ةﺎـﻛﺰﻟا - muslim-library.com · ﰲ ﺎـﻤﺋاد ﻩرﻮـﺼﺘﻳ ﻞـﺑ...

1123
ﻓﻘــﮫ اﻟﺰﻛـﺎة ﯾﻮﺳﻒ اﻟﻘﺮﺿﺎوي اﻟﺠﺰء اﻷول

Upload: others

Post on 08-Sep-2019

6 views

Category:

Documents


0 download

TRANSCRIPT

  • فقــھ الزكـاة

    یوسف القرضاوي

    الجزء األول

  • بسم اهللا الرمحن الرحيم مقدمة الطبعة السادسة عشرة

    إن احلمد هللا، حنمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ باهللا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهـد اهللا

    يك لــه، وأشــهد أن فــال مضــل لــه، ومــن يضــلل فــال هــادي لــه، وأشــهد أن ال إلــه إال اهللا وحــده ال شــر ــــيب ــــيت كــــان يعلمهــــا الن ــــة احلاجــــة" ال ــــده ورســــوله (مــــن "خطب ــــه وســــلم -حممــــًدا عب -صــــلى اهللا علي

    ألصـحابه، ورواهـا عنــه سـتة مـنهم، وهــي يف صـحيح مســلم وغـريه). صـلوات اهللا وســالمه عليـه وعلــى آله وصحبه، ومن اهتدى هبديه إىل يوم الدين.

    أما بعد .

    اإلنساين عناية اإلسالم باجملتمعفقـــد ُعـــِينَ اإلســـالم يف كتابـــه وســـنته بـــاجملتمع اإلنســـاين، وعـــالج مشـــكالته وأدوائـــه، وذلـــك ألنـــه ديـــن إنساين، جاء بتكرمي اإلنسان، وحترير اإلنسان، ففيه تتعانق املعاين الروحية واملعاين اإلنسانية، وتسريان

    جنًبا إىل جنب. فـالة، أو منعـزًال يف كهـف أو ديـر، بـل يتصـوره دائًمـا يف واإلسالم ال يتصـور اإلنسـان فـرًدا منقطًعـا يف

    جمتمع، يتأثر به ويـؤثر فيـه . ويعطيـه كمـا يأخـذ منـه، وهلـذا خاطـب اهللا بالتكـاليف اجلماعـة املؤمنـة ال الفرد املؤمن: (يـا أيهـا الـذين آمنـوا)، وكانـت مناجـاة املـؤمن لربـه يف صـالته بلسـان اجلماعـة ال بضـمري

    ) .هلــذا قلنــا: إن مقتضــى 5/6نعبــد وإيــاك نســتعني اهــدنا الصــراط املســتقيم) (الفاحتــة: املفــرد: (إيــاك عنايــة اإلســالم باإلنســان، العنايــة بــاجملتمع كلــه، فاإلنســان اجتمــاعي بــالفطرة، أو مــدين بــالطبع، علــى

    حد تعبري القدماء.لفئات الضعيفة فيه، وهذا سـر مـا وإذا كان اإلسالم قد ُعِينَ باجملتمع عموًما، فإنه ُعِينَ عناية خاصة با

    نالحظــــه يف القــــرآن الكــــرمي مــــن تكــــرار الــــدعوة إىل اإلحســــان باليتــــامى واملســــاكني وابــــن الســــبيل وىف الرقــاب، يســتوي يف ذلــك مكــي القــرآن ومدنيــه . وذلــك ألن كــل واحــد مــن هــذه األصــناف يشــكو

  • د املـال، وابـن السـبيل ضـعفه ضعًفا يف ناحية، فـاليتيم ضـعفه مـن فقـد األب، واملسـكني ضـعفه مـن فقـ من فقد الوطن، والرقيق ضعفه من فقد احلرية.

    وإذا كانـــت بعـــض اجملتمعـــات هتمـــل هـــذه الفئـــات الشـــعبية الضـــعيفة، وال تلقـــى هلـــا بـــاًال يف سياســـتها االجتماعيــة واالقتصــادية، وال تكــاد تعــرتف هلــا حبــق: أل�ــا ال تـُْرَجــى وال ُختَْشــى، ولــيس بيــدها خــزائن

    قد نبه علـى قيمـة -صلى اهللا عليه وسلم -فإن رسول اإلسالم حممًدا -وال مقاليد السلطان املال،هذه الفئات ومكا�ا من اجملتمع، فهي عـدة النصـر يف احلـرب، وصـانعة اإلنتـاج يف السـلم؛ فبجهادهـا

    زق هلا.وإخالصها يتنزل نصر اهللا على األمة كلها، وجبهودها وكدحها يف سبيل اإلنتاج يتوافر الر لسـعد بـن أىب وقـاص، حـني قـال لـه -صـلى اهللا عليـه وسـلم -وإىل هذه احلقيقة يشري حـديث النـيب

    فيما رواه البخاري: "هل تُنصرون وتُرزقون إال بضعفائكم" ؟.ومن هنا حرص اإلسالم علـى أن تكـون هـذه الفئـات اجلاهـدة اجملاهـدة، مسـرتحية يف حياهتـا، مطمئنـة

    لة، وأن حقوقها يف العيش الكرمي مضمونة، حبيث جيب أن يوفر لكـل فـرد فيهـا إىل أن معيشتها مكفو على األقل حد الكفاية، بل متام الكفاية من مطالب احليـاة األساسـية، إذا عجـز عـن العمـل، أو قـدر عليــه ومل جيــده، أو وجــده ومل يكــن دخلــه منــه يكفيــه، أو يكفيــه بعــض الكفايــة دون متامهــا. علــى أن

    يغفل من حسابه أن القوي قد تطرأ عليه ظروف جتعله يف مركز الضعف واحلاجة، لغرم يف اإلسالم مل مصلحة خاصة أو عامة، أو النقطاعه عن ماله ووطنه يف سفر وغربة، ففرض هلذا النوع من الزكاة ما

    ينهض هبم إذ عثروا، وميدهم بالقوة إذ ضعفوا. يفي هبذه املطالب ؟.ولكن ما املورد املايل الذي حيقق هذه األهداف، و

    هنا يأيت دور الزكاة اليت جعل الشرع جل حصيلتها هلذه األغراض االجتماعيـة، وهـى ليسـت بالشـيء اهلني، إ�ا العشر أو نصفه مما أنبت اهللا من الثـروة الزراعيـة، وربـع العشـر مـن الثـروة النقديـة والتجاريـة،

    ومخس ما يعثر عليه من الكنوز، باإلضافة إىل مخـس من الثروة احليوانية، -تقريًبا -وحنو هذا املقدار الثروة املعدنية والبحرية كما يرى بعض الفقهاء.

  • ولقد كان من روائع اإلسالم، بل من معجزاته الدالة على أنـه ديـن اهللا حًقـا، أنـه سـبق الـزمن، وختطـى ع الفقــــراء بعــــالج مشــــكلة الفقــــر واحلاجــــة، ووضــــ -منــــذ أربعــــة عشــــر قرنًــــا مضــــت -القــــرون، فعــــىن

    أو يطالـب هلـم أحـد حبيـاة إنسـانية كرميـة، بـل دون أن -واحملتاجني، دون أن يقومـوا بثـورة، أو يطـالبوا يفكــروا هــم جمــرد تفكــري يف أن هلــم حقوًقــا علــى اجملتمــع جيــب أن تــؤدى، فقــد تــوارث هــؤالء علــى مــر

    السنني والقرون أن احلقوق لغريهم، وأما الواجبات فعليهم!!.

    عنايـــة اإلســـالم هبـــذا األمـــر ســـطحية وال عارضـــة، فقـــد جعلهـــا مـــن خاصـــة أسســـه، وصـــلب ومل تكـــن أصــوله، وذلــك حــني فــرض للفقــراء وذوى احلاجــة حًقــا ثابتًــا يف أمــوال األغنيــاء، َيْكُفــر َمــن َجَحــَده،

    ويـَْفُسق من هَترَّب منه، ويُؤخذ بالقوة ممن منعه، وتُعلن احلرب من أجل استيفائه ممن أَىب ومترد.كان ذلك احلق هو الزكاة ؛ الفريضة اإلسـالمية العظيمـة الـيت اهـتم هبـا القـرآن والسـنة، وجعالهـا ثالثـة

    دعائم اإلسالم.

    أمهية موضوع الزكاة هلا أكثر من وجه جيعل هلا أمهية خاصة. -الزكاة -هذه الفريضة اجلليلة

    واحلـج، ومـن هـذا الوجـه تقـرن يف عبـادة مـن العبـادات األربـع، كالصـالة والصـيام -مـن جهـة -فهـي مــن وجــه -القــرآن واحلــديث بالصــالة، وتــأتى بعــدها عــادة يف كتــب الفقــه يف قســم العبــادات. وهــى

    مورد أساسي من املوارد املالية يف الدولة اإلسالمية، وهذا خيرجها عن أن تكون عبادة حمضـة، -آخر ذا عنيــت هبــا كتــب الفقــه املــايل يف اإلســالم فهــي جــزء مــن النظــام املــايل واالقتصــادي يف اإلســالم، وهلــ

    مثـــل: "اخلـــراج" ألىب يوســـف، و"اخلـــراج" ليحـــىي بـــن آدم، و "األمـــوال" ألىب عبيـــد، و"األمـــوال" البـــن زجنويه، وغريها. ومثلها كتب السياسة الشرعية، مثـل: "األحكـام السـلطانية" لكـل مـن املـاوردي، وأىب

    حنوها.يعلى، و"السياسة الشرعية" البن تيمية و

  • املؤسسة األوىل للضمان االجتماعي يف اإلسـالم، ونظـرة سـريعة إىل مصـرفها، -من وجه ثالث-وهى كمــا نــص عليهــا القــرآن، تشــري بوضــوح إىل الوجــه االجتمــاعي للزكــاة، وإىل األهــداف اإلنســانية الــيت

    احلاجـات األصـلية تتوخى حتقيقها يف اجملتمع املسلم، فإن مخسة من مصارفها الثمانيـة تتمثـل يف ذوىأو الطارئــة مــن الفقــراء واملســاكني وىف الرقــاب والغــارمني وابــن الســبيل، ومصــرف ســادس خلدمــة هــذه

    املصارف وهو اجلهاز اإلداري جلمع الزكاة وتفريقها.

    أما املصرفان الباقيان فلهما عالقة بسياسة الدولة اإلسـالمية ورسـالتها يف العـامل، ومهمتهـا يف الـداخل أن تؤلــف القلــوب علــى اإلســالم، اســتمالة إليــه، أو تثبيًتــا عليــه، أو -مــن مــال الزكــاة-ج، فلهــا واخلــار

    ترغيًبا يف الوالء ألمته، واملناصرة لدولته، أو حنو ذلك مما تقتضيه املصلحة العليا لألمة.ــ ة اجملاهــدين كمــا أن للزكــاة دورًا يف متويــل اجلهــاد، ومنــه نشــر الــدعوة، ومحايــة األمــة مــن الفتنــة، وإعان

    علـى الـدين كلـه، ولـو -صـلى اهللا عليـه وسـلم-والدعاة حىت تعلو كلمـة اإلسـالم، ويظهـر ديـن حممـد كره املشركون.

    ورمبا يقول بعـض النـاس: إن كتبنـا القدميـة قـد حفلـت بالشـيء الكثـري عـن الزكـاة وأحكامهـا، وفصـلت يف جمـال اختصاصـه، وخلفـوا لنـا مـن فيها القـول، حيـث تعـرض هلـا املفسـرون واحملـدثون والفقهـاء، كـل

    حبوثهم ثروة غري قليلة. فما وجه حاجتنا إىل حبث جديد، وما مهمة هذا البحث؟.واجلــواب: إن مــادة البحــث املتعلقــة بالزكــاة غزيــرة وموفــورة بــال ريــب. ولكــن يالحــظ علــى هــذه املــادة

    أمور:

    ابع عصــرها، مــن حيــث العــرض (أ) أ�ــا كتبــت بلســان غــري لســان عصــرنا، إذ ال شــك أ�ــا حتمــل طــواألســلوب والتقســيم واملصــطلحات والتقــديرات وغريهــا. فــال بــد مــن إعــادة عرضــها عرًضــا يالئــم روح العصـــر، ويعـــني علـــى تصـــور حكـــم اإلســـالم فيهـــا، كمـــا جيـــب ترمجـــة املعـــايري والتقـــديرات القدميـــة إىل

    مقاييس زمننا، ليمكن فهمها وتطبيقها.

  • ة بــني خمتلــف املصــادر واملظــان: مــن كتــب التفســري إىل كتــب احلــديث، إىل (ب) أن هــذه املــادة مبعثــر كتب الفقه العامة، إىل كتب الفقه املايل واإلداري، وغريها من مراجـع الثقافـة اإلسـالمية؛ فـال بـد مـن

    مجع شتاهتا، وضم بعضها إىل بعض ضًما جيعل منها عقًدا منتظًما.

    فات بـني املـذاهب بعضـها وبعـض، وىف داخـل كـل مـذهب بـني (جـ) أ�ا بقدر غزارهتا حافلة باالختالبــــرغم داللتــــه علــــى -الروايــــات واألقــــوال والوجــــوه، ومــــا حوهلــــا مــــن تصــــحيحات وترجيحــــات. وهــــذا

    جيعـــل أخـــذ رأى مـــن اآلراء املعروضـــة للعمـــل بـــه أمـــًرا صـــعًبا، -اخلصـــوبة والســـعة والتســـامح الفكـــري قبل الدولة، أو بإشرافها. وخصوًصا إذا تولت أمر الزكاة مؤسسة عامة من

    فال بد إذن من اختيار أرجح اآلراء، وفًقا لنصوص الشريعة ومقاصدها الكليـة، وقواعـدها العامـة، مـع مراعــاة طبيعــة عصــرنا، وتطــور أوضــاع اجملتمــع اإلســالمي فيــه، فقــد يصــلح رأى لــزمن وال يصــلح لغــريه،

    فـىت بـه يف حــال آخـر . وهلـذا قـرر احملققــون ويصـلح لبيئـة وال يصـلح ألخـرى، ويفــىت بـه يف حـال، وال ي كابن القيم وغريه: أن الفتوى ختتلف باختالف األمكنة واألزمنة واألحوال والعوائد.

    (د) أن هناك أمواًال جدت يف عصرنا مل تكـن معروفـة يف عصـور االجتهـاد الفقهـي، وإن كـان بعضـها

    السـتغاللية واملصـانع واألسـهم وغريهـا. فمـا موجوًدا، فهو مل يكن حبجمه اليوم، كالعمارات السكنية ارأى الفقه املعاصر فيها ؟ وما موقف اجملتهـد املسـلم منهـا ؟. ال بـد مـن جـواب باإلثبـات أو النفـي أو

    التفصيل.

    (هـ) أ�ا مل تُعَط عناية كبرية لتجلية األهداف واملقاصد اإلنسـانية واالجتماعيـة املنوطـة هبـذه الفريضـة، ري من احلاجة إليها، ونظًرا لغلبـة الطـابع التعبـدي عليهـا، وإن كـان الباحـث الصـبور لعدم شعورهم بكث

    ال يعوزه أن جيد هنا وهناك لقطات وقبسات ذات داللة واضحة.

  • فال بد مـن جتليـة هـذه األهـداف، وإلقـاء الضـوء الكـايف عليهـا، وخباصـة أن غلبـة الشـكوك والشـبهات جعلـت العقـول ال تكتفـي -هـم، وقـوة خصـومهم وتقـدمهم نتيجة ضـعف املسـلمني وختلف -يف زمننا

    مبعرفة احلكم حىت تدرك سره وحكمته.أســوة -ولنــا يف تعلــيالت القــرآن والســنة لألحكــام واألوامــر والنــواهي، بشــىت أســاليب التعليــل وأدواتــه

    حسنة.

    يت تشـــغل (و) وبعـــد ذلـــك، أن لكـــل عصـــر اهتماماتـــه ومشـــكالته الفكريـــة والنفســـية واالجتماعيـــة، الـــأهلـــه، وتـــرتك أثرهـــا يف إنتـــاجهم العلمـــي، وتـــراثهم الفكـــري، مث يـــأيت عصـــر آخـــر، فتنطفـــئ مجـــرة هـــذه املشكالت، وختف حرارهتا حـىت تتحـول إىل رمـاد. علـى حـني تثـور قضـايا ومشـكالت جديـدة تشـغل

    أفكار الالحقني، مل تكن ذات بال، بل رمبا مل يكن هلا وجود عند السابقني.

    بـــرزت املشـــكالت االجتماعيـــة واالقتصـــادية يف العـــامل كلـــه، وتعـــددت املـــذاهب واألنظمـــة وىف عصـــرنا الداعيـــة إىل حلهـــا، وقـــام مـــن أجـــل ذلـــك صـــراع مـــذهيب رهيـــب، قســـم العـــامل إىل معســـكرين فكـــريني متقــابلني: معســكر الرأمساليــة ومــن ميشــى يف ركاهبــا، ومعســكر الشــيوعية ومــن يــدور يف فلكهــا؛ علــى

    مون بـني هـؤالء وهـؤالء متفـرجني أحيانًـا، ومـائلني أحيانًـا أخـرى إىل هـذا املعسـكر أو حني يقف املسل ذاك، كأمنا ليس هلم نظامهم الفذ، ومذهبهم املتميز الذي جعلهم اهللا به أمة وسطًا.

    يف توضـــيح الفكـــرة -بقـــدر مـــا آتـــاهم اهللا مـــن علـــم وفكـــر -وال بـــد أن يســـهم البـــاحثون املســـلمون د املوقــف اإلســالمي، وخاصــة يف اجملــال االقتصــادي واالجتمــاعي. حــىت نســتغين مبــا اإلســالمية، وحتديــ

    عندنا عن االسترياد من عند غرينا، وال سيما إذا كان ما عندنا أعدل وأكمل وأمثل؛ ألنه صـبغة اهللا: ).138(ومن أحسن من اهللا صبغة) (البقرة:

    عسى أن تتبعه حبوث وحبوث، جتلى ما ولعل هذا الكتاب يساهم بنصيب متواضع ىف هذه السبيل، و

    نقصد إليه من بيان متيز اإلسالم وتفوقه على مجيع املذاهب االجتماعية يف العامل.

  • كلمة عن مصادر االستدالل واملعرفة للزكاةلـن أحتــدث هنـا عــن مـنهج البحــث يف هـذا الكتــاب وقواعـده يف االســتنباط واالختيـار والرتجــيح، فقــد

    لطبعـة األوىل، ولكـىن أزيـد هنـا كلمـة عـن مصـادر املعرفـة واالسـتدالل، الـيت وضحت ذلك يف مقدمـة ا اعتمدت عليها، وموقفي منها.

    ـــابع أو مصـــادر املعرفـــة وإذا كـــان البحـــث عـــن "فقـــه الزكـــاة" يف اإلســـالم، فـــال بـــد مـــن الرجـــوع إىل من

    . وال بـد مـن حتديـد اإلسالمية الصحيحة، لنتبـني منهـا حقيقـة الزكـاة وأهـدافها، كمـا جـاء هبـا اإلسـالم قيمة كل مصدر منها، ومرتبته من غريه، وطريقة األخذ منه واالستدالل به.

    القرآن الكرمي

    وال ريــب أن أول هــذه املصــادر الــيت يســتمد منهــا الباحــث معرفتــه عــن " الزكــاة " هــو القــرآن الكــرمي. ة بشـىت األسـاليب، ونبـه إىل الذي أشار إىل وجوب الزكاة منذ العهـد املكـي. مث أكـد وجوهبـا يف املدينـ

    بعض األموال اليت جتـب فيهـا الزكـاة مثـل الكسـب ومـا خـرج مـن األرض والـذهب والفضـة، كمـا نـص على مصارف الزكاة الثمانيـة، وأشـار إىل بعـض أهـدافها. وكـرر احلـديث عـن الزكـاة والصـدقة واإلنفـاق

    علـى اخـتالف ألوا�ـا، وخباصـة مـا ُعـِىنَ يف كثري من اآليات اليت تناولتها بالشرح والبيان كتـب التفسـري منها باألحكام أو وضع له ابتداء.

    والقـــرآن باعتبـــاره دســـتور اإلســـالم، مل يتعـــرض للجزئيـــات والتفصـــيالت، وهلـــذا كثـــرت فيـــه العمومـــات واإلطالقات . ورأى هو األخذ هبا، وإعماهلا، ما مل خيصصها أو يقيدها دليل صحيح مـن السـنة، أو

    ع العامة.من قواعد الشر ). ومـــا 103وهلـــذا ِملـــت إىل التوســـعة يف "وعـــاء الزكـــاة" عمـــًال بعمـــوم: (خـــذ مـــن أمـــواهلم) (التوبـــة:

    شاهبها. ورجحت رأي أىب حنيفة يف تزكية كل ما خرج من األرض، عمًال بعموم: (وممـا أخرجنـا لكـم لنصاب، لصـحة يف عدم اشرتاط ا -رضي اهللا عنه -) على حني خالفته 267من األرض) (البقرة:

    حـــديث: "لـــيس فيمــــا دون مخســـة أوســــق صـــدقة" ثبوتًــــا وداللـــة. ومل آخــــذ بـــإطالق: "يف ســــبيل اهللا"

  • حسب وضعها اللغوي األصلي، ملا قيدها من استعمال الشرع، ومـن حكـم السـياق. ولكـىن رجحـت رية حبيـث يشـمل كـل معـاين اجلهـاد: العسـك -الذي فهمه اجلمهور مـن العبـارة-توسيع مدلول اجلهاد

    والفكرية والرتبوية واالجتماعية، وحنوها.

    السنة النبويةهو -صلى اهللا عليه وسلم-. فإن النيب -قولية وعملية وتقريرية-وثاين هذه املصادر هو السنة النبوية

    املبــني للنــاس مــا نــزل إلــيهم بــنص القــرآن، وهلــذا كانــت ســنته هــي الشــرح النظــرى، والتفســري العملــي اليت تفصل ما أمجله، وتفسر ما أهبمه، وتقيد ما أطلقه، وختصص ما عممه، وتضع لكتاب اهللا، فهي

    الصـــور العمليـــة لتطبيقـــه ؛ فلـــوال الســـنة مل يعـــرف املســـلم صـــالته وال زكاتـــه وال حجـــة وال عمرتـــه، مـــىت تكون؟ وكيف تكون؟ وكم تكون؟ فإنه جمملة يف القرآن العزيز غاية اإلمجال.

    : يـــا أبـــا جنيــد! إنكـــم لتحـــدثوننا -رضـــى اهللا عنــه-ال لعمـــران بـــن حصــني روى أبــو داود: أن رجـــًال قــ

    بأحاديــث مــا جنــد هلــا أصــًال يف القــرآن، فغضــب عمــران، وقــال للرجــل: أوجــدمت: يف كــل أربعــني درمهــا درهم؟ ومن كل كذا شاة شاة؟ ومن كل كذا وكذا بعريًا كذا؟ أوجدمت هذا يف القرآن؟! قال: ال. قال:

    وذكـر أشـياء حنـو هـذا -صـلى اهللا عليـه وسـلم-أخـذمتوه عنـا، وأخـذناه عـن النـيب فممن أخذمت هـذا؟ ).2/174(انظر: خمتصر السنن للمنذري:

    يعىن أنه ذكر له أشياء من الصالة واحلج وغريمها مما جاء يف القرآن جممًال وبينته السنة.

    ن يكــون للزكــاة يف كتــب وال غــرو أن تكــون الســنة هــي املصــدر اخلصــب ألحكــام الزكــاة وأســرارها، وأ السنة جمال رحب، ومكان فسيح.

    ) مائــة واثنــان 172ففـي كتــاب الزكــاة مــن اجلـامع الصــحيح لإلمــام البخــاري مـن األحاديــث املرفوعــة (وســبعون حــديثًا، وافقــه مســلم علــى خترجيهــا ســوى ســبعة عشــر حــديثًا (ذكــر ذلــك احلــافظ ىف خامتــة

  • ، وهـــذا عـــدا اآلثـــار املرويـــة عـــن الصـــحابة 0احللـــيب) ط. - 4/120كتـــاب الزكـــاة مـــن فـــتح البـــاري: والتابعني.

    ) إىل رقـم 500) سبعون حديثًا (من احلـديث رقـم (70وىف خمتصر صحيح مسلم للحافظ املنذري (

    ) ط. وزارة األوقاف الكويتية. حتقيق الشيخ ناصر الدين األلباين).570(

    ) إىل رقـــــم 1556(مـــــن احلـــــديث رقـــــم ( ) مائـــــة ومخســـــة وأربعـــــون حـــــديثًا145وىف ســـــنن أىب داود ( حتقيق الشيخ حممد حمىي الدين عبد احلميد). 180 - 2/126 -) 1700(

    ط . -) 844) إىل رقـم (783) واحد وستون حديثًا (من احلديث رقم (61وىف سنن ابن ماجة ( عيسى احلليب. حتقيق: املرحوم حممد فؤاد عبد الباقي).

    ثنان ومخسون حديثًا، وفق ترتيب املرحوم الشـيخ أمحـد عبـد الـرمحن ) مائتان وا252وىف مسند أمحد (

    البنــا للمســند علــى األبــواب (انظــر: اجلــزأين الثــامن والتاســع مــن "الفــتح الربــاين" ترتيــب مســند اإلمــام أمحد بن حنبل الشيباين للشيخ أمحد عبد الرمحن البنا).

    89مائتان وواحد ومخسون حـديثًا (مـن ص) 251وىف سنن الدارقطين يف كتاب الزكاة وزكاة الفطر (

    ط . دار احملاسن للطباعة بالقاهرة). -من اجلزء الثاين 154 -

    ) مائة وتسع عشرة من الصفحات 119وىف "السنن الكربى" للبيهقي عدد جم من األحاديث مأل ( ط. حيدر آباد باهلند). -من اجلزء الرابع 199- 81من القطع الكبري (من ص

    ) مائــة ومخســة وتســعون حــديثًا 195مجــع الفوائــد مــن جــامع األصــول وجممــع الزوائــد" (وىف كتــاب "

    هــ) 1094(ملؤلفه العالمة حممد بن حممد بن سليمان الروداين الفاسـي املغـريب (املتـوىف بدمشـق سـنة

  • كتابًــا: الكتــب الســتة، واملوطــأ، ومســانيد أمحــد والــدارمي وأىب يعلــى 14. الــذي مجــع فيــه أحاديــث ار ومعاجم الطرباين الثالثة. بتعليق وحتقيق السيد حممد هاشم اليماين).والبز

    ) ثالمثائــــة ومثانيــــة وعشــــرون حــــديثًا (مــــن احلــــديث رقــــم 328ويف "الرتغيــــب والرتهيــــب" للمنــــذري (

    ط. السـعادة حتقيـق املرحـوم الشـيخ حممـد حمـىي - 208 - 2/98 -) 1396) إىل رقم (1068( الدين عبد احلميد).

    ملطالبة العالية بزوائد املسانيد الثمانية" (املراد هبا: مسانيد أىب داود الطيالسي، واحلميـدي، وابـن ويف "ا

    أيب عمر، ومسدد، وأمحد بن منيع، وأىب بكر بن أىب شيبة، وعبد بن محيـد، واحلـارث بـن أىب أسـامة، كــان، وســواء واملســانيد كتبــت مرتبــة علــى أســاس إفــراد مــا رواه كــل صــحايب علــى حــده، يف أي بــاب

    أكان احلديث صحيًحا أم حسًنا أم ضعيًفا . فيقال مثًال: مسند أىب بكر، ويروى فيه كل ما رواه أبـو ) 907) إىل رقـم (809) مثانية وتسـعون حـديثًا (مـن رقـم (98بكر.. وهكذا) للحافظ ابن حجر (

    ن اإلســالمية ط. املطبعــة العصــرية بالكويــت... نشــر وزارة األوقــاف والشــئو - 265 - 1/231 - بالكويت).

    على أن االستدالل بالسنة، واالستشهاد باألحاديث، مزلة قدم ملن يأخذ أي حديث يصـادفه يف أي كتاب من الكتب املشهورة يف الفقـه أو التصـوف أو التفسـري وحنوهـا، ممـن مل يلتـزم مؤلفوهـا ختـريج مـا

    ة الســنة، وهــذا أمــر مل يســلم منــه يذكرونــه مــن احلــديث، أو حــىت جمــرد نســبته إىل مــن أخرجــه مــن أئمــ مجاعة من كبار الفقهاء واملتصوفة واملفسرين.

    كمــا أن عــزو الكتــاب إىل مصــدره ال يكفــى إال يف الكتــب الــيت يكــون العــزو إليهــا معلًمــا بالصــحة، كالصــحيحني وصــحيح ابــن خزميــة وصــحيح ابــن حبــان، وإن كــان يف تصــحيحهما بعــض التســاهل،

    لنقد، ومها على كل حال أفضـل مـن مسـتدرك احلـاكم الـذي مل يـِف فيـه مبـا كما نبه على ذلك أئمة ا

  • اشــــرتط علــــى نفســــه مــــن التــــزام إخــــراج الصــــحيح فحســــب، فــــأخرج الضــــعيف والــــواهي واملنكــــر، بــــل املوضوع.

    وهلذا ألزمت نفسي غالًبا بأمرين إمـا بـالرجوع إىل أال آخذ احلديث إال من مصادره املعتمدة من دواوين احلديث، وكتبه املشهورة، -1

    الكتـب األصــلية نفسـها كالكتــب السـتة واملوطــأ ومســند أمحـد وحنوهــا، أو بـالرجوع إىل كتــب التجميــع مثل جامع األصـول، وجممـع الزوائـد ومجـع الفوائـد، واجلـامع الصـغري، وكنـز العمـال وحنوهـا، أو الكتـب

    وبلوغ املرام، وحنوها. اخلاصة بنوع معني من احلديث، كالرتغيب والرتهيب، ومنتقى األخبار،وحني أضطر إىل نقل حديث من كتاب فقهي أو حنوه، أعمل على خترجيه من كتب التخريج املعروفـة اليت خدم هبـا حفـاظ احلـديث ونقـاده الكتـب الشـهرية يف الفقـه وغـريه، مثـل " نصـب الرايـة ألحاديـث

    درايــة" و "تلخــيص احلبــري يف اهلدايــة " للحــافظ الزيلعــي، وملخصــه للحــافظ ابــن حجــر املســمى بـــ "الختـــريج أحاديـــث الرافعـــي الكبـــري" البـــن حجـــر أيًضـــا، ومثـــل ذلـــك ختـــريج احلـــافظ زيـــن الـــدين العراقـــي

    لكتاب "إحياء علوم الدين" للغزايل. بيان درجة احلديث من حيث الصحة، أو احلسن، أو الضعف. -2

    الصـحة، فغالبًـا مـا أبـني درجتـه نقـًال فما مل يكن يف الصحيحني وما أحلق هبا من الكتب اليت التزمتعن أئمة هذا الشأن، إذ ليس كل ما يف كتب السـنن واملسـانيد واملعـاجم يف درجـة الصـحة أو احلسـن

    احملتج به، ففيها الضعيف، والضعيف جًدا، بل املوضوع.تئناس وعمديت يف االستدالل إمنا هو احلديث الصحيح أو احلسن، فأما الضعيف فـال أذكـره إال لالسـ

    بــه، وتأييــد مــا ثبــت بغــريه مــن أدلــة الشــرع ونصوصــه وقواعــده؛ إذ مــن املقــرر املعــرف أن الضــعيف ال يعمل به يف األحكام، وإمنا أستأنس بالضعيف املقارب، أما الشديد الضعف، أو ما ال أصل له، فلم

    األمانة العلمية، إال إذا جاء ضمن نص منقول، فأبقيه حسبما تقتضيه -واحلمد هللا-أُدخله يف كتايب مع التنبيه على درجته يف احلاشية.

  • سنن اخللفاء الراشدين املهديني -3

    وثالث هذه املصادر: السوابق التطبيقية للصحابة وخاصة سنة اخللفاء الراشـدين املهـديني الـذين أحلـق حديثـــه ســـنتهم بســـنته، وأمرنـــا بالتمســـك هبـــا واحلـــرص عليهـــا، يف -صـــلى اهللا عليـــه وســـلم -الرســـول

    الذي رواه عنه العرباض بن سارية: " إنه من يعش منكم فسريى اختالفًـا كثـريًا، فعلـيكم بسـنيت وسـنة اخللفاء الراشدين املهديني من بعدى، عضوا عليها بالنواجذ"

    (رواه أمحــد وأبـــو داود والرتمـــذي وابـــن ماجــة، وقـــال الرتمـــذي: حســـن صــحيح. وهـــو احلـــديث الثـــامن

    النووية).والعشرون من األربعني

    ، وأحلق هبم بعض العلمـاء: -رضى اهللا عنهم-وأوىل من ينطبق عليه هذا احلديث هم اخللفاء األربعة -عمــر بــن عبــد العزيــز الــذي عــدوه خــامس الراشــدين حبــق كمــا تشــهد بــذلك ســريته وأعمالــه ومــآثره

    .-رضى اهللا عنه

    نيف البـن القـيم بتحقيـق الشـيخ عبـد الفتـاح وإليه ذهب اإلمام أمحد يف إحدى الروايتني عنه (املنار امل ).150أىب غدة ص

    ومن هنا احتفلنا هبـدي العمـرين يف مجـع الزكـاة وتفريقهـا، وخصوًصـا عمـر األول. فـإن سـنته الـيت سـار

    تعد جـزًءا مـن مصـادر التوجيـه والتشـريع يف -رضى اهللا عنهم-عليها مع وجود الصحابة وإقرارهم هلا لنبوي املذكور.اإلسالم، بنص احلديث ا

    أقوال الفقهاء -4

  • ورابــع تلــك املصــادر: أقــوال الفقهــاء وآراؤهــم، ســواء أكانــت تفســريًا للنصــوص، أم اســتنباطًا منهــا، أو قياًسا عليها، أو تعليًال هلا، فما كان من هذه األقوال موضـع إمجـاع متـيقن فهـو حجـة ال أعـدوه، ومـا

    وأنتفــع بــه، ولكــىن ال ألتــزم مــذهًبا واحــًدا آخــذ بكــل مل يكــن كــذلك فهــو "رصــيد" مثــني أســتفيد منــه أقواله واجتهاداته، فقد يسوغ هذا للمرء يف خاصة نفسه.

    أمــا إذا أريــد لنظــام كالزكــاة أن يوضــع موضــع التنفيــذ يف دولــة عصــرية مســلمة، فــال بــد مــن التخــري مــن م. وال أعـىن بالفقهـاء أقوال الفقهاء، ما يكون أقوى حجـة، وأقـرب إىل مقاصـد الشـرع، وروح اإلسـال

    وأتبـــاعهم فحســـب، بـــل أعـــىن فقهـــاء اإلســـالم منـــذ عهـــد -رضـــى اهللا عـــنهم-أئمـــة املـــذاهب األربعـــة الصحابة، فقد أستدل بقول أحد الراشدين أو معاذ أو عائشة أو ابـن عمـر أو ابـن عبـاس أو غـريهم،

    ، وقــد آخـــذ بقـــول وقــد أستشـــهد بقــول تـــابعي كــالزهري أو عطـــاء أو احلســـن أو مكحــول أو النخعـــي األتباع وأتباعهم كالثوري واألوزاعي وأىب عبيد وإسحاق وغريهم.

    فأئمتنا املتبوعون على فضلهم ومكانتهم، ليسوا هـم كـل فقهـاء األمـة، وإن كانـت مـذاهبهم مبـا تيسـر هلـــا مـــن خدمـــة أصـــحاهبم وتالميـــذهم وأتبـــاعهم يف خمتلـــف اإلعصـــار واألقطـــار، قـــد منـــت ونضـــجت

    حت بذلك النبع الثر، واملصدر السخي لكل دارس لشريعة اإلسالم.واتسعت، وأصبولكننــا حنجــر واســًعا، إذا أغلقنــا البــاب دون االنتفــاع بــرتاث الســلف كلــه، وهــو ثــروة طائلــة مــن العلــم األصــيل، واالجتهــاد املســتقل، ال تقــدر بــثمن. وقــد انتفعــت حبمــد اهللا هبــذا وهــذا كلــه، فرجعــت إىل

    ف يف الكتب اليت عنيت بذلك مثل كتـاب "اخلـراج" ليحـىي بـن آدم، و"اخلـراج" تراث الصحابة والسلألىب يوســــف، وكتــــاب "األمــــوال" ألىب عبيــــد القاســــم بــــن ســــالم ، ومثــــل "ُمصــــنَّف عبــــد الــــرزَّاق"، و "مصــنف ابــن أىب شــيبة"، ومهــا أعظــم ســجل لفقــه الصــحابة والتــابعني، وإىل كتــب احلــديث وشــروحها

    ل "سنن البيهقي" و "وفتح الباري" البن حجر و "نيل األوطـار" للشـوكاين و بصفة عامة، وخباصة مث "سبل السالم" للصنعاين، وما شاهبها.

    هذا الكتاب و هذه الطبعة

  • هــذا .. ويســرين أن أقــدم هلــذه الطبعــة مــن "فقــه الزكــاة" الــيت تنشــر ألول مــرة يف مصــر العزيــزة، بعــد أن

    انتشـر يف العـامل اإلسـالمي كلـه حبمـد اهللا، وتـرجم إىل عـدة طبع الكتاب مخس عشرة طبعـة يف لبنـان و لغـــات إســـالمية وعامليـــة. ومـــن فضـــل اهللا أن أهـــل العلـــم يف أقطـــار األمـــة اإلســـالمية، تقبلـــوا الكتـــاب بقبــول حســن، وأضــفوا علــى مؤلفــه مــن األوصــاف مــا يشــكر اهللا تعــاىل عليــه، ســواء مــنهم املشــتغلون

    العلوم االقتصـــادية واملاليـــة والقانونيـــة واالجتماعيـــة. فقـــد غـــدا الكتـــاب بـــالعلوم الشـــرعية، واملشـــتغلون بـــمرجًعا أساسًيا لكل باحث يف هذه امليادين من وجهة النظر اإلسـالمية. وقـد وصـلت املؤلـف رسـائل مجة من كبار الشخصيات اإلسالمية العاملية تنوه بالكتاب وأصالته وتشيد مبا بذل فيه من جهد، وما

    للفقه اإلسالمي واالقتصادي اإلسالمي املعاصرين. أدى من خدمةوآخرون أشـادوا بـه يف مناسـبات شـىت: يف كتـبهم، أو حماضـراهتم، أو حلقـاهتم لقـرائهم، أو طالهبـم أو مشاهديهم أو مستمعيهم. أذكر من هؤالء األجالء الكبار: الشـيخ عبـد العزيـز بـن بـاز، والشـيخ أبـا

    زرقــا، الشــيخ عبــد اهللا بــن زيــد احملمــود، الشــيخ علــى الطنطــاوي، احلســن النــدوي، األســتاذ مصــطفى الاألســتاذ البهــي اخلــويل، الــدكتور حممــد البهــي، الـــدكتور حممــود أبــو الســعود. وقــال عنــه األســتاذ أبـــو

    يف الفقــه اإلســالمي (نقــل ذلــك -أي الرابــع عشــر اهلجــري-األعلــى املــودودي: إنــه كتــاب هــذا القــرن حلامـــدي، مـــدير القســـم العـــريب باجلماعـــة اإلســـالمية بباكســـتان). وقـــال عنـــه األســـتاذ خليـــل أمحـــد ا

    يف مقدمـة كتابـه "نظـام اإلسـالم االقتصـادي":. "ومـن الكتـب -رمحـه اهللا -األستاذ حممد املبارك احلديثة ما هو خاص مبوضوع معني، ومن هذا النـوع كتـاب "فقـه الزكـاة" لألسـتاذ يوسـف القرضـاوي،

    يف الزكــاة اســتوعبت مســائلها القدميــة واحلديثــة، وأحكامهــا النصــية واالجتهاديــة وهــو موســوعة فقهيــةعلى مجيع املذاهب املعروفة املدونة، مل يقتصر فيها على املذاهب األربعة، مع ذكر األدلة ومناقشتها، وعرض ملا حدث من قضايا ومسائل، مع نظرات حتليلية عميقة، وهو باجلملة عمل تنوء مبثلـه اجملـامع

    الفقهية، ويعترب حدثًا هاًما يف التأليف الفقهي .. جزى اهللا مؤلفه خـريًا ". وقـال عنـه الشـيخ حممـد الغــزايل: مل يؤلــف يف اإلســالم مثلــه يف موضــعه. (قــال ذلــك يف كتابــه: مائــة ســؤال يف اإلســالم). وال

  • ذن مـىن، وبعضـهم بـال إذن غرو أن ُعِىنَ اإلخوة املسلمون يف أقطار شىت بنقلـه إىل لغـاهتم، بعضـهم بـإ! اعتقـــاًدا مـــنهم بـــأين ال أمـــانع يف نشـــر كتـــىب، كمـــا فعلـــوا يف أكثـــر مؤلفـــايت، أســـأل اهللا أن ينفـــع هبـــا.

    وقد ترجم الكتاب إىل األوردية، خمتصًرا يف اهلند أوًال، مث كامًال بعـد ذلـك يف باكسـتان وكـذلك تـرجم ) واإلندونيسية. إىل الرتكية والبنغالية (لغة مجهورية بنجالديش

    كما تبىن املركز العاملي ألحباث االقتصاد اإلسالمي، التابع للملك عبـد العزيـز جبـدة، ترمجتـه إىل اللغـة اإلجنليزيــة، وكلــف بــذلك الباحــث االقتصــادي اإلســالمي املعــروف الــدكتور منــذر قحــف، وقــد أبلغــين

    له إلكمال اجلزء اآلخر.مدير املركز منذ عام بأنه أجنز ترمجة اجلزء األول، وىف سبيكمـــا عرفـــت يف زيـــاريت ملاليزيـــا يف شـــهر مـــارس املاضـــي، أن جامعـــة املاليـــو كلفـــت جلنـــة للقيـــام برتمجـــة

    الكتاب إىل اللغتني: اإلجنليزية واملاليزية.وأمحــد اهللا محــًدا كثــريًا طيًبــا، أن وجــد املســلمون يف الكتــاب مــا يلــىب حاجــة مــن حاجــاهتم العلميــة يف

    عصرنا.ن جهــة أخــرى كــان الكتــاب مرجًعــا أساســًيا لكــل القــوانني الــيت صــدرت يف الــبالد اإلســالمية عــن ومــ

    "الزكاة" وإن مل يأخذوا بكل ما فيه من اجتهادات، نظـرًا لغلبـة الطـابع املـذهيب علـى الفقـه السـائد إىل اليوم.

    وحتتاج إىل زمن حـىت وال ريب أن االجتهادات اجلديدة ال تتقبل بسهولة يف جمتمعات مثل جمتمعاتنا، تثبت وجودها، ويكثر أنصارها.

    وكم من اجتهادات رفضت وعدت من الشذوذ املردود، حىت جاء زمـن أصـبحت فيـه حمـور اإلصـالح والتجديد، كما رأينا يف آراء شيخ اإلسالم ابن تيمية، وتلميذه العالمة ابن القيم.

    قبلت بعد ذلك، وغدت سائغة.وكم من آراء رفضت يف قانون األسرة منذ عقود من السننيوحسيب اليوم أن املؤمترات واجملامع الفقهيـة الـيت تبحـث يف بعـض موضـوعات الزكـاة، ينقسـم أعضـاؤها

    إىل قســمني: قســم يؤيــد مــا تبنــاه "فقــه الزكــاة" وهــم حــىت اليــوم أقــل عــدًدا. وقســم ال يوافــق عليــه. وأعتقد أن القسم األول ينمو ويزداد مع األيام.

  • د أن أشــري إىل أن هــذه الطبعــة لــيس فيهــا إضــافة، إال ملســات قليلــة جعلتهــا بــني معقــوفني، للداللــة وأو علـــى أ�ــــا مـــن زيــــادة هــــذه الطبعـــة، ومعظمهــــا يف احلواشـــى، وبعضــــها تصــــحيح أخطـــاء مطبعيــــة قــــام باستدراكها األخ الفاضل الشيخ عبد التواب هيكـل جـزاه اهللا خـريًا وهـى ليسـت كثـرية بالنسـبة حلجـم

    الكتاب، وأهم ما صححته خطأ حسايب يف تقدير الصـاع بـالكيلو جـرام، ترتـب عليـه خطـأ يف تقـدير نصاب الـزروع والثمـار ؛ وكنـت اعتمـدت يف حسـاب ذلـك علـى زميـل يـدرس الرياضـيات، كـان معـي

    يف معهد قطر الديين الثانوي، فساحمه اهللا وساحمنا معه.(حسب الوزن بالقمح) وقد حسـب 2146جلرامات: واملهم اآلن هو تصحيح مقدار الصاع وهو با

    مـن اجلرامـات . ومقـدار النصـاب، 2176 -الـيت صـورت عنهـا الطبعـات السـابقة-يف الطبعة األوىل ك.ج) قد حسب من قبـل علـى أنـه 674ك.ج (وبالتقريب 646.96وهو ثالمثائة صاع يساوى:

    ك.ج). 653ك.ج .(أو بالتقريب 652.8اب يف طبعاته السابقة أن يهتم بتصـويب هـذا اخلطـأ. وكـذلك الـذين ترمجـوه إىل وأرجو ممن يقتىن الكت

    اللغات األخرى.والفــرق علــى كــل حــال يســري، وهــو ممــا يتســامح يف مثلــه شــرًعا، وخباصــة أن الشــريعة مل حتــدد املقــادير

    لرجــل وهــو ربــع الصــاع: هــو مــلء يــدي ا -مثــل هــذا التحديــد الــدقيق الصــارم؛ بــل قــالوا يف تقــدير املــد املتوسط.

    ولكن ما دمنـا قـد قـدرنا باملعـايري احلديثـة، فعلينـا ضـبطها هبـا ضـبطًا سـليًما ليكـون أقـرب إىل املطلـوب شرًعا، حبسب اجتهادنا البشري.

    مــن ألفــه، أو ترمجــه، أو -يف الــدنيا واآلخــرة-وأخــريًا .. أســأل اهللا جــل وعــال أن ينفــع هبــذا الكتــاب ك من قريب أو بعيد.نشره، أو قرأه، أو ساهم يف ذل

    اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا مبا علمتنا، وزدنا علًمـا. حنمـدك اللهـم علـى كـل حـال، ونعـوذ بـك مـن حال أهل النار.

  • هـ. 1406ربيع اآلخر سنة 14القاهرة يف م.1985ديسمرب سنة

    يوسف القرضاوي.

  • بسم اهللا الرمحن الرحيم مقدمة الطبعة األوىل

    صالة والسالم على رسول اهللا، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه وبعد .احلمد هللا وال

    -مع التوحيد وإقامة الصالة-فإن الزكاة هي الركن املايل االجتماعي من أركان اإلسالم اخلمسة، وهبا

    يدخل املرء يف مجاعة املسلمني، ويستحق أخوهتم واالنتماء إليهم، كما قال تعاىل: (فـإن تـابوا وأقـاموا ).11صالة وآتوا الزكاة فإخوانكم يف الدين) (التوبة: ال

    تعـد يف احلقيقـة جـزًءا مـن نظـام -وإن كانت تذكر يف باب العبادات باعتبارهـا شـقيقة للصـالة-وهى اإلسـالم املـايل واالجتمـاعي، ومـن هنـا ذكـرت يف كتـب السياسـية الشـرعية واملاليـة.فال عجـب أن ُعـِينَ

    ها وأسرارها، كل يف دائرة اختصاصه.علماء اإلسالم ببيان أحكام

    فاملفسرون) وما بعدها من سورة البقـرة، 267يتعرضون هلا يف تفسري اآليات اليت تتعلق بشأ�ا، مثل اآلية رقم (

    ) مـــن ســـورة التوبـــة وغريهـــا مـــن 103، 60، 34) مـــن ســـورة األنعـــام، واآليـــات (141واآليـــة رقـــم (هذه اآليات املفسرون الـذين يعنـون بأحكـام القـرآن، كـأيب اآليات يف سور شىت. وقد أوسع القول يف

    بكر الرازي املعروف باجلصاص، وأىب بكر بن العريب، وأىب عبد اهللا القرطيب.

    واحملدثون وشراح احلديثيتعرضــون هلــا عنــد ذكــر األحاديــث اخلاصــة هبــا، وىف كــل كتــاب مــن كتــب الســنة املصــنفة علــى أبــواب

    البخاري ومسـلم، وجـامع الرتمـذي، وسـنن النسـائي وأىب داود وابـن كموطأ مالك وصحيحي -الفقه كتـــاب خـــاص بالزكـــاة، ومـــا جـــاء فيهـــا مـــن الســـنن القوليـــة والعمليـــة، وىف صـــحيح البخـــاري -ماجـــة

  • وحده، اشتمل كتاب "الزكاة" من األحاديث املرفوعة على مائة حديث واثنـني وسـبعني حـديثًا، وافقـه عشــر حــديثًا، وفيــه مــن اآلثــار عــن الصــحابة والتــابعني عشــرون أثــًرا مســلم علــى خترجيهــا ســوى ســبعة

    ط . احلليب مبصر). - 4/120(انظر: خامتة كتاب الزكاة من فتح البارى:

    والفقهاءيعرضــون للزكــاة يف كتــب الفقــه باعتبارهــا العبــادة الثانيــة يف اإلســالم، وهلــذا تــذكر يف أبــواب العبــادات

    ن والسنة.عقب الصالة استنانًا بالقرآ

    وعلماء الفقه املايل واإلداري يف اإلسالميعرضــون هلــا باعتبارهــا جــزًءا مــن النظــام اإلســالمي املــايل واالجتمــاعى، وهلــذا جنــدها يف كتــاب اخلــراج ألىب يوســف، واخلــراج ليحــىي بــن آدم، واألمــوال ألىب عبيــد، واألحكــام الســلطانية لكــل مــن املــاوردي

    ي، والسياســة الشــرعية البــن تيميــة. وإذن فاملــادة الــيت حيتــاج إليهــا الباحــث الشــافعي، وأىب يعلــى احلنبلــيف الزكاة غزيرة، ومصادرها موفورة، فما وجـه احلاجـة إذن إىل حبـث جديـد يف الزكـاة؟. وبعبـارة أخـرى: هـــل كانـــت املكتبـــة اإلســـالمية احلديثـــة يف حاجـــة إىل حبـــث كبـــري كهـــذا البحـــث، يبـــني أحكـــام الزكـــاة

    ــــة واالجتماعيــــة املعاصــــرة؟. وأهــــدافها و ــــاة الفــــرد واجملتمــــع، ومكا�ــــا مــــن األنظمــــة املالي آثارهــــا يف حيونستطيع أن جنيب مطمئنني باإلجياب، بل نؤكد أن احلاجة ملثل هذا البحث شديدة وماسة من عدة

    نواٍح: ة عرضــه، فــإن مثــل هــذا الــركن اخلطــري مــن أركــان اإلســالم حيتــاج مــن البــاحثني والكــاتبني إىل إعــاد -1

    ومجع ما تبعثر من أحكامه وأسراره يف شىت املصادر، وإبـرازه يف قالـب عصـري وبأسـلوب عصـري، وال يكتفــي مبـــا ألفــه فيـــه علماؤنـــا يف العصــور املاضـــية، فــإ�م ألفـــوا لعصـــرهم، وبأســلوب عصـــرهم، ولكـــل

    ).4اهيم :عصر لغة، ولكل مقام مقال: (وما أرسلنا من رسول إال بلسان قومه ليبني هلم) (إبر

  • إن يف االقتصاد اإلسالمي موضوعني رئيسيني جيب أن يُْدرسـا وُخيْـدما وُجيَلَّيـا مـن كـل جوانبهمـا: ومهـا موضـــوعان متقـــابالن: أحـــدمها يف اجلانـــب اإلجيـــايب، والثـــاين يف اجلانـــب الســـليب، أحـــدمها يف فـــرائض

    بل يف الكبـائر املوبقـات السـبع؛ اإلسالم بل يف أركانه األساسية اخلمسة، واآلخر يف حمرمات اإلسالمفــــاألول هــــو الزكــــاة، والثــــاين هــــو الربــــا، فمــــن أنكــــر فرضــــية األول، أو حرمــــة الثــــاين كــــان كــــافًرا مرتــــًدا

    باإلمجاع.

    قد لقى شيًئا من العناية واخلدمة أكثر مما لقيه املوضوع األول. فقد -الربا-والواقع أن املوضوع الثاين علـــى املــودودي (يف كتابـــه "الربـــا" وقــد نشـــر بالعربيـــة وطبــع عـــدة مـــرات). كتــب فيـــه األســاتذة أبـــو األ

    وحممــد عبــد اهللا دراز (يف رســالة "الربــا" وقــد ألقاهــا كممثــل لألزهــر ىف مــؤمتر الفقــه اإلســالمي ببــاريس )، وعيســى عبــده (يف رســالته "ملــاذا حــرم اهللا الربــا" وقــد نشــرهتا مكتبــة املنــار اإلســالمية 1951ســنة

    سلســلة "حنــو اقتصــاد إســالمي ســليم")، وحممــد أبــو زهــرة (يف رســالة "حتــرمي الربــا تنظــيم بالكويــت يفاقتصــادي" نشــرت يف السلســلة املــذكورة)، وحممــد عبــد اهللا العــريب (يف حبــث لــه عــن "امللكيــة اخلاصــة

    ه وحــدودها يف اإلســالم" ألقــاه يف مــؤمتر جممــع البحــوث اإلســالمية يف القــاهرة، ونشــره اجملمــع يف كتابــاألول)، وحممــود أبــو الســعود (يف كتابــه: "خطــوط رئيســية يف االقتصــاد اإلســالمي" ويف حبــث لــه: هــل ميكــن إنشــائي بنــك إســالمي؟ نشــرته مكتبــة املنــار أيًضــا)، وحممــد بــاقر الصــدر (يف كتابــه "اقتصــادنا"

    عوامل النجـاح يف نشرته "دار الفكر" يف لبنان، وىف رسالة "البنك الالربوي")، وحممد عزيز (يف حبثه "البنك الالربوي" نشرته "املنار" ىف سلسلتها أيًضا) إىل غري ذلك من البحـوث واملقـاالت الـيت تناولـت

    الربا من زاوية إسالمية خالصة، أو من زاوية متأثرة بالنظرة الرأمسالية الغربية إىل املال وإىل احلياة.

    يزال اجملال فسيًحا ملن يبذل فيه جهًدا أكرب، وال زال املوضوع يف حاجة إىل خدمة أعمق وأوسع، والمعتمـًدا علـى الدراسـة املقارنـة، مـع الرجـوع إىل مصــادر اإلسـالم األصـلية . ولكنـه علـى كـل حـال نــال قســطًا مــن العنايــة. أمــا موضــوع الزكــاة فلــم يأخــذ حقــه مــن عنايــة العلمــاء والبــاحثني . ومل ُخيــدم كمــا

    ومنزلته ىف فرائض اإلسالم وىف نظامه املايل واالقتصادي واالجتماعي.ينبغي ملوضوع مثله، له مكانته

  • وهناك مسائل قدمية اختلف فيها الفقهاء من قدمي، وكلٌّ أْبَدى رأيه، وذكر أدلته، وترك أصحاب -2الفتــوى يُنــاقض بعضــهم بعًضــا، كــلٌّ ينصــر مذهبــه، ويعضــد إمامــه، ومجهــور املســتفتني يف حــرية أمــام

    ، فكانت احلاجة ماسة أشد املساس إىل إعادة النظر يف هـذه األقـوال، وأدلـة كـل منهـا، تناقض املفتنيومناقشتها يف حياد وإنصاف، وعرضها على الكتاب وامليـزان اللـذين أنزهلمـا اهللا، والوصـول بعـد ذلـك

    حـوم إىل الرأي الراجح الذي يستطيعه باحث غري معصوم. وعلى هذه احلاجة نبَّه األسـتاذ األكـرب املر ط . - 109الشيخ حممود شلتوت يف كتابه "اإلسالم عقيـدة وشـريعة" (اإلسـالم عقيـدة وشـريعة ص

    دار القلم مبصر) . حيث قال حتت عنوان "الزكاة ركن ديين عام":

    "على رغم ما أعتقد من أن اخلالف النظري يدل على حيوية فكرية قوية، وعلى مساحـة النظـام الـذي ، علــى الــرغم مــن ذلــك، فكــم يضــيق صــدري حينمــا أرى جمــال اخلــالف يكــون يف ظلــه ذلــك اخلــالف

    بــني األئمــة يف تطبيــق هــذه الفريضــة يتســع علــى النحــو الــذي تــراه يف كتــب الفقــه واألحكــام. "هــذه الفريضــة الــيت كثــريًا مــا تقــرتن بالصــالة، جيــب أن يكــون شــأن املســلمني فيهــا أو شــأ�ا عنــدهم مجيًعــا

    لصالة فيهم، حتديد بني واضـح ال لـبس فيـه وال خـالف، مخـس صـلوات كشأ�م يف الصالة، وشأن ايف اليوم والليلة". "هذه الفريضة تكون معظم جهاهتا يف األصل واملقـدار حمـل خـالف بـني العلمـاء، وبالتــايل تكــون بــاختالفهم فيهــا مظهــر تفــرق يف الواجــب الــديين بــني املســلمني مجيًعــا الخــتالفهم يف

    ل".التقليد وتعدد السب"هذا يزكى مال الصيب واجملنون، وذاك ال يزكيه، وهذا يزكى كـل مـا يسـتنبته اإلنسـان يف األرض، وذاك ال يزكى إال نوًعا خاًصا أو مثرة خاصـة، وهـذا يزكـى الـدين وذاك ال يزكيـه، وهـذا يزكـى عـروض التجـارة

    ب وذاك ال يشـرتط وهـذا وذاك ال يزكيها، وهذا يزكى حلى النساء وذاك ال يزكيه، وهـذا يشـرتط النصـاوهــــذا إىل آخــــر مــــا تناولتــــه اآلراء فيمــــا جتــــب زكاتــــه ومــــا ال جتــــب، وفيمــــا تصــــرف فيــــه الزكــــاة ومــــا ال

    تصرف".

  • مث نــادى الشــيخ األكــرب باملســارعة إىل إعــادة النظــر فيمــا أثــر عــن األئمــة مــن موضــوعات اخلــالف الــيت ى أساس اهلدف الذي قصده القرآن خشي أن متس أصل هذه الفريضة ويكون ذلك النظر اجلديد عل

    مـــن افرتاضـــها، وجعلهـــا واجبًــــا دينيًـــا تكـــون نســــبة املســـلمني فيـــه وىف مجيـــع نواحيــــه علـــى حـــد ســــواء ط . دار القلم مبصر). - 109(اإلسالم عقيدة وشريعة ص

    مث إن هنـــاك أمـــورًا جـــدت يف عصـــرنا، مل يعرفهـــا فقهاؤنـــا القـــدامى وال املتـــأخرون، وهـــذه األمـــور -3تاج إىل إصدار حكم يف شأ�ا، يريح الناس من البلبلة، ويرد على األسئلة احلائرة على ألسنة مجهور حت

    املسلمني: هناك ثروات ودخول حديثة غري األنعام والنقود الزروع والثمـار . هنـاك العمـارات الشـاهقة ، وشــىت رؤوس األمــوال الــيت تشــيد لإلجيــار واالســتغالل، واملصــانع الكبــرية واآلالت واألجهــزة املتنوعــة

    الثابتة أو املنقولة اليت تدر على أصحاهبا أمواًال غزيرة من إنتاجها أو كرائها للناس كالسفن والسيارات والطــائرات والفنــادق واملطــابع وغريهــا ؛ هنــاك أنــواع مــن الشــركات التجاريــة والصــناعية . هنــاك دخــل

    ، ودخــل املــوظفني والعمــال مــن رواتــب وأجــور ذوى املهــن احلــرة كالطبيــب واملهنــدس واحملــامى وغــريهمهل تدخل هذه اإليرادات الوفرية وتلـك األمـوال الناميـة يف " وعـاء الزكـاة " ؟ أم تقتصـر -ومكافآت

    الزكاة على ما كان يف عهد السلف ؟ وإذا قلنا بوجوب الزكاة فيها، فما مقدار الواجب ؟ ومـىت جيـب نصبة واملقـادير الشـرعية الـيت وردت هبـا النصـوص يف الزكـاة، ؟ وما األساس الفقهي لذلك ؟. هناك األ

    ـــدنانري ـــزرع والثمـــر، والصـــاع يف زكـــاة الفطـــر، والـــدراهم املـــائتني، وال كاألوســـق اخلمســـة، يف نصـــاب الالعشــرين يف زكــاة النقــود، كيــف حنــدد هــذه األنصــبة اآلن ؟ وكيــف نرتمجهــا إىل مقــاييس العصــر؟ وهــل

    نظـًرا لتغـري الظـروف االقتصـادية واالجتماعيـة وهبـوط القـدرة الشـرائية للنقـود هي ثابتة أم تقبل التغيري،عما كانت عليه يف العهود اإلسالمية األوىل؟. مث هنـاك الضـرائب احلديثـة -وخباصة الفضية منها -الــيت تفرضــها احلكومــات املعاصــرة، وتنفــق حصــيلتها -النوعيــة وغــري النوعيــة، النســبية والتصــاعدية -

    تغطية النفقات العامة للدولة، وحتقيق بعض األهداف االجتماعية.يف

  • مـــا عالقـــة هـــذه الضـــرائب بالزكـــاة؟ ومـــا وجـــه املشـــاهبة واملفارقـــة بينهمـــا يف املصـــدر واملصـــرف واملبـــادئ واألهداف؟ وهل ميكن أن تقوم الضرائب مقام الزكاة؟ وإذا مل ميكن فهـل جيـوز شـرًعا فـرض الضـرائب

    .جبوار أخذ الزكاة؟أسئلة يتطلب عصرنا اجلواب عليها، وال بد لنا أن نبدي فيها رأيًا. ورمبا يصعب على بعض الناس يف عصرنا، أن يصدر عامل اليوم حكًمـا يف قضـية مل يعـرف فيهـا حكـم للفقهـاء السـابقني، وهـذا مـن أثـر

    ريـب. القول بسد باب االجتهاد الـذي انتشـر يف بعـض العصـور، وهـو قـول ثبـت خطـؤه وضـالله بـال. علـــى أن احملققـــني مـــن -صـــلى اهللا عليـــه وســـلم -وال ميلـــك أحـــد إغـــالق بـــاب فتحـــه رســـول اهللا

    علماء األصول قرروا: أن االجتهاد يتجزأ، فـيمكن أن يكـون بعـض العلمـاء جمتهـًدا يف بعـض األبـواب ن علمــاء أو بعــض املســائل دون غريهــا، وهــذا أمــر لــيس باملتعــذر وال باملتعســر، علــى مــن أراد ذلــك مــ

    املســلمني، إذا أعــد العــدة لــذلك مــن دراســة الشــريعة واللغــة، والرجــوع إىل مصــادر هــذا الــدين، وأوتــى امللكــة الــيت متكنــه مــن املوازنــة واالســتنباط. وأنــا أعتقــد أن الفصــل يف هــذه األمــور بــرأي قــاطع ملــزم

    ا أن االجتهـادات والبحـوث حيتاج إىل اجتهاد مجاعي، من مجاعة علماء املسلمني، ولكىن أعتقد أيضً الفرديـة املتأنيـة يف خمتلـف املوضــوعات هـي الـيت تنــري الطريـق الجتهـاد مجــاعي صـحيح، غـري مرجتــل وال مبتسر. كما أن االجتهاد اجلماعي الذي يتمثل فيه رأى األقوياء األمناء من علماء اإلسالم يف كافـة

    إىل أالعيــب السياســة، وأهــواء احلــاكمني. األقطــار، ال زالــت حتــول دونــه عوائــق شــىت، يرجــع معظمهــاعنــد كثــري مــن املســلمني، حــىت الــذين يعــدون يف املثقفــني -لألســف -وهنــاك أفهــام خاطئــة ســائدة

    منهم. أفهام تتصور الزكاة بضعة قروش أو رياالت، أو كيلة أو كيالت مـن حبـوب، يتفضـل هبـا رجـل قل أو تكثر، مث يظل هذا الفقري حمتاًجا إىل مثـل غىن حمسن على معدم فقري، يسد هبا جوعته أياًما، ت

    هذا السيد احملسن ليتقبل منه صدقته، ويقبل يده الطاهرة، ويدعو له باخلري والربكة يف ماله وولـده ... يف بعـــض -لألســـف أيًضـــا -اخل. هـــذه الصـــورة الـــيت ال صـــلة هلـــا بتعـــاليم اإلســـالم، والـــيت حـــدثت

    ن.العصور، هي الرائجة لدى الكثريي

  • ولقــد وجــدنا مــن الصــحفيني الالمعــني (هــو الكاتــب االشــرتاكي أمحــد هبــاء الــدين يف إحــدى مقاالتــه ) مـن يكتــب يف إحـدى الصــحف السـيارة يف مصــر، 1961األسـبوعية يف صـحيفة أخبــار اليـوم ســنة

    ى زاعًمـــا أن الزكـــاة ال تصـــلح يف جمتمعنـــا احلـــديث، ألن أنظمتـــه االقتصـــادية واالجتماعيـــة ال تقـــوم علـــالصـــدقات، وإمنـــا تقـــوم علـــى العمـــل واإلنتـــاج!! كـــأن الزكـــاة اإلســـالمية صـــدقة للمتســـولني، أو معونـــة

    للمتبطلني القاعدين !.

    وكتب غريه كتابًا مسى فيه العدالـة اإلسـالمية "اشـرتاكية الصـدقات" (عـن كتـاب "مـن هنـا نبـدأ" خلالـد ئ. وهبذا الذي عرضناه هنا، يتبنيَّ حممد خالد) وهذا كله ال يدل إال على جهل فاضح أو قصد سي

    فــرض -كمــا أعتقــد -لنــا وجــه احلاجــة إىل هــذا البحــث، وضــرورة القيــام بــه ملــن يقــدر عليــه، فــذلك(هـــو -كفايـــة علـــى أهـــل العلـــم، إذا مل يقـــم بـــه بعضـــهم َأِمثَ اجلميـــع. ولقـــد عجـــب بعـــض البـــاحثني

    املعنيـــني بشـــئون -" منـــذ بضـــع ســـنوات) األســـتاذ حممـــود أبـــو الســـعود ىف مقـــال لـــه مبجلـــة "املســـلموناالقتصــاد واملــال يف اإلســالم كيــف خلــت املكتبــة اإلســالمية احلديثــة حــىت اليــوم مــن مؤلــف جــاد عــن الزكــاة، بــرغم أمهيتهــا ومنزلتهــا يف ديــن املســلمني، وقــد أكــد اجمللــس األعلــى للشــئون اإلســالمية بــوزارة

    ســـنوات عـــن مســـابقة كـــربى يف عـــدة حبـــوث األوقـــاف يف مصـــر هـــذه احلاجـــة حـــني أعلـــن منـــذ تســـع إســالمية، دعــا فيهــا رجــال الفكــر والقلــم مــن أحنــاء العــامل اإلســالمي إىل الكتابــة فيهــا، حبيــث ال يقــل

    صفحة كبرية، وكان منها "الزكـاة يف اإلسـالم". وزاد تأكيـد هـذه احلاجـة مـا أعلنـه 350البحث عن ، وحضـره مـن علمـاء اإلسـالم 1963مـارس سـنة جممع البحـوث اإلسـالمية الـذي انعقـد بالقـاهرة يف

    ممثلــون ألكثـــر مـــن أربعـــني دولـــة فقـــد كـــان مــن أهـــم قراراتـــه:. "وأن موضـــوع الزكـــاة واملـــوارد املاليـــة يف اإلســالم وطُــرق االســتثمار وعالقتهــا بــاألفراد واجملتمعــات، وحقــوق العامــة واخلاصــة، هــي موضــوعات

    ة اإلســالمية ومهــا العبــادة والســلوك االجتمــاعي، ومــن أ جــل الســاعة، أل�ــا ملتقــى ُشــعبتني مــن الشــريعذلك يقرر املؤمتر أن تكون هذه املوضوعات حمـور نشـاط اجملمـع يف دورتـه املقبلـة" (املـؤمتر األول جملمـع

    ).314البحوث اإلسالمية ص

  • ومن هنا كانت مهمة هذا البحث حماولة الوفاء باملقاصد اآلتية

    ملوضـــوع يف املصـــادر األصـــلية، بـــني كتـــب احلـــديث والتفســـري، وكتـــب الفقـــه (أ) جتميـــع مـــا تبعثـــر عـــن امبختلــف املــذاهب، وكتــب السياســة الشــرعية و املاليــة، وغريهــا مــن مصــادر الثقافــة اإلســالمية وعرضــه

    عرًضا جيًدا، يعني على تصوير حكم اإلسالم فيه.

    الوصــول إىل أرجــح اآلراء، وفــق (ب) حماولــة متحــيص مــا ورد يف املوضــوع مــن خالفــات كثــرية، بُغيــةاألدلــة الشــرعية، وعلــى ضــوء حاجــة املســلمني ومصــلحتهم يف هــذا العصــر، قــدر مــا يســتطيعه جهــد

    فردى حمدود.

    (جـــــ) حماولــــة إبــــداء الــــرأي فيمــــا جــــد مــــن مســــائل وأحــــداث، متعلقــــة باملوضــــوع، مل يعرفهــــا علماؤنــــا غفله.السابقون، مما ال يسع الباحث اإلسالمي املعاصر أن ي

    (د) جتليــة حقيقــة الزكــاة باعتبارهــا ضــريبة إســالمية، واملوازنــة بينهــا وبــني الضــرائب احلديثــة، وبيــان مــا

    بينهما من مشاهبات ومفارقات.

    (هـ) بيان أهداف الزكاة وآثارها يف حياة اجملتمع املسـلم، وحـل مشـكالته كـالفقر والتشـرد والتسـول، يف هذا العصر بالضمان االجتماعي والتأمني االجتماعي.والكوارث وحنوها، وسبقها ملا عرف

    (و) تصــحيح مــا شــاع مــن أفكــار خاطئــة حــول الزكــاة، بســبب ســوء الفهــم وســوء التطبيــق هلــا، أو

    بسبب الشبهات اليت يثريها خصوم اإلسالم.

    تلك هي األغراض اليت توخى هذا البحث أن حيققها، وأرجو أن يكون قد سدد وقارب.

  • بحث وخطتهمنهج ال

    أستطيع أن أحدد خطوات املنهج الذي سلكته يف هذا البحث، واخلطـة الـيت سـرت عليهـا يف النقـاط التالية:

    حتديد املصادر ومجع املادة -1

    كان أول ما علىِّ أن أقوم به جتميع املادة املطلوبة من مظا�ا، أعين جتميع النصـوص واألقـوال الالزمـة واحلديثة، الشـرعية والوضـعية، وخاصـة نصـوص القـرآن والسـنة، الـيت هـي للبحث من مصادرها القدمية

    األساس األول الذي اعتمدنا عليه يف بيان حقيقة الزكاة وأحكامها وأهدافها، ومكانتها يف اإلسالم.ومصادرنا يف هذا البحث غزيرة موفورة، وهى مزيج من: كتب التفسري يف خمتلف األعصار؛ التفسري

    لتفســري بــالرأى، وخاصــة تفاســري آيــات األحكــام. وكتــب احلــديث متونــه وشــروحه، روايتــه بالروايــة، واودرايتــه، وجرحــه وتعديلــه، وال ســيما كتــب فقــه احلــديث كمنتقــى األخبــار، وبلــوغ املــرام وشــرحيهما. وكتــب الفقـــه املـــذهيب واملقـــارن وخباصــة تلـــك الـــيت تـُْعـــَىن باألدلـــة والــرد علـــى املخـــالفني. وكـــذلك كتـــب

    صــول والقواعــد الفقهيــة. وكتــب الفقــه املــايل واإلداري وأعظمهــا بــال ريــب "األمــوال" للفقيــه احلجــة األـــة بعضـــها يف الناحيـــة املاليـــة واالقتصـــادية اإلمـــام أىب عبيـــد القاســـم بـــن ســـالم. وكتـــب وحبـــوث حديث

    ام وبعضــــها يف الناحيــــة االجتماعيــــة، وبعضــــها دراســــات إســــالمية تتنــــاول جانًبــــا أو جوانــــب مــــن نظــــاإلســالم االجتمــاعي أو االقتصــادي أو السياســي. وكتــب مســاعدة ككتــب اللغــة والتــاريخ والــرتاجم

    قـد نبهـت عليـه -قـدميها وحـديثها -وداوئر املعارف والفهارس وحنوها. ومـا نقلتـه مـن هـذه الكتـب يف صلب البحث، أو سجلت يف أسفل الصـفحة عنـوان الكتـاب املنقـول منـه، ورقـم الصـفحة، واسـم

    الؤلـــف، مـــامل يكـــن الكتـــاب مشـــهورًا متـــداوالً بـــني البـــاحثني، أو يكـــن قـــد مـــر ذكـــره، فـــاكتفى باســـم الكتاب أو ما يدل عليه، ورمبا متر عبارات قليلة أكتفي بشهرهتا عن نسبتها إىل مصدر معـني، وذلـك

    ىت قـالوا: نادر، وفيما ال يرتتب عليه حكم . ولقد تعلمنا من سلفنا أن نعزو كل قول إىل صـاحبه، حـ" إن من بركة القول أن يسند إىل قائله ".ويطيب يل أن أسـجل هنـا: أن مـن بركـات هـذا البحـث أنـه

  • يف عزلــة عنهــا، -مبقتضــى ختصصــي -فــتح يل نافــذة علــى الدراســات املاليــة واالقتصــادية الــيت كنــت والحــت أمــام فأطللــت مــن هــذه النافــذة علــى النظــام االقتصــادي يف اإلســالم، فاتضــحت يل معاملــه،

    أن أصدره يف كتاب مستقل . كما أعـانين هـذا -إن شاء اهللا -عيين مبادئه ودعائمه، وهو ما أنوي البحث على إصدار كتايب" مشكلة الفقر وكيف عاجلها اإلسالم".

    تقسيم البحث وترتيب أبوابه -2

    كله على سعته، ألن بعضه ولقد اقتضتين طبيعة املوضوع، وترابط أجزائه، وتكامل مسائله، أن أتناوله مرجًعـا علميًـا عصـريًا -قـدر طـاقيت احملـدودة -متصل ببعض اتصاًال وثيًقا، ألجعـل مـن هـذا البحـث

    يف هــذا املوضــوع اإلســالمي اخلطــري، وهلــذا طــال البحــث نســبًيا . فاشــتمل هــذا البحــث علــى تســعة أوًال: وجـوب الزكـاة، مث علـى مــن أبـواب وخامتـة، وقـد سـلكت يف ترتيــب أبوابـه الطريـق املنطقـى، مبينًــا

    جتب ؟ مث فـيم جتـب ؟ وكـم ؟ مث ملـن تصـرف ؟ وعلـى مـن حتـرم ؟ مث طريقـة أدائهـا وحتصـيلها، مث بيـان أهدافها وآثاها، مث عن زكاة الفطر، مث عما جيب يف املال من حقوق بعـد الزكـاة مث بيـان العالقـة بينهـا

    وبني الضريبة احلديثة مشاهبة وخمالفة.

    اب األول: يبحـــــث عـــــن وجـــــوب الزكـــــاة، وفيـــــه بينَّـــــا اشـــــرتاك األديـــــان مجيًعـــــا يف العنايـــــة بـــــالفقراء فالبــــوالضــعفاء، وزيــادة اإلســالم عليهــا مجيًعــا منــذ عهــده املكــي، وتتوجيــه هــذه العنايــة البالغــة بتشــريع الزكــاة

    احملدودة يف املدينة، وهى النظام الفذ الذي مل يسبق به دين وال قانون.

    الثـــاين: يبحـــث عمـــن جتـــب عليـــه الزكـــاة، وفيـــه فصـــلنا القـــول يف حكـــم الزكـــاة يف مـــال الصـــيب والبـــاب واجملنون، وهل ميكن أن تؤخذ الزكاة من غري املسلم أم ال؟.

    والبـــاب الثالـــث: يبحـــث عـــن وعـــاء الزكـــاة ومقاديرهـــا، أي األمـــوال الـــيت جتـــب فيهـــا الزكـــاة مـــن الثـــروة

    والزراعية واملعدنية، والبحرية، واملنتجـات احليوانيـة كالعسـل وحنـوه، وبينـا احليوانية، والنقدية، والتجارية،

  • حكــم الزكــاة يف العمــائر االســتغاللية، واملصــانع، وإيــراد رؤوس األمــوال غــري التجاريــة وكــذلك املرتبــات واألجور، وإيراد ذوى املهن احلرة.

    ، وقـد بينَّاهـا بتفصـيل، وكـم يعطـى كـل والباب الرابع: عن مصـارف الزكـاة الثمانيـة الـيت ذكرهـا القـرآن

    صنف؟ وهل جيب استيعاهبم على السوية؟ ومن الذين مينع صرف الزكاة إليهم؟.

    والباب اخلامس: عن طريقة أداء الزكاة، وعالقة الدولة هبـا، ومـا يتعلـق بأدائهـا مـن جـواز تعجيلهـا أو من املسائل. تأخريها، ونقلها من بلد إىل بلد، ودفع القيمة، وما شابه ذلك

    والبـــاب الســـادس: عـــن أهـــداف الزكـــاة وآثارهـــا، وفيـــه بينَّـــا أهـــداف الزكـــاة بالنســـبة للُمعِطـــى، وبالنســـبة لآلخــذ، وبالنســبة للجماعــة كلهــا، كمــا وضــحنا بالتفصــيل أثرهــا يف حــل بعــض املشــكالت اهلامــة يف

    د، فضــًال عــن املشــكلة اجملتمــع كمشــكالت البطالــة والتســول والفــوارق والكــوارث واخلصــومات والتشــر األوىل وهى مشكلة الفقر.

    والباب السابع: عن زكاة الفطر وأحكامها.

    والباب الثامن: عن احلقوق األخرى الواجبة يف املال بعد الزكاة بني املثبتني والنـافني وأدلـة كـل منهمـا،

    وحتديد موضع النزاع بني الفريقني، وترجيح الراجح.

    ة والضــريبة. وفيــه بينَّــا خصــائص الزكــاة باعتبارهــا ضــريبة متميــزة يف حقيقتهــا والبــاب التاســع: عــن الزكــاوأساسها، ومبادئها وضماناهتا وأهدافها، وسبقها لكثري من املبادئ واألحكـام الـيت انتهـى إليهـا تطـور

    ا: الفكر الضرييب احلديث، وامتيازها بأحكام ومعاٍن وأهداف وضمانات تـَْقُصر عنها الضريبة، كما بينَّ هل جتيز الشريعة فرض الضرائب مع أخذ الزكاة؟ وهل ميكن أن تغىن الضرائب عن دفع الزكاة؟.

  • واخلامتــة: تتضــمن تلخيًصــا حلقيقــة نظــام الزكــاة وشــهادات بعــض الُكتَّــاب األجانــب واملســلمني للزكــاة، وأثرها يف حتقيق العدل واملساواة والتكافل بني أبناء اجملتمع.

    قد استوعب أهم ما يتعلق مبوضوع الزكاة، أحكاًما ومبادئ، وأهدافًا وآثارًا. وهبذا يكون البحث

    تلك هي النقطة الثانية يف البحث. وأما النقطة الثالثة فهي:

    املقارنة واملوازنة -3

    وهي تأخذ صورتني:

    اأ