http://www.shamela.ws

مت إعداد هذا امللف آليا بواسطة املكتبة الشاملة

الكتاب : إعانة املستفيد بشرح كتاب التوحيد املؤلف : صاحل بن فوزان بن عبد هللا الفوزان

الناشر : مؤسسة الرسالة م٢٠٠٢هـ ١٤٢٣الطبعة : الطبعة الثالثة،

٢عدد األجزاء : ق للمطبوع وهو مذيل باحلواشي][ترقيم الكتاب مواف

م إىل هللا {إن كنت قـلته فـقد علمته تـعلم ما يف نـفسي وال أعلم ما يف نـفسك إنك أنت عال الغيوب} ، وهللا يعلم سبحانه وتعاىل أن عيسى مل يقل هذه املقالة، وإمنا هذا من باب التوبيخ

ا ما ء، مث قال: {ما قـلت هلم إال ما أمرتين به أن اعبدوا هللا ريب وربكم وكنت عليهم شهيدهلؤال) إن ١١٧دمت فيهم فـلما تـوفـيتين كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد(

بـهم فإنـهم عبادك وإن تـغفر هلم فإنك أنت العزيز احلكيم (تـع فع ١١٨ذ ) قال هللا هذا يـوم يـنـالصادقني صدقـهم} هذا تصديق للمسيح عليه السالم على رؤوس األشهاد يوم القيامة، حينما

عليه - ، وهذا موقف املسيح - والعياذ باهلل- يامة، فهذا مآهلم جيتمع األولون واآلخرون يوم القيف الدنيا واآلخرة أنه عبد هللا ورسوله، ليس له من الربوبية شيء، وال يستحق - الصالة والسالم

من العبادة شيئا، وإمنا العبادة حق هلل سبحانه وتعاىل وحده ال شريك، وإذا كان املسيح ليس له عليه وسلم ليس له حق يف العبادة، ومجيع الرسل، فكيف حق يف العبادة، وحمم د صلى اهلل

بغريهم من األولياء والصاحلني.ففي هذا احلديث دليل على ما ساقه املصنف من أجله، وهو أن الغلو يف الصاحلني يسبب كفر

بين آدم وتركهم دينهم. عليه وس لم بأمته، حيث حذرهم مما وقعت فيه النصارى.ويف هذا شفقته صلى اهلل وفيه: النهي عن التشبه بالكفار.

عليه وسلم: "إمنا أنا عبد، فقولوا: عبد هللا ورسوله" "إمنا" هذه كلمة حصر، مث قال صلى اهلل، والعبد ال يغلى أي: أن شأين ومكانيت أنين عبد هللا سبحانه وتعاىل، ليس يل من الربوبية شيء

فيه ويطرأ، ويرفع فوق منزلته.

عليه وسلم إىل أن نقول فيه الكالم الواقع والالئق "فقولوا: عبد هللا ورسوله" أرشدنا صلى اهلل عليه وسلم، وهو أنه عبد هللا ورسوله. فدل هذا على أنه ميدح صلى اهلل عليه وسلم به صلى اهلل

بصفاته من غري زيادة ومن غري نقص، وهي: العبودية والرسالة، وهللا جل وعال وصف حممدا بأنه عبد يف كثري من اآليات، يف مقام التنزيل قال تعاىل: {احلمد هلل الذي أنـزل على عبده الكتاب ومل

)} ، ويف ١بارك الذي نـزل الفرقان على عبده ليكون للعالمني نذيرا()} ، {تـ ١جيعل له عوجا(مقام اإلسراء قال تعاىل: {سبحان الذي أسرى بعبده ليال من المسجد احلرام إىل المسجد

)٩) فكان قاب قـوسني أو أدىن(٨ا فـتدىل (األقصى} ، واملعراج يف قوله: {مث دن

)١/٢٧٣(

)} ، ويف مقام التحدي وصفه هللا بالعبودية قال تعاىل: {وإن كنتم ١٠فأوحى إىل عبده ما أوحى(ن مثله وادعوا شهداءكم من دون هللا إن كنتم يف ريب مما نـزلنا على عبدنا فأتوا بسورة م

)} .٢٣صادقني( عليه وسلم. ففي قوله: "عبد هللا" رد على الغالة الذين يغلون يف حقه صلى اهلل

عليه وسلم، واملؤمنون ويف قوله: "رسوله" رد على املكذبني الذين يكذبون برسالته صلى اهلل يقولون: هو عبد هللا ورسوله.

هذا وجه اجلمع بني هذين اللفظني، أن فيهما ردا على أهل اإلفراط وأهل التفريط يف حقه صلى عليه وسلم. اهلل

عليه وسلم من أصحاب القصائد، كقصيدة الربدة وفيه: رد على الذين غلو يف مدحه صلى اهلل عليه وسلم، حىت قال واهلمزية وغريمها من القصائد الشركية اليت غلت يف مدحه صلى اهلل

البوصريي: يا أكرم اخللق ما يل من ألوذ به ... سواك عند حلول احلادث العمم

فنسي هللا سبحانه وتعاىل. مث قال:

ة القدمإن مل تكن يف معادي آخذا بيدي ... فضال وإال قل يا زل يعين: ما ينجيه من النار يوم القيامة إال الرسول.

مث قال:ا ... ومن علومك علم اللوح والقلم فإن من جودك الدنيا وضر

عليه وسلم، أما هللا فليس له فضل، هل بعد هذا الدنيا واآلخرة كلها من جود النيب صلى اهلل

الغلو من غلو؟؟. عليه وسلم، واللوح احملف وظ والقلم الذي كتب هللا به املقادير هذا بعض علم النيب صلى اهلل

.-والعياذ باهلل -ونسي هللا متاما ج الربدة ممن جاء بعده، وحاكاه يف هذا الغلو، هذا كله من الغلو يف مدح ج على وكذلك من

عليه وسلم ومن اإل طراء.النيب صلى اهلل عليه وسلم مبا فيه من الصفات احلميدة والرسالة أما املؤمنون فيمدحون الرسول صلى اهلل

)١/٢٧٤(

عليه وسلم: "إياكم والغلو؛ فإمنا أهلك من كان قبلكم الغلو" . وقال: قال رسول هللا صلى اهلل ـــــــــــــــــــــــــــــ والعبودية عليه وسلم، كما عليه شعراء الرسول صلى اهلل ، كما أرشد إىل ذلك النيب صلى اهلل

عليه وسلم الذين مدحوه وأقرهم، مثل: حسان بن ثابت، وكعب بن مالك، وكعب بن زهري، عليه وس لم الذين مدحوه بصفاته صلى وعبد هللا بن رواحة، وغريهم من شعراء الرسول صلى اهلل

عليه وسلم، وردوا على الكفار واملشركني. اهلل عليه وسلم هذا هو املدح الصحيح املعتدل، الذي فيه األجر وفيه اخلري، وهو وصفه صلى اهلل

بصفاته الكرمية من غري زيادة وال نقصان. عليه وسلم: "إياكم والغلو، فإمنا مث قال املصنف رمحه هللا: " وقال: قال رسول هللا صلى اهلل

أهلك من كان قبلكم الغلو" ، هكذا ذكره املصنف رمحه هللا من غري أن يذكر راويه، ومن غري أن يعزوه إىل خمرج من أصحاب الكتب، بل جعل مكان ذلك بياضا.

مسنده، وأبو داود يف سننه، وابن ماجه يف سننه.واحلديث رواه ابن عباس، وخرجه أمحد يف عليه وسلم يف حجة الوداع من مزدلفة إىل مىن من أجل رمي وهذا حصل يف منصرفه صلى اهلل

مجرة العقبة، وملا كان يف الطريق بني مزدلفة ومىن قال البن عباس: "التقط يل احلصى" ، فلقط له خلذف، وهي الصغار اليت ختذف على رؤوس األصابع، وهي أكرب من سبع حصيات مثل حصى ا

عليه وسلم بيده الكرمية، مث نفضها والناس ينظرون إليه، مث قال احلمص بقليل، فأخذها صلى اهلل عليه وسلم: "أمثال هؤالء فارموا، وإياكم والغلو، فإمنا أهلك من كان قبلكم الغلو" ، صلى اهلل

وهذا يدل على أن الواجب علينا أن نتقيد بالعبادة كما جاءت. فـ "إياكم" هذه كلمة حتذير.

"والغلو" تقدم معناه، وهو: الزيادة على احلد املشروع، وهذا ال جيوز، وهو مردود وهالك، بل

عل يه وسلم، وليس لنا تدخل يف نتقيد بضوابط العبادة كما جاءت يف سنة رسول هللا صلى اهللا، وإمنا يتبع يف هذا ما دل عليه الدليل من كتاس هللا ا، وهيئا حتديد العبادة ومواقيتها وصفا

عليه وسلم، علينا االمتثال فقط. وسنة رسوله صلى اهلل

)١/٢٧٥(

سى عليه السالم، يعين: فأخرجهم "فإمنا أهلك من كان قبلكم الغلو" مثل النصارى غلو يف عيفهلكوا، وهم يريدون النجاة، لكن ملا كانت طريقتهم -والعياذ باهلل - الغلو من الدين إىل الكفر

غري مشروعة مل حتصل هلم النجاة، وإمنا حصل هلم اهلالك، فكل أحد يريد النجاة من غري أن عليه وسلم، مهما كلف اإلنسان يسلك طريقها فإنه هالك، ال جناة إال بإتباع الرسول صل ى اهلل

عليه وسلم فإنه غال وهالك، وهو مشابه ملن كان قبلنا نفسه إذا خالف منهج الرسول صلى اهلل من الغالة.

ففي هذا: التحذير من الغلو يف العبادات، والغلو يف األشخاص، والغلو يف كل شيء، فالغلو يف نوع، واملثل يقول: "كل شيء جاوز حده انقلب إىل ضده"، كل غلو فهو طريق كل شيء مم

هالك، وإمنا طريق النجاة هو االعتدال واالستقامة: {فاستقم كما أمرت ومن تاب معك وال تطغوا} .

وما هلكت اخلوارج واملعتزلة وعلماء الكالم إال بسبب غلوهم.م، وعندهم قراءة فاخلوارج عندهم ع م إىل صال بادة عظيمة، حىت إن الصحابة حيقرون صال

حىت هلكوا، وكل من فعل -والعياذ باهلل-للقرآن كثرية، لكنهم مل يقتصروا على املشروع، زادوا هذا فإنه يهلك، والتجربة موجودة، وما وصل أحد من املتنطعني والغالة إىل النتيجة املطلوبة

ون سبيلهم اهلالك يف الدنيا واآلخرة.أبدا، وإمنا يكفهذا مما حيذر منه يف هذا الزمان، ألن ظاهرة الغلو والتنطع كثرت إال من رحم هللا عز وجل ،

وذلك ملا فشا اجلهل يف الناس جاء الغلو وجاءت املخالفات بتزيني شياطني اإلنس واجلن. ستقامة يف كل شيء.فالواجب علينا أن حنذر من هذا، وأن نلزم طريق اال

ا نفسه. أما املعتزلة فغلوا يف تنزيه هللا، حىت نفو صفات هللا اليت وصف والعياذ -واملمثلة غلو يف إثبات الصفات، حىت شبهوا اخلالق باملخلوق، فغلو يف ذلك، فضلوا

.-باهللزيها بال تعطيل، هذا وأهل السنة واجلماعة توسطوا؛ فأثبتوا هلل األمساء والصفات كما جاءت، تن

نفي للغلو يف التنزيه، وإثباتا بال متثيل، هذا نفي للغلو يف اإلثبات، فهم توسطوا.

)١/٢٧٦(

عليه وسلم قال: "هلك املتنطعون" قاهلا ثالثا. وملسلم عن ابن مسعود: أن رسول هللا صلى اهلل ـــــــــــــــــــــــــــــ ة فهم غلو يف التنزيه حىت نفو الصفات.أما املعتزل

واملمثلة غلو يف اإلثبات حىت شبهوا هللا خبلقه، تعاىل هللا عما يقولون.واخلوراج واملعتزلة غلوا يف األمر باملعروف والنهي عن املنكر، حىت خرجوا على أئمة املسلمني،

ى األئمة.ومن أصوهلم: األمر باملعروف والنهي عن املنكر، مبعىن: اخلروج عل عليه وسلم: واألمر باملعروف والنهي عن املنكرمطلوب، ولكن يف حدود الشريعة، قال صلى اهلل"من رأى منكم منكرا فليغريه بيده، فإن مل يستطع فبلسانه، فإن مل يستطع فبقلبه" فجعل األمر

خلروج على الوالة، ونقض باملعروف والنهي عن املنكر مراتب حسب االستطاعة، ومل يأمر با البيعة، والتفريق بني املسلمني، وهذه طريقة املعتزلة واخلوراج.

م األمر إىل أن واخلوارج خرجوا على أمري املؤمنني علي بن أيب طالب رضي هللا عنه، وانتهى م يأمرون باملعروف وينهون عن املنكر، قتلوه رضي هللا عنه، هذا كله بسبب الغلو، بزعمهم أ عليه وسلم "فإمنا أهلك من كان قبلكم فسبب هلم هذا اهلالك، وهذا مصداق قوله صلى اهلل

الغلو" .فالغلو هالك يف الدنيا، وهالك يف اآلخرة، وال يأيت خبري أبدا، ودين هللا بني الغايل فيه واجلايف عنه،

سطا} ، وسط بني الغلو وبني اجلفاء، وهذه األمة عدول دين هللا وسط: {وكذلك جعلناكم أمة و خيار، ليس فيهم غلو، وليس فيهم جفاء، وإمنا فيهم االعتدال، هذا هو طريق النجاة دائما

وأبدا. قال "وملسلم" يعين روى اإلمام مسلم رمحه هللا يف صحيحه.

ليل، والعامل الكبري، الذي "عن ابن مسعود" عبد هللا بن مسعود بن غافل اهلذيل، الصحايب اجليعد من أكابر علماء الصحابة، وإليه املرجع يف الفتوى، ورواية احلديث، وغري ذلك، فهو من

من أشد -أيضا - أكابر الصحابة، ومن السابقني األولني إىل اإلسالم، رضي هللا تعاىل عنه، وكان الناس حتذيرا من البدع

)١/٢٧٧(

بتدعة مشهورة، وكلماته رضي هللا تعاىل عنه يف ذلك مأثورة."والغلو" ومواقفه من امل عليه وسلم قال: "هلك املتنطعون" قاهلا ثالثا" املتنطعون: مجع متنطع، "أن رسول هللا صلى اهللوأصل التنطع هو التقعر يف الكالم إظهارا للفصاحة، هذا هو أصل التنطع يف اللغة. واملراد هنا:

طع يف الكالم، والتنطع يف االستدالل، والتنطع يف العبادة.التنوالتنطع يف الكالم معناه: أن يتكلم اإلنسان بالكلمات الغريبة من اللغة اليت ال يفهمها الناس،

فيأيت بأسلوب وألفاظ من وحشي اللغة ال يعرفها الناس.ا، فالناس حباجة إىل أن وكذلك من التنطع يف الكالم: أن خياطب احلاضرين بأشياء ال يفه مو

م، مث يذهب يتكلم يف أشياء بعيدة عنهم، بل م ومعامال م وطهار م وعباد يبني هلم عقيدبعيدة من جمتمعهم، يتكلم يف أمور السياسة، واألمور البعيدة، وأمور الدول، وأمور وسائل

فيدون منها شيئا، وخيرجون من عنده اإلعالم، وأمور بعيدة، العوام ال يعرفون منها شيئا، وال يستجبهلهم، ال يعرفون أمور دينهم، بل منهم من ال يعرف كيف يصلي، منهم من ال يعرف كيف

ذا الكالم يتوضأ، ومنهم من ال يعرف كيف يغتسل من اجلنابة، فيخرجون جبهلهم، وما انتفعوا البعيد الغريب عن أمساعهم.. هذا من التنطع.

يبني للناس أنه فاهم، وأنه مثقف ولو على حساب احلاضرين، ولو ما فهموا، وغرض املتكلم أن ولو ما عرفوا شيئا. وهذا من التنطع.

واملطلوب من اخلطيب واحملاضر واملتكلم واملدرس: أن يتكلم يف حدود ما يفهمه احلاضرون، وما م وأخالقهم، هذا ه و املطلوب.هم حباجة إليه يف أمور دينهم، ويف أمور معامال

وأن يكون قصده نفع احلاضرين، وتعليم احلاضرين، ال يكون قصده إظهار شخصيته، وإظهار عليه وسلم: "هلك املتنطعون" . فصاحته، فهذا هالك كما قال النيب صلى اهلل

فلنحذر من هذا حينما نتكلم يف درس، حينما خنطب يف اجلمعة، أو عيد أو استسقاء، حينما نلقي حماضرة، علينا أن نراعي حالة احلاضرين، وأن نأيت من

)١/٢٧٨(

الكالم مبا يفهمونه، وما يستفيدون منه، وأيضا يكون بأسلوب سهل، ال نتعمد اجمليء بأساليب ال ا، بل خيتار املوضوع املناسب، واألسلوب املناسب، واللغة اليت ا، وكلمات ال يفهمو يفهمو

ا. هذا ا لذي يريد اخلري للناس، ويريد تعليم الناس.يفهموأما الذي يريد أن يظهر نفسه على حساب الناس، فهذا هو املتنطع، وهذا ال يفيد شيئا، وخيرج

كما دخل من غري فائدة. فعلينا أن نتنبه لذلك، لئال نكون من املتنطعني يف الكالم.

اس مبا يعرفون، أتريدون أن يكذب هللا وأمري املؤمنني علي بن أيب طالب يقول: "حدثوا الن ورسوله؟".

أما التنطع يف االستدالل فهو: طريقة أهل الكالم وأهل املنطق الذين عدلوا عن االستدالل بالكتاب والسنة إىل االستدالل بقواعد املنطق، ومصطلحات املتكلمني.ليونان، استجلبوها واملنطق هذا من أين جاء؟، وقواعد املنطق من أين جاءت؟، جاءت من ا

واستعملوها يف اإلسالم، وتركوا االستدالل بالكتاب والسنة، وقالوا: إن األدلة السمعية ال تفيد ، فبذلك هلكوا.-بزعمهم -اليقني، وإمنا الذي يفيد اليقني هو األدلة العقلية

والقياس الواجب أن يكون االستدالل باألدلة الشرعية من الكتاب والسنة وإمجاع املسلمنيالصحيح كما عليه علماء أهل السنة واجلماعة، وهلذا يقول اإلمام الشافعي رمحه هللا: "حكمي يف

م يف القبائل، وأن يقال: هذا جزاء من أهل الكالم: أن يضربوا باجلريد والنعال، وأن يطاف أعرض عن الكتاب والسنة واشتغل بعلم الكالم".

وكالم رسوله ويأيت بقواعد املنطق، حىت يف العقائد وهو ما يسمونه فمن هؤالء من يرتك كالم هللا اآلن علم التوحيد، يسمون علم املنطق، وعلم الكالم: علم التوحيد، ولذلك وقعوا يف اهلالك،

وضلوا وأضلوا، وقد انتهى أمرهم إىل احلرية، كما شهد بذلك أكابرهم، وبعضهم عند الوفاة وأشهد احلاضرين بأنه مات وه

)١/٢٧٩(

والعياذ -ال يعرف شيئا، مع أنه أفىن عمره يف علم الكالم واجلدل واملنطق، هذا مآل املتنطعني عليه -باهلل م على أنفسهم موجودة، مما يدل على صدق قول الرسول صلى اهلل ، وشهادا

وسلم: "هلك املتنطعون" .أن يزيد اإلنسان يف العبادة على احلد املشروع، وهذه أما التنطع يف العبادة فهو كما سلف، هو:

عليه وسلم: "أصلي وأنام، وأصوم رهبانية النصارى، أما احلد املشروع فهو كما قال صلى اهللوأفطر، وأتزوج النساء، وآكل اللحم، ومن رغب عن سنيت فليس مين" هذا هو االعتدال، وأما

لصيام دائما وال يفطر، والصالة كل الليل وال ينام، هذا كله من الغلو التبتل وعدم التزوج، وا عليه وسلم ومن التنطع الذي يـهلك صاحبه كما هلكت النصارى يف رهبانيتهم، والنيب صلى اهلل حذر من الغلو، وحذر من رهبانية النصارى، وأمر باالعتدال والتوسط، وقال: "هذا الدين متني،

عليه ولن يشاد الدين أحد إال غلبه، {فاتـقوا هللا ما استطعتم وامسعوا وأطيعوا} ، وقال صلى اهللوسلم: "إن املنبت ال أرضا قطع، وال ظهرا أبقى" واملنبت هو: الذي يكلف نفسه بالسري وال

نقطع ومتوت راحلته، ويقف يف وسط الطريق: "فال يسرتيح وال يريح راحلته، هذا ينبت، يعين: يظهرا أبقى" ألن راحلته ماتت، وال أرضا قطع ألن املسافة باقية. أما لو أخذ الطريق على

مراحل، وشيئا فشيئا، وأراح نفسه، وأراح راحلته لقطع الطريق، وبلغ املقصود وهلذا قال صلى عليه وسلم: "أوغلوا في ه برفق" .اهلل

فاحلاصل؛ أن التنطع يف العبادة هو: الزيادة فيها عن احلد املشروع، واملطلوب أن اإلنسان يتوسط يف العبادة من غري زيادة، ومن غري نقصان. ونبني هنا ما يستفاد من هذه األحاديث الختصار:

عليه وس لم، ألن ذلك يؤدي إىل الشرك، املسألة األوىل: التحذير من الغلو يف مدحه صلى اهلل كما أدى بالنصارى إىل الشرك.

عليه املسألة الثانية: فيه الرد على أصحاب املدائح النبوية اليت غلوا فيها يف حقه صلى اهلل وسلم، كصاحب الربدة، وغريه.

صارى ابن مرمي" .املسألة الثالثة: فيه النهي عن التشبه بالنصارى، لقوله: "كما أطرت الن

)١/٢٨٠(

..................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــ

عليه وسلم : إحياء املولد كل سنة، ألن النصارى حييون املولد ومن الغلو يف حقه صلى اهللعلى رأس كل سنة من تارخيهم، فبعض املسلمني تشبه بالنصارى فأحدث املولد بالنسبة للمسيح

يف اإلسالم بعد مضي القرون املفضلة، ألن املولد ليس له ذكر يف القرون املفضلة كلها، وإمنا حدث بعد املائة الرابعة، أو بعد املائة السادسة ملا انقرض عهد القرون املفضلة، فهو بدعة، وهو

بالنصارى. من التشبه عليه وسلم بصفاته الكرمية: عبد هللا، ورسوله، املسألة الرابعة: فيه مشروعية مدحه صلى اهلل

عليه الداعي إىل هللا، بلغ البالغ املبني، جاهد يف هللا حق جهاده، كل هذا من صفاته صلى اهلل وسلم؛ فذكره طيب. عليه وسلم على أمته، وأنه حذرها من املسألة اخلامسة: يس تفاد من ذلك: كمال شفقته صلى اهلل

عليه وسلم، وحذرها من الغلو، وحذرها من التنطع. اإلطراء يف حقه صلى اهلل

عليه وسلم: اإلطراء والغلو والتنطع. نوعها ا صلى اهلل عليه وسلم ثالثة أساليب جاء صلى اهلل من باب التأكيد والتحذير من الغلو.

ى عن شيء فإنه يذكر البديل الصاحل عنه إن كان له بديل، فإنه املسألة السادسة: فيه أن من اهم عن اإلطراء قال: "إمنا أنا عبد، فقولوا: عبد هللا ورسوله" عليه وسلم ملا هذا صلى اهلل

البديل الصاحل.املسألة السابعة: يف احلديث: النهي عن الغلو يف العبادات، ومنها حصى اجلمار، قال فيها صلى

عليه وسلم: "إياكم والغلو، فإمنا أهلك من كان قبلكم الغلو" ، والغلو يف العبادات، هو: اهللتا، إىل غري ذلك، حنن ال حندث شيئا من عند الزيادة فيها عن احلد املشروع: كمية وكيفية ووق

أنفسنا. والبدعة تنقسم إىل قسمني: بدعة حقيقية، وبدعة إضافية.

البدعة احلقيقية: إذا أحدث شيء ال أصل له، مثل املولد والتربك باآلثار.لنا: ليلة واإلضافية: أن حندث للعبادة املشروعة وقتا أو صفة مل يشرعها هللا ورسوله، كما لو ق

النصف من شعبان يصلون الناس ويتهجدون، أو نصوم النصف من شعبان. فالصيام مشروع، وقيام الليل مشروع، لكن إذا حددناه بوقت ال دليل عليه فهذا

)١/٢٨١(

بدعة إضافية، ألن أصل العبادة مشروع، ولكن تقييدها بوقت حمدد، منه إضافة إىل العبادة وهي هذه بدعة تسمى إضافية.غري مشروعة، ف

ذكر هللا مشروع؛ التسبيح والتهليل والتكبري، لكن إذا قلنا للناس: سبحوا ألف تسبيحة، كربوا ألف تكبرية، قولوا: كذا ألف مرة بدون دليل. فهذا يعترب بدعة إضافية.

ع يف العبادة، املسألة الثامنة: فيه التحذير من التنطع يف الكالم، والتنطع يف االستدالل، والتنط وعرفنا مباذا يكون التنطع يف الكالم، والتنطع يف االستدالل، والتنطع يف العبادة.

عليه وسلم كرر املسألة التاسعة: فيه تكرار النصيحة حىت ترسخ وتثبت، ألن النيب صلى اهللوتثبت يف قلوب قوله: "هلك املتنطعون" قاهلا ثالثا، من أجل أن ترسخ هذه النصيحة،

السامعني. وهللا تعاىل أعلم.

)١/٢٨٢(

[الباب العشرون: ] باب ما جاء يف التغليظ فيمن عبد هللا عند قرب رجل صاحل،فكيف إذا عبده؟

ـــــــــــــــــــــــــــــقال املؤلف رمحه هللا : "باب ما جاء يف التغليظ فيمن عبد هللا عند قرب رجل صاحل، فكيف إذا

بده" ملا ذكر املؤلف رمحه هللا يف الباب الذي قبل هذا: التحذير من الغلو يف الصاحلني، وأنه عسبب لكفر بين آدم، وتركهم دينهم، ذكر يف هذا الباب الغلو يف قبورهم، ألنه نوع من الغلو

فيهم. والتغليظ معناه: بيان شدة األمر، خالف التسهيل أو التخفيف.

رب رجل صاحل" عبد هللا بدعاء هللا عند القرب رجاء اإلجابة، يظن أن الدعاء "فيمن عبد هللا عند قيف هذا املكان سبب لإلجابة، أو بالصالة، يظن أن الصالة عند القرب سبب لإلجابة، أو الذبح ذه العبادات ولكنه فعلها عند القرب رجاء أن تقبل، وأن عند القرب، وإن كان الفاعل يعبد هللا

ند القرب هلا مزية عن العبادة يف مكان آخر، فهذا مبين على ظن فاسد، ألن القبور العبادة عا سبب للشرك، وهلذا حذر ليست مكانا للعبادة، وأن العبادة عندها وإن كانت خالصة هلل فإ

ا للذريعة. عليه وسلم من العبادة عند القبور سد النيب صلى اهلل القرب، ويستغيث بامليت؛ فهذا شرك أكرب.أما إذا كان يدعو

وأما إذا كان يعبد هللا خملصا له العبادة لكن عند القرب، فهذا وسيلة إىل الشرك، وطريق إىل الشرك، فهو حمرم، فكيف إذا عبده؟

ا، ويذحبون هلا، وينادون م يعبدون القبور صراحة؛ ويستغيثون والذي عليه القبوريون اليوم، أاملدد يا فالن، املدد يا بدوي، املدد يا علي، يطلبون منهم املدد صراحة، ويذحبون هلم، املوتى:

وينذرون هلم، ويصرفون هلم أنواعا من العبادة، فهم داخلون فيمن عبد القرب.

)١/٢٨٣(

عليه وسل م يف الصحيح عن عائشة: أن أم سلمة رضي هللا عنها، ذكرت لرسول هللا صلى اهللا بأرض احلبشة، وما فيها من الصور، فقال: "أولئك إذا مات فيهم الرجل الصاحل أو كنيسة رأ

العبد الصاحل؛ بنوا على قربه مسجدا، وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار اخللق عند هللا" . ـــــــــــــــــــــــــــــ

ري وصحيح مسلم.قال: "يف الصحيح" يعين: يف الصحيحني: صحيح البخا "عن عائشة" أم املؤمنني، بنت أيب بكر الصديق.

"أن أم سلمة" امسها: هند بنت أيب أمية املخزومية، القرشية، زوج أيب سلمة، هاجرت هي وزوجها أبو سلمة اهلجرتني: اهلجرة إىل احلبشة، واهلجرة إىل املدينة، وتويف أبو سلمة رضي هللا عنه يف

عليه وسلم فصارت من أمهات املؤمننياملدينة، فتزوجها رسو رضي هللا تعاىل -ل هللا صلى اهلل .- عنها

ا يف أرض احلبشة" الكنيسة هي معبد عليه وسلم كنيسة رأ ا ذكرت لرسول هللا صلى اهلل "أم. أما الصومعة فهي معبد خاص لفرد من النصارى الذي جيتمعون فيه يوم األحد لعباد

النصارى خيلو فيه، وينقطع عن الدنيا. فالصومعة لألفراد من النصارى، وأما الكنيسة فهي للجميع.

"وما فيها من الصور"يعين: من صور الصاحلني."أولئك" بالكسر خطاب ألم سلمة، وجيوز الفتح: "أولئك" خطاب للمذكر، ولكن الكسر

أشهر، ألنه خياطب امرأة.ات فيهم الرجل الصاحل أو العبد الصاحل" هذا شك من الراوي: هل قال الرسول " أولئك إذا م

عليه وسلم رجل أو عبد، وهذا من حتريهم رضي هللا عنهم يف الرواية، وأنه مل جيزم صلى اهلل عليه وسلم. باللفظ الذي قاله النيب صلى اهلل

مصلى، فاملراد باملسجد هنا: املصلى واملتعبد، يعين: اختذوا عليه "بنوا على قربه مسجدا" أي: كنيسة يتعبدون فيها، فسمي مسجدا.

ا يف هذا املكان، من باب الغلو يف " وصوروا فيه تلك الصور" أي: صور الصاحلني، ينصبوم، واختاذ التماثيل ختليدا للشخصيات من هذا الباب، هو من باب الصاحلني وختليد شخصيا

تعظيم الصاحلني، أو تعظيم العظماء، ولو كانوا من غري الصاحلني كالرؤساء والسالطني وامللوك، وهذا ال جيوز يف اإلسالم، ألنه وسيلة

)١/٢٨٤(

هؤالء مجعوا بني فتنتني: فتنة القبور، وفتنة التماثيل. ـــــــــــــــــــــــــــــ

عبادة، كاملساجد وحمالت العبادة، فهذا األمر أشد.إىل الشرك، والسيما يف مواطن ال عليه وسلم "أولئك شرار اخللق عند هللا" فدل على أن من بىن املسجد على مث قال صلى اهلل

القرب، أو صور الصور ونصبها؛ أنه من شرار اخللق. وشرار: مجع شر، وهو أفعل تفضيل، واملراد والعياذ - فدل على أن الذي يبين املساجد على القبور أنه أشد الناس شرا به: أشد الناس شرا،

، ويف احلديث اآلخر الذي سيأيت: "إن من شرار اخللق من تدركهم الساعة وهم أحياء، -باهللذا الفعل، وتسببوا يف م فتحوا للناس باب الشرك والذين يبنون املساجد على القبور" أل

ا حدث الشرك يف هذه األمة إال بسبب البناء على القبور.احنراف األمة، ومهم: الشيعة، - كما يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية -وأول من بىن على القبور يف اإلسالم

الفاطميون، مث قلدهم من قلدهم من املنتسبني إىل السنة من الصوفية وغريهم، فبنيت املساجد على القبور يف األمصار.

ة اإلسالمية تعاين من شر هذه القبور وفتنتها، وحدوث الشرك يف األمة، الذي ال وال تزال األميقره من يؤمن باهلل ورسوله، ألنه شرك صراح، وأصبحت هذه املساجد املبنية على القبور أوثانا

ا أن ذلك من اإلسالم، وأن من أنكره فهو خارج عن اإلسالم، تعبد من دون هللا، ويظن أصحاقولون: {إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون} ، فهم شرار اخللق، وإن كالذين ي

م خري اخللق. كانوا يزعمون يف أنفسهم أن ذلك إصالح، وأمث ذكر الشيخ عبارة لشيخ اإلسالم ابن تيمية بعد احلديث وهي قوله: "فهؤالء" يعين: اليهود

ى.والنصار "مجعوا بني فتنتني: فتنة القبور، وفتنة التماثيل" فتنة القبور هي الغلو يف القبور، وتعظيم القبور

حىت تتخذ متعبدات، هذه فتنة عظيمة يف األمم السابقة ويف هذه األمة.والفتنة الثانية: فتنة التماثيل، وهي فتنة قدمية كما يف قصة قوم نوح، فقوم نوح إمنا وقع الشرك

م بسبب نصب التماثيل، ووقع الشرك يف اليهود بسبب متثال العجل الذي عمله السامري، فيه ووقع الشرك يف النصارى بسبب نصب الصليب على

)١/٢٨٥(

عليه وسلم؛ طفق يطرح مخيصة له على وجهه، وهلما عنها قالت: ملا نزل برسول هللا صلى اهلل فقال: وهو كذلك:

ـــــــــــــــــــــــــــــصورة املسيح بزعمهم، وخيشى أن يقع الشرك يف هذه األمة بسبب نصب التماثيل للعلماء

عليه وسلم. والعباد الصاحلني، فهذه فتنة عظيمة، حذر منها النيب صلى اهلل قال: "وهلما" أي: البخاري ومسلم. .-عليه الصالة والسالم-ين:. نزل به املوت "عنها قالت: ملا نزل برسول هللا " يع

"طفق" طفق: من أفعال الشروع عند أهل اللغة، أي: جعل يفعل كذا.

"يطرح مخيصة" أي: يضعها، واخلميصة: كساء له أعالم، أي فيه خطوط.ا وهو يف هذه احلالة. عليه وسلم "على وجهه" يغطي وجهه صلى اهلل

ا" أي: ضيقت نفسه"فإذا اغ .-عليه الصالة والسالم -تم "كشفها" من أجل أن يتنفس.

" يعين: يف هذه احلالة احلرجة، مل يشتغل عن الدعوة إىل التوحيد، وإنكار - وهو كذلك - "فقال الشرك، ونصيحة األمة، صلوات هللا وسالمه عليه.

د قربه ما فعل من قبلها من األمم عند واملناسبة: أنه ملا شعر باملوت خشي على أمته أن تفعل عنعليه الصالة -قبور األنبياء والصاحلني، فلم يرتك الفرصة تذهب، وإمنا استغلها بالنصيحة لألمة

والسالم. عليه وسلم حيذر من الشرك وهو يف هذه احلالة، فهذا دليل على أن فإذا كان النيب صلى اهلل

ذا األمر اهتماما بالغا قبل التحذير من الشرك أمر م تعني، وأنه جيب على الدعاة أن يهتموا غريه، قبل أن حيثوا الناس على الصالة والصيام، وترك الربا، وترك الزنا، وترك شرب اخلمر، قبل ذلك ينهوهم عن الشرك، السيما إذا كان واقعا يف األمة، فالسكوت عنه من الغش لألمة، فالبد

، وأن يعمل على إزالته قبل كل شيء، ألنه إذا صلحت العقيدة صلحت بقية أن يبدأ به األعمال.

أما إذا فسدت العقيدة فال فائدة يف األعمال كلها، ولو ترك الربا، وتصدق مباله، وصلى الليل والنهار، وصام الدهر، وحج، واعتمر، وعنده شيء من الشرك األكرب، فإن أعماله تكون هباء

فائدة منها، أما إذا كان موحدا خاليا منمنثورا، ال

)١/٢٨٦(

"لعنة هللا على اليهود والنصارى، اختذوا قبور أنبيائهم مساجد" . حيذر ما صنعوا، ولوال ذلك أبرز قربه، غري أنه خشي أن يتخذ مسجدا. أخرجاه.

ـــــــــــــــــــــــــــــيف الزنا، ووقع يف الربا، ووقع يف احملرمات اليت دون الشرك، فلو وقع يف الكبائر، ولو وقع

الشرك، فإنه يرجى له املغفرة، وإن عذب بذنوبه فإنه ال خيلد يف النار وهو مؤمن موحد، حكمه حكم املؤمنني، والبد له من دخول اجلنة بتوحيده وإميانه، وإن كان ضعيفا، أما إذا كان عنده

له، لو ترك احملرمات كلها، وأدى الواجبات كلها ومل يتجنب شرك أكرب، فهذا ال فائدة يف أعما الشرك، فإنه ال فائدة يف أعماله كلها.

تم جبوانب فرعية، أو جوانب جزئية، ونرتك هذا األمر اخلطري يعج يف جسم األمة فكيف إذا جة أننا نريد أن اإلسالمية، وال حنذر منه، وال ندعوا إىل تركه، وال نسعى يف إزالته عن األمة؟؟ حب

جنمع األمة كما يقولون.هذا هو صميم الدعوة، هذا هو الذي جاءت الرسل من أوهلم إىل آخرهم للتحذير منه، كل

رسول يقول لقومه: {واعبدوا هللا وال تشركوا به شيئا} ، الن العبادة ال تنفع مع وجود الشرك، فهذا أمر عظيم. ع ليه وسلم: "لعنة هللا على اليهود والنصارى" اللعنة هي: الطرد واإلبعاد من رمحة قوله صلى اهلل

هللا. واليهود: األمة املغضوب عليها، والنصارى: األمة الضالة.

م من هذه األمة، {غري المغضوب عليهم وال الضالني} املغضوب عليهم: اليهود، ومن اقتدى مل يعمل بعلمه، والضالون هم: النصارى الذين يعبدون هللا على غري علم، بل بالبدع ممن علم و

م. واحملدثاث واخلرافات من النصارى وكل من اقتدى "اختذوا قبور أنبيائهم مساجد" يعين: أمكنة للعبادة يصلون عندها، يدعون هللا عندها، ظنا منهم

األمكنة األخرى، مع أن العبادة عند القبور ال جتوز، أن العبادة عند القبور أفضل من العبادة يفا وسيلة إىل الشرك. أل

عليه وسلم قالت عائشة رضي هللا عنها: "حيذر ما صنعوا" أي: أن الذي محل النيب صلى اهلل على أن

رى،يقول هذه الكلمة يف هذه احلالة احلرجة: أنه حيذر أمته مما صنع اليهود والنصا

)١/٢٨٧(

لئال يفعلوا بقرب نبيهم ما فعل اليهود والنصارى مع قبور أنبيائهم. فالذي محله على هذا حتذير هذه األمة لئال تعمل هذا العمل، فال تتخذ القبور مساجد، سواء بين عليها أو مل ينب عليها، إذا

عندها فكذلك، هذا من اختاذها بين عليها فاألمر أشد، وإذا مل ينب عليها، وصلي عندها، ودعا مساجد كما يأيت.

عليه وسلم مثل ما حصل عند "ولو ذلك" أي: ولوال اخلوف من أن حيصل عند قربه صلى اهلل قبور أنبياء بين إسرائيل.

"أبرز قربه" أي: لدفن يف مكان بارز يراه الناس. "ولكنه خشي" بالفتح، أو "خشي" بالضم.

قربه مسجدا" يعين: مكان صالة ودعاء، كما فعل اليهود والنصارى عند قبور "أن يتخذ أنبيائهم.

ا هلذا الباب دفن يف بيته يف حجرة عائشة، -عليه الصالة والسالم -فقطعا هلذه الذريعة وسد داخل اجلدران وحتت السقف، ال يراه أحد.

عليه وسلم حماطا باجلدران يف صيانة وأمانة، فال يزا -واحلمد هلل -"وال يزال ل يف بيته صلى اهلل ال يراه أحد، صيانة لقربه أن يفعل عنده كما فعلت اليهود والنصارى عند قبور أنبيائهم.

عليه وسلم يف بيته، وعدم دفنه يف املقربة مع أصحابه يف هذه هي احلكمة يف دفنه صلى اهلل البقيع. ن القيم:قال اب

ودعا بأن ال جيعل القرب الذي ... قد ضمه وثنا من األوثان فأجاب رب العاملني دعاءه ... وأحاطه بثالثة اجلدران حىت اغرتت أرجاؤه بدعائه ... يف عزة ومحاية وصيان

فدل ذلك على حترمي الغلو يف القبور، والبناء عليها، واختاذ بقاعها أمكنة للصالة عندها، والدعاء عندها.

ويستفاد من هذين احلديثني مسائل عظيمة: املسألة األوىل: حترمي البناء على القبور، ألن ذلك وسيلة إىل الشرك باهلل عز وجل،

)١/٢٨٨(

ألن القرب إذا بين عليه بنية، أو جعل عليه ستائر وزخرف، فإن العوام واجلهال يفتتنون به، - مل إال ألن فيه سرا، وأنه حمل للعبادة والدعاء وطلب احلاجات ويظنون أنه ما عمل به هذا الع

، وهلذا كان هدي اإلسالم يف القبور أن امليت يدفن يف املقربة العامة مع أموات -كما هو الواقعاملسلمني، ويدفن يف تراب قربه الذي حفر منه، ال يزاد عليه، ويرفع عن األرض قدر شرب من

رف أنه قرب فال يداس، وال يبىن عليه شيء، هكذا كان قرب النيب وكانت الرتاب من أجل أن يع عليه وسلم، وهذا هو هدي اإلسالم يف القبور، ال قبور الصحابة يف عهد رسول هللا صلى اهلل

يبىن عليها بنية، وال يكتب عليها، وال تزخرف، وال جتصص، ألن هذه األمور إذا فعلت صارت دم القبور املشرفة، فقال لعلي بن أيب وس عليه وسلم يلة إىل الشرك، وقد أمر النيب صلى اهلل

طالب رضي هللا عنه: "ال تدع قربا مشرفا [يعين: مرتفعا] إال سويته" يعين: هدمت ما عليه من قبور إذا كانت على اهلدي البناء، حىت يصبح كسائر القبور ال يلفت النظر، وال يفتنت به، فال

ا، أما إذا بين على بعضها، وجصص، وزخرف، فإن الناس سينصرفون إليه الشرعي ال يفتنت والبد.

املسألة الثانية: يف احلديث دليل على حترمي العبادة عند القرب، حىت ولو مل يـنب عليه بنية، ال ذلك، وإمنا هدي اإلسالم أن القبور تزار من بدعاء، وال بصالة، وال بذبح، وال بنذر، وال بغري

أجل السالم على األموات، والدعاء هلم باملغفرة والرمحة، واتعاظ الزائر بأحوال املوتى، هذا هو ان القبور ان وال -أيضا - هدي اإلسالم يف القبور، وأن ال ، وال متتهن، بل حيافظ عليها، فال

تداس.ا وإهانتها، حيافظ فهدي اإلسالم وسط بني إفراط وتفريط، بني الغلو فيها، وبني التساهل يف شأ

، ألن -واحلمد هللا -عليها اإلسالم، ولكنه ال يغلو فيها، هدي اإلسالم هو الوسط يف كل شيءمن الناس من ميتهن القبور، ويبين عليها املساكن، أو جيعلها حمال للقمامات والقاذورات، أو

دام عليها، أو مرور احليوانات عليها، أو يقضون حوائجهم ويبولون عليها، وهذا حرام بدوس األق ال يقره اإلسالم.

املسألة الثالثة: فيه دليل على حترمي نصب الصور من التماثيل وغريها، ألن

)١/٢٨٩(

ذه الصور ولو على املدى البعيد، كما حصل لقوم نوح. ذلك وسيلة إىل الشرك لرابعة: فيه دليل على أن النية الصاحلة ال تسوغ العمل السيء، فهؤالء إمنا فعلوا هذا املسألة ا

، أو -كما يقولون -لظنهم أن فيه خريا، وفيه تذكرا ألحوال هؤالء الصاحلني، أو إكراما للصاحلنيإىل ختليدا لذكراهم، فهذا وإن كان قصدهم فيه حسنا، فإن هذا العمل غري مشروع ألنه يفضي

ا. الشرك يف العبادة، والشارع جاء بسد الذرائع املفضية إىل الشرك دون نظر إىل نيات أصحااملسألة اخلامسة: فيه دليل على جواز لعن الكفار وأصحاب الكبائر على وجه العموم، ألن النيب

عليه وسلم لعن اليهود والنصارى، وهذا لعن على العموم، ف لعن الكفار وأصحاب صلى اهلل الكبائر على العموم ال بأس به ألجل التنفري يف فعلهم، وأما لعن املعني ففيه خالف.

املسألة السادسة: يف احلديثني دليل على التحذير من التشبه بالنصارى، ألن البناء على القبور ة رضي والصالة عندها من هدي النصارى، وحنن منهيون عن هدي النصارى، ففي قول عائش

هللا عنها: "حيذر ما صنعوا" دليل على النهي عن التشبه بالنصارى، والسيما يف أمور العقيدة.املسألة السابعة: أن الذين يبنون على القبور والذين يذهبون إليها للتعبد عندها هم شرار اخللق،

أخف من ال أحد شر منهم، ألن معصيتهم فوق كل معصية، فالزاين وشارب اخلمر والسارق

الذي يبين على القبور، ولو كان زاهدا عابدا.ومعه أصل التوحيد وأصل العقيدة هذا خري من الذين -الذي يشرب اخلمر - فالزاين والشارب

يبنون على القبور، والذين يذهبون للعبادة عندها، وإن كانوا يبكون الليل والنهار، ويصومون، .- والعياذ باهلل - فهم شرار اخللق

سألة الثامنة: فيه دليل على أن املصورين هم شرار اخللق، ألن فعلهم هذا وسيلة إىل الشرك، املوألنه مضاهاة خللق هللا، قال هللا تعاىل يف احلديث القدسي: "ومن اظلم ممن ذهب خيلق كخلقي"

صورين يعين: املصورين، "فليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شعرية" ملا وهذا تعجيز هلم، فدل على أن املهم شرار اخللق، سواء كانوا يصورون ببناء التماثيل، أو يصورون بالرسم، أو يصورون بالتقاط

الصور باآللة

)١/٢٩٠(

م شرار اخللق عند هللا. ومن أخرج الفوتوغرافية، كل ذلك داخل يف الوعيد والنهي الشديد، وأ وال عربة بقوله. التصوير بالكمرة عن حكم التصوير املنهي عنه فليس له دليل

املسألة التاسعة: يف احلديث دليل على وجوب االهتمام بأمر العقيدة، والدعوة إليها قبل كل شيء من أنواع الفساد، نبدأ بإصالح العقيدة قبل إصالح األمور األخرى، ألن هذا منهج

.- عليهم الصالة والسالم-األنبياء عليه وسلم على أمته، ونصيحته املسألة العاشرة: يف احلديث دليل على كمال ح رصه صلى اهلل

عليه وسلم، بل يف حالة ألمته، وأنه بلغ البالغ املبني حىت يف آخر حلظة من حياته صلى اهلل حرجة، وهي حالة االحتضار.

عل يه وسلم يف بيته.املسألة احلادية عشر: فيه دليل على بيان احلكمة من دفنه صلى اهللوعدم دفنه يف املقربة العامة، وأن ذلك ألجل احلفاظ على عقيدة املسلمني من الغلو يف حقه

عليه وسلم، وأن يفعل عند قربه كما فعل عند قبور األنبياء والصاحلني يف بين إسرائيل، صلى اهلل هذا هو بيان احلكمة.ل الذي ال يزال يرتدد عند بعض الناس، ويقولون: إن مسجد الرسول مبين وهذا فيه بيان اإلشكا

على القرب، فهذا دليل على جواز البناء على القبور بزعمهم. عليه وسلم مل يدفن يف املسجد، وإمنا دفن يف بيته خارج املسجد، ونقول: إن النيب صلى اهلل

أنه خشي أن يتخذ مسجدا، فالبيت منفرد عن املسجد، واحلكمة يف ذلك ما ذكرته أم املؤمننيويف معزل عن املسجد، وإمنا أدخل البيت يف املسجد بعد عهد اخللفاء الراشدين يف وقت الوليد

بن عبد امللك؛ ملا أراد أن يوسع املسجد عمم التوسعة من جهة املشرق، فأدخل حجرة النيب عليه وسلم، ومل يكن هذا مبشورة أهل العلم، وإمنا هذا عمل اخلليفة بدون مشورة أهل صلى اهلل

العلم، ولكن مع هذا فالبيت ال يزال على شكله وحيازته، واملسجد ال يزال على وضعه واحلمد هلل، وما حيصل من الناس اجلهال إمنا يكون يف مسجد الرسول وليس عند القرب، ألن القرب بعيد

عليه وسلم ربه قال: "اللهم ال عنهم، ومصون عنهم، وال يرونه، وهلذا ملا دعا النيب صلى اهلل جتعل قربي وثنا يعبد" استجاب هللا دعاءه، فصانه يف بيته، وهلذا يقول العالمة ابن القيم:

)١/٢٩١(

عليه وسل م قبل أن ميوت خبمس وهو وملسلم عن جندب بن عبد هللا قال: مسعت النيب صلى اهلليقول: "إين أبرأ إىل هللا أن يكون يل منكم خليل، فإن هللا قد اختذين خليال كما اختذ إبراهيم

خليال، ولو كنت متخذا من أميت خليال، الختذت أبا بكر خليال . ـــــــــــــــــــــــــــــ

فأجاب رب العاملني دعاءه ... وأحاطه بثالثة اجلدرانعليه الصالة -يعين: صار القرب داخل اجلدران، فال يرى أبدا، وذلك صيانة له عن الغلو

.-والسالم قوله: "وملسلم عن جندب بن عبد هللا" هو: جندب بن عبد هللا البجلي، رضي هللا تعاىل عنه.

عليه وسلم قبل أن ميوت خبمس" حيتمل أن املراد: مخس سنني، "قال: مسعت النيب صلى اهلل وحيتمل أن املراد: مخس ليال.

"وهو يقول: إين أبرأ إىل هللا" الرباءة معناها: نفي الشيء واالبتعاد عنه، كما يقال: برأ القلم إذا قطعه وأبعد جزءا منه، فالربء هو: البعد واالنقطاع، فـ "أبرأ إىل هللا" أي: ابتعد عن ذلك وأكرهه.

ليل" من الصحابة، فليس له من الصحابة خليل، والسبب يف ذلك، أن هللا "أن يكون يل منكم خاختذه خليال، واخللة ال تقبل االشرتاك، فال ميكن أن يكون خليل هللا وخليل أحد من اخللق، ألن اخللة البد أن تكون لواحد، ال تقبل االشرتاك، واخللة هي أعلى درجات احملبة، كما قال الشاعر:

مسلك الروح مين ... وبذا مسي اخلليل خليال ختللت وعباد هللا وأنبياؤه كلهم يشرتكون يف احملبة، فاهلل حيب التوابني، وحيب املتطهرين وحيب املتقني،

عليه وسلم وحيب احملسنني، أما اخللة فهي مل حتصل إال الثنني فقط، مها: حممد صلى اهللراهيم خليال} ، أما بقية األنبياء واملؤمنني فإن هللا حيبهم وإبراهيم، كما يف ق وله تعاىل {واختذ هللا إبـ

وحيبونه كما جاءت بذلك النصوص لكن مل يتخذ هللا منهم خليال.

عليه وسلم: "ولو كنت متخذا من أميت خليال" يعين: على فرض لو صح يل مث قال صلى اهلل از يل أن أختذ من أميت خليال.وج

)١/٢٩٢(

أال وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، إال فال تتخذوا القبور مساجد؛ فإين اكم عن ذلك" . أ

ـــــــــــــــــــــــــــــه أحب ، وأن-رضي هللا تعاىل عنه -"الختذت أبا بكر خليال" فهذا فيه فضيلة أيب بكر الصديق

عليه وسلم. الناس إىل رسول هللا صلى اهللوأبو بكر كنيته، أما امسه: فعبد هللا بن عثمان، ولقب بالصديق لكثرة صدقه مع هللا سبحانه

عليه وسلم ومع عباد هللا، فهو كثري الصدق، رضي هللا تعاىل عنه. وتعاىل ومع رسوله صلى اهللله: "ولو كنت متخذا من أميت خليال الختذت أبا بكر خليال" هذا فيه إشارة إىل استخالف ويف قو

عليه وسلم قال هذا يف آخر حياته، كما أنه صلى اهلل أيب بكر من بعده ألن الرسول صلى اهللل له عن عمر؛ أىب وغضب، وأمر عليه وسلم يف مرض موته أمر أبا بكر أن يصلي بالناس، وملا قي أن يؤمر أبو بكر أن يصلي بالناس، فهذا فيه إشارة إىل خالفته.

ويف ذلك رد على الرافضة الذين يبغضون أبا بكر الصديق، ويطعنون يف خالفته وخالفة إخوانه: ليا، عمر وعثمان، ويقولون: إن اخلالفة لعلي بعد الرسول، وإمنا الصحابة اغتصبوها، وظلموا ع

. فعلي رضي هللا هو اخلليفة الرابع وهذا بإمجاع املسلمني.-قبحهم هللا -هكذا يقولون عليه وسلم: "أال وإن من كان قبلكم "أال" : حرف تنبيه، "وإن من كان قبلكم مث قال صلى اهلل

ويبنون عليها املساجد يتخذون القبور مساجد" يعين أن اليهود والنصارى يغلون يف قبور األنبياء ويصلون عندها.

"أال فال تتخذوا القبور مساجد" كرر كلمة "أال" مرة ثانية ألجل التنبيه والتأكيد. ومعىن اختاذها مساجد أي: مصليات.

اكم عن ذلك" تأكيد بعد تأكيد، ألمهية هذا األمر. مث مل يقتصر على هذا، بل قال: "فإين أ معنيني: واختاذ القبور مساجد على

ذا احلديث : اختاذها مصليات يصلى عندها وإن مل ينب مسجد، كما - املعىن األول: وهو املراد يأيت.

)١/٢٩٣(

ى عنه يف آخر حياته، مث إنه لعن من فعله. -وهو يف السياق - فقد فإن والصالة عندها من ذلك، وإن مل ينب مسجد، وهو معىن قوهلا: "خشي أن يتخذ مسجدا"،

الصحابة مل يكونوا ليبنوا حول قربه مسجدا. ـــــــــــــــــــــــــــــ

املعىن الثاين: أن يبىن عليها مسجد كما حصل من اليهود والنصارى وكما حصل يف القرون املتأخرة من هذه األمة.

طميون يف كما يقول الشيخ: تقي الدين هم: الشيعة الفا - وأول من بين املساجد على القبورمصر واملغرب، مث قلدهم اخلرافيون الذين ينتسبون إىل أهل السنة من الصوفية وغريهم، وبنوا عليه على القبور، وهذا إمنا حدث بعد القرون املفضلة، اليت أثىن عليها رسول هللا صلى اهلل

وسلم.ى عنه يف آخر حياته" يعين: مث نقل الشيخ رمحه هللا كالم شيخ اإلسالم ابن تيمية فقال: "فقد

.-كما يف حديث جندب -قبل أن ميوت خبمس" يف سياق املوت، كما يف حديث عائشة الذي سبق: أنه صلى -وهو يف السياق -"مث إنه لعن

ا كشفها، فقال وهو عليه وسلم ملا نزل به جعل يطرح مخيصة له على وجهه، فإذا اغتم اهلل: "لعنة هللا على اليهود والنصارى اختذوا قبور أنبيائهم -يعين: يف هذه احلالة احلرجة - كذلك

مساجد".قالت عائشة رضي هللا عنها: حيذر ما صنعوا، ولوال ذلك ألبرز قربه، غري أنه خشي أن يتخذ

مسجدا.م مع صومون عن ذلك رضي قال الشيخ: "فإن الصحابة مل يكونوا ليبنوا حول قربه مسجدا" أل

هللا عنهم، وال ميكن ذلك أبدا يف حقهم، بل مل تنب املساجد يف القرون األربعة كلها، ألن القرون م، مث الذين عليه وسلم بقوله: "خريكم قرين، مث الذين يلو األربعة أثىن عليها رسول هللا صلى اهلل

م"، فإذا كانت القرون األربعة مل ينب فيها على القبور مساجد فكيف يبىن يف عهد الصحابة يلوالذين هم القرن األول، رضي هللا تعاىل عنهم؟، فدل على أن املراد باختاذها مساجد: حتري

الصالة عندها ظنا أن

)١/٢٩٤(

ذ مسجدا، بل كل موضع يصلى فيه يسمى مسجدا كما وكل موضع قصد الصالة فيه فقد اخت عليه وسلم: "جعلت يل األرض مسجدا وطهورا" .قال ص لى اهلل ـــــــــــــــــــــــــــــ

ا يستجاب الدعاء عندها، ألن ذلك وسيلة من وسائل الشرك، الصالة عندها فيها مزية، وأى عن الصالة عند القبور، واختاذها عليه وسلم ا لذريعة الشرك، والنيب صلى اهلل مساجد سد

ألنه إذا صلي عندها، ودعي عندها، فإن ذلك يتطور وتدعى من دون هللا، وتعبد من دون هللا، كما حصل عند األضرحة اآلن حيث صارت تعبد من دون هللا؛ فيذبح هلا، وينذر هلا، ويستغاث

وهلا كما يطاف بالكعبة، كل ذلك ألن باملوتى، ويتمرغ على تربتها، ويعكف عندها، ويطاف ح الباب فتح ملا بين عليها.

مث قال رمحه هللا: "وكل موضع قصدت الصالة فيه" أي: كل موضع يرتدد عليه ويصلى فيه، ذ مسجدا" وإن مل ينب، ولو كان صحراء فهو سواء كان عنده قرب أو ليس عنده قرب "فقد اخت

الة ومكان سجود.يسمى مسجدا، يعين: مكان ص "بل كل موضع يصلى فيه يسمى مسجدا" حىت لو مل يـنب عليه.

عليه وسلم: "جعلت يل األرض مسجدا وطهورا" يعين: صاحلة للصالة فيها. "كما قال صلى اهللعليه فدل على أن املكان الذي يصلى فيه يسمى مسجدا، سواء قصد أو مل يقصد، سواء بين

أومل ينب. فاحلاصل؛ أن معىن اختاذ القبور مساجد يشمل معنيني:

املعىن األول: الصالة عندها وإن مل ينب مسجد، وهذا هو املعىن املراد من األحاديث. عليه -أيضا -واملعىن الثاين: بناء املساجد فيها والقباب، وهذا منهي عنه، فإن النيب صلى اهلل

قال لعلي بن أيب طالب: "ال تدع قربا مشرفا إال سويته" يعين: إال هدمته، وسويته باألرض، وسلم ألن هذا يفنت الناس، ويصبح وسيلة من وسائل الشرك.

)١/٢٩٥(

وألمحد بسند جيد عن ابن مسعود مرفوعا: "إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء، ساجد". رواه أبو حامت يف صحيحه.والذين يتخذون القبور م

ـــــــــــــــــــــــــــــ مث قال: "وألمحد" أي: ألمحد بن حنبل رمحه هللا.

عليه وسلم، يعين: وليس من كالم ابن "بسند جيد، عن ابن مسعود مرفوعا" إىل النيب صلى اهلل

ع ليه وسلم.مسعود، وإمنا هو من كالم الرسول صلى اهلل "إن من شرار الناس" شرار مجع: شر، وشر أفعل تفضيل، مبعىن أشر، أي: أشد الناس شرا.ا اخللق إال -"الذين تدركهم الساعة" أي: قيام الساعة، وذلك عند نفخة الصعق اليت ميوت

عق من يف السماوات ومن يف ، وهي املذكورة يف قوله تعاىل: {ونفخ يف الصور فص - من شاء هللااألرض إال من شاء هللا} صعقوا أي: ماتوا مرة واحدة من أثر الصعقة، إذا نفخ إسرافيل يف

الصورة النفخة األوىل صعق كل األحياء، إال من استثىن هللا سبحانه وتعاىل بقوله: {إال من شاء يه أخرى فإذا هم قيام يـنظرون} وهذه نفخة البعث. األوىل نفخة املوت، هللا} ، {مث نفخ ف

والثانية: نفخة البعث، ينفخ إسرافيل عليه السالم يف الصور مرة ثانية، فيقومون من قبورهم أحياء نفختان: نفخة ميشون: {فإذا هم قيام يـنظرون} ، وهذا بقدرة هللا سبحانه وتعاىل، فهاتان

الصعق، ونفخة البعث.فخ يف الصور فـفزع من يف وهناك نفخة ثالثة ذكرها هللا يف آخر سورة النمل: {ويـوم يـنـ

كشيخ اإلسالم -السماوات ومن يف األرض إال من شاء هللا} فهذه نفخة الفزع، وبعض العلماء أن النفخات ثالثة:يرون -ابن تيمية وغريه

نفخة الفزع، وهي املذكورة يف سورة النمل. ونفخة املوت. ونفخة البعث. ومها املذكورتان يف سورة الزمر.

وبعض العلماء يرى أنه ليس هناك إال نفختان: نفخة الصعق، ونفخة البعث، ونفخة الصعق هذه عندهم هي نفخة الفزع، يفزعون مث ميوتون.

هم شرار الناس، ألن املؤمنني ميوتون -وهو: نفخة الصعق - احلدث اهلائل فالذين حيضرون هذا عليه وسلم: "ال تقوم الساعة ويف األرض من يقول: هللا، هللا" ألنه قبل ذلك، كما قال صلى اهلل

إذا كان فيها من يقول: هللا، هللا، ويذكر هللا فاحلياة تبقى يف

)١/٢٩٦(

ن ذكر هللا والتوحيد والعبادة عمارة هلذه األرض، فإذا فقد ذلك أستحق أهلها هذه الدنيا، أل العقوبة، فيحصل بذلك املوت العام.

عليه وسلم: "ال تزال طائفة من أميت على احلق ظاهرين ال يضرهم من خذهلم، أما قوله صلى اهللم ميوتون قبل ذلك، يقبض هللا أرواحهم قبل وال من خالفهم حىت يأيت أمر هللا" فاملراد بذلك أ

ذلك بريح يرسلها هللا تقبض روح كل مؤمن ومؤمنة، وال حيضرون هذا احلدث املروع، رمحة من م. هللا تعاىل

يستفاد من هذين احلديثني مسائل عظيمة:ا صفة من صفاته، وأنه املسألة األوىل: يستفاد من احلديثني إثبات احملبة هللا سبحانه وتعاىل، وأ

حيب أولياءه ورسله، وحيب عباده املؤمنني، وهذه صفة من صفاته الالئقة جبالله، كما يبغض الكافرين واملنافقني، ويكره، وميقت، ويغضب، ويرضى، ويضحك، كل هذه من صفاته سبحانه

وتعاىل، وهي صفات الئقة به جل وعال.م يثب تون ما جاء يف الكتاب والسنة من صفاته الذاتية، ومن وهذا مذهب أهل السنة واجلماعة أ

صفاته الفعلية سبحانه وتعاىل على ما يليق جبالله، ومن ذلك: أثبات احملبة، وأنه حيب. وتكرر لتـوابني ذكر حمبته لعباده يف آيات كثرية: {فسوف يأيت هللا بقوم حيبـهم وحيبونه} ، {إن هللا حيب ا

يان مرصو رين} ، {إن هللا حيب الذين يـقاتلون يف سبيله صفا كأنـهم بـنـ )} ، ٤ص(وحيب المتطه إىل غري من اآليات واألحاديث اليت تثبت أن هللا حيب عباده املؤمنني.

لة أعلى درجات احملبة، ولذلك مل حتصل إال املسألة الثانية: يف احلديث دليل على أن اخل ، أما بقية األنبياء والصاحلني فإن هللا حيبهم، -عليهما الصالة والسالم -للخليلني: حممد وإبراهيم

لكن مل تصل حمبتهم إىل مرتبة اخللة. عليه وسلم حيب أصحابه؛ فيحب عائشة، وحيب أبا بكر، وحيب عمر، وكذلك النيب صلى اهلل

، أما اخللة فإنه مل - عليه الصالة والسالم - وقال ملعاذ: "يا معاذ إين أحبك" فهو حيب أصحابه خيالل أحدا منهم حىت وال أبا بكر، ألن اخللة ال تقبل االشرتاك، فلم

)١/٢٩٧(

بة. وقوال تكن إال هلل سبحانه وتعاىل خالصة، فهذا فيه دليل على أن اخللة أعلى درجات احمل عليه بعض الصحابة: خليلي رسول هللا هذا من قبل الصحايب ال من قبل الرسول صلى اهلل

وسلم.، حيث -عليهما الصالة والسالم -املسألة الثالثة: فيه دليل على فضل اخلليلني: حممد وإبراهيم

ناال هذه املرتبة اليت مل ينلها أحد غريهم. عليه وسلم املسألة الرابع ة: يف احلديث دليل على فضل أيب بكر الصديق، ألن الرسول صلى اهلل

قال: " لو كنت متخذا من أميت خليال الختذت أبا بكر خليال" فهذا فيه فضيلة أيب بكر، وفيه إشارة إىل استخالفه من بعده.

القبور، وبناء املساجد عليها، ألن قوله املسألة اخلامسة: يف احلديث دليل على حترمي الصالة عند عليه وسلم: "فال تتخذوا القبور مساجد" يشمل املعنيني: الصالة اجملردة عن البناء، أو صلى اهلل

ا لذريعة الشرك، ال كما يقوله من قل مع البناء على القرب، كله من اختاذها مساجد، وذلك سدزعم أن العلة هي: جناسة املكان، فهذه علة غري صحيحة، ألن املكان فهمه أو أراد التضليل ممن

ليس فيه جناسة. أو من قال: املراد ال يصلي فوق القرب.املسألة السادسة: يف احلديث دليل على بطالن الصالة عند القبور، أو يف املساجد املبنية على

عليه وسلم ى عن ذلك، والنهي يقتضي الفساد عند األصوليني، القبور، ألن الرسول صلى اهللفالذي يصلي عند القرب صالته غري صحيحة، فعليه أن يعيد الفريضة، ألن صالته عند القرب أو

ا صالة منهي عنها، والصالة املنهي عنها غري يف املسجد املبين على القرب غري صحيحة، أل مشروعة، فهي ال تصح.حلديث دليل على أن الذين يتخذون القبور مساجد شرار اخللق، فالذين املسألة السابعة: يف ا

يفعلون هذا الفعل سواء كانوا من اليهود أو من النصارى أو من املنتسبني إىل اإلسالم هم شر اخللق، ال أحد شر منهم، والعياذ باهلل.

وإمنا تقوم على املسألة الثامنة: أن احلديث يدل على أن الساعة ال تقوم على أهل اإلميان، الكفار، ألن أهل اإلميان من خري الناس، وليسوا شر الناس،

)١/٢٩٨(

فال تقوم عليهم الساعة، وإمنا ميوتون قبل ذلك، تقبض أرواحهم كما دلت على ذلك األحاديث عليه وسلم، وأن هللا يرسل رحيا قبل قيام الساعة ت قبض روح كل مؤمن الواردة عن النيب صلى اهلل

م ليس ومؤمنة، فال يبقى يف األرض إال الكفار وشرار اخللق، يتهارجون كما تتهارج احلمر، أل عندهم دين، وال خلق، وال مروءة.

)١/٢٩٩(

[الباب احلادي والعشرون:] * باب ما جاء أن الغلو يف قبور الصاحلني يصريها أوثانا تعبد من دون هللا

ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله رمحه هللا: "باب ما جاء" أي: من الوعيد.

"إن الغلو يف قبور الصاحلني" الغلو تقدم لنا معناه، وهو: الزيادة عن احلد املشروع.والغلو يف قبور الصاحلني هو: الزيادة يف تعظيمها، ألن ذلك يؤدي إىل الشرك، ألن املشروع يف

ا - لمني عموما وقبور املس -قبور الصاحلني احرتامها، وعدم إهانتها، وصيانتها عن األذى، وزيارللسالم على األموات، والدعاء هلم، واالعتبار بأحواهلم، هذا هو املشروع، أما الغلو فهو قصدها للتربك، أو الدعاء عندها، أو الصالة عندها رجاء اإلجابة، هذا هو الغلو، ألن هذا مل يشرعه هللا

وألنه وسيلة إىل الشرك. وال رسوله، "يصريها" أي: جيعلها يف املستقبل، وعلى امتداد الزمان.

"أوثانا تعبد" األوثان: مجع وثن، والوثن ما عبد من دون هللا من قرب، أو شجر، أو حجر، أو بقاع، أو غري ذلك، أما الصنم فهو: ما عبد من دون هللا وهو على صورة إنسان أو حيوان، كما

تم هلا كان ق وم إبراهيم يعبدون التماثيل: {إذ قال ألبيه وقـومه ما هذه التماثيل اليت أنـ)} ، والتماثيل مجع متثال، وهو: ما كان على صورة إنسان، أو حيوان هذا هو ٥٢عاكفون(

الفرق بني الوثن والصنم، وقد يراد بالصنم الوثن، والعكس.محه هللا يقول: إذا ذكر أحدمها مشل اآلخر، إذا ذكر الصنم فقط دخل فيه الوثن، وإذا والشارع ر

ذكر الوثن فقط دخل فيه الصنم، أما إذا ذكرا مجيعا افرتقا يف املعىن، فصار الصنم: ما كان على غري شكل متثال، وأما الوثن فرياد به: ما عبد من دون هللا من الشجر، واحلجر، والقبور والصور و

ا تعبد من دون هللا ذلك، ومل يكن على صورة متثال، فبينهما عموم وخصوص مطلق، جيمعها أ عز وجل.

)١/٣٠٠(

عليه وسلم قال: "اللهم ال جتعل قربي وثنا يعبد، روى مالك يف "املوطأ" أن رسول هللا صلى اهلل مساجد ". اشتد غضب هللا على قوم اختذوا قبور أنبيائهم

ـــــــــــــــــــــــــــــقال "روى مالك" هو: مالك بن أنس إمام دار اهلجرة واحد األئمة األربعة اجملتهدين: الذين هم

أبو حنيفة، ومالك، والشافعي وأمحد أصحاب املذاهب األربعة الباقية.هب ابن جرير وهناك مذاهب ألهل السنة، لكن انقرضت، مثل:. مذهب سفيان الثوري، ومذ

الطربي.يعين: -فمالك هو أحد األئمة األربعة املقلدين، وهو إمام جليل، يسمى بإمام دار اهلجرة

، ويسمى عامل املدينة، واشتهر يف وقته، حىت قيل: ال يفىت ومالك يف املدينة، وذلك -املدينة لعظيم منزلته وثقة الناس به، رمحه هللا رمحة واسعة.

وطأ: كتاب ألفه مالك يف احلديث والفقه، حيث يذكر فيه األحاديث ويذكر فقهها، "يف املوطأ" امل

وما يؤخذ منها، فهو كتاب عظيم من الكتب اليت مجعت بني الفقه واحلديث، ومرجع من مراجع األمة اإلسالمية، شرحه علماء كثريون، لكن أشهر شروحه: "التمهيد" البن عبد الرب، وشرحه أبو

، وشرحه السيوطي، وله شروح كثرية، -أيضا - باجي يف كتابه: "املنتقى"، وشرحه الزرقاينالوليد اللكن أشهرها وأعظمها وأكثرها فائدة هو: كتاب: "التمهيد" لإلمام ابن عبد الرب النمري رمحه

هللا.أه للناس مسي املوطأ من التوطئة وهي: التسهيل والتقريب، ألنه رمحه هللا سهله للناس، ووط

برتتيبه وتبويبه، حىت أصبح سهال، هذا معىن تسميته باملوطأ. عليه وسلم قال: "اللهم ال جتعل قربي وثنا يعبد" هذا دعاء من الرسول "إن رسول هللا صلى اهلل

عليه وسلم، دعا به ربه أن يصون قربه من الغلو به، كما حصل لقبو ر األنبياء السابقني صلى اهللمن اليهود والنصارى حيث غلوا يف قبور أنبيائهم، فقال: "اللهم ال جتعل قربي وثنا يعبد" فدل

على أن الغلو يف القرب يصريه وثنا، وهذا الشاهد من احلديث للباب، ولكن هللا محاه وهلل احلمد، استجابة لدعوة - بإذن هللا - قى مصونا محاه بأن دفن يف بيته، ومنع الناس من الوصول إليه وسيب

عليه وسلم، ودفن يف بيته من أجل هذا، كما مر قول عائشة: "ولوال ذلك ألبرز رسوله صلى اهلل عليه وسلم يف بيته له سر عظيم، هو: قربه، غري أنه خشي أن يتخذ مسجدا" فدفنه صلى اهلل

اس له بالدعاء، والصالة عنده، والتربك به، يقول ابن القيم رمحه هللا:صيانته من قصد الن

)١/٣٠١(

فأجاب رب العاملني دعاءه ... وأحاطه بثالثة اجلدرانواملشروع: السالم عليه من غري مكوث عنده وطول قيام وال تكرر زيارة كما كان الصحابة

يفعلون ذلك: عليه وسلم فيقول: -رإذا جاء من سف - فقد كان ابن عمر يقف مقابل وجه النيب صلى اهلل

السالم عليك يا رسول هللا، مث يتأخر إىل جهة الشرق قليال فيقول: السالم عليك يا أبا بكر، مث يتأخر قليال فيقول: السالم عليك يا أبت، مث ينصرف.

عليه وسلم وعلى صاحبيه رضي وهكذا كان عمل املسلمني عند السالم على الرسول صلى ا هللهللا عنهما، ما كانوا جيلسون، وما كانوا يرتددون، حىت إن الصحابة يف املدينة ما كانوا كلما دخلوا

إىل املسجد راحوا يسلمون على الرسول، ألن هذا يعترب من الغلو، إمنا كانوا يسلمون على ، فالصحابة يأتون إىل - عمر رضي هللا تعاىل عنه كما فعل ابن -الرسول إذا جاءوا من سفر

املسجد، ويرتددون عليه للصالة، ولطلب العلم، ولالعتكاف فيه، لكن ما كانوا كلما دخلوا

م عرفوا أن هذا من الغلو الذي حذر منه عليه وسلم، أل ذهبوا يسلمون على الرسول صلى اهلل علي ه وسلم، وهم أعلم الناس وافقه الناس مبقاصد الرسول. ومن أجل ذلك ما النيب صلى اهلل

كانوا يرتددون على القرب، حىت إن مالكا رمحه هللا، كان يكره أن يقول اإلنسان: زرت قرب عليه وسلم مل عليه وسلم، ألن زيارة قرب الرسول صلى اهلل ا دليل خاص، الرسول صلى اهلل يرد

واألحاديث املروية يف زيارة قربه كلها موضوعة أو ضعيفة شديدة الضعف، مل يثبت منها شيء، عليه وسلم: "زوروا القبور، عليه وسلم يف عموم قوله صلى اهلل وإمنا تدخل زيارة قربه صلى اهلل

ا تذكركم اآلخرة"، فزيارة قرب عليه فإ ا النيب صلى اهلل ه تدخل يف عموم زيارة القبور اليت أمر عليه وسلم، فهذا مل يثبت أبدا، كما وسلم، أما أنه ورد لفظ خاص بزيارة قرب الرسول صلى اهلل

م من نبه على ذلك احلفاظ؛ كشيخ اإلسالم ابن تيمية، وابن حجر، وابن عبد اهلادي، وغريه األئمة احلفاظ.

والبن عبد اهلادي كتاب مستقل امسه: "الصارم املنكي يف الرد على السبكي" تناول األحاديث عليه وسلم، فبني ما ا السبكي على مشروعية السفر لزيارة قرب الرسول صلى اهلل اليت استدل

فيها من املقال واحدا واحدا، حىت أتى على آخرها. كتاب نفيس جدا، حيتاجه طالب العلم، -الصارم املنكي -ذا الكتابفه

)١/٣٠٢(

ت والعزى( تم الال رأيـ )} قال: ١٩والبن جرير بسنده: عن سفيان، عن منصور، عن جماهد: {أفـ "كان يـلت هلم السويق، فمات، فعكفوا على قربه".

ـــــــــــــــــــــــــــــذه األحاديث اليت ال تصلح لالحتجاج. ليتسلح به ضد اخلرافيني الذي حيتجون

عليه وسلم: "اشتد غضب هللا على قوم اختذوا قبور أنبيائهم مساجد" حتذير مث قال صلى اهلل عليه وسلم لعن اليهود والنصارى و هو بعد حتذير، حيث سبق عدة مرات أن الرسول صلى اهلل

م اختذوا قبور أنبيائهم مساجد؛ حيذر ما صنعوا، وقال قبل أن ميوت -يف سياق املوت أل: "أال إن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد إال فال تتخذوا القبور -خبمس

مساجد" وهنا يقول: "اشتد غضب هللا" . "غضب هللا" والغضب صفة من صفاته سبحانه وتعاىل يغضب، كما أنه يفرح ويضحك وحيب، كما جاءت بذلك النصوص، وكل هذه الصفات فاهلل

تليق جبالله، ليس كغضب املخلوق، وال كفرح املخلوق، وال كضحك املخلوق، وحيب كما يليق جبالله ال كمحبة املخلوق.

غري ونثبت هلل ما أثبته لنفسه أو أثبته له رسوله من الصفات من غري حتريف وال تأويل، ومنتكييف وال متثيل، فنثبت أن هللا يغضب، وأنه يشتد غضبه، وأنه ميقت، واملقت أشد الغضب:

{لمقت هللا أكبـر من مقتكم أنـفسكم} ، فاهلل ميقت مبعىن: أنه يشتد غضبه. وهذا فيه أن من جعل القرب مسجدا فقد اختذه وثنا يعبد.

ا اآلن، وينذر هلا، ويذبح هلا، ودل على أن هذه األضرح ة املبنية على القبور اليت يطاف ا أوثان، ال فرق بينها وبني الالت والعزى ومناة الثالثة األخرى، وإن مسوها مساجد، ويستغاث

أو مسوها مقامات للصاحلني، فالتسمية ال تغري املعىن، فهي أوثان كما مساها الرسول صلى اهلل ه وسلم.علي

مث قال: "والبن جرير" ابن جرير هو: اإلمام اجلليل، إمام املفسرين، حممد بن جرير الطربي، صاحب كتاب "التفسري" الذي أصبح مرجعا للمفسرين الذين جاءوا من بعده، فأعظم التفاسري

السنة، بل هو تفسري ابن جرير، أما تفاسري أهل الكالم وأهل املنطق فليس مرجعها كتب أهل مرجعها قواعد املنطق وعلم الكالم،

)١/٣٠٣(

مثل: "تفسري الرازي" و"تفسري الزخمشري" وفيها من اخللط، وفيها مر الشر الشيء الكثري، وإن كان فيها فوائد، "تفسري الزخمشري" فيه فوائد لغوية، وأسرار بالغية، وبيان لتفسري األلفاظ من

لناحية، ولكنه من ناحية العقيدة ومن ناحية التأويل يشتمل على جهة اللغة، فهو جيد من هذه اكثري من الشر والقول خبلق القرآن، فهو من هذه الناحية تفسري خمتلط، ال يصلح أن يطالع فيه

إال طالب العلم املتأصل من أجل أن يأخذ ما فيه من الفوائد، ويرتك ما فيه من األباطيل، أما صلح أن يطالع يف تفسري الزخمشري.املبتدئ واجلاهل فال ي

وأما: "تفسري الرازي" فهو أكثر شيئا شرا من: "تفسري الزخمشري" ألنه كله جدل وافرتاضات، وأحيانا يأيت بإشكاالت وال جييب عليها.

إمنا التفاسري املوثوقة هي التفاسري املبنية على كالم هللا عز وجل على قواعد التفسري املعروفة: ري القرآن بالقرآن، أو تفسري القرآن بالسنة، أو تفسري القرآن بأقوال الصحابة، أو تفسري تفس

القرآن مبقتضى اللغة العربية، هذه وجوه التفسري. أما أن يدخل فيها علم الكالم وعلم املنطق، فهذا ليس من التفسري.وكذلك: "تفسري البغوي" فأوثق التفاسري هو: "تفسري ابن جرير" وكذلك: "تفسري ابن كثري"،

هذه كتب موثوقة، تنهج منهج السلف، وتفسر القرآن بالوجوه املعروفة اليت هي وجوه التفسري

الصحيحة، وما عداها ففيه خلط.وكل مفسر له اجتاه، بعضهم يتجه إىل النحو كأيب حيان، وبعضهم يتجه إىل البالغة كالزخمشري،

لقرطيب.وبعضهم يتجه إىل األحكام الفقهية كاقال: "عن سفيان" سفيان هذا حيتمل أنه: سفيان بن عيينة، اإلمام املشهور، وحيتمل أنه: سفيان

الثوري، وهذا هو الذي رجحه الشارح. وسفيان الثوري إمام جليل يف علم احلديث ويف علم الفقه، وله مذهب مستقل، لكنه انقرض.

م جليل وثقة."عن منصور" منصور هو: منصور بن املعتمر، إمارضي هللا تعاىل -"عن جماهد" جماهد بن جرب، التابعي اجلليل، من أكرب تالميذ عبد هللا بن عباس

، وهو الذي يقول: "عرضت املصحف على ابن- عنهما

)١/٣٠٤(

وكذا قال أبو اجلوزاء عن ابن عباس: "كان يـلت السويق للحاج". عليه وسلم زائرات القبور، وعن ابن عباس رضي هللا عنه قال: "لع ن رسول هللا صلى اهلل

واملتخذين عليها املساجد والسرج " رواه أهل السنن. ـــــــــــــــــــــــــــــ

عباس من أوله إىل آخره، أقف عند كل آية، وأسأله عن معناها" هذا هو جماهد بن جرب، من .- رضي هللا تعاىل عنهما - ميذ عبد هللا بن عباسأكرب أئمة املفسرين، ومن أكرب تال

ت والعزى( تم الال رأيـ )} " هذه أمساء أصنام العرب.١٩"يف قوله تعاىل: {أفـل عند قديد، الالت يف الطائف، والعزى يف مكة عند عرفات، ومناة على طريق املدينة باملشل

حج. والشاهد من ذلك: الالت.كان حيرم منها املشركون إذا جاءوا لل "قال: كان يـلت هلم السويق " ولت السويق هو: خلطه بالسمن.

كان هذا الرجل يعمل هذا العمل من أجل إطعام الناس، يعين: حيسن إىل الناس، فأحبوه، م به، ألنه يبذل الطعام، فلما مات عكفوا على قربه حىت صار وثنا. وتعلقت قلو

عكفوا على قربه " دل على أن الغلو يف قبور الصاحلني يصريها أوثانا تعبد من دون هللا، "فمات، ف الن الالت رجل صاحل ما صار قربه وثنا إال بسبب الغلو فيه، والعكوف عند قربه.

"وكذا قال أبو اجلوزاء" وأبو اجلوزاء هو: سفيان بن عبد هللا الربعي.لت السويق للحاج" هذا مثل رواية ابن جرير، يف أن الالت اسم "عن ابن عباس قال: كان يـ

رجل غلو يف قربه حىت صار وثنا يعبد.

عليه وسلم"" اللعن هو: قال: "وعن ابن عباس رضي هللا عنهما قال: "لعن رسول هللا صلى اهلل الطرد واإلبعاد عن رمحة هللا عز وجل.

: دعا عليهم باللعنة.ومعىن "لعن رسول هللا" فهذا فيه دليل على لعن أصحاب الكبائر.

"زائرات القبور" أي: النساء الاليت تزور القبور.

)١/٣٠٥(

فدل هذا على حترمي زيارة النساء للقبور، وهذا مذهب اجلمهور أهل العلم، أنه ال جيوز للنساء أن تزور القبور هلذا احلديث.عيفة، فإذا رأت قرب قريبها من ابنها، أو أبيها، أو أخيها، أو زوجها، قال العلماء: ألن املرأة ض

ا ال متلك نفسها من النياحة ومن اجلزع. فإوأيضا: املرأة عورة، فإذا ذهبت إىل املقابر واختلطت بالرجال حصل من ذلك فواحش وزىن

ا فتنة، كما هو الواقع اآلن عند األضرحة من اختالط النساء با لرجال، وما حيصل من وشر، أل املفاسد.

عليه وسلم: - وذهب بعض العلماء إىل جواز زيارة النساء للقبور أخذا من عموم قوله صلى اهللا تذكر باآلخرة" قالوا: هذا لفظ عام يدخل فيه يتكم عن زيارة القبور، فزوروها فإ "كنت

الرجال والنساء. واجلواب عن ذلك من وجهني:

لوجه األول: أن قوله: "فزوروها" هذا اخلطاب للرجال، وخطاب الرجال ال تدخل فيه النساء.اذا احلديث. الوجه الثاين: أنه على فرض أن هذا اخلطاب عام للرجال والنساء، فإنه خمصوص

بأن عائشة رضي هللا عنها زارت قرب أخيها عبد الرمحن. قالوا: فهذا دليل على -أيضا - واحتجوا جواز زيارة النساء للقبور.

ا مل يبلغها النهي، ولو بلغها النهي مل تكن واجلواب عن ذلك: أن فعل عائشة هذا حممول على أ عليه وسلم. لتخالف رسول هللا صلى اهلل

ا بلغها هذا احلديث، فهذا اجتهاد منها، وال شك أن احلجة يف واجلواب الثاين: وعلى فرض أ عليه وسلم ال يف اجتهاد اجملتهدين.حديث رسول هللا صلى اهلل

فبناء على ذلك فالقول الصحيح الراجح هو: منع النساء من زيارة القبور، وأن كان بعض

الباحثني يف هذا العصر أظهر هذه املسألة وكتب فيها، وأباح للنساء زيارة القبور، فهذا قول إمنا أثار هذه املسألة فقط، وال جيوزمرجوح، ومل يأت جبديد و

)١/٣٠٦(

لطالب العلم أنه يتتبع املسائل الغريبة ويذهب يثريها من جديد، ويبعثها على الناس من جديد، ملا يرتتب على ذلك من املفاسد.

ا قوله: "زائرات القبور، واملتخذين عليها املساجد والسرج" أما لعنه املتخذين عليها املساجد فهذ عليه وسلم: "لعنة هللا على اليهود والنصارى اختذوا قبور أنبيائهم سبق يف قوله صلى اهلل

مساجد" .وأما لعنة املتخذين عليها السرج، فاملراد بذلك: إضاءة املقربة باألنوار. ألن هذا وسيلة إىل الغلو

ا، ويرتددون يف القبور، ويفضي إىل الشرك، فإن هذا جيلب إليها أنظ ار الناس واجلهال، مث يزوروعليها، مث يؤول هذا إىل الشرك، فال جيوز أن تضاء املقابر، بل جتعل املقابر خالية من اإلضاءة، م يأخذون معهم سراجا، كما فعل النيب صلى اهلل وإذا احتاج الناس إىل دفن ميت يف الليل فإ

حابة عند الدفن بالليل.عليه وسلم والص ويف هذه النصوص فوائد عظيمة:

الفائدة األوىل: أن الغلو يف قبور األنبياء يصريها أوثانا تعبد من دون هللا بدليل قوله صلى اهلل عليه وسلم: "اللهم ال جتعل قربي وثنا يعبد" .

عليه وسلم: "اشتد غضب هللا على قوم ومن الغلو فيها: اختاذها مساجد، كما قال صلى اهلل اختذوا قبور أنبيائهم مساجد" يعين: مصليات، يصلون عندها رجاء اإلجابة.

عليه وسلم، وأجاب دعاءه، فحفظ من الفائدة الثانية: أن هللا سبحانه صان قرب رسوله صلى اهللالوصول إليه، بل متنع رؤيته والوصول إليه، كل ذلك من الغلو فيه، وأحيط باجلدارن اليت متنع

عليه وسلم. أجل منع الغلو يف قربه صلى اهللالفائدة الثالثة: فيه أن العكوف على قبور الصاحلني يصريها أوثانا تعبد من دون هللا، كما حصل

كما أن الشرك حصل يف قوم نوح لقرب الالت، فإنه صار وثنا بسبب العكوف عنده بعد موته، واحدة مع األولني واآلخرين، يأيت الناس -لعنه هللا - بسبب الغلو يف الصاحلني، فسياسة إبليس

من باب الغلو يف الصاحلني. الفائدة الرابعة: فيه الرد على من زعم أن البناء على قبور الصاحلني من حمبة

)١/٣٠٧(

نون على قبور الصاحلني ألنكم تبغضون الصاحلني.الصاحلني، ويقولون: أنتم ال تبففي هذا احلديث وهذه اآلية رد عليهم وأن البناء على قبورهم والغلو فيها ليس من حمبتهم،

وإمنا هو من اختاذهم أوثانا تعبد من دون هللا. الفائدة اخلامسة: يف احلديث دليل على حترمي زيارة النساء للقبور، وهو خمصص لقول ه صلى اهلل

عليه وسلم يف أول يتكم عن زيارة القبور فزوروها" ، فالرسول صلى اهلل عليه وسلم: "كنت م كانوا حديثي عهد بالشرك وباجلاهلية، األمر منع من زيارة القبور مطلقا للرجال والنساء، أل

فيهم شيء من أمور اجلاهلية عند القبور، فلما فمنعهم من زيارة القبور خشية من أن يرتسب م، وعرفوا التوحيد، أذن للرجال يف زيارة القبور خاصة، ومنع النساء، ألن استقر التوحيد يف قلو

احملذور باق يف حقهن.الفائدة السادسة: يف احلديث دليل على حترمي إضاءة املقابر باألنوار، بأي وسيلة، سواء كان

و كان بالكهرباء، أو غري ذلك، كل أنواع اإلضاءة على حسب األزمنة ممنوعة، بالسرج، أوالواجب أن تكون القبور خالية من اإلضاءة، ألن اإلضاءة وسيلة إىل اختاذها أوثانا، والرسول

عليه وسلم لعن من فعل ذلك، ألنه وسيلة إىل الشرك. صلى اهلل

)١/٣٠٨(

لعشرون:][الباب الثاين وا عليه وسلم جناب التوحيد وسده إىل طريق يوصل إىل * باب ما جاء يف محاية املصطفى صلى اهلل

الشرك ـــــــــــــــــــــــــــــ

عليه وسلم جلناب التوحيد، هذا الباب عقده الشيخ رمحه هللا يف بيان محاية املصطفى صلى اهللهي يف محاية التوحيد، لكن األبواب اليت قبله عامة، وما يف هذا -أيضا -بواب اليت قبلهواأل

الباب أمور خاصة، وإال كل األبواب السابقة: الغلو يف الصاحلني، وبناء املساجد على القبور، ى النيب صلى اهلل عليه وسلم والغلو يف القبور، كل هذا من الوسائل املفضية إىل الشرك، وقد

عنها سدا للطريق املوصل إىل الشرك، وهذه األبواب كلها يف موضوع واحد.وال تعجبوا من كون الشيخ كرر هذه األبواب واحدا بعد واحد، ألن هذه املسألة عظيمة، لصاحلني، فالشرك إمنا حصل يف هذه األمة بسبب الفتنة يف القبور والغلو فيها، وبسبب الغلو يف ا

عليه وسلم، فالشرك إمنا حصل يف هذه األمة بسبب هذه ا ألمور، والغلو يف الرسول صلى اهلل

منذ أن بنيت املساجد على القبور، ومنذ أن ظهر التصوف يف هذه األمة، والشرك يكثر ويتعاظم كرر الشيخ رمحه هللا يف هذا يف هذه األمة، من رحم هللا عز وجل، فاألمر خطري جدا، ولذلك

املوضوع، وأبدى وأعاد، ألنه هو املرض الذي أصاب األمة يف أجل أن ينبه العلماء، وينبه املسلمني على هذا اخلطر الشديد ليقوموا بعالجه، والدعوة إىل التوحيد، ونفي الشرك من هذه

لتايل يف النهاية يكثر اجلهل، وتعترب األمة، وإال إن سكت العلماء عن هذا األمر فإنه يتعاظم، وباى عنها من اخلارجني عن الدين كما حصل اآلن؛ أن من ينكر هذه األمور من الدين، ويعترب من

هذه األمور، وينبه الناس إىل خطرها، ويدعو إىل التوحيد يرمونه بأنه متشدد، وأنه خارج عن كر عبادة القبور صار خارجا عن األمة، وهذا األمة، ألن ا ألمة عندهم هم عباد القبور، ومن أن

، فالدين الذي جاءت به الرسل هو إخالص العبادة هلل عز - والعياذ باهلل- من قلب احلقائق وجل، هذا هو الدين.

عليهم - أما عبادة القبور فهي دين أيب جهل وأيب هلب ودين املشركني، ليست يف دين الرسلاجلهل، وظهر إتباع اهلوى حصل يف األمة ما حصل من جعل ، ولكن إذا ظهر- الصالة والسالم

هذه األمور الشركية من الدين، وجعل التوحيد هو اخلروج عن الدين، وال حول وال قوة إال باهلل.

)١/٣٠٩(

وقول هللا تعاىل: {لقد جاءكم رسول من أنـفسكم عزيز عليه ما عنتم} اآلية.............................................................................................

ـــــــــــــــــــــــــــــقوله: "باب ما جاء يف محاية املصطفى" املصطفى معناه: املختار، من الصفوة، أصله: مصتفى

طفي من المالئكة رسال ومن الناس} يعين: بالتاء، مث أبدلت التاء طاء، فصار مصطفى: {هللا يص )} ، أي: املختارين، ومنهم: نبينا حممد صلى ٤٧خيتار، {وإنـهم عندنا لمن المصطفني األخيار(

عليه عليه وسلم، بل هو خريهم وأفضلهم، فهو املصطفى صلى اهلل وسلم، اختاره هللا اهلل عليه وسلم. للرسالة، والقيام بدعوته على فرتة من الرسل، وهو خامت النبيني صلى اهلل

وقوله: "جناب التوحيد" اجلناب هو: اجلانب، فاجلناب واجلانب مبعىن واحد، أي: محايته صلى عليه وسلم حدود التوحيد من أن يدخ ل عليه الشرك بسبب وسائل الشرك والتساهل فيها، اهلل

ى عن كل سبب أو عليه وسلم محى حدود التوحيد محاية بليغة، حبيث أنه فالرسول صلى اهللل إىل الشرك، ولو كانت هذه الوسيلة يف أصلها مشروعة كالصالة، فإذا فعلت عند وسيلة توص

، ولو حسنت نية فاعلها، فالنية ال تربر وال تزكي العمل إذا كان القبور، فهو وسيلة إىل الشركيؤدي إىل حمذور، والدعاء مشروع، ولكن إذا دعى عند القرب، فهذا ممنوع، ألنه وسيلة إىل الشرك

ذا القرب، هذا سد الوسائل.ى عن البناء ى عن الدعاء عند القبور، و ى عن الصالة عند القبور، و على القبور، فالرسول

ى عن العكوف عند القبور، واختاذ القبور عيدا، إىل غري ذلك، كل هذا من الوسائل اليت وتفضي إىل الشرك، وهي ليست شركا يف نفسها، بل قد تكون مشروعة يف األصل، ولكنها تؤدي

عليه وسلم. إىل الشرك باهلل عز وجل، ولذلك منعها صلى اهلل"وقول هللا تعاىل: {لقد جاءكم رسول من أنـفسكم عزيز عليه ما عنتم} ومتام اآلية: قال:

{حريص عليكم بالمؤمنني رؤوف رحيم} ، هذه اآلية يف ختام سورة التوبة.قسم مقدر، تقديره: وهللا لقد جاءكم، قوله تعاىل: " {لقد جاءكم} " الالم الم القسم، تدل على وقد حرف حتقيق. واخلطاب للعرب خاصة، وهو للناس

)١/٣١٠(

............................................................................................

ـــــــــــــــــــــــــــــم، فاملنة عليهم به أعظم.أيضا، لكن للعرب خاصة ألن الرسول عريب - عامة ، بعث بلسا

" {لقد جاءكم} " أيها املسلمون عموما والعرب خصوصا. " {رسول} " الرسول هو: من أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه.

وأما النيب فهو: من أوحي إليه بشرع ومل يؤمر بتبليغه.ون عند قوله تعاىل: {وما أرسلنا من قـبلك هذا التعريف املشهور عند أهل العلم، ويذكره املفسر

من رسول وال نيب إال إذا متىن ألقى الشيطان يف أمنيته} ، من سورة احلج، يذكرون هناك تعريف ابه: الرسول وتعريف النيب، والفرق بينهما، وذكره شيخ اإلسالم ابن تيمية يف كتبه، وأشهرها كت

"النبوات": "الرسول من أوحي إليه بشرع، خبالف النيب فإن النيب يبعث بشريعة من قبله، كأنبياء بين إسرائيل، يبعثون بالدعوة إىل التوراة اليت نزلت على موسى عليه السالم".

وقد يوحى إىل النيب وحي خاص يف بعض القضايا، لكن الغالب أنه يبعث بشريعة سابقة، كأنبياء إسرائيل، أما الرسول فإنه يبعث بشريعة مستقلة.بين

واملراد بتبليغه هنا: اجلهاد واإللزام، أي: أمر أن يلزم الناس بإتباعه، وجياهدهم على ذلك،

خالف النيب فإنه يؤمر بالتبليغ، مبعىن: تعليم الناس شرع من قبله وإفتائهم فيه. وهذا مأمور به غري األنبياء، حىت العلماء.

فالتبليغ الذي معناه التعليم واإلفتاء، وبيان احلالل واحلرام واحلق من الباطل، هذا مأمور به كل من عنده علم، إمنا املراد بالتبليغ هنا: التبليغ اخلاص الذي هو اإللزام، واجلهاد على ذلك.

والنيب أيضا جياهد. لكن جياهد على شرع من قبله.ن جنسكم من العرب، تعرفون لسانه، وخياطبكم مبا تعرفون، كما قال " {من أنـفسكم} " أي: م

هلم} ، فهذا من نعمة هللا أن جعل هذا تعاىل: {وما أرسلنا من رسول إال بلسان قـومه ليبـنيو جعلناه قـرآنا الرسول عربيا يتكلم بلغتنا، ومل جيعله أعجميا ال نفهم ما يقول، وهلذا قال: {ول

لت آياته أأعجمي وعريب} . أعجميا لقالوا لوال فص فمن رمحة هللا أن جعل هذا الرسول يتكلم بلغتنا، ونعرف نسبه، ونعرف لغته،

)١/٣١١(

على هذه األمة، ومل ومل يكن أجنبيا ال نعرفه، أو يكن أعجميا ال نفهم لغته، هذا من متام النعمة يكن من املالئكة، وهم جنس آخر من غري بين آدم، بل هو من جنسنا، ويتكلم بلغتنا.

" {عزيز عليه} " أي: شاق. عليه وسلم يشق " {ما عنتم} " العنت معناه: العتب واملشقة، ومعناه: أن الرسول صلى اهلل

عليه وسلم جيب أن عليه ما يشق على أمته، وكان حيب هلم التسهيل دائما، وهلذا كان صلى اهلليأيت بعض األعمال ولكنه يرتكها رمحة بأمته خشية أن يشق عليهم، ومن ذلك: صالة الرتاويح،

فإنه صالها بأصحابه ليايل من رمضان، مث ختلف عنهم يف الليلة الثالثة أو الرابعة، فلما صلى عليه وسلم أنه مل يتخلف عنهم إال خوف أن تفرض عليهم صالة الفج ر، بني هلم صلى اهلل

الرتاويح، مث يعجزوا عنها، هذا من رمحته وشفقته بأمته.م بالسواك عند كل صالة" ، فلم عليه وسلم: "لو ال أن أشق على أميت ألمر وقال صلى اهلل

ذلك إال خوف املشقة على أمته، وكان حيب تأخري صالة العشاء إىل ثلث الليل، ولكنه مينعه من خشي املشقة على أمته عليه الصالة والسالم.

، يراعي فيها التوسيع على األمة، وعدم املشقة، ال حيب هلم املشقة أبدا، -وهكذا كل أوامرهحة سهلة، كما قال تعاىل: {وما جعل وحيب هلم دائما التيسري عليهم، ولذلك جاءت شريعته مس

ركم} ين من حرج} ، {ما يريد هللا ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطه . عليكم يف الد وملا ذكر اإلفطار يف رمضان للمسافر واملريض ذكر أنه شرع ذلك من أجال التسهيل: {يريد هللا

بكم اليسر وال يريد بكم العسر} . عليه وسلم أنه حيب التيسري ألمته، ويكره املشقة عليها. هذا من صفة هذا الرسول صلى اهلل

" {بالمؤمنني} " وخاصة. عليه " {رؤوف رحيم} " الرأفة هي: شدة الشفقة، {رحيم} يعين : عظيم الرمحة ب أمته صلى اهلل

وسلم، أما بالكفار فإنه كان شديدا على الكفار، كما وصفه هللا تعاىل بذلك: {حممد رسول هللا نـهم} ، وكما قال هللا سبحانه وتعاىل: {فسوف يأيت هللا اء على الكفار رمحاء بـيـ والذين معه أشد

بقوم حيبـهم وحيبونه أذلة على المؤمنني} يعين: رمحاء، {أعزة على الكافرين} يعين:

)١/٣١٢(

م أعداء هلل وأعداء لرسوله، فتناسبهم الشدة يتصفون بالغلظة والشدة على الكافرين، ألم كفار، والغلظة: {يا أيـها الذين آمنوا ق اتلوا الذين يـلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة} أل

م، بل قاتلوهم، واقتلوهم، ما داموا مصرين على م الرمحة والشفقة فال تقاتلو ال تأخذكم م واقـعدوا هلم كل مرصد فإن الكفر: {فاقـتـلوا المشركني حيث وجدمتوهم وخذوهم واحصروه

تابوا وأقاموا الصالة وآتـوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن هللا غفور رحيم} ، الكافر ليس له جزاء إال أما يف القتل إذا أصر على الكفر، أو خيضع حلكم اإلسالم ويدفع اجلزية صاغرا، هذا يف الدنيا. و

، وهذا أشد من القتل، ألنه عدو هلل، وعدو لرسوله، وعدو -والعياذ باهلل-اآلخرة فله النار لدينه، فال تناسب معه الرمحة والشفقة.

فهذه اآلية الكرمية مناسبة إيراد الشيخ رمحه هللا قي هذا الباب: أنه إذا كان الرسول صلى اهللذ ه الصفات اليت هي أنه: عريب، يتكلم بلساننا ونفهم لغته، وأنه يشق عليه عليه وسلم متصفا

ما يشق علينا، وأنه باملؤمنني رؤوف رحيم، فهل يليق مبن هذه صفاته أن يرتك األمة تقع يف الشرك الذي يبعدها عن هللا، ويسبب هلا دخول النار؟، هل يليق مبن هذه صفاته أن يتساهل

رتكه وال يهتم بالتحذير منه، ى ألن هذا هو أعظم اخلطر على األمة؟ وهذا بأمر الشرك؟، أو أن يا، وال جيعل هلا مستقبال عند هللا عز وجل، ألن هو الذي يشق على األمة، ألنه يفسد عليها حياذا الرسول الذي هذه صفاته أن املشرك مستقبله النار، ليس له مستقبل إال العذاب، فهل يليق

يف أمر الشرك؟، ال، بل الالئق به أن يبالغ أشد املبالغة يف محاية األمة من الشرك، وقد يتساهل عليه وسلم، فقد سد كل الطرق املوصلة إىل الشرك باألحاديث اليت مرت يف فعل صلى اهلل

األبواب السابقة.كفي التسمي باإلسالم، ألن هذا هناك ناس اآلن يقولون: ال تذكروا الشرك، وال تذكروا العقائد، ي

ينفر الناس ويفرق الناس، اتركوا كال على عقيدته، دعونا جنتمع وال تفرقونا. يا سبحان هللا، نرتك الشرك وال نتكلم يف أمر التوحيد من أجل أن جنمع الناس؟!!.

)١/٣١٣(

عل يه وسلم: "ال جتعلوا بيوتكم قبورا، عن أيب هريرة رضي هللا عنه قال: قال رسول هللا صلى اهلل؛ فإن صالتكم تبلغين حيث كنتم" رواه أبو داود بإسناد وال جتعلوا قربي عيدا، وصلوا علي

حسن، ورواته ثقات. ـــــــــــــــــــــــــــــ

وهذا الكالم باطل من وجوه: .أوال: ال ميكن اجتماع الناس إال على العقيدة الصحيحة

وثانيا: ما الفائدة من االجتماع على غري عقيدة، هذا ماذا يؤدي إليه؟، ال يؤدي إىل نتيجة أبدا.فال بد من االهتمام بالعقيدة، والبد من ختليصها من الشرك، ع وال بد من بيان التوحيد، حىت

د الناس إال حيصل االجتماع الصحيح على الدين، ال جيتمع الناس إال على التوحيد، ال يوح كلمة: ال إله إال هللا؛ قوال وعمال واعتقادا.

عليه وسلم، وجعلهم أمة واحدة هو هذا هو الذي مجع العرب على عهد الرسول صلى اهللالذي جيمعهم يف آخر الزمان، أما بدون ذلك فال ميكن االجتماع مهما حاولتم، فال تتعبوا

من اجلهل أو من املغالطة. أنفسكم أبدا، وهذافالتوحيد ليس هو الذي يفرق الناس، بل العكس؛ الذي يفرق الناس هو الشرك، والعقائد

الفاسدة، والبدع واملنهجيات هذه هي اليت تفرق الناس، أما التوحيد واإلتباع للرسول صلى اهلليف أول األمر، وال يصلح آخر هذه األمة عليه وسلم فهذا هو الذي يوحد الناس، كما وحدهم

إال ما أصلح أوهلا. عليه وسلم: "ال جتعلوا بيوتكم قوله: (عن أيب هريرة رضي هللا عنه قال: قال رسول هللا صلى اهلل

قبورا" احلديث). عليه وسلم يف هذا احلديث: ثالث كلمات قاهلا صلى اهلل

عليه وسلم: "ال جتعلوا بيوتكم قبورا" يعين: ال تعطلوا البيوت من الكلمة األ وىل: قوله صلى اهللا إذا عطلت صارت مثل القبور، ألن القبور ذكر هللا، ومن صالة النافلة، وتالوة القرآن، أل

ميان الذي سبق هلم يف ليس فيها عمل، خاوية خالية، حفر مظلمة، إال من نورها هللا عليه بنور اإل

احلياة الدنيا. فهذا فيه العناية بالبيوت، بيوت املسلمني، وأن تعمر بذكر هللا، وبتالوة

)١/٣١٤(

عليه وسلم أمر بأن جتعل القرآن، وصالة النافلة، واإلكثار من ذكر هللا، بل إن الرسول صلى اهللا تكون يف املساجد، وذلك النوافل اليت ال تشرع هلا اجلماعة كلها يف البيوت، أما الفرائض فإ

ا إذا عمرت بذكر هللا ابتعدت عنها الشياطني، ونشأ أهل البيوت من النساء لعمارة البيوت، ألوالذرية والساكنني فيها على طاعة هللا، وصارت هذه البيوت مدارس خري، يتخرج منها املسلم

املوحد.يوت خالية من ذكر هللا، فإن أهلها يعيشون يف اجلهل، ويعيشون يف الغفلة، أما إذا كانت هذه الب

ويصريون مثل املوتى، فما بالكم إذا خلت البيوت من ذكر هللا، وجلب إليها وسائل الشر من األفالم اخلليعة، وجلب إليها اجلهاز الذي يستقبل حمطات التلفزيون من العامل مبا فيها من فساد

وكفر وإحلاد وشرور عظيمة، كلها تدخل يف هذا البيت بواسطة هذا اجلهاز وخالعة وجمون الشيطاين الذي ينصبه صاحب البيت ماذا تكون هذه البيوت؟، تكون بيوتا للشيطان، ال تكون

، ويتخرج منها أشرار من الذرية -والعياذ باهلل -مقابر فقط، وإمنا تكون مآوي للشياطنياء، وعدم الغرية، وحب الشر، واحلرص على تنفيذ ما يرونه يف هذه والنساء، يصاحبهم عدم احلي

ا املبثوثات من الشرور، وفساد األخالق، وفساد األمور، سيطبقون هذه األمور اليت يروا، وتؤثر على أخالقهم وعلى عفتهم، ويتكاسلون عن الصالة، بل يضيعون الصالة ويشاهدو

، انظروا إىل العامل ماذا يفعلون؟.بسببها، ويقولون: هذا العامل املتحضر هذه هي احلياة، وهذه احلضارة، وهذا هو الرقي، حنن مشتغلون بأمور بعيدة عن احلياة.

سيقولون هذا شئتم أم أبيتم أيها اآلباء، وأنتم السبب يف هذا، أنتم املسئولون أمام هللا سبحانه فسكم وأهليكم نارا وقودها الناس وتعاىل يوم القيامة، هللا قال لكم: {يا أيـها ال ذين آمنوا قوا أنـ

واحلجارة} ، أنتم ما وقيتم أنفسكم، وال وقيتم أهليكم من النار، بل جلبتم النار إىل بيوتكم. ذه اآللة اخلبيثة؛ أزيلوها عن بيوتكم، فالرسول صلى اهلل عليه وسلم اتقوا هللا يا من ابتليتم يقول: "ال جتعلوا بيوتكم قبورا" وأمركم بالعناية بالبيوت، بأن تعمروها بطاعة هللا،

)١/٣١٥(

ا عليه وسلم أن الشيطان يفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة، وقال: "إ وأخرب صلى اهللتطيق مساع سورة البقرة، فتنبهوا لبيوتكم "ال جتعلوا ال تطيقها البطلة" أي: الشياطني، أي ال

مل، وال جتلب إليها وسائل الشر بيوتكم قبورا" هذا فيه العناية بالبيوت املسلمة، وأن ال ا غاية االعتناء، يؤمر باملعروف وينهى عن املنكر فيها. والتدمري اخللقي، بل يعتىن

يوت بذكر هللا فيه النهي عن الصالة عند القبور؛ من كما أن يف احلديث احلث على عمارة البمفهوم احلديث، ألن الذي ال يصلى عنده هو القرب، فالبيت الذي ال يصلى فيه نافلة، وال يقرأ فيه قرآن، وال يدعى فيه صار مثل القرب، ألنه ممنوع من الصالة عنده، والدعاء عنده، فاحلديث

لقرب، ومنع الدعاء عند القبور.يدل مبفهومه على منع الصالة عند ا عليه وسلم: "وال جتعلوا قربي عيدا" العيد: اسم ملا يعود ويتكرر يف الكلمة الثانية، قوله صلى اهلل

اليوم أو يف األسبوع، أو يف الشهر، أو يف السنة، مسي عيدا من العود، وهو التكرر. وعيد مكاين. والعيد ينقسم إىل قسمني: عيد زماين،

فالعيد الزماين املشروع: عيد الفطر، وعيد األضحى، هذه أعياد اإلسالم املشروعة. والعيد ا يف الزماين املمنوع: أعياد املوالد، فهي األعياد الزمانية احملرمة، وأعياد اجلاهلية اليت كانوا يعملو

سيحي، بل امليالد النصراين وال نقول اجلاهلية، أعياد الفرس: النريوز واملهرجان، وعيد امليالد املاملسيحي ألن هللا برأ املسيح من هذا، وإمنا هو العيد النصراين، ومثله كل عيد فعله بعض

املسلمني أو املنتسبني لإلسالم مما مل يشرعه هللا كعيد املولد للرسول، أو املولد للشيخ، أو املوالد ، وهي أعياد زمانية جاهلية، ال جيوز عملها.للعظماء، أو لغري ذلك، كل هذه أعياد جاهلية

ألن هللا شرع لنا عيدين: عيد األضحى، وعيد الفطر، وكل عيد من هذين العيدين بعد أداء ركن من أركان اإلسالم، فعيد الفطر بعد أداء ركن الصيام، وعيد األضحى بعد أداء ركن احلج وهو

الوقوف بعرفة، ألن الوقوف بعرفة هو الركن

)١/٣١٦(

عليه وسلم "احلج عرفة" وما بعده من املناسك فهي تابعة األعظم للحج كما قال النيب صلى اهللله، فمن وقف بعرفة فقد أدى الركن األكرب للحج، ويتبعه بقية األركان، أما من مل يقف بعرفة

ت باألساس وهو الوقوف بعرفة، فقد فاته احلج، فال فائدة من أنه يأيت ببقية األركان، ألنه مل يأفجعل هللا عيد األضحى شكرا هلل بعد أداء الركن األعظم من أركان احلج، هذه أعياد اإلسالم

الزمانية. تنقسم إىل قسمني: - أيضا -أما األعياد املكانية: فهي

أعياد شرعية، وأعياد حمرمة.يلة مخس مرات، فهذا عيد مكاين األعياد الشرعية مثل االجتماع يف املساجد يف اليوم والل

مشروع. كذلك االجتماع يف األسبوع لصالة اجلمعة؛ هذا عيد األسبوع عيد مكاين.

وكذلك من األعياد املكانية املشاعر: املسجد احلرام، ومىن، وعرفة، ومزدلفة، اليت جيتمع فيها املسلمون أيام احلج ألداء املناسك، هذه أعياد إسالمية مكانية.

عليه وسلم أما األ عياد املكانية احملرمة، فهي: االجتماع عند القبور، سواء قرب الرسول صلى اهللأو قرب غريه، والسفر إىل القبور، والرتدد على القبور من أجل الدعاء عندها، والصالة عندها،

عليه وسلم: "ال جتعلوا قربي عيدا" أ ي: مكانا للعبادة، تصلون عنده، وهلذا قال صلى اهلل عليه وسلم جلناب التوحيد، ففيه شاهد وتدعون عنده، وترددون عليه. وهذا من محايته صلى اهللى عن اختاذ قربه عيدا، أي: مكانا جيتمع عنده عليه وسلم للباب من حيث إن النيب صلى اهلل

تشرع عند القبور، ال قبور األنبياء والرسل، وال قبور غريهم من األولياء للعبادة، فالعبادة الوالصاحلني أبدا، فاملقابر ليست حمال للعبادة، فمن تردد عليها، وجلس عندها، أو وقف عندها ا، أو للدعاء عندها، أو للصالة عندها أو سافر إليها فقد اختذها عيدا جاهليا وعيدا للتربك

عليه وسلم يسأله بأنه نذر أن ينحر إبال ببوانةحمرما -، وهلذا ملا جاء رجل إىل النيب صلى اهلل، فقال له النيب صلى هللا عليه وسل: "هل كان فيها وثن من أوثان اجلاهلية يعبد؟ " -اسم مكان

هلقالوا: ال، قال: "هل كان فيها عيد من أعيادهم؟" يعين: مكان الجتماع أ

)١/٣١٧(

اجلاهلية، قالوا: ال، قال: "فأوف بنذرك، فإنه ال وفاء لنذر يف معصية هللا، وال فيما ال ميلكه ابن آدم" والشاهد منه: أنه قال: "هل كان فيها عيد من أعيادهم؟" يعين: هل هذا املكان الذي

خيصصه هللا وال خصصته هل كان اجلاهليون خيصصونه؟، فدل على أن ختصيص مكان للعبادة ملرسوله أنه من أعياد اجلاهلية، ال جتوز العبادة فيه أبدا، ومن ذلك: القبور، فالرتدد عليها،

واجللوس عندها من أجل التربك برتبتها، أو من أجل الدعاء عندها، أو الصالة عندها، كل هذا من اختاذها عيدا، وهو وسيلة من وسائل الشرك.

ذه كما هو واقع اآلن عند األضرحة مما ال خيفاكم، وتسمعون عنه يف البالد األخرى اليت بليت ، ومل جتد من دعاة التوحيد من يقوم بنصيحة املسلمني عنها واألمر بإزالتها.-والعياذ باهلل-الفتنة

م، وإزاحة هذه الفتنة العظيمة عنهم، كما نرجو هللا أن يهيء للمسلمني من يقوم بإصالح عقيد

ذه الدعوة املباركة اليت أزاحت عنها هذه األوثان اجلاهلية. - وهلل احلمد -لى هذه البالدمن عنسأل هللا أن يثبتنا وإياكم وإخواننا املسلمني على هذا الدين، وأن يتم علينا هذه النعمة، وأن ال

ن أن نصاب مبثل يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وإال فنحن معرضون للفتنة، وال نزكي أنفسنا، وال نأمما أصيب به أولئك، إذا تساهلنا وغفلنا وتركنا الدعوة إىل هللا وتركنا بيان التوحيد والتحذير من

الشرك فإنه يدب إلينا ما وقع يف البالد اجملاورة لنا. عليه وسلم: "وصلوا علي فإن صال تكم الكلمة الثالثة الواردة يف هذا احلديث قوله صلى اهلل

عليه وسلم ، وقد أمر هللا بذلك يف حمكم تبلغين حيث كنتم" هذا أمر بالصالة عليه صلى اهللوا كتابه فقال: {إن هللا ومالئكته يصلون على النيب يا أيـها الذين آمنوا صلوا عليه وسلم

عليه وسلم ، وذكر سبحانه أنه )} ، أمرنا ٥٦تسليما( هللا بالصالة والسالم على رسوله صلى اهلل هو ومالئكته يصلون عليه.

والصالة من هللا: ثناؤه على عبده يف املأل األعلى. والصالة من املالئكة: االستغفار ومن اآلدميني الدعاء كما ذكر اإلمام البخاري عن أيب العالية.

)١/٣١٨(

عليه وعن علي بن احلسني رضي هللا عنه: أنه رأى رجال جييء عند فـرجة عند قرب النيب صلى اهلل وسلم فيدخل فيها، فيدعو، فنهاه، وقال:.........................

ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم مشروعة وقوله: "صلوا علي" هذا أمر يفيد الوجوب، فالصالة على النيب صلى اهلل

ومتأكدة، وجتب يف بعض املواضع. فتجب يف اخلطبتني للجمعة والعيد وخطبة االستسقاء، وجتب الصالة على رسول هللا صلى اهللعليه وسلم يف التشهد األخري يف الصالة، وكذلك جتب الصالة على رسول هللا عند ذكره صلى

عليه وسلم، وتستحب يف بقية األحوال، وكلما أكثر اإلنسان من الصالة على الرسول صلى ا هلل عليه وسلم: "من صلى علي واحدة صلى هللا عليه عليه وسلم كثر أجره، كما قال صلى اهلل اهلل

ا عشرا" . عليه وسلم قوله: "فإن صالتكم تبلغين" فاهلل جل وعال وكل بصالة املصلني على النيب صلى اهلل

عليه وسلم، ففي أي مكان صليت عليه فإن من يبلغ الرسول إياها وهو يف قربه صلى اهللا تبلغه صالتك تبلغه ولو كنت يف املشرق أو يف املغرب، وهذا من آيات هللا سبحانه وتعاىل، أ

عليه وسلم، وهذا من أمور الربزخ اليت ال يعلمها إال هللا سبحانه ال صالة عليه يف قربه صلى اهلل

وتعاىل.فقوله: "فإن صالتكم تبلغين حيث كنتم" أي: أينما كنتم يف بر، أو يف حبر، قريبني أو بعيدين، يف

املشرق أو املغرب.صالة عليه عند قربه خاصية، بل إذا قصد اإلنسان القرب ويف هذا احلديث دليل على أنه ليس لل

ألجل الصالة عليه فهذا منهي عنه، لكن إذا قصد قربه للسالم عليه ويصلى عليه فهذا مشروع، فتسلم وتصلي على الرسول عند قربه إذا قدمت من سفر، أما أن تقصده من أجل أن جتلس أو

ه مطلوب منك الصالة والسالم عليه يف أي تقف وتصلي عليه دائما فهذا غري مشروع، ألن مكان.

قال: "عن علي بن احلسني" أحد أعالم التابعني، وهو علي بن احلسني بن علي بن أيب طالب، عليه وسلم عليه وسلم، وأبو جدته هو رسول هللا صلى اهلل وجدته فاطمة بنت الرسول صلى اهلل

النبوة، وهو يلقب بزين العابدين، وهو من كبار أئمة التابعني، رضي هللا تعاىل ، فهو من بيت عنه.

عليه وسلم" قرب الرسول صلى اهلل "أنه رأى رجال جييء إىل فـرجة كانت عند قرب النيب صلى اهلل عليه وسلم يف

)١/٣١٩(

عليه وسلم قال: "ال أال أحدثكم حبديث مسعته من أيب عن جدي عن رسول هللا صلى اهلل؛ فإن تسليمكم ليبلغين أين كنتم" رواه يف تتخذوا قربي عيدا، وال بيوتكم قبورا، وصلوا علي

"املختارة". ـــــــــــــــــــــــــــــ

ار، رآه هذا الرجل، فصار بيته، يف حجرة عائشة، ويف أحد اجلدران فـرجة، أي: نـقب يف اجلد عليه وسلم، فلما رآه علي يرتدد، ويأيت ويدخل من هذه الفرجة، ويدعو عند قرب النيب صلى اهلل

اه عن ذلك، قال له: ال تفعل هذا، ال ترتدد على قرب الرسول، وال تدع بن احلسني رمحه هللا ؤدي إىل الشرك.عنده. وهذا من إنكار املنكر، والسيما ما ي

فالرتدد على قرب الرسول والدعاء عنده من وسائل الشرك به، فيجب إنكاره، ولذلك أنكر علي اه. بن احلسني على هذا الرجل و

ذا، بل بني الدليل واحلجة على هذا اإلنكار، فقال: "أال أحدثكم حديثا مسعته عن مث مل يكتف دي" يعين: علي بن أيب طالب رضي هللا عنه عن رسول أيب" يعين: احلسني رضي هللا عنه "عن ج

عليه وسلم قال: "ال تتخذوا قربي عيدا" هذا مثل ما يف حديث أيب هريرة السابق هللا صلى اهللومعىن اختاذ القرب عيدا: بأن يرتدد عليه، وجيتمع عنده ألجل الدعاء أو التربك أو الصالة على

عليه وسلم. الرسول صلى اهللفهذا مثل حديث أيب هريرة الذي قبله إال أنه زاد عليه: اإلنكار على من يأيت ويدعو عند قرب عليه وسلم، فهو يعد مفسرا حلديث أيب هريرة، يبني معىن اختاذه عيدا، وأنه الرسول صلى اهلل

يكون يف الدعاء عنده، والرتدد عليه.مث قال: "رواه يف املختارة" املختارة: كتاب امسه: األحاديث اجلياد املختارة" ومؤلفه هو: عبد هللا

بن حممد بن عبد الواحد املقدسي احلنبلي، ألف هذا الكتاب، ومجع فيه األحاديث اجلياد الزائدة على ما يف الصحيحني، فهو كاملستدرك، لكنها أحسن من "مستدرك احلاكم".

ستفاد من اآلية الكرمية ومن احلديثني:ما ي عليه وسلم، وهي أوال: يستفاد من اآلية: امتنان هللا على هذه األمة ببعثة هذا الرسول صلى اهلل

لونعمة عظيمة، قال تعاىل: {لقد من هللا على المؤمنني إذ بـعث فيهم رسوال من أنـفسهم يـ تـ

)١/٣٢٠(

عليهم آياته ويـزكيهم ويـعلمهم الكتاب واحلكمة} ، هذه أعظم منة على اخللق، ألنه ببعثة هذا الرسول واتباعه خرجوا من الظلمات إىل النور، ومن الكفر إىل اإلميان، ومن النار إىل اجلنة.

عليه وسلم:املسألة الثانية: يف اآلية دليل عل ى صفات عظيمة من صفاته صلى اهللفسكم} . الصفة األوىل: {رسول من أنـ

الثانية: {عزيز عليه ما عنتم} . الثالثة: {حريص عليكم} .

الرابعة: {بالمؤمنني رؤوف} . اخلامسة: {رحيم} .

عليه وسلم.مخس صفات من صفاته ص لى اهلل عليه وسلم قد سد الطريق املفضية إىل املسألة الثالثة: يف احلديث دليل على أنه صلى اهلل

الشرك، مبقتضى هذه الصفات العظيمة اليت ذكرها هللا جل وعال فيه، وهلذا جاء يف احلديث أنه عليه وسلم قا ل: "ما تركت شيئا مما يقربكم إىل هللا إال وبينته لكم، وما تركت شيئا صلى اهلل

عليه وسلم، ويقول أبو ذر: "لقد تويف يبعدكم عن هللا إال وبينته لكم" أو كما قال صلى اهللهله"، رسول هللا وما طائر يقلب جناحيه إال وذكر لنا منه علما، علمه من علمه، وجهله من ج

وهللا يقول: {اليـوم أكملت لكم دينكم وأمتمت عليكم نعميت} ، فال ميكن أنه يرتك الناس وال يبني هلم أعظم خطر عليهم وهو الشرك.

ا -بيوت املسلمني -املسألة الرابعة: حديث أيب هريرة يدل على وجوب العناية بالبيوت وعمارإبعاد وسائل الشر عنها، وهذه مسألة عظيمة جيب التنبه هلا يف هذا الزمان أكثر من بالعبادة، و

غريه.املسألة اخلامسة: فيه أن القبور ال تصلح للصالة عندها من مفهوم حديث أيب هريرة، فدل على

أن القبور ال تصلح للصالة عندها، وللدعاء، وال للعبادة، وإمنا هذا إما أن يكون يف بيوت سلمني إذا كان نافلة وإما أن يكون يف بيوت هللا املساجد إذا كان فريضة.امل

عليه وسلم، والقيام املسألة السادسة: يف حديث أيب هريرة النهي عن الرتدد على قربه صلى اهلل

)١/٣٢١(

عليه وسلم، ألن هذا ى أو اجللوس عنده، والدعاء والصالة صلى اهلل من اختاذه عيدا، فقد عليه وسلم. عنه رسول هللا صلى اهلل

املسألة السابعة: يف حديث أيب هريرة أن الرسول سد الطريق املفضية إىل الشرك، بنهيه عن اختاذ قربه عيدا، ألن هذا من وسائل الشرك، ومن الطرق املوصلة إىل الشرك.

عليه وسلم يف أي مكان.املسألة الثامنة: يف حديث أيب هريرة مشروعية الصالة عليه صلى اهلل عليه وسلم من أجل املسألة التاسعة: يف احلديث النهي عن الرتدد على قرب الرسول صلى اهلل

ن الصحابة الصالة عليه والسالم عليه، ألن هذا وسيلة إىل الشرك، ومن اختاذه عيدا، وهلذا ما كارضي هللا عنهم كلما دخلوا املسجد يذهبون إىل قرب الرسول ليسلموا عليه أو يصلوا عليه، أبدا،

إمنا يفعلون هذا إذا جاءوا من سفر فقط، ألنك إذا أكثرت الرتدد عليه صار من اختاذه عيدا.النهي عن املنكر، املسألة العاشرة: يف حديث علي بن احلسني رمحه هللا وجوب األمر باملعروف و

اه وتعليم اجلاهل، ألنه ملا رأى هذا الرجل وما يفعله من وسائل الشرك مل يسكت على هذا، بل عن ذلك، وحذره من ذلك، وكان يف ذلك اخلري والربكة هلذه األمة.

املسألة احلادية عشرة: يف احلديث دليل على أن من أنكر شيئا أو أمر بشيء فإنه يطالب عليه بالدليل، ى هذا الرجل ذكر له الدليل عن رسول هللا صلى اهلل ألن علي بن احلسني ملا

وسلم، من أجل إقامة احلجة، ومن أجل معرفة احلق بدليله، وهذا منهج من مناهج الدعوة: أن ى عن شيء يذكر الدليل ويوضحه للناس من أجل أن ي قتنعوا، الداعية إىل هللا إذا أمر بشيء أو

ومن أجل أن تقوم احلجة على املخالف.

عليه وسلم سد الطرق املفضية املسألة الثانية عشرة: يف عموم اآلية واحلديثني أن النيب صلى اهلل إىل الشرك، وهو الشاهد للباب من اآلية واحلديثني.

عليه وسلم تبلغه صلوات أمته املسألة الثالثة عشرة: يف احلديثني دليل على أن الرسول صل ى اهللعليه يف أي مكان كانوا من األرض، وهذا مما حيث املسلمني على اإلكثار من الصالة والسالم

عليه وسلم: "من صلى علي عليه وسلم، وقد قال صلى اهلل عليه، ألن هذا يبلغه صلى اهللا عشرا" .واحدة صلى هللا عليه

)١/٣٢٢(

عليه وسلم ألفت كتب، منها كتاب: -أو من أحسنها-ويف الصالة على الرسول صلى اهلل"جالء األفهام يف الصالة والسالم على خري األنام" لإلمام ابن القيم، فهو كتاب جيد يف هذا

ه، وبسط الكالم يف هذا.املوضوع، حيث مجع فيه األدلة وفقهها، وما تدل عليأما الكتب اليت ألفت يف الصالة والسالم عليه، والتربك به، والتوسل به، مثل كتاب "دالئل

اخلريات"، ومثل كتب اخلرافيني؛ فهذه جيب احلذر منها، وإن مسوها كتب الصالة على الرسول م دسوا فيها من الشرور وال عليه وسلم، فإ والعياذ - فنت والشركيات الشيء الكثريصلى اهلل

.-باهلل - أيضا - وكذلك صالة الفاتح عند التيجانية هي من األمور احملدثة، وفيها غلو يف حقه صلى اهلل

عليه وسلم، إمنا عليه وسلم، وهي صالة ال دليل عليها من كتاب هللا وال من سنة نبيه صلى اهللاد أن يعرف أحكام الصالة عليه وأدلتها مع األمانة العلمية فرياجع كتاب "جالء األفهام" من أر

لإلمام ابن القيم، هذا هو الكتاب الذي يستفيد منه طالب العلم، ويأمن من الدس الذي يف الكتب األخرى.

)١/٣٢٣(

[الباب الثالث والعشرون:] ان*باب ما جاء أن بعض هذه األمة يعبد األوث

ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله رمحه هللا : "باب ما جاء" أي: من األدلة يف الكتاب والسنة.

، بل يبقى -وهلل احلمد -"أن بعض هذه األمة" يعين: وليس كلها، فاألمة ال جتتمع على ضاللة

عليه وسلم: "ال تزال ط ائفة من أميت على احلق فيها من يثبت على احلق، كما قال صلى اهللمنصورة، ال يضرهم من خذهلم وال من خالفهم حىت يأيت أمر هللا " ، فهذه األمة ال تضل كلها،

وإمنا يضل الكثري، ولكن يبقى من هذه األمة من يثبت على احلق إىل أن تقوم الساعة. فهذا من فضل هللا ورمحته.

"، وهذا من دقة فقهه رمحه هللا ، وعدم تسرعه وهلذا قال املصنف رمحه هللا: "أن بعض هذه األمة يف األحكام، خبالف الذين يكفرون عوام األمة كما عليه بعض الكتاب املعاصرين.

: مجع وثن، واملراد به: كل ما - كما سبق - "يعبد األوثان" أي: يشرك باهلل عز وجل، واألوثان، أو إنس، كله يسمى وثنا؛ عبد من دون هللا من صنم، أو قرب، أو حجر، أو شجر، أو جن

فالوثن كل ما عبد من دون هللا؛ مأخوذ من وثن باملكان إذا ثبت وبقي فيه.وقصد الشيخ رمحه هللا من هذه الرتمجة: الرد على من زعم أنه ال يقع يف هذه األمة شرك، وهم

رك؟ وإمنا هو من عباد القبور يقولون: هذا الذي نعمله ليس بشرك، ألن هذه األمة ال يقع فيها ش باب التوسل بالصاحلني، أو حمبة الصاحلني، أو ما أشبه ذلك من األعذار الباردة.

ما وهذه مقالة املشركني األولني: {ما نـعبدهم إال ليـقربونا إىل هللا زلفى} ، {ويـعبدون من دون هللا فعهم ويـ يقرأون -والعياذ باهلل -قولون هؤالء شفعاؤنا عند هللا} ، لكن هؤالءال يضرهم وال يـنـ

القرآن وال يفقهون معناه، أو يعرفون معناه، ويغالطون ويكابرون تبعا هلواهم.

)١/٣٢٤(

بت والطاغوت} .وقوله تعاىل: {أمل تـر إىل الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يـؤمنون باجل ..........................................................................................

.. ـــــــــــــــــــــــــــــ

قال: "وقوله تعاىل: {أمل تـر} ، هذا استفهام تقرير، أي: قد رأيت وعلمت يا حممد.م " {إىل الذين أوتو ا نصيبا من الكتاب} " أي: حظا من الكتاب فالنصيب: احلظ؛ واملراد

من عند هللا، - عليه الصالة والسالم - اليهود، ألن هللا أعطاهم التوراة اليت أنزهلا على موسى فهو كتاب عظيم من عند هللا.

كتاب وعلم احلق جيب وهذا من باب اإلنكار عليهم، ألن املفروض أن الذي أويت نصيبا من الم خيالفون احلق هذا دليل على غلظ كفرهم -وعندهم الكتاب - عليه أن يعمل به: فكو

وعنادهم.

" {يـؤمنون باجلبت} " أي: يصدقون باجلبت، وهو الشرك، أو السحر، أو الساحر، أو الكاهن، أو الشيطان، كل ذلك يسمى جبتا.

ة: مأخوذ من الطغيان، وهو: جماوزة احلد؛ واملراد به هنا: ما جتاوز به " {والطاغوت} " يف اللغ العبد حده من معبود، أو متبوع، أو مطاع يف غري طاعة"هللا، كله طاغوت.ومن عبد -لعنه هللا -ويقول العالمة ابن القيم: "الطواغيت كثريون، ورؤوسهم مخسة: إبليس

ه. ومن ادعى شيئا من علم الغيب. ومن حكم بغري ما وهو راض. ومن دعا الناس إىل عبادة نفس أنزل هللا".

" {ويـقولون} " أي: يقول هؤالء اليهود." {للذين كفروا} " وهم مشركوا قريش {هؤالء أهدى من الذين آمنوا سبيال} أي: هؤالء الكفار

أهدى من منهج املسلمني املتبعني حملمد صلى أهدى من الذين آمنوا سبيال، أي: منهج الكفار عليه وسلم. وهذا وهم عندهم الكتاب، ويعرفون احلق من الباطل. اهلل

عليه وسلم ملا هاجر إىل املدينة، وبايعه األنصار من األوس وسبب ذلك: أن الرسول صلى اهلل املدينة، اغتاظ اليهود الذين واخلزرج، وصارت للمسلمني دولة عظيمة يف

)١/٣٢٥(

م ذرعا، فذهب كعب بن األشرف وحيي بن أخطب إىل كانوا يف املدينة من املسلمني، وضاقوا عليه وسلم وأصحابه، فانتهز م على قتال الرسول صلى اهلل املشركني يف مكة يستنجدو

تعرفون احلق من الباطل، بينوا لنا أحنن أهدى أم املشركون الفرصة وقالوا: أنتم أهل كتاب، ، قالوا: حممد صنبور -حممد؟، فقالوا: وما أنتم وما حممد؟ يعين: بينوا لنا صفتكم وصفة حممد

مبتور، قطع أرحامنا وسب آهلتنا. وحنن نذبح الكوم، ونطعم احلجيج، ونسقي احلجيج، ونفك ذه الصفات.العاين، ونصل األرحام. يصفون أنفسهم

وحممد قطع أرحامنا، وتبعه سراق احلجيج من غفار. قالوا: أنتم خري وأهدى سبيال.

والشاهد من اآلية للباب: أنه إذا كان يف اليهود من يؤمن باجلبت والطاغوت فسيكون يف هذه عليه وسلم خرب أنه م، ألن الرسول صلى اهلل يكون يف هذه األمة األمة من يفعل ذلك تشبها

م يف اإلميان باجلبت والطاغوت. من يتشبه باليهود والنصارى، ومن ذلك: التشبه وكذلك يوجد يف هذه األمة من ميجد الكفار، وينتقص املسلمني، كما كان اليهود يقولون:

دول الكفر واإلحلاد، {هؤالء أهدى من الذين آمنوا سبيال} ، فمن الناس من يثين اليوم على

ويصفهم بصفات الكمال والعظمة، ويتنقص املسلمني، ويصفهم بالتأخر والرجعية، إىل آخره، فهذا شيء موجود.

فدل على أن هذه األمة يقع فيها ما وقع يف اليهود من اإلميان باجلبت والطاغوت، ومن الشرك باهلل عز وجل.

إنه سيقع يف هذه األمة من بعض أفرادها أو طوائفها من وكل ما وقع يف اليهود أو يف النصارى فا، وإقامة املوالد، واالستغاثة م، فها هي األضرحة، والبناء على القبور، والطواف يفعله تشبها

باألموات، والذبح والنذر هلم موجود، كما كان يف اليهود. وهذا الشاهد من اآلية للرتمجة.

)١/٣٢٦(

هم وقوله تعاىل: {ق ل هل أنـبئكم بشر من ذلك مثوبة عند هللا من لعنه هللا وغضب عليه وجعل منـ القردة واخلنازير وعبد الطاغوت} .

سجدا} .وقوله تعاىل: {قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم م ـــــــــــــــــــــــــــــ

قال: "وقوله تعاىل: {قل هل أنـبئكم بشر من ذلك مثوبة عند هللا من لعنه هللا وغضب عليه هم القردة واخلنازير وعبد الطاغوت} متام اآلية: {أولئك شر مكانا وأضل عن سواء وجعل منـ

السبيل} ، هذه اآلية يف الرد على الذين يسخرون من املسلمني ومن دينهم من اليهود والنصارى والوثنيني.

يقول تعاىل: {هل أنـبئكم} أي: أخربكم واالستفهام هنا املراد به: التقرير والتوبيخ. الذي زعمتم فينا. " {بشر من ذلك} " :

" {مثوبة} " منصوب على التمييز، يعين جزاء عند هللا سبحانه وتعاىل. " {من لعنه هللا} " أي: طرده وأبعده من رمحته بسبب كفره، وهو أنتم أيها اليهود والنصارى.

ني ويغضب " {وغضب عليه} " والغضب ضد الرضا، فاهلل جل وعال يرضى عق عباده املؤمنعلى الكافرين، وغضبه ال يقوم له شيء، واملغضوب عليهم هم الذين عندهم علم ومل يعملوا به،

م عصوا هللا على بصرية. ألهم القردة واخلنازير} " مسخهم قردة وخنازير، بسبب كفرهم. " {وجعل منـ

يف أهل الكتاب من يعبد كل الطاغوت، فال والشاهد يف قوله: {وعبد الطاغوت} دل على أن م ويعبد الطاغوت. بد أن يكون يف هذه األمة من يتشبه

م يؤمنون باجلبت والطاغوت، وهذه اآلية فيها أن فيهم من عبد الطاغوت، فاآلية األوىل فيها: أم يف ذلك. فال بد أن يكون من هذه األمة من يتشبه

الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا} هذا يف قصة قال: "وقوله تعاىل: {قال أصحاب الكهف، وذلك أن مجاعة من الفتيان يف الزمان القدمي آمنوا باهلل، وأنكروا ما عليه أهل

م. بلدهم من الشرك باهلل، فلما ماتوا بىن قومهم عليهم مسجدا ألجل التربك ذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا} فقالوا: هؤالء رجال{قال ال

)١/٣٢٧(

عليه وسلم قال: "لتتبعن سنن من كان عن أيب سعيد رضي هللا عنه أن رسول هللا صلى اهللقالوا: يا رسول هللا، اليهود قبلكم حذو القذة بالقذة، حىت لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه"

والنصارى؟، قال: "فمن؟" أخرجاه. ـــــــــــــــــــــــــــــ

م، والصالة عندهم، صاحلون، فيهم بركة، فيهم خري، نبين عليهم مسجدا من أجل التربك م غ م من أولياء هللا، ونفذوا ذلك بقوة السلطة ال بقوة احلجة، أل لبوا على والدعاء عندهم، أل

م. أمرهم، أي: متكنوا من تنفيذ ما أرادوا بقوفالشاهد من اآلية: أنه كان يف أول اخلليقة من يبين املساجد على القبور، فال بد أن يكون يف

م، وقد وقع هذا، ووجد يف هذه األمة من يبين هذه األمة من يبين املساجد على القبور، تشبها دل على وقوع الشرك يف هذه األمة كما وقع يف األمم السابقة عن طريق املساجد على القبور، ف

التشبه واحملاكاة. عليه وسلم قال: "لتتبعن،" سبق أن قوله: "عن أيب سعيد رضي هللا عنه أن رسول هللا صلى اهلل

ة.الالم هذه الم قسم، فهي على تقدير: وهللا لتتبعن، وأكده بالنون الثقيل "سنن" أي: طريق.

فهي مجع: سنة، وهي الطرق. فمن قرأه سنن - بالضم - : الطريق، أما السنن-بالفتح -فالسنن فاملراد به: الطريق، وهذا هو املشهور.

ومن قرأه سنن فاملراد به: مجع: سنة وهي: الطرق. واملعىن واحد.

حلال، والقذة: ريشة السهم الذي يرمى به، واملعىن: "حذو القذة بالقذة" حذو: منصوب على ام كما أشبهت ريشة السهم ريشة السهم األخرى. تشبو

هو: السرب الذي يكون يف األرض، - بالضم -"حىت لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه" اجلحرنصارى ومنه جحر الضب، ألنه حيفر جحرا من أعسر اجلحور، ومع هذا لو دخله اليهود وال

لكان يف هذه األمة من يفعل ذلك تقليدا هلم. عليه وسلم، فالتقليد والتشبه بالكفار قائم على قدم وساق بأتفه وقد وقع ما أخرب به صلى اهللم أهل م أهل العقول، وأ م يفعلونه، واملقلد يرى أ األشياء وأحقر األشياء، ال لشيء إال أل

رة، فيقلدهم من أجل ذلك.التقدم واحلضا

)١/٣٢٨(

م، وال تقلدوهم، وقد جاء النهي عن التشبه وهذا احلديث خرب مبعىن النهي، أي: ال تتشبهوا م بقوله: "ال تشبهوا باليهود والنصارى" ، وقوله: "ومن تشبه بقوم فهو منهم" .

به باليهود والنصارى يف كل والشاهد من هذا احلديث واضح: أنه يكون يف هذه األمة من يتششيء، واليهود والنصارى يعملون الشرك فال بد أن يوجد يف هذه األمة من يعمل الشرك مثلهم

سواء بسواء.م، نعم، اليهود والنصارى بنوا على القبور، فيؤخذ يف هذه األمة من يبين على القبور تشبها

م فيوجد يف هذه األمة من يعمل عيد املولد والنصارى يعملون عيد املولد للمسيح عليه السال عليه وسلم تشبها بالنصارى. حملمد صلى اهلل

كما وجد يف اليهود والنصارى من حيلق حليته ويـوفر شاربه، فوجد من هذه األمة من حيلق حليته لقوله من باب التحذير ويوفر شاربه، إىل غري ذلك من أنواع التشبه اليت ال حتصى مصداقا

والنهي: "لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حىت لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه" .

فالشاهد منه: أنه ال بد أن يوجد يف هذه األمة من يتشبه باليهود والنصارى يف الشرك باهلل عز م {اختذوا أحبارهم ورهب انـهم أربابا من دون هللا والمسيح ابن مرمي} فال بد أن وجل، كما أ

يوجد يف هذه األمة من يغلو باألئمة، ويتخذهم أربابا من دون هللا، كما عند الصوفية الذين يتخذون رؤساء الطرق واملشايخ أربابا من دون هللا، حيللون وحيرمون، ويقولون: املريد ينبغي أن

ون مع الشيخ كامليت بني يدي غاسله. وكذلك من يتعصب لشيخه ولو خالف الدليل إىل غري يك ذلك.

ا تدل على مسائل كثرية: أما فقه هذه النصوص، فإاملسألة األوىل: يف اآلية األوىل دليل على أن من اليهود والنصارى من والطاغوت، الذي هو:

ة، والتنجيم، واحلكم بغري ما أنزل هللا. فسيوجد يف هذه األمة الشرك، والسحر، والكهانة، والطري م. من يؤمن باجلبت والطاغوت؛ تشبها

املسألة الثانية: يف اآلية دليل على أن املوافقة هلم يف الظاهر تسمى إميانا

)١/٣٢٩(

الذين آمنوا سبيال. ولو مل يوافقهم يف الباطن، ألن اليهود ملا قالوا كفار قريش: أنتم أهدى من م هم يف الباطن يعتقدون بطالن هذا الكالم، لكنهم وافقوهم يف الظاهر ليحصلوا على مناصر

هلم، ومع هذا مسى هللا هذا إميانا باجلبت والطاغوت.فالذي ميدح الكفر والكفار ولو بلسانه، ويفضل الكفر والكفار على املؤمنني؛ يعترب مؤمنا

وت، ولو كان قلبه ال يوافق على هذا؛ ما مل يكن مكرها، ففيه رد على مرجئة هذا باجلبت والطاغ العصر الذين يقولون: إن من تكلم بكالم الكفر ال يكفر حىت يعتقد بقلبه صحة ما يقول.

وهذه دقيقة عظيمة ذكرها الشيخ يف املسائل، وهي عظيمة جدا.يف أهل الكتاب من عبد الطاغوت، مبعىن: أنه دعا غري املسألة الثالثة: يف اآلية الثانية بيان أن

هللا، أو ذبح لغري هللا، أو نذر لغري هللا، فال بد أن يكون يف هذه األمة من يعبد الطاغوت تشبها م.

ففيه الرد على من زعم أنه ال يقع يف هذه األمة شرك، ألن احلديث يدل على أنه يوجد من يف عبادة الطاغوت اليت منها عبادة القبور واألضرحة، ومنها احلكم بغري يتشبه باليهود والنصارى

ما أنزل هللا، ومنها الشيء الكثري الذي كله من عبادة الطاغوت.املسألة الرابعة: يف اآلية الثانية دليل على ذكر عيوب املردود عليه، وذلك يف قوله: {من لعنه هللا

هم القردة واخلنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء وغضب عليه وجعل م نـ السبيل} ففيه ذكر معائب املردود عليه حىت خيتزى ويـفحم يف اخلصومة.

وهو ما يسمونه املسألة اخلامسة: يف اآلية رد على من يقول : إنه ينبغي ذكر حماسن املردود عليه باملوازنات.

وذكر حماسن الطوائف الضالة واألشخاص الضالني من املبتدعة وغريهم، ووجه الرد: أن هللا ذكر يف هذه اآلية معايبهم، ومل يذكر هلم شيئا من احملاسن.

ففي اآلية رد صريح على هذه املقالة اليت يراد منها السكوت عن البدع واخلرافات أو ذكر املبتدعة واملخالفني للحق.حماسن

)١/٣٣٠(

عليه وسلم قال: "إن هللا زوى يل وملسلم عن ثوبان رضي هللا عنه، أن رسول هللا صلى اهللا، وإن أميت سيبلغ ملكها ما زوي يل منها . األرض، فرأيت مشارقها ومغار

ـــــــــــــــــــــــــــــيف اآلية الثالثة دليل على أنه كان يف األمم السابقة من يبين املساجد على املسألة السادسة:

القبور، فال بد أن يوجد يف هذه األمة من يبين املساجد على القبور وقد وقع هذا.ففيه رد على من زعم أنه ال يقع يف هذه األمة شرك، ووجه الرد: ألن بناء املساجد على القبور

وسيلة إىل الشرك. عليه وسلم، حيث أخرب أنه امل سألة السابعة: يف احلديث دليل على معجزة من معجزاته صلى اهلل

عليه وسلم. سيكون يف هذه األمة من يتشبه باليهود والنصارى، وقد وقع كما أخرب صلى اهللالنصارى، ألن احلديث خرب معناه املسألة الثامنة: يف احلديث دليل على حترمي التشبه باليهود و

النهي واإلنكار على من فعل ذلك.املسألة التاسعة: يف احلديث دليل للرتمجة: أن بعض هذه األمة يعبد األوثان، ألن يف اليهود

م فيعبد األوثان، كما هو والنصارى من يعبد األوثان، فال بد أن يوجد يف هذه األمة من يتشبه دة القبور واألضرحة اآلن ال بكثرة وعلى مسمع من علماء املسلمني ومرأى واقع وحاصل يف عبا

ومل ينكر ذلك الكثري منهم، بل بعضهم أجازه وشجع عليه. وال حول وال قوة إال باهلل العلي العظيم.

هذا حديث عظيم فيه أمور خميفة، وفيه أخبار عظيمة، وفيه بشارة: عليه وسلم، واملوىل معناه ث العتيق، فقوله: "عن ثوبان، ثوبان هو: موىل رسول هللا صلى اهلل

عليه وسلم، وله فضائل كثرية رضي هللا عنه. الزم الرسول صلى اهلل عليه وسلم قال: "إن هللا زوى يل األرض" يعين: مجعها، وحواها وطواها "أن رسول هللا صلى اهلل

عليه وسلم أطرافه ما له ص عليه وسلم حىت صارت حجما صغريا، يرى النيب صلى اهلل لى اهلل بعد منها وما قرب، وهللا قادر على كل شيء.

عليه وسلم فصار يري كل األرض -وهللا أعلم - أو أن املراد أنه قوى بصر رسوله صلى اهلل عليه وسلم ملا سأله املشركون عن بيت املقدس، حيثمشارقه ا، كما حصل له صلى اهلل ا ومغار

)١/٣٣١(

وأعطيت الكنزين: األمحر واألبيض . ـــــــــــــــــــــــــــــ

قوى بصر رسوله فصار ينظر إىل بيت املقدس وهو يف مكة خيطب يف املشركني، ويصف هلم ا فيه، وحىت إنه أخربهم املسجد عن معاينة ومشاهدة، حىت ذكر هلم عالماته واألشياء اليت يعرفو

ا، أخربهم أين هي؟. عن عريهم اليت يف الطريق اليت كانوا ينتظروا" رأى املشرق واملغرب ومجعها لكثرة الطالع والغارب من الكواكب. "فرأيت مشارقها ومغار

ى يل منها" بالبناء على الفاعل وهو هللا سبحانه وتعاىل، أو "ما "وإن أميت سيبلغ ملكها ما زو زوي يل منها" بالبناء للمفعول، والفاعل هو هللا سبحانه وتعاىل.

ا وألن هذا مل تبلغه عليه وسلم الشمال واجلنوب من األرض لقلة سكا ومل يذكر صلى اهلل املشرق إىل املغرب.الفتوحات، وإمنا الفتوحات امتدت من

عليه وسلم. "وإن أميت سيبلغ ملكها" هذا خرب عن املستقبل، وهو ال ينطق عن اهلوى صلى اهلل عليه وسلم. ففيه دليل من أدلة نبوته صلى اهلل

الدليل األول: زوي األرض له. هذا دليل على نبوته.ن ملك أمته، وأنه سيتسع ويبلغ املشرق واملغرب يف يوم أن كان ملك الدليل الثاين: أنه أخرب ع

املسلمني يف املدينة وما حوهلا فقط. عليه وسلم. فهذا من عالمات نبوته صلى اهلل

وقد وقع كما أخرب، فانتشرت الفتوحات يف عهد اخللفاء الراشدين وخلفاء بين أمية وبين العباس الفرس باملشرق، وسقطت دولة الروم باملغرب، وامتد سلطان املسلمني يف حىت سقطت دولة

الشرق إىل أن وصل السند، ويف املغرب إىل أن وصل إىل طنجة يف أقصى املغرب، بل امتد إىل أن وصل إىل جبال البـرانس وهي حدود فرنسا، حيث دخلت األندلس يف اخلالفة األموية يف

عليه وسلم: "وإن أميت سيبلغ ملكها ما زوى يل ملك املسلمني، وهذ ا مصداق خلربه صلى اهلل منها" .

"وأعطيت الكنزين: األمحر واألبيض" املراد بالكنزين: األموال النفيسة، "األمحر" : الذهب، موال "واألبيض" : الفضة، وهذا عبارة عن أموال الفرس والروم. فأموال الفرس من الذهب، وأ

الروم من الفضة، أو العكس، قوالن يف املسألة.

)١/٣٣٢(

وإين سألت ريب ألميت أن ال يهلكها بسنة بعامة، وأن ال يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم.

وإن ريب قال: يا حممد، إين إذا قضيت قضاء فإنه ال يرد، وإين أعطيتك ألمتك: أن ال أهلكهم امة، وأن ال أسلط عليهم عدوا منبسنة بع ـــــــــــــــــــــــــــــ

عليه وسلم، فقد جيء بأموال الفرس والروم يف خالفة عمر بن وقد وقع ما أخرب به صلى اهللاخلطاب، ووزعت بني املسلمني يف املدينة، حىت إنه جيء بتاج كسرى الذي يلبسه على رأسه،

عليه وسلم. وجيء بسواريه الذين يلبسهما يف يديه، وهذا مصداق ما أخرب به صلى اهلل عليه وسلم بأمته. وقوله: "وإين سألت ريب ألميت" هذا من شفقته صلى اهلل

"أن ال يهلكها بسنة بعامة" املراد بالسنة: اجلدب، أي: ال يعم اجلدب والقحط كل بالد ا: اجلدب كما قال تعاىل: { املسلمني، فتهلك أمواهلم وزروعهم وما يأكلون منه، فالسنة املراد

نني} يعين: باجلدب. ولقد أخذنا آل فرعون بالس عليه وسلم ربه أن ال ينزل اجلدب والقحط على أمة حممد كلهم، ألنه إذا دعا النيب صلى اهلل

م كلهم هلكوا. نزل وقوله: "وأن ال يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم" يعين: من الكفار، أي: ال يسلط الكفار

على املسلمني."فيستبيح بيضتهم" البيضة: احلوزة، يعين: ال يستبيح الكفار حوزة املسلمني وبالدهم، أو املراد

تبيح بالدهم ومجاعتهم.بالبيضة اجتماع الكلمة. واملعىن عام ومعناه: ال يس عليه وسلم. "وإن ريب قال: يا حممد" هذه إجابة هللا لدعوة رسوله صلى اهلل

"إين إذا قضيت قضاء فإنه ال يرد" إذا قدر هللا قدرا فال بد من نفاذه، فأقدار هللا نافذة يف والقدر، فهذا فيه إثبات القدر، وأن املسلمني والكفار وعموم الناس، ال أحد يستطيع رد القضاء

قدر هللا نافذ، ال يستطيع أحد رده."وإين أعطيتك ألمتك: أن ال أهلكهم بسنة بعامة" استجاب هللا الدعوة األوىل مطلقا، وأنه

سبحانه ال ينزل قحطا عاما للبالد كلها، وإمنا ينزل القحط يف بعض البالد دون بعض خبالف هللا ينزل القحط العام عليهم فيضرهم، األمم السابقة، فإن

)١/٣٣٣(

سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بأقطارها، حىت يكون بعضهم يهلك بعضا، ويسيب بعضهم بعضا" .

ـــــــــــــــــــــــــــــ ها القحط العام.كما حصل لقوم فرعون، أما هذه األمة لكرامتها على هللا فإن هللا ال ينزل علي

"وأن ال أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بأقطارها، حىت يكون بعضهم يهلك بعضا، ويسيب بعضهم بعضا" استجاب هللا له الدعوة الثانية

سلط عليهم استجابة معلقة، يعين: ما دامت أمتك جمتمعة على احلق كلمتها واحدة، فإن هللا ال يعدوا من الكفار، أما إذا حصل يف األمة افرتاق كلمة، وحصل بينهم قتال فيما بينهم، وسىب

بعضهم بعضا، فحينئذ يعاقبهم هللا عز وجل ويسلط عليهم الكفار.قوله: "ولو اجتمع عليهم من بأقطارها" أي: إذا اجتمعت كلمة املسلمني، ومل يكن بينهم

فيما بينهم، فلو اجتمع أهل األرض كلهم على قتال املسلمني أو أراد سلب اختالف وال تقاتل شيء من ملكهم فلن يستطيعوا، وأما إذا اختلفوا فيما بينهم، وتقاتلوا فيما بينهم، وأخذ بعضهم

أموال بعض، فإن هللا يعاقبهم، ويسلط عليهم الكفار.هد أيب بكر الصديق وعمر بن وقد حصل مصداق هذا، فإنه ملا كانت األمة جمتمعة يف ع

اخلطاب، وأول خالفة أمري املؤمنني عثمان، وسلطان املسلمني ظاهر يف األرض، قد خافتهم األمم، فصار الكفار خيافون من املسلمني.

بسبب اليهودي الذي - رضي هللا تعاىل عنه - وملا وقعت الفتنة بني املسلمني يف خالفة عثمان بن سبأ اليماين، وصار حيرض املسلمني على اخلليفة عثمان ذي ادعى اإلسالم وهو: عبد هللا

النورين رضي هللا عنه، واجتمع حوله من األوباش وضعاف اإلميان من الشباب الطائش، اجتمعوا على هذه الطاغية، ويف النهاية حاصروا عثمان رضي هللا عنه وقتلوه، وملا قتلوا عثمان عاقب هللا

بينهم، وسلط عليهم عدوهم. املسلمني فجعل بأسهم وما زالت املداوالت واحلروب بني املسلمني بعضهم مع بعض وبني املسلمني والكفار.

)١/٣٣٤(

رواه البـرقاين يف "صحيحه"، وزاد: "وإمنا أخاف على أميت األئمة املضلني . ـــــــــــــــــــــــــــــ

ا قامت دولة بين أمية بعد ذلك وا نتشر اإلسالم، ودولة بين العباس، ولكن مل ختل صحيح أاألمة من اقتتال ومن فنت فيما بينها، إىل أن جاءت الداهية الدهياء يف آخر خالفة بين العباس،

فغزا التتار بالد املسلمني، واستباحوا عاصمة املسلمني بغداد، وقتلوا اخلليفة العباس، وقتلوا من ر دجلة حىت تغري املاء مبداد -كتب املسلمني- املسلمني مئات األلوف، واحرقوا وألقوها يف

الكتب، وتسللوا إىل بقية البالد، وحصل من احلروب الطاحنة ما سجله التاريخ.ما وكذلك الصليبيون زحفوا على املسلمني واستولوا على األندلس، وزحفوا إىل بالد الشام

وايل مائة سنة حتت أيدي الصليبيني، حىت جاء واستولوا على بيت املقدس، وبقي بيت املقدس ح صالح الدين األيويب رمحه هللا، فخلص بيت املقدس من أيدي الصليبيني.

وال يزال اخلالف وتسلط الكفار على املسلمني إىل وقتنا هذا، بل يف وقتنا هذا اشتد فيه األمر، احلديث: "حىت يكون بعضهم والسبب يف هذا هو اختالف املسلمني فيما بينهم، كما يف هذا

يهلك بعضا" ويسيب بعضهم بعضا" فإذا حصل للمسلمني هذا سلط هللا عليهم الكفار بسبب م إخوة االختالف، واستباحة حرمة املسلمني فيما بينهم، هذا يقتل هذا، وهذا يسيب هذا، مع أ

مسلمون.أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون والواجب على املسلمني أن يكونوا أمة واحدة: {إن هذه

تـفشلوا} ، { وال تكونوا كالذين تـفرقوا واختـلفوا} ، {إن الذين فـرقوا ٩٢( )} ، {وال تـنازعوا فـهم يف شيء} ، فاالختالف عذاب، وسبب لتسلط الكفار، دينـهم وكانوا شيعا لست منـ

واالجتماع رمحة وقوة وعزة للمسلمني ولن حيصل االجتماع إال حتت عقيدة التوحيد.قوله: "رواه البـرقاين يف صحيحه" البـرقاين هو: أبو بكر حممد اخلوارزمي الشافعي، وكتابه يسمى

فيه أحاديث الصحيحني وزاد باملسند الصحيح، مجع فيه األحاديث الصحيحة، ويقول: أنه مجع عليهما ما صح عنده من األحاديث.

)١/٣٣٥(

"وزاد" يعين: على رواية مسلم. عليه وسلم قال: "وإمنا أخاف على أميت األئمة املضلني" هذا سبب آخر، أن الرسول صلى اهلل

ودعاة الضالل. فهؤالء السبب األول: االختالف بينهم. السبب الثاين: وجود دعاة الفتنة، سبب آخر هلالك املسلمني، وسبب لتفرق كلمتهم، وتسلط العدو عليهم، بأن يكون هناك دعاة

ضالل، ودعاة فتنة، ودعاة فرقة، وحتريش بني املسلمني، كما حصل من الداعية اخلبيث األول عبد هللا بن سبأ.

يف اخلري أو الشر. واألئمة مجع: إمام، واإلمام هو القدوة الذي يقتدى بهم األمراء فإذا كانت القدوة من أهل الضالل ضلت األمة، وحصل فيهم الشر، ويراد

الضالون، والعلماء الضالون، والعباد الضالون، والدعاة الضالون، كل هؤالء من األئمة املضلني، ق قادوها إىل الصالح فإذا قاد األمة هؤالء قادوها إىل اهلالك، أما إذا قاد األمة دعاة احل

والسالمة.ففي قوله: "أخاف على أميت األئمة املضلني" مفهومه؛ أن األئمة املصلحني خري لألمة، جيمعون

م اخلري. ا إىل منهج السلف الصاحل، وحيصل ا، ويردو كلمتها، ويصلحون عقيدا إىل خالف منهج السل ا عن احلق، ويدعو م يصدو ف.أما دعاة الضالل فإ

واآلن فيما بيننا ظهر من يزهد يف منهج السلف ويعتربه من األمور الرجعية، ومن األمور القاصرة، ويريد من املسلمني أن ينهجوا مناهج حديثة، ابتكرها جهال أو ضالل، يريدون أن الدعاة وفيه يسريون على هذا املنهج املبتكر احملدث، ويرتكون منهج السلف الصاحل الذي فيه اخلري،

عليه وسلم أنه يكون يف هذه األمة دعاة على الصالح والفالح، هذا ظهر وقد أخرب صلى اهللأبواب جهنم من أطاعهم قذفوه فيها، قالوا: صفهم لنا يا رسول هللا، قال: "هم قوم من جلدتنا،

ويتكلمون بألسنتنا" فلنحذر من هؤالء غاية احلذر.بإتباع دعاة الصالح الذين يدعون إىل منهج السلف الصاحل وإىل إتباع الكتاب ال جناة لنا إال

والسنة، هؤالء هم اخلري على األمة.

)١/٣٣٦(

وإذا وضع عليهم السيف مل يرفع إىل يوم القيامة. وال تقوم الساعة حىت يلحق حي من أميت باملشركني، وحىت تعبد فئام من أميت األوثان .

ـــــــــــــــــــــــــــــأما من أراد باألمة خالف ذلك، وابتكر هلا منهجا أو خطط هلا ختطيطا جديدا خيالف منهج

السلف، فهذا ال يريد لألمة خريا سواء كان متعمدا أو مل يتعمد.وضالل، وأخطر ما على األمة اآلن الدعاة اجلهال الذين ال يعرفون العلم، ويدعون الناس جبهل

أو الدعاة املغرضون الذين يعرفون احلق لكنهم معرضون، يريدون صرف األمة عن جادة الصواب.

احلاصل، أن األمة على خطر من هؤالء، فعلينا أن نتنبه هلذا األمر، وأن نعاجل هذا األمر قبل أن يستحفل.

قوله: "وإذا وضع عليهم السيف مل يرفع إىل يوم القيامة" كذلك خاف علي هم النيب صلى اهلل عليه وسلم أنه إذا بدأ القتال بني املسلمني فإنه ال يرفع إىل يوم القيامة، وهذه بلية أخرى.

البلية األوىل: تسلط الكفار على املسلمني. والبلية الثانية: إذا وقع القتال بني املسلمني فإنه ال يرفع إىل يوم القيامة عقوبة هلم.

عليه وسلم فإنه ملا قتل اخلليفة الراشد أمري املؤمنني عثمان وذ لك حصل كما أخرب به صلى اهللفإنه ال يزال القتال مستمرا بني املسلمني، وسيستمر إىل يوم القيامة. وال حول وال قوة إال باهلل

عليه وسلم. كما أخرب النيب صلى اهللال تقوم الساعة حىت يلحق حي من أميت باملشركني" احلي: املراد به: القبيلة، ومعىن قوله: "و

يلحق: يتبع؛ إما بأن يذهبوا إىل بالدهم ويسكنوا معهم ويكونوا من دولتهم، وإما بأن يبقوا يف بالد املسلمني ولكن يكونون على منهج الكفار ويرتدون عن اإلسالم.

عليه وسلم، ففيهم من ذهب إىل بالد الكفار ومث يرجع وصار ووقع هذا كما أخرب به صل ى اهلليوافق الكفار يف أمورهم الدينية، وجيري عليهم حكمهم وهو خمتار لإلقامة بينهم. وفيهم من بقي

يف بالد املسلمني ويعتنق مذاهب الكفر من شيوعية وبعثية وقومية وغري ذلك، وهؤالء حلقوا م.باملشركني يف م يف أبدا عليه وسلم وإن مل يلحقوا م وعقائدهم كما أخرب صلى اهلل قلو

)١/٣٣٧(

وإنه سيكون يف أميت كذابون ثالثون، كلهم يزعم أنه نيب. وأنا خامت النبيني، ال نيب بعدي . ـــــــــــــــــــــــــــــ

وثان" الفئام: اجلماعات، واألوثان: كل ما عبد من دون هللا.قوله: "وحىت تعبد فئام من أميت األ عليه وسلم، فعبدت مجاعات من هذه األمة القبور واألضرحة، وقد وقع ما أخرب به صلى اهلل

واعتربوا هذا هو الدين الصحيح، ومسوا دين التوحيد الصحيح دين اخلوارج. ذا احلديث للباب.وهذا مع ما قبله هو الشاهد من ه

عليه وفيه رد على من زعم أن هذه األمة ال يقع فيها شرك، ووجه الرد: ألن الرسول صلى اهللأنه ال بد أن تعبد مجاعات وليسوا أفرادا من هذه األمة - وهو الصادق املصدوق - وسلم أخرب

األوثان. عليه وسلم: "وإن ه سيكون يف أميت كذابون ثالثون كلهم يزعم أنه نيب، وأنا خامت وقوله صلى اهلل

عليه وسلم بظهور املتنبئني الكذبة الذين النبيني، ال نيب بعدي" ، هذا فيه إخبار منه صلى اهلل يدعون النبوة.

عليه وسلم، وأول من ظهر يف ح عليه وسلم وقد حصل ما أخرب به صلى اهلل ياته صلى اهلل اثنان:

مسيلمة الكذاب يف اليمامة، واألسود العنسي يف اليمن. عليه وسلم. أما األسود العنسي فقد قتله املسلمون قبل موت النيب صلى اهلل

رضي هللا -يع أبو بكر الصديقوأما مسيلمة الكذاب فإنه قد تبعه قوم من أهل اليمامة، وملا بو عليه وسلم جهز له الصديق جيشا من املسلمني -تعاىل عنه باخلالفة بعد وفاة الرسول صلى اهلل

من املهاجرين واألنصار بقيادة خالد بن الوليد اليمامة، وحصل قتال شديد جدا، وقتل فيه من ن العدد الكثري، ولكن يف النهاية قتل هللا مسيلمة املسلمني ومن أفاضلهم ومن قـراء القرآ

، وأراح هللا -رضي هللا تعاىل عنه -الكذاب على يد املسلمني يف خالفة أيب بكر الصديق املسلمني من شره.

مث ظهر طليحة األسدي وادعى النبوة، وظهرت سجاح التميمية وادعت النبوة، ولكن هللا من اب إىل هللا عز وجل، وجاهد يف سبيل هللا، وتويف على اإلسالم، وكذلك سجاح على طليحة فت

تابت إىل هللا عز وجل.مث ظهر املختار بن أيب عبيد الثقفي يف خالفة عبد امللك بن مروان، وادعى النبوة، وقتله هللا

سبحانه وتعاىل على أيدي املسلمني.

)١/٣٣٨(

ذبة يظهرون بني احلني واآلخر، إىل أن ظهر منذ سنني رجل يف الباكستان وال يزال املتنبئون الكيسمى غالم أمحد القادياين، ادعى النبوة، وتبعه قوم، وصار له أتباع اآلن يسمون القاديانية، وقد

.-وهلل احلمد -كفرهم املسلمون، ونبذوهم عليه وسلم: "وأنا خامت النبيني، ال نيب بعدي" هذا كما قال هللا سبحانه وتعاىل: وقوله صلى اهلل

: -بفتح التاء -{ما كان حممد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول هللا وخامت النبيني} ، واخلامتال يزاد الذي خيتم على الشيء فال يزاد فيه، يقال: ختم الكتاب، يعين: وضع اخلتم عليه حبيث

عليه وسلم فيه، وختم الكيس، مبعىن أنه أغلقه حبيث ال يزاد فيه وال ينقص، فالرسول صلى اهلل ختم األنبياء، مبعىن انه هو آخرهم، وال يأيت بعده نيب.

عليه وسلم هو خامت -بالكسر -وأما لفظ خامت النبيني، أي: فهو: اسم فاعل، فالنيب صلى اهلل عليه وسلم إىل أن تقوم الذي كملهم وانتهى به عددهم، فال يبعث نيب بعد رسول هللا صلى اهلل

الساعة، كما أن شريعته ال تنسخ إىل أن تقوم الساعة، وأرسله هللا إىل العاملني كافة: {ليكون ، إىل العرب والعجم، واجلن - عليه الصالة والسالم - افة للعالمني نذيرا} ، أرسله إىل العامل ك

واإلنس {وما أرسلناك إال كافة للناس بشريا ونذيرا} ، وأنزل عليه شريعة كاملة، شاملة لكل زمان

ومكان إىل أن تقوم الساعة. عليه وسل م فهو كافر، ألنه مكذب هلل، ألن هللا قال: فالذي يدعي النبوة بعد حممد صلى اهلل

{وخامت النبيني} ، ومكذب لرسول هللا يف قوله: "أنا خامت النبيني" ومكذب إلمجاع املسلمني، ألن عليه وسلم. املسلمني أمجعوا على أنه ال نيب بعد حممد صلى اهلل

بن مرمي ينزل يف آخر الزمان كما تواتر ذلك يف األحاديث؟. فإن قال قائل: "ليس املسيح عيسىقلنا: نعم، ينزل يف آخر الزمان، ولكن ال ينزل بشريعة جديدة، وإمنا ينزل ليعمل بشريعة حممد

دا من اجملددين، ومصلحا من املصلحني، حيكم بشريعة عليه وسلم، فهو يعترب جمد صلى اهلل عليه وسلم، فنزول عيسى عليه السالم ال خيتلف مع قوله صلى اإلسالم، ويتبع حممدا صلى اهلل

عليه وسلم: "أنا خامت النبيني" وقول هللا: {وخامت النبيني} ، ألنه ال ينزل بشريعة، وال ينزل اهلل عليه وسلم، وتابع على أنه نيب يبعث إىل الناس، وإمنا ينزل على أنه حاكم بشريعة حممد صلى اهلل

.-عليه الصالة والسالم - حملمد

)١/٣٣٩(

وال تزال طائفة من أميت على احلق منصورة، ال يضرهم من خذهلم وال من خالفهم حىت يأيت أمر هللا تبارك وتعاىل" .

ـــــــــــــــــــــــــــــمته بعد هذه األخبار املروعة: "وال تزال طائفة من أميت على احلق" يعين: مع هذه مث قال مبشرا أل

احلوادث العظيمة، وهذا االبتالء العظيم، ووقوع الشرك، ووقوع اللحاق باملشركني من بعض القبائل وتسلط الكفار، وقلة أهل احلق، وكثرة أهل الباطل، مع هذا يبقي يف هذه األمة بقية

إىل أن يأيت أمر هللا تبارك وتعاىل. صاحلةوالطائفة يف األصل اجلماعة. واملراد هنا من كان على احلق ولو كان واحدا. بدليل قوله تعاىل:

{إن نـعف عن طائفة منكم} وهو واحد. "على احلق ظاهرين" يعين: غالبني.

كلها، هذه الطائفة ال تتضرر، بل تبقى "ال يضرهم من خذهلم" مع هذه الشرور كلها، وهذه الفنت عليه وسلم عددها، ومل عليه وسلم، ومل يعني صلى اهلل على احلق الذي بعث به حممد صلى اهللا، ألن العدد قد يقل وقد يكثر، وكذلك املكان قد تكون تارة يف املشرق، وتارة يف يعني مكا

ا تبقى هذه الطائفة من األمة، لتبقى حجة هللا املغرب، وتا رة يف العرب، وتارة يف العجم، املهم أ سبحانه وتعاىل على خلقه.

: "إن هذه الطائفة هم أهل احلديث"، أي: الذي -كاإلمام أمحد وغريه -وقد قال أهل العلم عليه وسلم، كما قال صل عليه وسلم يتمسكون بسنة الرسول صلى اهلل ملا ذكر افرتاق -ى اهلل

: "كلها يف النار إال واحدة" قالوا: من هي يا رسول هللا؟، قال: -األمة إىل ثالث وسبعني فرقة"من كان على مثل ما أنا عليه وأصحايب" ، فهم أهل احلديث الذين يتمسكون حبديث الرسول

عليه وسلم، و ال يتمسكون باآلراء واألقوال وعلم الكالم واملنطق.صلى اهللفهم الطائفة املنصورة وهم الفرقة الناجية وهم أهل احلديث وهم أهل السنة واجلماعة، ال كما

يقول بعض املعاصرين: إن الفرقة الناجية غري الطائفة املنصورة، وهذا تفريق بغري علم. هللا ما يكون يف آخر الزمان من قبض وقوله: "حىت يأيت أمر هللا" املراد بأمر

)١/٣٤٠(

أرواح أهل اإلميان، حني يبعث هللا رحيا طيبة يف آخر الزمان قبل قيام الساعة فتقبض روح كل مؤمن ومؤمنة، ويبقى شرار الناس، وحينئذ تقوم الساعة.

ما يستفاد من هذا احلديث: هذا احلديث يدل على مسائل عظيمة:

: يف هذا احلديث دالئل من دالئل النبوة، وهي:املسألة األوىلا" . عليه وسلم: "إن هللا زوى يل األرض حىت رأيت مشارقها ومغار أوال: قوله صلى اهلل

عليه وسلم: "سيبلغ ملك أميت ما زوي يل منها، . ثانيا: قوله صلى اهلل عليه وسلم بأن هذه األمة إذا افرتقت وتقاتلت يتسلط عليها العدو. وقد ثالثا: إخباره صلى اهلل

عليه وسلم. وقع ما أخرب به صلى اهلل عليه وسلم عن وقوع الشرك يف أمته. وقد وقع ما أخرب ول صلى اهلل رابعا: إخباره صلى اهلل

عليه وسلم. عليه وسلم، فال يزال خامسا: إخباره بظهور املتنبئني الكذبة. وقد وقع ما أخرب به صلى اهلل

املتنبئون الكذبة يظهرون بني احلني واآلخر، لكن منهم من له شوكة، ومنهم من ليس له شوكة. عليه وسلم ببقاء الطائفة املنصورة على احلق. وقد وقع ما أخرب به سادسا: إخباره صلى اهلل

عليه وسلم، فال تزال هذه األمة يبقى فيها من أهل الصالح واإلصالح -وهلل احلمد -صلى اهللم هذا الدين، وتقوم به حجة هللا على العاملني، مع اشتداد الغربة، وعظيم الكربة، من يبقى

احلق. ولكنهم يصربون، ويثبتون على عليه وسلم بأمته، حيث دعا هلم صلى اهلل املسألة الثانية: يف هذا احلديث كمال شفقته صلى اهلل

ذه الدعوات املباركات العظيمة، واستجاب هللا له. عليه وسلم تسلط العدو عليها، املسألة الثالثة: يف هذا احلديث أن تفرق األمة وتناحرها فيما بينها سبب ل

وأن اجتماعها وتوحدها على احلق سبب ملنع الكفار من االستيالء على شيء من بالدها.املسألة الرابعة: يف احلديث دليل على خطر األئمة املضلني، أي: القيادات الفاسدة من األمراء

على األمة وصالح هلا. والعلماء والعباد والدعاة الفاسدين، أما األئمة املصلحون فهؤالء خري

)١/٣٤١(

املسألة اخلامسة: يف احلديث دليل على أنه إذا وقع يف هذه األمة قتال فيما بينهم أنه سيستمر إىل أن تقوم الساعة، وال يرفع، ولكن يكثر ويقل أحيانا.

ردة يف املسألة السادسة: يف احلديث دليل فيما ترجم له املصنف رمحه هللا من وقوع الشرك وال بعض هذه األمة، فهذا شاهد لقول املصنف: "باب ما جاء أن بعض هذه األمة يعبد األوثان".

عليه وسلم، وأن من ادعى النبوة املسألة السابعة: يف احلديث دليل على ختم النبوة به صلى اهلل ملا علم بالدين بالضرورة.بعده فهو كافر، ألنه مكذب هلل ولرسوله وإلمجاع املسلمني و

املسألة الثامنة: يف احلديث دليل على بقاء الفرقة الناجية املنصورة، مع كثرة الفنت واحملن والشرور، فإن هللا سبحانه وتعاىل ال خيلي األرض من الدعاة إىل احلق القائمني عليه من األئمة

املصلحني.

)١/٣٤٢(

[ الباب الرابع والعشرون:] ا جاء يف السحر* باب م ـــــــــــــــــــــــــــــ

مناسبة هذا الباب لألبواب السابقة: أن الشيخ رمحه هللا يف األبواب السابقة ذكر أنواعا من الشرك، ووسائل الشرك.

وملا كان السحر نوعا من أنواع الشرك عقد له هذا الثالث؟ ألن السحر ال ميكن الوصول إليه إال م يف سحرهم، وهذا شرك باهلل عن طريق ال شياطني، فالسحرة خيضعون للشياطني، ويستعينون

عز وجل.والسحر يف اللغة هو: كل ما لطف وخفي سببه، ومنه مسي السحر سحرا يف آخر الليل، ألنه

خفي وكل ما لطف يعين: دق، وخفي سببه عن الناس يسمى سحرا يف اللغة، ومنه قوله صلى اهللعليه وسلم: "إن من البيان لسحرا" البيان معناه: الكالم البليغ، ألنه يستميل النفوس ويؤثر فيها

ا تعمل عمل السحر ١كما يؤثر السحر، إال أنه ليس حراما وكذلك النميمة، مسيت سحرا أل، وإن مل تكن سحرا يف احلقيقة، لكنها سحر يف اإلفساد بني الناس، وأحداث البغضاء يف القلوب

لغوي، هذا تعريف السحر يف اللغة.أما تعريفه يف الشرع: فالسحر عبارة عن عزائم ورقى وعقد يؤثر يف بدن املسحور بالقتل أو باملرض، أو باإلخالل بعقله، أو يفرق بني الزوجني، أو يأخذ الزوج عن زوجته فال يستطيع

)} يعين: السواحر.٤قال تعاىل: {ومن شر النـفاثات يف العقد(الوصول إليها، فالساحر يعقد العقد باخليط مث ينفث فيها من ريقه، ويستعني بالشيطان، ويؤثر هذا بإذن هللا يف

طيع املسحور إما قتال، وإما مرضا، وإما تفريقا بينه وبني حبيبه، وإما أن مينعه عن زوجته فال يست الوصول إليها.

عليه وسلم خييل -عليه الصالة والسالم -، وأثر فيه السحر، وصار٢وقد سحر النيب صلى اهلل إليه أنه فعل الشيء ومل يكن فعله، ورقاه جربيل فربئ بإذن هللا.

__________ عليه وسلم: "أال أنبئكم ما العضة ١ هي النميمة القالة بني - يعين السحر - يف قوله صلى اهلل

الناس" .٢ كما يف الصحيح وال عربة مبن أنكر ذلك من العقالنيني ألن السحر مرض والنيب صلى اهلل

عليه وسلم بشر جيري عليه ما جيري على البشر من األمراض.

)١/٣٤٣(

ثر إال بإذن هللا القدري، كما قال تعاىل: فالسحر له حقيقة، ويؤثر يف بدن املسحور، ولكنه ال يؤ {وما هم بضارين به من أحد إال بإذن هللا} ، أي: إذن هللا القدري الكوين.

وقد ذكر العلماء أن السحر احملرم على نوعني: سحر حقيقي، وهو هذا الذي ذكرنا.

وإمنا هو خيال وشعوذة، وهو ما يسمى بالقمرة، والنوع الثاين: سحر خنييلي، ليس له حقيقة، فالساحر خييل للناس شيئا وهو ليس حقيقة، كأن خييل للناس أنه دخل يف النار، وليس كذلك، أو خييل للناس أنه ميشي على حبل، وهو ليسق كذلك، أو خييل للناس أن السيارة متشي على

يطعن نفسه بالسالح وال يؤثر فيه، وليس كذلك، بطنه، وليس كذلك، أو خييل للناس أنه

واحلقيقة أنه عمل شيئا من التخيل والقمرة فأثر على األبصار. كما قال هللا تعاىل ين قوم فرعون: {سحروا أعني الناس واستـرهبوهم وجاءوا بسحر عظيم} ، فسحروا األعني فقط، وذلك مبا

ا حية، وهي يعملونه من ا حليل، وجيعلون يف العصي اليت معهم مواد حتركها، وجتعل العصى كأليست كذلك كما قال تعاىل عن موسى عليه السالم: {فإذا حباهلم وعصيـهم خييل إليه من

ر اليت ال يراها الناس، سحرهم أنـها تسعى} ، حيث حشوها بشيء من الزئبق وشيء من األمو ا تتحرك. وظنوا أ

وأنكرت املعتزلة النوع األول، مع أن النوع األول هو اخلطري، وقالوا: السحر كله ختييلي.وهذا غري صحيح، ألنه لو كان كذلك ملا أثر يف املسحور وملا قتل املسحور، وملا أمرضه، وملا

ل شيطاين، ألنه عقد وعزائم، وهلذا يقول تعاىل فرق بينه وبني زوجه، فدل على أنه حقيقي، وعم)} فدل على أنه ٤)} ، إىل قوله: {ومن شر النـفاثات يف العقد(١لنبيه: {قل أعوذ برب الفلق(

حقيقي. والذي ذكره الشيخ يف هذا الباب من النصوص على نوعني:

النوع األول: يف حكم السحر. اين: يف حكم الساحر.والنوع الث

)١/٣٤٤(

وقول هللا تعاىل: {ولقد علموا لمن اشتـراه ما له يف اآلخرة من خالق} . وقوله: {يـؤمنون باجلبت والطاغوت} .

قال عمر: "اجلبت: السحر. والطاغوت: الشيطان". ليهم الشيطان، يف كل حي واحد".وقال جابر: "الطواغيت: كهان كان ينزل ع

ـــــــــــــــــــــــــــــقال: "وقول هللا تعاىل: {ولقد علموا} " أي: اليهود، ألن اآلية يف سياق اآليات اليت تتحدث

عن اليهود، أي: حتققوا. " {لمن اشتـراه} " أي: استبدل السحر بالتوراة.

من خالق} " أي: الساحر ليس له نصيب من اجلنة. " {ما له يف اآلخرة وهذا دليل على أنه كافر، فالسحر كفر باهلل عز وجل، وذلك من عدة مواضع يف اآلية:

حر} . أوال: قوله: {وما كفر سليمان ولكن الشياطني كفروا يـعلمون الناس السنة فال تكفر} .ثانيا: قوله: {وما ا حنن فتـ يـعلمان من أحد حىت يـقوال} أي: امللكان {إمن

ثالثا: قوله: {ولقد علموا لمن اشتـراه} أي: السحر {ما له يف اآلخرة من خالق} ، أي: نصيب من اجلنة.

{يـؤمنون باجلبت والطاغوت} " مث ذكر تفسري اجلبت : " وقوله-رمحه هللا تعاىل -قال املصنف والطاغوت بقوله: "قال عمر: اجلبت: السحر" فاليهود يؤمنون بالسحر، وهو كفر باهلل عز وجل.

"والطاغوت: الشيطان " أي: هو رأس الطواغيت، والطاغوت مشتق من الطغيان، وهو جماوزة احلد، كما سبق.ال جابر: الطواغيت: كهان تنزل عليهم الشياطني، يف كل حي منهم واحد" الكاهن يف قوله: "وق

هو الذي يدعي علم الغيب، وكانوا يف اجلاهلية يتخذون حكاما من الكهان، حيكمون بني الناس.

)١/٣٤٥(

{هل أنـبئكم وكان هؤالء الكهان تنزل عليهم الشياطني اليت تسرتق السمع، كما قال هللا تعاىل: ) يـلقون السمع وأكثـرهم ٢٢٢) تـنـزل على كل أفاك أثيم (٢٢١على من تـنـزل الشياطني(

)} ، وكما جاء يف احلديث أن مسرتق السمع قد يسمع الكلمة من السماء ٢٢٣كاذبون (ا مائة كذبة، فيصدقه الناس بسبب هذه الكلمة اليت فيلقيها على الكاهن، فيكذب الكاهن معه

مسعت من السماء.فالكاهن هو: الذي خيرب الناس عن املغيبات، بسبب أنه يسأل الشياطني، وختربه الشياطني عن

األشياء الغائبة، واألشياء املسروقة واملفقودة، واألشياء البعيدة، فهو خيرب الناس، فيظنون أن هذا يعلم الغيب، وهو ليس كذلك، ال يعلم الغيب، وإمنا أخربته الشياطني بأشياء غائبة، ألن الكاهن

م يصعدون إىل الشياطني هلم قدرة على الطريان السريع، والوصول إىل األمكنة البعيدة، حىت إالسحاب، ويطريون يف اآلفاق، فهم جيوبون اآلفاق بسرعة، فيأتون باألخبار وخيربون الكهان،

م يدخلون بعض البيوت، وعندهم مقدرة و يرون األشياء املغيبة يف البيوت أو يف األمكنة، ألليست عند اإلنس، فإذا تقرب إليهم اإلنسي مبا يريدون من الشرك والذبح لغري هللا والسجود م خيدمونه مبا يريد، فيظن اإلنس أن هذا الكاهن عنده خرب من الغيب، وأنه له خاصية ، هلم؛ فإ

واحلقيقة أن هذا كله من الشيطان.م يف املنازعات واخلصومات، وكان عند كل حي كاهن، يعين: عند كل قبيلة كاهن وكانوا حيكمو

حيكم بينهم.فلما جاء اإلسالم أبطل هللا ذلك كله، لكن ال يزال عند بعض البوادي واجلهال نوع من هذا

م، وير جعون إليهم وقد جاء يف احلديث: "من أتى كاهنا أو الشيء، يسألون الكهان، وحيكمو

عليه وسلم" عرافا فصدقه مبا يقول فقد كفر مبا أنزل على حممد صلى اهللفال جيوز الذهاب إىل الكهان واملشعوذين والدجالني ال للعالج، وال للسؤال عن األشياء

ا كفر مبا أنزل هللا سبحانه وتعاىل، وال جيوز إقرارهم وتركهم، بل الضائعة، وال األشياء الغائبة، وهذم دعاة كفر وشرك، يفسدون العقائد، جيب القضاء عليهم، وإراحة البالد والعباد منهم، أل

ويأكلون أموال الناس بالباطل وحيدثون الشر يف

)١/٣٤٦(

عليه وسلم قال: "اجتنبوا السبع املوبقات" وعن أيب هريرة رضي هللا عنه أن رسول هللا صلى اهلل قالوا: يا رسول هللا، وما هن؟، قال: "الشرك باهلل ..........

ـــــــــــــــــــــــــــــاألمة، فال جيوز تركهم وإقرارهم، فضال عن الذهاب إليهم وتصديقهم فيما يقولون، إمنا هذا من

ر رضي هللا عنه.عادات اجلاهلية كما قال جابا الشياطني؛ ملا عبدوهم من دون م فالكهان ال يأتون باألخبار من عند أنفسهم، وإمنا جاء

هللا، وأطاعوهم يف معصية هللا، وتقربوا إليهم بالعبادة. عليه وسلم قال: اجتنبوا " أ ي: قال: "وعن أيب هريرة رضي هللا عنه أن رسول هللا صلى اهلل

ابتعدوا، ولفظة: "اجتنبوا" أبلغ من: ال تفعلوا، ألن االجتناب يعين: ترك الشيء وترك األسباب املوصلة إليه.

"السبع" أي: املعاصي السبع. "املوبقات" يعين: املهلكات.

عليه وسلم: ما هي هذه السبع حىت نتجنب ها؟، "قالوا: يا رسول هللا، وما هن؟" سألوه صلى اهلل ألن اإلنسان ال ميكن يتجنب الشيء إال بعد أن يعرفه.

ففي هذا دليل على أنه جيب على املسلم أن يسأل عن األمور احملرمة، ويعرف األمور الشركية، حىت يتجنبها.

وهناك من يقولون: علموا الناس التوحيد واتركوا الكالم يف الشرك، والكالم يف احملرمات، ري فقط، وال تبينوا هلم الشرك واألمور احملرمة.علموهم اخل

وهذا خداع من الشيطان، ألنه ال بد أن يعرف اإلنسان اخلري ويعرف الشر من أجل أن يعمل باخلري ويرتك الشر، وهللا قدم الكفر بالطاغوت على اإلميان باهلل فقال تعاىل: {فمن يكفر

قد استمسك بالعروة الوثـقى} وكيف يكفر بالطاغوت وهو ال يعرفه؟، ال بالطاغوت ويـؤمن باهلل فـ

بد أن يعرفه من أجل أن يكفر به، إال إذا مل يعرفه ظنه خريا. "قال: الشرك باهلل" هذا أكرب الكبائر، وأعظم املوبقات، وأعظم ذنب عصي هللا به.

سبحانه وتعاىل، بأن يصرف له شيئا من العبادةوما هو الشرك؟، الشرك هو عبادة غري هللا

)١/٣٤٧(

والسحر. وقتل النفس اليت حرم هللا إال باحلق .......... ـــــــــــــــــــــــــــــ

إما دعاءا أو استغاثة: كأن يقول: يا سيدي فالن أغثين اشفين من املرض، أو يذهبون إىل القبور سيدي فالن أنا حبسبك، أغثين، أو اشفين من املرض، أو اعطين ولدا، أو واألضرحة ويقولون: يا

هب يل زوجة... إىل آخره. وهذا شرك باهلل عز وجل، ألنه دعاء لغري هللا.كذلك الذبح لغري هللا، كان يذبح للقمر أو الضريح من أجل أن يعطى ولدا، أو يدفع عنه

ر، هذا هو الشرك باهلل عز وجل.البالء، أو يشفى من املرض، ينذر للقبو فليس الشرك مقصورا على عبادة األصنام، بل الشرك يف كل ما صرف لغري هللا من العبادة أيا

كان املصروف له، سواء كان صنما أو قربا أو شجرا أو حجرا أو غري ذلك. ر أن يشرك به} .والشرك ال يغفره هللا عز وجل كما قال تعاىل: {إن هللا ال يـغف

واملشرك ال يدخل اجلنة أبدا، ومأواه النار، قال تعاىل: {فـقد حرم هللا عليه اجلنة ومأواه النار} ، ي {وما {حرم هللا عليه اجلنة} يعين: منعه من دخوهلا منعا باتا، {ومأواه النار} مقره ومصريه األبد

للظالمني من أنصار} . عليه وسلم: "والسحر" وهذا حمل الشاهد من احلديث، ألن السحر كفر وشرك مث قال صلى اهلل

باهلل عز وجل، وعطفه على الشرك من باب عطف اخلاص على العام، وإال فالسحر نوع من عليه وسلم خصه بالذكر، وعطفه على الشرك من باب أنواع الشرك، لكن الرسول صلى اهلل

عطف اخلاص على العام من أجل االهتمام بتجنبه."وقتل النفس اليت حرم هللا إال باحلق" النفس اليت حرم هللا هي نفس املؤمن ونفس املعاهد،

عليه وسلم: "أمرت فاملؤمن عصم هللا دمه وماله وعرضه، فال جيوز االعتداء عليه، قال صل ى اهللأن أقاتل الناس حىت يقولوا: ال إله إال هللا، فإذا قالوها عصموا مين دماءهم وأمواهلم إال حبقها، عليه وسلم: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم م على هللا عز وجل" ، وقال صلى اهلل وحسا

م هذا يف بلدكم هذا يف شهركم هذا،أال هل بلغت؟" .حرام عليكم كحرمة يومكدا فاملؤمن حرم هللا قتله بغري احلق، كما قال تعاىل: {ومن يـقتل مؤمنا متـعم

)١/٣٤٨(

وأكل الربا ........ ـــــــــــــــــــــــــــــ

)} .٩٣يه ولعنه وأعد له عذابا عظيما(فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب هللا عل وكذلك الكافر املعاهد، ال جيوز قتله، فقد جاء يف احلديث: "من قتل معاهدا مل يـرح رائحة

اجلنة". عليه وسلم: "إال باحلق" أي: إال بسبب يبيح قتل املؤمن أو املعاهد، وقد بي نه وقوله صلى اهلل

عليه وسلم بقوله: "ال حيل دم امرئ مسلم إال بإحدى ثالث: الثيب الزاين، رسول هللا صلى اهلل والنفس بالنفس، والتارك لدينه املفارق للجماعة" .

و"الثيب الزاين" املراد به: املحصن الذي تزوج ووطئ زوجته بنكاح صحيح، مث زىن فإنه يقتل، عليه وكيفية ق تله: أنه يرجم باحلجارة حىت ميوت، كما تواترت بذلك سنة الرسول صلى اهلل

وسلم، وذلك محاية لألعراض."والنفس بالنفس" واملراد به: القصاص، إذا قتل مكافئا له عمدا عدوانا، فإنه يقتل قصاصا، قال

لى} ، وقال تعاىل: {ولكم يف القصاص تعاىل: {يا أيـها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص يف القتـ )} ، وذلك محاية لألنفس.١٧٩حياة يا أويل األلباب لعلكم تـتـقون(

"والتارك لدينه املفارق للجماعة" وهو املرتد، وهو الذي ارتكب ناقضا من نواقض اإلسالم، ب، فإن تاب ورجع إىل اإلسالم وإال قتل مرتدا، محاية للدين من العبث.فهذا يستتا

عليه وسلم: "وأكل الربا" والربا لغة: الزيادة، واملراد به هنا: زيادة خمصوصة يف مث قال صلى اهلل عليه وسلم الزيا دة فيها بقوله: مال خمصوص، وهي األصناف اليت حرم الرسول صلى اهلل

"الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبـر بالبـر، والشعري بالشعري، والتمر بالتمر، وامللح بامللح، سواء بسواء، يدا بيد، فإذا اختلفت هذه األصناف فبيعوا كيفما شئتم إذا كان يدا بيد" وأحلق

ها يف العلة. ذه الستة ما شا مجهور العلماء الكبائر بعد الشرك، قد توعد هللا عليه بأشد الوعيد، كما يف آخر سورة البقرة: والربا من أكرب

نـهم قالوا {الذين يأكلون الربا ال يـقومون إال كما يـقوم الذي يـتخبطه الشيطان من المس ذلك بأ ا البـيع مثل الربا وأ له ما سلف إمن حل هللا البـيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانـتـهى فـ

وأمره إىل هللا ومن عاد فأولئك أصحاب النار

)١/٣٤٩(

ؤمنات" .وأكل مال اليتيم. والتـويل يوم الزحف. وقذف احملصنات الغافالت امل ـــــــــــــــــــــــــــــ

)} إىل ٢٧٦) ميحق هللا الربا ويـريب الصدقات وهللا ال حيب كل كفار أثيم(٢٧٥هم فيها خالدون( عليه وسلم آكل الربا، قوله تعاىل: {واتـقوا يـوما تـرجعون فيه إىل هللا} ، وقد لعن النيب صلى اهلل

وموكله، وشاهديه، وكاتبه، فالربا من أعظم الكبائر بعد الشرك.قوله: "وأكل الربا" ليس املراد خصوص األكل، وإمنا كل االستعماالت: من أكله ولبسه

وإهدائه، إىل غريه، كل استعماالت الربا حرام، وكذلك من ادخره عنده أو جعله رصيدا له يف البنك.

وإمنا ذكر األكل ألنه غالب وجوه االنتفاع، وإال فكل وجوه استعماالت الريا حمرمة. عليه وسلم: "وأكل مال اليتيم" املراد باليتيم: من مات أبوه وهو دون البلوغ، قال صلى اهلل

أن يسدوا حمل والده والواجب اإلحسان إىل اليتيم، ألنه فقد أباه وعطفه، فيجب على املسلمنيباإلحسان إليه ورعايته، وإن كان له مال فيجب أن حيافظ عليه حىت يبلغ رشيدا، ويسلم له ماله

هم رشدا فادفـع لوا اليتامى حىت إذا بـلغوا النكاح فإن آنستم منـ تـ وا بالتمام، كما قال تعاىل: {وابـهلم وال تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبـروا} إىل قوله تعاىل: {إن الذين يأكلون أموال إليهم أموا

ا يأكلون يف بطوم نارا وسيصلون سعريا( )} .١٠اليتامى ظلما إمن، فإذا تسلط عليه ظامل وأكل ماله فهذا من ألن اليتيم ضعيف ال يستطيع أن يدافع عن نفسه

أعظم الظلم، وليس املراد خصوص األكل، بل كل استعماالت مال اليتيم حرام، إال ما فيه مصلحة له.

عليه وسلم: "والتويل يوم الزحف" التويل يوم الزحف، هو: الفرار من القتال بني قال صلى اهلل ا حضر املعركة.املسلمني والكفار إذ

فمن حضر املعركة بني املسلمني والكفار وهو يستطيع القتال فال جيوز له أن ينصرف، بل جيب عليه أن يقاتل مع املسلمني، قال تعاىل: {يا أيـها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فال

وهلم يـومئذ دبـره إال متحرفا لقتال أو متحيزا إىل فئة فـقد باء بغضب ) ومن يـ ١٥تـولوهم األدبار ( )} .١٦من هللا ومأواه جهنم وبئس المصري(

عليه وسلم: "وقذف احملصنات الغافالت املؤمنات" املراد با لقذف: الرميقال صلى اهلل

)١/٣٥٠(

وعن جندت مرفوعا: "حد الساحر ضربة بالسيف" رواه الرتمذي، وقال: "الصحيح أنه موقوف". ـــــــــــــــــــــــــــــ

بالفاحشة، من زنا أو لواط. واملراد باحملصنات: العفيفات عن الزنا من احلرائر، ومثلهن الرجال العفيفون.

حيفظ لسانه، وال يرمي أحدا بالزىن، أو باللواط، وإذا قذفه ومل يقم والواجب على املسلم أنالبينة فإنه جيلد مثانني جلدة، قال تعايل: {والذين يـرمون المحصنات مث مل يأتوا بأربـعة شهداء

) إال الذين تابوا} .٤ة أبدا وأولئك هم الفاسقون(فاجلدوهم مثانني جلدة وال تـقبـلوا هلم شهاد عليه وسلم عد السحر من السبع املوبقات. والشاهد من هذا احلديث: أن الرسول صلى اهلل

أما ما يستفاد من هذه النصوص فهو كما يلي:ر، وتعليمه، والعمل به، وأنه من السبع أوال: يستفاد من هذه النصوص حترمي تعلم السح

املوبقات، وأنه من اإلميان باجلبت وأنه كفر خيرج من امللة.ا، ثانيا: يف هذه النصوص األمر باالبتعاد عن الكبائر خصوصا، واملعاصي عموما، وترك أسبا

لة إىل احلرام. ألن كلمة "اجتنبوا" معناها: أن اإلنسان يرتك األسباب املوص عليه وسلم بدأ به يف ث الثا: يستفاد من احلديث أن الشرك أكرب الكبائر، ألن الرسول صلى اهلل

هذا احلديث، فدل على أن الشرك باهلل أكرب الكبائر. قوله: "عن جندب" قيل هو: جندب بن عبد هللا البجلي، وقيل غريه. وهللا أعلم.

عىن: أن حكم الساحر وجوب قتله، ألنه يفسد يف األرض، كما "حد الساحر ضربه بالسيف" املحر إن هللا سيبطله إن هللا ال يصلح عمل المفسدين} ، فالساحر قال تعاىل: {ما جئتم به الس

وجب مفسد يف األرض، جيب قتله، وأيضا هو كافر، والكافر جيب قتله، إن كان كافرا أصليا قتله بكفره وإفساده، وإن كان مسلما مث استعمل السحر وجب قتله لردته.

والسحر ناقض من نواقض اإلسالم، كما ذكر ذلك الشيخ يف نواقض اإلسالم العشرة، قال: "ومنها تعلم السحر، وتعليمه".

)١/٣٥١(

هللا عنه: "أن اقتلوا يف صحيح البخاري عن جبالة بن عبدة، قال: كتب عمر بن اخلطاب رضي كل ساحر وساحرة"، قال: فقتلنا ثالث سواحر.

ا، فقتلت". وكذلك صح عن ا أمرت بقتل جارية هلا سحر وصح عن حفصه رضي هللا عنها: "أ

جندب. عليه وسلم". قال أمحد: "صح عن ثالثة من أصحاب النيب صلى اهلل

ـــــــــــــــــــــــــــــقوله: "ويف صحيح البخاري: عن جبالة بن عبدة، قال: كتب عمر بن اخلطاب" أمري املؤمنني، ثاين

اخللفاء الراشدين، رضي هللا عنهم أمجعني. "أن اقتلوا كل ساحر وساحرة" فهذا يؤيد حديث جندب: "حد الساحر: ضربه بالسيف".

كتب إىل األمصار وإىل والته: - خللفاء الراشدينأمري املؤمنني وثاين ا - إذا كان عمر بن اخلطاب عليه وسلم يقول: "عليكم بسنيت "أن اقتلوا كل ساحر وساحرة" واشتهر ذلك، والنيب صلى اهللوسنة اخللفاء الراشدين املهديني من بعدي" ؛ إذا فقتل الساحر دل عليه احلديث، وفعل عمر بن

اخلطاب. عبدة كاتبا◌ لبعض الوالة، فهو يذكر ما وصلهم من عمر. وكان جبالة بن

قال: "فقتلنا ثالث سواحر" يعين: نفذنا ما كتب به أمري املؤمنني، وسواحر: مجع ساحرة، وهي املرأة اليت تتعاطى السحر.

قال: "وصح عن حفصة" هي: حفصة بنت عمر بن اخلطاب، أم املؤمنني رضي هللا عنها.ا أمرت بق تل جارية هلا" أي: مملوكة هلا."أ

ا"سحرت حفصة رضي هللا عنها فأمرت بقتلها. "سحر وهذا أيضا فعل صحابية، وهي أم املؤمنني، أمرت بقتل مملوكتها ملا سحرت.

ولذلك "قال أمحد" هو أمحد بن حنبل، إمام أهل السنة، والصابر على احملنة، أحد األئمة األربعة الذين بقيت مذاهبهم حية، وله من الفضائل رمحه هللا الشيء الكثري، املشهورين يف اإلسالم

وكتب يف مناقبه وترمجته مؤلفات، كان إماما يف

)١/٣٥٢(

السنة، ومناصرا للحق، وصابرا على احملنة، حىت ثبته هللا، وثبت به عقيدة املسلمني من الزيغ ثبت، وصرب على اجللد، وعلى السجن، وعلى اإلهانة حينما امتحن الناس بالقول خبلق القرآن، ف

حىت أظهره هللا، ونشر به احلق. عليه وسلم" يعين: صح قتل الساحر عن عمر قال: "صح عن ثالثة من أصحاب النيب صلى اهلل

بن اخلطاب، وحفصة أم املؤمنني، وجندب، وهو جندب بن كعب األزدي الغامدي، وله قصة، :وهي

أن الوليد كان يلعب عنده ساحر، ومن مجلة سحره أنه يظهر للناس بأنه يقتل الرجل مث حيييه، حيث يستعمل القمرة، أي: السحر التخييلي، فيخيل إىل الناس أنه يقطع رأس الرجل مث يعيد

فلما وصله الرأس مكانه، فيما يظهر للناس، فجاء جندب بن كعب رضي هللا عنه خمفيا السيف، قطع رأسه، وقال: إن كان صادقا فليحيي نفسه.

يا هلذا الساحر الذي حييي املوتى بزعمه، فبذلك بطلت قتله غرية على دين هللا عز وجل، وحتد هذه احليلة الشيطانية، وانقشعت هذه القمرة، وتبني أنه كاذب.

ويستفاد من هذه اآلثار فوائد عظيمة: : كفر الساحر، ألن الصحابة قتلوه، وما قتلوه إال لكفره.الفائدة األوىل

لوا الشياطني على ملك سليمان هذا مع اآليات اليت تدل على كفره، كقوله تعاىل: {واتـبـعوا ما تـتـالسحر وما كفر سليمان} ، يعين: ما استعمل السحر كما يظن اليهود، فدل على أن استعمال

م {يـعلمون الناس حر} ، يعين: سبب كفرهم أ كفر، {ولكن الشياطني كفروا يـعلمون الناس السحر} فدل على أن تعليم السحر كفر. الس

ا حن } ينصحاه {يـقوال إمن نة فال تكفر} وأن هللا قال يف امللكني: {وما يـعلمان من أحد حىت ن فتـ يعين: حنن امتحان واختبار، فمن قبل السحر فهو كافر، {فال تكفر} بتعلم السحر.

هما} يعين: من امللكني، {ما يـفرقون به بـني المرء وزوجه} ، هذا دليل على أن يتـعلمون منـ {فـيفرق بني املرء وزوجه بإحداث البغضاء، فهو دليل ملذهب أهل السحر له حقيقة، وأنه يؤثر و

السنة على أن السحر له حقيقة يؤثر، ولو مل يكن له حقيقة مل يؤثر البغضاء.

)١/٣٥٣(

ى مث قال تعاىل: {وما هم بضارين به من أحد إال بإذن هللا} ، أي: القدري الكوين، ألن اإلذن عل نوعني:

النوع األول: القدري الكوين، الذي تنتج عنه املقدرات، خريها وشرها.والنوع الثاين: اإلذن الشرعي املذكور يف هذه اآلية: {فـهدى هللا الذين آمنوا لما اختـلفوا فيه من

احلق بإذنه} أي: بشرعه.، ومن توكل على هللا كفاه شر السحرة وغريهم، وهلذا أمر وهذا فيه: أن اإلنسان يتوكل على هللا

)} أي: من شر السواحر.٤هللا باالستعاذة به من السحرة: {ومن شر النـفاثات يف العقد(فعهم}، دل على أن تعلم السحر ضرر حمض، مث قال جل وعال: {ويـتـعلمون ما يضرهم وال يـنـ

س فيه مصلحة، ألن األمور على مخسة أقسام:لي

ما كان ضررا حمضا: ومنه السحر، والكفر واملعاصي. النوع الثاين: ما كان مصلحة حمضة، ليس فيه ضرر البتة كالطاعات.

النوع الثالث: ما كان فيه مضرة ومصلحة، لكن مضرته أكثر من مصلحته.ه، كاجلهاد يف سبيل هللا على ما فيه من القتل النوع الرابع: ما كان مصلحته أكثر من ضرر

واجلراح. النوع اخلامس: ما تساوى ضرره ومصلحته.

املوضع الرابع: مما يدل عدى كفر الساحر:وقوله تعاىل: {ولقد علموا لمن اشتـراه ما له يف اآلخرة ما له نصيب يف اجلنة، وهذا هو من خالق} أي: قد علم اليهود أن من تعلم السحر وعلمه

الكافر.ثوبة واملوضع اخلامس: {ولبئس ما شروا به أنـفسهم لو كانوا يـعلمون* ولو أنـهم آمنوا واتـقوا لم

ر} ، قوله: {ولو أنـهم آمنوا} ، أي: تركوا السحر، وهذا د ليل على أن السحر من عند هللا خيـ كفر ينايف اإلميان، لكنهم مل يرتكوا السحر بل اختذوه بدل اإلميان فكفروا.

فهده مخسة مواضع من هذه اآليات تدل على كفر الساحر، مع عمل الصحابة، وقتلهم للسحرة.

)١/٣٥٤(

ا صنـعوا كيد ساحر وال يـفلح الساحر ح يث أتى} ، دليل على كفر ويف قوله تعاىل: { إمنالساحر، حيث نفي فالحه، واملؤمن يفلح ولو كان إميانه ضعيفا، ولو مل يكن عنده إال ذرة من

اإلميان فإنه يفلح، وإن عذب، وهللا نفى عن الساحر الفالح مطلقا، فدل على أنه كافر، والعياذ باهلل.

ا، ذكرنا فيها األدلة اليت تدل على كفر الساحر.هذه املسألة األوىل، وهي مسألة مهمة جد وكفر الساحر مطلقا كما ذكر الشارح هو مذهب األئمة الثالثة: أيب حنيفة، ومالك، وأمحد؛

يرون كفر الساحر، وقد سبقهم مجع من الصحابة.واإلمام الشافعي يقول: "نقول للساحر: صف لنا سحرك، فإن وصفه مبا يقتضى الكفر فهو

ر، وإال فال".كافولكن هذا املذهب مرجوح، ألنه ال ميكن السحر إال بالتعاون مع الشياطني، واخلضوع هلم،

وحينئذ يكون كافرا.الفائدة الثانية: يف احلديث دليل على وجوب قتل الساحر قتل ردة، ألنه صح عن ثالثة من

عليه وسلم: عمر وحف صة وجندب، ومل يظهر هلم خمالف من الصحابة، أصحاب النيب صلى اهلل عليه وسلم: "من بدل دينه فدل على وجوب قتله، ألنه مرتد، واملرتد جيب قتله لقوله صلى اهلل

عليه وسلم: "ال حيل دم امرئ مسلم إال بإحدى ثالث: النفس فاقتلوه" ، وقوله صلى اهللثيب الزاين، والتارك لدينه املفارق للجماعة" فالساحر من هذا القسم األخري التارك بالنفس، وال

لدينه املفارق جلماعة املسلمني. فيجب قتله.الفائدة الثالثة: يف هذه اآلثار دليل على أنه يقتل وال يستتاب، ألنه مل يذكر يف هذه اآلثار أن

م قتلوه، ومل م استتابوه.الصحابة استتابوه، وإمنا فيها أ يذكر أوأيضا إذا تاب يف الظاهر فعلم السحر ال يزول من قلبه، فهو وإن أظهر التوبة فإنه يقتل يف كل

حال، ألن التوبة ال تزيل السحر من قلبه بعدما تعلمه، ومن أجل دفع فساده، ألنه قد يظهر التوبة وهو غري صادق، بل من أجل أن يتقي القتل.

"هذا قول اإلمام مالك، ورواية عن اإلمام أمحد".قال الشارح:

)١/٣٥٥(

: أنه يستتاب كغريه من املرتدين، ألن -، ورواية عن أمحد-وهو قول الشافعي- والقول الثاين يستتاب. -أيضا -املشرك يستتاب، فالساحر

عن املسلمني، وألنه ولكن الرأي األول أرجح، فيقتل وال يستتاب لغلظ ردته، وألجل كف شره يظهر التوبة وخيدع الناس.

لكن إن كان صادقا يف توبته فهذا فيما بينه وبني هللا، أما احلد فال يسقط عنه. وهذا حكمه يف الدنيا.

وعلى كل حال؛ أمر السحر أمر خطري.، ويف هذا الزمان كثر شر السحرة، وصاروا يستعملون السحر من أجل ابتزاز أموال الناس

واللعب عليهم، وأمر األموال أخف من أمر العقيدة، وإن كانت األموال شيئا مهما جيب احلفاظ عليه، ولكن العقيدة أهم، ووجود السحرة يف اجملتمعات اإلسالمية وباء خطري فتاك، جيب

عالجه، وجيب القضاء عليه.ا من أجل فالسحرة يف العامل يف هذا الزمان يقيمون نوادي، جيتمعون فيها ، ومؤمترات يعقدو

إهالك البشر، وتعاظم شرهم وخطرهم، فيجب على املسلمني أن حيذروا منهم غاية احلذر، وجيب على من علم بوجود ساحر يف البلد أن يبلغ والة األمور عنه.

قد وال جيوز الذهاب إىل السحرة وتصديق السحرة، فالسحرة مثل الكهان أو شر من الكهان، و

عليه وسلم: "من أتى كاهنا مل تقبل له صالة أربعني يوما" ، وقال صلى اهلل قال النيب صلى اهلل عليه عليه وسلم: "من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه مبا يقول فقد كفر مبا أنزل على حممد صلى اهلل

، وهو شر من الكهانة.- كما سبق -طاغوت ومن اجلبتوسلم" ، والسحر من الوإذا كان الكاهن جيب على املسلمني هجره واالبتعاد عنه، وأن من أتاه ال تقبل صالته أربعني

عليه وسلم، فكيف يذهب بعض الناس إىل يوما، ومن صدقه يكفر مبا أنزل على حممد صلى اهللاالسحرة واملشعوذين، و قد يأمرونه بالشرك، فيأمرونه بالذبح لغري هللا؟! فاألمر خطري جد

فيجب على املسلمني أن حيذروا من هذا البالء، ومن هذا الوباء، وهذا اخلطر؛ أن ال يتفشى بني املسلمني.

)١/٣٥٦(

[الباب اخلامس والعشرون:] * باب بيان شيء من أنواع السحر

ـــــــــــــــــــــــــــــمناسبة هذا الباب بعد الباب الذي قبله ظاهرة، ألنه يف الباب الذي قبله بـني ما جاء من األدلة يف كتاب هللا وسنة رسوله يف حكم السحر وحكم الساحر، فتطلعت األنظار إىل أن يعرف الناس

ما هو السحر، وما هي أنواعه حىت يتجنبوه.العلم أن يبينوا للناس احلق والباطل، أن يبينوا للناس احلق ومن مث يتعني على العلماء وطلبة

وأدلته، وأن يبينوا للناس الباطل وأدلته وأنواعه؛ من أجل أن يأخذوا باحلق على بصرية، وأن يرتكوا الباطل على بصرية، وإال فإنه إذا مل يبني احلق والباطل التبس على الناس، وظنوا احلق باطال

ا.والباطل حق ذا األمر، وأن ومن هنا يتعني على الدعاة وعلى اخلطباء يف املساجد وعلى املدرسني أن يعتنوا

م، وأمور دينهم. يبينوا للناس أمور عقيدرمحه هللا على عقد هذا الباب: أن هناك خوارق جتري على أيدي - أيضا - ومما محل املصنف

ة، مثل: املشي على املاء، والطريان يف اهلواء، واإلخبار بعض الناس خارجة عن األسباب املعروف عن األشياء الغائبة، وإحضار الشيء البعيد.

وهذه اخلوارق إن جرت على أيدي الصاحلني فهي كرامات من هللا سبحانه وتعاىل، والكرامات حانه وتعاىل، وقد ثابتة عند أهل السنة واجلماعة، جتري على أيدي الصاحلني إكراما هلم من هللا سب

ا الناس، جتري على أيدي الكفرة، والفساق، واملنافقني، فتكون هذه اخلوارق شيطانية، يفتنون

ا على الناس، وهي إما سحر، وإما بسبب استخدام هؤالء الفساق للشياطني، ويلبسون ذه األمور اليت ليست من مقدور بين آدم، وإما أن هلا أسبابا خفية مل تظهر فيخدمهم الشياطني

ا. للناس من حيل، يعملوفمن أجل التباس احلق بالباطل يف هذه اخلوارق أراد الشيخ أن يعقد هذا الباب ليبني أن هذه

اخلوارق من السحر، وليست من الكرامات. فيجب أن نعرف هذا الباب، والفرق بني الكرامات وخوارق الشيطان، لئال يلتبس األمر، ولئال

يتخذ املخرفون واملنحرفون اخلوارق الشيطانية دليال على الوالية هلل عز وجل، فيعبدون هؤالء من دون هللا عز وجل.

)١/٣٥٧(

قال أمحد: حدثنا حممد بن جعفر، حدثنا عوف، وحدثنا حيان بن العالء، حدثنا قطن بن قبيصة، عليه وسلم قال: "إن العيافة والطرق والطرية من اجلبت".عن أبيه، أنه مسع النيب صلى اهلل

ال عوف: العيافة: زجر الطري. والطرق: اخلط خيط باألرض. واجلبت: قال احلسن: رنة الشيطان. إسناده جيد.

ـــــــــــــــــــــــــــــثنا حممد بن جعفر" امل راد به: غندر.قوله: "قال أمحد: حد

"حدثنا عوف " هو: عوف بن أيب مجيلة، املسمى بعوف األعرايب، إمام ثقة مشهور. بن العالء، بصري مقبول. -بالياء املثناة -"حدثنا حيان بن العالء" حيان

"حدثنا قطن بن قبيصة" قطن بن قبيصة تابعي، بصري ثقة. يل، صحايب معروف."عن أبيه": قبيصة بن املخارق اهلال

.-رضي هللا عنه -"أنه" يعين: قبيصة عليه وسلم قال: " إن العيافة والطرق والطرية من اجلبت" . "مسع النيب صلى اهلل

وتفسري هذه األلفاظ مروي عن: "عوف"، وهو: عوف بن أيب مجيلة، املسمى بعوف األعرايب؛ أحد رواة هذا احلديث.

ا وأمسائها ومسارها.قال: " العيافة: زجر الطري" ومعناه: التشاؤم بأصوا"والطرق: اخلط خيط يف األرض" من أجل استطالع األمور الغائبة، وهي طريقة جاهلية، وهم ال

ا، وإمنا الشياطني هي اليت تأيت هلم مبا يريدون إذا تقربوا إليهم بالعبادة، ا الغيب بذا يعلمون ا باهلل عز وجل، ألن الشياطني تريد إضالل بين آدم مهما استطاعت. قوله:وكفرو

"قال احلسن " هو احلسن البصري إمام التابعني."اجلبت: رنة الشيطان" أي: صوت الشيطان، وصوت الشيطان يشمل أشياء كثرية، منها: األغاين

هم بصوتك} .واملزامري، قال تعاىل: {واستـفزز من استطعت منـ وصوت الشيطان: كل كالم باطل، وكل كالم كفر أو شرك.

فهذا فيه بيان الشيء من أنواع السحر:

)١/٣٥٨(

وأليب داود والنسائي وابن حبان يف "صحيحه" املسند منه. عليه وسلم: "من اق تبس شعبة من وعن ابن عباس رضي هللا عنهما قال: قال رسول هللا صلى اهلل النجوم، فقد اقتبس شعبة من السحر، زاد ما زاد" رواه أبو داود، وإسناده صحيح.

ـــــــــــــــــــــــــــــ فالعيافة نوع من أنواع السحر. والطرق نوع من أنواع السحر. والطرية نوع من أنواع السحر.

ا من اجلبت، واجلبت الس حر كما سبق، فالسحر إذا كلمة عامة جتمع كلها من أنواع السحر؛ أل شرورا كثرية، إما قولية، وإما عملية.

مث قال املصنف رمحه هللا: "إسناده جيد" أي: إسناد اإلمام أمحد جيد، ألن رواته ليس فيهم أحد جمروح.

، قال: "وروى أبو داود والنسائي وابن حيان يف صحيحه املسند منة" أي: رووا أصل احلديث دون التفسري املذكور الذي ذكره عوف.

"وأبو داود"، هو اإلمام املشهور، سليمان بن األشعث، صاحب السنن املشهورة بسنن أيب داود وهي إحدى السنن األربع.

"والنسائي" هو: أبو عبد الرمحن أمحد بن شعيب النسائي، اإلمام اجلليل، صاحب "السنن الكربى" إحدى السنن األربع.

حبان يف صحيحه" ابن حبان هو: أبو حامت، حممد بن حبان البسيت، صاحب الصحيح "وابن املسمى بـ"صحيح ابن حبان".

عليه وسلم: "من اقتبس قال: "وعن ابن عباس رضي هللا عنه قال: قال رسول هللا صلى اهلل ه أبو داود، وإسناده صحيح".شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر، زاد ما زاد" روا

عليه وسلم: "من اقتبس شعبة" يعين: تعلم. والشعبة: الطائفة أو القطعة. قوله صلى اهلل "من النجوم" يعين: من علم التنجيم.

هو: -كما قال شيخ اإلسالم ابن تيمية -والتنجيم معناه: اعتقاد أن النجوم تؤثر يف الكون، وادث األرضية إىل األحوال الفلكية.نسبة احل

)١/٣٥٩(

وللنسائي من حديث أيب هريرة: "من عقد عقدة مث نفث فيها فقد سحر، ومن سحر فقد أشرك، ومن تعلق شيئا وكل إليه" .

ـــــــــــــــــــــــــــــمني والذين يذهبون وال تزال آثار هذه اخلصلة اجلاهلية يف عصرنا احلاضر فيما يظفر عند امل نج

إليهم، ومبا يكتب يف بعض الصحف واجملالت من أحوال البـروج، ألن نسبة هذه األمور إليها يف ا، أو إىل األفالك يف حتركها؛ شرك باهلل عز وجل، ألن الذي يدبر النجوم، ويدبر طلوعها أو غرو

عاىل، فيجب أن نؤمن بذلك. أما النجوم، وأما األفالك، ويدبر الكون كله هو هللا سبحانه وتاألفالك، وأما مجيع املخلوقات فليس هلا تدبري، وليس هلا إحداث شيء، أو جلب نفع، أو دفع

ضر إال بإذن هللا سبحانه وتعاىل، فاألمر يرجع كله إىل هللا. وجيب على املسلم أن يعتمد على مون والفلكيون. هللا، وأن يتوكل على هللا، وال يتأثر مبا يقوله املنج

أما تعلم حساب منازل القمر من أجل معرفة مواقيت العبادات، ومواقيت الزراعة والبذور؛ فال يه العلماء بعلم التسيري. بأس به، وهذا ما يسم

ا تؤثر فهو علم التأثري، وهو احملرم. وأما االعتقاد بالنجوم بأشعبة من السحر" وهذا هو الشاهد من احلديث للباب، حيث دل على أن قوله: "فقد اقتبس

م والساحر يدعي علم الغيب الذي اختص هللا التنجيم نوع من أنواع السحر، ألن كال من املنج تعاىل بعلمه.

ذير وقوله: "زاد ما زاد" يعين: كل ما زاد من االقتباس زاد من السحر، فمقل ومستكثر. فهذا حت عليه وسلم. من الرسول صلى اهلل

فاإلنسان ال جيوز له أن يتعلم التنجيم الذي عليه املشركون، ألنه سحر وشرك باهلل سبحانه وتعاىل، وادعاء لعلم الغيب الذي ال يعلمه إال هللا سبحانه وتعاىل.

كتابهوالنجوم إمنا خلقت لفوائد بينها هللا سبحانه وتعاىل يف عليه وسلم قال: "من عقد عقدة" هذا قال: "وللنسائي من حديث أيب هريرة أن النيب صلى اهلل

من عمل السحرة؛ يعقدون اخليوط مث ينفثون فيها، والنفث هو: النفخ مع الريق، ينفث فيها من ري الشيطان.ريقه اخلبيث، ألنه متكيف بالشيطان، فريقه ممزوج باخلبث وتأث

)١/٣٦٠(

وقد يضر من وجه إليه بإذن هللا عز وجل، كما قال تعاىل: {وما هم بضارين به من أحد إال بإذن هللا} .

)} ، ٤وقد أمر هللا نبيه باالستعاذة منه يف سورة الفلق، قال تعاىل: {ومن شر النـفاثات يف العقد( النـفاثات} : السواحر، و{العقد} هي: العقد اليت يف اخليوط.{

وقوله: "فقد سحر" يدل على أن هذا العمل سحر.وقوله: "ومن سحر فقد أشرك" هذا هو الشاهد من احلديث؛ أن من أنواع الشرك: عقد العقد

تعانة بالشياطني، وإذا والنفث فيها بقصد السحر، ألن الساحر ال يتوصل إىل سحره إال باالس استعان بالشياطني فقد أشرك باهلل عز وجل.

قوله: "ومن تعلق شيئا وكل إليه" أي: من اعتقد يف شيء من دون هللا أنه ينفع أو يضر وكله هللا إىل ذلك الشيء.

م ينفعو مني واألموات واألولياء أ ن أو فمن اعتقد يف السحرة والكهان واملشعوذين واملنجيضرون من دون هللا وكل إليهم؛ عقوبة له، وختلى هللا سبحانه وتعاىل عنه، ووكله إىل هؤالء الذين ال ميلكون ضرا وال نفعا، وال موتا وال حياة وال نشورا، وال وتنقطع صلته باهلل الذي بيده امللك،

هللا إىل هذه املخلوقات الضعيفة، ألنه والذي بيده اخلري، والذي يرحم عباده ويرزقهم، ويكله اعتمد عليها، وتوكل عليها، وخاف منها، ورجاها، فيوكل إليها.

فمن ذهب إىل مشعوذ يريد منه العالج والشفاء من املرض وكله هللا سبحانه وتعاىل، ومن سأل كاهنا أو عرافا عن شيء من األشياء وكله هللا إليه إذ اعتمد عليه.

وكل على هللا، وتعلق باهلل سبحانه وتعاىل، وخاف هللا ورجاه فإن هللا يتوىل أمره، كما قال ومن ت} ، تعاىل: { ومن يـتـوكل على هللا فـهو حسبه إن هللا بالغ أمره قد جعل هللا لكل شيء قدرا

عتمل! على هللا؛ فإن هللا يكفيه، ويصونه من شر عباده، فالذي يتوكل على هللا، ويؤمن باهلل، وي قال تعاىل {أليس هللا بكاف عبده} ،.

فمن توكل على هللا كفاه، ومن تركل على غري هللا وكله هللا إىل ضعيف، عاجز ال يغين عنه من هللا شيئا، ال يف الدنيا وال يف اآلخرة.

)١/٣٦١(

عليه وسلم قال: "أال هل أنبئكم ما العضة؟ هي وعن ابن مسعود أن رسول هللا صلى اهلل النميمة، القالة بني الناس" رواه مسلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــونه، ويتسلطون عليه أما يف الدنيا فيكله هللا إىل هؤالء الذين يضلونه، ويفسدون عقيدته، أو يومه

ش عيشة القلق واألوهام والضعف واخلور.حىت يعيم تعلقوا بغري ولذلك جند اخلرافيني والقبوريني دائما يف قلق، ودائما يف خوف، ودائما يف ذل، أل

هللا. أما يف اآلخرة فمعلوم مصريه إن مل يتب.

دين الصادقني يف قوة ويف أمن، ويف سرور بال وراحة نفس وطمأنينة م توكلوا وجند املوح ، أل على هللا.

ومن عبد هللا وحده توىل هللا أمره يف الدنيا واآلخرة، وجناه من العذاب، وأدخله اجلنة.ومن عبد الشياطني واملخلوقني والقبوريني وغري ذلك وكله هللا إليهم يوم القيامة، يقول هلم:

م يف الدنيا، وإذا ذهبوا إليهم ت ربأوا منهم: {إذ تـبـرأ الذين اتبعوا من اذهبوا إىل من كنتم تعبدوهم عن الذين اتـبـعوا} ، {ومن أضل ممن يدعو من دون هللا من ال يستجيب له إىل يـوم القيامة و

)} ، هذا يف الدنيا.٥دعائهم غافلون ()} ، وقت احلاجة ٦حشر الناس كانوا هلم أعداء وكانوا بعبادم كافرين( ويف اآلخرة: {وإذا

م مل يعقدوا مع هللا صلة تصلهم م وتربأوا منهم، فيذهبون إىل النار، أل ووقت اخلطر كفروا بعباددوه، بل عبدوا غريه. باهلل عز وجل، ومل يعبدوا هللا ويوح

عليه وسلم قال: "أال هل أنبئكم قال: "وعن ابن مسعود" رضي هللا عنه، أن رسول هللا صلى اهلل ما العضة؟"" العضه: السحر، أي: ما هو السحر؟.

وهذا فيه التعليم وطريقة السؤال اجلواب، ألن ذلك أوقع يف النفس، إذا صار الشيء مهما يق السؤال، من أجل أن يتنبهوا.وخطريا فإنه يلقى على الناس بطر

عليه وسلم يف اجلواب: "هي النميمة" وهذا لبيان خطر النميمة، كأن النيب مث قال صلى اهلل عليه وسلم حصر السحر فيها حتذيرا منها. صلى اهلل

ذه اخلطورة؟، ألن النميمة تعمل عمل السحر، فتفرق وملاذا صارت النميمة

)١/٣٦٢(

عليه وسلم قال: " إن من البني لسحرا" وهلما عن ابن عمر رضي هللا عنهما رسول هللا صلى اهلل.

ـــــــــــــــــــــــــــــبني الناس كما يفرق بينهم السحر، بل هي أشد، كما قال بعضهم: "يفسد النمام يف ساعة ما

ا تفرق بني املسلمني والسحر إمنا يفسده الساحر يف سنة"، فالنميمة أشد تأثريا من السحر، أل يؤثر فيمن وقع عليه.

والنميمة معناها: نقل احلديث بني الناس على وجة الوشاية واإلفساد، يذهب إىل شخص فيقول ى فالن. مث له: إن فالنا يسبك ويتنقصك، ويقول فيك كيت وكيت. مث يغضب هذا الشخص عل

يذهب إىل الثاين، ويقول: إن فالنا يقول فيك كذا وكذا، ويسبك، ويتنقصك. فيغضب هذا على هذا، وهذا على هذا، مث تقوم القطيعة بني الوالد وولده، وبني األخ وأخيه، وبني املسلم وأخيه

املسلم، حىت رمبا تقوم احلروب الطاحنة بني الناس بسبب النميمة. عليه وسلم أن النميمة من أسباب عذاب القرب، والنميم ة من الكبائر، وقد بني النيب صلى اهلل

ما ليعذبان، ما يعذبان عليه وسلم مر بقربين فقال: "إ كما جاء يف احلديث أن النيب صلى اهلل ما اآلخر فكان ال يستربئ من بوله" .يف كبري، أما إنه كبري، أما أحدمها فكان ميشي بالنميمة، وأ

فدل على أن النميمة تسبب عذاب القرب. ويف احلديث الصحيح: "ال يدخل اجلنة منام" ويف رواية: "ال يدخل اجلنة قتات" .

والنمام ليس له حكم الساحر، فال يكفر كما يكفر الساحر. كفر، والنميمة فسق. وإمنا النميمة حمرمة كما حيرم السحر، إال أن السحر

قال: "وهلما" أي للشيخني: البخاري ومسلم. عليه وسلم قال: "إن من البيان "من حديث ابن عمر رضي هللا عنها أن رسول هللا صلى اهلل

لسحرا"" البيان هو: البالغة والفصاحة، ألن الناس يصغون إىل املتكلم إذا كان فصيحا يف م ال يصغون إىل كالمه، ويستثقلونه، كالمه، وبلي غا يف منطقه، خبالف ما إذا كان ثـرثارا، فإ

وميلون من مساعه، فإن استعمل هذه القوة البيانية يف اخلري والدفاع عن

)١/٣٦٣(

احلق، والرد على الباطل، فهو مأجور، أما إن استعملها بضد ذلك، فاستعملها يف نصرة الباطل، احلق فهو آمث، وهذا هو املذموم. وهدم

عليه وسلم مل يذم البيان مطلقا، وإمنا ذم البيان الذي يقلب احلق باطال والباطل والنيب صلى اهلل

حقا، فإن البليغ الفصيح يستطيع بأسلوبه أن يزين للناس الباطل، وان يزوره بكالمه حىت يظنوه ر على احلق حىت خييل إىل الناس أنه باطل.صحيحا، ويستطيع أن يؤث

فالواجب على املسلم إذا أعطاه هللا مقدرة يف الكالم واحملاورة أن يستعمل هذا يف طاعة هللا سبحانه وتعاىل، ويف الدعوة إىل اخلري، وترغيب الناس يف اخلري، وتنفريهم من الشر.

أعراض العلماء الربانيني وتبديعهم، أما أن يستعمله بضد ذلك بأن يستعمله بالكالم يف وجتهيلهم؛ فهذا من السحر.

أو يستعمله يف تزيني الشرك، وعبادة القبور، وتزيني البدع واخلرافات واحملدثات؛ فهذا من السحر، ألن السحر يقلب احلق باطال والباطل حقا، كذلك البليغ الذي يستعمل فصاحته يف

الدعوة إىل الشر.من الناس إال بسبب الدعاة البلغاء املنحرفني إما يف اإلذاعات، وإما يف الصحف، وما ضل كثري

وإما فوق املنابر، وإما يف مدرجات اجلامعات، إذا تكلموا استمالوا احلاضرين، وملئوا أدمغتهم ، فهذا خطر عظيم.- والعياذ باهلل -بكالم مزور، حىت خيرجوا وهم يبغضون احلق وحيبون الباطل

ما يستفاد من هده األحاديث:أوال: يف حديث قبيصة رضي هللا عنه أن العيافة والطرق والطرية من اجلبت، واجلبت هو السحر، وكما سبق: أن اجلبت كلمة عامة تشمل السحر، وتشمل الكهانة، وتشمل العيافة، وتشمل اخلط

الغيب. خيط يف األرض. يعين: تشمل كل ما فيه ادعاء لعلم ثانيا: يف حديث ابن عباس حترمي تعلم التنجيم، وأنه نوع من أنواع السحر.

ثالثا: يف حديث أيب هريرة أن عقد اخليوط والنفث فيها بقصد التأثري

)١/٣٦٤(

واإلضرار بالناس أن هذا سحر، ومن سحر فقد أشرك، فالسحر نوع من أنواع الشرك، ألن ويتقرب إىل الشيطان، وهذا هو الشرك.الساحر يستعني بالشيطان،

رابعا: يف حديث أيب هريرة أن من تعلق على السحرة واملشعوذين والدجالني أنه يوكل إليهم، ويتخلى هللا سبحانه وتعاىل عنه، وإذا ختلى هللا عنه ووكله إىل غريه هلك.

ا ا نوع من أنواع خامسا: يف حديث ابن مسعود رضي هللا عنه حترمي النميمة، وأ من الكبائر، وأ السحر.

سادسا: يف حديث ابن عمر حترمي البالغة اليت تستخدم لنصر الباطل والدعوة إليه، والتنفري من احلق، وتشويه احلق، وأن هذا نوع من أنواع السحر.

)١/٣٦٥(

[ الباب السادس والعشرون: ] * باب ما جاء يف الكهان وحنوهم

ـــــــــــــــــــــــــــــمناسبة هذا الباب ملا قبله: أن ما قبله يف بيان السحر وحكم الساحر، وبيان بعض أنواع

السحر. وهذا يف حكم الكهان، وذلك للتشابه بني الكهان والسحرة، ألن كال من السحر والكهانة عمل شيطاين ينايف العقيدة ويضادها.

يبني العقيدة الصحيحة، ويبني ما يضادها من الشركيات والشيخ رمحه هللا يف هذا الكتاب والكفريات أو ينقصها من البدع واحملدثات.

حه، مث يبني ضده ية مع الكتاب والسنة؛ أنه يبني اخلري ويوض وهذه هي الطريقة الصحيحة املتمشرف اخلري فقط، بل من الشر؛ من أجل أن يكون املسلم على حذر، ألنه ال يكفي أن اإلنسان يع

البد مع معرفته للخري أن يعرف الشر؛ من أجل أن يتجنبه، وإال إذا مل يعرف الشر فإنه حري أن يقع فيه وهو ال يدري بل قد يظنه خريا.

فقوله: "باب ما جاء يف الكهان وحنوهم " يعين: ومن كان مثلهم من العرافني والرمالني وغري مل كل ما هو من نوع الكهانة.ذلك، ألن هذا باب يش

والكهانة معناها: ادعاء علم الغيب، بطرق شيطانية.فالكاهن هو: الذي خيرب عن املغيبات من األشياء املستقبـلة، واألشياء املفقودة والضالة، بسبب

أنه خيضع للشياطني، ألن الشياطني عندهم مقدرة ليست عند اإلنس، فهم يرتفعون يف اجلو اولون اسرتاق السمع من السماء، مث خيربون مبا يسمعون من خيضع هلم من اإلنس، مث هذا وحي

اإلنسي يأخذ الكلمة اليت مسعت من السماء، ويكذب معها مائة كذبة، من أجل أن يلبس على الناس.

ذ ما متليه عليه وال ختربه الشياطني إال إذا أطاعهم، وكفر باهلل سبحانه وتعاىل، وأشرك باهلل، ونف الشياطني من الكفر والشرك، وإال فالشياطني ال تطيع املؤمن، املوحد ألنه ال يطيعها، وإمنا تطيع

من يأيت على رغبتهم يف الكفر باهلل والشرك باهلل.وكانت الكهانة سوقا رائجة عند العرب يف اجلاهلية، وكان الكهان هلم شأن عند العرب، كل قبيلة

ن يتحاكمون إليه، وكانت الشياطني تسرتق السمع،هلا كاه

)١/٣٦٦(

عليه عليه وسلم عن النيب صلى اهلل روى مسلم يف صحيحه عن بعض أزواج النيب صلى اهلل وسلم قال: "من أتى عرافا فسأله عن شيء فصدقه مبا يقول، مل تقبل له صالة أربعني يوما" .

ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم حرست السماء وخترب به هؤالء الكهان، فلما أراد هللا بعثة نبيه حممدا صلى اهلل

بالشهب، ومنعوا من اسرتاق السمع. كما قال تعاىل حكاية عن اجلن يف أول سورة اجلن: {وأنا ها مقاعد )} .٩للسمع فمن يستمع اآلن جيد له شهابا رصدا(كنا نـقعد منـ

عليه وسلم قـلت الكهانة عما كانت عليه يف اجلاهلية، وذلك فلما بعث هللا نبيه حممدا صلى اهلل لظهور اإلسالم، ومعرفة احلق من الباطل، لكن هلم وجود مستمر إىل يومنا هذا.

لما فشا اجلهل يف األمة ظهر الكهان، وكلما كثر العلم والتمسك بالدين والعقيدة الصحيحة وك قل الكهان، أو انقرضوا.

م ال فاجلهات اليت فيها توحيد، وفيها إسالم صحيح، ال يوجد فيها كهان، وإن وجدوا فإ يظهرون، وال يعرفون إال نادرا.تمعات اليت فشا فيها اجلهل واخلرافات، فإن الكهان يكثرون فيها، أما اجملتمعات اهلمجية، واجمل

وتكون هلم سوق رائجة فيها، كما كانت هلم يف اجلاهلية.فمن أجل ذلك عقد الشيخ رمحه هللا هذا الباب يف موضوع الكهان، وبيان حكمهم، وحكم من

لمون على حذر منهم، وأن ال يأيت إليهم وحكم من يسأهلم ويصدقهم؛ من أجل أن يكون املسم، ولو ظهروا للناس باسم أطباء أو معاجلني أو أصحاب خربة، فإن هذه األمساء أمساء يغرتوا

ا. خداعة، ال تغري احلقيقة، فالكاهن كاهن مهما تسمى باألمساء اليت يسترت عليه وسلم" ورد يف رواية أخرى قال: "روى مسلم يف صحيحه عن بعض أزواج النيب صلى اهلل

ا حفصة بنت عمر بن اخلطاب رضي هللا عنهما. بأ عليه وسلم قال: "من أتى عرافا" العراف قيل: هو الذي خيرب عن األمور "عن النيب صلى اهلل

ا سيأيت يف كم-الغائبة عن طريق احلدس والتخمني والظن. وقيل: هو الكاهن. فال فرق بينهما ؛ أن العراف اسم عام يدخل فيه كل من أخرب عن املغيبات، -كالم شيخ اإلسالم ابن تيمية

سواء عن طريق الشياطني، أو عن طريق احلدس والتخمني،

)١/٣٦٧(

عليه وسلم قال: "من أتى كاهنا فصدقه مبا يقول؛ فقد كفر وعن أيب هريرة عن النيب صلى اهلل عليه وسلم" رواه أبو داود. مبا أنزل على حممد صلى اهلل

ـــــــــــــــــــــــــــــ أو عن طريق اخلط يف الرمل، أو قراءة الكف والفنجان، أو غري ذلك.

ح مسلم، "فصدقه مبا يقول مل تقبل له صالة أربعني يوما" هذه اللفظة (فصدقه) ليست يف صحيوإمنا وردت يف رواية اإلمام أمحد يف املسند، والذي يف صحيح مسلم: "من أتى عرافا مل تقبل له

صالة أربعني يوما" ، فاحلكم مرتب على جميء العراف فقط، ألن إتيان العراف والذهاب إليه قه. جرمية وحمرم حىت ولو مل يصد

م" وهلذا ملا سأل معاوية بن احلكم رسول هللا عليه وسلم عن العرافني قال: "ال تأ صلى اهللم. اه عن جمرد إتيا عليه وسلم فالنيب صلى اهلل

فهذا احلديث يدل على حترمي الذهاب إىل العرافني، حىت ولو مل يصدقهم، ولو قال: أنا أذهب من باب اإلطالع، فهذا ال جيوز.

قبل له صالة أربعني يوما" يف رواية: "أربعني يوما وليلة" ."مل ت فدل هذا على شدة عقوبة من يأيت العراف، وأن صالته ال تقبل عند هللا، وال ثواب له عند هللا فيها، وإن كان ال يؤمر باإلعادة، ألنه صلى يف الظاهر، لكن فيما بينه وبني هللا صالته ال ثواب

ا غري مقبولة. له فيها ألوهذا وعيد شديد يدل على حترمي الذهاب إىل العرافني جمرد الذهاب، ولو مل يصدق، أما إذا

صدقهم فسيأيت يف األحاديث ما عليه من الوعيد الشديد، والعياذ باهلل. عليه وسلم قال: "من أت ى كاهنا ... إخل" قال: "وعن أيب هريرة رضي هللا عنه عن النيب صلى اهلل

هذا احلديث فيه شيئان: الشيء األول: اجمليء إىل الكاهن.

والشيء الثاين: تصديقه مبا خيرب به من أمر الكهانة. عليه وسلم، ألنه ال جيتمع التصديق مبا وحكمه: أنه يكون كافرا مبا أنزل على حممد صلى اهلل

عند الكهان من عمل الشياطني. ضدان ال جيتمعان، ال ميكن أن أنزل على حممد والتصديق مبا يصدق بالقرآن ويصدق بالكهانة.

)١/٣٦٨(

عن أيب هريرة: "من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه - وقال: صحيح على شرطهما - ولألربعة واحلاكم عليه وسلم" .مبا يقول؛ فقد كفر مبا أنزل على حممد صلى اهلل

وأليب يعلى بسند جيد عن ابن مسعود مثله موقوفا. ـــــــــــــــــــــــــــــ

وظاهر هذا أنه خيرج من امللة. وعن أمحد روايتان يف نوع هذا الكفر: رواية أنه كفر أكرب خيرج من امللة.كما جاء من غري أن ورواية أنه دون ذلك. وفيه قول ثالث: وهو التوقف، وأن يقرأ احلديث

عليه وسلم ويكفي. ر بالكفر األكرب أو الكفر األصغر، فنقول ما قاله الرسول صلى اهلل يفسهو القول األول؛ أنه كفر خيرج من امللة، ألنه ال جيتمع التصديق -وهللا أعلم -ولكن الظاهر

ا من عمل الشياطني، فمن صدقها بالقرآن والتصديق بالكهانة، ألن هللا أبطل الكهانة ، وأخرب أا كان كافرا باهلل كفرا أكرب. هذا هو الظاهر من احلديث. وصو

عن أبيص هريرة: من أتى عرافا أو كاهنا - قال: "ولألربعة واحلاكم وقال: صحيح على شرطهماع بينهما فالكاهن هو: الذي ... اخل" يف هذا احلديث مجع بني االثنني: العراف والكاهن، فإذا مج

خيرب عن املغيبات بسبب ما تلقيه عليه الشياطني. وأما العراف فهو الذي خيرب عن املغيبات بسبب احلدس والتخمني واخلط يف األرض، وما أشبه ذلك.

فإذا ذكر االثنان مجيعا صار لكل واحد معىن. وإذا ذكر العراف وحده دخل فيه الكاهن.أما إذا ذكر الكاهن وحده دخل فيه العراف،

قال: "وأليب يعلى" أبو يعلى هو: أبو يعلى املوصلي، اإلمام احلافظ."بسند جيد عن ابن مسعود مثله" أي: مثل حديث أيب هريرة: "من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه

عليه وس لم" إال أنه موقوف على ابن مسعود، ومل مبا يقول فقد كفر مبا أنزل على حممد صلى اهلل عليه وسلم، واملوقوف: ما كان من كالم الصحايب. يرفع إىل النيب صلى اهلل

فهذا يؤيد ما سبق.

)١/٣٦٩(

األحاديث كلها تدل على حترمي الذهاب إىل الكهان والعرافني، وتصديقهم مبا يقولون. على مسائل:فقد دلت هده األحاديث

ا من العرافة وغري ذلك من دعاوى علم الغيب، وأن هذا املسألة األوىل: بطالن الكهانة ومشتقاكله باطل، ألن الغيب ال يعلمه إال هللا سبحانه وتعاىل، قال تعاىل {قل ال يـعلم من يف السماوات

عليه وسلم يقول هللا عنه :{ولو كنت أعلم الغيب واألرض الغيب إال هللا} ، والنيب ص لى اهللري} ، فالرسول ال يعلم الغيب إال ما علمه هللا، كما قال تعاىل: {عامل الغيب الستكثـرت من اخل

رسول فإنه يسلك من بـني يديه ومن خلفه ) إال من ارتضى من ٢٦فال يظهر على غيبه أحدا()} ، فقد يطلع هللا أنبياءه على شيء من الغيب من أجل إقامة احلجة على اخللق، ٢٧رصدا (

وتكون معجزة هلذا الرسول.فس املسألة الثانية: يف احلديث دليل على وجوب تكذيب الكهان وحنوهم، وأن ال يقع يف ن

م، أو توقف؛ فقد كفر مبا أنزل م، فمن صدقهم، أو شك يف كذ اإلنسان أدىن شك يف كذم. عليه وسلم، ألنه جيب اجلزم بكذ على حممد صلى اهلل

املسألة الثالثة: فيه دليل على حترمي الذهاب إىل الكهان ولو مل يصدقهم، وأنه إذا فعل ذلك مل الة أربعني يوما.تقبل له ص

املسألة الرابعة: فيه دليل على أن تصديق خرب الكهان كفر مبا أنزل هللا على رسوله حممد صلى عليه وسلم، والذي أنزل هللا على رسوله هو الكتاب والسنة. اهلل

م من قبل املسألة اخلامسة: تدل هذه األحاديث على وجوب معاقبة الكهان ومن يذهب إليهوالة األمور، ألجل إراحة املسلمني من شرهم، ووقاية اجملتمع من خطرهم، ألن خطر الكهان يف اجملتمع خطر شديد يقضي على عقيدة التوحيد، وينشر اخلوف والرعب بني الناس، ألن هؤالء

هم، كما قال الكهان يرهبون الناس مبا يقولون هلم من الكذب والوعيد والرتهيب حىت خييفو نس يـعوذون برجال من اجلن فـزادوهم رهقا( )} ، يعين: خوفا.٦تعاىل: {وأنه كان رجال من األ

فهؤالء وجودهم يف اجملتمع يسبب اإلرهاب، ويسبب التشويش على عقول الناس، واخلوف، ف وقلقويروجون الكذب والشر، حىت يصبح الناس يف خو

)١/٣٧٠(

عن عمران بن حصني مرفوعا: "ليس منا من تطري أو تطري له، أو تكهن أو تكهن له، أو سحر عليه وسلم" أو سحر له، ومن أتى كاهنا فصدقه مبا يقول؛ فقد كفر مبا أنزل على حممد صلى اهلل

رواه البزار بإسناد جيد. ـــــــــــــــــــــــــــــ

م ويقولون ألحدهم: إن فالنا عمل لك سحرا، أو ربطك، أو ربط فيك بسبب الكهان، يأتوم. اجلن، أو غري ذلك من أكاذيبهم وإرجافا

قال: "وعن عمران بن حصنب مرفوعا: "ليس منا من تطري أو تطري له" الطرية: سيأيت هلا باب

م خاص. وهذا احلديث كالذي سب قه، يدل على حترمي الكهانة، والذهاب إىل الكهان، أليفسدون عقيدة من يذهب إليهم، وبعضهم رمبا تظاهر بذكر اسم هللا أو يصلي، أو غري ذلك،

حىت يقول من رآه: رأيته يصلي، رأيته يذهب للمسجد.، إذا فعل وما كل من يصلي يصري مسلما، قد يصلي اإلنسان ويزكي ويصوم وحيج وهو كافر

ذلك نفاقا أو ارتكب ناقضا من نواقض اإلسالم، فالكاهن لو صلى ولو صام ولو حج، ولو تصدق ولو زكى ال تقبل أعماله ألنه مشرك كافر، وكذلك الساحر.

وبعضهم يقول: أنا انتفعت من ذهايب إىل هؤالء، أنا كنت مريضا وانتفعت، وحصول احلاجة أو على اجلواز، فقد يعطى اإلنسان حاجته من باب الفتنة ومن باب حصول الغرض ليس دليال

االستدراج واالختبار، والعربة يف كونه دل الدليل الشرعي على جواز هذا الشيء أو على حترميه هذا هو الشأن.

عليه وسلم يقول: "ليس منا من تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سح ر له" ، والنيب صلى اهلل عليه وسلم" . ويقول: "ومن أتى كاهنا فصدقه مبا يقول فقد كفر مبا أنزل على حممد صلى اهلل

ومعىن: "تكهن" فعل الكهانة. ومعىن: "تكهن له" فعلت الكهانة من أجله بطلبه. فمن ذهب إىل الكهان فله حالتان: ن يقول: أريد أن أرى ماذا عندهم؟.احلالة األوىل: أن ال يصدقهم، ولك

فهذا ال تقبل له صالة أربعني يوما، ألن ذهابه إليهم حمرم، فعوقب بأنه ال تقبل له صالة أربعني م مي أجل منعهم والقضاء على فسادهم. يوما، إال إذا ذهب إليهم من أجل التثبت يف شأ

)١/٣٧١(

حسن من حديث ابن عباس، دون قوله: "ومن أتى..." إىل ورواه الطرباين يف "األوسط" بإسناد آخره.

ا على املسروق ومكان قال البغوي: "العراف: الذي يدعي معرفة األمور مبقدمات يستدل الضالة، وحنو ذلك".

ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه و سلم، فهو ال يرجع ساملا أبدا، مما أما إذا صدقهم فقد كفر مبا أنزل على حممد صلى اهلللني. يدل على حترمي الذهاب إىل الكهان واملشعوذين واملدج

وقوله "رواه البزار بإسناد جيد" البزار هو: أبو بكر أمحد البزار،: صاحب "املسند" املعروف بـ ، ومسنده يعرف عند "مسند البزار"، وهو إمام جليل، تويف على رأس القرن الثالث رمحه هللا

العلماء بـ "مسند البزار".وقوله: "ورواه الطرباين يف األوسط بإسناد حسن من حديث ابن عباس" أي: روى الطرباين هذا

احلديث الذي رواه عمران بن حصني من حديث ابن عباس.هن له، أو تطري "دون قوله: ومن أتى" إىل آخره" يعين: روى منه أوله: "ليس منا من تكهن أو تك

أو تطري له، أو سحر أو سحر له" ، وبإسناد حسن، فهو يؤيد رواية البزار عن عمران بن حصني.

مث ذكر الشيخ رمحه هللا تفسري هذه األلفاظ اليت وردت يف الباب نقال عن "البغوي" وهو: اإلمام ا احلافظ اجلليل، حميي السنة، احلسني بن مسعود البغوي، نسبة إىل "بغ" من بالد املشرق، أل

من حرفني، فإذا نسب إىل اسم من حرفني تزاد فيه (واو) فيقال: (بغوي) مثال.وهو: إمام جليل، سلفي العقيدة، وله مؤلفات جليلة، منها: "تفسري البغوي" املطبوع املعروف

وسالمة العقيدة، إال أنه أخصر من املتداول، وهو يشبه "تفسري ابن كثري" يف التحقيق واألصالة"تفسري ابن كثري"، ومنها: "شرح السنة" الذي يتكون من حوايل أربعة عشر جملد، وقد طبع

واحلمد هلل، ومنها: "مصابيح السنة" اليت رتبها وزاد عليها التربيزي يف كتاب "مشكاة املصابيح". الشافعية ويلقب مبحيي السنة، ألنه إمام جمدد رمحه هللا.فهو إمام جليل رمحه هللا، وهو من أئمة

)١/٣٧٢(

وقيل: هو الكاهن. والكاهن: هو الذي خيرب عن املغيبات يف املستقبل. وقيل: الذي خيرب عما يف الضمري.

ة وقال أبو العباس ابن تيمية: العراف: اسم للكاهن واملنجم والرمال وحنوهم؛ ممن يتكلم يف معرفذه الطرق". األمور

ـــــــــــــــــــــــــــــا على املسروق ومكان الضالة، وحنو "العراف: الذي يدعي معرفة األمور مبقدمات يستدل

ذلك" وهذا من الشيطان، فالشياطني تأتيه بذلك، لكن يتظاهر بعمل أشياء يظن الناس أن هذه ذه رموز فقط، وإال يف احلقيقة هو يتعامل مع الشيطان، وإال األشياء من األمور املباحة، لكن ه

ما الذي يدريه عن مكان املسروق، وما الذي يدريه عن مكان الضالة لوال أنه يتعامل مع اجلن ومع الشياطني.

قال: "وقيل: هو: الكاهن" أي: العراف والكاهن سواء، ألن كال منهما خيرب عن األمور الغائبة ة الشياطني، فكلهم عمالء للشياطني، وإن اختلفوا يف االسم، هذا عراف، وهذا كاهن، بواسط

فاملعىن واحد، واملهنة واحدة، وهي ادعاء علم الغيب، وإن اختلف اللفظ."والكاهن هو: الذي خيرب عن املغيبات يف املستقبل" بسبب أن الشياطني ختربه مبا تعلم مما ال

ن الشياطني تدري عن أشياء ال يعرفها الناس، فيخربون الناس يف مقابل إن يعلمه اإلنسان، ألالناس خيضعون هلم، ويفعلون ما يطلبونه منهم من الشرك والكفر باهلل عز وجل، ويتقربون إليهم،

فإذا تقرب اإلنسي إىل اجلين مبا يريد خدمه اجلين مبا يطلبه منه من األمور الغائبة.ذي خيرب عما يف الضمري"يعين: عما يف النفس، وال يعلم ما يف القلوب إال هللا "وقيل: هو ال

سبحانه وتعاىل، لكن الشيطان قد يعرف شيئا من هواجس اإلنسان، ألنه هو الذي يوسوس لإلنسان، وألنه جيري من ابن آدم جمرى الدم، فيعرف الشيطان من اإلنسان ما ال يعرفه اإلنسان

عن اإلنسان. ذا تفسري البغوي رمحه هللا.ه

قال: "وقال أبو العباس ابن تيمية" أبو العباس هذه كنيته، وليس له ابن امسه

)١/٣٧٣(

العباس، ألنه مل يتزوج رمحه هللا، ولكن جيوز أن اإلنسان يكىن بأيب فالن ولو مل يكن له ابن.اإلسالم، اإلمام اجملدد املشهور، الذي وهو: أمحد بن عبد احلليم بن عبد السالم بن تيمية، شيخ

نفع هللا بعلومه، وال يزال نفعه مستمرا وهلل احلمد، وكتبه ال تزال موضع تنافس طالب العلم للحصول عليها واإلطالع عليها، وهذا مما كتبه هللا من الكرامة هلذا العامل اجلليل؛ لصدق نيته،

جل، وصربه واحتسابه.وإخالصه وجهاده يف سبيل هللا عز و م والرمال وحنوهم " ألن كلمة العراف عامة، يدخل حتتها كل قال: "العراف: اسم للكاهن واملنج

من يدعي معرفة املستقبل، سواء بكهانة أو بتنجيم، أو خبط يف الرمل، فكلهم يتعاملون مع ) ٢٢١بئكم على من تـنـزل الشياطني(الشياطني ويتقربون إليهم. وهلذا يقول هللا تعاىل: {هل أنـ

)} ، وهذا يدخل فيه ٢٢٣) يـلقون السمع وأكثـرهم كاذبون(٢٢٢تـنـزل على كل أفاك أثيم(م والرمال والعراف، كلهم يدخلون حتت كلمة {أفاك أثيم} ، وتتنزل عليهم الكاهن واملنج

م تتنزل عليهم املالئكة، وهلذا قال: -عليهم الصالة والسالم -لشياطني، خبالف األنبياءا فإ) إنـهم ٢١١)} ، يعين: القرآن، {وما يـنبغي هلم وما يستطيعون(٢١٠{وما تـنـزلت به الشياطني(

تتنزل عليهم املالئكة من -عليهم الصالة والسالم -)} ، فاألنبياء٢١٢عن السمع لمعزولون ( الرمحن، وأما الكهان فتتنزل عليهم الشياطني.

ذه الطرق ممن خيرب عن هذه األشياء بتلك األمور فهذا يشمل كل من يتكلم يف معرفة األمور

ا خطا يف الرمل، إىل آخره. اليت يسمو فهذا تفسري جامع.

ا، ألن النتيجة وهي ادعاء وأما اختالف الوسائل ؛ هذا يستعمل كذا، وذا يستعمل كذا فال عربة علم الغيب؛ نتيجة واحدة.

والذي يهمنا النتيجة واحلكم، فالنتيجة: اإلخبار بعلم الغيب، وادعاء مشاركة هللا سبحانه وتعاىل يف علم الغيب.

م يدعون مشاركة هللا تعاىل يف صفة من أعظم صفاته وهي علم واحلكم: أن كل هؤالء كفرة، أل الغيب.

)١/٣٧٤(

وقال ابن عباس يف قوم يكتبون (أبا جاد)، وينظرون يف النجوم: "ما أرى من فعل ذلك له عند هللا من خالق".

ـــــــــــــــــــــــــــــ(أبا جاد) قال الشيخ رمحه هللا "وقال ابن عباس يف قوم يكتبون (أبا جاد) وينظرون يف النجوم"

ا: حروف اجلمل، اليت هي: (أجبد، هوز، حطي، كلمن) إىل آخره، وهي حروف مقطعة املراد ا لتمييز اجلمل، واملشعوذ إذا كتب هذه احلروف قال: حيدث كذا ويكون كذا. وهذه يف يكتبو

احلقيقة طالسم.هللا عنه: "ما أرى من فعل ذلك" أي: كتب وهؤالء هم الذين قال فيهم عبد هللا بن عباس رضي

هذه احلروف، ونظر يف النجوم، وأخرب أنه سيحدث كذا وكذا."له عند هللا من خالق" أي: ليس له نصييب من اجلنة عند هللا عز وجل، ومعناه: أنه كافر، ألن

{ولقد علموا لمن الذي ليس له عند هللا من خالق هو الكافر، كما قال تعاىل يف السحرة: اشتـراه ما له يف اآلخرة من خالق} .

فهذا حكم عبد هللا بن عباس رضي هللا عنه على أصحاب الطالسم الذين يكتبون احلروف املقطعة، وينظرون يف النجوم، ويقولون: سيحدث كذا. فهذا من ادعاء علم الغيب، وهو طريقة

ها ما شئت، ال يهمنا األمساء، الذي يهمنا من طرق الكهانة أو العرافة أو التنجيم أو السحر، مس النتيجة واحلكم الشرعي.

أما الذي يكتب (حروف اجلمل) لتمييز اجلمل فقط وهو متييز الفقرات؛ فهذا ال بأس به، مثال لم الغيب، وإمنا يريد ترتيب يقول: الفقرة (أ)، الفقرة (ب)، الفقرة (ج)، الفقرة (د) ال يدعي به ع

اجلمل فقط. واحلاصل؛ أن هذا باب عظيم؛ ألنه يعاجل أمراضا واقعة يف العامل اليوم، ال أقول يف العامل الكافر، ألنه ليس بعد الكفر ذنب، لكن يف العامل اإلسالمي، ورمبا يسمونه أعماال رياضية

مني، وفنونا تشكيلية، ووجود هذا الوباء؛ وباء السحرة واملشعوذين والدجالني والكهنة واملنجم أصحاب علم، م بأمساء تدل على تبجيلهم، وعلى أ ويسمون هذا من باب الفنون، أو يسمو

م من م أولياء هللا، وأن هذه كرامات تدل على أ وأصحاب خربة، أو أشد من ذلك يدعون أخوارق شيطانية، ألن الكرامات هي اليت جتري على أولياء هللا، وهذه ليست كرامات، وإمنا هي

أيدي الصاحلني، وليس هلم فيها تصرف منهم، وإمنا هي من هللا سبحانه وتعاىل.

)١/٣٧٥(

فالكرامات جتري على أيدي رجال صاحلني مستقيمني على الكتاب والسنة. واخلوارق الشيطانية جتري على أيدي كفرة مشعوذين.

ت ال صنع لآلدمي فيها، وإمنا جيريها هللا سبحانه وتعاىل، خبالف هذه اخلوارق وأيضا الكراماالشيطانية، فهي حيل ومهن وحرف وتدجيل يعملونه هم، ويتظاهرون أمام الناس أنه بسبب هذه

األشياء حصل ما حصل. وهو يف احلقيقة إمنا هو من عمل الشياطني الذين ال يراهم الناس.هذا باب عظيم، ويشتمل على عالج ملرض خطري يتفشى اآلن يف العامل اإلسالمي، فاحلاصل؛ أن

مني والعرافني؛ الذين صار هلم صولة وجولة يف العامل، وأشد وهو مرض الكهنة والسحرة واملنجم كفرة ال يصلون وال من ذلك إذا ادعي أن هؤالء من أولياء هللا، وأن هؤالء هلم كرامات، مع أ

يصومون وال يتطهرون من اجلنابة!، ورمبا يقولون: هذا دليل على كرامتهم، وكونه ال يصلي ألنه وضعت عنه التكاليف، ووصل إىل هللا، والتكاليف هذه على الناس العوام!!

فاحلاصل؛ أن هذا الباب إذا تأملته وجدت أن الشيخ رمحه هللا مل يكتبه من فراغ، وإمنا كتبه ية، وازدادت اآلن حبكم تأخر الزمان، وحبكم فشو اجلهل، وحبكم تقارب ليعالج به أمراضا متفش

العامل وارتباط بعضه ببعض، وسريان الشرور يف العامل بسرعة.فيجب على طلبة العلم أن يتنبهوا هلذه األمور ويقوموا بالتحذير منها وإنكارها، ألن أكثر الناس

م.سذج ال يعرفون هذه األمور، فيغررون وأيضا هم حمتاجون للعالج من األمراض، فيقولون: هذه فيها منافع، وفيها عالج، وال يدرون أن

ا يف قسم الفنون واملهارات. املضار اليت فيها أكرب من املنافع، إن كان فيها منافع أو يدخلوذا األمر وأن يتفهموا ه ذا األمر، ويتفقهوا فيه، ويعاجلوا هذه فيجب على طلبة العلم أن يهتموا

األمراض املتفشية اليت تقضي على العقيدة، وتقضي على دين اإلسالم، والعياذ باهلل.

)١/٣٧٦(

[الباب السابع والعشرون:] * باب ما جاء يف النشرة

عليه وسلم سئل عن النشرة؟ فقال: "هي من عمل الشيطان" عن جابر: أن رسول هللا صلى اهلل رواه أمحد بسند جيد، وأبو داود، وقال: سئل أمحد عنها؟، فقال: "ابن مسعود يكره هذا كله".

ـــــــــــــــــــــــــــــمناسبة هدا الباب ملا قبله: أن الشيخ لما ذكر يف األبواب السابقة السحر وما جاء فيه، وذكر

م السحر وغريه من أعمال الشياطني؛ وهو الكهانة والعرافة وكل أنواعا من السحر، وذكر ما يع ما هو من هذا القبيل من الشعوذات؛ انتقل إىل بيان حكم النشرة، فقال:

"باب ما جاء يف النشرة" يعين: من األحاديث واآلثار اليت تدل على حكمها يف الشرع.معرفة ذلك، ألن السحر موجود، ومن الناس من وهذا يف غاية املناسبة؛ ألن الناس يف حاجة إىل

يبتلى به ويقع عليه السحر ويتضرر به، وهللا تعاىل ما أنزل داء إال أنزل له شفاء، علمه من علمه وجهله من جهله، فالبد أن نعرف ما هو الدواء الصحيح للسحر، الدواء الذي ال ميس العقيدة،

فنتجنبه، وأيضا: هناك من السحرة من يقول للناس: أنا أعاجل أيضا ما خيالف العقيدة -ونعرف السحر، وأنا.. وأنا؛ فهذا أمر واقع البد من معرفته وبيان حكمه للناس.

كما فسرها -مأخوذة من (النشر) وهو التفريق؛ وهي - بضم النون وسكون الشني -والنشرةضرب من العالج، مسي نشرة: ألنه ينشر : حل السحر عن املسحور. وهي -اإلمام ابن القيم

به، أي: يزال ما أصاب املريض وما خامره من الداء. عليه وسلم سئل عن النشرة" أي: النشرة وقوله يف حديث جابر: "أن رسول هللا صلى اهلل

املعهودة يف اجلاهلية، وهي اليت كانت من عمل الشيطان.ا سحر، والسحر من عمل الشيطان"فقال: "هي من عمل ال كما مر يف - شيطان" "، أل

.-األبواب السابقة

)١/٣٧٧(

ويف البخاري عن قتادة: قلت البن املسيب: رجل به طب، أو يؤخذ عن امرأته؛ أحيل عنه أو يـنشر؟، قال: "ال بأس به؛ إمنا يريدون به اإلصالح، فأما ما ينفع فلم يـنه عنه" .

ـــــــــــــــــــــــــــــ

"رواه" اإلمام "أمحد" يف مسنده بسند جيد، وأبو داود" يف سننه."وقال" أي: أبو داود، ألن أبا داود من تالميذ اإلمام أمحد، وروى عنه كثريا من املسائل يف ود من املذهب، ويوجد اآلن جملد مطبوع امسه "مسائل أيب داود" وهي املسائل اليت رواها أبو دا

أجوبة اإلمام أمحد على األسئلة اليت ترد عليه."قال: سئل أمحد عنها" يعين: عن النشرة؛ ما حكمها؟ "فقال: "ابن مسعود يكره هذا كله"" أي:

حيرم النشرة، ألن السلف يريدون بالكراهة التحرمي، واملراد النشرة اليت هي من عمل اجلاهلية. يف "صحيح البخاري". قال: "ويف البخاري" أي:

عن قتادة هو: قتادة بن دعامة السدوسي، نسبة إىل جده سدوس، وكان من أكرب علماء التابعني، ويقال: إنه ولد أكمه يعين: ليس له عينان. وكان نادرا يف احلفظ والذكاء والفقه رمحه

هللا، حىت كان من كبار التابعني.سعيد بن املسيب، أحد أعالم التابعني وأحد الفقهاء السبعة "قلت البن املسيب" املراد به:

م، وهو عامل املدينة وفقيهها. الذين اتتهت إليهم الفتوى يف زما "رجل به طب" يعين: أن قتادة بن دعامة سأل شيخه سعيد بن املسيب عن رجل به طب.

وهذا من باب التفاؤل، ألن الطب والطب معناه: السحر، يقال: مطبوب يعين: مسحور، قالوا: معناه العالج، كما يقولون للديغ: سليم، من باب التفاؤل بالشفاء.

"أو يؤخذ عن امرأته" يؤخذ: معناه: مينع عن مجاع امرأته فال يستطيع مجاعها بسبب السحر.عن هذا املطبوب أو هذا "أحيل عنه أو ينشر" حيل وينشر مبعىن واحد، يعين: هل جيوز أن حيل

املؤخذ ما أصابه؟. فأجابه ابن املسيب رمحه هللا بقوله: "ال بأس" ال بأس أن حيل عنه أو ينشر.

)١/٣٧٨(

وروي عن احلسن؛ أنه قال: "ال حيل السحر إال ساحر". قال ابن القيم: "النشرة: حل السحر عن املسحور، وهي نوعان:

الذي من عمل الشيطان. وعليه حيمل قول احلسن. فيتقرب الناشر حل بسحر مثله، وهو واملنتشر إىل الشيطان مبا حيب؛ فيبطل عمله عن املسحور.

ـــــــــــــــــــــــــــــوقوله: "إمنا يريدون به اإلصالح" أي: حل السحر يراد به ا اإلصالح، خبالف السحر نفسه فإمنا

ه فرياد به اإلصالح وإزالة املرض عن اإلنسان.يراد به الضرر، أما حل

"فأما ما ينفع فلم يـنه عنه" أي: أن الشارع جاء بإباحة ما ينفع وحترمي ما يضر، والنشرة من القسم الثين، أي: من الشيء النافع.

والعلم قوله: "وروي عن احلسن" احلسن هو: ابن أيب احلسن البصري، أحد أعالم التابعني بالفقه رمحه هللا. -والورع والعبادة

وقوله: "ال حيل السحر إال ساحر" هذا يتفق مع احلديث ومع قول ابن مسعود، وخيتلف مع قول ابن املسيب.

قوله: "قال ابن القيم: "النشرة حل السحر عن املسحور، وهي نوعان".كتابه: "زاد املعاد" فقال: "وهي بني هذا احلديث وهذه اآلثار يف - رمحه هللا -مجع ابن القيم

نوعان: أحدمها: حل بسحر مثله، وهو الذي من عمل الشيطان، وعليه حيمل قول احلسن" يعين: يف قوله السابق: "ال حيل السحر إال ساحر" وقصده: حل السحر بسحر مثله، وهذه هي

عليه و سلم .النشرة اليت سئل عنها رسول هللا صلى اهلل"قوله: "فيتقرب الناشر واملنتشر إىل الشيطان مبا حيب" الناشر هو: الذي يعمل النشرة. واملنتشر

يتقرب إىل الشيطان مبا حيبه، -املريض والساحر -هو: الذي تعمل له النشرة، كل منهمال، وفعل احملرمات، فيخضعان له، فيطيعانه فيما يريده منهما من الشرك والكفر باهلل عز وج

فيبطل الشيطان عمله عن املسحور، ألن السحر من عمل الشيطان، وذلك يف مقابل إفساد م. فهذا هو املمنوع. دينهم وعقيد

فال جيوز ملن أصابه السحر أن يذهب إىل السحرة، ألنه إذا ذهب إىل السحرة

)١/٣٧٩(

والدعوات املباحة. فهذا جائز". والثاين: النشرة بالرقية والتعوذات واألدوية ـــــــــــــــــــــــــــــ

فإنه حينئذ يتقرب إىل الشيطان مبا حيب، وحينئذ يزيل الشيطان عمله عن املسحور، لكن بعدما يفسد عقيدته ودينه، فيخسر الدنيا واآلخرة.

ية والدعوات املباحة؛ فهذا قال اإلمام ابن القيم: "والثاين: النشرة بالرقية والتعوذات واألدو جائز" أي: النوع الثاين من النشرة: حل السحر بغري السحر مما أباحه هللا عز وجل، فاهلل ما أنزل داء إال أنزل له دواء، علمه من علمه وجهله من جهله، والسحر داء والبد أن هللا أنزل له شفاء

والرقية املباحة أنواع:السحر "بالرقية" بأن يقرأ على املسحور من كتاب هللا عز وجل، فتقرأ عليه النوع األول: حل

الفاحتة اليت هي أعظم الرقى، ويقرأ عليه اآليات اليت تتعلق بذكر السحر وإبطاله، مثل قوله تعاىل نا إىل موسى أن ألق عصاك فإذا هي تـلقف م ) فـوقع ١١٧ا يأفكون(يف سورة األعراف: {وأوحيـ

قلبوا صاغرين(١١٨احلق وبطل ما كانوا يـعملون( ) وألقي السحرة ١١٩) فـغلبوا هنالك وانـ)} ، ويف سورة ١٢٢) رب موسى وهارون(١٢١) قالوا آمنا برب العالمني(١٢٠ساجدين(حر إن هللا سيبطله إن هللا ال يصلح عمل المفسدين * وحيق يونس: { قال موسى ما جئتم به الس

)} ، ويف سورة طه: {وألق ما يف ميينك تـلقف ما صنـعوا ٨٢هللا احلق بكلماته ولو كره المجرمون() فألقي السحرة سجدا قالوا آمنا برب ٦٩ا صنـعوا كيد ساحر وال يـفلح الساحر حيث أتى(إمن

)} .٧٠هارون وموسى(هذه اآليات من سورة األعراف ومن سورة يونس ومن سورة طه، يقرأها الراقي على املسحور

سبحانه وتعاىل، وحسن ظن باهلل، واعتقاد أن هللا يشفي هذا بقلب حاضر وتوكل على هللا املريض.

مث على املقروء عليه أن يعتقد هذه العقيدة؛ فريجو الشفاء من هللا، ويثق باهلل عز وجل، ويتوكل عليه، ويعتقد أن كالم هللا جل وعال فيه الشفاء.لراقي واملرقي حصلت النتيجة بال شك وال فإذا حصل هذا التوجه إىل هللا والتوكل عليه من ا

ريب. وإمنا تتخلف النتيجة إذا ختلف اعتقاد اإلنسان، أو غفل عن ذلك.حر "بالتعوذات"، وهي األدعية اليت وردت عن النوع الثاين: حل الس

)١/٣٨٠(

عليه وسلم، فإننا نذكر بعضا منها: "أعيذك ب كلمات هللا التامات من شر ما النيب صلى اهللخلق"، أعيذك بكلمات هللا التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عني المة"، "أعيذك بكلمات

هللا التامات اليت ال جياوزهن بـر وال فاجر، من شر ما خلق وذرأ وبرأ، ومن شر طوارق الليل "باسم هللا أرقيك، من كل داء يؤذيك، من شر كل نفس والنهار، إال طارقا يطرق خبري يا رمحن"،

وعني حاسد، هللا يشفيك"، "باسم هللا، أذهب البأس رب الناس، واشفه أنت الشايف ال شفاء إال شفاءك، شفاء ال يغادر سقما"، "ربنا هللا الذي يف السماء، تقدس امسك، أمرك يف السماء

اجعل رمحتك يف األرض، اغفر لنا حوبنا وخطايانا، أنت رب واألرض كما رمحتك يف السماء،الطيبني، أنزل رمحة من رمحتك وشفاء من شفائك على هذا املرض. فيربأ بإذن هللا". هذه هي

التعوذات.

ا السحر، يعرفها احلذاق النوع الثالث: الرقية بـ "األدوية املباحة" فهناك أدوية مباحة يذهب هللا التجربة وأهل العقيدة السليمة تنفع بإذن هللا يف إزالة السحر، مع ذكر هللا، ومع التعوذ، وأهل

ا، لكن بشرط حسن ومع الرقية، ومع قراءة القرآن، فإذا اجتمعت هذه األمور املباحة نفع هللا الظن باهلل عز وجل واعتقاد أن الشفاء من هللا سبحانه وتعاىل.

ة كما ذكر ابن القيم: منها شيء حمرم، وهي النشرة اليت كانت تعمل يف فاحلاصل؛ أن النشر اجلاهلية، وهي ما يعمله السحرة.

ومنها شيء مباح وهي النشرة الشرعية، لكن يشرتط هلا أن يتوالها من يوثق بعلمه ودينه، ال أن م يتوالها أصحاب املطامع الدنيوية، أو املشعوذين الذين يفسدون عقائد الن اس، ويرهبو

بالكذب والتدجيل. انتهى اجلزء األول

ويليه بإذن هللا تعاىل اجلزء الثاين، وأوله: "باب ما جاء يف التطري"

)١/٣٨١(

اجمللد الثاين [الباب الثامن والعشرون:]

* باب ما جاء يف التطري ـــــــــــــــــــــــــــــ

" أي: ما ورد يف التطري من الوعيد، وبيان أنه شرك.قول الشيخ رمحه هللا: "باب ما جاء يف التطري ومناسبة هذا الباب لما قبله: أن فيه بيان نوع من أنواع الشرك واالعتقاد الباطل املخل بالتوحيد.

وكان الشيخ رمحه هللا يذكر يف هذا الكتاب حقيقة التوحيد وما يناقضه أو ينقصه من العقائد . واألقوال واألفعال الباطلة، ومن ذلك: التطري

ا وطرية، وهو: التشاؤم باألشياء، واعتقاد أنه يصيب اإلنسان منها والتطري مصدر: تطري تطري شيء من الشر.

ا؛ إذا رأوها تطري م كانوا يف اجلاهلية يتشاءمون بالطيور ويف طريا وأصله مأخوذ من الطري، ألا، ورجعوا عما عزموا عليه من األسفار أو الزجيات أو على جهة خمصوصة عن دهم تشاءموا

، ويتطريون غريها، مث عم هذا وصاروا يتطريون بكل شيء، فيتطريون بالبقاع، ويتطريون باآلدميني بالبهائم، ويتطريون بكل شيء.

م كانوا يف اجلاهلية يتطري ا لكن أصل التطري مأخوذ من الطري؛ أل ا وطريا ون من الطري يف حركاا يف الطريان، إىل غري ذلك. وحتريكها ألجنحتها واجتاها

فهو عقيدة جاهلية، بل إنه موجود يف األمم القدمية؛ فهؤالء قوم فرعون تطريوا مبوسى ومن معه، ءتـهم احلسنة يعين: تشاءموا مبوسى عليه السالم ومبن معه من املسلمني، قال تعاىل: {فإذا جا

ا هنا: اخلصب واألرزاق ونزول األمطار، {قالوا لنا هذه} قالوا لنا هذه} احلسنة املراد استحقيناها على هللا بأفعالنا، فنحن نستحق هذا، وال يعرتفون أنه فضل من هللا تعاىل، بل

م حصلوا على هذه الش م ناس أهل خري، فما ينسبون هذا إىل استحقاقهم، وأ يء بسبب أيصيبهم من احلسنات قي السنني يقولون: هذا بسبب أفعالنا، وبسبب صفاتنا، وبسبب كسبنا

نا، جحدوا نعمة هللا عليهم. وكد

)٢/٥(

ا طائرهم عند هللا ولكن أكثـرهم ال يـعلمون} . وقول هللا تعاىل: {أال إمن ـــــــــــــــــــــــــــــ

هم سيئة} املراد بالسيئة هنا: اجلدب، واحنباس األمطار، وشح اآلبار، وتلف الثمار. {وإن تصبـم ينسبون هذا إىل موسى عليه السالم، ومن معه من املؤمنني، فيقولون هذا الذي أصابنا فإ

.-والعياذ باهلل -بسببهم، فيتطريون خبري الناس -واحلق أن موسى ومن معه من املؤمنني هم سبب اخلريات، وهم سبب الربكات، ألن الرسل

يصلحون يف األرض بالطاعات فتنزل اخلريات، كما قال تعاىل: {ولو أن -عليهم الصالة والسالمبوا فأخذناهم مبا أهل القرى آمنوا واتـقوا لفتحنا عليهم بـركات من السماء واألرض ولكن كذ

)} .٩٦كانوا يكسبون(فاملؤمنون هم سبب اخلري ال سبب الشر كما يظنه أهل اجلاهلية، إمنا سبب الشر هم العصاة

واملشركون والكفرة، فما يصيب أهل األرض من الكوارث واملصائب إمنا هو بسبب العصاة، وما ا من اخلريات فهو بفضل هللا، وسببه أهل الطاعات وأهل الصالح والتقوى؛ وهلذا إذا يصيبه

خلت األرض من الصاحلني يف آخر الزمان تقوم القيامة وخترب الدنيا، "وال تقوم الساعة ويف األرض من يقول: هللا، هللا" ، و"ال تقوم الساعة إال على شرار اخللق" . فإذا خلت األرض من

ني قامت القيامة، أما ما دام الصاحلون موجودين فإن هللا سبحانه وتعاىل ينزل على أهل الصاحل -األرض اخلريات والربكات بسبب وجودهم، عكس ما يعتقده آل فرعون من التطري بالرسل

.-عليهم الصالة والسالم

. من {قالوا اطيـرنا بك وكذلك مثود، تطريوا بصاحل عليه السالم لما دعاهم إىل هللا سبحانه وتعاىل ومبن معك} .

م الرسل قال تعاىل: {واضرب هلم وكذلك أهل القرية الذين ذكرهم هللا يف سورة "يس" لما جاءب ١٣مثال أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون( نـني فكذ ومها فـعززنا بثالث ) إذ أرسلنا إليهم اثـ

تم ١٤فـقالوا إنا إليكم مرسلون ( تم إال بشر مثـلنا وما أنـزل الرمحن من شيء إن أنـ ) قالوا ما أنـنا إال البالغ المبني(١٦) قالوا ربـنا يـعلم إنا إليكم لمرسلون(١٥إال تكذبون( ) ١٧) وما عليـ

نكم قالوا إنا تطيـرنا بكم} يعين: تشاءمنا بكم، وما جئتمونا خبري، {لئن مل تـنتـهوا لنـرمجنكم وليمس منا عذاب أليم} هددوا الرسل وقالوا: ما رأينا منكم إال الشر

)٢/٦(

تم قـوم مسرفون( )} اآلية.١٩وقوله: {قالوا طائركم معكم أإن ذكرمت بل أنـ عليه وسلم قال: "ال عدوى، وال طرية، وال عن أيب هريرة رضي هللا عنه أن رسول هللا صلى اهلل

هامة، وال صفر" أخرجاه. ـــــــــــــــــــــــــــــ

فرد عليهم الرسل: {قالوا طائركم معكم} أي: ما أصابكم فأنتم سببه، ألن سببه الذنوب واملعاصي اليت تصدر منكم والكفر، فأنتم السبب، وحنن سبب اخلري، حنن رسل من عند هللا

ر والشؤم سببه جئناكم، لو أطعتمونا حلصلتم على اخلري؛ فهذا رد عليهم، فهذا فيه: بيان أن الش املعاصي والكفر والشرك باهلل.

عليه وسلم خامت الرسل وأفضل الرسل، تطريوا به، كما وكذلك املشركون تطريوا مبحمد صلى اهللهم سيئة يـقولو هم حسنة يـقولوا هذه من عند هللا وإن تصبـ ا هذه من قال تعاىل: {وإن تصبـ

هم حسنة} يعين: خري وخصب ونبات وزروع عليه وسلم، {تصبـ عندك} خياطبون النيب صلى اهللا من عند هللا، هللا هو الذي أنزهلا، {وإن وخريات، يقولون: هذه من عند هللا، نعم، صحيح أ

هم سيئة}: قحط جدب شح يف األ رزاق {يـقولوا هذه من عندك} بسببك يا حممد، وبسبب تصبـأتباعك، {قل كل من عند هللا} كل بقضاء هللا وقدره، اخلصب واخلريات واجلدب والقحط كله

من عند هللا وبقضائه وقدره، ولكن اخلصب واخلريات سببها الطاعات، وأما اجلدب والقحط به املعاصي والسيئات، فالسبب من قبل بين آدم وأما املقدر فهو هللا تعاىل، واحنباس األمطار فسب

هو اخلالق وهو املوجد سبحانه وتعاىل، ويعطي كال على حسب عمله؛ احملسن حيسن إليه، واملسيء يعاقبه إذا شاء سبحانه وتعاىل، فاألمر كله بيد هللا.

هللا سبحانه وتعاىل عن األمم الكافرة من قوم فرعون، فاحلاصل؛ أن التطري عادة جاهلية، ذكرها عليه وسلم ومل ومثود، وأصحاب ياسني، وأهل اجلاهلية الذين بعث إليهم رسول هللا صلى اهلل

يؤمنوا به، بل تطريوا به. وهذه العادة اجلاهلية ال تزال يف الناس إىل أن تقوم الساعة.

عليه وسلم: "ال عدوى" املراد بالعدوى: انتقال املرض من شخص إىل شخص، قوله صلى اهلليمة، أو من مكان إىل مكان. يمة إىل أو من

)٢/٧(

واملرض يتعدى من حمل إىل حمل، ويتعدى من املريض إىل السليم، ويتعدى من اجلرىب إىل الصحيحة، هذا شيء موجود.

عليه وسلم ال ينفي هذا، وإمنا ينفي العدوى اليت كان يعتقدها أهل اجلاهلية والرسول صلى اهلل من أن املرض يتعدى بنفسه بدون تقدير هللا سبحانه وتعاىل، فالعدوى وهي: انتقال املرض من حمل إىل حمل بسبب قرب الصحيح من املريض، واملقدر هلا هو هللا تعاىل، فقد يقرب الصحيح

ريض وال يصيبه شيء، وقد يقرب ويصاب، والسبب: أن هذا راجع إىل هللا، إن شاء من املسبحانه وتعاىل انتقل هذا املرض، وإن شاء مل ينتقل، فمجرد مقاربة املريض أو القدوم على احملل

ءة املوبوء هذا سبب، أما التأثر فهو بيد هللا سبحانه وتعاىل، فقد يدخل اإلنسان يف األرض املوبو وال يصاب، وقد يورد املمرض على املصح وال يصاب، قد ينام املريض جبانب الصحيح وال

يصاب، وقد يصاب، فما وجه التفريق بني احلالتني؟ وجه التفريق: أن هذا راجع إىل مشيئة هللا تعاىل.

-ريضأو كل من قارب امل -أما أهل اجلاهلية فال يفرقون بل عندهم: أن كل من قارب املرضأنه يصاب، وال ينسبون هذا إىل قضاء هللا وقدره، وال يتوكلون على هللا سبحانه وتعاىل، ويفرطون

يف التشاؤم والتطري وانتقال العدوى، ويعملون أعماال تضحك. عليه وسلم: "ال عدوى" يعين: على ما كان يعتقده أهل اجلاهلية، أما أن ا لعدوى فقوله صلى اهلل

ى صلى عليه وسلم عن خمالطة اجملذوم، و ى صلى اهلل حتصل بإذن هللا فهذا أمر واقع، وهلذا ى من كان يف أرض فيها وباء أن خيرج منها عليه وسلم عن القدوم على األرض املوبوءة، و اهلل

النتشار املرض، واالمتناع عنها أخذ باألسباب ومن كان خارجها ال يدخل فيها، ألن هذه أسباب ى عن ذلك، إال من قوي إميانه وتوكله على هللا الواقية، واإلقدام عليها إلقاء إىل التـهلكة، وهللا تعاىل؛ فهذا قد يقدم على الوباء وخيالط املرضى وال يصاب، ألنه متوكل على هللا سبحانه وتعاىل،

يكون إال ألهل اإلميان القوي، أما أهل اإلميان الضعيف فهؤالء يبتعدون عن هذه لكن هذا ال م. املواطن لئال يصابوا، مث تسوء عقيد

)٢/٨(

واإلقدام على حمالت اخلطر من اإللقاء إىل التهلكة، وهللا تعاىل يقول: {وال تـلقوا بأيديكم إىل ان هناك مصلحة راجحة من اإلقدام على هذه األمور فيقدم عليها، أما إذا التـهلكة} ، إال إذا ك

مل يكن فيه مصلحة راجحة فاألخذ باألسباب الواقية أحسن، وإذا كان هناك مصلحة راجحة فاإلقدام أحسن، على حسب األحوال.

جيد يف نفسه شيئا وقوله: "وال طرية" هذا نفي معناه: النهي، يعين: ال تتطريوا، وإن كان اإلنسانفال مينعه ما جيد يف نفسه من املضي والعزم، ألن إميانه يسوقه، خبالف ضعيف اإلميان فإن

التشاؤم يتغلب عليه فيرتاجع، ويكون هذا من اخللل يف العقيدة، وضعف التوكل على هللا سبحانه وتعاىل.

دم.وإذا وجدت يف نفسك تشاؤما أو كراهية فتوكل على هللا وأقوالطرية ليس هلا أصل، خبالف العدوى، وإمنا هي من الشيطان، فهي ختيل من اإلنسان بسبب

وسوسة الشيطان.فالتطري ليس له أصل، ومن وجد يف نفسه شيئا من الكراهية فليتوكل على هللا وليعزم، وال ترده

الطرية عن مقصوده. عليه وسلم: " وال هامة" اهلامة: طائر يسمى البومة، وكان العرب يتشاءمون به إذا وقوله صلى اهلل

ا، ويقولون: وقع على بيت أحدهم قال: نعى إيل نفسي أو أحدا من أهلي. كانوا يتشاءمون البوم ال يقع إال على اخلراب. فهذا من عقيدة اجلاهلية.

خذ له بالثأر فإنه خيرج منه طائر يسمى وبعض أهل اجلاهلية يزعمون أنه إذا قتل القتيل ومل يؤ اهلامة، ويصوت: أسقوين، أسقوين" يعين: خذوا بالثأر، وهلذا يقول الشاعر:

يا عمرو إن مل تدع ذمي ومثلبيت أضربك حىت تقول اهلامة أسقوين

عليه وسلم: "وال صفر" هذا فيه قوالن ألهل العلم: قوله صلى اهللذا الشهر، فال القول األو م كانوا يف اجلاهلية يتشاءمون ل: أن املراد بالصفر: شهر صفر، أل

يتزوجون فيه، وال يسافرون، وال يتاجرون، ويعتقدون أنه شهر مشؤوم.

)٢/٩(

وزاد مسلم: "وال نوء، وال غول " . ـــــــــــــــــــــــــــــ

عليه وسلم بأنه ليس هناك صفر مشؤم، وإمنا صفر شهر من أشهر فرد عليهم النيب صلى اهلل. هللا، ليس فيه شؤم وال شر

فهذا فيه: إبطال لتشاؤمهم بشهر صفر. والقول الثاين: أن املراد بصفر: مرض يكون يف املعدة، يزعمون أنه يـعدي غري املصاب به.

الشهر أو تشاءموا من املرض، كله ال ولكن سواء قيل هذا أو هذا، كله منفي سواء تشاءموا من أصل له، فليس يف الشهر شؤم وال يف املرض،. وإمنا األمراض بيد هللا سبحانه وتعاىل، هو الذي ينزهلا، وهو الذي يرفعها، هو الذي ميرض، وهو الذي يشفي سبحانه وتعاىل، ال دخل للشهور،

وال دخل لغريها يف هذا األمر. جه البخاري ومسلم.قوله: "أخرجاه" أي: أخر

ومناسبة احلديث للباب ظاهرة حيث إنه قال: "وال طرية"، ففيه: النهي عن الطرية.قوله: "زاد مسلم" أي: يف روايته، يعين: زاد على األربعة املذكورة فصارت "ال عدوى، وال طرية،

وال هامة، وال صفر، وال نوء، وال غول" فصارت ستة أشياء.م كانوا يعتقدون أن نزول األمطار وهبوب الرياح والنوء املراد به: أ حد األنواء، وهو: النجم، أل

بسبب طلوع النجوم، ويسندون هذا ا إىل النجوم والكواكب، وهذا من اعتقاد اجلاهلية، ألن نزول األمطار وحصول الرياح وغري ذلك إمنا هو بقضاء هللا وقدره، أما هذه النجوم وهذه

ا ال حتدث شيئا، نعم، وقت طلوع النجم وقت للمطر بإذن هللا، أو هبوب الرياح، الكواكب فإهذا من ناحية الوقت ال من ناحية اخللق واإلجياد، فهي ال توجد وال تسبب وال حتدث، ولكن

يكون طلوعها وقتا لنزول األمطار إذا شاء هللا، وقد يطلع النجم وال حيصل مطر، وهذا راجع إىل وقدره، فقد يكون هناك مواقيت لألمطار وال ينزل مطر، قد يكون هناك مواقيت مشيئة هللا

ب الريح ألن هذا بيد هللا سبحانه وتعاىل، وكم من بالد كانت تنزل عليها هلبوب الرياح وال األمطار صيفا وشتاء، وامتنع عنها املطر وأجدبت، كما تسمعون اآلن مبا يسمونه باجلفاف يف

تدوم عليها األمطار، فإذا أراد هللا منـعه بالد كانت

)٢/١٠(

وحبسه منعه وحبسه، وبالد جمدبة قاحلة يابسة يسوق هللا إليها املطر فتمطر فتهتز بالنبات والزهور، هذا بيد هللا سبحانه وتعاىل، فنزول املطر ال تصرف ألحد فيه ال النجوم وال غري

النجوم. نجيم يف "باب بيان ما جاء يف التنجيم".وسيأيت مزيد بيان للت

عليه وسلم صالة الفجر بأصحابه يوم احلديبية على إثر مساء كانت من ولما صلى النيب صلى اهلل عليه وسلم: "أتدرون ماذا قال ربكم؟ " ، قالوا: هللا ورسوله أعلم، قال: الليل قال صلى اهلل

من عبادي مؤمن يب وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل هللا ورمحته؛ فذلك مؤمن يب "قال: أصبحكافر بالكوكب. وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا؛ فذاك كافر يب مؤمن بالكوكب" ، فالذي

ينسب األمطار إىل الكواكب أو األنواء مشرك باهلل.شيء فيه، ألن هللا جعل لألشياء مواقيت، قد أما الذي يقول: إن األنواء وقت لألمطار، فال

حتصل يف هذه املواقيت وقد ال حتصل. عليه وسلم كثريا من عقائد اجلاهلية فاحلاصل؛ أن هذا حديث عظيم، مجع فيه النيب صلى اهلل

عليه وسلم عقيدة التوحيد. وأبطلها ونفاها، وقرر صلى اهلل عليه وسلم: "وال غول" وقوله ص : أحد الغيالن، والغيالن من أعمال -بضم الغني -لى اهلل

شياطني تتشكل أمام الناس يف الفلوات، خصوصا إذا استوحش اإلنسان تتشكل أمامه أشياء يقول تضله عن الطريق، إما بإن يرى أمامه نارا تتنقل، أو أصواتا يسمعها، أو غري ذلك، وهلذا

عليه وسلم: "إذا تغولت الغيالن فبادروا باألذان" مبعىن: أنه إذا تغول الغول أمامك صلى اهللفبادر إىل ذكر هللا، فإن ذكر هللا يطرد الشيطان، فإذا ذكرت هللا أو تلوت القرآن ذهب عنك

هذا العمل الشيطاين. عليه وسلم .-أيضا -نفى هذا فالنيب صلى اهلل

عليه وسلم نفى ا حتدث هلم شرا، والنيب صلى اهلل وكانوا يف اجلاهلية يعتقدون يف هذه الغيالن أهذا، وقال: ال أصل هلا، وهي أعمال شيطانية ال تضر أحدا إال بإذن هللا، وذكر هلا عالجا شافيا

وهو: ذكر هللا. عليه وسلم فهذه أمراض جاهلية .- عليه الصالة والسالم-عاجلها النيب صلى اهلل

)٢/١١(

عليه وسلم: "ال عدوى، وال طرية، ويعجبين الفأل" وهلما عن أنس قال: قال رسول هللا صلى اهلل ، قالوا: ما الفأل؟ قال: "الكلمة الطيبة" .

ـــــــــــــــــــــــــــــه األحاديث واآلثار يف موضوع حكم الطرية، والفرق بينهما وبني الفأل، وبيان ما تعاجل به وهذ

الطرية. عليه وسلم يف حديث أنس رضي هللا عنه: "ال عدوى" العدوى سبق الكالم فقوله صلى اهلل

المسته له، وحنو فيها، وأن معناها: انتقال املرض من شخص إىل شخص حبكم مقاربته له، أو م ذلك.

عليه ولذلك كان أهل اجلاهلية يعملون أعماال فظيعة خوفا من العدوى، والرسول صلى اهلل وسلم نفى ذلك، وأمر باختاذ األسباب الواقية مع التوكل على هللا سبحانه وتعاىل.

لعدوى بأمر هللا سبحانه وتعاىل فقوله: "ال عدوى" يعين: على ما كان تعتقده اجلاهلية، وإمنا اومشيئته، فإذا توكلت على هللا، وآمنت باهلل، وقوي يقينك باهلل، واختذت األسباب اليت أمر هللا

ا؛ فحينئذ تكون قد فعلت املشروع، والتوكل ليس معناه أنك ترتك األسباب، بل تأخذ ال خترج منه إذا وقع وأنت فيه، وال باألسباب الواقية، وال تقدم على البلد الذي فيه الوباء، و

ختالط املمرضني وأنت تقدر على االبتعاد عنهم، إال إذا دعت الضرورة إىل ذلك، بأن كان املريض ليس له أحد يعاجله، واملصاب ليس له أحد يعاجله ويقوم بشؤونه؛ فتوكل على هللا وقم

تعاىل، وأنت مأجور، فاهلل جل وعال إذا مبعاجلة املريض، وقم خبدمته وتوكل على هللا سبحانه و علم من نيتك اإلميان واإلخالص كفاك سبحانه وتعاىل، أما ما دمت يف غىن عن خمالطته فال

حاجة بك إىل خمالطته، فأنت ال تقدم عليه من باب أخذ األسباب. عليه وسلم: "ويعجبين الفأل" الفأل: تأميل اخلري . والطرية: تأميل الشر.وقوله صلى اهلل

وتأميل اخلري مطلوب، والطرية ممنوعة ألن الطرية سوء ظن باهلل، والفأل حسن ظن باهلل جل وعال.

فإذا مسع الشخص كلمة طيبة انشرح صدره، أو رأى شخصا طيبا جاء إليه انشرح صدره وأمل ب، وهلذاخريا، وأحسن الظن باهلل سبحانه وتعاىل، فهذا أمر طي

)٢/١٢(

عليه وأليب داود بسند صحيح عن عقبة بن عامر قال: ذكرت الطرية عند رسول هللا صلى اهللوسلم فقال: "أحسنها الفأل، وال ترد مسلما، فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل: اللهم ال يأيت

ل وال قوة إال بك" .باحلسنات إال أنت، وال يدفع السيئات إال أنت، وال حو وعن أيب مسعود مرفوعا: "الطرية شرك، الطرية شرك، وما منا إال...، ولكن هللا يذهبه بالتوكل"

رواه أبو داود والرتمذي وصححه، وجعل آخره من قول ابن مسعود. ـــــــــــــــــــــــــــــ

عليه وسلم، عليه وسلم امسا حسنا، أو كان الفأل يعجب الرسول صلى اهلل فإذا مسع صلى اهلل عليه وسلم من حسن الظن باهلل جل كلمة طيبة، أو مر مبكان طيب، انشرح صدره صلى اهلل

وعال. عليه وسلم، ورآه ولما أقبل سهيل بن عمرو يف قصة احلديبية ليتفاوض مع الرسول صلى اهلل

عليه عليه وسلم: "سهل لكم من أمركم" ، وكان كما أمل الرسول صلى اهلل مقبال قال صلى اهلل وسلم، فكان جميئه سبب خري.

قوله. "فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل" إخل فيه ما تعاجل به الطرية وهو هذا الدعاء الذي ذكره.سعود قال: "الطرية شرك، الطرية شرك" كرر هذا مرتني أو ثالثا تأكيدا، وقد ويف حديث ابن م

ا شركا. قدمنا بيان معىن كوقوله: "وما منا إال... ولكن هللا يذهبه بالتوكل" هذا من كالم ابن مسعود، يقول: يقع يف قلوبنا

شيء، ألنه ال يقدر على رد هذا، شيء من الطرية، فإذا رأى اإلنسان شيئا يكرهه يقع يف نفسه عليه وسلم: "إن هللا جتاوز عن أميت اخلطأ وهذا ال يؤاخذ عليه اإلنسان، كما قال صلى اهلل

ا أنفسها ما مل تتكلم أو تعمل" ، فكونه يقع يف نفس اإلنسان شيء إذا والنسيان وما حدثت ال يتأثر وال يتصرف تصرفا خيالف ما شرعه هللا؛ ال يؤاخذ رأى شيئا يكرهه، أو خياف شيئا مث

على هذا."ولكن هللا يذهبه بالتوكل" هذا هو العالج، فاملؤمن يتوكل على هللا وال يضره ما وقع يف نفسه،

ويذهب بإذن هللا إذا توكل على هللا. لى هللا سبحانهفهذا إشارة إىل ما تعاجل به الطرية أيضا وهو: التوكل ع

)٢/١٣(

وألمحد من حديث ابن عمرو: "من ردته الطرية عن حاجته فقد أشرك" ، قالوا: فما كفارة ذلك؟، قال: "أن تقولوا: اللهم ال خري إال خريك، وال طري إال طريك، وال إله غريك " .

وله من حديث الفضل بن العباس: "إمنا الطرية ما أمضاك أو ردك" . ـــــــــــــــــــــــــــــ

وتعاىل، مث املضي وعدم الرتدد، فإن تأثر بالطرية اليت وقعت يف نفسه وقعد عن اخلروج، أو فر من ا أثـرت فيه فمضى أو رجع. املكان الذي تطري منه؛ فهذا هو الطرية املذمومة، أل

ذي يرد ومينع اإلنسان عن وقوله: "من ردته الطرية عن حاجته فقد أشرك" فيه أن التطري ال حاجته شرك.

عليه وسلم: "الطرية: ما أمضاك أو ردك" "ما أمضاك" يعين، ما نفرك من املكان، وقوله صلى اهلل أو من الشخص، أو من املرئي الذي رأيته، وفررت منه تأثرا بالطرية فهو شرك.

ولما رأيت الثعلب أو الغراب أو فالنا الذي "أو ردك" أي: عن حاجتك، كأن تريد أن تسافر ، وهو شرك. والواجب تكره قلت: هذا سفر ليس حبسن أو طيب. ورجعت عنه وهذا هو التطري

عليك حينما حصل لك هذا الشيء وكرهته يف نفسك أن ترفضه متوكال على هللا تعاىل وأن متضي يف حاجتك.

عليه و سلم ما تعاجل به الطرية، وهو ثالثة أمور:مث بني صلى اهلل: التوكل على هللا سبحانه وتعاىل، وأنه ال يأيت باخلري وال يدفع الشر -وهو األصل -األمر األول:

إال هو سبحانه وتعاىل، وهو الذي يأيت باخلري ويدفع الشر، وهو الذي يضر وينفع، وهو الذي ى هللا فإن الطرية ال تضره.يتصرف يف الكون فإذا توكل عل

األمر الثاين: أن ميضي يف حاجته اليت أرادها، وال يرجع عنها بسبب الطرية. عليه وسلم، وهو األمر الثالث: الدعاء، بأن يدعو هللا بالدعاء الذي أرشد إليه النيب صلى اهلل

فع السيئات إال أنت، وال حولأن يقول: "اللهم ال يأيت باحلسنات إال أنت، وال يد

)٢/١٤(

وال قوة إال بك" وهذا دعاء عظيم، فيه توكل على هللا، رفيه اعرتاف بأن الذي يأيت باحلسنات ويدفع السيئات هو هللا تعاىل وليست الطرية، وأنه ال حول وال قوة إال باهلل، ال أحد حيول من

تعاىل، وال أحد يقوى على شيء إال بقوة هللا سبحانه وتعاىل.حال إىل حال إال هللا سبحانه و والدعاء الثاين: "اللهم ال خري إال خريك، وال طري إال طريك، وال إله غريك" "ال خري إال خريك"

أي: ال أحد جيلب اخلري إال هللا سبحانه وتعاىل. ره ومشيئته، وبسبب ذنوبك."وال طري إال طريك" ال يصيبك شيء إال بإذن هللا وقد

"وال إله غريك" ال معبود حبق سواك، وهذا اعرتاف بالتوحيد ونفي للشرك.ذه األمور الثالثة: فاحلاصل؛ أن الطرية تعاجل

أوال: التوكل على هللا.ا وجدت. ا، وال تظهر على تصرفاتك، وما كأ ثانيا: املضي وعدم التأثر

ذه الدعوات فإن هللا والثالثة: أن تدع ذه الدعوات الواردة يف األحاديث، فإذا دعوت هللا و

يعافيك من الطرية وميدك بإعانته ونصره وتوفيقه. وهللا تعاىل أعلم.

)٢/١٥(

[الباب التاسع والعشرون:] * باب ما جاء يف التنجيم

لثالث: زينة للسماء، ورجوما قال البخاري يف "صحيحه": قال قتادة: "خلق هللا هذه النجوم ا، فمن تأول غري ذلك أخطأ وأضاع نصيبه، وتكلف ما ال علم له للشياطني، وعالمات يهتدى

به" انتهى. ـــــــــــــــــــــــــــــ

قال الشيخ رمحه هللا: "الباب ما جاء يف التنجيم" أي: ما ورد من األدلة على حترمي ذلك، والنهي عنه.جيم املراد به: اعتقاد أن للنجوم تأثريا يف احلوادث وما جيرى يف هذا الكون، وقد يراد والتن

بالتنجيم معاين أخر يأيت تفصيلها.، - عليه الصالة والسالم -وهذا اعتقاد قدمي كان يف قوم منرود، الذين بعث إليهم اخلليل إبراهيم

ا تدبر أمر وهم الصابئة الذين يعبدون الكواكب، ويبنون هلا اهلياكل وبيوت العبادة، يعتقدون أ العامل، وال يزال هذا الشر موجودا يف العامل.

قوله: "قال البخاري يف صحيحه" هذا احلديث يعترب من البخاري رمحه هللا من التعليق، والتعليق نه بالتعليق، هو: أن يذكر األثر بدون إسناد، فإذا قال: (قال فالن) بدون إسناد؛ فهذا يسمو

وهو على نوعني عند البخاري: النوع األول: تعليق بصيغة اجلزم، مثل هذا األثر: "قال قتادة"، (قال فالن).

النوع الثاين: تعليق بغري صيغة اجلزم، كأن يقول: (يروى عن فالن)، فهذا يسمى تعليقا بغري صيغة اجلزم، وهو أقل درجة من األول.

حجر رمحه هللا فذكر أسانيد هذه املعلقات اليت علقها "البخاري" يف وقد جاء احلافظ ابنصحيحه واستقصاها يف كتاب مساه "تغليق التعليق"، يتكون من ثالثة جملدات ضخمة، وقد طبع

الكتاب واحلمد هلل. قوله: "قال قتادة" قتادة هو ابن دعامة السدوسي، اإلمام اجلليل يف التفسري واحلديث وغريه.

"خلق هللا هذه النجوم لثالث "يعين: لثالث حكم.

)٢/١٦(

ا سرج يا مبصابيح} أل نـ الفائدة األوىل: "زينة للسماء" كما قال تعاىل: {ولقد زيـنا السماء الديا بزينة الكواكب( نـ )} .٦تتألأل، قال تعاىل: {إنا زيـنا السماء الد

الفائدة الثانية: "رجوما للشياطني "وذلك ألن الشياطني حياولون اسرتاق السمع من املالئكة يف ذه السماء، وبأتون مبا يسرتقونه إىل الكهان من بين آدم، ولكن هللا جل وعال حفظ السماء

مد صلى الشهب اليت تنطلق من هذه الكواكب فتحرق هذا املارد فتهلكه، خصوصا عند بعثة حمها ا حرست السماء بالشهب، كما قال تعاىل عن اجلن: {وأنا كنا نـقعد منـ عليه وسلم فإ اهلل

أم ) وأنا ال ندري أشر أريد مبن يف األرض ٩مقاعد للسمع فمن يستمع اآلن جيد له شهابا رصدا()} ، استغربوا هذه احلراسة وهذه الشهب، وكان ذلك مؤذنا ببعثة حممد ١٠أراد م ربـهم رشدا(

عليه وسلم، ولكن بقي من هذا شيء لكنه قليل. صلى اهللا" قال تعاىل: {وألقى يف األرض رواسي هارا الفائدة الثالثة: "عالمات يهتدى أن متيد بكم وأنـ

)} ، فاهلل جعل للمسافرين ١٦) وعالمات وبالنجم هم يـهتدون(١٥وسبال لعلكم تـهتدون(ا يف األرض وعالمات يف السماء. والعالمات اليت يف األرض: السبل عالمات يستدلون

األرض واجلبال واألعالم الواضحة، وأما يف السماء فهي: والفجاج والطرق اليت جعلها هللا يفالنجوم والشمس والقمر، فالناس يستدلون بسريهم يف الطرق، والسيما يف البحار اليت ليس فيها جبال وليس فيها عالمات وكذلك يف الليل، يسريون على النجوم، ينظرون إىل النجوم ويعرفون

ذه النجوم والشمس والقمر على ا اجلهات، فيسريون إىل اجلهة ا، وكذلك يستدل اليت يريدوم إذا نظروا إىل هذه النجوم عرفوا اجلهات واهتدوا إىل جهة القبلة. القبلة يف الصالة، ال

فهذا من حكمة هللا سبحانه وتعاىل من خلق هذه النجوم، خلقها هلذه النجوم.ثة اليت ذكرها هللا يف كتابه فكما قال قتادة: "فمن تأول أما من أراد أن يزيد على هذه األمور الثال

لها شيئا مل ختلق من أجله، كأن يعتقد غري ذلك أخطأ"، الن هللا مل خيلقها هلذا، ألنه أراد أن حيما تدل على حوادث يف األرض، أو فيها أ

)٢/١٧(

وكره قتادة تعلم منازل القمر. ومل يرخص ابن عيينة فيه. كره حرب عنهما.ذ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

هبوب رياح، أو نزول مطر، أو موت أحد، أو حياة أحد، أو توفيق يف أمر، أو اخنذال يف أمر؛ فهذا كله من التقول والتطاول، واخلرص والتخمني، وادعاء لعلم الغيب الذي ما أنزل هللا به من

سلطان.ا مل ختلق هلذا، وإمنا هذا يرجع إىل عالم الغيوب سبحانه وتعاىل.والنجوم ال تدل على هذ ا أل

يعين: اعتقد فيها غري ذلك من هذه األمور الثالثة اليت دل عليها كتاب هللا؛ - فقوله: تأول فيها فقد اخطأ.

"وأضاع نصيبه" يعين: من الدين، وهذا يقتضي أنه يكفر. هذه خرص وختمني وحدس وظن ال يغىن من احلق شيئا أبدا."وتكلف ما ال علم له به" ألن

وقوله: "انتهى" يعين: كالم قتادة.وقوله: "وكره قتادة تعلم منازل القمر، ومل يرخص ابن عيينة فيه" يعين: سفيان بن عيينة، اإلمام

اجلليل، احملدث املشهور.ا: املنازل اليت ينزهل ا يف الشهر، وهي مثانية وعشرون منزلة؛ أربع عشرة منزلة ومنازل القمر املراد

، وعالمة هذه املنزلة جنم من النجوم ١ميانية، وأربع عشرة منزلة شامية، ينزل يف كل ليلة منزلة املعروفة يقطعها القمر يف شهر، بينما تقطعها الشمس يف سنة.وهي القلب. وهل جيوز تعلم هذه وكل منزلة ثالثة عشرة يوما، وواحدة منها أربعة عشر يوما،

املنازل ملعرفتها من أجل احلساب. على قولني:

وإن كان -القول األول: املنع، وهو قول قتادة وسفيان بن عيينة، ألن هذا__________

ويستسر يف ليلة أو ليلتني حسب متام الشهر ونقصانه. ويستسر مبعىن أنه خيتفي يف ضوء ١ الشمس.

)٢/١٨(

يف تعلم املنازل: أمحد وإسحاق.ورخص ـــــــــــــــــــــــــــــ

إال أنه وسيلة ألن يعتقد فيها ما ال جيوز، فهذا من سد الذرائع، فال يتعلم - ال شيء فيه يف نفسها..، وألنه زائد ا..، وأ ا تؤثر يف الكون وأ منازل القمر عندها، ألنه رمبا يتدرج إىل اعتقاد أ

على الفوائد الثالث السابقة.

والقول الثاين: أنه ال بأس بتعلم منازل القمر، وهذا ما يسمى بعلم التسيري. وهو مذهب اإلمام أمحد، وإسحاق بن راهويه، وقول كثري من أهل العلم.

ألجل ما فيه من الفوائد وعدم احملذور. - إن شاء هللا -وهذا هو الصحيحثري، وهو: اعتقاد أن هذه النجوم تؤثر يف الكون، هذا هو املمنوع، أما أما املمنوع فهو علم التأ

ا من أجل الفوائد من غري اعتقاد أن هلا تأثريا يف الكون؛ فهذا ال بأس به، وال يزال معرفة حسا العلماء يتعلمونه ويعلمونه للناس لفوائده العظيمة.

رمة، لكن بعضها أشد من بعض.وعلم التأثري ينقسم إىل ثالثة أقسام، كلها حمالقسم األول: اعتقاد أن هذه الكواكب هي اليت حتدث هذه احلوادث الكونية، وأن مصدر

ا. احلوادث هو حركات الكواكب وتشكالوهذا اعتقاد الصابئة، وهو جحود للخالق سبحانه وتعاىل، واعتقاد أن هذه الكواكب هي اليت

ا وأحواهلا ينتج عنها ما حيدث يف هذا الكون من حتدث هذه احلوادث، ا هي اليت بتشكال وأخري أو شر، ومن صحة ومرض، ومن خصب وجدب، وغري ذلك، فهذا هو اعتقاد الصابئة،

وهذا كفر صريح بإمجاع املسلمني.ا هي اليت حتدث هذه احلوادث، ولكن يعتقد ا سبب للتأثري، والقسم الثاين: أن ال يعتقد أ أ

وأما الذي حيدث هذا الشيء فهو هللا سبحانه وتعاىل، ولكن هذه أسباب، فينسب إليها األمور من باب األسباب.

باطل وال جيوز وهو شرك أصغر، ألن هللا مل جيعلها أسبابا، وال عالقة هلا مبا جيري - أيضا - وهذااح، أو غري ذلك، وإمنا هذا راجع إىل تدبري هللا يف هذا الكون أبدا؛ من نزول مطر، أو هبوب ري

ذا، غري أن هللا خلقها سبحانه وتعاىل، ألمره وإذنه سبحانه وتعاىل وليس للكواكب عالقة ا. لألمور الثالثة اليت سبق بيا

ا على احلوادث املستقبلة. والقسم الثالث: االستدالل

)٢/١٩(

عليه وسلم: "ثالثة ال يدخلون اجلنة: مدمن مخر، وعن أيب موسى قال: قال رسول هللا صلى اهلل وقاطع رحم، ومصدق بالسحر" رواه أمحد وابن حبان يف "صحيحه".

ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا من ادعاء علم الغيب، ومن الكهانة ومن السحر، وهو كفر بإمجاع املسلمني.

ا أسباب ملا جيري يف وكل هذه األمور الثال ا هي اليت ختلق هذه األشياء، واعتقاد أ ثة اعتقاد أ

ا تدل جمرد داللة على أنه سيحصل كذا؛ رخص أو غالء، ومن الكون من احلوادث، واعتقاد أا تزوج يف النجم الفالين فإنه يوفق، ومن تزوج يف النجم الفالين أو البـرج الفالين فإنه خيفق، وم

يسمونه بالبخت والنحس.هذا كله باطل، وهذا ينشر يف بعض اجملالت اليت تصدر من جهات غري ملتزمة باإلسالم ينشر

فيها أبواب خاصة بالنجوم، وأن يف الربج الفالين حيصل كذا من تزوج فيه، أو باع أو اشرتى يربح، والنجم الفالين حنس وال يصلح فيه شيء.

اعتقاد اجلاهلية. هذا منوأما علم احلساب املستفاد من منازل القمر ملعرفة مواقيت الصالة، ووقت بذر الزرع، وغرس

األشجار، وغري ذلك من املصاحل. فهذا ليس من االستدالل بالنجوم على احملرم، إمنا هو من علم احلساب، وهللا خلق الشمس والقمر للحساب.

ى اجلدران ويتداوهلا الناس ملعرفة مواقيت الصلوات هي من هذا وهذه املفكرات اليت تعلق علالنوع، من العلم املرخص فيه، والذي رخص فيه: اإلمام أمحد، وإسحاق، وغريمها، سواء كان من

احلساب الشمسي أو القمري، كله من هذا النوع، ال بأس به ألنه فيه مصاحل للناس وليس فيه اعتقاد سيء.

موسى" هو الصحايب اجلليل عبد هللا بن قيس األشعري، نسبة إىل مجاعة يف اليمن قال: "وعن أيب يقال هلم "األشعريني".

وأبو موسى هذا من أفاضل الصحابة وأجالئهم وفضالئهم، قد توىل أعماال جليلة يف أيام عليه وسلم ويف أيام اخللفاء الراشدين، فله مكانة عظيمة يف الرسول صلى اهلل

)٢/٢٠(

اإلسالم، رضي هللا تعاىل عنه وأرضاه وكان حسن الصوت بالقرآن واستمع إليه النيب صلى اهلل عليه وسلم وأثىن عليه.

عليه وسلم: "ثالثة ال يدخلون اجلنة" هذا وعيد جيرى على ظاهره وال يـؤول وال قوله صلى اهللألن تفسريه وتأويله يقلل من أمهيته، فيرتك على ظاهره للزجر والوعيد، وإن كان أصحاب يـفسر،

هذه اجلرائم ال خيرجون من اإلسالم، ولكن هذا من باب الوعيد الشديد هلم. وهم: "مدمن اخلمر" واملراد باملدمن: الذي يداوم على شرب اخلمر، وال يتوب إىل هللا منها.

من كبائر الذنوب، ومن استحله فقد كفر، ومن اعتقد حترميه وشربه من باب فشرب اخلمر كبريةالشهوة النفسانية فقد فعل كبرية من كبائر الذنوب، ويعترب فاسقا ناقص اإلميان، إذا ثبت عليه

الشرب بإقراره أو بشهادة الشهود يقام عليه احلد مثانني جلدة، ألن حد اخلمر شرع لصيانة لذي هو أشرف شيء يف اإلنسان، مييز به الضار من النافع، والطيب من اخلبيث، وبه العقل، ا

يعقل أمور دينه، وبه ميسك عن األذى، فإذا فقد العقل صار أحط من البهيمة، فيؤذي، ويضيع ا يف الدنيا أخالقه ومصاحله ومصاحل غريه، فلذلك زجر هللا عن شرب اخلمر، ووضع هلا حد

عليه وسلم أنه ال يدخل اجلنة، فهذا وعيد شديد.ووعيدا يف االخرة، وأخرب النيب صلى اهلل والثاين: "قاطع الرحم" والرحم هي: القرابة من جهة األب، أو من جهة األم.

وصلة األرحام واجبة يف اإلسالم بعد بر الوالدين، وهم: األوالد وأوالدهم، واإلخوة واألخوات والدهم، واألعمام والعمات وأوالدهم، واألخوال واخلا الت وأوالدهم، واآلباء واألجداد.وأ

ما، مث األوالد، مث اإلخوة وأوالدهم، مث األعمام والعمات فأول من جتب صلته: الوالدان بالرب شركوا به شيئا وأوالدهم مث األخوال واخلاالت وأوالدهم، قال تعاىل: {واعبدوا هللا وال ت

سانا} إىل قوله وبالوالدين إحسانا وبذي القرىب} ، {وقضى ربك أال تـعبدوا إال إياه وبالوالدين إح تعاىل: {وآت ذا القرىب حقه والمسكني وابن السبيل} .

)٢/٢١(

ا حق واجب، ومن قطع هذا احلق فإنه يكون قاطعا للرحم، وقاطع الرحم مرتكب فالقرىب هللكبرية من كبائر الذنوب، وملعون يف القرآن، كما قال تعاىل: {فـهل عسيتم إن تـوليتم أن

عوا أرحامكم( م هللا فأصمهم وأعمى أبصارهم ) أولئك الذين لعنـه ٢٢تـفسدوا يف األرض وتـقط)٢٣. {(

وهللا جل وعال يقول للرحم يف احلديث القدسي: "من وصلك وصلته، ومن قطعك قطعته" ، ويف هذا احلديث: أنه ال يدخل اجلنة. وهذا وعيد شديد.

والثالث: "مصدق بالسحر" وهذا حمل الشاهد من احلديث. ث يف مصدق السحر، والباب يف باب التنجيم، فما املناسبة؟فإن قلت: احلدي

قلنا: املناسبة أن التنجيم نوع من السحر؛ ملا يأيت يف احلديث: "من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد" ، فالتنجيم نوع من السحر، فلذلك أورده املصنف يف هذا

الباب. عليه وسلم أن املصدق بالسحروأخرب النيب صل أنه ال يدخل -ومنه املصدق بالنجوم - ى اهلل

اجلنة، وهذا وعيد شديد، قد ال يدخل اجلنة لكفره، وقد ال يدخلها ملعصيته. وهذا من أحاديث الوعيد اليت جترى على ظاهرها وال تفسر.

نه التنجيم.والشاهد منه قوله: "مصدق بالسحر" الذي موعلى كل حال؛ فالواجب على املسلم أن حيذر من هذه املشكلة، وهي مسألة التنجيم اليت ال

يزال شرها موجودا يف الناس.

)٢/٢٢(

[الباب الثالثون:] * باب ما جاء يف االستسقاء باألنواء

بون( . )}٨٢وقول هللا تعاىل: {وجتعلون رزقكم أنكم تكذ ـــــــــــــــــــــــــــــ

قال الشيخ رمحه هللا: "باب االستسقاء باألنواء" أي: طلب السقيا بالنجوم. ما حكمه؟ وما دليله؟.

وهذا الباب يعترب نوعا من أنواع الباب الذي قبله، وهو "باب ما جاء يف التنجيم"، فالباب فر والضالل والباطل من استسقاء وغريه، وهذا األول عام يف كل ما يعتقد يف النجوم من الك

الباب خاص مبسألة واحدة، وهي االستسقاء بالنجوم.قوله: "باب ما جاء" أي: من الوعيد يف الكتاب والسنة، وبيان أن ذلك كفر باهلل تعاىل، ألنه

ر باهلل سبحانه اعتقاد يف غري هللا يف أنه خيلق أو يرزق أو يدبر شيئا من هذا الكون، وهذا كفوتعاىل، ألن هللا سبحانه هو اخلالق املتصرف املدبر هلذا الكون ليس له شريك، وكل هذه

املخلوقات كلها مدبرة بأمره سبحانه وتعاىل: {إن ربكم هللا الذي خلق السماوات واألرض يف عرش يـغشي الليل النـهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم ستة أيام مث استـوى على ال

مسخرات بأمره أال له اخللق واألمر} ، {أال له اخللق} الذي هو: التدبري واإلجياد والتصرف، فهو الذي يشرع سبحانه وتعاىل، ويأمر وينهى، {واألمر} الذي هو الشرع، فكما أنه اخلالق

{تـبارك هللا رب العالمني} . لما قرأ عبد هللا بن عمر هذه اآلية قال: "من كان له شيء فليطلبه".

مره إن يف ذلك وقال تعاىل: {وسخر لكم الليل والنـهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأ )} ، قال تعاىل: {ومن آياته الليل والنـهار والشمس والقمر ال تسجدوا ١٢آليات لقوم يـعقلون(

، فال جيوز أن يعتقد )} ٣٧للشمس وال للقمر واسجدوا هلل الذي خلقهن إن كنتم إياه تـعبدون(يف خملوق من املخلوقات أيا كان شكله وقوته ونوعه أن يعتقد فيه أنه يدبر مع هللا سبحانه

)} يعين: املالئكة يدبرون بأمر هللا سبحانه ٥وتعاىل، وامنا يدبر بأمر هللا: {فالمدبرات أمرا(

ه سبحانه.وتعاىل، هللا يأمرها وهي تدبر ما أمرها ببون( )} " هذه اآلية يف سياق٨٢قال: "وقول هللا تعاىل: " {وجتعلون رزقكم أنكم تكذ

)٢/٢٣(

) وإنه لقسم لو تـعلمون ٧٥اآليات اليت قبلها، وهي قوله تعاىل: {فال أقسم مبواقع النجوم() تـنزيل من ٧٩) ال ميسه إال المطهرون(٧٨) يف كتاب مكنون(٧٧رآن كرمي() إنه لق ٧٦عظيم (

تم مدهنون(٨٠رب العالمني( بون(٨١)أفبهذا احلديث أنـ )} .٨٢) وجتعلون رزقكم أنكم تكذقسم مبواقع النجوم} إىل قوله تعاىل: {وجتعلون رزقكم أنكم والشاهد يف قوله تعاىل: {فال أ

بون( )} .٨٢تكذ وقد ذكر العلماء يف تفسريها قولني:

ا، طلوعها من املشرق القول األول: أن املراد بالنجوم الكواكب، واملراد مبواقعها طلوعها وغروا من املغرب، ألن هذا من أعظم آيات هللا سبحانه وتعاىل. وغرو واملقسم عليه هو: أحقية القرآن.

ذا القرآن، وتقولون: تم مدهنون} يعين: تكذبون وقوله تعاىل: {أفبهذا احلديث} هو القرآن {أنـ إنه من قول حممد، أو من قول فالن أو عالن، بعد هذا البيان، وبعد هذا التوضيح.

بون({وجتع بون} فتقولون: مطرنا ٨٢لون رزقكم أنكم تكذ )} {رزقكم} يعين: املطر، {أنكم تكذ بنوء كذا وكذا، فتنسبون املطر إىل األنواء.

ض، والنوء عبارة عن أحد منازل القمر الثمانية والعشرين. واألنواء مجع نوء، من: ناء ينوء إذا عرب تزعم يف اجلاهلية أن املطر إمنا ينزل بسبب طلوع النجم، وبعضهم يقول: املطر وذلك أن ال

حيصل بسبب غروب النجم الذي يغرب يف الفجر. واخلالف بينهم يسري.م يضيفون نزول املطر إىل طلوع النجم أو غروبه، يظنون أن غروب النجم أو طلوع املهم أ

طر، فيقولون: مطرنا بنوء كذا وكذا، مطرنا بنوء الثريا، النجم يف الفجر هو الذي يسبب نزول امل بنوء القلب، بنوء العواء، بنوء الغفر، بنوء الزبانة، إىل آخره، هكذا تقول العرب يف جاهليتها.بون} فتنسبونه إىل ال م هللا فقال تعاىل: {وجتعلون رزقكم} أي: املطر {أنكم تكذ طالع وقد أكذ

أو الغارب من النجوم، وهذا كذب، ألن الذي ينزل املطر

)٢/٢٤(

عليه وسلم قال: "أربع يف أميت من وعن أيب مالك األشعري رضي هللا عنه أن رسول هللا صلى اهللن: الفخر باألحساب، والطعن يف األنساب، واالستسقاء بالنجوم أمر اجلاهلية ال يرتكو

" .والنياحة ـــــــــــــــــــــــــــــ

هو هللا سبحانه وتعاىل، وليس طلوع النجم أو غروبه، فيكذبون على هللا سبحانه وتعاىل، وينكرون ا، وكان الواجب عليهم أن يشكروا نعمة هللا، وأن يضيفوا النعمة إىل هللا، نعمة هللا وجيحدو

الفالين، فأنكر هللا عليهم: قوهلم: مطرنا بنوء كذا لكنهم أضافوها إىل غريه، وقالوا: مطرنا بالنوءوكذا ومساه هللا كذبا، وهو كذب يف االعتقاد، وأشد الكذب هو الكذب يف االعتقاد، قال تعاىل

دق إذ جاءه أليس يف جهنم مثوى للكا )} ٣٢فرين ({فمن أظلم ممن كذب على هللا وكذب بالص، فالذي يكذب على هللا وينسب نعمه لغريه، وينسب املطر إىل خملوق من خلقه فقد كذب على هللا أعظم الكذب، بدل أن يشكر هللا يكذب عليه، وينسب نعمه إىل غريه، وهذا جحود للنعمة،

ا. وكفران يوجد املطر؛ فهذا كفر أكرب، وقد فصل العلماء حكم ذلك فقالوا: إن اعتقد أن النجم هو الذي

وشرك أكرب خمرج من امللة.أما إذا اعتقد أن املطر ينزل بأمر هللا وبتقدير هللا سبحانه، ولكنه نسبه إىل النجم، أو إىل الطالع

فهذا كفر أصغر، وشرك أصغر، لكنه وسيلة -كما يقولون-أو الغارب من باب اجملاز أو السبيبة ، ألن هللا مل جيعل النجوم سببا يف نزول األمطار، وإمنا األمطار تنزل بأمره إىل الشرك األكرب

سبحانه وتعاىل، فاألمطار إمنا تنزل بأمره وبسبب رمحته سبحانه وتعاىل كما دلت على ذلك آيات ناكموه} ، {ونـزلنا زلنا من السماء ماء فأسقيـ نا كثرية من القرآن: {فأنـ بتـ من السماء ماء مباركا فأنـ

)} ، {وأنـزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم} .٩به جنات وحب احلصيد( واحلاصل؛ أن املنزل للمطر هو هللا سبحانه وتعاىل، والرياح والسحاب إمنا هي خملوقات هلل

سبحانه وتعاىل. عليه وسلم: "أربع" أي: أربع خصال. قوله صلى اهلل

"يف أميت" يعين: أمة اإلجابة، ألن أمة الدعوة تشمل كل الثقلني اجلن واإلنس، ألن الرسول بعث إليهم.

)٢/٢٥(

عليه وسلم وصدقوه واتبعوه.وأما أمة اإلجابة فهم الذين آمنوا به صلى اهلل"من أمر اجلاهلية" املراد باجلاهلية: ما قبل اإلسالم، مسي جاهلية من اجلهل وهو عدم العلم،

عليه -وقت الفرتة-خللو هذا الوقت من آثار الرساالت السماوية، ألن بني بعثة حممد صلى اهللئة سنة وزيادة، كانت قد اندثرت فيها آثار أربعما -آخر أنبياء بين إسرائيل -وسلم وبني عيسى

م وعجمهم إال بقايا من أهل الكتاب انقرضوا الرساالت، ونظر هللا إىل أهل األرض فمقتهم عر قبل البعثة.

فهذا الوقت الذي قبل اإلسالم مسي باجلاهلية لعدم وجود العلم فيه.لية زالت واحلمد هلل باإلسالم، والعلم موجود، أما ما بعد اإلسالم فال يقال له: جاهلية، ألن اجلاه

ورثه الرسول هلل، فبعد بعثة هذا الرسول زالت اجلاهلية العامة، أما بقايا من اجلاهلية أو خصال من أمور اجلاهلية فقد تبقى يف أفراد من الناس أو طوائف من الناس املسلمني، لكن أن يقال:

فهذا باطل. - ض الكتاب اجلهالكما يطلقه بع- الناس كلهم يف جاهلية فقد يبالغ بعض الكتاب اجلهال فيصفون هذا الوقت بوقت اجلاهلية، فيقول بعضهم: "جاهلية القرن العشرين"، وهذا تعبري خاطئ، وقول باطل، كما نبه على هذا شيخ اإلسالم ابن تيمية يف

كتابه: "اقتضاء الصراط املستقيم". ع ليه وسلم: "أربع يف أميت من أمر اجلاهلية" دل على أنه تبقى أشياء من اجلاهلية فقوله صلى اهلل

تتسرب يف الناس، وقد تكون يف بعض املؤمنني الصادقني.ا من اإلسالم ما دام أنه يشهد وقد تكثر اجلاهلية يف بعض األشخاص وتعظم، ولكنه ال خيرج

ول هللا، ومل يشرك باهلل، ومل يرتكب ناقضا من نواقض اإلسالم، أن ال إله إال هللا وأن حممدا رس فليس كل من فيه جاهلية يكون كافرا.

فاحلاصل؛ أن املبالغات يف وصف الزمان بأنه جاهلية والناس كلهم يف جاهلية؛ فهذا باطل، وال يصدر من عامل حمقق، إمنا يصدر من بعض اجلهال.

ن" دل هذا على مسألتني.وقوله: "من أمر اجلاهلية ال يرتكو عليه وسلم ذكر هذا من باب األوىل: ينسب إىل اجلاهلية، وعلى أنه حمرم، ألن الرسول صلى اهلل

الذم والتحذير منه، وقال هللا تعاىل لنساء نبيه: {وال تـبـرجن تـبـرج اجلاهلية

)٢/٢٦(

الصالة وآتني الزكاة وأطعن هللا ورسوله} ، فكل ما ينسب إىل اجلاهلية فإنه حمرم األوىل وأقمن ومذموم جيب التخلي عنه واالبتعاد عنه.

: أنه قد يبقى شيء من اجلاهلية يف بعض املسلمني، فيجب عليه -أيضا -املسألة الثانية: فيهوبة إىل هللا ممن وقع يف شيء من ذلك من أمور اجلاهلية. وهذه احلذر منه، والتحذير منه، والت

عليه وسلم هي: األوىل: "الفخر باألحساب" واملراد باحلسب: األربع اليت ذكرها النيب صلى اهللإنا شرف اإلنسان ومكانته يف اجملتمع، فال يفخر حبسبه، ألن هللا سبحانه يقول: {يا أيـها الناس

بائل لتـعارفوا إن أكرمكم عند هللا أتـق اكم} ، فالكرم خلقناكم من ذكر وأنـثى وجعلناكم شعوبا وقـ عند هللا هو بالتقوى ال باحلسب.

مله هو، يقول الشيخ حممد بن عبد الوهاب رمحه هللا: "إذا كان ال جيوز لإلنسان أنه يفخر بع فكيف يفخر بعمل أبيه وجده".

قال الشاعر: لعمرك ما السعادة مجع مال ... ولكن التقي هو السعيد

وقال آخر: وليس على عبد تقي غضاضة ... إذا حقق التقوى وإن حاك أو حجم

الثانية من أمور اجلاهلية: "الطعن يف األنساب" بأن يتنقص أنساب الناس. نه يتنقص اآلخرين وكالمها مذموم.ألنه يعظم نفسه، وأل

الثالثة: "واالستسقاء باألنواء" وهذا حمل الشاهد من احلديث.قلنا واالستسقاء (استفعال)، أصله: طلب السقيا، قال هللا تعاىل: {وإذ استسقى موسى لقومه فـ

اضرب بعصاك احلجر} {استسقى} يعين: طلب السقيا.م و م يطلبون من النجوم أن تسقيهم، لكن معناه: أ االستسقاء بالنجوم هنا ليس معناه: أ

ينسبون املطر إىل النجوم، فيقولون: مطرنا بنوء كذا وكذا.وكما فصل العلماء: إن كان يعتقد أن النجوم هي اليت أنزلت املطر وأثرت؛ فهذا كفر خمرج من

ل للمطر هو هللا، وأن النجوم إمنا هي أسباب وأضاف ذلك إليها امللة. وإن كان يعتقد أن املنز من باب التساهل يف التعبري؛ فهذا يعترب شركا وكفرا أصغر ال خيرج من امللة. ولكنه حمرم شديد

التحرمي، ألنه وسيلة إىل الشرك

)٢/٢٧(

ا تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب" وقال: "النائحة إذا مل تتب قبل مو رواه مسلم. ـــــــــــــــــــــــــــــ

األكرب، وألن الشرك وإن كان أصغر فهو خطري، قال تعاىل: {إن هللا ال يـغفر أن يشرك به ويـغفر ما دون ذلك لمن يشاء} .

فأتى بـ (يف)، فال بأس بذلك، ألن هذا ليس فيه قال العلماء: أما لو قال: سقينا يف نوء كذا، نسبة املطر إىل النجم، وإمنا يقول: سقينا يف هذا الوقت، سقينا يف نوء كذا يعين: يف وقت كذا.

عليه وسلم: "والنياحة على امليت" والنياحة: رفع الصوت على امليت من الرابعة: قوله صلى اهللسخط، وإذا صحبه شق للثوب، أو لطم للخد، أو تعداد حملاسن امليت، أو نياحة باب اجلزع والت

وندب وجزع؛ فهذا كبرية من كبائر الذنوب. والواجب عند نزول املصيبة: الصرب واالحتساب ال اجلزع والتسخط.

وهي والنياحة دليل على عدم الرضى بقضاء هللا وقدره، ودليل على عدم الصرب واالحتساب.ا من أمور اجلاهلية، ألن أمور اجلاهلية حمرمة. من أمور اجلاهلية، ويكفي أ

قوله: "وقال: النائحة إذا مل تتب" يعين: ترجع عن النياحة، وتندم على ما حصل منها، وتعزم على أن ال تعود إىل النياحة يف مستقبلها.

وهذه شروط التوبة: جوع من معصية هللا إىل طاعة هللا.فالتوبة لغة: الرجوع، وشرعا هي: الر

وشروطها ثالثة: اإلقالع عن الذنب، والندم على ما حصل، والعزم أن ال يعود إليه. فإذا توفرت هذه الشروط فالتوبة صحيحة، وإذا اختل شرط منها فهي توبة غري صحيحة.

وكفرا باهلل جل وعال، ودل هذا على أن التوبة متحو املعصية ولو كانت كبرية، ولو كانت شركا فالتوبة جتب ما قبلها من النياحة وغريها.

ا" دليل على أنه عند املوت ال تقبل التوبة، فإذا بلغت عليه وسلم: "قبل مو ويف قوله صلى اهلل الروح احللقوم فحينئذ ال تقبل التوبة.

)٢/٢٨(

عليه وسلم صالة وهلما عن زيد بن خالد رضي هللا عنه ق ال: صلى لنا رسول هللا صلى اهللالصبح باحلديبية على إثر مساء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس فقال: "أتدرون

ماذا قال ربكم؟" . ـــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: "تقام يوم القيامة" يعين: من قربها.ربال هو: الثوب."وعليها سربال" ال س

"من قطران" هو النحاس املذاب."ودرع من جرب" الدرع كذلك هو: الثوب، واجلرب: مرض جلدي، يكون يف اإلبل ويكون يف

اإلنسان. فدل هذان احلديثان على مسائل:

أوال: فيه حترمي أمور اجلاهلية وذمها عموما. لكلية، بل يبقى منها شيء يف بعض املسلمني.ثانيا: فيه أن أمور اجلاهلية ال ترتفع با

ا : أن من كان فيه شيء من أمور اجلاهلية ال يقتضي ذلك كفره، -ثالثا: وهي مسألة مهمة جدلكن يكون هذا ذنبا مذموما جيب عليه التخلي عنه والتوبة منه، لكنه ال يقتضي الكفر، ألنه

اجلاهلية فهذا ال يقتضي كفره، إال إذا بلغ مبلغ قال: "من أميت" ، فمن كان فيه شيء من أمور املكفرات كالشرك باهلل جل وعال، أو بلغ ناقضا من نواقض اإلسالم املعروفة فهذا يكفر به.

رابعا: فيه دليل على حترمي املسائل األربع املذكورة: "الفخر باألحساب، والطعن يف األنساب، وأن هذه األمور من كبائر الذنوب.واالستسقاء بالنجوم، والنياحة" ،

واخلامسة: فيه دليل على أن التوبة متحوا ما قبلها. سادسا: فيه أن قبول التوبة حمدد مبا قبل املوت.

وهللا تعاىل أعلم.قوله رمحه هللا: (وهلما) أي البخاري ومسلم يف صحيحهما: "عن زيد بن خالد" اجلهين، صحايب

إىل جهينة القبيلة املعروفة، وهي قبيلة كبرية من قبائل العرب. جليل مشهور، واجلهين نسبة "قال: صلى لنا" املراد: صلى بنا، فالالم هنا مبعىن الباء.

)٢/٢٩(

قالوا: هللا ورسوله أعلم.قال: "قال: أصبح من عبادي مؤمن يب وكافر. فأما من قال: مطرنا بفضل هللا ورمحته، فذلك

وكب. وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا؛ فذلك كافر يب مؤمن بالكوكب" .مؤمن يب كافر بالك ـــــــــــــــــــــــــــــ

ا عليه وسلم صالة الصبح" يعين: صالة الفجر، مسيت صالة الصبح أل "رسول هللا صلى اهلل يعين: صالة الصبح. جتب عند طلوع الفجر، كما قال تعاىل: {وقـرآن الفجر}

"باحلديبية" اسم مكان على حدود احلرم من جهة الغرب، قريب من التنعيم، يقال له اآلن (الشميسي)، وهو عند مدخل احلرم للقادم من جدة.

، ويقال باحلديبية، بالتشديد واملشهور األول.- بالتخفيف -يقال احلديبية السنة؛ أن اإلمام إذا فرغ من الصالة فإنه ال يبقى "فلما انصرف أقبل على الناس" ألن هذا من

عليه وسلم مستقبل القبلة، بل ينصرف إىل الناس ويقبل عليهم بوجهه كما كان النيب صلى اهلل يفعل ذلك.

عليه وسلم: "أتدرون ماذا قال ربكم؟" هذا فيه: مشروعية املوعظة بعد الصالة "فقال صلى اهللإذا صار هلا مناسبة، كتنبيه على خطأ وقع، أو بيان لواجب، أو موعظة عامة، وحث على تقوى

عليه وسلم كان يعظ الناس أحيانا، ومل يكن يداوم على ذلك، وإمنا يفعل هللا، فإنه صلى اهلل عليه وسلم، خصوصا إذا حصل ذلك أحيانا خشية امللل، فكان يتخوهلم باملوعظة صلى اهلل

شيء حيتاج إىل تنبيه، مثل هذه القضية.ويف هذا مشروعة التعليم من خالل السؤال واجلواب، فاملعلم يسأل الطالب أوال من أجل أن ينتبه للجواب، ألن هذا يكون أبلغ يف التعليم وأنبه للطالب، ألنه إذا سئل أوال مث أجيب فإنه

يكون هذا أثبت يف ذهنه، خبالف ما لو ألقي إليه العلم ابتداء فإنه قد ال ينتبه له متاما."قالوا: هللا ورسوله أعلم" هذا فيه أن املسؤول إذا مل يكن عنده علم وال جواب أنه ال يتخرص،

عليه وسلم، أما وإمنا يكل العلم إىل عامله، فيقول: هللا ورسوله أعلم، وهذا يف حياته صلى اهلل بعد موته فيقول: هللا أعلم فقط. ففيه: مشروعية تفويض العلم إىل هللا سبحانه وتعاىل.

عليه وسلم "قال" أي: هللا. عليه وسلم: و"قال" أي: الرسول صلى اهلل فأجاب صلى اهلل

)٢/٣٠(

ة إىل القدس وهو الطهارة، والتقديس هو التطهري، مسي بذلك وهذا من األحاديث القدسية، نسب تشريفا له ألنه من كالم هللا.

فاحلديث القدسي من كالم هللا لفظه ومعناه. عليه وسلم، لكن املعىن من هللا، لقوله أما احلديث غري القدسي فهو من كالم الرسول صلى اهلل

)} .٤) إن هو إال وحي يوحى(٣اهلوى( تعاىل: {وما يـنطق عن إال أن احلديث القدسي مع أنه من كالم هللا ال يأخذ حكم القرآن من كل وجه، حبيث يتعبد

بتالوته مثل القرآن، وحبيث ال ميسه إال طاهر مثل القرآن، أو أنه يشرتط له التواتر مثل القرآن، عىن. أما القرآن فال جتوز روايته باملعىن.ومن حيث إنه جتوز روايته بامل

احلاصل؛ أن بني احلديث القدسي وبني القرآن فروقا كثرية، وإن كان جيتمع مع القرآن يف أنه كالم هللا سبحانه وتعاىل لفظا ومعىن.

ويف قوله: "قال" إثبات أن هللا يتكلم، فصفة الكالم ثابتة هلل، يتكلم مىت شاء إذا شاء سبحانه هه ال يعلمهما إال هللا سبحانه وتعاىل؛ كالما يليق جبالله، ليس مثل كالم املخلوقني، فكيفيته وكنـ

وتعاىل، لكنه ثابت هلل من صفات األفعال اليت يفعلها هللا إذا شاء سبحانه وتعاىل. تعاىل.ففيه: رد على اجلهمية واملعتزلة واألشاعرة الذين ينفون الكالم عن هللا سبحانه و

"أصبح من عبادي" يعين: بسبب نزول املطر. "مؤمن يب وكافر" "مؤمن يب" بسبب هذه النعمة، "وكافر" بسببها.

دل على أن حصول النعم ابتالء من هللا سبحانه، يبتلي به عباده، فمنهم من يشكر هللا فيكون مؤمنا، ومنهم من ينكر نعمة هللا فيكون كافرا بنعمه.

عليه وسلم سبب ذلك فقال فيما يرويه عن ربه تبارك وتعاىل: "فأما من قال: مث بني ص لى اهلل مطرنا بفضل هللا ورمحته" يعين: نسب النعمة إىل هللا سبحانه وتعاىل.

والتفضل والرمحة صفتان من صفات هللا، فاهلل هو الذي يتفضل وهو الذي يرحم، ونزول املطر محة هللا، كما قال تعاىل: {فانظر إىل آثار رمحت أثر من آثار ر

)٢/٣١(

ا} يعين بإنزال املطر وإنبات النبات. هللا كيف حييي األرض بـعد موا، وهو "فذلك مؤمن يب كافر بالكوكب" ألنه مل ينسب نزول املطر إىل طلوع الكواكب أو غرو

ما يسمى بالنوء.ن قال: مطرنا بنوء كذا وكذا" والنوء سبق لنا أنه هو النجم إذا طلع من املشرق وقت "وأما م

الفجر، أو غاب يف املغرب وقت الفجر.كان أهل اجلاهلية ينسبون املطر إىل طلوع النجم أو غروبه، فيزعمون أنه إذا طلع النجم أو

م غرب ينزل املطر، ويعتقدون أن هذا بسبب الكواكب، وال ينسبونه هلل تعاىل. وهذا كفر، أل نسبوا النعمة إىل املخلوق، وهذا شرك باهلل سبحانه وتعاىل؛ شرك يف الربوبية، وكل مشرك كافر.

وهذا فيه دليل على كفر من استسقى باألنواء ونسب نزول املطر إليها، أو أن نزول املطر هو الذي ينزله مىت شاء وأين شاء بتأثريها، ألن نزول املطر إمنا هو بقدرة هللا سبحانه وتعاىل

ومينعه مىت شاء وأين شاء، ويصرفه سبحانه وتعاىل.تطلع األنواء وال حيصل مطر، وحيصل املطر يف غري طلوع األنواء، فيحصل املطر يف أي وقت شاءه هللا، وهذا شيء مشاهد أن املطر ينزل يف مجيع األحيان وال يتقيد بظهور النجم، فهذا

ليل على كذب هؤالء.د

وفيه مشروعية قول هذا الكالم عند نزول املطر: "مطرنا بفضل هللا وبرمحته" .وفيه التنبيه على شكر هللا عند حدوث النعم من األمطار وغريها، فكل ما حصل لإلنسان نعمة

ىل حوله وقوته، فإنه جيب عليه أن ينسبها إىل هللا، وأن يشكر هللا عليها، وال ينسبها إىل غريه، ال إ وال إىل أحد من خلقه، وإمنا ينسب الفضل إىل املتفضل وهو هللا سبحانه وتعاىل.

وهذا احلديث فيه فوائد عظيمة: فيه: مشروعية املوعظة بعد الصالة خصوصا إذا حصل مناسبة هلا.

وفيه: مشروعية صالة اجلماعة يف السفر كما هي مشروعة يف احلضر.ة التعليم عن طريق السؤال واجلواب، ألن ذلك أبلغ يف التفهيم وأيسر للتعليم، وفيه: مشروعي

عليه وسلم هذا مرارا وتكرارا. وقد فعل النيب صلى اهلل

)٢/٣٢(

وهلما من حديث ابن عباس معناه، وفيه: (قال بعضهم: لقد صدق نوء كذا.) إنه ٧٦) وإنه لقسم لو تـعلمون عظيم (٧٥واقع النجوم(فأنزل هللا هذه اآليات: {فال أقسم مب

) تـنزيل من رب ٧٩) ال ميسه إال المطهرون(٧٨) يف كتاب مكنون(٧٧لقرآن كرمي(تم مدهنون(٨٠العالمني( بون(٨١) أفبهذا احلديث أنـ )} .٨٢) وجتعلون رزقكم أنكم تكذ ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه -وهو الشاهد من احلديث للباب -وفيه : أن نسبة املطر إىل األنواء كفر باهلل صلى اهلل

وسلم وشرك، وأن نسبة النعم واألمطار إىل هللا إميان باهلل وتوحيد. يه: أن حصول النعم ابتالء وامتحان من هللا تعاىل؛ ليتبني بذلك املؤمن من الكافر.وف

وفيه: مشروعية قول هذا الكالم عند نزول املطر: "مطرنا بفضل هللا وبرمحته" كما كان النيب عليه وسلم يقول ذلك، ويقول: "اللهم صيبا نافعا" . صلى اهلل

أي: للبخاري ومسلم.وقوله: "وهلما" "من حديث ابن عباس مبعناه... إخل" هذا مثل احلديث الذي قبله؛ ملا نزل عليهم املطر قالوا:

"صدق نوء كذا وكذا" زعموا أن طلوع النجم هو الذي حصل به املطر، فهم نسبوا نزول املطر أقسم} .إىل النوء، فصدقوه، فأنزل هللا تعاىل منكرا عليهم قوله تعاىل: {فال

قوله تعاىل: {فال} ال هذه نافية، أي: ليس األمر كما زعمتم أن نزول املطر بسبب صدق النوء الفالين، وإمنا املطر بفضل هللا.

: أن املراد بالنجوم هنا: -كما اختاره ابن جرير -مث أقسم جل وعال على هذا النفي. واملشهور

ا آية ع ظيمة من آيات هللا سبحانه وتعاىل ملن يتدبر ويتفكر.الكواكب، ألن يف طلوعها وغرووهللا جل وعال يقسم مبا شاء من خلقه، وهو ال يقسم إال بشيء فيه سر عظيم حيتاج إىل تأمل،

وحيتاج إىل نظر، فلو نظرت إىل تنظيم هذه النجوم يف مسارها

)٢/٣٣(

ائها يف السماء؛ وتعاقبها، وعدم ختلفها عن نظامها وانتظامها، ونظ رت إىل زينتها وتأللئها و لدلك ذلك على قدرة هللا سبحانه وتعاىل وعظيم صنعته.

ا ملا فيها من العجائب. فاهلل أقسم أما املخلوق فال يقسم إال باهلل، كما جاء يف احلديث: "من حلف بغري هللا فقد كفر أو أشرك " ،

فال جيوز احللف إال باهلل.)} هذا تنبيه على عظم هذا القسم، وال يتنبه هلذا ٧٦عاىل: { إنه لقسم لو تـعلمون عظيم(قوله ت

إال أهل العلم الذين يتدبرون يف آيات هللا الكونية.مث ذكر سبحانه املقسم عليه وهو القرآن فقال: {إنه لقرآن كرمي} من الكرم وهو الشرف

فهو كرمي يف منزلته، عظيم يف معناه، جليل يف قدره، ألنه كالم هللا سبحانه وتعاىل، فهو والرفعة، أعظم الكالم. وفضل كالم هللا على غريه كفضل هللا على خلقه.

)} يعين: حمفوظ، واملشهور: أن املراد بالكتاب املكنون هنا: اللوح ٧٨{يف كتاب مكنون(يف اللوح احملفوظ، فهو مكتوب يف اللوح احملفوظ، ومكتوب يف صحائف احملفوظ، ألن هللا كتبه

املالئكة، ومكتوب يف املصاحف اليت يف أيدي البشر، وحمفوظ يف الصدور، فهو كالم هللا بكل اعتبار.

ن )} يعين: املالئكة، وهذا فيه رد على املشركني الذين يزعمون أ٧٩{ال ميسه إال المطهرون(القرآن مما تنزلت به الشياطني، وأنه من كالم الشياطني، وهللا بني أن الشياطني ال تقرب القرآن،

)} السمع يعين: الوحي.٢١٢كما قال سبحانه: {إنـهم عن السمع لمعزولون( إىل -عليه الصالة والسالم -)} نزل به جربيل٨٠{تـنزيل من رب العالمني( نبينا حممد صلى اهلل

نزيل رب عليه وسلم ألمته، كما قال تعاىل: {وإنه لتـ عليه وسلم، وبلغه حممد صلى اهللان ) بلس ١٩٤) على قـلبك لتكون من المنذرين(١٩٣) نـزل به الروح األمني(١٩٢العالمني(

)} يعين: جربيل عليه ٤٠)} ، وكما يف اآلية األخرى: {إنه لقول رسول كرمي(١٩٥عريب مبني(ة عند ذي العرش مكني( )} ٢٢) وما صاحبكم مبجنون(٢١) مطاع مث أمني(٢٠السالم، {ذي قـو

عل يه وسلم، وهذا توثيق لسند القرآن، ألن رواته عن هللا هم: أمة حممد يعين: حممدا صلى اهلل

عليه وسلم عن جربيل عن ربه عز وجل، وليس عليه وسلم عن نبيهم حممد صلى اهلل صلى اهلل كما يقوله املشركون: إنه من كالم الشياطني، أو من كالم

)٢/٣٤(

من صحائف األولني. فهو كالم هللا حقيقة وجربيل وحممد عليهما الصالة والسالم البشر، أو مبلغان عن هللا تعاىل.

تم مدهنون( )} يعين: تكذبون به، وتقولون: هذا من كالم حممد، ٨١مث قال: {أفبهذا احلديث أنـالكهان، أو ما أشبه ذلك من أو من كالم فالن، أو مما تنزلت به الشياطني اليت تتنزل على

أقاويل باطلة.بون( )} معناه: أنكم تنسبون األمطار إىل األنواء، مسى هللا ذلك ٨٢{وجتعلون رزقكم أنكم تكذ

كذبا وباطال ألن األمطار ليست من األنواء وإمنا األمطار من هللا سبحانه وتعاىل هو الذي ينزهلا وجيعل فيها الربكة والنماء، فهو الذي ينزهلا سبحانه. ويقدشرها

:-مثل ما سبق - ويف هذا األثر الذي رواه ابن عباس -الرد على الذين ينسبون األمطار إىل األنواء، وأن هذا كذب حمض، حيث أقسم هللا سبحانه

سبة املطر إىل أن هذا كذب، فدل على بطالن االستسقاء باألنواء، وأنه جيب ن -وهو الصادق هللا سبحانه وتعاىل، ال إىل األنواء، ومن نسبها إىل األنواء فقد كفر باهلل.

)٢/٣٥(

[الباب الواحد والثالثون: ] * باب قول هللا تعاىل

{ومن الناس من يـتخذ من دون هللا أندادا حيبونـهم كحب هللا} . ـــــــــــــــــــــــــــــ

ذا الباب أن يبني أن احملبة نوع من أنواع العبادة، وأن من أحب مع هللا أراد الشيخ رمحه هللا، غريه فقد أشرك باهلل الشرك األكرب املخرج من امللة، كما كان عليه املشركون الذين قال هللا

حيبونـهم كحب هللا} . فيهم: {ومن الناس من يـتخذ من دون هللا أندادا ولما كانت احملبة من أنواع العبادة، بل هي أعظم أنواع العبادة، وكان من أحب مع هللا غريه

مشركا الشرك األكرب؛ ناسب أن يذكر الشيخ رمحه هللا، هذا الباب يف "كتاب التوحيد"؛ لينبه

على هذه املسألة املهمة. تنقسم إىل قسمني: -ءكما ذكر العلما - واحملبة

القسم األول: حمبة العبودية، وهذه جيب أن تكون خالصة هلل عز وجل، وحمبة العبودية هي اليت يكون معها ذل للمحبوب. وهذه ال جيوز صرفها لغري هللا، كما ال جيوز السجود لغري هللا والذبح

عبودية يصحبها ذل وخضوع وطاعة لغري هللا والنذر لغري هللا فإنه ال جتوز حمبة غري هللا حمبة للمحبوب، وإمنا هذه حق هلل سبحانه وتعاىل.

وهلذا يقول العالمة ابن القيم رمحه هللا يف "النونية": وعبادة الرمحن غاية حبه ... مع ذل عابده مها قطبان

وعليك فـلك العبادة دائر ... وما دار حىت قامت القطبان ... ال باهلوى والنفس والشيطان ومداره باألمر أمر رسوله

ويقول العلماء يف تعريف العبادة هي: غاية الذل مع غاية احلب. فالعبادة ترتكز على ثالثة أشياء: على احملبة، وعلى اخلوف، وعلى الرجاء.

فاحملبة واخلوف والرجاء هي ركائز العبادة وأساسها، فإذا اجتمعت حتققت العبادة ونفعت وسائر العبادات، أما إذا اختلت هذه الثالثة فإن اإلنسان وإن صام وإن صلى كالصالة واحلج

ا ال تكون عبادته صحيحة. وإن حج فإ ويقول العلماء: "من عبد هللا باحملبة فقط فهو صويف"، ألن الصوفية يزعمون

)٢/٣٦(

م حيبونه فقط، ويقولون: ال نعبده خناف من ناره وال م يعبدون هللا أل نرجو جنته، وإمنا نعبده أ ألننا حنبه. وهذا ضالل.

"ومن عبد هللا بالرجاء فقط فهو مرجئ" ألن املرجئة خيرجون األعمال عن مسمى اإلميان. "ومن عبد هللا باخلوف فقط فهو خارجي" ألن اخلوارج يكفرون املؤمنني باملعاصي.

بة فقط، واخلوارج أخذوا جانب فاملرجئة أخذوا جانب الرجاء فقط، والصوفية أخذوا جانب احمل اخلوف فقط.

: احملبة مع اخلوف والرجاء والذل -وهلل احلمد-وأهل السنة واجلماعة مجعوا بني األمور الثالثة واالنقياد والطاعة، وبنوا على ذلك سائر أنواع التعبد والتقرب إىل هللا سبحانه وتعاىل.

ي أربعة أقسام:النوع الثاين: حمبة ليست حمبة عبودية وهالقسم األول: حمبة طبيعية كمحبة اإلنسان للطعام والشراب واملشتهيات املباحة، كالزوجة

وامللذات.القسم الثاين: حمبة إجالل، كمحبة الولد لوالده غري املشرك والكافر، فالولد حيب والده حمبة

ا. إجالل وتكرمي واحرتام ألنه والده احملسن إليه واملريب له. وهذه حممودة ومأمور القسم الثالث: حمبة إشفاق، كمحبة الوالد لولده، فالوالد حيب ولده حمبة إشفاق.

القسم الرابع: حمبة مصاحبة، كأن حتب شخصا من أجل مصاحبتك له، إما لكونه زميال لك يف من العمل، أو شريكا يف جتارة، أو صاحبا لك يف سفر، فأحببته من أجل املشاركة يف شيء

األشياء.ا ليس معها ذل، وليس معها خضوع. هذه األقسام ليست من أنواع العبادة، أل

)٢/٣٧(

: وقوله تعاىل: {ومن الناس من يـتخذ من دون هللا أندادا حيبونـهم كحب هللا } {ومن الناس} يعينتخذ من دون} أي: غري هللا، {أندادا} الند هو: الشبيه والنظري املشركني، {ومن الناس من يـ

م ساووهم باهلل، فصاروا أندادا هلل مبعىن: شركاء مساوين له يف اعتقاد والعديل، مسوا أندادا أل املشركني.

ا {حيبونـهم كحب هللا} أشركوهم مع هللا يف حمبة العبودية، فعبدوا األصنا م حيبو م واألوثان أل حمبة ذل وانقياد وخضوع وطاعة فأشركوا يف أعظم أنواع العبادة، وهو احملبة.

م يعرتفون بربوبيته وخلقه هلم، فهم حيبونه، لكنهم مل خيلصوا حمبتهم، بل فاملشركون حيبون هللا ألا مع هللا حمبة عبودية وخضوع وذل وتقر ب إليها بالعبادة.أشركوا معه آهلة أخرى حيبو

هذا هو الوجه الصحيح يف تفسري اآلية؛ أن املشركني حيبون هللا وحيبون معه غريه من األصنام واألوثان كما حيبون هللا، فيعادلون بني حمبة هللا وحمبة األصنام وحمبة األوثان.ا، وهل ذا يغارون ويغضبون وال يزال املشركون على هذا، فالذين يعبدون القبور واألضرحة حيبو

إذا قيل هلم إن هذه املعبودات باطلة ال تغين عنكم شيئا، وال تنفعكم بل تضركم فهم يغضبون، ا {كحب هللا} أي: كما حيبون هللا. م حيبو ا، أل بل قد يقاتلون دو

} الذين أخلصوا احمل بة هلل وهم املؤمنون، هؤالء أشد قال هللا تعاىل: {والذين آمنوا أشد حبا هللحبا هلل من حمبة املشركني هلل، ألن حمبة املؤمنني خالصة وحمبة املشركني مشرتكة، واحملبة اخلالصة

ا ال تنفعهم ما أشد وأقوى من احملبة املشرتكة، وهذه احملبة هي اليت تنفع، أما حمبة املشركني هلل فإ خيلصوا يف حمبتهم.داموا حيبون مع هللا غريه فلم

فدلت هذه اآلية الكرمية على أن احملبة نوع من أنواع العبادة، بل هي أعظم أنواع العبادة، وأن

من أحب مع هللا غريه فيها فقد أشرك باهلل الشرك األكرب واختذ هذا احملبوب ندا، أي: شريكا مع هللا ومعادال هلل ومساويا هلل، كما يقول أهل النار

)٢/٣٨(

ناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشريتكم وأموال اقـتـرفـتمو ها وجتارة وقوله: {قل إن كان آباؤكم وأبـتـربصوا حىت ختشون كسادها ومساكن تـرضونـها أحب إليكم من هللا ورسوله وجهاد يف س بيله فـ

يأيت هللا بأمره} . ـــــــــــــــــــــــــــــ

) إذ نسويكم برب ٩٧يوم القيامة ملن أشركوهم مع هللا: {تاهلل إن كنا لفي ضالل مبني( )} .٩٨العالمني(

اآلية.وقوله تعاىل: {قل إن كان آباؤكم} تـربصوا} ذه الوعيد {فـ هذه اآلية فيها: أن من قدم حمبة هذه األشياء على حمبة هللا فإنه متوعد

أي: انتظروا، {حىت يأيت هللا بأمره} حىت يأتيكم هللا بالعقوبة {وهللا ال يـهدي القوم الفاسقني} عن طاعة هللا جل وعال، ومعىن {ال يـهدي القوم الفاسقني} مساهم فاسقني، والفسق هو: اخلروج

يعين: ال يوفقهم لإلميان، مثل قوله: {ال يـهدي القوم الظاملني} ، {ال يـهدي القوم الكافرين} .هدى كل فاهلداية املنفية هنا: هداية التوفيق، أما هداية البيان واإلرشاد فهذه موجودة، فاهلل

الناس، مبعىن: أنه بني هلم طريق اخلري من طريق الشر، هدى الكفار وهدى املؤمنني مبعىن: بني هلم طريق اخلري وطريق الشر.

أما هداية التوفيق واإلميان فهي خاصة باملؤمنني.م - أما الكافرون : فإن هللا حيرمهم هداية القلوب - إذا أصروا على كفرهم وأصروا على طغيا

{حجاب فاعمل إنـنا عاملون} ، عقوبة من هللا سبحانه وتعاىل أن من عاند وأصر بعد البيان وبعد اإلرشاد وأصر على الباطل فإن هللا يعاقبه حبرمانه من هداية قلبه، بل يزيغ ويبقى على زيغه

يعين: وأصروا على الكفر، {سواء عليهم وضالله وعقوبة له: {إن الذين كفروا سواء عليهم}م مل يقبلوا ا هلداية من أأنذرتـهم أم مل تـنذرهم ال يـؤمنون * ختم هللا على قـلوم وعلى مسعهم} أل

لب أفئدتـهم وأبصارهم أول األمر، فلما مل يقبلوا اهلداية من أول األمر عاقبهم هللا باحلرمان، {ونـق )} ، فالذي يتبني له اخلري واهلدى ١١٠كما مل يـؤمنوا به أول مرة ونذرهم يف طغيام يـعمهون(

واإلميان ومل يقبل، بل يستمر على ما هو عليه من الطغيان والكفر والعناد فإنه يعاقب بفساد قلبه وعدم هداية قلبه {وهللا ال يـهدي القوم الفاسقني} . -عياذ باهللوال-

)٢/٣٩(

ا نزلت يف قوم من املسلمني كانوا رون: إ ناؤكم} يقول املفس وهذه اآلية: {قل إن كان آباؤكم وأبـ عليه وسلم و م آثروا أن يف مكة، ولما هاجر الرسول صلى اهلل أصحابه إىل املدينة مل يهاجروا؛ أل

م، فهم قدموا حمبة هذه األشياء يبقوا يف مكة حمافظة على أمواهلم وعلى مساكنهم وعلى أقار على حمبة هللا ورسوله، فاهلل توعدهم.

م وقالوا: كيف تدعوننا؟، وملن تدعوننا؟ م أقار م لما أرادوا اهلجرة تعلق وملا تعلقوا ويروى: أهم وتوعدهم، م، رقوا هلم ورمحوهم، فأقاموا يف مكة وتركوا اهلجرة إيثارا هلذه ا ألشياء، فاهلل وخب

ألن الواجب عليهم أن يهاجروا، وأن يقدموا اهلجرة إىل هللا ورسوله على هذه األشياء كما فعل المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم ذلك املهاجرون الذين قال هللا تعاىل فيهم: {للفقراء

وأمواهلم يـبتـغون فضال من هللا ورضوانا ويـنصرون هللا ورسوله أولئك هم الصادقون} ، بون هذه افاملهاجرون تركوا هذه احملبوبات طاعة هلل ورسوله وحمبة هلل ورسوله، وإن كانوا حي

ألشياء، حيبون أوالدهم، وحيبون بلدهم، وحيبون أمواهلم، ولكنهم قدموا عليها حمبة هللا سبحانه م، تركوا أوالدهم وذريتهم، تركوا مساكنهم، وتعاىل فهاجروا، تركوا أمواهلم، تركوا ديارهم وأوطا

م بقوا تركوا التجارات اليت هلم يف مكة، كل هذا تركوه هلل جل وعال، أما هؤالء من ا ملؤمنني فإم، وأن يبقوا يف مساكنهم يف مكة، م، وأن ينموا أمواهلم وجتارا يف مكة وآثروا أن يبقوا عند أقار

فتوعدهم هللا، كما قال يف اآلية األخرى يف الذين مل يهاجروا من املسلمني: { إن الذين تـوفاهم الوا فيم كنتم } يعين: مل تركتم اهلجرة؟، {قالوا كنا مستضعفني يف المالئكة ظالمي أنـفسهم ق

تـهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصري ) ٩٧ا(األرض قالوا أمل تكن أرض هللا واسعة فـ) ٩٨ال والنساء والولدان ال يستطيعون حيلة وال يـهتدون سبيال(إال المستضعفني من الرج

هم وكان هللا عفوا غفورا( ) ومن يـهاجر يف سبيل هللا جيد يف ٩٩فأولئك عسى هللا أن يـعفو عنـومن خيرج من بـيته مهاجرا إىل هللا ورسوله مث يدركه الموت فـقد وقع األرض مراغما كثريا وسعة

)} ، فاهلجرة من أفضل خصال اإلميان، واملهاجر ال ١٠٠أجره على هللا وكان هللا غفورا رحيما(اهية من أجل الدنيا، ولكنه يهاجر من أرض يهاجر للنزهة أو يهاجر للبلد الذي فيه سعة ورف

حيبها ومن بلد حيبها، وقد يرتك أمواله وأوالده وخيرج حمبة هلل ولرسوله، هذا هو املؤمن الصادق يف إميانه.

)٢/٤٠(

عليه وسلم قال: "ال يؤمن أحدكم حىت أكون أحب إليه من عن أنس أن رسول هللا صلى اهلل والناس أمجعني" أخرجاه.ولده ووالده

ـــــــــــــــــــــــــــــ} يدل على أن حمبة هذه فقوله يف هذه األشياء إذا كانت {أحب إليكم من هللا ورسوله} {أحباألشياء يف األصل ال حرج فيها، فاإلنسان حيب والده، وحيب ولده، وحيب أخاه، وحيب قبيلته،

ب جتارته، وحيب مسكنه. فأصل احملبة هلذه األشياء مباح ألنه من احملبة الطبيعية، وحيب ماله، وحيلكن إمنا يأيت اللوم إذا قدم حمبة هذه األشياء على حمبة هللا فأخرته هذه األشياء عن طاعة هللا

ورسوله، وعن اهلجرة إىل ا هلل ورسوله. علي ه وسلم قال: "ال يؤمن أحدكم حىت كون أحب إليه قوله: "وعن أنس أن رسول هللا صلى اهلل

عليه وسلم، من ولده ووالده والناس أمجعني" " وذلك أنه بعد حمبة هللا تأيت حمبة الرسول صلى اهلل فاألوىل: حمبة هللا عز وجل، وهي حمبة عبادة، وهي األصل والقاعدة. أما حمبة الرسول صلى اهلل

عليه وسلم فهي تابعة حملبة هللا عز وجل، تأيت بعد حمبة هللا وكذا حمبة كل ما حيبه هللا من األشخاص واألعمال وهذه حمبة يف هللا وهلل فاحملبة املشروعة حمبة هللا واحملبة يف هللا، واحملبة املمنوعة

.هي احملبة مع هللا. وتقدمي ما حتبه النفس على ما حيبه هللاوقوله: "ال يؤمن أحدكم" ليس نفيا ألصل اإلميان، وإمنا هو نفي لكمال اإلميان، أي: ال يكمل

عليه وسلم ولكن ال يقدم حمبته على حمبة غريه إميان أحدكم هذا إذا كان حيب الرسول صلى اهلل من اخللق.

عل يه وسلم أصال، بل يبغض الرسول، فهذا كافر، أما إذا كان اإلنسان ال حيب الرسول صلى اهلل عليه وسلم، ولكنه يقدم حمبة ولده ووالده على حمبة الرسول أما الذي حيب الرسول صلى اهلل

عليه وسلم، فهذا ناقص اإلميان، بل ال يكمل إميان العبد وال يتم حىت يكون الرسول صلى اهلل عليه وسلم أحب إليه من نفسه اليت بني جنبيه، وأحب إليه من ولده الذي هو بضعة ص لى اهلل

منه وجزء منه، وأحب إليه من والده الذي هو أصله واحملسن إليه، وأحب إليه من الناس أمجعني أيا كانوا.

عليه وسلم على طاعة غريه: فإذا أمرك وهذا يقتضي أن اإلنسان يقدم طاعة الرسول صلى اهلل عليه وسلم بأمر وأمرك والدك أو ولدك أو أحد من الناس بأمر خيالف أمر الرسول صلى اهلل

)٢/٤١(

ع عليه وسلم فإنه جيب عليك معصية هذا اآلمر وطاعة الرسول صلى اهلل ليه الرسول صلى اهلل عليه وسلم، أن ال تقدم على حمبته شيئا، وال وسلم، وهذا هو الدليل على حمبة الرسول صلى اهلل

عليه وسلم فال تطعه تقدم على طاعة الرسول شيئا، فإذا أمرك أحد مبخالفة الرسول صلى اهلل عليه وسلم ولو كان أقرب الناس إليك ولو كان أحب ا لناس إليك، فطاعة الرسول صلى اهلل

عليه وسلم ترك ما مل يشرعه الرسول مقدمة، وهي مثرة حمبته ومن عالمات حمبة الرسول صلى اهلل عليه وسلم: "من عمل عمال ليس عليه أمرنا فهو رد" من البدع واحملدثات لقول النيب صلى اهلل

أي مردود عليه عمله هذا. عليه وسلم ويقيم املوالد واالحتفاالت املبتدعة، أما الذي يدعي أنه حيب الرسول صلى اهلل عليه وسلم ينهاه عن البدع واحملدثات، فال يطيعه، وإمنا يطيع املخرفني والرسول صلى اهلل

والدجالني يف هذا، ف عليه وسلم، ألن الرسول صلى اهلل هذا كاذب يف حمبته للرسول صلى اهللى عن البدع واحملدثات واخلرافات ولو كان الناس عليها ولو كان عليها أبوك أو عليه وسلم

عليه وسلم وجب ابنك أو أقرب الناس إليك، فمن كان عنده بدعة وخمالفة للرسول صلى اهلل عليه وسلم. عليك معصيته، فإذا أطعته فإن هذا دليل على عدم صدق حمبتك للرسول صلى اهلل عليه وسلم دعوى تقال، أو احتفال يقام، فاحلاصل؛ أنه ليس الدليل على حمبة الرسول صلى اهلل

عليه وسلم: متابعته، وطاعته فيما أمر، وتصديقه فيما ألن الدليل على حمبة الرسول صل ى اهللى عنه وزجر، وأن ال يعبد هللا إال مبا شرع عليه الصالة والسالم. هذا هو أخرب، واجتناب ما

عليه وسلم، وحنن ال نقبل الدعوى، وإمنا نقبل الدل يل على الدليل على حمبة الرسول صلى اهلل الدعوى.

عليه وسلم، أما فالذين يعملون بالسنة ويرتكون البدع فهذا دليل على حمبتهم للرسول صلى اهللى عنه عليه وسلم ولكنهم خيالفونه فريتكبون ما م حيبون الرسول صلى اهلل الذين يدعون أ

طاعة لغريهم فإن هذا دليل على عدم صدقهم يف حمبتهم ويرتكون ما أمر به طاعة ألنفسهم أو عليه وسلم "ال يؤمن أحدكم حىت أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس للرسول صلى اهلل

أمجعني" بل ومن نفسه.هو فإذا أراد أحد منا أن خيترب إميانه فلينظر إىل موقع هذا احلديث منه ويطبقه على نفسه، هلحيب الرسول، أحب إليه من نفسه، هل حيب الرسول أحب إليه من والده وولده والناس

عليه وسلم، والدليل أمجعني؟، فإن كان كذلك فهو حيب الرسول صلى اهلل

)٢/٤٢(

عليه وسلم: "ثالث من كن فيه و ن حالوة اإلميان: وهلما عنه قال: قال رسول هللا صلى اهلل جد أن يكون هللا ورسوله أحب إليه مما سوامها، وأن حيب املرء ال حيبه إال هلل، وأن يكره أن يعود يف

الكفر بعد إذ أنقذه هللا منه كما يكره أن يقذف يف النار" . ـــــــــــــــــــــــــــــ

عليه وسلم بتنفيذ أوامره وترك نواهيه : املوافقة للرسول صلى اهلل -كما ذكرنا - على ذلك عليه وسلم ولو كان عليها أقرب ى عنها رسول هللا صلى اهلل واجتناب البدع واحملدثات اليت

الناس إليه أو أحب الناس إليه، يرتكها طاعة هلل وطاعة لرسوله، وحمبة هلل وحمبة لرسوله صلى اهلل ليه وسلم.ع

فدل هذا احلديث: على وجوب حمبة الرسول بعد حمبة هللا عز وجل، وأن حمبة هللا وحمبة رسوله عليه وسلم وعدم املخالفة، وأنه لو أمرك أي أحد من الناس تقتضيان املتابعة للرسول صلى اهلل

عليه وسلم وجب عليك معصيته ورفض ما يأمرك به، واألخذ بأمر خيالف أمر الرسول صلى اهلل عليه عليه وسلم، فكما جتب حمبة هللا عز وجل جتب حمبة رسوله صلى اهلل بأمر الرسول صلى اهلل

أمرا أن يكون هلم اخليـرة من وسلم قال تعاىل: {وما كان لمؤمن وال مؤمنة إذا قضى هللا ورسوله أمرهم} .

قوله: "أخرجاه" يعين: أخرجه البخاري ومسلم. "وهلما" أي: البخاري ومسلم.

"عنه" أي: عن أنس رضي هللا عنه. عليه وسلم: "ثالث" " أي: ثالث خصال. "قال: قال رسول هللا صلى اهلل

جتمعن فيه، ووجدن فيه."من كن فيه" ان حالوة اإلميان" هذا من مثرات حمبة هللا ورسوله. "وجد

و"حالوة اإلميان" أي: لذته، ألن اإلميان الصادق له لذة يف النفوس، وله طمأنينة يف القلوب، أي أنواع هذا هو اإلميان الصادق: جتد املؤمن يتلذذ باإلميان، ويطعم اإلميان أكثر مما يطعم

امللذات.اخلصلة األوىل: "أن يكون هللا ورسوله أحب إليه مما سوامها" أي: أحب إليه من نفسه، وأحب

إليه من كل شيء، ومن الوالدين واألوالد واألقارب واألصدقاء وسائر الناس. وهذا يقتضي تقدمي قوهلما على قول كل أحد.

ه إال هلل" أي: حيب اإلنسان من بيناخلصلة الثانية: "وأن حيب املرء ال حيب

)٢/٤٣(

آدم "ال حيبه إال هلل" ، ال حيبه من أجل طمع دنيا أو عرض عاجل، هامنا حيبه هلل ألنه مطيع هلل، ألنه مؤمن، ألنه تقي. أما الذي حيب الشخص من أجل الدنيا أو من أجل األطماع أو الشهوات

ند هللا شيئا.أو األغراض، فهذه حمبة ال تنفعه عكما يف احلديث: - وهذا فيه فضل احملبة يف هللا بني املؤمنني، واحملبة يف هللا أوثق عرى اإلميان

"أوثق عرى اإلميان: احلب يف هللا والبغض يف هللا" ، ومن السبعة الذين يظلهم هللا يف ظله يوم ال قا عليه" ، ويف احلديث الصحيح: "أن رجال ظل إال ظله: "رجالن حتابا يف هللا اجتمعا عليه وتفر

خرج إىل قرية ليزور أخا له يف هللا فأرصد هللا على مدرجته" أي: طريقه "ملكا" ليختربه، فلما مر عليه "قال له امللك: أين تريد؟، قال: أريد قرية كذا وكذا، قال: وما غرضك فيها وما شأنك؟،

ا؟" يعين: هل قال: ألن فيها أخا يل يف هللا أحببت زيارته، فقال له امللك: هل له عليك نعمة ترهو قد أحسن إليك وأنت حتبه من أجل صنيعه معك ومعروفه معك، "قال: ال، إال أين أحببته يف

هللا "يعين: ما زرته وال خرجت إليه إال ألين أحبه يف هللا، ال من أجل أنه أحسن إيل أو من أجل طاين شيئا أو من علي بشيء، "فقال له امللك: إين رسول هللا إليك أن هللا قد أحبك كما أنه أع

أحببته فيه".كثري من الناس يتحابون ويتآلفون من أجل أمور الدنيا، من أجل الرجاء والطمع وغري ذلك، إن

ئم والكالب والقطط إذا أحسن إليه وأعطاه شيئا أحبه، وإال فإنه ال حيبه وهذا موجود يف البهاا تألفك وحتبك جبلة وطبيعة، فقد جبلت القلوب على حب من أحسن إليها، أحسنت إليها فإلكن هذا ليس فيه مزية، إمنا املزية أن حتبه ال من أجل شيء أعطاك، وإمنا حتبه من أجل هللا عز

وجل، هذه هي الدرجة العالية الرفيعة من احملبة يف هللا.ن العبد حالوة اإلميان: "وأن يكره أن يعود يف الكفر بعد إذ أنقذه هللا اخلصلة الثالثة: اليت جيد

ا مؤملة، وال -والعياذ باهلل -منه؛ كما يكره أن يقذف يف النار" كل الناس ينفرون من النار ألسلم الذي من هللا عليه أحد يصرب على حرها، فكل يفر من النار ويبتعد عنها، والكفر نار، وامل

باإلسالم يكره أن يعود إىل الكفر، ويكره الردة عن دين اإلسالم، كما يكره أن يلقى يف النار، هذا هو املؤمن حقا،

)٢/٤٤(

الذي متكن اإلميان من قلبه فال يساوم عليه، وال يتنازل عن شيء منه أبدا مهما كلفه األمر، بل نه وجد حالوة اإلميان ولذته.يتمسك بدينه. أل

من أجل اخلوف أو الطمع - أو عن شيء منه - أما الذي يدعي اإلميان ولكنه يتنازل عن اإلميان

أو غري ذلك فهذا دليل إما على عدم إميانه أو على نقصان إميانه {ومن الناس من يـقول آمنا نة الناس كعذاب هللا} ، أما املؤمن فإنه يصرب ولو ناله شيء من باهلل فإذا أوذي يف هللا جعل فتـ

املكاره، ولو حاول الناس أن يصرفوه عن دينه، أعطوه أمواال، وأعطوه ما يعطونه، أو حاولوا صرفه عن دينه، أو التنازل عن دينه بالتخويف والتهديد بالقتل، والتهديد بالتعذيب، فإنه يصرب،

كا بدينه، هذا هو املؤمن حقا. وال يتنازل عن دينه حىت يلقى هللا سبحانه متمسوقوله: "وأن يكره أن يعود يف الكفر بعد إذ أنقذه هللا منه كما يكره أن يقذف يف النار" قالوا: -هذا فيه دليل على أن املكره إذا صرب على اإلكراه وصرب على القتل أنه يكون من هذا النوع

الوة اإلميان، ولما وجد حالوة اإلميان ما رضي أن يتنازل عنها أبدا.ممن وجد حوهلذا جاء يف قصة الرجلني اللذين مرا على صنم ال جيوزه أحد حىت يقرب إليه شيئا، "فقالوا

ألحدمها: قرب"، يعين: اذبح للصنم حىت نرتكك متر، "فقال: ما كنت ألقرب ألحد شيئا دون هللا وجل، فضربوا عنقه. فدخل اجلنة"، وقالوا لآلخر: قرب. فقال: ليس عندي شيء أقـرب. عز

قالوا: قرب ولو ذبابا، فقرب ذبابا فدخل النار". األول أىب أن يذبح لغري هللا، والثاين استجاب. رجع إىل الكفر فاألول قتل ودخل اجلنة، والثاين ذبح لغري هللا، فمر مع الطريق ودخل النار، ألنه

بعد إذ أنقذه هللا منه، أما األول فأىب أن يرجع إىل الكفر وصرب على القتل فدخل اجلنة، وهذا اإلميان إذا باشر القلب ووجد حالوته. فهذا احلديث ميزان يزن العبد به إميانه:

م حمبة هللا "أن يكون هللا ورسوله أحب إليه مما سوامها" فإذا عرض شيء من العوارض فإنه يقد ورسوله على حمبة ذلك العارض.

ا. با "وأن حيب املرء ال حيبه إال هلل" ال حيبه من أجل طمع الدنيا ومرغ

)٢/٤٥(

ويف رواية: "ال جيد أحد حالوة اإلميان حىت..." إىل آخره.، فإمنا تنال وعن ابن عباس قال: "من أحب يف هللا، وأبغض يف هللا، وواىل يف هللا وعادى يف هللا

والية هللا بذلك. ـــــــــــــــــــــــــــــ

"وأن يكره أن يعود يف الكفر بعد إذ أنقذه هللا منه" قال العلماء: هذا فيه تكميل احملبة وتفريعها ودفع ضدها.

فتكميل احملبة: أن يكون هللا ورسوله أحب إليه مما سوامها.

ال هلل.وتفريعها: أن حيب املرء ال حيبه إ ودفع ما يضادها: يكره أن يعود يف الكفر بعد إذ أنقذه هللا منه كما يكره أن يقذف يف النار.

فهذا حديث عظيم.ا نـفت ا: أ قوله: ويف رواية: "ال جيد أحد طعم اإلميان" هذه الرواية يف "صحيح البخاري" وفائد

ذه ا لصفات الثالث: "أن يكون هللا ورسوله أحب مبنظومها وجود طعم اإلميان عمن مل يتصف إليه مما سوامها، وأن حيب املرء ال حيبه إال هلل، وأن يكره أن يعود يف الكفر بعد إذ أنقذه هللا منه"

على أن من مل تكن فيه هذه اخلصال - مفهوم املخالفة- ، أما الرواية األوىل فهي دلت باملفهوم وإن كان فيه إميان، لكنه ال يتلذذ به وجيد طعمه فالرواية الثانية دلت فإنه ال جيد طعم اإلميان،

باملنطوق، واألوىل باملفهوم، وهلذا ساقها الشيخ رمحه هللا، بعد احلديث.م قال رمحه هللا: "وعن ابن عباس قال: "من أحب يف هللا" يعين: من أجل هللا، فأحب املؤمنني أل

ل طمع دنيا أو رغبة عاجلة، وإمنا حيبهم يف هللا.أولياء هللا، ال حيبهم من أجم م ضربوه أو أ "وأبغض يف هللا" أبغض الكفار واملنافقني والعصاة من أجل هللا ال من أجل أم تعدوا عليه، أو ظلموه، ال يبغضهم من أجل هذه األمور، ألن هذا حرموه من شيء، أو أ

دة.بغض طبيعي ليس بعضا يتعلق بأمور العبا "وواىل يف هللا" أي: أحب وناصر. فاملواالة: احملبة واملناصرة واملعاونة.

"وعادى يف هللا" أي: أبغض الكفار واملنافقني والفاسقني من أجل هللا، ألن هللا يبغضهم.

)٢/٤٦(

حىت يكون كذلك. - وإن كثرت صالته وصومه -ولن جيد عبد طعم اإلميان اس على أمر الدنيا، وذلك ال جيدي على أهله شيئا" رواه ابن جرير.وقد صارت عامة مؤاخاة الن

ـــــــــــــــــــــــــــــ: فهي اإلمارة والوظيفة، -بالكسر -"فإمنا تـنال والية هللا" والية هللا حمبته ونصرته. أما الوالية

ذه الصفات والية القضاء، والية امللك، والية حسبة، ووالية هللا تعين: حمبة هللا . فمن اتصف أحبه هللا، كما قال تعاىل: {يا أيـها الذين آمنوا من يـرتد منكم عن دينه فسوف يأيت هللا بقوم

سبيل هللا وال خيافون لومة حيبـهم وحيبونه أذلة على المؤمنني أعزة على الكافرين جياهدون يف الئم} ، فإمنا تنال حمبة هللا بطاعة رسوله كما يف قوله تعاىل: {قل إن كنتم حتبون هللا فاتبعوين

عليه وسلم أحبه هللا، ومن عصى الرسول ص حيببكم هللا} ، فمن اتبع الرسول صلى اهلل لى اهلل عليه وسلم أبغضه هللا.

ذه األمور: فقوله: "فإمنا تنال والية هللا بذلك" أي ال حيصل اإلنسان على حمبة هللا ونصرته إال احملبة يف هللا، والبغض يف هللا، واملواالة يف هللا، واملعاداة يف هللا. أما الذي يتخذ الدنيا هي املقياس

ليها يوايل، من أحسن إليه أحبه ولو كان عدوا هلل عز وجل. ومن أساء إليه عليها يعادي وعأبغضه ولو كان وليا هلل فهذا ال ينال والية هللا، وهلذا قال ابن عباس يف آخر احلديث: "وقد

صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا".ن من أجل الدنيا فكيف بوقتنا هذا؟، فابن عباس يستنكر يف وقته أن الناس صاروا يوالون ويعادو

ال شك أن األمر قد زاد، فكثري من الناس فقدوا هذه الصفات: املعاداة يف هللا، واملواالة يف هللا، واحملبة يف هللا، والبغض يف هللا، إال من شاء هللا سبحانه وتعاىل، ولكن قل هذا يف الناس اليوم، ال

احلمد، ولكنه قل، وما دام أنه قليل فليفتش كل واحد منا وهلل-نقول إنه مفقود، بل هو موجود عن نفسه بأن ال يكون مع الكثرة اليت ضيعت هذا األصل العظيم كالذين ال يوالون، إال على احلزبية واملنهجية فمن وافقهم على حزبيتهم ومنهجيتهم أحبوه ولو كان عدو هللا ورسوله ومن

هلل ورسوله.خالفهم أبغضوه ولو كان وليا

)٢/٤٧(

وقال ابن عباس يف قوله تعاىل: {وتـقطعت م األسباب} قال: "املودة". ـــــــــــــــــــــــــــــ

اية قال رمحه هللا: "وقال ابن عباس يف قوله تعاىل: {وتـقطعت م األسباب} قال: "املودة""هذه القيامة، فعبدة غري هللا يف الدنيا حيبون ما عبدوه كما قال تعاىل: { ومن من عبد غري هللا يوم

الناس من يـتخذ من دون هللا أندادا حيبونـهم كحب هللا} ، وكذلك التابعون يف الدنيا حيبون م يف املتبوعني على الضاللة، فتوجد احملبة بني الكفار بعضهم مع بعض، وبني ا ملشركني ومعبودا

ء يـومئذ الدنيا، لكن يوم القيامة تنعكس األمور، وتصري هذه احملبة عدواة كما قال تعاىل: {األخال} يعين: يوم القيامة، {إال المتقني} فال يبقى إال احملبة اليت كانت يف هللا وهللا بـعضهم لبـعض عدو

عليه الصالة - م القيامة: {إخوانا على سرر متـقابلني} ، ويقول إبراهيم هي اليت تبقى يو يا مث يـ -والسالم نـ ا اختذمت من دون هللا أوثانا مودة بـينكم يف احلياة الد وم للمشركني حيذرهم: {إمن

بـعض ويـلعن بـعضكم بـعضا ومأواكم النار} فهم يوم القيامة يتالعنون القيامة يكفر بـعضكم ب م يقولون ملن أضلوهم أنتم السبب يف إضاللنا وإغوائنا وصرفنا عن دين هللا. ويتباغضون، أل

ا تبقى، بل أما حمبة املؤمنني بعضهم لبعض من أجل اإلميان واملواالة يف هللا واملعاداة يف هللا فإتزيد يوم القيامة، وتستمر إىل أبد اآلباد {ونـزعنا ما يف صدورهم من غل إخوانا على سرر

)} .٤٧متـقابلني(ا تزول يوم القيامة، وتنقلب عداوة، وأن حمبة فدلت هذه اآلية على أن احملبة اليت لغري هللا أ

م ورؤسائهم تنقلب عداوة يوم القيامة فيما بينهم التابعني على الضالل أل تباعهم وقاد والتأمل. -والعياذ باهلل -ويتالعنون ويتالومون فيما بينهم، من باب التحسر

فهذا الباب باب عظيم، جيب على املسلم أن يزن نفسه به، وهلذا يسمى بباب االمتحان، فكل م، وكل يدعي الزهد والورع ولكن امليزان ما ذكر يف هذا الباب.يدعي اإلميان، وكل يدعي اإلسال

)٢/٤٨(

[الباب الثاين والثالثون:] * باب قول هللا تعاىل:

ا ذلكم الشيطان خيوف أولياءه فال ختافوهم وخافون إن كنتم مؤمنني( )} .١٧٥{إمن ـــــــــــــــــــــــــــــ

هذا الباب عقده الشيخ رمحه هللا يف موضوع اخلوف.واخلوف من هللا هو أحد ركائز العبادة، كما سبق أن احملبة واخلوف والرجاء أعظم أنواع العبادة، وهي أعمال قلبية، فلما ذكر احملبة يف الباب السابق ذكر يف هذا الباب اخلوف؛ ليدل على أن

ألن التعبد باحملبة وحدها منهج الصوفية الضالل، أما منهج الرسل احملبة ال تكفي وحدها،وأتباعهم فإنه ينبين على احملبة واخلوف والرجاء، حمبة هللا سبحانه مع خوفه ورجائه وغري ذلك من

أعمال القلوب كالتوكل والرغبة والرهبة واخلشية كل هذه من أعمال القلوب، وهي عبادات عظيمة.

ثة أنواع:واخلوف ثالالنوع األول: خوف السر وهو اخلوف الذي يكون معه عبادة لغري هللا أو ترك ملا أوجب هللا. ومعناه: أن خياف اإلنسان من غري هللا من األصنام واألوثان وما عبد من دون هللا، من القبور

من أجل أن يسلم واألضرحة، أو خياف الشياطني واجلن، ويتقرب إليهم مبا حيبون من الشرك باهلل من شرهم، فهذا شرك أكرب خيرج من امللة، وهللا سبحانه وتعاىل ذكر عن خليله إبراهيم عليه

السالم أنه قال: {وال أخاف ما تشركون به إال أن يشاء ريب شيئا} ، مث قال بعد ذلك: {وكيف م توعدوه أخاف ما أشركتم وال ختاف ون أنكم أشركتم باهلل ما مل يـنـزل به عليكم سلطانا} كأ

ددونين بأن أخاف م أن تصيبه. فهذا رد عليهم، كيف ال ختافون من هللا وأنتم بآهلتهم ومعبوداق باألمن إن كنتم تـعلمون} هل هو أنا من معبوداتكم اليت ال تغين عين شيئا، {فأي الفريقني أح

الذي أعبد هللا وحده ال شريك له، أو أنتم الذين أشركتم؟.مث ذكر هللا احلكم يف ذلك فقال: {الذين آمنوا ومل يـلبسوا إميانـهم بظلم أولئك هلم األمن وهم

معناه هنا: الشرك، فبني أن األمن إمنا حيصل ألهل التوحيد، وأما )} والظلم٨٢مهتدون( املشركون فليس هلم أمن، وليس هلم إال العذاب، هذا حكم من هللا سبحانه وتعاىل.

)٢/٤٩(

راك بـعض آهلتنا بسوء} ، خي وفون وكما ذكر هللا عن نبيه هود أن قومه قالوا: {إن نـقول إال اعتـا. {إن هودا لما دعا إىل التوحيد وترك عبادة األصنام خيوفونه باألصنام أن تصيبه ويهددونه

) من ٥٤(نـقول إال اعتـراك بـعض آهلتنا بسوء قال إين أشهد هللا واشهدوا أين بريء مما تشركون يعا مث ال تـنظرون(دونه فكيد )} وهذا حتد من فرد واحد يتحدى أمة كاملة، وهذا من ٥٥وين مج املعجزات.

لى صراط مث قال: {إين تـوكلت على هللا ريب وربكم ما من دابة إال هو آخذ بناصيتها إن ريب ع علن الرباءة منها، وحتداها وحتدى مجيع األمة اليت تعبدها أن تكيده، وأن تصل )} أ٥٦مستقيم(

إليه بسوء فال يستطيعون، مث علل ذلك بقوله: {إين تـوكلت على هللا ريب وربكم} . عليه وسلم ما ذكره هللا عنه م بقوله: {أليس هللا وكذلك املشركون قالوا لنبينا حممد صلى اهلل

عليه وسلم، بكاف عبده وخيوفونك بالذين من دونه}، فاملشركون خيوفون الرسول صلى اهللم من دون هللا فرد هللا عليهم بقوله: {أليس هللا بكاف عبده} . مبعبودا

وف السر، وهو خوف العبادة، بأن خياف من املعبودات اليت فهذا النوع من اخلوف يسمى: ختعبد من دون هللا عز وجل، فاملؤمن ال خياف هذه املعبودات أبدا، ال خياف من األصنام، ال

خياف من القبور واألضرحة اليت تعبد من دون هللا، ال خياف من الشياطني واجلن أن تصيبه إال كذلك اخلوف من كل خملوق أن يصيبه مبا ال يقدر عليه إال هللا سبحانه بإذن هللا سبحانه وتعاىل، و

وتعاىل من اإلصابة باملرض، أو قطع الرزق، أو غري ذلك، وهذا أحد أنواع الشرك األكرب.ذه األضرحة، ويقولون: الويل الفالين يصيب من مل خيضع له واآلن عباد القبور يهددون الناس

ذا التخويف، ويتقربون إىل هذه القبور ويعبده، يصيبه يف نف سه أو يف ولده، مث اجلهال ينخدعون وهذه األضرحة مبا يطلب منهم، وغرض عباد القبور والسدنة: أكل أموال الناس بالباطل،

ا تصيبهم، أو تصي ب يهددون الناس إذا مل ينذروا هلذه القبور ومل يقربوا هلا شيئا من األموال، فأزروعهم، أو تصيب حروثهم، أو أوالدهم، مث اجلهال يتقربون إىل هذه األضرحة بأمواهلم، مث

يأخذها هؤالء السدنة وهؤالء القائمون على هذه األوثان ويقتسمون هذه األموال،

)٢/٥٠(

فالشر باق من قدمي الزمان إىل آخر الزمان، وطريقة املشركني واحدة.م ال خيافون إال هللا تعاىل، ألنه هو الذي ميلك النفع والضر، وهو الذي بيده وأما أهل اإلميان فإ

األمور، وأنه ال يصيب املؤمن إال ما قدره هللا له { قل لن يصيبـنا إال ما كتب هللا لنا هو موالنا ليتـوكل المؤمنون( )} .٥١وعلى هللا فـ

ثاين من أنواع اخلوف املذموم: أن يرتك اإلنسان ما أوجب هللا عليه من الدعوة إىل هللا النوع البوه فيرتك األمر واألمر باملعروف والنهي عن املنكر خوفا من الناس أن يؤذوه أو يضايقوه أو يعذ

أصغر، وهو باملعروف والنهي عن املنكر والدعوة إىل هللا وبيان احلق خوفا من الناس، فهذا شرك حمرم، وقد جاء يف احلديث: "أن هللا حياسب العبد يوم القيامة: مل مل تأمر باملعروف وتنهى عن

املنكر؟. فيقول: يا رب خشيت الناس، فيقول: إياي أحق أن ختشى" . ونعىن بذلك: القادر على أو ليس عنده -ما الذي ال يقدر األمر باملعروف والنهي عن املنكر والقادر على الدعوة إىل هللا، أ

فهذا معذور. -استطاعةالنوع الثالث: اخلوف الطبيعي، الذي ليس معه عبادة للمخوف وال ترك لواجب. كأن خياف

اإلنسان من العدو، أو من السبع، أو من احلية، وخياف اإلنسان من أعدائه، أو خياف من طبيعي ال يالم عليه اإلنسان ألنه ليس عبادة السباع، أو خياف من اهلوام، فهذا اخلوف خوف

وليس تركا لواجب، وال يؤاخذ عليه اإلنسان. وموسى عليه السالم لما تآمر عليه املأل ليقتلوه ها خائفا يـتـرقب قال رب جنين من القوم الظالمني( )} .٢١وأنذر أن خيرج من البلد {فخرج منـ

ا ذلكم الشيطان خيوف أولياءه فال ختافوهم وخافون إن كنتم مث أورد الشيخ قوله تعاىل: {إمن)} وهذه اآلية بعد قوله تعاىل: {الذين قال هلم الناس إن الناس قد مجعوا لكم ١٧٥مؤمنني(

قلبوا بنعمة من هللا وفضل مل ١٧٣زادهم إميانا وقالوا حسبـنا هللا ونعم الوكيل(فاخشوهم فـ ) فانـا ذلكم الشيطان خيوف أولياءه ١٧٤ميسسهم سوء واتـبـعوا رضوان هللا وهللا ذو فضل عظيم( ) إمن

عليه وسلم وأصحابه ١٧٥فال ختافوهم وخافون إن كنتم مؤمنني( )} وذلك أن الرسول صلى اهلل لما حصلت وقعة أحد، وحصل على املسلمني ما حصل من االبتالء واالمتحان،

)٢/٥١(

ادوا أن يرعبوا املسلمني، واستشهد من املسلمني من استشهد وانصرف املشركون إىل مكة أر م ويقولون: إننا سنرجع إليكم، فنقضي على بقيتكم، فلما بلغ اخلرب رسول فأرسلوا إليهم يهددو

عليه وسلم واملسلمني قالوا: {حسبـنا هللا ونعم الوكيل} مل يؤثر عليهم هذا التهديد، هللا صلى اهلل عليه وسلم أصحابه أن خيرجوا وفيهم اجلراح، وفيهم التعب بعد املعركة، فنهضوا وأمر صلى اهلل

عليه وسلم، ونزلوا يف مكان يقال له: (محراء األسد) مسرعني وخرجوا مع الرسول صلى اهلل عل يه وسلم وخروج املسلمني ينتظرون املشركني، فلما علم املشركون خبروج رسول هللا صلى اهلل

م لما م الرعب، وقالوا: ما خرجوا إال وفيهم قوة، فهربوا إىل مكة وألقى هللا الرعب يف قلو أصاقلبوا بنعمة من هللا ديد هؤالء: {فانـ صدق املسلمون وصربوا وتوكلوا على هللا، ومل يؤثر فيهم

نة ساملني غامنني األجر والثواب من هللا سبحانه وتعاىل، {مل ميسسهم وفضل} رجعوا إىل املديم ما يكرهون، بل حصلوا على األجر والثواب {واتـبـعوا رضوان هللا وهللا ذو سوء} أي: ما أصا

فضل عظيم} .ا ذلكم الشيطان} أي: الذي حصل من املشركني من التهديد إمنا هو من مث قال تعاىل: {إمن

الشيطان. واملراد بالشيطان: إبليس اللعني الذي هو رأس الكفر.

{خيوف أولياءه} أي: خيوفكم بأوليائه من الكفار، فالشيطان هو الذي خط هذه اخلطة من أجل ا أن املؤمنني أولياء أن خيوفكم بأوليائه، يعين: املشركني، ألن املشركني أولياء الشيطان، كم

الرمحن، كما قال تعاىل: {هللا ويل الذين آمنوا خيرجهم من الظلمات إىل النور والذين كفروا يها أولياؤهم الطاغوت خيرجونـهم من النور إىل الظلمات أولئك أصحاب النار هم ف

)} .٢٥٧خالدون( فمعىن قوله تعاىل: {خيوف أولياءه} أي: خيوفكم أيها املسلمون بأوليائه من الكفار.

مث قال تعاىل: {فال ختافوهم وخافون إن كنتم مؤمنني} ال ختافوا من الكفار بل توكلوا على هللا، "من خاف هللا خافه كل شيء، ومن خاف غري هللا أخافه من كل وخافوا من هللا، ويف األثر:

شيء" .ي من هللا سبحانه وتعاىل عن خوف أولياء الشيطان، مث أمر خبوفه وحده {فال ختافوهم} هذا

سبحانه وتعاىل. ومن خاف هللا فإن هللا يكفيه ويعينه وينصره خالف العكس: من خاف غري هللا وترك طاعة هللا

من أجل خوف الناس فإن هللا يسلط عليه، فالواجب على املسلمني

)٢/٥٢(

ا يـعمر مساجد هللا من آمن باهلل واليـوم اآلخر وأقام الصالة وآتى الزكاة ومل خيش إال وقوله: {إمن )} .١٨ن المهتدين(هللا فـعسى أولئك أن يكونوا م

ـــــــــــــــــــــــــــــم: أن ال خيافوا إال هللا سبحانه وتعاىل، وأن ال خيافوا من أعدائهم بل خيافون من الصادقني يف إميا

م عبيد، نواصيهم بيد هللا سبحانه وتعاىل، هو م، أما الكفار وغريهم فإ م وخيافون من ذنو روهو الذي يكفهم فنحن ال خناف من الكفار، وإمنا خناف من هللا، وخناف من الذي يسلطهم،

عواقب الذنوب، فإذا خفنا هللا وأصلحنا أعمالنا فإن أحدا لن يضرنا إال بإذن هللا سبحانه وتعاىل.وليس معىن ذلك: أن املسلمني ال خيافون من شر الكفار ويرتكون األخذ باألسباب الواقية، بل

ا عدو هللا وعدوهم، قال تعاىل: عليهم أن يستعدوا بالسالح والقوة والعدة اليت يرهبون ة ومن رباط اخليل تـرهبون به عدو هللا وعدوكم} ، و أمر هللا {وأعدوا هلم ما استطعتم من قـو

هم السالح وهم يف الصالة، من أجل أن يدافعوا عن املسلمني يف صالة اخلوف أن حيملوا معهم معك وليأخذوا أسلحتـهم لتـقم طائفة منـ فإذا أنفسهم: {وإذا كنت فيهم فأقمت هلم الصالة فـ

ليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى مل ي ليصلوا معك وليأخذوا حذرهم سجدوا فـ صلوا فـل يميلون عليكم ميـ ة واحدة} ، وأسلحتـهم ود الذين كفروا لو تـغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فـ

ة للعدو أمر مطلوب، إمنا املمنوع: أن وقال تعاىل: {وخذوا حذركم} ، فاحلذر وإعداد العد خنافهم اخلوف الذي مينعنا من اجلهاد يف سبيل هللا ومن إعداد العدة، ومن الدعوة إىل هللا، هذا

هو املمنوع.ى عن خوف الكفار وأولياء الشيطان خوفا مينع من والشاهد من اآلية: {فال ختافوهم وخافون}

بيل هللا، والقيام بواجبات الدين، وأمر خبوفه سبحانه وتعاىل.الدعوة واجلهاد يف س فدل على أن اخلوف عبادة عظيمة، جيب أن ختلص هلل عز وجل.

وم اآلخر وأقام الصال ا يـعمر مساجد هللا من آمن باهلل واليـ ة مث قال الشيخ رمحه هللا: "وقوله: {إمن)} هذه اآلية بعد قوله ١٨كاة ومل خيش إال هللا فـعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين(وآتى الز

تعاىل: { ما كان للمشركني أن يـعمروا مساجد هللا

)٢/٥٣(

)} .١٧هلم ويف النار هم خالدون(شاهدين على أنـفسهم بالكفر أولئك حبطت أعما{ما كان للمشركني} أي: ال يسوغ وال يف جوز للمسلمني أن ميكنوا املشركني من دخول املساجد

ألجل أن يتعبدوا فيها العبادة الشركية، ويدعوا غري هللا فيها، فال جيوز للمسلمني أن ميكنوا

املساجد وال أن يكونوا من عمارها واملرتددين عليها وهم يعلنون املشركني من إظهار الشرك يفالشرك باهلل تعاىل، ألن املساجد إمنا بنيت لعبادة هللا وإخالص الدين له كما قال هللا سبحانه

أولياؤه إال المتـقون وتعاىل يف املشركني: {وهم يصدون عن المسجد احلرام وما كانوا أولياءه إن ولكن أكثـرهم ال يـعلمون} ، فاملشرك ليس له حق يف مساجد هللا سبحانه وتعاىل ألن مساجد هللا بيوت هللا بنيت لعبادة هللا وحده ال شريك له ومل تـنب لعبادة غريه، وقال تعاىل: {وأن المساجد هلل

)} .١٨تدعو مع هللا أحدا( فالوقوله: {ومل خيش إال هللا} هذا حمل الشاهد من اآلية للباب، أي: مل خيش من غري هللا، ال من

املعبودات، وال من سائر املخلوقات، وإمنا اخلشية حق هلل سبحانه وتعاىل ال جيوز أن يشرك معه . وهذا حصر للخشية هلل سبحانه وتعاىل، فال - ادات القلبيةمن العب -فيها غريه، وهي عمل قليب

خيشى اإلنسان غري هللا عز وجل، ومن خشي غري هللا خشية العبادة فقد أشرك باهلل. وهذا مثل قوله: {فال ختافوهم وخافون إن كنتم مؤمنني} ، فمن شرط اإلميان: إخالص اخلوف من هللا،

اإلميان: إخالص اخلشية من هللا سبحانه وتعاىل. كذلك من شرطذه الصفات: اإلميان باهلل واليوم اآلخر، وإقام الصالة {فـعسى أولئك} أي: الذين اتصفوا

ا ، ولكنها من هللا واجبة، أل وإيتاء الزكاة، واخلشية من هللا وحده، {فـعسى} عسى حرف ترجوهللا ال خيلف وعده، وهلذا يقول العلماء: كل "عسى" من هللا فهي وعد من هللا سبحانه وتعاىل،

واجبة.ذه الصفات فليس من {أن يكونوا من المهتدين} املهتدين إىل احلق، أما من مل يتصف

املهتدين، بل هو من الضالني.

)٢/٥٤(

نة الناس كعذاب هللا} وقول هللا تعاىل: {ومن الناس من يـقول آمنا باهلل فإذا أوذي يف هللا جعل فتـ اآلية.

ـــــــــــــــــــــــــــــنة الناس مث قال: "وقول هللا تعاىل: {ومن الناس من يـقول آمنا باهلل فإذا أوذي يف هللا جعل فتـ

ه اآلية يف املنافقني الذين يظهرون اإلميان ويبطنون الكفر.كعذاب هللا} هذ فقوله: {ومن الناس من يـقول آمنا باهلل} يقول جمرد قول ويدعي، ما ليس له حقيقة.

} {فإذا أوذي يف هللا} إذا جاء االمتحان، ألن املؤمنني ميتحنون، وال يرتكون على قول: {آمنا باهلل ركوا أن يـقولوا آمنا ، فيظهر الصادق يف إميانه من الكاذب، قال تعاىل: {أحسب الناس أن يـتـ

ليـعلمن هللا الذين ٢وهم ال يـفتـنون( بلهم فـ )} يعين: خيتربون وميتحنون، {ولقد فـتـنا الذين من قـ)} ، فإذا قال: (آمنت باهلل) فإنه ميتحن، بأن يصاب باألذى من ٣من الكاذبني(صدقوا وليـعل

الكفار واملنافقني والفساق، فإن صرب وثبت على إميانه وحتمل األذى يف سبيل هللا عز وجل، فهذا دليل على صدق إميانه. أما إن احنرف وذهب مع الفتنة فإن هذا دليل على نفاقه.

عليه وسلم معلوم، كموقفهم يوم غزوة وموقف املنافقني يف الشدائد يف زمن رسول هللا صلى اهللاألحزاب ماذا كان. كان كما ذكر هللا عنهم يف قوله: {وإذ يـقول المنافقون والذين يف قـلوم

)} ، ويف وقعة أحد انصرفوا ورجعوا مع عبد هللا بن أيب ١٢غرورا( مرض ما وعدنا هللا ورسوله إال م، قال هللا تعاىل: وتركوا رسول هللا واملسلمني. فالفنت تكشف املنافقني وتبني الصادقني يف إميا

هللا ورسوله وما زادهم إال {ولما رءا المؤمنون األحزاب قالوا هذا ما وعدنا هللا ورسوله وصدق )} ، فمواقف الفنت والشدائد هي اليت تبني أهل اإلميان الصادق من النفاق ٢٢إميانا وتسليما(

الكاذب، {ومن الناس من يـقول آمنا باهلل} ، فوقت الرخاء كل يقول: {آمنا باهلل} ، ويتظاهر بالدين، لكن إذا جاءت الفنت فاملنافق ينعزل، {ومن الناس من يـعبد هللا على حرف} باإلسالم و

نـي نة انـقلب على وجهه خسر الد ر اطمأن به وإن أصابـته فتـ ا يعين: على طرف {فإن أصابه خيـ ان المبني} .واآلخرة ذلك هو اخلسر

)٢/٥٥(

فالفنت والشدائد واملواقف الصعبة هي اليت تبني اإلميان الصادق من النفاق، وهللا سبحانه وتعاىل حكيم عليم جيري هذه االبتالءات وهذه االمتحانات وهذه اهلزات ليتبني أهل اإلميان الصادق

تم عليه حىت مييز اخلبيث من الطيب وما من أهل النفاق: {ما كان هللا ليذر الم ؤمنني على ما أنـ عليه وسلم: "أشد الناس بالء: األنبياء (عليهم كان هللا ليطلعكم على الغيب} ، قال صلى اهلل

عليه الصالة والسالم) مث األمثل فاألمثل، يبتلى املؤمن على حسب إميانه" ، وقال صلى اهللوسلم: "إن هللا إذا أحب قوما ابتالهم" يعين: امتحنهم "فمن رضي فله الرضى، ومن سخط

فعليه السخط" . والدنيا دار امتحان، ودار ابتالء، وهذه سنة هللا سبحانه وتعاىل يف خلقه أنه لونكم بشيء من اخلوف يبتلي العباد بعضهم ببعض، ويبتليهم باحملن والشدائد واخلوف {ولنبـ

ر الصابرين( هم ١٥٥واجلوع ونـقص من األموال واألنـفس والثمرات وبش ) الذين إذا أصابـتـ) أولئك عليهم صلوات من رم ورمحة وأولئك هم ١٥٦(مصيبة قالوا إنا هلل وإنا إليه راجعون

)} .١٥٧المهتدون( وقوله تعاىل: {فإذا أوذي يف هللا} أي: ناله أذى بسبب إميانه باهلل.

نة الناس} أي: أذاهم. {جعل فتـع الفرق العظيم، ألن فتنة الناس زائلة ومنتهية وخفيفة، {كعذاب هللا} أي: مساوية لعذاب هللا، م

فإن عذاب هللا شديد وباق ومستمر، فهو سوى بني األمرين، - والعياذ باهلل - خبالف عذاب هللا وهذا من جهله وعدم إميانه.

ومعىن هذا: أنه يطاوع الكفار، فينسلخ من دينه، ألنه ليس له دين أصال وإمنا تظاهر به، فإذا اءت احملن انكشف وتبني أنه ليس يف قلبه إميان، أو كان يف قلبه إميان ضعيف، مث زال، {ولئن ج

جاء نصر من ربك ليـقولن إنا كنا معكم} أي: إذا حصل للمسلمني فرج وحصل هلم خري قال: إنه ينعزل ويصري مع الكفار أنا معكم، أنا مسلم. أما إن حصل على املسلمني أذى وامتحان ف

ويطاوع الكفار. هذه مواقف املنافقني وضعاف اإلميان عند الشدائد واحملن.نة الناس كعذاب هللا} أي: أنه خيشى الناس وال خيشى هللا سبحانه والشاهد من اآلية: {جعل فتـ

وتعاىل، فهذا هو موضع اللوم.

)٢/٥٦(

عنه مرفوعا: "إن من ضعف اليقني: أن ترضي الناس بسخط هللا، وأن عن أيب سعيد رضي هللا حتمدهم على رزق هللا، وأن تذمهم على ما مل يؤتك هللا .

ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم، فاحلديث قال: "عن أيب سعيد رضي هللا عنه مرفوعا" يعين: إىل النيب صلى اهلل

املرفوع: عليه وسلم، واحلديث املوقوف: ما كان من كالم الصحايب، ما نسب إىل الرسول صلى اهلل

عليه وسلم. واحلديث املرسل: ما نسبه التابعي إىل رسول هللا صلى اهلل "إن من ضعف" بفتح الضاد وجيوز الضم: والضعف ضد القوة.

درجات العلم."اليقني" واليقني هو أعلى "أن ترضي الناس بسخط هللا" هذا من ضعف اليقني، وهذا مثل ما ذكر يف اآلية: {جعل فتنة

الناس كعذاب هللا} ، فمن أرضى الناس مبا يسخط هللا إذا طلبوا منه ذلك إرضاء للناس مبا يا لكان يسخط هللا من املخالفات واملعاصي، فهذا من ضعف اليقني، ألنه لو كان يقينه قو

العكس، فكان يرضي هللا سبحانه وتعاىل بسخط الناس. أما إذا جاء العكس فأرضى الناس بسخط هللا، فهذا من ضعف اليقني.

"وأن حتمدهم على رزق هللا" أي: ومن ضعف اليقني: أن حتمد الناس على رزق هللا، إذا جاءك

عليه، مع أن الرزق من هللا سبحانه وتعاىل، رزق وجاءك خري تنسب هذا إىل الناس وحتمدهمفالواجب: أن حتمد هللا ال أن حتمد الناس، إمنا حتمد هللا عز وجل ألنه هو الرزاق، وإذا كان ألحد من الناس تسبب يف هذا الرزق، فإن هذا املتسبب يشكر على قدر ما فعل، ال أن ينسب الرزق

سعيه وعلى ما بذل من السبب فقط، مع االعرتاف أن الرزق من هللا، إليه، وإمنا يشكر على قدر وتعتقد أن هذا الشخص إمنا هو سبب فقط، ويف احلديث: "من ال يشكر الناس ال يشكر هللا" ،

ويف اآلخر: "من صنع إليكم معروفا فكافئوه، فإن مل جتدوا ما تكافئونه فادعوا له حىت تـروا أن اس إمنا جتري على أيديهم أسباب يشكرون عليها ويدعى هلم، أما أن ينسب قد كافأمتوه" ، فالن

الرزق إليهم، ويقال: هذا من فالن، فهذا كفر بنعمة هللا سبحانه وتعاىل ومن ضعف اليقني، ألن القوي اليقني يعتقد أن األرزاق بيد هللا، فيكون احلمد املطلق هلل عز وجل.

هللا" يعين: إذا سعيت تطلب شيئا حمبوبا من أمور الدنيا ومل حيصل "وأن تذمهم على ما مل يؤتكلك فال تذم الناس، ألن هذا بيد هللا، لو شاء هللا حلصل لك، والناس ليس بيدهم شيء، وإمنا

هذا بيد هللا، لو أراد هذا حلصل لك، فكونه مل

)٢/٥٧(

" .إن رزق هللا ال جيره حرص حريص، وال يرده كراهية كاره ـــــــــــــــــــــــــــــ

حيصل لك هذا دليل على أن هللا مل يرده لك، فعليك أن ترضى، ورمبا يكون امتناع هذا الشيء عنك يف صاحلك، وأنت ال تدري ماذا تكون اخلرية، فأنت تبذل السبب فإن حصل املطلوب

عاىل وحتمده وحتاسب نفسك فاحلمد هلل ، وإن مل حيصل املطلوب فإنك ترضى عن هللا سبحانه وتر يف حق هللا عن التقصري، وتعلم أنك ما حرمت هذا الشيء إال ألحد أمرين: إما ألنك مقص

سبحانه وتعاىل، وأن هللا حرمك هذا الشيء بسبب ذنوبك ومعاصيك، أو أن هللا سبحانه وتعاىل دما ال حيصل له مطلوبه.منعه ملصلحتك، وأنه لو جاءك سبب لك شرا، هذا موقف املؤمن عن

مث قال: "إن رزق هللا ال جيره حرص حريص، وال يـرده كراهية كاره" ، مهما حرص اإلنسان وحرصت الواسطة اليت عمدها، فاحلرص ال جيلب لك املطلوب إذا مل يقدره هللا سبحانه وتعاىل.

أهل األرض أن مينعوه مل يستطيعوا كما "وال يرده كراهية كاره" لو أراد هللا لك شيئا فلو اجتمع عليه وسلم: "واعلم أن الناس لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء مل ينفعوك إال قال صلى اهلل

بشيء قد كتبه هللا لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك مل يضروك إال بشيء قد كتبه هللا عليك" .وتعاىل وأحسن املعاملة مع هللا: {ومن يـتق هللا جيعل له خمرجا * إذا علق قلبك باهلل سبحانه

ويـرزقه من حيث ال حيتسب ومن يـتـوكل على هللا فـهو حسبه} .لناس وهذا هو حقيقة التوحيد؛ أن يكون العبد معتمدا على هللا ومتوكال على هللا، ويعتقد أن ا

جمرد أسباب، واألسباب إن شاء هللا نفعت وإن شاء مل تنفع، فال جيعل احلمد والذم للناس، وإمنا جيعل احلمد هلل سبحانه وتعاىل، وإذا مل حيصل له مطلوبه فليصرب وليعلم أن ما قدر له ال بد أن

يكون فليحمد هللا أيضا. عليه وسلم: "احرص وليس معىن ذلك أن اإلنسان ال حيرص على طلب ا خلري، قال صلى اهلل

على ما ينفعك، واستعن باهلل" ، فجمع بني األمرين: احلرص واالستعانة. فاحلرص ليس مذموما، وإمنا املذموم: االعتماد على احلرص واعتقاد أنه حيصل به املطلوب.

وهو حديث ضعيف، ولكن الشيخ وحديث أيب سعيد رواه أبو نعيم يف "احللية"، ورواه البيهقي،رمحه هللا من قاعدته أن ال يذكر احلديث الضعيف إال إذا كان له ما يؤيده، وهذا احلديث تؤيده

اآلية اليت قبله وهي قوله تعاىل: {فإذا أوذي يف هللا جعل

)٢/٥٨(

علي ه وسلم قال: "من التمس رضا هللا وعن عائشة رضي هللا عنها: أن رسول هللا صلى اهللبسخط الناس رضي هللا عنه وأرضى عنه الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط هللا سخط هللا

عليه وأسخط عليه الناس" رواه ابن حبان يف "صحيحه". ـــــــــــــــــــــــــــــ

نة الناس كعذاب هللا} ، "إن من ضعف اليق ني أن ترضي الناس بسخط هللا" .فتـفالشيخ رمحه هللا قد يذكر بعض األحاديث الضعيفة إذا كان هلا ما يؤيدها من القرآن أو من

السنة. وهذه قاعدة معروفة عند أهل العلم.

عليه وسلم قال: "من التمس" إخل" قوله: "وعن عائشة رضي هللا عنها أدن رسول هللا صلى اهللحلديث عائشة رضي هللا عنها هذا قصة، وهي: أن معاوية رضي هللا عنه لما ويل امللك كتب إىل عليه وسلم، وعندها من العلم ا زوج رسول هللا صلى اهلل أم املؤمنني يطلب منها النصيحة، أل

عليه وسلم فهي فقيهة النساء فكتبت إليه: الشيء الغزير الذي محلته عن رسول هللا صلى اهلل عليه وسلم يقول: "من التمس رضا هللا "السالم عليكم، أما بعد: مسعت رسول هللا صلى اهلل

بسخط الناس رضي هللا عنه وأرضى عنه الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط هللا سخط هللا عليه وأسخط عليه الناس" .

ث إذا سار عليه احلكام وغري احلكام حصل اخلري الكثري، فهو منهج عظيم، وهذه هذا احلديالكلمات اليسرية منهج تسري عليه األمة، حكامها وحمكوموها، الراعي والرعية، ولذلك نصحت

به عائشة معاوية رضي هللا عنهما، وهذا من فقهها رضي هللا عنها حيث اختارت هذا احلديث ل وإمام، فهو حباجة إىل هذا احلديث ليجعله منهجا له يف سياسة امللك.ملعاوية ألنه وا

وهذا احلديث فيه: أن اإلنسان يقدم خشية هللا على خشية الناس، ويقدم رضا هللا على رضا الناس، كاحلديث الذي قبله.

ا، فإذا مجعت هذه اآليات وهذه األحاديث دلت على أن اخلوف عبادة جيب إفراد هللا تعاىل ونعين باخلوف النوع األول الذي هو خوف العبادة اخلوف الذي يرتتب عليه العمل بطاعة هللا

وترك معصية هللا، أما اخلوف املعكوس الذي ترتتب عليه معصية هللا إلرضاء الناس، فهذا مذموم.ف، بدليل على أن اليقني يقوى ويضع - كما يقول الشيخ يف مسائله-ودل حديث أيب سعيد

قوله: "إن من ضعف اليقني" .

)٢/٥٩(

[ الباب الثالث والثالثون:] * باب قول هللا تعاىل:

{وعلى هللا فـتـوكلوا إن كنتم مؤمنني} . ـــــــــــــــــــــــــــــ

ظم أنواع التوكل هو: التفويض، فالتوكل على هللا: تفويض األمور إليه سبحانه، وهو من أع العبادة.

ومناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد: أنه لما كان التوكل على هللا عبادة هلل عز وجل وجب إخالصه هلل وترك التوكل على من سواه، ألن العبادة حق هلل، فإذا صرفت لغريه صار ذلك شركا؛

.-كما يأيت بيانه وتفصيله -فالتوكل على غري هللا شركالكتاب املبارك ألفه الشيخ رمحه هللا لبيان التوحيد وبيان الشرك؛ فالتوكل على هللا وحده وهذا

توحيد، والتوكل على غريه شرك. فهذا مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد.

قوله رمحه هللا: "باب قول هللا" أي: تفسري هذه اآليات؛ فهذا الباب يبني فيه تفسري هذه اآليات ميات.الكر

فقوله تعاىل: {وعلى هللا فـتـوكلوا إن كنتم مؤمنني} هذه اآلية يف سورة املائدة يف قصة موسى عليه

سة} يعين: أرض فلسطني، السالم مع قومه لما قال لقومه: {يا قـوم ادخلوا األرض المقدا كانت بيد ال وثنيني، وموسى عليه السالم أمر باجلهاد لنشر التوحيد ليخلصوها من الوثنيني أل

، وهذا من أغراض اجلهاد وحماربة الشرك والكفر باهلل وختليص األماكن املقدسة من قبضة الوثنيني يف سبيل هللا.

بين {اليت كتب هللا لكم} ألن هللا كتب أن املساجد واألراضي املقدسة للمؤمنني من اخللق من إسرائيل وغريهم، {كتب هللا لكم} شرع أن تكون الوالية عليها للمؤمنني، كما قال تعاىل: {ولقد

نا يف الزبور من بـعد الذكر أن األرض يرثـها عبادي الصاحلون( )} ، فالوالية على ١٠٥كتبـ عليه وسلم املساجد خصوصا املساجد املباركة و هي املسجد احلرام ومسجد الرسول صلى اهلل

واملسجد األقصى وسائر املساجد تكون الوالية عليها للمؤمنني، وال جيوز أن يكون للكفار واملشركني من الوثنيني والقبوريني سلطة على مساجد هللا سبحانه وتعاىل: {ما كان للمشركني أن

روا مساجد هللا شاهدين على أنـفسهم يـعم

)٢/٦٠(

ا يـعمر مساجد هللا من آمن باهلل ١٧بالكفر أولئك حبطت أعماهلم ويف النار هم خالدون( ) إمن واليـوم اآلخر} ، وهذا سبق يف الباب الذي قبل هذا.

اىل يف املسجد احلرام: {وهم يصدون عن المسجد احلرام وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إال قال تع المتـقون ولكن أكثـرهم ال يـعلمون} .

كون جيب أن تكون الوالية عليها للمسلمني، وال ي -خصوصا املساجد الثالثة -فمساجد هللاللمشركني عليها سلطة، وجيب على املسلمني أن جياهدوا حىت خيلصوا هذه املساجد من أيدي

املشركني.فموسى عليه السالم خرج ببين إسرائيل يريد ختليص بيت املقدس، ولكن بين إسرائيل كانوا قوما

ها حينذاك قبيلة يقال هلا: العماليق، جبناء: {قالوا يا موسى إن فيها قـوما جبارين} يقال كان فيها} وهذا منتهى املهانة ومنتهى كانوا شدادا يف خلقهم أقوياء، {وإنا لن ندخلها حىت خيرجوا منـ

السخرية، ألن الكفار ليسوا خبارجني إال باجلهاد واجلالد واالستشهاد يف سبيل هللا. بين إسرائيل من أهل الرأي واإلميان والعزمية.{قال رجالن} يعين: من

{من الذين خيافون} خيافون هللا سبحانه وتعاىل.عم هللا عليهما} أنعم هللا عليهما باإلميان والعزمية الصادقة. {أنـ

رأوا منكم { ادخلوا عليهم الباب} يعين: اعزموا واهجموا عليهم حىت يروا منكم القوة، فإذا

م خيرجون. القوة فإ{فإذا دخلتموه فإنكم غالبون} ال شك أنه إذا حصل هجوم صحيح ودخل اجملاهدون عليهم م وخيرجون منها، لكن هذا ال يكون إال من أهل اإلميان وأهل الباب أنه سيقع الرعب يف قلو

عليه وسلم الذين كانوا جياهدون ويهجمون الصدق والعزمية والبأس كما يف رجال حممد صل ى اهلل على الكفار ويقتحمون األبواب وخياطرون بأنفسهم.

وأيضا فإنه ال يكفي دخول الباب، بل {وعلى هللا فـتـوكلوا إن كنتم مؤمنني} فهذا ال حيصل إال وتقدمي النفس يف سبيل هللا، مع التوكل على هللا وعدم بالعزمية الصادقة، واإلقدام يف سبيل هللا،

االعتماد على القوة، بل يعتمد على هللا مع األخذ بالقوة املناسبة.

)٢/٦١(

ا المؤمنون الذين إذا ذكر هللا وجلت قـلوبـهم} اآلية. وقوله: {إمن ـــــــــــــــــــــــــــــ

الشاهد من اآلية؛ حيث قدم املعمول وهو اجلار واجملرور {وعلى هللا} ، وأخر العامل وهذا حمل وهو {تـوكلوا} مما يفيد احلصر، أي: توكلوا على هللا وال تتوكلوا على غريه.

ففيه: وجوب إخالص التوكل على هللا عز وجل، وأنه سبب من أسباب النصر على األعداء مثل )} قدم املعمول وأخر العامل، أصله: نعبدك ونستعني بك، ٥{إياك نـعبد وإياك نستعني( قوله:

ولكن قدم املعمول وهو الضمري املنفصل {إياك} يف املوضعني على العامل {نـعبد} و{نستعني} إلخالص والتوحيد.ليفيد احلصر أي ال نعبد إال إياك وال نستعني بغريك، وهذا هو ا

ا المؤمنون الذين إذا ذكر هللا وجلت قـلوبـهم} اآلية" أي: إذا خوفوا باهلل قال: "وقوله: {إمنخافوا، وإذا ذكروا باهلل تذكروا، وإذا قيل هلم: {اتـقوا هللا} خافوا من هللا عز وجل وأشفقوا من

م خيشون هللا سبحانه وتعاىل، خبالف الذين قال هللا تعاىل فيهم: عذابه، إذا وعظوا وذ كروا فإ} ، وقوله تعاىل: {وإذا ذكروا ال يذكرون( )} ، وقوله ١٣{وإذا قيل له اتق هللا أخذته العزة باألمث

)} ، ١٢) الذي يصلى النار الكبـرى(١١ا األشقى() ويـتجنبـه ١٠تعاىل: {سيذكر من خيشى(فع المؤمنني( )} ، فإن املؤمن ينتفع باملوعظة والتذكري ٥٥وقال تعاىل: {وذكر فإن الذكرى تـنـ

و وإن وخياف من هللا سبحانه وتعاىل إذا ذكر به وخوف به، وهذه عالمة اإلميان؛ أما املنافق فه ادعى اإلميان فإنه إذا ذكر باهلل ازداد عتـوا ونفورا وازداد طغيانا فتأخذه العزة باإلمث.

{وإذا تليت عليهم آياته} القرآنية {زادتـهم إميانا} وهذه عالمة اإلميان؛ أن املؤمن إذا تليت يقينه، وينتفع بالقرآن الكرمي، خالف املنافق؛ فإنه إذا عليه آيات هللا ومسع القرآن يزيد إميانه و

هم تلي عليه القرآن ال يستفيد منه شيئا، كما قال هللا سبحانه وتعاىل: {وإذا ما أنزلت سورة فمنـ) وأما ١٢٤ميانا وهم يستبشرون(من يـقول أيكم زادته هذه إميانا فأما الذين آمنوا فـزادتـهم إ

)} .١٢٥الذين يف قـلوم مرض فـزادتـهم رجسا إىل رجسهم وماتوا وهم كافرون( {وعلى رم يـتـوكلون} هذا حمل الشاهد من اآلية للباب، فهي مثل اآلية اليت قبلها: {وعلى هللا

فـتـوكلوا} .

)٢/٦٢(

وقوله: {يا أيـها النيب حسبك هللا} اآلية. ـــــــــــــــــــــــــــــ

وهنا يقول: {وعلى رم يـتـوكلون} قدم املعمول أيضا وهو اجلار واجملرور على العامل وهو وكل عبادة جيب إفراد هللا سبحانه وتعاىل فيها، وال جيوز {يـتـوكلون} ليفيد احلصر، وبيان أن الت

التوكل على غري هللا؛ ألن من توكل على غري هللا فقد أشرك.وقد جعل سبحانه التوكل شرطا يف صحة اإلميان؛ فقال: {وعلى هللا فـتـوكلوا إن كنتم مؤمنني} ،

فمن توكل على غري هللا فليس مبؤمن.قال: "وقوله: {يا أيـها النيب حسبك هللا} اآلية" هذا خطاب من هللا سبحانه وتعاىل لنبيه حممد

عليه وسلم. صلى اهللفقوله: "يا أيها النيب" ناداه بصفته الكرمية: {النيب} ، وهللا تعاىل مل يناد حممدا بامسه أبدا يف

{يا أيـها النيب} ، {يا أيـها الرسول} ، فيناديه باسم النبوة وباسم الرسالة تكرميا القرآن بل يقول: عليه وسلم. وتشريفا له صلى اهلل

مد أما اإلخبار عنه فإن هللا يذكره بامسه، كقوله: {ما كان حممد أبا أحد من رجالكم} ، {وما حم بله الرسل} ، فهذا من باب اإلخبار، فإذا جاء باب اإلخبار يأيت بامسه إال رسول قد خلت من قـ

عليه وسلم، وإذا جاء بالنداء فيناديه بصفاته الكرمية: {يا أيـها النيب} ، {يا أيـها صلى اهلل الرسول} .

هللا على األعراب الذين وقفوا على احلجرات وقالوا: يا حممد؛ اخرج إلينا، قال ولذلك: عاب هللا سبحانه وتعاىل: {يا أيـها الذين آمنوا ال تـرفـعوا أصواتكم فـوق صوت النيب وال جتهروا له

تم ال تشعرون( بالقول كجهر بـعضكم لبـعض أن حتبط ) إن الذين يـغضون ٢أعمالكم وأنـ)} ، ٣يم(أصواتـهم عند رسول هللا أولئك الذين امتحن هللا قـلوبـهم للتـقوى هلم مغفرة وأجر عظ

) ولو أنـهم صبـروا حىت ٤احلجرات أكثـرهم ال يـعقلون( مث قال: {إن الذين يـنادونك من وراء

عليه ٥خترج إليهم لكان خريا هلم وهللا غفور رحيم( )} فيجب التأدب مع الرسول صلى اهلل وسلم حيا وميتا.

} يعين: كافيك، فاحلسب هو: الكايف.قوله: {حسبك هللا} {حسبك {ومن اتـبـعك من المؤمنني} أي: وحسب من اتبعك من املؤمنني؛ فالـ (واو) عاطفة، {ومن

اتـبـعك} معطوف على ضمري املخاطب املضاف إليه يف قوله:

)٢/٦٣(

} اآلية.وقوله تعاىل: {ومن يـتـوكل على هللا فـهو حسبه عن ابن عباس قال: {حسبـنا هللا ونعم الوكيل} ، قاهلا إبراهيم عليه السالم حني ألقي يف النار.

ـــــــــــــــــــــــــــــ{حسبك} : حسبك وحسب من اتبعك، فحذف املضاف يف الكلمة الثانية اعتمادا على ما

واإلجياز؛ فقوله: {ومن} (الواو) عاطفة و{من} يف حمل جر، جاء يف األوىل من باب االختصارعطف على ضمري املخاطب املضاف إليه يف قوله: {حسبك} ، هذا هو الصواب الذي رجحه

اإلمام ابن القيم وأبطل ما سواه، فليس {ومن اتـبـعك} معطوف على هللا، فيكون مرفوعا.بك هللا}، فإذا كان حسبك هللا فيجب التوكل على هللا سبحانه وحمل الشاهد من اآلية: {حس

وتعاىل واالعتماد عليه سبحانه وتعاىل وحده. ألنه يكفي من توكل عليه، كما يف اآلية اليت بعدها هللا وهي قوله: {ومن يـتـوكل على هللا فـهو حسبه} أي: يفوض أمره إىل هللا ويعتمد على هللا فإن

حسبه، أي: كافيه مجيع األمور.أما من مل يتوكل على هللا فإن هللا يكله إىل من اعتمد عليه كما يف احلديث: "من تعلق شيئا وكل

إليه" ؛ فمن تعلق باهلل كفاه، ومن تعلق بغريه خذله هللا ووكله إىل ضعيف. لى غريه.قوله: " {ومن يـتـوكل على هللا} " أي: ال ع

" {فـهو} " أي: هللا سبحانه وتعاىل. " {حسبه} " أي: كافيه.

فهذا فيه: مثرة التوكل على هللا سبحانه وتعاىل، وأن هللا يكفي من توكل عليه، ومن كان هللا كافيه نه فإنه هو الرابح واملفلح يف الدنيا واآلخرة، وال خياف من غريه أبدا، إمنا خياف من هللا سبحا

وتعاىل.ر األمة، وترمجان القرآن. قال: "وعن ابن عباس" هو: عبد هللا بن عباس، حبـ

نا هللا ونعم الوكيل} " قاهلا إبراهيم عليه السالم حني ألقي يف النار، وقاهلا حممد "قال: " {حسبـ

عليه وسلم حني قالوا له: {إن الناس قد مجعوا لكم فاخشوهم فـزادهم إميانا} اآلية" صلى اهلل -صلى هللا عليهما وسلم - هذه كلمة عظيمة قاهلا اخلليالن: إبراهيم وحممد

)٢/٦٤(

عليه وسلم حني قالوا له: {إن الناس قد مجعوا لكم فاخشوهم فـزادهم وقاهلا حممد صلى اهلل إميانا} اآلية"رواه البخاري والنسائي.

ـــــــــــــــــــــــــــــيف أضيق األحوال وأحرج املواقف، وهكذا األنبياء عند تأزم األمور؛ ال يعتمدون إال على هللا

ظن باهلل سبحانه وتعاىل، وال يلجئون إال إليه، وتزيد رغبتهم يف هللا عند الشدائد، وحيسنون ال سبحانه وتعاىل دائما وأبدا.

فاألنبياء وأتباعهم ال يعتمدون إال على هللا، خصوصا عند املضائق وتأزم األمور؛ يتوكلون على م ودينهم هللا وال يضعفون أو خيضعون لغري هللا سبحانه وتعاىل، أو يتنازلون عن شيء من عقيد

أبدا.سالم حني ألقي يف النار" إبراهيم عليه الصالة والسالم بعثه هللا يف قوله: "قاهلا إبراهيم عليه ال

قوم وثنيني يف أرض (بابل)، يعبدون الكواكب، ويبنون هلا اهلياكل، وينحتون األصنام اليت على صورها، وكان أبوه يصنع األصنام، ويبيعها على الناس ويأكل من مثنها.

يف هذه األمة الوثنية يدعوها إىل التوحيد وإخالص -سالمعليه الصالة وال - فبعث هللا إبراهيمالعبادة هلل سبحانه وتعاىل، وينكر عليهم عبادة األصنام، وبدأ بأبيه وقال: {يا أبت مل تـعبد ما ال

م ما مل يأتك فاتبعين أهدك يسمع وال يـبصر وال يـغين عنك شيئا * يا أبت إين قد جاءين من العل ) يا أبت ال تـعبد الشيطان} ، انظر التلطف، يكرر: يا أبت، يا أبت. وهكذا ٤٣صراطا سويا(

)} ، ال ٤٤الداعية يتلطف باملدعو، كما قال تعاىل: {فـقوال له قـوال لينا لعله يـتذكر أو خيشى( يأتيه بعنف وقسوة وشدة، ويقول: هذا غرية هلل.

"حني ألقي يف النار" أي: قال هذه الكلمة حينما ألقاه قومه يف النار انتصارا آلهلتهم، فقال هللا راهيم} . للنار: {كوين بـردا وسالما على إبـ} ، فهذا فيه: التوكل على هللا سبحانه وتعاىل، وبيان والشاهد يف قوله: {حسبـنا هللا ونعم الوكيل

مثراته، وأن مثرة التوكل على هللا حولت النار إىل برد وسالم على إبراهيم عليه الصالة والسالم. فهذا فيه: فضيلة هذه الكلمة، ومثرة التوكل على هللا سبحانه وتعاىل.

علي ه وسلم حني قالوا له: {إن الناس قد مجعوا لكم فاخشوهم قوله: "وقاهلا حممد صلى اهلل فـزادهم إميانا} اآلية" لما حصلت غزوة بدر يف السنة الثانية من اهلجرة، وانتصر

)٢/٦٥(

ركون يف املسلمون فيها، وقتلوا صناديد الكفار ورؤساءهم، وغنموا أمواهلم؛ عند ذلك تشاور املش عليه وسلم انتقاما لرؤسائهم مكة بقيادة أيب سفيان بن حرب، وأرادوا غزو رسول هللا صلى اهلل

الذين قتلوا يف بدر، وآلبائهم وألمواهلم اليت أخذت، فاجتمعوا بقيادة أيب سفيان بن حرب، شرق املدينة، فخرج إليهم ونزلوا عند أحد، وهو اجلبل الذي يقع مشايل- وجاءوا جبيوش عظيمة

عليه وسلم بأصحابه بعد التشاور معهم: هل خيرج إليهم، أو يبقى يف رسول هللا صلى اهلل املدينة؟.

عليه وسلم مييل إىل البقاء يف املدينة، وهو رأي عبد هللا بن أيب، ولكن فكان الرسول صلى اهلل عليه وسلم أن الصحابة الذين مل حيضروا بدرا ندموا ندامة شديدة وعزموا على الرسول صلى اهلل

م يف بدر، ليستدركوا ما حصل وما فات عليهم يف بدر. خيرج إليهم ليخرجوا كما خرج إخوا عليه وسلم نزل على رغبة هؤالء الصحابة وخرج، وخرج املسل مون معه، فالرسول صلى اهلل

ورجع عبد هللا بن أيب املنافق مع مجاعة من املنافقني، واخنذل من العسكر. عليه وسلم بأصحابه وعسكر عند أحد، ونظم أصحابه، وجعل مجاعة فخرج الرسول صلى اهلل

من الرماة على اجلبل ليحموا ظهور املسلمني أن يأتيهم الكفار من اخللف.عركة وصار النصر للمسلمني، فصاروا جيمعون املغامن، فلما رأى الذين على اجلبل أن مث دارت امل

م جيمعون املغامن ظنوا أن املعركة قد انتهت؛ أرادوا النزول من اجلبل ليشاركوا يف مجع أصحا عليه وسلم قال هلم: "ال ترتكوا الغنائم، فمنعهم قائدهم عبد هللا بن جبـري، ألن الرسول صلى اهلل

اجلبل سواء انتصرنا أو هزمنا"، ولكنهم رضي هللا عنهم اجتهدوا ونزلوا من اجلبل، وأما رئيسهم عليه وسلم. فبقي طاعة لرسول هللا صلى اهلل

اجلبل قد فرغ، وكان قائدا حمنكا يعرف -وكان يوم ذاك على الشرك -فلما رأى خالد بن الوليدالسياسة احلربية؛ دار مبن معه من كتيبة اخليل، وانقضوا على املسلمني من خلف ظهورهم،

واملسلمون مل يشعروا، فدارت املعركة من جديد، وعاقب هللا املسلمني بسبب هذه املخالفة اليت حصلت من بعضهم والعقوبة مشلت املخالفني وغري املخالفني، ألن العقوبة إذا نزلت تـعم، قال

نة ال تصينب الذين ظلموا منكم خاصة} . تعاىل: {واتـقوا فتـ

)٢/٦٦(

م من القرح، واستشهد منهم سبعون من فدارت املعركة من جديد، وأصاب املسلمني ما أصا خيار الصحابة من املهاجرين واألنصار، وعلى رأسهم محزة بن عبد املطلب عم الرسول صل ى اهلل

عليه وسلم أصابه ما أصابه؛ فكسرت رباعيته، وشج يف عليه وسلم، بل إن الرسول صلى اهللرأسه، وسقط يف حفرة، وأشيع أنه قد مات. فأصاب املسلمني مصيبة عظيمة، ولكن أهل اإلميان

ال تضعف عزميتهم، اجتمعوا حول الرسول ال يتغري موقفهم وال يتزحزح أبدا مهما بلغ األمر، عليه وسلم يذبون عنه، وحيمونه من سهام املشركني، واملعركة ال تزال مستمرة، صلى اهلل

عليه وسلم. والرسول مشجوج، واملغفر قد هشم على رأسه صلى اهلل عليه وسلم مل يقتل، فحينئذ فرح املسلمون فرحا مث انتهت املعركة، وأعلن أن حممدا صل ى اهلل

شديدا، واغتاظ املشركون غيظا شديدا. عليه وسلم أمر أصحابه أن يدفنوا الشهداء، وأن فانصرف املشركون إىل مكة، والنيب صلى اهلل

، ولضعف املسلمني يف هذه احلالة، فدفنوهم يدفنوا االثنني والثالثة يف قرب واحد، لكثرة األموات يف مكان الشهداء املعروف عند أحد، ومحلوا اجلرى إىل املدينة.

ولما وصلوا إىل املدينة جاءهم مندوب من أيب سفيان بأنه سيعيد الكرة عليهم، ويرجع عليهم عليه وسلم الذين خرجوا ويستأصل بقيتهم، فما زادهم ذلك إال إميانا، وأمر الرسول صلى اهلل

عليه وسلم معه إىل أحد أن خيرجوا وال خيرج معهم غريهم، فخرجوا مع الرسول صلى اهلل ينتظرون الكفار. -قريب من املدينة -جبراحهم ونزلوا يف مكان يقال له: (محراء األسد)

م ملا بلغ أبا سفيان ومن معه أن الرسول صلى عليه وسلم خرج يف أثرهم ويف طلبهم أصا اهلل عليه الرعب، وقالوا: ما خرجوا إال وفيهم قوة. فمضوا إىل مكة خائفني من الرسول صلى اهلل

وسلم، ورجع املسلمون إىل املدينة ساملني. والرسول من بـعد ما أصابـهم القرح للذين وأنزل هللا سبحانه وتعاىل قوله: {الذين استجابوا هلل

هم واتـقوا أجر عظيم( ) )الذين قال هلم الناس إن الناس قد مجعوا لكم ١٧٢أحسنوا منـ فاخشوهم} .

اخشوهم فـزادهم إميانا وقالوا حسبـناهذا قول أيب سفيان أننا نأيت ونقضي على بقيتهم {ف

)٢/٦٧(

قلبوا بنعمة من هللا وفضل مل ميسسهم سوء واتـبـعوا رضوان هللا وهللا ذو هللا ونعم الوكيل * )فانـ )} .١٧٤فضل عظيم(

انه وتعاىل، وهذه مثرات االعتماد على هللا، كما صارت النار بردا هذه مثرات التوكل على هللا سبحوسالما على إبراهيم؛ صارت هذه املعركة وهذه التخويفات بردا وسالما على صحابة رسول هللا

عليه وسلم. صلى اهلل فقه الباب وما يستفاد من النصوص، وذلك يف مسائل:

من هذه اآليات وأثر ابن عباس رضي هللا عنهما أن التوكل على هللا عبادة املسألة األوىل: يؤخذ جيب إخالصها هلل سبحانه وتعاىل، وأن التوكل من أعظم أنواع العبادة.

املسألة الثانية: التوكل على غري هللا فيما ال يقدر عليه إال هللا شرك أكرب، كالذين يتوكلون على ب القبور، أو على األولياء والصاحلني يف جلب األرزاق، ودفع املضار، األصنام، أو على أصحا

وشفاء املرضى، وغري ذلك.املسألة الثالثة: يؤخذ من هذه النصوص: أن التوكل على هللا شرط يف صحة اإلميان لقوله تعاىل:

ا المؤمنون الذين إذا ذكر هللا وجلت {وعلى هللا فـتـوكلوا إن كنتم مؤمنني} ، وقوله تعاىل: { إمنقـلوبـهم...} إىل قوله تعاىل: {وعلى رم يـتـوكلون} ؛ فدل على أن التوكل على هللا شرط لصحة

اإلميان.السنة املسألة الرابعة: يـؤخذ من هذه النصوص: أن اإلميان يزيد وينقص كما هو مذهب أهل

واجلماعة خالفا للمرجئة الذين يقولون: اإلميان شيء واحد ال يزيد وال ينقص.وهذه مسألة عظيمة معروفة عند أهل السنة واجلماعة، ومن أدلتها: هذه اآلية: {زادتـهم إميانا} ،

ن الزم فدل على أن اإلميان يزيد، وإذا كان يزيد فهو ينقص، ألن كل شيء يزيد فهو ينقص، فم الزيادة النقصان.

رون} .وكما يف قوله تعاىل: {أيكم زادته هذه إميانا فأما الذين آمنوا فـزادتـهم إميانا وهم يستبش عليه وسلم: "اإلميان بضع وسبعون شعبة، أعالها: قول: "ال إله إال هللا، وكذلك قوله صلى اهلل

وأدناها: إماطة األذى عن الطريق" دل على أن اإلميان يتفاوت، منه ما هو أعلى ومنه ما هو دون ذلك.

)٢/٦٨(

ه بيده، فإن مل يستطع فبلسانه، فإن مل عليه وسلم: "من رأى منكم منكرا فليغري وقال صلى اهلل على أن اإلميان يضعف. يستطع فبقلبه وذلك أضعف اإلميان" دل

ويف احلديث اآلخر: "أنه خيرج من النار من كان يف قلبه أدىن أدىن مثقال حبة من خردل من إميان" فدل على أن اإلميان ينقص حىت يصري كوزن احلبة من اخلردل، وأنه يزيد حىت يكون

كاجلبال.ك أيضا رد على اخلوارج واملعتزلة فاإلميان يزيد وينقص، هذا مذهب أهل السنة واجلماعة، ويف ذل

الذين يكفرون بالذنوب الكبائر.املسألة اخلامسة: يف احلديث دليل على وجوب األخذ باألسباب مع التوكل على هللا سبحانه؛

هم ألنه لما ذكر التوكل على هللا ذكرت األعمال، فقال: {الذين يقيمون الصالة ومما رزقـنا)} ، فالتوكل على هللا ال يكفي، ال بد من األعمال الصاحلة، ال بد من الصالة ٣يـنفقون(

والصيام واحلج واجلهاد يف سبيل هللا، وفعل األسباب اليت تنفع مع التوكل على هللا سبحانه وتعاىل.

)٢/٦٩(

[الباب الرابع والثالثون:] * باب قول هللا تعاىل:

)} .٩٩وا مكر هللا فال يأمن مكر هللا إال القوم اخلاسرون({أفأمن ـــــــــــــــــــــــــــــ

هذا الباب وضعه املصنف رمحه هللا يف "كتاب التوحيد" ألن األمن من مكر هللا والقنوط من موضوع التوحيد ومكمالته وبيان رمحته ينقصان التوحيد، وينافيان كماله، وهذا الكتاب كله يف

مناقضاته ومنفصاته.ومكر هللا سبحانه وتعاىل هو: إيصال العقوبة إىل من يستحقها من حيث ال يشعر. وهو عدل منه

ر الماكرين( )} ، وقال تعاىل: ٥٤سبحانه وتعاىل، وهللا تعاىل يقول: {ومكروا ومكر هللا وهللا خيـ)} ؛ فاملكر يف حق هللا سبحانه وتعاىل عدل ٥٠روا مكرا ومكرنا مكرا وهم ال يشعرون({ومك

وجزاء حيمد عليه. أما املكر من املخلوقني فهو مذموم ألنه بغري حق.

هم يف طغيام يـع )} ، ونظري ١٥مهون(واملكر من هللا نظري االستهزاء: {هللا يستـهزئ م وميدهم} ، ونظري الكيد: {إنـهم يكيدون كيدا( هم سخر هللا منـ يسخرون منـ ) وأكيد ١٥السخرية: {فـ

)} ، ونظري النسيان يف مثل قوله: {نسوا هللا فـنسيـهم} .١٦كيدا(ا من باب امل قابلة واجلزاء، فهي عدل منه سبحانه وتعاىل فهذه أمور تنسب إىل هللا جل وعال أل

ا حيث إنه ينزهلا فيمن يستحقها، فهي عدل منه سبحانه؛ خبالف هذه الصفات من املخلوقني فإا ظلم للمخلوقني. ا يف غري حملها وأل مذمومة أل

عن األمم الكافرة اليت أحل قوله تعاىل: " {أفأمنوا مكر هللا} " هذه اآلية يف سياق ما ذكره هللاا عقوباته من قوم نوح، وقوم هود، وقوم صاحل، وقوم لوط، وقوم شعيب، الذين ذكرهم هللا هللا

رية من نيب إال أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يف سورة األعراف، مث قال: {وما أرسلنا يف قـ)} ، {بالبأساء والضراء} الشدائد من اجلوع واخلوف والقحط وغالء األسعار، ٩٤يضرعون(

م م لعلهم يدعونه، ولعلهم يرجعون إىل هللا ويتوبون، ويعلمون أن ما أصا يفعل هللا ذلك م؛ لكنهم مل يرجعوا. بسبب ذنو

يرجعوا عند النقم استدرجهممث إن هللا سبحانه استدرجهم بالنعم، لما مل

)٢/٧٠(

لنا مكان السيئة} أي: بدل الشدة واجلوع واخلوف، بـ {احلسنة} وهي: بالنعم قال تعاىل: {مث بد الغناء والسعة والثروة؛ استدراجا من هللا سبحانه هلم.

م ومنوا و ذه النعمة؛ فهم مل يتوبوا {حىت عفوا} يعين حىت كثروا وزادت قو صار هلم قوة واغرتوا عند النقمة ومل يشكروا عند النعمة.

{وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء} قالوا: هذه األمور جتري عادة، مرة رخاء ومرة شدة، مل م من م وأن ما يـرجعوا األمر إىل هللا سبحانه وتعاىل ويعلموا أن ما أصا العقوبات يسبب ذنو

م من النعمة فهو فضل من هللا؛ بل نسبوا هذا إىل العادة. أصا{فأخذناهم بـغتة وهم ال يشعرون} هذا هو املكر، وهو: أن هللا أخذهم يف مأمنهم حيث مل

يتوقعوا العقوبة.ذه النعم، وهذه الثروات، وهذه السعة؛ ويف هذا حتذير لنا من هللا سبحانه وتعاىل أننا ال نغرت

فنغفل عن شكر هللا عز وجل، وال نعمل بطاعة هللا، وال خناف من العقوبة ومن زوال هذه النعم.ض مث قال سبحانه: {ولو أن أهل القرى آمنوا واتـقوا لفتحنا عليهم بـركات من السماء واألر

بوا فأخذناهم مبا كانوا يكسبون( )} ؛ فالنعم إذا كانت مع املعاصي فهي استدراج، ٩٦ولكن كذا نعمة من هللا تعاىل وعون على طاعته. وإذا كانت مع الطاعات فإ

لى من يغرت بالنعم مث قال تعاىل: " {أفأمنوا مكر هللا} " هذا استنكار من هللا سبحانه وتعاىل عوينسى العقوبة أن يأخذهم على غرة وهم آمنون منعمون، مث ينقلهم من النعمة إىل النقمة، ومن

الصحة إىل األمل واملرض، ومن الوجود إىل العدم.قع {فال يأمن مكر هللا} أي: ال يأمن عقوبة هللا اليت تنزل على خفية ومن غري تأهب ومن غري تو

هلا.

{إال القوم اخلاسرون} الذين حقت عليهم اخلسارة اليت ال ربح معها أبدا وال جناة منها أبدا. والشاهد يف قوله: {أفأمنوا مكر هللا} فهو استفهام إنكار على من يقع منه مثل ذلك.

)٢/٧١(

ال الضالون} .وقوله: {ومن يـقنط من رمحة ربه إ ـــــــــــــــــــــــــــــ

فاألمن من مكر هللا يستلزم عدم اخلوف من هللا سبحانه وتعاىل، كما يستلزم االستمرار يف املعاصي والزيادة منها، ويستلزم ترك التوبة والرجوع إىل هللا عز وجل. وهذه حالة األشقياء من

اخللق. التوحيد؛ ألنه يدل على عدم اخلوف من هللا عز وجل.واألمن من مكر هللا ينايف

قال: "وقوله: {ومن يـقنط من رمحة ربه} "هذا استفهام إنكار من هللا سبحانه وتعاىل، وهو مبعىن النفي، أي: ال أحد يقنط من رمحة ربه. " {إال الضالون} " التائهون عن احلق.

لما جاءته املالئكة يف صورة أضياف يريدون - عليه الصالة والسالم - إبراهيموهذه اجلملة قاهلا كرميا مضيافا، فلما جاءه هؤالء الرجال -عليه الصالة والسالم -إهالك قوم لوط، وكان إبراهيم

ويف آية أخرى بعجل مسني، وقربه إليهم، لكنهم مل يأكلوا - بادر إىل ضيافتهم وجاء بعجل حنيذ م م أعداء، لكنهم طمأنوه، وأخربوه أل مالئكة، واملالئكة ال يأكلون؛ فإبراهيم خاف أ

م جاءوا إلهالك هذه القرية. مبهمتهم، وأبالبشرى بالولد، وكان ال يولد له فاستبعد ذلك وقالوا له: {فال تكن من -أيضا -وزادوه

القانطني} .)} " هذا حمل الشاهد، أي: ال أحد يقنط من ٥٦ة ربه إال الضالون(" {قال ومن يـقنط من رمح

يعلمون من قدرة هللا -وخاصة األنبياء- رمحة ربه " {إال الضالون} " عن احلق؛ ألن املؤمنني ه سبحانه وتعاىل وفضله وإحسانه ما ال يعلمه غريهم، ويعلمون من قرب رمحته وفرجه ما ال يعلم

غريهم.هذا إبراهيم عليه السالم أبو األنبياء يقول: " {ومن يـقنط من رمحة ربه إال الضالون} " مهما

كانت احلال من الشدة ومن الضيق ومن احلرج؛ فإن املؤمن ال يقنط من رمحة هللا، ألن هللا قادر على كل شيء، ال يعجزه شيء، وهو أرحم الرامحني.

ففي هذه اآلية: أن الذي يقنط من رمحة ربه يكون من الضالني، والضالل ضد اهلدى. ويف هاتني اآليتني: مشروعية اجلمع بني اخلوف والرجاء؛ فاخلوف يف قوله:

)٢/٧٢(

ية الثانية: " {ومن )} "، ويف اآل٩٩" {أفأمنوا مكر هللا فال يأمن مكر هللا إال القوم اخلاسرون(يـقنط من رمحة ربه إال الضالون} " ففيهما وجوب الرجاء وعدم القنوط من رمحة هللا؛ فيجب

اجلمع بينهما، بأن يكون خائفا راجيا، ال يكون خائفا فقط، ألن هذا يقنطه من رمحة هللا سبحانه نه من مكر هللا؛ فإذا خاف اإلنسان وقنط من رمحة وتعاىل، وال يكون راجيا فقط، ألن هذ ا يؤم

هللا مل يتب، وإذا أمن من مكر هللا فإنه ال يرتك املعاصي بل يزيد منها.وهلذا يقول العلماء: "من عبد هللا باخلوف فقط فهو حروري"، يعين: من اخلوارج، ألن اخلوارج

وخيرجون العاصي من اإلسالم وخيلدونه يف النار، ، -والعياذ باهلل-وعيدية يأخذون بآيات الوعيد وهذا يأس من رمحة هللا، نسأل هللا العافية.

"ومن عبد هللا بالرجاء فقط فهو مرجئ" ألن املرجئة هم الذين يقولون: ال يضر مع اإلميان جئة معصية، كما ال ينفع مع الكفر طاعة، فطريقة اخلوارج فيها يأس من رمحة هللا، وطريقة املر

فيها أمن من مكر هللا.م جيمعون بني اخلوف من عذاب هللا، مع رجاء رمحة هللا؛ فاخلوف أما أهل السنة واجلماعة فإ

مينعهم من املعاصي، ورجاء رمحة هللا حيملهم على التوبة واالستغفار والندم على ما حصل منهم؛ رات هذه طريقة أهل السنة واجلماعة وكما قال هللا تعاىل يف األنبياء: {إنـهم كانوا يسارعون يف اخليـ

ويدعونـنا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعني} {رغبا ورهبا} الرغب هو الرجاء، والرهب هو اخلوف؛ يـبتـغون إىل رم يعين: جيمعون بني اخلوف والرجاء، وكما يف قوله تعاىل: {أولئك الذين يدعون

)} ، {ويـرجون ٥٧الوسيلة أيـهم أقـرب ويـرجون رمحته وخيافون عذابه إن عذاب ربك كان حمذورا( رمحته وخيافون عذابه} جيمعون بني األمرين بني اخلوف والرجاء.

يجب على املؤمن أن يكون معتدال بني اخلوف والرجاء، ال يرجو فقط حىت قال أهل العلم: "ف يأمن من مكر هللا، وال خياف فقط حىت ييأس من رمحة هللا، بل يكون معتدال".

)٢/٧٣(

عليه وسلم سئل عن الكبائر؟، فقال: "اإلشراك باهلل، وعن ابن عباس أن رسول هللا صلى اهلل روح هللا، واألمن من مكر هللا " . واليأس من ـــــــــــــــــــــــــــــ

ويقولون: "اخلوف والرجاء للمؤمن كجناحي الطائر، إذا اعتدال استطاع الطريان يف اجلو، وإذا اختل واحد منهما سقط فال يستطيع الطريان"، كذلك املؤمن، إذا تعادل فيه اخلوف والرجاء

سبحانه وتعاىل، وإذا اختل أحد الركنني اختل إميانه.استطاع السري إىل هللا عليه وسلم سئل عن الكبائر؟" أي: عن الذنوب قوله: "وعن ابن عباس أن رسول هللا صلى اهلل

الكبائر؛ مجع كبرية وهي: العظيمة.عز وجل، وهو: عبادة غري فقال: "اإلشراك باهلل" هذا اكرب الكبائر. فأكرب الكبائر: اإلشراك باهلل

هللا بأي نوع من أنواع العبادة وأيا كان هذا املعبود صنما أو شجرا أو حجرا أو حيا أو ميتا أو قربا أو غري ذلك.

ن ذلك وهذا هو الذي ال يغفر إال بالتوبة، قال تعاىل: {إن هللا ال يـغفر أن يشرك به ويـغفر ما دو لمن يشاء} ، وهذا هو الذي حيبط األعمال مجيعها، قال تعاىل: {لئن أشركت ليحبطن عملك

ولتكونن من اخلاسرين} . عليه وسلم: "واليأس من روح هللا" هذا مثل قوله تعاىل: " {ومن يـقنط م ن رمحة قوله صلى اهلل

ربه إال الضالون} "؛ فالقنوط من رمحة هللا من أكرب الكبائر، ألن فيه إساءة ظن باهلل سبحانه وتعاىل، وألنه حيمل صاحبه على عدم التوبة ألنه يقول: ال يغفر هللا يل وإن تبت، وهللا سبحانه

قنطوا من رمحة هللا إن هللا يـغفر وتعاىل يقول: {قل يا عبادي الذين أسرفو ا على أنـفسهم ال تـيعا إنه هو الغفور الرحيم( ) وأنيبوا إىل ربكم وأسلموا له من قـبل أن يأتيكم ٥٣الذنوب مج

إىل هللا عز وجل؛ والتوبة جتب ما قبلها مهما كان الذنب )} : توبوا ٥٤العذاب مث ال تـنصرون(الشرك والكفر وقتل النفس والزنا وشرب اخلمر وأكل الربا؛ فالتوبة ال يبقى معها ذنب إذا كانت د توبة صحيحة، والتائب من الذنوب كمن ال ذنب له: {قل للذين كفروا إن يـنتـهوا يـغفر هلم ما ق

سلف} ، فالكفار إذا كانوا يغفر هلم ما قد سلف فكيف بعصاة املؤمنني إذا تابوا؟، هم أوىل م. باملغفرة؛ فعفو هللا أعظم من ذنو

عليه وسلم: "واألمن من مكر هللا" أي: ومن أكرب الكبائر: األمن من مكر هللا، قوله صلى اهلل

)٢/٧٤(

قال: "أكرب الكبائر: اإلشراك باهلل، واألمن من مكر هللا، والقنوط من رمحة هللا، وعن ابن مسعود واليأس من روح هللا "رواه عبد الرزاق.

ـــــــــــــــــــــــــــــ أي: من عقوبته عند املعصية من حيث ال يشعر. والغفلة عن طاعة هللا سبحانه وتعاىل.

وهذا احلديث رواه البزار وغريه. وبعضهم يرى أنه من كالم ابن عباس، وأنه موقوف، وبعضهم يضعفه.

وقد ذكرت لكم أن الشيخ رمحه هللا إذا ذكر مثل هذا احلديث الذي يف سنده مقال ال يذكره إال وقبله أو بعده ما يؤيده من اآليات أو األحاديث اليت يسوقها يف الباب.

: " {أفأمنوا مكر هللا فال يأمن مكر هللا إال القوم وهذا احلديث تؤيده اآليتان السابقتان)} "، " {ومن يـقنط من رمحة ربه إال الضالون} "، وكذلك اآليات اليت يف التحذير ٩٩اخلاسرون(

من الشرك وأنه أكرب الكبائر.أنه تؤيده األدلة الصحيحة، خصوصا ما ذكره املؤلف فاحلديث هذا وإن كان يف سنده مقال إال

رمحه هللا من هاتني اآليتني، وبعضهم أثىن على سنده، فهو ليس جممعا◌ على ضعفه.قال: "وعن ابن مسعود قال: "أكرب الكبائر" هذا فيه دليل على أن الذنوب تنقسم إىل كبائر

ما يف احلديث: أن النيب سئل أي الذنب وصغائر والكبائر ختتلف، بعضها أكرب من بعض كا وهو خلقك"، قلت: مث أي؟ قال: "أن تقتل ولدك خشية أن يطعم أعظم؟ قال: "أن جتعل هلل ند

معك"، قلت: مث أي؟، قال: "أن تزاين حبليلة جارك".والسيما قتل القريب، فهذه أعظم الكبائر: الشرك باهلل، وقتل النفس اليت حرم هللا إال باحلق،

مثل: قتل االبن. كذلك: الزنا حبليلة اجلار، فالزنا حمرم عموما، وهو كبرية، ولكن الزنا حبليلة اجلار أشد من الزنا بغريها حلرمة اجلرية، ومصداق ذلك يف قوله تعاىل: {والذين ال يدعون مع هللا إهلا

) ٦٨س اليت حرم هللا إال باحلق وال يـزنون ومن يـفعل ذلك يـلق أثاما(آخر وال يـقتـلون النـف ) إال من تاب} .٦٩يضاعف له العذاب يـوم القيامة وخيلد فيه مهانا(

وقوله: "واألمن من مكر هللا" سبق معىن األمن من مكر هللا.

)٢/٧٥(

..................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــ

"والقنوط من رمحة هللا" هذا سبق أيضا معناه.

وسوء ظن "واليأس من روح هللا" القنوط واليأس متقاربان، وكالمها فيه استبعاد لرمحة هللا عز وجل باهلل عز وجل.

"واليأس من روح هللا" قال هللا سبحانه وتعاىل على لسانه نبيه يعقوب عليه السالم: {إنه ال يـيأس م الكرب من روح هللا إال القوم الكافرون} ، أما املؤمنون فال ييأسون من روح هللا مهما بلغ

وجل وأمسائه وصفاته، وقرب فـرجه، وقرب رمحته من عباده؛ فهم ال والشدة؛ لعلمهم باهلل عز م احلال. بل كلما اشتد اخلطب عظم م اخلطوب، وضاق ييأسون من روح هللا مهما اشتدت

رجاؤهم باهلل.ومواقفهم معروفة، كموقف إبراهيم عليه السالم، وموقف يعقوب لما فقد أوالده الثالثة، وموقف

وب عليه السالم الذي بلغ منه الضر مبلغا شديدا، مل ييأسوا من رمحة هللا.أي عليه وسلم لما أخرج هو وصاحبه أبو بكر يوم اهلجرة واختفيا يف الغار، وجاء وحممد صلى اهلل

عليه وس لم وأبو بكر حتت أقدامهم، املشركون يف طلبهما، ووقفوا على الغار والرسول صلى اهلليقول أبو بكر: يا رسول هللا، لو نظر أحدهم إىل موضع قدمه ألبصرنا، قال: "يا أبا بكر، ما

ظنك باثنني هللا ثالثهما؟" ، فأعمى هللا أبصارهم ومل يروا رسول هللا وصاحبه، كما قال تعاىل: {إال نـني إذ مها يف الغار إذ يـقول لصاحبه ال حتزن تـنصروه فـقد نصره هللا إذ أخر جه الذين كفروا ثاين اثـ

فروا السفلى وكلمة إن هللا معنا فأنـزل هللا سكينته عليه وأيده جبنود مل تـروها وجعل كلمة الذين ك )} .٤٠هللا هي العليا وهللا عزيز حكيم(

ولما خرج إىل الطائف يدعوهم إىل هللا، وردوا عليه ردا قبيحا، وأغروا عبيدهم وسفاءهم برميه باحلجارة، هو ومواله زيد بن حارثة؛ ورجع وأهل مكة كلهم أعداء له؛ فجاء من الطائف وقد

خرج منهم لشدة أذاهم، فقال له مواله زيد بن حارثة: -أيضا -كة قابلوه أسوأ مقابلة، وأهل ميا رسول هللا، كيف ترجع إليهم وهم قد أخرجوك، قال: "يا زيد، إن هللا جاعل لما ترى فرجا

وخمرجا" .، ال ييأسون مهما بلغ األمر ومهما بلغت - عليهم الصالة والسالم- هكذا مواقف أنبياء هللا

برمحة هللا عز وجل وقدرة هللا عز وجل وعلم هللا عز وجل حباهلم وأنه الشدة لعلمهم

)٢/٧٦(

ال ختفى عليه خافية وال ختفى عليه أحوال عباده أبدا، ولكنه يبتليهم وميتحنهم ليكفر عنهم م وليعظم رجاؤهم باهلل عز وجل وليتوبوا إىل هللا عز وجل. ول م وليخترب إميا ه احلكمة يف سيئا

ذلك سبحانه وتعاىل.

قوله: "رواه عبد الرزاق" عبد الرزاق بن مهام الصنعاين، اإلمام اجلليل، شيخ العلماء واحملدثني، .- رمحهم هللا -روى عنه: اإلمام أمحد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وغريمها من كبار األئمة

وقوى إسناد هذا احلديث: ابن جرير الطربي. هذه النصوص يف هذا الباب يستفاد منها األحكام التالية:ف

ما ينقصان كمال التوحيد وقد ينافيان أوال: حترمي األمن من مكر هللا والقنوط من رمحة هللا، وأ التوحيد.

ثانيا: أنه جيب على املسلم أن جيمع بني اخلوف والرجاء، فال خياف فقط وال يرجو فقط، وإمنا راجيا دائما وأبدا، هذا هو التوحيد، وهو صفة أولياء هللا. يكون خائفا

عليه وسلم ثالثا: يف هذه النصوص أن املعلم والداعية يبدأ باألهم فاألهم؛ ألن الرسول صلى اهلل الكبائر لما أراد أن يعلم أصحابه الكبائر بدأ بأمهها وهو الشرك باهلل عز وجل، ألن الشرك أكرب

فبدأ به، مث ذكر بعده األمن من مكر هللا والقنوط من رمحة هللا.ا: "ما رابعا: يف احلديثني: أن الذنوب تنقسم إىل صغائر وكبائر، وقد عرف العلماء الكبرية بأ

نيب رتب عليها حد يف الدنيا، أو وعيد يف اآلخرة، أو ختم بغضب، أو لعنة، أو نار، أو تربأ ال عليه وسلم من صاحبها، بأن قال: "ليس منا من فعل كذا" ، أو نفى عنه اإلميان كقوله صلى اهلل

ا وهو عليه وسلم: "ال يزين الزاين حني يزين وهو مؤمن، وال يشرب اخلمر حني يشر صلى اهلل مؤمن" . هذه ضوابط الكبرية.

ى عنه، ومل يصل إىل حد الكبرية.أما الصغائر فهي ما ليس كذلك مما حرمه هللا وا جرت إىل ولكن ال حيمل هذا اإلنسان على أنه يتساهل بالصغائر، ألن الصغائر إذا تسوهل

الكبائر؛ والصغرية تعظم حىت تكون كبرية مع اإلصرار؛

)٢/٧٧(

هي فيها صغائر وفيها كبائر. فال يتساهل فيها؛ لكن: ليست الذنوب على حد سواء، بلوالصغائر تسمى اللمم، كما قال هللا سبحانه وتعاىل: {الذين جيتنبون كبائر األمث والفواحش إال

اللمم} .هار وزلفا والصغائر تكفر باألعمال الصاحلة، كما قال هللا سبحانه وتعاىل: {وأقم الصالة طريف النـ

من الليل إن احلسنات يذهنب السيئات} يعين: الصغائر. عليه وسلم: "الصلوات اخلمس، واجلمعة إىل اجلمعة، ورمضان إىل رمضان وقال صلى اهلل

كفارات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر" .

ا ال تكفر إال بالتوبة، إال إذا شاء هللا أن يعفو فالصغائر تكفر باألعما ل الصاحلة، أما الكبائر فإا قابلة للعفو من هللا سبحانه وتعاىل؛ فهي تكفر إما بعفو هللا عن صاحبها وهي دون الشرك فإ

يشرك به ويـغفر ما دون وإما بالتوبة، خبالف الشرك فإنه ال يكفر إال بالتوبة، {إن هللا ال يـغفر أن ذلك لمن يشاء} .

)٢/٧٨(

[الباب اخلامس والثالثون:] * باب من اإلميان باهلل الصرب على أقدار هللا

ـــــــــــــــــــــــــــــدم مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد: أن الصرب على أقدار هللا من مكمالت التوحيد، وأن ع

الصرب على أقدار هللا يكون من منقصات التوحيد؛ وهذا الكتاب املبارك صنفه الشيخ يف بيان التوحيد ومكمالته ويف بيان منافياته ومنقصاته.

فقوله: "باب" مرفوع على أنه مبتدأ حمذوف تقديره: هذا باب.ان باهلل عز وجل: الصرب على "من اإلميان باهلل" أي: من خصال اإلميان باهلل، ومن شعب اإلمي

أقداره سبحانه وتعاىل، أي: أن ذلك يدخل يف اإلميان باهلل، الذي هو أول أركان اإلميان الستة.: "قول باللسان، وعمل باألركان" يعين: اجلوارح -كما عرفه أهل السنة واجلماعة -واإلميان

باملعصية". هذا هو اإلميان. "واعتقاد باجلنان" يعين: بالقلب "يزيد بالطاعة، وينقص"الصرب على أقدار هللا" الصرب لغة: احلبس، قال هللا تعاىل لنبيه: {واصرب نـفسك مع الذين

يدعون ربـهم} أي: احبسها مع هؤالء. وأما يف الشرع فالصرب هو: حبس النفس على طاعة هللا سبحانه وتعاىل وترك معصيته.

: أن الصرب له ثالثة أنواع: صرب على طاعة هللا، وصرب عن حمارم هللا، وصرب على وذكر العلماء أقدار هللا املؤلمة.

فاألول: صرب على طاعة هللا: بأن يؤدي اإلنسان ما أمر هللا تعاىل به؛ وإن كان فيه مشقة عليه، صالة الفجر ويرتك وإن كانت نفسه تريد الراحة؛ فإنه يصرب، فيقوم للصلوات اخلمس، ويقوم ل

النوم، ويقوم لصالة الليل ويرتك النوم، ويصوم ويرتك الطعام والشراب، ويرتك األهل؛ طاعة هلل سبحانه وتعاىل، وجياهد يف سبيل هللا ويصرب على اجلراح وعلى اآلالم وعلى مالقاة األعداء،

ويصرب على طاعة هللا سبحانه وتعاىل، ألن الطاعة البد فيها من تعب.

ى هللا تعاىل عنه، والنفس تنازعه تريد الشهوات احملرمة، ال ثاين: صرب عن حمارم هللا: فيتجنب ما فهو يصرب على حبسها عنها وإمساكها عنها، وإن كانت

)٢/٧٩(

نون له القبيح، لكن ميسك بونه وحيس تنازعه وتدعوه، وكذلك شياطني اإلنس واجلن يدعونه ويرغ حمارم هللا.نفسه وحيبسها عن

والثالث: صرب على أقدار هللا املؤلمة: فإن أصابه مرض أو أصابته مصيبة يف ماله أو ولده أو يف ر الصابرين * الذين إذا -قريبه فإنه يصرب وال جيزع. هذا من اإلميان باهلل، قال تعاىل: {وبش

هم مصيبة قالوا إنا هلل وإ )} ، يعرفون أن هذا من هللا، وأنه بقضاء هللا ١٥٦نا إليه راجعون(أصابـتـ وقدره؛ فال جيزعون وال يتسخطون.

أما أقدار هللا غري املؤملة اليت تالئم النفس فهذه ال حتتاج إىل صرب، ألن النفس متيل إليها. :-أيضا -ثة أنواع ذكروا أنه ثال -الصرب على أقدار هللا املؤملة - وهذا النوع األخري

النوع األول: حبس النفس عن اجلزع. والنوع الثاين: حبس اللسان عن التشكي لغري هللا سبحانه وتعاىل.

والنوع الثالث: حبس اجلوارح عن لطم اخلدود وشق اجليوب.ملن ويقول أمري املؤمنني علي رضي هللا عنه: "الصرب من الدين مبنزلة الرأس من اجلسد؛ فال إميانال صرب له"، ويقول اإلمام أمحد رمحه هللا: "وجدت أن هللا ذكر الصرب يف القرآن يف تسعني

موضعا"؛ مما يدل على أمهيته، وعلى عظم شأنه.فالصرب له مقام عظيم يف الدين، والبد للمؤمن من الصرب لما يواجه يف هذه احلياة من املشاكل

صرب عليها طاعة هلل سبحانه وتعاىل.ومن املشاق والصعوبات لكنه يوقوله: "على أقدار هللا" أقدار مجع قدر، والقدر: ما قضاه هللا سبحانه وتعاىل يف خلقه، فإن كل

شيء جيري يف هذا الكون فإنه مقدر، ليس هناك شيء جيري بدون تقدير هللا سبحانه وتعاىل؛ ، فإنه سبحانه وتعاىل أول ما خلق القلم قال له: فاهلل علمه وقدره وكتبه ووقته بوقت حيدث فيه

"اكتب"، قال: ما أكتب؟ قال: "اكتب ما هو كائن إىل يوم القيامة"، فكتب يف اللوح احملفوظ كل شيء؛ فما من شيء جيري إال وهو مقدر من هللا سبحانه وتعاىل ومؤقت بوقت ال يتقدم عليه وال

احملفوظ.يتأخر عليه ومكتوب يف اللوح عليه وسلم: واإلميان بالقضاء والقدر أحد أركان اإلميان الستة. كما قال جربيل للنيب صلى اهلل

)٢/٨٠(

لبه} . وقول هللا تعاىل: {ومن يـؤمن باهلل يـهد قـا من عند هللا، فريضى ويسل م".قال علقمة: "هو الرجل تصيبه املصيبة، فيعلم أ

ـــــــــــــــــــــــــــــأخربين عن اإلميان؛ قال: "اإلميان: أن تؤمن باهلل، ومالئكته، وكتبه، ورسله، واليوم اآلخر، وتؤمن

بالقدر خريه وشره" ؛ فجعل اإلميان بالقدر ركنا من أركان اإلميان؛ وهللا تعاىل يقول: {إنا كل شيء ، وكما يف "الصحيح": "قدر هللا مقادير اخلالئق قبل أن خيلق السموات )} ٤٩خلقناه بقدر(

واألرض خبمسني ألف سنة، وعرشه على املاء" . فما من شيء جيري يف هذا الكون من صغري أو كبري إال وقد قدره هللا سبحانه وتعاىل.

لبه} "هذ ا بعض آية من سورة التغابن، وأوهلا قوله قال: "وقول هللا تعاىل: {ومن يـؤمن باهلل يـهد قـلبه وهللا بكل شيء علي )} ١١م(تعاىل: {ما أصاب من مصيبة إال بإذن هللا ومن يـؤمن باهلل يـهد قـ

. ل اخلليقة إىل فقوله: {ما أصاب من مصيبة} يعين: أن مجيع املصائب اليت تنزل بالناس من أو

آخرها، فإن هللا قدرها، ليس هناك مصيبة حتدث يف العامل إال وقد قدرها هللا سبحانه وتعاىل. {إال بإذن هللا} أي: بقضائه وقدره؛ ألن إذن هللا على نوعني:

ذن هللا} أي: بتقديره إذن قدري كوين، مثل قوله تعاىل: {وما هم بضارين به من أحد إال بإ ومشيئته.

والنوع الثاين: اإلذن الشرعي، مثل: قوله تعاىل: {فـهدى هللا الذين آمنوا لما اختـلفوا فيه من احلق بإذنه} أي: بشرعه.

ثالثة الذين قوله: "قال: علقمة" هو: علقمة النخعي التابعي من كبار التابعني، وأحد النخعيني ال هم: علقمة واألسود وإبراهيم من تالميذ ابن مسعود.

ومعىن قوله: "هو الرجل تصيبه املصيبة" يعين: تنزل به املصيبة، إما يف نفسه وإما يف ماله وإما يف ا من عند هللا، يعلم أن هللا قد قدرها ولده وإما يف أهله وإما يف أقاربه، فال جيزع، ولكن يعلم أ

وما قضاه هللا وقدره فالبد أن يقع، فال يقول: لو أين فعلت كذا، لو أين عملت كذا ما وقضاها، نزلت يب املصيبة. فاملؤمن

)٢/٨١(

عليه وسلم قال: "اثنتان يف الناس مها ويف صحيح مسلم عن أيب هريرة: أن رسول هللا صلى اهلل امليت" .م كفر: الطعن يف النسب، والنياحة على

ـــــــــــــــــــــــــــــا من عند هللا فريضى بقضاء هللا، وال جيزع وال يسخط، يعلم هذا فيهون عليه األمر، يعلم أ

ويسلم هلل عز وجل، ولقضاء هللا وقدره.قضاء هللا وقد مسى هللا هذا التسليم وهذا الرضى إميانا، فقال: {ومن يـؤمن باهلل} يعين: يرضى ب

ويسلم له، وهذا هو الشاهد: إن هللا مسى الصرب على املصيبة والرضى بقضاء هللا وقدره إميانا.لبه} فثمرة الرضاء بقضاء هللا والصرب واالحتساب: هداية قلبه، ألن هللا جيعل يف قلبه {يـهد قـ

اإلميان والبصرية والنور، وهذه مثرة الصرب على قضاء هللا وقدره.أما الذي جيزع فإن ذلك يسبب العكس، يسبب عمى قلبه، واضطراب نفسه، فهو يكون دائما

يف اضطراب وقلق. أما املؤمن فهو مرتاح، من هذا كله. فدلت اآلية على مسائل عظيمة:

املسألة األوىل: أن املصائب كلها بقضاء هللا وقدره.ا والصرب عليها من خصال اإلميان، ألن هللا مساه إميانا.املسألة الثانية: أن الرضى

املسألة الثالثة: أن ذلك يثمر هداية القلب إىل اخلري وقوة اإلميان واليقني. عليه وسلم قال: "اثنتان من قال: ويف صحيح مسلم عن أيب هريرة: أن رسول هللا صلى اهلل

الناس" إخل. عليه و سلم: "اثنتان" يعين: خصلتان.قوله صلى اهلل

"يف الناس" يف بين آدم حىت ولو كانوا مسلمني فإنه يوجد يف بعض املسلمني بعض خصال اجلاهلية وبعض خصال الكفر الذي ال خيرج من امللة.

م كفر" هو كفر أصغر، ألن الكفر إذا نكر فإنه يراد به: الكفر األصغر، أما إذا عرف بـ " مها (األلف والالم) فإنه يراد به: الكفر األكرب، كما يف قوله: "بني العبد وبني الكفر والشرك: ترك الصالة" ، وليس كل من قام به خصلة من خصال الكفر يكون كافرا خالصا، وإمنا يكون فيه

خصلة من خصال الكفر، كما أنه

)٢/٨٢(

ب اخلدود، وشق اجليوب، ودعا بدعوى وهلما عن ابن مسعود مرفوعا: "ليس منا من ضر اجلاهلية" .

ـــــــــــــــــــــــــــــليس كل من فيه خصلة من خصال النفاق يكون منافقا خالصا، وإمنا تكون فيه خصلة من

خصال النفاق. فاخلصلة األوىل: "الطعن يف النسب" تقدم الكالم عليه يف باب سابق.

حة على امليت" والنياحة معناها: إظهار اجلزع على امليت، كما كان أهل واخلصلة الثانية: "النيا اجلاهلية يفعلونه.

واملطلوب والواجب: الصرب على موت األقارب أو موت األحباب. عليه وسلم بكى على وال مينع هذا أن اإلنسان يتأمل ويبكي، فالبكاء ال مانع فيه، والنيب صلى اهلل

إبراهيم، وقال: "إن العني تدمع، والقلب حيزن، وال نقول إال ما يرضي الرب، وإنا بك يا ابنه إبراهيم حملزونون" . وهذا من الرمحة، وأيضا هذا ال يستطيع اإلنسان حبسه.

فاآلية دلت على أن الصرب والرضى من خصال اإلميان، واحلديث دل على أن اجلزع من املصيبة ع أنه من خصال الكفر؛ فهما متضادان.وإظهار اجلز

قال: وهلما عن ابن مسعود مرفوعا "ليس منا من ضرب اخلدود وشق اجليوب" إخل. قوله: "وهلما" أي: البخاري ومسلم.

عليه وسلم. "عن ابن مسعود مرفوعا" أي: إىل النيب صلى اهلل عليه وسلم على معاص تصدر من "ليس منا" هذه الكلمة كثريا ما تأيت عن الرس ول صلى اهلل

عليه وسلم: الناس من باب التحذير منها، مثل قوله: "من غشنا فليس منا" ، وقوله صلى اهلل "ليس منا من تشبه بغرينا" ، ومنه هذا احلديث.

ن ليس معناها أنه خيرج من اإلسالم، وهذه الكلمة "ليس منا" معناها: الرباءة ممن فعل ذلك، ولكا من ألفاظ الوعيد، وال تفسر، وإمنا معناها: التنفري من هذا العمل. وأحسن ما يقال فيها: ألكن مع اعتقاد أن هذا ال يدل على اخلروج من الدين ألدلة أخرى دلت على أن أصحاب

الكبائر اليت دون الشرك ال خيرجون من الدين.

)٢/٨٣(

والنياحة من الكبائر، لكنها دون الشرك؛ فال خترج من الدين. عليه وسلم: "من ضرب اخلدود" ضرب اخلدود جزعا من املصيبة كفعل اجلاهلية. وقوله صلى اهلل

ألن املشروع الصرب، وهذا عكسه، وهذا من باب الغالب. صيبة."وشق اجليوب" أي: جيوب الثياب؛ جزعا من امل

"ودعا بدعوى اجلاهلية" يعين: نادى عند املصيبة باأللفاظ اليت تقوهلا اجلاهلية، واملراد باجلاهلية: عليه وسلم يف وقت الفرتة. فال جيوز أن نقول بعد بعثة النيب ما كان قبل بعثة الرسول صلى اهلل

عليه وسلم: الناس يف اجل اهلية، أو الناس يف جاهلية جهالء. هذا ال جيوز أبدا، ألن هللا صلى اهلل عليه وسلم، ولكن: قد تبقى خصال من خصال اجلاهلية، رفع اجلاهلية ببعثة الرسول صلى اهلل

: هذا من اجلاهلية، وهذا من خصال اجلاهلية. وليس من قام به خصلة من -مثال -فيقال عليه خصال اجلاهلية ي كون من أهل اجلاهلية. فال جيوز إطالق اجلاهلية بعد بعثة النيب صلى اهلل

وسلم.ومن دعوى اجلاهلية: أن يتلفظ بألفاظ اجلاهلية، كأن ينادي ويقول: واعضداه، وانصرياه، واكذا

وى اجلاهلية. وكذا. وكذا إثارة العصبيات والقوميات واحلزبيات، وما إىل ذلك. كل ذلك من دع وكذا التعصب لألقوال واملذاهب اليت ال دليل عليها.

قال ابن القيم رمحه هللا: "املراد بدعوى اجلاهلية: كل من تعصب إىل مذهب، أو تعصب إىل قبيلة".

فالعصبية اجلاهلية والنخوة اجلاهلية كله يدخل يف دعوى اجلاهلية، فال جيوز للمسلم أنه يتعصب ماء أو ألحد املذاهب وال يقبل غري هذا املذهب أو ال يقبل غري هذا الرجل من ألحد العل

العلماء، فهذه عصبية جاهلية. أو يتعصب لقبيلته إذا كانت على خطأ، كما يقول الشاعر: وهل أنا إال من غزية إن غوت ... غويت وإن تـرشد غزية أرشد

احلق سواء كان مع إمامه أو مع غريه، وسواء كان مع قبيلته أو والواجب على املسلم: أن يـتبعمع غريها، وهللا سبحانه وتعاىل يقول: {يا أيـها الذين آمنوا كونوا قـوامني بالقسط شهداء هلل ولو

على أنـفسكم أو الوالدين واألقـربني} .

)٢/٨٤(

عليه وسلم قال: "إذا أراد هللا بعبده اخلري عجل له بالعقوبة يف وعن أنس أن رسول هللا صلى اهلل الدنيا، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حىت يوايف به يوم القيامة" .

ـــــــــــــــــــــــــــــوال جتوز العصبية للقبائل، وإمنا فال جتوز العصبية للمذاهب، وال جتوز العصبية لألشخاص،

املسلم يـتبع احلق مع من كان، وال يتعصب، وال يرتك احلق الذي مع خصمه. فاملسلم يدور مع احلق أينما كان، سواء كان يف مذهبه، أو مع إمامه، أو مع قبيلته، أو حىت مع عدوه. والرجوع إىل

قول: {وإذا قـلتم فاعدلوا ولو كان ذا قـرىب} ، احلق خري من التمادي يف الباطل، وهللا تعاىل ي

عليه وسلم يقول: "قل احلق ولو كان مرا" . والنيب صلى اهلل عليه وسلم قال: "إذا أراد هللا" إخل". قال: "وعن أنس أن رسول هللا صلى اهلل

عليه و سلم: "إذا أراد هللا بعبده اخلري" أي: من عالمة إرادة هللا بعبده اخلري: أن قوله صلى اهللل له العقوبة على ذنوبه؛ ألن الذنوب تصدر من اإلنسان بكثرة، ليس هناك أحد معصوم إال يعج

" فيما عصمهم هللا منه، "كلكم خطاء وخري اخلطائني التوابون - عليهم الصالة والسالم-األنبياء ؛ واإلنسان تصدر منه ذنوب كثرية وخمالفات؛ فإذا أراد هللا بعبده خريا عجل له العقوبة على هذه

ره، وحىت ينتقل إىل الدار اآلخرة ليس عليه ذنوب فيدخل اجلنة. املعاصي يف الدنيا حىت يطه عليه وسلم: "وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه" فال تنزل به عقوبة، مع أنه وقوله صلى اهلل

يعصي ويزين وخيالف أوامر هللا سبحانه وتعاىل، ومع هذا يـنـعم ويصح يف جسمه، وال ميرض. وهذه عالمة شر، من أجل أن تبقى عليه ذنوبه.

"حىت يوايف به يوم القيامة" يعين: يرجع إىل هللا يف الدار اآلخرة وذنوبه عليه مل حيط عنه منها ا يوم القيامة، فدل هذا على أن صحة اإلنسان الدائمة ليست عالمة خري.شيء، في عذب

ر من هللا سبحانه وتعاىل وبقضاء هللا وقدره، وهو قدر ودل هذا على أن اخلري والشر كله مقد الشر حلكمة وقدر اخلري حلكمة ال يقدر شيئا إال حلكمة عظيمة، ابتالء وامتحانا.

)٢/٨٥(

عليه وسلم: "إن عظم اجلزاء من عظم البالء، وإن هللا تعاىل إذا أحب قوما وقال النيب صلى اهلل ابتالهم؛ فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السخط" حسنه الرتمذي.

ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم: "إن عظم اجلزاء" إخل.قال: "وقال النيب صلى اهلل

عليه وسلم" هذا حديث آخر، واملؤلف رمحه هللا قرن بينهما ألن قوله: "وقال النيب صلى اهللراويهما واحد وهو أنس، والذي خرجهما واحد وهو الرتمذي، فلذلك ساقهما املصنف سياقا

واحدا. ."إن عظم اجلزاء" أي: عند هللا سبحانه وتعاىل

"مع عظم البالء" وذلك أن املبتلى إذا صرب ورضي بقضاء هللا وقدره فإن هللا جيزيه على ذلك كما قال تعاىل: {ومن يـؤمن باهلل يـهد اخلري العاجل واآلجل، فيجزيه اجلزاء العظيم آجال وعاجال

لبه وهللا بكل شيء عليم} ، وهذا مع الصرب واال حتساب.قـواملراد بالبالء هنا: االبتالء واالمتحان، فيصاب اإلنسان بالشدة، ويصاب باملرض ويصاب

بضياع املال ويصاب مبوت القريب. ومن الناس من تتكاثر عليه املصائب وتتابع، وهذه عالمة خري إذا كان مؤمنا وصرب.

حكمة أخرى، وهي: أن وجود - أيضا - وقوله: "وإن هللا تعاىل ذا أحب قوما ابتالهم" هذهاالبتالء واالمتحان الذي يصيب املسلمني دليل على حمبة هللا هلم، ولما أحبهم ابتالهم من أجل

أن خيفف عنهم، ومن أجل أن ينتقلوا إليه وهم خملصون من الذنوب.تقلوا إىل اآلخرة ومفهوم احلديث: أن هللا إذا مل حيب قوما ميسك عنهم االبتالء، من أجل أن ين

م فيعاقبون عليها. بذنو"فمن رضي" بقضاء هللا وقدره "فله الرضا" من هللا سبحانه وتعاىل. وهذا دليل على أن اجلزاء من

جنس العمل. "ومن سخط" على قضاء هللا وقدره "فله السخط" من هللا سبحانه وتعاىل جزاء وفاقا.

العمل، ران من رضي بالقضاء والقدر، وصرب على فهذا فيه دليل على أن اجلزاء من جنس املصائب؛ فإن هللا يرضى عنه وحيبه، وأن من مل يرض بالقضاء والقدر فإن هللا يبغضه.

)٢/٨٦(

وهذه املصائب إمنا هي ابتالء وامتحان ليظهر الصابر من غري الصابر، وليرتتب اجلزاء على ذلك من هللا سبحانه وتعاىل.

ن هذه النصوص اليت ساقها املصنف فوائد كثرية:فيستفاد م الفائدة األوىل: أن مجيع املصائب بقضاء هللا وقدره: {ما أصاب من مصيبة إال بإذن هللا} .

الثانية: أن الرضى بقضاء هللا وقدره من اإلميان: { ومن يـؤمن باهلل} يعين: يرضى ويصرب، مسى .ذلك إميانا

عليه وسلم: الثالثة: أن اإلميان له خصال، منها: الرضى بقضاء هللا وقدره، وكما قال صلى اهلل"اإلميان بضع وسبعون شعبة أعالها: قول ال إله إال هللا، وأدناها: إماطة األذى عن الطريق،

واحلياء شعبة من اإلميان" .لبه}.الرابعة: أن الرضى بقضاء هللا وقدره يسبب هداية القلوب: {ومن يـؤمن باهلل يـهد قـ

اخلامسة: يستفاد من حديث أيب هريرة رضي هللا عنه أن الطعن يف األنساب والنياحة على امليت من خصال اجلاهلية.

السادسة: أنه ليس كل من اتصف بشيء من أمور اجلاهلية يكون كافرا الكفر األكرب. لسابعة: أن الكفر أنواع؛ كفر أكرب خيرج من امللة، وكفر أصغر ال خيرج من امللة.ا

ا الثامنة: يستفاد من حديث ابن مسعود: أن شق احلبوب ولطم اخلدود ودعوى اجلاهلية أ عليه وسلم تربأ ممن فعلها. كبائر، ألن النيب صلى اهلل

املسلم االبتعاد عن خصال اجلاهلية، وأن كل ما كان من أمور التاسعة: فيه أنه جيب على اجلاهلية فهو مذموم.

العاشرة: يف حديث أنس رضي هللا عنه: وصف هللا سبحانه وتعاىل بالرضى والسخط؛ ومها صفتان من صفاته سبحانه وتعاىل تليقان جبالله، ليس كرضى املخلوق وال كسخط املخلوق.

أنس األول: أن من عالمة إرادة اخلري باملؤمن: أن احلادية عشرة: يف حديث

)٢/٨٧(

يصاب يف بدنه أو يف ماله أو يف قريبه، وأن من عالمة إرادة الشر به: أن ميسك عنه فال يقع به مصيبة حىت يوايف بذنوبه؛ ومن هنا يؤخذ الرد على هؤالء الذين يقولون: املسلمون ال يزالون

م عندهم تقدم متخلفني وفيهم تأخر، وفيهم..، وفيهم..، وفيهم املصائب. وأما الكفار فإوحضارة ورقي وأسلحة، وإىل آخره. فهذا احلديث يبني أنه ليست السالمة من املصائب

والسالمة من النكبات دليل على رضى هللا سبحانه وتعاىل، وإمنا هذا من باب االستدراج هلم: ا منلي هل ذه األمور ليكفر {إمن م يصابون م ليـزدادوا إمثا وهلم عذاب مهني} ، وأما املسلمون فإ

ا عنهم، ومن أجل أن حياسبوا أنفسهم ويرجعوا عن أخطائهم. هللا

)٢/٨٨(

[الباب السادس والثالثون:] * باب ما جاء يف الرياء

ـــــــــــــــــــــــــــــلشيخ رمحه هللا: "باب ما جاء يف الرياء" أي: ما جاء فيه من الوعيد، وبيان أنه شرك حيبط قول ا

العمل الذي خالطه.ومناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد: أن فيه بيان نوع من أنواع الشرك األصغر، وذلك أن هذا

لشرك األكرب أو ينقصه من الكتاب صنفه الشيخ رمحه هللا يف بيان التوحيد وبيان ما يضاده من ا الشرك األصغر.

ولما كان الشرك على نوعني: شرك ظاهر، وشرك خفي.

فالشرك الظاهر هو: ما يكون يف األعمال الظاهرة كالذي يذبح لغري هللا أو ينذر لغري هللا أو يستغيث بغري هللا إىل غري ذلك من أنواع الشرك األكرب الذي يراه الناس ويسمعونه.

ا النوع الثاين وهو: الشرك اخلفي، فهذا ال يراه الناس وال يعلمونه؛ ألنه يف القلوب.أمفالشرك األول يكون يف األعمال الظاهرة، وهذا يف النيات واملقاصد القلبية اليت ال يعلمها إال

هللا سبحانه وتعاىل. فلهذا عقد له الشيخ رمحه هللا هذا الباب. الشرك فهو من الشرك الظاهر، وهلذا يقول العالمة ابن القيم رمحه هللا:فكل ما سبق من أنواع

والشرك فاحذره فشرك ظاهر ... ذا القسم ليس بقابل الغفران وهو اختاذ الند للرمحن أيا ... كان من حجر ومن إنسان

يدعوه أو يرجوه مث خيافه ... وحيبه كمحب الديان رحة، وعبادة األشجار واألحجار، كل هذا شرك ظاهر.فعبادة األصنام، وعبادة األض

أما الرياء فإنه شرك خفي ألنه يف املقاصد والنيات اليت ال يعلمها إال هللا سبحانه وتعاىل.نه من أجل أن يراه الناس وميدحوه ويثنوا والرياء مأخوذ من: الرؤية، وذلك بأن يزين العمل وحيس

املقاصد، فهذا يسمى رياء، ألنه يقصد رؤية الناس له.عليه، أو لغري ذلك من

)٢/٨٩(

والفرق بني الرياء والسمعة: أن الرياء فيما يرى من األعمال اليت ظاهرها هلل وباطنها لغريه كالصالة والصدقة. أما السمعة فهي لما يسمع من األقوال اليت ظاهرها هلل والقصد منها لغري

لذكر والوعظ وغري ذلك من األقوال، وقصد املتكلم أن يسمع الناس كالمه فيثنوا هللا كالقراءة واعليه، ويقولوا هو جيد يف الكالم، جيد يف احملاورة، جيد يف اخلطبة، إنه حسن الصوت يف ن صوته بالقرآن، ألجل ذلك فإذا كان يلقي احملاضرات والندوات القرآن، إذا كان حيس

أجل أن ميدحه الناس فهذا مسعة.والدروس من والرياء على قسمني:

القسم األول: شرك أكرب وهو: إذا كان قصد اإلنسان جبميع أعماله مراءاة الناس، وال يقصد وجه هللا أبدا، وإمنا يقصد العيش مع املسلمني، وحقن دمه، وحفظ ماله، فهذا رياء املنافقني،

إن المنافقني خيادعون هللا وهو خادعهم وإذا قاموا إىل الصالة وهو شرك أكرب، قال هللا تعاىل: { )} ، وهذا ال يصدر من مؤمن.١٤٢قاموا كساىل يـراؤون الناس وال يذكرون هللا إال قليال(

أن يكون العمل فيه قصد القسم الثاين: قد يصدر من مؤمن، ويكون يف بعض األعمال، وهو: هلل وفيه قصد لغري هللا.

وهذا هو الشرك األصغر. وهذا النوع من الرياء له ثالثة حاالت:

احلالة األوىل: إن كان مقصودا يف العمل من أوله واستمر معه إىل آخره فإن هذا عمل مردود، ال أن يثىن عليه، واستمر معه الرياء إىل يقبله هللا سبحانه وتعاىل. فمن صلى هلل وهو حيب أن ميدح و آخر صالته؛ فهذا ال تقبل منه صالته، بدليل احلديث اآليت.

احلالة الثانية: أن يكون أصل العمل هلل مث يطرأ عليه الرياء. فهذا إن تاب منه صاحبه يف احلال وطرأ الرياء، مث ودفعه، وأخلص العمل هلل؛ فإنه ال يضر صاحبه قوال واحدا، ألن أصل العمل هلل

دفعه وأخلص العمل هلل وعاد إىل اإلخالص، فهذا ال يضره.

)٢/٩٠(

ا إهلكم إله واحد} اآلية. ا أنا بشر مثـلكم يوحى إيل أمن وقول هللا تعاىل: {قل إمن ـــــــــــــــــــــــــــــ

ثناء العمل ويستمر معه. فهذا موضع خالف بني أهل العلم؛ منهم من احلالة الثالثة: أن يطرأ يف أقال: إنه حيبط العمل كالنوع األول، ومنهم من قال: إنه يثاب على قدر نيته هلل يف هذا العمل.

ذكر هذا التفصيل احلافظ ابن رجب يف شرح األربعني.ا أنا بشر مثـلك ا إهلكم إله واحد} " ومتام اآلية: " قال: "وقول هللا تعاىل: {قل إمن م يوحى إيل أمن

عمل عمال صاحلا وال يشرك بعبادة ربه أحدا} " هذه اآلية خ ليـ تام {فمن كان يـرجوا لقاء ربه فـ سورة الكهف.

عليه {قل} أمر هللا نبيه صلى اهلل ا أنا بشر} ، فالرسول صلى اهلل وسلم أن يقول للناس: {إمن عليه وسلم بشر، وكل الرسل من البشر.

فالرسل قسمان: رسل من املالئكة ورسل من البشر، كما قال تعاىل: {هللا يصطفي من المالئكة رسال ومن الناس} .

املالئكة يكونون واسطة بني هللا وبني الرسل من البشر، ألن البشر ال يطيقون مقابلة فالرسل منامللك ورؤيته على صورته امللكية، وإمنا يطيقون رؤية البشر الذي هو مثلهم، ولذلك يبعث هللا

الرسل من البشر إىل البشر، ألن هذا مقتضى رمحته بعباده، من أجل أن يفقهوا عنهم، ويتعلموا منهم ويألفوهم، ولو كانوا من املالئكة ما استطاعوا أن يروهم، ألن صورة امللك خمالفة لصورة

البشر.ا أنا بشر} يعين: ليس يل من الربوبية شيء وال من العبادة شيء. وقوله: {إمن

{أنا بشر} عبد من عباد هللا. عليه وسلم، ويدعونه من دون هللا، فهذا فيه: رد على الذين يغلون يف حق الرسول ص لى اهلل

ويستغيثون به من دون هللا، أو يقولون: إنه خملوق من نور، أو من كذا وكذا، ومل خيلق مما خلق منه بنو آدم وأنه خملوق قبل آدم.

من أعظم أنواع الغلو والكفر باهلل عز وجل. -والعياذ باهلل- وهذا لكم} يعين: مثلكم يف أمور البشرية، فهو بشر جيوع، وميرض، ويتعب يف السفر مثل مث قال: {مثـ

عليه وسلم اهلم، البشر وجتري عليه العوارض البشرية كما جتري على البشر، فيصيبه صلى اهلل ويصيبه احلزن، ويصيبه ما يصيب البشر: {قد نـعلم إنه

)٢/٩١(

لعلك باخع نـفسك على آثارهم} ، فهو يهتم ليحز نك الذي يـقولون} ، {وال حتزن عليهم} ، {فـوحيزن ملا يرى من خمالفة الناس لعبادة هللا سبحانه وتعاىل، ألنه يريد للناس اخلري، ويريد هلم

عليه وسلم.النجاة، فيحزنه إذا رآهم على سبيل اهلالك لكما ل شفقته صلى اهللعن البشر بالرسالة والفضيلة وكمال العبودية هلل، فهو أكمل - عليه الصالة والسالم -وإمنا امتاز

اخللق عبودية هلل، وأخشاهم هلل، وأتقاهم له.فكل ما جاء {يوحى إيل} من هللا سبحانه وتعاىل بواسطة جربيل عليه السالم كغريي من الرسل.

به من الشرع وحي من هللا.ا إهلكم إله واحد} يعين: معبودكم حبق. فاإلله معناه: املعبود. {أمن

واملعبود حبق هو هللا وحده. وما سواه فهو معبود بالباطل كما قال تعاىل: {ذلك بأن هللا هو احلق و الباطل} .وأن ما يدعون من دونه ه

فهذا فيه: أن زبدة رسالة الرسول وأصل دين الرسول والذي جاء به وبدأ به هو: التوحيد واإلنذار عن الشرك، وكل الرسل كذلك أول ما يبدؤون بالدعوة إىل التوحيد وإنكار الشرك.

اكمية يف األرض.وهذا فيه رد على الذين يقولون يف هذا الزمان: إن الرسل جاءوا لتحقيق احل وهذا كالم حمدث باطل، فالرسل جاءوا لتحقيق العبودية جبميع أنواعها هلل عز وجل.

كما قال تعاىل: {ولقد بـعثـنا يف كل أمة رسوال أن اعبدوا هللا واجتنبوا الطاغوت} وقال تعاىل: شيئا} وقال تعاىل: {وما أرسلنا من قـبلك من رسول إال نوحي إليه {واعبدوا هللا وال تشركوا به )} ، هذا هو الذي جاءت به الرسل، ويدخل فيه بقية أوامر الدين ٢٥أنه ال إله إال أنا فاعبدون(

: إمهال التوحيد وعدم االهتمام ومنها احلاكمية، أما أن جتعل هي األصل فهذا باطل، وهذا معناه

بأمر الشرك وعدم االلتفات إليه، وأن الرسل جاءوا لطلب احلكمة والرئاسة. {فمن كان يـرجوا} معناه: خيشى وخياف، وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه هللا:

م يوم القيامة، {فمن كان يـرجوا لقاء ربه} أي: يؤمل رؤية هللا يوم القيامة، أل ن املؤمنني يرون ر عليه وسلم أعظم مما يتنعمون بنعيم اجلنة". ويتنعمون برؤيته صلى اهلل

)٢/٩٢(

ليـعمل عمال صاحلا} ألنه ال ميكن أن حتصل هذه الرؤية إال ملن عمل عمال صاحلا. {فـ ر فيه شرطان:والعمل ال يكون صاحلا إال إذا توف

الشرط األول: اإلخالص هلل عز وجل من الرياء والسمعة، ومن مجيع أنواع الشرك األكرب واألصغر.

عليه وسلم، خاليا من البدع واحملدثات والشرط الثاين: أن يكون موافقا لسنة رسول هللا صلى اهلل واخلرافات.

فليس عمال صاحلا، وإمنا هو عمل باطل.أما إن اختل شرط من هذين الشرطني فإن اختل الشرط األول، صار العمل حابطا ملا دخله من الشرك.

عليه وإن اختل الشرط الثاين صار بدعا وحمدثات وخمالفات فهو مردود باطل، لقوله صلى اهللاية: "من أحدث يف أمرنا هذا ما ليس وسلم: "من عمل عمال ليس عليه أمرنا فهو رد" ، ويف رو

منه فهو رد" .فال يكون العمل صاحلا إال إذا توفر فيه هذان الشرطان كما قال تعاىل: {الذي خلق الموت

لوكم أيكم أحسن عمال} . قال الفضيل بن عياض رمحه هللا: "أخلصه وأصوبه"، قالوا: واحلياة ليبـيا أبا علي وما أخلصه وأصوبه؟، قال: "أخلصه: أن يكون خالصا لوجه هللا، وأصوبه: أن يكون صوابا على سنة رسول هللا، فإن العمل إذا كان خالصا ومل يكن صوابا مل يقبل، وإذا كان صوابا

ومل يكن خالصا مل يقبل، وإمنا يقبل إذا كان خالصا صوابا".بادة ربه أحدا} ومن ذلك: أن يرائي بعمله، أو يسمع بعمله، فإنه إذا راءى بعمله، {وال يشرك بع

أو مسع به، أبطله اله ورده عليه.وقوله: {أحدا} نكرة يف سياق النهي، تعم كل أحد، فاهلل ال يقبل أن يشرك معه أحد ال من

صاحلني، وال من األحجار واألشجار، وال من اجلن، املالئكة، وال من الرسل، وال من األولياء وال وال من اإلنس.

فهذا فيه رد على الذين يقولون: إمنا الشرك عبادة األصنام فقط، أما أن نتقرب

)٢/٩٣(

وعن أيب هريرة مرفوعا: "قال هللا تعاىل: أنا أغىن الشركاء عن الشرك، من عمل عمال أشرك معي رواه مسلم. فيه غريي؛ تركته وشركه"

ـــــــــــــــــــــــــــــ إىل هللا ونتوسل إىل هللا بأولياء وعباد صاحلني، فهذا ليس مثل عبادة األصنام.

وهذا باطل، ألن هللا يقول: {وال يشرك بعبادة ربه أحدا} ، وهو عام يشمل كل من عبد مع هللا، أو من املالئكة، أو من األنبياء والرسل، أو من الصاحلني سواء كان من اجلن، أو من اإلنس،

واألولياء، أو أيا كان، فاهلل ال يقبل أن يشرك معه يف عبادته أحد كائنا من كان، وال تفريق يف ذلك بني األصنام وبني األولياء والصاحلني واألضرحة كله داخل يف قوله تعاىل: {وال يشرك بعبادة

أحدا} . ربه قال: "عن أيب هريرة مرفوعا. قال هللا تعاىل: أنا أغىن الشركاء عن الشرك من عمل عمال أشرك

فيه غريي تركته وشركه" رواه مسلم. عليه وسلم قوله: "قال هللا تعاىل" هذا حديث قدسي، واحلديث القدسي: ما يرويه النيب صلى اهلل

لقدسي: نسبة إىل القدس، وهو التطهري والتنزيه، ألن هللا مقدس ومنزه عن عن ربه عز وجل، وا صفات النقص.

عليه واحلديث القدسي: ما كان من كالم هللا عز وجل لفظه ومعناه ورواه عنه رسوله صلى اهلل وسلم. فالفرق بينه وبني احلديث النبوي:

ومعناه مرويا عن هللا سبحانه وتعاىل.أن احلديث القدسي: ما كان لفظه عليه وسلم. وأما احلديث النبوي فهو: ما كان معناه من هللا ولكن لفظه من الرسول صلى اهلل

)} .٤) إن هو إال وحي يوحى(٣قال هللا تعاىل: {وما يـنطق عن اهلوى( إثبات أن هللا يتكلم كما يليق جبالله سبحانه وتعاىل.فقوله: "قال هللا تعاىل" هذا فيه

"أنا أغىن الشركاء عن الشرك" هللا سبحانه وتعاىل غين عن عبادة خلقه، وإمنا أمرهم بعبادته م هلل من م من هللا إال العبادة، فعباد م حمتاجون إىل هللا عز وجل وال يقر ملصلحتهم هم، أل

ن يغفر هللا هلم، وأن يرزقهم، وأن يدخلهم اجلنة، فاملصلحة من أجل مصلحتهم، من أجل أم عائدة إليهم، أما هللا سبحانه وتعاىل فإنه ال تنفعه طاعة الطائعني وال تضره معصية عباد

وال العاصني، وإمنا هو النافع الضار، وهلذا يقول سبحانه وتعاىل: {إن تكفروا فإن هللا غين عنكم يـرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يـرضه لكم} ، ويقول سبحانه وتعاىل

)٢/٩٤(

وعن أيب سعيد مرفوعا: "أال أخربكم مبا هو أخوف عندي من املسيح الدجال؟ " قالوا: بلى. أمحد. قال: "الشرك اخلفي، يقوم الرجل فيزين صالته لما يرى من نظر رجل إليه" رواه

ـــــــــــــــــــــــــــــيعا -عليه الصالة والسالم -حكاية عن موسى تم ومن يف األرض مج : {وقال موسى إن تكفروا أنـ

يد( )} .٨فإن هللا لغين محول: "يا عبادي، ويف احلديث القدسي الذي رواه أبو ذر رضي هللا عنه: أن هللا سبحانه وتعاىل يق

لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك يف ملكي شيئا، ولو كان أولكم وآخركم وجنكم وإنسكم كانوا على أفجر قلب رجل منكم ما

نقص ذلك من ملكي شيئا" .ا ويرجع خريها إليهم، أما هللا جل وعال فهو غين عنها، ومن باب إذا، فعبادة الناس هلل يرجع ثوا

أوىل: من عمل عمال أشرك مع هللا فيه فإنه سبحانه وتعاىل غين ال يقبل ما فيه شرك، وإمنا يتقبل اخلالص ملصلحة العباد.

وهذا يدخل فيه الرياء، فمن عمل عمال ودخله الرياء والقصد لغري هللا سبحانه وتعاىل فإن هللا ه وال يقبله منه.يرده علي

وهذا وجه الشاهد من احلديث للباب. ويف قوله: "تركته وشركه" دليل على أن الشرك حيبط العمل سواء كان أكرب أو أصغر.

والشاهد منه للباب: أن الرياء نوع من الشرك يرد العمل الذي خالطه على صاحبه، وال يقبله هللا.

كم مبا هو أخوف عندي من املسيح الدجال قالوا: بلى. قال: وعن أيب سعيد مرفوعا: "أال أخرب قال الشرك اخلفي. يقوم الرجل فيزين صالته ملا يرى من نظر رجل إليه" .

قوله: "وعن أيب سعيد" أبو سعيد هو أبو سعيد اخلدري، مالك بن سنان اخلدري الصحايب اجلليل املشهور، رضي هللا تعاىل عنه.

عليه وسلم."مرفوعا" املرفوع: ما كان من كالم النيب صلى اهلل عليه وسلم: "إال أخربكم مبا هو أخوف عليكم عندي من املسيح الدجال؟" هذا قوله صلى اهلل

عليه وسلم خرج إىل أصحابه وهم يتحدثون عن احلديث له سبب وهو: أن النيب صلى اهلل الدجال

)٢/٩٥(

وعن فتنته، وكانوا خائفني منه، فقال: "أال أنبئكم مبا هو أخوف عليكم عندي من املسيح الدجال؟" احلديث.

فأجابوا و"قالوا: بلى" وهذا فيه: مشروعية التعليم عن طريق السؤال واجلواب، ألنه يكون أوقع طريقة السؤال حىت يتطلعوا إىل يف الذهن، فإذا أراد أن يعلم أصحابه شيئا مهما ألقاه على

اجلواب مث يلقي عليهم اجلواب."قال: "الشرك اخلفي، يقوم الرجل فيصلي فيـزين صالته لما يرى من نظر رجل إليه" هذا فيه: أن الرياء شرك خفي، ووجه كونه خفيا: أنه يف النيات واملقاصد وأعمال القلوب، وهذه ال يعلمها إال

حانه وتعاىل، ال أحد يعلم النيات ويعلم املقاصد إال هللا سبحانه وتعاىل.هللا سب عليه وسلم خافه على أفضل هذه األمة ويف احلديث دليل على خطورته، ألن النيب صلى اهلل

عليه وسلم خيافه عليهم أشد مما خي اف عليهم من وهم الصحابة، فكيف بغريهم، وأنه صلى اهلل فتنة املسيح الدجال، ألنه قل من يسلم منه.

فإمنا ضرره على الذين يعاصرونه -وقانا هللا وإياكم من فتنته- أما املسيح الدجال مع عظم فتنته وخيرج وهم أحياء، أما الرياء فهذا خطره على اجلميع يف كل عصر، يف كل وقت.

الذي خيرج يف آخر الزمان، وخروجه من عالمات الساعة، واملسيح الدجال هو: مسيح الضاللة ومسي باملسيح ألنه ممسوح العني، أعور، وقيل: مسي باملسيح لسرعة سريه يف األرض، يعين: ميسح

األرض بسرعة، وهو: مسيح الضاللة، األعور الدجال، وما من نيب إال حذر أمته من الدجال، عليه وسلم أكثر وأشد من حتذير من سبقه، ألنه أقرب إىل عهده ممن وكان حتذير نبينا صلى اهلل

عليه الصالة - سبقه، فهو خيرج يف آخر الزمان، ويتبعه اليهود، مث ينزل املسيح عيسى ابن مرمي يف فلسطني، وعند ذلك يكفي هللا - مسيح اهلداية فيقتل هذا الدجال بباب لد -والسالم

ه، وعند ذلك ينتصر املسلمون على اليهود، ويظهر حكم اإلسالم يف األرض، املسلمني شر ويظهر احلق، لكن بعد احملنة وبعد الشدة.

عليه وسلم شرع لنا أن نستعيذ منه يف كل تشهد أخري يف الصالة، فقال: والنيب صلى اهلل

)٢/٩٦(

عذاب القرب ومن فتنة احمليا واملمات، ومن فتنة "استعيذوا باهلل من أربع: من عذاب جهنم ومن املسيح الدجال" .

يدالن على مسائل عظيمة: - اآلية واحلديثان -فهذه النصوص عليه وسلم بشر، ليس له من الربوبية املسألة األوىل: اآلية تدل على أن الرسول صلى اهلل

عليه وسلم، ويعتقدون فيه واأللوهية شيء، ففيه: الرد على الذين يغلون يف حق النيب صلى اهلل عليه وسلم من دون هللا بالدعاء واالستغاثة شيئا من صفات الربوبية، ويتعلقون به صلى اهلل

وطلب احلاجات، وتفريج الكربات، وهذا شرك أكرب. عليه وسلم بعث املسألة الثانية: يستفاد من اآلية مسألة عظيمة و هي: أن الرسول صلى اهلل

بالدعوة إىل التوحيد والنهي عن الشرك باهلل عز وجل، كمهمة غريه من األنبياء واملرسلني. وهذه هي املهمة العظمى، وهي قضية القضايا.

هذا حمل الشاهد منها املسألة الثالثة: تدل اآلية الكرمية على وجوب اإلخالص يف العمل هلل، و للباب.

املسألة الرابعة: يف حديث أيب هريرة رضي هللا عنه أن هللا سبحانه وتعاىل غين عن عبادة اخللق، ولو أشرك الناس كلهم، أو كفروا كلهم، مل ينقص ذلك من ملكه شيئا.

ه وعدم املسألة اخلامسة: يف حديث أيب هريرة: التحذير من الشرك يف العمل، وأنه سبب لرد قبوله سواء كان شركا أكرب أو شركا أصغر، ومنه الرياء.

املسألة السادسة: فيه إثبات أن هللا جل وعال يتكلم كما يشاء سبحانه وتعاىل، والكالم ثابت له سبحانه، صفة فعلية كسائر صفاته الفعلية تليق جبالله، ليس مثل كالم املخلوقني، بل هو كالم

الله سبحانه وتعاىل.يليق جباملسألة السابعة: يف حديث أيب سعيد رضي هللا عنه: التحذير من الرياء، وبيان تفسريه، فإن النيب

عليه وسلم فسره يف قوله: "يقوم الرجل فيصلي فيـزين صالته لما يرى من نظر رجل صلى اهلل إليه" .

د: أن الشرك ينقسم إىل شرك ظاهر وشرك خفي، حيث قال املسألة الثامنة: يف حديث أيب سعي عليه وسلم: "الشرك اخلفي" فهذا دليل على أن هناك شركا ظاهرا، وهو الشرك يف صلى اهلل

األعمال الظاهرة كالركوع والسجود والدعاء والذبح والنذر. فإذا صرفت هذه العبادات لغري هللا صار شركا ظاهرا.

)٢/٩٧(

أما الرياء فإنه شرك خفي يكون يف القلوب واملقاصد، وهلذا جاء يف احلديث: "الشرك يف هذه األمة أخفى من دبيب النملة السوداء على صفاة سوداء يف ظلمة الليل" ، وكفارته أن يقول:

م" ."اللهم إين أعوذ بك أن أشرك بك شيئا وأنا أعلم، وأستغفرك من الذنب الذي ال أعل وكان الصحابة خيافون من هذا الشرك.

وهكذا كلما قوي إميان العبد قوي خوفه من الرياء، وخوفه من مجيع الشرك،

)٢/٩٨(

[الباب السابع والثالثون:] * باب من الشرك إرادة اإلنسان بعمله الدنيا

يا وزينتـه نـ ا نـوف إليهم أعماهلم فيها} اآلية.وقول هللا تعاىل: {من كان يريد احلياة الد ـــــــــــــــــــــــــــــ

أنه خرب ملبتدأ حمذوف تقديره:هذا باب. -كما سبق وتكرر -قوله رمحه هللا: "باب" هذا "من الشرك" أي: من أنواع الشرك، واملراد: الشرك األصغر.

يعمل العمل الذي شرع لآلخرة وهو ال يريد به إال طمع "إرادة اإلنسان بعمله الدنيا" ومعناه: أن الدنيا، كأن جياهد من أجل املغنم، أو يتعلم من أجل الرئاسة والوظيفة، أو حيج أو يعتمر من أجل

أخذ املال، وهكذا.والفرق بني هذا الباب والذي قبله: أن الباب الذي قبله يف الرياء وهذا يف إرادة اإلنسان بعمله

ما شرك خفي، ألن اإلرادة والقصد من الدنيا ، ومها جيتمعان يف العمل لغري وجه هللا، ويف أأعمال القلوب، فهما جيتمعان يف هذا، لكن يفرتقان يف أن الرياء يراد به اجلاه والشهرة، وأما

طلب الدنيا فرياد به الطمع والعرض العاجل، قالوا: والذي يعمل من أجل الطمع والعرض قل من الذي يعمل للرياء، ألن الذي يعمل للرياء ال حيصل له شيء، وأما الذي يعمل العاجل أع

من أجل الدنيا فقد حيصل له طمع يف الدنيا ومنفعة يف الدنيا، ولكن كالمها خاسر عند هللا سبحانه وتعاىل، حيث أن كال منهما أشرك يف نيته وقصده، فهما جيتمعان من وجه ويفرتقان من

وجه.يا} أي: من كان يقصد بعمل اآلخرة عرض قوله: نـ "وقول هللا تعاىل: { من كان يريد احلياة الد الدنيا.

يا} . نـ " {وزينتـها} " زينة الدنيا وهي املال والولد، كما قال تعاىل: {المال والبـنون زينة احلياة الد فيها} هذا جواب الشرط، أي: نعطه من الدنيا ما أراد وما{نـوف إليهم أعماهلم

)٢/٩٩(

عليه وسلم: "تعس عبد الدينار، تعس ويف الصحيح عن أيب هريرة قال: قال رسول هللا صلى اهللعبد الدرهم، تعس عبد اخلميصة، تعس عبد اخلميلة؛ إن أعطي رضي، وإن مل يـعط سخط، تعس

تكس، وإذا شيك فال انتقش .وان ـــــــــــــــــــــــــــــ

لنا له فيها ما قصد إذا شئنا ذلك، استدراجا له، ومعاملة له مبا قصد، كما يف قوله تعاىل: {عج نشاء لمن نريد} .

{وهم فيها ال يـبخسون} : ال ينقصون.م يعطون يف الدنيا ما {أولئك الذين ليس هلم يف اآلخرة إال النار} بيان لعاقبتهم، حيث ذكر أ

م مل يريدوا اآلخرة، واآلخرة إمنا م حيرمون من الثواب، أل أرادوا وما طلبوا، وأما يف اآلخرة فإو مؤمن فأولئك كان سعيـهم حتصل ملن أرادها: {ومن أراد اآلخرة وسعى هلا سعيـها وه

)} .١٩مشكورا(عوا فيها} أي: يف اآلخرة ما صنعوه يف الدنيا. {وحبط ما صنـ

{وباطل ما كانوا يـعملون} البطالن يكون يف الدنيا، واحلبوط يكون يف اآلخرة، يف الدنيا أعماهلم ا بدون قصد خالص لوجه هللا، فإذا جاءت اآلخرة حبطت أعماهلم. واحلبط يف اللغة: باطلة أل

انتفاخ الشيء، ومنه: انتفاخ البعري، إذا أكل من أول الربيع فإنه ينتفخ وميوت. قال: "ويف الصحيح" أي: يف "صحيح البخاري" يف باب اجلهاد.

عليه وسل م: "تعس" يعين: هلك، قال تعاىل: "عن أيب هريرة قال: قال رسول هللا صلى اهلل {والذين كفروا فـتـعسا هلم} يعين: هالكا، فالتعس: اهلالك.

"عبد الدينار، تعس عبد الدرهم" الدينار هو: النـقد املضروب من الذهب، والدرهم هو: النقد املضروب من الفضة.

وفيه خطوط محر."عبد اخلميصة" اخلميصة: كساء يلبس، لونه أسود ا ذات مخل يعين: ذات أهداب، مساهم عبيدا "عبد اخلميلة" اخلميلة: القطيفة، مسيت مخيلة ألم يعملون هلا، فصاروا عبيدا هلا، أما الذي يعمل من أجل وجه هللا فهو عبد هلل هلذه األشياء أل

سبحانه وتعاىل.

)٢/١٠٠(

عطي رضي، وإن مل يعط سخط" هذه عالمة الذي يعمل من أجل مث ذكر عالمتهم، فقال: "إن أ الدنيا، أنه إن أعطي منها رضي وإن مل يعط منها مل يرض، كما قال هللا سبحانه وتعاىل يف

ه ها رضوا وإن مل يـعطوا منـ هم من يـلمزك يف الصدقات فإن أعطوا منـ ا إذا هم املنافقني: {ومنـ )} .٥٨يسخطون(

أما املؤمن فإنه إن أعطي شكر، وإن مل يعط فإنه يصرب وال يسخط، ألنه يعمل هلل ال يعمل من أجل الدنيا، وبعضهم حيب أن يعطى من الدنيا شيئا، فقد كان بعض الصحابة ال يرضى أن يعطى

ا يف من الدنيا شيئا، وال يطلب شيئا، ألنه يريد الدار اآلخرة، من باب حفظ أعماهلم ورجاء ثوام شيئا، ولكن من أعطي من غري تشوف، ومن الدار اآلخرة، فال حيبون أن يتعجلوا من حسنا

غري طمع، ومن غري طلب، فإنه يأخذ، كما يف احلديث: "ما جاءك من هذا املال وأنت غري مستشرف له فخذه، وما ال فال تـتبعه نفسك" .

فاملؤمن سيان عنده؛ يعطى من الدنيا أو ال يعطى، وال ينقص ذلك من عمله هلل شيئا، ألنه حيب عليه وسلم يعطي بعض الناس وهو يبغضهم من أجل هللا ورسوله، وهلذا كان النيب صلى اهلل

م، تأليفهم، واخلوف عليهم من النفاق والردة، ومينع ناسا هم أحب الناس إليه ويكلهم إىل إميام ال يتأثرون إذا مل يعطوا، وهذه عالمة املؤمن: أنه باق على م، وأ م وعقيد ألنه واثق من إميا

إميانه ويقينه أعطي من الدنيا أو مل يعط، أما صاحب الدنيا فهذا إن أعطي منها رضي وإن مل يعط منها سخط، فهو يرضى هلا ويغضب هلا.

هو الشاهد من احلديث: أنه مساه عبدا هلذه األشياء مع أنه مسلم مؤمن، ولكن لما كان وهذا يعمل ويريد هذه األشياء صار عبدا هلا، وهذه عبودية شرك، لكنه شرك أصغر ال خيرجه من

اإلميان، ولكنه ينقص توحيده وينقص إميانه.نـتكس" يعين: كلما متاثل للشفاء عاد إليه املرض مث أعاد الدعاء عليه مرة ثانية فقال: "تعس وا

وعاد عليه اهلالك."وإذا شيك فال انتقش" أي: أنه يصاب بالعجز حىت إذا ضربته الشوكة يف رجله أو يف يده ال

يستطيع أخذها من العجز الذي أصابه، عقوبة له يف أنه إمنا يعمل من أجل الدنيا.

)٢/١٠١(

ان فرسه يف سبيل هللا، أشعث رأسه، مغربة قدماه، إن كان يف احلراسة كان يف طوىب لعبد آخذ بعن احلراسة، وإن كان يف الساقة كان يف الساقة، إن استأذن مل يؤذن له، وإن شفع مل يشفع" .

ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم: "طوىب" مث بني الفرق بني الذي يعمل لآلخرة والذي يعمل للدنيا فقال صلى اهلل

ا اجلنة نفسها، ا شجرة يف اجلنة ظلها مسرية مائة عام منها ثياب أهل اجلنة، وقيل: إ قيل: إ

فاجلنة يقال هلا طوىب، فطوىب من أمساء اجلنة أو شجرة فيها. عليه وسلم هلذا الشخص بأن يكون من أ هل اجلنة.وهذا دعاء من الرسول صلى اهلل

"لعبد آخذ بعنان فرسه" العنان: اللجام."يف سبيل هلل" يعين: للجهاد يف سبيل هللا، دائما معد نفسه ومعد فرسه للجهاد يف سبيل هللا،

يرتقب الغزوات والسرايا، وحيب اجلهاد يف سبيل هللا، وال حيب الراحة والرفاهية، وإمنا حيب فهذا على أجر وإن مل جياهد، ألن له ما نوى، ما دام أنه حبس نفسه وفرسه اجلهاد يف سبيل هللا،

عليه وسلم: "إمنا األعمال بالنيات" وأعد نفسه، فإنه يف سبيل هللا وإن مل جياهد، لقوله صلى اهلل.

ية ويعتين بنفسه "أشعث رأسه، مغربة قدماه" هذه الصفة األوىل هلذا العبد اجملاهد مل يتفرغ للرفاه عليه آثار اجلهاد يف سبيل هللا من الشعث والغبار.

"إن كان يف احلراسة كان يف احلراسة، وإن كان يف الساقة كان يف الساقة" هذه صفة ثانية، أي: أنه ال يبايل بنوع العمل الذي يشتغل فيه، بل يطيع ويل األمر وقائد اجليش، سواء أمره أن يكون يف

، ال يقول: أكون مع أول الناس، -يعين: يف آخر اجليش -أمره أن يكون يف الساقةاحلراسة أو بل ميتثل األوامر، ويطيع ويل أمر املسلمني يف اجلهاد، وال ينظر إىل مكانه هل هو مكان مشقة أو

مكان راحة، هل هو مكان بروز، أو مكان مخول، ألنه جياهد ألجل هللا سبحانه وتعاىل.محاية اجليش من أن يهجم عليهم العدو، سواء بالليل أو يف النهار يتطلع إىل "واحلراسة" :

العدو، ويكون حارسا للجيش أن يهجم عليه من اجلهة املخوفة. ""والساقة" آخر اجليش من أجل أن يتفقد العاجز ويتفقد من حيتاج إىل إعانة من اجملاهدين، ألنه

لظهور والربوز أمام الناس، وال يريد هلا الراحة والرفاهية، وإمنا يريد ال يريد لنفسه العز يف الدنيا وا اجلهاد يف سبيل هللا على أي سبيل كان،

)٢/١٠٢(

ال يهمه يف أي موقع وقع ما دام أن هذا يف اجلهاد يف سبيل هللا ويف صاحل املسلمني ويف طاعة ويل األمر.

غري معروف عند الناس، -أيضا -ن شفع مل يشفع" أي: هووقوله: "إن استأذن مل يؤذن له، وإألنه ال حيب الظهور أمام الناس، وال حيب الربوز، ال حيب املدح، بل حيرص على االختفاء، ألنه

يعمل هلل، ولكونه غري معروف إن استأذن للدخول على والة األمور، أو على السالطني، أو على نه غري معروف، والناس إمنا يأذنون لإلنسان املعروف الذي له جاه أصحاب اجلاه، مل يؤذن له، أل

وله مكانة. وهذا ال يضره عند هللا سبحانه ألنه معروف عند هللا عز وجل ألن هللا يعلمه وبعلم مكانه.

"وإن شفع مل يشفع" إن توسط يف قضاء حاجة أحد مل تقبل وساطته، ويف احلديث: "رب أشعث واب لو أقسم على هللا ألبره " ، فهو إنسان ما له هيئة عند الناس، منظره ليس أغرب مدفوع باألب

منظر صاحب هيئة، وخمربه أيضا غري معروف عند الناس، لكنه عند هللا عزيز ألنه يعمل فيما بينه -أن يعطيه كذا وكذا ألبره -يعين: لو حلف على هللا -وبني هللا بإخالص، فلو أقسم على هللا

: ألعطاه ما طلب مع أنه مدفوع باألبواب عند الناس.يعين هذه صفات هذا املؤمن، وهي باختصار:

أوال: أنه معد نفسه للجهاد، واجلهاد دائما يرغب فيه. ثانيا: أنه ال يتفرغ إلصالح هيئته من إصالح شعره ودهنه وجتميل هيئته ألنه مشغول باجلهاد.

ل الذي يتواله يف اجلهاد سواء كان شاقا أو غري شاق، سواء كان بارزا أو وثالثا: أنه ال يبايل بالعم غري بارز، ألنه يعمل هلل، وال يعمل من أجل الظهور، ومن أجل مراءاة الناس.

رابعا: أنه غري معروف عند الناس وعند أصحاب اجلاه، إن استأذن مل يؤذن له يف الدخول، وإن توسط ألحد مل تقبل وساطته، ألنه غري معروف. شفع مل يشفع، أي: إن

)٢/١٠٣(

فهذا فيه: فضل عدم الظهور، وفضل االختفاء باألعمال الصاحلة.وقد ذكر الشيخ حممد بن عبد الوهاب يف بعض أجوبته لما سئل عن هذه اآلية: {من كان يريد

يا وزينتـها نـوف إلي نـ ا تشمل أنواعا:احلياة الد هم أعماهلم فيها} ، أالنوع األول: املشرك والكافر الذي يعمل أعماال صاحلة يف هذه الدنيا من إطعام الطعام وإكرام ا مل اجلار وبر الوالدين والصدقات والتربعات ووجوه اإلحسان، وال يـؤجر عليها يف اآلخرة أل

يا وزينتـها نـوف إليهم أعماهلم تـنب على التوحيد، فهو د نـ اخل يف قوله: {من كان يريد احلياة الدا يف الدنيا، وأما ١٥فيها وهم فيها ال يـبخسون( )} ، فالكافر إذا عمل حسنات فإنه قد جيازى

ا مل تـنب على التوحيد واإلخالص هلل عز وجل.اآلخرة فليس له جزاء عليها عند هللا ألا وجه هللا، وإمنا يريد النوع الثاين: املؤمن الذي يعمل أعماال من أعمال اآلخرة، لكنه ال يريد ا طمع الدنيا، كالذي حيج ويعتمر، عن غريه، يريد أخذ العوض واملال، وكالذي يتعلم ويطلب

عمله باطل يف الدنيا، وحابط يف اآلخرة، العلم الشرعي من أجل أن حيصل على وظيفة. فهذا وهو شرك أصغر.

النوع الثالث: مؤمن عمل العمل الصاحل خملصا هلل عز وجل ال يريد به ماال أو متاعا من متاع الدنيا وال وظيفة، لكن يريد أن جيازيه هللا به، بأن يشفيه هللا من املرض، ويدفع عنه العني، ويدفع

ء، ويكون عمله هذا داخال يف قوله: {من كان عنه األعداء. فإ ذا كان هذا قصده فهذا قصد سييا وزينتـها نـوف إليهم أعماهلم فيها وهم فيها ال يـبخسون( نـ )} . واملفروض يف ١٥يريد احلياة الد

نيا، وتكون مهته عالية. وإذا أراد اآلخرة املسلم: أن يرجو ثواب اآلخرة، يرجو أعلى مما يف الدأعانه هللا على أمور الدنيا، ويسرها له: {ومن يـتق هللا جيعل له خمرجا * ويـرزقه من حيث ال

حيتسب ومن يـتـوكل على هللا فـهو حسبه} .يفسدها بالشرك، كأن يدعو غري هللا من املوتى النوع الرابع: من يعمل أعماال صاحلة مث

وأصحاب األضرحة، كما عليه كثري من املنتسبني لإلسالم اليوم. فيستفاد من هاتني اآليتني ومن هذا احلديث الشريف فوائد عظيمة:

الفائدة األوىل: التحذير من إرادة اإلنسان بعمله الدنيا، وأن ذلك من الشرك

)٢/١٠٤(

، وهو: الشرك اخلفي، وهذا هو الذي عقد الشيخ رمحه هللا هذا الباب من أجله.يف النياتالفائدة الثانية: يؤخذ من اآليتني: أن إعطاء هللا الدنيا لبعض الناس ليس دليال على رضى هللا

: {أولئك الذين عنهم، وهلذا قال: {نـوف إليهم أعماهلم فيها وهم فيها ال يـبخسون} مث قالليس هلم يف اآلخرة إال النار} ، فهذا دليل على أن هذا العطاء عن غري رضى، وأن منع الدنيا عن العبد املؤمن ليس دليال على عدم رضى هللا عنه، فالدنيا ليست مقياسا لرضى هللا وغضبه

وجودا وعدما.يتني الكرميتني: أن العربة ليست يف صورة العمل، وإمنا العربة يف نية الفائدة الثالثة: يؤخذ من اآل

العامل، فإن كانت نية العامل خالصة هلل عز وجل فهذا العمل عمل صاحل، وإن كانت نية العامل غري خالصة لوجه هللا عز وجل فهذا عمل فاسد وإن كانت صورته صورة عمل صاحل، فال تنظر

ق والتربعات واملشاريع، فرمبا يكون من يتصدق بشيء قليل مع نية صاحلة ينال به إىل كثرة اإلنفا عليه وسلم: "اتقوا النار ولو بشق مترة، فمن مل جيد فبكلمة أجرا عظيما، كما قال صلى اهلل

لكن فائدته قليلة أو طيبة" ، فالعمل القليل مع اإلخالص يكون كثريا، ورمبا يكون العمل كثريا عليه وسلم: "إن هللا ال ينظر إىل ليس فيه فائدة أصال نظرا لنية عامله، وهلذا يقول صلى اهلل

صوركم وأموالكم، وإمنا ينظر إىل قلوبكم وأعمالكم" ، فمحل نظر هللا سبحانه وتعاىل إىل القلوب ت، وأعمال اجلوارح أيضا، فالعربة ليست بصورة واألعمال؛ أعمال القلوب من املقاصد والنيا

العمل وإمنا هي بنية العامل.الفائدة الرابعة: يف احلديث دليل على الفرق بني العبد الذي يعمل لوجه هللا والعبد الذي يعمل ألجل الدنيا، ألنه ذكر عبدين: واحدا يعمل ألجل الدنيا وواحدا يعمل ألجل اآلخرة، فالذي

الدنيا إن أعطي رضي، وإن مل يـعط مل يرض، هذه عالمته، خبالف املؤمن فإنه ال يؤثر يعمل ألجل عليه العطاء وعدم العطاء لإلميان الذي يف قلبه، فاحلديث فيه: الفرق بني من يعمل من أجل هللا

ومن يعمل ألجل الدنيا. عليه وسلم مس ى العبد الذي يعمل من أجل مطامع الدنياالفائدة اخلامسة: أن النيب صلى اهلل

)٢/١٠٥(

عبدا هلا، وهذا يقتضي الشرك، ولكنه يف حق املؤمن يكون شركا أصغر ينقص توحيده ويبطل أعماله اليت خالطها هذا القصد السيء.

الفائدة السادسة: يف احلديث: بيان عالمات الذي يعمل من أجل اآلخرة، وهي كما يلي:نه معد نفسه للجهاد دائما وأبدا، ينتظر اجلهاد، ويرغب فيه "آخذ بعنان فرسه يف سبيل أوال: أ

هللا" يف أية ساعة تدعو احلاجة فإنه يبادر باجلهاد يف سبيل هللا.ل شعره ويدهن شعره، بل هو أشعث: "مغربة ثانيا: أنه ال يتفرغ للعناية بنفسه والرفاهية حبيث يرج

رفا يف قدماه" ، ف الغبار عنده مرغوب ألنه يف سبيل هللا، وهذا يدل على أن هذا العبد ليس متـ هذه الدنيا.

يه يف اجلهاد سواء كان شاقا أو سهال، سواء كان الصفة الثالثة: أنه ال يبايل بنوع العمل الذي يؤذكان يف احلراسة، وإن فيه ظهور أمام الناس أو ليس فيه ظهور أمام الناس، "إن كان يف احلراسة

كان يف الساقة كان يف الساقة" يعين: يعمل حيث وضع، ال يتربم وال يتكره لذلك وال يقول ينين، وأنت، وأنت، ألنه ال يعمل من أجل القائد، وال من أجل الناس، وإمنا يعمل للقائد: أنت

من أجل هللا سبحانه وتعاىل.الناس، ألنه خيفي نفسه، وال يريد الظهور، وإمنا يريد إخفاء الصفة الرابعة: أنه غري معروف عند

زوي ويقعد يف داره يف زاوية من الزوايا، بل هو يشتغل نفسه وإخفاء عمله. وليس معناه: أنه يـنـويعمل، ولكنه ال حيب أن يظهر عمله، وال أن تظهر شجاعته، وال أن يظهر إقدامه، وال أن

ألنه يعمل من أجل اآلخرة، ال يريد حممدة عند الناس أو مدحا يعرف جهاده، وال يرغب هذا، عند الناس، وإمنا يريد ثواب هللا سبحانه وتعاىل حبيث إنه إذا استأذن يف الدخول على العظماء ال

يؤذن له ألنه غري معروف، والناس عادة ال يأذنون يف الدخول إال ملن كان معروفا عندهم، وإن

قبل شفاعته، ألن الناس ال يشفعون إال أصحاب اجلاه، وهذا ليس له جاه، لكن شفع ألحد ال ت هذا ال يضره عند هللا سبحانه وتعاىل.

هذه صفات الذي يعمل من أجل اآلخرة، ويعمل لوجه هللا سبحانه وتعاىل.

)٢/١٠٦(

[الباب الثامن والثالثون:] حل هللا أو حتليل ما حرمه هللا فقد اختذهم أربابا * باب من أطاع العلماء واألمراء يف حترمي ما أ

ـــــــــــــــــــــــــــــقال الشيخ رمحه هللا: باب "من أطاع العلماء واألمراء" هذا شرط وجوابه، وذلك ألن التحليل والتحرمي حق هلل سبحانه وتعاىل ال يشاركه فيه أحد، فمن حلل أو حرم من غري دليل من كتاب عليه وسلم فقد جعل نفسه شريكا هلل، ومن أطاعه فقد أشركه هللا أو سنة رسول هللا صلى اهللمع هللا يف التشريع. وليس يف اآلية اليت سيوردها املصنف ذكر لألمراء. وإمنا هو إشارة إىل قوله

)} .٦٧اءنا فأضلونا السبيال (تعاىل: {وقالوا ربـنا إنا أطعنا سادتـنا وكبـر وهذا ما يسمى بشرك الطاعة، ألن العبادة معناها: طاعة هللا سبحانه وتعاىل بفعل أوامره وترك

نواهيه، ومن ذلك: مسألة التحليل والتحرمي، فهي داخلة يف العبادة، بدليل قوله تعاىل لما ذكر ما ا ويقولون: هي أوىل يفعله املشركون من استباحة ما حرمه هللا من امليتة اليت حرمها وهم يستحلو

باألكل من املذكاة، ألن املذكاة أنتم ذحبتموها، وأما امليتة فإن هللا هو الذي ذحبها، وكانوا تلقوا م بآياته هذه املقالة من اجملوس، فأنزل هللا تعاىل: {فكلوا مما ذكر اسم هللا عليه إن كنت

)} إىل قوله تعاىل: {وال تأكلوا مما مل يذكر اسم هللا عليه وإنه لفسق وإن الشياطني ١١٨مؤمنني(ن أطعتموهم يف )} أي: إ١٢١ليوحون إىل أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون(

استباحة امليتة وخالفتم أمر هللا سبحانه وتعاىل برتكها، {إنكم لمشركون} مع هللا يف التحليل والتحرمي.

فطاعة العلماء واألمراء يف مثل هذا شرك، يف حتليل ما حرم هللا أو حترمي ما أحل هللا. فإن كان م خالفوا أمر هللا يف ذلك وتعمد طاعتهم واستباح هذا، فهذا شرك أكرب الذي أطاعهم يعلم أ

خيرج من امللة.وإن كان الذي أطاعهم يعتقد أن هذا حرام، ويعرتف أن هذا خطأ، ولكنه أطاعهم هلوى يف نفسه

أو رغبة يف نفسه مع اعرتافه باملعصية، فهذا شرك أصغر.م خالفوا شرع هللا، بل ظ م على حق، فهذا معذور إن كان وإن كان أطاعهم وهو ال يعلم أ ن أ

مثله جيهل ذلك.وأما طاعة العلماء واألمراء يف غري معصية هللا فهذا أمر واجب، قال هللا تعاىل: {يا أيـها الذين

آمنوا أطيعوا هللا وأطيعوا الرسول وأويل األمر منكم} ، فطاعة العلماء

)٢/١٠٧(

وقال ابن عباس: "يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول هللا صلى اهلل عليه وسلم وتقولون: قال أبو بكر وعمر؟! ".

ـــــــــــــــــــــــــــــ وطاعة والة األمور يف غري معصية هللا أمر أوجبه هللا على الناس.

هم األمراء، وقيل: هم العلماء.و{وأويل األمر} قيل: والصواب: أن اآلية تعين العلماء واألمراء معا، فكلهم من أويل األمر، فالعلماء يبينون األحكام

ا. الشرعية، واألمراء ينفذوفليست طاعة والة األمور ممنوعة مطلقا وال جائزة مطلقا، بل فيها هذا التفصيل الذي البد منه.

هللا خصص حترمي طاعتهم يف حتليل احلرام وحترمي احلالل فقال: "من أطاع العلماء والشيخ رمحه واألمراء يف حترمي ما أحل هللا أو حتليل ما حرم هللا فقد اختذهم أربابا" ومل يعمم حترمي طاعتهم.

لب، قوله: "وقال ابن عباس" هو: حرب األمة، وترمجان القرآن، عبد هللا بن عباس بن عبد املط عليه وسلم. ابن عم النيب صلى اهلل

"يوشك" معناه: يقرب."أن تنزل عليكم حجارة من السماء" عقوبة لكم كما نزلت احلجارة على من كان قبلكم ممن

خالفوا الرسل. عليه وسلم، وتقولون: قال أبو بكر وعمر" ه ذا هو السبب "أقول: قال رسول هللا صلى اهلل الذي يوجب نزول احلجارة وهو طاعة العلماء واألمراء فيما خيالف شرع هللا.

قال ابن عباس رضي هللا عنهما هذه املقالة لما بلغه أن أبا بكر وعمر رضي هللا عنهما اخلليفتني عل يه وسلم أمر بفسخ الراشدين، كانا ال يريان فسخ احلج إىل العمرة، بينما رسول هللا صلى اهلل

احلج إىل العمرة ملن مل يسق اهلدي.فهذا عند عبد هللا بن عباس رضي هللا عنهما يدل على وجوب فسخ احلج إىل العمرة ملن مل يسق

عليه وسلم، ألنه أمر بذلك أصحابه وأكد عليهم، ولما اهلدي، عمال بأمر الرسول صلى اهلللف ذلك اخلليفتان الراشدان أبو بكر وعمر، ورأيا أنه ال جيب فسخ احلج إىل العمرة، بل خا

املضي يف اإلفراد أفضل، من أجل أن ال يـهجر البيت يف بقية السنة، ألن احلاج إذا مجع بني ن احلج والعمرة يف سفر واحد، فهذا مما يسبب أن ال يأيت الناس مرة أخرى للعمرة، بل يكتفو

بسفر واحد.

)٢/١٠٨(

وقال أمحد بن حنبل: "عجبت لقوم عرفوا اإلسناد وصحته يذهبون إىل رأي سفيان، وهللا تعاىل نة أو يصيبـهم عذاب أليم} . ليحذر الذين خيالفون عن أمره أن تصيبـهم فتـ يقول: {فـ

ـــــــــــــــــــــــــــــهذه وجهة نظرمها رضي هللا عنهما، وهي مسألة اجتهادية، ولكن االجتهاد إذا خالف الدليل فإنه

ال جيوز العمل به.فإذا كان ابن عباس ينكر على من أخذ برأي اخلليفتني الراشدين أيب بكر وعمر، ألنه اجتهاد

يف التحليل والتحرمي من خمالف للنص، وأن ذلك يوجب العقوبة، فكيف بطاعة العلماء واألمراء غري دليل؟.

ا هي املنتهى بعد كتاب عليه وسلم، وأ وهذا مما يدل على وجوب احرتام سنة الرسول صلى اهللهللا عز وجل، وأنه إذا حصل اجتهاد من اجملتهدين جيب عرضه على كتاب هللا وسنة رسوله صلى

عليه وسلم، فما قام عليه الدليل أخذناه، وما خالف الدليل تركناه، وإن كان قائله من أفضل اهلل الناس، كأيب بكر وعمر، فضال عن غريمها.

واالجتهاد سائغ، وهو "استنباط األحكام الشرعية من أدلة الكتاب والسنة"، ولكن عند التطبيق علم، فال جيوز لنا أن نأخذ ما خالف ال جيوز لنا أن نأخذ إال ما قام عليه الدليل من أقوال أهل ال

الدليل إما تعصبا لصاحبه، وإما ألنه يوافق أهواءنا، ويوافق رغباتنا، بل املدار على الكتاب ر ذلك آلخ والسنة: {فإن تـنازعتم يف شيء فـردوه إىل هللا والرسول إن كنتم تـؤمنون باهلل واليـوم ا

ر وأحسن تأويال} . خيـوالعامي يسأل أهل العلم، ويأخذ بقوهلم، لقوله تعاىل: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم ال تـعلمون}

. قوله: "وقال أمحد" هو: اإلمام أمحد بن حنبل، إمام أهل السنة، الصابر على احملنة.

عجب استنكار.قال رمحه هللا: "عجبت" ت"لقوم عرفوا اإلسناد وصحته" يعين: عندهم علم باألدلة، واإلسناد هو: سلسلة الرواة الذين

عليه عليه وسلم من لدن الراوي إىل الرسول صلى اهلل يروون احلديث عن رسول هللا صلى اهلل يسمى بالعايل والنازل. وسلم، سواء قصر السند أو طال، وهو ما

)٢/١٠٩(

واإلسناد حيتاج إىل دراسة ملعرفة رواته من حيث الثقة واحلفظ واإلتقان، وعدم ذلك، فإذا توفر يف ايته مع السالمة من الشذوذ والعلل فهو السند أن راويه عدل تام الضبط من بداية السند إىل

إىل احلسن أو إىل الضعيف. صحيح وإن نقص شيء من ذلك نزل عن درجة الصحيحم يعرفون صحة والعلماء هم الذين مييزون ذلك ويعرفونه، فالذين بلغوا من العلم حبيث أ

م جيب عليهم األخذ بالدليل، ألن صحة اإلسناد عليه وسلم فإ اإلسناد إىل رسول هللا صلى اهلللى صحة املنت، كما هو مدلول عبارة اإلمام أمحد تدل على صحة املسند، فصحة السند تدل ع

هذه.ويف هذا رد على بعض املتشدقني من بعض العصريني العقالنيني الذين يقولون: حىت لو صح

اإلسناد فهذا ال يدل على صحة املنت، وينتقدون أحاديث يف "صحيح البخاري" صحت ا ختالف عقوهلم القاصرة. أسانيدها أل

عليه وسلم ألنه خيالف أهواءهم وهذا جلهلهم، أو لتجرئهم على كالم رسول هللا صلى اهلل وخيالف عقوهلم.

عليه وسلم خيضع للعقول، إنه جيب على من يؤمن يا سبحان هللا! كالم رسول هللا صلى اهلل عليه وسلم أن يقد م قوله ويعتقده ويعمل به بدون مناقشة، وبدون جدال: بالرسول صلى اهلل

} .{وما كان لمؤمن وال مؤمنة إذا قضى هللا ورسوله أمرا أن يكون هلم اخليـرة من أمرهم وإمنا خيضعه ومن معىن شهادة أن حممدا رسول هللا: تصديقه فيما أخرب. فمن مل يصدق ما أخرب به

؛ فهذا كأنه مل يؤمن -كما يسمونه-هلواه، وخيضعه لقواعده املنطقية أو العقلية أو للعلم احلديث عليه وسلم، فاألمر خطري جدا، مع العلم أن النقل الصحيح ال خيالف أنه رسول هللا صلى اهلل

ال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه هللا.العقل الصريح، فإن اختلفا ففي أحدمها خلل، كما ق عليه وقوله: "يذهبون إىل رأي سفيان" يعين: يرتكون ما صح به اإلسناد عن رسول هللا صلى اهلل

وسلم ويذهبون إىل رأي سفيان، وهو اإلمام اجلليل الفقيه الزاهد املتقن، سفيان بن سعيد الثوري، تهاد، وله مذهب يف الفقه، لكنه انقرض بسبب أنه مل يكن له أتباع كان فقيها، حمدثا، وله اج

حيفظونه ويتدارسونه كما كان لألئمة األربعة، وقد

)٢/١١٠(

نقل كثري من مذهبه يف موسوعات الفقه، كـ "املغين"، وكـ "احمللى" البن حزم، وكتب التفسري، لفقه واحلديث والتفسري، رمحه هللا.وشروح احلديث، ألنه إمام جمتهد، وله باع طويل يف ا

عليه وسلم، وهو ولكن هو كغريه من األئمة، ال جيوز أن يقدم قوله على قول الرسول صلى اهلل رمحه هللا ال يرضى بذلك، كغريه من األئمة ال يرضون بذلك.

" يعين: رسول هللا صلى وهلذا يقول اإلمام مالك: "كلنا راد ومردود عليه إال صاحب هذا القرب عليه وسلم. اهلل

ويقول اإلمام الشافعي: "إذا صح احلديث فهو مذهيب"، ويقول: "إذا خالف قويل قول رسول هللا عليه وسلم فخذوا بقول رسول هللا واضربوا بقويل عرض احلائط"، ويقول رمحه هللا: صلى اهلل

عليه وسلم مل يكن له أن "أمجع املسلمون على أن من استبانت له سنة رسول هللا صلى اهلل يدعها لقول أحد كائنا من كان".

ويقول اإلمام مالك رمحه هللا: "أو كلما جاءنا رجل أجدل من رجل تركنا ما نزل به جربيل على عليه وسلم جلدل هؤ الء؟".حممد صلى اهلل

واإلمام أمحد يقول هذه املقالة: "عجبت لقوم عرفوا اإلسناد وصحته يذهبون إىل رأي سفيان". عليه وسلم فعلى واإلمام أبو حنيفة رمحه هللا يقول: "إذا جاء القول عن رسول هللا صلى اهلل

ء عن التابعني فنحن رجال الرأس والعني، وإذا جاء عن الصحابة فعلى الرأس والعني، وإذا جاوهم رجال"، ألنه رمحه هللا كان من أتباع التابعني، وتتلمذ على التابعني، فأبو حنيفة هو أقدم

األئمة األربعة، بل يقال: إنه أخذ عن بعض الصحابة، ولكن هذا مل يـثبت، فهو يقول هذه عليه وسل م على الرأس والعني، وال يقدم عليه قول أحد، مث املقالة، يقدم قول الرسول صلى اهلل

عليه وسلم يقدم قول الصحاب. وال يعدل بالصحايب أحدا ممن جاء بعد قول الرسول صلى اهلل بعده، وأما من بعد الصحابة فيقول: "حنن رجال وهم رجال"، يعين: متساوين يف املدارك والعلم.

م - هم هللارمح -هذه مقاال تدل على أن الواجب هو األخذ مبا صح عن رسول هللا صلى اهلل عليه وسلم، وأن اجتهادات العلماء يستفاد منها وتدرس، ولكن إذا خالف الدليل

)٢/١١١(

ليل شيء منها فيجب األخذ بالدليل، وال جيوز التعصب لقائله، فإن تعصب أحد لقول خيالف الدم أربابا من دون هللا. وقع يف هذا احملظور، وصار من الذين اختذوا أحبارهم ورهبا

وحنن ال نرفض الفقه كما يظن بعض اجلهال أو بعض املبتدئني، بل نعتربه ثروة عظيمة، فيها علم

م علينا غزير، فندرس الفقه ولكن ال نأخذ منه إال ما قام دليله، وما علمنا أنه خالف الدليل حر األخذ به، مع اعتذارنا لقائله، واحرتامه، ألنه مل يتعمد املخالفة، واجملتهد خيطئ ويصيب، فإن

أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد. واخلطأ مغفور، كما صح بذلك احلديث. والناس على أربعة أقسام:

لسنة ويستنبط من الكتاب القسم األول: من يستطيع االجتهاد املطلق بأن يأخذ من الكتاب وا والسنة وال يقلد أحدا.

وهذا أعلى الطبقات، ولكن هذا إمنا يكون ملن توفرت فيه شروط االجتهاد املعروفة، بأن يكون ا عليه وسلم، وأن يكون عاملا بلغة العرب اليت نزل عاملا بكتاب هللا وبسنة رسول هللا صلى اهلل

ن يكون عاملا باحملكم واملتشابه وبالناسخ واملنسوخ، واملطلق واملقيد، واخلاص والعام، القرآن، وأويكون عنده معرفة مبدارك االستنباط، أعين: لديه مؤهالت، فهذا جيتهد. وهذا الصنف كاألئمة األربعة: أيب حنيفة، ومالك، والشافعي، وأمحد، وسفيان الثوري، واألوزاعي، هؤالء أعطاهم هللا

ملكة االجتهاد.الصنف الثاين: من ال يستطيع االجتهاد املطلق، ولكنه يستطيع الرتجيح بني أقوال أهل العلم بأن

يعرف ما يقوم عليه الدليل وما ال يقوم عليه الدليل من أقواهلم.فهذا جيب عليه األخذ مبا قام عليه الدليل وترك ما خالف الدليل وهذا العمل يسمى بالرتجح

ويسمى باالجتهاد املذهيب. الصنف الثالث: من ال يستطيع الرتجيح.

فهذا يعترب من املقلدين، ولكن إذا عرف أن قوال من األقوال ليس عليه دليل

)٢/١١٢(

فال يأخذ به، أما ما دام ال يعرف ومل يتبني له خمالفة، فال بأس أن يقلد ويأخذ بأقوال أهل العلم املوثوقني.

صنف الرابع: من ال يستطيع األمور الثالثة: ال االجتهاد املطلق، وال الرتجيح، وال التقليد وال .-مثال -املذهيب كالعامي

فهذا جيب عليه أن يسأل أهل العلم كما قال هللا تعاىل: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم ال ه من أهل العلم، ممن يثق بعلمه وعمله ويأخذ تـعلمون} ، فيسأل أوثق من يرى، ومن يطمئن إلي

بفتواه. هذه أقسام الناس يف هذا األمر.

ومن هنا علمنا أن األمر ليس مبرتوك ومفلت، كل واحد ينصب نفسه منصب األئمة ومنصب اجملتهدين، ويغلط العلماء، ويرجح من غري علم.ا مرفوضا. وهذا ليس من آداب طلبة العلم أو يزهد يف الفقه وأقوال الفقهاء، ويعتربها شيئ

املريدين للحق.والواجب على اإلنسان: أن يعرف قدر نفسه، فال جيعل نفسه يف مكانة أعلى مما تستحقها، بل

األمر أخطر من ذلك وهو أن خياف من هللا سبحانه وتعاىل ألن األمر أمر حتليل وحترمي وجنة حيسن اخلروج منها.ونار، فال يورط نفسه يف أمور ال

واجملتهد إذا توفرت فيه شروط االجتهاد فإن أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد، ألنه يريد احلق، ولكنه مل يستطع الوصول إليه بعد بذل جمهوده، بذل جمهوده وحترى احلق ومل يصل

عليه وسلم: "إذا اجتهد احلاكم فأصاب فله أجران، وإن اجتهد إليه، فهو معذور، قال صلى اهللفأخطأ فله أجر واحد" ، لكن مع كونه معذورا ومأجورا يف اخلطأ ال جيوز لنا أن نأخذ بقول نرى أنه خطأ، بل جيب علينا أن نأخذ بالقول الصواب، سواء كان هذا القول الصواب يف املذهب

م ال يقلدون على خطأ، بل الذي نقلده، أو يف مذهب آخر، هذا هو طريق أهل احلق، أ يأخذون ما ترجح بالدليل ولو مل يكن عليه إمامهم.

إمام هذه الدعوة ومؤلف هذا الكتاب الشيخ حممد بن عبد الوهاب - وهلل احلمد -وهلذا وتالميذه ومن جاء بعده من علماء هذه البالد ينهجون هذا املنهج،

)٢/١١٣(

ولكن ليس معىن هذا أننا نأخذ كل ما يف املذهب احلنبلي بدون متحيص، ويقولون: حنن حنابلة، بل إذا قام الدليل على قول من األقوال أخذنا به ولو مل يكن يف املذهب احلنبلي، كاملذهب

املالكي، أو املذهب الشافعي، أو املذهب احلنفي، ألننا ننشد الدليل، وال مينع هذا أن يكون أخذ بقول قام عليه الدليل خيالف قول ابن حنبل أخذ به ألن إمامه أرشده اإلنسان حنبليا وإذا

إىل هذا، فقال له: خذ ما قام عليه الدليل، وال تقلدين على خطأ، كل األئمة يقولون هذا، ما أحد منهم ادعى العصمة أو ادعى الكمال أو قال للناس ال ختالفوا مذهيب أبدا، بل هم حيذرون

فأنت إذا أخذت بالدليل فإنك موافق إلمامك الذي تقلده، أما إذا أخذت اخلطأ فأنت من هذا، خمالف إلمامك وإن كنت تزعم التعصب له.

ا، فنتجنب اإلفراط والتفريط، ال نكون مع الذين يرفضون تم فهذه مسألة جيب علينا أن لذين أخذوا بالفقه، وال هم الذين حيسنون الفقه، ويقولون: هذه أقوال رجال، فيضيعون، فال هم ا

االستنباط واالستدالل، فضاعوا وضيعوا من تبعهم.وال حنن مع الذين يقلدون تقليدا أعمى، ويتعصبون ملذاهبهم، ويأخذون بقول إمامهم، ولو

خالف احلديث، ويقول: آخذ بقول إمامي ولو خالف الدليل، ألن إمامي أعلم بالدليل. فهذان طريف نقيض. على

والصواب الوسط، أننا نأخذ بالفقه، ونأخذ بأقوال األئمة، وندرس الفقه، ألن دراسته طريق إىل معرفة احلق، ولكن ال نقلد تقليدا أعمى، وإمنا منيز بني األقوال اليت عليها دليل واليت ليس عليها

.دليل، وإذا كنا ال نعرف هذا علينا أن نسأل أهل العلم عن ذلكهذا هو احلق والوسط يف هذه املسألة اليت خاض فيها الناس يف وقتنا احلاضر على غري هدى إال

من رحم هللا.نة أو ليحذر الذين خيالفون عن أمره أن تصيبـهم فتـ قال اإلمام أمحد: "وهللا تعاىل يقول: {فـ

ليحذر الذين خيالفون عن أمره} يصيبـهم عذاب أليم} هذا أمر ديد: {فـ من هللا سبحانه وتعاىل و.

عليه وسلم، الذي مر ذكره يف أول اآلية. والضمري يف {أمره} يرجع إىل الرسول صلى اهلل

)٢/١١٤(

قع يف قلبه شيء بال من الزيغ أتدري ما الفتنة؟، الفتنة الشرك، لعله إذا رد بعض قوله أن ي فيهلك". ـــــــــــــــــــــــــــــ

نة} فسرها اإلمام أمحد بالزيغ والشرك، قال: "أتدري ما الفتنة؟، الفتنة الشرك، {أن تصيبـهم فتـ عليه وسلم، "أن يقع يف قلبه شيء من لعله إذا رد بعض قوله" أي: بعض قول الرسول صلى اهلل

الزيغ فيـهلك".دا تـبعا هلواه، أو تعصبا لشيخه الذي يقلده، فإنه عليه وسلم متعم فمن رد قول الرسول صلى اهلل

مهدد بعقوبتني:ا أزاغ هللا العقوبة األوىل: الزيغ يف قلبه، ألنه إذا ترك احلق ابتلي بالباطل، قال تعاىل: {فـلما زاغو

قـلوبـهم} ، وقال تعاىل: {وإذا ما أنزلت سورة نظر بـعضهم إىل بـعض هل يـراكم من أحد مث م انصرفوا صرف هللا قـلوبـهم} ، لما انصرفوا عن تلقي القرآن عند نزوله وتعلمه صرف هللا قلو

بة هلم، وقال تعاىل: {ونـقلب أفئدتـهم وأبصارهم كما مل يـؤمنوا به أول مرة} ، لما عن احلق عقو م وأبصارهم عقوبة هلم، فال تقبل احلق بعد رفضوه أول األمر عند ذلك ابتالهم هللا بتقليب أفئد

فيه، فإن هللا يهديه ويزيده علما ذلك. وهذا خطر شديد، خبالف الذي يقبل احلق ويرغب هم من يـقول أيكم زادته هذه إميانا فأم ا وبصرية، كما يف قوله تعاىل: {وإذا ما أنزلت سورة فمنـ

لوم مرض فـزادتـهم رجسا ) وأما الذين يف قـ ١٢٤الذين آمنوا فـزادتـهم إميانا وهم يستبشرون()} ، فاملؤمن يـتبع الدليل ويفرح به إذا حصل عليه، واحلق ١٢٥إىل رجسهم وماتوا وهم كافرون(

ضالة املؤمن أىن وجده أخذه، أما الذي يف قلبه زيع أو نفاق فهذا إمنا يتبع هواه وال يتبع الدليل، يغ واالحنراف يف العقيدة واالحنراف يف الدين واالحنراف يف األخالق ويف كل وهذا يصاب بالز

شيء، عقوبة له من هللا سبحانه وتعاىل.م، بالقتل يف الدنيا، بأن يسلط هللا عليهم والعقوبة الثانية: {أو يصيبـهم عذاب أليم} يف أبدا

هم من يستأصل شأفتهم ويقتلهم، إما من امل ؤمنني، وإما من غري املؤمنني، عقوبة هلم {أو يصيبـعذاب أليم} ، إن ماتوا ومل يقتلوا بأن يعذبوا يف النار. فهذا وعيد شديد على خمالفة أمر الرسول

عليه وسلم. صلى اهلل عليه وسلم، واألخذ بأقوال العلماء واألمراء املخالفة لما قاله فرتك أمر الرسول صلى اهلل

عليه وسلم يف التحليل والتحرمي يسبب الفتنة، أو العذاب األليم. الرسول صلى اهلل

)٢/١١٥(

عليه وسلم يقرأ هذه اآلية: {اختذوا أحبارهم وعن عدي بن حامت: أنه مسع النيب صلى اهللانـهم أربابا من دون هللا} اآلية، فقلت له: إنا لسنا نعبدهم. قال: "أليس حيرمون ما أحل هللا ورهب

م" رواه أمحد فتحرمونه، وحيلون ما حرم هللا فتحلونه؟ " فقلت: بلى. قال: "فتلك عباد والرتمذي وحسنه.

ـــــــــــــــــــــــــــــ من اآلية للباب.وهذا هو الشاهد

عليه وسلم يقرأ هذه اآلية: {اختذوا قوله: "وعن عدي بن حامت: أنه مسع النيب صلى اهلل أحبارهم} األحبار مجع حرب أو مجع حرب وهو: العامل.

ن من " {ورهبانـهم} " مجع راهب، وهو: العابد، والغالب أن األحبار من اليهود، والرهبا النصارى.

م يف التحليل والتحرمي. " {أربابا من دون هللا} " أي: يطيعو {والمسيح ابن مرمي} غلوا فيه واختذوه ربا يعبدونه.

شركا، ونزه نفسه {وما أمروا إال ليـعبدوا إهلا واحدا ال إله إال هو سبحانه عما يشركون} فسماه

عنه، فدل على أن طاعة األحبار والرهبان يف حترمي ما أحل هللا أو حتليل ما حرم هللا أنه يعترب شركا باهلل عز وجل، ويعترب حديث عدي هذا تفسريا لآلية.

عليه وسلم يقرأ هذه ا آلية قال: "إنا لسنا فلما مسع عدي رضي هللا عنه رسول هللا صلى اهللم تعين الركوع هلم والسجود هلم، والذبح هلم فقط. نعبدهم"، فهم رضي هللا عنه أن عباد

عليه وسلم: "أليس حيرمون ما أحل هللا فتحرمونه، وحيلون ما حرم هللا فتحلونه؟" ، قال صلى اهللم" فدل هذا على أن طاعة األحبار والرهبان يف حترمي احلالل قال: بلى، قال: "فتلك عباد

وحتليل احلرام عبادة هلم، ويعترب هذا من شرك الطاعة، ألن التحليل والتحرمي حق هلل سبحانه وتعاىل، فليست العبادة قاصرة على السجود والركوع والدعاء والذبح والنذر وغري ذلك مما يفعله

قني يف معصية اخلالق سبحانه وتعاىل وخمالفته يف تشريعه، يدخل الوثنيون، بل ويشمل طاعة املخلو هذا يف ضمن العبادة، فالعبادة عامة ليست مقصورة على نوع أو أنواع من العبادة، بل هي

شاملة لكل ما هو من حق هللا، ومن ذلك: التحليل والتحرمي.

)٢/١١٦(

ما يستفاد من هذه النصوص:اء واألمراء يف حترمي احلالل وحتليل احلرام، وأنه إن استباح ذلك فهذا هو أوال: حترمي طاعة العلم

الشرك األكرب، وإن مل يستبحه فإنه يعترب معصية عظيمة من املعاصي، وهو من الشرك األصغر.ا أطيعوا ثانيا: أن طاعة العلماء واألمراء يف غري معصية هللا واجبة لقوله تعاىل: {يا أيـها الذين آمنو

هللا وأطيعوا الرسول وأويل األمر منكم} ، وذلك ألنه ال يتم نظام العامل وقيام املصاحل إال بطاعة والة األمور ما مل يأمروا مبعصية هللا عز وجل، فإن أمروا مبعصية هللا فال طاعة ملخلوق يف معصية

يما ليس مبعصية.اخلالق يف تلك املعصية، ويطاعون ف عليه ثالثا: يف قول ابن عباس رضي هللا عنهما أن قول العامل إذا خالف قول رسول هللا صلى اهلل

عليه وسلم وترك قول العامل مهما بلغ من وسلم فإنه جيب األخذ بقول رسول هللا صلى اهلل. والعامل إذا أخطأ عن اجتهاد فخطأه مغفور، لكن ال الفضل، كأيب بكر وعمر، وسفيان الثوري

جيوز لنا تقليده على خطأ.رابعا: يؤخذ من قول اإلمام أمحد رمحه هللا: أن الذي بلغ رتبة االجتهاد ومعرفة صحة اإلسناد أنه

ن ال جيوز له أن يقلد، بل جيب عليه االجتهاد للتوصل إىل احلق بنفسه، وال يسعه إال ذلك، أل التقليد ال جيوز إال عند احلاجة، وهذا غري حمتاج للتقليد.

خامسا: يؤخذ من قول اإلمام أمحد: أن من ال يعرف اإلسناد وصحته جيب عليه التقليد ملن يثق

بعلمه وعمله، لئال يضيع يف دينه.وإن صح سادسا: أن صحة اإلسناد تدل على صحة املنت خالفا ملن قال من العقالنيني: إنه

اإلسناد فهو ال يدل على صحة املنت.سابعا: يؤخذ من حديث عدي بن حامت رضي هللا عنه أن العبادة ليست قاصرة على الركوع

والسجود والدعاء واالستغاثة، بل تشمل طاعة األوامر وترك النواهي.يل احلرام أنه قد اختذهم ثامنا: أن من أطاع العلماء واألمراء أو غريهم يف حترمي احلالل أو حتل

شركاء هلل سبحانه وتعاىل يف عبادته، وهذا حمل الشاهد من اآلية الكرمية وحديث عدي للرتمجة. وهللا تعاىل اعلم.

)٢/١١٧(

[الباب التاسع والثالثون:]نزل إليك وما أنزل من قـبلك * باب قول هللا تعاىل: {أمل تـر إىل الذين يـزعمون أنـهم آمنوا مبا أ

ضالال يريدون أن يـتحاكموا إىل الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم )} اآليات.٦٠بعيدا ( ـــــــــــــــــــــــــــــ

ذي قبله كالمها يف تغيري شرع هللا، لكن هذا الباب خيص التحاكم هذا الباب من جنس الباب ال يف اخلصومات خاصة والباب الذي قبله يف التحليل والتحرمي عموما.

: "باب قول هللا تعاىل" يعين: ما جاء يف تفسري هذه اآليات مما - رمحه هللا تعاىل -وقول املصنفة واضحة على أن التحاكم إىل ما أنزل هللا من التوحيد ذكره أهل العلم يف تفسريها؛ مما يدل دالل

والعبادة، وأن التحاكم إىل غريه شرك باهلل عز وجل وكفر به، ألن احلكم هلل وحده: احلكم القدري، واحلكم الشرعي، واحلكم اجلزائي كله هلل سبحانه وتعاىل، كما قال تعاىل: {أال له اخللق

، {له اخللق} ، هو الذي خلق، (وله األمر)، فهو الذي يأمر وينهى، وحيلل وحيرم، ليس واألمر}تم وآباؤكم ما أنـز ل لغريه شرك يف ذلك. وقال تعاىل: {ما تـعبدون من دونه إال أمساء مسيتموها أنـ

ا من سلطان إن احل ين القيم ولكن أكثـر الناس ال هللا عبدوا إال إياه ذلك الد كم إال هلل أمر أال تـ يـعلمون} .

فالتحاكم إىل ما أنزل هللا داخل يف التوحيد، والتحاكم إىل غريه من أنواع الشرك، ألن من معىن عليه وسلم.{ال إله إال هللا} ومقتض اها ومدلوهلا: التحاكم إىل كتاب هللا وسنة رسوله صلى اهلل

ومن حتاكم إىل غري كتاب هللا وسنة رسوله فإنه قد أخل بكلمة التوحيد فأخل مبقتضى "ال إله إال

هللا، حممد رسول هللا". عليه وسلم يف مجيع فمدلول الشهادتني: أن نتحاكم إىل كتاب هللا وإىل سنة رسول هللا صلى اهلل

أمورنا، ليس املراد: التحاكم يف املنازعات فقط، بل التحاكم يف املقاالت واالجتهادات الفقهية عليه وسلم يف أقوال اجملتهدين، ونأخذ أيضا، فالبد أن حنكم كتاب هللا وسنة رسول هللا صلى اهلل

منها ما دل عليه الدليل، ونرتك ما مل يدل عليه دليل، وال نتعصب

)٢/١١٨(

لرأي فالن أو لإلمام فالن، فمن تعصب مل يكن متحاكما إىل ما أنزل هللا وإىل الرسول، وإمنا حتاكم إىل هذا الشخص الذي تعصب له ومجد على رأيه، مع خمالفته، وهو اجتهاد اجتهد فيه،

خالف الدليل فال جيوز لنا أن نتعصب لرأي إمام أو لرأي عامل أو لرأي مفت من املفتني، لكن إذاوحنن نعلم أنه خمالف للدليل، لكن ذلك العامل معذور ألنه جمتهد، ولكنه مل يصادف الدليل، فهو

تهاد غري مطابق معذور له أجر على ذلك، ألن هذا منتهى اجتهاده، أما من تبني له أن هذا االجذا االجتهاد، وال جيوز له. واألئمة ينهون عن ذلك، ينهوننا أن نأخذ للدليل فال يسعه أن يأخذ

عليه وسلم، وإال كنا -بآرائهم دون نظر إىل مستندها من كتاب هللا وسنة رسول هللا صلى اهللء واألمراء يف حترمي ما أحل هللا وحتليل ما حرم أطعنا العلما -كما سبق يف الباب الذي قبل هذا

هللا.ا اآلن: مناهج الدعوة، ومناهج اجلماعات هي من هذا وكذلك التحاكم يف املناهج اليت يسمويا عليه وسلم، فما كان منها متمش الباب، جيب أن حنكم فيها كتاب هللا وسنة رسوله صلى اهلل

ب والسنة فهو منهج صحيح جيب السري عليه، وما كان خمالفا لكتاب هللا وسنة رسوله مع الكتا جيب أن نرفضه وأن نبتعد عنه.

وال نتعصب جلماعة أو حلزب أو ملنهج دعوي وحنن نرى أنه خمالف لكتاب هللا وسنة رسوله صلى عليه وسلم، فالدعاة منهم من هو داع ية ضالل.اهلل

فالذي يـقصر هذا التحاكم إىل الكتاب والسنة على احملاكم الشرعية فقط غالط، ألن املراد: التحاكم يف مجيع األمور ومجيع املنازعات: يف اخلصومات ويف احلقوق املالية، وغريها، ويف أقوال

ماعية، ألن هللا تعاىل يقول: {وما اجملتهدين، وأقوال الفقهاء، ويف املناهج الدعوية، واملناهج اجلاختـلفتم فيه من شيء} و{شيء} نكرة يف سياق الشرط، فتعتم كل نزاع وكل خالف يف شيء،

سواء يف اخلصومات، أو يف املذاهب، أو يف املناهج. ويف أقوال اجلهمية واملعتزلة واألشاعرة والقدرية.

بعض الناس وبعض املنتسبني للدعوة يـقصر هذا على وجوب التحاكم جيب أننا نعرف هذا، ألن يف املنازعات واخلصومات إىل احملاكم الشرعية، ويقول: جيب حتكيم الشريعة ونـبذ القوانني، نعم،

جيب هذا، ولكن ال جيوز االقتصار

)٢/١١٩(

شريعة يف كل ما فيه نزاع، سواء كان عليه، بل البد أن يتعدى إىل األمور األخرى، إىل حتكيم الهذا النزاع بني دول، أو كان هذا النزاع بني مجاعات، أو كان هذا النزاع بني أفراد، أو كان هذا

ذا يف كل هذه النزاع بني مذاهب واجتاهات، البد من حتكيم الكتاب والسنة. حنن نطالب األمور.

سكت عن الناحية األخرى، فنقول: النواحي األخرى دعوا الناس إىل أما أن نـقصره على ناحية ونم، دعوا كال خيتار له مذهبا، وكال خيتار له منهجا. رغبا

نقول: هذا قصور عظيم، ألنه جيب أن حنكم الشريعة يف احملاكم، وحنكمها يف املذاهب الفقهية، ا، فال جيوز لنا أن نـقصر كالم هللا وكالم رسوله على وحنكمها يف املناهج الدعوية، البد من هذ

ناحية ونرتك النواحي األخرى، ألن هذا إما جهل وإما هوى.كثري من الناس اليوم ينادون بتحكيم الشريعة يف احملاكم وهذا حق؛ لكن هم متنازعون وخمتلفون

ة يف هذه األمور، بل يقولون: اتركوا يف مناهجهم ويف مذاهبهم، وال يريدون أن حيكموا الشريعم، ال تتعرضوا ملناهجهم، الناس على ما هم عليه، ال تتعرضوا لعقائدهم، ال تتعرضوا ملصطلحا

اتركوهم على ما هم عليه، وهذا ضالل، بل هذا من اإلميان ببعض الكتاب والكفر بالبعض تـؤمنون ببـعض الك تاب وتكفرون ببـعض فما جزاء من يـفعل ذلك اآلخر، مثل قوله تعاىل: {أفـ

يا ويـوم القيامة يـردون إىل أشد العذاب} . نـ منكم إال خزي يف احلياة الد فهذا أمر جيب التنبه له، ألن هذه مسألة عظيمة غفل عنها اآلن األكثرون.

دون بتحكيم الشريعة إمنا يريدون حتكيمها يف املخاصمات، يف األموال، واألعراض، فالذين يناواخلالفات بني الناس، واألمور الدنيوية دون العقائد واملذاهب. ومناسبة عقد هذا الباب يف

كتاب التوحيد: أن التحاكم إىل ما أنزل هللا هو من التوحيد والتحاكم إىل غريه شرك باهلل عز وجل، شرك يف احلكم والتشريع.

مث ذكر اآليات، وهي قول هللا تعاىل: {أمل تـر} هذا تعجب استنكار. {إىل الذين يـزعمون أنـهم آمنوا مبا أنزل إليك وما أنزل من قـبلك يريدون أن

)٢/١٢٠(

م يريدون أن جيمعوا بني يـتحاكموا إىل الطاغ وت} هل يتفق هذا مع دعوى اإلميان؟، ال يتفق، أل عليه اإلميان والكفر، وال ميكن هذا، فاملؤمن باهلل وبرسوله حيكم كتاب هللا وسنة رسوله صلى اهلل

ل هللا، فهذا ليس وسلم، أما الذي يدعي اإلميان ولكنه يف احلكم ال يرجع إىل هللا وال إىل رسو م كاذبون يف مبؤمن، وهلذا قال: {يـزعمون} والزعم هو: أكذب احلديث، وهذا يدل على أ

م م يريدون أن يتحاكموا إىل الطاغوت، ولو كان إميا م: أ دعواهم اإلميان، والدليل على كذ صادقا مل يتحاكموا إال إىل كتاب هللا وسنة رسول هللا.

يتناىف مع -جمرد اإلرادة - ذا على أن إرادة التحاكم إىل غري كتاب هللا وسنة رسول هللافدل هاإلميان، فكيف إذا فعل؟، كيف إذا حتاكم إىل غري كتاب هللا وسنة رسوله؟، إذا كان من نوى كتاب بقلبه واستباح هذا الشيء ولو مل يفعل أنه غري مؤمن، فكيف مبن نفذ هذا وحتاكم إىل غري

هللا وسنة رسوله يف أموره كلها، أو يف بعضها؟. وقوله: {آمنوا مبا أنزل إليك} وهو القرآن.

{وما أنزل من قـبلك} وهو: الكتب السابقة، ألن اإلميان بالكتب كلها هو أحد أركان اإلميان ا، ما مسى هللا منها الستة، اإلميان بالكتب اليت أنزهلا هللا سبحانه و تعاىل على رسله، جيب اإلميان

وما مل يسم. أما الذي يؤمن بكتاب ويكفر بالكتب األخرى فهذا كافر باجلميع، فاليهود إذا قيل نا ويكفرون مبا وراءه وهو احلق قا لما هلم: آمنوا مبا أنزل هللا، {قالوا نـؤمن مبا أنزل عليـ مصد

معهم} ، فالذي يقول: ال نؤمن إال بالكتاب الذي نزل على رسولنا فقط، أما الكتاب الذي نزل على غري رسولنا فال نؤمن به. فهذا كافر بالكتاب الذي نزل على رسوله، ألن الكتب مصدرها

عليهم الصالة - ل إخوة، كلهمواحد، يصدق بعضها بعضا، وكلها من هللا سبحانه وتعاىل، والرسم واحدة، ومنهجهم واحد، فالذي يؤمن بكتاب وجيحد غريه، أو يؤمن -والسالم إخوة، دعو

باجلميع، وهلذا قال: { بالكتب إال واحدا منها، أو يؤمن بالرسل ويكفر ببعضهم فهذا كافر )} ، {كذبت مثود ١٢٣المرسلني()} ، {كذبت عاد ١٠٥كذبت قـوم نوح المرسلني(

م مل يكذبوا إال رسوهلم، لكن ١٦٠)} ، {كذبت قـوم لوط المرسلني(١٤١المرسلني( )} ، مع أ لما كفروا

)٢/١٢١(

دينهم واحد، - عليهم الصالة والسالم - برسوهلم صاروا مكذبني للمرسلني مجيعا، ألن الرسلم مجيعا.ومن هجهم واحد، وهم إخوة، جيب اإلميان

وقوله: {يـزعمون أنـهم آمنوا مبا أنزل إليك وما أنزل من قـبلك} ادعوا هذا، لكن لما جاء التنفيذ اختلف الفعل عن القول، وتبينت حقيقتهم.

ت} الطاغوت: مشتق من الطغيان، وهو: جماوزة احلد، قال {يريدون أن يـتحاكموا إىل الطاغو الشيخ اإلمام ابن القيم: (الطاغوت: ما جتاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع يف

لعنه هللا، ومن عبد وهو راض، ومن -معصية هللا، والطواغيت كثريون، ورؤوسهم مخسة: إبليس بادة نفسه، ومن حكم بغري ما أنزل هللا، ومن ادعى علم الغيب".دعا الناس إىل ع

هؤالء رؤوس الطواغيت، ومنهم: من حكم بغري ما أنزل هللا، الذي هو موضوع هذا الباب، وهم الذين حيكمون ويتحاكمون بغري شريعة هللا سبحانه وتعاىل من القوانني واألنظمة، والعادات

والقبلية، ألن هناك قوانني وضعية وضعها البشر، وهناك عادات وتقاليد والتقاليد، وأمور اجلاهليةا (السلوم)، يف اجملتمعات، ميشي بعض الناس عليها، وهناك أعراف جاهلية بني القبائل يسمو

رجل وشيوخ القبائل (العوارف)، كل قبيلة هلا عارفة حيكم بينهم، إما كاهن، وإما ساحر، وإما عليه وسلم، وجيب الرجوع إىل عادي، وهذا كله منبوذ، وكله مطروح بعد بعثة الرسول صلى اهلل

عليه وسلم، وكل من حكم بغري كتاب هللا وسنة رسوله مستحال كتاب هللا وسنة رسوله صلى اهللل: {وقد أمروا أن يكفروا به} ، وكذلك يف قوله لذلك فإنه طاغوت جيب الكفر به. وهلذا قا

ين قد تـبـني الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويـؤمن باهلل فـق د تعاىل: {ال إكراه يف الدباهلل ال يصح إال بعد الكفر بالطاغوت، استمسك بالعروة الوثـقى ال انفصام هلا} ، فاإلميان

فالكفر بالطاغوت ركن اإلميان، فال يصح أن جيمع بني اإلميان باهلل واإلميان بالطاغوت، ألن هذا مجع بني نقيضني، وهللا قدم الكفر بالطاغوت على اإلميان باهلل. وهذا معىن "ال إله إال هللا"، ألن

باهلل وكفر بالطاغوت، فقولنا: "ال إله" هذا نفي، ينفي مجيع املعبودات "ال إله إال هللا" إميان والطواغيت، وقولنا: "إال هللا" هذا إميان باهلل سبحانه وتعاىل وحده.

)٢/١٢٢(

و وقوله: {ويريد الشيطان أن يضلهم ضالال بعيدا} بني سبحانه وتعاىل أن عملهم هذا إمنا ه، هو الذي -إرادة التحاكم إىل الطاغوت - إمالء من الشيطان، فهو الذي سول هلم هذه اإلرادة

سول هلم وأملى عليهم هذه الفكرة اخلبيثة، يريد أن يبعدهم ويغويهم، وليس ضالال عاديا، بل م إذا {ضالال بعيدا} عن احلق، يبعدهم غاية البعد، فال يكفيه أنه يرتكهم يف مكان قريب، أل

كانوا يف مكان قريب رمبا يرجعون، لكن يبعدهم بعدا ال يرون معه احلق أبدا. هذا الذي يريده الشيطان، فهو الذي يبعد الناس عن حتكيم كتاب هللا وسنة رسوله، ألن الشيطان يريد هلم الشر

يرضى إال باالحنراف الكلي والبعيد عن منهج وال يريد هلم اخلري، وال يكفيه االحنراف اليسري، ال هللا سبحانه وتعاىل.

م ال يقبلون النصيحة، ألن الشيطان أضلهم ضالال بعيدا، وهلذا - أيضا - مث م: أ من عالماأن يرجعوا إىل قال: {وإذا قيل هلم تـعالوا إىل ما أنـزل هللا وإىل الرسول} طلب منهم ونصحوا

م تعمدوا خمالفة احلق، فهم ما تركوا احلق عن جهل، ولكنهم تركوه عن احلق ال يقبلون، ألتعمد، فلذلك ال يقبلون النصيحة، وهلذا قال: {رأيت المنافقني يصدون عنك صدودا} يعرضون

إعراضا كليا.ظهر اإلسالم وأبطن الكفر، ألنه لما رأى قوة اإلسالم مل واملنافقون: مجع منافق، وهو: الذي أ

يستطع معارضته، فلجأ إىل حيلة وهي أن يظهر اإلميان من أجل أن يعيش مع املسلمني ويسلم على دمه وماله، ويبقى على الكفر يف باطن أمره، فهو أظهر اإلسالم خداعا ومكرا، فصار شرا

كافر اخلالص أخف من املنافق، ألن الكافر اخلالص معلوم ومعروف من الكافر اخلالص، ألن العداوته، معروف موقفه من اإلسالم، لكن هذا موقفه من اإلسالم متذبذب، ال هو مع الكفار

وال هو مع املسلمني {مذبذبني بـني ذلك ال إىل هؤالء وال إىل هؤالء} ، إن صارت الغلبة للكفار رح وعاش معهم، وإن صارت العزة والغلبة للمؤمنني عاش معهم، فرييد أن يعيش مع القوي، ف

وهذا أخس املذاهب، وأحط املذاهب، ألن اإلنسان جيب أن يكون صرحيا، ال خيادع، لكن هؤالء خيادعون، ولذلك صاروا يف الدرك األسفل من النار {ولن جتد هلم نصريا} .

)٢/١٢٣(

هم مصيبة مبا قدمت أيديهم مث جاءوك حيلفون باهلل إن أر دنا إال وقوله تعاىل: {فكيف إذا أصابـتـم كارثة، أو أنزل هللا فيهم قرآنا يفضحهم جاءوا إىل ٦٢إحسانا وتـوفيقا( )} يعين: إذا نزلت

ون، وحيلفون باهلل، وهم أكثر الناس حلفا باهلل وهم كاذبون، حيلفون على الكذب الرسول يعتذر وهم يعلمون.

{حيلفون باهلل إن أردنا إال إحسانا وتـوفيقا} يقولون: ما أردنا خمالفتك، وال أردنا خمالفة كتاب هللا، م، وعلى قـبح ولكن عملنا هذا للمصلحة، وتوفيقا بني الناس، وه ذا مما يدل على غباو

م يدعون أن حتكيم غري كتاب هللا إحسان وتوفيق، سجيتهم، فاالعتذار أخس من الفعل، أل عليه فهذا عذر أقبح من فعل، ألن اإلحسان والتوفيق هو بإتباع كتاب هللا وسنة رسوله صلى اهلل

وسلم.غزوات: "ما رأينا مثل قرائنا هؤالء، أرغب بطونا، وأكذب ألسنا، وأجنب ولما قالوا يف إحدى ال

عليه وسلم وأصحابه، وكان قد حضر جملسهم واحد من عند اللقاء" يعنون: رسول هللا صلى اهلل عليه وسلم، فلما علموا جاءوا يركضون يريدون املسلمني فذهب وبلغ الرسول صلى اهلل

االعتذار، فوجدوا الوحي قد سبقهم، فأنزل هللا على رسوله: {قل أباهلل وآياته ورسوله كنتم تستـهزئون * ال تـعتذروا قد كفرمت بـعد إميانكم} ، ما يزيد الرسول على أن يقرأ هذه اآلية، وهم

عليه وسلم يعتذرون، وال يلتفت إليهم. متعلقون بناقته صلى اهلل م: {أولئك الذين يـعلم هللا ما يف قـلوم} ، م يقولون ما ليس يف قلو م كاذبون، وأ مث بني هللا أ

فهم يعتذرون إليك يف الظاهر وحيلفون يف الظاهر، وما جاءوا تائبني ونادمني، وإمنا جاءوا .خمادعني

هم} ال تقبل اعتذارهم، ألنه اعتذار كاذب، وإمنا يقبل االعتذار من اإلنسان النادم {فأعرض عنـواإلنسان التائب، واإلنسان املخطئ من غري تعمد، أما اإلنسان املتعمد للباطل فال يقبل اعتذاره

إال إذا رجع إىل الصواب.اههم: املوعظة، بأن ختوفهم باهلل عز وجل، وحتذرهم من {وعظهم} يعين: الواجب عليك جت

النفاق والكذب، وتأمرهم بالتوبة، وتبني هلم عقوبة من فعل هذا الفعل. {وقل هلم يف أنـفسهم قـوال بليغا} {يف أنـفسهم} قيل: معناه: بني هلم ما

)٢/١٢٤(

ه مما بينه هللا لك، وأطلعك عليه. وقيل: معناه: {وقل هلم يف أنـفسهم} يف أنفسهم، وما يبيتونم وحدهم وأسر إليهم بالنصيحة. {قـوال بليغا} يعين: كالما جزال فاصال يؤثر أي: قل هلم خاليا

م ليسوا أهال لذلك، فيهم، ومعىن هذا: أنك ال تقابلهم باللني أو بالكالم اللني أو باملال طفة، ألم فعلوا فعال قبيحا ال يناسب معهم ولكن قابلهم بالكالم البليغ الزاجر املخوف املروع، أل

املالطفة واملالينة.ومنهم: -عليهم الصالة والسالم -مث قال تعاىل: {وما أرسلنا من رسول} يعين: مجيع الرسل

عليه وسلم.حممد صلى اهلل {إال ليطاع بإذن هللا} بشرعه ودينه، أو بتوفيقه سبحانه وتعاىل، فالواجب: طاعة الرسول صلى

عليه وسلم، وعدم خمالفته، ومن طاعته: التحاكم إليه. اهلل عليهم، فقال: {ولو أنـهم إذ مث بني سبحانه وتعاىل: أن هؤالء لو تابوا ورجعوا إىل هللا لتاب هللا

ظلموا أنـفسهم} يعين: لما حصل منهم ما حصل من التحاكم إىل غري كتاب هللا وسنة رسوله {جاءوك فاستـغفروا هللا} هذا عرض للتوبة. {واستـغفر هلم الرسول} ألن استغفار الرسول صلى

ع عليه وسلم، فهو اهلل عليه وسلم. وهذا يف حياته صلى اهلل ليه وسلم شفاعة منه صلى اهلل عليه وسلم يف يستغفر للمذنبني واملسيئني، ويدعو للمسلمني يف قضاء حوائجهم، فهو صلى اهلل

عليه وسلم فال يذهب إىل قربه، وال حياته يستغفر ويدعو للمسلمني، أما بعد مم اته صلى اهلل عليه وسلم، ولكن بقي وهلل - يطلب منه االستغفار وال الدعاء، ألن هذا انتهى مبوته صلى اهلل

عليه وسلم فيهما اخلري، وفيهما البـر -احلمد كة، وما كان كتاب هللا وسنة رسوله صلى اهلل الصحابة رضي هللا عنهم يذهبون إىل قربه، ويطلبون منه ذلك.

عليه وسلم والدعاء عنده، ذه اآلية على اجمليء إىل قرب الرسول صلى اهلل أما الذين يستدلون ا وطلب االستغفار من الرسول وهو ميت، فهذا باطل، ألن الصحابة رضي هللا عنهم مل يفعلو

عليه هذا، وهم أعلم األمة وأحرص األمة على اخلري، وما كانوا يأتون إىل قرب الرسول صلى اهللم قحط، أو احنباس مطر، أو م نازلة، أو أصا وسلم إذا أشكل عليهم شيء، أو نزلت

عليه أصابتهم شدة من الشدائد، ما كانت القرون املفضلة يأتون إىل قرب الرسول ص لى اهلل وسلم، وإمنا يطلبون من هللا، وإذا كان فيهم أحد من أهل الصالح أو من قرابة الرسول صلى اهلل

عليه وسلم طلبوا منه أن يدعو هللا هلم، كما فعل عمر رضي هللا عنه مع العباس بن

)٢/١٢٥(

عليه وسلم عم الرسول صلى ا -عبد املطلب لما احنبس املطر واستسقوا، قال عمر رضي - هللعليه الصالة -هللا عنه: "اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبيك فتسقينا" يعين: يوم أن كان حيا

والسالم، "وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، ادع يا عباس". عليه وسلم، بل هذا عمل الصحابة رضي هللا عنهم، م ا كانوا يأتون إىل قرب الرسول صلى اهلل

عليه وسلم ميت، واحلي عدلوا إىل العباس ألن العباس حي موجود بينهم والرسول صلى اهلل ب.يقدر على الدعاء واالستغفار، وامليت ال يقدر، ومن مل يفرق بني احلي وامليت فهو ميت القل

وكذلك معاوية بن أيب سفيان رضي هللا عنه لما استسقى، طلب من أيب يزيد اجلرشي أن يدعو هللا، فدعا، هذا عمل الصحابة، وهم أفقه األمة وأعلم األمة، ما كانوا يأتون إىل قرب الرسول

عليه وسلم، وإمنا كانوا إذا قدموا من سفر يأتون إىل ق عليه وسلم صلى اهلل رب الرسول صلى اهلل عليه وسلم مث ينصرفون، ما كانوا يأتون ويدعون عند للزيارة والسالم على الرسول صلى اهلل

عليه وسلم الشفاعة، أو يطلبون منه االستغفار بعد موته القرب، أو يطلبون من الرسول صلى اهلل ال جيوز، ألنه من وسائل الشرك. هذا

وتدل اآلية على أن املنافقني لو تابوا تاب هللا عليهم، وأن من حتاكم إىل غري شريعة هللا أنه جيب

عليه التوبة، وإذا تاب تاب هللا عليه.ذه األمور إال اخلري واإلصالح بني الناس، وما أما املخادعة، وأما الكالم الفارغ، وأننا ما أردنا

أردنا خمالفة الكتاب والسنة، فهذا ال يقبل، وال اعتذار فيه أبدا. وتنميق األلفاظ، وتنميق االعتذارات واحلجج املزخرفة، كل هذا ال يقبل إال مع التوبة الصادقة، وترك هذا الذنب العظيم.

ن بأعذار باطلة فيقال هلم: إن كنتم كثري ممن حيكمون القوانني اليوم ممن يدعون اإلسالم يعتذرو تريدون احلق فارجعوا عما أنتم عليه وتوبوا إىل هللا كما عرض هللا التوبة على من كان قبلكم.

أزيلوا هذه القوانني، وهذه الطاغوتية إن كنتم صادقني وتوبوا إىل هللا، وهللا يتوب على من تاب. توبة واالستغفار، فهذه خمادعة ال جتوز، ألن شروط التوبة: أما االستمرار على الذنب مع إظهار ال

اإلقالع عن الذنب، والعزم أن ال يعود إليه، والندم على ما فات. مث قال: {فال وربك ال يـؤمنون} هذا رد على دعواهم اإلميان، وهو رد مؤكد بالقسم.

)٢/١٢٦(

نـهم} من النزاع واالختالف، وهذا {حىت حيكموك فيما شجر عام لالختالف يف -كما ذكرنا -بـيـاخلصومات اليت تنشب يف األموال أو غريها، ويف العقائد، وعام يف اخلصومات يف املذاهب

واآلراء الفقهية، وعام يف اخلصومات يف املناهج الدعوية اليت انقسم فيها الناس اليوم، جيب أن م فيها كتاب هللا وسنة رسوله، فإن مل يفعلوا فليسوا مبؤمنني، ألن هللا أقسم سبحانه على نفي حيك

اإلميان عن من مل يعمل هذا العمل.مث قال تعاىل: {مث ال جيدوا يف أنـفسهم حرجا مما قضيت} أما من حتاكم إىل الشريعة ولكنه قبل

وهو جيد يف نفسه كراهية هلذا احلكم فهذا ليس مبؤمن، البد أن يقبل هذا احلكم على مضض، احلكم عن اقتناع، أما إن قبله مضطرا وأغمض عليه إغماضا فهذا ليس مبؤمن.

مث قال تعاىل: {ويسلموا تسليما} ينقادون انقيادا تاما. فهذه ثالثة أمور:

ر بينهم.أوال: حيكموك فيما شج ثانيا: أن ال جيدوا يف أنفسهم حرجا من حكم هللا ورسوله.

ثالثا: {ويسلموا تسليما} ينقادون انقيادا حلكم هللا ورسوله.ا ويتحقق. فبهذه األمور الثالثة يثبت اإلميان

سنة رسوله وال فالذي ال حيكم كتاب هللا وسنة رسوله ليس مبؤمن، والذي حيكم كتاب هللا و يرضى به، وإمنا يقبله جماملة، أو ألجل غرض من األغراض هذا ليس مبؤمن، والذي ال ينقاد وال

يسلم، هذا ليس مبؤمن.ليس املقصود من التحاكم إىل الشريعة هو جمرد حتقيق األمن والعدالة بني الناس، - أيضا - مث

يعة تعبدا وطاعة هلل، فالذين حيكمون الشريعة من أجل فهذا ال يكفي، البد أن يكون حتكيم الشر ما فيها من املصاحل والعدل بني الناس فقط، فهذا ال يدل على اإلميان، البد أن يكون حتكيم

الشريعة صادرا عن إميان وتعبد هلل عز وجل وطاعة هلل عز وجل، ألن هذا من التوحيد، أما الذي شريعة إال املصاحل الدنيوية والعدالة احلاصلة بني الناس يف هذه الدنيا فهذا ال ال يقبل من ال

يكفي، بل حيكم الشريعة

)٢/١٢٧(

ا حنن مصلحون ( )} .١١وقوله: {وإذا قيل هلم ال تـفسدوا يف األرض قالوا إمن إصالحها} . وقوله: {وال تـفسدوا يف األرض بـعد

ـــــــــــــــــــــــــــــ طاعة وتعبدا، وخضوعا حلكم هللا سبحانه وتعاىل، وهلذا صار حتكيم الشريعة من التوحيد.

ا تدل على أن حتكيم الشريعة والتحاكم إليها من توحيد والشاهد من اآليات للباب واضح، أ من الشرك باهلل ومن صفات املنافقني. هللا عز وجل، وأن ترك ذلك

ا حنن مصلحون( )} " ١١قوله رمحه هللا: "وقوله: {وإذا قيل هلم ال تـفسدوا يف األرض قالوا إمنهذه اآلية يف سياق اآليات اليت ذكرها هللا يف مطلع سورة البقرة يف املنافقني أي إذا قيل

فسدوا يف األرض باملعاصي، ومن أشد املعاصي: التحاكم إىل غري ما أنزل هللا، للمنافقني: ال ت وهذا وجه إيراد اآلية يف هذا الباب وهو أن حتكيم غري شريعة هللا من اإلفساد يف األرض، وأن حتكيم شريعة هللا هو صالح األرض، فكذلك بقية الطاعات، فصالح األرض إمنا يكون بطاعة

وجل وفساد األرض إمنا يكون مبعصية هللا عز وجل، فاملعاصي حتدث الفساد يف األرض هللا عز من نضوب املياه، واحنباس األمطار، وغالء األسعار، وظهور املعاصي واملنكرات، كل هذا فساد

عز يف األرض، وال صالح لألرض إال بطاعة هللا عز وجل، وال عمارة لألرض إال بطاعة هللا وجل.

ا حنن مصلحون} ، وهذا من فاملنافقون إذا قيل هلم: اتركوا النفاق ألن النفاق فساد، {قالوا إمنفساد الفطرة، حيث يعتقدون أن ما هم عليه هو اإلصالح، وأن ما عليه املؤمنون هو الفساد.

رض، وأنه تقدم، وأنه رقي، وهكذا كل صاحب مذهب فاسد، يدعي أن مذهبه إصالح يف ا أل وأنه حضارة، وأنه، وأنه، إىل آخره.

وكما ذكرنا: أن التحاكم إىل كتاب هللا من اإلصالح يف األرض، والتحاكم إىل غري كتاب هللا من اإلفساد يف األرض، فيكون هذا وجه سياق املصنف رمحه هللا هلذه اآلية يف هذا الباب.

قوله: {وال تـفسدوا يف األرض بـعد إصالحها} " هذه اآلية من سورة األعراف.قال رمحه هللا: "و

)٢/١٢٨(

غون} اآلية. وقوله تعاىل: {أفحكم اجلاهلية يـبـ ـــــــــــــــــــــــــــــ

رك باهلل عز وجل، وهذه كآية سورة البقرة متاما ومعناها ال تفسدوا يف األرض باملعاصي، والش وحتكيم غري ما أنزل هللا، {بـعد إصالحها} بإرسال الرسل وإنزال الكتب واإلميان باهلل عز وجل، فاهلل أصلح األرض بإرسال الرسل وإنزال الكتب وحصول اإلميان فيها، فال جيوز أن تـغري نعمة

د التوحيد الشرك، ويكون بعد حتكيم كتاب هللا حتكيم هللا عز وجل وتستبدل بضدها، فيكون بع القوانني الوضعية والعوائد اجلاهلية، وال يكون بعد الطاعات املعاصي واملخالفات.

غون} املراد باجلاهلية: ما كان قبل اإلسالم، كان قال رمحه هللا: "وقوله تعاىل: {أفحكم اجلاهلية يـبـلى ضاللة، ومن ذلك: التحاكم، كانوا يتحاكمون إىل الكهان، وإىل السحرة، وإىل أهل اجلاهلية ع

الطواغيت، وإىل العوارف القبلية.فهؤالء املنافقون الذين ادعوا اإلسالم يريدون حكم اجلاهلية، وال يريدون حكم هللا سبحانه

شريعة، بل يريدون البقاء على حكم وتعاىل، وال يريدون أن ينتقلوا من حكم اجلاهلية إىل حكم ال اجلاهلية، وهذا مذهب املنافقني دائما ومن سار يف ركبهم.

وهذا استنكار من هللا سبحانه وتعاىل ملن يريد أن يستبدل الشريعة بالقوانني الوضعية، ألن ا من القوانني الوضعية هي حكم اجلاهلية، ألن حكم اجلاهلية أوضاع وضعوها ما أنزل هللا

سلطان، والقوانني الوضعية أوضاع وضعها البشر، فهي وحكم اجلاهلية سواء ال فرق، فالذي يريد أن حيكم بني الناس بالقوانني الوضعية يريد حكم اجلاهلية الذي أراده املنافقون من قبل.

مبعىن: ال، أي: ال أحد أحسن من هللا مث قال: {ومن أحسن من هللا حكما لقوم يوقنون} {من} حكما، ألن هللا سبحانه وتعاىل، عليم حكيم خبري، يعلم ما يصلح به العباد، ويعلم حوائج

الناس، ويعلم ما يـنهي النزاعات بني الناس، ويعلم العواقب وما تؤول إليه، فهو تشريع من عليم اليت وضعها البشر، الذين عقوهلم قاصرة حكيم سبحانه وتعاىل، ال يستوي هو والقوانني

وتدخلهم األهواء والرغبات، وعلمهم حمدود، إن كان عندهم علم، ال يشرع للبشر إال خالق

البشر الذي يعلم مصاحلهم، وبعلم ما تنتهي إليه أمورهم، وهلذا قال: {ومن أحسن من هللا} أي: ال أحد أحسن حكما من هللا،

)٢/١٢٩(

عليه وسلم قال: "ال يؤمن أحدكم حىت يكون وعن عبد هللا بن عمر: أن رسول هللا صلى اهلل هواه تبعا لما جئت به" قال النووي: (حديث صحيح، رويناه يف كتاب "احلجة" بسند صحيح".

ـــــــــــــــــــــــــــــك طرفان، أحدمها أفضل من اآلخر، فحكم البشر وأفعل التفضيل هنا على غري بابه، فليس هنا

ليس فيه حسن أبدا، وإمنا حكم هللا هو احلسن وحده. عليه وسلم قال: "ال يؤمن أحدكم حىت قال: "وعن عبد هللا بن عمر أن رسول هللا صلى اهلل

يكون هواه تبعا لما جئت به" . عليه وسل م: "ال يؤمن أحدكم" هذا نفي لإلميان الكامل، وليس نفيا لإلميان كله، قوله صلى اهلل

عليه وسلم: "ال يؤمن ألنه قد يأيت نفي اإلميان، ويراد نفي اإلميان الكامل كما يف قوله صلى اهلل عليه و سلم: "ال يزين الزاين حني أحدكم حىت حيب ألخيه ما حيب لنفسه" ، ومثل قوله صلى اهلل

ا وهو يزين وهو مؤمن، وال يسرق السارق حني يسرق وهو مؤمن، وال يشرب اخلمر حني يشرذا: نفي اإلميان الكامل، ال نفي مطلق اإلميان، فإن الفاسق يكون معه من اإلميان مؤمن" فاملراد

ال، فهذا كافر خارج من امللة. وهذا مذهب ما يصح به إسالمه، أما الذي ليس معه إميان أصأهل السنة واجلماعة: أن الفاسق ال يسلب مطلق اإلميان، وال يعطى اإلميان املطلق، فال يسلب ملطلق اإلميان حبيث يكون كافرا كما تقوله اخلوارج واملعتزلة، ولكنه ال يعطى اإلميان املطلق كما

: "مؤمن بإميانه، فاسق بكبريته"، أو يقال: "مؤمن ناقص اإلميان"، ألن تقوله املرجئة، وإمنا يقالالذين يقولون: إن صاحب الكبرية مؤمن كامل اإلميان، هم املرجئة، والذين يقولون: إن صاحب

الكبرية كافر خارج من اإلميان وليس معه من اإلميان شيء، هؤالء هم اخلوارج واملعتزلة.وسط بني هذين املذهبني، فال يسلبون مرتكب الكبرية اإلميان -حلمدوهلل ا -وأهل السنة

بالكلية، وال يعطونه اإلميان الكامل، وإمنا يسمونه مؤمنا فاسقا أو مؤمنا ناقص اإلميان. عليه وسلم: "حىت يكون هواه" اهلوى مقصور، معناه: تكون حمبته ورغبته تابع ة وقوله صلى اهلل عليه وسلم أحبه، وما خالف ما جاء به الرسول لما جئت به، فما جاء به الرسول صلى اهلل

عليه وسلم عليه وسلم أبغضه، هذا هو املؤمن الذي حيب ما جاء به الرسول صلى اهلل صلى اهلل ويبغض ما خالفه.

)٢/١٣٠(

لما جئت به" من الشريعة والكتاب والسنة، فهذه عالمة واضحة بني أهل اإلميان وأهل "تبعا الكفر.

قوله: "قال النووي" اإلمام أبو زكريا حيىي بن شرف النووي، صاحب التصانيف العظيمة يف نفات اإلسالم كـ "شرح صحيح اإلمام مسلم"، "وروضة الطالبني" يف الفقه، وغري ذلك من املص

العظيمة، وقد تويف رمحه هللا وهو شاب يف األربعني من عمره.ناه يف كتاب احلجة" وهو كتاب أليب الفتح نصر بن إبراهيم املقدسي الشافعي، مساه: وقوله: "رويـ

"احلجة على تارك املحجة"، وهو كتاب يف التوحيد يرد فيه على املبتدعة وأصحاب املقاالت الباطلة يف العقيدة، فيعترب من كتب العقيدة وهو مطبوع حمقق.

"بسند صحيح" اإلسناد تؤيده األدلة من الكتاب والسنة، فإن املؤمن جيب أن يكون حمبا وراغبا عليه وسلم، ومبغضا لما سواه، قال هللا سبحانه وتعاىل: {فإ ن مل فيما جاء به النيب صلى اهلل

ا يـتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتـبع هواه بغري هدى من هللا إن هللا} ، يستجيبوا لك فاعلم أمنال يأخذ من وقال سبحانه وتعاىل :{أفـرأيت من اختذ إهله هواه وأضله هللا على علم} فالذي

ا يتبع هواه، وقد اختذ هواه إهلا يطيعه الشرع إال ما يوافق هواه ويرتك ما خالف هواه ورغبته إمنفيما يريد وفيما يكره، أما الذي يتخذ هللا جل وعال إهلا فإنه يتبع ما جاء عن هللا سواء وافق

م ال يأخذون إال ما وافق أهواءهم، قال صلى رغبته أو خالف رغبته، فإن هللا وصف املنافقني بأهم معرضون( نـهم إذا فريق منـ عليه وسلم: {وإذا دعوا إىل هللا ورسوله ليحكم بـيـ ) وإن ٤٨اهلل

م جاءوا، وإذا كان احلكم عليهم )} يعين: إذا كان احلكم هل٤٩يكن هلم احلق يأتوا إليه مذعنني(مل يأتوا وال يقبلون، وهذا نفاق، ويف آخر اآليات السابقة: {فال وربك ال يـؤمنون حىت حيكموك

نـهم مث ال جيدوا يف أنـفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما( )} .٦٥فيما شجر بـيـ ذا كله يشهد هلذا احلديث الذي رواه عبد هللا بن عمر رضي هللا عنهما.وه

سببني من أسباب نزول قوله تعاىل: {أمل تـر إىل الذين يـزعمون} - رمحه هللا تعاىل -مث ذكر املؤلف:

)٢/١٣١(

هودي: نتحاكم إىل وقال الشعيب: كان بني رجل من املنافقني ورجل من اليهود خصومة، فقال اليم يأخذون الرشوة، حممد. عرف أنه ال يأخذ الرشوة، وقال املنافق: نتحاكم إىل اليهود. لعلمه أ

فاتفقا أن يأتيا كاهنا يف جهينة فيتحاكما إليه، فنزلت: {أمل تـر إىل الذين يـزعمون} اآلية. ـــــــــــــــــــــــــــــ

السبب األول:: "قال الشعيب: كان بني رجل من املنافقني ورجل من اليهود خصومة، فقال اليهودي: قوله

عليه وسلم ال يأخذ الرشوة. نتحاكم إىل حممد" ألنه يعرف أن حممدا صلى اهللم يأخذون الرشوة" والرشوة مثلث الراء، يقال: "وقال املنافق: نتحاكم إىل اليهود. لعلمه أ

رشوة، ورشوة، ورشوة، هي: ما يدفعه أحد اخلصمني للحاكم من أجل أن يقضي له، وما يدفعه للموظف أحد املراجعني من أجل أن يقدم معاملته على معاملة غريه من املستحقني، أو من أجل

ذه أن يعطيه وحيرم املستحقني، أو من أجل أن يعطيه حقه الذي ليس فيه ضرر على أحد، فهرشوة، سواء كانت للقاضي يف احملكمة، أو كانت ملوظف يف أحد الدوائر احلكومية، من أجل أن

يتالعب حبقوق املراجعني، ويقدم من ال يستحق التقدمي، ويؤخر من يستحق التقدمي، أو يعطي من ال يستحق، وحيرم املستحق يف الوظائف أو يف أي شيء من املراجعات.

عليه وسلم: "لعن هللا الراشي واملرتشي" الراشي هو: الذي والرشوة سحت: قال النيب صلى اهلليدفع الرشوة، واملرتشي هو: الذي يأخذ الرشوة، وقد مساها هللا سحتا يف قوله عن اليهود:

د اجملتمع، فتفسد احلكام، {أكالون للسحت} ، واملراد بالسحت: الرشوة، ألن الرشوة تفسا خلل عظيم يف اجملتمع. والقضاة، واملوظفني، وتضر أهل احلق، وتقدم الفساق، وحيصل

فالرشوة وباء خطري، إذا فشت يف اجملتمع خرب نظامه، واستطال األشرار على األخيار، وأهني قال هللا سبحانه وتعاىل: {وال - والعياذ باهلل - احلق، فهي سحت وباطل، وهي من أعظم احلرام

ا إىل احلكام لتأكلوا نكم بالباطل وتدلوا تأكلوا أموالكم بـيـ

)٢/١٣٢(

عليه وسلم، وقال وقيل: نزلت يف رجلني اختصما، فقال أحدمها: نرتافع إىل النيب صلى اهللإىل كعب بن األشرف، مث ترافعا إىل عمر، فذكر له القصة، فقال للذي مل يرض برسول اآلخر:

عليه وسلم: أكذلك؟، قال: نعم. فضربه بالسيف فقتله. هللا صلى اهلل ـــــــــــــــــــــــــــــ

تم تـعلمون( )} قيل: هذه اآلية نزلت يف الرشوة اليت تدفع ١٨٨فريقا من أموال الناس باألمث وأنـللحكام من أجل أكل أموال الناس بالباطل، مسيت رشوة؛ مأخوذة من الرشاء وهو احلبل الذي يـتـوصل به إىل استنباط املاء من البئر، فكأن مقدم الرشوة يريد سحب احلكم أو جذب احلكم

وة.لنفسه دون غريه، من ذلك مسيت رش عليه وسلم لعلمه أن الرسول ال يأخذ الرشوة فهذا اليهودي طلب التحاكم إىل الرسول صلى اهلل

عليه وسلم جاء باحلق والعدل بني الناس. ألن الرشوة سحت وحرام وباطل، والرسول صلى اهللإىل اليهود لعلمه أن اليهود يأخذون طلب أن يتحاكم - مع أنه يزعم اإلميان -وأما املنافق

الرشوة، فقد قال هللا تعاىل فيهم: {مساعون للكذب أكالون للسحت} ."مث اتفقا أن يأتيا كاهنا" والكاهن هو الذي يتلقى عن الشياطني يف اسرتاق السمع، فالكاهن

ا الناس ويكذب معها.يستخدم الشياطني، وختربه بأشياء من األمور الغائب ة، فيخرب ا حي من قضاعة، وهي قبيلة كبرية. "يف جهينة" وجهينة: قبيلة معروفة، وبقال: إ

"فنزلت: {أمل تـر إىل الذين يـزعمون} ". فيكون هذا أحد القولني يف سبب نزول اآلية الكرمية.

والسبب الثاين لنزول اآلية:ا: "نزلت يف عليه وسلم، وقال أ رجلني اختصما، فقال أحدمها: نرتافع إىل النيب صلى اهلل

اآلخر: إىل كعب بن األشرف" وكعب بن األشرف زعيم من زعماء اليهود، وهو عريب من قبيلة ء، ولكن كان أخواله من اليهود من بين النضري، فتهود، وكان من ألد خصوم رسو ل هللا صلى طي

عليه وسلم، وهو الذي ذهب إىل أهل مكة بعد غزوة بدر يرثي قتلى اهلل

)٢/١٣٣(

عليه وسلم، وهو الذي أنزل هللا تعاىل املشركني، وحيرض أهل مكة على غزو رسول هللا صلى اهللمن الكتاب يـؤمنون باجلبت والطاغوت ويـقولون للذين كفروا فيه: {أمل تـر إىل الذين أوتوا نصيبا

)} ، مث رجع إىل املدينة وجعل ينشد األشعار يف ذم ٥٠هؤالء أهدى من الذين آمنوا سبيال( عليه وسلم، وحيرض الناس عليه، فقا عليه وسلم: "من يل رسول هللا صلى اهلل ل النيب صلى اهلل

بكعب بن األشرف فقد آذى هللا ورسوله؟" فانتدب حممد بن مسلمة األنصاري رضي هللا عنه، عليه وسلم يف قتله، فخرج هو ورجال معه إىل كعب بن األشرف واستأذن رسول هللا صلى اهلل

ل إليهم، فقتلوه وأراحوا املسلمني من شره، ألنه لما خان هللا ورسوله، وصار بالليل، فدعوه فنز عليه وسلم دمه، عليه وسلم انتقض عهده، فأهدر النيب صلى اهلل يؤذي رسول هللا صلى اهلل

عليه وسل م، وأراح هللا املسلمني من شره.وأمر هؤالء بقتله، فقتلوه بأمر النيب صلى اهلل "مث ترافعا إىل عمر" وكل هذا حماولة لالبتعاد عن حكم هللا ورسوله.

"فذكر له" أحدمها "القصة" يعين: سبب جميئهما.

عليه وسلم: أكذلك؟، قال: "فقال": عمر رضي هللا عنه: "للذي مل يرض برسول هللا صلى اهللبالسيف فقتله" ألنه مرتد عن دين اإلسالم، أو ألنه مل يسلم من األصل، ولكنه نعم. فضربه

أظهر اإلسالم نفاقا، واملنافق إذا ظهر منه ما يعارض الكتاب والسنة وجب قتله دفعا لشره، عليه وسلم مل يقتل املنافقني كعبد هللا بن أيب وغريه، درءا للمفسدة، لئال ولكن النيب صلى اهلل

عليه وسلم ارتكب أخف، يتحدث الناس أن حممدا يقتل أصحابه. فالرسول صلى اهلل لدفع أعالمها وهو قول الناس: حممد يقتل أصحابه. - وهي: ترك قتله - املفسدتني

م هلل ولرسوله، ألنه خشي من مفسدة أكرب. هذا وجه كون الرسول مل يقتل املنافقني مع عداو فدلت هذه النصوص يف هذا الباب العظيم على أحكام عظيمة:

عليه وسلم، وأن أوال: يف اآليات واحلديث: وجوب التحاكم إىل كتاب هللا وسنة رسوله صلى اهلل هذا هو مقتضى اإلميان.

نازعات، ال يف بعضها دون بعض، فيجب حتكيمها ثانيا: وجوب حتكيم الكتاب والسنة يف كل امل يف أمر العقيدة، وهذا أهم شيء، ويف املنازعات احلقوقية

)٢/١٣٤(

بني الناس، ويف املنازعات املنهجية واملذاهب واملقاالت، ويف املنازعات الفقهية: {فإن تـنازعتم يف "، أما الذي يريد أن يأخذ جانبا فقط، ويرتك ما هو أهم منه، شيء فـردوه إىل هللا والرسول}

فهذا ليس حتاكما إىل كتاب هللا، فما يقوله دعاة احلاكمية اليوم ويريدون حتكيم الشريعة يف أمور ا يف أمر العقائد، ويقولون: الناس أحرار يف عقائدهم، يكفي أنه املنازعات احلقوقية، وال حيكمو

أنا مسلم، سواء كان رافضيا أو كان جهميا أو معتزليا، أو.. أو.. إىل آخره، "جنتمع على يقول:ا: ما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه" هذه القاعدة اليت وضعوها، ويسمو

ألن القاعدة الذهبية. وهي يف احلقيقة: حتكيم للكتاب يف بعض، وترك له فيما هو أهم منه،حتكيم الشريعة يف أمر العقيدة أعظم من حتكيمها يف شأن املنازعات احلقوقية، فتحكيمها يف أمر العقيدة وهدم األضرحة ومشاهد الشرك، ومقاتلة املشركني حىت يؤمنوا باهلل ورسوله، هذا أهم،

هب واملناهج اليت فالذي إمنا يأخذ جانب احلاكمية فقط ويهمل أمر العقائد، ويهمل أمر املذافرقت الناس اآلن، ويهمل أمر النزاع يف املسائل الفقهية، ويقول: أقوال الفقهاء كلها سواء،

نأخذ بأي واحد منها دون نظر إىل مستنده. فهذا قول باطل، ألن الواجب أن نأخذ مبا قام عليه هو األهم، واملنازعات احلقوقية، الدليل، فيحكم كتاب هللا يف كل املنازعات العقدية، وهذا

واملنازعات املنهجية، واملنازعات الفقهية، {فإن تـنازعتم يف شيء} هذا عام، {وما اختـلفتم فيه

من شيء فحكمه إىل هللا ذلكم هللا} هذا عام أيضا.غالطون، حيث أخذوا جانبا وتركوا ما هو أعظم منه، وهؤالء الذين جعلوا احلاكمية بدل التوحيد

وهو املناهج اليت فرقت بني الناس، كل -أو هو أعظم منه -وهو العقيدة، وتركوا ما هو مثلهمجاعة هلا منهج، كل مجاعة هلا مذهب، مل ال نرجع إىل الكتاب والسنة ونأخذ املنهج واملذهب

ه.الذي يوافق الكتاب والسنة ونسري عليواحلاصل؛ أن حتكيم الكتاب والسنة جيب أن يكون يف كل األمور، ال يف بعضها دون بعض، فمن

تـؤمنون مل حيكم الشريعة يف كل األمور كان مؤمنا ببعض الكتاب وكافرا ببعض شاء أم أىب، {أفـ ببـعض الكتاب وتكفرون ببـعض} .

)٢/١٣٥(

ثة: يف هذه النصوص تفسري الطاغوت، وأن من معانيه: كل بغري ما أنزل هللا.املسألة الثالاملسألة الرابعة: يف هذه النصوص دليل على أن من اختار حكم الطاغوت على حكم هللا، أو

سوى بني حكم هللا وحكم الطاغوت وادعى أنه خمري بينهما أنه كافر باهلل خارج من امللة، ألن هللا م يف دعواهم اإلميان ما داموا يتحاكمون ت عاىل قال: {أمل تـر إىل الذين يـزعمون أنـهم آمنوا} فكذ

إىل الطاغوت، ألنه ال ميكن اجلمع بني النقيضني، فمن اختار حكم الطاغوت على حكم هللا أو ذا، وإن ذا، أو قال: حتكيم سوى بينهما وقال: مها سواء، إن شئنا أخذنا شئنا أخذنا

الطاغوت جائز، أو حكم بالشريعة يف بعض األمور دون بعض، فهذا كافر باهلل. كالذين حيكمون الشريعة يف األحوال الشخصية فقط. أما من حكم بغري ما أنزل هللا هلوى يف نفسه، وهو يعرتف

ف أنه خمطئ ومذنب، فهذا يكفر كفرا ويعتقد أن حكم هللا هو احلق، وحكم غريه باطل، ويعرت أصغر ال خيرج من امللة.

املسألة اخلامسة: يف حديث عبد هلل بن عمرو ويف آخر اآليات: {مث ال جيدوا يف أنـفسهم حرجا فإن مل مما قضيت ويسلموا تسليما} دليل على أن عالمة اإلميان: أن يقتنع حبكم هللا ورسوله،

يقتنع وكان يف نفسه شيء من عدم االطمئنان فهذا دليل على ضعف إميانه، أو على عدم إميانه، عليه وسلم: "ال يؤمن أحدكم حىت يكون هواه تبعا لما جئت به" ، قال تعاىل: لقوله صلى اهلل

يت ويسلموا تسليما} . فمن عالمة اإلميان: االطمئنان {مث ال جيدوا يف أنـفسهم حرجا مما قض حلكم هللا ورسوله، سواء كان له أو عليه، فال جيد يف نفسه شيئا من التربم أو الكراهية حىت ولو

كان احلكم عليه.ا من أكل املال با لباطل، املسألة السادسة: يف سبب نزول اآلية: دليل على حترمي الرشوة، أل

ا من صفة اليهود، فمن أخذها من هذه ا تسبب تغيري األحكام عن جمراها الصحيح، وأ وأل عليه وسلم: "من تشبه بقوم فهو منهم" ، مع ما األمة فقد تشبه باليهود، وقد قال صلى اهلل

ضى يف احلقوق، وهي شر فيها من أكل املال بالباطل مع ما فيها من إفساد احلكم، ونشر الفو كلها.

)٢/١٣٦(

املسألة السابعة: يف احلديث دليل على وجوب قتل املنافق إذا ظهر منه ما يعارض الكتاب والسنة، ألنه أصبح مفسدا يف األرض، فيجب على ويل األمر قتله إال إذا ترتب على قتله فساد

أكرب.وك حيلفون باهلل إن أردنا إال إحسانا وتـوفيقا} أنه ال يقبل املسألة الثامنة: يف قوله: {مث جاء

اعتذار من حتاكم إىل غري الكتاب والسنة، ألن هللا أنكر عليهم ذلك، وهم {حيلفون باهلل إن الكتاب والسنة، ولو اعتذر مبا اعتذر أردنا إال إحسانا وتـوفيقا} ، فال يقبل اعتذار من حكم غري

فإنه ال عذر له، ألن هللا مل يقبل منهم هذا االعتذار.املسألة التاسعة: يف قوله: {ولو أنـهم إذ ظلموا أنـفسهم جاءوك فاستـغفروا هللا واستـغفر هلم

م يف حتكيم غري ما الرسول} فيه: قبول التوبة من املرتد ، فإن هللا عرض عليهم التوبة مع ردم لو تابوا تاب هللا عليهم. أنزل هللا أ

عليه وسلم إمنا هو يف حال حياته، واملسألة العاشرة: فيه أن طلب الدعاء من الرسول صلى اهلل عليه وسلم يطلبون منه بدليل أن الصحابة رضي هللا عنهم ما كانوا يأتون إىل قربه صلى اهلل

االستغفار والدعاء، وهم القدوة، وخري القرون، وأعلم الناس بتفسري القرآن وألنه سبحانه قال: {إذ ظلموا} وإذ ظرف ملا مضى من الزمان. ومل يقل: "إذا ظلموا" ألن إذا ظرف ملا يستقبل من

الزمان. عليه وسلم وطلب منه وما يذكرونه من قصة األعر ايب الذي جاء إىل قرب النيب صلى اهلل

االستغفار بعدما تال اآلية: {ولو أنـهم إذ ظلموا...} ، فهي قصة خمتلقة ال أصل هلا، ولو صحت ا فعل أعرايب جاهل خمالف ملا عليه الصحابة، وهم أعلم األمة مب ا، أل ا يشرع مل جيز االستدالل

وما ال يشرع. وديننا ال يؤخذ من القصص واحلكايات، وإمنا يؤخذ من الكتاب والسنة وهدي السلف الصاحل.

قال الشيخ رمحه هللا: "فيه مسائل:املسألة األوىل: تفسري آية النساء، وما فيها من اإلعانة على فهم الطاغوت" أي: أن الطاغوت

، مساه هللا طاغوتا.هو من حيكم بغري ما أنزل هللا الثانية: تفسري آية البقرة: {وإذا قيل هلم ال تـفسدوا يف األرض...} اآلية" أي:

)٢/١٣٧(

ومن أعظم اإلفساد يف األرض: التحاكم إىل غري ما أنزل هللا.الحها} " أي: أن من أعظم " الثالثة: تفسري آية األعراف: {وال تـفسدوا يف األرض بـعد إص

اإلفساد يف األرض بعد إصالحها: حتكيم غري الشريعة.غون} " أي: أن حكم اجلاهلية هو احلكم بغري ما أنزل " الرابعة: تفسري: {أفحكم اجلاهلية يـبـ

ا، أو نظاما، أو هللا، فكل حكم خيالف حكم هللا فإنه حكم اجلاهلية يف أي وقت، ولو مسي قانون دستورا، أو مسي ما مسي، فإنه حكم اجلاهلية.

" اخلامسة: ما قال الشعيب يف سبب نزول اآلية" أي: أن الشعيب ذكر سبب نزول اآلية األوىل: ا نزلت يف رجلني أرادا التحاكم إىل غري الرسول صلى ا عليه {أمل تـر إىل الذين يـزعمون }، وأ هلل

وسلم فنفى هللا اإلميان عمن أراد ذلك؛ جمرد نية فكيف إذا نفذ هذا!." السادسة: تفسري اإلميان الصادق واإلميان الكاذب" أي: أن من اإلميان الصادق: حتكيم ما

أنزل هللا عز وجل، واإلميان الكاذب هو حتكيم الطاغوت ولو ادعى اإلميان باهلل.

)٢/١٣٨(

[الباب األربعون:] * باب من جحد شيئا من األمساء والصفات

ـــــــــــــــــــــــــــــقول الشيخ رمحه هللا: "باب من جحد شيئا من األمساء والصفات" أي: ما حكمه؟، وما دليل

ذلك؟.وحيد األلوهية، وتوحيد ومناسبة الباب: أنه لما كان التوحيد ثالثة أنواع: توحيد الربوبية، وت

األمساء والصفات، وكان غالب هذا الكتاب يف النوع الثاين وهو توحيد العبادة، ألن فيه اخلصومة بني الرسل واألمم، وهو الذي كثر ذكره يف القرآن الكرمي وتقريره والدعوة إليه، فهو األساس،

خلق هللا اخللق من أجله كما قال تعاىل: {وما وهو معىن شهادة أن ال إله إال هللا، وهو الذينس إال ليـعبدون( )} .٥٦خلقت اجلن واأل

وأما النوع األول وهو توحيد الربوبية: فهذا أكثر األمم مقرة به، خصوصا الذين كانوا يف وقت بتوحيد الربوبية، فهم يعتقدون أن هللا هو نزول القرآن من كفار قريش وكفار العرب كانوا مقرين

اخلالق الرازق، احمليي، املميت، املدبر يعرتفون بذلك كما جاءت آيات يف القرآن الكرمي تبني لئن )} ، {و ٩ذلك: {ولئن سألتـهم من خلق السماوات واألرض ليـقولن خلقهن العزيز العليم(

) ٨٦سألتـهم من خلقهم ليـقولن هللا} ، {قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم (} ، { قل من بيده ملكوت كل شيء وهو جيري وال جيار عليه إن كنتم تـع ) ٨٨لمون(سيـقولون هلل

} ، هذا شيء متقرر، ولكنه ال يدخل يف اإلسالم، فمن أقر به واقتصر عليه ومل يقر سيـقولون هلل بالنوع الثاين وهو توحيد العبادة، ويأت به فإنه ال يكون مسلما ولو أقر بتوحيد الربوبية.

فهو يف احلقيقة داخل يف توحيد الربوبية. أما النوع الثالث: وهو توحيد األمساء والصفات، ومن أجل هذا؛ بعض العلماء جيمل وجيعل التوحيد نوعان:

توحيد يف املعرفة واإلثبات، وهو توحيد الربوبية واألمساء والصفات وهو التوحيد العلمي. وتوحيد يف الطلب والقصد وهو التوحيد الطليب العملي، وهو توحيد األلوهية.

)٢/١٣٩(

وقول هللا تعاىل: { وهم يكفرون بالرمحن } اآلية . ـــــــــــــــــــــــــــــ

ولكن ملا وجدت طوائف من هذه األمة افرتقت عن مذهب السلف، وصار هلا رأي يف األمساء التوحيد والصفات ختالف احلق؛ جعل هذا قسما ثالثا من أجل الرد عليهم وبيانه للناس، فجعل

ثالثة أقسام : توحيد الربوبية، وتوحيد األلوهية، وتوحيد األمساء والصفات، ألن هذا التقسيم تفصيلي، والتقسيم األول إمجايل .

وقد وجدت نابتة يف اآلونة األخرية على طريقة علماء الكالم جتعل التوحيد قسما واحدا هو: أو هم -على ما أقر به املشركون، ومل يعلموا توحيد الربوبية فقط، وتنكر ما عداه، فلم يزيدوا

أن القرآن الكرمي قد دل على التوحيد بأقسامه الثالثة يف آيات كثرية . -يتجاهلون وجدت طائفة أخرى تقول: إن التوحيد أربعة أقسام، وتزيد من عندها توحيد احلاكمية، ومل تعلم

، وليس قسيما له . وجيوز اعتباره من أن هذا القسم الذي زادوه هو قسم من توحيد األلوهية توحيد الربوبية من ناحية أن التشريع من اختصاص الرب سبحانه وتعاىل .

وقد تكلم الشيخ على توحيد األلوهية يف معظم أبواب هذا الكتاب أول باب منه يقول: "كتاب نس إال ل يـعبدون } فاعتىن بتوحيد األلوهية، التوحيد، وقول هللا تعاىل: { وما خلقت اجلن واإل

ألنه هو املقصود، وتوحيد الربوبية دليل عليه، وداخل يف ضمنه .مث ذكر يف هذا الباب توحيد األمساء والصفات ، ومل يذكر توحيد الربوبية، ألن توحيد الربوبية

ا، ولكنه خص باب معرتف به عند مجيع اخللق، وتقر به حىت األمم الكافرة على جاهليتها وشركه األمساء والصفات هنا ألن منكريه من هذه األمة من الفرق الضالة كثريون .

ذا الباب أن يبني حكم هذه الفرق املخالفة يف هذا النوع العظيم من أنواع التوحيد . فأراد وهلذا قال: "باب من جحد األمساء والصفات " أي: بيان حكمه .

أي: املشركون .قال: "وقول هللا تعاىل: وهم

)٢/١٤٠(

" {يكفرون بالرمحن} " أي: ينكرون هذا االسم الكرمي، وجيحدونه. عليه وسلم ويوضح ذلك سبب نزول اآلية، وهو: أن كفار قريش لما مسعوا رسول هللا صلى اهلل

رمحن اليمامة. يـعنون: مسيلمة الكذاب، يذكر الرمحن، قالوا: وما الرمحن؟، ال نعرف الرمحن إال عليه وسلم املشركني يف احلديبية، وأراد أن يكتب الصلح، وذلك عندما صاحل النيب صلى اهللونادى علي بن أيب طالب ليكتب الصلح، فقال له: "اكتب: {بسم هللا الرمحن الرحيم} " ،

نعرف الرمحن إال رمحن اليمامة، ولكن اكتب بامسك اللهم. فأنزل هللا تعاىل: " {وهم قالوا: ال يكفرون بالرمحن} ".

عليه وسلم يف مكة، وكان يصلي ويدعو يف سجوده: "يا هللا، يا وكذلك لما كان النيب صلى اهلله: انظروا إىل هذا يزعم أنه يعبد ربا واحدا وهو يدعو ربني: هللا رمحن" ، فقال املشركون لما مسعو

له األمساء احلسىن} . والرمحن، قال هللا تعاىل: {قل ادعوا هللا أو ادعوا الرمحن أيا ما تدعوا فـد املسمى، بل تعدد األمساء يدل بني سبحانه أن أمساءه كثرية، وتعدد األمساء ال يدل على تعد

ا على عظمة املسمى، وهللا جل وعال له أمساء كثرية، قال تعاىل: {وهلل األمساء احلسىن فادعوه : {هللا )} ، وقال سبحانه وتعاىل١٨٠وذروا الذين يـلحدون يف أمسائه سيجزون ما كانوا يـعملون(

)} ، وقال تعاىل يف آخر سورة احلشر: {هو هللا الذي ال إله ٨ال إله إال هو له األمساء احلسىن(إال هو...} إىل قوله: {له األمساء احلسىن} ، فاهلل له أمساء كثرية، كلها حسىن، يعين: تامة

ليلة.عظيمة، تشتمل على معان ج عليه وسلم قال: "إن هلل تسعة وتسعني امسا من ويف احلديث الصحيح: أن النيب صلى اهلل

عليه وسلم: "أسألك بكل اسم هو لك مسيت أحصاها دخل اجلنة" ، ويف دعاء النيب صلى اهلللقك" ، فدل على أن أمساء هللا كثرية ال به نفسك، أو أنزلته يف كتابك، أو علمته أحدا من خ

يعلمها إال هللا سبحانه وتعاىل. وكثرة األمساء احلسىن تدل على عظمة املسمى.

فكل اسم يدعى به ويطلب منه تعاىل ما يتضمنه ذلك االسم من الرمحة واملغفرة والتوبة وغريها.

)٢/١٤١(

س مبا يعرفون، أتريدون أن يكذب هللا ورسوله؟!".ويف صحيح البخاري: قال علي: "حدثوا النا ـــــــــــــــــــــــــــــ

ا يف دعائكم، كأن تقول: يا رمحن ارمحين، يا غفور اغفر ا} يعين: توسلوا إليه وقوله: {فادعوه يل، يا تواب تب علي، يا رازق ارزقين.. وهكذا.

ا، توعدهم هللا {وذروا الذين يـلحدون ا، أو ينكرون معانيها وحيرفو يف أمسائه} يعين: ينكرو بقوله: {سيجزون ما كانوا يـعملون} .

واإلميان بأمساء هللا وصفاته هو مذهب أهل السنة واجلماعة من الصحابة والتابعني، وأتباعهم إىل ا نفسه، أو مساه يوم القيامة، فأهل السنة واجلماعة يؤ منون بأمساء هللا وصفاته اليت مسى هللا تعاىل

ا، ويثبتون معانيها وما ا رسوله من غري حتريف وال تعطيل، ومن غري تكييف وال متثيل، يؤمنون تدل عليه، ولكن كيفيتها ال يعلمها إال هللا سبحانه وتعاىل.

ا، فمنهم من أما الفرق الضالة من اجلهمية واملعتزل م جيحدو ة واألشاعرة ومشتقات هؤالء فإجيحد األمساء والصفات وهم اجلهمية، ولذلك كفرهم كثري من علماء هذه األمة، يقول اإلمام ابن

القيم رمحه هللا يف "النونية": ولقد تقلد كفرهم مخسون يف ... عشر من العلماء يف البلدان

م جيحدون األمساء والصفات، فال يثبتون هلل يعين: كفر اجلهمي ة مخسمائة عامل من هذه األمة، أل امسا وال صفة.

واملعتزلة أثبتوا األمساء ولكنهم جحدوا معانيها، وجعلوها أمساء جمردة، ليس هلا معاين.بع صفات، واألشاعرة: اثبتوا األمساء وبعض الصفات، وجحدوا كثريا من الصفات، فأثبتوا س

ا. ا وينكرو وبعضهم يثبت أربع عشرة صفة، والبقية جيحدو وكل هؤالء فرق ضالة، وهم يتفاوتون يف ضالهلم.

ثوا قال: "ويف صحيح البخاري: قال علي": علي بن أيب طالب خياطب العلماء، ويقول هلم: "حدا ال تستنكره عقوهلم، بل حدثوهم مبا الناس مبا يعرفون" أي: تكلموا عندهم مبا يعرفون، أي: مب

تتحمله عقوهلم، وتدركه أفهامهم، وال تسمعوهم شيئا ال يفهمون معناه، أو جيهلونه، فيبادرون إىل م يف احلرج. تكذيبه فتوقعو

)٢/١٤٢(

على أن خيوفوا وكأنه قال هذه املقالة لما كثر القصاص يف وقته، وهم: الوعاظ، والوعاظ حيرصونالناس، فيذكرون هلم كل ما قرأوا أو مسعوا من األخبار واألحاديث، سواء كانت صحيحة أو غري ا. وهذا أمر ال جيوز، فاحلاضرون حيدثون مبا ا أو ال يفهمو صحيحة، وسواء كان الناس يفهمو

وقد حتمل بعضهم على -ليهمتتحمله عقوهلم، رمبا ينفعهم، أما ذكر األشياء اليت تشوش عفهذا أمر حمرم، فينبغي للقاص والواعظ واخلطيب واملتحدث أن يراعي أحوال -التكذيب

السامعني، فيتكلم معهم مبا يناسب حاهلم: إن كان يتكلم يف وسط علماء يتكلم بالكالم الالئق يناسبهم ومبا تتحمله عقوهلم، وحيرص على بأهل العلم، وإن كان يتكلم يف وسط عوام فيتكلم مبا

م، وحيذرهم من م، وأمور عباد م وصال ما ينفعهم أيضا، ويعلمهم أمور دينهم: أمور عقيد املعاصي ومن احملرمات، وال يدخل يف املواضيع العلمية البعيدة عن أفهام العوام.

أنه أمر أن يراعى أحوال احلاضرين وأحوال وهذه حكمة عظيمة من أمري املؤمنني رضي هللا عنه: السامعني، فيحدثون مبا يتناسب مع مستواهم العلمي.

ويا ليت املتحدثني يف وقتنا هذا واخلطباء ميشون على هذا النظام وهذه القاعدة اليت قاهلا أمري املؤمنني علي بن أيب طالب.

دث يراعي أحوال السامعني: إن كان يف وسط فهذه قاعدة للمتحدثني يف كل وقت: أن املتحعلمي يتحدث مبا يناسبه، وإن كان يف وسط عامي يتحدث مبا يناسبه، وإن كان يف وسط خمتلط من العلماء ومن اجلهال ومن العوام فإنه يالحظ الواقع، فيتحدث حبديث يستفيد منه احلاضرون

سون العقائد والعلوم شيئا فشيئا حىت تتسع هلا عقوهلم، وتتقبلها ويفهمونه من أمور دينهم، ويدر أفهامهم.

وال يدخل يف هذا ذكر نصوص األمساء والصفات بدليل قول ابن عباس اآليت ملا ذكر حديثا عن عليه وسلم يف الصفات. وإمنا هذا خاص بأحاديث القصاص اليت قد تكون النيب صلى اهلل

ة أو ال تتحملها عقول الناس.مكذوب

)٢/١٤٣(

وروى عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاووس عن أبيه عن ابن عباس: "أنه رأى رجال انتفض ملا عليه وسلم يف الصفات؛ استنكارا لذلك، فقال: ما فـرق هؤالء؟، مسع حديثا عن النيب صلى اهلل

ه؟!" انتهى.جيدون رقة عند حمكمه، ويهلك ون عند متشا ـــــــــــــــــــــــــــــ

قال: "وروى عبد الرزاق " عبد الرزاق: هو عبد الرزاق بن مهام الصنعاين: اإلمام اجلليل، صاحب "املصنف" املسمى بـ "مصنف عبد الرزاق ".

ري، اإلمام اجلليل."عن معمر" هو معمر بن راشد األزدي: من تالميذ حممد بن شهاب الزه"عن ابن طاووس عن أبيه" طاووس هو: طاووس بن كيسان، من أئمة العلم يف اليمن. وابنه هو:

عبد هللا بن طاووس: كان إماما جليال، يروي عن أبيه طاووس. علي ه وسلم يف "عن عبد هللا بن عباس: أنه رأى رجال انتفض لما مسع حديثا عن النيب صلى اهلل

الصفات؛ استنكارا لذلك، فقال: ما فـرق هؤالء؟!، جيدون رقة عند حمكمه، ويهلكون عند ه" الفرق: اخلوف. واحملكم من النصوص هو: الذي يفهم معناه من لفظه، وال حيتاج إىل متشا

ج إىل دليل آخر يفسره، دليل آخر يفسره. واملتشابه هو: الذي ال يفهم معناه من لفظه، وحيتا كالناسخ واملنسوخ، واملطلق واملقيد، والعام واخلاص، واجململ واملبني.

م يردون املتشابه إىل احملكم، فيفسرون بعض النصوص ببعض، فقاعدة أهل السنة واجلماعة: أ عليه وسلم ا كلها كالم هللا أو كالم رسوله صلى اهلل .ألم يأخذون املتشابه، ويرتكون احملكم. وأما أهل الزيغ فإ

ات قال تعاىل: {هو الذي أنـزل عليك الكتاب منه آيات حمكمات هن أم الكتاب وأخر متشايتبعون ما تشاب نة وابتغاء تأويله وما يـعلم تأويله إال هللا فأما الذين يف قـلوم زيغ فـ ه منه ابتغاء الفتـ

رون كالم والراسخون يف العلم يـقولون آمنا به كل من عند ربنا} فريدون املتشابه إىل احملكم، ويفس عليه وسلم، و{يـقولون آمنا به كل} يعين: احملكم هللا بكالم هللا أو بكالم رسوله صلى اهلل

واملتشابه، {من عند ربنا} فيفسرون بعضه ببعض، فال يأخذون املتشابه فقط ويرتكون احملكم.

)٢/١٤٤(

عليه وسلم يذكر ال رمحن، انكروا ذلك، فأنزل هللا فيهم: ولما مسعت قريش رسول هللا صلى اهلل {وهم يكفرون بالرمحن} .

ـــــــــــــــــــــــــــــومنهم: هذا الرجل الذي ملا مسع حديثا يف الصفات استنكره وانتفض خوفا من ذكره وال حيدث

ذلك منه عند املتشابه.مه" على أن آيات الصفات من احملكم وليست فدل قوله رضي هللا عنه: "جيدون رقة عند حمك

من املتشابه. ويف هذا رد على أهل الضالل الذين جيعلون نصوص الصفات من املتشابه، ويفوضون معناها إىل هللا. وهذا ضالل وغلط، بل هي من احملكم الذي يعرف معناه ويفسر،

ا من احملكم، وهذا هو احلق، وهو مذهب ولذلك بني عبد هللا بن عباس رضي هللا عنهما أالسلف: يقول شيخ اإلسالم رمحه هللا: "ما وجدت أحدا من أهل العلم من السلف جعل آيات

الصفات من املتشابه" على كثرة إطالعه وتتبعه. ويستفاد من نصوص الباب فوائد عظيمة:

وله تعاىل: " {وهم يكفرون بالرمحن} "، ولكنه الفائدة األوىل: أن إنكار األمساء والصفات كفر لقكفر فيه تفصيل قد يكون كفرا أكرب خمرج من امللة، وقد يكون كفرا أصغر ال خيرج من امللة

لكنه ضالل، وهذا حبسب حال النايف لألمساء والصفات: هل هو مقلد أو غري مقلد؟، هل هو ل؟.متأول أو غري متأو

ثوا الناس مبا يعرفون" فيه: أنه جيب على الفائدة الثانية: يف قول علي رضي هللا عنه: "حداملتحدث يف خطبة أو يف درس أو يف موعظة أو يف حماضرة أن يتحدث مبا يناسب حال ا، ألن هذه األشيا ء إن مل املستمعني وما ينفعهم، وال يأيت هلم بالغرائب واألشياء اليت ال يفهمو

عليه وسلم، كالذي يروجه بعض القصاص من تكن صحيحة فقد كذب على رسول هللا صلى اهلل عليه وسلم فإنه يكون قد األحاديث املكذوبة واملوضوعة، وإن كانت ثابتة عن الرسول صلى اهلل

ن هو السبب الذي محلهم على ذلك.تسبب يف استنكار احلاضرين هلا وجحدهم هلا، فيكو الفائدة الثالثة: أيضا يف قول علي رضي هللا عنه طلب التدرج يف تعليم الناس، فيبدأ بصغار املسائل، مث ينتقل إىل كبارها، هذا هو الطريق الصحيح للتعليم، أما أن يؤتى بكبار املسائل

للمبتدئني فهذا خطأ يف طريقة التعليم.

)٢/١٤٥(

الفائدة الرابعة: يف قول ابن عباس رضي هللا عنهما دليل على أن نصوص الصفات من احملكم، ا واضحة املعاين، ال إشكال فيها، ولذلك ا تذكر عند الناس، ال يتحاشى من ذكرها، أل وأ

جاءت يف القرآن، والقرآن يتلوه العوام ويتلوه املتعلمون. فيه دليل على أن أهل الزيغ يتبعون املتشابه ويرتكون احملكم.الفائدة اخلامسة:

دليل على إنكار املنكر، ألن ابن عباس رضي هللا عنهما ما - أيضا -الفائدة السادسة: فيه

استنكر على هذا الرجل، وبني السبب الذي محله على ما حصل منه من الرعدة، وأنه من أهل كم ويتبعون املتشابه.الزيغ الذين ينكرون احمل

الفائدة السابعة: أن أول من جحد األمساء والصفات هم املشركون، فيكونون أئمة للجهمية واملعتزلة ومن حنا حنوهم، وبئس األئمة والقدوة، نسأل هللا العافية والسالمة.

هذا، وباهلل التوفيق.

)٢/١٤٦(

[الباب الواحد واألربعون:] قول هللا تعاىل: {يـعرفون نعمت هللا مث يـنكرونـها} . * باب ـــــــــــــــــــــــــــــ

هذا الباب ذكره الشيخ رمحه هللا بعد باب "من جحد شيئا من األمساء والصفات"، ألنه من ربوبية، وكذلك الذي جنسه، فيه تنقص للربوبية، فالذي جيحد األمساء والصفات قد تنقص ال

يضيف النعم إىل غري هللا سبحانه وتعاىل قد تنقص الربوبية.فهذه اآلية اليت ذكرها يف الرتمجة، وهي قوله سبحانه وتعاىل: " {يـعرفون نعمت هللا مث يـنكرونـها

حل تسمى سورة النعم، ألن هللا )} " هي من سورة النحل، وسورة الن ٨٣وأكثـرهم الكافرون(سبحانه وتعاىل عدد فيها كثريا من نعمه على عباده، وقال فيها: {وإن تـعدوا نعمة هللا ال حتصوها

)} ، وأول النعم اليت ذكرها هللا يف هذه السورة نعمة إرسال الرسل، ١٨إن هللا لغفور رحيم( حي هلداية عباده.وإنزال الو

مث النعمة خبلق اإلنسان، وما جعل فيه من األعضاء الكبرية والصغرية الدقيقة، وما جعل فيه من بديع الصنعة.

يمة األنعام اليت فيها اجلمال، وفيها منافعهم من الركوب واحلمل واأللبان مث النعم يف خلق واللحوم، وغري ذلك.

م عباب املاء.وكذلك: املراكب البحرية ا ليت تقطع وكذلك: ما أنبت يف األرض من صنوف النباتات اليت فيها أرزاق العباد وفيها أدويتهم وفيها

مراعي ألنعامهم.ا املسافرون يف الرب والبحر: {وعالمات وكذلك: ما جعل فيها من العالمات اليت يهتدي

)} .١٦وبالنجم هم يـهتدون( ن ذلك: نعمة املشارب من املاء واللنب والعسل.وم

ا من عدوهم: وكذلك: نعمة املساكن اليت يسكنون فيها فتؤويهم من احلر والربد، فيتحصنون البيوت الثابتة، والبيوت املتنقلة: {وهللا جعل لكم من بـيوتكم سكنا وجعل لكم من جلود

عام بـيوتا تستخفونـها يـوم ظعنكم ويـوم إقامتكم} .األ نـا: {وجعل لكم سرابيل تقيكم احلر وكذلك: نعمة املالبس اليت يلبسو

)٢/١٤٧(

ل م، وجيم ا عورا م، ومالبس وسرابيل تقيكم بأسكم} مالبس األبدان اليت يسرتون ا هيئا ون الدروع اليت تقيهم من سالح العدو.

كل هذه النعم من هللا سبحانه وتعاىل.ا عليك البالغ المبني( ) يـعرفون نعمت هللا مث يـنكرونـها ٨٢مث قال تعاىل: {فإن تـولوا فإمن

.)} ٨٣وأكثـرهم الكافرون(رون ذكروا أقواال يف تفسري هذه اآلية، وكلها صحيحة، وال تناقض بينها، -رمحهم هللا - واملفس

ا كلها تدخل يف نعمة هللا، وكل منهم يذكر مثاال من هذه النعم. فأقوال املفسرين ال تناقض ألوليس هو اختالف : اختالف تنوع،-كما يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية - بينها، واختالفهمرين يأخذ معىن من هذه -أو اآليات -تضاد، ألن اآلية حتتمل عدة معان، فكل واحد من املفس

تتضمن هذه املعاين اليت قالوها مجيعا. - أو اآليات - املعاين، فإذا مجعتها وجدت أن اآلية عليه وسلم، وال فمنهم من قال: املراد بقوله: " {يـعرفون نعمت هللا} ": بعثة حممد صلى اهلل

شك أن هذه النعمة هي أكرب النعم، ولذلك صدر السورة بذكر بعثة الرسل: {يـنـزل المالئكة )} ، وقال تعاىل: ٢ا فاتـقون(بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه ال إله إال أن

)} .١٠٧{وما أرسلناك إال رمحة للعالمني( ومنهم من قال: املراد بالنعمة: كل ما ذكره هللا يف هذه السورة من أصناف النعم.رفون نعمت هللا} ألن قوله: " {نعمت هللا} " مفرد مضاف، فيعم مجيع النعم، فقوله تعاىل: " {يـع

م ا يف قرارة أنفسهم، فيعرفون بقلو " أي: يعرفون نعم هللا املذكورة يف هذه السورة، وال جيحدوا إىل غري هللا سبحانه وتعاىل، أو بالعكس؛ يتلفظون بأن ا من هللا، ولكنهم بألسنتهم ينسبو أ

م ا من غريه.هذه النعم من هللا ولكنهم يف قلو يعتقدون أا: وهلذا يقول العلماء: أركان الشكر ثالثة ال يصح الشكر إال

ا ظاهرا، كما قال تعاىل: {وأما بنعمة ربك فحدث( )} .١١الركن األول: التحدث

)٢/١٤٨(

: "هو قول الرجل: هذا مايل ورثته عن آبائي".-ما معناه -قال جماهد وقال عون بن عبد هللا: "يقولون: لوال فالن مل يكن كذا".

ـــــــــــــــــــــــــــــا من هللا سبحانه وتعاىل، فيكون ا باطنا، يعين: تعرتف يف قرارة نفسك أ الركن الثاين: االعرتاف

ا من هللا. قلبك موافقا للسانك من االعرتاف بأا الركن الثالث: صرفه ا يف طاعة موليها ومسديها وهو هللا سبحانه وتعاىل، مبعىن: أن تستعني

ا على معصية هللا فإنك ال تكون شاكرا هلا. على طاعة هللا، فإن استعنت " {مث يـنكرونـها} " املراد بإنكارها: جحودها، إما باللسان وإما بالقلب، بأن تنسب إىل غري من

ا، إما أن تنسب إىل األسباب، وإما أن تنسب إىل األصنام واآلهلة، وإما أن تنسب إىل أنعم اآلباء واألجداد، وإما أن تنسب إىل كد العبد وكسبه وحذقه ومعرفته وإما بصرفها يف معصية هللا.

فما ذكره الشيخ رمحه هللا يف هذا الباب إمنا هو أمثلة لكفران النعمة.ر اآلية بقول الرجل: "هذا قوله: "قال جماهد" وهو جماهد بن جرب، اإلمام التابعي اجلليل، يفسمايل ورثته عن آبائي"، فال يـنسب حصول املال إىل هللا سبحانه وتعاىل، وإمنا ينسبه إىل آبائه

وأجداده.ه وكسبه وحذقه ومعرفته، فإن هذا جح ود لنعمة هللا، ألن املال فضل من وكذلك إذا نسبه إىل كد

ا وقد ال هللا سبحانه وتعاىل، أما احلذق والكسب ومعرفة الصنعة فهذه أسباب قد تـنتج مسبباتـنتج، فكم من حاذق وكم من عامل وكم من صانع حيرم من الرزق وال تغنيه صنعته شيئا، فهذا

ذه فهي أسباب إن شاء هللا نفعت وإن شاء مل تنفع.فضل من هللا سبحانه وتعاىل، وأما ه قوله: "وقال عون بن عبد هللا، هو: عون بن عبد هللا بن عتبة بن مسعود اهلذيل: إمام جليل.

"يقولون: لوال فالن مل يكن كذا" وهذا ال جيوز، ألن فيه نسبة النعمة إىل

)٢/١٤٩(

اعة آهلتنا".وقال ابن قتيبة: "يقولون: هذا بشف ـــــــــــــــــــــــــــــ

عليه وسلم، أن تقول: "لوال هللا، مث فالن" ، غري هللا، والذي جيوز ما أرشد إليه النيب صلى اهلل ألنك نسبت النعمة إىل هللا، وذكرت أن فالنا إمنا هو سبب فقط، ألن (مث) للرتتيب والتعقيب.

نـوري، إمام يف قوله يـ : "وقال ابن قـتـيبة" ابن قتيبة هو أبو حممد عبد هللا بن مسلم بن قتيبة الد

النحو، واللغة، والتفسري، وله كتب مشهورة، منها: "كتاب التفسري"، وكتاب " املعارف".ومن النفع إمنا "يقولون: هذا بشفاعة آهلتنا" يعين: يقول املشركون: هذا الذي حصل من اخلري

هو بشفاعة آهلتنا. يعين: أن آهلتهم شفعت عند هللا يف حصوهلا، ألن املشركني الذين يعبدون غري ا تشفع هلم عند هللا، ا العتقاد أ م هي اليت ختلق وترزق، وإمنا يعبدو هللا ال يعتقدون أن معبودا

فعهم ويـقولون هؤالء شفعاؤنا عند كما قال تعاىل: {ويـعبدون من دون هللا ما ال يضرهم وال يـنـهللا} ، وقوله: {ما نـعبدهم إال ليـقربونا إىل هللا زلفى} ، فهم يعتقدون أن هذه املعبودات تشفع

ما توفر فيها شرطان: إذن هللا هلم عند هللا، وهذا كذب، ألن هللا بني الشفاعة الصحيحة، وهي للشافع أن يشفع، ورضاه عن املشفوع فيه بأن يكون من أهل التوحيد.

ا، واملشركون يتقربون بأنواع القربات إىل هذه األوثان، ويذحبون هلا، وينذرون هلا، ويطوفون بور ا ليوم، يذحبون للقبور، وينذرون ويقولون: {هؤالء شفعاؤنا عند هللا} ، مثل حالة عباد الق

ا ختلق وترزق، ا، ويقولون: حنن ال نعتقد أ ا، ويستصرخون ا، ويستغيثون للقبور، ويهتفون ذا ومل يكن هؤالء إمنا هي شفعاء عند هللا. وكذبوا يف ذلك، فإن هللا سبحانه وتعاىل ال يرضى

شفعاء عنده سبحانه وتعاىل.وهلم: هذا بشفاعة آهلتنا. يقولون: إن هذه النعم إمنا هي بسبب آهلتنا وبشفاعتها عند ومن ذلك ق

هللا، كما يقول القبوري: هذا بسبب الويل فالن، بسبب عبد القادر، بسبب العيدروس، بسبب م ينسبون نعمة هللا إىل البدوي، وهذا يدخل يف قوله: {يـعرفون نعمت هللا مث يـنكرونـها} مبعىن : أ

هذه املعبودات من دون هللا عز وجل. فهذه طريقة املشركني قدميا وحديثا.

)٢/١٥٠(

وقال أبو العباس بعد حديث زيد بن خالد الذي فيه: أن هللا سبحانه وتعاىل قال: "أصبح من :- وقد تقدم - عبادي مؤمن يب وكافر..." احلديث

لكتاب والسنة؛ يذم سبحانه من يضيف إنعامه إىل غريه ويشرك به.وهذا كثري يف ا ـــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: "قال أبو العباس" أبو العباس كنية شيخ اإلسالم أمحد بن تيمية."بعد حديث زيد بن خالد الذي فيه: أن هللا سبحانه وتعاىل قال: "أصبح من عبادي مؤمن يب

ا من قال: مطرنا بفضل هللا وبرمحته، فذلك مؤمن يب كافر بالكوكب.وأما من قال: وكافر فأم مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر يب مؤمن بالكوكب" .

مث قال أبو العباس رمحه هللا: "يذم سبحانه من يضيف إنعامه إىل غريه ويشرك به" فكل من

هللا، وأشرك به. أضاف نعم هللا إىل غريه فقد كفر نعمةوهذا الشرك وكفر النعمة ليس من الكفر والشرك املخرج من امللة، إذا كان اإلنسان يعتقد أن إضافة النعمة إىل الشيء من إضافة املسبب إىل سببه، وإمنا املنعم هو هللا، وأضافها إىل السبب

جمرد جماز، فهذا كفر أصغر.املخلوق ومن صنع املخلوق، فإن هذا كفر أكرب خيرج من أما إذا اعتقد أن النعم من إحداث

امللة. فالواجب أن تضاف النعم إىل هللا سبحانه وتعاىل.

فكل من أضاف النعمة إىل غري هللا، فإن هذا كفر باهلل، إما أن يكون كفرا أكرب، وإما أن يكون فسه، فليحاسب اإلنسان نفسه عند كفرا أصغر، حبسب ما يقوم باعتقاد الشخص وقرارة ن

ذلك.ومن ذلك: ما جيري على ألسنة بعض الصحفيني وكثري من اإلعالميني الذين ينسبون األشياء إىل ا، فيقولون: "املطر ناتج عن اخنفاض جوي، أو عن املناخ" وما أشبه ذلك. فالذي يضيف أسبا

فهو من هذا الباب، كما يف حديث زيد بن خالد: املطر إىل وقته أو إىل الكوكب أو إىل النوء، "أصبح من عبادي مؤمن يب وكافر" نعم: املناخ أو االخنفاض اجلوي سبب، لكن الذي ينزل املطر

ويكون املطر هو هللا سبحانه وتعاىل، ليس هلذه األسباب تدخل يف إجياد املطر أو إحداث املطر.

)٢/١٥١(

كقوهلم: كانت الريح طيبة واملالح حاذقا... وحنو ذلك مما جيري على قال بعض السلف: هو السنة كثري. ـــــــــــــــــــــــــــــ

طل فيها األمطار بكثرة، ولكن يأيت وقت من -وحيصل - وقد حصل أن هناك مناخات كانت كانت معروفة بكثرة املطر وتواصل األوقات تـقفر هذه املناخات وجتدب، فكثري من القارات وإن

املطر عليها حيصل فيها اجلدب، كما يقولون عنه: اجلفاف، يف أمريكا ويف أوروبا ويف أفريقيا حصل جفاف كثري، وهلكت خالئق كثرية من األموال ومن األنفس، وما نفعهم املناخ، هذا بيد

هللا سبحانه وتعاىل، ويف تقدير هللا سبحانه وتعاىل.قال املصنف: "قال بعض السلف" املراد بالسلف: القرون املفضلة، وصدر هذه األمة، وهم حمل

عليه وسلم ومن صحابته الكرام. القدوة، لقرب عهدهم من النيب صلى اهللالسلف فهو وأما من جاء بعدهم فيقال هلم: اخللف، فمن كان من اخللف يسري على منهج

م، ومن ختلف عن منهج السلف فإنه هالك، كما قال تعاىل: {والذين جاءوا من بـعدهم الحق خواننا الذين سبـقونا باألميان وال جتعل يف قـلوبنا غال لل ، ذين آمنوا} يـقولون ربـنا اغفر لنا وإل

ويقول سبحانه: {والسابقون األولون من المهاجرين واألنصار والذين اتـبـعوهم بإحسان} .م إذا قوله: "هو كقوهلم: كانت الريح طيبة، واملالح حاذقا" يعين أن من إنكارهم لنعمة هللا أ

سري بالريح إذا جنوا من البحر وخرجوا إىل الرب يثنون على ساروا يف البحر يف السفن اليت كانت تالريح وعلى املالح، وال يقولون: هذا بفضل هللا، بل يقولون: كانت الريح اليت محلت السفينة

طيبة.ر "وكان املالح حاذقا" املالح هو: قائد السفينة، مسى مالحا ملالزمته للماء امللح، ألن مياه البحا

ماحلة، فالذي يقود السفينة يقال له: مالح، ألنه يسري على املاء امللح واحلاذق: الذي جييد املهنة.

وكان الواجب عليهم أن يقولوا: أن هللا هو الذي جنانا، وهو الذي سخر لنا الريح الطيبة، وهو ن يقولوا: إن جناتنا وخروجنا إىل الذي أقدر قائد السفينة وأهلمه أن يقودها إىل بر السالمة. أما أ

الرب بسبب طيب الريح وحذق القائد، فهذا كفر بنعمة هللا سبحانه وتعاىل.وقوله: "وحنو ذلك مما جيري على ألسنة كثري" يعين: حنو هذه األلفاظ مما جيري على ألسنة كثري

ا من باب التساهل يف التعبري، وإما من من الناس من نسبة النعم إىل غري هللا سبحانه وتعاىل، إم باب سوء االعتقاد، فإن كان من سوء االعتقاد فهو كفر

)٢/١٥٢(

خيرج من امللة، وإن كان من باب اإلساءة يف التعبري مع االعتقاد بأن هللا هو الذي أوجد هذا الشيء: فهذا كفر أصغر، يسمى بكفر النعمة.

نه يعالج مشكلة يقع فيها كثري من الناس وال حيسبون هلا حسابا، فهذا الباب باب جليل ألم ينسبون نعم هللا تعاىل إىل غريه، وال ويتكلمون بكالم يظنونه هينا وهو عند هللا عظيم: حيث إيشكرون هللا سبحانه وتعاىل، وهلذا قال: "وحنو ذلك مما جيري على ألسنة كثري" فهذا تنبيه لنا أن

نقع يف هذه املزالق، حىت إن ابن عباس رضي هللا عنه فسر قوله تعاىل: {فال جتعلوا هلل أندادا التم تـعلمون} قال: "هو قول الرجل: "لوال هللا وفالن"، "ما شاء هللا وشئت"، "لو ال كليبة هذا وأنـ

انا اللصوص"، وما أشبه ذلك من األلفاظ وعد هذا من ألتانا اللصوص"، "لوال البط يف الدار ألت اختاذ األنداد هلل تعاىل.

ا كفر بنعمة هللا سبحانه وتعاىل فهذه مسائل هي يف عرف الناس سهلة، ولكنها خطرية جدا، أل

وإساءة أدب مع جناب الربوبية. رمحه هللا مسائل:فيستفاد من هذه اآلية بتفاسري السلف اليت ذكرها اإلمام

املسألة األوىل: أن إضافة النعم إىل هللا سبحانه وتعاىل من اإلميان باهلل. املسألة الثانية: أن إضافة النعم إىل غري هللا من الكفر باهلل سبحانه وتعاىل.

ا، وأن املسألة الثالثة: يف اآلية وأقوال السلف: دليل على عدم جواز نسبة األشياء إىل أسباذلك من كفر النعمة، ألنه معلوم أن الريح الطيبة سبب جلريان السفينة، وأن حذق املالح سبب جلريان السفينة، ولكن إذا أضاف النتيجة الطيبة إىل هذين السببني صار ذلك من الكفر بنعمة

هللا.اجتماع الضدين يف القلب؛ املسألة الرابعة: كما قال الشيخ رمحه هللا يف مسائل الباب: "فيه:

الكفر واإلميان" أخذا من قوله تعاىل: " {يـعرفون نعمت هللا مث يـنكرونـها} "، ففيها: اجتماع اإلقرار واإلنكار، والكفر واإلميان يف القلب، فأيهما غلب على صاحبه صار من أصحابه.

ه يف الناس، وهلذا قال: "مما جيري على ألسنة كثري"، املسألة اخلامسة: أن كفر النعمة يكثر وقوع فهذا مما يوجب احلذر منه، وأن اإلنسان ال جيري على العوائد املخالفة للشرع.

)٢/١٥٣(

[الباب الثاين واألربعون:]تم تـعلمون} . * باب قول هللا تعاىل: {فال جتعلوا هلل أندادا وأنـ

ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الشيخ رمحه هللا: "باب قول هللا تعاىل" أي: ما جاء يف تفسري هذه اآلية من أقوال الصحابة.

ر بعضه بعضا، أو يعرف من كالم الرسول صلى والتفسري إمنا يعرف من كالم هللا، فكالم هللا يفس عليه وسلم أو من كالم أصحابه، أو من كالم التابعني الذين هم تالميذ الصحابة، هذه اهلل

رين الذين مل يأخذوا عن الرسول صلى ر القرآن بالرأي أو بكالم املتأخ مصادر التفسري، ال يفس عليه وسلم ومل يأخذوا عن أصحابه الذين أخذوا عنه، ألن هللا أنزل القرآن ووكل بيانه إىل اهلل

م.الرسو للناس ما نـزل إليهم} من ر زلنا إليك الذكر لتبـني عليه وسلم:{وأنـ ل صلى اهلل مخسة أشياء: -كما ذكر العلماء - فاملصدر يف تفسري القرآن

ر بعضه بعضا. املصدر األول: تفسري القرآن بالقرآن، ألن القرآن يفس.املصدر عليه وسلم، ألنه هو املبني الثاين: تفسري القرآن بكالم الرسول صلى اهلل

عليه وسلم. م تالميذ الرسول صلى اهلل املصدر الثالث: تفسري القرآن بتفسري الصحابة، أل

م أخذوا عن الصحابة، وهم املصدر الرابع: عند بعض العلماء تفسري القرآن بأقوال التابعني، أل أدرى مبعاين القرآن الكرمي من غريهم.

ا. املصدر اخلامس: تفسريه مبقتضى اللغة العربية ألنه نزل فلهذا جتدون املصنف يف هذا الباب ويف غريه يسوق يف تفسري اآليات كالم الصحابة أو كالم

ا من مصادر التفسري. التابعني، ألتم تـعلمون} " هذا آخر آية من سورة البقرة، وأوهلا قوله تعاىل: قوله: " {فال جتعلوا هلل أندادا وأنـ

بلكم لعلكم تـتـقون( ) الذي جعل ٢١{يا أيـها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قـراشا والسماء بناء وأنـزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فال لكم األرض ف

تم تـعلمون ( )} .٢٢جتعلوا هلل أندادا وأنـ قال العلماء: هذا أول نداء يف املصحف الشريف: {يا أيـها الناس اعبدوا

)٢/١٥٤(

ربكم} . ألن هللا سبحانه وتعاىل ذكر يف مطلع هذه السورة انقسام الناس أمام القرآن الكرمي إىل ثالثة أقسام:

القسم األول: الذين آمنوا بالقرآن ظاهرا وباطنا، وهم املتقون املذكورون يف قوله تعاىل: {هدى بالغيب} إىل قوله: {أولئك على هدى من رم} . للمتقني * الذين يـؤمنون

القسم الثاين: الذين كفروا بالقرآن ظاهرا وباطنا، وهم املذكورون يف قوله تعاىل: {إن الذين كفروا على قـلوم وعلى مسعهم وعلى ) ختم هللا ٦سواء عليهم أأنذرتـهم أم مل تـنذرهم ال يـؤمنون(

)} .٧أبصارهم غشاوة وهلم عذاب عظيم(الصنف الثالث: الذين آمنوا بالقرآن ظاهرا وكفروا به باطنا وهم املنافقون، وهم شر من الكفار

م بضع عشر آية، بينما ذكر يف الكفار الذين كفروا بالقرآن ظاهرا وباطنا، وهلذا أنزل هللا فيهم أخطر من الكفار، وذلك يف قوله تعاىل: {ومن الناس من يـقول آمنا باهلل وباليـوم آيتني، أل

) يف ٩سهم وما يشعرون() خيادعون هللا والذين آمنوا وما خيدعون إال أنـف ٨اآلخر وما هم مبؤمنني() وإذا قيل هلم ال ١٠قـلوم مرض فـزادهم هللا مرضا وهلم عذاب أليم مبا كانوا يكذبون (

ا حنن مصلحون ( ن ولكن ال يشعرون ) أال إنـهم هم المفسدو ١١تـفسدوا يف األرض قالوا إمناء ) وإذا قيل هلم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنـؤمن كما آمن السفهاء أال إنـهم هم السفه ١٢(

هم إن هللا على )} إىل قوله تعاىل: {ولو شاء هللا لذهب بسمعهم وأبصار ١٣ولكن ال يـعلمون( كل شيء قدير} ، هذه اآليات كلها يف املنافقني، وهم الصنف الثالث.

مث قال بعد ذلك: {يا أيـها الناس} نادى الناس مجيعا، املؤمن والكافر، والعريب والعجمي، ناداهم عليه وسلم، وأنه بعث إىل مجيعا وأمرهم بعبادته. وهذا دليل على عموم رسالة حممد صل ى اهلل

يعا الذي له ملك الناس كافة، كما قال تعاىل: {قل يا أيـها الناس إين رسول هللا إليكم مجليكون للعالمني السماوات واألرض} ، وقال تعاىل: {تـبارك الذي نـزل الفرقان على عبده

عليه وسلم ١نذيرا( )} ، ووصف القرآن بأنه هدى للناس وأنه هدى للعالمني، فرسالته صلى اهلل عامة جلميع الثـقلني.

وقوله تعاىل: {اعبدوا ربكم} هذا أمر من هللا سبحانه وتعاىل بعبادته وحده ال شريك له، وترك ادة ما سواه.عب

)٢/١٥٥(

دوا ربكم، وأفردوه بالعبادة، ألن العرب يف وقت نزول القرآن كثري ومعىن: {اعبدوا ربكم} وحا تكون عبادة منهم يعبدون هللا، ولكنهم يعبدون معه غريه، فإذا كانت العبادة غري خالصة هلل فإ

ة، وخيلصوا له العبادة.باطلة، وهلذا أمرهم أن يفردوه بالعبادمث ذكر الدليل على وجوب عبادة هللا تعاىل فقال: {الذي خلقكم} ألن العبادة ال تصلح إال للخالق سبحانه وتعاىل، فالذي ال خيلق ال يصح أن يعبد، وهذا فيه: إبطال عبادة األصنام،

ا ال تقدر على اخللق، وعبادة املوتى، وعبادة األولياء والصاحلني، وعبادة األشجار واألحجار، ألوما ال يقدر على اخللق ال يصح أن يعبد، وهلذا قال يف سورة احلج: {يا أيـها الناس ضرب مثل

ه} ، اخلالق وهو الذي فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون هللا لن خيلقوا ذبابا ولو اجتمعوا ل يستحق العبادة، وهم ال جيحدون هذا، بل يقرون بأن هللا هو الذي خلق: {ولئن سألتـهم من

خلقهم ليـقولن هللا} .{لعلكم تـتـقون} إذا ذكرمت بأنه هو اخلالق لكم وملن قبلكم، لعل تذكركم لذلك يبعثكم على

سبحانه وتعاىل، فتعبدونه وتتقون عذابه، ألنه ال يقي من عذاب هللا إال عبادة هللا تقوى هللاا على عبادته سبحانه سبحانه وتعاىل، فهو الذي خلقكم، وخلق لكم املصاحل اليت تستعينون وتعاىل، خلقكم وخلق لكم هذه األشياء، لستم أنتم خلقتم ألنفسكم شيئا، لستم الذين أنبتم

، ولستم الذين أنزلتم املطر، ولستم الذين خلقتم األرض وجعلتموها صاحلة للنبات الزرع واإلنبات، ولستم الذين خلقتم السماء وجعلتموها سقفا للعامل، وفيها مصاحل العباد.

{الذي جعل لكم األرض فراشا} جتلسون عليها، وتنامون عليها، وتعيشون على ظهرها، ها خنرجكم تارة وتدفنون يف ها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنـ بطنها إذا متم، وتبعثون منها: {منـ

)} .٦)}،{أمل جنعل األرض مهادا(٥٥أخرى( مث هذه األرض الواسعة أثبتها هللا وأرساها باجلبال الرواسي من أجل أن ال متيد بالناس وتضطرب.

لسماء بناء} يعين: سقفا، ألن السماء فوق األرض، وجعل هللا فيها{وا

)٢/١٥٦(

ا مصاحل العباد، وحفظها من الشياطني، وهلذا قال تعاىل: الكواكب والشمس والقمر اليت {وجعلنا السماء سقفا حمفوظا} .

لسماء هو السحاب، ألن السماء على قسمني: السماء {وأنـزل من السماء ماء} هو املطر، وامبعىن: العلو واالرتفاع، فكل ما عال وارتفع يقال له: مساء، والثاين: السموات املبنية، وهي:

الطباق السبع.ذا املطر. {فأخرج به}

هللا به مثرات خمتلفة ومتنوعة، {من الثمرات رزقا لكم} هذا املطر ماء واحد ومع هذا خيرج بة ومن هذا املاء أصنافا من الثمرات خمتلفة الطعوم، بة واحدة، ومع هذا خيرج يف هذه الرت والرت

وخمتلفة األلوان، خمتلفة الروائح، من الذي نظمها هذا التنظيم؟، هو هللا سبحانه وتعاىل.فكهون به فواكه متنوعة، من الذي أوجد هذه األشياء؟، بل إن {رزقا لكم} تأكلون منه قوتا وتت

اجلنس الواحد حتته أنواع ال يعلم حصرها إال هللا سبحانه.ي من هللا سبحانه وتعاىل عن الشرك بعد األمر بالتوحيد. {فال جتعلوا هلل أندادا} هذا

لشبيه، والنظري.واألنداد: مجع ند، واملراد به: املثيل، وام معه يف العبادة، وهم خلق مثلكم ال م به، وتشركو أي: فال جتعلوا هلل نظراء وأمثاال تشبهو

ميلكون ألنفسهم نفعا وال ضرا وال موتا وال حياة وال نشورا.تم تـعلمون} أنه ال ند له سبحانه وتعاىل، وتعلمون أن أحدا مل ي شارك هللا يف خلقه ويف {وأنـ

تدبريه.أقام سبحانه وتعاىل الدليل يف هاتني اآليتني بعدة أمور: خلقه هلم، وجعله األرض فراشا، والسماء ا، فهذا من إلزامهم بناء، وإنزال املطر، وإخراج الثمرات، كلها أدلة عقلية واضحة هم يعرتفون

الذي هم عليه، وبيان أنه ال برهان له وال دليل عليه، وإمنا باحلجة، على التوحيد. وإبطال الشرك الدليل والربهان على وجوب عبادة هللا سبحانه وتعاىل: {ومن يدع مع هللا إهلا آخر ال بـرهان له به

ا حسابه عند ربه إنه ال يـفلح الكافرون( ل هاتوا بـرهانكم إن كنتم صادقني} ، )} ، {ق ١١٧فإمن} ال برهان هلم على علموا أن احلق هلل قلنا هاتوا بـرهانكم فـ الشرك {ونـزعنا من كل أمة شهيدا فـ

)٢/١٥٧(

مل على صفاة سوداء يف وقال ابن عباس يف اآلية: "األنداد هو الشرك، أخفى من دبيب الن ظلمة الليل.

ـــــــــــــــــــــــــــــ أبدا، وإمنا الرباهني القاطعة هي على توحيد هللا سبحانه وتعاىل وإفراده بالعبادة.

ودل ذلك على أن اإلقرار بتوحيد الربوبية ال يكفي، فالذين يقولون: بأن التوحيد هو اإلقرار بأن زق احمليي املميت.هللا هو اخلالق الرا

دين، ألن هؤالء خمطئون، مل يعرفوا التوحيد، ألن هذا لو كان توحيدا كافيا لكان املشركون موحم يعلمون أن هللا هو اخلالق الرازق الذي ينزل املطر والذي فعل هذه األفعال، هللا أخرب بأ

دين، بل أمرهم بعبادته فقال: {اعبدوا ربكم} ، فدل على أن يعلمون هذا ومل يكونوا موحذه األشياء ال يكفي حىت يفردوا هللا سبحانه وتعاىل بالعبادة، إذا: فالتوحيد هو إفراد هللا علمهم تعاىل بالعبادة، وليس التوحيد هو اإلقرار بتوحيد الربوبية كما يقوله علماء الكالم الذين مل يفهموا

م واستدالهلم على توحيد الربوبية، وهذا حتصيل حاصل، التوحيد، بل جعلوا كل مه هم ومناظرا وموجود عند أيب هلب وأيب جهل وغريمها، فهم يقرون بأن هللا هو اخلالق الرازق احمليي املميت.قال: "وقال ابن عباس يف اآلية: األنداد هو الشرك" الشرك منه نوع جلي واضح كالذبح لغري

ر لغري هللا، ودعاء غري هللا، واالستغاثة بغري هللا، هذا شرك واضح جلي، ألنه يرى هللا، والنذ ويسمع.

وهناك شرك خفي، وهو نوعان:النوع األول: شرك يف املقاصد والنيات، وهذا خفي ألنه يف القلوب، والقلوب ال يعلم ما فيها

رياء ومسعة، وهذا ال يعلمه إال هللا.إال سبحانه وتعاىل، كالذي يصلي، لكن يصلي والنوع الثاين: شرك خفي، ألنه ال يعلمه كثري من الناس، وهو الشرك يف األلفاظ دون االعتقاد،

وهو املذكور هنا.قال ابن عباس: "الشرك أخفى من دبيب النمل على صفاة سوداء يف ظلمة الليل" مسي خفيا:

له.ألنه قل من يتنبه

)٢/١٥٨(

وهو أن تقول: وهللا وحياتك يا فالن، وحيايت، وتقول: لو ال كليبة هذا ألتانا اللصوص، ولوال البط يف الدار ألتى اللصوص.

وقول الرجل لصاحبه: ما شاء هللا وشئت، وقول الرجل: لوال هللا وفالن. ال جتعل فيها فالنا؛ وهذا كله به شرك".

ـــــــــــــــــــــــــــــ مث ضرب له أمثلة بكلمات يقوهلا بعض الناس بألسنتهم.

"وهو أن يقول: وهللا وحياتك يا فالن، وحيايت" فاحللف بغري هللا من الشرك الذي جيري على ألسنة كثري من الناس، وال يعلمون أنه شرك، فكثريا ما يقول بعضهم: والنيب، واألمانة، وحياتك.

عليه وسلم: " من حلف بغري هللا فقد كفر أو أشرك" .وقد قال النيب صل ى اهلل واحللف بغري هللا شرك أصغر، إن كان ال يقصد تعظيم احمللوف به كما يعظم هللا. وإن كان يقصد تعظيم احمللوف به مثل ما يعظم هللا فإن احللف يكون شركا أكرب.

ا كما يعظمون هللا، هو من هذا النوع.والذين حيلفون بالقبور واألضرحة ، ويعظموألن كثريا منهم يتساهل باحللف باهلل، وال يتساهل باحللف بالضريح أو الويل، إذا قيل له: احلف باهلل؛ بادر باحللف، إذا قيل له: احلف مبعبودك ومبعظمك وبالويل الذي أنت تعظمه؛ ارتعد وأىب

بطش من هذا الويل، فهذا شرك أكرب بال شك.أن حيلف، خياف من الومن الشرك يف األلفاظ قول الرجل: ما شاء هللا وشئت، لوال هللا وفالن. ألنه ال جيوز، اجلمع بني

هللا وغريه بالواو، ألن الواو تقتضي التشريك. عليه وسلم أن تقول: ما شاء هللا، مث شاء فالن. ألن "مث" والصواب: ما أرشد إليه النيب صلى اهلل

ليست للتشريك، وإمنا هي للرتتيب، وجعل مشيئة املخلوق بعد مشيئة اخلالق، كما قال تعاىل: " )} "، فالعبد له مشيئة بال شك، ولكنها تابعة ٢٩{وما تشاءون إال أن يشاء هللا رب العالمني(

ملشيئة هللا سبحانه.علمون} "، فاآلية هذا م تم تـ ا قاله ابن عباس يف تفسري هذه اآلية: " {فال جتعلوا هلل أندادا وأنـ

ت عن اختاذ األنداد، وهذا يشمل الشرك األكرب والشرك األصغر.

)٢/١٥٩(

وهو الشرك وابن عباس رضي هللا عنهما مثل بالشرك األصغر لينبه به على ما هو أشد منه األكرب، فإذا كان الشرك األصغر ال جيوز فكيف بالشرك األكرب؟، والسلف يستدلون باآليات النازلة يف الشرك األكرب على منع الشرك األصغر، ألنه نوع من الشرك، وقوله تعاىل: " {فال

جتعلوا هلل أندادا} " يشمل هذا وهذا. مع قول ابن عباس رضي هللا عنهما مسائل كثرية:يستفاد من هاتني اآليتني

املسألة األوىل: أن التوحيد هو أعظم مأمور به، ألن هللا بدأ به يف أول نداء يف املصحف الشريف.

املسألة الثانية: يف اآلية دليل على أن اإلقرار بتوحيد الربوبية ال يكفي يف التوحيد، ألن هللا أخرب تم تـعلمون} . أنه ال خالق هلذه األشياء املذكورة وغريها إال أن املشركني يع لمون هذا فقال: {وأنـ

هللا فلماذا تعبدون معه غريه ممن ال خيلق شيئا.املسألة الثالثة: يف اآليتني االستدالل بتوحيد الربوبية على توحيد اإلهلية، وأن توحيد الربوبية

اية، ألنه هو املقصود وهو املطلوب من اخللق، ألنه لما أمر بعبادته وسيلة وتوحيد األلوهية غ ذكر توحيد الربوبية، ففيه االستدالل بتوحيد الربوبية على توحيد األلوهية.

املسألة الرابعة: أنه ال يكفي األمر بالتوحيد، بل البد من النهي عن الشرك، ألن هللا قال يف اآلية دوا ربكم} ، وقال يف ختام اآلية الثانية: " {فال جتعلوا هلل أندادا} "، فدل على أنه األوىل: {اعب

البد من اجلمع بني األمرين: األمر بالتوحيد والنهي عن الشرك، فالذي يقتصر على األمر ذا يف القرآن كثري بالتوحيد وال ينهى عن الشرك مل يقم باملطلوب ألن ذلك ال حيقق شيئا، وه

دائما جبانب األمر بالتوحيد النهي عن الشرك، قال تعاىل: {أن اعبدوا هللا واجتنبوا الطاغوت} ي، {فمن يكفر بالطاغوت ويـؤمن باهلل} هذا فيه: الكفر بالطاغوت، واإلميان باهلل، هذا أمر و

بل البد من الكفر بالطاغوت، وكل رسول يقول لقومه: {واعبدوا هللا وال فاإلميان باهلل ال يكفي، ره} ، فال بد من اجلمع بني األمر بالتوحيد تشركوا به شيئا} ، {اعبدوا هللا ما لكم من إله غيـ

والنهي عن الشرك. باس جتري على ألسنةاملسألة اخلامسة: أن هذه األلفاظ اليت ذكرها ابن ع

)٢/١٦٠(

عليه وسلم قال: "من حلف بغري وعن عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه: أن رسول هللا صلى اهلل هللا فقد كفر أو أشرك" رواه الرتمذي وحسنه، وصححه احلاكم.

ـــــــــــــــــــــــــــــك أصغر، ويسمى شرك األلفاظ، ولو مل يقصد بقلبه، كثري من الناس وهي من الشرك، لكنه شر

وهو من اختاذ األنداد.املسألة السادسة: فيه أن السلف يستدلون باآليات النازلة يف الشرك األكرب على الشرك

األصغر، ألن ابن عباس استدل باآلية على ذلك، ألن الشرك األصغر جير إىل الشرك األكرب، عن الشرك من كل الوجوه، باللفظ، وبالنـية، وبالفعل. ففيه: االبتعاد

عليه وسلم: "من حلف بغري هللا" أي: أقسم بغري هللا، كأن يقول: والنيب، أو قوله صلى اهلليقول: واألمانة، أو يقول: وحياتك ما فعلت كذا، أو ما أشبه ذلك، بأن يقسم مبخلوق. فاحللف

يد شيء بذكر معظم على وجه خمصوص.والقسم: تأكوهو تعظيم للمقسم به، والتعظيم إمنا يكون هلل سبحانه وتعاىل، فاملخلوق ال يـقسم إال باهلل أو

بصفة من صفات هللا سبحانه وتعاىل.، وال جيوز له أما هللا سبحانه وتعاىل فإنه يـقسم مبا شاء من خلقه، أما املخلوق فال يقسم إال باهلل

أن يقسم بغريه كائنا من كان: ال يقسم باألنبياء، وال باملالئكة، وال بالصاحلني، وال يقسم بالكعبة، وال يقسم بأي شيء إال باهلل سبحانه وتعاىل.

عليه وسلم قال: "من حلف بغري هللا" كائنا من كا ن من ويف هذا احلديث: أن النيب صلى اهلل مالئكة، أو أنبياء، أو أولياء، أو مشاعر مقدسة، أو غري ذلك.

"فقد كفر أو أشرك" وهذا إما شك من الراوي، يعين: هل قال الرسول: كفر، أو قال: أشرك، أو أن (أو) مبعىن (الواو)، ألن (أو) تأيت أحيانا مبعىن (الواو) يف لغة العرب، يعين: فيكون املعىن:

أشرك"، يعين: مجع بني الكفر والشرك، ألن بني الشرك والكفر عموم وخصوص، "فقد كفر و فكل مشرك كافر وليس كل كافر يكون مشركا.

عليه وقد يرد سؤال هنا وهو: أنه جاء يف بعض األحاديث احللف بغري هللا، كقول النيب صلى اهلله: "من حلف بغري هللا فقد كفر أو أشرك" . فما وسلم: "أفلح وأبيه إن صدق" ، مع قول

اجلواب؟.

)٢/١٦١(

وقال ابن مسعود: "ألن أحلف باهلل كاذبا أحب إيل من أن أحلف بغريه صادقا". عليه وسلم قال: "ال تقولوا: ما شاء هللا وشاء وعن حذيفة رضي هللا عنه: أن رسول هللا صلى اهلل

ولكن قولوا: ما شاء هللا، مث شاء فالن" رواه أبو داود بسند صحيح. فالن، ـــــــــــــــــــــــــــــ

أجاب عنه العلماء جبوابني: اجلواب األول: أن هذا وأمثاله ال يقصد به اليمني، وإمنا جيري على األلسنة من غري قصد اليمني.

ي واجلواب الثاين: أن هذا كان قبل النهي، ف كان يف األول جيوز احللف بغري هللا، وبعد ذلك

عن احللف بغري هللا، فقوله: "أفلح وأبيه" وأمثاله يكون منسوخا بالنهي عن احللف بغري هللا، وهذا هو الذي رجحه يف الشرح.

ن الند والشاهد من احلديث للرتمجة: أن احللف بغري هللا من اختاذ األنداد هلل سبحانه وتعاىل، ألا هلل وشبيها هلل سبحانه وتعاىل. معناه: النظري والشبيه، فالذي حيلف بغري هللا جيعل احمللوف به ندقوله: وقال ابن مسعود: "ألن أحلف باهلل كاذبا أحب أيل من أن أحلف بغريه صادقا" الكذب

هللا، ألن احللف بغري هللا شرك، حرام، وكبرية من كبائر الذنوب، ولكنه أسهل من احللف بغري واحللف باهلل كاذبا حمرم ومعصية، ولكنه دون الشرك، ألن الشرك أكرب الكبائر. وسيئة الكذب

أخف من سيئة الشرك.يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه هللا: "ألن احللف باهلل كاذبا فيه توحيد، واحللف بغري هللا

يد أعظم من حسنة الصدق" وسيئة الشرك أشد من سيئة الكذب.صادقا شرك، وحسنة التوح عليه وسلم: "ال تقولوا: ما شاء هللا وشاء فالن، ولكن قولوا: ما شاء هللا، مث شاء قوله صلى اهلل

عليه وسلم عن اجلمع بني هللا وبني امل ي من الرسول صلى اهلل خلوق يف املشيئة بأن فالن" هذا يقول: "ما شاء هللا وشاء فالن" ، ألن (الواو) ملطلق اجلمع والتشريك، فكأنك جعلت املشيئة صادرة من هللا ومن املخلوق، وهذا شرك يف اللفظ، وتصحيح العبارة أن يقال: "ما شاء هللا، مث

شاء فالن" .

)٢/١٦٢(

: أعوذ باهلل وبك، وجيوز أن يقول: باهلل مث بك". قال: وجاء عن إبراهيم النخعي: "أنه يكره "ويقول: لوال هللا مث فالن، وال تقولوا: لوال هللا وفالن".

ـــــــــــــــــــــــــــــ فهذا فيه مسألتان:

املسألة األوىل: النهي عن عطف مشيئة املخلوق على مشيئة اخلالق بـ (الواو)، وجواز عطفها بـ لفرق: أن (الواو) تقتضي التشريك، و(مث) تقتضي الرتتيب والتعقيب، فتجعل مشيئة (مث)، وا

املخلوق بعد مشيئة اخلالق ومرتتبة عليها.املسألة الثانية: فيه دليل على إثبات املشيئة للمخلوق، ردا على اجلربية الذين يقولون إن

، ليس له اختيار وال مشيئة، وهو مذهب باطل، املخلوق ليس له مشيئة وإمنا هو جمرب ومسريفاملخلوق له مشيئة، لكنها بعد مشية هللا: قال هللا تعاىل: {وما تشاءون إال أن يشاء هللا إن هللا

يشاء هللا إن ) وما تشاءون إال أن ٢٨)}، {لمن شاء منكم أن يستقيم(٣٠كان عليما حكيما(

)} فأثبت ٢٩) }، {وما تشاءون إال أن يشاء هللا رب العالمني(٣٠هللا كان عليما حكيما(سبحانه وتعاىل للمخلوق مشيئة، وجعلها بعد مشيئة هللا سبحانه وتعاىل، فمشيئة املخلوق مرتتبة

على مشيئة اخلالق سبحانه وتعاىل. حديث حذيفة مسألة ثالثة: وهو أنه من منع من شيء فإنه يذكر البديل الصحيح عنه إن ويف

عليه وسلم لما منع من هذه العبارة ذكر البديل الصحيح عنها كان له بديل، ألن النيب صلى اهلل وهو قول: "ما شاء هللا مث شاء فالن" .

ي: أنه يكره: أعوذ باهلل وبك" االستعاذة نوع من أنواع العبادة، ال قوله: "وجاء عن إبراهيم النخعجيوز صرفها إال هلل سبحانه وتعاىل، فال جيوز أن تقول: "أعوذ باهلل وبك"، ألنك إذا قلت هذا

شركت بني اخلالق واملخلوق، والتجأت إليها مجيعا، وهذا شرك، لكن تصحيح العبارة أن تقول: مث بك) فتأيت بـ (مث)، والفرق بني (مث) وبني (الواو): أن (مث) جتعل االلتجاء إىل (أعوذ باهلل،

املخلوق بعد االلتجاء إىل اخلالق سبحانه وتعاىل، فاملخلوق يلتجأ إليه فيما يقدر عليه، فتذهب دوك إىل شخص وتطلب منه أنه مينع عدوك عنك، إذا كان هذا الشخص حيا يقدر على منع ع عنك. أما العياذ املطلق فإنه ال يكون إال باهلل سبحانه وتعاىل وال جيوز العياذ بامليت مطلقا.

وقوله: "ويقول: لوال هللا مث فالن، وال تقولوا: لوال هللا وفالن" سبق شرحه.

)٢/١٦٣(

ا وما ينقصها، ألن أغلب وهذا مما يدل على أنه جيب تعليم الناس أمور العقيدة، وما خيل ا، وال يدعون -إال ما شاء هللا - الناس اآلن أعرضوا عن تعليم العقيدة وتعلمها، وال يعتنون

إليها إال ما شاء هللا، وإال فاألكثر يركزون على أمور أخرى جانبية ال تفيد شيئا إذا اختلت ة اليت يريدون إصالحها، لو صلحت وصحت ما العقيدة، حىت ولو صحت هذه األغالط اجلانبي

نفعت بدون إصالح العقيدة، فالعقيدة هي األساس، جيب أن نتعلمها أوال، وأن ندعو إليها أوال، ح األخطاء فيها قبل تصحيح األخطاء يف املعامالت، وتصحيح األخطاء يف اآلداب وأن نصح

س إال لما قل تدريس التوحيد وشرح العقيدة والدعوة واألخالق. وما انتشرت هذه األمور يف الناإليها يف احملاضرات والندوات والصحف واجملالت فانتشرت هذه األمور، بسبب شياطني اإلنس واجلن الذين يريدون إفساد عقائد الناس، فاالهتمام بأمر العقيدة وتصحيحها هو أم املهمات:

غفر لذنبك وللمؤمنني والمؤمنات} بدأ بالعلم مبعىن {ال إله إال {فاعلم أنه ال إله إ ال هللا واستـ هللا} قبل العمل واالستغفار، ألنه هو األساس الذي تنبين عليه أمور الدين كلها.

)٢/١٦٤(

[الباب الثالث واألربعون:] باهلل* باب ما جاء فيمن مل يقنع باحللف

عليه وسلم قال: "ال حتلفوا بآبائكم، من حلف باهلل عن ابن عمر: أن رسول هللا صلى اهلل فليصدق، ومن حلف له باهلل فلريض، ومن مل يرض فليس من هللا " رواه ابن ماجه، بسند حسن.

ـــــــــــــــــــــــــــــاحللف باهلل" يعين "ما جاء فيه من الوعيد، وأنه ينقص قوله: "باب ما جاء فيمن مل يقنع ب

التوحيد، ألن الذي ال يقنع باحللف باهلل ال يعظم هللا سبحانه وتعاىل حق التعظيم، ألنه لو كان يعظم هللا حق التعظيم لرضي باحللف به، فكونه ال يرضى وال يقنع باحللف باهلل دليل على

وهذا ينقص التوحيد، كما أن كمال تعظيم هللا كمال يف التوحيد.نقصان تعظيمه هلل، هذا وجه املناسبة لعقد هذا الباب يف كتاب التوحيد.

عليه وسلم قال: "ال حتلفوا بآبائكم" سبق يف مث ذكر احلديث عن ابن عمر أن النيب صلى اهلل عليه وسلم: الباب الذي قبله النهي عن احللف بغري هللا، و أنه شرك أو كفر، كما قال صلى اهلل

"من حلف بغري هللا فقد كفر أو أشرك" ، ألن احللف تعظيم للمحلوف به، ومن عظم غري هللا باحللف به فإن هذا شرك باهلل عز وجل، وهو خيتلف باختالف احلالفني: من كان يعظم احمللوف

فهو شرك أكرب، ومن كان ال يعظمه كتعظيم هللا بل عنده نوع تعظيم ال يساوي به كما يعظم هللا تعظيم هللا، فإنه يكون شركا أصغر.

عليه وسلم: "ال حتلفوا بآبائكم" ليس هذا خاصا باآلباء، فاحللف بغري هللا ال وقوله صلى اهللن باآلدميني من الرسل والصاحلني، أو كان بالكعبة، جيوز، سواء كان باآلباء أو بغريهم، وسواء كا

أو غري ذلك، فاملخلوق ال جيوز له أن حيلف إال باهلل عز وجل، فذكره اآلباء هو من باب ذكر م أن حيلفوا باآلباء. بعض أفراد املنهي عنه، ألن عاد

عليه وسلم أن احلالف باهلل جيب قوله: "ومن حلف باهلل فليصدق " هذا أمر من النيب صلى اهلل عليه أن يصدق، فال حيلف باهلل كاذبا، ألن من حلف باهلل وهو كاذب فقد استهان

)٢/١٦٥(

بعظمة هللا سبحانه وتعاىل، وإذا انضاف إىل ذلك: أن يأخذ ماال بغري حق مبوجب هذه اليمني، ا مال امرئ مسلم. فهي ميني فاجرة، يقتطع

ا تغمس صاحبها يف اإلمث مث يف النارو -احللف باهلل كاذبا هي اليمني الغموس، مسيت بذلك أل

ا - والعياذ باهلل ا جيدة، وهي ليست كذلك، أو أ لع يف البيع والشراء أ ، كالذي حيلف على السذب، فإذا حلف سليمة وهي ليست كذلك، أو أن قيمتها كذا وكذا، لريغب الناس فيها وهو كا

دا فهذه هي اليمني الغموس، وهي كبرية من كبائر الذنوب، ألن على أمر ماض كاذبا متعما الكذب يف حد ذاته كبرية: قال هللا تعاىل: {فـنجعل لعنت هللا على الكاذبني} ، وقال تعاىل: {إمن

)} ، فالكذب يف حد ١٠٥بآيات هللا وأولئك هم الكاذبون( يـفرتي الكذب الذين ال يـؤمنون ذاته كبرية، فإذا انضاف إليه ميني كاذبة صار أشد وأعظم، وجاء يف احلديث: "ثالثة ال يكلمهم ه هللا يوم القيامة، وال ينظر إليهم، وال يزكيهم، وهلم عذاب أليم: املسبل، واملنان، واملنفق سلعت

باليمني الكاذبة" .وقوله: "ومن حلف له باهلل فلريض" هذا حمل الشاهد من احلديث للباب، ومعناه: فلريض باليمني

باهلل تعظيما هلل سبحانه، وهذا يدل على كمال التوحيد. مث احلالف إن كان صادقا فهو على ما حلف، وإن كان كاذبا فإمثه عليه.

من هللا" هذه براءة من هللا ممن مل يقنع باحللف به، وهذا وعيد شديد.قوله: "ومن مل يرض فليس ا، سواء كانت يف اخلصومات أو كانت يف االعتذارات، فيجب تعظيم اليمني باهلل والرضا

فاملسلم حيسن الظن بأخيه املسلم. وهذا احلديث يدل على مسائل:

عليه وسلم: "ال حتلفوا بآبائكم" .املسألة األوىل: حترمي احللف بغري هللا، لقوله صلى اهللواملسألة الثانية: وجوب الصدق يف األميان وعدم الكذب فيها، ألن الصدق يف األميان تعظيم هلل

سبحانه وتعاىل، وتعظيم لعهده.ألن ذلك تعظيم واملسألة الثالثة: وجوب القناعة باحللف باهلل، وحترمي عدم القناعة باحللف باهلل،

جلانب هللا سبحانه وتعاىل، وثقة باحللف به، وأن ال يستهان باليمني باهلل، ال من احلالف وال من احمللوف له، بل تعظم من اجلانبني، وهذا من حقوق التوحيد، وعدمه من نقصان التوحيد.

)٢/١٦٦(

[الباب الرابع واألربعون:] ت* باب قول: ما شاء هللا وشئ

عليه وسلم فقال: إنكم تشركون؛ تقولون: ما شاء هللا عن قتيلة: أن يهوديا أتى للنيب صلى اهلل وشئت، وتقولون: والكعبة.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

قال الشيخ رمحه هللا: "باب قول: ما شاء هللا وشئت" يعين: ما ورد يف ذلك من النهي، وأنه شرك د؛ ألنك إذا قلت ذلك شركت بني اخلالق واملخلوق يف املشيئة، حيث عطفت بالواو، وتندي

والواو تقتضي التشريك، فهذا شرك يف الربوبية، وهو ال جيوز، وإن كان القائل ال يعتقد هذا يف قلبه، فهو شرك يف اللفظ منهي عنه، فكيف إذا اعتقد هذا يف قلبه؟، فاألمر أشد.

لة بنت صيفي األنصارية، وبعضهم يقول: اجلهنية.قوله: "عن قـتـيلة" هي قـتـيـ عليه وسلم فقال: إنكم تشركون؛ تقولون: ما شاء هللا قوله: "أن يهوديا أتى للنيب صلى اهلل

عليه وسلم وشئت، وتقولون: والكعبة" هذا اليهودي عرف أن هذا شرك، وأقره النيب صلى اهلل على ذلك، ووجه أمته أن يستبدلوا هذه األلفاظ بألفاظ صحيحة، فيقولوا "ورب الكعبة، وأن

يقولوا ما شاء هللا مث شئت" .فقوله: (قولوا: ورب الكعبة) ورب الكعبة هو هللا سبحانه وتعاىل، والكعبة: بـيت هللا، فال حيلف

رب الكعبة، هذا هو البديل الصحيح اخلايل من الشرك.بالكعبة، وإمنا حيلف بوإذا كان احللف بالكعبة شركا ومنهيا عنه؛ فكيف باحللف بغريها من املخلوقات؟. وقوله: قولوا:

"ما شاء هللا مث شئت" ، هذا هو اللفظ الصحيح: أن تأيت بـ(مث) بدل (الواو)، ألن (الواو) ا للرتتيب حيث جعلت مشيئة املخلوق للتشريك بني اخلالق واملخلوق يف املشيئة، أما (مث) فإ

بعد مشيئة اخلالق، ألن املخلوق ال يشاء إال إذا شاء هللا سبحانه وتعاىل، فمشيئته تابعة ملشيئة هللا وليست مستقلة، فهذا هو فرق ما بني اللفظتني لفظة: "ما شاء هللا وشئت" وبني: "ما شاء

شئت" ، فلفظة "ما شاء هللا وشئت" شرك، ولفظة: "ما شاء هللا، مث شئت" توحيد. هللا، مث

)٢/١٦٧(

عليه وسلم إذا أرادوا أن حيلفوا أن يقولوا: " ورب الكعبة، وأن يقولوا: ما فأمرهم النيب صلى اهلل شاء هللا مث شئت" رواه النسائي وصححه.

ـــــــــــــــــــــــــــــواملخلوق له مشيئة، خالفا للجربية الضالل الذين يقولون: إن املخلوق ليس له مشيئة، بل هو جمبور، يفعل الكفر واملعاصي والشرك من غري اختياره، مثل اآللة اليت حترك والريشة اليت حتركها

ستحق الثواب على الطاعة.الريح، ولو كان كذلك مل يستحق العذاب على املعصية، ومل يويقابلهم املعتزلة الذين قالوا: العبد له مشيئة مستقلة ال تتعلق مبشية هللا، فهو يفعل الكفر

ا. تعاىل هللا عما يقولون، وهذا معناه: أنه حيدث واملعاصي بغري مشيئة هللا، وإمنا مبشيئته مستقال يئة هللا: حمبته لكل ما يشاؤه سبحانه؛ فهو يشاء كفر يف ملك هللا ما ال يشاؤه. وليس من الزم مش

الكافر وال حيبه، وإمنا يشاؤه وخيلقه حلكمة بالغة وهي االبتالء واالمتحان. وإال فـ "لو يشاء هللا هلدى الناس مجيعا" ولكن اقتضت حكمته أن يفاوت بينهم.

عليه وسلم: "أجعلتين هلل ند ا؟!، قل: ما شاء هللا وحده" الند هو: الشبيه واملثيل قوله صلى اهللوالنظري، يعين: أجعلتين شبيها هلل ومثيال هلل وشريكا له يف املشيئة، مث أمره أن يستبدل هذه

اللفظة بلفظة التوحيد فيقول: ما شاء هللا وحده.اء هللا، مث شئت. فهذا بيان وهذا إرشاد إىل األكمل أن يقول: ما شاء هللا وحده، وإذا قال: ما ش

للجائز، فال تعارض بني احلديثني.ى عن ى عن الشرك و عليه وسلم وهذا من سد الطرق املوصلة إىل الشرك، فإنه صلى اهلل

فهذا وسيلة إىل االعتقاد فيما - ولو كان ال يعتقد -الطرق اليت توصل إليه، فإذا تلفظ بذلك يمنع اللفظ وإن كان ال يعتقد مبعناه لئال يفضي هذا إىل االعتقاد.بعد، ف

وهذان احلديثان فيهما فوائد عظيمة:الفائدة األوىل: ما ذكره الشيخ رمحه هللا يف مسائله قال: "فيه فـهم اإلنسان إذا كان له هوى"،

، ألنه يريد أن يتنقص هذه فهذا اليهودي مع كونه يهوديا مغضوبا عليه فهم أن هذا من الشرك عليه وسلم هذه املالحظة، وأرشد إىل تصحيحها. األمة، ومع هذا تقبل الرسول صلى اهلل

)٢/١٦٨(

عليه وسلم: ما شاء هللا وشئت، -أيضا -وله عن ابن عباس: أن رجال قال للنيب صلى اهلل ؟!، بل ما شاء هللا وحده" .فقال: "أجعلتين هلل ندا

ـــــــــــــــــــــــــــــ فهذا فيه فائدة ثانية وهي: قبول احلق ممن جاء به ولو كان عدوا.

وفيه فائدة ثالثة: نبه عليها الشيخ رمحه هللا وهي: أن اليهود على ضالهلم يفهمون الشرك، رون جواز عبادة ا ألضرحة والقبور، وال وبعض علماء هذه األمة ال يفهمون الشرك، ولذلك ي

ا، ويقولون: هذا من التوسل بالصاحلني، وليس شركا، أو هذا يدل على حمبة الصاحلني. يستنكرووحيبذون هذا الشيء، ويرون أنه ليس بشرك، مع أنه شرك خمرج من امللة، والذي ذكره هذا

بعض املنتسبني إىل العلم من هذه األمة ال ينكرون اليهودي شرك أصغر ال خيرج من امللة، و الشرك املخرج من امللة الذي يـعج اآلن يف العامل اإلسالمي بعبادة غري هللا، ففيه أن بعض اليهود

أفهم من بعض العلماء املنتسبني إىل اإلسالم، نسأل هللا العافية والسالمة.هللا وشئت)، والنهي عن احللف بالكعبة، وبغريها من الفائدة الرابعة: النهي عن قول: (ما شاء

املخلوقات، ألن احللف بغري هللا شرك، ألنه تعظيم لغري هللا سبحانه وتعاىل، وال يستحق التعظيم على الوجه األكمل إال هللا سبحانه وتعاىل، ففيه: أن احللف بغري هللا شرك، ألن النيب صلى اهلل

م أقر هذا اليهودي على قوله: "إنكم تشركون"، فدل على أن هذه األلفاظ شرك.عليه وسل ه إىل البديل الصاحل، ألن النيب الفائدة اخلامسة: التوجيه أن العامل إذا منع من شيء؛ فإنه يوج

عليه وسلم وجه إىل أن يقال: "ورب الكعبة" ، وأن يقال: "م ا شاء هللا، مث شئت" ، صلى اهلله إليه، كما فعل النيب صلى فمن أفىت بتحرمي شيء أو مبنع شيء وهناك له بديل صاحل فإنه يوج

عليه وسلم. اهلل عليه وسلم: "ما الفائدة السادسة: ويف حديث ابن عباس يف الرجل الذي قال للنيب صلى اهلل

عليه وسلم شاء هللا ا" فيه: إنكار املنكر، فإن النيب صلى اهلل وشئت، قال له: "أجعلتين هلل ندأنكر عليه، ال سيما إذا كان هذا املنكر شركا خيل بالعقيدة فإنه ال جيوز السكوت عليه، بل جيب

عنهما يف تفسري اآلية اليت سبقت، وهي أن يبني وينبه، وهذا يشهد لما قاله ابن عباس رضي هللاتم تـعلمون} قال ابن عباس هو قول الرجل: "لوال هللا وفالن، لو قوله: {فال جتعلوا هلل أندادا وأنـ

كليبة هذا ألتانا اللصوص، لوال البط ألتى اللصوص"،

)٢/١٦٩(

قال: -ألمهاأخي عائشة - والبن ماجه: عن الطفيل رأيت كأين أتيت على نفر من اليهود، قلت: إنكم ألنتم القوم لوال أنكم تقولون: عزير ابن هللا.

قالوا: وأنتم ألنتم القوم لوال أنكم تقولون: ما شاء هللا وشاء حممد. ـــــــــــــــــــــــــــــ

ذه األشياء، وها هو الرسول صلى اهلل عليه وسلم يف هذا احلديث يقول: ففسر اختاذ األنداد "أجعلتين هلل ندا؟" ، فدل على أن قول: (ما شاء هللا وشئت) اختاذ للند مع هللا سبحانه وتعاىل

وإن كان من الشرك األصغر.بن " الطفيل هو: الطفيل بن عبد هللا-أخي عائشة ألمها -قوله: "والبن ماجه: عن الطفيل

سخبـرة األزدي، نسبة إىل األزد؛ قبيلة عربية مشهورة، وأبوه: عبد هللا بن سخبـرة جاء إىل مكة م يتحالفون، ويصبح قبل البعثة وحالف أبا بكر الصديق، كما كان عليه األمر يف اجلاهلية أ

ت يرثه، ويصبح احلليف خمتلطا حبلفائه احلليف أخا حلليفه يدافع عنه ويناصره وحيميه، بل إذا ماكأنه واحد منهم، مث نسخ اإلسالم األحالف وأبطل املرياث الذي يكون باحللف، وقال هللا

تعاىل: {وأولوا األرحام بـعضهم أوىل ببـعض يف كتاب هللا} ، فجعل املرياث ألوىل األرحام، يعين:

لفاء، مث مات عبد هللا بن سخبـرة، وكانت زوجته يقال هلا: (أم رومان)، فتزوجها األقارب دون احلأبو بكر الصديق بعد حليفه عبد هللا بن سخبـرة، وأجنبت منه عبد الرمحن بن أيب بكر، وعائشة

عليه وسلم، وهلذا كان الطفيل بن عبد هللا أخا لعائشة من بنت أيب بكر زوج النيب صلى اهلل أمها.

"قال: رأيت" يعين: يف النوم. والرؤيا حق، وهي جزء من ستة وأربعني جزءا من النبوة. قد ذكر ابن القيم رمحه هللا يف كتاب "الروح" أن الرؤيا على ثالثة أقسام:

شياء عجيبة، القسم األول: حق، وهو ما جيري على يد ملك الرؤيا، يأيت إىل النائم فرييه أ فيستيقظ النائم وقد رأى هذه الرؤيا فتقع كما رآها.

النوع الثاين: يكون من الشيطان، وذلك: أن اإلنسان إذا نام ومل يذكر هللا عند النوم، ومل يقرأ آية الكرسي، ومل يقرأ سور اإلخالص واملعوذتني، ومل يتعوذ باهلل

)٢/١٧٠(

إنكم ألنتم القوم لوال أنكم تقولون: املسيح ابن هللا. قالوا: مث مررت بنفر من النصارى فقلت: وإنكم ألنتم القوم لوال أنكم تقولون: ما شاء هللا وشاء حممد.

ـــــــــــــــــــــــــــــمن الشيطان الرجيم، ويأيت باألدعية املشروعة عند النوم، فإن الشيطان يتسلط عليه، ويكدر

أشياء باطلة ال حقيقة هلا من أجل أن يكدره. والسبب: أنه مل يتحصن باهلل من عليه نومه، ويريه الشيطان قبل النوم.

مه أشياء، فإذا النوع الثالث: حديث نفس، وذلك أن اإلنسان يفكر يف أشياء يف اليقظة، أو ا يف ا ليقظة. وهذا حديث نفس ليس نام فإن هذه األشياء تـعرض له يف نومه، ألنه كان مهتما

له حقيقة، وإمنا هو أضغاث أحالم.عليه الصالة - قوله: "كأين أتيت على نـفر من اليهود" النفر: اجلماعة، واليهود: هم أتباع موسى

م مسوا باليهود نسبة إىل (يهودا ابن يعقوب)، وقيل: مسوا يهودا -والسالم يف األصل. قيل: إول موسى: {إنا هدنا إليك} يعين: تـبنا إليك، من (اهلود) وهو التوبة والرجوع إىل هللا أخذا من ق

سبحانه وتعاىل. هذا يف األصل، مث صار يطلق لفظ اليهود على املنتسبني إىل إتباع موسى، وإن ياء القبيحة من الشرك باهلل كانوا قد خالفوه يف أشياء كثرية، وكذبوا عليه، وأحدثوا يف دينه األش

والكالم يف حق هللا سبحانه وتعاىل.م كانوا يف األصل على دين صحيح. قوله: "قلت: إنكم ألنتم القوم" هذا مدح هلم، أل

"لوال أنكم تقولون: عزير ابن هللا" ينسبون الولد إىل هللا سبحانه وتعاىل، و"عزير" اسم رجل يل: إنه رجل صاحل وعامل من علمائهم.منهم، قيل: إنه نيب، وق

"لوال أنكم" يعين: لوال هذه املقولة الكافرة فيكم. "قالوا" ردا على الطفيل.

"وأنتم ألنتم القوم" ميدحون املسلمني."لوال أنكم تقولون: ما شاء هللا وشاء حممد" فيه: أن اإلنسان يرى عيب غريه، وال يرى عيب

أكرب من عيب غريه. وفيه: قبول احلق ممن جاء به.نفسه، وإن كان عيبه قال: "مث مررت على نفر من النصارى" النصارى: أتباع عيسى عليه السالم يف األصل. قيل:

مسوا نصارى نسبة إىل البلد (الناصرة) بفلسطني، وقيل: مسوا نصارى من قوهلم: {حنن أنصار هللا} .

)٢/١٧١(

عليه وسلم فأخربته، قال: "هل فلما أصبحت ا من أخربت، مث أتيت النيب صلى اهلل أخربت ا أحدا؟ " ، قلت: نعم، قال: فحمد هللا وأثىن عليه، مث قال: "أما بعد: فإن طفيال رأى أخربت

اكم عنها، فال ا من أخرب منكم، وإنكم قلتم كلمة مينعين كذا وكذا أن أ تقولوا: ما رؤيا أخرب شاء هللا وشاء حممد، ولكن قولوا: ما شاء هللا وحده " .

ـــــــــــــــــــــــــــــ"فقلت: إنكم ألنتم القوم لوال أنكم تقولون: املسيح ابن هللا" وهو عيسى ابن مرمي، مسي باملسيح

سيح كما غلت اليهود يف ألنه ميسح بيده على ذي العاهة فيربأ بإذن هللا. فالنصارى غلوا يف امل عزير.

ا من أخربت، مث مث رد عليه النصارى مبثل ما قاله اليهود، قال طفيل: "فلما أصبحت أخربت ا أحدا؟ " ، قلت: نعم، قال: عليه وسلم فأخربته، قال: "هل أخربت أتيت النيب صلى اهلل

ا بعد" هذا فيه: دليل على مشروعية محد هللا والثناء عليه يف فحمد هللا وأثىن عليه، مث قال: "أم عليه وسلم: "كل أمر ذي بال ال يبدأ يف باحلمد هلل فهو أبرت" ، بداية الكالم، لقوله صلى اهلل

استحباب اإلتيان )} ، وفيه ٢وهلذا افتتح هللا كتابه العظيم القرآن بـ {احلمد هلل رب العالمني(ا لالنتقال من أسلوب إىل آخر. بأما بعد، وهي كلمة يؤتى

اكم ا من أخرب منكم، وإنكم قلتم كلمة مينعين كذا وكذا أن أ "فإن طفيال قد رأى رؤيا أخرب عليه وسلم احلياء، ألنه مل ينزل عليه وحي يف املنع منها.عنها" قيل: كان مينع النيب صلى اهلل

"فال تقولوا: ما شاء هللا وشاء حممد، ولكن قولوا: ما شاء هللا وحده" لما نبههم على خطأ هذه الكلمة أرشدهم إىل البديل الصاحل منها، وهو أن يقولوا: ما شاء هللا وحده.

فهذه القصة فيها فوائد عظيمة ودروس وعرب:: ال جيوز الكذب يف الرؤيا، وجاء يف احلديث الوعيد على الفائدة األوىل: أن الرؤيا حق، ولذلك

ذلك.الفائدة الثانية: فيه: فهم اإلنسان إذا كان له هوى، فهؤالء اليهود والنصارى لما كان هلم هوى

يف حق املسلمني؛ الحظوا هذه املسألة، ال حبا يف اخلري أو حرصا على التوحيد، ولكنهم يريدون م، وإن كان يف اليهود والنصارى عيوب أكثر منها. بذلك تنقص املسلمني، والتماس عيو

)٢/١٧٢(

الفائدة الثالثة: قبول احلق ممن جاء به ولو كان عدوا، ألن احلق ضالة املؤمن، والرجوع إىل احلق فضيلة.

ى عن شيء أو منع من شي ء وكان له بديل الفائدة الرابعة: يف احلديث دليل: على أن من عليه وسلم لما منع من هذه الكلمة "ما شاء هللا وشاء صاحل أن يأيت بالبديل، فالنيب صلى اهلل

حممد" أتى بالبديل الصاحل الذي ليس فيه حمذور وهو أن يقال: "ما شاء هللا وحده" .أن كلمة "ما شاء هللا وشاء : -وهي اليت ساق املصنف احلديث من أجلها -الفائدة اخلامسة

فالن" ولو كان نبيا من األنبياء؛ شرك باهلل عز وجل جيب تركه، ولكنه من الشرك األصغر، بدليل قوله: "مينعين كذا وكذا" ، فإذا كان اإلنسان مل يقصد معناه؛ فإنه شرك يف األلفاظ، فيجب تركه

واجتنابه واالبتعاد عنه. عليه وسلم وإشراكه مع هللا يف شيء، الفائدة السادسة: أنه ال جيوز الغلو بالنيب صلى اهلل

ى أن يقال "ما شاء هللا وشاء حممد" فما ودعاؤه، واالستغاثة به من دون هللا عز وجل ألنه بالك مبا هو أشد من ذلك من أنواع الغلو.

)٢/١٧٣(

[الباب اخلامس واألربعون:] سب الدهر فقد آذى هللا* باب من ـــــــــــــــــــــــــــــ

قال الشيخ رمحه هللا: "باب من سب الدهر" السب معناه: الذم والتنقص، والدهر املراد به: الزمان والوقت.

ومعىن: "آذى هللا": أن هللا سبحانه وتعاىل يبغض ذلك ويكرهه، ألنه تنقص هلل سبحانه وتعاىل، نه وتعاىل يتأذى ببعض أفعال عباده وأقواهلم اليت فيها إساءة يف حقه، ولكنه ال يتضرر وهللا سبحا

يا نـ بذلك، ألنه هللا ال يضره شيء: قال هللا تعاىل: {إن الذين يـؤذون هللا ورسوله لعنـهم هللا يف الد)} ، وقال سبحانه وتعاىل: {إن الذين اشتـروا الكفر باألميان ٥٧(واآلخرة وأعد هلم عذابا مهينا

)} .١٧٧لن يضروا هللا شيئا وهلم عذاب أليم( ويف احلديث: "يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروين" ففرق بني الضرر واإليذاء.

السبب يكون متوجها إليه، ألنه هو املتصرف الذي جيري يف ووجه كونه يتأذى بسب الدهر: ألنقدره وقضائه اخلري والشر واملكروه واحملبوب، أما الدهر فإمنا هو زمان ووقت للحوادث، ال أن الدهر نفسه هو الذي يتصرف وحيدث هذه احلوادث اليت جتري فيه، وإمنا الدهر زمان ووقت

اىل: {وهو الذي جعل الليل والنـهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد لألعمال كما قال تع)} ، بل إن هللا جعل بعض األزمان له خاصية وفضيلة يف مضاعفة األعمال مثل شهر ٦٢شكورا(

وع، ويوم اجلمعة الذي رمضان، وعشر ذي احلجة، ويوم عرفة، وبوم االثنني واخلميس من كل أسبهو سيد أيام األسبوع وهو عيد األسبوع، وآخر ساعة من يوم اجلمعة، ووقت السحر. هذه

أوقات فاضلة تضاعف فيها األعمال، ويستجاب فيها الدعاء أكثر من غريها، فالدهر يف احلقيقة نه يكون حسرة عليه يوم نعمة من هللا سبحانه وتعاىل ملن حفظه فيما ينفعه، أما من ضيعه فإ

القيامة، فالدهر إمنا هو وقت لألعمال، جيري فيه اخلري والشر، والطاعة واملعصية، والكفر واإلميان. فال يتعلق بالدهر مدح وال ذم، ألنه جمرد زمان وجمرد وقت لألعمال خريها وشرها، ومن

عاىل ألن الدهر خملوق ال خيلق وال حيدث شيئا، وإمنا علق الذم بالدهر فإمنا يذم اخلالق سبحانه وت الذي خيلق هو هللا سبحانه وتعاىل.

)٢/١٧٤(