ﺔﻧﺎﻴﺻ ﻥﺎﻬﺘﻣﻻﺍﻦﻋ ﺓﺃﺮﳌﺍ · ﺔﻧﺎﻴﺻ...

صيانة املرأة عن االمتهان

PDF created with pdfFactory Pro trial version www.pdffactory.com

http://www.pdffactory.com


صيانة املرأة عن االمتهان أخذا من نصوص الشرع وعمل

الصاحلالسلف

اإلصدار األول: ن االمتهانعسلسلة صيانة املرأة




٥

V رب العاملني، وصىل اهللا وسلم عىل املبعوث رمحة احلمد هللا

.حبه ومن سار عىل هنجهم ولزم هدهيمللعاملني، وعىل آله وص أما بعد، فإن احلديث عن املرأة وحقوقها أمر تداوله الـمحق والـمبطل واملؤمن والكافر والرب والفاجر، وجاء احلديث عن هذا املوضوع حتت عموم حقوق اإلنسان تارة، وحتت دفع التسلط عن

ـا الضعيف املظلوم تارة، حتى أضحى احلديث عن هذا امل وضوع علم .عىل مسلك صاحبه، ودليال عىل وجهته فيام يتعلق بأمور املرأة

وقد رأيت كتابة سلسلة يف هذا املوضوع تركز عىل مسألة معتمدا ما دلت عليه النصوص "صيانة املرأة عن االمتهان"حمددة، هي

. باتفاق املسلمنيص أمة حممد رـ خي:وعمل السلف الصالح مما قد يغفل عن التفطن له يف خضم "ملرأةصيانة ا"وأمر

.الرصاع الشديد حول املرأة وحقوقهاقد ينظر ومن عجيب األمور أن هذه الصيانة العظيمة للمرأة وما ذاك !إليها عىل أهنا نوع من احلق املسلوب الذي جيب أن تناله املرأة .إال بسبب تبدل كثري من املفاهيم وانقالب كثري من املوازين

وقد رأيت أن أبدأ هذه السلسلة بموضوع ليس من املعتاد أن




٦ يبدأ به، ألن أول موضوع فيها ينبغي أن يكون يف تأصيل ما دل عليه العنوان وتوضيحه بالنامذج التطبيقية، بيد أن احلاجة إىل عرض موضوع كهذا دفعتني إىل البدء به، لكثرة ما خاض الناس فيه، وال سيام عرب

التي طاملا تبنت عرض املوضوعات الكبرية بأساليب عالموسائل اإلثارة اإلعالمية وشد انتباه املتلقي أكثر مما تراعي التأصيل تركز عىل اإل

.العلمي والبحث املتأين بكل أسف ونوع العبارة ،وذلك ظاهر بجالء يف طريقة العرض

تطابقة، يف وتزامن بث املقاالت واللقاءات ذات الوجهة امل،املستخدمةإغفال ظاهر للموضوعية وبعد تام عن اإلنصاف .

"االختالط"وهذا املوضوع الذي رأيت البداءة به هو موضوع هـ مقالة موجزة، حني اشتد ١٤٣٠الذي كنت كتبت حوله أواخر العام

حوله النقاش، وصار قومي فيه بني مرشق ومغرب، فر يت البدء هبذه أ .إلضافات التي كنت أضفتها عىل كتابتي األوىلاملقالة، مع مجلة من ا

سلة التي نحن ليرس إكامل هذه السـ، وأن ياأسأل اهللا أن ينفع هببأشد ما نكون حاجة إىل نرشها يف املسلمني، ولندفع عن دين اهللا الذي .طاملا نال منه خصومه، بدعوى امتهان النساء وعدم توفيتهن حقوقهن

.مد وعىل آله وصحبهوصىل اهللا وسلم عىل نبينا حم .هـ٢٤/١٠/١٤٣١




٧

احلمد هللا وصىل اهللا وسلم عىل رسول اهللا وعىل آله وصحبه ...أمجعني

:أما بعدإنه من يعش منكم بعدي فسريى «: صفقد قال النبي

اختالفا كثريا ).٤٦٠٧(، وأبو داود )٤/١٢٧( رواه أمحد »قع كر يف هذا احلديث ما وقع ويذوإن من االختالف الذي

،من إنكار ما دلت عليه النصوص وتتابع عىل القول به علامء األمة .من الصحابة والتابعني ومن بعدهم

وتلكم حمنة قديمة تتعدد أمثلتها بني حني وآخر، بيد أهنا أضحت يف هذه األزمنة املتأخرة أكثر انتشارا وأعظم استفحاال .




٨

أما اجلاهل فال عجب أن خيبص يف األمور، وينفي ما هو مقطوع به عند أهل العلم، فال يرتتب عىل صنيعه كبري خلل يف

.الغالب؛ ألنه يف هناية املطاف جمرد جاهلكام أن األمر ال خيفى عىل الناس إذا دخل يف هذه األمور من

فتنوا بمدن ة الغرب ومسايرة ما هم عليه من احلال البغيض يف شتى يمناحي احلياة؛ ألن بطالن منهج هذا الصنف واضح للعيان، ال

.حيتاج الناس يف بيان بطالنه إىل كبري عناءكيف ال، وقد أفصح عميدهم وأستاذهم طه حسني بأن

نسري سري األوربيني ونسلك طريقهم؛ منهجه يف التجديد هو أن م أندادا، ولنكون هلم رشكاء يف احلضارة خريها ورشها، لنكون هل

حلوها ومرها، ما حي مستقبل الثقافة يف : انظر[ منها وما يعابب .])١/١٤٥(مرص

الرشيعة مل تعد تصلح : كي نجيب حممود ـ رصاحة ـزوقال ، علينا أن نبني حضارتنا عىل النموذج الغريب املادي لواقعنا املعارص أو قيمة ثقافية أو ،فات إىل أي أسس أخالقيةتام الاحلديث، دون




٩

.)]٢٧٧(للنارص ص: نقال عن العرصانيني[عقديةهكذا يعربون بوضوح ال خيفى عىل أحد، فأمرهم مكشوف ال يشكل، وإنام يقع اإلشكال حقا إذا دخل يف هذه الفتنة محلة العلم

.الرشعيبني الرجال ومن آخر ما كثر الكالم فيه موضوع االختالط إن كلمة : والنساء من غري املحارم، حيث سوغه بعضهم، بل قال

.حمدثة مل يرد يف النصوص ما يدل عليها بالكلية) االختالط(وهؤالء مسبوقون من أناس كتبوا يف هذا املوضوع منذ عقود، وكان كالمهم يف نطاق كالم عام عن املرأة وحجاهبا وحدود

.عالقتها بالرجلعوا نصوصا استدلوا هبا عىل وجهتهم هذه، غاضني وقد مج

.الطرف عن نصوص أخرى جلت املسألة ووضحتهامتيزت ـ إضافة ) االختالط(ومن أعجب ما ذكروه أن كلمة

إىل كوهنا حمدثة ـ باإلهبام وعدم الوضوح، ودللوا يف هذا السبيل بوقائع جرت زمن النبي ، من أشهرها اختالط الرجال بالنساءص

دون حال الطواف بالكعبة، ويف املسجد عند أداء الصالةبزعمهم

اإلهيام بأن كلمة""االختالط




١٠ .نكري

وغفل هؤالء عن وقوعهم فيام أنكروه عىل غريهم، حيث أومهوا بكالمهم هذا أن جمرد وجود الرجال والنساء يف موضع واحد هو االختالط الذي منعه العلامء، فأهبموا األمر عىل الناس،

ط يقصد به منع اجتامع الرجال وأشعروا أن املنع من االختال .والنساء يف أي موضع كان

وهذا من تقويل أهل العلم ما مل يقولوا، فإهنم مل يقولوا هذا، ومل يكن األمر عندهم بحمد اهللا ملتبسا، حتى يتحدث بالنيابة عنهم

.غريهموقد بني البخاري يف صحيحه حقيقة هذا األمر بام ترجم به

مكة بعدم طواف النساء مع الرجال، فقال عىل أمر ابن هشام وايل ثم "باب طواف النساء مع الرجال"): ٢/١٦٣( يف صحيحه /

طواف الرجال ساق بسنده هذه املناقشة التي يتضح منها بجالء أن .مع النساء يف ذلك العرص الزاهر ال يعني أبدا االختالط بينهم

بني واملناقشة كانت بني عطاء بن أيب رباح فقيه أهل مكة وكيف ": تلميذه ابن جريج، حيث قال عطاء منكرا صنيع الوايل




١١

."! مع الرجالصيمنعهن وقد طاف نساء النبي ."!كيف خيالطن الرجال": فقال ابن جريج

."مل يكن خيالطن": فجاء جواب عطاء واضحاففرق ـ كام ترى ـ بني طواف الرجال مع النساء يف موضع

.ني اختالط الرجال بالنساءواحد، وهو املسجد احلرام، وبواملحتجون عىل جواز االختالط جيعلون من أول ما يستدلون به عىل االختالط ما يكون يف املسجد احلرام من طواف النساء مع الرجال، ثم إن عطاء وضح بعد ذلك كيف تطوف النساء

فقال . مع الرجال، دون أن يكون من آثار ذلك وقوع االختالطكانت عائشة تطوف «: لل بالطيبة املطهرة عائشة ضاربا املثا

حجرة من الرجال ال ختالطهم «. نزل فالن : ناحية، مأخوذ من قولـهم): حجرة(ومعنى قوله

). ٣/٦٠٧:فتح الباري: انظر. (أي معتـزال: حجرة من الناسليس هذا فحسب، بل إن امرأة ـ كام يف رواية البخاري

: انطلقي نستلم يا أم املؤمنني، قالت«: املذكورة ـ قالت لعائشةانطلقي عنك، وأبت «.

يفشبهة االختالط""




١٢ ؛ ألن االستالم بالوضع الذي تريده املرأة لوإنام أبت

.سيرتتب عليه مزامحة الرجال واالختالط هبميا : عىل موالة هلا قالتلوهذا ما أنكرته أم املؤمنني

ثالثا، أم املؤمنني طفت بالبيت سبعا، واستلمت الركن مرتني أو ال أجرك اهللا، ال أجرك اهللا، تدافعني الرجال؟ أال «: فقالت هلا

، والبيهقي )٢/١٧٢(رواه الشافعي يف األم [»كربت ومررت )].٥/٨٠(من طريقه يف السنن الكربى

فتأمل كيف بررت عائشة إنكارها عىل موالهتا بأن صنيعها سيؤدي حتام إىل مزامحتها للرجال، وهو عني االختالط

الذي نأت أم املؤمنني بنفسها عنه، وإن كانت اجلاهلة من النساء . تستسهله، بدعوى إقامة السنة باستالم الركن

، واألزرقي )١/١١٣(أخبار مكة [وقد روى الفاكهي يف عىل امرأة أرادت أن /إنكار عطاء )] ٢/٣٥٩(يف أخبار مكة

تستلم احلجر، حيث صاح هبا، وقال لنساء غطي يدك، ليس ل«: . يعني إذا كان االستالم سيؤدي هبن إىل االختالط»أن يستلمن

والحظ إنكاره عليها إبداء يدها، وأمره هلا أن تغطيها ـ




١٣

وهو ما يأبى إنكاره عدد من كتاب الصحف اليوم عىل املحتسبني، وبنوع من التهكم املقيت، مع أنه مما جيهر السلف بإنكاره، حتى يف

.البيت العتيق ـ أن تعن أيب هريرة ) ٥٦٠١(قد روى ابن حبان و

: وعقب عليه بقوله»ليس للنساء وسط الطريق«: قالصالنبي لفظة إخبار مرادها الزجر عن يشء مضمر فيه، وهو مماسة "

الرجال يف امليش، إذ وسط الطريق الغالب عىل الرجال سلوكه، يتوقع من والواجب عىل النساء أن يتخللن اجلوانب، حذر ما

."مماستهم إياهنمن طريق أيب أسيد األنصاري ) ٥٢٧٢(وروى أبو داود

خربا فيه أن النساء اختلطن مع الرجال يف الطريق فأمرهن ت . أن يستأخرن، ويلزمن حافات الطريقصالنبي

واحلديث يف سنده مقال، بيد أن الشاهد يف فهم أيب داود يبة من ترمجة البخاري عىل للحديث، حيث ترجم عليه ترمجة قر

باب يف ميش النساء ": طواف الرجال مع النساء، فقال أبو داود ."مع الرجال يف الطريق




١٤ أن امليش يف الطريق يشء، واالختالط الذي /ففهم

أنكر يف احلديث يشء آخر . وذلك أن الطرق ال يمكن أن يمنع الناس من املرور فيها،

ولكن ال حيل أن يكون ذلك عىل بل يمر الرجال ومتر النساء، .حال من اختالطهم

، والتي كثريا ما أما صالة النساء مع الرجال يف املسجديستدل هبا من يربر االختالط فليس فيها ما يدل عىل دعواهم

.عند من فقه النصوص الواردة فيهاومن هنا ترجم أبو داود يف السنن عىل صالة النساء مع

ة تبني حقيقة ما كان عليه الناس زمن الرجال يف املسجد ترمجباب اعتزال النساء يف ": النبوة من التباعد من االختالط فقال

أن ب ثم ساق بسنده عن ابن عمر "املساجد عن الرجال فلم يدخل منه ابن »لو تركنا هذا الباب للنساء«: قالصالنبي

.عمر حتى مات): ٢/١٣٠عون املعبود (قال أبو الطيب آبادي صاحب

أي باب املسجد الذي أشار إليه النبي ) لو تركنا هذا الباب("

شبهة االختالط""




١٥

لئال ختتلط النساء بالرجال يف الدخول لكان خريا وأحسن؛ ص، واحلديث فيه دليل أن النساء ال خيتلطن يف واخلروج من املسجد

."...املساجد مع الرجال، بل يعتزلن يف جانب املسجدبلفظ ) ١٩٣٨(يس وحديث ابن عمر هذا قد رواه الطيال

ال «: ملا بنى املسجد جعل بابا للنساء، وقالصأن رسول اهللا يلجن من هذا الباب من الرجال أحد : "ال يلجن" ومعنى قوله »

ال يدخلن . وهذا أصل عظيم جلعل مداخل الرجال مغايرة ملداخل

.النساءوهو أمر يكثر نقده من قبل عدد من كتاب اليوم، ممن

.هلون هذه النصوص، أو يعاندوهناجي يف بيان هدي النبي لأضف إىل هذا حديث أم سلمة

كان يسلم فينرصف «: إذا فرغ من صالته، حيث قالتص »صالنساء فيدخلن بيوهتن من قبل أن ينرصف رسول اهللا

).٨٥٠: رواه البخاري(وكان الرجال يثبتون يف أماكنهم بعد الصالة حتى يقوم




١٦ بعد أن تدخل لك كام علمت من احلديث السابق ، وذصالنبي

.النساء بيوهتن أن النساء يف عهد رسول اهللا«): ٨٦٦(ففي البخاري

كن إذا سلمن من املكتوبة قمن، وثبت رسول اهللا ص ص قام صومن صىل من الرجال ما شاء اهللا، فإذا قام رسول اهللا

.»الرجاليف املسجد؛ ولذا وذلك كله دال عىل قلة مدة بقاء النساء

باب رسعة انرصاف النساء من ": ترجم عليه البخاري بقوله ."الصبح، وقلة مقامهن يف املسجد

واملقصود من بقاء الرجال هذه املدة يف أماكنهم إىل أن ، فإن املقصود أن ال خيتلطن تدخل النساء بيوهتن واضح ال خيفى

ث النبي بالرجال، كام نص عىل هذا غري واحد ممن ذكر سبب مك . يف مقامه بعد السالمص

، وابن مفلح )١/٣٢٨(نص عىل هذا ابن قدامة يف املغني ، )١/٣٦١(، وابن تيمية يف االستقامة )٢/٩٤(يف املبدع

، والنووي يف املجموع )٢/١٤٨(واملاوردي يف احلاوي




١٧

.وغريهم) ٢/٤٣٤(، وابن حجر يف الفتح )٣/٤٥٣(ئا من التوسع ـ من بعض النساء شيلوملا رأت عائشة

لو «: الذي ال يقارن مطلقا بتوسع عدد من النساء اليوم ـ قالت: رواه البخاري (» ما أحدث النساء ملنعهنصأدرك النبي

).٤٤٥:، ومسلم٨٦٩مع أن هذا التوسع إنام وقع من بعضهن قطعا، ومع ذلك قالت أم املؤمنني ما قالت، وهو متوجه إىل من أحدثن، دون

نبه أهل العلم، وذلك لئال تكون الصالة يف املسجد غريهن، كام ذريعة ملا ال حتمد عقباه من وقوع الفتنة، فإذا كان هذا يف املساجد التي هي بيوت اهللا، وهي أحب البالد إىل اهللا، فكيف بام سواها

!من أماكن العمل والدراسةفعرف من كل ما تقدم مدى االحتياط العظيم لصالة

ال يف املسجد،النساء مع الرج




١٨

إن : فهل يقول من يتقي اهللا بعد هذه االحتياطات الثالثاختالط الرجال بالنساء الذي يرو ج له اليوم قد دلت عليه

.النصوص التي أفادت بصالة النساء مع الرجال يف املسجد؟[R Q P O NZ]٩:النساء[.

إن االحتياط من االختالط املحرم قد : ومع كل هذا نقول ملا حرضت ص، فهذا رسول اهللا جاء حتى يف األحوال الصعبة

الوفاة صاحبه اجلليل أبا سلمة حرضه ص ٣/٢٤١: ابن سعد يف الطبقات(، كام رواه.(

فهذا السرت املستور بني الرجال والنساء ليس له معنى إال ـ أزكى الناس صمنع االختالط، مع أن املوضع فيه رسول اهللا

.وأطهرهم، وأبعدهم عن أي ريبة ـكام أن القوم ـ رجاال ونساء ـ ينتاهبم احلزن بوفاة هذا

الكريم، وذلك كله مما جيعل فتنة الرجال بالنساء ـ الصحايب .واحلال ما ذكر ـ بعيدة كام ال خيفى

ومع ذلك كله مل يغفل عن وضع هذا السرت املستور، فأين




١٩

من يزعمون انتفاء اخلطر يف حال ما أسموه بسالمة قلب الرجل واملرأة؟

أجيدون قلوبا أسلم من قلوب املوجودين يف بيت أيب ذاك؟سلمة إذ

؛ وإذا احتاجت النساء إىل موضع فيه رجال خرج الرجالليدخلن، وكذا العكس، وال جيتمعون اجتامعا يرتتب عليه

إذا دخلن البيت قمن «: اختالطهم، كام تقدم يف رواية البخاريحتى يدخلن، وأخرج الرجال «.

وهذا بعينه ما وقع عند مصاب عظيم حل باملسلمني، إذ طعن عمر ، واجتمع الرجال عنده، فلام جاءت حفصة ت

بنت عمر، ومعها النساء أخىل الرجال املكان، فبقيت عنده ساعة مل يدخل الرجال فيها، فلام أرادوا الدخول استأذنوا، فعند ذلك

.قامت وأخلت املكان ليدخلوا): ٤/٢٠٥: فيام رواه البخاري(قال عمرو بن ميمون

اء تسري معها، وجاءت أم املؤمنني حفصة والنس« ،فوجلت عليه فبكت عنده ساعة ،




٢٠ فسمعنا بكاءها من الداخل ،«.

فلامذا كل هذا واملصاب جلل؟ والقلوب قد اشتغلت بمـا : وقع ألميـر الـمؤمنني أشد اشتغال، حتى قال عمرو بن ميمون

).٤/٢٠٥:البخاري (»مئذكأن الناس مل تصبهم مصيبة قبل يو«إن السبب واضح ملن أنصف، فقد كان الغرض منع

.االختالط وال تومل يقل أحد من املوجودين يف املكان، ال عمر

إن هذا الفعل تكلف مذموم، إذ الظرف أدق من أن يتعامل : غريه أم للموجودين؛ لفحفصة . معه الناس بمثل هذا األسلوب

ل احلارضون من خيار املسلمني، فيهم لكوهنا أم املؤمنني، والرجا وغريه من األخيار، فام الداعي ملثل هذا؟بابن عباس

مل يقولوه؛ ملا استقر عندهم من منع اختالط الرجال .بالنساء

ر منع االختالط يف أمة ! ويا سبحان اهللا كان كيف يستنكاملسلمون فيها زمن نبيهم وزمن الصدر األول يعودون بناهتم

.، كام دلت عىل ذلك نصوص كثريةم اخلدورلزو

حرص السلف عىل تربية البنات عىل

""




٢١

مجع خدر، وهو ناحية يف البيت، يرتك عليها : واخلدور ر، كام قال ابن األثري يف ).٢/١٣:النهاية(سرت، وتكون فيه البك

وذكر القرطبي أن البنت تالزم اخلدر إىل أن خترج منه إىل ).١١٦-٦/١١٥:املفهم(بيت زوجها

ه أولئك السلف األخيار داخل فإذا كان هذا مما يصنعفكيف يظن هبم أن يرسلوهن، بيوهتم، وينشئون عليه أبكارهم،

.ليختلطن بالرجال خارج البيوت بال نكريوال ريب أن تتبع الروايات الواردة يف املنع من االختالط يطول، والغرض من الكتابة بيان األمر بإجياز قدر املستطاع، ولو

ل العلم من الرشاح واملفرسين والفقهاء ذهبنا نرسد كالم أهلطال بنا املقام، وهو موجود بحمد اهللا يف موضعه، ملن أراد

الوقوف عليه، غري أين أحب أن :

أن هناك أخبارا كثرية فيها رواية الرجال وهم عن النساء، ورواية النساء عن الرجال، وهذا مما قد يت

البعض منه وجود اختالط بينهم، إذ كيف يروي رجل عن امرأة




٢٢ !من دون أن خيتلط هبا

واحلق أن ذلك وقع دون اختالط، وهذا يدركه من عرف .حال السلف، وما كانوا عليه من االحرتاز عن الفتنة

ملا نقل إنكار هشام ) ٧/٣٨:السري(ولذا فإن الذهبي يف دث عن امرأته، قائالبن عروة عىل ابن إسحاق أن حي حتدث ":

أي "واهللا إن رآها قط! ابن إسحاق عن امرأيت فاطمة بنت املنذر .ما رآها قط

هشام صادق يف يمينه، فام رآها، وال زعم ": قال الذهبيوقد سمعنا من عدة نسوة، الرجل أنه رآها، بل ذكر أهنا حدثته،

ائشة، وما رأوا وما رأيتهن، وكذلك روى عدة من التابعني عن ع ."هلا صورة أبدا

نقل الرجل عن امرأة ال يعني أبدا ومراد الذهبي أن ، فضال عن رؤيتها، وذلك لوجود ما يمنع االختالط هبا

.االختالط بني الرجال والنساءوهذا واقع دراسات الطالبات اجلامعيات منذ سنني يف

، ووصلن ، وقد تفوق عدد منهنبلدنا اململكة العربية السعودية




٢٣

إىل مرحلة الدكتوراه، ثم جاوزهنا، من خالل التدريس بواسطة .الدائرة التلفزيونية، دون اختالط بحمد اهللا

أن هنالك روايات كثرية قبل نزول احلجاب يتجىل فيها اختالط الرجال بالنساء، وهذه الروايات ال

بل احلجاب ال ينبغي للمنصف أن حيتج هبا، فإن االحتجاج بام قداللة فيه؛ ألنه الوضع الذي كان عليه الناس قبل نزول احلكم الناسخ، شأنه يف ذلك شأن أي حكم منسوخ، ال حيل االستمساك به، بعد أن ورد ما ينسخه، وإال ألمكن أن حيتج أحد

.عىل جواز نكاح املتعة بأدلة إباحته قبل النسخ .وقل مثل هذا يف نظائره من املنسوخات

بعض األدلة الواردة يف شأن زينة النساء الواجب ويفسرتها التنبيه إىل أن ما قد يظهر منها للرجال كان قبل األمر

مبينة سبب معرفة صفوان بن لباحلجاب، كام يف قول عائشة فرأى سواد إنسان نائم فأتاين فعرفني حني رآين، «: املعطل هلا

ي، فخمرت وكان يراين قبل احلجاب، فاستيقظت حني عرفن ).٢٧٧٠:، ومسلم٧/٦: رواه البخاري (»وجهي بجلبايب




٢٤ . غطيته"فخمرت وجهي": ومعنى قوهلا

جواب لسؤال يتبادر »وكان يراين قبل احلجاب«: وقوهلا فبينت »فعرفني حني رآين«: إىل ذهن السامع من قوهلا قبل ذلك

كام أن ذلك إنام كان قبل ترشيع احلجاب، فال عجب أن يراها، كان الرجال يرون النساء وخيتلطون هبن أول األمر، فلام رشع اهللا

.احلجاب بادرت إىل تغطية وجههاعن ابن ) ١/٥٦:البخاري(ومما يوضح ذلك ما رواه

كان الرجال والنساء يتوضئون يف زمان «: أنه قالبعمر . » مجيعاصالرسول

فهذا احلديث أجاب عنه سحنون أحد أئمة املالكية بأنويذهبون، ثم تأيت النساء، أن الرجال كانوا يتوضؤونمعناه

، وبه أجاب ابن التني، ملا يف لفظه من التدليل عىل »فيتوضأن .االختالط الذي استقر منعه عندمها

لكن األوىل يف اجلواب، كام قال ابن حجر يف : الفتح(ال مانع من االجتامع قبل نزول احلجاب، : أن يقال"): ١/٣٩٠ ."ما بعده فيختص بالزوجات واملحارموأ




٢٥

ومما يبني ذلك أن إخراج الذراعني يف الوضوء ليمسهام املاء وإخراج شعر الرأس، ليمسح أمر ال بد منه للرجال والنساء، فهل يقول من يستدل هبذا احلديث عىل تسويغ

إن ذلك أمر ال بأس بوقوعه من النساء بمحرض من : االختالط الرجال؟

م ال يقولون بذلك، فلو احتج أحد جلواز إبداء ال ريب أهناملرأة ذراعيها وشعر رأسها أمام الرجال هبذا احلديث ملا وجدوا

.هذا أمر قبل إجياب احلجاب: جوابا إال أن يقولوافام الذي سوغ لكم االحتجاج هبذا احلديث : وعليه يقال

عىل جواز االختالط، ثم ملا احتج باحلديث نفسه عىل إبداء الذراعني وشعر الرأس سارعتم إىل نفي داللته عىل ذلك، ألنه

!قبل احلجاب؟وبكل حال، فلو فرضنا أن هذه األدلة التي ذكرت ـ وغريها كثري ـ مل تقنع هؤالء املسوغني لالختالط، ورأوا أن لدهيم األدلة عىل صحة ما اختاروه، كام أن لدهيم األجوبة عىل

سؤال كبري عليهم ط، فيبقى كل دليل يدل عىل منع االختال




٢٦ .اإلجابة عنه، مستشعرين أن اهللا تعاىل سيسأهلم عن جواهبم

هل االختالط الذي يزعمون وجوده : وهذا السؤال هو وأصحابه هو االختالط الذي يريدون جر الناس صزمن النبي

إليه، بحيث ال ينتج عن هذا االختالط إال ما نتج عن االختالط وأصحابه؟صه زمن النبي الذي يزعمون وجود

فهل جيدون يف اختالط اليوم ما ورد يف النصوص من تباعد الرجال عن النساء بالوضع الذي بيناه من حال السلف يف الطواف والصالة يف املساجد، بحيث يعتزل النساء عن الرجال

عزلة حقيقية؟، والذي ص هل االختالط املزعوم زمن النبي :وبالتايلليه بالنصوص هو االختالط الذي يدعون إليه، استدلوا ع

بحيث تطابق األدلة التي احتجوا هبا عني املسألة التي استدلوا .هلا؟

نعم ـ وال نظن منصفا منهم يقول ذلك ـ : فإن قالوافلينظروا يف آثار االختالط الواقع يف كثري من بالد املسلمني

التي ال جيحدها إال اليوم، وما جر عىل األمة من املفاسد العظيمة




٢٧

املكابرون ـ مع أن مدة وقوع املسلمني فيه كانت منذ عقود ليست إن هذا االختالط يف أصله سائغ، : بعيدة ـ وليقل دعاة االختالط

وهذه اآلثار املرتتبة عليه ـ مهام كانت مريرة ـ نتيجة ال بد منها ! ألمر دلت عليه النصوص

.عاملنعوذ باهللا من منكرات األقوال واألال ـ وهو املظنون بالعقالء منهم ـ بل االختالط : وإن قالوا

وأصحابه خيتلف كل االختالف صالذي ننسبه إىل زمن النبي .عن اختالط اليوم، وال ينبغي مقارنة هذا بذاك

بأي حق استدللتم بنصوص ذات ضوابط : فيقال هلمعن حمددة، مربوطة بوقائع معينة عىل وضع خيتلف كل االختالف

تلك الوقائع؟ فوسعتم الدائرة حتى شملت ما ال يدخل يف .دالالت النصوص، وأحلقتم املسألة املبحوثة بام ليس من نظائرها

وهل سيبقى للنصوص كلها مدلول واضح إذا أدخل فيها ما ليس منها، عىل النحو الذي صنعتموه؟

إذا فليحسبوا لدعوهتم احلساب الدقيق، وليتأملوا يف صري الذي يمكن أن جتر إليه األمة، وليحذروا من تناول هذه امل




٢٨ املسائل العظيمة بأسلوب املراء واجلدل املحض الذي ينظر فيه إىل جمرد ادعاء الغلبة، وزعم التمكن من إسقاط حجج املخالف،

.دون النظر فيام يرتتب عىل هذه األمور من العواقبلم الرشعي يف وهذا هو الذي نخشاه من دخول محلة الع

.هذه الدعوة أن مما يبعث عىل القلق تكلم الطريقة

العنيفة التي اختار منارصو االختالط طرح وجهتهم من خالهلا، من قبيل وصف املنكرين لالختالط بالـمحدثني !

وكأهنم قد دعوا األمة إىل هدي كرسى وقيرص قبل !!اإلسالم، ال إىل ما دلت عليه النصوص

ومن ذلك وصفهم باجلمود والدفاع عن املألوف الذي اعتادوه، ونسبوه إىل الدين، يف عبارات طائشة، تنم عن تعد وظلم عظيم، ملا يرتتب عىل تلك العبارات من وصم علامء األمة

قديام وحديثا هبذه األوصاف املقذعة . واهللا يعلم أن منع العلامء من االختالط ليس شيئا حديثا اختاره علامء متأخرون يف بيئة حمددة هي اململكة العربية




٢٩

، ليحرصوا معركتهم مع السعودية، كام هيوون أن يصوروا للناسعلامء هذه البالد، بل املنع من االختالط قديم يف كالم السلف،

قول عطاء، وسحنون وابن قدامة ومن جاء بعدهم، كام تقدم يف النووي وابن حجر وابن التني وابن مفلح وابن تيمية واملاوردي و

، ممن لو نقلت كالمهم، وأيب الطيب آبادي، وغريهم كثري كثريوعددت أزمنتهم وأوطاهنم لطال بنا املقام جدا .

قبل ختام هذه املقالة أنبه إىل أن البعضحاول محل نصوص النهي عن االختالط عىل حال اخللوة

فقط، وزعم أن النصوص دالة عىل املحرمة بني الرجل واملرأة !!.حرمة اخللوة، دون االختالط

وهذا من العجائب، فإن جعل املسألة هبذا التصوير باطل ال شك فيه؛ ألن اخللوة حرمت ألدلة ختصها، واالختالط الذي

نبهنا عليه حرم ألدلة ختصه، فكام أن من اخلطأ البني أن يقال إن : ون اخللوة، فكذلك يقال يف حرص االختالط هو املحرم وحده د .املنع يف اخللوة، دون االختالط

ومعلوم أن أهل العلم جيمعون النصوص كلها، وال




٣٠ يغفلون شيئا منها؛ ألهنا كلها حق، ال يأتيه الباطل، فوجب ضمها إىل بعض؛ ليتضح احلق عىل جليته، ال أن يعمل ببعضها

مفاسد مجة، من وال شك أن االختالط ينجم عنه دون بعض، والتي ال يمكن منصفا أن جيحد أهنا اخللوة املحرمة نفسها، : أوهلا

ذات ارتباط وثيق جدا باالختالط . ، بل ال بيئة هتيء اخللوة املحرمة أقرب من بيئة االختالط

الذي ينترش فيه الرجال والنساء يف مواضع متفرقة، ال يمكن . عن استبعادهامعها بتاتا منع اخللوة املحرمة، فضال

والواقع شاهد صادق عىل ذلك، فإن البيئات املختلطة يكثر فيها اخللو املحرم، بينام البيئات البعيدة عن االختالط يقل فيها ذلك جدا، وتسهل السيطرة عليه ومعاجلته، والقائل بغري هذا يدرك

.الناس منه املغالطة البينة التي حتيل النقاش معه إىل نقاش عقيم ثل ذلك غض البرص الذي أمر اهللا به املؤمنني واملؤمناتومUT S R Q P ]يف كتابه O N

X W VZ ٣٠:النور[اآلية[ [ c b a `f e dZ ٣١:النور[اآلية[.




٣١

فال بيئة يصعب فيها تطبيق هذا األمر اإلهلي العظيم أشد من بيئة االختالط يف املدارس واألعامل واملستشفيات ونحوها،

واملؤمنة ليعانيان األمرين؛ ليقيام أمر اهللا الرصيح حتى إن املؤمن .يف هذه املسألة، بسبب الوضع املغلوط يف هذه األماكن

ويف الوقت نفسه، ما أسهل غض البرص ـ عىل من أعانه اهللا عليه ـ حينام ال يوجد اختالط يف هذه املواضع، وإنام يوجد

، ص النبي مرور عابر يف الطرقات، كام كان الوضع عليه زمنفيسهل غض البرص لطيب البيئة التي هيأت ذلك، وهو الذي

.متيزت به بالدنا الطيبة منذ سنني ابن أيب سعد أن عطاء) ٢٠/٥٤:السري(وقد ذكر الذهبي يف

حبس مع نساء ـ بعد أن رضب ) هـ٥٣٥(الثعلبي، املتوىف سنة ب، رضبا شديدا ـ وكان يف املوضع أترسة ـ فقام بجهد من الرض

: وأقام األترسة بينه وبينهن، وقال ص.

وذلك أن االختالط ـ كام قدمت ـ موصل إىل اخللوة وال بد، فاستبعاد اخللوة مع االختالط ال يقبله ذوو السرب السليم




٣٢ .لواقع الناس يف القديم واحلديث

وتتضح خطورة تصوير املسألة بام تقدم يف تسويقاالختالط من خالل إظهار التحريم لغريه؛ ليظن الناس أن النصوص املانعة من االختالط هلا مورد غري االختالط نفسه، وبالتايل ال يشعر اجلاهل بأنه خمالف للنصوص، ما دام ينأى بنفسه عن اخللوة املحرمة، فترصف دالالت النصوص عن

عتزلة ونحوهم مراد الشارع بأسلوب يشبه أسلوب متكلمي امليف رصف دالالت النصوص الواضحة؛ بام أدى إىل ضياع معامل

.تلك النصوص عند من أحسن الظن بأولئك املتكلفنينسأل اهللا أن يرينا وإخواننا احلق حقا ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطال ويرزقنا اجتنابه، وأن ال جيعله ملتبسا علينا

جيعلنا من مفاتيح اخلري، مغاليق الرش، فنضل، كام نسأله تعاىل أنوأن ال جيعلنا من مفاتيح الرش، مغاليق اخلري، ونسأله أن ينرص . هذا الدين، ويعز السنة وحيببها إلينا، وأن يؤلف هبا بني قلوبنا .واهللا أعلم، وصىل اهللا وسلم عىل نبينا حممد وعىل آله وصحبه




ﺔﻧﺎﻴﺻ ﻥﺎﻬﺘﻣﻻﺍﻦﻋ ﺓﺃﺮﳌﺍ · ﺔﻧﺎﻴﺻ...

Documents