ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ...

87
ﻛﺘﺎﺏ: ﻭﺩﻣﻨﺔ ﻛﻠﻴﻠﺔ ﺍﳌﺆﻟﻒ: ﺍﳌﻘﻔﻊ ﺍﺑﻦ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ ﺍﻟﺮﲪﻦ ﺍﷲ ﺑﺴﻢ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻣﻘﺪﻣﺔ ﺑﺎﺏ ﺍﻟﻔﺎﺭﺳﻲ ﺍﻟﺸﺎﻩ ﺑﻦ ﺑﻌﻠﻲ ﻭﻳﻌﺮﻑ ﺳﺤﻮﺍﻥ ﺑﻦ ﻨﻮﺩ ﻗﺪﻣﻬﺎ. ﺑﻴﺪﺑﺎ ﻋﻤﻞ ﺃﺟﻠﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﻟﺴﺒﺐ ﻓﻴﻬﺎ ﺫﻛﺮ ﺃﻟ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻌﻠﻪ ﻭﺩﻣﻨﺔ؛ ﻛﻠﻴﻠﺔ ﲰﺎﻩ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﺍﳍﻨﺪ ﻣﻠﻚ ﻟﺪﺑﺸﻠﻴﻢ ﺍﻟﱪﺍﳘﺔ ﺭﺃﺱ ﺍﳍﻨﺪﻱ ﺍﻟﻔﻴﻠﺴﻮﻑ ﺴﻦ ﻭﳏﺎﺳﻨﻬﺎﺎ، ﻭﻓﻨﻮ ﻟﻠﺤﻜﻤﺔ ﻭﺗﻨﺰﻳﻬﺎ ﺍﻟﻄﻐﺎﻡ؛ ﻋﻦ ﺿﻤﻨﻪ ﲟﺎ ﻭﺿﻨﺎ ﺍﻟﻌﻮﺍﻡ، ﻣﻦ ﻓﻴﻪ ﻟﻐﺮﺿﻪ ﺻﻴﺎﻧﺔ ﻭﺍﻟﻄﲑ ﺍﻟﺒﻬﺎﺋﻢ ﺗﺸﺮﻳﻒ ﻭﻟﻄﺎﻟﺒﻴﻬﺎ ﺗﺜﻘﻲ، ﻭﶈﺒﻴﻬﺎ ﻣﻔﺘﻮﺣﺔ؛ ﻭﳋﺎﻃﺮﻩ ﻣﻨﺪﻭﺣﺔ، ﻟﻠﻔﻴﻠﺴﻮﻑ ﻫﻲ ﺇﺫﺎ؛ ﻭﻋﻴﻮ. ﺍﻟﺴﺒﺐ ﻭﺫﻛﺮ ﺍﻟﻔﺮﺹ ﻣﻠﻚ ﻓﲑﻭﺯ ﺑﻦ ﻗﺒﺎﺫ ﺑﻦ ﺃﻧﻮﺷﺮﻭﺍﻥ ﻛﺴﺮﻯ ﺃﻧﻔﺬ ﺃﺟﻠﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﳍﻨﺪ ﺑﻼﺩ ﺇﱃ ﺍﻷﻃﺒﺎﺀ ﺭﺃﺱ ﺮﻭﺯﻳﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺇﻟﻴﻪ ﺣﻀﺮ ﺣﱴ ﺍﳍﻨﺪ؛ ﺇﱃ ﺩﺧﻮﻟﻪ ﻋﻨﺪ ﺑﺮﻭﺯﻳﻪ ﺗﻠﻄﻒ ﻣﻦ ﻛﺎﻥ ﻭﻣﺎ ﻭﺩﻣﻨﺔ؛ ﻛﻠﻴﻠﺔ ﻛﺘﺎﺏ ﺍﳍﻨﺪ ﻋﻠﻤﺎﺀ ﻛﺘﺐ ﻣﻦ ﻭﺟﺪ ﻣﺎ ﻣﻊ ﹰ، ﻟﻴﻼ ﺍﳌﻠﻚ ﺧﺰﺍﻧﺔ ﻣﻦ ﺳﺮﺍ ﻟﻪ ﺍﺳﺘﻨﺴﺨﻪ. ﺑﻌﺜﻪ ﻣﻦ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﺫﻛﺮ ﻭﻗﺪ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ؛ ﻫﺬﺍ ﻧﻘﻞ ﻷﺟﻞ ﺍﳍﻨﺪ ﳑﻠﻜﺔ ﺇﱃ ﺑﺮﻭﺯﻳﻪ ﺑﺪﺭﺍﺳﺘﻪ ﻭﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﻗﺮﺍﺀﺗﻪ ﺇﺗﻘﺎﻥ ﻣﻦ ﻣﻄﺎﻟﻌﻪ ﻳﻠﺰﻡ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻭﺫﻛﺮ ﻣﻨﻪ ﺍﻟﻐﺎﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﳛﺼﻞ ﻟﻚ ﻛﺬﻟﻚ ﻳﻜﻦ ﺇﻥ ﻭﺃﻧﻪ ﻛﻼﻣﻪ؛ ﺑﺎﻃﻦ ﺇﱃ ﻭﺍﻟﻨﻈﺮ. ﻗﺮﺍﺀﺓ ﺑﺮﻭﺯﻳﻪ ﺣﻀﻮﺭ ﻓﻴﻬﺎ ﻭﺫﻛﺮ ﺟﻬﺮﺍ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ. ﺍﻟﺘﻄﺒﺐ، ﺑﺮﻭﺯﻳﻪ ﺑﺎﺏ ﻳﺴﻤﻰ ﻣﻔﺮﺩﺍ ﺑﺎﺑﺎ ﺑﺰﺭﲨﻬﺮ ﻭﺿﻊ ﺍﺟﻠﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﻟﺴﺒﺐ ﺫﻛﺮ ﻭﻗﺪ ﺷﺄﻥ ﻓﻴﻪ ﻭﺫﻛﺮ ﺃﻗﺴﺎﻣﻬﺎ ﻭﺍﻋﺘﱪ ﺍﳊﻜﻤﺔ ﻭﺃﺣﺐ ﺍﻟﺘﺄﺩﻳﺐ، ﺑﻠﻎ ﺃﻥ ﺇﱃ ﻣﻮﻟﺪﻩ ﻭﺁﻥ ﺃﻣﺮﻩ ﺃﻭﻝ ﻣﻦ ﺮﻭﺯﻳﻪ. ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺃﻭﻝ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻭﺍﻟﺜﻮﺭ ﺍﻷﺳﺪ ﺑﺎﺏ ﻗﺒﻞ ﻭﺟﻌﻠﻪ. ﺍﻟﻔﺎﺭﺳﻲ ﺍﻟﺸﺎﻩ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﻗﺎﻝ: ﻛﺘﺎﺏ ﺍﳍﻨﺪ ﻣﻠﻚ ﻟﺪﺑﺸﻠﻴﻢ ﺍﻟﻔﻴﻠﺴﻮﻑ ﺑﻴﺪﺑﺎ ﻭﺿﻊ ﺃﺟﻠﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﻟﺴﺒﺐ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺮ ﺍﻟﻘﺮﻧﲔ ﺫﺍ ﺍﻹﺳﻜﻨﺪﺭ ﺃﻥ ﻭﺩﻣﻨﺔ، ﻛﻠﻴﻠﺔ ﻳﺮﻳﺪ ﺳﺎﺭ ﺍﳌﻐﺮﺏ، ﺑﻨﺎﺣﻴﺔ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺍﳌﻠﻮﻙ ﺃﻣﺮ ﻣﻦ ﻓﺮﻍ ﳌﺎ ﻭﻣﻲ ﻣﻠﻮﻙ ﻣﻦ ﻭﺍﺩﻋﻪ ﻣﻦ ﻭﻳﺴﺎﱂ ﻭﺍﻗﻌﻪ، ﻣﻦ ﻭﻳﻮﺍﻗﻊ ﻧﺎﺯﻋﻪ ﻣﻦ ﳛﺎﺭﺏ ﻳﺰﻝ ﻓﻠﻢ ﻭﻏﲑﻫﻢ؛ ﺍﻟﻔﺮﺱ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺮﻕ ﻣﻠﻮﻙ ﻭﲤﺰﻗﻮﺍ ﻃﺮﺍﺋﻖ ﻓﺘﻔﺮﻗﻮﺍ ﺣﺎﺭﺑﻪ؛ ﻣﻦ ﻋﻠﻰ ﻭﺗﻐﻠﺐ ﻧﺎﻭﺃﻩ ﻣﻦ ﻭﻗﻬﺮ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻇﻬﺮ ﺣﱴ ﺍﻷﻭﱃ، ﺍﻟﻄﺒﻘﺔ ﻭﻫﻢ ﺍﻟﻔﺮﺱ، ﺣﺰﺍﺋﻖ ﻣﻠﺘﻪ ﻭﺍﻟﺪﺧﻮﻝ ﻃﺎﻋﺘﻪ ﺇﱃ ﻟﻴﺪﻋﻮﻩ ﺍﳍﻨﺪ ﲟﻠﻚ ﻃﺮﻳﻘﻪ ﻓﺒﺪﺃ ﺍﻟﺼﲔ؛ ﺑﻼﺩ ﳓﻮ ﺑﺎﳉﻨﻮﺩ ﻓﺘﻮﺟﻪ، ﻭﻭﻻﻳﺘﻪ. ﻓﻮﺭ ﻟﻪ ﻳﻘﺎﻝ ﻭﻣﺮﺍﺱ، ﻭﻗﻮﺓ ﻭﺑﺄﺱ ﺳﻄﻮﺓ ﺫﻭ ﻣﻠﻚ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﳍﻨﺪ ﻋﻠﻰ ﻭﻛﺎﻥ. ﺇﻗﺒﺎﻝ ﺑﻠﻐﻪ ﻓﻠﻤﺎ ﻭﺟﺪ ﺃﻃﺮﺍﻓﻪ، ﺇﻟﻴﻪ ﻭﺷﻢﺎﺫﺑﺘﻪ؛ ﻭﺍﺳﺘﻌﺪ ﶈﺎﺭﺑﺘﻪ، ﺗﺄﻫﺐ ﳓﻮﻩ ﺍﻟﻘﺮﻧﲔ ﺫﻱ ﺍﻟﻌﺪﺓ ﻟﻪ ﻭﲨﻊ ﻋﻠﻴﻪ؛ ﺍﻟﺘﺄﻟﺐ ﺍﻟﻘﻮﺍﻃﻊ، ﻭﺍﻟﺴﻴﻮﻑ ﺍﳌﺴﺮﺟﺔ ﺍﳋﻴﻮﻝ ﻣﻊ ﺑﺎﻟﻮﺛﻮﺏ؛ ﺍﳌﻀﺮﺍﺓ ﻭﺍﻟﺴﺒﺎﻉ ﻟﻠﺤﺮﻭﺏ، ﺍﳌﻌﺪﺓ ﺍﻟﻔﻴﻠﺔ ﻣﻦ ﻣﺪﺓ ﺃﺳﺮﻉ ﺍﻟﻠﻮﺍﻣﻊ ﻭﺍﳊﺮﺍﺏ. ﳑﺎ ﺍﻟﻠﻴﻞ ﻗﻄﻊ ﻛﺄ ﺍﻟﱵ ﺍﳋﻴﻞ ﻣﻦ ﻟﻪ ﺃﻋﺪ ﻣﺎ ﻭﺑﻠﻐﻪ ﺍﳍﻨﺪﻱ ﻓﻮﺭ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺮﻧﲔ ﺫﻭ ﻗﺮﺏ ﻓﻠﻤﺎ ﺍﳌﻠﻮﻙ ﻣﻦ ﺃﺣﺪ ﲟﺜﻠﻪ ﻳﻠﻘﻪ ﺍﳌﺒﺎﺭﺯﺓ ﻋﺠﻞ ﺇﻥ ﺑﻪ ﻳﻘﻊ ﺗﻘﺼﲑ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺮﻧﲔ ﺫﻭ ﲣﻮﻑ ﺍﻷﻗﺎﻟﻴﻢ، ﻛﺎﻧﻮﺍ ﺍﻟﺬﻳﻦ. ﻭﺍﺣﺘﻔﺮ ﻭﺍﻟﺘﻤﻬﻞ، ﺍﳊﻴﻠﺔ ﺇﻋﻤﺎﻝ ﻓﺮﺃﻯ ﻭﲡﺮﺑﺔ، ﺗﺪﺑﲑ ﺣﺴﻦ ﻣﻊ ﻭﻣﻜﺎﻳﺪ، ﺣﻴﻞ ﺫﺍ ﺭﺟﻼ ﺍﻟﻘﺮﻧﲔ ﺫﻭ ﻭﻛﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﻳﻘﺪﻡ ﺃﻱ ﻟﻪ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻭﻛﻴﻒ ﻷﻣﺮﻩ؛ ﻭﺍﻟﺘﺪﺑﲑ ﺍﳊﻴﻠﺔ ﻻﺳﺘﻨﺒﺎﻁ ﲟﻜﺎﻧﻪ ﻭﺃﻗﺎﻡ ﻋﺴﻜﺮﻩ؛ ﻋﻠﻰ ﺧﻨﺪﻗﺎ ﺑﻪ، ﻹﻳﻘﺎﻉ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺍﻟﻨﺼﺮﺓ ﺍﳍﻨﺪ ﻣﻠﻚ ﶈﺎﺭﺑﺔ ﺳﻌﺎﺩﺓ ﻓﻴﻪ ﻟﻪ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﻮﺍﻓﻖ ﻟﻴﻮﻡ ﺑﺎﻻﺧﺘﻴﺎﺭ ﻭﺃﻣﺮﻫﻢ ﺑﺎﳌﻨﺠﻤﲔ، ﻓﺎﺳﺘﺪﻋﻰ.

Upload: others

Post on 23-Feb-2020

10 views

Category:

Documents


0 download

TRANSCRIPT

Page 1: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

ودمنة: كتاب لة كليملقفع : املؤلف بن ا ا

بسم اهللا الرمحن الرحيم

باب مقدمة الكتاب

ذكر فيها السبب الذي من أجله عمل بيدبا . قدمها هبنود بن سحوان ويعرف بعلي بن الشاه الفارسيسن الفيلسوف اهلندي رأس الربامهة لدبشليم ملك اهلند كتابه الذي مساه كليلة ودمنة؛ وجعله على أل

البهائم والطري صيانة لغرضه فيه من العوام، وضنا مبا ضمنه عن الطغام؛ وتنزيها للحكمة وفنوهنا، وحماسنها وذكر السبب . وعيوهنا؛ إذ هي للفيلسوف مندوحة، وخلاطره مفتوحة؛ وحملبيها تثقي، ولطالبيها تشريف

روزيه رأس األطباء إىل بالد اهلند الذي من أجله أنفذ كسرى أنوشروان بن قباذ بن فريوز ملك الفرص بكتاب كليلة ودمنة؛ وما كان من تلطف بروزيه عند دخوله إىل اهلند؛ حىت حضر إليه الرجل الذي

وقد ذكر الذي كان من بعثه . استنسخه له سرا من خزانة امللك ليال، مع ما وجد من كتب علماء اهلندوذكر فيها ما يلزم مطالعه من إتقان قراءته والقيام بدراسته بروزيه إىل مملكة اهلند ألجل نقل هذا الكتاب؛

وذكر فيها حضور بروزيه قراءة . والنظر إىل باطن كالمه؛ وأنه إن مل يكن كذلك لك حيصل على الغاية منهوقد ذكر السبب الذي من اجله وضع بزرمجهر بابا مفردا يسمى باب بروزيه التطبب، . الكتاب جهرا

. روزيه من أول أمره وآن مولده إىل أن بلغ التأديب، وأحب احلكمة واعترب يف أقسامهاوذكر فيه شأن ب .وجعله قبل باب األسد والثور الذي هو أول الكتاب

كان السبب الذي من أجله وضع بيدبا الفيلسوف لدبشليم ملك اهلند كتاب : قال علي بن الشاه الفارسيومي ملا فرغ من أمر امللوك الذين كانوا بناحية املغرب، سار يريد كليلة ودمنة، أن اإلسكندر ذا القرنني الر

ملوك الشرق من الفرس وغريهم؛ فلم يزل حيارب من نازعه ويواقع من واقعه، ويسامل من وادعه من ملوك الفرس، وهم الطبقة األوىل، حىت ظهر عليهم وقهر من ناوأه وتغلب على من حاربه؛ فتفرقوا طرائق ومتزقوا

، فتوجه باجلنود حنو بالد الصني؛ فبدأ يف طريقه مبلك اهلند ليدعوه إىل طاعته والدخول يف ملته حزائق فلما بلغه إقبال . وكان على اهلند يف ذلك الزمان ملك ذو سطوة وبأس وقوة ومراس، يقال له فور. وواليته

يف التألب عليه؛ ومجع له العدة يف ذي القرنني حنوه تأهب حملاربته، واستعد جملاذبته؛ وشم إليه أطرافه، وجد أسرع مدة من الفيلة املعدة للحروب، والسباع املضراة بالوثوب؛ مع اخليول املسرجة والسيوف القواطع،

فلما قرب ذو القرنني من فور اهلندي وبلغه ما أعد له من اخليل اليت كأهنا قطع الليل مما مل . واحلراب اللوامع. الذين كانوا يف األقاليم، ختوف ذو القرنني من تقصري يقع به إن عجل املبارزةيلقه مبثله أحد من امللوك

وكان ذو القرنني رجال ذا حيل ومكايد، مع حسن تدبري وجتربة، فرأى إعمال احليلة والتمهل، واحتفر إليقاع به، خندقا على عسكره؛ وأقام مبكانه الستنباط احليلة والتدبري ألمره؛ وكيف ينبغي له أي يقدم على ا

. فاستدعى باملنجمني، وأمرهم باالختيار ليوم موافق تكون له فيه سعادة حملاربة ملك اهلند والنصرة عليه

Page 2: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

وكان ذو القرنني ال مير مبدينة إال أخذ الصناع املشهورين من صناعها باحلذق من كل . فاشتغلوا بذلكين معه يف أن يصنعوا خيال من حناس جموفة، فأنتجت له مهته ودلته فطنته أن يتقدم إىل الصناع الذ. صنف

وأمر إذا فرغوا منها أن حتشى أجوافها . عليها متاثيل من الرجال، على بكر جتري، إذا دفعت مرت سراعافإن . ووقت ما يلتقي اجلمعان تضرم فيها النريان. بالنفط والكربيت؛ وتلبس وتقدم أمام الصف يف القلب

لى الفرسان وهي حامية، ولت هاربة، وأوعز إىل الصناع بالتشمري واالنكماش الفيلة إذا لفت خراطيمها عفأعاد ذو القرنني رسله إىل فور . وقرب أيضا وقت اختيار املنجمني. فجدوا يف ذلك وعجلوا. والفراغ منها

. هفأجاب جواب مصر على مصر على خمالفته، مقيم على حماربت. يدعوه إليه من طاعته واإلذعان لدولتهفلما رأى ذو القرنني عزميته سار إليه بأهبته؛ وقدم فور الفيلة أمامه، ودفعت الرجال تلك اخليل ومتاثيل

فلما أحست باحلرارة ألقت من كان عليها، . الفرسان؛ فأقبلت الفيلة حنوها، ولفت خراطيمها عليهاوتقطع فور . حد إال وطئتهوداستهم حتت أرجلها، ومضت مهزومة هاربة، ال تلوي على شيء وال متر بأ

. ومجعه، وتبعهم أصحاب اإلسكندر؛ وأثخنوا فيهم اجلراح

فإنه ليس من . يا ملك اهلند أبرز إلينا، وأبق على عدتك وعيالك، وال حتملهم على الفناء: وصاح اإلسكندرفأبرز . يدافع عنهم بنفسهاملروءة أي يرمي امللك بعدته يف املهالك املتلفة واملواضع اجملحفة، بل يقيهم مباله و

فلما مسع فور من ذي القرنني ذلك الكالم دعته نفسه ملالقاته . إىل ودع اجلند، فأينا قهر صاحبه فهو األسعدفربز إليه اإلسكندر فتجاوال على ظهري فرسيهما ساعات من النهار ليس . طمعا فيه؛ وظن ذلك فرصة

فلما أعيا اإلسكندر أمره ومل جيد له فرصة وال حيلة . ركانيلقى أحدمها من صاحبه فرصة؛ ومل يزاال يتعاأوقع ذو القرنني يف عسكره صيحة عظيمة ارجتت هلا األرض والعساكر؛ فالتفت فور عندما مسع الزعقة، . وظنها مكيدة يف عسكره؛ فعاجله ذو القرنني بضربة أمالته عن سرجه، وتبعه بأخرى؛ فوقع على األرض

. نزل هبم، وما صار إليه ملكهم؛ محلوا على اإلسكندر فقاتلوه قتاال أحبوا معه املوت فلما رأت اهلند ماوأقام . فوعدهم من نفسه اإلحسان، ومنحه اهللا أكتافهم؛ فاستوىل على بالدهم، وملك عليه رجال من ثقاته

. لرجل عليهمباهلند حىت استوثق مما أراد من أمرهم واتفاق كلمتهم؛ مث انصرف عن اهلند وخلف ذلك افلما بعد ذو القرنني عن اهلند جبيوشه، تغريت اهلند عما كانوا عليه من طاعة . مضى متوجها حنو ما قصد له

الرجل الذي خلفه عليهم؛ وقالوا ليس يصلح للسياسة وال ترضى اخلاصة والعامة أن ميلكوا عليهم رجال واجتمعوا ميلكون عليهم رجال من . ويستقلهمفإنه ال يزال يستذهلم . ليس هو منهم وال من أهل بيوهتم

. أوالد ملوكهم؛ فملكوا عليهم ملكا يقال له دبشليم؛ وخلعوا الرجل الذي كان خلفه عليهم اإلسكندرفلما رأى ما . فهابته الرعية. وكان مع ذلك مؤيدا مظفرا منصورا. فلما استوسق له األمر، واستقر له امللك

وكان ال ترتقي حاله إال . وة، عبث بالرعية واستصغر أمرهم وأساء السرية فيهمهو عليه من امللك والسطوكان يف زمانه رحل فيلسوف من الربامهة، فاضل حكيم، . فمكث على ذلك برهة من دهره. ازداد عتوا

ية، فلما رأى امللك وما هو عليه من الظلم للرع. يعرف بفضله، ويرجع يف األمور إىل قوله، يقال له بيدبا: فكر يف وجه احليلة يف صرفه عما هو عليه، ورده إىل العدل واإلنصاف؛ فجمع لذلك تالميذه، وقال

Page 3: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

أتعلمون ما أريد أن أشاوركم فيه؟ اعلموا إين أطلت الفكرة يف دبشليم وما هو عليه من اخلروج عن العدل ملثل هذه األمور إذا ظهرت ولزوم الشر ورداءة السرية وسوء العشرة مع الرعية؛ وحنن ما نروض أنفسنا

.من امللوك، غال لنردهم إىل فعل اخلري ولزوم العدل

ومىت أغفلنا ذلك وأمهلناه لزم وقوع املكروه بنا، وبلوغ احملذورات إلينا؛ غذ كنا يف أنفس اجلهال أجهل ا إبقاؤه وال يسعنا يف حكمتن. وليس الرأي عندي اجلالء عن الوطن. منهم؛ ويف العيون عندهم أقل منهم

ولو ذهبنا إىل أن نستعني . وال ميكننا جماهدته بغري ألسنتنا. على ما هو عليه من سوء السرية وقبح الطريقةوقد تعلمون أن . وإن أحس منا مبحالفته وإنكارنا سوء سريته كان يف ذلك بوارنا. بغرينا مل تتهيأ لنا معاندته

وإن الفيلسوف حلقيق . طن ونضارة العيش لغدر بالنفسجماورة السبع والكلب واحلية والثور على طيب الوأن تكون مهته مصروفة إىل ما حيصن به نفسه من نوازل املكروه ولواحق احملذور؛ ويدفع املخوف

إن جماور رجال السوء ومصاحبهم : ولقد كنت أمسع أن فيلسوفا كتب لتلميذه يقول. الستجالب احملبوبفإذا هو أورد نفسه موارد املهلكات ومصادر . مل يسلم من املخاوفإن سلم من الغرق : كراكب البحر

ألن احليوان البهيمية قد خصت يف طبائعها مبعرفة ما تكتسب به . املخوفات، عد من احلمري اليت ال نفس هلاوأهنا مىت أشرفت على مورد . وذلك أننا مل نرها تورد أنفسها موردا فيه هلكتها: النفع وتتوقى املكروه

إىل النفور والتباعد عنه، وقد - شحا بأنفسها وصيانة هلا - لك هلا، مالت بطبائعها اليت ركبت فيها مهفإن الوحيد . ألنكم أسريت ومكان سري وموضع معرفيت؛ وبكم أعتضد، وعليكم أعتمد: مجعتكم هلذا األمر

يبلغ حبيلته ما ال يبلغ باخليل على أن العاقل قد. يف نفسه واملنفرد برأيه حيث كان فهو ضائع وال ناصر لهواملثل يف ذلك أن قنربة اختذت أدخية وباضت فيها على طريق الفيل؛ وكان للفيل مشرب يتردد . واجلنود

فلما نظرت ما . فمر ذات يوم على عادته لريد مورده فوطئ عش القنربة؛ وهشم بيضها وقتل فراخها. إليهأيها امللك مل : فطارت فوقعت على رأسه باكية؛ مث قالت. من غريه ساءها، علمت أن الذي ناهلا من الفيل ال

: قال. هشمت بيضي وقتلت فراخي، وأنا يف جوارك؟ أفعلت هذا استصغارا منك ألمري واحتقارا لشأينفقلن هلا وما . فتركته وانصرفت إىل مجاعة الطري؛ فشكت إليها ما ناهلا من الفيل. هو الذي محلين على ذلك

أحب منكن أن تصرن معي إليه فتفقأن عينيه؛ : نبلغ منه وحنن الطيور؟ فقالت للعقاعق والغربان عسى أنفأجبنها إىل ذلك، وذهنب إىل الفيل، ومل يزلن ينقرن عينيه حىت ذهنب . فإين أحتال له بعد ذلك حيلة أخرى

لمت ذلك منه، جاءت إىل فلما ع. وبقي ال يهتدي إىل طريق مطعمه ومشربه إال ما يلقمه من موضعه. هبما .غدير فيه ضفادع كثري، فشكت إليها ما ناهلا من الفيل

احب منكن أن تصرن معي إىل وهدة : قالت. ما حيلتنا حنن يف عظم الفيل؟ وأين نبلغ منه: قالت الضفادعإىل ذلك؛ فأجبنها. فإنه إذا مسع أصواتكن مل يشك يف املاء فيهوي فيها. قريبة منه، فتنققن فيها، وتضججن

واجتمعن يف اهلاوية، فسمع الفيل نقيق الضفادع، وقد اجهده العطش، فأقبل حىت وقع يف الوهدة، فارتطم أيها الطاغي املغتر بقوته احملتقر ألمري، كيف رأيت عظم : وجاءت القنربة ترفرف على رأسه؛ وقالت. فيها

قالوا . منكم مبا يسنح له من الرأيحيليت مع صغر جثيت عند عظم جثتك وصغر مهتك؟ فليشر كل واحد

Page 4: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

أيها الفيلسوف الفاضل، واحلكيم العادل، أنت املقدم فينا، والفاضل علينا، وما عسى أن يكون : بأمجعهممبلغ رأينا عند رأيك، وفهمنا عند فهمك؟ غري أننا نعلم أن السباحة يف املاء مع التماسيح تغرير؛ والذنب

لذي يستخرج السم من ناب احلية فيبتلعه ليجربه جان على نفسه، فليس وا. فيه ملن دخل عليه يف موضعهوهذا امللك مل تفزعه النوائب، ومل تؤدبه . ومن دخل على األسد يف غابته مل يأمن من وثبته. الذنب للحيةولسنا نأمن عليك وال على أنفسنا سطوته وإنا خناف عليك من سورته ومبادرته بسوء إذا لقيته . التجارب

لعمري لقد قلتم فأحسنتم، لكن ذا الرأي احلازم ال يدع أن يشاور من هو : فقال احلكيم بيدبا. بغري ما حيبوقد صحت عزمييت . والرأي الفرد ال يكتفي به يف اخلاصة وال ينتفع به يف العامة. دونه أو فوقه يف املنزلة

غري أين قد رأيت رأيا . ق علي وعليكموقد مسعت مقالتكم؛ وتبني يل نصيحتكم واإلشفا. على لقاء دبشليم. وعزمت عزما؛ وستعرفون حديثي عند امللك وجماوبيت إياه فإذا اتصل بكم خروجي من عنده فاجتمعوا إيل

.وصرفهم يدعون له بالسالمة

مث إن بيدبا اختار يوما للدخول على امللك؛ حىت إذا كان ذلك الوقت ألقى عليه مسوحة وهي لباس إين رجل : قصد باب امللك، وسأل عن صاحب إذنه وأرشد إليه وسلم عليه؛ وأعلمه قال يلالربامهة؛ و

بالباب رجل من الربامهة يقال له بيدبا، : فدخل اآلذن على امللك يف وقته؛ وقال. قصدت امللك يف نصيحة .كتفأذن له؛ فدخل ووقف بني يديه وكفر وسجد له واستوى قائما وس. ذكر أن معه للملك نصيحة

إما اللتماس شيء منا يصلح به حاله، وإما : إن هذا مل يقصدنا إال ألمرين: وفكر دبشليم يف سكوته؛ وقالإن كان للملوك فضل يف مملكتها فإن للحكماء فضال يف حكمتها : مث قال. ألمر حلقه فلم تكن له به طاقة

وقد وجدت العلم . اء عن احلكماء باملالألن احلكماء أغنياء عن امللوك بالعلم وليس امللوك أغني: أعظممىت فقد أحدمها مل يوجد اآلخر؛ كاملتصافيني إن عدم منهما أحد مل يطب : واحليا إلفني متآلفني ال يفترقانومن مل يستحي من احلكماء ويكرمهم، ويعرف فضلهم على غريهم، . صاحبه نفسا بالبقاء تأسفا عليه

ههم عن املواطن الرذلة كان ممن حرم عقله، وخسر دنياه، وظلم احلكماء ويصنهم عن املواقف الواهنة، وينزنظرت إليك يا بيدبا ساكتا ال تعرض حاجتك، : مث رفع رأسه إىل بيدبا؛ وقال له. حقوقهم، وعد من اجلهالإن الذي أسكته هيبة ساورته أو حرية أدركته؛ وتأملك عند ذلك من طول : وال تذكر بغيتك، فقلت

لك يكن لبيدبا أن يطرقنا على غري عادة عن سبب دخوله؛ فإن مل يكن من ضيم ناله، : وقلتوقوفك، كنت أوىل من أخذ بيده وسارع يف تشريفه، وتقدم يف البلوغ إىل مراده وإعزازه؛ وإن كانت بغيته غرضا

غي أن يبذلوه من من أغراض الدنيا أمرت بإرضائه من ذلك فيما أحب؛ وإن يكن من أمر امللك، ومما ال ينبأنفسهم وال ينقادوا إليه نظرت يف قدر عقوبته؛ على أن مثله مل يكن ليجترئ على إدخال نفسه يف باب

مسألة امللوك؛ وإن كان شيئا من أمور الرعية يقصد فيه أين أصرف عناييت إليهم، نظرت ما هو؛ فإن فلما مسع بيدبا ذلك . د فسحت لك يف الكالموأنا ق. احلكماء ال يشريون إال باخلري، واجلهال يشريون بضده

: من امللك أفرخ روعه ؛ وسرى عنه ما كان وقع يف نفسه من خوفه وكفر له وسجد؛ مث قام بني يديه وقالألن امللك قد منحين يف : أول ما أقول لك أسأل اهللا تعاىل بقاء امللك على األبد، ودوام ملكه على األمد

Page 5: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

مث . يل على مجيع من بعدي من العلماء؛ وذكرا باقيا على الدهر عند احلكماء مقامي هذا حمال جعله شرفا. قد عطف امللك علي بكرمه وإحسانه: أقبل على امللك بوجهه، مستبشرا به فرحا مبا بدا له منه، وقال

واألمر الذي دعاين إىل الدخول على امللك، ومحلين على املخاطرة لكالمه، واإلقدام عليه، نصيحة. وسيعلم من يتصل به ذلك أين مل أقصر عن غاية فيما جيب للموىل على احلكماء. اختصصته هبا دون غريه

فإن فسح يف كالمي ووعاه عين، فهو حقيق بذلك وما يراه؛ وإن هو ألقاه، فقد بلغت ما يلزمين وخرجت .من لوم يلحقين

يك، وسامع منك، حىت أستفرغ ما عندك فإنين مصغ إليك، ومقبل عل: قال امللك بيدبا تكلم كيف شئتإين وجدت األمور اليت اختص هبا اإلنسان من بني : قال بيدبا. إىل آخره، وأجازيك على ذلك مبا أنت أهله

والعلم واألدب . سائر احليوانات أربعة أشياء، وهي مجاع ما يف العامل، وهي احلكمة والعفة والعقل والعدلواحلياء والكرم والصيانة . واحللم والصرب والوقار داخلة يف باب العقل. والروية داخلة يف باب احلكمةوهذه هي . والصدق واإلحسان واملراقبة وحسن اخللق داخلة يف باب العدل. واألنفة داخلة يف باب العفة

من فمىت كملت هذه يف واحد مل خترجه الزيادة يف نعمة إىل سوء احلظ . احملاسن، وأضدادها هي املساوئدنياه وال إىل نقص يف عقباه، ومل يتأسف على ما مل يعن التوفيق ببقائه، ومل حيزنه ما جتري به املقادير يف ملكه،

فاحلكمة كنز ال يفىن على إنفاق، وذخرية ال يضرب هلا باإلمالق ، وحلة ال ختلق . ولك يدهش عند مكروهبني يدي امللك أمسكت عن ابتدائه بالكالم، وإن ذلك ولئن كنت عند مقامي . جدها، ولذة ال تنصرم مدهتا

ولعمري إن امللوك ألهل أن يهابوا؛ ال سيما من هو يف املنزلة اليت جل . مل يكن مين إال هليبته واإلجالل لهالزم السكوت؛ فإن فيه سالمة؛ وجتنب الكالم : وقد قالت العلماء. فيها امللك عن منازل امللوك قبله

ليتكلم كل بكالم : وحكي أن أربعة من العلماء ضمهم جملس امللك، فقال هلم. اقبته الندامةالفارغ؛ فإن عإن من انفع األشياء لإلنسان : وقال الثاين. أفضل خلة العلم السكوت: فقال أحدهم. يكون أصال لألدب

: وقال الرابع. يعنيه أنفع األشياء لإلنسان أال يتكلم مبا ال: وقال الثالث. أن يعرف قدر منزلته من عقلهواجتمع يف بعض الزمان ملوك األقاليم من الصني واهلند . أروح األمور على اإلنسان التسليم للمقادير

: فقال ملك الصني. وفارس والروم؛ وقالوا ينبغي أن يتكلم كل واحد منا بكلمة تدون عنه على غابر الدهرعجبت ملن يتكلم بالكلمة فإن كانت له مل : ملك اهلند وقال. أنا على ما مل أقل أقدر مين على رد ما قلت

أنا إذا تكلمت بالكلمة ملكتين، وإذا مل أتكلم هبا : وقال ملك فارس. تنفعه، وإن كانت عليه أوبقته . ما ندمت على ما مل أتكلم به قط، ولقد ندمت على ما تكلمت به كثريا: وقال ملك الروم. ملكتها

. وأفضل ما استظل به اإلنسان لسانه. من اهلذر الذي ال يرجع منه إىل نفعوالسكوت عند امللوك أحسن غري أن امللك، أطال اهللا مدته، ملا فسح يل يف الكالم وأوسع يل فيه؛ كان أوىل ما أبدأ به من األمور اليت هي

المي له؛ على أن العقىب هي ما أقصد يف ك. غرضي أن يكون مثرة ذلك له دوين؛ وأن اختصه بالفائدة قبليأيها امللك إنك يف منازل آبائك : وإمنا نفعه وشرفه راجع إليه؛ وأكون أنا قد قضيت فرضا وجب علي فأقول

وأجدادك من اجلبابرة الذين أسسوا امللك قبلك، وشيدوه دونك، وبنوا القالع واحلصون، ومهدوا البالد،

Page 6: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

روا من السالح والكراع؛ وعاشوا الدهور، يف وقادوا اجليوش؛ واستجاشوا العدة ، وطالت مل املدة؛ واستكثالغبطة والسرور؛ فلم مينعهم ذلك من اكتساب مجيل الذكر، وال قطعهم عن اغتنام الشكر؛ وال استعمال اإلحسان إىل من خولوه، واإلرفاق مبن ولوه، وحسن السرية فيما تقلدوه؛ مع عظم ما كانوا فيه من غرة

ها امللك السعيد جدة، الطالع كوكب سعده، قد ورثت أرضهم وديارهم وإنك أي. امللك، وسكرة االقتداروأمواهلم ومنازهلم اليت كانت عدهتم؛ فأقمت فيما خولت من امللك وورثت من األموال واجلنود؛ فلم تقم

يف ذلك حبق ما جيب عليك؛ بل طغيت وبغيت وعتوت وعلوت على الرعية، وأسأت السرية، وعظمت وىل واالشبه بك أن تسلك سبيل أسالفك، وتتبع آثار امللوك قبلك، وتقفو حماسن ما وكان األ. منك البلية

أبقوه لك، وتقلع عما عاره الزم لك، وشينه واقع بك؛ حتسن النظر برعيتك، وتسن هلم سنن اخلري الذي فإن . يبقى بعدك ضره، ويعقبك اجلميل فخره؛ ويكون ذلك أبقى على السالمة وأدوم على االستقامة

جلاهل املغتر من استعمل يف أموره البطر واألمنية، واحلازم اللبيب من ساس امللك باملداراة والرفق؛ فانظر افلم أتكلم هبذا ابتغاء عرض جتازيين به، وال التماس : أيها امللك ما ألقيت إليك، وال يثقلن ذلك عليك

.معروف تكافئين به؛ ولكين أتيتك ناصحا مشفقا عليك

منه بيدبا من مقالته، وقضى مناصحته، أوغر صدر امللك فأغلظ له يف اجلواب استصغارا ألمره؛ فلما فرغ . لقد تكلمت بكالم ما كنت أظن أحدا من أهل مملكيت يستقبلين مبثله، وال يقدم على ما أقدمت عليه: وقال

لي، فكيف أنت مع صغر شأنك، وضعف منتك وعجز قوتك؟ ولقد أكثرت إعجايب من إقدامك عفذلك عربة . وما أجد شيئا يف تأديب غريك أبلغ من التنكيل بك. وتسلطك بلسانك فيما جاوزت فيه حدك

مث أمر به أن يقتل . وموعظة لكن عساه أن يبلغ ويروم ما رمت أنت من امللوك إذا أوسعوا هلم يف جمالسهمفلما حبس أنفذ يف . ر حببسه وتقييدهفلما مضوا به فيما أمر، فكر فيما أمر به فأحجم عنه، مث أم. ويصلب

طلب تالميذه ومن كان جيتمع إليه فهربوا يف البالد واعتصموا جبزائر البحار؛ فمكث بيدبا يف حمبسه أياما ال يسأل امللك عنه، وال يلتفت إليه؛ وال جيسر أحد أن يذكره عنده؛ حىت إذا كان ليلة من الليايل سهد امللك

سهده، ومد إىل الفلك بصره؛ وتفكر يف تفلك الفلك وحركات الكواكب، فأغرق سهدا شديدا ؛ فطال فذكر عند ذلك بيدبا، . الفكر فيه؛ فسلك به إىل استنباط شيء عرض له من أمور الفلك، واملسألة عنه

لقد أسأت فيما صنعت هبذا الفيلسوف، وضيعت : وقال يف نفسه. وتفكر فيما كلمه به؛ فأرعوى لذلك: أربعة ال ينبغي أن تكون يف امللوك: وقد قالت العلماء. ومحلين على ذلك سرعة الغضب واجب حقه؛

الغضب فإنه أجد األشياء مقتا؛ والبخل فإن صاحبه ليس مبعذور مع ذات يده؛ والكذب فإنه ليس ألحد أن يكن مبلغا؛ فعاملته وإين أيت إىل رجل نصح يل، ومل. جياوره؛ والعنف يف احملاورة فإن السفه ليس من شأهنا

وما كان هذا جزاءه مين؛ بل كان الواجب أن أمسع كالمه، . بضد ما يستحق، وكافأته خبالف ما يستوجبيا بيدبا ألست الذي قصدت إىل : فلما مثل بني يديه قال له. مث أنفذ يف ساعته من يأتيه به. وأنقاد ملا يشري به

أيها امللك الناصح الشفيق، : ت به آنفا؟ قال له بيدباتقصري مهيت، وعجزت رأيي يف سرييت مبا تكلميا بيدبا أعد : والصادق الرفيق، إمنا نبأتك مبا فيه صالح لك ولرعيتك، ودوام ملكك لك، قال له امللك

Page 7: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

وجعل . فجعل بيدبا ينثر كالمه، وامللك مصغ إليه. علي كالمك كله، وال تدع منه حرفا إال جئت به. مث رفع طرفه إىل بيدبا، وأمره باجللوس. ه شيئا ينكت على األرض بشيء كان يف يدهدبشليم كلما مسع من

وأنا ناظر يف الذي أشرت به، وعامل مبا . يا بيدبا، إين قد استعذبت كالمك وحسن موقعه من قليب: وقال لهها امللك، إن يف دون يا أي: فقال بيدبا. وألقى عليه من لباسه، وتلقاه بالقبول. مث أمر بقيوده فحلت. أمرت

وقد وليتك من جملسي هذا إىل مجيع أقاصي . صدقت أيها احلكيم الفاضل: قال. ما كلمتك به هنية ملثلكفلما . فأعفاه من ذلك. فإين غري مضطلع بتقوميه إال بك: أيها امللك أعفين من هذا األمر: فقال له. مملكيت

إين فكرت يف إعفائك مما عرضته عليك فوجدته : وقال .انصرف، علم أن الذي فعله ليس برأي، فبث فرده .فأجابه بيدبا إىل ذلك. فال ختالفين فيه. ال يقوم إال بك، وال ينهض به غريك، وال يضطلع به سواك

وكان عادة ملوك ذلك الزمان إذا استوزروا وزيرا أن يعقدوا على رأسه تاجا، ويركب يف أهل اململكة، فوضع التاج على رأسه، وركب املدينة ورجع فجلس . أمر امللك أن يفعل ببيدبا ذلكف. ويطاف به يف املدينة

يأخذ للدين من الشريف، ويساوي بني القوي والضعيف؛ ورد املظامل، ووضع : مبجلس العدل واإلنصافله واتصل اخلرب بتالميذه فجاءوه من كل مكان، فرحني مبا جدد اهللا . سنن العدل، وأكثر من العطاء والبذل

من جديد رأي امللك يف بيدبا؛ وشكروا اهللا تعاىل على توفيق بيدبا يف إزالة دبشليم عما كان عليه من سوء .السرية، واختذوا ذلك اليوم عيدا يعيدون فيه فهو إىل اليوم عيد عندهم يف بالد اهلند

هلا، فعمل كتبا كثرية، مث أن بيدبا ملا أخلى فكره من اشتغاله بدبشليم، تفرغ لوضع كتب السياسة ونشطفرغبت إليه . ومضى امللك على ما رسم له بيدبا من حسن السرية والعدل يف الرعية. فيها دقائق احليل

مث أن بيدبا . وفرحت به رعيته وأهل مملكته. امللوك الذين كانوا يف نواحيه، وانقادت له األمور على استوائهالست أشك أنه وقع يف نفوسكم وقت : وقال هلم. مجيال مجع تالميذه فأحسن صلتهم، ووعدهم وعدا

إذ عزم على الدخول على هذا : إن بيدبا قد ضاعت حكمته، وبطلت فكرته: دخويل على امللك أن قلتمألين كنت أمسع من احلكماء : وإين مل آته جهال به. فقد علمتم نتيجة رأيي وصحة فكري. اجلبار الطاغيفامللوك ال تفيق من السورة إال مبواعظ العلماء وأدب : سورة كسورة الشرابإن امللوك هلا : قبلي تقولوالواجب على العلماء تقومي امللوك بألسنتها، . والواجب على امللوك أن يتعظوا مبواعظ العلماء. احلكماء

وج عن لريتدعوا عما هم عليه من االعوجاج واخلر: وتأديبها حبكمتها، وإظهار احلجة البينة الالزمة هلمفوجدت ما قالت العلماء فرضا واجبا على احلكماء مللوكهم ليوقظوهم من رقدهتم؛ كالطبيب الذي . العدل

فكرهت أن ميوت أو أموت وما . جيب عليه يف صناعته حفظ األجساد على صحتها أو ردها إىل الصحةاغي فلم يرده عما كان إنه كان بيدبا الفيلسوف يف زمان دبشليم الط: يبقى على األرض غال من يقول

كان اهلرب منه ومن جواره أوىل به؛ : إنه مل ميكنه كالمه خوفا على نفسه، قالوا: فإن قال قائل. عليه. واالنزعاج عن الوطن شديد؛ فرأيت أن أجود حبيايت؛ فأكون قد أتيت فيما بيين وبني احلكماء بعدي عذرا

إن مل : فإنه يقال يف بعض األمثال: ن من ذلك ما أنتم معاينوهوكا. فحملتها على التغرير أو الظفر مبا أريدهومن مل . إما مبشقة تناله يف نفسه، وإما بوضعية يف ماله أو وكس يف دينه : يبلغ أحد مرتبة إال بإحدى ثالث

Page 8: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

. وإن امللك دبشليم قد بسط لساين يف أن أضع كتابا فيه ضروب احلكمة. يركب األهوال مل ينل الرغائب. ليضع كل واحد منكم شيئا يف أي فن شاء؛ وليعرضه علي ألنظر مقدار عقله، وأين بلغ من احلكمة فهمهف

أيها احلكيم الفاضل، واللبيب العاقل، والذي وهب لك ما منحك من احلكمة والعقل واألدب : قالواولكن . يدك انتعاشنا وأنت رئيسنا وفاضلنا، وبك شرفنا، وعلى. والفضيلة، ما خطر هذا بقلوبنا ساعة قط

.ومكث امللك على ذلك من حسن السرية زمانا يتوىل ذلك له بيدبا ويقوم به. سنجهد أنفسنا فيما أمرت

مث إن امللك دبشليم ملا استقر له امللك، وسقط عنه النظر يف أمور األعداء مبا قد كفاه ذلك بيدبا، صرف ند آلبائه وأجداده؛ فوقع يف نفسه أن يكون له أيضا كتاب مهته إىل النظر يف الكتب اليت وضعتها فالسفة اهل

فلما عزم على ذلك، علم أنه ال . مشروح ينسب إليه وتذكر فيه أيامه كما ذكر آباؤه وأجداده من قبلهوإين فكرت ونظرت . يا بيدبا، إنك حكيم اهلند وفيلسوفها: فدعاه وخال به؛ وقال له: يقوم ذلك إال ببيدبا

كمة اليت كانت للملوك قبلي؛ فلم أر فيهم أحدا إال وضع كتابا يذكر فيه أيامه وسريته، وينبئ يف خزائن احلعن أدبه وأهل مملكته؛ فمنه ما وضعته امللوك ألنفسها، وذلك لفضل حكمة فيها؛ ومنها ما وضعته

تاب أذكر به من وأخاف أن يلحقين ما حلق أولئك مما ال حيلة يل فيه، وال يوجد يف خزائين ك. حكماؤهاوقد أحببت أن تضع يل كتابا بليغا تستفرغ فيه عقلك . بعدي، وأنسب إليه كما ذكر من كان قبلي بكتبهم

يكون ظاهره سياسة العامة وتأديبها، وباطنه أخالق امللوك وسياستها للرعية على طاعة امللك وخدمته؛ وأريد أن يبقى يل هذا الكتاب من بعدي ذكرا . امللكفيسقط بذلك عين وعنهم كثري مما حنتاج إليه يف معاناة

أيها امللك السعيد جده، عال : فلما مسع بيدبا كالمه خر له ساجدا، ورفع رأسه وقال. على غابر الدهورجنمك، وغاب حنسك، ودامت أيامك؛ إن الذي قد طبع عليه امللك من جودة القرحية ووفور العقل حركه

فسه ومهته إىل أشرف املراتب منزلة، وأبعدها غاية؛ وأدام اهللا سعادة امللك وأعانه لعايل األمور؛ ومست به نفإن صائر إىل غرضه، : فليأمر امللك مبا شاء من ذلك. على ما عزم من ذلك، وأعانين على بلوغ مراده

وقد اختربت . أمورهميا بيدبا مل تزل موصوفا حبسن الرأي وطاعة امللوك يف : قال له امللك. جمتهدا فيه برأيي. منك ذلك، واخترت أن تضع هذا الكتاب، وتعمل فيه فكرك، وجتهد فيه نفسك، بغاية ما جتد إليه السبيل

قد أجبت امللك : فكفر له بيدبا وسجد، وقال. وليكن مشتمال على اجلد واهلزل واللهو واحلكمة والفلسفةقد أجلتك؛ : قال. سنة: وكم هو األجل؟ قال: قال. أجال أدام اهللا أيامه إىل ما أمرين به، وجعلت بيين وبينه

وأمر له جبائزة سنية تعينه على عمل الكتاب فبقى بيدبا مفكرا يف األخذ فيه، ويف أي صورة يبتدي هبا فيه .ويف وضعه

عتكم إن امللك قد ندبين ألمر فيه فخري وفخركم وفخر بالدكم، وقد مج: مث إن بيدبا مجع تالميذه وقال هلممث وصف هلم ما سأل امللك من أمر الكتاب، والغرض الذي قصد فيه، فلم يقع هلم الفكر فيه . هلذا األمر

فلما مل جيد عندهم ما يريده فكر بفضل حكمته، وعلم أن ذلك أمر إمنا يتم باستفراغ العقل وإعمال الفكر؛ دلوهنا؛ وإمنا تسلك اللجة مبدبرها الذي تفرد ألهنم يع: أرى السفينة ال جتري يف البحر إال باملالحني: وقال

ومل يزل يفكر فيما يعمله . بإمرهتا ؛ ومىت شحنت بالركاب الكثريين وكثر مالحوها مل يؤمن عليه من الغرق

Page 9: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

يف باب الكتاب حىت وضعه على االنفراد بنفسه، مع رجل من تالميذه كان يثق به؛ فخال به منفردا معه، وجلسا . كانت تكتب فيه اهلند شيئا، ومن القوت ما يقوم به وبتلميذه تلك املدة بعد أن أعد الورق الذي

يف مقصورة، وردا عليهما الباب مث بدأ يف نظم الكتاب وتصنيفه؛ ومل يزل هو ميلي وتلميذه يكتب، ويرجع منها قائم ورتب فيه أربعة عشر بابا؛ كل باب. هو فيه؛ حىت استقر الكتاب على غاية اإلتقان واإلحكام

وضمن تلك األبواب كتابا . ويف كل باب مسألة واجلواب عنها؛ ليكون ملن نظر فيه حظ من اهلداية. بنفسهليكون ظاهره هلوا : مث جعل كالمه على ألسن البهائم والسباع والطري. واحدا؛ ومساه كتاب كليلة ودمنة

ضا ما حيتاج إليه اإلنسان من سياسة نفسه وأهله وضمنه أي. للخواص والعوام، وباطنه رياضة لعقول اخلاصةوخاصته، ومجيع ما حيتاج إليه من أمري دينه ودنياه، وأخرته وأواله؛ وحيضه على حسن طاعته للملوك وجينبه

فصار احليوان هلوا، : مث جعله باطنا وظاهرا كرسم سائر الكتب اليت برسم احلكمة. ما تكون جمانبته خريا لهفلما ابتدأ بيدبا بذلك جعل أول الكتاب وصف الصديق، وكيف يكون . به حكمة وأدباوما ينطق

وأمر تلميذه أن يكتب على لسان بيدبا مثل . الصديقان، وكيف تقطع املودة الثابتة بينهما حبيلة ذي النميمةنقلة أفسدها فذكر بيدبا أن احلكمة مىت دخلها كالم ال. ما كان امللك شرطه يف أن جعله هلوا وحكمة

فلم يزل هو وتلميذه يعمالن الفكر فيما سأله امللك، حىت فتق هلما العقل أن يكون . وجهلت حكمتها. وكانت احلكمة ما نطقا به. فوقع هلما موضع اللهو واهلزل بكالم البهائم. كالمهما على لسان هبيمتني

ومالت إليه . سبب يف الذي وضع هلمفأصغت احلكماء إىل حكمه وتركوا البهائم واللهو، وعلموا أهنا الاجلهال عجبا من حماورة هبيمتني، ومل يشكوا يف ذلك؛ واختذوه هلوا، وتركوا معىن الكالم أن يفهموه، ومل

يعلموا الغرض الذي وضع له؛ ألن الفيلسوف إمنا كان غرضه يف الباب األول أن خيرب عن تواصل اإلخوان ليجر بذلك : ظ من أهل السعاية والتحرز ممن يوقع العداوة بني املتحابنيكيف تتأكد املودة بينهم على التحف

فلما مت احلول . فلم يزل بيدبا وتلميذه يف املقصورة، حىت استتما عمل الكتاب يف مدة سنة. نفعا إىل نفسهمرين حبمله، فليأ. إين على ما وعدت امللك: أنفذ إليه امللك أن قد جاء الوعد فماذا صنعت؟ فأنفذ إليه بيدبا

بعد أن جيمع أهل اململكة لتكون قراءيت هذا الكتاب حبضرهتم، فلما رجع الرسول إىل امللك سر بذلك، فلما كان ذلك . مث نادى يف أقاصي بالد اهلند ليحضروا قراءة الكتاب. ووعده يوما جيمع فيه أهل اململكة

فلما . وأنفذ فأحضره. ألبناء امللوك والعلماءاليوم، أمر امللك أن ينصب لبيدبا سرير مثل سريره، كراسي جاءه الرسول قام فلبس الثياب اليت كان يلبسا إذا دخل على امللوك وهي املسوح السود، ومحل الكتاب

فلما قرب من امللك كفر له . فلما دخل على امللك وثب اخلالئق بأمجعهم، وقام امللك شاكرا. تلميذهيا بيدبا ارفع رأسك، فإن هذا يوم هناءة وفرح وسرور، وأمره أن : امللكفقال له . وسجد، ومل يرفع رأسه

فأخربه . فحني جلس لقراءة الكتاب، سأله عن معىن كل باب من أبوابه، وإىل أي شيء قصد فيه. جيلسيا بيدبا ما عدوت الذي يف نفسي؛ : فقال له. فازداد امللك منه تعجبا وسرورا. بغرضه فيه، ويف كل باب

أيها امللك : وقال. فدعا له بيدبا بالسعادة وطول اجلد. هذا الذي كنت أطلب؛ فالطلب ما شئت وحتكموقال . أما املال فال حاجة يل فيه، وأما الكسوة فال أختار على لباسي ذا شيئا؛ ولست أخلي امللك من حاجة

Page 10: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

لك أن يدون كتايب هذا كما دون يأمر امل: قال. يا بيدبا ما حاجتك؟ فكل حاجة لك قبلنا مقضية: امللك فإن: آباؤه وأجداده كتبهم، ويأمر باحملافظة عليه

مث . أخاف أن خيرج من بالد اهلند، فيتناوله أهل فارس إذا علموا به؛ فامللك يأمر أال خيرج من بيت احلكمةبالكتب والعلم مث إنه ملا ملك كسرى أنوشروان وكان مستأثرا . دعا امللك بتالميذه وأحسن هلم اجلوائز

واألدب والنظر يف أخبار األوائل ويقع له خرب الكتاب؛ فلم يقر قراره حىت بعث بروزيه الطبيب وتلطف اف أن خيرج من بالد اهلند، فيتناوله أهل فارس إذا علموا .حىت أخرجه من بالد اهلند فأقره يف خزائن فارس

مث إنه ملا ملك كسرى . ك بتالميذه وأحسن هلم اجلوائزمث دعا املل. به؛ فامللك يأمر أال خيرج من بيت احلكمةأنوشروان وكان مستأثرا بالكتب والعلم واألدب والنظر يف أخبار األوائل ويقع له خرب الكتاب؛ فلم يقر

.قراره حىت بعث بروزيه الطبيب وتلطف حىت أخرجه من بالد اهلند فأقره يف خزائن فارس

باب بعثة برزويه إىل بالد اهلند

أما بعد فإن اهللا تعاىل خلق اخللق برمحته، ومن على عباده بفضله وكرمه ورزقهم ما يقدرون به على إصالح معايشهم يف الدنيا، ويدركون به استنقاذ أرواحهم من العذاب يف اآلخرة، وأفضل ما رزقهم اهللا تعاىل ومن

يف الدنيا على إصالح معيشته وال به عليهم بالعقل الذي هو دعامة جلميع األشياء، والذي ال يقدر أحد . إحراز نفع وال دفع ضرر إال به

وكذلك طالب اآلخرة جمتهد يف العمل املنجي به روحه ال يقدر على إمتام عمله وإكماله إال بالعقل الذي هو وله . والعقل مكتسب بالتجارب واألدب. فليس ألحد غين عن العقل. سبب كل خري ومفتاح كل سعادة

مكنونة يف اإلنسان كامنة كالنار يف احلجر ال تظهر وال يرى ضوءها حىت يقدحها قادح من الناس؛ غريزة. وكذلك العقل كامن يف اإلنسان ال يظهر حىت يظهره األدب وتقويه التجارب. فإذا قدحت ظهرت طبيعتها

ده، وأدرك يف ومن رزق العقل ومن به عليه وأعني على صدق قرحيته باألدب حرص على طلب سعد جوقد رزق اهللا امللك السعيد أنوشروان من العقل أفضله، ومن . الدنيا أمله، وحاز يف اآلخرة ثواب الصاحلني

العلم أجزله؛ ومن املعرفة باألمور أصوهبا، ومن األفعال أسدها، ومن البحث عن األصول والفرع أنفعه؛ مل يبلغه ملك قط من امللوك قبله؛ حىت كان فيما وبلغه من فنون اختالف العلم، وبلوغ منزلة الفلسفة، ما

طلب وحبث عنه من العلم أن بلغه عن كتاب باهلند، علم أنه أصل كل أدب ورأس كل علم، والدليل على منفعة، ومفتاح عمل اآلخرة وعلمها، ومرعبة النجاة من هوهلا؛ فأمر امللك وزيره بزرمجهر أن يبحث له عن

مملكته، بصري بلسان الفارسية، ماهر يف كالم اهلند؛ ويكون بليغا باللسانني مجيعا، رجل أديب عاقل من أهل. حريصا على طلب العلم جمتهدا يف استعمال األدب، مبادرا يف طلب العلم، والبحث عن كتب الفلسفة

ل له بروزيه؛ فأتاه برجل أديب كامل العقل واألدب، معرف بصناعة الطب، ماهر يف الفارسية واهلندي يقاإن قد اخترتك ملا بلغين من فضلك : يا بروزيه: فقال له امللك. فلما دخل عليه كفر وسجد بني يديه

Page 11: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

وقد بلغين عن كتاب باهلند خمزون يف خزائنهم، . وعلمك وعقلك، وحرصك على طلب العلم حيث كانبعقلك وحسن أدبك وناقد جتهز فإين مرحلك إىل أرض اهلند؛ فتلطف : وقال له. وقص عليه ما بلغه عنه

وما قدرت عليه . رأيك، الستخراج هذا الكتاب من خزائنهم ومن قبل علمائهم؛ فتستفيد بذلك وتفيدنامن كتب اهلند مما ليس يف خزائننا منه شيء فأمحله معك؛ وخذ معك من املال ما حتتاج إليه، وعجل ذلك،

وأمر . مجيع ما يف خزائين مبذول لك يف طلب العلوموال تقصر يف طلب العلوم وإن أكثرت فيه النفقة، فإن ومحل معه من املال عشرين جرابا؛ . بإحضار املنجمني؛ فاختاروا له يوما يسري فيه، وساعة صاحلة خيرج فيها

فلما قدم بروزيه بالد اهلند طاف بباب امللك وجمالس السوقة ، وسأل . كل جراب فيه عشرة آالف ديناراألشراف والعلماء والفالسفة؛ فجعل يغشاهم يف منازهلم، ويتلقاهم بالتحية، وخيربهم عن خواص امللك و

فلم يزل كذلك . بأنه رجل غريب قدم بالدهم لطلب العلوم واألدب، وأنه حمتاج إىل معاونتهم يف ذلكبني ذلك يستر زمانا طويال يتأدب عن علماء اهلند ميا هو عامل جبميعه؛ وكأنه ال يعلم منه شيئا؛ وهو فيما

واختذ يف تلك احلالة لطول مقامه أصدقاء كثرية من األشراف والعلماء والفالسفة والسوقة . بغيته وحاجتهومن أهل كل طبقة وصناعة؛ وكان قد اختذ من بني أصدقائه رجال واحدا قد اختذه لسره وما حيب

إخائه؛ وكان يشاوره يف األمور، ويرتاح مشاورته فيه؛ للذي ظهر له من فضله وأدبه، واستبان له من صحة .إليه يف مجيع ما أمهه

. إال أنه كان يكتم منه األمر الذي قدم من أجله لكي يبلوه وخيربه، وينظر هل هو أهل أن يطلعه على سرهفاعلم أنين ألمر . يا أخي ما أريد أن أكتمك من أمري فوق الذي كتمتك: فقال له يوما ومها جالسان

و غري الذي يظهر مين؛ والعاقل يكتفي من الرجل بالعالمات من نظره، حىت يعلم سر نفسه وما قدمت، وهإين وإن مل أكن بدأتك وأخربتك مبا جئت له، وإياه تريد؛ وأنك تكتم أمرا : قال له اهلندي. يضمره قلبه

وإنه قد . به ولكين لرغبيت يف إخائك، كرهت أن أواجهك. تطلبه، وتظهر غريه؛ ما خفي على ذلك منكفأما إذ قد أظهرت ذلك، وأفصحت به وبالكالم فيه، فإين خمربك عن نفسك، ومظهر . استبان ما ختفيه مين

لك سريرتك، ومعلمك حبالك اليت قدمت هلا؛ فإنك قدمت بالدنا لتسلبنا كنوزنا النفيسة، فتذهب هبا إىل ا رأيت صربك، ومواظبتك على طلب ولكين مل. وكان قدومك باملكر واخلديعة. بالدك، وتسرهبا ملكك

حاجتك، والتحفظ من أن يسقط منك الكالم، مع طول مكثك عندنا، بشيء يستدل به على سريرتك فإين مل أر يف الرجال رجال هو أرصن . وأمورك، ازددت رغبة يف إخائك، وثقة بعقلك، فأحببت مودتك

ال أكتم لسره منك؛ وال سيما يف بالد الغربة، منك عقال، وال أحسن أدبا، وال أصرب على طلب العلم واألوىل الرفق، : وإن عقل الرجل ليبني يف مثاين خصال. ومملكة غري مملكتك، عند قوم ال تعرف سنتهم

والرابعة معرفة الرجل . والثانية أن يعرف الرجل نفسه فيحفظها، والثالثة طاعة امللوك، والتحري ملا يرضيهم. أن يطلع عليه صديقه، واخلامسة أن يكون على أبواب امللوك أديبا ملق اللسان موضع سره، وكيف ينبغي

والسابعة أن يكون على لسانه قادرا، فال يتكلم إال مبا يأمن . والسادسة أن يكون لسره وسر غريه حافظاان هو الداعي فمن اجتمعت فيه هذه اخلصال ك. والثامنة إن كان باحملفل ال يتكلم إال مبا يسأل عنه. تبعته

Page 12: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

فاهللا تعاىل حيفظك، ويعينك على ما . وهذه اخلصال كلها قد اجتمعت فيك، وبانت يل منك. اخلري إىل نفسهقدمت له؛ فمصادقتك إياي، وإن كانت لتسلبين كنزي وفخري وعلمي، جتعلك أهال ألن تسعف حباجتك،

.وتشفع بطلبتك ، وتعطي سؤلك

ا كثريا، وشعبت له شعوبا؛ وأنشأت له أصوال وطرقا؛ فلما انتهيت إين كنت هيأت كالم: فقال له بروزيهإىل ما بدأتين به من إطالعك على أمري والذي قدمت له، وألقيته على من ذات نفسك، ورغبتك فيما ألقيت من القول، اكتفيت باليسري من اخلطاب معك، وعرفت الكبري من أموري بالصغري من الكالم،

فإن : ورأيت من إسعافك إياي حباجيت ما دلين على كرمك وحسن وفائك. لى اإلجيازواقتصرت به معك عالكالم إذا ألقي إىل الفيلسوف، والسر إذا استودع إىل اللبيب احلافظ، فقد حصن وبلغ به هناية أمل

ومن . ال شيء أفضل من املودة: قال له اهلندي. صاحبه، كما حيصن الشيء النفيس يف القالع احلصينةفإن حفظ السر : لصت مودته كان أهال أن خيلطه الرجل بنفسه، وال يدخر عنه شيئا، وال يكتمه سراخ

فإذا كان السر عند األمني الكتوم فقد احترز من التضييع؛ مع أنه خليق أال يتكلم به؛ وال يتم . رأس األدبلث من جهة أحدمها؛ فإذا صار إىل فإذا تكلم بالسر اثنان فال بد من ثا. سر ين اثنني قد علماه وتفاوضاه

الثالثة فقد شاع وذاع، حىت ال يستطيع صاحبه أن جيحده ويكابر عنه؛ كالغيم إذا كان متقطعا يف السماء وأنا قد يداخلين من مودتك وخلطتك سرور ال . هذا غيم متقطع، ال يقدر أحد على تكذيبه: فقال قائل أعلم أنه من األسرار اليت ال تكتم؛ فال بد أن يفشو ويظهر، حىت وهذا األمر الذي تطلبه مين. يدله شيء

ألن ملكنا : فإذا فشا فقد سعيت يف هالكي هالكا ال أقدر على الفداء منه باملال وإن كثر. يتحدث به الناس فظ غليظ، يعاقب على الذنب الصغري أشد العقاب؛ فكيف مثل هذا الذنب العظيم؟ وإذا محلتين املودة اليت

إن العلماء قد مدحت الصديق إذا كتم : قال بروزيه. بني وبينك فأسعفتك حباجتك مل يرد عقابه عين شيءوهذا األمر الذي قدمت له، ملثلك ذخرته، وبك أرجو بلوغه؛ وأنا واثق . سر صديقه وأعانه على الفوز

شى أهل بيتك الطائفني بك بكرم طباعك ووفور عقلك، وأعلم أنك ال ختشى مين وال ختاف أن أبديه؛ بل ختألين أنا ظاعن وأنت مقيم، وما أقمت : وأنا أرجو أال يشيع شيء من هذا األمر. وبامللك أن يسعوا بك إليه

فأجابه إىل ذلك . وكان اهلندي خازن امللك، وبيده مفاتيح خزائنه. فتعاهدا على هذا مجيعا. قال ثالث بينناعلى تفسريه ونقله من اللسان اهلندي إىل اللسان الفارسي؛ وأتعب فأكب. الكتاب وغلى غريه من الكتبوهو مع ذلك وجل وفزع من ملك اهلند؛ خائف على نفسه من أن يذكر . نفسه، وانسب بدنه ليال وهنارا

.امللك الكتاب يف وقت ال يصادفه يف خزائنه

فلما وصل . إىل أنوشروان يعلمه بذلك كتب. فلما فرغ من انتساخ الكتاب وغريه مما أراد من سائر الكتبإليه الكتاب، سر بذلك سرورا شديدا، مث ختوف معاجلة املقادير أن تنغص عليه الفرحة؛ فكتب إىل بروزيه

فلما رأى امللك ا قد مسه من الشحوب والتعب . فسار بروزيه متوجها حنو كسرى. يأمره بتعجيل القدومفإين مشرفك وبالغ : ح الذي كان يأكل مثرة ما قد غرس، أبشر وقر عيناأيها العبد الناص: والنصب، قال لهفلما كان اليوم الثامن، أمر امللك أن جيتمع إليه األمراء . وأمره أن يريح بدنه سبعة أيام. بك أفضل درجة

Page 13: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

هل فحضر ومعه الكتب؛ ففتحها وقرأها على من حضر من أ. فلما اجتمعوا، آمر بروزيه باحلضور. والعلماءفلما مسعوا ما فيها من العلم فرحوا فرحا شديدا؛ وشكروا هللا على ما رزقهم، ومدحوا بروزيه . اململكة

وأثنوا عليه؛ وأمر امللك أن تفتح لربوزيه خزائن اللؤلؤ والزبرجد والياقوت والذهب والفضة؛ وأمره أن قد أمرت أن جتلس على مثل سريري هذا، يا بروزيه إين : يأخذ من اخلزائن ما شاء من مال أو كسوة؛ وقال

أكرم اهللا : فسجد بروزيه للملك ودعا له وطلب من اهللا وقال. وتلبس تاجا، وتترأس على مجيع األشرافتعاىل امللك كرامة الدنيا واآلخرة، وأحسن عين ثوابه وجزاءه؛ فإين حبمد اهللا مستغن عن املال مبا رزقين اهللا

، العظم امللك؛ وال حاجة يل باملال؛ لكن ملا كلفين امللك ذلك وعلمت أنه يسره، على بد امللك السعيد اجلدمث قصد خزانة الثياب فأخذ منها ختتا من . أنا أمضي إىل اخلزائن فآخذ منها طلبا ملرضاته وامتثاال ألمره

م اهللا تعاىل أكر: فلما قبض بروزيه ما اختاره ورضيه من الثياب فال. طرائف خراسان من مالبس امللوكالبد أن اإلنسان إذا أكرم وجب عليه الشكر؛ وإن كان قد استوجبه تعبا ومشقة . امللك ومد يف عمره أبدا

وأما أنا فما لقيته من عناء وتعب ومشقة، ملا أعلم أن لكم فيه الشرف يأهل هذا . فقد كان فيهما رضا امللكوالشاق هينا، والنصب واألذى . م، أرى العسري فيه يسريافإن مل أزل إىل هذا اليوم تابعا رضاك! البيت

ولكين أسألك أيها امللك حاجة تسعفين هبا، وتعطيين . ملا أعلم أن لكم فيه رضا وقربة عندكم: سرورا ولذةقل فكل حاجة لك من قبلنا : قال أنوشروان. فإن حاجيت يسرية، ويف قضائها فائدة كثرية: فيها سؤيل: قال بروزيه. ومل نرد طلبتك؛ فكيف ما سوى ذلك؟ فقل وحتتشم؛ فإن األمور كلها مبذولة لكمقضية،

أيها امللك ال تنظر إىل عنائي يف رضاك وانكماشي يف طاعتك؛ فإمنا أنا عبدك يلزمين بذل مهجيت يف رضاك؛ صبه عمد إىل جمازايت؛ ولو مل جتزين مل يكن ذلك عندي عظيما وال واجبا على امللك؛ ولكن لكرمه وشرف من

. وخصين وأهي بييت بعلو املرتبة ورفع الدرجة؛ حىت لو قدر أن جيمع لنا بني شرف الدنيا واآلخرة لفعل .فجزاه اهللا عنا أفضل اجلزاء

حاجيت أن يأمر امللك، أعاله اهللا تعاىل، وزيره : فقال بروزيه. اذكر حاجتك، فعلى ما يسرك: قال أنوشروانتكان؛ ويقسم عليه أن يعمل فكره، وجيمع رأيه، وجيهد طاقته، ويفرغ قلبه يف نظم تأليف بزرمجهر بن البخ

كالم متقن حمكم؛ وجيعله بابا يذكر فيه أمري ويصف حايل؛ وال يدع من املبالغة يف ذلك أقصى ما يقدر ن امللك إذا فعل ذلك فإ: ويأمره إذا استتمه أن جيعله أول األبواب اليت تقرأ قبل باب األسد والثور. عليه

فقد بلغ يب وبأهلي غاية الشرف وأعلى املراتب؛ وأبقى لنا ما ال يزال ذكره باقيا على األبد حيثما قرئ هذا .الكتاب

فلما مسع كسرى أنوشروان والعظماء مقالته وما مست إليه نفسه من حمبة إبقاء الذكر استحسنوا طلبته لك يا بروزيه، إنك ألهل أن تسعف حباجتك؛ فما أقل ما قنعت به حبا وكرامة : واختياره، وقال كسرى

قد عرفت : مث أقبل أنوشروان على وزيره بزرمجهر فقال له. وإن كان خطره عندك عظيما! وأيسره عندنامناصحة بروزيه لنا، وجتشمه املخاوف واملهالك فيما يقربه منا، وإتعابه بدنه فيما يسرنا، وما أتى به إلينا من

عروف، وما أفادنا اهللا على يده من احلكمة واألدب الباقي لنا فخره، وما عرضنا عليه من خزائننا لنجزيه امل

Page 14: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

بذلك على ما كان منه، فلم متل نفسه إىل شيء من ذلك؛ وكان بغيته وطلبته منا أمرا يسريا رآه هو الثواب واعلم أن ذلك مما . عفه حباجته وطلبتهمنا له والكرامة اجلليلة عنده؛ فإين أحب أن تتكلم يف ذلك وتس

وهو أن تكتب بابا مضارعا . يسرين، وال تدع شيئا من االجتهاد واملبالغة إال بلغته، وإن نالتك فيه مشقةلتلك األبواب اليت يف الكتاب؛ وتذكر فيه فضل بروزيه، وكيف كان ابتداء أمره وشأنه، وتنسبه إليه وإىل

بعثته إىل بالد اهلند يف حاجتنا؛ وما أفدنا على يديه من هنالك؛ وشرفنا به حسبه وصناعته، وتذكر فيه وفضلنا على غرينا؛ وكيف كان حال بروزيه وقدومه من بالد اهلند؛ فقل ما تقدر عليه من التقريظ .واإلطناب يف مدحه، وبالغ يف ذلك أفضل املبالغة واجتهد يف ذلك اجتهادا يسر بروزيه وأهل اململكة

واجهد أن يكون غرض هذا . حملبتك للعلوم: بروزيه أهل لذلك مين ومن مجيع أهل اململكة ومنك أيضاوإن الكتاب الذي ينسب إىل بروزيه أفضل من أغراض تلك األبواب عند اخلاص والعام، وأشد مشاكلة حلال

فإذا أنت عملته . ابالنفرادك هبذا الكتاب، واجعله أول األبو: فإنك أسعد الناس كلهم بذلك: هذا العلمووضعته يف موضعه فأعلمين ألمجع أهل اململكة وتقرأه عليهم، فيظهر فضلك واجتهادك يف حمبتنا؛ فيكون

أدام اهللا لك أيها امللك البقاء، وبلغك : فلما مسع بزرمجهر مقالة امللك خر له ساجدا، وقال. لك بذلك فخرمث خرج بزرمجهر من عند . رفتين بذلك شرفا باقيا إىل األبدأفضل منازل الصاحلني يف اآلخرة واألوىل؛ لقد ش

امللك، فوصف بروزيه من أول يوم دفعه أبواه إىل املعلم، ومضيه إىل بالد اهلند يف طلب العقاقري واألدوية؛ ومل يدع من فضائل بروزيه . وكيف تعلم خطوطهم ولغتهم؛ إىل أن بعثه أنوشروان إىل اهلند يف طلب الكتاب

. مث أعلم امللك بفراغه منه. ته وخالئقه ومذهبه أمرا إال نسقه، وأتى به بأجود ما يكون من الشرحوحكمفجمع أنوشروان أشراف قومه وأهل مملكته، وأدخلهم إليه؛ وأمر بزرمجهر بقراءة الكتاب، وبروزيه قائم إىل

أتى به بزرمجهر من احلكمة ففرح امللك مبا. جانب بزرمجهر، وابتدأ بوصف بروزيه حىت انتهى إىل آخرهمث أثىن امللك ومجيع من حضره على بزرمجهر، وشكروه ومدحوه؛ وأمر امللك مبال جزيل وكسوة . والعلم

مث شكر له ذلك بروزيه وقبل . وحلي وأوان؛ فلم يقبل من ذلك شيئا غري كسوة كانت من ثياب امللوكاهللا لك امللك والسعادة فقد بلغت يب وبأهلي غاية الشرف أدام : رأسه ويده؛ وأقبل بروزيه على امللك وقال

.مبا أمرت به بزرمجهر من صنعه الكتاب يف أمري وإبقاء ذكري

باب عرض الكتاب ترمجة عبد اهللا بن املقفع

هذا كتاب كليلة ودمنة، وهو مما وضعه علماء اهلند من األمثال واألحاديث اليت أهلموا أن يدخلوا فيها أبلغ ومل تزل العلماء من أهل كل ملة يلتمسون أن يعقل عنهم، . ا من القول يف النحو الذي أرادواما وجدو

وحيتالون يف ذلك بصنوف احليل؛ ويبتغون إخراج ما عندهم من العلل، حىت كان من تلك العلل وضع هذا القول وشعابا أما هم فوجدوا متصرفا يف. فاجتمع هلم بذلك خالل. الكتاب على أفواه البهائم والطري

والسفهاء للهوه، واملتعلم من . فاختاره احلكماء حلكمته: وأما الكتاب فجمع حكمة وهلوا. يأخذون منهااألحداث ناشط يف حفظ ما صار إليه من أمر يربط يف صدره وال يدري ما هو، بل عرف أنه قد ظفر من

وجد أبويه قد كنزا له كنوزا وعقدا له وكان كالرجل الذي ملا استكمل الرجولية. ذلك مبكتوي مرقوم

Page 15: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

عقودا استغىن هبا عن الكدح فيما يعمله من أمر معيشته؛ فأغناه ما أشرف عليه من احلكمة عن احلاجة إىل . غريها من وجوه األدب

وينبغي ملن قرأ هذا الكتاب أن يعرف الوجوه اليت وضعت له؛ وإىل أي غاية جرى مؤلفه فيه عندما نسبه إىل فإن قارئه مىت مل يفعل ذلك مل : لبهائم وأضافه إىل غري مفصح؛ وغري ذلك من األوضاع اليت جعلها أمثاالا

يدر ما أريد بتلك املعاين، وال أي مثرة جيتين منها، وال أي نتيجة حتصل له من مقدمات ما تضمنه هذا يقرأ منه مل يعد عليه شيء يرجع إليه وإنه وإن كان غيته استتمام قراءته إىل آخره دون معرفة ما . الكتاب .نفعه

ومن استكثر من مجع العلوم وقراءة الكتب؛ من غري إعمال الروية فيما يقرؤه، كان خليقا أال يصيبه إال ما أصاب الرجل الذي زعمت العلماء أنه اجتاز ببعض املفاوز، فظهر لو موضع آثار كنز؛ فجعل حيفر ويطلب،

إن أنا أخذت يف نقل هذا املال قليال قليال طال علي، : وورق؛ فقال يف نفسهفوقع على شيء من عني وقطعين االشتغال بنقله وإحرازه عن اللذة مبا أصبت منه؛ ولكن سأستأجر أقواما حيملونه إىل منزيل، وأكون

بدين عن أنا أخرهم، وال يكون بقي ورائي شيء يشغل فكري بنقله؛ وأكون قد استظهرت لنفسي يف إراحة مث جاء باحلمالني، فجعل حيمل كل واحد منهم ما يطيق، فينطلق به إىل . الكد بيسري األجرة أعطيهم إياها

. وإذا كل واحد من احلمالني قد فاز مبا محله لنفسه. فلم جيد فيه من املال شيئا، ال قليال وال كثريا: منزلهوكذلك من قرأ هذا الكتاب، ومل يفهم . يفكر يف آخر أمرهألنه مل : ولك يكن له من ذلك إال العناء والتعب

ما فيه، ومل يعلم غرضه ظاهرا وباطنا، مل ينتفع مبا بدا له من خطه ونقشه؛ كما لو أن رجال قدم له جوز صحيح مل ينتفع به إال أن يكسره؛ وكان أيضا كالرجل الذي طلب علم الفصيح من كالم الناس؛ فأتى

لعلماء، له علم بالفصاحة، فأعلمه حاجته إىل علم الفصيح؛ فرسم له صديقه يف صحيفة صديقا له من اصفراء فصيح الكالم وتصاريفه ووجوهه؛ فانصرف املتعلم إىل منزله؛ فجعل يكثر قراءهتا وال يقف على

مة أخطأ مث إنه جلس ذات يوم يف حمفل من أهل العلم واألدب، فأخذ يف حماورهتم؛ فجرت له كل. معانيهاإنك قد أخطأت؛ والوجه غري ما تكلمت به، فقال وكيف أخطئ وقد قرأت : فيها؛ فقال له بعض اجلماعة

الصحيفة الصفراء؛ وهي يف منزيل؟ فكانت مقالته هلم أوجب للحجة عليه وزاده ذلك قربا من اجلهل وبعدا .من األدب

ينبغي له أن يعمل بنا علم منه لينتفع به؛ وجيعله مثاال مث إن العاقل إذا فهم هذا الكتاب وبلغ هناية علمه فيه،فإذا مل يفعل ذلك، كان مثله كالرجل الذي زعموا أن سارقا تسور عليه وهو نائم يف منزله، . ال حييد عنهفإذا بلغ مراده . واهللا ألسكنت حىت أنظر ماذا يصنع، وال أذعره؛ وال أعلمه أين قد علمت به: فعلم به فقال

وجعل السارق يتردد، وطال تردده يف مجعه ما جيده؛ . مث إنه أمسك عنه. ليه، فنغصت ذلك عليهقمت إواستيقظ الرجل، فوجد اللص قد أخذ . فغلب الرجل النعاس فنام، وفرغ اللص مما أراد، وأمكنه الذهاب

. ل يف أمره ما جيبإذ مل يستعم: فأقبل على نفسه يلومها، وعرف أن مل ينتفع بعلمه باللص. املتاع وفاز بهوإمنا صاحب العلم يقوم بالعمل لينتفع به؛ . فالعلم ال يتم إال بالعمل، وهو كالشجرة والعمل به كالثمرة

Page 16: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

ولو أن رجال كان عاملا بطريق خموف، مث سلكه على علم به، مسي . وإن مل يستعمل ما يعلم ال يسمى عاملاأهواء هجمت هبا فيما هو أعرف بضررها فيه وأذاها من جاهال؛ ولعله إن حاسب نفسه وجدها قد ركبتومن ركب هواه ورفض ما ينبغي أن يعمل مبا جربه هو أو . ذلك السالك يف الطريق املخوف الذي قد جهله

أعلمه به غريه، كان كاملريض العامل برديء الطعام والشراب وجيده وخفيفه وثقيله، مث حيمله الشره على وأقل الناس عذرا يف اجتناب حممود األفعال . هو أقرب إىل النجاة والتخلص من علتهأكل رديئه وترك ما

وارتكاب مذمومها من أبصر ذلك وميزه وعرف فضل بعضه على بعض كما أنه لو أن رجلني أحدمها بصري البصري أقل واآلخر أعمى ساقهما األجل إىل حفرة فوقعا فيها، كانا إذا صارا يف قاعها مبنزلة واحدة؛ غري أن

.إذ كانت له عينان يبصر هبما، وذاك مبا صار إليه جاهل غري عارف: عذرا عند الناس من الضرير

وعلى العامل أن يبدأ بنفسه ويؤدهبا بعلمه، وال تكون غايته اقتناؤه العلم ملعاونة غريه، ويكون كالعني اليت . وكدودة القز اليت حتكم صنعته وال تنتفع به يشرب منها الناس ماءها وليس هلا يف ذلك شيء من املنفعة،

فينبغي ملن يطلب العلم أن يبدأ بعظة نفسه، مث عليه بعد ذلك أن يقبسه ؛ فإن خالال ينبغي لصاحب الدنيا وليس للعامل أن يعيب أمرا بشيء فيه مثله، . ومنها اختاذ املعروف. منها العلم واملال: أن يقتنيها ويقبسهاوينبغي مل طلب أمرا أن يكون له فيه غاية وهناية، ويعمل هبا، . الذي يعري األعمى بعماه ويكون كاألعمى

من سار إىل غري غاية يوشك أن تنقطع به مطيته؛ وأنه كان : ويقف عندها؛ وال يتمادى يف الطلب؛ فإنه يقالعليه؛ وال يكون لدنياه مؤثرا حقيقا أال يعين نفسه يف طلب ما ال حد له، وما مل ينله أحد قبله، وال يتأسف

وقد يقال يف أمرين إهنما جيمالن بكل . فإن من مل يعلق قلبه بالغايات قلت حسرته عند مفارقتها: على أخرتهأحدمها النسك واآلخر املال احلالل وال يليق بالعاقل أن يؤنب نفسه على ما فاته وليس يف مقدوره؛ : أحد

ومن أمثال هذا أن رجال كان به فاقة وجوع وعري، فأجلأه . يكن يف حسبانهفرمبا أتاح اهللا ما يهنأ به ومل فبينما هو ذات ليلة يف منزله . ذلك إىل أن سأل أقاربه أصدقاءه، فلم يكن عند أحد منهم فضل يعود به عليه

السارق فبينما. فليجهد السارق جهده: واهللا ما يف منزيل شيء أخاف عليه: إذ أبصر بسارق فيه؛ فقالولعلي . واهللا ما أحب أن يكون عنائي الليلة باطال: جيول إذ وقعت يده على خابية فيها حنطة، فقال السارق

: فقال الرجل. مث بسط قميصه ليصب عليه احلنطة. ال أصل إىل موضع آخر، ولكن سأمحل هذه احلنطةوما جتتمع واهللا . ما كنت أقتات بهأيذهب هذا باحلنطة وليس ورائي سواها؟ فيجتمع علي مع العري ذهاب

مث صاح بالسارق، وأخذ هراوة كانت عند رأسه؛ فلم يكن للسارق . هاتان اخللتان على أحد إال أهلكاهوليس ينبغي أن يركن إىل مثل هذا . حلية إال اهلرب منه، وترك قميصه وجنا بنفسه؛ وغدا الرجل به كاسيا

يف مثل هذا لصالح معاشه؛ وال ينظر إىل من تواتيه املقادير وتساعده ويدع ما جيب عليه من احلذر والعمل ألن أولئك يف الناس قليل؛ واجلمهور منهم من أتعب نفسه يف الكد والسعي فيما : على غري التماس منه

وينبغي أن يكون حرصه على ما طاب كسبه وحسن نفعه؛ وال يتعرض ملا . يصلح أمره وينال به ما أرادالعناء والشقاء؛ فيكون كاحلمامة اليت تفرخ الفراخ وتذبح، مث ال مينعها ذلك أن تعود فتفرخ جيلب عليه

إن اهللا تعاىل قد جعل لكل شيء حدا : وقد يقال. موضعها، وتقيم مبكاهنا فتؤخذ الثانية من فراخها فتذبح

Page 17: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

من كان سعيه ألخرته : لويقا. ومن جتاوز يف أشياء حدها أوشك أن يلحقه التقصري عن بلوغها. يوقف عليهمنها أمر : ويقال يف ثالثة أشياء جيب على صاحب الدنيا إصالحها وبذل جهده فيها. ودنياه فحياته له وعليه

وقد قيل يف أمور من كن فيها مل . معيشته؛ ومنها ما بينه وبني الناس؛ ومنها ما يكسبه الذكر اجلميل بعدفرب خمرب بشيء عقله وال . الفرص؛ ومنها التصديق لكل خمرب من التواين؛ ومنها تضييع. يستقم له عمل

.يعرف استقامته فيصدقهوينبغي للعاقل أن يكون هلواه متهما؛ وال يقبل من كل أحد حديثا؛ وال يتمادى يف اخلطأ إذا ظهر له خطؤه

ي حييد عن الطريق، وال يقدم على أمر حىت يتبني له الصواب، وتتضح له احلقيقة؛ وال يكون كالرجل الذفيستمر على الضالل، فال يزداد يف السري إال جهدا، وعن القصد إال بعدا؛ وكالرجل الذي تقذى عينه فال

وجيب على العاقل أن يصدق بالقضاء والقدر، ويأخذ . يزال حيكها، ورمبا كان ذلك احلك سببا لذهاهبافسه بفساد غريه، فإنه من فعل ذلك كان خليقا أن باحلزم، وحيب الناس ما حيب لنفسه، وال يلتمس صالح ن

.يصيبه ما أصاب التاجر من رفيقه

وكان أحدمها قريب . فإنه يقال إنه كان رجل تاجر، وكان له شريك، فاستأجرا حانوتا، وجعال متاعهما فيهإن : ك، وقالاملنزل من احلانوت؛ فأضمر يف نفسه أن يسرق عدال من أعدال رفيقه؛ ومكر احليلة يف ذل

. أتيت ليال مل آمن من أن أمحل عدال من أعدايل أو رزمة من رزمي وال أعرفها؛ فيذهب عنائي وتعيب باطالوجاء رفيقه بعد ذلك ليصلح . مث انصرف إىل منزله. فأخذ رداءه، وألقاه على العدل الذي أضمر أخذهوما . رداء صاحيب؛ وال أحسبه إال قد نسيه واهللا هذا: أعداله، فوجد رداء شريكه على بعض أعداله، فقال

مث أخذ الرداء . الرأي أن أدعه هاهنا؛ ولكن اجعله على رزمه؛ فلعله يسبقين إىل احلانوت فيجده حيث حيبفألقاه على عدل من أعدال رفيقه ومعه رجل قد واطأه على ما عزم عليه، وضمن له جعال على محله؛ فصار

ار يف الظلمة فوجده على العدل؛ فاحتمل ذلك العدل؛ وأخرجه هو والرجل، إىل احلانوت؛ فالتمس اإلزفلما أصبح افتقده فإذا هو بعض أعداله؛ فندم . وجعال يتراوحان على محله؛ حىت أتى منزله، ورمى نفسه تعبا

فاغتم :مث انطلق حنو احلانوت، فوجد شريكه قد سبقه إليه ففتح احلانوت ووجد العدل مفقودا. أشد الندامةماذا يكون حايل ! واسوءتاه من رفيق صاحل قد ائتمنين على ماله وخلفين فيه: لذلك غما شديدا؛ وقال

مث أتى صاحبه فوجده مغتما، . ولكن قد وطنت نفسي على غرامته. عنده؟ ولست أشك يف هتمته إياي أعلم بسببه؛ وإين ال أشك فسأله عن حاله؛ فقال إين قد افتقدت األعدال، وفقدت عدال من أعدالك، وال

فإن اخليانة شر ما عمله : يا أخي ال تغتم: فقال له. يف هتمتك إياي؛ وإين قد وطنت نفسي على غرامته: اإلنسان، واملكر واخلديعة ال يؤديان إىل خري؛ وصاحبهما مغرور أبدا، وما عاد وبال البغي إال على صاحبه

فقال . ما مثلك إال مثل اللص والتاجر: فقال له رفيقه. قصته وكيف كان ذلك؟ فأخربه خبربه، وقص عليهزعموا أن تاجرا كان له يف منزله خابيتان إحدامها مملوءة حنطة، واألخرى : وكيف كان ذلك؟ قال: له

فترقبه بعض اللصوص زمانا، حىت إذا كان بعض األيام تشاغل التاجر عن املنزل؛ فتغفله اللص، . مملوءة ذهبافلما هي بأخذ اخلابية اليت فيها الدنانري أخذ اليت فيها احلنطة، وظنها . نزل، وكمن يف بعض نواحيهودخل امل

Page 18: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

ما : قال له اخلائن. اليت فيها الذهب؛ ومل يزل يف كد وتعب حىت أتى هبا منزله فلما فتحها وعلم ما فيها ندم. ، وعزيز علي أن يكون هذا كهذاأبعدت املثل، وال جتاوزت القياس؛ وقد اعترفت بذنيب وخطئي عليك

فقبل الرجل معذرته، وأضرب عن توبيخه وعن الثقة به؛ وندم هو . غري أن النفس الرديئة تأمر بالفحشاء .عندما عاين من سوء فعله وتقدمي جهله

بل يشرف على ما يتضمن من األمثال، . وقد ينبغي للناظر يف كتابنا هذا أال تكون غايته التصفح لتزاويقهىت ينتهي منه؛ ويقف عند كل مثل وكلمة، ويعمل فيها رؤيته؛ ويكون مثل أصغر االخوة الثالثة الذين ح

خلف هلم أبوهم املال الكثري، قتنازعوه بينهم؛ فأما الكبريان فإهنما أسرعا يف إتالفه وإنفاقه يف غري وجهه؛ يهما من املال، اقبل على نفسه يشاورها وأما الصغري فإنه عندما نظر ما صار إليه أخواه من إسرافهما وختل

لبقاء حاله، وصالح معاشه ودنياه، وشرف : يا نفسي إمنا املال يطلبه صاحبه، وجيمعه من كل وجه: وقالمن صلة الرحم، واإلنفاق على الولد، : منزلته يف أعني الناس، واستغنائه عما يف أيديهم، وصرفه يف وجهه

. له مال وال ينفقه يف حقوقه، كان كالذي يعد فقريا وإن كان موسرا فمن كان. واإلفضال على اإلخوانوإن هو أحسن إمساكه والقيام عليه، مل يعدم األمرين مجيعا من دنيا تبقى عليه، ومحد يضاف إليه؛ ومىت

ولكن الرأي أن . قصد إنفاقه على غري الوجوه اليت علمت، مل يلبث أن يتلفه ويبقى على حسرة وندامةوإن . فإمنا هو مال أيب ومال أبيهما: ويغين أخوي على يدي: أمسك هذا املال، فإين أرجو أن ينفعين اهللا به

أوىل اإلنفاق على صلة الرحم وإن بعدت، فكيف بأخوي؟ فأنفذ فأحضرمها وشاطرمها ماله، وكذلك جيب ية، وال يظن أن نتيجة اإلخبار على قارئ هذا الكتاب أن يدمي النظر فيه من غري ضجر، ويلتمس جواهر معان

ويكون مثله مثل الصياد الذي . فينصرف بذلك عن الغرض املقصود: عن حيلة هبيمتني أو حماورة سبع لثوركان يف بعض اخللجان يصيد فيه السمك يف زورق فرأى ذات يوم يف أرض املاء صدفة تتألأل حسنا،

البحر، فاشتملت على مسكة كانت قوت يومه، فخالها فتومهها جوهرا له قيمة وكان قد ألقى شبكته يففندم على ترك ما يف . وقذف نفسه يف املاء ليأخذ الصدفة، فلما أخرجها وجدها فارغة ال شيء فيها مم ظن

يده للطمع، وتأسف على ما فاته، فلما كان اليوم الثاين تنحى عن ذلك املكان، وألقى شبكته، فأصاب حوتا فاجتاز هبا بعض الصيادين . ا صدفة سنية، فلم يلتفت إليها، وساء ظنه هبا، فتركهاصغريا، ورأى أيض

وكذلك اجلهال إذا أغفلوا أمر التفكري يف هذا الكتاب، وتركوا . فأخذها، فوجد فيها درة تساوي أمواالكرجل أصاب ومن صرف مهته إىل النظر يف أبواب اهلزل، كان . الوقوف على أسرار معاين، وأخذوا بظاهره

أرضا طيبة حرة وحبا صحيحا، فزرعها وسقاها، حىت إذا قرب خريها وأينعت، تشاغل عنها جبمع ما فيها .من الزهر وقطع الشوط؛ فأهلك بتشاغله ما كان أحسن فائدة وأمجل عائدة

إىل وضعه على أحدها ما قصد فيه: وينبغي للناظر يف هذا الكتاب أن يعلم أنه ينقسم إىل أربعة أغراضألنه الغرض : ألسنة البهائم غري الناطقة ليسارع إىل قراءته أهل اهلزل من الشبان، فتستمال به قلوهبم

.بالنوادر من حيل احليوانليكون أنسا لقلوب امللوك، ويكون حرصهم : والثاين إظهار خياالت احليوان بصنوف األصباغ واأللوان

Page 19: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

فيتخذه امللوك والسوقة، فيكثر بذلك : الثالث أن يكون على هذه الصفةو. عليه أشد للنزهة يف تلك الصوروالغرض الرابع، وهو . انتساخه، وال يبطل فيخلق على مرور األيام؛ ولينتفع بذلك املصور والناسخ أبدا

.األقصى، وذلك خمصوص بالفيلسوف خاصة

باب بروزيه ترمجة بزرمجهر بن البختكان

وقد مضى -س، وهو الذي توىل انتساخ هذا الكتاب، وترمجه من كتب اهلند قال بروزيه رأس أطباء فاروكان منشئي يف نعمة . أيب كان من املقاتلة، وكانت أمي من عظماء بيوت الزمازمة : -ذكر ذلك من قبل

كاملة، وكنت أكرم ولد أبوي عليهما؛ وكانا يب أشد احتفاظا من دون إخويت، حىت إذا بلغت السبع سنني،أسلماين إىل املؤدب؛ فلما حذقت الكتابة، شكرت أبوي؛ ونظرت يف العلم، فكان أول ما ابتدأت به

وكلما ازددت منع علما ازددت فيه حرصا ، وله . ألين كنت عرفت فضله: وحرصت عليه، علم الطباألربعة اليت يطلبها فلما مهت نفسي مبداواة املرضى، وعزمت على ذلك آمرهتا مث خريهتا بني األمور . اتباعا

أي هذه اخلالل أبتغي يف علمي؟ وأيها أحرى يب فأدرك منه : فقلت. الناس، وفيها يرغبون، وهلا يسعونحاجيت؟ املال، أم الذكر، أم اللذات أم اآلخرة؟ وكنت وجدت يف كتب الطب أن أفضل األطباء من واظب

لئال أكون كالتاجر الذي : بالطب ابتغاء اآلخرةفرأيت أن أطلب االشتغال . على طبه، ال يبتغي إال اآلخرةباع ياقوتة مثينة خبرزة ال تساوي شيئا؛ مع أين قد وجدت يف كتب األولني أن الطبيب الذي يبتغي بطبه أجر

وإن مثله مثل الزارع الذي يعمر أرضه ابتغاء الزرع ال ابتغاء . اآلخرة ال ينقصه ذلك حظه يف الدنيافأقبلت على مداواة املرضى ابتغاء أجر . الة نابت فيها ألوان العشب مع يانع الزرعمث هي ال حم. العشب

اآلخرة، فلم أدع مريضا أرجو له الربء، وآخر ال أرجو له ذلك، إال أين أطمع أن خيف عنه بعض املرض، إال ه ما يصلح، وأعطيته بالغت يف مداواته ما أمكنين القيام عليه بنفسي؛ ومن مل أقدر على القيام عليه وصفت ل

ومل أرد ممن فعلت معه ذلك جزاء وال مكافأة؛ ومل أغبط أحدا من نظرائي الذين هم . من الدواء ما يعاجل بهملا تاقت . دوين يف العلم وفوقي يف اجلاه واملال وغريمها مما ال يعود بصالح وال حسن سرية قوال وال عمال

يا نفس، أما تعرفني نفعك من ضرك؟ أال : ت هلا اخلصومة ؛ فقلت هلانفسي إىل غشياهنم ومتنت منازهلم أثبتنتهني عن متين ما ال يناله أحد إال قل انتفاعه به، وكثر عناؤه فيه، واشتدت املئونة عليه وعظمت املشقة

من فينسيك ما تشرهني إليه منها؟ أال تستحبني : لديه بعد فراقه؟ يا نفسي، أما تذكرين ما بعد هذه الدارمشاركة الفجار يف حب هذه العاجلة الفانية اليت من كان يف يده شيء منها فليس له، وليس بباق عليه؛ فال

يألفها إال املغترون اجلاهلون؟ يا نفس انظري يف أمرك، وانصريف عن هذا السفه، وأقبلي بقوتك وسعيك ت، وأنه مملوء أخالطا فاسدة قذرة، على تقدمي اخلري، وإياك والشر، واذكري أن هذا اجلسد موجود آلفا

تعقدها احلياة، واحلياة إىل نفاد؛ كالصنم املفصلة أعضاؤه إذا ركبت ووضعت، جيمعها مسمار واحد، ويضم يا نفس، ال تغتري بصحبة أحبائك . يعضها إىل بعض، فإذا أخذ ذلك املسمار تساقطت األوصال

كثرية املئونة، - على ما فيها من السرور -فإن صحبتهم : وأصحابك، وال حترصي على ذلك كل احلرصومثلها مثل املغرفة اليت تستعمل يف جدهتا لسخونة املرق، فإذا انكسرت صارت . وعاقبة ذلك الفراق

Page 20: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

يا نفس، ال حيملنك أهلك وأقاربك على مجع ما هتلكني فيه، إرادة صلتهم؛ فإذا أنت كالدخنة . وقودايا نفس، ال يبعد الكثري باليسري؛ كالتاجر الذي كان له ملء بيت . ب آخرون برحيهااألرجة اليت حتترق ويذه

وقد وجدت آراء الناس خمتلفة . إن بعته وزنا طال علي، فباعه جزافا بأخبس الثمن: من الصندل، فقالأجد إىل متابعة فلما رأيت ذلك مل. وأهواءهم متباينة؛ وكل على كل راد، وله عدو ومغتاب، ولقوله خمالف

أحد منهم سبيال؛ وعرفت أين إن صدقت أحدا منهم ال علم يل حباله، كنت يف ذلك كاملصدق املخدوع الذي زعموا يف شأنه أن سارقا عال ظهر بيت رجل من األغنياء، وكان معه مجاعة من أصحابه، فاستيقظ

رويدا إين ألحسب اللصوص علوا البيت، :صاحب املنزل من حركة أقدامهم، فعرف امرأته ذلك؛ فقال هلافأيقظيين بصوت يسمعه اللصوص وقويل أال ختربين أيها الرجل عن أموالك هذه الكثرية وكنوزك العظيمة؟

ففعلت املرأة ذلك وسألته كما أمرها؛ وأنصتت اللصوص . فإذا هنيتك عن هذا السؤال فأحلي علي بالسؤالفكلي واسكيت، وال : أيتها املرأة، قد ساقك القدر إىل رزق واسع كثري: فقال هلا الرجل. إىل مساع قوهلما

تسأيل عن أمر إن أخربتك به مل آمن من أن يسمعه أحد، فيكون يف ذلك ما أكره

فإين أخربك أين : فقال هلا. أخربين أيها الرجل، فلعمري ما بقربنا أحد يسمع كالمنا: فقالت املرأة. وتكرهنيذلك لعلم أصبته يف : وكيف كان ذلك؟ وما كنت تصنع؟ قال: قال. موال إال من السرقةمل أمجع هذه األ

أخربين أيها : فقالت املرأة. ين.السرقة، وكان األمر علي يسريا، وأنا آمن من أن يتهمين أحد أو يرتاب يف. األموال إال من السرقة فإين أخربك أين مل أمجع هذه: فقال هلا. الرجل، فلعمري ما بقربنا أحد يسمع كالمنا

ذلك لعلم أصبته يف السرقة، وكان األمر علي يسريا، وأنا : وكيف كان ذلك؟ وما كنت تصنع؟ قال: قال .آمن من أن يتهمين أحد أو يرتاب يف

كنت أذهب يف الليلة املقمرة، أنا وأصحايب، حىت أعلو داء بعض األغنياء : فاذكر يل ذلك، قال: قالتي إىل الكوة اليت يدخل منها الضوء فأرقي هبذه الرقية وهي شومل شومل سبع مرات، وأعتنق مثلنا؛ فأنته

وأعتنق . مث أرقي بتلك الرقية سبع مرات. الضوء؛ فال حيس بوقوعي أحد، فال أدع ماال وال متاعا إال أخذتهقد ظفرنا الليلة : قالوا فلما مسع اللصوص ذلك. الضوء فيجذبين؛ فأصعد إىل أصحايب، فنمضي ساملني آمنني

مبا نريد من املال؛ مث إهنم أطالوا املكث حىت ظنوا أن صاحب الداء وزوجته قد هجعا؛ فقام قائدهم إىل شومل شومل سبع مرات؛ مث اعتنق الضوء لينزل إىل أرض املنزل، فوقع على أم رأسه : مدخل الضوء؛ وقال

أنا املصدق املخدوع املغتر ميا ال يكون أبدا؛ : أنت؟ قال من: فوثب إليه الرجل هبراوته، وقال له. منكسافلما حترزت من تصديق ما ال يكون، ومل آمن إن صدقته أن يوقعين يف مهلكة عدت إىل . وهذه مثرة رقيتك

طلب األديان والتماس العدل منها؛ فلم أجد عند أحد ممن كلمته جوابا فيما سألته عنه فيها، ومل أر فيما فقلم ملا مل أجد ثقة آخذ منه، الرأي أن ألزم دين . به شيئا حيق يل يف عقلي أن أصدق به وال أن أتبعهكلموين

فلما ذهبت التمس العذر لنفسي يف لزوم دين اآلباء واألجداد، مل أجد . آبائي وأجدادي الذي وجدهتم عليهبحث عن األديان واملسألة عنها، وللنظر هلا على الثبوت على دين اآلباء طاقة؛ بل وجدهتا تريد أن تتفرغ لل

فيها؛ فهجس يف قليب وخطر على بايل قرب األجل وسرعة انقطاع الدنيا واعتباط أهلها وحتزم الدهر

Page 21: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

فلما خفت من التردد والتحول، رأيت أال أتعرض ملا أختوف منه املكروه؛ وأن . ففكرت يف ذلك. حياهتمفكففت يدي عن القتل والضرب، وطرحت نفسي . األديان أقتصر على عمل تشهد النفس أنه يوافق كل

عن املكروه والغضب والسرقة واخليانة والكذب والبهتان والغيبة، وأضمرت يف نفسي أال أبغي على أحد، وال أكذب بالبعث وال القيامة وال الثواب وال العقاب؛ وزايلت األشرار بقليب، وحاولت اجللوس مع

الح ليس كمثله صاحب وال قرين، ووجدت مكسبه إذا وفق اهللا وأعان يسريا؛ األخيار جبهدي، ورأيت الصووجدته ال ينقص على اإلنفاق منه؛ بل يزداد جدة وحسنا؛ ووجدته ال خوف عليه من السلطان أن يغصبه،

طري وال من املاء أن يغرقه، وال من النار أن حترقه، وال من اللصوص أن تسرقه، وال من السباع وجوارح الأن متزقه؛ووجدت الرجل الساهي الالهي املؤثر اليسري يناله يف يومه ويعدمه يف غده على الكثري الباقي

نعيمه، يصيبه ما أصاب التاجر الذي زعموا أنه كان له جوهر نفيس، فاستأجر لثقبه رجال، اليوم مبائة دينار؛ هل حتسن أن تلعب : فقال التاجر للصانع. وضوعوانطلق به إىل املنزل ليعمل؛ وإذا يف ناحية البني صنج م

فأخذ الرجل الصنج، . دونك الصنج فأمسعنا ضربك به: فقال التاجر. وكان بلعبه ماهرا. بالصنج؟ قال نعم. ومل يزل يسمع التاجر الضرب الصحيح، والصوت الرفيع، والتاجر يشري بيده ورأسه طربا، حىت أمسى

وهل عملت شيئا تستحق به : فقال له التاجر. مر يل باألجرة: ل للتاجرفلما حان وقت الغروب قال الرجعملت ما أمرتين به، وأنا أجريك، وما استعملتين عملت؛ ومل يزل به حىت استوىف منه مائة : األجرة؟ فقال له

. ربافم أزدد يف الدنيا وشهواهتا نظرا، إال ازددت فيها زهادة ومنها ه. وبقي جوهره غري مثقوب. دينارووجدت النسك هو الذي ميهد للمعاد كما ميهد الوالد لولده؛ ووجدته هو الباب املفتوح إىل النعيم

املقيم؛ووجدت الناسك قد تدبر فعلته بالسكينة فشكر؛ وتواضع وقنع فاستغىن، ورضي ومل يهتم، وخلع احملبة، وسخت نفسه بك الدنيا فنجا من الشرور، ورفض الشهوات فصار طاهرا، واطرح احلسد فوجبت له

فلم أزدد يف . شيء؛ واستعمل العقل وأبصر العاقبة فأمن الندامة، ومل خيف الناس ومل يدب إليهم فسلم منهممث ختوفت أال أصرب على عيش . أمر النسك نظرا، إال ازددت فيه رغبة، حىت مهمت أن أكون من أهله

أن أضعف عن ذلك؛ ورفضت إعماال كنت أرجو الناسك، ومل آمن إن تركت الدنيا وأخذت يف النسك،عائدهتا؛ وقد كنت أعملها فأنتفع هبا يف الدنيا، فيكون مثلي يف ذلك مثل الكلب الذي مر بنهر ويف فيه

فهبت النسك مهابة . ضلع، فرأى ظلها يف املاء، فهوى ليأخذها، فأتلف ما كان معه؛ ومل جيد يف املاء شيئا مث بدا يل. ر وقلة الصرب، وأردت الثبوت على حاليت اليت كنت عليهاشديدة، وخفت من الضج

أن أسرب ما أخاف أال أصرب عليه من األذى والضيق واخلشونة يف النسك؛ وما يصيب صاحب الدنيا من . البالء؛ وكان عندي أنه ليس شيء من شهوات الدنيا ولذاهتا إال وهو متحول إىل األذى ومولد للحزن

. اء امللح الذي يصيبه الكلب فيجد فيه ريح اللحم؛ فال يزال يطلب ذلك حىت يدمي فاهفالدنيا كاملوكاحلدأة اليت تظفر بقطعة من اللحم، فيجتمع عليها الطري، فال تزال تدور وتدأب حىت تعيا وتتعب؛ فإذا

وآخره موت وكالكوز من العسل الذي يف أسفله السم الذي يذاق منه حالوة عاجلة. تعبت ألقت ما معهافلما فكرت يف هذه . ذعاف ، وكأحالم النائم اليت يفرح هبا اإلنسان يف نومه، فإذا استيقظ ذهب الفرح

Page 22: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

األمور، رجعت إىل طلب النسك، وهزين االشتياق إليه؛ مث خاصمت نفسي إذ هي يف شرورها سارحة، وقد ه، فلما خضر اخلصم الثاين عاد إىل األول كقاض مسع من خصم واحد فحكم ل: ال تثبت على أمر تعزم عليه

ما أصغر هذه املشقة يف جانب : مث نظرت يف الذي أكابده من احتمال النسك وضيقه؛ فقلت. وقضى عليهما أمر هذا وأوجعه، وهو يدفع : مث نظرت فيما تشره إليه النفس من لذة الدنيا، فقلت. روح األبد وراحته

يستحلي الرجل مرارة قليلة تعقبها حالوة طويلة؟ وكيف ال متر عليه وكيف ال! إىل عذاب األبد وأهوالهلو أن رجال عرض عليه أن يعيش مائة سنة، ال يأيت عليه يوم واحد : حالوة قليلة تعقبها مرارة دائمة؟ وقلت

ائة، جنا من كل أمل إال بضع منه بضعة ؛ مث أعيد عليه من الغد؛ غري أنه يشرط له، أنه إذا استوىف السنني املأسرب ما أخاف أال أصرب عليه من . وأذى، وصار إىل األمن والسرور، كان حقيقا أال يرى تلك السنني شيئا

األذى والضيق واخلشونة يف النسك؛ وما يصيب صاحب الدنيا من البالء؛ وكان عندي أنه ليس شيء من فالدنيا كاملاء امللح الذي يصيبه الكلب . د للحزنشهوات الدنيا ولذاهتا إال وهو متحول إىل األذى ومول

وكاحلدأة اليت تظفر بقطعة من اللحم، فيجتمع . فيجد فيه ريح اللحم؛ فال يزال يطلب ذلك حىت يدمي فاهوكالكوز من العسل الذي . عليها الطري، فال تزال تدور وتدأب حىت تعيا وتتعب؛ فإذا تعبت ألقت ما معها

يذاق منه حالوة عاجلة وآخره موت ذعاف ، وكأحالم النائم اليت يفرح هبا اإلنسان يف أسفله السم الذي فلما فكرت يف هذه األمور، رجعت إىل طلب النسك، وهزين االشتياق . يف نومه، فإذا استيقظ ذهب الفرح

من خصم كقاض مسع: إليه؛ مث خاصمت نفسي إذ هي يف شرورها سارحة، وقد ال تثبت على أمر تعزم عليهمث نظرت يف الذي أكابده من احتمال . واحد فحكم له، فلما خضر اخلصم الثاين عاد إىل األول وقضى عليه

مث نظرت فيما تشره إليه النفس . ما أصغر هذه املشقة يف جانب روح األبد وراحته: النسك وضيقه؛ فقلتوكيف ال يستحلي الرجل ! ألبد وأهوالهما أمر هذا وأوجعه، وهو يدفع إىل عذاب ا: من لذة الدنيا، فقلت

لو أن رجال : مرارة قليلة تعقبها حالوة طويلة؟ وكيف ال متر عليه حالوة قليلة تعقبها مرارة دائمة؟ وقلتعرض عليه أن يعيش مائة سنة، ال يأيت عليه يوم واحد إال بضع منه بضعة ؛ مث أعيد عليه من الغد؛ غري أنه

إذا استوىف السنني املائة، جنا من كل أمل وأذى، وصار إىل األمن والسرور، كان حقيقا أال يرى يشرط له، أنه .تلك السنني شيئا

وكيف يأىب الصرب على أيام قالئل يعيشها يف النسك، وأذى تلك األيام قليل يعقب خريا كثريا؟ فلنعلم أن ب يف عذاب الدنيا من حني يكون جنينا إىل أن يستويف أوليس اإلنسان إمنا يتقل. الدنيا كلها بالء وعذاب

إن جاع فليس به استطعام، أو عطش فليس به استسقاء، : أيام حياته؟ فإذا كان طفال ذاق من العذاب ألواناأو وجع فليس به استغاثة؛ مع ما يلقى من الوضع واحلمل واللف والدهن واملسح؛ إن أنيم على ظهره مل

مث يلقى أصناف العذاب مادام رضيعا، فإذا أفلت من هذا الرضاع، أخذ يف عذاب األدب، يستطع تقلبا؛من عنف املعلم، وضجر الدرس، وسآمة الكتابة؛ مث له من الدواء واحلمية واألسقام : فأذيق من ألوانا

عي والكد فإذا أدرك كانت مهته يف مجع املال وتربية الولد وخماطرة الطلب والس. واألوجاع أوىف حظوهي الصفراء والسوداء والريح والبلغم والدم : وهو مع ذلك يتقلب مع أعدائه الباطنية الالزمة له. والتعب

Page 23: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

والسم املميت واحلية الالذعة؛ مع اخلوف من السباع واهلوام؛ مع صرف احلر والربد واملطر والرياح؛ مث يئا، وكان قد أمن ووثق بالسالمة منها فلم يفكر فلو مل خيف من هذه األمور ش. أنواع عذاب اهلرم ملن يبلغه

فيها، لوجب عليه أن يعترب بالساعة اليت حيضره فيها املوت، فيفارق الدنيا؛ ويتذكر ما هو نازل به يف تلك من فراق األحبة واألهل واألقارب وكل منون به من الدنيا، واإلشراف على اهلول العظيم بعد : الساعةذلك، لكان حقيقا أن يعد عاجزا مفرطا حمبا للدناءة مستحقا للوم؛ فمن ذا الذي يعلم فلو مل يفعل. املوت

وال حيتال لغد جهده يف احليلة، ويرفض ما يشغله ويلهيه من شهوات الدنيا وغرورها؟ و السيما يف هذا مة بليغ الفحص، عدال الزمان الشبيه بالصايف وهو كدر فإنه وإن كان امللك حازما عظيم املقدرة، رفيع اهل

مرجوا صدوقا شكورا، رحب الذراع مفتقدا مواظبا مستمرا عاملا بالناس واألمور، حمبا للعلم واخلري واألخيار، شديدا على الظلمة، غري جبان و خفيف القياد، رفيقا بالتوسع على الرعية فيما حيبون، والدفع ملا

بكل مكان، فكأن أمور الصدق قد نزعت من الناس، فأصبح ما كان يكرهون؛ فإنا قد نرى الزمان مدبراوكأن . وكأن اخلري أصبح ذابال والشر أصبح ناضرا. عزيزا فقده مفقودا، وموجودا ما كان ضائرا وجوده

وكأن اتباع اهلوى وإضاعة احلكم . وكأن احلق وىل كسريا وأقبل الباطل تابعه. الفهم أصبح قد زالت سبلهوكأن احلرص أصبح فاغرا فاه . ح باحلكام موكال؛ وأصبح املظلوم باحليف مقرا والظامل لنفسه مستطيالأصب

وكأن األشرار يقصدون السماء . وكأن الرضا أصبح جمهوال. من كل وجهة يتلقف ما قرب منه وما بعدأصبح السلطان منتقال عن وكأن األخيار يريدون بطن األرض؛ وأصبحت الدناءة مكرمة ممكنة؛ و. صعودا

فلما . قد غيبت اخلريات وأظهرت السيئات: وكأن الدنيا جذلة مسرورة تقول. أهل الفضل إىل أهل النقصفكرت يف الدنيا وأمورها؛ وأن اإلنسان هو أشرف اخللق فيها وأفضله؛ مث هو ال يتقلب إال يف الشرور

ال حيتال لنفسه يف النجاة؛ فعجبت من ذلك كل واهلموم، عرفت أنه ليس إنسان ذو عقل يعلم ذلك مثمث نظرت فإذا اإلنسان ال مينعه عن االحتيال لنفسه إال لذة صغرية حقرية غري كبرية من الشم . العجب

فعله يصيب منها الطفيف أو يقتين منها اليسري؛ فإذا ذلك يشغله ويذهب : والذوق والنظر والسمع واللمس .وطلب النجاة هلابه عن االهتمام لنفسه

فالتمست لإلنسان مثال، فإذا مثله مثل رجل جنا من خوف فيل هائج إىل بئر، فتدىل فيها، وتعلق بغصنني فإذا حيات أربع قد أخرجن رءوسهن من . كانا على مسائها، فوقعت رجاله على شيء يف طي البئر

له ليقع فيأخذه؛ فرفع بصره إىل الغصنني فإذا يف أحجارهن، مث نظر فإذا يف قاع البئر تنني فاتح فاه منتظر أصلهما جرذان أسود وأبيض، ومها يقرضان الغصنني دائبني ال يفتران، فبينما هو يف النظر ألمره واالهتمام لنفسه، إذا أبصر قريبا منه كوارة فيها عسل حنل؛ فذاق العسل، فشغلته حالوته وأهلته لذته عن الفكرة يف

، وأن يلتمس اخلالص لنفسه؛ ومل يذكر أن رجليه على حيات أربع ال يدري مىت يقع عليهن؛ شيء من أمرهفلم يزل الهيا غافال مشغوال . ومل يذكر أن اجلرذين دائبان يف قطع الغصنني؛ ومىت انقطعا وقع على التنني

ت وشرورا، وخمافات فشبهت بالبئر الدنيا اململوءة آفا. بتلك احلالوة حىت سقط يف فم التنني فهلكفإهنا مىت هاجت أو أحدها كانت كحمة : وعاهات؛ وشبهت باحليات األربع األخالط األربعة اليت يف البدن

Page 24: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

األفاعي والسم املميت؛ وشبهت باجلرذين األسود واألبيض الليل والنهار اللذين مها دائبان يف إفناء األجل؛ هت بالعسل هذه احلالوة القليلة اليت ينال منها اإلنسان فيطعم وشبهت بالتنني املصري الذي ال بد منه؛ وشب

فحينئذ صار أمري . ويسمع ويشم ويلمس، ويتشاغل عن نفسه، ويلهو عن شأنه، ويصد عن سبيل قصدهلعلي أصادف باقي أيامي زمانا أصيب فيه دليال : إىل الرضا حبايل وإصالح ما استطعت إصالحه من عملي

على نفسي، وقواما ألمري، فأقمت على هذه احلال وانتسخت كتبا كثرية؛ وانصرفت على هداي، وسلطانا .من بالد اهلند، وقد نسخت هذا الكتاب

باب األسد والثور وهو أول الكتاب

اضرب لنا مثال ملتحابني يقطع بينهما الكذوب : قال دبشليم امللك لبيدبا الفيلسوف، وهو رأس الربامهةإذا ابتلي املتحابان بأن يدخل بينهما الكذوب : قال بيدبا. لهما على العداوة والبغضاءاحملتال، حىت حيم

. ومن أمثال ذلك أنه كان بأرض دستاوند رجل شيخ وكان له ثالثة بنني. احملتال، مل يلبثا أن يتقاطعا ويتدابرافالمهم . نفسهم هبا خريافلما بلغوا أشدهم أسرفوا يف مال أبيهم؛ ومل يكونوا احترفوا حرفة يكسبون أل

يا بين إن صاحب الدنيا يطلب ثالثة أمور لن : أبوهم؛ ووعظهم على سوء فعلهم؛ وكان من قوله هلمأما الثالثة اليت يطلب، فالسعة يف الرزق واملنزلة يف الناس والزاد لآلخرة؛ وأما : يدركها إال بأربعة أشياء

ثة، فاكتساب املال من أحسن وجه يكون، مث حسن القيام على ما األربعة اليت حيتاج إليها يف درك هذه الثالاكتسب منه، مث استثماره، مث إنفاقه فيما يصلح املعيشة ويرضي األهل واإلخوان، فيعود عليه نفعه يف

ألنه إن مل يكتسب، مل يكن مال يعيش : فمن ضيع شيئا من هذه األحوال مل يدرك ما أراد من حاجته. اآلخرةهو كان ذا مال واكتساب مث مل حيسن القيام عليه، أوشك املال أن يفىن ويبقى معدما؛ وإن هو به؛ وإن

كالكحل الذي ال يؤخذ منه إال غبار امليل مث هو : وضعه ومل يستثمره، مل تنعه قلة اإلنفاق من سرعة الذهابيف مواضع استحقاقه، صار وإن أنفقه يف غري وجهه، ووضعه يف غري موضعه، وأخطأ . مع ذلك سريع فناؤه

مبنزلة الفقري الذي ال مال له؛ مث ال مينع ذلك ماله من التلف باحلوادث والعلل اليت جتري عليه؛ كمحبس املاء الذي ال تزال املياه تنصب فيه، فإن مل يكن له خمرج ومفيض ومتنفس خيرج املاء منه بقدر ما ينبغي،

مث أنبين الشيخ اتعظوا بقول . انبثق البثق العظيم فذهب املاء ضياعا خرب وسال ونز من نواح كثرية، ورمباأبيهم وأخذوا به وعلموا أن فيه اخلري وعولوا عليه؛ فانطلق أكربهم حنو أرض يقال هلا ميون؛ فأتى يف طريقه

ل شتربة على مكان فيه وحل كثري؛ وكان معه عجلة جيرها ثوران يقال ألحدمها شتربة ولآلخر بندبة، فوحيف ذلك املكان، فعاجله الرجل وأصحابه حىت بلغ منهم اجلهد، فلم يقدروا على إخراجه؛ فذهب الرجل

فلما بات الرجل بذلك املكان، تربم به . لعل الوحل ينشف فيتبعه بالثور: وخلف عنده رجال يشارفهإن اإلنسان إذا انقضت مدته : واستوحش؛ فترك الثور والتحق بصاحبه، فأخربه أن الثور قد مات؛ وقال له

وحانت منيته فهو وإن اجتهد يف التوقي من األمور اليت خياف فيها على نفسه اهلالك مل يغن ذلك عنه شيئا؛ . ورمبا عاد اجتهاده يف توقيه وحذره وباال عليه

Page 25: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

ض إن رجال سلك مفازة فيها خوف من السباع؛ وكان الرجل خبريا بوعث تلك األر: كالذي قيلوخوفها؛ فلما سار غري بعيد اعترض له ذئب من أحد الذئاب وأضراها؛ فلما رأى الرجل أن الذئب قاصد

حنوه خاف منه، ونظر ميينا ومشاال ليجد موضعا يتحرز فيه من الذئب فلم ير إال قرية خلف واد؛ ورأى ق، لوال أن بصر به قوم من أهل الذئب قد أدركه، فألقى نفسه يف املاء، وهو ال حيسن السباحة، وكاد يغر

القرية؛ فتواقعوا إلخراجه فأخرجوه، وقد أشرف على اهلالك؛ فلما حصل الرجل عندهم وأمن على نفسه فلما دخله وجد . أدخل هذا البيت فأستريح فيه: من غائلة الذئب رأى على عدوة الوادي بيتا مفردا؛ فقال

وهم يقتسمون ماله؛ ويريدون قتله؛ فلما رأى . ل من التجارمجاعة من اللصوص قد قطعوا الطريق على رجالرجل ذلك خاف على نفسه ومضى حنو القرية؛ فأسند ظهره إىل حائط من حيطاهنا ليستريح مما حل به من

وأما الثور فإنه . صدقت؛ قد بلغين هذا احلديث: قال التاجر. اهلول واإلعياء، إذ سقط احلائط عليه فماتفلم يزل يف مرج خمصب كثري املاء والكأل؛ فلما مسن وأمن جعل خيور ويرفع . وانبعثخلص من مكانه وكان قريبا منه أمجة فيها أسد عظيم؛ وهو ملك تلك الناحية، ومعه سباع كثرية وذئاب . صوته باخلوار

فلما مسع . من أصحابهوبنات آوى وثعالب وفود ومنور؛ وكان هذا األسد منفردا برأيه دون أخذ برأي أحد خوار الثور، ومل يكن رأى ثورا قط، وال مسع خواره؛ ألنه كان مقيما مكانه ال يربح وال ينشط؛ بل يؤتى

وكان فيمن معه من السباع ابنا آوى يقال ألحدمها كليلة ولآلخر دمنة؛ . برزقه كل يوم على يد جندهيا أخي ما شأن األسد مقيما مكانه ال يربح وال : لةفقال دمنة ألخيه كلي. وكانا ذوي دهاء وعلم وأدب

ما شأنك أنت واملسألة عن هذا؟ حنن على باب ملكنا آخذين مبا أحب وتاركني ملا : ينشط؟ قال له كليلةفأمسك عن هذا، واعلم أنه . يكره؛ ولسنا من أهل املرتبة اليت يتناول أهلها كالم امللوك والنظر يف أمورهم

وكيف كان : قال دمنة. ل والفعل ما ليس من شأنه أصابه ما أصاب القرد من النجارمن تكلف من القومث إن . زعموا أن قردا رأى جنارا يشق خشبة بني وتدين، وهو راكب عليها؛ فأعجبه ذلك: ذلك؟ قال كليلة

وتد، فقام القرد؛ وتكلف ما ليس من شغله، فركب اخلشبة، وجعل ظهره قبل ال. النجار ذهب لبعض شأنهفكان ما لقي من . ووجهه قبل اخلشبة؛ فتدىل ذنبه يف الشق، ونزع الوتد فلزم الشق عليه فخر مغشيا عليه

قد مسعت ما ذكرت، ولكن اعلم أن كل من يدنو : قال دمنة. النجار من الضرب أشد مما أصابه من اخلشبةوإن من الناس من ال مروءة . ت العدومن امللوك ليس يدنو منهم لبطنه، وإمنا يدنو منهم ليسر الصديق ويكب

وأما أهل . له؛ وهم الذين يفرحون بالقليل ويرضون بالدون؛ كالكلب الذي يصيب عظما يابسا فيفرح بهالفضل واملروءة فال يقنعهم القليل، وال يرضون به، دون أن تسموا به نفوسهم إىل ما هم أهل له، وهو أيضا

ألرنب، فإذا رأى البعري تركها وطلب البعري، أال ترى أن الكلب يبصبص هلم أهل؛ كاألسد الذي يفترس احىت ترمى له الكسرة، وأن الفيل املعترف بفضله وقوته إذا قدم إليه علفه ال يعتلفه حىت ميسح . بذنبه

. قمن عاش ذا مال وكان ذا فضل وإفضال على أهله وإخوانه فهو وإن قل عمره طويل العمر. ويتملق لهومن عمل لبطنه وقنع وترك ما . كان يف عيشه ضيق وقلة وإمساك على نفسه وذويه فاملقبور أحيا منهومن

.سوى ذلك عد من البهائم

Page 26: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

فإن كان يف منزلته اليت . قد فهمت ما قلت؛ فراجع عقلك، واعلم أن لكل إنسان منزلة وقدرا: قال كليلةإن : قال دمنة. نا من املنزلة ما حيط حالنا اليت حنن عليهاوليس ل. هو فيها متماسكا، كان حقيقا أن يقنع

املنازل متنازعة مشتركة على قدر املروءة؛ فاملرء ترفعه مروءته من املنزلة الوضيعة إىل املنزلة الرفيعة؛ ومن ال ديد، واالحنطاط إن االرتفاع إىل املنزلة الشريفة ش. مروءة له حيط نفسه من املنزلة الرفيعة إىل املنزلة الوضيعة

فنحن أحق أن نروم . رفعه من األرض إىل العاتق عسر، ووضعه إىل األرض هني: منه مهني؛ كاحلجر الثقيل: مث كيف نقنع هبا وحنن نستطيع التحول عنها؟ قال كليلة. ما فوقنا من املنازل، وأن نلتمس ذلك مبروءتنا

. فإن األسد ضعيف الرأي: رض ألسد عند هذه الفرصةأريد أن أتع: فما الذي اجتمع عليه رأيك؟ قال دمنةوما يدريك أن األسد قد التبس : قال كليلة. ولعلي على هذه احلال أدنو منه فأصيب عنده منزلة ومكانة

فإن الرجل ذا الرأي يعرف حال صاحبه وباطن أمره : باحلس والرأي أعلم ذلك منه: عليه أمره؟ قال دمنةفكيف ترجو املنزلة عند األسد ولست بصاحب السلطان، وال لك : قال كليلة. لهمبا يظهر له من دله وشك

الرجل الشديد القوي ال يعجزه احلمل الثقيل، وإن مل تكن عادته احلمل؛ : علم خبدمة السالطني؟ قال دمنةفإن السلطان ال يتوخى بكرامته : قال كليلة. والرجل الضعيف ال يستقل به وإن كان ذلك من صناعته

إن مثل السلطان يف ذلك مثل شجر الكرم : ويقال. فضالء من حبضرته؛ ولكنه يؤثر األدىن ومن قرب منهقد فهمت : وكيف ترجو املنزلة عند األسد ولست تدنو منه؟ قال دمنة. الذي ال يعلق إال بأقرب الشجر

ذلك يف موضعه لكن اعلم أن الذي هو قريب من السلطان وال. كالمك مجيعه وما ذكرت، وأنت صادقوقد . وال تلك منزلته، ليس كمن دنا منه بعد البعد وله حق وحرمة؛ وأنا ملتمس بلوغ مكانتهم جبهدي

ال يواظب على باب السلطان إال من يطرح األنفة وحيمل األذى ويكظم الغيظ ويرفق بالناس ويكتم : قيلإىل األسد، فما توفيقك عنده الذي هبك وصلت: قال كليلة. السر؛ فإذا وصل إىل ذلك فقد بلغ مراده

لو دنوت منه وعرفت أخالقه، لرفقت يف متابعته وقلة : ترجو أن تنال به املنزلة واحلظوة لديه؟ قال دمنةوإذا أراد أمرا هو يف نفسه صواب، زينته له وصربته عليه، وعرفته مبا فيه من النفع واخلري؛ . اخلالف له

وإذا أراد أمرا مبا فيه الضر والشني، وأوقفته على . حىت يزداد به سرورا وشجعته عليه وعلى الوصول إليه،وأنا أرجو أن أزداد بذلك عند األسد مكانة ويرى . ما يف تركه من النفع والزين، حبسب ما أجد إليه السبيل

كاملصور : فإن الرجل األديب الرفيق لو شاء أن يبطل حقا أو حيق باطال لفعل: مين ما ال يراه من غريي. املاهر الذي يصور يف احليطان صورا كأهنا خارجة وليست خبارجة، وأخرى كأهنا داخلة وليست بداخلة

وقد قالت . أما إن قلت هذا أو قلت هذا فإن أخاف عليك من السلطان فإن صحبته خطرة: قال كليلةصحبة السلطان، : ن إال قليل، وهيإن أمورا ثالثة ال جيترئ عليهن إال أهوج، وال يسلم منه: العلماء

وإمنا شبه العلماء السلطان باجلبل الصعب املرتقى . وائتمان النساء على األسرار، وشرب السم للتجربةوهو مع ذلك معدن السباع والنمور والذئاب . الذي فيه الثمار الطيبة واجلواهر النفيسة واألدوية النافعة

صدقت فيما ذكرت؛ غري أنه من مل : قال دمنة. يد، واملقام فيه أشدفاالرتقاء إليه شد. وكل ضار خموفيركب األهوال، مل ينل الرغائب؛ ومن ترك األمر الذي لعله يبلغ فيه حاجته هيبة وخمافة ملا لعله أن يتوقاه،

منها : خطرإن خصاال ثالثا لن يستطيعها أحد إال ميعونة من علو مهة وعظيم : وقد قيل. فليس ببالغ جسيما

Page 27: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

إن ال يرى إال يف : وقد قالت العلماء يف الرجل الفاضل الرشيد. عمل السلطان وجتارة البحر ومناجزة العدوإما مع امللوك مكرما، وإما مع النساك متعبدا، كالفيل إمنا مجاله وهباؤه يف : مكانني، وال يليق به غريمها

.خار اهللا لك فيما عزمت عليه: قال كليلة. كإما أن تراه وحشيا وإما مركبا للملو: مكانتني

. من هذا؟ فقال فالن بن فالن: فقال األسد لبعض جلسائه. مث إن دمنة انطلق حىت دخل األسد فسلم عيهمل أزل مالزما باب امللك، رجاء أن حيضر أمر فأعني : مث سأله أين تكون؟ قال. قد كنت أعرف أباه: قال

أبواب امللك تكثر فيها األمور اليت رمبا حتتاج فيها إىل الذي ال يؤبه له؛ وليس فإن : امللك به بنفسي ورأييأحد يصغر أمره إال وقد يكون عنده بعض الغناء واملنافع على قدره؛ حىت العود امللقى يف األرض رمبا نفع،

ده نصيحة فلما مسع األسد قول دمنة أعجبه، وظن أن عن. فيأخذه الرجل فيكون عدته عند احلاجة إليهإن الرجل ذا العلم واملروءة يكون خامل الذكر خافض املنزلة، فتأىب : فأقبل على من حضر فقال. ورأيا

فلما عرف دمنة أن األسد . منزلته إال أن تشب وترتفع؛ كالشعلة من النار يضرهبا صاحبها وتأىب إال ارتفاعاإن : وقد يقال. ن يعرف ما عندها من علم وافرإن رعية امللك حتضر باب امللك، رجاء أ: قد عجب منه قالوإن كثرة األعوان إذا مل يكونوا خمتربين رمبا . فضل املقاتل على املقاتل والعامل على العامل: الفضل يف أمرين

ومثل ذلك مثل . فإن العمل ليس رجاؤه بكثرة األعوان ولكن بصاحلي األعوان: تكون مضرة على العملوالرجل الذي حيتاج إىل اجلذوع ال جيزئه . جر الثقيل، فيقل به نفسه، وال جيد له مثناالرجل الذي حيمل احل

فإن : فأنت اآلن أيها امللك حقيق أال حتقر مروءة أنت جتدها عند رجل صغري املنزلة. القصب وإن كثرك وحتتاج إليه يف الصغري رمبا عظم، كالعصب يؤخذ من امليتة فإذا عمل منه القوس أكرم، فتقبض عليه امللو

.البأس واللهوألهنم عرفوا قبل ذلك : وأحب دمنة أن يري القوم أن ما ناله من كرامة امللك غنما هو لرأيه ومروءته وعقله

إن السلطان ال يقرب الرجال لقرب آبائهم، وال يبعدهم لبعدهم، ولكن ينبغي : أن ذلك ملعرفته أباه، فقالنه ال شيء أقرب إىل الرجل من جسده ومن جسده ما يدوى حىت يؤذيه أل: أن ينظر إىل كل رجل مبا عنده

.وال يدفع ذلك عنه إال بالدواء الذي يأتيه من بعدمث قال . فلما فرغ دمنة من مقالته هذه أعجب امللك به إعجابا شديدا، وأحسن الرد عليه، وزاد يف كرامته

رجل طبعه : والناس يف ذلك رجالن. قوقينبغي للسلطان أال يلج يف تضييع حق ذوي احل: جللسائهالشراسة، فهو كاحلية إن وطئها الواطئ فلم تلدغه، مل يكن جديرا أن يغره ذلك منها، فيعود إىل وطئها ثانية

.فتلدغه؛ ورجل أصل طباعه السهولة، فهو كالصندل البارد الذي إذا أفرط يف حكه صار حارا مؤذياأرى امللك قد أقام يف مكان واحد ال يربح منه، فما سبب : فقال يوما. ال بهمث إن دمنة استأنس باألسد وخ

فهيج األسد وكره أن خيرب دمنة مبا ناله؛ وعلم : ذلك؟ فبينما مها يف هذا احلديث إذ خار شتربة خوارا شديداوت؟ قال مل هل راب امللك مساع هذا الص: فسأله. دمنة أن ذلك الصوت قد أدخل على األسد ريبة وهيبة

إن : فقد قالت العلماء. ليس امللك حبقيق أن يدع مكانه ألجل صوت: قال دمنة. يربين شيء سوى ذلك وما مثل ذلك؟: قال األسد. ليس من كل األصوات جتب اهليبة

Page 28: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

زعموا أن ثعلبا أتى أمجة فيها طبل معلق على شجرة، وكلما هبت الريح على قضبان تلك : قال دمنةحركتها، فضربت الطبل فسمع له صوت عظيم؛ فتوجه الثعلب حنوه ألجل ما مسع من عظم الشجرية

فلما رآه أجوف ال . فعاجله حىت شقه. صوته؛ فلما أتاه وجده ضخما، فأيقن يف نفسه بكثرة الشحم واللحماملثل لتعلم وإمنا ضربت لك هذا . ال أدري لعل أفشل األشياء أجهرها صوتا وأعظمها جثة: شيء فيه، قال

فإن شاء امللك بعثين وأقام مبكانه . أن هذا الصوت الذي راعنا، لو وصلنا إليه، لوجدناه ايسر مما يف أنفسنافانطلق دمنة إىل املكان . فوافق األسد قوله، فأذن له بالذهاب حنو الصوت. حىت آتيه ببيان هذا الصوت

ألسد يف أمره، وندم على إرسال دمنة حيث أرسله، فلما فصل دمنة من عند األسد، فكر ا. الذي فيه شتربةوأصبت يف ائتماين دمنة، وقد كان ببايب مطروحا، فإن الرجل إذا كان حيضر باب امللك، : وقال يف نفسه

وقد أبطلت حقوقه من غري جرم كان منه، أو كان مبغيا عليه عند سلطانه؛ أو كان عنده معروفا بالشره ه ضر وضيق فلم ينعشه، أو كان قد اجترم جرما فهو خياف العقوبة منه، أو كان واحلرص، أو كان قد أصاب

يرجو شيئا يضر امللك وله منه نفع؛ أو خياف يف شيء مما ينفعه ضرا، أو كان لعدو امللك مساملا، وملسامله . إن دمنة داهية أريبف: حماربا، فليس السلطان حبقيق أن يعجل باالسترسال إليه، والثقة به، واالئتمان له

ولعله قد احتمل علي بذلك ضغنا، ولعل ذلك حيمله على خيانيت وإعانة . وقد كان ببايب مطروحا جمفوامث . عدوي ونقيصيت عنده؛ ولعله صادف صاحب الصوت أقوى سلطانا مين فريغب به عين ومييل مع علي

فطابت نفسه بذلك، ورجع إىل مكانه، ودخل دمنة قام من مكانه فمشى غري بعيد، فبصر بدمنة مقبال حنوه. رأيت ثورا هو صاحب اخلوار والصوت الذي مسعته: ماذا صنعت؟ وماذا رأيت؟ قال: على األسد فقال له

فإن : وقد دنوت منه وحاورته حماورة األكفاء وال يصغرن عندك أمره. ال شوكة له: فما قوته؟ قال: قالال هتابن أيها : قال دمنة. احلشيش، لكنها حتطم طوال النخل وعظيم الشجر الريح الشديدة ال تعبأ بضعيف

دونك وما : قال األسد. فأنا آتيك به ليكون لك عبدا سامعا مطيعا: امللك منه شيئا؛ وال يكربن عليك أمره .بدا لك

وأمرين، إن أنت . كإن األسد أرسلين إليك آلتيه ب: فانطلق دمنة إىل الثور، فقال له غري هائب وال مكترثعجلت إليه طائعا، أو أؤمنك على ما سلف من ذنبك يف التأخر عنه وتركك لقاءه؛ وإن أنت تأخرت عنه

ومن هو هذا األسد الذي أرسلك إيل؟ وأين هو؟ : قال له شتربة. وأحجمت، أن أعجل اجلرعة إليه فأخربهجند كثري من جنسه فرعب شتربة من ذكر هو ملك السباع، وهو مبكان كذا، ومعه : وما حاله؟ قال دمنةفأعطاه دمنة من األمان ما . إن أنت جعلت يل األمان على نفسي أقبلت معك إليه: وقال. األسد والسباع

مىت قدمت : مث أقبل والثور معه، حىت دخال على األسد فأحسن األسد إىل الثور وقربه؛ وقال له. وثق بهفدعا . فإين مكرمك: فقال له األسد اصحبين والزمين. ربة عليه قصتههذه البالد؟ وما أقدمكها؟ فقص شت

.الثور وأثىن عليهمث إن األسد قرب شتربة وأكرمه وأنس به وأمتنه على أسراره وشاوره يف أمره، ومل تزده األيام إال عجبا به

ثور قد اختص باألسد فلما رأى دمنة أن ال. ورغبة فيه وتقريبا منه؛ حىت صار أخص أصحابه عنده منزلةدونه ودون أصحابه، وأنه قد صاد صاحب رأيه وخلواته وهلوه، حسده حسدا عظيما، وبلغ منه غيظه كل

Page 29: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

أال تعجب يا أخي من عجز رأيي، وصنعي بنفسي؟ ونظري فيما : فشكا ذلك إىل أخيه كليلة، وقال له: مبلغ .غلبين على منزليتينفع األسد، وأغفلت نفع نفسي حىت جلبت إىل األسد ثورا

أما أنا فلست اليوم أرجو أن تزداد : قال دمنة. أخربين عن رأيك وما تريد أن تعرم عليه يف ذلك: قال كليلةفإن أمورا ثالثة العاقل : منزليت عند األسد فوق ما كانت عليه؛ ولكن ألتمس أن أعود إىل ما كنت عليه

النظر فيما مضى من الضر والنفع، فيحترس من الضر الذي منها: جدير بالنظر فيها، واالحتيال هلا جبهدهأصابه فيما سلف لئال يعود إىل ذلك الضر، ويلتمس النفع الذي مضى وحيتال ملعاودته؛ ومنها النظر فيما هو مقيم فيه من املنافع واملضاء، واالستيثاق مبا ينفع واهلرب مما يضر؛ ومنها النظر يف مستقبل ما يرجو من قبل

وإين ملا نظرت يف األمر الذي به . ع، وما خياف من قبل الضر، فيستتم ما يرجو ويتوقى ما خياف جبهدهالنفأرجو أن تعود منزليت، وما غلبت عليه مما كنت فيه، مل أجد حيلة وال وجها إال االحتيال آلكل العشب هذا،

فإن : لعل ذلك يكون خريا لألسدو. فإنه إن فارق األسد عادت يل منزليت: حىت أفرق بينه وبني احلياةما أرى على األسد يف رأيه يف الثور : قال كليلة. إفراطه يف تقريب الثور خليق أن يشينه ويضره يف أمره

: إمنا يؤتى السلطان ويفسد أمره من قبل ستة أشياء: قال دمنة. ومكانه منه ومنزلته عنده شينا وال شرا .والزمان واخلرقاحلرمان والفتنة واهلوى والفظاظة

فأما احلرمان فأن حيرم صاحل األعوان والنصحاء والساسة من أهل الرأي والنجدة واألمانة، وترك التفقد ملن وأما اهلوى فالغرام باحلدث واللهو . وأما الفتنة فهي حتارب الناس ووقوع احلرب بينهم. هو كذلك

الشدة حىت جيمح اللسان بالشتم واليد بالبطش وأما الفظاظة فهي إفراط . والشراب والصيد وما أشبه ذلكوأما الزمان فهو ما يصيب الناس من السنني واملوت ونقص الثمرات والغزوات وأشباه . يف غري موضعهما

وإن األسد قد أغرم بالثور . وأما اخلرق فإعمال الشدة يف موضع اللني، واللني يف موضع الشدة. ذلكوكيف تطيق الثور : قال كليلة. أنه خليق ألن يشينه ويضره يف أمرهإغراما شديدا هو الذي ذكرت لك

فإن األمور ليست : ال تنظر إىل صغري وضعفي: وهو أشد منك وأكرم على األسد وأكثر أعوانا؟ قال دمنةفرب صغري ضعيف قد بلغ حيلته ودهائه ورأيه ما يعجز : بالضعف وال القوة وال الصغر وال الكرب يف اجلثة

وكيف كان ذلك؟ : أومل يبلغك أن غرابا ضعيفا احتال ألسود حىت قتله؟ قال كليلة. ثري من األقوياءعنه كزعموا أن غرابا كان له وكر يف شجرة على جبل؛ وكان قريبا منه حجر ثعبان أسود، فكان : قال دمنة

فشكا ذلك إىل صديق له من الغراب إذا فرخ عمد األسود إىل فراخه فأكله؛ فبلغ ذاك من الغراب وأحزنه،قد عزمت أن : وما هو؟ قال الغراب: أريد مشاورتك يف أمر قد عزمت عليه؛ قال: بنات آوى؛ وقال له

بئس احليلة اليت : قال ابن آوى. أذهب اليوم إىل األسود إذا نام، فأنقر عينيه، فأفقأمها، لعلي أستريح منهوإياك أن يكون . سود، من غري أن تغرر بنفسك وختاطر هبااحتلت؛ فالتمس أمرا تصيب فيه بغيتك من األ

وكيف كان ذلك؟: قال الغراب. مثلك مثل العلجوم الذي أراد قتل السرطان فقتل نفسه

زعموا أن علجوما عشش يف أمجة كبرية السمك؛ فعاش هبا ما عاش؛ مث هرم فلم يستطع : قال ابن آوىحزينا يلتمس احليلة يف أمره؛ فمر به سرطان، فرأى حالته وما صيدا؛ فأصابه جوع وجهد شديد؛ فجلس

Page 30: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

وكيف : مايل أراك أيها الطائر هكذا حزينا كئيبا؟ قال العلجوم: هو عليه من الكآبة واحلزن؛ فدنا منه وقالال أحزن وقد كنت أعيش من صيد ما ها هنا من السمك؟ وإين قد رأيت اليوم صيادين قد مرا هبذا املكان؛

إين قد رأيت يف مكان كذا مسكا : إن ها هنا مسكا كثريا أفال نصيده أوال؟ فقال اآلخر: ال أحدمها لصاحبهفقوقد علمت أهنما إذا فرغا مما . أكثر من هذا السمك، فلنبدأ بذلك، فإذا فرغنا منه جئنا إىل هذا فأفنيناه

فانطلق السرطان من . فهو هالكي ونفاذ مديت هناك، انتهيا إىل هذه األمجة فاصطادا ما فيها؛ فإذا كان ذلك: إنا أتينا لك لتشري علينا: ساعته إىل مجاعة السمك فأخربهن بذلك؛ فأقبلن إىل العلجوم فاستشرنه؛ وقلن له

أما مكابرة الصيادين فال طاقة يل هبا؛ وال أعلم حيلة إال : قال العلجوم. فإن ذا العقل ال يدع مشاورة عدوهير قريب من ها هنا، فيه مسك ومياه عظيمة وقصب، فإن استطعن االنتقال إليه، كان فيه املصري إىل غد

فجعل العلجوم حيمل يف كل يوم مسكتني حىت . ما مين علينا بذلك غريك: فقلن له. صالحكن وخصبكنرطان؛ فقال ينتهي هبما إىل بعض التالل فيأكلهما؛ حىت إذا كان ذات يوم جاء ألخذ السمكتني؛ فجاءه الس

إين أيضا قد أشفقت من مكاين هذا واستوحشت منه فاذهب يب إىل ذلك الغدير؛ فاحتمله وطار به، حىت : لهإذا دنا من التل الذي كان يأكل السمك فيه نظر السرطان فرأى عظام السمك جمموعة هناك؛ فعلم أن

قي الرجل عدوه يف املواطن اليت يعلم أنه إذا ل: فقال يف نفسه. العلجوم هو صاحبها؛ وأنه يريد به مثل ذلكسواء قاتل أم مل يقاتل؛ كان حقيقا أن يقاتل عن نفسه كرما وحفاظا ، مث أهوى بكلبتيه على . فيها هالك

وإمنا ضربت لك هذا . عنق العلجوم، فعصره فمات؛ وختلص السرطان إىل مجاعة السمك فأخربهن بذلكللمحتال ولكين أدلك على أمر، إن أنت قدرت عليه، كان فيه هالك املثل لتعلم أن بعض احليلة مهلكة

تنطلق : قال الغراب وما ذاك؟ قال ابن آوى. األسود من غري أن هتلك به نفسك، وتكون فيه سالمتكلعلك أن تظفر بشيء من حلي النساء فتخطفه؛ وال تزال طائرا واقعا، حبيث ال تفوت : فتبصر يف طريانك

فإذا رأى الناس ذلك أخذوا حليهم وأراحوك من . تأيت حجر األسود فترمي باحللي عندهالعيون، حىت فانطلق الغراب حملقا يف السماء؛ فوجد امرأة من بنات العظماء فوق سطح تغتسل؛ وقد وضعت . األسود

واقعا، حبيث ثياهبا وحليها ناحية؛ فانقض واختطف من حليها عقدا، وطار به، فتبعه الناس؛ ومل يزل طائرا فلما أتوه أخذوا . يراه كل أحد؛ حىت انتهى األمر إىل جحر األسود؛ فألقى العقد عليه، والناس ينظرون إليه

إن : قال كليلة. وإمنا ضربت لك هذا املثل لتعلم أن احليلة جترئ ماال جتزئ القوة. العقد وقتلوا األسودفماذا . ولكن له مع شدته وقوته حسن الرأي والعقل. الثور لو مل جيتمع مع شدته رأيه لكان كما تقول

إن الثور لكما ذكرت يف قوته ورأيه، ولكنه مقر يل بالفضل؛ وأنا خليق أن اصرعه : تستطيع له؟ قال دمنة وكيف كان ذلك؟: قال كليلة. كما صرعت األرنب األسد

تلك األرض من الوحوش يف سعة زعموا أن أسدا كان يف أرض كثرية املياه والعشب؛ وكان يف : قال دمنةاملياه واملرعى شيء كثري؛ إال أنه مل يكن ينفعها ذلك خلوفها من األسد؛ فاجتمعت وأتت إىل األسد، فقالت

فإن أنت امنتنا . إنك لتصيب منا الدابة بعد اجلهد والتعب؛ وقد رأينا لك رأيا فيه صالح لك وأمن لنا: لهفرضي األسد بذلك، وصاحل : م دابة نرسل هبا إليك يف وقت غدائكومل ختفنا، فلك علينا يف كل يو

Page 31: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

إن أننت : مث إن أرنبا أصابتها القرعة، وصارت غداء األسد؛ فقالت للوحوش. الوحوش عليه، ووفني له بهوما الذي تكلفيننا من األمور؟ : فقالت الوحوش. رفقنت يب فيما ال يضركن؛ رجوت أن أرحيكن من األسد

. فقلن هلا ذلك لك. رن الذي ينطلق يب إىل األسد أن ميهلين ريثما أبطئ عليه بعض اإلبطاءتأم: قالتمث تقدمت إليه وحدها رويدا، . فانطلقت األرنب متباطئة؛ حىت جاوزت الوقت الذي كان يتغدى فيه األسد

بعثين : وش إليكأنا رسول الوح: من أين أقبلت؟ قالت: وقد جاع؛ فغضب وقام من مكانه حنوها؛ فقال هلاأنا أوىل هبذه األرض وما فيها من : ومعي أرنب لك، فتبعين أسد يف بعض تلك الطريق، فأخذها مين، وقال

فأقبلت مسرعة . فال تغصبنه، فسبك وشتمك. إن هذا غداء امللك أرسلين به الوحوش إليه: فقلت. الوحشفانطلقت األرنب إىل جب فيه ماء غامر .انطلقي معي فأريين موضع هذا األسد: فقال األسد. ألخربك

فاطلع األسد، فرأى ظله وظل األرنب يف املاء؛ فلم يشك يف . هذا املكان: صاف؛ فاطلعت فيه، وقالتقال . فانقلبت األرنب إىل الوحوش فأعلمتهن صنيعها باألسد. قوهلا؛ ووثب إليه ليقاتله، فغرق يف اجلب

فإن الثور قد أضر يب وبك وبغرينا : ء ليس فيه مضرة لألسد فشأنكإن قدرت على هالك الثور بشي: كليلةمث إن دمنة . من اجلند؛ وإن أنت مل تقدر على ذلك إال هبالك األسد، فال تقدم عليه؛ فإنه غدر مين ومنك

ما حبسك عين؟ منذ زمان مل: ترك الدخول على األسد أياما كثرية؛ مث أتاه على خلوة منه؛ فقال له األسد: وهل حدث أمر؟ قال دمنة: قال األسد. فليكن خريا أيها امللك: أال خلري كان انقطاعك؟ قال دمنة. أرك

قال . أخربين به: قال. كالم فظيع: وما ذاك؟ قال: قال. حدث ما مل يكن امللك يريده وال أحد من جندهلك لذو فضيلة، ورأيك يدلك على أن وإنك أيها امل. دمنة إنه كالم يكرهه سامعه، وال يشجع عليه قائله

وإنه ليعرض يل أنك غري . يوجعين أن أقول ما تكره؛ وأثق بك أن تعرف نصحي وإيثاري إياك على نفسيمصدقي فيما أخربك به؛ ولكين إذا تذكرت وتفكرت أن نفوسنا، معاشر الوحوش، متعلقة بك مل أجد بدا

من كتم السلطان نصيحته : وخفت أال تقبل مين فإنه يقالمن أداء احلق الذي يلزمين وإن أنت مل تسألينحدثين األمني الصدوق عندي أن شتربة : فما ذاك؟ قال دمنة: قال األسد. واإلخوان رأيه فقد خان نفسهفاستبان يل أن ذلك يئول منه إىل : قد خربت األسد وبلوت رأيه ومكيدته وقوته: خال برءوس جندك، وقالفلما بلغين ذلك علمت أن شتربة خوان غدار؛ وأنك . يل وله شأن من الشئون ضعف وعجز، وسيكون

وأنك مىت زلت عن مكانك صار له . أكرمته الكرامة كلها، وجعلته نظري نفسك، وهو يظن أنه مثلكإذا عرف امللك من الرجل أنه قد ساواه يف املنزلة : وقد كان يقال. ملكك؛ وال يدع جهدا إال بلغه فيك

وشتربة أعلم باألمور وأبلغ فيها؛ والعاقل هو . ال، فليصرعه؛ فإن مل يفعل به ذلك، كان هو املصروعواحلحازم : الرجال ثالثة: فإنه يقال. فإنك ال تأمن أن يكون وال تستدركه: الذي حيتال لألمر قبل متامه ووقوعه

ومل يذهب قلبه شعاعا ، ومل تعي به وأحزم منه وعاجز؛ فأحد احلازمني من إذا نزل به األمر مل يدهش له،حيلته ومكيدته اليت يرجو هبا املخرج منه؛ وأحزم من هذا املتقدم ذو العدة الذي يعرف االبتالء قبل وقوعه،

وأما . فيحسم الداء قبل أن يبتلي به، ويدفع األمر قبل وقوعه: فيعظمه إعظاما، وحيتال له حىت كأنه قد لزمهوكيف : قال األسد. ومن أمثال ذلك مثل السمكات الثالث. ومتن وتوان حىت يهلكالعاجز فهو يف تردد

كان ذلك؟

Page 32: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

كيسة وأكيس منها وعاجزة؛ وكان ذلك الغدير بنجوة : زعموا أن غديرا كان فيه ثالث مسكات: قال دمنة؛ فأبصرا الغدير، فاتفق أنه اجتاز بذلك النهر صيادان. من األرض ال يكاد يقربه أحد وبقربه هنر جار

فأما أكيسهن ملا : فسمع السمكات قوهلما. فتواعدا أن يرجعا إليه بشباكهما فيصيدا ما فيه من السمكمسعت قوهلما، وارتابت هبما، وختوفت منهما؛ فلم تعرج على شيء حىت خرجت من املكان الذي يدخل فيه

ا حىت جاء الصيادان؛ فلما رأهتما، وعرفت ما وأما الكيسة فإهنا مكثت مكاهن. املاء من النهر إىل الغديرفرطت، وهذه : يريدان، ذهبت لتخرج من حيث يدخل املاء؛ فإذا هبما قد سدا ذلك املكان فحينئذ قالت

وقلما تنجع حيلة العجلة واإلرهاق ، غري أن العاقل ال يقنط . عاقبة التفريط؛ فكيف احليلة على هذه احلالمث إهنا متاوتت فطفت على وجه املاء منقلبة . على حال، وال يدع الرأي واجلهدمن منافع الرأي، وال ييئس

على ظهرها تارة، وتارة على بطنها؛ فأخذها الصيادان فوضعاها على األرض بني النهر والغدير؛ فوثبت إىل .وأما العاجزة فما تزل يف إقبال وإدبار حىت صيدت. النهر فنجتوكيف يفعل ومل ير مين سوءا قط؟ . ال أظن الثور يغشين ويرجو يل الغوائل قد فهمت ذلك؛ و: قال األسد

إن اللئيم ال يزال نافعا ناصحا حىت يرفع : قال دمنة. ومل أدع خريا إال فعلته معه؟ وال أمنية إال بلغته إياها؟فإن اللئيم الفاجر : نة والفجورإىل املنزلة اليت ليس هلا بأهل؛ فإذا بلغها التمس ما فوقها؛ وال سيما أهل اخليا

فإذا استغىن وذهبت اهليبة عاد إىل جوهره؛ كذنب الكلب . ال خيدم السلطان وال ينصح له إال من فرق واعلم أيها امللك أنه . الذي يربط ليستقيم فال يزال مستويا ما دام مربوطا؛ فإذا حل احنىن واعوج كما كان

ليه مما ينصحون له به، مل حيمد رأيه؛ كاملريض الذي يدع ما يبعث له من مل يقبل من نصائحه ما يثقل عوحق على موازر السلطان أن يبالغ يف التحضيض له على ما يزيد من . الطبيب؛ ويعمد إىل ما يشتهيه

سلطانه قوة ويزينه؛ والكف عما يضره ويشينه؛ وخري اإلخوان واألعوان أقلهم مداهنة يف النصيحة؛ وخري وقد . ا كان على أفواه األخيار؛ وأشرف امللوك من مل خيالطه بطر؛ وخري األخالق أعوهنا على الورعالثناء موالرجل إذا أحس من صاحبه بعداوة . لو أن أمرا توسد النار وافترش احليات، كان أحق أال يهنئه النوم: قيل

وأشبههم بالفيل . را يف مستقبل األموريريده هبا؛ ال يطمئن إليه؛ وأعجز امللوك آخذهم باهلويىن، وأقلهم نظقال له . فإن حز به أمر هتاون به، وإن أضاع األمور محل ذلك على قرنائه: اهلائج الذي ال يلتفت إىل شيء

وإن كان شتربة معاديا يل، كما تقول، فإنه ال . لقد أغلظت يف القول؛ وقول الناصح مقبول حممول: األسددر على ذلك وهو آكل عشب وأنا آكل حلم؟ وإمنا هو يل طعام، وليس علي يستطيع يل ضرا؛ وكيف يق

وإن غريت . مث ليس إىل الغدر به سبيل بعد األمان الذي جعلته له، وبعد إكرامي له، وثنائي عليه. منه خمافةهو يل طعام : ال يغرنك قولك: قال دمنة. سفهت رأيي وجهلت نفسي وغدرت بذميت. ما كان مين وبدلته

إن استضافك : ويقال. فإن شتربة إن مل يستطعك بنفسه احتال لك من قبل غريه: يس علي منه خمافةولضيف ساعة من هنار، وأنت ال تعرف أخالقه فال تأمنه على نفسك؛ وال تأمن أن يصلك منه أو بسببه ما

وكيف كان ذلك؟: قال األسد. أصاب القملة من الربغوث

Page 33: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

زمت فراش رجل من األغنياء دهرا فكانت تصيب من دمه وهو نائم ال يشعر، زعموا أن قملة ل: قال دمنةبت الليلة عندنا : وتدب دبيبا رفيقا؛ فمكث كذلك حينا حىت استضافها ليلة من الليايل برغوث؛ فقالت له

وث فلدغه يف دم طيب وفراش لني؛ فأقام الربغوث عندها حىت إذا أوى الرجل إىل فراشه وثب عليه الربغلدغة أيقظته؛ وأطارت النوم عنه؛ فقام الرجل وأمر أن يفتش فراشه؛ فنظر فلم ير إال القملة؛ فأخذت

وإن كنت ال ختاف من . وإمنا ضربت لك هذا املثل لتعلم أن صاحب الشر بسببه. فقصعت وفر الربغوث. فس األسد كالم دمنةفوقع يف ن. شتربة، فخف غريه من جندك الذين قد محلهم عليك وعلى عداوتك

إن الضرس ال يزال متآكال، وال يزال صاحبه منه يف أمل : فما الذي ترى إذا؟ ومباذا تشري؟ قال دمنة: فقالقال . والعدو املخوف، دواؤه قتله. والطعام الذي قد عفن يف البطن، الراحة يف قذفه. وأذى حىت يفارقه

؛ وأنا مرسل إليه، وذاكرا له ما وقع يف نفسي منه؛ مث آمره لقد تركتين أكره جماورة شتربة إياي: األسدفكره دمنة ذلك، وعلم أن األسد مىت كلم شتربة يف ذلك ومسع منه جوابا عرف . باللحاق حيث أحب

أما إرسالك إىل شتربة فال أراه : فقال لألسد. باطل ما أتى به، واطلع على غدره وكذبه؛ ومل خيف عليه أمره. فإن شتربة مىت شعر هبذا األمر، خفت أن يعاجل امللك باملكابرة: حزما؛ فلينظر امللك يف ذلك لك رأيا وال

مع أن ذوي . وهو إن قاتلك قاتلك مستعدا؛ وإن فارقك، فارقك فراقا يليك منه النقص، ويلزمك منه العارفلذنب العالنية عقوبة : بةالرأي من امللوك ال يعلنون عقوبة من مل يعلن ذنبه؛ ولكن لكل ذنب عندهم عقو

إن امللك إذا عاقب أحدا عن ظنة ظنها من غري تيقن جبرمه، : قال األسد. العالنية، ولذنب السر عقوبة السرأما إذا كان هذا رأي امللك، فال يدخلن عليك شتربة إال وأنت مستعد : قال دمنة. فنفسه عاقب وإياها ظلم

فإين ال أحسب امللك حني يدخل عليه إال سيعرف أنه قد هم : لةله؛ وإياك أن تصيبك منه غرة أو غفومن عالمات ذلك أنك ترى لونه متغريا؛ وترى أوصاله ترعد؛ وتراه ملتفتا ميينا ومشاال؛ وتراه يهز . بعظيمة

سأكون منه على حذر؛ وإن رأيت منه ما يدل على ما : قال األسد. قرنيه فعل الذي هم بالنطاح والقتال .كرت علمت أن ما يف أمره شكذ

فلما فرغ دمنة من محل األسد على الثور، وعرف أنه قد وقع يف نفسه ما كان يلتمس، وأن األسد سيتحذر الثور، ويتهيأ له، أراد أن يأيت الثور ليغريه باألسد؛ وأحب أن يكون إتيانه من قبل األسد خمافة أن يبلغه ذلك

لعلي اطلع على سره، : آيت بشتربة فانظر إىل حاله وأمره؛ وأمسع كالمه أيها امللك أال: فقال. فيتأذى بهفانطلق فدخل على شتربة . فأطلع امللك على ذلك، وعلى ما يظهر يل منه؟ فأذن له األسد يف ذلك

كان سبب انقطاعك عين؟ فإين مل أرك منذ أيام؛ ولعلك : فلما رآه الثور رحب به، وقال. كالكئيب احلزينومىت كان أهل السالمة من ال ميلك نفسه، وأمره بيد غريه ممن ال يوثق به، وال ينفك : قال دمنة! يف سالمة

: وما الذي حدث؟ قال دمنة: قال شتربة. حىت ما من ساعة متر ويأمن فيها على نفسه. على خطر وخوفما من األمور فلم ومن ذا الذي غالب القدر؟ ومن ذا الذي بلغ من الدنيا جسي. حدث ما قدر وهو كائن

يبطر؟ ومن ذا الذي بلغ منياه فلم يغتر؟ ومن ذا الذي تبع هواه فلم خيسر؟ ومن ذا الذي طلب من اللئام فلم حيرم؟ ومن ذا الذي خالط األشرار فسلم؟ ومن ذا الذي صحب السلطان فذام له منه األمن

Page 34: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

قال . من األسد ريب، وهالك منه أمر إين أمسع منك كالما يدل على أنه قد رابك: واإلحسان؟ قال شتربةقد : ففي نفس من رابك؟ قال دمنة: أجل، لقد رابين منه ذلك، وليس هو يف أمر نفسي، قال شتربة: دمنة

تعلم ما بيين وبينك، وتعلم حقك علي، وما كنت جعلت لك من العهد وامليثاق أيام أرسلين األسد إليك، وما الذي : قال شتربة. ما أطلعت عليه مما أخاف عليك منه فلم أجد لك بدا من حفظك وإطالعك على

قد : حدثين اخلبري الصدوق الذي ال مرية يف قوله أن األسد قال لبعض أصحابه وجلسائه: بلغك؟ قال دمنةفلما بلغين هذا القول، . أعجبين مسن الثور؛ وليس يل إىل حياته حاجة، فأنا آكله ومطعم أصحايب من حلمه

فلما مسع شتربة كالم دمنة، . ونقض عهده؛ أقبلت إليك ألقضي حقك؛ وحتتال أنت ألمركوعرفت غدره وتذكر ما كان من دمنة جعل له من العهد وامليثاق، وفكر يف أمر األسد، ظن أن دمنة قد صدقه ونصح له؛

إليه ذنبا، وال إىل ما كان لألسد أن يغدر يب ومل آت: فأمهه ذلك؛ وقال. ورأى أن األمر شبيه مبا قال دمنةفإن األسد قد : أحد من جنده، منذ صحبته؛ وال أظن األسد إال قد محل علي بالكذب وشبه عليه أمري

فإن صحبة األشرار رمبا : صحبه قوم سوء؛ وجرب منهم الكذب وأمورا هي تصدق عنده ما بلغه من غريهمطأ كخطأ البطة اليت زعموا أهنا رأت يف املاء أورثت صاحبها سوء الظن باألخيار؛ ومحلته جتربته على اخل

ضوء كوكب، فظنته مسكة، فحاولت أن تصيدها، فلما جربت ذلك مرارا، علمت أنه ليس بشيء يصاد . مث رأت من غد ذلك اليوم مسكة، فظنت أهنا مثل الذي رأته باألمس، فتركتها ومل تطلب صيدها. فتركته

وإن كان مل يبلغه . دقه علي ومسعه يف، فما جرى على غريي جيري عليفإن كان األسد بلغه عين كذب فصإن من العجب أن يطلب : وقد كان يقال. شيء، وأراد السوء يب من غري علة، فإن ذلك ملن أعجب األمور

فإذا كانت املوجدة عن علة، . وأعجب من ذلك أن يلتمس رضاه فيسخط. الرجل رضا صاحبه وال يرضىألن العلة إذا كانت املودة يف : وإذا كانت عن غري علة، انقطع الرجاء. دا والعفو مأموالكان الرضا موجو

.ورودها، كان الرضا مأموال يف صدورها

ولعمري ما يستطيع أحد أطال . فال أعلم بيين وبني األسد جرما، وال صغري ذنب، وال كبريه: قد نظرت أن يتحفظ من أن يكون منه صغرية أو كبرية يكرهها صحبة صاحب أن حيترس يف كل شيء من أمره، وال

صاحبه؛ ولكن الرجل ذا العقل وذا الوفاء إذا سقط عنده صاحبه سقطة نظر فيها، وعرف قدر مبلغ خطئه مث ينظر هل يف الصفح عنه أمر خياف ضره وشينه؟ فال يؤاخذ صاحبه بشيء يد فيه إىل . عمدا كان أو خطأفإن كان األسد قد اعتقد على ذنبا؛ فلست أعلمه؛ إال أين خالفته يف بعض رأيه نصيحة .الصفح عنه سبيال

ألين مل : له؛ فعساه أن يكون قد أنزل أمري على اجلراءة عليه واملخالفة له؛ وال أجد يل يف هذا احملضر إمثا مااهر بشيء من ذلك على رءوس جنده أخالفه يف شيء إال ما قد ندر من خالفة الرشد واملنفعة والدين، ومل أج

وعند أصحابه؛ ولكين كنت أخلو به وأكلمه سرا كالم اهلائب املوقر وعلمت أنه من التمس الرخص من اإلخوان عند املشاورة، ومن األطباء عند املرض، ومن الفقهاء عند الشبهة، أخطأ منافع الرأي؛ وازداد فيما

وإن مل يكن هذا، فعسى أن يكون ذلك من بعض سكرات . وقع فيه من ذلك تورطا ، ومحل الوزروإن مل يكن . فإن مصاحبة السلطان خطرة، وإن صوحب بالسالمة والثقة واملودة وحسن الصحبة: السلطان

Page 35: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

وإن مل يكن هذا وال هذا، فهو إذا من مواقع . هذا، فبعض ما أوتيت من الفضل قد جعل يل فيه اهلالكعنه؛ وهو الذي حيمل الرجل الضعيف على ظهر الفيل اهلائج؛ وهو الذي القضاء والقدر الذي ال يدفع

يسلط على احلية ذات احلمة من ينزع محتها ويلعب هبا؛ وهو الذي جيعل العاجز حازما، ويثبط الشهم، ويوسع على املقتر ، ويشجع اجلبان، وجينب الشجاع عندما تعتريه املقادير من العلل اليت وضعت عليه

.األقدارإن إرادة األسد بك ليست من حتميل األشرار وال سكرة السلطان وال غري ذلك، ولكنها الغدر : قال دمنة

فأراين قد استلذذت : قال شتربة. لطعامه حالوة وآخره سم مميت: فإن فاجر خوان غدار: والفجور منهما كان مقامي عند األسد، وهو آكل وقد انتهيت إىل آخرها الذي هو املوت؛ ولوال احلني : احلالوة إذ ذقتها

حلم وأنا آكل عشب فأنا يف هذه الورطة كالنحلة اليت جتلس على نور النيلوفر إذ تستلذ رحيه وطعمه، ومن مل يرض من الدنيا بالكفاف . فتحبسها تلك اللذة؛ فإذا جاء الليل ينضم عليها، فترتبك فيه ومتوت

ومل يتخوف من عاقبتها، كان كالذباب الذي ال يرضى الذي يغنيه وطمحت عينه إىل ما سوى ذلك،بالشجرة والرياحني، وال يقنعه ذلك، حىت يطلب املاء الذي يسيل من أذن الفيل، فيضربه الفيل بآذانه

ومن يشر على املعجب، فهو . ومن يبذل وده ونصيحته ملن ال يشكره، فهو كمن يبذر يف السباخ. فيهلكهبأي شيء : قال شتربة. دع عنك هذا الكالم واحتل لنفسك: قال دمنة. األصمكمن يشاور امليت أو يسار

أحتال لنفسي، إذا أراد األسد أكلي، مع ما عرفتين به من رأي األسد وسوء أخالقه؟ وأعلم أنه مل يرد يب إال لى خريا، مث أراد أصحابه مبكرهم وفجورهم هالكي لقدروا على ذلك فإنه إذا اجتمع املكرة الظلمة ع

الربيء الصحيح، كانوا خلقاء أن يهلكوه، وإن كانوا ضعفاء وهو قوي؛ كما أهلك الذئب والغراب وابن وكيف كان ذلك؟: قال دمنة. آوى اجلمل، حني اجتمعوا عليه باملكر واخلديعة واخليانة

ذئب : الثةزعموا أن أسدا كان يف أمجة جماورة لطريق من طرق الناس؛ وكان له أصحاب ث: قال شتربةوغراب وابن آوى؛ وأن رعاة مروا بذلك الطريق، ومعهم مجال، فتخلف منها مجل، فدخل تلك األمجة حىت

ما يأمرين : فما حاجتك؟ قال: قال. من موضع كذا: من أين أقبلت؟ قال: انتهى إىل األسد؛ فقال له األسدمث إن األسد . م األسد واجلمل معه زمنا طويالفأقا. تقيم عندنا يف السعة واألمن واخلصب: قال. به امللك

مضى يف بعض األيام لطلب الصيد، فلقي فيال عظيما، فقاتله قتاال شديدا؛ وأفلت منه مثقال مثخنا باجلراح، فلما وصل إىل مكانه، وقع ال يستطيع حراكا، وال يقدر على . يسيل منه الدم، وقد خدشه الفيل بأنيابه

ألهنم كانوا يأكلون من فضالت : بث الذئب والغراب وابن آوى أياما ال جيدون طعاماطلب الصيد؛ فللقد جهدمت واحتجتم إىل ما : األسد وطعامه؛ فأصاهبم جوع شديد وهزال، وعرف األسد ذلك منهم؛ فقال

ما : قال األسد. هفليتنا جند ما يأكله ويصلح. لكنا نرى امللك على ما نراه: فقالوا ال هتمنا أنفسنا. تأكلونفخرج . أشك يف نصيحتكم، ولكن انتشروا لعلكم تصيبون صيدا تأتونين به؛ فيصيبين ويصيبكم منه رزق

مالنا وهلذا األكل : الذئب والغراب وابن آوى من عند األسد؛ فتنحوا ناحية، وتشاوروا فيما بينهم، وقالواأال نزين لألسد فيأكله ويطعمنا من حلمه؟ قال ابن العشب الذي ليس شأنه من شأننا، وال رأيه من رأينا؟

Page 36: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

أنا : قال الغراب. ألنه قد أمن اجلمل، وجعل له من ذمته عهدا: هذا مما ال نستطيع ذكره لألسد: آوىإمنا يصيب : هل أصبت شيئا؟ قال الغراب: مث انطلق فدخل على األسد؛ فقال له األسد. أكفيكم أمر األسدملا بنا من اجلوع؛ ولكن قد وفقنا لرأي واجتمعنا عليه؛ : ن فال سعي لنا وال بصروأما حن. من يسعى ويبصر

هذا اجلمل آكل العشب املتمرغ بيننا : وما ذاك؟ قال الغراب: قال األسد. إن وافقنا امللك فنحن له جميبونما أخطأ : وقالفلما مسع األسد ذلك غضب . من غري منفعة لنا منه، وال رد عائدة، وال عمل يعقب مصلحة

رأيك، وما اعجز مقالك، وأبعدك من الوفاء والرمحة؟ وما كنت حقيقا أن جتتري علي هبذه املقالة، أو مل يبلغك أنه مل . وتستقبلين هبذا اخلطاب؛ مع ما علمت من أين قد أمنت اجلمل، وجعلت له من ذميت

ن دما مهدرا؟ وقد أمنته ولست بغادر يتصدق متصدق بصدقة هي أعظم أجرا ممن أمن نفسا خائفة، وحقإين ألعرف ما يقول امللك؛ ولكن النفس الواحدة يفتدى هبا أهل البيت؛ وأهل البيت : قال الغراب. به

وقد نزلت بامللك احلاجة؛ وأنا . تفتدى هبم القبيلة؛ والقبيلة يفتدى هبا أهل املصر؛ وأهل املصر فداء امللكأال يتكلف امللك ذلك، وال يليه بنفسه، وال يأمر به أحدا؛ ولكنا حنتال حبيلة أجعل له من ذمته خمرجا، على

فلما عرف الغراب إقرار . فسكت األسد عن جواب الغراب عن هذا اخلطاب. لنا وله فيها إصالح وظفر، قد كلمت األسد يف أكله اجلمل؛ على أن جنتمع حنن واجلمل عند األسد: األسد أتى أصحابه، فقال هلم

فنذكر ما أصابه، ونتوجع له اهتماما منا بأمره، وحرصا على صالحه؛ ويعرض كل واحد منا نفسه عليه فإذا فعلنا ذلك، سلمنا كلنا ورضي . جتمال ليأكله، فريد اآلخران عليه، ويسفها رأيه، ويبينان الضرر يف أكله

حتجت أيها امللك إىل ما يقويك؛ وحنن قد ا: ففعلوا ذلك، وتقدموا إىل األسد؛ فقال الغراب. األسد عنافإنا بك نعيش؛ فإذا هلكت فليس ألحد منا بقاء عندك، وال لنا يف احلياة من : أحق أن هنب أنفسنا لكفأجابه الذئب وابن آوى أن اسكت؛ فال خري للملك يف . فقد طبت بذلك نفسا: خرية؛ فليأكلين امللك

فقد رضيت بذلك، وطبت عنه : أنا أشبع امللك، فليأكلين قال ابن آوى لكن. أكلك؛ وليس فيك شبعإين لست كذلك، فليأكلين امللك، : قال الذئب. إنك ملننت قذر: فرد عليه الذئب والغراب بقوهلما. نفسا

من أراد قتل : قد قالت األطباء: فقد مسحت بذلك، وطنب عنه نفسا؛ فاعترضه الغراب وابن آوى وقاالفظن اجلمل أنه إذا عرض نفسه على األكل، التمسوا له عذرا كما التمس بعضهم . ئبنفسه فليأكل حلم ذ

لكن أنا يف للملك شبع وري؛ : فقال. لبعض األعذار، فيسلم ويرضى األسد عنه بذلك، وينجو من املهالكت فقد رضيت بذلك، وطاب: وحلمي طيب هين، وبطين نظيف، فليأكلين امللك، ويطعم أصحابه وخدمه

.لقد صدق اجلمل وكرم؛ وقال ما عرف: فقال الذئب والغراب وابن آوى. نفسي عنه، ومسحت به

.م إهنم وثبوا عليه فمزقوه.مث إهنم وثبوا عليه فمزقوهوإمنا ضربت لك هذا املثل لتعلم أنه إن كان أصحاب األسد قد اجتمعوا على هالكي فإين لست أقدر أن

ن رأي األسد يل على غري ما هم من الرأي يف، فال ينفعين ذلك، وال يغين أمتنع منهم، وال أحترس؛ وإن كاولو أن األسد مل يكن يف نفسه يل إال اخلري والرمحة، . خري السالطني من عدل يف الناس: وقد يقال. عين شيئا

س كالقول؛ أال ترى املاء لي. فإهنا إذا كثرت مل تلبث دون أن تذهب الرقة والرأفة: لغريته كثرة األقاويل

Page 37: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

فماذا تريد أن تصنع اآلن؟ : قال دمنة. وكذلك القول يف اإلنسان. وأن احلجر مل يلبث حىت يثقبه ويؤثر فيهفإنه ليس للمصلي يف صالته، وال للمتصدق يف صدقته، : ما أرى إال االجتهاد واجملاهدة بالقتال: قال شتربة

ال ينبغي : قال دمنة. كانت جماهدته على احلق وال للورع يف ورعه من األجر ما للمجاهد عن نفسه، إذاألحد أن خياطر بنفسه، وهو يستطيع غري ذلك، ولكن ذا الرأي جاعل القتال آخر احليل؛ وبادئ قبل ذلك

ال حتقرن العدو الضعيف املهني، وال سيما إذا كان ذا حيلة ويقدر : وقد قيل. مبا استطاع من رفق ومتحلسد على جراءته وشدته؟ فإن من حقر عدوه لضعفه أصابه ما أصاب وكيل البحر على األعوان؛ فكيف باألزعموا أن طائرا من طيور البحر يقال له الطيطوى : وكيف كان ذلك؟ قال دمنة: من الطيطوى قال شتربة

ا لو التمسنا مكان: كان وطنه على ساحل البحر، ومعه زوجة له، فلما جاء أوان تفرخيها قالت األنثى للذكرفإنه : أفرخي مكانك: فقال هلا. فإين أخشى من وكيل البحر إذا مد املاء أن يذهب بفراخنا: حريزا نفرخ فيه

فإن أخاف وكيل البحر أن يذهب : يا غافل ليحسن نظرك: قالت له. موافق لنا؛ واملاء والزهر منا قريبأما تذكر وعيده وهتديده ! أشد تعنتك ما : فإنه ال يفعل ذلك فقالت له: فقال هلا أفرخي مكانك. بفراخنا

إن من مل : فلما أكثرت عليه ومل يسمع قوهلا، قالت له. إياك؟ أال تعرف نفسك وقدرك؟ فأىب أن يطيعهاوكيف كان ذلك؟ : قال الذكر. يسمع قول الناصح يصيبه ما أصاب السلحفاة حني مل تسمع قول البطتني

شب، وكان فيه بطتان وكان يف الغدير سلحفاة، بينها وبني زعموا أن غديرا كان عنده ع: قالت األنثىالسالم عليك : فاتفق أن غيض ذلك املاء؛ فجاءت البطتان لوداع السلحفاة، وقالتا. البطتني مودة وصداقة

فإين كالسفينة : إمنا يبني نقصان املاء على مثلي: فقالت. فإننا ذاهبتان عن هذا املكان ألجل نقصان املاء عنه. نعم: قالتا هلا. فاذهبا يب معكما . فأما أنتما فتقدران على العيش حيث كنتما. أقدر على العيش إال باملاءال

وإياك، إذا . نأخذ بطريف عود، وتتعلقني بوسطه؛ ونطري بك يف اجلو: كيف السبيل إىل محلي؟ قالتا: قالتسلحفاة بني بطتني، : عجب: فقال الناس. ومث أخذتاها فطارتا هبا يف اجل. مسعت الناس يتكلمون، أن تنطقي

فقأ اهللا أعينكم أيها الناس، فلما فتحت فاها بالنطق وقعت على األرض : فلما مسعت ذلك قالت. قد محلتاها: فقالت األنثى. فلما مد املاء ذهب بفراخها. قد مسعت مقالتك؛ فال ختايف وكيل البحر: قال الذكر. فماتت

: مث مضى إىل مجاعة الطري فقال هلن. سوف أنتقم منه: قال الذكر. ن هذا كائنقد عرفت يف بدء األمر أجتتمعن وتذهنب معي إىل سائر الطري، فنشكو : ما تريد أن نفعل؟ قال: قلن. فأعنين: إنكن أخوايت وثقايت

العنقاء هي إن: فقالت له مجاعة الطري. فأعننا: إنكن طري مثلنا: إليهن ما لقيت من وكيل البحر؛ ونقول هلنفاذهب بنا إليها حىت نصيح هبا، فنظهر لنا؛ فنشكو إليها ما نالك من وكيل البحر؛ ونسأهلا : سيدتنا وملكتنا

مث إهنن ذهنب إليها من الطيطوى، فستغثنها؛ وصحن هبا؛ فتراءت هلن فأخربهنا . أن تنتقم لنا بقوة ملكهافلما علم وكيل البحر أن . حر، فأجابتهن إىل ذلكبقصتهن؛ وسألنها أن تسري معهن إىل حماربة وكيل الب

فرد فراخ الطيطوى؛ وصاحله فرجعت . العنقاء قد قصدته يف مجاعة الطري خاف من حماربة ملك ال طاقة له به .العنقاء عنه

Page 38: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

ال فما أنا مبقاتل األسد، و: قال شتربة. وإمنا حدثتك هبذا احلديث لتعلم أن القتال مع األسد ال أراه لك رأيافكره . ناصب له العداوة سرا وال عالنية ال متغري له عما كنت عليه، حىت يبدو يل منه ما أختوف فأغالبه

فقال دمنة . دمنة قوله، وعلم أن األسد إن مل ير من الصور العالمات اليت ذكرها له اهتمه وأساء به الظنوكيف أعرف ذلك؟ قال : قال شتربة. اذهب إىل األسد فستعرف حني ينظر إليك ما يريد منك: لشتربةسترى األسد حني تدخل عليه مقعيا على ذنبه، رافعا صدره إليك، مادا بصره حنوك، قد صر أذنيه : دمنة

مث إن . إن رأيت هذه العالمات من األسد عرفت صدقك يف قولك: قال شتربة. وفغر فاه، واستوى للوثبةإالم : فلما التقيا، قال كليلة. ثور على األسد توجه إىل كليلةدمنة ملا فرغ من محل األسد على الصور، وال

مث إن كليلة ودمنة انطلقا . قريب من الفراغ على ما أحب وحتب: انتهى عملك الذي كنت فيه؟ قال دمنةوجاء شتربة، فدخل . جيري بينهما، ويعاينا ما يئول إليه أمرمهامجيعا ليحضرا قتال األسد والثور، وينظرا ما

ما صاحب السلطان إال كصاحب احلية اليت يف مبيته : على األسد، فرآه مقعيا كما وصفه له دمنة، فقالفلم يشك : مث إن األسد نظر إىل الثور فرأى الدالالت اليت ذكرها له دمنة. ومقيله، فال يدري مىت هتيج به

فلما . فواثبه، ونشأ بينهما احلرب، واشتد قتال الثور واألسد، وطال، وسالت بينهما الدماء. ء لقتالهأنه جاأيها الفسل ما أنكر جهلتك وأسوأ عاقبتك يف : قال لدمنة. رأى كليلة أن األسد قد بلغ منه ما قد بلغ

اخلرق من محل صاحبه على وإن أخرق . جرح األسد وهلك الثور: وما ذاك؟ قال كليلة: قال دمنة! تدبريك: وإن العاقل يدبر األشياء ويقيسها قبل مباشرهتا. سوء اخللق واملبارزة والقتال، وهو جيد إىل غري ذلك سبيال

وإين ألخاف . فما رجا أن يتم له منها أقدم عليه، وما خاف أن يتعذر عليه منها احنرف عنه، ومل يلتفت إليهأين معاهدتك إياي أنك ال تضر باألسد . سنت القول ومل حتسن العملفإنك قد أح: عليك عاقبة بغيك هذاال خري يف القول إال مع العمل، وال يف الفقه إال مع الورع، وال يف الصدقة إال مع : يف تدبريك؟ وقد قيل

األمن إال النية، وال يف املال إال مع اجلود، وال يف الصدق إال مع الوفاء، وال يف احلياة إال مع الصحة، وال يف .مع السرور

واعلم أن األدب يذهب عن العاقل الطيش، ويزيد األمحق طيشا؛ كما أن النهار يزيد كل ذي بصر نظرا، .ويزيد اخلفاش سوء النظر

إن السلطان إذا كان صاحلا، ووزراؤه وزراء سوء، منعوا خريه، : وقد أذكرين أمرك شيئا مسعته، فإن يقالال يقدر أحد أن يتناوله، : ومثله يف ذلك مثل املاء الطيب الذي فيه التماسيح. و منهفال يقدر أحد أن يدن

وهذا أمر ال يصح وال يتم . وأنت يا دمنة أردت أال يدنو من األسد أحد سواك. وإن كان إىل املاء حمتاجاعلى التماس ومن احلمق احلرص. إن البحر بأمواجه، والسلطان بأصحابه: وذلك للمثل املضروب. أبدا

وما عظيت وتأدييب إياك إال كما . اإلخوان بغري الوفاء هلم، وطلب اآلخرة بالرياء، ونفع النفس بغري الضروكيف كان : قال دمنة. ال تلتمس تقومي ما ال يستقيم، وال تعاجل تأديب من ال يتأدب: قال الرجل للطائرنا يف جبل، فالتمسوا يف ليلة باردة ذات رياح زعموا أن مجاعة من القردة كانوا سكا: ذلك؟ قال كليلة

وأمطار نادرا، فلم جيدوا، فرأوا يراعة تطري كأهنا شرارة نار، فظنوها نارا، ومجعوا حطبا كثريا فألقوه عليها، وكان قريبا منهم طائر على شجرة، ينظرون . وجعلوا ينفخون طمعا أن يوقدوا نارا يصطلون هبا من الربد

Page 39: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

فلما . ال تتعبوا فإن الذي رأيتموه ليس بنار: ليه وينظر إليهم، وقد رأى ما صنعوا، فجعل يناديهم ويقولإال : فقال له. طال ذلك عليه عزم على القرب منهم لنهاهم عما هم فيه، فمر به رجل فعرف ما عزم عليه

عليه السيوف، والعود الذي ال حنين فإن احلجر املانع الذي ال ينقطع ال جترب : تلتمس تقومي ما ال يستقيم. فأىب الطائر أن يطيعه، وتقدم إىل القردة ليعرفهم أن الرباعة ليسن بناء. فال تتعب: ال يعمل منه القوس

مث قد غلب عليك اخلب والفجور . فهذا مثلي معك يف ذلك. فتناوله بعض القردة فضرب به األرض فمات وما ذلك املثل؟: قال دمنة. وهلذا مثل. بة، ومها خلتا سوء، واخلصب شرمها عاق

زعموا أن خبا ومغفال اشتركا يف جتارة وسافرا، فبينما مها يف الطريق، إذ ختلف املغفل لبعض : قال كليلةحاجته، فوجد كيسا فيه ألف دينار، فأخذه؛ فأحس به اخلب، فرجعا إىل بلدمها؛ حىت إذا دنوا من املدينة

خذ نصفه وأعطين نصفه؛ وكان اخلب قد قرر يف نفسه أن يذهب باأللف : فقال املغفل .قعدا القتسام املالال نقتسم، فإن الشركة واملفاوضة أقرب إىل الصفاء واملخالطة؛ ولكن آخذ نفقة، وتأخذ : فقال له. مجيعه

خذ حاجتنا منه؛ فإذا احتجنا جئنا أنا وأنت فنأ. فهو مكان حريز: مثلها؛ وندفن الباقي يف أصل هذه الشجرةمث إن اخلب خالف . فأخذا منه يسريا، ودفنا الباقي يف أصل دوحة، ودخال البلد. وال يعلم مبوضعنا أحد

قد : وجاء املغفل بعد ذلك بأشهر فقال للخب. املغفل إىل الدنانري فأخذها، وسوى األرض كما كانتفأقبل . ذهبا إىل املكان فحفرا، فلم جيدا شيئااحتجت إىل نفقة فانطلق بنا نأخذ حاجتنا؛ فقام اخلب معه و

فجعل املغفل حيلف . خالفتين إىل الدنانري فأخذهتا: ال تغتر بصحبة صاحب: اخلب على وجهه يلطمه يقولوهل شعر هبا أحد سواك؟ مث طال . ما أخذها غريك: وقال. ويلعن آخذها وال يزداد احلب إال شدة يف اللطم

. القاضي، فاقتص القاضي قصتهما، فادعى اخلب أن املغفل أخذها، وجحد املغفلذلك بينهما، فترافعا إىلنعم الشجرة اليت كانت الدنانري عندها تشهد يل أن املغفل : ألك على دعواك بينة؟ قال: فقال للخب

فذهب أبو اخلب . وكان اخلب قد أمر أباه أن يذهب فيتوارى يف الشجرة حبيث إذا سئلت أجاب. أخذهام إن القاضي ملا مسع ذلك من اخلب أكربه، وانطلق هو وأصحابه واخلصب واملغفل . جوف الشجرةفدخل

فلما مسع القاضي . نعم املغفل أخذها: فقال الشيخ من جوفها. معه؛ حىت واىف الشجرة؛ فسأهلا عن اخلربو اخلب عند فأضرمت حوهلا النريان فاستغاث أب. فدعا حبطب وأمر أن حترق الشجرة. ذلك اشتد تعجبه

فسأله القاضي عن القصة فأخربه باخلرب؛ فأوقع باخلب ضربا، وبأبيه . فأخرج وقد أشرف على اهلالك. ذلك .صفعا، وأركبه مشهورا ، وغرم اخلب الدنانري فأخذها وأعطاها املغفل

دمنة جامع وإنك يا . وإمنا ضربت لك هذا املثل لتعمل أن احلب واخلديعة رمبا كان صاحبها هو املغبونألنك ذو لونني : وإين أخشى عليك مثرة عملك، مع أنك لست بناج من العقوبة. للخب واخلديعة والفجور

وإنه ال . وصالح أهل البيت ما مل يكن فيهم املفسد. وإمنا عذوبة ماء األهنار ما مل تبلغ إىل البحار. ولساننيوإين مل أزل لذلك . فإن قد جيري من لسانك كسمها: شيء أشبه بك من احلية ذات اللسانني اليت فيها السم

السم من لسانك خائفا، وملا حيل بك متوقعا، واملفسد بني اإلخوان واألصحاب كاحلية يربيها الرجل الزم ذا العقل وذا الكرم، : وقد يقال. ويطعمها وميسحها ويكرمها، مث ال يكون له منها غري اللدغ

Page 40: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

فالعاقل : هما؛ واصحب الصاحب إذا كان عاقال كرميا أو عاقال غري كرميواسترسل إليهما، وإياك ومفارقتالكرمي كامل، والعاقل غري الكرمي أصحبه، وإن كان غري حممود اخلليقة، وأحذر من سوء أخالقه وانتفع

بعقله، والكرمي غري العاقل، الزمه وال تدع مواصلته، وإن كنت ال حتمد عقله، وانتفع بكرمه، وانفعه وكيف يرجو إخوانك عندك كرما . وإين بالفرار منك جلدير. بعقلك؛ والقرار كل القرار من اللئيم األمحق

إن أرضا : وودا وقد صنعت مبلكك الذي أكرمك وشرفك ما صنعت؟ وإن مثلك مثل التاجر الذي قال وكيف كان ذلك؟: ل دمنةقا. تأكل جرذاهنا مائة من حديدا، ليس مبستنكر على بزاهتا أن ختتطف األفيال

زعموا أنه كان بأرض كذا تاجر، فأراد اخلروج إىل بعض الوجوه البتغاء الرزق؛ وكان عنده : قال كليلةمث قدم بعد ذلك مبدة؛ فجاء والتمس احلديد، . مائة من حديدا؛ فأودعها رجال من إخوانه، وذهب يف وجهه

ففرح الرجل بتصديقه . ت أنه الشيء أقطع من أنياهبا للحديدقد مسع: فقال. إنه قد أكلته اجلرذان: فقال لهمث إن التاجر خرج، فلقي ابنا للرجل؛ فأخذه وذهب به إىل منزله؛ مث رجع إليه الرجل . على ما قال وادعىإين ملا خرجت من عندك باألمس، رأيت بازيا قد : فقال له التاجر: هل عندك علم بابين: من الغد فقال له

يا قوم هل مسعتم أو رأيتم أن البزاة ختطف : فلطم الرجل على رأسه وقال. يا، ولعله ابنكاختطف صبقال . وإن أرضا تأكل جرذاهنا مائة من من حديدا ليس بعجب أن ختتطف بزاهتا الفيلة. نعم: الصبيان؟ فقال

ل لتعلم أنك إذا غدرت وإمنا ضربت لك هذا املث. فاردد على ابين. أنا أكلت حديدك وهذا مثنه: له الرجلبصاحبك فال شك أنك مبن سواه أغدر؛ وأنه إذا صاحب أحد صاحبا وغدر مبن سواه فقد علم صاحبه أنه

فال شيء أضيع من مودة متنح من ال وفاء له، وحباء يصطنع عند من ال شكر له، : ليس عنده للمودة موضعدع من ال حيفظه؛ فإن صحبة األخيار تورث اخلري، وأدب حيمل إىل من ال يتأدب به وال يسمعه، وسر يستو

كالريح إذا مرت بالطيب محلت طيبا، وإذا مرت بالننت محلت نتنا، وقد طال : وصحبة األشرار تورث الشر .وثقل كالمي عليك

فانتهى كليلة من كالمه إىل هذا املكان وقد فرغ األسد من الثور، مث فكر يف قتله بعد أن قتله وذهب عنه لقد فجعين شتربة بنفسه؛ وقد كان ذا عقل ورأي وخلق كرمي، وال أدري لعله كان بريئا أو : وقال. غضبال

مكذوبا عليه؛ فحزن وندم على ما كان منه، وتبني ذلك يف وجهه؛ وبصر به دمنة، فترك حماورة كليلة، أنا حزين على : زنك أيها امللك؟ قالفماذا حي. ليهنئك الظفر إذ أهلك اهللا أعداءك: وتقدم إىل األسد فقال له

وإن الرجل احلازم . فإن العاقل ال يرحم من خيافه: ال ترمحه أيها امللك: عقل شتربة ورأيه وأدبه؟ قال له دمنةملا يعلم عنده من الغناء والكفاية، فعل الرجل املتكاره على الدواء : رمبا أبغض الرجل وكرهه، مث قربه وأدناه

ورمبا أحب الرجل، وعز عليه، فأقصاه وأهلكه، خمافة ضرره؛ كالذي تلدغه احلية يف . عتهالشنيع رجاء منفمث علم بعد ذلك بكذبه . فرضي األسد بقول دمنة. إصبعه فيقطعها، ويتربأ منها خمافة أن يسر مسها إىل بدنه

.وغدره وفجوره فقتله شر قتلة

باب الفحص عن أمر دمنة

Page 41: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

قد حدثتين عن الواشي املاهر احملتال، كيف يفسد بالنميمة املودة الثابتة : يلسوفقال دبشليم امللك لبيدبا الففحدثين حينئذ مبا كان من حالة دمنة وما آل أمره إليه بعد قتل شتربة، وما كان من معاذيره . بني املتحابني

حجته اليت احتج عند األسد وأصحابه حني راجع األسد رأيه يف الثور، وحتقق النميمة من دمنة، وما كانتأنا وجدت يف حديث دمنة أن األسد حني قتل شتربة ندم على قتله، وذكر قدمي : هبا؛ قال الفيلسوف

وأخصهم منزلة لديه، وأقرهبم وأدناهم إليه؛ وكان . صحبته وجسيم خدمته، وأنه كان أكرم أصحابه عليهفاتفق أنه أمسى لنمر ذات . ور النمروكان من أخص أصحابه عنده بعد الث. يواصل له املشورة دون خواصه

فلما انتهى إىل . ليلة عند األسد؛ فخرج من عنده جوف الليل يردي منزله، فاجتاز على منزل كليلة ودمنةالباب مسع كليلة يعاتب دمنة على ما كان منه، ويلومه على النميمة واستعماهلا؛ خصوصا مع الكذب

فوقف يستمع ما جيري بينهما فكان . يان دمنة وترك القبول لهوعرف النمر عص. والبهتان يف حق اخلاصةلقد ارتكبت مركبا صعبا، ودخلت مدخال ضيقا، وجنيت على نفسك جناية موبقة، : فيما قال كليلة لدمنة

وعاقبتها وخيمة؛ وسوف يكون مصرعك شديدا، إذا انكشف لألسد أمرك، واطلع عليه، وعرف غدرك ناصر لك؛ فيجتمع عليك اهلوان والقتل، خمافة شرك، وحذرا من غوائلك؛ فلست وحمالك ، وبقيت ال

وأنا جدير . تباعد عمن ال رغبة فيه: مبتخذك بعد اليوم خليال، وال مفش إليك سرا؛ ألن العلماء قد قالوا . مبباعدتك، والتماس اخلالص يل مما وقع يف نفس األسد من هذا األمر

كالمهما قفل راجعا، فدخل على أم األسد؛ فأخذ عليها العهود ومواثيق أن ال فلما مسع النمر هذا من فلما أصبحت دخلت على . تفشي ما يسر إليها، فعاهدته على ذلك فأخربها مبا مسع من كالم كليلة ودمنة

أخذ ما هذا اهلم الذي قد: فقالت له. ملا ورد عليه من قتل شتربة: األسد، فوجدته كئيبا حزينا مهموماحيزنين قتل شتربة؛ إذ تذكرت صحبته ومواظبته على خدميت، وما كنت أمسع من : منك، وغلب عليك؟ قال

إن أشد ما شهد امرؤ بال علم وال يقني؟ ولوال ما قالت العلماء يف إذاعة األسرار : قالت أم األسد. مناصحتهإن أقوال العلماء هلا وجوه : األسدقال . وما فيها من اإلمث والشنار ، لذكرت لك وألخربتك مبا علمت

وإن كان عندك رأي فال تطويه عين؛ وإن كان قد أسر : وإين ألعلم صواب ما تقولني. كثرية، ومعان خمتلفةفأخربته جبميع ما ألقاه إليها النمر من غري أن . إليك أحد سرا فأخربيين به، وأطلعيين عليه، وعلى مجلة األمر

إين مل أجهل قول العلماء يف تعظيم العقوبة وتشديدها، وما يدخل على الرجل من العار : وقال. ختربه بامسهيف إذاعة األسرار؛ ولكين أحببت أن أخربك مبا فيه املصلحة لك؛ وإن وصل خطؤه وضرره إىل العامة عماهلم فإصرارهم على خيانة امللك مما ال يدفع الشر عنهم، وبه حيتج السفهاء، ويستحسنون ما يكون من أ

فلما قضت أم األسد هذا الكالم، استدعى أصحابه وجنده . وأشد معارهم إقدامهم على ذي احلزم. القبيحةفلما وقف بني يدي األسد، ورأى ما هو عليه من احلزن والكآبة، . مث أمر أن يؤتى بدمنة. فأدخلوا عليه

قد : التفتت أم األسد إليه وقالتمالذي حدث؟ وما الذي أحزن امللك؟ ف: التفت إىل بعض احلاضرين فقالألنه : ما ترك األول لآلخر شيئا: قال دمنة! أحزن امللك بقاؤك ولو طرفة عني؛ ولن يدعك بعد اليوم حيا

فال يكونن امللك وخاصته وجنوده املثل . أشد الناس يف توقي الشر، يصيبه الشر قبل املستسلم له: يقال

Page 42: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

ولذلك انقطعت : األشرار، وهو يعلم حاهلم، كان أذاه من نفسه من صحب: السوء؛ وقد علمت أنه قد قيلومن . النساك بأنفسها عن اخللق، واختارت الوحدة على املخالطة، وحب العمل هللا على حب الدنيا وأهلها

وإن أحق ما رغبت . جيزي باخلري خريا وباإلحسان إحسانا إال اهللا؟ ومن طلب اجلزاء على اخلري من الناسمن صدق ما ينبغي : امللك هو حماسن األخالق ومواقع الصواب ومجيل السري؛ وقد قالت العلماء فيه رعية

فينبغي أال . أن يكذب، وكذب ما ينبغي أن يصدق، خرج من مصاف العقالء، وكان جديرا باالزدراءوكل . منهفإنه وإن كان كريها، ال منجى : ولست أقول هذا كراهة للموت. يعجل امللك يف أمري بشبهة

.ولو كانت يل مائة نفس وأعلم أن هوى امللك يف إتالفهن، لطبت له بذلك نفسا. حي هالك

! ويلك: فقال هلا دمنة. مل ينطق هبذا حلبه بامللك، ولكن خلالص نفسه، والتماس العذر هلا: فقال بعض اجلندنفسه؟ وإذا مل يلتمس هلا العذر، وهل علي يف التماس العذر لنفسي عيب؟ وهل أحد أقرب إىل اإلنسان من

فمن يلتمسه؟ لقد ظهر منك ما مل تكن متلك كتمانه من احلسد والبغضاء؛ ولقد عرف من مسع منك ذلك فمثلك ال يصلح أن يكون مع البهائم، . أنك ال حتب ألحد خريا؛ وأنك عدو نفسك، فمن سواها باألوىل

فقالت . فلما أجابه دمنة بذلك، خرج مكتئبا حزينا مستحيا .فضال عن أن يكون مع امللك، وأن يكون ببابه. لقد عجنب منك، أيها احملتال، يف قلة حيائك، وكثرة وقاحتك، وسرعة جوابك ملن كلمك: أم األسد لدمنة

ألنك تنظرين إىل بعني واحدة، وتسمعني مين بأذن واحدة، مع أن شقاوة جدي قد زوت عين كل : قال دمنةلقد سعوا إىل امللك بالنميمة علي، ولقد صار من بباب امللك الستخفافهم به، وطول كرامته شيء، حىت

إياهم، وما هم فيه من العيش والنعمة، ال يدرون يف أي وقت ينبغي هلم الكالم، وال مىت جيب عليهم نب له؟ قال أال تنظرون إىل هذا الشقي، مع عظم ذنبه، كيف جيعل نفسه بريئا كمن ال ذ: قالت. السكوت

إن الذين يعملون غري أعماهلم ليسوا على شيء؛ كالذي يضع الرماد موضعا ينبغي أن يضع فيه : دمنةالرمل؛ ويستعمل فيه السرجني ، والرجل الذي يلبس لباس املرأة، واملرأة اليت تلبس لباس الرجل، والضيف

وإمنا الشقي من ال يعرف األمور وال . عنه أنا رب البيت، والذي ينطق بني اجلماعة مبا ال يسأل: الذي يقولأتظن أيها الغادر احملتال : قالت أم األسد. أحوال الناس ال يقدر على دفع الشر عن نفسه، وال يستطيع ذلك

الغادر الذي ال يأمن عدوه مكره، وإذا استمكن من : بقولك هذا أنك ختدع امللك، وال يسجنك؟ قال دمنةأيها الغادر الكذوب، أتظن أنك ناج من عاقبة كذبك؟ وأن : لت أم األسدقا. عدوه قتله على غري ذنب

الكذوب إيل يقول ما مل يكن، ويأيت مبا مل يقل ومل يفعل، : حمالك هذا ينفعك مع عظم جرمك؟ قال دمنةمث هنضت . العلماء منكم هم الذين يوضحون أمره بفضل اخلطاب: قالت أم األسد. وكالمي واضح مبني

فلما . فدفع األسد دمنة إىل القاضي، فأمر حببسه، فألقي يف عنقه حبل، وانطلق به إىل السجن. فخرجتفأتاه مستخفيا؛ فلما رآه وما هو عليه من ضيق القيود، وخرج . انتصف الليل أخرب كليلة أن دمنة يف احلبس

كر، وإضرابك عن العظة؛ ما وصلت إىل ما وصلت إليه إال الستعمالك اخلديعة وامل: املكان، بكى، وقال لهفإنه : ولكن مل يكن لدي بد فيما مضى من إنذارك والنصيحة لك واملسارعة إليك يف خلوص الرغبة فيك

.لكل مقام مقال؛ ولكل موضع جمال

Page 43: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

ولو كنت قصرت يف عظتك حني كنت يف عافية، لكنت اليوم شريكك يف ذنبك؛ غري أن العجب دخل وقد . ب على عقلك؛ وكنت أضرب لك األمثال كثريا، وأذكرك قول العلماءمنك مدخال قهر رأيك، وغل

ال جتزع : وقد قالت العلماء. قد عرفت صدق مقالتك: قال دمنة. إن احملتال ميوت قبل أجله: قالت العلماءمن العذاب إذا وقفت منك على خطيئة؛ وألن تعذب يف الدنيا جبرمك، خري من أن تعذب يف اآلخرة جبهنم

وكان بقرهبما يف . قد فهمت كالمك؛ ولكن ذنبك عظيم، وعقاب األسد شديد أليم: قال كليلة. اإلمث معالسجن فهد معتقل يسمع كالمهما، وال يريانه؛ فعرف معاتبة كليلة لدمنة على سوء فعله، وما كان منه؛

مث إن . هد هبا إن سئل عنهاوأن دمنة مقر بسوء عمله، وعظيم ذنبه؛ فحفظ احملاورة بينهما، وكتمها ليشيا سيد الوحوش، : كليلة انصرف إىل منزله، ودخلت أم األسد حني أصبحت على األسد؛ وقالت لهال : وقد قالت العلماء. حوشيت أن تنسى ما قلت باألمس؛ وأنك أمرت به لوقته؛ وأرضيت به رب العباد

فلما مسع األسد كالم أمه، . يدافع عن ذنب األثيمينبغي لإلنسان أن يتواىن يف اجلد للتقوى؛ بل ال ينبغي أن اجلسا يف موضع احلكم، : فلما حضر قال له وللجواس العادل. أمر أن حيضر النمر، وهو صاحب القضاء

وناديا يف اجلند صغريهم وكبريهم أن حيضروا وينظروا يف حال دمنة، ويبحثوا يف شأنه، ويفحصوا عن ذنبه، فلما مسع ذلك النمر واجلواس العادل . ب القضاء؛ وارفعا إىل ذلك يوما فيوماويثبتوا قوله وعذره يف كت

وخرجا من عنده؛ فعمال مبقتضى ما أمرمها . مسعا وطاعة ملا أمر امللك: وكان هذا اجلواس عم األسد، قاال، فأوقف به؛ حىت إذا مضى من اليوم الذي جلسوا فيه ثالث ساعات، أمر القاضي أن يؤتى بدمنة؛ فأيت به

إنكم قد علمتم . أيها اجلمع: فلما استقربه املكان نادى سيد اجلمع بأعلى صوته. بني يديه، واجلماعة حضورأن سيد السباع مل يزل منذ قتل شتربة خائر النفس، كثري اهلم واحلزن، يرى أنه قد قتل شتربة بغري ذنب؛

فمن . س جملس القضاء، ويبحث عن شأن دمنةوهذا القاضي قد أمر أن جيل. وأنه أخذه بكذب دمنة ومنيمتهعلم منكم شيئا يف أمر دمنة من خري أو شر، فليقل ذلك، وليتكلم به على رءوس اجلمع واألشهاد، ليكون

أيها : فعندها قال القاضي. القضاء يف أمره أوىل، والعجلة من اهلوى، ومتابعة األصحاب على الباطل ذلإحداهن، : تكتموا ما عرفتم من أمره؛ واحذروا يف الستر عليه ثالث خصالاجلمع امسعوا قول سيدكم، وال

فمن أعظم اخلطايا قتل الربيء الذي ال ذنب له بالكذب : وهي أفضلهن، أال تزدروا فعله، وال تعدوه يسرياه يف والنميمة؛ ومن علم من أمر هذا الكتاب الذي اهتم الربيء بكذبه ومنيمته شيئا، فستر عليه فهو شريك

والثانية إذا اعترف املذنب بذنبه، كان أسلم له، وأحرى بامللك وجنده أن يعفوا عنه . اإلمث والعقوبةوالثالثة ترك مراعاة أهل الذم والفجور، وقطع أسباب مواصالهتم ومودهتم عن اخلاصة والعامة؛ . ويصفحوا

ممن حضر، ليكون ذلك حجة عليه؛ وقد فمن علم من أمر هذا احملتال شيئا، فليتكلم به على رءوس األشهاد فلما مسع . إنه من كتم شهادة ميت، أجلم بلجام من نار يوم القيامة؛ فليقل كل واحد منكم ما علم: قيل

ما يسكتكم؟ تكلموا مبا علمتم؛ واعلموا أن لكل كلمة : فقال دمنة. ذلك اجلمع كالمه، أمسكوا عن القولهد مبا ال ي، ويقول ما ال يعلم، أصابه ما أصاب الطبيب الذي قال ملا ال من يش: وقد قالت العلماء. جوابا وكيف كان ذلك؟: قالت اجلماعة. إين أعلمه: يعلمه

Page 44: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

زعموا أنه كان يف بعض املدن طبيب له رفق وعلم، وكان ذا فطنة فيما جيري على يديه من : قال دمنةاملدينة ابنة قد زوجها البن أخ له، فعرض هلا وكان مللك تلك . املعاجلات، فكرب ذلك الطبيب وضعف بصره

فجيء هبذا الطبيب، فلما حضر، سأل اجلارية عن وجعها وما جتد، . ما يعرض للحوامل من األوجاعلو كنت أبصر، جلمعت األخالط على معرفيت بأجناسها، وال أثق يف : فأخربته، فعرف دائها ودواءها، وقال

ل سفيه، فبلغه اخلرب، فأتاهم وادعى علم الطب، وأعلمهم انه خبري وكان يف املدينة رج. ذلك بأحد غرييمبعرفة أخالط األدوية والعقاقري، عارف بطبائع األدوية املركبة واملفردة، فأمره امللك أن يدخل خزانة

األدوية فيأخذ من أخالط الدواء حاجته، فلما دخل السفيه اخلزانة، وعرضت عليه األدوية، وال يدري ما ال له هبا معرفة، أخذ يف مجلة ما أخذ منها صرة فيها سم قاتل لوقته، وخلطه يف األدوية، وال علم له هي، و

فلما عرف امللك . فما متت أخالط األدوية، سقى اجلارية منه، فماتت لوقتها. به، وال معرفة عنده جبنسهكم هذا املثل لتعلموا ما يدخل وإمنا ضربت ل. ذلك، دعا بالسفيه، فسقاه من ذلك الدواء، فمات من ساعته

على القائل والعامل من الزلة بالشبه يف اخلروج عن احلد، فمن خرج منكم عن حده أصابه ما أصاب ذلك .اجلاهل، ونفسه امللومة

فتكلم سيد اخلنازير، . فانظروا ألنفسكم: والكالم بني أيديكم. رمبا جزى املتكلم بقوله: وقد قالت العلماءيا أهل الشرف من العلماء، امسعوا مقاليت، وعوا بأحالمكم كالمي، : مبنزلته عند األسد، فقال إلدالله وتيهه

إهنم يعرفون بسيماههم، وأنتم معاشر ذوي االقتدار، حبسن صنع اهللا لكم، : فالعلماء قالوا يف شأن الصاحلنيري، وهاهنا أشياء كثرية ومتام نعمته لديكم، تعرفون الصاحلني بسيماهم وصورهم، وختربون بالشيء الصغ

قال . لتستيقنوا وتسكنوا إىل ذلك: تدل على هذا الشقي دمنة، وخترب عن شره، فاطلبوها على ظاهر جسمهقد علمت، وعلم اجلماعة احلاضرون، أنك عارف مبا يف الصور من عالمات السوء، : القاضي لسيد اخلنازير

إن : فأخذ سيد اخلنازير يذم دمنة، وقال. ا الشقيففسر لنا ما تقول، وأطلعنا على ما ترى يف صورة هذأنه من كانت عينه اليسرى أصغر من عينه اليمىن وهي ال تزال ختتلج، وكان : العلماء قد كتبوا وأخربوا

شأنك عجب، أيها القذر، ذو العالمات الفاضحة : قال له دمنة. أنفه مائال إىل جنبه األمين، فهو شقي خبيثمن جرائتك على طعام امللك، وقيامك بني يديه، مع ما جبسمك من القذر والقبح، ومع القبيحة، مث العجب

ما تعرفه أنت ويعرفه غريك من عيوب نفسك، أفتتكلم يف النقي اجلسم الذي ال عيب فيه؟ ولست أنا وقد كان حيجزين عن إظهاره ما بيين وبينك . وحدي أطلع على عيبك، لكن مجيع من حضر قد عرف ذلك

فأما إذا قد كذبت علي وهبتين يف وجهي، وقمت بعداويت، فقلت ما قلت يف بغري علم على . صداقةمن الرؤوس احلاضرين، فأين أقتصر على إظهار ما أعرف من عيوبك، وتعرف اجلماعة، وحق على من عرفك

جديرا حق معرفتك أن مينع امللك من استعماله إياك على طعامه، فلو كلفت أن تعمل الزراعة لكنت باخلذالن فيها، فاألحرى بك أال تدنو إىل عمل من األعمال، وأال تكون دباغا وال حجاما لعامي فضال عن

أتقول يل هذه املقالة، وتلقاين هبذا امللقى؟ قال دمنة، نعم، وحقا قلت : قال سيد اخلنازير. خاص خدمة امللكدع الرجل، املنفوخ البطن، األفلح الشفتني، السيء املنظر فيك، وإياك أعين، أيها األعرج املكسور األف

فلما قال ذلك دمنة، تغري وجه سيد اخلنازير واستعرب واستحى، وتلجلج لسانه، واستكان وفتر . واملخرب

Page 45: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

إمنا ينبغي أن يطول بكاؤك، إذا اطلع امللك على قذرك : فقال دمنة، حني رأى انكساره وبكاءه. نشاطهمث إن شغربا قد جربه فوجد فيه . عن طعامه، وحال بينك وبني خدمته، وأبعدك عن حضرتهوعيوبك فعزلك

فقام الشغرب فدخل على . أمانة وصدقا، فرتبه يف خدمته، وأمره أن حيفظ ما جيري بينهم ، ويطلعه على ذلك يدخل عليه، وال فأمر األسد بعزل سيد اخلنازير عن عمله، وأمر أال. األسد فحدثه باحلديث كله على جليته

.يرى وجهه، وأمر بدمنة أن يسجن، وقد مضى من النهار أكثره، ورجع كل واحد منهم إىل منزله

مث إن شغربا يقال له روزبة، كان بينه وبني كليلة إخاء ومودة، وكان عند األسد وجيها، وعليه كرميا، واتفق مرض ومات، فانطلق هذا الشغرب إىل دمنة، فأخربه أن كليلة أخذه الوجد إشفاقا وحذرا على نفسه وأخيه، ف

ولكن أمحد اهللا تعاىل حيث ! ما أصنع بالدنيا بعد مفارقة األخ الصفى؟؟؟؟؟: مبوت كليلة فبكى وحزن، وقالفإين قد وثقت بنعمة اهللا تعاىل وإحسانه إيل فيما رأيت : مل ميت كليلة حىت أبقى يل من ذوي قرابيت أخا مثلك

يب ومراعاتك يل، وقد علمت أنك رجائي وركين فيما أنا فيه، فأريد من إنعامك أن تنطلق إىل من اهتمامك مكان كذا، فتنظر إىل ما مجعته أنا وأخي حبيلتنا وسعينا ومشيئة اهللا تعاىل، فتأتيين به، ففعل الشغرب ما أمره به

واخلروج على األسد أقدر من إنك على الدخول: فلما وضع املال بني يديه أعطاه شطره، وقال له. دمنةغريك، فتفرغ لشأين، واصرف اهتمامك إيل، وامسع ما أذكر به عند األسد، إذا رفع إليه ما جيري بيين وبني

اخلصوم، وما يبدو من أم األسد يف حقي، وما ترى من متابعة األسد هلا، وخمالفته إياها يف أمري، وأحفظ مث . فانطلق إىل منزله فوضع املال فيه. انصرف عنه على هذا العهدفأخذ الشغرب ما أعطاه دمنة و. ذلك كله

إن األسد بكر من الغد فجلس، حىت إذا مضى من النهار ساعتان، استأذن عليه أصحابه فأذن هلم، فدخلوا فلما مسعت ما يف . فلما عرف قوهلم وقول دمنة دعا أمه فقرأ عليها ذلك. عليه، ووضعوا الكتاب بني يديه

أليس . فإنك لست تعرف ضرك من نفعك: إن أنا أغلظت يف القول فال تلومين: نادت بأعلى صوهتا الكتابألنه كالم هذا اجملرم املسيء إلينا، الغادر بذمتنا؟ مث إهنا خرجت مغضبة، : هذا مما كنت أهناك عن مساعه

. ة، فحدثه باحلديثفخرج يف أثرها مسرعا، حىت أتى دمن. وذلك بعني الشغرب الذي أخاه دمنة وبسمعهفلما مثل بني يدي القاضي استفتح سيد . فبينما هو عنده إذ جاء رسول انطلق بدمنة إىل اجلمع عند القاضي

: يا دمنة قد أنبأين خبربك األمني الصادق وليس ينبغي لنا أن نفحص عن شأنك أكثر من هذا: اجمللس فقالألهنا دار الرسل واألنبياء الدالني على : ا ومصداقا لآلخرةإن اهللا تعاىل جعل الدنيا سبب: ألن العلماء قالوا

وقد ثبت شأنك عندنا وأخربنا عنك من وثقنا بقوله إال . اخلري اهلادين إىل اجلنة الداعني إىل معرفة اهللا تعاىلأراك أيها : قال دمنة. أن سيدنا أمرنا بالعودة يف أمرك والفحص عن شأنك وإن كان عندنا ظاهرا بينا

لقاضي مل تتعود العدل يف القضاء وليس يف عدل امللك دفع املظلومني ومن ال ذنب له إىل قاض غري عادل افكيف ترى أن أقتل ومل أخاصم؟ وتعجل ذلك موافقة هلواك ومل متض بعد ذلك . بل املخاصمة عنهم والذود

إن : قال القاضي. أضربه إن الذي تعود عمل الرب هني عليه عمله وإن: ولكن صدق الذي قال. ثالثة أيامأن القاضي ينبغي له أن يعرف عمل احملسن واملسيء ليجازى احملسن بإحسانه واملسيء : جند يف كتب األولني

والرأي لك يا . بإساءته فإذا ذهب إىل هذا ازداد احملسنون حرصا على اإلحسان واملسيؤون إجتنابا للذنوب

Page 46: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

إن صاحلي القضاة ال يقطعون : فأجابه دمنة. وتقر به وتتوب دمنة أن تنظر الذي وقعت فيه وتعترف بذنبكوأنتم إن ظننتم أين . لعلمهم أن الظن ال يغين من احلق شيئا: بالظن وال يعملون به ال يف اخلاصة وال يف العامة

جمرم فيما فعلت فإين أعلم بنفسي منكم وعلمي بنفسي يقني الشك فيه وعلمكم يب غاية الشك وإمنا قبح عندكم أين سعيت بغريي فما عذري عندكم إذا سعيت بنفسي كاذبا عليها فأسلمتها للقتل والعطب أمري

فلو فعلت . على معرفة مين برباءيت وسالمي مما قرفت به؟ ونفسي ألعظم األنفس على حرمة وأوجبها حقاله فكيف أفعله هذا بأقصاكم وأدناكم، ملا وسعين يف ديين، وال حسن يب يف مروءيت، وال حق يل أن أفع

فإهنا إن كانت منك نصيحة فقد أخطأت موضعها وإن كانت : بنفسي؟ فأكفف أيها القاضي عن هذه املقالةخديعة فإن أقبح اخلداع ما نظرته وعرفت أنه من غري أهله مع أن اخلداع واملكر ليسا من أعمال صاحلي

ألن أمور القضاة يأخذ : شرار سنة يقتدون هباالقضاة وال تقاة الوالة واعلم أن قولك مما يتخذه اجلهال واألبصواهبا أهل الصواب وخبطئها أهل اخلطأ والباطل والقليلو الورع وأنا خائف عليك أيها القاضي من

مقالتك هذه أعظم الرزايا والباليا وليس من البالء و املصيبة أنك مل تزل يف نفس امللك واجلند واخلاصة ا يف عدلكوالعامة فاضال يف رأيك مقنع

فلما مسع القاضي ذلك من . مرضيا يف حكمك وعفافك وفضلك وإمنا البالء كيف أنسيت ذلك يف أمريفقالت حني تدبرت . لفظ دمنة هنض فرفعه إىل األسد على وجهه فنظر يف األسد مث دعا أمه فعرضه عليها

ودهائه حىت يقتلك أو يفسد لقد صار اهتمامي مبا أختوف من احتيال دمنة لك مبكره: كالم دمنة لألسد. بغري ذنب. عليك أمرك أعظم من اهتمامي مبا سلف من ذنبه إليك يف الغش والسعاية حىت قتلت صديقك

. أخربيين عن الذي أخربك عن دمنة مبا أخربك فيكون حجة يل يف قتل دمنة: فقال هلا. فوقع قوهلا يف نفسههنئين سروري بقتل دمنة إذا تذكرت أين استظهرت عليه إين ألكره أن أفشي سر استكتمنيه، فال ي: فقالت

بركوب ما هنت عنه العلماء من كشف السر ولكين أطالب الذي استودعنيه أن جيعلين يف حل من ذكره مث انصرفت وأرسلت إىل النمر وذكرت له ما حيق عليه من حسن . لك ويقوم هو بعلمه وما مسع منه

ه من الشهادة اليت ال يكتمها مثله مع ما حيق عليه من نصر املظلومني معاونته األسد على احلق وإخراج نفس. من كتم حجة ميت أخطأ حجته يوم القيامة: فإنه قد قالت العلماء: وتثبيت حجة احلق يف احلياة واملمات

فلما شهد النمر بذلك أرسل . فلم تزل به حىت قام فدخل على األسد فشهد عنده مبا مسع من إقرار دمنةفشهد على دمنة . فأخرجوه. إن عندي شهادة: د احملبوس الذي مسع إقرار دمنة وحفظه إىل األسد فقالالفه

ما منعكما أن تقوما بشهادتكما وقد علمتما أمرنا واهتمامنا بالفحص : فقال هلما األسد. مبا مسع من إقرارهما فكرهنا التعرض لغري ما قد علمنا أن شهادة الواحد ال توجب حك: عن أمر دمنة فقال كل واحد منهما

: وأمر بدمنة أن يقتل يف حبسه. ميضي به احلكم حىت إذا شهد أحدنا قام اآلخر بشهادته فقبل األشد قوهلمافمن نظر يف هذا فليعلم أن من أراد منفعة نفسه بضر غريه باخلالبة واملكر فإنه سيجري . فقتل أشنع قتلة

فلما مسع . فضلك وإمنا البالء كيف أنسيت ذلك يف أمرييا يف حكمك وعفافك و.على خالبته ومكره. القاضي ذلك من لفظ دمنة هنض فرفعه إىل األسد على وجهه فنظر يف األسد مث دعا أمه فعرضه عليها

Page 47: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

لقد صار اهتمامي مبا أختوف من احتيال دمنة لك مبكره ودهائه حىت : فقالت حني تدبرت كالم دمنة لألسدك أعظم من اهتمامي مبا سلف من ذنبه إليك يف الغش والسعاية حىت قتلت يقتلك أو يفسد عليك أمر

أخربيين عن الذي أخربك عن دمنة مبا أخربك فيكون : فقال هلا. فوقع قوهلا يف نفسه. بغري ذنب. صديقكإين ألكره أن أفشي سر استكتمنيه، فال يهنئين سروري بقتل دمنة إذا : فقالت. حجة يل يف قتل دمنة

استظهرت عليه بركوب ما هنت عنه العلماء من كشف السر ولكين أطالب الذي استودعنيه تذكرت أينمث انصرفت وأرسلت إىل النمر وذكرت له ما . أن جيعلين يف حل من ذكره لك ويقوم هو بعلمه وما مسع منه

ع ما حيق عليه حيق عليه من حسن معاونته األسد على احلق وإخراج نفسه من الشهادة اليت ال يكتمها مثله ممن كتم حجة ميت أخطأ : فإنه قد قالت العلماء: من نصر املظلومني وتثبيت حجة احلق يف احلياة واملمات

فلما شهد . فلم تزل به حىت قام فدخل على األسد فشهد عنده مبا مسع من إقرار دمنة. حجته يوم القيامة. إن عندي شهادة: ه إىل األسد فقالالنمر بذلك أرسل الفهد احملبوس الذي مسع إقرار دمنة وحفظ

ما منعكما أن تقوما بشهادتكما وقد : فقال هلما األسد. فشهد على دمنة مبا مسع من إقراره. فأخرجوهقد علمنا أن شهادة الواحد ال توجب : علمتما أمرنا واهتمامنا بالفحص عن أمر دمنة فقال كل واحد منهما

. احلكم حىت إذا شهد أحدنا قام اآلخر بشهادته فقبل األشد قوهلماحكما فكرهنا التعرض لغري ما ميضي به فمن نظر يف هذا فليعلم أن من أراد منفعة نفسه بضر غريه . فقتل أشنع قتلة: وأمر بدمنة أن يقتل يف حبسه

.باخلالبة واملكر فإنه سيجري على خالبته ومكره

باب احلمامة املطوقة

قد مسعت مثل املتحابني كيف قطع بينهما الكذب وإىل ماذا صار عاقبة :قال دبشليم امللك لبيدبا الفيلسوففحدثين، إن رأيت؛ عن إخوان الصفاء كيف يبتدأ تواصلهم ويستمع بعضهم ببعض؟ . أمره من بعد ذلكإن العاقل ال يعدل باإلخوان شيئا فاإلخوان هم األعوان على اخلري كله، واملؤاسون عند ما : قال الفيلسوف

وكيف كان : قال امللك. ومن أمثال ذلك مثل احلمامة املطوقة واجلرذ والظيب والغراب. املكروه ينوب منزعموا أنه كان بأرض سكاوندجني، عند مدينة داهر، مكان كثري الصيد، ينتابه الصيادون؛ : ذلك؟ قال بيدبا

ذات يوم ساقط يف وكان يف ذلك املكان شجرة كثرية األغصان ملتفة الورق فيها وكر غراب فبينما هووكره إذ بصر بصياد قبيح املنظر، سيئ اخللق، على عاتقه شبكة، ويف يده عصا مقبال حنو الشجرة، فذعر

فألثبنت مكاين حىت أنظر . إما حيين وإما حني غريي: لقد ساق هذا الرجل إىل هذا املكان: منه الغراب؛ وقالاحلب، وكمن قريبا منها، فلم يلبث إال قليال، حىت مث إن الصياد نصب شبكته، ونثر عليها. ماذا يصنع

مرت به محامة يقال هلا املطوقة، وكانت سيدة احلمام ومعها محام كثري؛ فعميت هي وصواحبها عن الشرك، فجعلت كل محامة . فوقعن على احلب يلتقطنه فعلقن يف الشبكة كلهن؛ وأقبل الصياد فرحا مسرورا

ال ختاذلنا يف املعاجلة وال تكن نفس إحداكن : قالت املطوقة. اخلالص لنفسهاتضطرب يف حبائلها وتلتمس أهم إليها م نفس صاحبتها؛ ولكن نتعاون مجيعا فنقلع الشبكة فينجو بعضنا ببعض؛ فقلعن الشبكة مجيعهن

قال ف. بتعاوهنن، وعلون يف اجلو؛ ومل يقطع الصياد رجاءه منهن وظن أهنن ال جياوزن إال قريبا ويقعن

Page 48: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

هذا : فقالت للحمام. فالتفتت املطوقة فرأت الصياد يتبعهن. ألتبعهن وأنظرو ما يكون منهن: الغرابالصياد جمد يف طلبكن، فإن حنن أخذنا يف الفضاء مل خيف عليه أمرنا ومل يزل يتبعنا وإن حنن توجهنا إىل

. تهينا إليه قطع عنا هذا الشركومبكان كذا جرذ هو يل أخ؛ فلو ان. العمران خفي عليه أمرنا، وانصرففلما انتهت احلمامة املطوقة إىل اجلرذ، أمرت . وتبعهن الغراب. وأيس الصياد منهن وانصرف. ففعلن ذلك

احلمام أن يسقطن، فوقعن؛ وكان للجرذ مائة حجر للمخاوف فنادته املطوقة بامسه، وكان امسه زيرك، ما أوقعك : فأقبل إليها اجلرذ يسعى، فقال هلا. ليلتك املطوقةأنا خ: من أنت؟ قالت: فأجاهبا اجلرذ من حجرهأمل تعلم أنه ليس من اخلري والشر شيء إال هو مقدر على من تصيبه املقادير، وهي : يف هذه الورطة؟ قالت له

اليت أوقعتين يف هذه الورطة؛ فقد ال ميتنع من القدر من هو أقوى مين وأعظم أمرا؛ وقد تنكسف الشمس ابدأ : فقالت له املطوقة. مث إن اجلرذ أخذ يف قرض العقد الذي فيه املطوقة. مر إذا قضي ذلك عليهماوالق

بقطع عقد سائر احلمام، وبع ذلك أقبل على عقدي؛ وأعادت ذلك عليه مرارا، وهو ال يلتفت إىل قوهلا، يف نفسك حاجة، وال لقد كررت القول علي كأنك ليس لك : فلما أكثرت عليه القول وكررت، قال هلا

إين أخاف، إن أنت بدأت بقطع عقدي أن متل وتكسل عن قطع : قالت. لك عليها شفقة، وال ترعني هلا حقاما بقي؛ وعرفت أنك إن بدأت هبن قبلي، وكنت أنا األخرية مل ترض وإن أدركك الفتور أن أبقى يف الشرك

اجلرذ أخذ يف قرض الشبكة حىت فرغ منها، فانطلقت مث إن . هذا مما يزيد الرغبة واملودة فيك: قال اجلرذ .املطوقة ومحامها معها

ما : فلما رأى الغراب صنع اجلرذ، رغب يف مصادقته، فجاء وناداه بامسه، فأخرج اجلرذ رأسه، فقال له ليس بيين وبينك تواصل، وإمنا العاقل ينبغي له أن يلتمس ما: قال اجلرذ. إين أريد مصادقتك: حاجتك؟ قال

إن أكلي : قال الغراب. جيد إليه سبيال، ويترك التماس ما ليس إليه سبيل، فإمنا أنت اآلكل، وأنا طعام لكإياك، وإن كنت يل طعاما، مما ال يغين عين شيئا؛ وإن مودتك آنس يل مما ذكرت ولست حبقيق، إذا جئت

ما رغبين فيك، وإن مل تكن تلتمس فإنه قد ظهر يل منك من حسن اخللق . أطلب مودتك، أن تردين خائبافإن العاقل ال خيفي فضله، وإن هو أخفاه؛ كاملسك الذي يكتم مث ال مينعه ذلك من النشر : إظهار ذلك

منها ما هو متكافئ : وهي عداوتان: إن أشد العداوة عداوة اجلوهر. قال اجلرذ. الطيب واألرج الفائحالفيل أو الفيل األسد، ومنها ما قوته من أحد اجلانبني على اآلخر فإنه رمبا قتل األسد . كعداوة الفيل واألسد

: فإن العداوة اليت بيننا ليست تضرك، وإمنا ضررها عائد علي: كعداوة ما بيين وبني السنور وبيين وبينك فإن املاء لو أطيل إسخانه مل مينعه ذلك من إطفائه النار إذا صب عليها، وإمنا مصاحب العدو ومصاحله

.كصاحب احلية حيملها يف كمه، والعاقل ال يستأنس إىل العدو األريبقد فهمت ما تقول، وأنت خليق أن تأخذ بفضل خليقتك، وتعرف صدق مقاليت وال تصعب : قال الغراب

فإن العقالء الكرام ال يبتغون على معروف جزاء، واملودة : ليس إىل التواصل بيننا سبيل: علي األمر بقولكبطيء االنكسار، سريع : ومثل ذلك مثل الكوز من الذهب. احلني سريع اتصاهلا بطيء انقطاعهابني الص

ومثل . اإلعادة، هين اإلصالح، إن أصابه ثلم أو كسر، واملودة بني األشرار سريع انقطاعها، بطيء اتصاهلا

Page 49: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

والكرمي يود الكرمي .ذلك مثل الكوز من الفخار سريع االنكسار ينكسر من أدىن عيب وال وصل له أبداألنك كرمي وأنا مالزم لبابك غري : وأنا إىل ودك ومعروفك حمتاج. واللئيم ال يود أحدا إال عن رغبة أو رهبة

فإين مل أردد أحدا عن حاجة قط، وإمنا بدأت مبا : قد قبلت إخاءك: قال اجلرذ. ذائق طعاما حىت تؤاخيينمث خرج من . إين وجدت اجلرذ سريع االخنداع: نت غدرت يب مل تقلبدأتك به إرادة التوثق لنفسي فإن أ

ما مينعك من اخلروج إيل، واالستئناس يب؟ فهل يف نفسك بعد : فقال له الغراب. حجره، فوقف عند البابإن أهل الدنيا يتعاطون فيما بينهم أمرين ويتواصلون عليهما ومها ذات النفس، : ذلك مين ريبة؟ قال اجلرذ

فاملتباذلون ذات النفس هم األصفياء، وأما املتباذلون ذات اليد فهم املتعاونون الذين يلتمس . ليدوذات اومن كان يصنع املعروف لبعض منافع الدنيا فإمنا مثله فيما يبذل ويعطى كمثل . بعضهم االنتفاع ببعض

تعاطى ذات النفس أفضل من ف. الصياد وإلقائه احلب للطري، ال يريد بذلك نفع الطري وإمنا يريد نفع نفسهوليس مينعين من اخلروج . وإين وثقت منك بذات نفسك، ومنحتك من نفسي مثل ذلك. تعاطي ذات اليد

.إليك سوء ظن بك، ولكن قد عرفت أن لك أصحابا جوهرهم كجوهرك، وليس رأيهم يف رأيك

و صديقه عدوا؛ وليس يل إن من عالمة الصديق أن يكون لصديق صديقه صديقا، ولعد: قال الغرابمث إن اجلرذ . بصاحب وال صديق من ال يكون لك حمبا؛ وإنه يهون عن قطيعة من كان كذلك من جوهري

خرج إىل الغراب فتصافحا وتصافيا، وأنس كل واحد منهما بصاحبه؛ حىت إذا مضت هلما أيام قال الغراب ض الصبيان حبجر؛ ويل مكان يف عزلة، ويل إن جحرك قريب من طريق الناس، وأخاف أن يرميك بع: للجرذ

فيه صديق من السالحف وهو خمصب من السمك وحنن واجدون هناك ما نأكل فأريد أن أنطلق بك إىل . إن يل أخبار وقصصا سأقصها عليك إذا انتهينا حيث تريد فافعل ما تشاء: قال اجلرذ. هناك لنعيش آمنني

فلما دىن من العني اليت فيها السلحفاة بصرت . بلغ به حيث أرادفأخذ الغراب بذنب اجلرذ وطار به حىت السلحفاة بغراب ومعه جرذ فذعرت منه ومل تعلم أنه صاحبها، فناداه فخرجت إليه وسألته من أين أقبلت؟

فلما مسعت السلحفاة شأن . فأخربها بقصته حني تبع احلمام وما كان من أمره وأمر اجلرذ حىت انتهى إليها: ما ساقك إىل هذه األرض؟ قال الغراب للجرذ: جبت من عقله ووفاءه ورحبت به وقالت لهاجلرذ ع

فإهنا عندك : اقصص علي األخبار اليت زعمت أنك حتدثين هبا فأخربين هبا مع جواب ما سألت السلحفاةمن األهل كان منزيل أول أمري مبدينة ماروت يف بيت رجل ناسك وكان خاليا: مبنزليت، فبدأ اجلرذ وقال

والعيال، وكان يؤتى يف كل يوم بسلة من الطعام فيأكل منها حاجته ويعلق الباقي، وكنت أرصد الناسك، فجهد الناسك مرارا أن . حىت خيرج وأثب إىل السلة، فال أدع فيها طعاما إال أكلته، وأرمي به إىل اجلرذان

به ذات ليلة ضيف فأكال مجيعا، مث أخذا يف يعلق السلة مكانا ال أناله فلم يقدر على ذلك، حىت نزل من أي أرض أقبلت؟ وأين تريد اآلن؟ وكان الرجل قد جاب اآلفاق ورأى : احلديث فقال الناسك للضيف

عجائب فأنشأ حيدث الناسك عما وطئ من البالد، ورأى من العجائب، وجعل الناسك خالل ذلك يصفق فما محلك على أن سألتين؟ ! أنا أحدثك وأنت هتزأ حبديثي: لبيديه لينفرين عن السلة، فغضب الضيف وقا

إمنا أصفق بيدي ألنفر جرذا قد حتريت يف أمره، ولست أضع يف البيت شيئا إال : فاعتذر إليه الناسك، وقال

Page 50: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

قال . فما أستطيع له حيلة: جرذ واحد يفعل ذلك أم جرذان كثرية؟ فقال الناسك: أكله، فقال الضيف: قال الناسك! ألمر ما باعت هذه املرأة مسسما مقشورا بغري مقشور: ذكرتين قول الذي قاللقد : الضيف

وكيف كان ذلك؟

وانقلب الرجل على فراشه، فسمعته . نزلت مرة على رجل مبكان كذا، فتعشينا، مث فرش يل: قال الضيف: فقالت املرأة. فاصنعي هلم طعاما إين أريد أن أدعو غدا رهطا ليأكلوا عندنا،: يقول يف آخر الليل المرأته

قال . كيف تدعو الناس إىل طعامك، وليس يف بيتك فضل عن عيالك؟ وأنت رجل ال تبقي شيئا وال تدخرهقالت . فإن اجلمع واالدخار رمبا كانت عاقبته كعاقبة الذئب: ال تندمي على شيء أطعمناه وأنفقناه: الرجل

عموا أنه خرج ذات يوم رجل قانص، ومعه قوصه ونشابه فلم جياوز ز: املرأة وكيف كان ذلك؟ قال الرجلغري بعيد، حىت رمى ظبيا، فحمله ورجع طالبا منزله، فاعترضه خنزير بري فرماه بنشابة نفذت فيه، فأدركه

هذا الرجل : اخلنزير وضربه بأنيابه ضربة أطارت من يده القوس، ووقعا ميتني، فأتى عليهم ذئب فقال واخلنزير يكفيين أكلهم مدة، ولكن أبدأ هبذا الوتر فآكله، فيكون قوت يومي، فعاجل الوتر حىت قطعه والظيب

وإمنا ضربت لك هذا املثل لتعلمي أن اجلمع واالدخار . فلما انقطع طارت سية القوس فضربت حلقه فماتفي ستة نفر أو سبعة، فأنا غادية وعندنا من األرز والسمسم ما يك! نعم ما قلت: فقالت املرأة. وخيم العاقبة

وأخذت املرأة حني أصبحت مسسما فقشرته، وبسطته يف الشمس . على اصطناع الطعام، فادع من أحببتاطرد عنه الطري والكالب وتفرغت املرأة لصنعها؛ وتغافل الغالم عن السمسم؛ : ليجف، وقالت لغالم هلم

رهت أن تصنع منه طعاما ما؛ فذهبت به إىل السوق، فأخذت فجاء كلب، فعاث فيه؛ فاستقذرته املرأة، وكألمر ما باعت هذه املرأة : مثال مبثل، وأنا واقف يف السوق؛ فقال رجل: به مقايضة مسسما غري مقشوروكذلك قويل يف هذا اجلرذ الذي ذكرت أنه على غري علة ما يقدر على ما . مسسما مقشورا بغري مقشور

فاستعار الناسك من بعض جريانه . التمس يل فأسا لعلي أحتقره جحره فأطلع على بعض شأنهف. شكوت منهفأسا، فأتى هبا الضيف، وأنا حينئذ يف غري جحري أمسع كالمهما، ويف جحري كيس فيه مائة دينار، ال

اجلرذ يقوى ما كان هذا : أدري من وضعها، فاحتفر الضيف حىت انتهى إىل الدنانري فأخذها وقال الناسكوسترى . فإن املال جعل له قوة وزيادة يف الرأي والتمكن: على الوثوب حيث كان يثب إال هبذه الدنانري

فلما كان من الغد اجتمع اجلرذان اليت كانت معي . بعد هذا أنه ال يقدر على الوثوب حيث كان يثبملكان الذي كنت أثب منه إىل السلة قد أصابنا اجلوع، وأنت رجائنا فانطلقت ومعي اجلرذان إىل ا: فقالت

انصرفن عنه، وال تطمعن : فلم أقدر عليه فاستبان للجرذان نقص حايل فسمعتهن يقلن: فحاولت ذلك مرارافتركين، وحلقن بأعدائي وجفونين، . فإنا نرى له حاال ال حنسبه إال قد احتاج معها إىل من يعوله: فيما عنده

ما اإلخوان وال األعوان وال األصدقاء إال : فقلت يف نفسي. وحيسدينوأخذن يف غيبيت عند من يعاديينكاملاء الذي يبقى يف األودية من مطر : باملال ووجدت من ال مال له، إذا أراد أمرا قعد به العدم عما يريده

ن ال ولد ووجدت من ال إخوان له ال أهل له، وم. ال مير إىل هنر وال جيري إىل مكان، فتشربه أرضه: الشتاء

Page 51: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

: ألن الرجل إذا افتقر قطعه أقاربه وإخوانه: ومن ال مال له ال عقل له، وال دنيا وال آخرة له: له ال ذكر له .فإن الشجرة النابتة يف السباخ، املأكولة من كل جانب، كحال الفقري احملتاج إىل ما يف أيدي الناس

ووجدت الرجل إذا افتقر . معدن النميمةووجدت الفقر رأس كل بالء، وجالبا إىل صاحبه كل مقت، و. فإن أذنب غريه كان هو للتهمة موضعا: اهتمه من كان له مؤمتنا، وأساء به الظن من كان يظن فيه حسنا

أهوج، وإن كان جوادا مسي : وليس من خلة هي للغين مدح إال وهي للفقري ذم، فإن كان شجاعا قيلفاملوت أهون من احلاجة اليت حتوج صاحبها . ، وإن كان وقورا مسي بليدامبذرا، وإن كان حليما مسي ضعيفا

فإن الكرمي لو كلف أن يدخل يده يف فم األفعى، فيخرج منه : إىل املسألة، وال سيما مسألة األشحاء واللئامخذ وقد كنت رأيت الضيف حني أ. مسا فيبتلعه كان ذلك أهون عليه وأحب إليه من مسألة البخيل اللئم

الدنانري فقامسها الناس، فجعل الناسك نصيبه يف خريطة عند رأسه وملا جن الليل، فطمعت أن أصيب منها فانطلقت إىل . شيئا فأرده إىل جحري، ورجوت أن يزيد ذلك يف قويت، ويراجعين بسببه بعض أصدقائي

فضربين على رأسي الناسك وهو نائم، حىت انتهيت عند رأسه، ووجدت الضيف يقظان، وبيده قضيب، فلما سكن عين األمل، هيجين احلرص والشره، فخرجت طمعا كطمعي . ضربة موجعة، فسعيت إىل جحري

األول، وإذا الضيف يرصدين، فضربين ضربة أسالت مين الدم، فتقلبت ظهرا لبطن إىل جحري، فخررت ت فوجدت البالء يف الدنيا إمنا مث تذكر. مغشيا علي، فأصابين من الوجع ما بغض إىل املال رعدة وهيبة

يسوقه احلرص والشره، وال يزال صاحب الدنيا يف بلية وتعب ونصب، ووجدت جتشم األسفار البعيدة يف طلب الدنيا أهون علي من بسط اليد إىل السخى باملال، ومل أر كالرضا شيئا، فصار أمري إىل أن رضيت

مث . ة، وكان يل صديق من احلمام، فسيقت إيل بصداقته صداقةوقنعت، وانتقلت من بيت الناسك إىل الربيذكر يل الغراب ما بينك وبينه من املودة، وأخربين أنه يريد إتيانك، فأحببت أن آتيك معه، فكرهت

: وجربت. الوحدة، فإنه ال شيء من سرور الدنيا يعدل صحبة اإلخوان، وال غم فيها يعدل البعد عنهموهو اليسري : عاقل أن يلتمس من الدنيا غري الكفاف الذي يدفع به األذى عن نفسهفعلمت أنه ال ينبغي لل

.من املطعم واملشرب، إذا اشتمل على صحة البدن ورفاهة البال

: ولو أن رجال وهبت له الدنيا مبا فيهان مل يك ينتفع من ذلك إال بالقليل الذي يدفع به عن نفسه احلاجةفلما فرغ اجلرذ من . ذا الرأي، وأنا لك أخ، فلتكن منزليت عندك كذلكفأقبلت مع الغراب إليك على ه

إال أين ! قد مسعت كالمك، وما أحسن ما حتدثت به: كالمه أجابته السلحفاة بكالم رقيق عذب، وقالتواعلم أن حسن الكالم ال يتم إال حبسن العمل، وأن املريض الذي . رأيتك تذكر بقايا أمور هي يف نفسك

فاستعمل رأيك، وال حتزن . م دواء مرضه إن يتداو به، مل يغن به شيئا، ومل جيد لدائه راحة وال خفةقد علكاألسد الذي يهاب، وإن كان رابضا، والغين : فإن الرجل ذا املروءة قد يكرم على غري مال: لقلة املال

فال تكربن . ق وخلخل بالذهبكالكلب ال حيفل به، وإن طو: الذي ال مروءة له يهان وإن كان كثري املال: فلتحسن تعاهدك لنفسك. كاألسد الذي ال ينقلب إال ومعه قوته: فإن العاقل ال غربة له: عليك غربتك

وإمنا جعل الفضل للحازم البصري . فإنك إذا فعلت ذلك جاءك اخلري يطلبك كما يطلب املاء احنداره

Page 52: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

ظل : وقد قيل يف أشياء ليس هلا ثبات وال بقاء. بهباألمور، وأما الكسالن املتردد فإن الفضل ال يصحفالعاقل ال حيزن لقلته، وإمنا مال : الغمامة يف الصيف، وخلة األشرار، والبناء على غري أساس، واملال الكثري

العاقل عقله، وما قدم من صاحل، فهو واثق بأنه ال يسلب ما عمل وال يوآخذ بشيء مل يعمله، وهو خليق أال وأنت عن موعظيت غين مبا عندك من . فإن املوت ال يأيت إال بغتة، ليس له وقت معني: أمر أخرته يغفل عنفلما مسع . ألنك أخونا وما عندنا من النصح مبذول لك: ولكن رأيت أن أقضي مالك من حق قبلنا. العلم

تين وأنعمت علي، لقد سرر: الغراب كالم السلحفاة للجرذ وردها عليه ومالطفتها إياه فرح بذلك وقالوإن أوىل أهل الدنيا بشدة السرور من ال يزال عنده . وأنت جديرة أن تسري نفسك مبثل ما سررتين به

فإن الكرمي إذا عثر ال يأخذ : منهم مجاعة يسرهم ويسرونه، ويكون من وراء أمورهم وحاجاهتم باملرصادفبينما الغراب يف كالمه، إذ أقبل حنوهم ظيب يسعى، . كالفيل إذا وحل ال خترجه إال الفيلة: بيده إال الكرام

.فذعرت منه السلحفاة، فغاصت يف املاء، وخرج اجلرذ إىل جحره، وطار الغراب فوقع على شجرة

مث إن الغراب حلق يف السماء لينظر هل للظيب طالب؟ فنظر فلم ير شيئا؛ فنادى اجلرذ والسلحفاة، وخرجا، فإنه ال خوف : اشرب إن كان بك عطش، وال ختف: رأته ينظر إىل املاءفقالت السلحفاة للظيب، حني

كنت أسنح هبذه الصحارى : من أين أقبلت؟ قال: فدنا الظيب فرحبت به السلحفاة وحيته وقالت له. عليكال : فخفت أن يكون قانصا قالت. فلم تزل األساورة تطردين من مكان إىل مكان حىت رأيت اليوم شبحا

مل نرى هاهنا قانصا قط، وحنن نبذل لك ودنا ومكاننا واملاء واملرعى كثريان عندنا فارغب يف فإنا: ختففبينما الغراب . فأقام الظيب معهم وكان هلم عريش جيتمعون فيه ويتذاكرون األحاديث واألخبار. صحبتنا

بطأ أشفقوا أن يكون قد فلما أ. واجلرذ والسلحفاة ذات يوم يف العريش غاب الظيب فتوقعوه ساعة فلم يأت: انظر هل ترى مما يلينا شيئا؟ فحلق الغراب يف السماء فنظر: أصابه عنت، فقال اجلرذ والسلحفاة للغراب

هذا أمر ال : فإذا الظيب يف احلبائل مقتنصا فانقض مسرعا فأخربمها بذلك فقالت السلحفاة والغراب للجرذكيف وقعت يف هذه الورطة : سرعا، فأتى الظيب، فقال لهيرجى فيه غريك، فأغث أخاك، فسعى اجلرذ م

هل يغين الكيس مع املقادير شيئا، فبينما مها يف احلديث إذ وافتهما : وأنت من األكياس؟ قال الظيبفإن القانص لو انتهى إلينا وقد قطع اجلرذ احلبائل استبقه : ما أصبت مبجيئك إلينا. السلحفاة فقال هلا الظيب

. ال سعى لك وال حركة وأخاف عليك القانص: جرذ أحجار كثرية، والغراب يطري وأنت ثقيلةعدوا، وللال عيش مع فراق األحبة وإذا فارق األليف أليفه فقد سلب فؤاده، وحرم سروره، وغشى بصره، : فقالت

ه، وطار فلم ينتهي كالمهما حىت واىف القانص، ووافق ذلك فراغ اجلرذ من قطع الشرك، فنجا الظيب بنفسالغراب حملقا ودخل اجلرذ بعض األحجار ومل يبق غري السلحفاة، ودنا الصياد فوجد حبالته مقطعة، فنظر ميينا ومشاال فلم جيد غري السلحفاة تدب، فأخذها وربطها، فلم يلبث الغراب واجلرذ والظيب أن اجتمعوا

ما أرانا جناوز عقبة من البالء إال صرنا يف : فنظروا القانص قد ربط السلحفاة فاشتد حزهنم، وقال اجلرذال يزال اإلنسان مستمرا يف إقباله ما مل يعثر، فإذا عثر جل به العثار وإن : ولقد صدق الذي قال. أشد منها

وحذري على السلحفاة خري األصدقاء اليت خلتها ليست للمجازاة وال اللتماس . مشى يف جدد األرض

Page 53: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

ويح . والشرف، خلة هي أفضل من خلة الوالد لولده، خلة ال يزيلها إال املوت مكافأة، ولكنها خلة الكرمكما ال : هلذا اجلسد املوكل به البالء الذي ال يزال يف تصرف وتقلب، وال يدوم له شيء، وال يلبث معه أمر

ل طالعا، وكما يدوم للطالع من النجوم طلوع، وال لآلفل منها أفول، لكن ال يزال للطالع منها آفال، واآلف .تكون آالم الكلوم وانتقاض اجلراحات، كذلك من قرحت كلومه بفقد إخوانه بعد اجتماعه هبم

إن حذرنا وحذرك وكالمك، وإن كان بليغا، كل منها ال يغين عن السلحفاة : فقال الظيب والغراب للجرذند األخذ والعطاء، واألهل والولد عند إمنا خيتر الناس عند البالء، وذو األمانة ع: شيئا، وإنه كما يقال

أرى من احليلة أن تذهب أيها الظيب فتقع مبنظر من : قال اجلرذ. الفاقة، كذلك خيترب اإلخوان عند النوائبكأنك جريح، ويقع الغراب عليك كأنه يأكل منك، وأسعى أنا فأكون قريبا من القانص، مراقبا له، : القانص

فإذا دنا منك ففر . آللة، ويضع السلحفاة، ويقصدك طامعا فيك، راجيا حتصيلكفعله أن يرمي ما معه من احبيث ال ينقطع طمعه منك، ومكنه من أخذك مرة بعد مرة، حىت يبعد عنا، وانح منه هذا النحو : عنه رويداب والظيب ففعل الغرا. فإين أرجو أال ينصرف إال وقد قطعت احلبائل عن السلحفاة، وأجنو هبا: ما استطعت

ما أمرمها به اجلرذ، وتبعهما القانص، فاستجره الظيب، حىت أبعده عن اجلرذ والسلحفاة، واجلرذ مقبل على ففكر يف أمره . قطع احلبائل، حىت قطعها، وجنا بالسلحفاة، وعاد القانص جمهودا الغبا فوجد حبالته مقطعة

ر الظيب والغراب الذي كأنه يأكل منه وقرض حبالته مع الظيب املتظالع، فظن أنه خولط يف عقله وفكر يف أم. فرجع موليا ال يلتكس شيئا وال يلتفت إليه. هذه أرض جن أو سحرة: فاستوحش من األرض وقال

فإذا كان هذا . واجتمع الغراب والظيب واجلرذ والسلحفاة إىل عريشهم ساملني آمنيني كأحسن ما كانوا عليهدر على التخلص م مرابط اهللكة مرة بعد أخرى مبودته وخلوصها وثبات قلبه اخللق مع صغره وضعفه قد ق

وأهلم اخلري وال شر . عليها واستمتاعه مع أصحابه بعضهم ببعض فاإلنسان الذي قد أعطي العقل والفهم .فهذا مثل إخوان الصفاء وأتالفهم يف الصحبة. ومنح التميز واملعرفة، أوىل وأحرى بالتواصل والتعاضد

ب البوم والغربانبا

قد مسعت مثل إخوان الصفاء وتعاوهنم، فاضرب يل مثل العدو الذي ال : قال دبشليم امللك لبيدبا الفيلسوفمن اغتر بالعدو الذي مل يزل عدوا، أصابه ما : ينبغي أن يغتر به، وإن أظهر تضرعا وملقا، قال الفيلسوف

لك؟ قال امللك وكيف كان ذ. أصاب البوم من الغربان

زعموا أنه كان يف جبل يف اجلبال شجرة من شجر الدوح، فيها وكر ألف غراب، وعليهن وال : قال بيدبافخرج ملك البوم لبعض . من أنفسهن، وكان عند هذه الشجرة كهف فيه ألف بوم، وعليهن وال منهن

ذلك للبوم، فأغار ملك غدواته وروحاته، ويف نفسه العداوة مللك الغربان، ويف نفس الغربان وملكها مثلالبوم يف أصحابه على الغربان يف أوكارها، فقتل وسىب منها خلقا كثريا، وكانت الغارة ليال، فلما أصبحت

قد علمت ما لقينا الليلة من ملك البوم، وما منا إلال أصبح قتيال أو : الغربان اجتمعت إىل ملكها فقلن له

Page 54: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

لريش أو مقطوف الذنب وأشد مما أصابنا ضرا علينا جراءهتن علينا، جرحيا أو مكسور اجلناح أو منتوف افإمنا حنن لك، ولك الرأي، أيها : لعلمهن مبكاننا: وعلمهن مبكاننا، وهن عائدات إلينا غري منقطعات عنا

ى امللك، فانظر لنا ولنفسك، وكان يف الغربان مخسة معترف هلن حبسن الرأي، يسند إليهن يف األمور، ويلق. وكان امللك كثريا ما يشاورهن يف األمور، ويأخذ آراءهن يف احلوادث والنوازل. عليهن أزمة األحوال

: رأي قد سبقتنا إليه العلماء، وذلك أهنم قالوا: ما رأيك يف هذا األمر؟ قال: فقال امللك لألول من اخلمسةرأي ما رأى هذا من : هذا األمر؟ قالما رأيك يف : قال امللك للثاين. ليس للعدو احلنق إال اهلرب منه

ال أرى لكما ذلك رأيا، أن نرحل عن أوطاننا وخنليها لعدونا من أول نكبة أصابتنا منه : قال امللك. اهلربوال ينبغي لنا ذلك ولكن جنمع أمرنا ونستعد لعدونا ونذكي نار احلرب فيما بيننا وبني عدونا وحنترس من

مستعدين ونقاتله قتاال غري مراجعني فيه، وال مقصرين عنه وتلقى أطرافنا أطراف الغرة إذا أقبل إلينا فنلقاهباألناة مرة وباجلالد أخرى حيث نصيب فرصتنا وبغيتنا، وقد ثنينا : العدو ونتحرز حبصوننا وندافع عدونا

لعيون ونبعث ولكن نبث ا. ما أرى ما قاال رأيا: ما رأيك أنت؟ قال: مث قال امللك للثالث. عدونا عنااجلواسيس ونرسل الطالئع بيننا وبني عدونا فنعلم أيريد صلحنا أم يريد حربنا أم يريد الفدية؟ فإن رأينا أمره : أمر طامع يف مال، مل نكره الصلح على خراج نؤديه إليه كل سنة، ندفع به عن أنفسنا ونطمئن يف أوطاننا

فوه على أنفسهم وبالدهم، أن جيعلوا األموال جنة فغن من أراء امللوك إذا أشتدت شوكة عدوهم، فخافما رأيك يف هذا الصلح؟ قال ال أراه رأيا بل أن نفارق أوطاننا : قال امللك للرابع. البالد وامللك والرعية

ونصرب على الغربة وشدة املعيشة خري من أن نضيع أحسابنا وخنضع للعدو الذي حنن أشرف منه مع أن البوم لتنال : قارب عدوك بعض املقاربة: ويقال يف األمثال. عليهن ملا رضني منا إال بالشطط لو عرضنا ذلك

.حاجتك

ومثل ذلك مثل اخلشبة املنصوبة يف . فيتجرىء عليك ويضعف جندك وتذل نفسك: وال تقاربه كل املقاربةوليس عدونا راضيا منا . لإذا أملتها قليال زاد ظلها، وإذا جاوزت هبا احلد يف إمالتها نقص الظ: الشمس

القتال أم : ما تقول أنت؟ وماذا ترى: قال امللك للخامس. بالدون يف املقاربة، فالرأي لنا ولك احملاربةإنه من : أما القتال فال سبيل للمرء إىل قتال من ال يقوى عليه وقد يقال: الصلح أم اجلالء عن الوطن؟ قال

فإن : قوى عليه، محل نفسه على حتفها مع أن العاقل ال يستصغر عدواال يعرف نفسه وعدوه وقاتل من ال يوأنا للبوم شديد اهليبة وإن أضربن عن قتالنا وقد . من استصغر عدوه اغتر به ومن اغتر بعدوه مل يسلم منه

كنت أهاهبا قبل ذلك، فإن احلازم ال يأمن عدوه على كل حال فإن كان بعيدا مل يأمن سطوته، وإن كان وأحزم األقوام وأكسيهم من كره القتال جلل . ثبا مل يأمن من وثبته، وإن كان وحيدا مل يأمن من مكرهمك

فإن ما دون القتال النفقة فيه من األموال والقول والعمل، والقتال النفقة فيه من األنفس : النفقة فيه. من ال يقوى عليه فقد غرر بنفسه فإن من قاتل: فال يكونن القتال للبوم من رأيك، أيها امللك. واألبدان

فإذا كان امللك حمصنا لألسرار، متخريا للوزراء، مهيبا يف أعني الناس، بعيدا من أن يقدر عليه، كان خليقا وقد استشرتين يف أمر جوابك مني عنه، يف . وأنت، أيها امللك، كذلك. أال يسلب صحيح ما أوتى من اخلري

Page 55: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

منها ما يدخل فيه الرهط، ومنها ما يستعان فيه بالقوم، ومنها : ولألسرار منازل بعضه عالنية، ويف بعضه سر. ولست أرى هلذا السر على قدر منزلته أن يشارك فيه إال أربع آذان ولسانان. ما يدخل فيه الرجالن

اء عداوة هل يعلم ابتد: فنهض امللك من ساعته، وخال به، فاستشاره، فكان أول ما سأله عنه امللك أنه قالزعموا أن : وكيف كان ذلك؟ قال الغراب: قال امللك. كلمة تكلم هبا غراب: نعم: ما بيننا وبني البوم؟ قال

مجاعة من الكراكي مل يكن هلا ملك، فأمجعت أمرها على أن ميلكن عليهن ملك البوم فبينما هي يف جممعها إذ فاستشرنه، . فلم يلبثن دون أن جاءهن الغراب الستشرناه؛. لو جاءنا هذا الغراب: وقع هلا غراب، فقالت

لو أن الطري بادت من األقاليم، وفقد الطاوس والبط والنعام واحلمار من العامل ملا اضطررتن إىل أن : فقالمتلكن عليكن البوم اليت هي أقبح الطري منظرا، وأسوؤها خلقا، وأقلها عقال، وأشدها غضبا وأبعدها من كل

ها وما هبا من العشا بالنهار، وأشد من ذلك وأقبح أمورها سفهها وسوء أخالقها، إال أن ترين رمحة، مع عماأن متلكنها وتكن أننت تدبرن األمور دوهنا برأيكن وعقولكن، كما فعلت األرنب اليت زعمت أن القمر

وكيف كان ذلك؟: ملكها، مث عملت برأيها، قال الطري

راضي الفيلة تتابعت عليها السنون، وأجدبت، وقل ماؤها، وغارت زعموا أن أرضا من أ: قال الغرابفشكون ذلك إىل ملكهن، فأرسل امللك : عيوهنا، وذوى نبتها، ويبس شجرها، فأصاب الفيلة عطش شديد

فرجع إليه بعض الرسل، فأخربه إين قد وجدت مبكان كذا عينا . رسوله ورواده يف طلب املاء، يف كل ناحيةوكانت . فتوجه ملك الفيلة بأصحابه إىل تلك العني ليشرب منها هو وفيلته. لقمر، كثرية املاءيقال هلا عني ا

العني يف أرض لألرانب، فوطئن األرانب يف أجحارهن، فأهلكن منهن كثريا، فاجتمعت األرانب إىل ملكها ت أرنب من فتقدم. ليحضرن منكن كل ذي رأي رأيه: قد علمت ما أصابنا من الفيلة فقال: فقلن له

إن رأى امللك أن يبعثين إىل : وكان امللك يعرفها حبسن الرأي واألدب، فقالت. األرانب يقال هلا فريوزأنت أمينة، ونرضى : الفيلة ويرسل معي أمينا، لريى ويسمع ما أقول، ويرفعه إىل امللك، فقال هلا امللك

أن الرسول برأيه وعقله، ولينه وفضله، خيرب عن واعلمي. بقولك، فانطلقي إىل الفيلة، وبلغي عين ما تريدينفإن الرسول هو الذي يلني الصدور إذا رفق، وخيشن : فعليك باللني والرفق واحللم والتأين. عقل املرسل

: مث إن األرنب انطلقت يف ليلة قمراء، حىت انتهت إىل الفيلة، وكرهت أن تدنو منهن. الصدور إذا خرقمث أشرفت على اجلبل ونادت ملك الفيلة وقالت . فيقتلنها، وإن كن غري متعمدات خمافة أن يطأهنا بأرجلهن،

فما : قال ملك الفيلة. إن القمر أرسلين إليك، والرسول غري ملوم فيما يبلغ، وإن أغلظ يف القول: لههلم إن من عرف فضل قوته على الضعفاء، فاغتر بذلك يف شأن األقوياء، قياسا: يقول لك: الرسالة؟ قالت

وأنت قد عرفت فضل قوتك على الدواب، فغرك ذلك، فعمدت إىل . على الضعفاء، كانت قوته وباال عليهوإنك إن . فأنذرك أال تعود إىل مثل ذلك: فأرسلين إليك. العني اليت تسمى بامسي، فشربت منها، وكدرهتا

فإين : ىل العني من ساعتكوإن كنت يف شك من رساليت، فهلم إ. فعلت أغش بصرك، وأتلف نفسكفلما نظر إليها، رأى . فعجب ملك الفيلة من قول األرنب، فانطلق إىل العني مع فريوز الرسول. موافيك هبا

. خذ خبرطومك من املاء فاغسل به وجهك، واسجد للقمر: فقالت له فريوز الرسول. ضوء القمر فيها

Page 56: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

ما شأن القمر ارتعد؟ أتراه : فقال. القمر ارتعد فأدخل الفيل خرطومه يف املاء، فتحرك فخيل للفيل أنفسجد الفيل للقمر مرة أخرى، وتاب إليه . نعم: غضب من إدخايل اخلرطوم يف املاء؟ قالت فريوز األرنب

ومع ما ذكرت من أمر البوم : قال الغراب. مما صنع، وشرط أال يعود إىل مثل ذلك هو وال أحد من فيلتهخلديعة، وشر امللوك اخلادع، ومن ابتلى بسالن خمادع، وخدمه، أصاب ما أصاب إن فيها اخلب واملكر وا

كان يل جارا من : وكيف كان ذلك؟ قال الغراب: قالت الكراكي. األرنب والفرد حني احتكما إىل السنوراالصفاردة يف أصل شجرة قريبة من وكرى وكان يكثر مواصليت مث فقدته فلم أعلم أين غاب وطالت غيبته

مث إن الصفرد . فجاءت أرنب إىل مكان الصفرد فسكنته فكرهت أن أخاصم األرنب فلبثت فيه زمانا. ينعاملسكن : قالت األرنب. هذا املكان يل ، فانتقلي عنه: فقال هلا . غاد بعد زمان فأتى منزله فوجد فيه األرنب

: القاضي منا قريب: قال الصفرد. فإن كان لك حق فاستعد بإثباته علي. يل، وحتت يدي؛ وأنت مدع لهإن بساحل البحر سنورا متعبدا، يصوم النهار، : ومن القاضي؟ قال الصفرد: قالت األرنب. فهلمي بنا إليه

فإن أحببت . ويقوم الليل كله؛ وال يؤذي دابة، وال يهرق دما، عيشه من احلشيش ومما يقذفه إليه البحرفإن كان لك حق فاستعد . املسكن يل، وحتت يدي، وأنت مدع له: نبقالت األر. حتاكمنا إليه، ورضينا به

.بإثباته علي

إن بساحل البحر سنورامعبدا، يصوم النهار، ويقوم الليل كله، واليؤذى : القاضي؟ منا قريب: قال الصفردقالت . ينا بهفإن أحببت حتاكما إليه، ورض. دابة، وال يهريق دما، عيشه من احلشيش ومما يقذفه إليه البحر

فانطلقا إليه فتبعهما ألنظر إىل حكومة الصوام القوام مث إهنما . ما أرضاين به إذا كان كما وصفت: األرنب. ذهبا إليه فلما بصر النور باألرنب والصفرد مقبيلني حنوه، انتصب قائما يصلي، وأظهر اخلشوع والتنسك

فأمر مها أن يقصا عليه . ا عليه وسأاله أن يقضي بينهمافعجبا ملا رأيا من حاله ودنوا منه هائبني له، وسلمفدنوا منه، وأعادا . فادنوا مين فامسعاىن ما تقوالن: قد بلغين الكرب وثقلت أذناي: فقال هلما. القصة ففعال

فأنا : عليه القصة وسأاله احلكم فقال قد فهمت ما قلتما، وأنا مبتدئكما بالنصيحة قبل احلكومة بينكماتقوى اهللا وأالتطلبا إال احلق هو الذي يفلح، وأن قضى عليه وطالب احلق هو الذي يفلح وإن آمركما ب

وليس لصاحب الدنيا من دنياه شئ ال مال وال صديق . قضى عليه وطالب الباطل خمصوم وإن قضى لهوأن سوى العمل الصاحل يقدمه فذو العقل حقيق أن يكون سعيه يف طلب ما يبقى وعود نفعه عليه غدا،

فإن منزلة املال عند العاقل مبنزلة املدر، ومنزلة الناس عنده : ميقت بسعيه فيما سوى ذلك من أمور الدنيامث إن السنور مل يزل يقص عليهما من جنس هذا . فيما حيب أهم من اخلري ويكره من الشر مبنزلة نفسه

مث إن البوم جتمع : قال الغراب. هما فقتلهماوأشباهه، حىت أنسا إليه، وأقبال عليه، ودنوا منه، مث وثب عليفلما مسع الكراكى ذلك . فال يكونن متليك البوم من رأ يكن: مع ما وصفت لكن من الشؤم سائر العيوبلقد : زكان هناك بوم حاضر قد مسع ما قالوا، فقال الغراب. من كالم الغراب أضربن عن متليك البوم

وبعد فاعلم أن الفأس يقطع به الشجر . لف مين إليك سوء أوجب هذاوترتين أعظم الترة، وال أعلم أنه سوالنصل من . فيعود ينبت السيف يقطع اللحم مث يعود فيندمل واللسان ال يندمل جرحه وال تؤسى مقاطعه

Page 57: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

السهم يغيب يف اللحم مث ينزع فيخرج، وأشباه النصل من الكالم إذا وصلت إىل القلب مل تنزع ومل وقد . فللنار املاء، وللسم الدواء وللحزن الصرب ونلر احلقد ال ختبو أبدا: ريق مطفئولكل ح. تستخرج

.غرستم معاشر الغربان بيننا وبينكم شجر احلقد والعداوة والبغضاءفلما قضى البوم مقالته، وىل مغضبا، فأخرب ملك البوم مبا جرى وبكل ما كان منقول الغراب، مث إن الغراب

! واهللا لقد خرقت يف قويل الذي جلبت به العداوة والبغضاء على نفسي وقومي: منه، وقال ندم على ما فرطولعل أكثر الطري قد رأى أكثر مما رأيت، وعلم ! وال أعلمتها هبذا األمر! وليتين مل أخرب الكراكي هبذه احلال

نظر فيه من حذار العواقب، ال أضعاف ما علمت، فمنعها من الكالم مبثل ما اتقاء ما مل أتق، والنظر فيما مل أسيما إذا كان الكالم أفظع كالم، يلقى منه سامعه وقائله املكروه مما يورث احلقد والضغينة، فال ينبغي

والعاقل، وإن كان واثقا بقوته وفضله، ال ينبغي أن . ألشباه هذا الكالم، أن تسمى كالما، ولكن سهاماسه اتكاال على ما عنده من الرأي والقوة، كما أنه وإن كان عنده حيمل ذلك على أن جيلب العداوة على نف

وصاحب حسن العمل، وإن قصر به القول يف . الترياق ال ينبغي له أن يشرب السم اتكاال على ما عندهمستقبل األمر، كان فضله بينا واضحا يف العاقبة واالختار، وصاحب حسن القول، وإن أعجب الناس منه

أليس من سفهي . وأنا صاحب القول الذي ال عاقبة له حممودة. ألمور مل حتمد عاقبة أمرهحسن صفته لاجترائي على التكلم يف األمر اجلسيم ال أستشري فيه أحدا، ومل أعمل فيه رأيا؟ ومن مل يستشر النصاء

غناين عما كسبت يومي فما كان أ. األولياء، وعمل برأيه من غري تكرار النظر والروية، مل يغتبط مبواقع رأيهفهذا ما سألتين عنه من . وعاتب الغراب نفسه هبذا الكالم وأشباهه وذهب! هذا، وما وقعت فيه من اهلم .ابتداء العداوة بيننا وبني البوم

وأما القتال فقد علمت رأيي فيه، وكراهيت له، ولكن عندي من الرأي واحليلة غري القتال ما يكون فيه ومن ذلك حديث اجلماعة . فإنه رب قوم قد احتالوا بآرائهم حىت ظفروا مبا أرادوا: تعاىل الفرج إن شاء اهللا

وكيف كان ذلك؟: الذين ظفروا بالناسك، وأخذوا عريضه قال امللك

زعموا ان ناسكا اشىت عريضا ضخما ليجعله قربانا، فانطلق به يقوده فبصر به قوم من املكرة، : قال الغرابأيها الناسك، ما هذا الكلب الذي معك؟ : فعرض له أحدهم فقال له. م أن يأخذوه من الناسكفأمتروا بينه

فلم يزالو مع الناسك على . ما هذا الناسك، ألن الناسك ال يقود كلبا: مث عرض له اآلخر فقال لصاحبهن يده، فأخذه هذا ومثله حىت مل يشك أن الذي يقوده كلب، وأن الذي باعه إياه سحر عينه، فأطلقه م

وإين . وإمنا ضربت لك هذا املثل ملا أرجو أن نصيب من حاجتنا بالرفق واحليلة. اجلماعة احملتالون ومضوا بهأريد من امللك أن ينقرين على رؤوس األشهاد، وينتف ريشي وذنيب، مث يطرحين يف أصل هذه الشجرة،

أطلع على أحواهلم، ومواضع حتصينهم فأرجو أني أصرب و. ويرحتل امللك هو وجنوده إىل مكان كذا .وأبواهبم، فأخادعهم وآيت إليكم لنهجم عليهم، وننا منهم غرضنا إن شاء اهللا تعاىل

نعم، وكيف ال تطيب نفسي لذلك وفيه أعظم الراحات للملك : أتطيب نفسك لذلك؟ قال: قال امللكيئن ويهمس حىت رأته البوم ومسعته يئن، وجنوده؟ ففعل امللك بالغراب ما ذكر، مث ارحتل عنه فجعل الغراب

Page 58: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

من أنت؟ : فأخربن ملكهن بذلك، فقصد حنوه ليسأله عن الغربان فلما دنا منه أمر بوما أن يسأله فقال لهأما امسي ففالن، وأما ما سألتين عنه فإين أحسبك ترى أن حايل حال من ال يعلم : وأين الغربان؟ فقال

زير ملك الغربان وصاحب رأيه، فنسأله بأي ذنب صنع به ما صنع؟ فسئل هذا و: األسرار فقيل مللك البومأيها : وكنت يومئذ مبحضر من األمر، فقال: إن ملكنا استشار مجاعتنا فيكن: الغراب عن أمره فقال

ولكن ألهنن أشد بطشا، وأحد قلبا منا: أيها امللك ال طاقة لنا بقتال البوم: الغربان، ما ترون يف ذلك؟ فقلتأرى أن نلتمس الصلح، مث نبذل الفدية يف ذلك، فإن قبلت البوم ذلك منا، وإال هربنا يف البالد وإذا كان القتال بيننا وبني البوم كان خريا هلن وشرا لنا، فالصلح أفضل من اخلصومة وأمرهتن بالرجوع عن احلرب،

أال ترين : د ال يرد بأسه وغضبه مثل اخلضوع لهإن العدو الشدي: وضربت هلن األمثال يف ذلك، وقلت هلنإىل احلشيش كيف يسلم من عاصف الريح للينه وميله معها حيث مالت فعصينين يف ذلك وزعمن أهنن يردن القتال وأهتمنين يف ما قلت، وقلنا إنك قد ماألت البوم علينا ورددن قويل ونصيحيت وعذبنين هبذا

فلما مسع ملك البوم مقالة الغراب قال : حتل وال علم يل هبن بعد ذلكالعذاب وتركين امللك وجنوده وأرفإن هذا أفضل عدد : ما أرى إال املعاجلة له بالقتل: ما تقول يف الغراب؟ وما ترى فيه؟ قال: لبعض وزرائه

نجح من ظفر بالساعة اليت فيها ي: الغربان، ويف قتله لنا راحة من مكره وفقده على الغربان شديد ويقالالعمل مث ال يعاجله بالذي ينبغي له فليس حبكيم ومن طلب األمر اجلسيم فأمكنه ذلك فأغفله فاته األمر

وهو خليق أال تعود له الفرصة ثانية ومن وجد عدوه ضعيفا ومل ينجز قتله ندم إذا استقوى ومل يقدر عليه فإن العدو الذليل الذي ال ناصر له : تقتلهأرى أال : ما ترى أنت يف هذا الغراب؟ قال: قال امللك لوزير آخر

.فإنه أهل ألن يؤمن: أهل ألن يستبقى ويرحم ويصفح عنه وال سيما املستجري اخلائففإنه خليق أن : أرى أن تستبقيه وحتسن إليه: ما تقول يف الغراب؟ قال: قال ملك البوم لوزير آخر من وزائه

ظفرا حسنا ويرى أشتغال بعض أعدائه ببعض خالصا ينصحك والعاقل يرى معادات بعض أعدائه بعضا وكيف كان ذلك؟: لنفسه منهم وجناة كنجاة الناسك من اللص والشيطان حني اختلفا عليه قال امللك له

زعموا أن ناسكا أصاب من رجل بقرة حلوبا فانطلق هبا يقودها إىل منزله، فعرض له لص أراد : قال الوزيرمن أنت؟ قال أنا اللص، أريد أن أسرق البقرة : فقال الشيطان للص. يريد اختطافه سرقتها واتبعه شيطانأنا الشيطان أريد أختطافه إذا نام وأذهب به فاهتيا على هذا إىل املنزل : فمن أنت؟ قال. من الناسك إذا نام

بل اللص فأق. فدخل الناسك منزله ودخال خلفه وأدخل البقرة فربطها يف زاوية املنزل وتعشى ونامإن أنت بدأت بأخذ البقرة : والشيطان يأمتران فيه واختلفا على من يبدأ بشغله أوال فقال الشيطان للص

فأشفق . فال أقدر على أخذه فأنظرين ريثما آخذه، وشأنك وما تريد: فرمبا استيقظ وصاح، واجتمع الناسال، بل انظرين أنت حىت : لبقرة، فقالاللص إن بدأ الشيطان باختطافه فرمبا استيقظ فال يقدر على أخذ ا

فهذا الشيطان : أيها الناسك انتبه: آخذ البقرة وشأنك زما تريد فلم يزاال يف اجملادلة هكذا حىت نادى اللصفهذا اللص يريد أن يسرق بقرتك فانتبه الناسك : أيها الناسك انتبه: يريد اختطافك، ونادى الشيطانأظن أن الغراب قد : قال الوزير األول الذي أشار بقتل الغراب. انوجريانه بأصواهتما، وهرب اخلبيث

Page 59: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

خدعكن ووقع كالمه يف نفس الغيب منكن موقعه، فتردن أن تضعن الرأي يف غري موضعه فمهال مهال أيها فلم يلتفت امللك إىل قوله وأمر الغراب أن حيمل إىل منازل البوم، ويكرم ويستوصى . امللك عن هذا الرأي

.خريا بهأيها امللك قد علمت : مث إن الغراب قال للملك يوما وعنده مجاعة من البوم وفيهن الوزير الذي أشار بقتله

ما جرى علي من الغربان وأنه ال يستريح قليب إال بأخذي بثأري منهن، وإين قد نظرت يف ذلك فإذا يب ال من طابت نفسه بأن حيرقها فقد قرب هللا : لواألين غراب وقد روى عن العلماء أهنم قا: أقدر على ما رمت

أعظم القربان ال يدعو عند ذلك بدعوة إال استجيب له فإن رأى امللك أن يأمرين فأحرق نفسي وأدعو ريب : قال الوزير الذي أشار بقتله! أن حيولين بوما فأكون أشد عداوة وأقوى بأسا عل الغربان لعلي أنتقم منهن

هر وشر ما ختفي إال باخلمرة الطيبة الطعم والريح املنقع فيها السم أرأيت لو أحرقنا ما أشبهك يف خري ما تظأليست أخالقك تدور معك حيثما درت، وتصري بعد ذلك ! جسمك بالنار كان جوهرك وطباعك متغرية

إىل أصلك وطويتك؟ كالفأرة اليت خريت يف األزواج بني الشمس والريح والسحاب واجلبل فلم يقع وكيف كان ذلك؟: ها إال على اجلرذ وقيل لهاختيار

زعموا أنه كان ناسكا مستجاب الدعوة فبينما هو ذات يوم جالسا على ساحل البحر إذ مرت به : قالحدأة يف رجلها درص فأرة فوقعت منها عند الناسك، وأدركته هلا رمحة، فأخذها ولفها يف ورقة، وذهب هبا

فتحولت جارية حسناء فانطلق هبا : له تربيتها فدعا ربه أن حيوهلا جاريةإىل منزله، مث خاف أن تشق على أهيا بنية أختاري من : فلما كربت قال هلا الناسك. إىل امرأته، فقال هلا هذه ابنيت فاصنعي معها صنيعك بولدي

لعلك فقال الناسك. فقالت، أما إذا خريتين فإين أختار زوجا يكون أقوى األشياء. أحببت حىت أزوجك بهأيها اخللق العظيم إن يل جارية وقد طلبت زوجا يكون أقوى : مث انطلق إىل الشمس فقال! تريدين الشمس

السحاب الذي يغطيين، : األشياء، فهل أنت متزوجها؟ فقالت الشمس أنا أدلك على من هو أقوى مينل للشمس، فقال فذهب الناسك إىل السحاب فقال له ما قا. ويرد حر شعاعي ويكسف أشعة أنواري

فاذهب إىل الريح اليت تقبل يب وتدبر وتذهب يب شرقا وغربا : وأنا أدلك على من هو أقوى مين: السحابوأنا أدلك على من هو أقوى مين وهو اجلبل الذي : فجاء الناسك إىل الريح فقال هلا كقوله للسحاب فقالتأنا أدلك على من هو : كور فأجابه اجلبل وقال لهال أقدر على حتريكه فمضى إىل اجلبل وقال له القول املذ

: فانطلق الناسك إىل اجلرذ فقال له. اجلرذ الذي ال أستطيع االمتناع منه إذا ثقبين واختذين مسكنا: أقوى مينهل أنت متزوج هذه اجلارية؟ فقال وكيف أتزوجها وجحري ضيق؟ إمنا يتزوج اجلرذ الفأرة فدعا الناسك

ة كما كانت وذلك برضى اجلارية، فأعادها اهللا إىل عنصرها األول فانطلقت مع اجلرذ فهذا ربه أن حيوهلا فأرمثلك أيها املخادع فلم يلتفت ملك البوم إىل ذلك القول، ورفق بالغراب ومل يزدد له إال إكراما حىت إذا

رأى ومسع فقال فأتى أصحابه مبا . طاب عيشه ونبت ريشه واطلع على ما أراد أن يطلع عليه راغ روغةأنا واجلند حتت أمرك، فاحتكم : إين قد فرغت مما كنت أريد ومل يبقى إال أن تسمع وتطيع، فقال له: للملك

.كيف شئت

Page 60: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

إن البوم مبكان كذا يف جبل كثري احلطب ويف ذلك املوضع قطيع من الغنم مع رجل راع، : قال الغرابونقذف عليها من يابس احلطب ونتراوح عليها ضربا وحنن مصيبون هناك نارا، ونلقيها يف أنقاب البوم

فمن خرج منهن احترق ومن مل خيرج مات بالدخان موضعه ففعل : بأجنحتنا حىت تضرم النار يف احلطب .فأهلكن البوم قاطبة ورجعن إىل منازهلن ساملات آمنات: الغربان ذلك

بوم وال صرب لألخيار على صحبة كيف صربت على صحبة ال: مث إن ملك الغربان قال لذلك الغرابإمنا ما قلته أيها امللك لكذلك لكن العاقل إذا أتاه األمر الفظيع العظيم الذي خياف : األشرار؟ فقال الغراب

من عدم حتمله اجلائحة على نفسه وقومه مل جيزع من شدة الصرب عليه، ملا يرجو من أن يعقبه صربه حسن أملا، ومل تكره نفسه اخلضوع ملن هو دونه حىت يبلغ حاجته فيغتبط خبامتة العاقبة زكثري اخلري فلم جيد لذلك

مل أجد فيهن عاقال إال الذي كان : فقال الغراب: أخربين عن عقول البوم: فقال امللك. أمره وعاقبة صربه فلم ينظرن يف رأيه ويذكرن أين! حيثهن على قتلي، وكان حرضهن على ذلك مرارا فكن أضعف شيء رأيا

قد كنت ذا منزلة يف الغربان، وأين أعد من ذوي الرأي ومل يتخوفن مكري وحيليت وال قبلن من الناصح ينبغي للملك أن حيصن أموره من أهل النميمة وال يطلع : الشفيق وال أخفني دوين أسرارهن وقد قال العلماء

لغي، وضعف رأي امللك وموافقته ما أهلك البوم يف نفسي إال ا: أحدا منهم على مواضع سره فقال امللكصدقت أيها امللك، إنه قلما ظفر أحد بغىن ومل يطع، وقل من أكثر من الطعام : وزراء السوء فقال الغراب

ال يطمعن ذو الكرب يف : وقل من وثق بوزراء السوء وسلم من أن يقع يف املهالك وكان يقال. إال مرض، وال السي األدب يف الشرف، وال الشحيح يف الرب، وال احلريص حسن الثناء، وال اخلب يف كثرة الصديق

يف قلة الذنوب وال امللك احملتال، املتهاون باألمور، الضعيف الوزراء يف ثبات ملكه، وصالح رعيته قال إنه من احتمل مشقة يرجو : لقد احتملت مشقة شديدة يف تصنعك للبوم، وتضرعك هلن قال الغراب: امللك، وحنى عن نفسه األنفة واحلمية، ووطنها على الصرب محد غب رأيه، كما صرب األسود على محل ملك نفعها

زعموا أن أسود من : وكيف كان ذلك؟ قال الغراب: الضفادع على ظهره، وشبع بذلك وعاش قال امللكلمس شيئا فلم يستطع صيدا ومل يقدر على طعام وأنه انساب يت: احليات كرب، وضعف بصره وذهبت قوته

يعيش به، حىت انتهى إىل عني كثرية الضفادع، قد كان يأتيها قبل ذلك، فيصيب من ضفاضعها رزقه فرمى ومن : ما يل أراك أيها األسود كئيبا حزينا؟ قال: نفسه قريبا منهن مظهرا للكآبة واحلزن فقال له ضفدع

ب من الضفادع فابتليت ببالء وحرمت على وإمنا كان أكثر معيشيت مما كنت أصي! أحرى بطول احلزن مينفانطلق الضفدع إىل ملك الضفادع، . الضفادع من أجله، حىت إين إذا التقيت ببعضها ال أقدر على إمساكه

كيف كان أمرك؟ قال سعيت منذ أيام يف طلب ضفدع وذلك عند : فبشره مبا مسع من األسود فقال لهأثره يف ظلمة ويف البيت ابن الناسك، فأصبت إصبعه، فظننت املساء فاضطررته إىل بيت ناسك، ودخلت يف

كما قتلت : أهنا الضفدع، فلدغته فمات فخرجت هاربا، فتبعين الناسك يف أثري، ودعا علي ولعنين وقالابين الربيء ظلما وتعديا، أدعو عليك أن تذل وتصري مركبا مللك الضفادع، فال تستطيع أخذها، وال أكل

Page 61: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

ال ما يتصدق به عليك ملكها فأتيت إليك لتركبين مقرا بذلك راضيا به فرغب ملك الضفادع شيء منها، إ .بركوب األسود، وظن أن ذلك فخرا له وشرف ورفعة فركب و استطاب له ذلك

لعمري البد : قد علمت أيها امللك أين حمروم فاجعل يل رزقا أعيش به فقال ملك الضفادع: فقال له األسودوم بك، إذا كنت مركيب فأمر له بضفدعني يؤخذان يف كل يوم ويدفعان إليه فعاش بذلك، ومل من رزق يق

يضره خضوعه للعدو الذليل، بل انتفع بذلك وصار له رزقا ومعيشة وكذلك كان صربي على ما صربت ه ووجدت عليه، التماسا هلذا النفع العظيم الذي اجتمع لنا فيه األمن الظفر، وهالك العدو والراحة من

فإن النار ال تزيد حبدهتا وحرها إذا : صرعة اللني والرفق أسرع وأشد استئصاال للعدو من صرعة املكابرةأصابت الشجرة على أن حترق ما فوق األرض منها واملاء بربده ولينه يستأصل ما حتت األرض منها ويقال

وكل ذلك من رأى امللك وأدبه : ال الغرابق. النار واملرض والعدو والدين: أربعة أشياء ال يستقل قليلهاإذا طلب اثنان أمرا ظفر به منها أفضلهما مروءة فإن اعتدال يف املروءة : وسعادة جده وإنه كان يقال

من حارب امللك احلازم األريب املتضرع : فإن استويا يف العزم فأسعدمها جدا وكان يقال. فأشدمها عزماهشه الضراء كان هو داعي احلتف إىل نفسه، وال سيما إذا كان مثلك أيها الذي ال تبطره السراء وال تد

امللك العامل بفروض األعمال، ومواضع الشدة واللني، والغضب والرضا واملعاجلة واألناة الناظر يف أمر يومه بل برأيك وعقلك ونصيحتك ومين طالعك كان ذلك، فإن رأى : وغده، وعواقب أعماله قال امللك للغراب

لرجل الواحد، العاقل احلازم أبلغ يف هالك العدو من اجلنود الكثرية، من ذوي البأس والنجدة، والعدد اوإن من عجيب أمرك عندي طول لبثك بني ظهراين البوم تسمع الكالم الغليظ، مث مل تسقط بينهن . والعدةيب، بالرفق واللني، واملبالغة أصحب البعيد والقر: مل أزل متمسكا بأدبك أيها امللك: قال الغراب! بكلمة: أصبحت وقد وجدتك صاحب العمل، ووجدت غريك من الوزراء أصحاب أقاويل: قال امللك. واملواتاة

ليس هلا عاقبة محيدة فقد من اهللا علينا بك منة عظيمة مل نكن قبلها جند لذة الطعام والشراب، وال النوم وال لطعام والنوم حىت يربأ، وال الرجل الشره الذي قد أطعمه سلطانه يف ال جيد املريض لذة ا: القرار وكان يقال

مال وعمل يف يده، حىت ينجزه له، وال الرجل الذي قد أحل عليه عدوه، وهو خيافه صباحا ومساء حىت .يستريح منه قلبه ومن وضع احلمل الثقيل عن يديه أراح نفسه ومن أمن عدوه ثلج صدره

لذي أهلك عدوك أن ميتعك بسلطانك، وأن جيعل يف ذلك صالح رعيتك، أسأل اهللا ا: قال الغرابفإن امللك إذا مل يكن يف ملكه قرة عيون رعيته، فمثله مثل زمنة العنز اليت ! ويشركهم يف قرة العني مبلكك

أيها الوزير الصاحل، كيف كانت : قال امللك. ميصها، وهو حيسبها حلمة الضرع، فال يصادف فيها خرياكانت سريته سرية بطر، وأشر : البوم وملكها يف حروهبا، وفيما كانت فيه من أمورها؟ قال الغرابسرية

وخيالء وعجز وفخر مع ما فيه من الصفات الذميمة وكل أصحابه ووزرائه شيبه به، إال الوزير الذي كان ثله يف علو اهلمة، وكمال العقل، فإنه كان حكيما أريبا، فيلسوفا حازما عاملا، قلما يرى م: يشري عليه بقتلي

إحدامها رأيه يف قتلي : وأي خصلة رأيت منه كانت أدل على عقله؟ قال خلتان: وجودة الرأي قال امللكواألخرى أنه مل يكتم صاحبه نصيحته وإن استقلها ومل يكن كالمه كالم عنف وقسوة ولكنه كالم رفق ولني

Page 62: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

حبقيقة احلال بل يضرب له األمثال ويدثه بعيب غريه فيعرف حىت إنه رمبا أخربه ببعض عيوبه وال يصرح إنه ال ينبغي للملك أن يغفل عن أمره : عيبه فال جيد ملكه إىل الغضب عليه سبيال وكان مما مسعته يقول مللكه

فإنه أمر جسيم ال يظفر به من الناس إال قليل وال يدرك إال باحلزم فإن امللك عزيز فمن ظفر به فليحسن وحتصينه، فإنه قد قيل إنه يف قلة بقاءه مبنزلة قلة بقاء الظل عن ورق النيلوفر وهو يف خفة زواله، حفظه

وسرعة إقباله وإدباره كالريح ويف قلة ثباته كاللبيب مع اللئام، ويف سرعة اضمحالله كحباب املاء من وقع .ظهروا توددا وتضرعافهذا مثل أهل العداوة الذين ال ينبغي أن يغتر هبم، وإن هم أ. املطر

باب القرد والغيلم

قد مسعت هذا املثل ، اضرب يل مثل الرجل الذي يطلب احلاجة فإذا : قال دبشليم امللك لبيدبا الفيلسوفإن طلب احلاجة أهون من االحتفاظ هبا ومن ظفر حباجة مث مل حيسن القيام هبا : ظفر هبا أضعها قال الفيلسوف

زعموا أن قردا يقال له ماهر كان ملك القردة : وكيف ذلك؟ قال بيدبا: ال امللكق. أصابه ما أصاب الغيلموكان قد كرب وهرم فوثب عليه قرد شاب من بيت اململكة فتغلب عليه، وأخذ مكانه فخرج هاربا على

وجهه حىت انتهى إىل الساحل فوجد شجرة من شجر التني فارتقى إليها وجعلها مقامه فبينما هو ذات يوم يأكل من ذلك التني، إذا سقطت من يده تينة يف املاء فسمع هلا صوتا وإيقاعا فجعل يأكل ويرمي يف املاء،

فما كثر ذلك ظن أن القرد إمنا . فأكثر من طرح التني يف املاء ومث غيلم كلما وقعت تينة أكلها: فأطربه ذلكوطالت غيبة . واحد منهما صاحبهيفعل ذلك ألجله فرغب يف مصادقته، وأنس إليه وكلمه، وألف كل

قد خفت أن يكون قد عرض له : فجزعت عليه وشكت ذلك إىل جارة هلا وقالت: الغيلم عن زوجتهفهو مؤاكله ومشاربه، وهو : إن زوجك بالساحل قد ألف قرد وألفه القرد : فقالت هلا. عارض سوء فاغتاله

: قالت وكيف أصنع؟ قالت هلا جارهتا. ك القردالذي قطعه عنك، وال يقدر أن يقيم عندك حىت حتتايل هلال .إن احلكماء وصفوا يل قلب قرد: إذا وصل إليك فتمارضي، فإذا سألك عن حالك فقويل

مايل أراك هكذا، : مث إن الغيلم انطلق بعد مدة إىل منزله فوجد زوجته سيئة احلال مهمومة فقال هلا الغيلموقد وصف هلا األطباء قلب قرد، وليس هلا دواء سواه . مسكنةإن زوجتك مريضة : فأجبته جارهتا، وقالت

هذا أمر عسري من أين لنا قلب قرد، وحنن يف املاء؟ لكن سأحتال لصديقي مث انطلق إىل ساحل : قال الغيلمفلم أعرف كيف أجازيك : ما حبسين إال حيائي: فقال له القرد يا أخي، ما حبسك عين؟ قال الغيلم: البحر

. إيل؟ وأريد أن تتم إحسانك إيل بزيارتك أي يف منزيل فإن ساكن يف جزيرة طيبة الفاكهةعلى إحسانك فركب ظهر الغيلم، فسبح به حىت إذا سبح به عرض له قبح ما أضمر يف نفسه من الغدر، فنكس رأسه،

لك مبنعي من إمنا مهي ألين ذكرت أن زوجيت شديدة املرض وذ: مايل أراك مهتما؟ قال الغيلم: فقال له القردإن الذي أعرف من حرصك على : قال القرد. كثري مما أريد أن أبلغه من حرصك على كرامتك ومالطفتك

فساء ظن القرد : أجل ومضى بالقرد ساعة، مث توقف به ثانية: قال الغيلم. كراميت يكفيك مؤونة التكليفيكون قلبه قد تغري يل وحال عن موديت، ما احتباس الغيلم وإبطاؤه إال ألمر ولست آمنا أن: وقال يف نفسهينبغي للعاقل أال يغفل عن التماس ما : فإنه ال شيء أخف وأسرع تقلبا من القلب وقد يقال: فأراد يب سوءا

Page 63: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

نفس أهله وولده وإخوانه وصديقه عند كل أمر، ويف كل حلظة وكلمة وعند القيام والقعود، وعلى كل القلوب وقد قالت العلماء إذا دخل قلب الصديق من صديقه ريبة حال فإن ذلك كله يشهد على ما يف

فليأخذ باحلزم يف احلفظ منه وليتفقد ذلك يف حلظاته وحاالته فإن كان ما يظن حقا ظفر بالسالمة، وإن كان ما الذي حيبسك؟ ومايل أراك مهتما، كأنك حتدث نفسك : باطال ظفر باحلزم، ومل يضره ذلك مث قال للغيلم

ال هتتم : ألن زوجيت مريضة قال القرد: يهمين أنك تأيت منزيل فال جتد أمري كما أحب: أخرى؟ قالمرة فإنه يقال ليبذل ذو املال : فإن اهلم ال يغين عنك شيئا ولكن التمس ما يصلح زوجتك من األدوية واألغذية

وقد قال . صدقت: ال الغيلمق. يف الصدقة ويف احلاجة وعلى البنني وعلى األزواج: ماله يف أربعة مواضعحىت : األطباء إنه ال دواء هلا إال قلب قرد فقال القرد واأسفاه لقد أدركين احلرص والشر على كرب سين

يعيش القانع الراضي مسترحيا مطمئنا وذو احلرص والشره : وقعت يف شر ورطة ولقد صدق الذي قال .يعيش ما عاش يف تعب ونصب

وما منعك أن تعلمين عند : مث قال الغيلم. عقلي يف التماس املخرج مما وقعت فيهوأين قد احتجت اآلن إىل منزيل حىت كنت أمحل قليب معي؟ فهذه سنة فينا معاشر القردة إذا خرج أحد لزيارة صديق خلف قلبه عند

: آلن؟ قالوأين قلبك ا: أهله أويف موضعه، للنظر إذا نظرنا إىل حرم املزور وليس قلوبنا معنا قال الغيلملقد وافقين : خلفته يف الشجرة فإن شئت فارجع يب إىل الشجرة حىت آتيك به ففرح الغيلم بذلك وقال

يا خليلي امحل قلبك : مث رجع بالقرد إىل مكانه فلما أبطأ على الغيلم، ناداه. صاحيب بدون أن أغدر بهم ابن آوى أنه مل يكن له قلب وال هيهات أتظن أني كاحلمار الذي زع: وانزل فقد حبستين فقال القرد

زعموا أنه كان أسد يف أمجة، وكان معه ابن آوى يأكل من : وكيف ذلك؟ قال القرد: أذنان قال الغيلمما بالك يا سيد : فواضل طعامه، فأصاب األسد جرب، وضعف شديد فلم يستطيع الصيد فقال له ابن آوى

قد أجهدين وليس له دواء إال قلب محار وأذناه قال ابن هذا اجلرب الذي: السباع قد تغريت أحوالك؟ قالما أيسر هذا وقد عرفت مبكان كذا محارا مع قصار حيمل عليه ثيابه، وأنا آتيك به مث دلف إىل احلمار : آوى

وكيف ترضى املقام معه : مايل أراك مهزوال؟ قال ما يطعمين صاحيب شيئا فقال له: فأتاه وسلم عليه فقال لهفما يل حيلة يف اهلرب منه، لست أتوجه إىل جهة إال جهة أضريب إنسان فكدين وأجاعين : ذا؟ قالعلى ه

فأنا أدلك على مكان معزول عن الناس، ال مير به إنسان، خصيب املرعى فيه قطيع من احلمر : قال ابن آوىا حيبسنا عنها؟ فانطلق بنا إليها، وم: وما حيبسنا ومسنا وقال احلمار: مل تر عني مثلها حسنا ومسنا قال احلمار

فانطلق به ابن آوى حنو األسد، وتقدم ابن آوى ودخل الغابة على األسد، فأخربه مبكان احلمار فخرج إليه وأراد أن يثبت عليه، فلم يستطيع لضعفه، وختلص احلمار منه فأفلت هلعا على وجهه فلما رأى ابن آوى

إن جئتين به مرة : أعجزت يا سيد السباع إىل هذه الغاية؟ فقال له: هأن األسد مل يقدر على احلمار، قال لما الذي جرى عليك؟ إن أحد احلمر رآك : أخرى، فلن ينجو مين أبدا فمضى ابن آوى إىل احلمار فقال له

غريبا، فخرج يتلقاك مرحبا بك، ولو ثبت له آلنسك، ومضى بك إىل أصحابه فلما مسع احلمار كالم ابن استعد له فقد خدعته : مل يكن رأى أسدا قط، صدقه وأخذ طريقه إىل األسد وأعلمه مبكانه وقال لهآوى، و

Page 64: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

فال يدركنك الضعف يف هذه النوبة إن أفلت فلن يعود معي أبدا فجأش جأش األسد لتحريض ابن : لككرت األطباء أنه قد ذ: مث قال. آوى له، وخرج إىل موضع احلمار فلما بصر به عاجله بوبثة افترسه هبا

فاحتفظ به حىت أعود فآكل قلبه وأذنيه، وأترك ما سوى ذلك قوتا لك : اليؤكل إال بعد الغسل والطهورفلما ذهب األسد ليغتسل، عمد ابن آوى إىل احلمار فأكل قلبه وأذنيه، رجاء أن يتطري األسد منه، فال يأكل

أمل تعلم أنه لو كان له قلب يفقه به، : قال ابن آوىأين قلب احلمار وآذناه؟ : منه شيئا، فقال البن آوىوانما ضربت لك هذا املثل لتعلم أين لست : وأذنان يسمع هبما، مل يرجع إليك بعد ما أفلت وجنا من اهللكة

كذلك احلمار الذي زعم ابن آوى أنه مل يكن له قلب وأذنان، ولكنك احتلت علي وخدعتين فخدعتك : قال الغيلم. إن الذي يفسده احللم ال يصلحه إال العلم: وقد قيل. ت فارط أمريمبثل خديعتك، واستدرك

لصدقه يف قوله وفعله، : صدقت، إال أن الرجل الصاحل يعترف بزلته، وإذا أذنب ذنبا مل يستحي أن يؤدبيها كالرجل الذي يعثر على األرض، مث ينهض عل: وإن وقع يف ورطة أمكنه التخلص منها حبيلته وعقله

.معتمدا فهذا مثل الرجل الذي يطلب احلاجة فإذا ظفر هبا أضاعها

الناسك وابن عرس

فاضرب يل مثل الرجل العجالن يف أمره من غري . قد مسعت هذا املثل: قال دبشليم امللك لبيدبا الفيلسوفويصري أمره إىل ما صار إنه من مل يكن يف أمره متثبتا مل يزل نادما: روية وال نظر يف العواقب قال الفيلسوف

زعموا : وكيف كان ذلك؟ قال الفيلسوف: قال امللك. إليه الناسك من قتل ابن عرس وقد كان له ودوداأن ناسكا من النساك بأرض جرجان وكانت له امرأة مجيلة، فمكثا زمنا مل يرزقا ولدا مث محلت منه بعد

: تعاىل وسأله أن يكون احلمل ذكرا وقال لزوجتهاإلياس فسرت املرأة وسر الناسك بذلك فحمد اهللا . أبشري فإين أرجو أن يكون غالما لنا فيه منافع، وقرة عني، أختار له أحسن األمساء وأحضر له سائر األدباء

ما حيملك أيها الرجل على أن تتكلم مبا ال تدري أيكون أم ال؟ ومن فعل ذلك أصابه ما : فقالت املرأةزعموا أن ناسكا كان : وكيف ذلك؟ قالت: قال هلا. أراق على رأسه السمن والعسلأصاب الناسك الذي

جيري عليه من بيت رجل تاجر، يف كل يوم رزق من السمن والعسل وكان يأكل منه قوته وحاجته ويرفع الباقي وجيعله يف جرة، فيعلقها يف وتد يف ناحية البيت حىت أمتألت فبينما الناسك ذات يوم مستلق على

سأبيع ما يف هذه : ظهره والعكاز يف يده واجلرة معلقة على رأسه، تفكر يف غالء السمن والعسل، فقالاجلرة بدينار وأشتري به عشرة أعنز، فيحبلن ويلدن يف كل مخسة أشهر بطنا، وال تلبث قليال حىت تصري

أنا : ثر من أربعمائة عنز، فقالغنما كثرية إذا ولت أوالدها، مث حرر على هذا النحو بسنني فوجد ذلك أكأشتري هبا مائة من البقر، وأشترى أرضا وبذرا، وأستأجر أكرة وأزرع على الثريان، وأنتفع بألبان اإلناث

ونتاجها فال يأيت على مخس سنني أال وقد أصبت من الزرع ماال كثريا، فأبين بيتا فاخرا وأشتري إماء وعبيد، حسن، مث تأيت بغالم سري جنيب، فأختار له أحسن األمساء، فإذا ترعرع أدبته وأتزوج امرأة مجيلة ذات

وأحسنت تأديبه وأشدد عليه يف ذلك، فإن يقبل مين، وإال ضربته هبذه العكازة وأشار إىل اجلرة فكسرها، فسال ما كان فيها على وجهه وإمنا ضربت لك هذا املثل لكي ال تعجل بذكر ما ال ينبغي ذكره، وما ال

Page 65: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

مث إن املرأة ولدت غالما مجيال ففرح به أبوه وبعد . تدري أيصح أم ال يصح فاتعظ الناسك مبا حكت زوجتهاقعد عند ابنك حىت أذهب إىل احلمام فأغتسل وأعود مث إهنا : أيام حان هلا أن تتطهر فقالت املرأة للناسك

ل امللك يستدعيه ومل جيد من خيلفه انطلقت إىل احلمام، وخلفت زوجها والغالم فلم يلبث أن جاءه رسوعندابنه غري ابن عرس داجن عنده كان قد رباه صغريا فهو عنده عديل ولده فتركه الناسك عند الصيب

فخرج من بعض أحجار البيت حية سوداء فدنت من الغالم . وأغلق عليهما البيت وذهب مع الرسولتألفمه من دمها مث جاء الناسك وفتح الباب فالتقاه ابن فضرهبا ابن عرس مث وثب عليها فقتلها مث قطعها وا م

فلما رآه ملوثا بالدم وهو مذعور طار عقله وظن أنه قد خنق ولده . عرس كاملبشر له مبا صنع من قتل احليةومل يتثبت يف أمره ومل يتو فيه حىت يعلم حقيقة احلال ويعمل بغري ما يظن من ذلك ولكن عجل أبن عرس

. ودخل الناسك فرأى الغالم سليما حيا وعنده أسود مقطع. كانت يف يده على أم رأسه فماوضربه بعكازه ليين مل أرزق هذا الولد ومل أغدر هذا : وقال. فلما عرف القصة وتبني له سوء فعله يف العجلة لطم على رأسه

حسن فعل ابن عرس ماشأنك فأخربها باخلرب من : الغدر ودخلت امرأته فوجدته على تلك احلال فقالت لههذه مثرة العجلة فهذا مثل من ال يتثبت يف أمره بل يفعل أغراضه بالسرعة : وسوء مكافأته له فقالت

.والعجلة

باب اجلرذ والسنور

قد مسعت هذا املثل فاضرب يل مثل رجل كثر اعدؤه وأحدقوا به من : قال دبشليم امللك لبيدبا الفيلسوففالتمس النجاة وا ملخرج مبواالة بعض أعدائه ومصاحلته فسلم من كل جانب فأشرف معهم على اهلالك. إن املودة والعداوة التثبتان على حالة واحدة أبدا: قال الفيلسوف. اخلوف وأمن مث ويف ملن صاحله منهم

وهلذا حوادث وعلل وجتارب وذو الرأي . ومبا حالت املودة إىل العداوة وصارت العداوة والية و صداقةأما من قبل العدو فبا لبأس وأما من قبل الصديق فبا الستئناس : كل ما حيدث من ذلك رأيا جديداحيدث ل

. وال متنع ذا العقل عداوة كانت يف نفسه لعدوه من مقاربته واالستنجاد به على دفع خموف أو جر مرغوبالورطة فنجوا ومثل ذلك مثل اجلرذ والسنور حني وقعا يف. ومن عمل يف ذلك باحلزم ظفر حباجته

زعموا أن شجرة عظيمة : وكيف كان ذلك قال بيديا: باصطالحهما مجيعا من الورطة والشدة قال امللككان يف أصلها جحر سنور يقال له رومي وكان قريبا منه جحر جرذ يقال له فريدون وكان الصيادون كثريا

صياد فنصب حبالته قريبا من موضع يتداولون ذلك املكان يصيدون فيه الوحش والطري فنزل ذات يوم فخرج اجلرذ يدب، ويطلب ما يأكل، وهو حذر من رومي فبينما هو يسعى . رومي فلم يلبث أن وقع فيها

إذ بصر به يف الشرك، فسر واستبشر، مث التفت فرأى خلفه ابن عرس، يريد أخذه، ويف الشجرة بوما، يريد اءه أخذه ابن عرس، وإن ذهب ميينا أو مشاال اختطفه البوم، اختطافه، فتحير يف أمره، وخاف إن رجع ور

هذا بالء قد اكتفين، وشرور تظاهرت علي، وحمن قد : فقال يف نفسه. وإن تقدم أمامه افترسه السنوروبعد ذلك فمعي عقلي، فال يفزعين أمري، وال يهولين شأين، وال يلحقين الدهش، وال يذهب . أحاطت يبوإمنا العقل شبيه بالبحر الذي . عاقل ال يفرق عند سداد رأيه وال يعزب عنه ذهنه على حالفال: قليب شعاعا

Page 66: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

ال يدرك غوره وال يبلغ البالء من ذي الرأي جمهوده فيهلكه، وحتقق الرجاء ال ينبغي أن يبلغ منه مبلغا فإنه قد نزل به : لسنورفيعمى عليه أمره ولست أرى يل من هذا البالء خملصا إال مصاحلة ا: يبطره ويسكره

من البالء مثل ما قد نزل يب أو بعضه ولعل إن مسع كالمي الذي أكلمه به، ووعى عني فصيح خطايب، .وحمض صدقي الذي ال خالف فيه، وال خداع معه ففهمه، وطمع يف معونيت إياه، نخلص مجيعا

وأنا : يف ضنك وضيق قال: كما حتب: لسنوركيف حالك؟ قال له ا: مث إن اجلرذ دنا من السنور فقال لهاليوم شريكك يف البالء، ولست أرجو لنفسي خالصا إال بالذي أرجو لك فيه اخلالص وكالمي هذا ليس

فيه كذب وال خديعة وابن عرس ها هو كامن يل، والبوم يرصدين وكالمها يل ولك عدو فإن جعلت يل : ورطة فإذا كان ذلك ختلص كل واحد منا بسبب صاحبهاألمان، قطعت حبائلك، وخلصتك من هذه ال

فلما مسع السنور كالم اجلرذ وعرف أنه . فبالسفينة ينجون وهبم تنجو السفينة: كالسفينة والركاب يف البحرمث إنك إن . إن قولك هذا لشبيه باحلق وأنا أيضا راغب فيما أرجو لك ولنفسي به اخلالص: صادق قال له

فإين سأدنو منك فأقطع احلبائل كلها إال حبال واحدا أبقيه : لك ما بقيت قال اجلرذ فعلت ذلك فسأشكرألستوثق لنفسي منك مث أخذ يف قرض حبائله مث إن البوم وابن عرس ملا رأيا دنو اجلرذ من السنور أيسا منه

طع حبائلي فإن كنت قد مايل ال أراك جمدا يف ق: وانصرفا مث إن اجلرذ أبطأ على رومي قطع احلبائل فقال لهفإن الكرمي : فتغريت عما كنت عليه وتوانيت يف حاجيت فما ذلك من فعل الصاحلني: كنت ظفرت حباجتك

وأنت حقيق أن . وقد كان لك يف سابق موديت من الفائدة والنفع ما قد رأيت. ال يتواىن يف حق صاحبهدث بيين وبينك من الصلح حقيق أن ينسيك فالذي ح: تكافئين بذلك وال تذكر العداوة اليت بيين وبينك

فإن الكرمي ال يكون إال شكورا غري : ذلك مع ما يف الوفاء من الفضل واألجر وما يف الغدر من سوء العاقبةإن أعجل العقوبة عقوبة : حقود تنسيه اخللة الوحدة من اإلحسان اخلالل الكثرية من اإلساءة وقد يقال

طائع : إن الصديق صديقان: ل العفو فلم يرحم ومل يعف فقد غدر قال اجلرذالغدر ومن إذا تضرع إليه وسئومضطر وكالمها يلتمسان املنفعة وحيترسان من املضرة فأما الطائع فيسترسل إليه ويؤمن يف مجيع األحوال

وال يزال العاقل يرهتن منه بعض . وأما املضطر ففي بعض األحوال يسترسل إليه ويف بعضها يتحذر منهجاته لبعض ما يتقي وخياف وليس عاقبة التواصل من املتواصل إال طلب عاجل النفع وبلوغ مأموله وأنا حا

واف لك مبا جعلت لك وحمترس منك مع ذلك من حيث أخافك ختوفا أن يصيبين منك ما أجلأين خوفه إىل وأنا . فال حسن لعاقبته فما مل يكن منه يف حينه. فإن لكل عمل حينا: مصاحلتك وأجلأك إىل قبول ذلك مين

قاطع حبائلك كلها غري أين تارك عقدة واحدة أرهتنك هبا وال أقطعها إال يف الساعة اليت أعلم أنك فيها عين فبينما هو كذلك إذ واىف . مث إن اجلرذ أخذ يف قطع حبائل السنور. وذلك عند معاينيت الصياد: مشغول

فأجهد اجلرذ نفسه يف القرض حىت إذا فرغ وثب . طع حبائلياآلن جاء اجلد يف ق: الصياد فقال له السنورالسنور إىل الشجرة على دهش من الصياد ودخل اجلرذ بعض األحجار وجاء الصياد فأخذ حبائله مقطعة،

.مث انصرف خائبا

Page 67: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

أيها الصديق الناصح، ذو البالء: مث إن اجلرذ خرج بعد ذلك، وكره أن يدنو من السنور، فناداه السنورفإنه من : احلسن عندي، ما منعك من الدنو إيل، ألجازيك بأحسن ما أسديت إيل، هلم، إيل وال تقطع إخائيوإن يدك . اختذ صديقا، وقطع إخاءه، وأضاع صداقته، حرم مثرة إخائه، وأيس من نفعه اإلخوان واألصدقاء

. وال ختافن مين شيئا. خواين وأصدقائيعندي ال تنسى، وأنت حقيق أن تلتمس مكافأة ذلك مين ومن إرب صداقة ظاهرة : فناداه اجلرذ. مث حلف واجتهد على صدقه فيما قال. واعلم أن ما قبلي لك مبذول

ومن مل حيترس منها، وقع موقع الرجل الذي يركب . وهي أشد من العداوة الظاهرة. باطنها عداوة كامنةملا : وإمنا مسي الصديق صديقا. فيستيقظ حتت فراسن الفيل، فيدوسه ويقتله ناب الفيل املغتلم مث يغلبه النعاسوالعاقل إذا رجا نفع العدو أظهر له الصداقة، وإذا . ملا خياف من ضرره: يرجى من نفعه، ومسي العدو عدواذلك انصرفت أال ترى؟ تتبع البهائم أمهاهتا رجاء ألباهنا، فإذا انقطع . خاف ضر الصديق أظهر له العداوة

. ألن أصل أمره مل يكن عداوة: ورمبا قطع الصديق عن صديقه بعض ما كان يصله، فلم خيف شره. عنهافأما من كان أصل أمره عداوة جوهرية، مث أحدث صداقة حلاجة محلته على ذلك، فإنه إذا زالت احلاجة اليت

كاملاء الذي يسخن بالنار، فإذا رفع :محلته على ذلك، زالت صداقته، فتحولت عداوة وصار إىل أصل أمرهوقد . وقد اضطرين وإياك وإىل ما أحدثنا من املصاحلة. وليس من أعدائي عدو أضر يل منك. عنها عاد باردا

وال خري . ذهب األمر الذي احتجت إيل واحتجت إليك فيه، وأخاف أن يكون مع ذهابه عود العداوةوال أعلم لك قبلي حاجة، وليس عندي . يل يف قرب العدو العزيزللضعيف يف قرب العدو القوي، وال للذل

فإين قد علمت أن الضعيف احملترس من العدو القوي أقرب إىل السالمة من القوي إذا اغتر : بك ثقةوالعاقل يصاحل عدوه إذا اضطر إليه، ويصانعه، ويظهر له وده، ويريه من نفسه . بالضعيف واسترسل إليه

واعلم أن سريع . ذا مل جيد من ذلك بدا، مث يعجل االنصراف عنه، حني جيد إىل ذلك سبيالاالسترسال إليه إوالعاقل يفي ملن صاحله من أعدائه مبا جعل له من نفسه، وال يثق به كل الثقة، . االسترسال ال تقال عثرته

بعيد، وأحب لك من وأنا أودك من. وينبغي أن يبعد عنه ما استطاع. وال يأمنه على نفسه مع القرب منهإذ ال سبيل : وال عليك أن جتازيين على صنيعي إال مبثل ذلك. البقاء والسالمة، ما مل أكن أحبه لك من قبل

.إىل اجتماعنا والسالم

باب ابن امللك والطائر فنزة

لبعضهم قد مسعت هذا املثل، فاضرب يل مثل أهل الترات الذين ال بد : قال دبشليم امللك لبيدبا الفيلسوفزعموا أن ملكا من ملوك اهلند كان يقال له بريدون، وكان له فرخ وكان هذا : قال بيدبا. من اتقاء بعض

الطائر وفرخه ينطقان بأحسن منطق، وكان امللك هبما معجبا، فأمر هبما أن جيعال عند امرأته، وأمرها وكالمها طفالن يلعبان مجيعا، . فرخ الغالمواتفق أن امرأة امللك ولدت غالما، فألف ال. باحملافظة، عليهما

. ويطعم فرخه شطرها. وكان فنزة يذهب إىل اجلبل كل يوم فيأيت بفاكهة ال تعرف فيطعم ابن امللك شطرهافازداد لفنزة إكراما وتعظيما وحمبة : فأسرع ذلك يف نشأهتما وزاد يف شباهبما وبان عليهما أثره عند امللك

أليام وفنزة غائب يف اجتناء الثمرة وفرخه يف حجر الغالم ذرق يف حجره فغضب حىت إذا كان يوم من ا

Page 68: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

قبحا : مث إن فنزة أقبل فوجد فرخه مقتوال فصاح وحزن وقال. الغالم وأخذ الفرخ فضرب به األرض فماتبون أحد للملوك الذين ال عهد هلم وال وفاء ويل ملن ابتلى بصحبة امللوك الذين ال محي هلم وال حرمة وال حي

فيكرمونه لذلك فإذا : وال يكرم عليهم إال إذا طمعوا فيما عنده من غناه واحتاجوا إىل ما عنده من علمظفروا حباجتهم منه فال ود وال إخاء وال إحسان وال غفران ذنب وال معرفة حق هم الذين أمرهم مبين على

يستعظمون اليسري إذا خولفت فيه وهم يستصغرون ما يرتكبونه من عظيم الذنوب و. الرياء والفجورمث وثب يف شدة حنقه على وجه الغالم . ومنهم هذا الكفور الذي ال رمحة له الغادر بأليفه وأخيه. أهواؤهم

مث إنه بلغ امللك ذلك، فجزع أشد الفزع، مث طمع أن حيتال له . ففقأ عينه، وطار فوقع على شرفة املنزلأيها امللك إن الغادر مأخوذ بغدره وإنه إن : فقال له. ك آمن فنزل يا فنزةإن: فوقف قريبا منه وناداه وقال له

أخطأه عاجل العقوبة مل خيطئه اآلجل حىت إنه يدرك األعقاب وأعقاب األعقاب وإن ابنك غدر بابين، فليس لك قبلنا وال لنا قبلك وتر : لعمري قد غدرنا بابنك، فانتقمت منا: قال امللك. فعجلت له العقوبة

لست براجع إليك أبدا فإن ذوي الرأي قد هنوا عن قرب املوتور فإنه : قال فنزة. فارجع إلينا آمنا. طلوبمفإنك ال جتد للحقود املوتور أمانا : ال يزيدك لطف احلقود ولينه وتكرمه إياك إال وحشة منه، وسوء ظن بهإن العاقل يعد أبويه : وقد كان يقال. ىلهو أوثق لك من الذعر منه وال أجود من البعد عنه وألحترس منه أو

. أصدقاء واألخوة رفقاء واألزواج ألفاء والبنني ذكرا، والبنات خصماء واألقارب غرماء ويعد نفسه فريداوأنا . وأنا الفريد الوحيد الغريب الطريد قد تزودت من عنكم من احلزن عبئا ثقيال ال حيمله معي أحد

.فعليك مين السالم. ذاهب

إنك لو مل تكن اجتزيت منا فيما صنعناه بك، بل كان صنيعك بنا من غري ابتداء منا بالغدر كان : ال امللكقفإنك : وأما إذا كنا حنن بدأناك، فما ذنبك؟ وما الذي مينعك من الثقة بنا؟ هلم فارجع. األمر كما ذكرت

فاأللسن ال تصدق يف خربها عن .اعلم أن األحقاد هلا يف القلوب مواقع ممكنة موجعة: قال فنزة. آمنوقد علمت أن قليب ال يشهد للسانك، وال قلبك . القلوب، والقلب أعدل شهادة من اللسان على القلب

فمن كان ذا عقل كان على : أمل تعلم أن الضغائن وألحقاد تكون بني كثري من الناس: قال امللك. للساينن ذلك لكما ذكرت، ولكن ليس ينبغي لذي الرأي مع ذلك إ: قال فنزة. إماتة احلقد أحرص منه على تربيته

وذو الرأي يتخوف املكر واخلديعة . أن يظن أن املوتور احلقود ناس ما وتر به، مصروف عنه فكره فيهواحليل ويعلم أن كثريا من العدو ال يستطاع بالشدة واملكابرة، حىت يصاد بالرفق واملالينة، كما يصاد الفيل

إن العاقل الكرمي ال يترك إلفه، وال يقطع إخوانه وال يضيع احلفاظ، : قال امللك. الداجنالوحشي بالفيل فقد علمت أن اللعابني : وإن هو خاف على نفسه، حىت إن هذا اخللق يكون قي أوضع الدواب منزلة

قتهم، وال ويرى الكلب الذي قد ألفهم ذلك، فال يدعوه إىل مفار. يلعبون بالكالب، مث يذحبوهنا ويأكلوهنا: فأخوفها وأشدها ما كان يف أنفس امللوك. إن األحقاد خموفة حيثما كانت: قال فنزة. مينعه من إلفته إياهم

وإن العاقل ال يغتر بسكون احلقد . فإن امللوك يدينون باالنتقام، ويرون الدرك والطلب بالوتر مكرمة وفخراركا، مثل اجلمر املكنون، ما مل سجد حطبا، فليس ينفك إذا سكن فإمنا مثل احلقد يف القلب، إذا مل جيد حم

Page 69: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

القد متطلعا إىل العلل، كما تبتغي النار احلطب فإذا وج علة استعر استعار النار، فال يطفئه حسن كالم، وال مع أنه رب واتر يطمع يف . لني وال رفق وال خضوع وال تضرع وال مصانعة، وال شيء دون تلف األنفس

ولكين أنا أضعف عن أن أقدر على شيء . ر مبا يرجو أن يقدر عليه من النفع له، والدفع عنهمراجعة املوتوولو كانت نفسك منطوية يل على ما تقول ما كان ذلك عين مغنيا وال أزل يف . يذهب به ما يف نفسك

.موأنا أقرأ عليك السال. فليس الرأي بيين وبينك إال الفراق. خوف ووحشة وسوء ظن، ما اصطحبنالقد علمت أنه ال يستطيع أحد ألحد ضرا وال نفعا، وأنه ال شيء من األشياء صغريا وال كبريا : قال امللك

وكما أن خلق ما خيلق، ووالدة ما يولد، وبقاء ما يبقى ليس إىل اخلالئق . يصيب أحد أال بقضاء وقدر معلومذي صنعت بابين ذنب، وال ال بين فيما صنع وليس لك يف ال. منه شئ، كذلك فناء ما يفىن وهالك ما يهلك

.بابنك ذنبإن القدر لكما ذكرت، : قال فنزة. فال نوأخذ مبا به القدر: إمنا كان ذلك كله قدرا مقدورا، وكالنا له علة

وملنه جيمع تصديقا بالقدر وأخذا باحلزم . لكن ال مينع ذلك احلازم من توقى املخاوف، واالحتراس من املكارهألن ابنك قتل ابين، وأنا : واألمر بيين وبينك غري صغري. وأنا أعلم أنك تكلمين بغري ما يف نفسك. قوةوال

: وقد كان يقال. فقأت عني ابنك، وأنت تريد أن تشتفي بقتلي، وختلين عن نفسي، والنفس تأىب املوتاهلرم بالء، ورأس الباليا كلها الفاقة بالء واحلزن بالء وقرب العدو بالء وفراق األحبة بالء والسقم بالء و

: فأنا مبا يف نفسي عامل مبا نفسك. وليس أحد بأعلم مبا يف نفس املوجع احلزين ممن ذاق مثل ما به. املوتفإنك لن تتذكر صنيعي بابنك، ولن أتذكر صنيع : وال خري يل يف صحبتك. للمثل الذي عندي من ذلك

.ابنك بابين، إال أحدث ذلك لقلوبنا تغيرياال خري فيمن ال يستطيع اإلعراض عما يف نفسه، وينساه ويهمله، حىت ال بذكر منه شيئا، وال : قال امللك

إن الرجل الذي يف باطن قدمه قرحة، إن هو حرص على املشي فال بد : قال فنزة. يكون له يف نفسه موقعوكذلك . تعرض ألن تزداد رمداأنه ال يزال يشتكي قرحته، والرجل األرمد العني إذا استقبل هبا الريح،

وال ينبغي لصاحب الدنيا إال توقي املهالك واملتالف، . الواتر إذا دنا من املوتور، فقد عرض نقسه للهالكفإنه من اتكل على قوته، فحمله : وتقدير األمور وقلة االتكال على احلول والقوة، وقلة االغترار مبن ال يأمن

ومن ال يقدر لطاقته طعامه وشرابه. فقد سعى يف حتف نفسه ذلك على أن يسك الطريق املخوف،

ومن ال يقدر لقمته، وعظمها فوق ما يسع فوه، فرمبا غص . ومحل نفسه ما ال تطيق وال حتمل فقد قتل نفسهوليس ألحد . ومن اغتر بكالم عدوه، واخندع له وضيع احلزم، فهو أعدى احلزم لنفسه من عدوه. هبا فمات

الذي ال يدري ما يأتيه منه وال ما يصرف عنه، ولكن عليه العمل باحلزم واألخذ بالقوة النظر يف القدروأنا . والعاقل ال يثق بأحد ما استطاع، وال يقيم على خوف وهو جيد عنه مذهبا. وحماسبة نفسه يف ذلك

دهن كفينه يف كل فإن خالال مخسا من تزو: كثري املذاهب وأرجو أال أذهب وجها أال أصبت فيه مت يغنيينأوهلن كف األذى والثانية حسن : وجه، وآنسنه يف غربة، وقربن له البعيد، وأكسبنه املعاش اإلخوان

وإذا خاف اإلنسان على نفسه . األدب، والثالثة جمانبة الريب والرابعة كرم اخللق، واخلامسة النبل يف العمل

Page 70: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

ه يرجو اخللف من ذلك كله وال يرجو عن النفس فإن: شيئا طابت نفسه عن املال واألهل والولد والوطنوشر املال ما ال إنفاق منه وشر األزواج اليت ال توايت بعلها، وشر الولد العاصي العاق لوالديه وشر . خلفا

اإلخوان اخلاذل ألخيه عند النكبات والشدائد، وشر امللوك الذي خيافه الربيء، وال يواظب على حفظ أهل بالد بال خصب فيها وال أمن، وإنه ال أمن يل عندك أيها امللك وال طمأنينة يل يف مملكته، وشر البالد

.فهذا مثل ذوي األوتار الذين ال ينبغي لبعضهم أن يثق ببعض. ومث ودع امللك وطار. جوارك ؟؟؟؟؟؟؟؟

باب األسد والشغرب الناسك وهو ابن آوى

ل فاضرب يل مثل امللك الذي يراجع من أصابته منه قد مسعت هذا املث: قال دبشليم امللك لبيدبا الفيلسوفإن امللك لو مل يراجع من أصابته منه جفوة عن : قال الفيلسوف. عقوبة من غري جرم أو جفوة من غري ذنب

ذنب أو عن غري ذنب، ظلم أومل يظلم ألضر ذلك وخيرب ما عنده من املنافع فإن كان ممن يوثق به يف رأيه فإن امللك ال يستطاع ضبطه إال مع ذوي الرأي وهم : يق باحلرص على مراجعتهوأمانته، فإن امللك حق

وأعمال السلطان . الوزراء واألعوان إال باملودة والنصيحة، وال مودة وال نصيحة إال لذوي الرأي والعفاففاف ومن جيمع منهم ما ذكرت من النصيحة والع. كثرية، والذين حيتاج إليهم من العمال واألعوان كثريون

وكيف كان ذلك؟ : قال امللك. واملثل يف ذلك مثل األسد وابن آوى. قليل

زعموا أن ابن آوى كان يسكن يف بعض الدحال وكان متزهدا متعففا، مع بنات آوى : قال الفيلسوففخاصمه . ومل يكن يصنع ما يصنعن، وال يغري كما يغرن، وال يهريق دما وال يأكل حلما. وذئاب وثعالب

مع أن تزهدك ال يغين عنك : السباع، وقلن ال نرضى بسريتك و ال رأيك الذي أنت عليه من تزهدكتلك تسعى معنا، وتفعل فعلنا فما الذي كفك عن الدماء وعن : وأنت ال تستطيع أن تكون إال كأحدنا. شيئا

ليست من قبل األماكن ألن اآلثام : إن صحبيت إياكن ال تؤمثين إذا مل أؤمث نفسي: أكل اللحم؟ قال ابن آوىولو كان صاحب املكان الصاحل يكون عمله فيه صاحلا، . واألصحاب، ولكنها من قبل القلوب واألعمال

وصاحب املكان السيء يكون عمله فيه سيئا، كان حينئذ من قتل الناسك يف حمرابه مل يأمث، ومن استحياه يف : ألين أعرف مثرة األعمال: حبكن بقليب وأعمايلوإين إمنا صحبتكن بنفسي، ومل أص. معركة القتال أمثوثبت ابن آوى على حاله تلك واشتهر بالنسك والتزهد حىت بلغ ذلك أسدا كان ملك تلك : فلزمت حايل

فلما حضر كلمه . ملا بلغه عنه من العفاف والنزاهة والزهد واألمانة فأرسل إليه يستدعيه: الناحية فرغب فيهتعلم أن عمايل كثري : مث دعاه بعد أيام إىل صحبته وقال له. مور وفق غرضهوآنسه فوجده يف مجيع األ

وقد بلغين عنك عفاف وأدب وعقل ودين فازددت . وأعواين جم غفري وأنا مع ذلك إىل األعوان حمتاجإن : قال ابن آوى. وأنا موليك من عملي جسيما ورافعك إىل منزلة شريفة وجاعلك من خاصيت. فيك رغبة

وهم أحرى أال يكرهوا على ذلك . أحقاء باختيار األعوان فيما يهتمون به من أعماهلم وأمورهم امللوكوليس يل به جتربة وال بالسلطان . وإين لعمل السلطان كاره. فإن املكره ال يستطيع البالغة يف العمل: أحدا

Page 71: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

وهلم على العمل وأنت ملك السباع وعندك من أجناس الوحوش عدد كثري فيهم أهل نبل وقوة . رفققال . فإن استعملتهم أغنوا عنك واغتبطوا ألنفسهم مبا أصاهبم من ذلك: حرص وعندهم به وبالسلطان رفق

إمنا يستطيع خدمة السلطان رجالن : قال ابن آوى. فإين غري معفيك من العمل: دع عنك هذا: األسدفن . نعته وإما مغفل ال حيسده أحدإما فاجر مصانع ينال حاجته بفجوره ويسلم مبصا: لست بواحد منهما

ألنه : أراد أن خيدم السلطان بالصدق والعفاف فال خيلط ذلك مبصانعته وحينئذ قل أن يسلم على ذلكأما الصديق فينافسه يف منزلته ويبغى عليه فيها ويعاديه . جيتمع عليه عدو السلطان وصديقه بالعداوة واحلسد

فإذا اجتمع عليه هذان الصنفان . ه لنصيحته لسلطانه وإغنائه عنهألجلها وأما عدو السلطان فيضطغن عليفأنت : ال يكونن بغي أصحايب عليك وحسدهم إياك مما يعرض يف نفسك: قال األسد. فقد تعرض للهالك

إن كان : قال ابن آوى. معي وأنا أكفيك ذلك وأبلغ بك من درجات الكرامة واإلحسان على قدر مهتكيل فليدعين يف هذه الربية أعيش آمنا قليل اهلم راضيا بعيشي من األذى واخلوف يف امللك يريد اإلحسان إ

ساعة واحدة ما ال يصل إىل غريه يف طول عمره وإن قليال من العيش يف آمن وطمأنينة خري من كثري من د بدا وست أج. قد مسعت مقالتك، فال ختف شيئا مما أراك ختاف منه: قال األسد. العيش يف خوف ونصبأنا إذا أىب امللك إال ذلك فليعجل يل عهدا إن بغى على أحد من : قال ابن آوى . من االستعانة بك يف أمري

لينازعين يف منزليت فذكر عند امللك منهم : خمافة على منزلته، أو ممن هو دون: أصحابه عنده، ممن هو فوقيعلى أال يعجل يف أمر وأن يتثبت فيما يرفع إليه ذاكر بلسانه، أو على لسان غريه ما يريد به حتميل امللكفإذا وثقت منه بذلك أعنته بنفسي فيما حيب . ويذكر عنده من ذلك ويفحص عنه مث ليصنع ما بدا له

لك : قال األسد. وعملت له فيما أوالين بنصيحة واجتهاد وحرصت على أال أجعل له على نفسي سبيالفلما رأى أصحاب األسد ذلك . ختص به دون أصحابه وزاد يف كرامتهمث واله خزائنه وا. ذلك على وزيادة

غاظهم وساءهم؟ فأمجعوا كيدهم، واتفقوا كلهم على أن حيملوا عليه األسد وكلن األسد قد استطاب حلما فعزل منه مقدرا، وأمره باالحتفاظ به، وأن يرفعه يف أحصن موضع طعامه ومحلوه إىل بيت ابن آوى،

فلما كان من الغد ودعا األسد . ال علم له به، مث حضروا يكذبونه إن جرت يف ذلك حالفخبئوه فيه، وفحضر الذين . بغدائه، فقد ذلك اللحم، فالتمسه ومل جيده، وابن آوى مل يشعر مبا صنع يف حقه من املكيدة

عملوا

نه، فنظر بعضهم إىل مث إن امللك سأل عن اللحم، وشدد فيه، وقي املسألة ع. املكيدة، وقعدوا يف اجمللسإنه ال بد لنا من أن خنرب امللك مبا يضره وينفعه، وإن شق ذلك على : بعض، فقال أحدهم قول املخرب الناصح

ال أراه يفعل هذا، : قال اآلخر. وإنه بلغين أن ابن آوى هو الذي ذهب باللحم إىل منزله. من يشق عليهلعمري ما تكاد السرائر تعرف، وأظنكم إن : قال اآلخرف. ولكن انظروا وفحصوا فإن معرفة اخلالئق شديدة

. فحصتم عن هذا وجدمت اللحم ببيت ابن آوى، وكل شيء يذكر من عيوبه وخيانته حنن أحق أن نصدقه. لئن وجدنا هذا حقا فليست باخليانة فقط، ولكن مع اخليانة كفر النعمة، واجلراءة على امللك: قال اآلخرعدل والفضل، ال أستطيع أن أكذبكم، ولكن سيبني هذا لو أرسل إىل امللك من أنتم أهل ال: قال اآلخر

Page 72: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

ومل يزالوا . فإن عيونه وجواسيسه مبثوثة بكل مكان: إن كان امللك مفتشا منزله فليعجل: قال اآلخر. يفتشه أين اللحم الذي: يف الكالم و أشباهه، حىت وقع يف نفس األسد ذلك، فأمر بابن آوى فحضر فقال له

فدعا األسد بصاحب الطعام، وكان . دفعته إىل صاحب الطعام ليقربه إىل امللك: أمرتك باالحتفاظ به، قالفأرسل األسد أمينا إىل بيت ابن آوى ليفتشه، . ما دفع إىل شيئا: فقال. ممن وبايع مع القوم على ابن آوى

وكان يظهر أنه . كلم يف شيء من ذلكفدنا من األسد ذئب مل يكن ت. فوجد فيه ذلك اللحم، فأتى به األسدبعد أن اطلع امللك على خيانة : فقال. من العدول الذين ال يتكلمون فيما ال يعلمون، حىت يتبني هلم احلق

فأمر . فإنه إن عفا عنه مل يطلع امللك بعدها على خيانة خائن، وال ذنب مذنب: ابن آوى فال يعفون عنهإين ألعجب من رأي امللك ومعرفته : فقال بعض جلساء امللك. به األسد بابن آوى أن خيرج، وحيتفظ

باألمور كيف خيفى عليه أمر هذا، ومل يعرف خبثه وخمادعته؟ وأعجب من هذا أين أراه سيصفح عنه، بعد فأرسل األسد بعضهم رسوال إىل ابن آوى يلتمس منه العذر، فرجع إليه الرسول برسالة . الذي ظهر منه

فعلمت أم األسد أنه قد عجل يف أمره، . فغضب األسد من ذلك وأمر بابن آوى أن يقتلكاذبة اخترعها يا بين بأي ذنب أمرت بقتل ابن : فأرسلت إىل الذين أمروا بقتله أن يؤخروه، ودخلت على ابنها، فقالت

والعجلة . بالتثبتوإمنا يسلم العاقل من الندامة بترك العجلة و. يا بين عجلت: فقالت. آوى؟ فأخربها باألمر: وليس أحد أحوج إىل التؤدة والتثبت من امللوك. ال يزال صاحبها جيتين مثرة الندامة، بسبب ضعف الرأي

فإن املرأة بزوجها، والولد بوالديه، واملتعلم باملعلم واجلند بالقائد، والناسك بالدين، والعامة بامللوك، وامللوك التثبت واألناة، ورأس الكل احلزم، ورأس احلزم للملك معرفة أصحابه، بالتقوى، والتقوى بالعمل، والعقل ب

. فإنه لو وجد بعضهم إىل هالك بعض سبيال لفعل. وإنزاهلم منازهلم على طبقاهتم، واهتامه بعضهم على بعضأن وليس ينبغي للملك . وقد جربت ابن آوى، وبلوت رأيه وأمانته ومروءته، مث مل تزل مادحا له راضيا عنه

وما . خيونه بعد ارتضائه إياه وائتمانه له، ومنذ جميئه إىل اآلن مل يطلع له على خيانة إال على العفة والنصيحةلتعلم : وأنت أيها امللك حقيق أن تنظر يف حال ابن آوى. كان رأي امللك أن يعجل عليه ألجل طابق حلم

حص عن ذلك ظهر له أن ابن آوى له خصماء ولعل امللك إن ف. أنه مل يكن ليتعرض للحم استودعته إياهفإن احلدأة إذا كان يف رجلها : وهم الذين ذهبوا باللحم إىل بيته فوضعوه فيه. هم الذين أمتروا هبذا األمر

وابن آوى منذ كان . قطعة حلم اجتمع عليها سائر الطري، والكلب إذا كان معه عظم اجتمع عليه الكالبلكل ضرر يف جنب منفعة تصل إليك، ولكل عناء يكون لك فيه راحة، ومل إىل اليوم نافع، وكان حمتمال

.يطوى دونك سرا

فقالت أم . فبينما أم األسد تقص عليه هذه املقالة، إذ دخل على األسد بعض ثقاته، فأخربه برباءة ابن آوىه لئال يتجرءوا إىل ما إن امللك حقيق أال يرخص ملن سعى ب: األسد، بعد أن اطلع امللك على براءة ابن آوى

فأنه ال ينبغي للعاقل أن يراجع يف أمر الكفور : هو أعظم من ذلك بل يعاقبهم عليه لكي ال يعودوا إىل مثلهوينبغي أن جيزى بعمله، وقد عرفت . للحسىن، اجلريء على الغدر، الزاهد يف اخلري الذي ال يوقن باآلخرة

واألوىل لك أن تراجع ابن آوى، . مل يبلغ رضاه بالكثريسرعة الغضب وفرط اهلفوة، ومن سخط باليسري

Page 73: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

فإن من الناس من ال ينبغي تركه : وتعطف عليه، وال يوئسنك من مناصحته ما فرط منك إليه من اإلساءةعلى حال من األحوال، وهو من عرف بالصالح والكرم وحسن العهد والشكر والوفاء واحملبة للناس

وأما من . األذى واالحتمال لإلخوان واألصحاب وإن ثقلت عليه منه املئونة والسالمة من احلسد والبعد منينبغي تركه فهو من عرف بالشراسة ولؤم العهد وقلة الشكر والوفاء والبعد من الرمحة والورع، واتصف

فدعى األسد بابن . وقد عرفت ابن آوى وجربته وأنت حقيق مبواصلته. باجلحود لثواب اآلخرة وعقاهباإن : فقال ابن آوى. إين معتذر إليك ورادك إىل منزلتك: أعتذر إليه مما كان منه ووعده خريا، وقالآوى و

شر األخالء من التمس منعة نفسه بضر أخيه، ومن كان غري ناظر له كنظره لنفسه، أو كان يريد أن يرضيه امللك إىل ما علم فال يغلظن وقد كان من. وكثريا ما يقع ذلك بني األخالء. بغري احلق ألجل إتباع هواه

فإن امللوك ال ينبغي أن يصحبوا من : على نفسه ما اخربه به إين به غري واثق، وإنه ال ينبغي يل أن أصحبهفإن ذا السلطان إذا عزل كان مستحقا للكرامة يف : عاقبوه أشد العقاب، وال ينبغي هلم أن يرفضوه أصال

إين قد بلوت طباعك وأخالقك، وجربت : مث قال له. األسد إىل كالمه فلم يلتفت. حالة إبعاده واإلقصاء لهوإين منزلك من نفسي منزلة . أمانتك ووفاءك وصدقك، وعرفت كذب من متحل احليلة لتحملي عليك

وقد عدنا إىل . األخيار الكرماء، والكرمي تنسيه اخللة الواحدة من اإلحسان، اخلالل الكثرية من اإلساءةفعاد ابن آوى إىل والية ما كان يلي، . فإن لنا ولك بذلك غطة وسرورا: د إىل الثقة بناالثقة بك، فع

.وضاعف له امللك الكرامة، ومل تزده األيام إال تقربا من السلطان

باب إيالذ وبالذ وايراخت

على امللك قد مسعت هذا املثل، فاضرب يل مثال يف األشياء اليت جيب: قال دبشليم امللك لبيدبا الفيلسوفأباحللم أم باملروءة أم : أن يلزم هبا نفسه، وحيفظ ملكه ويثبت سلطانه، ويكون ذلك رأس أمره ومالكه

إن أحق ما حيفظ به امللك ملكه احللم، وبه تثبت السلطنة، واحللم رأس : بالشجاعة أم باجلود؟ قال بيدبانه كان ملك يدعى بالذ، وكان له وزير كالذي زعموا من أ: األمور ومالكها، وأجود ما كان يف امللوك

فنام امللك ذات ليلة، فرأى يف منامه مثانية أحالم أفزعته، فاستيقظ . وكان متعبدا ناسكا. يدعى إيالذفقالوا . فلما حضروا بني يديه قص عليهم ما رأى. فدعا الربامهة، وهم النساك ليعربوا رؤياه. مرعوباقد أمهلتكم فخرجوا من : قال امللك. فإن أمهلتنا سبعة أيام جئناه بتأويلهلقد رأى امللك عجبا : بأمجعهم

قد وجدمت علما واسعا تدركون به ثأركم و تنقمون : وقالوا. عنده مث اجتمعوا يف منزل أحدهم وأمتروا بينهماه تفسري وها هو قد أطلعنا على سره وسألن. به من عدوكم، وقد علمتم أنه قتل منا باألمس اثىن عشر ألفا

ادفع : فنقول. فهلم نغلظ له القول وخنوفه حىت حيمله الفرق واجلزع على أن يفعل الذي نريد ونأمر: رؤياهفإن قد نظرنا يف كتابنا فلم نر أن يدفع عنك ما رأيت لنفسك : إلينا أحباءك ومن يكرم عليك حىت نقتلهم

قلنا . وما تريدون أن تقتلوا؟ مسوهم يل: لكوما وقعت فيه من هذا للشر إال بقتل من نسمي لك فإن قال امل. ونريد جوير أحب بنيك إليك وأفضلهم عندك. نريد امللكة ايراخت أم جوير احملمودة أكرم نسائك عليكونريد كاال الكاتب صاحب سرك وسيفك الذي . ونريد ابن أخيك الكرمي، وإيالذ خليلك وصاحب أمرك

Page 74: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

ونريد الفيلني . لحقه اخليل والفرس الذي هو مركبك يف القتالال يوجد مثله والفيل األبيض الذي ال تونريد كباريون احلكيم . ونريد البخيت السريع القوي. اآلخرين العظيمني الذين يكونان مع الفيل الذكر

هم إمنا ينبغي لك أيها امللك أن تقتل هؤالء الذين مسينا: مث نقول. الفاضل العامل باألمور لننتقم منه مبا فعل بنافإذا خرجت من احلوض اجتمعنا حنن معاشر الربامهة من . لك، مث جتعل دماءهم يف حوض متلؤه، مث تقعد فيه

مث تقوم . اآلفاق األربعة جنول حولك فنرقيك ونتفل عليك ومنسح عنك الدم ونغسلك باملاء والدهن الطيبت، أيها امللك، وطابت نفسك عن فإن صرب. إىل منزلك البهي فيدفع اهللا بذلك البالء الذي نتخوفه عليك

أحبائك الذين ذكرنا لك، وجعلتهم فداءك، ختلصت من البالء، واستقام لك ملكك وسلطانك، فإن هو . وإن أنت مل تفعل ختوفنا عليك أن يغضب ملكك أو هتلك. واستخلفت من بعدهم من أحببت

: وقالوا له. روا به رجعوا إليه يف اليوم السابعفلما أمجعوا على ما أمت. أطاعنا فيما نأمره قتلناه أي قتلة شئنافلتكن لك أيها امللك . أيها امللك، إنا نظرنا يف كتبنا يف تفسري ما رأيت، وفحصنا عن الرأي فيما بيننا

فأخرج امللك من كان عنده وخال . ولسنا نقدر أن نعلمك مبا رأينا إال أن ختلو بنا. الطاهر الصاحل الكرامةاملوت خري يل من احلياة إن أنا قتلت هؤالء الذين هم عديل : فقال هلم. بالذي ائتمروا بهفحدثوا . هبم

. وأنا ميت ال حمالة، واحلياة قصرية، ولست كل الدهر ملكا، وإن املوت عندي وفراق األحباء سواء. نفسي .فأذن هلم. إن أنت مل تغضب أخربناك: قال له الربامهة

. فاحتفظ بنفسك وملكك. تقل صوابا حني جتعل نفس غريك أعز عندك من نفسكأيها امللك إنك مل : فقالواوقر عينا مبلكك يف وجوه أهل مملكتك الذين . واعمل هذا الذي لك فيه الرجاء العظيم على ثقة ويقني

واعلم أيها . وال تدع األمر العظيم وتأخذ بالضعيف فتهلك نفسك إيثارا ملن حتب. شرفت وكرمت هبم. وأنه ال حيب من أحب من األحباء إال ليتمتع هبم يف حياته. أن اإلنسان إمنا حيب احلياة حمبة لنفسهامللك

. وإنك مل تنل ملكك إال باملشقة والعناء الكثري يف الشهور والسنني. وإمنا قوام نفسك بعد اهللا تعاىل مبلككفإنه ال خطر : اها، ودع ما سواهافانظر لنفسك من. فاستمع كالمنا. وليس ينبغي أن ترفضه ويهون عليك

وقام من . فلما رأى امللك أن الربامهة قد أغلظوا له يف القول واجترءوا عليه يف الكالم اشتد غمه وحزنه. لهبني ظهرانيهم ودخل إىل حجرته فخر على وجهه يبكي ويتقلب كما تتقلب السمكة إذا خرجت من املاء،

مرين أعظم يف نفسي؟ اململكة أم قتل أحبائي؟ ولن أنال الفرح ما ما أدري أي األ: وجعل يقول يف نفسهوإين لزاهد يف احلياة إذا مل أرى . ولست باملصيب سؤيل يف ملكي. وليس ملكي بباق علي إىل األبد. عشتوكيف أقدر على القيام مبلكي إذا هلك وزيري إيالذ؟ وكيف أضبط أمري إذا هلك فيلي األبيض . إيراخت

اد؟ وكيف أدعى ملكا وقد قتلت من أشار الربامهة بقتله؟ وما أصنع بالدنيا بعدهم؟ مث إن وفرسي اجلوفلما رأى إيالذ ما نال امللك من اهلم واحلزن فكر حبكمته ونظر . احلديث فشا يف األرض حبزن امللك ومهه

مث انطلق إىل . ن يدعوينما ينبغي يل أن أستقبل امللك فأسأله عن هذا األمر الذي قد ناله من غري أ: وقالوأراه يكتم عين أمرا ال . إين منذ خدمت امللك إىل اآلن مل يعمل عمال إال مبشوريت ورأيي: إيراخت فقالوقد احتجب عنا . وإين رأيته خاليا مع اجلماعة الربمهيني منذ ليال. وال أراه يظهر منه شيئا. أعلم ما هو

Page 75: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

فلست آمنهم أن يشريوا عليه مبا يضره . على شيء من أسرارهوأنا خائف أن يكون قد أطلعهم . فيهافإين : واخربيين مبا هو عليه وأعلميين. فقومي وادخلي عليه فاسأليه عن أمره وشأنه. ويدخل عليه منه السوء

وقد علمت أن . فلعل الربمهيني قد زينوا له أمرا أو محلوه على خطة قبيحة. لست أقدر على الدخول عليهإنه كان : فقالت إيراخت. وسواء عنده صغري األمور وكبريها. ق امللك أنه إذا غضب ال يسأل أحدامن خل

ال حتملي عليه احلقد يف مثل : فقال هلا إيالذ. بيين وبني امللك بعض العتاب فلست بداخلة عليه هبذه احلال .وال خيطرن ذلك على بالك فليس يقدر على الدخول عليه أحد سواك. هذا. ما أشتد غمي ودخلت علي إيراخت إال سرى عين، فقومي إليه واصفحي عنه: د مسعته كثريا يقولوق

فإنه لنا وألهل اململكة : وأعلميين مبا يكون جوابه. وكلميه مبا تعلمني أنه تطيب به نفسه ويذهب الذي جيدهما الذي بك أيها امللك :فقالت. فانطلقت إيراخت فدخلت على امللك فجلست عند رأسه. أعظم الراحة

فأعلمين ما بك، فقد ينبغي لنا أن حنزن معك . احملمود؟ وما الذي مسعت من الربامهة؟ فإين أراك حمزونافإنه أمر ال ينبغي أن : أيتها السيدة ال تسأليين عن أمري فتزيديين غما وحزنا: فقال امللك. ونواسيك بأنفسنا

دك منزلة من يستحق هذا؟ إمنا أمحد الناس عقال من إذا نزلت به النازلة أو قد نزلت عن: قالت. تسأليين عنهكان لنفسه أشد ضبطا، وأكثرهم استماعا من أهل النصح حىت ينجو من تلك النازلة باحليلة والعقل

فإهنما ال . وال تدخلن عليك شيئا من اهلم واحلزن. فعظيم الذنب ال يقنط من الرمحة. والبحث واملشاورةال يسأليين عن شيء فقد شققت : قال هلا امللك. إال أهنما ينحالن اجلسم ويشفيان العدو. ردان شيئا مقضياي

ألن عاقبته هالكي وهالكك وهالك كثري من أهل مملكيت ومن هو : والذي تسألينين عنه ال خري فيه. عليوال خري يف العيش . أهل موديت وذاك أن الربامهة زعموا أنه ال بد من قتلك وقتل كثري من. عديل نفسي

.وهل أحد يسمع هبذا إال اعتراه احلزن؟. بعدكم

ISLAM ICBOOK.WS ين| ٢٠١٠ م لمسل احة لجميع ا مت ق لحقو ع ا جمي

Page 76: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

ودمنة: كتاب لة كليملقفع : املؤلف بن ا ا

أيها امللك ال جتزع فنحن : فقالت. ومنعها عقلها أن تظهر للملك جزعا. فلما مسعت ذلك إيراخت جزعتولكين أطلب منك، أيها امللك، حاجة . ولك يف سواي ومثلي من اجلواري ما تقر به عينك. لك الفداء

أطلب منك أن : وما هي؟ قالت: قال امللك. وهي نصيحيت لك. كحيملين على طلبها حيب لك وإيثاري إيافإن : مث تشاور فيه ثقاتك مرارا. وال تشاورهم يف أمر حىت تتثبت يف أمرك. ال تثق بعدها بأحد من الربامهة

إذا لقيت جوهرا ال خري فيه : وقد قيل يف احلديث. القتل أمر عظيم، ولست تقدر على أن حتيي من قتلت .واعلم أن الربامهة ال حيبونك. وأنت أيها امللك ال تعرف أعداءك. ه من يدك حىت تريه من يعرفهفال تلقي

ولعمري ما كنت جديرا أن . وال تظن أن هؤالء ليسو من أولئك. وقد قتلت منهم باألمس اثين عشر ألفالعلهم : ي بينك وبينهموإمنا قالوا لك ما قالوا ألجل احلقد الذ. ختربهم برؤياك، وال أن تطلعهم عليهافأظنك لو قبلت منهم فقتلت من أشاروا بقتله . فيبلغوا قصدهم منك: يهلكونك ويهلكون أحباءك ووزيرك

فانطلق إىل كباريون احلكيم، فهو عامل فطن . ظفروا بك وغلبوك على ملكك، فيعود امللك إليهم كما كانفلما مسع امللك ذلك سرى عنه وما كان جيده من .فاخربه عما رأيت يف رؤياك واسأله عن وجهها وتأويلها

فلما انتهى إليه نزل عن فرسه وسجد له، . فأمر بفرسه فأسرج فركبه مث انطلق إىل كباريون احلكيم. الغمما بالك أيها امللك؟ وما يل أراك متغري اللون؟ فقال له امللك : فقال له احلكيم. وقام مطأطئا الرأس بني يديه

وأنا خائف أن يصيبين من ذلك عظيم أمر مما مسعت . املنام مثانية أحالم فقصصتها على الربامهةإين رأيت يف إن شئت فاقصص : فقال له احلكيم. وأخشى أن يغصب مين ملكي أو أن أغلب عليه. من تعبريهم لرؤياي

أما السمكتان : منهال حيزنك أيها امللك هذا األمر وال ختف : قال. فلما قص عليه امللك رؤياه. رؤياك علياحلمراوان اللتان رأيتهما قائمتني على أذناهبما فإنه يأتيك رسول من ملك هناوند بعلبة فيها عقدان من الدر

وأما الوزتان اللتان رأيتهما طارتا . والياقوت األمحر، قيمتهما أربعة آالف رطل من ذهب فيقوم بني يديكك من ملك بلخ فرسان ليس على األرض مثلهما فيقومان بني فإنه يأتي: من وراء ظهرك فوقعتا بني يديك

فإنه يأتيك من ملك صنجني من يقوم بني يديك : وأما احلية اليت رأيتها تدب على رجلك اليسرى. يديكفإنه يأتيك من ملك : وأما الدم الذي رأيت كأنه خضب به جسدك. بسيف خالص احلديد ال يوجد مثله

وأما ما رأيت من غسلك . باس معجب يسمى حلة أرجوان يضيء يف الظلمةكازرون من يقوم بني يديك بلوأما ما رأيت . فإنه يأتيك من ملك رهزين من يقوم بني يديك بثياب كتان من لباس امللوك: جسمك باملاء

فإنه يأتيك من ملك : وأما ما رأيت على رأسك شبيها بالنار. ال تلحقه اخليل: من أنك على جبل أبيضوأما الطري الذي رأيته ضرب رأسك . يقوم بني يديك بإكليل من ذهب مكلل بالدر والياقوت أرزن منولكن فيه بعض السخط واإلعراض . وليس بضارك، فال توجلن منه. فلست مفسرا ذلك اليوم: مبنقاره

ام مجيعا فهذا تفسريه رؤياك أيها امللك، وأما هذه الرسل والربد فإهنم يأتونك بعد سبعة أي: عمن حتبه .فلما مسع امللك ذلك سجد لكباريون ورجع إىل منزله. فيقومون بني يديك

Page 77: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

فلما كان بعد سبعة أيام جاءت البشائر بقدوم الرسل فخرج امللك فجلس على التخت، وأذن لألشراف، . فلما رأى امللك ذلك اشتد عجبه وفرحه من علم كباريون. وجاءته اهلدايا كما اخربه كباريون احلكيم

ولوال أن اهللا تعاىل تداركين برمحته . ما وفقت حني قصصت رؤياي على الربامهة فأمروين مبا أمروين به: وقالوإن . لكنت قد هلكت وأهلكت؛ وكذلك ال ينبغي لكل أحد أن يسمع إال من األخالء ذوي العقول

مث قال . خذ منها ما اختارتفضعوا اهلدية بني يديها لتأ. ورأيت به النجاح. إيراخت أشارت باخلري فقلبتهمث إن امللك دعا إيراخت وحورقناه أكرم نسائه . خذ اإلكليل وامحلها واتبعين هبا إىل جملس النساء: إليالذ

فوضعت اهلدايا بني . ضع الكسوة واإلكليل بني يدي إيراخت لتأخذ أيها شاءت: فقال إليالذ. بني يديهوكان من عادة . ورقناه كسوة من أفخر الثياب وأحسنهافأخذت منها اإلكليل، وأخذت ح. يدي إيراخت

وكان من سنة امللك أن هتيء له املرأة اليت يكون . امللك أن يكون ليلة عند إيراخت وليلة عند حورقناهفدخلت عليه . وقد صنعت له أرزا. فأتى امللك إيراخت يف نوبتها. عندها يف ليلتها أرزا حبالوة فتطعمه إياه

ومرت . فلبست تلك الكسوة. فعلمت حورقناه بذلك فغارت من إيراخت. إلكليل على رأسهابالصحفة وامث . فلما رآها امللك أعجبته. بني يدي امللك وتلك الثياب تضيء عليها مع نور وجهها كما تضيء الشمس

فلما . اإنك جاهلة حني أخذت اإلكليل وتركت الكسوة إيل ليس يف خزائننا مثله: التفت إىل إيراخت فقال. مسعت إيراخت مدح امللك حلورقناه وثناءه عليها وجتهيلها هي وذم رأيها أخذها من ذلك الغرية والغيظ

أال : فقال له. فقام امللك من مكانه ودعا بإيالذ. فسال األرز على وجهه. فضربت بالصحفة رأس امللكفخرج . ؟ فانطلق هبا فاقتلها وال ترمحهاترى، وأنا ملك العامل، كيف حقرتين هذه اجلاهلة، وفعلت يب ما ترى

فاملرأة عاقلة سديدة الرأي من امللكات إيل . ال أقتاها حىت يسكن عنه الغضب: إيالذ من عند امللك وقال. وقد خلصته من املوت، وعملت أعماال صاحلة. وليس امللك بصابر عنها. ليس هلا عديل يف النساء

مل مل تؤخر قتلها حىت تراجعين؟ فلست قاتلها حىت أنظر رأي : ولولست آمنة أن يق. ورجاؤنا فيها عظيموأجنيت . وكنت قد عملت عمال عظيما. فإن رأيته نادما حزينا على ما صنع جئت هبا حية: امللك فيها ثانية

وإن رأيته فرحا مسترحيا . واختذت عند عامة الناس بذلك يدا. وحفظت قلب امللك. إيراخت من القتلمث انطلق هبا إىل منزله، ووكل هبا خادما من أمنائه، وأمره . با رأيه يف الذي فعله وأمر به فقتلها ال يفوتمصو

مث خضب سيفه بالدم ودخل على امللك . خبدمتها وحراستها، حىت ينظر ما يكون من أمرها وأمر امللكلم يلبث امللك أن سكن عنه ف. إين قد أمضيت أمرك يف إيراخت: فقال أيها امللك. كالكئيب احلزين

ويتجلد وهو مع ذلك . وجعل يعزي نفسه عنها. واشتد أسفه عليها. الغضب، وذكر مجال إيراخت وحسنها. أحقا أمضى أمره فيها أم ال؟ ورجا ملا عرف من عقل إيالذ أال يكون قد فعل ذلك: يستحي أن يسأل إيالذ

فإنه ليس يف اهلم واحلزن : ال هتتم وال حتزن أيها امللك: هونظر إليه إيالذ بفضل عقله فعلم الذي به، فقال لوإن أحب امللك . فاصرب أيها امللك على ما لست بقادر عليه أبدا. ولكنهما ينحالن اجلسم ويفسدانه. منفعة

.حدثين: قال. حدثته حبديث يسليه

Page 78: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

إنا إذا وجدنا : ال الذكر لألنثىفق. زعموا أن محامتني ذكرا وأنثى مال عشهما من احلنطة والشعري: قال إيالذفإذا جاء الشتاء ومل يكن يف الصحارى شيء رجعنا إىل . يف الصحارى ما نعيش به فلسنا نأكل مما هاهنا شيئا

وكان ذلك احلب نديا حني وضعاه يف . نعم ما رأيت: وقالت له. فرضيت األنثى بذلك. ما يف عشنا فأكلناه. فلما رجع الذكر رأى احلب ناقصا. جاء الصيف يبس احلب وانضمرفلما . فانطلق الذكر فغاب. عشهما. أليس كنا أمجعنا رأينا على أال نأكل منه شيئا؟ فلم أكلته؟ فجعلت حتلف أهنا ما أكلت منه شيئا: فقال هلا

فلما جاءت األمطار ودخل الشتاء تندى احلب . وجعل ينقرها حىت ماتت. فلم يصدقها. وجعلت تعتذر إليهما ينفعين احلب : مث اضطجع إىل جانب محامته وقال. فلما رأى الذكر ذلك ندم. تأل العش كما كانوام

والعيش بعدك إذا طلبتك فلم أجدك، ومل أقدر عليك، وإذا فكرت يف أمرك وعلمت أين قد ظلمتك، وال والعاقل ال . جانبها مث استمر على حزنه فلم يطعم طعاما وال شرابا حىت مات إىل. أقدر على تدارك ما فات

وقد مسعت أيضا أن رجال . يعجل يف العذاب والعقوبة، وال سيما من خياف الندامة، كما ندم احلمام الذكرفنزل قرد من شجرة فأخذ ملء . دخل اجلبل وعلى رأسه كارة من العدس فوضع الكارة عن ظهره ليستريح

وانتثر ما كان يف يده . ل يف طلبها فلم جيدهافسقطت من يده حبة فنز. كفه من العدس وصعد إىل الشجرة! وأنت أيضا أيها امللك عندك ستة عشر ألف امرأة تدع أن تلهو هبن وتطلب اليت ال جتد؟؟. من العدس أمجع

مل ال تأنيت وتثبت؟ بل أسرعت : فقال إليالذ. فلما مسع امللك ذلك خشي أن تكون إيراخت قد هلكتإن الذي قوله واحد ال : ا، وفعلت ما أمرتك به من ساعتك؟ قال إيالذعند مساع كلمة واحدة فتعلقت هب

لقد أفسدت أمري وشددت حزين : قال امللك. خيتلف هو اهللا الذي ال تبديل لكلماته وال اختالف لقوله :الذي يعمل اإلمث يف كل يوم، والذي مل يعمل خريا قط: إثنان ينبغي هلما أن حيزنا: قال إيالذ. بقتل إيراخت

: قال امللك. وندامتهما إذ يعاينان اجلزاء طويلة ال يستطاع إحصاؤها. ألن فرحهما يف الدنيا ونعيمهما قليلاجملتهد يف الرب كل : اثنان ال ينبغي هلما أن حيزنا: قال إيالذ. لئن رأيت إيراخت حية ال أحزن على شيء أبدا

: اثنان ال ينظران: إيراخت أكثر مما نظرت قال إيالذما أنا بناظر إىل: قال امللك. يوم، والذي مل يأمث قطوكما أن العمى ال ينظر السماء وجنومها وأرضها وال ينظر القرب والبعد، . األعمى والذي ال عقل له

لو رأيت إيراخت : قال امللك. كذلك الذي ال عقل له ال يعرف احلسن من القبيح وال احملسن من املسيءفكما أن البصري يبصر أمور العامل وما فيه من . البصري والعامل: اثنان مها الفرحان :قال إيالذ. الشتد فرحي

زيادة ونقصان والقريب والبعيد، فكذلك العامل يبصر الرب واإلمث، ويعرف عمل اآلخرة، ويتبني له جناته، قال . نلزم االتقاءينبغي لنا أن نتباعد منك يإيالذ ونأخذ احلذر و: قال امللك. ويهتدي إىل صراط املستقيم

الذي يقول ال بر وال إمث وال عقاب وال ثواب وال شيء على مما أنا فيه، : اثنان جيب أن نتباعد منهما: إيالذوالذي ال يكاد فيه يصرف بصره عما ليس له مبحرم وال أذنه عن استماع السوء، وال قلبه عما هتم به نفسه

النهر الذي : ثالثة أشياء أصفار: قال إيالذ. يراخت صفراصارت يدي من إ: قال امللك. من اإلمث واحلرصإنك يا إيالذ لتلقي : ليس فيه ماء، واألرض اليت ليس فيها ملك، واملرأة اليت ليس هلا بعل، قال امللك

امللك الذي يعطي ويقسم من خزائنه، واملرأة املهداة اليت هتوى : ثالثة يلقون باجلواب: قال إيالذ. اجلواب .حلسب، والرجل العامل املوفق للخريمن ذوي ا

Page 79: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

فلما مسع امللك ذلك اشتد . أيها امللك إن إيراخت باحلياة: مث إن إيالذ ملا رأى امللك أشتد به األمر، قالوكنت أرجو ملعرفيت . إمنا منعين من الغضب ما أعرف من نصيحتك وصدق حديثك: وقال يإيالذ. فرحه

ا وإن كانت أتت عظيما وأغلظت يف القول فلم تأته عداوة وال فإهن. بعلمك أال تكون قد قتلت إيراختوقد كان ينبغي يل أن أعرض عن ذلك وأحتمله، ولكنك يا إيالذ . طلب مضرة، ولكنها فعلت ذلك للغرية

فانطلق . وأنا لك شاكر. وقد أخذت عندي أفضل األيدي. أردت أن ختتربين وتتركين يف شك من أمرهافلما . وانطلق هبا إىل امللك. د امللك فأيت إيراخت وأمرها أن تتزين ففعلت ذلكفخرج من عن. فأتين هبا

قد أذنبت : أمحد اهللا تعاىل مث أمحد امللك الذي أحسن إيل: وقالت. مث قامت بني يديه. دخلت سجدت لهذي آخر الذنب العظيم الذي مل أكن للبقاء أهال بعده، فوسعه حلمه وكرم طبعه ورأفته، مث أمحد إيالذ الوقال امللك . أمري، وأجناين من اهللكة، لعلمه برأفة امللك وسعة حلمه وجوده وكرم جوهره ووفاء عهده

فأنت الذي : إذ قد أحييتها بعد ما أمرت بقتلها: ما أعظم يدك عندي وعند إيراخت وعند العامة: إليالذوأنت . اليوم عندي كرامة وتعظيما وقد ازددت. فإين مل أزل واثقا بنصيحتك وتدبريك: وهبتها يل اليوم

أدام : قال إيالذ. فقد جعلت ذلك إليك ووثقت بك. حمكم يف ملكي تفعل فيه مبا ترى، وحتكم عليه مبا تريدلكن حاجيت أال يعجل امللك . فإمنا أنا عبدك. فلست مبحمود على ذلك. اهللا لك أيها امللك امللك والسرور

وال سيما يف مثل هذه امللكة الناصحة . على فعله، وتكون عاقبته الغم واحلزنيف األمر اجلسيم الذي يندم فقال امللك حبق قلت يا إيالذ، وقد قبلت قولك، ولست عامال : املشفقة اليت ال يوجد يف األرض مثلها

مرة والنظر بعدها عمال صغريا وال كبريا، فضال عن مثل هذا األمر العظيم الذي ما سلمت منه، إال بعد املؤامث أحسن امللك جائزة إليالذ، ومكنه من أولئك . والتردد إىل ذوي العقول ومشاورة أهل املودة والرأي

الربامهة الذين أشاروا بقتل أحبائه فأطلق فيهم السيف، وقرت عني امللك وعيون عظماء أهل مملكته، ومحدوا لمه خلص امللك ووزيره الصاحل وامرأته ألنه بع: اهللا وأثنوا على كباريون بسعة علمه وفضل حكمته

.الصاحلة

باب اللبوة واإلسوار والشغرب

فاضرب يل مثال يف شأن من يدع ضر غريه إذا . قد مسعت هذا املثل: قال دبشليم امللك لبيدبا الفيلسوفقال . لغريهقدر عليه ملا يصيبه من الضر، ويكون له فيما ينزل به واعظ وزاجر عن ارتكاب الظلم والعداوة

إنه ال يقدم على طلب ما يضر الناس وما يسوءهم إال أهل اجلهالة والسفه وسوء النظر يف : الفيلسوفالعواقب من أمور الدنيا واآلخرة، وقلة العلم مبا يدخل عليهم يف ذلك من حلول النقمة، ومبا يلزمهم من

ر بعض مبنية عرضت له قبل أن ينزل به وإن سلم بعضهم من ضر. تبعة ما اكتسبوا مما ال حتيط به العقولورمبا اتعظ . فإن من مل يفكر يف العواقب مل يأمن املصائب، وحقيق أال يسلم من املعاطب: وبال ما صنع

اجلاهل واعترب مبا يصيبه من املضرة من غريه، فارتدع عن أن يغشى أحدا مبثل ذلك من الظلم والعدوان، قال . غريه يف العاقبة، فنظري ذلك حديث اللبوة واإلسوار والشغربوحصل له نفع ما كف عنه من ضرر ل

وكيف كان ذلك؟ : امللك

Page 80: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

زعموا أن لبؤة كانت يف غيضة، وهلما شبالن، وأهنا خرجت قي طلب الصيد وخلفتهما يف : قال الفيلسوفف هبما إىل كهفهما، فمر هبما إسوار فحمل عليهما ورمامها فقتلهما، وسلخ جلديهما فاحتقبهما، وانصر

. فلما رأت ما حل هبما من األمر الفظيع اضطربت ظهرا لبطن وصاحت وضجت. منزله، مث إهنا رجعتما هذا الذي تصنعني؟ وما نزل بك؟ فأخربيين : فلما مسع ذلك من صياحها قال هلا. وكان إىل جانبها شغرب

: قال هلا شغرب. حتقبهما، ونبذمها بالعراءقالت اللبؤة شبالي مر هبما إسوار فقتلهما، وسلخ جلديهما فا. بهال تضجي وأنصفي من نفسك، واعلمي أن هذا اإلسوار مل يأت إليك شيئا إال وقد كنت تفعلني بغريك مثله،

فاصربي على . وتأتني إىل غري واحد مثل ذلك، ممن كان جيد حبميمه ومن يعز عليه مثل ما جتدين بشبليك. ولكل عمل مثرة من الثواب والعقاب. كما تدين تدان: فإنه قد قيل: فعلكفعل غريك كما صرب غريك على بني يل : قالت اللبؤة. كالزرع إذا حضر احلصاد أعطى على حسب بذره. ومها على قدره يف الكثرة والقلة: قال الشغرب. مائة سنة: كم أتى لك من العمر؟ قالت اللبؤة: قال الشغرب. ما تقول، وأفصح يل عن إشارته

كنت أصيد : من كان يطعمك إياه؟ قالت اللبؤة: قال الشغرب. حلم الوحش: ما كان قوتك؟ قالت اللبؤةقال . بلى: أرأيت الوحش اليت كنت تأكلني، أما كان هلا آباء وأمهات؟ قالت: قال الشغرب. الوحش وآكله

ا أرى وأمسع لك؟ أما أنه مل فما بايل ال أرى وال أمسع لتلك اآلباء واألمهات من اجلزع والضجيج م: الشغربفلما . ينزل بك ما نزل إال لسوء نظرك يف العواقب وقلة تفكريك فيها، وجهالتك مبا يرجع عليك من ضرها

مسعت اللبؤة ذلك من كالم الشغرب عرفت أن ذلك مما جنت على نفسها، وأن عملها كان جورا وظلما، فلما رأى ذلك ورشان الذي كان . واملسك والعبادةفتركت الصيد، وانصرفت عن أكل اللحم إىل الثمار

لقلة : قد كنت أظن أن الشجرة عامنا هذا مل حتمل: قال هلا. صاحب تلك الغيضة وكان عيشه من الثماراملاء، فلما أبصرتك تأكلينها، وأنت آكلة اللحم، فتركت رزقك وطعامك وما قسم اهللا لك، وحتولت إىل

ه فيه؛ علمت أن الشجر العام أمثرت كما كانت تثمر قبل اليوم، وإمنا رزق غريك فانتقصته، ودخلت عليما أسرع هالكهم إذا دخل ! فويل للشجر وويل للثمار وويل ملن عيشه منها. أتت قلة الثمر من جهتك

فلما مسعت اللبؤة ذلك من ! عليهم يف أرزاقهم، وغلبهم عليها من ليس له فيها حظ ومل يكن معتادا ألكلهاوإمنا ضربت لك هذا املثل لتعلم أن . لورشان تركت أكل الثمار وأقبلت على أكل احلشيش والعبادةكالم ا

اجلاهل رمبا انصرف بضر يصيبه عن ضر الناس، كاللبؤة اليت انصرفت ملا لقيت يف شبليها عن أكل اللحم مث فإنه قد : سن النظر يف ذلكوالناس أحق حب. عن أكل الثمار بقول الورشان، وأقبلت على النسك والعبادة

.ويف العدل رضا اهللا تعاىل ورضا الناس: فإن يف ذلك العدل: ما ال ترضاه لنفسك ال تصنعه لغريك: قيل

باب الناسك والضيف

فاضرب يل مثل الذي يدع صنعه الذي يليق به . قد مسعت هذا املثل: قال دبشليم امللك لبيدبا الفيلسوفزعموا أنه كان بأرض الكرخ : قال الفيلسوف. فيبقى حريان مترددا: ركهويشاكله، ويطلب غريه فال يد

مث قال . فأكال منه مجيعا. ليطرفه به: فنزل به ضيف ذات يوم، فدعا الناسك لضيفه بتمر. ناسك عابد جمتهدى أن أر: مث قال! فليس هو يف بالدي اليت أسكنها، وليته كان فيها! ما أحلى هذا التمر وأطيبه: الضيف

Page 81: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

فقال له . فإين لست عارفا بثمار أرضكم، هذه وال مبواضعها: تساعدين على أن آخذ منه ما أغرسه يف أرضناولعل ذلك ال يوافق أرضكم، مع أن بالدكم كثرية . فإن ذلك يثقل عليك: ليس لك يف ذلك راحة: الناسك

إنه ال يعد : افقته للجسد؟ مث قال له الناسكاألمثار فما حاجتها مع كثرة مثارها إىل التمر مع وخامته وقلة مووكان هذا . وإنك سعيد اجلد إذا قنعت بالذي جتد، وزهدت فيها ال جتد. حكيما من طلب ما ال جيد. فاستحسن الضيف كالمه وأعجبه، فتكلف أن يتعلمه؛ وعاجل يف ذلك نفسه أياما. الناسك يتكلم بالعربانيةأن تقع مما تركت من كالمك، وتكلفت من كالم العربانية، يف مثل ما وقع ما أخلقك : فقال الناسك لضيفه

وكيف كان ذلك؟ : قال الضيف! فيه الغراب

فراض على . زعموا أن غرابا رأى حجلة تدرج ومتشي، فأعجبته مشيتها، وطمع أن يتعلمها: قال الناسكفإذا هو قد : مشيته اليت كان عليهاذلك نفسه، فلم يقدر على إحكامها، وأيس منها، وأراد أن يعود إىل

وإمنا ضربت لك هذا املثل ملا رأيت من أنك تركت . اختلط وختلع يف مشيته، وصار أقبح الطري مشيالسانك الذي طبعت عليه، وأقبلت على لسان العربانية، وهو ال يشاكلك، وأخاف أال تدركه، وتنسى

إنه يعد جاهال من تكلف من األمور ما ال : قد قيلفإنه : لسانك، وترجع إىل أهلك وأنت شرهم لسانا .يشاكله، وليس من عمله ومل يؤدبه عليه آباؤه وأجداده من قبل

باب السائح والصائغ

فاضرب يل مثال يف شأن الذي يضع املعروف يف . قد مسعت هذا املثل: قال دبشليم امللك لبيدبا الفيلسوفوليس مما خلقه اهللا يف . أيها امللك إن طبائع اخللق خمتلفة: لسوفقال الفي. غري موضعه، ويرجو الشكر عليه

الدنيا مما ميشي على أربع أو على رجلني أو يطري جبناحني شيء هو أفضل من اإلنسان، ولكن من الناس الرب حرمه، وأشكر وقد يكون يف بعض البهائم والسباع والطري ما هو أوىف منه ذمة، وأشد حماماة على. والفاجر

للمعروف، وأقوم به، وحينئذ جيب على ذوي العقل من امللوك وغريهم أن يضعوا معروفهم مواضعه وال وال يقوم بشكره، وال يصطنع أحدا إال بعد اخلربة بطرائقه، واملعرفة بوفائه . يضعوه عند من ال حيتمله

ا كان غري حمتمل للصنيعة، وال أن مينعوا وال ينبغي أن خيتصوا بذلك قريبا لقرابته، إذ. ومودته وشكرهألنه يكون حينئذ عارفا حبق ما اصطنع إليه : معروفهم ورفدهم للبعيد، إذا كان يقيهم بنفسه وما يقدر عليه

. مؤديا لشكر ما أنعم عليه، حممودا بالنصح معروفا باخلري، صدوقا عارفا، مؤثرا حلميد الفعال والقول: باخلصال احملمودة ووثق منه هبا، كان للمعروف موضعا، ولتقريبه واصطناعه أهالوكذلك كل من عرف

فإن الطيب الرفيق العاقل ال يقدر إىل مداواة املريض إال بعد النظر إليه واجلس لعروقه ومعرفة طبيعته وسبب يصطفي أحدا، ال ينبغي له أن: فكذلك العاقل. علته، فإذا عرف ذلك كله حق معرفته أقدم على مداواته

فإن من أقدم على مشهور العدالة من غري اختبار كان خماطرا يف ذلك ومشرفا : وال يستخلصه إال بعد اخلربةومع ذلك رمبا صنع اإلنسان املعروف مع الضعيف الذي مل جيرب شكره، ومل يعرف . منه على هالك وفساد

Page 82: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

ورمبا حذر العاقل الناس ومل يأمن على نفسه . فأةحاله يف طبائعه فيقوم بشكر ذلك ويكافئ عليه أحسن املكا . أحدا منهم

وقد يأخذ ابن عرس فيدخله يف كمه وخيرجه من اآلخر، كالذي حيمل الطائر على يده، فإذا صاد شيئا انتفع ال ينبغي لذي العقل أن حيتقر صغريا وال كبريا من الناس وال من البهائم، ولكنه: وقد قيل. به، ومطعمه منه

وقد مضى يف ذلك مثل ضربه بعض . جدير بأن يبلوهم، ويكون ما يصنع إليهم على قدر ما يرى منهمزعموا أن مجاعة احتفروا ركية فوقع فيها رجل : وكيف كان ذلك؟ قال الفيلسوف: قال امللك. احلكماء

رب والقرد ففكر صائغ وحية وقرد وبرب، ومر هبم رجل سائح فأشرف على الركية، فبصر بالرجل واحلية والبفأخذ . لست أعمل آلخريت عمال أفضل من أن أخلص هذا الرجل من بني هؤالء األعداء: يف نفسه، وقال

مث داله ثالثا . مث داله ثانية، فالتفت به احلية فخرجت. حبال وأداله إىل البئر فتعلق به القرد خلفته فخرجفإنه ليس شيء أقل : ال خترج هذا الرجل من الركية: وقلن له. فشكرن له صنيعه. فتعلق به البرب فأخرجه

: إن منزيل يف جبل قريب من مدينة يقال هلا: مث قال له القرد. شكرا من الناس مث هذا الرجل خاصة. أنا أيضا يف سور تلك املدينة: قالت احلية. أنا أيضا يف أمجة إىل جانب تلك املدينة: فقال له البرب. نوادرخت

بنا يوما من الدهر، واحتجت إلينا فصوت علينا حىت نأتيك فنجزيك مبا أسديت إلينا من فإن أنت مررتفلم يلتفت السائح إىل ما ذكروا له من قلة شكر اإلنسان، وأدىل احلبل، فأخرج الصائغ، فسجد . معروف

فأنا رجل : منزيلفإن أتيت يوما من الدهر ملدينة نوادرخت فاسأل عن . لقد أوليتين معروفا: له، وقال لهفعرض بعد . فانطلق إىل مدينته وانطلق السائح إىل جانبه. صائغ لعلي أكافئك مبا صنعت إيل من معروف

واعتذر . ذلك أن السائح اتفقت له احلاجة إىل تلك املدينة، فانطلق، فاستقبله القرد، فسجد له وقبل رجليهوانطلق القرد، وآتاه بفاكهة طيبة، فوضعها . حىت آتيكإن القرود ال ميلكون شيئا، ولكن اقعد : إليه، وقال

مث إن السائح انطلق حىت دنا من باب املدينة فاستقبله البرب، فخر له ساجدا . بني يديه، فأكل منها حاجتهفانطلق البرب فدخل يف بعض احليطان إىل بنت . فاطمئن ساعة حىت آتيك. إنك قد أوليتين معروفا: وقال له

هذه البهائم قد : فقال يف نفسه. ها، وأخذ حليها، فأتاه هبا، من غري أن يعلم السائح من أين هوامللك فقتلأولتين هذا اجلزاء، فكيف لو قد أتيت إىل الصائغ فأنه إن كان معسرا ال ميلك شيئا فسيبيع هذا احللي

فلما رآه . أتى إىل الصائغفانطلق السائح ف. فيعطيين بعضه، ويأخذ بعضه، وهو أعرف بثمنه. فيستويف مثنه .فلما بصر باحللي معه، عرفه وكان هو الذي صاغه البنة امللك. رحب به وأدخله إىل بيته

قد أصبت : مث خرج وهو يقول. اطمئن حىت آتيك بطعام فلست أرضى لك ما يف البيت: فقال للسائحفانطلق إىل باب امللك، فأرسل . أريد أن أنطلق إىل امللك وأدله على ذلك، فتحسن منزليت عنده: فرصيتفأرسل امللك وأتى بالسائح فلما نظر احللي معه مل ميهله، وأمر . إن الذي قتل ابنتك وأخذ حليها عندي: إليه

لو : فلما فعلوا به ذلك جعل السائح يبكي ويقول بأعلى صوته. به أن يعذب ويطاف به يف املدينة، ويصلبأمرنين به وأخربنين من قلة شكر اإلنسان مل يصر أمري إىل هذا البالء، أين أطعت القرد واحلية والبرب فيما

فسمعت مقالته تلك احلية فخرجت من جحرها فعرفته، فاشتد عليه أمره، فجعلت . وجعل يكرر هذا القول

Page 83: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

فانطلقت حىت لدغت ابن امللك، فدعى امللك أهل العلم فرقوه ليشفوه فلم يغنوا عنه . حتتال يف خالصهفرقت . مضت احلية إىل أخت هلا من اجلن، فأخربهتا مبا صنع السائح إليها من املعروف، وما وقع فيهمث. شيئا

إنك ال تربأ حىت يرقيك هذا الرجل الذي قد عاقبتموه : وقالت له. له، وانطلقت إىل ابن امللك، وختايلت لهلذي كنت هنيتك عنه من اصطناع هذا ا: وانطلقت احلية إىل السائح فدخلت عليه السجن، وقالت له. ظلما

إذا جاءوا بك لترقي ابن امللك : وقالت له. وأتته بورق ينفع من مسها. ومل تطعين: املعروف إىل هذا اإلنسان. فإنك تنجوا إن شاء اهللا تعاىل: وإذا سألك امللك عن حالك فاصدقه. فإنه يربأ: فاسقه من ماء هذا الورق

فدعا . إنك لن تربأ حىت يرقيك هذا السائح الذي حبس ظلما: مسع قائال يقولوإن ابن امللك أخرب امللك أنه ال أحسن الرقي، ولكن اسقه من ماء هذه الشجرة فيربأ بإذن : فقال. امللك السائح، وأمره أن يرقي ولده

عطية فشكره امللك، وأعطاه . وسأله عن قصته، فأخربه: ففرح امللك بذلك. فسقاه فربئ الغالم. اهللا تعاىلمث قال . فصلبوه لكذبه واحنرافه عن الشكر وجمازاته الفعل اجلميل بالقبيح. حسنة، وأمر بالصائغ أن يصلب

ففي صنيع الصائغ بالسائح، وكفره له بعد استنقاذه إياه، وشكر البهائم له، وختليص : الفيلسوف للملكوف واإلحسان عند أهل الوفاء والكرم، بعضها إياه، عربة ملن اعترب، وفكرة ملن تفكر، وأدب يف وضع املعر

.قربوا أو بعدوا ملا يف ذلك من صواب الرأي وجلب اخلري وصرف املكروه

باب ابن امللك وأصحابه

فإن كان الرجل ال يصيب اخلري إال بعقله ورأيه . قد مسعت هذا املثل: قال دبشليم امللك لبيدبا الفيلسوفكما أن اإلنسان ال : قال بيدبا. الرجل اجلاهل يصيب البالء والضر؟وتثبته يف األمور كما يزعمون، فما بال

يبصر إال بعينيه وال يسمع إال بأذنيه، كذلك العمل، إمنا هو باحللم والعقل والتثبت، غري أن القضاء والقدر : وكيف كان ذلك؟ قال الفيلسوف: قال امللك. ومثل ذلك مثل ابن امللك وأصحابه. يغلبان على ذلك

أن أربعة نفر اصطحبوا يف طريق واحدة، أحدهم ابن امللك والثاين ابن تاجر والثالث ابن شريف ذو زعموا وكانوا مجيعا حمتاجني، وقد أصاهبم ضرر وجهد شديد يف موضع غربة ال ميلكون إال . مجال والرابع ابن أكارنهم راجعا إىل طباعه وما كان فبينما هم ميشون إذ فكروا يف أمرهم وكان كل إنسان م. ما عليهم من الثياب

إمنا أمر الدنيا كله بالقضاء والقدر، والذي قدر على اإلنسان يأتيه على كل : قال ابن امللك: يأتيه منه اخلريالعقل أفضل من كل شيء وقال : حال، والصرب للقضاء والقدر وانتظارمها أفضل األمور وقال ابن التاجر

. اجلمال أفضل مما ذكرمت: ابن الشريف

ليس يف الدنيا أفضل من االجتهاد يف العمل فلما قربوا من مدينة يقال هلا مطرون، : مث قال ابن األكار. انطلق فاكتسب لنا باجتهادك طعاما ليومنا هذا: فقالوا البن األكار: جلسوا يف ناحية منها يتشاورون

أربعة نفر فعرفوه أنه ليس يف تلك فانطلق ابن األكار، وسأل عن عمل إذا عمله اإلنسان يكتسب فيه طعامفانطلق ابن األكار فاحتطب طنا من احلطب، . املدينة شيء أعز من احلطب، وكان احلطب منها على فرسخ

عمل يوم واحد إذا أجهد فيه الرجل : وأتى به املدينة فباعه بدرهم واشترى به طعاما وكتب على باب املدينة

Page 84: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

قالوا ينبغي للذي قال إنه ليس : فلما كان من الغد. صحابه بالطعام فأكلوامث انطلق إىل أ. بدنه قيمته درهمأنا لست : فانطلق ابن الشريف ليأيت املدينة، ففكر يف نفسه وقال. شيء أعز من اجلمال أن تكون نوبته

حىت فانطلق . أحسن عمال فما يدخلين املدينة؟ مث استحيا أن يرجع إىل أصحابه بغري طعام، وهم مبفارقتهمفمر به رجل من عظماء املدينة فراقه مجاله وتوسم فيه شرف . أسند ظهره إىل شجرة عظيمة، فغلبه النوم فنام

. مجال يوم واحد يساوي مخسمائة درهم: فكتب على باب املدينة. النجار فرق له ومنحه مخسمائة درهمانطلق أنت فاطلب لنا بعقلك : وا البن التاجرفلما أصبحوا يف اليوم الثالث، قال. وأتى بالدراهم إىل أصحابهفانطلق ابن التاجر فلم يزل حىت بصر بسفينة من سفن البحر كثرية املتاع قد . وجتارتك ليومنا هذا شيئا

فجلسوا يتشاورون . قدمت إىل الساحل، فخرج إليها مجاعة من التجار يريدون أن يبتاعوا مما فيها من املتاعارجعوا يومنا هذا ال نشتري منهم شيئا حىت يكسد املتاع عليهم : وقال بعضهم لبعض يف ناحية من املركب،

فخالف الطريق وجاء إىل أصحاب املركب، فابتاع منهم . فريخصوا علينا، مع أننا حمتاجون إليه، وسريخصجار ذلك خافوا فلما مسع الت. ما فيه مبائة ألف دينار نسيئة وأظهر أنه يريد أن ينقل متاعه إىل مدينة أخرى

أن يذهب ذلك املتاع من أيديهم، فأرحبوه على ما اشتراه مائة ألف درهم، وأحال عليهم أصحاب املركب فلما كان . عقل يوم واحد مثنه مائة ألف درهم: بالباقي، ومحل رحبه إىل أصحابه وكتب على باب املدينة

.ئك وقدركانطلق أنت واكتسب لنا بقضا: اليوم الرابع قالوا البن امللك

فانطلق ابن امللك حىت أتى إىل باب ملدينة فجلس على متكأ يف باب املدينة، واتفق أن ملك تلك الناحية فأنكروا حاله . فمروا عليه جبنازة امللك ومل حيزنه وكلهم حيزنون. مات ومل خيلف ولدا وال أحدا ذا قرابة

ى باب املدينة وال نراك حتزن ملوت امللك؟ وطرده من أنت يا هذا؟ وما جيلسك عل: وشتمه البواب، وقال لهفلما دفنوا امللك ورجعوا بصر به البواب فغضب . البواب عن الباب فلما ذهبوا عاد الغالم فجلس مكانه

فلما كان الغد اجتمع أهل تلك املدينة . أمل أهنك عن اجللوس يف هذا املوضع؟ وأخذه وحبسه: وقال لهإين : فقال هلم البواب. هم، وكل منهم يتطاول ينظر صاحبه، وخيتلفون بينهميتشاورون فيمن ميلكونه علي

فلما عدت . رأيت أمس غالما جالسا على الباب، ومل أره حيزن حلزننا، فكلمته فلم جيبين، فطردته عن البابءوا به، وسألوه فبعثت أشراف أهل املدينة إىل الغالم فجا. رأيته جالسا فأدخلته السجن خمافة أن يكون عينا

أنا ابن ملك فويران، وإنه ملا مات والدي غلبين أخي على امللك، : فقال. عن حاله، وما أقدمه إىل مدينتهمفلما ذكر الغالم ما ذكره من أمره عرفه من . فهربت من يده حذرا على نفسي حىت انتهيت إىل هذه الغاية

مث إن األشراف اختاروا الغالم أن ميلكوه عليهم ورضوا .كان يغشى أرض أبيه منهم، وأثنوا على أبيه خريافلما . وكان ألهل تلك املدينة سنة إذا ملكوا عليهم ملكا محلوه على فيل أبيض، وطافوا به حوايل املدينة. به

إن االجتهاد واجلمال والعقل وما : فعلوا به ذلك مر بباب املدينة فرأى الكتابة على الباب فأمر أن يكتبوقد ازددت يف ذلك اعتبارا . الرجل يف الدنيا من خري أو شر إمنا هو بقضاء وقدر من اهللا عز وجل أصاب

مث انطلق إىل جملسه فجلس على سرير ملكه وأرسل إىل أصحابه الذين . مبا ساق اهللا إيل من الكرامة واخلري أصحاب الزرع، وأمر كان معهم فأحضرهم فأشرك صاحب العقل مع الوزراء، وضم صاحب االجتهاد إىل

Page 85: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

أما : مث مجع علماء أرضه وذوي الرأي منهم وقال هلم. لصاحب اجلمال مبال كثري مث نفاه كي ال يفتنت بهأصحايب فقد تيقنوا أن الذي رزقهم اهللا سبحانه وتعاىل من اخلري إمنا هو بقضاء اهللا وقدره، وإمنا أحب أن

. وهيأه يل إمنا كان بقدر، ومل يكن جبمال وال عقل وال اجتهاد تعلموا ذلك وتستيقنوه، فإن الذي منحين اهللاوما كنت أرجو إذ طردين أخي أن يصيبين ما يعيشين من القوت فضال عن أن أصيب هذه املنزلة، وما كنت

ألين قد رأيت يف هذه األرض من هو أفضل مين حسنا ومجاال، وأشد اجتهادا وأسد رأيا، : أؤمل أن أكون هبا: ين القضاء إىل أن أعتززت بقدر من اهللا، وكان يف ذلك اجلمع شيخ فنهض حىت استوى قائما، وقالفساق

إنك قد تكلمت بكالم كامل عقل وحكمة، وإن الذي بلغ بك ذلك وفوز عقلك وحسن ظنك، وقد والذي ساق اهللا إليك من . وقد عرفنا ما ذكرت، وصدقناك فيما وصفت. حققت ظننا فيك ورجاءنا لك

وإين أسعد الناس يف الدنيا واآلخرة . امللك والكرامة كنت أهال له، ملا قسم اهللا تعاىل لك من العقل والرأي .من رزقه اهللا رأيا وعقال

مث قام شيخ آخر سائح فحمد اهللا عز وجل . وقد أحسن اهللا إلينا إذ وفق لنا عند موت ملكنا وكرمنا بكفلما بدا يل . وأنا غالم قبل أن أكون سائحا، رجال من أشراف الناسإين كنت أخدم : وأثىن عليه وقال

رفض الدنيا فارقت ذلك الرجل، وقد كان أعطاين من أجريت دينارين، فأردت أن أتصدق بأحدمها، وأستبقي اآلخر، فأتيت السوق، فوجدت مع رجل من الصيادين زوج هدهد، فساومت فيهما فأىب الصياد

أشتري أحدمها وأترك : فقلت يف نفسي. ارين، فاجتهدت أن يبيعنيهما بدينار واحد فأىبأن يبيعهما إال بدينمث فكرت وقلت لعلهما يكونا زوجني ذكرا وأنثى فأفرق بينهما، فأدركين هلما رمحة فتوكلت على . اآلخر

ا مما لقيا من اهللا وابتعتهما بدينارين وأشفقت إن أرسلتهما يف أرض عامرة أن يصادا، وال يستطيعا أن يطريفانطلقت هبما إىل مكان كثري املرعى واألشجار بعيد عن الناس . اجلوع واهلزال، ومل آمن عليهما اآلفات

فلما صارا يف أعالها شكرا يل، ومسعت أحدمها . والعمران، فأرسلتهما، فطارا ووقعا على شجرة مثمرةوإنا خلليقان أن . ، واستنقذنا وجنانا من اهللكةلقد خلصنا هذا السائح من البالء الذي كنا فيه: يقول لآلخركيف : أفال ندله عليها فيأخذها؟ فقلت هلما. وإن يف أصل هذه الشجرة جرة مملوءة دنانري. نكافئه بفعله

إن القضاء إذا نزل صرف العيون عن موضع : تدالنين على كنز مل تره العيون وأنتما مل تبصرا الشبكة؟ فقاالفاحتفرت . صر وإمنا صرف القضاء اعيننا عن الشرك ومل يصرفها عن هذا الكنزالشيء وغشى الب

احلمد هللا الذي علمكما ما مل : واستخرجت الربنية وهي مملوءة دنانري، فدعوت هلما بالعافية، وقلت هلمالقدر غالب أيها العاقل، أما تعلم أن ا: قاال يل. تعلما، وأنتما تطريان يف السماء، وأخربمتا ما حتت األرض

فإن أمر امللك أتيته باملال : وأنا اخرب امللك بذلك رأيته. على كل شيء، وال يستطيع أحد أن يتجاوزه .فقال امللك ذلك لك، وموفر عليك. فأودعته يف خزائنه

باب احلمامة والثعلب ومالك احلزين

Page 86: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

عت هذا املثل فاضرب يل مثال قد مس: قال امللك للفيلسوف. وهو باب من يرى الرأي لغريه وال يراه لنفسهإن مثل ذلك مثل احلمامة والثعلب : قال الفيلسوف. يف شأن الرجل الذي يرى الرأي لغريه وال يراه لنفسه

وما مثلهن؟ : قال امللك. ومالك احلزين

زعموا أن محامة كانت تفرخ يف رأس خنلة طويلة ذاهبة يف السماء، فكانت احلمامة تشرع : قال الفيلسوفنقل العش إىل رأس تلك النخلة، فال ميكن أن تنقل ما تنقل من العش وجتعله حتت البيض إال بعد شدة يف

لطول النخلة وسحقها، فإذا فرغت من النقل باضت مث حضنت بيضها، فإذا فقست وأدرك : وتعب ومشقةل النخلة فراخها جاءها ثعلب قد تعاهد ذلك منها لوقت قد علمه بقدر ما ينهض فراخها، فيقف بأص

فبينما هي ذات يوم قد أدرك هلا فرخان إذ أقبل . فيصيح هبا ويتوعدها أن يرقي إليها فتلقي إليه فراخهايا محامة، : فلما رأى احلمامة كئيبة حزينة شديدة اهلم قال هلا مالك احلزين. مالك احلزين فوقع على النخلة

لك احلزين، إن ثعلبا دهيت به كلما كان يل فرخان يا ما: ما يل أراكي كاسفة اللون سيئة احلال؟ فقالت لهإذا أتاك ليفعل ما : قال هلا مالك احلزين. جاء يهددين ويصيح يف أصل النخلة، فأفرق منه فأطرح إليه فرخي

فإذا فعلت ذلك وأكلت فرخي، طرت . ال ألقي إليك فرخي، فارق إيل وغرر بنفسك: تقولني فقويل لهفأقبل الثعلب يف . علمها مالك احلزين هذه احليلة طار فوقع على شاطئ هنرفلما . عنك وجنوت بنفسي

قال هلا . فأجابته احلمامة مبا علمها مالك احلزين. الوقت الذي عرف، فوقف حتتها، مث صاح كما كان يفعلطئ فتوجه الثعلب إىل مالكا احلزين على شا. علمين مالك احلزين: أخربيين من علمك هذا؟ قالت: الثعلب

: إذا أتتك الريح عن ميينك فأين جتعل رأسك؟ قال: يا مالك احلزين: فقال له الثعلب. النهر، فوجده واقفافإذا أتتك : قال. أجعله عن مييين أو خلفي: قال. فإذا أتتك عن مشالك فأين جتعل رأسك: قال. عن مشايل

وكيف تستطيع أن جتعله حتت : قال. أجعله حتت جناحي: الريح من كل مكان وكل ناحية فأين جتعله؟ قالفأرين كيف تصنع؟ فلعمري يا معشر الطري لقد فضلكم اهللا : قال: بلى: قال. جناحك؟ ما أراه يتهيأ لك

إنكن تدرين يف ساعة واحدة مثلما ندري يف سنة، وتبلغن ما ال نبلغ، وتدخلن رؤسكن حتت . علينافأدخل الطائر رأسه حتت جناحه فوثب عليه . تصنعفهنيئا لكن فأرين كيف . اجنحتكن من الربد والريح

يا عدوي نفسه، ترى الرأي للحمامة، وتعلمها احليلة : مث قال. الثعلب مكانه فأخذه فهمزه مهزة دقت عنقهفلما انتهى املنطق . لنفسها، وتعجز عن ذلك لنفسك، حىت يستمكن منك عدوك، مث أجهز عليه وأكله

أيها امللك عشت ألف سنة، وملكت : فقال له الفيلسوف. ن سكت امللكللملك والفيلسوف إىل هذا املكااألقاليم السبعة، وأعطيت من كل شيء سببا، مع وفور سرورك وقرة عني رعيتك بك، ومساعدة القضاء

وزكا منك العقل والقول والنية، فال يوجد يف رأيك نقص، . والقدر لك، فإنه قد كمل فيك احللم والعلموقد مجعت النجدة واللني، فال توجد جبانا عند اللقاء، وال ضيق الصدر . قط وال عيبوال يف قولك س

وقد مجعت لك يف هذا الكتاب مشل بيان األمور، وشرحت لك جوابا ما سألتين . عندما ينوبك من األشياءء حقك عنه منها فأبلغتك يف ذلك غاية نصحي، واجتهدت فيه برأيي ونظري ومبلغ فطنيت، التماسا لقضا

فجاء كما وصفت لك من النصيحة واملوعظة مع أنه ليس اآلمر . بأعمال الفكرة والعقل. وحسن النية منك

Page 87: ﺔﻨﻣﺩﻭ ﺔﻠﻴﻠﻛ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍﰒ. ﺀﺎﻤﻜﳊﺍ ﺪﻨﻋ ﺮﻫﺪﻟﺍ ﻰﻠﻋ ﻴﻗﹰﺎﺎﺑ ﹰﺍﺮﻛﺫﻭ ؛ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ

باخلري بأسعد من املطيع له فيه، وال الناصح بأوىل بالنصيحة من املنصوح، وال املعلم للخري بأسعد من متعلمه .ي العظيمفافهم ذلك أيها امللك وال حول وال قوة إال باهللا العل. منه

ISLAM ICBOOK.WS ين| ٢٠١٠ م لمسل احة لجميع ا مت ق لحقو ع ا جمي