ﻲﻨﻳﺪﻟا ﺺﻨﻟا ةءاﺮﻗو ﺔﻴﻠﻳوﺄﺘﻟا · 2019. 3. 5. · 27...

18
اﻟﻤﺤـﻮر25 ﺑﺎﺣﺚ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻐﺮﺏ. ﺇﻥ ﺍﻟﺘﺄﻭﻳﻠﻴﺔ ـ ﻣﻦ ﺣﻴــﺚ ﻫﻲ ﻣﻨﻬﺞ ﻳﻬﺘــﻢ ﺑﻨﻘﺪ ﺍﻟﻨﺼﻮﺹّ ، ﻭٱﻧﻜﺐ1 ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ـ ﻧﺸــﺄ ﻓﻲ ﺃﻭﺭﻭﺑﺎ ﺑﻴﻦ ﺟﺪﺭﺍﻥ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴــﺔ ﺍﻟﻤﻨﻬﺞ ﺍﻟﺘﺄﻭﻳﻠﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﺎﻗﺸﺔ ﺍﻟﻨﺼﻮﺹ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺻﺤﺘﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻹﻧﺠﻴﻞ ﺑﻮﺍﺳﻄﺔً ﻭﻣﺼﺪﺭﻫﺎ ﻭﺃﺻﻮﻟﻬﺎ، ﻭﺗﺜﺒﻴﺖ ﺍﻟﻤﻨﻘﻮﻝ ﺷﻔﻬﻴﺎ ﺍﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻭﺍﻟﺘﺪﻭﻳﻦ. ﻛﻤﺎ ﺍﺭﺗﺒﻄــﺖ ﺍﻟﺘﺄﻭﻳﻠﻴﺔ ﺑﺎﻟﺤﺎﺟــﺔ ﺇﻟﻰ ﺑﻴﺎﻥ ﻭﺗﻔﺴــﻴﺮ ﻣﻀﺎﻣﻴﻦﻓﻬﻢ ﺍﻟﻨﺺ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻲ ﻫﻮ ﻣﺎ ﺃﺩﻯ» ﺍﻟﻨﺼﻮﺹ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ؛ ﺫﻟﻚ ﺃﻥ ﺇﻟﻰ ﻧﺸﺄﺓ ﺍﻟﺘﺄﻭﻳﻞ ﺃﻭ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﺘﺄﻭﻳﻞ. ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻥ ﻋﺎﻣﻞ ﺍﻟﺘﺒﺎﻋﺪ ﺍﻟﻠﻐﻮﻱ ﻓﻲ ﻓﻲٍ ﻣﻌﻨﻰ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﻓﻲ ﺃﺻﻞ ﻭﺿﻌﻬﺎ، ﻭﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺸــﻴﺮ ﺇﻟﻴــﻪ ﻣﻦ ﻣﻌﺎﻥ ﻓﻲ ﺗﻤﺜﻞً ﻭﺩﻻﻻﺕ ﺟﺪﻳﺪﺓ ـ ﻋﺎﺋﻘﺎٍ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ، ﻭﻣﺎ ﺃﺧﺬﺕ ﺗﺤﻤﻠﻪ ﻣﻦ ﻣﻌﺎﻥ ﻣﻌﺎﻧﻲ ﺍﻟﻨﺼﻮﺹ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ. ، ﻭﺍﺣﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﻓﻬﻢً ﻡ ﺍﻟﻨﺺ ﻓــﻲ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﺻﺎﺭ ﻏﺎﻣﻀــﺎّ ﻓﻜﻠﻤﺎ ﺗﻘﺪ ﻌﻴﻦُ ﺟﺪﻳﺪ، ﻭﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﺓ ﺍﻟﻤﻨﻬﺠﻴــﺔ ﻣﻠﺰﻣﺔ ﺑﻘﻴﺎﻡ ﻋﻠﻢ ﻳ ﺍﻻﺿﻄﺮﺍﺏ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻄﺮﺣﻪّ ﻡ، ﻭﺣﻞَ ِ ﻋﻠﻰ ﻓﻬﻢ ﺍﻟﻨﺼﻮﺹ ﺍﻟﻤﻮﻏﻠﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻡ.2000 ، ﻧﻈﺮﻳﺔ ﺍﻟﺘﺄﻭﻳﻞ ﻟﻠﺪﻛﺘﻮﺭ ﻣﺼﻄﻔﻰ ﻧﺎﺻﻒ. ﺍﻟﻨﺎﺩﻱ ﺍﻷﺩﺑﻲ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻲ، ﺟﺪﺓ ـ1 اﻟﺘﺄوﻳﻠﻴﺔ وﻗﺮاءة اﻟﻨﺺ اﻟﺪﻳﻨﻲ

Upload: others

Post on 01-Nov-2020

0 views

Category:

Documents


0 download

TRANSCRIPT

Page 1: ﻲﻨﻳﺪﻟا ﺺﻨﻟا ةءاﺮﻗو ﺔﻴﻠﻳوﺄﺘﻟا · 2019. 3. 5. · 27 ﻲﻨﻳﺪﻟا ﺺﻨﻟا ةءاﺮﻗو ﺔﻴﻠﻳوﺄﺘﻟا ﻪﻋﻮﻄﻳﻭ

المحـور

25

■ باحث من المغرب.

إن التأويلية ـ من حيــث هي منهج يهتــم بنقد النصوص الدينية ـ نشــأ في أوروبا بين جدران الكنيســة 1، وٱنكبّ المنهج التأويلي على مناقشة النصوص الدينية من حيث صحتها ومصدرها وأصولها، وتثبيت المنقول شفهياً من الإنجيل بواسطة

الكتابة والتدوين.كما ارتبطــت التأويلية بالحاجــة إلى بيان وتفســير مضامين النصوص الدينية؛ ذلك أن «فهم النص الديني المسيحي هو ما أدى إلى نشأة التأويل أو علم التأويل. فقد كان عامل التباعد اللغوي في معنى الكلمة في أصل وضعها، وما كانت تشــير إليــه من معانٍ في القديم، وما أخذت تحمله من معانٍ ودلالات جديدة ـ عائقاً في تمثل

معاني النصوص المقدسة.فكلما تقدّم النص فــي الزمن صار غامضــاً، واحتاج إلى فهم جديد، وعلى هذا كانت الضرورة المنهجيــة ملزمة بقيام علم يُعين على فهم النصوص الموغلة في القِدَم، وحلّ الاضطراب الذي تطرحه

نظرية التأويل للدكتور مصطفى ناصف. النادي الأدبي الثقافي، جدة، 2000م. 1 ـ

■ ��*�) ��>�

الديني النص وقراءة التأويلية

Page 2: ﻲﻨﻳﺪﻟا ﺺﻨﻟا ةءاﺮﻗو ﺔﻴﻠﻳوﺄﺘﻟا · 2019. 3. 5. · 27 ﻲﻨﻳﺪﻟا ﺺﻨﻟا ةءاﺮﻗو ﺔﻴﻠﻳوﺄﺘﻟا ﻪﻋﻮﻄﻳﻭ

26

المحور

نسخ الكتاب المقدس المختلفة. وللخروج من هذا الإشكال دعا دعاة التأويلية إلى إعطاء مزيد من الحرية للقارئ؛ حتى يتمكـّـن من إزالة هذا الاضطراب

وإبعاد الغموض الذي يوجد في نسخ الكتاب المقدس 1.إضافة إلى الاعتقاد بوجود معنى خفــي وراء المعنى الظاهر، وانعدام الثقة في القراءة الواحدة 2 التي تقيد من حرية القارئ وتحدّ من ســلطته

في قراءة النص.ومن أبرز النتائج التي أسفر عنها هذا النقد في الثقافة الغربية أن هذه النصوص الدينية المسيحية واليهودية لم يكتبها مؤلفّ واحد في عصر واحد لجمهور واحد؛ وإنما كتبها عدّة مؤلفين عبر امتدادات الزمان لأناس عاشوا في ظروف وأزمنة مختلفة ومتباعدة، كما أن هذه النصوص متباعدة في لغتها وأسلوبها ودلالة ألفاظها 3، فهي لا تستطيع التعبير عن التشريعات الجديدة

والأمور المستحدثة والقضايا الفقهية المعاصرة 4.وهذه الاستنتاجات ليست في صالح النصوص المقدّسة، التي تختلف نســخها من حيث الكمّ والكيف، وتضطرب معانيهــا، وتختلف الفهوم في

تمثل دلالاتها.ومن ثم فلا بأس من اختلاف التفســير وتنوعه ما دام تفسير النص الديني وتعدده يحقق الانســجام في دلالته، ويحقق الاتســاق في معانيه، ويلغــي الاضطــراب والخلل والتناقــض الذي تحملــه المعانــي الظاهرة

للنصوص الدينية.ومن أبرز الأفكار التي حملتها التأويلية أن السلطة ليست للنص؛ وإنما هي

التأويل: دراســة في آفاق المصطلح لعبد القادر الرباعي، مجلة عالم الفكر، ع 2، مجلد 31، 1 ـس: 2002م.

الهرمينوطيقا ومعضلة تفسير النص لنصر حامد أبو زيد، مجلة فصول ع 3، 1981م، ص 141. 2 ـحوار مجلة مقدّمات مع الدكتور محمد عابد الجابري أعادت نشره مجلة فكر ونقد، ع 9. 3 ـ

يراجع كذلك ملف: اليهودية: مدارسها الدينية وتياراتها الفكرية. مجلة المحجة اللبنانية، 4 ـع 15، 2007م.

Page 3: ﻲﻨﻳﺪﻟا ﺺﻨﻟا ةءاﺮﻗو ﺔﻴﻠﻳوﺄﺘﻟا · 2019. 3. 5. · 27 ﻲﻨﻳﺪﻟا ﺺﻨﻟا ةءاﺮﻗو ﺔﻴﻠﻳوﺄﺘﻟا ﻪﻋﻮﻄﻳﻭ

27

الديني النص وقراءة التأويلية

لقارئ النص، فهو بمقدوره أن يضفي على النص ما يريد من أفكار، ويطوعه وفق اختياراته بمــا يقدّمه مــن معانٍ؛ حتى يســتجيب النــص القديم للقيم

الجديدة في المجتمع ولظروف قارئ النص.وهذا ما كان منطلقاً لتأنيس النصوص المقدسة بنقل هذه النصوص من الوضع الإلهٰي إلى الوضع البشري وإخضاعها لمختلف القواعد والقوانين التي

تحكم كافة النصوص 1.من هنا فإن نشــأة التأويليــة ارتبطت بفهم الديني المســيحي بما يحقق الانســجام النص والتوافق بين النــص وقِـيم العصر، وكذا تقريب المسافة بين النص وقارئه بإزالة التعتيم والخفاء والغموض الذي يكتنف دلالة النصوص الدينية 2، وتكييف هذا النص بما يناســب قِـيم العصر من

حيث اللغة والدلالة والمعنى.لكن أكبر منعطف عرفــه الاتجاه التأويلي هــو انتقال هــذا المنهــج من نقــد النصوص الدينية إلى نقــد النصوص البشــرية، خاصة ما كان من قبــل النصوص الأدبية والفلســفية والقانونية، وهكذا «انتقل هذا العلم من مجال

علم اللاهوت إلى دوائر أكثر اتساعاً بالتأويلية في مجال الأدب؛ نظراً لما يتيحه هذا المنهج من إمكانيات ووســائل علميــة ومنهجية في قراءة ونقد

النص الأدبي.ومن أثر هذا التحول تحقق المماثلة والتجانس بين النصوص الإلهٰية والنصوص البشرية، وفصل ما هو مقدس عن مصدره المتعالي، وربط هذا

أثر العرف في فهم النصوص، 243. 1 ـنظرية المعنى بين الشرح والتفســير والتأويل لمحمد حماد. ندوة صناعة المعنى وتأويل النص، 2 ـ

منشورات كلية الآداب، منوبة، تونس، 1992م.

�� أ(�ز الأ�'�ر ا��� �"��D ا��Xو6"�3 أن �w؛ "� e��� 3M"ا�� ،w�وإ��4 �� �.�رxٴ ا� �8y6 وره أن�.�) �D� �� �6�6 �� w��"> ا�أ�'�ر، و��M6, و�� �� ,�ا@���را-, (�� 6.ّ� S�[��6 <��*�ن؛ٍ R�."� R6�.ا� w�ا� h��[ا�]�6�ة �� ا��.w�و�i�وف ;�رxٴ ا�

Page 4: ﻲﻨﻳﺪﻟا ﺺﻨﻟا ةءاﺮﻗو ﺔﻴﻠﻳوﺄﺘﻟا · 2019. 3. 5. · 27 ﻲﻨﻳﺪﻟا ﺺﻨﻟا ةءاﺮﻗو ﺔﻴﻠﻳوﺄﺘﻟا ﻪﻋﻮﻄﻳﻭ

28

المحور

المقدس بالقارئ الذي له الســلطة في الحكم على النص تبعاً لمرجعيته الفكرية.

وبمقتضــى المثاقفة والاحتــكاك بين الثقافــة الغربية والثقافــة العربية الإسلامية؛ فقد دعا كثير من المثقفين والباحثين في قضايا التفسير والـتأويل إلى قراءة النص القرآني وفق المبادئ والأسس والشروط الموضوعة للمنهج التأويلي، وإخضاعه لهذه الشــروط يجب أن تتمّ فيه مراعاة طبيعة النص في

مصدريته ومقصديته.وللوقوف علــى حقيقة هــذا المنهج في طبيعتــه وملابســاته وإمكانياته المعرفية والمنهجية وقدراته التفسيرية ـ خاصة ما تعلقّ بتطبيقه على النص القرآني ـ اخترنا إجراء هذه المقابلة مع الدكتورة رقيــة جابر العلواني التي اشتغلت على المنهج نقداً وقراءةً وتطبيقاً وترجمة، وهو ما يتجسّد في مؤلفاتها وبحوثها 1 الموضوعة والمخصصة للإشكال التأويلي في النص الديني، ومدى

إمكانية تسخير هذا المنهج في قراءة النص القرآني.

ـ�ار

من المتعارف عليه بين أتباع الديانات المختلفة: محاولاتهم لفهم وتأويل النصوص المقدّسة لديهم، مما أسهم في النهاية في بروز فن مستقل بذاته

Hermeneutics

وتعود إشكالية التأويل والفهم هذه في جذورها إلى قضية تحديد الصلة بين العقل والنقل، وهي إشــكالية جد قديمة؛ فقد ظهر ـ حتى بين الفلاسفة اليونان ـ من يعتمــد على العقل وتقديراتــه وأحكامه من أمثــال خريزيبوس ـ Chrysippus ـ (205 ق.م) ممن أرجع التحســين والتقبيح في الأشــياء للعقل

وللإشــارة فإن الدكتورة رقية جابر العلواني اختارت طــرح ومقاربة هذا الإشــكال في مؤلفاتها 1 ـوأبحاثها، خاصة أطروحتها الجامعية (أثر العرف في فهم النصوص) دار الفكر، دمشق، 2003م.وبحث: قراءة في ضوابط التأويل وأبعادها المنهجية في الدراســات القرآنية المعاصرة، بيروت،

.2006

Page 5: ﻲﻨﻳﺪﻟا ﺺﻨﻟا ةءاﺮﻗو ﺔﻴﻠﻳوﺄﺘﻟا · 2019. 3. 5. · 27 ﻲﻨﻳﺪﻟا ﺺﻨﻟا ةءاﺮﻗو ﺔﻴﻠﻳوﺄﺘﻟا ﻪﻋﻮﻄﻳﻭ

29

الديني النص وقراءة التأويلية

وحده؛ فالشيء لا يكون حسناً لأن االله قد أمر به، ولكن االله أمر به لأنه حسن؛ فالصواب والخطأ مستقلان بالطّبيعةِ.

وقد ســرى تأثير ذلك إلى الديانات المختلفة ومنها اليهودية؛ فاخترع فيلون الإسكندراني ـ الذي عاش في الفترة الواقعة ما بين (20 ق.م. ـ 50م.) زعيم مدرسة الإســكندرية اليهودية ـ قانون التأويل كمنهج لتحديد العلاقة بين الوحي والعقل، وأكد أن الوحي والعقل طريقان موصلان إلى الحق في النهاية، وانتقد الاتجاه الظاهري المتمسّك بحرفية النص الكتابي، وخلص فيلون إلى أن العلاقة بين الدين والعقل لا بــد أن ترتكز إلى متابعة العقل

لتقريرات الوحي.وظهرت محاولات التوفيــق بين العقل والوحي عند عدد من آباء الكنيسة الأوائل، ومنهم: كليمانت الاســكندراني (215م)، والقديس أوغسطين، الذي جعل للعقل مجالاً وللنقل مجالا؛ً فالعقل لا يستطيع وحده أن يصــل إلى الحقيقة كلهــا، والنقل يعطي الحكمة كاملة عن االله. وفي العصور الوسطى جاء توما الأكويني (1274م)، الذي ذهب إلى عدم وجود تعارض بين العقل والنقل البتة، فالمعرفة الفلسفية قائمة علــى المبادئ العقلية التــي وضعها االله في الإنسان؛ فالنقل لا بد أن يكون متطابقاً معها؛ لأن

المصدر لكليهما االله.كما ظهر مَنْ أســسَ القطيعة بين العقل والنقل، معتمــداً على ضرورة الالتزام والتمسك بحرفية الوحي والنصوص المقدسة. وقد مثلّته في اليهودية فرقة القرائين (القــرن الثامن الميــلادي)، وتمحــورت تعاليمهم حول رد الاعتراف بشرعية التلمود ورفضه رفضاً مطلقاً بوصفه تأويلات بشرية مزورة مع الالتــزام التام بحرفية نصــوص التوراة، والتمســك بظواهر نصوصها، وتحريم التأويل مطلقاً للنصوص المقدســة. وفي المسيحية ظهر ترتوليان

(�.�y> ا��_�;38 والا�'�ك (�� ا�_.��3 ا�}�(�3 وا�_.��3 ا�*�(�3 ��_l 3؛ �.� د����الإ�لا �� ��_� �� ا��_.��8 وا�;�6�y ا����8� وا��Xو6& إ�> ;�اءة ا��w ا�.�آ�4 و�� ا�� �دxٴ والأ�7 وا�)�وط ا������3 �oD ا��Xو6"�.�"�

Page 6: ﻲﻨﻳﺪﻟا ﺺﻨﻟا ةءاﺮﻗو ﺔﻴﻠﻳوﺄﺘﻟا · 2019. 3. 5. · 27 ﻲﻨﻳﺪﻟا ﺺﻨﻟا ةءاﺮﻗو ﺔﻴﻠﻳوﺄﺘﻟا ﻪﻋﻮﻄﻳﻭ

30

المحور

(225م) الذي رأى في الوحي غنية عن أي معرفة أخرى، وحمل على الفلسفة، وقرر عداوتها للدين.

أما في الفكر الديني الإسلامي؛ فقد ارتبط التأويل في الأذهان بالإشكاليات الأولى التي ظهرت في العصور التي حدث فيها اتصال واحتكاك مباشر بالتراث الأجنبي عن طريق الترجمة ونقل الفلســفة اليونانية ونحوها، ومن أبرز الأمثلة على تلك الإشكاليات: مسائل القضاء والقدر، والصفات الإلهٰية، وخلق القرآن،

ونحو ذلك.وقد أدت تلك النزاعات التجريدية المبكرة في الفكر الإسلامي منذ ذلك الحين إلى بروز نوع جديد من التأويل، يقود المــؤول إلى نوع من الرغبة في الانتصار للذات عن طريق التعسف في تأويل النص، وتطويعه لدوافعه ونزعاته الشخصية؛ فينطلق المؤول بفهم مسبق من الذات إلى النص؛ لينتزع منه تأويلاً يلائم ما يدعو إليه ويؤيده (Justification). وبتراكم تلك التأويلات الذاتية لم يعد القرآن الكريم نقطة انطلاق نحو المتلقــي أو المخاطب؛ بل نقطة ارتكاز وبؤرة تبرير لمبــادئ وأفكار مســبقة في ذهن القــارئ. وقد أشــار إلى تلك

الإشكاليات في التفسير كل من ابن تيمية وابن القيم في أكثر من موضع.والقرآن الكريم بإعجــازه المتنوع والمتعدد خاطــب مختلف الأجيال في مختلف العصور والأزمان بنص واحد ثابت، له قواعد محددة في تأويله ودلالات ألفاظه على أحكامه، وقد وقف العلماء السابقون طويلاً عند البحث في ضوابط التأويــل حماية من الوقوع فــي التأويلات الفاســدة المنحرفــة؛ بَيْدَ أن تلك الضوابط وتطبيقها انحصرت في الغالب في الآيات المتعلقة بالعقائد وأصول

الدين؛ لغلبة الاتجاهات والتأويلات في هذا المجال آنذاك.وبقي المقرر لديهم في الأصل إبقاء النصوص على ظواهرها دلالةً على معانيها الأصلية كما وضعت فــي اللغة؛ إلا أن تأويل النصوص بصرفها عن معناها الحقيقي إلى المجازي أو الكنائي توجهٌ معروف عندهم، على تفاوت فيما بينهم في توسيع نطاقه أو تضييقه، واتفاق على أن التأويل لا يكون إلاّ

بدليل أو قرينة.

Page 7: ﻲﻨﻳﺪﻟا ﺺﻨﻟا ةءاﺮﻗو ﺔﻴﻠﻳوﺄﺘﻟا · 2019. 3. 5. · 27 ﻲﻨﻳﺪﻟا ﺺﻨﻟا ةءاﺮﻗو ﺔﻴﻠﻳوﺄﺘﻟا ﻪﻋﻮﻄﻳﻭ

31

الديني النص وقراءة التأويلية

والناظر في تاريخية التأويل في النصرانية يلحــظ أن الإصلاحيين فتحوا الســبيل أمام التأويلات المتعددة والنظريات المســتحدثة، على أســاس حرية المتلقي في الفهم والتأويــل. ودعا مارتن لوتر وزوينغلــي وغيرهما ـ من رواد الحركة الإصلاحية ـ إلى تحديد دور الكنيســة، ورفض احتكار الكنيسة لتأويل النصوص، فالعقل الفردي قادر على التعامل مباشرة مع النص وفهمه واستيعابه.كما اســتهدفت تلك الحركة القول بوحدة المصــدر المتمثلّ في الكتاب المقدس، وحكمت بهذا على تراث الكنيســة بالإلغاء، وقــد برزت فكرة حرية

التأويل والقــول بالتعدديــة التأويلية فــي دائرة النصوص الدينية عند العديد من رجالات الحركة الإصلاحيــة على قــدر من الاختلاف فــي مديات

الاعتماد على ذلك.وتُعد محاولة الإصلاحييــن في الاعتماد على الكتاب المقدس دون ســواه الأولى من نوعها في تاريخ اللاهوت المســيحي؛ بَيْدَ أن تلك النداءات اتخذت مسارات مختلفة بين صفوف البروتستانت في العصور التاليــة، فقد مهدت لقبــول مختلف النظريات النقدية المســتحدثة التي بات أغلبها

يهدد قدسية النصوص الكتابية وينازلها.ومع دخول أوروبا عصر النهضة وانحسار دور

الكنيســة، اســتعاد العقل حريته التي فقدها بســلطوية الكنيسة وتشريعات رجالاتها. تلك الحرية التي وهبت العقل حق مراجعة كل المعتقدات السائدة، ووضعها محل النقــد والتحليل والـتأويــل، وبهذا تم النظــر إلى النصوص

الكتابية من جديد بمنظار العقل وقوانينه.وطرح المتأخرون من الإصلاحيين في اليهودية والمسيحية على حدّ سواء ـ من أمثال سبينوزا وهوبز ـ دراسات متشعبة حول النصوص المقدسة، خلصوا

من خلالها إلى وسائل عديدة لنقد النصوص الكتابية.

ا�.�آن ا�'��O) R6]�زه Sq�@ ع وا���*�د��ا��� }"�$��$�"{ الأ`��ل �� �ا�*�fر والأز��ن (�w واe)�b، �, ;�ا�� �<�دة �� -Xو6", ودلالات �,، و;� �'أ��8/, �"> أو;{ ا�*"��ء ا���(.�ن �� ~> 6�qلاً ��� ا� 36����ا(� ا��Xو6& �� ا��;�ع �� ا��Xو6لات .3��>�ا���8�ة ا��

Page 8: ﻲﻨﻳﺪﻟا ﺺﻨﻟا ةءاﺮﻗو ﺔﻴﻠﻳوﺄﺘﻟا · 2019. 3. 5. · 27 ﻲﻨﻳﺪﻟا ﺺﻨﻟا ةءاﺮﻗو ﺔﻴﻠﻳوﺄﺘﻟا ﻪﻋﻮﻄﻳﻭ

32

المحور

وتُعد نظرية النقد التاريخي من أبرز الاتجاهات وأخطرها في مجال نقد النصوص، وقد ظهرت في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين في ألمانيا على وجه الخصوص، وسرى تأثيرها إلى مختلف المناطق فيما بعد، وتمخض عن تلك المدرســة النظرة إلى النصــوص الكتابية بوصفها صدًى لتاريخ مضى وباد وانقرض، والوحي ما هو إلا تراكم تاريخي خاضع لســنة

الزمان والمكان والتحولات.وتضافرت تلك التطورات مع انتشار وتأثير نظرية التطور الدارونية، التي حاول العديد من المفكرين في الغرب إســقاطها على مختلف مجالات العلوم

والمعارف، وامتد أثرها ليشمل دائرة تأويل النصوص المقدسة أيضاً.وحَاول البروتستانت إيجاد تأويلات جديدة للخبرةِ الدّينيةِ، وفهمٍ للتاريخ يُساير تطبيقات ونتائج نظريةِ التطّور. وقد أنكروا ـ إلى حد كبيرٍ ـ أن التوراة وحي إلهٰي، وتاريخية السيد المسيح والإنجيلِ، وركزوا على السلوك الأخلاقي

عوضاً عن التمّسكَ بالمذاهبِ الشّكليةِ كأساس للحياةِ المسيحيةِ.وبهذا تــم اعتمــاد المماثلة بين النصوص المقدســة والأدبيــة وغيرها، وإمكانية إخضاعها لمختلف القوانيــن والقواعد النقدية دون أي اختلاف على الإطلاق، وأصبح القارئ أو المتلقي صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في الحكم

على التأويلات المختلفة.وهكذا حمل عصر التنوير الكثير مــن التحديات، والتي بلغت حد منازلة النصوص المقدسة في المسيحية واليهودية تبعاً لمسايرة التطور والعصرنة، وألغت مناهج نقد النصوص الكتابية ـ Biblical Criticism ـ المرجعية الإلهٰية

للنصوص الكتابية في العهدين القديم والجديد معاً.واستمر العقل النقدي الغربي في العصور الحديثة في دائرة الشك وبنى على الشــك عناصر مقوماته وانطلق منها، فأصبح عقلاً لا يهتم بإيمان بنص مقدس أو غيره، فكل النصوص لديه على الســواء قابلة لكل أنواع النقد دون تمييز بين المقدّس أو غيره. وعلى هذا الأســاس تعامل النقــاد الغربيون مع

الكتب المقدسة الأخرى كالقرآن الكريم.

Page 9: ﻲﻨﻳﺪﻟا ﺺﻨﻟا ةءاﺮﻗو ﺔﻴﻠﻳوﺄﺘﻟا · 2019. 3. 5. · 27 ﻲﻨﻳﺪﻟا ﺺﻨﻟا ةءاﺮﻗو ﺔﻴﻠﻳوﺄﺘﻟا ﻪﻋﻮﻄﻳﻭ

33

الديني النص وقراءة التأويلية

إلاّ أن الدراســات الحديثة النقدية شــهدت توجهاً جديداً ـ مثلّه إيكو وجــول وغيرهما ـ نحــو ضبــط التأويل، ووضــع قوانين تحفــظ حياديته

وموضوعيته إلى حد ما.وقد وجدت هذه التوجهات طريقها في قراءة بعض المفكرين المســلمين

للنصوص الشرعية دون تمييز بين الفوارق الهائلة بين الواقعين.فالمناهج بطبيعتها لها بُعدٌ اجتماعي وبعــد ثقافي، وهي تعبير عن البيئة والحاجة التي دعت إلى ظهورها، فعملية نقلها واستزراعها في العلوم الإسلامية

عملية لا تخلو من محاذير جمّة، ومخاطر عديدة، ومحــاولات عبثيــة فاشــلة، إضافة لمــا لها من

مصادرات لأصالة الفكر الإسلامي.والمفاهيم والتصورات الكلية ليســت مثلاً أفلاطونية خالدة، ولا هي نيازك تتســاقط من الســماء من مجــال تــداول إلى آخــر؛ بل إن التصورات الكلية العامة لأية دائرة حضارية لها ســمتان: بُعدٌ تاريخي؛ بمعنى أن البيئة تفرزها في ظرف تاريخي معين. وبعدٌ جمعي؛ فهي وليدة جهد جمعي مشــترك لتلــك البيئــة. وقد دلتّ

الشــواهد والوقائع التاريخية على أن عمليات الاستزراع تنتهي إلى مساوئ ثلاثة متضايفة:

أولاً: تورث خروجاً وشذوذاً عن طبائع الأشياء من الناحية النفسية.ثانياً: عبث لا طائل من ورائه من الناحية العملية.

ثالثاً: مخاطر جمة من الناحية الأخلاقية.إن ما وقع فيه الكثيرون ـ من أصحاب الاتجاهات النقدية الحديثة ـ في التعامل مع نصوص القرآن يرجع إلى عدم قدرتهــم على فهم كيفية مخاطبة القرآن الكريم مختلف الأجيال في مختلف العصور والأزمان بنص واحد ثابت،

إنّ �� و;h ��, ا�'_��ون ـ �� أg<�ب الا-]���ت ا��.�36 ا�<�6_3 ـ �� ��f4 hص ا�.�آن &�ا��*� RD-إ�> ��م ;�ر h`�6 3 q�$� 3�8�l RD� <"� }"�$� R6�'آن ا��ا�.الأ`��ل �� �$�"{ ا�*�fر .e)�b �والأز��ن (�w وا

Page 10: ﻲﻨﻳﺪﻟا ﺺﻨﻟا ةءاﺮﻗو ﺔﻴﻠﻳوﺄﺘﻟا · 2019. 3. 5. · 27 ﻲﻨﻳﺪﻟا ﺺﻨﻟا ةءاﺮﻗو ﺔﻴﻠﻳوﺄﺘﻟا ﻪﻋﻮﻄﻳﻭ

34

المحور

له قواعد محددة فــي تأويله ودلالات ألفاظــه على أحكامه، كمــا يرجع إلى تأثرهم بالأعراف السائدة في المجتمعات في الآونة الأخيرة، والتي روجت لها العصرنة، ومن هنا فقد اتجه الكثيرون إلى القول بالعصرنة في محاولة لليّ عنق النص، والخروج به عن تأويله الواضح في كثير من الأحيان ليتلاءم مع

متطلبات العصر ومتغيراته.واستندوا إلى القول بأن معنى النص متغير بحسب الأحوال النفسية للمتلقي، والفروق والبيئات الثقافية والعصــور المختلفة، فقد يأخذ النص الواحد معاني مختلفة طبقاً لمراحل عمر الإنسان وتجاربه الخاصة، وبهذا يكون النص مساوقاً لتطور الفرد في مراحل عمره، ومساوقاً لمجموع التغيرات في كل عصر. ويقارب اتجاه العصرنة في الفكر الديني في الإسلام مبادئ ما بعد العصرنة في الفكر الغربي، الذي قام بإعطاء المتلقيّ شرعية التأويل الحر وفق خبراته الشخصية وتجاربه الذاتية؛ فالتأويل جهد عقلي ذاتي يخضع فيه النص الديني لتصورات

المتلقي ومفاهيمه وأفكاره.وتَرْغبُ هذه الفلســفة الجديدة في جعل تأويل الكتاب المقدس حقاً لكل شخص. فما يعينه النص لشخص ما، لا يعني أنه هو بعينه ما يقصده لشخص آخر، فلــكل واحد الحرية فــي تأويل وفهــم النصوص الكتابية طبقــاً لتراثه الخاص وتجربته الإنسانية. وبمقتضى هذا المذهبِ الجديدِ، ليس ثمة مقياسٌ

محدد الهيئةِ، وإنما كل متلقٍّ يصبح قانوناً على نفسه.وهذه الفلســفة بعيدة عن نســيج مجتمعاتنا، وهي لا تمتــد بوضوح إِلى الكنيســةِ أو إلى الدّينِ فقــط؛ بل تمكنّت من ترســيخ مبادئها فــي الحقول السّياســيةِ، والاجتماعية، والمجــالات الترّبويــة حولنا، فقــد أصَْبَحَت أزيزَ التســعيناتِ. وقد عدّها بعضهم حركة ما بعد العصرانية، والعصرانية فلسفةٌ

قديمةٌ تنكر أية خارقة، وبهذا أنكرت معجزاتِ عيسى والحواريين.فهي فلسفةٌ تحرّريةٌ تعتقد بأن الشيء الوحيد المؤكد هو معرفة عجز كل أحد عن التأكد من أي شيء، وعلى هذا فنقدهم ينبغي أن يتمركز حول الكتاب المقدس؛ فإن لم يتمكنوا من الابتعاد عن الكتاب المقدس؛ فلا أقل من وجوب

Page 11: ﻲﻨﻳﺪﻟا ﺺﻨﻟا ةءاﺮﻗو ﺔﻴﻠﻳوﺄﺘﻟا · 2019. 3. 5. · 27 ﻲﻨﻳﺪﻟا ﺺﻨﻟا ةءاﺮﻗو ﺔﻴﻠﻳوﺄﺘﻟا ﻪﻋﻮﻄﻳﻭ

35

الديني النص وقراءة التأويلية

تغيير طريقة النظر والفهم لــه، ويعد هذا المبدأ عمــدة وجودهم؛ حيث إن اللجوء إلى الكتب المقدّســةِ للبحث في تغييراتهم وابتكاراتهــم لا يُمكنُ أنَْ

يُعالجوه؛ لأن الحقيقةَ تدْحضُ الخطأَ دائماً.كما برز التأويل الوضعي التاريخي ـ Historical Posivitism ـ الرامي إلى القول بتاريخية النصوص القرآنية وارتهانها بالزمان والمكان الذي نزلت فيه، فنظرت إلى النصوص على أنها وضعٌ بشري ناسب طور الطفولة للعقل، ثم إن العقل تجاوز تلك المرحلة، فأصبحت النصوص تاريخية، توافق المرحلة التي

وردت فيها ليس إلاّ.فأحكام التشــريع في القرآن ليســت مطلقة ـ في نظــر أصحاب هــذه القــراءات ـ ولم تكن مجرد تشريع مطلق؛ فكل آية تتعلقّ بحادثة بذاتها، فهي مخصصة بسبب التنزيل، وليست مطلقة، وكل آيات القــرآن نزلت على الأســباب؛ أي لأســباب أم قاعدة تقتضيها، سواء تضمنت حكماً شــرعياً أصوليــة أم نظمــاً أخلاقيــاً، إنها أحــكام مؤقتة ومحلية تنطبق في وقت محــدد وفي مكان بعينه.. وبوفاة الرسول ژ انتهى التنزيل، وانعدم الوحي، ووقف الحديث الصحيح، وســكتت بذلك السلطة

التشريعية الإلهٰية!.في حين أن نصوص القرآن الكريم ليســت انعكاساً لواقع العرب آنذاك

وحسب، بل هو نص مطلق صالح لكل زمان ومكان.من هنــا كان لا بد للعقل من ضوابط وأســس يعتمدها في حل إشــكالية الفهم والتأويل، وهي إمــا راجعة إلى خصائص النصوص الشــرعية، أو إلى خصائص العقل، وانخرام أحدهما يؤدي إلى وقوع خلل في الفهم وانحراف فيه.

ومما تجدر الإشارة إليه ـ في هذا السياق ـ تأكيد أن محاولة ضبط عملية الفهم والتأويل في النصوص لا تعني إلغاء حرية الفكر أو الفهم والتدبر في

لا (�َّ �"*.& �� ��ا(� &وأ�6 7*����� �� إn'���3 ا�RD8 وا��Xو6&، و�� إ�� را`*3 إ�> @wN�f ا���fص wN�f@ <3، أو إ����ا�) ����ا�*.&، وا4$�ام أدي إ�> و;�ع @"& �� �6ٴا�RD8 وا4<�اف ��,.

Page 12: ﻲﻨﻳﺪﻟا ﺺﻨﻟا ةءاﺮﻗو ﺔﻴﻠﻳوﺄﺘﻟا · 2019. 3. 5. · 27 ﻲﻨﻳﺪﻟا ﺺﻨﻟا ةءاﺮﻗو ﺔﻴﻠﻳوﺄﺘﻟا ﻪﻋﻮﻄﻳﻭ

36

المحور

آيات القرآن الكريم؛ فالتدبر والتعقل أمر أوجبته الآيات القرآنية المتضافرة؛ بيد أن ذلك لا يعني فتح الباب على مصراعيه لكل تأويل مهما بعد عن مقاصد

الشريعة أو نازل أحكامها الثابتة، كما حدث في بعض ساحات الفكر الديني.ومن أبرز تلك الضوابط أن تبقى عملية فهم النصوص وتأويلها دائرة في إطــار مرجعيتها للمركز، الذي يشــكلّ مســلمات الفكر الدينــي ومقوماته الذاتية، فهي التي تفصــل بين التأويلات المقبولة عــن غيرها، وهي التي تحدد ما يمكن تغييره، وما لا يقبــل التغيير، في إطارٍ يتلاءم مع مقاصدها

وغاياتها الأصيلة.فعملية التأويل والفهم على هذا الأســاس تكون عملية مباشرة، لا تستدعي وجود واسطة من فهم مسبق أو سلطة دينية لها الحق في الفهم والتأويل مسبقاً. ومن أبرز معطيات المرجعية المركزية: قدرتها على التفرقة والتمييز بين الدين المعصوم المطلق الثابت بالوحي الإلهٰي، وبين الفكر الديني النسبي المحدود بأطر الزمــان والمكان والبيئــة المتولدّ فيهــا؛ ففهم النصــوص وتأويلها عبر

المراحل التاريخية المختلفة جهد بشري تحكمه شهادة المركز وليس العكس.وهو ضابط فــي غاية الأهميــة؛ إذ يحدّ مــن تأثيرات البيئــة والظرفية التاريخية والاجتماعية للمؤول على كيفية فهمه وتأويله للنصوص، ومن ثم ينزع أي مظهر من مظاهر القداســة أو التنزيه لها عن بشــريتها ونسبيتها، مقابل إطلاقية النصوص الشرعية الواردة في كتاب االله أو سُنة نبيه ژ الصحيحة.

ويشمل هذا الضابط الاهتمام بدراسة المعنى: الحقول الدلالية والسياق وأنواع المعنى وتحليله، ومحور العلاقات الدلالية المتضمّن للترادف والاشتراك ونحو ذلك. كما يتحتم على المتلقي أو المؤول استيعاب المقام الذي قيل فيه الخطاب أو النص الشــرعي عند تبيـّـن المراد منه والمقصود، واســتحضار

القرائن المحيطة به من أهم وأولى الوسائل لتحقيق ذلك.كما ينبغــي الاهتمام في هذا الســياق بالرجوع إلى النصــوص المُحْكمَة ات، وردّ المتشابهات التي تختلف فيها الأفهام ُالبينةّ التي تشكلّ الأصول والأم

إلى تلك الأصول؛ حماية من الوقوع في تأويل فاسد أو منحرف زائغ.

Page 13: ﻲﻨﻳﺪﻟا ﺺﻨﻟا ةءاﺮﻗو ﺔﻴﻠﻳوﺄﺘﻟا · 2019. 3. 5. · 27 ﻲﻨﻳﺪﻟا ﺺﻨﻟا ةءاﺮﻗو ﺔﻴﻠﻳوﺄﺘﻟا ﻪﻋﻮﻄﻳﻭ

37

الديني النص وقراءة التأويلية

إذ إن ترك الأصــول الواضحة والنصــوص البينّة من أوســع الأبواب لظهور التأويلات الفاسدة المنحرفة؛ حيث إن المؤول يستحضر المتشابه المحتمل للتأويل، ويستبعد الأصل، فيقع في دائرة التأويلات دون الخروج

منها بتأويل صائب.ومن الضوابط التي ينبغي مراعاتها في قراءة النصوص: مراعاة مقاصدها؛ فالنصوص الشــرعية جاءت لتحقيق مقاصد الشــارع الراجعة إلى الحفاظ على مصالح الخلق ودفع المفسدة عنهم. وهذه المقاصد ليست بخارجة أو منفكة عن نطاق النصوص ذاتها؛ بل إن النصوص جاءت لتحقيقها، فلا ينبغي أن تفهم أو

تؤول بتأويــل بعيد عــن تلك المقاصــد والأهداف العامة؛ فكل نص يحمــل تحقيق مقصد إلهٰي ينبغي أن يعين ذلــك المقصد ويجري على أساســه فهم النص؛ ذاك أن تعيين مقصد معين من خارج محتوى النص ثم فهم النص على أساســه يمكن أن يؤدي

إلى الزيغ في الفهم والانحراف في التأويل.واعتبــار مقاصدية النصــوص ومراعاتها في فهم النصــوص لا تعني الإطلاق وعــدم التقييد، فاســتدعاء الضوابط وتقصي العمل والســير بها يمكن أن يســهم في ضبط موقع العقل في دائرة

فهم تلك المقاصديــة؛ فالبحث في مقاصدية النصوص يســتلزم من المتلقي والمؤول السير عليها وفق الضوابط والشروط الموضوعة لها، والتي يفترض فيها أن تكون متسمة بالاطراد والثبات والانضباط لنفي الاضطراب والتحكمات بدون دليل أو مرجح. كما أن الخوض في مقاصدية النصوص دون ضوابط أو شــروط يمكن أن يســوق إلى الوقوع في التعارض بين القطعيــات والظنيات

والضروريات وغيرها من مراتب المقاصد.وعلى الرغم من أهمية وجود ضوابط ومعايير تحكم عملية فهم النصوص وفق مقاصديتها؛ فإن اهتمام الباحثين بها لم يكن موازياً لتلك الأهمية. الأمر

الذي نجم عنه في بعض الأحايين بروز قراءات معاصرة فاسدة.

�{ ��� ا��yا(� ا��� 6��ا��-�D �� ;�اءة ا���fص: ��ا��ة �.�g���؛ �����fص ا�)���3 `�ءت ��<.�� �.�g� ا�)�رع ا��ا`*3 إ�> ا�<�8ظ �"> �j��f ا�$"� .RD�ود�h ا���8�ة �

Page 14: ﻲﻨﻳﺪﻟا ﺺﻨﻟا ةءاﺮﻗو ﺔﻴﻠﻳوﺄﺘﻟا · 2019. 3. 5. · 27 ﻲﻨﻳﺪﻟا ﺺﻨﻟا ةءاﺮﻗو ﺔﻴﻠﻳوﺄﺘﻟا ﻪﻋﻮﻄﻳﻭ

38

المحور

فالتوسع في الاجتهاد المقاصدي دون ضوابط منهجية وثوابت شرعية يمكن أن يشــكلّ منزلقاً خطيــراً ينتهي إلى التحلل من أحكام الشــرع أو تعطيلها باســم المصالح والمقاصد؛ فتحاصر النصــوص وتوقف الأحكام الشــرعية باســم تحقيق المقاصد والغايات. وهنا يبرز التأويل المتعسّف للنصوص، الذي تتم من خلاله النظــرة الخارجية للنص بناءً على القول بتحقيق المقاصــد والمصالح، فيأتــي المؤول بنظرة جاهــزة لا ترى في النصوص إطاراً مرجعياً ينبغي الــدوران حوله والرجوع إليه. وبهذا تصبح مقاصدية النصوص ـ وفق ما يراها المؤول ـ وحدها: المرجعية المركزية

لكل التأويلات والأفهام.بَيْدَ أن التنبؤ والتوجس من الإفراط في الاعتماد على مقاصدية النصوص أو ســوء تطبيقها ـ بكل ما يحمل من مبررات ومسوغات ـ لا يقتضي إهدار أو إلغــاء دور المقاصدية في تحقيق فهم ســليم للنصوص؛ بــل يقتضي تهذيب التوجه وترشــيده، من خلال العمل على اســتنباط ضوابط ومعايير العمل به. والســبيل للتوصل إلى تلك الضوابط يكون من خلال عمليات تقص واستقراء واسعة لما كتب في المقاصد من جهة، وللمبادئ العامة والغايات الكبرى التي جاءت الرســالة الخاتمة لتحقيقها من جهة أخرى. ومــن ذلك مراعاة ضبط

مفهومي التعبد والتعليل، والاهتمام بتقعيد المقاصد وتحديد الوسائل.لقد عمد بعض الكتاّب المعاصرين إلى التقاط بعض الاتجاهات المقاصدية ومصطلحاتها، وبادروا بإسقاطها على مقولاتهم وتطلعاتهم الفكرية، في محاولة لدمجها وتوليفها مــع مبادئهم الرامية إلــى التجديد والتغيير وفق ما تســنهّ

المجتمعات المعاصرة بلا ضبط ولا تقعيد.ويتبنى هؤلاء الكتاّب نظريات ونظرات جديدة في تأويل النصوص القرآنية بوجه خاص، وقامــوا بتوظيف عدد من الوســائل والآليــات للتوصل إلى تلك القراءات الجديدة للنص القرآني. من هنا كان احتفاؤهم بالمقاصد التي لم تشــرّع الأحكام إلا لتحقيقها، وعليه فالأحكام ـ في رأيهــم ـ لا قيمة لها في

ذاتها؛ بل قيمتها في المقاصد التي تحققها.

Page 15: ﻲﻨﻳﺪﻟا ﺺﻨﻟا ةءاﺮﻗو ﺔﻴﻠﻳوﺄﺘﻟا · 2019. 3. 5. · 27 ﻲﻨﻳﺪﻟا ﺺﻨﻟا ةءاﺮﻗو ﺔﻴﻠﻳوﺄﺘﻟا ﻪﻋﻮﻄﻳﻭ

39

الديني النص وقراءة التأويلية

حيث يرون أن التأويل المقاصدي هو التأويل الأنسب حالياً من الوجهة الدينية، ولا بد من البحث وراء المعاني الحرفية عن روح القرآن، وتناول كل مسألة بحســب وضعها ضمن المقاصد الإلهٰية الشاملة، ويقتضي هذا البحث إدماج عامل الزمان فيمكن أن تكون القاعدة صالحة لوقت معين؛ لكنها إذا أصبحت ـ بمرور الزمن وتغيــر الأوضاع ـ غير ملائمة ينبغي أن

نتمكن من تغييرها.وهذا النوع مــن القراءة لا ينظر إلى المقاصد مــن خلال النصوص؛ بل يأتي إلى النص بمقاصد جاهزة. في حين أن المقاصد ليست منفكة عن نطاق

النصوص ولا بخارجة عنها، واعتماد هذه المقاصد يستلزم النظر فيها وفق شــروط وضوابط مطردة تنفي الاضطراب والتحكم دون دليل. من هنا جاء تركيز بعض هــؤلاء الكتـّـاب على ضــرورة عدم الاقتصار على مفهوم المقاصد الذي حدده الفقهاء

والأصوليون، خاصة الإمام الشاطبي.ولذا كان هذا النوع من القراءة مســوقاً إلى التحلل من أحكام الشــرع أو تعطيلها تحت ذريعة

مراعاة مقاصد الشريعة ومصالحها.وفي هذا السياق يقول الدكتور الريســوني: «يمكن أن نقول: المدرسة العلمانية ترفع لواء المقاصد، وتذهب به بعيداً ليس فقط لتأويل النصوص

والأحكام؛ بل لإلغائها وإسقاطها» 1.لقد تم توظيف التوجه المقاصدي لدى الكثيرين من أصحاب هذه القراءات في الإتيــان بنظرة جاهــزة للنص، وتحويل الأحكام الشــرعية المســتنبطة من النصوص وفق مقاصديتها ـ كما يرون ـ إلى قواعد انضباطية تسنهّا المجتمعات

البشرية ليس إلاّ.

الدكتور أحمد الريسوني، على قناة المجد الفضائية، برنامج ساعة حوار، 2005/2/27م. 1 ـ

�� �ٴ وا���`7 �إنّ ا��الإ��اط �� الا����د �"> �.�g�36 ا���fص أو �.�D ـ ('& M- ء�� �رات � �� &�>6 �� �y�.6 ت ـ لا�]���وإ��ار أو إ�}�ء دور ��.>- �� 36�g�.ا����fص."� R�"� RD�

Page 16: ﻲﻨﻳﺪﻟا ﺺﻨﻟا ةءاﺮﻗو ﺔﻴﻠﻳوﺄﺘﻟا · 2019. 3. 5. · 27 ﻲﻨﻳﺪﻟا ﺺﻨﻟا ةءاﺮﻗو ﺔﻴﻠﻳوﺄﺘﻟا ﻪﻋﻮﻄﻳﻭ

40

المحور

وهذه المحاولات تبرز في ساحات الفكر الديني عموماً في لحظات الضعف، وإسقاطات الهزيمة النفسية، والشعور بالنقص إزاء غلبة الآخر وسلطويته، وهو

أمر حدث في مختلف دوائر الفكر الديني كاليهودية.فقد تحولت الأحكام الشــرعية الثابتة في اليهودية بنصوص التوراة إلى قواعد انضباطية، أساسها الردع الاجتماعي، على يد الحركة الإصلاحية، التي ظهرت أولاً في صفوف اليهود القاطنين في أوروبا في منتصف القرن التاســع عشر الميلادي، وقامت بتوظيف المقاصدية وروح التشريع في تطويع الأوامر

الإلهٰية والأحكام الشرعية الثابتة لمطالب العصر وتغيراته.وأعلنت الحركــة الإصلاحية اليهوديــة منهجها الصريح فــي رفض وردّ التشريعات الموسوية والربائية، بما في ذلك الشريعة المنزلة وما يماثلها من المقدســات، مع تأكيدها على ضرورة الاعتماد على روح التشريعات اليهودية

ومقاصدها، والإعلاء من مكانتها دون التقيد بطقوسها.ولم تقف الحركة الإصلاحية في اليهودية في مطالبتها بالتغيير عند حدّ المعاملات فحسب؛ بل امتدت لتشــمل نظام العبادات وطقوســها؛ فقد كانت الصلوات تؤدي باللغة الألمانية أكثر منها بالعبرية، وبتســارع شــديد تتابعت الانتهاكات للشــريعة والقوانين في اليهودية ـ Halachah ـ التي أدت في نهاية الأمر إلــى انقطاع الأحبار علنــاً عن التعاليــم العرفية التقليديــة ومجموعة وها برمتها خطأ في تسلسل التاريخ والحوادث. وانتهى بهم الأمر القوانين، وعدإلى التخلي حتى عن الســبت اليهودي Sabbath برمته إلى الأحد، تحت دعوى اعتماد مقصد التشريع وروحه. ورأت حركة الإصلاح تلك الطقوس والعبادات

شكليات لا مبرر لها، وعليه يمكن تغييرها أو الاستعاضة عنها مطلقاً.وهنا يبرز التأويل المتعسّــف للنصــوص، الذي تتم مــن خلاله النظرة الخارجية للنص، بناء على القول بتحقيق المقاصد والمصالح، فيأتي المؤول بنظرة جاهــزة، لا ترى في النصــوص إطــاراً مرجعياً ينبغي الــدوران حولة والرجوع إليــه، وبهذا تصبح مقاصديــة النصوص ـ وفــق ما يراها ـ المؤول

وحدها المرجعية المركزية لكل التأويلات والأفهام.

Page 17: ﻲﻨﻳﺪﻟا ﺺﻨﻟا ةءاﺮﻗو ﺔﻴﻠﻳوﺄﺘﻟا · 2019. 3. 5. · 27 ﻲﻨﻳﺪﻟا ﺺﻨﻟا ةءاﺮﻗو ﺔﻴﻠﻳوﺄﺘﻟا ﻪﻋﻮﻄﻳﻭ

41

الديني النص وقراءة التأويلية

ا�<�8ظ �"> ا���6 و�.�g� ا��)�h6 لا 6'�ن �<�g�ة أي �6�q �� �") ��D��'� -]�6�ي g�ق -�`�D-, وأ�qر6<,؛ ���<�`3 إ�> ا��]�6� والا����ار �� ا�M�ح 7��X-ي و�g�.ا�� �ّ*- 36�g�.ا�*."�3 ا���� ا�y�ور�6ت.

وقد أشــار إلى هذه الحقيقة الحاســمة الراباي ديڤيــد، موضحاً الفارق الواضح بين طرح علماء اليهود الأوائل ـ من أمثال موســى بن ميمون ـ للفقه المقاصدي، وتأكيدهم أهميته في النظر في تعليل مختلف التشريعات اليهودية بأسباب مقبولة عالمياً، وبين ما يطرحه الإصلاحيون اليهود اليوم، ومحاولاتهم

في تطويع الفقه المقاصدي لمتغيرات العصر.فتمرير التأويلات المتعسّــفة بغية التحرر من ســلطة النصوص على أكتاف ادعاء المقاصدية ـ يتضح من خلال النظــر إلى النصوص بنظرة مسبقة، لا ترى فيها إطاراً مرجعياً ينبغي الاحتكام إليه، لتصبح المقاصدية

(وفــق ما يرونــه) المرجعيــة المركزيــة لكل تأويلاتهم وأفهامهم.

ولي بعض المقترحات والخطــوات في هذا الصدد يمكن إجماله في النقاط التالية:

ـ ضرورة التمييز وعدم التســوية بين طرحٍ مقاصدي أصيل، نابــع مــن ذات واعية مدركة نة لرسالتها، محتكمة إلى نصوص القرآن والسالصحيحة، ببصيــرة ثاقبة وعيــن ناقدة، تروم المعرفيــة منظومتهــا داخــل مــن الإصــلاح والمنهجية الأصيلة، وبين طرح مشــبوه نابع من ذات مستلبة فكرياً ومنهجياً، مغلوبة على فكرها

وطرحها، لا تميز بين الديــن بوصفه وضعاً إلهياً وبيــن تأويل هذا الدين والاجتهاد فيه، والذي ما هو إلا محصلة جهود بشرية نسبية.

ـ الحفاظ على الدين ومقاصد التشــريع لا يكون عن طريق محاصرة أي فكر تجديدي مهما بلــغ صدق توجهاتــه وأطاريحه؛ فالحاجة إلــى التجديد والاســتمرار في الطرح المقاصــدي وتأســيس العقلية المقاصديــة تعدّ من الضروريات، وإن حدثت بعض التجاوزات مــن قِبَل بعض التيارات؛ فمعالجتها لا تكون بإقامة ســد أمام كل التوجهات؛ بل بمقارعة الحجة بالحجة، وتحديد

Page 18: ﻲﻨﻳﺪﻟا ﺺﻨﻟا ةءاﺮﻗو ﺔﻴﻠﻳوﺄﺘﻟا · 2019. 3. 5. · 27 ﻲﻨﻳﺪﻟا ﺺﻨﻟا ةءاﺮﻗو ﺔﻴﻠﻳوﺄﺘﻟا ﻪﻋﻮﻄﻳﻭ

42

المحور

المقاصد ووسائل الكشف عنها بطريقة تطبيقية في مختلف القضايا العارضة للأمة والمجتمع 1.

ـ ضرورة الاهتمام بتقعيد المقاصد ووسائل الكشف عنها في القضايا المعاصرة المختلفــة، وعدم تجــاوز خصائص النصــوص وطبيعتها حين الكشف عن تلك المقاصد بحجة توظيف الآليات الحديثة والمناهج النقدية

الطارئة عليها.ـ أهمية الوقوف على إسهامات أئمة المقاصد القدامى، والإلمام الكافي بما توصلــوا إليه من قواعد وضوابط والكشــف عنهــا وتفعيلها. مــع ضرورة فهم الأدوات التي تستخدم للكشف عنها في الســياق، وخاصة الأدوات الاستقرائية التي تبدأ بالبحث الواسع الدقيق على صعيد الجزئيات، ثم الانتقال إلى الربط

والتركيب للتوصل إلى الحقائق الكلية 2.ـ ضرورة توجيه الاهتمام إلى العلوم الإنســانية بما في ذلك علم النفس والاجتماع والسياسة والاقتصاد.. إلخ وتدريسها على أساس مقاصدي، مع أهمية إنهاء حالة الفصام بين لغة العلوم الشــرعية وفهم العصــر ومتغيراته الذي

يرتكز بدرجة كبيرة على العلوم الإنسانية.ـ اتخاذ خطوات إجرائيــة تنفيذية فــي إدخال مادة المقاصــد في كافة المتطلبات الدراسية لكليات الشريعة والإسلاميات، خاصة في منطقة الخليج

العربي التي يكاد ينذر فيها هذا النوع من الدراسات.

راجع حول ذلك ما أشار إليه الأستاذ الدكتور قطب مصطفى سانو، بحث القراءة الجديدة للقرآن 1 ـوالنصوص الدينية: رؤية منهجية، مجمع الفِقه الإسلامي، الدورة 16، ص 2.

بتصرف عن: جمال الدين عطية، نحو تفعيل مقاصد الشريعة، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 2 ـأمريكا، ودار الفكر، سوريا، 2003م، ص 230.