Transcript
Page 1: الانسان المتفوق لدى نيتشه

اإلنسان المتفوق لدى نيتشه

عشر سنوات قضاها زرادشت منعزالً في كهفه مستغرقاً في التأمل والتفكير، متوارياً عن الناس الذين أحبهمكثيراً فاتجه إلى غابة بعيداً عن وطنه وبحيرته حتى يزيد في حبهم استغراقاً، ها هو اآلن يغادر كهفه وينشد

الناس فيقف أمام حشد منهم ويخطب فيه قائالً:"إنني آت إليكم بنبأ اإلنسان المتفوق، فما اإلنسان العادي إال كائن يجب أن نفوقه، فماذا أعددتم للتفوق

عليه؟.إن كالً من الكائنات أوجد من نفسه شيئاً يفوقه، و أنتم تريدون أن تكونوا جَزْراً يصد الموجة الكبرى في مدها،

بل إنكم تؤثرون التقهقر إلى حالة الحيوان بدل اندفاعكم للتفوق على اإلنسان، وهل القرد من اإلنسان إالسخريته و عاره؟. لقد اتجهتم على طريق مبدؤها الدودة و منتهاها اإلنسان، غير أنكم أبقيتم على جل ما

تتصف به ديدان األرض، لقد كنتم من جنس القرود فيما مضى، على أن اإلنسان لم يفتأ حتى اليوم أعرق منالقرود في قرديته.

لقد أتيتكم بنبأ اإلنسان المتفوق، إنه من األرض كالمعنى من المبنى، فلتتجه إرادتكم إلى جعل اإلنسانالمتفوق معنى لهذه األرض و روحاً لها. ما اإلنسان إال حبل منصوب بين الحيوان واإلنسان المتفوق، فهو

الحبل المشدود فوق الهاوية."

page 1 / 3

www.syr-res.com?R1885 | April 27, 2014, 12:36 am

Page 2: الانسان المتفوق لدى نيتشه

اإلنسان المتفوق لدى نيتشه

لطالما عانى فريدريك نيتشه ذلك المفكر الجبار في إعطاء تفسير للحياة، و كثيراً ما تملكه اليأس في إيجادهدف سام يستحق أن يعاش من أجله، لقد نذر حياته كلها في سبيل الوصول إلى الحقيقة التي عذبته

ومزقت حياته، ففتش عنها في كتب فالسفة اليونان القدماء وعند فالسفة العصور الوسطى والحديثةوصوالً إلى شوبنهاور، و كما قال "إن عاشق الحقيقة إنما يحبها ال لنفسه أو مجاراة ألهوائه بل يهيم بها

لذاتها ولو كان ذلك مخالفاً لعقيدته"، إنه لطريق وعر خطير ذاك الذي سلكه نيتشه ولكنه مضى فيه حتىأصابه الخبل و تاهت بصيرته.

لقد كان تائقاً إلى إيجاد إنسان يتفوق على إنسانيته، و لعلّ فكرة "اإلنسان المتفوق" لنيتشه هي من أهمالمفاهيم التي أنتجها فكره، و على الرغم من أنه لم يشر إليها إال قليالً في مقدمة كتابه "هكذا تكلم

زرادشت"، إال أنه قد يبدو من المنطقي االقتناع بأن نيتشه قد كون في ذهنه طريقة يكون فيها اإلنسانأكثر من كونه إنساناً مفرطاً في إنسانيته، و كما يبدو فإن هذا المفهوم يكشف عن الطريقة التي رأى فيها

نيتشه الحياة من منظوره الخاص وحاول أن يرينا إيّاها عن طريق زرادشت، شخصيته الرئيسية في كتابه"هكذا تكلم زرادشت".

"لقد مات اإلله ونحن من قتلناه" لقد كان هذا بيان زرادشت األول معلناً فيه موت المعنى الالمتناهي للقيموالمبادئ األرضية، لقد انتهى مصدر التشريع و تحققت فرصة االنتشار للعدمية السائدة، فأراد زرادشت أن

يضع حال لموت اإلله و للفراغ األخالقي الذي ستفرضه العدمية، "اإلنسان المتفوق" كما وصفه زرادشت هوذاك الذي يكون على أتم استعداد بأن يخاطر بكل شيء في سبيل سمو اإلنسانية ونهضتها، فارضاً ومؤسساً

لقيمه الخاصة في عالم يلقن فيه الناس قيمهم، مما يعطيه قدرة السيطرة والتأثير في حياة اآلخرين، هذاالتأثير الذي سيطال حركة التاريخ ال بد أن يكون مستمراً إلى األبد.

"’إنني أحب من ال غاية لهم في الحياة إال الزوال، فهم يمرون إلى ما وراء الحياة... أحب من ال يطلبون وراءالكوكب معرفة ما يدعو إلى زوالهم أو ما يهيب بهم إلى التضحية، ألنهم يقدمون ذاتهم قرباناً لألرض، لتصبحهذه األرض ميراثاً لإلنسان المتفوق" كذلك تكلم زرادشت... فال قيمة إذن عند نيتشه لإلنسان الحالي واليكتسب أية أهمية إال في كونه جسراً ومعبراً لظهور اإلنسان المتفوق، لذلك تراه يهزأ بكل من عده التاريخعظيماً بين الناس، قائالً أن الجيل الذي يلد العظماء لم يولد بعد وأن ال رجل في هذا الزمان يمكنه التفوق

على ذاته وكل ما على الناس فعله هو أن يتشوقوا إلى المثل األعلى ويضحوا من أجله بكل شيء حتى يخرجمن ساللتهم في مستقبل األزمان.

في الواقع إن إجابة نيتشه عن معنى الحياة تبدو مثخنة بالمعاناة، فمفهوم تكريس حياة بأكملها في خدمة"إنسان متفوق" آخر إنما هو دليل على عبثية هذه الحياة وفقدانها للمعنى، لقد تخيل الحياة خالدة أبدية

بال بداية وال نهاية فهي تعيد نفسها مراراً وتكراراً، بكل معاناتها وتعاستها وآثامها، و مع ذلك فإن النقطةاألكثر أهمية قد ال تكون في أبدية الحياة ولكن في الطريقة التي يرى فيها اإلنسان المتفوق هذه الحياة،

فهو يراها مختلفة كل مرة عن األخرى مما يزيده سعادة وشوقاً إلى تكرار هذه الحياة نفسها مراراً وتكراراً، وهو على دراية تامة بكل ما قد جرى فعله ويطلق تفسيراته على هذا األساس، إنه يقدر هذه الحياة فعالً

على الرغم من تعاستها و سخافتها... كما تكلم زرادشت: "أواه! كيف ال أحن إلى األبدية وأضطرم شوقاً إلىخاتم الزواج، إلى دائرة الدوائر حيث يصبح االنتهاء عودة إلى االبتداء. إنني لم أجد حتى اليوم امرأة أريدها

أماً ألبنائي إال المرأة التي أحبها، ألنني أحبك أيتها األبدية... إنني أحبك أيتها األبدية."

إذن لقد كان طموح نيتشه هو أن يرى مجتمعاً يسوده أناس متفوقون ولكل واحد منهم خيره الخاص وشرهالخاص وعليه أن يزداد ارتقاءً في خيره وفي شره أيضاً، فإن أعظم شر إنما هو أعظم خير أيضاً لإلنسان

المتفوق، ولكن هل يمكن أن تستمر الحياة في هكذا مجتمع أم أن القوي سيأكل الضعيف حتى يقف آخرالظافرين منتحراً بقوته وعنفه كما انتحر إله نيتشه نفسه برحمته!.

page 2 / 3

www.syr-res.com?R1885 | April 27, 2014, 12:36 am

Page 3: الانسان المتفوق لدى نيتشه

اإلنسان المتفوق لدى نيتشه

المصادر:

كتاب هكذا تكلم زرادشت لنيتشه - ترجمة فيلكس فارسhttps://ccrma.stanford.edu/~pj97/Nietzsche.htmhttp://en.wikipedia.org/wiki/%C3%9Cbermensch

مصدر الصورة:

-https://3.bp.blogspot.com/-rKkoqSHB4O4/UBbzvItS6VI/AAAAAAAAUA/b4f7gnE013s/s1600/nietzsche___colour_by_woodpig1.jpg

المساهمون في المقال :

Muhammad Taklehإعداد:

Amer Salehتدقيق علمي:

Amer Salehتعديل الصورة:

Amer Salehتعديل:

Yahya Salehتعديل:

Powered by TCPDF (www.tcpdf.org)

page 3 / 3

www.syr-res.com?R1885 | April 27, 2014, 12:36 am


Top Related