شرح إنجيل يوحنا (الجزء األول)

للقديس كيرلس اإلسكندري

2، 1اإلصحاحان الكتاب األول

اإلصحاح األول المحتويات

الصفحة

2B اإلصحاح األول

فصول الكتاب األول (تقسيم القديس كيرلس)

0B مقدمة بقلم القديس كيرلس

كان الكلمة).االبن الوحيد وقبل كل الدهور (في البدء الفصل األول :

االبن واحد مع اآلب في الجوهر (والكلمة كان عند اهللا). الفصل الثاني :

(وكان الكلمة اهللا). ……االبن هو بالطبيعة إله الفصل الثالث :

(هذا كان في البدء عند اهللا). ……ضد األنوميين الفصل الرابع :

(كل شئ به كان). ……االبن بالطبيعة خالق مع اآلب الفصل الخامس:

(فيه كانت الحياة). ……االبن هو بالطبيعة الحياة الفصل السادس:

(والحياة كانت نور الناس). ……االبن بالطبيعة هو النور الفصل السابع:

.). …(كان النور الحقيقي ……ابن اهللا وحده هو النور الفصل الثامن:

جود لها قبل الجسد (الذي ينير كل إنسان). إن نفس اإلنسان ال و الفصل التاسع:

9: 1يوحنا

" ……………"وكون العالم به 10: 1يو

"جاء إلى خاصته وخاصته لم تقبله". 11: 1يو

". ………"أما كل الذين قبلوه 13 -12: 1يوحنا

". ………"والكلمة صار جسدا 17 -14: 1يوحنا

لطبيعة االبن من اآلب االبن الوحيد هو وحده با الفصل العاشر:

"اهللا لــم يــره أحــد قــط، اإللــه االبــن الوحيــد الــذي فــي حضــن االبــن 18: 1يــو

هو الذي أعلنه".

"وهذه هي شهادة يوحنا". 24 -19: 1يو

". …………"أنا أعمد بماء 25: 1يو

فصول الكتاب الثاني (تقسيم القديس كيرلس)

ا يسوع مقبال إليه". "وفي الغد نظر يوحن 31 -29: 1يو

أن الروح القدس في االبن ليس كن يشترك فيه من الخارج الفصل األول:

أني قد رأيت الروح نازال من السماء واستقر عليه". …… 33 -32: 1يو

"وأنا قد رأيت وشهدت أن هذا هو ابن اهللا". 34: 1يو

ــا 39 -35: 1يــو واقفــا هــو واثنــان مــن "وفــي اليــوم التــالي أيضــا كــان يوحن

تالميذه".

"كان اندراوس أخو سمعان بطرس واحدا من االثنين". 42 -40: 1يو

"وفـــــي اليـــــوم الـــــذي بعـــــد ذلـــــك أراد يســـــوع أن يخـــــرج إلـــــى 46 -43: 1يـــــو

الجليل".

"هوذا إسرائيلي حقا ال غش فيه". 51 -47: 1يو

اإلصحاح الثاني

لث كان عرس في قانا الجليل". "وفي اليوم الثا 3 -1: 2يو

قال لها يسوع، مالي ولك يا امرأة. لم تأت ساعتي بعد" 6 -4: 2يو

"قال لهم يسوع امألوا األجران ماء ". 10 -7: 2يو

"هذه بداية اآليات فعلها يسوع في قانا الجليل". 11: 2يو

ا". "ووجد في الهيكل الذين كانوا يبيعون بقرا وغنم 15 -14: 2يو

ارفعوا هذه من هنا. ال تجعلوا بيت أبي بيت تجارة". ……" 17 -16: 2يو

"فأجاب اليهود وقالوا له أية أية ترينا حتى تفعل هذا". 18: 2يو

انقضوا هذا الهيكل". ……" 20 -19: 2يو

"وأما هو فكان يقول عن هيكل جسده". 22 -21: 2يو

فـــي عيـــد الفصـــح، أمـــن كثيـــرون "ولمـــا كـــان فـــي أورشـــليم 23 -22: 2يـــو

باسمه".

3B فصول الكتاب األول

إن االبن الوحيد هو أزلـي وقبـل كـل الـدهور، علـى الكلمـات: "فـي البـدء كـان 1فصل

الكلمة".

إن االبــن هــو مــن جــوهر اآلب نفســه، ولــذلك فهــو إلــه فــي أقنومــه مثــل األب 2فصل

". تماما، على الكلمات: "والكلمة كان عند اهللا

إن االبــن هــو بالطبيعــة إلــه أيضــا ولــيس أقــل مــن اآلب أو غيــر مماثــل لــه، 3فصل

على الكلمات: "وكان الكلمة اهللا".

الــرد علــى أولئــك الـــذين يقولــون أن الكلمــة الطبيعـــي فــي اهللا اآلب هــو غيـــر 4فصل

ز)الذي يدعى االبن في األسفار المقدسة ( ب آهمهليغه ا اخعغ شغحئ ، ةعكغيل آ

الكلمات: "هذا كان في البدء عند اهللا". على

1B إن االبـــن بالطبيعـــة خـــالق مـــع اآلب، وهـــو مـــن جـــوهر اآلب، وال يعمـــل مـــع 5فصل

اآلب مثل خادم، وعلى الكلمات: "كل شـئ بـه كـان وبغيـره لـم يكـن شـئ ممـا

كان".

إن االبــن بالطبيعــة هــو الحيــاة، ولــذلك هــو غيــر مخلــوق، بــل مــن جــوهر اهللا 6فصل

ب، على الكلمات: "فيه كانت الحياة". اآل

إن االبـــن بالطبيعـــة هـــو النـــور، لـــذلك لـــيس هـــو مخلوقـــا، بـــل مـــن جـــوهر اهللا 7فصل

اآلب، نور من نور، على الكلمات: "والحياة كانت نور الناس".

ـــل 8فصل ـــالمرة ب ـــور ب ـــق ليســـت هـــي الن ـــور، وأن الخالئ ـــن اهللا وحـــده هـــو الن إن االب

على الكلمات: "كان النور الحقيقي". تشترك في النور،

إن نفس اإلنسان ال وجود لـه قبـل وجـود الجسـد، وأنـه لـيس وجـود الـنفس فـي 9فصل

هـو بسـبب خطايـا سـابقة، علـى الكلمـات: "كـان –كما يقول البعض -الجسد

النور الحقيقي الذين ينير كل إنسان، آتيا إلى العالم، كان في العالم".

البــن الوحيــد هــو وحــده بالطبيعــة االبــن مــن اآلب لكونــه مــن اآلب وفــي إن ا 10فصل

اآلب، على الكلمات: "اهللا لم يره أحد قط".

الكتاب األول مقدمة بقلم كيرلس اإلسكندري

ــتعلم مــن اهللا هــو مــا يميــز عقــل اإلنجيليــين القديســين، ألنهــم بــالقوة الفائقــة التــي نالوهــا إن اتفــاق الحــق، وال

مثل الذين يقفون على رأس الجبل أو مكان مراقبة عال يشاهدون منه كل االتجاهات، فيقدمون ما ينفع -ينظروها

ويقنعونهم بغيرة بكل ما يمكن أن يكون لفائدة المتعطشين للحق الكـاهن فـي التعـاليم اإللهيـة وألنهـم قـد –السامعين

في األسفار اإللهية. حددوا ألنفسهم هدفا صالحا فأنهم يفتشون عن الخطة المختفية

ألن اهللا ال يعلن الحق للذين يبحثون بفضول ويجدون لذة في أحابيل وفخاخ الجدل، بل يعلن الـروح القـدس

)، وال يطيــق أن يلقــي بــاللؤلؤ 4: 1الحــق للــذين يفرحــون بــالحق ألنــه ال يســكن فــي الــنفس المملــوءة بــالغش (حكمــة

ل يفرح بالروح ويسر بالشركة التي له مع أصحاب العقـول النقيـة )، ب6: 7الذي يخصه تحت أقدام الخنازير (مت

ألن دوافعهم للمعرفـة لـيس فيهـا مكـر، فهـم يهربـون مـن المكـر، وعنـدما تسـكن فـيهم الحكمـة يصـاحبها الخـوف مـن

الخطأ أو اتخاذ طريق آخر غير الطريق الملوكي المستقيم، ألن من يسلك بنقاء يسلك بثقة كمـا يقـول سـليمان (أم

10 :9 .(

ومع أن لإلنجيليين دقـة عجيبـة فـي الكتابـة، "قـال عنهـا المخلـص: لـيس أنـتم المتكلمـين بـل روح أبـيكم الـذي

)، إال أنه يمكن أن نقـول أن إنجيـل يوحنـا قـد كتـب بشـكل يفـوق البـاقين، وهـذا يمكننـا أن 20: 10يتكلم فيكم" (مت

ديد من جوهر األحداث. ومع أن اإلنجيليين اشـتركوا معـا فـي نراه إذا دققنا في األفكار وفي حدة ذكائه واقترابه الش

شــرح التعــاليم اإللهيــة، وبــدأ الكــل مــن نقطــة انطــالق واحــدة مثــل انطــالق المتســابقين نحــو نهايــة الســباق، إال أنهــم

ل اســتعملوا أســاليب مختلفــة ممــا جعلهــم يشــبهون أشخاصــا تلقــوا أمــرا بــأن يجتمعــوا معــا فــي مدينــة واحــدة، ولكــن كــ

واحد منهم فضل أن يسلك طريقه الخاص به وليس الطريق العام المطروق.

وهذا ما نراه في دقة اإلنجيليين في تحديد نسب المخلص حسب الجسد، واحد منهم اختار مـن إبـراهيم نـازال

ة بهـذه خطوة بعد خطوة إلى يوسف، واآلخر اختار من يوسف صـاعدا إلـى آدم. أمـا يوحنـا المبـارك فلـم يهـتم بـالمر

األمور بل نراه برغبة نارية وعقل يرغب في األمور التـي تعلـو العقـل اإلنسـان فتجاسـر واقتـرب لكـي يشـرح المـيالد

)، 2: 25الفـــائق الــــذي ال يمكـــن اإلحاطــــة بـــه أي مــــيالد الكلمـــة اهللا، فهــــو يعلـــم أن "مجــــد اهللا إخفـــاء األمــــر" (أم

ن الصعب أن يدرك أحد أن شرح، صفات الطبيعة اإللهية.والكرامة التي تليق باهللا تفوق فهمنا وادراكنا وم

)، وأن تعجــز مقــاييس 12: 40ولكــن مــن الضــروري فــي بعــض األحــوال أن يقــيس اهللا الســماء بشــبر (أش

الطبيعة اإلنسانية عن االقتراب إلى الذي ال يمكن اإلحاطة به، والذي يصـعب أن يشـرحه أحـد، ولكـن لكـي يجعـل

)، ولكنـــه مكشـــوف 4: 6تـــي 1ذين ال يعلمـــون التعلـــيم الصـــحيح بـــل يضـــلون البســـطاء (هـــذا االقتـــراب مختفيـــا للـــ

)، فإنه يأتي بسرعة وغيرة إلـى ذات جـوهر التعـاليم اإللهيـة 2: 1للقديسين الذين هم شهود عيان وخدام للكلمة (لو

بذاته كـان فـي البـدء عنـد صارخا بصوت عادل "في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند اهللا وكان الكلمة اهللا، هذا

اهللا".

واعتقد أن الذين يدرسون األسفار المقدسة، يمكنهم االستعانة بكـل الكتابـات األمينـة والصـالحة والخاليـة مـن

األخطاء، وهكذا يجمعون أفكارا لكثيـرين فـي وحـدة واحـدة لخدمـة الرؤيـا وادراك الحـق، هـؤالء يرتفعـون إلـى مسـتوى

بالنحلة أو المرأة الحكيمة النشيطة التي تجمع شهد العسل الذي للروح القدس. جيد من المعرفة ويتشبهون

لقـد أفادنــا الــذين يحبــون البحــث أنــه بعــد صــلب المخلــص وصــعوده إلــى الســماء، هــاجم رعــاة ســوء ومعلمــون

: 23 قطيع المخلص وأرعبوهم، وتكلم هـؤالء جميعـا "برؤيـا قلـبهم ولـيس عـن فـم الـرب" (أر –مثل الوحوش –كذبة

)، ليس فقط من قلبهم الخاص بل مـن تعلـيم معلمهـم وأنـا أعنـي الشـيطان، ألنـه إن كـان ال يوجـد مـن يقـول أن 16

يسوع أناثيما سوى ببعلزبول، فكيف ال يكون ما نقوله عنهم صحيحا؟! ما هي األمور التي يتمسك بهـا هـؤالء ضـد

د النــور األزلـي الـذي بــه نحيـا ونتحـرك ونوجــد (أع رئيسـهم؟ عـن جهـل وبعــدم تقـوى يؤكـدون أن الكلمــة االبـن الوحيـ

)، وجد أوال عندما ولد من العـذراء القديسـة كإنسـان وأخـذ شـكلنا "وظهـر للـذين علـى األرض وتحـادث مـع 28: 17

)، وكلمــة النبــي تــدين بشــدة هــؤالء الــذين تجاســروا وأهــانوا المــيالد األزلــي 37: 3البشــر". كمــا هــو مكتــوب (بــاروخ

أما أنتم فتقدموا إلى هنا يا بني الساحرة نسل الفاسق والزانيـة. بمـن تسـخرون وعلـى مـن تفغـرون الفـم غير المدرك "

). فهؤالء لم يخرجوا من قلبهم ما هـو صـالح، ألن قلـبهم لـم يكـن صـالحا، بـل يفـيض 4، 3: 57وتدلعون اللسان" (

كل "أنت كسرت رؤوس التنـانين علـى الميـاه" السم الفتاك من التنين الذي قال عنه المزمور لإلله الواحد الضابط ال

. *0F)13: 73(مز

وألن االضطراب الذي حدث بين الـذين يؤمنـون لـم يكـن قلـيال، وكـان الوبـاء الـذي أحدثتـه هـذه اإلهانـة يقتـل

نفوسا كثيرة من نفـوس البسـطاء. "ألنهـم ابتعـدوا عـن التعلـيم السـليم بواسـطة تصـورهم الشـرير بـأن الكلمـة جـاء إلـى

مــن النصــوص األساســية فــي صــلوات تقــديس ميــاه المعموديــة فــي كــل الكنــائس الشــرقية، وكمــا هــو ظــاهر هــو القضــاء علــى الــوحش األســطوري التنــين، أي *

عبادة اهللا الواحد. القضاء على فساد تصور عقل اإلنسان وقبول

أي –ية الوجود عنـدما صـار إنسـانا". أمـا الحكمـاء مـن المـؤمنين فقـد اجتمعـوا معـا وجـاءوا إلـى تلميـذ المخلـص بدا

وكشفوا له عن المـرض الـذي كـان يضـايق األخـوة، وهجـوم هـؤالء الـذين يعلمـون تعليمـا آخـر، وطلبـوا منـه –يوحنا

فــي شــباك الشــيطان، أمــا التلميــذ فقــد حــزن علــى أن يســاعدهم باســتنارة الــروح، وأن يمــد يــد الخــالص للــذين ســقطوا

الــذين ســقطوا وفســد عقلهــم، وفــي نفــس الوقــت رأي بثاقــب بصــره أنــه ال يجــب أن يتــرك الــذين ســيأتون بعــده بــدون

مساعدة، فقرر أن يكتـب اإلنجيـل وتـرك الجوانـب اإلنسـانية المعروفـة مثـل سلسـلة األنسـاب والمـيالد حسـب الجسـد

ين كتبوهــا بالتفصــيل، أمــا هــو فبكــل شــجاعة الــنفس تقــدم لكــي يهــاجم الــذين أشــاعوا التعلــيم لإلنجيليــين اآلخــرين الــذ

المضاد وقال: "في البدء كان الكلمة".

اإلصحاح األول الفصل األول

"االبن الوحيد أزلي وقبل كل الدهور"ار اإللهيـة تقـول: "ال ماذا يقولون عن "في البدء كان الكلمة؟" هـل هـذا يعنـي أن االبـن لـيس اهللا؟ ألن األسـف

)، فكيـــف ال يكـــون االبـــن إلهـــا جديـــدا إذا كـــان قـــد ظهـــر فقـــد فـــي 9: 81يمكـــن أن إلهـــة جديـــدة فـــي وســـطك" (مـــز

). ألـيس 58: 8الزمان؟ وكيف ال يكون كاذبا وهو يقـول لليهـود: "الحـق أقـول لكـم إن يكـون إبـراهيم أنـا كـائن" (يـو

ح ولـد مـن العـذراء القديسـة بعـد إبـراهيم بعصـور كثيـرة؟! وكيـف يمكـن من الواضح بل ما يعترف به الكل أن المسي

–أن يصبح للكلمات "في البدء كان الكلمة" أي معنى إذا كان االبـن الوحيـد جـاء إلـى الوجـود فـي الزمـان؟ انظـروا

ن بـأن من األدلة التاليـة كيـف تصـبح غبـاوة ظـاهرة أن يقضـي علـى المـيالد األزلـي لالبـن إذا سـمح للـذه –أرجوكم

يتصور أنه جاء إلى الوجود في األزمنة األخيرة، إن نفس كلمة "البدء" سوف تقودنا إلى معان أعمق.

"في البدء كان الكلمة"

ال يوجـد مــا سـبق البــدء. إذا ظــل البـدء بــالحق بـدأ، ألن بــدء البــدء مسـتحيل، واذا تصــورنا أن شـيئا مــا ســبق

واذا تصـورنا أن شـيئا يمكـن أن يسـبق البـدء، فـإن اللغـة اإلنسـانية سـوف ال البدء تغيـر البـدء ولـم يعـد بـدءا بـالمرة.

تمكننا من الكالم ألن ما سبق البدء هو البدء المطلق والحقيقي ويصبح ما بعد ذلك ليس بدءا بالمرة.

ه أنـه إذا ال بدء للبدء حسب دقة المنطق، وتظل حقيقة البدء غير مدركة، ألن إدراكها يجعل البدء يفقد كون

البدء. وحيث أننا مهما عدنا إلى الوراء فأننا نعجز عن الوصول إلى البـدء مهمـا حاولنـا، فـإن هـذا يعنـي أن االبـن

لم يخلق بالمرة، بل هو كائن مع اآلب ألنه "كان في البدء". واذا كان في البـدء فـأين هـو العقـل الـذي يسـتطيع أن

وجــود فـي الزمــان، إن كلمـة "كـان" ســوف تظـل كمــا هـي "كــان" يتخطـى كلمـة "كــان" ويتصـور أن االبــن جـاء إلـى ال

تتحدى وتسبق كل البراهين، بل تجوز أمام كل األفكار التي تحاول عبثا أن تدركها.

لقـد أصــابت الدهشــة النبــي أشــعياء عنــدما قــال "ومـيالده مــن يخبــر بــه؟ ألن حياتــه رفعــت مــن األرض" (أش

كـــل أثـــار المـــيالد األزلـــي ألنـــه يفـــوق اإلدراك، واذا كـــان فـــوق اإلدراك ). وحقـــا لقـــد رفـــع مـــن األرض تمامـــا 8: 53

فكيف يمكن أن نقـول إنـه مخلـوق، ألننـا نقـدر أن نحـدد بوضـوح زمـن بدايـة المخلوقـات وكيفيـة وجودهـا، أمـا البـدء

فنحن نعجز عن أن نحدد زمن بدايته.

نظرة أخرى مختلفة إلى عبارة "في البدء كان الكلمة"

ممكـــن أن نعتبـــر "البـــدء" خاصـــا بزمـــان مهمـــا كـــان، ألن االبـــن الوحيـــد هـــو قبـــل كـــل الـــدهور، لـــيس مـــن ال

والطبيعة اإللهية تغلق حدود الزمن، فهي كما هي ال تتغير حسبما قيل في المزمور عن اهللا: "أنت هو وسنوك لن

بـن، فهـو ال يبـدأ فـي زمـان )، فالبدء الذي يمكن قياسه بالزمان أو المسافات سوف يتعداه اال27: 102تفنى" (مز

)، ومـع أن كـل بدايـة ال يمكـن أن 6: 14أو مكان بل هو بال حدود فهو بالطبيعة اهللا ويصرخ "أنا هو الحياة" (يو

تكون بال نهاية ألن البداية تسمى بداءة من زاوية خاصة وهي وجود نهاية لها، وكذلك النهاية تسمى نهاية بسـبب

ة خاصــة بالزمــان والمســافة، ففــي الزمــان والمســافة. البدايــة تعنــي نهايــة والعكــس. أمــا وجــود بدايــة لهــا. وهــذه البدايــ

بالنسبة لالبن فالبدء ليس بدءا زمنيا وال جغرافيا، فهـو أزلـي وأقـدم مـن كـل الـدهور، ولـم يولـد مـن اآلب فـي الزمـان

ب وقــد أتيــت إلــى العــالم" (يــو ألنــه "كــان" مــع اآلب، مثــل المــاء فــي الينبــوع، أو كمــا قــال هــو "خرجــت مــن عنــد اآل

). فإذا اعتبرنا اآلب المصدر أو الينبوع، فـإن الكلمـة كـان فيـه ألنـه حكمتـه وقوتـه وصـورة جـوهره وشـعاع 28: 16

مجــده. واذا لــم يكــن وقــت كــان اآلب فيــه بــال حكمــة وكلمــة وصــورة وشــعاع. فإنــه مــن الواضــح أن االبــن الــذي هــو

أمــر ال يحتــاج إلــى إقــرار منــا، فهــو أزلــي مثــل اآلب األزلــي، واال كيــف حكمــة وكلمــة وصــورة اآلب وشــعاع مجــده

يوصف بأن صورته الكاملة ومثاله التام، إال إذا كان له بوضوح ذات الجمال الذي هو على صورته.

هل من اعتـراض علـى أن االبـن فـي اآلب مثـل المـاء فـي الينبـوع، أو أن اآلب هـو الينبـوع؟ أن كلمـة ينبـوع

معية. ألن االبن فـي اآلب وهـو مـن اآلب، لـيس كمـن يـأتي مـن الخـارج فـي الزمـان، بـل هـو مـن ذات تعني هذه ال

جوهر اآلب، يشع مثل الشعاع من الشمس أو صدور الحرارة من النار. هذه األمثلـة تعنـي أن نـرى كيـف يولـد أن

ة مختلفـة بـل يصـدر يصدر شئ من شئ، وفي نفـس الوقـت ال يصـدر متـأخرا أو بعـد زمـن، أو أن تكـون لـه طبيعـ

الشئ من الشئ ويظل كائنا معـه ال ينفصـل عنـه، بـل ال يمكـن ألي منهمـا أن يوجـد بـدون اآلخـر، فـال شـمس بـال

شعاع وال شعاع بدون شمس تشعه من داخلها. وال نار بال حرارة وال حرارة إال مـن نـار. فاالنفصـال يعنـي أن يفقـد

صبح الشمس شمسا بال أشعة وكيف تصبح النار نارا بال حرارة. الشيئان معا الطبيعة التي تميزهما، فكيف ت

وكما أن هذه األشياء التي تصدر بعضها عن البعض تجعل وجودها معا أمـرا ضـروريا ال انفصـال فيـه بـل

تظل دائما بمصدرها وتحتفظ بطبيعة المصدر، هكذا األمر مع اآلب واالبن. ألننا نعتقد ونقول أنه في اآلب ومـن

ب. وهذا يعني أنه ليس كائنـا غريبـا أو جـاء فـي الترتيـب بعـد اآلب، بـل هـو فيـه ومعـه دائمـا ويشـرق منـه دائمـا اآل

حسب الميالد اإللهي األزلي غير المدرك.

ولـــذلك وصـــف القديســـون اهللا اآلب بأنـــه هـــو "بـــدء" االبـــن، وكـــانوا يقصـــدون مـــن ذلـــك أنـــه مـــع اآلب ألن

عن الظهور الثاني بالجسـد لمخلصـنا يقـول عنـه كـابن "معـك البـدء فـي يـوم قوتـك فـي المزمور بالروح القدس يقول

1Fس)3: 110بهاء قديسيك" (مز

ويقول قوة االبن هو اليوم الذي سوف يـدين فيـه العـالم ويعطـي كـل واحـد حسـب *

لتــي تجعــل أعمالــه. وحقــا ســوف يــأتي مــع اآلب ألنــه فــي اآلب، وهــو البــدء غيــر المبتــدئ للطبيعــة اإللهيــة، وهــي ا

اآلب البدء بالنسبة لالبن من ناحية المعية ألن االبن من اآلب.

"فــي البــدء كــان الكلمــة" ســوف يقودنــا هــذا الشــرح إلــى أفكــار كثيــرة متعــددة وجوانــب مختلفــة لمعنــى "البــدء"

ها، وسـوف نتتبـع كـل هــذه األفكـار فـي غيــرة شـديدة مثـل كلـب الصــيد الـذي يطـارد الفريســة وال يتوقـف حتـى يقتنصــ

وهكذا سوف نقتفي أثار التعاليم اإللهية ودقة األسـرار. لقـد قـال المخلـص "فتشـوا الكتـب ألنكـم تظنـون أن لكـم فيهـا

). 39: 5حياة وهي تشهد لي" (يو

" أي القـوة والسـيادة التـي علـى الكـل أي Archiيسمى اآلب "البـدء –على ما يبدو لي –واإلنجيلي المبارك

فوق الكل والتي تحت أقدامها تستقر الطبائع المخلوقة التي هي كائنة ومدعوة للوجـود بسـبب الطبيعة اإللهية التي

إرادة الالهوت.

" الــذي هــو فــوق الكــل وعلــى الكــل "كــان الكلمــة"، لــيس مــن الطبــائع المخلوقــة التــي Archiفــي هــذا "البــدء

ــا عنهــا جميعــا ألنــه "فــي البــدء" أي مــن ذات ا ــه تحــت قــدمي البــدء وانمــا عالي لطبيعــة والكــائن دائمــا مــع اآلب، ول

2Fطبيعة الـذي ولـده كمكـان أزلـي قبـل الكـل. لـذلك هـو مولـود حـر مـن اآلب الحـر، ومنـه ومعـه لـه السـيادة

* Archi

على الكل. وما هو المقصود من هذه النقطة بالذات؟

العـــذراء مـــريم أن الكلمـــة دعـــى إلـــى الوجـــود أوال عنـــدما أخـــذ هيكلـــه مـــن –كمـــا أشـــرنا –لقـــد أدعـــى الـــبعض

ــا مثــل كــل ــا كمــا يــدعون مخلوق ــو كــان االبــن حق وصــار إنســانا ألجلنــا. ومــا نتيجــة هــذا األدعــاء؟ ومــاذا يحــدث ل

المخلوقات، وجـاء إلـى الوجـود مـن العـدم ولـه اسـم وحقيقـة العبوديـة وصـفات الطبيعـة المخلوقـة. ومـن مـن الطبـائع

اهللا الرب الذي هو على الكل؟ ومن من الكائنـات يتوقـف عـن المخلوقة يمكنه بحق أن يهرب من الخضوع لسلطة

س تعني أن الشاهد مأخوذ من الترجمة السبعينية للعهد القديم. * تتضمن معنى السيادة. Archiعلى أساس أن *

الخضــوع للســيادة والقــوة والربوبيــة التــي علــى الكــل؟ والتــي يشــير إليهــا ســليمان حينمــا يقــول "عــرش المملكــة يثبــت

). ومــا هــو العــرش الــذي لــه الســيادة علــى الكــل؟ يقــول اهللا بواســطة أحــد القديســين "الســماء هــي 12: 16بــالبر" (أم

). ولــذلك فالســماء مســتعدة للبــر، وهــذا يعنــي أن الكــل خاضــع لعــرش اهللا فــي الســماء أي كــل 1: 66رشــي" (أش ع

األرواح المقدسة المستعدة لخدمته.

لهذا السبب بعينه يهجم اإلنجيلي المباركة بقوة علـى الـذين يعلمـون بـأن االبـن يحسـب فـي عـداد المخلوقـات

، ويصرح اإلنجيلـي ضـد هـؤالء جميعـا معلنـا أن االبـن لـيس Archi لسيادةالخاضعة لسلطة عرش اهللا وأنه تحت ا

مــن المخلوقــات بــالمرة بــل هــو حــر تمامــا مــن العبوديــة، ألنــه مــن ذات جــوهر اآلب ولــه ذات الســيادة ويعلــن عــن

طبيعته بقوله "في البدء كان الكلمة".

"كـان" لكـي نـدرك أن الكلمـة لـيس حـديثا ولكي يقضي تماما علـى هـذا الـرأي يضـيف إلـى كلمـة "البـدء" فعـل

"بل أزليا" وقبل كل الدهور. والفعل "كان" وضع هنا لكي يحمل كل مفكر إلى أعماق سـيحقه وهـي المـيالد األزلـي

غير المدرك الذي هو فوق الزمان. وفعل "كان" هـو فعـل مطلـق ال يمكـن أن يتوقـف السـيما إذا اقتـرن "بالبـدء"، و

ان وال يمكن قياسها، فهي دائمـا تسـبق الفكـر، ومهمـا حـاول العقـل أن يتصـور أنـه وقـف عنـد "كان" تعلو على الزم

"كان" يجد بعد ذلك أن النقطة التي توقف عندها هي أقل بكثير من فعل "كان".

إذن "فالكلمة كان في البدء" أي كـان فـي السـيادة علـى الكـل، ولـه صـفات الربوبيـة ألنـه مـن اهللا ومـادام هـذا

حيح فكيـف يمكـن أن يقـال أنـه خلـق؟! وكيـف ينطبـق هـذا اإلدعـاء علـى معنـى فعـل "كـان"؟ وكيـف يمكـن هو الصـ

مصالحة الذي "لم يكن" مع الذي "كان"؟ وأي مكان هناك بالمرة لعبارة "لم يكن" فيما يخص االبن؟

الفصل الثاني االبن واحد مع اآلب في الجوهر

ضا ولذلك هو إله في أقنومه مثلما هو اآلب أي إله في أقنومه

"والكلمة كان عند اهللا" بعــد أن عــرى الرســول الــذين يــدعون أن االبــن الكلمــة مخلــوق، وهــؤالء الــذين عفــي علــيهم الزمــان ألنهــم بــال

إدراك، فالعبارة "في البدء كان الكلمة" تقفل باب اإلدعاء بأن االبن يحسـب فـي عـداد الكائنـات المخلوقـة، وبعـد أن

كار الغبية بهذه العبارة "في البدء كـان الكلمـة" يتقـدم لمحاربـة هرطقـة فاسـدة أخـرى. مثـل فـارس جردهم من كل األف

عظيم ثابت له صبر ال ينتهي بل يفرح باألتعاب والجهاد ويشد حقويه ويرتدي عـدة القتـال أو مثـل فـالح ينـزع مـن

ع كـل شـوكة علـى حـدة ويضـعها حقله كل األشواك وينزعها واحدة واحدة، ويدور حول الحقل عـدة مـرات لكـي يجمـ

كلهـا واحــدة واحــدة ويبحـث عــن جــذور األشـواك، هكــذا صــار الرسـول يوحنــا الــذي عـرف أن كلمــة اهللا "حيــة وفعالــة

)، وعندما أدرك خطورة هؤالء نـازلهم بقـوة لكـي ينـزع الجـذور المـرة 12: 4وأمضى من كل سيف ذي حدين" (عب

هم مــن كــل ناحيــة ويقــدم لمــن يقــرأ إنجيلــه خدمــة الــدفاع عــن اإليمــان الشــريرة للمقــاومين للحــق، وبقــوة وثبــات ينــزع

الصحيح.

أي "فــي اهللا Archiلنــدرك حــذر هــذا الــذي حمــل الــروح فــي داخلــه، لقــد كتــب أن الكلمــة كــان "فــي البــدء"

ن اآلب"، ولكن ألن عين ذهنه قد استنارت، لم يجهل أن البعض سوف يقومون بجهل شديد ليـدعوا أن اآلب واالبـ

واحد وأنهما غير متمايزين إال في األسماء فقط، وأنه وليس في الثالوث أقانيم. وتمايز األقـانيم يعنـي أن اآلب هـو

3F………فعـال آب ولــيس أبنــا وكـذلك االبــن هــو ابـن ولــيس أبــا، حســب كلمـة الحــق

وضــد هـذه الهرطقــة يســلح نفســه *

مـة" ثـم يهـاجم مـن جانـب آخـر بقولـه "والكلمـة كـان لكي يقضى عليها ويهاجم من جانـب بقولـه "فـي البـدء كـان الكل

عند اهللا" وفي كلتا العبارتين استخدم فعل "كان" لضرورة تأكيد أن ميالده كان أزليا. وبقوله "والكلمـة كـان عنـد اهللا"

أكد أنه متمايز وأقنوم آخر غير أقنوم اآلب الذي معه الكلمة.

فجوة في النص نفسه. *

الــذي بــال أقــانيم ال يمكــن أن نقــول أنــه "معــه" أو كــان "معــه"، والــذين ينكــرون األقــانيم ال يــدركون أن الواحــد

فهــو وحــده بذاتــه. هــذا األمــر يســتدعي مناقشــة الهرطــوقي لكــي يــدرك أن ادعــاءه ال يتفــق مــع المعرفــة الصــحيحة

وسوف نعلم في المقاطع التالية من خالل أسئلة واضحة ومحددة خطأ الهراطقة.

برهن أن اآلب أقنومبراهين مأخوذة من شهادات األسفار ت

واالبن أقنوم آخر وأن الروح القدس يحسب معهما األقنوم الثالث

رغم أننا ال نخصص كالما عن ألوهية أقنوم الروح القدس.

االبــن هــو مــن الجــوهر نفســه مــع اآلب، واآلب هــو مــن الجــوهر نفســه مــع االبــن، وكالهمــا مســاوي ومثــل

ب فـي االبـن، واالبـن فـي اآلب. وكالهمـا يشـرق مـن خـالل اآلخـر مثلمـا اآلخر تماما بال تغييـر حتـى أننـا نـرى اآل

" (يــو ). ومــع أن االبــن فــي 10، 9: 14قــال المخلــص نفســه "الــذي رآنــي فقــد رأي اآلب، وأنــا فــي اآلب واآلب فــي

ا اآلب واآلب في االبن وهو مثل اآلب الذي ولده تماما فـي كـل شـئ، ويعلـن اآلب فـي ذاتـه بـال نقـص، إال أن هـذ

ال يعنــي أن االبــن فقــد أقنومــه المتميــز، وال أن اآلب فقــد أقنومــه الخــاص بــه، فالتماثــل التــام بــين األقــانيم ال يعنــي

اختالط األقانيم حتى أن اآلب الذي منه يولد االبن يصبح بعد ذلك أبنا، ولكن الطبيعة اإللهية الواحدة نفسـها هـي

اآلب واالبـن هـو االبـن وأيضـا الـروح القـدس يحسـب معهمـا إلهـا لألقنومين مع تمايز كل منهما حتى أن اآلب هو

مثل اآلب واالبن.

: لــو كــان االبــن أبــا أيضــا فمــا هــو معنــى تمــايز األســماء؟ لــو كــان اآلب لــم يلــد أحــدا مــن ذاتــه فلمــاذا أوال

ــو كــان غيــر مولــود مــن اآلب؟ أن تمــايز األســماء يعنــي تمــايز األقــانيم يــدعى اآلب؟ ولمــاذا يــدعى بهــذا االســم ل

فإننا ندرك أن لـه أقنـوم متميـز كمـا –وهذا هو الحق –وحيث أن األسفار المقدسة تعلن أن االبن مولود من اآلب

أن اآلب له أقنوم متميز مثل تمايز الوالد عن المولود.

لـم يحسـب : يكتب الطوباوي بولس فـي رسـالته إلـى الفيليبيـين عـن االبـن "الـذي إذ كـان فـي صـورة اهللاثانيا

). فمــن هــو الــذي ال يحســب مســاواته هللا اختالســا؟ فالتمــايز هنــا ظــاهر ألن الــذي 6: 2مســاواته هللا اختالســا" (فــي

هو صورة اهللا متمايز عن األصل. وهذا هو الحق الذي يـؤمن بـه الكـل. فـاآلب واالبـن ليسـا واحـدا فـي األقنـوم بـل

ة الجوهر، ألنهما إله من إله، االبن من اآلب. كل منهما أقنوم يمكن رؤيته في اآلخر بسبب وحد

) هكــذا قــال المخلــص مؤكــدا أن لــه كيــان خــاص متمــايز عــن كيــان 30: 10: "أنــا واآلب واحــد" (يــو ثالثــا

اآلب. واذا لم يكن هذا هو الحق الواضح فلماذا قال "أنا واآلب" كان عليه االكتفاء بكلمـة "واحـد". ولكـن حيـث أنـه

بــالكالم عــن اثنــين فقــد قضــى تمامــا علــى إدعــاء المخــالفين ألن "أنــا واآلب" ال يمكــن أن تعنــي أعلــن مــاذا يقصــد

أنهما أقنوم واحد بل واحد في الجوهر.

)، فلـو 16: 1: عن خلق اإلنسان نسمع صوت اهللا يقول: "نخلق اإلنسان على صورتنا كشبهنا" (تك رابعا

ة أقـانيم فمـن الــذي كـان يـتكلم مــع مـن؟ ويقـول لــه "نخلـق اإلنسـان علــى كـان اهللا أقنومـا واحـدا بــال تعـدد ولـيس ثالثــ

صورتنا" ولو كان اهللا أقنوما واحدا لقال "أخلق اإلنسان على صورتي". لكن الكتاب لم يـذكر ذلـك، ولكـن حيـث أن

صيغة الجمع استخدمت "صورتنا" فإنها تعلن بصوت قوي أن أقانيم الثالوث هي، هي أكثر من واحد.

) فكيــف ال يمكــن متمــايزا 3: 1: لــو كــان االبــن هــو إشــعاع (بهــاء) اآلب، "كنــور مــن نــور" (عــب خامســا

عنه وله أقنومه الخاص ألن البهاء غير البهي "اإلشعاع غير المشع".

وأيضــا ……: يعلــن االبــن أنــه مــن جــوهر األب بقولــه "خرجــت مــن عنــد اآلب وأتيــت إلــى العــالمسادســا

)، فيكف ال يكون أخرا ومتمايزا عن اآلب في األقنـوم؟ إال تؤكـد كـل األدلـة لنـا أن 28: 16" (يو أمضي إلى اآلب

الذي يخرج من آخر يعني أنه متمايز عن اآلخر والعكس طبعا غير صحيح.

: باإليمــان بـاهللا اآلب وابنـه يســوع المسـيح وبـالروح القــدس نحـن نتبـرر، ولــذلك يـأمر المخلـص نفســه سـابعا

). فــإذا كــان 29: 28ذه قــائال "اذهبــوا وتلمــذوا جميــع األمــم وعمــدوهم باســم اآلب واالبــن والــروح القــدس" (مــت تالميــ

اختالف األسماء ال يعطينا االعتقاد بأن األقانيم ثالثة فما الفائدة من استخدام األسماء الثالثة؟ إذا كـان مـن يـتكلم

ب فمــا الــداعي إلــى الوصــية بــأن يعتمــد المؤمنــون باســم عــن اآلب يعنــي االبــن أو مــن يــتكلم عــن االبــن يعنــي اآل

الثــالوث ولــيس باســم واحــد؟ ولكــن ألن الطبيعــة اإللهيــة هــي الثــالوث فمــن الواضــح أن كــل الطبيعــة اإللهيــة فـــأن

الالهوت واحد وكل أقنوم يعبد مع األقنومين اآلخرين.

ضــب اهللا وتصــف هــذا الخــراب بــالقول : تقــول األســفار اإللهيــة بــأن مــدن الســادوميين قــد أحرقهــا غثامنــا

)، الـذين 6: 11)، وهذا هو نصـيب وكـأس (مـز 24: 19من عند الرب" (تك ……"وأمطر الرب على سادوم نارا

يرتكبون مثل هذه الخطايا. ولكن من هـو الـرب الـذي أمطـر نـارا وكبريتـا مـن عنـد الـرب وأحـرق مـدن السـادوميين؟

شئ باالبن، ألنه هو ذراعـه القـوي وقوتـه، فهـو الـذي جعلـه يمطـر نـارا علـى من الواضح أنه اآلب الذي يعمل كل

الســادوميين ولــذلك قيــل "أمطــر الــرب مــن عنــد الــرب"، فكيــف ال يعلــن هــذا أن اآلب هــو آخــر غيــر االبــن وأن لــه

أقنومه المميز وكذلك االبن غير اآلب وله أقنومه المميز ألن الواحد هذا يظهر أنه من اآلخر.

: عندما تحرك المرنم بروح النبوة وعلم مـا سـيأتي قـال فـي المزاميـر وهـو يعلـم أن الجـنس البشـري ال تاسعا

يمكن أن يخلص إال بظهور ابن اهللا الذي يحول كل شئ حسب إرادته، لذلك تنبـأ عـن مجـئ االبـن إلينـا لكـي ينقـذ

)، فمــا هـــو 3: 43وحقــك" (مــز الــذين هــم تحــت الفســاد والمــوت وســلطان الشـــيطان فقــال هللا اآلب "أرســل نــورك

) فـإذا كـان نـور 6: 14؛ 12: 8النور؟ وما هو الحق؟ لنسمع االبن نفسه يقول: "أنا النور" وأيضا "أنـا الحـق" (يـو

اآلب وحقه هو االبن الذي سيأتي إلينا. فكيف ال يكون االبن أقنوما متميزا عن أقنوم اآلب رغم أنه واحد معه فـي

مـا؟ واذا تخيـل أحـد أن هـذا لـيس كـذلك وأن االبـن واآلب همـا أقنـوم واحـد، فلمـاذا ال يصـرخ الجوهر ومماثل لـه تما

المرنم الذي سكن فيه الروح القدس فصـاغ صـالته قـائال "تعـال أيهـا النـور والحـق"؟ ولكـن حيـث يقـول "أرسـل" فهـو

سـل واإلرسـال نفسـه يؤكـد لنـا يعرف جيدا أن الواحد متميز عن اآلخـر فالواحـد أي اآلب يرسـل واالبـن هـو الـذي ير

تمايز األقانيم.

: تقول األسفار اإللهية أنه "باالبن خلقت كل األشياء سواء ما فـي السـماء أو علـى األرض مـا يـرى عاشرا

)، هكـذا نـؤمن ونعبـد حسـب الحـق ونصـعد فـي طريقنـا إلـى الحـق واإليمـان السـليم حسـب 16: 1وما ال يرى" (كـو

المعنى الدقيق "باالبن"؟ من الواضح أن هـذا يعنـي أن الـذي يصـنع هـو غيـر الـذي يـتم العقيدة الصحيحة. فما هو

بواسطته العمل ألن اآلب إذا كان يعمل كل شئ "باالبن" فمن الواضح أن له أقنوما متميزا ويصبح تعبير "باالبن"

ر "بـاالبن"؟ وكيـف يعمـل االبـن قادرا على التعبيـر عـن أقنـومين. وعلـى المخـالفين أن يقولـوا لنـا كيـف يفهمـون تعبيـ

إذا كان هو أقنوما واحـدا مـع اآلب. ولكنـي أظـن أنهـم سيصـابون هنـا باالرتبـاك. ولكـن حيـث أن األسـفار المقدسـة

تعلــن أن اآلب عمــل كــل األشــياء بــاالبن، ونحــن نــؤمن بهــذا وكــذلك أظــن أنهــم أيضــا يؤمنــون بــه. فكيــف ال يكــون

ميـزا بنفسـه، وهكـذا االبـن أيضـا متميـز بنفسـه، وهـذا ال ينفـي بـالمرة أن الثـالوث ضروريا أن نفهم أن اآلب يوجـد مت

القدوس يكون له الجوهر الواحد نفسه.

الفصل الثالث "االبن هو بالطبيعة إله وليس أقل من اآلب"؟

"وكان الكلمة اهللا"

يـرة يقـاومون جـوهر االبـن ذلك الذي حمل الروح في داخله لم يجهل أنـه سـوف يقـوم الـبعض فـي األيـام األخ

)، بـاالفتراض أن الكلمـة الـذي ظهـر مـن اهللا اآلب لـيس بالطبيعـة 1: 2بـط 2الوحيد وينكرون الرب الذي اشتراهم (

اهللا. وهــؤالء يجعلونــه علــى هــذا النحــو إلــه مزيــف نــال اســم األلوهيــة دون اســتحقاق وأســم النبــوة وهــو لــيس كــذلك.

ن بـه آريـوس وتسـكن فـيهم كلمـة المـوت والكفـر ويصـبح "لسـانهم سـهم قتـال هؤالء يأخـذون كفـر اليهـود الـذي اسـتعا

). 8: 9يتكلم بالخداع" (أر

وألن بعض هؤالء يقاومون كلمات الحق وكأنهم يقولون لإلنجيلي القديس "الكلمة عند اهللا" نحـن نوافـق علـى

كذلك االبن كائن وحده منفصـل هذا وبكل ارتياح نوافق على ما كتبت ولكن اآلب كائن وحده منفصل عن االبن و

عــن اآلب. فمــا هــي طبيعــة االبــن؟ وأن وجــوده عنــد اهللا اآلب ال يعلــن شــيئا عــن جــوهره ولكــن حيــث أن األســفار

اإللهية تعلن إلهـا جديـدا فأننـا مسـتعدون لالعتـراف بـاآلب فقـط الـذي كـان الكلمـة عنـده. فمـاذا يجيـب بشـير الحـق.

بـل "وكـان الكلمـة اهللا" لكـي تعلـن وجـوده مـع اهللا وتمـايزه عـن اآلب وأنـه أقنـوم آخـر ليس فقط بأن "الكلمة عند اهللا"

غير أقنوم اآلب، ولكن في نفس الوقـت اهللا، ومـن الجـوهر نفسـه الـذي لـآلب وهـو منـه بالطبيعـة ألنـه إلـه مـن إلـه.

لهيـة بـين األقـانيم أو أن ألنه من غير المعقول أن يكون الالهوت واحدا وال يكون هناك تماثل تام فـي الصـفات اإل

ال تكـون األقـانيم متسـاوية، لـذلك يقــول عـن االبـن أنـه "كــان اهللا" ولـم يصـبح كـذلك فـي وقــت معـين، بـل كـان دائمــا

وأزليا اهللا، ألن ما يحدث في الزمان أو ما ال وجود أزلي له، ثم يوجد بعد ذلك، ال يكون إلها بالطبيعة.

زل "بكلمة كان" ومسـاو لـآلب فـي الجـوهر ألنـه اهللا، فمـن ذا الـذي يشـك فـي فإذا كان الكلمة موجودا منذ األ

ألوهيته وال يحل به العقاب. أو من يظن أنه أقل من اآلب أو مختلف عن اآلب الذي ولد منه، فمـن ال يرتعـد مـن

يقررونــه" وال مــا –هــذا االنحــدار فــي الكفــر ويتجاســر وينطــق بهــذه األمــور لآلخــرين وهــم "ال يفهمــون مــا يقولــون

). 7: 1تي 1(

أما حقيقة االبن الذي هو حق من اآلب وليس أقل من اآلب فهذا ما سوف تؤكده الحقائق التالية:

: تدعو األسفار اإللهية باالبن بأسماء كثيرة ومختلفـة. فهـو يسـمى أحيانـا "حكمـة وقـوة اآلب" مثلمـا قـال أوال

)، ودعـــى أيضـــا "النـــور والحـــق" مثلمـــا رتـــل أحـــد القديســـين فـــي 24: 1كـــو 1بـــولس "المســـيح قـــوة اهللا وحكمـــة اهللا" (

). ألن 40: 119). ويــدعي أيضــا "البــر" "أحينــي فــي بــرك" (مــز 3: 30المزاميــر "أرســل لــي نــورك وحقــك" (مــز

اآلب يحيي في المسيح كل الذين يؤمنون به، ويدعي أيضا "مشورة اآلب" كما قيل "أنت سوف تقـودني بمشـورتك"

). فــإذا كــان االبــن هــو كــل هــذا بالنســبة هللا اآلب 11: 33؛ 24: 73ورة الــرب فتثبــت إلــى األبــد" (مــز وأيضــا "مشــ

فكيــف يمكــن قبــول انحــراف آريــوس وهــو غبــاوة اإلنســان الكاملــة؟ ومــن يمكنــه بعــد أن يســمع كــل هــذه األســماء أن

النتيجـة وهـي أن اآلب لـيس يقول أن االبن أقل من اآلب ألنهم لو كـانوا علـى صـواب فأننـا سـوف نصـل إلـى هـذه

حكيما كلية، وليس قويا كليا، وال هو نـور كليـا، وال هـو حـق كليـا، وال هـو بـار كليـا، وال هـو كامـل فـي مشـورته إذا

كان االبن الذي هو كل هذا بالنسبة لآلب، وبسبب كونه أقل من اآلب، يصبح اآلب نفسه غير كامل. ألـيس هـذا

الصفات كاملة في ذاته. واالبـن أيضـا كامـل ألنـه "الحكمـة" و "القـوة" و "النـور" و "البـر" كفرا فاآلب كامل ألن فيه

و "مشورة اآلب" والذي تبرهن أنه هو كل ذلك كيف يمكن أن نعتقد أنه أقل من اآلب؟

، : لو كان االبـن أقـل مـن اآلب وهـو يعبـد منـا ومـن المالئكـة القديسـين، فـإن هـذا يعتبـر عبـادة إلهـينثانيا

ألن الذي ينقصه الكمال سيظل دائما غير قادر علـى أن يصـل إلـى المسـاواة فـي الجـوهر مـع الكامـل. ومـا أعظـم

الفرق بين أن يكون االبن من جوهر اآلب وأن يكـون إضـافة غريبـة إلـى الالهـوت. واإليمـان لـيس هـو إيمـان بعـدة

ين معـه. إذن االتهـام الموجـه لالبـن بأنـه أقـل مـن إلهة بل بإله واحـد هـو اهللا اآلب مـع االبـن والـروح القـدس المتحـد

اآلب هو ال شئ بالمرة وال يعتد به. ألنه كيف يمكن أن يكون من هو أقـل كمـاال فـي وحـدة مـع اآلب الكامـل؟ بـل

كيف يكون متحدا بالطبيعة في وحدة الجوهر مع اآلب؟

)، فمــا هــو مكانــه الحقيقــي 16: 1" (يــو : إذا كــان االبــن هــو المــلء "ألن مــن ملئــه نحــن جميعــا أخــذناثالثــا

وهو أقل من اآلب كما يدعون؟ ألن األشياء المختلفة تماما ال يمكن مصالحتها ووضـعها فـي وحـدة. فكيـف يكـون

االبن الملء وفي نفس الوقت أقل من اآلب.

ــا ان اآلب : إذا كــان االبــن أقــل مــن اآلب وفــي نفــس الوقــت هــو المــلء ويمــأل كــل األشــياء. فــأين مكــرابع

العظــيم فــي كــل شــئ إذن؟ ألنــه حتــى فــي األمــور المجســمة الــذي يمــأل الكــل ال يتــرك مكانــا لغيــره بــل يصــبح هــو

األعظـم، فكيـف فـي األمـور غيـر المنظــورة؟ فـأنهم يـدعون أن األقـل (االبـن) يمــأل كـل األشـياء فمـاذا تـرك لألعظــم

(اآلب)؟

لـوارث لـه قـد نـال االسـم الـذي هـو فـوق كـل أسـم. فكيـف : إذا كـان اهللا هـو فـوق كـل اسـم، واالبـن اخامسا

يوصــف بأنــه أقــل مــن اآلب وفــي نفــس الوقــت لــه االســم الــذي فــوق كــل أســم، مــن الغبــاوة أن نفكــر أو نقــول هــذا.

فاالبن كامل ألنه فوق كل اسم وهو اهللا.

يكــون أقــل مــن فكيــف يكــون األقــل أقــال دون أن Quantity: إذا كــان الطبيعــة اإللهيــة بــال كــم سادســا

غيره. فكيف نصف االبن الذي هو بالطبيعة اهللا كأقل من اآلب؟ فما هي هذه الدرجة من القلـة؟ ألـيس هـذا إدعـاء

بأن الكم صار كمقياس يقاس به الالهوت.

)، للــذين يســتحقون، 34: 3: يقــول يوحنــا اإلنجيلــي عــن االبــن "أنــه ال يعطــي اهللا الــروح بكيــل" (يــو ســابعا

جد مكيال لدى االبن، فهو ال يمكن قياسه بل يفوق كل المقاييس ألنـه اهللا، فكيـف يقـاس الـذي ال يقـاس فأذن ال يو

ويوصف بأنه أقل؟

: إذا كان االبن أقل واآلب أعظم، فكل منهمـا بشـكل مختلـف يمـنح لنـا التقـديس، يمنحـه االبـن بشـكل ثامنا

عمــال مزدوجــا. أقــل مــع االبــن وأعظــم مــع اآلب؟ أقــل واآلب بشــكل أعظــم، فمــاذا عــن الــروح القــدس؟ هــل ســيعمل

والذين سوف يقدسون باآلب سوف يقدسـون بشـكل كامـل، أمـا الـذين سيقدسـون بـاالبن سـوف يقدسـون بشـكل أقـل.

هذه غباوة عظيمة، فالروح القدس واحد في كماله وفي تقديسه وهو يعطى مجانا من اآلب بواسـطة االبـن طبيعيـا،

ب الكامل، بل هـو يعمـل كـل شـئ مـع اآلب ولـه الـروح القـدس روح اآلب الـذي ولـده. وهـو فليس االبن أقل من اآل

صالح وكامل وحي وله كيانه الخاص به مثل اآلب تماما.

) فكيــف يكــون أقــل منــه؟ لقــد 6: 2: إذا كــان االبــن فــي صــورة ومســاواة اآلب كمــا يقــول بــولس (فــي تاســعا

سول هنا هو الذي اقتضى أن يؤكـد أن االبـن فـي صـورة اآلب ومسـاواة كان تدبير الجسد والخضوع الذي يذكره الر

له. فماذا نقول عن الظهور الثاني عندما يأتي من السماء في الوقت المعين ولن يأت فـي شـكل االتضـاع بـل فـي

)، فكيـف يكـون فـي مجـد اآلب الكامـل 38: 8الكرامة الطبيعية الخاصة به كابن حسـب قولـه "فـي مجـد أبيـه" (مـر

هو أقل منه؟و

)، ونسـأل الـذين 11: 48: يقول اهللا اآلب على لسـان أحـد األنبيـاء "ومجـدي ال أعطيـه ألخـر" (أش عاشرا

: 5يكفرون ويحتقرون االبن بل فيه أيضا يحتقرون اآلب "ألن الذي ال يكرم االبن ال يكرم اآلب الذي أرسـله" (يـو

مـن الجـوهر نفسـه الـذي لـآلب أم ال؟ فـإذا قـالوا أنـه مـن ). هل االبـن لكونـه كمـا يفترضـون، أقـل مـن اآلب هـو23

جوهر اآلب نفسه فلماذا يجعلونه أقـل مـن اآلب؟ ألن األشـياء التـي لهـا ذات الجـوهر ولهـا نفـس الطبيعـة ال يمكـن

أن يكون فيها من هو أعظم في كيانه من اآلخر ألن هذا ضد االعتقاد وحدة الجوهر. أما إذا رفضوا قبول حقيقـة

بــن هــو مــن نفــس جــوهر اآلب وتمســكوا بأنــه منــه، فهــذا يعنــي أنــه غريــب عــن اآلب. فكيــف يكــون لــه مجــد أن اال

). وأمـا أن 14: 7اآلب ذاته؟ وكيف يقول دانيال "وأعطى له سلطانا ومجدا، وملكوتا، لتتعبد له كل الشـعوب" (دا

إذا كــان صــادقا، وقــد أعطــى مجــده )، أمــا 11: 48اهللا اآلب يكــذب عنــدما يقــول "مجــدي ال أعطيــه آلخــر" (أش

لالبن، فحينئذ ال يكون االبن غريبا عن اآلب، بل هو ثمرة جـوهره ومولـوده الحقيقـي. والـذي يكـون لـه هـذا الوضـع

بالنسبة إلى اآلب فيما يخص الجوهر، ال يكون أقل من اآلب.

براهين أخرى متنوعة يكــون أقــل منــه؟ ألن المنطــق يحــتم علينــا أن غيــر إذا كــان اآلب ضــابط الكــل، واالبــن ضــابط الكــل، فكيــف

الكامل هو الذي يرتفع إلى الكامل. واذا كان اآلب هو الرب واالبن هو الرب، فكيـف يكـون االبـن أقـل منـه؟ كيـف

يكون االبن حـرا إذا كـان أقـل مـن اآلب فـي الربوبيـة ولـيس لـه الكرامـة اإللهيـة فـي ذاتـه؟ واذا كـان اآلب هـو النـور

النور، فكيف يكـون االبـن أقـل منـه؟ فـاالبن ال يكـون النـور الكامـل إذا كـان أقـل مـن اآلب. بـل سـتدركه واالبن هو

)، واذا كان اآلب هو الحياة واالبن هو الحيـاة؟ 5: 1الظلمة ويصبح اإلنجيلي كاذبا كقوله "والظلمة لم تدركه" (يو

كون الحيــاة التــي فينــا ناقصــة وحتــى إن كــان فكيــف يكــون االبــن أقــل منــه؟ إن كــان االبــن أقــل حيــاة مــن اآلب ســت

)، بل ويكون الذين يؤمنون إلى حد ما مـوتى طالمـا 17 -16: 3المسيح حاال في اإلنسان الداخلي باإليمان (أف

أن حياة االبن أقل كماال من اآلب. ولكن علينا التخلص من هذه الحماقة، وأن نعترف أن االبن كامل وهو مسـاو

ب مماثلته له في الجوهر بكل دقة. لآلب الكامل بسب

: لو كان االبن أقل من اآلب وليس من الجوهر ذاته فهو مـن طبيعـة أخـرى غريبـة ولـيس الحادي عشر

أبنــا وال إلهــا بــالمرة. فكيــف يــدعى أبنــا وهــو لــيس مــن اآلب؟ وكيــف يــدعى إلهــا وهــو لــيس مــن اهللا بالطبيعــة ولكــن

الزلنا في الظلمة ولم نعـرف اإللـه الحقيقـي. وهـذا طبعـا غيـر –كما يبدو –ن حيث أن إيماننا هو باالبن فقط. فنح

صـحيح. نحـن نــؤمن بـاالبن وهــذا يعنـي أننـا نــؤمن أيضـا بــاآلب وبـالروح القـدس. لــذلك فـاالبن لــيس غريبـا عــن اهللا

اآلب كأقل منه، بل له وحدة معه ألنه منه بالطبيعة، ولذلك فهو كامل ومساو له.

: إذا كـان اهللا الكلمـة الـذي أشـرق مـن اهللا اآلب هـو بالحقيقـة ابـن، فهـذا يسـتدعي بالضـرورة شرالثاني ع

أن يعترف المقاومون أنه من جوهر اآلب، ألن هذا هو المعنى الصحيح للبنوة، فكيف يكـون االبـن أقـل مـن اآلب

ي جـوهر اهللا كامـل. أمـا إذا وهو ثمرة جوهره؟ ألن الجوهر الواحد ال يسـمح أن يكـون فيـه أقـل وأعظـم، فكـل شـئ فـ

لم يكن من جوهر اآلب فال يكون هو أبنا حقيقيا بل شـيئا مزيفـا وأبنـا مـزورا. ألنـه إذا لـم يكـن هنـاك ابـن بالطبيعـة

لآلب الذي بسببه يدعى اآلب أبا فكيـف يعـرف أنـه أب. وهـذا افتـراض غيـر صـحيح، ألن اهللا هـو بكـل حـق اآلب

ر المقدسة عالنية. ولذلك فالذي يولد منه بالطبيعة هو االبن حقا، وهو ليس أقل منـه، كما تصبح بذلك كل األسفا

ألنه واحد معه في الجوهر كابن.

: أن أسم العشيرة أو األبوة لـم يأخـذه اهللا منـا نحـن، بـل نحـن الـذين أخـذناه مـن اهللا. والكلمـة الثالث عشر

: 3تسـمى كـل عشـيرة فـي السـماء وعلـى األرض" (أف الصادقة هي كلمة الرسول بولس التي تصرخ: "الذي منـه

). ولكن اهللا هو منذ األزل، ونحن نتمثل به ألنه هو المثال ونحن خلقنا على صورته. فكيف نكـون نحـن علـى 15

خلقنـا نحـن علـى مثالهـا؟ فكيـف Archetypeصورته ومثله أي أباء ولنا أبناء بالطبيعـة، ولـيس فـي األرض أبـوة

من اهللا دون أن يكون اهللا بالحق أبا؟ أال يكون هذا ضد طبيعة األمور أن نكون نحن آباء ويأخـذ ننال نحن األبوة

اهللا األبــوة منـــا ويقلــدنا نحـــن، ولــيس نحـــن الــذين نتمثـــل بـــه! أن هــذه النقطـــة بالــذات ســـوف تــرغم الهرطـــوقي علـــى

وعلـى األرض تأخـذ األبـوة مـن اهللا االعتراف بأبوة اهللا رغما عنـه. أن شـهادة الحـق هـي أن كـل عشـيرة فـي السـماء

كـو 2وعكس ذلك خطأ واضح. ألن الذي أخبرنا أن كـل أبـوة تؤخـذ مـن اهللا هـو الـذي قـال أن "المسـيح يـتكلم فيـه" (

). ألنه من اهللا تنسكب إلى أسفل كل أبوة. فاهللا هو اآلب وهـو بالطبيعـة أب للكلمـة الـذي ولـده، والـذي هـو 3: 13

دما نلد أبناء لنا ال يصبحون أقل منا بل مساويين لنا في كل شئ من جهة الطبيعة.مثله. ألننا نحن صورته عن

: على الهرطوقي أن ال يخدعنا بما يقدمه لنا قائال: أنه يكـرم االبـن دون االعتـراف بأنـه مـن الرابع عشر

االعتــراف بــذلك أن جــوهر اآلب، كيــف يكــون أبنــا بــالمرة دون أن يكــون أبنــا بالطبيعــة؟ وعلــى الــذين يتــرددون فــي

يخلعوا قناع النفاق ويجدفون عالنية قائلين أنـه لـيس االبـن وال اإللـه. واذا وبخـتهم وحكمـت علـيهم األسـفار اإللهيـة

وجـــرحتهم كلمـــات القديســـين كمـــا لـــو كانـــت حجـــارة مقـــالع، لعلهـــم يخجلـــون مـــن الحـــق، ويقولـــون أنـــه االبـــن واإللـــه

ولده. كيف يكون الكلمة اهللا وهو أقـل مـن اآلب؟ ألنـه كيـف يكـون ذلـك ويقلعون عن التفكير في أنه أقل من الذي

واإلنســان نفســه الــذي يولــد مــن إنســان آخــر ويــدعى ابــن إنســان وال يكــون أقــل مــن أبيــه فــي انتســابه لإلنســانية، وال

مــالك أعظـــم مــن مـــالك فيمـــا يخــص كونـــه مالكـــا. فكيــف يكـــون فـــي جــوهر الالهـــوت أقـــل وأعظــم. لـــذلك فـــاالبن

يقــة هــو االبــن المولــود مــن جــوهر اآلب ولــه فــي نفســه كــل خصــائص أبيــه بالطبيعــة. واذا كــان اآلب هــو اهللا بالحق

بالطبيعــة كــذلك االبــن الكلمــة هــو اهللا بالطبيعــة ألنــه مولــود مــن تلــك الطبيعــة فكيــف يكــون اهللا إذا أقــل مــن اهللا مــن

جهة كونه اهللا؟

أن تقولـوا أن االبـن أقـل فـي بعـض األمـور مـن اآلب : ألنكـم تجاسـرتم أيهـا السـادة علـى الخامس عشـر

فما هي هذه األمور؟ هل األزلية أحد هذه األمور؟ فلست أظن أن أحدا يصل به الغبـاء إلـى القـول بـأن االبـن أقـل

أزليــة مــن اآلب، فــاالبن قبــل كــل الــدهور وهــو خــالق كــل الــدهور. فالــذي صــنع األزمنــة ال ينطبــق عليــه مقيــاس

ن أن نحــدد زمــان والدتــه مــن اآلب. ولــيس االبــن أقــل مــن اآلب حجمــا ألن الطبيعــة اإللهيــة تعلــو الزمــان، وال يمكــ

علــى مقــاييس األحجــام واألجســام. فكيــف هــو أقــل؟ أفــي المجــد كمــا يظــن الــبعض؟ أم فــي القــوة؟ أم فــي الحكمــة؟

اآلب يفــوق كــل المقــاييس علــيهم أن يقولــوا لنــا بدقــة كيــف أن اآلب أعظــم؟ أفــي المجــد والقــوة والحكمــة؟! إذا كــان

المقبولة لدى العقل، فمن أين جـاءت الجسـارة لألريوسـيين علـى مقارنـة اآلب بـاالبن واإلدعـاء بـأن االبـن أقـل، مـن

اآلب وانكار كرامته اإللهية التي له بالطبيعة؟ ألن المقارنة بين عظيم وأقل منه في العظمة يمكـن برهنتهـا واثباتهـا

حيث أن كرامة ومجد اآلب تفوق اإلدراك. فبأي مقـاييس يمكـن إتمـام المقارنـة؟! فـي هـذه إذا وضعناهما معا ولكن

الحالة بالذات يسقط اإلدعاء بأن االبن أقل من اآلب.

: 32: ويمكـــن الـــرد علـــى نجاســـة الهراطقـــة الـــذين قيـــل عـــنهم "أعـــدائنا بـــال فهـــم" (تـــث الســـادس عشـــر

). وسـبب إدانتنـا 7: 1تـي 1همون ما يقولون وال مـا يقرؤونـه" (س)، وكيف ال يكونون مملؤين من الجهل "ال يف31

لهــم هــو أنهــم إذا كــانوا يؤمنــون بــأن االبــن بــالحق هــو إلــه مولــود مــن اهللا اآلب، فكيــف يكــون أقــل مــن اآلب؟! هــذا

التناقض الذي يدل على جهل مطبق سوف يقود إلى عدة أفكار متناقضـة كلهـا تجـاديف ال يجـب أن نسـمعها. لـو

بــن هــو اهللا بالطبيعــة فكيــف تقبــل طبيعتــه اإللهيــة أن يكــون فيهــا أقــل، ويحتــاج األمــر أن يكــون فيهــا أقــل، كــان اال

ويحتاج األمر أن يكون ما هو أعظـم مـن اهللا. ولـو كـان مولـودا مـن جـوهر اآلب فكيـف يكـون أقـل مـن اآلب وهـو

أقـل كمـاال منـه وهـو فـي نفـس من جـوهر الكامـل فـي كـل شـئ؟! وكيـف يسـمح اآلب بـأن يكـون فـي جـوهره مـا هـو

الوقت صورته؟! وهذا بدوره يعني أن جوهر اآلب ليس كـامال فـي كـل شـئ رغـم أنـه بالطبيعـة إلـه، بـل اآلب نفسـه

سوف يتقدم من عدم الكمال إلى الكمال وكذلك االبن أيضا حيث أنه صورة جوهره سـوف ينطبـق عليـه مـا ينطبـق

ييـر ألن الطبيعـة التـي تقبـل فـي داخلهـا عظـيم وقليـل هـي طبيعـة قابلـة على اآلب وهذا مـا سـيحدث فـي اهللا مـن تغ

للتغيير.

هذا التجديف الرهيب ظاهر بكل وضوح. ألن اآلب لن يتقدم في شئ نحو الكمال وال يقبل ما هـو أقـل منـه

يس صـحيحا مـا ألنه بالطبيعة اهللا الكامل، وكذلك لن يقبل االبن في ذاته وضع األقل فهـو أيضـا اهللا بالطبيعـة. ولـ

يدعيه الهراطقة من أن اآلب واالبن مجرد كلمتين فقط، فالجوهر الذي فـوق الكـل لـيس فيـه قليـل وعظـيم بـل أقـانيم

متمايزة.

: إذا كـــان كلمــة اهللا اآلب وهــو بالطبيعـــة االبــن هـــو أقــل مــن اآلب، ســـواء فــي الصـــفات الســابع عشـــر

آخر يمكن أن يوصف بأنه أقل، فأن المشكلة ليست في االبن والكرامة اإللهية أو في عدم التغيير أو في أي شئ

نفســه بــل فــي الجــوهر الــذي يولــد منــه االبــن ألن هــذا الجــوهر نفســه هــو الــذي يحتــوي علــى القليــل والعظــيم مــع أن

غبــاوة هــذه الفكــرة ظــاهرة بكــل وضــوح ألن األشــياء المخلوقــة ال تحتــوي علــى عظــيم وحقيــر فــي جوهرهــا، فكــل مــا

عطي ثمرا ال يختلف جوهره عن الجوهر الذي أفرزه. يثمر أنما ي

واذا قــالوا أن الطبيعــة اإللهيــة لــآلب هــي فــوق الشــهرة، فمــن الواضــح أن الكــالم عــن العظمــة والحقــارة فــي

الطبيعــة اإللهيــة ال ينطبــق علــى اآلب طالمــا أنــه فــوق الشــهرة. وبــذلك يصــبح اهللا هــو النمــوذج الكامــل لكــل شــئ

ال يسـمح بـأن يلـد أبنـا أقـل منـه بـل مسـاويا لـه فـي الجـوهر ومـن نفـس جـوهره لـئال يصــبح اهللا صـالح فينـا، وهـو مـا

الذي هو فوق الكل بما ال يقاس أقل منا.

ــد علــى اســتحالة النتيجــة التــي تصــل إليهــا ــي يعتم ــامن عشــر: "برهــان منطق الث

". المناقشة

)، فكيـف يعلـن الـذي 9: 14رأي اآلب" (يـو يقول المسيح لتالميذه موضحا أنه مساو لآلب "الذي رآنـي فقـد

هو بطبيعته كائن بذاته، ذلك وهو أقل من اآلب؟ فإذا كان أقل من اآلب وهـو يعلـن اآلب بـدون وسـاطة أو تغييـر

فأنه إذا استمر في إعالن اآلب سـوف يصـبح مثـل اآلب، ألن االبـن صـورة اآلب. ولكـن هـذا مسـتحيل. فاألقـل ال

، إذا الــذي فيــه اآلب والــذي يعلــن اآلب البــد وأن يكــون كــامال ألنــه صــورة الكامــل أي يمكــن أن يعلــن األعظــم منــه

اآلب.

: كيف يقبل االبن أن يكون أقل وهو فيه اآلب الذي يقول عنه "كل ما هو لآلب فهـو لـي" التاسع عشر

)، ولـو صـح 10: 17)، وأيضا يقول لآلب "كـل مـا هـو لـي فهـو لـك، وكـل مـا هـو لـك فهـو لـي" (يـو 15: 16(يو

كالم المقاومين بأن االبن أقل وهـو يقـول لـآلب "كـل مـا هـو لـي فهـو لـك وكـل مـا هـو لـك فهـو لـي" فـأن الوضـاعة

نفسها سوف تجد طريقها لآلب أيضا، والعظمة سوف تجد طريقها لالبن ألن كل ما هو لـآلب هـو لالبـن وكـل مـا

ي االثنــين، وســوف نـرى مــا فـي االبــن فــي اآلب هـو لالبــن هـو لــآلب، ومنطقيـا ســوف تظهــر العظمـة والوضــاعة فـ

وما في اآلب في االبن ألن الصفات واحدة. وبالتالي لن يوجد ما يمنعنا من أن نقول أن اآلب أقل من االبـن وأن

االبـن أعظــم مــن اآلب. وهــذا هــو أكثــر األفكــار اســتحالة، لـذلك فــاالبن مســاو لــآلب ولــيس أقــل منــه ألن لــه جــوهر

به مع اآلب. اآلب نفسه مشتركا

إذا كـان كـل مـا لـآلب هـو لالبـن، واآلب لـه الكمـال، فـأن االبـن يكـون عشرون: برهـان ثـان مثلـه:

كامال هو أيضا ألن له كل خصائص وأمجاد اآلب. لذلك فهو ليس أقل من اآلب حسب كفر الهراطقة.

و واحــد وعشــرون: "مثــل البرهــان الســابق الــذي يعتمــد علــى اســتحالة النتيجــة وهــ

"خالصة البراهين السابقة

علــى الــذين يســكبون هــذه النــار المشــتعلة علــى رؤوســهم أي الــذين يرفضــون التعلــيم الســليم، للعقائــد اإللهيــة،

ويخترعون حيل ذات ألوان مختلفة للخداع وللقضاء على البسطاء أن يقولوا لنا:

بن لذلك أقل من اآلب بالمقارنة مـع هل اآلب أسمى من االبن وأعظم منه بمقارنة االبن مع اآلب؟ وهل اال

اآلب؟ أنني أفترض أنهم سيقولون أنه أسمى من االبن، وعليهم في هذه الحالة أن يقولوا لنا ما هي أسباب عظمـة

اآلب؟ إذا لم يقدموا أسبابا، فأن كالمهـم ضـد االبـن يسـقط. أمـا إذا كـان هنـاك اختالفـا كبيـرا فـإن اآلب أسـمى ألن

ت التي ال يملكها االبن، وعليهم في هذه الحالة أن يقولوا لنا عندما ولد اآلب االبن ، لماذا ولـده عنده بعض الميزا

أقل منه. ولـيس مسـاويا لـه؟ فلـو كـان مـن األفضـل لـآلب أن يلـد االبـن مسـاويا لـه فمـن الـذي منعـه مـن ذلـك؟ ولـو

ذلك يعترفـون رغمـا عـنهم أن هنـاك مـن قالوا أن هناك من منع اآلب أو أن الضرورة هي التي حتمـت ذلـك فـأنهم بـ

هــو أعظــم مــن اآلب، وهــذا ضــد برهــانهم كلــه. واذا لــم يكــن شــئ علــى اإلطــالق يمنــع اآلب ألن لــه القــوة والمعرفــة

التــي تجعلــه يلــد االبــن مســاويا لــه، إال أنــه مــع ذلــك جعلــه أقــل منــه، وهــذا حســد واضــح مــن جانــب اآلب بــل عــين

عطــي المســاواة لالبــن. والنتيجــة إذا أمــا أن اآلب عقــيم، إذ عجــز عــن العطــاء، أو شــريرة، ألن اآلب اختــار أن ال ي

أنــه صــاحب عــين شــريرة، وهــذه هــي النتيجــة الحتميــة لإلدعــاء بــأن االبــن أقــل مــن اآلب، وهــذا كلــه مســتحيل. ألن

ساواة مـع اآلب ولـم الطبيعة اإللهية الواحدة هي فوق الشهوة والحسد. لذلك فاالبن ليس أقل من اآلب، ولم يفقد الم

يكن اآلب بال قوة لكي يلد االبن أقل منه، بل ولده مساويا له، ولم تمنعه عين شريرة من اختيار األفضل.

: لقد قـال المخلـص أنـه فـي اآلب، واآلب فيـه، وواضـح لكـل واحـد أن هـذا ال يعنـي وجـود ثان وعشرون

واحــد يعلــن اآلخــر. ألن كــل منهمــا فــي اآلخــر فــي جســد فــي جســد آخــر، أو وعــاء فــي وعــاء، وانمــا الصــواب أن ال

الجــوهر نفســه غيــر المتغيــر ولــه ذات الطبيعــة اإللهيــة الواحــدة غيــر المتغيــرة، ولعــل أقــرب تشــبيه هــو أن يشــاهد

"، أو مثلمـا إنسان وجهه في مرآة ويندهش من التطابق التام لدرجة أنه يقول "أنا في هذه الصورة وهذه الصـورة فـي

". أو مثـل الحـرارة الصـادرة مـن النـار تقول حالوة العسل حينما توضع على اللسان "الحالوة في العسل والعسل فـي

". وكــل هــذه األمثلــة توضــح لنــا التمــايز العقلــي بــين اثنــين، ولكــن هــذه كمــا لــو كانــت تقــول "أنــا فــي نــار والنــار فــي

فــي اآلخــر دون انقطــاع، ودون انفصــال. األمثلــة توضــح وحــدة الطبيعــة، حتــى إن فــي األمثلــة التــي ذكرناهــا كــل

ولكــن قيمــة هــذه األمثلــة هــي كيــف أن الواحــد يعلــن اآلخــر، وكيــف أن الجــوهر واحــد "اإلنســان والصــورة، الحــالوة

والعســل، الحــرارة والنــار". وعلــى نفــس القيــاس فبســبب عــدم تغييــر الجــوهر، والدقــة فــي تعبيــر الصــورة عــن األصــل

فكيف يمكن والحالة هذه أن يقال أن اآلب أعظـم أو أن االبـن أقـل. فـإذا كـان اآلب فأننا نفهم أن اآلب في االبن.

في االبن واالبن في اآلب، فهذا يعني أن الكامل في الكامل أي في االبن، الذي يستطيع أن يحتوي الكامـل، وهـو

الصورة المعبرة لآلب ضابط الكل.

الفصل الرابع ة الطبيعي في اهللا اآلب،ضد األنوميين الذين يقولون أن الكلم

هو غير الذي يدعي االبن في األسفار المقدسة. (تعليم أصحاب بدعة أونوميوس).

"هذا كان في البدء عند اهللا"

هنا لخص اإلنجيلي كل ما قالـه سـابقا، ولكـن عنـدما أضـاف لفظـة "هـذا" فقـد كـان يصـرخ عاليـا، الـذي كـان

له، هو وليس آخر، والذي عنه نكتب هـذا الكتـاب. ولـم يكـن بـال معنـى أن في البدء الكلمة مع اآلب، اإلله من اإل

يضيف: "هذا كان في البدء عند اهللا". فهو الذي استنار بالروح اإللهي وعرف ما سيحدث في المسـتقبل. ولـم يكـن

). 27: 7اإلنجيلي يجهل أن بعض الهالكين سوف يقعون في فخاخ الشيطان "وينحدرون إلى أعماق الهاويـة" (أم

وســوف يقتنصــون غيــر العـــارفين الــذين ســوف يصـــغون إلــى مــا يخـــرج مــن قلــبهم الشـــرير. هــؤالء ســوف يقومـــون

ويعصــون رأســهم المســيح، قــائلين أن الكلمــة الــذي فــي اهللا اآلب هــو واحــد، وأن هنــاك آخــر مثــل الكلمــة الــذي فــي

يعرف أنه كلمة الكلمة، وصورة الصـورة اآلب، هذا هو االبن والكلمة الذي بواسطته يعمل اآلب كل األشياء، لكي

واشعاع اإلشعاع.

وكأن اإلنجيلي المبارك قد سمع تجاديف هؤالء، فتحرك لكي يمحو غباوتهم وكتابـاتهم، فحـدد أكثـر مـن مـرة

أن الكلمــة واحــد، هــو وحــده مــن اهللا اآلب، وفــي اهللا ومــع اهللا، ولــذلك لخــص كــل مــا قالــه فــي هــذا الصــدد بجعلــه

ل غمضة العين. خاطفة سريعة مث

"هذا كان فـي البـدء عنـد اهللا"، أي االبـن، الـذي هـو مـع اآلب والمولـود مـن جـوهره، فـاالبن الوحيـد هـو الـذي

يشار إليه بكلمة "هذا".

وانني أعتقد أنه يلزم لنا أن نفضح كفر وتجاديف هؤالء من أجل أقصى سالمة ممكنة للبسطاء "لكي يبتعـد

ا يبتعــد اإلنســان عــن حيــة فــي طريقــه". ولــذلك ســوف أنــاقش هــرطقتهم بطريقــة مــن يعلــم ضــالل هــذه الهرطقــة كمــ

خاصة. فسوف نرد على ضاللهم بشكل منظم، حسب الحكمة التي يعطينا اهللا إياها من فوق.

رأي أنوميوس في ابن اهللا بـن الـذي يقـال يقول عن االبن الوحيد، أنه ليس "الكلمة" بل هو كلمة من اهللا اآلب يخدمه وهو معه، أما اال

أنه مولود من اآلب فهو الذي يقبل هذه الكلمة. واالبن المولود هـذا يعـرف كـل األشـياء مـن تعلمـه إياهـا. وبسـبب

مشابهته للكلمة يدعي "كلمة".

ولكي يؤيد تجديفه، ينسـج بعـض أفكـاره المتناقضـة لكـي يـتم فيـه القـول عـن الشـرير أنـه يعلـق بحبـل خطايـاه

نه "لو كان االبن نفسه هو الكلمـة مـن اهللا اآلب الـذي هـو واحـد فـي الجـوهر مـع الـذي ولـده، )، فيقول أ22: 5(أم

فلماذا ال يدعى اآلب أيضا (كلمة) طالما أنه واحد مع الكلمة في الجوهر" وأيضا "لـو اليهـود لـم يسـمعوا كلمتـه بـل

)؟ فمـن الواضـح أن اآلب 7: 2تك" (مـز كلمة اهللا اآلب، فكيف ال يكون كلمة قال اآلب له أنت أبني أنا اليوم ولـد

ال يستطيع أن يتكلم معه بدون كلمة، ألن كل ما يقال إنما يقال بكلمة ولـيس بطريـق آخـر. والمخلـص نفسـه يؤكـد

). وأيضا "الكلمة التي تسمعونها ليسـت لـي بـل لـآلب 55: 8ذلك بقوله "أنا أعرف اآلب وأحفظ قوله" (كلمته) (يو

ــتكلم معــه بكلمــة. وهــا هــو نفســه 24: 14الــذي أرســلني" (يــو ــتكلم معــه فهــو ي ). كــل هــذا يؤكــد أن اآلب عنــدما ي

يعترف بذلك. فواحد يحفظ كلمة اهللا واآلخر هو كلمة اهللا الذي يتكلم بـه اآلب. فـاليهود لـم يسـمعوا كلمتـه بـل كلمـة

، ومـن كـل هـذا يظهـر لنـا أن اهللا اآلب، فكيف ال يكون لدينا يقين بأن االبـن لـيس هـو الكلمـة التـي تولـد فـي العقـل

اإلدعــاء بــأن االبــن هــو الكلمــة هــو أمــر مضــاد للعقــل، ألن الكلمــة إنمــا تعبــر عــن جــوهر اآلب، بينمــا االبــن لــيس

كذلك.

هذا هو المـرض الخطيـر الـذي أصـاب هـذا اإلنسـان األحمـق "أنوميـوس" ورغـم وضـوح األسـفار اإللهيـة، إال

ألن اإلنســان الشــرير عنــدما يصــل إلــى أعمــاق الشــر يصــاب بخيبــة أن هــذا الوضــوح ال يجعلــه يخجــل مــن نفســه،

). وحقا فأن هذا اإلنسان المقاوم هللا قـد أصـاب نفسـه أصـابه بالغـة، فقـد وصـل إلـى 3: 18أمل ويحتقر نفسه (أم

العــدم الــذي حفــر لــه حفــرة غبــاوة عميقــة وســقط فيهــا ألنــه رفــض الطريــق المســتقيم أي طريــق الحــق والتفــت حولــه

رهينة ومنعته من التوبة. جذور

ومن ناحيتنا سوف نثبت أن ابن اهللا الوحيد وابن اآلب هو كلمته.

الرد على أنوميوس )، وهــل يمكــن أن يكــون مــا 4: 1الهرطــوقي بطــئ فــي الــتعلم ألن "الحكمــة ال تــدخل الــنفس الشــريرة" (حكمــة

لمـة الدينونـة فـي األسـفار المقدسـة "ويـل للـذين هو أكثر فسادا مـن هـؤالء النـاس الـذين يسـدون آذانهـم عـن سـماع ك

). ومــن يــتكلم بكلمــة الــرب الصــادرة مــن فمــه ال يقــول يســوع 16: 23يتنبــأون مــن قلــوبهم ولــيس مــن فــم الــرب" (أر

). هــذا مــا يفعلــه غيــر المــدربين فــي حمــو غضــبهم ضــد التعلــيم الصــحيح المــؤدي 3: 12كــو 1ملعــون (أناثيمــا) (

)، يقولـون أن كلمـة اهللا الطبيعـي والكـائن فـي اآلب 9: 3نبياء "يعوجون كل مستقيم" (مي للحياة، وكما قال أحد األ

هــو آخــر غيــر الــذي يعــرف باســم االبــن. ويؤكــدون كفــرهم بكــالم ربنــا يســوع المســيح مــع اليهــود الســيما قولــه "أنــا

وكـب الصـبح ولـدتك" )، أو مـا قيـل بواسـطة اآلب لالبـن "مـن الـبطن قبـل ك55: 8أعرف اآلب وأحفظ كلمتـه" (يـو

س). وهكــذا يصــبون ســم أبــيهم الشــيطان ألنهــم يعتقــدون أن المــتكلم غيــر الــذي يــتكلم معــه وأن اآلب 3: 110(مــز

يتكلم مع االبن بواسطة كلمته الذاتي، وهذا يعني أن الكلمة الذاتي غير االبن. وأيضا يقـول طالمـا أن االبـن نفسـه

الــذي حفــظ. هــذه النقطــة بالــذات ليســت صــعبة ألنــه مكتــوب "الــرب يعلــن أنــه حفــظ كلمــة اآلب، فمــن يحفــظ غيــر

س). وهؤالء المرضى بالجهل علـيهم أن يتـذكروا الـذي قـال "ويـل للـذين 11: 68يعطي قوة للمبشرين بالكلمة" (مز

). أمــا بالنســبة لنــا فعلينــا أن نصــرخ 13: 2يتركــون الطريــق المســتقيم طريــق البــر ويســيرون فــي طــرق الظلمــة" (أم

). هـذا الباطـل والـذي بـال شـئ، 37: 119في السماء ونقـول لـه "حـول عينـي عـن النظـر إلـى األباطيـل" (مـز لمن

هو الذي ينطقون به عن جهل. فهم ال يكتفوا بما يقولون بأن لآلب كلمة غير االبن الكلمة، بل يدعون بأن االبـن

لكلمة كمربي، وهذا كلـه يعنـي فـي النهايـة حفظ الكلمة من اآلب، وأيضا بأنه عندما جاء في الجسد. أحضر معه ا

" (يـو )، ال 11: 14أن االبن ليس هـو وحـده الـذي فـي اآلب، واآلب فيـه، لكـن الـذي قـال "أنـا فـي اآلب واآلب فـي

" ولـيس "الكلمـة يمكن أن يكون آخر غير الكلمـة الـذاتي، فهـو وحـده الـذي فـي اآلب، ولـيس كلمـة آخـر. "اآلب فـي

". لكن ما معنـى الكـالم الـذي قالـه لليهـود. يقـول الحـق الـذي يشـرق علـى عقولنـا أن المخلـص كـان يعلـم اليهـود في

ويجـذبهم إليـه شـيئا فشـيئا ألنهـم شـعب غلـيظ الرقبـة وأراد أن يبعـدهم عـن العبـادة حسـب النـاموس بقولـه "أنـا الحـق"

بـادة حسـب الـروح، ألن الظـل يجـب ). وكان بذلك يدعوهم إلى أن يخلعوا نير النـاموس وأن يقبلـوا الع26: 14(يو

أن يبتعــد والرمــز يــذوي، والحــق يشــرق. ولكــن بالنســبة لكثيــرين لــم يبــدو ألي مــنهم أنــه يعمــل الحــق، بــل أنــه يهــدم

وصايا موسى، بل لقد ظنوا فيه ما هو أسوأ مـن هـذا حتـى أن بعضـهم صـرخ قـائال لـو كـان هـذا اإلنسـان مـن اهللا،

اتهام بخطيئة لم يرتكبها.ما كان قد كسر السبت. وكان هذا

كان إذا يرد على غباوة اليهود، ولذلك تحدث معهم بطريقة خاصـة، اسـتخدم فيهـا أسـلوبا يعتمـد علـى الـبطء

في اإلعالن، وتقديم القليل حتى أن االبن الذي ال يعرف خطية، ال يعمل شيئا سوى ما هـو صـالح أمـام اهللا اآلب

ــم ــاه أن يرجعــوه علــى الفــور. ألنهــم كــانوا فقــط، ودون أن يقــول بكــل صــراحة أنــي ل أعــرف الخطيــة، ألن هــذا معن

يفورون بالغضب، وكـانوا سـيهجمون عليـه فـورا قـائلين أن عـدم الخطيـة خـاص بـاهللا وحـده. وكـانوا سـوف يتهمونـه

ب ويقولون له فأنك وأنت إنسان تنطق بمـا يخـص اهللا وحـده وهـذا مـا حـدث فـي مناسـبة أرادوا أن يرجعـوه فيهـا بسـب

) وبشكل غير مباشر فـإن المخلـص، كإنسـان وتحـت 33: 10واضح عندهم ألنه وهو إنسان يجعل نفسه إلها (يو

الناموس مع الذين هـم تحـت النـاموس يقـول أنـه يحفـظ كلمـة اآلب، دون أن يعنـى بـذلك أنـه هـو غيـر كلمـة اآلب،

ضـحة. ولكننـي ال أعـرف خطيـة، ألننـي بل يعني أنـه لـن يتعـدى إرادة اآلب. ألن تعـدي النـاموس اإللهـي خطيـة وا

اهللا بالطبيعــة، ومــع ذلــك ســوف ال أتعــدى اآلب فــي تعليمــي ولــن أتعــدى مــا قالــه اآلب وال يعتــرض أحــد علــى ذلــك

الــذي هــو بالطبيعــة معطــى النــاموس. ولكنــه بســبب مشــابهته لنــا هــو حــافظ للنــاموس ولكنــه يقــول أنــه يعــرف اآلب

اهللا يعرف اآلب، بسبب وحدة الطبيعة اإللهية. وانما ألنه يعرف أن اآلب بـال ليس كما نعرفه نحن، وانما ألنه هو

تغيير، بل ال تقبل طبيعته أي تغيير يقول لنا أنه يعرف ذلك، لكي نعرف نحن أنه هو أيضا بـال تغييـر وهـو غيـر

بـال خطيـة ألن المتغير من اآلب غير المتغير. ولذلك الذي ال يعرف أي تغيير، كيف يمكن أن يخطئ؟ أال يظل

كل صفاته إلهية ال تقبل النقص والنمو!! باطل إذا تصور اليهود بأن االبن هو خـارج مشـورة اهللا اآلب، وانمـا هـو

يحفظ كلمة اآلب، ألن طبيعته ال تعـرف الخطيـة، وألنـه يعـرف أن اآلب ال يحتمـل أن يخطـئ وهـو واحـد معـه فـي

رد وانمــا حيــث أنهــم يضــيفون إلــى شــرحهم الــنص المعــروف "مــن الجــوهر، ألنــه ابنــه الوحيــد. لكــن هــذه ال يكفــي للــ

البطن قبل كوكب الصبح ولدتك" علينا أن نشرح كلمة التقوى في هذا الموضوع.

لـيس ألن اآلب قــال هــذا لالبـن فيصــبح فــي اآلب كلمـة ذاتــي، غيــر االبـن. بــل علينــا أوال وقبـل كــل شــئ أن

روح، لكــي يرشــدنا إلــى أقنــوم االبــن، ويــدخلنا إليــه وهــو يســمع اآلب نــدرك أن النبــي نطــق بهــذه الكلمــات الســرية بــال

قائال له: "أنت أبني" وما يتبع البشرية ألي حديث. لكن حتى هذه الصياغة تتفق مع الصياغة بوجود كلمتين، بـل

فلــيس يســتخدم الحــديث طريقتنــا نحــن البشــر فــي التعبيــر وهــو مــا ال يمكــن تجــاوزه، وأن شــئنا أن نلــوم أحــدا عليــه

أمامنا سوي ضعف الطبيعة البشرية التي لـيس لـديها كلمـات وال أفكـار وال مصـطلحات تخـدم بشـكل دقيـق األسـرار

العاليــة علينــا أو تســتطيع أن تعبــر بشــكل دقيــق بــال أخطــاء عــن األمــور اإللهيــة. هــذا يجعلنــا نــدرك أن الطبيعــة

عبير عنها كما هي، بل يمكن الكالم عنها في إطـار اإللهية أسمى من كل إدراك العقل بل تعلو عليه وال يمكن الت

اإلدراك البشري.

واذا لم يفهم الهراطقة غير المقدسين هذا، وحاولوا إساءة استخدام هذه الكلمات أو ما يشبهها، فالبد لهـم أن

ن تؤخـذ يفهموا أن الحديث مقصود منه أن ندرك حقائق عالية، ولو حاولوا اإلدعاء بـأن مثـل هـذه الكلمـات يجـب أ

كما هي حرفيا، فإنه لن يوجد ما يمنعهم من تصور أن اآلب يلد مثلما نلـد نحـن، ولـن يوجـد مـا يمـنعهم مـن إنكـار

وجــود بطــن لــآلب وآالم الــوالدة. طالمــا أن يقــول لالبــن "مــن الــبطن ولــدتك". ولكــن إذا قــالوا أنــه بســبب الشــبه بيننــا

هـا فـي إطـار التقـوى يجـب أن تفهـم، فـإن هـذا يحـل المشـكلة، ألن وبـين اهللا، نسـتخدم الكلمـات عـن والدة االبـن، وأن

التشبيهات يجب أن تؤخذ بشكل غير حرفي مما يقضي على تعليمهم الفاسد والمر.

إن ما ذكرته هذا يكفي، ولكن حيث أننا قررنا أن نقضي تماما على البراهين الغبيـة التـي يسـتخدمونها، وأن

أن نهاجم كل فكرة بكل غيرة وقوة وأن نتسلح بـالحق المنتصـر دائمـا. سـوف نسـجل نبني التعاليم المستقيمة، علينا

اعتراضــاتهم أوال وبترتيــب، تــم الــرد لكــي يكــون الــرد دقيقــا واجابــة علــى كــل فكــرة مثــل ذلــك يجعــل اســتعداد القــارئين

للتعليم أكثر.

اعتراضات الهراطقة

الوحيـد الـذي ال ننكـر أنـه مـن اآلب، والـذي يـدعي كلمـة إذا لم يكن لدى اآلب كلمـة مـن جـوهره غيـر االبـن

ألنــه يتشــبه بالكلمــة الــذي مــن اآلب، فــإن قبــول النتيجــة مســتحيل، ونحــن الــذين نفكــر بشــكل صــائب، نجــد أنفســنا

مضــطرين لالعتــراف بــأن اآلب نفســه كلمــة. طالمــا أنــه واحــد فــي الجــوهر مــع الكلمــة، والكلمــة واحــد فــي الجــوهر

معه.

الـــرد

ال يوجد دليل أيها الذكي يلزمنا بـأن نـؤمن بـأن اآلب نفسـه يجـب أن يسـمى كلمـة ألنـه واحـد مـع الكلمـة فـي

الجوهر. ألنه ليس صحيح أن األشياء التـي لهـا نفـس الجـوهر والتـي لهـا نفـس الطبيعـة يمكـن أن يتحـول كـل منهـا

مكـن أن تصـبح كلهـا واحـدة متعادلـة بـال إلى اآلخر أو أن تتبـادل مـا بينهـا إلـى حـد أن تصـبح خليطـا، حتـى أنهـا ي

تمايز أو تصبح الكثرة فيها واحدا وتذوب كل مظاهر التمايز. والـدليل علـى ذلـك الطبيعـة اإلنسـانية نفسـها الواحـدة

التي رأسها آدم أبينا جميعا وهو واحد في الجـوهر مـع أبنـه المولـود منـه، ولكـن هـذه الوحـدة فـي الجـوهر، ال تجعـل

ال تجعل أبن آدم أبا آلدم، بل كل فرد في الطبيعة اإلنسانية يحتفظ بما له من صفات وقـدرات، حتـى آدم أبنا كما

أن اآلب يظل أبا واالبن يظل أبنا.

أمــا إذا كنــتم تظنــون أنكــم تهيئــون برهانــا ذكيــا، وتحــاولون أن تفرضــوا علــى وحــدة الجــور االخــتالط وانعــدام

ا هـو، بــل يـذوب ويختفـي فـي اآلخــر فمـا الـذي سـوف يمنــع ديـان الكلـم مــن أن التمـايز حتـى ال يبقـى كــل أقنـوم كمـ

يعاقــب االبــن علــى ذنــب أبيــه. أو اآلب علــى ذنــب أبنــه، مــع أن النبــي يقــول "الــنفس التــي تخطــئ تمــوت. االبــن ال

). ولكــن الــذي يقضــي بالعــدل ال يعاقــب اآلب علــى ذنــوب 20: 18يحمــل ذنــب اآلب وال اآلب ذنــب االبــن" (حــز

نــه رغــم أن اآلب واالبــن مــن جــوهر واحــد، ألن اآلب لــيس أبنــا، واالبــن كــذلك لــيس أبــا، وكــل منهمــا لــه مســئولية أب

خاصة به في األبوة والبنوة، واهللا يعرف كل منا كفرد في ذاته، فال يتحول أحد إلـى اآلخـر ويرتفـع إلـى ذات مكانـة

اآلخر، كما أنه ال ينحدر أيضا إلى مكانة اآلخر.

ا يصـبح واضـحا أنـه ال يمكـن مطلقـا البرهنـة علـى أن اهللا اآلب بسـبب وحـدة الجـوهر، سـوف يتحـول من هـذ

إلـى الكلمــة، فــاآلب لــه أقنومــه الخــاص بـه الــذي ال يمكــن أن ينتقــل إلــى آخــر، ورغـم أنــه يلــد االبــن الكلمــة، إال أنــه

قــل مــن المســتوى الخــاص بنــا نحــن يظــل كمــا هــو فــي ذاتــه، أي اآلب، وذلــك لكــي ال تظهــر األمــور اإللهيــة أنهــا أ

البشر.

برهان آخر يشبه األول

ويعتمد على استحالة النتيجة التي يصل إليها الخصم ). واالبـــن يقـــول 23: 1ال اخـــتالف بـــين االبـــن واآلب، ألن االبـــن هـــو صـــورة وجـــوهره ورســـم أقنومـــه (عـــب

ذلـك وكانـت وحـدة الجـوهر حسـب إدعـاء الخصـم ). فإذا قال االبن 9: 14لتالميذه "الذي رأني فقد رأي اآلب" (يو

مـن أن يصـبح اآلب، طالمـا –حسـب إدعـاء الخصـم –تعني التحول واالختالط في األقانيم، فليس مـا يمنـع االبـن

أن وحدة الجوهر تعني التغيير واالنتقال. واذا افترضنا أن االبن صار اآلب فأنـه يقـول لـآلب الحقيقـي "مـن الـبطن

س)، ويمكنـــه أيضـــا أن يســـتخدم لنفســـه كـــل كلمـــة قالهـــا اآلب وخاصـــة 3: 110تك" (مـــز قبـــل كوكـــب الصـــبح ولـــد

بــاآلب. واذا تــم ذلــك فقــد وصــل كــل شــئ إلــى أقصــى حــاالت الفوضــى، ويــتقلص الثــالوث الكــائن منــذ األزل، إلــى

، هــذا وحدانيــة فقــط، طالمــا أن كــل مــا يميــز كــل أقنــوم قــد تبــدد وذاب، بســبب وحــدة الجــوهر (كمــا يفهمهــا الخصــم)

طبعا مستحيل. إذا ال يمكن أن يصبح اآلب هو الكلمة، بسبب وحدة الجوهر مع الكلمة، بل يظل كما هو متمايزا

كأقنوم رغم شركته في الجوهر مع الكلمة. وبذلك يظهر أن اعتراضهم على التعليم السليم هو ال شئ.

لبـه وتظهـر علـى لسـانه تصـبح هـي : إذا كانت كل كلمة تصدر من إنسان، وهي نابعـة مـن قبرهان آخر

الشــخص نفســه. وبســبب وحــدة الجــوهر يمكــن أن يتحــول الشــخص إلــى كلمــة، والكلمــة إلــى شــخص، حســب تفكيــر

الخصم، فكـذلك يصـبح اآلب كلمـة، ألنـه واحـد فـي الجـوهر مـع الكلمـة، ويصـبح اآلب هـو كلمتـه، أي يفقـد وجـوده

قــد صــار اآلب كلمــة ففقــد وجــوده كــأب ولــم يعــد هنــاك كلمــة تمامــا، عنــدما يصــبح كلمــة. وهنــا يحــدث المســتحيل، ف

أيضا ألن الكلمة تنسب إلى شخص وهذا الشخص اختفى أو تبدد.

لكن الطبيعة اإللهية ال يمكن أن يتحول أقنوم فيها إلى عدم الوجود، أو إلـى أقنـوم آخـر ولـذلك ال يمكـن أن

مة، بل يظل اآلب كما هو آب، كما يظـل االبـن الوحيـد يتحول اآلب إلى الكلمة رغم أنه واحد في الجوهر مع الكل

هو الكلمة.

: إذا كنـا نـؤمن أن الجـوهر اإللهـي ال يقبـل التغيـر أو التحـول، فكيـف يمكـن ألقنـوم اآلب أن برهان آخـر

يتحول عن وضعه كأب. ويصبح الكلمة؟ هـذا يعنـي تغيـر ويعنـي أن اآلب يتحـول عنـدما يـتكلم مـع االبـن، وبـذلك

كما كان عليه في البدء. ولكن هذا مسـتحيل ألن التغيـر غريـب علـى الطبيعـة اإللهيـة. فـاآلب يظـل كمـا ال يصبح

هو بدون أن يتحول إلى الكلمة، بل يظل إلى األبد اآلب، بدون تغير أو تحول كإله.

مـا : يعلن الكلمـة االبـن الوحيـد أنـه اإللـه الحـق مـن اإللـه الحـق أي اآلب، ويقـول "كـلبرهان آخر مثله

ـــو ـــي" (ي ـــآلب فهـــو ل ـــه 15: 16ل ـــود من ـــه مول ـــن هـــو وارث لكـــل الخصـــائص فـــي طبيعـــة اآلب ألن ). ومـــع أن االب

بالطبيعة اإللهية، إال أنه لم يأخذ األبوة، فاألبوة خاصة باآلب وحـده. وبـذلك ال يـنقص االبـن شـيئا ممـا لـآلب، مـع

اعتبرنـا أن نفـس المبـدأ ينطبـق علـى اآلب، أنه ليس لـآلب، وانمـا يأخـذ فـي ذاتـه كـل خصـائص جـوهر اآلب. واذا

فهو له كل خصائص االبن ما عد البنوة، أو أن يصبح الكلمة، ولكن ألنه عديم التغير يظـل كمـا هـو مثـل الكلمـة

العديم التغير والذي ظهر منه أي االبن.

س "لم يميزوا : وجد اهللا واضع الناموس أن بعض الناس أخطاؤا فقال عنهم بلسان النبي القديبرهان آخر

). والــذين يميــزون يــدركون الفــروق األساســية بــين الطــاهر والــنجس. ولكــن إذا 26: 22بــين الطــاهر والــنجس" (خــر

كانــت وحــدة الجــوهر كمــا يــدعي الخصــم يمكــن أن تخــتلط، رغــم وجــود أفــراد ويصــبح فــي قــدرة كــل فــرد أن يأخــذ

نجس، طالمــا أنــه ال يمكــن التمييــز بــين األفــراد الطبيعــة التــي يشــاء، فمــن الــذي يمكنــه أن يفصــل بــين الطــاهر والــ

الذين يشتركون في طبيعة واحدة. وهذا يعني أن يهوذا الخائن يمكن أن يصبح بطـرس أو بـولس، طالمـا أنـه واحـد

معهــم فــي الجــوهر اإلنســاني، أو أن يتحــول بطــرس إلــى بــولس هــذا مســتحيل إذا وحــدة الجــوهر. ال تلغــي الفــروق

الـذين ينتمـون إلـى طبيعـة واحـدة فـإذا كـان هـذا ينطبـق علـى الطبيعـة اإلنسـانية الضـعيفة، فكـم والتمايز بين األفـراد

يكون بالنسبة للجوهر اإللهي الفائق، وكم يكون خطأ أن نتصور أن اهللا اآلب يصبح الكلمة بسبب وحدة الجـوهر.

تمـايز االبـن أيضـا، واعتـراف بـأن فهو أقنوم اآلب منذ األزل. وهذا ليس اعتداء على كرامة االبن، بـل تأكيـد علـى

اآلب واالبــن لهمــا ذات الطبيعــة اإللهيــة الواحــدة غيــر المتغيــرة، ولكــل منهمــا صــفته األقنوميــة الخاصــة بــه التــي ال

تسمح لالبن أن يكون اآلب أو اآلب أن يكون االبن، بل يظل كل منهما أقنوما متميزا في وحدة الجوهر.

اعتراض الهراطقة

أنتم ال تفكرون بشكل صائب، ألنه من الصواب أن نعتقد أن الكلمة الذاتي فـي اهللا اآلب لـيس هـو يقولون:

)، فإذا كان كما أكد هو، يحفظ كلمـة اآلب، فإنـه 55: 8االبن ومع أننا نسمعه يقول "أنا أعرفه وأحفظ كلمته" (يو

لــذي يحفــظ الكلمــة، عــن الكلمــة التــي مــن الواضــح أنــه غيــر اآلب، ويجــب بالضــرورة أن نقــول أنــه يوجــد مــا يميــز ا

تحفظ.

ردود متعددة توضح بشكل قاطع أن االبن هو كلمة اهللا اآلب

لو كان االبن الوحيد الذي من اآلب هو آخر غير الكلمة، الذي يصفونه بأنه الكلمة الذاتي الكائن فـي اهللا،

لكلمـة الـذاتي أقنـوم أم ال. فـإذا قـالوا أنـه كـائن فعلى هؤالء الذين يقولون هذا الرأي المضـاد أن يخبروننـا، هـل هـذا ا

بذاته، وله كيان متميز، فـإن هـذا يعنـي االعتـراف بوجـود أبنـين، واذا قـالوا أنـه بـال كيـان متميـز إذا ال يوجـد وسـيط

أو طرف ثالث بين اآلب واالبن.

سـب خيـالهم : حدد المعارضون لإليمان وجـود كلمـة فـي اهللا اآلب، وحبرهان آخر في نفس االتجاه

المــريض فــإن هــذه الكلمــة الــذاتي هــو الــذي يشــير علــى االبــن ويعلمــه وصــايا اآلب ومشــوراته. وســوف نــرى غبــاوة

عقيدتهم.

بـــادئ ذي بـــدء يبـــدو حســـب رأيهـــم أن اســـم اآلب لـــه عالقـــة لـــه بـــالمرة بـــاالبن، واال مـــا معنـــى اآلب بالنســـبة

الــث بينهمــا يفصــل االبــن عــن اآلب. إذا فلــيس اآلب أبــا، لالبــن، أو االبــن بالنســبة لــآلب، طالمــا أن هنــاك طــرف ث

وال االبــن أبنــا، إذا اعتقــدنا بــأن إرادة اهللا اآلب فــي كلمــة ذاتــي غيــر االبــن، وهــذه الكلمــة الــذاتي يتوســط بــين اآلب

الثالــث واالبــن. والنتيجــة النهائيــة هــي أن إرادة اآلب ليســت فــي أقنومــه وال إرادة االبــن فــي أقنومــه. بــل فــي الطــرف

الذي اخترعوه.

لكــن إذا افترضــنا أن الطــرف الثالــث الــذي اخترعــوه لــيس لــه أقنــوم فــأن االبــن يصــبح فــي اآلب دون وســيط،

فأين يبقى مكان الكلمة الذاتي الذي اخترعوه.

برهان آخر يؤكد استحالة االفتراض الذي اخترعه الهراطقة

واحـد، رغـم جنـون الهراطقـة الـذي يمـنعهم مـن اإليمـان. نحن نؤمن بأن الثالوث القدوس المسـجود لـه جـوهر

ووحدة الجوهر نفترض وجود مساواة في الخصائص الطبيعية بين األقانيم، فـإذا عـدنا إلـى افتـراض الهراطقـة الـذي

يتوهم وجود كلمة في اآلب غير االبن الكلمة، فأن المساواة تفتـرض أيضـا وجـود كلمـة ذاتـي فـي االبـن، طالمـا أن

). وأيضـا الـروح القـدس هـو أيضـا طالمـا 3: 1ثل اآلب في كل شئ وهو صورة جوهره ورسم أقنومه (عـب االبن م

أنه مساوي لآلب واالبن فيه كلمة ذاتي. وهذا يعني أن الثـالوث صـار سداسـيا، وأصـبحت الطبيعـة اإللهيـة مركبـة.

ال يوجد وسـيط بـين كـل أقنـوم وآخـر، بـل وهذا مستحيل. فالجوهر بسيط غير مركب ال يوجد فيه إال ثالثة أقانيم، و

هو جوهر واحد للثالوث القدوس ال اختالط فيه بين األقانيم.

: عنــدما تســتعلم األســفار المقدســة أســماء وتضــيف إليهــا أداة التعريــف "ال" فهــي تقصــد أن برهــان آخــر

عامـا يمكـن أن يشـترك تتحدث عن كائن معين ولـيس آخـر. وعنـدما ال توجـد أداة تعريـف "ال" فـأن االسـم يصـبح

فيــه أكثــر مــن واحــد. ومثــال علــى ذلــك، يوجــد كثيــرين دعــوا إلهــة ولكــن عنــدما يكــون المقصــود هــو اهللا فــإن أداة

التعريف تستخدم للداللة عليه هو بذاته وليس آخر، فـأن عـدم اسـتخدام أداة التعريـف "ال" معناهـا واحـد مـن هـؤالء

ياس يوجد بشر كثيرين، ولكن عنـدما يسـتخدم المخلـص أداة التعريـف "ال" الذين بالنعمة دعوا آلهة. وعلى نفس الق

ويتحدث عن ابن اإلنسان، فهو يقصد الكالم عن نفسه، كواحد مخصص ضمن آالف فـإذا كانـت األسـماء تعامـل

ة هكذا في األسفار المقدسة، فكيف تفهم هذه العبـارة، "فـي البـدء كـان الكلمـة". إذا كـان المقصـود مـن هـذا كـل كلمـ

مــن كلمــات اهللا، فــدع الخصــوم يعرفوننــا ذلــك لكــن إذا كــان اإلنجيلــي يســتخدم أداة التعريــف "ال" ويخصــص الكــالم

عن واحد معين، هو المقصود به "الكلمة" فإن هجومهم قد أصاب ال شئ، بـل بـدال مـن اإليمـان بالكلمـة، اخترعـوا

ــه فــي اآلب لكــي يفصــلوا االبــن عــن جــوهر اآلب. أمــا وقــد ــا ال نملــك أال أن بــديال ل ظهــر أن هــذا مســتحيل، فأنن

نرفض مشورة الهراطقة.

برهان آخـر يوضـح أن الكلمـة هـو االبـن نفسـه المسـاوي لـآلب وأنـه لـيس كلمـة ذاتـي

غيره لو كان االبن الوحيد، أبن اهللا دعى حسب زعم الهراطقة كلمة ألنه يأخذ المشورة من كلمـة ذاتـي فـي اآلب،

ص للتالميذ "أنا وكلمة اآلب واحد، والذي رآني فقـد رأي كلمـة اآلب". ولكـن حيـث أنـه ال يوجـد فلماذا لم يقل المخل

كلمة آخر غيره، بل هو وحده االبن الوحيد، فاالبن ينسـب نفسـه لـآلب فقـط، دون وسـيط بـل لـآلب الـذي ولـده مـن

جوهره.

اعتراض من الخصوم

ــذاتي وهــ ــا بــل مــا تؤكــده األســفار يقولــون: لقــد وجــدنا أن االبــن غيــر الكلمــة ال ذا لــيس اختــراع وأوهــام عقولن

). واآلب يجيبه "مجدت وسوف أمجد 28: 12المقدسة. ماذا نقول عندما نسمع االبن يقول لآلب "مجد أبنك" (يو

أيضا"؟ أال يستدعي هذا االفتراض بأن اآلب يجيب على االبن بكلمة؟ أليس الكلمة الذاتي هو المقصود والذي بـه

ب على االبن. يجيب اآل

ردود مختلفة مرتبة على هذا االعتراض أن الهراطقـة غيـر المقدســين يسـتحقون النــوح والـدموع، بـل وأيضــا العجـب. بــل علينـا أن نقـول مــا قالـه النبــي

"ال تبك على الموتى ال تنـدبهم، بـل أبـك بحرقـة علـى كـل مـن" يفكـر ويتفـوه بهـذه الكلمـات علـى االبـن الوحيـد" (أر

فهل يوجـد مـن هـو أكثـر شـقاوة مـن هـؤالء، ألنهـم لـو تصـورا أن هـذا فعـال صـوت اآلب نفسـه الـذي لـم ). 10: 22

يسمعه فقط المخلص، بل والجموع الواقفة من اليهود. بل جماعة التالميذ أنفسـهم؟ لقـد كـان بـاألحرى أن يتصـوروا

وانين الخاصة بالحياة اإلنسانية.األمور التي تليق باهللا وبكرامته وليس إخضاع هذه األمور العالية إلى الق

إن السماع باآلذن يتطلب صوتا يخرج من الفـم إلـى الهـواء أو الـذي لـم يسـمعه فقـط المخلـص، بـل والجمـوع

الواقفــة مــن اليهــود، كمــا لــو كــان مثــل حركــة العقــل، واالبــن وحــده يعرفهــا الــذي هــو فــي اآلب بالطبيعــة وهــو حكمــة

اآلب.

خدم صوتا مكونـا مـن مقـاطع، فهـذا مـا ال يقبلـه العقـل، طالمـا أننـا نحفـظ للطبيعـة أما االفتراض بأن اهللا يست

اإللهية كل ما يخصها ويجعلها تتفوق وتعلو على الخليقة. كما أن ربنا يسوع المسيح نفسه لـم يقـل أن هـذا صـوت

ب ولـذلك قـال "أن اآلب، وقال أن هذا الصـوت لـم يحـدث ألجلـه هـو، بـل أنـه ال يحتـاج آلخـر لكـي يعلمـه إرادة اآل

). وكان األجدر به أن يقول يـا أصـدقائي األعـزاء لـو كـان 30: 12هذا الصوت لم يصر ألجلي، بل ألجلكم" (يو

رأيكم على صواب "لقد سمعتم معي صوت اآلب" ولكنه قال العكس، وأعلن أنه ال يحتاج إلى هذا الصـوت، وانمـا

جاء الصوت ألجل الواقفين.

م يــتكلم، كمــا يــتكلم البشــر، وانمــا أعطــى هــذا الصــوت ألجــل الجمــوع واذا كــان اآلب وهــذا يعنــي أن اآلب لــ

يعمل كل شئ به أي باالبن، فقد تم هذا باالبن أيضا، أي كان هو الصوت واإلعالن وليس المحتاج إلى المشـورة

ا به. والى أن يتعلم إرادة اآلب، التي يعرفها كابن وانما جاء الصوت لكي يسمع الواقفون ويؤمنو

: لــو صـح كالمهــم بـأن االبــن يحتــاج إلـى كلمــة ذاتـي غيــره فــي اآلب لكـي يعلــم مشــيئة اآلب برهــان آخــر

). كيــف يكــون االبــن هــو كلمــة اهللا، 24: 1كــو 1ومشــورته فكيــف نفهــم قــول بــولس "المســيح قــوة اهللا وحكمــة اهللا" (

الذي يحصل عليه من آخر ولو صـح كـالم وهو ناقص الحكمة ومحتاج أن يتعلم مشورة اهللا وأن ينمو إلى الكمال

الهراطقــة لوجــب علينــا أن نقــول أن عبــارة بــولس الســابقة تعنــي أن حكمــة اآلب ناقصــة، واذا كــان االبــن هــو حكمــة

اآلب، فكيف تكون إرادة اآلب معروفة آلخر غير االبن. ألن هذا يعنـي أن إرادة اهللا اآلب ليسـت كاملـة بالحكمـة،

لتجديف، وما أشد هذا الكفر. فليس هو االبن الذي يقبل إرشـادا مـن آخـر لكـي يعلـم إرادة أي االبن ما أعظم هذا ا

اآلب، بل هو حكمة ومشـورة وارادة اهللا اآلب، ألنـه يفحـص كـل شـئ حتـى أعمـاق اهللا كمـا هـو مكتـوب عـن الـروح

).10: 2كو 1القدس أيضا (

ورسـم جـوهر اآلب. والمخلـص نفسـه يقـول : تقدم لنا األسـفار المقدسـة االبـن علـى أنـه صـورةبرهان آخر

"الــذي رأنــي فقــد رأي اآلب" ولكــن إذا كــان االبــن مثــل اآلب ومســاويا لــه، وال يعــرف ذاتــه وال مــن هــو، فعليــه أن ال

يــتكلم ويعلــن اآلخــر، بــل عليــه أن ننتظــر حتــى يــتعلم مــن اآلب. بــل أن هــذا يقودنــا إلــى أن نقــول نفــس الشــئ عــن

لالبن. وهذا مستحيل. ألنه إدعاء بأن الجهل من صفات الطبيعة اإللهيـة. ولمـا كـان مـن اآلب، طالما أنه مساوي

الكفر أن نفكر بهذا الشكل فعلينا أن نقبل التعليم الصحيح فهو نافع ومعين لنا.

: يقول بولس عن الـروح القـدس "أنـه يفحـص كـل شـئ، حتـى أعمـاق اهللا" ويضـيف "ال يعـرف برهان آخر

). فــإذا كــان 11 -10: 2كــو 1نســان الــذي فيــه، كــذلك أمــور اهللا ال يعرفهــا أحــد إال روح اهللا" (اإلنســان إال روح اإل

الروح القدس يميز بدقة ويفحص كل شئ، والروح ليس روح اآلب فقط، بل هو روح االبن أيضا، فكيف يكون فيه

ا اإلدعــاء الباطــل ضــد الــروح بســبب وحــدة الجــوهر، ويظــل ال يعــرف كــل شــئ، بــل ال يعــرف إرادة اآلب؟ هــراء هــذ

الحق، ألنه واضح لكل مـن يريـد أن يعـرف، أن االبـن ال يـتعلم إرادة اآلب. وبـذلك يهلـك تمامـا اإلدعـاء بـأن االبـن

يحتاج لكلمة ذاتي لكي يتوسط بينه وبين اآلب ويعلمه الحكمة. وهذا يجعل مشـورتهم الباطلـة المؤسسـة علـى عـدم

لم كل شئ من ذاته.إدراكهم تتبدد تماما، ألن االبن يع

برهان مبني على استحالة رأي الخصم

الذين يتهجمون على أقنوم االبن الوحيد وجوهره قـائلين أنـه ال يعـرف إرادة اآلب، وبالتـالي أحتـاج ألن يـتعلم

مــن معلــم آخــر وهــو الكلمــة الــذاتي الــذي اخترعــوه، فــأن علــيهم أن يقولــوا لنــا، هــل ســيظل رأيهــم قــادرا علــى الثبــات.

صوصا إذا سألناهم هل الكلمـة الـذاتي الـذي اخترعـوه مسـاو لالبـن، وعلينـا أن نعتـرف معهـم أنـه لـه أقنـوم وكيـان خ

خاص به. وأن كانوا هم لم يحددوا سواء أكان الكلمة الذاتي أقل أو أسمى من االبن إذ قالوا أنه أعظم وأسمى من

أوال اتهـام وكفـر بـاآلب ألنـه ولـد مـن هـو أقـل منـه، بينمـا االبن، فإن هذا اتهام ذو حـدين موجـه لالبـن واآلب معـا.

سمح بوجود كلمة ذاتي أعظم وأسمى. أما ما هو أعظم استحالة، هو أنهـم يـدعون أن اآلب أقـل مـن الكلمـة الـذي

اخترعوه، ألن اآلب مساو لالبن، والكلمة الذاتي أعظم من االبن وبالتالي أعظم من اآلب.

يتراجع الهراطقة عن هذا التجديف ويقولوا ال أن الكلمة الذاتي مساو لالبن في ولكن أغلب الظن أنه سوف

الجوهر. وهنا نصل إلى النقطة األخيرة في الموضوع كله.

كيــف يعلــم الكلمــة الــذاتي االبــن وهــو مثلــه ومســاو لــه؟ وكيــف مــع المســاواة فــي الجــوهر يصــبح واحــد يعلــم

واآلخر ال يعلم بل ويحتاج إلى تعليم؟

إن تعلــيم هــؤالء النــاس ضــعيف جــدا فــي كــل الجوانــب حيــث هاجمتــه ولقــد ثبــت اآلن أن االبــن هــو فــي اهللا

اآلب، واالبن هو اهللا الكلمة "الذي كان في البدء".

). 3: 2: يقول المبـارك بـولس الرسـول عـن االبـن "مـذخر فيـه كـل كنـوز الحكمـة والعلـم" (كـو برهان آخر

ن االفتـراض بـأن هنـاك آخـر يعلـم االبـن. ومـن هـو اآلخـر الـذي سـوف نطلبـه لكـي فإذا صح هذا القول فكيف يمكـ

نتعلم منه المعرفـة الكاملـة؟ وكيـف يمكـن أن يوصـف االبـن بـأن فيـه كـل كنـوز الحكمـة، وهـو ال زال محتـاج آلخـر

يعلمه؟ كيف صار الحكمة حكيما بواسطة آخر؟

أن نصـغي إلـى قـول الـروح القـدس، ولـيس إلـى أقـوال كل هـذه األسـئلة يسـتحيل اإلجابـة عليهـا، وعلينـا نحـن

الهراطقة، ألن الروح يقول على لسان بولس أن "فيه كل كنوز الحكمة والعلم" وألنه في اآلب فهو يعرف كل شـئ،

ألنه حكمة اآلب الذي ال يحتاج ألحد آخر لكي يعلمه.

الفصل الخامس "االبن بالطبيعة خالق مع اآلب، وهو من جوهر اآلب،

وال يعمل مع اآلب مثل خادم"

"كل شئ به كان وبغيره لم يكن شئ مما كان"

بعد أن قضي اإلنجيلي المبارك تماما علـى كـل تراكيـب االعتراضـات التـي قـدمها الهراطقـة غيـر المقدسـين،

تعـدد وبعد أن أكمل كالمه الدقيق عن االبن الوحيد يصـل اآلن إلـى أحـد فخـاخ الشـيطان القديمـة الخادعـة، شـوكة

اآللهــة، الخطــأ الجســيم الــذي جــرح كثيــرين وألقــاهم صــرعى فــي طريــق الدينونــة وفــتح بــاب المــوت الرهيــب علــى

مصراعيه، وجمع في داخله كثرة ال تحصى من نفوس البشر في جماعات وقطعان في الهاوية. فصار كـل هـؤالء

س). 16: 1طعاما دسما للشيطان "ولحما مختارا قدم إليه" (حب

أبنــاء اليونــانيين الــذين اشــتغلوا بحكمــة العــالم، والــذين ســكنهم روح رئــيس هــذا العــالم، وحملهــم إلــى خطــأ إن

تعدد اآللهة، مما أفسد جمال الحق، فصاروا مثل الذين يسيرون في الضباب تحيط بهم الظلمة، فسقطوا فـي حفـرة

ــالوا للخشــب أنــت أبــي، وللحجــ ــاة، "وق ــدتني" (أر الجهــل، عبــدوا اآللهــة التــي بــال حي ). أمــا 27: 2ر أنــت الــذي ول

: 1غيرهم فقـد سـقطوا مـثلهم، بعـد أن اخترعـوا خطـأ آخـر صـقلوه صـقال ممتـازا "فعبـدوا المخلـوق دون الخـالق" (رو

). وقدموا المجد الالئق بالخـالق وحـده إلـى العناصـر المخلوقـة، ألجـل كـل هـذا يقـدم لنـا اإلنجيلـي االبـن الوحيـد 25

شئ به كان،" وأيضا "وبغيره لم يخلق شئ". وبذلك أغلـق إلـى األبـد المـدخل إلـى خـداع تعـدد كخالق وصانع: "كل

اآللهة، ويعلن االبن الوحيد، للذين لم يعرفوه كخالق الكل. وبهذه الكلمات يقول أن الخليقة قد خلقها االبـن الوحيـد،

وة التـي أتـت بكـل الكائنـات مـن العـدم إلـى لكي يظهر أنـه لـم يـأت أحـد إلـى الوجـود إال بقـوة االبـن الوحيـد، فهـو القـ

)، وأن نعرفـه الـذي قـال هـو 5: 13الوجود. ألنه من الممكن "عن طريـق جمـال الخليقـة أن ننظـر الخـالق" (حكمـة

اإلله الحق الذي به خلقت كل األشياء، بل به تستمر في البقاء.

ة التــي اخترعهــا اليونــانيون، ولــذلك صــاغ اإلنجيلــي هــذه الكلمــات فــي افتتاحيــة اإلنجيــل ضــد العبــارة المزيفــ

عينه نحن نؤمن أن االبن الوحيد قد قدمه لنا اإلنجيلي صانعا وخالقا.

من الالئق لكي نواجه اختراعات الهراطقة وخياالتهم المنحرفة أن نقول أكثر مما قلناه.

"كل شئ به كان وبغيره لم يكن شئ مما كان" خاصــة بــاالبن لكــن يوضــح بشــكل واضــح أنــه واحــد فــي الجــوهر مــع اهللا يضــع اإلنجيلــي الكرامــة اإللهيــة ال

الذي ولده، وأن كل مـا يخـص اآلب يخـص االبـن أيضـا، ولـذلك يجـب أن نعتقـد أنـه اإللـه الحـق، ولـيس كمـن نـال

4Fلقب األلوهية التـي تعطـي لنـا

: 82بالنعمـة وحـدها، حسـب الكلمـات "أنـا قلـت أنكـم آلهـة، وبنـي العلـي كلكـم" (مـز *

أما هو فغيـر ذلـك تمامـا، "ألن كـل ش بـه كـان" وعنـدما يقـول اإلنجيلـي "كـل شـئ بـه كـان" فهـو ال يعطـي أي )،6

اســتثناء ألي مــن الكائنــات مهمــا كــان. ولــيس المبــارك قــد فهــم معنــى كلمــة "كــل شــئ"، ألنــه عنــدما كــان يــتكلم عــن

كــد "وعنـدما يقـل الكــل، فهـو لــم )، وبيقـين فـائق يؤ 8: 2المخلـص قـال أن "كــل شـئ قـد أخضــع تحـت قدميـه" (عــب

). وألننا نؤمن أن كل شئ قد خلق بواسطة االبن، فـال تسـتطيع أن نحسـبه 8: 2يترك شيئا غير خاضع له" (عب

ــائع المخلوقــة، بــل نعتــرف أنــه وحــده كواحــد مــن الكــل (المخلوقــات) بــل هــو غيرهــا تمامــا، ألنــه لــيس ضــمن الطب

بالطبيعة اإلله الحق.

ن يتوسط بين اهللا والمخلوق؟ أنا ال أعني الجوهر. فما أكثر الفروق، وانما أعني المكانـة ومن الذي يمكن أ

ولذلك ما هي مكانة االبن وهو الـذي يفـوق كـل المخلوقـات، بـل هـو الخـالق الـذي ال يمكـن مقارنتـه بهـا. "كـل شـئ

لمختفيــة، والتــي تعتبــر إحــدى بــه كــان" ألنــه القــوة، وحكمــة اهللا اآلب، ولــيس مثــل كلمــة اإلنســان وقوتــه الكامنــة وا

صــفات اإلنســان، وانمــا هــو متميــز بذاتــه. ولكنــه مولــود مــن اآلب بشــكل فــائق، حتــى أن حكمــة اآلب وقوتــه تــدرك

أنها هي حقا االبن.

ومع أن اإلنجيلي المبارك قال "كل شئ به كان". فإن هذه العبارة ال تعنـي بـالمرة أن االبـن أقـل مـن اآلب،

بن خدم أو يعمل من أجل آخر، منفذا إرادته، وهو ما يتنافى مع االعتقـاد بأنـه خـالق، فهـو لـم فهي ال تعني أن اال

ينل قوة من آخر لكن يخلق، وانما هو قـوة اهللا اآلب، االبـن الوحيـد الـذي يعمـل كـل شـئ مـع اآلب والـروح القـدس،

ألن كل شئ من االبن باالبن في الروح القدس.

بــن، ولــيس كمــن بــال قــوة تقــدر علــى أن تخلــق مــن العــدم، وانمــا هــو فيــه ونحــن نــؤمن بــأن اآلب هــو مــع اال

تماما، بسـبب عـدم تغيـر الجـوهر، وبـدون أن يكـون بينـه وبـين اآلب أي وسـيط فـي والدتـه الطبيعيـة مـن اآلب، بـل

ن الرائحـة كمن يقول أن رائحـة الزهـرة هـي مـع الزهـرة والزهـرة دائمـا مـع الرائحـة، السـيما عنـدما تنتشـر الرائحـة، ولكـ

من الزهرة طبيعيا. وقوة هذا التشبيه بسيطة بالمقارنة بالكالم عن الطبيعة الفائقة التي تفوق اإلدراك.

تحسب لنا. *

)؟ لــيس ألن االبـن منفصــل عـن اآلب قــال 17: 5لـذلك كيــف نفهـم "أبــي يعمـل حتــى اآلن وأنـا أعمــل" (يـو

لخالق في هذه الحالة لن يكون واحدا، بل اثنين، "أبي يعمل وأنا أعمل"، أو كأن االبن يعمل واآلب يستريح، ألن ا

إذا كان كل أقنوم يخلق منفصال عن اآلخر. وباإلضافة إلى ذلك يصبح اآلب محتاجا إلى قوة ألن االبن منفصـل

عنه، وليس حاضرا فيه دائما، ولو كان ممكنـا أن يخلـق اآلب منفصـال عـن االبـن، وأن يخلـق االبـن منفصـال عـن

" (يو اآلب، لما ). 10: 14استطاع االبن أن يقول "أنا في اآلب واآلب في

وما قلناه ال يعني فقط أن الجوهر واحد، بل ال يسمح بالمرة ألن يكون االبن شبه اآلب، أو أننا نرى االبن

ه، فــي اآلب كمــا نــرى الصــورة واألصــل، بــل إننــا نــرى االبــن مولــودا دائمــا مشــرقا مــن جــوهر اآلب، وهــو فيــه، وبــ

متميزا عن اآلب ألنه اهللا الكلمة وأيضا نرى اآلب في االبن، كما هـو مولـود مـن الجـوهر نفسـه. مثلـه فـي الطبيعـة

اإللهيـــة، متميـــزا عنـــه كـــأقنوم، ألن اآلب يظـــل اآلب، رغـــم أنـــه مثـــل االبـــن فـــي الطبيعـــة، ويشـــترك معـــه فـــي ذلـــك

يظــل هــو االبــن، رغــم أنــه مثــل اآلب فــي الطبيعــة الجــوهر. وهــو فــي االبــن مثــل الشــمس والشــعاع، واالبــن أيضــا

ويشــترك معــه فــي ذات الجــوهر، وهــو فــي اآلب مثــل الشــعاع فــي الشــمس، وباعتقادنــا بــأن اآلب هــو اآلب بــالحق،

واالبــن هــو االبــن، والــروح القــدس الــذي لــه مكانــه الخــاص بــه معهمــا كــأقنوم يصــل الثــالوث القــدوس إلــى الالهــوت

الواحد نفسه.

اهللا وحدا، لم انفصل كل أقنـوم وانفـرد تمامـا عـن األقنـومين اآلخـرين، أو كيـف يمكـن أن يقـال وكيف يكون

لكل أقنوم اهللا، إذا انفصل تماما عن مماثلة الطبيعة والمشاركة الجوهريـة، مـع اآلخـر؟ لـذلك يجـب علينـا أن نـؤمن

أو األسـماء، بـل يظـل كـل أقنـوم كمـا هـو، باآلب واالبن والروح القـدس، كـل أقنـوم متميـز، بـدون أن نخلـط األقـانيم

وفــي نفــس الوقــت الــذي تتميــز فيــه األقــانيم، تظــل الطبيعــة اإللهيــة الواحــدة، بــدون انفصــال ألن االبــن دعــى الكلمــة

والحكمة والبهاء، ورسم صورة اآلب وقوته فال يعني هذا، أن االبن منفصل.

نه وبين اآلب، فهو من العقل وفي العقل، وبسبب االبن هو الكلمة والحكمة، ألنه هو كذلك بدون وسيط بي

قبــول كــل أقنــوم لآلخــر وحضــوره فــي اآلخــر، وبســبب وحــدة الجــوهر، يمكــن أن نــرى العقــل فــي الكلمــة والحكمــة،

وكذلك الكلمة في العقل، دون أن توجد قوة متوسطة قادرة على أن تفصل بين االثنين.

فــي اآلب، بـدون انفصــال أو وســاطة، حتـى أننــا ال نســتطيع أن ويـدعى االبــن قـوة اآلب، ألنــه القــوة الكائنـة

نفصل بين القوة واآلب مثلما ال نستطيع أن نفصل بين اإلنسان وقوته إال إذا دمرنا أحدهما.

ورسم الجوهر (األقنوم) أيضا خاص باالبن، ألنه مثل اآلب تماما، ال يمكن أن ينفصل عن الجـوهر الـذي

يعلنه أي الذي صار رسمه.

كــل هــذا يقودنــا إلــى اإليمــان بــأن كــل أقنــوم فــي اآلخــر بشــكل طبيعــي، يعتمــد علــى وحــدة الجــوهر، فعنــدما

يعمل اآلب، يعمل االبن، ألن االبن هو قوة أقنوم اآلب، الخاصـة بـه وبجـوهره. وأيضـا عنـدما يعمـل االبـن، يعمـل

ثل النار في الحرارة الصادرة منها. اآلب أيضا، فاآلب أصل الكلمة الخالق، وطبيعيا هو كائن في االبن م

من الواضح أن كل اآلراء التي قالها الخصوم عـن االبـن الوحيـد هـي باطلـة وال سـيما أولئـك الـذين يقدمونـه

لآلخرين كمخلـوق، تعلـم الحكمـة، أو كخـادم ، كـل هـذه اآلراء الباطلـة قـد حكـم عليهـا اإلنجيلـي المبـارك بقولـه "كـل

شئ مما كان". شئ به كان وبغيره لم يكن

إنني مندهش من الهراطقة غير المقدسين، فكل ما يبدو لهم أنه ضد ألوهية االبـن الوحيـد، ومـا يجعلـه أقـل

مــن اآلب، أو الثــاني بعــد اآلب، يجمعونــه بكــل غيــرة ومــن كــل جهــة يحشــدون ســمومهم القتالــة، أمــا مــا هــو حقيقــي

ونـه فـي صـمت تـام، فلـيس لـدى هـؤالء سـوى هـدف واحـد، ومفيد ونافع مما يؤكد أن االبـن شـريك لمجـد اآلب، يدفن

وهو أن ينالوا من مجده ولكن هيهات، فكل الخليقة تمجده.

وعنـــدما يســـمع الهراطقـــة أن "كـــل شـــئ بـــه كـــان" تأخـــذهم الحمـــى فيســـرعون ويطلقـــون عليـــه اســـم الخـــادم،

يره لم يكن شئ مما كـان"، ال ويحملون بأن االبن، عبد، وليس حر، وعابد وليس الرب. ولكن عندما يسمعون "وبغ

يفكــرون فيمــا يليــق بعظمــة وكرامــة االبــن. ولكــن إذا كــان اآلب ال يخلــق إال بــاالبن أي بحكمتــه، وقوتــه، واإلنجيلــي

يقول ال شئ مما كـان قـد خلـق بـدون االبـن، فـإن النتيجـة النهائيـة أن االبـن الوحيـد هـو مجـد اهللا اآلب "ألنـه يمجـد

يعمل كل شئ ويحضر من العدم إلى الوجود كل الكائنات. كخالق باالبن"، ألن االبن

وحســنا يفعــل كــل مــن يــدرك عمــق هــذه الكلمــات "بغيــره لــم يكــن شــئ ممــا كــان" إذا تأمــل جيــدا مــا قيــل عــن

)، ألن هـذه الكلمـات بالـذات ال تعبـر 26: 1خلق اإلنسان. لقد كتب "نخلـق اإلنسـان علـى صـورتنا وكشـبهنا" (تـك

كخادم حسب تعبير الهراطقـة. ألنـه واضـح أن اهللا اآلب ال يـأمر االبـن الكلمـة "أخلـق اإلنسـان" عن االبن كأقل أو

بــل كواحــد معــه بالطبيعــة وغيــر منفصــل عنــه ألن لــه ذات الطبيعــة اإللهيــة وشــريك لــه فــي العمــل، وشــريك لــه فــي

البــن، وأنمــا بســبب وحــدة المشــورة الخاصــة بــالخلق، دون أن يعنــي هــذا أن اآلب كــان يتوقــع أن ينــال معرفــة مــن ا

الجـــوهر، االبـــن يعمـــل مـــع اآلب، مثـــل العقـــل غيـــر المنفصـــل، والـــذي ال يخضـــع لفتـــرات زمنيـــة تفصـــل بـــين فكـــرة

وأخرى، بل كما تقوم الكلمة في العقل دون انفصال عنه كذلك االبن الكلمة في اآلب دائما، والذي يعمل معـه فـي

الخلق.

هذا األمـر، فمـا يليـق بـاهللا ال يمكـن تصـويره، وانمـا عنـدما نقـول أنـه يعمـل وال يليق بنا أن نقدم تشبيها عن

مــع االبــن، فــنحن ال نعتقــد بــاثنين منفصــلين، ألن هــذا يــؤدي إلــى اإليمــان بــإلهين، اجتمعــا معــا وصــار واحــدا، بــل

شـعاع الـذي يشـرق مثل اجتماع النور واإلشعاع في وحدة طبيعية، ألن مثال النور واإلشعاع يؤكد التمايز، ألن اإل

ويحمــل جمــال النــور، لــيس هــو النــور، ولكــن الطبيعــة واحــدة، والتمــايز بــين النــور واإلشــعاع الــذي يشــرق ال يســمح

بانفصال واحد عن اآلخر.

ومع ذلك فاهللا فوق كل هذه التشـبيهات وأعظـم منهـا، وال يوجـد فـي المخلوقـات مـن هـو مثلـه، كمـا ال يوجـد

ن أن نأخــذه مثــاال للثــالوث بــدون أن نقــع فــي أخطــاء فــي العقيــدة، ألن أي تشــبيه ال فــي الطبــائع المخلوقــة مــن يمكــ

ينطبق تماما على الحق.

واذا ظــن الهراطقــة أن "كــل شــئ بــه" تحــدد اســتعمال "بــه" بــأن االبــن أقــل مــن اآلب فــي الجــوهر، وأنــه لــيس

ين أن يقدموا إجابة على سـؤالنا هـذا: رسم جوهره، بل هو خادم وليس خالقا، أصبح من الحتمي على هؤالء المجان

مــاذا يجــب علينــا أن نعتقــد فــي اآلب نفســه؟ ومــاذا يكــون اآلب الــذي تنســب إليــه أيضــا "بــه" ألن كلمــات األســفار

) وأيضـا "بـولس رسـول يسـوع المسـيح 9: 1كـو 1اإللهية واضحة، "أمين هـو اهللا الـذي بـه دعيـتم إلـى شـركة أبنـه" (

ـــا فـــوارث بـــاهللا"1: 1أف ؛ 1: 1كـــو 2بـــإرادة اهللا" ( ـــا، وان كنـــت أبن ـــل أبن ـــدا، ب 5F)، وأيضـــا "إذا لســـت عب

: 4(غـــال *

).فكـل هـذه النصـوص خاصـة بــأقنوم اهللا اآلب. ولسـت أظـن أن أحـدا ســوف يسـرع بجنـون شـديد ليقــول أن اآلب 7

امــل الموضــوعات إال صــار خادمــا هــو أيضــا ألن هنــاك أمــور تــتم "بــه". فاألســفار اإللهيــة ال تهــتم بالكلمــات وال تع

ـــى اســـتخدام خـــاص بالكلمـــات ال ســـيما حـــروف الجـــر، ـــى المعنـــى العـــام أكثـــر مـــن االعتمـــاد عل بشـــكل يعتمـــد عل

ـــه ـــرب تحجب ـــا أن "مجـــد ال ـــاه. ولكـــن مـــن المناســـب أن نضـــيف هن خصوصـــا إذا كـــان الكـــالم عـــن اهللا ظـــاهر معن

لندرة ما كتب، بل أن نعتبر مجد هذه األمـور س) فالكلمات مهما كانت قوية، هي قليلة جدا،2: 25الكلمات" (أم

التي تفوق التعبير وشهوة كل عقل واشتياقه للطبيعة اإللهية الفائقة هي التي تجعلنا أنقياء بدرجة ليست قليلة.

عدد من المخطوطات الرئيسية القديمة وجدت فيه اآلية هكذا "وارث باهللا" بدال من "وارث هللا بالمسيح". *

الفصل السادس "االبن هو بالطبيعة الحياة،

ولذلك هو غير مخلوق، بل من جوهر اآلب"

"مما كان، فيه كانت الحياة" م لنا اإلنجيلي المبارك تعليمه عن اهللا الكلمة، فيشرح ألجل منفعتنا كـل مـا يخصـه بالطبيعـة كإلـه، لكـي يقد

يســقط هجــوم الهراطقــة. ويعضــد الــذين يرغبــون فــي النمــو فــي اإليمــان الصــحيح، ويعطــي كــل هــذا لــيس بكلمــات

). 4: 2كو 1الحق ( وبراهين مأخوذة من الحكمة العالمية المنتفخة بل "ببرهان الروح" يقدم جمال

وما يريد أن يعلمنا إياه بهذه الكلمات هو: لقد أرانا اآلن أن االبـن بالطبيعـة هـو الخـالق والصـانع "كـل شـئ

به كان وبغيره لم يكن شئ"، فليس من الكائنات جميعا كائن واحد دعى للوجود من العدم بدون الكلمة. وحيث أنه

نعمـة البقـاء، ويمـنح مـن عنـده األبديـة لكـل الكائنـات التـي بطبيعتهـا ليسـت يمنح الخليقة نعمة الوجود يعطي أيضا

أبدية، فيصبح بذلك هو الحياة لكل من جاء إلى الوجود لكي يبقى في الحياة حسب حدود طبيعته. لذلك كـان مـن

بـه كـان الضروري أن يقول: "ما خلق فيه كانت الحياة" ولم يكتف بالقول "كل شئ به كان" وانما أضاف "كل شئ

6Fفيــه الحيــاة"، أي أن االبــن الوحيــد اهللا الكلمــة، بــدء وأصــل

كــل الكائنــات المنظــورة، الســمائية واألرضــية ومــا دون *

ذلــك. فهــو نفســه بالطبيعــة الحيــاة، ويهــب لكــل الكائنــات الكثيــر: الوجــود والحيــاة والحركــة، دون أن يعنــي هــذا أنــه

الكائنـات ويتحـول مـن كـائن إلـى آخـر. وانمـا كـل كـائن علـى يقتطع من ذاته ويعطى، أو أنه هو نفسه يصير هـذه

حدة يصـوره الكلمـة بقوتـه وحكمتـه خـالق. وبينمـا واحـد فقـط هـو الحيـاة، وهـو الـذي يقـدم الحيـاة للكـل بالشـكل الـذي

يتناسب مع طبيعة كل كائن وبالشكل الذي يليق به لالشتراك فـي حيـاة الكلمـة. وحيـث أن كـل مـا دعـى مـن العـدم

جــود بالضــرورة يتــداعى وينحــل، وكــل مــا لــه بدايــة، يســرع نحــو النهايــة، مــا عــدا الواحــد وحــده أي الطبيعــة إلــى الو

الفائقة التي لم تسبها بداية، وهي حرة تماما من النهاية، وبحكمة الخالق الذي يعلـم ضـعف المخلوقـات يصـنع لهـم

وبــالنمو، ممــا جعــل الخليقــة ظــاهرة وباقيــة أبديــة. لقــد شــاء أن يجعــل كــل جــنس يظــل حيــا يتعاقــب أفــراده بالتناســل

تحــت ســلطان اهللا خالقهــا. وحكمــة الخــالق: أن كــل كــائن يحتــوي علــى بــذار تــزرع، فتثمــر مثــل جنســها وشــبهها،

حسب القرار اإللهي غير المسموع، هذا معنى "فيه كانت الحياة" وهذا هو موضوعنا.

حرفيا: جوهر *

قي ويقول له: واآلن ماذا عندك ضد هذا القول، هـا لكن يا سادتي األعزاء، يمكن أن نحذر أي منا الهرطو

أنت تسمع اإلنجيلي يخبرنا بالحق وشهادة الروح الذي فيه يقول "فيه" نالت كـل الكائنـات التـي خلقـت، "الحيـاة" أي

من الكلمة الذي كان في البـدء! هـل يتجاسـر أحـد ويقـول أن االبـن لـيس مـن جـوهر اآلب، بـل أنـه يحسـب مخلوقـا

ات؟ فكيـــف ال نصـــرخ بـــالحق محتجـــين علـــى هـــذا القـــول؟ ألنـــه لـــو كـــان الكلمـــة موجـــودا فـــي األشـــياء مـــن المخلوقـــ

المخلوقة "كحياة" بالطبيعة، والمخلوقات تشترك فيه، فهو إذا آخر غير تلك المخلوقات التـي يوجـد فيهـا. ولكنـه إذا

الكل؟ كان بالطبيعة غير الكائنات المخلوقة فكيف ال يكون هو اهللا الكائن على

أما إذا لم يخجل الهراطقة، ولم يكفوا عن تخيل االبن مخلوقـا وهـو مـانح الحيـاة فـي المخلوقـات، فبـذلك أوال

يعتبر االبن شـيئا كائنـا فـي نفسـه، وثانيـا فأنـه يكـون مشـتركا فـي نفسـه، والتنـاقض هنـا أنهـم يكـادون أن يـدعوا بـأن

نفسـه بعـد ذلـك كمخلـوق محتاجـا إلـى االشـتراك فـي حياتـه هـو، االبن وهو الحيـاة الـذي أعطـى الحيـاة، يصـبح هـو

وهل يوجد أغرب من اإلدعاء بأن "الحياة" توهـب للكائنـات ثـم نعـود ونحسـب الحيـاة أنهـا مـن ضـمن هـذه الكائنـات

كلمـة التي تنال "الحياة"، يا ليت الذين يقـاومون اهللا يـرون االسـتحالة التامـة لمـا وصـلوا إليـه. فـال يمكـن أن يكـون ال

الذي يحيي الكل ويهـب المخلوقـات الحيـاة هـو مـن ضـمن المخلوقـات. وهكـذا، فهـو لـيس مخلوقـا بـل هـو بالطبيعـة

حياة كل المخلوقات.

وسوف نرى من البراهين التالية صحة هذا:

البراهين إذا : لو كان االبن ليس من جوهر اآلب بل هو من خارجه لصار خاضعا لآلب كالمخلوقـات، فكيـفأوال

يحيـــي كـــل األشـــياء، وهـــو مـــن بـــين األشـــياء المخلوقـــة؟ أو نفـــس الســـؤال بشـــكل آخـــر: مـــا هـــو الفـــرق بـــين الخـــالق

)، لــو كــان 13: 6تــي 1والمخلــوق؟ وكيــف نفهــم كلمــات الرســول بــولس الخاصــة بطبيعــة اهللا "الــذي يحيــي الكــل"؟ (

لى أن تحيي نفسها، وليسـت محتاجـة بـالمرة االبن مخلوقا وهو قادر على أن يحيي الكل ألصبحت الخليقة قادرة ع

إلــى اهللا. ولــم يعــد فــي الطبيعــة اإللهيــة مــا يميزهــا عــن المخلوقــات، وألصــبحت المخلوقــات مثــل اهللا قــادرة علــى أن

تفعل ما يفعله اهللا. وهذا مستحيل إذا االبن ليس مخلوقا بل هو اهللا ولذلك فهو بالطبيعة الحياة أيضا.

رنم فـي المزاميـر مـن الطبيعـة اإللهيـة، وينسـب إليهـا الكرامـة الفائقـة بقولـه: "عنـدك ينبـوع : يتعجب المثانيا

). وحسـب إدعـاء الهراطقـة جعـل اآلب االبـن أقـل منـه، ولـيس مـن طبيعتـه ومـع كـل هـذا يظـل 9: 36الحياة" (مـز

نبــوع الحيــاة هــو عنــد اهللا االبــن يحيــي الكائنــات، وبالطبيعــة الحيــاة الــذي يحيــي لمــاذا يتعــب المــرنم وهــو يعلــن أن ي

وحده؟ وطالما أن االبن مخلوق وأقـل مـن اآلب ومحيـي، تصـبح كـل الخليقـة قـادرة أن تمـنح الحيـاة حسـب المشـورة

الرديئة للهراطقة. ولكن هذا مستحيل إذا االبن هو بالطبيعة الحياة، إله من إله حياة من حياة.

نفــس الوقــت مخلوقــا ولــيس مــن جــوهر اآلب، حســب تصــور : لــو كــان االبــن بالطبيعــة "الحيــاة" وفــي ثالثــا

الهراطقـــة، فـــإن طبيعـــة المخلوقـــات تصـــبح مثـــل االبـــن وتـــدعي هـــي أيضـــا الحيـــاة، وبـــذلك تصـــبح كـــل المخلوقـــات

محيية، حتى وان لم تمارس توزيع الحياة، بل تصبح أيضا واجبة الوجـود. فـإذا صـارت الخليقـة كـذلك، فمـاذا يبقـى

)؟ كـان األجـدر بـه أن 6: 14يز اهللا، ولماذا يشير االبن باطال إلى نفسه "أنا هو الحياة" (يـو من الصفات التي تم

يقول "أنا معكم الحياة"، وهذا يكون صحيحا لو كان المخلوق هو الحياة.

ولكــن حيــث أنــه هــو وحــده الحيــاة، وهــذا هــو صــالحه الخــاص بــه، فمــن الواضــح أنــه ال يحســب نفســه مــع

مع جوهر اآلب، الذي له هو أيضا الحياة. المخلوقات، وانما

: الــذي يشــترك فــي الحيــاة، ينالهــا، وال تصــبح الحيــاة حقــه الطبيعــي بــل تأتيــه مــن مصــدر آخــر. فــإذا رابعــا

كانــت كــل المخلوقــات تشــترك فــي حيــاة االبــن، فالحيــاة تأتيهــا مــن االبــن، وبــذلك يصــبح هــو غيــر المخلوقــات التــي

ليس مخلوقا بل اهللا المحيي الذي نعترف بأنه من جوهر اآلب وبـذلك نعبـد إلهـا واحـدا، تشترك في حياته. إذا فهو

وال نسجد إال له وحده.

: إذا كنا نميز األمور جيدا، فليس لدينا سوى اهللا والخليقة فقط وهذا يعني أن كل ما هـو لـيس اهللا خامسا

مخلوقــات، يكــون بكــل يقــين مــن دائــرة األلوهيــة. فــإذا بالطبيعــة فهــو بكــل يقــين مخلــوق، وكــل مــا هــو خــارج إطــار ال

تيقنا من هذا، فعلى الهراطقة أن يقولوا لنا، إذا فصلنا االبـن عـن جـوهر اهللا اآلب، فكيـف يهـب الحيـاة؟ ألننـا علـى

يقــين مــن أن الطبيعــة اإللهيــة لهــا الحيــاة كخاصــية لهــا وهــي ال تعطيهــا لغيرهــا. ولكــن إن كــان االبــن مخلوقــا وهــو

ياة أيضـا، صـارت نعمـة وهبـة الحيـاة خاصـة بكـل المخلوقـات، وتصـبح كـل المخلوقـات بالطبيعـة "الحيـاة"، فـأي الح

حاجــة تــدعو لالشــتراك فــي االبــن؟ ومــاذا يكســب الهراطقــة مــن ذلــك؟ أن ادعــاءهم قــادهم إلــى أن يكونــوا هــم أيضــا

ك فــي االبــن، إذا االبــن الوحيــد وحــده هــو "الحيــاة" وهــذا مســتحيل، ألنهــم بالضــرورة يحتــاجون إلــى الحيــاة باالشــترا

بالطبيعة الحياة، ولذلك ال يحسب مع الخليقة، بل مع ذاك الذي ولده هو بالطبيعة الحياة أي اآلب.

: إذا كان االبن هو بالطبيعة الحياة، فهو أما غيـر الخليقـة أو مثـل الخليقـة. فـإذا كانـت لـه طبيعـة سادسا

ال يكـون كاذبـا عنـدما يقـول: "أنـا هـو خبـز الحيـاة، الـذي نـزل مـن السـماء والواهـب مساوية لطبيعة الخليقـة، فكيـف

). وحســب إدعــاء الهراطقــة تصــبح الخليقــة حيــة بــذاتها. ولكــن أن كــان االبــن غيــر 35، 33: 6الحيــاة للعــالم" (يــو

هـي بالطبيعـة مساو لطبيعـة الخليقـة، فإنـه يكـون غيـر مخلـوق، محتفظـا بصـالحه الخـاص بـه. ألن الخليقـة ليسـت

الحياة بل بالحرى تحتاج للحياة وتشترك في الحياة.

: لــو كــان االبــن هــو بالطبيعــة الحيــاة، ومســاو للمخلوقــات، بســبب عــدم كونــه مــن جــوهر اهللا اآلب، ســابعا

). أمـا 26: 102حسب إدعاء الهراطقة، فلماذا يقول المرنم في المزمور أن "السماء تبلي وتعتق مثل الثوب" (مـز

)، وأمـا أن 27: 102لالبن فهـو ينسـب الصـفات اإللهيـة ويصـرخ بصـوت عـال "أنـت أنـت وسـنوك لـن تفنـى" (مـز

يفنــى االبــن ويشــيخ معنــا كمســاوي لنــا فــي الطبيعــة، فهــذا يعنــي أنــه لــيس الحيــاة، أو أنــه الحيــاة التــي ال تفنــى وال

فهو سيهب الحياة أيضا لكل األشياء التي يريـد تشيخ. لذلك فاالبن ليس مخلوقا مثلنا، وحيث أنه الحياة بالطبيعة،

أن يهبها الحياة.

: إذا كانت األشياء ال تستطيع أن تشترك في حياتها لتأخذ حياة من حياتهـا، بـل الخليقـة تشـترك فـي ثامنا

االبن ألنه الحياة، إذا االبن ليس مخلوقا، وال الخليقة حياة، بل االبن وحده هو الحياة.

إن تهــب الحيــاة مختلــف تمامــا عــن أن تحصــل علــى الحيــاة. فــاألول عطــاء والثــاني أخــذ، واالبــن : تاســعا

يهب فهو معطي، والخليقة تأخذ فهي تصير حية. لذلك فاالبن لـيس مثـل الخليقـة، ألن المحيـي ال يكـون مثـل مـن

ينال الحياة.

الفصل السابع "االبن بالطبيعة هو النور، لذلك هو ليس مخلوقا،

من جوهر اهللا اآلب، نور من نور" بل

"والحياة كانت نور الناس" بهــذه الكلمــات أيضــا، يرينــا اإلنجيلــي أن االبــن هــو بالطبيعــة اهللا، ومــن جــوهر اآلب ووارث لكــل مــا لــآلب

الذي ولده من صالح ذلك اآلب. وبعد أن علم اإلنجيلي أن االبن بالطبيعة هو الحياة، وأنه فـي كـل األشـياء التـي

لقها. ويحفظها، ويعطيهـا الحيـاة بقوتـه الفائقـة فـال تنحـل إلـى العـدم. فيتقـدم اإلنجيلـي ومـن كـل اتجـاه يقودنـا نحـو خ

الحــق، فالكلمــة فــي المخلوقــات كحيــاة، ولكــن حيــث أن المخلوقــات العاقلــة علــى األرض قــد نالــت العقــل والمعرقــة.

لــن لإلنســان، أن الكلمــة هــو مــانح الحكمــة التــي فــي أن يع –يوحنــا –ونالــت الحكمــة مــن اهللا، احتــاج البــس الــروح

اإلنسان بل لكي نـؤمن أيضـا، أن اهللا اآلب هـو أيضـا فـي كـل شـئ بـاالبن، فهـو حيـاة لمـن يحتـاج إلـى حيـاة، نـور

وحيــاة أيضــا لمــن يحتــاج إلــى الحيــاة والنــور، لــذلك يقــول اإلنجيلــي: "والحيــاة كانــت نــور النــاس" أي أن اهللا الكلمــة

ي الكــل، وهــو الحيــاة التــي فــي الكــل، ينيــر الكائنــات العاقلــة، ويهــب الفهــم للــذين نــالوا عطيــة الفهــم، لكــي الــذي يحيــ

)، فلــيس هنــاك غنــي خــاص بالطبيعــة 7: 4يظلــوا فــي البقــاء، حســب قــوة الكلمــات "وأي شــئ لــك لــم تأخــذه" (كــو

عطي الوجود ويحدد غاية الحياة. المخلوقة، بل كل ما نراه فيها وكل ما يخصها هو بكل يقين من اهللا، الذي ي

وحســنا أضــاف اإلنجيلــي "كانــت" إلــى "الحيــاة" لكــي يظهــر بوضــوح أن الكلمــة أزلــي، ولكــي يقطــع الطريــق

على كل التصورات الفاشلة التي تصدر عن عدم فهم، والتي تحاول أن تجعـل االبـن مـن ضـمن المخلوقـات، وهـو

ما يتعارض بوضوح مع األسفار اإللهية كلها.

إمــا عــن أزليــة الكلمــة مــع اآلب، فقــد ذكــرت مــا فيــه الكفايــة فــي هــذا الكتــاب، وفــي الكتــاب المعــروف باســم

)، تقــدم لنــا فرصــة أعظــم، لكــي 4: 1"الكنــز"، ولــذلك اكتفــى بمــا ذكــرت، ولكــن الكلمــات التــي نحــن بصــددها (يــو

عد، واهللا هو الذي يفتح األبواب والفـم نفحص على قدر قوتنا معانيها، لكي نستفيد نحن ويستفيد من يقرأونها فيما ب

لكلماتنا.

ماذا سيقول المقاوم للمسيح، عندما يعلم أن "الحيـاة" األزليـة أي اهللا الحـي األبـدي الكلمـة، هـو نـور النـاس؟

ما هي الحجج التي سوف يرمينا بها، إذا تقدمنا وقلنا: إذا لم يكن االبن بالطبيعة اهللا، وهو مـن جـوهر اآلب الـذي

ه، واذا لم يكن قد أشرق علينا نورا حقيقيا مـن نـور حقيقـي، بـل أنـه مخلـوق وخاضـع حسـب جهلكـم، فأنـه يكـون ولد

مســاويا فــي الطبيعــة للمخلوقــات ويكــون بالضــرورة مخلوقــا. فكيــف إذا يــا مــن امــتألتم مــن كــل الغبــاء يكــون منيــرا

هـذا واضـح وجلـي لكـل واحـد. ولـو قلنـا أن الـذي وكيف ينالون استنارة منه؟ أفلـيس الـذي ينيـر غيـر الـذي يسـتنير؟

ينير والذي يستنير هما من الجوهر ذاته، فما هـو الفـرق بـين الـذي يملـك قـوة لإلثـارة. والـذي يحتـاج للنـور؟ فـاألول

يملك أن ينير، والثاني ألنه بال استنارة يحتاج إلى أن يأخذ، أمـا إذا انعـدم الفـرق حسـب تصـور الهراطقـة، وأصـبح

حـد، فمـا سـيأتي مـن نـور، سـوف يـأتي لكليهمـا ويـوزع عليهمـا معـا، والمحتـاج إلـى النـور سـيكون نـورا، ولـن الكل وا

يختلــف النــور عــن الــذي يســتنير، عظيمــة جــدا هــذه الفوضــى وهــذا االضــطراب فــي األفكــار. أن الحاجــة إلــى الفهــم

ســمه الخــاص بــه، فيصــبح المــانح تحــتم علينــا أن نميــز بــين الطبــائع، وأن نضــع كــل شــئ فــي مكانــه ونعطــي لكــل ا

غيــر اآلخــذ. هــذا التمييــز يجعلنــا نــدرك أن االبــن لــيس مســاويا فــي الطبيعــة لألشــياء المخلوقــة، بــل هــو كــائن فــي

جوهر اآلب، وهو نور حقيقي من نور حقيقي.

ولــيس مــن الصــعب علينــا، أن نقــدم نفــس األدلــة التــي قــدمناها فــي الفصــول الســابقة، عنــدما كنــا نشــرح أن

االبــن هــو الحيــاة، وأنــه لــيس فــي عــداد المخلوقــات، أن نقــدم أدلــة مشــابهة فــي هــذا الفصــل بالــذات، لكــي نؤكــد أنــه

النــور، ولكــن لكــي ال نجعــل مشــقة العمــل تقــع علــى اآلخــرين، ولكــي ال يظهــر أننــا خاضــعون للكســل، ســوف أنقــل

وهذا يعني أنه غير الذين يستنيرون به. نفس البراهين لكي أبرهن كما أنه هو الحياة، هو أيضا نور كل إنسان،

"براهين على أن االبن الذي ينير، هو غير الخليقة التي تستنير"

: إذا كان االبـن بالطبيعـة هـو النـور، الـذي يخـتلط بنـا عنـدما يمـنح االشـتراك للكائنـات فـي النـور، فهـو أوال

تراك الكائنـات المخلوقـة فيـه لكـي تسـتنير بـه، فكيـف غير الكائنات تماما. واختالفه عن الكائنـات يعنـي إمكانيـة اشـ

).18: 9ال يكون في هذه الحالة هو اهللا الكائن على الكل (رو

: لــو قــال مقـاوم اهللا أن االبــن الــذي هــو بالطبيعـة النــور، موجــود فــي المخلوقـات كمخلــوق، وأنــه ينيــر ثانيــا

ودا فـي نفسـه، ثـم إلـى جانـب ذلـك سـيكون مشـتركا الذين يحتاجون إلـى اسـتنارة، فـأول كـل شـئ سـيعتبر االبـن موجـ

في نفسه وهو نور، وان كان موجودا في األشياء المخلوقة فأنه سيعتبر هو هو نفسه واحدا منها.

)، ســوف يــرى كــم هــو غيــر معقــول أن يفكــر اإلنســان علــى هــذا 12: 90أمــا الــذي يفــتح قلبــه للحكمــة (مــز

موجــودا فــي المخلوقــات التــي تشــترك فيــه، فــال يكــون هــو نفســه مــن بــين النحــو. لــذلك أن كــان الكلمــة الــذي ينيــر

المشـــتركين فيـــه والمســـتنيرين بـــه ولـــذلك فهـــو آخـــر غيـــرهم. وان كـــان كـــذلك، فهـــو إذا لـــيس مخلوقـــا، بـــل هـــو نـــور

بالطبيعة وهو اهللا في األشياء التي ينقصها النور.

ا خاضعا حسب رأيهم، فهو يكون إذا مبتـدئا ومخلوقـا، : إذا لم يكن االبن من جوهر اآلب، بل مخلوقثالثا

فكيف يكون إذا موجودا في المخلوقات وينيرها؟ وماذا سنجده مميزا الجوهر اإللهـي بعـد ذلـك؟ وكيـف يقـول المـرنم

: 36وهــو يــرى أن هــذا شــئ عجيــب يســتحق االعجــاب فــي ذلــك الــذي هــو بالطبيعــة اهللا "بنــورك نعــاين النــور" (مــز

اذا كان االبن كمخلوق ينير كـل األشـياء المخلوقـة، إذا الخليقـة تنيـر نفسـها، وال تحتـاج لنـور اهللا خالقهـا. بـل )، و 9

ال يوجد إذا في اهللا شئ يزيد على مـا فـي الخليقـة، بـل أن عمـل الخليقـة لـيس أقـل مـن اهللا. وهـذا غيـر معقـول، إذا

ة النور مثله مثل اآلب تماما. االبن غير مخلوق، بل بالحرى اهللا ولذلك فهو بالطبيع

: إذا كان االبن هو نور اهللا اآلب كما هو مكتوب: "بنورك نعـاين النـور" وأيضـا "أرسـل نـورك وحقـك" رابعا

)، ومع ذلك يقال عنه أنه مخلوق وجاء من العدم إلى الوجود، فعلى هذا القياس ال يوجد مـا يمنـع أي 3: 43(مز

نــور اهللا اآلب. واذا كانــت طبيعــة المخلوقــات تســمح بــذلك، فــأن هــذه اإلمكانيــة مخلــوق جــاء مــن العــدم، أن يــدعي

ستصبح متاحة لكل المخلوقات، وال يصبح النور هو خاصية االبن وحده، وهذا غير معقول. ألن االبن وحـده هـو

ن إلـه، وهـو الـذي الذي يليق به أن يدعي وأن يكـون نـور اهللا اآلب. إذا فهـو لـيس مخلوقـا، وانمـا هـو النـور، إلـه مـ

ينير كل األشياء التي تحتاج إلى النور.

: إذا كان االبن الذي هو بالطبيعة النور، لـيس مـن جـوهر اآلب، بـل هـو مـن خارجـه وخاضـع لـه خامسا

حســب الــرأي الفاســد لمحــاربي اهللا، فالنتيجــة الحتميــة هــي أن يكــون مســاويا للطبــائع المخلوقــة ويســقط مــن الجــوهر

)، رغـم 8: 1يدعي النور ويكون هو النور؟ بينما قيل عن يوحنا المعمدان "لم يكـن هـو النـور" (يـو اإللهي. فكيف

أن يوحنــا لديــه إمكانيــة أن يكــون نــورا، ولــيس هــو وحــده بــل كــل المخلوقــات إذا قبلنــا رأي الهراطقــة بــأن االبــن وهــو

يصبح عاما وملكا لكل من يشـترك فـي مخلوق يمكن أن يكون بالطبيعة النور؟ ألن ما يعطي لطبيعة من الطبائع

هذه الطبيعة حسب قانون الطبيعة. ولكن يوحنا لم يكن هو النور، بل االبن هو النور. إذا االبن بالطبيعة مختلـف

عن المخلوقات وليس مساويا لها في الطبيعة.

ن جـوهر اهللا اآلب، : إذا كـان االبـن الـذي هـو بالطبيعـة النـور، هـو مبتـدئ ومخلـوق ولـيس لـه كيـاسادسا

ــائع المخلوقــة يمكــن أن تكــون وأن نســميها نــورا، وتصــبح كلهــا نــورا حســب القــانون كمــا يــدعي الــبعض، فــأن الطب

الخاص باإلمكانيات، ألن كل من يملك في طبيعته أن يكون شيئا ما، فأني افتـرض بالتأكيـد أن يصـير هكـذا ولـو

لطبيعـة كـل األشـياء المخلوقـة، وليسـت خاصـة بأحـد المخلوقـات، فيما بعد. وحيـث أن إمكانيـة النـور تصـبح عامـة

فلماذا يتعب االبن نفسه ويصرح قائال "أنا هو النور؟" ألنه كان من األجدر به في هذه الحالـة أن يقـول "أنـا معكـم

هـو ومثلكم نور". ولكن حيث أنه هو وحده الذي ينفرد بذلك، وال يوجد من يشاركه فـي هـذا الصـالح الخـاص بـه، ف

ال يضع ذاته مع المخلوقات، بل مع جوهر اهللا اآلب، الذي يختص به وحده بالطبيعة فيكون هو بالحقيقة النور.

: الــذي يشـــترك فــي النــور، لـــيس فــي ذاتــه نــورا، ألنـــه مــن الواضــح وجـــود اخــتالف بــين المصـــدر ســابعا

ور، فهــو مختلــف عــن اآلخــرين الــذين واآلخــذ. فــإذا كــان االبــن هــو المصــدر الــذي تشــترك فيــه الخليقــة لتنــال النــ

يأخذون منه النور وهم محتاجون للنور. لذلك فهو ليس مخلوقا، وال يحتاج لالستنارة مثل باقي المخلوقـات بـل هـو

اهللا الذي له قدرة اإلنارة، ولذلك علينا أن نعتقد أنه نابع من جوهر اآلب، ألننا نعبد إلها واحدا وال نخدم غير اإللـه

الحقيقي.

: نحن نميز بكل دقة بين طبائع األشياء، وليس لدينا سوى اهللا والخليقة. فكـل مـا ال يمكـن أن يكـون ثامنا

اهللا، هو بتمامه مخلوق وكـل مـا ال ينطبـق عليـه خصـائص المخلوقـات، هـو بكـل تأكيـد داخـل دائـرة األلوهيـة. فـإذا

ل االبــن عــن جــوهر اهللا اآلب، وكيــف ينيــر االبــن اتفقنــا علــى ذلــك، فعلــيهم أن يقولــوا لنــا مــن الــذي يمكنــه أن يفصــ

كنور، والنور خاص بالطبيعة اإللهية وحدها وال تشترك فيه الكائنات األخرى.

واذا كــان االبــن مخلوقــا حســب ادعــائهم، وهــو النــور فــأن هــذه النعمــة الفائقــة ســوف تغمــر كــل المخلوقــات،

جون بعد ذلك إلى االشـتراك فـي االبـن؟ أو مـاذا سيكسـبون وتصبح كل المخلوقات بالطبيعة هي النور. فلماذا يحتا

من هذا االشتراك، بعد أن اصبحوا هم بالطبيعة نورا، مثـل االبـن؟ ولكـن الخليقـة تحتـاج إلـى الـذي ينيرهـا، إذ لـيس

حتـاج لها نور من ذاتها، إذا فأن االبـن هـو بالطبيعـة اهللا، ولـذلك فهـو النـور الـذي يسـتطيع أن ينيـر األشـياء التـي ت

للنور.

: إذا كان االبن بالطبيعة "النور" فهو أما مختلف تماما عن المخلوقات في الطبيعة، أو مسـاو لهـا. تاسعا

)، ألن الخليقــة لهــا 4: 12فــإذا كــان مثلنــا ولــه ذات الطبيعــة المخلوقــة، فباطــل إذا قولــه لنــا "جئــت نــورا العــالم" (يــو

النور، وذلك لكي يفهم أنه نور في ذاته. نورها الذاتي ولكن النور ال يشترك في

أما إذا كان االبن مختلفا عنا في الجـوهر، والطبيعـة تحتـاج إلـى النـور الـذي فيـه "فـأي شـئ لـك لـم تأخـذه؟"

)، فاالبن بعيد عن أن يكون مخلوقا، وبالتالي عدم اإليمان به إلها سوف يحرم الطبيعة مـن صـالحه، 7: 4كو 1(

ورا في ذاتها بل هي تحتاج إلى نور االبن وتشترك فيه. إذا الخليقة ليست ن

: إذا كانت األشياء ال تستطيع أن تشترك في نورها الذاتي (بفرض أن لها نورهـا الخـاص). واالبـن عاشرا

هو النور الذي تشترك فيه الخليقة. إذا االبن ليس مخلوقا، وال الخليقة هي نور. بل االبن فقط هو النور.

: أن تستنير شئ وأن تنير شئ آخر، فهو عطاء وأخذ، االبن ينير، والخليقة تستنير، إذا عشر الحادي

فاالبن والخليقة ليسا واحدا فالواحد يعطي واآلخر يأخذ.

). 5: 1"والنور يضئ في الظلمة، والظلمة لم تدركه (تعرفه)" (يوما قال، حتى ال يخطئ السـامعون فـي معرفـة يشرح لنا اإلنجيلي بالتفصيل ما سبق وأعلنه. فهو لم يكتف ب

اهللا الكلمة كنور حقيقـي" ينيـر كـل إنسـان" إذا توقـف عنـد "والحيـاة كانـت نـور النـاس" حتـى ال يفتـرض أحـد، ويقـف

معلنـا أن الكلمــة نــور فقــط، وال يعطــي نــوره ألحــد، بــل الحــق أنــه يعطــي نــور اإلدراك لكــل مــن يريــد بعــد أن يمــتحن

ستنارة الباهرة. استحقاقه لعطية اال

لقــد افتــرض الهراطقــة أن الخليقــة العاقلــة، أمــا أنهــا تأخــذ القــدرة علــى الفهــم مــن كيانهــا الــذي تحملــه البــذرة

الطبيعية، أو أن يزرع اهللا اآلب عقال وادراكـا فيهـا، كمـا لـو كـان االبـن غيـر قـادر علـى أن يفعـل ذلـك. ولكـن لكـي

اآلب هو حياة ونور لـيس للـبعض فقـط دون غيـرهم، بـل بطريقـة مشـاركة يظهر بجالء أن اهللا الكلمة الذي في اهللا

تفوق الوصف، كحكمة وفهم (وهو ما يسمى نورا في المخلوقات العاقلة) بل هو يمزج نفسـه فـي داخـل المخلوقـات

أن حتى تصير الكائنات العاقلة، عاقلة، والكائنات التي تقبل الحواس، يصـير لهـا حـس، وهـو مـا لـم تكـن تسـتطيع

تحصل عليه بأية طريقة أخرى. ولهذا يقول الرسول "والنور يضئ في الظلمة، والظلمة لم تدركه".

وكأن الرسول يصرخ بصوت عال محذرا سـامعيه، ويقـول يـا سـادة لقـد علمـتكم الحـق بكـل قـوة وهـو "الحيـاة

تنارة من آخـر، أو نـالوا ذلـك كانت نور الناس" حتى ال يفترض الذين يظنون أنفسهم صالحين أنهم أخذوا حياة واس

كمكافأة على الحياة التي عاشوها، وانما ألن الكلمة هو الحياة، وكل الكائنات أخذت الحياة منه، فهـو كـذلك النـور

وهو يعطي الذين ينالون اإلدراك والذين ينالون الحس، كل منهم ما هو خاص به. ألن اهللا اآلب باالبن في الـروح

د.القدس هو كل شئ لكل واح

"الظلمة" هي الطبيعة التي تحتاج إلى استنارة، أي الطبيعة المخلوقة، وألنه سمى الكلمة النور، فقـد أوضـح

أن الخليقة العاقلة التـي تحتـاج إلـى االسـتنارة، هـي مختلفـة تمامـا عـن الكلمـة. وهنـا يسـتعمل االسـم الثـاني للطبيعـة

سية وهي أن يعلـن أن الخليقـة العاقلـة بـدون الطبيعـة اإللهيـة العاقلة المخلوقة أي الظلمة لكي يوضح الحقيقة األسا

هي ظلمة، فهي عاجزة عن أن تلـد شـيئا مـن نفسـها وبقـدراتها. وهـي تـدعي ظلمـة ألنهـا مختلفـة عـن النـور، وطبقـا

)، هذه الطبيعة تنال من اهللا االستنارة، دون أن يكون النور خاص بهـا7: 4كو 1لما قيل "أي شئ لك لم تأخذه" (

من ذاتها وكل ما ليس من ذاته نورا، كيف ال يكون العكس، أو كيف ال يدعي "ظلمة؟"

"والنــور يضــئ فــي الظلمــة" هــو وصــف معقــول وضــروري يوضــح لنــا الفــرق بــين الكلمــة والخليقــة العاقلــة،

نـور، فأنهـا تـرى فالكلمة وحده هو النور والخليقة هي ظلمة وعندما تقبل الطبيعة المخلوقـة كلمـة اهللا وتشـترك فيـه ك

نفسها ظلمة، فاالبن يشرق فيها أي يشرق مثل النور في الظلمة، ومع ذلك تظـل الظلمـة عـاجزة عـن إدراك النـور،

وهــذا هــو معنــى الكلمــات "والظلمــة لــم تدركــه (تفهمــه)"، فالكلمــة يشــرق علــى كــل األشــياء القــادرة علــى أن تســتقبل

التي لهـا طبيعـة مسـتقبلة إلنارتـه. ولكـن االبـن الكلمـة غيـر معـروف إشعاعه وانارته، وينير بدون استثناء، األشياء

). أنـه 25: 1"عبـد المخلـوق دون الخـالق" (رو –أي اإلنسـان –عند الظلمـة، ألن المخلـوق العاقـل علـى األرض

لـــم يـــدرك النـــور، ألنـــه لـــم يعـــرف الخـــالق، ينبـــوع الحكمـــة، بـــدء الفهـــم وأصـــل كـــل حـــس، ومـــع ذلـــك، فـــإن األشـــياء

وقة تنال النور، من محبة للبشر، وتزود بالقدرة على اإلحساس التي تزرع فيها منذ خلقتها.المخل

وهنا ندرك أنه ال يوجد مجال بالمرة ألي فكرة من أي نوع أو أي تصور بـأن االبـن مبتـدئ أو مخلـوق، بـل

وبعيـد عنهـا كليـة مـن في كل شئ هو يفوق مقايسنا، ويعلو على طبيعـة الخليقـة وهـو آخـر تمامـا غيـر المخلوقـات

ناحية نوع جوهره، مثل ارتفاع النور وسموه على الظلمة، وبما ال يسمح بالمقارنـة وبعـد أن شـرحنا وقـدمنا البـراهين

الكافية الخاصة بهذا الجزء، علينا أن ننتقل إلى ما يليه.

"وكــان إنســان مرســل مــن اهللا اســمه يوحنــا. هــذا اإلنســان جــاء للشــهادة لكــي يشــهد ). 7 -6: 1ر" (يو للنو

بعـــد أن قـــدم اإلنجيلـــي المبـــارك مـــا يكفـــي إلظهـــار أن كلمـــة اهللا هـــو بالطبيعـــة ابـــن اهللا اآلب، يـــدعم إيمـــان

). يضـم 15: 19السامعين بهذه الكلمات وحسبما قال اهللا لموسى "على فم شاهدين أو ثالثة تقوم كـل كلمـة" (تـث

مدان، ويقدمه لنا شاهدا ثانيا معه، وشهادته مستحقه القبـول، ولـم اإلنجيلي بحكمة شاهدا آخر إليه وهو يوحنا المع

يفترض اإلنجيلي أن عليه أن يقدم شهادته وحده، عن المخلص، رغم أنها شـهادة حقـة، حتـى ال يتعـدى النـاموس،

وحتــى ال يــؤمن النــاس بشــهادته وحــده فقــط، خصوصــا وهــو يعلــن أمــورا عاليــة علــى اإلدراك، بــل يضــم معــه يوحنــا

المعمدان.

ولــذلك يشــهد اإلنجيلــي المبــارك أن "فــي البــدء كــان الكلمــة، والكلمــة كــان عنــد اهللا، وكــان اهللا الكلمــة ، كــان

هــذا فــي البــدء عنــد اهللا" . وأن "كــل شــئ بــه كــان وبغيــره لــم يكــن شــئ ممــا كــان" وأنــه هــو "الحيــاة" بالنســبة لكــل

يعلــن أن االبــن بالطبيعــة هــو اهللا. ويضــم اآلن يوحنــا المخلوقــات وأن هــذه "الحيــاة هــي نــور النــاس" كــل هــذا لكــي

). 3: 40المعمــدان إلــى شــهادته صــارخا "اعــدوا طريــق الــرب، اجعلــوا الطــرق التــي تــؤدي إلــى اهللا مســتقيمة" (أش

وبكل سهولة يمكننا أن نـرى أن اإللـه الحـق، الـذي فيـه كـل سـمو الربوبيـة وهـو مـا ال يمكـن أن ينكـره أحـد ألن "لنـا

)، ومـع أنـه يوجـد مـن يـدعون "آلهـة" 6: 8كـو 1د اآلب، ورب واحـد يسـوع المسـيح"، حسـب شـهادة بـولس (إله واحـ

بالنعمة، و "أرباب" في السموات وعلى األرض، إال أن االبن الوحيد وحده مع اآلب هو اإلله الحق.

ا نـال مـلء شـهادة وما أجدر أن نسمع لهذين الشاهدين، ونعطيهمـا الثقـة الكاملـة فـي كـل مـا قـااله، فكالهمـ

النــاموس، ومشــهود لهمــا بالنبــل شخصــيا، فــاإلنجيلي لــم يــتكلم عــن نفســه، وال مــدح ذاتــه، واال كــان قــد ســمع "أنــت

). ولذلك يتـرك الحكـم علـى مـا قالـه لمـن يعرفونـه، ولكنـه يـذهب لمـن 3: 8تشهد لذاتك، وشهادتك ليست حقا" (يو

ي يقـول عنـه أنـه "مرسـل مـن اهللا". ويليـق بـاإلنجيلي أن يخبرنـا أنـه يحمل ذات االسم، ليقول أنه يؤكـد كالمـه، والـذ

ليس من ذاته وبدافع من غيرتـه الذاتيـة يشـهد يوحنـا المعمـدان عـن المخلـص، بـل بطاعـة الوصـية التـي مـن فـوق،

وخدمة إلرادة اآلب اإللهية، وهذا معنى كالمه "كان إنسان مرسل من اهللا اسمه يوحنا".

بدون سرعة، ونالحـظ بدقـة التعبيـرات التـي اسـتخدمها اإلنجيلـي فـي الكـالم عـن اخـتالف لكن علينا أن نقرأ

الطبـــائع عنـــد الكـــالم عـــن اهللا الكلمـــة "كـــان" هـــو أفضـــل تعبيـــر مناســـب الكـــالم عـــن أزليتـــه، وكيـــف هـــو قبـــل كـــل

ن أزليتـه للكـالم الكائنات، وبذلك قضى تماما على كل رائحة اهللا الكلمة. "كان" هو أفضـل تعبيـر يناسـب الكـالم عـ

عــن خلــق الكلمــة، ألن مــا هــو كــائن دائمــا، ال يمكــن أن يكــون مخلوقــا. أمــا عنــد الكــالم عــن المعمــدان، رغــم أنــه

استخدم "كان"، إال أنه ربطها بكل دقة بما جاء بعدها "إنسان مرسـل مـن اهللا"، أي لـه طبيعـة مخلوقـة، وهكـذا يبـدو

لشـكل الـذي اسـتخدمها للكـالم عـن الكلمـة. بـل وضـع معهـا "إنسـان" لكـي لي أن اإلنجيلي لم يستخدم "كان" بنفس ا

يقضي تماما على خرافات وادعاءات البعض.

ــم يكــن حقيقــة "إنســان" بــل واحــد مــن المالئكــة فقــد شــاع كــالم مســتتر عنــد الــبعض بــأن يوحنــا المعمــدان ل

لخرافة تعتمـد علـى عـدم إدراك مـا قالـه اهللا القديسين في السماء، استخدم جسدا وأرسله اهللا لكي يعظ الناس. وهذه ا

). وخطــأ هــؤالء الــذين 1: 3؛ مــال 10: 11"هــا أنــا أرســل أمــام وجهــك مالكــي الــذي يهيــئ الطريــق أمامــك" (مــت

ابتعدوا عن الحق هو عدم فهمهـم لمعنـى كلمـة "مـالك" فهـو يعنـي خـادم أو رسـول، دون تحديـد لحقيقـة جـوهر هـذا

7Fيــوب المبـارك عنــدما وصـله عـدة "رســل"الخـادم، ونـرى ذلــك فـي تـاريخ أ

واحـد بعــد اآلخـر. لكـي يبلغــه خبـر آالمــه *

ومصائبه، وفي هذا اإلطار نفسه يشرح بولس الحكـيم حقيقـة المالئكـة "ألـيس جمـيعهم أرواح خادمـة مرسـلة لخدمـة

).14: 1العتيدين أن يرثوا الخالص" (عبرانيين

هذا ال يعني تغيير في طبيعته، بل كخادم ورسـول أرسـله اهللا واذا دعى يوحنا المعمدان بفم الرب "مالكا"، ف

لكي يصرخ عاليا "أعدوا طريق الرب"، واذا كان الرب قد وصف يوحنا المعمدان بأنه مالك، فهذا الئق جدا، ألنـه

أراد أن يعلـن لنــا أن شــهادته صــادقة جــدا، ألن الـذي أرســله اهللا لكــي يبشــر، لــن ينطـق بــأي شــئ يختلــف عــن إرادة

ــه، وصــادقة هــذه الشــهادة ألن اهللا هــو الــذي علمهــا. وفــي نفــس اإلطــار يقــول بــولس الــذي أرســله، ألنــه خاضــع ل

: 1). مؤكدا أنه لم يتعلم قوة السر من أحد بل "بإعالن" (غل 1: 1الحكيم أن الذي أرسله هو يسوع المسيح (غل

ة جـدا أي أن يسـوع المسـيح هـو الـذي أرسـله. )، من الذي أرسله وبذلك حـدد نـوع اإلعـالن ومعنـاه بكلمـات قليلـ12

وكــل الــذين يرســلون مــن اهللا هــم الــذين يتعلمــون منــه، هــؤالء أحــرار مــن الكــذب، ألنهــم ال يعرفــون هــدفا ســوي أن

يكونوا خداما للحق بال شك.

أي مالئكة أو رسل. Angeloiباليونانية *

يقــول اإلنجيلــي أن اســم اإلنســان "يوحنــا" لكــي يعــرف النــاس االســم وهــذا يعطــي ثقــة فــي الشــهادة. ولــذلك

). وهــو مــا جعــل للبشــارة 19: 1عنــدما جــاء مــن يبشــر زكريــا أخبــره باســمه جبرائيــل الواقــف فــي حضــرة اهللا (لــو

المفرحة التي أخـذها زكريـا أي مـيالد يوحنـا مـن اليصـابات وقعـا خاصـا. فهنـا يؤكـد اإلنجيلـي اسـم يوحنـا المعمـدان

دته، ومن كلله اهللا نفسه بهذه الكرامـة، كيـف ليس كشاهد فقط، بل كمن أخذ اسمه من المالك حسب قصد اهللا وارا

ال يكون فـوق كـل مـديح؟ لـذلك السـبب كـان مـن الضـروري أن يضـع اسـم يوحنـا المعمـدان. وألن اإلنجيلـي قـال أن

المعمـــدان قـــد أرســـله اهللا لكـــي "يشـــهد للكـــل" لكـــي يـــؤمن الكـــل بشـــهادته، فأننـــا ســـوف نواجـــه الســـؤال الـــذي يضـــعه

م يـــؤمن الكـــل بمـــن أرســـله اهللا؟" كيـــف يمكـــن أن ينـــال إنســـان هـــذه المســـئولية بـــإرادة اهللا المقـــاومون بغبـــاء "لمـــاذا لـــ

ويصــبح عــاجزا عــن أن يقنــع أحــد؟ مــن الصــواب يــا ســادة أن ال نلــوم يوحنــا، علــى عجــز أو نقــص فــي غيرتــه، بــل

وأن الكـل سـمعه، علينا أن نسأل عن عناد الذين ال يؤمنون، ألنه من الواضح أن المبشر، ورسالته كانا من فوق،

وكان يجب أن ال يبقى أحـد فـي عـدم إيمـان، ولكـن ألن كـل إنسـان لـه سـلطان علـى إرادتـه الحـرة، فـالبعض رفـض

). 27: 3اإليمان ولم ينتفع وعلينا أن نقول لهؤالء ما قاله النبي "من يسمع فليسمع، ومن يحتمل فليحتمل" (حز

هذا اإلنسان جاء للشهادة، لكي يشهد للنور لمـــة "هـــذا" مملـــوءة بـــإعالن الفضـــيلة وكفـــاءة اإلنســـان، ألن الـــذي أرســـله اهللا، والـــذي ضـــرب كـــل أورشـــليم ك

واليهودية بالخوف، وبحياته القاسية، وممارسته للفضـيلة، وهـو أيضـا الـذي سـبق فـأخبر عنـه صـوت النبـي أشـعياء

س). "هـــذا 17: 132(مـــز )، وفـــي داود يقـــول "هيـــأت ســـراجا لمســـيحي"4: 30"صـــوت صـــارخ فـــي البريـــة" (أش

اإلنسان جاء للشهادة لكي يشهد للنور"، وهو هنا يدعو اهللا الكلمة، النور ويبين أنه هو وحـده النـور الحقيقـي بذاتـه

والذي ليس هنـاك أحـد آخـر معـه بالطبيعـة لـه خاصـية إلدارة، وأنـه لـيس محتاجـا للنـور، فالكلمـة لـيس مخلوقـا، بـل

قـات، فهـو وحـده النـور الحقيقـي، الـذي تشـترك فيـه كـل المخلوقـات، وبـذلك التعبيـر غريب تمامـا عـن طبيعـة المخلو

"هــذا" يميــز اإلنجيلــي بــين النــور ومــن يشــهد للنــور، فــالنور ال يمكــن أن يحســب فــي عــداد المخلوقــات، بــل هــو فــي

دائرة الالهوت، ومملوء بالطبيعة الصالحة لذاك الذي ولده.

). 8: 1يشهد للنور" (يو "لم يكن هو النور، بل أرسل لكي

فضـــل المعمـــدان أن يعـــيش فـــي الصـــحراء بعيـــدا عـــن تـــرف المـــدن، وأعلـــن عـــن عـــزم ثابـــت فـــي ممارســـة

الفضيلة، وارتقى إلى قمة البر الذي يمكن أن يصل إليه إنسان، ممـا جعـل الـبعض ينـدهش مـن أسـلوب حياتـه بـل

ما اندهشوا من تقدمـه فـي الفضـيلة، ليسـألوه أن كـان أن البعض تخيلوا أن هو المسيح؟ وحقا أرسل إليه رؤساء بعد

هو المسيح، ولم يجهل اإلنجيلي كل هذه األمور، وبسبب هذا وضع عبارته "لم يكن هو النور" لكي يقتلع الخطـأ،

وفي نفس الوقت يعطي فرصة للثقة في ذاك الذي "أرسل من اهللا لكي يشهد"، وألن يوحنا المعمدان سـامي المقـام،

كانة، ومستحق للمـديح، ذاك الـذي لـبس الفضـيلة، وفـاق كثيـرين فـي البـر، وتشـبه بالمسـيح وجمـال تقـواه وعظيم الم

المتميز، حتى تخيل البعض أنه النور نفسه، ولذلك يقول اإلنجيلي "لم يكـن هـو النـور" بـل "ليشـهد النـور"، وعنـدما

وهـو كـذلك بكـل حـق. ومـع أن المعمـدان وبـاقي قال "النور" وأضاف أداة التعريف "ال" فقد أعلن أنه النور الواحد،

)، 14: 5القديسين يمكن أن يقال أنهم نور، وهذا ال ننكره، ألن المخلص نفسه قال عـنهم "أنـتم نـور العـالم" (متـى

)، ومع أن القديسـين يقـال عـنهم أنهـم نـور، 35: 5وأيضا قيل عن يوحنا المعمدان لقد "أقمته سراجا لمسيحي" (يو

، فأننــا ال نجهــل النعمــة التــي نالوهــا مــن "النــور". ألن النــور فــي الســراج لــيس مــن الســراج، وال نــور ويوحنــا ســراج

-15: 2القديســين هــو مــن القديســين، بــل باســتنارة الحــق، صــاروا "أنــوارا فــي العــالم متمســكين بكلمــة الحيــاة" (فــي

ر؟ أليســت بــالحق هــي بــاالبن الوحيــد )، ومــا هــي الحيــاة التــي يتمســكون بكلمتهــا والتــي جعلــتهم يوصــفون بــالنو 16

الذي قال "أنا الحياة" وحقا واحد هو النور الحقيقي، الذي ينير، وال يسـتنير، والـذي كـل مـن يشـترك فيـه ويتشـبه بـه

يمكن أن يدعي نورا.

الفصل الثامن "ابن اهللا وحده هو النور والخالئق ليست هي النور

بالمرة بل تشترك في النور كمخلوقة"

) 9: 1كان النور الحقيقي" (يو "يجمــع اإلنجيلــي اإللهــي كــل مــا قالــه ســابقا، ويحــدد بشــكل آخــر الحــق الخــاص بــالنور، أي االبــن الوحيــد،

ومـا هـو بالنعمـة، بـين المصــدر –أي الحـق –ويفصـل بينـه وبـين الخليقـة، علـى نحـو بـارز، أي مـا هـو بالطبيعـة

ن المواهـب والـذي يعطـي مـن عنـده، والـذين يأخـذون مـن الغنـى الـوافر، الذي يشترك فيه الكل، والمشتركين فيه. بي

كل هذا في عبارة واحدة، "كان النور الحقيقي" واذا كان االبن هو النور الحقيقي، فليس آخر غيـره هـو النـور حقـا،

خلقــت مــن فــال يوجــد مــن يملــك إمكانيــة أن يصــبح النــور، وال تملــك الكائنــات أن تعطــي مــن طبيعتهــا النــور، ألنهــا

العدم، وال تستطيع أن تجود بما ال تملك، وال أن تتحاور وتصبح النور. فمن كان أصله العدم، وال يملـك أن يجـود

)، وعنــدما 4: 1بــط 2وانمــا ينــالون أشــعة النــور الحقيقــي، الــذي يشــع فــيهم عنــدما يشــتركون فــي الطبيعــة اإللهيــة (

ورا. يتشبهون بالطبيعة اإللهية يدعون نورا ويصيرون ن

فكلمة اهللا هو جوهريا "النور"، وهو ليس كذلك من قبل النعمة بالمشـاركة، وال نـال هـذه المكانـة عرضـيا وال

وهبت له كنعمة، وانما النور هو الصـالح غيـر المتغيـر للطبيعـة غيـر المخلوقـة، وهـو ينطلـق مـن اآلب إلـى وارث

جوهره.

وانمــا يقبــل النــور مثلمــا الظلمــة األشــعة، أو كمــا توهــب والمخلــوق ال يســتطيع أن يحتمــل أن يصــبح النــور،

النعمة وهذه هي المكانة التي أعطاها االبن بسبب محبته لإلنسـان، واذا فهـو وحـده النـور الحقيقـي، والبـاقين ليسـوا

كــذلك. وألن الفــرق بــين االبــن والمخلوقــات عظــيم جــدا، أصــبح تمييــز ابــن اهللا عــن الخليقــة عظيمــا هــو أيضــا، ألن

الطبائع مختلفة فكيف ال يتراجع األغبياء أو بالحرى الذين وضعوا أنفسهم خارج دائرة اإلدراك السليم، أولئك الـذين

قــالوا أنــه مخلــوق، وجعلــوا خــالق الكــل مثــل المخلوقــات، دون أن يــدركوا الكفــر العظــيم الــذي وقعــوا فيــه وال الخطــر

). 7: 1تي 1وال ما يقررونه" (الرهيب المحدق بهم، ألنهم "ال يفهمون ما يقولون،

والــذين تــدربوا علــى اختبــار دقــة الكلمــات والحــق الــذي فيهــا، يعلمــون أن االبــن الوحيــد ال يمكــن أن يكــون

مخلوقا، ألنه "النـور الحقيقـي"، وهـذا ال يجعلـه مسـاويا فـي طبيعتـه ألي مخلـوق، واذا تطلعنـا إلـى هـذه الحقيقـة مـن

ا أن نــرى األفكــار الخفيــة التــي تــدور حــول أفكــار هــذه الحقيقــة وهــذا مــا يجــب أن كــل الزوايــا المحيطــة بهــا، يمكننــ

نعرضه اآلن.

مبادئ تعلمنا أن االبن وحده هو النور الحقيقي، وال يمكن ألي مخلوق أن يكون النور الحقيقي،

ولذلك فطبيعة االبن ليست مثل طبيعة المخلوقات.

جــد اهللا اآلب، ولــذلك هــو النــور الحقيقــي، فهــو لــيس مــن طبيعــة : إذا كــان االبــن هــو بهــاء (إشــعاع) مأوال

مثـــل طبيعـــة المخلوقـــات، لـــئال يصـــبح المخلـــوق هـــو أيضـــا بهـــاء (إشـــعاع) مجـــد اهللا اآلب، أو لـــئال يظـــن أحـــد أن

المخلوق يمكن أن ينال هذه اإلمكانية مستقبال إذا كانت له طبيعة مماثلة لطبيعة االبن.

قــة كلهــا تملــك القــدرة علــى أن تكــون النــور الحقيقــي فلمــاذا يعطــي هــذا اللقــب لالبــن : لــو كانــت الخليثانيــا

وحده؟ ألنه يجب بسبب المساواة بين الخالئق أن ينال الكل لقب النور الحقيقي. ولكـن ال يوجـد بـين الكائنـات مـن

إذا ومـن الصـواب أن هو مؤهل لذلك، والوحيد الذي يمكن أن ينسب إليـه هـذا هـو جـوهر االبـن الوحيـد، وبالحقيقـة

ينسب إليه وحده وليس للمخلوقات على االطالق، فكيـف يقـال أنـه مثـل الخليقـة فـي الطبيعـة ولـيس بـالحرى ينتمـي

إلى ما هو فوق الخليقة لكونه فوقها مع اآلب.

: إذا كانــت المخلوقــات التــي جــاءت مــن العــدم ليســت هــي النــور، فــإن العكــس ينطبــق علــى النــور ثالثــا

ي غيـــر المخلـــوق، والمنـــاداة بأيهمـــا يقـــود إلـــى نتـــائج مختلفــة، فـــاالبن هـــو النـــور الحقيقـــي، وهـــذا هـــو الحـــق، الحقيقــ

والمخلوقات ليست هي النور الحقيقي، ألن االختالف هو اختالف الطبائع، وهذا يعني عدم وجود مماثلة.

وقـات فـي هـذا، فكيـف "ينيـر لكـل : لو كان االبن الوحيد ليس وحده النـور الحقيقـي، بـل تشـاركه المخلرابعا

إنســان؟" فلــو كــان المخلوقــات تمتلــك هــذا، لمــا احتاجــت إلــى أن تســتنير بــاالبن. وحقــا هــو النــور الــذي يشــترك فيــه

الكل، وهذا يعني أن جوهر االبن غير جوهر المخلوقات، ألن الذي يشترك ليس مثل الذي يشترك فيه.

ر الحقيقي بالطبيعة، بل كانت المخلوقات أيضا لها هذا، إال بعـد : إذا لم يكن االبن وحده هو النو خامسا

)، فمـن هـو النـور كليـة بـالحق، ال يمكـن أن 5: 34قوال بال لزوم ما جاء في المزمور "انظروا إليه واستنيروا" (مـز

يعتـه الخاصـة. يصير نورا بالمشاركة في آخر، وال يمكن أن يستنير بإنارة آخر، بل هو يتمتع بنقـاوة كاملـة مـن طب

ولكننــا نــرى أن اإلنســان يحتــاج إلــى النــور، ألنــه مخلــوق، وحقــا صــرخ المــرنم فــي المزاميــر بصــوت عــال إلــى اهللا

). إذا نحــن لســنا النــور الحقيقــي، وانمــا 28: 18الكلمــة "ألنــك أنــت تضــئ ســراجي، الــرب إلهــي ينيــر ظلمتــي" (مــز

نا غريبة عن النور الحقيقي، الذي هو االبن. نحن بالحري مشتركون في الكلمة الذي ينير، وطبيعت

: إذا كــان عقــل اإلنســان يــدعي ســراجا، وهــو مــا يشــير إليــه المزمــور "أنــت تضــئ ســراجي" سادســا مثلــه

فكيــف يقــال عنــا أننــا نحــن النــور الحقيقــي؟ ألن الســراج يحصــل علــى نــوره مــن مصــدر آخــر، أمــا إذا كــان االبــن

التي فينا، فهـو النـور الحقيقـي، أمـا نحـن فلسـنا بـالمرة النـور الحقيقـي، واذا كـان الوحيد وحده هو الذي ينير الظلمة

األمر غير ذلك فكيف تكون طبيعة االبن مثل المخلوقات، وهو الذي يفوقها بغير قياس؟

: إذا كانت الخليقة تملك أن تكون النور الحقيقي مثل االبن، فاإلنسان يصبح النور الحقيقي إذ هـو سابعا

منهــا. فــإلى مــن يوجــه اهللا اآلب كالمــه، وهــو يعــد األنبيــاء القديســين قــائال "ولكــن أيهــا المتقــون اســمي تشــرق جــزء

)؟ فلماذا يحتاجون إلى نور االبن لو كان البشر هم حقا النور بذواتهم. لكن اهللا اآلب وعـد 2: 4شمس البر" (مال

لناه واستنارت عقولنا، فاالبن ليس مثلنا ومثل الخليقـة لـه أن يعطينا هذا النور، ونحن المحتاجين لهذا، ونحن قد قب

طبيعة مخلوقة، بل هو في جوهره االبن الوحيد، إذ هو النور الحقيقي الذي ينير كل من يحتاج للنور.

: لو لم يكن االبن وحده هو النور الحقيقي، وكانت الخالئق تشترك معه في هذه الصفة أيضـا، فـأن ثامنا

: 43ينا نحن أيضا، فلماذا صرخ القديسـون بصـوت عـال طـالبين مـن اهللا "أرسـل نـورك وحقـك" (مـز هذا ينطبق عل

). ولماذا فكروا أن يطلبوا هذه المعونة لنا بهذه الكلمات؟ ألنهم أن كانوا قد عرفوا أن اإلنسان يحتاج إلـى النـور، 3

النــور الحقيقــي؟ ولكــن إن كــان اإلنســان وأن عليــه أن يطلبــه مــن آخــر. فــأي واحــد يســتطيع أن يقــول أنــه هــو أيضــا

غيــــر محتــــاج إلــــي الكلمــــة الــــذي ينيــــر، فــــألي غــــرض يطلــــب منــــه القديســــون أن ينيــــرهم أن كــــان ال يســــتطيع أن

يساعدهم؟

وال يستطيع أحد أن يقول أن عقل القديسين لم يعرف الحق أو أن اهللا اآلب أرسل أبنـه النـور الحقيقـي لمـن

ال يحتاجون إلى النور.

ا االبن الوحيد مختلف بالطبيعة عن المخلوقات، إذ هو النور الذي يضئ الذين بال نور. إذ

: إذا قلنــا أن المخلوقــات ينقصــها النــور، وأن االبــن الوحيــد هــو الــذي ينيرهــا، فالمخلوقــات ال تجــد تاســعا

النور في ذاتها، إذا هي ليست النور الحقيقي مثل االبن.

بالطبيعـــة وبالحقيقــة النـــور، ولــيس فيــه ظلمـــة البتــة، واالبــن الوحيـــد هــو النـــور : إذا كـــان مــن هــو عاشــرا

الحقيقــي، وبالمثــل كانــت المخلوقــات هــي النــور الحقيقــي فلمــاذا يقــول الكتــاب عــن االبــن "والظلمــة لــم تدركــه" بينمــا

، والمخلـص نفسـه )4: 4كـو 2يقول بولس عن البشر "الذين فيهم إله هذا العالم قد أعمـى أذهـان غيـر المـؤمنين" (

)، فواضــح إذا للكــل أنــه مــادام الــبعض 35: 12يقــول "ســيروا فــي النــور مــادام لكــم النــور لــئال يــدرككم الظــالم" (يــو

يمكن أن تدركه الظلمة ما كان المخلص قد أشار إلـى ذلـك. فكيـف يكـون االبـن الوحيـد والمخلوقـات، إذا مـن ذات

ر، والــذي ال يقبــل أي تبــديل مــع الــذين يمكــن أن تــدركهم الظلمــة الطبيعــة؟ وكيــف يكــون غيــر المتغيــر مــع المتغيــ

ويحتاجون لنوال النور الذي ينالونه كعطية وليس نابعا من طبيعتهم.

: إذا لم يكن االبن الوحيد هو وحده النور الحقيقي بل المخلوقات أيضا، كمساوية لـه فـي الحادي عشر

نورك يارب نعاين النور" فلو كنا نحن النور الحقيقي، فكيف نسـتنير الطبيعة، فكيف نصرخ نحن هللا اآلب قائلين "ب

من آخر؟ ولكن إن كنا نحتاج إلى النور من آخـر، فـنحن بكـل وضـوح لسـنا النـور الحقيقـي. لـذلك لـيس لنـا طبيعـة

مثل طبيعة الكلمة ألنه بالطبيعة هو يفوقنا بغير قياس.

ــاني عشــر ــالث ل "وهــذه هــي الدينونــة، أن النــور جــاء إلــى العــالم، : يقــول ربنــا يســوع المســيح فــي اإلنجي

وأحب الناس الظلمة أكثر من النـور، ألن أعمـالهم كانـت شـريرة، ألن كـل مـن يفعـل الشـر يـبغض النـور، وال يـأتي

). ولكن إذا كان االبـن الوحيـد هـو النـور الحقيقـي، والمخلوقـات قـادرة بالمثـل علـى أن 20 -19: 3إلى النور" (يو

الحقيقي، فكيف جاء هو لكي ينيرها، وقد أحبت الظلمة؟ فكيف تأتي الخليقـة إلـى النـور إن كانـت هـي تكون النور

النور الحقيقي. ألن كل ما هو من الطبيعة ونابع منها هو ملك لها، أمـا األشـياء التـي تختارهـا اإلرادة فهـي ليسـت

نسـان أن يصـبح إنسـانا عـاقال، ألنـه يكـون لـه أصال ملكـا لهـا، وكمثـال علـى ذلـك لـيس بـاإلدارة الذاتيـة يسـتطيع اإل

ذلــك بالطبيعــة، ولكــن مــن يكــون إنســانا يمكنــه بإرادتــه الخاصــة أن يكــون صــالحا أو شــريرا، فــاإلرادة قــادرة علــى أن

تجعــــل اإلنســــان يحــــب الصــــالح أو العكــــس. فــــإذا كانــــت المخلوقــــات هــــي النــــور بطبيعتهــــا، ألن هــــذا هــــو معنــــى

أتي إلى النور؟ وكيف تحب الظلمة؟ فواضح أنها بطبيعتها ليست النور الحقيقي، بـل تصـير "الحقيقي"، فكيف ال ت

نورا باختيارها أن كانت تميل إلى النور أو العكس برفضها النور.

فعلى المقاومين لنا أن يختاروا بين قولين: أما أن الخصائص التي تفوق الخالئـق ليسـت كائنـة طبيعيـا فـي

: 12علني، يقول عنه الكتاب "الـرب يستأصـل الشـفاة الكاذبـة واللسـان النـاطق بالعظـائم" (مـز االبن، وهذا تجديف

)، أو أن اعترفوا يقينا بأن خصائص الصالح التي في االبن هي نابعـة مـن جـوهره، فعلـيهم أن ال يجعلـوه واحـدا 3

مع الخليقة أو مثل الخليقة في الطبيعة، كما شرحنا.

كلمــة اهللا لــيس وحــده النــور الحقيقــي، بــل تملــك الخليقــة أيضــا أن تكــون النــور : لــو كــان الثالــث عشــر

) أو كيـــف نحتمـــل أن يســـلب أحـــد منـــا أســـمى 12: 8الحقيقـــي مثلـــه، فلمـــاذا يقـــول هـــو "أنـــا هـــو نـــور العـــالم؟" (يـــو

الطبيعـــة أن نكـــون نحـــن أيضـــا "النـــور الحقيقـــي" ، إذ تملـــك –بأيـــة طريقـــة –امتيـــازات طبيعتنـــا، إن كـــان ممكنـــا

المخلوقة هذا أيضا؟ ولكن إن قال االبن الوحيد حقا "أنا هو نـور العـالم"، يكـون واضـحا أنـه بواسـطة االشـتراك فيـه

تكون الخليقة نورا وليس غير ذلك. واذا صح ذلك، فالخليقة ليست من ذات طبيعته.

شـياء المخلوقـة أيضـا، فمـاذا : إذا لـم يكـن االبـن وحـده بـالحق هـو النـور، بـل هـذا يخـص األالرابع عشر

نقول عما كتب عنا "ولكنكم أنتم جنس مختار، كهنـوت ملـوكي. أمـة مقدسـة، شـعب مختـار، لكـي تخبـروا بفضـائل

)، فمـا هـي الظلمـة التـي فينـا، أو مـا هـي الظلمـة التـي كنـا 9: 2بـط 1الذي دعاكم من الظلمة إلى نـوره العجيـب" (

يف دعينا إلى النور ونحن لم نكن في الظلمة؟ ولكـن المبشـر بـالحق لـم يكـن فيها، إن كنا نحن بالحقيقة النور؟ وك

) " ). فـنحن قـد 3: 13كـو 2يخبرنا بالكذب ألنه كان صريحا في قوله "هـل أنـتم تطلبـون برهـان المسـيح المـتكلم فـي

ن وحـده بالحقيقـة دعينا من الظلمـة إلـى نـوره العجيـب. واذا كـان هـذا حقـا، فـالمخلوق لـيس حقـا هـو النـور، بـل االبـ

وبالضبط هو النور، أما المخلوقات فهي تصير نورا باشتراكها فيه، ولذلك فهي ليست من ذات طبيعته.

"مختــارات مــن األســفار المقدســة، تجمــع القــراء ببســاطتها إلــى االعتــراف بــأن ابــن اهللا وحــده هــو

هـي النـور جوهريـا مثـل النور الحقيقي، وأن الطبائع المخلوقة تسـتنير بواسـطته، دون أن تكـون

االبن"

س)، فمـا هـو نـور وجـه اآلب الـذي أضـاء 6: 4: يقول المرنم "قد أضاء علينا نور وجهك يـارب" (مـز أوال

علينا أليس هو بكل يقين االبن الوحيد، ابن اهللا، رسم جوهر اآلب ولذلك هو يقول "الذي رآني فقد رأي اآلب" (يـو

لنا مثله، فقد حفر أنارته التي هـي بواسـطة روحـه الخـاص كصـورة إلهيـة علـى ). وقد أضاء علينا، ألنه جع9: 14

الــذين يؤمنــون بــه، لكــي يــدعو اآلن مثلــه آلهــة وأبنــاء اهللا. لكــن لــو كانــت المخلوقــات هــي النــور الحقيقــي. فكيــف

ا )، حســب صــوت البــس الــروح الــذي ال يكــذب، إذ5: 1أضــاء النــور علينــا؟ ألن "النــور يضــئ فــي الظلمــة" (يــو

كيف يظهر النور في وسط النور؟

) فإذا كان الصديقون في ذواتهـم نـورا وال ينقصـهم 11: 97: يقول المرنم "نور أشرق للصديقين" (مز ثانيا

النور فهو قول زائد بال لزوم. ولكن إذا كان النور يشرق علـى مـن لـيس فيـه نـور، فـاالبن الوحيـد وحـده هـو النـور،

لك فالمخلوق غريب عنه بالطبيعة. والمخلوق يشترك فيه، ولذ

: يقول المرنم "ألنهم أخذوا أرضا لم تكن ملكا لهم ولم يأخذوها بالسيف، ولـم تخلصـهم ذراعهـم، وانمـا ثالثا

يــدك اليمنــى وذراعــك ونــور وجهــك". فنــور وجــه اآلب هنــا هــو إعالنــه عــن ذاتــه بــاالبن فــي الــروح القــدس، وتــدبيره

ــإذا لــم يكــن االبــن الوحيــد وحــده هــو النــور الــذي حققــه عنــدما خلــص إســرائ يل وحــررهم مــن عبوديــة المصــريين. ف

الحقيقــي بــل يشــاركه أي مخلــوق فــي هــذا، فلمــاذا لــم يخلــص أولئــك بــالنور الــذي فــيهم بــل احتــاجوا إلــى النــور الــذي

ج إلــى يــأتيهم مــن مصــدر آخــر؟ ولكــن مــن الواضــح أن االبــن الوحيــد أشــرق بنــوره علــى كــل المخلوقــات التــي تحتــا

النور. فهو وحده النور الحقيقي الذي تأخذ منه كل المخلوقات كنعمة منه، فإذا صح ذلك فكيف تكون المخلوقـات

مساوية لالبن في الطبيعة.

). 15: 89: يقــول المــرنم "طــوبى للشــعب العــارفين هتــاف الفــرح، بنــور وجهــك يســلكون يــارب" (مــز رابعــا

يطلبون النـور مـن آخـر؟ وكيـف ال يخلصـون إال بنـور مـن آخـر هـو نـور وجـه فلماذا ال يسير هؤالء بنورهم؟ لماذا

اهللا اآلب أي االبــن؟ وهــذا واضــح جــدا فــي أن الكلمــة هــو الــذي يعطــي االســتنارة لكــل المخلوقــات ألن الكــل يحتــاج

لمخلوقــة إلــى االســتنارة، وكــل المخلوقــات تخلــص بنــوال مــا لــيس لهــا. فكيــف يمكــن اعتبــار االبــن الوحيــد واألشــياء ا

بواسطته جميعا من نفس الجوهر؟

). فكيـف يقـول أن األبـرار فـي الظلمـة 4: 112: يقول المرنم "نور أشرق في الظلمة لألبرار" (مز خامسا

إذ هــو النــور الحقيقــي إن كانــت طبيعــة المخلوقــات تملــك نفــس النــور مثــل االبــن الوحيــد؟ ولكــن إذا كــان النــور قــد

ون إليه فلسنا نحتاج إلى كلمات كثيرة. ألن طبيعة األشياء المخلوقة ذاتهـا تصـرخ عاليـا أشرق لألبرار ألنهم يحتاج

معلنة أنهـا لـيس لهـا ذات الجـوهر الكامـل الـذي لـه، وأن المعطـى بسـخاء لـيس مـن نفـس جـوهر األشـياء المحتاجـة

للعطاء.

). إذا 1: 60" (أش : "قــومي قــومي يــا أورشــليم ألن نــورك قــد جــاء ومجــد الــرب قــد أشــرق عليــكسادســا

كانــت طبيعــة األشــياء المخلوقــة لهــا النــور مــن ذاتهــا وهــو مــا يخــص االبــن الوحيــد كنــور حقيقــي فلمــاذا احتاجــت

أورشليم إلـى النـور؟ ولكـن حيـث أنهـا أخـذت االسـتنارة كنعمـة. فـاالبن الوحيـد الـذي يشـرق عليهـا ويعطيهـا مـا لـيس

الطبيعة ألن الذي يمنح أورشليم ال يمكن أن يكون كأورشليم. فيها هو وحده النور الحقيقي. فهو ليس من ذات

)، فكيف يحتاج المخلـوق العاقـل علـى 6: 42: "ها أنا أجعلك عهدا مع الشعب، ونور لألمم" (أش سابعا

ــــي ــــه كــــالنور الحقيق ــــه الطبيعــــي؟ ألن اهللا اآلب يعطــــي أبن ــــي مــــن كيان ــــور الحقيق ــــو كــــان الن ــــور، ل ــــى ن األرض إل

ن هــذا النــور لــيس مــن طبيعــة المخلوقــات التــي إذ تنالهــا تعلــن بــذلك عــن فقــر طبيعتهــا وعــن غنــى للمخلوقــات. أل

كرامة ذاك الذي ينيرها.

). فلماذا يسير هـؤالء فـي نـور الـرب ولـيس 5: 2: "يا بيت يعقوب، تعال لنسير في نور الرب" (أش ثامنا

رع فيهم صالح جوهره؟ ألنهم ال يملكون شيئا. في نورهم، ولكن أليس االبن الوحيد هو الذي يشرق عليهم ويز

: يقول المخلص "أنا هو نور العالم من يتبعني فال يمشي في الظلمة بل تكون لـه نـور الحيـاة" (يـو تاسعا

). فمن من المخلوقات يمكنه أن ينطـق بمثـل هـذا دلـيال علـى أنـه وال واحـد مـنهم هـو النـور الحقيقـي وعلينـا 12: 8

بن هو النور الحقيقي. االعتراف بأن اال

). أال يفقــد 36: 12: يقــول الــرب: "مــادام لكــم النــور أمنــوا بــالنور لكــي تصــيروا أبنــاء النــور" (يــو عاشــرا

للجـــوهر المخلـــوق أن يكـــون النـــور الحقيقـــي؟ –بأيــة طريقـــة –هــؤالء النـــور إذا لـــم يؤمنـــوا بـــالنور، إن كـــان ممكنـــا

ولكـن حيـث أنهـم ينالونـه مـن آخـر، فمـن الممكـن أن يفقـدوه بالتكاسـل. وكيف يكـون النـور مـن طبيعـة المخلوقـات؟

وطالمـــا أن اإلرادة هـــي التـــي تعمـــل لكـــي تنالـــه، فأنـــه يمكـــن أن يســـتنير المخلـــوق ويمكـــن أن يفقـــد النـــور دون أن

يتالشـــى. مثلمـــا يحـــدث فـــي حالـــة إنســـان عاقـــل يعمـــل فـــي بنـــاء الســـفن، أتقـــن هـــذه الصـــناعة بإرادتـــه، إذا أصـــيب

في جسده فهو ال يفقد طبيعته العاقلة ولكن قد يفقد قدرته على بناء السفن، ولكن إذا اسـتطاع أن يحصـل بعارض

علــى عــالج وأن يــدفع عنــه هــذا العــارض بواســطة األدويــة أمكنــه أن يعــود مــرة ثانيــة لبنــاء الســفن، وهــذا يعنــي أن

لـوق فـيمكن ألسـباب كثيـرة أن يفقـده، وقياسـا األشياء التي هي من جوهره تظل فيه على الدوام، أما ما يتعلمـه المخ

على ذلك لو كان النور من وبيعة المخلوقات وجوهرها. فكيف يفقد الذين ال يؤمنون النور، أو كيـف يصـبح الـذين

يؤمنون أبناء النور؟ لو كانوا بالطبيعة النور. لصاروا أبناء لذواتهم أي النور الذي فيهم. وماذا تكـون مكافـأة الـذين

ن ألن الذين ال يؤمنون يظلون أيضا أبناء لذواتهم، من هذا االعتبار يمكننا أن نـدرك الحـق ونقـول أن االبـن يؤمنو

الوحيد وحده هو النور الحقيقي والمخلوقات تحتاج إلى النور ألنها من طبيعة مختلفة عنه.

ــيال فســيروا فــي النــور مــادام لالحــادي عشــر ــا قل كــم النــور لــئال يــدرككم : قــال يســوع: "النــور معكــم زمان

). وهذا القول بالذات يمكننا أن نصيغه بـنفس صـياغة البرهـان السـابق، ألن الـذي هـو النـور 35: 12الظلمة" (يو

بطبيعته ال يمكن أن تدركه الظلمة.

). 9: 2: يقول يوحنا "الذي يقول أنه في النور وهو يبغض أخـاه فهـو إذا فـي الظلمـة" (يـو الثاني عشر

ور فينا بإرادتنا الحرة. فهو بـاإلرادة ولـيس بـالجوهر حاضـر فـي األشـياء المخلوقـة. ولـذلك كـل مـن يكـره أخـاه إذا الن

هو في الظلمة. فاالبن الوحيد هو بالطبيعة النور، وليس النور فيه بإرادته وكثمرة لحريـة االختيـار. لـذلك هـو لـيس

من ذات الطبيعة المخلوقة بل هو فوق الكل بغير قياس.

)، إذا المحبـة تعطــي المخلوقـات مــا 10: 2يـو 1: قيـل "مــن يحـب أخــاه يثبـت فـي النــور" (لثالـث عشــرا

ليس فيها أي النور، أما االبن الوحيد فهو النور لذلك فهو ليس مثل اآلخرين الذين هو فيهم بالمحبة.

الفصل التاسعالجسـد إن نفس اإلنسان ال وجود لها قبل وجود الجسد. وليس وجود النفس في

هو بسبب خطايا سابقة. –كما يقول البعض –

بكــل يقــين يضــع اإلنجيــل اإللهــي، اإلعــالن عــن االبــن الوحيــد بشــكل متســع لكــي يؤكــد أنــه النــور الحقيقــي.

ويضيف بكل دقة إلى ما قاله سابقا ويصرخ عاليا: "كان النور الحقيقي الذي ينير كل إنسان، آتيا إلى العالم".

بعض من الذين يفشلون في فهم التعـاليم اإللهيـة وال يبحثـون جيـدا يـدعون أن المالئكـة ينيـرون وحيث أن ال

عقل البشر ويقولون: أخبرنا، أليس كرنيليـوس قـد قبـل تعليمـا مـن المـالك عـن ضـرورة خالصـة بالمعموديـة؟ ومـاذا

). وأيضـا زكريـا النبـي ألـم 2 :13عن منوح والد شمشون، ألم يتعلم بصوت المالك عن األشـياء المسـتقبلة؟ (قـض

). 9: 1يعلن بوضوح ويخبرنا: "والمالك الذي تكلم معي قال لي تعال لكي أريك ماذا يكون" (زك

واذا درست هذه الكلمات أال نجد أن المالك يعلن المعرفة الخفية الخاصة بالمستقبل من خالل عقله. ألنـه

ك آخــر لمقابلتــه، وقــال لــه أســرع وأخبــر هــذا الرجــل قــائال يقــول: "واذا المــالك الــذي يــتكلم معــي ذهــب وجــاء مــال

). ومـاذا 4 -3: 2سيسكن أورشليم كثرة من الناس حتـى تكـون مدينـة بـال أسـوار بسـبب كثـرة النـاس والبهـائم" (زك

عــن النبــي دانيــال؟ ألــم يســتغرق فــي رؤيــاه العجيبــة، عنــدما أعلنــت المالئكــة لــه الرؤيــا التــي رآهــا؟ وهــا هــو يقــول:

دث أننــي أنــا دانيــال رأيــت الرؤيــا وطلبــت المعنــى واذا بشــبه إنســان واقــف قبــالتي وســمعت صــوت إنســان بــين "وحــ

). كـل هـذا يؤكـد أن قـوة االسـتنارة 16 -15: 8أوالي. فنادي وقال يا جبرائيل أجعل هذا اإلنسان يفهـم الرؤيـا" (دا

ي ينيره. وحقا كان الخصي مشتاقا ألن يعلـم هي في المالئكة. بل حتى اإلنسان يمكنه أن يستعين بإنسان آخر لك

من هو الشخص محور النبـوات التـي كـان يقرأهـا مـع أنهـا كانـت عـن المخلـص، وقـال لفيلـبس: "أطلـب إليـك، عـن

)، بل أن الذين يستعينون بـالمعلمين فـي هـذا الـدهر 34: 8من يقول النبي هذا عن نفسه أم عن واحد آخر؟" (أع

وى أن يستنيروا ولماذا نتعب والبرهان جاهز في أيدينا وهـو مـا قالـه المخلـص لرسـله ليس لديهم أي غرض آخر س

). 14: 5القديسين "أنتم نور العالم" (مت

األفكار تصدر عـن الـذين يتحيـرون، ولنـا إجابـة علـى هـذا. أنـتم تـرون يـا أصـدقائي أن المخلـوق 1مثل هذ

ولـذلك فالـذي يعطـي حكمـة آلخـرين وهـو مخلـوق لـيس هو كائن مركب وليس بسيطا بل وال يوجد فيه شـئ بسـيط.

هو الحكمة بل خادم للحكمـة التـي ألنـه بالحكمـة يصـبح اإلنسـان حكيمـا. وكـذلك مـن يعلـم الفطنـة أو التـدبير لـيس

هــو الفطنــة أو التــدبير بــل هــو خــادم الفطنــة أو التــدبير. وبالفطنــة والتــدبير يصــبح اإلنســان فطينــا أو مــدبرا. وأيضــا

هو قادر على أن يعلم آخرين وينيرهم ليس هو النور وانما يقدم النور الذي فيه لآلخرين بالتعليم ويشـركهم كل من

). ألنــه مهمــا 8: 10فــي الخيــر الــذي أخــذه. وهــذا هــو الســبب الــذي بشــأنه قيــل "مجانــا أخــذتم مجانــا أعطــوا" (يــو

الطبيعــة اإلنســانية بمــا لــديها مــن خيــرات، وال كانــت الخيــرات التــي فــيهم، فهــي بكــل يقــين مــن اهللا، لكــي ال تفتخــر

ألننـا بعـد أن دعينـا إلـى الوجـود فـأن كـل الموجـودات تنـال كيانهـا الخـاص مـن اهللا. ……حتى المالئكـة القديسـين

ونحن نؤكد هنا وعلى أساس ثابت أن أي صالح أو خير في الموجودات ليس فيها من جوهرها بل ليس إال نعمة

كل مبني على نعمة الصانع. مجانية من الخالق وال

وحيــث أن المخلوقــات هــي مــن طبيعــة مركبــة فلــيس فيهــا مطلقــا نــور بســيط وال نــور مركــب بــل النــور وكــل

شئ آخر ينالونه هـو باالشـتراك فـي اهللا. لكـن النـور الحقيقـي هـو الـذي ينيـر ولـيس الـذي يسـتنير مـن آخـر. وهكـذا

ليس فيه ثنائية. االبن الوحيد كائن بسيط غير مركب ألن الالهوت

هذه األمور يجب أن تؤخذ هكذا. أما المعارضون فسيقولون لنا، لو كان القديسـون ليسـوا بالطبيعـة، النـور،

فلمـــاذا ال يـــدعوهم المخلـــص شـــركاء النـــور بـــدال مـــن النـــور؟ وكيـــف يصـــبح المخلـــوق مختلفـــا عـــن ابـــن اهللا، مـــادام

). 14: 5التالميذ قد سمعوا "أنتم نور العالم" (مت

إجابتنـــا علـــى هـــذا يـــا ســـادتي األعـــزاء هـــي: "نحـــن أبنـــاء اهللا بـــل دعينـــا آلهـــة فـــي األســـفار اإللهيـــة حســـب

). هـل يعنـي هـذا أن نتخلـى عـن كياننـا ونرتفـع إلـى جـو 6: 82المكتوب ألم أقل أنكم آلهة وبنو العلـي كلكـم" (مـز

ن في مكانـه مـع اآلب ونجعـل محبـة الـذي الالهوت غير المنطوق به وأن نخلع االبن الكلمة من بنوته ونجلس نح

أكرمنــا عــذرا للكفــر؟ حاشــا هللا، فــاالبن هــو كــائن غيــر متغيــر. أمــا نحــن فبــالتبني صــرنا أبنــاء وآلهــة بالنعمــة، غيــر

جاهلين من نحن، وعلى نفس القياس ال نؤمن أن القديسين هم النور أما عن النـور الحقيقـي فعلينـا أن نـرى األمـر

الكائنات العاقلة في الخليقة بعد أن تستنير تنير غيرها بالشركة في األفكـار التـي تنسـكب مـن على هذا النحو: أن

العقل في أذهان اآلخـرين. وهـذه االسـتنارة بالصـواب توصـف بأنهـا تعلـيم وليسـت إعالنـا، أمـا الكلمـة الـذي مـن اهللا

الئكة أو البشر، وانما كإله خالق يضع فـي اآلب فهو ينير كل إنسان آت إلى العالم. ليس بالتعاليم مثلما يفعل الم

كــل المــدعوين إلــى الوجــود بــذرة الحكمــة أو بــذرة المعرفــة اإللهيــة. ويــزرع جــذر الفهــم ممــا يجعــل الكــائن حيــا عــاقال

معلنـا بـذلك اشــتراكه فـي طبيعتـه مرســال إلـى العقـل أشــعة نـور مـن بهائــه غيـر المـدرك بشــكل يعرفـه هـو وحــده. وال

ن أن يضــيف شــيئا أكثــر مــن ذلــك فــي هــذه الموضــوعات وحتــى أبونــا األول آدم نــال الحكمــة فــورا يجــوز ألي إنســا

وبــدون أن يــتعلم فــي مرحلــة مــن الزمــان مثلنــا، بــل منــذ بدايــة وجــوده كانــت لــه معرفــة كاملــة واحــتفظ لنفســه بــالنور

ير مختلطة. الذي أعطاه اهللا دون انزعاج وبنقاوة طالما احتفظ بكرامة طبيعته غير مدنسة وغ

إذا فــاالبن ينيــر الخليقــة كخــالق ألنــه النــور الحقيقــي، وعنــدما تشــترك الخليقــة فــي نــور االبــن تشــرق بنــوره

وتصبح فـي هـذه الحالـة نـورا، ألنهـا بتعطـف االبـن ترتفـع إلـى فـوق، ألنـه مجـد الخليقـة وكللهـا بأكاليـل متنوعـة مـن

لوات الشـكر بصـوت عـال: "بـاركي يـا نفسـي الـرب وال تنسـي الكرامة، لكي يأتي إليـه كـل مـن نـال كرامـة ويرفـع صـ

كــل حســناته، الــذي يغفــر جميــع ذنوبــك ويشــفى كــل أمراضــك ويفتــدي مــن الهــالك حياتــك ويكلــك بالمحبــة المترفقــة،

). وحقــا يـرحم إلـه المـراحم أولئـك الصـغار والـذين ال قــوة 5 -2: 103والرحمـة الحانيـة ويمـأل فمـك بـالخيرات" (مـز

لطان في طبيعتهم، ويمنحهم مراحم عظيمة وكثيرة بصالحه ويعطيهم مما لديه، ألنه كإله يعطي بسـخاء لهم وال س

من خيراته حتى أنهم يدعون آلهة ونور. وهل يوجد خير آخر أو اسم آخر أفضل لم يعطنا إياه؟

نـا فكـرة نحتـاج ماذا يخبرنـا اإلنجيلـي عـن ذلـك؟ "كـان فـي العـالم" وأضـاف اإلنجيلـي ذلـك لفائـدتنا لكـي يعطي

إليهــا. ألنــه عنــدما قــال "كــان هــو النــور الحقيقــي الــذي ينيــر كــل إنســان، آتيــا إلــى العــالم"، ولــم يكــن هــذا واضــحا

للسامعين هل هذا النور هو الذي ينير كل إنسان آت إلى العالم أم أنـه النـور الحقيقـي ينتقـل مـن مكـان إلـى مكـان

روح يعلــن الحــق ويشــرح قــوة الكلمــات التــي نطقهــا ويقــول علــى الفــور لكــي ينيــر لــك النــاس. ولــذلك فــإن الالبــس الــ

"النور كان في العالم" لكي نفهم أن عبارة "آت إلى العالم" تعني عالم اإلنسان لكـي ينيـر الطبيعـة المخلوقـة العاقلـة

مـن العـدم التي تدعي من العدم إلى الوجود. فالطبيعة المخلوقـة ليسـت مثـل مكـان نتخيلـه فـي الفكـر بـل هـي تـأتي

إلـــى الوجـــود وتأخـــذ حيـــزا فـــي الواقـــع. ولـــذلك عنـــد الكـــالم عـــن اإلنســـان علينـــا أن نعتقـــد بثقـــة أن طبيعـــة اإلنســـان

المخلوقة نالت االستنارة بمجرد خلقها وأنها نالت النور من النور الذي في العالم، أي االبن الوحيـد الـذي يمـأل كـل

ر في المالئكة الذين في السـماء ومـع الـذين علـى األرض دون أن األشياء بنور الالهوت غير المدرك: وهو حاض

يفقد ألوهيته بل في كل مكان هو حاضر في الكل وال يتـرك أحـدا. وهـذا مـا يجعـل المـرنم يتعجـب قـائال: "إلـى أيـن

أذهــب مــن روحــك أو إلــى أيــن أختبــئ مــن وجهــك؟ إذا صــعدت إلــى الســماوات أنــت هنــاك إذا أخــذت فراشــي إلــى

أنت هناك، إذا أخذت أجنحة الصباح ألطير إلى أقاصي البحار فهناك تقـودني وتمسـك فـي يـدك اليمنـى" الجحيم ف

). ألن يد اهللا تمسك بكل شئ، بجميع المخلوقات في الخليقة كلهـا، وتعطـي حيـاة لمـن يحتـاج 10 -7: 139(مز

وهــو لــيس محصــورا فــي مكــان وال إلــى الحيــاة، وتــزرع النــور الروحــي فــي الكائنــات القــادرة علــى أن تتقبــل الفهــم.

يتحرك من مكان إلى آخر، ألن الحركة من صفات األجساد وانما هو يمأل كل األشياء.

وربما سيقول البعض فماذا تقول يا سـيدي الصـالح عـن اعتـراض الـبعض علـى كلمـات المسـيح "جئـت نـورا

) فهــذا يعنــي أنــه 3: 43ك وحقــك؟" (مــز )، وأيضــا مــاذا عــن كلمــات المــرنم: "أرســل نــور 46: 12إلــى العــالم" (يــو

يقول عن نفسه أنه سيأتي إلى العالم، أي أنه لم يكن في العالم والمرنم يترجي مجيء مـن هـو لـيس حاضـرا، فهـذا

هو معنى الكلمات.

والــرد علــى ذلــك هــو أن اإلنجيلــي اإللهــي يصــف االبــن الوحيــد بكــل الصــفات الخاصــة بــاهللا ال ســيما أنــه

اع فــي العــالم ألنــه بالطبيعــة الحيــاة وهــو نــور بجــوهره ويمــأل الخليقــة كإلــه غيــر محصــور فــي حاضــر بــدون انقطــ

مكان، وال يقاس بمقاييس وال يدرك بالكم وال يحيط به شئ. وال يتحرك مـن مكـان إلـى آخـر ولكنـه يسـكن فـي الكـل

ا المجـئ إلـى العـالم هـو التجسـد وال يفارق أحد، ومع كل هذا يقال أنه أتي إلى العالم رغـم حضـوره الـدائم فيـه. وهـذ

)، عنـدما تجسـد، وجعـل حضـوره فـي العـالم 37: 3ألنه أعلن نفسه للذين على األرض وتحـدث مـع البشـر (بـاروخ

ظاهرا للكل. والذي كان في الماضي معروفـا لفكـر اإلنسـان صـار مرئيـا بعيـون الجسـد أيضـا السـيما عنـدما صـار

مرنم مجئ النور والحق لكي ينير الكلمة العـالم عنـدما يـأتي متجسـدا، فهـذا هـو ظاهرا بالعجائب والقوات ويترجى ال

معنــى الكلمــات. ولكنــي أعتقــد أن الباحــث الــذكي عليــه أن يفكــر فــي هــذا الســؤال مــن هــذه الزاويــة الخاصــة. ألن

يا الجمال اإللهي المدقق يعلو فكره عن الكالم، واإلدراك عنده أسرع من اللسان ولذلك فأن العقل المدقق يدرك خبا

ـــى التعبيـــر، مـــع ـــتالءم مـــع اإلدراك اإلنســـاني الســـيما القـــدرة عل ويعـــرف أن الكـــالم عنـــه البـــد أن يصـــدر بشـــكل ي

االعتراف بـأن اللسـان مهمـا وسـعه النطـق ال يقـدر أن يعبـر عـن أبعـاد الحـق. ولهـذا فـإن بـولس نفسـه خـادم أسـرار

)، وفقـــر اللغـــة ال يمكنـــه أن 19: 6افتتـــاح فمـــه" (انظـــر أف المخلـــص اعتـــاد أن يســـأل اهللا أن "يعطـــه كالمـــا عنـــد

يؤذي سمو الطبيعة اإللهية لالبن الوحيد بل أن يتكلم على قدر استطاعته بشرط أن نفهم هذا الكالم اإلنساني بما

يتفق مع الطبيعة اإللهية. فهكذا فعـل المخلـص والقديسـون الـذين اسـتخدموا الكـالم اإلنسـاني بسـبب ضـرورة الكـالم

عن اهللا.

وهنــا يبــدو لــي أننــا لــم نفقــد العالقــة بمــا قيــل ســابقا، وبمــا شــرحناه مــن كلمــات، ولكــن القلــم الــذي يكتــب عــن

التعــاليم اإللهيــة عليــه أن ال يتكاســل. فــإذا عــدنا إلــى نفــس الــنص لكــي نفحــص معنــى "آتيــا إلــى العــالم" وجــدنا أنــه

كمـا شـهد اإلنجيلـي نفسـه، وقـد أكـدنا أن النـور نفسـه لـم يـأت خاص باإلنسان دون غيره، لقد كان النـور فـي العـالم

إلى العالم بل اإلنسان هو الذي دعى لالستنارة.

التعليم بوجود النفس قبل خلق الجسد )، ويـدعون أن 16: 23أما البعض الذين يتفوهون بما في قلـوبهم ولـيس بمـا يـأتي مـن فـم الـرب (انظـر أر

علــى خلــق أجســادها، وأنهــا كانــت فــي الســماء حيــث عاشــت حيــاة الغبطــة لفتــرة النفــوس البشــرية لهــا وجــود ســابق

طويلــة فــي حالــة غيــر متجســدة، وهنــاك كانــت تتمتــع بــالخيرات ألنهــا كانــت نقيــة، ولكــن عنــدما شــبعوا مــن الخيــرات

بكـل – التي زادت عن احتياجهم انحدروا إلـى األردأ واغرقـوا فـي أفكـار غريبـة وشـهوات ال تمـت لهـم بصـلة فـالخلق

لم يرض عنهم فأرسلهم إلـى العـالم وسـجنهم فـي أجسـاد ترابيـة، ووضـع علـيهم هـذا الثقـل وحبسـهم كمـا فـي –عدل

كهف مملوء باللذات الغريبـة، مقـررا بـذلك أن يعلمهـم مـن المحنـة نفسـها مـرارة االنحطـاط التـي األدنـى دون اعتبـار

للبقاء في الصالح.

تي اخترعوها يخطفون الكلمات التـي أمامنـا اآلن "كـان النـور الـذي ينيـر وكبرهان على هذا الخرافة الغبية ال

: 119كل إنسان، آتيـا إلـى العـالم" مـع نصـوص أخـرى مـن األسـفار اإللهيـة مثـل "قبـل أن أتواضـع أنـا زللـت" (مـز

قــد ). وبــدون أن يخجلــوا مــن هــذه الفكــرة الغبيــة يقولــون: هــا هــي الــنفس تقــول أنهــا قبــل تواضــعها أي تجســدها67

زلت، ولذلك عوقبت بعدل ووصلت إلى عبودية الموت والفساد الـذي يشـير إليهـا بـولس وينسـبه إلـى الجسـد بقولـه:

). ولكـن إذا كانـت الـنفس التـي يقولـون 24: 7"ويحيي أنا اإلنسان الشقي من ينقـذني مـن جسـد هـذا المـوت؟" (رو

ا وجـود سـابق (ألنهـا كيـف تخطـئ بـالمرة وهـي بـال عنها أنها قد سقطت قبل أن تذل، تأتي إلـى العـالم، أي ألن لهـ

وجود)، حسب قول اإلنجيلي "كل إنسـان آتيـا إلـى العـالم" أي حضـورها مـن مكـان معـين إلـى هـذه الـدنيا. هـذه هـي

الخرافات التي يتبعونها ضـد تعـاليم الكنيسـة ويجمعـون زبالـة شـرحهم لألسـفار لكـي تسـد آذان المـؤمنين عـن سـماع

). 3: 12يجـب أن يسـمعوا: "ويـل لألنبيـاء الحمقـى الـذين يتبعـون روحهـم ولـم يـروا شـيئا" (حـز الحق، ولكن هـؤالء

ألن رؤيــاهم هــي خيــاالت الكبريــاء ونبــواتهم مــن شــهوات قلــوبهم، وهــذا كلــه يجعلونــه ضــد الكلمــات التــي تكلــم بهــا

المرنم بقولـه إلـى اهللا: "أنـت، الروح دون أن يروا إلى أي حد من السخافة يقودهم خيالهم وهو الحد الذي عبر عنه

). 7: 76أنت مخيف وكيف أقف أمام عينيك عندما تغضب" (مز

ولكنني افترض أنه من الحماقة اإلدعـاء بـأن النفـوس وجـدت قبـل أن توجـد فـي الجسـد، وأنهـا بسـبب ذنـوب

ألسـفار اإللهيـة، قديمة أرسلت لكي تحبس في أجساد ترابية، وسوف أبرهن على قدر استطاعتي بعدة براهين مـن ا

ألنني أعرف ما هو مكتوب: "أعط تعليما للرجـل الحكـيم فيـزداد حكمـة، وعلـم الرجـل البـار فيـزداد فـي المعرفـة" (أم

9 :9 .(

براهين مرتبة وواضحة تدل على التعليم الصحيح عض لـو كانـت نفـس اإلنسـان موجـودة قبــل أن توجـد فـي الجسـد وأنهـا مالــت إلـى الشـر حسـب تعلـيم الــب -1

وعوقبت على عصيانها بالنزول إلى الجسد، خبروني كيف يقول اإلنجيلـي أنهـا اسـتنارت عنـد مجيئهـا إلـى العـالم؟

ألن االســتنارة هـــي كرامــة واضـــافة عطيــة. واإلنســـان ال يعاقـــب بالكرامــة وال بـــأن ينــال الصـــالح اإللهــي بـــل بنـــوال

ي يــأتي إلــى العــالم، لــيس موضــع غضــب بــل العقــاب الــذي يســتحقه وغضــب الــديان. ولكــن حيــث أن اإلنســان الــذ

بالعكس يستنير فمن الواضح أنه كرم بالجسد ولم يأخذ الجسد كعقاب.

لو كانت قبل وجودها في الجسد، هـي عقـل نقـي يعـيش فـي سـعادة وعنـدما ابتعـد عـن برهان آخر: -2

علينا أن نقـول أن العقـل كـان اهللا سقط ولذلك حبس في الجسد، فكيف يستنير عند دخوله العالم؟ ألن من الواجب

معدما من النور قبل مجيئه إلى الجسد، واذا صح هـذا، فكيـف أمكـن إنارتـه وهـو سـاقط ومحبـوس فـي الجسـد. أمـا

كان باألولى إنارته قبل أن يحبس في الجسد.

: لو كانت نفس اإلنسان موجودة قبل أن توجد في الجسد، وأن العقل كـان نقيـا فـي هـذهبرهان آخر -3

الحالة، وملتصقا بشكل طبيعي بالصالح، وعندما سقط هبط إلى ما هو أسوأ ونزل إلى الجسد الترابي، وأنه حينما

وجد العقل في الجسد فأنه لم يعد يرفض إرادة التعدي، فكيف ال يكون العقل مظلومـا فـي هـذه الحالـة؟ وهـو حينئـذ

حينمـا كـان لـه ميـل أعظـم للفضـيلة، ولـم يكـن قـد قد استأمن على رفض التعدي، وذلـك –بشكل خاص –لم يكن

صار أسيرا بعد للشرور التي تنبع من الجسد، لكنه حينما جاء إلى مياه الخطية العكـرة فأنـه أضـطر أن يفعـل هـذا

في وقت غير مناسب. لكن اهللا ال يفوته أن يختار الوقت المناسب، وهو ال يؤذي إذ ليس فـي طبيعتـه أذى. لـذلك

خطيــة فــي الجســد. وهــذا صــواب ويحــدث فــي الوقــت المناســب. وهــذا الوقــت المناســب هــو لنــا وقــت فأننــا نــرفض ال

الوجـود، الــذي فيــه "نــأتي" بأجســادنا إلــى العــالم. تــاركين حالــة عــدم الوجــود الســابقة كأنهــا كانــت مكانــا معينــا ونعبــر

منها إلى بداية الوجود.

توجـد فـي الجسـد، أرسـلت إلـى الجسـد، هـل أرسـلت ما هو السبب فـي أن الـنفس التـي أخطـأت قبـل أن -4

إليه لكي تتعلم وتختبر شناعة خطاياها؟ أنهم ال يخجلون من أن يقولوا ذلك، ولكن من الواضح أنه كان جـديرا أن

تحجــب الــنفس عــن شــهوات الجســد ال أن تلقــي فــي الجســد وفــي أعمــاق اللــذات الوضــيعة، ألن الــدواء للشــفاء لــيس

يـدا عـن الجسـد. ولكـن مجيئهـا كـان فـي الواقـع إضـافة أمـراض جديـدة نابعـة مـن الجسـد ولذاتـه، الجسد بل البقاء بع

وهــو مــا ال يــدعو لإلعجــاب بالطبيــب الــذي يصــيب المــريض بــأمراض كثيــرة بمــا قــرره لــه كــدواء. واذا كــان حــبس

إلــى أعمــاق الــنفس فــي الجســد معنــاه أن الــنفس ســوف تكــف عــن شــهواتها فكيــف يكــون ذلــك ممكنــا بعــد أن نزلــت

الشهوة فكيف تعود إلى ما كانت عليه من البدء وهي اآلن قد انحدرت إلى عمق الخطية.

لو كانت النفس قد أخطأت قبل أن توجد في الجسد ولذلك حبسـت فـي جسـد مـن لحـم ودم كعقـاب لهـا. -5

ن الخطايــا أن يخلعــوا الجســد ويتركــوه ألنــه عقــاب فكيــف ال يكــون الواجــب األول للــذين أمنــوا بالمســيح ونــالوا غفــرا

لهم؟ خبروني كيف تنال النفس غفرانا كامال وهي تظل حاملة أداة عقابها؟ ولكن ما نراه هو أن الـذين يؤمنـون هـم

أبعد مـا يكـن عـن الرغبـة فـي التحـرر مـن الجسـد، بـل أنهـم بواسـطة اعتـرافهم بالمسـيح يعلنـون عـن قيامـة الجسـد.

لقــوة –بعودتــه للحيــاة –فة أداة العقـاب عــن الجســد. ألنــه يكـرم بــاالعتراف باإليمــان، ويشــهد الجسـد هـذا يســقط صــ

المخلص اإللهية ألنه قادر على أن يفعل كل شئ بسهولة.

لــو كانــت الــنفس فــي وجودهــا الســابق علــى الجســد قــد أخطــأت ولــذلك حبســت فــي الجســد، فلمــاذا يــأمر -6

لثقيلـة بـالموت، هـل هـذا إكـرام؟ ولمـاذا يسـمح لمـن ال يخطـئ بالحيـاة؟ أننـي افتـرض أنـه الناموس بمعاقبة الخطايـا ا

كان من الصواب أن الذين أخطأوا بالخطايا الثقيلة أن يعيشوا طويال ليكون عقابهم أكبر. أما الذين لم يرتكبـوا أيـة

عاقــب بــالموت أمــا البــار فــال جريمـة فكــان ينبغــي أن يحــرروا مــن الجسـد. ولكــن العكــس هــو الــذي يحــدث: فالقاتـل ي

يعاني شيئا في جسده. لذلك فإن حالة الوجود في الجسد ليست عقابا.

لــو كانــت النفــوس قــد تجســدت بســبب خطايــا ســابقة، واختــرع الجســد بطبيعــة تؤهلــه ليكــون عقابــا للــذين -7

مــا كــان عقوبــة ووضــع أخطــأوا. فكيــف أفادنــا المخلــص بأبطــال المــوت؟ أال تكــون هــذه رحمــة فاشــلة، ألنــه ســحق

نهاية للغضب الذي كان ضدنا؟ ولذلك يمكن أن نقول أنه كان من الالئق أن نقدم الشكر للفساد وليس لمن أقامنا

من الموت وبذلك جعل العذاب بال نهاية بالقيامة من المـوت. ولكـن مـع هـذا نحـن نقـدم الشـكر لمـن أطلـق سـراحنا

د في الجسد ليس عقابا لنفس اإلنسان. من الموت والفساد في المسيح إذا فالوجو

برهان آخر يعتمد على نفس الفكرة لـو كانـت نفـوس البشـر حبسـت فـي أجسـاد أرضـية لكـي تفـي أجـر خطايـا قديمـة، فمـا هـو الشـكر الـذي -8

ة هـي مـرارة نقدمه هللا الذي وعدنا بالقيامة؟ ألن القيامة تصبح تجديدا للعقوبة وبناء لمـا يضـرنا، ألن العقوبـة الدائمـ

لكل نفس. هذا يجعل من المستحيل أن تقام األجساد لكي تؤدي وظيفة عقوبة للنفس البائسة.

ولكن األجساد تأخذ طبيعة القيامة من المسيح كعطية للتجديد والفرح بالقيامـة، فـالوجود فـي الجسـد إذا لـيس

عقوبة.

ل انتظـاره وهـي تقـول "إن األمـوات سـيقومون الكلمـة النبويـة تبـدو كمـا لـو كانـت تبشـرنا بعيـد عظـيم طـا -9

س)، ولكــن لــو كــان الوجــود فــي الجســد هــو عقــاب لنفــوس البشــر البائســة 9: 26والــذين فــي القبــور ســيحيون" (أش

التي أخطأت، فكيف ال يحزن النبي وهو يبشر بهذه األمور مـن اهللا؟ كيـف تكـون هـذه البشـارة مفرحـة وهـي تخبرنـا

يـد أن نـتخلص منـه سـيطول زمنـه؟ كـان مـن األجـدر بـالنبي أن يقـول لمـن أخـذوا الجسـد بأن الحمل الثقيـل الـذي نر

كعقوبــة، إن المــوتي لــن يقومــوا وأن طبيعــة الجســد ســوف تــزول. ولكــن بــالعكس فهــو يفــرحهم ويخبــرهم أنــه ســتكون

قيامة لألجساد بإرادة اهللا. فكيف يكون الجسد الذي نفرح بقيامته، والذي يسر اهللا به، عقوبة؟

عندما بارك اهللا إبراهيم المبـارك، وعـده بـأن يكـون نسـله ال يحصـى مـن الكثـرة مثـل النجـوم، فلـو كـان -10

صحيحا أن النفوس أخطأت قبل أن توجد في الجسد ولذلك هبطت على األرض وحبست في الجسـد لكـي تعاقـب،

مــن الصــالح ولــيس بنســل يشــترك فــي فــإن اهللا فــي هــذه الحالــة يكــون قــد وعــد إبــراهيم بكثــرة مــن المعــاقبين ســقطوا

البركة. ولكن اهللا وعد إبراهيم بكثرة النسل وكانت هذه البركة إذا بداية األجساد هي حرة من كل اتهام.

لقــد انتشــر اإلســرائيليون وتكــاثروا وصــار عــددهم ال يحصــى وحقــا يتعجــب موســى رئــيس األنبيــاء وهــو -11

م اليوم مثل نجوم السماء في الكثرة، والرب إله آبائهم، سوف يزيـد علـيكم يالحظ كثرتهم ويصلي ويقول لهم "ها أنت

). ولكــن لــو كانــت عقوبــة النفــوس البشــر أن توجــد فــي العــالم فــي أجســاد. وهــم 11 -10: 1مــثلكم ألــف مــرة" (تــث

ي هذه يحتاجون إلى الجسد طالما أنهم في العالم وال يمكنهم أن يعيشوا بدون أجساد، فأن صالة موسى ستصبح ف

الحالــة حقــا لعنــة وليســت بركــة. وهــذا طبعــا لــم يحــدث، ألنهــا فعــال كانــت بركــة. إذا الوجــود فــي الجســد لــيس مــن

طبيعة العقاب للنفس.

إن الذين يسألون الشر من اهللا ال يستجيب اهللا لهم. والشاهد على صحة ما نقول هو تلميذ المخلص -12

). فلـو كـان الوجـود فـي الجسـد عقـاب فكيـف ال 3: 4كـم تطلبـون رديـا" (يـع الذي يقول "تطلبون ولسـتم تأخـذون ألن

يقول أي إنسان أن حنة زوجة ألقانا طلبت رديا وما ال يليق، وهي التي كانت تسكب صالتها هللا وتطلب منه ولـدا

)، ألــم تكــن تطلــب ســقوط نفــس لكــي تحــبس فــي جســد، وكيــف اســتجاب اهللا لطلــب شــرير مثــل هــذا 11: 1صــم 1(

أعطاها صموئيل أبنا لها، طالما أنه كان من الالزم أن تخطئ نفس لكي تحبس فـي جسـد ويولـد صـموئيل، وهـذا و

يعنــي اســتجابة صــلوات حنــة. ولكــن اهللا أعطــي، وهــو بطبيعتــه ال يعطــي أال مــا هــو صــالح. واســتجابة صــالة حنــة

لوجود فـي الجسـد لـيس نتيجـة خطيـة وال تؤكد أن الجسد ليس عقابـا، ألن اهللا ال يعطـي إال مـا هـو صـالح، لـذلك فـا

بطبيعته عقاب كما يقول البعض.

لو كان الجسد قد أعطي عقابا للـنفس البشـرية، فمـا الـذي دفـع الملـك حزقيـا، ملـك أورشـليم وهـو رجـل -13

صــالح وحكــيم ألن ينــوح بــدموع مــرة علــى مــوت جســده، ولمــاذا يتــردد فــي الــتخلص مــن أداة العقــاب، ال بــل يتوســل

ن يكرمــه اهللا بزيــادة عمــره، مــع أنــه كــان يجــب عليــه أن ال يكــره المــوت مــادام رجــال صــالحا، ألنــه كــان ســوف بــأ

يتخفــف مــن حمــل الجســد الثقيــل. وكــان بــالحري ســيفرح بموتــه، ولكــن بمــاذا وعــده اهللا كهبــة خاصــة لــه: "هــا أنــا

إضافية أم نوعا من الرأفة، ولكـن ). فهل كان ذلك الوعد عقوبة 5: 38أضيف إلى أيامك خمس عشرة سنة" (أش

الوعد من فوق كان عطية واضافة العمر كان رأفة. ولد فالوجود في الجسد ليس عقوبة للنفس.

لــو كــان الجســد قــد أعطــى لــنفس اإلنســان كعقوبــة، فمــا هــو المعــروف الــذي صــنعه اهللا مــع الخصــي -14

)، وكـان 18 -17: 39خلصك مـن يـد الكلـدانيين (أر الذي أنقذ ارميا من الجب، ألنه قال، سوف أفتدي حياتك وأ

األولــى بــه أن يقــول لــه ســوف أتركــك تمــوت، وهــذا كــرم مــن اهللا ألنــه ســوف يخلصــه مــن الســجن والعقوبــة ومــاذا

أعطــى اهللا للفتيــة الثالثــة مــن بنــي إســرائيل عنــدما خلصــهم مــن النــار ومــن قســاوة البــابليين؟ ولمــاذا أنقــذ دانيــال مــن

يفعل اهللا كل هذا برأفة لكي يتمجد اسمه بين البشر. جب األسود؟ أال

ولذلك فإن سكني الجسد ليس نوعا من العقاب. لئال يكون ال فرق بين الكرامة والعقاب عند اهللا.

يخبرنــا بــولس بأنــه ســيكون يــوم للفحــص أمــام كرســي الدينونــة اإللهــي لحيــاة كــل إنســان "ألنــه البــد أننــا -15

كـو 2كرسي المسيح لينال كل واحد ما كان بالجسـد بحسـب مـا صـنع خيـرا كـان أم شـرا" (جميعا سوف نظهر أمام

). ولكن إن كان فقط ألجل األشياء التي صنعت بالجسد ينال اإلنسان أما عقابا على يد الديان قد يحسـب 10: 5

ســؤال عمــا حــدث قبــل أهــال لمكافــأة مناســبة، فأنــه ال توجــد إشــارة إلــى خطايــا ســابقة قبــل الوجــود فــي الجســد، وال

مولده. فكيف يكون للنفس وجود سابق علـى وجودهـا فـي الجسـد؟ وكيـف أزلـت بسـبب الخطيـة كمـا يقـول الـبعض.

ألن الدينونة تكون على ما فعله اإلنسان في حياته على األرض.

ا أجسـادكم لو كانت النفوس قد لبست أجسادا بسبب خطايا سابقة، فكيف يكتب بولس قائال لنا: "قدمو -16

). وكيــف يكــون هــذا مقبــوال عنــد اهللا وهــو أداة العقــاب؟ وكيــف 1: 12ذبيحــة حيــة مقدســة، مقبولــة عنــد اهللا" (رو

يكون من الممكن أن يقتني إنسان فضيلة وهو مقيم في أداة العقاب وأصل الخطية؟

آدم "وملـك المـوت يقول بولس موضحا أن الفساد قد انتشر وامتد إلـى كـل جـنس آدم بسـبب عصـيان -17

). فكيـف يقـول أن المـوت ملـك 14: 5من آدم إلى موسى، حتى على الذين لم يخطئوا على شـبه تعـدي آدم" (رو

حتى على الذين لم يخطئوا إذا كان الجسد الميت قد أعطى لنا بسبب خطايا سابقة؟ وأيـن هـؤالء الـذين لـم يخطئـوا

قة وكأن وجودنـا فـي الجسـد فـي هـذه الحيـاة هـو اتهـام مسـبق أن كان الوجود في الجسد هو عقاب على خطايا ساب

قائم ضدنا؟ أن قول المخالفين ينم على عدم دراية باألسفار المقدسة.

ســأل التالميــذ مــرة المخلــص عــن المولــود أعمــى وقــالوا "يــا معلــم مــن أخطــأ هــذا أم أبــواه حتــى ولــد -18

)، وهـو 5: 20أن اهللا يفتقـد ذنـوب اآلبـاء فـي األبنـاء" (خـر ) "ألنـه مكتـوب فـي األسـفار النبويـة 2: 9أعمى؟" (يو

ما دعا التالميذ إلى أن يتصوروا أن هـذا الكـالم ينطبـق علـى المولـود أعمـى. فمـاذا كانـت إجابـة المسـيح؟ "ال هـذا

ي ). فكيف أعفى المولود أعمي وأبواه مـن الخطيـة وهـم فـ3: 9أخطأ وال أبواه، بل لكي تظهر أعمال اهللا فيه" (يو

الواقــع ال يمكــن أعفــاؤهم مــن اللــوم الــذي ينســب لكــل حيــاة بشــرية، ألنهــم كبشــر كانــت لهــم أخطــاؤهم، ولكــن مــن

الواضــح والظــاهر أن كلمــات المخلــص تعنــي الفتــرة التــي قبــل المــيالد، أي أنــه لــم يكــن موجــودا ولــذلك لــم يخطــئ،

وهذا وحده ما يجعل المسيح على حق.

)، 18: 45بب خلق األرض ويقول "لم يخلقهـا بـاطال. للسـكن صـورها" (أش يشرح أشعياء المبارك س -19

ولما كان من الصـالح أن تكـون األرض للسـكن ودون أن تمتلـئ بـأرواح بـال أجسـاد وانمـا بنفـوس لهـا أجسـاد. فهـل

الم كانت المشورة اإللهية أن تخطئ النفوس لكي تخلـق األجسـاد اللحميـة التـي ال تصـلح إال لـألرض؟ أال يـؤدي كـ

المخالفين إلى أنها خلقت عبثا كسجن للنفوس؟ ولكن هذا غير معقول... والفكرة الصائبة هي التعليم الصحيح.

الحكمة صانع كل األشياء يقول عن نفسه في سفر األمثال: "كنت أنة فرحـة" أي خـالق كـل األشـياء، -20

س)، 30 -21: 8ذتــه فــي بنــي البشــر" (أم "وبكــل يــوم كنــت أفــرح أمامــه عنــدما فــرح بكمــال خلقــة العــالم ووجــد ل

وحينما يفرح اهللا بانتهاء خلقه العالم ويفرح بشكل خاص بخلق اإلنسـان؟ فكيـف ال يكـون بـال أي إدراك مـن يحـاول

أن يخضع النفوس لخطايا سابقة جعلتها تسجن في الجسد؟ أال يكـون خالقـا لسـجن ولـيس للعـالم؟ أال يكـون سـرور

بمجــيء الــذين أخطــأوا لكــي يعــذبوا فــي الجســد؟ وكيــف يكــون صــالحا فــي هــذه الحالــة. مضــاد للعقــل فــي أنــه يفــرح

ولكن بكل يقين هو صالح وخالق الصالحات، ولذلك فأن الوجود في الجسد ليس بطبيعته عقاب.

لو كانت نفس اإلنسان قد ربطت بالجسـد لكـي تـدفع ثمـن خطاياهـا السـابقة علـى ميالدهـا فـي العـالم، -21

). ونـوح البـار هـو الـذي خلـص ونـال 5: 2بط 2هو بمثابة عقاب، فلماذا جاء الطوفان على عالم الفجار (والجسد

مكافأتــه علــى إيمانــه بــاهللا؟ ألــم يكــن ألفضــل أن الــذين فــي الشــر يبقــون فــي األرض ليعيشــوا فتــرة أطــول فــي الجســد

د مكافـأة لهـم علـى مخـافتهم اهللا؟ ولكـن لكي يعـاقبوا أكثـر وبشـدة، أمـا األتقيـاء الصـالحون، فيحلـون مـن ربـاط الجسـ

خـــالق الكـــل، هـــو بـــار ويعطـــي كـــل واحـــد حســـب عملـــه. وألنـــه بـــار يعاقـــب الخطـــاة بمـــوت الجســـد، ويفـــرح قلـــوب

الصــديقين بالحيــاة فــي الجســد. لــذلك فاألجســاد ليســت عقوبــة لنفــوس البشــر، لــئال يصــبح اهللا غيــر عــادل، عنــدما

األبرار بما هو عقاب. يعاقب غير الصالحين بما هو خير ويكرم

إذا كــان الــنفس قــد نزلــت إلــى الجســد عقابــا لهــا علــى خطايــا ســابقة اقترفهتهــا، فكيــف أحــب المخلــص -22

) وأقامــه مــن المــوت وبــذلك أرغمــه علــى العــودة إلــى العقــاب الــذي تحــرر بــأن أقامــه ورده إلــى 36: 11لعــازر (يــو

فين. الحياة. هكذا ال يوجد هدف صالح في تعليم المخال

ــاء أولئــك –إذا كــان -23 ــا ســابقة لخلــق الجســد، –بحســب غب ــنفس كعقــاب، وبســبب خطاي أن الجســد لل

: 5فتكــون الخطيــة هــي التــي أعطــت طبيعــة األجســاد. ولكــن مــن الواضــح أن المــوت دخــل بواســطة الخطيــة (رو

البــدء أي الجســد بمــا ). وهــذا يجعــل الخطيــة تتســلح ضــد نفســها وتحــارب نفســها ألنهــا تهــدم مــا جــاءت بــه فــي12

). 18: 11جــاءت بــه بعــد ذلــك أي المــوت. وبهــذا يصــبح الشــيطان منقســما علــى نفســه "فكيــف تــدوم مملكتــه" (لــو

كما قال المخلص. وبكل يقين أن هذا الفكر ساذج وغير معقول. والتعليم الصحيح هو الحق.

: 1خـل المـوت بجسـد إبلـيس" (حكمـة لقد خلق اهللا كل شئ في عدم فساد وهو لم يخلق الموت بـل "د -24

). ولــو صــح أن الجســد أعطــى لكــي يكــون عقابــا للــنفس فلمــاذا، خبرونــي يــا ســادتي، نــتهم الشــيطان 24: 2؛ 12

بالحسد، ألنه حسب تعليم المخالفين يكون الشيطان خير عون ألنه نهى شقاوة وعذاب الجسـد بـالموت؟ ولمـاذا إذا

ربطنـا بالجسـد؟ ألن حسـد الشـيطان هـو الـذي تسـبب فـي فسـاد أجسـادنا، إذا لـم نقدم الشكر للمخلص ألنه بالقيامـة

يكن عقابا بالمرة أن يكون لنا جسد، كما أنه ليس أجرة خطايا سابقة.

) 10: 1وكون العالم به" (يو "

االبـن ال نحتاج إلى أن نقول أن اإلنجيلي قد أعلن بهذه الكلمات أن العالم خلق بواسطة النـور الحقيقـي أي

الوحيــد. ومــع أنــه دعــاه بكــل وضــوح الكلمــة فــي البــدء وأكــد أن كــل شــئ بــه كــان وأنــه بغيــره لــم يكــن شــئ ممــا كــان

وشرح كيف أنه هو الخـالق والصـانع إال أنـه وجـد أنـه مـن الضـروري بشـكل خـاص أن يعـود إلـى نفـس النقطـة مـن

عقائد اإللهية النقية. وعندما قـال اإلنجيلـي عـن جديد لكي ال يبقى مجال للخطأ أو االنحراف للذين يريدون إفساد ال

النــور أنــه كــان فــي العــالم فهــو بهــذا ال يعطــي فرصــة لمــن يريــد محاربــة الحــق باعتقــادات ال معنــى لهــا مــدعيا بــأن

النــور لــه طبيعــة مثــل طبيعــة المخلوقــات (أي الشــمس والقمــر والكواكــب وهــي أجــزاء مــن جســم الكــون)، لــذلك فــإن

عتقاد السليم بأن االبن الوحيـد هـو خـالق وصـانع العـالم كلـه لكـي يثبتنـا ويقودنـا إلـى إدراك الحـق اإلنجيلي يؤكد اال

إدراكا صحيحا بدون أي خطأ. ومن هو الغبي أو من هو الذي سكنت الحماقـة فـي فكـره فـال يعتقـد بـأن االبـن هـو

مخلوقــة يجــب أن تكــون مختلفــة تمامــا غيــر العــالم المخلــوق والمرئــي، أو يضــع المخلــوق مكــان الخــالق. فاألشــياء ال

عن الخالق فالصانع والمصنوع ليسا واحدا.

واذا اعتقـــدت أنهمـــا واحـــد وال يوجـــد اخـــتالف فـــي الكيـــان فـــأن المخلـــوق ســـوف يرتفـــع إلـــى طبيعـــة الخـــالق،

الوجـود بـل والصانع سوف ينزل إلى مستوى المخلوقات وال يبقى لدينا القوة الواحدة التي أتت بالكل من العـدم إلـى

ســوف تصــبح هــذه القــوة الخالقــة كامنــة كإمكانيــة فــي المخلوقــات إذا لــم يكــن بــين المخلوقــات والخــالق فواصــل، أو

باالدعاء بأن جوهر المخلوقات هو جوهر الخالق ذاته كل هذا يـؤدي بنـا فـي النهايـة إلـى اعتبـار أن المخلـوق هـو

)، 10: 1شــرفيا بقولــه "كــان فــي العــالم وكــون العــالم بــه" (يــو خــالق ذاتــه، وبــذلك يمــنح اإلنجيلــي االبــن الوحيــد لقبــا

ولكنــه يعــرف أن خــالق كــل األشــياء هــو واحــد بطبيعتــه. وأن المصــنوع لــيس مثــل الصــانع ألن اهللا والخليقــة عنــد

أصحاب االعتقاد الصحيح مختلفان تماما، فالخليقة خاضعة مثل خضـوع العبـد عارفـة بحـدود طبيعتهـا، أمـا االبـن

: 4يســود عليهــا وهــو وحــده مــع اآلب لــه القــدرة علــى أن "يــدعو األشــياء غيــر الموجــودة كأنهــا موجــودة" (رو فهــو

). وأيضا بقوته غير المدركة يستطيع أن يعطي الوجود من العدم لما هو غير موجود. 17

لثــالوث القــدوس ولقــد كتبنــا الكثيــر عــن أن االبــن بالطبيعــة هــو اهللا وأنــه مختلــف عــن الخليقــة عنــدما شــرحنا ا

ولذلك لن نزيد هنا ويكفي مـن أجـل الفائـدة أن نضـيف أن قـول اإلنجيلـي "وكـون بـه العـالم" يقودنـا إلـى التفكيـر فـي

اآلب ألن عبارة "به" تقود أيضا إلى "منه". ألن كل األشياء هي من اآلب باالبن في الروح القدس.

والعالم لم يعرفه" "

وألنـــه لـــبس الـــروح بطريقـــة تقدمـــه للحـــق عجيبـــة، لقـــد دعـــا االبـــن "النـــور يراقـــب اإلنجيلـــي ســـقطات الـــبعض

الحقيقي" وأكد أنه "ينير كل إنسان آت إلى العالم" وأضاف "كان في العالم وكون العالم به" وبذلك فلم يترك مجـاال

ألي خطأ.

ي يضئ قلب كل إنسـان ولكن واحدا من المقاومين ربما يقول "يا سادة لو كان الكلمة هو النور الحقيقي الذ

بالمعرفة اإللهية وبالمعرفة النافعة لإلنسان أيضا وكان هذا النـور دائمـا فـي العـالم وكـان هـو نفسـه صـانعه. فكيـف

صار غير معروف على مدى أجيال طويلة؟ إذا فهو لم يكن ينير وال كان هو النور بالمرة".

ها بقولــه "والعــالم لــم يعرفــه" لــيس ألنــه غيــر معــروف والالهــوتي يوحنــا يقابــل هــذه الفكــرة بالــذات بمــا يصــحح

وانمــا ألن العــالم ضــعيف. فــاالبن ينيــر والخليقــة تبعثــر النعمــة. لقــد أعطــى الكلمــة للخليقــة النظــر لكــي تدركــه كإلــه

بالطبيعــة ولكــن الخليقــة بــددت العطيــة وجعلــت الكائنــات حــاجز يمنعهــا عــن تأمــل اهللا ولــم تتأمــل إال ذاتهــا، ودفنــت

االســتنارة تحــت اإلهمــال "فأهملــت الموهبــة" التــي حــذر بــولس تلميــذه مــن أن يهملهــا بــل أن يكــون صــاحيا عطيــة

)، فليس النـور هـو المسـئول عـن مـرض غيـر المسـتنيرين ألنـه كمـا يشـرق نـور الشـمس 5: 4تي 2؛ 14: 4تي 1(

ــوم المــرض الــذي أصــا ب العينيــين. هكــذا أنــار علــى الكــل وال يســتفيد منــه األعمــى دون أن نلــوم الشــمس وانمــا نل

الكلمــة ولكــن الخليقــة المريضــة لــم تتقبــل النــور. هكــذا النــور الحقيقــي االبــن الوحيــد الــذي ينيــر الكــل، لكــن "إلــه هــذا

)، 4: 4كـو 2الدهر" كما يقول بولس "أعمى أذهان غير المؤمنين لئال يضئ لهم نـور معرفـة اهللا ويشـرق علـيهم" (

لعمى إال أنـه لـم يصـل إلـى العمـى الكامـل أو الحرمـان الكامـل مـن النـور (ألن وعندما نقـول أن اإلنسـان أصـيب بـا

الفهــم الــذي وهبــه اهللا لإلنســان لــم يطفــئ مــن طبيعتــه)، ولكــن اإلنســان يطفــئ النــور وبالحيــاة الفاســدة التــي عاشــها

"أفـتح عينــي لكــي أري وذلـك عنــدما يقـدم لنــا المــرنم الحكـيم مثــال الــذين فقـدوا النعمــة فأنــه يترجـى االســتنارة مــن اهللا

س) وهــذا أشــعل النــور 20: 8). ألنــه أعطــاهم النــاموس معينــا (انظــر أش 18: 119عجائــب مــن شــريعتك" (مــز

اإللهي فينا من جديد، ونظف عيني القلب من الظلمة التي جاءت من الجهل القديم الذي ولـد بسـبب االبتعـاد عـن

اهللا.

الشـكر وعـدم إدراك خالقـه، وأيضـا ألنـه ال يقـدم الثمـار الصـالحة العالم في الحقيقة محكوم عليه بتهمة عـدم

النابعـة مــن االسـتنارة وهــذه الحقيقـة يعبــر عنهـا النبــي عنــدما رتـل هــذه الفقـرة عــن بنـي إســرائيل "ونظـرت لكــي يثمــر

ن الوحيـد. س)، وثمار االستنارة هي بكل حق اإليمان الصحيح باالب4: 5عنبا ولكنه أثمر عنبا رديا وشوكا" (أش

وهــو يشــبه عنقــود العنــب فــي الكرمــة أي فهــم اإلنســان. ولــيس العكــس أي رفــض اإليمــان بــاالبن الوحيــد. أمــا قبــول

المشورة الفاسدة للهراطقة التي تؤدي إلى كفر تعدد اآللهة فهو يصبح مثل األشواك الحادة تنمو في داخلنـا وتجـرح

عقولنا حتى الموت بخداع تعدد اآللهة.

) 11: 1ى خاصته وخاصته لم تقبله" (يو جاء إل"

يتـــابع اإلنجيلـــي كالمـــه مؤكـــدا رجـــاء كرازتـــه بـــأن العـــالم لـــم يعـــرف الـــذي ينيـــره أي االبـــن الوحيـــد وأن أســـوأ

الخطايا كانت خطية بني إسرائيل ولكن اإلنجيلي يسرع لتأكيد جهل األمم أيضا وهـو المـرض الـذي أدي إلـى عـدم

لعالم كله ولكنه في االتجاه اآلخر يسرع للكـالم عـن التجسـد، ومـن الكـالم عـن الالهـوت اإليمان والذي انتشر في ا

الخالص ينزل تدريجيا لشرح التدبير الخاص بالتجسد والذي أتمه االبن ألجلنا.

لم يكن غريبا أن العالم لم يعرف االبن الوحيد ألنه ترك المعرفة اإلنسانية وصار جـاهال بحقيقـة خلقـه حتـى

)، وحتــى الــذين ينتمــون إليــه أي شــعب العهــد 20: 49أكــرم "الحيوانــات التــي تفنــي كآلهــة" كمــا يقــول المــرنم (أنــه

القديم رفضوه عندما رأوه في الجسد، ولم يقبلوه عندما جاء لخالص الكـل وأعطـى الملكـوت مكافـأة لإليمـان. ولكـن

تهم العالم بأنه لم يعرف مطلقـا الـذي ينيـره وفـي علينا أن نالحظ دقة اإلنجيلي في التعبير عن هذه الحقائق، فهو ي

نفــس الوقــت يقــدم المغفــرة عــن هــذا الخطــأ بالــذات ويمهــد لألســباب التــي تــؤدي إلــى خاصــة بــه (االبــن) فهــو يقــول

بشكل قاطع "لـم يقبلـوه" وحقـا ال يكـون هـذا الكـالم صـحيحا إذا لـم يكـن النـاموس القـديم قـد كـرز بـه واألنبيـاء الـذين

)، أي القطـع مـن الزيتونـة كـان قـرارا 22: 11د النـاموس قـادهم إلدراك الحـق ولـذلك فقـرار القطـع (روميـة جاءوا بعـ

عــادال مثــل القــرار الخــاص بــالخيرات التــي أعطيــت لألمــم ألن عــالم األمــم فقــد مكانــه فــي بيــت اهللا لســقوطهم فــي

ــذين كانــ ت لهــم معرفــة غنيــة بــه بســبب النــاموس شــرور الوثنيــة ممــا جعلهــم يفقــدون معــرفتهم بالــذي ينيــرهم أمــا ال

ودعاهم الناموس إلى حياة ترضى اهللا لكي يكونوا فـي بيتـه بكـل حريـة سـقطوا ولـم يقبلـوا الكلمـة الـذي كـان معروفـا

لهم والذي جاء إليهم كخاصته. أن العـالم كلـه خـاص بـاهللا ألنـه خليقـة اهللا وألن اهللا جـاء بـه مـن العـدم إلـى الوجـود

إال أن إســرائيل دعــى بشــكل خــاص خاصــته فلهــم المجــد بســبب اختيــار اآلبــاء القديســين بــل دعــى بواســطة الكلمــة،

). الـذي خصصـه واختـاره لنفسـه 22: 4منذ البدء "بكر" أبناء اهللا، فـاهللا يقـول لموسـى: "إسـرائيل ابنـي البكـر" (خـر

ثيرة مـن أسـفار موسـى، تؤكـد )، وبراهين ك1: 8وأعلنه كشعبه قائال لفرعون ملك مصر "اترك شعبي ليخرج" (خر

أن إسرائيل خاص باهللا، وال سيما ما هو مكتـوب "عنـدما قسـم العلـي األمـم، وأفـرز أبنـاء آدم، جعـل الشـعوب تحـت

س). 9-8: 32قيادة مالئكة اهللا، أما يعقوب شعبهن فصار نصيب الرب، إسرائيل ميراثه" (تث

"أننـي لـم أرسـل إال لخـراف بيـت إسـرائيل الضـالة" ولذلك سار الرب في وسطهم كمن يسـير فـي ميراثـه قـائال

). 24: 15(مت

وعنــدما لــم يقبلــوه، نقــل النعمــة لألمــم، والعــالم الــذي لــم يعرفــه منــذ البــدء عنــدما أنــاره، يقــدم لــه االســتنارة مــن

ك يقــول جديــد بالتوبــة واإليمــان، أمــا إســرائيل فيعــود إلــى الظــالم الــذي تركــه عنــدما قبــل المعرفــة مــن النــاموس. لــذل

). 39: 9المخلص "لدينونة أتيت إلى هذا العالم، لكي يبصر الذين ال يبصرون ويعمي الذين يبصرون" (يو

أمــا كــل الــذين قبلــوه، فأعطــاهم ســلطانا أن يصــيروا أوالد اهللا، أي المؤمنــون باســمه" " ) 12: 1(يو

مكن في بيت اهللا، إلـى خاصـته، ولـم يقبـل هذه هي دينونة اهللا العادلة، إسرائيل البكر، طرح خارجا ألنه لم ي

االبن الذي جاء وسط خاصته بل رفض مانح الكرامة، وواهب النعمة أما األمم فقد قبلوه باإليمان.

ولـــذلك ســـوف يأخـــذ إســـرائيل أجـــرة غباوتـــه، وســـينوح علـــى فقـــدان الخيـــرات اإللهيـــة، ويتـــذوق مـــرارة المشـــورة

فســـيفرحون بـــالخيرات اإللهيـــة، التـــي جـــاءت إلـــيهم باإليمـــان، وســـيجدون الفاســـدة، والحرمـــان مـــن البنـــوة، أمـــا األمـــم

). ألنهــم 24: 11المكافــأة العظيمــة لطاعــة اإليمــان، ولســوف يطعمــون فــي الزيتونــة الجيــدة بــدال مــن إســرائيل (رو

ة" كما يقول الرسول "سوف يقطعون من الزيتونة البرية حسب الطبيعة، ويطعمون بخالف الطبيعة فـي زيتونـة جيـد

)، وسوف يسـمعون هـذا الحكـم مـن أشـعياء "ويـل لألمـة الخاطئـة الشـعب المثقـل بـاألثم، نسـل فـاعلي 24: 11(رو

). ولكـن واحـد مـن تالميـذ المسـيح يقـول عـن 4: 1الشر، أوالد مفسدين تركوا الـرب، أغـاظوا قـدوس إسـرائيل" (أش

اء، لكـي تخبـروا بفضـائل الـذي دعـاكم مـن األمم "أما أنتم فجـنس مختـار، كهنـوت ملـوكي، أمـة مقدسـة، شـعب اقتنـ

).إذ حيــث أنهــم قبلــوا االبــن نــالوا الســلطان أن يعــدوا مــن أوالد اهللا. فــاالبن 9: 2بــط 1الظلمــة إلــى نــوره العجيــب" (

وحده هو الذي يعطي ما يخص طبيعته، ليكون في سـلطانهم جـاعال مـا يخصـه مشـتركا وعامـا بيـنهم، ليكـون هـذا

إلنســان، وللعــالم. ولــيس هنــاك وســيلة أخــرى غيــر هــذه تجعلنــا نحــن الــذين لبســنا "صــورة صــورة طبيعيــة محبتــه ل

) بـدعوتنا إلـى البنـوة، ألننـا عنـدما 49: 15كـو 1الترابي" نهرب من الفساد، إال إذ ختمنـا بجمـال صـورة السـمائي" (

لكتـب المقدسـة بأننـا خلقنـا نشترك فيه بالروح القدس، تخـتم لنكـون مثلـه ونصـعد إلـى الصـورة األولـى التـي أخبرتنـا ا

). وبـذلك نكــون قـد اسـتعدنا جمـال طبيعتنــا األولـى وخلقنـا مـن جديــد لنكـون علـى مثـال الطبيعــة 27: 1عليهـا (تـك

اإللهيـــة، ونصـــير مـــرتفعين فـــوق األمـــراض التـــي أصـــابتنا بســـبب الســـقوط. إذا نحـــن نرتفـــع إلـــى كرامـــة أســـمى مـــن

أبنـــاء اهللا" لـــيس مثلـــه تمامـــا، بـــل بالنعمـــة وبالتشـــبه بـــه. فهـــو االبـــن طبيعتنـــا بســـبب المســـيح ألننـــا ســـنكون أيضـــا "

الحقيقي، الكائن مع اآلب منذ األزل. أما نحـن فبـالتبني بسـبب تعطفـه، ومـن خـالل النعمـة التـي أخـذناها "أنـا قلـت

وق الطبيعـة )، فالطبيعة المخلوقة الخاضعة للخالق، دعيت إلى ما هـو فـ6: 82أنكم آلهة وكلكم أبناء العلي" (مز

بإرادة اآلب فقـط، أمـا االبـن، واإللـه والـرب، فهـو لـيس االبـن واإللـه بـإرادة اآلب واختيـاره، وانمـا بـالوالدة مـن جـوهر

اآلب ذاتــه يصــبح بالطبيعــة لــه كــل صــفات اهللا وصــالحه. وأيضــا يمكننــا أن نــرى بكــل وضــوح أنــه االبــن الحقيقــي

خـــاص، غيـــر كياننـــا الـــذي بـــالتبني وبالتشـــبه، إذا هـــو االبـــن بـــالحق بالمقارنـــة مـــع أنفســـنا فهـــو بالطبيعـــة لـــه كيـــان

وبالطبيعة، ونحن صرنا به أبناء أيضا، وننال الخيرات بالنعمة دون أن تكون هذه الخيرات هي من طبيعتنا.

الذين ولدوا ليس من دم، وال من مشيئة جسد وال من مشيئة رجل بل من اهللا" "

) 13: 1(يو

ن الـذين دعـوا لإليمـان بالمسـيح للتبنـي، يخلعـون صـغر طبيعـتهم، واذ يتزينـون بالنعمـة ذاك يقول اإلنجيلي أ

الذي أكرمهم بلباس فائق فأنهم يرتفعون إلى كرامة تفوق الطبيعة، فهم لم يعودوا بعد أبناء اللحم، بـل بـالحري أوالد

اهللا بالتبني.

فـي كلماتـه، وكيـف يعبـر عـن الحـق بدقـة، ألنـه لكن علينا أن نالحظ كيف يستعمل اإلنجيلـي احتراسـا كبيـرا

أراد أن يقـــول أن الـــذين يؤمنـــون قـــد ولـــدوا مـــن اهللا، حتـــى ال يظـــن أحـــد أنهـــم بـــالحق ولـــدوا مـــن جـــوهر اهللا اآلب،

ويصــبحون مثــل االبــن الوحيــد تمامــا أو يصــيرون مثــل مــن قيــل عنــه حســب ضــعف اللغــة البشــرية. "مــن الــبطن

ينــزل "االبــن إلــى مســتوى طبيعــة المخلوقــات رغــم أنــه قيــل أنــه مولــود مــن اهللا، س)، وبــذلك3: 110ولــدتك" (مــز

وبســبب كــل هــذا أضــاف اإلنجيلــي هــذه الكلمــات. لقــد قــال أنهــم أخــذوا الســلطان مــن االبــن لكــي يكونــوا "أوالد اهللا"،

كـي يوضـح عظـم فنالوا ما لم يكن لهم من قبل، بواسطة نعمـة التبنـي، وبـدون أي خـوف يضـيف "ولـدوا مـن اهللا"، ل

النعمة التي أعطيت لهم والتي جمعت كما لو كان في طبيعة متجانسة ذلك الذي كـان غريبـا عـن اهللا اآلب وترفـع

العبد إلى كرامة سيده بواسطة محبة السيد للعبد.

وماذا أكثر من ذلـك؟ مـا الـذي نالـه الـذين يؤمنـون بالمسـيح أكثـر ممـا نالـه إسـرائيل الـذي دعـى أيضـا "أبنـاء

س)، أول مـا يجـب أن نقولـه، أنهـم أخـذوا 2: 1هللا" كما في أشعياء "ولدت نبينـا ورفعـتهم، أمـا هـم فرفضـوني" (أش

). ولذلك لـم ينـالوا البنـوة 1: 10الناموس، ولكن "الناموس له ظل الخيرات العتيدة"، "ال نفس صورة األشياء" (عب

ــذين 10: 9(عــب بــالحق، بــل أخــذوها بشــكل رمــزي، إلــى أن جــاء "وقــت اإلصــالح" )، الــذي فيــه يظهــر أولئــك ال

يدعون اهللا حقـا أبـا، ألن روح االبـن الوحيـد يسـكن فـيهم. وهـؤالء فـي العهـد القـديم نـالوا "روح العبوديـة للخـوف" أمـا

). ولـذلك فالشـعب الـذي دعـى للتبنـي، 15: 8نحن فنلنا "روح التبنـي" للحريـة "الـذي بـه نصـرخ أبـا أيهـا اآلب" (رو

ن بالمسيح، قد سبق فصار إسرائيل رمزا له في ظالل الناموس. تماما مثلما نعتقد أن الختـان بـالروح، سـبق باإليما

ورمز له ختانهم في القديم في اللحم، وباختصار كل ما هو لنا كان عندهم بشكل رمزي، باإلضافة إلى ما ذكرنـاه

ة موســى، ألنهــم اعتمــدوا لــه فــي الســحابة وفــي يمكــن أن نقــول أن إســرائيل دعــى إلــى التبنــي رمزيــا بواســطة وســاط

). ألنهم بواسطة موسـى أعيـد تـوجيههم مـن الوثنيـة إلـى نـاموس العبوديـة، ألن الوصـايا التـي 2: 10كو 1البحر" (

)، أمــا الــذين باإليمــان بالمســيح يصــلون إلــى البنــوة 29: 3اعتمــدت علــى الحــرف، أعطيــت بواســطة مالئكــة (غــال

تمـــدون لـــيس لمـــا هـــو مخلـــوق، وانمـــا يعتمـــدون للثـــالوث القـــدوس نفســـه، وبواســـطة الكلمـــة التـــي مـــن اهللا، فـــأنهم يع

كوســيط، الــذي أتحــد بمــا هــو إنســاني أي بالجســد، وفــي نفــس الوقــت هــو متحــد مــع اآلب، ألنــه إلــه، وهــذا يجعلنــا

كرامــة االبــن. لــذلك نرتفــع مــن رتبــة العبوديــة إلــى البنــوة، وباالشــتراك الحقيقــي فــي االبــن، دعينــا إلــى أن نرتفــع إلــى

فنحن الذين أخذنا الوالدة الجديدة بالروح القدس باإليمان قد دعينا بل ولدنا من اهللا.

لكن حيـث أن الـبعض لهـم جسـارة كاذبـة، ويتهـورون بـالكالم ضـد االبـن وضـد الـروح القـدس أيضـا، مـدعين

د مـا يصـدر مـن ألسـنتهم الهوجـاء، أنه مخلوق، وأنه لـيس مـن جـوهر اهللا اآلب ذاتـه. دعونـا نحشـد كلمـة الحـق ضـ

وتصبح هذه مناسبة هامة لفائدتنا نحن والقارئين أيضا.

ألنه إن كان روحه الخاص لـيس بالطبيعـة هـو اهللا، ولـيس مـن اهللا، وبـذلك يكـون غيـر موجـود فيـه جوهريـا،

ــا نحــن ــذين نولــد بــل هــو مختلــف عنــه، وهــو غيــر بعيــد عــن مشــاركة المخلوقــات فــي الطبيعــة، فكيــف يقــال عن ال

بواسطته، أننا مولودون من اهللا؟

وأما أن يكون اإلنجيلي كاذبا (وهو ليس كذلك)، وأما أن يكون صادقا وبـذلك يصـبح الـروح القـدس هـو اهللا،

) ومولـودين 4: 1بـط 2ومن اهللا بالطبيعة ونصبح نحن مستحقين باإليمان بالمسيح لالشتراك في الطبيعة اإللهيـة (

ن آلهة، وليس بالنعمة وحدها نطير إلى المجد الذي فوق طبيعتنا. بل اآلن لنا سـكنى اهللا وأقامتـه من اهللا، ومدعوي

). وعلــى المقــاومين لنــا الــذين 16: 6كــو 2؛ 12: 26فينــا. حســبما قيــل بــالنبي: "سأســكن فــيهم وأســير معهــم" (ال

ل الرسـول بـولس يـدعونا هيكـل اهللا امتألوا من عدم المعرفة أن يخبرونا كيف يسكن الروح القدس فينـا وهـو مـا جعـ

كـو 1إن لم يكن هو اهللا بالطبيعة. واذا كان الروح القـدس مخلوقـا، فكيـف قيـل أن اهللا يهلـك مـن يـنجس هيكـل اهللا (

)، أي عنــدما يتــدنس الجســد الــذي يســكن فيــه الــروح القــدس، والــذي بســبب ســكناه ننــال كــل مــا يخــص اهللا 17: 3

ابنه الوحيد. اآلب بالطبيعة وما يخص بالمثل

وكيف يصبح المخلص صادقا في قوله "أن أحبني أحد، يحفظ كالمـي وأبـي يحبـه واليـه نـأتي وعنـده نصـنع

) ونستريح فيـه. ألـيس الـروح القـدس هـو الـذي يسـكن فينـا. ونحـن نـؤمن أنـه بـه يكـون لنـا اآلب 23: 14منزال" (يو

: 4يـو 1ا نسـكن فيـه وهـو فينـا، ألنـه أعطانـا مـن روحـه (واالبن، كما قال يوحنا أيضا في رسـائله. بـذلك نعـرف أننـ

). وكيف يدعي الروح القدس روح اهللا، إذا لـم يكـن منـه وفيـه بالطبيعـة؟ ولـذلك فهـو اهللا. ولـو كـان كمـا يـدعون 13

مخلوقــا وهــو روح اهللا، لــيس مــا يمنــع الخالئــق األخــرى مــن أن تــدعى أرواح اهللا، فهــذا يصــبح ممكنــا بالنســبة لهــم

للمساواة التي بينهم وبين الروح القدس. نظرا

وكان يجب أن نناقش هذه النقاط بالـذات بشـكل مسـهب لكـي نوضـح كيـف تنقلـب بـراهين الهراطقـة ضـدهم.

لكن ألنني عالجت كل ما يخص الروح القدس في كتاب "الثالوث" فقد اكتفيت هنا بما ذكرت.

) 14: 1والكلمة صار جسدا" (يو "

جيلــي التجســد بشــكل علنــي، فهــو يؤكــد أن االبــن الوحيــد جــاء، ودعــى ابــن اإلنســان. ولهــذا اآلن يعلــن اإلن

السبب بالذات وليس ألجل أي شئ آخر يقول "الكلمة صار جسدا" ومعنى هذه الكلمات ال يزيـد عـن قولـه "الكلمـة

ر اإللهيـة، ألنهـا غالبـا مــا صـار إنسـانا" وتعبيـر اإلنجيلــي "صـار جسـدا" لـيس غريبــا وال بعيـدا عـن اسـتعمال األســفا

)، ونحـن ال 28: 2تسمى اإلنسان كله "جسد" كما جاء في النبي يوئيل "سأسكب مـن روحـي علـى كـل جسـد" (يـؤ

نعترض أن النبي يعني أن الروح القدس قد أعطى للجسد دون النفس، أو للجسـد وحـده، فهـذا غيـر معقـول بـالمرة.

ى اإلنسـان جسـدا، وهـذا صـحيح. وال يوجـد مـا يـدعو إلـى افتـراض أن ولكن ألننا ندرك الكل عن طريق الجزء يسـم

تسمية اإلنسان جسد تعني عدم وجود النفس لكن لماذا يسمى اإلنسان جسدا، هذا ما نحتاج شرحه.

اإلنسان مخلوق عاقل، ومركب، مـن الـنفس، ومـن جسـد ترابـي قابـل للفنـاء. وعنـدما خلـق اهللا اإلنسـان، أتـى

الوجــود، دون أن يكــون فــي طبيعــة اإلنســان عــدم فســاد أو عــدم فنــاء (ألن هــاتين الصــفتين مــن بــه مــن العــدم إلــى

صفات اهللا وحده). ولكن اإلنسان ختم بروح الحياة، أي االشتراك فـي الالهـوت فنـال اإلنسـان بـذلك الصـالح الـذي

). 7: 2ن نفســا حيــة (تــك يفــوق الطبيعــة اإلنســانية، ولــذلك قيــل أن اهللا نفــخ فــي انفــه نســمة حيــاة، فصــار اإلنســا

). فتعــرى مــن 19: 3وعنــدما عوقــب اإلنســان علــى معصــيته قيــل لــه بــالحق "تــراب أنــت والــى التــراب تعــود" (تــك

النعمة أي نسمة الحياة أي روح ذاك الذي يقول "أنا هو الحياة" ففارق الروح القدس الجسـد الترابـي وسـقط اإلنسـان

النفس فلم تفقد عدم الموت، ألنه عن الجسد وحده قيل "تراب أنت والـى فريسة للموت، أي موت الجسد وحده. أما

التراب تعود". ولذلك كانت الحاجة ماسة إلى أن الذي فينا والذي صـار فـي خطـر دائـم وتحـول إلـى االنحـالل، أن

ى رفــع يتجــدد بقــوة، وأن يــتم نســجه مــن جديــد بنســيج الحيــاة القــادرة بطبيعتهــا علــى عــدم المــوت. وكانــت الحاجــة إلــ

عقوبــة "تـــراب أنــت والـــى التـــراب تعــود". أن يتحـــد الجســـد بشــكل فـــائق بالكلمــة الـــذي يحيـــي الكــل. وعنـــدما يصـــبح

الجسد، جسد الكلمة، فأنه يشترك في عدم الموت الخـاص بالكلمـة. وألنـه مـن غيـر المعقـول بـالمرة، أن النـار التـي

درتها وال يمتـد تأثيرهـا إلـى الخشـب، وهـذا يعنـي أننـا لها قدرة وحرارة ذاتية على أن تحـول الخشـب إلـى نـار، تقـف قـ

نتمسك بأن الكلمة الذي هو فوق الكل قد أعطى الجسد من صالحه أي الحياة، فلم يكتف بتجديد النفس فقط.

لذلك السبب بالذات اعتقد أن اإلنجيلي القديس، كان يقصد الجانب الذي تأثر أكثر مـن غيـره فـي اإلنسـان،

ة صــار جســدا، لكــي نــرى فــي وقــت واحــد، الجــرح والــدواء، المــريض والطبيــب، ذاك الــذي ســقط عنــدما قــال "الكلمــ

تحت قبة الموت والذي يقيمه للحياة، ذاك الذي سـاد عليـه الفسـاد والـذي طـرد الفسـاد، ذاك الـذي أمسـك بـه المـوت

والذي هو أسمى من الموت، ذاك الذي له عدم الحياة وذاك الذي هو واهب الحياة.

ــاء والقديســين، ولــم يقــل اإلنجيلــي أن الكلمــة جــاء إلــى الجســد مثلمــا فعــل فــي القــديم عنــدما جــاء إلــى األنبي

واشتركوا فيه وانما ما يعنيه اإلنجيلي، أنه صار جسـدا، أي صـار إنسـانا ولكنـه هـو اهللا بالطبيعـة وهـو فـي الجسـد،

هو فـي الجسـد حسـب مـا هـو مكتـوب فـي أشـعياء وجعله جسد دون أن يفقد الهوته، فهذا هو اعتقادنا ألننا نعبده و

"الرجال ذو القامة سوف يأتون إليك ولك يكونون، سوف يأتون مقيدين بسالسـل وسـوف يخـرون أمامـك ويتوسـلون

س)، وهـا هـو يقـول أن اهللا فيـه، ألنـه ال يفصـل الكلمـة عـن 14: 45إليك، ألن اهللا فيك، وال إله آخـر سـواك" (أش

جد إله آخر سواه، أي الذي اتحد بالجسد، هيكله الذي أخـذه مـن العـذراء ألنـه مسـيح واحـد الجسد، وأيضا أنه ال يو

من االثنين.

وسكن فينا" "

يكــرر اإلنجيلــي مــا ســبق وقالــه، ويجعــل االعتقــاد واضــحا جــدا فبعــد أن قــال أن كلمــة اهللا تجســد، وحتــى ال

، وبـذلك صـار قـابال للتغيـر (مـع أن الالهـوت يتصور أحد بجهل أنه تخلـى عـن طبيعتـه، وتحـول إلـى جسـد، وتـألم

بعيــد تمامــا عــن التغييــر والتبــديل)، أضــاف اإلنجيلــي اإللهــي علــى الفــور "وســكن فينــا"، لكــي نــدرك أنــه يــتكلم عــن

شــيئين أوال الســاكن، ثــم المســكن، لكــي ال يفتــرض أحــد بعــد ذلــك أنــه تحــول إلــى جســد، وانمــا ســكن فــي الجســد،

الــذي أخــذه مــن العــذراء القديســة، أو كمــا يقــول بــولس "ألن فيــه يحــل كــل مــلء الالهــوت واســتخدم جســده، الهيكــل

). 9: 2جسديا" (كو

ومن أجل منفعتنا يقول أن الكلمة سـكن فينـا، لكـي يرفـع الحجـاب عـن السـر العميـق، ألننـا نحـن جميعـا فـي

مــا جعلــه يــدعى "آدم الثــاني" (كــو المســيح، والجماعــة المشــتركة فــي الطبيعــة اإلنســانية ارتفعــت إلــى شخصــه، وهــو

)، واهبــا بغنــى للطبيعــة اإلنســانية المشــتركة، كــل مــا يخــص الفــرح والمجــد، كمــا أعطــى آدم األول كــل مــا 45: 15

يخص الفساد والغم، إذا الكلمة سكن فينا أي في الكل، أي بالواحد الذي "أعلن ابن اهللا بالقوة حسـب روح القداسـة"

كل هذه الكرامة، ويصبح هذا ميراث الطبيعة اإلنسانية، وبسبب واحـد منـا يـتم القـول: "أنـا )، لكي ينال ال4: 1(رو

).6: 82قلت أنكم آلهة وبني العلي كلكم" (مز

)، 7: 2وحقــا فــي المســيح صــار العبــد حــرا، وارتفــع إلــى االتحــاد الســري بــذلك الــذي أخــذ "صــورة العبــد" (فــي

بب قرابته لنا بالجسد.وصار فينا حسب شبه الواحد (المسيح) بس

ولماذا يقول الرسول "لم يأخذ طبيعة المالئكة، بـل طبيعـة نسـل إبـراهيم، مـن ثـم كـان ينبغـي أن يشـبه أخوتـه

)، وبالحق صار إنسانا؟ أليس واضحا للجميع أنه نزل إلى مستوى العبوديـة، دون 17، 16: 2في كل شئ" (عب

). ونرتفـع إلـى فـوق إلـى شـبهه، 9: 8كـو 2لكـي بفقـره نصـير أغنيـاء (أن يفقد ما يخصـه كإلـه. بـل مانحـا ذاتـه لنـا

أي شبه صالحه، ونصير آلهـة، وأبنـاء اهللا باإليمـان؟ وتـم ذلـك ألن الـذي هـو بالطبيعـة االبـن وهـو اهللا سـكن فينـا،

ل ). وسـكن الكلمـة فـي هيكـل واحـد أخـذه منـا وألجلنـا، وصـار مثـ15: 8ولذلك نصـرخ بروحـه "أبـا أيهـا اآلب" (رو

: 2الكل، ألنه عندما احتوى الكل فيه، واستطاع أن "يصالح الكل في جسد واحد" مع اآلب كمـا يقـول بـولس (أف

16- 18 .(

ورأينا مجده، مجد االبن الوحيد لآلب، مملوءا نعمة وحقا" "

لخالئـق بعد أن قال أن الكلمة صار جسدا، أي صار إنسانا، وبعد أن جعله معنـا فـي األخـوة الخاصـة مـع ا

والعبيد، يعود ويؤكد كرامته اإللهية التي لم تتغير، ويعلنـه لنـا إلهـا كـامال، لـه كـل صـفات وطبيعـة اآلب. فالطبيعـة

اإللهية لها ثباتها الخاص بها، وال تقبل التغير إلى ما ليس منها، بل تظل بال تبديل محتفظة بما لها مـن صـفات.

صــار جسـدا" عــاد وأكــد أنـه لــم يخضــع لضــعفات الجسـد، ولــم يفقــد قوتــه وألجـل ذلــك بعــد أن قـال اإلنجيلــي "الكلمــة

ومجده اإللهي، عندما لبس جسد الضعف الذي بال مجد. فقال "ورأينا مجده"، الـذي يفـوق كـل مجـد، والـذي يجعـل

ت كــل مــن يــراه يعتــرف أنــه مجــد االبــن الوحيــد، ابــن اهللا اآلب، المملــوء نعمــة وحقــا. واذا نظــر إنســان إلــى جماعــا

القديسين وقاس األعاجيب التي فعلها كل واحد مـنهم، تملكـه العجـب والمسـرة بمـا حققـه كـل واحـد مـنهم، حتـى أننـا

نقول، أنهم فعال امتلئوا بالمجد من اهللا. لكن اإلنجيلي اإللهـي والشـاهد يقـول أننـا رأينـا المجـد ونعمـة االبـن الوحيـد،

س مـن مجـد ورفعـة، ألن النعمـة التـي فيـه ال يمكـن قياسـها فهـي لـم التي ال تقاس بما لدى اآلخرين، بـل بمـا ال يقـا

تؤخــذ مــن آخــر بــل هــي كاملــة وحقيقيــة ألنهــا فــي الكامــل والحــق، فالمجــد والنعمــة لــم تعــط ولــم توهــب مــن خارجــه

كإضافة، بل هي خاصة به كصفات خاصة بالذي هو من جوهر اآلب وبمن هو في اآلب.

ا هــو أعمــق ممــا ذكرنــاه، فعليــه أن يتأمــل ويعتبــر األعمــال البــاهرة واذا حســن فــي عينــي أحــد أن يختبــر مــ

والمعجزات التي عملها كل قديسي وبين تلك التي عملها مخلصنا المسيح، وسوف يكتشف أن الفرق بيـنهم جميعـا

: 3وبين المسيح عظيم جدا. وما هو أهم من كل هذا، هو أنهم خدام في بيته، أما هو فهو "االبن في بيته" (عب

)، أمـــا عـــن 26: 118) أو كمـــا ذكـــرت األســـفار المقدســـة عـــن االبـــن الوحيـــد "مبـــارك اآلتـــي باســـم الـــرب" (مـــز 6

). وليس هـذا فقـط، بـل أولئـك نـالوا النعمـة 25: 7القديسين، يقول اهللا اآلب "أرسلت إليكم كل عبيدي األنبياء" (أر

ل أعمـال أبـي، فـال تؤمنـوا بـي ولكـن إن كنـت من فوق أمـا االبـن فهـو رب الجنـود الـذي يقـول "إن كنـت لسـت أعمـ

). فإذا كنا باألعمال نرى االبن الوحيد كإله عظيم لـه 38 -37: 10أعمل فأن لم تؤمنوا بي فآمنوا باألعمال" (يو

عظمــة اآلب ذاتهــا، فأننــا نقــدم لــه نفــس الكرامــة التــي نقــدمها لــآلب. ألنــه يعمــل ذات األعمــال، وبكــل يقــين ســوف

علـى القديسـين جميعــا الـذين دعــوا إلـى األخـوة، وهــو كإلـه بالطبيعــة فأنـه يتعــدى –فـي الجســد حتـى وهــو –يتفـوق

ــالتبني. ولكــن حيــث أنــه مكتــوب فــي إنجيــل الحــدود اإلنســانية، والــذي هــو االبــن الحقيقــي يفــوق الــذين هــم أبنــاء ب

حـظ هنـا أن نفـس الـروح يقـول عـن )، فعلينا أن نال52: 2المبارك لوقا "وكان يسوع يتقدم في الحكمة والنعمة" (لو

االبن "إن مجده مملوء من النعمة" فالذي هو مملوء إلى أين يتقدم؟ أو أي إضافة يمكن أن تزاد عليه وهو المملوء

تمامــا؟ ولــذلك يظهــر للــذين يرونــه، مملــوءا أكثــر مــن النعمــة، ويتعجبــون منــه جــدا بســبب أعمالــه، ألن الــذين كــانوا

كإله. وقد قيلت هذه األمور هكذا لمنفعة الذين يريدون أن يعرفوه إلها متجسدا. يرونه هو نفسه الكامل

) 15: 1يوحنا شهد له وصرخ قائال" (يو "

يتابع اإلنجيلي الحكيم ما قدمه من أفكار ويربط بين المقدمات والنتائج. ألنه عندما قال عن ابن اهللا "ورأينـا

شهادته وحده، ألن "رأينا" تعني شهادة جماعية. ولذلك تضـم تسـمية يوحنـا مجده، مجد االبن الوحيد" لم يكن يعني

المعمدان كشاهد آخر له نفس حياة التقوى، وبذلك يصبحان شاهدين البسين للـروح وأخـوين فـي الحـق، ال يعرفـان

كيف يكذبان.

ا "وصــرخ" والحــظ كيــف يســجل قــوة شــهادة يوحنــا المعمــدان فهــو ال يقــول فقــط يوحنــا شــهد، بــل يضــيف إليهــ

). ويجود ألي من المعاندين أن يسأل، متـى شـهد 3: 40وأخذ برهانه من الكلمات "صوته صارخ في البرية" (أش

يوحنــا المعمــدان لالبــن الوحيــد؟ ولمــن أعطــى شــهادته عنــه؟ يقــول اإلنجيلــي "صــرخ"، لــيس فــي زاويــة وال بصــوت

، ونشـر شـهادته فـي كـل حـديث لـه مـع النـاس. منخفض وال سرا "شهد"، بل "صرخ" عاليا بصـوت أعلـى مـن البـوق

وياله من مبشر مجيد، وصوت نافذ، وسابق عظيم معروف.

هذا هو الذي قلت عنه أن الذي يأتي بعدي، صار قدامي، ألنه كان قبلي" "

بعد أن أعلن اسم الشاهد، الذي له نفس اإليمان ونفس االسم، وبعد أن سجل أن صوته عظـيم فـي الكـرازة،

هادته نفسها، والشهادة نفسها هي أهم ما يمكن تسجيله. يسنجل ش

وبماذا صرخ يوحنا المعمدان العظيم وماذا قال عن االبن الوحيد.

الذي يأتي بعدي، كان قبلي". وهذه الكلمات عميقة وتحتاج إلى فحص عميق. "

ص، وبعـده جـاء المعنى الواضح والظاهر هو: بخصوص زمن الوالدة حسـب الجسـد. سـبق المعمـدان المخلـ

عمانوئيل بستة أشهر حسبما سجل لوقا المبارك. ولذلك افترض البعض أن هذا هو معنـى شـهادة يوحنـا المعمـدان

كما سجلها يوحنا اإلنجيلي، أي أن الذي جاء بعدي بستة شهور كان قبلي ولكن الذي يثبـت عينـه الفاحصـة علـى

الســطحي ال يعطينــا شــيئا، بــل يبعــدنا تمامــا عــن الموضــوع األفكــار اإللهيــة، يمكنــه أن يــرى أن مثــل هــذا التفســير

العــام الــذي يســجله اإلنجيــل. فيوحنــا المعمــدان يقــدم لنــا كشــاهد، لــيس لكــي يؤكــد أن المســيح جــاء بعــده أي حســب

ميالده الجسدي بل كشاهد على مجده "مجد االبن الوحيد لآلب، مملوء نعمة وحقا".

نحصــر الكــالم عــن الفــارق الزمنــي بــين المعمــدان والمخلــص؟ فيكــف ومــا هــو معنــى شــهادة المعمــدان. لــو ا

يكون قبله لو كانت الشهادة كلها عن الفارق الزمني "الذي يأتي بعدي كـان قبلـي" وانمـا فـي إطـار مـا قلنـاه، وعلـى

ي بعـد، ال القياس الظاهري في بداية اإلنجيل أن الكالم عن أزلية الكلمة وهذا ما رآه ظاهرا لكل واحـد، ألن مـا يـأت

يمكــن أن يكــون قبــل طالمــا أن الكــالم انحصــر فــي الجانــب الزمنــي. ولــذلك علينــا أن نطــرح تمامــا كــل كــالم عــن

الفــارق الزمنـــي وعــن المـــيالد حســب الجســـد. وانمــا مـــا يريــد أن يســـجله المعمــدان هـــو أن يســتعمل طريقـــة التعبيـــر

البشرية البسيطة والضعيفة لكي يضع فيها أفكار عميقة.

أراد أن يقول أن الذي يسبق ويقود له مجد أعظم من الذي يتبع، مثلما يحدث في عالم اإلنسان، عنـدما لقد

يسبق أحد من الناس غيره في صناعة النحاس أو الخشب أو النسيج، ويصبح له الفخر والمجد على الـذين يـأتون

إذا سـبق واحـد معلمـه فـي الصـناعة ويقلدون العمل الـذي سـبق غيـره فيـه، بـل يصـبح لـه معرفـة أكمـل وأسـمى، أمـا

وتركــه خلفــه وأتقــن شــيئا أعظــم فــأن المتخلــف ال يمكنــه أن يقــول عــن تلميــذه الــذي ســبقه "الــذي يــأتي بعــدي، كــان

قبلي".

واذا نقلنا هذه الفكرة إلى ما قيل عن إلى ما قيل عـن المخلـص المسـيح ويوحنـا المعمـدان القـديس يمكننـا أن

وحنــا المعمــدان قــد كــون حولــه تالميــذا كثيــرين مــن الجمــوع الكثيــرة التــي جــاءت تطلــب نفهــم معنــى مــا قيــل. كــان ي

المعمودية والتفت حوله أما المسيح وهو األعظم، لم يكن معروفا بالمرة، ولم يعـرف النـاس أنـه اإللـه وألنـه لـم يكـن

يوحنـا فـي الشـهرة وبـذلك معروفا، بينما المعمدان موضع إعجاب الكل، فقد كـان المسـيح فـي هـذا الوضـع أقـل مـن

صار المسيح بعد يوحنا رغـم أنـه أعظـم بكثيـر فـي الكرامـة والمجـد. ولكـن "الـذي جـاء بعـدي كـان قبلـي" أي سـوف

يظهر كأعظم بكثير من يوحنـا، ألن أعمـال المسـيح العجيبـة أعلنـت أنـه اإللـه، بينمـا يظـل اآلخـر فـي إطـار وحـده

الطبيعة اإلنسانية كمن هو "بعد".

ك ندرك الشـكل الغيـر واضـح لمـا قالـه يوحنـا المعمـدان "الـذي يـأتي بعـدي صـار قـدامي" فهـو يعنـي: ومن ذل

الذي كان خلفي في الشهرة، هو في الحقيقة أعظم، بل يتفوق على في كـل مـا نلتـه مـن شـرف وكرامـة، واذا فهمنـا

س كشـاهد علـى شـئ بـال قيمـة، هذه الكلمات على هذا النحو وجدنا المعمـدان شـاهدا علـى مجـد االبـن الوحيـد، ولـي

وشهادة يوحنا تعني أيضا أن المسيح أعظم منه بكثير، (يوحنا) أي الذي له هذه الشـهرة فـي القداسـة، أليسـت هـذه

شهادة عن مجد المسيح الخاص.

"ألنه كان قبلي" ــه بــذلك المجــد األزلــي وأنــه ســبق كــل بعــد أن قــال يوحنــا "صــار قــدامي" أضــاف "ألنــه كــان قبلــي" فنســب ل

األشياء، ألنه هو البدء كإله بالطبيعة. وبقوله "كان قبلـي" فقـد كـان يعنـي "دائمـا وفـي كـل مكـان وزمـان هـو اسـمى

وأمجــد". وبمقارنــة الكلمــة بأحــد المخلوقــات أي وحنــا المعمــدان، تصــبح شــهادته ضــد الــذين ينكــرون أزليــة الكلمــة

. ونحـن ال نتأمـل كرامـة ومجـد االبـن الوحيـد باعتبـاره أقـدم بمثابة حكم بالدينونة بالنيابة عن الذي هـو فـوق الجميـع

من يوحنا وأعظم منه في المجد. بل ألنه يفوق المخلوقات جميعا.

) 16: 1"ومن ملئه نحن، جميعا أخذنا" (يو

هنــا يصــادق اإلنجيلــي علــى شــهادة المعمــدان الصــادقة ويضــم صــوته إلــى صــوت المعمــدان بــأن المخلــص

ل المخلوقات في المجد الذي يتكلم عنه، والخيرات األخرى التي تأتي منه. أعظم وأسمى من ك

ــذين كتبــت أســمائنا فــي عــداد القديســين نحــن نأخــذ مــن ملئــه والطبيعــة اإلنســانية التــي ألننــا نحــن جميعــا ال

هيـة، وجدت أنها تحتاج إلى كل شئ، تأخذ من ملئـه، مـن مـلء االبـن كمـا مـن الينبـوع األصـلي، وعطيـة الـنعم اإلل

تتدفق على كل نفس تستحق أن تأخـذ. واذا كـان االبـن يعطـي مـن مـلء طبيعتـه، فالخليقـة هـي التـي تأخـذ، فكيـف

يمكن أن يعتقد أحد أن الخليقة لها ذات المجد الذي لالبن. فهو يعلو الجميع بحسب طبيعته الخاصة ويفوق الكـل

مـا يخـص طبيعـة المخلوقـات ويتحـرك نحـو األفكـار بكرامة كيان أبيه. واعتقد أن بولس الحكـيم، عنـدما كـان يحـدد

كو ). وهكذا تعطـي نعـم اهللا للمخلوقـات التـي 1الحقيقية قال وهو يوجه كالمه للمخلوقات "وأي شئ لك لم تأخذه" (

ليس لها أي شئ من ذاتها ولكنها تغتني من سخاء الذي يعطي.

أي كامــل فــي كــل شــئ، وبالتــالي ال يحتــاج ولكــن علينــا أيضــا أن نالحــظ أنــه يقــول عــن االبــن أنــه "مملــوء"

لشئ بالمرة، ولذلك يستطيع أن يعطي الكل، دون أن يصيبه النقص، ويحـتفظ بعظـم ومجـد كرامتـه ويظـل كمـا هـو

دائما.

"ونعمة فوق نعمـة، ألن النـاموس أعطـى بموسـى، أمـا النعمـة والحـق بيسـوع المسـيح )17: 1صارا" (يو

االبن الوحيد صار المعا أكثر من شهرة أي إنسان بـين بنـي البشـر، يقـدم لنـا بعد أن قال اإلنجيلي أن مجد

القداسة الفائقة التي ال يمكن مقارنتها بأي من القديسين ويقدم دراسته الخاصة بهذه النقطة بالذات بمقارنة المسـيح

ين المولـودين مـن النسـاء بمن عرفوا بالفضائل. لقد قال المخلص عن يوحنا المعمدان. الحـق أقـول لكـم ، لـم يقـم بـ

). ولكـن هـذا الرجـل العظـيم، يشـهد اآلن "الـذي جـاء بعـدي، كـان قبلـي"، 11: 11أعظم من يوحنا المعمدان (مـت

وحيث أن مجد يوحنا أقل، فأنه أعطى المجال لمجد االبـن الوحيـد، فكيـف ال نفتـرض أن كـل القديسـين قـد أفسـحوا

المسيح المخلص الذي يظهر في أعمالهم. ولما كان القديسـون الـذين المجال لالبن فليس واحد منهم له ذات مجد

عاينوا الظهور اإللهي في الجسد، أقل بكثير وال يمكن مقارنتهم باالبن، وال حتى يوحنـا المعمـدان الـذي نـال أعظـم

. وحيـث أنـه شهرة، وال يتجاسر على مقارنة ذاته باالبن الوحيد بل ختم شهادته الحقة معلنـا أنـه "أقـل فـي كـل شـئ"

من الضروري أن يظهر عمانوئيل أعظم وأقوى وأفضل من كل القديسين، احتاج اإلنجيلي أن يقـدم رئـيس األنبيـاء

موســى الــذي جــاء اهللا إليــه وظهــر لــه أوال والــذي قيــل عنــه "أنــا أعرفــك أكثــر مــن البــاقين، ألنــك وجــدت نعمــة فــي

هــر مــن قــول اهللا نفســه "إن كــان مــنكم نبــي للــرب ســوف )، فــاهللا عرفــه قبــل البــاقين، كمــا يظ12: 33عينــي" (خــر

أظهر له في رؤيا وأتكلم معه في حلم. أما عبدي موسى فليس كذلك ألنه أمين على كل بيتي ومعه أتكلم فمـا لفـم

)، ولمــا كــان لموســى هــذا المجــد العظــيم الــذي فــاق كــل مجــد القديســين حتــى 8 -6: 12وعيانــا ال باأللغــاز" (عــد

)، ولـذلك يسـجل اإلنجيلـي "ونعمـة فـوق نعمـة، 8: 1يقدمه اإلنجيلي إلينا أنـه متقـدم فـي كـل شـئ (كـو الذين سبقوه

ألن الناموس أعطى بموسى، أما النعمة والحـق فبيسـوع المسـيح صـارا". وأظـن أن مـا يريـد اإلنجيلـي أن يعلنـه هـو

ل عني، ألنـه كـان قبلـي" ، وحتـى أن المعمدان شهد واعترف بأن االبن الوحيد أعظم منه "الذي يأتي بعدي، مفض

ال يفترض أحد أن االبن الوحيد فاق يوحنا المعمدان وباقي القديسين الذين عاينوا ظهوره في الجسد دون أن يفـوق

القديســين اآلخــرين فــي العهــد القــديم، قــد موســى النبــي، وقــال أنــه يفــوق موســى أيضــا، الــذي فــاق كــل األنبيــاء فــي

ضع الناموس أي اهللا وقال أنه عرفه قبل الكل. ومادام يوحنا يجـئ بعـد المسـيح بمـا ال القداسة، والذي شهد عنه وا

يقــاس حســب شــهادة يوحنــا نفســه، كــذلك رئــيس األنبيــاء موســى يقــل عــن الــرب فــي المجــد. وعلــى كــل مــن يريــد أن

أعطيـت بواسـطة يتعلم أن يدرس النعمة اإلنجيلية التي وهبـت لنـا بواسـطة المخلـص ويقارنهـا بنعمـة النـاموس التـي

موســى. فســوف يــرى أن االبــن أســمى بكثيــر ألنــه هــو واضــع النــاموس األعظــم الــذي يهــب الخيــرات أفضــل مــن

الناموس الموسوي. ولذلك يقول اإلنجيلي "الناموس أعطى بموسـى أمـا النعمـة والحـق فبيسـوع المسـيح صـارا". ومـا

لـى المحبـين للمعرفـة والبحـث الشـاق أن يدرسـوا هو الفرق بين الناموس والنعمة التي صارت بواسـطة المخلـص؟ ع

هذا الموضوع ألننا سوف نقول القليل ونترك الكثير، مؤمنين بأن المقارنة عظيمة واألفكار تفوق الحصر.

) وأظهــر أننــا 22: 3لقــد أدان النــاموس الخليقــة، ألنــه بالنــاموس أغلــق اهللا علــى الكــل تحــت الخطيــة (غــل

أعطــى الحريــة لإلنســان "ألنــه لــم يــأت ليــدين العــالم بــل لــيخلص العــالم". ومــع أن تحــت العقــاب أمــا المخلــص فقــد

النــاموس أعطــى نعمــة معرفــة اهللا لإلنســان وجذبــة مــن عبــادة األصــنام التــي أضــلت اإلنســان، وباإلضــافة إلــى ذلــك

م يقدم لنـا الخيـرات أشار إلى الشر وعلم الخير، بدون كمال، كمعلم نافع، أما النعمة والحق فباالبن الوحيد، الذي ل

في رموز، وال أعطى الصالح في ظالل، بل بوصايا مجيدة ونقية يقودنا بيده، لكي ننال معرفة كاملة باإليمان.

). كـان 15: 8كان الناموس يعطي "روح العبودية للخوف" أما المسيح فقد أعطى "روح التبني" للحرية (رو

)، أمــا ربنــا يســوع 19: 7كــو 1حــم لــيس شــيئا كمــا يقــول بــولس النــاموس يخــتن اللحــم وهــو ال شــئ (ألن ختــان الل

)، الناموس يغسـل الـذي تـدنس بميـاه، أمـا المخلـص فهـو يعمـد 29: 2المسيح فهو مانح "ختان القلب بالروح" (رو

) النـــاموس يـــأتي بمســـكن كرمـــز لألشـــياء الحقيقيـــة، أمـــا المخلـــص فينقلنـــا إلـــى 11: 3بـــالروح القـــدس ونـــار" (متـــى

)، ولـيس صـعبا أن 24: 9؛ 2: 8سـها ويقـدمنا إلـى المسـكن الحقيقـي الـذي نصـبه الـرب ال إنسـان (عـب السماء نف

نضع فروقا أخرى أكثر مما ذكرناه، ولكن علينا أن نقبل الحدود التي نتحرك فيها.

عمـة ولكننا نقول هذا للمنفعـة واللـزوم، ألن بـولس المبـارك بكلمـات قليلـة حـل السـؤال، وقـال عـن النـاموس ون

). 9: 3كو 2المخلص ما يلي: "إذا كانت خدمة الدينونة مجدا فباألولى كثيرا تزيد خدمة البر في المجد" (

وبذلك قال أن وصايا موسى هي خدمة الدينونة، أما النعمة بالمخلص فهو يدعوها "خدمة البر" التـي فاقـت

النـاموس والنعمـة ألن النـاموس الـذي يـدين في مجد. وهكذا لخـص بـولس الالبـس الـروح طبيعـة الفـرق الـدقيق بـين

أعطى بموسى، أما النعمة التي تبرر فقد صارت بواسطة االبن الوحيد. فكيـف ال يكـون المسـيح فـائق المجـد وبمـا

ال يمكن مقارنته؟ أليست األشياء األفضل قد صارت لنا به؟

بنا يسـوع المسـيح كـل القديسـين وهكذا صرخ المرنم الالبس الروح وقال بصوت عال وهو يعلن كيف يفوق ر

س)، والســحابة 6: 89األفاضــل والمشــهورين "مــن فــي الســحاب يشــبه الــرب، ومــن يشــبه الــرب بــين أبنــاء اهللا" (مــز

الروحيــة هــي األنبيــاء القديســين الــذين يتركــون موضــعهم للمســيح، والــذين ال يظنــون أن لهــم مجــدا مســاويا لــه، ألن

، ينال المرتبة الثانية، والذين دعـوا أبنـاء اهللا، عنـد ظهـوره فـي الجسـد لـم يشـبهوا موسى الذي عرفه اهللا فوق الجميع

مـن هــو ابـن اهللا بالطبيعــة بـل ســوف يعترفـون بحــدودهم، طالمـا أن يوحنــا المعمـدان نفســه يقـول أنــه خلفـه بمراحــل،

مـن هـو أعظـم مـن خلف ذاك الذي يعرف القلوب والذي قال عنه المخلص "لم يقم مـن بـين المولـودين مـن النسـاء

). وحقا يقول اإلنجيلي المبارك أنه "رأي مجدهم ، مجد االبن الوحيد لآلب" أي مـا 11: 11يوحنا المعمدان" (مت

يخــص ابــن اهللا الوحيــد ابــن اآلب، والــذي ال يشــاركه فيــه أحــد مــن هــؤالء الــذين صــاروا أخــوة لــه، والــذي صــار هــو

البكر بينهم.

الفصل العاشر و وحده بالطبيعة االبن من اآلباالبن الوحيد ه

لكونه من اآلب وفي اآلب "اهللا لم يره أحد قط، اإلله االبن الوحيد الذي في حضن اآلب هو الذي أعلنه"

)18: 1(يو هنا أيضا يمكننا أن نرى دقة البس الـروح فلـم يكـن يجهـل أن الـبعض سـوف يبحـث عـن األمـور التـي قيلـت

لـون بمـرارة: لقـد قلـت يـا سـيدي العزيـز أنـك رأيـت مجـده مجـد االبـن الوحيـد وكـان عن االبن الوحيد وأنهم سوف يقو

يجب وأنت تشرح األمور الخاصة باهللا أن تبين عالقة االبن باآلب وليس المقارنة بتفوق االبن على موسـى وعلـى

ل "رأيـت السـيد قداسة وتقوى يوحنا كما لـو كـان مـن المسـتحيل أن نـرى مجـدا يفـوق مجـد االبـن مـع أن أشـعياء يقـو

جالسا على عرش مرتفع وذيلة يمأل الهيكل وقد وقف السارافيم كل واحـد مـنهم لـه سـتة أجنحـة وواحـد نـادى اآلخـر

)، وصــرخ حزقيــال 3 -1: 6وقــال قــدوس قــدوس قــدوس رب الجنــود الســماء واألرض مملؤتــان مــن مجــدك" (أش

. فــإذا كــان هــؤالء قــد رأوا مجــد اهللا فــال يجــب )28 -25: 1عنــدما رأى الكــاروبيم والــرب جــالس علــى العــرش (حــز

على اإلنجيلي المبارك أن يقطع ويقول: اهللا لم يره أحد في أي زمان وانما االبن الوحيد الذي في حضن اآلب هـو

: 33الذي أعلنه لنا. هذه الحقيقة مؤكدة ألن اهللا قـال لـرئيس األنبيـاء ال يـرى أحـد مـن النـاس وجهـي ويعـيش (خـر

)، فاآلب وحده منظـور 46: 6مرة لتالميذه ليس أحد رأى اآلب إال الذي من اهللا هذا رأى اآلب (يو )، بل قال20

لالبن وحده ألن االبن وحده من ذات طبيعة اآلب وفي هذا اإلطـار فقـط يمكننـا أن نقـول أن الطبيعـة اإللهيـة تـرى

نبيــاء القديســين لــيس كــذبا. فعنــدما يصــرخ ذاتهــا إلهيــا ونــرى مــن ذاتهــا إلهيــا فقــط. ولــيس ألحــد آخــر، لكــن كــالم األ

) منهم ال يؤكدون أنهم رأوا اهللا كما هو في جوهره وانما الكل يصـرخ ويقـول 1: 6أحدهم أنه رأى رب الجنود (أش

) ومعنى هذا أن اإلعالن عـن اهللا صـار بشـكل منظـور لهـم، والمجـد 28: 1هذا هو "ظهور شبه مجد الرب" (حز

تتفــق مــع قــدرتنا علــى اإلدراك ولــذلك مــا رآه لــيس ســوى صــور واعالنــات تعطــي معرفــة اإللهــي يتكــون مــن رؤيــا

بالالهوت ولكن حقيقة الالهوت الفائقة تظل فوق العقل والنطق. وبكل يقين قال اإلنجيلي "ورأينا مجده مجـد االبـن

المخلوقــات، وجمــال )، فقطــع بــذلك كــل ســبل المقارنــة بــين مجــد االبــن وكــل14: 1الوحيــد مملــوء نعمــة وحقــا" (يــو

)، ألن السماء دون أن يكون لها صوت مسـموع 5: 13الخالق وقدرته يمكن إدراكها من جمال المخلوقات (حكمة

). 1: 19"تعلن مجد اهللا والفلك يخبر بعمل يديه" (مز

راه وهكــذا أيضــا يظهــر أن االبــن الوحيــد اســمى فــي المجــد وأرفــع فــي القــدرة، وفــوق اإلدراك، وال يمكــن أن تــ

العــين، ألنــه اهللا. وحيــث أنــه يفــوق الخليقــة كلهــا ومســتحق للمجــد، فهــو فــوق الكــل. وهــذا هــو معنــى الكلمــات التــي

نحن بصددها. ألننا يجب أن نالحظ أنه يدعو االبن "اإلله االبن الوحيد" ويقول أنه "فـي حضـن اآلب" لكـي نـدرك

قة بل له أقنومـه المتميـز عـن اآلب والـذي فـي اآلب أنه ال يمكن أن يحسب مثل المخلوقات أو أن له طبيعة مخلو

فإذا كان حقا هو "اإلله االبن الوحيد" فكيف ال يكون مختلفا فـي الطبيعـة عـن الـذين هـم بـالتبني إلهـة وأبنـاء؟ ألننـا

نعتقد أن االبن الوحيد ليس واحدا ضمن أخـوة وانمـا هـو الواحـد وحـده مـن اآلب ولكـن حيـث أنـه كمـا يقـول بـولس:

ثيــرون يــدعون آلهــة فــي الســماء وعلــى األرض" إال أن االبــن هــو اإللــه االبــن الوحيــد الــذي ال يمكــن أن يحســب "ك

ضــمن هــؤالء اآللهــة الــذين دعــوا آلهــة بالنعمــة ولكنــه اإللــه الحقيقــي مــع اآلب. وهكــذا يعلــن بــولس وحــده االبــن مــع

رب واحــد يســوع المســيح الــذي بــه كــل األشــياء" اآلب قــائال لنــا "ولكــن لنــا إلــه واحــد اآلب الــذي منــه كــل األشــياء و

). فــاآلب إذ هـو إلــه واحــد بالطبيعـة والكلمــة الـذي منــه وفيــه ال يمكـن أن يكــون غريبـا عــن اآلب وانمــا 6: 8كـو 1(

واحد معه في كل الصفات ولـه نفـس الكرامـة ألنـه بالطبيعـة إلـه لـذلك يقـول اإلنجيلـي أنـه "فـي حضـن اآلب"، لكـي

ئن في اآلب وهـو مـن اآلب، كمـا قيـل فـي المزاميـر "مـن الـبطن قيـل كوكـب الصـبح ولـدتك" (مـز تفهم أيضا أنه كا

س)، وهنــا يضــع عبــارة "مــن الــبطن" ألنــه مــن اآلب بكــل يقــين. مثلمــا يســتدعى التشــبيه الخــاص بنــا نحــن 3: 110

اآلب" كمـا لـو كـان البشر عندما يولد إنسان من البطن ويخرج وله نفس الطبيعة اإلنسانية، وكما قيـل "فـي حضـن

مثــل إشــراق البهــاء اإللهــي غيــر المــدرك ألقنــوم االبــن مــن اآلب. ولكــن االبــن يملــك طبيعــة اآلب اإللهيــة ذاتهــا،

وكلمـة حضــن ال تســتدعي االنفصــال أو االفتــراق فهــذا خـاص بالجســد ولــيس بــالالهوت. ووالدة االبــن مــن اآلب ال

). وكـــل مـــا يخـــص جـــوهر اآلب هـــو 10: 14اآلب فيـــه (يـــو تعنـــي ذلـــك وحقـــا قـــال االبـــن أنـــه فـــي اآلب وأيضـــا

بالضرورة يخـص جـوهر االبـن فبهـذا وحـده يمكـن أن يكـون اآلب فيـه وهـو فـي اآلب ألن االبـن فـي اآلب متأصـال

فيـه بالمسـاواة التامـة فـي الجـوهر وبـالوالدة منـه بــدون أن يسـتدعى هـذا أي انفصـال أو مسـافة بـل الكينونـة والمعيــة

ا المعنــى المقــدس الــذي نفهمــه مــن عبــارة اإلنجيلــي بــأن "االبــن فــي حضــن اآلب" ولــيس ذلــك المعنــى الدائمــة. وهــذ

)، ألنهــم يحرفــون كــل شــئ مــن أجــل األثــم 8: 3الــذي توصــل إليــه الــذين يحــاربون اهللا الــذين دينــونتهم عادلــة (رو

ألخوة الــذين مــات المســيح )، فيفســدون آذان البســطاء ويخطئــون دون أدنــى اهتمــام بــا9: 3الــذي فــيهم (راجــع مــي

). 12، 11: 8كو 1ألجلهم (

وماذا يجب أن نقول عندما نعلم اآلخرين، ألن اإلنجيلي القديس يقول من االبن "أنه في حضـن اهللا اآلب"؟

أبنــاء الكنيســة يعتقــدون بكــل صــواب ويؤكــدون أنــه مــن اآلب وفــي اآلب ويكتفــون بــذلك وهــم علــى حــق ألن حقيقــة

ب هـي فـوق اإلدراك أمـا الـذين سـكروا بالجهـل فأحيانـا يبتسـمون ويتجاسـرون ويقولـون رأيكـم يـا ميالد االبـن مـن اآل

سادة بال معنى ألنكـم ال تفكـرون فـي اهللا كمـا يجـب ألنكـم تعتقـدون أنـه مـن الصـواب مـادام قـد قيـل عـن االبـن أنـه

عـة غيـر المخلوقـة ألـم تسـمعوا في حضن اآلب فهذا يعني أنه من جوهره ومن الحماقـة أن تتصـوروا أنـه ثمـرة الطبي

فــي أمثــال اإلنجيلــي مــا قالــه المســيح نفســه عنــدما كــان يــتكلم عــن الغنــى ولعــازر أنــه حــدث بعــد مــوت لعــازر أن

)، فهل تعتقدون أن لعازر في حضن إبراهيم تعني أنه مولـود منـه 22: 15المالئكة حملته إلى حضن إبراهيم (لو

سوف ترفضون ذلـك وسـوف توافقوننـا علـى أن معنـى "حضـن" هـو المحبـة وأنه فيه بالطبيعة؟ أم أنكم بكل صواب

)، 35: 3فقط؟ وبذلك يصبح معنى "حضـن اآلب" أن االبـن هـو فـي محبتـه كمـا قـال هـو "اآلب يحـب االبـن" (يـو

وعندما يضر بنا هؤالء الباحثون عن األخطـاء، الـذين غيـرتهم طائشـة وال تبنـى بـل تهـدم فأننـا سـوف نجيـب هـؤالء

نحشد أكبر قدر ممكن من كلمات الحق. وسوف

أنتم تقولون يا سادتي األعزاء أن كلمة حضن تعني المحبة وكيف يمكن أن يسـتقيم معنـى نصـوص أخـرى.

)، أو "يحـب الـرب أبـواب صـهيون" حسـب 16: 3وماذا تقولون عن هذا: أحب اهللا العالم، كما يقول المخلص (يو

ل هذا يعني أن العالم نفسه وأبواب صهيون في "حضـن اآلب؟" وعنـدما ما صرح األنبياء القديسين دون خوف، فه

)، فهـل يعنـي هـذا حسـب رأيكـم أن اهللا يطلـب 6: 4يقول اهللا لموسى رئيس األنبياء "ضع يديك فـي حضـنك" (خـر

منه أن يحب يده؟ أم أنه يطلب منه أن يبقى يده مخفية؟ أن هذا سوف يجعلنـا نضـحك، بـل ربمـا قادنـا إلـى الكفـر

ندما نتصور أن كل شئ في حضن اآلب، ونجعل هذه العالمة الخاصة، عامـة وشـائعة للكـل، مـع أنهـا العالمـة ع

المميزة الخاصة باالبن الوحيد التي ال تشترك فيها الخليقة معه.

إذا وداعا لرأيهم الفاسد، وعلينا أن نسير فـي الطريـق المسـتقيم طريـق الحـق، ألن الكـالم عـن أن "االبـن فـي

ن اآلب" معناه أننا نعتقد أنـه مـن اآلب وفـي اآلب، حسـبما توضـح الكلمـات القويـة نفسـها "اإللـه االبـن الوحيـد حض

الذي في حضن اآلب هو الذي أعلنه لنا" وعندما قال "اإلله االبن الوحيد" فقد أردف على الفور "الذي فـي حضـن

حســيا. فاألشــياء المحسوســة والظــاهرة، يمكــن أن اآلب" بــدال مــن أن يقــول الــذي مــن جــوهره واســتخدم لــذلك تشــبيها

تكــون رمــوزا تــدل علــى األشــياء الروحيــة، واألمــور المنظــورة تقودنــا إلــى إدراك األمــور العاليــة، فالمحسوســات يمكــن

أن نتخــذها صــورة تســاعدنا علــى االقتــراب مــن األمــور العميقــة حتــى وأن فهمنــا األمــور الحســية كمــا نطقــت، مثلمــا

ضــع يــدك فــي حضــنك". وال يضــرنا بــالمرة أن نفهــم أن لعــازر صــار فعــال فــي حضــن إبــراهيم، بلغــة قيــل لموســى "

خاصــة، ألنــه عنــدما مــات لعــازر وفــارق الحيــاة فــي الجســد، فهــذا ال يتعــارض مــع مــا قلنــاه ســابقا، ألن األســفار

ن إبـراهيم، وهـذه اللغـة اإللهية تخاطبنا بلغة خاصة، ألنـه عنـدما مـات لعـازر وفـارق الحيـاة فـي الجسـد حمـل لحضـ

). 5: 17الخاصة تعني أنه "حسب ضمن أبناء إبراهيم" فاهللا قال إلبراهيم "جعلتك أبا لشعوب كثيرة" (تك

"وهذه هي شهادة يوحنا، عندما أرسل اليهود كهنة والويين من أورشـليم ليسـألوه: مـن )20 -19: 1أنت؟ فاعترف ولم ينكر وأقر أني لست أنا المسيح" (يو

حسنا فعلى اإلنجيلي، فقد سجل لنا بالتفصيل شهادة يوحنا وما سبق وقاله عن يوحنا المعمدان يدعمه اآلن

تفصيليا بشهادة يوحنـا ويسـجل بكـل تفصـيل المناسـبة عنـدما "أرسـل رؤسـاء الفـرق اليهوديـة" كهنـة والويـين ليسـألو،

"أنـا لسـت المسـيح" ومـا هـو واضـح هـو مـا يريـد ماذا يقول عن نفسه؟ فاعترف ولم يشعر بالخجل من الحق، وقال

أن يســجله يوحنــا اإلنجيلــي فكأنــه يقــول، ليســت أنــا، كاتــب اإلنجيــل، الــذي أقــول هــذا بــل يوحنــا، وأنــا أيضــا لســت

أكذب، فهو "لم يكن النور، بل جاء لكي يشهد للنور".

ي؟ فأجـاب ال" (يـو "وسألوه قائلين إذا ماذا. هل أنت إيليا؟ فقال لست أنا. هل أنت النبـ1 :21 (

بعد أن أكد المعمدان أنه ليس المسيح، أراد اإلنجيلي أن يشرح لنا كيف اعترف يوحنا ولم ينكـر، ويبـدو لـي

أن اإلنجيلي يسجل ذلك بالتفصيل لكي يفضح انحراف اليهود. ألنهم "بينما يزعمون أنهـم حكمـاء، صـاروا جهـالء"

ـــيم الكامـــل للنـــاموس وكتابـــات ) وافتخـــروا كـــذبا بمعـــرفتهم 22: 1(رو بالنـــاموس، ألنهـــم يـــدعون أنهـــم أدركـــوا التعل

األنبيــاء، ولكــن أســئلتهم الغبيــة الموجهــة ليوحنــا تفضــح جهلهــم. فموســى رئــيس األنبيــاء قــال أن الــرب ســوف يظهــر

كـل مـا كنبي، وأخبر بني إسرائيل "أن الرب يقيم لكم نبيا من وسطكم، من بين أخوتكم مثلي، له تسـمعون، حسـب

ـــث ـــب" (ت ـــرب إلهـــك فـــي حوري ـــا الســـابق 16 -15: 18طلبـــت مـــن ال ـــدم لن ـــي أشـــعياء يق ). وهـــذا نفســـه جعـــل النب

). 3: 40؛ أش 3: 3والمعمدان قائال "صوت صارخ في البرية أعدوا طريق الرب، واصـنعوا سـبله مسـتقيما" (مـت

ل لـك إيليـا التشـبيتي، فيـرد قلـوب اآلبـاء إلـى وباإلضافة إلى ذلك يقول مالخي النبي عن إيليا التشبيتي "ها أنا أرس

س)، وهكــذا 6 -5: 4؛ مــال 6 -5: 1األبنــاء، والعصــاه إلــى حكمــة األبــرار لــئال أتــي وأضــرب األرض بلعــن" (لــو

أعتقـد اليهــود أن ثالثــة ســوف يــأتون المسـيح ويوحنــا المعمــدان وايليــا، وتــم عـنهم قــول الــرب "تضــلون إذ ال تعرفــون

). تــوقعهم مجــيء ثالثــة ظــاهر مــن ســؤالهم الموجــه ليوحنــا المعمــدان وألنهــم عنــدما 29: 22 الكتــب المقدســة" (مــت

عرفوا أنه ليس المسيح سألوه هل أنت إيليا؟

وعنــدما مقــال ال، كــان يجــب علــيهم أن يســألوه أن كــان هــو الســابق الــذي ســيأتي ليهيــئ طريــق الــرب. وكــان

ولكن ألنهم لم يدرسوا الكتب المقدسة عـادوا فسـألوه إن كـان يجب عليهم أن يعرفوا أن نبوة موسى خاصة بالمسيح

هو النبي. فأجاب: ال، ألنه لم يكن هو المسيح.

) 23 -22: 1"فقالوا له ماذا تقول عن نفسك؟ أنا صوت صارخ في البرية" (يو ع أنـه يشـير إلـى ينتقد يوحنا المعمدان اليهود بشدة وفي رده على سؤالهم يقول لهم أنتم ال تعرفون شـيئا، ومـ

نبــوة أشــعياء عــن مجيئــه، وهــو ال يريــد أن يضــيف شــيئا، فهــو لــيس الموعــود بــه، وانمــا المســيح المنتظــر فهــو علــى

األبواب، بل بالحرى أن الرب داخل األبواب. وكأنه يقول عليكم أن تـذهبوا إليـه هـو حيـث يريـد، لقـد سـرتم الطريـق

، ألن هذا هو الذي أخبر عنه جميع األنبياء. كله مع موسى، وعليكم اآلن أن تتبعوا المسيح

أقوال خاصة بالطريق وراء المسيح ).3: 2أشعياء "تعالوا لنصعد إلى جبل الرب، إلى بيت إله يعقوب لكي يعلمنا طريقه، فنسير فيها" (

وأيضا "وتكون هناك سكة وطريق يقال لها الطريـق المقدسـة، ال يكـون هنـاك أسـد، وحـش مفتـرس ال يصـعد

). 9، 8: 35إليها، ال يوجد هناك بل يسلك المفديون فيها" (أش

س). 27: 41وأيضا "سوف أعطي البدء (السيادة) لصهيون وأعلم أورشليم الطريق" (أش

). 16: 42وأيضا "سوف أقود العمى في طريق لم يعرفوها في مسالك لم يدروها أمشيهم" (أش

لوا عن السـبل القديمـة، أيـن هـو الطريـق الصـالح وسـيروا فيـه، فتجـدوا أرميا: "قفوا على الطريق وانظروا وأسأ

). 16: 6راحة لنفوسكم" (أر

). 6: 14فما هو الطريق الصالح، الذي ينقي الذين يسلكون فيه، المسيح نفسه يقول "أنا هو الطريق" (يو

) 24: 1"وكان المرسلون من الفريسيين" (يو

اليهـود، أدانـتهم غبـاوة األسـئلة التـي سـألوها، ألنهـم افترضـوا أن المسـيح غيـر الكهنة والالويين الذين أرسلهم

النبي الذي أشار إليه النـاموس ونفـس الدينونـة لحقـت بالفريسـيين الـذين أدانـتهم كبريـاء الحكمـة المزيفـة، العتقـادهم

الباطل بأنهم يعرفون األقوال اإللهية.

) وهـــم مثـــل الكهنـــة 25: 1يح وال إيليـــا وال النبـــي؟" (يـــو لقـــد ســـألوه "لمـــاذا تعمـــد أن كنـــت أنـــت لســـت المســـ

والالويـــين لـــيس لـــديهم أي إدراك لحقيقـــة المعمـــدان، حتـــى أنهـــم لـــم يحســـبوه ضـــمن الثالثـــة الـــذين كـــانوا ينتظـــرون

مجيئهم، حقـا لقـد كـانوا مرضـى لـيس بالغبـاوة فقـط بـل بالتعـالي: األخ الشـقيق للغبـاوة، ولـذلك لـم يـدركوا مجـئ ذاك

سبقت وأخبرت به أصوات األنبياء. ومع أنهم سمعوه يقول "أنا صوت صارخ في البرية، أعـدوا طريـق الـرب" الذي

)، إال أنهم لم يقبلوا كلمته، بل رفضوه قائلين يا سيد ما هو رصيدك الذي تعتمد عليه وما هـو سـندك 23: 3(مت

قـوم بهـذا العمـل العظـيم؟ كانـت هـذه هـي الذي يجعلنا نصدقك؟ لماذا تعمـد؟ وأنـت ال شـئ فلمـاذا تتصـرف هكـذا وت

عادة الفريسيين الكفرة، أن يحتقروا أو يقللوا من شأن الذي جاء مدعين أنهـم فـي خاصـة لـدى اليهـود، وال سـيما مـا

يدخل جيوبهم من أموال، فحرصوا أن ال يظهـر آخـر، أو أن يبـرز مـن ينـال شـهرة. وهـؤالء هـم الـذين قتلـوا الـوارث

). 38: 21نقتله ونأخذ ميراثه" (مت نفسه قائلين "تعالوا

) 25: 1"أنا أعمد بماء" (يو بطول أناة احتمل المعمدان المبارك الباحثين عـن األخطـاء، وأعلـن عـن نفسـه فـي إطـار الكـرازة بـالخالص،

يـت وأخذ يعلم الذين أرسلهم الفريسيون، ضد رغبتهم، بأن المسيح موجود داخل األبواب. وهـا هـو يقـول لهـم، أنـا أد

بمعمودية تمهيدية تغسل بالماء الـذين تدنسـوا بالخطيـة وذلـك كبدايـة للتوبـة، لكـي يرتفعـوا مـن أسـفل إلـى أعـال، أي

إلى توبة كاملة. ولكي يتم ذلك أرسلت لكي أمهد طريق الـرب بـالكرازة بالتوبـة. ألن مـانح العطايـا العظمـى وواهـب

الجســد، ولكنــه يفــوقني فــي كــل شــئ، حتــى أننــي الخيــرات الكاملــة هــو مــن وســطكم، غيــر معــروف بســبب حجــاب

أحســب نفســي غيــر مســتحق لمكانــة العبــد الواقــف فــي حضــرته، وهكــذا عبــر يوحنــا المعمــدان عــن نفســه واعتقــد أن

هذا ما يقصده بقوله "أنا لست أهال ألن أحل سيور حذائه".

ن المنتفخـين، التواضـع مقـدما ذاتـه وعندما قال الحق فقـد عمـل عمـال مفيـدا، فقـد كـان يريـد أن يعلـم الفريسـيي

كنموذج للتواضع.

). وسـجل بـذلك 28: 1وقد سجل يوحنا اإلنجيلي أن هذه األمر تمت "فـي بيـت عبـرة فـي عبـر األردن" (يـو

دقة بالغة لألحداث ألننا نحن تعودنا عندما نكتب بدقة أن نذكر األماكن التي حدثت فيها األحداث.

الكتاب الثاني اب الثانيفصول الكت

الفصل األول إن الروح القدس في اآلب، ليس كمن يشترك فيه من الخارج، بل هو فيه جوهريا وبالطبيعة شـرح الكلمـات،

شهد يوحنا قائال: "أنني رأيت الروح نازال من السماء مثل حمامة واستقر عليه".

الفصل الثاني ه مـن إلـه، شـرح الكلمـات "الـذي يـأتي مـن فـوق هـو إن االبن ليس ضمن المخلوقات، بل فوق الكل، وهـو إلـ

فوق الجميع".

الفصل الثالث إن االبن هو اهللا ومن اهللا بالطبيعة، شرح الكلمات "ومن قبل شهادته فقد ختم أن اهللا صادق".

الفصل الرابع االبـن وقـد إن خصائص اهللا ليسـت فـي االبـن بالمشـاركة، بـل جوهريـا بالطبيعـة، شـرح الكلمـات "اآلب يحـب

دفع كل شئ في يده".

الفصل الخامس إن االبــن لــيس ضــمن الــذين يعبــدون اهللا، ألنــه الكلمــة وهــو اهللا، بــل بــالحري يعبــد مــع اآلب، شــرح الكلمــات

"أنتم تسجدون لما لستم تعلمون. أما نحن فنسجد لما نعلم".

الفصل السادسل هو مساوي في القدرة، وواحد فـي الجـوهر معـه، وهـو إن االبن ليس أقل من اآلب، في القوة، أو العمل، ب

من طبيعة اآلب، شرح الكلمات "ال يقدر االبن أن يعمل من نفسه شيئا، بل ما يرى اآلب فاعلـه، ألن مهمـا يفعلـه

اآلب، هذا يفعله االبن أيضا".

الفصل السابع ركة أو مــن الخــارج، شــرح الكلمــات إن كــل مــا يليــق بــاهللا مــن ســمو وكرامــة لــيس موجــودا فــي االبــن بالمشــا

"اآلب ال يدين أحدا، بل قد أعطى كل الدينونة لالبن".

الفصل الثامن إن االبن هو اهللا ومن اهللا بالطبيعة. وصورة اآلب الكاملـة، وهـو مولـود مـن اآلب، ولـه ذات المجـد والكرامـة

". مع اآلب، شرح الكلمات "لكي يكرم الجميع االبن، كما يكرمون اآلب

الفصل التاسعإن االبن ليس أقل من اهللا اآلب فـي شـئ بـل مسـاو لـه فـي القـوة التـي تعمـل فـي كـل األشـياء، وهـو إلـه مـن

إله، شرح الكلمات "أنا ال أقدر أن أفعل من نفسي شيئا كما أسمع أدين".

الكتاب الثاني

) 29: 1"وفي الغد نظر يوحنا يسوع مقبال إليه" (يو ت طويل، حتى اشتهر يوحنا كنبي ورسول، وكان يبشر بمجـيء المسـيح الـذي يجـئ إليـه اآلن لم يمضي وق

لكي يعلنه. ولذلك فـاق يوحنـا المعمـدان فـي كرازتـه جميـع األنبيـاء، ألنـه يشـير إلـى المسـيح وهـو أمامـه ولـذلك قـال

). فاألنبيـاء 9: 11ي" (مـت المخلص نفسه "ماذا خـرجتم إلـى البريـة لتنظـروا؟ أنبيـاء نعـم أقـول لكـم، وأعظـم مـن نبـ

في أزمنـتهم تنبـأوا أن المسـيح سـيظهر، أمـا يوحنـا المعمـدان فبعـد أن صـرخ بأنـه سـوف يـأتي أشـار إليـه، وهـذا هـو

المقصود فبعد أن صرخ بأنه سوف يأتي أشار إليـه، وهـذا هـو المقصـود مـن قـول اإلنجيلـي "وفـي الغـد نظـر يسـوع

مقبال إليه".

الذي يرفع خطية العالم" فقال: "هوذا حمل اهللالم تعد كرازة يوحنا "أعـدوا طريـق الـرب" مطلوبـة، ألن الـذي توقـع مجيئـه صـار أمـام عينيـه، فصـار الموقـف

يتطلب كلمات جديدة.

مــن هــو اآلتــي؟ ولمــن جــاء؟ ولمــاذا نــزل مــن الســماء؟ يجيــب المعمــدان "هــوذا حمــل اهللا الــذي يرفــع خطيــة

شعياء، وما أشار إليه يتحقـق اآلن "مثـل حمـل سـيق للـذبح ومثـل نعجـة صـامتة أمـام العالم"، وهو الذي أشار إليه أ

). 7: 53الذي يجزها" (أش

وهـــو الـــذي ســـبق وأخبـــر عنـــه نـــاموس موســـى بشـــكل رمـــزي، (النـــاموس) الـــذي خلـــص جزئيـــا دون أن تمتـــد

ذه الرموز بشـكل معـتم الحمـل الرحمة وتشمل الكل، ألن الناموس كان رمزا وظال حينئذ، أما اآلن فالذي صورته ه

نفســه، والذبيحــة التــي بــال عيــب، قــد جــاء لكــي يقــاد إلــى الــذبح ألجــل الكــل، لكــي يرفــع خطيــة العــالم، لكــي مــا يبيــد

المهلك من األرض، وعندما يموت عن الكل، يجعل الموت ال شئ، ويرفع اللعنة التي لحقت بنـا، ويضـع حـدا لمـا

). وبـذلك يصـبح آدم الثـاني، لـيس "مـن التـراب" وانمـا مـن السـماء، 19: 3(تك قيل "تراب أنت، والى التراب تعود"

ويصـــبح بدايـــة الخيـــرات للطبيعـــة اإلنســـانية، ويعتـــق اإلنســـان مـــن الفســـاد الـــدخيل، ومـــانح الحيـــاة األبديـــة، وأســـاس

المصالحة مع اهللا وبداية التقوى والبر، وطريقا لملكوت السموات.

ع كله لكي يخلص القطيع كله ويقربه اهللا اآلب. واحد عن الكـل لكـي يخضـع لقد مات حمل واحد عن القطي

الكل هللا. واحد عن الكل لكي يربح الكل، وذلك لكي ال يعيش الكل فيمـا بعـد ألنفسـهم بـل للـذي مـات ألجلهـم وقـام

). 15: 5كو 2(

عنـا، الواحـد عـن الكـل، لقد كنا مستعبدين لخطايا كثيرة، خاضعين للفساد والموت، فأعطانا اآلب أبنـه فـداء

ألن الكــل فيــه، وهــو فــوق الكــل. واحــد مــات عــن الكــل، لكــي يحيــا الكــل فيــه، لقــد ابتلــع المــوت "الحمــل" الــذي كــان

ذبيحة خطيـة الكـل، ولكـن المـوت تقيـأ الحمـل ومعـه الكـل الـذي فيـه. ألننـا جميعـا فـي المسـيح الـذي بسـببنا وألجلنـا

بقى الموت الذي نـتج عنهـا وبسـببها، إال يتالشـي هـو أيضـا وينتهـي إلـى ال مات وقام. لقد أبيدت الخطية، فكيف ي

شـئ. لقـد هلـك الجـذر، فكيـف تعـيش األغصـان أو تبقـى؟ وكيـف نمـوت نحـن، بعـد أن أبيـدت الخطيـة؟ لـذلك نســر

). 14: 13: ؛ هو 15كو 1بذبيحة حمل اهللا ونقول: "أين شوكتك يا موت؟ أين غلبتك يا هاوية" (

)، وال يســتطيع بعــد أن يــتهم الــذين اخطــأوا بســبب 42: 107كمــا يقــول المــرنم "يســد فــاه" (مــز ألن "كــل أثــم"

). لقــد افتــدانا المســيح مــن لعنــة 34 -33: 8الضــعف. واذا كــان "اهللا هــو الــذي يبــرر فمــن هــو الــذي يــدين"؟ (رو

) لكي نفلت من لعنة التعدي. 13: 3الناموس، عندما صار لعنة ألجلنا" (غل

) 30: 1الذي قلت عنه" (يو "هذا هويــذكر يوحنــا المعمــدان الســامعين بــالكالم الــذي قالــه، ويحفــظ المجــد الســامي للمســيح، مقــدما إيــاه لــيس عــن

محبة فقط، بل بحكم الضرورة والحق. فالمخلوق خاضـع للخـالق، حتـى إذا لـم يـرض بـذلك ألن الخـالق هـو الـرب،

عد يوحنا المعمدان بـل صـار قدامـه ألنـه "كـان قبلـه". كمـا يعتـرف والمحتاج يخضع للواهب. وكيف جاء المسيح ب

هو نفسه، وهذا ما سبق أن شرحناه بكفاية.

) 31: 1"وأنا لم أكن أعرفه، لكن ليعلن إلسرائيل، لذلك جئت أعمد بالماء" (يو نبيـا الذي ركض بابتهاج في بطن أمه، عندما سـمع صـوت العـذراء القديسـة وهـي حبلـى بـالرب والـذي عـين

قبل اآلم المخاض به، وتلميذا وهو ال يزال فـي الـرحم، يقـول "وأنـا لـم أكـن أعرفـه" وهـو يقـول الحـق فهـو ال يكـذب.

اهللا وحــده وهــو الــذي يعــرف األشــياء كمــا هــي، دون أن يــتعلم، أمــا المخلــوق فهــو يحتــاج أن يــتعلم. ولــذلك يســكن

عطـي للطبيعـة اإلنسـانية مـن صـالحه الـذاتي، وأنـا أعنـي الروح القدس في القديسين لكي يكمل ما ينقص مـنهم، وي

معرفة األشياء اآلتية واألسرار الخفية. لذلك يقول المعمدان القديس أنه ال يعرف الرب، وقد تكلم الحـق، ألنـه كـان

ح يعبر عن الصفة األساسية والحدود الخاصة باإلنسانية، ألنه ينسب معرفـة كـل األمـور هللا وحـده، ولكـن اهللا بـالرو

القــدس ينيــر اإلنســان لكــي يــدرك األمــور الخفيــة. وبكــل يقــين يقــول أنــه مــن ذاتــه لــم يعــرف المســيح وانمــا لقــد جــاء

ألجـــل هـــذا الغـــرض لكـــي يعرفـــه، ويعلنـــه إلســـرائيل وبـــذلك ال يكـــون قـــراره مؤسســـا علـــى ذاتـــه، أو أنـــه يعلـــم ويخـــدم

لتي من فوق، التي أعلنت لـه "الحمـل الـذي يرفـع خطايـا بإرادته، بل يكون خادما ومنفذا للتدبير اإللهي، والمشورة ا

العالم".

ــم أكــن أعرفــه" لكــي يســهل لليهــود اإليمــان بمخلصــنا المســيح، ويــدركوا ــا ل لقــد قــال يوحنــا هــذه الكلمــات "وأن

اإليمــان بــه، فهــو يقــول أنــه ال يعرفــه مــع أنــه يعرفــه، لكــي يفهمــوا، أن اهللا هــو الــذي ســيعلن ابنــه. وأنــه هــو الــذي

حكم من فوق، فيقبلوا كالمه، وعندما يرى اليهود أن الخـادم عظـيم بهـذا القـدر، يـدركون أن السـيد أعظـم. وقولـه سي

أنه جاء لكي "يعلنه إلسرائيل". يعلن عن اهتمام الخادم غير العادي بما يخص سيده.

الفصل األول أن الروح القدس في االبن ليس كن يشترك فيه من الخارج

يا وبالطبيعةبل هو فيه جوهر

"وشهد يوحنا قائال أني قد رأيت الروح نازال من السماء مثل حمامة واستقر عليه. وأنـا لم أكن أعرفه. لكـن الـذي أرسـلني ألعمـد بالمـاء هـو نفسـه الـذي قـال لـي: الـذي تـرى

) 33 -32: 1الروح نازال ومستقرا عليه، فهذا هو الذي يعمد بالروح القدس" (يو ســابقا: إنــه لــم يكــن يعرفــه، يشــرح الســر اإللهــي ويعلنــه، موضــحا أن الــذي أخبــره هــو اهللا اآلب، بعــد أن قــال

ويســجل اإلعــالن الــذي أخــذه مــن اآلب بكــل دقــة. وســجل اإلنجيلــي ذلــك مــن أجــل فائــدة ســامعيه، قــائال أن ســر

اإللهـي نفسـه، وبـذلك يجلبـون المسيح المعلن للناس قد علمه إياه اهللا نفسـه، فيعـرف مقـاوموه أنهـم يحـاربون القصـد

الدينونة على أنفسهم ألنهم يحاربون قصد اآلب. وبهـذا كـان هـو يحـثهم بمهـارة أن يتركـوا مشـورتهم الباطلـة ويقبلـوا

ذاك الذي جاء لخالص الكل حسب مسرة اآلب وهـذا هـو قلـب شـهادته لقـد "رأى الـروح نـازال مـن السـماء عليـه فـي

كتفـي بـالمنظر الـذي رآه بـل لقـد سـمع الـذي أرسـله يعمـد بالمـاء يقـول لـه "مـن تـرى شكل حمامة واستقر عليـه" وال ي

الروح القدس نازال ومستقرا عليه فهـذا هـو الـذي يعمـد بـالروح القـدس" صـادقة هـذه الشـهادة ومسـتحقه كـل قبـول، ال

سيما العالمة الفائقة التي رآها، وفوق الكل كلمات اآلب الذي يعلن ويخص بها االبن.

ذه األمور يجـب أن تؤخـذ كمـا هـي. ولكـن ربمـا وجـد الهرطـوقي المحـب للجـدال فرصـة تجعلـه يقفـز وعلـى ه

وجهــه ابتســامة عريضــة. ويقــول مــاذا تقولــون يــا ســادة؟ ولــيس لــديكم أي جــواب تقدمونــه، فهــل ستصــارعون مــا هــو

آلب. ومن ليس لديـه، يأخـذ مكتوب؟ ها هو يقول أن الروح القدس نزل على االبن. وها هو قد مسح بواسطة اهللا ا

)، فكيـف 7: 45بل أن المرنم يشهد معنا قائال عنه "لذلك مسحك اهللا إلهك بزيـت البهجـة، أكثـر مـن رفقائـك" (مـز

يكون االبن بعد هذا الذي قيل، من جوهر اآلب الكامل، ألن االبن ناقص ولذلك مسح؟

ذي فــي األســفار اعتقــد أنــه يجــب أن نقــول لهــم والــى هــؤالء الــذين يقبلــون تعــاليم الكنيســة ويفســدون الحــق الــ

س). 5: 1"أفيقوا أيها السكارى من خمركم" (يؤ

لعلكم تشاهدون جمال الحق معنا، وتقدرون أن تصرخوا معنا لالبن "بالحقيقة أنت ابن اهللا"، فكيف ال يكون

كامال؟ ألن هذا تعدي على اآلب نفسه وكفر به.

للكمــال كمــا تقولــون، فكيــف ال يصــيب هــذا االتهــام اآلب نفســه الــذي منــه فــإذا كــان االبــن ناقصــا، ومحتــاج

يولــد االبــن ويصــبح حســب كالمكــم بــدوره هــو أيضــا ناقصــا، ألن الجــوهر اإللهــي فــي االبــن أصــيب بعــدم الكمــال

ة حسب شرحكم غيـر المـدقق والفاسـد. فالطبيعـة اإللهيـة الواحـدة، ال يمكـن تقسـيمها إلـى كلمتـين، كلمـة كامـل وكلمـ

آخر غيـر كامـل، ألنـه حتـى الطبيعـة اإلنسـانية نفسـها هـي واحـدة فـي كـل البشـر، ومتسـاوية فينـا جميعـا، وال يوجـد

إنســان أقــل مــن إنســان آخــر فــي اشــتراكه فــي الطبيعــة اإلنســانية واعتقــد أن مالكــا ال يختلــف عــن مــالك آخــر فــي

كيـف تكـون الطبيعـة اإللهيـة الفائقـة، فـي وضـع أقـل انتسابهم للطبيعة المالئكية فكل المالئكـة لهـم نفـس الطبيعـة. ف

من وضع المخلوقات، أو تحتمل ما ال تستطيع أن تحتمله الطبيعـة المخلوقـة؟ وكيـف تكـون بسـيطة وغيـر مركبـة،

إذ أظهر في أقنوم منها الكمال وفي أقنوم آخـر عـدم الكمـال؟ أال تكـون حسـب إدعـاء الهراطقـة مركبـة ألن الكمـال

مال. وهذا يعني التركيب. ليس مثل عدم الك

واذا كان اآلب واالبن لهما طبيعة واحدة، وال تركيب فيها وال اختالف، فعدم كمال االبن، يصبح بدوره عـدم

كمـــال اآلب. ويصـــبح أيضــــا كمـــال اآلب هـــو كمــــال االبـــن، وبـــذلك تســــقط التهمـــة الموجهـــة لالبــــن، رغـــم إدعــــاء

كامل، وال هو يتفوق على االبن. الهراطقة. لكن التعليم الصحيح، ليس اآلب غير

ولعــل هــذا هــو نهايــة الجــدل. فلــو كــان بــين الكمــال والــنقص فاصــل زمنــي. والطبيعــة اإللهيــة تقبــل الكمــال

والــنقص فهــي بــذلك مركبــة وال تكــون طبيعــة اهللا البســيط. ولــو افتــرض أحــد أن األضــداد ال يمكــن أن تجتمــع فــي

سـود فـي جسـد واحـد. هـذا افتـراض جيـد يـا سـيدي ألنـك بـذلك تؤكـد مـا طبيعة واحدة مثل اللـون األبـيض واللـون األ

أقدمه. ألنه إذا كانت الطبيعة اإللهية واحدة، فأخبرني كيف تقبـل األضـداد؟ وكيـف يمكـن ألقنـومين يختلفـان تمامـا

اآلب، أن يوجــدا معــا فــي جــوهر واحــد؟ ولكــن ألن اآلب بالطبيعــة إلــه، كــذلك االبــن أيضــا، وال يصــبح مختلفــا عــن

ألنه مولود مـن جـوهرهن اإللهـي الكامـل. وبـذلك يصـبح االبـن كـامال، ألنـه مـن اآلب الكامـل ألنـه صـورته الكاملـة

). 3: 1ورسم جوهره (عب

وعلى الذين يقاوموننا أن يقولوا لنا: كيف أن االبن هو صورة اآلب الكاملة ورسم جوهره ومع ذلك ليس فيـه

امل كما أن اآلب كامل. كمال الطبيعة اإللهية فاالبن ك

وقــد يقــول قائــل عــن يوحنــا أنــه رأى الــروح القــدس نــازال مــن الســماء علــى االبــن، فنــال التقــديس مــن الخــارج،

ونال بذلك ما ليس عنده. إذا صح كالمك فهذه هي المناسبة لكي تدعوه مخلوقـا نـال كرامـة وكمـاال وتقديسـا، مثـل

رات مثــل البــاقين. واذا صــح قــولكم يكــون اإلنجيلــي كاذبــا، عنــدما يقــول كــل المخلوقــات، وينــال مــا يحتاجــه مــن خيــ

"ومن ملئه نحن جميعا أخذنا" فكيف هو مملوء وهـو يأخـذ مـن آخـر؟ وكيـف يمكـن أن نعتقـد أن اهللا هـو اآلب، إذا

أن كـــان االبـــن الوحيـــد مخلوقـــا؟ فـــإذا صـــح أن االبـــن مخلـــوق، ال يمكـــن أن نـــدعوه بصـــدق اآلب، وال االبـــن يمكـــن

ندعوه بالحق االبن، بل يصبح هذا مجرد لقب فارغ بال داللة. وبذلك يصل كل شئ عنـدنا إلـى العـدم فـاآلب لـيس

اآلب حقــا، واالبــن لــيس بالطبيعــة أبنــا، ولكــن إذا كــان اهللا حقــا هــو اآلب، فبالتأكيــد لــه ذلــك الــذي هــو أب لــه أي

االبن الذي من جوهره.

د مــن هــو خــال مــن القداســة. الســيما وأن القداســة طبيعيــة وصــفة مــن وكيــف يمكــن لالهــوت القــدوس أن يلــ

فعليهم االعتراف رغما عن إرادتهم بأنه –كما يدعون –صفات الالهوت؟ واذا كان االبن نال التقديس من الخارج

سـا كان وقت لم يكن االبن فيـه قدوسـا، وصـار قدوسـا عنـدما نـزل الـروح القـدس وحـل عليـه. فكيـف كـان االبـن قدو

)، فــإذا كــان قدوســا حتــى قبــل 3: 6قبــل التجســد ألن الســارافيم مجــده وكــرر التقــديس "قــدوس" ثــالث مــرات (أش

التجســد، بــل ألنــه أزلــي مــع اآلب القــدوس، فكيــف يقــال أنــه احتــاج إلــى مــن يقدســه؟ ألــيس الكــالم كلــه عــن الزمــان

بحــث. ومــن ناحيتنــا علينــا أن نعتقــد أن األخيــر عنــدما تــأنس؟ أننــي منــدهش كيــف ال يــدركون هــذا وهــم محبــون لل

التقــديس لــم يــأت لالبــن كمــا يجــئ إلينــا. ألن الخــالي مــن التقــديس يمكــن أن يســقط فــي عبوديــة الخطيــة بــل ويغــرق

إلى ما هو أسوأ غير محتفظ بالقوة التي تحول بينه وبين الرذيلة. لـذلك لـيس االبـن قـابال للتغيـر، واال كـذب المـرنم

). 27: 102ائال له "أنت هو هو" (مز وهو يصرخ بالروح ق

وباإلضافة إلى ما قلنـاه علينـا أن نـدقق فيمـا يلـي فهـو هـام جـدا. أن البـراهين كلهـا تؤكـد أن مـن يشـترك فـي

شئ مختلف تماما عن الذي هو مشـترك فيـه. واذا لـم يصـح هـذا، فـإن مـن يشـترك يصـبح مشـتركا فـي ذاتـه طالمـا

فيه. وكيف يمكن منطقيا أن يشترك كـائن فـي ذاتـه؟ وحيـث أن الـذين يشـتركون أنه غير مختلف عن الذي يشترك

في غيرهم لهم طبائع مختلفة فعلى الذين يقولون أن االبن الوحيد يأخذ الروح باالشـتراك فيـه أن يـروا انحـدارهم فـي

أعماق الكفر والغرق هناك دون أن يشعروا.

لقدس بالطبيعة قدوس، فاالبن يصبح غيـر قـدوس بالطبيعـة لو كان االبن يشترك في الروح القدس، والروح ا

بــل يصــير قدوســا باشــتراكه فــي آخــر، أي يتحــول بالنعمــة إلــى مــا هــو أفضــل مــن وضــعه األصــلي. وعلــى الــذين

يحــاربون اهللا أن يــروا إلــى أي درجــة مــن االنحــدار والكفــر تطــرحهم اإلجابــة علــى هــذا الســؤال. فــأوال اإلدعــاء بــأن

ية قابلة للتبديل والتحول، وهو اإلدعاء أفضل. ثانيا تحول االبن إلى مـا هـو أقـل مـن اآلب ثـم تحولـه الطبيعة اإلله

إلــى مــا هــو أســمى مــن اآلب بســبب اشــتراكه فــي القداســة، حســب منطــق المعانــدين، ألنــه فــي إطــار هــذا التفكيــر

ي المسـيح يسـوع أيضـا، الـذي إذ الطائش يبـدو أن الرسـول بـولس الحكـيم يقـول عنـه "لـيكن فـيكم هـذا الفكـر الـذي فـ

كان في صورة اهللا، لم يحسب مساواته هللا اختالسا، ولكنـه أخلـى ذاتـه وأخـذ صـورة العبـد، وصـار فـي شـبه النـاس،

). 8 -5: 2ووضع ذاته (في

إذ قبـل التجسـد كــان فـي صـورة اهللا أي فــي المسـاواة مـع اآلب. ولكــن عنـدما تجسـد، أضــاف إلـى ذلـك قبــول

مــن الســماء والتقــديس، وحســب منطــق هــؤالء، يصــبح فــي وضــع أفضــل وأعظــم ممــا كــان عليــه، ممــا الــروح القــدس

يجعلــه يتفــوق علــى وضــع المســاواة مــع اآلب. واذا كــان قبــول الــروح جعلــه ترتفــع إلــى مســتوى أعظــم مــن مســتوى

ليسـت لـه. اآلب. فهو والروح يصبحان أعظم من اآلب. وبذلك يصبح اآلب هو الـذي يمـنح السـمو والعظمـة التـي

من ال يرتعد خوفا من سماع هذا الكفر؟

بالحقيقة أن مجرد كتابة هذه األفكـار التـي ال تخـرج مطلقـا عـن إطـار منطـق كفـر هـؤالء هـو أيضـا صـعب،

ولكــن غبــاوة هــؤالء ال يمكــن مطاردتهــا إال بمثــل هــذه الطريقــة. لكــن علينــا أن نســأل هــؤالء هــل حصــل الكلمــة اهللا

على الروح القدس وتقـدس؟ ومـاذا قبـل التجسـد، عنـدما كـان فـي صـورة اآلب أي فـي المسـاواة، عندما صار إنسانا

هـل كــان فـي التقــديس؟ علــيهم اآلن أن يجيبـوا بكــل صــراحة، ألنـه إن كــان قبـل التجســد غيــر قـدوس، فــاآلب أيضــا

قدوســا منــذ البــدء، غيــر قــدوس، ألن االبــن فيــه وهــو فــي االبــن وفــي مســاواة تامــة. وهــذا يعنــي أن االبــن لــم يكــن

وصار كذلك في األيام األخيرة عندما تجسد. هل يوجد كفر أعظم من هذا.

وأيضا إذا كان هو حقا كلمة اهللا الذي قبـل الـروح، وتقـدس فـي طبيعتـه الخاصـة فعلـى المعانـدين أن يقولـوا،

سرنا مـع الهراطقـة الطريـق هل حدث تغير في االبن، هل صار أعظم أم أقل مما كان عليه أم ظل كما هو؟ واذا

كله وأخذنا بمنطقهم، فيمكننا أن نقول إذا لـم يأخـذ االبـن شـيئا مـن الـروح القـدس، وظـل كمـا هـو بـدون تغييـر، فـال

تتضايقوا عندما تسمعون أنه "نزل عليه".

واذا كــان قــد تغيــر عنــدما قبــل الــروح وصــار أقــل فــأنتم تقــدمون إلينــا كلمــة متغيــر، وتتهمــون جــوهر اآلب

بالنقص وليس بالتقديس. واذا كان الكلمة صـر أفضـل عنـدما قبـل الـروح، مـع أنـه أصـال فـي صـورة ومسـاواة اآلب

فاآلب نفسه لم يرتفع إلى نفس المسـتوى مـن المجـد الفـائق الـذي نالـه االبـن. وهنـا مـن المناسـب أن أقـول للهراطقـة

تبصـر، ال يضـئ لهـم إنجيـل مجـد المسـيح" (أر الجهالء "ها هو الشـعب الغبـي الـذي بـال فهـم الـذين لهـم عيـون ال

)، لكن ما قدمناه من أفكار هو صحيح، حتى إذا كنا لم نحاول أن نشرح ذلك مـن قبـل بشـكل 4: 4كو 2؛ 12: 5

كامـــل. ألن شـــرحنا ســـوف يـــدور حـــول مـــا تكلـــم بـــه بـــولس الرســـول والـــذي قـــدمناه كـــاعتراض علـــى فكـــر الهراطقـــة

لــذي كــان فــي المســيح يســوع أيضــا، الــذي إذ كــان فــي صــورة اهللا، لــم يحســب المنحــرف" لــيكن فــيكم هــذا الفكــر ا

: 2مساواته هللا اختالسا، بل أخذ صورة العبد وصار في شبه الناس واذ وجد في الهيئة كإنسـان وضـع نفسـه" (فـي

). فهــا هــو الرســول يتعجــب مــن االبــن الــذي فــي مســاواة مــع اآلب، لــيس بســبب محبــة اآلب لنــا، وصــل إلــى 8 -5

ذلك، بل العكس صحيح أن محبته لنا جعلته ينزل إلينا إلـى حقارتنـا، وصـار فـي صـورة العبـد، وأخلـى ذاتـه بسـبب

ناسوته.

ولكـــن يـــا ســـادتي إذا كـــان االبـــن قـــد قبـــل الـــروح القـــدس وتقـــدس كمـــا تـــدعون، عنـــدما صـــار إنســـانا، وصـــار

التنـازل الـذي حـدث فـي التجسـد وكيـف تـم بالتقديس الذي قبلـه أعظـم ممـا كـان عليـه أي أعظـم مـن ذاتـه. فمـا هـو

اإلخالء؟ كيف أخلى ذاته وتمجد في نفـس الوقـت. كيـف تنـازل إلـى التقـديس؟ ألـيس التقـديس ارتفـاع ومجـد؟ كيـف

أخلـى ذاتــه، وقبـل الــروح القـدس فــي نفــس الوقـت؟ أو كيــف يمكـن أن تقــول علــى وجـه اإلطــالق أنـه تجســد ألجلنــا؟

ــا وســمى ذلــك تنــازال؟ كيــف صــار الغنــى فقيــرا وكيــف يمكــن أن نــدعى أنــه نــال فائــد ة عظمــى عنــدما تجســد ألجلن

). 9: 8كو 2ألجلنا، لكي نغتني نحن بفقره (

أو كيف كان غنيا قبل ظهوره في الجسد إذا كان حسب إدعـاء الهراطقـة قـد أخـذ فـي التجسـد مـا لـم يكـن لـه

من قبل أي الروح القدس؟

ة شــكر علــى مــا أخــذه بســببنا؟ أننــا نقــول عــن كــل هــذا "تعجبــي أيتهــا أال يحــق لالبــن إذا أن يقــدم لنــا تســبح

السموات وارتعدي يقول الرب، ألن شعبي" الهراطقة "قد ارتكبوا شرين": "ال يفهموا ما يقولـون، وال مـا يقـررون" (أر

). 7: 1تي 1؛ 13 -12: 2

والثقيلـــة! ومـــن األفضـــل أن أنهـــم ال يقـــدرون الخطـــر الـــذي يقعـــون فيـــه عنـــدما يحرفـــون هـــذه األمـــور العاليـــة

يسكبوا دموعا غزيرة وأن يصرخوا بصوت عال إلى اهللا قائلين "ضع يارب، حارسا على فمـي، واحفـظ بـاب شـفتي،

). ألن كلمــات الشــر هــي حقــا كلمــاتهم لكــي تــدمر الســامعين، 4 -3: 141ال تمــل قلبــي إلــى كلمــات الشــر" (مــز

ا هــو مكتــوب: "طــارحين كــل ظنــون وكــل فكــر يرتفــع ضــد معرفــة اهللا، لكننــا نحــن قــد طرحنــا نزهــاتهم مــن قلوبنــا مــ

). إذا لنحصـر عقولنـا إلـى المسـيح السـيما الموضـوع الـذي 5: 10كـو 2ومستأثرين كـل فكـر إلـى طاعـة المسـيح" (

نحن بصدده لكي نخضع لمجد االبن الوحيد كل فكر، قائلين الحكمـة النابعـة مـن طاعتـه، أي تجسـده. فهـو الغنـي

).9: 8كو 2جلنا صار فقيرا "لكي نستغني نحن بفقره" (الذي أل

اقبلوا أن شئتم، برهاننا علـى مـا سـنقول، لكـن افتحـوا آذان االحتمـال لكلماتنـا. إن األسـفار اإللهيـة تعلمنـا أن

اإلنسان خلق على صورة اهللا ومثالـه، الـذي هـو فـوق الكـل. والـذي جمـع لنـا األسـفار الخمسـة األولـى موسـى الـذي

: 1س). يقول "خلق اهللا اإلنسان، على صورة اهللا خلقـه" (تـك 17: 33اهللا عنه بأنه أكثر من عرف اهللا (خر شهد

). ولكنه بالروح القدس خـتم الصـورة اإللهيـة فـي اإلنسـان، وموسـى يعلمنـا عـن هـذا أيضـا قـائال "ونفـخ فـي أنفـه 27

يقـة وبشـكل إلهـي طبـع صـورة اهللا فـي اإلنسـان. ). فـأعطى الـروح القـدس فـورا حيـاة فـي الخل7: 2نسمة حياة" (تـك

وهكــذا فــإن اهللا الصــانع الحكــيم، إذ صــنع المخلــوق العاقــل الحــي علــى األرض، أعطــاه الوصــية المخلصــة. وكــان

) يحفظ العطية، مالكـا الصـورة اإللهيـة بـالروح القـدس الـذي سـكن 8: 2اإلنسان في الفردوس كما هو مكتوب (تك

خـاخ الشـيطان بينـه وبـين إكـرام اهللا وبـدأ يحتقـر خالقـه، ويـدوس النـاموس الـذي أعطـاه اهللا فيه ولكن عندما حالـت ف

إياه، ويحزن المحسن إليه، نزع اهللا النعمـة التـي أعطيـت لـه، والـذي خلـق للحيـاة سـمع ألول مـرة "تـراب أنـت، والـى

). 19: 3التراب تعود" (تك

خـتم مشـرقا المعـا، بـل بـدأ يظلـم بسـبب التعـدي. وعنـدما أما شبه اهللا فبـدخول الخطيـة بـدأ يبهـت، ولـم يعـد ال

كثر جنس البشر إلى أعداد ال تحصى، وسادت الخطية على الكل، وصارت تدمر نفس كل إنسان تـدميرا كـامال،

نزعت مـن طبيعـة اإلنسـان النعمـة األولـى وفـارق الـروح القـدس تمامـا الطبيعـة اإلنسـانية، وسـقطت الطبيعـة العاقلـة

ــاوة، وصــارت تجهــل اهللا خالقهــا. ولكــن خــالق الكــل احتمــل ذلــك لفتــرة طويلــة وأشــفق علــى العــالم فــي أعمــا ق الغب

الفاســد، وألنــه اهللا الصــالح، فقــد أســرع لكــي يجمــع قطيعــه الشــارد علــى األرض ويضــمه إلــى الــذين فــوق (المالئكــة)

القـدس. ولـم يكـن طريـق آخـر ممكـن أن وقرر أن يعيد الطبيعة اإلنسانية فيه من جديد إلى الصورة األولـى بـالروح

تطبع الصورة اإللهية بواسطته من جديد وتشرق في اإلنسـان كمـا كانـت أوال.. فمـاذا جهـر اهللا ليحقـق هـذا؟ وكيـف

أعاد غرس النعمة غير المغلوبة؟ أو كيف تجذر الروح القدس في اإلنسان؟

ى حالتها األولـى؟ اإلنسـان األول، ترابـي مـن من الالئق أن نقول بأي طريقة أعيد خلق الطبيعة اإلنسانية إل

تــراب األرض، وكــان فــي قدرتــه االختيــار بــين الخيــر والشــر، ألنــه يميــل إلــى الخيــر أو الشــر ولكنــه ســقط بمكــر

وخدعــة لئيمــة، ومــال إلــى العصــيان، فســقط إلــى األرض. األم التــي خــرج منهــا، وســاد عليــه الفســاد والمــوت، ونقــل

بشري كله. ونما الشر وكثر فينا وانحدر إدراكنـا إلـى األسـوأ وسـادت الخطيـة، وباألجمـال العقوبة إلى كل الجنس ال

ظهر أن الطبيعة اإلنسانية تعرت من الروح القدس الذي سكن فيها. "ألن الـروح الحكمـة يهـرب مـن الخـداع" وكمـا

لنعمـة التـي أعطـاه اهللا س)، وألن آدم لم يحتفظ با4: 1هو مكتوب "وال يسكن في الجسد الخاضع للخطية" (حكمة

له قرر اهللا اآلب أن يرسل لنا آدم الثاني من السماء. فنزل إلى شكلنا، أبنه الوحيـد، الـذي هـو بالطبيعـة بـال تغييـر

). هكـذا 19: 5أو اختالف، بل لم يعرف الخطية مطلقا، حتى كما "بعصيان" األول خضعنا للغضب اإللهي (رو

شــرورها تنتهــي، ولكــن حينمــا صــار كلمــة اهللا إنســانا، قبــل الــروح القــدس مــن بطاعــة الثــاني نهــرب مــن اللعنــة وكــل

اآلب كواحد منا، ولم يقبله كأقنوم في ذاته، ألنه كأقنوم هو واهب الروح وانما الذي لـم يعـرف خطيـة، عنـدما يقبـل

اعتقــد أن المعمــدان الــروح كإنســان، يحفــظ الــروح لطبيعتنــا، لكيمــا تتأصــل فينــا النعمــة التــي فارقتنــا. لــذلك الســبب

القديس أضاف "رأيت الروح نـازال مـن السـماء واسـتقر عليـه". لقـد فارقنـا الـروح بسـبب الخطيـة لكـن الـذي لـم يعـرف

خطيــة، صــار كواحــد منــا لكيمــا يتعــود الــروح القــدس علــى الســكن فينــا، بــدون مناســبة للمفارقــة أو االنســحاب منــه.

) 9: 8كـو 2األول لطبيعتنـا. وعـن ذلـك قيـل أيضـا: "ألجلنـا افتقـر" ( لذلك أخذ الـروح القـدس فيـه، ليجـدد، الصـالح

ألنه وهو الغني كاهللا وال يحتاج ألي صالح، صار إنسانا يحتاج إلـى كـل شـئ، وعنـه قيـل بكـل صـواب "وأي شـئ

). 7: 4كو 1لك لم تأخذه"؟ (

قـيم طبيعتنـا كلهـا فيـه، "ألن وأيضا وهو بالطبيعـة الحيـاة، مـات بالجسـد ألجلنـا، لكـي يغلـب المـوت ألجلنـا وي

الكــل كــان فيــه بصــيرورته إنســانا"، وهكــذا أيضــا، قبــل الــروح القــدس ألجلنــا، لكــي مــا يقــدس طبيعتنــا كلهــا. ألنــه لــم

يأت لكي ينفع نفسه بل لكي يصبح لنا جميعا، الباب والبداية والطريق لكل الخيرات السـمائية. ولـو كـان قـد رفـض

أو أن يتألم عنا كواحد مثلنا، فكيف يمكن ألي إنسان أن يوضح أنه وضع ذاته؟ أن يقبل (الروح) كإنسان،

أو مــا الــداعي ألن يحــتفظ بصــورة العبــد، إذا لــم يكــن شــئ خــاص بصــورة العبــد قــد كتــب عنــه. وعلينــا أن ال

لسـالطين نقطع التدبير الحكيم إلى أجزاء، ألن بولس يصرخ مندهشا من التدبير "لكي يعرف اآلن عنـد الرؤسـاء وا

فـي األمـاكن السـماوية بواسـطة الكنيســة بحكمـة اهللا المتنوعـة حسـب القصـد األزلــي الـذي صـنعه فـي المسـيح يســوع

). 11 -10: 3ربنا" (أف

وحقــا عظــيم هــو ســر التجســد الــذي رأينــاه مملــوءا حكمــة إلهيــة. وهكــذا يجــب أن نفهــم المخلــص، نحــن الــذين

األرثوذكســية. ألننــا لــن ننحــدر إلــى عــدم التعقــل. لكــي نعتــرض أن االبــن اخترنــا طريــق التقــوى، ونبــتهج بالتعــاليم

كأقنوم ينال الروح القدس، ألنه بسبب وحدة الجوهر، فالروح موجود في االبن، كما هو فـي اآلب أيضـا. ألنـه كمـا

ا إلـى بثينيـه، أن الروح القدس من اآلب كذلك هو من االبن، كما هو مكتوب "فلما أتوا إلى ميسيا حاولوا أن يـذهبو

8Fفلم يدعهم روح يسوع"

). 7: 16(أعمال *

روح يسوع هكذا في الترجمة السريانية القديمة، وهكذا وجدت أيضا في أقدم المخطوطات. *

لكن إذا كان أحد لم يستحسـن مـا قلنـاه، ويعتـرض علـى الشـرح الـذي قـدمناه، وبغيـرة عميـاء يـدعي أن االبـن

ــاء فتــرة ــم يكــن فيــه مــن قبــل، ثــم حــل الــروح القــدس فيــه عنــدما اعتمــد وأثن ينــال الــروح القــدس بالمشــاركة أو أنــه ل

أن يرى إلى أي درجة من عدم اإلدراك سوف يسقط. ألنه أوال يقول المخلص: ليس بـين المولـودين التجسد، فعليه

)، وهــذا حــق، ولكننــا نــرى أن الــذي وصــل إلــى هــذه المكانــة 11: 11مــن النســاء مــن هــو أعظــم مــن يوحنــا (مــت

مســتحقا أن أنحنــي وأحــل والمجــد والفضــيلة كإنســان، يكــرم المســيح بكرامــة ال يمكــن مقارنتهــا. فهــو يقــول "أنــا لســت

). فكيــف ال يبــدو غيــر معقــول، بــل بالحقيقــة كفــر، أن نــؤمن أن يوحنــا "امــتأل مــن الــروح 7: 1ســيور حذائــه" (مــر

)، ونعتقد أن سـيده، بـل سـيد ورب الكـل قبـل الـروح القـدس عنـدما اعتمـد، مـع أن 15: 1القدس من بطن أمه" (لو

س يحل عليك، وقوة العلي تظلك، لذلك القدوس المولود منك، يـدعي ابـن جبرائيل يقول للعذراء القديسة "الروح القد

)، وعلى محب المعرفـة أن يـرى قـوة الكلمـات التـي تـتمخض بـالحق. ألنـه يقـول عـن يوحنـا "يمتلـئ 35: 1اهللا" (لو

من الروح القدس". ألن الروح القدس صار فيه كعطية وليس بـالجوهر أمـا عـن المخلـص فـالمالك ال يقـول "سـوف

يمتلــئ" بــالمعنى الــدقيق للكلمــة بــل "القــدوس المولــود منــك" ولــم يقــل "المولــود منــك ســوف يصــير قدوســا" فهــو دائمــا

قدوس بالطبيعة ألنه اإلله.

ولكنني أعتقد أنه يجب أن نبحث عما يليـق مـن كـل الزوايـا، فـإن دراسـة بشـارة المـالك نفسـها تـدريب عملـي

ــ ــا ليتنــا نتقــدم فيــه قل ــذلك علــى التقــوى، وي ــيال. يقــول المــالك "الــروح القــدس يحــل عليــك وقــوة العلــي تظلــك، ل يال قل

القــدوس المولــود منــك يــدعي ابــن اهللا". وعلــى الــذين يقــاومون التعلــيم األرثوذكســي للكنيســة أن يقولــوا لنــا هــل كــان

ينكــرون اآلب أيضــا، الكلمــة قبــل التجســد هــو ابــن اهللا، أم كــان لــه مجــد البنــوة باالســم لــم يكــن االبــن بــالمرة، فبــذلك

ــه، وهــذا االعتقــاد مضــاد تمامــا لألســفار المقدســة. واذا اعترفــوا بأنــه االبــن قبــل التجســد، وأنــه كــان كمــن ال ابــن ل

وسيظل االبن فكيف يقول المالك في البشارة للعذراء القديسة أن الذي سيولد منها سيدعي ابن اهللا؟ لكنه بالطبيعة

ل مـع اآلب، ولكـن عنـد التجسـد، وألنـه سـوف يظهـر فـي العـالم بالجسـد يؤكـد المـالك ابن اهللا، ألنـه كـذلك منـذ األز

أنه سيدعي ابن اهللا، أي لن يفقد طبيعته اإللهية.

كذلك أيضا فاالبن له الروح حسب وحدة الجوهر، ولكنه قيل أنـه سـوف يقبلـه كإنسـان لكـي يحفـظ لإلنسـانية

كـل مـا يمكـن أن نأخـذه. ولكـن كيـف يمكـن أن نعتقـد أن الكلمـة الصالح الذي تحتاجه ومع هذه العطيـة يحفـظ لنـا

يمكن أن يكون منفصال عن روحـه؟ أال يكـون غيـر معقـول أن نقـول أن روح اإلنسـان ليسـت فيـه، وحسـب تعريـف

طبيعة اإلنسان الكاملة والحية، هل يمكن أن نتكلم عن إنسان بال روح. وافترض أن هذا واضح جـدا للكـل، فكيـف

نفصــل الــروح القــدس عــن االبــن، الــذي هــو معــه، ومتحــد بــه فــي الجــوهر الواحــد، والــذي بــه ينبثــق، وهــو يمكــن أن

موجود فيه بالطبيعة. وال يمكن أن يكون مختلفا عنه ألنه أقنوم مثله، لـه ذات الطبيعـة اإللهيـة التـي لالبـن. وعلينـا

اياي، وأنـا أطلـب مـن اآلب وهـو سـيعطيكم أن نسمع ما يقوله المخلـص لتالميـذه. "إن كنـتم تحبـونني فـاحفظوا وصـ

) وهــا هــو يقــول عــن الــروح القــدس 17 -15: 14معزيــا آخــر، روح الحــق الــذي ال يســتطيع العــالم أن يقبلــه" (يــو

). واذا كـان االبـن بالطبيعـة 6: 14"روح الحق" واالبن وحده وليس آخر غيره هو الحق، ألنه يقول "أنا الحق" (يو

نرى كم هي عظيمة الوحدة التي بينه وبين الروح القدس، وهـي التـي جعلـت يوحنـا الرسـول يدعي الحق، فعلينا أن

يقول عن مخلصنا "هذا الذي جاء بالماء والدم والـروح. يسـوع المسـيح لـيس بالمـاء فقـط وانمـا بالمـاء والـدم. والـروح

القـدس فـي إنسـاننا الـداخلي ). ولذلك السبب نفسـه إذ يحـل الـروح 6: 5يو 1هو الذي يشهد ألن الروح هو الحق" (

)، وحقــا يعلمنــا بــولس المبــارك ذلــك قــائال 17: 3)، يقــال أن "المســيح نفســه هــو الــذي يحــل فينــا" (أف 16: 3(أف

"ولكنكم لستم في الجسد ولكن في الروح، إن كان روح اهللا ساكنا فيكم. واآلن إذا كان إنسان لـيس لـه روح المسـيح

-9: 8سيح فيكم فالجسـد ميـت بسـبب الخطيـة، أمـا الـروح فحيـاة بسـبب البـر" (رو فهو ليس للمسيح. وان كان الم

). أعطوا آذاننا صاغية يا سادة، لم سمعتم. ألن الرسـول يسـمى الـروح السـاكن فينـا، روح المسـيح، ولـذلك فـورا 10

: 8أيهــا اآلب" (رو يضــيف "وأن كــان المســيح فــيكم" مقــدما بــذلك المســاواة التامــة بــين االبــن والــروح، "نصــرخ أبــا

). 13: 4يو 1). وكما يقول يوحنا المبارك "بهذا نعرف أنه ساكن فينا، ألنه قد أعطانا من روحه" (15

اعتقـــد أن مـــا ذكـــرت يكفـــي أبنـــاء الكنيســـة لمقاومـــة أخطـــاء الهراطقـــة ولكـــن إن كـــان أحـــد معتـــادا أن يشـــرب

االبـن قبـل الـروح القـدس عنـدما تـأنس، فعليـه أن الخمر الـرديء الـذي يقدمـه الهراطقـة لكـي يسـكر بـه ويفتـرض أن

يعلن رأيه بصراحة ويقول أن كلمة اهللا لـم يكـن قدوسـا قبـل تجسـده، وهـذا الكفـر الظـاهر يجعلنـا نكـف عـن مناقشـته

ونحتفظ بسالمنا الداخلي.

قـال سـابقا يمكن أن نتعجب كيف يحتفظ اإلنجيلي القديس بالكالم الـدقيق الـذي يليـق بالطبيعـة اإللهيـة. فقـد

"اهللا لم يره أحد قط"، ولكنه يقول عن المعمـدان أنـه "رأى الـروح نـازال مـن السـماء" علـى االبـن. ويضـيف بالضـرورة

"رأيت الروح" ولكن في شكل حمامة، فهو لم ير الروح كما هو في طبيعته، وانما في ظالل وداعة الطائر. وبـذلك

االبــن وأقنــوم الــروح، فــاالبن يقــول عــن نفســه "تعلمــوا منــي ألنــي وديــع حفــظ لنــا اإلنجيلــي المســاواة أيضــا بــين أقنــوم

). فــالروح لــم يظهــر مطلقــا، ألنــه اهللا، واحــتفظ بطبيعتــه اإللهيــة غيــر الظــاهرة، 29: 11ومتواضــع القلــب" (مــت

مـة، وظهر فقط بشكل حمامة، بسبب اإلعالن الذي قدم ليوحنا المعمدان، الذي قال أن نزول الروح وهـب لـه كعال

لكي يشهد للمخلص "والذي أرسلني ألعمد بالماء، هو نفسه قل لي الذي ترى الروح نازال ومستقرا عليه، هـو نفسـه

الذي يعمد بالروح القدس".

اعتقد أننا نستطيع أن نضحك من آراء الهراطقـة غيـر عـابئين بمـا يقولونـه، ألنهـم اخـذوا العالمـة علـى غيـر

فقـــط وألجـــل إعـــالن تـــدبير، وكمـــا قلـــت أكثـــر مـــن مـــرة وبســـبب حاجـــة الجـــنس معناهـــا، مـــع أنهـــا أعطيـــت كعالمـــة

البشري.

) 34: 1"وأنا قد رأيت وشهدت أن هذا هو ابن اهللا" (يو صادقة هذه الشهادة، فالذي رأى تكلم بما رآه، فهو ال يجهل مـا هـو مكتـوب "مـا تـراه بعينيـك إيـاه أخبـر" (أم

المقصــود منهــا، لكــي أشــهد أن هــذا هــو ابــن اهللا الــذي أعلنــه النــاموس س) "رأيــت" العالمــة وفهمــت مــا هــو7: 25

بواسطة موسى، وبشرت به أصوات األنبياء القديسين.

ولكن يبدو لي أن اإلنجيلي المبارك يسجل شهادة يوحنا المعمدان بثقة عظمى "هذا هـو ابـن اهللا" أي الواحـد

حن نتشبه، وبه ندعي بالنعمة إلى كرامة البنوة، ألن كل شـئ الوحيد بالطبيعة ووارث طبيعة اآلب ذاتها، وباالبن ن

)، فهـو اآلب حقـا، وهـو اآلب 15: 3من اهللا اآلب ولذلك منه "تسمى كـل عشـيرة فـي السـماء وعلـى األرض" (أف

األول والحقيقي، وكذلك كل بنوة هي مـن االبـن، بسـبب أنـه هـو االبـن حقـا، الـذي مـن جـوهر اآلب، ولـيس باالسـم

و لم ينفصل، وال أنقطع عن اآلب، فالطبيعة اإللهية ال تقبـل التجزئـة بـل االبـن واحـد مـن واحـد، كـائن مـع فقط، فه

اآلب الذي منه ولد، وهو في اآلب، ويشرق من اآلب، غير منظور وغير متجزئ وبال حدود، ألن الالهـوت لـيس

ل الكائنات المخلوقة. بل الالهوت مثـل مثل الجسد، وال محصور في مكان، وال من طبيعة تتقدم تدريجيا وتنمو مث

الحرارة الصادرة من النار، يمكن تمييزهـا فكريـا، وادراكهـا متميـزة عـن النـار، ولكنهـا فـي النـار، ومـن النـار وتصـدر

عن النار دون انفصال، أو انقطاع، ألنهـا فـي النـار كلهـا ولـيس فـي جـزء منهـا، وهكـذا نعتقـد فـي المولـود اإللهـي.

التشبيه يليق باهللا. فاالبن له أقنومه المتميز عن أقنوم اآلب، دون أن ينفصل عـن الالهـوت الواحـد وندرك أن هذه

الفــائق، وال نقــول أن لــه جــوهرا آخــر غيــر جــوهر اآلب. ألنــه بــدون وحــدة الجــوهر ال يمكــن أن نقــول بصــواب أنــه

لـذي هـو كـائن منـذ األزل. فكيـف ال االبن، بل يكون آخر غير االبـن، أو إلـه جديـد قـد ظهـر غيـر اإللـه الحقيقـي ا

يكـــون مـــن هـــو لـــيس مـــن جـــوهر اآلب نفســـه بالطبيعـــة، ســـوى آخـــر غيـــر اإللـــه الحـــق؟ ولكـــن حيـــث أن المعمـــدان

المبارك هو شاهد صادق، له سمعة عظيمة ويشهد أن "هذا هو ابن اهللا" سوف نعتـرف أن االبـن هـو اإللـه الحـق،

معنى اسم االبن. من جوهر اآلب ذاته، وهذا وحده وال سواه هو

"وفي اليوم التالي أيضا كان يوحنا واقفا هو اثنان من تالميذه. فنظر إلى يسوع ماشـيا ) 36 -35: 1فقال هوذا حمل اهللا الذي يرفع خطية العالم" (يو

لقد أشار إليه المعمدان من قبل، ولكن ها هو يعيد نفس الكلمات، ويشير لتالميـذه بـأن يسـوع هـو حمـل اهللا

الذي يسير أمامـه وأنـه هـو الـذي يرفـع خطيـة العـالم. هـذه الشـهادة تهـدف إلـى أن تـذكر السـامعين بالـذي قـال عنـه

). ولــيس عبثــا أن يكــرر المعمــدان نفــس الكــالم 25: 43األنبيــاء "أنــا هــو المــاحي ذنوبــك وال أذكــر خطايــاك" (أش

وس التالميـذ الكلمـة الخاصـة بالتعـالم، وال يتـردد الذي قال سابقا عن المخلص، ألن كفاءة المعلـم، أن يثبـت فـي نفـ

في أن يكرر، وانما يحتمل التكرر من أجل فائدة التالميـذ. ولـذلك يقـول بـولس المبـارك "كتابـة نفـس األمـور إلـيكم،

). 1: 3ليست على ثقيلة وأما لكم فهي مؤمنة" (في

)37: 1"فسمعه التلميذان يتكلم فتبعا يسوع" (يو ة أبنه التعليم الصحيح؟ هل ترون قيمة التكرار؟ وعلى الـذين أؤتمنـوا علـى التعلـيم أن يتعلمـوا هل ترون الثمر

مــن هــذا أن يكــون مرتفعــا فــوق التكاســل، وأن يعتبــر الصــمت أشــد ضــررا لنفســه مــن الســامعين، وأن ال يــدفن وزنــه

)، 27 -18: 25ارفة" (مـت الرب في تل من التهاون مثل الـذي دفـن فـي األرض زنتـه بـل أن يعطـي النقـود للصـي

ألن المخلص سوف يسترد نقوده مع الفوائد، وكما يحيي البذرة فـي التـراب، كـذلك يفعـل بالكلمـة. وهنـا لـدينا برهـان

كــاف عمــا قلنــاه. ألن المعمــدان ال يتــوانى عــن اإلشــارة إلــى الــرب لكــي يــدرك تالميــذه أنــه اآلتــي. وعنــدما ســمعه

حمــل اهللا". فقــد اســتفادوا فائــدة عظمــى مــن التكــرار؟ حتــى أن التكــرار نفســه حملهــم تالميــذه فــي المــرة الثانيــة "هــوذا

على أن يتبعوه، وأن يطلبوا التلمذة له.

) 38: 1"فالتفت يسوع ونظرهما يتبعان، فقال لهما ماذا تطلبان" (يو فاسـتمعني" (مـز يليق بالرب أن يلتفت للذين يتبعونه، لكي نعلـم بالعمـل مـا قيـل فـي المزمـور "طلبـت الـرب،

). ألننــا عنــدما ال نطلــب الحيــاة الفاضــلة واإليمــان الحــق، نصــبح كمــا لــو كنــا خلفــه، ولكــن عنــدما نعطــش 4: 34

للناموس اإللهي ونختار طريق البـر المقـدس، فهـو سـوف يلتفـت إلينـا ويصـرخ بمـا هـو مكتـوب "التفتـوا إلـي فالتفـت

قول لهما ماذا تطلبان؟ ليس ألنه يجهل ما يطلبان، كيف يمكـن ). ولكن يسوع ي3: 1إليكم يقول رب الجنود" (زك

أن يحدث هذا فهو كإله يعرف كل شئ وانما جعل السؤال بداية وأساس حديثه.

"فقاال، يا معلم أين تمكث" مثــل أنــاس تعلمــا جيــدا حســن الكــالم ويجيبــان حســنا. وهــا همــا يقــوالن لــه "يــا معلــم" أي أيضــا "يــا ســيد" وهــو

ـــه فهـــو أكثـــر مكـــان مناســـب يمكـــن أن يجـــدا فيـــه تعبيـــر ي ؤكـــد اســـتعدادهما لكـــي يتعلمـــا، ويطلبـــان أن يعرفـــا منزل

احتياجهما. وربما شعرا بأن الحديث عن احتياجهما في الطريق العام هو غير مناسب السيما مع رفاق السفر ومـا

قيل هنا هو مثال مناسب لنا جميعا عن العالقة بين المعلم والتلميذ.

) 39: 1فقال لهما تعاليا وانظرا" (يو "ال يشير المسيح إلى المنزل مع أنهما سأال عنه بشكل واضح، لكنه يسـألهما أن يأتيـا إليـه وجعـل هـذا مثـاال

للسلوك الصالح ألن كل من يريد أن يبحث عن ما هو صـالح، عليـه أن ال يتـأخر بالبحـث عـن أمـور فرعيـة، ألن

التأخير مضر.

ــ ى ذلــك كــان هــذان يســجالن البيــت بالمقــدس لمخلصــنا المســيح، أي الكنيســة وال يكفــي بــالمرة وباإلضــافة إل

للخالص أن يعلما أين هي، ولكن أن يدخال إليها باإليمان، لكي يشاهدا األشياء التي تمت فيها سريا.

"فأتيا ونظرا أين يمكث، ومكثا عنده ذلك اليوم، وكان نحو الساعة العاشرة" التلميـــذان معرفـــة األســـرار اإللهيـــة. وأننـــي اعتقـــد أن العقـــل المـــزدوج والمنقســـم يناســـب الـــذين بشـــوق يطلـــب

يشــتهون المعرفــة، وانمــا علــى الــذي يبحــث عــن المعرفــة اإللهيــة أن يكــون ثابتــا، مرتفعــا فــوق الخرافــات غيــر عــابئ

ا معنى الكلمات "ومكثا عنـده ذلـك بالتعب المقدس، وهكذا خالل الحياة كلها يواصل ما يسعى إليه بغيرة تامة. وهذ

اليوم". ولكن عندما يقول "وكان نحو الساعة العاشرة"، فإن كل إنسان يستطيع أن يصل إلى المعنـى الـذي يناسـب

إدراكــه ألن كاتــب اإللهيــات، أرد أن يوصــل إلينــا معنــى خفيــا يصــعب إدراكــه ألول وهلــة، وأراد أن يعلمنــا أنــه لــيس

سر العظيم الخاص بالمخلص وانما في نهاية الدهور. ألنه في األيام األخيرة، يكون "الكـل في بداية العالم أعلن ال

). ويمكننــا أن نأخــذ أيضــا الرمــز الــذي أراده اإلنجيلــي مــن الســاعة العاشــرة، ألن 13: 54متعلمــين مــن اهللا" (أش

المقــدس (الكنيســة) ويتقــابلون التلميــذين مكثــا مــع المخلــص، وصــارا ضــيوفه، وهكــذا الــذين باإليمــان يــدخلون البيــت

مــع الســيد المســيح، علــيهم أن يتعلمــوا أن يمكثــوا معــه، وأن ال يرغبــوا فــي االغتــراب عنــه، أو االبتعــاد عنــه بــالعودة

إلى الخطية، أو العودة إلى عدم اإليمان.

"كان أندراوس أخو سمعان بطرس واحدا من االثنين اللـذين سـمعا يوحنـا وتبعـاه. أخاه سمعان فقال له قد وجدنا مسيا الذي تفسيره المسيح. فجاء به إلـى هذا وجد أوال ) 41 -40: 1يسوع" (يو

عندما أخـذا الوزنـة، علـى الفـور بـدءا فـي الثمـار، لكـي يقـدما إلـى الـرب مـا يخصـه. وهكـذا بالحقيقـة النفـوس

التعلــيم بعــد ســنوات وشــهور مــن الطائعــة الوديعــة التــي ال تحتــاج إلــى كلمــات كثيــرة لكــي تعمــل وال يقــدمون ثمــار

التعب، بل يصلون إلى غاية حكمة التعليم مع بداية تعليمهم. ألنه مكتوب أعط تعليما للحكيم فيزداد حكمة، وعلم

). 9: 9البار فيزداد" (أم

انـدراوس يخلــص أخيــه أي بطــرس، ويعلــن لــه الســر كلــه فــي كلمــات قليلــة، لقــد وجــدنا يســوع، الكنــز المخفــي

). 46 -44: 13و اللؤلؤة الكثيرة الثمن على حد تعبير أمثال اإلنجيل نفسه (مت في حقل، أ

"فنظر إليه يسوع وقال أنت سمعان بن يونا. أنت تدعى صفا الـذي معنـاه صـخرة" (يـو 1 :42 (

)، ويـرى الدرجـة 12: 20ينظر المسـيح إلـى سـمعان نظـرة إلهيـة، أي نظـرة مـن يعـرف القلـب واألحشـاء (أر

لتي سيصل إليها التلميذ في إدراكه للتقوى، وكيف سيترك خلفه أثـارا ال تحمـى. والـذي يعـرف األشـياء قبـل العالية ا

أن تكون، ال يجهل شيئا، ولذلك يبدأ على الفور يعلم التلميذ ويبدأ بالدعوة نفسها، ألنه اإلله الحق الـذي لـه معرفـة

تـــى إشـــارة لكـــي يعلـــم مـــن هـــو، ومـــن أيـــن جـــاء صـــفا لـــم يتعلمهـــا مـــن أحـــد. فهـــو لـــم يكـــن محتاجـــا إلـــى كلمـــة أو ح

(بطرس). ويقول له فورا اسم أبيـه، وأسـمه، بـل ال يسـمح لـه بـأن يكـون اسـمه سـمعان فهـو يمـارس سـلطان ربوبيتـه

أي صــخرة، أي Petraعليــه، ألنــه يملــك الكــل ولــذلك فهــو أيضــا يخصــه، ويغيــر اســمه مــن ســمعان إلــى بطــرس

). 18: 16ني عليه كنيسته (مت يشير إلى األساس الذي سوف يب

ــه ــال ل ــبس فق ــل فوجــد فيل ــى الجلي ــك أراد يســوع أن يخــرج إل ــذي بعــد ذل ــوم ال "وفــي الي )43: 1أتبعني" (يو

كــان فيلــبس مــن نفــس نــوع الرجــال الــذين تقــابلوا مــع المســيح، وكــان علــى اســتعداد ألن يتبــع المســيح. وكــان

يقــول لــه "أتبعنــي" جــاعال هــذه الكلمــة عالمــة علــى النعمــة التــي المســيح يعــرف أنــه ســيكون تلميــذا صــالحا. لــذلك

سينالها، ولذلك يأمره بأن يتبعه. وهذه شهادة بأن تغييره كان فائقا. ولذلك اختاره عالما أنه سيكون صالحا.

"فيلبس وجـد نثنائيـل، وقـال لـه وجـدنا الـذي كتـب عنـه موسـى فـي النـاموس واألنبيـاء ) 45: 1ن الناصرة" (يو يسوع ابن يوسف الذي م

بسرعة فائقة يجمع التلميذ الثمـر، لكـي يلحـق باللـذين سـبقوه مـن التالميـذ. لقـد "وجـد نثنائيـل"، وهـذا ال يعنـي

أنه تقابل معه من مدة طويلة، بل يبحث عنه بكـل اهتمـام. فقـد كـان يعلـم أن نثنائيـل مجاهـد محـب للمعرفـة. وهـذا

نا الذي كتبت عنه األسفار المقدسة، فهو لم يكن يـتكلم مـع شـخص جاهـل، ظاهر من الكلمات الموجهة إليه. وجد

بــل مــع مــن هــو مــتعلم جيــدا فيمــا يخــص موســى واألنبيــاء. ومــع هــذا كانــت هنــاك أفكــار خاطئــة كثيــرة منتشــرة بــين

اليهــود عــن يســوع مخلصــنا، مثــال ذلــك أنــه ســيكون مــن قريــة الناصــرة مــع أنــه حســب األســفار اإللهيــة ســيكون مــن

ت لحـم حسـب النبـوة. "وأنـت يـا بيـت لحـم أرض يهـوذا، بيـت أفرائـه، لسـت الصـغرى بـين ألـوف يهـوذا، ألن منـك بي

س). والحقيقـة أن يسـوع مـن بيـت 2: 5سوف يأتي الـذي يملـك فـي إسـرائيل، وخروجـه مـن القـديم منـذ األزل" (مـي

اء إلــى الناصــرة حيــث كــان قــد لحــم ولكنــه تربــى وكبــر فــي الناصــرة، حســب شــهادة اإلنجيلــي نفســه الــذي قــال "وجــ

)، ولكنه لم يكن مطلقا من الناصرة بل من بيت لحم حسـب شـهادة األنبيـاء. ومـن هـذا نـدرك أن 16: 4تربى" (لو

فيلبس إذ يتبع األفكار الشائعة بين اليهود لذلك يقول يسوع الذي من الناصرة.

) 46: 1"فقال له نثنائيل: أمن الناصرة يمكن أن يكون شئ صالح" (يو نثنائيــل مســتعد أن يوافــق أن شــيئا عظيمــا وهامــا، يتوقــع الكــل أن يســتعلن ال يمكــن أن يــأتي مــن الناصــرة.

وأعتقد أنه واضح جدا، لم يعتبر الناصرة، المكـان الـذي كـان سـيأتي منـه المسـيح ألن معرفتـه بالنـاموس واألنبيـاء،

قاله فيلبس.ال تنبئ بذلك وكشخص متعلم ويفهم لم يقبل بسرعة ما

"تعال وانظر" يقول فيلبس أن النظر يكفي إلقناع اإليمان، واذا تحدثت معه سوف تعترف بسـبب اسـتعدادك، وبـدون تـردد

سوف تقول، أنه هو اآلتي. ومعنى الكلمات "تعال وانظر" هو أن الكلمـات التـي كانـت تسـمع مـن المخلـص كانـت

نه مكتوب أن الكل "تعجب مـن كلمـات النعمـة الخارجـة مـن فمـه" إلهية محملة بالنعمة، تجذب نفوس السامعين. أل

)، وألن كلمته قوية في فعلها فهي قادرة على أن تجذب السامعين. 22: 4(لو

) 47: 1"هوذا إسرائيلي حقا ال غش فيه" (يو ين الـذين لم يكن المسيح قد أجرى آيات بعد، ولذلك لجأ إلى أسلوب آخر لكي يقنع تالميذه والحكمـاء مـن بـ

أتوا إليه، بأنـه بالطبيعـة ابـن اهللا، ولكنـه بسـبب خـالص الكـل جـاء فـي شـكل بشـرى. ومـا هـو بـديل المعجـزات، أنـه

معرفة الخفيات، التي هي خاصة باهللا. وهنا يقبل نثنائيل ليس بكلمات اإلطراء بل بما يشعر به نثنائيل، مقـدما لـه

عربونا بأنه يعرف القلوب كإله.

) 48: 1رفني" (يو "من أين تعبــدأ نثنائيــل يتعجــب، وبــدأت دعوتــه إلــى إيمــان ثابــت، ولكنــه يرغــب فــي أن يعــرف مــن أيــن حصــل المســيح

علــى مــا عرفــه عنــه. ألن النفــوس التقيــة والمحبــة للتعلــيم هــي دقيقــة جــدا. ولعلــه افتــرض أن بعــض مــا يعرفــه الــرب

جاء عن طريق فيلبس.

نة رأيتك" "قبل أن دعاك فيلبس وأنت تحت التيهنا ينهي المخلص تعجبه قـائال لـه قبـل أن تتقابـل مـع فيلـبس، وقبـل أن تتحـدث معـه، "رأيتـك تحـت التينـة"

بــدون أن أكــون حاضــرا معــك بالجســد. ومــا أعظــم منفعــة التينــة والمكــان، مؤكــدان لــه حقيقــة أنــه رآه. وألن المســيح

خضع له نثنائيل على الفور. كانت لديه معرفة دقيقة بما يعرفه نثنائيل عن نفسه،

) 49: 1"يا معلم أنت ابن اهللا، أنت ملك إسرائيل" (يو

يعــرف نثنائيــل أن اهللا وحــده فــاحص القلــوب، وهــو وحــده الــذي يعــرف الخفيــات، وال يشــاركه أحــد فــي هــذه

إلـى أحـد آخـر )، ولـم ينسـب المـرنم9: 7المعرفة، وهو ما قيل عنه في المزمور "اهللا فاحص القلـوب والكلـى" (مـز

هذه الصفة بالذات سوى اهللا وحده.

وعندما رأى نثنائيل أن الرب رأى أفكاره وهي تـدور فـي عقلـه، دون أن تتحـول إلـى صـوت مسـموع أو حتـى

همسات، على الفور قال له "يا معلم"، وأعلن بذلك استعداده ألن يدخل في التلمذة، وباعترافـه بأنـه "ابـن اهللا وملـك

التلمــذة، ألن هــذه هــي صــفات الالهــوت، ونثنائيــل كشــخص مــتعلم جيــدا يؤكــد أن يســوع هــو تمامــا إســرائيل" أكمــل

وبالطبيعة اهللا.

: 1"هل آمنت ألني قلت لـك أنـي رأيتـك تحـت التينـة. سـوف تـرى أعظـم مـن هـذا" (يـو 50 (

ذي يــؤمن بمجــرد يقــول المســيح لــه ســيكون إيمانــك أكثــر ثباتــا، الســيما عنــدما "تــرى أعظــم مــن هــذا". ألن الــ

رؤيتــه آيــة واحــدة، كيــف ال يتقــدم إيمانــه إذا رأى آيــات أخــرى، خصوصــا إذا كانــت هــذه اآليــات أكثــر وأعظــم فــي

قوتها.

"الحـــق الحـــق أقـــول لكـــم: مـــن اآلن تـــرون الســـماء مفتوحـــة، ومالئكـــة اهللا يصـــعدون ) 51: 1وينزلون على ابن اإلنسان" (

يؤمنـون، وهـي فـي نفـس الوقـت خـتم إيمـان نثنائيـل. ولكـن القـول بـأن هذه الكلمة هي دعوة عامة لكل الذين

المالئكة سوف يرون، يصعدون وينزلون على ابن اإلنسان، أي يخـدمون وينفـذون مـا يـأمر بـه، مـن أجـل خـالص

الذين يؤمنون، فـإن ذلـك سـوف يعلـن بشـكل خـاص، أنـه بالطبيعـة ابـن اهللا. ألن القـوات العقليـة السـمائية، ال تخـدم

دا سوى اهللا وهذا ال يعني أن المالئكة بعد التجسد لم تعد خاضعة بل كما نسمع فـي أحـد األناجيـل، أن مالئكـة أح

). 11: 4جاءت لكي تخدم مخلصنا المسيح (مت

اإلصحاح الثاني

"وفــي اليــوم الثالــث كــان عــرس فــي قانــا الجليــل. وكانــت أم يســوع هنــاك. ودعــى أيضــا ولما فرغت الخمر قالـت أم يسـوع لـه، لـيس عنـدهم خمـر" يسوع وتالميذه إلى العرس.

) 3 -1: 2(يو مناســب جــدا أن يجــئ إلــى بدايــة المعجــزات، رغــم أن الــذين دعــوه لــم يكــن لــديهم هــذا الهــدف. كــان احتفــال

بالعرس قد أقيم، وواضح أن اإلشارة إليه، هي إشارة إلى شئ مقدس. وجاءت أم المخلص، وعندما دعـى هـو جـاء

ميذه، لكي يصنع المعجزة، ال لكي يتمتع باالحتفال معهم. ولكن بشكل خاص جاء لكي يقـدس بدايـة مـيالد مع تال

اإلنســان، وأنــا أعنــي مــيالده حســب الجســد. لقــد كــان يليــق بمــن جــاء لكــي يجــدد طبيعــة اإلنســان، وأن يعيــد مــا هــو

ا للـــذين ســـوف يولـــدون، ويجعـــل أفضـــل، ال أن يعطـــي بركتـــه فقـــط للموجـــودين، وانمـــا أيضـــا أن يهيـــئ نعمـــة مقـــدم

مجيئهم إلى العالم مقدسا.

) ألـم تكـن الحاجـة أكثـر 16: 3ويوجد سبب ثالث، لقد قيل للمرأة مـن قبـل اهللا "بـالحزن سـوف تحبلـين" (تـك

إلــى القضــاء علــى هــذه اللعنــة أيضــا؟ واال كيــف يمكننــا أن نتفــادى زواجــا مــدانا؟ ولكــن ألن المخلــص هــو محــب

يرفــع هــذه اللعنــة. فهــو فــرح ســعادة الكــل. وأكــرم الــزواج بحضــوره لكــي مــا يزيــل العــار القــديم الخــاص البشــر، فأنــه

بالحبل. ألنه إن كان أحـد فـي المسـيح فهـو خليقـة جديـدة األشـياء القديمـة قـد مضـت، هـوذا الكـل قـد صـار جديـدا"

ي المعجـــزات مـــع صـــانع ). ولـــذلك جـــاء مـــع تالميـــذه إلـــى العـــرس. لقـــد كـــان ضـــروريا حضـــور محبـــ17: 5كـــو 2(

المعجزات، لكي يجمعوا أعماله، فتصبح طعامـا إليمـانهم. وعنـدما فـرغ خمـر المحتفلـين، سـألت أمـه الـرب الصـالح

محب البشر وقالت له "لـيس لهـم خمـر" وألن كـل شـئ تحـت سـلطانه، لكـي يفعـل مـا يشـاء، أخـذت تحثـه كـي يقـوم

بالمعجزة.

) 4: 2م تأت ساعتي بعد" (يو "قال لها يسوع، مالي ولك يا امرأة. لحســن جــدا هــو األســلوب الــذي اختــاره لنــا المخلــص فــي صــياغة حديثــه. فهــو ال يريــد أن يتســرع فــي القيــام

بشيء ألنه ال يريد أن يظهر كصـانع المعجـزات، الـذي ال يطلبـه أحـد، بـل ينتظـر حتـى يـدعوه المحتـاجون، ولـيس

لمن يريد أن يتمتع بالمشاهدة وعندما يتـأخر عـن القيـام بمعجـزة الفضوليون. فهو يعطي النعمة لمن يحتاج، وليس

مطلوبة فإن الرجاء ينمو أكثر، وأيضا، يريد المسـيح أن يسـجل إكـرام الوالـدين، فقـد سـمح بمـا أرادتـه أمـه، رغـم أنـه

لم يكن يريد القيام بالمعجزة.

) 5: 2"قالت أمه للخدام، مهما قال لكم فافعلوه" (يو أثير "عظــيم" فــي القيــام بهــذه المعجــزة، وقــد تمــت إرادتهــا، ألنهــا طلبــت مــن الــرب مــا يليــق بهــا كانــت ألمــه تــ

كأمه وهو كابنها. وبدأت تعمل بأن هيأت الخدم لكي يجتمعوا إلطاعة ما سيأمر به.

"قال لهم يسوع املئوا األجران ماء. فملئوها حتى الحافـة. وقـال لهـم املئـوا منهـا اآلن، س المتكأ فقدموا، فلما ذاق رئيس المتكأ الماء المتحول إلـى خمـر، ولـم وقدموا إلى رئي

ــم مــن أيــن هــي. لكــن الخــدم الــذين ملئــوا وقــدموا علمــوا فــدعا رئــيس المتكــأ يكــن يعلالعــريس. وقــال لــه كــل إنســان إنمــا يضــع الخمــر الجيــدة أوال ومتــى ســكر الحاضــرون

) 10 -7: 2اآلن" (يو فحينئذ الدون. أما أنت فقد أبقيت الخمر الجيدة إلىفعل الخدام مـا أمـر بـه، وبقـوة ال يمكـن حتـى وصـفها تحـول المـاء إلـى خمـر، فهـل هنـاك شـئ صـعب علـى

الذي يستطيع أن يفعل كل شئ؟ وهو الذي يدعو غير الموجودات إلى الوجود، فكيف ال يحول ما هو موجـود أي

أعمـال المسـيح. ويبـدو لـي أن رئـيس المتكـأ يمـدح الماء إلى خمر؟ لقد اندهش الحاضرون من ذلـك، وهكـذا كانـت

العريس الذي أبقى الخمر الجيدة حتى النهاية، مما يدل على أن الخمر كانت فعال جيدة.

: 2"هذه بداية اآليات فعلها يسوع في قانا الجليل، وأظهر مجده فآمن به تالميذه" (يو 11 (

واج المكـرم تقـدس، ولعنـة المـرأة أزيلـت، ولـم تعـد بعـد أمور فائقة حدثت فـي وقـت واحـد وبمعجـزة واحـدة. الـز

)، ألن المسيح اآلن يبارك أصل ميالدنا. ومجد مخلصنا يشرق مثل أشعة 16: 3في "حزن سوف تلد أوالدا" (تك

الشمس، وباإلضافة إلى كل هذا لقد ثبت التالميذ في اإليمان بواسطة المعجزة.

كرناه، ولكن علينا أن ننظر إلى الجانب اآلخـر للموضـوع لنـدرك إن السرد التاريخي سوف يقف عند الذي ذ

المعنى الخفي. لقد نزل كلمة اهللا من السماء، لكي يصير عريسا للطبيعة اإلنسانية، فآخـذها وجعلهـا مسـكنه، لكـي

يخطبها ويقودها إليه فتلد ثمار الحكمة الروحية.

يس، علــى عــادة األســفار المقدســة التــي تســتخدم ولــذلك دعيــت الطبيعــة اإلنســانية العــروس، والمخلــص العــر

اللغــة اإلنســانية العاديــة وتعطيهــا معــاني ســمائية وقــد تــم الــزواج فــي اليــوم الثالــث، أي فــي نهايــة الــدهور ألن رقــم

ثالثــة هــو البدايــة والوســط والنهايــة. وهــذه الثالثــة هــي أبعــاد الــزمن كلــه. وينســجم تمامــا مــع هــذا بمــا قالــه واحــد مــن

). لقـد 3 -1: 6ء "لقد ضرب، وسيعصـبنا، بعـد يـومين يحيينـا، وفـي اليـوم الثالـث يقيمنـا، لنحيـا قدامـه" (هـو األنبيا

). ولكن الذي ضـرب بالفسـاد والمـوت، 19: 2خربنا بسبب تعدي آدم، وقال له "تراب أنت والى التراب تعود" (تك

نهايــة الــدهور، عنــدما تجســد، وجعــل عصــبه وربطــه فــي اليــوم الثالــث أي لــيس فــي األول وال فــي الوســط بــل فــي

). وعنــدما قيــل أن 20: 15كــو 1طبيعتنـا صــحيحة إذ أقامهــا مـن المــوت فــي نفســه ولـذلك دعــى "بــاكورة الراقـدين" (

الزواج تم في اليوم الثالث، فقد كان يعني نهاية الدهور، ولكـن عنـدما أشـار إلـى المكـان "قانـا الجليـل" فعلـى الـذين

ظوا الدقة، فلم يكن المكان أورشليم حيث يتم االجتماع، وال في كـل اليهوديـة مـن االحتفـال يحبون المعرفة أن يالح

)، واعتقد أنه واضح أن مجمع اليهود رفـض 1: 9بالعرس، بل في أقليم األمم. ألن النبي يقول "جليل األمم" (أش

العريس من السماء أما كنيسة األمم فقد قبلته بفرح شديد.

ى العـرس بإرادتـه وحـده، بـل يـدعوه، أي برجـاء والحـاح أصـوات القديسـين. ولكـن الخمـر لم يأت المخلص إلـ

فرغت ولم يعد لدى المحتفلين منها أي شـئ ألن النـاموس لـم يكمـل شـيئا، ولـم تعـط الوصـايا الموسـوية الفـرح، ولـم

دهم خمــر" قــد يســتطع النــاموس الطبيعــي المغــروس فينــا أن يخلصــنا. ولــذلك مــن الصــواب أن نقــول أن "لــيس عنــ

قيلت عنـا نحـن أيضـا. ولكـن صـالح اهللا وغنـاه ال ينضـب، وال يمكـن أن يعجـز أمـام احتياجاتنـا. لقـد أعطانـا خمـرا

)، والنــاموس لــم يكمــل شــيئا، ولــم 6: 3كــو 2أفضــل مــن الخمــر األول، ألن الحــرف يقتــل أمــا الــروح فيعطــي حيــاة (

البركة الكاملة. لقد أندهش رئيس المتكأ من جـودة الخمـر، ألن يعط الخيرات، ولكن التعليم اإللهي لإلنجيل يعطي

كــل الــذين يشــرطون الكهنــوت المقــدس ويؤتمنــون علــى بيــت مخلصــنا المســيح، يندهشــون مــن تعليمــه الــذي يفــوق

النــاموس. وقــد أمــر المســيح أن يعطــي الخمــر لــرئيس المتكــأ أوال، وحســب قــول بــولس "الحــراث الــذي يتعــب يشــترك

)، وعلى السامعين أن يجدوا المعنى الذي أقصده. 6: 2تي 2الثمار" (هو أوال في

: 2"ووجد في الهيكل الذين كـانوا يبيعـون بقـرا وغنمـا وحمامـا والصـيارف جلوسـا" (يـو 14 (

يحتقر اليهود الناموس، وال يقيمون وزنا لما جاء في كتابات موسى بـل يهتمـون فقـط بمحبـة الـربح. ومـع أن

ــذين يــدخلون الهيكــل يجــب أن يطهــروا أنفســهم بكــل وســيلة ممكنــة ولكــن الــذين كــان لهــم النــاموس أوصــ ى بــأن ال

ــة (الرومانيــة إلــى عملــة الهيكــل)، والفوائــد ــذين كــانوا يكســبون النقــود بتغييــر العمل ــم يمنعــوا الصــيارفة ال الســلطان ل

س، لـم يمنعـوهم مـن دخولـه، كمـا لـو المالية مع كل أصناف التجارة، لم يمنعوا كل هـؤالء مـن تـدنيس الهيكـل المقـد

كانوا بأقدام غير مغسولة، نعم بل بالحرى هم أنفسهم تعودوا أن يـأمروا بهـذا، حتـى أن اهللا يقـول حقـا عـنهم: "رعـاة

)، ألنـه 11، 10: 12كثيرون أفسدوا كرمي. داسوا نصيبي، جعلوا نصيبي المشـتهى بريـة خربـة جعلـوه خرابـا" (أر

، إذ قد تعلموا أن يدوسوا علـى العبـادة اإللهيـة نفسـها، وعـن طريـق الحـب الـدنيء للـربح عنـد حقا قد فسد كرم الرب

أولئك الذين أقيموا عليه فأنه (الكرم) ترك عاريا لكل جهالة.

) 15: 2"فصنع سوطا من حبال وطرد الجميع من الهيكل" (يو يس مـن الالئـق أن يكـون الهيكـل اإللهـي معقول جدا أن يكون المخلص سـاخطا علـى حماقـة اليهـود. ألنـه لـ

بيـت تجــارة، بـل أن يكــون بيـت صــالة. فهكـذا هــو مكتـوب ولكنــه يظهـر مشــاعره لـيس بمجــرد الكلمـات بــل بالحبــال

وبالســوط يطــردهم مــن المواضــع المقدســة، وبالعــدل يطبــق علــيهم العقوبــة المناســبة للعبيــد، ألنهــم ال يقبلــون االبــن

يمان. أرجو أن تنظروا ممثال كمـا فـي صـورة ذلـك الـذي قيـل بواسـطة بـولس "إن كـان الذي يصير اإلنسان حرا باإل

).17: 3كو 1أحد يفسد هيكل اهللا فسيفسده اهللا" (

) 16: 2ارفعوا هذه من ههنا، ال تجعلوا بيت أبي بيت تجارة" (يو ……"إعـالن خطايـاهم، لكـي هو يأمر كرب، وكمعلم يقـود بيـده إلـى مـا هـو مناسـب، ويضـع أمـامهم مـع العقوبـة،

يخجلهم من خطاياهم فـال تكـون لهـم فرصـة أن يغضـبوا مـن التـوبيخ. ولكـن ينبغـي أن نالحـظ أنـه أيضـا يـدعو اهللا

أباه بصفة خاصة. باعتباره هو وحده منه بالطبيعة، ومولودة حقا. ألنـه إن لـم يكـن هـو كـذلك، أي لـو كـان الكلمـة

وبمشيئة اآلب فقـط، فلمـاذا يأخـذ هـو وحـده لنفسـه الفخـر العـام للكـل وأمـام أي بالتبني –كواحد منا –هو ابن معنا

الكل، قائال "ال تجعلوا بيت أبي" ولم يقل "بيت أبينا" ألنـي افتـرض أن هـذا القـول سـيكون أكثـر مناسـبة أن يقولـه ،

مـة يعـرف أنـه لـيس فـي لو أنه عرف أنه هو أيضا واحد من أولئك الذين ليسوا أبناء بالطبيعة. ولكـن حيـث أن الكل

عداد أولئك الذين هم أبنـاء بالنعمـة، بـل هـو مـن جـوهر اهللا اآلب، لـذلك فهـو يفصـل نفسـه عـن البـاقين ويـدعو اهللا

أباه. ألنه يليق بأولئك الذين يدعون إلى البنوة ويحصلون على الكرامـة مـن الخـارج، أنهـم حينمـا يصـلون أن ينـادوا

بن الوحيد إذ هو وحده إله من إله يليق به أن يدعو اهللا أباه بندائه الخاص. "أبانا الذي في السماوات"، أما اال

ولكن إن كان ينفي أن نتأمل هذا المقطع ونربطه روحيا بما سبق فقراءة النص تتجه إلى معنى آخر.

) 14: 2. الخ" (يو……"وما بعد: ووجد في الهيكل الذين كانوا يبيعون بقرا وغنما كل نظام التدبير الذي من أجلنا، موضحا في آمرين: ألن المسيح يشترك في العرس مع أهـل انظروا أيضا

قانــا، وأنــا أعنــي أهــل الجليــل وهــؤالء الــذين دعــوه وأكرمــوه جعلهــم مشــتركين فــي مائدتــه، وهــو يســاعدهم بــالمعجزات

) معلما إيانا كما فـي زمـن ويمأل ما كان ناقصا عندهم ألجل فرحهم (وأي شئ صالح هو ال يعطيه بسخاء مجانا؟

أنه سيقبل سكان الجليل أي األمم، الذي دعوا بواسطة اإليمان الذي فيهم، وهـو سـيأتي بهـم إلـى الحجـال السـماوي

ــالعرس)، وســوف ــين ب أي إلــى كنيســة األبكــار، ويجعلهــم يجلســون مــع القديســين (ألن التالميــذ جلســوا مــع المحتفل

الروحيــة، كمــا قــال هــو نفســه "إن كثيــرين ســيأتون مــن المشــارق والمغــارب يجعلهــم يشــتركون فــي الوليمــة اإللهيــة

ويتكئون مع إبراهيم وأسحق ويعقوب في ملكوت السموات"، ولـن يكـون هنـاك شـئ نـاقص لفـرحهم. ألن فرحـا أبـديا

)، أمــا اليهــود العاصــون فســيطردهم مــن األمــاكن المقدســة، ويجعلهــم 10: 35ســيكون علــى رؤوســهم (انظــر أش

ج حظيــرة القديســين المقدســة، بــل وحتــى حينمــا يقــدمون ذبــائح فهــو لــن يقبلهــا، بــل بــالحرى سيخضــعهم للعقــاب خــار

). فاسمعه يقول: "ارفعوا هذه من ههنا"، لكي تفهم أيضـا تلـك 22: 5والسوط، "مسكين بحبال خطاياهم" (انظر أم

بــاش وشــحم مســمنات. وبــدم عجــول وخرفــان األشــياء التــي قالهــا قــديما بفــم أشــعياء النبــي. "أتخمــت مــن محرقــات ك

وتيوس ما أسر. حينما تأتون لتظهروا أمامي من طلـب هـذا مـن أيـديكم أن تدوسـوا دوري. ال تعـودوا تـأتون بتقدمـة

ــة. البخــور هــو مكرهــة لــي. رأس الشــهر والســبت ونــداء المحفــل. لســت أطيــق اآلثــم واالعتكــاف، دقيــق فهــي باطل

) هـــذا يشـــير إليـــه 14 -11: 1فســـي. صـــارت علـــى ثقـــال مللـــت حملهـــا" (أشرؤوس شـــهوركم وأعيـــادكم بغضـــتها ن

بوضوح جدا بالرمز صانعا لهم سوطا من حبال، ألن السياط هي عالمة العقاب.

) 17: 2"فتذكر تالميذه أنه مكتوب غيرة بيتك أكلتني" (يو

ا هـو مكتـوب، فقـد أظهـروا إن التالميذ حصلوا على كمـال المعرفـة فـي وقـت قصـير، واذ قـارنوا األحـداث بمـ

تقدما، عظيما نحو األفضل.

) 18: 2"فأجاب اليهود وقالوا له آية آية ترينا حتى تفعل هذا؟" (يو اندهش جموع اليهود من السلطان غير المـألوف، أمـا المسـئولون عـن اليهـود فقـد اغتـاظوا ألنهـم حرمـوا مـن

خــوه أنــه لــم يــتكلم بمــا يليــق فــي أمــره لهــم أن ال يجعلــوا الهيكــل األربــاح التــي كــانوا يكســبونها، ولــم يســتطيعا أن يوب

اإللهــي بيــت تجــارة. ولكــنهم يخترعــون طرقــا لتــأخير هــروب التجــار، ملتمســين العــذر ألنفســهم بــأنهم ال يجــب أن

يخضعوا له فورا. أو بدون بحث، لكي يقبلوه كابن اهللا بدون أن يريهم آية.

) 19: 2"انقضوا هذا الهيكل" (يو الذين يطلبـون أشـياء صـالحة بقصـد صـالح، فـإن اهللا ال يتـأخر بـالمرة فـي منحهـا لهـم، أمـا الـذين يـأتون إليـه

لكــي يجربــوه، فهــو ال يــرفض طلــبهم فقــط الــذي يســألونه، ولكنــه يــتهمهم بالشــر. لــذلك فحينمــا طلــب الفريســيون فــي

شـرير وفاســق يطلــب آيـة إال آيــة يونــان النبــي. أجـزاء أخــرى مــن األناجيـل أن يــريهم آيــة، فأنـه وبخهــم قــائال: "جيــل

ألنه كما كان يونان في بطـن المـوت ثالثـة أيـام وثالثـة ليـال هكـذا يكـون ابـن اإلنسـان فـي قلـب األرض ثالثـة أيـام

). فمـــا قالـــه ألولئـــك قالـــه لهـــؤالء مـــع تغييـــر بســـيط ألن هـــؤالء كمـــا فعـــل أولئـــك 40 -39: 12وثالثـــة ليلـــي" (مـــت

وه، ليس ألولئك الذين كانوا في مثل هذا التفكير نحوه، تعطي هذه اآلية ولكن هنـاك احتيـاج تـام يسألونه لكي يجرب

لهذه اآلية ألجل خالصنا كلنا.

ولكننا يجـب أن نعـرف أنهـم جعلـوا هـذه اآليـة حجـة التهـامهم لـه، إذ قـالوا أمـام بـيالطس البنطـي زورا مـا لـم

). وهـم 61: 26ي أقـدر أن أهـدم هيكـل اهللا وفـي ثالثـة أيـام أبنيـه" (مـت يكونوا قد سمعوه. ألنهم قالوا "هذا قال. أنـ

)، وأيضـا "ألنـه قـد 11: 3الذين تكلم المسيح عنهم في األنبياء: "شهود زور يقومون وعما لم أعلم يسألونني" (مـز

الهيكـل"، ). ولكنه هو ال يحثهم على سفك دمه بقولـه "انقضـوا هـذا12: 27قام على شهود زور ونافث ظلم" (مز

ولكن يحث أنه عرف أنهم سيفعلون هذا، لذلك فهو يوضح مؤكدا ما سوف يحدث سريعا.

"فقال اليهود: في ست وأربعين سنة بنى هذا الهيكل أفأنت في ثالثة أيام تقيمـه؟" (يـو 2 :20 (

رون بـه عـدم أنهم يهزأون باآلية، إذ لم يفهموا عمق السر، بل هم يمسكون بمرض جهلهم كعذر معقـول يبـر

طاعتهم له، واذ ينظرون إلى صعوبة األمر، فأنه يسمعونه كما لو كان شخصـا يلقـى الكـالم علـى عواهنـه، ولـيس

كمــا إلــى شــخص يعــد بمــا يمكــن أن يتحقــق، وذلــك لكــي يصــدق مــا كتــب عــنهم: "لــتظلم عيــونهم لكــي ال يبصــروا

سفل دائما وبميلهم إلى األشياء األرضية وحـدها، )، لكي بطريقة منحنية إلى أ23: 69ولتحن ظهورهم دائما" (مز

فأنهم لن يبصروا تعاليم التقوى العالية مـن جهـة المسـيح، أي ال يعرفـوه كإلـه محـب لإلنسـان، بـل بـالحرى كمعاقـب

لهم بالعدل الرتكابهم تعديات ال تحتمل.

يـدعو اهللا، أبـاه قـائال "ال انظروا كيف يشتمونه بغبـاوة، غيـر مشـفقين علـى نفوسـهم. ألن ربنـا يسـوع المسـيح

تجعلــوا بيــت أبــي بيــت تجــارة" لــذلك فحينمــا ينبغــي أن يعتبــروه أبنــا والهــا مشــرقا مــن اهللا اآلب، فــأنهم يعتقــدون أنــه

مجرد إنسان وواحد منا. لذلك فهم يواجهونه بالزمن الذي استغرقه بنـاء الهيكـل قـائلين "فـي سـت وأربعـين سـنة بنـى

في ثالثة أيام تقيمه؟" أيها السكارى بكل حماقة، أحسـبه حقـا أن أقـول لكـم إن كانـت قـد زرعـت هذا الهيكل، أفأنت

فــيكم نفــس حكيمــة، أن كنــتم تؤمنــون أن هــيكلكم هــو بيــت اهللا، فكيــف ال تعتبــرون الــذي يتجاســر أن يخبــركم بــدون

إلـى وقـت طويـل لبنـاء بيـت خوف "ال تجعلوا بيـت أبـي بيـت تجـارة" أنـه هـو اهللا بالطبيعـة؟ أخبرونـي، كيـف يحتـاج

واحد؟ أو كيف يكون عاجزا عن إتمام أي شئ مهما كان، وهو الذي في ستة أيام فقط كـون العـالم كلـه بقـوة تفـوق

التعبيـــر، وقوتـــه كامنـــة فـــي مشـــيئته فقـــط؟ ألن األشـــخاص المـــاهرين فـــي الكتـــب المقدســـة ينبغـــي أن يعتبـــروا هـــذه

األشياء.

جسده، فلما قام من األموات تذكر تالميذه أنه قال هـذا "وأما هو فكان يقول عن هيكل ) 22، 21: 2فأمنوا بالكتاب والكالم الذي قاله يسوع" (يو

كلمة الحق مقبولة عند اإلنسان الحكيم، ومعرفة النظام تثبت مع النـاس ذوي الفهـم، وكمـا أن طـابع األختـام

بســهولة فــي القلــوب اللينــة، بينمــا يســمى قاســي القلــب يصــنع جيــدا فــي شــمع لــين هكــذا أيضــا الكلمــة اإللهيــة تثبــت

أيضــا شــريرا. والتالميــذ إذ كــان لهــم اســتعداد حســن، فــأنهم صــاروا حكمــاء، وهــم يلهجــون بكلمــات الكتــاب اإللهــي،

ويغذون ويشدون أنفسهم نحو معرفة أكثر دقة وهكذا يتقدمون بثبات نحو اإليمان. وحيـث أن جسـد المسـيح يسـمى

، فيكف ال يكون الكلمة الوحيد الجـنس الـذي يسـكن فيـه هـو اهللا بالطبيعـة، ألن الـذي لـيس هـو إلهـا ال هيكال أيضا

يمكن أن يقال أنه يسكن في هيكل! دعوا أحدا يتقـدم ويقـول: أي جسـد قـديس سـمى هـيكال علـى اإلطـالق، ولكنـي

إذا فتشـنا الكتـاب اإللهـي بتـدقيق، أنـه لـم ال أظن أن أحدا يستطيع أن يبين هـذا. فـأقول إذا، مـا سـنجده أنـه حقيقـي

تنسب ألحد القديسين هذه الكرامة بالمرة وفي الحقيقة فأن المعمدان المبارك، رغم أنـه وصـل إلـى علـو كـل فضـيلة

ولم يكن هناك من يفوقه في التقوى، فأن هيرودس بجنونه قطع رأسه، ورغـم ذلـك لـم ينسـب لـه شـئ مثـل هـذا. بـل

أستعمل كلمة أكثر غالظـة ليعبـر بهـا عـن جسـده، واإلنجيلـي قـال هـذا كمـا يبـدو لـي حسـب بالعكس فأن األنجيلي

التــدبير، لكــي يحفــظ الكرامــة للمســيح وحــده، ألنــه يكتــب هكــذا أن هيــرودس "أرســل وقطــع رأس يوحنــا فــي الســجن،

ن يكــون )، فــأن كــان جســد يوحنــا يــدعى جثــه، فلمــ29: 6؛ مــر 12، 10: 14وجــاء تالميــذه ورفعــوا جثتــه" (مــت

هيكال، ولكن بمعنى آخر حقا، فنحن ندعى هياكل اهللا وذلـك بسـبب سـكنى الـروح القـدس فينـا، ألننـا نـدعى هياكـل

هللا وليس ألنفسنا.

ولكن ربما يسأل أحد: أخبرني إذا، كيف يسمى المخلص نفسه جسده، جثة ألنه يقول: "وحيـث تكـون الجثـة

قول، إن المسيح لم يقل هذا عن جسده، بل على سبيل المثل والرمز )، لهذا ن28: 24هناك تجتمع النسور" (مت

يشير إلى اجتماع القديسين معه الذي سيحدث في وقـت ظهـوره الثـاني لنـا: "مـع المالئكـة القديسـين فـي مجـد أبيـه"

وحـة )، ألنـه يريـد أن يقـول: كمـا إن أسـرابا مـن الطيـور أكلـن اللحـوم تنـدفع نازلـة نحـو الجثـث المطر 27: 16(مت

بــأزيز حــاد، هكــذا أنــتم ســوف تجتمعــون إلــى أيضــا. وهــو مــا يعرفنــا بــه بــولس قــائال: "فأنــه ســيبوق فيقــام األمــوات

)، وفــي موضـع آخـر أيضـا: "ســنخطف فـي السـحب لمالقـاة الــرب فـي الهـواء وهكــذا 52: 15كـو 1عـديمي فسـاد" (

لمثل كصورة، لن يحطم أبدا قوة الحق. ). لذلك فأن ما يؤخذ على سبيل ا17: 4تس 1نكون كل حين مع الرب" (

"ولمــا كــان فــي أورشــليم فــي عيــد الفصــح، آمــن كثيــرون باســمه، إذ رأوا اآليــات التــي ) 23: 2صنع" (يو

المســيح ال يكــف أبــدا عــن أن يخلــص ويعــين. ألن الــبعض يقــودهم إلــى نفســه بكلمــات الحكمــة، والبــاقين إذ

فأنـــه يأخـــذهم فـــي شـــبكة اإليمـــان بواســـطة األشـــياء التـــي يرونـــه يفعلهـــا، ينـــذهلون مـــن القـــوة اإللهيـــة الصـــادرة منـــه،

ويعترفون أن فاعل هذه اآليات العظيمة هو بالحقيقة اهللا.

) 24: 2"لكن يسوع لم يأتمنهم على نفسه" (يو

ديثـة رأى حديثو اإليمان ال يكون عادة راسخا وثابتا، وهكذا أيضا هو حال العقل المبنى على المعجزات الح

الحــدوث، وكيــف يمكــن ألولئــك الــذين ال يــزال تعلــيمهم كمــا لــو كــان أخضــرا (أي غضــا) أن يكونــوا متأصــلين فــي

التقــوى؟ لــذلك فالمســيح لــم يــأتمن حــديثي اإليمــان علــى نفســه، مبينــا بــذلك أن التشــبه بــاهللا هــو أمــر عظــيم وجــدير

، ولكنـه يتحقــق بواسـطة الغيــرة للصـالح واالجتهــاد بالحـب، وأنـه لــيس معروضـا بســهولة أمـام مــن يرغبـون أن ينــالوه

والوقت.

مــن هــذا فليــتعلم وكــالء أســرار المخلــص، أن ال يــدخلوا إنســانا فجــأة داخــل الحجــب المقدســة، وال أن يســمحوا

للمبتـــدئين الـــذين اعتمـــدوا قبـــل األوان ولـــم يؤمنـــوا بالمســـيح رب الكـــل فـــي الوقـــت المناســـب، أن يقربـــوا مـــن الموائـــد

. ألنه لكي يكون لنـا مثـاال فـي هـذا أيضـا، ولكـن يعلمنـا مـن هـم الـذين مـن المناسـب أن نـدخلهم، فأنـه يقبـل اإللهية

المؤمنين، ولكنه ال يثق فيهم بعد إذ أنه "ال يأتمنهم على نفسه". وذلـك لكـي يكـون واضـحا أنـه يليـق بالمبتـدئين أن

فأنهم نادرا ما يصيرون أناسا مخلصين. يصرفوا وقتا غير قليل تحت التعليم، وحتى بالرغم من ذلك

"ألنه كان يعرف الجميع. وألنه لم يكن محتاجا أن يشهد أحد عن اإلنسـان، ألنـه علـم ) 25: 2ما كان في اإلنسان" (يو

هــذه الصــفة الســامية هــي صــفة إلهيــة، وهــي مثــل الصــفات الباقيــة األخــرى التــي فــي المســيح، وهــي غيــر

المخلوقــات. ألن المــرنم ينســبها لمــن هــو وحــده اهللا بالحقيقــة قــائال: "المصــور قلــوبهم موجــودة فــي أي مخلــوق مــن

) ولكــن إن كــان اهللا وحــده يعــرف مــا فينــا، والمســيح يعرفهــا أيضــا، 15: 33جميعــا المنتبــه إلــى كــل أعمــالهم" (مــز

). 22: 2مـا هـو مكتـوب (دا فكيف ال يكون هو اهللا بالطبيعة، الذي يعرف األسرار، ويعرف "العمـائق واألسـرار" ك

)، ورغـم أنـه ال يوجـد أحـد مـن 11: 2كـو 1"ألن من من الناس يعرف أمور اإلنسـان إال روح اإلنسـان الـذي فيـه" (

النــاس يعــرف، فــأن اهللا لــن يجهــل، ألنــه لــيس واحــد منــا نحــن الــذين يقــال عــنهم "مــن مــن النــاس" بــل إذ هــو خــارج

فأنه يعرف. وبولس أيضا يشـهد قـائال "ألن كلمـة الـه حيـة وفعالـة وأمضـى الجميع، وكل األشياء هي تحت قدميه،

من كل سيف ذي حدين وخارق إلى مفرق النفس والروح والمفاصل والمخاخ، ومميـز أفكـار القلـب ونياتـه، وليسـت

)، فألنـــه قـــد "غـــرس 13، 12: 4خليقـــة غيـــر ظـــاهرة قدامـــه، ألن كـــل شـــئ مكشـــوف وعريـــان أمـــام عينيـــه" (عـــب

)، وهـو يقـول فـي أيـوب: "مـن هـو 9: 94، فهو يسمع كل شئ، وألنه "صـنع العـين" فهـو يبصـر (انظـر مـز األذن"

س). 2: 38هذا الذي يخفي المشورة عني، ويمسك بالكلمات في قلبه، ويظن أنه يخفيها عني؟" (أي

أن يشـهد أحـد عـن واذا فلكي نعرف أن االبن هو بالطبيعة اهللا، لذلك فاألنجيلي يقول "ألنه لـم يكـن محتاجـا

اإلنسان، ألنه عرف ما كان في اإلنسان".