ﻲـــــﺒﺩﻷﺍ ﺹﻨﻟﺍ لﻴﻠﺤﺘ ﻲﻓ · ﻲﻟاﺰﻐﻟا نﺎﻤﺜﻋ...

29
www.maknoon.com اﻟﻐﺰاﻟﻲ ﻋﺜﻤﺎن اﻟﺪآﺘﻮر اﻷﺳﺘﺎذ ﺍﻷﺩﺒـــــﻲ ﺍﻟﻨﺹ ﺘﺤﻠﻴل ﻓﻲ============================== ﻓـﻲ ﺍﻷﺩﺒﻲ ﺍﻟﻨﻘﺩ ﺍﻟﻴﻬﺎ ﺴﻌﻰ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﻟﻐﺎﻴﺔ ﻫﻭ ﻭﺘﺫﻭﻗﻪ ﻭﺘﺤﻠﻴﻠﻪ ﺍﻷﺩﺒﻲ ﺍﻟﻨﺹ ﺩﺭﺍﺴﺔ ﻫﺫﺍ ﻓﻴﻘﺎل، ﺍﻟﺫﻭﻕ ﻋﻥ ﺘﺼﺩﺭ ﻤﺨﺘﺼﺭﺓ ﻤﻼﺤﻅﺎﺕ ﻜﺎﻥ ﺃﻥ ﻤﻨﺫ، ﺍﻟﻁﻭﻴل ﺘﺎﺭﻴﺨﻪ ﺍﻤ ﺃﻭ ﺒﻴﺕ ﺍﻤﺩﺡ ﻭﺫﺍﻙ ﺒﻴﺕ ﺃﻏﺯل ﺍﺫﺍ ﻭﺍﻟﻨﺎﺒﻐـﺔ ﺭﻜـﺏ ﺍﺫﺍ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺃﺸﻌﺭ ﺍﻟﻘﻴﺱ ﺭﺅ ﻴﻘـﻭل ﻋﺘﻴـﻕ ﺃﺒﻲ ﺍﺒﻥ ﻜﺎﻥ ﺤﻴﻥ ﺃﻭ ﻁﺭﺏ ﺍﺫﺍ ﻭﺍﻷﻋﺸﻰ ﺭﻏﺏ ﺍﺫﺍ ﻭﺯﻫﻴﺭ ﺭﻏﺏ: ﺼـﺎﺤﺏ ﻴـﺭﻭﻱ ﻜﻤـﺎ، ﺒﺎﻟﻨﻔﺱ ﻭﻋﻠﻭﻕ ﺒﺎﻟﻘﻠﺏ ﻨﻭﻁﺔ ﺭﺒﻴﻌﺔ ﺃﺒﻲ ﺒﻥ ﻋﻤﺭ ﻟﺸﻌﺭ ﺍﻷﻏﺎﻨﻲ. ﺍﺼﻭل ﻭﻭﻀﻊ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﺠﻤﻊ ﻋﺼﺭ ﻤﻨﺫ ﺍﻟﻤﻭﻀﻭﻋﻴﺔ ﻨﺤﻭ ﺍﻟﻨﻘﺩ ﺍﺘﺠﻪ ﺍ، ﺍﻟﻲ ﻤﺘﺩ ﻭﺍﻟﻌﺭﻭﺽ ﺍﻟﻨﺤﻭ ﺍﻟﺘﺄﻟﻴﻑ ﻋﺼﺭ ﺍل ﺍﻟﺠﺯﺌﻴﺔ ﺍﻻﺤﻜﺎﻡ ﻤﻥ ﺭﺠﺎ. ﺍﻷﺩﺏ ﺩﺍﻡ ﻭﻤـﺎ ﺼﻨﺎﻋﺔ) ﺍﻟﻤﺜﺎل ﺴﺒﻴل ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺼﻨﺎﻋﺘﻴﻥ ﺍﻨﻅﺭ( ﻫـﺫﻩ ﺍﺼـﻭل ﻀـﺒﻁ ﻤﻥ ﺒﺩ ﻓﻼ ﺍﻟﺼﻨﺎﻋﺔ. ﻭﺍﻻﻴﺠـﺎﺯ ﻭﺍﻟـﺼﻭﺍﺏ ﻭﺍﻟﺨﻁـﺄ ﻭﺍﻟﻤﻌﻨـﻰ ﺍﻟﻠﻔﻅ ﺜﻨﺎﺌﻴﺔ ﺸﻐﻠﺘﻬﻡ ﻭﻫﻨﺎ ﻗﻴـﺎﺱ ﻋـﻥ ﻴﺒﺤﺙ ﻤﻌﻴﺎﺭﻱ ﻗﻴﻤﻲ ﻨﻘﺩ ﻫﻨﺎ ﻓﻬﻭ، ﻭﻗﺒﺤﻪ ﺍﻷﺨﺫ ﻭﺤﺴﻥ ﻭﺍﻻﻁﻨﺎﺏ ﺍﻟﺠﻭﺩﺓ ﻭﺍﻟﺭﺩﺍﺀﺓ. ﻭﺭﺃﻯ ﻭﺍﻟﻤﻌﺘﻨـﻰ ﺍﻟﻠﻔـﻅ ﻗـﻀﻴﺔ ﺘﻨـﺎﻭﻟﻭﺍ ﺤﻴﻥ ﺍﻨﻬﻡ ﻭﺍﻟﻭﺍﻗﻊ ﺍﻟﻤﻌﺎﻨﻲ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﺴﻜﺭﻱ ﻫﻼل ﻭﺃﺒﻲ ﺠﻌﻔﺭ ﺍﺒﻥ ﻗﺩﺍﻤﺔ ﺍﻟﻰ ﺍﻟﺠﺎﺤﻅ ﻤﻥ ﺍﺒﺘﺩﺍﺀ ﺍﻟﻜﺜﻴﺭﻭﻥ ﺍﻟﻠﻔﻅ ﺤﻭل ﺍﻟﺒﻼﻏﺔ ﻤﺩﺍﺭ ﻭﺍﻨﻤﺎ ﺍﻟﻁﺭﻴﻕ ﻓﻲ ﻤﻁﺭﻭﺤﺔ) 1 ( ﻋـﻥ ﻴـﺼﺩﺭﻭﻥ ﻜﺎﻨﻭﺍ ﻭﻟﻜﻨﻪ، ﻓﺭﺍﻉ ﻤﻥ ﺍﻷﺸﻴﺎﺀ ﻴﺒﺘﺩﻉ ﺍﻷﺩﻴﺏ ﺃﻥ ﺘﺭﻯ ﻨﻅﺭﻴﺔ، ﺃﻨﺕ ﺤﻴﺙ ﻤﻥ ﺄﺨﺫﻫﺎ ﺠﺩﻴﺩﺍ ﺍﻴﺤﺎﺀ ﻭﻴﻤﻨﺤﻬﺎ ﺍﻟﺴﺎﺒﻕ ﺍﻟﻤﻠﻭل ﻤﻥ ﻭﻴﺤﺭﺭﻫﺎ، ﺍﻟﻁﺭﻴﻕ ﻤﻥ) 2 . ( ﺃﻜﺜـﺭ ﻓـﻲ ﺒﺎﻻﻋﺘﺒـﺎﺭ ﺠﺩﻴﺭﺓ ﻨﻅﺭ ﻭﺠﻬﺔ ﺘﺸﻜل ﺍﻟﻨﻘﺩﻴﺔ ﺍﻟﻤﺅﻟﻔﺎﺕ ﻤﻘﺩﻤﺎﺕ ﻭﻜﺎﻨﺕ ﻻﺒـﻥ ﻭﺍﻟـﺸﻌﺭﺍﺀ ﺍﻟﺸﻌﺭ ﻭﻤﻘﺩﻤﺔ ﺴﻼﻡ ﻻﺒﻥ ﺍﻟﺸﻌﺭﺍﺀ ﻁﺒﻘﺎﺕ ﻤﻘﺩﻤﺔ ﻤﺜل ﺍﻻﺤﻴﺎﻥ ﻓﺘﻴﺒﺔ. ﺍﻟﺸ ﻗﻀﻴﺔ ﺘﺜﻴﺭ ﺍﻟﻁﺒﻘﺎﺕ ﻓﻤﻘﺩﻤﺔ ﻀـﺒﻁ ﻭﺘﺤـﺎﻭل ﺍﻟﺠـﺎﻫﻠﻲ ﺍﻟﺸﻌﺭ ﻓﻲ ﺃﺴـﺴﺎ ﻴـﻀﻊ ﺃﻥ ﺴـﻼﻡ ﺍﺒـﻥ ﺤﺎﻭل ﺜﻡ، ﻭﺍﻟﻘﺒﻭل ﻟﻠﺭﻓﺽ ﺃﺴﺱ ﻭﻭﻀﻊ ﺭﻭﺍﻴﺘﻪ ﺍﻹﺴﻼﻡ ﺸﻌﺭﺍﺀ ﻏﻴﺭ ﺍﻟﺠﺎﻫﻠﻴﺔ ﻓﺸﻌﺭﺍﺀ ﻭﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﺍﻟﺯﻤﺎﻥ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭ ﻋﻠﻰ ﺘﻘﻭﻡ ﻟﻠﻁﺒﻘﺎﺕ1 ( ﺍﻟﺼﻨﺎﻋﺘﻴﻥ ﻜﺘﺎﺏ ﺭﺍﺠﻊ) ﺍﻟﻘﺎﻫﺭﺓ1971 ( 63 2 ( ﺍﻟﺸﻌ ﻨﻘﺩ ﻓﻲ ﺩﺭﺍﺴﺎﺕ ﺒﻴﺭﻭﺕ ﺨﻭﺭﻯ ﺍﻟﻴﺎﺱ1979 11

Upload: others

Post on 08-Jan-2020

3 views

Category:

Documents


0 download

TRANSCRIPT

Page 1: ﻲـــــﺒﺩﻷﺍ ﺹﻨﻟﺍ لﻴﻠﺤﺘ ﻲﻓ · ﻲﻟاﺰﻐﻟا نﺎﻤﺜﻋ رﻮﺘآﺪﻟا ذﺎﺘﺳﻷا 2 ﺓﺭـﺜﻜ ﺙﻴﺤ ﻥﻤ ﺔﻴﻨﻔﻟﺍ

www.maknoon.com األستاذ الدآتور عثمان الغزالي

في تحليل النص األدبـــــي ==============================

دراسة النص األدبي وتحليله وتذوقه هو الغاية التي سعى اليها النقد األدبي فـي تاريخه الطويل ، منذ أن كان مالحظات مختصرة تصدر عن الذوق ، فيقال هذا

رؤ القيس أشعر الناس اذا ركـب والنابغـة اذا أغزل بيت وذاك امدح بيت أو ام : رغب وزهير اذا رغب واألعشى اذا طرب أو حين كان ابن أبي عتيـق يقـول

لشعر عمر بن أبي ربيعة نوطة بالقلب وعلوق بالنفس ، كمـا يـروي صـاحب الي ا، اتجه النقد نحو الموضوعية منذ عصر جمع اللغة ووضع اصول . األغاني

ومـا دام األدب . رجا من االحكام الجزئية ال عصر التأليف النحو والعروض متد فال بد من ضـبط اصـول هـذه ) انظر الصناعتين على سبيل المثال ( صناعة

وهنا شغلتهم ثنائية اللفظ والمعنـى والخطـأ والـصواب وااليجـاز . الصناعة واالطناب وحسن األخذ وقبحه ، فهو هنا نقد قيمي معياري يبحث عـن قيـاس

والواقع انهم حين تنـاولوا قـضية اللفـظ والمعتنـى ورأى . والرداءة الجودةالكثيرون ابتداء من الجاحظ الى قدامة ابن جعفر وأبي هالل العسكري أن المعاني

كانوا يـصدرون عـن ) 1(مطروحة في الطريق وانما مدار البالغة حول اللفظ أخذها من حيث أنت ، نظرية ترى أن األديب ال يبتدع األشياء من فراع ، ولكنه ي

) .2(من الطريق ، ويحررها من الملول السابق ويمنحها ايحاء جديدا

وكانت مقدمات المؤلفات النقدية تشكل وجهة نظر جديرة باالعتبـار فـي أكثـر االحيان مثل مقدمة طبقات الشعراء البن سالم ومقدمة الشعر والـشعراء البـن

ك في الشعر الجـاهلي وتحـاول ضـبط فمقدمة الطبقات تثير قضية الش . فتيبة روايته ووضع أسس للرفض والقبول ، ثم حاول ابـن سـالم أن يـضع أسـسا

للطبقات تقوم على اعتبار الزمان والمكان فشعراء الجاهلية غير شعراء اإلسالم

63ص ) 1971–القاهرة ( راجع كتاب الصناعتين ) 1 11 ص 1979–ر الياس خورى بيروت دراسات في نقد الشع )2

Page 2: ﻲـــــﺒﺩﻷﺍ ﺹﻨﻟﺍ لﻴﻠﺤﺘ ﻲﻓ · ﻲﻟاﺰﻐﻟا نﺎﻤﺜﻋ رﻮﺘآﺪﻟا ذﺎﺘﺳﻷا 2 ﺓﺭـﺜﻜ ﺙﻴﺤ ﻥﻤ ﺔﻴﻨﻔﻟﺍ

www.maknoon.com ستاذ الدآتور عثمان الغزالياأل

2

وشعراء البادية غير شعراء القرى ، وعلى اعتبار القيمة الفنية من حيث كثـرة

أما مقدمة الشعر والشعراء البن قتيبة فقد عرضت . الشعر وتنوع فنونه وجودته

لنظام القصيدة وبنيتها من حيث البداية باألطالل ثم انتقل الى وصف الرحلة التي يقطعه الشاعر الى الممدوح ومن حيث التخلص الى المديح ثم اختتام القصيدة ، وقد حاول ابن قتيبة أن يفسر هذا االنتقال من غرض الى غرض ، فرأى أن حياة البداوة التى عاشها الشعراء في الجاهلية فرضت عليهم النقلة من أجل المرعـى

وان كانـت هنـاك تفـسيرات ومن هنا كان حديثهم عن االطألل التي خلفوها ، معاصرة في نقدنا الحديث للبداية باألطالل على أساس رمزي باعتبـاره معـادال للصراع بين الموت والحياة، ممثله في األطالل من ناحية والغـزل مـن ناحيـة

ولكن مـن . أخرى ، كما فسر ذلك المستشرق فالتر براونة وعز الدين اسماعيل أصيل النظام الموروث في العمل الفني وضبط منهج الواضح أن ابن قتيبة حاول ت

القصيدة ، وذلك المنهج الذي أكمله المرزوقي في شرحة لديوان الحماسة ، فيما يسمى بعمود الشعر بأبوابه السبعة التي تتحدث عن سـوائر األمثـال أو أبيـات الحكمة ، ووضوح وجه الشبه ، ومناسبة المستعار منه للمستعار له ، ومشاكلة اللفظ أو مماثلته للغرض الذي يهدف اليه الشاعر ، وشدة اقتضائهما للقافيـة ،

.والتحام أجزاء النظام ، واختيار الوزن المناسب

والواقع أن النقد القديم قد انتقل في مرحلة من مراحله الـى قـضايا جماليـة نفعالي الى تعرض للتذوق الفنية ، كأن األمم في مراحل تطورها تبدأ من الحكم اال

الموقــف العقلي ثـــم الى رؤية حضاريـــة متوازنـــة ، هـي مـا ومن هنا وجدنا عبد القاهر الجرجـاني يتقـدم " بموضوعية الـــفن " يسمي ومن خالل علمي المعانى والبيـان " وأسرار البالغة " " دالئل االعجاز " بكتابه

والمعنى ، الن العمل الفنـي ل يخرج بنظرية النظم التي تقضى على ثنائية اللفظ وذلـك : " ال يرجع جماله الى اللفظ وال الى المعنى ، ولكن الى الصورة األدبية

أنهم لما جهلوا شأن الصورة ، وضعوا ألنفسهم أساسا وبنوا على قاعدة ، فقالوا ) .1"(انه ليس اال المعنى واللفظ والثالث

301 ص )1960 –القاهرة ( دالئل االعجاز )1(

Page 3: ﻲـــــﺒﺩﻷﺍ ﺹﻨﻟﺍ لﻴﻠﺤﺘ ﻲﻓ · ﻲﻟاﺰﻐﻟا نﺎﻤﺜﻋ رﻮﺘآﺪﻟا ذﺎﺘﺳﻷا 2 ﺓﺭـﺜﻜ ﺙﻴﺤ ﻥﻤ ﺔﻴﻨﻔﻟﺍ

www.maknoon.com ستاذ الدآتور عثمان الغزالياأل

3

بنظريته الجماليـة القائمـة " منهاج البلغاء " ثم يأتي حازم القرطاجني في كتابه فيرى أن ابداع الشاعر يرجع الى الصلة بـين الـشاعر وبـين " التناسب " على

أعلم ان خير الشعر " موضوعه ، او مدى انفعال الشاعر بالموقف الذى يتناوله الذى القول فيه ، مرتاح للجهـة والمعنـى ماصدر عن فكر ولع بالفن والغرض

الذى وجه اليه كالمه القباله بكليته على مايقوله ، وتوفير نشاط الخاطر وحدتـه باالنصباب معه في شعبه ، والميل معه حيث مال به هواه ، ولهذا كـان أفـضل نسيب ما صدر عن سجية نفس شجية، وقريحة قريحـة ، وكـذلك االخوانيـات

والتناسب عند حازم محور الصياغة فـي ) 2" ( هذا المجرى والمراثي وماجرى العمل الفني من حيث حروف الكلمات وكلمات الجملة الشعرية والبنيـة كلهـا ، وهو أمر مرجعه الى الشعور قبل كل شيء ، مثل تشاكل األلحان والصباغ ، وهنا

كاة كما يقول ينتقل الى المتذوق نفسه فيالحظ أنه ال بد أن يكون مهيأ لقبول المحا، كان عملية التذوق الجمالي حركة مستمرة من العمل األدبي الى نفس المتذوق ومن نفس المتذوق الى العمل األدبي متى يقوم التناسب أو التوازن بينهما فتـتم

.التجرية الذوقية أو الجمالية للفنون

قـل مـن مرحلـة وقد مر النقد المعاصر بدورة تكاد تمثال الدورة السابقة فانت الصرع بين الفن والعلم ممثال في الوقفة التأثرية مع اهمال كل ضروب المعرفـة

أو الدراسـة ) في الميزان الجديـد ( األخرى كما نرى في دراسة محمد مندور ومـن " دراسة نفسية : أبو نواس " العلمية الخاصة كما نرى في دراسة العقار

ي األربعينات بين محمد خلـف اهللا احمـد يقرأ المعركة النقديــة التي قامت ف وبين محمـد منـدور ، " من الوجهة النفسية في دراسة األدب ونقده " صاحب

.يدرك أبعاد الموقف في تلك المرحلة 341 ص 1966 –منهاج البلغاء ط تونس ) 2(

Page 4: ﻲـــــﺒﺩﻷﺍ ﺹﻨﻟﺍ لﻴﻠﺤﺘ ﻲﻓ · ﻲﻟاﺰﻐﻟا نﺎﻤﺜﻋ رﻮﺘآﺪﻟا ذﺎﺘﺳﻷا 2 ﺓﺭـﺜﻜ ﺙﻴﺤ ﻥﻤ ﺔﻴﻨﻔﻟﺍ

www.maknoon.com ستاذ الدآتور عثمان الغزالياأل

4

لقد هدأت المعارك وصلت الى مرحلة االتزان بعد توتر ، فيما يـسمى باالتجـاه التكاملي الذي يستفيد من كل المعارف في تحليل النص األدبي بـين موضـوعية العلم في مقاييسه وذاتية الفن في تذوقه ، فخال من جفاف العلم ن ومـن تنـافر األذواق ، وكأن مرحلة التذوق الفني مرحلة حضارية متقدمة ال يصل اليها النقد

…لعقلية كما ذكرنا اال بعد مروره في سلسلة من التجارب الذوقية وا

القراءة األولى للنص ، هي بالضرورة قراءة ذوقية ن ولكن المهم القراءة الثانية الي يحاول فيها الناقــد أن يلتمس المواضع والعناصر التي تدخل في تركيـب العمل المنقود والتي كان من شأنها أن تحدث ما أحدثته من أثـر فـي عمليـة

) .1(التذوق

وء النظرية النقدية المعاصرة فأننا ننظر الى النص من زايوة المبـدع وعلى ض ان علم النفس األدبي يعتبر . أوال أو ما يسمي بالمنهج الخارجي لدراسة النص

كل عمل فني نوعا من االذاعة الذاتية عن الفنان يمكن أن يقرأها الناقد ، فالناس خـذ مـن أحالمهـا وميراثهـا أحدهما اتجه الى داخلة وات : في الحقيقة رجالن

الالشعوري مادة البداعه وهو الفنان ، والثاني اتجه الى الخارج وسـلط عليـه عـن دافنـشي أو " فرويـد " وهنا تجيء دراسات ) 2(حسه وفكره وهو العالم

عن أبي نواس ؟ " العقاد " عن شلي مغني الحرية أو " هربرت . س " هاملت ، ننا على فهم شخصيته من ناحية وظـروف العمـل والحقيقة أن تاريخ األديب يعي

" سانت بيف " ومن هنا كانت اهتمامات الكاتب الفرنسي . الفني من ناحية أخرى بالسير األدبية ، وان كان موضع النقد الذى وجه اليه انه يتناول حياة األديب بعد

. يها أن يذيع صيته او بعبارة أخرى تلفت منه مرحلة تفجر العبقرية فال يصل ال فما أثـر . ولكن تاريخ الحياة يعيننا الى ادراك كثير من أبعاد االتجاهات األدبية

نشأة المتبني في تضخم األنا عنده ، هل يعود ذلك الى نشأته المشبوهة كما يرىطه حسين أم الى نسبه المميز كما يرجح محمود شاكر ؟ ان مفتاح الظاهرة في

.لرأى أم بالرأى اآلخر النشأة األولى سواء أخذنا بهذا ا

38 ص 79– بيروت – لزكي نجيب محمود –فى فلسفة النقد )1( 23 ص 1947– القاهرة –من الوجهة النفسية )2(

Page 5: ﻲـــــﺒﺩﻷﺍ ﺹﻨﻟﺍ لﻴﻠﺤﺘ ﻲﻓ · ﻲﻟاﺰﻐﻟا نﺎﻤﺜﻋ رﻮﺘآﺪﻟا ذﺎﺘﺳﻷا 2 ﺓﺭـﺜﻜ ﺙﻴﺤ ﻥﻤ ﺔﻴﻨﻔﻟﺍ

www.maknoon.com ستاذ الدآتور عثمان الغزالياأل

5

وهكذا تعيننا الدراسات النفسية على تحليل العاطفـة فـي صـدقها وزيفهـا

أسباب إجادة الشاعر واضطرابها وهدوئها ، والشخصية في ظهورها وخفائها ، و ومن الحق ان نقادنا العرب قد التفتوا قديما الـى كثيـر مـن هـذه . في فن ما

مـن الوجهـة " الظواهر النفسية ، وقد عرض محمد خلف اهللا أحمد في كتابـه بعض الظواهر مثل التفات ابن قتيبة للـدواعي " النفسية في دراسة األدب ونقده

والطمع والغضب والشوق ، والتفات القاضـي أو الدوافع لقول الشعر كالمطرب . الجرجاني ألهل النقص وما يدفعهم الى حد األفاضل وانتقاص األماثل وهجائهم

وكذلك إرجاع سالسة الشعر ، ودماثة الكالم ، الى دماثة الطبع والخلقـة ، أمـا ويمثل للسالسة بعدى بن زيد ، فهـو . الجافي الجلف فكزي األلفاظ معقد الكالم

ويعـود .ى جاهليته اسلس في شعره من الفرزدق ورؤية وهمـا اسـالميان علويتوقف عنـد عبـد . لعدىفيرى أن من أسباب هذه السالسة مالزمته الحاضرة

القاهر الجرجاني خالل شرحه لنظرية النظم فيرى التفاتاته الذكية الى النـواحي الم يستحن شعرا أو فاذا رأيت البصير بجواهر الك : النفسية في التأثير حين يقول

حلو رشيق وحسن أنيق وعذب سائغ وخلوب رائع ، فاعلم : يستجد نثرا فيقول أنه ليس ينبيك عن أحوال ترجع الى أجــراس الحروف والى ظـاهر الوضـع اللغوى ، بل الي أمر يقع من المرء في فؤاده ، وفضل يقتدحه العقل من زنـاده

نا الى نظريات في علم النفس األدبى وهذه المالحظات قد تطورت في زمان ) . 1( .كما ذكرنا

وهكذا الشان في علم اجتماع األدبي ، فالفن ظاهرة اجتماعيـة والفنـان كـائن اجتماعي والقيمة الفنية لها بعد اجتماعي أى بحاجة الـى شـهادة الجمهـور ، والحياة االجتماعية محصلة تفاعل الزمان والمكان فليست هى التاريخ وال هـي

ويتناول علم االجتماع األدبي األجنـاس األدبيـة . لجفرافيا وان كان لها آثرهما اكالملحمة وارتباطهـا بالمجتمعـات البدائيـة ، ) 1(مفسرا ظهور الفنون األدبية

والمسرحية وارتباطها بالمجتمعات الحضارية ، والقصة ونمها فـي المجتمـع ضــوعات ، فـيالحظ علـى البرجوازي ثم يتناول علم االجتماع األدبـي المو

سبيــل ( راجع نظرية األنـــواع األدبــية تأليــف فنـسن وترجمـة حـسن عـون )1(

109ص ) 1954االسكندرية

Page 6: ﻲـــــﺒﺩﻷﺍ ﺹﻨﻟﺍ لﻴﻠﺤﺘ ﻲﻓ · ﻲﻟاﺰﻐﻟا نﺎﻤﺜﻋ رﻮﺘآﺪﻟا ذﺎﺘﺳﻷا 2 ﺓﺭـﺜﻜ ﺙﻴﺤ ﻥﻤ ﺔﻴﻨﻔﻟﺍ

www.maknoon.com ستاذ الدآتور عثمان الغزالياأل

6

المثال أن فن المديح يرتبط بالبيئات األرستقراطية ، وأن فـن الهجـاء يـرتبط

ثيـر مـن كما يالحظ من ناحية آخرى أن األدب قد مهـد لك . بالبيئات الشعبية التغيرات االجتماعية كما حدث بالنسبة للثورة الفرنسية والثورة الروسية والثورة

" لكمال عبد الحلـيم وقـصص " اصرار " ولعل القارىء لديوان . المصرية أيضا .نجيب محفوظ يدرك هذا المدلول " ثالثية " لطة حسين و " المعذبون في األرض

ت األدبية ، ولعل نشأة حافظ ابراهيم الـشعبية أما الجانب الثالث فهو الشخصيا تفسر لنا تبنيه القضايا الشعبية ، بينما نشأة شوقي األرستقراطية تفسر لنا تبنيه

ولكن األمـر . المواقف الرسمية للسلطة في الفترة االولى من حياته قبل المنفي ، ) والتوازن التوتر ( أبعد من ذلك ، إنه يتسع لنظرية كنظرية تالقي المدنيتين

ومراحل االلتقاء الحضاري مسئولة عن مواقف األدبـاء مثـل مرحلـة التقـاء الحضارتين العربية والفارسية التي مثلها ابو نواس فكان أشبه بنقطـة تقـاطع

الذي يفسر محاولة انعتاق ، وربما كان " اذا أمكن الجهر " ومن هنا كان شعاره .ديث شوقي ممثال لنفس الموقف في العصر الح

أما العنصر الرابع فهو األساليب ، وانعكاس الحدث العام على الـذات بـشكل مرحلة من مراحل االبداع الفني ، ألن الخيال ال يخترع من فراغ ، ولكنه يقـوم بتركيب الصور من المواد الموجودة في الذاكرة ، وال يمكن تفسير كثير من هذه

فعنـدما يقـول . ة والبيئة االجتماعيـة الصور اال في ضوء العالقة بين الصور تدرك أنه شـاعر خليجـي " البدر يشرق في سواحلنا كلؤلؤة كبيرة : " الشاعر

وهكذا كان األمر دائما منـذ العـصر . يمنح من مخزن بيئي يركب منه صوره . الجاهلي

Page 7: ﻲـــــﺒﺩﻷﺍ ﺹﻨﻟﺍ لﻴﻠﺤﺘ ﻲﻓ · ﻲﻟاﺰﻐﻟا نﺎﻤﺜﻋ رﻮﺘآﺪﻟا ذﺎﺘﺳﻷا 2 ﺓﺭـﺜﻜ ﺙﻴﺤ ﻥﻤ ﺔﻴﻨﻔﻟﺍ

www.maknoon.com ستاذ الدآتور عثمان الغزالياأل

7

ية ونفــس الرؤيــة نراها في تفسير نشأة المـدارس األدبيـة كالرومانـس . والواقعية ، فان ظهور مثل هذه المدارس األدبية كان مرتبطا بتغير اجتمـاعي

على أن نظرية األدب نفسها في ضوء هذا المدخل يمكن أن تقوم علـى عوامـل فاللغة قد ظهرت مع العمل وارتفعت بتقـدم . اجتماعية كما يرى بعض الباحتين

عمله ، كما صاحبت المعانـاة عالقات اإلنسان بعالمه االجتماعي ، ويرقي أدوات اإلجمالية العمل ، وبذلك كان الفن البدائي جماعيا ، إنه بمعنى من المعـاني أداة سيطرة من جانب اإلنسان على عالمه الطبيعي ، وأصبح الفـن فـي المجتمـع

ومـن هنـا كـان . المعاصر وعيا بالصراع وأداة لكشف العالقات في المجتمع له دور أساسي في تحديد تجاربه من حيث الـسطحية الموقف االجتماعي للفنان

أو العمق ؛ أو هو انعكاس لواقع محدد مهما كان إبداعا ، الن اإلبداع ال ينشأ من فراع كما قلنا من قبل ، وقوانين الفن نفسها تعمل وفق قوانين أعم وأشمل هى

إذا كان وبهذا المعنى فان الفن عمل خاص ، و . ضمن قوانين الوجود االجتماعي المنتجون يعانون ظاهر العالقات االجتماعية ، فان الفنانين يكشفون عن بـاطن العالقات ومغزاها ، بمعنى أن الفن يتضمن النسبي المتعلق بالداللة االجتماعيـة

) 1(كما يتضمن الثابت الذى يتعلق بالداللة اإلنسانية الباقية

ة التحليل الجمالي ، وتاريخ النقد أما المنهج الداخلي لدراسة النص فهو بالضرور مع –وهو يعرض للشكل والمضمون . األدبي يعتبر جزءا من تاريخ الفكر المالي

مالحظة أن الشكل ال ينفصل عن المضمون فهما معا يكونان بنـاء القـصيدة أو والمضمون هو زاوية الرصد أو الموقف الفكري الذي يقفه األديب –العمل الفني فقد يكون الموضع حادثة دنشواي على سبيل المثال ، ومـضمون . مع الموضع

فليت كرومرا قد دام فينا ،يطوق ( شعر حافظ إثارة النعرة الوطنية ضد المستعمر ، وقد ) بالسالسل كل جيد ، لننزع هذه األكفان عنا ، ونبعث في العالم من جديد

الصراع " ران شنق زه " يكون المضمون كما نجد في قصيدة صالح عبد الصبور .بين الخير والشر وانتصار الشر في موقعة ولكن إلى حين

198 ص 1976 – القاهرة –نظرية األدب عبد المنعم تلمية ) 1(

Page 8: ﻲـــــﺒﺩﻷﺍ ﺹﻨﻟﺍ لﻴﻠﺤﺘ ﻲﻓ · ﻲﻟاﺰﻐﻟا نﺎﻤﺜﻋ رﻮﺘآﺪﻟا ذﺎﺘﺳﻷا 2 ﺓﺭـﺜﻜ ﺙﻴﺤ ﻥﻤ ﺔﻴﻨﻔﻟﺍ

www.maknoon.com ستاذ الدآتور عثمان الغزالياأل

8

أما الشكل فهو يشمل جوانب البناء األخرى من حيث الكلمة والجملة الشعرية هناك نظرية موسـيقية و. في اطار الصورة والموسيقي المصاحبة للمشهد كله

مازالـت مطروحة منذ طرقهـا حـازم القرطـاجني ، ممـا اسـماه بتناسـب المسموعات ، ومحورها العالقة بين النغم والموقف أو بعبارة أوضح العالقة بين

. بحور الشعر والتفعيالت ن وبين الموقف الفكري ، أو مضمون العمل األدبـي يبا أو هي موسيقي تصويرية ، فمعنـى وإذا كانت الموسيقى تعبيرا وليست تطر

هذا أنها البد أن تخفت في موقف وأن تشتد فـي موقـف ، وأن تحتـاج الـى . الموسيقى الوترية في حين من األحيان والى فرقة موسيقية فـي حـين آخـر

) مركب مـن المتقـارب والهـزج ( وبعض البحور المركبة مثل البحر الطويل يمكن أن تقوم مقام الفرقة الموسيقية ، ) دارك مركب من الرجز والمت ( والبسيط

كما أن بعض البحور الصافية مثل المتدارك بإيقاعه السريع يـصلح لمواقـف ال يصلح لها بحر آخر مثل الرمل بإيقاعه البطيء وهو موضوع جدير بمزيج مـن البحث للوصــول الى حقائـــق يقينية أو نهائية إن أمكن على أساس كمية

) .1(النغم

ومن المؤكد أن هذا االختيار عملية ال شعورية تتـــم خالل التجربـة الفنيـة التي يشبهها النقاد في مراحلها المختلفة بمراحل تكوين األجنـــة ثم استكمال

لذلك فان القضية تعـــود بنـــا الى اختزان الـشاعر . الشكل حتى الميالد داث الخارجية ثم تفاعـل هــــذه للتجارب الجزئية ورص انفعاالته إزاء األح

األحـــداث مع الذات واختمـــار كل هذا حتى يأتي مثير ينبـــه الخيـال وهـذا ) .2" (كـوليردج " الخالق عنــد الفنان كما يقول رائد النقد الحـديث

الخيال قادر على أن يذيب أو يصهر الجزئيات ويبدع من جديد كـال منـسجما ، رى تجعل من هذه الرؤية الجديدة عمال خاضعا للنظام ، ولكنه بحاجة الى قوى أخ

.وهذا دور الجانب الواعي لدى الفنان في التجربة األدبية

_______________________________________________ 149ص ) 1978القاهرة ( راجع موسيقى الشعر العربي لشكري عياد )1( بيروت عام–شماوى فلسفة الجمال في الفكر المعاص محمد زكى الع )2(

84 ص – 1980

Page 9: ﻲـــــﺒﺩﻷﺍ ﺹﻨﻟﺍ لﻴﻠﺤﺘ ﻲﻓ · ﻲﻟاﺰﻐﻟا نﺎﻤﺜﻋ رﻮﺘآﺪﻟا ذﺎﺘﺳﻷا 2 ﺓﺭـﺜﻜ ﺙﻴﺤ ﻥﻤ ﺔﻴﻨﻔﻟﺍ

www.maknoon.com ستاذ الدآتور عثمان الغزالياأل

9

إن العمل الفني حين يمس جوهر اإلنسان يشرك أكبـر عـدد مـن أنـاس فـي االستجابة لألثر الفني نفعلى الرغم من االختالف بين البشر ، إن فـيهم أنـسانا واحدا ال متناهي النزعات ن فهو قوى ضعيف ، يفرح ويحزن ، يثور ويهـدأ ،

مل واليأس ، والفقر والغني ، االنتصار والهزيمة ، هذا الجوهر يـذوب يعرف األ في العمل الفني ويستحيل الى مجموعة من المركبات الصغيرة تصهرها صـورة كلية وكل جزي من هذه األجزاء يؤدى دوره داخل البناء الفني ، فيمـا يـسمى

أن له أبعادا مكانية وإذا كان الشعر فنا زمانيا كالموسيقى ، إال . بالبناء الوظيفي تتمثل في الصورة الكلية ، ولعل عنصري الصراع والحركة في العمل الفني مـن أهم عناصر الموقف االنفعالي الذي يوحد العمل فيما يري النقـاد ، وهمـا فـي األصل من أصول العمل المسرحي ولكن الشاعر الغنائي يستغلهما لمنح صـوره

رضين السردي وهو ينتمي الى التشكيل الروائي ، ما يسمى بالدرامية، بخالف الع والتقريرى وهو عقلي في الغالب ،يمنح اليقين المنطقـي الـى جانـب اليقـين

.الوجداني ، بمعني إن العمل الفني يقوم عل توازن الجانبين

وعلى ذلك فالنقد يضم موضوعية العلم في تحليله للنص وبيان مركباته ، وذاتية الوقوف عند جماليات النص التـي تمنحـه مذاقـه الخـاص ، الفن في تذوقه و

والقراءة األولي عادة قراءة ذوقية يسيطر فيها النص على الناقد فيعطي االنطباع أما القراءة الثانية فهى قراءة تحليلية للعمل الفني تقـوم علـى فحـص . األول

علـوم العمل وتفسيره ، وهنا ينظر الناقد نظرة فاحصة مـستفيدا مـن كـل ال المساعدة التي ذكرناها من قبل والخبرات الجمالية التي يـستند إليهـا ن فيمـا

.يسمى بالمنهج التكاملي

على أن البداية دائما تتمحور حول التجربة األدبية وتنطلق منها ، ونعنـي بهـا عملية االبداع بدءا من معرفة البواعث ال بداع العمـل األدبـي الـى العمليـات

ذهنية وتآزر عناصرها من خالل عدسة المخيلة ، ومن ثـم بـدءا الشعورية وال بالمفردة الى الجملة الى الصورة الى البناء أو تكامل العمل الفنـي فـى وحـدة

ويدخل في هذه التجربة بطبيعة الحال كل ثقافة األدب وتجاربه الحياتية . شمولية الخصوص يقول ولذلك فكيرا مانرى الشاعر أو كاتب القصة القصيرة على وجه

انه عادة يكون في حالة بين الوعي والالوعي ، فالمعايشة الكاملة للحدث الفني تصل بالفنان الى هذه الحالة التي يحدثنا عنها ، وينتج عنها ما أسموه باإللهـام أو الوحــي أو عرائس الشعر أو شياطين الشعراء ، ونعني به دفقات اإلبداع ،

Page 10: ﻲـــــﺒﺩﻷﺍ ﺹﻨﻟﺍ لﻴﻠﺤﺘ ﻲﻓ · ﻲﻟاﺰﻐﻟا نﺎﻤﺜﻋ رﻮﺘآﺪﻟا ذﺎﺘﺳﻷا 2 ﺓﺭـﺜﻜ ﺙﻴﺤ ﻥﻤ ﺔﻴﻨﻔﻟﺍ

www.maknoon.com ستاذ الدآتور عثمان الغزالياأل

10

أما . ليك وأنت تكتب مرة بعد مرة حتى ينتهي العمل الفني كأن هناك من يملي ع بالنسبة للمسرحية والرواية فان األمر يختلف قليال أو كثيرا النهما من الفنـون التخطيطية ، فاألديب يضع تخطيطا لشخصيات المسرحية أو الروايـة وأحـداثها

الكتابـة وتفاعل الشخصيات مع األحداث ، ولكن األدباء يصرحون بأنهم أثنـاء كثيرا ما يجدون كل تخطيطهم قد تغير ، فصراع الشخصيات أوصل الـى نتـائج مختلفة بل ان هناك شخصيات أخرى ظهرت وقامت بدورها على مسرح األحداث لتربط موقفين أو تلقى الضوء على عقدة الرواية تمهيدا للحل أو تلقي بنفـسها

ى فإن التجربة األدبي تبـدأ في الصراع الدرامي فيتوحد الموقف ، وبعبارة أخر بالمادة الغفل حتى تتشيأ تركيبا فنيا في النهاية ، له مالمحه الخاصـة ووحدتـه

.المتفردة

واذا كان تاريخ النقد األدبي يعتبـر . وهذا ينقلنا ألي ما يسمى بالوحدة العضوية حتـى فـي القـصيدة -جزءا من تاريخ الفكر الجمالي ، فان الوحدة العـضوية

تعتبر خالصة الفلسفة النقدية من القديم الى الحديث ، مـن الرابطـة –ائية الغنالنفسية في القصيدة الجاهلية التي تنسجم مع الرابطة القبليـة ، الـى الوحـدة الموضوعية التي تدور حول موضع واحد ، ثم الى وحدة المقطوعة أو الفقـرة

شحات األندلسية أو الشعر داخل النص كأن البيت قد استطال ، مثلما نجد في المو في الـشعر " السونــات " الرومانسيين العرب المتأثر بالموشحات األندلسية أو

اإلنجليزي ، واخيرا الى الوحدة العضوية التى تذوب فيها جماليات النص األدبي والنقاد يعتبرون أرسطو أبا للوحدة العضوية ، تناولها في كتابـه . في كل موحد

ديثه عن الملحمة والمسرحية واعتبرها وحدة الحدث األكبر حتى فن الشعر عند ح والوحدة هنـا . ال يتفكك العمل الفني ، ولم يصل الينا حديثه عن الشعر الغنائي

مرتبطة بتوالي الحوادث بطريقة عضوية ، بمعنى أنها ذات أجزاء يسلم كل جزء ذف دون اثر ال يكون الى ما يليه ، فتؤلف فعال واحدا تاما ، الن ما يضاف أو يح

إلى غريزتي النغم – المسرحي –وقد أرجع الشعر . جزءا مهما من كيان عضوي والمحاكاة ، وبذلك كان في عرفه فنا زمانيا مثل الموسيقي ، ولكن مكاني تـدور فيه المحاكاة أو الحركة في لحظة زمنية مثـل الرسـم أو النحـت أو الفنـون

.التشكيلية ، بصورة عامة

هذه الفكرة تتردد حتى جاء الرومانسيون في العصر الحـديث فـاعتبروا وظلت العش الغنائي أرقى أنواع الشعر ، ولم يعد الشاعر في نظرهم صانع حكايات ،

على راس هذه الجماعة ، فهو " كوليـــردج " وكان الشاعر الناقد اإلنجليزي

Page 11: ﻲـــــﺒﺩﻷﺍ ﺹﻨﻟﺍ لﻴﻠﺤﺘ ﻲﻓ · ﻲﻟاﺰﻐﻟا نﺎﻤﺜﻋ رﻮﺘآﺪﻟا ذﺎﺘﺳﻷا 2 ﺓﺭـﺜﻜ ﺙﻴﺤ ﻥﻤ ﺔﻴﻨﻔﻟﺍ

www.maknoon.com ستاذ الدآتور عثمان الغزالياأل

11

لشعر ال يحاكي شـيئا فهـو وهو يرى أن ا . يعتبر أبا للنقد الحديث بصفة عامة إبداع ، والذي يحدث في التجربة األدبية اختزان وتخمر وتكون لألجنة إلى لحظة

إلى تركيب الصور . وحدة اإلحساس أو العاطفة تدفع الخيال االبتكاري . الميالد من المخزون في الذاكرة ، فإذا قال الشاعر علـى سـبيل – ليــس من فراع –

فهو قد ركب من الكلمات العاديـة " ابتا نخيل ساعة السحر عيناك غ : " المثال أطول األشجار العربية –صورة غير عادية تتمثل في تشبيه العينين بغابتي نخيل

قبيل الصباح حيث يغلب السواد ، فإذا أعدت انظر مرة ومرات بدا ضوء يلمـع –العمل األدنـي وهكذا يظل . من بعيد ويزيح من أطراف الصورة سوادها الحالك

فالوحدة العـضوية . يتخلق حتى تكتمل مالمح النص األدبي فتتم عملية الميالد أذن عملية نمو من الداخل كنمو الجسم اإلنساني ، عندما يقوم الخيـال بعمليـة تركيب الصور ، وتقوم إحدى الصور بصهر الصور األخرى في كل واحد ، فـال

نفصلة ، وإنما نرى الوحدة الكلية حيث نرى الموسيقى وحدها وال نرى الفكرة م ذابت كل العناصر في جماليات النص ، وقام كل بوظيفتـه فـي هـذه الوحـدة

وهي تتحقق في القصيدة الغنائية ال عن طريق الحكاية الواحدة ،لكن .. العضوية . عن طريق الصورة الواحدة في أغلب األحيان ، فهي أساس العمـل الـشعري

أشبه بتكاثر الخاليا وليست مجرد إضافات ، وعن طريـق الوحدة العضوية أذن .هذا التكاثر والنمو يتقدم العمل الفني إلي نهايته الطبيعية

أما األولي فنفس . وحدة بسيطة ، ووحدة مركبة : وتنقسم هذه الوحدة قسمين

واحد متصل ، وانفعال نفسي يسيطر على العمل األدبي ، أو اندماج الفنان فـي نفسية معينة يقدمها لنا مجسدة في عمل فني ، أو بعبارة أخرى هي رؤيـة حالة

يتوحد فيها الفنان والموقف في اللحن واللوحة والمقطوعة الـشعرية والقـصة القصيرة ، والمقصود في الفنون الزمانية والفنون المكانية أو الفنون التـشكيلية

وهذه اآلهة التى تخرج من .والفنون التعبيرية حسب تقسيم علم الجمال للفنون قلب المحزون أو الضحكة من صدر الطروب نستطيع أن نلمس نموذجا لها فـي

" . العقـــــاد " مقطوعة

تمهـل يا نسيــم وال تكــدر نعاس النهـر بالهمس الضعيف يفوقرى يا طيـور على الحوافـي وكفـتي يا غصون عن الحف

لعل النهر ينطق وهـو غــاف بسـتر فيه أو حلــم لطيـف ويحكي طيف هاتيـك الليالــي ليالي الوصل فـي عهد الخريف

والموقف هنا موقف تفاعل واندماج بين الشاعر والطبيعة يبدأ بالطلب وينتهي

لنـسيب باألمل ، ولكن خطا واحدا من األسى يخترق الصورة كلهـا ويـذكرنا با والوقوف على األطالل في الشعر العربي الموروث ، ومعني هذا أن كثيرا من

Page 12: ﻲـــــﺒﺩﻷﺍ ﺹﻨﻟﺍ لﻴﻠﺤﺘ ﻲﻓ · ﻲﻟاﺰﻐﻟا نﺎﻤﺜﻋ رﻮﺘآﺪﻟا ذﺎﺘﺳﻷا 2 ﺓﺭـﺜﻜ ﺙﻴﺤ ﻥﻤ ﺔﻴﻨﻔﻟﺍ

www.maknoon.com ستاذ الدآتور عثمان الغزالياأل

12

جذور الشعر المعاصر تمتد في التاريخ كما تمتد فـي خفايانـا تـربط الحاضـر

فالنسيم والطيور والغصون أجـزاء . بالماضي مادامت التجارب إنسانية متصلة ها الفنان ومنحها عنـصر من مكونات الصورة ، وهى مكونات واعية شخص

الحركة الطلب والنــداء والتمني وكلها أساليب إنشائية تمثل انعكـاس نفـسية الفنان ، فهذه األجزاء من الطبيعة التي حجبته المدينة عنها ، الطبيعة ممثلة في األغصان والطيور والنسيم ن ولكن الشاعر المحزون هنا ال يلتفت إليها ، بل هو

ليه مع النهر الناعس في غبشة الليل حيث تنطلق األحالم وتهم يطلب منها أن تخ في حالة الالوعي بما – وقد شخصه هو اآلخر –الطيور ، عندها قد ينطق النهر

يا دار عبلة بالحواء –يختزنه من ذكريات ، وهو هنا يذكرنا بعنترة أمام األطالل ته الماضية وأشجانه كأنما يود الشاعر أن يحس مشاركة النهر له سعاد –تكلمي

الحاضرة ، ويأتي عهد الخريف ختاما للموقف كله ، بما فيه من أحاسيس شـتى .بذهاب الربيع ومرور األيام

إنما أشبه بالقصة القصيرة التي تتمتع بوحدة االنطباع في لقطة تصور العواطف

)1(التي أثرها موقف مفرد

حاجة إلي فترة االختمار التي تحدثنا أما الوحدة المركبة فنمط معقد والفنان هنا ب إنمـا . الوحدة المركبة لها بداية ووسط ونهاية . عنها ، وحياة التجربة األدبية

نمط يقترب أو يتطابق مع الوحدة العضوية التي حدثنا عنها أرسـطو فـي فـن وهذا النمط نراه في كثير من قصائد الشعر الحرة . الشعر حين تناول المسرحية

" و " العميـاء " التي صيغت في شـكل مطـوالت مثـل –جاه الواقعي ذات االت لبدر شاكر السياب ، وقد نراها في بعض " حفار القبور " و " واألسلحة واألطفال

وهذا ما يمكن أن نطلـق عليـه امتـزاج . قصائد المتنبي على وجه الخصوص الـشخوص ففكرة البناء الدرامي التي تعتمـد علـى . األنواع في وحدة األطر

والصراع والحوار والحركة تجدها سفي القصيدة الدراميـة كمـا قلنـا، ولكـن الشخصيات فيهـــا ال تنمو والصراع ال يتطور والحوار ال يعتقد والحركـة ال

.تستمر ، بخالف العرض المسرحي النامي المتطور

وهـي مـن " بعد سنه " وهذا اللون نجده في قصيدة غازي القصيبي وعنوانها أنـشودة " بعد النكسة ، أو قصيدة 1968ويعني عام " معركة بال راية " يوانه د

إن محاولة كسر اإليقاع وكسر الرؤيـة الموروثـة . لبدر شاكر السياب " المطر فموسيقى القصيدة ليست عـامال خارجيـا – وعند غيرهما –يتضح عند كليهما

تحديد القصيدة ومن هنا رأينا يتحـدد سلفا بالوزن والقافية ، فاإليقاع يشارك في

Page 13: ﻲـــــﺒﺩﻷﺍ ﺹﻨﻟﺍ لﻴﻠﺤﺘ ﻲﻓ · ﻲﻟاﺰﻐﻟا نﺎﻤﺜﻋ رﻮﺘآﺪﻟا ذﺎﺘﺳﻷا 2 ﺓﺭـﺜﻜ ﺙﻴﺤ ﻥﻤ ﺔﻴﻨﻔﻟﺍ

www.maknoon.com ستاذ الدآتور عثمان الغزالياأل

13

يستخدم تفعيلة الكامل ، ولكنه عند المواقف التراثية " العمياء " مثال السياب في .يستخدم البحر كامال في عدد من المقطوعات

عشتار آلهـة الخـصب عنـد – تعتمد علي الرمز – أنشودة المطر –والقصيدة لقصيدة وبين الواقع الذي ترمز إليـه ، وهذا الرمز يقيم مسافة بين ا –البابليين

ولكنه ال يلغيه ، فالقصيدة ال تقول حكمة وال ترفع شعارا ، إنها تبني مـستواها الخاص ، وسوف يتضح استناد القصيد الى الصورة الشعرية ، ولكـن المالمـح البالغية من تشبيه واستعارة وكناية وجناس وطباق تصبح وحدات صغيرة داخل

على أن التغير الذي حدث في بنية القصيدة هو أساسا استكشاف . ة الصورة الكليلغة جديدة تمثل الصراع والتجاوز الدائم ورفض الجمود ، كأن لغـة المـصالحة

.الرومانسية لم تعد كافية فالقصيدة تمثل عالما خارجيا تمت أعادة صياغته عبر أدواتها الفنية ، والمالحظة

أو جملة القرار كما تـسمي " مطر مطر " األساس األخرى أن اللجوء الى إيقاع في الموسيقي كان يقوم بشد مفاصل القصيدة ، كذلك نالحظ أن درامية القـصيدة

.لم تحجب صوت الشاعر

وسف تجد . هذا المدخل ال بد منه للقراءة التحليلية بعد القراءة األولي الوصفية تتدرج أساسا في ثالثة مستويات " عيناك " أن القصيدة التي تنطلق من المخاطبة

اله الخصب عنـد البـابليين ، " تموز " الرمز الشامل الذى يستند الي : متداخلة . حيث تقف عشتار في مطلع القصيدة وتضم في عينها جميع عناصر الطبيعـة

هذا الرمز يتدرج ضمن منطق خاص ، إنه منطق التداعي الذى يأتي من خـالل .يقاع وهو ايقاع ابتهالي أشبه بالصلوات ثم يأتي اإل. صوت الشاعر

هذه المستويات متداخل بشكل واضح ، وهذه هي إحدى العالمات الرئيسية لقدرة السياب علىالخروج من ثنائية الشكل والمضمون ، ومن هنا تبدو صعوبة فصل

لكن هـذا الفـصل المؤقـت . هذه المستويات ،من أجل دراستها بشكل تفصيلي النهاية من أجل دراسة القصيدة وحتي ال يمكن النقد مجـرد يصبح ضروريا في

. تعليق سريع ، وشرح على حاشية القصيدة :الرمز األسطـــوري وتحوالتــه -1

:يفتتح السياب قصيدتـه بمخاطبة تشبه االبتهـال

Page 14: ﻲـــــﺒﺩﻷﺍ ﺹﻨﻟﺍ لﻴﻠﺤﺘ ﻲﻓ · ﻲﻟاﺰﻐﻟا نﺎﻤﺜﻋ رﻮﺘآﺪﻟا ذﺎﺘﺳﻷا 2 ﺓﺭـﺜﻜ ﺙﻴﺤ ﻥﻤ ﺔﻴﻨﻔﻟﺍ

www.maknoon.com ستاذ الدآتور عثمان الغزالياأل

14

عيناك غابتا نخيل ساعـة السحــر رفتان راح ينسأى عنهمـا القمر أو ش

عيناك حين تبسمان تـورق الكـروم وترقص األضـواء كاألقمار في نهـر يرجه المجداف وهنا ساعة الســحر كأنهما تنبض في غوريهما النجــوم

إنها أنثي والمخاطبة تمـزج الوصـف " عيناك " الضمير في المخاطب يعود إلى

تتحرك العناصر الطبيعية المتعلقة " غابتا نخيل " الساكن بالحركة ، فحول العينين الشاعر هنا يبتهل ، والضمير يعود . لتخلق إطارا متحركا حول سكونية الوصف

فـصول فـي عـشتار هـي ال –الى الرمز العشتاري المليء باحتماالت الخصب ثم تتحـول الى األم ،. تحوالتها وهى العناصر المختلفة وهي الحركة المتجددة

األم التي ماتت عندما كان الشاعر صغيرا ، األم الحقيقية التي ال تشبه األسطورة األم هـي الوجـه " تسف من ترابها وتشرب المطر " في شيء ، فهي تموت و

عشتار تزهر –س في الواقع ، إنها الحياة والموت إنها امتدادها الملمو . لعشتار في الربيع وتختفي كما يختفي الربيع ، واألم مانحة الحياة ألبنائها ولكنها تموت

القادم من ذكريات الطفولة ، –

لذلك فمعها يبدأ الحزن الشعائري الذي ينشره المقطـع األول مـن القـصيدة لحزن يبرز التحول الثالث في الرمز ، إنه بالتحول الى حزن حقيقي ، ومن هذا ا

العراق هنا نقطة تشير الى الخليج ، إنه ليس وطنـا رمانـسيا يلغـه . العراق الحنين ، إنه عراق حقيقي يصارع من أجل حياة أفضل ، ويقود هذا التحول الى

:دائرة أوسع ، الى الخليج كما قلنا

هبـاته الكثار وينثر الخليــج مــن على الرمــال رغوة األجاج والمحار وماتبقـى من عظـام بائس غريــق من المهاجريــن ظل يشــرب الردى

وأسمع الصدى

Page 15: ﻲـــــﺒﺩﻷﺍ ﺹﻨﻟﺍ لﻴﻠﺤﺘ ﻲﻓ · ﻲﻟاﺰﻐﻟا نﺎﻤﺜﻋ رﻮﺘآﺪﻟا ذﺎﺘﺳﻷا 2 ﺓﺭـﺜﻜ ﺙﻴﺤ ﻥﻤ ﺔﻴﻨﻔﻟﺍ

www.maknoon.com ستاذ الدآتور عثمان الغزالياأل

15

لمحار محـور الحيـاة والخليج يقذف المحار والعظام ، الحياة والموت فقد كان ا ومن أجله كان أموت ، إنه التجدد الطبيعي في دورة الحياة والمطر هـو الرمـز األخير ، لكنه ليس رمزا ساكنا فهو إيقـاع خـارجي ، إطـار للمـشهد العـام الذىتحاول القصيدة رسمه لكنه إطار متحول ، إنه مع األم في اللحد ومع األطفال

للطبيعة ، االعر ليسقط في الرمز بحيـث يجـد واأللوان ومع العبيد ، انه رمز نفسه وقد ابتلعه الرمز ، ولكنه يستخدمه في بناء قـصيدته اسـتخداما داخليـا

من عشتار الي أالم الى العراق الى الخليج . ويترك لعناصره أن تتفتح في الواقع يعة في اطار الطبيعة ، هذا هو مسار اإلطار الرمزي الذي يحمل القصيدة ، والطب

.هي التى توحد هذه الرموز

وحي تدور في " وحين يصف الناس فى العراق ، يصفهم داخل شعائر الحصار واهب اللؤلؤ والمحار والردى ، وحدة الرمز أذن " والخليج " الحقول حولها بشر

:تتحق في تحوالته التى تصب في القرار أو الالزمة التي تتكرر

قطــرة من المطــــــر في كـــل حمراء أو صفـراء مـن أجنـة الزهـــر وكل دمعــة مـن الجيـــاع والعــراة وكل قطــرة تراق مــن دم العبيــــد فهـى ابتســـام في انتظـار مبسـم جديد

عالـم الغد الفتــي واهــب الحيــاة في

المطر ، يوحد المشاهد المختلفة ، لكن المالحظ أن الوحدة هنا تجمع متناقـضات في ظاهرها ؛ فهناك أألم وعشتار ، عشتار في ثباتهـا األسـطوري ومعرفتهـا لتجديد الحياة واألم التي ماتت ، وهناك أرض العراق الوطني ، وأرض الخلـيج

والحركة من عشتار الى األم وبالعكس –ث نزح السياب الى الكويت حي –’ الغربوالعراق يعشب بالمطر ، وعشتار تضم موت . ومن العراق الى الخليج وبالعكس

فوحدة القصيدة في حركة التناقضات الموجـودة فـي الواقـع . األم الى حياتها . لى الحيـاة ولحظة المطر التى توحد العناصر في الحركة الصاعدة من الموت ا

والصوت الذى يخاطب ويبتهل منذ بداية القصيدة وحتى نهايتها حتـى يواصـل المطر هطوله ، وهو صوت يحمل في أثنائه ازدواجية الحركـة والـسكون فـي الوصف يرتفع الصوت ليسجل عناصر الطبيعة منعكسة في العينين ، ولكن حين

: ننتقل من الوصف الساكن الى الحركة يبدأ االبتهال

دف الشتاء وارتعاشـــة الخريـــــف والمـــوت والميــالد والظـالم والضيـاء

Page 16: ﻲـــــﺒﺩﻷﺍ ﺹﻨﻟﺍ لﻴﻠﺤﺘ ﻲﻓ · ﻲﻟاﺰﻐﻟا نﺎﻤﺜﻋ رﻮﺘآﺪﻟا ذﺎﺘﺳﻷا 2 ﺓﺭـﺜﻜ ﺙﻴﺤ ﻥﻤ ﺔﻴﻨﻔﻟﺍ

www.maknoon.com ستاذ الدآتور عثمان الغزالياأل

16

" ثم تتحول الحركة الخارجية التي في الطبيعة الى حركة داخليه في المـشاعر هنا تخرج المخاطبة من الوصف الى الفعل ، " بكاء فتستفيق مل روحي رعشة ال

.هنا ينفجر البكاء وتنفجر معه الطبيعة بالمطر . من الموضوع الى الذات

هذه العالقة المزدوجة ، ترسم الحركة العامة في القصيدة ، مـن المـوت الـى الميالد ومن الظالم الى الضياء ، أى هي حركـة الخـالص اإلنـساني ، وهـذا

يستعير األسطورة ويتوكأ عليها ، لكنه يشير الى الواقع ، يغلفه بغاللـة الخالص شفافة من اإليحاء ، الحركة الصاعدة في القصيدة نحو رمزها ، والحركة الهابطة من الرمز الى الواقع يتوحدان في المقطع اإلنشادي الذي يتكرر ويـضفى علـى

قصيدة شفاف ، يبدو الواقـع فالرمز الذى ينبض في ال . اإليقاع طابعا شعائريا الجوع يقابله الخصب القادم مع المطر ، . من خالله ممتزجا به ، اليحجب الواقع

بمعنى أن الصراع االجتماعي جزء من دورة الحياة ، وهكذا يقابل كلمة العبيـد كلمة األطفال ، إشارة الي مستقبل آخر ، وهذه العالقات الداخلية يكتشفها الناقـد

ة الثانية للقصيدة وهذه العالقات الرمزية تبعد عـن اللـون المباشـر في القراء .الوعظي

:التداعـــي -2

فى العالقة بين الصوت الغنائى والبناء الدرامي ، تنمو القصيد وتتـشكل عبـر مجموعة من التداعيات فتبرز التفاصيل وصوت الشاعر يقودنا من مقطـع الـى

مجموعة من التفاصيل الواقعة مزروعة في آخر محكوما بعامل الذاكرة ، نكتشف .لقصيدة ، تشير الى وقائع وأحداث

كنشوة الطفل إذا خاف القمر ، وكركر األطفال في عرائش الكروم ودغدغت (

صمت العصافير علي الشجر ، كأن طفال بات يهذى قبل أن ينام ، بأن أمه التـى كأن صـيادا حزينـا يجمـع تسف من ترابها وتشرب المطر ، …أفاق قبل عام

الشباك ، ويعلن المياه والقدر ، وكيف تنشج المزاريب إذا انهمر ، وأسمع القرى تئن والمهاجرين يصارعون بالمجاديف وبالقلوع عواصف الخلـيج منـشدين ، رحى تدور في الخليج حولها بشر ، وكم ذرفنا ليلة الرحيل من دموع ، ومنذ أن

غيم في الشتاء ويهطل المطر ، أكاد اسمع العراق يذخر كنا صغارا كانت السماء ت ) .الرعود ويخزن البروق في السهول والجبال

هذه التفاصيل مجموعة من اإلشارات أو الصور والتـداعيات التـي تـستعير

وذكريات . مواقف تعزلها عن سياقها ، من أجل أن تضعها في سياق القصيدة

Page 17: ﻲـــــﺒﺩﻷﺍ ﺹﻨﻟﺍ لﻴﻠﺤﺘ ﻲﻓ · ﻲﻟاﺰﻐﻟا نﺎﻤﺜﻋ رﻮﺘآﺪﻟا ذﺎﺘﺳﻷا 2 ﺓﺭـﺜﻜ ﺙﻴﺤ ﻥﻤ ﺔﻴﻨﻔﻟﺍ

www.maknoon.com ستاذ الدآتور عثمان الغزالياأل

17

نسبة من مجموعة المقاطع التفصيلية ، والطفولـة الطفولة كما نرى تشكل أكبر

تأتي صورة مستقلة أو كتشبيه ، وليس صدفة أن تكون أكثر تداعيات أنـشودة المطر محكومة بالذاكرة الطفلة إنه منطـق الـشعر األسـطورى ، فـاذا كانـت األسطورة هو معرفة أولية بدائية ، فان الذاكرة التي تستدعيها هي ذاكرة طفولية

وهناك أيضا ذكريات الغربة في الخليج ، وحلم العودة ، وهنـا تـسير . مجسمةإنها عودة الى الطبيعة لذلك يأتي اإلنشاد برغم الموت : هذه العودة في اتجاهين

، ويأتى المحار برغم العظام ، وهى بهذا المعنى عودة الى الحياة نفسها ، يصبح تتداخل العالقـة ويخـتلط الرمـز الخليج رمزا ويصبح العراق مرجعه الواقعى ،

.بالواقع ويتبادالن األدوار

أكاد أسـمع " أو قوله " رحى تدور في الحقول حولها بشر " الرؤية السياسية .ولكن اإلشارات السياسية تبقى مجموعة من اللمح " العراق يذخر الرعود

صورة الشعرية يرتكز التداعي إذن على تشكيل التفاصيل ، وهنا تبرز أهمية ال

فالصورة هي الوحدة األساسية في القصيدة ، والقصيدة تراكم صورة يقيم توازنا داخليا ، والصورة تحاول اإليحاء هى مزيج من الحلم والواقـع وهـي صـورة

وقد رأينا كيف يفتتح الشاعر قصيدته باالبتهال كأن . بسيطة ترتكز على التشبيه مبتهال الى عينيها ، ففى عينيها ينعكس العالم عشتار تقف ويقف أمامها الشاعر

:أو يتشكل ، لذلك يبدأ بالعينين

عيناك غابتــا نخيل ساعــة السحر أو شرفتــان راح ينأى عنهما القمـر

التشبيه واضح وبسيط ، عيناك هما الطبيعة لحظة البداية ، ثم يعطـف التـشبيه

محافظا على البداية ، فهما شرفتان يغادرهما القمر لحظة انبالج الفجـر ، لكـن هذه الصورة التشبيهية تبقى جامدة ، والعالم يتحرك ، فتنتقل من التشبيه الساكن

:الى الحركة

عينــاك حين تبسمان تروق الكروم ـر و ترقـص األضواء كاألقمار في نه

يرجـة المجداف وهنـا ساعة السحر كأنما تنبض شفي غوريهما النجـوم

Page 18: ﻲـــــﺒﺩﻷﺍ ﺹﻨﻟﺍ لﻴﻠﺤﺘ ﻲﻓ · ﻲﻟاﺰﻐﻟا نﺎﻤﺜﻋ رﻮﺘآﺪﻟا ذﺎﺘﺳﻷا 2 ﺓﺭـﺜﻜ ﺙﻴﺤ ﻥﻤ ﺔﻴﻨﻔﻟﺍ

www.maknoon.com ستاذ الدآتور عثمان الغزالياأل

18

إشارة الى الحركة ، وهي إشارة ال زمن لهـا ، كأنهـا حركـة " حين تبسمان "

وهكذا تخرج التفاصـيل " في نهر كاألقمار " الحياة نفسها ، ثم تنهال التشبيهات الى الواقع ثم يعود الواقع الى االندماج في العينين ، فأالضواء التي ترقص هـى

.اشارة الى العينين اللتين تشبهان السماء ففي غوريهما تنبض النجوم

كالبحر سرح اليديــن فوقه المساء وتغرقان في ضباب من أسى شفيف

يسمح لصوت الطفل أن يبرز وللمطر، أن يسقط المساء هناك تحول خفي سوف فتعاقب الليل والنهار يفتح البـاب أمـام الواقـع " سرح اليدين " القادم بالظالم

:التفصيلي كي يتسلل ويندمج برموز القصيدة ويتحول كل شيىء الى عالقات

عام كأن طفال بات يهذى قبل أن ينـام بأن أمــه التي أفـاق منأذ فـلم يجدها ثم حين لج في السؤال قالــوا لـه بعــد غـد تعـودـس الــرفاق أنها هناك في جانب التل تنـام نومة اللحود وإن تهام تسف من تـرابها وتشرب المطـر ومنذ أن كنا صغارا كانت السماء

تغيــم في الشتاء ويهطل المطـر

مازلنا فى الصورة التى تقوم على التشبيه ، المساء يتثاءب والغيوم ترســـل ويتـداخل الماضـي . المطر ، هذه الصورة تستدعى صورة الطفل الذى يهـذى

. والحاضر والمستقبل فيما يسمي بتيار الوعي ، فتمتلىء القصيدة برذاذ الدهشة صورة هي هنا إيقاع المطر في ويهطل المطر والى جانبه تتساقط الصور ، كأن ال

الطبيعة ، فتراكم الصور في القصيدة ، يشير الى تراكم صور الحياة في دورتهـا ثـم تـستمر الـصور وان " كالحب ، كاألطفال كالموتى ، هو المطر " وتجددها

استندت الى الطباق لتوحي بالتناقض وهو سر مسير الحركة ، فمـن الموجـب :والسالب بتولد التيار

والموت والميـالد والظـالم والضياء ف الشتاء فيه وارتعاشــة الخريفد

الدفء واالرتعاشــة ، الشتـــاء والخريــف والمــوت والمـيالد ، الجملة االيقاعية تبحث عن جميع إمكانات إيقاعها ، تلجأ الـى .الظالم والضياء

دائي ن أو ربما أمام مرحلـة كل شيء وتقدم تنوعا يبدوغريبا كأننا أمام حشد ب . تحول ، حيث يختلط القديم بالجديد من أجل أن يولد الجديد من أحشاء القـديم

" .حضارية " وهنا لعب الرمز األسطوري دورا واضحا بما يحمله من هموم

Page 19: ﻲـــــﺒﺩﻷﺍ ﺹﻨﻟﺍ لﻴﻠﺤﺘ ﻲﻓ · ﻲﻟاﺰﻐﻟا نﺎﻤﺜﻋ رﻮﺘآﺪﻟا ذﺎﺘﺳﻷا 2 ﺓﺭـﺜﻜ ﺙﻴﺤ ﻥﻤ ﺔﻴﻨﻔﻟﺍ

www.maknoon.com ستاذ الدآتور عثمان الغزالياأل

19

وفيها مجموعة من الكلمات المفاتيح التي تتكرر، " أنشودة المطر " اسم القصيدة تتكرر ثالث عشرة مرة دون أن نجمع الى هذا العـدد الالزمـة " ر مط" ، فكلمة

تتكرر خمس " الردى " التي تتكرر سبع مرات " الخليج " اإليقاعية ، ثم هناك ملة أربع مرات بـصيغة الطفـل أو " الطفل " خمس مرات ، و " والعراق " مرات ،

أهمية هذه الكلمـات يؤكد هذا التكرار على . أربع مرات " المحار " الوليد ، و " مطـر " وتأتي كلمة . ودالالتها الخاصة ، كما انه يمنح القصيدة إيقاعا خارجيا

لتشكل القرار للقصيدة ، إنها أتشبه بالالزمة الموسيقية التي تضبط اإليقاع العام وتعطيه مدلوله ، كما أنها تشكل الروي الفعلي للقصيدة ، فتبدو القوافي المختلفة

وهى تعبر عن دورة الحياة المتكاملة فكان كـل . كأنها قواف داخلية المستخدمةالمطر الذى يسقط فى الطفولة ويهلل األطفال ، . شيء يتكرر ويبدأ بشكل المتناه

هو المطر نفسه الذي تستدعيه االبتهاالت ، وهو المطر نفسه الذى يرى الشاعر والجماهير صانعة المستقبل، من خالله الوطن واألم واألرض ، الموت والميالد ،

فإنه يمد هذا التكـرار " ويهطل المطر " وحين يهتف الشاعر في نهاية قصيدته كأن القصيدة ال تنتهي كاالبتهاالت ، على ان أصداء هذه االبتهاالت بحاجة هـي

األخرى الى التفاته

يـــا خليج يا واهب اللؤلـؤ والمحار والردى: أصيح بالخليج يا خليج يا واهب المحار والردى: فيرجع الصدى كأنه النشيـج

ال يتكرر هذا المقطع سوى مرتين في القصيدة لكن دالالته اإليقاعية مهمـة ، فالشاعر يمزج هذا الصوت والصدى ، فيأتي صوت الـصدى ناقـصا ، يجـذف

اب اللؤلـؤ وفـراغ اللؤلؤ ويبقى على المحار والردي ، كأن المرحلة مرحلة ذه المحار وحوله الردي ممثال في كل ما يتربص بالباحث عن الرزق ، ولكن دالالته الرمزيــة أكبر ، إنها مرحلة خواء وموت ، نبحث عن اللؤلـؤ عـن الحيـاة

. الكريمة ، فال نجد إال كمائن للموت ، كأن اليأس من الحاضر قـد بلـغ مـداه الثة فيأتي في الجزء األخير من القـصيدة وإيقاع الصدى هذا سوف يتكرر مرة ث

.يحمل الالزمة اإليقاعية

Page 20: ﻲـــــﺒﺩﻷﺍ ﺹﻨﻟﺍ لﻴﻠﺤﺘ ﻲﻓ · ﻲﻟاﺰﻐﻟا نﺎﻤﺜﻋ رﻮﺘآﺪﻟا ذﺎﺘﺳﻷا 2 ﺓﺭـﺜﻜ ﺙﻴﺤ ﻥﻤ ﺔﻴﻨﻔﻟﺍ

www.maknoon.com ستاذ الدآتور عثمان الغزالياأل

20

والبينة والبرهان والجدل والتجريد والتعميم وغايتـه الوضـوح ، والفـن أو

ولـو أن اإلنـسان . االنفعال الجمالي يعانى ووسيلته اإليحاء وغايته المشاركة ية الكلية لما كان هناك مبـرر أحسن وأيقن أن الحقيقة العقلية هي الحقيقة النهائ

لوجود الفن ولكن الفن تعبير عن الوجود الشعوري األعمق من منطـق العلـم ، ) .1(والتجربة لها روح ووجدان

عندما نتخبر شاعرا من أدبنا القـديم ، ثـم " سيفيان المتنبي " وهكذا الشأن في

دية ، وشعر المتنبـي نتخير قصيدة من شعره ، وعملية االختيار نفسها علمية نق في رحاب سيف الدولة ، تمتزج فيه عناصر غنائية وملحمية ودرامية ، ونعنـي بالعناصر الغنائية وضوح شخصية الشاعر ، كأنما يتغني عواطفه ، وبالعناصـر

وإن –وضوح شخصية البطل االسطورية وهو يخوض المعـارك . الملحمية هنا وبالعناصـر –خرى التـي تنفـر بهـا كان للملحمة بطبيعة الحال خصائصها األ

.الدرامية الصراع والحركة على وجه الخصوص

األثر الذي خلفه المتنبي في الشعر العربي وجعله كالتقليد " يقول شكري عياد وقد الحظ ابن رشد وهو يحـاول تطبيـق ) . 2(الثابت هو مزج الحكمة بالخيال

ل من يوجد له هذا الـصنف مـن كتاب أرسطو على شعر العرب أن المتنبي افض التخيل ، ولذلك يحكى عنه أنه كان ال يريد أن يصف الوقائع التي لم يشهدها مع

سيف الدولة ، والقصيدة لديه كل متكامل وإن كان ركبا متشابك ).3(األجواء

12 ص 1979– بيروت 2 ايليا حاوي ج –في النقد األدبي )1( 284 القاهرة ص – عيا أرسطو في الشعر تحقيق ودراسة شكري )2( 214/217 المرجع السابق ، ص )3(

Page 21: ﻲـــــﺒﺩﻷﺍ ﺹﻨﻟﺍ لﻴﻠﺤﺘ ﻲﻓ · ﻲﻟاﺰﻐﻟا نﺎﻤﺜﻋ رﻮﺘآﺪﻟا ذﺎﺘﺳﻷا 2 ﺓﺭـﺜﻜ ﺙﻴﺤ ﻥﻤ ﺔﻴﻨﻔﻟﺍ

www.maknoon.com ستاذ الدآتور عثمان الغزالياأل

21

على قدر أهل العزم تأتـي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكــارم وتعظم في عين الصغير صغارها وتصغر في عين العظيـم العظائـم

جزت عنه الجيوش الخضارم يكلف سيف الدولة الناس همــه وقد ع

باال طالل في قصائد المديح جاءت مع بداية اتصاله بسيف الدولة ، كأنه قـد وهو بصدد تلخيص ) البداية تقديم الخطب ( قرأ قول الفارابي في قصيدة المديح

" .فن الشعر " كتاب أرسطو

يكلف ،يطلب ، تعظم ، ( واألفعال التي تتوالي أول كل بيت ظاهرة في القصيدة فاجمله هنا فعلية ، ومن خالل األفعال التي تتـوالي نلمـح الجملـة .. ) يفدي

وفي التعجب ) هل الحدث تعرف لونها ؟ ( اإلنشائية ممثــلة في االستفهام حينا ) إذا زلقت مـشيتها ببطوننـا ( وفي الشرط ) فلله وقت ذوب الغش ناره ( حينا

سلوب الخبري من الناحيـة الجماليـة ؛ األسـلوب واألسلوب اإلنشائي غير األ الخبري وصفي واألسلوب اإلنشائي درامي ، يحمـل معنـي الحيـرة والدهـشة

ويتجسم مفهوم البطل بطريقة انعكاسية ، فنحن لم نـشاهد بطولـة . والتساؤل حتى أالن ، ولكن هنا الخطوط السريعة عكست جوهرها ، ومـن هنـا يـنعكس

خطوط الخاطفة ، فال بطل دون بطولة ، وال يبدأ الموقـف الموقف أيضا بنفس ال هل الحـدث الحمـراء : من الحركة مباشرة ولكنه يبدأ من التساؤل الذي يدور

؟ إن الحدث الحمراء تذكرنا بالحرية الحمراء لـشوقى والتلـوين " تعرف لونها ظاهرة واضحة في القصيدة ، فهو يتالعب بألوان الـصور ، فالحـدث حمـراء

) إذا برقوا لم تعرف البيض منهم ( والضوء المع في صورة بريق األسلحة

وكل هذا يظهر في تحليل القصيدة ولكن الظاهرة التي ينفرد بها شـعر المتنبـي وتظهر في هذه القصيدة هي النوعية التي يستخدمها في بنائه وأعني بها بيـت

ار القصيدة ولكنه حجر أملـس ، الحكمة ، فهو يستخدم حجرا خاصا به في معم بمعنى أن القارىء ال يشعر وسط المشاهد التي تستغرق بنوعية هـذا الحجـر ، حتى اذا أعاد القراءة وجد كل بيت ، حكمة وحده ، وباقتدار شديد تنمـو هـذه الخاليا نموا عضويا فتتحول الى مشاهد ثم الى بناء معمارى أشـبه بـالقالع ،

.ى يبنى بقالعا ولذلك قيل أن المتنب

وتستوقفنا هذه اللوحة المتحركة ونحن نشاهد الجماجم تتساقـط على القلعـة

Page 22: ﻲـــــﺒﺩﻷﺍ ﺹﻨﻟﺍ لﻴﻠﺤﺘ ﻲﻓ · ﻲﻟاﺰﻐﻟا نﺎﻤﺜﻋ رﻮﺘآﺪﻟا ذﺎﺘﺳﻷا 2 ﺓﺭـﺜﻜ ﺙﻴﺤ ﻥﻤ ﺔﻴﻨﻔﻟﺍ

www.maknoon.com ستاذ الدآتور عثمان الغزالياأل

22

كما كان المطر يتساقط حتي اذا انتقلنا الى البيت التالي شـاهدنا ارتفاعـا بـين قعقعة السالح وتالطم أمواج الموت ، وعليا التمائم من جثث القتلي تعيذها مـن

لمدخل العنيف يمتلىء بالوحوش والكواسر من ضراغم ونسور ثم كل فتنة وهذا ا السيوف والقنا والمنايا والجماجم ، مادامت أدوات القتال تتحرك فال بد أن تكون

" الـدين " هناك ضحاياها ، ولكن المحور الذى يلتف حوله هذا الموقـف هـو المتنبـي ومن هنا تلمح إحـساس ) .. طريدة دهر ساقها فرددتها، على الدين (

بأن المعركة قضيه حياة أو موت ، بغض النظر عن قيمة مدينة الحـدث ، إنهـا معركة صليبية تجمع فيها الروم والروس ضد المسلمين ، ولذلك تأتي كلمة الدين وتأتي المحاكمة لتزيح الظلم عن المظلوم وتحكم له بالسالمة وتحكم بهالك الظالم

البطل الذى يبرز فجأة ، ويـصارع الـدهر فتتحقق العدالة في األرض ،على يد وهكذا تنتهي المقدمة ببيت من أبيات الحكمة ينهي .فيصرعه ألنه البطل المعجز

موقفا ليبدأ مشهد المعركة وجوها العام ، تلك التي بنيت فـي وسـطها القلعـة :الماردة في مناخ أسطوري

الهــن قوائـم أتــوك يجـرون الحديــد كأنمـا سروا بجياد م

إذا برقوا لم تعرف البيـض عنهـم ثيابهــم مـن مثلها والعمائم خميس بشرق األرض والغرب زحفه وفي أذن الجـوزاء منه زمازم تجمــع فيـه كـل لسن وأمــة فمــا يفهم أحداث إال التراجم

فلم يبـق إال صارم أو ضبارم فللـــه وقــت ذوب الغش ناره تقطـــع مـاال يقطع الدرع والقنا وفر من الفرسان من ال يصادم

وقفــت وما في الموت شك لواقف كأنك في جفن الردى وهو نائم تمــر بــك األبطال كلمي هزيمة ووجهـك وضـاح وثغرك باسم

ة تموت الخوافي تحتها والقوادم ضممت جناحيهـم على القلب ضم بضرب أتي الهامات والنصـر غائب وصار الي اللبات والنصر قادم حقـرت الردينيــات حتي طرحتها وحتى كأن السيف للرمح شاتم ومن طلب الفتح الجيـــل فإنمـا مفاتيحه البيض الخفاف الصوارم

ـوق األحيـدب نثرة كما نثرت فوق العروس الدراهم نثرتهـــم ف تدوس بك الخيل الوكور على الذرى وقد كثرت حول الوكور المطاعـم إذا زلقــت مشيتهــا ببطونهـا كما تتمشي في الصعيد األراقـم

Page 23: ﻲـــــﺒﺩﻷﺍ ﺹﻨﻟﺍ لﻴﻠﺤﺘ ﻲﻓ · ﻲﻟاﺰﻐﻟا نﺎﻤﺜﻋ رﻮﺘآﺪﻟا ذﺎﺘﺳﻷا 2 ﺓﺭـﺜﻜ ﺙﻴﺤ ﻥﻤ ﺔﻴﻨﻔﻟﺍ

www.maknoon.com ستاذ الدآتور عثمان الغزالياأل

23

رؤوس الفرسان الىيبدأ المشهد فإذا الجيوش الزاحفة كتلة من حديد من أعالي ثم الخيل ، فثيابهم وعمائمهم وأسرجتها من معدن السيوف تبرق ملهـا تحـت الشمس ، وقد مألت األرض شرقا وغربا ؛ وارتفعت جلبتها حتى طرقت مسامح الجوزاء ، وهي آخر نجم في األسماء ، واختلطت األقوام في هذا الجيش حتى ال

، فهو جيش مصفح كما نقـول اليـوم ، حوار فيما بينها آال عن طريق التراجم وينتقل الشاعر بسرعة خاطفة الى " أتوك " وكأنه لم يأت إال قاصدا البطل نفسه

تالحم الجيشين ، فيعطينا المشهد بتصوير المح ثم ينتقل الى جوانب المعركـة ، فازداد الموقف رهبة ، واشتد تأزما ، ) وفي أذن الجوزاء ( وقد شخص السماء

نار المعركة كل قلوب الضعفاء ولم تبق إال المعادن التى تستعصي علـى فأذابت .الذوبان ، وفر من الفرسان من ركبه الرعب ، وتحطم من السالح ما تحطم

وهنا تتركز األضواء كلها على البطل ، بين المحاصر ، والموت حوله يـصوب

وهنا يأتي عنـصر اليه نظراته حتى ال سبيل الى الحياة ، وحتى نحبس أنفسنا ، المفاجأة ، فكأن مركز األبصار في المنية قد اعتراه تخدير مفاجئ ، فهو في عين الموت والموت غافل ، تمر به الفرسان جرحى الوجوه ، وهـو متمالـك باسـم

وينبئنا الشاعر عن خطة الحرب موجزة ومفصلة في بيت واحد ، فالقائد . الثغر ى وسطه ويعتصره اعتصار المـوت ، كمـا يضم بضربة هائلة أطراف الجيش ال

ينبئنا عن السالح واختالف أوقات استعماله باختالف ظروف المعركة ، إذ حقـر األمير الرماح التي يحارب بها من بعيد ، ويستعيض عنها بالسيوف عنـد شـدة االلتحام ، فطرحت الردينيات أرضا وارتفعت البيض الخفاف فكأنها من زهوهـا

فضاء تسب الرماح الملقاة على األرض ، فيلوح النصر من بعيـد وتالعبها في ال ولكن المعركة لم تنته بع ، وتتناثر جثث القتلى فوق من بعيد ، ولكن المعركـة لم تنته بعد ، وتتناثر جثث القتلى فوق جبل األحدب الذي يزيد اسمه من صـورة

قـوة والقـوى ، المعركة وحشية ، ويهون الموت في سبيل الحياة ، إنه مبدأ ال .فالبقاء لألقوى

لدينا صورة األحيدب يحتفــل بالموت وفي مقابله صورة العـروس تحتـف بالحياة ، وانتثار الجثث هنا كانتثار الدراهم هناك ، كالهما مـن أجـل الحيـاة ،

والخيل . وقربان لها ، فخاطر العروس ونحن نخوض عباب الموت ، يعني األمل صعبة حتى تصل وكور النسور ، فتلك فراخها لوالئم التـي تصعد في المراقي ال

أقيمت حول الوكور ، ثم تأتي معجزة أخرى من معجزات هذا البطل األسطوري ، حين تزلق الخيل من كثرة الدماء فيدفعها الى الزحف على بطونها كأنها األراقـم

رى في تد – ممثلة في البحر الطويل وقافية الميم المضمومة -وموسيقى الحرب .. المكان

Page 24: ﻲـــــﺒﺩﻷﺍ ﺹﻨﻟﺍ لﻴﻠﺤﺘ ﻲﻓ · ﻲﻟاﺰﻐﻟا نﺎﻤﺜﻋ رﻮﺘآﺪﻟا ذﺎﺘﺳﻷا 2 ﺓﺭـﺜﻜ ﺙﻴﺤ ﻥﻤ ﺔﻴﻨﻔﻟﺍ

www.maknoon.com ستاذ الدآتور عثمان الغزالياأل

24

.وهنا ينتهى القسم األوسط من القصيدة

ويقف الراوي على مسرح الحدث بصوته الجهوري متسائال في إنكار وسـخرية بل عن هذا ألد مستق الذي يأتى كل حين ، ثم يعود هاربـا ) 1" (ألد مستق " عن

د الطعن فـي وقد الم قفاه وجهه علي األقدام الذي أدي به الى هذا الفرار فلم يع ويعجب لهذا الذى يجهل ريـح . الـصدر بل أصبــح ضربا متتاليا على القفا

الليث ، بينما البهائم تعرف رائحته من بعيد فتفر من طريقة ، ولكن هـذا ألـد مستق ينسي كل مرة حتى يذوق مخالب الليث وأنيابه ، وكم فـي الـذوق مـن

المر ، غير انه مع فراره الـذليل سخرية ألنه يذوق طعما حلوا ، ولكنه يتجرع يشر قواده وجنده ال لبالئهم وال ألنهم دافعوا عنه ، ولكن ألنهم شغلوا برؤوسهم

.سيف البطل ، حتى استطاع هو أن يهرب بنفسه

أفي كل يوم ذا ألد مستق مقــدم قفــا على األقدام للوجه الئم ؟ د عرفت ريح الليوث البهائم ؟أينكر ريح الليث حتى يذوقـــه وق

ولست مليكا هازمـــا لنظيـره ولكنــك التوحيد للشرك هازم لك الحمد فى الدر الذي لي لفظـه فإنــك معطيــه وإنـي ناظم وإني لتعدو بي عطاياك في الوغى فال أنــا مذمـوم وال أنت نادم

على وراجيـك واإلسـالم أنك سالـم هنيئا لضرب الهام والمجد وال ولم اليقي من حديك ما وقـي وتفليقـه هام العدى بك دائـم ؟

" وكلها ترتبط بمفهوم " الرحمن " ثم " اإلسالم " ويتبعه " التوحيد " ويأتي لفظ

قـف في أول القصيدة ، فهي تعمل على ربط مفاصل القصيدة ، التـي ي " الدين الشاعر في نهايتها ألي جوار البطل ،يقدم له تاج البطولة الذي نسجه الفنان من انتصارات البطل ، مهنئا إياه تهنئة المجد وتهنئة الملهوف وتهنيئة اإلسالم ، بل وتهنئة كل من مات بحد هذا السيف ألنه مات بطال ، كأن هذا السيف ألقرب إال

فوق طاقة البشر ، ويسدل الـستار وبأسـماعنا األبطال ، ومن مات به فقد مات هدير الزمن بألفاظ الشاعر التي عبرت بالمشاعر وبالبطل الـى معنـى الخلـود

.واجتازت حاجز الزمان والمكان

ويرتبط الفن الشعرى في هذه القصيد بمقدرة الشاعر على أحياء تلـك اللوحـة ن الحركة الي الحس الـى البطولية وتحريك مشاهدها ، بكل أبعاد ذلك األحياء م

. الصوت والشكل

فمن حركة البنيان : وهي حافة بالحركة حفوال ال يبقى معه مجال لشرح وتدليل الى حركة تساقط القتلى ، الى حركة الجيش الذى يجر الحديد ويزحف الى حركة

أى خادم المسيح وهوقائد الجيشDOMESTIGUEالدمستق تعريب للكلمة الفرنسية ) 1(

Page 25: ﻲـــــﺒﺩﻷﺍ ﺹﻨﻟﺍ لﻴﻠﺤﺘ ﻲﻓ · ﻲﻟاﺰﻐﻟا نﺎﻤﺜﻋ رﻮﺘآﺪﻟا ذﺎﺘﺳﻷا 2 ﺓﺭـﺜﻜ ﺙﻴﺤ ﻥﻤ ﺔﻴﻨﻔﻟﺍ

www.maknoon.com ستاذ الدآتور عثمان الغزالياأل

25

التجمع ، الى حركة الصدام ، الى حركة السيوف ، الى حركة الخيل وانزالقها ثم إال أنه يهمنا أن نتوقف قليال عند هذه المتعة الخفية التى تطالعنـــا.. زحفها

ونحن نرى مشهد القفا المنتفخ يلوم الوجه ، وقد اجتمعت عناصـر ذلـك فـي الية ، وصورة القتلي وقد نثروا فوق أصوات الكلمات نفسها وحروف القاف المتت

أرض المعركة كما تنثر فوق العروش الدراهم ، وفى صـورة أولئـك األبطـال المهزومين الجرحى وقد مروا منكسرين أمام الوجه المشرق والثغـر الباسـم ، ففقي هذه الصور حركة تشع من التضاد القائم بـين القفـا والوجـه والمـوت

الطباق " المكفر واالنتصار والوجه المبتسم ، ويتكرر والعرس واالنهزام والوجه في التوحيد والشرك والنصر الغائب والنصر القادم والجيش القادم من الـشرق "

وبقيته من الغرب والمظلوم والظالم والصغير والعظيم ، كأنما يهدف الى تجسيم .عال صور بعينها وابرازها ،ألنه انفعل بها وأراد أن ينقل لنا هذا االنف

خالل هذه القصيدة ذات الوحده المركبة من مـدخل " المتنبي " وهكذا استطاع

وحدث يضم مجموعة من المشاهد وخاتمه يهتف بها الراوي ، ان يرتفع بالمدح ال مستوى الفنون الشعرية العميقة الصلة بهواتف الـنفس البعيـدة الجـذور

أو هناك فالمبالغة أشـبه بـالتكبير بطبيعة االنسان ، واذا كانت هناك مبالغة هنا ولعل استعمال صيغ الجمع الملفت للنظر في . للصورة ، نرى البطل فيها عمالقا

الفرسان ، االبطال ، الهامـات ، : القصيدة يهدف الى الغاية نفسها ، فاستعمال الردينيات الصوارم ، األراقم يمنح االيجاء بالصدام العنيف والجلة الشديدة ، كما

العظـائم ، العـزائم ، الخـضارم ، : منحنا المدخل ومافيه من صيغ الجمـوع الضراغم ، التشاؤم ، والقوائم ، الجمائم ، صورة العظيم وسط هالة من األفعـال

" العـدى " العظيمة والمخاطر الجسيمة ولذلك تأتي فى نهاية القـصيدة كلمـة ى تهدأ نفوس السامعين حت" كلمة السالمة " ملخصه الصراع كله ، والى جوارها

في غمرة انفعالهم بالموقف ، وكأنها المجانسة بين االسالم والسالم ، فيها مـن .الموسيقى التصويرية ماتهدأ به النفوس بعد انفعال وتهنأ بعد انتصار

قلنا إن التجربة الجمالية تستمد مادتها األولى من الواقع ، ولكنه واقع مجزأ ، ال

فتوحيد الحقي وتأليفهـا وجمـع . هاية مطافها وأقصى غايتها تبلغ به األشياء ن اننا نتعثر في الواقـع . شتاتها المتفرق المنثور عبر الوجود هو من عمل الفن

على رجل يتصف بقليل أو بكثير من البخل ، ونتعثر على رجل آخر يظهر مظاهر م شتات هذه والفنان يل . أخرى له ، وفي كل بخيل آخر نعتير على طبائع مأثورة

المظاهر المتعددة ، ويضمها في شخص نموذجي تألفت فيه حقائقهـا المبعثـرة وهكذا فإن بخيل موليير أو بخيــل. كلها ، فهو األكمل بينها ألنه يمثلها جميعا

Page 26: ﻲـــــﺒﺩﻷﺍ ﺹﻨﻟﺍ لﻴﻠﺤﺘ ﻲﻓ · ﻲﻟاﺰﻐﻟا نﺎﻤﺜﻋ رﻮﺘآﺪﻟا ذﺎﺘﺳﻷا 2 ﺓﺭـﺜﻜ ﺙﻴﺤ ﻥﻤ ﺔﻴﻨﻔﻟﺍ

www.maknoon.com ستاذ الدآتور عثمان الغزالياأل

26

الجاحظ هو أصدق وأعمق من أي بخيل آخر في الوجود ألنه تكامل بالفن وتوحد

البداعي هو في وجه من الوجـوه عمـل جمـع وغدا مثاال ونموذجا ، فالعمل ا .وتوحيد في إطار النفس أو الرؤية الفنية

وقد أخذ عن شكسبير وسائر المسرحيين كثرة أحداث القتل والجرائم وانتحـار والجنون ومــا الى ذلك من فواجع مما ال نقع عليه دائما في واقع الحياة فـ

وهذا المأخذ هـو ماخـذ . ثر علية كل يوم مثال ليس انسانا عاديا نع " هملت " هملت" فالناس قد يعانون مثل . الواقع الحسي على الواقع الفني الذي هو أكمل

ولكنهم يظلون رهناء الخوف تعوزهم الشجاعة التي تدعهم يكملون المسيرة مع أنفسهم ومع مصائرهم ، عندما تشتد عليهم األزمة تراهم يتراجعون ويتعثـرون

السالمة مع التنازل ، على الهالك مع إكمال الشوط ، وتصفية الحساب ويؤثرون هو صورة االنسان الذي " هملت " األخير مع نفوسهم ومع اآلخرين ومع الحياة

ال يهاون وال يتنازل وال يهرب من رعب الواقع ، فهو ال يمثلنا كما نحـن ، بـل عنـدما يغـدو الرعـب كما يمكن أن نكون لو كانت البطولة النفسية ال تخـذلنا

فالشخصية الدرامية هي من هذا القبيل ، سواء أكانت شخـصية . مسيطرا علينا بطل خير أم شر ، ومانتوهمه غلوا وإسرافا في الفن ، إن هو إال ذلك البعد الذى يقصر معظم األحيان عن بلوغه ألن العرف مستمد من الواقع ، فالفن هو بذلك

والنقص ، واالنفعال هو تلك النار التى تذيب األشياء يعري الحقيقة من القصور لتستخرج منها معدنها الخالص المطمور تحت ركام الجزئيات وقد كان البحتـري

:مدركا ذلك الجوهر حين قال

ـدود منطقكــم والشعر يغني عن صدقه كذبه كلفتمونا ح

و غير حقيقي بالنسبة للمنطق والعرف وإنما أشار البحترى بذلك الى أن الفن يبد والكذب هنا هو تعبير عن مخالفة الواقع ، وانما الفن الحقيقي الفاعـل . والعادة

)1(هو تصحيح للواقع واكمال له وابداع يقيله من كبوته ويبعثه من أشالئه

من كل ذلك ندرك أن الوحدة العضــوية ال عالقة لها بطول العمل الفنـى أو كما انها ليست مقصورة على ضرب معين من ضروب الشعر ، ونجدها قصره ،

في معظم مسرحيات شكسبير ، فغالبا ماتتردد في التراجيديا صـورة ذات داللـة خاصة تسـود المسرحية كلها هي عبـارة عـن تركيـز للموقـف التراجيـدي

الجوهري الذي 18 ، ص 2 ج 1979 –في النقد األدبى ايليا حاوي بيروت ) 1(

Page 27: ﻲـــــﺒﺩﻷﺍ ﺹﻨﻟﺍ لﻴﻠﺤﺘ ﻲﻓ · ﻲﻟاﺰﻐﻟا نﺎﻤﺜﻋ رﻮﺘآﺪﻟا ذﺎﺘﺳﻷا 2 ﺓﺭـﺜﻜ ﺙﻴﺤ ﻥﻤ ﺔﻴﻨﻔﻟﺍ

www.maknoon.com ستاذ الدآتور عثمان الغزالياأل

27

وهو تدل على ان هذه التراجيديات كائن عضوي حـي . تدور حوله المسرحية ينتشر في جميع اطرافه نفس االنفعال ، أو تلونه نفس الرؤية الفنية بحيث يمكن أن نتبينهـــا حتى في أضأل عناصره وأدقها أال وهو التشبيه او االستعارة أو

ل ما يقال في المسرحية مـن أنهـا ومن ثم فأن ك ) 2(الصورة اللفظية المفردة حكاية درامية تتطور وتتكامل أجزاؤها وشخصياتها وأحداثها ال يمكن ان يعفيهـا من أنها عمل فني ، وهي برغم طولها وتعدد عناصرها ال تتحقق وحدتها الفنية إال بالصورة االيحائية وما تنطوى عليه من احساس ، ما سبق أن ال حظنا فـي

. ة القصيدة الغنائي

وعلى ذلك نستطيع أن نركز أسس التحليل النقدي للنص األدبي في مجموعة .من األسس العامة

فالتجربة أصال هي إعادة صياغة العالم داخل الشعر من منظور فني ، ووسيلة

ولكن هـذه . تحليها والكشف عن العالقات اللغوية في نظامها الفني داخل النص : أوال : قة بالكشف عن العالقات الخارجية الممثلـة فـي أمـرين الخطوة مسبو

العالقة بين النص وبين الفنان نفسه ، فالنص نتاج فنان والفنان نتاج بيئة وهذه ولكـن . الحلقة أساسية لفهم النص من وجهة نظر االجتمـاعيين والنفـسيين

لتكـون مؤرخي األدب ، يربطون بين النص وبين النصوص األخرى المـشابهة أمامهم سلسلة متصلة عبر التاريخ ، ثم يربطون بينه وبين النصوص األخـرى للشاعر نفسه ، ليكون، أمامهم تاريخ الفكر الفني في المرة االولي ، وتطـور

.الفنان نفسه حين نوازن بين نصين له

على ان الجماليين يعزلون النص عن كل هذه المالبسات الخارجية ، ويبدأون راسة دون تمهيد ألن لكل نص مالمحه الجمالية وبنيته الخاصة على الـرغم الد

ومن هذا المنطق نبدأ دراستنا ببنيـة : من كل ما في النص من تأثرات مختلفة ومن الواضح ان القوالب التغمية قد ذابـت وتحـول . االيقاع في النص األدبي

عر الى قواف داخليه ، الموقف الى وحدات كما تحولت القوافي الخارجية في الش أكثر اثراء للبنية الداخلية ورأينا إن التكرار يساعد على مزيد مـن االيقـاع أو

ولسنا نبحث في المفاضلة بين اللونين بحثـا اكاديميـا . الموسيقى التصويرية ومن الواضح أن األساس الثاني . ولكننا نتناول األسس العامة للتحليل وحسب

19 ص 1958 القاهرة –ر والمسرح محمد مصطفى بدوى دراسات في الشع) 2(

Page 28: ﻲـــــﺒﺩﻷﺍ ﺹﻨﻟﺍ لﻴﻠﺤﺘ ﻲﻓ · ﻲﻟاﺰﻐﻟا نﺎﻤﺜﻋ رﻮﺘآﺪﻟا ذﺎﺘﺳﻷا 2 ﺓﺭـﺜﻜ ﺙﻴﺤ ﻥﻤ ﺔﻴﻨﻔﻟﺍ

www.maknoon.com ستاذ الدآتور عثمان الغزالياأل

28

هو التحول من لغة التقرير الى لغة االيحاء وهذه قضية ال تتصل بالفـارق بـين التشبية واالستعارة فحسب ، ولكنها تمس جوهر التركيب في تحوله من األسلوب الخبري الذي يكون العالم المفسر الى األسلوب االنـشائي الـذي يمثـل العـالم

الدرامي المتجدد مع كل قراءة والفنانالمعاصر يوازن بين التـركيبين أو يغلـب اللون الثاني ألنه أكثر اضاءة للمحتوى الداخلي في الوقـت الـذى يعبـر فيـه

)1(األسلوب األول عن المستوى الخارجي

واألساس الثالث بالضرورة هو الصورة والتركيب الدرامي في اطار الوحـدة –التي تحدثنا عنها ، فقد ترك الفنان واو العطف التي تجمـع وحـدات العضوية

وليس الفـن . منفصلة ، وانتقل من الكلمة الي الجمله الى البنية الكلية –أبيات هنا هو التعبير عن عالم غير اعتيادى ولكنه التعبير غير االعتيادى عـن عـالم

عالقة بين المبدع والمتلقي معتاد ، وأكبر الظن أن السبب في حدوث انفصام في ال هو حدوث خلخلة في قوانين النص األدبي المألوفه في الذوق العام ن ومن ثـم فإن ظاهرة الغموض ليست حديثة ولعنا نذكر قول ابن االعرابي في شـعر أبـي

، مع مالحظة أن الشعر الحديث هو ) إن كان هذا شعرا فكالم العرب باطل ( تمام دون – ربما عن طريق األسـطورة –حضارات االنسانية الذي عمق اللقاء مع ال

االكتفــاء بمصدر واحد هو اوربا عند الرومانسيين وهو العرب فـي مرحلـة االحياء ، وربما كان طغيان الموروث يحد من التفاعل مع النص األدبي ، بمعنى

همـا أن شاعر االحياء عندما يتأثر تأثرا واضحا بالمتنبي أو يأبي تمـام أو بغير .فأننا أمام تجربة مكررة

واذا كانت الصورة في القصيدة هي مدار الوحدة فإن شخـصية البطـل فـي الفنون النثرية هي مدار الوحدة ، حركة المشهد في صـورة القـصيدة تقابلهـا

كل هذا عن طريـق – أو الحدث –حركة الشخصية وصراعها في الفنون األخرى دبي ، واستبطان العالقات بـين األلفـاظ باعتبارهـا التحليل الفني للغة العمل األ

.مؤشرات لنظام فني

والقصيدة الغنائية في أبسط تحديد لها هي وسط من األوساط األدبية يصور لنا تجربة معينة عاشها شاعر معين ، فهي خالصة من عناصر الفكـر والـشعور ،

الجديـدة التـى ومهمة الشاعر ان يصب في نفسك كل هذا عن طريق العالقات تتألف منها لغته ن ضمن الوحدة العضوية أو الصورة الكلية ، ونحن نطلب مـن القصيـدة التي تتحقق فيها الوحدة أن ترتبط عناصرها كما يرتبط الجذر والساق

. ومابعدها 134 ص 1979 بيروت –ظاهرة الشعر المعاصر في المغرب لمحمد بنيس ) 1(

Page 29: ﻲـــــﺒﺩﻷﺍ ﺹﻨﻟﺍ لﻴﻠﺤﺘ ﻲﻓ · ﻲﻟاﺰﻐﻟا نﺎﻤﺜﻋ رﻮﺘآﺪﻟا ذﺎﺘﺳﻷا 2 ﺓﺭـﺜﻜ ﺙﻴﺤ ﻥﻤ ﺔﻴﻨﻔﻟﺍ

www.maknoon.com ستاذ الدآتور عثمان الغزالياأل

29

فيؤدى كل عنصر فيها وظيفة غير منفصلة عن الوظيفـة واالغصان واألوراق ، التى يؤديها عنصر آخر بحيث تسير جميعا في اتجاه واحد الى غاية واحدة هـي

.وهذا هو األساس الرابــع ) 1(األثر الكلى

أما الكاتب القصصي فيصور فترة كاملة من حياة انسان أو قطاعا من الحياة ، كما هو بل يعتمد مبدأ االختيار ، فتكون النتيجة شخصيات وهو ال ينقل لنا الواقع

ومهمـا امـتألت ) 2(نابضة بالحياة تتفاعل مع الحوادث تفاعال طبيعيا صـادقا القصة بالحوادث الجزئية المنفصلة الممتعة ـ، فإنها تتبع تصميما عاما ، وفي ،

دى كل الخطـوط وفي خالل هذا التصميم ، تقوم كل حادثة بدور حيوي بحيث تؤ .الى النهاية

" والصراع والحوار والحركة هى الخصائص التى تميز فن المسرحية ، وكلمـة

تعني الصراع ، والبد أن تكون هذه العناصر وحدة نامية فـال يكفـى أن " دراما يوجد أشخاص وأن يتحدث هؤالء األشخاص فإن الحديث وحده يدعو إلى الملـل

رج ، والذي يدفعه الى المتابعة واليقظة هـو هـذه وسرعان ما يلهو عنه المتف الحركة التي يمثلها هؤالء األشخاص ، وهذا الصراع اإلنساني الذي تمـوج بـه مشاعرهم ويوجههم في حركتهم ، وإذا كان كاتب القصة يستطيع أن يجد مجـاأل لالستطراد ، دون أن يؤثر هذا على الحادثة األساسية بل قد يكون مفيدا لهـا ،

فإن إطار المسرحية المحكم ال يسمح بهذا ألنه يدور حول محور واحـد تتعاقـب بينما " التطهير " فيه المناظر ، وتهدف الي غاية حددها أرسطو قديما بما أسماه

وإن كـان النقـاد " المحاكـاة " رأى الفنون األدبية تنطلق من منطلق واحد هو " .اإلبداع " ثم " عبير الت" المعاصرون قد عدلوا هذا المصطلح الي

تلك هي األسس العامة لتحليل األعمال األدبية ، ولكن مـن الواضـح أن كـل أساس منها ، يتعمد في تطبيقة على الناقد نفسه ، والناقد المتمرس وحده هـو

وبين غيـر الملهـم وهـو – الفنان –الذي يستطيع أن يكون واسطة بين الملهم بالتحليل يمكنه أن يضع يده على دقـائق العناصـر القاري ، فمن خالل تمرسه

.الجمالية التي تشير اليها األسس دون أن يغيب عنه الكثير منها 7 ص1979 القاهرة – محمد مصطفى بدوي –دراسات في الشعر والمسرح )1( 17 ص 1974 بيروت – محمود السمرة –فى النقد األدبي )2(