشرف، وذلك معروف ومشهور في اإلسالم، حتى بلغنا في سبب نزول الرخصة في صالة الخوف: أن

في بعض -صلى اهلل عليه وآله وسلم-هلل المسلمين كانوا مع رسول االغزوات، فصل بهم عليه الصالة والسالم صالة الظهر على الوجه

المعهود، وكان المشركون قريبا منهم يرونهم، فلما فرغوا من صالتهم قال بعض المشركين : لو أغرتم عليهم وهم في صالتهم ألصبتموهم، فقال بقية

ه الصالة صالة هي أحب إليهم من آبائهم المشركين : إن لهم بعد هذصلى اهلل عليه -فنزل جبريل على رسول اهلل -يعنون العصر -وأبنائهم أعني -بصالة الخوف. فانظر كيف صار فضل هذه الصالة -وآله وسلم معلوما حتى للمشركين. -العصر

الة وال تكونوا من وقال تعالى(:)منيبين إليه واتقوه وأقيموا ال ص [.21المشركين(]الروم:

فاإلنابة: هي الرجوع إلى اهلل، والتقوى: هي الخشية من اهلل، واإلقامة للصالة: هي اإلتيان بها على الوجه الذي أمر اهلل به.

ن*والذين هم وقال تعالى: )قد أفلح المؤمنون*الذين هم في صالتهم خاشعو كاة فاعلون*والذين هم لفروجهم عن اللغو معرضون*والذين هم للز

حافظون*إال على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين*فمن ك هم ابتغى وراء ذلك فأولئ

112

(1/112)

العادون*والذين هم ألماناتهم وعهدهم راعون*والذين هم على صلواتهم [.4-1يحافظون(]المؤمنون:

وقال تعالى : ) إال المصلين*الذين هم على صالتهم [.32-33دائمون(]المعارج:

ستثناهم من نوع اإلنسان المخلوق على الهلع والجزع عند مس الشر له، فاوالمنع عند مس الخير له، كأنه سبحانه يقول : أن المصلين على الحقيقة

ليسوا ممن يهلع ويجزع ويمنع .الة إن قلت: ألن هذه األوصاف من المنكر، وقد قال تعالى: )وأقم الص

الة تنهى عن [.22الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر (]العنكبوت: الصفالمصلي المقيم للصالت كما أمر اهلل ورسوله، تنهاه صالته عن فعل ما

يكرهه اهلل منه، مثل هذه الصفات المذكورة وغيرها من المكاره . وقال عليه الصالة والسالم : ))صلوا كما رأيتموني أصلي(( .

-صلى اهلل عليه وآله وسلم-لي على االتباع واالقتداء برسول اهلل فالمصفي صالته، على الوجه الذي نقلته علماء األمة من السلف والخلف رضي اهلل عنهم: هو المصلي المعدود عند اهلل من المقيمين للصالة والمحافظين

عليها.* * * 112

(1/112)

باطنة ال كمال للصالة وال تمام لها إال ثم إن للصالة صورة ظاهرة، وحقيقة

بإقامتهما جميعا . فأما صورتها الظاهرة: فهي القيام، والقراءة، والركوع،

والسجود، ونحو ذلك من وظائف الصالة الظاهرة. وأما حقيقتها الباطنة: فمثل الخشوع، وحضور القلب، وكمال اإلخالص، والتدبر والتفهم لمعاني

ونحو ذلك من وظائف الصالة الباطنة. القراءة، والتسبيح،فظاهر الصالة : حظ البدن والجوارح . باطن الصالة: حظ القلب والسر،

أعني قلبه وسره. -بذلك محل نظر الحق من العبد : مثل الذي يقيم صورة الصالة -رحمه اهلل تعالى -قال اإلمام الغزالي

هدي لملك عظيم وصيفة الظاهرة ويغفل عن حقيقتها الباظنة، كمثل الذي يميتة ال روح فيها. ومثل الذي يقصر في إقامة ظاهر الصالة، كمثل الذي يهدي إلى لملك وصيفة مقطوعة األطراف، مفقوءة العينين، فهو والذي قلبه

متعرضان من الملك بهديتهما للعقاب والنكال، الستهانتهما بالحرمة، صالتك إلى ربك، فإياك أن واستخفافهما بحق الملك. ثم قال: فأنت تهدي

تهديها بهذه الصفة فتستوجب العقوبة. انتهى بمعناه.

112

(1/112)

: كمال الطهارة واالحتياط فيها في المحافظة على الصالة واإلقامة لهاومن

البدن والثواب والمكان، قال عليه الصالة والسالم : ))الطهور مفتاح ور شطر اإليمان ((.الصالة (( وفي الحديث اآلخر: ))الطه

سباغ الوضوء: وتثليثه من غير وسوسة وال إسراف ، فإن الوسوسة في وا الطهارة والصالة من عمل الشيطان، يلبس بها على من قل علمه وضعف

عقله، كما قال بعض السلف: الوسوسة من جهل بالسنة أو خبال في

العقل.ميع األشياء، ومذهب السلف في الطهارات هو المذهب المحمود، وفي ج

فإنهم القدوة، وبهم األسوة، وتجديد الوضوء لكل صالة من السنة، والدوام على الوضوء مطلقا محبوب وفيه منافع كثيرة.

بلغنا: أن اهلل تعالى قال لموسى عليه الصالة والسالم: إذا أصابتك مصيبة وأنت على غير طهارة فال تلومن إال نفسك.

بأن من توضأ فأحسن الوضوء خرجت وقد وردت األحاديث الصحيحة جميع خطاياه من أعضائه، ودخل في الصالة نقيا من الذنوب.

* * * ومن المحافظة على الصالة ، واإلقامة لها: المبادرة بها في أول موقيتها،

وفي ذلك فضل عظيم. وهو دليل على محبة اهلل تعالى وعلى المسارعة في ة والسالممرضاته ومحابه، قال عليه الصال

118

(1/118)

ن العبد ليصلي الصالة ولم : ))أول الوقت رضوان اهلل، وأخره عفو اهلل، وا يخرجها من وقتها، ولما فاته من أول الوقت خير له من الدنيا وما فيها((.

وقبيح بالمؤمن أن يدخل عليه وقت صالته وهو على شغل من أشغال التي كتبها اهلل عليه فيؤديها، ما ذلك الدنيا فال يتركه ، ويقوم إلى فريضته

إال من عظم الغفلة وقلة المعرفة باهلل، ومن ضعف الرغبة في اآلخرة.* * *

وأما تأخير الصالة حتى وقتها أو يقع بعضها خارجه فغير جائز وفيه إثم.

واألذان واإلقامة من شعائر الصالة تتأكد المحافظة عليهما، وفيهما طرد عليه الصالة والسالم :))إذا نودي للصالة أدبر الشيطان(( للشيطان، لقوله

الحديث.* * *

ومن المحافظة على الصالة واإلقامة لها: حسن الخشوع فيها،وحضور القلب وتدبير القراءة، وفهم معانيها، واستشعار الخضوع والتواضع هلل عند

ير، والتسبيح، الركوع والسجود، وامتالء القلب بتعظيم اهلل وتقديسه عند التكبوفي سائر أجزاء الصالة، ومجانبة األفكار والخواطر الدنيوية، واإلعراض

عن حديث النفس في ذلك، بل يكون117

(1/117)

الهم في الصالة مقصورا على إقامتها وتأديتها كما أمر اهلل . فإن الصالة

مع الغفلة وعدم الخشوع والحضور ال حاصل لها وال نفع فيها.: كل صالة ال يحضر فيها القلب فهي -رحمه اهلل -الحسن البصري قال

إلى العقبة أسرع.ن المصلي قد وفي الحديث:))ليس للعبد من صالته إال ما عقل منها، وا

يصلي الصالة فال يكتب له منها سدسها وال عشرها((، أعني:أنه يكتب له وقد يقل ذلك وقد يكثر منها القدر الذي كان فيه حاضرا مع اهلل وخاشعا له،

بحسب الغفلة واالنتباه. فالحاضر الخاشع في جميع الصالة تكتب له صالته كلها. والغافل الالهي في جميع صالته ال يكتب له شيء منها.

في الخشوع، والحضور في الصالة، وتدبر ما تقرؤه -رحمك اهلل -فاجتهد

ال تدبر مع العجلة.من كالم ربك في صالتك، وال تعجل إذا قرأت، فإنه * * *

ذا ركعت وسجدت فاطمئن. وال تنقر الصالة نقر الديك، فال تصح وا صالتك. وذلك ألن الطمأنينة في الركوع واالعتدال منه، وفي السجدتين وفي الجلوس بينهما، واجبة ال بد منها في الفرض والنفل، تبطل الصالة

114

(1/114)

جوده وخشوعه في صالته هو الذي يسرق بتركها، والذي ال يتم ركوعه وس الصالة، كما ورد به الحديث .

وورد: أن من حافظ على الصالة وأتمها تخرج صالته بيضاء مسفرة. تقول : حفظك اهلل كما حفظتني . والذي ال يتم الصالة تخرج صالته سوداء

مظلمة، تقول : ضيعك اهلل كما ضيعتني، ثم تلف كم يلف الثوب الخلق بها وجهه. وفي الحديث: ))إنما الصالة تمسكن وتخضع فيضرب وتخشع((.

ولما رأى عليه الصالة والسالم الرجل الذي يعبث بلحيته في صالته قال عليه الصالة والسالم : ))لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه ((.

فبين أن خشوع الجوارح من خشوع القلب، وأنه ال كمال للصالة بدون ذلك. : من عرف من على يمينه -رضوان اهلل تعالى عليهم -ف وقد قال السل

وشماله وهو في الصالة فليس بخاشع.وقد بلغ الخشوع في الصالة برجال من السلف الصالح مبلغا عجيبا، فمن

ذلك : أن أحدهم كان يقع عليه الطير وهو قائم في الصالة أو ساجد

وسجوده. وسقطت يحسب أنه حائط أو جماد من شدة هدوئه وطول قيامه في جامع البصرة أسطوانة انزعج لسقوطها أهل السوق، وكان بعضهم يصلي في المسجد فلم يشعر بها من شدة استغراقه في صالته . وكان

130

(1/130)

-بعضهم يقول ألهله وأوالده: إذا دخلت في الصالة فافعلوا ما بدا لكم

حس بكم. فكونوا ربما فإني ال أ -يعني من رفع األصوات وكثرة اللغط يضربون بالدف عنده فال يشعر به.

واحترق بيت علي بن الحسين رضي اهلل عنهما بالنار وهو ساجد، فجعلوا يصيحون عليه: النار النار ياابن رسول اهلل ! فلم يرفع رأسه. فلما فرغ من

صالته قيل له في ذلك فقال: ألهتني عنها النار األخرى.في صالتك ما نجده من وساوس الدنيا ؟ فقال: وقيل لبعضهم: هل تجد

ألن تختلف في األسنة أحب إلي من ذلك.وقيل آلخر: هل تحدث نفسك في الصالة بشيء؟ فقال: وهل شيء أحب

إلي من الصالة حتى أحدث نفسي به فيها !وجاء السارق فسرق فرس الربيع بن خيثم وهو في الصالة، فجعل الناس

يه، فقال الربيع: لقد رأيته حين أطلقه. فقالوا: لو طلبته فأخذته يدعون عل منه؟ فقال: كانت صالتي أحب إلى من الفرس، وهو منه في حل.

في حائط -صلى اهلل عليه وآله وسلم-وصلى بعض أصحاب الرسول اهلل نخل له، فجعلت الطير تطير من شجرة إلى شجرة، وجعل ينضر إليها،

شيء من صالته، فلما عرف ذلك من نفسه، شق عليه، فألهاه ذلك عن

فجعل ذلك الحائط كله في سبيل اهلل لما إلهاه عن صالته.

131

(1/131)

قلت: وهذا كله لمعرفة السلف الصالح رضي اهلل عنهم بجاللة قدر الصالة

وعظم موقعها من الدين.ف صف من وقد بلغنا: أن اهلل تعالى قسم أعمال الصالة على أربعين أل

المالئكة، في كل صف سبعون ألفا: عشرة منها قيام ال يركعون، وعشرة منها ركوع ال يسجدون، وعشرة سجود ال يرفعون، وعشرة قعود ال يقومون،

وجمع جميع ذلك لعبده المؤمن في ركعتين يصليهما: فانظر عظم منته مثل وفضله على عباده المؤمنين، وقد قال عليه الصالة والسالم : ))

الصلوات الخمس مثل نهر غمر على باب أحدكم يقتحمه في كل يوم وليلة خمس مرات، أفترون ذلك يبقي عليه من درنه شيئا؟ قالوا: ال. وقال عليه

الصالة والسالم : )) الصالة إلى الصالة كفارة لما بينهما إذا اجتنبت الكبائر((.

الصالة يقول: قوموا وكان أبو بكر الصديق رضي اهلل عنه إذا حضر وقت إلى ناركم التي أوقدتموها فأطفئوها. يريد بالنار الذنوب، وباطفائها القيام إلى

الة طرفي الصالة، فإنه مكفر للسيئات ومذهب لها، قال تعالى )وأقم الصك ذكرى النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذل

[.112للذاكرين(]هود:وقد ورد أن هذه اآلية نزلت في رجل أصاب من امرأة ما دون الزنا، وجاء

يسأله أن يقيم عليه الحد، فلم -صلى اهلل عليه وآله وسلم-إلى رسول اهلل يرد عليه حتى أقيمت الصالة، فلما فرغ عليه

133

(1/133)

استحضره فقرأ عليه هذه اآلية، فقال الرجل: الصالة والسالم من صالته

اهذ لي خاصة أم للناس عامة؟ قال : ))بل هو للناس عامة((.قلت: وفيه دليل على أن الصغائر من السيئات تكفر بالصلوات وغيرها من

أعني: الصغائر مع ذلك أتم وأحوط . -الحسنات، والتوبة منها مرأة دون الزنا: من القبلة واللمس قلت:وال حد على الرجل فيما أصابه من ال

ونحو ذلك، ولكنه حسب أن عليه في ذلك حدا، واهلل ورسوله أعلم.ومن المحافظة على الصالة واإلقامة لها: المداومة والمواظبة على فعلها

في الجماعة، وذلك ألن الصالة في الجماعة تفضل على صالة وحده بسبع صحيح.فمن تساهل بهذا الربح الديني وعشرين درجة، كما ورد به الحديث ال

األخروي الذي ال تعب في تحصيله وال مشقة في نيله، فقد عظمت عن مصالح الدين غفلته، وقلت في أمر اآلخرة رغبته، وال سيما وهو يعلم من نفسه كثرة ما يتحمله من التعب، ويقاسي من المشاق في طلب ربح الدنيا

ذا حصل له منه ش يء تافه بتعب كثير نسي تعبه، وعد اليسير الحقير، وا ما ناله من ربح الدنيا الفانية غنما جسيما. أفال يخشى من يعرف من نفسه

هذه واألوصاف أن يكون عند اهلل من المنافقين، وفيما وعد اهلل به من

المتشككين!132

(1/132)

أنه -سلمصلى اهلل عليه وآله و -ولم يبلغنا في جملة ما بلغنا عن رسول اهلل

صلى منفردا وال صالة واحدة! وقال ابن مسعود رضي اهلل عنه: لقد رأيتنا إال منافق معلوم النفاق، ولقد -يعني صالة الجماعة -وما يتخلف عنها

-صلى اهلل عليه وآله وسلم-كان الرجل يؤتى به على عهد رسول اهلل ف.يهادى بين الرجلين من الكبر حتى يقام في والص -صلى اهلل عليه وآله وسلم-ولما شكا ابن أم مكتوم األعمى إلى رسول اهلل

أنه ال قائد له، وذكر له ما بالمدينة يومئذ من اآلبار والهوام، وبعد منزله عن المسجد ليعذره عن المجيء لصالة الجماعة، فعذره بعد ذكره لهذه

والسالم فلما رجع إليه قال األشياء كلها. فلما قام وذهب دعاه عليه الصالة له:))هل تسمع حي على الصالة، حي على الفالح((؟ فقال : نعم. فقال له

يعني بذلك: تعالى إلى الصالة فال -عليه الصالة والسالم :))فهلم هال(( عذر لك.

وقال عليه الصالة والسالم :))من سمع النداء فارغا صحيحا فلم يجب، فال الصالة والسالم بإحراق بيوت أقوام عليهم بالنار صالة له((وقد هم عليه

كانوا يتخلفون عن الصالة في الجماعة، كذلك ورد في الحديث: وهو الغاية في التشديد والتهديد لمن يترك صالة الجماعة من غير عذر صحيح .

والعذر الصحيح: هو الذي ال يمكن الحضور معه بوجه132

(1/132)

ن أمكن فبمشقة ظاه رة يعسر على أكثر الناس تحملها، ومع ذلك ما،وا

فالحضور أفضل، ثواب فيه أكثر إال في صور نادرة : مثل أن يكون عذره داء اإلسهال المتواتر، ويخشى لو حضر من تلويث المسجد، وما في معنى ذلك. والعذر إنما معناه: سقوط الحرج عن المعذور. وقد يحصل الثواب مع

ه صادقا، وهو يود أن لو استطاعإسقاط الحرج لمن كان عذر الحضور بأي ممكن، ويقع في قلبه لعدم حضوره حزن وتعب على ما فاته من طاعة ربه وتعظيم حرماته، كما قال عليه الصالة والسالم في بعض

غزواته :))إن أقواما خلفنا بالمدينة ما سرنا مسيرا، وال قطعنا واديا إال كانوا الحديث.معنا، حبسهم العذر..((

وكأنهم هم الذين قال اهلل فيهم: )وال على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت ال [.43أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا(]التوبة:

غبة فيما عند اهلل ، ومن في معناهم من أهل الصدق واإلخالص، وقوة الر وبذل النفس فما دونها في طلب مرضاته.

فإياك أن تتخلف عن صالة الجماعة لغير عذر ناجز يمكنك أن تعتذر به ن بدا لك القعود في بيتك ألمر رأيت فيه خيرا بين يدي اهلل عالم الغيوب! وا وصالحا لك في دين أو دنيا، فاخرج إلى المسجد أوقات الصلوات لتصليها في جماعة، أو خذ إليك من يصلي معك في بيتك ولو واحدا حتى تسلم من

132

(1/132)

الحرج، وتفوز بالثواب، فإن الجماعة يحصل بإمام ومأموم، وكلما كثروا

كان أفضل.وتزكو الصالة ويزيد ثوابها خلف األئمة من أهل الخير والصالح، وترجح

على الالة خلف من ليس بهذا الوصف.بغي أن تتحرى وتجتهد أن تصلي خلف األئمة المعروفين بالتقوى، وهذا فين

ال فقد قال عليه الصالة والسالم :))صلوا من حيث األفضل واألولى، وا خلف كل بر وفاجر((.

وفي الشي إلى المسجد أل جل الصالة فيه، ثواب عظيم، وردت به األخبار، حسب له، وتكتب له في حتى ورد أن كل خطوة يخطوها العبد إلى المسجد ت

حسناته.وانتظار الصالة بعد الصالة من القربات . ومثاله:أن تصلي المغرب ثم تجلس في المسجد ألجل العشاء حتى تصليها. سواء كان ذلك انتظار

صالة بعد صالة، أو سبق إلى المسجد قبل أن تقام الصالة فقعد ينتظرها .والذي يمكث في محاه الذي صلى فيه

المالئكة تستغفر له وتدعو له حتى يحدث، أو يتكلم. كل ذلك قد ال تزال، قال رسول اهلل -صلى اهلل عليه وآله وسلم-وردت به األخبار عن النبي

:))أال أدلكم على ما يمحو اهلل به الخطايا -صلى اهلل عليه وآله وسلم- ويرفع به الدرجات:إسباغ الوضوء على المكاره،

إلى المساجد، وانتظار الصالة بعد الصالة،وكثرة الخطى 132

(1/132)

فذلكم الرباط فذلكم الرباط ((، وقال عليه الصالة والسالم :))إنكم لن تزالوا

في صالة ما انتظرتم الصالة((، وقال عليه الصالة والسالم :)) بشر المشائين ألى المساجد في الظلم بالنور التام يوم القيامة((.

مشي اإلنسان إلى المسجد يكتب له، ويجعل اهلل له ثوابه: خطوة وورد أنيكفر بها عنه سيئة، وخطوة له يكتب له بها حسنة، وخطوة يرفع له درجة، وكما يكتب له ممشاه ألى المسجد كذلك يكتب له رجوعه من المسجد ألى منزله . وقال عليه الصالة والسالم :))ال تزال المالئكة تصلي على أحدكم

ما دام في محله الذي صلي فيه ما لم يحدث أو يتكلم تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه((.

* * * ومن المتأكد الذي ينبغي االعتناء به، والحرص عليه المالزمة للصف

األول، والمداومة على الوقوف فيه لقوله عليه الصالة والسالم :))لو يعلم لم يجدوا إال أن يستهموا عليه ال الناس ما في األذان والصف األول ثم ستهموا((، ومعنى االستهام: االقتراع.

ويحتاج من يقعد الصالة في الصف األول لفضله إلى المبادرة قبل ازدحام الناس، وسبقهم ألى الصف األول، فإنه مهما تأخر ثم أتى وقد سبقوه ربما

ي غيريتخطى رقابهم فيؤذيهم، وذلك محظور، ومن خشي ذلك فصالته ف138

(1/138)

ره حتى يسبقه الناس إلى الصف األول أولى به. ثم يلوم نفسه على تأخرهم أوائل الصفوف. وفي الحديث : ))ال يزال أقوام يتأخرون حتى يؤخ

اهلل((.* * *

ومن السنن المهمة المغفول عتها: تسوية الصفوف والتراص فيها، وقد كان فعل لك بنفسه، ويكثر التحريض عليه واألمر به عليه الصالة والسالم يتول

ويقول: ))لتسون صفوفكم أو ليخالفن اهلل بين قلوبكم((، ويقول:))أني ألرى الشياطين تدخل في خلل الصفوف((،ومعنى بها الفرج التي تكون فيها. فيستحب إلصاق المناكب مع التسوية، بحيث ال يكون أحد

فذلك هو السنة. ويتأكد االعتناء بذلك، متقدما على أحد وال متأخرا عنهواألمر به من األئمة وهم به أولى من غيرهم من المسلمين، فإنهم أعوان

على البر والتقوى، وبذلك أمروا، قال تعالى:)وتعاونوا على البر والتقوى وال [.3/2تعاونوا على اإلثم والعدوان(]المائدة:

بالمبادرة إلى الصف األول، وعليك برص -رحمك اهلل تعالى -ك فعلي-الصفوف وتسويتها ما استطعت، فإن هذه سنة ميتة من سنن رسول اهلل

،ومن أحياها كان معه في الجنة. كما ورد. -صلى اهلل عليه وآله وسلم* * * 137

(1/137)

اعة كما تقدم، وهو واعلمو أن من أهم المهمات: مالزمة الصلوات في الجم

أعني حضور الجماعة، وفي صالة العشاء والصبح أشد تأكدا وأكثر

فضال، لقوله عليه الصالة والسالم : ))من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل. ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما قام الليل كله((،

نافقين أنهم ال وقال عليه الصالة والسالم : ))فرق ما بيننا وبين الم يسطيعون حضور العشاء والصبح في الجماعة ((الحديث.

وورد أن :))من صلى العشاء في جماعة كان في ذمة اهلل حتى يصبح. ومن صلى الصبح في جماعة كان في ذمة اهلل حتى يمسي((.

قال عليه الصالة والسالم : ))فال يطلبنكم اهلل بشيء من ذمته((، ينهى عن في ذمة اهلل بشيء من السوء. التعرض لمن هو

وقد بلغنا:أن الحجاج مع جوره وظلمه وتعديه لحدود اهلل كان يسأل كل من يؤتي به نهارا : هل صليت الصبح في جماعة؟ فإن قال :نعم . خلى

سبيله، مخافة أن يطلبه اهلل بشيء من ذمته.* * *

ذ قد عرفت من قبل ما ورد عن الرسول عليه الصالة والسال م من وا التشديدات في ترك الجماعة من غير عذر صحيح .فاعلم وتحقق أن

المتخلف عن صالة الجماعة بذلك الوعيد134

(1/134)

أحق، والتشديد عليه في تركها أعظم، وذلك ألنها فرض عين باإلجماع. وقد قال عليه الصالة والسالم :))من ترك ثالث جمع من غير عذر طبع

ئل ابن عباس رضي اهلل عنهما عن رجل يقوم الليل اهلل على قلبه((. وس ويصوم النهار، ولكنه ال يحضر الجمة والجماعة فقال: هو في النار.

وليس يسع مؤمنا أن يترك الجمعة من غير عذر وهو يسمع قول اهلل تعالى الة من يوم الجمعة ف اسعوا إلى ذكر الله :)يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للص

[.4/23وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون(]الجمعة:ثم إنك ترى أقواما يدعون اإلسالم واإليمان، ويسمعون كالم اهلل تعالى ، وكالم رسوله، يتخلفون عن الجماعة بغير عذر، أو بعذر فاسد ال يصح

تسقط به -صلى اهلل عليه وآله وسلم-د اهلل وعند رسول اهلل كونه عذرا عن الفرائض الالزمة.

وقد أسلفنا أن العذر المرخص في ترك الجماعة هو الذي ال يمكنن أمكن فمبشقة شديدة ال يسهل احتمالها، ويكاد يتعذر في الحضور معه، وا

غير عذر العادة ، وهذا في الجماعة أولى وأولى! فال يتخلف عنهما لصحيح إال منافق مرتاب، قد أخطأ الحق والصواب، وخرجت من قلبه أنوار

التعظيم هلل العظيم، ولحقوق ربوبيته التي ال عز للعبد، وال شرف له وال سعادة، وال فالح في الدنيا واآلخرة، إال في القيام بها، والمالزمة لها،

اهلل وسخطه إال في والمداومة عليها.بل ال نجاة وال سالمة له من عذاب القيام بها، والمحاظة عليها. فانظر كيف

120

(1/120)

يزهد هذا العبد السوء في سعادة نفسه وفالحها، ثم ال يبالي بخسرانها

وهالكها حتى يترك حقوق اهلل، وما أوجبه عليه من فرائضه! نسأل اهلل العافية والسالمة، ونعوذ به من درك الشقاء والسوؤ القضاء.

ثم أعلم أن الحضور إلى الجمعة مع العذر الصحيح الذي يمكن الحضور معه أفضل، ويدل من صاحبه على كمال التعظيم هلل ولحوقه، وعلى تمام

الرغبة فيها عند اهلل من الثوابه، وشدة الرهبة من سخطه وعقابه.* * * أن يوم الجمعة سيد األيام، وله شرف عند اهلل -أسعدك اهلل -واعلم

عظيم، وفيه خلق اهلل آدم عليه السالم ، وفيه يقيم الساعة، وفيه يأذن اهلل أهل الجنة في زيارته.

والمالئكة تسمي يوم الجمعة:يوم المزيد، لكثرة ما يفتح اهلل فيه من أبواب الرحمة، ويفيض من الفضل، ويبسط من الخير.

هي مبهمة في وفي هذا اليوم ساعة شريفة يستجاب فيها الدعاء مطلقا، و وغيره. -رحمه اهلل -جميع اليوم، كما قاله اإلمام الغزالي

فعليك في هذا اليوم بمالزمة األعمال الصالحة، والوظائف الدينية، وال تجعل لك شغال بغيرها إال أن يكون

121

(1/121)

شغال ضروريا البد منه، فإن هذا اليوم لآلخرة خصوصا، وكفى بشغل بقية

ضاعة! وكان ينبغي للمؤمن أن يجعل جميع أيامه األيام بأمر الدنيا غبنا وا ولياليه مستغرقة بالعمل آلخرته،

فإذا لم يتيسر له ذلك، وعوقته عنه أشتغال دنياه فال أقل له من التفالغ في هذا اليوم ألمور اآلخرة.

* * *

صلى -ومن السنة : قراءة سورة الكهف، واإلكثار من الصالة على النبي في يوم الجمعة وليلتها. فعليك بذلك، وبالبكور إلى -اهلل عليه وآله وسلم

الجمعة، وأقل ذلك أن تروح قبيل الزوال أو معهوليس من السنة تأخير صالة الجمعة حتى يمضي نصف الوقت أو نحوه، بل السنة أن تصلى أول وقت الظهر كما كان عليه الصالة والسالم يفعل

ذلك.حسن اإلصغاء واالستماع إلى الخطبة والوعظ، واتعظ -رحمهاهلل -وكن

بما تسمعه، واستشعر في نفسك أنك مقصود ومخاطب بذلك.* * *

ومن البدع المنكرات: تأخر بعض أهل األسواق والحرف من الذين تجب عليهم الجماعة عن المجيء إليها.

ويجب على والة األمور أن يحماوهم على ذلك، ويعاقبوا

123

(1/123)

من تخلف منهم عن الجمعة بعد التعرف واإلنذار.وال رخصة لوالة األمور في ترك ذلك وما يجري مجراه.وما والهم اهلل أمر عباده إال ليقيموا فيهم

شعائر دينه، ويحملوهم على إقامة فرائضه واجتناب محارمه. وما ترتب من المصالح الدنيوية

ذلك وال حق به ، واهلل أعلم.على وجود الوالة فهو تبع ل* * *

ومن تمام المحافظة على الصلوات: حسن المحافظة على رواتبها وسننها التي ندب الشارع عليه الصالة والسالم إلى فعلها قبل الصالة وبعدها،

وذلك ألن النوافل جوابر للفرائض كما وردلب أو فإذا وقع في الفريضة نقص واختالل بسبب قلة خشوع أو حضور ق

غير ذلك كانت النوافل متممات لذلكالنقصان، ومصلحات لذلك االختالل. ومن لم تكن له نافلة بقيت فريضته

ناقصة، وفاته الثواب العظيم الموعود به على فعل تلك النوافل.وقد ورد:أن أول شيء يحاسب عليه العبد الصالة. فإذا وجدت ناقصة يقال:

بها صالته.أنظروا، هل له من نافلة تكمل وهذه الرواتب معروفة ومشهورة، تغني شهرتها عن ذكرها.

* * * صلى اهلل -ومن المتأكد فعله والمواظبة عليه: صالة الوتر،قال رسول اهلل

:))إن اهلل وتر يحب الوتر، فأوتروا يا أهل القرآن((. -عليه وآله وسلم وكل مسلم يعد من أهل القرآن ألنه مؤمن به،

122

(1/122)

ومطالب بالعمل بما فيه. وقال عليه الصالة والسالم : ))الوترحق، فمن لم

يوتر فليس منا((. وأكثر صالة الوتر إحدى عشرة ركعة، وأقلها ركعة واحدة، وال ينبغي االقتصار عليها، وال بأس باالقتصار على ثالث.

: )سبح ومن أوتر بثالث كان المستحب له أن يقرأ في األولى بعد الفاتحةاسم ربك األعلى(، وفي الثانية: )قل يا أيها الكافرون( والمعوذتين. ومن

أوتر بأكثر من ثالث قرأ فيما قبل الثالث الذي يتيسر من القرآن، وكلما طال وكثر كان أفضل، وقرأ في الثالث ما تقدم ذكره.

ه عادة في القيام بحيث ال يفوته واإليتار من آخر الليل أفضل لمن كانت ل إال ناردا، ون ليس كذلك فإيتاره قبل أن ينام

خير له وأحوط، ومهما أوتر قبل نومه، ثم استيقظ من الليل وقصد أن يصلي فليصل ما بداله ، ووتره األول كافيه.

* * * ومن السنة: المحافظة على صالة الضحى، وأقلها ركعتان، وأكثرها ثمان

يل :أثنتا عشرة.وفضلها كبير.ركعات.وقووقتها األفضل: أن تصلى عند مضي قريب من ربع النهار، قال عليه

الصالة والسالم : )) يصبح على كل سالمى122

(1/122)

من أحدكم صدقة، وكل تسبيحة صدقة ، وكل تكبيرة صدقة، وأمر

بالمعروف صدقة، وكل تهليلة صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ ذلك ركعتان يركعهما من الضحى((. من

وقال عليه الصالة والسالم :))من حافظ على شفعة الضحى غفرت له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر((و))الشفعة((: هي الركعتان،

و))السالمى((: هو المفصل، وفي كل إنسان ثالثمائة وستون مفصال بعدد أيام السنة .

كالصالة بين العشاءين. وتسمى صالة الضحى صالة األوبين،

أعني -و))األواب(( هو الرجاع إلى اهلل في أوقات الغفلة . وهذان الوقتان من أوقات الغفلة. -وقت صالة الضحى، وما بين العشاءين

أما األول: فإلكباب الناس فيه على المعايش والمكاسب الدنيوية.وتناول األطعمة. وأما الثاني :فال شتغال الناس فيه بالرجوع إلى المنازل

فمن رجع إلى اهلل واستيقظ لطاعته في هذه األوقات كان عنده بمكان .ومن المستحب: صالة التسبيح وهي أربع ركعات. وقد وردت األخبار

-بفضلها،وأن من صالها غفر اهلل له ما تقدم من ذنوبه وما تأخر. وقال نه حينلعمه العباس رضي اهلل ع -صلى اهلل عليه وآله وسلم

122

(1/122)

علمه إياها :))صلها في كل يوم، أو في كل جمعة، أو في كل شهر، أو

في كل سنة، أو في العمر مرة((الحديث .: وهذاه الصالة مجربة لقضاء -رحمة اهلل عليهم -قال بعض العلماء

الحوائج المهمة.وقال بعضهم :إذا صليت ليال وتشهدين وتسليمتين: ركعتين بعد كان الذي ينبغي أن تصلى بتحرمين

ركعةين . ,أن صليت نهارا فبتحرم واحد وتشهد واحد : أربع ركعات جماة واحدة.ولها كيقيتان:

واألولى :أن تحرم ثم تقرأ دعاء االفتتاح، ثم تقول :سبحان اهلل والحمد هلل ،وال إله أال اهلل ، واهلل أكبر) خمس عشرة مرة(، ثم تقرأ الفاتحة وسورة بعدها، ثم تقولها )عشرا( ، ثم تركع فتقولها )عشرا(، ثم ترفع فتقولها

)عشرا(ثم تسجد فتقولها )عشرا(، ثم ترفع من السجود فتقولها )عشرا(، ثم

تسجد فتقولها )عشرا (. ثم تقوم إلى الثانية فتقولها قبل القراءة )خمس عشرة(.وعلى هذا السبيل إلى آخر الصالة .

ثانية: مثل األولى، غير أنك ال تسبح بين التحرم والقراءة، بل والكيفية البعدها تسبيح )خمس عشرة(ثم تركع فتقولها)عشرا( وعلى ذلك السياق في

األركان )عشرا ،عشرا(وتبقى )عشر( فتقولها بعد الرفع من السجود الثاني ، وسبعون إما قبل القيام وأما بعده وقبل القراءة، فافهم . وفي كل ركعة خمس

تسبيحة ، والجملة ثلثمائة في أربع ركعات.122

(1/122)

قال العلماء: ويأتي بأذكار الركوع واالعتدال والسجود والجلوس قبل

التسبيحات، ومن نسي التسبيحات أو بعضها في ركن أتى بها في الذي بعده.

قلت : وينبغي للمتنسك أن ال يدع هذه الصالة في كل أسبوع، أو في كل شهر وذلك أقله. واهلل أعلم.

* * * ومن المستحب المتأكد : إحياء ما بين العشاءين بصالة وهو األفضل، أو

تالوة قرآن أو ذكر هلل تعالى : من تسبيح أو تهليلأو نحو ذلك. قال النبي عليه الصالة والسالم :))من صلى بعد المغرب

ي عشرة سنة((.ست ركعات ال يفصل بينهن بكالم عدلن له عبادة اثنتوورد أيضا : أن من صلى بين المغرب والعشاء عشرين ركعة بني له بيت

في الجنة.

وبالجملة: فهذا الوقت من أشرف األوقات وأفضلها، فتتاكد عمارته بوظائف الطاعات ومجانبة الغفالت والبطاالت وورد كراهة النوم قبل صالة العشاء،

الحديث : ))من نام قبل صالة فاحذر منه وهو من عادة اليهود. وفي العشاء اآلخرة فال أنام اهلل عينه((.

* * * 128

(1/128)

وحافظ على أربع ركعات بعد صالة العشاء، فإن فيها فضل كثيرا لقوله

عليه الصالة والسالم :))أربع بعد العشاء كمثلهن من ليلة القدر((غيرها من الليالي وهذا والركعة في ليلة القدر تعدل ثالثين ألف ركعة في

مفهوم بالحساب من قوله تعالى:)ليلة القدر خير من ألف [.فتأمله.2/48شهر(]القدر:

ويكره الحديث والكالم بعد صالة العشاء كراهة شديدة إال في خير وصواب، كمدارسة علم، أو مذاكرته، أو النظر فيه، وما أشبه ذلك من أعمال البر.

* ** ففضله عظيم ، وثوابه جزيل، والوارد في فضله من الكتاب قيام الليلوأما

-والسنة شيء كثير يطول ذكره، ويعسر حصره، قال اهلل تعالى لرسوله : )يا أيها المزمل( )قم الليل إال قليال( -صلى اهلل عليه وآله وسلم-1/82ليال()أو زد عليه ورتل القرآن ترتيال(]المزمل:)نصفه أو انقص منه ق

2.] ثم قال تعالى:)إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه

[.30/82وطائفة من الذين معك(]المزمل:د به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما وقال تعالى:)ومن الل يل فتهج

[.84/18محمودا(]اإلسراء:وقال تعالى في وصف المؤمنين:)تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون

[.12/23ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون(]السجدة:127

(1/127)

وقال تعالى : )كانوا قليال من الليل ما يهجعون *وباألسحار هم

[.17-18يستغفرون(]الذاريات:: ))أفضل الصالة بعد المكتوب صالة -صلى اهلل عليه وآله وسلم-وقال

الليل ((.يام الليل، فإنه دأب الصالحين وقال عليه الصالة والسالم : )) عليكم بق

قبلكم وقربة لكم إلى ربكم، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن اإلثم، ومطردة للداء عن الجسد((. وقال عليه الصالة والسالم : )) أيها الناس: أفشوا السالم، و أطعموا الطعام، و صلوا األرحام ، و صلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة

وقال عليه الصالة والسالم : ))صل من الليل ولو كحلب شاة((، بسالم((، وقال عليه الصالة والسالم :))شرف المؤمن قيام الليل، وعزه استغناؤه عن الناس((، وقال عليه الصالة والسالم :)) من قام بعشر آيات لم يكتب من

آية كتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، و من قام بألف المقنطرين((. وفي الحديث اآلخر: القنطار اثنتا عشرة ألف أوقية، األوقية

خير مما بين السماء واألرض.

قال العلماء : من )تبارك ( الملك إلى آخر القرآن ألف آية.وفي الحديث الصحيح : ))إن في الليل لساعة ال يوافقها عبد مسلم يسأل

نيا واآلخرة إال أعطاه إياه(( وذلك كل ليلة . فلو لم يرد اهلل خيرا من أمر الد في فضل الليل وفضل قيامه سوى هذا الحديث لكفى.

وقال عليه الصالة والسالم : )) ينزل ربنا إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل اآلخر، فيقول : هل من

124

(1/124)

هل من مستغفر فأغفر له((.داع فأستجيب له، هل من سائل فأعطيه،

هذا الحديث والذي قبله، وأكثر النظر فيهما لعله -رحمك اهلل -فتأمل ينشرح صدرك لقيام الليل ويكمل نشاطك، وتصدق رغبتك فيه، وينتفي

عنك الكسل والغفلة، واإلكثار من النوم الذي فيه ذهاب بركة العمر وضياع الوقت.

من يكثر النوم بالليل يأتي فقيرا يوم القيامة. وقد ورد في بعض اآلثار: أن وورد : أن ركعتين في جوف الليل كنز من كنوز البر.

وقال عليه الصالة والسالم : ))أقرب ما يكون الرب من عبده في جوف الليل، فإن استطعت أن تكون مصليا في ذلك الوقت فكن((.

عيد واحد فينادي مناد: وقال عليه الصالة والسالم : ))يحشر الناس في صأين الذين كانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع؟ فيقومون وهم قليل،

فيدخلون الجنة بغير حساب..((الحديث.نما واعلم أن قيام الليل من أثقل شيء على النفس وال سيما بعد النوم، وا

يصير خفيفا باالعتياد والمداومة، والصبر على المشقة، والمجاهدة في أول مر، ثم بعد ذلك ينفتح باب األنس باهلل تعالى وحالوة المناجاة له، ولذة األ

الخلوة به عز وجل، وعند ذلك ال يشبع اإلنسان من القيام، فضال عن أن يستثقله أو يكسل عنه، كما وقع ذلك للصااحين من عباد اهلل حتى قال

عيش قائلهم: إن كان أهل الجنة في مثل ما نحن فيه بالليل إنهم لفي طيب.120

(1/120)

وقال آخر: منذ أربعين سنة ما غمني شيء إال طلوع الفجر.

وقال آخر : أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم .وقال آخر: لوال قيام الليل ومالقاة اإلخوان في اهلل ما أحببت البقاء في

الدنيا.ى خالئق منهم الفجر بوضوء وأخبارهم في ذلك كثيرة مشهورة. وقد صل

[.40العشاء رضي اهلل عنهم )أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده(]األنعام:بقيام الليل وبالمحافظة عليه وباالستكثار منه، وكن -رحمك اهلل -فعليك

ذا خاطبهم الجاهلون من عباد الرحمن الذين يمشون على األرض هونا و ا دا وقياما. قالوا سالما ، والذين يبيتون لربهم سج

واتصف ببقية أوصافهم التي وصفهم اهلل بها في هذه اآليات إلى آخرها. ن عجزت عن كثير من القيام بالليل فال تعجز عن القليل منه، قال تعالى وا

[، أي: في القيام من اليل . 30ا ما تيسر من القرآن (]المزمل:: )فاقرؤو وقال عليه الصالة والسالم : ))عليكم بقيام الليل ولو ركعة((.

وما أحسن وأجمل بالذي يقرأ القرآن الكريم بالغيب أن يقرأ كل ليلة في قيامه خره، حتى تكون باليل شيئا منه، ويقرؤه على التدريج من أول القرآن إلى آ

له في قيام الليل ختمة، إما في121

(1/121)

كل شهر أو في كل أربعين، أو أقل من ذلك أو أكثر، على حسب النشاط

والهمة.* * *

واعلم أن القليل الدائم خير من الكثير المنقطع، وقال عليه الصالة والسالم : ))أحب األعمال إلى اهلل أدومها وأن قل((.

ا القارئ المذكور وردا الزما يواظب عليه، ويقضيه إذا فاته، حتى وليتخذ هذ تعتاد النفس المواظبة وتتمرن على المداومة، وال يفوته إال لعذر.

وقد ورد: أن من نام عن حزبه من القرآن، أو عن شيء منه فقرأه فيما بين الصبح والظهر كتب له كأنما قرأه من الليل.

الم إذا منعه من قيامه بالليل عذر من مرض أو وكان عليه الصالة والس غيره يصليه بالنهار.

* * * ثم اعلم أن من أنكر المنكات، وأكبر الكبائر، وأفحش المحرمات: ترك

صلى اهلل -بعض المسلمين للصلوات المكتوبات، وقد ورد عن رسول اهلل . األحاديث الصحيحة الكثيرة بكفر تارك الصالة -عليه وآله وسلم

وقال عليه الصالة والسالم : ))العهد الذي بيننا وبينهم الصالة، فمن تركها

فقد كفر((. وقال عليه الصالة والسالم :))من ترك الصالة متعمدا فقد كفر جهارا((.

123

(1/123)

وفي الحديث اآلخر: ))من ترك الصالة متعمدا فقد برئت منه ذمة اهلل وذمة

رسوله((.الصالة والسالم : ))من حافظ على الصالة كانت له نورا وبرهانا وقال عليه

ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليه لم تكن له نورا وال برهانا ونجاة، وكان يوم القيامة مع فرعون وقارون وهامان وأبي بن خلف((.

بكفر تارك -صلى اهلل عليه وآله وسلم-فقد وقع التصريح من رسول اهلل الصالة وكذلك ورد عن الصحابة والسلف الصالح حتى قال بعضهم : ما

يقولون في شيء -صلى اهلل عليه وآله وسلم-سمعت أصحاب رسول اهلل من األعمال: إن تركه كفر إال الصالة ، فإياك وترك الصالة أو ترك شيء

لك منها! فإن فعلت ذلك فقد هلكت مع الهالكين، وخسرت الدنيا واآلخرة ذ هو الخسران المبين.

* * * وكما يجب عليك أن تحافظ على الصالة، ويحرم عليك أن تضيعها، كذلك يجب عليك أن تشدد على أهلك وأوالدك وكل من لك عليه والية في إقامة

الصالة، وال تدع لهم عذرا في تركها، ومن لم يسمع منهم ويطع فهدده مما تغضب عليه لو أتلف مالك، فإن لم وعاقبه، واغضب عليه أشد وأعظم

تفعل ذلك كنت من المستهينين بحقوق اهلل تعالى وبدينه، ومن عاقبته وغضبت عليه، ولم يمتثل وينزجر فأبعده عنك، واطرده منك فإنه شيطان ال خير فيه وال بركة، تحرم مواالته ومعاشرته، وتجب معاداته ومقاطعته، وهو

له،من المحادين هلل ورسو

122

(1/122)

قال تعالى: ) ال تجد قوما يؤمنون بالله واليوم اآلخر يوادون من حاد الله

ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في نه ويدخلهم جنات تجري من تحتها األنهار قلوبهم اإل يمان وأيدهم بروح م

خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله أال إن حزب الله [.33هم المفلحون(]المجادلة:

ن كانوا من أقرب فنفى اإليمان ع ن الموادين للمحادين له ولرسوله وا األقربين.

وغاية ما يسمح به للعامي الغافل المستغفر مهما فاتته الصالة: أن يقضيها مع التوبة عن العود إلى مثل ذلك: فأما اإلضاعة فال! كيف وعليه في

ن بادر بقضائها. وليس بعذر إخراج الصالة عن وقتها إثم عظيم وا شتغال بالدنيا وال بغيرها عن الصالة حتى تفوت. وال عذر إال النوم أو اال

النسيان فقط.* * *

وعلى والة األمور أن يحملوا العامة على فعل لصالة المكتوبة. وعليهم أن

يعاقبوا من تركها كسال بالقتل، وذلك بعد االستتابة إن لم يتب .ذلك مع العلم وقصروا في وعلى الوالة إثم عظيم وحرج، إذا سكتوا عن

القيام به. وال رخصة لهم في ترك ذلك وما يجري مجراه من أمور الدين.

والحمد هلل رب العالمين.

122

(1/122)

************* *************

مبحث الزكاة************* *************

(1/122)

(1/122)

مبحث الزكاة*********** يكم ممن تزكى وذكر اسم ربه فصلى -خوان واعلموا معاشر اإل جعلنا اهلل وا

أن الزكاة أحد -ولم يؤثر الحياة الدنياعلى اآلخرة، التي هي خير وأبقى مباني اإلسالم الخمس، وقد جمع اهلل تعالى بينهما وبين الصالة في كتابه

كاة الة وآتوا الز وما تقدموا ألنفسكم العزيز فقال عز من قائل : )وأقيموا الص [.110من خير تجدوه عند الله إن الله بما تعملون بصير(]البقرة:

وقال تعالى في وصف عباده المؤمنين: )الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون [.2-2الصالة ومما رزقناهم ينفقون(]األنفال:

وقال تعالى : )والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون كاة ويطيعون الله الة ويؤتون الز بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الص

[.81الله عزيز حكيم(]التوبة: ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن إلى غير ذلك من اآليات.

: ))من كان يؤمن باهلل واليوم -صلى اهلل عليه وآله وسلم-وقال رسول اهلل اآلخر فليؤد زكاة ماله((. فأفهم عليه الصالة والسالم أن من لم يؤد الزكاة

فليس بمؤمن.128

(1/128)

وحج ولم يزك ماله لم يقبل اهلل له صالة وال واعلم أن من صلى وصام

صياما وال حجا حتى يخرج الزكاة. وذلك ألن هذه األشياء مرتبط بعضها ببعض، ال يقبل اهلل من عامل العمل ببعضها حتى يعمل بها كلها، كما ورد

ذلك عن الرسول عليع الصالة والسالم.* * *

وص : وهو النصاب من الذهب واعلم أن الزكاة ال تجب إال في مال مخص والفضة، وأموال التجارة، والحبوب والثمار، واألنعام.وكذلك ال

تجب إال في وقت مخصوص: وهو الحول في النقود والتجارت واألنعام،وعند الحصااد في الزرع والثمار.والواجب قدر مخصوص.

أما وهو بع العشر من النقد والتجارة، والعشر في التي تسقى بالمؤونة، و النعم: وهي اإلبل والبقر والغنم فيطول النظر فيها، وتفصيل ذلك في كتب الفقيه فيجب على صاحب المال أن يتعلم من علوم الزكاة ما يجب عليه علمه: من معرفة النصاب، والقدر الذي يخرج، والمستحقين الذين يجب

عليه صرف الزكاة إليهم وما في معنى ذلك.* * * 127

(1/127)

للمزكي في إخراج الزكاة ثواب عظيم وأجر كريم، وله فيه منافع وفوائد و

دينتة ودنيوية. وفي المال باليا وفتن وآفات يسلم منها المحافظ على إخراج الزكاة إن شاء اهلل تعالى، قال عليه الصالة والسالم : ))إذا أديت زكاة مالك

يعرض للمال المزكى طيبة بها نفسك فقد أذهبت عنك شره (( , وكذلك ال شيء من المتالف والمهالك, لقوله عليه الصالة والسالم :))ما هلك مال في

نوا بحر وال بر إال بحسن الزكاة((، وقوله عليه الصالة والسالم :))حص أموالكم بالزكاة. وداووا مرضاكم بالصدقة((.

فالمال المزكى محصن ومحفوظ في حرز اهلل، ألنه طيب مبارك. والمالالذي ليس بمزكى ضائع، ألنه خبيث وغيؤ مبارك. وقال عليه الصالة

والسالم :))ما خلطت الزكاة ماال إال محقته((.وأي خير! وأي نفع! في المال الممحوق الذي قد محقت بركته وبقي شره وفتنته، والمحق منه ظاهر، وهو ذهاب صورة المال ورجوع اإلنسان بعد

جزوعا، متبرما بقضاء اهلل . وقد وقع ذلك لخلق كثير االستغناء فقيرا هلوعا من المتساهلين بأمر الزكاة. ومن المحق : محق بالطن وهو أن يكون المال في الصورة موجودا وكثيرا، ولكن ال ينتفع به صاحبه، وال في دينه باإلنفاق وبذل المعروف، وال في نفسه ومروءته بالستر والصيانة، ومع ذلك يتضررا

كثيرا 124

(1/124)

بإمساكه عن حقه، ووضعه في غيروجه: إما بإنفاقه في المعاصي والعياذ

ما في الشهوات البهيمية التي ال نفع فيها وال حاصل لها. باهلل، وا فهو من أكبر الكبائر. وقد وردت فيه عن اهلل ورسوله منع الزكاةوأما

انع الزكاة من تشديدات هائلة، وتهديدات عظيمة. ويخشى على م سوءالخاتمة، والخروج من الدنيا على غير ملة اإلسالم.

وقد يعاقب قبل الموت كما وقع ذلك لقارون من بني إسرائيل حين منع [ .71الزكاة، قال تعالى: )فخسفنا به وبداره األرض(]القصص:

امة حية وقد ورد أن المال الذي ال يزكى يتمثل لصاحبه في موقف القيقون ما بخلوا به يوم القيامة (]آل عظيمة فيطوق بها عنقه، قال تعالى:سيطو

[.170عمرن:و قال عليه الصالة والسالم :)) ما من صاحب ذهب وال فضة ال يؤدي

منها حقها إال إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح فأحمي علبيه في تار جبينه وجنبه وظهره، كلما بردت أعيدت له في يوم كان جهنم فيكون بها

مقداره خمسين ألف سنة(( الحديث بطوله.وفيه أن صاحب الماشية التي ال يخرج زكاتها تأتيه يوم القيامة أوفر ما

كانت، فتطؤه بأخفافها وأظالفها، وتعضه بأفواها وتنطحه بقرونها.

120

(1/120)

عليه: أن يكون طيس النفس بإخراج الزكاة، التي تتأكد من آداب المزكيو

فرحا مسرورا، مستبشرا ممتنا للمستحق بقبول زكاته منه، وغير مان عليه بها، فإن المن بالصدقة محبط لثوابها، كما قال تعالى: ) يا أيها الذين آمنوا

.[322ال تبطلوا صدقاتكم بالمن واألذى (]البقرة:وال ينبغي للمزكي أن يكون كارها إلخراج الزكاة، وليحذر من ذلك فإنه من

الة إال وهم كسالى وال صفات المنافقين. قال اهلل تعالى: وال يأتون الص [.22ينفقون إال وهم كارهون(]التوبة:

أن المنافق قد يصلي وأراد باإلنفاق ههنا: إخرج الزكاة . وعرف سبحانه ولكن مع الكسل، وقد يزكي ولكن مع الكراهية، ومن تشبه بقوم فهو منهم.

ومن الواجب على مخرج الزكاة: أن ال يفرقها على مقتضى هوى نفسه، بل على موافقة الكتاب والسنة. ومن المستحقين من تحصل له منه منفعة

مه أو يختلف إليه، أو دينوية، من خدمة ونحوها، فإذا أعطاه ألنه يخد يعظمه

121

(1/121)

ن كان الذي أعطاه مع ذلك كان بذلك مسيئا، وربما ال يقبل منه زكاته. وا مستحقا، فأما إذا أعطاه لكونه من أهل الزكاة فقط، ولم يبال مع ذلك أكان ن كانت له فيه منفعة وبه حاجة ينفعه، ويعرفه أم ال ، فال يضر ذلك . وا

؛ نبهنا على ذلك لتساهل بعض األغنياء فيه، وقلة -ني: المستحق أع - تمييزهم له .

ومن المشكل أن يعطي الغني الفقير شيئا من الزكاة ويريه في الظاهر أن ذلك صلة له أو هدية أو نحو ذلك. وكذلك من يعطي زكاته ألقاربه

ألوالد، وأما بقية المحتاجين الذين تجب لهم عيه النفقة، مثل الوالدين وااألقارب الفقراء الذين ال تجب عليهم نفقتهم فيجوز له إعطاؤهم زكاته، وهي عليهم أفضل منها على غيرهم، لمكان القرابة، وأستشراف نفوسهم إليه منه.

* * * فتجب في كل شهر رمضان على كل كبير وصغير، وحر زكاة الفطروأما

ومن وجبت عليه النفقة ألحد وجبت وعبد من المسلمين القادرين عليها. عليه فطرته .

والفطرة أربعة أمداد بمده عليه الصالة والسالم من التمر أو البر أو الذرة أو الشعير، أو من أي قوت يقتاته الناس في حال االختيار.

واإلخراج من النوع الذي يقتاته المخرج أو من أحسن منه أحسن وأفضل.

123

(1/123)

وفي زكاة الفطر تضييق يغفل عنه كثير من عامة المسلمين فيقصرون عن

اإلخراج، ويرون أنهم غير قادرين عليه وهم من القادرين.: يباع من المتاع في زكاة الفطر ما زاد على -رحمهم اهلل -قال العلماء

حوهما. قوت ليلة العيد ويومها، وعلى ما ال بد منه من الكسوة والمسكن ونوفي ذلك نهاية التضييق، وبه جاءت الشريعة فليحذر المسلم من ترك

اإلخراج مع االستطاعة.* * *

ثم أعلم أنه متى طلب السلطان العادل أن تحمل الزكاة إليه وجب ذلك، وبرئت ذمة المزكي بدفعها إليه. وكانت العهدة على السلطان في التفريق .

ليس بعادل، وذلك لخوف الفتنة وافتراق وكذلك إذا طلبه السلطان الذي الكلمة. ثم إن فرق الزكاة على الذين كتبها اهلل لهم وهم الموجودن من

األصناف الثمانية أثابه اهلل ثوابا عظيما، وأثاب أهل الزكاة كذلك .ن فرقها على غير من أمر اهلل بتفريق الزكاة عليهم في كتابه وهم وا

دقات للفقراء والمساكين والعاملين المذكورون في قوله تعال ى: )إنما الصقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الر

عظيما وظلم [؛ فقد أثم إثما 20فريضة من الله والله عليم حكيم(]التوبة:122

(1/122)

ظلما فاحشا، وصار ظالما لألغنياء بوضعه زكواتهم في غير موضعها، وظالما للفقراء بمنعه أياهم حقوقهم التي كتبها اهلل لهم في أموال األغنياء

نما فرض اهلل الزكاة لتكون طهرة للغني، وقواما للفقير، وبالغا من عباده . وا ثما عظيما. له، فمن عمل فيها على خالف ذلك فقد احتمل بهتانا وا

ذا أخذ الزكاة السلطان الظالم ووضعها في غير موضعها، وسمحت نفس وا المزكي بتفريق زكاة ثانية على المستحقين كان ذلك أحوط له وأفضل،

وليس ذلك بواجب.ذا أمكن المزكي أن يمنع زكاته أو شيئا منها عن أخذ السلطان الظالم ل ها وا جاز ذلك، ولكن بشرط أن ال تترتب على المنع فتنة، وال معصية هلل: من كذب صريح، أو يمين فاجرة أو نحو ذلك، ويكون نيته في المنع تخليص السلطان من اإلثم الذي يكون عليه في وضع الزكاة في غير موضعها، عانه الفقراء على إقامة دينهم بإعطائهم ما فرض اهلل لهم عليه في م اله. وا

وباهلل التوفيق.واإلنفاق في وجوه البر والخير ابتغاء مرضاة اهلل وثوابه، صدقة التطوعوأما

فقد ورد في فضل ذلك من اآليات واألخبار ما يطولذكره، قال اهلل تعالى:)وما تنفقوا من خير فألنفسكم وما تنفقون إال ابتغاء

[.383/3ا تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم ال تظلمون(]البقرة:وجه الله وم 122

(1/122)

وقال تعالى :)الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعالنية فلهم أجرهم

[.382/3 هم يحزنون(]البقرة:عند ربهم وال خوف عليهم وال وقال تعالى:)آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين

[.11/28آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير(]الحديد:رضا حسنا فيضاعفه له وله أجر وقال تعالى :)من ذا الذي يقرض الله ق

[.11/28كريم(]الحديد:فاستشعر في نفسك هذا األجر الذي سماه اهلل كبيرا وكريما، أي أجر هو!

وكذلك المضاعفة التي لم يحصر ها اهلل بعدد في قاله: )فيضاعفه [. فأطلق 322(]البقرة:[. وفي اآلية األخرى: )أضعافا كثيرة11له(]الحديد:

الكثرة ولم يجعلها إلى حد. فأي ترغيب من اهلل الجواد الكريم يزيد على هذا الترغيب.

فأف لمن ال يعقل عن اهلل، وال يفهم في آياته حتى غلب عليه البخل بماله، واستولى عليه الشح بما عنده من فضل اهلل. حتى ربما ينتهي به ذلك إلى

اجبة، فضال عن التطوع بالصدقات. فلو كان هذا فقيرا ال منع الحقوق الو يملك قليال وال كثيرا كان ذلك أجمل به وأحسن له.

وقال عليه الصالة والسالم في فضل التصدق واإلنفاق عن اهلل تعالى: ))ابن آدم أنفق أنفق عليك((.

122

(1/122)

إال وعلى جنبيها ملكان وقال عليه الصالة والسالم:))ما طلعت الشمسيقول أحدهما:اللهم أعط منفقا خالفا.ويقول اآلخر :اللهم أعط ممسكا تلفا((.

قلت : ودعاء المالئكة مستجاب.ومن أمسك فلم يتلف ماله التلف الظاهر فهو تالف بالحقيقة، لقلة انتفاعه

به في آخرته ودنياه، وذلك أعظم من التلف الذي هو ذهاب المال.ال: ))من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، وال يقبل اهلل إال طيبا، فإن وق

( حتى تكون مثل 1اهلل يإخذها بيمينه فيربيها له، كما يربي أحدكم فلوه )الجبل((، وكذلك ورد في الكسرة واللقمة من الخبز الطيب وهو الحالل، وال

يقبل اهلل غيره.إن تبذل الفضل خير لك، وأن تمسكه شر لك، وقال : )) يا أبن آدم ، إنك

وال تالم على كفاف ، وابدأ بمن تعول. واليد العليا خير من اليد السفلى((.قلت : أراد عليه الصالة والسالم ببذل الفضل : الفضل من المال.

وبالكفاف قدر الحاجة من المال . وبمن تعول : الذين تجب عليك نفقتهم، وال تنفق عليهم،وال يجوز أن تضيعهم

--------------------------- ( الفلو بالكسر: المهر يفصل عن أمه.1)

122

(1/122)

وتتصدق على الغير وهم محتاجون. وباليد العليا: يد المعطي. وذكر

خيريتها على يد اآلخذ ترغيبا منه عليه الصالة والسالم في االستغناء عن الناس، والتصون عن مسألتهم.

اجة إليهم حسب االستطاعة . وأما إذا مست الضرورة فلآلخذ ثواب والحكالمعطى ، قال عليه الصالة والسالم :))ما الذي يأخذ عن حاجة بأقل ثوابأ

من الذي يعطي من سعة((.وقال عليه الصالة والسالم : ))اتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم تجدوا

م : ))الصدقة تطفئ الخطيئة كما فبكلمة طيبة((، وقال عليه الصالة والساليطفئ الماء النار((، وقال عليه الصالة والسالم : ))يحشر الناس يوم القيامة أعرى ما كانوا قط، وأجوع ما كانوا قط، وأعطش ما كانوا قط،

وأنصب ما كانوا قط، فمن كسا هلل كساه اهلل، ومن أطعم هلل أطعمه اهلل، ، وأراد بقوله: ))هلل(( أن تفعل ذلك مخلصا ومن سقى هلل سقاه اهلل(( الحديث

لوجه اهلل، من غير رياء وال تصنع للناس وال طلب محمدة منهم.وقال عليه الصالة والسالم : )) من أطعم أخاه حتى يشبعه، وسقاه حتى يرويه، باعده اهلل من النار سبعة خنادق، ما بين كل خنجقين خمسمائة

عام((.الطعام وسقي الماء أخبار كثيرة، فعليك بهما، وقد ورد في فضل إطعام واجتهد في ذلك وال تعجز.

* * * 128

(1/128)

واعلم أن القليل عند اهلل كثير.وكل معروف صدقة، وال تستحقر شيئا تفعله

من الخير، استحقارا يمنعك من فعله، قال عليه الصالة والسالم : ))ال ى أخاك بوجه طلق، وتصدق كل يوم تحقرن من المعروف شيئا، ولو أن تلق

ن قل، واجعله من أول النهار، فإن البالء ال يتخطى الصدقة(( بشيء وا كما ورد. ومنعاه. أن الصدقة تكون حاجزا بينك وبين ما يقصدك من

الباليا.* * *

ذا وقف السائل عليك فال ترده خائبا ولو بشيء يسير، فإن لم تفعل أو لم وا تنهره أو تشتمه، واصرفه عنك برفق ووجه طلق، فإن تستطع فإياك أن

اإلنسان قد ينهر السائل نهرة لو أعطاه معها نصف ماله مثال كانت تلك النهرة أرجح منه، وربما ال يساوي ثواب ما أعطاه إثم ذلك االنتهار.

ل سائل يسألك، واحذر من ذلك. وال ترد أو* * *

ذا تصدقت فابدأ بأقاربك وأرحام ك الفقراء، وجيرانك المحتاجين فإنهم أولى وا صلى -به من غيرهم. والثواب في الصدقة عليهم أكثر وأعظم، قال النبي

: ))الصدقة على األقارب صدقة وصلة((. -اهلل عليه وآله وسلم وقال عليه الصالة والسالم : )) المتعدي في الصدقة كمانعها((،

127

(1/127)

طي صدقاتك لألجانب واألباعد، وأنت تعلم أن أقاربك ومن التعدي: أن تع وجيرانك أحوج إليها.

* * * وعليك بصدقة السر، فقد ورد :أن ثوابها يضاعف على ثواب الصدقة

الظاهرة سبعين ضعفا. وقال عليه الصالة والسالم : ))صدقة السر تطفئ غضب الرب((.

فأته صدقة السر إال وأي شيء أعظم من غضبه سبحانه وتعالى، وما أطدقات فنعما لعظمها عنده سبحانه وتعالى، قال اهلل تعالى: )إن تبدوا الص

ن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم والله هي وا .[381بما تعملون خبير(]اليقرة:

نما فضلت صدقة السر ألنها أقرب إلى اإلخالص الذي هو روح وا األعمال، وألنها أبعد من الرياء المفسد لألعمال، فإياك والرياء في صدقتك، أو في شيء من أعمالك. وأياك والمن بالصدقة على الفقراء! فقد ورد فيه

وعيد شديد.* * *

بنفع منه لك، أو خدمة، وال تطلب ممن تتصدق عليه مكافأة على الصدقة أو تعظيم، فإن طلبت شيئا من ذلك على صدقتك كان هو حظك ونصيبك

منها.124

(1/124)

وقد كان السلف الصالح يكافئون الفقير على دعائه لهم عند التصدق عليه

بمثل دعائه، مخافة نقصان الثواب، وذلك غاية االحتياط.حا، وال أن يذكر للناس الذي أعطيته وكذلك ال تطلب من الفقير شكرا وال مد

فينقص بذلك أجرك، أو يذهب رأسا.وال تترك الصدقة مخافة الفقر أو نقصان المال، فقد قال عليه الصالة

والسالم : ))ما نقص مال من صدقة((. والتصدق هو الذي يجلب الغنى والسعة، ويدفع والعيلة.

، ويذهب الغنى،قال اهلل وترك التصدق على الضد من ذلك: يجلب الفقر [.24تعالى: )وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين(]سبأ:

واعلم أن التصدق بالقليل من المقل أفضل عند اهلل من التصدق بالكثير من المكثر، وقال عليه الصالة والسالم : ))سبق درهم ألف درهم . قيل له :

لك؟ فقال عليه الصالة والسالم : ))رجل ال يملك إال درهمين وكيف ذتصدق بأحدهما، ورجل تصدق من عرض ماله بألف درهم فسبق الدرهم

األلف(( أو كما قال عليه الصالة والسالم، فصار الدرهم الواحد من المقل أفضل من األلف من المكثر وهو صاحب المال الكثير.

* * * 120

(1/120)

وهو -ذموم المحظور: تعيير الفقراء بفقرهم، واستحقارهم ألجله ومن الم

والتكبر عليهم، واالستهانة بهم، -شعار األنبياء، وحلية األصفياء واالستخفاف بحقهم، وتقديم األغنياء ألجل الدنيا عليهم. فكل ذلك من

الجرائم المحظورة فاحذر منه. وعظم الناس على قدر تعظيمهم هلل ولرسوله،ق امتهم ادينه، ومعرفتهم بحقه، إن كانوا مع ذلك فقراء أو أغنياء.وا

نعم، للفقراء عند االستواء مع األغنياء في الديانة، زيادة لفقرهم، وانكسار قلوبهم، وقلة احتفال أكثر الناس بهم. بخالف األغنياء، فإن نفوس الغافلين،

التي بأيديهم في وهم أكثر الناس، من شأنهم تعظيم األغنياء لعظمة الدنيا

نفوس أهل الغفلة.* * *

وعليك بالتصدق واإلنفاق مما تحب لتنال البر، وقال اهلل تعالى: )لن تنالوا [.43البر حتى تنفقوا مما تحبون(]آل عمران:

قال المفسرون : البر ههنا: هو الجنة. وعليك باإليثار على نفسك. ومعنى يكون عندك شيء من الدنيا وتكون محتاجا إليه، فتؤثر به على اإليثار: أن

نفسك محتاجا من إخوانك المؤمنين فتكون بذلك من المفلحين، والمفلحون هم الفائزونوقال اهلل تعالى: ) ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة

121

(1/121)

[.4ح نفسه فأولئك هم المفلحون(]الحشر:ومن يوق ش -أي حاجة -

واستبشر بالسائل إذا وقف على بابك، فإنه هدية اهلل تعالى إليك، وله حق ن جاء على فرس كما ورد. وأقل ذلك الرد الجميل. وا

وباشر إعطاء السائل بنفسك ولو في بعض األوقات، فإنه عليه الصالة ول السائل بيده الكريمة. وذلك ألن اهلل تعالى يأخذ والسالم كان ينا

الصدقات بيده المقدسة من يد المتصدق فتقع في يده سبحانه قبل أن تقع في يد السائل كما جاء في الخبر، وكما قال اهلل تعالى: )ألم يعلموا أن الله

دقات وأن الله هو التواب هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الص [.102الرحيم(]التوبة:

* * *

وينبغي لمن كان فقيرا أن يصبر على فقره، ويقنع بما قسم اهلل له، ويرضى عن اهلل فيما قضى له به من الفقر.

وليحذر أن يكون جزوعا هلوعا، متسخطا، قال عليه الصالة والسالم :)) يا ال فال معاشر الفقراء ، أعطوا اهلل من قلوبكم الرضا، تظفروا بثواب فقركم(( وا

بر جلساء اهلل يوم القيامة((، . قال عليه الصالة والسالم :))الفقراء الص وقال عليه الصالة والسالم :))كاد الفقر أن يكون كفرا((.

طا لقضاء ربه، وغير قانع بقسمته، قلت: هذا إذا كان الفقير متسخ

123

(1/123)

وربما يقع مع ذلك في بلية االعتراض على اهلل تعالى في تفضيله بعض عباده على بعض في الرزق. ومن مثل هذا يخشى على الفقي الذي ال

صبر له، وال معرفة باهلل عنده.وكذلك ينبغي للفقير أن يكون شاكرا هلل، ولمن أسدى إليه معروفا من عباد

لسالم :))ال يشكر اهلل من ال يشكر الناس(( ويكون اهلل، قال عليه الصالة وا أبضا مثنيا على أهل المعروف، وداعيا

لهم بالخير، وقال عليه الصالة والسالم :))من قال لمن أسدى إليه معروفا: جزاك اهلل خيرا فقد أبلغ في الثناء((.

جدا، وال ينبغي للفقير أن يذم ويغتاب من لم يعطه شيئا ، فإن ذلك مذموموالمعطي والمانع بالحقيقة إنما هو اهلل تعالى، والخلق مسخرون تحت

مشيئته، يصرفهم كيف يشاء.

وليحذر الفقير من كثرة التشوف إلى الناس والتعلق بهم والطمع فيهم، فإن الطمع فقر حاضر، والمتشوف والمتعلق بغير اهلل خائب وخاسر.

ليه الصالة والسالم :))من يستعفف وليكن متعففا ومستغنيا باهلل، وقال عيعفه اهلل. ومن يستغن يغنه اهلل(( وفوعده عليه الصالة والسالم بالعفاف

والغنى إذا تعفف واستغنى، ووعد اهلل ورسوله حق ال شل فيه. وايحذر الفقير من قوله: أعطاني فالن كذا وهو كاذب،

122

(1/122)

يه.ومن قوله : لم يعطني فالن يريد بذلك التلبيس على السامع لعله يعط

شيئا إذا سئل وقد أعطاه ، مخافة أن يعطيه اآلخر.وليحذر من كتمانه ما أعطاه اهلل من فضله، ومن كثرة الشكوى إلى الناس،

ومن إظهار حاجته لكل واحد ، وقد يفعل ذلك بعض الفقراءى ويتوهم أن من سمع ذلك منه إعطاه. وربما فعل ذلك كاذبا فيأثم عل

الكذب، وعلى أخذه ما يعطاه على التلبيس. وهذه األشياء وما في معناها قد يبتلى بها كثير من الفقراء الذين يقل علمهم، ويكثر في الناس طمعهم.

* * * -وأما المسألة للناس فهي مذمومة جدا إال عند الحاجة الشديدة، وهي

يرها كمامن الفواحش ، ولم يحل من الفواحش غ -أعني: المسألة :))التزال المألة -صلى اهلل عليه وآله وسلم-ورد .وقد قال رسول اهلل

بأحدكم حتى يلقى اهلل وليس فب وجهه مزعة لحم((.وقال عليه الصالة والسالم :))ال تحل المسألة لغني وال لذي مرة سوي ((،

أو والمرة: هي القوة.ومعنى الحديث : أن من كان غنيا عن المسألة بمال قريب ينفق عليه ، أو كان قويا

يقدر على الكسب والحرفة ثم يسأل، فإن يأثم، وتحرم عيله المسألة . وأما الذي يعطيه فال يأثم بل يؤجر على العطاء وال

122

(1/122)

يأثم أحد على العطاء، حتى يعطي من يعلم أنه يستعين بما يعطاه على

معاصي اهلل فاعلم ذلك .اهلل، وحذر إخوانك المسلمين من مسألة الناس عند الغنى وأحذر رحمك

عنها وفقد الحاجة الشديدة إليها، وقال عليه الصالة والسالم : )) لو تعلمون ما في المسألة ما مشى أحد إلى أحد يسأله((، وقال عليه الصالة والسالم :

))مسألة الغني نار، إن قليال فقليل، وأن كثيرا فكثير((.س المرد بالغني ههنا من له مال كثير، بل المراد ههنا هو الغني قلت: لي

، فإن اضطررت إلى ن قل عن المسألة بكسب أو بشيء يكفيه في وقته وا ذا المسألة فاسأل وال تلحف وال تلح، وليكن قلبك متعلقا باهلل وسائال منه وا

أعطيت ما يكفيك في الحال الحاضر فأمسك عن المسألة، واشكر من حسنأ

إليك، واعذر من لم يعطك شيئا فإنه ال رزق لك عنده، ولو كان، ولم يقدر على حبسه عنك.

وال تسأل اإلنسان وهو بين الناس على قصد أن يعطيك حياء منهم ، فإن عطاك من الحياء، ولو سألته وهو وحده لم يعطك شيئا، فقد فعات ذلك وا

بالحياء على هذا الوجه ال يحل : ما يؤخذ-رحمه اهلل -قال اإلمام الغزالي ن حل له في الظاهر . أنتهى بمعناه. لآلخذ في الباطن وا

وأما إذا أعطيت شيئا من الدنيا من غير مسألة وال استشراف نفس فخذه وال ترده، خصوصا إذا كنت محتاجا إليه . ولك أن

122

(1/122)

فأما إذا رددت ألجل ترده إذا علمت أن في الرد صالحا لدينك أو قابك .

الجاه وانتشار الصيت وأن يقال: أن فالنا ال يقبل الدنيا، فقد وقعت في ن جاءك الحرج فاحذر من ذلك وال يقبل الحرام، وال ما فيه شبهة ظاهرة وا

بدون مسألة، فاعلم هذه الجملة راشدا وباهلل التوفيق، وهو حسبنا ونعم الوكيل.* * * 122

(1/122)

*************

************* مبحث الصوم

************* *************

(1/128)

(1/127)

مبحث الصوم

************* ياكم لليسرى، وجنبنا العسرى، وغفر -واعلموا معاشر اإلخوان يسرنا اهلل وا : أن شهر رمضان شهر عظيم القدر والمنزلة عند -لنا في اآلخرة واألولى

، وهو سيد الشهور. فرض اهلل صيامه على المسلمين وكتبه اهلل وعند رسولهيام كما كتب على عليهم، فقال تعالى: )يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الص

[.172الذين من قبلكم لعلكم تتقون(]البقرة:وجعل من لياليه ليلة القدر أنزل اهلل كتابه، -أعني: شهر رمضان -وفيه

التي هي خير من ألف شهر. واأللف شهر أكثر من ثالث وثمانين سنة. فتأمل حساب ذلك، وتفكر في نفسك أي ليلة هذه الليلة! التي صارة عند اهلل

خيرا وأفضل من هذه المدة الطويلة.ن هدى للناس وبينات وقال اهلل تعالى: )شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآ

[.172من الهدى والفرقان (]البقرة:ثم قال سبحانه: )إنا أنزلناه في ليلة القدروما أدراك ما ليلة القدرليلة القدر

وح ل المالئكة والر فيها بإذن ربهم من كل أمرسالم خير من ألف شهر تنز [.2-1هي حتى مطلع الفجر(]القدر:

فعرفنا سبحانه أنه أنزل القرآن في رمضان، ثم أنه أنزله في ليلة القدر منه

بالخصوص. وهذا اإلنزال من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة من السماء الدنيا،

124

(1/124)

قرآن جملة واحدة من اللوح إلى بيت العزة، ونزل به جبريل بأمر اهلل نزل ال

على رسوله عليهما السالم مفرقا في نحو ثالث وعشرين سنة، وهي مدة ؛ إذ أوحى اهلل إليه وهو -صلى اهلل عليه وآله وسلم-الوحي إلى رسول اهلل

ة. ابن أربعين سنة وقبض عليه الصالة والسالم عن ثالث وستين سن وكذلك قال العلماء المحققون من السلف والخلف.

-صلى اهلل عليه وآله وسلم-قال رسول اهلل فضل شهر رمضانوفي :))رمضان إلى رمضان ، والجمعة إلى الجمعة، والصالة إلى الصالة

مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر((.

الصبر، والصبر وقال عليه الصالة والسالم في شهر رمضان: ))هو شهر ثوابه الجنة((،وقال فيه:))أوله رحمة، وأوسطه مغفرة،وآخره عتق من

النار((.وأن اهلل تعالى ينظر في أول ليلة منه إلى المسلمين، ومن نظر إليه لم

يعذبه، ويغفر لهم في آخر ليلة منه.وقال جبريل لرسول اهلل عليهما السالم:))من أدرك رمضان فلم يغفر له

-صلى اهلل عليه وآله وسلم-هلل، قل آمين. فقال رسول اهلل أبعده ا :آمين((الحديث.

قلت: وذلك لتيسر أسباب المغفرة في رمضان أكثر منها في غيره من الشهور، فليس يحرم المغفرة فيه إال من تفاحش إعراضه عن اهلل، وعظمت

. نسأل اهلل جراءته على اهلل تعالى ، فاستوجب البعد والطرد عن باب اهلل العافية من سخطه وعذابه وجميع بالئه.

وقد ورد أن أبواب السماء وأبواب الجنة تفتح كلها في رمضان ،180

(1/180)

وتغلق أبواب النيران، وتقيد مردة الشياطين ويذهب بهم إلى البحار كي ال

يفسدوا على المسلمين صيامهم وقيامهم، وينادي مناد كل ليلة من رمضان: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر.

وورد أيضا: ))أن من تقرب إلى اهلل تعالى في رمضان بفريضة عدلت له سبعين فريضة في غيره .ومن تقرب فيه بنافلة عدلت له فريضة يؤديها في

غيره((.فنوافل رمضان بمنزلة الفرائض في غيره من الشهور ، من حيث الثواب.

فة على الفرائض في غيره إلى سبعين ضعفا.وفرائضه مضاعوقال عليه الصالة والسالم :))من صام رمضان وقامه إيمانا واحتسابا غفر

له ما تقدم من ذنبه((.قلت: واإليمان : هو التصديق بوعد اهلل . واالحتساب : هو اإلخالص هلل.

واهلل أعلم. :وللصائم آداب ال يكمل صيامه إال بها. فمن أهمها

أن يحفظ لسانه عن الكذب والغيبة، وعن الخوض فيما ال يعنيه، ويحفظ

لى ما يعد فضوال في عينه وأذنه عن النظر واالستماع إلى ما اليحل له، وا حقه.

وكذلك ويحفظ بطنه عن تناول الحرام والشبهة، وخصوصا 181

(1/181)

عند اإلفطار يجتهد جدا أن يفطر إال على الحالل.

ض السلف: إذا صمت فانظر على أي شيء تفطر، وعند من قال بع تفطر؟ إشارة إلى الحث على التحري واالحتياط فيما يفطر عليه.

وكذلك يحفظ الصائم جميع جوارحه عن مالبسة اآلثام ثم عن الفضول ، فبذلك يتم صومه ويزكو، وكم من صائم يتعب نفسه بالجوع والعطش،

بذلك صومه، ويضيع بذلك تعبه، كما ويرسل جوارحه في المعاصي فيفسدقال عليه الصالة والسالم :))كم من صائم ليس له من صيامه إال الجوع

والعطش((.وترك المعاصي واجب على الدوام على الصائم وعلى المفطر، غير أن

الصائم أولى بالتحفظ، وهو عليه أوجب وآكد، فافهم.ا كان يوم صوم أحدكم فال قال عليه الصالة والسالم :))الصوم جنة، فإذ

يرفث وال يفسق وال يجهل، فإن امرؤ شاتمه أو قاتله فليقل إني صائم ...((الحديث.

ومن آداب الصائم: أن ال يكون النوم بالنهار، وال يكثر األكل بالليل، وايقتصد في ذلك حتى يجد مس الجوع والعطش، فتتهذب نفسه وتضعف

لصوم ومقصوده، وليجانب الصائمشهوته، ويستنير قلبه، وذلك سر ا183

(1/183)

الرفاهية واإلكثار من تناول الشهوات واللذات كما ذكرناه. وأقل ذلك أن

ال تكون عادته من الترفه واحدة في رمضان وغيره. وهذا أقل ما ينبغي. وا فللرياضة ومجانبة شهوات النفس أثر كبير في تنوير القلب، وتطلب

بالخصوص في رمضان.أما الذين لهم في رمضان عادات من الترفهات والشهوات التي ال يعتادونها و

في غير رمضان فغرور غرهم به الشيطان حسدا منه لهم حتى ال يجدوا بركات صومهم، وال تظهر عليهم آثاره من األنوار والمكاشفات، و الخشوع

وذكره. هلل تعالى واالنكسار بين يديه، والتلذذ بمناجاته، وتالوة كتابه: التقليل من العادات والشهوات، -رحمة اهلل عليهم -وكانت عادة السلف

ن كان ذلك واالستكثار من األعمال الصالحات في رمضان بالخصوص، وا معروفا من سيرهم في جميع األوقات.

ومن آدابه: أن كثير التشاغل بأمور الدنيا في شهر رمضان، بل يتفرغ ما أمكنه، وال يدخل في شيء من أشتغال الدنيا إال عنها لعبادة اهلل وذكره

إن كان ضروريا في حقه، أو في حق من يلزمه القيام به من العيال ونحوهم ، وذلك ألن شهر رمضان في الشهور بمنزلة يوم الجمعة في

األيام؛ فينبغي للمؤمن أن يجعل يوم جمعته وشهره هذا آلخرته خصوصا.وأن يكون على التمر، فإن لم يجده فعلى ومن السنة: تعجيل الفطور،

الماء.182

(1/182)

وكان عليه الصالة والسالم يفطر قبل أن يصلي المغرب ويقول:))ال تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطور وأخروا السحور(( فتأخير السحور من السنة

أيضا.عليه وينبغي للصائم أن يقلل من األكل وال يستكثر منه، وذلك حتى يظهر

أثر الصوم، ويحظى بسره ومقصوده الذي هو تأديب النفس، وتضعيف شهواتها، فإن للجوع وخلو المعدة أثرا عظيما في تنوير القلب، ونشاط

الجوارح في العبادة. والشبع أصل القسوة والغفلة، والكسل عن الطاعة، قال حسب أبن آدم عليه الصالة والسالم :))ما مأل أبن آدم وعاء شرا من بطنه.

لقيمات يقمن صلبه، فإن كان ال محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه((.

ذا جاعت وقال بعضهم : ))إذا شبعت البطن جاعت جميع الجوارح، وا البطن شبعت جميع الجوارح((.

قلت: وجوع الجوارح عبارة عن طلبها وحرصها على شهواتها، فيشتهي ظر، واألذن االستماع، وكذلك سائر الجوارح. اللسان الكالم، والعين الن

ويكون انبعاثها لطلب الفضول من شهواتها عند امتالء البطن. وعند خلوه يكون سكونها وهدوءها المعبربه عن شبع الجوارح، وذلك مشاهد، واهلل أعلم.

ومن المستحب المتأكد تفطير الصائمين ولو على تمرات، أو شربة من

الة والسالم : )) من فطرالماء، قال عليه الص182

(1/182)

صائما كان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء((، يعني: من أجر الصائم. وهذا الثواب إنما يحصل لمن فطره ولو على الماء، فإما من أطعم الصائم من بعد فطره في بيته أو فيس موضع آخر فليس يحصل له

اإلطعام، وهو عظيم، وثواب من أشبع هذا الثواب، ولكن يحصل له ثواب الصائم مهما أطعمه حتى يشبعه وهو كثير.

رحمة -في كل ليلة من رمضان سنة مأثورة. وعادة السلف صالة التراويحو توزيع القرآن من أوله إلى آخره عليه، يقرؤون منها في كل ليلة -اهلل عليهم

شهر، فمن أمكنه أن ما تيسر، ويجعلون الختم في بعض الليالي من آخر اليقتدي بهم في ذلك فليشمر وال يقصر، فإن الخير غنيمة )وما تقدموا

[.82/30ألنفسكم من خير تجدوه عند الله (]المزمل:ومن لم يتفق له االقتداء بهم في ذلك فليحذر من التخفيف المفرط الذي

ويح، حتى ربما يقعون بسببه في يعتاده كثير من الجهلية في صالتهم للترااإلخالل بشيء من الواجبات، مثل : ترك الطمأنينة في الركوع والسجود،

وترك قراءة الفاتحة على الوجه الذي البد منه بسبب العجلة، فيصير أحدهم عند اهلل تعالى ال هو صلى ففاز بالثواب، وال هو ترك فاعترف بالتقصير

عامل منهم عمله مع فعله للعمل. فاحذروا وسلم من اإلعجاب، يبطل على ال من ذلك، وتنبهوا له معاشر اإلخوان.

182

(1/182)

ذا صليتم التراويح أو غيرها من الصلوات فأتموا القيام والقراءة، والركوع وا

والسجود، والخشوع والحضور، وسائر األركان واآلداب. وال تجعلوا للشيطان ه سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون(؛ عليكم سلطانا، فإنه )ليس ل

فكونوا منهم. )إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون(؛ فال تكونوا منهم.

فعال الخير ما استطعتم في شهر رمضان، واستكثروا من أعمال البر، وا فضل أوقاته وحصول المضاعفة فيه، وكثرة الثواب وتيسر العمل ل

بالخيرات.فإما المضاعفة فلما ورد: أن النافلة في رمضان يعدل ثوابها ثواب الفريضة،

والفريضة فيه بسبعين فريضة في غيره . فمن يسمح بفوات هذا الربح ويكسل عن اغتنام هذه التحارة التي ال تبور!

بالخير في رمضان فألن النفس األمارة بالسوء مسجونة وأما تيسر العملبالجوع والعطش، والشياطين المثبطين عن الخير المعوقين عنه مصفدون

ال يستطيعون الفساد وال يتمكنون منه، فلم يبق بعد ذلك عن الخيرات مانع، وال من دونها حاجز إال من غلب عليه الشقاء، واستولى عليه الخذالن

باهلل! فيكون رمضان وغيره عنده سواء في الغفلة عن اهلل، بل ربما والعياذ يكون في رمضان أعظم إعراضا عن ربه وأكثر غفلة.

182

(1/182)

وكما ينبغي للمؤمن أن يستكثر من األعمال الصالحة في هذا الشهر

ويسارع فيها، كذلك ينبغي له أن يبالغ في التحرز عن المخالفات، ويكون ية البعد عنها، فإن المعاصي في األوقات الفاضلة يكون إثمها في نها

عظيما ووزرها كثيرا ، نظير كثرة الثواب على األعمال الصالحة الواقعة في األوقات الفاضلة.

وقد ورد: أنه عليه الصالة والسالم كان يجتهد في رمضان ما ال يجتهد في يجتهد في غيرها في غيرها غيره، وكان يجتهد في العشر األواخر منه ما ال

من رمضان.قلت: وذلك لفضل العشر األواخر على غيرها من الشهر ، وقد أمر عليه

الصالة والسالم بالتماس ليلة القدر فيها. : وهي في األوتار منها أرجى.-رحمهم اهلل تعالى -قال العلماء

مضان وبالجملة: فينبغي للمؤمن الفطن أن يكون في كل ليلة من ليالي ر مستعدا لليلة القدر ومستيقظا لها، ومداوما على العمل الصالح، فإن

المقصود الذي عليه المعول: أن تأتي عليه ليلة القدر وهو مستغرق بالعمل الصالح، ذاكرا هلل تعالى، غير غافل وال ساه وال اله، وسواء بعد ذلك رأى

يكون عمله فيها خيرا من ليلة القدر أو لم يرها، فإن العامل فيها بطاعة اهللنما قلنا: إنه ينبغي أن يتنبه لليلة عمله في ألف شهر علم بها أو يعلم. وا

القدر ويستعد لها في كل ليلة من هذا الشهر،188

(1/188)

لكثرة ما وقع بين العلماء من الخالف في تعيينها ، وأنها أي ليلة هي؟ حتى لي الشهر.قال بعضهم: إنها مبهمة في جميع ليا

وقال بعضهم: إنها متنقلة في لياليه، وليست ليلة بعينها.قلت : وأجدني أميل إلى هذا القول، وأرى أنها قد تكون في غير العشر ن كان وقوعها هو األكثر، وعليه جمهور العلماء، أعني : أن األواخر وا

ليلة القدر في العشر األواخر من رمضان.* * *

لصدقة والمواساة، وتفقد األرامل واأليتام في هذا الشهر وينبغي اإلكثار من االشريف، فقد ورد))أنه كان عليه الصالة والسالم أجود بالخير من الريح

المرسلة، وأنه أجود ما يكون في رمضان((.وينبغي األكثار فيه من تالوة القرآن ومدارسته، ومن االعتكاف في المساجد

كان عليه الصالة والسالم يعتكفها. وال سيما في العشر األواخر، إذثم أعلم أن شهر رمضان شهر مبارك على المسلمين، وفي اليوم السابع

عشر منه كانت ))وقعة بدر(( وهو يوم الفرقان يوم التقى الجمعان.وفي رمضان كان ))فتح مكة المشرفة(( ودخول الناس في دين اهلل أفواجا .

من ألف شهر، ومن أدركها وعمل فيها وفيه ))ليلة القدر(( التي هي خير187

(1/187)

بطاعة اهلل اثنتي عشرة سنة مثال كان بمثابة من عاش في طاعة اهلل ألف سنة ، فهل شيء أعظم من ذلك وأجل قدرا، وكم في رمضان من البركات والخيرات! فطوبى لمن عرف قدره، واغتنم أوقاته وساعاته، واستغرق لياليه

عل ما يقربه من ربه، وذلك فضل اهلل يؤتيه من يشاء، واهلل ذو وأيامه بف فضل العظيم.

واعلم أن أفضل الصيام صيام شهر رمضان، وكذلك يكون األمر في جميع الفرائض، أعني أنها تكون أفضل من الفرئض التي من جنسها بشيء ن إلي كثير، لقوله عليه الصالة والسالم عن اهلل تعالى: )) ما تقرب المتقربو بمثل أداء ما أفترضته عليهم. وال يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى

أحبه...((الحديث.ثم صوم األشهر الحرم وهي أربعة: ذوالقعدة وذو الحجة والمحرم ورجب، قال اهلل تعالى: ) إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله

[.22يوم خلق السماوات واألرض منها أربعة حرم (]التوبة:وقد ورد :)) أن صوم يوم من األشهر الحرم يعدل صيام ثالثين يوما من

غيرها. وصيام يوم من رمضان يعدل صيام ثالثين يوما من األشهر الحرم((.

ن الحرم : الخميس وورد :))أن من صام ثالثة أيام متتابعة من شهر م والجمعة والسبت باعده اهلل من النار((.

* * * 184

(1/184)

ومن السنة: صيام ست من شوال على أثر رمضان، توديعا له وجبرا للخلل إن عرض فيه للصائم. والنوافل جوابر الفرئض، وقال عليه الصالة والسالم

م الدهر كله((.: )) من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال فكأنما صا

ومن الفضائل: صوم يوم عرفة، وهو يوم الحج، التاسع من ذي الحجة. وقد ورد أن صومه يكفر سنتين.

قال العلماء: وهو أفضل يوم يصام في السنة بعد رمضان، وال يستحب للحاج أن يصومه ألجل القوة على الدعاء في الموقف ، والقيام بالمناسك.

و العاشر من المحرم، وقد ورد أن صومه يكفر وصوم يوم عاشوراء، وه سنة.

ومن المتأكد المستحب من الصيام : صيام ثالثة أيام من كل شهر، وقد ن تحرى بها الصائم وردت األحاديث الكثيرة بأنها تعدل صيام الدهر، وا

األيام البيض كان أفضل وأحسن ، ألنه ورد عن النبي عليه الصالة ن ال يترك صيام األيام البيض في حضر وال سفر، وهي والسالم أنه كا

ن صام هذه الثالثة الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشرمن الشهر. وا من غير البيض فال بأس إال أنها أولى، وكذلك إذا صام هذه الثالثة مفرقة.

وال ينبغي للمتنسك أن يترك صيام هذه الثالثة من كل شهر، فإنه صوم نة عظيم الفضيلة. وحسبك منخفيف المؤو

170

(1/170)

فضله أنه يعدل صيام الدهر، وقد أوصى به عليه الصالة والسالم جماعة من أصحابه رضي اهلل عنهم، وقال عليه الصالة والسالم : )) صام نوح الدهر، وصام داود نصف الدهر ،كان يصوم يوما ويفطر يوما. وصام

ان يصوم ثالثة من كل شهر(( صلوات اهلل إبراهيم الدهر وأفطر الدهر، ك عليهم أجمعين.

قلت: وأفضل الصيام صيام داود عليه السالم، وهو أن يصوم يوما ويفطر يوما وهو أفضل من صيام الدهر كما ورد في األحاديث الصحيحة .

أعني صوم داود عليه السالم -قال اإلمام الغزالي رحمه اهلل تعالى: وهو ضة النفس، وأقوى في مجاهدتها من صيام الدهر.أبلغ في ريا -

وفي صيام االثنين والخميس من األسبوع فضل كثير، كان عليه الصالة والسالم يصومهما ويقول: ))هما يومان تعرض فيهما األعمال على اهلل،

فأحب أن يعرض علمي وأنا صائم((.لسبت ، وصيام يوم الجمعة محبوب لفضله وشرفه، لكن مع الخميس أو ا ألنه ورد في إفراده بالصوم نهي عن النبي صلى اهلل عليه وسلم.

* * * وعليك باإلكثار من الصوم مطلقا، فإنه من أبلغ األشياء في رياضة النفس

وكسر الشهوة، واستنارة القلب وترقيقه،171

(1/171)

لجزاء وتأديب الجوارح وتقويمها، وتنشيطها للعبادة. وفيه الثواب العظيم، وا

الكريم الذي ال نهاية له وال غاية.وليس شيء من األعمال إال ولثوابه حد ومقدار سوى الصوم، فإن ثوابه لم يقدر بقدر، ولم يحد بحد، قال النبي صلى اهلل عليه وسلم:))كل عمل ابن

آدم يضاعف له الحسنة بعشر أمثالها، قال تعالى : إال الصوم فإنه لي وأنا ، يدع اإلنسان طعامه وشرابه وشهوته من أجلي . للصائم فرحتان: أجزي به

فرحة عند إفطاره وفرحة عند لقاء ربه. ولخلوف فم الصائم أطيب عند اهلل

من ريح المسك((، فتأمل رحمك اهلل تعالى جدا قوله تعالى : إال الصوم يد الكريم فإنه لي وأنا أجزي به((، وتفكر في الوعد بالجزاء المطلق من الس

الجواد الرحيم، وتأمل أيضا في خلوف فم الصائم الذي هو عند اهلل أطيب بهذه المنزلة!!

قلت: ومن أجل فضل هذا الخلوف ومكانته عند اهلل تعالى كره االستياك للصائم بعد الزوال حتى يفطر، ألن السواك يزيله أو يخففه. وقال عليه

))للجنة باب يقال له الريان ال يدخله إال الصالة والسالم في فضل الصوم: الصائمون، فإذا دخلوا منه أغلق((.

وقال عليه الصالة والسالم :))الصوم نصف الصبر .ولكل شيء زكاة، وزكاة الجسد الصوم((. وقال عليه الصالة

173

(1/173)

والسالم :))الصوم جنة وحصن حصين من النار ((.

ا. فأما صورته: فهي اإلمساك عن األكل واعلم: أن الصوم صورة وروح والشرب والجماع من طلوع الفجر إلى غروب الشمس مع لبية. فمن

ن أكل أو شرب أو جامع في نهاره وهو عامد عالم مختار بطل صومه. وا كان ناسيا أو جاهال أو مكرها لم يبطل صومه، هذه هي صورة الصوم.

محرمات، والقيام بالفرائض وأما روحه: فهو اإلمساك عن اآلثام والوالواجبات . والذي يصوم عن األكل والشرب والجماع، وال يصوم عن

المخالفات، هو الصائم الذي ليس له من صيامه إال العناء والتعب. فإذا كمالها صمت فأحسن، وكذلك في جميع أعمالك اجتهد في إحسانها وا

خالصها، حتى ينفعك اهلل بها، ويعظم لك األجر عل يها عند الرجوع إليه، وا وله سبحانه األمر كله، فاعبده وتوكل عليه، وما ربك بغافل عما تعملون.

ال إله إال هو إليه المصير.* * * 172

(1/172)

(1/172)

************* *************

مبحث الحج************* *************

(1/172)

(1/172)

مبحث الحج**********

ياكم من الذين سبق لهم منه -موا معاشر اإلخوان واعل جعلنا اهلل وا : أن الحج إلى بيت اهلل -الحسنى، ومن الذين قالوا ربنا اهلل ثم استقاموا

الحرام أحد مباني اإلسالم، وهو فرض الزم محتوم على كل مسلم مستطيع في العمر مرة وكذلك العمرة.اس حج البيت من استطاع إليه سبيال(]آل قال اهلل تعالى: )ولله على الن

[.48عمران:وقال اهلل لخليله إبراهيم عليه السالم: )وأذن في الناس بالحج يأتوك رجاال

روا اسم وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق* ليشهدوا منافع لهم ويذك الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة األنعام فكلوا منها وأطعموا فوا بالبيت العتيق * البائس الفقير * ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطو

[.33عظم حرمات الله فهو خير له عند ربه(]الحج:ذلك ومن ي : ))بني اإلسالم على خمس: -صلى اهلل عليه وآله وسلم-وقال رسوله اهلل

178

(1/178)

يتاء الزكاة، قام الصالة، وا شهادة أن ال إله إال اهلل وأن محمدا رسول اهلل، وا

(.وحج البيت، وصوم رمضان(وقال عليه الصالة والسالم : ))من ملك زادا وراحلة تبلغه إلى بيت اهلل

ن شاء نصرانيا((. تعالى ثم لم يحج فال عليه أن الموت إن يهوديا وا

وفي هذا نهاية التشديد على من يترك الحج مع االستطاعة.فال ينبغي للمؤمن أن يؤخر ويتكاسل ويسوف، ويتعلل باألعذار من سنة

سنة، وهو مع ذلك مستطيع، وما يدريه لعل الموت ينزل به، أو تذهب إلى استطاعته،وقد استقر الحج في ذمته لتمكنه منه فيلقى اهلل تعالى عاصيا

آثما!واالستطاعة أن يملك اإلنسان ما يحتاج إليه في سفره إلى الحج ذهابا

ونفقة من ورجوعا من زاد ومركوب، ما في معنى ذلك مما ال بد له منه، تلزمه نفقته من األوالد واألزواج ونحوهم إلى وقت رجوعه.

وتختلف االستطاعة باختالف الناس، وباختالف األماكن في القرب والبعد .ومن تكلف الحج شوقا إلى بيت اهلل الحرام، وحرصا على إقامة هذه

ه الفريضة من دين اهلل وليس بمستطيع من كل الوجوه فإيمانه أكمل، وثوابأعظم وأجزل، ولكن بشرط أن ال يضيع بسبب ذلك من حقوق اهلل تعالى ال ال كان آثما وفي حرج، مثل أن يسافر ويترك من في سفره وال في وطنه، وا

فرض اهلل تعالى عليه نفقتهم ضائعين ال شيء لهم، أو يكون في سفره متكال على مسألة الناس، مشغول

177

(1/177)

يهم، أو يضيع بسبب السفر شيئا من الصلوات القلب بالتشوف إل

المكتوبات، أو يقع في شيء من المحرمات، فمثل من يسافر إلى الحج على هذا الوجه وقد وسع اهلل له في الترك حيث لم يكن مستطيعا مثل من

يعمر قصرا، ويهدم مصرا.ون نبهنا على ذلك، ألن كثيرا من العامة يسافرون على هذا الوجه، ويظن

انهم يتقربون إلى اهلل تعالى بحج بيته وهم في غاية العبد عنه، ألنهم لم ذا كان هذا في الحج المفروض، فاعلم أنه يكون يدخلوا األمر من بابه. وا

في الحج الذي ليس بمفروض أعظم حرجا وأكثر تشديدا. وكالمنا هذا في حق العاجز الضعيف . وأما القوي المستطيع فقد ذكرنا أنه

تتأكد عليه المبادرة بحجة اإلسالم، ثم يستحب له بعد ذلك أن ال يترك التطوع بالحج.قال بعض السلف رحمة اهلل تعالى عليهم: أقل ذلك أن ال تمر عليه خمسة أعوام إال ويحج فيها حجة. وقد بلغنا عن اهلل تعالى أنه قال: ))أن عبدا صححت له جسمه، ووسعت عليه في المعيشة تمضي

يه خمسة أعوام ولم يفد علي لمحروم((.علنما ينبغي للمسلم القادر: االستكثار من الحج لما فيه من التعظيم قلت: وا

صلى اهلل -لحرمات اهلل العظيم الذي وردت به األخبار، قال رسول اهلل :))أفضل الجهاد الحج((. -عليه وآله وسلم

174

(1/174)

إن الحج يهدم ما قبله((، أي: من الذنوب.وقال عليه الصالة والسالم : ))

وقال عليه الصالة والسالم : ))من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوب كيوم ولدته أمه(( والرفث والفسوق: شيئان جامعان لألقوال و األفعال

القبيحة.وقال عليه الصالة والسالم: ))العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج

يس له جزاء إال الجنة((.المبرور ل وقال عليه الصالة والسالم: ))بر الحج إطعام الطعام، ولين الكالم((.

وقال عليه الصالة والسالم : ))الحجاج والعمار وفد اهلل، إن سألوا أعطوا، ن أنفقوا أخلف لهم((. ن دعوا أجيبوا، وا وا

زاده ومن آكد المهمات على المسافر إلى الحج: االجتهاد في أن يكونطيبا، ونفقته حالال، وليحرص كل الحرص على ذلك، فإن الذي يحج

ذا لبى عند إحرامه يقول له سبحانه: ال بالمال الحرام ال يقبل اهلل حجه، وا لبيك وال سعديك، زادك حرام وراحلتك حرام وحجك غير مبرور، ويقول

دك حاللتعالى للذين يحج بالمال الحالل إذا لبى: لبيك وسعديك، زا وراحلتك حالل وحجك مبرور، وكذلك ورد في الخبر.

وليكن المسافر إلى الحج طيب النفس بما ينفقه من المال في سفره، فإنها نفقة مخلوفة بالخير

140

(1/140)

والبركة، واليسر والسعة. وقد ورد أن النفقة في الحج كالنفقة في سبيل اهلل،

الدرهم بسيعمائة .حاج موسرا فليبالغ في نوسيع النفقة على الفقراء والمساكين،وبذل كان ال

المعروف للضعفاء والمقلبن، خصوصا لهؤالء ، ولغيرهم من المسلمين عموما مخلصا في ذلك هلل رب العالمين.

* * * وليكن في سفره متواضعا متخشعا ، متمسكنا. فعلى مثل هذه األوصاف

الملك الجبارالمتكبر. ينبغي له أن يفد على اهللوال يكون في سفره عند اهلل من المطرودين، قال عليه الصالة والسالم

:))إنما الحاج أشعت أغبر((.وحج عليه الصالة والسالم على رحل رث وتحته قطيفة رثة ال تساوي أربعة ه دراهم . فكلما كان الحاج أكثر تواضعا وتمسكنا، وأرث هيئة يريد بذلك وج

ه أطيب وأزكى، وأجل وأكمل. اهلل كان حجقال حجة اإلسالم الغزالي رحمه اهلل: جعل اهلل السفر إلى الحج مثاال للسفر إلى اآلخرة، فينبغي لك أن تستحضر عند كل عمل من أعمال السفر أمرا من أمور اآلخرة يوازيه ويماثله، فتتذكر عند وداع األهل واألصحاب عند

اعهم في سكرات الموت.السفر، ود141

(1/141)

ومن أخذ الزاد للطريق، أخذ الزاد لطريق اآلخرة، ومن بعد الطريق وخوف السباع والقطاع فيها، وتذكر بعد طريق اآلخرة،وفتنة منكر ونكير، وعذاب القبر. ومن االلتفاف في ثياب اإلحرام االلتفاف في األكفان. ومن السعي

ردد بين كفتي الميزان إيهما ترجح. ومن الموقف بين الصفا والمروة التموقف القيامة. هذا كالمه ملخصا بمعناه فانظره في محله. واألمر كما ذكره

رحنه اهلل، وجزاه عن المسلمين خيرا.وينبغي للحاج إذا وصل إلى حرم اهلل وبلده الحرام األمين))مكة

جالله، المشرفة((زادها اهلل شرفا: أن يكون ممتلىء القلب بتعظيم اهلل وا ويكون على أتم ما يمكن منه ويستطيعه من التذلل والتواضع، والخضوع

والخشوع واالنكسارهلل تعالى ولتكن هذه األوصاف شعاره ودثاره في جميع المواطن والمواقف الشريفة.

* * * وينبغي له أن يستكثر جدا من الطواف البيت، ومن الصالة عنده، فقد ورد

ن طاف أسبوعا كان له كعدل رقبة(( أي يعتقها لوجه اهلل تعالى. ))أن موورد ))أن الطائف بالبيت ال يرفع قدمه في طوافه، وال يضعها إال محيت

عنه سيئة أو كتبت اه حسنة، أو رفعت له درجة((. وورد أيضا )) أنها تنزل في كل يوم على

143

(1/143)

ا للطائفين، وأربعون للمصلين عند البيت عشرون ومائة رحمة: ستون منه

البيت وعشرون للناظرين إليه((.وليكثر في طوافه من تالوة القرآن، ومن األذكار واألدعية، وخصوصا منها

لبوارد في الطواف.وليكثر من استالم الحجر األسود المبارك، فإنه يمين اهلل في األرض

البيت تركته قريش لما يصافح بها عباده. ومن الصالة في الحجر، فإنه من بينه في الجاهلية حين قصرت بهم النفقة من الحالل.

* * * وليكثر من شرب ماء زمزم، فإنه خير ماء على وجه األرض كما قال عليه الصالة والسالم . وقال أيضا:))ماء زمزم لما شرب له،و إنها طعام طعم

وشفاء سقم((.شرفة فنالوها بفضل اهلل وقد شرب منها جماعات من األكابر لمطالب

.-صلى اهلل عليه وآله وسلم-وببركات رسوله اهلل * * *

ذا وقف بعرفات فليكثر من االستغفار والدعاء، والتضرع والبكاء وليسأل وا نابة، لنفسه ولوالديه وأحبابه ولكافة المسلمين قبال وا اهلل بصدق ورغبة، وا

فإنه يسأل كريما جوادا، بيده بصالح جميع األمور األخروية والدنيوية، الخير كله، وله خزائن السموات واألرض.

142

(1/142)

وهذا الموقف أعظم المواقف اإلسالمية وأجمعها، ويحضره من مالئكة اهلل

وعباده الصالحين خالئق ال يحصون، وقد ورد ))أن اهلل تعالى يباهي بأهل أعني : ألهل -غفر لهم الموقف أهل السماء، ويشهد مالئكته على أنه

وأنه تعالى قيل محسنهم ووهب مسيئهم لمحسنهم((. -الموقف وفي بعض اآلثار: أعظم الناس ذنبا من وقف بعرفات فظن أنه لم يغفرله. وجاء في الخبر: أن إبليس لعنه اهلل ال يرى أصغر وال أدحر وال أغيظ منه

الرحمة، وتجاوز اهلل عن في يوم عرفة، وما ذلك إال لكثرة ما يرى من تنزل المذنبين من الواقفين بعرفات.

* * * ومن آداب الحاج المهمة: أن يكون قصده مجرد حج بيت اهلل وتعظيم

حرماته، فإن لم ينفق له ذلك فليحذر كل الحذر أن يستصحب شيئا من أمور الدنيا التي تشغله عن إقامة المناسك، وتعظيم شعائر اهلل كما يجب

كما يقع ذلك لكثير من الغافلين عن اهلل، والمشغوفين بمحبة الدنيا وينبغي، من االشتغال بأمور التجارت والمبايعات عن تعظيم الحرمات وإلقامة المناسك، وربما أفضى األمر ببعضهم إلى أن يجعل قصد التجارة هو

األصل والحج تابع له، وهذا عظيم وفيها ذم كثير.142

(1/142)

ر في الحج إذا لم يشتغل عن إقامته، واإلتيان به على وجهه فال وأما األتجا

جناح فيه وال حرج، وقد أذن اهلل فيه وأنزل في شأنه:)ليس عليكم جناح أن بكم فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر تبتغوا فضال من ر

آلين(]البقرة: الحرام ن كنتم من قبله لمن الض [3واذكروه كما هداكم وا ولكن تجريد القصد للحج فقط هو األفضل، واستصحاب شيء من أمور التجارة الذي ال يشغل عن الحج و ال يفرق القلب ال بأس به. وما يفرق

المذموم، فاحذر منه أيها القلب ويكثر به االشتغال عن إقامة المناسك هو الحاج الراغب في أن يكون حجك مبروراسعيك مشكورا.

ومن المذموم في االستئجار للحج ما يقع لبعض العامة: من أن أحدهم يسير إلى الحج ونيته أن يفرغ ذمته من حجة اإلسالم حتى يصير بذلك

وحرصا صالحا الأن يستأجره الناس، حتى يحج لهم رغبة منه في اإلجارة،قبيحا على الدنيا. ولعل اهلل تعالى ال يقبل حجة اإلسالم من الذين يكون

ضميره منطويا على مثل ذلك. فليتق اهلل وليحذر هذا القصد الذي ال خير

نما ذكرناه لظهوره على بعض العامة الذين ال بصائر لهم، فليعرفوا فيه، وا به وليشاع ذكره.

به وال حرج فيه. وال يخلو األجير الذي يكون وأما االستئجار للحج فال بأسله قصد في زيارة البيت وتعظيم الحرمات اإللهية وسقاط الفرض عن أخيه

المسلم شفقة عليه: ال يخلو142

(1/142)

من ثواب كبير من فضل اهلل تعالى. وأما األجير الذي ليس له قصد إال

إالجارة فقط فأمره غير خال من الخطر.مام الغزالي رحمه اهلل تعالى: ينبغي لمن يؤجر نفسه في الحج أن قال اإل

يجعل أن قصد البيت هو األصل واإلجارة تابعة، وال يعكس فيجعل اإلجارة أصال والحج تابعا . انتهى بمعناه.

* * * وينبغي للحج أن يأتي بالحج على أكمل وجوهه فرضا ونفال، مع القيام

صلى اهلل -فق المنقول من حج رسول اهلل بجميع السنن واآلداب على و ، ويعرف ذلك من المناسك التي وضعها العلماء رحمة -عليه وآله وسلم

اهلل عليهم.ومن أحسنها ما ألفه اإلمام النووي رحمه اهلل، فال يستغني الحاج عن

استصحاب شيء منها أي :من المناسك التي ألفها العلماء، ليكونوبينة من ربه، وايزر جميع المشاهد والمواضع على بصيرة من أمره

المعظمة، وهي مشهورة ومعروفة.

* * * ، -صلى اهلل عليه وآله وسلم-وليحرص كل الحرص على زيارة رسول اهلل

وليحذر كل الحذر من تركها مع القدرة، وخصوصا بعد حجة اإلسالم، وقد لم يزرني فقد جفاني. ورد عنه عليه الصالة والسالم أنه قال: ))من حج و

ومن زارني ميتا فكأنما زارني حيا(( . فال ينبغي للمؤمن أن يقصر عن زيارة نبيه عليه الصالة والسالم

142

(1/142)

على أمته -صلى اهلل عليه وآله وسلم-والسالم إال لعذر ناجز، فإن حقه

ع من عظيم. ولو أن أحدهم يجئ على رأسه أو على بصره من أبعد موضاألرض عن قبره الشريف لزيارته عليه الصالة والسالم لم يقم بالحق الذي

عليه لنبيه.جزاه اهلل عنا وعن سائر المسلمين أفضل ما جزى نبيا عن أمته، فقد أدى الرسالة، وأوضح الداللة، ونصح األمة، وكشف الغمة، وتركنا على بيضاء

رها صلى اهلل وبارك وسلم نقية، ومحجة واضحة من الحق، ليلها مثل نهاعليه وعلى آلله أفضل ما صلى وبارك وسلم على أحد من خلقه وأدومه، عدد ما علم وزينة ما علم وملء ما علم، كاما ذكره الذاكرون، وسها وغفل

عن ذكره الغافلون.* * *

(1/148)

(1/147)

**************************** ****************************

بحث تالوة القرآن العظيم و الذكرم**************************** ****************************

(1/144)

(1/300)

مبحث تالوة القرآن العظيم

******************* ياكم من التالين لكتابه العزيز حق -واعلموا معاشر اإلخوان جعلنا اهلل وا

: -المحفوظين به، المقيمين له القائمينبه تالوته، المؤمنين به الحافظين لهأن تالوة القرآن العظيم من أفضل العبادات وأعظم القربات، وأجل

الطاعات، وفيها أجر عظيم ، وثواب كريم، قال اهلل تعالى :)إن الذين يتلون الة وأنفقوا مما رزقناهم س را وعالنية يرجون تجارة لن كتاب الله وأقاموا الص

[.22تبور * ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور(]فاطر: : ))أفضل عبادة أمتي تالوة القرآن (( -صلى اهلل عليه وآله وسلم-وقال

من كتاب اهلل له حسنة وقال عليه الصالة والسالم : ))من قرأ حرفا والحسنة بعشر أمثالها. ال قوله ألم حرف واحد، بل ألف حرف، والم حرف،

وميم حرف((.وقال عليه الصالة والسالم: )) يقول اهلل تعالى: من شغله ذكري وتالوة كتابي عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين . وفضل كالم اهلل

اهلل على خلقه((.تعالى على سائر الكالم كفضل وقال عليه الصالة والسالم : )) اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا

ألصحابه((.

301

(1/301)

وقال علي كرم اهلل وجهه: من قرأ القرآن وهو قائم في الصالة كان له بكل

حرف مائة حسنة، ومن قرأه وهو قاعد في الصالة كان له بكل حرف ن قرأه خارج الصالة وهو على طهارة كان له بكل حرف خمسون حسنة، وم

خمس وعشرون حسنة، ومن قرأه وهو على غير طهارة كان له بكل حرف عشر حسنات.

واعلموا: أن للتالوة آدابا ظاهرة وباطنة، وال يكون العبد من التالين حقيقة، وكل الذين تزكو تالوتهم، ويكون من اهلل بمكان حتى يتأدب بتلك اآلداب ،

من قصر فيها ولم يتحقق بها لم تكمل تالوته، ولكنه ال يخلو في تالوته

من ثواب، وله فضل على قدره.فمن أهم اآلداب وآكدها: أن يكون التالي في تالوته مخلصا هلل تعالى

ومريدا بها وجهه الكريم، والتقرب إليه والفوز بثوابه، وأن ال يكون مرائيا وال نا للمخلوقين، وال طالبا بتالوته شيئا من الحظوظ العاجلةمتصنعا، وال متزي

واألغراض الفانية الزائلة، وأن يكون ممتلئ الير والقلب والجوارح، حتى كأنه من تعظيمه وخشوعه واقف بين يدي اهلل تعالى يتلون عليه كتابه الذي أمره

ك وعلى فيه ونهاه. وحق لمن عرف القرآن وعرف المتكلم به، أن يكون كذلأتم من ذلك، كيف وقد قال اهلل تعالى: )لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته

خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك األمثال نضربها للناس لعلهم [.31يتفكرون( ]الحشر:

303

(1/303)

هكذا يكون حال الجبل مع جموده وصالبته لو أنزل عليه القرآن، فإذا كان

فكيف يكون حال اإلنسان الضعيف المخلوق من ماء وطين،لوال غفلة القلوب وقسوتها، وقلة معرفتها بعظمة اهلل عزه وجالله!!

وقال تعالى في وصف الخاشعين من عباده عند تالوة كتابه: )إن الذين دا *ويقولون سبحان أوتوا العل ون لألذقان سج م من قبله إذا يتلى عليهم يخر

ون لألذقان يبكون ويزيدهم ربنا إن كان وعد ربنا لمفعوال *ويخر [.18خشوعا(]اإلسراء:

ن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه وقال تعالى: ) الله نزل أحس

جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله( [، فالتعظيم والخشية والخشوع والخضوع عند تالوة القرآن من 32]الزمر:

العارفين بجالل اهلل رب العالمين. والغفلة أصناف المؤمنين الصادقين،والقسوة والسهو واللهو عند تالوة القرآن من أوصاف المعرضين المخلطين،

الذين ضعف إيمانهم، وقل يقينهم، وخلت قلوبهم من حقائق معرفة اهلل، ومعرفة كالمه. نسأل اهلل لنا ولكم العافية من ذلك، ومن جميع أنواع البالء

والمهالك. ** *

302

(1/302)

ومن أهم اآلداب وأجبها: أن يكون في حال تالوته متدبرا لما يقرأ متفهما له، حاضر القلب عند، قال اهلل تعالى: )كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا

[.34آياته وليتذكر أولوا األلباب (]ص:نكار والتوبيخ ألقوام: )أفال يتدبرون القرآن أم و قال تعالى في معرض اإل [.32على قلوب أقفالها(]محمد:

وقال علي رضي اهلل عنه: ال خير في قراءة ال تدبر فيها.وصدق رضي اهلل عنه، فإن القرآن إنما أنزل ليتدبر،وبالتدبر يفهم المراد

بما فيه، وهذا هو المقصود بإنزاله وبعثة منه، ويتوصل إلى العلم به والعمل به. -صلى اهلل عليه وآله وسلم-الرسول

فعليك في حال تالوتك بالتدبر والتفهم، فإن قليال تقرؤه. من القرآن مع التدبر والتفهم، خير من كثير تقرؤه من القرآن بدون ذلك.

ارعة، أتدبرهما قال بعض السلف رحمة اهلل عليهم: ألن أقرأ إذا زلزلت والق وأتفهمهما أحب إلي من أن أقرأ القرآن كله.

وسئل بعضهم عن قارئين: قرأ أحدهما البقرة فقط، وقرأ اآلخر البقرة آل عمران، وابتدآ معا وختما معا، أيهما أفضل؟ فقال: الذي قرأ البقرة فقط

أفضل. فقال: الذي قرأ البقرة فقط أفضل.

نما صار هذا الذي قرأ البقرة أكثر فضال، ومع أن قلت: وا 302

(1/302)

اآلخر قرأ مثله نحوا من مرتين لكون قارئ البقرة كان أكثر تدبيرا وترتيال. دل على ذلك استغراقه بقراء تها ذلك الوقت الذي قرأ فيه اآلخر البقرة وآل

عمران. فقد تبين لك أن التدبر والمقصود، والذي عليه المعول في حال التالوة

للقرآن الكريم، فعليك به رحمك اهلل .قال الحسن البصري رحمه اهلل: أن من كان قبلكم وأوا هذا القرآن رسائل

إليهم من ربهم، فكانوا يتدبرونها بالليل وينفذونها بالنهار. انتهى.وكلما كان العبد أوسع علما ومعرفة باهلل، كان أكثر تدبرا للقرآن، وأعظم

اتسع المجال في تدبر القرآن وفهمه للعارفين باهلل من فيهما فيه، ولذلكالعلماء الراسخين واألئمة المهتدين.قال أبو ذر رضي اهلل عنه:قام بنا رسول

بهم فإنهم عبادك -صلى اهلل عليه وآله وسلم-اهلل ليلة بقوله تعالى:)إن تعذن تغفر لهم فإنك أنت ال [.2عزيز الحكيم(]المائدة:وا

وكان عمر رضي اهلل عنه يقرأ اآلية في قيامه من الليل فيتدبرها حتى ربما يقط من قيامه من شدة خشيته وخشوعه. وربما مرض بسبب ذلك حتى

يعاد.وقام تميم الداري ليلة بهذه اآلية يرددها إلى الصباح: ) أم حسب الذين

الحات سواء محياهم اجترحوا الس يئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الص [.31ومماتهم ساء ما يحكمون(]الجاثية:

302

(1/302)

وقام سعيد بن جبير رحمه اهلل ليلة بقوله تعالى: )وامتازوا اليوم أيها

[ يرددها.24المجرمون(]يس: وما يحكى عن السلف الصالح في هذا المعنى كثير منتشر. وكان الخوف والبكاء يغلب عليهم عند قراءة القرآن من شدة

معرفتهم باهلل وفهمهم في كتابه، وتدبر هم له. وكان يغشى على كثير منهم عند قراءته وسماعه، وربما مات بعضهم.

هلل ونفعنا بهم.وذلك معروف في أخبارهم وسيرهم، رحمهم افإذا قرأت القران فتدبر وتفهم وتفكر ، وتوقف عند كل آية يكون فيها أمر من أوأمر اهلل تعالى، أو نهي من نهيه، أو وعد أو وعيد، ثم أنظر، فإن وجدت نفسك ممتثال لذلك االمأمور، مجتنبا لذلك المنهي، ومصدقا موقنا

أن ذلك حصل لك بتوفيقه ومعونته، بذلك الوعد والوعيد، فاحمد اهلل، واعلمن وجدت نفسك وزد في الجد والتشمير، واحتز من التساهل والتقصير. وا غير ممتثل لذلك المأمور، وغير مجتنب لذلك المنهي، وغير قوي اليقين

بالوعد والوعيد، فاستغفر ربك، وتب إليه من تقصيرك، واعزم على امتثال ليقين الكامل بوعده ووعيده.أمره واجتناب نهيه، وألزم قلبك ا

وكذلك إذا تلوت آيات التوحيد هلل والتقديس له عز وجل، واآليات التي فيها من معاني جالله، ورفيع مجده وكماله،

302

(1/302)

جالله. وتكون عند ذلك ممتلئ القلب بتوحيده وتقديسه وتعظيمه وا

ذا تلوت اآليات التي فيها ذكر أوصاف المؤمنين والصا لحين من عباد اهلل وا تعالى، وفيها شرح أخالقهم المحمدة، تتدبرها وتنظر فيها، وتطالب نفسك

باالتصاف والتخلق بها.ذا تلوت اآليات التي فيها ذكر األعداء من الكافرين والمنافقين، وذكر وا أوصافهم وأخالقهم القبيحة، تتدبرها وتنظر هل أنت مالبس لشيء منها،

لى اهلل منه لئال ينزل بك من اهلل مثل الذي بهم من فتتنزه عنه وتتوب إ السخط والعقاب.

وعلى مثل هذا النحو فتدبر في آيات اهلل عند كل آية منها على حسب المناسبة والموافقة، فإن آيات القرآن كثيرة ، وهي أنواع وأقسام متعددة،

تعالى:)ما وفيها العلوم الواسعة الغزيرة التي ال غاية لها وال نهاية، قال طنا في الكتاب من شيء(]األنعام: [.27فر

لنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء(]النحل: [.74وقال تعاى:)ونز وفي الحديث:))إن لكل آية ظهرا وبطنا، وحدا ومطلعا((.

* * * 308

(1/308)

القرآن بحسن الترتيل، والتأني في واستعن على حسن التدبر والتفهم لمعاني

حال تالوته، ومجانبة العجلة والهذ والهذرمة، فقد ورد النهي عن ذلك: أعني عن الهذ والهذرمة، وهو عبارة عن االستعجال، وترك الترتيل المأموربه، قال

[.2اهلل تعالى لرسوله عليه الصالة والسالم: )ورتل القرآن ترتيال(]المزمل:ولما وصفت أم سلمة وغيرها من الصحابة رضي اهلل عمهم قراءة رسول اهلل

، وصفوا قراءة مرتلة مفسرة حرفا حرفا. -صلى اهلل عليه وآله وسلم-وقد قال عليه الصالة والسالم :))يقال لقائ القرآن: اقرأ وارق ورتل كما

كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها((.قال بعض العلماء رحمهم اهلل تعالى : عدد درج الجنة بعدد آي القرآن ، فتكون منزلة من يقرأ القرآن كله في أعلى درجات الجنة. انتهى بمعناه.

قلت: وهذا يكون للقارئ المحسن في تالوته، العامل بما يقرؤه من القرآن لوردة في دون القارئ المخلط الغافل . دلت على ذلك األحاديث الصحيحة ا

ن كان أنزل في الظاهر. وعدد آيات عقاب القارئ الذي ال يعمل بالقرآن وا القرآن الكريم أكثر من سته آالف آية فيكون عدد درجات الجنة بحسب ذلك

على وفق ما ذكره العالم الذي نقلنا قوله قريبا. واهلل أعلم.* * * 307

(1/307)

آن، وهو معين على حضور القلب ومن المندوب إليه: تحسين الصوت بالقر

وخشوعه وحزنه، وباعث على حسن االستماع واإلصغاء إلى القرآن. وقد : ))حسنوا القرآن بأصواتكم ((. -صلى اهلل عليه وآله وسلم-قال رسول اهلل

وقال عليه الصالة والسالم : ))من لم يتغن بالقرآن فليس منا((.معرض الثناء على أبي موسى األشعري وقال عليه الصالة والسالم في

رضي اهلل عنه، وقد سمعه يقرأ القرآن بصوت حسن: ))لقد أوتي مزمارا من مزامير آل داود(( .

ولكن ينبغي أن يكون ذلك التحسين على وجه يليق بتعظيم القرآن و نشاد األشعار باأللحان كما يفعل ذلك احترامه، بحيث ال يشبه بالغناء، وا

نياء.بعض األغ* * *

وينبغي أن تكون في حال تالوتك على أكمل األحوال: من الطهارة واستقبال القبلة، وسكون الجوارح، وقلة االلتفات، والثياب والمكان، طيب الرائحة، وهذا هو األكمل األفضل. ولو أن القارئ قرأ وهو محدث غير مستقبل

في تالوته فضل القبلة، أو هو قائم أو سائر أو مضطجع جاز ذلك، ولهوثواب، ولكن دون ثواب من يكون على ما ذكرناه من حسن اآلداب وكمال

الهيئات.* * * 304

(1/304)

: أن قارئ القرآن وحافظه عند اهلل بمكان. -رحمكم اهلل -ثم اعلوا قال عليه الصالة والسالم: )) الذي يقرأ القرآن وهو به ماهر مع السفرة

الذي يقرؤه ويتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران((.الكرام البررة. و وقال عليه الصالة والسالم: ))أهل القرآن هم أهل اهلل وخاصته (( إلى غير

ذلك من الفضائل التي وردت بها األخبار الكثيرة الشهيرة.* * *

ولكن ينبغي لقارئ القرآن أن يعرف للقرآن حقه، وما يجب له من االحترام عظيم، وما يتعين عليه من األخذ به والعمل بما فيه، وما أرشد إليه من والت

ن كان مطلوبا جميل األوصاف، وكريم األخالق وصالح األعمال. وهذا وا من عامة المسلمين فهو على قارئ القرآن أوجب وآكد، وهو به أجدر

وأولى، لفضله وفضل ما معه من كتاب اهلل وبيناته وحججه.هلل عنه: يا معشر القراء، ارفعوا رؤوسكم فقد وضح لكم قال عمر رضي ا

الطريق، واستبقوا الخيرات.وقال عبد اهلل بن المسعود رضي اهلل عنه: ينبغي لصاحب القرآن أن يعرف

بليله إذ الناس نائمون، وبنهاره إذ الناس مفطرون، وبحزنه إذ الناس يفرحون، وببكائه إذ الناس

310

(1/310)

حكون، وبصمته إذ الناس يخوضون، وبخشوعه إذ الناس يختالون. يض

انتهى.قلت : معنى كالم ابن مسعود هذا أنه ينبغي أن يتميز صاحب القرآن عن

غيره من عامة الناس، بزيادة التشمير في طاعة اهلل وكثرة المسارعة في ، الخيرات، وشدة االحتراز من الغفلة مع مجانبة اللهو وكمال الخشية

والخوف من اهلل تعالى.وقال ابن مسعود رضي اهلل عنه أيضا: نزل القرآن ليعمل به فاتخذتم دراسته

عمال.* * *

فأما القارئ المخلط الغافل الذي ال يعمل بالقرآن، وال يأتمر بأوامره، وال ينزجر بزواجره، وال يقف عند حدوده، فقد وردت في ذمه األخبار، وجاءت

ت، وتخويفات كثيرة.في حقه تشديداقال عليه الصالة والسالم : ))اقرأ القرآن ما نهاك، فإن لم ينهك فلست

تقرؤه((.وقال عليه الصالة والسالم : ))من جعل القرآن أمامه قاده إلى الجنة، ومن

جعله وراء ظهره ساقه إلى النار...(( الحديث. قراء أسرع وقال عليه الصالة والسالم : )) النار إلى فسقة ال

311

(1/311)

منها إلى عبدة األوثان(( . و ورد أن القرآن غريب في جوف الظالم، و أنه

كم من قارئ يقرأ القرآن و القرآن يلعنه؛ يعني لمخالفته له، و عمله على خالف ما يدعوه إليه.

و بلغنا أنه يؤمر بأناس من حملة القرآن إلى النار قبل عبدة األصنام ؛ قولون: أيبدأ بنا قبل عبدة األصنام؟؛ فيقال لهم: ليس من يعرف كمن ال في

يعرف.و في بعض اآلثار: أن قارئ القرآن إذا ركب المعاصي يناديه القرآن في

جوفه : أين زواجري؟ أين قوارعي؟ أين مواعظي؟! . األثر إلى آخره.القرآن و هو :إن أحدهم يقرأ-رحمه اهلل تعالى-و قال ميمون بن مهران

يلعن نفسه، قيل له : و كيف ذلك؟ قال: يقرأ ) فنجعل لعنة الله على [ و هو يكذب، ) أال لعنة الله على 21الكاذبين(]آل عمران:

[ وهو يظلم .17الظالمين(]هود:يحانة ريحها وفي الحديث: )) إن المنافق الذي يقرأ القرآن مثله مثل الر

(( . و فيه أيضا: )) إن أقواما يقرؤون القرآن كما أنزل، طيب و طعمها مر ال يجاوز تراقيهم، يمرقون من اإلسالم كما بمرق السهم من الرمية(( .

نسأل اهلل تعالى اللطفو العافية، و التوفيق للتمسك بكتابه، والعلم به و الفهم بما أرشد إليه، مع حسن الخاتمة و حسن العاقبة في األمور فيه، و العمل

كلها لنا وألحبابنا و للمسلمين .* * * 313

(1/313)

ومن القربات العظيمة والفضائل الجسمية تعلم القرآن الكريم وتعليمه، وذلك

من فروض الكفايات المتأكدات.))خيركم من تعلم القرآن وقد قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم :

وعلمه((.وسئل سفيان الثوري رحمه اهلل تعالى ، فقيل له الرجل يتعلم القرآن أحب

إليك، أو يغزو في سبيل اهلل؟ فقال : بل يتعلم القرآن.* * *

وينبغي للقارئ لكتاب اهلل : أن يستكثر من تالوته آناء الليل والنهار، ومع ب واالحترام وليحذر كلالتدبر والترتيل، وغاية األدا

الحذر من هجران التالوة، وترك تعهد القرآن! فيتعرض بذلك لنسيانه الذي هو من أعظم الذنوب، ففي الحديث عنه عليه الصالة والسالم :))عرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل

)إن الذي ينسى القرآن بعد ثم نسيها...(( الحديث. وفي حديث آخر: ) حفظه يلقى اهلل يوم القيامة وهو أجذم((.

وقد أمر عليه الصالة والسالم صاحب القرآن بتعهده، وأخبر أن القرآن أسرع تفلتا من صدور الرجال من اإلبل من عقلها.

عناية تامة بقراءة القرآن، -رحمهم اهلل -وقد كان للسلف 312

(1/312)

لك عادات مختلفة، فمنهم من كان يختم في كل شهر ختمة، ولهم في ذ

ومنهم في -ومنهم في كل عشر ليال، وفي كل ثمان ليال، وفس كل سبع كل ثالث، ومنهم من كان يختم في كل يوم وليلة ختمة.

وختم بعضهم في اليوم واليلة ختمتين وبعضهم أربعا، وانتهى بعضهم إلى تمات.الختم في اليوم والليلة ثمان خ

قال اإلمام النووي رحمه اهلل: وهذا أكثر ما بلغنا، يعني الختم في اليوم والليلة ثمان مرات . وكره بعضهم الختم في أقل من ثالثة أيام ، أعني

المداومة على ذلك. وقد قال عليه الصالة والسالم : )) ال يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثالث(( .

* * * ن: أن يجعل له وردا من القرآن يقوم به في صالته وينبغي لصاحب القرآ

من الليل، فيتتبع القرآن من أوله حتى يختمه في صالته من الليل، إما في كل شهر، أو في كل أربعين، أو أقل أو أكثر حسب النشاط والتيسير، وال

يترك ذلك وال يكسل عنه، فقد ورد في الحديث: ))أن القرآن والصوم يشفعان عند اهلل، فيقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه ويقول في العبد

الصوم: منعته من الطعام بالنهار فشفعني فيه فيشفعان(( .وقد قال تعالى: ) ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قآئمة يتلون آيات الله

منون آناء الليل وهم يسجدون * يؤ 312

(1/312)

بالله واليوم اآلخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في

الحين(]آل عمران: [112-112الخيرات وأولئك من الصليل ما فيتأكد على القارئ للقرآن أن يقوم من الليل، وأن يقرأ في صالته بال [.30تيسر من القرآن، وكما قال تعالى: )فاقرؤوا ما تيسر منه (]المزمل:

وقال عليه الصالة والسالم : ))من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من

المقنطرين((.))بهجته((: ينبغي لقارئ القرآن أن يقرأ في كل قال العامري رحمه اهلل في

شهر ختمتين، ختمة بالليل في القيام من الليل، وختمة بالنهار.قال: وهذا شيء سهل، والمداومة عليه متيسرة. وصدق رحمه اهلل، والموفق

من وفقه اهلل تعالى.* * *

أول وينبغي لمن أراد أن يخنم القرآن: أن يختمه من أول الليل أو من النهار، حتى يتسع وقت صالة المالئكة عليه ، فإنه ورد في بعض اآلثار: أن من ختم القرآن أية ساعة من الليل صلت عليه المالئكة حتى يصبح،

وأية ساعة من النهار صلت

312

(1/312)

عليه المالئكة حتى يمسي. وفي صالة المالئكة على العبد كل خير، وكل

عنى صالتهم عليه: استغفارهم له ودعاؤهم له بالخير.سعادة له. وم* * *

وليكثر من الدعاء عند الختم ، فإنها ساعة شريفة مباركة، ومن المواطن التي يستجاب فيها الدعاء وتتنزل الرحمة.

قال اإلمام النووي رحمه اهلل: وينبغي أن يكون أكثر دعائه عند الختم في كر طرفا من األدعية التي ينبغي أن يدعى بها صالح أمور المسلمين. وذ

عند ختم القرآن، وذلك في كتاب ))التبيان(( له ، وهو كتاب جليل نفيس، جمع فيه من آداب حملة القرآن وقراءته قدرا صالحا، وال يستغني حامل

القرآن عن معرفته والوقوف عليه.

* * * ما في هذه األزمنة المباركة: ومما ينبغي المداومة عليه والتمسك به ال سي

الحزب المبارك الذي تعتاد قراءته، والمواظبة عليه في كثير منقامته في المساجد بين المغرب والعشاء وبعد صالة الفجر، وهو البلدان، وا معروف بحزب األسبوع. يفتتح ليلة الجمعة ويختم يوم الخميس، وقد روي

لقرآن ليلة الجمعة ويختتمه ليلة عن عثمان رصي اهلل عنه أنه كان يفتتح ا الخميس. فهذا الحزب موافق لما روي عنه من

312

(1/312)

حيث االبتداء والختم. وأما من حيث توزيع القراءة وقسمة األسباع فهو

أيضا على مثل هذه القسمة أو قريب منها، منقول عن عثمان رضي اهلل عنه وعن غيره من السلف.

د اهلل بن عباد شارح الحكم رحمه اهلل تعالى عند ذكره قال الفقيه أبو عبلحزب األسبوع في بعض))رسائله(( : هو من البدع الحسنة، ويتأكد التمسك

به في مثل هذه األزمنة التي ضعفت فيها شعائر الدين. انتهى كالمه بمعناه، واألمر كما ذكره رحمه اهلل.

أال يغفل عن أدبين قد ولكن ينبغي للمداوم على هذا الحزب المبارك أغفلهما كثير من المواظبين عليه.

أحدهما: أن ال يقصر من تالوة القرآن على قراءة هذا الحزب فقط، فإنه في األكثر يقرأ في جماعة وقد يكثرون فيكون نصيبه منه الذي يقرؤه شيئا

يسيرا.

أن : أن ال يفعل كما يفعل بعض الغافلين، وهو-األدبين -والثاني من بعضهم ينعس في حال القراءة حتى ال يشعر بالمقرأ الذي يدور عليه حتى

يوقظوه له.وبعضهم يأخذ في الحديث والكالم فيما ال يعني مع صاحبه القريب منه، حتى يأتيه المقرأ. وهذا مما ال ينبغي! بل هو مكروه ومستقبح، سيما إذا

وتالوة كتابه شديد كان ذلك في المساجد، والكالم فيها بغير ذكر اهللالكراهة. وقد ورد: الكالم في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل النار

الحطب.318

(1/318)

ونبهنا على هذين األدبين ألنا رأينا كثيرا من قراء هذا الحزب يغفلون

عنهما.والذي يقرأ عليه كتاب اهلل وهو ينعس أو يلغو حاله مشكل، وأمره مخطر،

ر كالمعرض عن كتاب اهلل تعالى والالهي عنه. فليحذر من يتقي ألنه يصي اهلل ويعظم حرماته من ذلك.

* * * وينبغي لمن يحفظ كتاب اهلل تعالى: أن يكثر من استماعه ومن اإلصغاء

ذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم عند قراءته، قال تعالى: )وا [.302مون(]األعراف:ترح

وقال عليه الصالة والسالم: )) من استمع إلى آية من كتاب اهلل كتبت له حسنة مضاعفة. ومن قرأها كانت له نورا يوم القيامة((، وليس طلب

االستماع خاصا بمن ال يقرأ القرآن، بل هو عام لكل أحد من قارئ وغيره، البن مسعود رضي اهلل -ه وسلمصلى اهلل عليه وآل-وقد قال رسول اهلل

عنه: ))اقرأ علي (( . فقال له: كيف أقرأ عليك وعليك أنزل! فقال عليه الصالة والسالم : )) إني أحب أن أسمعه من غيري(( فقرأ عليه من أول

سورة النساء...الحديث.لى قراءة سالم مولى واستمع عليه الصالة والسالم إلى قراءة أبي موسى، وا

لى قراءة ابن أبي حذيفه ثم قال: ))الحمد هلل الذي جعل في أمتي مثله((. وا مسعود أيضا هو وأبو بكر

317

(1/317)

وعمر ثم قال: ))من سره أن يقرأ القرآن رطبا كما أنزل، فليقرأ على قراءة

ابن أم عبد((، وهو ابن مسعود رضي اهلل عنهم أجمعين.د: قراءة السور واآليات التي وردت ومما ينبغي المحافظة عليه ويتأك

األخبار بفضائلها، وجزالة الثواب في تالوتها، والحث على المواظبة عليها في بعض األوقات.

فمن ذلك: قراءة سورة الكهف يوم الجمعة وليلة الجمعة، وففي الحديث: )) أن من قرأها غفر له إلى الجمعة األخرى، وسطع له نور من قدمه إلى

سماء(( وفي رواية: ))أضاء من النور ما بينه وبين البيت العتيق(( عنان الوورد: ))أن من حفظ عشر آيات من أول الكهف ثم خرج الدجال عصم من

فتنته((.وقال عليه الصالة والسالم في سورة البقرة : ))اقرؤوا سورة البقرة، فإن

أخذها بركة وتركها حسرة وال يستطيعها البطلة((. البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة ال يقربه شيطان ثالثا((. وورد: ))أن

ومن ذلك: قراءة سورة يس المباركة، قال عليه الصالة والسالم :))يس قلب القرآن، ال يقرؤها رجل يريد اهلل والدار اآلخرة إال غفر له(( وورد :))أن من

قرأها كان كمن قرأ القرآن عشر مرات((.314

(1/314)

: قراءة سورة تبارك كل ليلة، قال عليه الصالة والسالم :))هي ومن ذلك

النافعة والمنجية من عذاب القبر. ووددت أنها في قلب كل مؤمن، وأنها شفعت في رجل فغفر له((.

وكان عليه الصالة والسالم ال ينام كل ليلة حتى يقرأ آلم السجدة، وتبارك الملك.

عليه الصالة والسالم : ))من قرأ ومن ذلك : قراءة سورة )الدخان(، قال سورة الدخان في ليلة أصبح مغفورا له((.

وقال في سورة )الواقعة(: ))من قرأها كل ليلة لم تصبه فاقة((. وقال في سورة )إذا زلزلت(: ))إنها تعدل نصف القرآن((.

وفي سورة )ألهاكم التكاثر(: ))أن من قرأها كان كمن قرأ ألف آية((.اهلل أحد(: إنها تعدل ثلث القرآن، وأن من قرأها عشر مرات وفي )قل هو

بني له قصر في الجنة(( ، وورد الحث على قراءتها بعد كل صالة عشر مرات، وعند الصباح وعند المساء وعند النوم. ووردت قراءتها مع المعوذتين

ثالث مرات. وفي ذلك حفظ من اآلفات وكفاية لجميع المهمات.

صالة والسالم في الفاتحة: ))إنها أعظم سورةوقال عليه ال330

(1/330)

في القرآن، وأنها السبع المثاني والقرآن العظيم، وأنها أنزلت هي وآية

الكرسي وخواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش . وأن الفاتحة لما قرئت له، وأنها رقية حق((.

من قرأها بعد كل صالة وورد في آية الكرسي أنها : سيدة آي القرآن، وأنمكتوبة لم يكن بينه وبين دخول الجنة إال أن يموت، وأن من قرأها عند

النوم لم يقربه شيطان حتى يصبح.وورد: ))أن من قرأ اآليتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه((. وقال عليه

الصالة والسالم :))علموهما نساءكم وأبناءكم فإنهما صالة وقرآن ..(( الحديث.ودعاء.

وقال علي رضي اهلل عنه: ما أعلم أحدا يعقل دخل في اإلسالم ينام حتى يقرأ بالثالث اآليات من آخر سورة البقرة، يعني: )لله ما في السماوات وما

ن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغ فر لمن في األرض وا يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير * آمن الرسول بما أنزل ق بين به والمؤمنون كل آمن بالله ومآلئكته وكتبه ورسله ال نفر إليه من ر

سله وقال ليك المصير * ال يكلف أحد من ر وا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وا الله نفسا إال وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا ال تؤاخذنا إن

إصرا كما حملته على الذين من قبلنا نسينا أو أخطأنا ربنا وال تحمل علينا لنا ما ال طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنآ أنت موالنا ربنا وال تحم

[.372-372فانصرنا على القوم الكافرين(]البقرة:331

(1/331)

ن المذكورتان في قوله عليه الصالة والسالم : ))من قرأ بهما في وأما اآليتا

به و ليلة كفتاه(( فهي قوله تعالى: )آمن الرسول بما أنزل إليه من رق بين أحد من رس له المؤمنون كل آمن بالله ومآلئكته وكتبه ورسله ال نفر

ليك المصير * ال يكلف الله نفسا إال وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا ال تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا

لنا ما ربنا وال تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا وال تحمال طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنآ أنت موالنا فانصرنا على القوم

[.372-372الكافرين(]البقرة:ي معنى قوله عليه الصالة والسالم ))كفتاه((: أي كفتاه ما قال العلماء ف

أهمه، أو كفتاه من قيام الليل.قال اإلمام النووي رحمه اهلل: يجوز أن يكون المراد))بكفتاه((:أي ما أهمه ،

ومن قيام الليل جميعا. انتهى بمعناه.لقصد وهذا الباب منتشر، وما ورد فيه كثير معروف عند أهل العلم. وا

اإلشارة إلى بعض المهم من ذلك، ليتمسك به الراغبون في الخير فيفوزوا بما ترتب عليه من جزيل الثواب، ومن الحفظ والكفاية لآلفات، واهلل الموفق والمعين، ال رب غيره وال إله سواه، وحسبنا اهلل ونعم الوكيل.

* * * 333

(1/333)

ياكم من الذاكرين له كثيرا من الذين جعلنا اهلل -واعلموا معاشر اإلخوان وا

: أن الذكر هلل تعالى من أعظم -ال تلهيهم أموالهم وال أوالدهم عن ذكر اهللاألوامر، وأفضل القربات وأوصل الوسائل، قال اهلل عز من قائل:

[.123)فاذكروني أذكركم واشكروا لي وال تكفرون(]البقرة: [22تعالى: )يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا(]األحزاب:وقال

بك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول وقال تعالى: )واذكر ر [.302بالغدو واآلصال وال تكن من الغافلين(]اإلعراف:

وقال تعالى: )الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله أال بذكر الله تطمئن [.37القلوب(]الرعد:

وقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم: ))يقول اهلل تعالى أنا عند ظن رته في نفسي، عبدي بي، وأنا معه حيث يذكرني، فإن ذكرني في نفسه؛ ذك

ن تقرب إلي شبرا تقربت ن ذكرني في مأل ؛ ذكرته في مإل خير منهم، وا وا ن أتاني يمشي أتيته بت إليه باعا، وا ن تقرب إلي ذراعا تقر إليه ذراعا، وا

هرولة((.وقال عليه الصالة والسالم: ))أال أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم،

عها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق،وأرفومن أن تلقوا عدوكم فيضربوا أعناقكم وتضربوا أعناقهم؟ قالوا: بلى ، قال :

ذكر اهلل((.332

(1/332)

وقال عليه الصالة والسالم : ))ما عمل ابن آدم عمال أنجى له من عذاب

اهلل من ذكر اهلل((.: )) لذكر اهلل بالغداة والعشي أفضل من حطم وقال عليه الصالة والسالم

ا(( ) (.1السيوف في سبيل اهلل تعالى، ومن إعطاء المال سحوقال عليه الصالة والسالم : ))مثل الذي يذكر اهلل والذي ال يذكره مثل

الحي والميت، ومثل الشجرة الخضراء بين الشجر اليابس. وذاكر اهلل في ين((.الغافلين كالمقاتل بين الف ار

وما ورد في األمر بالذكر وفي فضله من اآليات واألخبار يطول ذكره ويتعذر حصره.

* * * قال العلماء رحمهم اهلل: أفضل الذكر ما كان بالقلب واللسان جميعا. وذكر

القلب على انفراده أفضل من ذكر اللسان على انفراده. انتهى.لذكر الجاري على اللسان قلت: ومعنى ذكر القلب: أن يكون صورة ا

حاضرة فيه وجارية عليه، مثل : ما إذا قال الذاكر بلسانه: ال إله إال اهلل، يكون معنى الذكر الجاري على اللسان حاضرا فيه.

مثل: أن يقول بلسانه: ال إله إال اهلل،------------------------------

: الصب والسيالن من فوق.1) ( السح332

(1/332)

ويكون معنى هذه الكلمة الشريفة الذي هو انفراد الحق باإللهية حاضرا في القلب. واهلل أعلم.

قال حجة اإلسالم رحمه اهلل: الذكر على أربع مراتب: األولى: ذكر اللسان فقط.

والثانية: ذكر القلب مع اللسان تكلفا. ف.والثالثة: ذكر القلب طبعا وحضوره مع اللسان من غير تكل

والرابعة: استيالء المذكور على القلب واستغراقه به.قال : والمرتبة األولى قليلة النفع وضعيفة األثر، يعني بها ذكر اللسان مع

غفلة القلب. انتهى كالمه بمعناه.وال شك أن ذكر اللسان مع غفلة القلب قليل الفائدة والنفع، ولكنه خير من

ترك الذكر رأسا.فين: إنا لنذكر اهلل وال نجد حضورا فقال : احمدوا اهلل الذي قيل لبعض العار

زين جارحة من جوارحكم بذكره؛ يعني بها اللسان.فينبغي لمن أخذ في الذكر بلسانه أن يتكلف إحضار قلبه مع اللسان، حتى يصير ذاكرا بهما جميعا تكلفا في أول األمر، ثم ال يزال يواظب على ذلك

القلب لذة الذكر، وتشرق عليه أنواره، فعند ذلك يحضر بال حتى يذوقتكلف وال مؤنة، بل ربما صار إلى حالة ال يمكنه معها الصبر عن الذكر،

وال الغفلة عنه.332

(1/332)

ثم اعلموا رحمكم اهلل: أن للذكر آدابا، وأن حضور القلب اللسان حال الذكر اكر ال يكاد يصل إلى شيء من فوائد هو أهمها وآكدها، فعليكم به. فإن الذكر وثمراته المقصودة بالحضور.

: أن يكون الذكر هلل على أكمل اآلداب وأحين الهيئات آداب الذكرومن ظاهرا وباطنا ، وأن يكون على طهارة ونظافة تامة، وأن يكون في حال

األطراف ذكره خاشعا هلل ، معظما لجالله، مستقبال للقبلة، مطرقا ساكن كأنه في الصالة.

ثم إن المطلوب من العبد: أن ال يزال ذاكرا هلل في جميع أحواله وعلى دوام أوقاته، فإن أمكنه الدوام على هذه األداب التي ذكرناها، من الطهارة

واالستقبال وغيرهما في دوام أحواله، كما هو شأن أرباب الخلوة و االنقطاع ن لم يمكنه الدوام على ذلك إلى اهلل تعالى فعل وداوم.و وهو األكثر -ا

فينبغي له أن يجعل له وقتا معينا يجلس فيه للذكر، متأدبا بهذه -واألغلب اآلداب التي ذكرناها، وبما في معناها مما لم نذكره، ثم ال يزال في بقية

أوقاته ذاكرا هلل : قائما وقاعدا ومضطجعا من غير حد وال تقييد، كما قال [.102عالى:فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم(]النساء:ت

* * * وليحذر من الغفلة عن الذكر في وقت من األوقات، فإن الغفلة عن ذكر

: ))من قعد -صلى اهلل عليه وآله وسلم-اهلل كثيرة الضرر، قال النبي 332

(1/332)

فيه إال كانت عليه من اهلل ترة ، ومن اضطجع مقعدا لم يذكر اهلل تعالىمضطجعا لم يذكر اهلل تعالى فيه إال كانت عليه من اهلل ترة، ومن مشى

ممشى ال يذكر اهلل تعالى فيه إال كانت عليه من اهلل ترة(( . انتهى. ومعنى الترة: الحسرة، وقيل: التبعة.

ه بسبب غفلته عن ذكر وربما تسلط الشيطان على الغافل، واستولى عليمواله، كما قال تعالى: )ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو

[.22له قرين(]الزخرف: [.14وقال تعالى: )استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله(]المجادلة:

ه كثيرا. كما أن وصف المنافق أن ال يذكر ومن شأن المؤمن أن يذكر ربربه إال قليال، قال اهلل تعالى في وصف المنافقين: )يرآؤون الناس وال

[.123يذكرون الله إال قليال(]النساء:وفي مالزمة الذكر والمداومة عليه طرد للشيطان، وقطع لوسوسته، كما ورد

ذا غفل : ))إن الشيطان جاثم على قلب العبد، فإذا ذكر اهلل خنس، وا وسوس له((.

فينبغي وتتأكد المواظبة والمالزمة لذكر اهلل على دوام األوقات، وفي عموم األحوال، قال عليه الصالة والسالم للرجل الذي قال له: يا رسول اهلل ، قد

. فقال له: )) ال يزال لسانك كثرت علي شرائع اإلسالم، فمرني بشيء به رطبا من ذكر اهلل((.

338

(1/338)

من فضائل الذكر وأرجحيته على غيره من -رحمهم اهلل -وقد عد العلماء األعمال الصالحة: أنه تمكن المداومة عليه في جميع األوقات واألحوال،

لمحدث ألنه غير مؤقت بوقت، بل هو مأمور به على الدوام، ويتعاطاه اوالجنب، والمشغول والفارغ. وال هكذا غيره من الصالة والصوم و التالوة،

فإن لها شرائط تتوقف عليها، وأوقاتا ال تصح إال فيها.وأفضل األعمال الصالة وهي ممنوعة في نحو ثلث النهار: من بعد صالة الصبح إلى ارتفاع الشمس، ومن بعد صالة العصر إلى الغروب. والصوم

نوع إال في النهار.مموقراءة القرآن الكريم ممنوعة على صاحب الجنابة وغير محبوبة من

صاحب األشغال التي تفرق القلب بحيث ال يجتمع معها قلبه، وذلك لحرمة القرآن وجاللته، وأما الذكر فقد وسع اهلل تعالى األمر فيه رحمة لعباده ومنة

لكلفة خفيفة بالنسبة إلى غيره. ففضل عليهم، ومع ذلك فالمؤونة فيه قليلة، وان كان لبعضها فضل عليه الذكر من هذه الحيثيات غيره من األعمال، وا

من حيثيات أخرى.فمن خصوصيات الذكر خفة المؤونة فيه مع فضله، وأنه يمكن المداومة

عليه، حتى إنه ينبغي لمن يكون على حالة يكره له فيها أن يذكر اهلل لخالء والجماع، أن ال يغفل عن الذكر اهلل بقلبه، كذلك قال بلسانه، مثل: ا

العلماء باهلل رحمهم اهلل.337

(1/337)

ن كنت صانعا ومحترفا ومالبسا لشيء من -رحمك اهلل -فال تزال ذاكرا وا أشغال الدنيا، فالزم الذكر مع ذلك بقلبك وبلسانك حسب اإلمكان.

ن ذكرت اهلل تعالى في سر ك، وبحيث تسمع نفسك فقد أصبت و أحسنت، وا قال عليه الصالة والسالم : ))خير الذكر الخفي، وخير الرزق ما يكفي(( بك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من وفي اآلية الكريمة: )واذكر ر

[.302افلين(]األعراف:القول بالغدو واآلصال وال تكن من الغ ن جهرت بالذكر مع اإلخالص هلل فيه، ولم تشوش بسبب ذلك على وا مصل وال قارئ بحيث تخلط عليه صالته وقراءته فال بأس بالجهر، وال

مانع منه بل هو مستحب ومحبوب.* * *

ن كان ذلك مع جماعة اجتمعوا لذكر اهلل على وفق ما ذكرناه من وا دم التشويش على المصلين والتالين ونحوهم، فذلك مندوب إليه اإلخالص وع

ومرغب فيه، وردت بفضله األخبار.قال عليه الصالة والسالم : )) ما اجتمع قوم في بيت من بيوت اهلل

يذكرون اهلل تعالى يريدون بذلك وجه اهلل تعالى إال غفرلهم، وبدل سيئاتهم حسنات((.

334

(1/334)

ه الصالة والسالم : ))ما قعد قوم يذكون اهلل تعالى إال حفتهم وقال علي

المالئكة، وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم اهلل فيمن عنده((.وقال عليه الصالة والسالم : ))إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا (( قيل :

ذكر((،وما رياض الجنة؟ قال: ))حلق الذكر(( . وفي رواية ))مجالس الله: ))إن هلل مالئكة سيارة في األرض وورد في الحديث الطويل الذي أو

يطلبون مجالس الذكر(( ثم ساق الحديث إلى أن قال في آخره:)) فيقول اهلل وأعطيتهم -أي للذاكرين -للمالئكة: أشهدكم أني قد غفرت لهم

ن عبد خطاء ما يسألون، وأعذتهم مما يستعيذون، فتقول المالئكة: فيهم فالوأنما مر فجلس معهم، فيقول تعالى: هم القوم ال يشقى بهم

جليسهم..((الحديث، وهو مشهور.* * *

وقد اختار جماعة من أهل طريق التصوف الجهر بالذكر، واالجتماع لذلك، ولهم في ذلك طرائق معروفة. واختار آخرون اإلسرار به، والجميع على

ائقهم رحمهم اهلل ونفع بهم .خير من ربهم، وسداد من طر ثم إن أهل هذه الطريق أعني طريقة التصوف ال يعدلون بالذكر هلل شيئا،

وعليه تعويلهم، وفيه شغلهم بعد إقامة الفرائض واجتناب المحارم، وبه يأمرون المريد والسالك لطريقهم، ويأخذون عليه العهد بالمداومة

320

(1/320)

شرائط وآداب لهم في طريقهم، الذكر هلل أهمها عليه والمالزمة له، مع

وآكدها.والذكر على أنواع كثيرة، ولكل نوع منها فضل وثواب عظيم، وفيه فوائد

جمة، وله ثمرات وآثار شريفة.-بل هو أشرفها وأفضلها: ))ال إله إال اهلل((؛ قال النبي أنواع الذكرفمن

الذكر ال إله إال اهلل .وأفضل الدعاء : ))أفضل -صلى اهلل عليه وآله وسلمالحمد هلل((، وقال عليه الصالة والسالم : )) أفضل ماقلت أنا والنبيون من

قلبي : ال إله إال اهلل((.وقال عليه الصالة والسالم فيما يرويه عن اهلل تعالى: ))ال إله إال اهلل

حصني، ومن دخل حصني أمن من عذابي((.سالم : ))جددوا إيمانكم(( قالوا: وكيف نجدد إيماننا؟ وقال عليه الصالة وال

قال : ))أكثروا من قول ال إله إال اهلل((.وقال عليه الصالة والسالم : ))سبحان اهلل نصف الميزان، والحمد هلل تملؤه،

والإله إال اهلل ليس لها دون اهلل حجاب((.قال القائل: ال إله وورد: أن عمودا من نور واقف بين يدي اهلل تعالى، فإذا

إال اهلل؛ أهتز ذلك العمود، فيقول اهلل تعالى: اسكن فيقول: كيف أسكن ولم تغفر لقائلها، فيقول اهلل تعالى: قد غفرت له. فيسكن. وورد أيضا: أن العبد إذا قال : ال إله إال اهلل، لم تمر

321

(1/321)

، حتى تجد حسنة فتسكن ال إله إال اهلل على سيئة في صحيفته إال محتها

إلى جنبها.وورد أيضا: ))أنه لو كانت السماوات السبع واألرضون السبع وما فيهن في

كفة، وال إله إال اهلل في كفة لرجحت بهن ال إله إال اهلل((.وما ورد في فضل هذه الكلمة كثير شهير، والقصد اإلشارة دون

ة التي يدخل بها اإلنسان االستقصاء. ويكفي في معرفة فضلها أنها الكلم

في اإلسالم، ومن ختم له عند الموت بها فاز بالسعادة األبدية التي ال شقاوة بعدها.

اللهم يا كريم: نسألك أن تحيينا وتميتنا وتبعثنا على قوال ))ال إله إال اهلل((مخلصين، ووالدينا وأحبابنا والمسلمين. آمين

ال اهلل وحده ال شريك له، له الملك وقال صلى اهلل عليه وسلم في )ال إله إوله الحمد، وهو على كل شيء قدير( : ))من قالها عشر مرات كان كمن

أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل عليه السالم((.وقال عليه الصالة والسالم : ))من قال ال إله إال اهلل وحده ال شريك له، له

وم مائة مرة، كانت له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، في يعدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي. ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به

إال رجل عمل أكثر منه((.323

(1/323)

شريك وقال عليه الصالة والسالم أيضا :))من قال ال إله إال اهلل، وحده ال

له ، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لم يسبقها عمل، وال تبقى معها خطيئة((.

* * * ومن أفضل أنواع الذكر وأجمعها قول: ))سبحان اهلل، والحمد هلل، وال إله إال

اهلل، واهلل أكبر(( فقد ورد عنه عليه الصالة والسالم :))أنها خير الكالم عالى((.وأحبه إلى اهلل ت

وقال عليه الصالة والسالم : ))ألن أقول سبحان اهلل، والحمد هلل، و ال إله إال اهلل، واهلل وأكبر، أحب إلي مما طلعت عليه الشمس((.

وقال عليه الصالة والسالم : ))لقيت إبراهيم عليه السالم، وأخبرني فقال: يا ة طيبة التربة، عذبة محمد، اقرأ على أمتك مني السالم، وأخبرهم أن الجن

( وأن غراسها: سبحان اهلل، والحمد هلل، وال أله إال اهلل، 1الماء، وأنها قيعان) واهلل أكبر((.

وقال عليه الصالة والسالم في هذه الكلمات األربع: ))من قالهن غرست له بكل واحدة منهن شجرة((، أي : في الجنة.

--------------------------- ع، وهو في األصل: المكان المستوي الواسع في وطأة من ( جمع قا1)

األرض يعلوه ماء السماء فيمسكه، ويستوي نباته.322

(1/322)

وقال عليه الصالة والسالم ألبي الدرداء رضي اهلل عنه: ))قل سبحان اهلل،

والحمد هلل، وال إله إال اهلل، واهلل أكبر، وال حول وال قوة إال باهلل العلي يم، فإنهن الباقيات الصالحات، وهن يحططن الخطايا كما تحط الشجرة العظ

ورقها((.وقال عليه الصالة والسالم في: ال حول وال قوة ال باهلل العلي العظيم: )) نها دواء من تسعة وتسعين داء أدناها الهم((. إنها كنز من كنوز الجنة، وا

ليه نعمة وأحب بقاءها وقال عليه الصالة والسالم : ))من كانت هلل ع فليكثر من: ال حول وال قوة إال باهلل العلي العظيم((.

ومن أنواع الذكر الفاضلة قول : سبحان اهلل وبحمده، قال عليه الصالة والسالم: )) أحب الكالم إلى اهلل تعالى، سبحان اهلل وبحمده(( ،طفى اهلل وسئل عليه الصالة والسالم: أي الكالم أفضل؟ قال : ))ما اص

لمالئكته: سبحان اهلل وبحمده((.وقال عليه الصالة والسالم : ))من قال سبحان اهلل وبحمده غرست له نخلة

في الجنة. ومن قالها مائة مرة كتبت له ألف حسنة، وحطت عنه ألف خطيئة((.

: ))من قال حين يصبح وحين يمسي: -صلى اهلل عليه وآله وسلم-وقال هلل وبحمده مائة مرة، لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به سبحان ا

إال أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه((.وقال عليه الصالة والسالم : ))كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان اهلل وبحمده، سبحان اهلل العظيم((.

322

(1/322)

صلى اهلل عليه وآله -لمؤمنين جويرية رضي اهلل عنها: أن النبي وعن أم ا

خرج من عندها ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة تسبح فقال: -وسلمصلى -))ما زلت على الحالة التي فارقتك عليها؟(( قالت: نعم. قال النبي

و: ))لقد قلت بعدك أربع كلمات )ثالث مرات( ل -اهلل عليه وآله وسلمنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن : سبحان اهلل وبحمده عدد خلقه، ورضا وز

نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته((.ومن أنواع األذكار الكثيرة الخير والبركة، العظيمة الفضل والثواب:

، -صلى اهلل عليه وآله وسلم-االستغفار، والصالة على النبي المختار والدعاء.تغفار فقال اهلل عز من قائل في فضله: )وما كان الله ليعذبهم وأنت أما االس

[.22فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون(]األنفال:نا إلى أجل وقال تعالى: )وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حس

ن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله وا [.2كبير(]هود:

وقال تعالى فيما حكاه عن نبيه نوح عليه السالم: )فقلت استغفروا ربكم إنه درارا * يمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم كان غفارا * يرسل السماء عليكم م

[13-10جنات ويجعل لكم أنهارا(]نوح:وقال تعالى: )ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر اهلل يجد اهلل غفورا

[.110ساء:رحيما(]الن وقال عليه الصالة والسالم :))من لزم االستغفار جعل اهلل

322

(1/322)

له من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ورزقه من حيث ال يحتسب((.

وقال عليه الصالة والسالم: )) طوبى لمن وجد في صحيفته استغفارا كثيرا((.

ستغفر اهلل في يوم سبعين مرة غفر وقال عليه الصالة والسالم: ))من قال أاهلل له سبعمائة ذنب، وقد خاب عبد أو أمة يذنب في يوم وليلة أكثر من

سبعمائة ذنب((، وقال عليه الصالة والسالم: ))واهلل إني ألستغفراهلل وأتوب إله في اليوم أكثر من سبعين مرة((.

داءكم الذنوب، وقال عليه الصالة والسالم: ))اال أخبركم بدائكم، أال إن ودواءكم االستغفار((،

وقال عليه الصالة والسالم: )) قال إبليس: وعزتك وجاللك يا رب ال أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم. فقال اهلل: وعزتي وجاللي ال

برحت أغفر لهم ما استغفروني((.صلى اهلل -اهلل وقال عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما: كنا نعد لرسول

في المجلس لواحد )مائة مرة(: ))رب اغفر لي وتب علي -عليه وآله وسلم إنك أنت التواب الرحيم((.

: باإلكثار من هذا الذكر المبارك، الذي كان من -رحمك اهلل -فعليك بهذه المنزلة. -صلى اهلل عليه وآله وسلم-رسول اهلل

ل رحمه اهلل رئي بعد موته في المنام فذكر: وبلغنا أن اإلمام أحمد بن حنبأن اهلل نفعه كثيرا بكلمات سمعها من سفيان الثوري رحمه اهلل، وهي هذه: اللهم يا رب كل شيء، بقدرتك على كل شيء، اغفر لي كل شيء، وال

تسألني عن شيء. انتهى يمعناه.322

(1/322)

لمباركات. ومن المأثور: أن من فعليك أيضا: باإلكثار من هذه الكلمات ا

استغفر اهلل كل يوم للمؤمنين والمؤمنات )سبعا وعشرين مرة( صار من العباد الذين بهم يرحم الخلق، وبهم يمطرون ويرزقون. وهذه صفة األبدال

من رجال اهلل وعباده الصالحين.ا عظيم، وأما الصالة على رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم ففضله

ونفعها في الدينا واآلخرة للمكثرين منها كثير، قال اهلل تعالى: )إن الله ومالئكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا

[.22تسليما(]األحزاب:فا لنبيه وتعظيما، وحثا لعباده فناهيك بما نص اهلل عليه في هذه اآلية تشري

المؤمنين على الصالة والتسليم عليه وتحريضا. وقال عليه:)) من صلى علي واحدة صلى اهلل عليه عشرا((.

قال بعض العلماء المحققين رحمهم اهلل :لو صلى اهلل على العبد في طول عمره مرة وأحدة لكفاه ذلك شرفا وكرامة، فكيف بعشر صلوات على كل

صالة يصليها الميلم على نبيه؟! انتهى328

(1/328)

فالحمد هلل على عظيم فضله وجزيل عطائه.

وقال عليه الصالة والسالم: ))من صلى علي صالة صلى اهلل عليه بها عشر صلوات، ورفع له بها عشر خطيئات((،

وقال عليه الصالة والسالم: ))أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي ة((.وقال عليه الصالة والسالم: ))من قال الللهم صل على محمد، صال

وأنزله المقعد المقرب عندك يوم القيامة وجبت له شفاعتي(( وقال عليه الصالة والسالم: ))من قال جزى اهلل عنا محمدا ما هو أهله، أتعب سبعين

كاتبا ألف صباح((.

تم، فإن صالتكم وقال عليه الصالة والسالم: ))صلوا علي حيثما كن تبلغني((.

وورد: ))أن هلل مالئكة سياحين في األرض يبلغونه عليه صالة من يصلي عليه من أمته.

وورد: ))أنه ال يسلم عليه أحد من أمته إال رد اهلل عليه روحه الشريفة حتى -يردعليه((. قال الشيخ ابن حجر في))الدر المنضود((: وروي عن النبي

أنه قال :))ما من أحد يسلم عليه إال رد اهلل -له وسلمصلى اهلل عليه وآ روحه الشريفة حتى يرد عليه((.

وقد ورد في السالم عليه المضاعفة بالسالم من اهلل عشر مرات على المسلم عليه كما ورد في الصالة.

327

(1/327)

وقال عليه الصالة والسالم: ))رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل

لحديث. وقال عليه الصالة والسالم: ))من ذكرت عنده فأخطأ علي...((ا الصالة علي أخطأ طريق الجنة((.

وقد أمر عليه باإلكثار من الصالة عليه في يوم الجمعة ، فإن صالة أمتي تعرض علي في كل يوم جمعة: فأقربهم مني منزلة أكثرهم علي صالة((.

يلة الغراء واليوم األزهر(، وقال عليه الصالة والسالم: ))صلوا علي في الل يعني : ليلة الجمعة ويومها.

صلى اهلل عليه -فينبغي لكل مؤمن: أن يكثر من الصالة على رسول اهلل في دوام األوقات، وفي ليلة الجمعة ويومها خصوصا. -وآله وسلم

وليجعل السالم عليه مع الصالة، فقد أمر اهلل بهما جميعا.تعالى أنه قال له عليه الصالة والسالم: )) من صلى وفي الحديث عن اهلل

عليك صليت عليه، ومن سلم عليك سلمت عليه((.وينبغي لمن صلى وسلم على نبيه: أن يصلي ويسلم على آله بعده، فإنه

عليه يحب لهم ذلك، وقد وردت به األحاديث. وجاء في بعض اآلثار : أن سمى الصالة البتراء. واهلل أعلم.الصالة التي ال يصلى فيها على اآلل ت

324

(1/324)

وأما الدعاء: فقد أمر اهلل به وحث عليه ورغب فيه، فقال عز من قائل كريم:)ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه ال يحب المعتدين*و ال تفسدوا في

وفا وطمعا إن رحمت الله قريب من األرض بعد إصالحها وادعوه خ [22-22المحسنين(]األعراف:

[.170وقال تعالى: )ولله األسماء الحسنى فادعوه بها(]األعراف: [20وقال تعالى: )وقال ربكم ادعوني أستجب لكم (]غافر:

ال إله إال هو فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله وقال تعالى: )هو الحي [.22رب العالمين(]غافر:

: ))الدعاء هو العبادة((.-صلى اهلل عليه وآله وسلم-وقال النبي وقال عليه الصالة والسالم: )) الدعاء سالح المؤمن، وعماد الدين، ونور

(( .السموات واألرضوقال عليه الصالة والسالم: ))ال يرد القضاء إال الدعاء، وال يزيد في العمر

إال البر((.

وقال عليه الصالة والسالم: ))الدعاء مخ العبادة((.وقال: ))ال يهلك مع الدعاءأحد . والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل((،

نون باإلجابة. وأعلموا أن وقال عليه الصالة والسالم: ))ادعوا اهلل وأنتم موق اهلل ال يستجيب دعاء من قلب غافل اله ساه((.

وأمر عليه الصالة والسالم بتعظيم المسألة وبجزمها. وأن ال يقول العبد: اللهم اغفر لي إن شئت. بل يعزم المسألة،

320

(1/320)

ائه ويعظم الرغبة، ويلح في المسألة، ويوقن باإلجابة، ويكون عند دع

حاضر القلب مع ربه، خائفا من الرد من حيث غفلته عن مواله، وتقصير في القيام بحقه وطامعا في اإلجابة ونيل الرغبة لكمال الجود وصدق الوعد.

وقد ورد: ))أن اهلل حيي كريم، يستحي من العبد إذا رفع إليه يديه أن يردهما فارغتين((.

إال استجاب له، فإما أن يجعل له ما وورد أيضا: )) أنه ال يدعو اهلل داع سأل، وأما أن يدفع عنه البالء أعظم من ذلك ، وأما أن يدخر له في اآلخرة ما هو أفضل وأكمل((؛ فينبغي للعبد أن ال يزال داعيا ومتضرعا في رخائه وشدتة، ويسره وسره وخيرة في تأخير بعض األمور. ويكون للعبد في ذلك

يشعر، فليدع ويفوض.صالح ونفع من حيث ال وكلما سأل ربه شيئا فليسأل معه اللطف والعافية وصالح العاقبة. وليسأل

اهلل كل ما يشاء مما فيه رضاه من أمور اآلخرة والدنيا، ومن كل جليل وحقير.

وال يغفل عن أكل الحالل، فإنه من أهم الشرائط ال ستجابة الدعاء، كما ورد : )) ثم ذكر الرجل يطيل السفر، وأشعث أغبر يمد في الحديث الصحيح

، ومطعمه حرام، وملبسه حرام، وغذي يديه إلى السماء، يا رب يا رب بالحرام، فأنى يستجاب لذلك!((.

321

(1/321)

وقال بعض السلف : الدعاء كالمفتاح، وأسنانه لقم الحالل. انتهى.

عن الدعاء في أوقات الشدة والرخاء. وينبغي لإلنسان أن ال يغفلقال عليه الصالة والسالم: )) تعرف إلى اهلل في الرخاء يعرفك في الشدة((،

وقال عليه الصالة والسالم:))من سره أن يستجيب اهلل له عند الشدائد والكرب فليكثر من الدعاء في حالة الرخاء((.

اهلل به على عباده حين أمرهم به وبالجملة: فالدعاء من أعظم ما أنعموحرضهم عليه، حتى إنه عز وجل يغضب على من لم يسأله،كما قال عليه

الصالة والسالم: ))من لم يسأل اهلل تعالى يغضب عليه((.وكما ينبغي لإلنسان أن يدعو لنفسه بالخير وبالنجاة من الشر، ينبغي له

ن.أن يدعو بمثل ذلك لوالديه وأل حبابه المسلميوليحذر كل الحذر من الدعاء بالشر على نفسه أو على أوالده أو على ن ظلمه فليكل أمره إلى اهلل، وليرض ماله، أو على أحد من عباد اهلل، وا

بنصرة اهلل تعالى له، وفي الحديث: ))من دعا على من ظلمه فقد انتصر((.

دل الدعاء وال خير في الدعاء بالشر على ظالم وال على غيره، وليجعل ب

عليه الدعاء له، كما هي صفة عباد اهلل الرحماء.* * * 323

(1/323)

وفي الحديث عن عائشة رضي اهلل عنها: أنه كان عليه الصالة والسالم

يستحب من الدعاء الجوامع الكوامل، ويدع ما سوى ذلك. فمن الدعوات النبويات الجامعات:

في الدنيا واآلخرة((...))اللهم إني أسألك العافية ...))اللهم أحسن عاقبتنا في األمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب

اآلخرة(( ...))اللهم ارزقني طيبا واستعملني صالحا((

...))اللهم ألهمني رشدي وأعذني من شر نفسي(( ...))اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى((

..))اللهم كما حسنت خلقي فحسن خلقي((. ...))اللهم اجعل سريرتي خيرا من عالنيتي، واجعل عالنيتي صالحة((

...))اللهم إني أسالك علما نافعا، وأسألك رزقا طيبا، وأسألك عمال متقبال((...))اللهم اجعل خير عمري آخره، خير عملي خواتمه، وخير أيامي يوم

لقائك((...))اللهم أرني الحق حقا وارزقني اتباعه، وأرني الباطل باطال وارزقني

اجتنابه(( ...))اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا((،

...))اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي اآلخرة حسنة، وقنا عذاب النار((.ثم بالصالة والسالم على النبي و وليفتتح الدعاء بالحمد هلل والثناء عليه،

على آله، وليختم دعاءه بمثل ذلك، ثم ليقل بعده آمين.وليكثر العبد جدا من سؤال العافية في الدنيا واآلخرة، فقد ورد في الحديث: ))أنه ما سئل اهلل شيئا أحب إليه من أن يسأل العافية في الدنيا واآلخرة((،

ها. واهلل ولي التوفيق.فهي من أجمع الدعوات وأفضل

322

(1/322)

ثم إنه قد ورد عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم من األذكار واألدعية المطلقة والمقيدة باألوقات المتعاقبة، واألحوال المتغايرة ما كثر وانتشر، وقد

ت، رتبها عليه ألمته، ورغبهم فيها، لتكون سببا لهم إلى نيل الخير والخيراوالسالمة من الشر واآلفات الواقعة بمشيئة اهلل تعالى في تلك األحوال

واألوقات. فمن حافظ عليها نجا وسلم ، وفاز وغنم. ومن فرط فيها وأهمل العمل بها فال يلومن إال نفسه. وما ربك بظالم للعبيد.

في ))كتاب األذكار(( له، جملة -رحمه اهلل -وقد جمع اإلمام النووي ثرة من ذلك، وضم إليها من اإليضاح والبيان، ونفائس األحكام، مستك

ومهمات الفوائد ما يطمئن به القلب، وينشرح له الصدر شكر اهلل سعيه، وجزاه عن المسلمين خيرا.

وذكر أيضا صاحب ))عدة الحصن الحصين(( فيها من ذلك طرفا صالحا ح والمساء خاصة نبذة رحمه اهلل. وقد جمعنا ألصحابنا من أذكار الصبا

مختصرة مباركة إن شاء اهلل تعالى. واهلل يقول الحق وهو يهدي السبيل.* * * 322

(1/322)

******************************* *******************************

مبحث األمر بالمعروف والنهي عن المنكر*******************************

*******************************

(1/322)

(1/322)

مبحث األمر بالمعروف والنهي عن المنكر

******************************* جعلنا اهلل واياكم من القوامين بالقسط، اآلمرين -واعلموا معاشر اإلخوان

: أن األمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم شعائر الدين، -به لمؤمن، وقد أمر اهلل بذلك في كتابه وعلى لسان رسوله وأهم المهمات على ا

، وحث عليه ورغب فيه، وشدد في تركه فقال -صلى اهلل عليه وآله وسلم-نكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن تعالى:)ولتكن م

[.102لمفلحون(]آل عمران:المنكر وأولئك هم اوقال تعالى:)كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن

[.110المنكر وتؤمنون بالله(]آل عمران:يأمرون بالمعروف وقال تعالى: )والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض

كاة ويطيعون الله ورسوله الة ويؤتون الز وينهون عن المنكر ويقيمون الص [.81أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم(]التوبة:

ني إسرائيل على لسان داوود وعيسى وقال تعالى: )لعن الذين كفروا من ب كانوا يعتدون * كانوا ال يتناهون عن منكر فعلوه ابن مريم ذلك بما عصوا و

[.84-87لبئس ما كانوا يفعلون(]المائدة:328

(1/328)

: ))من رأى منكن منكرا فليغيره -ه وآله وسلمصلى اهلل علي-وقال رسول اهلل

بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف األيمان((وقال عليه الصالة والسالم: ))يا أيها الناس، مروا بالمعروف

وأنهوا عن المنكر قبل أن تدعوا فال يستجاب لكم، وقبل أن تستغفروا فال بالمعروف والنهي عن المنكر ال يدفع رزقا، وال يقرب يغفر لكم((، إن األمر

أجال، وأن األحبار من اليهود، والرهبان من النصارى لما تركوا األمر بالمعروف والنهي عن المنكر لعنهم اهلل على لسان أنبيائهم، ثم عموا

بالبالء. وقال عليه الصالة والسالم: ))أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان

(.جائر(وسئل صلوات اهلل عليه عن خير الناس فقال: ))أتقاهم للرب، وأوصلهم

للرحم، وآمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر((.* * *

وبلغنا أن اهلل تعالى عذب قرية فيها ثمانية عشر ألفا، أعمالهم كأعمال األنبياء غير أنهم كانوا ال يغضبون هلل.

روف والنهي عن المنكر ال رخصة ألحد فقد تبين واتضح أن األمر بالمعفي تركهما عند القدرة واإلمكان، وأن من أضاع ذلك وتساهل فيه فهو

متهاون بحق اهلل، وغير معظم لحرماته كما ينبغي، وقد ضعف إيمانه وقل من اهلل خوفه وحياؤه. فإن كان

327

(1/327)

ى أنه إذا أمر أو سكوته رغبة في الدنيا، وطمعا في الجاه والمال، ويخش

نهى سقطت منزلته، وضعف جاهه عند من أمره أو نهاه من العصاة والظلمة، فقد عظم إثمه، وتعرض بسكوته لسخط ربه ومقته. فأما إذا سكت عن األمر والنهي لعلمه أنه يحصل له إذا أمر أو نهى مكروه في نفسه أو

الذي يحصل له ماله، فقد يجوز له السكوت إذا تحقق ذلك وكان المكروه شديدا وله وقع ظاهر. ولو أمر ونهى مع ذلك كان له أجر عظيم، وثواب يثاره على نفسه، وعلى نهاية جزيل، وكان ذلك منه دليال على محبة اهلل، وا

الحرص على نصرته لدينه، كما قال تعالى:)وأمر بالمعروف وانه عن [.18ابك إن ذلك من عزم األمور(]لقمان:المنكر واصبر على ما أص

وما أحسن حال العبد إذا ضرب أو حبس أو شتم بسبب قيامه بحقوق ربه، وأمره بطاعته، ونهيه عن معصيته!! ذلك دأب األنبياء والمرسلين، واألولياء

الصالحين، والعلماء العاملين، كما هو منقول في أخبارهم، ومعروف من رهم وآثارهم، وال خير في الجبن والضعف المانعين من نصرة الدين، سي

ومجاهدة الظالمين والفاسقين ، لردهم إلى طاعة اهلل رب العالمين. فإن الغضب هلل والغيرة عند ترك أوامره، وارتكاب نواهيه وزواجره، شأن األنبياء

أنه عليه والصديقين، وبذلك وصفوا، واشتهرو وعرفوا، كما ورد في الحديث: كان ال يغضب لنفسه، فإذا انتهك شيء من

324

(1/324)

حرمات اهلل تعالى لم يقم لغضبه شيء، وكما قال عليه الصالة والسالم في حق عمر بن الخطاب رضي اهلل عنه: ))قوله الحق، وماله في الناس من

صديق((.لمؤمنين أعزة على وقال تعالى في وصف أحبابه من المؤمنين: )أذلة على ا

[.22الكافرين يجاهدون في سبيل الله وال يخافون لومة آلئم (]المائدة:فتبين أن المؤمن الكامل ال يقدر أن يملك نفسه عند مشاهدة المنكرات حتى

فق ومن يغيرها أو يحال بينه وبين ذلك بما ال طاقة له على دفعه. وأما المناضعف إيمانه جدا، فإذا رأوا المنكرات تعللوا وعذرو أنفسهم باألعذار

صلى اهلل عليه وآله -الركيكة التي ال تقوم بها حجة عند اهلل وعند رسوله . -وسلم

وتراهم إذا شتموا أو ظلموا بشيء من أموالهم يقومون أتم القيام ويغضبون

ه ويصارمونه الزمان الطويل، أشد الغضب. ومن فعل معهم ذلك يخاصمونالمضيعين لحقوق اهلل تعالى. وأن المؤمنين الصادقين على العكس من

ذلك، يغضبون هلل وال يغضبون ألنفسهم، ويقاطعون من عصى اهلل وترك أمره، ويصار مونه إذا لم يقبل الحق، ويصفحون ويتجاوزون عمن ظلمهم

أو شتمهم.كونوا مع أحسنهم فريقا، وأقومهم فانظروا الفرق ما بين الفريقين، و

طريقا،و)استعينوا بالله واصبروا إن األرض لله يورثها من يشاء من عباده [.137والعاقبة للمتقين(]األعراف:

320

(1/320)

قام ثم إن األمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر وأجب على الكفاية، فحيث

به البعض من المسلمين سقط الحرج بقيامهم عن الباقين، واختص الثواب بالقائمين فقط. وحيث قصروا فيه كلهم عم األثم والحرج كل علم بالمنكر

منهم يستطيع إزالته وتغييره بيد أو لسان.* * *

وأول ما يجب عند مشاهدة المنكر: التعريف والنهي بلطف ورفق وشفقة، ال أنتقل منه إلى الوعظ والتخويف، والغلظة في فإن حصل بذلك المقصود وا

القول والتعنيف، ثم إلى المنع والقهر باليد وغيرها، ومباشرة تغيير المنكر بالفعل.

وأما الرتبتان األولتان: التعريف باللطف، والوعظ والتخويف،فهما عامتان ر في األكثر والغالب فيهما االستطاعة، ومدعي العجز عنهما متعلل ومتعذ

بما ال يقوم به عذر.وأما الرتبة الثالثة: التي هي المنع بالقهر، وتغيير المنكر باليد، فال

يستطيعه ويتمكن منه في األكثر إال من بذل نفسه هلل تعالى، وجاهد بماله ونفسه في سبيل اهلل، وصار ال يخاف في اهلل لومة الئم، أو كان مأذونا له

جهة السلطان. في تغيير المنكر منوالحاصل: أن اإلنسان يأتي من ذلك بما يستطيع، وال يقصر في نصرة دين

اهلل، وال يعتذر في إسقاط ذلك باألعذار التي ال يصح وال يسقط بها ما وجب عليه من أمر اهلل تعالى.

321 * * *

(1/321)

ظهار الشفقة والرحمة عليه مدار كبير واعلم: أن األخذ بالرفق واللطف، وا

عند األمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فعليك به، وال تعدل عنه، ما دمت ترجو نفعه وحصول المقصود به، وفي الحديث: ))ما كان الرفق في

شيء إال زانه، وما نزع من شيء إال شانه(( .وورد أيضا: )) أنه ال يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر إال رفيق فيما

ا ينهى عنه((.يأمر به، رفيق فيموكذلك ينبغي لإلنسان : أن يكون عامال بما يأمر به، مجتنبا لما ينهى

عنه، فإنه يكون لكالمه وقع في القلوب، وهيبة الصدور، وقد ورد الوعيد الشديد في حق من يأمر بالخير وال يأتيه، وينهى عن الشر ويأتيه، وهذا هو

ال فعلى اإلنسان أن يأم ن كان غير عامل األفضل واألولى. وا ر وينهى وا

بما يدعو إليه، فإن العالم الذي ال يعمل بعلمه وال يعلمه الناس أخس حاال، وأشد عقابا من الذي يعلم وال يعمل. واهلل أعلم.

* * * من المداهنة في الدين. ومعناها: -أرشدكم اهلل -واحذروا معاشر اإلخوان

نهي عن المنكر، وعن قول أن يسكت اإلنسان عن األمر بالمعروف وال الحق وكلمة العدل، طمعا في

32

(1/323)

الناس، وتوقعا لما يحصل منهم من جاه أو مال، أو حظ من حظوظ الدنيا، فقلما فعل ذلك أحد إال أذله اهلل وأهانه، وسلط عليه الناس، وحرم ما يرجوه

مما في أيديهم .ناها : أن يبذل اإلنسان شيئا من وأما المداراة فهي مباحة، وربما تندب، ومع

دنياه لصالح دينه، أو لصالح دنياه، أو لسالمة عرضه من مذمة أهل الشر، وفي الحديث: ))ما وقى به المرء عرضع فهو له صدقة((. فإذا

استكفى اإلنسان ما يخافه من شر األشرار بما ال يضره في دينه ، لم يكن . ولكن العدول عن األشرار عليه في ذلك بأس وال جناح إن شاء اهلل

ومجانبتهم أحسن من ذلك وأحوط.ال فال رخصة لمؤمن تقي وهذا الذي ذكرناه إنما يكون عند االبتالء بهم، وا

في االحتراز منهم.* * *

وكذلك فاحذرو من التجسس، وهو طلب الوقوف على عورات الناس

المستورة، قال اهلل تعالى:)وال تجسسوا(.ليه الصالة والسالم: ))من تتبع عوراة أخيه تتبع اهلل عورته، ومن وقال ع

تتبع عورته يفضحه ولو في جوف بيته...(( الحديث.322

(1/322)

شاعتها، قال اهلل وعليكم بستر عورات المسلمين، والكف عن ذكرها وا

آمنوا لهم عذاب أليم تعالى: )إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين [.14في الدنيا واآلخرة(]النور:

وقال عليه الصالة والسالم: )) من ستر مسلما ستره اهلل في الدنيا و اآلخرة((.

وال يكثر الخوض في عيوب الناس وذكر مساوئهم وكشف عوراتهم، إال كل منافق ممقوت.

أخيه المسلم عورة أن يسترها عليه، والذي يجب على المسلم إذا رأى من وأن ينصحه في السر بلطف وشفقة ))واهلل في عون العبد ما كان العبد في

عون أخيه((.ومن الواجب على من رأى منكرا ال يستطيع تغييره والنهي عنه، أن يبغض فاعله، ويكرهه ويكره فعله بقلبه، كما قال عليه الصالة والسالم: ))فإن لم

لبه(( ويبغض المصرين على المعاصي من القرابات، وعليه أن يستطع فبق يفارق ذلك الموضع، فإن مشاهدة المنكرات وحضورها باالختيار غير جائز.ومن نهاه عن منكر فلم ينته وأصر على منكره، فعليه أن يهجره ويجانبه حتى يترك المنكر، ويتوب إلى ربه منه، وقد قال عليه الصالة والسالم:

وثق عرى اإليمان الحب في اهلل، والبغض في اهلل((.))من أ* * * 322

(1/322)

وليحذر كل الحذر من أمر بمعروف ونهي عن منكر من الكبر واألنفة ورد

الحق، والقول المره وناهيه: عليك نفسك! وما في معنى ذلك من نزول ذا مقت اهلل به وحول غضبه عليه، ويكون حاله كحال من قال اهلل في ه:)وا

[.302قيل له اتق الله أخذته العزة باإلثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد(]البقرة:ن رد عليه وأما اآلمر بالمعروف والناهي عن المنكر فال عليه من ذلك، وا

قوله كان أبلغ في ثوابه وأعظم في أجره، فليصبر وليحتسب.قصده تخليص نفسه وتخليص أخيه من اإلثم، وليكن حاله كحال من وليكن

وقع أخوه المسلم في هلكة أو ورطة من الورطات، كحرق أو غرق وهو نقاذه، بل أولى . فإن هالك الدين والتعرض لسخط قادر على تخليصه وا

رب العالمين أشد وأعظم من هالك الدنيا، وتلف النفوس الذي ال يفوت به هذه الحياة الفانية، وهذه الدار الزائلة، بل ال مناسبة إال مفارقة

ن الذي يأمر بالمعروف وال مقاربة بين إتالف الدين، وبين تلف الدنيا، وا وينهى عن المنكر، ساع في خالص نفسه ونجتها، سواء أخذ بقوله أم لم

يؤخذ به. وقد بلغنا أن الرجل يتعلق بالرجل يوم القيامة وهو ال يعرف،322

(1/322)

! وما بيني وبينك معرفة، فيقول: كنت تراني على فيقول له: مالك إلي

الخطأ والمنكر فال تنهاني.وفي الحديث: ))مثل القائم على حدود اهلل، ومثل الواقع فيها كمثل قوم

استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعالها وبعضهم أسفلها ،مرون على من فوقهم فقالوا: لو خرقنا فكان الذين من أسفل إذا ستقوا الماء ي

خرقا في نصيبنا ولم نؤذ من فوقنا؟ فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، ن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا(( والمعنى: أن الذي يأمر وينهى وا ساع لنفسه، ومجتهد في نجاتها بالسالمة مما جعل اهلل عليه من اإلثم لو

لنهي مع االستطاعة، وبما يرجو من ثواب اهلل وكريم سكت عن األمر واوعده، الذي وعد به من نصر دينه وقام بأمره قالب تعالى: )ولينصرن الله

[.20من ينصره إن الله لقوي عزيز(]الحج:م ويثبت وقال تعالى: )يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصرك

[.8أقدامكم(]محمد:* * *

ومن أهم اآلداب وآكدها على من أمر بمعروف أو نهى عن منكر:مجانبة الكبر والتعنف، والتعيير، والشماتة بأهل المعاصي، فإن ذلك قد يبطل

الثواب ويوجب العقاب، وربما يكون داعيا إلى رد الحق وعدم قبوله واالستجابة له. فليحذر

322

(1/322)

كل الحذر من ذلك، وليكن رفيقا شفيقا لينا، رحيما متواضعا، مخفوض الجناح، واهلل الموفق والمعين، وبه الثقة وعليه التكالن.

ثم إنا قد قدمنا في أول التأليف هذا طرفا من الكالم على األمر بالمعروف نكم أمة يدعون والنهي عن المنكر، وذلك عند ذلك قوله تعالى: )ولت كن م

إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون(]آل [.102عمران:

وربما أنا أعدنا ههنا بعض الكالم الذي قد ذكرناه هنالك لمناسبة المحل، لى تأثر القلوب لرجاء االنتفاع. فإن وألجل زيادة اإلقناع ، وشدة الحرص ع

جدير بطول -أعني األمر بالمعروف والنهي عن المنكر -هذا األصل الكالم وتكرره، لعظم موقعه من الدين، وعموم نفعه للمسلمينطن ومسيس حاجتهم إليه، سيما وقد رأينا من يتساهل من الناس في ترك هذا األمر

و قام به. فدعانا ذلك إلى اإلكثار حيث ال عذر له فيه، وال ضير عليه ل والتكرار واألعمال بالنيات، ولكل امرئ مانوى.

* * * 328

(1/328)

*********** ***********

*** *********** ***********

(1/327)

*********** ***********

مبحث الجهاد*********** ***********

(1/324)

*********** ***********

*** *********** ***********

(1/320)

مبحث الجهاد

*********** وقد رأينا أن نذكر طرفا مما ورد في الجهاد من اآليات واألخبار في األمر

بالجهاد في سبيل اهلل وفي فضله، تتميما للفائدة.وهذا الموضع من أنسب المواضع لذكر ذلك ، ألن الجهاد من أقسام األمر

ي عن المنكر، وهو أعالها،بالمعروف والنهوأشرفها وأفضلها، ألنه أمر برأس المعروف الذي هو التوحيد واإلسالم،

ونهي عن أفحش المنكرات واآلثار، الذي هو الكفر واإلشراك باهلل.وأول الجهاد الدعوة إلى اإلسالم، ثم القتال بالسيف. وقد ورد في الجهاد من

ذر حصره، ونحن نذكراآليات واألخبار ما يطول ذكره، ويتعمن ذلك شيئا يسيرا تبركا بذكر هذا األصل الشريف من أصول الدين، الذي

أعز اهلل به اإلسالم والمسلمين، وأذل به الشرك والمشركين، قالاهلل تعالى: )كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو

لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم ال خير [.312تعلمون(]البقرة:

321 [.142وقال تعالى:)وقاتلوهم حتى ال تكون فتنة ويكون الدين لله(]البقرة:

(1/321)

ل الل ه المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما * درجات وقال تعالى: )وفض

نه ومغفرة ورحمة وكان الله غفورا رحيما(]النساء: [42-42موقال تعالى: )فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا

كاة فخلوا سبيلهم إن الله له الة وآتوا الز م كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الص [.2غفور رحيم(]التوية:

وقال تعالى: )الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم

نه أعظ م درجة عند الله وأولئك هم الفائزون * يبشرهم ربهم برحمة مورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم * خالدين فيها أبدا إن الله عنده أجر

[.33-30عظيم(]التوبة:وا خفافا وثقاال وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله وقال تعالى: )انفر

[.21ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون(]التوبة:ن الله على نصرهم وقال تعالى: )أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وا

[.24]الحج:لقدير(وقال تعالى: )إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة واإلنجيل

فى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو والقرآن ومن أو [.111الفوز العظيم(]التوبة:

323

(1/323)

:))جاهدوا المشركين بأموالكم -صلى اهلل عليه وآله وسلم-وقال رسول اهلل

وأنفسكم وألسنتكم((.والسالم عن أفضل األعمال فقال: ))اإليمان باهلل، وسئل عليه الصالة

والجهاد في سبيل اهلل((.وسئل أيضا عليه الصالة والسالم: أي العمل أفضل؟ فقال: ))اإليمان باهلل

ورسوله((. قيل: ثم ماذا؟ قال: ))الجهاد في سبيل اهلل((. قيل: ثم ماذا؟ قال: ))حج مبرور((.

لصالة والسالم: )) اغزوا في سبيل اهلل؛ من قاتل في سبيل اهلل وقال عليه ا

فواق ناقة وجبت له الجنة((. والفواق: ما بين الحلبتين، قاله النووي رحمه اهلل.

صلى -عن أبي سعيد الخدري رضي اهلل عنه قال: أتى رجل إلى رسول اهلل ؤمن يجاهد بنفسه فقال: أي الناس أفضل؟ فقال:))م -اهلل عليه وآله وسلم

وماله في سبيل اهلل. قال: ثم من؟ قال: ))ثم مؤمن في شعب من الشعاب يعبد اهلل ويدع الناس من شره((.

وقال عليه الصالة والسالم: ))رباط يوم في سبيل اهلل خير من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها، والروحة

روحها العبد في سبيل اهلل تعالى والغدوة خير من الدنيا وما عليه((.ي322

(1/322)

وقال عليه الصالة والسالم: ))تضمن اهلل لمن خرج في سبيله ال يخرجه إال يمان بي، وتصديق برسلي، فأنا ضامن أن أدخله الجنة، جهاد في سبيلي، وا

من أجر أو غنيمة. والذي نفس أو أرجعه إلى منزله الذي خرج منه بما نال محمد بيده، ما منكم أحد يكلم في سبيل اهلل إال جاء يوم القيامة كهيئته يوم

كلم، لونه لون الدم، وريحه ريح المسك. والذي نفس محمد بيده، لوال أن أشق على المسلمين ما قعدت خالف سرية تغزو في سبيل اهلل تعالى أبدا،

ال أجد سعة فاحملهم وال يجدون سعة، ويشق عليهم أن يتخلفوا عني. ولكنوالذي نفس محمد بيده، لوددت أن أغزو في سبيل اهلل فأقتل، ثم أغزو

فأقتل، ثم أغزو فأقتل((، الكلم: هو الجرح.وقيل : يارسول اهلل، ما يعدل الجهاد؟ قال: ))ال تستطيعونه((، فأعادوا عليه

ل ذلك يقول: ))ال تستطيعونه((، ثم قال في الثالثة:))مثل مرتين أو ثالثا، كالمجاهد في سبيل اهلل كمثل الصائم القائم القانت بآيات اهلل، ال يفتر من

صالة وال صيام حتى يرجع المجاهد في سبيل اهلل((.وقال عليه الصالة والسالم: )) إن في الجنة مائة درجة أعدها اهلل تعالى

يل اهلل، ما بين الدرجتين كما بين السماء واألرض((.للمجاهدين في سبوقال عليه الصالة والسالم: )) ما اغبرت قدما عبد في سبيل اهلل فتمسه

النار((.322

(1/322)

: )) ال يلج النار رجل بكى من خشية اهلل -صلى اهلل عليه وآله وسلم-وقال

ر في سبيل اهلل ودخان جهنم في حتى يعود اللبن في الضرع، وال يجتمع غبا منخري مسلم أبدا((.

وقال عليه الصالة والسالم: ))كل عين باكية يوم القيامة إال عينا بكت من خشية اهلل، وعينا باتت تحرس في سبيل اهلل((.

وقال عليه الصالة والسالم: ))من رمى بسهم في سبيل اهلل كاان له كعدل (.1محرر(( )

:))من احتبس فرسا في سبيل اهلل إيمانا - عليه وآله وسلمصلى اهلل-وقال باهلل وتصديقا بوعده، فإن شبعه وريه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة((،

يعني : حسنات.* * *

عانة الغزاة فضل وثواب عظيم، قال صلى اهلل -وللنفقة في سبيل اللع وا

سبيل اهلل فقد غزا، ومن خلف :))من جهز غازيا في -عليه وآله وسلم غازيا في أهله بخير فقد غزا((.

بناقة مخطومة وقال -صلى اهلل عليه وآله وسلم-وجاء رجل إلى رسول اهلل : هذه في سبيل اهلل .فقال له عليه الصالة والسالم: ))لك بها يوم القيامة

سبعمائة ناقة كلها مخطومة((.:))من أنفق نفقة في سبيل اهلل كتبت له -سلمصلى اهلل عليه وآله و -وقال

سبعمائة ضعف((.---------------------------------

ر من الرق، والمراد كمثل أجر عتقه.1) ( أي : كمثل عبد محر322

(1/322)

: ))أن من أنفق على الغازي ولم -صلى اهلل عليه وآله وسلم-وروي عنه

مائة درهم، ومن أنفق على نفسه في الغزو فله بكل يغز فله بكل دوهم سبع درهم سبعمائة ألف درهم((.

* * * وللرباط في سبيل اهلل فضل عظيم، قال عليه الصالة والسالم: ))رباط يوم

في سبيل اهلل أفضل من ألف يوم فيما سواه من المنازل((.وم القيامة، وأمن وورد: ))أن من مات مرابطا أجري عليه أجره ورزقه إلى ي

من فتنة القبر((.* * *

وأما فضل الشهادة في سبيل اهلل فأعظم من أن يحاط به، وأجل وأكبر من

أن يأخذه حد ومقدار ، قال اهلل تعالى: )وال تحسبن الذين قتلوا في سبيل رحين بما آتاهم الله من فضله الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون * ف

ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم أال خوف عليهم وال هم [.180-124يحزنون(]آل عمران:

لهم * سيهديهم وقال تعالى:)والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمافها لهم(]محمد: [.2-2ويصلح بالهم * ويدخلهم الجنة عر

: )) أن للشهيد عند اهلل سبع خصال: -صلى اهلل عليه وآله وسلم-وقال أن يغفر له في ألول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويحلى حلية

ب القبر، و يأمن من الفزع األكبرإاليمان، ويجار من عذا322

(1/322)

ويوضع على رأسه تاج الوقار ، الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها ،

ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع سبعين من أقاربه((.وقال صلى اهلل عليه و آله و سلم:))ليس شيء أحب إلى اهلل من قطرتين

رة دموع من خشية اهلل ، وقكرة دم تهراق في سبيل اهلل. وأما وأثرين: قط-األثران : فأثر في سبيل اهلل، وأثر في فريضة من فرائض اهلل((. وقال

:)) ما يجد الشهيد من ألم القتل إال كما يجد -صلى اهلل عليه وآله وسلم أحدكم مس القرصة((.

* * * ر خضر، تأكل من ثمر الجنة، وورد: ))أن أرواح الشهداء في أجواف طي

وتشرب من أنهارها، وتأوي إلى قناديل معلقة بالعرش((.

وورد: ))أن الشهيد يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات لما يرى من فضل الشهادة((.

وسئل عليه الصالة والسالم: هل يفتن الشهيد في قبره؟ فقال: ))كفى ببارقة الحديث.السيوف فتنة على رأسه...((

ومن أهم األمور على المجاهد في سبيل اهلل، وأوجبها عليه وآكدها في حقه: اإلخالص هلل في جهاده، وأن يريد به وجه اهلل تعالى، ونصرة دينه

عالء كلمته، دون غرض آخر وا 328

(1/328)

من مراءاة الناس، وطلب الذكر والمنزلة عندهم، ونيل غنيمة أو شيء من

. وقد قال عليه الصالة والسالم: ))من غزا في سبيل اهلل ولم حظوظ الدنيا ينو إال عقاال فله ما نوى((.

ني أقف الموقف أريد وجه اهلل، وأريد أن يرى وقال رجل: يا رسول اهلل، وا موطني؟ فلم يرد عليه حتى نزلت )فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عمال

[.110يشرك بعبادة ربه أحدا(]الكهف:صالحا وال وقيل : يارسول اهلل، الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل للذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه؟ فأي ذلك في سبيل اهلل؟ فقال عليه الصالة والسالم:))من قتل

لتكون كلمة اهلل هي العليا فهو في سبيل اهلل((.ثة الذين قال فيهم عليه الصالة والسالم: ))إنهم أول خلق وفي الحديث الثال

اهلل تسعر بهم النار((. قال عليه الصالة والسالم: )) ورجل قتل في سبيل اهلل فأتي به وعرفه نعمته فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت في

سبيلك حتى قتلت. فيقول اهلل تعالى: كذبت، بل أردت أن يقال هو جريء قيل ، ثم يؤمر به فيسحب على وجهه حتى يلقى في النار((.الحديث. فقد

:))أكثر شهيدء أمتي أصحاب الفرش، -صلى اهلل عليه وآله وسلم-وقال وكم من قتيل بين الصفين اهلل أعلم بنيته((.

فينبغي للمجاهد: أن يحترز كل االحتراز من الرياء،327

(1/327)

رادة غير وجه اهلل بجها ده، وايخلص نيته هلل، وليبالغ في ذلك عند القتال، وا

وليزدد من التحفظ واالجتهاد في إضالح النية، مخافتة أن يقتل على غير كمال اإلخالص فيحبط عمله، ويبطل أجره، وتكون خاتمته والعياذ باهلل غير

حسنة، ويصير أمره في غاية الخطر.* * *

نه غاية االحترتز: الفرار من ومما ينبغي للمجاهد أن يحذره ويحترز مالزحف حيث ال يجوز الفرار، فقد عد عليه ذلك من الموبقات، ومن الكبائر

المهلكات. وقال عليه الصالة والسالم: ))ثالث ال ينفع معهن عمل: اإلشراك باهلل، وعقوق الوالدين، والفرار من الزحف((.

* * * يم، وقد ور فيه عن وكذلك يجتنب الغلول كل االجتناب، فإن إثمه عظ

تشديدات هائلة. ومعناه: أن يأخذ -صلى اهلل عليه وآله وسلم-رسوال اهلل شيئا من الغنيمة مختصا به دون بقية المجاهدين، ودون علمهم بذلك

ورضاهم . واهلل أعلم.

* * * وينبغي لكل مسلم أن ينوي الجهاد، ويحدث نفسه به حتى يسلم من الوعيد

رك ذلك، قال عليهالوارد في ت324

(1/324)

والسالم: ))من مات ولم يغز، ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من

النفاق((.* * *

وينبغي اإلكثار من سؤال الشهادة، قال عليه الصالة والسالم: ))من سأل ن مات على فراشه((. اهلل الشهادة بصدق بلغه اهلل منازل الشهداء وا

المجاهدين في سبيلك بأموالهم وأنفسهم ابتغاء مرضاتك، اللهم اجعلنا من فضلك ومنتك يا كريم.

وقد ذكرنا هذه األحرف الوجيزة في الجهاد تيمنا وتبركا بذكره، وكراهية أن يخلو هذا الكتاب منه، ورجاء ورغبة في أن يقف عليها أحد من البمسلمين،

جاهد، فيكون لنا في فتنبعث له نية صالحة على الجهاد في سبيل اهلل فيذلك نصيب من ثواب المجاهديين وأجرهم، ))فإن الدال على الخير كفاعله، ومن دعا إلى هدى كان له من األجر مثل أجور من تبعه ال ينقص ذلك

من أجور هم شيئا((، كما في الحديث الصحيح. وما توفيقي إال باهلل، عليه ليه أنيب. توكلت وا

* * * فضل الجهاد في سبيل اهلل -رحمكم اهلل -إلخوان فقد علمتم معاشر ا

ومكانته من الدين، فمن استطاع الجهاد وتمكن منه،380

(1/380)

ر. ومن لم يستطع ولم يتمكن، فليجاهد وليبادر ويشمر، وال يتكاسل وال يقصعانتهم بما يقدر فعليه بحسن النية في الجهاد، وكثرة الدعاء للمجاهدين، وا

ليه، وليشتغل بمجاهدة نفسه وهواه في طاعة ربه ومواله، فإن ذلك من ع: )) المجاهد من جاهد -صلى اهلل عليه وآله وسلم-أقسام الجهاد، قال

هواه، والمهاجر من هجر ما نهى اهلل عنه((.وبلغنا أنه عليه الصالة والسالم: قال لبعض أصحابه وقد قدموا من الجهاد

النفس((. * **

ثم إن من أكبر الكبائر الموبقات، وأعظم الجرائم المهلكات: قتال المسلمين بعضهم بعضا على الرياسة والملك، وحظوظ الدنيا والحمية والعصبية التي

دا فجزآؤه تعم هي من أمور الجاهلية، وقد قال اهلل تعالى: )ومن يقتل مؤمنا ما وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا جهنم خالدا فيه [.42عظيما(]النساء:

وقال عليه الصالة والسالم: ))إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار. قالوا: هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال : إنه كان حريصا على

قتل صاحبه((. ة والسالم في خطبة يوم النحر في حجةوقال عليه الصال

381

(1/381)

الوداع: ))إن اهلل حرم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم، كحرمة يومكم

هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ويحكم، انظروا ال ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض((.الحديث.

وق، وقتاله كفر((.وقال عليه الصالة والسالم: ))سباب المؤمن فسوقال عليه الصالة والسالم: ))لن يزال الرجل في فسحة من دينه ما لم

: ))لزوال الدنيا -صلى اهلل عليه وآله وسلم-يصب دما حراما((، وقال أهون على اهلل من قتل مؤمن ألدخلهم اهلل النار((.

لمة، لقي وقال عليه الصالة والسالم: ))من أعان على قتل مسلم بشطر ك اهلل مكتوبا بين عينيه: آيس من رحمة اهلل((.

والتشديدات في هذا الباب كثيرة هائلة، فليحذر المسلم من ذلك كل الحذر، وال يعرض نفسه للوقع في سخط اهلل تعالى وغضبه، ولعنته وعذابه العظيم،

واإلياس من رحمته، نسأل اهلل العافية والسالمة من جميع أنواع الخزي بالء في اآلخرة واألولى، لنا وألحبابنا وكافة المسلمين.وال

* * * 383

(1/383)

********************

مبحث الواليات والحقوق

******************** ثم إنا نرى أن نذكر ها هنا شيئا يسيرا مما يتعلق بالواليات، فإن هذا

الموضوع من أنسب المواضع لذكر ذلك.* * *

(1/382)

(1/382)

مبحث الواليات والحقوق

******************** ياكم بدوام التوفيق -واعلموا معاشر اإلخوان : أن تعرض -أمدنا اهلل وا

للواليات فيه خطر، وأن الدخول فيها والتقلد لعهدتها من أثقل األمور وأشقها، فينبغي للمؤمن المشفق على دينه، الحرص على نجاة نفسه

صها أن يحتز من الواليات ويتباعد عنها ما وجد إلى ذلك وسالمتها وخال سبيال.

ثم إن من أهم الواليات اإلمارة والسلطة، ثم القضاء والحكم، ثم الوالية على أموال اليتامى واألوقاف ونحو ذلك، وفي جميعها خطر.

في اإلمارة: )) أولها مالمة، ووسطها -صلى اهلل عليه وآله وسلم-قال ، وآخرها عذاب يوم القيامة((. الحديث.ندامة

وقال عليه الصالة والسالم: ))ما من وال يلي عشرة فما فوق ذلك إال جيء

به يوم382

(1/382)

القيامة مغلولة يده إلى عنقه، فكه عدله، أو أوبقه جوره((.

ن كان وورد: ))أن الوالي يوقف على جسر جهنم، فإن كان محسنا نجا، وا رق به الجسر فهوى في جهنم سبعين خريفا((.مسيئا إنخ

علقت -أي :شعر روؤسهم -وورد أيضا: ))ليودن رجال لو أن ذوائبهم بالثريا بين السماء واألرض ولم يلوا من أمر المسلمين شيئا((.

وقال وقال عليه الصالة والسالم في القضاء:))من جعل قاضيا فقد ذبح بغير سكين ((.

ه الصالة والسالم: ))من قضى بالجهل فهو في النار، ومن قضى وقال عليبالجور فهو في النار، ومن قضى بالعدل فحري أن ينجو كفافا((، أي: ال

له وال عليه.الحديث.* * *

وبالجملة فالبعد من الواليات هو الحزم والذي ينبغي . فإن بلي العبد بها م ليجتهد ويشمر في الوفاء بذلك وفي فليعرف ما هلل عليه فيها وما لعباده، ث

إقامته، والعمل به من غير تفريط وال إضاعة، وال عجز وال تقصير، فبذلك ينجو من الوعيد الوبيل، ويفوز بالثواب الجزيل. وقد قال عليه الصالة

والسالم: ))ليوم من إمام عادل خير من عبادة ستين سنة، وحد يقام في من مطر أربعين صباحا((.األرض بحقه أزكى فيها

382

(1/382)

وورد: ))أن اإلمام العادل مستجاب الدعوة، وأنه ال يستخف به إال منافق،

وأنه أحد السبعة الذين يظلهم اهلل في ظله يوم ظل إال ظله((.وقال عليه الصالة والسالم: ))المقسطون يوم القيامة على منابر من نور

يث .على يمين الرحمن ...(( الحد والمقسطون: هم أهل العدل واإلنصاف.

وأما من ولي فجار و ظلم، فويل له من عذاب اهلل وعقابه.ن تمتع في الدنيا قليال وكم ورد في خزيه ومقته من األخبار واآلثار، وا

فسوف يقاسي في الدار اآلخرة من الوبال والنكال قال عليه الصالة تي شيئا فشق عليهم، فاشقق عليه، والسالم: ))اللهم من ولي من أمر أم

ومن رفق بهم فارفق به((.وورد: أنه ))ما من وال يموت يوم يموت غاشا لرعيته إال حرم اهلل عليه

الجنة ((.فعليك أيها الوالي الموفق بنصح رعيتك، وبالرفق بهم، وبحسن النظر في

، وال تغفل عنهم وال أمورهم ، وكمال التعهد والتفقد لهم في جميع أحوالهم تله، فإن اهلل سائلك عما استرعاك، وكل راع مسؤول عن رعيته.

ياك ثم أياك والظلم والجور على الرعية! فإن فيه هالك دنياك وآخرتك. وا

388

(1/388)

وكما يحرم عليك أن تظلم رعيتك، فكذلك يحرم عليك أن تمكن بعضهم من

اعة ألمورهم، وترك النظر فيها، قال ظلم بعض. وكذلك تحرم عليك اإلضعمر بن الخطاب رضي اهلل عنه: لو ماتت سخلة على شاطئ الفرات

ضياعا لخشيت أن أسأل عنها.انتهى. فكيف بأضاعة األيتام واألرامل ومساكين المسلمين وضعفائهم!

وعليك أيها القاضي المبارك باالحتراز والتثبت في قضائك، حتى يتبين لك ي ال شك فيه فتقضي به.الحق الذ

ن وجدت شيئا من ذلك ياك واالنحراف والميل إلى أحد المتخاصمين! وا وا فأنسك عن القضاء حتى يصيرا عندك بمثابة وأحدة، بحيث ال تبالي أليهما

ال هلكت. يكون الحق، أو كون عليه، وا ياك وقبول الرشا فإنها من السحت، وقد لعن عليه الراشي، والمرتشي، وا

ساعي بينهما.والواحكم بما أنزل اهلل بين عباد اهلل، فإنه عز من قائل كريم يقول :)ومن لم

[و )الظلمون( 22يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون(]المائدة:و)الفسقون( في آيات بينات محكمات في كتاب مجيد، ال يأتيه الباطل من

من خلفه تنزيل من حكيم حميد.بين يديه وال387

(1/387)

وأما الوالية على أموال اليتامى فهي من األمور الخطرة، وفيها عسر ومشقة، فينبغي ويتأكد على من بلى بذلك أن يبالغ في االحتراز و

االحتياط، وأن يجتهد غاية االجتهاد في حفظ أموالهم وتنميتها، وليحذر من ضاعتها، وم ن أكلها وتبذيرها، فقد قال اهلل تعالى: ) وآتوا اليتامى تفريطها وا

أموالهم وال تتبدلوا الخبيث بالطيب وال تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان [.3حوبا كبيرا(]النساء:

موال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم وقال تعالى: )إن الذين يأكلون أ [.10نارا وسيصلون سعيرا(]النساء:

وقد عد عليه الصالة والسالم أكل مال اليتيم في السبع الموبقات، والكبائر المهلكات.

ديا، ويقرب من أكل مال اليتيم في اإلثم والحرج: أكل مال األوقاف ظلما وتعفينبغي االحتراز من ذلك، وغاية التوقي عنه، ومن توليها رأسا؛ إيثارا

للسالمة، و بعدا عن مواضع الخطر ومظان الحرج. واهلل أعلم.* * *

وكما يجب على الوالي العدل في أهل واليته، ومجانبة الظلم والجور عليهم، ي أهل بيته العدل واإلضاعة واإلهمال ألمورهم؛ فكذلك يجب على الرجل ف

واإلنصاف، واجتناب384

(1/384)

الظلم واإلهمال، فإنهم رعيته، وله الوالبة الشرعية عليهم. وقد ورد: أن الرجل يكتب من الجبارين وما يملك إال أهل بيته، أي فيظلمهم ويجور

عليهم.ال نسأل اهلل تعالى اللطف والعافية، والتحقق بالتقوى واالستقامة، وال حول و

قوة إال باهلل العلي العظيم.ياكم من البارين المحسنين، القائمين -واعلموا معاشر األخوان جعلنا اهلل وا

: أن بر الوالدين، -بحقوقه تعالى ، وبحقوق عباده ابتغاء وجهه ومرضاته وصلة األرحام واألقربين، وحسن القيام باألهل والعيال والمملوكين، والحسان

صحاب سائر المسلمين، كل ذلك مما أمر اهلل به وحث إلى الجيران واألغفاله، وتوعد على إضاعته عليه، ورغب فيه وندب إليه، ونهى عن تركه وا

همتله. وا وأما الوالدان فقد أمر اهلل ببرهما واإلحسان إليهما، ونهى عن عقوقهما، وشدد في ذلك أبلغ التشديد، وحذر عنه أبلغ التحذير، وذلك في كتاب

يم، وعلى لسان رسوله الكريم، قال اهلل تعالى: )وقضى ربك أال تعبدوا العظإال إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كالهما فال تقل

ال كريما(لهمآ أف وال تنهرهما وقل لهما قو )واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني

[.32-32صغيرا(]اإلسراء:370

(1/370)

نسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله ينا اإل وقال تعالى: )ووص

[.12في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير(]لقمان:فانظروا رحمكم اهلل كيف قرن تعالى األمر باإلحسان إلى الوالين مع توحيده

وعبادته، وكيف قرن شكر هما بشكره، وقال تعالى: )واعبدوا الله وال تشركوا [.22دين إحسانا (]النساء:به شيئا وبالوال

نسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته ينا اإل وقال تعالى: )ووصكرها وحمله وفصاله ثالثون شهرا حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال

أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل رب ني من المسلمين( يتي إني تبت إليك وا صالحا ترضاه وأصلح لي في ذر

عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن مادق الذي كانوا يوعدون(]األحقاف: [12-12الجنة وعد الص

صلى اهلل عليه -وقال عبد اهلل بن مسعود رضي اهلل عنه: سألت رسول اهلل لوقتها(( . قلت: : أي األعمال أحب إلى اهلل ؟ فقال: ))الصالة -وآله وسلم

؟ قال: )) الجهاد في سبيل اهلل(( ؟ قال:)) بر الولدين((. قلت: ثم أي ثم أيوقال عليه الصالة والسالم: )) رضا اهلل في رضا الوالدين، وسخطه في

سخط الوالدين((. وقال عليه الصالة والسالم: )) ثالث ال ينفع معهن عمل:

371

(1/371)

وق الوالدين، والفرار يوم الزحف((.اإلشراك باهلل، وعق

وقال عليه: ))أكبرالكبائر ثالث: اإلشراك باهلل، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور....(( الحديث.

: ))رغم أنف من أدراك أبويه عند الكبر -صلى اهلل عليه وآله وسلم-وقال سببا في أحدهما أو كالهما فلم يدخل الجنة((، أي: فلم يبرهما برا يكون

دخوله الجنة. وخص به البر غند الكبر ال شتداد حاجةاإلنسان عند كبره إلى من يبره ويقوم به، ويتعاهده أكثر من حاجته إلى ذلك

قبل الكبر. واهلل أعلم.وروي عن اهلل تعالى أنه قال: ))من أصبح مرضيا لوالديه، مسخطا لي فأنا

لوالديه فأنا عنه ساخط((. عنه راض، ومن أصبح مرضيا لي، مسخطا وقال عليه الصالة والسالم: ))بروا آباءكم تبركم أبناؤكم ، وعفوا عن نساء

لرجل استأذنه في -صلى اهلل عليه وآله وسلم-الناس تعف نساؤكم((. وقال الجهاد: ))أحي والداك((؟ قال: نعم .قال: ))ففيهما فجاهد((. وسأله عليه

قال: ما حق الوالدين على ولدهما؟ فقال: ))هما الصالة والسالم رجل ف جنتك ونارك((.

وقال عليه الصالة والسالم: ))من سره أن يمد له في عمره، ويزاد له في رزقه، فليبر والديه، وليصل رحمه((.

وقال عليه الصالة والسالم: ))ثالثة حرم اهلل تبارك وتعالى373

(1/373)

العاق لوالديه، والديوث الذي يقر الخبث في عليهم الجنة: مدمن الخمر، و

أهله((.وورد : ))أن بر الوالدين أفضل من الحج والعمرة والجهاد في سبيل اهلل.وأن العاق لوالديه ال ينظر اهلل إليه يوم القيامة، وأنه ال يرح رائحة

الجنة((.وبالجملة فحق الوالدين أعظم الحقوق بعد حق اهلل وحق رسوله، فعليك

هما وباإلحسام إليهما، وبطاعتهما وخفض الجناح لهما، وبتقديمهما في ببر

البر والصلة والمعروف، على نفسك وعلى أهلك وأوالدك، ومن غير منه عليهما وال استقبال لهما، وعد حاجتهما إليك ورغبتهما في برك وخدمتك

إياهما من أعظم ما من اهلل به عليك، ووفقك له.* * *

الوالدة أضعاف بر الوالد، كما ورد في الحديث. ولعل السبب واعلم أن بر في ذلك ما تقاسيه الوالدة من تعب الحمل ومشاقه، ومشقة الوضع ومؤونة

الرضاع والتربية، ومزيد الحنانة والشفقة. واهلل أعلم.:من أحق الناس بحسن -صلى اهلل عليه وآله وسلم-وقد قال رجل للنبي : -صلى اهلل عليه وآله وسلم-وصلتي. فقال له صحبتي؟ أي ببري

))أمك(( ثم من ؟ قال: )) أمك((. قال: ثم من ؟ قال: )) أمك((. قال ثم من ؟ قال: )) أبوك((.

* * * 372

(1/372)

وكما يجب على اإلنسان أن يبر والديه في حياتهما، كذلك ينبغي له أن

عاء واالستغفار لهما، وبالتصدق، عنهما، يبرهما بعد وفاتهما، وذلك بالدوبقضاء ديونهما وتنفيذ وصاياهما، وبصلة أرحامهما وبر أصدقائهما وأهل

مودتهما، فذلك كله من تمام البر كما وردت به األحاديث. وفي الدعاء للميت وفي االستغفار له، والتصدق عنه نفع له كثير، فينبغي لإلنسان أن

والديه خصوصا ،وفي حق غيرهم من األقارب ال يغفل عن ذلك في حق وذوي الحقوق عليه، والمسلمين عموما.

ثم إنه ينبغي ويستحب للوالدين أن يعينوا أوالدهم على برهم بالمسامحة، وترك المضايقة في طلب القيام بالحقوق، ومجانبة االستقصاء في ذلك،

فشا فيها العقوق وكثر سيما في هذه األزمنة التي قل فيها البر والبارون، و العاقون، فإذا فعل ذلك وسامك أوالده سلمهم وخلصهم من إثم العقوق ومما

يترتب عليه من عقوبات الدنيا واآلخرة، وحصل له من ثواب اهلل وكريم جزائه ما هو أفضل وأكمل، وخير وأبقى من بر األوالد. وقد قال عليه

ده على بره((.الصالة والسالم: ))رحم اهلل والدا أعان ولوليحذر الوالدان كل الحذر من الدعاء على ولدهما العاق، فإن ذلك يزيده

ضررا وفسادا وعقوقا، ويعود بعض ما يتولد من ذلك من الضرر على الوالدين في الدنيا، ودعاء الوالد

372

(1/372)

مستحاب، فينبغي له أن يدعو له وال يدعو عليه، فقد يصلحه اهلل ببركة

دعائه، فيعود بارا فينتفع الوالد ببره وتقر عينه به، ويفوز الولد بثواب البر، ويسلم من إثم العقوق. واهلل الموفق والمعين.

* * * ثم إن لألوالد على الوالد حقوقا وذلك في القيام بكفايتهم ما داموا محتاجين

حمودة إلى ذلك، وفي تأديبهم وحسن تربيتهم وهدايتهم إلى األخالق الموالصفات الحسنة والخصال الجميلة، وحفظهم وصيانتهم من أضداد ذلك، وتحسين أسمائهم، وأن يختار لهم األمهات المباركات من المنابت الحسنة

الصالحة، كما قال عليه الصالة والسالم: ))تخيروا لنطفكم األكفاء فإن

العرق دساس((. يقدم أحدا منهم على أحد وعليه أيضا أن يسوي بينهم في العطية، وأن ال

بمجرد ميل الطبع واتباع هوى النفس.وأهم ما يتوجه على الوالد في حق أوالده تحسين اآلداب والتربية، ليقع

نشوءهم على محبة الخير ومعرفة الحق،يثار أمور اآلخرة. فمن فرط وتعظيم أمور الدين، واالستهانة بأمور الدنيا وا

في تأديب أوالده وحسنيتهم، وزرع في قلوبهم محبة الدنيا وشهواتها، وقلة المباالة بأمور الدنيا، ترب

ثم عقوه بعد ذلك فال يلومن إال نفسه، والمفرط أولى372

(1/372)

بالخسارة! وأكثر العقوق الفاشي في هذه األزمنة سببه التفريط فيما ذكرناه،

قوة إال باهلل العلي كما يعرف ذلك من تأمله وأحسن النظر فيه. فال حول وال العظيم!

وهم األقارب. صلة األرحاموأما [.32فقال تعالى في األمر بصلتهم: )وآت ذا القربى حقه(]اإلسراء:

وقال تعالى في معرض الثناء على قوم اختارهم ورضيهم: )والذين يصلون هم ويخافون سوء ما أمر الله به أن يوصل ويخشون رب

[.31الحساب(]الرعد: ومما أمر اهلل به أن يوصل:األرحام.

وقال اهلل تعالى في الزجر عن قطيعة الرحم والتحذير منها:)والذين ينقضون

في عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون مآ أمر الله به أن يوصل ويفسدون [.32األرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار(]الرعد:

وقال تعالى:)فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في األرض وتقطعوا أرحامكم [.32-33ارهم(]محمد:* أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبص

فقاطع الرحم معلون في نص الكتاب.وقد قال علي بن الحسين رضي اهلل عنهما يوصي بعض بنيه: إياك

وصحبة قاطع الرحم! فإني وجدته ملعونا في ثالثة372

(1/372)

مواضع من كتاب اهلل تعالى.انتهى.

ان يؤمن باهلل واليوم :))من ك -صلى اهلل عليه وآله وسلم-وقال رسول اهلل اآلخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن باهلل واليوم اآلخرا أو ليصمت((.

وقال عليه الصالة والسالم: ))من سره أن يمد له في عمره، ويوسع له في رزقهن ويدفع عنه ميتة السوء فليتق اهلل وليصل رحمه((.، وأنا الرحمن، خلقت وقال عليه الصالة والسالم: ))قال اهلل عز وجل أنا اهلل

الرحم وشققت لها اسما من اسمي، فمن وصلها وصلته ومن قطعته((.:))ال يدخل الجنة قاطع((، أي: قاطع -صلى اهلل عليه وآله وسلم-وقال رحم.

وقال عليه الصالة والسالم: ))إن الرحمة ال تنزل على قوم فيهم قاطع قوم بسبب كون قاطع الرحم فيهم، رحم((. فإذا كانت الرحمة ال تنزا على ال

فكيف يكون حال القاطع نفسه؟ وكيف يكون مقت اهلل له وقطعه إياه من

كل خير!!.ياكم وقطيعتهم فإنها من أعظم اآلثام، فعليكم رحمكم اهلل بصلة األرحام، وا وعقوبتها معجلة في الدنيا، مع ما يدخر اهلل تعالى للقطع في اآلخرة من

م العذاب.شديد العقاب وأليوكذلك يعجل ثواب البر والصلة في الدنيا، مع ما يدخر اهلل للواصل من

عظيم الثواب وكريم المآب.378

(1/378)

:))أسرع الخير ثوابا وصلة الرحم، -صلى اهلل عليه وآله وسلم-وقد قال

وأسرع الشر عقابا البغي وقطعية الرحم((.من ذنب أجدر أن يعجل اهلل لصاحبه وقال عليه الصالة والسالم: ))ما

العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في اآلخرة من البغي وقطيعة الرحم((.قلت: فثواب البر والصلة معجل ومؤجل، وعقاب العقوق والقطيعة كذلك.

نسأل اهلل العافية.ن لم يصلوه، ويحسن إليهم وأن لم وينبغي لإلنسان أن يصل أرحامه وا

يحسنوا إليه.قال عليه الصالة والسالم: ))ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل هو

الذي إذا قطعت رحمه وصلها((.وينبغي له أيضا أن يصبر على أذاهم إن آذوه، وال يكافئهم بإساء تهم إن

أساؤوا إليه، بل يعفو ويصفحو، ويصل ويحسن، وكلما آذوه وأساؤوا في حقه قة عليهم أفضل.كانت الصلة لهم آكد، وكانت الصد

قال عليه الصالة والسالم: ))أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح((. وهو الذي يضمر العداوة لقربيه المحسن إليه. وفي حديث الرجل الذي قال للنبي

: ))إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني! فذكر -صلى اهلل عليه وآله وسلم- ظهير ما دمت على ذلك (( الحديث قال في آخره: ))وال يزال معك من اهللن قطعوا وأساؤوا. يعني: على برهم وصلتهم وا

* * * 377

(1/377)

وكذلك ينبغي لإلنسام أن ال يتعدى بصدقته أقاربه وأرحامه المحتاجين،

فيتركهم ويتصدقة على غيرهم، قال عليه الصالة والسالم: ))المتعدي في الصدقة كمانعها((.

على األجانب مع علمه بحاجة أقاربه إلى صدقته وورد : ))أن من يتصدق ال يقبل اهلل تعالى صدقته((.

وقال عليه الصالة والسالم: ))الصدقة على األجانب صدقة، والصدقة على األقارب اثنتان :صدقة وصلة((.

ال فهم أحق بالصدقة من قلت: ومحل ذلك ما لم تشتد حاجة األقارب، وا ذا وسعت الصدقة فقط، وعلى القريب صدقة وصلة. وأما إذا غيرهم. وا

تعدى بصدقته، وترك أقاربه مع العلم بحاجتهم، فقد أساء وظلم ، وصدقته غير مقبولة كما ورد.

وكلما كان الرحم أكثر قرابة كلن حقه آكد ، وكانت صلة أوجب. ويكون القريب الضعيف المسكين المحتاج أولى بالبر والصلة من القريب الغني،

يصير للقريب المسكين حقان: حق القرابة، وحق المسكنة. وقد وذلك ألنهقرن اهلل بين األمر باإلحسان إلى القرابة والمساكين في آيات من كتابه،

[.27مثل قوله تعالى:)فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل(]الروم:به ذوي القربى واليتامى ومثل قوله تعالى:)وآتى المال على ح

[ . إلى غير ذلك.188والمساكين(]البقرة:374

(1/374)

فال شك أن صلة من له حقان معا أولى من صلة من له حق واحد.

فليجتهد العبد الموفق في صلة أرحامه وأقاربه، بكل ما يمكنه ويستطيعه من انسة، ويفعل مع كل منهم ما بر المعروف، وهدية وصدقة، وزيارة ومؤ

يناسه، وال يقصر في صلة أرحامه يناسبه من ذلك، ويكون فيه بره وصلته وا كسال وبخال واستخفافا بحق الرحم التي عظم اهلل تعالى أمرها، وأكثر الوعيد

في قطيعتها، وعلى العبد بذل االستطاعة والمقدور.الصالة والسالم: )) بلوا وعلى اهلل اإلعانة والمسامحة. وقد قال عليه

أرحامكم ولو بالسالم((. أي: صلوهم بما تقدرون عليه.وقد عمت في هذا الزمان قطيعة األرحام، وقلة المباىة بصلتهم وتعهدهم . ولعل السبب فيما حدث، وعم العباد والبالد من ضنك المعاش، وضعف

ت وانتشرت في هذه األرزاق، وقلة ذات اليد هم القطيعة لألرحام التي قد فشاأليام وقد وردت األحاديث بأن صلة األرحام منسأة في األجال،مثراة في

األموال.وأن اهلل تعالى قد بسط الرزق ألقوام، وأكثر لهم األموال، وما نظر إليهم منذ

خلقهم، لصلتهم أرحامهم، فتكون القطيعة وترك الصلة على الضد من ذلك. واهلل أعلم.

340

(1/340)

وأما األهل والعيال ونعني باألهل ههنا: الزوجة والزوجات. وبالعيال: كل

من يكون نفقة اإلنسان، وتحت النظره وكفالته عليه القيام بنفقتهم وكسوتهم، رشادهم إلى وظائف دينهم، وما فيه سالمتهم ونجاتهم في ورعاية حقوقهم وا

الدار اآلخرة.عليهم من أوامر اهلل، واجتناب وعليه أيضا أن يلزمهم القيام بما يجب

نواهيه، وقد قال اهلل تعالى في حق النساء: )ولهن مثل الذي عليهن [.337بالمعروف(]البقرة:

[.14وقا تعالى: )وعاشروهن بالمعروف(]النساء: [.22بيال(]النساء:وقال تعالى: )فإن أطعنكم فال تبغوا عليهن س

:))استوصوا بالنساء خيرا((.وقد -صلى اهلل عليه وآله وسلم-قال النبي أكثر عليه من الوصية بالنساء، وحث على الرفق بهن، وحسن المعاشرة

لهن. وقال عليه الصالة والسالم: ))خياركم خياركم لنسائهم((.خيركم ألهله، وأنا خيركم :))خيركم -صلى اهلل عليه وآله وسلم-وقال

ألهلي((.فينبغي لألنسان أن يكون حسن المعاشرة مع نسائه، لطيف األخالق، شفيقا رفيقا، صبورا على جفائهن وسوء أخالقهن، ويكون كثير المسامحة لمن بما

يجب له من الحقوق عليهن.341

(1/341)

وال تجوز المسامحة وأما ما يجب عليهن من حقوق اهلل فيكلفهن بالقيام به،

والمساهلة في ذلك.وكذلك ال ينبغي له أن يملك المرأة أمره، ويوليها نفسه وماله، كما يفعله

بعض األغبياء المغفلين. وذلك من األمورالمستقبحة شرعا وعقال،فإن المرأة حكمها حكم المملوك والتابع، فمن حعل

المملوك مالكا والتابع متبوعا فهو معكوسكوس. وقد قال عليه الصالة والسالم: ))ال يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة...(( من

صبح رجل يطيع امرأته فيما -الحديث. قال الحسن البصري رحمه اهلل: ما تهواه إال أكبه اهلل في النار.

* * * ذا كان الرجل زوجتان أو زوجات لزمه العدل بينهن. فإن لم يعدل وقع في وا

: ))من كانت عنده -صلى اهلل عليه وآله وسلم-النبي اإلثم والحرج، قال امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه ساقط ((.

* * * وأما حق الزوج على زوجته فهو من أعظم الحقوق، ولها في القيام به ثواب

هماله إثم كبير. كثير، وعليها في إضاعته وا أحدا أن يسجد ألحد قال عليه الصالة والسالم: ))لو أمرت

343

(1/343)

ألمرت المرأة أن تسجد لزوجها(( لعظم حقه عليها. قال عليه الصالة

والسالم: ))أيما امرأة باتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة((.وقال عليه الصالة والسالم: ))إذا صلت المراة خمسها، وصامت شهرها،

ى من أي أبواب الجنة وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخل شئت((.

وقال عليه الصالة والسالم: ))ال ينظر اهلل تبارك وتعالى إلى امرأة ال تشكر زوجها وهي ال تستغني عنه((.

:))إذا دعا الرجل زوجته إلى فراشه فلم -صلى اهلل عليه وآله وسلم-وقال المرأة تأته فبات غضبان عليها لعنتها المالئكة حتى تصبح((. فيجب على

طاعة زوجها وترك المخالفة له، وأن ال تأذن في بيته وال تتصدق من ماله، وال تخرج من البيت إال بإذنه ورضاه، فإن فعلت شيئا من ذلك بدون إذنه

ذا دعاها إلى فراشه لم يجز لها االمتناع إال لعذر شرعي. أثمت. وا صلى -النبي وبالجملة فحق الزوج على الزوجته عظيم، حتى إنه ورد عن

:))لو كان بالرجل جراحة من رأسه إلى قدمه فلحستها -اهلل عليه وآله وسلم المرأة بلسانها لم تقم بحقه عليها((.

فينبغي للمرأة أن تجتهد في القيام بحق زوجها وأن ال تقصر في القيام به، لتفوز بثواب اهلل ورضاه، وتنجو من عذابه وسخطه.

ح زوجته بعض المسامحة، وال يستقصي عليها في وينبغي للزوج أن يسام طلب القيام بالحقوق فيوقعها في الحرج ،

342

(1/342)

فإن النساء ناقصات عقل ودين، والغالب عليهن التساهل والتغافل عن حقوق األزواج. ومن سامح سامحه اهلل، ومن تجاوز تجاوز اهلل عنه.

ائد ومنافع دنيوية وأخروية، وقد واعلموا رحمكم اهلل: أن للنكاح فضال وفو ورد الترغيب فيه كتابا وسنة، قال تعالى: )فانكحوا ما طاب لكم من النساء

[.2مثنى وثالث ورباع (]النساء:مائكم إن الحين من عبادكم وا وقال تعالى: )وأنكحوا األيامى منكم والص

[.23ونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم(]النور:يك :))يامعشر الشباب، ومن -صلى اهلل عليه وآله وسلم-وقال رسول اهلل

استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإن أغض للبصر، وأحصن للفرج. ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء((.

عليه الصالة والسالم: ))من أراد أن يلقى اهلل طاهرا مطهرا فليتزوج وقال الحرائر((.

وقال عليه الصالة والسالم: ))أربع من سنن المرسلين:الحياء، والتعطر، والسواك، والنكاح((.

وقال عليه الصالة والسالم: ))تناكحوا تكاثروا فإني مكاثر بكم األمم يوم القيامة((.

صالة والسالم: ))إذا تزوج العبد فقد استكملوقال عليه ال342

(1/342)

نصف الدين، فليتق اهلل في النصف الباقي((.

وقال ابن عباس رضي اهلل عنهما: ال يمنع من النكاح إال عجز أو فجور.قلت: وفي النكاح فراغ للقلب من وساوس الشيطين فيما يتعلق بالنساء،

صالته وأقفا بين يدي اهلل، أو وهو يتلو وربما يعرض ذلك لإلنسان وهو في القرآن أو هو في ذكر اهلل فيقع في سوء األدب مع اهلل. وفي النكاح غض

للبصر، وتحصين للفرج. وقد ورد في فضل ذلك وفي التحذير من تركه من شواهد الكتاب والسنة ما ال يخفى على ذي علم وبصيرة.

وا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك وقال اهلل تعالى: )قل للمؤمنين يغض [.20أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون(]النور:

وقال عليه الصالة والسالم: ))النظرة سهم مسموم من سهام إبليس....((الحديث.

م بحقوقهن، وفي النكاح من الصبر على معاشرة النساء بالمعروف ، والقياواإلنفاق عليهن وعلى العيال فضل كبير، وفيه فضل التسبب في تحصيل أوالد صالحين يعبدون اهلل تعالى، ويدعون آل بائهم، ويستغفرون لهم في حياتهم وبعد وفاتهم، وربما مات بعضهم قبل البلوغ فيحصل لوالديهم من

ثواب ذلك الحظ العظيم.ن القيام بهم ال سيما البنات منهم، ثواب وفي تربيتهم، أعني األوالد، وحس

كثير، وفضل كبير .342

(1/342)

وقد قال عليه الصالة والسالم: ))دينار أنفقته في سبيل اهلل، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهللك،

أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك((.: )) ما أطعمت نفسك فهو لك صدقة، - عليه وآله وسلمصلى اهلل-وقال

وما أطعمت ولدك فهو لك صدقة، وما أطعمت زوجتك فهو لك صدقة، وما أطعمت خادمك فهو لك صدقة((.

وقال عليه الصالة والسالم: ))إذا مات ابن آدم انقطع عمله إال من ثالث: ((.صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له

* * * :))ما من مسلم يموت له ثالثة من الولد -صلى اهلل عليه وآله وسلم-وقال

(إال أدخله اهلل الجنة بفضل رحمته أياهم((وفي رواية 1لم يبلغوا الحنث)))فقالت امرأة: واثنان! فقال أو اثنان((.وروي عنه عليه أنه قال))ألن ألقدم

ا يجاهدون في سبيل اهلل((.سقطا أحب إلي من أن أخلف خمسين فارسوورد:))أن األطفال يعطون آنية فيهما من شراب الجنة فيسقون آباءهم في

موقف القيامة وبالناس من الكرب والعطش ما ال يعلمه---------------------------

( أي لم يبلغوا مبلغ الرجال ويجري عليهم القلم، فيكتب عليهم الحنث 1) والطاعة.

342

(1/342)

إال اهلل، وأنهم يقفون على أبواب الجنة ويأبون أن يدخلوها حتى يدخلها آباؤهم، فيأمر اهلل آبائهم معهم الجنة برحمته((؟

* * * وقال عليه الصالة والسالم: ))من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن

إليهن كن له سترا من النار((. وقال عليه:))من كان له ثالث بنات يؤدبهن ن كانتا وي رحمهن ويكفلهن وجبت له الجنة ألبته. قيل يا رسول اهلل، وا

ن كانتا اثنتين(( قال : فرأى بعض القوم لو قال: اثنتين؟ قال : وا واحدة. لقال : واحدة.

:))من كانت له أنثى فلم يئدها ولم يهنها -صلى اهلل عليه وآله وسلم-وقال أدخله اهلل الجنة(( ومعنى))يئدها(( عليها -يعني الذكور -ولم يؤثر ولده

يدفنها حية، كما كان أهل الجاهلية يفعلون ذلك. وقد يصدر من بعض الناس األغبياء إذا أخبر بحدوث بنت له أو لغيره من الكلمات الشنيعة

الدالة على كراهية واألنثى عدم الرضا بها بما ال ينبغي. وذلك من ا وصف اهلل به أهل الجاهلية في المكروهات والمستقبحات، وهو قريب مم

ذا بشر أحدهم باألنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم قوله تعالى: )وا * يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في

[.24-27ن(]النحل:التراب أال ساء ما يحكمو ومن -أعني كراهية األنثى -فليحذر المؤمن التقي من ذلك

348

(1/348)

إهانتها، ومن إيثار ولده الذكر عليها، فإنه ال يدري فيمن تكون البركة والعاقبة الحسنة.

* * * ن كانت وينبغي لمن أراد التزوج أن يتحرى ذات الدين والخير والصلح وا

ة في الجمال، فقد حث عليه على ذات الدين، ورغب فيها فقيرة وغير فائقوقال:))فاظفر يذات الدين تربت يداك((فال ينبغي لإلنسان أن يتزوج المرأة

لمالها وجمالها فقط، فإن ذلك مكروه. قال عليه))ال تزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن، وال تزوجوهن

ولكن تزوجوهن على ألموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن ، الدين...((الحديث

* * * ثن إن من قصد ترك النكاح تفرغا للعلم والعبادة، وتباعدا عن شواغل الدنيا وعالئقها، وكان مع ذلك فارغ القلب عن الميل إلى النساء والركون إليهن،

فإنه ال بأس عليه في تركه وال جناح، فقد رأى ذلك وأخذ به والخلف، رحمهم اهلل. جماعة من صالحي السلف

وقد قيل لبعضهم: أال تتزوج؟ فقال : قد عجزت عن تقويم نفسي، أفأضم إليها نفسا ثانية؟! وقيل مثل ذلك آلخر منهم فقال : لو قدرت على تطليق

نفسي لطلقتها.347

(1/347)

وقيل لبشر بن الحارث رحمه اهلل: إن الناس يتكلمون فيك، يقولون: إنك ! يريدون التزوج، فقال : قولوا لهم : هو مشغول بالفريضة. تارك للسنة!

انتهى.قلت: فينبغي لمن أراد التزوج أن يتزوج بنية االستعانة على الدين واآلخرة. يثار جانب السالمة ومن ترك فينبغي أن يترك بنية التحفظ على الدين وا

بها إلى واالحتياط، فيكون في تزوجه وتركه على نية صالحة يصلح التقرب ل في نكاحه وفي ترك النكاح على حظوظ الدنيا اهلل تعالى. فإما من يعو

وأغراضها، و بواعث الطبع والشهوة فهو بعيد من الصواب والتأسي بصالحي السلف. واهلل الموفق والمعين ال رب غيره.

فقد ورد األمر به والحث عليه، قال اهلل اإلحسان إلى المماليك واألرقاءوأما تعالى: )واعبدوا الله وال تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى احب بالجنب واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والص

[.22]النساءوابن السبيل وما ملكت أيمانكم(: )) للمملوك طعامه وكسوته -صلى اهلل عليه وآله وسلم-وقال

بالمعروف، وأن ال يكون من العمل ما ال يطيق((.وقال عليه الصالة والسالم: ))اتقوا اهلل فيما ملكت أيمانكم ، أطعموهم مما تأكلون ، واكسوهم

أحببتم فامسكوا، وما مما تلبسون، وال تكلفوهم من العمل ما ال يطيقون، فما كرهتم فبيعوا، وال تعذبوا

344

(1/344)

خلق اهلل تعالى ملككم إياهم ولو شاء لملكهم إياكم((.وقال رجل: يارسول اهلل،كم نعفو عن الخادم؟ فقال عليه الصالة والسالم:

))اعف عنه في كل يوم سبعين مرة((.الجنة سيئ الملكة (( وورد أيضا عنه عليه الصالة والسالم: ))ال يدخل

وهو الذي يسئ إلى ما ملكت يمينه من الطعام واللباس، وأن يكلفه من الخدمة فوق ما يطيق ، وأن يشتمه ويضربه بغير حق، فإن فعل به شيئا من ذلك اقتص له منه في الدار اآلخرة كما وردت به األحاديث. ومهما

يجوز، وال يتجاوز ضربه أو شتمه على أمر يستوجب به ذلك فعليه أن الن عفا وصفح كان ذلك أحسن وأجمل ،وكان له فيه الثواب العظيم الحد، وا

من اهلل عز وجل .وعلى من ملك شيئا من الحيوانات والبهائم أن يتعهدها ويتفقدها ، ويحسن

النظر عليها، يتولى ذلك بنفسه، أو يوليه من يثق به من أوالده وخدمه، فإن وقع في اإلثم والحرج. وفي الحديث: )) إن امرأة دخلت إن لم يفعل ذلك

النار في هرة ربطتها ال هي أطعمتها وال هي تركتها تأكل من خشاش األرض((.

* * * 200

(1/200)

: فقد أمر اهلل به في قوله تعالى:)واعبدوا الله وال اإلحسان إلى الجيرانوأما

والدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار تشركوا به شيئا وبال [.22ذي القربى والجار الجنب (]النساء:

حق الجار، وحث على -صلى اهلل عليه وآله وسلم-وقد عظم رسول اهلل ة والسالم: اإلحسان إليه، وبالغ في النهي عن إيذائه، حتى قال عليه الصال

))ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه(( أي يجعل له نصيبا من اإلرث في مال جاره.

وقال عليه الصالة والسالم: ))من كان يومن باهلل واليوم اآلخر فليكرم جاره((. وقال عليه:))من آذى جاره فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى

يؤمن من لم يأمن جاره بوائقه(( يعني بذلك شره اهلل((.وقال عليه ))واهلل ال وأذاه وفتنته. واهلل أعلم.

وحق الجار عظيم، واإلحسان إليه من أهم المهمات في الدين، وال يتم اإلحسان إال بكف األذى عنه، واحتمال األذى منه إن آذاك ،مع اصطناع

من المعروف وبذل اإلحسان إليه حسب االستطاعة، وذلك وصف كل مؤ كامل اإليمان كما قال عليه الصالة والسالم: ))أحسن مجاورة من جاورك

تكن مؤمنا((. وأحق الجيران باإلحسان األقرب منهم بابا إليك فاأل قرب.

وفي الحديث : ))إن من الجيران من له ثالثة حقوق وهو الجار المسلم ذو القرابة. ومنهم من له حقان وهو الجار

201

(1/201)

سلم. ومنهم من له حق واحد وهو الجار الذمي((. فانظر كيف أثبت الم

للجار الذمي حق الجوار مع كفره تعرف به عظم تأكيد حق الجار ومحله من الدين. فعليك رحمك اهلل باإلحسان إلى جيرنك حسب اإلمكان بعد كف

ا األذى عنهم مطلقا، واحتمال األذى منهم إن كان. واستعن باهلل واصبر )وم [.22يلقاها إال الذين صبروا وما يلقاها إال ذو حظ عظيم(]فصلت:

وقد ذكر اإلمام حجة اإلسالم في )اإلحياء(وغيره، حديثا جامعا فيما ينبغي للجار أن يفعله مع جاره، فقال رحمه اهلل:

ن ن استقرضك أقرضته، وا افتقر جدت قال عليه الصالة والسالم: ))وا ن أصابه خير هنأته، ن مات تبعت جنازته، وا ن مرض عدته، وا عليه، وا ن أصابته مصيبة عزيته، وال تستطل عليه بالبناء فتحجب عنه الريح إال وا ن اشتريت فاكهة فأهد له، فإن لم تفعل فأدخلها سرا وال بإذنه، وال تؤذه، وا

(قدرك إال أن تغرف له 1يخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده، وال تؤذه بقتار)منها أتدرون ما رحق الججار؟ والذي نفسي بيده! ال يبلغ حق الجار إال من

رحمه اهلل((انتهى. وقد كان السلف الصالح يبالغون في اإلحسان إلى الجيران--------------------------------

ريح القدر والشواء ونحوهما. -بضم القاف -( القتار 1)203

(1/203)

وكف األذى عنهم إلى الغاية والنهاية، حتى بلغنا أنه كثر الفأر في دار بعضهم فقيل له: لو اقتنيت هرا؟ فقال أخاف أن يهرب الفأر منه إلى

الجيران، فيكون ذلك من األذى لهم.: فهو مأمور به، ومرغب فيه، ومندوب إليه. اإلحسان إلى األصحابوأما

ا وتتأكد المحافظة عليها، قال اهلل ولألصحاب حقوق تجب مراعاته

تعالى:)واعبدوا الله وال تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى احب بالجنب واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والص

[.22(]النساء:روي عنه عليه أفضل الصالة والسالم أنه قال: ))مامن صاحب يصحب و

صاحبا ولو ساعة من نهار إال سئل عن صحبته يوم القيامة هل أقام فيها حق اهلل أو أضاعه؟((.

وقال عليه الصالة والسالم: ))خير األصحاب خيرهم لصاحبه، وخير ما تحاب اثنان إال الجيران خيرهم لجاره((. وقال عليه الصالة والسالم: ))

كان أحبهما إلى اهلل أشدهما حبا لصاحبه(( وفي رواية ))أرفقهما بصاحبه((* * *

وأصل الصحبة صدق المحبة وصفاء المودة، ومهما كان ذلك في اهلل وهلل فثوابه عظيم. وقال عليه الصالة والسالم: ))قال اهلل تعالى: وجبت محبتي

، والمتجالسي ((.للمتاحبين في ، والمتباذلين في ، والمتزاورين في ن في202

(1/202)

وقال عليه الصالة والسالم: ))يقول اهلل تعالى يوم القيامة: أين المتحابون

بجاللي، اليوم أظلهم في ظلي يوم ال ظل إال ظلي((.المرء وقال عليه الصالة والسالم: ))من سره أن يجد حالوة اإليمان فليحب

ال يحبه إال اهلل((. وقال عليه الصالة والسالم: ))سبعة يظلهم اهلل في ظله يوم ال ظل إال ظله، فذكرهم حتى قال:ورجالن تحابا في اهلل، اجتمعا عليه

وتفرقا عليه...((الحديث.

فإذا أحب اإلنسان اإلنسان وألفه وصاحبه ألنه يحب اهلل ويعمل بطاعته ذلك من المحبة في اهلل تعالى.كان

ذا أحبه وصحبه ألنه يعينه على دينه ويساعده على طاعة ربه فقد أحبه وا في اهلل.

ذا أحبه وصحبه ألنه وجد طبعه يميل إليه ونفسه تأنس به، أو ألنه يعينه وا على دنياه وأسباب معاشه التي يتمتع بها فتلك محبة طبعية ليست من

في شيء، وتلك صحبة نفسانية اقتضاها ميل الطبع ولكنها المحبة هلل مباحة، ولعلها ال تخلو من خير إن شاء اهلل تعالى.

وأما إذا أحبه وصاحبه ألنه يعينه على المعصية والظلم، ويساعده على أسباب الفسق والمنكر فتلك محبة وصحبة

202

(1/202)

ست من اهلل في شيء، وهي مذمومة قبيحة، وهي في سبيل الشيطان ولي

التي تنقلب في اآلخرة عداوة وربما انقلبت في الدنيا قبل اآلخرة، قال اهلل ء يومئذ بعضهم لبعض عدو إال المتقين(]الزخرف: [.28تعالى: )األخال

* * * م، فينبغي لك أيها األخ أن ال تحب وال تصحب إال أهل التقوى وأهل العل

وأهل الزهد في الدنيا من عباد اهلل الصالحين، وأوليائه المؤمنين، فإن المرء مع من أحب في الدنيا واآلخرة كما في الحديث الصحيح، وكما قال عليه:))المرء من جليسه، والمرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من من يخالل(( وقال عليه:))الجليس الصالح خير من الوحدة، والوحدة خير

الجليس السوء((.فصحبة المتقين والصالحين قربة إلى اهلل، وهي الصحبة المحمودة

المشكورة، وفي فضلها وردت األخبار واآلثار الكثيرة وهي المحبة هلل وفي اهلل التي عظم فضلها وثوابها، وارتفع قدرها ومحلها من الدين.

ين المعرضين عن وأما صحبة األشرار، ومن ال خير في صحبته من الغافلاهلل وعن الدار اآلخرة فهي الصحبة المذمومة الممقوتة، ألن أهل الشر

والفساد يتعين بغضهم في اهلل،202

(1/202)

وتجب مباعدتهم ومجانبتهم، وذلك من المهمات في الدين. ومن أحب في

اهلل وهلل من بر من عباد اهلل واتقى، أبغض ال محالة من عصى اهلل عن طاعته، فإن الحب في اهلل والبغض في اهلل متالزمان ال يصح وأعرض

أحدهما بدون اآلخر، وهما من الدين بمنزلة عالية رفيقة، وقد قال رسول :))من أوثق عرى اإليمان الحب في اهلل -صلى اهلل عليه وآله وسلم-اهلل

والبغض في اهلل((.لحب في اهلل والبغض في وقال عليه الصالة والسالم: ))أفضل األعمال ا

اهلل..((.وقال عليه الصالة والسالم: ))وهل الدين إال الحب في اهلل والبغض في

اهلل(( الحديث.وأوحى اهلل إلى عيسى عليه السالم: ))لو عبدتني بعبادة أهل السماء وأهل

األرض وحب في ليس، وبغض في ليس، ما نفعك ذلك عندي((.

يه السالم: ))تحببوا إلى اهلل ببغض أهل المعاصي، وتقربوا وقال عيسى عل إلى اهلل بالبعد عنهم، واطلبوا رضا اهلل تعالى بسخطهم((.

: مقاطعة الفاسق قربان إلى اهلل -رحمه اهلل تعالى -وقال الحسن البصري . انتهى.

لدين فتبين بما ذكرنا: أنه ينبغي للمؤمن ويتعين عليه أن يحب أهل الخير واولبعلم والصالح أحياء وأمواتا، ويبغض أهل الباطل والفساد والظلم والفسوق

أحياء وأمواتا.202

(1/202)

وينبغي له أيضا: أن يختار صحبة األخيار واألبرار، ويجتنب صحبة

ار. وفي الحديث: ))ال تصحب إال مؤمنا، وال يأكل طعامك األشرار والفججد مؤمنا تقيا، برا صالحا يصحبه ويعاشره فالعزلة إال تقي(( وأن من لم ي

واالنفراد خير له وأصلح من مخالطة أهل الشر والفساد، فإن خلطة المفسدين عظيم ضررها، وكثير شرها، وفيها آفات كثيرة، وبليات هائلة

عاجلة وآجلة، فمنها:لغفلة استراق الطبع من حيث ال يشعر اإلنسان، ومنها: أن مشاهدة أهل ا

واإلعراض تقتضي األنس بهم، والميل إلى ما هم عليه من سوء الحال، ن على القلب وقع المعاصي، وتجر إلى التشبه بهم، واالستحسان وتهو

ألقوالهم وأفعالهم، وفي ذلك يقول الشاعر: عن المرء ال تسأل وسل عن قرينه ... فكل قرين بالمقارن يقتدي

وقال اآلخر:

ا يبرئ الجرباء قرب سليمة ... منها؛ ولكن السليمة تجرب موبهذا السبيل تعرف ما في خلطة األخيار وأهل الصالح من المصالح

والمنافع، والفوائد العاجلة واآلجلة، وقد قال عليه الصالة والسالم: ))مثل ، -أي يعطيك -الجليس الصالح كمثل صاحب المسك: إما أن يحذيك

ما ما أن تجد منه رائحة طيبة . ومثل الجليس السوء وا أن تبتاع منه ، وا ما أن تجد منه رائحة منتنة((. ما أن يحرق ثيابك، وا كنافح الكير: وا

208

(1/208)

فإن قلت: قد يصحب اإلنسان صاحبا من أهل الخير والطاعة، ثم يطرأ

غي لصاحبه أن عليه ما يغير ذلك من الغفلة والمعصية، فما الذي ينب يعامله به؟

ال وعظه فأقول ينصحه باللطف والرفق حتى يرده إلى اهلل، فإن رجع وا وأغلظ عليه وخوفه باهلل. فإن لم ينفع ذلك وأيس معه جانبه وأعرض عنه، ال فال وانتظر فيه أمر اهلل. فإن عاد إلى ما كان عليه من الخير عادله، وا

خير في صحبه من ال خير فيه.ت: الذي ينبغي لإلنسان ويتعين عليه: بغض أهل المعاصي فإن قل

ومجانبتهم ، وترك المعاشرة والمخالطة لهم، ومع ذلك فاإل نسان مأمور بالنصيحة المسلمين عموما، وبدعوة أهل الشر والمعصية إلى الخير

والطاعة؟فأقول : األمر كذلك، ولكن النصيحة والدعوة إلى الخير ال تقتضي معاشرة

الطة، بل إذا لقيهم ورأى للنصيحة والدعوة إلى الخير موضعا فيهم فعل ومخ

ن قصدهم بذلك وكان من أهله ألى أماكنهم من غير معاشرة ذلك معهمأ وا وال مخالطة فهو أيضا مأمور به ومندوب إليه من أهله ، وفي محله فاعلم

لتبس ذلك، وال يلبس عليك الشيطان. فإن السبيل واضح، والحق غير م بالباطل.* * * 207

(1/207)

ثم اعلم : أنه ينبغي لك إذا قصدت صحبة أحد ومصادقته ، ليكون لك

جليسا ومعاونا على أمور آخرتك ودنياك أن تقدم قبل عقد الصحبة واختيار ها حسن النظر واالختبار، والتفتيش عن أحوال من تريد أن تصحبه وتتخذه

ال تركت، فليس كل أحد يصلح صديقا، فإن كان يصلح لذ لك صحبته وا للصحبة والمعاشرة، ورب صحبة لم تتقدمهاالخبرة وحسن النظر تعود وحشة

وعداوة في أسرع وقت.* * *

وقد قال حجة اإلسالم رحمه اهلل تعالى : إذا أردت صحبة أحد فراع فيه ا خمس خصال: العقل، والخلق الحسن، والصالح، وأن ال يكون حريص

على الدنيا، وأن ال يكون كذابا . انتهى كالمه مختصرا، وهو الغاية في ذلك والكفاية.

ثم إذا انعقدت الصحبة، وتمت المودة بينك وبين صاحب فقد توجهت عليك ال كانت الصحبة صورة بال حقيقة ال له حقوق ال بد لك من القيام بها، وا

نفع فيها وال طائل لها.

* * * الصحبة كثيرة، وجملتها : أن تحب له ما تحب لنفسك من الخير، وحقوق

، وأن تنزله منزلة نفسك في االهتمام وأن تكره له ما تكرهه لنفسك من الشربأموره، والسعي في مصالحه، وقضاء حوائجه، والسرور بمساره واالغتمام

بمكارهه.204

(1/204)

بكل وجه أمكنك، وأن تحفظه حاضرا وأن تجتهد في إدخال السرور عليه

وغائبا وحيا وميتا . وأن تحسن الوفاء مع أهله وأوالده وأقاربه بعد مماته ن آثرته على نفسك وفي حياته كذلك، وأن تواسيه من مالك عند حاجته، وا

كان أحسن وأفضل، على مثل ما كان عليه السلف الصالح رحمة اهلل عال مع من صحبهم وعاشرهم محمودة حتى عليهم، فقد كانت لهم سير وأف

كان أحدهم يأتي إلى بيت صديقه في غيبته فيأكل من طعامه، ويأخذ من متاعه ما أراد، وكان اآلخر يفعل مع أخيه كذلك.

-و قيل لبعضهم : أخوك أحب إليك أم صديقك ؟ فقال : إنما أحب أخي إذا كان صديقي . -أي من النسب

ن قدم عليه: هل يدخل أحدكم يده في جيب أخيه وقال بعضهم لبعض م فيأخذ منه ما أراد؟ فقال : ال . فقال : لستم إذا بإخوان .

وكان الرجل منهم يقوم بأوالد صديقه وأهله بعد وفاته، حتى أنهم ال يفقدون من أبيهم إال وجهه، وحكاياتهم في ذلك كثيرة معروفة.

، ولم يبق من األخوة في اهلل وهذا أمر قد تودع منه من زمان سابق

والصداقة إال صور ورسوم ال حاصل تحتها! وقد أشبع الكالم في شرائط الصحبة وحقوقها وآدابها : اإلمام حجة اإلسالم في كتاب الصحبة من

))اإلحياء((، وذكر من ذلك في ))بداية الهداية(( نبذة صالحة. منوعلى الجملة: فكل ما يجب عليك لعامة المسلمين

210

(1/210)

الحقوق ،أو يستحب ، ففعل ذلك مع الصديق والصاحب آكد وجوبا، وأكثر

استحبابا.ثم إن للمسلم على المسلم حقوقا كثيرة، وقد ذكرنا منها طرفا في

رسالة)المعاونة( فانظره إن شئت. : ))حق المسلم على -صلى اهلل عليه وآله وسلم-وقد قال رسول اهلل

ذا المسلم ستة، فقيل : وما هي يارسول اهلل؟قال: إذا لقيته فسلم عليه، وا ذا ته، وا ذا عطس فحمد اهلل فشم ذا استنصحك فانصح له، وا دعاك فأجبه، وا

ذا مات فاتبعه((. مرض فعده، وا : النصحية في الدين، والمعاونة على حقوق المسلم على المسلمومن آكد وى، والحث على طاعة اهلل رب العالمين.البر والتق

ومن أهم الحقوق: ستر العورات، وتفريج الكربات، والمعاونة في المهمات، عانة الضعيف، غاثة الملهوف، ونصرة المظلوم ، وا وقضاء الحاجات، وا والتيسير على المعسر، والتوفير الكبير، والرحمة للصغير، وأن ال يؤذي

ستخف به، وال يحتقره وال يخذله، وال يسخر منه وال أحدا من المسلمين، وال ييستهزئ به، وأن ال يغش أحدا من المسلمين وال يحسده وال يحقد عليه، وال

يظن به السوء، وأن يهتم بأمور المسلمين، ويفرح بمسارهم، ويغتم بما يسوؤهم، وأن يحب لسائرهم ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه، وقد

الصالة والسالم: )) ال يؤمن قال عليه211

(1/211)

أحدكم حتى يحب ألخيه ما يحب لنفسه((.

وقال عليه الصالة والسالم: ))المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضا((. وقال عليه الصالة والسالم: ))من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ((.

يرحم صغيرنا ويوقر وقال عليه الصالة والسالم: ))ليس منا من لم كبيرنا((.

وقال عليه الصالة والسالم: ))من غشنا فليس منا((.وقال عليه الصالة والسالم: ))انصر أخاك ظالما أو مظلوما فقال رجل :

صلى اهلل عليه وآله -ننصره إذا كان مظلوما فكيف ننصره ظالما؟(( قال : ))تمنعه من الظلم فذلك نصرة له((. -وسلم

قال عليه الصالة والسالم: ))ال تحاسدوا وال تناجشوا وال تباغضوا وال و تدابروا وال يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد اهلل إخوانا، المسلم أخو المسلم، ال يظلمه وال يخذله وال يحقره وال يكذبه، التقوى ههنا ، ويشير بيده

قر أخاه المسلم. كل إلى صدره ثالث مرات، بحسب امرئ من الشر أن يح مسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه((.

وقال عليه الصالة والسالم: ))من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس اهلل عنه كربه من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر اهلل

هلل عليه في الدنيا واآلخرة، ومن ستر مسلما ستره اهلل في الدنيا واآلخرة، وا في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه..(( الحديث.

وقال عليه الصالة والسالم: ))من كان في حاجة أخيه كان اهلل في حاجته((واهلل يقول الحق وهو يهدي السبيل.

* * * 213

(1/213)

**************** ****************

مبحث المهلكات**************** ****************

(1/212)

**************** ****************

*** **************** ****************

(1/212)

مبحث المهلكات

************** ياكم بحالله عن حرامه، وبطاعته عن واعلموا معاشر اإلخوان أغنانا اهلل وا

معصيته، وبفضله عمن سواه:مع اجتناب ل واألكل منهطلب الحالأن الورع عن المحرمات والشبهات، و

الحرام رأسا اكتسابا وأكال وغير ذلك، وكل ذلك من أهم المهمات في الدين، ومن أفضل ما يتقرب به العباد إلى اهلل رب العالمين،قال اهلل تعالى: )يا

الشيطان إنه أيها الناس كلوا مما في األرض حالال طيبا وال تتبعوا خطوات بين(]البقرة: [.127لكم عدو م

وقال تعالى: )وكلوا مما رزقكم الله حالال طيبا واتقوا الله الذي أنتم به [.77مؤمنون(]المائدة:

موالكم بينكم بالباطل إال أن وقال تعالى: )يا أيها الذين آمنوا ال تأكلوا أ نكم وال تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما* تكون تجارة عن تراض مومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله

[.20-34ا(]النساء يسير : ))خير دينكم الورع((وقال -صلى اهلل عليه وآله وسلم-وقال رسول اهلل

عليه الصالة والسالم: )) يا أبا هريرة،كن ورعا تكن أعبد الناس ...(( الحديث.

212

(1/212)

وقال عليه الصالة والسالم: )) طلب الحالل واجب على كل مسلم((.

السالم: )) طلب الحالل فريضة بعد الفريضة((.وقال عليه الصالة و ن اهلل أمر وقال عليه الصالة والسالم: )) إن اهلل طيب ال يقبل إال طيبا،وا

سل كلوا من الطيبات المؤمن بما أمر به المرسلين فقال تعالى: ) يا أيها الر [.21م(]المؤمنون:واعملوا صالحا إني بما تعملون علي

[. 183وقال تعالى:) يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم (]البقرة: ! ثم ذكر الرجل أشعث أغبر يطيل السفر، يمد يديه إلى السماء يارب يارب

اب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستج لذلك؟!(( .

:))ال يدخل الجنة لحم نبت من -صلى اهلل عليه وآله وسلم-وقال سحت((.

وقال عليه الصالة والسالم: ))كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به((وقال عليه الصالة والسالم: ))ألن تجعل في فيك ترابا خير لك من أن

تجعل فيه طعاما حراما((.: ))من اكتسب ماال من غير حله فإن -يه وآله وسلمصلى اهلل عل-وقال

ن تركه ظهره كان ن أنفق منه لم يبارك له فيه، وا تصدق به لم يقبل منه، وا زاده إلى النار(( الحديث.

وقال عليه الصالة والسالم: ))من اشترى ثوبا بعشرة دراهم212

(1/212)

ما دام عليه (( فإذا كان هذا في وفيه درهم من حرام لم يتقبل اهلل له صالة الثوب الذي يكون عشر ثمنه حراما، فكيف يكون الحال لو كان الثمن كله

ذا كان هذا الثوب الذي يكون على ظاهر الجسد، فكيف من الحرام!؟ وا يكون الحال في الطعام الذي يكون في باطن الجسد ويجري في اللحم والدم

دن!؟ فتأملوا ذلك جدا، وأمعنوا فيه النظر، والعروق والعظام وسائر أجزاء الب وأتقوا اهلل واحذروا.

وقال ابن عباس رضي اهلل عنهما: ال يقبل اهلل تعالى صالة امرئ وفي جوفه لقمة حرام.

وقال ابن عمر رضي اهلل عنهما: لو صليتم حتى تكونوا كالحنايا، وصمتم بورع حاحز. ( لم يتقبل ذلك منكم إال1حتى تكونوا كاألوتار)

ويقال: إن في التوراة: من لم يبال من أين مطعمه لم يبال اهلل من أي أبواب النار أدخله.

وقال سفيان الثوري رحمه اهلل: مثل الذي ينفق في طاعة اهلل من الحرام مثل الذي يغسل الثوب المتنجس بالبول. انتهى. وذلك ال يطهر الثوب، ولكنه

يزيد في نجاسته.-------------------------------

( الحنايا جمع حنية. وهي القوس، والمراد حتى صرتم كاألقواس في 1)االنحناء من طول الركوع والسجود ، وكاألوتار في النحافة والهزال من شدة

الجوع.218

(1/218)

وقال ابن المبارك رحمه اهلل تعالى: رد درهم من شبهة أحب إلى اهلل من تصدق بمائة ألف درهم ومائة ألف ومائة ألف، حتى عد ستمائة ألف.ال

وقال سهل بن عبد اهلل التستري رحمه اهلل : من أكل الحرام عصت جوارحه شاء أم أبى، علم أم لم يعلم. ومن أكل الحالل أطاعت جوارحه شاء أم كل أبى، علم أم لم يعلم، ووفق للخيرات. وكان السلف رحعهم اهلل يقولون:

ما شئت فمثله تعمل .انتهى.ن عمل بالطاعات في الظاهر، قلت: والذي يأكل الحرام والشبهات وا

فطاعاته غير مقبولة، لقوله تعالى: )إنما يتقبل الله من [.38المتقين(]المائدة:

أن ولقوله عليه الصالة والسالم: ))إن اهلل طيب ال يقبل إال طيبا((. وال بد يعرض آلكل الحرام في طاعته من العوارض الظاهرة والباطنة ما يفسدها

عليه، ويحبطها ويخرجها عن كونها طاعة، ومن تأمل ذلك وجربه من نفسه أو من غيره عرفه إن لم يكن مغرورا مستدرجا. فقد تبين لكم واتضح: أن

ه بكل وجه.الحرام يجب اجتنابه بكل حال، ويتعين االحتراز منه، والعبد عن* * *

وأما الشبهات: فيتأكد اجتنابها وربما وجب. وفي الحديث الصحيح : ))من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في

الحرام((.217

(1/217)

وقال عليه الصالة والسالم: ))دع ما يريبك إلى ما ال يريبك((انتهى.فيه، وتتردد في كونه حالال أو حراما، شكا والشبهات كل شيء تتشكك

وترددا ينشأ عن أسباب متعارضة، فما كان من الشبهات أصله الحل، ثم طرأ الشك في تحريم فيجوز األخذ فيه باألصل، والورع عن هذه الشبهة

فضيلة مهمة، وما كان من الشبهات أصله التحريم، ثم طرأ الشك في حله ا اعتمادا على األصل.فبهذه شبهة يجب اجتنابه

وأقسام الشبهات كثيرة متفاوتة، والورع عن سائرها مهم متأكد، إال ما كان من ذلك يرجع إلى الوسوسة واألوهام التي ال مستند لها وال سبب يدل

عليها، مثل أن يقول اإلنسان:أموال الدنيا كلها شبهات، وليس تخلو أصولها يدي المتعدية، فأنا أتركها جملة، أو عن شيء من المعامالت الفاسدة، واأل

آخذ ما أحتاج إليه منها من غير تفرقة. فمثل هذا وسواس وتنطع، وقد قال عليه:))هلك المتنطعون((قالها ثالثا. وأمثلة الوسوسة كثيرة، وترجع إلى كل

توهم وتشكك ال يستند إلى سبب معروف.الحالل شيء يعذر بذلك وال ينبغي لإلنسان أن يقول : ما بقي في الدنيا من نفسه في ترك الورع واالحتياط، فإن ذلك قول فاسد.

214

(1/214)

كما -: الحالل بين والحرام بين -رحمه اهلل تعالى -قال اإلمام الغزالي

قال عليه الصالة والسالم وذلك في زمانه عليه الصالة والسالم ، وكذلك نما تختلف األز منة في قلة الحالل وكثرته باختالف يكون في كل زمان، وا

صالح األزمنة وفسادها. قال : فالحالل كثير والحرام كثير، وليس الحرام باألكثر . وال بد في كل زمان من وجود األقسام الثالثة: الحالل، والحرام،

في -صلى اهلل عليه وآله وسلم-والشبهات على وفق ما أخبر به رسول اهلل ل بين...(( الحديث. انتهى كالمه رحمه اهلل بمعناه.قوله))الحال

ثم اعلموا رحمكم اهلل: أنا قد نبهنا على الشبهات بما قدمناه فيها من الكالم المجمل الوجيز. وقد أطال الكالم فيها، وفي تفاصيل أقسامها حجة اإلسالم

ذلك في كتاب الحالل والحرام من ))اإلحياء((، فمن أراد شفاء الغليل في فعليه بالكتاب المذكور، فقد ذكر بعض العلماء رحمهم اهلل: أنه لم يؤلف في

اإلسالم مثل ذلك الكتاب.قلت: وجميع اإلحياء لم يؤلف في اإلسالم مثله في فنه كما يعرف ذلك

ويتحققه من نظر فيه وتأمله من أهل العلم واإلنصاف. :المحرمات على قسمينثم وعلموا رحمكم اهلل أن

القسم األول : شيء محرم في عينه، وذلك كالميتة والدم والخمر، وما ال يحل أكله من الطير والسباع والحيوانات

230

(1/230)

والحشرات. وهذا القسم ال يحل منه قليل وال كثير بوجه من الوجوه إال عند االضطرار. وهو: أن يشرف اإلنسان على الهالك ثم ال يجد غيره، فعند

مت عليكم الميتة والدم ولحم ذلك يحل له التناول منه، قال تعالى:)حرالخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما

على النصب وأن تس تقسموا باألزالم ذلكم أكل السبع إال ما ذكيتم وما ذبح

فسق اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فال تخشوهم واخشون اليوم أكملت نا فمن اضطر في لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم اإلسالم دي

ثم فإن الله غفور رحيم(]المائدة: [.2مخ مصة غير متجانف إلم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير وقال تعالى: )إنما حر

وال عاد فال إثم عليه إن الله غفور الله فمن اضطر غير باغ [.182رحيم(]البقرة:

والقسم الثاني من المحرمات: شيء منها مملوكا لغيرك لم يحل لك أخذه، وال تناوله إال بوجه صحيح سائغ في الشرع، كالشراء والنذر، والهدية والهبة،

لسائغة في الشرع. فإن أخذت والصدقة واإلرث، إلى غير ذلك من الوجوه اشيئا من ذلك بغير وجه شري صار محرما عليك، وصرت بأكله أو شربه

أو لبسه آكال وشاربا والبسا للحرام.با، وغير ذلك. والوجوه المحرمة كثيرة، مثل الغضب، والسرقة، والخيانة والر

231

(1/231)

أخذه من يده حراما لم يفدك وكذلك إذا كان مال اإلنسان الذي تعامله أو ت

ن كان بوجه سائغ في الشرع، مثال ذلك: أن يهدي إليك األخذ من ماله، وا أو يبيع لك على وجه صحيح من تعلم أن أكثر ماله حرام أو شيئا من ماله

ذلك، فال تصيره المعاملة الصحيحة فيما بينك وبينه حالال مهما كان ط فيه من ال بصيرة له.حراما؟؟ وهذا موضع إشكال وقد يغل

ن كانت صحيحة ى تصير الحرام حالال، وأن المعاملة فعلم أن المعاملة وا الفاسدة يصير بها الحالل حراما، كالذي تعامله معاملة غير صحيحة من

ربا ونحوه على مال حالل، فيصير بها ذلك المال الحالل حراما.* * *

بة إلى المعاملة في أمور الدنيا على الناس بالنسثم اعلموا رحمكم اهلل: أن :ثالثة أقسام

القسم األول: المعروفون بالصالح والخير والورع، تجوز معاملتهم مطلقا من غير سؤال وال تفتيش.

والقسم الثاني: هم المجهولون الذين ال تعرفهم بصالح وال تخليط وأحوالهم كن يستحب السؤال مستورة عنك، فهؤالء أيضا تجوز معاملتهم مطلقا، ول

والتفتيش إن أمكن برفق ودون إيذاء، وهو من الورع المستحب، أعني السؤال.233

(1/233)

والقسم الثالث: هم المعروفون بالتخليط وقلة الورع، وكثرة المجازفة في بيعهم وشرائهم ومعامالتهم، وهؤالءينبغي لإلنسان المتقي أن ال يعاملهم

املتهم تأكد عليه أن يقدم التفتيش والسؤال عما رأسا، فإن احتاج إلى مع يأخذه من أيديهم، وذلك من الورع المهم.

فأما إذا علم أو غلب على ظنه في شخص معين أن جميع ماله حرام، فتحرم عليه معاملته. وكذلك إذا علم أن أكثر ماله حرام، وأن الحالل في

يده عزيز نادر.ض وكالئه عن شخص يعامل السلطان، وقد سأل ابن المبارك رحمه اهلل بع

هل يعامله أم ال؟ . فقال له:إن كان ال يعامل إال السلطان فقط فال تعامله،

ن كان يعامل السلطان ويعاما غيره فعامله ، انتهى. وا * * *

يثار الحاللقلت: ومن أراد ، فينبغي له أن يتصف التورع والتحري وا لل منها، وأن يجانب اإلسراف بالقناعة من الدنيا، وأن يرغب في لبتق

والتوسع والميل إلى شهواتها، فقد قال السلف الصالح: الحالل ال يحتمل السرف. ومن توسع وتبسط في لذات الدنيا احتاج ال محالة إلى مباشرة

أسباب ال تتم بل ال تتأتى إال باقتحام شبهات ، بل باقتحام محرمات كما النصيحةيعرف ذلك من جربه من أهل اإلنصاف و

232

(1/232)

ألنفسهم، دون الحمقى المغرورين، واألغبياء الجاهلين، من الذين ترى أحدهم يتناول الشبهات والمحرمات ويدعي لنفسه أنه يتناول الحالل

ويتحراه، ويقيم في ذلك الحجج الساقطة، ويطلب لها التأويالت البعيدة! ن فال أقل من اإلنصاف والتقوى الورع هو الواجب والمتعين، فإن لم يك

واإلعتراف، ومالزمة االنكسار واالستغفار، وقد قيل لبض السلف الصالح رحمهم اهلل: من أين تأكل ؟ فقال : ممن حيث تأكلون، ولكن ليس من يأكل

وهو يبكي مثل من يأكل وهو يضحك. واهلل سبحانه أعلم.* * *

واليقين من المؤمنين فقد تبين لكم أن الورع مالك الدين وسبيل أهل الحزموقد كان للسلف الصالح رحمهم اهلل العناية التامة البالغة بالورع، ولهم فيه النظر الدقيق، وحكاياتهم في ذلك مشهورة، وسيرهم فيه معروفة و مذكورة.

(كثيرة 1وقد بلغنا أن ابن سيرين رحمه اهلل: اشترى من دهن الزيت حبابا)ها فأرة ميتة فصبها كلها، وقال: أخاف أن بمال كثير، فوجد في واحد من

تكون القأرة قد ماتت في المفصرة وجرى عليها الزيت كله.-----------------------------

الجرة الضخمة. -بالضم -بالكسر: جمع حب -( الحباب 1)232

(1/232)

كل الرمل وكان سفيان الثوري رحمه اهلل، إذا لم يجد الحالل الصافي يأ

ويمكث عليه األيام.ورجع ابن المبارك من مرو بخراسان إلى الشام في قلم استعاره ونسي أن

يرده على صاحبه.ورجع إبراهيم بن أدهم رحمه اهلل من القدس البصرة في رد تمرة سقطت في

تمر اشتراه حال الوزن، وغفل عن ردها حينئذ.فحملت إليه امرأة صالحة زكان ذو النون المصري رحمه اهلل محبوسا،

طعاما حالال من ثمن غزلها فرده وقال: جاءني على طبق ظالم يعني به يد السجان، وكانت أرسلته له على يده. وكان بعضهم عند إنسان محتضر بالليل ، فلما مات المحتضر قال لهم: اطفئوا السراج، فإنه من اآلن صار

في ملك الورثة.ا فتهت في الطريق واشتد علي العطش، وقال بعضهم : كنت مسافر

فاستقبلني جندي وسقاني شربة من ماء، فعادت قساوتها على قلبي ثالثين سنة.

وحكاياتهم في ذلك أكثر من أن تحصى قصدنا بهذا اليسير منها التبرك بذكرهم، ألن الرحمة تنزا عند ذكر الصالحين .وليعلم العاقل البصير تفاوت

والخلف ، ويعقل في أي زمان هو ، وأي ناس الذين هو ما بين السلف منهم وبين أظهرهم.

* * * 232

(1/232)

ثم اعلموا رحمكم اهلل : أن أكل الحالل ينور القلب ويرققه، ويجلب له

الخشية من اهلل والخشوع لعظمته، وينشط الجوارح للعبادة والطاعة، ويزهد قبول األعمال الصالحة في الدنيا ويرغب في اآلخرة، وهو سبب في

واستجابة الدعاء، كما قال لسعد بن أبي وقاص رضي اهلل عنه: )) أطب طعمتك تستجب دعوتك((.

وأما أكل الحرام والشبهات فصاحبه على الضد من جميع هذه الخيرات:يقسي القلب ويظلمه، ويقيد الجوارح عن الطاعات، ويرغب في الدنيا.وهو

مال الصالحة ورد الدعاء، كما في الحديث: أنه سبب في عدم قبول األععليه ذكر الرجل أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب !ومطعمه

حرام...((الحديث، وقد تقدم فاحرصوا على أكل الحالل وعلى اجتناب الحرام كل الحرص. وليس الورع خاصا باألكل فقط، بل هو عام في جميع

األمور.* * * االكتساب من الحالل ، فإن االكتساب مأمور به، وفيه فضل وعليكم ب

وثواب كثير مهما صلحت فيه النية، قال النبي عليه الصالة والسالم: ))أطيب ما أكل الرجل من كسب يمينه((.

وقال عليه الصالة والسالم : ))من أمسى كاال من عمل الحالل أمسى مغفورا له(( .

انة دينه، وصيانة وجهه عن الحاجةفلينو اإلنسان باكتسابه صي232

(1/232)

إلى الناس، وكفاية نفسه وعياله، والتصدق بما فضل من كسبه عن حاجته

على المحتاجين من عباد اهلل تعالى، فيكون بذلك عامال لآلخرة.وليحذر كل الحذر: من أن يشتغل بسبب الكسب عن فرائض اهلل ، أو يقع

خسر بذلك في ديناه وأخراه، وذلك هو الخسران بسببه في محارم اهلل، في المبين.

وقد قال بعض السلف رحمهم اهلل تعالى: الرجال ثالثة:رجل شغله معاده عن معاشه فهذا من الفائزين ، ورجل شغله معاشه لمعاده فهذا من

المقتصدين ، ورجل شغله معاشه عن معاده فهذا من الظالمين. أو قال من الهالكين. انتهى.

* * * فإن كنت ممن يكتسب بصنعة أو حرفة فعليك بالنصح فيها للمسلمين،

وباإلحسان واإلتقان لصنعتك وحرفتك حسب اإلمكان، وفي الحديث:))إن اهلل يحس المؤمن المحترف((.

ياك والكذب والغش، وكثرة اإلخالف بالوعد، ومن غد، بعد غد. واحذر وا

ة في معاملة من ال يعرفها كما كل الحذر من التساهل في ترك إتقان الحرفينبغي، فتتساهل في حقه وتغره لقلة معرفته. وقد ورد: ))ويل للتاجر من ال

واهلل، وبل واهلل، وويل للمحترف من غد بعد غد((.238

(1/238)

ن كنت ممن يكتسب بالتجارة والبيع والشراء فعليك في جميع معامالتك وا

بيوع المحرمة والمكروهة. وتعلم ذلك وتفقه باجتناب المعامالت الفاسدة، والفيه. ال بد لك من ذلك، وال رخصة لك في تركه. قال عمر بن الخطاب رضي اهلل عنه: ال يبع في سوقنا وال يشتر من لم يتفقه، فإن من لم يتفقه

أكل الربا وهو ال يعلم. إنتهى بمعناه. والحال كما ذكر رضي اهلل عنه.بمالزمة اإلحسان والعدل، وسلوك سبيل المسامحة و وعليك في تجارتك

الفضل، وترك المشاحة واالستقضاء، فإن ذلك أكثر للبركة وأنمى للتجارة. وقد قال عليه الصالة والسالم : ))رحم اهلل عبدا : سمحا إذا باع، سمحا إذا

اشترى، سمحا إذا اقتضى، سمحا إذا قضى((. بإيجاب وقبول صحيحين، فإن المعاطاة بدون لفظ وال تبع وال تشتر شيئا إال

ال تكفي في انعقاد البيع، وقد أجازها بعضهم في المحقرات، ومال إليه حجة اإلسالم في ))اإلحياء(( وأطال الكالم في المعاطاة هنالك . وعلى كل حال

فالبيع والشراء باإليجاب والقبول في كل شيء أحسن وأحوط.* * * 237

(1/237)

وعليك باجتناب الكذب رأسا، وقول: أخذته بكذا وأعطيت عليه كذا ، وأنت في قولك غير صادق فتخسر من حيث ترجو الفائدة، وال تحلف باهلل على

د ذلك، فإن الدنيا بأسرها أصغر وأحقر من أن تحلف البيع والشراء، وال تتعو باهلل عليها مع الصدق، فكيف مع الكذب!

األيمان. وفي الحديث: ))إن اهلل يبغض البياع الحالف((.وال حاجة إلى وقال أيضا عليه الصالة والسالم : ))اليمين منفقة للسلعة، ممحقة للبركة

والكسب((.ارا إال من ار يحشرون يوم القيامة فج وقال عليه الصالة والسالم : ))التج

اتقى وبر وصدق((.* * *

لغش والخداع والتلبيس، وكتمان عيون المبيع، فإن واحذر كل الحذر من اصلى اهلل -ذلك محرم شديد التحريم، وقد يفسد به البيع من أصله، وقد مر

على رجل يبيع طعام فأدخل يده فيه فمست أصابعه بلال -عليه وآله وسلمفقال: )) يا صاحب الطعام ما هذا؟ فقال : أصابته السماء، يعني

عليه الصالة والسالم : ))هال جعلته ظاهرا حتى يراه المطر((، فقال الناس، من غشنا فليس منا(( وفي رواية: أنه رأى داخل الطعام طعاما رديئا

فقال234

(1/234)

لصاحبه: )) هال بعت هذا على حدته وهذا على حدته! من غش المسلمين فليس منهم((.

لبيعان بالخيار مالم يتفرقا،فإن صدقا وبينا وقال عليه الصالة والسالم :))ان كذب وكتما محقت بركة بيعهما((. فال يحل بورك لهما في بيعهما، وا

ألحد أن يبيع المعيب إال ويبين ما فيه من العيب، فإن لم يبين وكان من الحاضرين من يعلم ذلك وجب عليه أن يبين، وقد ورد الحديث بذلك، وهو

الغش المحرم: خلط جيد المتاع يرديئه وبيعهمت من النصح تاواجب. ومن على حدة واحدة تلبيسا وخداعا.

ومنه: إدخال الدرهم الزائف في الدراهم الجيدة، وذلك مما ال يجوز.فإن أعطاه الزائف بنقصان وجده بين الدراهم مسامحة، وكان يعرف من

حاله أنه سيروجه على المسلم آخر في بيع ثان ام يحل ذلك. خالص من النقد الرديء الذي يخالف نقد البلد إال بأن يرميه في بئر فال

ونحوها، كما كان يفعل ذلك بعض السلف الصالح.أو يذهب به إلى الصائغ ليخرج ما فيه من الفضة الخالصة، فيكون نقدا صالحا، ويكون الغش الذي فيه نحاس ونحوه نافعا على قدره، ومن لم

رز من أخذ الدراهم الزائف التي ال تجوز النمعاملة تمسح نفسه بذلك فليحتذا وقع في يده الدرهم الزئف وكان يعرف صاحب الذى عامله عليها، وا

عليه فليرده على صاحب إن لم تسمح نفسه بإتالفة، وال يروجه على مسلم آخر فيأثم بذلك.

* * * 220

(1/220)

في المكيال والميزان، فإن الخطر وليتق التاجر ربه في كل شيء وال سيما

فيهما عظيم، قال اهلل تعالى: )ويل للمطففين*الذين إذا اكتالوا على الناس زنوهم يخسرون(]المطففين: ذا كالوهم أو و [.2-1يستوفون*وا

مرا هلكت فيه األمم وقال عليه الصالة والسالم للتجار: ))إنكم وليتم أالسابقة: المكيال والميزان..(( الحديث، فال بد له من العدل، وهو أن يأخذ

ويعطي على حد سواء، ويحترز ويحتاط، و إن أرجح قليال إذا أعطى، ونقص قليال إذا أخذ كان ذلك أفضل وأحوط، وكان بعض السلف الصالح

بحبة. يريد الويل المذكور في يفعل ذلك ويقول : ال أشتري الويل من اهلل [.1قوله تعالى: )ويل للمطففين(]المطففين: وأراد بالحبة هنا القدر اليسير من المال.

* * * ومن الفضائل في حق المتجر: إقالة النادم، والتيسير على المعسر، قراض المستقرض، وقضاء حاجة المحتاج. والتجاوز عن الموسر ، وا

ال عليه الصالة والسالم : ))من أقال نادما بيعته أقال اهلل عثرته يوم وق القيامة((.

وفي الحديث الصحيح: ))إن اهلل أتي بعبد لم يعمل خيرا قط، غير أنه كان يداين الناس، وكان يأمر غلمانه بالتيسير على المعسر، والتجاوز عن

الموسر ويقول:221

(1/221)

عنا، فقال اهلل له: نحن أولى بذلك منك، فتجاوز عنه((.لعل اهلل يتجاوز :))كل قرض صدقة((. -صلى اهلل عليه وآله وسلم-وقال

وقال عليه الصالة والسالم : ))رأيت ليلة أسري بي على باب الجنة :الصدقة بعشر أمثالها والقرض بثمانية عشر...((الحديث.

* * * بيع أخيه، والشراء على شراء أخيه، وليحذر كل الحذر: من البيع على

ومثال ذلك:أن يقول للبائع أو للمشتري في زمن الخيار: أنا أبيعك غير هذا بأرخص منه، أو أشتري منك هذا بأكثر مما اشتراه، وذلك محرم منهي

عنه.وكذلك النجش، وهو أن يزيد في ثمن السلعة من غير رغبة فيها ليغر غيره

من المسلمين.، فإنه محرم شديد التحريم. وقد وردت فيه احتكار الطعاميضا: من وليحذر أ

أخبار فيها تشديدات هائلة، مثل قوله عليه الصالة والسالم : )) من احتكر طعاما أربعين ليلة فقد برئ من اهلل وبرئ اهلل منه((. وقوله عليه الصالة

الصالة والسالم : )) الجالب مرزوق، والمحتكر معلون((. وقوله عليه والسالم : )) ال يحتكر إال خاطئ((.

: )) من احتكر طعاما أربعين يوما ثم -صلى اهلل عليه وآله وسلم-وقال تصدق به لم يكن له كفارة((. وفي الحديث: )) إن الحاكرين وقتلة النفوس

يحشرون يوم القيامة معا((.223

(1/223)

طعام في أوقات الغالء وشدة حاجة ومعنى االحتكار: أن يشتري اإلنسان ال الناس إلى األطعمة، ثم يخبؤه ويحبسه ليبيعه بأغلى.

فإن أخذه في وقت الرخص على نية أن يدخره للغالء، أو كان من غلته زائدة على حاجته فادخره على تلك النية لم يخل في ذلك من كراهة شديدة،

ولو سلم من -عاروصار في خطر عظيم من محبته ورغبته في غالء األسادخار الطعام لما سلم من محبة الغالء الذي فيه أعظم المشقة على

المسلمين.وقد كان السلف الصالح يكرهون البيع والشراء في الطعمة لما في ذلك من

التعرض لضرورة اإلنسان، بحيث يكره السعة والرخاء، ويحب القحط والغالء.

وب كبير، قال اهلل تعالى:)يا أيها الذين : فإثم عظيم، وحالمعاملة بالرباوأما با إن كنتم مؤمنين*فإن لم تفعلوا فأذنوا آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الر

[.384-387بحرب من الله ورسوله (]البقرة:رسوله!نعوذ باهلل تعالى من المقت فمن ذا الذي يقوى على محاربة اهلل و

: -صلى اهلل عليه وآله وسلم-والبالء، ودرك الشقاء!وقد لعن رسول اهلل ))آكل الربا ومؤكله وشاهده وكاتبه((.

وعد عليه الصالة والسالم أكل الربا في السبع الموبقات، التي منها )) اإلشراك باهلل ، وقتل النفس التي حرم اهلل((.

222

(1/222)

وقال عليه الصالة والسالم : )) الربا ثالثة وسبعون بابا، أيسر ها مثل أن ينكح الرجل أمه((.

وقال عليه الصالة والسالم : )) أربعة حق على اهلل أن ال يدخلهم الجنة وال يذيقهم نعيمها: مدمن الخمر، وآلكل الربا، وآكل مال اليتيم بغير حق، العاق

لولديه((.ه الصالة والسالم : )) الذهب بالذهب، والفضة بالفضة،البر وقال علي

بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح مثال بمثل، سواء ذا اختلفت هذه األصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بسواء، يدا بيد. وا

س ألحد بيد((فقد بين عليه الصالة والسالم في هذا الحديث حكم الربا، فليبعد ذلك سبيل إلى الخالف وترك االمتثال، وقد قال تعالى:)وما آتاكم

[.8الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا (]الحشر:وقال تعالى: )فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم

[.22أليم(]النور:عذاب فمن باع ذهبا بذهب، أو فضة بفضة، أو برا ببر، أو ذرة بذرة، أو تمرا

بتمر، لزم أن يكون ذلك مثال بمثل، يدا بيد.فإن اختلف النوع كالبر بالذرة أو الذرة بالتمر، جازت المفاضلة ووجب

، وهذا التقابض في حال .وفي الباب فروع ومسائل كثيرة محلها كتب الفقه جملة القول في ذلك.

222

(1/222)

من الربا غاية الحذر، واحترزوا -رحمكم اهلل -فاحذرو معاشر اإلخوان منه غاية االحترز، فإنه اهلل تعالى حرمه وحظره على عباده، وجعله خبيثا

با وير بي ممحوقا ال خير فيه وال بركة، كما قال اهلل تعالى: )يمحق الله الردقات والله ال يحب كل كفار أثيم(]البقرة: [.382الص

با أضعافا مضاعفة واتقوا الله وقال تعالى: )يا أيها الذين آمنوا ال تأكلوا الركافرين*وأطيعوا الله والرسول لعلكم لعلكم تفلحون*واتقوا النار التي أعدت لل

[.123-120ترحمون(]آل عمران: فتأملوا وانظروا، واتقوا اهلل واحذروا.

* * * واعلموا أن في بيع النسيئة بسعر ينقص عن السعر الحاضر سعة عن

الربا، وهو جائز مباح، فليأخذ به الراغب في أرباح الدنيا.* * *

اكم وما يتعاطاه بعض الجهال األغبياء المغرورين الحمقى من وأياستحاللهم الربا في زعمهم بحيل أو مخادعات، ومناذرات يتعاطونها بينهم، ويتوهمون أنهم يسلمون بها من إثم الربا، ويتخلصون بسببها من عاره في

ن الدنيا وناره في العقبى، وهيهات هيهات! إن الحيلة في الربا من الربا، وا

222

(1/222)

النذر شيء يتبرر به العبد ويتبرع ويتقرب به إلى ربه، ال يصح النذر إال كذلك. وقرائن أحوال هؤالء تدل على خالف ذلك، وقد قال عليه الصالة

والسالم : ))النذر إال فيما ابتغي به وجه اهلل((. وبتقدير أن هذه المناذرات شيئا فهو بالنيبة إلى أحكم الدنيا على قول بعض العلماء الظاهر تؤثر

وظواهرها ال غير، فأما بالنسبة إلى أحكم الباطن وأمور اآلخرة فال.ومن تأمل كالم علماء الدين أرباب البصائر وجدهم مجمعون على ذلك،

وقد قال حجة اإلسالم فيمن يحتال في إسقاط الزكاة بأن ينذر ماله لغيره في هذا، ثم قال: وهذا كله من الفقه الضار، آخر الحول، وذكر صورا تشبه

ومن قال بجوازه فيعني بذلك قطع المطالبة بالنسبة إلى أحكام الدنيا، أما إذا رجع األمر إلى أحكم الحاكمين وجبار الجبابرة فليس يغني ذلك شيئا. انتهى

كالمه بمعناه.ثال هذه الحيل وقد حلت ببني إسرائيل أنواع العقوبات من اهلل، لما أخذوا بأم

والمخادعات، كما يعرف ذلك من عبده علم بسير األولين. ولوال خشية اإلطالة أل وردنا من ذلك طرفا، وخير الكالم ما قل ودل )ومن يرد الله

[.21فتنته فلن تملك له من الله شيئا (]المائدة:222

(1/222)

ناس بالباطل، وجهات أكل أموال الناس بالباطل ومن الربا أكل أموال ال

كثيرة، وقد نهى اهلل عن جميع ذلك بقوله تعالى: ) يا أيها الذين آمنوا ال [.34تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل(]النساء:

فمن جهات أكل أموال الناس بالباطل: جميع ما يأخذه السالطين الظلمة وانهم من أموال المسلمين من الجبايات والمكوس والعشور وغير ذلك، وأع

وذلك محرم شديد التحريم.

والمأخوذ من الحرام السحت الذي ال شبهة فيه. والمكاس والعشار من المتعرضين لسخط اهلل ومقته، وقد ورد في ذمهم وشدة عقاب اهلل لهم

ال يدخل الجنة صاحب األخبار الكثيرة، قال عليه الصالة والسالم : )) مكس((.

: يعني العشار.-رحمه اهلل -قال يزيد بن هارون وقال عليه الصالة والسالم : ))إن صاحب المكس في النار((.

ومن أكل أموال الناس بالباطل: ما يؤخذ ظلما بالغضب والنهب، والسرقة الفاجرة والخيانة في األمانات، وما يقتطعه اإلنسان من أموالهم باأليمان

وشهادات الزور، وقد قال عليه الصالة والسالم: )) من ظلم قيد شبر من األرض طوقه من سبع أرضين((.

وقال عليه الصالة والسالم : )) اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة((.228

(1/228)

وقال عليه الصالة والسالم : ))ال يحل لمسلم أن يأخذ عصا أخيه بغير

فس منه(( قال ذلك لشدة ما حرم اهلل من مال المسلم على المسلم.طيب نوقال عليه الصالة والسالم : في السرقة: ))لعن اهلل السارق يسرق البيضة

فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده((.وقال عليه الصالة والسالم : في الخيانة: ))آية المنافق ثالث:إذا حدث

ذا ا ذا وعد أخلف، وا ؤتمن خان((.كذب، وا وقال عليه الصالة والسالم : ))ال إيمان لمن ال أمانة له((.

: ))ال دين لمن ال أمانة له وال صالة وال -صلى اهلل عليه وآله وسلم-وقال

زكاة له...(( الحديث.وقال عليه الصالة والسالم : ))ثالث متعلقات بالعرش الرحم تقول: اللهم

ة تقول: اللهم إني بك فال أخان، والنعمة تقول : إني بك فال أقطع، واألمان اللهم إني بك فال أكفر((.

* * * وأما اقتطاع أموال المسلمين باأليمان الفاجرة وشهادة الزور فذلك من الكبائر، وفيه من الوعيد الشديد الهائل ما ال يخفى، قال عليه الصالة

فليتبوأ مقعده من والسالم : ))من اقتطع مال أخيه المسلم بيمين فاجرة النار((.227

(1/227)

وقال عليه الصالة والسالم : ))من حلف على مال امرئ مسلم بغير حقه

لقي اهلل تعالى وهو عليه غضبان((.صلى اهلل عليه -قال عبد اهلل بن مسعود رصي اهلل عنه: ثم قرأ رسول اهلل

ين يشترون بعهد الله مصداقة من كتاب تعالى: ) إن الذ -وآله وسلموأيمانهم ثمنا قليال أولئك ال خالق لهم في اآلخرة وال يكلمهم الله وال ينظر

[.88إليهم يوم القيامة وال يزكيهم ولهم عذاب أليم(]آل عمران:والسالم : ))الكبائر: اإلشراك باهلل، وعقوق الوالدين، وقال عليه الصالة واليمين الغموس((.

قال الحافظ المنذري رحمه اهلل : سميت اليمين الغموس غموسا ألنها تغمس صاحبها في اإلثم في الدنيا، وتغمسه في النار في اآلخرة.انتهى. واليمين

ن كان الغموس: هي التي يقتطع بها اإلنسان شيئا من ما ل أخيه المسلم وا ذلك شيئا يسيرا، حتى قال عليه الصالة والسالم : )) ولو قضيبا من

أراك((.* * *

وأما االقتطاع من أموال الناس بشهادة الزور فأن يشهد به له غيره بشهادة باطلة وهو يعلم ذلك ويريده فيأثم المشهود له والشاهد، فيكون الشاهد على

خرته بدنيامثل ذلك ممن باع آ224

(1/224)

غيره. وشهادة الزور من أكبر الكبائر، كما في الحديث الصحيح. وقال عليه الصالة والسالم : ))عدلت شهادة الزور اإلشراك باهلل((قالها ثالث

مرات.وقال عليه الصالة والسالم : ))ال تزول قدما شاهد الزور حتى يوجب اهلل

له النار((.* * *

. ما يأخذه الحكام والعمال من الرشا والهداياوال الناس بالباطل: ومن أكل أمورشوات الحكام وهدايا العمال من السحت الحرام، وقدد لعن عليه الصالة

والسالم ))الراشي والمرتشي والرائش وهو الساعي بينهما((وقال عليه الصالة لطان على والسالم ))هدايا العمال غلول((والعمال هم الذين يستعملهم الس

األمور.* * *

مسألة ومما يتأكد االحترز عنه، ويتعين على كل مؤمن أن يون نفسه منه: ، إال عند الضروة أو الحاجة الشديدة التي ال بد منها، وال غنى عنها، الناس

:)) ال تحل المسألة لغني وال -صلى اهلل عليه وآله وسلم-قال رسول اهلل : هي القوة.لذي مرة سوي(( والمرة

وقال عليه الصالة والسالم: )) ال تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى اهلل وليس على وجهه مزعة لحم((

220

(1/220)

وقال عليه الصالة والسالم: ))مسألة الغني نار، إن أعطي قليال فقليل، وأن

أعطى كثيرا فكثير((.معه المسألة وسئل عليه الصالة والسالم عن الغنى الذي ال تحل

فقال:))قدر غدائه وعشائه(( .وقال عليه الصالة والسالم : ))ألن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب خير له من

أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه((.وقال عليه الصالة والسالم : ))استعينوا عن الناس ولو بشوص

(.1السواك((). وهذا الخمر وذمهاتحريم وقد رأينا أن نذكر ها هنا شيئا مما رود في

الموضع من الكتاب من أنسب المواضع لذكر ذلك، ألنه في تتمة الكالم على الورع عن المحرمات من المأكوالت والمشروبات وغيرها.

والخمر من األشربة التي حرمها اله وحظرها، ونهى عنها في كتابه المبين ذين آمنوا إنما الخمر وعلى لسان رسوله األمين،قال اهلل تعالى:)يا أيها ال

والميسر واألنصاب واألزالم رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون*إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر

الة فهل أنتم والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الص [.41-40منتهون(]المتئدة:: )) ال يزني الزاني حين يزني -صلى اهلل عليه وآله وسلم-وقال رسول اهلل

وهو مؤمن، وال يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ، وال يشرب الخمر ك بهذا حرمة ومذمةحين يشربها وهو مؤمن(( فناهي

---------------------------- ( أي بغسالته وقيل: بما يتفتت منه عند التسواك.1)

221

(1/221)

لشيء إذا تعاطاه اإلنسان فارقه اإليمان؟!.

وقال عليه الصالة والسالم : )) لعن اهلل الخمر وشاربها وساقيها ومبتاعها المحمولة إليه((زاد في رواية))وآكل وبائعها وعاصرها ومتعصرها وحاملها و

ثمنها((.وقال عليه الصالة والسالم : )) من كان يؤمن باهلل واليوم اآلخر فال يشرب الخمر...((الحديث. وقال عليه الصالة والسالم : ))مدمن الخمر إن مات

لقي اهلل تعالى كعابد وثن((.: مدمن الخمر، وقال عليه الصالة والسالم : ))ثالثة ال يدخلون الجنة

وقاطع الرحم، ومصدق بالسحر((. وقال عليه الصالة والسالم: ))اجتنبو الخمر فإنها مفتاح كل شر((.

وقال عليه الصالة والسالم : ))الخمر جماع اإلثم، والنساء حبائل وحب الدنيا رأس كل خطيئة((. -الشيطان

حاب وعن ابن عباس رضي اهلل عنهما قال: لما حرمت الخمر مشى أصبعضهم إلى بعض وقالوا: حرمت -صلى اهلل عليه وآله وسلم-رسول اهلل

الخمر وجعلت عدال للشرك، أي في اإلثم. وقال عليه الصالة والسالم :))من شرب الخمر خرج نور اإليمان من جوفه((.

وقال عليه الصالة والسالم : ))من شرب الخمر سقاه اهلل من حميم جهنم((.

ن على اهلل عهدا لمن وقال عليه ا لصالة والسالم : ))كل مسكر حرام، وا شرب الخمر أن يسقيه من طينة الخبال((، قالوا: يا رسول اهلل، وما طينة

الخبال؟ قال: )) عرق أهل النار أو عصارة أهل النار((.223

(1/223)

وقال عليه الصالة والسالم : ))إذا شربوا الخمر فاجلدوهم، ثم إن شربوا

اجلدوهم، ثم إن شربوا فاجلدوهم، ثم إن شربوا فاقتلوهم((.فقال الحافظ المنذري رحمه اهلل تعالى: قتل شارب الخمر قد جاء في غير ما

وجه صحيح وهو منسوخ. واهلل أعلم. انتهى. وقال عليه الصالة والسالم: ))الخمر أم الخبائث(( .لدنيا لم يشربها في وقال عليه الصالة والسالم :))من شرب الخمر في ا

اآلخرة((.وقال عليه الصالة والسالم :))من شرب الخمر لم يقبل اهلل له صالة أربعين

صباحا((.الوارد في تحريم الخمر وذمها والتحذير منها كثير شهير، وفيما ذكرناه

من هذا الشراب -رحمكم اهلل -كفاية لمن وفقه اهلل فاحذروا عباد اهلل مه اهلل، وجعل السخط والمقت والخزي حظ شاربه في الخبيث، الذي حر

الدنيا واآلخرة. ومن ايتلي بشربها فليتب منها من قبل أن تحل به العقوبة، أو يموت فيصير إلى النار وسخط الجبار. نسأل اهلل لنا ولكم العافية

والسالمة من جميع البليات.* * *

ياكم مم -واعلموا معاشر اإلخوان ن صلحت سريرته وعالنيته، جعلنا اهلل وا :-واستقام باطنه وظاهره على اعتقاد الحق والعمل به

أن من أهم المهمات على كل مؤمن مراقبة قلبه وجوارحه ومراعاتهما، وبذل الجهد في حفظهما وكفهما عن

222

(1/222)

مساخط اهلل ومكارهه، واستعمالهما بمحاب اهلل ومراضيه، وقد قال

[.22مع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤوال(]اإلسراء:تعالى:)إن الس والقلب والجوارح من أعظم نعم اهلل على عباده، فمن استعملها بطاعته وزينها بمحابهن وصرف كال منها فيما خلق له فقد شكر النعمة، وحفظ

رين وثواب المحسنين،إن الحرمة، وأحسن الخدمة، وله عنداهلل جزاء الشاكاهلل ال يضيع أجر من أحسن عمال.ومن أرسل قلبه وجوارحه في مخالفة

األمر،

وأهملها وأضاعها، ولم يحفظها، فقد كفر نعمة اهلل فيها ، واستوجب الذم والعقوبة من اهلل بسببها، وستشد عليه بين يدي اهلل بما عمل بها من

تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما معاصي اهلل، وكما قال تعالى)يوم [.32كانوا يعملون(]النور:

وقال تعالى:اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا [.22يكسبون(]يس:

ئيس الجوارح وأميرها، وعليه يدور صالحها وفسادها، وأما القلب : فهو ر ن في الجسد كله، إال وهي القلب((. كما قال عليه الصالة والسالم :))أال وا

وأما الجوارح: فنعني بها اإلعضاء السبعة : العين، واألذن ، والسان، والبطن، والفرج، واليد، والرجل.

* * * 222

(1/222)

ظيمة من اهلل على عبده، وقد خلقها له لينظر بها فأما العين: فهي نعمة ع

في عجائب مصنوعاته في أرضه وسمواته، فيزداد بذلك معروف ويقينا بربه، وطاعة وخدمة له. وليهتدي بها في الظلمات، ويستعين بها على

ن الحاجات، فإن استعملها فيما خلقت له كان من المطيعين الشاكرين. وا اهلل عليه من النظر إلى النساء األجانب والصور أطلقها وأرسلها فيما حرم

الجميلة بباعث الشهواة، فقد عصى وتعرض للعقاب والبالء. فليحذر المؤمن من ذلك كل الحذر، ومن النظر إلى أحد من المسلمين بعين

االستصغار واالحتقار واالستخفاف، ومن التطلع إلى عورات المسلمين

وعيوبهم.يكثر النظر إلى الشهوات الدنيا ومباحاتها التي تدعو وكذلك ينبغي له أن ال

النفس إلى الرغبة فيها، فإن ذلك ربما فرق القلب، وأقبل به على عمارة الدنيا وجميع حطامها، واإلعراض عن اآلخرة وترك االستعداد لها، فحفظ النظر عن ذلك مهم ومتأكد، ال سيما على المتوجهين المقبلين على اهلل

خرة.والدار اآلوأما النظر إلى المحرمات: من النساء األجنبيات، والصور المشتهيات التي وا ال تحل، فذلك محرم شديد التحريم. قال اهلل تعالى: ) قل للمؤمنين يغض

[.20من أبصارهم ويحفظوا فروجهم (]النور:222

(1/222)

أنه قال: ))النظرة سهم -وآله وسلم صلى اهلل عليه-وروي عن النبي

مسموم من سهام أبليس، من تركها مخافة من اهلل أعطاه اهلل عبادة يجد حالوتها في قلبه((وقال عيسى عليه السالم: ))النظرة تزوةع في القلب

شهواة، وكفى بها لصاحبها فتنة((.* * *

سمع بها الكالم وأما األذن فهي من أعظم النعم أيضا, وقد خلقت للعبد ليربه وسنة نبيه، وكالم العلماء والحكماء من صالحي عباد اهلل، فيستفيد

بذلك سلوك سبيل مرضاة اهلل، وينتفع بها في معاشه الذي يستعين به على فإن أصغى بها إلى استماع ما حرم اهلل عليه/ من -أعني األذن -معاده

شكرها، ألنه قد استعملها في كذب، وغيبة، وكالم قبيح فقد كفر النعمة ولم ي

غير ما خلقت له.قال اإلمام الغزالي رحمه اهلل تعالى: وال تظنن أن اإلثم يختص به القائل

دون المستمع، فإن المستمع شريك القائل وهو أحد المغتابين. انتهى.فالمستمع إلى الخير شريك في الثوابه، والمستمع إلى الشر شريك في إثمه.

واهلل أعلم.* * * 222

(1/222)

وأما اللسان: فهو من أعظم نعم اهلل على عبده، وفيه خير كبير، ونفع كثير

لمن حفظه واستعمله فيما خلق له. وفيه شر كثير وضرر عظيم لمن أضاعه واستعمله في غير ما خلق له.

وقد خلقه اهلل تعالى للعبد ايكثر به من ذكره وتالوة كتابه، ولينصح به عباده دعوهم به إلى طاعته، ويعرفهم ما يجب عليهم من عظيم حقه، وليظهر وي

به ما في ضميره من حاجات دينه ودنياه. فإن استعمله بذلك كان من ن شغله واستعمله بخالف ما خلق له كان من الظالمين الشاكرين، وا

المعتدين. ثم إن أمر اللسان مهم جدا، وهو أغلب أعضاء العبد عليه، وأقواها في

سياقته إلى الهالك إن لم يضبطه ويكفه عما حرم اهلل عليه.وفي الحديث: ))وهل يكتب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم

إال حصائد ألسنتهم((.وقال عليه الصالة والسالم : ))من كان يؤمن باهلل واليوم اآلخر فليقل خيرا

أو ليصمت((.: ))رحم اهلل امرأ قال خيرا فغنم، أو سكت عن وقال عليه الصالة والسالم

شر فسلم((. وقال عليه الصالة والسالم: ))من صمن نجا(( .

وقال عليه الصالة والسالم : ))كل كالم اين آدم عليه ال له إال ذكر اهلل أو أمرا بمعروف أو نهيا عن منكر ((.

من رضوان اهلل ما وقال عليه الصالة والسالم: )) إن الرجل ليتكلم بالكلمةن الرجل يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب اهلل له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وا

ليتكلم بالكلمة من228

(1/228)

سخط اهلل ما يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب اهلل له بها في النار سخطه إلى

يوم يلقاه((.ا باال فيهوي بها وفي الحديث اآلخر: )) إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يلقي له

في النار أبعد من الثريا((.فخطر اللسان عظيم، وأمره مخوف، وال ينجي منه إال الصمت وترك النطق إال عند الحاجة بقدرها، ويكون له في تالوة كتاب اهلل وفي اإلكثار من ذكر

اهلل شغل شاغل عن الخوض في الباطل، وفيما ال يعنيه من الكالم.سان: الكذب، وهو اإلخبار بغير الواقع، سواء أثبت به ومن أعظم آفات الل

منفيا كأن يقول: وقع كذا لما ل يقع: أو نفى بع ثابتا كأن يقول: لم يقع كذا ثم الكذب عظيم، وهو مناقض لإليمان، وصاحبه متعرض لما قد وقع. وا

الكاذبين( ]آل بسببه للعنة الرحمن، قال اهلل تعالى: ) فنجعل لعنة الله على [21عمران:

وقال عليه الصالة والسالم: )) من أراد أن يلعن نفسه فليكذب((.ن الفجور وقال عليه الصالة والسالم: )) إن الكذب يهدي إلى الفجور، وا

يهدي إلى النار وال يزال العبد يكذب227

(1/227)

ويتحرى الكذب حتى يكتب عند اهلل كذابا((.

الصالة والسالم : أيكذب المؤمن؟ فقال: ))ال، إنما يفتري وسئل عليه الكذب الذي ال يؤمنون بآيات اهلل ...(( الحديث.

* * * ومن أعظم آفات اللسان: الغيبة، وهي ذكرك أخاك المسلم في غيبته بما يكرهه لو سمعه، وسواء ذكرته بنقص في دينه أو بدنه أو أهله أو واده،

ئر ما يتعلق به،وسواء في ذلك النطق باللسان حتى في مشيته وثوب وساوالكتابة واإلشارة باليد. كذلك قال العلماء رحمهم اهلل ، ومثل اإلمام الغزالي

واإلمام النووي وغيرهما.والغيبة محرمة شديدة لبتحريم، قال اهلل تعالى:)وال يغتب بعضكم بعضا

م أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب أيحب أحدكم أن يأكل لح [.13رحيم(]الحجرات:

فشبه اهلل تعالى المغتاب الظالم بآكل لحم أخيه المسلم ميتا: وناهيك بذلك -صلى اهلل عليه وآله وسلم-ذما وزجرا عن الغيبة! وقد قال رسول اهلل

لى المسلم حرام دمه وماله وعرضه((.))كل المسلم عوقال عليه الصالة والسالم : )) الربا اثنان وسبعون بابا، أدناها مثل أن

ن أربى الربا استطالة الرجل ينكح الرجل أمه. وا

224

(1/224)

وفي عرض أخيه المسلم ((.

: -صلى اهلل عليه وآله وسلم-وقالت عائشة رضي اهلل عنها لرسول اهلل حسبك من صفية كذا وكذا! قال بعض الرواة: تعني أنها قصيرة ؛ فقال

عليه الصالة والسالم : ))لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته ((أي لو خلطت بما البحر لغيرته وأنتنته من فحشها وقبحها.

وقالت امرأة: ما أطول ذيل فالنة! فقال عليه الصالة والسالم :)) الفظي ( فأخرجت من فمها قطعة لحم ، فصارت بهذه الكلمة الواحدة الفظي(

القريبة آكلة من لحمها. فانظروا عباد اهلل ما أفحش الغيبة وأقبحها! وما أهون الوقع فيها على الناس إال من رحم اهلل، وقيل ما هم!.

واعلم : أن من الواجب عليك إذا رأيت من أخيك المسلم عيبا أو نقصا : أن تذكر له ذلك في الخلوة على سبيل النصحة، فإمن عجزت يمكنك إزالته

عن ذلك، أو لم توفق له فذلك نقص فيك، فال تجمع إليه نقصا آخر أقبح منه، وهو أن تهتك ستره وتذكر عيوبه للناس في غيبته، فتجمع على نفسك

مصيبتين، وتجر إليها بليتين.* * *

م الناس بعضهم إلى بعض، ومن آفات اللسان: النميمة، وهي نقل كال يقصد بذلك اإلفساد والفتنة بينهم.

220

(1/220)

ف مهين * هماز مشاء بنميم قال اهلل تعالى: )وال تطع كل حال

[.11-10(]القلم:وقال عليه الصالة والسالم :))ال يدخل الجنة قتات(( وهو النمام. وقال

م :))شرار ععباد اللهالمشاءون بالنميمة، المفرقون بين عليه الصالة والسالاألحبة((.وقال عليه الصالة والسالم :))إن النميمة والحقد في النار، وال

يجمعان في قلب مسلم ((.وقال عليه الصالة والسالم :))ليس مني ذو حقد منين والمؤمنات وال نميمة وال كهانة وال أنا منه((ثم تال:) والذين يؤذون المؤ

ثما مبينا(]األجزاب: [.27بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وا وقال بعض السلف الصالح رحمهم اهلل : ال يكون النمام إال ولد زنا.ومن أقبح أنواع النميمة وأفحشها: ما كان منها إلى السالطين والوالة

ى السعاية ، يقصد بها صاحبها إغراء الوالي يإيذاء من ونحوهم ، وتسمثمها عظيم، مضاعف على إثم سعى به إليه، وأخذ ماله، وجلب الشرله.وا

النميمة التي تكون بين عامة الناس .صلى اهلل عليه وآله -ومن آفات اللسان: شتم المسلم وسبه في الوجه، قال

ر((.: ))سباب المؤمن فسوق وقتاله كف -وسلم وقال عليه الصالة والسالم : ))المتسابان شيطانان يتهاتران ويتكاذبان(( .

221

(1/221)

وقال عليه الصالة والسالم : ))من الكبائر السبتان بالسبة((.

ومن آفات اللسان: السخرية بالمسلم، واالستهزاء به، والضحك عليه )يا أيها الذين آمنوا ال يسخر قوم من استخفافا واحتقارا له، قال اهلل تعالى:

نهن نهم وال نساء من نساء عسى أن يكن خيرا م قوم عسى أن يكونوا خيرا ميمان ومن وال تلمزوا أنفسكم وال تنابزوا باأللقاب بئس االسم الفسوق بع د اإل

[.11لم يتب فأولئك هم الظالمون(]الحجرات:وقال عليه الصالة والسالم : ))بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه

المسلم((.ومن آفات اللسان: اليمين الفاجرة، وشهادة الزور، واللعن، وقةلك للمسلم يا

هل القبلة بكفر أو بدعة ألو فسق من كافر، والقطع بالشهادة على أحد من أدون أن يتحقق ذلك يقينا، والدعاء على المسلمين بالشر، والوعد الكاذب،

وكالم ذي الوجهين، وسائر الكالم القبيح، والقول الفاحش الذي يسحيا منه، والمراء والجدال، ومنازعة الناس في الكالم وكثرة الخصومة، والخوض فيما

ال يعني.في ذم جميع ذلك اآليات واألخبار الكثيرة الشهيرة. فعلى المؤمن وقد وردت

الناظر لنفسه، والشفيق على دينه، أن يكون كما قال عليه الصالة والسالم :))من كان يؤمن باهلل واليوم اآلخر، فليقل خيرا أو ليصمت((.

223

(1/223)

ين آفة في وآفات اللسان كثيرة، وقد عد اإلمام حجة اإلسالم منها عشر

كتاب آفات اللسان من ))اإلحياء((، وأشبع الكالم في ذلك على ما يليق بجاللة قدره، وسعة علمه.

فرضي اهلل عنه وجزاه عن اإلسالم والمسلمين خيرا.* * *

وأما البطن: فحفظه وضبطه من أهم المهمات، وذلك بكفه عن الحرام الحالل.والشبهات، ثم عن فضول الشهوات، وعن الشبع من

فأما الحرام والشبهات فقد تقدم الكالم عليهما في باب الورع.وأما التوسع في الشهوات واإلكثار من الشبع فذلك مكروه، وفيه آفات كثيرة ومضرات عديدة، ومنها: قسوة القلب، وكسل األعضاء عن الطاعة، وقلة

قة على ضعفة نشاطها للعبادة، وقلة الفهم للعلم والحكمة، وقلة الرحمة والشف المسلمين وأهل الحاجة منهم.

الوقع -أعني: االتساع في أكل الشهوات وكثرة الشبع -ويخشى من ذلك في اقتحام الشبهات بل والمحرمات.

قال حجة اإلسالم رحمه اهلل تعالى: الشبع من الحالل أصل كل شر ، فكيف من الحرام؟!. انتهى.

222

(1/222)

ة والسالم : ))ما مأل ابن آدم وعاء شرا من بطنه، وقد قال عليه الصالحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان ال محالة، فثلث بطعامه،

وثلث لشرابه، وثلث لنفسه((.وروي عنه عليه الصالة والسالم أنه قال:))شرار أمتي الذين غذوا بالنعيم

لوان الثياب، ونبتت عليه أجسامهم، وإلنما همة أحدهم ألوان الطعام وأويتشدقون في كالم((. وقال عليه الصالة والسالم :))أطول الناس شبعا في الدنيا أطولهم جوعا في اآلخرة((. وقال علي كرم اهلل وجهه: من كان همته

ما يدخل بطنه كان قيمته ما يخرج منها.فعلى المؤمن أن يكف نفسه عن الشهوات عفه وقناعة، وزهادة في الدنيا،

ذا أكل فليقتصر على ما دون الشبع، وليأكل ما وجد من الحالل من غير وا ن تحرى األخشن األدنى كان أقرب قصد لما كان ألذ وأوفق للطبع، وا للتقوى، وأقل للكلفة، وأبعد عن الشهوات، وأشبه بهدي السلف الصالح.

من الشعير، -صلى اهلل عليه وآله وسلم-وقد كان أكثر طعمام رسول اهلل وكان يمكث هو وأهله عليه الصالة والسالم األشهر على التمر والماء،ال

توقد لهم نار لطعام وال غيره.وعلى المؤمن إذا أكل أن يأكل باألدب، واتباع السنة في ذلك، ومن التسمية

عند االبتداء، والحمد هلل في اآلخر،222

(1/222)

ي على عبادته، إلى غير ذلك ويأكل بينه االستعانة على طاعة اهلل، والتقو

من اآلداب التي وردت بها األخبار.

وأما الفرج: فحفظه مهم، وأمره مخطر، وقد أثنى اهلل في كتابه علبى المؤمنين من عباده فقال في أثناء وصفهم:) والذين هم لفروجهم

هم فإنهم غير ملومين*فمن حافظون*إال على أزواجهم أو ما ملكت أيمان [.8-2ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون(]المؤمنون:

وقد سئل عليه الصالة والسالم عن أكثر ما يدخل الناس النار فقال:))األجوفان، الفهم والفرج((.

حييه ورجليه دخل وقال عليه الصالة والسالم : ))من وقاه اهلل شر ما بين ل الجنة((.

فعليك أيها المؤمن بحفظ فرجك ، واستعن على ذلك بحفظ قلبك عن التفكر فيما ال يحل لك، وبحفظ بصرك عن النظر إلى ما ال يجوز لك النظر إليه،

وفي الحديث: )) العين تزني، والنفس تتمنى، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه((.* * *

ذر من الزنا ومن اللواط، تحريما شديدا، ونهى عنهما وتباعد كل البعد، واحنى إنه كان فاحشة وساء نهيا أكيدا فقال تعالى:)وال تقربوا الز

[.23سبيال(]اإلسراء: وقال تعالى:)والذين ال يدعون مع الله إلها آخر وال يقتلون

222

(1/222)

م الله إال بالحق وال يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما* ال نفس التي حر

يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا* إال من تاب وآمن وعمل

ه سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا عمال صالحا فأولئك يبدل الل [.80-27رحيما(]الفرقان::)) ال يزني الزاني حين يزني -صلى اهلل عليه وآله وسلم-وقال رسول اهلل وهو مؤمن((.

وقال عليه الصالة والسالم : ))المقيم على الزنا كعابد وثن((.الزناة يأتون تشتعل فروجهم نارا((. أي : وقال عليه الصالة والسالم : ))إن

يأتون يوم القيامة.وقال عليه الصالة والسالم :))ثالثة ال يكلمهم اهلل يوم القيامة، وال يزكيهم، وال ينظر إليهم، ولهم عذاب أليم ،شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر((.

وقال عليه الصالة والسالم: ))إن الزنا يجلب الفقر((.د: )) أنه يأتي على أهل الموقف ريح منتنة تؤذي كل بر وفاجر غاية وور

األذى؛ فيقال لهم: هذه رائحة فروج الزناة((.رأى الزناة -صلى اهلل عليه وآله وسلم-وفي الحديث الصحيح :أنه

والزواني في مثل التنور، يأتيهم لهب النار من أسفله فيصيحون ويرتفعون، ذيب اهلل أياهم في البرزخ، وقال اهلل تعالى في ذكر وذلك من أنواع تع

إهالك قوم لوط، وحين عملوا بالفاحشة وأصروا عليه: ) فلما جاء أمرنا مة عند يل منضود*مسو جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سج

[.72-73الظالمين ببعيد(]هود:ربك وما هي من

322

(1/222)

قيل في بعض التفاسير: وما هي ببعيد من الظالمين الذين يعملون بعملهم.وبلغنا أن رجلين كانا يعمالن هذه الفاحشة الخبيثة في بيت، ومن فوق سقفه حجر من الحجارة التي أرسلت على قوم لوط، فخرق الحجر السقف ووقع

فأهلكهما، فبلغ ذلك بعض السلف فقال صدق اهلل)وما هي من عليهما [.72الظالمين ببعيد(]هود:

وقال عليه الصالة والسالم : ))أخوف ما أخاف على أمتي : عمل قوم لوط((.:)) لعن اهلل سبعة من خلقه من فوق -صلى اهلل عليه وآله وسلم-وقال

لى واحد منهم ثالثا ، ولعن كل واحد لعنة سبع سموات(( . وردد اللعنة عتكفيه قال : ))ملعون من عمل عمل قوم لوط، ملعون من عمل عمل قوم

لوط، ملعون من عمل عمل قوم لوط، ملعون من ذبح لغير اهلل، ملعون من أتى شيا من البهائم، ملعون من عق والديه، ملعون من جمع بين المرأة

د األرض، ملعون من ادعى إلى غير وأختها، ملعون من غير حدو صلى اهلل -مواليه((. وعن أبي هريرة رضي اهلل عنه قال:قال رسول اهلل

: ))أربعة يصبحون في غضب اهلل، ويمسون في سخط -عليه وآله وسلماهلل(( قلت: من هم يارسول اهلل؟ قال: ))المتشبهون من الرجال بالنساء،

والذين يأتي البهيمة، والذي يأتي الرجال((. والمتشبهات من النساء بالرجال،

228

(1/228)

وما ورد في تحريم الزنا واللواط، وفي عقوبة مرتكبهما كثير شهير، وحسبك بهما قبحا وتحريما ونكاال ، ما رتب اهلل عليهما في الدنيا قبل اآلخرة من

الحد والعقوبة.ت عليهما البينة بالزنا فان كان وبيان ذلك: أن الزاني والزانية مهما قام

ن كانا محصنين رجما با عن أوطانهما عاما. وا بكرين جلدا مائة جلدة، وغرن كان أحدهما محصنا واآلخر بكرا ، كان لكل بالحجارة حتى يموتا. وا

واحد حكمه.اعل وأما اللواط: فحده كحد الزنا على القول الصحيح ، وفي قول: يقتل الف

والمفعول به، وقد ورد به الحديث. وفي بعض األقوال: أنهما يحرقان بالنار. نسأل اهلل العافية من كل بلية.

وأما إتيان البهيمة: فهو من العظائم، وفاعله ملعون كما في الحديث المتقدم. وفي الحديث اآلخر: ))من وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوها((.

فهو قبيح مذموم، وفيه آفات وبليات كثيرة، وقد يبتلى وأما االستمناء باليد:به بعض الناس، فليتق ويحذر! وفي بعض األحاديث: ))لعن اهلل من نكح

: ))أهلك اهلل أمة كانوا يعبثون -صلى اهلل عليه وآله وسلم-يده((. وقال بفروجهم((.

من اللهم يا عليم يا خبير، طهر قلوبنال من النفاق، وحصن فروجنا الفواحش، والطف بنا والمسلمين.

* * * 227

(1/227)

عانة المسلمين في الحاجات وأما اليدان: فعليك ببسطهما في الصدقات، وا وفي كتاب العلم والحكمة، وفي اكتساب الحالل بنية االستعانة على الدين، واحفظهما عن أن تضرب بهما مسلما ألو تؤذيه بغير حق ، أو تأخذ بهما

يجوز لك أخذه من أموال المسلمين، كاأل خذ بالظلم والخيانة، ما ال والمعامالت الفاسدة.

وأما الرجالن: فإياك أن تمشي بهما إلى حرام أو معصية، أو إعانة على باطل، أو إالى باب سلطان الظالم ، إو إلى لهو ولعب، وما ال خي فيه وال

مثل طلب العلم النافع، نفع، وال تمش بهما إال إلى الخيرات والصالحات،والسعي إلى المساجد إلقامة الصلوات في الجماعات، والعمل بو ظائف قامة العبادات. ومثل زيارة اإلخوان في اهلل، وقضاء حوائج المسلمين، وا حقوقهم من عيادة المرض وتشييع الجنائز، ونحو ذلك من أعمال البر

وأفعال الخير.اهلل عليك، وقد خلقها لك لتستعين بها وبالجملة: فجوارحك من أعظم نعم

إلى طاعته، فإن استعملتها فيما خلقت له من الطاعات والموافقات فقد ن استعملتها في غير ما خلقت له من شكرت وصرت من المحسنين، وا

المعاصي والمخالفات فقد كفرت نعمة ربك، وخنته في أمانته التي ائتمنك التي ائتمنك عليها ربك.عليها، فإن الجوارح من األمانات

224

(1/224)

وقد انتهى الكالم في الجوارح السبع على وجه مختصر جامع.وقصدنا اآلن: أن نذكر شيئا فيما يتعلق بالقلب الذي هو سيد الجوارح وملك األعضاء، وهو معدن العقائد واألخالق والنيات المذموم منها والمحمود، وال

ة إال لمن طهره وزكاه عن القبائح والرذائل، وزينه سعادة في الدنيا واآلخر وحاله بالمحاسن والفضائل .قال اهلل تعالى:)ونفس وما سواها*فألهمها

[.10-8فجورها وتقواها*قد أفلح من زكاها*وقد خاب من دساها(]الشمس:قونة في القلب كثيرة، وكذلك ثم إن األخالق المذمومة والخصال المم

األخالق المحمودة والخصال المحبوبة التي ينبغي للمؤمن أن يحلي بها قلبه كثيرة أيضا.

وقد استوفى الكالم في ذلك كله اإلمام حجة اإلسالم في النصف الثاني من))اإلحياء(( في ذكر المهلكات والمنجيات، وكالمه في هذه الفنون هو

لمرجع إليه، لكماله في العلم والعبادة، والزهد والمعرفة، وألنه المعول عليه وا جمع في ذلك كالم من تقدمه من السلف الصالح ومشايخ الطريق.

وقد اقتفى آثاره، واقتبس من أنواره من جاء بعده من أهل هذا الشأن من علماء المسلمين وصالحيهم، ومن أهل سائر اآلفاق والبلدان, كما يعرف

لمه تحقيقا من له رسوخ في هذه العلوم، وغوص واطالع على ذلك ويع أسرار طريق اهلل.

220

(1/220)

فإذا علمت ذلك وعرفته فاعلم أن الصفات المذمومة في القلب أمراض له، وقد تؤديه إلى الهالك في الدنيا واآلخرة، فال غنى للمؤمن عن عالجقلبه،

المة له، فإنه ال يجوز إال من وال بد له من السعي في تحصيل الصحة والس أتى اهلل بقلب سليم .

ذا عرفت أن والمحمودة كثيرة، والنظر فيها يطول، صفات القلب المذمومةوا وقصدنا االختصار واإليجاز، وقد أحلنا في طلب االستقصاء في ذلك على ما شرحه حجة اإلسالم في ))اإلحياء((، ولكنا ننبه بكالم قريب على شيء

كات التي يجب تزكية القلب بها، ونقتصر من جملة ذلك على ما من المهل يعم وجوده، ويغلب وقوعه، وتشتد الحاجة إليه.

فأول ذلك: أنه يجب على اإلنسان أن يزكي قلبه، ويطهره من رذيلة الشك في اهلل ورسوله والدار اآلخرة، فإن ذلك من ألعظم أمراض القلوب المهلكة

ا عظيم ،خصوصا عند الموت، وقد تؤدي في اآلخرة، والتي تضر ضرر والعياذ باهلل إلى سوء الخاتمة، وهذا الشك قد يبتلى به بعض الناس. فال

يجوز لمن وجد شيئا من ذلك أن يضمره في نفسه، ويطويه في قلبه، فليقى اهلل شاكا، بل يجب عليه أن يجتهد في إزالة ذلك، ويسعى في نفيه عنه بكل

ما يمكنه. ألشياء في إزلته سؤال العلماء باهلل تعالى وبدينه أهلوأنفع ا221

(1/221)

االيقين والخشية، والزهد في الدنيا. فإن لم يصادف أحدا منهم فلينظر في كتبهم التي ألفوهل في علوم التوحيد واليقين. ولست أعني بالشك ما يجده

طالنه، ويجد اإلنسان من الخواطر والوساوس في أمور اإليمان بما يعلم يقلبه مصمما على خالفه ونفسه كارهة له ونافرة عنه، فإن ذلك هو

الوسوسة، ويكفي اإلنسان فيها أن يكرهها ويعرض عنها يستعيذ باهلل منها.، وهو من صفات الكبرومن أعظم أمراض القلوب وصفاتها المهلكة:

ر وكان من الشياطين، كما قال تعالى في إبليس اللعين: )أبى واستكب [.22الكافرين(]البقرة:

والمتكبر بغيض إلى اهلل تعالى، كما قال تعالى:)إنه ال يحب [.17[،)إن الله ال يحب كل مختال فخور(]لقمان:32المستكبرين(]النحل:

يطبع اهلل والخيالء والفخر من أوصاف المتكبرين، والمتكبر متعرض ألنعلى قلبه، كما قال تعالى:)كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر

[.22جبار(]غافر:والمتكبر مصروف عن آيات اهلل، كما قال تعالى:)سأصرف عن آياتي

[.122الذين يتكبرون في األرض بغير الحق(]األعراف::))يقول اهلل تعالى: الكيرياء -صلى اهلل عليه وآله وسلم-ل رسول اهلل وقا

ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحا منهما ألقيته في النار((.223

(1/223)

وقال عليه الصالة والسالم : ))يحشر المتكبرون يوم القيامة مثل الذر في

حديث.صورة الرجال، يغشاهم الذل من كل مكان((الوقال عليه الصالة والسالم : ))من تعاظم في نفسه، واختال في مشيته لقي

اهلل وهو عليه غضبان((.وقال عليه الصالة والسالم : ))بينما رجل ممن كان قبلكم يجر إزاره خيالء

خسف اهلل به في األرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة((.

خل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من وقال عليه الصالة والسالم : ))ال يدكبر((، فقال رجل: يارسول اهلل، إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة؟ فقال عليه الصالة والسالم : ))إن اهلل جميل يحب الجمال، الكبر

وغمط الناس ((، يعني: احتقارهم وازدراءهم. -يعني :رده -بطر الحق ها، واحتقر الناس واستصغرهم فهو المتكبر فمن تعاظم في نفسه وأعجب ب

الممقوت.والكبر إنما يكون في القلب، ولكن تكون له عالمات في الظاهر تدل عليه،

ظهار الترفع عليهم، وحب التصدر في فمنها: حب التقدم على الناس، وا المجالس، والتبختر واالختيال في المشية، واالكتنكاف من أن يرد عليه

ن كان باطال، واالمتناع من قبول الحق، واالستخفاف بضعفة كالمه وا المسلمين ومساكينهم.

ومنها: تزكية النفس والثناء عليها، والفخر باآلباء من أهل الدين والفضل، والتبجح بالنسب، وذلك مذموم ومستقبح

222

(1/222)

ئق جدا، وقد يبتلى به بعض أوالد األخيار ممن ال بصيرة له وال معرفة بحقا

الدين.ومن افتخر على الناس بنفسه وبآبائه ذهبت بركتهم عنه، ألنهم ما كانوا يفترون وال يتكبرون على الناس، ولو فعلوا ذلك لبطل فضلهم، وقد قال

عليه الصالة والسالم : ))من بطؤ به عمله لم يسرع به نسبه((.ويا صفية : )) يا فاطمة بنت محمد، -صلى اهلل عليه وآله وسلم-وقال

ال أغني عنكم من اهلل شيئا، -صلى اهلل عليه وآله وسلم-عمة رسول اهلل اشتروا أنفسكم من النار...((الحديث.

وقال عليه الصالة والسالم : ))ال فضل ألحمر على أسود، وال لعربي على عجمي إال بتقوى اهلل، أنتم من آدم وآدم من تراب((.

: ))لينتهين أقوام عن الفخر بآبائهم أو ليكونن وقال عليه الصالة والسالمأهون على اهلل تعالى من الجعالن((. فالفضل والكرم بالتقوى ال بالنسب،

[.12كما قال اهلل تعالى:)إن أكرمكم عند الله أتقاكم (]الحجرات:ناس ولو أن اإلنسان كان من أتقى الناس وأعلمهم وأعبدهم، ثم تكبر على ال

وافتخر عليهم أل حبط اهلل تقواه وأبطل عبادته، فكيف بالجاهل المخلط الذي يتكبر على الناس بتقوى غير وصالح غيره من آبائه وأجداده؟! فهل هذا إال ن الخير كله في التواضع والخشوع والخضوع جهل عظيم وحمق فظيع؟! وا

اهلل، ومن تكبر هلل تعالى. قال عليه الصالة والسالم :))من تواضع رفعه وضعه اهلل((.

222

(1/222)

ن حب الخمول واالختفاء، وكراهية الشهرة والظهور لمن أخالق صالحي وا المؤمنين، والرضا بالون من المجلس، ومن اللباس والطعام وسائر أمتعة

الدنيا كذلك أيضا. فاحرص أيها المؤمن على ذلك.صلى اهلل عليه وآله -رسول اهلل وقد سماه الرياء:ومن أعظم المهلكات،

بالشرك األصغر، والشرك الخفي. -وسلمومعنى الرياء: طلب المنزلة والتعظيم عند الناس بعمل اآلخرة، كالذي

يصلي ويصوم، ويتصدق ويحج، ويجاهد ويقرأ القرآن ، ليعظمه الناس لذلك وسعيه ويكرموه أو يعطوه من أموالهم، فذلك هوالمرائي، وعمله مردود،

خائب، سواء فعل له الناس ما أمله منهم أو لم يفعلوه له. وقد قال تعالى:)فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عمال صالحا وال يشرك بعبادة ربه

[.110أحدا(]الكهف:في حرثه ومن كان يريد وقال تعالى: )من كان يريد حرث اآلخرة نزد له

[.30حرث الدنيا نؤته منها وما له في اآلخرة من نصيب(]الشورى:وقال تعالى: )فويل للمصلين*الذين هم عن صالتهم ساهون*الذين هم

[.8-2ون:يراؤون*ويمنعون الماعون(]الماع وقال عليه الصالة والسالم : )) يقول اهلل تعالى: أنا أغنى

222

(1/222)

األغنياء عن الشرك فمن عمل عمال أشرك فيه غيري فأنا منه بريء،

ونصيبي لشريكي((.وقال عليه الصالة والسالم : ))من صام يرائي فقد أشرك، ومن صلى يرائي

(.فقد أشرك ومن تصدق يرائي فقد أشرك(وقال عليه الصالة والسالم : ))من طلب الدنيا بعمل اآلخرة طمس اهلل

وجهه، ومحق ذكره، وأثبت اسمه في النار((.وقال عليه الصالة والسالم : ))من أحسن الصالة حيث يراه الناس، وأساء

الصالة حيث يخلو، فتلك استهان بها ربه تبارك وتعالى((.تراز منه واجب مهم، وأشد أنواعه:أن فالرياء مهلك وخطره عظيم، واالح

يتجرد باعث الرياء في العبادة، بحيث يصير أول ما يقتصده الناس،ويصير حريصا على اطالعهم ونظرهم إليه، ولم يجد باعثا على العمل غير ذلك أصال، ودون ذلك: أن يقصد بعمله التقرب إلى اهلل تعالى وطلب ثواب

ب المحمدة عندهم والمنزلة، وهذا قبيح محبط اآلخرة، ومع مراءاة الناس وطلللثواب، والذي قبله أقبح وأحبط وأخطر، وال يخلو صاحبه من اإلثم

والعقاب.فعلى المؤمن أن يجتهد في دفع الرياء عن نفسه، وأن ال يكون له نية وال قصد في جميع طاعاته وعباداته إال التقرب إلى اهلل وطلب ثواب اآلخرة،

ن الرياء، ويسلم من شره وبليته إن شاء اهلل تعالى.فبذلك يخلص م ومهما خاف على نفسه الرياء فليخف أعماله ويفعلها في

222

(1/222)

السر، حيث ال يطلع عليه الناس، فبذلك أحوط وأسلم، وهو أفضل مطلقا أعني العمل في السر حتى لمن لم يخف على نفسه الرياء إال للمخلص

جو إذا ظهر العمل أن يقتدي به الناس فيه. نعم ، ومن الكامل، والذي ير األعمال ما ال يتمكن اإلنسان من فعله إال ظاهرا، كتعلم العلم وتعليمه، وكالصالة في الجماعة والحج والجهاد، ونحو ذلك. فمن خاف من الرياء حال فعله شيئا من هذه األعمال الظاهرة، فليس ينبغي له أن يتركه، بل

يفعله، ويجتهد في دفع الرياء عن نفسه، ويستعين باهلل تعالى، وهو عليه أن نعم المولى ونعم المعين.

ضمار العداوة الحسدومن المهلكات: للمسلمين، ومحبة الشر ألحد منهم، وا والغش والحقد لهم. وقلة الرحمة بهم والشفقة عليهم، وسوء الظن بهم، فكل

ذلك من الصفات المهلكة.صلى اهلل -حسبك به ذما وقبحا أن اهلل تعالى أمر رسول اهلل أما الحسد: ف

باالستعاذة من شر الحاسد، كما أمره باالستعاذة من شر -عليه وآله وسلم [.2الشيطين فقال تعالى:)ومن شر حاسد إذا حسد(]الفلق:

ت كما وقال عليه الصالة والسالم :))إياكم والحسد، فإن الحسد يأكل الحسناتأكل النار الحطب((. وقال عليه الصالة والسالم :))ال يجتمع في جوف عبد اإليمان والحسد(( وهذا شديد فتأمله. وقال عليه الصالة والسالم :))ال

تحاسدوا وال228

(1/228)

تباغضوا وال تدابروا...(( الحديث.

راهية ومعنى الحسد: أن يجد اإلنسان في صدره وقلبه ضيقا وحرجا، وكلنعمة أنعم اهلل بها على عبد من عباده في دينه أو دنياه، حتى إنه ليحب

ن لم تصر إليه. وذلك منتهى الخبث. زوالها عنه، وربما تمنى ذلك وا فمن وجد شيئا في نفسه من هذا الحسد ألحد من المسلمين فعليه أن يكرهه

بذلك من شره. ويخفيه في نفسه، وال يظهره بقول وال فعل، فلعله أن ينجووفي الحديث:))ثالث ال يخلو منهن أحد: الحسد، والظن، والطيرة.أفال

ذا ذا ظننت فال تحقق، وا أنبئكم بالمخرج من ذلك: إذا حسدت فال تبغ، وا تطيرت فامض((. أي: ال ترجع بسبب الطيرة عن األمر الذي تريده.

ن عمل الحاسد على ضد ما يتقاضاه الحسد من الثناء على ا لمحسود وا والسعي في أكرامه ومعاونته، كان له في ذلك فضل، وهذا من أنفع األدوية

في إزالة الحسد أو تضعيفه.وال بأس بالغبطة وهي أن تتمنى لنفسك مثل النعمة التي تراها على أخيك

من فضل اهلل. ثم إن كان ذلك من النعم الدينية كالعلم والعبادة كان ن كان من النعم الدنيوية كالمال والجاه المباح كان ذلك جائزا محمودا، وا

مباحا.ضمار الغش والعداوة والحقد: فحسبك وأما حب الشر ألحد من المسلمين، وا

زاجرا عنه قوله عليه الصالة والسالم

227

(1/227)

: ))ال يومن أحدكم حتى يحب ألخيه ما يحب لنفسه((.

المسلمين فليس منهم((.وقال عليه الصالة والسالم :))من غش وقال عليه الصالة والسالم :))إن قدرت أن تصبح وتمسي وليس في قلبك

غش ألحد فافعل، وذلك من سنتي((.* * * والشفقة عليهم: فذلك يدل على قساوة القلب، قلة الرحمة بالمسلمينوأما

وعلى الفظاظة والغلظة، وكل ذلك مذموم وقبيح، وقد قال عليه الصالة الم: ))ارحم من في األرض يرحمك من في السماء، ارحم ترحم، إنما والس

يرحم اهلل من عباده الرحماء((.

وقال عليه الصالة والسالم :))ال تنزع الرحمة إال من شقي((. ومن لم يجد في قلبه رحمة وشفقة على جمع المسلمين، ال سيما على أهل المصائب

قساوة قلبه، وضعف إيمانه، وبعده والباليا، وأهل الضعف والمسكنة، فذلك ل عن ربه.

: فمذموم قبيح، قد قال عليه الصالة والسالم سوء الطن بالمسلمينوأما :))خصلتان ليس فوقهما شيء من الخير: حسن الظن باهلل، وحسن الظن بعباد اهلل. وخصلتان ليس فوقهما شيء من الشر: سوء الظن باهلل.وسوء

ء الظن بالمسلمين: أن تظن بهم السوءالظن بعباد اهلل((. ومعنى سو 224

(1/224)

في أقوالهم وأفعالهم التي ظاهرها الخير، وتظنبهم خالف ما يظهرون من

ذلك هذا غايته.وأيضا: أن تنزل أفعالهم وأقوالهم التي تحمل الخير والشر على جانب الشر،

ولكنه ومع إمكان تنزيلها على جانب الخير، فذلك من سوء الظن أيضا،دون األول. وحسن الظن بالمسلمين خالف ذلك كله، فما كان من أفعالهم

وأقوالهم ظاهره الخير حملته على الخير أو ظننت فيهم الخير. وما كان من األقوال واألفعال يحتمل الخير وغيره، نزلته على الخير، فاعمل على ذلك

جهدك، واستعن باهلل تعالى. واهلل ولي التوفيق.رادتها، وشدة الحرص عليها والرغبة حب الدنيالمهلكات العظيمة: ومن ا وا

فيها، وحب الجاه والمال، وكثرة الحرص عليهما، والشح والبخل، فيجمع هذه المذكورات من الصفات المهلكات، واألخالق المذمومات.

ومن أحب الدنيا وأرادها، واشتد حرصه عليها، وعظمت رغبته فيها: فقد طر عظيم، ووعيد من اهلل شديد. وقال اهلل تعالى:)من كان تعرض بذلك لخ

يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها ال فيها يبخسون*أولئك الذين ليس لهم في اآلخرة إال النار وحبط ما صنعوا

[.12-12وباطل ما كانوا يعملون(]هود:280

(1/280)

لنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم وقال تعالى: )من كان يريد العاجلة عج

سعى لها سعيها جعلنا له جهنم يصالها مذموما مدحورا*ومن أراد اآلخرة و [.14-17وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا(]اإلسراء:

وقال تعالى مزهدا لعباده في الدنيا ومذكرا لهم بذهابها وفنائها: )واضرب ثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات األرض لهم م

قتدرا(]الكهف: ياح وكان الله على كل شيء م [.22فأصبح هشيما تذروه الروقال تعالى: )اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر

ألوالد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم في األموال وايكون حطاما وفي اآلخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة

[.30الدنيا إال متاع الغرور(]الحديد:وقال تعالى:) فأما من طغى*وآثر الحياة الدنيا*فإن الجحيم هي

[.24-28المأوى(]النازعات: وقال نبي اهلل عليه الصالة والسالم : ))حب الدنيا رأس كل خطيئة((.

وقال عليه الصالة والسالم :))لو كانت الدنيا تزن عند اهلل جناح بعوضة ما

افرا منها شربة ماء((. وقالص:))الدنيا دار من ال دار له، ومال من سقى ك ال مال له، ولها يجمع من ال عقل له((.

281

(1/281)

وقال عليه الصالة والسالم : ))الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها إال ذكر اهلل،

وعالماأو متعلما((.ق ما يكفيه أخذ حتفه وقال عليه الصالة والسالم : ))من أخذ من الدنيا فو

وهو ال يشعر((. وقال عليه الصالة والسالم : ))ليكن بالغ أحدكم من الدنيا كزاد الراكب((.وقال عليه الصالة والسالم :))من أصبح وهمه الدنيا شتت اهلل عليه أمره، وفرق عليه ضيعته، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إال ما كتب

له((الحديث.ل عليه الصالة والسالم :))الزهادة في الدنيا تريخ القلب والبدن، والرغبة وقا

في الدنيا تكثر الهم والحزن، والبطالة تقسي القلب((.وقال عليه الصالة والسالم :))نجا أول هذه األمة بالزهد واليقين، وسيهلك

آخرها بالحرص وطول األمل((.ذم الدنيا وذم المحبين لها، وما ورد من اآليات واألخبار واآلثار، في

والراغبين فيها، وذم الحرص عليها خارج عن الحصر. من السلف والخلف مشحونة بذلك. -رحمة اهلل عليهم -وتصانيف العلماء

ثم إن الدنيا عبارة عن كل ما على وجه األرض من283

(1/283)

يل إليها، المشتهيات واللذات، وأصناف ااألمتعة التي تشتهيها النفوس وتم

وتحرص عليها. وقد جمع اهلل أصول ذلك كله في قوله تعالى:) زين للناس ة حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفض

مة واألنعام والحرث ذلك متاع [.12الحياة الدنيا(]آل عمران: والخيل المسوفمن أحب ذلك ورغب فيه، واشتد حرصه عليه، وليس له غرض في ذلك

إال مجرد التمتع والتلذذ والتنعم، صار بذلك من جملة المحبين للدنيا والرغبين فيها، فإن أفرط به ذلك وغلب عليه، حتى لم يبال من أين أخذ

ى اشتغل بسبب حرصه على الدنيا وسعيه الدنيا من حالل أم من حرام، وحتلها عما فرض اهلل عليه من طاعته، ووقع بسببه فيما حرم اهلل عليه من معصيته، فقد تحقق في حقه الوعيد الوارد في المحبين للدنيا، والمريدين لها، والرغبين فيها من غير شك. وصار أمره في نهاية الخطر إال أن

ه، وقبل خروجه من هذه الدار.يتداركه اهلل بتوبة قبل ممات* * *

وأما حب الجاه والمال، وكثرة الحرص عليهما: فمذموم جدا، وقال اهلل تعالى:)تلك الدار اآلخرة نجعلها للذين ال يريدون علوا في األرض وال فسادا

[.72والعاقبة للمتقين(]القصص:282

(1/282)

وقال تعالى: )يا أيها الذين آمنوا ال تلهكم أموالكم وال أوالدكم عن ذكر الله [.4ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون(]المنافقون: [.12وقال تعالى: )إنمآ أمولكم وأولدكم فتنة(]التغابن:

صالة والسالم : ))ما ذئبان جائعان أرسال في زريبة غنم بأفسد وقال عليه اللها من حب المال والشرف في دين الرجل المسلم((. ومعنى ذلك: أن حب

المال والجاه يفسدان دين صاحبهما أكثر مما يفسد الذئبان الجائعان إذا أرسال في الغنم .

لة ، و التعظيم في فمن اشتد حرصه على الجاه و المال ، و طلب المنز قلوب الناس فقد تعرض بذلك آلفات كثيرة ؛ كالكبر والرياء ، والتزين و

التصنع، و ترك التواضع للحق و أهله ، وكراهية الخمول ، إلى غير ذلك من البليات .

و في الحديث : )) إن اهلل يحب من عباده األتقياء األخفياء األبرياء (( و أشعث أغبر ذي طمرين ال يؤبه له لو أقسم على اهلل ألبره (( . فيه )) رب

ومن اشتذ حرصه على المال فقد تعرض بذلك ألخطار عظيمة ، و بليات جسيمة ، إن لم يحفظه اهلل و يتداركه برجمته .

والمذموم من حب الجاه و المال و من الحرص عليهما :282

(1/282)

فر اطه، حتى يطلبهما اإلنسان ويتسبب في حصولهما بكل وجه شدة ذلك وا

يمكته من جائز وغير جائز، ويصير بهما في شغل شاغل عن لبتفرغ لعبادة اهلل وذكره، كما يقع كثيرا لبعض المفتونين الغافلين عن اهلل تعالى.

فأما من طلب ذلك بنية صالحة لالستعانة به على اآلخرة، وصيانة الدين تعدي الظالمين، وعن الحاج إلى الناس، ولم يشتغل بسبب ذلك والنفس عن

عن عبادة اهلل تعالى وذكره، ولم تفارقه التقوى والخوف من اهلل، فذلك مما ال بأس به وال حرج فيه إن شاء اهلل تعالى. وعلى كل حال، فقلة الحرص على

وأشبه الجاه والمال وترك الرغبة فيهما أسلم وأحوط، وأقرب إلى التقوى، بهدي السلف الصالح.

* * * وأما الشح والبخل: فقبيحان مهلكان، قال اهلل تعالى:)ومن يوق شح نفسه

[4فأولئك هم المفلحون(]الحشر:م وقال تعالى:)وال يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا له

قون ما بخلوا به يوم القيامة(]آل عمران: [.170بل هو شر لهم سيطووقال عليه الصالة والسالم :))اتقوا الشح، فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم((. وقال عليه الصالة

والسالم :))البخيل282

(1/282)

بعيد من اهلل، بعيد من الناس، بعيد من الجنة، قريب من النار((. الحديث.

وقال عليه الصالة والسالم : ))السخاء شجرة في الجنة وأغصانها في الدنيا، فمن تعلق بغصن منها قاده إلى الجنة، فال يلج الجنة إال سخي.

منها قاده والبخل شجرة في النار وأغصانها في الدنيا، فمن تعلق بغصن إلى النار، فال يلج النار إال بخيل((.

ن كل جواد في الجنة، حتم على اهلل وقال عليه الصالة والسالم : ))إال وا ن كل بخيل في النار، حتم على اهلل وأنا به كفيل((. وأنا به كفيل. إال وا وقال عليه الصالة والسالم : ))الجاهل السخي أحب إلى اهلل من العالم

(.البخيل( فقد علمت شدة ذم الشح والبخل وقبحهما.

والشح: هو البخل المفرط الشديد، وهو كما قال بعض العلماء رحمهم اهلل: حرص اإلنسان على أخذ ما في أيدي الناس.

وأما البخل: فهو بخل اإلنسان بما في يده. وغايته: أن يبخل اإلنسان في معناها. ومن كان بإخراج الحقوق الواجبة عليه في ماله كالز كاة وما

كذلك فهو البخيل حقا، المتعرض للذم والوعيد الواردين في البخل.وأما من بخل باإلنفاق في وجوه الخيرات، وطرائق القربات مع التمكن من

ذلك فحاله أهون من حال الذي قبله،382

(1/282)

ذله فيما ويسمى بخيال أيضا، ألنه قد آثر المال ورغب في أمساكه، وبخل بب

هو أرفع له وأنفع عند ربه من الدرجات العلى، والخيرات الباقية في الدار اآلخرة.

وما دام اإلنسان يرجح أمساك المال على بذله في محاب اهلل ومراضيه فهو غير خال عن شيء من البخل. وال يكون اإلنسان جوادا سخيا حتى يكون

حب إليه من أمساكه. فاعلم ذلك بذل المال في محاب اهلل أرجح عنده وأ واعمل عليه، واهلل يتولى هداك.

* * * ، ومعناه: أن يلبس اإلنسان على نفسه، ويريها الغرورومن المهلكات:

األمور على خالف ما هي عليه، وذلك لضعف بصيرته في الدين، وقلة معرفته بحقائقه، ولجهله بآفات األعمال ومكائد الشيطان، ولغلبة هوى

نفس عليه، وركونه إلى أمانيها وخدعها، وقد قال اهلل تعالى محذرا لعباده النكم الحياة الدنيا وال من الغرور: ) يا أيها الناس إن وعد الله حق فال تغر

نكم بالله الغرور(]فاطر: [.2يغر: )الذين ضل سعيهم في الحياة وقال تعالى في وصف بعض المغترين

[.102الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا(]الكهف:

288

(1/288)

كم بالله تكم األماني حتى جاء أمر الله وغر وقال تعالى: )وارتبتم وغر

[.12الغرور(]الحديد:وقال عليه الصالة والسالم : ))الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت،

والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على اهلل األماني ((.وأنواع الغرور كثيرة، وأصناف المغترين من المطيعين ومن العاصين كثيرة.

ومن أمثال الغرور في أهل الطاعات: أن يطلب اإلنسان العلم ويسوف عمل، ثم يحتج لنفسه بما ورد في فضل العلم وفضل طلبه، ويغفل عما ال

ورد من الذم والوعيد الشديد في حق من ال يعمل بعلمه.ومنها: أن يتعلم ويعلم للرياسة والطمع في الناس، ويظن بنفسه أنه يتعلم

ويعلم هلل، وال يناقش نفسه وال يختبرها بأحوال أهل اإلخالص.الة والضصيام وأفعال الخير، ثم يعجب بنفسه، وينظر ومنها: أن يكثر الص

إلى حوله وقوته، وينسى منة اهلل عليه في توفيقه وهدايته، والعجب محبط لألعمال، أو يرائي بعبادته ويطلب بها المنزلة عند الناس، ويظن بنفسه

رادة التقرب إلى اهلل. اإلخالص وا م األكياس وفطرهم! كيف وقد قال أبو الدرداء رضي اهلل عنه: حبذا نو

يغبنون سهر الحمقى وصومهم، ولذرة من صاحب يقين وتقوى أفضل من أمثال الجبال من أعمال المغترين.

287

(1/287)

ومن أمثال غرور العصاة: أن يعصي اإلنسان ثم يتوب، ويستغفر بلسانه فر من غير معرفة بشرائط التوبة وتحقيقها، ثم يظن بنفسه أنه قد تاب وقد غ

اهلل له.ر في الواجبات، ثم يحتج ومنها: أن يكثر المعاصي ويصر عليها، ويقصلنفسه بالقدر، وأنه ال ختيار له وال قدرة على ترك ما قد كتب عليه، وهذا

غرور عظيم، والقائل به مبتدع وليس من أهل السنة.حارم. ومنها : أماني المغفرة مع التقصير عن امتثال األوامر واجتناب الم

وقول بعض العصاة والمقصرين: إن اهلل غني عنا وأعمالنا، وليس تضره الذنوب وال تنفعه الطاعات. وهذا الكالم حق أريد به باطل، وقد ألقاه

الشيطان في قلب هذا المتمني، وأجراه على لسانه ليقطعه به عن المغفرة، وعن السعي لها الذي أمره اهلل به.

بعض العصاة والمخلطين على صالح آبائهم وأجدادهم من ومنها: اتكال أهل العلم والصالح، مع ترك االفدقتداء بهم في أخالقهم وأفعلهم وأقوالهم

الصالحة. وذلك من الغرور المذموم، والحمق الفاحش.ومنها: اغترار بعض العصاة برؤية الصالحين وخدمتهم، وحسن الظن بهم

م عليه من الخير والصالح، والمالزمة لطاعة مع المجانبة والمباعدة لما ه اهلل.

وأنواع الغرور كثيرة كما تقدم، وال ينجي منها إال الرجوع 284

(1/284)

إلى اهلل، واالتكال على محض فضله وكرمه، مع الحزم واالحتياط والتشمير

له في طاعته، والجد واالجتهاد في عبادته، ومع اجتناب معصيته، والشكر على ذلك مع االعتراف بغاية التقصير عن القيام بأقل شيء من واجب

حقه، ومع مالزمة االنكسار، ونهاية االفتقار إليه، ومع دوام التضرع والدعاء، ولزوم االستغفار آناء الليل والنهار.ليه أنيب. وما توفيقي إال باهلل ، عليه توكلت وا

* * *

270

(1/270)

************* *************

مبحث المنجيات************* *************

(1/271)

************* *************

*** ************* *************

(1/273)

مبحث المنجيات

************* وأما المنجيات التي يجب تحلية القلب واتصافه بها فكثيرة، فنذكر شيئا من

بكالم مجمل وجيز، إن شاء اهلل تعالى. أمهاتها، وننبه عليها: من جميع الذنوب. وقد أمر اهلل التوبة إلى اهلل تعالىفمن أعظم المنجيات

عز وجل عباده بالتوبة، ورغبهم فيها، ووعدهم بقبولها فقال تعالى: )وتوبوا

[.21ر:إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون(]النو [.7وقال تعالى: )يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا (]التحريم:

[.333وقال تعالى: )إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين(]لبقرة:ن الله يتوب عليه إن الله وقال تعالى: )فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإ

[.24غفور رحيم(]المائدة:وقال تعالى: )وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما

[.32تفعلون( ]الشورى:272

(1/272)

لتائب من الذنب كمن ال ذنب له((.وقال النبي عليه الصالة والسالم : ))ا

: ))إن اهلل يبسط يده بالنهار ليتوب -صلى اهلل عليه وآله وسلم-وقال مسي الليل، ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار حتى تطلع الشمس من

مغربها((.: )) يا أيها الناس، توبوا إلى ربكم قبل -صلى اهلل عليه وآله وسلم-وقال توا، وبادروت باألعمال الصالحة قبل أن تشغلوا، وصلوا الذي بينكم أن تمو

وبين ربكم بكثرة ذكركم له((.وقال عليه الصالة والسالم : ))إن اهلل تعالى يقبل توبة العبد ما لم

يغرغر((أي: تبلغ روحه إلى الحلقوم حين الموت. وقال عليه الصالة والسالم : ))من تاب تاب اهلل عليه((.

* ** أن التوبة ليست هي قول العبد بلسانه: أستغفر اهلل -رحمك اهلل -ثم أعلم

وأتوب إليه ، ومن غير ندم بالقلب، ومن غير إقالع عن الذنب.للتوبة شرائط ال بد منها، وال تتم التوبة إال -رحمهم اهلل -وقد ذكر العلماء بها، وهي ثالثة:

فة.األول: الندم بالقلب على الذنوب السالالثاني: اإلقالع عن الذنب، ومعناه: أن ال يتوب من ذنب وهو مقيم عليه

ومالزم له.272

(1/272)

الثالث: العزم على أن ال يعود إلى الذنوب ما عاش.

وهذه الثالث ال بد منها في التوبة من الذنوب التي تكون بين العبد وبين بين العبد وبين غيره من ربه. ويزيد عليها شرط رابع في الذنوب التي تكون

العباد.وبيان ذلك:أنه إن ضلم أحدا من اآلميين في نفس أو عرض أو مال، وجب

عليه أن يرد حقه إليه بتمكينه من القصاص في المظالم النفسية، ورد المظالم المالية، وطلب اإلحالل في المظالم العرضية. وعليه بذل جهده في

مكانه. وكذلك يجب عليه إ ذا تاب من ترك شيء من الفرائض ذلك وا الالزمة كالصالة والزكاة:أن يتدارك ما فاته من ذلك بالقضاء حسب

االستطاعة واإلمكان.فإذا تاب ذنوبه على الوجه الذي وصفناه فينبغي له أن يكون بين الخوف والرجاء، ويرجو من ربه قبول توبته بفضله وكرمه، ويخاف من عدم قبول

لم يأت بالتوبة على وجهها الذي أمره اهلل به، فيكون غير التوبه مخافة أنه

تائب عند اهلل.وينبغي كل مؤمن ويجب عليه وجوبا متأكدا: أن يحترز من جميع الذنوب

احترازا كليا ألن فيها سخط اهلل ومقته، وهي السبب في جميع البليات والهلكات التي تحل بالعباد في الدنيا واآلخرة.

ي شيء من الذنوب وجب عليه أن يبادر بالتوبةثم إن وقع ف272

(1/272)

إلى اهلل من ذنبه من غير إصرار، وال أقامة على الذنب، وال رضابه.

وينبغي لكل مؤمن أن ال يزال تائبا إلى اهلل، ومجددا للتوبة في كل حال ة، وحين، وذلك ألن الذنوب كثيرة، ومنها الصغائر والكبائر، والذنوب الباطن

والذنوب الظاهرة، وذنوب يعلمها العبد، وذنوب ال يعلمها، وقد يؤاخذ بها من حيث إنه قصر في طلب العلم بكونها ذنوبا، أو من حيث إن لها مقدمات

وسوابق داخلة في العلم واالختيار.* * *

، قفد أمر اهلل به، ورغب فيه فقال اإلكثار من االستغفارومن المتأكد المهم: [.144واستغفروا الله إن الله غفور رحيم(]البقرة: تعالى:)

: ) واستغفر لذنبك -صلى اهلل عليه وآله وسلم-وقال تعالى لرسوله [.17وللمؤمنين والمؤمنات(]الذاريات:

كل هم وقال عليه الصالة والسالم : ))من لزم االستغفار جعل اهلل له من فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ورزقه من حيث ال يحتسب((.

وقال عليه الصالة والسالم: ))طوبى لمن وجد في صحيفته استغفارا

كثيرا((.

272

(1/272)

وحسبك في فضل االستغفار ومنافعه وفوائده قوله تعالى: )وما كان الله

[.22الله معذبهم وهم يستغفرون(]األنفال: ليعذبهم وأنت فيهم وما كان وقوله تعالى مخبرا عن نبيه نوح عليه السالم: ) فقلت استغفروا ربكم إنه

درارا * و يمددكم بأموال وبنين ويجعل كان غفارا * يرسل السماء عليكم م [.13-10لكم جنات ويجعل لكم أنهارا(]نوح:

فالتوبة واالستغفار من كنوز الخيرات، ومن أعظم أبواب القربات والبركات، ومن أوصل الوسائل إلى جميع خيرات الدنيا واآلخرة.

بلزوم التوبة واالستغفار آناء الليل والنهار. ثم إن -رحمكم اهلل -فعليكم لعنه اهلل قد يخدع بعض األغبياء من المسلمين فيقول له: كيف الشيطان

تتوب وأنت ال تعرف من نفسك الثبات على التوبة؟! وكم تتوب ثم تعود إلى ، وال الذنب؟! ويلقي عليه وساوس من هذا الجنس؛ فليحذره المسلم وال يغتر

من يأخذ بتزويره وتلبيسه، وقد قال عليه الصالة والسالم : )) ما أصر استغفر ولو عاد في اليوم سبعين مرة((.

وعلى العبد أن يتوب، ويسأل من ربه اإلعانة والتثبيت. ثم إن غلبته نفسه على العود إلى الذنب فليغلبها على العود إلى التوبة. واهلل الموفق والمعين.

: والرجاء والخوف من الرجاء في اهلل والخوف من اهللومن المنجيات شريفة، وقد وصف اهلل بهما أنبياءهالمقامات ال

278

(1/278)

والمرسلين وأتباعهم بإحسان من صالحي المؤمنين قال اهلل تعالى:)أولئك

الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون [.28ربك كان محذورا(]اإلسراء: عذابه إن عذاب

وقال تعالى: ) إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا [40لنا خاشعين(]األنبياء:

سبيل الله أولئك وقال تعالى: ) إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في [.317يرجون رحمت الله والله غفور رحيم(]البقرة:

وقال تعالى: )وذكرا للمتقين*الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة [.24-27مشفقون(]األنبياء:

قلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم وقال تعالى:)والذين يؤت ون ما آتوا و [.20راجعون(]المؤمنون:

: ))يقول اهلل تعالى: أنا عند -صلى اهلل عليه وآله وسلم-وقال رسول اهلل ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني...((الحديث.ابن آدم، إنك ما دعوتني وقال عليه الصالة والسالم : ))يقول اهلل تعالى: يا

ورجوتني غفرت لك على ما كان منك وال أبالي، ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، ابن آدم، إنك لو أتيتني بقراب

األرض خطايا ثم لقيتني ال تشرك بي شيئا للقيتك بقرابها مغفرة((.277

(1/277)

)قال اهلل تعالى: وعزتي، ال أجمع لعبدي وقال عليه الصالة والسالم: )

ن هو أمنني خوفين وال أمنين، فإن هو خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة، وا في الدنيا أخفته يوم القيامة((. وقال عليه الصالة والسالم :))رأس الحكمة

على شاب يعوده وهو في -صلى اهلل عليه وآله وسلم-مخافة اهلل((. ودخل فقال له:)) كيف تجدك؟ فقال أخاف ذنوبي أرجو رحمة ربي. فقال الموت

عليه الصالة والسالم :ما اجتمعا في قلب عبد في مثل هذا الموطن إال أعطاه اهلل ما يرجو وأمنه مما يخاف((.

واعلم: أن الخوف زاجر، يزجر اإلنسان عن المعاصي والمخالفات. والرجاء موافقات، فمن لم يزجره خوفه عن معصية قائد، يقود العبد إلى الطاعات وال

اهلل عز وجل، ولم يقده رجاؤه إلى طاعة اهلل تعالى، كان خوفه ورجاؤه حديث نفس ال يعتد بهما، وال يعول عليهما، لخلوهما عن ثمرتهما

المقصودة، وفائدتهما المطلوبة. ثم األفضل للمؤمن المستقم على طاعة اهلل أن يكون بين الخوف واللرجاء،

صلى اهلل عليه -حتى يكونا كجناحي الطائر، وكفتي الميزان، وقال النبي : ))لو وزن خوف المؤمن ورجاؤه العتدال((. -وآله وسلم

وأما المؤمن المخلط الذي يخشى على نفسه من الوقوع في ترك الطاعات، وركوب النهيات فاأل صلح له واألولى به، غلبة الخوف عليه، فإن الخوف

النفس ويزجرها عن طغيانها وتعديها،يقبض

274

(1/274)

ومن كان بهذا الوصف من غلبة النفس واستيالء الشهوة، وكان الرجاء مع

ذلك غالبا عليه، ربما كان سببا في هالكه، ألنه كلما ذكر نفسه األمارة بسعة رحمة اهلل، وكثرة تجاوزه عن الذنوب، ازداد على اهلل تجرؤا، ومن

باعدا، وفي معصيته وقوعا، فيهلك من حيث ال يشعر.طاعته توقد وقع في ذلك طوائف من عامة المسلمين المغترين باهلل، والرجاء على

هذا الوصغ هو الرجاء الكاذب، وهو االغترار باهلل، وليس من الرجاء المحمود في شيء، ألن الرجاء المحمود هو الذي يقود العبد إلى العمل

حمله على سلوك سبيل مرضاته. فليحذر المؤمن من الرجاء بطاعة اهلل، ويالذي يكون بهذه المثابة، فإنه غرور من الشيطان، وشر ساقه إليه في معرض الخير. وأما إذا نزل الموت باإلنسان، فاألليق به غلبة الرجاء،

وحسن الظن باهلل كيفما كان حاله، لقوله عليه الصالة والسالم :))ال يموت ال وهو يحسن الظن باهلل.أحدكم إل

وليحذر المؤمن كل الحذر من األمن من مكر اهلل، ومن القنوط من رحمته، [.44قال تعالى: ) يأمن مكر الله إال القوم الخاسرون(]األعراف:آلون(]الحجر: [.22وقال تعالى: )ومن يقنط من رحمة ربه إال الض

من من مكر اهلل: عبارة عن تمحض الرجاء وذهابواأل240

(1/240)

الخوف من اهلل بالكلية، حتى ال يجوز أن اهلل يعذبه وال يعاقبه.وأما القنوط: فهو عبارة عن تمحض الخوف وذهاب الرجاء بالكلية، حتى ال يجوز أن اهلل يرحمه ويتجاوز وذهاب الرجاء بالكلية، حتى ال يجوز أن اهلل

حمه ويتجاوز عنه، واألمن من مكر اهلل. والقنوط من رحمة اهلل: من ير كبائر الذنوب، فاحذر منهما أيها المؤمن، وكن بين الخوف والرجاء, وال نه لغفور رحيم. تغتر بربك، وال تجترىء عليه، فإن ربك سريع العقاب، وا

* * * ء اهلل، والزهد على بالء اهلل، والشكر لنعما الصبرومن المنجيات العظيمة : في الدنيا المشغلة عن اهلل.

... وأما الصبر: ففضائله عظيمة، وحاجة المؤمن إليه في األحوال كلها صلى -داعية وعامة، وما ورد في الصبر عن اهلل تعالى، وعن رسول اهلل

من األمر والترغيب: كثير منتشر، قال اهلل تعالى: )يا -اهلل عليه وآله وسلمالة إن الله مع أيها بر والص الذين آمنوا استعينوا بالص

ابرين(]البقرة: [.122الصابرين(]البقرة: [.122وقال تعالى: )وبشر الص

ابرين(]آل عمران: [.122وقال تعالى: )والله يحب الصاصبر وما صبرك إال وقال تعالى لنبيه عليه الصالة والسالم: )و

[.138بالله(]النحل: [.27)واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا(]الطور:

241

(1/241)

[.32وقال تعالى: )وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا(]السجدة: [10أجرهم بغير حساب(]الزمر: وقال تعالى: )أنما يوفي الصبرون

: ))من يصبر يصبره اهلل، -صلى اهلل عليه وآله وسلم-وقال رسول اهلل وما أعطي أحد عطاء خيرا وال أوسع من الصبر((.

وقال عليه الصالة والسالم : ))الصبر معول مؤمن، والصبر أمير جنود المؤمن((.

ما تكره خير كثير((. وقال عليه الصالة والسالم : ))في الصبر علىوفي الخبر أو األثر: أن اإليمان شطران: أحدهم الصبر، والثاني الشكر،

فيحتاج المؤمن حاجة شديدة إلى الصبر عند ورود الباليا من الشدائد والمصائب، والفاقات واألذيات، بأن ال يجزع إذا نزل به شيء منها، بل

كو إلى الخلق، بل يرجع ويطمئن ويتوقر، وال يضيق وال يتضجر، وال يشإلى اهلل بخشوعه وخضوعه، ودعائه وتضرعه، ويحسن الظن بربه، ويعلم يقينا أن اهلل تعالى لم ينزل به ذلك البالء إال وله فيه خير كثير من رفع الدرجات، وزيادة الحسنات، وتكفير السيئات، كما وردت بذلك األخبار

الشهيرة الكثيرة.الم :))ما يصيب المؤمن من نصب، وال وصب ، وقال عليه الصالة والس

وال هم حتى الشوكة يشاكها إال كفر اهلل به من سيئاته((.

243

(1/243)

ويحتاج المؤمن إلى الصبر حاجة شديدة عند فعل الطاعات، بأن ال يكسل عنها، وبأن يؤديها كما أمره اهلل من كمال الحضور مع اهلل فيها،

كون بها مرائيا، وال متصنعا للخلق. ومن شأن واإلخالص هلل، وأن ال يالنفس التثاقل عن الطاعة، والتكاسل عنها، فيحتاج العبد إلى إكراهها على

ذلك بحسن الصبر.ويحتاج المؤمن إلى الصبر حاجة شديدة في كف نفسه عن المعاصي والمحرمات، ألن النفس قد تدعو إليها، وتتحدث بالوقوع فيها ، فيمنعها

صبره عن فعل المعاصي ظاهرا، وعن التحدث بها والميل إليها بحسن باطنا.

ويحتاج المؤمن حاجة شديدة إلى الصبر عن الشهوات المباحات، التي يكون رغبة النفس فيها مقصورة على التلذذ والتمتع بالدنيا المجرد، فإن

ثر االنهماك في ذلك، واالستر سال معه يجر إلى الشبهات والمحرمات، ويكالرغبة في الدنيا ويهيج الحرص عليها، ويحمل على اإليثار للدنيا واألنس

بما -رحمك اهلل -بها، وعلى نسيان اآلخرة والغفلة عنها، فقد عرفت ذكرناه حاجة المؤمن بكل خير، وتظفر بكل سعادة.

: فهو من المقامات الشريفة، والمنازل الرفيعة، قال اهلل الشكر... وأما [.112واشكروا نعمت الله إن كنتم إياه تعبدون(]النحل:تعالى: )

342

(1/242)

زق ربكم واشكروا له(]سبأ: [.12وقال تعالى: )كلوا من ر [.12وقال تعالى: )اعملوا آل داوود شكرا وقليل من عبادي الشكور(]سبأ:

[.122عالى: )وسنجزالشاكرين(]آل عمران:وقال ت:))من أعطي فشكر، وابتلي -صلى اهلل عليه وآله وسلم-وقال رسول اهلل

فصبر، وظلم فغفر، وظلم فاستغفر، ثم سكت عليه الصالة والسالم ، فقالوا : ما له يارسول اهلل؟ قال : أولئك لهم األمن وهم مهتدون((.وقال عليه

السالم :))ليتخذ أحدكم لسانا ذاكرا وقلبا شاكرا(( الحديث. وقال الصالة و عليه الصالة والسالم :))أول من يدعى إلى الجنة الحمادون، الذين

يحمدون اهلل على كل حال((. وما ورد في فضل الشكر وفي األمر به كثير.

ي وأصل الشكر: معرفة العبد بأن جميع ما به من النعم، وما عليه منها ف ظاهره وباطنه من اهلل تعالى، تفضال منه سبحانه وامتنانا.

ومن الشكر: الفرح بوجود النعم من حيث إنها وسيلة إلى العمل بطاعة اهلل، ونيل القرب منه.

-ومن الشكر: اإلكثار من الحمد هلل، والثناء عليه تعالى باللسان، وقال من أمتي الدنيا بأسرها،:))لو أعطي رجل -صلى اهلل عليه وآله وسلم

242

(1/242)

ثم قال الحمد هلل، كان قوله الحمد هلل، أفضل من ذلك كله(( الحديث. وقال

عليه الصالة والسالم: ))الحمد هلل تمأل الميزان((.

وقال : ))إن اهلل ليرضى عن العبد يأكل األكلة فيحمده عليها، ويشرب الشربة فيحمده عليها((.

عمل بطاعة اهلل، وأن يستعين بنعم اهلل على طاعته، وأن ومن الشكر: اليضع نعم اهلل في مواضعها التي يحبها اهلل ، وذلك هو غاية الشكر

ونهايته، وأن ال يتكبر بالنعم، وال يفتخر بها على عباد اهلل، وال يبغى وال يطغى، وال يتعدى على العباد، ومن فعل شيئا من ذلك فقد كفر النعمة ولم

رها، والكفران سبب لسلب النعم وتبدلها بالنقم، قال تعالى:)ذلك بأن الله يشكلم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع

[أي: بتركهم الشكر عليها.22عليم(]األنفال:رض للسلب والهالك، والشاكر متعرض للخير والمزيد، فالتارك للشكر متع

ذ تأذن ربكم لئن شكرتم ألزيدنكم (]إبراهيم: [.8قال اهلل تعالى: )وا ن كانت صغيرة، نظرا إلى عظمة المنعم بها ومن الشكر: تعظيم النعمة وا

وال تحصى، والعبد تبارك وتعالى. ثم إن هلل على عبده نعما كثيرة ال تعد ن تعدوا عاجز عن إحصائها فضال عن القيام بشكرها، قال اهلل تعالى: )وا

[.17نعمة الله ال تحصوها إن الله لغفور رحيم(]النحل:

242

(1/242)

وينبغي لإلنسان أن ال ينظر إلى من فضل عليه في النعم على سبيل

تكثار، فإنه ربما يزدري نعمة اهلل تعالى عليه ويستحقرها، فال الغبطة واالسيشتغل بشكرها، فيكون ذلك سببا لسلبها عنه وتحويلها منه، فال يعطى

الكثير الذي غبط عليه أخاه، ويسلب مع ذلك القليل الذي قد أعطاه مواله لتركه الشكر، وعدم حفظه لألدب مع ربه. وفي الحديث:))أنظروا إلى من

دونكم، فهو أجدر أن ال تزدروا نعمة اهلل عليكم ((. وقد فضل اهلل هوبعض العباد على بعض ألسرار له في ذلك ، و حكم ال يطلع عليها سواه ، و لمنافع و مصالح لهم ال يحيط بعلمها غيره . فليرض العبد بقسمة ربه، و

ن فضله ؛ فإن خزائن ليشكره على ما أعطاه من نعمه، و ليسأل المزيد مالسموات و األرض في قبضته، و جميع الخير بيده، يفعل ما بشاء، و هو

على كل شيء قدير . : فإنه من أفضل المنجيات ، و أجل القربات . الزهد في الدنيا... و أما

رض زينة وقد قال اهلل تعالى مزهدا لعباده في الدنيا :)إنا جعلنا ما على األ نا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا( لها لنبلوهم أيهم أحسن عمال * وا

[.7-8]الكهف:وقال تعالى :)وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله

فال تعقلون * أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو القيه كمن متعناه خير وأبقى أ [.21-20متاع الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين(]

242

(1/242)

-12خرة خير وأبقى(]األعلى:وقال اهلل تعالى: )بل تؤثرون الحياة الدنيا*واآل

18.] : ))ازهد في الدنيا يحبك اهلل، -صلى اهلل عليه وآله وسلم-وقال رسول اهلل

وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس((.

وقال عليه الصالة والسالم: ))كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، وعد نفسك من أهل القبور((.

الصالة والسالم: ))من أحب آخرته أضر بدنياه، ومن أحب وقال عليه دنياه أضر بآخرته، فآثروا ما يبقى على ما يفنى((.

وقال عليه الصالة والسالم: ))من أصبح وهمه اآلخرة؛ جمع اهلل أمره، وحفظ عليه ضيعته، وأتته الدنيا وهي راغمة...(( الحديث.

فيها من القلب، وهوان الدنيا على وحقيقة الزهد: خروج حب الدنيا، والرغبة العبد، حتى يكون إدبار الدنيا وقلة الشيء منها أحب إليه وآثر عنده من إقبال الدنيا وكثرتها. هذا من حيث الباطن، وأما من حيث الظاهر فيكون

الزاهد منزويا عن الدنيا،ومتجافيا عنها اختيارا مع القدرة عليها، ويكون عتها مأكال وملبسا ومسكنا، وغير ذلك على ما ال بد مقتصرا من سائر أمت

منه، كما قال عليه الصالة والسالم :))ليكن بالغ أحدكم من الدنيا كزاد الراكب((.

فأما من أحب الدنيا بقلبه، ورغب فيها، وسعى لجمعها248

(1/248)

ليس من يقصد بذلك التنعم والتمتع بشهواتها، فهو من الراغبين في الدنيا، و

الزهد في شيء. فإن مال إلى الدنيا ورغب فيها، ال للتنعم ولكن لينفقها في ن وافق عمله نيته، وال يخلو في ذلك وجوه الخيرات والقربات، فهو على خيرا

من خطر.وأما من طلب الدنيا ورغب فيها فلم يتيسر له، ولم يحصل على مطلوب

ير وليس بالزاهد، وله في فقره منها فبقي فقيرا ال شيء له، فهذا هو الفق فضل وثواب عظيم إن صبر عليه رضي به.

وأما من تبسط في الدنيا وتوسع في شهواتها، وادعى مع ذلك أنه غير راغب فيها، وال محب لها بقلبه، فهو مدع مغرور، ال تقوم له حجة بدعواه،

وليس له في حالته تلك قدوة يقتدي به من األئمة المهتدين والعلماء الصالحين، ال من السلف وال من الخلف. فاعلم ذلك واهلل يتولى هداك.

* * * ، والحب هلل، والرضا عن اهلل، التوكل على اهللومن المنجيات الشريفة:

وحسن النية مع اهلل، واإلخالص في الظاهر والباطن هلل.... وأما التوكل على اهلل: فهو من أشرف مقامات الموقنين، وأعز ثمرات

ليقين.ا [.84قال اهلل تعالى: )فتوكل على الله(]النمل:

[.124وقال اهلل تعالى: )إن الله يحب المتوكلين(]آل عمران:

247

(1/247)

[.11وقال اهلل تعالى: )وعلى الله فليتوكل المؤمنون(]المائدة:

[.32فتوكلوا إن كنتم مؤمنين(]المائدة: وقال اهلل تعالى: )وعلى الله [.71وقال تعالى: )وتوكل على الله وكفى بالله وكيال(]النساء:

وقال عليه الصالة والسالم : ))لو توكلتم على اهلل حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا((.

ور: ))حسبنا اهلل ونعم الوكيل(( قالها إبراهيم عليه الصالة والسالم وفي المأث -صلى اهلل عليه وآله وسلم-حين قذف به في النار، وقالها محمد

والمؤمنون حين قيل لهم :)إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا [.182عم الوكيل(]آل عمران:وقالوا حسبنا الله ون

وقال بعض السلف الصالح رحمه اهلل: من رضي باهلل وكيال وجد إلى كل خير سبيال.

وأصل التوكل: يقين القلب بأن األمور كلها بيد اهلل وفي قبضته، وأنه ال ضار وال معطي وال مانع غير اهلل، ثم طمأنينة القلب وسكونه إلى وعد اهلل

ى ال يضطرب وال يتزلزل عند ورود الشدائد والفاقات، وحتى ال وضمانه، حت يفزع وال يرجع في المهمات والملمات إال إلى اهلل تعالى،

244

(1/244)

ن رجع في شيء من ذلك إلى الخلق كان ذلك في الظاهر دون الباطن، وا

ويكون على موافقة األمر اإللهي المشروع.* * *

يكون متجردا عن أسباب الدنيا، بل قد يكون وليس من شرط المتوكل أن مالبسا لألسباب. وعالمة صدقه في ذلك:أن ال يسكن إليها، وال يطمئن بها

في حالة وجودها، وال يتزلزل وال يضطرب عند فقدها وتشوشها.وقد يكون العبد متجردا عن أسباب الدنيا، وهو غير متوكل، مهما كان

إلى الخلق وطامعا فيهم.متعلقا باألسباب، وملتفتا

ثم إن األسباب على قسمين: دينية ودنيوية.فاألسباب الدينية: مثل العلوم النافعة، واألعمال الصالحة التي ال بد منها، فال بد لكل مسلم من إقامة تلك األسباب والعمل بها، مع االعتماد على اهلل

دونها.سائر ما يتسبب به الناس وأما األسباب الدنيوية: فكالحرف والصناعات، و

لتحصيل معاشهم.وهذه األسباب ال يجوز لإلنسان ترك ما يحتاج إليه منها، وال يستغني عنه، إال إن كان عاجزا ال يستطيع السعي والحركة، أو كان ممن أقيم في ذلك

من عباد اهلل أهل المعرفة واليقين.

200

(1/200)

ترك التسبب لمعاشه الذي ال ب وعلى كل حال فليس يجوز لإلنسان أن ي

منه، إال إن كان عاجزا، أو ممن أقيم في التحريد من أهله. ويحرم على اإلنسان أن يقعد عن االكتساب الذي يقدر عليه ويحتاج إليه، ويترك نفسه وعياله ضياعا يسألون الناس ، ويتشوفون إلى ما في أيديهم، وقد قال عليه

رء إثما أن يضيع من يعول((.الصالة والسالم :))كفى بالم واهلل سبحانه أعلم.

: فهو من أشرف المقامات وأرفعها.الحب في اهلل... وأما [.122قال اهلل تعالى: )والذين آمنوا أشد حبا لله (]البقرة:

[.22ة:وقال تعالى: )فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه(]المائد

وقال عليه الصالة والسالم : ))ثالث من كن فيه وجد بهن حالوة اإليمان: أن يكون اهلل ورسوله أحب إليه مما سواها...((الحديث.

وقال عليه الصالة والسالم : ))أحبوا اهلل لما يغذوكم به من نعمه، و أحبوني بحب اهلل((.

العبد في قلبه إلى ذلك ومعنى الحب هلل تعالى: ميل وتعلق وتأله، يجدهالجناب األقدس الرفيع، مصحوبا بنهاية التقديس والتنزيه، وغاية التعظيم والهيبة هلل تعالى، ال يخالطه شيء من خواطر التشبيه، وال يمازجه شيء

من أوهام التكييف، تعالى اهلل عن ذلك علوا كبيرا.

201

(1/201)

لذين ال محبة اهلل، قد تسبق إلى قلوبهم نبهنا على هذا، ألن بعض العامة ا

وأفهامهم وساوس وأوهام عظيمة الخطر، شديدة الضرر.ثم إن من صدق في محبة اهلل تعالى دعاه ذلك إلى إيثار اهلل على ما سواه،

لى الجد في طاعنه، وبذل لى التشمير لسلوك سبيل قربه ورضاه، وا وا ، وحسن معاملته من كل االستطاعة في خدمته، وترك ما يشغل عن ذكره

شيء.صلى اهلل -ومن أعظم ما يدل على محبة اهلل : حسن االتباع لرسول اهلل

. -عليه وآله وسلمقال اهلل تعالى:)قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم

[.21آل عمران:ذنوبكم والله غفور رحيم(]

: فهو حال شريف عزيز، قال اهلل تعالى: الرضا عن اهلل تعالى... وأما [.7)رضي الله عنهم ورضوا عنه(]البينة:

وقال عليه الصالة والسالم: ))إن اهلل إذا أحب قوما ابتالهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط((.

: ))إن اهلل بحكمته جعل الروح والفرح في اليقين وقال عليه الصالة والسالم والرضا، وجعل الضيق والحرج في الشك والسخط...(( الحديث.

والراضي عن اهلل: هو الراضي بقضائه، فمهما قضى عليه203

(1/203)

سبحانه بما يخالف هواه، وبما ال تشتهيه نفسه من مصيبة في نفس ألو

فعليه أن يرضي بذلك ويطيب نفسا، وال مال، أو بلية أو شدة أو فاقة، يسخط قضاء اهلل وال يتبرم، فإن اهلل تعالى له أن يفعل في ملكه ما يشاء،

وليس له في سلطانه منازع وال معارض.وليحذر العبد عند ذلك من: لو، ولم ، وكيف. وليعلم أن اهلل تعالى حكيم

ن عادل في جميع أفعاله وأقضيته، وأنه ال يقضي لعبده ا لمؤمن بشيء وا كرهته نفسه إال ويكون له فيه خير وخيرة، وعاقبة حسنة، فليحسن ظنه

بربه، وليرض بقضائه، وليرجع إليه بذله وافتقاره، وليقف بين يديه بخضوعه وانكساره، وليكثر من حمده والثناء عليه في يسره وعسره، وشدته ورخائه.

والحمد هلل رب العالمين. : فذلك من أعظم المنجيات وأهمها.واإلخالص هلل حسن النية... وأما

قال اهلل تعالى: )منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد اآلخرة (]آل

[.123عمران:وقال تعالى: )ومن أراد اآلخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان

[.14را(]اإلسراء:سعيهم مشكو نما لكل امرىء ما وقال عليه الصالة والسالم : ))إنما األعمال بالنيات، وا

نوى((.وقال عليه الصالة والسالم : ))إنما يبعث الناس على نياتهم((.

202

(1/202)

وقال عليه الصالة والسالم: ))من غزا ولم ينو إال عقاال فله ما نوى((.

سالم: ))نية المؤمن خير من عمله((، وذلك ألن النية وقال عليه الصالة والعمل القلب، والقلب أشرف من الجوارح، فكان عمله خيرا من عملها، وألن النية تنفع بمجردها، وأعمال الجوارح بدون النية ال نفع لها. وفي الحديث:

))من هم بحسنة ولم يملها كتبها اهلل عنده حسنة كاملة((.بحسن النية وبإخالصها هلل، وال تعمل شيئا من - رحمك اهلل -فعليك

الطاعات إال أن تكون نتويا بها التقرب إلى اهلل وابتغاء وجهه وطلب رضاه، رادة الثواب األخروي الذي وعد به سبحانه على تلك الطاعة من باب وا

الفضل والمنة.صد وال تدخل في شيء من المباحات حتى األكل والشرب والنوم ، إال وتق

بذلك االستعانة على طاعة اهلل، وحصول التقوي به على عبادته تعالى، فبذلك تلحق المباحات بالطاعات، فإن للوسائل أحكام المقاصد. والمغبون

من غبن في حسن النية.

واجعل لك في طاعاتك ومباحاتك نيات كثيرة صالحة، يحصل لك بكل ه من الطاعات واحدة منها ثواب تام من فضل اهلل، وما عجزت عن

والخيرات، ولم تتمكن من فعله فانوه واعزم على عند االستطاعة، وقل بصدق وعزم وصالح نية: لو استطعته لفعلته، فقد يحصل لك بذلك ثواب

الفاعل، كما بلغنا أن رجال من بني إسرائيل مر في وقت مجاعة على202

(1/202)

اما، وكان لي، لقسمته كثبان من رمل، فقال في نفسه: لو كانت هذه طع

على الناس، فأوحى اهلل إلى نبيهم))قل لفالن:قد قبل اهلل صدقتك، وشكر اهلل حسن نيتك((.

وفي المأثور:))أن المالئكة إذا صعدوا بصحيفة العبد إلى اهلل تعالى، يقول اهلل تعالى لهم سبحانه : اكتبوا له كذا وكذا. فيقولون: إنه لم يعمله. فيقول

نه نواه((.تعالى: إوقال تعالى في اإلخالص:)وما أمروا إال ليعبدوا الله مخلصين له الدين

كاة وذلك دين القيمة(]البينة: الة ويؤتوا الز [.2حنفاء ويقيموا الص [.2وقال تعالى :)أال لله الدين الخالص(]الزمر:

ال النبي عليه الصالة والسالم: ))أخلص دينك يجزك العمل القليل((. وقوسئل عليه الصالة والسالم عن اإليمان فقال:))هو اإلخالص هلل((،وقال عليه الصالة والسالم :))ال يقبل اهلل من األعمال إال ما كان منها خالصا

أربعين له وابتغي به وجهه((. وقال عليه الصالة والسالم :))من أخلص هلل يوما أظهر اهلل ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه((.

ومعنى اإلخالص: أن يكون قصد اإلنسان في جميع طاعاته وأعماله مجرد ردة قربه ورضاه، دون غرض آخر من مراءاة الناس ، أو التقرب إلى اهلل، وا

طلب محمدة منهم، أو طمع فيهم.202

(1/202)

لتستري رحمه اهلل تعالى: نظر األكياس في تفسير قال سهل بن عبد اهلل ا

اإلخالص فلم يجدوا غير هذا: أن تكون حركته وسكونه في سره وعالنيته هلل تعالى ال يمازجه شيء، ال نفس وال هوى وال دنيا. انتهى.

قالذي يعمل لقصد التقرب إلى اهلل، وطلب مرضاته وثوابه هو المخلص، اس فقط، ولوال الناس لم يعمل أصال أمره خطر والذي يعمل هلل ولمراءاة الن

هائل، ورياؤه رياء المنافقين . نعوذ باهلل من ذلك ونسأله العافية من جميع البليات.

مع اهلل، والمراقبة هلل، وحسن التفكر الصدقومن المنجيات الفاضلة: وقصر األمل، وكثرة ذكر الموت واالستعداد له.

عالى:)يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع ... أما الصدق: فقال اهلل تادقين(]التوبة: [.114الص

ادقين صدقهم(]المائدة: [.114وقال تعالى: )هذا يوم ينفع الصوقال تعالى: )من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله

[.32ألحزاب:عليه(]اادقين بصدقهم(]األحزاب: [.32وقال تعالى: )ليجزي الله الص

202

(1/202)

وقال عليه الصالة والسالم: ))الصدق يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى

الجنة، وما يزال العبد يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند اهلل صديقا. لفجور يهدي إلى النار، وما يزال العبد يكذب والكذب يهدي إلى الفجور، وا

ويتحرى الكذب حتى يكتب عند اهلل كذابا((.وأول الصدق مجانبة الكذب في جميع األقوال، ثم إن للصدق مدخال في

جميع األعمال والنيات، واألحوال والمقامات.ومعنى الصدق فيها: الثبات عليها، واإلتيان بها على الوجه الحسن األكمل

األحوط، مع بذل االستطاعة، ونهاية الجد والتشمير هلل في الظاهر والباطن.: فمعناها: استشعار قرب اهلل من العبد على الدوام، المراقبة هلل... وأما

حاطته به، ومعيته له، واطالعه عليه، ونظره إليه. وا قيبا(]األح [.23زاب:قال اهلل تعالى: )وكان الله على كل شيء ر

[.22و قال تعالى: )إنني معكما أسمع وأرى(]طه:نسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب و قال تعالى: )ولقد خلقنا اإل

[.12إليه من حبل الوريد(]ق: [.2تم والله بما تعملون بصير(]الحديد:و قال تعالى: ) وهو معكم أين ما كن

208

(1/208)

: ))اإلحسان أن تعبد اهلل كأنك تراه، فإن -صلى اهلل عليه وآله وسلم-وقال

لم تكن تراه فإنه يراك((.فالمراقبة من مقام اإلحسان، ومن تحقق بها أثمرت له:الخشية هلل تعالى،

إن يره حيث نهاه، أو يفقده حيث أمره، أو يراه متثاقال والحياء من اهلل تعالى عن طاعته، متكاسال عن عبادته، مشتغال عن خدمته، غافال عن ذكره

وحسن معاملته.* * *

ففيه منافع كثيرة، وفوائد عظيمة. حسن التفكر واستقامته... وأما ات لعلكم تتفكرون * في الدنيا وقد قال اهلل تعالى: )كذلك يبين الله لكم اآلي

[.330-314واآلخرة (]البقرة: [.31قال اهلل تعالى: )إن في ذلك آليات لقوم يتفكرون(]الروم:

[.101قال اهلل تعالى: )قل انظروا ماذا في السماوات واألرض(]يونس::))تفكر ساعة خير من عبادة -ى اهلل عليه وآله وسلمصل -روي عن النبي

ستين سنة((. وقال علي كرم اهلل وجهه:ال عبادة كالتفكر. والفكر على أتواع كثيرة، وأشرف أنواعه وافضلها:

التفكر في أفعال اهلل وآياته، وعجائب مصنوعاته في أرضه

207

(1/207)

له زيادة المعرفة باهلل، وهي وسماواته. ومن أحسن التفكر في ذلك أثمر اإلكسير األكبر.

ومن أنواعه: التفكر فيما هلل عليك من النعم واآلالء الدينية والدنيوية. وحسن التفكر في ذلك يثمر زيادة الحب هلل، ويحث على الشكر هلل.

ومن أنواعه:أن تتفكر في عظيم حق اهلل عليك، وكثرة تقصيرك عن القيام سن التفكر في ذلك يثمر الخوف والخشية والحياء من بحقوق ربوبيته. وح

قامة حقه تعالى. اهلل تعالى، ويبعث على التشمير والجد في طاعته وا ومن أنواعه: التفكر في الدنيا وسرعة زوالها، وكثرة أكدارها وأشغالها.

وحسن التفكر في ذلك يثمر الزهد في الدنيا، والتجافي عنها وقلة الرغبة فيها.

واعه: التفكر في اآلخرة وبقائها، وصفاء نعيمها ودوام لذاتها ومن أنوسرورها. وحسن التفكر في ذلك يثمر إيثار اآلخرة وكثرة الرغبة فيها،

والتشمر في العمل لها.ومجاري الفكر كثيرة، وكلما كانت بصيرة العبد أنفذ،وكان علمه أغزر

وأوسع، كان تفكره أعظم وأكثر.: فنفع ذلك عظيم، وكثرة ذكر الموت واالستعداد له قصر األمل،... وأما

وفضله كثير. فإن من قصر أمله، وكثر للموت ذكره، جد في صالح العمل، وترك التسويف والكسل،

204

(1/204)

وزهد في الدنيا ورغب في العقبى، وبادر بالتوبة والرجوع إلى اهلل تعالى، وعن سلوك سبيل مرضاته. ومن وتباعد عما يشغله عن طاعة اهلل تعالى

طال أمله، وقل للموت ذكره، كان على الضد من ذلك.وقد ذكرنا في أوائل هذا التصنيف، قبيل الكالم على العلم، طرفا صالحا في فضل قصر األمل، واستشعار قرب األجل، وما يتعلق بذلك، فأغنانا ذلك

عن إطالة الكالم فيه ههنا.قال :قال رسول اهلل. قال: -رحمه اهلل تعالى -وعن الحسن البصري

قصروا في األمل وثبتوا آجالكم بين أبصاركم، واستحيوا من اهلل حق الحياء((.

يقول في دعائه: )) اللهم إني -صلى اهلل عليه وآله وسلم-وكان رسول اهلل أعوذ بك من دنيا تمنع خير األخرة، وأعوذ بك من حياة تمنع خير الممات،

أعوذ بك من أمل يمنع خير العمل((.و وقالت عائشة رضي اهلل عنها: يارسول اهلل، هل يحشر مع الشهداء غيرهم؟

فقال: ))نعم، ومن يذكر الموت في يوم والليلة عشرين مرة((.وقال عليه الصالة والسالم: ))أكثروا من ذكر الموت، فإنه يمحص الذنوب

ويزهد في الدنيا((.صالة والسالم عن معنى الشرح المذكور في قوله تعالى: ولما سئل عليه ال

[.33)أفمن شرح اهلل صدره لإلسلم فهو على نور من ربه(الزمر:210

(1/210)

قال عليه الصالة والسالم: ))إن النور إذا دخل القلب انشرح له الصدر وانفسح. قيل: لذلك من عالمة؟ قال: نعم، التجافي عن دار الغرور،

إلى دار الخلود، واالستعداد للموت قبل نزوله((.واإلنابة في ))البداية((: وتفكر في قصر -رحمه اهلل تعالى -قال اإلمام الغزالي

ن عشت مثال مائة سنة باإلضافة إلى مقامك في الدار اآلخرة عمرك وا وهي أبد اآلباد. وتأمل أنك كيف تتحمل المشقة والذل في طلب الدنيا شهرا

جاء أن تستريح بها عشرين سنة، فكيف ال تتحمل ذلك أياما قالئل أو سنة ر ل أملك، فيثقل عليك عملك، وقدر قرب رجاء االستراحة أبد اآلباد، وال تطوالموت، وقل في نفسك إني أتحمل المشقة اليوم فلعلي أموت الليلة، وأصبر

يهجم في وقت مخصوص وحال الليلة فلعلي أموت غدا، فإن الموت المخصوص، و سن مخصوصة، وال بد من هجومه، فاالستعداد له أولى من

االستعداد للدنيا، وأنت تعلم أنك قد ال تبقى فيها إال مدة يسيرة، ولعله لم ر هذا على قلبك كل يوم، يبق من أجلك إال نفس واحد، أو يوم واحد. فكر

صبر على طاعة اهلل يوما يوما، فإنك لو قدرت البقاء وكلف نفسك الخمسين سنة وألزمتها الصبر على طاعة اهلل تعالى نفرت واستعصت عليك، فت و تساهلت ن سو فإن فعلت ذلك فرحت عند الموت فرحا ال آخر له، وا

جاءك الموت في وقت211

(1/211)

ال آخر له، وعند الصباح يحمد القوم السرى، ال تحتسبه، وتحسرت تحسرا وعند الموت يأتيك الخبر اليقين، ولتعلمن نبأه بعد حين.

* * *

(1/213)

************ ************

خاتمة الكتاب************ ************

(1/212)

************ ************

*** ************

************

(1/212)

خاتمة الكتاب**********

في عقيدة أهل السنة و الجماعةفي عقيدة وجيزة جامعة نافعة إن شاء اهلل تعالى على سبيل الفرقة الناجية ،

و هم أهل السنة و الجماعة و السواد األعظم من المسلمين . حبه و سلم.الحمد هلل وحده ، و صلى اهلل على سيدنا محمد و آله و ص

وبعد : فإنا نعلم ونقر ونعتقد، ونؤمن ونوقن، ونشهد: أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له . إله عظيم ، ملك كبير ، الرب سواه ، و ال معبود إال إياه .

قديم أزلي ، دائم أبدي ، الابتداء ألوليته ، وال انتهاء آلخريته . أحد صمد ، لد ، ولم يكن له كفوا أحد . الشبيه له وال نظير وليس كمثله لم يلد ولم يو

شئ وهو السميع البصير.وأنه تعالى مقدس عن الزمان والمكان ، وعن مشابهة األكوان ، و ال تحيط

به الجهات، وال تعتريه الحادثات .212

(1/212)

تواء يليق مستو على عرشه على الوجه الذي قاله، وبالمعنى الذي أراده ، إس

بعز جالله ، وعلو مجده وكبريائه.وأنه تعالى قريب من كل موجود، وهو أقرب لإلنسان من حبل الوريد، وعلى

كل شيء رقيب وشهيد.ذا قضى أمرا حي قيوم، ال تأخذه سنة وال نوم. بديع السماوات واألرض، وا

شيء ، وهو على كل شيء وكيل . فإنما يقول له كن فيكون. اهلل خالق كل

وأنه تعالى على كل شيء قدير ، وبكل شيء عليم ، وقد أحاط بكل شيء ثقال ذرة في بك من م علما ، و أحصى كل شيء عددا . )وما يعزب عن ر

ج في األرض وما يخرج منها وما األرض وال في السماء (. ) يعلم ما يل ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير( . و يعلم السر وأخفى، )ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من

ال يعلمها وال حبة في ظلمات األرض وال رطب وال يابس إال في ورقة إ بين(. كتاب م

وأنه تعالى مريد للكائنات ، مدبر للحادثات . وأنه ال يكون كائن من خير أو شر ، أو نفع أو ضر ، إال بقضائه ومشيئته ، فما شاء كان ، وما لم

لم يكن . ولو اجتمع الخلق كلهم على أن يحركوا في الوجود ذرة ، أو يشأ يسكنوها دون إرادته لعجزوا عنه.

وأنه تعالى سميع بصير ، متكلم بكالم قديم أزلي ، ال يشبه كالم الخلق .

212

(1/212)

له محمد وأن القرآن العظيم كالمه القديم ، وكتابه المنزل على نبيه و رسو

صلى اهلل عليه و سلم .وأنه سبحانه الخالق لكل شيء ، والرازق له والمدبر والمتصرف فيه كيف يشاء ، ليس له في ملكه منازع وال مدافع ، يعطي من يشاء ، ويمنع من يشاء ، ويغفر لمن يشاء ، ويعذب من يشاء ، ال يسأل عما يفعل ، وهم

. يسألون

وأنه تعالى حكيم في فعله ، عادل في قضائه ، ال يتصور منه ظلم والجور ، وال يجب عليه ألحد حق . ولو أنه سبحانه أهلك جميع خلقه في طرفة

عين لم يكن بذلك جائرا عليهم وال ظالما لهم ، فإنهم ملكه وعبيده ، وله أن م للعبيد . يثيب عباده على الطاعات يفعل في ملكه ما يشاء وما ربك بظال

فضال وكرما، و يعاقبهم على المعاصي حكمة وعدال ، وأن طاعته واجبة على عباده بإيجابه على ألسنة أنبيائه عليهم الصالة والسالم.

ونؤمن بكل كتاب أنزله اهلل ، وبكل رسول أرسله اهلل ، وبمالئكة اهلل ، وبالقدر خيره وشره.

ونشهد أن محمدا عبد اهلل ورسوله ، أرسله إلى الجن واإلنس ، والعرب والعجم ، بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون . وأنه بلغ الرسالة ، وأدى األمانة ، ونصح األمة ، وكشف الغمة ، وجاهد

في اهلل حق جهاده ،

218

(1/218)

نه صادق أمين ، مؤيد بالبراهين الصادقة والمعجزات الخارقة . وأن اهلل وأ

فرض على العباد تصديقه و طاعته و اتباعه، و أنه ال يقبل إيمان عبد و إن آمن به سبحانه حتى يؤمن بمحمد صلى اهلل عليه وسلم ، و بجميع ما

خ.جاء به و أخبر عنه من أمور الدنيا واآلخرة والبرز ومن ذلك : أن يؤمن بسؤال منكر ونكير للموتى ، عن التوحيد والدين و

النبوة. وأن يؤمن بنعيم القبر ألهل الطاعة ، وبعذابه ألهل المعصية .

وأن يؤمن بالبعث بعد الموت ، وبحشر األجساد و األرواح إلى اهلل،و ى مسامح بالوقوف بين يدي اهلل، و بالحساب، و أن العباد يتفاوتون فيه إل

لى من يدخل الجنة بغير حساب . ومناقش ، وا وأن يؤمن بالميزان الذي توزن فيه الحسنات والسيئات ، وبالصراط وهو جسر ممدود على متن جهنم وبحوض نبينا محمد صلى اهلل عليه وسلم

الذي يشرب منه المؤمنون قبل دخول الجنة ، وماؤه من الجنة.لصديقين والشهداء ، والعلماء والصالحين و وأن يؤمن بشفاعة األنبياء ثم ا

المؤمنين . وأن الشفاعة العظمى مخصوصة بمحمد صلى اهلل عليه وسلم. وأن يؤمن بإخراج من دخل النار من أهل التوحيد حتى ال يخلد فيها

217

(1/217)

من في قلبه مثقال ذرة من ايمان . وأن أهل الكفر والشرك مخلدون في

ين ، اليخفف عنهم العذاب وال هم ينظرون . وأن المؤمنين النار أبد اآلبدمخلدون في الجنة أبدا سرمدا ، اليمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين

. وأن المؤمنين يرون ربهم في الجنة بأبصارهم على ما يليق بجالله وقدس

كماله .وأنهم وأن يعتقد فضل أصحاب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وترتيبهم ،

عدول أخيار أمناء ، ال يجوز سبهم وال القدح في أحد منهم . وأن الخليفة الحق بعد رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم : أبوبكر الصديق ، ثم عمر الفاروق ، ثم عثمان الشهيد ، ثم علي المرتضى رضي اهلل عنهم وعن

لهم أصحاب رسول اهلل صلى اهلل عليه و سلم أجمعين ، وعن التابعين بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم برحمتك اللهم يا أرحم الراحمين .

* * *

214

(1/214)

خاتمة الخاتمة

و تشتمل على سبعة أحاديث، تحتوي على حكم جامعة، و مواعظ نافعة من حديث رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم

عنهما : قال : * الحديث األول : عن جاب ر بن عبداهلل رضي اهلليقول :)) إن ابن آدم لفي -صلى اهلل عليه وآله وسلم-سمعت رسول اهلل

غفلة عما خلق له، إن اهلل عز وجل إذا أراد خلقه قال للملك: " اكتب رزقه، اكتب أثره، اكتب أجله، اكتب شقيا أم سعيدا، ]ثم يرتفع ذلك الملك ويبعث

تى يدرك[ ، ثم يرتفع ذلك الملك، ثم يوكل اهلل به ملكين اهلل ملكا فيحفظه حيكتبان حسناته وسيئاته، فإذا حضره الموت ارتفع ذانك الملكان، وجاءه ملك الموت ليقبض روحه، فإذا دخل قبره رد الروح في جسده، وجاءه ملكا القبر،

ه ملك الحسنات، وملك فامتحناه ثم يرتفعان، فإذا قامت الساعة انحط عليالسيئات، فانتشطا كتابا معقودا في عنقه، ثم حضرا معه واحد سائق، وآخر شهيد((، ثم قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم: ))إن قدامكم ألمرا عظيما،

ما تقدرونه فاستعينوا باهلل العظيم((.

ذكره الحافظ السيوطي رحمه اهلل تعالى في "شرح الصدور".

230

(1/230)

و قال : أخرجه ابن أبي الدنيا و أبو نعيم .

* الحديث الثاني : عن عبدالرحمن بن سمرة رضي اهلل عنه قال: خرج فقال : )) إني رأيت البارحة -صلى اهلل عليه وآله وسلم-علينا رسول اهلل

ره عجبا ، رأيت رجال من أمتي جاءه ملك الموت ليقبض روحه؛ فجاءه ب بوالديه فرده عنه، و رأيت رجال من أمتي قد بسط عليه عذاب القبر؛ فجاءه وضوؤه فاستنقذه من ذلك ، و رأيت رجال من أمتي قد احتوشته الشياطين ؛ فجاءه ذكر اهلل فخلصه منهم ، و رأيت رجال من أمتي قد احتوشته مالئكة

ذته من بين أيديهم،ورأيت رجال من أمتي العذاب، فجاءته صالته فاستنقيلهث عطشا كلما ورد حوضا منع منه ؛ فجاءه صيامه فسقاه و أرواه ، ورأيت رجال من أمتي و النبيون قعود حلقا حلقا، كلما دنا لحلقة طردوه؛

فجاءه اغتساله من الجنابة فأخذ بيده و أقعده إلى جنبي. ورأيت رجال من ه وعمرته فاستخرجاه أ متي من بين يديه ظلمة ومن خلفه ظلمة فجاءه حج

من الظلمة ، و أدخاله النور ، ورأيت رجال من أمتي يكلم المؤمنين وال يكلمونه؛ فجاءته صلة الرحم فقالت: يا معشر المؤمنين كلموه فكلموه .

عن وجهه؛ فجاءته صدقته ورأيت رجال من أمتي يتقي وهج النار بيديه فصارت سترا على وجهه، و ظال على رأسه. ورأيت رجال من أمتي أخذته

الزبانية من كل مكان؛231

(1/231)

فجاءه أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر؛ فاستنقذاه من أيديهم و أدخاله مع

مالئكة الرحمة .ه و بين اهلل حجاب ؛ فجاءه ورأيت رجال من أمتي جاثيا على ركبتيه بين

حسن خلقه فأخذه بيده فأدخله على اهلل تعالى . ورأيت رجال من أمتي قد هوت به صحيفته من قبل شماله؛ فجاءه خوفه من اهلل ؛ فأخذ صحيفته

فجعلها في يمينه. ورأيت رجال من أمتي قد خفت موازينه؛ فجاءته أفراطه ال من أمتي قائما على شفير جهنم؛ فجاءه وجله من فثقلوا ميزانه. ورأيت رج

اهلل فاستنقذه من ذلك و مضى .ورأيت رجال من أمتي هوى فى النار؛ فجاءته دموعه التي بكى بها من

خشية اهلل في الدنيا فاستخرجته من النار . ورأيت رجال من أمتي قائما على اءه حسن ظنه باهلل تعالى فسكن رعده و الصراط يرعد كما ترعد السعفة؛ فج

مضى. ورأيت رجال من أمتي على الصراط يزحف أحيانا ويحبو أحيانا ؛ فجاءته صالته علي فأخذت بيده فأقامته و مضى على الصراط . ورأيت

رجال من أمتي انتهى إلى أبواب الجنة فغلقت األبواب دونه؛ فجاءته شهادة اهلل ففتحت له األبواب فأدخلته الجنة . و رأيت ناسا من أمتي أن ال إله إال

تقرض شفاههم، فقلت: يا جبريل من هؤالء ؟ فقال: المشاءون بالنميمة بين الناس. ورأيت رجاال من أمتي معلقين بألسنتهم، فقلت: من هؤالء يا جبريل

بغير ما اكتسبوا((.؟ قال: هؤالء الذين يرمون المؤمنين و المؤمنات 233

(1/233)

ذكره السيوطي أيضا في كتاب "شرح الصدور" و قال: أخرجه الطبراني في

"الكبير"، والحكيم الترمذي في "نوادر األصول" ، و األصبهاني في "الترغيب" .

* الحديث الثالث : عن ركب المصري رضي اهلل عنه قال : قال رسول اهلل م : ))طوبى لمن تواضع من غير منقصة، وذل في صلى اهلل عليه و سل

نفسه من غير مسألة، وأنفق ماال جمعه في غير معصية ، ورحم أهل الذل والمسكنة، وخالط أهل الفقه والحكمة . طوبى لمن طاب كسبه، وصلحت

ل بعلمه، سريرته، وكرمت عالنيته، وعزل عن الناس شره. طوبى لمن عم وأنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من قوله ((.

ذكره الحافظ المنذري رحمه اهلل تعالى في كتاب " الترغيب و الترهيب " و قال : رواه الطبراني .

* الحديث الرابع : عن أسماء بنت عميس رضي اهلل عنها قالت : سمعت (واختال، 1ئس العبد عبد تخيل )رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول: )) ب

ونسي الكبير المتعال! بئس العبد عبد تجبر واعتدى، ونسي الجبار األعلى! بئس العبد عبد سها ولها ونسي المقابر والبلى! بئس العبد عبد عتا

(! بئس 3دنيا بالدين)وطغى ونسي المبتدا والمنتهى! بئس العبد عبد يختل ال العبد عبد يختل الدين بالشبهات ! بئس العبد عبد طمع يقوده !

----------------------------

( في نسخة الكتاب بخل و لكن الثابت في الحديث " تخيل" من الخيالء.1) ( أي يطلب الدنيا بعمل اآلخرة .3)

232

(1/232)

يضله ! بئس العبد عبد رغب يذله(( . بئس العبد عبد هوى

رواه الترمذي و قال : حديث غريب ال نعرفه إال من هذا الوجه .قال : -رضي اهلل عنه -* الحديث الخامس : عن علي بن أبي طالب

إذا فعلت أمتي خمس عشرة : » -صلى اهلل عليه وسلم-قال رسول اهلل لبالء ((. قيل : وما هي يا رسول اهلل ؟ قال : إذا كان خصلة حل بها ا

المغنم دوال ، واألمانة مغنما ، والزكاة مغرما ، وأطاع الرجل زوجته ، وعق أمه ، وبر صديقه ، وجفا أباه ، وارتفعت األصوات في المساجد ، وكان

جل مخافة شره ، وشربت الخمر ، ولبس زعيم القوم أرذلهم ، وأكرم الر لها ، الحرير ، واتخذت القينات ، والمعازف ، ولعن آخر هذه األمة أو

«.فليرتقبوا عند ذلك ريحا حمراء ، أوخسفا أو مسخا رواه الترمذي و قال : حديث غريب ال نعرفه إال من هذا الوجه عن علي.

الحديث السادس: عن أبي ذر رضي اهلل عنه قال: قلت : يا رسول اهلل *ما كانت صحف إبراهيم عليه السالم ؟ قال: )) كانت أمثاال كلها : أيها الملك المسلط المبتلى المغرور ، إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على

ردها ولو كانت من بعض، ولكني بعثتك لترد عني دعوة المظلوم فإني ال أ

كافر . وعلى العاقل ما لم يكن مغلوبا على عقله أن تكون له ساعات :232

(1/232)

ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يتفكر فيها في ، وساعة يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب . صنع اهلل عز و جل

د لمعاد، أو مرمة لمعاش، وعلى العاقل أن ال يك ون ظاعنا إال لثالث : تزوأو لذة في غير محرم . وعلى العاقل أن يكون بصيرا بزمانه، مقبال على

شأنه، حافظا للسانه، ومن حسب كالمه من عمله؛ قل كالمه إال فيما يعنيه .

ل: )) كانت قلت : يا رسول اهلل فما كانت صحف موسى عليه السالم؟ قاعبرا كلها : عجبت لمن أيقن بالموت ثم هو يفرح! عجبت لمن أيقن بالنار ثم هو يضحك! عجبت لمن أيقن بالقدر ثم هو ينصب! عجبت لمن رأى

الدنيا وتقلبها بأهلها ثم اطمأن إليها ! عجبت لمن أيقن بالحساب غدا ثم ال يعمل ((.

أوصني. قال:)) أوصيك بتقوى اهلل فإنها رأس األمر كله قلت: يا رسول اهلل. ))

قلت: يا رسول اهلل زدني . قال: )) عليك بتالوة القرآن وذكر اهلل عز و ؛ فإنه نور لك في األرض وذخر لك في السماء ((. جل

قلت: يا رسول اهلل زدني . قال: )) إياك وكثرة الضحك فإنه يميت القلب، الوجه (( .ويذهب بنور

قلت: يا رسول اهلل زدني . قال : )) عليك بالصمت إال من خير؛ فإنه

مطردة لشيطان عنك و عون لك على أمر دينك (( . قلت: يا رسول اهلل زدني . قال : )) عليك بالجهاد فإنه رهبانية أمتي ((.

قلت: يا رسول اهلل زدني .قال : )) أحب المساكين وجالسهم(( . يا رسول اهلل زدني . قال : )) انظر إلى من هو دونك، قلت:232

(1/232)

وال تنظر إلى ما هو فوقك ؛ فإنه أجدر أن ال تزدري نعمة اهلل عليك ((.

ن كان مرا (( . قلت: يا رسول اهلل زدني . قال: )) قل الحق وا تعلمه من نفسك، قلت: يا رسول اهلل زدني . قال : )) ليردك عن الناس ما

وال تجد عليهم فيما تأتي ، وكفى بك عيبا أن تعرف من الناس ما تجهله من نفسك، وتجد عليهم فيما تأتي (( ، ثم ضرب بيده على صدري فقال:

، وال حسب كحسن الخلق (( )) يا أبا ذر ال عقل كالتدبير، وال ورع كالكف.

غيب و الترهيب" و قال : رواه ابن حبان في ذكره المنذري في كتاب " التر صحيحه و اللفظ له ، والحاكم ، وذكر المنذري الحديث الذي قبله في الكتاب المذكور أيضا . رحمه اهلل تعالى ، و جزاه عن المسلمين خيرا .

صلى -* الحديث السابع : عن أبي ذر رضي اهلل عنه أيضا عن النبي يا عبادي إني » يرويه عن ربه عز وجل أنه قال : فيما -اهلل عليه وسلم

حرمت الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرما ، فال تظالموا . يا عبادي : كلكم ضال إال من هديته ، فاستهدوني أهدكم . يا عبادي : كلكم جائع إال

يا عبادي : كلكم عار إال من كسوته من أطعمته ، فاستطعموني أطعمكم .

، فاستكسوني أكسكم . يا عبادي : إنكم تخطئون بالليل والنهار ، وأنا أغفر الذنوب جميعا ، فاستغفروني أغفر لكم . يا عبادي : إنكم لن تبلغوا ضري

وني ، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني . يا عبادي : ل لكم وآخركم فتضر و أن أونسكم وجنكم ، وا

232

(1/232)

كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ، ما زاد ذلك في ملكي شيئا . يا

نسكم وجنكم ، كانوا على أفجر قلب رجل لكم وآخركم ، وا عبادي : لو أن أولكم واحد منكم ، ما نقص ذلك من ملكي شيئا . يا عبادي : لو أن أو

نسكم وجنكم ، قاموا في صعيد واحد ؛ فسألوني ، فأعطيت كل وآخركم ، وا إنسان منهم مسألته ، مانقص ذلك مما عندي إال كما ينقص المخيط إذا

أدخل البحر . ياعبادي: إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ، ثم أوفيكم إياها ، «.فليحمد اهلل ، ومن وجد غير ذلك فال يلومن إال نفسه فمن وجد خيرا

رواه مسلم و الترمذي و ابن ماجه.صلى اهلل عليه -وقد ختمنا الكتاب بهذه األحاديث من حديث رسول اهلل

-، كما افتتحناه بشيء منها، تبركا وتيمنا بكالم رسول اهلل -وآله وسلم. ونرجو بذلك أن يجعل اهلل الكالم المؤلف بين -وسلم صلى اهلل عليه وآله

ذلك مقبوال لديه، ومقربا إلى رضاه، وفي سبيل طاعته وقربه. وأن يغفر لنا ويتجاوز عنا ما وقع فيه من خطأ أو تخليط، وما داخلنا فيه من رياء أو تصنع للناس، أو مباهاة أو إعجاب. ونستغفر اهلل من جميع ذلك، ومن

سائر الذنوب ونتوب إليه منها )ومن يغفر الذنوب إال الله ( )ربنا تقبل منا

إنك أنت السميع العليم( )وتب علينآ إنك أنت التواب الرحيم( )ال تؤاخذنا إن حمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا نسينا أو أخطأنا ربنا وال ت

لنا ما ال طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنآ أنت موالنا ربنا وال تحم فانصرنا على القوم الكافرين (

238

(1/238)

ال أنت سبحانك( اللهم إني أستغفرك لذنبي ، و أسألك رحمتك . )ال إله إ

اللهم زدني علما ، وال تزغ قلبي بعد إذ هديتني ، و هب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب .

* * * تم الكتاب بحمد اهلل وعونه و حسن توفيقه )الحمد لله الذي هدانا لهذا وما

نا لنهتدي لوال أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق( ) سبحان ربك ك رب العزة عما يصفون *وسالم على المرسلين *والحمد لله رب العالمين (

يم، و صلى اهلل على سيدنا محمد ، و ال حول و ال قوة إال باهلل العلي العظ و على آله و صحبه و سلم .

* * * و كان الفراغ من إمالئه يوم األحد الثاني والعشرين من شهر شعبان

المبارك سنة تسع و ثمانين بعد األلف من هجرته عليه الصالة و السالم ، و صلى اهلل على سيدنا محمد و على آله و صحبه و سلم .

تم الكتاب بعونه تعالى[]

237

(1/237)

الفهرس

... خطبة الكتاب ... مبحث التقوى

أقوال العلماء في التقوى إصالح القلب القسوة والغفلة

الرقة على المؤمنين طول األمل

أصناف الناس في األمل ذكر الموت طول العمر

أماني المغفرة اإليمان بالقضاء والقدر

... مبحث العلم م الواجبالعل

فضل طلب العلم آداب العالم و وظائفه

... مبحث الصالة

فضائل الصالة المحافظة على الصالة واإلقامة لها

فضيلة الجماعة صالة الجمعة صالة النفل قيام الليل

خطر ترك الصالة ... مبحث الزكاة

منع الزكاة من آداب المزكي

زكاة الفطر صدقة التطوع آداب التصدق

رآداب الفقي ... مبحث الصوم

فضل شهر رمضان آداب الصائم صالة التراويح

فضل العشر األواخر من رمضان صيام النفل

... مبحث الحج االستطاعة في الحج

آداب الحج

... مبحث تالوة القرآن العظيم و الذكر آداب التالوة

اإلكثار من قراءة القرآن الكريم فضائل سور و آيات معينة

فضل ذكر اهلل اب الذكرآد

أنواع الذكر فضل االستغفار

فضل الصالة على النبي فضل الدعاء و آدابه

... مبحث األمر بالمعروف والنهي عن المنكر ... مبحث الجهاد

آداب المجاهد في سبيل اهلل

(1/234)

... مبحث الواليات والحقوق

واجبات الوالي واجبات القاضي

واجبات والي األيتام حقوق الوالدين حقوق األوالد

صلة األرحام حقوق األهل والعيال

فضل النكاح اإلحسان إلى المماليك واألرقاء

اإلحسان إلى الجيران اإلحسان إلى األصحاب

حقوق المسلم على المسلم ... مبحث المهلكات

طلب الحالل واألكل منه المحرمات على قسمين

ثة أقسامالناس بالنسبة إلى المعاملة في أمور الدنيا على ثاليثار الحالل التورع والتحري وا

احتكار الطعام المعاملة بالربا

ما يأخذه الحكام والعمال من الرشا والهدايا مسألة الناس

تحريم الخمر وذمها حفظ القلب والجوارح

حفظ الفرج حفظ القلب

صفات القلب المذمومة الكبر الرياء:

الحسد قلة الرحمة بالمسلمين

ينسوء الطن بالمسلم حب الدنيا

حب الجاه والمال الغرور

... مبحث المنجيات التوبة إلى اهلل تعالى

اإلكثار من االستغفار الرجاء في اهلل والخوف من اهلل

الصبر الشكر

الزهد في الدنيا التوكل على اهلل الحب في اهلل

الرضا عن اهلل تعالى حسن النية واإلخالص هلل

الصدق المراقبة هلل

واستقامته حسن التفكر قصر األمل، وكثرة ذكر الموت واالستعداد له

... خاتمة الكتاب عقيدة أهل السنة و الجماعة

خاتمة الخاتمة ...الفهرس

(1/234)