التعليم العالي والسياسة في مصر

مصطفى كامل السيد . د. ا

تحتـــل قضــــية التعلـــيم العــــالي فـــي ارتبــــاط هـــذا التعلــــيم باألوضـــاع السياســــية قـــدرا كبيــــرا مـــن اهتمــــام الـــرأي العــــام

والمتخصصين، ويميل كثيرون، بتسـرع كبيـر، إلـى ربـط كـل مشـاكل التعلـيم العـالي فـي مصـر بأوضـاعها السياسـية

، وعـدم قـدرة النظـام السياسـي فـي مصـر ، أو بـاألحرى ١٩٦١نذ تقرير مجانية التعليم العالي في سـنة وخصوصا م

بمجانيــة " المسـاس"بعـد وفـاة الـرئيس جمـال عبـد الناصـر علـى ١٩٧٠عـدم رغبـة قيـادة الدولـة فـي مصـر منـذ سـنة

ت مجانيــة التعلــيم عمومــا التعلــيم، وٕان ســمحت بتجاوزهــا كثيــرا علــى أرض الواقــع وبوســائل متعــددة، حتــى أصــبح

ونظـرا لهـذا االنطبـاع الشـائع بـأن معظـم مشـاكل . والتعليم العالي خصوصـا أضـحوكة سـخيفة ال يكـاد يصـدقها أحـد

التعليم العالي في مصر من حيث تضخم أعداد الطلبة والطالبات وانخفـاض مسـتوى الخـريجين هـي بسـبب مجانيـة

عالقـة التعلـيم العـالي باألوضـاع السياسـية فـي مصـر علـى نحـو علمـي التعليم عموما، لذلك فإنه مـن المفيـد تحليـل

لمعرفة مـدى صـحة هـذا االنطبـاع مـن ناحيـة ، والجوانـب السياسـية األخـرى لهـذا الموضـوع مـن ناحيـة أخـرى وهـى

.الجوانب التي ال تندرج ببساطة تحت هذا الفهم الضيق لعالقة التعليم العالي بالسياسة

ذه الدراسة هو أنـه إذا كـان النظـام التعليمـي هـو انعكـاس للنظـام االجتمـاعي السياسـي بصـفة واالستنتاج الرئيسي له

عامة، فإن النظام السياسـي فـي مصـر فـي السـتينيات قـد نجـح فـي توجيـه النظـام التعليمـي ليخـدم غاياتـه فـي تغييـر

ــى حــين تــرك ــى نحــو كــان يمكــن أن يضــمن اســتقراره، عل ــة فــي المجتمــع عل النظــام السياســي فــي العالقــات الطبقي

مصـر منـذ السـبعينيات النظـام التعليمـي لـيعكس اتسـاع الهـوة الطبقيـة فـي المجتمـع، ممـا أدى بـدوره إلـى توليـد قـوى

. اجتماعية تناصب هذا النظام العداء وتسعى إلى تغييره ، مما أصبح يهدد استقراره

مختصــر عــن نطاقــه، فمــن الضــروري وحتــى يــتم عــرض أهــم جوانــب هــذا الموضــوع وحتــى ال يخــرج هــذا البحــث ال

البدء بتعريف المقصود بالتعليم العالي في مصر وتعريف المقصود بالسياسة، وشرح اإلطار النظري الـذي يسترشـد

.به هذا التحليل

المقصود بالتعليم العالي وبالسياسة

تعليميـة التـي تشـترط اللتحـاق الطـالب بهـا حصـولهم علـى شـهادة يقصد بالتعليم العالي في مصر كل المؤسسات ال

ويكشــف النظــر إلــى هــذه المؤسســات التعدديــة الهائلــة التــي تتســم بهــا، فهــي تنقســم . الثانويــة العامــة أو مــا يعادلهــا

مابين جامعات ومعاهد عليا، وتنقسم المعاهد العليا إلى معاهد عليا عامة وأخرى خاصـة، وداخـل الجامعـات هنـاك

الجامعـــات المصـــرية العامـــة والخاصـــة ، وهنـــاك الجامعـــات األجنبيـــة، كمـــا تنقســـم الجامعـــات المصـــرية والمعاهـــد

المصـرية إلـى مدنيـة ودينيــة، وفيمـا يتعلـق بلغـة التعلــيم فتنقسـم الجامعـات واألقسـام داخــل الجامعـات إلـى جامعــات

جامعـــات تتـــيح التـــدريس فـــي بعـــض كلياتهـــا تـــدرس باللغـــة األجنبيـــة وجامعـــات ومعاهـــد تـــدرس بلغـــة أجنبيـــة ، أو

.ذلك إلى جانب اللغة العربية التي تسود في كلياتها وأقسامها األخرى,وأقسامها بلغة أجنبية

وتتعدد في الوقت ذاته دالالت المقصود بالسياسة في عالقتها بالمؤسسـة التعليميـة، فهـي قـد تعنـى السياسـة العامـة

ليشـمل مجمـل السياسـات العامــة مـن اقتصـادية واجتماعيـة وثقافيـة وٕاعالميــة وفـى هـذا السـياق قـد يتوســع المقصـود

ودفاعيــة وأمنيـــة وخارجيــة، فلكـــل هــذه آثارهـــا علــى التعلـــيم عمومــا وعلـــى التعلــيم العـــالي بصــفة خاصـــة، أال تـــؤثر

نمـاط منـه وأ,السياسة االقتصادية على فرص النمو والعمالة في المجتمع ومن ثم علـى الطلـب علـى التعلـيم عمومـا

خصوصـا، كمــا أن مــن شــأنها تحديـد مقــدار االســتثمارات المتاحــة للتعلــيم والـدخل المتــاح للمــواطنين لإلنفــاق عليــه،

.وقد يضيق مفهوم السياسة العامة ليقتصر فقط على السياسة التعليمية

سـتقالل الـذي تتيحـه كما قد يقصد بالسياسـة عالقـة كـل هـذه المؤسسـات التعليميـة بالحكومـة، ومـدى الحريـة أو اال

لها، ودور الحكومة في إدارة المؤسسات التعليمية وفى إتاحة موارد لها ورسم الغايات التي تنشـدها، كمـا قـد يتسـع

هـذا الفهـم بـدوره ليشــمل عالقـة مؤسسـات التعلـيم العــالي بكافـة مكونـات النظـام السياســي فـال يقتصـر البحـث علــى

ا يشــمل كــذلك لــيس فحســب عالقـــة هــذه المؤسســات التعليميــة بالســـلطة عالقــة هــذه المؤسســات بالحكومــة ، وٕانمـــ

التنفيذية وحدها ، ولكن عالقتهـا بالسـلطتين التشـريعية والقضـائية، وبـاألحزاب السياسـية وبجماعـات المصـالح سـواء

.من جماعات رجال األعمال أو المؤسسات الدينية أو اإلعالمية

لمختصــر هــو الــدور السياســي الــذي تقــوم بــه كافــة مؤسســات التعلــيم علــى أن المقصــود بالسياســة فــي هــذا البحــث ا

ــذي كــان يقصــده ــى النحــو ال ــوعي فــي المجتمــع، وذلــك عل كمنظومــة واحــدة فــي إطــار بنــي تشــكيل الضــمير أو ال

العالمة الفرنسي لويس ألتوسير في تحليله لعالقات مكونات البنية الفوقيـة بالبنيـة التحتيـة فـي المجتمـع، فمؤسسـات

عليم العالي هي جزء من البنية التعليمية، وشـأنها مثـل البنيـة الحكوميـة والقانونيـة والدينيـة والفنيـة واألدبيـة، فكلهـا الت

تشكل وعى المواطنين ، وتتفاعل فيمـا بينهـا ، كمـا تتـأثر وتـؤثر فـي البنيـة التحتيـة فـي المجتمـع مـن أدوات اإلنتـاج

المعنـى للـدور السياسـي لمؤسسـات التعلـيم العـالي هـو الـذي يبـين الـدور وهـذا. وفنه، وتوزيع الملكية والبناء الطبقـي

.الخطير الذي تلعبه هذه المؤسسات في دفع المجتمع نحو التطور أو على العكس تطرح عقبات أمام تطوره

حتيـة وعالقة المؤسسة التعليمية بالنظام المجتمعي عمومـا بمـا فـي ذلـك عناصـر بنيتـه الفوقيـة األخـرى أو بنيتـه الت

هــي عالقــة معقــدة ومتشــابكة، فالبنيــة التعليميــة تتســم بقــدر مــن االســتقالل الــذاتي حتــى فــي أشــد المجتمعــات تخلفــا

منــاحي اســتخدامهم لهــذا الــوعي ، ىوتسـلطا، ألنهــا تشــكل وعــى المــواطنين وتنمــى معــارفهم، ولكنهـا ال تســيطر علــ

تمكـن المـواطنين مـن معرفـة القـراءة والكتابـة ، ولكنهـا فعلى سبيل التبسيط الشديد ، يفتـرض أن المؤسسـة التعليميـة

ال تملك السيطرة على مـاذا سـيقرءون، ومـدى تفسـيرهم لمـا يقـرءون، ولـذلك إذا كانـت كافـة الـنظم المجتمعيـة تسـعى

ــيم المؤكــدة‘ لتوظيــف التعلــيم لصــالح بقائهــا ــك هــي نتيجــة التعل ــم بكــل الثــورا. فإنهــا ال تضــمن أن تكــون تل تألــم يق

ــدت هــذه األفكــار متعلمــ ــه، بــل وربمــا تول ــديم الــذي ثــاروا علي ون عرفــوا القــراءة والكتابــة بفضــل مؤسســات النظــام الق

الثوريـة أو اإلصـالحية بفضــل قـراءات كانــت مقـررة عليــه، ولكـنهم فسـروها علــى نحـو نقــدي لـم يكــن مقصـودا ممــن

.قررها عليهم

الدافعة وراء تطور المجتمع على نحـو لـم يـدر بـذهن مـن في مثل هذه الحاالت قد يصبح النظام التعليمي هو القوة

يقومون على هذا النظام، ولذلك فإن تضييق نطاق التعلـيم والتعلـيم العـالي خصوصـا لـيس سياسـة غبيـة مـن جانـب

مــن يملكــون الســلطة فــي المجتمعــات المحافظــة، فهــم يــدركون أن التعلــيم ال يوســع فقــط مــن مــدارك البشــر ، ولكنــه

وى توقعـاتهم، ولـذلك فـإذا كـانوا ال يريـدون أو ال يقـدرون علـى االسـتجابة لهـذه التطلعـات ، فالخيـار يرفع أيضا مسـت

.األفضل لهم هو إغالق الباب الذي يفتح المجال لتوليد هذه التوقعات

علـى أنـه ينـدر أن تسـتقل البنيـة التعليميـة تمامـا عـن مجتمعهـا وبنـاه األخـرى، بـل إن ذلـك لمسـتحيل، فـالوعي الــذي

يتشكل داخل هذه المؤسسات ليس نسخة واحدة، القلة يتولد لديها الوعي النقدي، واألغلبية تتقبل ما يقال لهـا داخـل

المؤسسـات التعليميـة دونمـا تمحـيص نظـر، ومـن ثـم يتفـاوت األثـر السياسـي للتعلـيم بكافـة مؤسسـاته ، وخصوصــا

ح النظـام التعليمـي فـي تشـكيل وعـى أغلبيـة المـواطنين المؤسسات العليا من فرد إلى آخر، واألكثـر احتمـاال أن يـنج

.على النحو الذي يريده من يملكون القوة االقتصادية والسياسية في المجتمع

فـإن ‘ ومن ناحية أخرى فـإذا كانـت بعـض الجماعـات المتسـيدة تريـد مـن التعلـيم أن يحـافظ علـى البنـاء االجتمـاعي

غييــر اجتمـاعي يتفــاوت بحسـب رؤيــة هـذه الجماعــات لنـوع المجتمــع جماعـات أخـرى قــد تريـد منــه أن يكـون أداة لت

. الذي تريد تشكيله في بالدها

المؤسســـة التعليميـــة وفقـــا لهـــذا التحليـــل هـــي واحـــدة مـــن عناصـــر البنيـــة الفوقيـــة فـــي المجتمـــع تقـــوم بتشـــكيل وعـــى

ـــ ـــى ذلـــك شـــأن مؤسســـات القـــانون والقضـــاء والبيروقراطيـــة الحكومي ـــة، المـــواطنين ، شـــأنها ف ة والمؤسســـة اإلعالمي

والمؤسسة الدينية، وٕاذا كانت هـذه المؤسسـات تقـوم بتشـكيل الـوعي إال أنهـا ال تتـردد فـي ممارسـة القهـر بطريقـة أو

بأخرى، بعضها يمارسه بطريقة مباشرة من خالل الشرطة والسجون، وبعضها يمارسه بطريقة غير مباشرة بالتهديـد

ؤسسـة الدينيـة، أو بتشـويه السـمعة مثـل المؤسسـة اإلعالميـة، أو بفـرض عقوبـات بالعقاب في الحياة اآلخرة مثل الم

مدرسية كمـا هـو الحـال فـي المؤسسـة التعليميـة، ولكـن حتـى اسـتخدام القهـر مـن جانـب هـذه المؤسسـات هـو مجـرد

ــدات العامــة للجماعــات الحاكمــة فــي ــيم والســلوك يتفــق مــع المعتق ــة نمــط معــين مــن الق وســيلة أخــرى لضــمان هيمن

ــة لهــذا . المجتمــع ــة القاعدي والتــي تســتهدف اســتمرار القواعــد األساســية للتكــوين االجتمــاعي والتــي تنبثــق مــن البني

ولكـن . -أي لهـذا التكـوين -التكوين والتي تتمثل في عالقات الملكية والتي ينهض على أساسـها البنـاء الطبقـي لـه

لهـذه البنيـة القاعديـة، فالعالقـات بينهمــا سهــو مجـرد انعكـا هـذا ال يعنـى أن البنـاء الفـوقي وفيـه المؤسسـة التعليميـة

هـي عالقــات تفاعــل متبــادل، أو هــي عالقـات تــأثير وتــأثر، فكافــة عناصــر البنيـة الفوقيــة تتســم باالســتقالل النســبي

والتعدد،وهى مجال لرؤى متباينة تعكس تعقد البناء الطبقي ذاته، وٕاذا كان تطور هذه العناصـر فـي األجـل الطويـل

النسـبي يتضـمن أيضـا احتمـال اينحو إلى التوافـق مـع عناصـر البنيـة القاعديـة وضـمان اسـتمرارها، إال أن اسـتقالله

أن تؤدى أنماط الوعي الجديـدة التـي تتشـكل داخلهـا إلـى تغييـر فـي عناصـر البنيـة القاعديـة ذاتهـا، ففكـرة اإلصـالح

، ١٩٥٢يوليــو ٢٣والسياســية فــي مصــر قبــل ثــورة الزراعــي علــى ســبيل المثــال نمــت داخــل المؤسســات التشــريعية

ــل إبــراهيم شــكري ومريــت ــه مث ــوعي بضــرورة اإلصــالح الزراعــي مــن خــالل تبنــى عــدد مــن البرلمــانيين ل وانتشــر ال

بطرس غالى والحـزب االشـتراكي الـذي كـان يقـوده كـل مـن أحمـد حسـين وٕابـراهيم شـكري، ثـم أخـذ الضـباط األحـرار

مهما في قواعد الملكيـة الزراعيـة والبنـاء الطبقـي فـي الريـف المصـري بإزاحـة طبقـة كبـار بهذه الفكرة وأحدثوا تعديال

وينطبق نفـس األمـر علـى المؤسسـة التعليميـة، فكمـا أنهـا تعكـس هيمنـة . المالك وتشجيع نمو طبقة متوسطة ريفية

ــد بعــدم مالئمــة ا ــوعي الجدي ــد فيهــا ال ــه يمكــن أن يتول ــدات الجماعــة الحاكمــة، إال أن لقواعــد األساســية للتكــوين معتق

االجتماعي، أو فلنقل النظام االجتماعي للتطـور الفكـرى فـى المجتمـع أو لـدى أقسـام مهمـة مـن النخبـة ذات التـأثير

فيه، وقد كان ذلك هو الحال في الكثير من مجتمعات الجنوب التي أدخلت مؤسسـات تعليميـة حديثـة فـي تكوينـات

طة وغلبـــة الفالحـــين أو الرعــاة وكبـــار المـــالك أو شـــيوخ القبائـــل فـــي بنائهـــا اجتماعيــة تتســـم بغيـــاب الطبقـــة المتوســـ

ألـم . الطبقي، ثم ما لبث خريجو هذه المؤسسات التعليمية الحديثـة أن أصـبحوا طليعـة التغييـر فـي هـذه المجتمعـات

ل مـن يقد خريجو مدارس الحقوق حركـة التغييـر االجتمـاعي واالقتصـادي والسياسـي فـي مصـر خـالل النصـف األو

القرن العشرين؟

بـين البنـاء االجتمـاعي السياسـي والمؤسسـة التعليميـة فـي كافـة البلـدان عمومـا إال أنـه ةوعلى الرغم من تعقد العالقـ

التوجـه األول يتـرك المؤسسـة التعليميـة لكـي تعكـس : يمكن القول أن هناك توجهين أساسيين يحكمان هـذه العالقـة

اره، وهـذا هـو التوجـه الغالـب فـي الـدول الصـناعية المتقدمـة، والتوجـه الثـاني خصائص البناء الطبقـي وتسـهل اسـتمر

هو الذي يستخدم المؤسسة التعليمية كأداة إلحداث تغييـر أساسـي فـي البنيـة الطبقيـة ذاتهـا، وهـذا هـو التوجـه الـذي

يميـــة يجعـــل مـــن يســـود فـــي الـــنظم الثوريـــة واإلصـــالحية، ولكـــن االســـتقالل النســـبي الـــذي تتمتـــع بـــه المؤسســـة التعل

الصعب أن يكون النظـام التعليمـي انعكاسـا صـافيا ألي مـن هـذين التـوجهين، فحتـى فـي الـدول المتقدمـة فـإن النمـو

الكبير في حجم الطبقة المتوسطة يعود في جانـب منـه إلـى التوسـع فـي التعلـيم وتقريـر مجانيتـه مـع وصـول أحـزاب

أن التغيــر فــى البنــاء االجتمــاعى فــى هــذه الــدول كــان نتيجــة اشــتراكية إلــى الســلطة فــي دول أوروبــا الغربيــة ،أى

التوسع فى التعليم، ومن ناحية أخرى فإن ما يسود البنية الطبقية في العديد من دول الجنوب من تفـاوت هائـل بـين

ــة المجزيــة جعــل مــن الصــعب علــى ــاج والطبقــات المعدمــة مــع ضــيق فــرص العمال الطبقــات المالكــة ألدوات اإلنت

.لتعليمي أن يكون أداة لتغيير اجتماعي واسعالنظام ا

ومــع أن هــذه الرؤيــة للعالقــة بــين المؤسســة التعليميــة وعالقــات القــوة فــي المجتمــع قــد استرشــدت بتحليــل المفكــر

ــويس ألتــو ســي ــائج رالماركســي الفرنســي ل ــوم االجتماعيــة التصــل إلــى نت ــة الغربيــة فــي العل ، إال أن المدرســة الليبرالي

ة لهــذه المســألة، فإحــدى غايـات النظــام التعليمــي وفقــا لــرواد المدرسـة البنيويــة الوظيفيــة هــي الحفــاظ مختلفـة بالنســب

، وهـو مـا يعنـى لـيس فقـط توليـد القـوة العاملـة Pattern maintenanceعلى الطـابع األساسـي للنظـام االجتمـاعي

لمطلوبـــة لقبـــولهم وٕاجـــادتهم األدوار التـــي يحتاجهـــا النظـــام االقتصـــادي ، ولكـــن إكســـاب الـــنشء القـــيم االجتماعيـــة ا

.االجتماعية التي يعدهم النظام التعليمي للقيام بها، وذلك رغم استخدام هذه المدرسة لمفردات التحليل الماركسي

مؤسسة التعليم العالي والنظام السياسي في مصر

السياســي فــي مصــر ومنظومــة التعلــيم العــالي، وٕالــى أي حــد تعكــس هــذه العالقــة مــا هــو نمــط العالقــة بــين النظــام

موقف النظام السياسي من البنية االجتماعية الطبقية في البالد مصر، وما هو األسلوب األمثل لإلجابة علـى مثـل

عشـرين فيمـا وٕاذا كـان النظـام السياسـي قـد عـرف قـدرا مـن التغيـر فـي مصـر خـالل سـنوات القـرن ال. هذه التساؤالت

يتعلق بنوعية القيادة والخلفية االجتماعية للجماعة الحاكمة، والمنظمات العاملة في إطـاره، والسياسـات وربمـا أيضـا

.السمات الرئيسية للثقافة السائدة فأي مراحل هذا التطور الذي تحاول هذه الدراسة المختصرة التركيز عليها

ل خطــاب الجماعـة الحاكمــة علــى الــرغم مـن الفائــدة المحققــة لمثــل هــذا قـد ال يكفــى لإلجابــة علــى هـذا الســؤال تحليــ

ــة الحقيقيــة وراء مثــل هــذا الخطــاب، ولكــن ممــا يــدعم النتــائج التــي يمكــن التحليــل وقدرتــه علــى كشــف البنيــة الفكري

سـي الوصول إليها من وراء هذا التحليـل اسـتعراض السياسـات التـي جـرى إتباعهـا خـالل مراحـل تطـور النظـام السيا

المصـــري، وعلـــى الـــرغم مـــن أن اهتمـــام هـــذه الدراســـة المختصـــرة هـــو بـــالتعرف علـــى طبيعـــة العالقـــة بـــين النظـــام

ـــو ـــت ثـــورة يولي ـــي أعقب ـــيم العـــالي خـــالل الفتـــرة الت ـــي مصـــر ومنظومـــة التعل ـــة ١٩٥٢السياســـي ف وخصوصـــا بمقارن

كي والسياسـات التـي جـرى األخـذ بهـا السياسات التي اتبعت في الستينيات أو المرحلة التي سميت بالتحول االشترا

ــد أيضــا اإلشــارة ــه مــن المفي ــاح االقتصــادي، إال أن ــى الرأســمالية تحــت مســمى االنفت ــال إل ــذ انتهــاج سياســة االنتق من

.١٩٥٢يوليو لباختصار إلى المالمح العريضة لهذه العالقة في مرحلة النظام شبه الليبرالي الذي ساد مصر قب

لم تجهل دور التعليم في إحـداث تغيـر اجتمـاعي وأن ١٩٥٢قيادات النظام الليبرالي قبل وٕاذا كان من الصحيح أن

بعض المقوالت التي طرحت خالل هذه الفترة وحتى منذ منتصـف القـرن التاسـع عشـر وبـدايات القـرن العشـرين فـي

ر التعلــيم ضــروريا كتابــات وأقــوال علــى مبــارك وقاســم أمــين، بمــا فــي ذلــك المقولــة الشــهيرة لطــه حســين عــن اعتبــا

للبشـر ضـرورة المـاء والهـواء، أكـدت علـى ضـرورة تـوفير التعلـيم لكـل المصـريين ، إال أن ذلـك ربمـا انعكـس بدرجــة

أكبــر علــى التعلــيم قبــل الجــامعي والــذي كــان متاحــا تقريبــا بالمجــان فــي المــدارس الحكوميــة، وهــو مــا أكــده دســتور

جــة كبيــرة علــى الصــفوة مــن أبنــاء الطبقتــين المتوســطة والعليــا وظــل ، أمـا التعلــيم العــالي فقــد ظــل قاصــرا بدر ١٩٢٣

وحتى عندما أتـيح لـبعض أبنـاء الفقـراء النفـاذ إلـى ) ٥٣٣-٥٣٢، ٢٠٠٦،١عماد صيام، ( بعيدا عن أحالم الفقراء،

تولـون التعليم الجامعي فإن قلة الوظائف التي كـان يولـدها النظـام االقتصـادي واألسـلوب االنتقـائي فـى اختيـار مـن ي

هذه الوظائف جعـل مـن العسـير علـى التعلـيم العـالي فـي تلـك الفتـرة أن يكـون أداة ألي تغييـر اجتمـاعي هـام، علـى

".القاهرة الجديدة" النحو الذي رسمته ببراعة رواية نجيب محفوظ الشهيرة

تـرة السـابقة علـى الثـورة، إال وٕاذا كان االهتمام بالتعليم واضحا في خطاب النخبة الليبرالية التي حكمت البالد فـي الف

أن ما ميز خطاب النخبة التي تلتها فـي حكـم مصـر، والتـي شـددت علـى ضـرورة التغييـر االجتمـاعي ،هـو طرحهـا

لقضــية مجانيــة التعلــيم علــى كافــة مســتوياته بمــا فيهــا التعلــيم الجــامعي باعتبــاره حقــا للمصــريين جميعــا، والواقــع أن

والتـــي -فــي ذلـــك الوقــت–ن يتوافــق تمامـــا مــع إيديولوجيــة هـــذه النخبــة الجديـــدة مبــدأ مجانيــة التعلـــيم الجــامعي كـــا

أصبحت توصف باالشتراكية منذ النصف الثاني من الخمسينيات، وهو يخدم أيضـا اسـتقرارها السياسـي ويسـهم فـي

second stratum-تحقيق سياساتها االقتصادية، فتأمين النظام الجديـد كـان يقتضـى االعتمـاد علـى شـريحة ثانيـة

أي شـريحة معاونـة مـن الخبـراء واإلداريـين لتنفيـذ سياسـات النخبـة الحاكمـة تـأتى –وفق تعبير ليونارد بيندر الشـهير

من أصول اجتماعية أكثر تواضعا من تلك التـي جـاءت منهـا الشـريحة المقابلـة قبـل الثـورة ، بـافتراض أن األصـول

للنظـام الجديـد، وهوالـذي أطـاح بالكتلـة الحاكمـة القديمـة التـي الطبقية ألفراد هذه الشريحة هـي التـي تضـمن والءهـم

تشكلت بدرجة أساسية من كبار المـالك الـزراعيين وأصـحاب الشـركات الكبـرى، كمـا أن سياسـات التنميـة الطموحـة

.التي اتبعها نظام يوليو كانت تولد الطلب على أعداد كبيرة من المهنيين لتنفيذها في كافة القطاعات

التوجهــات االقتصـادية واالجتماعيــة والسياســية للنظـام السياســي فـي مصــر قــد أخـذت فــي التغيـر منــذ ســنة ومـع أن

، ممــا أدى بعــد فتــرة إلــى تغيــرات جذريــة فــي تشــكيل الكتلــة الحاكمــة ذاتهــا، إال أن خطــاب النخبــة السياســي ١٩٧٤

وبة تطبيـق مثـل هـذه السياسـة، وٕالـى واصل التأكيد على مجانية التعليم، ولكن اإلشارات أخذت تتعـدد فيـه إلـى صـع

كونهـا تشــكل تحــديا هــائال للدولــة ، وٕالــى القيــود التــي ينبغــي فرضــها علــى مجانيــة التعلــيم، ثــم أصــبح هــذا الخطــاب

يلتف حولها محاوال إيجاد المبررات والحجج لإلدعاء بأن سياساته الجديـدة ال تمثـل فـي الواقـع خروجـا عـن مجانيـة

الخطاب في مراحله المختلفة يعكس السياسات المتبعة ، ويحاول أن يقدم تبريرا لها، وقد كان هذا .التعليم

والواقـــع أن درجــــة مصــــداقية كــــال مــــن هــــذه الخطابــــات تفاوتــــت، ويمكــــن القــــول أن كــــال مــــن الخطــــابين الليبرالــــي

مصـر إنتاجــه الـذي واصـلت النخبـة الحاكمـة فـي" شـبه االشــتراكي"كانـا أكثـر مصـداقية مـن الخطـاب " االشـتراكي"و

فالخطـاب الليبرالـي عكـس أهـدافا متواضـعة توافقـت مـع قـدرات الحكومـة آنـذاك فـي دولـة . منذ منتصف السـبعينيات

أراضــيها محتلــة وكتلتهــا الحاكمــة تضــم كبــار المــالك ورجــال األعمــال ، فيخشــى األولــون فــى هــذه الكتلــة أن يــؤدى

خشى اآلخرون أن يؤدى ارتفـاع مسـتويات التعلـيم إلـى المطالبـة تقدم التعليم إلى نزوح أبناء الفالحين من الريف، وي

بزيادة األجور أو أن يدفعوا هم تكاليف التوسـع فيـه، والخطـاب االشـتراكي توافـق مـع رغبـة النخبـة الحاكمـة الجديـدة

في إحداث تحـول اجتمـاعي يعـزز سـلطتها ويمكنهـا مـن تحقيـق أهـدافها التنمويـة وهـى تسـتطيع فـي األجـل القصـير

لى األقل تمويل تكاليف فتح أبوابه علـى هـذا النحـو مـع اتسـاع المـوارد التـي أصـبحت تسـيطر عليهـا بعـد تأميمهـا ع

الــذي تنتجـه نخبــة حاكمــة تســعى حثيثــا لــدفع " شــبه االشــتراكي"أمـا الخطــاب . لمعظـم القطــاع المــنظم فــي االقتصــاد

مجـديا، " المجـاني" وارد التـي تجعـل هـذا التعلـيم االقتصاد على طريق الرأسمالية فإنـه يتنـاقض مـع عـدم توفيرهـا للمـ

ومع التفافها حول مجانيـة التعلـيم علـى أرض الواقـع بسياسـات وٕاجـراءات حولـت مجانيـة التعلـيم إلـى عقـاب لمـن ال

تفسـيره فـي أمـرين أولهمـا فقـر الشـرعية لـدى هـذه النخبـة " المـراوغ" و يجـد هـذا الخطـاب . يقدرون على الفكاك منها

لجديــدة، وثانيهمــا عجزهــا بالتــالي عــن مواجهــة ضــغوط الــرأي العــام المطالــب بالتوســع فــي فــرص التعلــيم الحاكمــة ا

وقد اتبعت فـي مواجهـة هـذه الضـغوط الطريـق الـذي بـدا أسـهل ولكـن . عموما والتعليم العالي على وجه الخصوص

سياسـي فـي مصـر، فقـد سـمحت كانـت عواقبـه أخطـر علـى مسـتقبل األجيـال الشـابة وربمـا االسـتقرار االجتمـاعي وال

بتوسع هائل في المـدارس الثانويـة عمومـا وفـى القسـم األدبـي فـي المـدارس الثانويـة العامـة، وفيمـا يسـمى بالكليـات

النظريــة علــى مســتوى الجامعــات، واتبعــت نمطــا فــي النمــو ال يولــد فــرص عمالــة كافيــة، وكانــت النتيجــة هــي نمــو

وســوف يفصــل القســمان التاليــان النتــائج المترتبــة علــى هــذين . والجامعــاتالبطالــة بــين خريجــي المــدارس الثانويــة

.التوجهين على أرض الواقع

المنظومة التعليمية كأداة للتغيير االجتماعي: التوجه األول

حــدود نظــرة كــل منهمــا يوليــو يكشــف عــن ٣٢إن قــراءة النصــوص الدســتورية لكــل مــن النظــام الملكــي ونظــام ثــورة

التعلـيم فـي ثـالث مـواد فـي إطـار الحـديث عـن حقـوق المصـريين ١٩٢٣لقـد ذكـر دسـتور ‘ للتعليم، وللتعلـيم العـالي

( وواجبـاتهم وذلــك فــي بابــه الثــاني، وقضــت هــذه المــواد بـأن التعلــيم حــر مــا لــم يخــل بالنظــام العــام أو ينــاف اآلداب

مـة للوظيفـة التعليميـة ، ويفـتح البـاب أمـام المؤسسـات الخاصـة، ولكـن ، وهـو مـا يعنـى عـدم احتكـار الحكو )١٧مادة

ــك أن ــانون"فــي إطــار قواعــد عامــة تضــعها الحكومــة، ذل ــيم العــام يكــون بالق ، ولكــن )١٨مــادة" ( تنظــيم أمــور التعل

المكاتـب التعليم األولى إلزامي للمصريين من بنين وبنـات، وهـو مجـاني فـي"الدولة ملزمة بتوفير التعليم األولى، ف

"العامة

ويتضح االهتمـام األكبـر لنظـام يوليـو بـالتعليم أوال فـي التفصـيل األكبـر اللتـزام الدولـة فـي هـذا المجـال و بالصـياغة

ــه فــي دســتور جمهوريــة مصــر الصــادر فــي ــق ب ــاير ســنة ١٦األكثــر تفصــيال لمــا يتعل ــه هــذا ١٩٥٦ين ــد تناول ، فق

اإلشـارة إلـى حريـة التعلـيم فـي حـدود القـانون والنظـام العـام ٨٤دة ، فكـرر فـي المـا)٥١-٤٨(الدستور في أربع مـواد

واآلداب، ومن ثم أوضـحت المـادة أن مـا تضـعه الحكومـة مـن قـوانين يرسـم الحـدود للتعلـيم الحـر، ثـم أضـاف هـذا

" الدستور مادة تشـدد علـى أن التعلـيم حـق للمصـريين جميعـا ، وألقـى علـى الدولـة مسـئولية تـوفيره بـالنص علـى أن

كمــا توســع فــي " تكفلـه الدولــة بإنشــاء مختلــف أنــواع المــدارس والمؤسســات الثقافيــة والتربويــة والتوســع فيهــا تــدريجيا،

بيان مجاالت مسئولية الدولة خصوصا بالنسبة للشباب، فقـد دعـا الدولـة إلـى أن تهـتم خاصـة بنمـو الشـباب البـدني

إلـى ٥٠د ظهـرت بـوادر الفلسـفة الجديـدة فـي اإلشـارة فـي المـادة والعقلي والخلقي، أما فيما يتعلق بمجانية التعليم فقـ

أن التعليم في مراحله المختلفة بالمجان في مدارس الدولة في الحدود التـي ينظمهـا القـانون، ولكـن فـي حالـة التعلـيم

لـى وبالمجـان االبتدائي ، فهو إجباري وبالمجان في مدارس الدولة، فمع التشديد علـى اإلجبـار فـي تلقـى التعلـيم األو

ــيم ــدأ المجانيــة فــي كافــة مــدارس الدولــة ، أي فــي مراحــل التعل ــة فــي التوســع فــي مب ــة ، هنــاك نقل فــي مــدارس الدول

.األخرى ولكن في الحدود التي ينظمها القانون

ســـنة ويأخــذ هــذا التوجــه منعطفــا أكثــر راديكاليــة فــي الوثـــائق الدســتورية التاليــة، وخصوصــا الدســتور المؤقــت فــي

ومن المعروف أن هذا الدستور قد صدر بعد أن قطعت الدولـة شـوطا طـويال علـى طريـق مـا سـمى وقتهـا . ١٩٦٤

بالتحول االشـتراكي، والـذي اكتسـب مالمـح أكثـر تحديـدا بتـأميم معظـم الشـركات الخاصـة الكبـرى ومتوسـطة الحجـم

حـد األقصــى لملكيـة األراضـي الزراعيــة فـى كافـة قطاعــات االقتصـاد تأميمـا كــامال فـى معظـم الحــاالت، وبخفـض ال

، والجــدير بالـــذكر أن ١٩٦٢إلــى مائــة فــدان لألســـرة، وقــد ســبق هــذا الدســـتور المؤقــت إعــالن دســتوري فـــي ســنة

فيمـا يتعلـق ١٩٥٦قد اكتفى باالقتباس من مواد دستور جمهورية مصر في سـنة ١٩٦٤الدستور المؤقت في سنة

لـى درجـة عاليـة مـن األهميـة، وهـو إضـافة الجامعـات إلـى مراحـل التعلـيم فـي بالتعليم ، ولكـن مـع اسـتثناء واحـد وع

ــــــيم بالمجــــــان ــــــاح فيهــــــا التعل ــــــة التــــــي يت ــــــدارس الدول ــــــادة . م ــــــذا جــــــاء نــــــص الم :علــــــى النحــــــو التــــــالي ٩٣وهك

"تشرف الدولة على التعليم، وينظم القانون شئونه، وهو في مراحله المختلفة في مدارس الدولـة وجامعاتهـا بالمجـان"

إلى كون التعلـيم حـرا فـي حـدود القـانون ١٩٥٦كما أن هذا الدستور أسقط اإلشارة التي كانت قد وردت في دستور

والنظــام العــام واآلداب، وتفســير ذلــك هــو انتصــار الفلســفة التــي تــرى فــي التعلــيم أداة لتــدعيم الوحــدة الوطنيــة وذلــك

انحســر التعلــيم األجنبــي والخــاص، واهتمــت الحكومــة بتنشــئة الــنشء جميعــا علــى ثقافــة واحــدة، وانســجاما مــع ذلــك

بإدخــال مقــررات التربيــة الوطنيــة فــي مراحــل التعلــيم قبــل الجــامعي وٕادخــال مــا ســمى بــالمقررات القوميــة حــول ثــورة

.يوليو والتحول االشتراكي والمجتمع العرى في كافة كليات الجامعات المصرية

لدســتور المؤقـت بمــواد عديـدة توضــح أبعـاد التحــول االشـتراكي فاألســاس وقـد حفــل البابـان الثــاني والثالـث مــن هـذا ا

ـــه وفقـــا لخطـــة ) ٩المـــادة(االقتصـــادي للدولـــة هـــو االقتصـــاد االشـــتراكي، ، ويكـــون توجيـــه االقتصـــاد القـــومي بأكمل

لرئيسـية فـي والقطاع العام القوى والقادر يقود التقدم في جميع المجـاالت، ويتحمـل المسـئولية ا) ١٠المادة ( التنمية،

وتكفــل الدولــة خـــدمات ) ٨مــادة ( ، والدولــة تكفــل تكــافؤ الفــرص لجميــع المــواطنين)-أ-٣١المــادة ( خطــة التنميــة

( والعمــل فــي الجمهوريــة العربيــة المتحــدة حــق وواجــب وشــرف لكــل مــواطن قــادر) ٢٠المــادة ( التــأمين االجتمــاعي

يتعلــق بــين أمــور أخــرى بالتــأمين االجتمــاعي، والتــأمين والدولــة تكفــل للمــواطنين معاملــة عادلــة فيمــا ) ٢١المــادة

ولـذلك ) . ٤٢المـادة ( ، والرعاية الصحية حـق مكفـول للمصـريين جميعـا)٤٠المادة ( الصحي والتأمين ضد البطالة

" تـذويب الفـوارق بـين الطبقـات" فإن تقرير مجانية التعليم كان منسجما مع هذا التوجه العام نحو مجتمع يشدد علـى

ـــع وعلـــى ـــة بتحقيـــق تكـــافؤ الفـــرص أمـــام جمي ـــزام الدول كـــون التضـــامن االجتمـــاعي هـــو أســـاس المجتمـــع وعلـــى الت

المواطنين،

حمل الكثير من مالمح الدسـتور المؤقـت الصـادر ١٩٧١ومع أن الدستور الدائم لجمهورية مصر العربية في سنة

ببدايــة التحــول عــن الفلســفة االشــتراكية لحظــة تصــاعد مــا ســمى بالمــد االشــتراكي، إال أنــه حمــل أيضــا بــذورا تــوحي

التي سادت طوال الستينيات، فقـد تكـررت اإلشـارة إلـى أن التعلـيم إلزامـي فـي المرحلـة االبتدائيـة ، وأن الدولـة تعمـل

، وهــو مــا يــوحى باالكتفــاء مؤقتــا بــااللتزام فــي المرحلــة االبتدائيــة، )١٨المــادة ( علــى مــد اإللــزام إلــى مراحــل أخــرى

ـــة دون ذكـــر ٢٠لمـــادة وأشـــارت ا ـــه المختلف ـــة فـــي مراحل ـــة التعليمي ـــي مؤسســـات الدول ـــيم بالمجـــان ف ـــى كـــون التعل إل

وربمـا عكـس . الجامعات تحديدا، وربما يوحى ذلك بضيق واضعي الدستور بمجانية التعليم على المستوى الجامعي

ــك إدراك واضــعي الدســتور بصــعوبة تحقيــق األهــداف الطموحــة لدســتور ــد تــ١٩٦٤ذل ــة ، ، فق ذكروا اســتمرار األمي

على أن محو األمية واجب وطني تجند كل طاقـات الشـعب مـن أجـل تحقيقـه، كمـا كانـت ٢١ولذلك شددت المادة

علـى أن التربيـة الدينيـة مـادة أساسـية ١٩فقـد أكـدت المـادة ‘ هناك إضـافة مهمـة تشـي برؤيـة جديـدة لفلسـفة التعلـيم

علــى أى تغييـــر فـــى المـــواد ٢٠٠٧يالت الدســتورية المدخلـــة فـــى ســـنة ولـــم تنطـــو التعـــد. فــي منـــاهج التعلـــيم العــام

.الخاصة بالتعليم

ــاق عليــه علــى كــل المســتويات، ممــا انعكــس فــي زيــادة عــدد وقــد واكــب هــذا االلتــزام بتــوفير التعلــيم زيــادة فــي اإلنف

معـات الـثالث القديمـة ، المدارس والمدرسين والطالب، وفيما يتعلق بالتعليم الجامعي زادت أعـداد الطـالب فـي الجا

هــي جامعــة أســـيوط،كما شــهدت الفتــرة الســـابقة علــى تبنــى سياســـة ١٩٥٧وأضــيفت لهــا جامعـــة جديــدة فــي ســـنة

، وذلك باإلضـافة إلـى ١٩٧٢االنفتاح االقتصادي افتتاح جامعتين جديدتين، هما جامعتا طنطا والمنصورة في سنة

ر الــذي شــهدته بإدخــال كليــات الدراســات النظريــة والتطبيقيــة التوســع فــي قبــول الطــالب بجامعــة األزهــر مــع التطــوي

، ويعنى ذلك تضاعف عدد الجامعات مـن ثـالث ١٩٦١على النحو المعهود في الجامعات األخرى وذلك منذ سنة

قبل الثورة إلى ست قبيل البدء بتطبيق سياسات االنفتـاح االقتصـادي هـذا باإلضـافة إلـى إنشـاء العديـد مـن المعاهـد

، وهكـذا .من خريجي المـدارس الثانويـة الـذين لـم يجـدوا مكانـا لهـم فـي الجامعـات اة التي استوعبت عددا كبير العالي

، )١٩٠٩فـي سـنة ٤١٥( ١٩٠٨قفز عدد الطالب الجامعيين من عدة مئات عند افتتاح الجامعـة األهليـة فـي سـنة

إلـى عشـرات اآلالف قـرب ) ١٩٤٥سـنة فـي ١٣٩٢٧( وما يتجاوز عشرة آالف عند نهاية الحرب العالميـة الثانيـة

والشـك أن هـذه الزيـادة . ثـم مئـات اآلالف فـي منتصـف السـبعينيات) ١٩٥٨فـي سـنة ٦٢٩٩٧( نهاية الخمسينيات

الكبيـرة فـي أعـداد طـالب الجامعـات كانـت ترجـع إلــى مجانيـة التعلـيم التـي سـمحت ألبنـاء قطاعـات محـدودة الــدخل

لجامعة، إمـا أنهـا كانـت ال تقـدر علـى دفـع مصـروفاتها التـي كانـت تتـراوح بـين من الطبقة المتوسطة الدنيا بدخول ا

، وهــو مبلــغ لــم ١٩٥٢فــي ســنة -الطــب مــثال–فــي الكليــات التطبيقيــة ١٨٤جنيهــا فــي الكليــات النظريــة و٥٢-٣٥

ــى حــد تصــور أن يتلقــى ــم يكــن يصــل إل يكــن يقــدر عليــه معظــم المصــريين، أو أن مســتوى تطلعــات هــذه األســر ل

ؤهــا تعليمــا جامعيــا، أي أن العقبــة بالنســبة لبعضــهم لــم تكــن ماليــة فقــط ، ولكنهــا كانــت نفســية اجتماعيــة تتعلــق أبنا

ــين الطبقــات فــي ــذويب الفــوارق ب ــا علــى الســلم الطبقــي، وقــد أســهم الخطــاب الناصــري عــن ت بقبــولهم موضــعا معين

).٥٣٧-٥٣٣ ،٢٠٠٦عماد صيام .( تشجيع هذه األسر على إرسال أبنائها إلى الجامعة

كما واكـب إقـرار مجانيـة التعلـيم أمـران علـى درجـة عاليـة مـن األهميـة ، أولهمـا افتتـاح مكتـب التنسـيق والـذي جعـل

القبول في أي كلية رهنا بالعدد الذي تستعد الستقباله، وكذلك وهذا هو األهم في هذا السـياق رهنـا أيضـا بالـدرجات

وهكــذا لــم تعـد المقــدرة الماديـة لألســرة هــي . ن نهايـة الدراســة الثانويـةالتـي حصــل عليهـا الطالــب عنـد اجتيــازه امتحــا

واألمـر الثـاني هـو التـزام الدولـة بتعيـين خريجـي الجامعـات . المحدد الرئيسي لفرص التحاق أبنائها بالتعليم الجـامعي

ــدة التــي أتاحهــا التوســع االقتصــادي ا ــه مــن خــالل الوظــائف الجدي ــزام كانــت الحكومــة تفــي ب ــذ وهــو الت لمــرتبط بتنفي

خطط التنميـة، وامـتالك الدولـة لمعظـم القطـاع المـنظم مـن االقتصـاد مـع قـوانين التمصـير والتـأميم التـي توالـت منـذ

، وعنـدما قصـرت مثــل هـذه الوظـائف عــن اسـتيعاب الخـريجين ، لجـأت الحكومــة ببسـاطة إلـى تعييــنهم ١٩٥٦سـنة

وهـو مـا أسـهم فـي تضـخم حكـم هـذا الجهـاز، وٕان كانـت في جهازها اإلداري دون أن تكون هنـاك حاجـة ماسـة لهـم

مشكلة تعيين الخريجين في ذلك الوقت أقل حدة بكثير مما أصبح عليـه الحـال بعـد منتصـف السـبعينيات، فلـم يكـن

تعيــين الخــريجين ينتظــر شــهورا طويلــة بعــد التخــرج، ولــم تكــن الفجــوة بــين المرتــب الحكــومي ونفقــة المعيشــة الالئقــة

قطـاع واسـع مـن مـوظفي الحكومـة منـذ منتصـف السـبعينيات، ممـا ةع الـذي أصـبح سـمة صـارخة ألزمـبهذا االتسـا

.جعل البعض يشير إليهم باعتبارهم الفقراء الجدد

وقد انتقد البعض هذه السياسـات باعتبـار أنهـا أدت فيمـا بعـد إلـى توسـع هائـل فـي التعلـيم الجـامعي والعـالي عمومـا

امعات ، مما أدى إلـى تـدهور مسـتوى خريجـي هـذا التعلـيم، ومـن ناحيـة أخـرى فـإن على نحو يتجاوز إمكانيات الج

االلتزام بتعيين الخريجين على الرغم من عدم وجـود فـرص عمـل منتجـة أدى إلـى تضـخم الجهـاز الحكـومي ، الـذي

وقـف هـذه كان يعـانى أصـال مـن البطالـة المقنعـة، ممـا سـبب مشـكلة للحكومـات التاليـة التـي انتهـى األمـر بهـا إلـى

بعد أن طالت قبل ذلك فترات انتظار الخريجين لسنوات قبـل أن يصـلهم خطـاب التعيـين، ١٩٨٦السياسة منذ سنة

ــاب أمــام الصــعود االجتمــاعي ألبنــاء ــتح الب ــد أثمــرت ف ــإن هــذه السياســة بشــقيها التعليمــي والتــوظيفى ق ــك ف ومــع ذل

بـين الطبقـات، وذلـك بـاالقتران مـع السياسـات األخـرى الطبقات محدودة الدخل ممـا أسـهم نسـبيا فـي تقريـب الفـوارق

التي حدت من الملكيـات الكبيـرة فـي الزراعـة ونقلـت الشـركات الكبيـرة والمتوسـطة إلـى ملكيـة الدولـة، وقـد كـان ذلـك

أيضــا واحــدا مــن أســباب االســتقرار السياســي واالجتمــاعي للنظــام الناصــري الــذي نجــح علــى هــذا النحــو فــي كســب

سطة إلى جانبه، وٕان كان البد أيضا من إدراك أن هذه السياسات لم تصل إلـى الطبقـات الفقيـرة حقـا ، الطبقة المتو

.اإلعدادية على أفضل تقدير ووالتي ربما اقتصر مستوى تعليم أبنائها على المدرسة االبتدائية أ

المنظومة التعليمية تعكس البنية الطبقية: التوجه الثاني

تمر المنظومة التعليمية عموما ، بما في ذلك منظومـة التعلـيم الجـامعي، فـي أن تكـون وقد كان من الصعب أن تس

أداة لتغيير اجتماعي يستهدف تقريب الفوارق بين الطبقات في الوقت الذي عدلت فيه قيادة الدولة عـن هـذا الهـدف

ر السـادات بأنـه لـو كـان باعتباره عالمة على تـأثر جمـال عبـد الناصـر بالماركسـية، وقـد صـرح الـرئيس الراحـل أنـو

ــر نــزع الملكيــة، ولــم تكــن ــد حــاول أن يحقــق أهدافــه بغي ــانون اإلصــالح الزراعــي لكــان ق تــرك لــه األمــر بالنســبة لق

سياســة االنفتــاح ١٩٧٤المســألة مجــرد تصــريحات تلقــى أمــام وســائل اإلعــالم ، ولكــن انتهجــت الحكومــة منــذ ســنة

العربــي واألجنبــي وتوســعت بعـــد ذلــك لتشــمل تشــجيع رأس المـــال االقتصــادي التــي تقــوم علــى تشـــجيع االســتثمار

الخاص، وذلك قبل أن تنتقل منذ أوائل التسعينيات لتتبنى سياسة التخلص من القطاع العام ذاته، وٕاذا كانـت هجـرة

المصــريين إلــى الخــارج وخصوصــا إلــى دول الخلــيج والــدول العربيــة األخــرى المصــدرة للــنفط قــد ســاهمت مؤقتــا فــي

مستوى معيشة الطبقات الفقيرة، إال أن تباطؤ حركة الهجرة إلى هذه البلدان بل وعودة من هاجروا إلى بعضـها رفع

قد أفسـحت المجـال لهـذه التحـوالت االقتصـادية المرتبطـة بسياسـة االنفتـاح االقتصـادي لتعميـق االنقسـامات الطبقيـة

.في المجتمع المصري

وح في استخدام التعليم أداة للحـراك االجتمـاعي بإتاحتـه مجانـا لكـل الـنشء، والواقع أن التخلي عن هذا الهدف الطم

ــة يصــعب ــة اجتماعي ــى مكان ــيم الجــامعي خصوصــا عالمــة عل لــم يكــن ســهال فــي مواجهــة رأى عــام يــرى فــي التعل

ياسـية النزول عنها لدى البعض، ويتطلع آخرون إلى بلوغها، كما أن مبدأ مجانية التعليم قد اكتسـب فـي الثقافـة الس

المصرية قبوال عاما بل وتقديسا جعل من الصعب تحديه على مسـتوى الخطاب،ولـذلك ظـل الخطـاب السياسـي فـي

فتــرة الســبعينيات يــدافع عــن مبــدأ مجانيــة التعلــيم، بــل إن الــرئيس أنــور الســادات تبــاهى فــي خطــاب ألقــاه فــي يوليــو

ه بمعـدل االسـتيعاب فـي التعلـيم االبتـدائي إلـى نسـبة إذ ارتفعـت وفقـا لـ‘ بما أنجزتـه الثـورة فـي مجـال التعلـيم ١٩٧٢

أى % ٧,١مليـون بنسـبة زيـادة سـنوية ٣,٨مليـون إلـى ١,٦، وزاد عدد التالميذ فـي المرحلـة االبتدائيـة مـن % ٧٥

ألـف إلـى مليـون ٢٥٠ضعف معدل زيادة السكان، وزاد عدد تالميذ المرحلتين اإلعدادية والثانوية بسـت أمثـال مـن

ألـف عنـد قيـام ٤٠سـنويا فـارتفع مـن % ٢٠ن معـدل الزيـادة فـي طلبـة الجامعـات والمعاهـد العليـا هـو وتصف، وكا

.، أي تزايد بأكثر قليال من خمس مرات١٩٧١—٧٠ألف في سنة ٢١٣الثورة إلى

ولكـن التـردد فـي االســتمرار فـي مواجهـة تحــدى األعـداد الكبيـرة المتطلعــة إلـى الحصـول علــى التعلـيم الجـامعي أخــذ

ظهر أوال في طرح قضية الكم والكيف في التعليم الجامعي ، وصعوبة التوفيق بين اسـتيعاب أعـداد كبيـرة فـي هـذا ي

النمط من التعليم وتوفيره لهم بدرجة عالية من الجودة، ثم بدأ الحديث عن ضرورة قصـر مجانيـة التعلـيم علـى غيـر

ــة المجــدين، بمعنــى أ ــى مــن يســتحقونه مــن الطلب ــادرين أو عل ــذين يتكــرر الق ــة ال ال يســتفيد مــن هــذه المجانيــة الطلب

ثــم ظهــرت حجــة جديــدة وهــى صــعوبة تــوفير تعلــيم متميــز لكــل الطــالب، وبــدأ البحــث عــن كيفيــة تــوفير . رســوبهم

المـوارد لهــذا التعلـيم المتميــز، وتعـددت االجتهــادات فـي هــذا السـبيل، وربمــا كـان أولــى االتجاهـات هــو إيجـاد أقســام

عامــة يــتم فيهــا التــدريس بلغــات أجنبيــة ويقبــل الطــالب فيهــا بنــاء علــى معــرفتهم باللغــة األجنبيــة داخــل الجامعــات ال

ــة غيــر ــا، أو مــن الطلب ــى مــن طلبــة الدراســات العلي ــك اقتضــاء رســوم دراســية أعل ــي ذل ــى، وتل وتحملهــم رســوما أعل

نهـا الطلبـة المصـريون وحـدهم، المصريين، ومنهم الطلبة الفلسطينيين ،بدعوى أن مجانية التعليم يجب أن يسـتفيد م

ثم سمحت الحكومة بإنشاء جامعات ومعاهد خاصة، وكانت البداية بأربع جامعات، فضال عن الجامعة المصـرية

في القاهرة، ثم تزايد عدد هذه الجامعات في السنة األخيرة، وتردد على لسـان قيـادات جامعـة القـاهرة رغبـة الجامعـة

ب جامعة القاهرة، وكان هذا الحديث يتردد كثيرا قرب تقاعـد رئـيس الجامعـة لبلوغـه في إنشاء جامعة أهلية إلى جان

ســن المعــاش، أو النتهــاء فتــرة التمديــد لــه، ثــم أعلــن كــل مــن وزيــر التعلــيم العــالي ورئــيس جامعــة القــاهرة عــن بــدء

قبـل أعـدادا محـدودة برامج جديدة في عدد من كليات الجامعة وخصوصا الهندسة والتجارة في فـروع علميـة جديـدة ت

مـن الطـالب يـدفعون رسـوما تصـل إلـى عـدة آالف مــن الجنيهـات، وتكـون لهـم معـاملهم وقاعـات دراسـتهم الخاصــة

والالفت للنظر أن كل هذا الحديث جرى وترافق مع اإلصـرار علـى أنـه ال عـودة عـن مجانيـة . وأساتذتهم المستقلين

وقيـل أيضـا أن المــوارد اإلضـافية التــي سـتتوافر للجامعــات . حتــرامالتعلـيم الجـامعي باعتبــاره مبـدأ دســتوريا واجـب اال

.مع هذه البرامج الجديدة سوف تستخدم في رفع مستوى البرامج األخرى العامة التي يحتشد فيها معظم الطالب

والشك أن مواجهة الطلب على التعليم العالي لم تكن أمرا سهال على أي مـن الحكومـات التـي تعاقبـت علـى مصـر

نذ منتصف السبعينيات، فقد زادت أعداد الجامعات الحكومية، وافتتحت معاهد عالية جديدة، وتوسعت الجامعـات م

ـــة ـــي بداي ـــة مـــن ســـت ف ـــيم العـــالي عمومـــا، فقـــد زادت الجامعـــات الحكومي ـــول الطـــالب، وزادت ميزانيـــة التعل فـــي قب

ــى ثــالث عشــر فــئ ســنة تفــع عــدد الطــالب إلــى أكثــر مــن ، وار ٢٠٠٥الســبعينيات بمــا فــي ذلــك جامعــة األزهــر إل

إلـى -٧١٢٥٢٧ -الضعف في السنوات العشـر األخيـرة منـذ منتصـف التسـعينيات مـن سـبعمائة ألـف طالـب إلـى

ـــيم الجـــامعي )-٢٠٠٦فـــى ســـنة ٢٣٩٣٠٠٠( أكثـــر مـــن مليـــونى طالـــب وطالبـــة ، وتضـــاعف اإلنفـــاق علـــى التعل

ــة مليــارات جنيــه ــى أكثــر مــن ســتة بمعــدالت ســريعة ، فــزاد مــن أكثــر مــن ثالث وثالثمائــة وســت وثالثــين مليــون إل

، ثـم انخفـض هـذا اإلنفـاق إلـى اقـل قلـيال مـن خمسـة باليـين ٢٠٠٤-٢٠٠٣سـنة -مليـون ٦١٤٦ -مليارات جنيـه

ــاق علــى التعلــيم مــن )مليــون جنيــه ٥٤٩٥,٣( ونصــف بليــون جنيــه فــى العــام المــالى التــالى ، كمــا أن حصــة اإلنف

، علمـــا بـــأن ٢٠٠٦فـــى ســـنة % ٤,١إلـــى ١٩٨٠فـــى ســـنة % ٥,٧هدت هبوطـــا مـــن النـــاتج المحلـــى اإلجمـــالى شـــ

المصادر الدولية التورد هذه النسب على اإلطالق، واستوعب التعليم الجـامعى نسـبة عاليـة مـن اإلنفـاق العـام علـى

كلـه من إجمالي اإلنفاق على التعليم، ولكن لـم يكـف ذلـك% ٢٩-٢٧التعليم عموما تراوحت في هذه السنوات بين

وذلـك مــع االرتفـاع الضــئيل فـى نصــيب الطالـب مــن . لحسـم مــا قيـل أنــه مشـكلة الكــم والكيـف فــي التعلـيم الجــامعي

ــذى زاد مــن ممــا اليتجــاوز ٢٠٠٦، أى -٢٠٠٥فــى ســنة ٣١١٩إلــى ٩٨-٩٧جنيــه فــى ســنة ٢٧٩٠اإلنفــاق ال

ألبنـاء الفقـراء فـي الكليـات النظريـة دوالر سنويا وأصبح التعليم منخفض الكفاءة والجدوى معا هـو الـذي يتـاح ٦٠٠

عموما وبعض الكليات العملية التي يعانى خريجوها من تضخم أعدادهم وقلة فـرص العمـل أمـامهم ، مثـل كليـات

الزراعة

ولــذلك دار الــزمن دورتــه، وبــدال مــن أن يســتخدم النظــام السياســي النظــام التعليمــي كــأداة إلحــداث تغييــر اجتمــاعي

اك االجتمــاعي أمــام أبنــاء الطبقــات محــدودة الــدخل، ويســهم فــي تحقيــق قــدر مــن الوحــدة الوطنيــة يفــتح أبــواب الحــر

عندما يلتقي شباب وشابات في سن التعليم الجامعي و من طبقات مختلفة في رحاب الجامعات يتزاملـون فـي نفـس

س المعـايير ممـا يقـرب بكـل قاعات الدراسة والمعامل ويتلقون نفس المقررات وعلى يد نفس األساتذة ويخضعون لنف

تأكيد إلى حد ما ويسهم في خلق روابط المودة والمحبة فيما بينهم، تخلى النظام السياسـي تـدريجيا عـن هـذه الرؤيـة

النبيلة ، وترك المؤسسة الجامعية لكي تعكس االنقسام الطبقي في المجتمع بكـل قسـوته وبـدون مواربـة، بـل األكثـر

أصـــبحت أداة لتعميــق هـــذا االنقســام الطبقـــي وتكريســـه، فأبنــاء وبنـــات الطبقـــات مــن ذلـــك أن المؤسســة الجامعيـــة

محدودة الدخل يتوجهون في العادة إلى التعليم الجامعي العام ، وخصوصا الكليـات النظريـة التـي ال تكلـف الدراسـة

فـإنهم يتوجهـون إلـى البـرامج فيها الكثير، وتنتهي الدراسة فيها بعد أربع سنوات، أما أبنـاء وبنـات الطبقـات الميسـورة

الخاصة في الجامعات العامة سواء كانت خاصـة بحكـم لغـة التـدريس الغالبـة االنجليزيـة أو الفرنسـية أو ألنهـا تتـيح

نظاما خاصا للدراسة لعدد محدود من الطالب ولكن النفاذ إليها رهن بدفع مصـروفات أعلـى تصـل إلـى عـدة آالف

ــى ال ــات التطبيقيــمــن الجنيهــات، أو يتوجهــون إل التــي تطــول ســنوات الدراســة فيهــا والتــي يقتضــى النجــاح فيهــا ةكلي

تكاليف عالية لتوفير متطلبـات الدراسـة كمـا فـي كليـات الهندسـة والطـب أو لـدفع نفقـات الـدروس الخصوصـية التـي

مريكيـة شاعت في العديد من هذه الكليات، أو هـم يتوجهـون إلـى الجامعـات األجنبيـة التـي تنوعـت فـى مصـر مـن أ

وقـد يـدافع . وفرنسية وبريطانية وألمانية وكندية وقريبا روسـية وربمـا رومانيـة أيضـا أو الجامعـات المصـرية الخاصـة

ــار، ولكــن الواقــع أن فرصــة ــه تيــار عــالمي يتــيح للطــالب نطاقــا أوســع مــن االختي الــبعض عــن هــذا التنــوع علــى أن

اتســاع نطــاق االختيــار مشــروط بتــوافر القــدرة الماديــة االختيــار هــذه قاصــرة علــى أعــداد محــدودة مــن الطــالب ألن

التــي ال يملكهــا معظــم المصــريين،بل إن الوصــول إلــى التعلــيم الجـــامعي فــي حــد ذاتــه لــيس أمــرا ميســورا بالنســـبة

لشـــرائح واســـعة مـــن المـــواطنين، ولألســـف ال يعنـــى ذلـــك أن عـــائالت طلبـــة الجامعـــات فـــي مصـــر هـــي بالضـــرورة

ير منها يضحى حتى يوفر ألبنائه وبناته فرصة هذا التعلـيم أمـال فـي الخـروج مـن الطبقـة عائالت ميسورة، فقسم كب

محدودة الدخل التـي ولـدوا فيهـا، ، ومازالـت آفـاق التعلـيم فـي مصـر بالنسـبة لقطـاع واسـع مـن المـواطنين تقـف عنـد

ثـم تـأتى أوضـاع ســوق . اعيـةحـدود المدرسـة اإلعداديـة أو المدرسـة الثانويـة الفنيـة صــناعية كانـت أو تجاريـة أو زر

العمــل لكــي تغلــق أمــام أبنــاء هــذه الطبقــات فرصــة هــذا الصــعود، ففــرص العمــل محــدودة، ومــا يتــوافر منهــا داخــل

مصر ال يتيح في معظمه دخال يسمح بالفرار مـن قبضـة الفقـر، ولـذلك يشـهد المجتمـع المصـري منـذ سـنوات لـيس

مـن تلقـوا تعليمـا يفتـرض أن يـؤهلهم للـدخول فـي الطبقـة الوسـطى فقط بطالة المتعلمين، ولكنه يعرف أيضـا انحـدار

ــة والحــرفيين بقبــول خريجــي الجامعــات العمــل فــي وظــائف ال تحتــاج مهــارات خريجــي إلــى صــفوف الطبقــة العامل

فـي مقهـى أو " جرسـونا" التعليم العالي ، ولكنها تتيح لهم دخال هو أفضل مـن انعـدام الـدخل والعمـل، كالعمـل نـادال

كا أو حارســـا ليليـــا أو ســـائق تاكســـي، ولكـــن الجانـــب اآلخـــر لهـــذا المصـــير هـــو اســـتمرار الشـــعور باإلحبـــاط ســـبا

واالغتراب ، والحسرة على السقوط أو التخلي عن الطموح بالصعود علـى السـلم الطبقـي وافتقـاد المكانـة، وذلـك إذا

.لم ينحرف خريج الجامعة العاطل ويدخل عالم الجريمة

نخبة الحاكمة قـد استسـلمت بـل وربمـا قبلـت ورحبـت بـأن يكـون التعلـيم الجـامعي مـرآة لالنقسـام الطبقـي والواقع أن ال

في المجتمـع، فبينمـا تخـرج أبنـاء الطبقـة الحاكمـة فـي مصـر حتـى عهـد الـرئيس أنـور السـادات مـن جامعـات الدولـة

قـد درسـت بالجامعـة األمريكيـة بالقـاهرة وحتى من التعليم العام ، إال في أحوال استثنائية، فمنى جمال عبـد الناصـر

ألن مجموعهـا عنـد تخرجهـا مـن المدرسـة الثانويــة لـم يؤهلهـا لـدخول الكليـة التــي كانـت ترجوهـا فـي جامعـة القــاهرة،

كمــا تخــرج أبنــاء الــرئيس الســادات مــن جامعــة القــاهرة، أمــا أبنــاء وبنــات وزوجــات النخبــة التــي حكمــت مصــر بعــد

ولهـذا داللتـه فـي تبيـان نظـرة . هم في معظمهم مـن خريجـي الجامعـة األمريكيـة فـي مصـراغتيال الرئيس السادات ف

.النخبة الحاكمة في مصر في عهد الرئيس حسنى مبارك للتعليم العام

هــذا الوضـــع للتعلـــيم الجـــامعي لـــه خطورتـــه، أوال لتـــأثيره الضــار علـــى الوحـــدة الوطنيـــة واالســـتقرار االجتمـــاعي فـــى

ر االجتماعي متقنعا برداء الدين في أوائل الثمانينـات وفـى النصـف األول مـن التسـعينيات ، لقد انفجر التوت. مصر

وكــان معظــم مــن انخرطــوا فــي أعمــال االحتجــاج الجمــاعي والعنــف السياســي المقــاوم هــم مــن المحبطــين مــن نظــام

متنوعـة بـين مـن تلقـوا التعليم، ويمكن لهذه األوضاع أن تولد توترا جديـدا يـؤدى إلـى صـراع اجتمـاعي يأخـذ أشـكاال

التعليم الجامعي العام وتخرجوا لالنضمام لصـفوف العـاطلين ومـن تلقـوا التعلـيم الجـامعي الخـاص بصـوره المتعـددة،

. وسهل لهم ذلك مع مكانة أسرهم االجتماعية أن يجدوا الوظائف المرموقة والدخل الالئق

تقديرا متفاوتا بحسب اإلطار القيمى لكـل إنسـان، فممـا ولكن حتى بصرف النظر عن هذه االعتبارات التي قد تلقى

الشــك فيــه أن النجــاح فــي مواجهــة تحــديات التنميــة المرغوبــة فــي عصــر المعرفــة يقتضــى رفــع المســتوى التعليمــي

فـإن مقارنـة ‘ وٕاذا كان وزير سابق للتعلـيم قـد وصـف قضـية التعلـيم فـي مصـر بأنهـا قضـية أمـن قـومي ‘ للمواطنين

لــيم بــين مصــر وٕاســرائيل لخيــر دليــل علــى ذلــك، فنســبة المــواطنين الــذين حصــلوا علــى تعلــيم يتجــاوز مســتويات التع

فـــي إســـرائيل، كمـــا تتـــراوح نســـبة الملتحقـــين بـــالتعليم العـــالي مـــن % ٤٤فـــي مصـــر و% ١٧المدرســـة الثانويـــة هـــي

تؤهـل مصــر ال فـي إسـرائيل ، والشــك أن هـذه األوضـاع ال% ٥٧فــي مصـر و% ٢٩إجمـالي فئـتهم العمريـة بـين

.لتحقيق قفزة في مجال التنمية وال مواجهة ناجحة للتحدي الذي تمثله إسرائيل في كافة المجاالت

ولــذلك فبــدال مــن أن تشــدد الحكومــة المصــرية جهودهــا بحثــا عــن ســراب خــادع هــو أن تــنجح هــذه الجهــود المقنعــة

مـن المصـريين، ينبغـي أن تركـز بـدال مـن لخصخصة التعليم في توفير تعلـيم جـامعي بجـودة معقولـة ألعـداد مهمـة

ذلــك علــى رفــع مســتوى التعلــيم الجــامعي فــي مؤسســات التعلــيم المملوكــة للدولــة والمتاحــة ألغلبيــة الشــباب خريجــي

من طلبة الجامعات في مصر، وهى التي ينعقد عليهـا األمـل % ٩٠المدارس الثانوية وهي التي تستوعب ما يفوق

دى النهوض بالتنمية في عصر المعرفة والخطـر الـذي تمثلـه إسـرائيل علـى األمـن في تمكين مصر من مواجهة تح

ولكن ذلك يقتضى نظرة جديدة إلى منظومة التعليم الجامعي لتصبح أداة لتحقيق سياسـة قوميـة . المصري والعربي

.رشيدة، بدال من أن تعكس أسوأ ما في البنيان الطبقي من انقسامات