الشورى في اإلسالم فيروز عثمان صالح

ـ م٢٠٠٩يناير ـ ١٧ العدد

فيروز عثمان صالح. د

:مقدمةالشورى يف (هذه الدراسة تعاجل موضوعا يف غاية األمهية وهو موضوع

فالشورى أو أخذ الرأي يف اإلسالم مفهوم سياسي ومسة من مسات احلكم ،)اإلسالم .اإلسالمي متيزه عن بقية األنظمة غري اإلسالمية

وسنبني يف هذه الدراسة مع ومشروعيتها من ،ىن الشورى لغة واصطالحااملقصود بأهل الشورى و ،كذلك أمهية الشورى وأثرها وجماهلا ،الكتاب والسنة واإلمجاع

م اط الواجب توفرهو والشر وكذلك تنظيم الشورى وممارستها يف ،فيهم وصالحيا .الوقت احلاضر

-:الشورى في اللغةاألول ،واو والراء أصالن مطردانالشني وال(جاء يف معجم مقاييس اللغة

رت :فاألول قوهلم .أخذ الشيء :واآلخر ،وعرضه ،وإظهاره ،إبداء الشيء :منهما ش شوار ،إذا عرضتها ،الدابة شورا عرض فيه الدواب هو امل والباب .. .،واملكان الذي يرت العسل أشوره :اآلخر قوهلم ،ش قال بعض أهل . أشرت العسل :وقد أجاز ناس

ور العسل :قال .من هذا الباب شاورت فالنا يف أمري :للغةا ،وهو مشتق من ش .)١()فكأن املستشري يأخذ الرأي من غريه

لدراسات اإلسالميةقسم ا –األستاذ المساعد بجامعة الخرطوم ـ كلية اآلداب. ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، تحقيق عبد السالم هارون، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، )١(

.شور :كتاب الشين، باب الشين والواو وما يثلثهما مادة .هـ١٣٦٦

الشورى في اإلسالم فيروز عثمان صالح

ـ م٢٠٠٩يناير ـ ١٧ العدد

و ي :وجاء يف لسان العرب العسل يش ار شاقال ش :را ومشارةره شورا وشيارة ومبة ق و ،خذتهوأشرت العسل واشرتته اجتبيته :وقال أبو عبيدة .واجتباه استخرجه من ال

ت :وعن ثعلب قال ر . .الدابة واألمة أشورمها شورا إذا قلبتهما وعرضتهما للبيع يقال شورة بضم الشني ،أمر به :وأشار عليه بأمر كذا ش :وتقول منه.. .،وهي الشورى وامل

.. .شاورته يف األمر واستشرته مبعىن اورة وشورا ش واستشاره طلب منه ،وشاوره مه إذا تبني واستنار :أبو زيد قال.. .املشاورة ر ور الدابة :والتشوير.. .استشاره أم أن تش

ا ،تنظر كيف مشوارها فيه الدواب ،أي كيف سري ر و ويقال للمكان الذي تش .)٤(والرازي )٣(والفريوزأبادي )٢(ومبثله قال الراغب األصفهاين )١()املشوار :وتعرض

األول أن :ية السابقة نالحظ أمرين مهاومن خالل استعراض التعريفات اللغو ،وعرضه ،إبداء الشيء وإظهاره :أحدمها ،كلمة الشورى تنازعها أصالن لغويان

فلها ،أو البابني حقيق أن تشتق منه هذه الكلمة ،أخذه وكال األصلني :وثانيهماكما هي أخذه ،وعرضه ،وإظهاره ،فهي إبداء للرأي ،تعلق كبري باألصلني كليهما

.)٥(ستفادة منه بغية الوصول إىل الرأي األصوبواال

:، باب الشين٣٨١-٣٧٩ص ٢جـ .م١٩٩٠، ١ابن منظور، لسان العرب،، دار صادر، بيروت، ط )١(

.شور .م١٩٦١الراغب األصفهاني، المفردات في غريب القرآن، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، )٢(

.كتاب الشين، مادة شورمادة .م١٩٥٢الفيروزأبادي، القاموس المحيط، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر، )٣(

.شور .٣٥٠ص. م١٩٦٣رة، الرازي، مختار الصحاح، المطبعة األميرية، القاه )٤( .٤٠٢ص .م١٩٨٦يحي إسماعيل، منهج السنة في العالقة بين الحاكم والمحكوم، دار الوفاء، مصر، )٥(

م، ٢٠٠٥محسن بن حميد النمري وآخرون، األمن رسالة اإلسالم، جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، .٨٣ص

الشورى في اإلسالم فيروز عثمان صالح

ـ م٢٠٠٩يناير ـ ١٧ العدد

االستشارة مأخوذة من قول ( :قال أهل اللغة :ولعل هذا ما عناه القرطيب بقولهرت ال :العرب ا إذا علمت خربها جبش ور وقد يكون من قوهلم .. .ري أو غريهدابة وش

رت العسل واشرتته فهو مشور ومشتار إذا أخذته من موضعه .)١()ش

،اللغة مطلقة غري مقيدةجاءت يف كالم علماء ) الشورى(أن كلمة :الثانيا مل تفرق بني أمر وآخر يف طلب املشورة وهذا يعين أن األصل هو املشاورة ،أعين أ

.يف كل أمر سواء أكان صغريا أم كبريا

:الشورى اصطالحاا طلب الشيء قال عنها بعض لذا .الشورى من جممل معانيها يف اللغة تبني أ

ا .)٢()االجتماع على األمر ليستشري كل واحد صاحبه(العلماء أ

والشورى األمر الذي ،استخراج الرأي مبراجعة البعض إىل البعض :وقيل هيجملس :ومن هذا املعىن يطلق على املوضع الذي مت فيه التشاور )٣(يتشاور فيه

.)٤(الشورى

٤جـ .م١٩٣٧صرية، مصر، الطبعة الثانية، القرطبي، الجامع ألحكام القرآن، مطبعة دار الكتب الم )١(

.٢٤٩صأبوبكر محمد بن العربي، أحكام القرآن، تحقيق علي البجاوي، عيسى البابي الحلبي وشركاه، –القاضي )٢(

.٢٩٨ص ١جـ .م١٩٦٨القاهرة، الطبعة الثانية، دارة الطباعة المنيرية، شهاب الدين السيد محمود األلوسي، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم، إ )٣(

.٤٦ص ٢٥جـ .مصرإن القراء كانوا أصحاب مجلس عمر (، وقول ابن حجر ١٠٥ص ١٧جـ .أنظر ابن حجر، فتح الباري )٤(

.)ومشاورته

الشورى في اإلسالم فيروز عثمان صالح

ـ م٢٠٠٩يناير ـ ١٧ العدد

الختيار رئيس الدولة الرأي يوم السقيفة وقد مسي اليوم الذي مت فيه تداول .)١(يوم الشورى :اإلسالمية

،فالشورى اجتماع الناس على استخالص الصواب بطرح مجلة آراء يف مسألة ،اختيار ما عند كل واحد منهم( :أو هي كما يقول ابن األزرقلكي يهتدوا إىل قرار

.)٢()ستخرج أخالفهاإذا رضتها لت ،شرت الدابة ،واستخراج ما عنده من قوهلم

واختيارها من ،وهي تعين تقليب اآلراء املختلفة ووجهات النظر املطروحةا وأحسنها ،أصحاب العقول واألفهام حىت يتوصل إىل الصواب منها أو إىل أصو

.)٣(ليعمل به حىت تتحقق أحسن النتائج

معاجلة آراء الرجال يف شأن من الشئون للخروج بأحسنها فالشورى إذن .متاما كعملية شيارة العسل للخروج بصافيه وأحسنه ،وأنسبها

يف آراء أهل الرأي فيما مل يرد فيه نص يف قضية من القضايا وهي النظرفالشورى تقصر مهامها على جانب واحد من جوانب الفقه ،حبكمللخروج هلا

وقدميا رسخ ،وال جمال هلا مطلقا فيما ورد فيه نص ،والشريعة وهو االجتهاد والرأي .)وال اجتهاد يف مورد النص( :األصوليون هذه القاعدة فقالوا

.٢٧٠ص ٢الزمخشري، الفائق في غريب الحديث، ج )١(والفنون، العراق، الطبعة ابن األزرق بدائع السلك في طبائع الملك، تحقيق سامي النشار، وزارة الثقافة )٢(

.١٩٨٧األولى، .محمد عبد القادر أبو فارس، النظام السياسي في اإلسالم، دار القرآن الكريم، الكويت، بدون تاريخ )٣(

.٧٩ص

الشورى في اإلسالم فيروز عثمان صالح

ـ م٢٠٠٩يناير ـ ١٧ العدد

ولكنه ،وقد ال جيد الناظر يف املصادر اإلسالمية تعريفا جامعا مانعا للشورىاختاذ (جيد يقينا ممارسة دائمة وتأييدا فقهيا مستمرا ملا ميكن أن نعرفه بلغة العصر بأنه

كل شأن من الشئون العامة ختصني يف موضوع القرار يفالقرارات يف ضوء آراء امل .)لألمة

وميكننا أن نقول أن الشورى يف احلياة العامة لألمة تعين صدور احلاكمني فيما يتخذونه من قرارات أو حيدثونه من أوضاع وتنظيمات عن رأي أهل العلم واخلربة

ق مصلحة األمة وجب فما حق ،واملعرفة فيما حيقق مصلحة األمة أو يتعارض معها .وما مل يكن كذلك وجب منعه ،هإمضاؤ

ا فهي كما لذلك فهي من أوجب واجبات اخلليفة اليت ينبغي عليه القيام وهو حق على عامة اخلليقة من ،وسنة اهللا يف العاملني ،أصل الدين"يقول ابن العريب

وهي مما تعده "ي الطرطوشأو كما يقول .)١("مالرسول إىل أقل خلق بعده يف درجا .)٢("ويفتقر إليها الرئيس واملرؤوس ،أساس اململكة وقواعد السلطنة مناحلكماء

- :مشروعية الشورى .ثبتت مشروعية الشورى بالكتاب والسنة وإمجاع الصحابة

-:حجية الشورى من القرآن الكريم:أوال

، ٢ابن العربي، أحكام القرآن، تحقيق علي محمد البجاوي، عيسى البابي الحلبي وشركاه، القاهرة، ط )١(

١٩٨٦. .٧٨ص .هـ١٢٨٩اج الملوك، طبعة مصر، الطرطوشي، سر )٢(

الشورى في اإلسالم فيروز عثمان صالح

ـ م٢٠٠٩يناير ـ ١٧ العدد

ها أمرا يف القرآن الكرمي وردت آيتان صرحيتان ذكرت فيهما الشورى باعتبار ففي اآلية . وباعتبارها وصفا ميدح به فاعلوه املتصفون به يف الثانية ،واجبا يف أحدمها

{فيقول له خياطب القرآن رسول اهللا األوىل

{)١٥٩ :سورة آل عمران(.

فيها اليت خرج ،وقد نزلت هذه اآلية عقب ما ابتلى به املسلمون يوم أحدوكان رأيه أن يبقوا يف املدينة ويدافعوا عنها من ،نزوال على رأي أصحابه الرسوللمني يف أثناء هذه الغزوة أن رأي الرسول وبينت األحداث اليت مرت باملس ،داخلها ومع ذلك فقد أنزل اهللا األمر بالعفو عنهم .كان هو األصوب واألصح

م .)١(ومشاور

ذا النص اجلازم "يقول سيد قطب يقرر اإلسالم هذا ) وشاورهم يف األمر(و وهو نص قاطع ال ،هو الذي يتوله املبدأ يف نظام احلكم حىت وحممد رسول اهللا

يدع لألمة املسلمة شكا يف أن الشورى مبدأ أساسي ال يقوم نظام اإلسالم على .)٢("سواهأساس

.١٢٠ص ٣جـ .هـ١٣٠٨الرازي، التفسير الكبير، المطبعة العامرة الشرفية، مصر، الطبعة األولى، )١(، ١١٩- ١١٨ص ٤جـ .م١٩٧١سيد قطب، في ظالل القرآن، دار المعرفة، بيروت، الطبعة السابعة، )٢(

األساس األوحد لحكم اإلسالم، فإن له أسسا أخرى كان على سيد قطب أال يوحي للقارئ أن الشورى هي .كالعدل والحرية والمساواة ومساءلة الحكام وغيرها من األسس

الشورى في اإلسالم فيروز عثمان صالح

ـ م٢٠٠٩يناير ـ ١٧ العدد

أمر بالشورى ال ألنه حمتاج إىل آراء يقول الرازي يف تفسري اآلية أن الرسول ولكن ألجل أنه إذا شاورهم يف األمر اجتهد كل واحد منهم يف ،من يستشريهم

صري األرواح متطابقة ومتوافقة على حتصيل أصلح الوجوه فت ،استخراج الوجه األصلح ،وتطابق األرواح الطاهرة على الشيء الواحد مما يعني على حصوله :مث قال .فيها

وهو السر يف أن صالة اجلماعة أفضل ،وهذا هو السر عند االجتماع يف الصلوات .)١(من صالة املنفرد

أن ىن الذي أمر اهللا نبيه واختلف أهل التأويل يف املع :يقول القرطيبوعند لقاء العدو تطييبا ،ذلك يف مكائد احلروب :فقالت طائفة ،يشاور فيه أصحابه

روي ذلك ،وقال آخرون ذلك فيما مل يأت فيه وحي ،...، ورفعا ألقدارهملنفوسهماجة منه إىل حلما أمر اهللا تعاىل نبيه باملشاورة ال :عن احلسن البصري والضحاك قاال

.)٢(رأيهم وإمنا أراد أن يعلمهم ما يف املشاورة من الفضل ولتقتدي به أمته من بعده

مما مل ينزل عليك فيه ،أي يف أمر احلرب وحنوه) يف األمر( :قال الزخمشري .)٣(والرفع من أقدارهم ،وملا فيه من تطييب نفوسهم ،لتستظهر برأيهم ،وحي

جائز أن يكون األمر باملشاورة وغري " :ويعارض اجلصاص هذا الرأي قائالألنه لو كان ،دي األمة به يف مثلهفع أقدارهم ولتقتعلى جهة تطييب نفوسهم ور

معلوما عندهم أنه إذا استفرغوا جمهودهم يف استنباط ما شاوروا فيه، وصواب الرأي

.١٢٠ص ١جـ .الرازي، التفسير الكبير )١( .٢٥١ص ٤جـ .القرطبي، الجامع ألحكام القرآن )٢( ٢٢٦ص ١جـ .م١٩٦٦الزمخشري، الكشاف، شركة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر، )٣(

الشورى في اإلسالم فيروز عثمان صالح

ـ م٢٠٠٩يناير ـ ١٧ العدد

مل يكن ،وال متلقى منه بالقبول بوجه ،مث مل يكن ذلك معموال عليه ،فيما سئلوا عنهبل فيه احياشهم وإعالمهم بأن آراءهم ،ذلك يف تطييب نفوسهم وال رفع ألقدارهم

.)١(فهذا تأويل ساقط ال معىن له ،غري مقبولة وال معمول عليها

ذا القول الرد على من قال أن األمر يف آية الشورى (ويقصد يف م ه ر او ش ور .)٢(الوجوب يقتضي) وشاورهم(فقوله ،للندب ال الوجوب) األم

ا نبيهال غىن لويل األمر عن املشا"وقال ابن تيمية .)٣("ورة فإن اهللا تعاىل أمر ا النيب إذا غين ذلك عن كل شيء فإنهوي ،نصا جليا مع أنه أكمل اخللق أمر

فالشورى واملشاورة .بشرعيتها وذلك يف غري األحكام الختصاصه .فما الظن بغريها ملا هلا من أمهية يف نظام احلكم اإلسالمي فرض على خليفة املسلمني جيب القيام

.بالغة

أما اآلية الثانية فقد جاءت يف معرض بيان صفة املسلمني ومدح من عمل { بالشورى يف مجيع أموره

{)٣٨: سورة الشورى(.

يف هذه اآلية اليت مسيت السورة بامسها بني اهللا سبحانه وتعاىل الصفات ومن هذه الصفات االستجابة هللا سبحانه ،األساسية اليت متيز املؤمنني عن غريهم

(ت أن ومن هذه الصفا .وتعاىل باتباع هذا الدين مث إقام الصالة وإيتاء الزكاة م ه ر أم

.٣٣٠ص ١جـ .هـ١٣٤٧الجصاص، أحكام القرآن، المطبعة البهية، مصر، )١( .٦٧ص ٩جـ .الرازي، التفسير الكبير) ٢( .١٦٥ص .م١٩٥٥ابن تيمية، السياسة الشرعية، دار الكتاب العربي، مصر، الطبعة الثالثة، )٣(

الشورى في اإلسالم فيروز عثمان صالح

ـ م٢٠٠٩يناير ـ ١٧ العدد

م ه نـ يـ ى بـ ور ،واليت ذكرت عقب الصالة وقبل الزكاة وهي ركن من أركان اإلسالم) شا يف مستوى األركان اإلسالمية ا بالغة األمهية ،ويدل هذا على أ .وأ

(ومن مث فإن وصف املسلمني بأن " نزلت يف مكة"وهذه آية مكية م ه ر أمى ور ا املؤمنون يفيد أن الشورى من) ش خصائص اإلسالم اليت جيب أن يتحلى

وذلك كان هو حال املسلمني يف – شكلون مجاعة مل تقم هلا دولة بعدا يسواء أكانو أم كانوا يشكلون دولة قائمة بالفعل كما كان حال املسلمني يف املدينة –مكة .)١(املنورة

باملشاورة مع لنبيه تناول املاوردي اختالف املفسرين يف احلكمة من أمر اهللا ،ما أمده به من التوفيق واختلف أهل التأويل يف أمره " :فأمجلها يف أربعة أوجه قائال

وأعانه من التأييد على أربعة أوجه باملشاورة مع ما أمده به من التوفيق لنبيه م يف احلرب ليستقر له الرأي الصحي :أحدها وهذا ،ح فيعمل عليهأنه أمره مبشاور

م تأليفا وتطييبا لنفوسهم :والثاين .ول البصريق .وهذا هو قول قتادة ،أنه أمره مبشاورا من النفعأنه :والثالث م ملا علم فيها من الفضل وعاد وهذا هو قول ،أمره مبشاور

م ليسنت به املسلمون :والرابع .الضحاك ويتبعه فيها املؤمنون وإن ،أنه أمره مبشاور كان عن مشور .)٢("وهذا قول سفيان ،م غنيا

استحباب .. .من الفوائد الفقهية(ويبني ابن القيم فوائد الشورى الفقهية قائال ،وأمنا لعتبهم ،واستطابة لنفوسهم ،استخراجا لوجه الرأي ،مشورة اإلمام رعيته وجيشه

.٢٩٩ص ٥جـ .سيد قطب، في ظالل القرآن )١( .٤٠ص .م١٩٨٣لسلطانية، دار الفكر، القاهرة، الطبعة األولى، الماوردي، األحكام ا )٢(

الشورى في اإلسالم فيروز عثمان صالح

ـ م٢٠٠٩يناير ـ ١٧ العدد

تعاىل وامتثاال ألمر الرب يف قوله ،ملصلحة خيتص بعلمها بعضهم دون بعض وتعرفار ( األم يف م ه ر او ش .)١()و

ا نبيه فالقرآن أكد على ،ال غىن لويل األمر عن املشاورة فإن اهللا أمر مطالبون شرعا واملسلمون ،مشروعية الشورى كواقع سياسي بني اإلمام واملسلمني

.بالتقيد مبا جاء به الشرع

والشورى من قواعد "فهي فرض على القائم بأمر املسلمني يقول ابن عطية .)٢("ومن ال يستشري أهل العلم والدين فعزله واجب ،الشريعة وعزائم األحكام

–مما يدل على مشروعيتها " :وقد خلص ابن األزرق الدليلني السابقني قائالا يف مجيع أموره :أمران أحدمها –أي الشورى :قال اهللا تعاىل ،مدح من عمل

ا يف قوله تعاىل ا.. .)وأمرهم شورى بينهم( وشاورهم يف (لثاين صريح األمر .)٣()األمر

- :حجية الشورى من السنة النبوية :ثانيا بالنماذج واملواقف العديدة اليت جاءت تطبيقا ،زخرت السنة النبوية قوال وفعال

:والتزاما مببدأ الشورى ومن ذلك

.١٧٢ص ٢جـ .١٩٥٠ابن القيم، زاد المعاد، شركة ومطبعة مصطفى البابي الحلي، الطبعة الثانية، ) ١( .٢٤٩ص ٤جـ .القرطبي، الجامع ألحكام القرآن) ٢( .٣٠٣ص ١جـ .ابن األزرق، بدائع السلك) ٣(

الشورى في اإلسالم فيروز عثمان صالح

ـ م٢٠٠٩يناير ـ ١٧ العدد

ثر مشورة ألصحابه من ما رأيت أحدا أك" :قال ما رواه أبو هريرة :أوال .)١(" النيب

يف مواطن كثرية منها استشارة األنصار يف بدر قائال وقد استشار الرسول .)٢(وإمنا يريد األنصار) أيها الناس أشريوا علي (

وأخذ برأي ،فشاورهم يف اختيار املكان الذي نزل فيه املسلمون يوم بدر .)٤(ء املعركة يف مصري أسرى املشركنياورهم بعد انتهاوش )٣(احلباب بن املنذر

فرأوا له اخلروج فلما لبس المته ،يوم أحد يف املقام واخلروج وشاور النيب ال ينبغي لنيب لبس المته فيضعها :وقال ،فلم ميل إليهم بعد العزم ،قالوا أقم ،وعزم

.)٥(حىت حيكم اهللا

،منهما فسمع ،ئشةما رمى به أهل اإلفك عاا وأسامة بن زيد فيوشاور عليا ،ومل يلتفت إىل تنازعهم ،حىت نزل القرآن فجلد الرامني . )٦(حكم مبا أمره اهللا وإمن

، البيهقي، سنن ٢١٣ص ٤جـ .، الترمذي، سنن الترمذي١٠٢ص ١٧جـ .ريابن حجر، فتح البا )١(

.١٠٩ص ١٠جـ .البيهقي .٧٥١ص ٢جـ .١٩٧٩ابن خلدون، تاريخ ابن خلدون، دار الفكر، بيروت، )٢( ٢جـ .م١٩٣٦السيرة النبوية، طبعة مصطفى الحلبي، مصر، ،، ابن هشام٧٥٢ص ٢ج .المرجع نفسه )٣(

.١٩٢-١٩١ص .٤٦ص ٨جـ .الجامع ألحكام القرآنالقرطبي، )٤( .٧٦٥ص ٢جـ .، ابن خلدون، تاريخ ابن خلدون١٠٤-١٠٣ص ٧جـ .ابن حجر، فتح الباري )٥( .١٠٦- ١٠٤ص ١٧جـ .ابن حجر، فتح الباري)٦(

الشورى في اإلسالم فيروز عثمان صالح

ـ م٢٠٠٩يناير ـ ١٧ العدد

وضرب مثال ،أما ابن مجاعة فقد أكد أن الشورى كانت من عادة األنبياء .)١(حني طلب الشورى من ابنه عند أمر اهللا تعاىل بذحبه لذلك بإبراهيم

يستشري حىت املرأة فتشري عليه بالشيء ان ك ،عن احلسن البصري قال .)٢(فيأخذ به

إذ أشارا بعدم ،ابن معاذ وابن عبادة :وعمل يوم األحزاب مبشورة السعدين .)٣(مصاحلة رؤساء غطفان

ر (ملا نزلت :قال ،وروي عن ابن عباس رضي اهللا عنهما األم يف م ه ر او ش قال ) و ،ولكن جعلها اهللا تعاىل رمحة ألميت ،ه لغنيان عنهمأما أن اهللا ورسول( :رسول اهللا

،فمن استشار منهم مل يعدم رشدا .)٤()ومن تركها مل يعدم غيا

ألصحابه يف غزويت بدر واخلندق وبعد أن عرض ابن تيمية مشاورة النيب مل تكن تعدو استدل من هاتني الواقعتني على أن مراجعة املسلمني للنيب

ألمور السياسية اليت يستساغ فيها االجتهاد كما ظهر يف هاتني أحدمها ا،وجهني كان من قبيل الرأي والظن يف الدنيا كقوله أما الوجه الثاين فهو ما ،احلادثتني

إمنا ظننت فال تؤاخذوين ،عندما سئل عن تلقيح النخل ما أظن يعين ذلك شيئا

.٦٠ص .ابن جماعة، تحرير األحكام في تدبير أهل اإلسالم، وزارة األوقاف، قطر )١( .٧٨٦ص ٢جـ .ابن خلدون، تاريخ ابن خلدون )٢( .٢٣٤ص ٣جـ .م١٩٣٦ابن هشام، السيرة النبوية، طبعة مصطفى الحلبي، مصر، )٣(-١٠٦ص ٤جـ .األلوسي، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم، إدارة المطبعة المنيرية، مصر) ٤(

١٠٧.

الشورى في اإلسالم فيروز عثمان صالح

ـ م٢٠٠٩يناير ـ ١٧ العدد

أو ،لن أكذب على اهللاولكن إذا حدثتكم عن اهللا بشيء فخذوا به فإين ،بالظن .)١("أنتم أعلم بأمر دنياكم " حديث آخر نصه

:حجية الشورى من اإلجماع :ثالثاج الرسولسار الصحابة وأحداث ،يف الشورى رضوان اهللا عليهم على

ت الشورى مسة واضحة لنظام وقد صار ،السقيفة أول ممارسة للشورى بعد وفاته ،بل أنه ال يكاد يربم أمر إال بعد التشاور ،الراشدين احلكم يف مجيع عهود اخللفاء

يستشريون وكانت األئمة بعد النيب :قال البخاري ،وكان ذلك يف مجيع األمورومن األمثلة على )٢(يف األمور املباحة ليأخذوا بأسهلها ،األمناء من أهل العلم

-:ذلك

فإن وجد فيه ما ،كان أبوبكر الصديق إذا ورد عليه أمر نظر يف كتاب اهللاوإن مل ،قضى به وإن علمه من سنة رسول اهللا ،قضى به به يقضي

فإن أعياه ذلك دعا رؤوس املسلمني ،يعلم خرج فسأل املسلمني عن السنة .)٣(وزعماءهم واستشارهم

فقال يا أيها الناس ،الصحابة فيمن خيلفه بعده وقد شاور اخلليفة أبوبكر ال نرضى إال أن يكون :به ؟ فقال علي بن أيب طالب إين عهدت عهدا أفرضيتم

.)٤(عمر

عبد الحميد، تقي الدين أحمد بن تيمية، الصارم المسلول على شاتم الرسول، تحقيق محمد محي الدين )١( .م١٩٦٠دار الجهاد، القاهرة،

.٢٥٠ص ٤جـ .القرطبي، الجامع ألحكام القرآن) ٢( .٣٤٢ص ١٣جـ .ابن حجر، فتح الباري)٣(القاضي عبد الجبار، المغني في أبواب التوحيد والعدل، الدار المصرية للتأليف والترجمة، القاهرة، بدون ) ٤(

.٢٨٩ص ٢٠جـ .تاريخ

الشورى في اإلسالم فيروز عثمان صالح

ـ م٢٠٠٩يناير ـ ١٧ العدد

.)١(يف قتال أهل الردةللصحابة وكذلك مشاورة أيب بكر الصديق " فقد عرف مبشاورة املسلمني يقول ابن القيم أما عمر بن اخلطاب

وكانت النازلة إذا نزلت بأمري املؤمنني عمر بن اخلطاب ليس عنده فيها نص عن اهللا .)٢(وال عن رسوله مجع هلا أصحاب رسول اهللا مث جعلها شورى بينهم

-:ومن األمثلة على ذلك كان القراء " :ورد يف صحيح البخاري عن عبد اهللا بن عباس أنه قال

وكان وقافا عند ،أصحاب جملس عمر ومشاورته كهوال كانوا أو شبابا .)٣("كتاب اهللا عز وجل

وبعد أن طعن ن فيما بينهم و خلالفة من بعده يف ستة يتشاور جعل أمر اوقد جعل " :يقول القرطيب .)٤(الختيار أحدهم ورضي بذلك املسلمون

.)٥("شورى –وهي أعظم النوازل –اخلالفة عمر بن اخلطاب

وشاور املهاجرين ،وشاورهم يف قتال الفرس ،)٦(وكذلك شاور يف حد اخلمراواألنصار ملا أرادوا دخول الشام وب .)٧(لغه أن الطاعون وقع

إن من بايع رجال من غري مشورة املسلمني فإنه ال بيعة له " :ومن أقواله .)٨("وال الذي بايعه

.٣٣٩ص ١٣الباري، جـ ابن حجر، فتح) ١( .٩٧ص ١جـ .م١٩٦٨ابن القيم، أعالم الموقعين عن رب العالمين، مطبعة الكليات األزهرية، القاهرة، ) ٢( .٣٣٩ص ١٣جـ .ابن حجر، فتح الباري) ٣( .٣٤٣ص ١٣جـ .المرجع نفسه )٤( .٢٥٠ص ٤جـ .القرطبي، الجامع ألحكام القرآن )٥( .٣٤٣ص ٣جـ .المرجع نفسه) ٦( .٣٤٣ص ٣جـ .المرجع نفسه) ٧(عماد الدين أبي الفداء إسماعيل ابن كثير، السيرة النبوية، تحقيق مصطفى عبد الواحد، دار المعرفة، )٨(

.٤٨٩ص ٤جـ .م١٩٧٦لبنان،

الشورى في اإلسالم فيروز عثمان صالح

ـ م٢٠٠٩يناير ـ ١٧ العدد

الصحابة الكرام يف مجع الناس على وقد استشار عثمان بن عفان كما أخرج ذلك ابن أيب داود يف كتاب املصاحف من طرق عن علي ،مصحف واحدما فعل عثمان الذي فعل يف املصاحف إال عن مأل (ومنها ، بن أيب طالب

.)١()منا

يطلبون ذهب مجهور من الناس إىل علي وبعد مقتل عثمان بن عفان إمنا نبايعك فمد يدك فأنت :وأن يبايعوه خليفة عليهم فقالوا ،منه تويل أمر املسلمني

ا إمنا هو ألهل –املبايعة أي –ليس ذلك إليكم :فأنكر عليهم ذلك وقال ،أحق فلنجتمع ،فمن رضي به أهل الشورى وأهل بدر فهو اخلليفة ،الشورى وأهل بدر

.)٢(وننظر يف األمر

ملا قدم عمر بن عبد العزيز املدينة واليا عليها " ويقول ابن سعد يف طبقاته ن فلما صلى الظهر دعا عشرة نفر م ،الناس مث دخلوا فسلموا عليهإىل كتب حاجبه

،مث قال إين دعوتكم ألمر تؤجرون عليه وتكونون فيه أعوانا على احلق.. .فقهاء البلدأو ،فإن رأيتم أحدا يتعدى ،ما أريد أن أقطع أمرا إال برأيكم أو برأي من حضر منكم

.)٣("فأقسم باهللا على أحد بلغه ذلك إال بلغين ،بلغكم عن عامل ظالمة

الراشدين مبا جاء يف الكتاب والسنة من األمر وهكذا التزم الصحابة واخللفاء .بالشورى

.٣٤٣ص ١٣جـ .ابن حجر، فتح الباري)١(الده، مصر،الطبعة الثانية، ابن قتيبة، اإلمامة والسياسة، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأو )٢(

.٤١ص ١جـ .م١٩٥٢الثانية، .٢٤٦-٢٤٥ص ٥جـ .م١٩٥٧ابن سعد، طبقات ابن سعد، دار صادر، بيروت، )٣(

الشورى في اإلسالم فيروز عثمان صالح

ـ م٢٠٠٩يناير ـ ١٧ العدد

:أهمية الشورى وأثرهاواخللفاء الراشدين من بعده بالشورى يؤكد أن إمام ما سبق من التزام النيب

ويف هذا عصمة له من ،املسلمني هو وكيل عن األمة يف مباشرة السلطان والسيادةوأن ،وتذكري له بأن هذا من حقوق األمة ،والطغيان وامليل عن جادة احلق االحنراف

الشورى من " وكما يقول ابن عطية .التفريط يعرض الدولة للفتنة واحلاكم للعزل .)١("ومن ال يستشري أهل العلم والدين فعزله واجب ،قواعد الشريعة وعزائم األحكام

ىل أمهية مني تنبه إوقد وردت أقوال على ألسنة العلماء والفقهاء واحلكماء املسل :الشورى فمنها

أما .)٢("وسنة اهللا يف العاملني ،أصل الدين"الشورى :قال ابن العريبويفتقر إليها الرئيس ،ا أساس اململكة وقواعد السلطنةإ: الطرطوشي فقال

املستشري وإن كان أفضل رأيا من املستشار فإنه يزداد برأيه " وكذلك قال .)٣(واملرؤوس .)٤("النار بالسليط ضوءا كما تزداد ،رأيا

ومن شاور ع" :أما ابن األزرق فيقول قال عمر بن .. .أخذ نصف عقله ،اقالوال يفقد ،ال يضل معهما رأي ،ومفتاحا بركة ،عبد العزيز املشورة واملناظرة بابا رمحة

بسبب إعماهلا ،تنور األفكار ،إن يف االستشارة( :وقال السعدي .)٥("معهما حزم

.٢٤٩ـ ص٤ج .القرطبي، الجامع ألحكام القرآن )١( .٢٢٤ص ١جـ .ابن العربي، أحكام القرآن، مرجع سابق )٢( .٧٨ص .الطرطوشي، سراج الملوك، مرجع سابق )٣( .٧٦ص .ع نفسهالمرج )٤( .٣٠٥-٣٠٤ص ١جـ .ابن األزرق، بدائع السلك، مرجع سابق )٥(

الشورى في اإلسالم فيروز عثمان صالح

ـ م٢٠٠٩يناير ـ ١٧ العدد

وهو ،فإذا كان اهللا يقول لرسوله .. .فصار يف ذلك زيادة للعقول ،ت لهفيما وضع ،أكمل الناس عقال فكيف ) وشاورهم يف األمر(وأفضلهم رأيا ،وأغزرهم علما

.)١()بغريه

ا على اهلداية : قال علي ،والسداد فمن حكمة مشروعيتها داللة العمل .)٢()ىن برأيهوقد خاطر من استغ ،االستشارة عني اهلداية(

وعن بعض احلكماء اخلطأ مع املشورة أصلح من الصواب مع االنفراد .)٣(واالستبداد

ه إىل أمهية الشورى فيما أورده يف مقدمته من كتاب أما ابن خلدون فقد نب ،عبد اهللا بن طاهر ملا واله املأمون الرقة ومصر وما بينهما البنهطاهر بن احلسني

وعهد إليه فيه ووصاه جبميع ما حيتاج إليه يف ،تابه املشهورفكتب إليه أبو طاهر كوحثه على ،دولته وسلطانه من اآلداب الدينية واخللقية والسياسية والشرعية وامللوكية

ا ،وابن خلدون تبىن هذه الوصايا ،مكارم األخالق وحماسن الشيم ا مؤكدا أ وأشاد وهذا أحسن ما وقفت عليه يف " ائال من أحسن ما كتب يف سياسة وتدبري العمران ق

.)٤("هذه السياسة

عبد الرحمن السعدي، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان، جمعية إحياء التراث اإلسالمي، )١(

.١٧٤ص .هـ١٤١٨، ١الكويت، ط .٣٠٥-٣٠٤ص ١جـ .ابن األزرق، بدائع السلك )٢( .٤٦ص ٤٥جـ .األلوسي، روح المعاني )٣( .٣١١ص .ابن خلدون، مقدمة ابن خلدون، دار الفكر، بيروت، بدون تاريخ )٤(

الشورى في اإلسالم فيروز عثمان صالح

ـ م٢٠٠٩يناير ـ ١٧ العدد

الفقهاء وأكثر مشاورة" ومما جاء يف هذا الكتاب احلث على الشورى .)١("عن أهل التجارب وذوي العقل والرأي واحلكم واستعمل نفسك باحللم وخذ

م " وكذلك جاء يف موضع آخر من الرسالة وأكثر جمالسة العلماء ومشاور ،وإيثار مكارم األخالق ومعاليها ،وليكن هواك اتباع السنن وإقامتها ،هموخمالطت

مل متنعه هيبتك عن فيك وليكن أكرم دخالئك وخاصتك عليك من إذا رأى عيبااء ذلك إليك يف سرك وإعالنك مبا فيه النقص ك ومظاهرون لك أولياؤ أولئك فإن ،إ

")٢(.

ما تشاور قوم قط ( ج من قوله وأقوال العلماء واحلكماء السابقة ال ختر أو الذي ،إال عزم هلم بالرشد(ويف لفظ ) بينهم إال هداهم اهللا ألفضل ما حيضرهم

.)٣()ينفع

-:محل الشورى ومجالها ،هي املسائل اليت ميكن أن تكون موضوعا هلاوجماهلا حمل الشورى أو نطاقها

ستشري فيها إمام املسلمني أويل ومل حتدد النصوص املقررة لوجوب الشورى األمور اليت ي ا فقد ورد األمر بالشورى يف القرآن ،الرأي حتديدا قاطعا الكرمي واصفا إياها بأ

ويف هذه الكلمة من العموم واإلطالق ما جيعلها تشمل كل شئون " الشورى يف األمر"ا فنطاق الشورى بذلك يستوعب كل شئون ،اجلماعة املسلمة يف كل نواحي حيا

.سلمنيامل

.٣٠٧ص .المرجع نفسه) ١( .٣١٠ص .المرجع نفسه )٢( .١٠٢ص ١٧ج .ابن حجر، فتح الباري، مرجع سابق )٣(

الشورى في اإلسالم فيروز عثمان صالح

ـ م٢٠٠٩يناير ـ ١٧ العدد

فقد قيد هذا ،وبالرغم من هذا الرأي القائل بأن الشورى يف كل ما ال نص فيهأن الشورى ال تكون يف أي مسألة ورد فيها نص تفصيلي :أحدهمااإلطالق بقيدين

.قطعي الداللة

عدم انتهاء الشورى إىل نتيجة ختالف نصا من النصوص التشريعية :الثانيإذ مثل هذه املخالفة متنع األخذ بالرأي ،أو السنة النبوية الواردة يف القرآن الكرمي .وجتعلها من مث ال قيمة هلا ،الذي تنتهي إليه الشورى

ل وال ،أما خارج دائرة هذين القيدين ن ميكن اعتبارمها شقني لقيد واحد هو ذيإن ف ،التزام النصوص يف املوضوعات اليت تعرض للشورى ويف النتيجة اليت تنتهي إليها

غري قطعي الداللة ميكن أن يكون حمال كل أمر مل يرد فيه نص أو ورد فيه نص .ما دام يتعلق مبسألة تعد من الشئون العامة لألمة ،للشورى

وقد تبىن الرأي القائل بأن الشورى تقع يف مجيع األمور اليت ال وحي فيها بعض .همغري و العلماء منهم القرطيب وابن تيمية والزخمشري واآلمدي

ذلك فيما مل يأت فيه " ألصحابه فالقرطيب يقول على استشارة النيب .)١("وحي

يشاور أصحابه يف اآلراء املتعلقة مبصاحل وقد كان النيب " وكذلك يقولا منزلة من عند ،وذلك يف اآلراء كثري ،احلروب ومل يكن يشاورهم يف األحكام أل

.)٢("والندب واملكروه واملباح واحلرام على مجيع األقسام من الفرض ،اهللا

٢٥٠ص ٤جـ .القرطبي، الجامع ألحكام القرآن )١( .٣٧ص ١٦جـ .المرجع نفسه )٢(

الشورى في اإلسالم فيروز عثمان صالح

ـ م٢٠٠٩يناير ـ ١٧ العدد

فكانوا .. .فأما الصحابة" لوبني أن الصحابة قد تشاوروا يف األحكام إذ يقو ا من الكتاب والسنة ،رون يف األحكامو يشا وأول ما تشاور فيه الصحابة ،ويستنبطو

م يف يستشريون األمناء من أهل العل ويقول كانت األئمة بعد النيب .)١("اخلالفة .)٢(األمور املباحة ليأخذوا بأسهلها

كانت يف غري األحكام أن شورى النيب –كالقرطيب–ويؤكد ابن األزرق ويؤكد .)٣("بشرعيتها يف غري األحكام الختصاصه –أي الشورى–وذلك "قائال

ي فيما مل يأت فيه وح" مل يأت فيه وحي قائال أن الشورىابن تيمية أن الشورى فيما األمر باملشاورة هو يف "وكذلك الزخمشري إذ يقول .)٤("أمور احلرب واألمور اجلزئيةمن ألن األمر " ويؤكد اآلمدي ذلك قائال .)٥("احلرب وحنوه مما مل ينزل فيه وحيأمر

.)٦("ما حيكم فيه باالجتهاد ال بالوحيباملشاورة إمنا يكون في

أمر .)٧()وأمرهم شورى بينهم(عاىل ويؤكد حممد رشيد أن املراد باألمر يف قوله ت ،املراد باألمر أمر األمة الدنيوي الذي يقوم به احلكام عادة" األمة الدنيوي إذ يقول

.)٨("الذي مداره على الوحي دون الرأي ،ال أمر الدين احملض

.٣٧ص ١٦جـ .هالمرجع نفس )١( .٢٥٠ص ٤جـ .المرجع نفسه )٢( .٣٠٣ص ١جـ .ابن األزرق، بدائع السلك )٣( .١٥٨ص .ابن تيمية، السياسة الشرعية )٤( .٤٧٤ص ١ج .الزمخشري، الكشاف )٥(أبو الحسن علي بن أبي علي بن محمد بن سالم، منتهى السؤال في علم األصول، محمد علي صبيح )٦(

.٥٨ص ٣ر، جـالكتبي وأوالده، مص .٣٨سورة الشورى اآلية )٧( .١٦٤ص ٤جـ .هـ١٣٨٠محمد رشيد رضا، تفسير المنار، مطبعة القاهرة، الطبعة الرابعة، )٨(

الشورى في اإلسالم فيروز عثمان صالح

ـ م٢٠٠٩يناير ـ ١٧ العدد

ومن ،وقد ذهب بعض العلماء إىل أن الشورى ال تكون إال يف أمور احلرب .)١(وابن القيم وإمام املعتزلة أبو علي اجلبائي القائلني به الشافعي

رض للشورى حتديدا قاطعا عدم حتديد أو تعيني املوضوعات اليت تع والراجح أنوترك ،ات والقواعد العامةمن تقرير الكلي ،يق مبنهج اإلسالم يف التشريعهو األل

طلبات األزمان ات والتفصيالت ليوائم املسلمون بصددها بني النصوص وبني متاجلزئيواألمكنة اليت تطبق فيها شريعة اإلسالم فالشورى يف كل األمور واألحوال ما مل

.يصطدم ذلك بنص

، )١٥٩ :سورة آل عمران(}{ :تعاىلومما يؤكد ذلك أن قوله {و {)أي :جنسفيها لل" ـال"مر كلمة األ)٣٨ :سورة الشورى

والعام يبقى على عمومه ما مل يرد دليل ،)٢(جنس األمر وهو من صيغ العموموهنا مل يرد يف القرآن أي دليل خيصص الشورى يف أمر معني دون أمر ،التخصيص

.على هذا تكون الشورى عامة يف كل أمور املسلمني ،آخر

أصحابه لنيب فقد شاور ا ،على ما ذهبنا إليه فهو السنة أما الدليل الثاني .يف أمور شىت يف األحكام وأمور احلرب وغري ذلك

،وهي مشاورة يف حكم الشرع ،يف أسارى بدر ففي األحكام شاور النيب فعلم أنه كان يشاورهم ،ألن مفاداة األسري باملال جوازها وفسادها من أحكام الشرع

.)٣(يف األحكام كما يف احلروب

، ٦٥٥ص ٤جـ .، مرجع سابق، ابن العربي، أحكام القرآن٦٤ص ٢جـ .ابن القيم، زاد المعاد )١( .٢٤٩ص ٤جـ .القرطبي، الجامع ألحكام القرآن

من بن الحسين بن علي األسنوي، نهاية السؤال شرح منهاج الوصول في علم األصول عبد الرح )٢( .٦١ص ٢جـ .للبيضاوي، مكتبة صبيح، القاهرة

، ابن كثير، ٢٤٣ص ٣جـ .أحمد، مسند أحمد، تحقيق أحمد شاكر، دار المعارف، القاهرة، بدون تاريخ) ٣( .٤٥٧ص ٢جـ .السيرة النبوية

الشورى في اإلسالم فيروز عثمان صالح

ـ م٢٠٠٩يناير ـ ١٧ العدد

كم شرعي ألنه خطاب اهللا تعاىل املتعلق والذي هو ح ،وكذلك يف املباح ،فقد وقعت فيه الشورى ألن احلكم هنا متعني ،بأفعال العباد على جهة التخيري

.الفعل والرتك ،ولكن يف أمرين

فال يشاور يف عدد " أما يف الفرض فال شورى يف تركه ألن فعله متعني ك ملا اعرتض املسلمون لذل .وال أنصبة الزكاة أو يف حكم ،الصلوات وال شهر الصوم

الصلح، مع أنه من أمور احلرب اليت على نتائج صلح احلديبية أمضى رسول اهللا على أمر اهللا تعاىل " :لذلك قال ،جتري فيها الشورى ألن صلح احلديبية كان بناء

.)١("ولن يضيعين ،ولن أخالف أمره ،إين عبد اهللا ورسوله

ا وقعت يف املباح وهو حكم الشورى تقع يف األحكام افوعليه لشرعية ألوقد فصلت القول .مث أن مجيع أمور املسلمني تقع يف دائرة األحكام الشرعية ،شرعي

.يف مشاورته

كان الصحابة يتشاورون يف :فهو إمجاع الصحابة :أما الدليل الثالثانعي وقتال م ،وحد شارب اخلمر ،فكما سبق فقد تشاوروا يف مرياث اجلد ،األحكام

،باإلضافة إىل تشاورهم يف غري األحكام مثل أمر اخلالفة واالستخالف .الزكاة .وكذلك مجع القرآن وغريها من األمور

، ١٩٦ص ٤جـ .م١٩٨٦ن العظيم، دار ومكتبة الهالل، بيروت، الطبعة األولى، ابن كثير، تفسير القرآ )١(

، رواه وسلم ١٤١ص ١٢ج .هـ١٣٤٩النووي، صحيح مسلم بشرح النووي، المطبعة المصرية، القاهرة، .)إني رسول اهللا ولن يضيعني اهللا أبدا(بلفظ

الشورى في اإلسالم فيروز عثمان صالح

ـ م٢٠٠٩يناير ـ ١٧ العدد

يستشريون األمناء من كان األئمة بعد النيب " :ويف ذلك يقول البخاري فإذا وضع الكتاب والسنة مل يتعدوه ،أهل العلم يف األمور املباحة ليأخذوا بأسهلها

بالنيب .)١(" إىل غريه اقتداء

ا يتشاورون –الصحابة –فكانوا " :ويقول القرطيب يف األحكام ويستنبطووتشاوروا يف أهل الردة .. .وأول ما تشاور فيه الصحابة اخلالفة ،من الكتاب والسنة

.)٢("يف احلرب وتشاوروا بعد رسول اهللا ،فاستقر رأي أيب بكر على القتال

-:شورىإلزام القول العلماء يف مدى حجية الشورى وإلزام الرأي الذي تنتهي إليه احنصر

:الشورى إىل قولني

ذهب أصحاب هذا القول بأن الشورى :اممالشورى ملزمة لإل :القول األول ،على شيء وجب عليه إتباعه –أو غالبيتهم –ملزمة لألمام إذا استقر رأي أهلها

وألن الرأي الصادر من األغلبية حيصل به ،معىن وإال مل يكن ملمارسة الشورى .)٣(فاجلمهور أبعد عن اخلطأ من الفرد ،الرتجيح

استدل أصحاب هذا القول :نتيجة الشورى غير ملزمة لإلمام :القول الثاني{ :بتفسري بعض املفسرين لقوله تعاىل {)سورة آل عمران:

أن يأخذ مبا انتهت إليه هؤالء إىل أن معىن هذا النص أن للرسول ذ ذهب إ. )١٥٩

.مرجع سابق .٣ص ١٣ابن حجر، فتح الباري، جـ )١( .مرجع سابق .٥٢١ص ٤جـ .لجامع ألحكام القرآنالقرطبي، ا) ٢( .٣٤٠ص ١جـ .م١٩٨١اآلمدي، اإلحكام في أصول األحكام، دار الفكر دمشق، )٣(

الشورى في اإلسالم فيروز عثمان صالح

ـ م٢٠٠٩يناير ـ ١٧ العدد

فإذا صح عزمك بتثبيتنا (يف تفسري اآلية السابقة يقول الطربي .)١(الشورى أو يدعهمض ملا أمرناك به فا ،وحز بك من أمر دينك ودنياكإياك وتسديدنا لك فيما نابك

.)٢()بك وما أشاروا به عليك أو خالفهوافق ذلك آراء أصحا ،على ما أمرناك به

إذا عزم على أمر أن أمر اهللا تعاىل نبيه " ويقول القرطيب نقال عن قتادة م ن العزم هو األمر املروي إ"ويقول .)٣(ميضي فيه ويتوكل على اهللا ال على مشاور

.)٤("وليس ركوب الرأي دون روية عزما ،املنقح

حيث كان اخلليفة هو ،عهد اخللفاء الراشدينوهذا ما جرى عليه العمل يف مث كان يفاضل بني آرائهم فيأخذ منها ما يشاء ويدع ما ،الذي خيتار من يستشريهم

.يشاء

واستدل أصحاب هذا القول ببعض احلوادث واملواقف للتأكيد على أن م قد جانبهم التوفيق يف تفسريها وتأويلها ،الشورى غري ملزمة يانا بل وأح ،ويبدو أ

.يف روايتها أيضا

يف –إن موضوع صلح احلديبية مل يكن :صلح الحديبية :ومما استدلوا بهعن الوحي من أوله وإمنا صدر فيه الرسول ،حمال للشورى –أية مرحلة من مراحله

.٤٧٤ص ١جـ .الزمخشري، الكشاف )١( .م١٩٦٨الطبري، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأوالده، القاهرة، )٢(

.١٥٣ص ٤جـ .٢٥٢ص ٤جـ .رطبي، الجامع ألحكام القرآنالق )٣( .٢٥٢ص ٤جـ .المرجع نفسه )٤(

الشورى في اإلسالم فيروز عثمان صالح

ـ م٢٠٠٩يناير ـ ١٧ العدد

أتى عمر ،من إبرام صلح احلديبية فالذي حدث أنه بعد أن فرغ النيب .إىل آخرهفقال عمر ،بلى :ألسنا على احلق وعدونا على الباطل ؟ قال" فسأله إىل النيب

نعط الدنية يف ديننا إذن ؟ قال م ."وهو ناصري ،ولست أعصيه ،إين رسول اهللا" :فل

أن األمر مرجعه إىل الوحي ،قبل معارضة عمر لألمر بل أن النيب ،وبنيال ،س الفيل عن مكةحبسها حاب( :قال ألصحابه فحني توقفت ناقة رسول اهللا

.)١()تدعوين قريش اليوم إىل خطة يسألوين فيها صلة الرحم إال أعطيتهم إياها

ومن مث فإنه ال عالقة ملا حدث يف صلح احلديبية مبوضوع الشورى وال دليل فال ،يف هذه القضية بعينهاوفعل النيب فيه تصرف بالوحي ،فيه على لزومها أو عدمه

.اقياس غريها عليهيصح

وهو القائل لعمر وأيب بكر ،أعرض عن رأي عمر وبقية الصحابة فالرسول الو اتفقتما يف مشورة ما خ( ألنه رجع إىل الدليل الشرعي وهو )٢()لفتكما أبدا

.الوحي

ألنه ال يرجح يف ،فإن احلجية تكون لقوة الدليل فقط ،ففي األمور التشريعيةعندما ذا االستنباط أخذ من فعل الرسول وه ،احلكم الشرعي إال قوة الدليل فقط

،أنا عبد اهللا ورسوله( :ولذلك قال ،رجح ما نزل به الوحي ورفض غريه رفضا قاطعا .)٣()ولن أخالف أمره

.٢٣٠ص ٢جـ .ابن هشام، السيرة النبوية )١( .٢٢٧ص ٤جـ .اإلمام أحمد، مسند أحمد )٢( .سبق تخريجه )٣(

الشورى في اإلسالم فيروز عثمان صالح

ـ م٢٠٠٩يناير ـ ١٧ العدد

فقد كان أبوبكر الصديق هو أول من رأى :ومما استدلوا به حروب الردة منع ا ،وجوب قتال من ارتد من العرب بعد وفاة النيب ن وقد وافقه ،لزكاة منهموم

اخلطاب الذي قال يف هذا املعارضون بذلك من الصحابة وعلى رأسهم عمر بنفواهللا ما هو إال أن رأيت اهللا عز وجل شرح صدر أيب بكر للقتال فعرفت أنه "الشأن .)١("احلق

وأن يقدم األدلة اليت ،فيجب على اإلمام أو احلاكم أن يبدي رأيه يف الشورىأمرت أن أقاتل الناس " وذلك ما فعله أبوبكر إذ استدل بقوله ،اس بهتقنع الن

فمن قال ال إله إال اهللا فقد عصم مين ماله ونفسه إال حبقه ،حىت يقولوا ال إله إال اهللاذا احلديث بقوله " وحسابه على اهللا واهللا ألقاتلن من فرق " وبني وجه االستدالل .)٢("ة حق املالفإن الزكا ،بني الصالة والزكاة

ومن مث فقد وافقه على الدليل واالستدالل به خمالفوه أول األمر ويف مقدمتهم ا منصوص عليها فال ،فالقضية خرجت من نطاق الشورى ،عمر بن اخلطاب أل

والرجوع كان إىل الدليل الشرعي .ومن مث فال يستشار فيها ،تقع يف دائرة االجتهاد .وهو أبوبكر الصديق الذي كان عند املستدل به

.٨ص ٤جـ .، ابن حجر، فتح الباري٢١٠-٢٠٠ص ١جـ .النووي، صحيح مسلم بشرح النووي )١( .٨ص ٤جـ .لباريابن حجر، فتح ا )٢(

الشورى في اإلسالم فيروز عثمان صالح

ـ م٢٠٠٩يناير ـ ١٧ العدد

أو كما ،ال عند الناس ،فاملرجع يف األمور التشريعية قوة الدليل عند املستدل بهإن كان "ألنه )١("فالقول ما حكم به احلاكم على األوضاع الشرعية " يقول القرايف

أن ينشئ حكما (لإلمام فال جيوز )٢("جمتهدا فال جيوز له أن حيكم إال بالراجح عندهبل ال بد من أن يكون ذلك القول الذي حكم به قال به ،تباع الشهواتاهلوى واب

.)٣()إمام معترب لدليل معترب

أما يف الرأي الذي يرشد لعمل من أجل القيام به فقد بني ذلك فعل الرسول ، فقد خرج خارج املدينة .وقوله يف حادثة أحد فإن املرجح فيه هو رأي األغلبية

.ويرى أن الصواب خالفه ،هذا الرأي من الناحية العسكرية مع أنه يرى خطأ

لو اتفقتما "يبني مدلول قوله أليب بكر وعمر رضي اهللا عنهما وفعل النيب ا "ولعل هذا هو مقصود اآلمدي يف قوله " يف مشورة ما خالفتكما إن الكثرة حيصل

.)٤("الرتجيح

فإن املرجح فيها هو جانب أما يف األمور الفكرية والفنية وذات االختصاص بل هو الرأي واحلرب "للحباب بن املنذر الصواب ألنه يدخل حتت قول الرسول

.)٥("واملكيدة

.شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي، الفروق، دار المعرفة، بيروت، الطبعة األولى، بدون تاريخ )١(

.١٠٣ص ٢جـالقرافي، األحكام في تمييز الفتاوي عن األحكام وتصرفات القاضي واإلمام، تحقيق عبد الفتاح أبو غدة، )٢(

.٧٩ص .مكتب المطبوعات اإلسالمية، سوريا .٣١ص .المرجع نفسه )٣( .٣٤٠ص ١جـ .اآلمدي، اإلحكام في أصول األحكام )٤( .١٥ص ٢جـ .، ابن سعد، طبقات ابن سعد٧٥١ص ٢جـ .ابن خلدون، تاريخ ابن خلدون )٥(

الشورى في اإلسالم فيروز عثمان صالح

ـ م٢٠٠٩يناير ـ ١٧ العدد

فإذا جرت الشورى فيما كان من هذا القبيل فإنه يرجع فيها إىل الرأي .ألنه أمر فين يعلمه أصحاب اخلربة واالختصاص يف املوضوع ،الصواب

{احلاكم أو اإلمام ألن اآلية تقول والذي حيدد الصواب هو

{ )١٥٩ :سورة آل عمران(.

وقد جعل اهللا ،وهو رئيس الدولة اإلسالمية فالشورى حصلت من الرسول راهأي ما ي ،األمر إليه بعد االستشارة ينفذ ما يعزم عليه ون هو املرجع فيك ،صوابا

فهذا .واخلطاب عام لكل رئيس دولة فلم يرد دليل خيصصه بالرسول ،للصوابألن اإلمام هو الذي فوضت له السياسة العامة ،األمر من صميم صالحيات اخلليفة

.)٢(وألن حكم احلاكم يف مسائل االجتهاد يرفع اخلالف ،)١(يف اخلالئق

:فيهمأهل الشورى والشروط التي يجب توفرها يقدرون على إبداء الرأي نأولو األمر وأصحاب الروية الذي أهل الشورى هم

{ :قال تعاىل ،فإليهم يرجع األمر ،وحل املشكالت

{ ) سورة الشورى اآلية

٨٣.(

بعد مقتل عثمان ذهب الناس إىل : "مساهم بذلك ابن قتيبة إذ يقول وممنألهل إمنا هو ،وقال ليس ذلك إليكم.. .،يطلبون منه تويل أمر املسلمني ،علي

.٩٣ص .القرافي، األحكام )١( .١٠٣ص ٢جـ .القرافي، الفروق )٢(

الشورى في اإلسالم فيروز عثمان صالح

ـ م٢٠٠٩يناير ـ ١٧ العدد

يقول البغدادي " أهل االجتهاد" ويطلق عليهم كذلك .)١(.. ".الشورى وأهل بدرا " ،باجتهاد أهل االجتهاد منهم ،االختيار من األمة –أي اإلمامة –أن طريق ثبو

.)٢("واختيارهم من يصلح هلا

:وممن مساهم بذلك املاوردي إذ يقول" أهل االختيار"وكذلك يطلق عليهم ا وإن مل " أحدمها أهل االختيار :أحد خرج من الناس فريقان –أي اإلمامة –يقم

.)٣("اإلمامة حىت ينتصب أحدهم لإلمامةوالثاين أهل ،حىت خيتاروا إماما لألمة

ونلمح ذلك من )٤(وقد عرف بعض العلماء أهل احلل والعقد بأويل األمرب واجب بإمجاع فهو من فروض وإذا تقرر أن هذا النص" :عبارة ابن خلدون التالية

الكفاية ويرجع إىل اختيار أهل العقد واحلل فيتعني عليهم نصبه وجيب على اخللق سورة (}{ :بقوله تعاىل ،مجيعا طاعته

.)٥(")٥٩: النساء

تيمية أن أويل األمر هم أصحاب وقد جاء يف كتاب السياسة الشرعية البنوهم القائمون على أمر الناس سواء أكانوا من العلماء أم من ،األمر والنهي

–وباإلضافة إىل العلماء واألمراء فقد قرر حممد رشيد رضا أن أويل األمر .)٦(األمراء

.٤١ص ١جـ .ابن قتيبة، اإلمامة والسياسة )١( .٢٧٩ص .١٩٨٢ور عبد القاهر البغدادي، أصول الدين، مطبعة الدولة، استانبول، أبو منص )٢( .٥٥ص .الماوردي، األحكام السلطانية )٣( .١٨١ص ٥جـ .محمد رشيد رضا، تفسير المنار )٤( .١٩٣ص .ابن خلدون، مقدمة ابن خلدون )٥( .١٥٩ص .ابن تيمية، السياسة الشرعية )٦(

الشورى في اإلسالم فيروز عثمان صالح

ـ م٢٠٠٩يناير ـ ١٧ العدد

يشملون سائر الرؤساء والزعماء الواجبة طاعتهم إذ يقول –وهم أهل احلل والعقد ،املراد بأويل األمر مجاعة أهل احلل والعقد من املسلمني وهم األمراء واحلكام والعلماء(

وسائر الرؤساء والزعماء الذين يرجع إليهم الناس يف احلاجات واملصاحل ،ورؤساء اجلندأن يكونوا طبشر ،فهؤالء إذا اتفقوا على أمر وحكم وجب أن يطاعوا فيه ،العامة .)١()ا أمر اهللا وال سنة رسوله اليت عرفت بالتواترخيالفو ال وأ ،أمناء

إىل أن أهل احلق والعقد هم العلماء )٣(والقلقشندي )٢(وقد ذهب النووي .الذين يتيسر اجتماعهم )٤(والرؤساء ووجوه الناس

،وقد أورد املاوردي مجلة من الشروط اليت جيب توفرها يف أهل احلل والعقدم وهذه الشروط تعني على حتديد فأما أهل ( :يقول املاوردي .وتعيني املقصود

والثاين ،اجلامعة لشروطها )٥(العدالة :أحدها .االختيار فالشروط املعتربة فيهم ثالثةالذي يتوصل به إىل معرفة من يستحق اإلمامة على الشروط املعتربة فيها )٦(العلم

.١٨١ص ٥جـ .منارمحمد رشيد رضا، تفسير ال )١(شمس الدين محمد بن أبي العباس الرملي، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، شركة مكتبة ومطبعة )٢(

.٢٩٠ص ٧جـ .م١٩٦٧مصطفى البابي الحلبي وأوالده، مصر الطبعة األخيرة، بيروت، بدون القلقشندي، مآثر األنافة في معالم الخالفة، تحقيق عبد الستار أحمد فرج، عالم الكتب، )٣(

.٤٢ص ٧جـ .تاريخمن الصعب تحديد معنى الوجاهة فهي من األمور التي تتغير بتغير الزمان والمكان، إال أن البعض قد ) ٤(

.ذهب إلى أن وجوه الناس هم قادة األمة وزعمائها .المقصود بالعدالة هنا االستقامة والورع واألمانة )٥( .منصب في الدينالمعرفة الفقهية بأحكام هذا ال )٦(

الشورى في اإلسالم فيروز عثمان صالح

ـ م٢٠٠٩يناير ـ ١٧ العدد

مامة أصلح وبتدبري املصاحل املؤديان إىل اختيار من هو لإل) ١(والثالث الرأي واحلكمة .)٢()أقوم

أما القاضي عبد اجلبار فقد أورد شروطا ألهل احلل والعقد تكاد متاثل شروط ال بد من كون العاقدين من أهل العلم مبن يصلح لإلمامة ( :املاوردي السابقة إذ يقول

ألن من ال يعرف مجلة الدين ال يعرف من ،وجبملة من الدين ،ومن ال يصلح هلاوال بد أن يكون من أهل الرأي ألنه .. .فال بد أن يكون عارفا بذلك ،يصلح لإلمامة

حيتاج يف ذلك إىل تقدمي واحد على األخر ألحوال ترجع إىل الدين وإىل الشجاعة وال بد من أن يكون من أهل السري ،ذلك ومىت مل يلزم أهل الرأي مل يصلح ،وغريها

.)٣()مر اإلمامة أعظم من غريها من الوالياتوألن أ ،والصالح ليوثق باختياره

ىأما اإلمام القرطيب فقد جعل للمستشار يف أمور الدين صفات وأخر وصفة املستشار إن كان يف األحكام أن يكون عاملا (للمستشار يف أمور الدنيا قائال

قال احلسن ما كمل دين امرئ ما مل يكمل –دينا وقل ما يكون ذلك إال يف عاقل .. .عقله .)٤(..).وصفة املستشار يف أمور الدنيا أن يكون عاقال جمربا

.المقصود بالرأي والحكمة هنا الخبرة السياسية واالجتماعية )١( .٦ص .الماوردي، األحكام السلطانية )٢( .٢٦٧ص ٢٠جـ .القاضي عبد الجبار، المغني في أبواب التوحيد والعدل)٣( .مرجع سابق .٢٥١ص ٤جـ .القرطبي، الجامع ألحكام القرآن) ٤(

الشورى في اإلسالم فيروز عثمان صالح

ـ م٢٠٠٩يناير ـ ١٧ العدد

:الشورى والعصبية عند ابن خلدوناألمر وهم القائمون على أمر خلدون أن أهل احلل والعقد هم أولوقرر ابن

الناس سواء أكانوا من العلماء والفقهاء واألمراء وسائر الرؤساء والزعماء وذوي العقل إال أن ابن خلدون عاد ونبه إىل مسألة وحقيقة تتعلق باملوضوع ،لرأي واحلكممنهم وا

إذ أنه وبعد –أي أهل الشورى –وهو أن مثة تبدل وتغري قد حدث يف هذه اهليئة ومل يعد هلم من ،انقالب اخلالفة إىل ملك قد أخرج الفقهاء والقضاة من الشورى

.)١(العصبية الغالبةوأسند األمر إىل أهل ،احلل والعقد شيء

ويؤكد ابن خلدون أن ما حدث يتماشى مع مقتضيات وقواعد العمران فالشورى ال تكون إال لصاحب عصبية تعينه على احلل والعقد وال يعارض قوله

حقيقة أهل احلل والعقد إمنا هي ألهل القدرة (إذ يقول )٢()العلماء ورثة األنبياء(اللهم إال أخذ األحكام ، حل له وال عقد لديهفمن ال قدرة له عليه فال ،عليه

وفق، ،وى منهمالشرعية عنهم وتلقى الفتا ا يظن بعض الناس أن احلق فيما مبر و واهللا املوإن فعل امللوك فيما فعلوه من إخراج الفقهاء والقضاة من الشورى مرجوح ،وراء ذلكوحكم امللك ،ما ظنهفأعلم أن ذلك ليس ك" العلماء ورثة األنبياء" وقد قال

،والسلطان إمنا جيري على ما تقتضيه طبيعة العمران وإال كان بعيدا عن السياسة

لمزيد –ويستخدم ابن خلدون العصبية في الغالب بمعنى القوة .٢٢٣ص .خلدون ابن خلدون، مقدمة ابن)١(

غاتسون بوتول، ابن خلدون فلسفته االجتماعية، ترجمة عادل زعيتر، :من التفصيل في معنى العصبية أنظر وما بعدها، محمد عابد الجابري، فكر ابن خلدون، ٨٧ص .م١٩٥٥، ١دار إحياء الكتب العربية، القاهرة ط

.٢٥٠م، ص١٩٨٢دار الطليعة، بيروت، .م١٩٥٣ابن ماجة، سنن ابن ماجة، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية، بيروت، )٢(

.٩٥٨ص ٢جـ

الشورى في اإلسالم فيروز عثمان صالح

ـ م٢٠٠٩يناير ـ ١٧ العدد

فطبيعة العمران يف هؤالء ال تقضي هلم شيئا من ذلك ألن الشورى واحلل والعقد ال ا على حل أو عقد أو فعل أو ترك وأما من ال ،تكون لصاحب عصبية يقتدر

وال ميلك ،عصبية له ،وال من محايتها وإمنا هو عيال على غريه ،من أمر نفسه شيئاشوراه فيما اللهم إال ،دعو إىل اعتباره فيهافأي مدخل له يف الشورى أو أي معىن ي

وأما شوراه يف السياسة ،يعلمه من األحكام الشرعية فموجودة يف االستفتاء خاصة .)١()حكامهاأحواهلا وأ بية والقيام على معرفةفهو بعيد عنها لفقدانه العص

:اختصاصات أهل الشورىوالسوابق التارخيية يف احلكم والشورى منذ عهد اخللفاء ،من خالل هدي النبوة

الراشدين ومن أتى بعدهم من اخللفاء واألمراء ميكننا أن نعدد أهم اختصاصات :جملس الشورى يف اآليت

املسألة عند احلديث عن وقد تبني رأي العلماء يف ،اختيار خليفة املسلمني .أهل الشورى

وعالج القضايا العامة ،مساعدة خليفة املسلمني يف إدارة شئون البالد .وكيفية تنفيذ األحكام الشرعية ،كإعالن احلرب وعقد املعاهدات ،لألمة

حماسبة إمام املسلمني وغريه من كبار املوظفني كاألمراء والوزراء عمال بقوله{ :تعاىل

{)فقد يقع إمام املسلمني يف خمالفة شرعية أو .)١٠٤ :سورة آل عمران

.٢٢٤-٢٢٣ص .ابن خلدون، مقدمة ابن خلدون )١(

الشورى في اإلسالم فيروز عثمان صالح

ـ م٢٠٠٩يناير ـ ١٧ العدد

اه عن هبأحد الرعية، فأهل الشورى هم أول من يقدم له النصيحة وينجور .بنيبرفق ولطف كما سن )١(املنكر

عزل إمام املسلمني أو أي موظف خيتاره أهل الشورى فمجلس الشورى خيتار اإلمام، فإذا أخل اإلمام بواجباته تقدم أهل الشورى بإسداء النصح له، فإذا رجع عن ما بدر منه من اعوجاج فال جيب عزله، أما إذا أصر على موقفه وتقاعس عن أداء

.)٢(نون ذلكواجباته فإن أهل الشورى يعزلونه ويعل

- :تنظيم الشورى وممارستها في الوقت الحاضرالشورى من املبادئ العامة يف الشريعة اإلسالمية، ومن مزايا مبادئ الشريعة

ا تتصف باملرونة وقد جاء هذا املبدأ بدرجة كافية من العموم (وقواعدها العامة أ .)٣(...)أواملرونة حبيث يتسع لكل تنظيم صحيح يوضع لتطبيق هذا املبد

تباعه واألخذ به يف ريعة أسلوبا معينا للشورى جيب اوبالتايل مل حتدد الشبتقرير املبدأ العام دون وضع التفصيالت اليت يقتضيها تنفيذ اكتفتالتطبيق، وإمنا

وهذا املسلك يقتضيه مسو الشريعة وصالحيتها لكي جتابه كافة التطورات . هذا املبدأزمان واملكان مبا يالئمها، حىت يكون الناس يف سعة من أمرهم اليت تقتضيها ظروف ال

جت وخيتاروا يف تطبيق املبدأ ما حيقق مصاحلهم كما حتددها ظروف البيئة، فلو

.٣٢٥ص ١جـ. ، ابن األزرق، بدائع السلك١٦٧ص ١جـ .ابن حجر، فتح الباري )١(، عضد الدين اإليجي، المواقف في علم الكالم، عالم الكتب، ١٦-١٥ص .لماوردي، األحكام السلطانيةا )٢(

.٩٨ص. م١٩٥٠، الجويني، غياث األمم في التياث الظلم، مكتبة الخانجي، القاهرة، ٤٠٠بيروت، ص .٢١٩ص .هـ١٤٨٠، ٣عبد الكريم زيدان، أصول الدعوة، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط )٣(

الشورى في اإلسالم فيروز عثمان صالح

ـ م٢٠٠٩يناير ـ ١٧ العدد

الشريعة منهج التفصيل ألسلوب التطبيق لقصرت عن مواجهة ما حيدث للمجتمع ، )١(تباعها باهللامن تطور، وحاشا أن تكون كذلك فهي شريعة الكمال اليت أمرنا ا

وحيث مل تنص الشريعة اإلسالمية على كيفية خاصة لتحقيق مبدأ الشورى، ويف ذلك ا تركت تنظيم الشورى لألمة اإلسالمية على النحو الذي يالئم ظروفها وأحواهلا، أوحيقق مقصود الشورى، ومعرفة رأي األمة، وهذا يف احلقيقة من حسنات

.)٢(...)الشريعة

لشريعة أسلوبا معينا للشورى ما كان ألحد أن حييد عنه، وقد فلو حددت ااألعصر وتغري األحوال، وتطور الختالفيلحق الناس ضيق وحرج يف تطبيقه

املعارف، فمن كمال الشريعة ورمحتها أن تركت ألهل كل عصر وضع اإلطار الذي شورى فينبغي أن وأما بالنسبة إىل ممارسة ال .تتم به الشورى حبسب الظروف واألحوال

:متارس وفق الضوابط الشرعية، فإبداء الرأي له حدوده وضابطه منها

أن يكون قصد صاحب الرأي بذل حمض نصيحته لوالة األمر، وألئمة -١املسلمني وعامتهم كما دل على ذلك احلديث الصحيح الذي رواه

هللا : قلنا ملن؟ قال. الدين النصيحة: (قال اإلمام مسلم أن النيب ، فال جيوز للفرد أن يقصد )٣()تابه ولرسوله وألئمة املسملني وعامتهموك

.١٠٧ص. م٢٠٠٤ود الباز، الشورى والديمقراطية النيابية، دار الفكر الجامعي، اإلسكندرية، دا )١( .٢٢٥ص. عبد الكريم زيدان، أصول الدعوة )٢(، والمراد ٢٣ص ١جـ. ، ابن حجر، فتح الباري٢٣٧ص ١النووي، صحيح مسلم بشرح النووي، جـ )٣(

ممن يقوم بأمور المسلمين من أصحاب الواليات ابن بأئمة المسلمين في الحديث السابق الخلفاء وغيرهم .١٦٧ص ١جـ . حجر، فتح الباري

الشورى في اإلسالم فيروز عثمان صالح

ـ م٢٠٠٩يناير ـ ١٧ العدد

يف بيانه رأيه التشهري باحلكام أو انتقاضهم أو جترئ الناس عليهم، أو ا وجه اهللا وال اخلري للمنصوح حنو ذلك من املقاصد الباطلة اليت ال يراد

.وال املصلحة العامةاة التلطف فيه يقول ابن األزرق النصيحة ليست تأنيبا لذلك جيب مراع -٢

وهو ... النصيحة إحسان صادر عن رمحة وشفقة مراد به وجه اهللا تعاىل(. )١()خبالف التأنيب املقصود به التعبري والذم املفروغ يف قالب النصيحة

وجيب مراعاة التلطف يف النصح والتعريف بالعيب الذي يعلمه (ويقول بالتعريض مرة، والتصريح أخرى املنصوح من نفسه وهو يضمره، وذلك

.)٢()إىل حد ال يؤدي إىل اإلحياش

،وكذلك نبه إىل ذلك ابن حجر فقرر ضرورة نصح األئمة باليت هي أحسن .)٣()ومن أعظم نصيحتهم دفعهم عن الظلم باليت هي أحسن( :لقا

أن يكون بيان الرأي يف تصرفات احلكام على أساس من العلم والفقه -٣ا عند مناصحة والة األمر، فال حبسب اآلداب الش رعية اليت جيب مراعا

، ألن رأيه ليس االجتهاديةجيوز أن ينكر عليهم أو ينتقصهم يف األمور .)٤(أوىل من رأيهم مادام األمر اجتهاديا

. ٣٢٤ص ١ابن األزرق، بدائع السلك، جـ )١( .٣٢٤ص ١المرجع نفسه، جـ )٢( .١٦٧ص ١حجر، فتح الباري، جـ ابن )٣(قسم –مهادن محسن بن حميد النمري وآخرون، األمن رسالة اإلسالم، جامعة الملك فهد للبترول وال )٤(

.١٠٥ص .هـ١٤٢٦الدراسات اإلسالمية والعربية، الدمام،

الشورى في اإلسالم فيروز عثمان صالح

ـ م٢٠٠٩يناير ـ ١٧ العدد

ال جيوز لألفراد إحداث الفتنة ومقاتلة املخالفني هلم يف الرأي إذا مل -٤يهم ورأي غريهم فال جيوز مثال يأخذوا برأيهم مادام األمر حيتمل رأ

، والتضليل حبجة واالفرتاءالتشهري، والطعن، والسباب، وفاحش الكالم . )١(إبداء الرأي، فليس من حق أحد أن يشيع الفساد حبجة إبداء الرأي

فضال عن القتال واإليذاء البدين فهذا ما ال تقبله الشريعة، وال العقول فالشورى يف اإلسالم عفة لسان، ( السليمة، وال الفطر املستقيمة،

وصدق بيان، وحرص دائم على صون كرامة من حناوره وتقدمي حسن .)٢()الظن بالنية والقصد

.٢٢٥ص .، أصول الدعوة، عبد الكريم زيدان١٠٦المرجع نفسه، ص )١( .٤٣ص. هـ١٤١٩محمد الخطيب، الشورى في اإلسالم، دار التوزيع والنشر اإلسالمية، مصر، )٢(

الشورى في اإلسالم فيروز عثمان صالح

ـ م٢٠٠٩يناير ـ ١٧ العدد

-:الخاتمةاية هذه الدراسة أود اإلشارة إىل أهم النتائج اليت توصلت إليها من يف

:خالهلا وهي

قواعد اإلسالم أن الشورى، أو أخذ الرأي يف اإلسالم، قاعدة عظيمة من -العظام، ومسة من مسات احلكم اإلسالمي، ويستدل على ذلك بالكتاب

.والسنة واإلمجاعالشورى متثل ركنا أساسيا من سلطان األمة اإلسالمية، فاحلاكم يف اإلسالم -

وكيل عن األمة يف مباشرة السلطان والسيادة، ويف هذا عصمة له من .احلقوالطغيان وامليل عن جادة االحنراف

املوضوعات اليت تعرض للشورى حتديدا قاطعا هو نيعدم حتديد وتعي -األليق مبنهج اإلسالم يف التشريع، فالشورى يف كل األمور واألحوال ما مل

.يصطدم ذلك بنصمن خالل هدي النبوة والسوابق التارخيية يف احلكم والشورى فإن من -

ومساندته يف إدارة جملس الشورى اختيار خليفة املسلمني اختصاصات .شئون البالد، وكذلك حماسبته وعزله إذا أخل بواجباته

يتصف مبدأ الشورى يف اإلسالم باملرونة، حيث جاء هذا املبدأ بدرجة -كافية من العموم ليتسع لكل تنظيم حبسب احلاجة إليه، فلم حتدد الشريعة

كت كيفية التطبيق أسلوبا معينا ملمارسة الشورى، بل قررت املبدأ العام، وتر .والتفصيالت وفق حاجاتنا ومقتضيات الظروف واألحوال

الشورى في اإلسالم فيروز عثمان صالح

ـ م٢٠٠٩يناير ـ ١٧ العدد

إن ممارسة الشورى وإبداء الرأي ينبغي أن يكون وفق الضوابط الشرعية، -فيكون بيان الرأي يف تصرفات احلكام على أساس من العلم والفقه والتلطف يف النصح فالشورى يف اإلسالم عفة لسان وصدق بيان، وصون

.ة من حناورهلكرام

- :التوصيات :حيسن بنا بعد الدراسة والنظر أن نوصي مبا يلي

توجيه النظر إىل مبدأ الشورى من خالل تدريسه يف مراحل التعليم -املختلفة، وتكوين جمالس شورية مصغرة لتدريب الناشئة على هذا املبدأ ، اإلسالمي األصيل، فاملمارسة العملية للمبادئ أجدى وأجدر رسوخا

.وثباتا واستمرارابتطبيق الشورى يف كل جمال من جماالت احلياة، وفيما هو مباح االهتمام -

.ومل يرد فيه نص، فهي السبيل األقرب إىل صواب الرأي والبعد عن اخلطأ واالنطالقالدعوة إىل دراسة الفقه السياسي اإلسالمي يف منابعه األصلية -

حمكمات الشرع ومقتضيات منه إىل تأسيس فقه سياسي جديد جيمع بني .العصر

الشورى في اإلسالم فيروز عثمان صالح

ـ م٢٠٠٩يناير ـ ١٧ العدد

- :قائمة المراجع والمصادر

.القرآن الكرمي املسند، حتقيق أمحد شاكر، دار املعارف، : بن حنبلبن أمحد حممد : أمحد -١

.القاهرة، بدون تاريخداود الباز، الشورى والدميقراطية النيابية، دار الفكر اجلامعي، : الباز -٢

.م٢٠٠٤اإلسكندرية، أبو حممد عبد اهللا حممد بن علي بن حممد بن األزرق، بدائع : األزرق -٣

السلك يف طبائع امللك، حتقيق وتعليق علي سامي النشار، وزارة الثقافة .م١٩٨٧والفنون، العراق، الطبعة األوىل،

حيىي إمساعيل، منهج السنة يف العالقة بني احلاكم واحملكوم، دار : إمساعيل -٤ .م١٩٨٦الوفاء، مصر،

اية السؤل شرح : ياإلسنو -٥ عبد الرحيم بن احلسن بن علي اإلسنوي، .منهاج الوصول يف علم األصول للبيضاوي، مكتبة صبيح، القاهرة

أبو القاسم احلسني بن حممد الراغب األصفهاين، املفردات يف : األصفهاين -٦ .م١٩٦١غريب القرآن، مكتبة ومطبعة مصطفى البايب احلليب، القاهرة،

الدين السيد حممود األلوسي، روح املعاين يف تفسري شهاب: األلوسي -٧ .القرآن العظيم، إدارة املطبعة املنريية، مصر

سيف الدين أيب احلسن علي بن أيب علي اآلمدي، اإلحكام يف : اآلمدي -٨ .م١٩٨١أصول األحكام، دار الفكر، دمشق،

الشورى في اإلسالم فيروز عثمان صالح

ـ م٢٠٠٩يناير ـ ١٧ العدد

الم، عضد الدين عبد الرمحن بن أمحد اإلجيني املواقف يف علم الك: اإلجيي -٩ .عامل الكتب، بريوت، بدون تاريخ

أبو منصور عبد القاهر بن طاهر البغدادي، أصول الدين، : البغدادي - ١٠ .م١٩٢٨مطبعة الدولة، إستانبول،

غاستون بوتول، ابن خلدون فلسفته االجتماعية، ترمجة عادل : بوتول - ١١ .م١٩٥٥زعيرت، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، الطبعة األوىل،

أبو بكر أمحد بن احلسني بن علي البيهقي، السنن الكربى، دائرة : هقيالبي - ١٢ .هـ١٣٥٥املعارف العثمانية حبيدر أباد، اهلند، الطبعة األوىل،

أبو عيسى حممد بن عيسى بن سورة الرتمذي، سنن الرتمذي، : الرتمذي - ١٣ .دار إحياء الرتاث العريب، بريوت

يم بن تيمية، السياسة الشرعية شيخ اإلسالم أمحد بن عبد احلل: ابن تيمية - ١٤يف إصالح الراعي والرعية، دار الكتاب العريب، مصر، الطبعة الثانية،

.م١٩٥٥الصارم املسلول على شامت الرسول، حتقيق حممد حمي الدين عبد : ابن تيمية - ١٥

.م١٩٦٠احلميد، دار اجلهاد، القاهرة، ، دار )والدولةالعصبية (حممد عابد اجلابري، فكر ابن خلدون : اجلابري - ١٦

.م١٩٨٢الطليعة، بريوت، أبو بكر أمحد بن علي الرازي اجلصاص، أحكام القرآن، املطبعة : اجلصاص - ١٧

.هـ١٣٤٧البهية، مصر،

الشورى في اإلسالم فيروز عثمان صالح

ـ م٢٠٠٩يناير ـ ١٧ العدد

عز الدين أيب عبد اهللا حممد بن مجاعة، حترير األحكام يف : ابن مجاعة - ١٨ .تدبري أهل اإلسالم، وزارة األوقاف، قطر

ك اجلويين، غياث األمم يف الثيات الظلم، أبو املعايل عبد املل: اجلويين - ١٩ .م١٩٥٠حتقيق عبد العظيم الديب، مكتبة اخلاجني، القاهرة،

ين، فتح الباري بشرح صحيح الأمحد بن علي بن حجر العسق: ابن حجر - ٢٠ .م١٩٥٩البخاري، شركة ومطبعة البايب احلليب وأوالده، مصر،

توزيع والنشر حممد اخلطيب، الشورى يف اإلسالم، دار ال: اخلطيب - ٢١ .هـ١٤١٩اإلسالمية، مصر،

عبد الرمحن بن حممد بن خلدون، تاريخ ابن خلدون، دار : ابن خلدون - ٢٢ .م١٩٧٩الفكر، بريوت،

.مقدمة ابن خلدون، دار الفكر، بريوت، بدون تاريخ: ابن خلدون - ٢٣حممد بن أيب بكر بن الرازي، خمتار الصحاح، املطبعة األمريية، : الرازي - ٢٤

.م١٩٦٣بعة السادسة، القاهرة، الطالدين حممد بن عمر بن احلسني الرازي، مفاتيح الغيب فخر: الرازي - ٢٥

املشتهر بالتفسري الكبري، املطبعة العامرة الشرفية، مصر، الطبعة األوىل، .هـ١٣٠٨

حممد رشيد رضا، تفسري املنار، مطبعة القاهرة، الطبعة الرابعة، : رضا - ٢٦ .هـ١٣٨٠

الشورى في اإلسالم فيروز عثمان صالح

ـ م٢٠٠٩يناير ـ ١٧ العدد

اية احملتاج إىل شرح املنهاج، مشس الدين حممد ب: الرملي - ٢٧ ن العباس الرملي، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البايب احلليب وأوالده، مصر، الطبعة األخرية،

.م١٩٦٧جار اهللا حممود بن عمر الزخمشري، الفائق يف غريب احلديث، : الزخمشري - ٢٨

حتقيق علي البجاوي وحممد أبو الفضل، دار إحياء الكتب العربية، عيسى .هـ١٣٤٧ايب احلليب وشركاه، املطبعة البهية، مصر، الب

الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون األقاويل يف وجوه التأويل، : الزخمشري - ٢٩ .م١٩٦٦شركة ومطبعة مصطفى البايب احلليب، القاهرة،

مؤسسة الرسالة، بريوت، الطبعة ،عبد الكرمي زيدان، أصول الدعوة: زيدان - ٣٠ .هـ١٤٠٨الثالثة،

احلسن علي بن أيب علي بن حممد بن سامل، منتهى السؤل يف أبو: سامل - ٣١ .علم األصول، مطبعة حممد صبيح وأوالده، مصر، بدون تاريخ

حممد بن سعد بن منيع، الطبقات الكربى، دار صادر، بريوت، : ابن سعد - ٣٢ .م١٩٥٧

أبو جعفر حممد بن جرير الطربي، جامع البيان عن تأويل آي : الطربي - ٣٣ .م١٩٦٨طفى البايب احلليب وأوالده، القاهرة، القرآن، مطبعة مص

أبو بكر حممد بن الوليد الطرطوشي، سراج امللوك، طبعة : الطرطوشي - ٣٤ .هـ١٢٨٩مصر،

الشورى في اإلسالم فيروز عثمان صالح

ـ م٢٠٠٩يناير ـ ١٧ العدد

القاضي عبد اجلبار بن أمحد اهلمذاين، املغين يف أبواب التوحيد : عبد اجلبار - ٣٥والعدل، حتقيق عبد احلليم حممود وسليمان دنيا، الدار املصرية للتأليف

.والرتمجة، القاهرة، بدون تاريخالقاضي أبو بكر حممد بن عبد اهللا املعافري، أحكام القرآن، : ابن العريب - ٣٦

حتقيق علي حممد البجاوي، عيسى البايب احلليب وشركاه، القاهرة، الطبعة .م١٩٦٨الثانية،

أمحد بن فارس بن زكريا، معجم مقاييس اللغة، حتقيق عبد : ابن فارس - ٣٧ .هـ١٣٦٦، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، السالم هارون

حممد عبد القادر أبو فارس، النظام السيايس يف اإلسالم، دار : أبو فارس - ٣٨ .م١٩٨٠القرآن الكرمي، بريوت، الطبعة األوىل،

احمليط، القاموسجمد الدين حممد بن يعقوب الفريوزابادي، : الفريوزابادي - ٣٩ .م١٩٥٢أوالده، مصر، الطبعة الثانية، شركة مكتبة ومطبعة البايب احلليب و

أبو حممد عبد اهللا بن مسلم بن قتيبة، اإلمامة والسياسة، شركة : ابن قتيبة - ٤٠ .م١٩٦٩مكتبة ومطبعة البايب احلليب وأوالده، مصر،

شهاب الدين أمحد بن إدريس القرايف، األحكام يف متييز الفتاوى : القرايف - ٤١حتقيق عبد الفتاح أبو غدة، عن األحكام وتصرفات القاضي واإلمام،

.مكتب املطبوعات اإلسالمية، سوريا .الفروق، دار املعرفة، بريوت، الطبعة األوىل، بدون تاريخ: القرايف - ٤٢حممد بن أمحد األنصاري، اجلامع ألحكام القرآن، مطبعة دار : القرطيب - ٤٣

.م١٩٣٧الكتب املصرية، الطبعة الثانية،

الشورى في اإلسالم فيروز عثمان صالح

ـ م٢٠٠٩يناير ـ ١٧ العدد

دار املعرفة، بريوت، الطبعة السابعة، سيد قطب، يف ظالل القرآن، : قطب - ٤٤ .م١٩٧١

أمحد بن عبد اهللا القلقشندي، مآثر األنافة يف معامل اخلالفة، : القلقشندي - ٤٥ .حتقيق عبد الستار أمحد فرجن عامل الكتب بريوت، بدون تاريخ

حممد بن أيب بكر بن القيم، أعالم املوقعني عن رب العاملني، : ابن القيم - ٤٦ .م١٩٦٨هرية، القاهرة، مطبعة الكليات األز

زاد املعاد يف هدي خري العباد، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى : ابن القيم - ٤٧ .م١٩٥٠البايب احلليب، مصر، الطبعة الثانية،

عماد الدين أيب الفداء إمساعيل بن كثري، تفسري القرآن العظيم، دار ومكتبة - ٤٨ .م١٩٨٦اهلالل، بريوت، الطبعة األوىل،

لنبوية، حتقيق مصطفى عبد الواحد، دار املعرفة، لبنان، السرية ا: ابن كثري - ٤٩ .م١٩٧٦

حممد بن يزيد بن ماجة، سنن ابن ماجة، حتقيق حممد فؤاد : ابن ماجة - ٥٠ .م١٩٥٣عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية، بريوت،

علي بن حممد بن حبيب املاوردي، األحكام السلطانية والواليات : املاوردي - ٥١ .م١٩٨٣كر، القاهرة، الطبعة األوىل، الدينية، دار الف

أبو الفضل مجال الدين حممد بن مكرم بن منظور، لسان : ابن منظور - ٥٢ .م١٩٩٠العرب، دار صادر، بريوت، الطبعة األوىل،

حمسن بن محيد النمري وآخرون، األمن رسالة اإلسالم، جامعة : النمري - ٥٣ .م٢٠٠٥امللك فهد للبرتول واملعادن، بدون ناشر،

الشورى في اإلسالم فيروز عثمان صالح

ـ م٢٠٠٩يناير ـ ١٧ العدد

حمي الدين حيىي بن شرف النووي، صحيح مسلم بشرح النووي، : النووي - ٥٤ .هـ١٣٤٩املطبعة املصرية، القاهرة،

عبد امللك بن هشام، السرية النبوية، حتقيق مصطفى السقا : ابن هشام - ٥٥ .م١٩٣٦وإبراهيم األبياري، طبعة مصطفى احلليب، مصر،