ﺭﻮﺼﻨﻣ ﺪﻤﺤﻣ ﻢﻴﻫﺍﺮﺑﺇ...

فى الشريعة اإلسالميةالمدخل

دكتور الشحات إبراهيم محمد منصور

وكيل كلية الحقوق بنهاجامعة

م٢٠٠٧

PDF created with pdfFactory Pro trial version www.pdffactory.com

http://www.pdffactory.com

بسم ا الرمحن الرحيم

: مقدمة

إن الحمـد هللا نحمـده ونستعين به ، ونتوكل عليه ، ونثنى عليه ا محمد خاتم األنبياء والمرسلين الخيـر كله ، ونصلى ونسلم على سيدن

وبعد ، ……وعلى رسل اهللا أجمعين

فهـذا كـتاب فى الفقه اإلسالمى ، تحدثت فيه عن مصادر الحكم الشـرعى بإيجـاز غيـر مخل ، كما تحدثت فيه عن النظريات العامة للمعـامالت التى يحتاجها الفرد فى حياته اليومية فى تعامالته مع غيره

قد راعت فيه أن يكون أسلوبة سهل وبسيط حتى يمكن من بنى جنسه ،وللكـل قـارئ له أن يتفهمه ويصل إلى ما أردنا من خالله الوصول إليه خاصة أنه مقرر على طالب التعليم المفتوح التى بدأت جامعتنا الرشيدة

. فى تطبيقة

.. واهللا أسأل أن ينفع به ، وأن يجعله فى ميزان حسناتنا

. لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأناربنا

اشدرنا رأم ئ لنا منيهة ومحر نكلد نا آتنا منبر



٥

بسم ا الرمحن الرحيم

..مقدمةا لما شهده السوق المصري في اآلونة األخيرة بصفة خاصة نظر

واالقتصـاد بصـفة عامة من تقلبات في األسعار من ناحية ، وركود اقتصـادي مـن ناحية أخري ، وبالتالي انخفاض في القيمة النقدية التي يـتعامل بها الناس مما حذا بالدولة إلى التدخل لتحرير سعر الصرف ،

وبطريق السوق التجاري بطريق اإليجاب حينا ، فانعكس ذلك كله علي االسـلب أحـيانا أخـري ، حيث أدي ذلك كله الي أن يزداد الفقير فقر

ه ، حيث تدخل البعض في ظل هذا الصراع غناويزداد الغني غنا علي وعرضها بأعلى -استيرادها–المرير الحتكار بعض السلع ، أو تلقيها

من األصلي لها ، وبدال من أن يكون األسـعار أضـعافا كثيـرة من الث تحرير سعر الصرف للقيمة النقدية من أي عملة أخري فاتحة خير علي

وعدم دراسته – كما يري البعض –الـناس، اال أن سـرعة القـرار وجشـاعة وشره البعض أدي ذلك إلى أن ينعكس علي السوق التجاري

ا والطائل لهم فازداد ركودا وزادت حاجات الناس التي الغني لهم عنه والبعض بها نظرا لضيق اليد ، وبالتالي قد تجد البعض يتضور جوعا ،

ددازاآلخـر ال يجـد حاجاتـه الضرورية التي الغني له عنها ، بل أ الطـين بلـة التدخل األجنبي السافر في قطر شقيق كالعراق لالستيالء

، كله علي موارده وخيراته ونهب ثرواته علي مرأى ومسمع من العالم .نا إليه راجعون إنا هللا وإوال تجد من يحرك ساكنا ف

ولقـد أدي هذا االعتداء البربري والعمل الوحشي الذي تقوم به أمريكا االنتهازية وبريطانيا االستعمارية إلى أن يزداد األمر تعقيدا حيث أدي ذلـك إلـى انخفاض في التصدير لبعض ما كان يصدر ، وزادت

.الة التي عادت إلى أرض الوطن البطالة نظرا للعم



٦

يمكن كل ذلك وغيره انعكس علي السوق وحاجات الناس ، وال عندما كان اإلسالم هو –لألمـور أن تسـتقيم وتعود إلي سابق عهدها

إال –الـذي يسـوق هؤالء الرعاع الذين أسموا أنفسهم بالدول المتقدمة نبي محمد صلي بالعـودة إلي طريق اهللا والرجوع إلى هديه ، وهدي ال

.اهللا عليه وسلم ع يكون بوضع ضوابط للسوق التجاري في إطار ورجلوهـذا ا

المنهج الشرعي حتى يكون ذلك بمثابة خطوط عريضة تضع الناس أوال .والحكومات ثانيا علي طريق الحق والصواب

ولمـا كان اإلنسان مدني بطبعه وال يمكن أن يعيش بمعزل عن هم للوفاء بمتطلباته وحاجاته ، وهذا يؤدي به ألي الناس إذ أنه يحتاج إلي

أن يـتعامل مـع غيره بيعا وشراء ، إجارة ورهنا ، وهكذا ، وهو في تعاملـه مـع غيره يحتاج إلي من يضع له التصورات والمعايير التي تجعلـه عند استعماله لما تم التعاقد عليه ال ينازعه فيه أحد ، وال تشوبه

.يد شبهة من قريب أو من بع

والناظـر إلى الشريعة اإلسالمية بصفة عامة والي الفقه بصفة ال إخاصـة يجـد أن الشريعة والفقهاء ما تركوا شيئا يتعامل به أو فيه

وتحدثوا عنه ، سواء عن كيفية التعامل في استغالله أو عن طريق تملكه . حرام ، وأو عن البعد به عن كل ما ه

ا المكتبات في كل تعامالت ومـؤلفات الفقهاء في ذلك تزخر به أو إجارة أو رهن أ وسلم ألي غير ءاإلنسـان مع غيره من بيع أو شرا

سمي ما يذلك ، بل إن الفقهاء من كثرة اهتمامهم بهذا وضعوا ذلك تحت .عامالت في الفقه اإلسالميمالب



٧

عامالت فما م كان الفقه قد تطرق لكل أنواع الإذا: وقد يقول قائل طرق موضوع أساسه قائم علي التعامل فيما بين األفراد هي الفائدة من

بعضهم البعض ؟

نعم إن الفقهاء قد تناولوا كل تعامالت اإلنسان مع غيره : ونقول –الضوابط الفقهية للسوق –مـن جنسـه لكن لما كانت هذه المعامالت

يـرجع بعضها إلى اجتهادات الفقهاء ، فان مثل هذه األمور تحتاج إلى ـ ري تساير عادات الناس وأعرافهم ، إذ أنه من المعلوم أن نظـرة أخ

األحكـام االجتهادية تتغير بتغير عادات الناس وأعرافهم وأزمنة الناس كثيرا علي تغير توأمكنـتهم ، بـل إن وسائل التقدم التكنولوجي ساعد

المعامالت نفسها ووجدت معامالت لم تكن موجودة أصال ، وبالتالي فان فسه عندما يتطرق إلى مثل هذه الموضوعات فانه يجد أنه الباحث يجد ن

البـد من التعرض لمثل هذه األمور، وهذا وما سبق بيانه هو ما دفعني .إلى تناول هذا الموضوع

يجنبـنا الـزلل وأن يوفقنـي إلـى بيان الحكم أن واهللا أسـأل . وهو نعم المولي ونعم النصير ،نه علي ما يشاء قديرإالصحيح ،

إن نسينا أو أخطأنا ربنا آتنا من لدنك رحمة اربـنا ال تـؤاخذن وهيئ لنا من أمرنا رشدا ،

وصلي اهللا علي سيدنا محمد في األولين واآلخرين ،

الباحث



٨

..مهيدت

تلعـب األسواق دورا هاما في حياة المجتمعات البشرية، وتشكل ط اإلنساني ، وتعد ركيزة أساسية ودعامة جانبا خطيرا من جوانب النشا

.هامة من دعائم النظام االقتصادي في أي بلد من البلدان

ومحورا ،ويمـثل السوق طريقا كبيرا من طرق الكسب والعمل .تدور حوله الحركة االقتصادية

ولـذلك إذا وضـعت ضوابط صحيحة وسليمة للسوق ، وراعي د هذه الضوابط ، وراقب اهللا في الجهـاز التجاري في أي بلد من البال

عمله ، وتمسك بما تمليه عليه أحكام الشريعة اإلسالمية ومصلحة الوطن .والصالح العام والتعاون بين الناس كان خيرا ورحمة وسالما

انحرف عن هذه الضوابط ولم تتم مراقبة اهللا إذاوعلـي العكس الحصول علي في هذه الضوابط وكان الغرض من التعامل التجاري هو

الجهاز القائم علي –الـربح بـأي شكل كان ، وكانت هذه الغاية لديه تبـرر الوسائل من غش واحتكار ومنافسة غير –الـتعامل الـتجاري

مشروعة ، كان السوق شرا ونقمة وعذابا للوسط الذي يكون فيه والبلد .الذي يحويه

ذي يمثله واإلسالم عندما أباح للناس التعامل التجاري ال :هـذا السوق ، فانه قد اعتبره وسيلة من وسائل الكسب الحالل ، ولذا تجد أنه قد أحاطه بسياج من الضوابط والتوجيهات الكريمة التي تحكم مسيرته ،



٩

وتنقيه من كل شائبة ، وشرع لذلك من األحكام ما يكفل له أن يسير في . وجه الوجهة الصحيحة ، وأن تؤدي الهدف المنشود منها علي أكمل

ولمـا كـان اإلسالم قد أقر حرية التجارة لألفراد وجعلها طريقا مباحا من طرق الكسب ، فانه قد وضع عليها بعض القيود حتى ال يساء اسـتغالل الحـرية المتاحة لهم في هذا المجال ، فيحتكرون السلع أويتم بيعها بأكثر من ثمنها ، مستغلين في ذلك حاجة الناس إليها واضطرارهم لشـرائها ، أويتم التعامل بالربا أو تكون هناك منافسة غير مشروعة ، والشـك أن العناية بالتعامل التجاري في السوق علي هذا النحو الدقيق

.تؤدي إلى مشاركتها الفعالة في تحقيق التنمية االقتصادية

ولقد كان لإلسالم عناية فائقة بتنظيم السوق فوضع له من األسس . فيه علي مال أحد ي تقضي أال يظلم فيه أحد ، وال يعتدوالقواعد التي

كمـا أقـام للسوق نظاما رقابيا يؤدي إلى حسن سيره وانتظامه .والقضاء علي ما قد يحدث من خلل وانحراف

مـن هنا فإننا سنقوم ببحث هذا الموضوع في مبحثين وخاتمة ، نخصـص المـبحث األول للضـوابط الموضوعية ، والمبحث الثاني للضوابط اإلجرائية والتي من خاللهما ينتظم العمل بالسوق ويحقق الغاية

.المنشودة منه إن شاء اهللا تعالي



]١٠[

التعريف بالشريعة اإلسالمية

:تمهيد

لمـا كان القرآن كتابا عربيا نزل على نبى عربى ليخاطب به فى أول كان البد أن ترتبط مبادئ الدين بمفاهيم اللغة ، .. مـراحل الدعوة أمة عربية

وأن تكـون هـذه المبادئ التى تدعو الناس إليها من الوضوح بحيث ال تجمع مشقة فهمها لغة ، ومشقة التزامها سلوكا وهذا يفسر : ن عليهم فيها بين مشقتي

وهذا وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم : قول اهللا سبحانه البيان هو الذى يحقق اللقاء التمهيدى بين الداعية والمدعوين فال يكون الجدل

بعد . يها ، ولكن يكون حول المبادئ ومراميها والمناقشـة حول األلفاظ ومعان . أن بينا ذلك نقوم بتوضيح معنى كلمة الشريعة فى اللغة واالصطالح

:تعريف الشريعة فى اللغة واالصطالح

وردت كلمة الشريعة ومشتقاتها لتدل :تعـريف الشـريعة فى اللغة * كلمة علـى أن الشـرعة أو الشـريعة هى موضع ورود الماء ، كما وردت

شـريعة ومـا يتصـل بهـا مـن ألفـاظ فى القرآن الكريم بمعنى الوضوح شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي :واالسـتقامة ، قـال تعالـى

أوحيـنا إلـيك ومـا وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن وقال تعالى تتفـرقوا فيه

به الله فكلمة شرع فى اآليتين جاءت بمعنى وضح وبين .

بمعنى ما بينه اهللا من األمور " وشريعة " شرعة " كمـا جـاءت كلمة وقال ل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا لك للـناس ووضـحه لهـم قال تعالى



]١١[

ثـم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا :تعالـى ونلمعي

أن اهللا جعـل لكل منكم طريقا واضحا ومستقيما يسلكه فى :والمعنـى ومن ثم يجب التزامه واتباعه وعدم االلتفات إلى ما سواه من هـذه الحـياة ،

.السبل المعوجة الغامضة التى ال هداية فيها

تأتى الشريعة فى االصطالح بمعنى :تعـريف الشريعة فى االصطالح مجموعة األوامر والنواهى المخاطب بها المكلفون ، والمطالبون بالتزامها فى

. أقوالهم وأفعالهم واعتقادهم

يتبين من :وجـه المناسـبة بين المعنى اللغوى والمعنى االصطالحى بمدلولها اللغوى " شريعة " تعـريف الشريعة فى اللغة واالصطالح أن كلمة

وثـيقة الصـلة بالمدلـول االصطالحى ، فهى فى كل منهما طريق مستقيم ، اء يـؤدى إلـى غاية مطلوبة ، إذ هى فى اللغة طريق مستقيم مباشر إلى الم

.المعين الذى يروى األجسام

طريق مستقيم يؤدى إلى الهداية اإلنسانية التى تحى :وفـى االصطالح .فالمعنى وثيق الصلة فى المدلولين اللغوى واالصطالحى . النفوس

أخرج كثير من رواة التفسير أن الشرائع يقصد بها :الشـريعة والدين وامر والنواهى واإلباحة السـنن أو الطـرق ، وأن السـنن تخـتلف فـى األ

والحظـر ، فقـد يكـون الشىء حراما فى شريعة وحالال فى شريعة أخرى والقـرآن الكـريم يذكر أن هناك أنواعا من األطعمة قد حرمت على اليهود بسبب ظلمهم وطغيانهم ، ولكنها مباحة لغيرهم من أصحاب الشرائع األخرى



]١٢[

وا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم وعلـى الذين هاد :يقـول تعالـى حـرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم

غيهمبب مناهيزج ذلك ى ومن ثم فليس غريبا أن نجد فى التوراة شريعة ، وفاإلنجـيل شريعة ، وفى القرآن شريعة ، ولكن الدين واحد ال يقبل اهللا غيره ، وهـو توحيد العبادة وإخالصها هللا وحده ، وهذا المبدأ الذى جاء به الرسل

شرع لكم من الدين ما :جمـيعا ودعـوا أقوامهم إليه مصداقا لقوله تعالى وحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن وصى به نوحا والذي أ

.أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه

أن الدين نزل من اهللا إلى عباده بواسطة أنبيائه واحد : وخالصـة ذلك وهـو مجمـوعة المبادئ التى تتبلور فى إطار واحد ، هو إخالص العبادة هللا

. وحده دون االلتجاء إلى رب سواه

أمـا الشـريعة فهى اسم لألحكام التى تنظم أمور العباد ، وهى تختلف ثم جعلناك على شريعة : وأن قوله تعالى . بناء على ذلك من ملة إلى ملة

لكل : وقوله تعالى ن مـن الأمـر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمو ليدل على أن شرع من قبلنا ليس شرعا ملزما جعلـنا منكم شرعة ومنهاجا

لـنا ، بخـالف الدين الذى هو دعوة الرسل إلى الناس جميعا واإلخالص فى . العبادة هللا وحده دون سواه

: ن قوله تعالى فالشـرائع ليست واحدة ولكن الدين واحد ، ولذلك فإ

كنا إلييحالذي أوا وى به نوحصا وين مالد من لكم عشـر… ال تدل على أن الشـرائع واحدة ولكنها تشير إلى خطر االختالف فى الدين ، فإنه قد نزل

. إلزالة الخالف وإصالح األمم فى مختلف العصور



]١٣[

إن الشريعة هى مجموعة األوامر والنواهى كما قلنا " الشريعة والفقه " . التى يشرعها اهللا على يد رسول من الرسل

أمـا الفقـه فهـو العلـم باألحكام الشرعية العملية المكتسبة من األدلة .التفصيلية

ومن خالل التعريفين يظهر لنا الفرق –وسـيأتى شـرح لهذا التعريف : بين الشريعة والفقه وهى تتلخص فيما يلى

أما الفقه . الشريعة نظام إلهى أوحى اهللا بها إلى نبيه ليبلغها إلى الناس : أوالفهو منهج عملى علمى يسلكه المجتهدون ليستنبطوا األحكام من األدلة ولمـا كـان الناس متفاوتون فى ملكات االجتهاد تبعا لوسائله والبيئات

حكام يكون واألعـراف التـى تأثـروا بها ، فإن ما يستنبطونه من األ . مختلفا تبعا لذلك

أحكـام الشريعة أحكام ملزمة للناس ، حيث يجب عليهم أن يأتمروا :ثانـيا بأوامـرها وينـتهوا عن نواهيها ، لذلك فإن من يطيع يستوجب الثواب . بفضـل اهللا ورحمـته ومن يخالف يستوجب العقاب بعدل اهللا سبحانه

مجتهد مأجور إن أصاب وإن أخطأ أمـا أحكام الفقه فهى اجتهادية ، وال ومـن ثـم فـإن مخالفـة أحكام الفقه مخالفة لمنهج علمى من مناهج

. المجتهدين

أحكـام الشريعة اإلسالمية اكتملت كما أنها مفتوحة الستنباط أحكام :ثالـثا .فقهية جديدة ومناقشة أحكام فقهية قديمة



]١٤[

خضوع ألحكامها وتقديس ارتـباط المتدينـين بالشريعة هو ارتباط :رابعـا لتعالـيمها ، ألن مجمـوع هذه األحكام والتعاليم هو الدين بشكله الكلى العـام ، أمـا ارتـباطهم بمسـائل الفقـه فهو ارتباط مناقشة ومجادلة

. واستنباط

نزل الوحى بالشريعة اإلسالمية دينا وقانونا فى آن واحد ، :خامسـا عد العبادات ، ولكنها تجاوزت هذا فهـى لـم تضع فقط قواعد األخالق وقوا

. النطاق إلى وضع قواعد للقانون تحكم المعامالت بمعناها الواسع

أمـا الفقه فإنه تابع للشريعة ، ألن أحكامه الفرعية المستنبطة باالجتهاد ولذلك فإن الحكم . والرأى تجرى فى ظل القواعد الكلية التى جاء بها الوحى

ة فإن الناس مكلفون بإتباعه التزاما وديانة وإن كان إذا كان من أحكام الشريع مـن أحكـام الفقه ففى مناقشته وفى مدى األخذ به مجال لعلمائهم وأصحاب

. الرأى فيهم

مجاالت الشريعة مجاالت واسعة ، والنواحى التى تبحث :أقسـام الشـريعة : لية فيها نواح متعددة ، ويمكننا أن نالحظ شمول الشريعة للنواحى التا

:األحكام االعتقادية -١

وهـى التـى تـتعلق بأساس العقيدة ، كاإليمان باهللا والمالئكة والكتب السـماوية واليوم اآلخر وما فيه من بعث وحساب إلى غير ذلك من األحكام

باإليمان بها إيمانا مطلقا عليه بعد ذلك استجابتهم – أوال –التـى تكلف الناس حكام العملية فى العبادات والمعامالت ، وهذا النوع من للتكاليف وتنفيذهم لأل

األحكـام هـو مـا يـدخل فى اإليمان بالغيب ، وقد وصف المؤمنون بصفة



]١٥[

ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين ، :اإليمـان بالغـيب فـى قوله تعالى الذين يؤمنون بالغيب

:ية األحكام الخلق-٢

وهـى التـى تتعلق بالفضائل ، كالصدق والصراحة والشجاعة وكشف الـرذائل التى هى ضد هذه الصفات ، والحقيقة أن شريعة اإلسالم وقد جاءت لتبنـى اإلنسان من الداخل ، تجعل هذه األحكام غايتها وهدفها ، ألن األخالق

وإنك : بقوله هى عماد األمم وهى التى تحرس األحكام ، ولقد مدح اهللا نبيه إنما بعثت : " الغاية من رسالته فيقول ) ( ويبين الرسول لعلى خلق عظيم

" .ألتمم مكارم األخالق

: األحكام العملية -٣

وهـى تلـك األحكام التى تتعلق بأفعال المكلفين وأقوالهم فى العبادات . والمعامالت وغيرها مما يجدونه فى حياتهم العملية

كما –ولمـا كـان الـتدرج فى األحكام هو سمة من سمات الشريعة يقتضـى ذلـك أن تعنى الشريعة أوال ببناء العقيدة وتوطيد دعائم –سـنرى

اإليمان فى نفوس الناس ، ثم تعمل على تهذيب نفوسهم بمعانى الخير والبر ، يع وشراء ثـم تخاطـبهم بالتكاليف الشرعية ، وتنظم لهم حياتهم العملية من ب

وزواج وغيـر ذلـك ، وتبين لهم الصحيح والباطل والحرام فى تصرفاتهم ، ولذلك تدرج طبيعى فى سنة التشريع ، وهذا النوع من األحكام العملية هو ما

.يسمى اآلن علم الفقه



]١٦[



]١٧[

الفصل األول

"الفقه اإلسالمى ومراحل تطوره "

ة الفقه وذلك من أن نوضح المقصود بكلم –فـى الـبداية يجـب علينا خـالل الوضـع اللغوى واالصطالحى وهذا سيؤدى بنا إلى بيان أقسام الفقه

-:ومصادره وذلك فى ثالثة مباحث

"المبحث األول "

"فى التعريف بالفقه "

-:تعريف الفقه للغة

-:لكلمة فقه فى اللغة عدة معان ، ومن أشهرها معنيان

فالن يفقه الخير والشر ، أى : مطلـق الفهـم ، ومـنه قولهم :األول يفهمه ، أى أن لديه ملكة الفهم بغض النظر عن مقدار فهمه ، وعن عمقه أو ضـحالته ، وقـد اسـتعمل القرآن الكريم كلمة الفقه بهذا اإلطالق ومنه قوله

:تعالى

ا تقولا ممكثير ا نفقهم بياشعقالـوا ي وقوله سبحانه وتعالى :

واحلل : وأيضا قوله تعالى فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا لهم قلوب لا يفقهون بها : وقوله عقدة من لساني ، يفقهوا قولي

تكلم الفهـم الدقيق ، أو فهم غرض المتكلم من كالمه ، فإذا :الثانـى أمامـه مـتكلم فهـم الغرض من كالمه وأدرك مقصوده ، وهو بهذا المعنى أخـص من األول ، وقد استعمل القرآن الكريم كلمة الفقه بهذا المعنى ، ومنه



]١٨[

وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم : قـوله تعالى . ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون طائفة

-:تعريف الفقه اصطالحا

.هو العلم باألحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية

:شرح التعريف

. لتصديق يراد به مطلق اإلدراك الشامل للتصور وا:العلم

يـراد مـنها النسبة التامة بين الطرفين التى هى ثبوت المحمول :األحكـام .الصالة واجبة ، والزنا حرام: للموضوع أو نفيه عنه ، كقولنا

أى المنسوبة إلى الشرع ، وهى ما كانت مأخوذة من أدلة الشرع :الشـريعة دلة المتفق ، كالكتاب والسنة وغيرهما من األ ) (المـبعوث بـه النبى . عليها والمختلف فيها

أى المنسوبة إلى العمل ، فإن يكون الموضوع فيها عمال من أعمال :العملية .الزكاة واجبة ، والزنا حرام: المكلف ، والمحمول حكم فقهى ، كقولنا

والمـراد بهـا هـنا أفعال الجوارح الظاهرة كالصالة ، والباطنة غير ألحكام الفقهية عملية اغلبى ، ألن منها ما ليس عمليا االعتقادية كالنية وكون ا

كثـبوت طهارة الخمر إذا تخللت بنفسها ن ومنع الرق لإلرث ، وغير ذلك ، ألن المحمـول وإن كـان حكمـا شرعيا وهو الطهارة فى الخمر مثال ، لكن الموضـوع لـيس عمال من أعمال المكلف ، ألنه ذات وهى الخمر فالطهارة

. عمل ، بل هى صفة ذات ليست صفة

. الحاصل بعد أن لم يكن :المكتسب



]١٩[

-:المقارنة بين المعنى اللغوى والمعنى االصطالحى

إذا نظـرنا إلى المعنى اللغوى والمعنى االصطالحى وجدنا أن المعنى ألن األول يشمل كل فهم سواء كان : اللغـوى أعم من المعنى االصطالحى

ح عليها الفقهاء أو على طريقة أخرى وموضوع علـى هذه المثابة التى اصطل أخر ، ولعل ما دعى الفقهاء إلى هذه التسمية أنه قد وردت كلمة فقه فى كتاب

فى مواطن كثيرة فجعلوا الفقه فى أول األمر اهللا تعالـى وسنة رسول اهللا ز شامال لكل أنواع األحكام االعتقادية والوجدانية والعملية ثم أخذ كله علم يتمي

عن غيره من العلوم الدينية باسم خاص فهذا علم التوحيد وذلك علم األخالق " واقتصرت كلمة الفقه على األحكام العملية وسمى الباحث فيه والمكتسب له

" .فقيها

-:موضوع علم الفقه

الفقـه اإلسـالمى يتناول الحياة اإلنسانية والدينية والسياسية والقانونية صة كما يتناول هذه الجوانب فى حياة غير المسلمين من للمسـلمين بصفة خا

أهـل العهد والزمة الذين تشملهم دولة اإلسالم وحيث ال تتعارض حياتهم فى مظاهـرها الخارجية مع اإلسالم بشكل ما والناظر فى التعريف االصطالحى

:للفقه يجد أن موضوع الفقه يتجه إلى أمرين

المـتعلقة بأفعال العباد كالحل والحرمة العلـم باألحكـام الشـرعية :األول . والوجوب والندب وغير ذلك



]٢٠[

فإذا قيل مثال إن معرفة األدلة التفصيلية التى بنيت عليها هذه األحكام :الثانى الـربا حـرام والبيع حالل فإن ذلك القول يكون معرفة الحكم الشرعى

.م الشرعية المتعلق بالربا والبيع وهذا هو المراد من العلم باألحكا

ثـم إذا بحثنا عن دليل تفصيلى نبنى عليه هذه المعرفة نجد فى قول اهللا وهذا هو المراد من القول من أدلتها وأحل الله البيع وحرم الربا : تعالى

وهـذان الجانـبان العلـم بالحكم الشرعى والبحث عن الدليل …التفصـيلية . يكونان الفقه فى صورته العامة التفصيلى المستفاد منه

فموضوع علم الفقه هو معرفة الحكم الشرعى المتعلق بأفعال العباد ثم معرفة الدليل التفصيلى لهذا الحكم ويسمى الحكم فى هذه الحالة فقها والباحث

. عنه وعن دليله فقيها



]٢١[

المبحث الثانى

أقسام الفقه اإلسالمى

مى نظام متكامل إذ أنه يحكم تصرفات ممـا ال شك فيه أن الفقه اإلسال اإلنسـان فى جميع حاالته سواء فى عالقة اإلنسان بخالقه أم بعالقة اإلنسان مـع غيـره فـى المجتمع الذى يعيش فيه أم بين اإلنسان والدولة وحتى بين الدولـة واألخرى أمتد تنظيم الفقه اإلسالمى إليها وهذا يرجع بدون أدنى شك

يـن ودولة بكل ما تتسع له هذه الكلمة من معنى ومدلول إلـى أن اإلسـالم د والواقـع خير شاهد على ذلك ولذا فإن معظم الفقهاء يقسمون الفقه اإلسالمى

.العبادات والمعامالت : إلى قسمين رئيسين هما

وهى األحكام الشرعية التى تهدف إلى التقرب إلى الخالق :فالعـبادات زكاة والصوم والزواج والميراث والحج وغير سبحانه وتعالى مثل الصالة وال

هـذه األمـور فإنهـا كلها تدخل فى دائرة العبادات الثانية بنصوص صريحة .سواء كانت آمرة أو ناهية

ومعلـوم أنهـا مستقرة ال تتغير بتغير البيئات أو العادات كما ال مجال يقف للعقـل فـيها إذ أنه يجب على الشخص إتباع هذه األحكام حتى ولو لم

علـى معانـيها أو مـراميها إذن هذه األحكام ال يجوز ألحد أن يزيد فيها أو .ينقص منها ألنها شرعت بنصوص مفصلة من قبل اهللا عز وجل

فهى تلك األحكام التى تنظم عالقة اإلنسان بغيره أو :أمـا المعامالت ارة عالقـته بالدولـة أو عالقة الدول بعضها ببعض ، لذلك مثل البيع واإلج

والقرض والرهن والسلم وغير ذلك فيما يخص عالقة اإلنسان بغيره من بنى



]٢٢[

جنسـه ومثل كل ما يحدد نظام الحكم فى الدولة وينظم سلطاتها العامة ويقرر حـق الفـرد فـى الدولة فيما يخص عالقة اإلنسان بالدولة وهو ما عبر عنه

بر عنه الفقهاء الفقهـاء بالسياسـة الشـرعية ومثل السلم والحرب وهو ما يع بالجهـاد والسير ، وهو ما يخص عالقة الدول بعضها ببعض فكل هذه تدخل

. تحت قسم المعامالت

وهـذا القسم ثبت بنصوص على سبيل اإلجمال ال التفصيل حتى يمكن مـراعاة تغير النصوص فيها تبعا لتغير األعراف والعادات أى ما تدل عليه

لمقصـد من المعامالت إنما تحصيل النصـوص والـزمان والمكـان إذ أن ا . المصالح وحفظ النظام والحقوق

ويمكـن أن يقال فى هذا الصدد إن الفقه اإلسالمى بتقسيمه إلى عبادات ومعـامالت أو تقسيمه إلى غير ذلك كما أشرنا من قبل نجده قد أحتوى جميع

:فروع القانون الحديث سواء العام منه أو الخاص وإليك بيان بذلك

-: القانون الدولى العام -١

ويقصد به القواعد التى تحكم عالقات الدول بعضها ببعض فى السلـم وهو –والحـرب وقـد بحث الفقهاء هذا الموضوع فى كتاب السير والجهاد

يبـين أحكـام الحروب بين المسلمين وغيرهم وما يتعلق بها سواء من حيث المؤقتة وكيفية الوفاء بها أو والمعاهـدات الدائمة أو –األسـباب أو النـتائج

السير –ومن الكتب التى ألفت فى هذا المجال كتابى السير الصغير . نقضها – وكتاب السير لألوزاعى – لإلمـام محمد بن الحسن الشيبانى –الكبيـر

.وكتاب الرد على سير األوزاعى لإلمام أبى يوسف



]٢٣[

-: القانون الدستورى -٢

حكم فى الدولة وينظم سلطاتها العامة ويوزع وهـو الذى يحدد نظام ال االختصاصات بين هذه السلطات ويحدد عالقات هذه السلطات باألفراد ويقرر حقـوق الفـرد فـى الدولة وقد تناوله الفقهاء تحت عنوان السياسة الشرعية

األحكام : واألحكام السلطانية ومن أشهر الكتب التى تم تأليفها فى هذا المجال .ة للماوردى والسياسة الشرعية البن تيمة السلطاني

-: القانون اإلدارى -٣

مجمـوعة مـن القواعد التى تحكم نشاط السلطة التنفيذية وقيامها على أمـر المرافق العامة وتم بحثه أيضا تحت عنوان السياسة الشرعية واألحكام

. السلطانية

-: القانون المالى -٤

بن إيراداتها ومصادر هذا الموضوع فى وهو الذى ينظم مالية الدولة وي . أبواب الزكاة والخراج

-: القانون الجنائى -٥

وهـو الـذى يحـدد الجرائم ومقدار عقوبة كل فعل مجرم ، ولقد أفرد وكتاب – كتاب الجنايات –الفقهـاء لهـذا الـنوع مـن البحث فى كتب الفقه

. وكتاب التعزير –الحدود

العقوبات الموضوعة فى قانون العقوبات بأن : وأسـتطيع أن أقول هنا كلها . إعدام – غرامة – حبس – سجن – مؤقتة – مـن أشغال شاقة مؤبدة –



]٢٤[

تـندرج تحت قسم واحد من أقسام العقوبات فى الشريعة اإلسالمية وهى قسم .التعزير

:القانون الخاص ويشمل

: القانون المدنى -١

نون الخاص ، وإن كان عندنا وهـو يعد عمدة القوانين إذ أنه أصل القا فـى مصر ال يتناول إال األمور التى تدخل فى نطاق المعامالت ، فهو يشتمل

. االلتزام أو الحقوق الشخصية ، والحقوق العينية األصلية والتبعية : على

أما ما يتعلق بدائرة األسرة فى نطاق ما يسمى باألحوال الشخصية فهو وقد . الشريعة اإلسالمية والشرائع األخرى خارج عن نطاق القانون وتحكمه

. القانون بطريقة مستفيضة تحت قسم المعامالت –تناول الفقهاء هذا القسم

-: القانون التجارى -٢

وهـو مجموع القواعد التى تحكم العالقات التجارية ، وقد بحثه الفقهاء .فى أبواب الشركات والمضاربة والتفليس

-: قانون المرافعات -٣

وهو مجموعة القواعد التى تنظم ما يجب اتخاذه من أعمال وإجراءات لتطبيق أحكام القانونين المدنى والتجارى منذ رفع الدعوى حتى الحكم فيها ،

.ولقد بحثه الفقهاء تحت أبواب القضاء والشهادات

-: القانون الدولى الخاص -٤



]٢٥[

قانون الواجب وهـو مجموعة القواعد التى تبين المحكمة المختصة وال التطبـيق فـى القضايا التى يوجد فيها عنصر أجنبى ، أو تنازع االختصاص

.فيها بين بلد أو أكثر

ولقد تناول الفقهاء ذلك بالبحث والتمحيص ، فوضعوا أحكامه العامة ، أحكام أهل الذمة والمستأمنين " وأفـردوا لـه أبـوابا مسـتقلة تحت عنوان

" .والحربيين

الفقه قد توسعت فى تفصيل حقوق األجانب بطريق لم كمـا أن كـتب . يسبق الشريعة فيها قانون أخر

وهكـذا نرى الشريعة اإلسالمية تمتاز بالسمو والكمال ، فليست هناك نازلـة تقـع أو قضية تعرض إال وللفقه اإلسالمى فيها حكم مقرر وهو أعدل

" ى الكتاب من شىءما فرطنا ف" األحكام وأقربها تحقيقا للمصلحة العامة

فليس هناك فرع من فروع القانون لم " وكـل شـىء فصلناه تفصيال " يـتكلم عـنه الفقهاء المسلمون ، بل إن النظريات التى وضعها هؤالء الفقهاء واألحكام التى استنبطوها منها تعد المنار والمالز تنير الطريق لكل من يبحث

.فى القانونين العام والخاص

أن كل فعل يصدر من اإلنسان البد وأن تجد له :له تجد مـن هـذا ك حكمـا فى الشريعة اإلسالمية دون فرق بين أمور الدين وغيرها من األمور سـواء كانـت قانونـية أو سياسـية أو اجتماعية وظل الحال على ذلك يأخذ المسـلمون مـن الشريعة كل أحكامهم فى شتى المجاالت إلى أن جاء القرن

وفـى أواخـره نجـح االستعمار فى تجنيب الحكم بالشريعة التاسـع عشـر



]٢٦[

اإلسـالمية فـى كثير من اإلقطار العربية واإلسالمية ، مستبدال قوانينه بها ، ولقد أدى هذا إلى أن كثيرا من المسائل الجديدة والحوادث المتجددة لم تعرض

اعد وأتسع علـى الفقه اإلسالمى فى هذه البالد لمعرفة رأيه ، ومن ثم زاد التب فـى أذهان البعيدين عن دراسة الفقه اإلسالمى أن الفقه ال يمكن أن يحكم هذه

. العالقات المستحدثة

ولكن هذا القول مردود عليه ألنه صادر من غير متخصصين الذين ال يعملون ما فى الشريعة من مرونة ، ومن قوة جابهت بها الحوادث واألحداث

، ما شعرت الدولة فى خاللها بهذا الشعور ، مـدة تزيد على أثنى عشر قرنا وال احـتاجت إلـى اسـتيراد مبدأ أو قاعدة ، ألن مبادئ الشريعة وقواعدها وضـعت مـن لدن حكيم عليم ، وهى من المرونة والسعة واإلتقان بحيث ال يعـزب عـنها مـثقال ذرة فـى الحـوادث ، واألحداث ماضيها وحاضرها

إال أن يرتفعوا إليها ويأخذ أنفسهم بها ، كى ومـا على الناس .. ومسـتقبلها يسعدوا ويسعد مجتمعهم ، فإن الخالق هو المقنن ، وحسبك به من خبير فيمن

. شرع له



]٢٧[

المبحث الثالث

" التشريع فى عصر الرسالة "

ميالدية ، ٦١٠فى سنة ) (يـبدأ هـذا العصـر بمبعث النبى محمد ) (نة تقريبا ، وهى المدة التى عاشها الرسول واستمر مدة ثالث وعشرين س

مـنذ مبعـثه إلى انتقاله إلى الرفيق األعلى ، والتى كانت جميعها على أرض وإذا كنا فى هذا المبحث نتحدث عن التشريع فى عصر . الجزيـرة العـربية

الرسالة فإننا نشير بإيجاز إلى الحالة التى كان عليها العرب قبل بعثة الرسول ) ( أن العرب قبل بعثة رسول : حتى تتضح لنا األمور كاملة مكتملة فنقول

. كانوا أمة لها تاريخها الحافل وديانتها وتقاليدها وعاداتها ) (اهللا

:ديانتها : أوال

.كان على أرض الجزيرة العربية قبيل اإلسالم عدة ديانات

: الوثنية -١

ب قبل اإلسالم ، وقد كانوا وقـد كانـت هـى الديانة السائدة بين العر يعـبدون األصـنام ، وكان لكل قبيلة صنم وكانوا يقيمون هذه األصنام حول الكعبة ، ومع عبادتهم لهذه األصنام فإنهم كانوا يعلمون أن الخالق لهذا الكون هـو اهللا ، ويعتبـرون هـذه األصنام مقربة لهم من اهللا ، وفى ذلك يقول اهللا

وقوله تعالى لتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله ولئن سأ :تعالى



]٢٨[

ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله علـى ألسنتهم عن السبب فى عبادة األصنام . زلفى

: األديان السماوية -٢

هودية أو المسيحية ، أو كان من العرب من يدينون باألديان السماوية الي " الحنفاء" دين إبراهيم ويسمون

: عبدة الكواكب -٣

وجـدت طائفة من العرب فى اليمن تعبد الكواكب كالشمس والقمر وقد . عرف هؤالء بالصابئة

كما عرف العرب عبادة النار أو المجوسية عن طريق الفرس فى الحيرة -٤ية عند عرب الجاهلية فى بنى وفى اليمن وفى البحرين ، وكانت المجوس

. تميم

ومـع كثـرة هذه المعتقدات وتنوعها وتباينها إال أنه لم يقدر ألى منها الفـوز والغلـبة فـى بالد العرب ، ومع هذا فإنها قد مهدت جميعها الطريق لظهـور النبـى المنتظـر محمـد بن عبد اهللا سواء بما نص عليه فى الكتب

أن الحياة الدنيا هى طريق يوصل إلى الحياة السـماوية ، أو فـى االعـتقاد ب . األخروية األبدية التى يجب أن يعد المرء نفسه للقائها بالعمل الصالح

:نظامها السياسى : ثانيا

لـم يكن للعرب دولة بالمعنى الدستورى ، إذ الدولة بهذا المعنى يكون إلخ وهذا .. عية لها نظامها ودستورها ، وقوانينها وقضاؤها ومجالسها التشري

مـا لم يكن للعرب ، بل كانت الحياة القبلية هى السائدة ، لكل قبيلة رئيسها ،



]٢٩[

وال يجمـع رؤساء القبائل حكومة ، ولذلك لم يكلفوا دفع ضرائب لعدم وجود حكـومة تقبض على زمام السلطة التنفيذية وتضرب على أيدى المعتدين ، بل

ولم يكن يوحد القبيلة ويجمع شملها إال .. أن يثأر لنفسه –كان على المعتدى . إذا تعرضت لقتال أو اعتداء

:األنظمة التى تقوم عليها فى الجاهلية :ثالثا

منها النظام السائد . كان للعرب عدة أنظمة فى الزواج : فـى الزواج . اليوم ، وهو أن تخطب المرأة فيه ويصدقها الخاطب مهرا ثم تزف إليه

ـ ات أخرى أبطلها اإلسالم ، ألن بعضها ال يحفظ للزواج ومـنها زيجقدسيته وال للنسب نقاوته وطهارته وال للمرأة كرامتها ، فأبطل اإلسالم الجمع

حيث وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف : بين األختين بقوله تعالى كما أبطل نكاح الشغار وهو القائم أوردهـا اهللا ضمن المحرمات من النساء ،

على أن يتزوج كل واحد منهم أخت اآلخر على أن يكون المهر هو البضع ، . كما أبطل نكاح البدل ونكاح الخدن إلى غير ذلك

فيطلق الرجل زوجته ما شاء أن –كمـا كـان لهم أنظمة فى الطالق . يطلقها وهى زوجته إن ارتجعها فى العدة

ظمة فى التوريث ، حيث كان التوريث عندهم يقوم على كما كان لهم أن ) . التبنى –الحلف ( السبب –شيئين النسب



]٣٠[

كانوا يعوفون كثيرا من العقود التى تنقل : كذلك فى المعامالت المالية كالبيع واإلجارة والسلم والرهن –األمـوال والمـنافع مـن ذمة إلى أخرى

ابها كثير من العيوب التى تؤدى إلى والمضـاربة ولكن هذه المعامالت قد ش وسيأتى لذلك –أكـل أموال الناس بالباطل كبيع الحصاة والمالمسة والمنابذة

. مزيد تفصيل فى النظريات العامة للمعامالت

وفـى المجـال الجنائى كان للعرب فى جاهليتهم عقوبات تزجر الناس رقة ، القصاص فى عـن ارتكـاب الجرائم المختلفة فلهم عقوبات الزنا ، الس

القـتل من هذا يتبين لنا أن للعرب نظما فى جوانب كثيرة من حياتهم يسيرون علـيها ولكـنها ال تصـل إلى مستوى القوانين إلى تقوم السلطة التنفيذية فى الدولـة بالمعنى الدستورى على إلزام الناس على احترامها والسير طبقا لها ،

سائدا بينهم ، فقد كانت تلك الضوابط قليلة ألن الـنظام القبلـى هو الذى كان األهمـية ليسـت كافية فى تحقيق النظام وال رادعة ألهل الفساد ، مما أوجب سرعة اإلصالح وفورية التقويم وهيأ العقول الناضجة إلى التلهف على نزول

. التشريع السماوى الموعود

) :(التشريع فى عصر الرسول

ثالث وعشرين سنة منذ أن نزل عليه مدة ) (ولقـد قضـى الرسول الوحى منها ثالث عشرة سنة قضاها بمكة والباقى بالمدينة ، وإذا كان لينا أن نتـناول جانـبا معينا وهو منهج التشريع اإلسالمى فى هذا العصر فإن لنا أن

واتخاذه لها مقرا ) (نلقـى نظرة على األماكن التى تشرفت بإقامة الرسول انتقاله إلى الرفيق األعلى ، فإننا نفرق فى هذا المجال بين بعـد بعثـته إلـى

: مرحلتين



]٣١[

.إلى أن هاجر إلى المدينة ) (مرحلة تبدأ من بعثة : األولى

إلى أن انتقل إلى الرفيق األعلى وذلك لما ) (تـبدأ مـن هجرته : الثانـية تميـزت به كل مرحلة تميزا واضحا عن األخرى فى المنهج والعالج

ـ ذى عـالج اهللا بـه هذه األمة ، حتى اكمل اهللا تعالى هذا التشريع ال : وأتمه ، ونوضح كال من المرحلتين فيما يأتى

: المرحلة األولى

إلى المدينة حيث تتميز ) (طـريقة التشـريع قبل البعثة وبعد هجرته -:هذه المرحلة بما يأتى

شر سنة تقريبا ، استمرت هذه المرحلة ثالثة ع :مـن الناحية الزمنية -١ثـالث مضـت بعـد لقاء جبريل له فى غار حراء دون أن ينزل عليه شـئ ، ومنها ثالث أخريات كانت الدعوة فيها سرية ، والسبع الباقيات

.كانت الدعوة فيها جهرية

إذا نظرنا إلى الشريعة اإلسالمية وجدنا أنها :من الناحية الموضوعية -٢وأحكام أخالقية ، وأحكام عملية تنظم تحـتوى علـى أحكام اعتقاديه ،

واألخيرة أى العملية عبارة عن تكليفات لإلنسان .. العالقات بين الناس يتـرتب عليها فعل أو ترك ، وقد يتناقض ما يطلبه المشرع من فعل أو تـرك مع ما هو موجود وقائم بما يتصل بحياة الناس و معادهم ، فالبد

النفس البشرية وتهذيبها ، وقد اقتض هذا لتلقـى هذه التكليفات من تهيئة المسـلك الطبيعى الواقعى أن ينزل القرآن فى هذه الفترة موجها الناس

-:إلى أمرين أساسيين



]٣٢[

: فى االعتقادات : أولهما

وعمادهـا اإليمان باهللا تعالى وحده دون سواه ، وإخالص العبادة لذاته بمالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر العلية ، ونبذ كل معبود سواه ، و اإليمان

لاو إلا الله دبألا نع نكميبننا وياء بوة سا إلى كلمالوـل الكـتاب تعاأهقـل ي وا فقولوا نشـرك بـه شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تول

ونلمسوا بأنـا مداشـه وقال تعالى هبر ه منا أنزل إليول بمسالر نآم من سورة أل ) ٦٤( أيـه . ٠٠٠٠والمؤمـنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله

.من سورة البقرة ) ٢٨٥(عمران ، واألية

ياأيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي : وقـال تعالـى نـزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه

ض م الآخر فقدواليله وسرا وعيدلالا بل ض سورة النساء) ١٣٦(اآلية.

: فى األخالقيات : ثانيهما

وأساسـها أن تتحلـى النفس البشرية بكل الصفات المحمودة ، وتتجنب الصـفات الرذيلة ، وتبتعد عن الصفات السيئة حتى تطهر النفس وتكون مثال

إن " الناس بالعدل وقدوة صالحة فى المجتمع الذى تعيش فيه ، فأمر اإلسالم وأوفوا بالعهد إن العهد " الوفاء بالعهود " و " اهللا يأمـر بالعـدل واإلحسان

وتعاونوا على البر والتقوى " والتعاون على البر والتقوى " كـان مسئولا نهى عن الظلم وخلف الوعد والبخل ، كما ولا تعاونوا على الإثم والعدوان

والطمـع والتعاون على اإلثم والقسوة والغيبة والنميمة وسوء الظن إلى آخر الصـفات الـذى ذخـر بها التشريع ، ولقد اختص اهللا سبحانه وتعالى هذين الغرضـين ـ االعـتقاد واألخالق ـ بأكثر آيات القرآن الكريم ، فلقد بلغت



]٣٣[

الف أية لم يكن منها متعلقا باألحكام العملية إال نحو آيات القرآن الكريم ستة آ مائتى آية ، وباقى اآليات كان موجها لهذين الغرضين وإن اختلفت أوضاعها إثـباتا ونفيا ، وخبرا وإنشاء ، وتعددت أساليبها أمرا ونهيا واستفهاما وتوكيدا

.وقسما

:المرحلة الثانية إلى انتقاله إلى ) (د هجرة رسول اهللا نبـين فـيها مـنهج التشريع بع

.الرفيق األعلى

بعد أن رسخت العقيدة فى نفوس الكثيرين ، وتشربوا كثيرا من أخالق اإلسـالم ، ورأ نـبذه لكـل قبيح ومستنكر ، وتهيأت العقول لتلقى مزيد من

شاءت إرادة اهللا تعالى أن يأذن لنبيه عليه السالم بالهجرة من مكة .. التكاليف إلـى المديـنة إثر مؤامرة كانت تستهدف حياته فأنقذه اهللا منها ، فهاجر إليه

حكما .. وتبعه كثير ممن آمن به ، ومن هذا الوقت بدأ نزول األحكام العملية أثـر حكـم وتشريعا إثر تشريع حتى كمل التشريع وتم نزول جميع أحكامه ،

-:وهذه المرحلة تتميز بما يأتى

استمرت هذه المرحلة مدة عشر سنوات تقريبا : نية مـن الناحـية الزم -١ .إلى الرفيق األعلى ) (تبدأ من هجرته حتى انتقاله

لما كانت هذه المرحلة هى مرحلة نزول : مـن الناحـية الموضـوعية -٢األحكـام العملـية فـإن معظم األحكام العملية فإن معظم األحكام التى

نزلت فى هذه المرحلة ، ويستثنى تستلزم عمال أو تركا من المكلفين قد مـن ذلـك القليل من هذه األحكام ، كالصالة التى فرضت ليلة اإلسراء والمعـراج قبل الهجرة بعام واحد على صورتها التى نحن عليها ، وإن



]٣٤[

. كان لهم قبل ذلك نوع من الصالة وهى صالة الصباح وصالة العشى ريع المكى والتشريع ولـذلك فـإن يجب علينا أن نميز بين مرحلة التش

.المدنى

-:التشريع المكى : أوال

لمـا كانـت عقـيدة الشـرك هى المسيطرة على عقول الناس فى تلك الفتـرة ، حـيث عبادة األصنام والتقرب إليهم ، فكان لكل قبيلة صنم ، ومع عـبادتهم لهـذه األصـنام فإنهم كانوا يؤمنون باهللا ، ولكنهم يعتقدون أن هذه

ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن تقـربهم من اهللا األصـنام الله . ، فكان البد أن يتجه التشريع فى هذه المرحلة إلى إصالح العقيدة أوال

حتـى تتهـيأ الستقبال التشريعات العلمية والتكليفية ، فنجد القرآن الكريم فى -:ليخاطب الناس فى أمرين ـ كما أسلفنا ـ وهما بإيجاز هذه الفترة نزل

:األمور اإلعتقادية : األول

بدأ التشريع اإلسالمى يخاطب الناس بعبادة اهللا وحده وعدم الشرك به ، ثـم اإليمـان بمالئكـته وكتـبه ورسله واليوم اآلخر وغير ذلك من األمور

.اإلعتقادية

وا حولهم ويعملوا عقولهم ، وأن وفى هذا المجال يدعوهم إلى أن ينظر والتفكر ال يكون إال " أفال يعقلون " " أفـال يتفكرون " يتفكـروا فـى خلقـه

بالعقل ، وهو األداة التى عن طريقها يستطيع اإلنسان أن يصل إلى أن يكون بيننا قل ياأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء مؤمـنا ال يشـرك بـاهللا شيئا



]٣٥[

ا مناببا أرضعنا بضعتخذ بلا يئا وبه شي لا نشركو إلا الله دبألـا نع ـنكميبو ونلمسوا بأنا مدا فقولوا اشهلوتو ون الله فإند .

-:النواحى األخالقية : الثانى

ت أن تتحلى النفس البشرية بكل الصفات الحميدة ، وأسـاس األخالقـيا وتبتعد عن الصفات الرزيلة والعادات السيئة ، فكان اإلسالم فى هذه المرحلة يأمـرهم بالصـدق واألمانـة ونصرة المظلوم والضعيف ، وينهاهم فى ذات الـوقت عن مساوئ األخالق من الكذب والغش والخداع وغير ذلك مما كانوا

ولقد خص .ق الحرية لغرائزهم ، وسيطرة روح األنانية عليهم عليه من إطال اهللا تعالـى هـذين الغرضين ـ األمور االعتقادية واألخالقية ـ بمعظم آيات القـرآن الكريم ، فلقد بلغت آيات القرآن الستة آالف آية ، لم يكن منها متعلقا

جها لهذين باألحكـام العلمـية إال نحـو المائتـى آية ، وباقى اآليات كان مو الغرضـين ، وإن اخـتلفت أوضـاعها إثباتا ونفيا وخبرا وإنشاء ، وتعددت

. أساليبها أمرا ونهيا واستفهاما وتوكيدا وقسمها

فبالنسـبة للتشريعات العملية فى هذه الفترة فإنها كانت قليلة ورغم أنها س ، وذلك عملـية أصـال ، إال أن لهـا صـلة وثيقة بتثبيت العقيدة فى النفو

كتحريم أكل ما لم يذكر أسم اهللا عليه ، أو له اتصال بتهذيب األخالق وصفاء .النفوس كإيجاب الصالة

:التشريع المدنى : ثانيا

يدعوا الناس فى مكة قرابة ثالثة عشر عاما ، وكان ) (ظل الرسول التشـريع يهـدف ـ كمـا قلنا ـ إلى األحكام االعتقادية واألخالقية ، حتى



]٣٦[

رسـخت العقـيدة فـى نفوس من آمنوا به وتهيأت العقول لتلقى مزيد من لمؤامرة ) (التكالـيف ، وظل الحال على هذا الوضع إلى أن تعرض النبى

بالهجرة من ) (من أعدائه تستهدف حياته ، فشاءت إرادة اهللا ان يأذن لنبيه ناك أخى بين مكـة إلـى المدينة ، فهاجر إليها وتبعه كثير ممن آمن به ، وه

المهاجـرين واألنصار ، وبدأت تتكون نواة الدولة اإلسالمية ، فاتجه التشريع إلـى تكوين الدولة داخليا وخارجيا وفى شتى مجاالت الحياة فنجد أنه أوجب

:على األفراد طاعة أولى األمر

ر منكملي الأمأوول وسوا الرأطـيعو .. حاكم أن كما أوجب على ال " . وشاورهم فى األمر " يساوى بين األفراد ، وأن يرجع إليهم فى الرأى

كمـا أوجب المعاقبة على ارتكاب الجرائم ، فشرع الحدود محددة فى الجـريمة والعقـاب كالزنا والسرقة والقذف ، كما أوجب القصاص فى القتل

فيما عدا –األمر العمد العدوان ، وترك باقى الجرائم يحددها القاضى أو ولى ويقدر لها العقوبة التى تردع الجانى عن العود الرتكاب –الحدود والقصاص

" . جريمته

كما أهتم التشريع بنظام األسرة باعتبارها الدعامة األساسية فى المجتمع ، فشـرع الـزواج ، وبين حقوق األوالد واألقارب ونظام الميراث إلى آخر

دولة مع أفرادها أو مع غيرها من الدول ، كما جمـيع مكونات األسرة بل وال سـبق القـول احـتوى علـى جميع ما يعن للفرد من حاجات وما عليه من

. التزامات وكذلك المجتمع

:مقارنة بين التشريع المكى والمدنى



]٣٧[

بالنظـر إلـى التشريع المكى والمدنى نجد أن لكل منهما سمات تميزه -:يلى وتخصه عن غيره ومن هذه السمات ما

إن اآليـات التى تبين اإليمان باهللا ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر -١ .وتدعو إلى مكارم األخالق وتنهى عن أضدادها كلها مكى

. العقوبات كلها مدنى – الجهاد – المواريث –أما اآليات العملية

نظـرا لبداية عهد المسلمين باإلسالم والقرآن فكل اآليات المكية قصيرة -٢وذلـك ليتمكن المسلمون من حفظها ، أما اآليات المدنية فطويلة ، ألنهم

.تعودوا حفظ القرآن أكثر تفصيال

– يا بنى آدم – يأتها الناس –الخطـاب فى القرآن الكريم بالنسبة للمكى -٣وذلـك ألن الخطاب موجه إلى أهل مكة ولم يكونوا قد آمنوا بعد ، فال

.يناسبهم الخطاب باإليمان

إال سبع آيات " يا أيها الذين آمنوا : " أمـا فـى المدينة فكان الخطاب . مدنية ورد فيها الخطاب يا أيها الناس ، وذلك لكثرة دخول الناس فى دين اهللا

كل سورة فيها سجدة فهى مكية ، ماعدا سورة الحج ، فإن الراجح أنها -٤ ، بعد أن مدنـية ، ولعل السر فى ذلك هو تعويد الناس على السجود هللا

.كانوا معتادين السجود لألوثان

:الخصائص العامة للتشريع فى هذا العصر

مـن المعلـوم أن التشريع فى عصر النبوة كان واقعا عمليا ، فكان ال يقـوم علـى االفتراضـات بل كان يسير مع الحوادث ويتمش مع النوازل ،



]٣٨[

العصور الالحقة وكـان لهذا التشريع عدة خصائص يتميز بها عن غيره من . التى مر بها الفقه اإلسالمى

لـم يكن هناك نوع من الخالف فى التشريع ، وذلك ألن سلطة التشريع -١الذى يبلغ ما يوحى إليه من ربه دون ) (فـى هذا العصر كانت للنبى

فى ذلك هو ) (تـدخل مـن أحـد فى هذا المجال وكان مرجع النبى .الوحى

ابه فقها مدونا ، بل ترك لهم جملة من ألصح) ( لـم يتـرك الرسول -٢األصـول والقـواعد واألحكام الجزئية ، بعد أن نبههم إلى علل األحكام وأسـرار التشـريع وعلمهم طريقة استنباط األحكام من مصادرها على

. وجه يحقق لهم مصالحهم ويالئم حاجاتهم

-:التدرج فى نزول التشريع -٣

يتمشى مع طبيعة اإلنسان ، فكما حيث سلك اإلسالمى فى نزوله مسلكا أن اإلنسـان خلق طورا بعد طور ، وكما أن اإلنسان بعد تمام خلقه يستطيع بالممارسة والتعليم أن يتحمل من األعباء ما ال يمكنه أن يتحمله دفعة واحدة ، تمشـيا مع هذا المنطق الطبيعى نزل التشريع اإلسالمى متدرجا ، تنزل آياته

ـ ثم بنزول األحكام " باعا ، ولذلك بدأ التشريع بنزول االعتقادات وتعالـيمه تواعتقاد بلزوم مباشرة .. وما ذلك إال ألن االعتقاد يسبق فكر وتدبر " العملية

ومن هذا المنطلق سبقت .. هـذا العمـل ، لمـا يحققه من نفع خاص أو عام .األحكام االعتقادية واألخالقية األحكام العملية



]٣٩[

ا المنطلق ذاته صاحب األحكام العملية ، حيث لم تنزل تلك بـل إن هذ األحكـام دفعـة واحـدة وإنما نزلت حكما أثر حكم على مدار عشر سنوات

. تقريبا

بـل إن التدرج كان فى الحكم الواحد أحيانا ، ينزل حكما فى مسألة ما وس وبعـد فتـرة ينـزل حكما آخر يتالءم مع الناس ، وذلك بهدف تهيئة النف

:لتلقى الحكم الذى ينزل بعد ذلك فمثال

نظرا ألن العرب كانوا يشربون الخمر بكثرة ، فإن : فى تحريم الخمر التشريع اإلسالمى قد تدرج معهم فى تحريم شربها حتى يتمكن من تعود على شـربها أن يجتنبها وأن يتمثل للنهى الوارد فيها ، فلقد ذكر سيدنا عبد اهللا بن

يسألونك عن " نه نزل فى الخمر ثالث آيات ، فأول شىء نزل أ) (عمر .الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما

كانت عقوبة الزانى فى مصدر اإلسالم ال تتعدى : وفـى عقوبة الزنا يت بالنسبة للمرأة واإليذاء بالقول بالنسبة للرجل ، يقول تعالى الحـبس فى الب

: فى ذلك

فإن ة منكمعبأر هنليوا عتشهدفاس ائكمنس الفاحشة من أتيناللاتـي يو و يجعل الله لهن سبيلا ، شـهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أ

كان الله ا إنمنهوا عرضا فأعلحأصا وتاب ا فإنمفآذوه ا منكمانهأتياللـذان يو توابا رحيما

: ثم جعل اهللا هذه العقوبة بعد ذلك الجلد مائة لغير المحض ، قال تعالى انة الزلدا مائة جماحد منهوا كل ولداني فاجالزة وي .. .



]٤٠[

ماعزا والغامدية وكانا ) (والـرجم للمحـض ، فقد رجم رسول اله .محصنين

ومـن هذا يتبين مدى تدرج التشريع اإلسالمى فى أحكامه خاصة تلك حكم بأن يدع اإلنسان التـى ألفها الناس وتعودوا عليها فإن الشريعة لو جاء ال

مـا ألفه مرة واحدة فإنه ال يمتثل لآلمر أو النهى ، لكن اللطيف الخبير العالم بأحوال النفس ونوازعها يتدرج معهم فى الحكم حتى يستجيب الناس ويطيعوا

ال تشربوا : لو نزل أول ما نزل :" وفـى ذلـك تقول عائشة رضى اهللا عنها ا ، ولو قال لهم ال تزنوا لقالوا ال ندع الزنى الخمـر لقالـوا ال ندع شربها أبد

.." أبدا

ممـا يميـز التشـريع فـى هذا العصر ارتباط نزول كثير من األحكام -٤ . بأسباب تستدعى نزولها

لقد اقترن كثير من األحكام العملية بسؤال سائل ، أو عقب حادثة تطلع :الناس إلى معرفة حكمها ومن األمثلة على ذلك فى الخمر

ياأيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى : نزل قوله تعالى يا رسول اهللا إنا نشربها قرب الصالة ، : فقـيل حرمت الخمر بعينها ، فقالوا

الأنصاب ياأيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر و : فسكت عنهم ، ثم نزلت وهتنبطان فاجل الشيمع من سرج لامالأزو فقال رسول اهللا ) " : ( حرمت

فهنا نلحظ أن الشريعة اإلسالمية قد تدرجت فى تحريم الخمر تدرجا " الخمر هـيأ للـنفوس االمتثال والطاعة ، وهيأ لألجسام المتعودة عليها االمتناع عنها

. منية مالئمة ، وكل ذلك سمة من سمات التشريع اإلسالمى فى فترة ز



]٤١[

كان المقدار الذى يخرجه المسلم زكاة ألمواله فى : وفى زكاة األموال أى ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو : أول األمـر غير محدود قال تعالى

السنة الثانية من الهجرة ولقد فرضت الزكاة فى .. أنفقـوا ما زاد عن الحاجة خذ من أموالهم صدقة تطهرهم : عـندما نـزل قوله تعالى مخاطبا رسوله

وتزكيهم بها

مقاديرها ، وذلك ) ( ثم حدد الرسول وآتوا الزكاة : وقـال تعالى خمس ذود من ليس فيما دون خمسة أو سق من التمر صدقة ، ) :" (كقوله

.وغير ذلك من األحاديث " اإلبل صدقة

: ما جاء من األحكام عقب سؤال سائل -

سورة األنفال) ١(أية يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول : قال تعالى

من ) ١٨٩(أية للناس والحج يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت: قـال تعالى

سورة البقرة

يسـألونك عـن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع : قـال تعالـى من سورة البقرة) ٢١٩(من اآلية . للناس

و ويسألونك ماذا ينفقون قل العف: قال تعالى

ويسـألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في : قـال تعالـى . المحيض

-:ما جاء من األحكام أثر حوادث استدعت نزوله



]٤٢[

كمـا نـزل كثيـر من األحكام عقب سؤال سائل كذلك نزل كثير من : ثل األحكام عقب حوادث استدعت نزول تلك األحكام م

عندما جاء قوم أسلموا ثم مرضوا لعدم مالئمة جو المدينة لهم ، فأشار أن يذهبوا إلى إبل الصدقة خارج المدينة فيشربوا من ) (علـيهم رسول اهللا

ألـبانها ففعلوا فصحوا ، ثم مالوا على الرعاة فقتلوهم وارتدوا عن اإلسالم ، ا أيديهم وأرجلهم وساقوا كمـا تحكـى كتب التاريخ أنهم ثملوا أعنيهم وقطعو

أمر بعض شباب ) (اإلبـل وأخـذوها ، فلمـا وصـل الخبر إلى الرسول إنما : المسـلمين بـأن يأتوا بهم أحياء أو أمواتا فأتوا بهم فنزل قوله تعالى ي ا أنادض فسفي الأر نوعسيو ولهسرو الله وناربحي الـذين اءـزج قتلوا أو

مله ض ذلكالأر ا مننفوي خلاف أو من ملهجأرو ـديهمأي تقطـع وا أوـلبصي ظيمع ذابة عفي الآخر ملها ونيفي الد يخز. سورة المائدة) ٣٣(آية.

مرأته وثالث بنات وأيضـا لما توفى أوس بن ثابت األنصارى وترك ا لـه مـنها ، قام أبنا عم الميت ووصياه ، فأخذا ماله ولم يعطيا امرأته وبناته

(شيئا ، فذكرت زوجة أوس ذلك للرسول ، فدعاهما ، فقال يا رسول اهللا

) :" (، ولـدها ال يـركب فرسـا وال يحـل كال ، وال ينكأ عدوا ، فقال ) للرجال : فأنزل اهللا تعالى قوله " فيهن انصرفا حتى أنظر ما يحدث اهللا لى

نصـيب ممـا تـرك الـوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان إلى أبنا ) ( فأرسل النبى والأقـربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا

يفرقا من مال أوس شيئا ، فإن اهللا جعل لبناته نصيبا ، ولم يبين عم الميت أال كـم هـو حتـى أنظر ما ينزل ربنا ، ثم أنزل اهللا بعد ذلك آية المواريث قال



]٤٣[

فأعطى المرأة يوصـيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين :تعالـى . والباقى البنى العم تعصيبا الثمن والبنتان الثلثين

"الدعائم التى قام عليها التشريع اإلسالمى فى هذا العصر "

إن الـدعائم التى تقوم عليها هذا التشريع مستمدة من طبيعته ، وما دام هـذا التشـريع يقوم على الوحى اإللهى ، فإن الهدف األسمى منه يتمثل فى

القواعد العامة التى تقوم عليها هذا تحقـيق مصالح الناس جميعا ، ولما كانت التشـريع تأتـى فى صورة تكاليف شرعية اإلنسان هو المخاطب بها ، فإنها تتسـم بالتيسير ونفى الحرج وتحقيق العدالة بين الناس ، وعلى ذلك فأننا نبين

إن األسس التى : هـنا األسـس والدعائم التى يقوم عليها التشريع اإلسالمى -:تتخلص فيما يلى . يع تقوم عليها التشر

.تحقيق مصالح الناس جميعا -١

. تحقيق العدالة بين الناس جميعا -٢

. عدم الحرج وقلة التكاليف -٣

-:تحقيق مصالح الناس جميعا : أوال

إن الهـدف األهم من التشريع هو تحقيق مصالح الناس ، ولذلك كانت ونعيم اآلخرة ، وعبادة الشـرائع كلها أحكام ، قصد الشارع منها سعادة الحياة

اهللا تعالى طريق الستحقاق نعمه وسبب لبلوغ اإلنسان أقصى السعادة والرضا . والمثوبة

وعلى هذا الهدف جاءت الشريعة الخاتمة شاملة إلصالح أحوال الناس فـى الدنيا وموصلة إلى رضا اهللا ونعيمه فى اآلخرة ، ولذلك وردت أحكامها



]٤٤[

عسر ، ويتمثل تحقيق مصالح الناس جميعا فى سـمحة ميسرة بال ضيق وال :عدة جوانب

: رعاية الشريعة لمصالح العباد -١

وذلـك يتجلـى فـى الحكمة من إرسال الرسل حيث يقول تعالى قال رسلا مبشرين ومنذرين لألا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل : تعالى

سورة النساء) ١٦٥(ن اآلية م.

الذي خلق الموت والحياة : وكـذلك الحكمة فى خلق الموت والحياة .سورة الملك) ٢(من اآلية . ليبلوكم أيكم أحسن عملا

إن الصلاة تنهى عن : والحكمـة مـن شـريعة الصالة ، قال تعالى : والحكمة من شريعة الصيام ، قال تعالى سورة العنكبوت ) ٤٥( آية والمنكر الفحشاء

لكملع لكمقب من لى الذينع ا كتبكم اميالص كمليع نوا كتبآم ـا الذينهاأيي تتقون . سورة البقرة) ١٨٣(آية .

ولكم في : ة القصاص فى قوله تعالى وكـذلك الحكمـة مـن شرعي تتقون لكماب لعلي الألباأواة يياص حالقص). سورة البقرة) ١٧٩

-: رعاية التشريع لمصالح الناس فى عصر الرسالة وبعدها -٢

وقد مر بيان –ويتجلـى ذلك فى عصر الرسالة فى التدرج فى األحكام عصر الرسالة فنجد أن األحكام فى الشريعة لها علل وهذه أمـا بعد –ذلـك

وهو –العلـل يدور الحكم معها وجودا وعدما فإذا وجدت العلة وجد المعلول وإذا إنعدمت العلة انعدم المعول فإذا وجد القتل العمد العدوان وجد –الحكـم



]٤٥[

لجلد أو القصاص وإذا لم يوجد القتل لم يوجد القصاص وإذا وجد الزنا وجد ا . الرجم وإذا لم يوجد لم يوجد وهكذا

وقـد نـص الشرع على كثير من علل األحكام وحكمة تشريعها ، من إنما يريد الشيطان أن يوقع قـوله تعالى فى تحريم الخمر والميسر : ذلـك

يسر ويالمر وفي الخم ـاءغضالبة واوـدالع ـنكميب نعذكر الله و نع كمدص وننتهم ل أنتملاة فهالص سورة المائدة) ٩١(آية.

إنها من الطوافين عليكم فى بيان طهارة سؤر الهرة ) (ومثل قوله فالعلـة فـى طهارة سؤرها أنها كثيرة الطواف فلو لم يجعله والطـوافات

. ضيق وحرج الشارع طاهرا لوقع الناس فى

مراعاة مصالح الناس فيما يشرع : مـن مظاهر تحقيق مصالح الناس :لهم

أرسـل اهللا نبي اإلسالم إلى الناس كافة وروعى فى تشريع اإلسالم أن قل ياأيها الناس إني : يكون تشريعا عاما للناس جميعا مصداقا لقوله تعالى

كمـول اللـه إلـيسا رميعج من هنا كان البد لهذا التشريع أن يكفل للناس ) (حقـوقهم وأن يحقق لهم مصالحهم فلقد وصف القرآن الكريم رسول اهللا

إنما أنا رحمة " ووصف الرسول نفسه بقوله " رحمـة للعالمـين " بأنـه " .مهداه

وعمـوم هذه الرسالة يبين الفرق الواضح بين التشريع اإلسالمى وبين أى تشـريع وضـعى آخر إذ أن المخاطبين بأحكام أى قانون محدود بحدود اإلقلـيم أو بجنس الدولة التى يعتبر القانون قانونا لها ، بينما يعم الخطاب فى



]٤٦[

الشـريعة اإلسـالمية جميع المخاطبين به بغض النظر عن أجناسهم وألوانهم . التشريع اإلسالمى وأقاليمهم ، ومن هنا كان تحقيق المصلحة غاية يتوخاها

وجود النسخ فى الشريعة : مـن مظاهـر رعايـة المصـلحة أيضا : اإلسالمية

، إذ ) (معلـوم أن النسـخ لألحكـام ال يكون إال فى عصر الرسول إيراد دليل شرعى متراخيا عن دليل شرعى مقتضيا خالف : النسـخ معـناه

عاة مصلحة الناس والغرض من النسخ مرا . حكـم الدلـيل الشرعى المتقدم ومسايرة حاجاتهم فقد يشرع الشارع حكما لمالءمته للناس وقت تشريعه ، أو لمقصـد خاص ، ثم تزول مالءمته أو ينتهى الغرض المقصود منه ، فيشرع

ومن أمثلة وجود النسخ . الشارع حكما ناسخا يحقق الغرض العام من الحكم صية للوالدين واألقربين بقوله فـى القـرآن الكـريم أن اهللا تعالى أوجب الو

كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين :تعالى تقينلى الما عقوف حـرعبالم بينالأقـرو ثم نسخ هذا الوجوب بنزول آية

يوصيكم : تركة المتوفى وهى قوله تعالى أخرى تحدد نصيب كل وارث فى كذلك االتجاه إلى القبلة فقد كان اللـه فـي أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين

ثم أمروا .. المسـلمون فى أول األمر يتجهون فى صالتهم إلى بيت المقدس رى تقلب وجهك في السماء قد ن : بالـتوجه إلى المسجد الحرام بقوله تعالى

فلنوليـنك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا هشـطر كمـوهجو فإن هذا النص رفع الحكم األول وهو التوجه إلى بيت

م الشرعية فى عصر الرسالة ، وحكمة وقوعه المقدس فالنسخ واقع فى األحكا . تحقيق مصالح الناس التى هى المقصود األصلى من تشريع األحكام



]٤٧[

فـإن حـال الـناس فى وقت من األوقات كان يستدعى حكما ، ثم بعد مضـى هذا الوقت استدعى حكما آخر ، فناسب ذلك نسخ الحكم األول ، وقد

– كما فى حالة عقوبة الزنا – الثانى أخف من الحكم –يكون الحكم المنسوخ وقـد يكـون الحكم الثانى أخف من الحكم األول كما فى عدة المتوفى عنها :زوجها أن يوصى لها بالنفقة والسكنى فى هذه المدة كما جاء فى قوله تعالى

اجهموة لأزصيا واجوأز ونذريو منكم نفوـتوي الـذينل ووا إلى الحتاعم ثم نقصت هذه العدة إلى أربعة أشهر وعشرة أيام بقوله .. غيـر إخـراج

والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر : تعالى ث أعطاها اهللا فريضة لها وهى ونسخت الوصية بآية المواريث حي وعشرا

. ربع التركة إن لم يكن لزوجها ولد ، والثمن إن كان له ولد

:تحقيق العدالة بين الناس جميعا : ثانيا

إقامة العدل بين الناس فهم أمام – أيضا –مـن أهـم مقاصد الشريعة الحـق سـواء ، ال فضـل لعربـى على عجمى وال ألبيض على أسود إال

ى ، وهو ميزان العدالة التى ال تحابى أحدا وتلك المساواة التى ال تفرق بالتقوبـين الـناس بسبب الحسب أو النسب أو المال أو الجاه أو الجنس أو اللون ، ولذلك جاءت أحكام الشريعة تخاطب الناس جميعا ، ومن هنا ندرك الغاية من

أرضه ليكون أحكـام الشـريعة وهـى حرصها على إقامة ميزان اهللا على والمساواة التى جاءت بها الشريعة اإلسالمية بين . صورة لميزانه يوم القيامة

الـناس فـى مجاالت الحياة المختلفة هو ما يسمى بالعدالة ، ولقد أمر القرآن إن : الكـريم بها فى محكم آياته وحث عليها وحذر من تركها ، قال تعالى

ل ودبالع رأمي ان اللهساإلح). سورة البقرة ) ٢٣٤.



]٤٨[

إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين : وقـال فقد صرحت اآليتان لنا بالتزام العدل بين .. الـناس أن تحكمـوا بالعـدل

اللة على أن العدل مطلوب بين الجميع الـناس ، ولـم تقـل بين المؤمنين للد . المسلم وغير المسلم

ياأيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا : وقـال تعالى وا الله إن الله يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتق

لونما تعبم خبير .سورة المائدة) ٨(آية

أى ال يدفعـنكم وال يحملـنكم بغـض بعض الناس :ومعنـى اآليـة وكـراهيتهم على ترك العدل ، ثم يأمرهم بالعدل ويأمرهم بتقوى اهللا والخوف

تفلح أمة ال: " فى هذا الخصوص ) (منه وبين لهم أنه مراقب عليهم وقال أن قريشا ) (وروى عن عائشة " ال تـؤخذ للضـعيف منها حقه من القوى

فى غزوة ) (أهمهـم شـأن المـرأة المخرومة التى سرقت فى عهد النبى ؟ فقالوا ومن يجترئ عليه إال ) (الفـتح ، فقالـوا من يكلم فيها رسول اهللا

مه فيها أسامة بن فكل) (، فأتى الرسول ) (أسـامة بن زيد حب رسول اهللا فقال له " أتشفع فى حد من حدود اهللا : " ، فقـال ) (زيـد فـتلون وجهـه

) (أسـتغفر لـى يا رسول اهللا ، فلما كان العشى قام رسول اهللا : " أسـامة فإنما أهلك الذين من " أما بعد : " فخطـب فأثنى على اهللا بما هو أهله ثم قال

لشريف تركوه ، فإذا سرق فيهم الضعيف قـبلكم أنهـم كانوا إذا سرق فيهم ا أقامـوا علـيه الحد ، وإنى والذى نفسى بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت

. بتلك المرأة فنفذ فيها الحد ) (ثم أمر الرسول " لقطعت يدها

: واآلثار عن الصحابة فى ذلك كثيرة منها



]٤٩[

مسلمين فى خطبته عقب مبايعته لخالفة ال ) ( قول أبى بكر الصديق والضعيف فيكم قوى عندى حتى آخذ الحق له ، والقوى فيكم ضعيف عندى "

" .حتى آخذ الحق منه

وقول عمر بن الخطاب أيضا نفس المقولة عند توليه خالفة المسلمين ، اجعلوا الناس عندكم سواء قريبهم كبعيدهم ، " وقوله للوالة عندما كان يعينهم

لرشا والحكم بالهوى وأن تأخذوا الناس عند وبعـيدهم كقـريبهم ، وإيـاكم وا .وغير ذلك من اآلثار كثير . الغضب

:عدم الحرج وقلة التكاليف : ثالثا

أى التيسير : من مظاهر التشريع اإلسالمى عدم الحرج وقلة التكاليف على العباد برفع كل ما يترتب على شرعيته إيقاع الناس فى عسر ومشقة قد

. بها صدورهم ويتعذر معها االمتثال والتنفيذ لما كلفوا بهيؤدى إلى أن تضيق

فالمشـرع الحكيم اقتضت حكمته أال يجعل شيئا مما يعسر على الناس أو تضـيق بـه صدورهم ، وفى هذه السطور نتناول بإيجاز الحرج المدفوع

. وأخيرا قلة التكاليف

" :نوعيته " الحرج المدفوع : أوال

ن يسيرا مرفوعا ، فإن التكاليف الشرعية البد لـيس كل حرج وإن كا أى ما فيه –وأن يصـاحبها بعـض المشقة إذ التكليف هو طلب ما فيه كلفة

. إال أن المشقة نوعان –مشقة

مشقة معتادة ال تعتبر فى عرف الناس مشقة ، فمثل هذه المشقة ال :األولـى ياة ال يخلو يقصـد الشـارع إلى رفعها ، ولذلك ألن كل عمل فى الح



]٥٠[

عـن المشـقة ، حتى الضروريات التى ال يمكن لإلنسان أن يستغنى ال تخلوا منها وال يتحقق – كالمأكـل والمشرب ونحو ذلك –عـنها

. التكليف إال بها ، ألن التكليف هو طلب ما فيه كلفة

مشقة غير معتادة ، تضيق بها الصدور ، ويتعسر إقدام الناس عليها :الثانية تـزيد عن قدرة اإلنسان ، وتعلو على إمكاناته ، فيؤثر تنفيذها ألنهـا

وتؤدى إلى انقطاعه عن كثير من األعمال .. علـى جسـمه أو ماله الـنافعة ، فهـذه المشقة هى التى تفضل اهللا برفعها عن األمة تيسيرا

. عليهم وتسهيال

تشريع، ذكرنا قبل ذلك أن اهللا الذى خلق اإلنسان هو الذى أنزل عليه ال هو أعلم بكم إذ : وخاطـبه بالتكاليف الشرعية ، وهذا يفسر قول اهللا تعالى

لمأع وه كمكوا أنفسفلا تز اتكمهطون أمأجنة في ب إذ أنتمض والأر من أنشأكماهللا عن عباده بين السبب فى مثل قوله وحين خف سورة النجم ) ٣٢(آية بمن اتقى .سورة النساء ) ٨٢( آية يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا : تعالـى

–فكأن ضعف اإلنسان كان سببا فى التخفيف عنه ، ولذلك نجد أن هذا المبدأ ، ففى القرآن الكريم ) ( مقرر فى كتاب اهللا تعالى وسنة رسوله –التيسـير

:آيات كثيرات فى مناسبات مختلفة تقرر هذا المبدأ منها

ويضع عنهم إصرهم والأغلال ((قـوله تعالى فى وصف الرسول همليالتي كانت ع أن الرسول : ومعناه) ( جاء بريعة خفف عن الناس ما

.هم يثقل كاهلهم وما يقيد تصرفات

كـذلك نجـد قـوله تعالـى عقب إباحة الفطر فى رمضان للمريض يقرر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر والمسـافر ومـن فى حكمها



]٥١[

لا وقوله لا يكلف الله نفسا إلا وسعها هـذا المعنـى ،كما أن قوله تعالى ـ فيهما تقرير لمبدأ نفى الحرج الذى فيه كلفه ه نفسا إلا ما آتاها يكلـف الل

.ومشقة عن المكلفين

كـذلك الناظر من السنة النبوية الشريفة يجد أن هناك تقريرا لهذا المبدأ يسرا وال تعسرا وبشرا بعثه ومعاذا إلى اليمين فقال ) (أيضا ، منها قوله

.رواه مسلم الحديث وال تنفرا

-:مظاهر التيسير ونفى الحرج فى الشريعة اإلسالمية

اعتبـر الفقهـاء هذا المبدأ أصال من أصول الشريعة ، الذى يمكن أن يسـتنبط من خالله أحكام كثيرة إذا أنه ـ كما رأينا ـ أصل مقرر فى كتاب

) .(اهللا تعالى وسنة رسول

اليف فى ابتدائها ودوامها قد والمتتبع ألحكام الشريعة يجد أن جميع التك .روعى فيها التخفيف والتيسير على العباد

فقـد فرضـت الصـالة خمسا فى اليوم والليلة فقط ، وهى مما يسهل أداؤهـا ، فإنهـا جمـيعها ال تأخذ من وقت اإلنسان إال ساعة أو ساعتين ،

وال وكـذلك ال تستفيد من جهده شيئا يذكر ، فالتكليف بالصالة ليس فيه عسر مشـقة ، وقـد أوجب المشرع أداء المكلف لها قائما ، مع سهولة ويسر هذا األداء رخـص للمكلـف فـى الحـاالت التـى ال يستطع فعلى الكيفية التى

.يستطيعها

ومـثل هذا الصيام ، فقد فرض هذا الصوم شهرا فى السنة ، وليس فى ، ولكن إذا وجد هذا التكليف مشقة ، وفوائده الصحية والروحية ال حصر لها



]٥٢[

عذر من سفر أو مرض أو ما فى معناهما فقد أبيح للمكلف اإلفطار والقضاء أطعم : عند تمكنه ، فإن لم يتمكن ـ كالشيخ الهرم او المريض مرضا مزمنا

. مسكينا

وحرم الشارع أكل الميتة والدم ولحم الخنزير وشرب الخمر ولكنه أباح . تناولها عند الضرورة

مبحث الرابعال

مصادر التشريع فى هذا العصر

مصدر واحد هو الوحى ، والوحى ) (إن للتشـريع فى حياة الرسول إمـا أن يكـون باللفظ والمعنى كالقرآن الكريم ، وأما أن يكون بالمعنى فقط

هو القرآن ) (وهـى السـنة ولـذا فـإن مصدر التشريع فى عهد الرسول .والسنة

:القرآن الكريم: أوال

(اللفظ العربى المنزل على سيدنا محمد : عرف علماء األصول بأنه

المـنقول إليـنا بالتواتـر ، المبدوء بسورة الفاتحة المختوم بسورة الناس ، ) .باللفظ والمعنى) (المجموع بين دفتى المصحف ، الموحى به إلى الرسول

عن ومـن تعـريف القرآن الكريم يظهر له أن لنا خصائص امتاز به غيره من الكتب السماوية األخرى ، وعن كل ما نزل به وحى السماء ، ومن

-:هذه الخصائص الذى امتاز بها القرآن ما يأتى



]٥٣[

:القرآن الكريم لفظه ومعناه من عند اهللا تعالى

بألفاظه ومعانيه هذه ) (أنـزل اهللا سـبحانه وتعالى القرآن على النبى ى بها ، حيث أثبت القرآن الكريم لنفسه هذه األلفـاظ العـربية البليغة المتحد

إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم : الخاصـية فـى كثيـر من آياته ، قال تعالى قلـونتع . هإلي ونلحدالذي ي انلس شرب هلمعا يإنم قولوني مأنه لمنع لقدو

.سورة النحل ) ١٠٣(سورة الزخرف واآلية ) ٣(آية.( عجمي وهذا لسان عربي مبين أ

ويتميـز القـرآن الكـريم بذلك من غيره من كل ما أوحى به لألنبياء .السابقين فما أوحى به قبله نزل بلفظ غير القرآن العربى المبين

معناه المتحدى به عن كمـا يتميـز القـرآن أيضا بكونه نزل بلفظه و . األحاديث سواء أكانت أحاديث قدسية أو أحاديث نبوية

القـرآن الكـريم نزل منجما مفرقا فى ثالث وعشرين سنة على حسب الحـوادث والوقائع ، وقد نزل القرآن كذلك لحكمة إلهية نستطيع أن نلخصها

:فيما يأتى

يكتب ، فإذا نزل القرآن إن الرسـول عليه السالم كان أميا ال يقرأ وال -١) (حفظه ، وهذا بخالف موسى ) (جملـة واحدة لشق على النبى

فقـد كـان كاتـبا فتيسر له حفظ التوراة بالكتابة ، وقد رد اهللا سبحانه ) لوال أنزل عليه القرآن جملة واحدة : (وتعالـى على الكفار حينما قالوا

سورة ) ٣٢(اآليـة .ؤادك ورتلناه ترتيلا كذلك لنثبت به ف:فقـال لهـم تعالى

.الفرقان



]٥٤[

نـزل أيضا القرآن الكريم مفرقا لتميزه بسمة التدرج فى األحكام ، فلو -٢نـزل القـرآن مرة واحدة لشق عليهم االمتثال لألوامر والتكاليف ، فلقد

نزلت أول ما نزل : قالت ) رضى اهللا عنها (أخرج البخارى عن عائشة سـورة مـن المفصـل ـ أى السور القصيرة ـ فيها ذكر الجنة مـنه

والـنار ، حتـى إذا ثاب الناس إلى اإلسالم نزل الحالل والحرام ، ولو ال تدع الخمر أبدا ، ولو نزل ال : نزل أول شئ ال تشربوا الخمر لقالوا

.ال ندع الزنا : تزنوا لقالوا

يا العرب بصور شتى ، القـرآن معجـزة اهللا الخالـدة ، وقد جاء متحد -٣تحـداهم بـأن يأتو بمثله وتحداهم بأن يأتوا بسورة من مثله ، ثم أعلن

قل : أنهـم ال يستطيعون ذلك وال يستطيع غيرهم من اإلنس والجن لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله

اإلسراء) ٨٨(اآلية .ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا

ون اللهد من تمتطعاس نوا معادات ويفترر مثله موشر سقل فأتوا بع ادقينص كنتم إن.

دنبلى علنا عا نزب مميفي ر كنتم إنوا وعادمثله و ة منورا فأتوا بس ادقينص كنتم ون الله إند مـن كماءدلوا فاتقوا * شـهتفع لنلوا وتفع لم فإن

ت للكافريـنة أعدـارالحجو ا الناسهقودالتي و النار .ة البقرةسور) ٢٤ ، ٢٣(اآليات.

ولـم ينـزل القـرآن على الرسول مرة أخرى ، بل نزل منجما حسب ) (الحـوادث واألسـئلة التى تقع ، فتارة تجد الوحى ينزل على رسول اهللا

بآية ، وتارة أخرى ببعض آية وتارة ينزل بسورة بتمامها ، فمثال األول مات ك عصبة منكم لا تحسبوه شرا إن الذين جاءوا بالإف : جـاء فى قصة اإلفك



]٥٥[

هرلى كبالذي توالإثم و من با اكتسم مرئ منهلكل ام لكم رخي وـل هب لكـم ظيمع ذابع له ممنه. سورة النور) ١١(اآلية .

.سورة النساء) ٩٥(آية .ن من المؤمنين ال يستوي القاعدو: ومثال الثانى

.... غير أولي الضرر : ونزل بعدها

وكان لنزول القرآن . سورة الفاتحة ، وسورة المدثر : ومـثال ثالـث :أسباب نلخصها فيما يأتى

كـان أمـيا ال يقرأ وال يكتب ، فلو نزل عليه القرآن ) (إن الرسـول -١شق عليه حفظه ، وهذا بخالف غيره من الرسل فكانوا جملـة واحـدة ل

يقـرؤن ويكتـبون ، فيسـهل عليهم حفظ ما يكتبون ، وقد بين القرآن وقال الذين كفروا لولا : الكـريم ذلك عندما رد على الكفار فى قوله . فؤادك ورتلناه ترتيلا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به

أن أغلـب آيـات القرآن الكريم كانت تنزل جوابا عن سؤال أول بيانا -٢لحكـم حادثـه ، فكـان نزوله متفرقا لمتابعة هذه األحداث ولتكون تلك

. األسئلة والحوادث معينة على حفظ القرآن الكريم وفهمه

له وال تنفر منه ، حيث أنهم أن نـزول القرآن متفرقا يجعل القلوب تتقب -٣كانوا فى إباحية مطلقة ، فلو نزل جملة واحدة وخاطبهم بجميع التكاليف لشـق ذلك عليهم ، فكان من رحمة اهللا تعالى أن أنزل القرآن على نبيه

.منجما

مـن حكمة اهللا تعالى أن جعل فى القرآن ما هو ناسخ ومنسوخ ، وذلك -٤ .ال يكون إال فيما ينزل مفرقا



]٥٦[

بمقدار معين من القرآن فى كل ) (إن الوحى لم ينزل على رسول اهللا -٥مـرة مـن المـرات ، بل كان النزول باآليات يتفاوت فى مقدارها قلة وكثرة على حسب الظروف واألحوال ، وهذا من جملة رحمة اهللا أيضا

.بعباده فى نزول القرآن متفرقا

) (ريم فى عهد رسول اهللا كتب القرآن الك " : كتابة القرآن وحفظه " وجمـع فى عهد أبى بكر الصديق ، ونسخ فى المصاحف فى عهد عثمان بن

) .رضى اهللا عنهم(عفان

) :(كتابة القرآن فى عهد النبى : أوال

بالقرآن حفظ الرسول ما نزل ) (كان الوحى إذا نزل على رسول اهللا ولم إلا ما شاء الله * فلا تنسى سنقرئك : مـن القرآن مصدقا لقوله تعالى

بالحفظ بل أعد لألمر عدته ، واتجه إلى المحافظة عليه ) (يكـتف الرسول عـن طـريق الـتدوين ، فكان يستدعى كتاب الوحى ويأمرهم بكتابة ما نزل علـيه ، فكانـوا يكتبونه على الرقاع من الجلود واألقمشة والعظام العريضة

جريد والحجارة العريضة البيضاء ، فكانوا يغسلون تلك المواد وعلى قحاف ال ) (ويطهـرونها ويجهـزونها وكانـوا يكتبون نسخة ألنفسهم ونسخة للنبى

يحفظهـا فى بيت عائشة غير مرتبة ، بل يحفظها مفرقة فى دار النبوة ، ولم .ألنه بصدد نزول الوحى ما دام حيا ) (يرتب القرآن فى حياته

فى صورة إنسان ، فقرأ مع ) ( األخير نزل جبريل وفـى رمضان القـرآن مـرتين مـرتبا بحسب ترتيب المصحف ، وحضر ) (الرسـول

المدارسة عبد اهللا بن مسعود ، وعنى كثير من الصحابة بحفظ القرآن كله فى العهـد النبوى كمعاذ بن جبل وعبد اهللا بن مسعود وسالم بن معقل مولى أبى



]٥٧[

كعب وزيد بن ثابت ، وكان أكثر الناس عناية بتدوينه فى حذيفـة ، وأبى ابن على ابن أبى طالب وسعد بن عبيد بن النعمان ، وأبو الدرداء ) (عهد النبى

. أجمعين ) رضى اهللا عنهم(ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبى بن كعب

:جمعه فى عهد أبى بكر : ثانيا

وقرأ معه ) (سول بعـد أن أكـتمل نـزول القرآن راجع جبريل الر أصحابه بذلك الترتيب ) (القـرآن مـرتبا كمـا هو اآلن ، وأعلم الرسول

بعض أصحابه ) (النهائـى للقرآن الكريم ، بل واكثر من ذلك أمر الرسول بـأن يتـبع القـرآن المكتوب فى الرقاع ويوفق بين هذه الرقاع المتفرقة وما

اولة لجمع القرآن الكريم ، كـتب فـيها من آيات وسور ، وكان ذلك أول مح ، وبعد أن استشهد كثير ) (ويبدو أنها توقفت ولم تكتمل نظرا لوفاة الرسول

فى الحروب خاصة فى موقعة اليمامة حيث قتل ) (من أصحاب رسول اهللا فـيها عـدد كبيـر من القراء و الحفاظ خشى عمر بن الخطاب على القرآن

اآلية فذهب إلى الخليفة أبى بكر الكـريم أن يضـيع مـنه شئ أو تنقص منه . واستشاره فى جمع القرآن الكريم

فلقـد روى البخارى فى صحيحه الطريقة التى تم بها جمع القرآن عن أرسل إلى أبو بكر مقتل أهل اليمامة فإذا عمر بن : زيـد بـن ثابت أنه قال

ر يوم إن القتل استح : إن عمر آتانى فقال : الخطـاب عـنده ، فقال أبو بكر الـيمامة بقراءة القرآن ، وإنى أخشى أن يستحر القتل بالقراء فى المواطن ،

نفعل : قلت لعمر . فـيذهب كثير من القرآن وإنى أرى أن تأمر بجمع القرآن هذا واهللا خير ، فلم يزل عمر : ؟ قال ) (شـيئا إذا لـم يفعلـه رسول اهللا

.لك رأى عمر يراجعنى حتى شرح اهللا صدرى لذلك ، ورأيت فى ذ



]٥٨[

إنك رجل شاب عاقل ال نتهمك ، وقد : فقال لى أبو بكر : قـال زيـد فتتبع القرآن فأجمعه ، فو اهللا لو كلفونى ) (كـنت تكتب الوحى لرسول اهللا

نقـل جبل من الجبال ما كان أثقل على مما أمرنى به من جمع القرآن ، قلت واهللا خير ، فلم يزل أبو هو: ؟ قال ) (كـيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول

بكر يراجعنى حتى شرح اهللا صدرى للذى شرح اهللا له صدر أبى بكر وعمر واللخاف وصدور . فتتبعت القرآن أجمعه من العسب ) رضى اهللا عنهما (ــ

الـرجال حتـى وجدت آخر سورة التوبة مع أبى حزيمة األنصارى لم أجدها عليه ما عنتم حريص عليكم لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز " عـند غيره

إلى آخر السورة فكانت الصحف عند أبى بكر حتى " بالمؤمنين رؤوف رحيم " . توفاه اهللا ، ثم عند عمر فى حياته ، ثم عند حفصة بنت عمر

وبهذا العمل والذى يليه أثم اهللا سبحانه وتعالى وعده بحفظه للقرآن فى فهذه أول درجة من درجات كر وإنا له لحافظون إنا نحن نزلنا الذ : قوله

.الحفظ بالغة الدقة واألهمية

فى أثناء " : نسـخ القرآن الكريم فى المصاحف فى زمن من عثمان " وجد الصحابى الجليل حذيفة بن اليمانى ) رضـى اهللا عـنه (خالفـة عـثمان

ن الكريم وذلك اخـتالف بعـض حفظه القرآن الكريم فى بعض أحرف القرآ جمع الناس ) (تـبعا الخـتالف لهجاتهم ، فدعاه هذا أن يطلب من عثمان

علـى مصـحف واحـد ، فاستجاب عثمان وكتب ست نسخ احتفظ بإحداها (ووزع الباقـى على األمصار ، وفى ذلك يروى اإلمام البخارى عن أنس

ام فى فتح أن حذيفـة بـن اليمان قدم على عثمان ، وكان يغازى أهل الش ): أرمنـية و أذر بـيجان مع أهل العراق ، فأفزع حذيفة اختالفهم فى القراءة ،



]٥٩[

أدرك األمـة قـبل أن يختلفوا اختالف اليهود والنصارى ، : فقـال لعـثمان فأرسـل عثمان إلى حفصة أن أرسلى إلينا الصحف ننسخها فى المصاحف ،

زيد بن ثابت وعبد ثـم نـردها إليك ، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان ، فأمر اهللا بـن الزبيـر وسـعيد بـن العاص ، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام

إذا اختلفتم : فنسـخوها فى المصاحف ، وقال عثمان للرهط القرشيين الثالثة أنـتم وزيد ابن ثابت فى شئ من القرآن ، فاكتبوه بلسان قريش فإنه إنما نزل

فى المصاحف رد عثمان الصحف بلسـانهم ففعلوا ، حتى إذا نسخوا الصحف إلـى حفصـة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا ، وأمر بما سواه من القرآن فى كل صحيفة ومصحف أن يحرق ، وكان ذلك سنة خمس وعشرين مـن الهجرة وهكذا صار القراء والكتاب يستمدون منها حفظهم وكتابتهم ، ثم

لا يأتيه : وإلى يوم الدين توالى نسخ المصاحف على نمطها حتى يومنا هذا . الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد

وال خالف بين العلماء على أن ترتيب السور وتسميتها توقيفى من عند ) (كتب جالسا عند رسول اهللا : اهللا تعالى فلقد روى عثمان بن العاص قال

ـ آتانى جبريل فأمرنى أن أضع هذه : " خص ببصره ثم صوبه ، ثم قال إذ ش إن الله يأمر بالعدل واإلحسان : اآليـات فى هذا الموضع من هذه السورة

... وإيتاء ذي القربى

كمـا اتفقـوا أيضـا على أن نقط الحروف والشكل وتقسيم القرآن إلى بع كان فى عهد الحجاج بن يوسف الثقفى ،حين دخل أجـزاء وأحـزاب وأر

كثيـر مـن غير العرب فى اإلسالم ولحنوا هم وبعض العرب ، وتلوا على بالرفع ، فرد أحد الصحابة " يا ليتها كانت القاضية : " المنبـر فـى المسجد



]٦٠[

وذلك فى حين استعظم . علـى من قرأها بالرفع قائال عليك وأراحنا اهللا منك . القرآن الكريم على المنبر من تال على مسمع المسلمين اللحن فى

:السنة النبوية : ثانيا

السـنة هـى المصدر الثانى للتشريع بعد القرآن الكريم ، والسنة تعنى ) (الطريقة حسنة كانت أم سيئة ، وقد ورد ذلك المعنى فى قوله : فى اللغة

إلى يوم القيامة ، ومن مـن سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها : " " .سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة

وفعله وتقريره فالسنة ثالثة ) (قول النبى : فهى : وأما معناها شرعا وأفعاله ، وما أقره من أقوال الغير " غيـر القرآن ) : " (أقـواله : أنـواع .وأفعالهم

وما :وع من أنواع الوحى ، قال تعالى ن: والسـنة بهذا المعنى هى .سورة النجم )٣،٤(اآليتان .إن هو إلا وحي يوحى * ينطق عن الهوى

* لأخذنا منه باليمين * ولو تقول علينا بعض الأقاويل : وقـال تعالى تينالو نا منهلقطع ثم . سورة الحاقة)٤٤،٤٥(اآليتان.

-:وإذا كانت السنة وحيا فإنها تختلف عن القرآن فيما يأتى

، ) (المعنى الذى جاءت به السنة من عند اهللا واللفظ من عند الرسول -١وهـذا بالنسـبة لألحاديث النبوية مما اتفق عليه ، ومن أمثلتها ما رواه

: " يقول ) ( رسول اهللا سمعت: عمر بن الخطاب رضى اهللا عنه قال .رواه البخارى .. " إنما األعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى



]٦١[

وكـذلك بالنسـبة لألحاديث القدسية عند بعض العلماء ، وهى ما يكون الكـالم فـيها منسـوبا إلى اهللا تعالى ، ومن أمثلتها ما روى عن أبى هريرة

لعبادى الصالحين ما ال عين رأت أعددت: " قال اهللا تعالى ) رضى اهللا عنه ( .رواه البخارى ومسلم " وال أذن سمعت وال خطر على قلب بشر

وإن ذهب بعض الفقهاء إلى القول بان األحاديث القدسية لفظها ومعناها .من عند اهللا تعالى

ال يتعـبد بتالوة السنة وال يصلى بها ، ويثاب قارؤها إذا قرأها بفهم أما -٢ .فهم فال ثياب عليها إذا قرأها بدون

هى القرآن ال السنة ،فهو الذى تحدى به ) (أن معجـزة رسـول اهللا -٣ .العرب وعجزوا عن اآليتان بمثله أو بمثل أقصر سورة منه

-:مرتبة السنة من القرآن وعالقتها به

علمنا قبل ذلك أن السنة هى المصدر الثانى للتشريع بعد القرآن الكريم، لسنة تأتى فى المرتبة الثانية بعد القرآن الكريم ، ويوضح ذلك ولـذلك فـإن ا فإذا كانت وأنـزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم : قـوله تعالـى

السـنة أتـت للبـيان ، فإنهـا تأتى تالية لما تبينه وهو القرآن الكريم ، وهذا .بإجماع المسلمين

-:من ناحية عالقة السنة بالقرآن أما يجد أن السنة تأتى على عدة ) (فالتمـتع لألحكام الثابتة بسنة الرسول

.اتجاهات



]٦٢[

: أن السـنة تأتـى مبينة لما أجمله القرآن الكريم ، فمثال قوله تعالى -١

فهناك القرآن أمر بإقامة وآتوا الزكاة : وقـوله أقـيموا الصـلاة ة وأداء الزكاة ، لكنه لم يبين عدد الصلوات أو الركعات ، كما لم الصال

يبـين المقـدار الواجب فى الزكاة ، فجاءت السنة لتبين أوقات الصالة صلوا كما ) : " (وعـددها فـى الـيوم والليلة وعدد ركعتها ، فقال

" .رأيتمونى أصلى

لى أبى برزة دخلت أنا وأبى ع : وأيضـا ما جاء عن أبى المنهال قال : ؟ فقال . يصل المكتوبة ) (كيف كان رسول اهللا : األسـلمى فقال له أبى

كـان يصـلى الهاجرة التى تدعونها األولى حين تدحض الشمس ـ أى حين تـزول الشـمس نحو الغروب ـ ويصلى العصر ، ثم يرجع أحدنا إلى رحلة

يستحب أن فـى أقصى المدينة والشمس حية ، ونسيت ما قال فى المغرب ، يؤخـر مـن العشـاء التى تدعونها العتمة ، وكان يكره النوم قبلها والحديث بعـدها ، وكان ينفتل من صالة الغداة حين يعرف الرجل جليسه ، وكان يقرأ

كما جاءت السنة وبينت أن الزكاة تجب فى . متفق عليه " بالستين إلى المائة والبقر والغنم ، وعروض األمـوال وفـى الـزروع وفـى الثمار وفى اإلبل

الـتجارة ، كمـا حـددت النصاب الذى تجنب فيه الزكاة والمقدار الذى يجب . إخراجه فى كل نوع منها فمن هنا كانت السنة مبينة لما أجمله القرآن الكريم

: أن السنة تأتى موضحة لما أشكل فى القرآن ، كما فى قوله تعالى -٢

بين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من وكلـوا واشـربوا حتى يت لبيان نهاية إباحة األكل فى ليال رمضان بأن ) ( فجاء تفسيره الفجـر



]٦٣[

المـراد بالخـيط األبـيض واألسود هو بياض النهار وسواده ، وليس .مقصود الخيط الحقيقى

آيات فى القرآن الكريم ، أن السـنة تأتـى أيضا مخصصة لما عمم من -٣ الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم : ومـثاله قـوله تعالى ونتدهم ـمهو نالـأم ففهم الصحابة من اآلية أن الظلم يراد به معناه

أن ) : (أينا لم يظلم فبين : العام ، فيشمل أى ظلم ، حتى قال بعضهم وبالتالى . المـراد ليس هو الظلم بمعناه العام إنما المراد به هو الشرك

.فقد خصصت السنة اللفظ العام من القرآن الكريم

: كـذلك تأتـى السنة مقيدة للمطلق منه ، وكذلك كما فى قوله تعالى -٤

.والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما

ن المراد باليد هنا اليمنى ، فجاءت السنة هنا مقيدة فوضـحت السـنة أ .للمطلق من القرآن الكريم

تأتـى السـنة كذلك لتأكيد ما ورد بالقرآن الكريم وموافقة له كاألحاديث -٥الدالة على وجوب الصالة والزكاة والحج وصوم رمضان ، واألحاديث

تأتى مؤكدة الناهـية عن أكل أموال الناس بالباطل وهذه األحاديث كلها . لما جاء فى القرآن الكريم

تأتـى السنة بحكم سكت عنه القرآن ، ومثاله ما حكاه القرآن فى حرمة -٦اآلية .." حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم :" الزواج من األقارب

فحـرم القرآن الزواج من النسب ، وجاءت السنة وحرمت الزواج من آن لم ينص فى التحريم إال على األقـارب فـى الرضـاعة مع أن القر



]٦٤[

يحرم من ) :" (األمهات التى أرضعن واألخوات من الرضاعة ، فقال ".الرضاع ما يحرم من النسب

كمـا جـاءت السـنة برجم الزانى المحصن مع أنه لم ينص عليه فى القـرآن ، كـذلك جاءت بجواز الرهن فى الحضر ، مع أن القرآن نص على

بإيجاب الكفارة على من أفطر فى رمضان مع أنه جـوازه فى السفر وجاءت لـم ينص عليه فى القرآن ، وجاءت بنصيب الجدة فى الميراث وهو السدس

. مع أن القرآن لم ينص عليه

السنة جاءت بأحكام سكت عنها القرآن ، كما أنها بينت ما أجمل، : إذا . وخصصت ما عمم وقيدت ما أطلق منه

" :تدوين السنة "

بالقرآن من حيث تبليغه للناس والحفاظ عليه من ) ( رسول اهللا أهـتم أن ينسـى ، أو تنسـى منه أية ، فكان دائم الترديد له حتى إن اهللا تعالى قال

فإذا قرأناه فأتبع . ال تحرك به لسانك لتعجل به إنا علينا جمعه وقرآنه :" لـه من أصحابه من يجيد ولذلك نجد أن الرسول قد أتى " قرآنه ثم إن علينا بيانه

الكـتابة وأمـرهم بمالزمـته حتى إذا نزلت آية كتبت وسموا هؤالء بكتاب . الوحى

على القرآن وعدم اختالط غيره به ، فقد ) (وحرصـا من الرسول ال تكتبوا عنى، :" قال ) ( روى مسلم عن أبى سعيد الخدرى أن الرسول نى وال حرج ومن كذب على ومن كتب عنى غير القرآن فليمحه ، وحدثوا ع

" .فليتبوأ مقعده من النار



]٦٥[

من عناية الكتاب ) (وأسـتمر األمر هكذا فترة حتى اطمأن الرسول بالقـرآن وفصله عما سواه مما يكتبون ، فكانوا إذا كتبوا شيئا غير ه فصلوه عـنه وميـزوه وأشاروا إلى أن هذا المكتوب ليس من القرآن ، هنا نجد أن

يجيز كتابة الحديث لمن شاء ، ولذا وجدت بعض صحف كتب )(الرسـول ومن أشهرها صحيفة عبد اهللا ) (فـيها أصحابها بعضا من حديث الرسول

بـن عمرو بن العاص فقد كتب فيها بعض األحاديث الشريفة وقد أشار اإلمام ).(البخارى إلى ذلك فيما رواه هو واإلمام أحمد والترمذى عن أبى هريرة

. فى الكتابة فأذن له ) (روى أن ابـن عمر أستأذن رسول اهللا ولقـد كنت أكتب كل شىء أسمعه عن : وروى أن ابـن عـبد اهللا بـن عمـر قال

وهو بشر يتكلم فى الغضب والرضا ، فأمكست عن الكتابة ، ) (رسول اهللا ).أكتب فو الذى نفسى بيده ما خرج منى إال حق:(فذكرت ذلك للنبى ، فقال

ولكنه جاء بعد ) (كـان هـناك تدوين للسنة فى عصر الرسول : إذا من عناية كتاب الوحى بالقرآن وفصله عما ) (فترة هى اطمئنان رسول اهللا

سواه حتى ال يحدث اختالف ، ورغم أن كتابة السنة كانت موجودة فى عصر به نفر إال أنها كانت قليلة فال يعدو تدوينها أن يكون عمال قام ) (رسول اهللا

قلـيل بصـفة شخصية تخصه ، أما السمة الغالبة فكانوا يعتمدون على الحفظ والذاكـرة ، ألن ذلك كان عندهم أضبط وأدعى للحفظ من الكتابة التى أن لم يـرافقها حفـظ المكـتوب فى الذاكرة فأنه يخشى عليه من الضياع إذا فقدت

أن الكتابة كانت صـحيفة ، أو بليت أو أصابها تحريف أو تصحيف ، نتيجة يـومها بصـورة تخالف ما هى عليه اآلن من حيث النقط والضبط وأدواتها

ولقد دونت السنة فى عهد الصحابة .التـى كانت بدائية تخضع لظروف البيئة



]٦٦[

فـى القـرن الـثالث الهجرى إذ يعتبر هذا القرن هو العصر الذهبى لتدوين . السنة النبوية الشريفة

الخامسالمبحث

"االجتهاد فى عصر الرسالة "

أليس االجتهاد مصدرا من مصادر التشريع فى عصر : لقائل أن يقول الرسالة ؟

.ولإلجابة على ذلك نوضح أوال معنى االجتهاد ، فنقول



]٦٧[

عبارة استفراغ الوسع فى تحقيق أمر من األمور مستلزم :االجتهاد فى اللغة اجتهد فالن فى حمل حجر البزارة ، وال يقال : للكلفـة والمشـقة ،ولهذا يقال

.اجتهد فى حمل خردلة

بذل المجتهد جهده واستنفاد طاقته فى تحقيق أمر ال : إذا االجتهاد لغة .يمكن تحقيقه إال بكلفة ومشقة

بذل الوسع فى نيل حكم شرعى عملى ، بطريق : وفـى االصـطالح .األستباط

ى استنباط األحكام الشرعية العملية من استفراغ الفقيه وسعه ف : أو هو . أدلتها التفصيلية

ولما كان البحث فى االجتهاد وشروطه وحكمه سيأتى تفصيال فيما بعد، فإنـنا نكتفـى هـنا ببـيان مـا يطلـق عليه أنه اجتهاد ، فاالجتهاد بالمعنى

:االصطالحى يشمل الوجوه اآلتية

نت النصوص قد تناولت محل أخـذ الحكم من ظواهر النصوص ، فإذا كا -١الحكـم ، ونظر المجتهد فى هذه النصوص بأن يعرف عامها وخاصها ، مطلقها ومقيدها ، ناسخها ومنسوخها وغير ذلك مما يتوقف عليه استنباط

. ثم استنبط الحكم كان عمله هذا اجتهادا …األحكام من األلفاظ

لحكم علة مصرح بها أخـذ الحكم من معقول النص ، وذلك أنه إذا كان ل -٢فـى النص أو استنبطها الفقيه ، وكان محل الحادثة الجديدة مشتمل على تلـك العلـة المصـرح بهـا أو المستنبطة ، وكان النص ال يشملها فإن



]٦٨[

– مورد النص –المجتهد يقيس هذه الواقعة الجديدة على الواقعة األولى . هذا هو القياس لتساويهما فى علة الحكم ، ويثبت لها نفس الحكم ، و

أن تنـزل الوقائـع على القواعد العامة المأخوذة من األدلة المتفرقة فى -٤ وهذا ما يسمى باالستحسان والمصالح المرسلة وسد …القـرآن والسنة

. وما إلى ذلك …الذرائع

؟ ) (حكم اجتهاد الرسول

، اختلف علماء األصول فى جواز االجتهاد لألنبياء صلوات اهللا عليهم بعـد أن أجمعـوا علـى أنـه يجـوز عقـال تعبدهم باالجتهاد كغيرهم من

وأجمعوا أيضا على أنه يجوز لهم االجتهاد فيما يتعلق بمصالح .. المجـتهدين . الدنيا وتدبير الحروب ونحوها

على ثلث " غطفان"عندما آراد أن يصالح ) (وذلـك وقع من الرسول . عليه من ترك تلقيح ثمار المدينة ثمار المدينة ، وكذلك ما كان قد عزم

فى األحكام الشرعية – وكذا سائر األنبياء –أمـا اجـتهاد الرسـول -:واألمور الدينية فقد اختلفوا فى ذلك على رأيين

:الرأى األول

:ال يجوز له االجتهاد ، وذلك لما يأتى ) (يرى البعض أن النبى

وهو – ، أما الرأى واالجتهاد حظه الوحى الظاهر ال غير ) ( إن النبى -١، وإنما يكون ) ( فإنه ال يكون للرسول –ما يطلق عليه الوحى الباطن

لغيـره من الناس ، وذلك ألن الرأى واالجتهاد يحتمل الخطأ ، وإذا كان ) . (كذلك فإنه ال يجوز للرسول



]٦٩[

إن .وما ينطلق عن الهوى :" بقوله ) ( إن اهللا تعالى خاطب نبيه محمدا -٢" والضمير فى قوله تعالى إن هو إال وحى يوحى " هـو إال وحى يوحى

فكل ما ينطق " وما ينطلق عن الهوى " يـرجع إلى النطق المذكور قبله .إنما هو وحى وبالتالى فال يجوز له االجتهاد ) (به النبى

ما أنزل على :" كان إذا سئل ينتظر الوحى ، ويقول ) ( معلوم أن النبى -٣ـ لم ينزل :" فقال " كما قال لما سئل عن زكاة الحمير ؟ " ى هـذا شىء ف

فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ":" علـى فـى ذلك إال هذه اآلية الجامعة وكذا انتظر الوحى فى كثير مما سئل عنه ، " ومن يعمل مثقال ذرة شرا

ى وإذا كـان األمـر كذلك فإنه ال يجوز له االجتهاد ، وإال كان اجتهد ف . المسائل التى سئل عنها

:الرأى الثانى

يجوز له أن يجتهد فيما ال يكون فيه ) (يرى جمهور العلماء أن النبى نـص من األحكام جميعها ، وأما كون االجتهاد يحتمل الخطأ فإن اهللا سبحانه

ال يخطئ فى ) ( فضال على أن الرسول –وتعالـى ال يقـره علـى خطـأ :يما بعد واستدلوا على ذلك بما يأتى كما سنين ف–اجتهاده

فاعتبروا يا أولى :" مأمـور باالجتهاد بعموم قوله تعالى ) (إن النبـى -١أى قيسوا الوقائع التى لم يرد حكمها على الوقائع التى ورد " األبصـار

حكمهـا إذا تسـاوت الواقعـتان فى علة الحكم ، وهذا النوع من أنواع .االجتهاد



]٧٠[

عليهم جميعا –وقع من األنبياء ومنهم داود وسليمان إن االجـتهاد قـد -٢ إذ أنهما قد حكما برأيهما فى واقعة الغنم التى رعت –الصـالة والسالم

لـيال بـال راع فـى زرع مملـوك لغير مالكما ، فقد قضى داود بالغنم أرى أن تدفع الغنم إلى أهل الحرث : لصـاحب الحـرث ، فقال سليمان

والدها وأصوافها ، وأن يدفع الحرث إلى أصحاب ينـتفعون بألـبانها وأ الغـنم يقومون عليه حتى يعود كهيئته يوم أفسدته الغنم ، ثم يترادون ما

.أخذ كل من صاحبه ، فوافق داود على حكم سليمان وأمضى الحكم به

وداوود وسليمان إذ يحكمان في الحرث : وفـى ذلك يقول اهللا تعالى ذ نفشـت فـيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ، ففهمناها سليمان وكلا آتينا إ

حكما وعلما

–قال ابن كثير وقريب ) (فـإذا جاز االجتهاد لألنبياء جاز لمحمد أحمد فى المذكورة فى القرآن ما رواه اإلمام –مـن قصـة داود وسـليمان

بينما امرأتان معهما ابنان ) :" (قال رسول اهللا : مسنده عن أبى هريرة قال لهما ، جاء الذئب فأخذ أحد االبنين ، فتحاكما إلى داود ، فقضى به للكبرى ، فخـرجنا فدعاهما سليمان ، فقال هاتوا السكين أشقه بينهما ، فقالت الصغرى

.به للصغرى يرحمك اهللا هو ابنها ال تشقه ، فقضى

ما روى : قد وقع منه االجتهاد فى وقائع كثيرة ، منها ) ( إن الرسـول -٣إن أبى أدركه اإلسالم وهو :" فقال ) (أن رجـال جـاء إلى رسول اهللا

شـيخ كبير ال يستطيع ركوب الرحل ، والحج مكتوب عليه أفأحج عنه ؟ كان على أبيك دين أرأيت لو :" نعم ، قال : أنت أكبر ولده ؟ قال :" فقال

" فأحج عنه : ، قال " نعم :" فقضـيته عنه ، أكان يجزى ذلك عنه ؟ قال



]٧١[

.. الحج على الدين فى جواز النيابة فى أدائه ) (فقـد قـاس الرسول ) .(وهذا اجتهاد منه

عـالم بعلل النصوص وحكمة تشريع األحكام وكل من ) ( إن الرسـول -٤ورة الفرع الذى توجد فيه العلة ، وهذا هو عالم بذلك يلزمه العمل فى ص

العمـل هـو إثبات حكم األصل للفرع ، وإثبات حكم األصل للفرع هو ) .(القياس وهو اجتهاد ، فيكون االجتهاد جائزا منه

، ) (أحاديث تثبت وقوع االجتهاد وجوازه منه ) ( روى عـن النبـى -٥بالسواك عند كل لـوال أن أشق على أمتى ألمرتهم ) : ((مـثل قـوله

قد أضاف ) (أن الرسول : وبالنظر فى هذا الحديث يتبين لنا ) صـالة وألنه لوال ما .. ألمرتهم .. أمتى .. أشق :" الحكـم إلـى نفسه فى قوله

يتـرتب علـى أمـره بالسـواك عند كل صالة من وقوع المشقة على ه فالذى جعله يعدل عن هذا األمر هو ما رآ …المسـلمين ألمـرهم به

بنظـره واجتهاده من صعوبة التنفيذ على المصلين ، فقد تؤدى المصلحة . الدافعة إلى األمر بالسواك إلى مفسدة تتغلب على هذه المصلحة

عن هذا األمر إلى غيره بناء على ما رآه من أحوال ) (وأن عدولـه تخير الناس يدلنا على أن اهللا سبحانه وتعالى قد منحه مجاال يكون له فيه أن ي

. بعض األمور على بعض

) :(اجتهاد الصحابة فى عصر الرسول

درب أصحابه على أعمال رأيهم ) (ممـا سبق يتضح لنا أن الرسول واألخـذ برأى بعضهم فى كثير من المسائل وترك الرأى اآلخر ، وذلك ليبين



]٧٢[

للصـحابة رضـوان اهللا علـيهم كيفية االجتهاد ، كبيان كيفية أخذ الحكم من هـر الـنص ، أو قـياس مسـألة غير منصوص على حكمها على مسألة ظا

منصوص على حكمها لتساويهما فى العلة كمسألة الرجل الذى جاء يسأل عن الحج على الدين ، فيقتدى ) (أداء فريضـة الحج عن آبيه فقاس له الرسول

أذن لبعض أصحابه صراحة فى ) (الصحابة بهذا المسلك ، بل إن الرسول اد وشجعهم عليه ، وأقرهم على ما أصابوا فيه وجه الحق ، وصوب االجـته

:لهم ما وقعوا فيه من أخطاء ، وإليك بعض األمثلة على ذلك

:" معاذ بن جبل إلى أرض اليمن قاضيا ، قال له ) ( عـندما بعث النبى -١:" أقضى بكتاب اهللا ، قال : قال " كـيف تقضـى إذا عرض لك قضاء ؟

فإن لم تجد فى " قال فبسنة رسول اهللا ، قال " تاب اهللا ؟ فإن لم تجد فى ك " قال – أى ال أقصر –اجتهد رأيى وال ألوا : قال " سـنة رسـول اهللا ؟ الحمد هللا الذى وفق رسول :" على صدره وقال ) (فضـرب رسول اهللا

" .لما يرضى اهللا ورسوله ) (رسول اهللا

لحكم فى الكتاب أو السنة فإنه هـذا الصحابى بين أنه إذا لم يجد ا : إذا يجـتهد رأيه ويستعمل فكره ليصل إلى الحكم والحق ، وكان ذلك فى عصر

على جواز اجتهاده فيما ال نص فيه ، بل هو عمل ) (الرسـالة وأقره النبى يرضـى اهللا ويرضى رسوله ، وبالتالى فإن االجتهاد من هذا الصحابى يكون

حكم وكان صوابا أقره الرسول عليه وإن جائـزا ومشروعا ، فإذا وصل إلى .كان خطأ صوبه الرسول ، ألنه هو المرجع وما يقره يكون سنة تقريرية

روى أنـه لمـا انتصـر المسـلمون على بنى قريظة وحاصروهم فى -٢ سيد األوس يومئذ –حصنهم، واشتد عليهم األمر ، حكموا سعد ين معاذ



]٧٣[

فحكم فيهم بقتل رجالهم وسبى . ورضـوا أن ينزلوا على حكمه فيهم – ".حكمت فيهم بحكم اهللا ) :" (نسائهم وذراريهم ، فقال

وحكـم سعد فيهم بناء على قياسهم بالمحاربين المذكورين فى قول اهللا إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا : تعالـى

ي أن ا مننفوي خلاف أو من ـملهجأرو ـديهمأي تقطـع وا أوـلبصي قـتلوا أوومالئوا قريشا ) ( إذ أن هـؤالء نقضوا عهدهم مع رسول اهللا ..الـأرض

. على المسلمين فى غزوة األحزاب

فى عدم )(إن سعدا قاسهم على أسرى بدر الذى عوتب النبى : وقيل . … فإما منا بعد وإما فداء : قتلهم ، ولم يكن نزل حتى اآلن قوله تعالى

طلب من عمرو بن العاص أن يحكم فى ) (روى أن الرسول : أيضـا -٣نعم :" أجتهد وأنت حاضر يا رسول اهللا ؟ ، فقال : مسـألة فقـال عمرو

كما اجتهد الصحابة فى " جر إن أصـبت فلك أجران وإن أخطأت فلك أ فأقر منها ما كان صوابا ) (أمـور ثـم رفعـت أحكامهـا إلى رسول

" . وصوب ما رآه خطأ منها

خرج رجالن فى سفر ، : مـا روى عـن أبـى سـعيد الخدرى انه قال -فحضـرت الصالة وليس معهما ماء فتيمما صعيدا طيبا فصليا ، ثم وجد

ا الوضوء والصالة ولم يعد اآلخر ، ثم أتيا الماء فى الوقت ، فأعاد أحدهم أصبت السنة :" فذكـر ذلـك لـه ، فقال للذى لم يعد ) (لرسـول اهللا

" .وقال للذى توضأ وأعاد لك األجر مرتين " وأجزأتك صالتك



]٧٤[

روى أن جماعة من الصحابة كانوا فى سفر ، وفيهم عمر ومعاذ : أيضا -) ( ، وال ماء معهما ، فبذل كل فأصـبح كالهمـا بحاجـة إلى الغسل

مـنهما اجـتهاده فأما معاذ ، فقاس الطهارة الترابية على الطهارة المائية وتمـرغ فى التراب وصلى ، وأما عمر فلم ير ذلك وأخر الصالة ، فلما

يكفيك أن تفعل " بين لهما الصواب ، فقال لمعاذ ) (رجعـا إلى الرسول " ضربة للوجه وضربة لليدين مشـيرا إلى كيفية التيمم وهو " ،" هكـذا

. وأفهم عمر أن التيمم كما يرفع الحدث األصغر يرفع الحدث األكبر

كان يشجع أصحابه على االجتهاد ) (ويتبـين مـن ذلك أن الرسول ويعـودهم علـيه ، وأنه كان المرجع الجتهاداتهم فما يكون صوابا يقره وما

. يكون غير ذلك يبين وجه الحق فيه



]٧٥[

الفصل الثانى

"فى عصر الصحابة "

١١إلى الرفيق األعلى سنة ) (بـدأت هـذه المرحلة بانتقال الرسول هــ، واسـتمر هذا العصر مدة خالفة أبو بكر وعمر وعثمان وعلى وانتهى

.هـ ٤٠فى سنة

تميز هذا العصر باتساع رقعة الدولة اإلسالمية حيث كثرت الفتوحات، ما وراء الجزيرة العربية ، كما دخل فى اإلسالم وامـتد سلطان اإلسالم إلى

أمـم مختلفة وشعوب متبانية فتم فتح الشام ومصر والعراق ، وفارس ، وكان لهـذه الـبالد عادات وأعراف ومعامالت فى شتى مناحى الحياة ، كما واجه المسـلمون الفاتحـون هذه المسائل وغيرها من شئون الحياة االجتماعية التى

تشريع إسالمى ، فدعاهم ذلك إلى البحث عن أحكام لتلك المسائل تحـتاج إلى المسـتحدثة ، فنظروا فيما بين أيديهم من الكتاب والسنة ، لكن الكتاب والسنة لـم يتناوال جميع الوقائع مما لم يقع تفصيال ، لكنهما أى القرآن والسنة وضعا

ان لزاما على قـواعد كلـية ومـبادئ عامة لما يستجد من وقائع ، من هنا ك أن يجتهدوا ) (الصحابة الذين عرفوا طريق االستنباط لألحكام من الرسول

فـى تطبـيق القـواعد الكلـية المقررة فى الكتاب والسنة على تلك المسائل . والوقائع التى ظهرت لهم فى هذا العصر

ومـن هـنا بدأ الفقه يخطو خطواته األولى وأن ينمو ويتطور فى ظل . اخلية والخارجية للدولة اإلسالمية األوضاع الد



]٧٦[

–وقـد واجـه الصـحابة طائفة من المشاكل التى ظهرت ومن أهمها حـروب الـردة ، جمع القرآن ، نشر الدعوة ، حرب األعداء ، –الخالفـة

وسـنقوم بعـد تعـريف الصحابى بذكرها بإيجاز ألن الذى يعنينا هو الجانب لنشاط السياسى تميزت أيضا بالنشاط الفقهـى إذ أن هـذه الفترة كما تميزت با

العلمـى ، فلقد انتشر الصحابة فى ربوع هذه البلدان المفتوحة قوادا وجنودا ، مفتـين وقضـاة ، معلمـين ودارسين ألحوال هذه األمم ، وملمين بأعرافها وعاداتهـا وتقالـيدها ، ولقـد حملـوا هذه التبعة جدارة فائقة جعلت الدولة

اعها وترامى أطرافها ، وصعوبة االتصال بين أقطارها اإلسـالمية على اتس تسـير فـى طريق واضح المعالم ، موحد االتجاه ، رائدهم فى ذلك كتاب اهللا

) . (تعالى وسنة رسوله

:من أهم المشكالت ما يلى

: الخالفة -١

لم يستخلف أحدا يتولى الخالفة من بعده ، بل ) (معلـوم أن الرسول وأمرهم : مين يتصرفون فيه على أساس قول اهللا تعالى تـرك األمر للمسل مـنهيى بشـور ولذلك بعد وفاة الرسول شعر الصحابة رضوان اهللا عليهم

الصـالة والسـالم بحاجة األمة إلى الخليفة ، فأجتمع األنصار فى شقيقة بنى بينهم فحضر إليهم نفر من المهاجرين وقام – سـيد الخزرج –سـعد عـبادة

خـالف أنهاه وقوف أبى بكر الصديق خطيبا فيهم مبينا لهم أن األصلح لألمة هـو أن يكون الخليفة من قريش ، ثم عرض عليهم مبايعة عمر بن الخطاب أو أبـى عبـيدة بـن الجـراح ، فخشى عمر بن الخطاب من اختالفهم وقام

درا من مصادر بمبايعة أبى بكر معتمدا فى اختياره طريقا رضيه الشرع مص



]٧٧[

حينما اشتد عليه ) (مشيرا بذلك إلى أن الرسول " األحكـام الشرعية لديننا المـرض أنـاب عـنه أبا بكر ليصلى بالناس فقاس الخالفة على اإلمامة فى الصـالة ، فـبايعه الموجودون وسميت هذه البيعة بالبيعة الخاصة ، فلما كان

وبايعه الناس البيعة الكبرى أو الغـد جلـس أبو بكر على المنبر فى المسجد العامة ، وبذلك نجد أن الصحابة واجهوا ألول مرة مشكلة صعبة يحتاج حلها إلى رجوع إلى نصوص الشريعة وقواعدها العامة حيث ال نص يبين من هو

) . (الخليفة بعد الرسول

: قتال المرتدين -٢

حت فى األفق بعد أن واجه الصحابة مشكلة الخالفة وتم حسم أمرها ال مشـكلة أخـرى ال تقل خطورة عن سابقتها ، إال وهى مشكلة ارتداد بعض المسلمين عن دينهم ، إما بترك الدين نهائيا ، أو بإنكار فرع من فروعه التى

– ترك الدين نهائيا – أما المشكلة األولى –علمـت مـن الـدين بالضرورة وبة المرتدين وعاقبهم نص على عق) (فـالحكم فـيها واضح ، ألن الرسول

).من بدل دينه فاقتلوه(قوله ) (فعال ، فقد روى عنه

كمـا قـتل بعض المرتدين وهم الذين ثملوا أعين الرعاة وارتدوا عن . الدين

:وأما المشكلة الثانية

فإنهـا تحـتاج إلـى نظـر واجتهاد ، ألن هؤالء الناس يؤمنون باهللا ولكنهم أنكروا ……ان من األحكام ورسـوله ، ومـا يتفـرع عن هذا اإليم

خذ من أموالهم صدقة : فرضـية الـزكاة فمنعوها على أساس قوله تعالى



]٧٨[

مله كنس لاتكص إن همليل عصا وبه كيهمتزو مهـرتطه… فأولوا اآلية . .وقد توفى ) (ل إن األمر بأخذ الزكاة موجه إلى الرسو:وقالوا

الرسول مأمور بالصالة عليهم عند أخذ الزكاة ، والرسول قد :وأيضا .توفى فال صالة منه ، فال زكاة حينئذ

ويقـف الصحابة أمام هذه المشكلة إلى فريقين ، فريق يرى قتالهم وهو أبو بكر الصديق ، وفريق أخر يرى عدم قتالهم وهو عمر بن الخطاب ، فلقد

وكفر من كفر ) (لما توفى رسول اهللا :" قوله ) (بـى هريرة روى عـن أ ) (كيف تقاتل الناس ، وقد قال رسول اهللا :" مـن العـرب ، فقـال عمـر

ال إله إال اهللا فمن قالها فقد عصم منى : أمـرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا :(تلن من واهللا ألقا:( فقال أبو بكر ) مالـه ونفسـه إال بحقـه وحسابه على اهللا

فـرق بـين الصالة والزكاة ، فإن الزكاة حق للمال ، واهللا لو منعونى عناقا فو اهللا :( ، قال عمر ) لقاتلتهم على منعها ) (كانـوا يؤدونها إلى رسول اهللا

مـا هـو إال أن شرح اهللا صدرى لما شرح إليه صدر أبى بكر للقتال فعرفت ) . أنه حق

ة واجهوا مشكلة بالغة الخطورة ، إذ لو ومـن هذا يتبين لنا أن الصحاب تـرددوا فـى مواجهة هؤالء المرتدين بالحزم والشدة ال نفتح على المسلمين باب يؤدى إلى وأد األحكام الشرعية حكما بعد حكم مما يؤدى إلى ضياعها ، وهـذا مـا حفظهـا اهللا مـنه بقوة إيمان هؤالء الصحابة رضوان اهللا عليهم

. ريعة ومعرفتهم بهذه الش

:أمارة الجيوش



]٧٩[

واجه الصحابة مشكلة إمارة الجيش الذى كان ) (بعـد وفاة الرسول ) (مجهـزا لغـزو بالد الشام تأديبا للروم الذين سخروا من دعوة الرسول

واعتدوا على رسله وقتلوهم ، ولقد جعل الرسول إمارة هذا الجيش ألسامة بن الخامسة عشرة تكريما لذكرى أبيه زيد بن حارثة الذى استشهد أبوه وهو فى

. وأخذا بثأره

ثم انتقل إلى جوار ربه ، فرأى ) (وقـبل أن يخـرج الجيش مرض .أسامة أن ينزل عن أمارة الجيش ليترك للخليفة حرية االختيار

وهـنا نجـد خالفا يقع بين الصحابة ، فأبو بكر يرى بقاء إمرة أسامة ويرى بعض الصحابة ومن بينهم عمر ) (ل على الجيش تنفيذا لرغبة الرسو

. بن الخطاب أن يتولى القيادة بعض الصحابة األكبر سنا لدرايتهم بالحرب

ال أرد قضاء قضى به رسول :( لكـن أبو بكر يقف موقفا آخر فيقول ولـو ظننت أن السباع تختطفنى ألنفذت جيش أسامة كما أمر النبى ، ) (اهللا

ثكلتك أمك وعدمتك يا ابن : أخذ بلحية عمر وقال ثـم وثـب وكـان جالسا ف ووافق الصحابة على ) . وتأمرنى أن أعزله ) (الخطاب استعمله رسول اهللا

رأى أبـى بكـر وخـرجوا للجهـاد تحـت آمرة أسامة ومن بينهم عمر بن :( الخطـاب ، وخرج أبو بكر ماشيا لتوديع الجيش وأسامة راكب فقال أسامة

واهللا ال نزلت وال أركب ، وما على أن أغبر : ، فقال ) ن لتـركبن أو ألنـزل وبلغ من إكباره ألسامة بن زيد أن قال له أن رأيت …قدمـى فى سبيل اهللا

. أن تعيننى بعمر بن الخطاب فأفعل

وقـد كـتب اهللا النصر لجيش أسامة ففرح المسلمون بذلك فرحا شديدا فى عهد عمر بن الخطاب بالد ولقـد تابع المسلمون نشر الدعوة حتى فتحوا



]٨٠[

الفرس وفلسطين والشام ومصر ، وزادت رقعة الدولة اإلسالمية على حساب الدولتـين الكبيـرتين الفارسية والرومانية ، نظرا الستبداد ملوكهم وتناحرهم وقسـوتهم علـى رعيـتهم ، وخالفاتهم الدينية ، فى حين أن المسلمين تألفت

ليس لعربى على عجمى وال :( إخوانا متحابين قلـوبهم وأصبحوا فى دين اهللا لعجمـى على عربى وال ألحمر على أبيض وال ألبيض على أحمر فضل إال

) .بالتقوى

نجد أن الصحابة تحملوا التبعة الملقاة على أعناقهم بعد وفاة : وهكـذا الرسـول بجـدارة جعلـت الدولة اإلسالمية على اتساعها وترامى أطرافها

ل بـين أقطارهـا تسير فى طريق واضح المعالم موحد وصـعوبة االتصـا االتجـاه ، طريق األمن واالستقرار فى كل نواحى العالقات المختلفة سياسية أو قضـائية أو اقتصادية ، أو دفاعية أو اجتماعية ، رائدهم فى ذلك كتاب اهللا

) .(وسنة رسوله



]٨١[

المبحث الثانى

:ذا العصر مصادر الفقه اإلسالمى فى ه

:يتضح لنا أن مصادر التشريع لدى الصحابة كانت تتمثل فى

) (النظـر فى كتاب اهللا تعالى لمعرفة الحكم ، ثم النظر فى سنة رسول اهللا إن لـم يجـدوا الحكم فى الكتاب أو فى سنة رسول اهللا ، أو وجدوا أكثر من

فأنهم نـص وكـان كل نص يقضى بحكم غير الحكم الذى يقضى به اآلخر ، يجـتمعون لعـرض الـواقعة ويتبادلون اآلراء ، فإذا انتهى األمر إلى حكم أجمعوا عليه وأصبح حكما قطعيا ال يجوز مخالفته وهو ما يسمى باإلجماع ، فـإن لـم يجـدوا قضـوا بالرأى وهو شامل للقياس واالستحسان والمصالح

للتشريع عندهم المرسـلة والبـراءة األصلية وسد الذرائع إذن المصدر األول .أيضا هو القرآن ، والثانى هو سنة النبى

:اإلجماع : ثالثا

بعد وفاته فى ) (اتفاق المجتهدين من أمة محمد : واإلجمـاع معـناه (عصر من العصور على حكم شرعى ، فإذا وقعت حادثة بعد وفاة الرسول

( م فيها فإن ، وعرضت هذه الواقعة على جميع المجتهدين واتفقوا على حكذلـك يسمى إجماعا ، أما إذا اتفق البعض وخالف البعض اآلخر فإن ذلك ال يسـمى إجماعا ، هذا والبد لإلجماع من سند يدل على حكم المجمع عليه ألن اإلفـتاء بدون سند خطأ لكونه قوال فى الدين بغير علم ، وسنده إما أن يكون



]٨٢[

كخبر اآلحاد والقياس ، وإن خالف قطعـيا كالقرآن والسنة المتواترة أو ظنيا . بعض العلماء فى صحة كون القياس سندا لإلجماع

العـبادات واجبة باإلجماع ، وسند اإلجماع فى ذلك نصوص :فمـثال .وردت فى القرآن الكريم مثل وجوب الصالة والحج والصيام وهكذا

: وقد يكون سنده خبر أحاد مثل

إجماعا ، وسند ذلك ما روى عن ابن تحـريم بـيع الطعام قبل قبضه من ابتاع طعاما فال يبعه حتى يستوفيه وقد يكون : " قال ) (عمـر أن النبى

فقد ) (سنده القياس كخالفة أبو بكر على تقديمه فى الصالة فى مرض النبى رضيه رسول اهللا لديننا أفال نرضاه لدنيانا ؟ : روى أن الصحابة قالوا

. تحريم شحم الخنزير قياسا على لحمه انعقد اإلجماع على

ولقـد كـان اإلجماع ميسورا فى عهد أبى بكر وفى عهد عمر أيضا ، وذلـك ألن معظم الصحابة كانوا يقطنون حاضرة الخالفة اإلسالمية ، وهى المديـنة المنورة ، فكان اجتماعهم ميسورا ، ولقد عرف فضل ذلك عمر بن

فى السفر إلى ) (رغبة أصحاب النبى ولـذلك عـندما رأى ) (الخطـاب الـبالد المفـتوحة لـم يسـمح لهم ومنع مغادرتهم المدينة إال عند الضرورة القصـوى ، وبهذا المصدر ضاقت دائرة الخالف فى هذه الفترة وذلك لقربهم

. من بعض واألخذ بما يرونه صوابا من اآلراء

الد المفتوحة أصبح كل أما عندما أذن عثمان للصحابة فى السفر إلى الب مـنهم مرجعا للقضاء والفتوى فى المكان الذى يعيش فيه ، وإذا لم يجد نصا



]٨٣[

اجـتهد ، وقد يختلف الحكم الذى أداه إليه اجتهاده عن الحكم الذى توصل إليه .صحابى آخر ، ومن هنا ظهر االختالف بينهم فى بعض األحكام

: العمل بالرأى أو) (اجتهاد صحابة رسول اهللا : رابعا

. تحمل الجهد ، والجهد هو المشقة :االجتهاد فى اللغة

هـو استفراغ الفقيه الواسع لتحصيل ظن بحكم :وعـند األصـوليين شـرعى ، فاستفراغ الوسع ، أى بذل غاية الجهد بحيث يجد من نفسه العجز عـن بـذل المزيد ، وعلى ذلك فبذل بعض الجهد وتركه قبل أن يبلغ غايته لـيس اجـتهادا ، وكلمـة الفقيه ، تخرج غير الفقيه ، وكلمة تحصيل ، تعنى

. اإلدراك وأما كلمة الظن فتعنى إدراك الفقيه للطرف الراجح

ومـن المعلـوم أن األحكـام االعـتقادية ومـا صار معلوم من الدين . بالضرورة ليس محال لالجتهاد ، كإيجاب الصالة والزكاة والصوم والحج

وعلم أصحابه ) (لقـد اجتهد الرسول : اجـتهاد الصـحابة كيفـية االجـتهاد فكانوا يستنبطون الحكم من مصادر الشريعة ، فكانوا يرجعون إلى

فإن أصابوا أقرهم على اجتهادهم ، أما إذا أخطأ أحدهم فإنه ) (رسـول اهللا كـان ينبهه إلى الخطأ ويبين له وجه الصواب ليعلمهم االجتهاد الصحيح من

. لفاسد ا

:ومن األمثلة على االجتهاد الصحابة كما سبق وبينا

مـا ورى أن جماعـة من الصحابة كانوا فى سفر وفيهم عمرو ومعاذ فأصبح كالهما بحاجة إلى الغسل وال ماء معهما فاجتهد ) رضـى اهللا عنهما (

كـل منهما ، أما معاذ فقد قاس الطهارة بالتراب على الطهارة بالماء وتمرغ



]٨٤[

تراب وصلى ، وأما عمرو فلم ير ذلك ، وأخر الصالة ، فلما رجع إليه فـى ال ) ( بـين لهمـا الصواب ، فأشار إلى أن القياس فاسد ، ألنه فى مقابلة نص

وقال لمعاذ يكفيك ان تفعل فامسحوا بوجوهكم وأيديكم : وهو قوله تعالى مر أن التيمم كما يرفع الحدث هكـذا ، مشـيرا إلـى كيفية التيمم ، وأفهم ع

أو : األصغر يرفع الحدث األكبر ، وأن المالمسة المذكورة فى قوله تعالى اءالنس ـتمسلام ليست مقدمة الجماع بل هى كناية عن الجماع نفسه وبالتالى

. يجزئ فيها التيمم

:أسباب اختالف الصحابة وخصائص التشريع فى هذا العصر

اخـتالف الصحابة فى بعض األحكام فى هذا العصر إلى عدة يـرجع -:أسباب منها

: اختالفهم فى فهم معانى القرآن الكريم -١

وذلـك إذا كان النص ظنى الداللة بأن يحتمل أكثر من معنى ، فيحمله أحـدهم علـى أحد المعنيين ويحمله األخر على المعنى الثانى ، كما فى لفظ

على الطهر ، والبعض اآلخر حمله على معنى قـرء ، فـإن الـبعض حمله . الحيض ، وذلك ألنا اللفظ يحتمل أكثر من معنى

: اختالفهم فى العلم بالسنة -٢

بان يكون النص قد علم به أحدهم ولم يعلم به اآلخر ، فإن الصحابة لم يكونـوا على درجة واحدة فى العلم بالسنة ، فقد كان بعضهم يحفظ من السنة

أو لقوة حفظه ، فمن علم بالسنة ) (حفظه اآلخر لمالزمته للرسول مـاال ي قضـى بهـا ، ومن لم يعلم فى الواقعة سنة سأل غيره من الصحابة ، فإن لم



]٨٥[

يجـد أفتى برأيه طبقا للقواعد العامة فى الشريعة اإلسالمية ، وقد ترتب على الف رأيه ذلك أن بعضهم كان يقضى برأيه فى واقعة ، ثم تظهر سنة على خ

. غابت عنه وعلمها غيره

: اختالفهم فى الرأى المبنى على المصالح -٣

وذلـك الخـتالف البيئات التى يعيشون فيها بعد الفتح فإنه إذا لم يعلم الصحابى نصا من كتاب أو سنة فى الوقائع الجديدة اجتهد للوصول إلى حكم

سد حاجاتهم ، ومصالح الشرعى ، مراعيا فى اجتهاده تحقيق مصالح الناس و الناس وحاجاتهم تتغاير من بلد إلى آخر ، وقد تقل وقد تكثر ، فما يطرأ لعبد اهللا بـن مسـعود بالكـوفة ال يطرأ لعبد اهللا بن عمر بالمدينة ، ويختلف عما

وإذا اختلف البيئات اختلفت .. يطـرأ لمعاويـة فـى أرض الشام كيفا وكما واعث على تشريع األحكام ، وتبعا لذلك األنظـار فـى تقريـر المصالح والب

. اختلف األحكام

:خصائص التشريع فى هذا العصر

إن التشـريع فـى هذا العصر كان يتمشى مع الحوادث الواقعة فعال ، فكل األحكام التى استنبطها الفقهاء فى هذا العصر كانت لوقائع نزلت وقضايا

فليس للفقه االقتراضى عرضـت ، وكـان البـد من بيان حكم الشرع فيها ، وجـود ، ألن المـنوط بهـم أمر القضاء والفتيا الخلفاء وقد حالت مشاغلهم

.السياسية واإلدارية عن البحث فى مثل هذه األمور

قلـة المسـائل الخالفية ، وذلك لتطبيق مبدأ الشورى بين الصحابة فقد ة الوقائع حـرص الخلفـاء على تطبيقه خاصة فى القضايا الهامة ، كما أن قل



]٨٦[

الجديـدة فى هذا العصر أدت إلى قلة استعمال الرأى وإذا قل استعمال الرأى . قل االختالف فى األحكام

إن فقهـاء الصـحابة لـم يتركوا لنا فقها مدونا يرجع إليه ، بل تركوا أحكامـا وفـتاوى محفـوظة فى الصدور يتناقلها الفقهاء مختلطة بمصادرها

سنة لم تدون خشية على القرآن ، فمن األولى أال بدون وأدلتها ، وإذا كانت ال .الفقه لنفس السبب ، ويظل كل االهتمام فى التدوين والكتابة للقرآن

.إن الصحابة لم يكونوا على درجة واحدة فى استعمال الرأى

فكان منهم من يتحرج فى األخذ به خوفا من الكذب والخطأ وكان على هللا بن عمر وزيد بن ثابت ، ومنهم من كان يتوسع عبد ا : رأس هـذه الطائفة

فـى اسـتعمال الرأى وعلى رأس هذه الطائفة عمر بن الخطاب وعبد اهللا بن مسـعود وعلـى بـن أبى طالب ، ومن هذين االتجاهين التحرج فى الرأى

مدرسة أهل الحديث ، ومدرسة أهل : والتوسـع فيه تكونت مدرستين فقهيتين صائص العامة التى اتسم بها هذا العصر فى ناحيته الـرأى هذه هى بعض الخ

. التشريعية



]٨٧[

الفصل الثالث

"فى عصر التابعين "

.هـ حتى أوائل القرن الثانى الهجرى ٤١ويبدأ من سنة

نتـناول فى هذه الفترة الحلقة الثالثة من أطوار الفقه اإلسالمى ، وهى فات الفقهية ، وهذا العصر يعتبر فتـرة مليـئة باألحـداث السياسية واالختال

امـتدادا لعصـر الخلفاء الراشدون حيث العلماء البارزون إال أن هذا العصر يحمـل طابـع السياسـة والخـالف حول الحكم بعد أن كان عصر الخلفاء الراشـدين يحمـل طابـع التدين والحرص على نشر الدعوة ، كذلك فقد هذا

أى حول ما يقع جماعيا أصبح الرأى العصـر مبدأ الشورى فبعد أن كان الر .فيه فرديا

:األحداث السياسية فى هذا العصر

، بايع أكثر المسلمين على بن أبى ) (بعـد مقـتل عـثمان بن عفان بالخالفـة ، غيـر أن بعـض الصحابة تردد فى مبايعة على ، ) (طالـب

ن أبى والـبعض اآلخـر لم يرضه تولى على الخالفة ، وكان منهم معاوية ب سفيان ، وأخذت هذه الجبهة المعارضة تعد عدتها إلسقاط الخليفة تحت ستار

. المطالبة بقتلة عثمان



]٨٨[

وقامت على أثر ذلك موقعة الجمل بين جند على من ناحية ، وبين بنى أمـية وطلحـة والزبير من ناحية أخرى ، انتهت هذه الموقعة بانتصار جيش

موقعة صفين ، بين على وجيشه ، من الهجرة وقعت ٣٧علـى ، وفى سنة ومعاويـة وجيشه وعندما شعر معاوية بالهزيمة رفع جيشه المصاحف طالبا

أبو -تحكـيم كـتاب اهللا تعالى ، وعندما قبل على التحكيم ، ودخل الحكمان واتفقا على خلع على من الخالفة ، لم -موسـى األشعرى وعمر بن العاص

التحكيم عندها بدأ التصدع يظهر فى جيش يـرض على بهذه النتيجة ، ثم قبل على ، فريق رضى بالتحكيم ، وفريق رفضه وخرج على على وسمى هؤالء بالخـوارج ، ومـن وقـف بجانبه سموا بالشيعة وطائفة معاوية ، ثم جمهور

. المسلمين الذين لم يناصروا ال هذا وال ذاك

كثير من األحكام وكان لهذا االنقسام وظهور هذه الفرق أثر كبير على الفقهـية ، ولذلك فإننا سنقوم بدراسة مبادئ وأهداف كل فرقة من هذه الفرق

. لنرى أثرها فى الفقه اإلسالمى

:الخوارج

هـم أشـد الفرق اإلسالمية دفاعا عن اعتقادهم وحماسة لرأيهم ، وقد دفعهـم التعصـب لفكـرتهم إلى االستهداف للمخاطر وقسوة القلب على من

. م خالفه

:مبادئهم

:كان للخوارج تعاليم ومبادئ ال تجدها عند غيرهم وأهم هذه المبادئ



]٨٩[

صحة خالفة أبى بكر وعمر وعثمان فى أول واليته ، وكان يجب عزله -١ .عندما غير طريقة أبى بكر وقدم أقاربه

.صحة خالفة على إلى وقت التحكيم ، ولما أخطأ كفروه مع الحكمين -٢

كون باختيار حر بين المسلمين ، سواء كان المختار الخالفـة يجب أن ت -٣قرشـيا أو عبدا حبشيا ، وليس من حقه أن يتنازل بل يحكم ، وعليه أن

.يخضع خضوعا تاما ألوامر الدين وإال وجب عزله

العمـل جزء من اإليمان ، ألن اإليمان تصديق وعمل ، وكل من عصى -٤ .اهللا يكون كافرا والذنوب كلها كبائر

وجـوب الخـروج على اإلمام الجائر ، ومحاربة المنكر والظلم والفساد -٥دون نظر إلى اعتبار آخر ، فال يعفيهم من الخروج ضعف قوتهم وشدة شـوكة اإلمـام ، أو أن تتفرق الجماعة وينقض أمر المسلمين ، مادامت

.الجماعة تسير فى طريق ال يجافى تعاليم الدين

ى وهزمهم ، كما كانت لهم حروب مع هـذا وقـد حـاربهم اإلمام عل األمويـين والعباسـيين إلـى أن كانـت نهايـتهم فى منتصف القرن الثالث الهجـرى ، ولـم يـبق مـنهم إال طائفة األباضية بالمغرب وهى أعدل فرق

.الخوارج وأقربهم إلى اإلسالم

:أثر هذه المبادئ فى الفقه اإلسالمى التى نادى بها الخوارج وأقاموا مذهبهم كان لهذه المبادئ وتلك التعاليم

.عليها أثرها البالغ فى الفقه اإلسالمى من حيث مصادره وفروعه

:من ناحية المصادر



]٩٠[

:أنقسم الخوارج فيما بينهم إلى فريقين

قسـم متشدد ومغالى ، وهذا القسم أقتصر على القرآن الكريم وحده فى نكروا العمل بالسنة ، ورفضوا التشـريع ، وأنكـروا ما عداه من مصادر ، فأ

إن القياس : األخـذ بإجمـاع المسلمين ، كما أنكروا العمل بالقياس ، وقالوا .فالمصدر األوحد لديهم هو القرآن الكريم . رأى والدين ال يؤخذ بالرأى

أمـا غير المتشددين منهم ، فقد أخذوا بالقرآن والسنة التى جاءت عن التى تأتى عن غيرهما كعثمان وعلى طـريق أبـى بكـر وعمـر أما السنة

ومعاويـة وعمـر بن العاص وأبى موسى األشعرى فال تعتبر سنة وال تؤخذ بهـا عندهم ، وذلك ألن أيا من هؤالء فى نظرهم كافر ، والسنة ال تؤخذ عن طـريقه ، كمـا رفضوا القياس واإلجماع ، وترتب على رفضهم لألخذ بهذه

التى بنيت على أساس السنة واإلجماع المصـادر أن ردت كثيـر من الفروع :ومن هذه الفروع ما لى . والقياس

قـال الخـوارج بـأن الزانى المحصن ال يرجم ، مع أن رجم الزانى -١

وعمل الصحابة وإجماع المسلمين المحصـن ثبت بسنة رسول اهللا .عليه

ال حـد على من قذف المحصن من الرجال ويحد من قذف المحصنات -٢ .مع أن حد القذف شامل لهما وال فرق بينهما . من النساء

تقطـع يـد السارق سواء كان المسروق عظيما أم حقيرا دون مراعاة -٣للنصـاب التى تقطع فيد يد السارق ، مع ورود أحاديث كثيرة تحدد ما

.يقطع فيه يد السارق



]٩١[

ال يحـرم بالرضاع سوى األم واألخت وذلك لوروده فى القرآن الكريم -٤ ـ هأمة واعضالر من اتكمأخوو نكمعضاللاتي أر اتكم وردوا حديث "

" .يحرم من الرضاع ما يحرم النسب

يجـوز الجمع بين المرأة وعمتها ، وبين المرأة وخالتها واقتصروا على -٥ إلا وأن تجمعوا بين الأختين : تحريم الجمع بين األختين لقوله تعالى

ال يجمع بين المرأة وعمتها وال بين : " وردوا حديث مـا قـد سلف " .المرأة وخالتها

كتب عليكم إذا حضر أحدكم : أجـازوا الوصية للوارث لقوله تعالى -٦ بالم بينالأقرن ويالدة للوصيا الوـرخي كتـر ت إنـووف المرع ...

" .ال وصية لوارث : " وردوا حديث

هـذه هى األمور الفرعية التى خالفوا فيها جمهور أهل السنة وما ذلك إال نتـيجة المـبادئ التـى سـاروا علـيها والتى اتسمت بالمغاالة والتشدد والتعصـب ، وقـد اندثـر الخـوارج ـ كما قلنا ـ ولم يعد لهم وجود إال

.ب ويعتبروا أقرب الخوارج إلى المسلمين األباضية فى المغر

:الشيعة

هو على ) (وهـم الذين يرون أن األحق بالخالفة بعد ـ رسول اهللا بـن أبـى طالـب والشيعة أقدم الفرق اإلسالمية ، وأصلهم أصحاب الرأى

ـ بالخالفة ، واحق آل البيت على بن أبى ) (القائل بأولوية آل بيت النبى .طالب



]٩٢[

) رضى اهللا عنه(مذهبهم فى آخر عصر عثمان بن عفان ـ وقد ظهر كرم اهللا وجه ـ ولما لعلى من المكانة _ ونمـا وترعـرع فـى عهـد على

.الممتازة فى اإلسالم أخذوا ينشرون نحلتهم بين الناس

ولمـا جـاء العصر األموى ولما وقعت المظالم على العلويين ، ورأى . شر المذهب الشيعى وكثرت أنصاره الـناس فـى على وأوالده هذا الظلم انت

:وكان للشيعة مبادئهم التى جعلوها أساسا لهم وهذه المبادئ هى

إن اإلمامـة ليست من المصالح العامة التى تفوض إلى نظر األمة ، بل -١هـى ركـن الدين وقاعدة اإلسالم ، وال يجوز لنبى إغفالها ، بل يجب

.ن الكبائر والصغائر عليه تعيين اإلمام لهم ، ويكون معصوما م

عليا للخالفة بنصوص ينقلونها ويؤولونها ، ال ) (عـين رسـول اهللا -٢ . يعرفها نقلة الشريعة وأهل الحديث

، فمن عاداه ) (علـى أفضل الخلق فى الدنيا واآلخرة بعد رسول اهللا -٣ .أو حاربه فهو عدو اهللا إال إذا ثبتت توبته ومات على حبه

اديـث شيئا من أهل السنة مهما كانت درجتها من ال يقـبلون مـن األح -٤ .الصحة

ال يأخذون باإلجماع كأصل من أصول التشريع ، ألن األخذ به يقتضى -٥ . االعتراف بأقوال غيرهم من الصحابة والتابعين وهم ال يعتدون بهم

يفسرون القرآن تفسيرا يوافق مبادئهم وال يقبلون تفسير غيرهم ، إذ أن -٦ذ على غير أئمتهم ، ألنهم معصومون كاألنبياء ، اإليمان الـدين ال يؤخ

.بهم جزء من اإليمان



]٩٣[

وكـان لهـذه المبادئ أثرها فى الفقه اإلسالمى لدى الشيعة أيضا سواء كـان فـى المصـادر كما رأينا من خالل مبادئهم فهم ال يأخذون بالسنة وال

تفق مع قصدهم باإلجمـاع وال بالقـياس كمـا أن القـرآن يفسرونه تفسيرا ي :ومبادئهم ، كما كان لهذه المبادئ أثرها فى الفروع أيضا ومنها

: فى نكاح المتعة -١أجازوا نكاح المتعة وقالوا بإباحته إلى يوم القيامة ، بل قال بعضهم إنه

وقد أجازوا نكاح ليس منا من لم يستحل متعتنا : قـربه إلى اهللا تعالى فما استمتعتم به منهن فآتوهن : قـوله تعالى المـتعة مسـتدلين بظاهـر

نهـورأج مع أن نكاح المتعة محرم فى اإلسالم ، واآلية التى استدلوا بها إنمـا هـى فى الزواج المعروف ، ألنها وردت فى سياق الكالم على الزواج

هن ، كما أن المهر بالعقـد المتعارف عليه بعد الكالم على من يحرم الزواج ب فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن : سمى أجرا فى أكثر من موضع

أى مهـورهن : نهورت أجاللاتي آتي كاجوأز للنا لكإنا أح ا النبيهاأيي وجـاء عن على بن أبى طالب . أى مهـورهن)( : أن النبى)( )

وقال صاحب ) نهـى عـن النكاح المتعة يوم خيبر وعن لحوم الحمر األهلية تيسـير العالم ، ومن هنا حرم نكاح المتعة وهو أن يتزوج الرجل المرأة إلى

ولمـا كان هذا النكاح من المفاسد من اختالط األنساب واستئجار …أجـل .تقيمة حرم الفروج ، ومجافاة الذوق السليم والطبيعة المس

يخالفـون فـى كثيـر مـن مسـائل الميراث ، فال يورثون النساء من -٢العقـارات ، وإنما يورثونهم من المنقول فقط ، كما يقدم بن العم الشقيق

.على العم ألب فى الميراث



]٩٤[

ال يبـيحون للمسلم أن يتزوج كتابية ، مع أن جمهور المسلمين يقولون -٣ .بحل ذلك

على الطالق ، فإذا وقع الطالق دون إشهاد يقولـون بوجـوب اإلشهاد -٤رجلين عدلين كان الطالق باطال ، مع أن جمهور المسلمين يقولون إن

وهكذا يطبق الشيعة فروعهم الفقهية على أدلتهم . اإلشهاد ليس بواجب مـن الكتاب والسنة المروية عن أئمتهم دون غيرها ، وال تزال الشيعة

والعراق ولبنان وفارس والهند وبعض منتشرة فى مناطق كثيرة كاليمن .بالد الشام

والحـق الـذى ألمراء فيه أن التشيع كان مأوى يلجأ إليه كل من يريد هـدم اإلسـالم لعداوة أو حقد ، ومن يريد تعاليم آبائه من يهودية ونصرانية ومجوسـية وغيـرها كل هؤالء كانوا يتخذون حب آل البيت ستارا يضعون

. أهواؤهم وراءه كل ما شاءت

:أتباع معاوية لقد حاول اتباع معاوية أن يجمعوا أنصار لهم منادين أن تكون الخالفة فـى قـريش ، وان البيت األموى أحق بها ، لعلهم يرتكزون فى هذا إلى أن

وهو أموى ، وقد قتل ظلما فيجب أن يكون ) (الخالفـة كانـت لعـثمان .الخالفة لألمويين من بعده

:السنة جمهور أهل أهل السنة هم الذين لم يخرجوا على اإلمام على كما أنهم لم يشايعوه ، وقـد كـان طريقهم فى فهم العقائد هى نفس الطريقة التى كان عليها السلف الصالح ، فقد جعلوا القرآن الكريم المنهل العذب الذين يلجئون إليه فى معرفة

بما توحيه أساليب اللغة وال عقائـدهم ، ومـا أشـتبه عليهم منه حاولوا فهمه



]٩٥[

تنكـره العقـول ، فـإن تعذر عليهم وقفوا وفوضوا ، وبالجملة فقد سلك أهل السـنة طـريقا وسطا جمع بين العقل والنقل ، ولم تختلف مبادئهم عن مبادئ

. السلف الصالح وما أعلنه الفقهاء والمحدثون واألئمة المتبعون

من الفرق ـ كالخوارج والشيعة ويجـب التنبيه إلى أن اختالف غيرهم وغيـرهم ـ لـم يكن اختالف فى العقيدة ، بل كان يرجع إلى الخالفة وأدى هـذا إلـى االختالف فى بعض الفروع الفقهية وحاولت كل طائفة أن تنتصر لمـبادئها مما أدى إلى االضطراب الفكرى الذى تأثر به الفقه وتشعبت بسببه

مين فـى مناحى حياتهم السياسية الخالفـات وأنعكـس ذلـك علـى المسـل واالجتماعية وفى سير الفقه اإلسالمى ، حيث كانت هذه الخالفات هى التربة الصالحة لنمو بذور الكيد لإلسالم والتهجم عليه ، فقد وجدت بعض الطوائف غيـر المسـلمة تحت ظالل هذه الفرصة بغيتها ، وأخذ تكيد لإلسالم بطرق

.ثيرا شديدا متعددة أثرت فى المسلمين تأ



]٩٦[

الفصل الرابع

فى عصر الدولة العباسية

يـبدأ هذا الدور من مطلع القرن الثانى الهجرى عندما تحولت الخالفة مـن بنـى أمية إلى بنى العباس وتولى أبو العباس عبد اهللا بن محمد بن على

هـ وإن كان العباسيون لم يستطيعوا توحيد ١٣٢بـن عـباس ، الحكم سنة حت راية الخالفة العباسية ، حيث قامت عدة دويالت بعضها داخل دولـتهم ت

تحـت الحكم العباسى وبعضها خارج عنه ألسباب ليست مجاال للبحث هنا ، ولكـن الذى يعنينا فى هذا الدور الوقوف على تطور الحركة الفقهية والنشاط

.الفقهى فى هذا الدور

هاره ، بل أن الفقه فى فـى الحقـيقة يعد هذا العهد عهد نمو الفقه وازد هـذه المـرحلة أصـبح علما مستقال قائما بذاته ، ومما ال شك فيه أن هناك

-:أسباب وعوامل أدت إلى ازدهار الفقه وتطوره وهذه األسباب هى

:اهتمام الخلفاء بالفقه والفقهاء

عندما قامت الدولة العباسية عملت على تجنب ما كان سائدا فى الدولة ة من االعتماد على العصبية القبلية وبعد الفقهاء عن الدولة ، فقربوهم األمـوي

وساد الطابع الدينى جميع ) (مـنهم وعملـوا علـى أحياء سنة رسول اهللا .شئون الدولة ، فقامت الدولة العباسية بأسم الدين وعلى الدين

ونجد أن من مظاهر تقريب الخلفاء للفقهاء ، أن هارون الرشيد يخص يوسف بالصحبة والمالزمة ويعينه قاضيا للقضاة ، وأبو جعفر المنصور أبـا



]٩٧[

يؤثـر الفقهاء بعطاياه ، فأدى هذا القرب إلى اهتمام الفقهاء بشئون الدين فأبو .يوسف يؤلف كتاب الخراج ، ويؤلف اإلمام مالك كتاب الموطأ

كمـا حـرص الخلفاء على تلقى أوالدهم العلوم الدينية على يد الفقهاء .وفى مجالسهم العامة

فيـروى أن هـارون الرشـيد بعث إلى اإلمام مالك يستحضره مجلسه : ليسمع منه ولداه ـ اآلمين والمأمون ـ كتاب الموطأ فكتب إليه اإلمام مالك

أعز اهللا أمير المؤمنين ، إن هذا العلم منكم خرج ، فإن أنتم أعززتموه يعز ، يأتى ، فقال صدقت ، أخرجا إلى المسجد وإن زللتموه زل ، والعلم يؤتى وال

شريطة أال يتخطيا رقاب الناس ، : حتـى تسـمعا مـع الـناس ، قال مالك .ويجلسا حيث ينتهى المجلس بهما ، فحضراه بهذا الشرط

كـذلك حين قام الرشيد بأداء فريضة الحج إلى المدينة أرسل إلى اإلمام فرفض اإلمام مالك ذلك مالـك لـيحمل كتابه المؤطأ ويحضر إلى مجلسه ،

واهللا ال نسمع : وامتـنع من الذهاب إليه ، فما كان هارون الرشيد إال أن قال .إال فى بيتك

.وهكذا كان لهذا االهتمام بالفقهاء أثره العظيم على نمو الفقه وازدهاره

:حرية االجتهاد فى استنباط األحكام

ى حرية االجتهاد مـن العوامل التى ساعدت على نمو الفقه وتطوره ه فـى اسـتنباط األحكام ، حيث تركت الدولة العباسية الفقهاء يبحثون فى حكم أى واقعـة تعـرض علـيهم دون وضع قواعد معينه فى استنباط الحكم ، أو االلتـزام بمـذهب معين ، بل كان الفقيه له حرية التجول والبحث فى ميادين



]٩٨[

احدة على أكثر من فقيه فيختلفا الفقه المختلفة ، ويمكن أن تعرض القضية الو فـيها بحكم أو رأى يخالف رأى غيره وذلك على حسب بيئته وعادته التى قد تخالـف بيـئة وعادة من أفتى فيها أو ال ، فكثرة اآلراء فى الواقعة الواحدة وحرية االستنباط للفقهاء ساعد كل ذلك على نمو الفقه وتطوره ، فعندما طلب

لك تأليف كتابه الموطأ ، وأقبل الناس عليه وأعجبوا به المنصور من اإلمام ما ورحلوا فى طلبه ، فطلب منه الخليفة أن يعلق الموطأ على الكعبة ليوزع فى

ال تفعل ، فإن : اآلفـاق ويحمل الناس عليه حسما لمادة الخالفة ، فقال مالك الصـحابة تفـرقوا فى اآلفاق ورووا أحاديث غير أحاديث أهل الحجاز التى

جزاك اهللا : فقال . اعـتمدتها ، وأخذ الناس بذلك ، فاتركهم على ما هم عليه .خيرا يا أبا عبد اهللا

فعدم حمل الناس على مذهب معين وترك حرية الرأى فى االجتهاد لهم .أدت إلى اتساع آفاق الفقه وتطوره

:كثرة الحوادث والوقائع

دادا شاسعا حيث وصلت إلى امتدت الدولة اإلسالمية فى هذا العصر امت الصين شرقا وإلى أوربا غربا ، وكان لهذه الشعوب التى دخلت فى اإلسالم ثقافـات وحضـارات مخـتلفة ، ولقـد حرص هؤالء على أن يعلموا ما فى اإلسـالم ويتعرفوا على ما فيه ، فقام الفقهاء بدراسة أوضاع هذه الحضارات

للشريعة أقروه وما كان منها مخالفا ردوه ، والـثقافات ، فما كان منها موافقا مـع مراعاة أعراف وعادات كل بلد من هذه البالد بشرط أال يخالف العرف أو العـادة نصا شرعيا ، وقام الفقهاء بتعليم هذه الشعوب أحكام اإلسالم على أسـاس ذلك ، فوجدت فى كل أقليم أحكام وفتاوى تخالف أحكام وفتاوى غيره



]٩٩[

يم ـ وذلك ال يكون إال فى األمور االجتهادية أما التى فيها نص فال من األقاليـوجد اختالف حولها ـ فما كان من الفقهاء إال أن يجدوا وسيلة للربط بينهم فى هذه األقاليم لتعرف الفقهاء على أعراف وعادات جميع األقاليم ومعرفة ما

اء فقام اإلمام محمد قـيل فى كل أقليم من فتاوى أحكام ، فكانت رحالت الفقه بن الحسن برحلة إلى المدينة ، ورحلة اإلمام الشافعى من الحجاز إلى العراق إلـى مصـر ، وفى العراق وضع مذهبه القديم ، ولما انتقل إلى مصر وضع مذهـبه الجديـد ، وما ذلك إال لمراعاة أعراف وعادات الناس ، فكان لكثرة

اإلسالمية أثرها فى خدمة الفقه ونشره الحـوادث والوقائع نتيجة اتساع الدولة وتقـريب وجهـات النظـر بين الفقهاء نتيجة الرحالت التى وجدت فى هذه

.الفترة

:ازدهار الحركة العلمية

ــ كما قلنا ـ لقد دخل فى اإلسالم أمم وشعوب ذات ديانات مختلفة ، ما عليه وكـان لكل أمة منهم ثقافة تخالف ثقافة غيرها وفنون وألوان تخالف

األخـرى ، فلمـا أصبح هؤالء أمة واحدة كان البد وأن يتبادلوا هذه الثقافات والفـنون فـأدى ذلـك إلـى نضج أفكارهم وتنمية أذهانهم وكان أهم عوامل

:النهوض بالحركة العملية فى هذه الفترة ما يلى

تـرجمة العلـوم والفلسفة اليونانية للغة العرب ، ولقد استفاد المسلمون -١ة عامة والفقهاء بصفة خاصة من المنطق والفلسفة فى علم الكالم، بصف

وذلـك لكثـرة الشبه التى آثارها أصحاب الديانات المختلفة ضد العقائد اإلسـالمية ، وسلوكهم فى الجدل والمناقشة مسلكا يعتمد على العقل ال



]١٠٠[

علـى الـنقل ، كـان من الضرورى أن يتسلح علماء هذا الفن بهذين .هيأ لهم مقاومة هؤالء المجادلين ومحاجتهم العلمين لتت

ظهور طبقة الموالى حيث برع هؤالء فى كثير من صنوف المعرفة لم -٢تتوفـر للعـرب ، بجانب هذا لهم معرفة بالكتابة والتأليف ولديهم قدرة علـى استنباط األحكام ، فظهر منهم مشاهير من المفسرين والمحدثين

طاء بن رباح وغيرهما ، ولكن والفقهـاء أمـثال الحسـن البصرى وع يجـب أن يفهم أن حظ العرب فى الفقه ورواية الحديث لم يكن أقل من حـظ الموالـى فى ذلك ، فقد كانت المشاركة بينهما ، فلم يوجد بلد إال وفـيه من الفريقين عدد وافر ، غير أن بعض البلدان كان اإلمتياز فيه

.ز لفقهاء العرب كالكوفة للموالى كالبصرة ، وفى بعضها كان االمتيا

ولقد أدى اشتغال العرب بالحكم واألمور السياسية وقيادة الجيوش وعدم إشـراك المولـى فى مثل هذه األعمال إلى انصرافهم للبحث والنظر وإقبالهم على النشاط الفكرى والعلمى ليعوضهم ذلك عما فاتهم من األمور السياسية ،

العلمية فى ذلك الوقت ، وكان لنمو الحركة فكان هذا عامال على نمو الحركة على أننا يجب . العلمـية األثر الواضح فى ازدهار الفقه ونموه فى هذا الدور

أن نالحـظ أن الحـركة العلمية لم تقف عند العلوم الدينية بل تجاوزتها إلى غيرها من العلوم من طبيعة وكيمياء ورياضة وغيرها مما ساعد على تطور

.لمية فى جميع المجاالت الحركة الع

:شيوع الجدول والمناظرة بين الفقهاء

اتسم الطابع الفقهى فى الشريعة اإلسالمية بالجدل والمناظرة ، غير أنه يقـل فـى عصـر من العصور ويكثر فى آخر طبقا لألحداث الموجودة فى



]١٠١[

وجد الجدل وحول الخالفة وقتال مانعى ) (العصـر ، فـبعد وفاة الرسول ـ زكاة ، إال أنـه كـان جدال محدودا فعندما تتضح األمور يتجلى الخالف ال

ويقشـعر ، كـذلك وجـد الجدل والمناظرة فى عهد الدولة األموية بين الفقها واتضـح ذلك فى وجود مدرسة الرأى لكن هذا العصر شهد سعة من الجدل والمناظـرة بـن الفقهـاء أكثر من غيره ، وذلك راجع إلى حرية الرأى فى االسـتنباط وعـدم الحجر على عقول الفقهاء ومحاولة الفقهاء معرفة ما لدى غيـرهم من أراء ومناقشة تلك اآلراء والرد من أصحابها عليهم وبذلك شاع الجـدل واتسـع دائرته فشمل الجدل مصادر الفقه اإلسالمى فبدأ يدور حول

وعمل أهل الكـتاب والسنة وعالقة كل منهما باآلخر ، وحول أقوال الصحابة المديـنة هل هى حجة يؤخذ بها فى تشريع األحكام أو ليست كذلك دار حول القياس واالستحسان والمصالح المرسلة وغير ذلك مما يرجع إليه فى استنباط

كذلك شمل الجدل الدالالت اللفظية ، وحملها على الحقيقة أو .الحكم الشرعى تتم شفاهة فى حلقات العلم علـى المجاز ، وغير ذلك وكانت هذه المناظرات

والدرس ، كما كانت تتم كتابة مثل رسالة الليث بن سعد إلى اإلمام المالك فى .شأن االحتجاج بعمل أهل المدينة

:ولقد كانت لهذه المناظرات الفوائد الجلية التى تتمثل فيما يأتى

أنهـا جعلت التأليف يظفر بالدقة واإلحكام فى عرض األدلة ومناقشاتها -١والمقارنـات بيـنها وبين غيرها ، مما جعل الفقه المذهبى يحتوى على

.أراء كثير من الفقهاء

إن هذه المناظرات عمقت األفكار وشحذت األذهان ووجهت الجميع إلى -٢ .الدراسة والتمحيص



]١٠٢[

أنهـا دفعـت بالدارسـين إلى التسلح بأسلحة اآلخرين ، فأهل الحديث -٣وا بالحديث وترتب على هذا تقريب تسـلحوا بالرأى ، وأهل الرأى تسلح

…ما بين المدرستين أى مدرسة أهل الرأى ومدرسة الحديث

:التدوين والترجمة تميـز هذا العصر بشيوع تدون علوم المسلمين وترجمة علوم غيرهم ، وإن كان التدوين قد بدأ فى غيره من العصور ، مثل تدوين القرآن الكريم فى

قليل من السنة فى عصر الخلفاء الراشدين وتدوين ال ) (عصـر الرسـول (وكثـر تدوينها فى عهد الدولة األموية على يد الخليفة عمر بن عبد العزيز

( عندما دعى إلى تدوينها ، لكن هذا العصر حظى بالنصيب األكبر فدونمـنه شـتى أنواع العلوم والفنون مثل علوم التفسير ، القراءات ، علم أصول

.كما دونت السنة أيضا فى هذا العصر الفقه ، اللغة ،

كمـا ترجم فيه كثير من العلوم اليونانية والرومانية والفارسية والهندية إلـى اللغة العربية فكان التدوين والترجمة فى هذا العصر مظهرا من مظاهر النشـاط العلمـى والفقهى إذ أنه يساعد على الرجوع إلى العلوم مهما كثرت

. للتدوين فؤائد أخرى أيضا وكان مصدرها وكان

تدوين السنة أدى إلى تمييز األحاديث الصحيحة عن غيرها ، : فمـثال حـيث أهـتم العلمـاء بـرواة الحديث ومعرفة أحوالهم وتوثيق البعض منهم وتجـريح آخـرين وظهر على أثر ذلك علم الجرح والتعديل الذى يبين حال

. الثقة فيما يرويه الرواة من حيث الثقة فيما يرويه أو عدم



]١٠٣[

كذلك علم أصول الفقه وهو العلم الذى يبين القواعد الكلية التى يتوصل بهـا الفقيه إلى الفقه ، وضع هذا العلم القواعد التى يجب مراعتها عندما يريد

.الفقيه أن يقدم على مسألة جزئية إليجاد حكم لها

الفقه وظهوره كان للتدوين والترجمة األثر الواضح على نمو : ولـذلك . فى هذا العصر بل فى جميع اإلعصار المتعاقبة

هـذه هى العوامل التى ساعدت على تطور وازدهار الفقه فى العصر .العباسى

:مصادر الفقه فى هذا العصر -: تنوعت المصادر فى هذا العصر وتعددت فأصبحت كما يلى

لمصالح الكـتاب ـ السـنة ـ االجمـاع ـ القياس ـ االستحسان ـ ا . المرسلة ـ سد الذرائع ـ قول الصحابى ـ شرع من قبلنا ـ االستصحاب

واسـتنباط األحكام من هذه المصادر ليس محل اتفاق بين الفقهاء ، فقد أجمع الفقهـاء علـى أن القرآن والسنة مصدرين من مصادر التشريع ، كما جعل

م يخالف فى ذلك معظـم الفقهاء االجماع والمقياس مصدران أيضا للتشريع ول إال قلـة مـن العلمـاء ، وبالنسبة لبقية المصادر فقد أخذ بها بعض الفقهاء ،

.والبعض اآلخر أخذ ببعضها ورد البعض اآلخر

:خصائص هذا الدور العامة :لهذا الدور خصائص عامة نبرزها فما يلى

ازدهـار الفقه ازدهارا لم يسبق له مثيل ، حيث عرفنا من قبل األسباب -١التـى أدت إلـى نمـو الفقـه وازدهاره فى هذا العصر دون غيره من

.العصور كذلك تميز هذا الدور بالتدوين والترجمة مما أثرى : التدوين والترجمة -٢

.الحركة الفقهية وجعلها حية تحيا الواقع وتعيشه على مر األزمان



]١٠٤[

ففى هذا العصر ظهرت المذاهب الفقهية : ظهـور المـذاهب الفقهـية -٣ت حتى عمت أرجاء الدولة اإلسالمية ، بل تعددت المذاهب فى وكثـر

.بعض البالد وكان لكل مذهب تالميذه وأتباعه حيث ظهرت المصطلحات نتيجة للتدوين : ظهور المصطلحات الفقهية -٤

والجدل والمناظرة بين الفقهاء فحدد العلماء معنى الواجب ، المندوب ، ، كما حددوا معنى الركن ، المـباح ، المحـرم ، المكـروه ، المـباح

.الشرط، السبب ، العلة الفاسد ، الباطل انتشـار الفقه االفتراضى ، حيث كانوا يفترضون مسائل ويتصورونها ، -٥

ثـم ينظرون فى حكمها على ضوء القواعد واألسس التى وضعها الفقيه لنفسـه وبالفقه االفتراضى نما الفقه واتسعت آفاقه كما استقرت به كثير

القواعد والمبادئ وأصبح ذخيرة لألجيال القادمة يعرفون من خاللها من .كثيرا من األحكام المتحدثة وكيفية تكييفها



]١٠٥[

الفصل الخامس

العصر الحديث واليقظة

يبدأ هذا الدور من أوائل القرن الثالث عشر حتى وقتنا هذا ، وقد رأينا غلق باب االجتهاد ، كما قـبل ذلـك شيوع التقليد بين الفقهاء وأدى ذلك إلى

وجـدنا الدولـة اإلسالمية تفككت إلى عدة دول تتناحر مع بعضها ووصلت األمـور فى ظل هذه األوضاع من سئ إلى أسوأ إلى أن احتلت معظم الدول اإلسـالمية وقـام المستعمر بتطبيق قانونه األجنبى فى هذه الدول ، وطويت

تى طبقت فيها أحكام الشريعة صفحة عظيمة من صفحات التاريخ اإلسالمى ال اإلسالمية ثالثة عشر قرنا من الزمان ، وهذا هو ما دفع المخلصين من أبناء هـذه األمة إلحياء الحركة اإلسالمية ويقظتها من غفوتها مرة ثانية ، فقامت تـنفض تراب هذه الحقبة ـ التى مرت بها وأدت إلى إغفال قانونها السماوى

العالم اإلسالمى من هذه الكبوة ، ولقد تعددت ــ مـن على رأسها وإخراج -:صور التحرك فيما يلى

الدعوة إلى اإلصالح والتمسك بالقرآن : أوال

بـدأت فـى أوائـل القـرن الثالث عشر حركات تدعوا إلى اإلصالح والتمسـك بكتاب اهللا تعالى وسنته فى مختلف بقاع األقطار اإلسالمية لعل من

:أهمها

بقيادة محمد السنوسى الذى طاف شمال : السنوسية فى ليبيا الحـركة أفـريقية داعـيا إلـى تطهير الدين مما ادخله األعداء عليه ، ومناشدة الناس



]١٠٦[

والسلف الصالح ، كما كان له ) (بالـرجوع إلـى كتاب اهللا وسنة رسوله .هدف سياسى وهو تخليص البالد من االستعمار

لوهابية الذى قام بها محمد بن عبد كانـت الحركة ا :وفـى الحجـاز الـوهاب النجدى فى قلب نجد تنادى بمحاربة البدع وتطهير اإلسالم والعودة

.وما كان عليه السلف الصالح ) (إى كتاب اهللا سنة نبيه

قامت الحركة المهدية التى قادها المهدى ، وكانت : وفـى السـودان ته والرجوع فى استنباط تهـدف إلـى العـودة إلى اإلسالم وسماحته وبساط

.األحكام إلى الكتاب والسنة

قاد حركة اإلصالح السيد جمال الدين األفغانى باعث : وفـى مصـر النهضـة الفكرية فى الشرق ، ثم تلميذه اإلمام محمد عبده وتتلخص دعواتها فـى مهاجمـة التقليد والجمود والتعصب المذهبى والعمل على تنمية الشعور

روح االنتماء إلى العالم اإلسالمى كما دعت إلى التقريب بين الدينـى وإيقاظ .مختلف المذاهب اإلسالمية

وممـا ال شك فيه أن كل دعوة ظهرت على أيدى أحد العلماء فى هذا العصر كان الهدف منها هو النهوض بالفقه اإلسالمى والرجوع به إلى سابق

.تمده الفقهاء منها عهده ، وذلك بالرجوع إلى المصادر األصلية التى يس

وقـد دعـا هؤالء أيضا إلى الرجوع إلى الكتب الفقهية المطولة ذات األسـلوب السـهل والمعانـى الواضحة التى تربى الملكة الفقهية عند طالب العلـم ، كمـا دعـى هؤالء إلى نبذ التعصب المذهبى ، ألن كل مذهب من



]١٠٧[

رسوله وغيرهما من المـذاهب الفقهـية مسـتمد أحكامه من كتاب اهللا وسنة . المصادر فنادوا باألخذ من الفقه اإلسالمى كله وعدم التقيد بمذهب واحد

دراسة الفقه اإلسالمى : ثانيا

كمـا قلـنا ـ وجـدنا كثير من علماء هذا العصر ينادون بالدعوة إلى الدراسـة المجـردة عن المذهبية فقام فضيلة الشيخ محمد مصطفى المراغى

ألزهر بإضافة مادة جديدة فى األزهر تدرس ضمن العلوم التى وكـان شيخأ ل وهى تهدف إلى دراسة ) علم مقارنة المذاهب (يقـوم األزهر بتدريسها تسمى

أراء الفقهـاء مجتمعة وأدلة كل ومناقشة األدلة وبيان الراجح من اآلراء ليس دراسة كما أدخل ألول مرة . تعصبا لرأى معين وإنما على اعتبار قوة الدليل

علـم تـاريخ التشـريع اإلسالمى ليعلم الدارس بأطوار الفقه اإلسالمى عبر هذا باإلضافة . الـتاريخ ويقف على عوامل القوة والضعف التى ألمت بالفقه

إلـى وجـود الدراسـات العلـيا فى الفقه المقارن والفقه المذهبى والسياسة ية تدرس بجميع كليات الشرعية وأصول الفقه ، كما أن مادة الشريعة اإلسالم

الحقـوق فى الجامعات المصرية فى مرحلة الليسانس ، وفى مرحلة الداسات . العليا فى دبلوم القانون الخاص ووجد أخيرا دبلوم الشريعة اإلسالمية أيضا

ولقـد أدى ذلـك إلى اتساع أفاق الكتابة فى النظريات العامة فى الفقه فى استعمال الحق مما جعل القائمون اإلسـالمى مـثل نظرية العقد والتعسف

على وضع القانون المدنى الجديد إلى أخذ كثير من أحكام الفقه اإلسالمى فى . المشروع الجديد كما جعلوا الشريعة مصدرا من مصادره



]١٠٨[

١٩٧١كمـا أن الدستور الدائم لجمهورية مصر العربية والصادر سنة نص على أن الشريعة اإلسالمية قـد تقدم فى هذا المجال تقدما ملحوظا حيث

.هى المصدر األساسى للتشريع

هـذا باإلضـافة إلـى إنشـاء معهد الدراسات اإلسالمية لخدمة الفقه اإلسالمى ، كذلك أنشئ مجمع البحوث اإلسالمية لخدمة الفقه اإلسالمى كذلك أنشئ مجمع البحوث التابع لألزهر على أن يكون أعضاؤه من جميع األقطار

مية ، وفـى هذا المجمع تنعقد الدورات وفى نهاية كل مؤتمر تصدر اإلسـال .توصيات موجهه إلى الدول اإلسالمية

كما انشئ المجلس األعلى للشئون اإلسالمية الذى يهتم بالنواحى العلمية واإلسـالمية ومن أهدافه إحياء التراث اإلسالمى ، ولذلك قامت لجانه بتأليف

ه اإلسالمى ومنها موسوعة جمال عبد الناصر التى المؤلفات العظيمة فى الفق تتسـم باألسـلوب الدقيق والعبارة المقنعة فضال عن اشتمالها عن كل أبواب الفقـه اإلسالمى وأظهرت مدى سمو الشريعة وعظمتها وصالحيتها للتطبيق

.فى كل زمان ومكان وأنها قادرة على مسايرة التطور والتقدم

ن أحكام الفقه اإلسالمى محاوالت تقنيي: ثالثا

يعنـى تقنين أحكام الفقه اإلسالمى صياغته فى قانون موحد يضم مواد وفقـا للـرأى الراجح من المذاهب الفقهية إذا كانت المسألة محل خالف بين

ثم . الفقهـاء ، أو وفقا لما أجمع عليه الفقهاء فى المسألة إذا كانت محل اتفاق مشروع قانون لموافقة السلطة التشريعية عليه توضـع هذه المواد فى قانون

ونشره فى الجريدة الرسمية ، ثم يقوم القضاء بعد ذلك بتطبيقه على الخصوم والتقنـين لألحكـام الفقهية لم يظهر بهذه الصورة إال فى القرن الثالث عشر .



]١٠٩[

الهجـرى فى عهد الدولة العثمانية حيث قننت بعض األحكام الفقهية فى شكل وأصـبح القاضى ملزما بتطبيقه على الخصوم ، ويتمثل ما تم تقنينه مـواد ،

مـن أحكـام الشـريعة فى عهد هذه الدولة فى مجلة األحكام العدلية وقانون .العائالت

هـ ١٢٩٣ من شعبان عام ٢٦ولقـد أصدر السلطان العثمانى أمره فى ا مصر بوجـوب العمـل بها وتطبيق أحكامها فى تركيا والدول التابعة ما عد

هـ ورفض الخديوى إسماعيل تطبيقها ، ١٢٩١التى استقلت عن تركيا سنة ولقـد احـتوت هذه المجلة على قواعد جمعت من المذاهب الفقهية المختلفة ، ولكـنهم اعتمدوا على المذهب الحنفى فى جمع معظم القواعد ، ولقد اشتملت

والكفالة والحوالة مادة تناولت أحكام البيوع اإلجارة ١٨٥١هـذه المجلة على والـرهن واألمانـات والهبة والغصب واإلتالف والحجر واإلكراه والشفعة ،

.أنواع الشركات الوكالة ، الصلح واإلبراء ، اإلقرار ، البينات ، القضاء

فتال ظهور مجلة األحكام العدلية وصدر عام : أمـا قانـون العائالت قه اإلسالمى من زواج هــ وقـد اشـتمل على أحكام األسرة فى الف ١٣٢٦

.وطالق ولكنه لم يلتزم بالمذهب الحنفى بل أخذ بغيره فى بعض المسائل

وقـد رفض الخديوى إسماعيل تطبيقه فى مصر ، وقام تطبيق القانون الفرنسـى ، ألن الفقـه اإلسـالمى ـ فـى نظره ـ ال يفى بحاجات الحياة

.تعذر التقنيين منها العصرية من منظم وقوانين ، وإن كتب الفقه اإلسالمى ي

وممـا الشك فيه أن هذه حجة واهية خائنة ، وذلك ألن الفقه اإلسالمى حى متطور يحيا الواقع ويعيشه على مر العصور وسيبقى كذلك إن شاء اهللا ، وليس أدل على ذلك أن المشرع المصرى فى هذه اآلونة فى معظم ما يصدر



]١١٠[

من الفقه اإلسالمى ، كما أن مـن تشريعات فى شتى المجاالت يستقى أحكامه الدسـتور المصـرى اعتبر الشريعة اإلسالمية مصدرا أساسيا فى التشريع ، وما يتم تعديله من قوانن نظرا لعدم صالحيتها للزمان يتم تعديلها وفقا لمبادئ الشـريعة والفقـه اإلسالمى ولقد أثبت الزمان ضعف وخيانة حجة الخديوى

ى نظره أصبح غير صالح اآلن ويستبدل بأحكام حـيث أن مـا رآه صالحا ف .أو على األقل يكون موافقا له ولمبادئه وال يخرج عنه . فقهية إسالمية

كـذلك ممـا يـدلل عـل كذبه قيام الفقيه اإلسالمى قدرى باشا بتأليف مرشد الحيران فى معرفة أحوال اإلنسان " مجموعة من القوانين أطلق عليها

ثم اتبع ذلك بتقنين . مادة ٩٤١ب المذهب الحنفى فى ولقـد أخـذها من كت " كتاب العدل واإلنصاف فى مشاكل " أحكـام الوقف فى مجموعة أطلق عليها

مادة ثم قنن بعض أحكام األحوال الشخصية من ميراث ٦٤٦فـى " الوقـف مادة ، ثم أخذت البالد العربية فى وضع تقنيات ٦٦٤٧وحجـر ووصية فى .جال األحوال الشخصية متعددة وبخاصة فى م

م فى بعض ١٩٢٠ لسنة ٢٥فعلى سبيل المثال فى مصر صدر القانون مسـائل األحوال الشخصية المتعلقة بالزواج والنفقة والعدة والطالق والنسب والمهر والحضانة والمفقود ، وقد روعى فى ذلك هذا القانون األخذ من أراء

.المذاهب األربعة

بوضع حد أدنى لسن الزواج ٥٦انون رقم م صدر الق ١٩٢٣وفى سنة .معتمدا على رأى بعض الفقهاء

فى األحوال الشخصية واستمد ٢٥ صدر القانون ١٩٢٩وفـى سـنة . أحكامه من المذاهب األربعة



]١١١[

. وهو خاص بالمواريث ٧٧ صدر قانون رقم ١٩٤٣وفى سنة

. وهو خاص بالوقوف ٤٨ صدر قانون رقم ١٩٤٦وفى سنة

صـدر القانون الخاص بأحكام الوصية ولم يتقيد ١٩٤٦وفـى سـنة .بمذهب معين

هـ وسنة ١٣٨٩كمـا قـام مجمـع البحوث اإلسالمية فى بداية سنة م بتألـيف لجان لتقنين الفقه اإلسالمى بمذاهبه فقامت اللجان بما وكل ١٩٦٩

على كل إلـيها ، وقد تولى طبع ما أنجز من هذا التقنين وهذا التقنين يحتوى كما قامت هذه . موضـوعات الفقـه سواء ما يتعلق بالقانون الخاص أو العام

اللجـان بمراجعة جميع القوانين وانتهت من مهمتها وهى فى مرحلة الصياغة اآلن بـل إن بعـض المشروعات صيغت مع مذكراتها التفسيرية وفقا ألحكام

ل عرضها على مجلس الشريعة اإلسالمية وهى تراجع اآلن مراجعة نهائية قب الشـعب للمـوافقة عليها ثم التصديق عليها من رئيس الجمهورية طبقا لمواد

. الدستور



]١١٢[

القسم الثانى

فى

نظرية األموال والحقوق والمنافع

أن المال عصب الحياة به يقضى اإلنسان ما يحتاجه من مآرب معلـوم الدنيا ، وبه تؤدى الديون والزكاة والحج وتوصل به األرحام وتعان به األفراد

. واألمم ويرثه األبناء عند فراق األباء

. ى أكثر من موضع ولقد تحدث القرآن الكريم عن المال ف

.سورة الكهف) ٤٦(اآلية المال والبنون زينة الحياة الدنيا فقال تعالى

سورة التوبة) ١٠٣(اآلية خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وقال

سورة ) ٢٥ ، ٢٤(اآليتان وم ، للسائل والمحروم والذين في أموالهم حق معل وقال

المعارج

ولمـا كـان أمـر المـال على هذا النحو من األهمية اهتمت الشرائع السـماوية والقوانـين الوضـعية بالمال وطرق حمايته ووسائل تملكه وكيفية التصـرف فـيه ، بـل إن الشريعة اإلسالمية جعلت حفظ المال ضرورة من

ـ روريات الخمس التى ال وجود لمجتمع فاضل إال بها وهذه الضروريات الض : الخمس هى

. حفظ الدين -١

. حفظ النفس -٢

. حفظ المال -٣



]١١٣[

. حفظ النسل -٤

. حفظ العقل -٥

كانـت المحافظـة على هذه الضروريات الخمس يرتبط بكيان ولمـا وامل المجـتمع ذاتـه ، ولمـا كان التهاون فيها تهاونا فى مقومات األمة وع

. استمرارها وبقائها

لمـا كان األمر كذلك ، كان من فضل اهللا على عباده ورحمته بهم أن تضـمن دسـتور اإلسـالم تحديـد للجـرائم التـى تعبر عدوانا على هذه الضـروريات وحذر منها ، ورصد لمن يرتكبها العقوبة التى تتناسب والخطر

. الناجم عنها والواجب درؤه عنها

ـ تكلم عن المال موضوع الملكية وعن الحقوق والمنافع وفـيما يلـى ن . لكونهما مما يرد عليهما التملك

المال: أوال

: معناه لغة واصطالحا

كل ما بملك من كل شئ ، فكل ما يملكه اإلنسان ويستولى : المال لغة علـيه يسمى ماال عند علماء اللغة ، فالمال كل ما يملكه الفرد أو الجماعة من

وقد أطلق . أو عروض تجارة أو عقار أو نقود أو حيوان وجمعه أموال متاع .فى الجاهلية على اإلبل

. ما يمكن حيازته وينتفع به على وجه : اصطالح الفقهاء وفى

.ما يمكن حيازته وإحرازه واالنتفاع به انتفاعا معتادا : أو هو

: لشىء ويتضمن هذا التعريف شرطين إلطالق اسم المال على ا

. أن يمكن إحراز الشىء وحيازته : أولهما

. أن يمكن االنتفاع به انتفاعا معتادا : ثانيهما



]١١٤[

فـإذا تخلف الشرط األول أى لم يمكن إحراز الشىء وحيازته كالهواء وحـرارة الشـمس وضوء القمر ، أو كان شيئا معنويا كالذكاء فإنه ال يسمى

. ماال فى الشرع

تخلـف الشـرط الثانى أى إذا لم يمكن االنتفاع بالشىء إذا: وأيضـا كالطعام الفاسد أو كان الشىء محرم شرعا كالميتة والخمر فإنه ال يسمى ماال

. فى الشرع

وكذا إذا أمكن االنتفاع به انتفاعا ال يعتد به الناس كحبة البر أو الشعير يعتد بها فال يعول ونحـو ذلـك فإنه ال يسمى ماال أيضا ألن هذه األشياء ال

: عليها

حتـى يمكن أن يسمى الشىء ماال البد من إمكان حيازته وأيضا : إذا فكل ما كان فى حوزة اإلنسان وانتفع به فعال . االنـتفاع بـه االنتفاع المعتاد

يعـد مـاال ، مـثل جميع األشياء التى نملكها وننتفع بها كالنقود والحيوانات . ع به ويدخل فى حيازتنا واألرض وغيرها مما ينتف

أمـا ما لم يستولى عليه اإلنسان وال يدخل فى حيازته ولم ينتفع به فإن كان فى اإلمكان أن يتحقق فيه ذلك اعتبر من األموال وذلك كالسمك فى الماء والطيـر فى الهواء ، فإنه من الممكن االستيالء عليه واالنتفاع به على الوجه

مكن حيازته واالنتفاع به أصال فإنه ال يعتبر من قبيل بخالف ما ال ي . المعتاد . األموال كما سبق القول

ويـرد هنا تساؤال مضمونه هل تعد من األموال منافع األعيان كسكنى ؟ . الدار وركوب السيارة قبل االنتفاع بها وقبل أن تكون فى حوزتنا



]١١٥[

: اختلف الفقهاء فى ذلك إلى رأيين

منافع ليست بمال إذ ال يمكن حيازتها ، ألنها معدومة قبل أن هـذه ال : األولوجـودها ، وإذا وجـدت فإنها توجد شيئا فشيئا وهذا الرأى هو الذى

. ذهب إليه الحنفية

فالسكنى -أن هـذه المـنافع مال ، ألن مصادرها يمكن حيازتها : الثانـى ارة والدار والسي-مـتولدة عـن الدار ، والركوب متولد عن السيارة . يمكن حيازتهما فما ينتج عنهما من منافع يكون ماال

وهـذا الـرأى هو الذى ذهب إليه جمهور الفقهاء وهو ما نراه راجحا وذلـك ألنـه هو الذى يتفق مع طبائع الناس ومعامالتهم المالية ومع العرف العـام ، كمـا أن هـذا الرأى هو الذى أخذ به القانون الوضعى فلقد عرف

الحق ذو القيمة المالية أيا كان هذا الحق سواء كان : مال بأنه هو القانـون ال كما أن . عينـيا أو شخصـيا أو حقـا من الحقوق األدبية والفنية والصناعية

األخـذ بـرأى جمهـور الفقهاء من اعتبار المنافع قبل االنتفاع بها من قبيل . األموال يؤدى إلى أن يضمن الغاصب قيمة منفعة المغصوب

ـ ثال إذا غضـب إنسان شيئا وانتفع به ثم رد الشىء المغصوب إلى فم -صـاحبه ، فإنـه علـى رأى جمهور الفقهاء الغاصب يضمن قيمة المنافع

وعلـى رأى الحنفية فإنه ال ضمان عليه ألن المنافع ليست ماال عندهم ، غير : أنهم استثنوا حاالت يوجبون فيها الضمان وهى

. وقوفة أن يكون المغصوب عينا م -١

. أن يكون المغصوب مملوكا ليتيم -٢



]١١٦[

.أن يكون المغصوب شيئا معدا لالستغالل -٣

:ثبوت المالية لألشياء وزوالها عنها

تثـبت المالية لألشياء إذا صح تمول الناس كلهم أو بعضهم وانتفاعهم . بها ، وماال يتموله الناس كالميتة فإنه ال يعد ماال مطلقا

عنه إذا ترك الناس جميعا حيازته وتموله وصار وتـزول مالية الشىء . عديم المنفعة

لكـن إذا ترك بعض الناس تموله ألنه ال نفع به لديهم ، وتموله غيرهم ألنهـم ينتفعون به ، كان الشىء ثابت المالية بالنسبة للفريق الثانى وليس ماال

ناس يأنف من بالنسـبة للفريق األول وذلك كثياب أصابها البلى ، فإن بعض ال ويرغب غيرهم فى لبسها واستعمالها فهى مال عند من يرغب فيها استعمالها

.وغير مال عند من ال يرغبها وال يستعملها

أقسام المالينقسم المال إلى عدة تقسيمات باعتبارات مختلفة فباعتبار الضمان

. متقوم وغير متقوم : ينقسم إلى . ى عقار ومنقول وباعتبار استقرار المال وعدمه إل

. وينقسم باعتبار تماثله إلى مثلى وقيمى

كما ينقسم باعتبار خصائصه إلى استهالكى واستعمالى وينقسم باعتبار . ملكيته إلى مال خاص ومال عام

وسنقوم ببيان هذه التقسيمات لألموال بحسب االعتبارات السابقة . والنتائج المترتبة على هذه التقسيمات

: تقسيم المال باعتبار الضمان :أوال



]١١٧[

أو باعتبار ما يكون له حرمة وحماية فإنه ينقسم بهذا االعتبار إلى مال . متقوم وغير متقوم

هو المال الذى له قيمة فى نظر الشريعة اإلسالمية : المـال المـتقوم وهـو ما أمكن حيازته فعال وجاز االنتفاع به على الوجه المشروع فى حال

وهـى الحال التى ال يكون اإلنسان فيها مضطرا إلى -ختـيار السـعة واال فاألساس فى اعتبار المال متقوما هو إباحة الشارع -االنـتفاع بمـا يحـرم

.االنتفاع به فى الظروف العادية وذلك كالنقود والدور وغيرهما

: وأما المال غير المتقوم

، أى هو المال فهـو الـذى ليست له قيمة فى نظر الشريعة اإلسالمية الذى ال يحميه الشارع وحرم االنتفاع به ، فالمال الذى أهدرت الشريعة قيمته وحـرمت التعامل به ومنعت الناس من االنتفاع به فى الظروف العادية يعتبر مـاال غيـر مـتقوم كالخمـر فى يد المسلم والخنزير ونحوهما ، أما الخمر

ختلف باختالف الفقهاء فيرى والخنزيـر فـى يـد غير المسلم فإن حكمهما ي : الحنفية والمالكية

أن الخمر والخنزير بالنسبة للذمى يعتبر ماال متقوما ، وذلك ألننا أمرنا أن نتركهم وما يدينون به ، والذمى ينتفع بهما ويعتبرهما ماال متقوما فنعاملهم

.بما يعتقدون

ر ال يعتبران وذهـب الشـافعية والحنابلة إلى القول بأن الخمر والخنزي مـاال مـتقوما فـى حـق أهل الذمة ، ألنهم مطالبون بأن تكون معامالتهم

بأن لهم ما للمسلمين وعليهم ما على : وعليهم العهد . كمعـامالت المسلمين



]١١٨[

المسـلمين ، فكما ال يجوز للمسلم أن ينتفع شرعا بالخمر والخنزير فال يجوز .للذميين أن ينتفعوا بهما

" المال إلى متقوم وغير متقوم فائدة تقسيم"

: تظهر ثمرة تقسيم المال إلى متقوم وغير متقوم فى األمور التالية

المـال المـتقوم مضمون لصاحبه ، فإذا أتلفه شخص باالعتداء منه على -١المـال المـتقوم أو بإهمـال يـرجع إليه كان هذا الشخص مسئوال عن

أما إذا وقع . ن تلف تعـويض صـاحب المال بقدر ما وقع على ماله م اإلتالف على مال غير متقوم فال ضمان على المتلف ، وذلك كمن آراق خمـرا يمـتلكها مسلم فال ضمان عليه ، ألن الخمر غير متقومة فى حق المسـلم ، أمـا لـو أتلفها الذمى فإن الضمان يترتب على المتلف ، ألن

. الخمر مال متقوم فى حق الذمى عند البعض

مـتقوم يصـلح ألن يكـون محال للتعامل فيباع ويؤجر ويعار المـال ال -٢ويوهب، أما المال غير المتقوم فال يكون محال للتعامل وال يصح أن ترد عليه شىء من التصرفات سالفة الذكر ، فلو باع شخص سمكا فى ماء أو طيـرا فـى الهواء فإن هذا العقد يعد باطال ، وكذا لو باع مسلم خمرا لم

ع ، لكن لو باعها ذمى من ذمى صح البيع لتقوم الخمر فى يصـح البـي . حقهما

تقسيم المال إلى منقول وعقار ، : ثانيا

هو كل ماال يمكن نقله من مكان آلخر ، وهذا ال يتصور إال : العقـار فـى األرض فقط دون ما عليها من بناء أو زروع وخالفه وهذا ما ذهب إليه

.جمهور الفقهاء



]١١٩[

ة فذهبوا إلى القول بأن العقار هو ما كان له أصل ثابت ال أمـا الملكـي وبناء على نظرة . يمكـن نقلـه من مكان إلى آخر مع بقاء هيئته وصورته

المالكـية للعقار هذه فإنه يشمل عندهم ما على األرض من األشجار والمبانى فالبناء والشجر القائمان على األرض يعدان من العقار . طالمـا كانـت ثابتة

عندهم التصالهما اتصال قرار باألرض وال يمكن نقلها مع بقاء حالهما ، ألن الشـجر إذا قطع من األرض صار حطبا ، والبناء إذا هدم صار أنقاضا ، أما إذا بقـى البناء على صورته وثباته على األرض وبقى الشجر كذلك فقد ثبتت

ا عقارا كما اعتبرت أعيانهما فهى عقار ، ألن ثبات أعيانهما يوجب أن يعتبر .األرض

وقـد اتفـق القانون المدنى الجديد مع المذهب المالكى وتوسع عنه فى كل شىء مستقر : أنـواع العقـار وقسم األشياء إلى عقارات ومنقوالت وقال

بحيـزة ثابـت فيه ال يمكن نقله من دون تلفه فهو عقار وكل ما عدا ذلك من . شىء فهو منقول

إلـى عقـارات بطبيعتها وعقارات بالتخصيص ثـم قسـم العقـارات فالعقـارات بطبيعـتها هـى األشـياء المستقرة التى ال يمكن نقلها دون تلف

. كاألرض سواء كانت للزراعة أم للبناء

فالعقارات بالتخصيص منقوالت أعطيت صفة العقار لكونهما مرصودة نها فى بالرغم من كو -لخدمـة عقـار أو استغالله ومخصصة لذلك فتعتبر

عقارا بحكم القانون أو بالتخصيص كالذى يودع فى دور -األصـل مـنقولة العـبادة لخدمتها كالثريات لإلضاءة والكتب للفقراء وكالذى يرصد الستغالل المصـانع مـن آالت وأدوات للتصنيع كالعربات والسيارات المخصصة لنقل

.المواد األولية أو المصنوعة



]١٢٠[

: ى مثلى وقيمى تقسيم المال إل: ثالثا :ينقسم المال باعتبار تماثل آحاده وعدم تماثله إلى مثلى وقيمى فالمثلى

هـو ماال تتفاوت آحاده تفاوتا يعتد به وله نظير فى السوق كالميكيالت . والموزونات والمعدودات والسلع التجارية التى هى من جنس واحد

، وذلك بأن تتفاوت هـو المـال الذى يعتد بقيمته ال بمثله : والقيمـى آحـاده تفاونـا يؤثـر فى قيمة كل سلعة على حدة ، أو أن له نظائر ولكنها انعـدمت مـن األسـواق بحيث لم يبق منها إال ما يعطيها قيمة تختلف عن نظائـرها فـى العـادة ، مثل الحيوانات من خيل وبقر وغنم والثياب والدور

تلفة الجنس ، ومن المال القيمى وأراضى الزرع والبناء والسلع التجارية المخ أيضـا العـدديات المتفاوتة تفاوتا ال يتساهل الناس فى مثله كالبطيخ فإنه من

. العدديات ولكن أفراده تتفاوت فى الحجم والجودة ولذلك يعتبر من القيمى

: تقسيم المال إلى استهالكى واستعمالى : رابعا

فاالستهالكى . ى واستعمالى ينقسم المال باعتبار خصائصه إلى استهالك هو ما كان االنتفاع به يهلك ويستهلك عادة وفى أكثر األحوال من أول مرة :

كالمطعـومات والمشـروبات والوقود من حطب ونفط وبنزين وورق الكتابة فهو ما يتحقق االنتفاع باستعماله مرارا : وغيـر ذلك ، أما المال االستعمالى

من بناء وأرض زراعية وثياب ، فال تستهلك مـع بقاء عينه مثل العقارات . باالستعمال مرة واحدة بل يتحقق االنتفاع بها باالستعمال أكثر من مرة

: تقسيم المال باعتبار من يملكه إلى خاص وعام : خامسا



]١٢١[

هى األموال التى تخص الفرد ودخلت فى ملكه : األمـوال الخاصـة وال مباحة لهم بل يقتصر ملكيتها خاصـة فهى ليست مشاعة بين عموم الناس

.على الفرد دون غيره ولذا سميت باألموال الخاصة

فهى على العكس من سابقتها فهى ال تدخل فى : أمـا األمـوال العامة الملـك الفـردى كما أن منفعتها ليست قاصرة على فرد معين بل تعود منفعة

ات ، المستشفيات األمـوال العامـة لكـل الناس وذلك مثل المدارس ، الجامع . وسائر المصالح العامة

أن المال الخاص قد يصير عاما وذلك بإرادة المالك مثل أن : ويالحظيقـوم رجـل ببناء مكان ما لجعله بيتا له ثم يحوله إلى مدرسة أو مستشفى ، فهـنا كـان المـال خاصـا ثم تحول بإرادة مالكه من خاص إلى عام إذ أن

تعلم فيها كما أن المستشفى من حق الجميع أن المدرسـة مـن حق الجميع ال . يعالج فيها فأصبحت عامة بعد أن كانت خاصة

كما لو كان هناك ملكا : وقـد يـتحول الخـاص إلى عام بحكم الشرع خاصـا لفـرد معـين ثم اقتضت المصلحة أن ينتزع هذا الملك من صاحبه

ادة مالكه ولكن بحكم للمنفعة العامة ، فهنا تحول المال الخاص إلى عام ال بإر . الشرع

أن المال الخاص ما كان مملوكا لفرد معين ومنفعة : وخالصـة ذلـك أما العام فهو ما كانت منفعته ليست مقصورة على . هذا المال مقصورة عليه

: وقد يتحول المال الخاص إلى عام فى حالتين . معين بل ملكا لجميع الناس

. إذا أراد ذلك مالكه -

. حكم الشرع بانتزاعه للمنفعة العامة أو إذا -



]١٢٢[

:الحقوق: ثانيا

مـن المسـلم بـه أن كل إنسان له حقوق وعليه واجبات ، وقد عنيت الشرائع السماوية والقوانين الوضيعة بتحديد هذه الحقوق والواجبات وبيانها ، حتـى ال يـتجاوز أحـد حقه وال يقصر فى واجبه ، وشرعت لذلك الحدود

حتى ال يبغى الناس على بعض ليخلص المجتمع من الفوضى ، .والعقوبات ويقـوم على أساس متين من رعاية الحقوق وأداء الواجبات ووقوف كل فرد

. عند حده

فالفـرد داخل المجتمع له حق المواطنة وما تمثله هذه الكلمة من حقوق وعلـيه فـى مقابـل ذلك واجبات فى االمتثال للقوانين وعدم الخروج عليها

. والمحافظة على اآلخرين قبله

كـذلك الـزوج مع زوجته له عليها حق الطاعة وهذا حق له ، ولها عليه واجب وهو معاشرتها بالمعروف واإلحسان إليها كما أمر الشرع الحكيم

أيضا رئيس الدولة له على الرعية الطاعة . فكل حق البد وأن يقابله واجب . ة وتحقيق العدل واآلمان لها وعليه واجب رعاية مصلحة الرعي

كذلك فإن الوالدين لهما على الولد حق الطاعة وعدم عقوقهما وللولد . عليهما وجوب عناية الوالدين بأوالدهما وحسن تربيتهم

:المعامالت والحق

المعامالت المالية التى هى موضوع القانون : ويقصـد بالمعامالت هنا لحقوق التى يجب لبعض الناس على بعض ، المدنـى والحـديث فيها يتناول ا

كحـق الصـانع فى ثمن ما باعه للمشترى ، وحق المؤجر فى أجره بيته أو أرضـه ، وحق المشترى فى تسلم ما دفع ثمنه ، وحق المستأجر فى االنتفاع



]١٢٣[

بمـا اسـتأجره ، وحـق المستعير فى االنتفاع بما استعاره ، وحق الجار أو . الشريك فى الشفعة

-:اء ونظرية الحق الفقهلـم يهـتم علمـاء الفقـه اإلسالمى ببحث نظرية الحق ببيان أركانه

ومصـادره واستعماله كما فعل رجال القانون الوضعى ، واكتفوا ببيان أبواب . المعامالت وفروعها ومسائلها

وقـد اقتضى هذا البيان توضيح الحقوق المختلفة واألسس التى تقوم ها بقواعد كلية فى حدود الشريعة مع مراعاة المبدأ علـيها وكيفـية اسـتعمال

. فى وضع القواعد واستنباط األحكام " ال ضرر وال ضرار " اإلسالمى العام

أمـا علماء أصول الفقه فإن لهم جهودا مشكورة تتصل بنظرية الحق وعن " المحكوم به " وإن حـددوها تحديدا دقيقا ، ونرى ذلك فى كالمهم عن

تكلمـوا عـن حكم اهللا بالحل أو الحرمة والفرضية أو الوجوب الحكـم فقـد والصـحة أو البطالن والفساد أو الكراهة وغير ذلك من أحكام الشارع على

وعن المحكوم به وهو الحقوق على . أفعـال المكلفين ، وتكلموا عن الحاكم وعن المحكوم عليه وهو المكلف الذى يوجه إليه . اختالف أنواعها وأقسامها

خطـاب اهللا تعالـى أو حكمـه ، وعـندئذ يبحثون عن أهلية المحكوم عليه .باعتباره صاحب الحق

ثم ساروا خطوات موفقة ونجحوا بها فى وضع القواعد الكلية وكادوا يضـعون النظـريات إذ تنبهوا إلى ضرورتها فى دراسة الفقه والوصول إلى

.األحكام عند التشريع والقضاء

:تعريف الحقوق



]١٢٤[

: الحقــوق جمــع حــق ، والحــق ضــد الــباطل ، قــال تعالــى وقاهز اطل كانالب اطل إنق البهزق والح اءقل جو .

: والحق فى اللغة له معان كثيرة منها

.الشىء الموجود الذى ال يشك فى وجوده

. أم جماعة ما يختص به اإلنسان سواء كان فردا: ومنها

مـا يثـبت لإلنسان أو عليه قبل غيره ، وظاهر أن كل ذلك : ومـنها . إلى معنى واحد هو الثبوت والوجوب - فى األصل -راجع

.فالحق على هذه هو الثبات الموجود

-:وفى اصطالح الفقهاء مصـلحة ثابـتة للشـخص علـى سبيل االختصاص يقررها المشرع

.الحكيم

فالحق ال يكون . يقرر به الشرع سلطة أو تكليفا اختصاص : أو هـو كـذلك إال إذا كانـت المصلحة الثابتة يقرها المشرع الحكيم ويمنحها الحماية

. كما هو ويتضح ذلك من التعريف األول

أمـا الحـق عـند رجال القانون فهو مصلحة ذات قيمة مالية يحميها .القانون

:مصدر الحق الجهة التى تثبت الحقوق ألصحابها المـراد بمصـدر الحـق هـو

وتمـنحهم حـق اسـتعمالها واالستمتاع بها ، والشريعة اإلسالمية تنظر إلى الحقـوق نظـرة دينية بحتة أساسها أن اإلنسان باعتباره عبدا مخلوقا ال يملك حقـا من الحقوق وعلى هذا فالحقوق ليست حقوقا طبيعية ، بل هى منح إليهة



]١٢٥[

فـراد وفـق ما يقضى به صالح الجماعة ، فالحق وليد مـنحها الخالـق لأل .الشرائع ، فال يوجد حق شرعى من غير دليل عليه

: وبناء على ذلك فالحقـوق جمـيعها مـن قبل الشارع فليس ألحد معه تشريع فى أية

ناحـية ، فمصدر الحق فى الفقه اإلسالمى هو الشارع أما عند رجال القانون . ن فمصدر الحق هو القانو

: أقسام الحق

إن الحقـوق مـع كثرتها وتنوعها يمكن أن تقسم إلى أقسام متعددة تبعا يضاف فينقسم الحق باعتبار من . الخـتالف المعنى الذى يدور عليه التقسيم

. حق العبد . حق اهللا تعالى : هى : إليه إلى أربعة أقسام

. اهللا ما اجتمع فيه حق اهللا تعالى وحق العبد وغلب فيه حق

.ما اجتمع فيه الحقان وحق العبد غالب فيه

:أيضا ينقسم الحق باعتبار ماليته إلى قسمين

.حقوق ماليـــة

.حقوق غير مالية

كمـا تنقسـم الحقـوق أيضا باعتبار صحة التنازل عنها وعدمها إلى :قسمين

.حقوق تقبل اإلسقاط وحقوق ال تقبله هذه التقسيمات كما قلنا تختلف تبعا تقسـيمات الحقـوق كثيـرة و : إذا

. الختالف المعنى الذى يدور عليه التقسيم



]١٢٦[

. وسنتناول هذه التقسيمات وبيانها بشىء من اإليجاز

:أقسام الحقوق باعتبار من تضاف إليه : أوال كمـا قلـنا ينقسـم الحق باعتبار من يضاف إليه إلى أربعة أقسام سبق

: ذكرها على سبيل اإلجمال

: حق اهللا تعالى -١يقصـد بحق اهللا تعالى النفع العام من غير اختصاص بأحد فينسب إلى

.اهللا تعالى لعظم خطره وشمول نفعه

وقد يكون فى هذا القسم من الحقوق ما يحقق مصلحة خاصة لمن يقوم .بها وإن كان القصد األول لها تحقيق مصالح العباد جميعا

أنواع نكتفى منها بـ وهذه الحقوق تشمل ثمانية

.ما هو عبادة خالصة كاإليمان بالصالة والصيام -١

. ما هو عقوبة خالصة كحد الزنى والسرقة وشرب الخمر -٢

عقوبة قاصرة مثل حرمان قاتل مورثه من ميراثه ، وهذه تعتبر عقوبة -٣قاصـرة ، ألن القاتل لم يناله ضرر فى جسمه وال نقصان فى ماله بل

.ميراث فقط حيل بينه وبين ال

حقـوق دائـرة بين العبادة والعقوبة مثل كفارة من حنث فى يمينه أو -٤ .أفطر عامدا بال عذر فى نهار رمضان

عبادات فيها معنى الموءنة أى بذل الشىء من المال كصدقة الفطر هذا -٥ويالحـظ أن الحقـوق الخالصـة هللا تعالـى خاصة فى مجال التجريم

.لها عناصر تميزها عن غيرها وذلك مثلوالعقاب أو فى مجال الحدود



]١٢٧[

- جرائم الحدود الخالصة هللا تعالى -أن وقـوع العقـاب بهذه الجرائم -١ .يجب تحقيقا للمصلحة العامة

أن العقوبة فيها ال يجوز الزيادة فيها أو النقص منها ألنها مقدرة ومحددة -٢ . بالكتاب والسنة

لقاضى أو السلطة السياسية ال يجـوز العفو عن حق العقاب ال من قبل ا -٣ وال من قبل المجنى عليه فيها

هـذا والحـق الخالص هللا تعالى أشبه ما يكون عند القانونيين باألمور المـتعلقة بالـنظام العام ، غير أنه كما يرى الحنفية شامل للمصلحة الدنيوية واألخـروية معـا ، فال يقتصر على المصالح الدنيوية فقط كما هو الحال فى

. قانون ال

:مميزات هذا القسم

حق اهللا تعالى ال يجوز إسقاطه وال التنازل عنه كما أنه - كمـا قلنا -ال يسـتباح باإلباحة ، فلو أباحت امرأة لرجل أن يزنى بها فإن الحرمة قائمة والجـزاء واقـع عليهما رغم أباحتها له ذلك ، كما أن العقوبة المترتبة على

ال يجرى فيها عفو وال إبراء وال صلح وال توارث اإلخـالل بحق اهللا تعالى فـال يعاقـب ورثـة الجانـى بها ، وال حق لورثة المجنى عليه فى المطالبة

تماما كما هو -باستيفائها ، وأمر استيفاء هذه العقوبة مفوض إلى ولى األمر الحـال فـى القانـون فإن تحريك الدعوى الجنائية والمطالبة بعقاب الجانى

-على النيابة العامة باعتبارها نائبة عن المجتمع فى اقتضاء الحقوق يقتصر -كمـا أن العقوبة المترتبة على اإلخالل بحق اهللا تعالى يجرى فيها التداخل

فلـو زنـى مرارا ثم ثبتت عليه الجريمة وأقيم عليه الحد فإن ذلك يؤدى إلى



]١٢٨[

ه وال يعاقب عن كل تداخل العقوبات األخرى فى تلك العقوبة التى أقيمت علي . مرة زنى فيها بإقامة الحد

: حق العبد -٢

ويقصـد بحـق العـبد كل ما يكون عنه مصلحة خاصة لصاحبه فهو . متعلق باألفراد وليس المراد منه النظام العام

وقـد عـرفه الحنفية بأنه ما تتعلق به مصلحة خاصة دنيوية كحرمة دل المغصوب ، وحق المشترى فى مـال الغيـر وحق الدية وبدل المتلفات وب

:تملك الثمن ، وقد لخصها الكاسانى من فقهاء الحنفية بقوله

أمـا حـق العـبد فهـو المال من العين والدين والنسب والقصاص " " .والطالق والعتاق ونحوها

: وقد وضع بعض الفقهاء ضابطا لهذا النوع من الحقوق فقالوا

والتنازل عنه على عكس حقوق اهللا إن حق العبد هو ما جاز له إسقاطه .تعالى ال يجوز إسقاطها أو التنازل عنها

لكـن هـذا الضـابط ال يمكـن تطبيقه دائما ، ألن من الحقوق ما هو مشـروع لمصلحة خاصة ومع ذلك ال يجوز للفرد إسقاطها ، ألنها قد تكون

لذلك وقد مثل القرافى . معتبـرة من حقوق اهللا وإن كانت مشروعة لإلنسان -:بأمثلة كثيرة نذكر منها ما يلى

إن اهللا سـبحانه وتعالـى حرم الربا والسرقة صونا لمال اإلنسان والزنا -١ولو رضى العبد بإسقاط : صـونا لنسبه والقذف صونا لعرضه ، ثم قال

حقـه من ذلك لم يعتبر رضاه ولم ينفذ إسقاطه ، فهذه كلها وما يلحق بها



]١٢٩[

ل على مصالح العباد هو حق هللا تعالى ألنها مـن نظائرها مما هو مشتم ال تسقط باإلسقاط وهى مشتملة على حقوق العباد لما فيها من مصالحهم

.ودرء مفاسدهم وأكثر الشريعة من هذا النوع

:مميزات هذا القسم

-ممـا يميز حق العبد أنه يستباح بإباحة المالك ولذا فإن له إسقاطه كما أن العقوبة المترتبة - التفصيل السابق كمـا ذهب إلى ذلك البعض على

علـى اإلخالل بحقوق العباد قصاصا أو تعويضا أو تعزيرا يجرى فيها العفو واإلبـراء والصـلح ، ويجـرى فيها التوارث بالنسبة لورثة المجنى عليه أو ولـيه ، وتتكـرر العقوبة فيها بتكرار الجناية فال يجرى فيها التداخل ، وأمر

وهى تشبه فى القانون الدعاوى -ئها مفوض إلى المجنى عليه أو وليه استيفا ألنها تخص -التى يتوقف الحكم فيها على شكوى أو طلب من المجنى عليه

. الفرد أو ال تتعلق بالنظام العام

-: الحق المشترك بين اهللا تعالى والعباد وحق اهللا غالب -٣

قان حق اهللا وحق العبد ، ومـن أمثلـته حد القذف حيث اجتمع فيه الح وذلـك ألن حـد القـذف شـرع زجـرا عن ارتكاب جريمة هتك أعراض المحصـنات وفيه إلحاق العار بالمقذوف فوجب الحد دفعا للعار عنه وبإقامة الحـد علـى القـاذف يطهر المجتمع من هذه الجريمة فيعود النفع إلى عامة

فع عام هو صون العالم عن الناس ، فهنا يكون فى إقامة الحد على من قذف ن الفساد ونفع خاص وهو دفع العار عن المقذوف ، فأجتمع فى هذا الحد حقان

وذلك - وهو النفع العام -هللا وحـق للعـبد ، وإنما غلب فيه حق اهللا تعالى . لخطره وعظمه إذ النفع العام أكثر خطرا من النفع الخاص



]١٣٠[

:ويمتاز هذا القسم

حق مشترك بين اهللا والعبد ، لكن المغلب فيه إذا ثـبت أن حد القذف حـق اهللا تعالـى فإنه ال يصح العفو عنه ، ألن العفو إنما يكون من صاحب الحـق ، كمـا يصح الصلح أو االعتياض ، ألن االعتياض عن حق الغير ال يصـح ، كما أنه ال يجرى فيه اإلرث الن اإلرث إنما يجرى فى المتروك من

من ترك ماال أو حقا " ى ما قال عليه الصالة والسالم ملك أو حق للمورث عل " .فهو لورثته

ولـم يـوجد شىء من ذلك فال يورث ويجرى فيه التداخل فلو قذف .أكثر من واحد بالزنا ال يجب عليه إال حد سواء حضروا جميعا أوال

-: ما أجتمع فيه الحقان وحق العبد غالب -٤

أجتمع فيه الحقان أيضا ، حيث إن فيه ومن أمثلته حق القصاص ، فقد ناحـية عامة وهى المحافظة على أمن المجتمع وسالمته وناحية خاصة وهى

.األخذ بثار المقتول من القاتل

فشرع القصاص ليضمن الناحية العامة وهى عدم إشاعة الفوضى فى ى المجتمع والمحافظة على سالمة أفراده والناحية الخاصة وهى إطفاء نار ول

الـدم بتنفـيذ العقـوبة فـى الجانى ، وإنما غلب فى هذا الحق العبد ألنه له …المطالبة بالدم كما أنه هو الذى يملك حق العفو عن القاتل

فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف :مصـداقا لقوله تعالى . وأداء إليه بإحسان



]١٣١[

يدلل على غلبة حق العبد هنا أنه إذا تمسك ولى الدم بالقصاص وممـا .فإن العقوبة تنفذ وال يجوز لولى األمر أن يتمسك بالعفو إذا ليس له حق فيه

.هذه هى تقسيمات الحق باعتبار ما يضاف إليه



]١٣٢[

"المبحث الثانى "

)نظرية الملكية (

:تمهيد

لد معه ، وتظهر فى سلوكه التملك غريزة راسخة فى فطرة اإلنسان تو .منذ والدته

…وغريـزة التملك من أقوى الغرائز اإلنسانية تلى غريزة حب البقاء . بل إن التملك هو وسيلة البقاء

إن الـرغبة فى التملك هى سر الحركة الدائبة فى الحياة ، وهى الغذاء فى كل القـوى الفعـال لبحث النشاط فى األحياء ، وهى الموجه لهذا النشاط

مـيدان من ميادين العمل واإلنتاج ، ولو خمدت هذه الرغبة فى أى كائن حى . ما سعى وما عمل

: اإلسالم يقر الملكية

اإلسـالم دين الفطرة أباح التملك ودعا المسلم إلى العمل المفضى إليه ليحقق مطالب حياته ، واإلسالم عادل يعطى كل إنسان نتيجة عمله من األجر

أنى وعا سان إلا مللإنس سى . لـيرف يوس هيعس أنو . اءزالج اهزجي ثم " .الأوفى

ولعـل مـا يـدل على أن اإلسالم يقر حق الملكية الفردية قوله تعالى فتنة كملادأوو الكموا أموا أنملماعو . ي ار الذينالنهل وباللي مالهوأم نفقون

ففـى هاتـين اآليتين وما ماثلها نسب القرآن الكريم األموال إلى الناس مؤكدا اعتـراف اإلسـالم بالملكية الفردية ولقد رغب اإلسالم فى تملك المال ، ألن



]١٣٣[

صالح نعم المال ال المال عصب الحياة وعون على الدين والدنيا ، ويقول والمال الصالح هو الذى كسبه صاحبه من حالل ، والرجل للـرجل الصالح

. الصالح هو الذى ينفق ماله فى سبيل الخير والصالح

-:اإلسالم يحمى الملكية الفردية

واإلسالم إذ يعترف لإلنسان بحقه فى التملك يحمى هذه الملكية مادامت : ى ذلك يقول أحد العلماء قد اكتسبت بالطرق التى أجازها وشرعها وف

القـرآن الكـريم قد أحترم الملكية الفردية وصانها ونظم انتقالها إلى " األبناء ، وفصل القول فى قواعد الميراث وتحديد األنصبة فيما تركه الوالدان

وبين الوصية التى للمالك فى ماله لمن شاء . …واألقـربون قـل منه أو كثر حق الملكية لكل مالك وانتقال هذا الحق لمن بعده بما يدلل داللة واضحة على .إلى ورثته من أبنائه وأقربائه

وقد حمى اإلسالم حرية التملك ودعا إلى احترامها ، وأجاز لكل فرد أن يقتنـى من المال ما تمكنه من اقتنائه السبل المشروعة ، وليس عليه وراء

موال بما يراه ويبقى بعده ذلك إال أن يؤدى الزكاة وله أن يتصرف فى هذه األ وحكم اإلسالم فيمن يتأخر عن دفع الزكاة أو يرفضها معلوم . تـركة لورثته

وهـو أخـذه بتأدية هذه الفريضة بالتبليغ والدعوة إليها وإال صودرت أموالهم .بقدر هذا النصيب المفوض

بعد أن بينا مدى احترام اإلسالم للملكية الفردية وحمايته لها نشرع فى . يان ماهية الملكية وأنواع الملك واألسباب الناقلة لها ب

-:ماهية الملكية



]١٣٤[

لبيان ماهية الملكية نبدأ بتعريفها لغويا ثم نورد التعريفات االصطالحية . لها

:تعريفها فى اللغة : أوال

الملكية مصدر صناعى مأخوذ من الملكية ، معناه فى اللغة الحيازة ، شىء ملكا ، إذا حازة وانفرد بالتصرف فيه فهو مالك تقـول ملـك فـالن ال

. وجمعه مالك

:ومعناها عند فقهاء الشريعة

اختصـاص بالشىء يمنع الغير عنه ويمكن صاحبه من التصرف فيه إبـتداء إال لمانـع شرعى فإذا ملك الشخص شيئا عن طريقه الشرعى صار

اء ببيع أو هبة أو مختصـا بـه وأصبح له الحق فى أن يتصرف فيه كما يش وصـية أو أى تصرف ما لم يوجد مانع يمنعه من أن يتصرف فيه كجنون أو سفه ، كما يكون له الحق فى أن يمنع غيره من االنتفاع بهذا الملك إال بإذنه ، أو يمـنعه مـن التصـرف فـيه إال إذا كان لهذا الغير صفة شرعية تتيح له

و قيما على المجنون أو المعتوه أو التصـرف كأن يكون وليا للقاصر المالك أ السـفيه أو وكـيال عنه ، ويكون تصرف الولى أو القيم أو الوكيل نيابة عن المالـك األصـلى الذى عرضت له العلة فمنعته التصرف ، لذلك فإن عندما يـبلغ القاصر رشده ويرجع إلى المجنون عقله تصرف هو بنفسه لم يكن من

.إذنه كأن يوكل حق غيره أن يتصرف عنه إال ب

: الملكية فى القانون

حق الملكية فى القانون هو حق االستئثار بالشىء باستعماله وباستغالله ٨٠٢وبالتصـرف فيه فى الحدود المقررة قانونا ، وهو ما تنص عليه المادة



]١٣٥[

لمالك الشىء وحده وفى حدود القانون حق " من القانون المدنى وقد جاء فيها " . له والتصرف فيه استعماله واستغال

المال بطبيعته قابل ألن يملك ، وقد يعرض لبعض : المـال والـتملك . أنواعه ما يجعله غير قابل للتملك

: والمال فى قبوله التملك وعدم قبوله ثالثة أنواع

. نوع ال يقبل التملك وال التمليك -١

شفيات كاألشـياء المخصصـة للمنافع العامة كالمكتبات العامة والمست والحدائـق العامـة ، مـا دامـت مخصصة للمنافع العامة ، فإذا زالت هذه الصـفة عنها صارت قابلة للتمليك كحديقة عامة استغنى عنها بغيرها فحينئذ يجـوز تملكهـا أو طريق عام استغنى عنه بغيره فحينئذ يجوز تملك الطريق

. المتروك

نوع ال يقبل التملك إال بمسوغ شرعى -٢

األموال " الك بـيت المال وهى المسماة فى العرف القانونى باسم كـأم فإنه ال يجوز بيعها وتملكها إال لضرورة تدعو إلى ذلك ، كأن يرى " الحـرة

. ولى األمر أن من الخير بيعها لطالبها بأضعاف أثمانها

نوع يصح تملكه وتمليكه وهو ما عدا هذين النوعين -٣

: أنواع الملك

عنى الملك هو االختصاص بالشىء وهذا االختصاص قد يقع بيـنا أن م علـى ذلـك الشـىء ومنافعه معا ، وقد يقع على الذات فقط ، وقد يقع على المـنافع فقط ، فإذا وقع االختصاص على ذات الشىء ومنافعه معا كان الملك



]١٣٦[

تاما ، أما إذا وقع االختصاص على عين الشىء دون منافعه ، أو على منافعه . اته كان الملك ناقصا دون ذ

: فالملك التام

هـو ملـك الرقبة والمنفعة معا ، بمعنى أن يكون الشخص مالك للعين ومالـك للمـنفعة فى وقت واحد ، كمن يملك أرضا زراعية ويقوم بزراعتها

. بنفسه

: أما الملك الناقص

وهو ما -فهـو ملك الرقبة وحدها دون منفعتها ، أو ملك المنفعة فقط يسـمى بحق االنتفاع الذى ينقسم باعتبار ما يتعلق به إلى قسمين ألنه إما أن

. يكون ثابتا لشخص معين ، وأما أن يكون ثابتا للعين فيثبت لمن ملكها

: فينقسم تبعا لذلك الملك الناقص إلى ثالثة أقسام هى

: ملك العين وحدها : أوال

ا ، فإذا ملك العين ولم يكن له األصـل أن يملك اإلنسان العين لينتفع به منفعتها كان هذا الملك شاذا ال يتفق وغايات الناس من ملك األعيان ، إال أنه

. تسومح فيه تشجيعا على فعل الخير فى نهاية الحياة

بمعنى أن تكون العين مملوكة -ويـتحقق ملـك الـرقبة دون المنفعة من حاالت فـى حالتـين -لشـخص ومنفعـتها مملـوكة لشـخص آخـر

. الوصية

ثم -أن يوصـى شـخص بمنفعة أرضه آلخر مدة معينة أو مدى الحياة -١ فأصبحت هنا الوصية -مـات الموصـى وقـبل الموصى له الوصية ،



]١٣٧[

الزمـة ، ألن الموصـى مات مصرا على وصيته ولم يرد الموصى له ه فهـنا العـين تنتقل ملكيتها إلى ورثة الموصى ألنهم ورثت -الوصـية

زراعتها أو -فتنـتقل الملكـية إلـيهم بالموت ، وتنتقل منفعة األرض للموصى له فى المدة المحددة إن كانت الوصية محددة بمدة ، -ثمارهـا

ويجب . أو تكـون المنفعة للموصى له مدة حياته إن كانت محددة بذلك علـى الـورثة أن يمكنوا المنتفع من االنتفاع طوعا أو يجبرهم القاضى

نقل ملكية منفعة األرض المدة المحددة للموصى له إن امتنعوا عن علـى أما إذا أوصى بمنفعة أرضه نفعا مؤبدا لجهة . نقـل المنفعة للموصى له

كان هذا - مسجد - مدرسة - ملجـأ مستشـفى -مـن جهـات البـر التصـرف وفقـا ال وصية وبالوقف تخرج العين من ملك الموصى إلى

. لجهة الموصى لها ملك اهللا تعالى أو ل

ثم يقبل كالهما " لعلى " وبمنفعتها " لمحمد " أن يوصـى شخص بأرضه -٢يكون " على " و " محمد " الوصية بعد موت الموصى ، فإن ملك كل من

العين لينتفع بها المدة المحددة له ، ثم تكون " علـى " ناقصـا ، ويأخـذ المدة المحددة لالنتفاع رقبـتها ومنفعـتها تـبعا لها إلى محمد بعد انتهاء

فيصبح مالكا لها ملكا تاما ، وفى أثناء هذه المدة كانت العين وحدها ملكا لمحمد دون المنفعة ، وكانت المنفعة وحدها ملكا لعلى دون العين فيكون

. الملك ناقصا لكل منهما

" . ملك العين وحدها " خصائص هذا النوع

. بنفسه بالعين أو يملك منفعتها غيرهليس لمالك العين الحق فى أن ينتفع -١



]١٣٨[

أيضا أن يتصرف فى العين تصرفا يضر بمالك -لـيس لمالـك الرقبة -٢ . المنفعة

لـيس لمالك العين أن يبيع الرقبة لغير مالك المنفعة إال بإذنه وهذا عند -٣ . أبى حنفية

وعـند غيـره يجوز بيعها بدون إذنه وتنتقل ملكية العين إلى المشترى . بحق مالك المنفعة محملة

يجوز " منه على أنه ٦٠وبهـذا الـرأى أخذ قانون الوصية فى المادة لـورثة الموصـى بيع نصيبهم فى العين الموصى بمنفعتها بغير حاجة إلى

" . أجازه الموصى له

إذا مـات الموصى له بالمنفعة فإنها تورث عنه ، ولقد نصت على ذلك -٤كانت الوصية لمن ذكروا بالمنافع مـن قانـون الوصية إذا ٢٧المـادة

وحـدها ولم يوجد أحد منهم عند وفاة الموصى كانت لورثة الموصى ، وإن وجـد مستحق حين وفاة الموصى أو بعدها كانت المنفعة له ولكل مـن يـوجد بعـده من المستحقين إلى حين انقراضهم ، فتكون المنفعة

ى لهم ردت لـورثة الموصى وعند اليأس من وجود غيرهم من الموص . العين لورثة الموصى

ال ينتهـى ملك المنفعة إال بموت مالكها ، أو بهالك العين أو بأن يملك -٥ . المنفعة غيره

إذا أتلـف العـين مالكها ضمن قيمة المنفعة فإذا كان الموصى به معينا -٦بالـذات أو بالـنوع وهلك قبل قبول الموصى له كانت الوصية باطلة ،

الوصية ، إذ ال يتصور بقاء الشىء مع انعدام محله وذلك النعدام محل



]١٣٩[

وهو ما يهمنا -فالوصية هنا تبطل إال إذا كان بسبب موجب للضمان فإذا كان الهالك بسبب موجب للضمان ، فإن الوصية ال تبطل -هـنا

. وينتقل حق الموصى له إلى التعويض

لمقررة على العين النفقات التى يستدعيها استيفاء المنفعة ، والضرائب ا -٧ -:المنتفع بها يفرق فيها بين أمرين

إذا كانـت العـين الموصى بها صالحة لالستغالل بأن : األمـر األول كانـت أرضا صالحة للزراعة أو دارا معدة للسكنى ، فإن ما يكون من نفقات وضـرائب وعـوائد على الموصى له بالمنفعة ، وذلك ألنه هو المستفيد من

التالى فإن ما يجب أو يفرض لبقاء العين واستمراريتها تكون عليه العين ، وب . طبقا لقاعدة الغنم بالغرم

إذا كانت العين غير صالحة لالستغالل ، كما إذا كانت أرضا : الثانـى غيـر صالحة للزراعة ، أو دارا غير معدة للسكنى ، فإن ما يكون عليها من

لموصى ألنهم المالكين للعين نفقـات وضـرائب وعـوائد تكون على ورثة ا . والموصى له لم يستفيد من العين بشىء فال يجب عليه شىء

هـذا وقـد نص القانون على وجوب النفقات على الموصى له بالمنفعة إذا كانت الوصية لمعين بالمنفعة وآلخر بالرقبة فإن ) ٥٨(فقد جاء فى المادة

تيفاء منفعتها يكون على مـا يفرض على العين من الضرائب وما يستلزم الس . الموصى له بالمنفعة ، وهذا هو ما ذهب إليه الحنفية وبعض الحنابلة

:أنواع حقوق األرتفاق

:تكلم الفقهاء عن أنواع مختلفة لحقوق األرتفاق نوجزها فيما يلى



]١٤٠[

: حق الشرب -١

جـاء فـى كتب اللغة الشرب بكسر الشين هو الحظ من الماء ، ومنه قال هذه ناقة لها شرب ولكم لى لقوم ثمود على لسان سيدنا صالح قـوله تعا

ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب وأيضا قوله تعالى شرب يوم معلوم رتضحم فالشرب هو النصيب أو الحظ من الماء .

لة على جواز قسمة الشرب باأليام ، ألن اهللا وفـى اآليـة الكريمة دال سبحانه وتعالى أخبر عن نبيه صالح عليه الصالة والسالم قبل ذلك ولم يعقبه

. بالفسخ فصارت شريعة لنا مبتدأه

عبارة عن حق الشرب والسقى : والشرب فى عرف الشرع

النصيب المستحق من الماء للشرب : أحدهما : وله معنيان

الزمن المقدر لالنتفاع بالماء : ثانيهما

فالمـاء إذا كـان كثيـرا يكفى الناس كماء نهر أو ترعة كبيرة فإن ما يأخـذه كـل فرد فهو شربه ، أما إذا كان الماء فى مجرى خاص يشترك فيه عدد محدود من الناس وقسموه فيما بينهم باأليام سميت وحدة األيام التى يقسم

على أن يأخذ كل شريك يوما أو يومين أو أى بهـا المـاء شربا ، فقد يتفقون . مدة تتحقق بها مصلحتهم جمعيا

: أما حق المسيل

فهو كالماء الزائد عن الحاجة وقد يكون آتيا من أرض زراعية أو من . منازل خاصة أو محال عامة



]١٤١[

وإذا اثـبت ألى إنسـان حق فى المسبل فال يكون لصاحب المسيل أن أن ينتفع به إال إذا كان انتفاعه بهذا الحق يضر به يمـنع صاحب العقار من

. ضررا بالغا فحينئذ يكون له الحق فى منعه

وحـق المسيل ثابت ال يتغير حتى لو تغير محل هذا الحق فلو : هـذا كان مسيال ألرض زراعية ثم أقيم على هذا الدار منزال فإن حق المسيل يظل

. كما هو وال يبطل

ات صيانة المسيل وإصالحه تكون على صاحب الحق أن نفق : ويالحظفى االنتفاع به ، وعلى من كان المسيل فى ملكه أن يمكن المنتفع من صيانته وإصـالحه بـأن يبيح له الدخول فى أرضه ، وإال فعليه أن يقوم بذلك على

. حسابه وأن امتنع الزمه القاضى أحد األمرين

: حق المرور

ق المرور فى ملك غيره ليصل إلى ملكه وقد وهـو اكتساب اإلنسان ح يكون الطريق عاما مملوكا للجميع ، أو خاص ولكن ثبت لبعض األفراد حق

. فيه

: الطريق العام

هـو الـذى ال يملكـه جماعة من الناس وإنما هو ملك للدولة ، وحق المـرور فى الطريق العام الثابت لكل الناس وال يملك أحد أن يمنع غيره من

مـرور فيه واستعماله وإذا كان حق المرور مكفول للجميع فى الطريق العام الفإنـه أيضا لكل من له منزال على الطريق العام أن يرتفق بالطريق فأبيح لهم فـتح أبـواب فيه وأن يستفيدوا بالمنافع التى تحتاج إليها عقاراتهم بشرط أال

على الطريق العام شرفة تعود بالضرر على أحد ، أما ما عدا ذلك كأن يبنى



]١٤٢[

أو ينشـئ ظلـه أو يـزرع أشـجارا أو أن يضع بضاعته على أحد جانبى الطـريق ، فإن أدى ذلك إلى تعطيل فى حركة المرور فإنه ال يجوز له ذلك

. ويمنع من ذلك باتفاق الفقهاء

وذهب أبو حنيفة إلى القول بأنه فى حالة وجود شرفة على الطريق أو انبى الطريق فإنه يجب على فاعل ذلك أن يستأذن ولى وضع بضاعة على ج

. األمر فى ذلك

: حق الجوار

وهو حق كل من الدارين المشتركين فى حائط واحد ، وهذا الحق يفيد كـال من الجارين بتصرفات جاره ، فإذا لم تكن هناك حدود مشتركة فهنالك

. حق اآلداب العامة المفروضة على كل منهما تجاه اآلخر

ومعلـوم أن الشريعة اإلسالمية عظمت حق الجار على جاره حتى إن أن يظن الجار سيرث جاره الشـريعة من عظم اهتمامها بالجار كاد النبى

ويكفيـنا فى هذا المقام ذكر بعض النصوص القرآنية واألحاديث النبوية التى لى من هذه النصوص قول تعا . بيـنت مكانا الجار وحثت على اإلحسان إليه

ىتاماليى وببذي القرانا وسن إحيالدبالوئا ولا تشركوا به شيو وا اللهدـباعو والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل

بالجـار حتـى ظنـنت أنه مـازال جبـريل يوصـينى وقـال سيورثه



]١٤٣[

من كان يؤمن باهللا واليوم اآلخر فليكرم ضيفه ، ومن كان قـوله يـؤمن بـاهللا واليوم اآلخر فال يؤذ جاره ، ومن كان يؤمن باهللا واليوم اآلخر

فليقل خيرا أو ليصمت

إن لى جارين بأيهما يا رسول اهللا : قلت : قالـت عـن عائشـة " بأدناهما بابا " بدأ ؟ قال ا

بعـد هذا العرض من النصوص التى تبين حق الجار على جاره نشرع . فى بيان حق من حقوق األرتفاق وهو حق الجوار

وحق الجار نوعان

الجوار الجانبى ويسمى بالجوار المطلق -١

: الجوار الرأسى أو حق التعلى -٢

: أما عن حق التعلى

فع ببنيانه على بناء غيره ، فقد يكون هناك فهـو حـق اإلنسان أن يرت كما نالحظ اآلن فى شقق -بـيت ذو طوابق متعددة ولكل طابق مالك خاص

أو يكون بيت ذات الطابقين لمالكين ، أحدهما -التمليك فى العمارات الكبيرة يملـك الطابـق العلـوى واآلخر يملك الطابق السفلى ، فالذى يمتلك الطابق

العلو على صاحب الطابق األول ، فينتفع بسقف الطابق األول الثانـى له حق وحق العلو هذا ال يزول بانهدام هذا البيت ، وإنما يظل لكل منهما حقوق قبل

فال يجوز ألحدهما أن يتصرف فى ملكه تصرفا يضر باآلخر ضررا . اآلخر الجدار محققا إال بإذنه ، كأن يحدث صاحب الطابق األول بئرا أو قناة بجوار



]١٤٤[

أو بفـتح نـوافذ توهن البناء ، أو يضع صاحب العلو أثقاال على السقوف ال . يحتملها البيت

وإذا هـدم الطابـق األول بتعد من صاحبه الزم بتجديد بنائه ألنه بفعله تعدى على حق القرار الثابت لصاحب العلو على بنائه ، فإذا امتنع عن البناء

عليه ، فإن لم يفعل بناه صاحب العلو بنفسه رفـع األمـر إلى القضاء ليجبره نـيابة عـنه ورجع عليه بما أنفقه فيه إذا كان بناؤه بإذن القاضى ، وإن كان

. بغير إذنه عد متبرعا فال يرجع على صاحب األول بشىء

وإذا تهدم األول بال تعد فال يجبر مالكه على إعادته ألنه غير متعد فإن ب العلو االنتفاع بحق القرار الثابت له على بـناه بمشـيئة فقـد تحقق لصاح

الطابـق األول ، وإن لـم يفعل وقام صاحب الطابق الثانى ببنائه ليقيم طابقا علـيه ويتمـتع بحقـه طالـب صاحبه بقيمة البناء ، ألنه لم يكن متبرعا بل مضطرا إلى ذلك لالنتفاع بحقه إذ ال يصل إليه إال ببناء األول ، وإذا لم يدفع

ـ يمة البناء كان له الحق فى منع صاحب الدور األول من سكنى البناء لـه ق . حتى يدفع له ما أنفقه ، وله أن يؤجره حتى يستوفى حقه ثم يؤديه لصاحبه

وقـد اتفق الفقهاء على أن بيع حق التعلى جائز والبناء قائم ، ألنه حق تهدم فال يصح مـتعلق بالمال ، وكل حق متعلق بالمال يجوز بيعه ، أما بعد ال

بيعه عند الحنفية ألن هذا الحق ليس ماال وال حقا متعلقا بالمال ولكن جمهور الفقهـاء يجـوزون بيعه مطلقا سواء كان البناء قائما أم ال ، بل أنهم يجيزون بـيع حـق العلـو قـبل بناء السفل لكنهم يشترطون حينئذ أن يحدد مقدار ما

لعلو حتى ال تكون جهالة المقدار مثار سـيبنى من السفل ويقدر ما يباع من ا . نزاع بين المتعاقدين



]١٤٥[

):أسباب الملك التام وخصائصه (

قـبل ذلك الملك التام هو الذى يقع على ذات الشىء ومنافعه -قلـنا معا ، فإذا ما وقع الملك على العين ومنافعها فإنه الملك لهذه العين يكون مالكا

. ملكا تاما

أسباب وخصائص يتميز بها عن غيره فما هى ؟ وللملك التام

أسباب وخصائص الملك التام

: أسباب الملك التام : أوال

: للملك التام أسباب يترتب عليها

االستيالء على المال المباح -١

. العقود الناقلة للملكية كالبيع والهبة والوصية ونحوها -٢

لكه وهى تتحقق وهـى أن يخلـف شخص غيره فيما كان يم : الخالفـة -٣ . باإلرث

ومـن الفقهـاء من يجعل الشفعة سببا مستقال للملكية وهو ما ذهب إليه . المالكية والشافعية والحنابلة

وذهـب بعض الفقهاء إلى جعل الشفعة من جملة العقود الناقلة للملكية . وال يعتبرها سببا قائما بذاته



]١٤٦[

يه جمهور الفقهاء فإن أسباب وإذا ما اعتبرناها سببا مستقال أخذا بما عل : الملك التام أربعة

. االستيالء على المال الذى ال مالك له -١

. الميراث -٢

. العقود الناقلة للملكية كالبيع ونحوه -٣

. الشفعة -٤

وهـذه األسـباب تنقسم إلى عدة تقسيمات باعتبارات مختلفة فمن هذه : التقسيمات

: أسباب اختيارية وأسباب جبرية : أوال

: فاألسباب االختيارية

هـى التـى تنشأ بمحض إرادة الشخص واختياره ، وتشمل االستيالء على المال المباح والعقود الناقلة للملكية والشفعة إذا طلبها صاحب الحق فيها

: أما األسباب الجبرية

فهى التى تتحقق بجعل من الشارع وال دخل فيها إلرادة الشخص وهى إذا الميراث خالفه شرعية تثبت للوارث عن المورث : راث متمـثلة فى المي

. بجعل من الشارع فهو سبب جبرى ال دخل إلرادة الوارث أو المورث فيها

. وأسباب الملكية منها ما هو منشئ لها ومنها ما هو ناقل لها : ثانـيا فالمنشـئ لهـا هو الذى يوجد الملكية بعد أن لم تكن موجودة أصال وهذا هو

سـتيالء علـى المال المباح أما الناقل للملكية فال ينشئها أى ال يوجدها بعد اال



]١٤٧[

أن لـم تكـن وإنمـا يـنقلها مـن شـخص آلخر ويتناول هذا النوع العقود . والميراث

وتنقسم أسباب الملكية إلى أسباب فعلية وقولية وأسباب تتحقق بال : ثالـثا . ليه الملكية دخل من الشخص المالك أو الشخص المنقولة إ

: فالفعلية

هـى االستيالء على المال المباح ولهذا يصح هذا السبب إلفادة الملكية فمن ال يعتبر قوله كالمجنون والصغر المميز أو غير المميز إذا استولى واحد

. من هؤالء على المال المباح استيالء حقيقيا ملكه

: والقولية

. ى العقود أن تكون بالقول تتحقق بالعقود والشفعة واألصل ف

والثالـثة تـتحقق بـاإلرث فهـو يثبت الملك دون قول أو فعل ال من الـوارث وال من المورث وإنما تثبت بجعل من الشارع هذه هى أسباب الملك

التام فى الفقه اإلسالمى ،

أما التشريع الوضعى فقد جعل أسباب اكتساب الملكية هو . ح االستيالء على المال المبا -١

. الميراث والوصية -٢

. العقد -٣

. الحيازة -٤

. الشفعة -٥



]١٤٨[

. االلتصاق -٦

: وسنتناول أسباب الملك التام فى القانون بشىء من اإليجاز

االستيالء على األموال المباحة . واألسـباب السـتة السـابقة تشملها . فال يشملها - إال االلتصاق والحيازة -والعقود الناقلة للملكية والخالفة

: األسباب الثالثة السابقة ويقصد بها

: االلتصاق -١

هـو مـا ينشأ مالصقا لعقار أو منقول يملكه شخص فيكون بالمالصقة من التقنين المدنى ٩٣١ ، ٩١٨أولـى بـه مـن سواه ، وقد بينته المادتان

: الجديد ونصها

:٩١٨مادة

غير األرض التـى تـتكون مـن طمـى يجلبه النهر بطريقة تدريجية : محسوسة تكون ملكا للمالك المجاورين

:٩١٣مادة

إذا التصـق منقوالن لمالكين مختلفين بحيث ال يمكن فصلهما دون تلف ولـم يكن هناك اتفاق بين المالكين قضت المحكمة فى األمر مسترشدة بقواعد العدالـة ومراعية فى ذلك الضرر الذى حدث وحالة الطرفين وحسن نية كل

. منهما

يفهـم مـن المادتـين أن االلتصاق قد يكون فى العقار وقد يكون فى والمـنقول ، وقـد مثل للعقار بما ينشأ من أرض نتيجة تراكم الطمى على مر



]١٤٩[

وإال - طرح البحر أو طرح النهر -السـنين ، وهـو الـذى يسميه العامة . فطرح البحر ملكا الدولة

: ومن أمثلة االلتصاق فى العقار

ـ وهو - منشآت على أرض غيره - بمواد يملكها -خص أن يقـيم ش ولم يحصل على إذن من صاحب األرض فهنا يكون من حق صاحب -يعلم

األرض أن يطلـب إزالتها إذ أراد ، وله أن يطلب استبقاءها مقابل دفع قيمتها . أو دفع الفرق بين ثمن األرض خالية وثمنها وعليها المنشآت

جعل االلتصاق سببا من أسباب الملكية أن هـذا وإن كـان القانون قد . الفقهاء لم يفردوه بكالم وإن تعرضوا له عند الحديث على الشفعة

: الحيازة

هـى وضـع اليد على مال الغير مدة طويلة حددها القانون المصرى وجعل لها شروطا وقيودا إذا تحققت زال الملك عن المالك األول وثبت الملك

" . ليد مدة طويلة واضع ا" الثانى

هـذا والفقه اإلسالمى ال يرى الحيازة سببا من أسباب الملك فال يزول أى . بحيازة الشىء من غير مالكه المالك األصلى له وال ينتقل عنه إال بحقه

أن اإلسـالم يـرى أن ملكية المالك ثابتة له طوال حياته ال ينقلها عنه إال أن ه اختيارا أو ينقلها الموت إلى ورثته ، يتصـرف فيها تصرفا يخرجها عن ملك

. أما تقادم العهد فال يحل فى شريعته ملك الغير

. على ملكية األشياء بحيازتها ٩٧٠ ، ٩٦٩ ، ٩٦٨ولقد نصت المواد



]١٥٠[

: على أنه ٩٦٨فنصت المادة

مـن حـاز منقوال أو عقارا دون أن يكون مالكا له أو حاز حقا عينيا " ون أن يكون هذا الحق خاصا به كان له أن يكسب علـى مـنقول أو عقار د

ملكـية الشىء أو الحق العينى إذا استمرت حيازته دون انقطاع خمس عشرة . سنة

وإذا وقعـت الحـيازة علـى عقار أو على حق عينى عقارى وكانت مقتـرنة بحسن النية ومستندة فى الوقت ذاته إلى سبب صحيح فإن مدة التقادم

. وات المكسب يكون خمس سن

: أقسام الحيازة

يمـتاز الفقـه اإلسالمى على القانون الوضعى فى تقسيمه الحيازة طبقا . لدرجاتها من حيث القوة والضعف

: ويأخذ فقهاء المذهب المالكى بالتقسيم الذى وضعه ابن رشد حيث يقول

والحـيازة تنقسم ستة أقسام أضعفها حيازة األب عن ابنه ويليها حيازة الشـركاء بالميـراث أو بغيره ، ويليها حيازة القرابة فيما ال شرك األقـارب

بيـنهم فـيه ، ويلـيها حيازة األجنبيين الشركاء ويليها حيازة األجانب فيما ال . شرك بينهم فيه وهى أقواها

: شروط الحيازة

يضـع الفقـه اإلسالمى للحيازة الصحيحة ستة شروط كدليل أو قربته : ا من أسباب الملك التام وهى على الملك وليست سبب

: الحيازة نفسها -١



]١٥١[

. بمعنى وضع اليد على المال المحاز بواسطة الحائز

أو عدم اإلكراه : الهدوء -٢

بمعنى أال تتم الحيازة بالقوة أى رغما عن مالك المال المحاز

أو عدم الخفاء : العالنية -٣

. مالك وغيره بمعنى أن تكون الحيازة ظاهرة مشاهدة من ال

: الوضوح -٤

أو عـدم الغموض أو اللبس ، بمعنى أن يكون واضحا أن الحائز إنما يحـوز لنفسه ، فحيازة الخادم أو الوكيل غير واضحة بمعنى أنه ال يعرف ما

. إذا كان الخادم يحوز لنفسه أم لسيده وكذا الوكيل بالنسبة لموكله

: االستمرار -٥

زة مستمرة غير منقطعة وذلك بما يناسب أنواع بمعنـى أن تكون الحيا األمـوال المخـتلفة ، فـإذا كانـت حـيازة المساكن بالسكن الدائم واألرض الـزراعية ، إال أن هـذه الـزراعة قد تكون موسمية فقط كالزراعة التى ال تحـدث إال باألمطار فتكون الحيازة مستمرة ما دامت تساير نزول األمطار ،

. ض المرعى ال تكون إال فى مواسم الرعى كما أن حيازة أر

أن تسـتمر الحـيازة المدة التى يحددها القانون وهى فى الغالب خمسة -٦ . عشرة سنة

: أثار الحيازة



]١٥٢[

للحـيازة آثار هامة ومؤثرة فى الحقوق سواء فى ميدان الملكية أو فى من حيث أثر مـيدان اإلثـبات بلغة القانون أو البيئة بلغة الفقه اإلسالمى أما

الحـيازة فى الملكية فالقاعدة العامة فى القانون تقضى بأن من حاز منقوال أو عقـارا دون أن يكون مالكا له أو حاز حقا عينيا على منقول أو عقار دون أن يكـون هذا الحق خاصا به كان له أن يكسب ملكية الشىء أو الحق العينى إذا

من القانون ٩٦٨المادة " سنة اسـتمرت حـيازته دون انقطاع خمس عشرة . فالقانون يعتبر الحيازة أحد أسباب كسب الملكية كما قلنا " المدنى المصرى

أمـا الفقـه اإلسـالمى فالرأى السائد فى العصر الحاضر عند علماء الشـريعة أن الحـيازة لألمـوال المملوكة أو التى تعلقت بها حقوق تمنع من

صلح سببا لملكيتها ولو مع توافر التقادم الذى تملكهـا باالسـتيالء عليها ال ت وهذا الرأى يتفق تمام االتفاق مع ما هو مقرر فى . يشـترطه رجال القانون

. جميع المذاهب الفقه اإلسالمى

بعـد أن فـرغنا من الكالم عن أسباب الملك التام نشرع ببيان تفصيلى . عن السبب األول وهو االستيالء على المال المباح

" االستيالء على المال المباح : " أسباب الملكية من

أى أن إحراز -معلـوم أن االسـتيالء على المال المباح يثبت ملكيته المـال المـباح يفيد ملكية لم تكن موجودة من قبل ، بخالف األشياء المبيعة فإنهـا كانت مملوكة وانتقلت من البائع إلى المشترى ، والمال الموروث قبل

كـان ملكـا للمورث وانتقل بالخالفة إلى الوارث ولو لم يكن مملوكا الـوفاة . للمورث قبل موته ما ورثه الوارث



]١٥٣[

وكمـا قلنا بأن االستيالء على المال المباح سبب فعلى ال قولى للتمليك ولـذلك يملـك المـال المباح من يحرزه ولو كان غير أهل لاللتزام والتعاقد

. كالصبى والمجنون

ملكـية شىء بهذا السبب إال فيما لم يكن مملوكا ألحد قبل وال تـتحقق إحـرازه ، فمن وضع يده مدة طويلة على شىء كان مملوكا لغيره ال يصير

.مملوكا له مهما طالت مدة تملكه له

:والملكية باالستيالء على المال المباح تشمل صورا ثالثا

. إحياء األرض الموات -١

. كنوز االستيالء على المعادن وال -٢

. الصيد -٣



]١٥٤[

:إحياء األرض الموات : أوال

: األرض الموات هـى جميع األراضى الخارجة عن حدود العمران السكنى أو الزراعى

. والتى ال تعتبر ملكا ألحد

: ويرتب على ذلك ما يأتى إن األرض المملـوكة ال تكـون مواتا وإن كانت غير منتفع بها بأن -١

. ك باألحياء تركها صاحبها حتى صارت خربة مهجورة فال تمل

األرض الداخلـة فـى العمران ال تملك باإلحياء ، لكونها ليست من -٢األرض المـوات ، فالشرط فى كون األرض مواتا أن تكون خارجة عن

. العمران

أن األرض التـى ينـتفع بهـا بأى وجه من وجوه االنتفاع ال تكون -٣تكون مـواتا ، مـثل األرض التـى تعلـق بها حق إرتفاق للقرية ، بأن

مستودعا لقمامة القرية أو مسيال لمائها أو محتطبا لها أو مرعى ألنعامها . أو مناخا ألبلها ونحو ذلك

إن بعـد األرض عـن العمران شرط اشترطه أبو يوسف وهو أحد -٤القولـين فى المذهب الحنبلى ولم يقل به الشافعى وأحمد فى رواية أخرى

. عنه

: ودليل أصحاب الرأى األول

األرض إذا كانـت قـريبة من العمران كانت فى مظنة االنتفاع بها أن . لصالحيتها له فتنزل فى الحكم منزلة المنتفع بها فعال

: أما حجة أصحاب الرأى الثانى فهى



]١٥٥[

أن المعتبـر فـى كون األرض مواتا أو غير موات هو االنتفاع الفعلى . بها من عدمه وال تأثير لقربها أو بعدها عن العمران

أمـا حد البعد على رأى من اشترطه فاألولى ترك ذلك لما جرى عليه . العرف كما هو مذهب الشافعية والحنابلة

كيفية إحياء األرض الموات ؟

المقصـود بإحـياء األرض جعلهـا صـالحة لالنتفاع بها للزراعة أو ماء غيـرها ، فإحـياء أى أرض يكون بتهيئتها لالنتفاع المالئم لها كإيصال ال

إلى األرض الزراعية بحفر اآلبار وشق الترع والجداول وإقامة السدود لمنع . طغيان الماء وإصالح التربة ونحو ذلك

وال يشترط لإلحياء عمل معين بل كل ما يعده العرف إحياء ويتحقق به -االنـتفاع مـن األرض فهو إحياء وفى ذلك يقول البهوتى ومن أحاط مواتا

ئط منيعا بما جرت العادة به فقد أحياه سواء أرادها للبناء أو بأن أدار حوله حا أو حفر بئرا " مـن أحاط حائطا على أرض فهى له ) " ( غيـره لقـوله

أى إلى الموات من - أى الماء إليه - أو أجراه -فوصل إلى الماء فقد أحياه ع أى عن الموات إذا كان ال يزر - أى الماء عنه -عـين ونحوها أو حبسه

. ألن نفع األرض بذلك أكثر من حائط - ليزرع فقط أحياه -معه

وتملـك األرض المـوات يكون باالستيالء عليها ، إال أن هذا : هـذا من " االسـتيالء ال يكون بوضع اليد فقط بل البد من إحياء األرض لقوله

" . أحيا أرضا ميتة فهى له

رض منتفعا بها ، وعليه واإلحـياء ال يـتم إال من واضع اليد بجعل األ فمـا يقوم به مزيد اإلحياء من أعمال تمهيدية ال يجعل األرض منتفعا بها ال



]١٥٦[

يعتبـر إحياء كما لو أحاطها بأحجار أو وضع عليها عالمات فهذه األفعال ال تعـد إحـياء بل تدل فقط على سبق وضع اليد عليها وتنبئ عن رغبة واضع

. بالتحجير اليد فى إيحائها وهذا هو ما يسمى

:االستيالء على المعادن والكنوز : ثانيا

: المعادن

مـا يـوجد فـى بـاطن األرض من اصل الخلقة والطبيعة صلبا كان كالذهب والفضة والنحاس والحديد والرصاص أو سائال كالنفط

: والمعادن أنواع ثالثة

صـلب يقـبل الطرق والسحب فتعمل منه صفائح وأسالك ونحوهما -١ . هب والفضة والنحاس كالذ

. صلب ال يقبل الطرق واالنطباع بالنار كالماس والياقوت -٢

سائل كالنفط والزيوت المعدنية -٣

وللفقهاء فى إباحة تملك هذه المعادن باالستيالء عليها آراء نكتفى منها : برأيين

:الرأى األول

أن هـذه المعـادن ملك لصاحب األرض إن وجدت فى أرض مملوكة جـزء من األرض وتابعة لها ، واألرض حين تملك إنما تملك بجميع ألنهـا . أجزائها



]١٥٧[

وإن وجدت فى أرض ليست مملوكة ألحد فهى لمن كشف عنها ، ألنها أمـوال مـباحة يتملكها باستيالئه عليها تبعا لألرض ، وإن وجدت فى أرض موقـوفة كانـت وقفـا تـبعا لـألرض ، فتوجه للصرف على الوقف وليس

عليهم حق فيها ، إذ أن حقهم فى غالت األرض وحدها ال يتعداها للموقـوف . وهذا هو ما ذهب إليه الحنفية والشافعية

: الرأى الثانى

أن هذه المعادن الموجودة فى باطن األرض ال تعتبر ماال مباحة يتملك تـبعا لـألرض ، ألن الغايـة من تملك األرض هو االنتفاع بظاهرها وليس

هـا إخـراج ما فى باطنها من المعادن وإنما هذه المعادن القصـد مـن تملك الموجـودة فـى باطن األرض تكون ملكا للدولة يفوض األمر فيها إلى ولى األمـر يتصـرف فـيها تبعا لما يراه صالحا للمسلمين وهذا هو ما ذهب إليه

. المالكية

ن وإذا كان المالكية جعلوا حق انتفاع ولى األمر بما هو موجود فى باط األرض مـن المعادن إال أنه ال يجوز للدولة أن تملك هذه األرض ألحد وإنما

. يكون لها حق االنتفاع واالستغالل فترة معينة أو مدى الحياة

: الكنز

هو ما دفن فى األرض من األموال سواء كان ذلك فى الجاهلية أو فى . اإلسالم

: أنواعه

إسالمى -جاهلى : الكنز نوعان



]١٥٨[

: مىاإلسال

وهو ما وجد به عالمة أو كتابة تدل على أنه دفن بعد ظهور اإلسالم ، . كالعمالت المكتوب عليها كلمة الشهادة أو اسم ملك مسلم ونحو ذلك

: حكمه

يـرى األحـناف أنه ليس ماال مباحا وهو ملك لصاحبه فال يملكه من مدة معينة ولم يعثـر علـيه بـل يأخذ حكم اللقطة ، فإذا تم اإلعالن عنه فى

. يعرف له صاحب حفظ أو تصدق به واجده على الفقراء

أنه إذا تم اإلعالن عنه مدة كافية ولم يظهر له صاحب : ويرى البعض كـان لواجده أن يتملكه ، غير أنه إذا أظهر صاحبه بعد ذلك وجب عليه رده

. إن كان موجودا أو رد قيمته إن كان قد تلف أو تصرف فيه

: نز الجاهلى أما الك

فهـو مـا وجـد بـه عالمة تدل على أنه دفن فى األرض قبل ظهور . اإلسالم

: حكمه

أنـه يجب فيه الخمس باتفاق الفقهاء يؤدى لبيت المال إذ أنه من الغنائم . فيجب فيه الخمس

: أما األربعة أخماس الباقية ففيها رأيان

مباحة كالصحراء أنهـا ملك للواجد بشرط أن يكون فى أرض : األول . أو فى أرض هى ملكه بسبب أحيائه لها



]١٥٩[

فإن كان فى أرض مملوكة لغيره أو مملوكة له ال بسبب األحياء ولكن بسـبب آخـر كالشـراء فإن األربعة أخماس ال تكون ملكا للواجد وال للمالك األرض ولكـن تكـون ملكـا ألول مالك لهذه األرض فى اإلسالم وهو من

. ح اإلسالمى أعطيها عند الفت

ولورثته من بعده إن عرفوا ، وذلك ألن المالك األول حين أعطى هذه األرض مـن قـبل الدولـة ملكها ومالك ما فى جوفها من الكنوز وكذلك من أحـياها يـتملك ما فى باطنها تبعا لها وتنتقل ملكية هذه الكنوز إلى ورثة كل

رف فى هذه األرض مـنهما بـوفاته جـيال بعد جيل ، وليس يمنع ذلك التص بالبـيع ، ألن المشترى إنما يملك ظاهر األرض فقط دون ما يكون فى باطنها مـن الكنوز فهى ال تنتقل إلى المشترى ولكنها تبقى متنقلة بالوراثة بين ورثة

. أول مالك لها

أمـا إذا لـم يعرف أول من ملك هذه األرض فى اإلسالم أو أحد من تكون لبيت مال المسلمين ، ألنه الجهة التى ورثـته فـإن األخماس األربعة

. تنول إليها األموال التى ال وارث لها

: موقف القانون

على أن الكنز المدفون أو المخبوء ٨٧٢نص القانون المدنى فى المادة الـذى ال يسـتطيع أحد أن يثبت ملكيته له يكون لمالك العقار الذى وجد فيه

ز الذى يعثر عليه فى عين موقوفة يكون ملكا الكنـز أو لمالـك رقبته ، والكن . خالصا للواقف ولورثته

)الشفعة (



]١٦٠[

مـن أسـباب الملكـية الشفعة إذ تجيز لمن له الحق تملك العقار الذى اشـتراه آخـر وذلك بما قام عليه من ثمن وتكاليف أخرى وسنتكلم عن هذا

. السبب الذى هو من أسباب الملك التام

: لشفعة تعريف ا: أوال

أى ضم وزاد ، ألن من له " شفع " مأخوذة من الفعل " الشفعة " كلمـة يضم ما يتملكه بهذا الحق إلى ملكه ويزيده عليه ، " الشفيع " حق الشفعة وهو

. فالمناسبة بين المعنى اللغوى والشرعى ظاهرة

أو أن الشـفعة مأخوذة من الشفع الذى هو ضد الوتر ، لما فيه من ضم للمذنبين فإنه يضمهم لى عدد أو شىء إلى شىء ومنه شفاعة النبى عـدد إ

. بها إلى العابدين ، وكذلك الشفيع يضم المأخوذ إلى ملكه فيسمى لذلك شفعة

استحقاق الشريك انتزاع ملك شريكة مما : وفـى اصـطالح الفقهـاء . انتقلت إليه بعوض مالى

عليه من الثمن والمؤن حق تملك المبيع من مشتريه بما قام : أو هـو فإذا باع أحد الشريكين فى عقار حصته فيه لثالث ثبت للثانى . رضى أم أبى

حـق أخـذها مـن مشتريها بما اتفق عليه من الثمن مضافا إليه ما استتبعه . شراؤها من مؤن ضرورية طابت بذلك نفسه أم أبى

لحصة وسمى هذا الحق بالشفعة ، وسمى صاحبه بالشفيع ، كما تسمى ا المبـيعة فـى لسان الفقهاء باسم المشفوع أو المشفوع فيه وكما تسمى حصة

. الشفيع فى العقار بالمشفوع به



]١٦١[

: دليل مشروعيتها وحكمتها: ثانيا

ثـبت حق الشفعة شرعا لمن له هذا الحق بأحاديث غير قليلة للرسول مـنها قـوله فـيما رواه عنه سمرة أن النبى قال ر أحق جار الدا

. بالدار من غيره

بالشفعة فى كل قضى رسول اهللا قال وعـن جابر بن عيد اهللا . ما لم يقسم ، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فال شفعة

فهـذه األحاديـث وأمـثالها تدل على أن هذا الحق ثابت فى الشريعة ا ، ونظام اإلسـالمية للشـفيع ، وإن كان لذلك شروط وتفاصيل سيأتى بيانه

الشـفعة هـو أحد النظم التشريعية التى يمتاز بها الفقه اإلسالمى ، وهو نظام . البد منه ، إذ يمنع كثيرا من الضرر ، ويدفع غير قليل من الخصومات

ذلـك بأن حق تملك الشفيع العقار الذى إشتراه أجنبى يدفعه عنه ضرر فيما يملكه ، ومن حلـول شـريك أو جار جديد محل شريكة أو جارة الحالى

كما يقول " ال ضرر وال ضرار " المعـروف أن مـن أصـول اإلسالم أنه وأن أدنى حقوق الجار على جارة أال يتسبب فى ضرر له ، الرسـول اهللا

. وقد أوصى القرآن والرسول برعاية الجار وإكرامه واإلحسان إليه

فيع جبرا عن لنا أن نقول بأن ثبوت حق الشفعة للش : من أجل هذا كله المالـك يـتفق وأصـول الشـريعة وغايتها ، هذه األصول التى تحتم رعاية المصـلحة العامـة ال رعايـة مصلحة فرد وحده ، ولذلك صح للشفيع تملك العقـار المبـيع جبرا ممن اشتراه ، وإن كان األصل فى البيع والشراء رضا

. المتعاقدين



]١٦٢[

ثبوت حق الشفعة للشريك الذى أجمع أهل العلم على: قـال ابن المنذر لـم يقاسـم فـيما يبيع من أرض أو دار أو حائط ولذلك نجد أن من الشريعة اإلسـالمية استمدت القوانين الوضعية المطبقة فى بعض البالد العربية أحكام

. الشفعة

بأنها رخصة تجيز فى ٩٣٥فعرفها القانون المدنى المصرى فى المادة ل المشترى فى األحوال وبالشروط المنصوص عليها بـيع العقار الحلول مح

: فى المواد التالية

وعرفها القانون العراقى فى . . مدنى ليبى ٩٣٩وتطابـق هذه المادة بأنهـا حق تملك العقار المبيع ولو جبرا عن المشترى بما قام ١١٢٨مادتـه

. عليه من الثمن والمؤن والنفقات المعتادة

اإلسالمية مصدر أحكام الشفعة فى هذه القوانين ومن ثم كانت الشريعة وإليها يرجع فى تفسير ما يبهم من نصوصها فى هذا الموضوع بما تتحقق به

. المصلحة

فيما يثبت حق الشفعة : ثالثا

يـرى جمهـور الفقهـاء أنه ال شفعة إال فى العقار وما يتصل به على شفعة فى المنقول كحيوان فال -شـىء من االختالفات اليسيرة فى ذلك بينهم

. وأحطاب وأى متاع آخر حتى إن بيع مع العقار

وإن اتفـق جمهور الفقهاء فى أن الشفعة واجبة فى العقار وتوابعه فإن األحـناف يـرون أن الشفعة واجبة فيه سواء كان يقسم أو كان مما ال يقسم

ن الشـفعة فـى كل شىء عقار أو ريع إلى غير ذلك م وذلـك لقـوله العمـومات وألن الشفعة سببها االتصال فى الملك ، والحكمة منها دفع ضرر



]١٦٣[

وأن ذلك ينتظم القسمين ما يقسم وما ال يقسم - كمـا تقدم -سـوء الجـوار . كالحمام والرحا والبئر والطريق

ويـرى الشافعية أن حق الشفعة ال يثبت إال فى عقار يحتمل القسمة ، ب المشترى الدخيل بالقسمة وهى مظنة ضرر ألنـه ال يمكـن حينئذ أن يطال

. الشريك الذى لم يبح له شريكه فال ضرر عليه إذا لبقاء الحال كما كانت

العقار -وذهـب بعض الفقهاء إلى القول بصحة الشفعة فى كل شىء وألن الشريك شفيع والشفعة فى كل شىء والمـنقول أخـذا من قوله

وهو . ل شىء وإن كان فى العقار أظهر معنـى ضرر الشركة موجود فى ك للظاهـرية ورواية لإلمام أحمد التى تجيز الشفعة فى المنقول أيضا ، فقد سئل عـند الدابـة مـن الحيوان تكون بين رجلين فأراد أحدهما بيع نصيبه منها ،

الشفعة فى هذا أوكد ، وقد نقل هذا الرأى عنه واستدل بالعقل وبما نقل : فقال . ديث الصحاح اإلمام ابن القيم من األحا

وعلى هذه الرواية ال تكون الشفعة فى العقار الذى ال ينقسم فقط بل فى كـل مبـيع ولـو كـان منقوال متنى كان مشتريا بين البائع وغيره للحديث

. السابق

ومـا علـيه جمهور الفقهاء من أن حق الشفعة ال يكون إال فى العقار ـ تت على خالف األصل لمعارضته حرية المالك وتـوابعه ، ألن الشـفعة ثب

. والمشترى ، هو نفس االتجاه الذى صدر به القانون المدنى الجديد

أنه استقر : لهذا القانون . فلقـد جاء فى مجموعة األعمال التحضيرية الـرأى على إبقاء حق الشفعة سببا لكسب الملكية العتبارات تاريخية ، وألن

ءا من التقاليد القانونية للبالد ، هذا إلى ما للشفعة من هذا النظام قد أصبح جز



]١٦٤[

فـوائد فـى جمع ما تفرق من حق الملكية تضم حق االنتفاع إلى الرقبة عن طـريق األخـذ بالشـفعة ، على أن المشروع إذا كان قد انتهى إلى استبقاء الشـفعة ، فقد عمل من ناحية أخرى على التضييق فى األخذ بها ، إذ هى قيد

. على حرية التصرف فيحسن عدم التوسع فيه يرد

ضـيق المشـروع فـى الشـفعة مـن ناحـية الموضوع ومن ناحية اإلجـراءات ، فـأورد فـى الموضـوع ثالثة أحكام تقيد منها ، وحذف من المشـروع الجـوار كسـبب مـن أسـباب األخذ بالشفعة وعالج من ناحية

شفعة ، فأوجب على اإلجـراءات مسـائل هامة بروح التضييق فى األخذ بال . الشفيع أن يودع الخزانة مبلغا يساوى الثمن الحقيقى الذى حصل به البيع

أن حق الشفعة ال يثبت عند الجمهور من الفقهاء إال : وخالصـة ذلك . لمن يملك عقارا متصال بالعقار المبيع

. واالتصال بالعقار المبيع له ثالثة أحوال

لعقار ، ولذلك إذا كان المبيع أن يكـون اتصـال شركة فى نفس ا -١جزءا شائعا مع حصة الشفيع فى أرض مشتركة بينهما أو فى دار كذلك

.

. أن يكون اتصال شركة فى حق من حقوق االرتفاق -٢

. أن يكون اتصال جوار مع المالصقة -٣

من هو الشفيع ؟ : ثالثا

من بمعنى من الذى له حق الشفعة ؟ أهو الشريك فى المبيع أو فى حق . الحقوق كالشرب والطريق الخاصين ؟ أم هو الجار أيضا مع هذا الشريك



]١٦٥[

هـذه المسـألة آثـارت خالفا شديدا بين الفقهاء من ناحية وبينهم وبين . واضع القانون المدنى من ناحية أخرى

فنجد الحنفية يثبتون هذا الحق للشريك فى المبيع نفسه ، ثم للشريك فى الخاصة ، ثم للجار ولو لم يكن للبائع شريك فى هذا حق من حقوق االرتفاق

عرضا بيتا أو ذاك وذلـك لما روى عن رافع بن خديج أن سعد بن مالك لـه على جار له ، فقال خذه بأربعمائة أما أنى قد أعطيت به ثمانمائة ولكنى

الجار أحق بصقبة يقول أعطيك إياه بأربعمائة ألنى سمعت رسول اهللا ـ يل على أن من أراد بيع ملكة فإنه ينبغى له أن يعرضه على جاره وفـيه دل

. لمراعاة حق المجاورة

وأمـا جمهـور الفقهاء فقد أجمعت كلمتهم على أن حق الشفعة ليس ال للشـريك فـى ذات المبيع ، فال شفعة عندهم للخليط أو الشريك فى حق من

ك ألن الشفعة تثبت حقـوق االرتفـاق الخاصة بالمبيع وال للجار أيضا ، وذل علـى خـالف األصل كما يقال فال يصح التوسعة فيها بل يجب الوقوف فيها

. على ما ورد به النص

: موقف القانون

من القانون المدنى الجديد أن للجار أن يأخذ بالشفعة ٩٣٦بنـيت المادة فـى حاالت خاصة ، ومن هذه الحاالت أن يكون لألرض المبيعة حق ارتفاق

ض الجار ، أو كان حق االرتفاق ألرض الجار على األرض المبيعة على أر أن تكون أرض الجار مالصقة لألرض المبيعة من جهتين وتساوى : ومـنها

. من القيمة نصف ثمن األرض المبيعة على األقل



]١٦٦[

ومـن هـذا يتبين أن واضعى القانون لم يذهب مع الذين أباحوا للجار يك وال مع اآلخرين الذين منعوه مطلقا من أن مطلقـا األخذ بالشفعة بعد الشر

يكون شفيعا بل جاء بحكم وسط بين هذين الطرفين ، تبين فيه روح التضييق من حق الشفعة إذا أوجب تالصق أرض الجار للجهتين لألرض المبيعة وأال تقـل قيمتها عه نصف ثمن األرض المبيعة ، وكل من هذين الشرطين يحرم

ومن الخير أن . هاء ثبوت حق الشفعة لهم بسبب الجوار كثيـرا ممن رأى الفق يـتفق القانون وبعض المذاهب الفقهية فى إعطاء الجار هذا الحق إذا لم يوجد شريك فى المبيع يطلب الشفعة فهذا يمنع كثيرا من الشر وبخاصة فى الريف إذ يحرص كل جار على توسيع رقعة ما يملك ويرى فى شراء األجنبى وهو

. ع عدوانا عليه يقابله بعدوان أشد مستطي

: تزاحم الشفعاء : رابعا

إذا تـزاحم الشفعاء بأن كانوا أكثر من واحد ، وكل منهم يطلب الشفعة . كان لنا من ذلك حالتان

أال يكونوا من مرتبة واحدة ، بأن يكون أحدهم شريكا : الحالـة األولى وق االرتفاق الخاصة وثالث فـى المبيع نفسه ، واآلخر شريكا فى حق من حق

. جارا ال غير

فهـنا يجب تقديم الشريك فى المبيع نفسه ، ثم الشريك فى بعض حقوق . االرتفاق الخاصة وأخيرا يجىء حق الجار وال خالف فى هذا عند األحناف

والحاصل أن الشفعة عندنا على مراتب يقدم الشريك فيها : قـال السرخسـى لشريك فى حقوق المبيع بعده ، ثم الجار المالصق فـى نفـس المبـيع ، ثم ا

. بعدهما



]١٦٧[

: ويرى الشافعى وابن أبى ليلى وبعض الفقهاء

قال أن الشـفعة ال تجب للشريك فى نفس المبيع لحديث رسول اهللا الشـفعة فـيما لم يقسم وإدخال األلف والالم فى الكالم للمعهود ، فإن لم

د ينصرف إليه فكان للجنس ، فيقتضى أن يكـن فللجـنس ، وليس هنا معهو والمعنى أن هذا تمليك المال بغير رضا . . . جـنس الشـفعة فـيما لم يقسم

. المتملك عليه فيختص به الشريك دون الجار

أن يكـون الشفعاء جميعا من مرتبة واحدة شركاء : الحالـة الثانـية -:أو جيرانا

بين - متى حكم بها -ة هـنا يجـب أن يقسـم العقار موضوع الشفع الطالبين جميعا ماداموا من مرتبة واحدة ، إال أن هذه القسمة تكون بالتساوى علـى عـدد الـرءوس عـند األحناف وابن حزم الستوائهم جميعا فى سبب

ويرى المالكية والحنابلة أن القسمة . اسـتحقاقها وهو أصل الشرك أو الجوار طالبى الشفعة ، ألنها وجبت لكل تكـون علـى حسب نسبة ما يملكه كل من

مـنهم بقدر ما يملكه من العقار المشترك مع العقار المبيع فيأخذ كل منهم ما . يملكه من هذا العقار

يرى األحناف أن األرض التى تسقى من مجرى خاص . وبعـدما تقدم ثبـتت فـيها الشـفعة إذا بيعت لكل من المنتفعين بهذا الشرب تطبيقا لألصل

بوا إليه ، ال فرق بين األرض المجاورة لها والبعيدة ، وال بين التى الـذى ذه . تسقى منه مباشرة والتى ستقى من جدول يأخذ منه



]١٦٨[

أى أن كـل أصـحاب األرضيين التى على هذا المجرى سواء ، ألن السـبب فـى اسـتحقاق الشـفعة فى هذا واحد ، وهو االشتراك فى المرفق

. الخاص

:الشفعاء غيبة بعض : خامسا

إذا تعدد الشفعاء ، فقد يحدث أن يكون أحدهم غائبا حين البيع ووجوب طلـب الشـفعة حينـئذ ، لذا إذا طلب الحاضر أخذ المشفوع فيه كان له ذلك ويقسـم بيـنهم إذا كـان الحضور متعددين وطلبها كل منهم ، ألن كل شفيع

قسمته بينهم يسـتحق وحـده العقـار المبـيع إن لم يطالب زميله بالشفعة و لتـزاحمهم علـى طلـبه ، والغائـب ال يزاحم الحاضر ، فإن الحاضر ثابت بيقـين ، وحق الغائب مشكوك فيه ، إذ قد يرغب عنه الشفعة والمشكوك فيه ال يـزاحم اليقـين ، وليس للحاضر أخذ نصيبه فقط وترك نصيب الغائب لما

. هما فى هذا من ضرر بالبائع والمشترى لتجزئة الصفقة علي

ثم إذا جاء الغائب وطلب الشفعة وكان معه الحاضر فى مرتبة واحدة ، قاسم الحاضر فيما أخذ على حسب الرءوس عند األحناف ، وبنسبة ما يملكه

وإن حضر بعد هذا غائب آخر كان األمر كذلك ، . كـل منهم عند اآلخرين .ن الجميع أى تنقص القسمة األولى ويعاد تقسيم العقار موضوع الشفعة بي

ويالحظ أن الغائب إذا لم يكن فى مرتبة واحدة مع الحاضر الذى قضى لـه بالشـفعة بأن كان الذى قضى له بالشفعة شريكا واآلخر جارا ، فالغائب متـى حضر ال شىء له وإن طالب بالشفعة ، ألنه ال شفعة للجار مع الشريك

لة ال تتأتى إال عند وهذه الحا -إذا كـان حاضـرا فباألولـى إذا كان غائبا . الحنفية الذين يثبتون الشفعة لغير الشريك كما تقدم



]١٦٩[

أما إن كان الغائب فى مرتبة أعلى من الحاضر ، بأن كان الذى قضى لـه بالشفعة جارا والغائب شريكا ، وعندما حضر طالب بالشفعة ، فإنه يأخذ

ذا ما ليس له مع العقـار المبيع المقضى به للجار ، ألنه تبين أن الحاضر أخ وطلبه الشفعة ، فمن هنا فإن - الشريك الغائب -وجـود مـن هـو أولـى

المشـفوع فيه ينتقل إلى من له حق الشفعة فيه وهو الغائب األعلى مرتبة من . الحاضر

: غير أنه يالحظ

أن الغائـب إذا لـم يأت إال بعد القضاء للحاضر بالمبيع وقام الحاضر فإنه بعد االستغالل إذا حضر الغائب ال يكون -سكناه باسـتغالله وزرعه أو

لو كان الحاضر : له الحق فى الشفعة ولو كان أعلى درجة من الحاضر مثال وبعد أن قضى له به قام - أرض مثال -جارا وتقدم للشفعة فى العقار المبيع

بـزراعة هـذه األرض ، وبعد زراعتها حضر الشريك للبائع وطلب الشفعة ساس أنه أولى من الجار المقضى له بالشفعة فهنا ال حق للشريك فى علـى أ

الشـفعة ألنـه حضر بعد استغالل المشفوع فيه وقد أصبح من ثمرة مجهود . األول ونفقاته فال يقضى له به

شروط الشفعة : خامسا

: للشفعة شروط كثيرة بينها صاحب البدائع فقال

قوم بسرد أهم الشروط التى وأمـا شـرائط وجوب الشفعة فأنواع وسن يجب أن تتوافر فى الشفعة وهى

: أن يكون هناك عقد معاوضة كالبيع أو ما هو فى معناه -١



]١٧٠[

فـال تجـب الشـفعة فـيما ليس ببيع وال بمعنى البيع كالهبة والصدقة والميـراث والوصية ، وذلك ألن األخذ بالشفعة يملك على المأخوذ منه بمثل

و أجزنا الشفعة فيما هو ليس بمعاوضة فإننا نقف فى مـا ملك هو ، كما أننا ل . سبيل رغبة المتصرف فى عمل الخير أو وصلة ذوى قرباه ورحمة

أن يكون هناك عقد معاوضة مالية وذلك - حتى هناك شفعة -فينبغى ألن الشـفعة معـناها تملك المبيع جبرا عن المشترى بالثمن والتكاليف التى

. اك معاوضة كالبيع أو ما فى معنى البيع دفعها فوجب أن تكون هن

: أن تكون المعاوضة للمال بالمال -٢

فـإذا كانت المعاوضة المال بغير المال ال تجب الشفعة ، وذلك كما لو تصـالح عن دم القتل العمد على دار ، فهنا ال تجب الشفعة ، ألن القصاص

. ليس بمال فلم توجد معاوضة المال بالمال

هذا الشرط ، ألن األخذ بالشفعة تملك بمثل ما تملك به وإنمـا اشـترط المشترى ، فلو وجبت الشفعة فى معاوضة المال بغير المال فأما أن يأخذ بما تملـك به المشترى وال سبيل إليه ، ألنه تملك بالقصاص وإما أن يأخذ بقيمة

. أصال الدار وال سبيل إليه أيضا ، ألن المشترى لم يتملك به فامتنع التملك

: زوال ملك البائع عن المبيع -٣

فحتـى تتحقق الشفعة يشترط أن يخرج المبيع أو المشفوع فيه خروجا . باتا عن ملك صاحبه



]١٧١[

وعلـى ذلـك فالبيع بشرط الخيار للبائع ال يثبت به حق الشفعة ، ألن المبـيع مازال على ملك صاحبه مادام الخيار له ، فله أن يرجع عن البيع وله

. مضيه ن ي

كذلك ال . لو أسقط البائع ماله من خيار تم البيع ووجبت الشفعة : ولهذا تجـب الشـفعة فى المشترى بشراء فاسدا ، ألن للبائع حق النقض والرد إلى

. ملكه ردا للفساد ، وفى إيجاب الشفعة تقرير للفساد

: ملك المشفوع به واستمراره -٤

ع به قبل البيع ، وأن يتسمر ذلك يشـترط أن يكون الشفيع مالكا لما يشف . الملك حتى يقضى له بالشفعة

لو بيع عقار فطلبه الشريك فيه أو الجار بالشفعة ، ثم باع : وعلى هذا العقـار الـذى كـان يشـفع به قبل الحكم له بالشفعة ال يكون له حق الشفعة

شفيع حينـئذ ، ألنها شرعت لدفع الضرر عن الشريك أو الجار ، وبعد بيع ال . ما يشفع به لم يبق شريكا وال جارا فلم يخشى أو يخاف من المشترى

: عدم الرضا من الشفيع بالبيع -٥

الشرط الخامس من شروط الشفعة عدم رضا من له الشفعة بالتصرف .الذى كان من صاحب الملك

: والرضا نوعان

. رضا صحيح -١

. رضا داللة -٢



]١٧٢[

الدار المشفوع فيها بأن وكله صاحب وأمـا الداللة تمثل أن يبيع الشفيع الـدار ببـيعها فباعها ، فهنا ال شفعة له ، ألن بيع الشفيع داللة الرضا بالعقد

فال يحق له بعد ذلك الدفع بالشفعة ألنه . وثـبوت حكمه وهو الملك للمشترى . رضى بالبيع والرضا يؤدى إلى عدم أحقيته فى الشفعة بعد ذلك

باع دارا من مال المضاربة ورب المال شفيعها المضارب إذا : ومـثله . بدار له أخرى فال شفعة لرب الدار شواء كان فى الدار ربح أو لم يكن

إذا رضـى من له الشفعة بالتصرف الذى كان من صاحب : وعلـيه وهو إخراجه العقار موضوع الشفعة عن ملكه إلى ملك غيره لم يكن -الملك

فعة ، على أنه يشترط لسقوط هذا الحق من هذه لـه بعد ذلك طلب األخذ بالش الناحـية ، أال يكون فى األمر تدليس أو خديعة بخصوص المشترى أو الثمن

. أو القدر المبيع نفسه

طريقة األخذ بالشفعة : سادسا

ال يـتملك الشـفيع العقار المبيع إال إذا طلب أخذه بالشفعة ، وال ينتج : إذا توفر فيه أمران طلبه الثمرة المرجوة منه إال

: األمر األول

أن يعـم العقار المبيع جميعه ، سواء أكان له وحده حق الشفعة أم تعدد الشفعاء فيه وسواء كانوا فى مرتبة واحدة أم من مراتب مختلفة ، سواء صدر الطلـب مـن شـفيع واحـد أو من أكثر من واحد ، فإذا بيع جزء من عقار

وله جيران فلكى يتمكن من له حق الشفعة من مشترك وله حق ارتفاق خاصة الشركاء فى العقار أو من الشركاء فى المرفق الخاص أو من الجيران من أن



]١٧٣[

يـتملك بالشـفعة إذا ما صدر له األولوية فيها ، يلزمه أن يطلب أخذه جميعه . بالشفعة عند علمه بالبيع

قيته اعتمادا فـإذا طلب أحد الشفعاء أن يأخذ ما يخصه فقط ولم يطلب ب علـى أنها حق لغيره من الشفعاء لم يكن لهذا الطلب اعتبار وسقط بسبب ذلك

. حق الشفعة عند محمد إال أن يكون مسبوقا بطلب الكل

: األمر الثانى

أن يطلـب الشفيع األخذ بالشفعة فى مجلس علمه بالبيع والمبيع والثمن ما بعده ولو بسنين ، ويتحقق والمشترى ، سواء علم بذلك عقب العقد مباشرة أ

العلم بأى طريق يغلب به على ظنه صدق الخبر ، فإذا وصله بطريق ال يفيد . ذلك عادة فلم يصدق ولم يطلب لم يسقط حقه

وإذا علـم الشـفيع بالبـيع والـثمن ويعلم بالمشترى فلم يطلب األخذ . به بالشفعة ، ثم علم بعد ذلك بالمشترى كان له حق الطلب عند العلم

: وعلى ذلك

إذا علم الشفيع بالبيع وبالثمن وبالمشترى فلم يأذن لهذا الخبر وأعرض مشـتغال بغيـره سـقط حقـه فى الشفعة ، ولكن إذا سمع الخبر فأخذ ينظر ويتـروى ويـوازن بين العقار وثمنه ، ثم طلب بعد ذلك فى مجلسه لم يسقط

ذ ال يمتد وقت الطلب إال حقه ، فإن قام من مجلسه دون أن يطلب سقط حقه إ ما بعد المجلس ، ألن حق الشفعة حق ضعيف فتجب المبادرة إلى طلبها لقوله

الشفعة لمن واثبها أى أسرع إلى طلبها .



]١٧٤[

وجملـة القول فى ذلك إن آراء الفقهاء قد اختلفت فى مقدار المدة التى . ه سقط حقه يكون فيها حق المطالبة بالشفعة بعد علمه فإذا مضت دون طلب

أن هـذا الحق يستمر له طيلة مجلس علمه مادام لم : فيـرى الحنفـية يصـدر مـنه فـى المجلس ما يدل على األعراض وهذه رواية الكرخى من

. الحنفية

وذهـب محمد منهم إلى القول بوجوب المبادرة بالطلب فور العلم وإال . كما ذكرنا ومذهب الشافعى وأحمد قريب من ذلك-سقط حقه

إلى أن مدة الطلب تقدر بيوم فإذا مضى بعد العلم بال : وذهب الثورى . طلب سقط حقه فى الشفعة

وذهـب ابن أبى ليلى إلى القول بأن مدة الطلب تقدر بثالثة أيام ويرى المالكـية أنها تقدر بنسبة إلى من حضر العقد بشهرين سواء أشهد على وثيقة

د وعلم كانت المدة له سنة ويرى ابن رشد أن العقد أم ال ، فإن لم يحضر العق سـقوط الحـق بمضـى شهرين بال طلب مشروط بأن يكون الشفيع قد كتب

.شهادته على وثيقة العقد أما من لم يكتب فالمدة له سنة

إلى أنه يجب على الشفيع المطالبة بالشفعة فور العلم : وذهـب الحنابلة . بالبيع ، فإن آخره بال عذر سقطت شفعته

. ما أخذت به القوانين العربية فى إجراءات األخذ بالشفعة : ثامنا

-:جرى التقنين المدنى المصرى والليبى والعراقى على ما يأتى

إذا تـم البـيع فوجه البائع أو المشترى إلى الشفيع إنذارا رسميا مشتمال -١ت الرسمية وشروط على بيان العقار المبيع بيانا كافيا وبيان الثمن والمصروفا



]١٧٥[

البـيع واسم كل من البائع والمشترى ولقبها وصناعتهما وموطنهما تعين على الشـفيع أن يعلـن عن رغبته فى األخذ بالشفعة خالل خمسة عشر يوما من تاريخ هذا اإلنذار وإال سقط حقه ، ويجب أن يكون إعالن هذه الرغبة رسميا

ى تم التعاقد خزانة المحكمة الكائن وإال كـان باطال ، وأن يودع كل الثمن الذ بدائـرتها العقـار المبـيع فـى خالل ثالثين يوما على األكثر من تاريخ هذا اإلعـالن مـع مراعاة أن يكون اإليداع قبل رفع الدعوة بالشفعة ، فإذا لم يتم اإليـداع فـى هـذا الموعد على الوجه المتقدم سقط حقه فى األخذ بالشفعة ،

الدعوى فى خالل ثالثين يوما من تاريخ ذلك اإلعالن ويجـب أن يكون رفع أمـام المحكمة الكائن بدائرتها العقار المبيع وإال سقط الحق فى الشفعة المواد

مدنـى مصرى وإذا لم يوجه البائع أو المشترى هذا اإلنذار إلى ٩٤٣-٩٤٠الشـفيع أو كـان باطال ألى سبب فإنه يحق للشفيع أن يعلن رغبته فى األخذ

/ الشـفعة خـالل أربعة اشهر من يوم تسجيل عقد البيع وإال سقط حقه مادة ب . فقره ب ٩٤٨

وإذا كـان عقد البيع لم يسجل فرفع المشترى على البائع دعوة بصحة الـتعاقد وسـجل صـحيفتها فإن مدة األشهر األربعة تبدأ من تاريخ التأشير

. ة الدعوى بالحكم الذى يصدر بصحة البيع ال من تاريخ تسجيل عريض

وإذا لم يوجه إنذار ولم يسجل عقد البيع وال الحكم الصادر بصحته فإنه يجـوز للشـفيع أن يعلن رغبته فى خالل خمس عشرة سنة من تاريخ البيع طـبقا للقـواعد العامة إذ فى هذه الحال يسقط الحق فى طلب الشفعة بمضى

ها نص على مدة المـدة كغيـرة مـن الحقوق والدعاوى التى لم يرد فى شأن خاصـة ، ويجـب أن يـوجه إعـالن الـرغبة الرسمى إلى كل من البائع

والعبـرة بـتمام إعالنهمـا فى الموعد المحدد وإذا كان ٩٤٠والمشـترى م



]١٧٦[

إعالنهمـا فـى تاريخيـين لـم يبدأ سريان المدة المقررة إليداع الثمن ورفع عالنيين بعد فوات الدعـوى إال من تاريخ اإلعالن األخير ، وإذا وجه أحد اإل

المـيعاد سقط حق الشفيع فى الشفعة ، ورفع الدعوى فى خالل المدة المقررة إلعالن الرغبة وهى خمسة عشر يوما يغنى عن إعالن الرغبة الرسمى ، فى

٩٤٧ - ٩٤٤ المواد من -هذه الحال يجب إيداع الثمن قبل صحيفة الدعوى . قى مدنى عرا١١٣٩ - ١١٣٨مدنى ليبى والمواد من

" تصرفات المشترى "

متى تم البيع صار المبيع مملوكا ملكا تاما للمشترى وله حق التصرف فإذا تصرف المشترى بأى نوع -فـيه بالبيع أو الرهن أو اإلجارة أو الوقف

. من هذه التصرفات فإن ذلك ال يمنع الشفيع من طلبها للشفعة

حق الشفيع من يوم أن طلب فإذا ما طلبها فإن العقار يكون قد تعلق به فالمفروض على المشترى أال يعجل بالتصرف لى المبيع : الشـفعة وعلـيه

خاصـة ما كان منها ناقال للملكية أو التصرف الذى يشغل المبيع زمنا طويال كالغـراس والبناء وليس المشترى أن يعتذر عن ذلك ولذلك أوجبت الشريعة

بهذا يعلم المشترى أن حق الغير قد علـى صـاحب الشفعة أن يطلبها فورا و . تعلق بما اشتراه

أن أى تصرف من تلك التصرفات ال يمكن أن يمنع الشفيع : ويراعـى مـن حقه فله إذا نقضها كلها ، وللشفيع أن يأخذ العقار بالثمن الذى اشترى به األول أو الثانـى حتـى لو أخرج المشترى العقار المشفوع فيه بطريق آخر

بشرط أن يحكم بالشفعة لمستحقها ، -يع ونحوه حتى ال يبطل حقه غيـر الب فالبـد حتـى ينقض هذا التصرف إن يحكم القضاء بالشفعة وذلك للتعلق حق



]١٧٧[

الغيـر الذى تصرف له المشترى فى العقار ، وبالقضاء يظهر أن حق الشفيع . أقوى من حق هذا الغير

ما تسقط به الشفعة : تاسعا

: بسبب من األسباب اآلتية يسقط حق الشفعة

كأن يقول أسقطت حقى فى الشفعة أو تنازلت عن : إسقاط الشفعة -١شفعتى أو رغبت عنها أو نحو ذلك ، وال يكون ذلك مسقط لحق الشفعة إال إذا صـدر بعـد ثـبوته إذ ال يقبل اإلسقاط إال الحق الثابت أما غير

. الموجود فال يقبل اإلسقاط

لشفعة إذا تنازل عنه لبعض الشفعاء ، أو وهب كـذلك يسقط حقه فى ا . نصيبه من الشفعة بعد ثبوته لبعض الشركاء أو غيرهم

تأخيـر طلب المواثبة عن وقته بال عذر ، كأن يعلم بالعقد والمبيع -٢وبالثمن وبالمشترى ثم ال يبادر إلى اإلعالن عن تمسكه بحقه فى األخذ

. بالشفعة بال عذر حتى ينتهى المجلس

أخيـر طلب التقرير عن وقته من غير عذر أو عدم القيام به فى ت -٣ . مكانه، أو ترك األشهاد عليها عند من يشترطه فى طلب التقرير

مسـاومة الشفيع للمشترى فى المبيع بعد علمه بشرءاه ، ولو كان -٤ذلـك بعد مطالبته بالشفعة كأن يطلب منه استئجاره أو شراءه بثمن أقل

.ألن هذا يعد رضا منه بشركته أو بجوارهأو إشراكه معه فيه

أن يخـرج الشفيع العقار المشفوع به من ملكه قبل تملكه المشفوع -٥فـيه ، سـواء كان يعلم ببيعه أم ال ، فإذا باع شخص حصته فى الدار



]١٧٨[

المشـتركة بعد أن أدعى شريكه حصته فيها سقط حقه فيها ، سواء كان م قبل أن يعلم أن شريكة قد بـيعه لحصته بعد أن طلب األخذ بالشفعة أ

. باع حصته

. عدم إحضار الثمن عند القضاء بالشفعة -٦

مـوت الشفيع قبل تملكه العقار المشفوع فيه فيسقط حقه فى األخذ -٧ألن حق الشفعة ال يورث عند األحناف . بالشـفعة وال ينتقل إلى ورثته

مورث وعـند غيرهم من الفقهاء للورثة حق األخذ بالشفعة متى كان ال . طلبها فى حياته



١٧٩

المبحث الثالث

"فـى نظريـة العقـد "

عـالج الفقهـاء القدامى موضوع العقود فى أبواب فقهية مختلفة كالبيوع واإلجارة والرهن والنكاح والسلم وغيرها ، واتجه بعضهم إلى جمـع كثير من الفروع المتصلة بموضوع معين وأعطاها تصورا عاما

أهل الذمة ، ووضع بعض كالفـروع المتصلة باإلقرار والفىء وأحكام الفقهـاء رسائل فى العقود وفى الحقوق وفى االلتزام وغيرها مما يبنى

ولكنهم لم يقرروا للعقد بابا مستقال . نظريات عامة فى الفقه اإلسالمى لها معالمها وحدودها وإنما الذين " نظرية " من أبواب الفقه ولم يجعلوه

ما امتزجت الدراسات القانونية فعلـوا ذلك هم رجال الفقه المحدثون حين بالدراسـات الفقهـية ، واقتضى هذا االمتزاج أن يكون هناك لون من الدراسـات المقارنـة بين الفقه والقانون ، حيث كانت النظريات ناحية تنظيمية وتجميعا آلراء مختلفة مبثوثة فى أبواب الفقه أو أبواب القانون

لة للملكية فكانت له أهمية بالغة فى ولما كان العقد من أهم األسباب الناق حياة الناس أفرادا كانوا أم جماعات ، ألن الحياة ال يمكن تصورها بدون تعامل بينهم ، والتعامل ال يكون إال بإبرام عقود فردية كانت أم جماعية مكتوبة فالحياة اإلنسانية ال غنى لها عن العقود ولذا وجب الوقوف على

. أحكامها تحديد ماهيتها وبيان



١٨٠

حقيقة العقد لغة وشرعا : أوال

: العقد فى اللغة

يطلق لفظ العقد عند علماء اللغة على عدة معان تدور كلها حول . الربط والتوثيق والشد واإلحكام

إذا جمع طرفيه وربط أحدهما باآلخر " عقد فالن الحبل " يقـال قواها ، وعقد البيع إذا أكدها و " عقـد النـية علـى فعل كذا " ويقـال

عقد يلتزم : وعقد العمل . واإلجارة بمعنى كل ما فيه وجمع بين كالمين بموجـبه شخص أن يعمل فى خدمة شخص آخر لقاء أجر فالعقد فى اللغـة يطلـق علـى كل ما يفيد االلتزام سواء أكان من جانبين كالبيع

. واإلجارة أم جانب واحد كالوقف والهبة

: عا تعريف العقد شر

ذهـب بعض فقهاء الحنفية إلى تعريف العقد بأنه ما كان االلتزام . فيه من الجانبين كعقد البيع والزواج وغيرهما

وعلـى هذا يكون العقد عندهم ما يرتب االلتزامات الشرعية التى تصـدر مـن طـرفين كالبـيع واإلجـارة والسلم والرهن وغيرها أما

د كالطالق المجرد عن المال االلتـزامات التـى تصدر من طرف واح . والوقف واإلبراء فال تسمى عقدا بل تسمى تصرفا والتزاما

ولذلك عرف جمهور الفقهاء العقد بأنه ارتباط يحصل بين كالمين أو مـا يقـوم مقامهما على وجه يترتب عليه حكم شرعى بإلزام ألحد



١٨١

وتعـريف جمهـور الفقهاء أشمل من تعريف . الطـرفين أو لكلـيهما الحنفـية ، ولـذلك ألنه يشمل االلتزام من الجانبين كالبيع واإلجارة وما كان االلتزام فيه من جانب واحد مثل الهبة واإلبراء من الدين والوصية والوقـف ونحـوها ، فمدلـول العقـد عند الجمهور أشمل ألنه ينتظم التصرفات الصادرة عن إرادتين ويشمل أيضا التصرفات الصادرة عن

. دة واحدة إرا

: تعريف العقد فى القانون

توافق ارادتين على إحداث أثر قانونى سواء : عرف القانون بأن . كان هذا األثر هو إنشاء التزام أو نقله أو تعديله أو إنهاؤه

فالقانون يخص العقد بما كان فيه توافق ارادتين أما ما يتم بإرادة اه المذهب الحنفى ويالحظ أن واحـدة فليس بعقد وهو ما يتفق مع ما ير

. الذى يتم بإرادة واحدة يسمى فى القانون التزام



١٨٢

المطلب الرابع

"أركان العقد "

قـبل أن نبـين أركان العقد التى يتألف منها وينبنى عليها نوضح . حقيقة الركن لغة واصطالحا

: تعريف الركن فى اللغة



١٨٣

أن الركن هو جانب الشىء ، وورد أيضا أنه ورد فى كتب اللغة يكون الركن أى جانب ما دام جزءا من : جانـبه القـوى فعلى األول

الشـىء ، وعلى الثانى ال يكون الركن أى جانب كان بل الجانب القوى أن الركن يطلق على ما يتقوى به اإلنسان : دون غيـره كما ورد أيضا

. من جند وملك وغيره

ركن الشىء جانبه الذى يسكن إله ويستعار للقوة ، : قال الراغب لو أن لي بكم قوة أو آوي قـال تعالى على لسان شعيب عليه السالم

وأركان العبادة جوانبها التى عليها مبناها ويتركها . إلـى ركن شديد . بطالنها

: تعريف الركن فى االصطالح الفقهى

: ات الفقهاء فى تعريف الركن اصطالحا نذكر منه اختلفت عبار

. ركن الشىء ماال وجود لذلك الشىء إال به وكان جزءا من ماهيته -١

. ركن الشىء ما يتم به وكان داخال فيه -٢

ركـن الشـىء ما يتوقف عليه وجوده وكان جزءا منه كالسجود -٣وعلى . والـركوع بالنسـبة للصالة واإليجاب والقبول فى العقود

فأركـان الشـىء أجـزاؤه فى الوجود التى ال يحصل إال : هـذا بعد أن عرفنا الركن لغة . بحصـولها داخلـه فـيه محققة لهويته

. واصطالحا نتعرض ألركان العقد التى يتألف منها وشروطه

:أركان العقد



١٨٤

: للعقد أركان ثالثة هى

" اإليجاب والقبول " الصيغة -١

. يجاب والقبول العاقدان اللذان يصدر عنهما اإل -٢

. المعقود عليه : المحل -٣

هذه هى أركان العقد عند جمهور الفقهاء وذلك ألن الركن عندهم هـو مـا توقف عليه وجود الشىء سواء كان جزءا من حقيقته أم كان

.خارجا عنه

ويرى الحنفية أن ركن العقد هو صيغة التى ال يتم إنشاء العقد إال فالركن عندهم هو جزء الشىء الذى ال بهـا وهـى اإليجاب والقبول ،

أما العاقدان والمعقود عليه عندهم فليس ركنين . يتصور وجوده إال به ألنهما وإن كان ال يتصور وجود العقد بدونهما إال أنهما ليسا من أجزائه الداخلة فيه بل من لوازمه ، ألنه يلزم من وجود اإليجاب أن يكون هناك

د وكذلك القبول يلزمه وجود قابل وهو مـوجب وهـو أحد طرفى العق الطرف اآلخر ووجودهما مرتبطين ال يكون إال إذا وجد محل يظهر فيه

. أثر االرتباط

هذا وقد استلزم الشارع فى كل ركن شروطا خاصة وهذه الشروط بعضـها الزم لصـحة العقد والبعض اآلخر لنفاذه وسنتناول كل ركن

. وشروطه

" لصيغة ا: " الركن األول



١٨٥

اإليجاب والقبول ويرى : تـتكون صيغة العقد من عنصرين هما الحنفـية أن اإليجاب هو ما صدر أوال من أحد المتعاقدين داال على أنه

ما صدر ثانيا من العاقد الثانى داال على : يريد أن ينشئ العقد ، والقبول . موافقته ورضاه بما أوجبه األول

جاب عن القبول عندهم هو الصدور أوال فالعبـرة فـى تمييز اإلي . بصرف النظر عمن صدر عنه

ففى عقد البيع مثال الموجب هو الذى يطلب إبرام العقد أوال سواء كـان هو البائع أى النوع يملك العين المراد بيعها أم كان هو المشترى

. الذى يريد نقل ملكية العين إليه

رة بعشرة آالف جنيه كانت بعتك هذه السيا : فـإذا قـال التاجـر . العبارة الصادرة منه إيجابا فإذا قال المشترى قبلت كان هذا قبوال

وإذا قـال المشـترى للبائع بعنى هذه السيارة بعشرة آالف جنيه كانت العبارة الصادرة من المشترى إيجابا وإذا قبل مالك السيارة وقال

. قبلت كان هذا قبوال

ء أن اإليجاب هو ما صدر ممن يكون منه ويـرى جمهور الفقها التملـيك وإن جاء متأخرا ، والقبول هو ما صدر ممن يصير له الملك

وإن صدر أوال

فإذا قال الرجل للمرآة تزوجتك فقالت الزوجة قبلت ، فإن الزواج يـنعقد ويكون اإليجاب هو ما صدر من الزوجة ألنها المملك للعصمة



١٨٦

بوال وإن صدر أوال ، ألنه الذى سيمتلك ومـا صدر من الزوج يكون ق . البضع

وهذا الخالف بين جمهور الفقهاء والحنفية خالف شكلى ال يترتب . بعد أن عرفنا هذا نبين شروط هذا الركن . عليه أثر

: شروط اإليجاب والقبول

حتـى يترتب على اإليجاب والقبول أثرهما الشرعى ويكون للعقد : إنه يجب أن تتوافر فيهما الشروط اآلتية وجود فى نظر الشرع ف

: موافقة القبول لإليجاب ) ١(

أن يكون القبول موافقا لإليجاب - فى الصيغة القولية -يشـترط إذا قال : فـى المعنـى والجنس والنوع والصفة والحلول واألجل فمثال

أو البائع بعتك هذه السلعة بألف جنيه فقال المشترى قبلت بثمان مائة ، قـال بعـتك بمائة دينار كويتى فقال قبلت بمائة دينار عراقى ، أو قال

قبلت بألف مؤجال ، ففى كل هذه األمثلة : بعتك بألف جنيه حاال ، فقال .ال ينعقد البيع ألن القبول غير موافق لإليجاب

إال إذا كانـت المخالفـة القبول لإليجاب فيها خير للموجب ، كان قلت : منك هذا الكتاب بمائة جنيه ، فقال المشترى يقـول الـبائع بعت

بمائة وعشرين فهنا ينعقد البيع رغم مخالفة القبول لإليجاب ، ألن هذه المخالفـة فيها خير للموجب ، ثم إن الموجب مخير فى قبول الزيادة إن



١٨٧

شاء أخذها وإن شاء تركها ، ألن األموال ال تدخل فى ملك الشخص من . ال الميراث غير اختيار منه إ

من " ٩٦" هـذا وقد تضمن القانون هذا الشرط فقد جاء فى المادة إذا اقترن القبول بما يزيد فى اإليجاب أو يقيد منه " القانـون المدنى أنه

ويستفاد من نص هذه " أو يعـدل فيه اعتبر رفضا يتضمن إيجابا جديدا لإليجاب فال يتم المـادة أن القبول إذا خالف اإليجاب اعتبر ذلك تعديال

. وال ينعقد فيحتاج هذا التعديل إلى إيجاب جديد . العقد

أن يكـون كـل مـن اإليجـاب والقبول واضح الدالة على مراد ) ٢( : المتعاقدين

وذلـك ألن المـتعاقدين يعبـران باإليجاب والقبول عن ارداتهما وهذا الباطـنة فـإذا كـان فى داللتهما خفاء لم يتحقق الربط بينهما ،

الوضوح يتحقق بأن تكون مادة اللفظ المستعمل لإليجاب والقبول فى كل عقـد تدل داللة واضحة على نوع العقد الذى يريد المتعاقدان إبرامه ،

فى موضعها وأحكامها ، فإذا لم - فيما بينهما -ألن العقـود تخـتلف يمكن يعرف على وجه التحديد العقد الذى يريد المتعاقدان إبرامه فإنه ال

.إلزامها باآلثار المترتبة عليه

وال يشترط فى هذه الداللة أن تكون حقيقية بل تكفى الداللة : هذا : المجازية ، فعقد البيع مثال بلفظ الهبة إذا اقترن بما يدل عليه ، فإذا قال . وهبتك هذا الكتاب بمائة قرشا انعقد البيع بهذا اللفظ ألنه اقترن بالثمن



١٨٨

: القبول باإليجاب فى مجلس العقد اتصال ) ٣(

مـن الشـروط التى يجب توافرها فى صيغة العقد اتصال القبول باإليجـاب والمقصـود مـن اتصال القبول باإليجاب أنه يصدر القبول

من - إن كان المتعاقدان حاضران -متصال باإليجاب فى مجلس العقد . غير أن يفصل بينهما بفاصل

اضرا واآلخر غائبا وجب على الغائب أمـا إذا كـان أحـدهما ح بمجـرد أن يعلـم باإليجاب أن يظهر رأيه ليتصل قبوله باإليجاب دون

. فاصل

ما هو المراد باتصال القبول اإليجاب ؟

يـرجع جمهـور الفقهاء إن االتصال يتحقق باتحاد مجلس العقد فلـيس بشرط إذا صدر اإليجاب من أحد الطرفين أن يصدر : وعلـيه

بول من الطرف اآلخر فورا ، بل يجوز أن يتريث فى إصداره ما دام القأما إذا صدر القبول بعد انتهاء مجلس العقد فإن . مجلـس العقـد قائما

. العقد ال ينعقد

وذهب الشافعية إلى القول بأن المراد باتصال القبول باإليجاب هو لو يسيرا صدور القبول عقب اإليجاب فورا ، فلو حدث فاصل زمنى و

لـم يصح التعاقد ، ألنه يشعر بأعراض عن القبول ويخرج الثانى عن . كونه جوابا باألول



١٨٩

ومـا ذهـب إلـيه الجمهـور هو األيسر وفيه توسعه للناس فى معامالتهم إذا أنه من حق القابل أن يمنح فرصة يرى فيها ما هو أوفق

ذ القانون المدنى له وبعدها يكون له الحق فى أن يقبل أو يرفض ولقد أخ ولقد قال . برأى جمهور الفقهاء فلم يشترط أن يتم القبول فور اإليجاب

أن القانون أخذ هذا من المذهب ٩٤الدكتور السنهورى فى شرح المادة ليس من الضرورى أن يكون القبول فورا بل يصح : الحنفـى ثـم قال . متراخيا بشرطين

: الشرط األول

متعاقدين منشغال بالتعاقد ، فإذا انصرف أى أن يبقـى كـل من ال واحـد مـنهما إلـى شـىء غيره اعتبر مجلس العقد قد انفض وسقط

. اإليجاب

: الشرط الثانى

أن يبقـى الموجب على إيجابه فال يرجع فيه أثناء المدة التى يبقى . فيها مجلس العقد قائما

يه العاقدان هو الزمن الذى يكون ف : هذا والمقصود بمجلس العقد فإذا كان التعاقد بالمراسلة بكتاب أو خطاب فيعتبر . مشـتغلين بالتعاقد

. مجلس بلوغ الكتاب وأداء الرسالة مجلسا للعقد

أما بعد فقد بعت منك سيارتى بكذا فلما : فلـو كتب شخص آلخر قبلت فى المجلس انعقد عقد البيع وكذلك الرسالة : بلغه وفهم ما فيه فقال



١٩٠

اذهب إلى فالن فقل له أنى بعتك : فـإذا قال شخص آلخر : وية الشـف قبلت فى المجلس الذى بلغه فيه الخبر تم : سـيارتى بكـذا ، فإذا قال

العقـد ، ألن الرسـول ناقل لإليجاب فلما قبل المرسل إليه اتصل لفظه . بلفظ الموجب حكما فانعقد العقد

" ل باإليجاب العقود التى ال يشترط فيها اتصال القبو"

استثنى الفقهاء عقودا ثالثة ال يشترط فيها اتصال القبول باإليجاب وذلك لتنافى طبيعة هذه العقود مع هذا االتصال ، وذلك مثل

: عقد الوصية -١

فلـو أوصـى شخص آلخر بسيارته مثال ، فإنه ال يشترط قبول تصرف الموصى له للوصية فى المجلس ، وذلك ألن الوصية بصيغتها

فى التركة مضاف لما بعد الموت ، فقبول الموصى له ال يرتب أثره إال بعـد وفـاة الموصى إذ يحق للموصى عن الوصية فى أى وقت أثناء

. حياته أن يرجع عنها

: اإليصاء -٢

وهو أن يجعل غيره وصيا على أوالده يتعهد شئونهم بعد وفاته ، فى المجلس ألن الموصى إليه وال يشترط فى اإليصاء أن يكون القبول

. ال يصير كذلك إال بعد موت الموصى

: الوكالة -٣



١٩١

كمـا إذا وكـل شخص آخر فى إدارة حدائقه ، فال يشترط قبول الوكـيل فـى المجلس ، وذلك ألن الوكالة شرعت أساسا للتيسير على الـناس فكان مما يناسبها فى التوسعة واليسر أن يصح القبول فيها ولو

غير مجلس العقد هذه هى العقود التى استثنى الفقهاء اتصال القبول فى . باإليجاب فيها

: ما يبطل به اإليجاب

: يبطل اإليجاب بواحد من األمور التالية

. رجوع الموجب عن إيجابه -١

. موت الموجب أو فقد أهليته -٢

. رفض اإليجاب ممن وجه إليه -٣

. هلية قبل القبول موت من وجه إليه اإليجاب أو فقده األ -٤

. انتهاء مجلس التعاقد قد قبل القبول -٥

. هالك الشىء محل التعاقد -٦

: أوال رجوع الموجب عن اإليجاب

اخـتلف الفقهاء فى جواز رجوع الموجب عن إيجابه قبل صدور : القبول ممن وجه إليه اإليجاب إلى رأيين

جب عن أن رجوع المو : وهـو لجمهور الفقهاء ويرون : األول إيجابه فى مجلس العقد قبل قبول القابل يبطل اإليجاب ، سواء كان هذا



١٩٢

الرجوع صريحا أم كان ضمنيا ، ومثال الرجوع الصريح إذا قال أجرت إليك هذا المحل بخمسين جنيها وقبل قبول اآلخر قال أجرته إليك بمائة

هو رجوع جنيها ، فإن اإليجاب الثانى هنا يعتبر مبطال لإليجاب األول و صـريح ومثال الرجوع عن اإليجاب داللة مثل أعراض الموجب عن الحـديث فـى العقـد إلى الحديث فى أمر آخر وانشغاله به فهنا يكون األعـراض دلـيال على رجوع الموجب عن إيجابه ويؤدى إلى بطالن

. اإليجاب مثله مثل الرجوع الصريح

وجب فإن إيجابه يرون أن الموجب إذا : وهو للمالكية : الثانـى يظل قائما وال يبطل ، ألن الرجوع عنه غير جائز ما دام مجلس العقد

فلو رجع الموجب عن إيجابه ثم قبل الطرف اآلخر فى المجلس . قائما على األعراض فإن - من قبل -دون أن يكـون قد صدر منه ما يدل

. العقد يتم رغم رجوع الطرف األول الموجب

: هاء الذين يرون أن الرجوع عن اإليجاب يبطله أدلة جمهور الفق

إن المـوجب لـه حق الملك وبإيجابه قد أثبت للطرف اآلخر حق -١التملـيك فلـه أن يمـنعه من هذا الحق عن طريق رجوعه عن اإليجاب قياسا على الموكل حيث يحق له عزل وكيله فى أى وقت

. شاء

بل أنشأ بإيجابه التزاما إن الموجب لم ينشئ بإيجابه التزاما مطلقا ، -٢مقـيدا بقـبول من وجه إليه اإليجاب ومعلقا عليه ، فإذا قبل ثبت االلتزام وإال فال ، وعلى ذلك فما دام لم يتحقق القبول لم يكن هناك



١٩٣

التزام ولكن مجرد عرض ليس فيه إثبات حق فيجوز الرجوع عن . إيجابه متى شاء ما دام أن القبول لم يحصل

: المالكية على ما ذهبوا إليه بما يأتى واستدل

أن المـوجب بإيجابه قد اثبت للطرف اآلخر حق القبول ، فله أن وله أن يرفض ولهذا فإن الموجب مقيد فى - مسـتعمال حقه -يقـبل

تصـرفه حتى يتنازل الطرف اآلخر ، ولو أثبتنا للموجب أن يرجع قبل . يجوز القبول لكان فى ذلك إبطال حق الغير وهو ال

هذه ٩٣أورد القانون المدنى الجديد فى المادة : موقـف القانون الحالـة اإليجـاب الذى ال يصح للموجب أن يرجع عنه فقالت إذا عين مـيعاد للقـبول التـزم الموجب بالبقاء على إيجابه إلى أن ينقضى هذا

. الميعاد

لة أن اإليجاب غير الزم فيما عدا هذه الحا ٩٤وأوضـحت المادة إذا صدر اإليجاب فى مجلس العقد دون أن يعين ميعادا " فجـاء فـيها

" للقـبول فـإن المـوجب يتحلل من إيجابه إذا لم يصدر القبول فورا وواضـح أن القانـون يـتفق مع رأى جمهور الفقهاء الذين يرون أن

. اإليجاب يبطل بالرجوع عنه

: موت الموجب أو فقده لألهلية : ثانيا

الت اإليجاب موت الموجب أو فقده لألهلية قبل صدور مـن مبط فإذا صدر القبول من . القـبول من الطرف اآلخر عند جمهور الفقهاء



١٩٤

الطرف اآلخر بعد ذلك ال ينعقد العقد ، ألنه بزوال األهلية عن الموجب . صار اإليجاب كأن لم يكن

وجب بأن الم : وقد خالف األباضية جمهور الفقهاء فى ذلك فقالوا إذا مـات بعـد إيجابـه وقبل صدور القبول من المتعاقد اآلخر أو فقده أهليته بالجنون ونحوه ، فإن اإليجاب ال يسقط ، بل يخير المتعاقد األخر

. بين قبول التعاقد أو رفضه فإذا قبله تم التعاقد

جاء القانون المدنى الجديد موافقا لما ذهب إليه : موقـف القانون يث نص على أن اإليجاب ال يبطل بموت الموجب أو فقده األباضـية ح

على أنه ) ٩٣(أهليته قبل قبول من وجه إليه اإليجاب ، فقد نصت المادة إذا مـات مـن صدر منه التعبير عن اإلرادة أو فقد أهليته قبل أن ينتج التعبيـر أثره فإن ذلك ال يمنع من ترتب هذا األثر عند اتصال التعبير

إليه ، هذا ما لم يتبين العكس من التعبير أو طبيعة التعامل بعلم من وجه يرى أن الموجب ليس - كما سبق القول -ويالحظ أن مذهب المالكية

لـه حق الرجوع عن إيجابه قبل أن يعبر الطرف اآلخر عن رغبته فى إبرام العقد أو رفضه ما دام المجلس قائما ، فمن باب أولى يظل إيجاب

يته قائما ، ألن الموجب إذا أظهر رجوعه تأكدنا أنه ال من خرج عن أهل ويتم العقد - عندهم -يـريد إنشـاء العقـد ومع هذا ال يبطل اإليجاب

بالقـبول ، فإذا مات أو جن قبل أن يوجد منه ما يدل على الرجوع ولم استصحابا -يكـن هناك ما يدل على أنه ال يريد إنشاء العقد إذ الراجح



١٩٥

كان سيظل مصرا على اإليجاب انعقد عندهم إذا قبل أنه -لمـا كـان . اآلخر

: رفض اإليجاب من قبل وجه إليه : ثالثا

من مبطالت اإليجاب أيضا رفض اإليجاب بعد صدوره ممن وجه إلـيه سواء كان الرفض صراحة كقوله ال أريد التعاقد أو أرفضه ونحو

يتصل بموضوع ذلـك أم كـان الرفض ضمنيا كانشغاله بأمر آخر ال . العقد

فلو صدر قبول من هذا العاقد بعد رفضه فإن العقد ال يتم : وعليه . ألن هذا القول يعتبر إيجابا جديدا يحتاج إلى قبول من الموجب األول

: موت من وجه إليه اإليجاب أو فقده لألهلية : رابعا

أو من مبطالت اإليجاب بعد صدوره موت من وجه إليه اإليجاب فقـده لألهلـية قبل صدور القبول منه ، أما إذا كان قد قبل اإليجاب ثم مـات أو جـن بعـد ذلك فال عبرة بجنونه أو موته وذلك ألنه بقبوله

أما هنا فإن الجنون طرأ عليه أو الموت فجآة قبل . لإليجاب انعقد العقد صـدور القـبول مـنه فإن هذا يؤدى إلى بطالن اإليجاب حتى لو قبل

ـ ته من بعده فإن العقد ال ينعقد ، ألن القبول من الحقوق الشخصية ورث . التى ال تورث وهذا عند جمهور الفقهاء

أمـا األباضـية فقـد خالفوا جمهور الفقهاء وقالوا إن القبول من الحقـوق التى تورث وبالتالى فإن موت من وجه إليه اإليجاب أو فقده



١٩٦

نتقل حق القبول إلى ورثة من لألهلـية ال يـبطل أيهما اإليجاب ولكن ي . وجه إليه اإليحاب عند موته وإلى وليه عند فقده لألهلية

انتهاء مجلس التعاقد : خامسا

إذا افتـرق الطرفين أو أعرض أحدهما وانشغل بشىء آخر غير موضوع العقد فإن اإليجاب يبطل ، ألن اإليجاب اعتبر موجودا ما دام

بافتراق الطرفين أو انشغال أحدهما بأمر - المجلـس قائما ، فلما انتهى . زال ذلك االعتبار -آخر غير موضوع العقد

هالك الشىء موضوع التعاقد : سادسا

قبل صدور القبول - المحل -إذا هلـك الشىء موضوع التعاقد ممـن وجه إليه اإليجاب فإن ذلك يؤدى إلى بطالن اإليجاب سواء كان

. ضوع العقد كله أو بعضه الهالك قد أصاب الشىء مو

: صيغة اإليجاب والقبول

المـراد بالصيغة الصورة الدالة على توجه إرادة المتعاقدين وذلك ألن أساس العقد هو توجه إرادة كل من طرفيه إلنشائه وهذه اإلرادة أمر

. باطنى ال يظهر إال بما يدل عليه من قول أو فعل أو كتابة أو إشارة

اإليجاب والقبول قد تكون باللفظ كما تكون فالصـيغة التـى هى أو بمعنى آخر تكون الصيغة قولية وقد تكون فعلية . باإلشارة أو الكتابة

. وإليك بيان ذلك

: التعاقد باللفظ



١٩٧

معلـوم أن الكالم هو األصل فى التعبير عن اإلرادة والكشف عن ر عن اإلرادة ، الرغبة المكنونة ، والتعاقد باللفظ من أقوى وسائل التعبي

ألن األلفـاظ أيسر الوسائل للتفاهم بين اثنين لديهما القدرة على التعبير بالكلمـة ، ولـديهما أيضا القدرة على الفهم واإلفهام ، فكل لفظ يؤدى

المعنـى المـراد للمـتعاقدين ينعقد به العقد ، وال يشترط فى ذلك لفظ الرضا من أى مادة معـين ، بـل يجوز بكل لفظ يدل على الموافقة و

كانـت بـأى لغـة كانت ما دامت هى لغة المتعاقدين التى بها يفهمان مقصـودهما وتوضـح إرادتهما ، فمتى كان التعبير داال داللة واضحة على إرادتهما فإنه ال فرق فى ذلك بين عقد وآخر أو بين عبارة وأخرى

الفقهاء مـا دامت العبارة واضحة فى إظهار المعنى المقصود وقد اتفق على ذلك ولم يختلفوا إال فى عقد الزواج فقط حيث يرى فقهاء الشافعية

. والحنابلة

أن عقـد الـزواج ال ينعقد إال بلفظ الزواج أو النكاح أو ما اشتق . منهما وال ينعقد بغير ذلك من األلفاظ

أن الزواج ليس كسائر العقود فهو لجالل : ودلـيلهم علـى ذلك ر المترتبة عليه يجب أن نحتاط فيه وتتقيد فيه بما خطـره ولعظـم اآلثا

ورد فـى القـرآن الكريم من األلفاظ وال نتجاوزه إلى غيرها بقياس أو : غيره ، والقرآن لم يستعمل سوى لفظين هما الزواج والنكاح قال تعال

اءالنس من لكم ا طابوا مفانكح . وقالىاموا الأيأنكحو منكم .



١٩٨

فلما : وقال تعالى . ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن وقال تعالى . قضى زيد منها وطرا زوجناكها

إذا القـرآن الكـريم لم يرد فيه عقد الزواج إال لفظى الزواج أو . تق منها النكاح فال ينعقد هذا العقد إال بهما أو ما اش

اتقوا اهللا فى النساء فإنهن عندكم عوان استدلوا بقوله : أيضا . اتخذتموهن بأمانة اهللا واستحللتم فروجهن بكلمة اهللا

وجـه الداللـة من الحديث أن كلمة اهللا التى أحل بها الفروج فى . كتابه الكريم لفظ النكاح والترويج فال ينعقد إال بهما

حكم األصلى للنكاح هو االزدواج والملك يثبت وسيلة أن ال : أيضا إلـيه فـوجب اختصاصـه بلفظ يدل على االزدواج وهو لفظ التزويج

. واالنكاح ال غير

ويرى الحنفية والمالكية أن عقد الزواج يمكن أن ينعقد بغير هذين اللفظيـين فكمـا يكون عقد الزواج بلفظ النكاح والتزويج فإنه يصح أن

هما من األلفاظ كالهبة والتمليك والبيع والعطية وما يرادفها يكـون بغير من أى لغة متى وجدت القرنية التى تدل على أن المراد من هذه األلفاظ

. إيجاب الزواج وقد استدلوا على ذلك

بلفظ الهبة فكذلك ينعقد الهبة فكذلك ينعقد انعقاد نكاح رسول اهللا أة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد وامر به نكاح أمته قال تعالى

ـة لكا خالصهـتنكحسي أن النبـي . فلقد أخبر اهللا تعالى أن المرأة



١٩٩

عند استنكاحه أياها حالل له ، وما المؤمـنة التى وهبت نفسها للنبى . ته يكون مشروعا فى حق أمكان مشروعا فى حق النبى

بعـد استعراض الرأيين وأدلتهما يترجح لدلينا الرأى : التـرجيح الثانـى ، ألن عقـد الـزواج كغيـره من العقود إنما ينعقد تبعا إلرادة المتعاقدين فكل ما يدل على هذه اإلرادة من األلفاظ تنعقد به العقود متى

لنكاح فقد كان مفهوما للعاقدين ، وإذا كان القرآن قد جاء بلفظ التزويج وا إن ذلك خاصا بالرسول اهللا : جـاء ، بغيـرها كلفظ الهبة وال يقال

فالخصوصـية هنا ترجع إلى النكاح بدون أجر ال إلى لفظ التزويج فى ذاته ، كما أن الحديث الذى استدل به الفريق اآلخر فالمراد بكلمة اهللا فيه

. ولوال كلمة سبقت من ربك : حكم اهللا فى قوله تعالى

فـال يصح االحتجاج بالحديث وبذلك يكون الراجح فى نظرنا هو . رأى الحنفية والمالكية لما سبق

واهللا ولى التوفيق



ﺭﻮﺼﻨﻣ ﺪﻤﺤﻣ ﻢﻴﻫﺍﺮﺑﺇ...

Documents