ﺐﺋﺎﺼﻤﻟﺍ ﻞﻫﺃ ﺔﻴﻠﺴﺗ · 3 ﻲﻠﺒﻨﺤﻟﺍ ﻲﺠﺒﻨﻤﻟﺍ...

محمد المنبجي الحنبليتسلية أهل المصائب 1

تسلية أهل المصائب

محمد المنبجي الحنبلي

www.alwww.al-mostafa.com

www.al


الباب األول ـ في المصيبة و حقيقتها و ما أعد اهللا لمسترجعها

أولئك عليهم * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا هللا وإنا إليه راجعون {: قال اهللا تعالى

نعم : قال عمر بن الخطاب رضي اهللا عنه }تدون صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المه

اآلية ذكره البخاري تعليقا} أولئك عليهم صلوات من ربهم و رحمة {العدالن و نعمت العالوة

قال علقمة } ما أصاب من مصيبة إال بإذن اهللا و من يؤمن باهللا يهد قلبه {: و قال تعالى

فيعلم أنها من عند اهللا فيرضى و هي المصائب تصيب الرجل: وجماعة من المفسرين

يسلم و اآليات في هذا الباب كثيرة

وحقيقته األمر المكروه يحل باإلنسان : يقال مصيبة و مصابة و مصوبة قالوا : قال أهل اللغة

أصابه إصابة و مصابة و صابة : المصيبة كل ما يؤذي المؤمن و يصيبه يقال : و قال القرطبي

ئب و المصوبة بضم الصاد مثل المصيبة و أجمعت العرب على همز و المصيبة واحدة المصا

المصائب و أصله الواو وكأنهم شبهوا األصل بالزائد و يجمع على مصاوب و هو األصل وعلى

مصائب

اإلصابة قال الشاعر: و المصاب :

أهدى السالم تحية ظلم...أسليم إن مصابكم رجال ) )

النكبة ينكبها اإلنسان و : لغة في أصابه و المصيبة : و صاب السهم القرطاس يصيبه صيبا

إن مصباح النبي صلى اهللا عليه و : روى عكرمة مرسال [ إن صغرت و تستعمل في الشر و

أمصيبة هي يا رسول اهللا ؟ : فقيل } إنا هللا و إنا إليه راجعون {: سلم انطفأ ذات ليلة فقال

كل ما آذى فهو مصيبة! نعم : قال ]

من حديث أبي سعيد و أبي هريرة ـ رضي اهللا عنهما ـ أنهما سمعا [ صحيح مسلم و في

ما يصيب المؤمن من وصب و ال نصب و ال سقم و : رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم يقول

[ ال حزن حتى الهم يهمه إال كفر اهللا به من سيئاته

التعب: المرض ـ و النصب : و الوصب

قال رسول اهللا صلى اهللا : ة عن عائشة ـ رضي اهللا عنها ـ قالت عن عرو[ و في الصحيحين

ما من مصيبة تصيب المسلم إال كفر اهللا عز و جل بها عنه حتى الشوكة : عليه و سلم

[ يشاكها

ثنا يونس ثنا ليث ـ يعني ابن سعد ـ عن يزيد ابن عبد اهللا عن عمرو : [ و قال اإلمام أحمد

أتاني أبو سلمة يوما من عند رسول اهللا : م سلمة قالت بن أبي عمرو عن المطلب عن أ

لقد سمعت من رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم قوال : صلى اهللا عليه و سلم فقال

: ال تصيب أحدا من المسلمين مصيبة فيسترجع عند مصيبته ثم يقول : سررت به قال


: قالت أم سلمة اللهم اؤجرني في مصيبتي و أخلف لي خيرا منها إال فعل ذلك به

اللهم اؤجرني في : فحفظت ذلك منه فلما توفي أبو سلمة استرجعت في مصيبتي و قلت

من : خيرا منها ـ ثم رجعت إلى نفسي و قلت : مصيبتي و أخلف لي خيرا منه ـ وفي لفظ

أين خير لي من أبي سلمة ؟ فلما انقضت عدتي استأذن علي رسول اهللا صلى اهللا عليه

أدبغ إهابا لي فغسلت يدي من القرظ و أذنت له فوضعت له وسادة من أدم و سلم وأنا

يا رسول اهللا ما : حشوها ليف فقعد عليها فخطبني إلى نفسي فلما فرغ من مقالته قلت

بي أن ال تكون بك الرغبة و لكني امرأة في غيرة شديدة فأخاف أن ترى مني شيئا يعذبني

أما ما ذكرت من الغيرة فسوف : سن و أنا ذات عيال فقال اهللا به و أنا امرأة قد دخلت في ال

يذهبها اهللا عز و جل عنك و أما ما ذكرت من السن فقد أصابني مثل ما أصابك و أما ما

فقد سلمت لرسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم : ذكرت من العيال فإنما عيالك عيالي قالت

رسول اهللا : ي اهللا بأبي سلمة خيرا منه أبدلن: فقالت أم سلمة بعد ] فتزوجها رسول اهللا

صلى اهللا عليه و سلم و قد روي هذا الحديث بعدة طرق في الصحاح و المسانيد و سيأتي

فيما بعد إن شاء اهللا تعالى

ك

عن


فصل ـ في كلمة إنا هللا و إنا إليه راجعون

ملجأ و }نا إليه راجعون إنا هللا و إ{: و قد جعل اهللا كلمات اإلسترجاع ـ و هي قول المصاب

مالذا لذوي المصائب و عظمة للممتحنين من الشيطان لئال يتسلط على المصاب

فيوسوس له باألفكار الرديئة فيهيج ما سكن و يظهر ما كمن فإذا لجأ إلى هذه الكلمات

ك و توحيد و إقرار بالعبودية و المل} إنا هللا {: الجامعات لمعاني الخير و البركة فإن قوله

إقرار بأن اهللا يهلكنا ثم يبعثنا فهو إيمان بالبعث بعد الموت و هو } و إنا إليه راجعون {قوله

إيمان أيضا بأن له الحكم في األولى و له المرجع في األخرى فهو من اليقين إن األمر كله

هللا فال ملجأ منه إال إليه

سمعت رسول : ا ـ قالت حديث أم سلمة ـ رضي اهللا عنه[ و روى مسلم في صحيحه من

إنا هللا {: ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره اهللا : اهللا صلى اهللا عليه و سلم يقول

الحديث] اللهم اؤجرني في مصيبتي و أخلف لي خيرا منها }و إنا إليه راجعون

إذا : قال رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم : أم سلمة قالت [ و روى مسلم أيضا عن

فلما مات : ضرتم المريض أو الميت فقولوا خيرا فإن المالئكة يؤمنون على ما تقولون قالت ح

يا رسول اهللا إن أبا سلمة قد مات : أبو سلمة أتيت النبي صلى اهللا عليه و سلم فقلت

فقلت فأعقبني اهللا من هو ] قولي اللهم اغفر لي و له و أعقبني منه عقبى حسنة : قال

إذا حضرتم المريض أو : مدا صلى اهللا عليه و سلم هكذا روي بالشك مح: خير لي منه

الميت هذا لفظ مسلم

عن ابن سفينة مولى أم سلمة عن أم [ و قد تقدم معنى هذا الحديث من طريق أخرى

ما من عبد تصيبه مصيبة : سمعت رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم يقول : سلمة قالت

اللهم اؤجرني في مصيبتي و أخلف لي خيرا منها إال }ه راجعون إنا هللا و إنا إلي{: فيقول

من خير من : فلما توفي أبو سلمة قلت : قالت ] آجره اهللا في مصيبته وأخلف له خيرا منها

ثم عزم لي فقلتها فتزوجت : أبي سلمة صاحب رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم ؟ قالت

رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم

لم نحوه من حديث سعد بن سعيد األنصاري أخي يحيى ابن سعيد عن عمر بن و روى مس

كثير عن ابن سفينة فذكر نحوه

إما بالخلف كما أخلف اهللا } و بشر الصابرين {: أن هذا تنبيه على قوله تعالى : و المقصود

تعالى ألم سلمة بدل زوجها أبي سلمة رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم حين تبعت

ة و قالت ما أمرت به ممتثلة طائعة إن البر ـ له ـ والخير فيما قاله اهللا ورسوله و إن السن


الضالل و الشقاء في مخالفة اهللا و رسوله فلما علمت ـ رضي اهللا عنها ـ أن كل خير في

الوجود إما عام و إما خاص فهو من جهة اهللا و رسوله و أن كل شر في العالم أو كل شر

به مخالفة اهللا و رسوله فلما قالت هذه الكلمات حصل لها مرافقة مختص بالعبد فسب

الرسول في الدنيا و اآلخرة

حديث أبي [ و قد يحصل العبد بكلمات االسترجاع منزلة عالية و ثوابا جزيال كما في

: ماذا قال عبدي ؟ فيقولون : فيقول اهللا تعالى لمالئكته : موسى و سيأتي ذكره و فيه

و قد ] ابنوا لعبدي بيتا في الجنة و سموه بيت الحمد : فيقول اهللا تبارك حمدك و استرجع

تقدم االسترجاع في المصيبة وأن قائله عليه الصلوات من ربه و الرحمة و هو من المهتدين

نعم العدالن و نعمت العالوة وأنه أراد بالعدلين الصلوات و الرحمة و بالعالوة : و قول عمر

{المراد استحقاق الثواب و تسهيل المصاب و تخفيف الحزن : م و قيل الهداية و اهللا أعل

فالصالة من اهللا الرحمة و من المالئكة االستغفار و من }أولئك عليهم صلوات من ربهم

صالة اهللا ثناؤه عليه عند المالئكة و صالة : اآلدمي التضرع و الدعاء و قال أبو العالية

ـ و اهللا أعلم ـ أن الصالة من اهللا غير الرحمة فإنه تعالى عطف المالئكة الدعاء و ظاهر اآليه

الرحمة على الصالة فعلم التغاير


فصل ـ في تسلية أهل المصائب بالعالج اإللهي و النبوي

الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا هللا وإنا إليه * وبشر الصابرين {: قوله تعالى : فاإللهي

كثيرة جدا وآيات الصبر}راجعون

ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره اهللا به : قوله صلى اهللا عليه و سلم [ و النبوي

اللهم اؤجرني في مصيبتي و أخلف لي خيرا منها إال آجره اهللا } إنا هللا وإنا إليه راجعون {:

و قد تقدم و أمثال ذلك من األحاديث] في مصيبته و أخلف اهللا له خيرا منها

عالجا من اهللا و رسوله ألهل } إنا هللا و إنا إليه راجعون {: د تضمنت هذه الكلمة و ق

المصائب فإنها من أبلغ عالج المصائب و أنفعه للعبد في عاجله و آجله فإنها تتضمن أصلين

عظيمين إذا تحقق العبد بمعرفتهما و تسلى عن مصيبته

ماله و ولده ملك هللا عز و جل حقيقة و أن يتحقق العبد أن نفسه و أهله و : أحد األصلين

: قد جعله اهللا عند العبد عارية فإذا أخذه منه فهو كالمعير يأخذ عاريته من المستعير و أيضا

فإنه محفوف بعدمين عدم قبله و عدم بعده و ملك العبد له متعة معارة في زمن يسير

ة و ال هو الذي يحفظه فإنه ليس هو الذي أوجده من عدم حتى يكون ملكه حقيق: وأيضا

من اآلفات بعد وجوده فليس له فيه تأثير و ال ملك حقيقي و أيضا فإنه متصرف فيه باألمر

تصرف العبد المأمور المنهي ال تصرف المالك و لهذا ال يباح له من التصرفات فيه إال ما وافق

أمر مالكه الحقيقي

لحق و البد أن يخلف الدنيا وراء ظهره و أن مصير العبد و مرجعه الى اهللا مواله ا: والثاني

يأتي ربه يوم القيامة فردا كما خلقه أول مرة بال أهل و ال مال و ال عشيرة و لكن يأتيه

بالحسنات و السيئات فإذا كانت هذه بداية العبد و ما خوله و نهايته و حاله فيه فكيف يفرح

يف يأسى على مفقود ؟ ففكرة العبد العبد بولد أو مال أو غير ذلك من متاع الدنيا ؟ أم ك

في بدايته و نهايته من أعظم عالج المصائب ومن عالجه أن يعلم علم اليقين أن ما أصابه

ما أصاب من مصيبة في األرض {: لم يكن ليخطئه و ما أخطأه لم يكن ليصيبه قال تعالى

لكي ال تأسوا * وال في أنفسكم إال في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على اهللا يسير

و من تأمل هذه اآلية }على ما فاتكم وال تفرحوا بما آتاكم واهللا ال يحب كل مختال فخور

الكريمة وجد فيها شفاء أو دواء المصائب و كل ما ذكرناه في هذا الفصل فهو في هذه اآلية

فتدبر ذلك


في النظر في كتاب اهللا تعالى و سنة رسوله: فصل

أن ينظر المصاب في كتاب اهللا و سنة رسول اهللا فيجد أن اهللا : المصائب و من تسلية أهل

تعالى أعطى ـ لمن صبر و رضي ـ ما هو أعظم من فوات تلك المصيبة بأضعاف مضاعفة

وأنه لو شاء لجعلها أعظم مما هي

أن يطفئ نار مصيبته ببرد التأسي بأهل المصائب و ليعلم أنه : و من أنفع األمور للمصاب

كل قرية و مدينة بل في كل بيت من أصيب فمنهم من أصيب مرة و منهم من أصيب في

مرارا و ليس ذلك بمنقطع حتى يأتي على جميع أهل البيت حتى نفس المصاب فيصاب

أسوة بأمثاله ممن تقدمه فإنه إن نظر يمنة فال يرى إال محنة و إن نظر يسرة فال يرى إال

حسرة

حدثني بعض من قرأ في : بإسناده عن عبد اهللا بن زياد قال وذكر أبو الفرج بن الجوزي

أن ذا القرنين لما رجع من مشارق األرض و مغاربها و بلغ أرض بابل مرض مرضا : الكتب

يا أماه اصنعي طعاما واجمعي من قدرت عليه : شديدا فلما أشفق أن يموت كتب إلى أمه

! ت لشيء قرارا باقيا و خياال دائما ؟ و ال يأكل طعامك من أصيب بمصيبة و اعلمي هل وجد

فلما وصل كتابه صنعت : إني قد علمت يقينا أن الذي أذهب إليه خير من مكاني قال

ال يأكل هذا من أصيب بمصيبة فلم يأكلوا فعلمت ما أراد : طعاما و جمعت الناس و قالت

سالم حيا و ميتامن يبلغك عني أنك و عظتني فاتعظت و عزيتني فتعزيت فعليك ال: فقالت

فإذا علم المصاب أنه لو فتش العالم لم ير فيهم إال مبتلى إما بفوات محبوب أو حصول

مكروه فسرور الدنيا أحالم نوم أو كظل زائل إن أضحكت قليال أبكت كثيرا و إن سرت يوما

لت ساءت دهرا و إن متعت قليال منعت طويال و ما مألت دارا حبرة إال مألتها عبرة و ما حص

للشخص في يوم سرورا إال خبأت له في يوم شرورا

لكل فرحة ترحة و ما ملىء بيت فرحا إال ملىء : قال عبد اهللا بن مسعود ـ رضي اهللا عنه ـ

ترحا

ما كان ضحك قط إال كان بعده بكاء: و قال ابن سيرين

: ي قوله تعالى فليعلم العبد أن فوت ثواب الصبر و التسليم هو الصالة و الرحمة و الهداية ف

و }أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون * إنا هللا وإنا إليه راجعون {

قد تقدم ذلك فما ضمنه اهللا على الصبر و االسترجاع أعظم من المصيبة في الحقيقة و اهللا

أعلم


فصل ـ في أن مرارة الدنيا هي حالوة في اآلخرة

أن ينظر العبد بعين بصيرته فيعلم أن مرارة الدنيا هي بعينها : و من تسلية أهل المصائب

حالوة في اآلخرة يقبلها اهللا تعالى و حالوة الدنيا هي بعينها مرارة في اآلخرة و ألن ينتقل

من مرارة منقطعة إلى حالوة دائمة خير من عكس ذلك فإن خفي عليك ذلك فانظر إلى

حفت الجنة بالمكاره و حفت : [ عليه و سلم قول الصادق المصدوق وهو قوله صلى اهللا

يؤتى يوم القيامة بأنعم أهل الدنيا من أهل : [ وكذلك قوله في الصحيح ] النار بالشهوات

يا ابن آدم هل رأيت خيرا قط ؟ هل مر بك نعيم قط ؟ : النار فيصبغ في النار صبغة ثم يقال

ي الدنيا من أهل الجنة فيصبغ في الجنة ال و اهللا يارب ويؤتى بأشد الناس بؤسا ف: فيقول

يا ابن آدم هل رأيت بؤسا قط ؟ هل مر بك شدة قط ؟ فيقول ال و اهللا يا : صبغة فيقال له

الحديث] رب

وهذا المقام تتفاوت فيه عقول الناس و تظهر حقائق الرجال فأكثر أهل زماننا يؤثر الحالوة

ولم يتحمل مرارة ساعة لحالوة األبد و ال ذل المنقطعة على الحالوة الدائمة التي ال تزول

ساعة لعز األبد و ال محنة ساعة لعافية األبد فإن الحاضر عنده شهادة و المنتظر غيب و

اإليمان ضعيف و سلطان الشهوة حاكم فتولد من ذلك إيثار العاجلة و رفض اآلخرة و هذا

مورهم و مبادئها و ما ذاك إال حال النظر الواقع على ظواهر أكثر أهل زماننا في أوائل أ

لحبهم هذه الحياة الدنيا

بحق أقول لكم إن أشدكم : كان عيسى ابن مريم عليه السالم يقول : قال وهب بن منبه

حبا للدنيا أشدكم جزعا على المصيبة

و أما النظر الثاقب الذي يخرق حجب العاجل و محاورة العواقب و الغايات فله شأن آخر فادع

ما أعد اهللا ألوليائه و أهل طاعته من النعيم المقيم و السعادة األبدية و الفوز نفسك إلى

األكبر و ما أعد اهللا ألهل البطالة و اإلضاعة من الخزي و الخسران و العذاب الدائم ثم اختر

أي القسمين أليق بك و كل يعمل على شاكلته و كل أحد يذهب إلى ما يناسبه و ما هو

نصح أخيك فيما يحسن بك و يسليكاألولى به و هذا


فصل ـ في االستعانة باهللا و االتكال عليه و العزاء بعزائه

أن يستعينوا باهللا و يتكلوا عليه و يتعزوا بعزاء اهللا تعالى و : و من تسلية أهل المصائب

استنجاز ما يمتثلوا أمره في االستعانة بالصبر و الصالة و يعلموا أن اهللا مع الصابرين و يطلبوا

وعد اهللا به عباده على الصبر

أال أحدثكم بحديث ال يحدثكم به أحد غيري ؟ كنا عند : في حديث أنس بن مالك قال [ و

اهللا و : تدرون مما ضحكت ؟ قالوا : رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم جلوسا فضحك فقال

له قضاء إال كان خيرا لهعجبت للمؤمن إن اهللا ـ عز و جل ـ ال يقضي: قال ! رسوله أعلم ]

إن هللا عبادا : قال بعض الحكماء : قال إبراهيم بن داود : و ذكر ابن أبي الدنيا بإسناده قال

قال : أولئك الذين صفت من الدنيا قلوبهم ثم قال : فقال : يستقبلون المصائب بالبشر قال

د هل تدري من أسرع الناس يا داو: يقول اهللا تعالى : وجدت في زبور داود : وهب بن منبه

ممرا على الصراط ؟ الذين يرضون بحكمي و ألسنتهم ربطة من ذكري

فالمؤمن الموفق ـ نسأل اهللا تعالى حسن التوفيق ـ من يتلقى المصيبة بالقبول و يعلم أنها

من عند اهللا ال من عند أحد من خلقه و يجتهد في كتمانها ما أمكن

كتمان المصيبة و كتمان المرض و : ثالثة من كنوز الجنة :قال عبد العزيز بن أبي داود

كتمان الصدقة

كثرة المال و المصيبة و الوالية: ثالثة يمتحن بها عقول الرجال : و قال بعض السلف

من جواهر البر كتمان المصيبة حتى يظن أنك لم تصب : و قال عبد اهللا بن محمد الهروي

قط

الشكر مع العافية و الصبر مع المصيبة: الذي ال شر معه الخير: و قال عون بن عبد اهللا


فصل ـ و من أعظم المصائب المصيبة في الدين

المصيبة في الدين فهي من أعظم مصائب الدنيا و اآلخرة و هي : و من أعظم المصائب

نهاية الخسران الذي ال ربح معه و الحرمان الذي ال طمع معه

إني ألصاب بالمصيبة فأحمد اهللا عليها أربع : ن شريح أنه قال وقد حكى ابن أبي الدنيا ع

مرات و أشكره إذ لم تكن أعظم مما هي و إذ رزقني الصبر عليها و إذ وفقني االسترجاع

لما أرجوه فيه من الثواب وإذ لم يجعلها في ديني

أعظم و من أعظم المصائب في ا لدين موت النبي صلى اهللا عليه و سلم ألن المصيبة به

من كل مصيبة يصاب بها المسلم ألن بموته صلى اهللا عليه و سلم انقطع الوحي من

السماء إلى يوم القيامة و انقطعة النبوات و كان موته أول ظهور الشر و الفساد بارتداد

العرب عن الدين فهو أول انقطاع عرى الدين و نقصانه و فيها غاية التسلية عن كل مصيبة

ر ذلك من األمور التي ال أحصيهاتصيب العبد و غي

ما نفضنا أيدينا من التراب من قبر رسول اهللا صلى : قال أنس بن مالك ـ رضي اهللا عنه ـ

اهللا عليه و سلم حتى أنكرنا قلوبنا رواه ابن ماجه

و إذا أردت أن تعلم أن المصيبة به صلى اهللا عليه و سلم أعظم من كل مصيبة حدثت في

أن رسول اهللا صلى اهللا عليه و : عن عائشة ـ رضي اهللا عنها ـ [ ا روي الدين فانظر إلى م

أيها الناس أيما أحد من الناس أو من المؤمنين أصيب بمصيبة فليتعزى بمصيبته : سلم قال

بي عن المصيبة التي تصيبه بغيري فإن أحدا من أمتي لن يصاب بمصيبة بعدي أشد عليه

بن عبيده و قد أضعفه غير واحد من األئمةو هذا من رواية موسى] من مصيبتي

من حديث عطاء بن أبي رباح مرسال أن رسول اهللا [ لكن روى أبو عمر بن عبد البر بإسناده

إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصابه بي فإنها من أعظم : صلى اهللا عليه و سلم قال

يق أخرى عن مكحول مرسال رواه الحافظ أبو نعيم من هذه الطريق أيضا و من طر] المصائب

نحوه

: و لقد أحسن أبو العتاهيه في نظمه موافقا لهذا الحديث حيث يقول

و اعلم بأن المرء غير مخلد...اصبر لكل مصيبة و تجلد ) )

وترى المنية للعباد بمرصد...أو ما ترى أن المصائب جمة ) )

د هذا سبيل لست عنه بأوح...من لم يصب ممن ترى بمصيبة ) )

فاجعل مصابك بالنبي محمد...فإذا ذكرت محمدا و مصابه ) )

: وفي رواية


فاذكر مصابك بالنبي محمد...وإذا ذكرت مصيبة تسلو بها ) )

و {: و إذا أردت أن تعلم تغير األحوال بموت النبي صلى اهللا عليه و سلم فاذكر قوله تعالى

اآلية }ن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ما محمد إال رسول قد خلت من قبله الرسل أفإ

و دخل ألف االستفهام } انقلبتم {: عطف عليه والجواب } أو قتل { شرط } أفإن مات {

: على حرف الجر ألن الشرط قد انعقد به وصار جملة واحدة و خبرا واحدا و المعنى

عليه انقلب على أفتنقلبون على أعقابكم إن مات أو قتل ؟ يقال لمن عاد إلى ما كان

المعنى فعلتم فعل المرتدين و منه انقلب على عقبيه و قول أنس و قد : عقبيه و قيل

تقدم

كان : و روى ابن ماجه من حديث أم سلمة ـ زوج النبي ـ صلى اهللا عليه و سلم ـ قالت

الناس علىعهد رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم إذا قام المصلي لم يعد بصر أحدهم

قدميه فتوفي رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم و كان أبو بكر رضي اهللا عنه ـ فكان موضع

الناس فإذا قام أحدهم يصلي لم يعد بصر أحدهم موضع القبلة فتوفي أبو بكر وكان ـ عمر ـ

رضي اهللا عنه ـ فكان الناس إذا قام أحدهم يصلي لم يعد بصر أحدهم موضع القبلة فكان

ه ـ فكانت الفتنة فتلفت الناس في الصالة يمينا و شماال و إسناده عثمان ـ رضي اهللا عن

مقارب

و المقصود أن المصائب تتفاوت فأعظمها المصيبة في الدين ـ نعوذ باهللا من ذلك ـ هي

أعظم من كل مصيبة يصاب بها اإلنسان يؤيد ذلك أنه قد جاء في بعض اآلثار أن النبي صلى

ثم بعد مصيبة ] وب من سلب دينه والمحروم من حرم األجر المسل: [ اهللا عليه و سلم قال

الدين المصيبة في النفس ثم في المال أما المال فيخلفه اهللا تعالى و هو فداء األنفس و

ما أصاب من مصيبة في األرض و ال في {: النفس فداء الدين و الدين ال فداء له قال تعالى

ذلك على اهللا يسيرأنفسكم إال في كتاب من قبل أن نبرأها إن }


فصل ـ في البشارة لمن تذكر المصيبة فاسترجع

و من أعظم البشارات لمن أصيب بمصيبة فذكرها بعد مدة طويلة فجدد لها استرجاعا و

صبرا ماله عند اهللا من األجر كلما ذكرها و استرجع

ا هشام ابن أبي هشام حدثن: ثنا يزيد و عباد بن عباد قاال : [ قال اإلمام أحمد في مسنده

ثنا عباد ابن زياد عن أمه عن فاطمة بنت الحسين عن أبيها الحسين ابن علي ـ رضي اهللا

ما من مسلم و ال مسلمة يصاب بمصيبة : عنهما ـ عن النبي صلى اهللا عليه و سلم قال

له قدم عهدها ـ فيحدث لذلك استرجاعا إال جدد اهللا: فيذكرها و إن طال عهدها ـ قال عباد

فاطمة بنت [ و رواه ابن ماجة من حديث ] عنه ذلك فأعطاه مثل أجرها يوم أصيب بها

من أصيب بمصيبة فذكر : إن رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم قال : الحسين أيضا و لفظه

لكن ] مصيبته فليحدث استرجاعا و إن تقادم عهدها كتب اهللا له من األجر مثله يوم أصيب

في اسناده مقال

إنا هللا وإنا {ما أعطي أحد في المصيبة ما أعطي هذه األمة ـ يعني : قال سعيد بن جبير

ـ و لو أعطي أحد ألعطي نبي اهللا يعقوب عليه السالم ألم تسمع إلى قوله }إليه راجعون

عليهم صلوات { أولئك ـ أصحاب هذه الصفة ـ } يا أسفى على يوسف {: في فقد يوسف

ولئك هم المهتدونمن ربهم ورحمة و أ }


فصل ـ في الفرق بين تمتع الدنيا الفاني و اآلخرة الباقي

تمتع : أن ينظر المصاب و يفرق بين أعظم اللذتين و التمتعين : و من تسلية أهل المصائب

الحياة الدنيا الفانية و تمتع الدار اآلخرة الباقية و أدومهما لذة و تمتعا بما أصيب به و لذة

بثواب اهللا له على قوله و فعله من استرجاع و صبر و نحوه فإن ظهر له الرجحان فآثر تمتعه

الراجح فليحمد اهللا على توفيقه له و إن آثر المرجوح من كل وجه فليعلم أن مصيبته في

عقله و قلبه و دينه أعظم من مصيبته التي أصيب بها في دنياه و أي نسبة بين تمتعه

قل متاع {: التي قال اهللا تعالى في حقها من أولها إلى آخرها بمحبوبه في هذه الدار

و أي شيء حصل له من القليل ؟ فمن آثر جزءا قليال من قليل ينفد على جزء }الدنيا قليل

كثير من كثير ال ينفد فقد اغتيل عقله

يحسب الجاهل الشيء الذي هو ال شيء شيئا و الشيء الذي هو : قال بعض الحكماء

شيء و من ال يترك الشيء الذي هو ال شيء ال ينال الشيء الذي هو الشيء الشيء ال

و من ال يعرف الشيء الذي هو الشيء ال يترك الشيء الذي هو ال شيء يريد الدنيا و

اآلخرة ذكره ابن أبي الدنيا في كتاب ذم الدنيا


قدره وفصل ـ في أن يوطن اإلنسان نفسه على توقع المصائب و أنها بقضاء اهللا

أن يوطن نفسه على أن كل مصيبة تأتيه هي من عند اهللا و أنها : و مما يسلي المصاب

بقضائه و قدره و أنه سبحانه و تعالى لم يقدرها عليه ليهلكه بها و ال ليعذبه و إنما ابتاله

ليمتحن صبره و رضاه و شكواه إ ليه و ابتهاله و دعاءه فإن وفق لذلك كان أمر اهللا قدرا

مقدورا و إن حرم ذلك كان ذلك خسرانا مبينا

عالج المصائب بسبعة أشياء: قال أبوالفرج بن الجوزي :

األول ـ أن يعلم بأن الدنيا دار ابتالء و الكرب ال يرجى منه راحة

: قال الشاعر

... و ما استغربت عيني فراقا رأيته )

( و ال علمتني غيرما القلب عالمه

المصيبة ثابتةالثاني ـ أن يعلم أن

الثالث ـ أن يقدر وجود ما هو أكثر من تلك المصيبة

الرابع ـ النظر في حال من ابتلي بمثل هذا البالء فإن التأسي راحة عظيمة

: قالت الخنساء

على إخوانهم لقتلت نفسي...و لوال كثرة الباكين حولي ) )

أعزي النفس عنه بالتأسي...وما يبكون مثل أخي و لكن ) )

و هذا المعنى قد حرمه اهللا عز و جل أهل النار فإن المخلدين فيها كل واحد محبوس وحده

فهو يظن أنه لم يبق في النار سواه

الخامس ـ النظر في حال من ابتلي أكثر من هذا البالء فيهون عليه هذا

السادس ـ رجاء الخلف إن كان من مضى يصح عنه الخلف كالولد و الزوجة

تجدد فراشي: ماتت زوجتك ؟ قال : عليه السالم قيل للقمان


... هل وصل عزة إال وصل غانية )

( في وصل غانية من وصلها خلف

السابع ـ طلب األجر بالصبر في فضائله و ثواب الصابرين و سرورهم في صبرهم فإن ترقى

إلى مقام الرضى فهو الغاية انتهى كالمه و قد تقدم معنى ذلك

يلحق بعالج هذه السبعة أشياء و أمور أخرو ما :

الثامن ـ أن يعلم العبد كيف جرى القضاء فهو خير له


التاسع ـ أن تعلم أن تشديد البالء يخص األخيار

العاشر ـ أن يعلم أنه مملوك و ليس للمملوك في نفسه شيء

ما رضي به الحادي عشر ـ أن هذا الواقع وقع برضى المالك فيجب على العبد أن يرضى ب

السيد

! الثاني عشر ـ معاتبة النفس عند الجزع مما البد منه فما وجه الجزع مما البد منه ؟

الثالث عشر ـ إنما هي ساعة فكأن لم تكن

و هذه المعاني و قد تقدم ما يشبهها و يناسبها و يأتي ما هو أتم من ذلك و باهللا التوفيق


في الدنيا بجميع أنواعهافصل ـ في أن ال ننكر وقوع المصائب

ينبغي للعبد أن ال ينكر في هذه الدنيا وقوع هذه المصائب على اختالف أنواعها و من

استخبر العقل و النقل أخبراه بأن الدنيا مارستان المصائب و ليس فيها لذة على الحقيقة

إن إال و هي مشوبة بالكدر فكل ما يظن في الدنيا أنه شراب فهو سراب و عمارتها و

أحسنت صورتها خراب و جمعها فهو للذهاب و من خاض الماء الغمر لم يخل من بلل و من

دخل بين الصفين لم يخل من وجل فالعجب كل العجب ممن يده في سلة األفاعي كيف

و أعجب منه من يطلب من المطبوع على الضر النفع! ينكر اللسع ؟

: قال بعض األدباء

هاطبعت على كدر و أنت تريد ) ...

( صفوا من األقذاء و األكدار

و لوال أن الدنيا دار ابتالء لم تعتور فيها األمراض و األكدار ولم : قال أبو الفرج بن الجوزي

يضق العيش فيها على األنبياء و األخيار فآدم يعاني المحن إلى أن خرج من الدنيا و نوح

د و يعقوب بكى حتى ذهب بصره و بكى ثالثمائة عام و إبراهيم يكابد النار و ذبح الول

موسى يقاسي فرعون و يلقي من قومه المحن وعيسى بن مريم ال مأوى له إال البراري

في العيش الضنك و محمد صلى اهللا عليه و عليهم أجمعين يصابر الفقر و قتل عمه حمزة

مما يطول ذكره و هو من أحب أقاربه إليه و نفور قومه عنه و غير هؤالء من األنبياء و األولياء

و لو خلقت الدنيا للذة لم يكن حظ المؤمن منها

فإذا بان بأنها ] الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر : [ و قد قال النبي صلى اهللا عليه و سلم

دار ابتالء و سجن ومحن فال ينبغي إنكار وقوع المصائب فيها


فصل ـ في المصائب المختصة بذات اإلنسان

رأيت جمهور الناس : في المصائب المختصة بذات اإلنسان قال : ج بن الجوزي ذكر أبو الفر

إذا طرقهم المرض أو غيره من المصائب اشتغلوا تارة بالجزع و الشكوى و تارة بالتداوي إلى

أن يشتد عليهم فيشغلهم اشتداده عن االلتفات إلىالمصالح من وصية أو فعل خير أو

يتوب منها أو عنده ودائع ال يردها أو عليه دين أو زكاة أو تأهب للموت فكم ممن له ذنوب ال

في ذمته ظالمة ال يخطر له تداركها و إنما حزنه على فراق الدنيا إذ ال هم له سواه وربما

أفاق وأوصى بجور انتهى كالمه

فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إال {: و سبب ذلك ضعف اإليمان كما قال تعالى

و أحدهم ال هم له إال الدنيا و ال يتأسف إال عليها و }ذلك مبلغهم من العلم * لدنيا الحياة ا

العين المتطلعة إلى اآلخرة ضعيفة جدا و قد عم هذا أكثر الخلق في زماننا نعوذ باهللا من

الخذالن

فينبغي للمتيقظ أن ال يتأسف على ما فات و أن يتأهب في حال صحته قبل هجوم المرض

ق الوقت عن عمل و استدراك فارط أو وصية فإن لم تكن له وصية في صحته فربما ضا

فليبادر في مرضه و ليحذر الجور في وصيته فإنه من المحرمات فإنه يمنع المستحق و

روى أبو داود أن النبي [ يعطي من ال يستحق فيحتاج أن يحارب نفسه و شيطانه فقد

] أعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت اللهم إني: صلى اهللا عليه و سلم كان يقول

و يعلم أنه مملوك هللا و ليس له في نفسه شيء


للعبد أن يتعرضا...صرت لهم عبدا و ما ) )

و يعلم أيضا أن هذا الواقع من المصائب في نفسه و ماله و ولده وقع برضى مالكه وخالقه

أما : يد ويعاقب نفسه إذا جزعت و يقول لها فيجب على العبد أن يرضى بما يرضي به الس

وإنما هي ساعة كأن لم يكن ما كان و من ! فما وجه الجزع ؟ ! علمت أن هذا البد منه ؟

تلمح العواقب هان عليه مرارة الدواء و اهللا تعالى الموفق

ما رأيت جمهور الناس ينزعجون لنزول البالء انزعاجا يزيد عن الحد كأنهم: قال بعض السلف

علموا أن الدنيا على ذا

! وضعت و هل ينتظر الصحيح إال السقم و الكبير إال الهرم و الموجود سوى العدم ؟


اجتماع و فرقة: على ذا مضىالناس ) ...


( و ميت و مولود و بشر وأحزان

المنايا و و لعمري إن أصل االنزعاج ال ينكر إذ الطبع مجبول على األمن من حلول: ثم قال

إنما ينكر اإلفراط فيه و التكليف كمن يخرق ثيابه و يلطم وجهه و يعترض على القدر فإن هذا

ال يرد فائتا لكنه يدل على خور الجازع و يوجب العقوبة و السالم


فصل ـ في أن المصائب و المحن دواء للكبر و العجب

ها ألصاب العبد من أدواء الكبر و العجب و و ليعلم أهل المصائب أنه لوال محن الدنيا و مصائب

الفرعنة و قسوة القلب ما هو سبب هالكه عاجال و آجال فمن رحمة أرحم الراحمين أن

يتفقده في األحيان بأنواع من أدوية المصائب تكون حمية له من هذه األدواء و حفظا لصحة

ن يرحم ببالئه و يبتلي عبوديته و استفراغا للمواد الفاسدة الرديئة المهلكة فسبحان م

: بنعمائه كما قيل

قد ينعم اهللا بالبلوى و إن عظمت )

فلوال أنه سبحانه و تعالى يداوي عباده بأدوية المحن و ) و يبتلي اهللا بعض القوم بالنعم ...

االبتالء لطغوا و بغوا و عتوا و تجبروا في األرض و عاثوا فيها بالفساد فإن من شيم النفوس

ها أمر و نهي و صحة و فراغ و كلمة نافذة من غير زاجر شرعي يزجرها تمردت و إذا حصل ل

سعت في األرض فسادا مع علمهم بما فعل بمن قبلهم فكيف لو حصل لهم مع ذلك

و لكن اهللا سبحانه و تعالى إذا أراد بعبده خيرا سقاه دواء من االبتالء و االمتحان ! إهمال ؟

ألدواء المهلكة حتى إذا هذبه و نقاه و صفاه أهله ألشرف على قدر حاله و يستفرغ منه ا

مراتب الدنيا و هي عبوديته و رقاه أرفع ثواب اآلخرة و هي رؤيته


فصل ـ في اعتراض المصاب على األقدار و داللته بعبادته

قد يحصل للعابد الجاهل مصيبة من الجزع ما يسوء الناظر إليه و السامع عنه من االعتراض

األقدار و ما ذاك إال إلدالله بعبادته فإنه قد شوهد أن خلقا كثيرا من أهل الدين و الخير على

عند موت أحبابهم جرى منهم أمور ينكرها العقال من الناس فمنهم من خرق ثيابه و منهم

! من لطم خده و منهم من اعترض على القضاء و القدر

ارب الثمانين وهو من أهل الدين المحافظين رأيت رجال كبيرا أعرفه قد ق: قال ابن الجوزي

: ما ينبغي ألحد أن يدعو فإنه ما يستجيب ثم قال : على الجماعة فمات ولد البنته فقال

إن عاندنا فما يترك لنا ولدا فعلمت أن صالته و فعله للخيرعادة ال أنه ينشأ عن معرفة إيمان

حدثني خالي لعمي محمد بن : زي و هؤالء الذين يعبدون اهللا علىحرف ثم قال ابن الجو

كنت مشدا بقرية التل فسمعت عن شيخ قد جاوز الثمانين و ال يصلي و قد : عثمان قال

يا شيخ لم : كان قبل ذلك كثير الصالة مع الجماعة و فعل الخير ثم ترك ذلك فدعوته و قلت

؟ فأنا ما بقيت وكيف أصلي و كان لي أوالد فماتوا وكان لي غنم ففنيت : ال تصلي ؟ فقال

أصلي له و ال ركعة فضربته و طفت به البلد فكان بعد ذلك يواظب على الجامع انتهى ما

ذكره

فال شيء أنفع من العلم ألن العالم لو حصل له هلع شديد في مصيبته يعلم أنها زلة منه

فيدري كيف يتنفس و العابد الجاهل كلما غاص إلى أسفل يظن أنه صاعد إلى فوق فإذا

عند االمتحان يكرم : متحن الشخص ينبغي له أن يتداوى باألدوية الشرعية فإنه يقال ا

عن الحسن بن جعفر عن أبي [ الشخص أو يهان أما علم البد من الفرقة ؟ و قد روى داود

يا محمد عش ما : قال جبريل : قال رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم : الزبير عن جابر قال

فنعوذ ] بب من شئت فإنك مفارقه و اعمل ما شئت فإنك مالقيه عشت فإنك ميت و أح

باهللا من عدم الصبر عند المحنة و نسأله الثبات في األمر فإنه و العياذ باهللا يخاف على

الشخص من سوء الخاتمة إذا سخط األقدار و نازع القضاء و القدر أهله فنسأل اهللا تعالى

حسن الخاتمة


إبدال الشكوى و األنين بذكر اهللا تعالىفصل ـ في أن األفضل

ينبغي للمصاب بنفسه أو بولده أو بغيرهما أن يجعل في المرض مكان األنين ذكره اهللا

تعالى و االستغفار و التعبد فإن السلف رحمهم اهللا تعالى كانوا يكرهون الشكوى إلى

بر عنها دليل قوة و عز الخلق و هي و إن كان فيها راحة إال أنها تدل على ضعف و خور و الص

و هي إشاعة سر اهللا تعالى عند العبد و هي تأثر شماتة األعداء و رحمة األصدقاء


تأتيك في السراء و الضراء...ال تشكون إال صديق حالة ) )

في القلب مثل شماتة األعداء...فلرحمة المتوجعين مرارة ) )

دخلنا على ورقاء بن عمر و هو : إسماعيل بن عمرو قال و ذكر ابن أبي الدنيا بإسناده إلى

في الموت فجعل يهلل و يكبر و يذكر اهللا عز و جل و جعل الناس يدخلون عليه و يسلمون

يا بني اكفني رد السالم : عليه فيرد عليهم السالم فلما كثروا عليه أقبل على ابنه فقال

على هؤالء ال يشغلوني عن ذكر ربي عز و جل

حضرت عند الجنيد قبل وفاته بساعتين فلم يزل تاليا و : ن أبي محمد الحريري قال و ع

يا أبا محمد أحوج ما كنت : يا أبا القاسم قد بلغ ما أرى من الجهد فقال : ساجدا فقلت له

إليه هذه الساعة فلم يزل كذلك حتى فارق الدنيا

ابن آدم عند الموت يقول و قد روي في حديث أن إبليس ال يكون في حال أشد منه على

دونكموه فإنه إن فاتكم اليوم لم تلحقوه: ألعوانه

و اعلم ـ رحمك اهللا ـ أن األعمال بخواتيمها فإنه ربما أضله في اعتقاده و ربما حيل بينه و

بين التوبة و غير ذلك مما هو محتاج إليه و ربما وقع منه االعتراض على القضاء و القدر

فسه أو بغيره أن يعلم أو يعلم بغيره أنها صبر ساعة فيتجلد و يحارب فينبغي للمصاب بن

العدو جهد طاقته فبصدقه تحصل له عليه اإلعانة من اهللا و يعلم أيضا أن التشديد عليه أو

على غيره في النزع هو في الغالب من كرامة العبد على اهللا عز و جل فإن أشد الناس بالء

ما أشد مرارة : [ مثل و األمثل و قوله صلى اهللا عليه و سلم األنبياء ثم الصالحون ثم األ

اخنق خنقك فوعزتك إنك تعلم أن قلبي يحبك: و قول أبي عبيدة ] الموت

ما : وقد روى اإلمام أحمد عن الوليد بن مسلم األوزاعي عن عمر بن عبد العزيز أنه قال

المسلمأحب أن يهون علي سكرات الموت إنه آخر ما يكفر عن المرء

حدثني معمر حدثني شريك عن إبراهيم بن مهاجر عن : و قال عبد اهللا بن اإلمام أحمد

كانوا يستحبون للمريض أن يجهد عند الموت وبإسناده عن ابن : إبراهيم النخعي قال


آخر شدة يلقاها المؤمن عند الموت: عباس قال

يعني أنه لم : ل الحافظ بن ناصر مات فالن ولم يعالج قا: كانت عائشة رضي اهللا عنها تقول

أنه لم يحصل له في مرضه و عند موته ما يكون كفارة لذنوبه: يعالج

عن ثابت عن أنس بن مالك ـ رضي اهللا عنهم ـ أن النبي صلى اهللا عليه و سلم دخل [ و

أرجو اهللا و أخاف ذنوبي فقال رسول : كيف تجدك ؟ قال : على شاب و هو في النزع فقال

ال يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إال أعطاه اهللا : صلى اهللا عليه و سلم اهللا

[ ما يرضى أو أمنه مما يخاف

فمن خاف اهللا و حفظه في صحته حفظه في مرضه و من راقب اهللا في خطر حرسه اهللا

في حركاته و سكناته

: و سلم أنه قال حديث ابن عباس ـ رضي اهللا عنه ـ عن النبي صلى اهللا عليه[ و في

[ احفظ اهللا يحفظك احفظ اهللا تجده أمامك تعرف الى اهللا في الرخاء يعرفك في الشده

فلوال أنه كان من {: و في قصة يونس عليه السالم لما تقدم له عمل صالح قال

ولما لم يكن لفرعون عمل خير قط لم يجد }للبث في بطنه إلى يوم يبعثون * المسبحين

فمن ضيع } آآلن و قد عصيت قبل و كنت من المفسدين {: تعلقا فقيل له وقت الشدة م

اهللا في صحته فإنه يضيع في مرضه و اهللا أعلم


فصل ـ في أن الجزع ال يرد المصيبة بل يضاعفها

و ليعلم المصاب أن الجزع ال يرد المصيبة بل يضاعفها و هوفي الحقيقة يزيد في مصيبته بل

لجذع يشمت عدوه و يسوء صديقه و يغضب ربه و يسر شيطانه و يحبط يعلم المصاب أن ا

أجره و يضعف نفسه و إذا صبر و احتسب أخزى شيطانه و أرضى ربه و سر صديقه و ساء

عدوه و حمل عن إخوانه و عزاهم هو قبل أن يعزوه فهذا هو الثبات في األمر الديني قال

ألك الثبات في األمراللهم إنا نس: [ النبي صلى اهللا عليه و سلم ]

فهذا هو الكمال األعظم ال لطم الخدود و شق الجيوب و الدعاء بالويل و الثبور و التسخط

على المقدور

العاقل يفعل في أول يوم من المصيبة ما يفعله الجاهل بعد أيام و من : قال بعض الحكماء

حيح أن النبي صلى اهللا لم يصبر صبر الكرام سال سلو البهائم يريد بذلك ما ثبت في الص

إنما الصبر عند الصدمة األولى: [ عليه و سلم قال ]

إنك إن صبرت إيمانا و احتسابا و إال سلوت كما تسلو البهائم: و قال األشعث بن قيس

بل يعلم المصاب أن ما يعقبه الصبر و االحتساب من اللذة والمسرة أضعاف ما يحصل له

ه بل يكفيه من ذلك بيت الحمد الذي يبنى له في الجنة على ببقاء ما أصيب به لو بقي علي

حمده لربه و استرجاعه على مصيبته فلينظر أي المصيبتين أعظم مصيبته العاجلة بفوات

محبوبه أو مصيبته بفات بيت الحمد في جنة الخلد ؟

ا يود ناس لو أن جلودهم كانت تقرض بالمقاريض في الدنيا لم: في الترمذي مرفوعا [ و

[ يرون من ثواب أهل البالء

و ليعلم المصاب الجازع و إن بلغ به الجزع غايته و نهايته فآخر أمره علىصبر االضطرار و هو

غير محمود و ال مثاب عليه فإنه استسلم للصبر و انقاد إليه على رغم أنفه

ح قال يحيى بن معاذ ابن آدم مالك تأسف على مفقود اليرده عليك الفوت ؟ مالك تفر

بموجود ال يتركه في يديك الموت ؟

فإذا علم الجازع على المصيبة أن الجزع ال يرد ما فات و أنه يسر الشامت فأي عقل لمن

لم يتفكر في العاقبة و يذكر مآله إلى مصيبة أصابت غيره أنها تصيبه في نفسه و أنه أمر

البد منه فليستعد له

ما : مصائب فال تجزع فذكروا لها ذلك فقالت وكانت امرأة من العابدات بالبصرة تصاب بال

أصاب بمصيبة فأذكر معها النار إال صارت في عيني أصغر من الذباب

قد مات كل نبي و مات كل نبيه و فقيه و عالم فال : و مما يسلي العبد قول بعض الحكماء


تجزع و ال يوحشنك طريق الخالئف فيها

انظر منك إلى آدم هل ترى عينا : ظني فقال ع: و قال بعض السلف و قد سأله رجل فقال

حسبك :تطرف ؟ فقال


فصل ـ في أن من سلم أمره في مصيبته و احتسب هللا عوضه خيرا منها

أن المصاب إذا صبر و احتسب و ركن إلى كريم رجاء أن يخلف : و مما يسلي أهل المصائب

خيبه بل يعوضه فإنه من كل شيء اهللا تعالى عليه و يعوضه عن مصابه فإن اهللا تعالى ال ي

: عوض إال اهللا تعالى فما عوض كما قيل

من كل شيء إذا ضيعته عوض )

( و ما من اهللا إن ضيعته عوض ...

بل يعلم أن حظه من المصيبة ما يحدث له فمن رضي فله الرضى و من سخط فله السخط

ت في ديوان الهالكين فاختر لنفسك خير الحظوظ أو شرها فإن أحدثت له سخطا و كفرا كن

و إن أحدثت له جذعا و تفريطا في ترك واجب أو فعل محرم كنت في ديوان المفرطين و إن

أحدثت له شكاية و عدم صبر و رضى كنت في ديوان المغبونين و إن أحدثت له اعتراضا

عليه و قدحا في حكمته و مجادلة في األقدار فقد قرعت باب الزندقة و فتح لك و ولجته

حذر عذاب اهللا يحل بك فإنه لمن خالفه بالمرصادفا

وإن أحدثت له صبرا و ثباتا هللا كنت في ديوان الصابرين و إن أحدثت له رضى باهللا و رضى

عن اهللا و فرحا بقضائه كنت في ديوان الراضين و إن أحدثت له حمدا وشكرا كنت في ديوان

لى لقائه كنت في ديوان المحبين الشاكرين الحامدين و إن أحدثت له حمدا و اشتياقا إ

المخلصين

محمود بن لبيد أن النبي صلى اهللا عليه و [ و في مسند اإلمام أحمد و الترمذي من حديث

إن اهللا إذا أحب قوما ابتالهم فمن رضي اهللا فله الرضى و من سخط فله : سلم قال

و من جزع فله الجزع: زاد اإلمام أحمد ] السخط

مصاب موافقة ربه و إلهه فيما أحبه و رضيه له و إن خاصية المحبة و سرها فأنفع األدوية لل

موافقة المحبوب فمن ادعى محبة محبوب ثم سخط ما يحبه و أحب ما يسخطه فقد شهد

على نفسه بكذبه و أسخط عليه محبوبه

إن اهللا إذا قضى قضاء أحب أن يرضى به: قال أبو الدرداء ـ رضي اهللا عنه ـ

أحبه إلي أحبه إليه و قال بعده : ن بن حصين ـ رضي اهللا عنه ـ يقول في مرضه و كان عمرا

و هذا دواء المحبين و عالجهم ألنفسهم و ال يمكن كل أحد أن يتعالج به فانظر : أبو العالية

هذه الطرائق و اختر وفقنا اهللا و إياك لما يحب


فصل ـ فيمن طلب المصائب و فرح بها رجاء ثوابها

ابن أبي حاتم بإسناده في تفسيره عن خالد بن يزيد عن عياض عن عقبة أنه مات له روى

و اهللا إن كان لسيد الجيش فاحتسبه : يحيى فلما نزل في قبره قال له رجل : ابن يقال له

و ما يمنعني أن أحتسبه وكان من زينة الحياة الدنيا و هو اليوم من الباقيات : فقال والده

ذا رجل صابر راض محتسب ما أحسن فهمه و حسن تعزيته لنفسه و ثقته فه! الصالحات ؟

بما أعطاه اهللا من ثواب الصابرين

مات عبد اهللا بن مطرف فخرج أبوه مطرف على قومه في ثياب حسنة و : و عن ثابت قال

أفأستكين لها : يموت عبد اهللا و تخرج في مثل هذه مدهنا ؟ قال : قد ادهن فغضبوا فقالوا

! وعدني ربي تبارك و تعالى عليها خصاال كل خصلة منها أحب إلي من الدنيا كلها ؟ و قد

أولئك عليهم صلوات * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا هللا وإنا إليه راجعون {: قال تعالى

ثم قال ثابت قال مطرف ! أفأستكين لها بعد ذلك ؟ }من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون

أعطي به في اآلخرة قدر كوز من ماء إال وددت أنه أخذ مني في الدنيا رواه ما شيء :

اإلمام أحمد في كتاب الزهد

كان إلبراهيم الحربي ابن كان له إحدى عشرة سنة حفظ : و عن محمد بن خلف قال

كنت أشتهي موت ابني : فمات فجئت أعزيه فقال : القرآن و لقنه من الفقه جانبا كبيرا قال

يا أبا إسحاق أنت عالم الدنيا تقول مثل هذا في صبي قد أنجب و : فقلت له : ل هذا قا

نعم رأيت في منامي كأن القيامة قد قامت و كأن صبيانا : قال ! لقنته الحديث و الفقه ؟

: بأيديهم قالل فيها ماء يستقبلون الناس فيسقونهم و كان اليوم يوما حارا شديدا حره قال

فأي : ليس أنت أبي قلت : فنظر إلي و قال : ني من هذا الماء قال اسق: فقلت ألحدهم

نحن الصبيان الذين متنا في دار الدنيا و خلفنا آباؤنا : فقال لي : شيء أنتم ؟ قال

فلهذا تمنيت موته: فنستقبلهم فنسقيهم الماء قال

فأرسل : قال أن رجال كان له ابن لم يبلغ الحلم: و روى البيهيقي بإسناده عن ابن شوذب

إني أريد أن أدعوا على ابني هذا : نعم و ما هي ؟ قال : قالوا ! إن لي حاجة : إلى قومه

أن يقبضه اهللا تعالى و تؤمنون على دعائي فسألوه عن ذلك فأخبرهم أنه رأى في منامه

كأن الناس جمعوا ليوم القيامة فأصاب الناس عطش شديد فإذا الولدان قد خرجوا من الجنة

يا عم إنا ال نسقي إال اآلباء : يا فالن اسقني قال : عهم األباريق فأبصرت ابن أخ لي فقلت م

فأحببت أن يجعل اهللا ولدي هذا فرطا لي فدعا فأمنوا على دعائه فلم يلبس الغالم : قال

إال يسيرا حتى مات و قد روى ابن عساكر بإسناده عن سهيل بن الحنظلية األنصاري ـ و


ألن يولد لي و لو سقط فأحتسبه أحب إلي من أن يكون لي الدنيا : له ـ فقال كان ال يولد

بأجمعها و كان ابن الحنظلية ممن بايع تحت الشجرة

حدثني يزيد بن أبي حبيب أن أبنا لعياض : و ذكر ابن عساكر أيضا عن الليث بن سعد قال

كان أبو وهب حاضرا لقرت لو: بن عقبة حضرته الوفاة و كان عياض غائبا فقالت أم الغالم

يهنأك الظفر قد كنت أرجو أن : عينه فلما حضرت وفاة عياض ابن عقبة قال ألخيه أبي عبيد

تكون قبلي فأحتسبك

ألن يولد لي مولود يحسن اهللا نباته حتى إذا : و قال أبو مسلم الخوالني ـ رحمه اهللا ـ

الى مني أحب إلي من أن تكون استوى على شبابه وكان أعجب ما يكون إلي قبضه اهللا تع

كان في جواري رجل يأبى التزويج فلما : الدنيا و ما فيها لي و روي عن اإلمام القفال قال

زوجوني زوجوني فسئل عن : كان في بعض الليالي استيقظ من نومه في الليل و نادى

: لك ؟ قال لعل اهللا يرزقني ولدا يقبضه قبل البلوغ و قبل موتي قيل و كيف ذ: ذلك فقال

رأيت في المنام كأن القيامة قد قامت و الخلق في الموقف و أنا معهم و قد كظني العطش

و إذا قد ظهر أطفال بأيديهم أباريق من فضة مغطاة بمناديل من نور يتخللون الجمع و

اسقني فقد أجهدني العطش : يسقون واحدا بعد واحد فمددت يدي إليهم و قلت لبعضهم

ا و قال ليس لك فينا ولد و إنما نسقي أباءنا و أمهاتنا فقلت من أنتم ؟ قالوا فنظر إلي شزر

أطفال المسلمين:

دخل عمر بن عبد العزيز على ابنه في وجعه فقال يابني كيف : و قال أبو الحسن المدائني

يا بني ألن تكون في ميزاني أحب إلي من أن أكون : تجدني في الحق قال : تجدك ؟ قال

يا أبه ألن يكون ما تحب أحب إلي من أن أكون ما أحبه: انك فقال في ميز

أن صلة بن أشيم كان في غزاة له و معه : و روى ابن أبي شيبة باسناده عن ثابت البناني

ابن له فقال له أي بني تقدم فقاتل حتى أحتسبك فحمل فقاتل حتى قتل ثم تقدم أبوه

مرحبا إن كنتن جئتن : العذرية فقالت للنساء فقتل فاجتمعت النساء فقامت امرأته معاذة

لتهنئنني مرحبا بكن إن كنتن جئتن لغير ذلك فارجعن

يا رسول اهللا أي الناس أشد بالء : قلت : عن أبي سعيد الخدري ـ رضي اهللا عنه ـ قال [ و

ثم من ؟ قال الصالحون إن كان أحدهم ليبتلى بالفقر حتى ما يجد إال : قال األنبياء قلت

رواه ابن ماجه من ] العباءة يحتويها و إن كان أحدهم ليفرح بالبالء كما يفرح أحدكم بالرخاء

: أبي ذر قال [ حديث طويل و روى اإلمام أحمد في كتاب الزهد و ابن ماجه في سننه عن

ليس الزهادة في الدنيا بتحريم الحالل و البإضاعة : قال رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم

لكن الزهادة في الدنيا أن تكون بما في يد اهللا أوثق منك بما في يدك و أن تكون المال و

[ في ثواب المصيبة إذا أصبت بها أرغب منك فيها لو أنها بقيت لك


ثنا ابن ناصر أنبأ جعفر بن أحمد ثنا أبي ثنا هاشم عن ابن المبارك عن : و قال ابن الجوزي

لى ابن مسعود ـ رضي اهللا عنه ـ و عنده بنون له دخلنا ع: الحسن ثنا أبو األحوص قال

إي : كأنهم يغبطونني ؟ قلنا : ثالثة غلمان كأنهم الدنانير فجعلنا نتعجب من حسنهم فقال

و اهللا لبمثل هؤالء يغبط المسلم فرفع رأسه إلى سقف البيت و قد عشش فيه خطاف و

راب قبورهم أحب إلي من و الذي نفسي بيده ألن أكون قد نفضت يدي من ت: باض فقال

ما أصبحت على حال فتمنيت أني : أن يسقط عش هذا الخطاف و ينكسر بيضه ثم قال

على سواها

كنت جالسا مع سعيد بن : و روى هناد بن السري في الزهد عن كثير بن تميم الداري قال

ير حاالته إني ألعلم خ: جبير فطلع عليه ابنه عبد اهللا بن سعيد و كان به من الفقه فقال

أن يموت فأحتسبه: و ما هو ؟ قال : فقالوا

ما في األرض أحب : سمعت سفيان يقول : و روى ابن أبي الدنيا بإسناده عن سفيان قال

قد كنت : إلي من سعيد و ما في األرض أحد يموت أحب إلي منه فمات فرأيته يبكي قلت

آه جنبي: أذكر قوله : قال ! تمنى موته

سمعت عمر بن ميمون بن : ثنا أحمد بن بديع ثنا أبي قال : لرقة للحراني و في تاريخ ا

كنت مع أبي و نحن نطوف بالكعبة فلقي أبي شيخا فعانقه أبي و مع الشيخ : مهران يقول

كيف رضاك عنه ؟ قال ما بقيت : ابني فقال : من هذا ؟ قال : فتى قريبا مني فقال له أبي

كنت : و ما هي ؟ قال : ير إال و قد رأيتها فيه إال واحدة قال خصلة يا أبا أيوب من خصال الخ

: من هذا الشيخ ؟ قال : فقلت ألبي : ثم فارقه أبي قال : قال ! أحب أن يموت و أوجر فيه

هذا مكحول

و المقصود أن هذا المقام مقام عظيم شريف لمن يطلب المصيبة و يفرح بها نظرا إلى

يعلم من نفسه القوة و الصبر و الجلد و الركون إلى دعوى ثوابها و ما يفعل ذلك أحد حتى

النفس و ما أكثر ما تخلف الوعد و تنقد العهد فإن الغالب متى ما أظهرت الدعوى وكلت

إليها و طولبت بتصحيح دعواها فتقصر عند الحقيقة و تميل عن تقويم الطريقة

تلني بما شئت فابتاله اهللا قد رضيت ما تقضيه فاب: و كان سحنون ـ رحمه اهللا ـ يقول

ادعوا لعمكم الكذاب فالطريقة : بحصار البول فما صبر فكان يدور على الصبيان و يقول

ال تتمنوا لقاء العدو و سلوا اهللا العافية: [ الكاملة قوله صلى اهللا عليه و سلم ]

ب الجزيل و اعلم أن النية في طلب الولد و فقده و قصد بقائه إذا صحت النية حصل الثوا

على النيتين جميعا ألن األعمال بالنيات فإنه ثبت عن عمر بن الخطاب ـ رضي اهللا عنه ـ أنه

} إنا هللا و إنا إليه راجعون {: ما من أهل و ال مال و ال ولد إال و أنا أحب أن أقول عليه : قال

يح مسلم أن في صح[ إال عبد اهللا بن عمر فإني أحب أن يبقى في الناس يأيد ذلك ما ثبت


من صدقة : إذا مات اإلنسان انقطع عمله إال من ثالث : النبي صلى اهللا عليه و سلم قال

[ جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له

أو ترك ولد : سيع يجري أجرها للعبد بعد موته فذكر منها : و في حديث أنس مرفوعا

يستغفر له بعد موته

ضي اهللا عنهما ـ قد سماه النبي صلى اهللا عليه و سلم الرجل و هذا عبد اهللا بن عمر ـ ر

الصالح أو العبد الصالح وال شك أن العبد إذا حصل له أجر مستمر بعد موته هو أولى من

حصول أجر في حياته ثم ينقطع بالموت فإن العبد من أحوج الناس بعد موته إلى الحسنات

دق المصدوق في هذا الحديث المتقدم فطلب و بموته قد انقطع عمله إال ما أخبر به الصا

الولد و بقاؤه أنفع للعبد فيما فهمت و لكن أولئك لما خالط قلوبهم قوة اإليمان و التصديق

بالقضاء و القدر و الرضى به برزوا بالقول و قل من يصبر على تحمل البلوى عند الحقيقة و

اهللا أعلم


ة و ما ذكر العلماء في ذلكالباب الثاني ـ في البكاء على المصيب

البكاء يمد و يقصر فإذا مددت أردت الصوت : البكاء أصله بكي على فعول قال الجوهري

الذي يكون مع البكاء و إن قصرت أردت الدموع و خروجها و بكيت الرجل و بكيته إذا بكيت

: عليه قال الشاعر

لعويل و ما يغني البكاء و ال ا...بكت عيني و حق لها بكاها ) )

هذا من جهة اللغة وهو رقة و رحمة في قلوب عباد اهللا فالبكاء على الميت في مذهب

جوازه قبل الميت و بعده و اختاره أبو اسحق الشيرازي و كرهه : اإلمام أحمد و أبي حنيفة

الشافعي و كثير من أصحابه بعد الموت و رخصوا فيه قبل خروج الروح

يك ـ رضي اهللا عنه ـ أن رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم جابر عن عت[ و احتجوا بحديث

جاء يعود عبد اهللا بن ثابت فوجده قد غلب فصاح به رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم فلم

غلبنا عليك يا أبا الربيع فصاح النسوة و بكين فجعل ابن عتيك : يجبه فاسترجع و قال

دعهن فإذا وجب فال تبكين باكية قالوا : رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم: يسكتهن فقال

رواه اإلمام أحمد و أبو داود و هذا لفظه و ] الموت : و ما الواجب يا رسول اهللا ؟ قال :

النسائي و ابن ماجة

من حديث عبد اهللا بن عمر ـ رضي اهللا عنهما أن النبي صلى اهللا [ و في الصحيحين : قالوا

و هذا إنما هو بعد الموت و أما قبله ] ببكاء أهله عليه إن الميت ليعذب: عليه و سلم قال

فال يسمى ميتا

و عن ابن عمر أيضا أن رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم لما قدم من أحد سمع نساء من ]

لكن حمزة : بني عبد األشهل على هلكاهن يبكين فقال رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم

فبكين على حمزة عنده فاستيقظ رسول اهللا صلى اهللا ال بواكي له فجئن نساء األنصار

مروهن فليرجعن و ال يبكين ! ويحهن إنهن ههنا يبكين ؟ ما أثقلهن : عليه و سلم فقال

رواه اإلمام أحمد و ابن ماجة] على هالك بعد اليوم

و هذا صريح في نسخ اإلباحة المتقدمة و الفرق بين ما قبل الموت و بعده أنه قبل الموت

يرجى فيكون البكاء عليه حذرا فإذا مات انقطع الرجاء و أبرم القضاء فال ينفع البكاء

: جابر بن عبد اهللا [ احتج أصحابنا و من قال بقولهم ممن جوز البكاء قبل الموت و بعده قال

أصيب أبي يوم أحد فجعلت أكشف الثوب عن وجهه و أبكي فجعلوا ينهوني و رسول اهللا

سلم ال ينهاني فجعلت عمتي فاطمة تبكي فقال النبي صلى اهللا عليه و صلى اهللا عليه و

متفق عليه] تبكين أو ال تبكين ما زالت المالئكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه : سلم


اشتكى سعد بن عباده شكوى له فأتاه النبي صلى اهللا عليه و : و عن ابن عمر قال ]

بن أبي وقاص و عبد اهللا بن مسعود فلما سلم يعوده مع عبد الرحمن بن عوف و سعد

قد قضى ؟ قالوا ال يا رسول اهللا فبكى النبي صلى : دخل عليه فوجده في غاشية فقال

أال تسمعون أن اهللا ال يعذب : اهللا عليه و سلم فلما رأى القوم بكاء رسول اهللا بكوا فقال

رواه البخاري ] سانه ـ أو يرحم بدمع العين و ال بحزن القلب و لكن يعذب بهذا ـ و أشار إلى ل

ال يا رسول اهللا : أقد قضى ؟ قالوا : وجده في غشية فقال : و مسلم و عنده [ و هذا لفظه

الحديث و هو من رواية يونس بن عبد األعلى]

كنا عند النبي صلى اهللا عليه و سلم فأرسلت إليه إحدى بناته : و عن أسامة بن زيد قال ]

ارجع إليها فأخبرها أن هللا عز و : بيا أو ابنا لها في الموت فقال الرسول تدعوه و تخبره أن ص

جل ما أخذ و له ما أعطى و كل شيء عنده بأجل مسمى فمرها لتصبر و لتحتسب فعاد

فقام النبي صلى اهللا عليه و سلم و قام معه : إنها قد أقسمت لتأتينها قال : الرسول فقال

أبي بن كعب و زيد بن ثابت و انطلقت معهم فرفع إليه سعد بن عبادة و معاذ بن جبل و

ما هذا يا : الصبي و نفسه تقعقع كأنها في شنة ففاضت عيناه فقال له سعد بن عبادة

هذه رحمة جعلها اهللا في قلوب عباده و إنما يرحم اهللا من عباده الرحماء : رسول اهللا ؟ قال

رواه البخاري و مسلم]

شهدنا بنتا لرسول اهللا صلى اهللا عليه و : ضي اهللا عنه ـ قال و عن أنس بن مالك ـ ر ]

فرأيت عيناه : و رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم جالس على القبر قال : سلم قال

فانزل : أنا قال : هل منكم من رجل لم يقارف الليلة ؟ فقال أبو طلحة : فقال : تدمعان قال

رواه البخاري] في قبرها

ولد لي غالم فسميته : رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم : قال : ا قال و عن أنس أيض ]

باسم أبي إبراهيم فذكر الحديث ثم دخلنا عليه بعد ذلك و إبراهيم يجود بنفسه فجعلت

: فأخذه فوضعه في حجره و قال : عينا رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم تذرفان و في لفظ

يا رسول اهللا أتبكي و : قال عبد اهللا بن عوف و أنس يا بني ال أملك لك من اهللا شيئا ف

يا بن عوف إنها رحمة ومن ال يرحم ال يرحم ثم أتبعها بأخرى فقال : تنهى عن البكاء ؟ فقال

إن العين تدمع و القلب يحزن و ال نقول إال ما يرضي ربنا و إنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون :

األلفاظ و فيه دليل على البكاء قبل الموترواه البخاري و مسلم بدون زيادة ]

أخذ الراية : قال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم : و عن أنس أيضا ـ رضي اهللا عنه ـ قال ]

زيد فأصيب ثم أخذها عبد اهللا بن رواحة فأصيب ثم أخذها جعفر فأصيب و إن عيني رسول

رواه ] ليد من غير إمرة ففتح له اهللا صلى اهللا عليه و سلم لتذرفان ثم أخذها خالد بن الو

البخاري


ماتت زينب بنت رسول اهللا صلى اهللا عليه و : عن ابن عباس رضي اهللا عنهما قال [ و

سلم فبكت النساء فجعل عمر يضربهن بسوطه فأخذ رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم

ان من العين و إنه مهما ك: مهال يا عمر ثم إياكن و نعيق الشيطان ثم قال : بيده و قال

رواه ] القلب فمن اهللا عز و جل و من الرحمة و ما كان من اليد و اللسان فمن الشيطان

اإلمام أحمد و عن عائشة ـ رضي اهللا عنها ـ أن سعد بن معاذ لما مات حضره رسول اهللا

فو الذي نفسي بيده : صلى اهللا عليه و سلم و أبو بكر و عمر ـ رضي اهللا عنهما ـ قالت

ألعرف بكاء أبي بكر من بكاء عمر و أنا في حجرتي رواه اإلمام أحمدإني

عن أبي هريرة رضي اهللا عنه ـ أن رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم كان في جنازة [ و

فرأى عمر امرأة فصاح بها فقال النبي صلى اهللا عليه و سلم دعها يا عمر فإن العين دامعة

اه ابن ماجهرو] و النفس مصابة و العهد قريب

لما توفي ابن رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم إبراهيم : عن أسماء بنت يزيد قالت [ و

أنت أحق من عظم : ـ إما أبو بكر و إما عمر ـ : بكي رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم فقال

ما تدمع العين و يحزن القلب و ال نقول: فقال رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم ! هللا حقه

يسخط الرب لوال أنه وعد صادق و موعد جامع و أن اآلخر تابع لألول لوجدنا عليك يا إبراهيم

أتبكي أو ما نهيتنا عن : [ رواه ابن ماجه و في لفظ ] أفضل ما وجدنا و إنا بك لمحزنون

ليس عن البكاء نهيت و لكن نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين صوت عند : البكاء ؟ قال

و لعب و رنة شيطان و صوت عند مصيبة لطم وجوه و شق جيوب و رنة شيطان و نغمة لهو

هذه رحمة و من اليرحم يا إبراهيم لوال أنه أمر حق و وعد صادق و سبيل البد نأتيه و أن

[ آخرنا سوف يلحق بأولنا لحزنا عليك حزنا هو أشد من هذا و إنا بك لمحزونون

ا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران حدثنا يزيد ثن: [ و قال اإلمام أحمد

ماتت زينب ابنة رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم : عن ابن عباس رضي اهللا عنهما ـ قال

فبكت النساء فجعل عمر يضربهن بسوطه فأخذ رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم بيده ثم

ان ثم إنه مهما كان من العين و ابكين و إياكن و نعيق الشيط: مهال يا عمر ثم قال : قال

و ذكر تمام الحديث و قد تقدم] القلب فمن اهللا عز و جل

ماتت رقية بنت : عن ابن عباس ـ رضي اهللا عنهما ـ قال [ و روى اإلمام أحمد أيضا بسنده

الحقي سلفنا الخير عثمان بن مظعون و بكت : رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم فقال

دعهن يبكين : يضربهن بسوطه فقال النبي صلى اهللا عليه و سلم لعمر النساء فجعل عمر

مهما يكن من القلب و : و إياكن و نعيق الشيطان ثم قال رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم

العين فمن اهللا و الرحمة و مهما كان من اليد و اللسان فمن الشيطان و قعد رسول اهللا

قبر و فاطمة إلى جنبه تبكي فجعل النبي صلى اهللا صلى اهللا عليه و سلم على شفير ال


[ عليه و سلم يمسح عين فاطمة بثوبه رحمة لها

فقد ثبت في حديث موت زينب و رقية بنتي رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم البكاء بعد

الموت

أنه صلى اهللا عليه و سلم زار قبر أمه فبكى و أبكى من حوله[ و قد جاء في آثار جمة ]

عنه صلى اهللا عليه و سلم أنه قبل عثمان بن مظعون حتى سالت دموعه على [ صح و

و تقدم قصة جعفر و عبد اهللا بن رواحة و أصحابهما] وجهه

و كذلك صح عن أبي بكر الصديق ـ رضي اهللا عنه ـ أنه قبل النبي صلى اهللا عليه و سلم

عليه و سلموهو ميت و بكى و أبكى وكذلك بكى علي على النبي صلى اهللا

فهذه األحاديث كلها دالة على جواز البكاء قبل الموت و بعده من غير كراهة و ما ذكره

أصحاب الشافعي و من قال بقولهم من الكراهة بعد الموت مستدلين بما تقدم من أحاديث

إن : [ النهي فكلها محمولة على البكاء الذي معه ندب و نياحة و يؤيد ذلك ما يأتي ذكره

يعذب بما نيح عليه: [ و في لفظه ] يت ليعذب ببكاء أهله عليه الم ]

و أما من ادعى النسخ في حديث حمزة فال يصح ألن معناه ال تبكين على هالك بعد اليوم

من قتلى أحد و يدل على ذلك أن نصوص اإلباحة أكثرها متأخرة عن غزوة أحد منها حديث

لسنة السابعة و منها البكاء على جعفر و أبي هريرة ألن إسالمه و صحبته كانا في ا

أصحابه وكان استشهادهم في السنة الثامنة و كذلك البكاء على زينب بنت رسول اهللا

صلى اهللا عليه و سلم كان في الثامنة أيضا و البكاء على قبر أمه صلى اهللا عليه وسلم

كان عام الفتح

عد الموتإنما جاز قبل الموت حذرا بخالف ما ب: و أما قولهم

أن كان الباكي قبل الموت يبكي حزنا و حزنه بعد الموت أشد ألنه قبل الموت ربما : جوابه

يرتجى و بعده فقد فقدت الرجوى فبكى لفراق ال عودة بعده في الدنيا و هذا معنى قوله

و ] أن العين لتدمع و إن القلب ليحزن و ال نقول ما يسخط الرب : [ صلى اهللا عليه و سلم

دعهن يبكين على أبي سلمان ما لم يكن نقع أو لقلقة و : قال عمر : قال البخاري : ها من

الصوت: التراب على الرأس و اللقلقة : النقع

حدثنا إسحاق بن منصور عن أبي رجاء عبد اهللا بن واقد عن محمد بن مالك عن البراء بن ]

فلما انتهينا إلى القبر فاستدرت كنا مع النبي صلى اهللا عليه و سلم في جنازة : عازب قال

رواه ] إخواني لمثل هذا اليوم فأعدوا : فاستقبلته فإذا هو يبكي حتى بل الثرى ثم قال

اإلمام أحمد


فصل ـ فيما روي على النبي صلى اهللا عليه و سلم في البكاء على الميت

و سلم أنه فعله و و قد ذكر بعض العلماء أن البكاء الذي روي عن النبي صلى اهللا عليه

أباحه أو أمر به لالستحباب هو البكاء الذي هو دمع العين و رقة القلب و رحمته و الذي نهى

النبي صلى اهللا عليه و سلم عنه و هو البكاء ـ بالمد ـ الذي يستلزم الصراخ و الندب و

ا كان من اليد ما كان من العين و القلب فمن اهللا عز و جل و م: [ العويل و يشهد لهذا قوله

و هو رفع الصوت عند المصيبة] و اللسان فمن الشيطان و نهى عن رنة الشيطان

إن البكاء يمد و يقصر فهو : هذا و إن كان حسنا يعكر عليه و ما حكيناه عن الجوهري : قلت

لغتان فال فرق فيه بين المد و القصر و اهللا أعلم

ن ألفاظ التظلم و الشكوىفصل ـ في التحذير مما يتفوه به المصاب م

و ليحذر العبد كل الحذر أن يتكلم في حال مصيبته و بكائه بشيء يحبط به أجره و يسخط

به ربه مما يشبه التظلم فإن اهللا تعالى عدل ال يجور و عالم ل يضل و ال يجهل و حكيم

ه ما أخذ أفعاله كلها حكم و مصالح ما يفعل شيئا إال لحكمة فإنه سبحانه له ما أعطى و ل

ال يسأل عما يفعل و هم يسألون و هو الفعال لما يريد و القادر على ما يشاء له الخلق و

األمر بل إنما يتكلم بكالم يرضي به ربه و يكثر به أجره و يرفع اهللا به قدره

زرع رجل من : حدثني يونس بن محمد المكي قال : و قد روى ابن أبي الدنيا بإسناده قال

و اهللا : رعا فلما بلغ أصابته آفة فاحترق فدخلنا عليه لنسليه عنه فبكى و قال أهل الطائف ز

كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم {: ما عليه أبكي و لكن سمعت اهللا تعالى يقول

فأخاف أن أكون من أهل هذه الصفة فذلك الذي أبكاني}ظلموا أنفسهم فأهلكته

زياد بالبلجاء أن يمثل بها جاؤوا و معهم الحديد و الحبال لما أمر عبد اهللا بن : قال أبو العرب

فحمدت اهللا وأثنت عليه ثم قالت : إليكم أتكلم بكالم يحفظه عني من سمعه قال : فقالت

هذا آخر يومي من الدنيا و هو غير مأسوف عليه و أرجو أن يكون أول أيامي من اآلخرة و :

ن علمي بفنائها هو الذي زهدني في البقاء فيها و و اهللا إ: هو اليوم المرغوب فيه ثم قالت

سهل علي بلواءها فما أحب تعجيل ما أخر اهللا و ال تأخير ما عجل اهللا و الحمد هللا على

كنت أؤمل في اهللا ما هو أكثر من : السراء و الضراء و على العافية و على البالء ثم قالت

حياة كريمة و ميتة : لدم ال يرقأ فقالت ثم إنهم قطعوا يديها و رجليها فجعل ا: هذا قال

طيبة ألني نلت ما أملت ـ يا نفس ـ من جزيل ثواب اهللا فقد نلت سرورا دائما ال يضرك معه


شغلني هول : كدر و هي حين قطعوا يديها و رجليها فلم تتكلم فقيل لها ذلك فقالت

لقطع : صرخت فقيل لها المطلع عن ألم حديدكم هذا ثم أتوا بالنار لتكوى بها فلما رأتها

اليدين و الرجلين لم تنطقي فلما رأيت النار صرخت ؟ فقالت و اهللا ليس من ناركم صرخت و

فأمر : ال على دنياكم أسفت و لكنني ذكرت بها النار الكبرى فكان الذي رأيتم من ذلك قال

: ي ثم قالت بها فسملت عيناها فقالت اللهم قد طال في الدنيا حزني فأقر في اآلخرة عين

فما : لئن كنت على بصيرة من أمري إن هذا لقليل في جنب ما أطلب من ثواب اهللا قال

تكلمت بغيرها حتى ماتت رحمها اهللا تعالى

و كانت البلجاء من شيعة علي ـ رضي اهللا عنه ـ و كان قد بلغ الحسن بن علي أن ابن زياد

: قال أبو العرب : ته حتف أنفه و اإلسناد اللهم اقتله و أم: يتتبع شيعة علي فيقتلهم فقال

حدثنا عبد اهللا بن الوليد عن جابر بن خداش بن عجالن ثنا سالم بن عمير عن سالم

الهاللي فذكره

و ليحذر العبد أيضا أن يدعو على نفسه فإن النبي صلى اهللا عليه و سلم قال لما مات أبو

التدعوا على أنفسكم إال بخير: [ سلمة

ئكة يؤمنون على ما تقولونفإن المال ]

و ليعلم أيضا أن البكاء يضر الحي و الميت فإن الحي يخاف على عينيه كما قال اهللا تعالى

و الميت ال يستريح به فقد } و ابيضت عيناه من الحزن {: في قصة يعقوب ـ عليه السالم ـ

ل بينا داود ذكر الحافظ أبو شجاع شيرويه الديلمي بإسناده عن علي بن الحسين قا

أتدرون ما رأيت في : الطائي جالسا مع أصحابه يوما إذ غفا و هو معهم ثم انتبه فقال

نومتي هذه ؟ دخلت الجنة فرأيت فيها صبيانا يلهون بالتفاح يناول بعضهم بعضا و صبي

ما بال ذلك الصبي ال يلهو معكم : ناحية عنهم جالس حزين يرى االنكسار عليه بينا فقلت

ذاك حديث عهد بالدنيا و أمه تكثر البكاء عليه فانكساره لكثرة بكاء أمه : هون ؟ قالوا كما تل

: فقلت من أبواه ؟ قالوا : أين منزلهم ؟ قالوا في قبيلة آل فالن قال : فقلت : عليه قال

فانطلقوا : فانطلقوا قال : فالن فقال داود ألصحابه : فما اسمه ؟ قالوا : فالن و فالنة قلت

وا القبيلة فسألوا عن أبويه فلقيهما أو لقي أحدهما فقال لهما ما رأى في منامه فجعلت فأت

األم على نفسها أن ال تبكي عليه أبدا


فصل ـ في البكاء و التأسف على من فرط في جانب اهللا تعالى

و البكاء و األسف على من فرط في جنب اهللا أو من خلط عمال صالحا و آخر سيئا و هو

خل تحت المشيئة و عنده من الندامة كامثال الجبال و من الحسرات كعدد الرمال فإن دا

الصحة ال يعرف مقدارها على الحقيقة إال المرضى كما أن العافية ال يعرف مقدارها إال

المبتلى فكذلك الحياة ال يعرف مقدارها إال الموتى ألنهم قد ظهرت لهم األمور و انكشفت

ا مقدار األعمال الصالحة إذ ليس ينفق هنالك إال عمل زكي و ال يرتفع لهم الحقائق و علمو

هناك إال عبد تقي فالمقسر يود لو أنه رد فاستدرك ما فات و نظر فيما فيه فرط و المهمل

العمل بالجملة يكون تمنية الرجوع أكثر و حرصه على العودة أشد فالواجب اغتنام الصحة و

لناسالفراغ المغبون فيهما كثير ا

و إنما يحصل للشخص الحزن و البكاء على ما أصيب به لذهوله عما بين يديه من سكرات

الموت و غصصه و االنفراد في القبر وحيدا ذليال مستوحشا ثم مسائلة منكر و نكير عليهما

السالم و طول مكثه تحت الثرى إما منعما و إما معذبا ثم من بعد ذلك خروجه من قبره و

عالمين ثم وقوفه الطويل في المحشر و ما يرى من أهوال يوم القيامة ثم قيامه لرب ال

حسابه بين يدي اهللا تعالى و وزن أعماله و تطاير الصحف و المحاسبة على مثاقيل الذر و

أنه وجد ما عمل محصيا عليه محررا في كتاب ال يغادر صغيرة و ال كبيرة إال أحصاها و أنه

يمين أو لذات الشمال فلو استشعر المصاب هذه المصائب بين رجاء و خوف إما لذات ال

العظيمة التي بين يديه و هو غافل عنها غير مستعد لها لشغلته عن مصابه بأحبابه و لرجع

إلى الصبر و الرضا بما قدره و أمضاه فإن قدر على نفع نفع ميته به و إال فال يؤذيه بما نهى

خدود و شق الجيوب و غير ذلك من األفعال و الشرع عنه من الندب و النياحة و لطم ال

األقوال المكروهة التي ذمها السلف و الخلف كما سنبينه بعد إن شاء اهللا نسأل اهللا تعالى

العافية في الدنيا و اآلخرة


فصل ـ في أن الحزن لم يأمر به اهللا تعالى و ال رسوله صلى اهللا عليه و سلم

و ال رسوله ال في المصيبة و ال في غيرها بل قد نهى اهللا و الحزن لم يأمر اهللا تعالى به

و ال تهنوا و {: عنه في كتابه و إن تعلق بأمر الدين لكن منه محمود و مذموم كقوله تعالى

وقوله تعالى في حق نبيه محمد } و ال تحزن عليهم {: و قوله }ال تحزنوا و أنتم األعلون

: و قوله تعالى } إذ يقول لصاحبه ال تحزن إن اهللا معنا {: صلى اهللا عليه و سلم و أبي بكر

و نحو ذلك من اآليات كثير في القرآن و ما ذاك إال ألن الحزن ال يجلب } فال يحزنك قولهم {

منفعة و ال يدفع مضرة فال فائدة فيه و ما ال فائدة فيه ال يأمر اهللا به لكن ال يأثم به صاحبه

كما تقدم ذكره ـ من قول أو فعل كما قال النبي صلى اهللا عليه إذا لم يقترن بحزنه محرم ـ

إن اهللا ال يؤاخذ بدمع العين و ال بحزن القلب و لكن يؤاخذ بهذا ـ وأشار بيده إلى : [ و سلم

فدل على أنه ال يأثم إال إذا اقترن به ما يجلب اإلثم و يؤيده أيضا قوله ] لسانه ـ أو يرحم

تدمع العين و يحزن القلب و ال نقول إال ما يرضي الرب[ : صلى اهللا عليه و سلم ]

القلب إذا لم يكن فيه حزن خرب كما أن البيت إذا لم يسكن خرب: قال مالك بن دينار

حدثني علي بن مسلم ثنا بشار ثنا جعفر ثنا إبراهيم بن عيسى : و قال عبد اهللا بن أحمد

ته حسبته حديث عهد بمصيبة ثم ذكر ما رأيت أطول حزنا من الحسن و لما رأي: قال

بقدر ما تحزن للدنيا كذلك يخرج هم اآلخرة من قلبك و منه قوله : بسنده عن مالك قال

و قال يا أسفى على يوسف و ابيضت عيناه من الحزن{: تعالى }

فكل هذه األدلة تدل على أنه ال ياثم به صاحبه فالبكاء و الحزن على الميت على وجه

الرقة حسن و ال ينافي الرضا و الصبر بخالف البكاء عليه لفوت حظ الحي منه فإذا الرحمة و

اقترن بالحزن ما يثاب صاحبه عليه و يحمد عليه فيكون محمودا من تلك الجهة ال من جهة

الحزن فالحزين على مصيبة في دينه و على مصائب المسلمين عموما فهذا يثاب على ما

شر و توابع ذلك و لكن الحزن على ذلك إذا أفضى إلى ترك في قلبه من الخير و بغض ال

مأمور من الصبر و الجهاد و جلب منفعة و دفع مضرة نهي عنه وكان حسب صاحبه اإلثم

عنه من جهة الحزن و أما إن أفضى إلى ضعف القلب و اشتغاله به عن فعل ما أمر اهللا به و

دا من جهة أخرى فإنه إن كان رسوله كان مذموما عليه من تلك الجهة إن كان محمو

المحزون عليه ال يمكن استدراكه لم ينفع الحزن فالعاقل يدفعه عن نفسه و ال يضم إلى

مصيبته أخرى و ليعلم أنه سيسلو بعد حين و اهللا أعلم


الباب الثالث ـ في تحريم الندب و النياحة و شق الثياب

قاله الجوهري و االسم الندبة بالضم و اسم للبكاء على الميت و تعداد محاسنه : الندب

: قال القاضي عياض : و اكريماه و اجباله و الهفاه و النوح : قيل تعداد شمائل الميت فيقال

هو اجتماع النساء للبكاء على الميت متقابالت و ذكر في المغني أنه تعداد محاسن الميت

وا رجاله وا : لف و الهاء مثل قولهم بلفظ النداء إال أنه يكون بلفظ الواو و ربما زيد فيه األ

اسم الجتماع النساء : النياحة : قال أهل اللغة : جباله وا انقطاع ظهراه و نحوه و قال غيره

التقابل ثم استعمل في : للبكاء على الميت متقابالت كما ذكر القاضي عياض و التناوح

صفة بكائهن

بصوت و رنة و ندبة

لمطلوب في المصيبة السكون و الصبر و الرضا بقضاء اهللا تعالى و و اعلم ـ رحمك اهللا ـ أن ا

الحمد و االسترجاع و الصدقة عن المصاب به و الدعاء له و أما الندب و النياحة و شق

الجيوب و لطم الخدود و قول المنكر كل هذا ينافي ما ذكر

: في رواية حنبل و قد نص اإلمام أحمد ـ رحمه اهللا ـ على تحريم الندب و النياحة قال

النياحة معصية

النوح حرام: و قال أ صحاب الشافعي وغيرهم

أجمع العلماء على أن النياحة التجوز للرجال و ال للنساء: و قال أبو عمر بن عبد البر

و يكره الندب و النياحة و خمش الوجوه و شق : وقال أبو الخطاب ـ رحمه اهللا ـ في الهداية

ذا قول ضعيف مصادم لما ورد من السنةالجيوب و التحفي و ه

: حرب عن أحمد كالما فيه احتمال إباحة النوح و الندب قال : و ذكر الشيخ في المغني قال

و اختاره الخالل و صاحبه ألن واثلة بن األسقع و أبا وائل كانا يسمعان النوح و يبكيان ثم قال

و ظاهر األخبار تدل على التحريم انتهى كالمه:

تنادهم في ذلك آلثار مروية عن بعض الصحابة و السلف ال ترد ما ورد في الصحيح و و اس

إنما كانا يسمعان : قد روى حرب عن واثلة بن األسقع و أبي وائل : المسانيد فإنهم قالوا

لما أنزلت هذه : حديث أم عطية قالت [ و قد ورد في الصحيح من : النوح و يبكيان قالوا

النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن ال يشركن باهللا شيئا وال يسرقن يا أيها{: اآلية

كان منه النياحة فنهانا عن النياحة } وال يعصينك في معروف {: إلى قوله }وال يزنين

فما قال لها شيئا : فالنة أسعدتني فإنما أريد أن أجزيها قال : فقبضت امراة منا يدها فقالت

يا رسول اهللا إال : قالت أم عطية [ وفي لفظ الصحيح ] جعت فبايعها فذهبت فانطلقت ثم ر


إال آل فالن: آل فالن فإنهم أسعدوني في الجاهلية فال بد لي أن أسعدهم فقال ]

أن المرأة التي سكت عنها ذلك خاص بها لوجهين: و الجواب عن ذلك :

ا عنهأنها حديثة عهد باإلسالم فربما كان فيه تنفير له: أحدهما

ال إسعاد في اإلسالم: [ أنه قال لغيرها لما سألته ذلك قال : الثاني ]

أن امرأة : فإطالقه لها و حجره على غيرها يدل على الخصوص و على الرواية األولى

قبضت يدها ولم تبايع إال بعد اإلسعاد فال إشكال وقد حكى بعض المبايعات القصة ولم

ي داود من حديث أسيد بن أبي أسيد عن امرأة من تستثن أحدا فما ورد في سنن أب

كان فيما أخذ علينا رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم في المعروف الذي : المبايعات قالت

أن ال نخمش وجها و ال ندعو ويال و ال نشق جيبا و ال ننبش : أخذ علينا أن ال نعصيه فيه

شعرا


من الوعيد عليهفصل ـ فيما ورد من تحريم ذلك و ما ورد

ليس : عبد اهللا بن مسعود ـ رضي اهللا عنه ـ قال رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم [ عن

رواه البخاري و مسلم] منا من ضرب الخدود و شق الجيوب و دعا بدعوى الجاهلية

وجع أبو موسى وجعا فغشي عليه و رأسه في : [ وعن أبي بردة عن أبي موسى قال

إني : فأقبلت تصيح برنة فلم يستطع أن يرد عليها شيئا فلما أفاق قال حجر امرأة من أهله

بريء ممن برئ منه محمد صلى اهللا عليه و سلم إن رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم

رواه البخاري و مسلم عن الحكم بن موسى إال أن ] برئ من الصالقة و الحالقة و الشاقة

قال الحكم بن موسى فهو عنده معلق: البخاري لم يذكر أنه حدثه به بل قال

التي تحلق شعرها و : الصالقة يعني التي ترفع صوتها عند المصيبة و الحالقة : قوله

الشاقة التي تشق ثوبها

أخذ علينا رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم عند البيعة أن ال ننوح : و عن أم عطية قالت ]

يم و أم العالء و ابنة أبي سبرة امرأة معاذ و فما وفت منا امرأة غير خمس نسوة أم سل]

امرأتان أو ابنة أبي سبرة و امرأة معاذ و امرأة أخرى رواه البخاري و هذا لفظه و مسلم

أخذ النبي صلى اهللا عليه و سلم على : و عن أنس بن مالك ـ رضي اهللا عنه ـ قال ]

اء أسعدننا في الجاهلية يا رسول اهللا إن نس: النساء حين بايعهن أن ال ينحن فقلن

رواه اإلمام أحمد] ال إسعاد في اإلسالم : أفنسعدهن في اإلسالم ؟ فقال

أربع : وعن أبي مالك اإلشعري ـ رضي اهللا عنه ـ أن النبي صلى اهللا عليه و سلم قال ]

الفخر في األحساب و الطعن في األنساب و : في أمتي من أمر الجاهلية ال يتركونهن

النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة و : بالنجوم و النياحة و قال االستسقاء

انفرد باخراجه مسلم] عليها سربال من قطران و درع من جرب

ألم : وفي حديث جابر في قصةابراهيم ابن النبي صلى اهللا عليه و سلم وقد تقدم و فيه ]

صوت عند مصيبة خمش : أحمقين فاجرين ال و لكن نهيت عن صوتين : تنه عن البكاء ؟ قال

وجه و شق

الحديث رواه الترمذي] جيوب و رنة شيطان

لما جاء رسول : من حديث عائشة قالت [ و كذلك تقدمت قصة قتل زيد بن حارثة و أصحابه

اهللا صلى اهللا عليه و سلم قتل زيد بن حارثة و جعفر بن أبي طالب و عبد اهللا بن رواحة

و أنا أنظر : صلى اهللا عليه و سلم يعرف في وجهه الحزن قالت عائشة جلس رسول اهللا

يا رسول اهللا إن نساء جعفر و ذكر بكاءهن : فأتى رجل فقال ] شق الباب [ من صائر الباب


فأمره أن يذهب فينهاهن فذهب فأتاه فذكر أنهن لم يطغنه فأمره الثانية أن ينهاهن فذهب

فزعمت أن رسول اهللا صلى اهللا عليه و : نا يا رسول اهللا قالت و اهللا لقد غلبن: ثم أتاه فقال

أرغم أنفك و اهللا ما : فقلت : اذهب فاحث في أفواههن التراب قالت عائشة : سلم قال

تفعل ما أمرك رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم و ما تركت رسول اهللا صلى اهللا عليه و

لفظهرواه البخاري و مسلم و هذا] سلم من العناء

غريب و في أرض : لما مات أبو سلمة قلت : وعن عبيد بن عمير عن أم سلمة قالت ]

غريبة ألبكينه بكاء يتحدث عنه فكنت قد تهيات للبكاء عليه إذا أقبلت امرأة من الصعيد تريد

أتريدين أن يدخل : أن تسعدني فاستقبلها رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم و قال

فكففت عن البكاء فلم أبك انفرد بإخراجه مسلم] جه اهللا منه مرتين ؟ الشيطان بيتا أخر

النياحة : قال رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم : وعن ابن عباس ـ رضي اهللا عنهما ـ قال ]

على الميت من أمر الجاهلية فإن النائحة إذا لم تتب قبل أن تموت فإنها تبعث يوم القيامة

رواه ابن ماجة من رواية عمر ] يعلى عليها بدرع من لهب النار عليها سربال من قطران ثم

بن راشد اليمامي و قد ضعفه غير واحد و قد روي في صحيح مسلم بأتم من هذا وأبين

وعن أبي أمامة أن رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم لعن الخامشة وجهها و الشاقة ]

دعوا {: الهالك ومنه قوله تعالى : ة و الثبور رواه ابن ماج] ثوبها و الداعية بالويل و الثبور

وا هالكاه: أي صاحوا }هنالك ثبورا

لعن رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم : و عن أبي سعيد الخدري ـ رضي اهللا عنه ـ قال ]

رواه أبو داود من رواية عطية العوفي و قد تكلم فيه] النائحة و المستمعة


ب الميت بالنياحةفصل ـ فيما ورد من عذا

الميت : عن عمر بن الخطاب ـ رضي اهللا عنه ـ عن النبي صلى اهللا عليه و سلم قال ]

و لم يذكر في قبره رواه ] يعذب بما نيح عليه : [ و في رواية ] يعذب في قبره بما نيح عليه

البخاري و مسلم

إنه من ينح عليه : ول بعث النبي صلى اهللا عليه و سلم يق: و عن المغيرة بن شعبة قال ]

رواه البخاري و مسلم] يعذب بما نيح عليه

وعن أسيد بن أبي أسيد عن موسى بن أبي موسى عن أبيه أن النبي صلى اهللا عليه و ]

! وا كاسباه ! وا ناصراه ! وا عضداه : الميت يعذب ببكاء الحي إذا قالت النائحة : سلم قال

! سبحان اهللا : فقلت ] نت ناصرها ؟ أنت كاسبها ؟ أنت عضدها ؟ أ: جبذ الميت وقيل له

أحدثك عن أبي موسى عن رسول اهللا : فقال } و ال تزر وازرة وزر أخرى {: يقول اهللا تعالى

صلى اهللا عليه و سلم و تقول هذا فأينا كذب ؟ فو اهللا ما كذبت على أبي موسى و ال كذب

واه اإلمام أحمدأبو موسى على رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم ر

سمعت رسول اهللا صلى اهللا عليه و : و عن المغيرة بن شعبة ـ رضي اهللا عنه ـ قال ]

] إن كذبا علي ليس ككذب على أحد من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعدة من النار : سلم

رواه ] من ينح عليه يعذب بما نيح عليه : [ سمعت رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم يقول

اري وهذا لفظه و مسلمالبخ

أغمي على عبد اهللا بن رواحة فجعلت أخته عمرة تبكي و : و عن النعمان بن بشير قال

: ما قلت شيئا إال و قد قيل لي : وا جباله وا كذا وا كذا تعدد عليه فقال حين أفاق : تقول

فلما مات لم تبك عليه رواه البخاري! أنت كذلك ؟

ما : ن أبي موسى أن رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم قال ع[ وروى الترمزي في جامعه

من ميت يموت فيقوم باكيهم فيقول وا جباله وا سيداه أو نحو ذلك إال و كل به ملكان

الدفع : اللهز ] يلهزانه : [ حديث حسن غريب قوله : قال الترمذي ] أهكذا كنت ؟ : يلهزانه

بجميع اليد في الصدر


كاء ال ينفع الميت بل ينفعه العمل الصالحفصل ـ في أن الب

و ليعلم أن البكاء المجرد ليس فيه منفعة للميت البتة و إنما ينفعه عمله كما في صحيح

أنس بن مالك ـ رضي اهللا عنه ـ عن رسول اهللا صلى اهللا [ البخاري و مسلم من حديث

يرجع : ثنان و يبقى واحد يتبع الميت ثالث أهله و ماله و عمله فيرجع ا: عليه و سلم قال

[ أهله و ماله و يبقى عمله

صدقة جارية أو علم ينتفع به : إذا مات ابن آدم انقطع عمله إال من ثالث : [ و في الصحيح

فال منفعة للميت بالبكاء و االنزعاج] من بعده أو ولد صالح يدعو له

زعجون لنزول البالء انزعاجا أما بعد فإني رأيت عموم الناس ين: قال أبو الفرج بن الجوزي

و هل ينتظر الصحيح إال السقم ؟ و ! يزيد عن الحد كأنهم ما علموا أن الدنيا على ذا وضعت

كما قيل! الكبير إال الهرم ؟ و الموجود سوى العدم ؟ :

... على ذا مضى الناس اجتماع و فرقة )

( و ميت و مولود و بشر و أحزان

لقد مات : لسلف أن رجال جاءه و هو يأكل طعاما فقال له و ما أحسن ما روي عن بعض ا

من أعلمك و ما : اقعد و كل فقد علمت ذلك فقال : أخوك أعظم اهللا أجرك فيه فقال

كل نفس ذائقة الموت{: قوله تعالى : سبقني إليك أحد ؟ قال }

لول المنايا و و لعمري إن أصل االنزعاج ال ينكر إذ الطبع مجبول على الجزع من ح: ثم قال

إنما ينكر اإلفراط فيه و التكليف كمن يخرق ثيابه و يلبس الثياب المرذولة عند موت قريبه و

يلطم وجهه و يعترض على القدر و هذا و مثله و أكثر منه ال يرد فائتا لكنه يدل على خور

الجازع و يوجب العقوبة مع ما يفوته من األجر و الثواب

كان الصبر محمودا عند المصائب و مرغوبا فيه عند حلول النوائب إذا : قال بعض الحكماء

فالجزع مذموم بكل مقال و صاحبه ملوم في كل حال فتعجل المحمود عند العقالء أحسن و

تجنب المذموم من الخصال أزين


فصل ـ في بيان أن اهللا سبحانه هو الفعال لما يريد

فاية لمن تدبرها وكيف ال تكون هذه الخصال و في بعض ما تقدم من أحاديث النهي هذه ك

القبيحة منهيا عنها و هي مشتملة على التسخط على الرب عز و جل الفعال لما يشاء

الحكم بما يريد المتصرف في عبيده بما يختار من موت و غرق و حرق و غير ذلك مما قضاه

و شق الثياب و لطم بل فعل النوح ! و قدره و أمضاه ال يسأل عما يفعل و هم يسألون ؟

الخدود و خمش الوجوه و نبش الشعر و نتفه و التحفي و تسويد الوجه و البدن و الدعاء

بالويل و الثبور و غير ذلك من األقوال و األفعال المنكرة التي ورد الشرع بالنهي عنها و ذم

رضا و الصبر و فاعلها و أن فاعلها شرع في الدين ما لم يأذن به اهللا و ال رسوله هو مناف لل

يضر بالنفس و البدن و ال يرد من قضاء اهللا و قدره شيئا

و قد بلغني عن أناس أعرفهم أصيبوا بمصيبة أزعجوا أنفسهم ألجل مصابهم ببعض ما ذكر

فأورثهم ذلك مرض و حمى فإذا استسلم المصاب و انقاد و وكل األمر لمن بيده الخلق و

اشهم و معادهم باتباع الرسل فتبع الرسول صلى اهللا األمر و علم أن سعادة العباد في مع

عليه و سلم فيما أمره به و فيما نهاه عنه و كان مما جاء به تحريم هذه األفعال و األقوال

فإذا ] العين تدمع و القلب يحزن و ال نقول ما يسخط ربنا [ بل : المنكرة التي تقدم ذكرها

لسعادة األبدية باتباعه الرسول في أقواله و سمع المصاب ذلك فأطاع و انقاد حصلت له ا

و ما آتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا {: أفعاله لقوله تعالى اآلية {


فصل ـ فيما يفعله اإلنسان إذا أحس بدنو أجله

و الذي ينبغي أوال لمن غاب على الظن أنه يصاب بالموت في مرضه أن يعامل بأحسن

ينفعه في قبره و يوم معاده فيذكره اآلخرة و يأمره بالوصية و التوبة و يلقنه المعامالت بما

شهادة أن ال إله إال اهللا لتكون آخر كالمه

و يكون قبل ذلك قد نهى من لطم الخدود و شق الثياب و تمزيقها و نتف الشعر و رفع

ي هذه الحالة الصوت بالندب و النياحة و غير ذلك من قول و فعل منكر و يكون مع ذلك ف

رجاؤه باهللا أكثر من خوفه و هو كثير الحمد و االسترجاع و الرضا عن اهللا عز و جل

بلغني أن رجال جاء إلى : عن محمد بن مسلمة قال [ و قد روى ابن أبي الدنيا بإسناده

ال تتهم : يا رسول اهللا أوصني و ال تكثر علي قال : رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم فقال

: قال لعائشة ـ رضي اهللا عنها ـ [ و روى أيضا بإسناده ] عز و جل في شيء قضاه لك اهللا

كان أكثر : ما كان أكثر كالم رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم في بيته إذا خال ؟ قالت

ما يقضى من أمر يكن: كالمه إذا خال في بيته ]

خلق و أعلمهم باهللا فإذا وطن فهذا رسول رب العالمين يقول هذه المقالة و هو أعرف ال

العبد نفسه على أن ما يقضي من أمر يكن ال محالة فإتعاب النفس و البدن في ما ال

يجدي شيئا ليس من حصافة العقل و يعلم أن الدنيا موضوعة على الكدر فالبناء إلى نقض

ال ينبغي أن و الجميع إلى تفريق و من رام بقاء ما ال يبقى كان كمن رام وجود ما ال يوجد ف

يطلب من الدنيا ما لم توضع له


إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه: فصل ـ في قول النبي صلى اهللا عليه و سلم

إن الميت [ و ] إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه : [ و أما قوله صلى اهللا عليه و سلم

و الخلف في ذلكوقد تقدمت هذه األحاديث فاختلف السلف ] يعذب بالنياحة عليه

اهللا يتصرف في خلقه بما يشاء و أفعال اهللا ال تعلل و ال فرق بين التعذيب : فقالت طائفة

بالنوح عليه و التعذيب بما هو منسوب إليه ألن اهللا تعالى خالق الجميع و اهللا تعالى يؤلم

األطفال و البهائم و المجانين بغير عمل عملوه

اديث ال تصح عن رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم و قد هذه األح: و قالت طائفة اخرى

ثم } و ال تزر وازرة وزر أخرى {: أنكرتها عائشة ـ رضي اهللا عنها ـ و احتجت بقوله تعالى

أحاديث لم نذكرها بعد و هي مما استدلت بها عائشة رضي اهللا عنها

نهما ـ يرفع ذلك إلى ذكر عند عائشة أن ابن عمر ـ رضي اهللا ع: عن عروة قال [ و منها

ذهل إنما قال : إن الميت يعذب في قبره ببكاء أهله فقالت : النبي صلى اهللا عليه و سلم

و ] إنه ليعذب بخطيئته أو بذنبه و إن أهله ليبكون عليه اآلن : النبي صلى اهللا عليه و سلم

قتلى بعض قام على القليب يوم بدر وفيه [ ذلك مثل قول النبي صلى اهللا عليه و سلم

إنهم ليعلمون أن ما : إنهم ليسمعون ما أ قول وقد ذهل إنما قال : المشركين فقال ما قال

} و ما أنت بمسمع من في القبور { } إنك ال تسمع الموتى {: كنت أقوله لهم حق ثم قرأ

رواه البخاري و مسلم و هذا لفظه هكذا ساقه بطوله ] تبوؤوا مقاعدهم من النار : يقول

افظ الضياءالح

توفيت بنت لعثمان بمكة و جئنا لنشهدها : و عن عبد اهللا بن عبيد اهللا بن أبي مليكة قال ]

جلست إلى أحدهما ثم جاء : و حضر ابن عمر و ابن عباس إني لجالس بينهما أو قال

أال تنهى عن البكاء فإن : األخير فجلس إلى جنبي فقال عبد اهللا بن عمر البن عباس

فقال ابن عباس ! إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه : صلى اهللا عليه و سلم قال رسول اهللا

صدرت مع عمر من مكة حتى إذا كنا بالبيداء : قد كان عمر يقول بعض ذلك ثم حدث قال :

اذهب فانظر من هؤالء الركب ؟ فنظرت فإذا صهيب : إذا هو بركب حتى إذا ظل سمرة قال

ارتحل فالحق أمير المؤمنين فلما : جعت إلى صهيب فقلت له ادعه لي فر: فأخبرته فقال

يا صهيب أتبكي علي و : وا أخاه وا صاحباه فقال عمر : أصيب عمر دخل صهيب يبكي يقول

قال ! إن الميت يعذب ببعض بكاء أهله عليه ؟ : قد قال رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم

يرحم اهللا عمر و اهللا ما حدث رسول : الت فلما مات عمر ذكرت ذلك لعائشة فق: ابن عباس

إن اهللا ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه و لكن رسول اهللا : اهللا صلى اهللا عليه و سلم قال


حسبكم : إن اهللا ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه و قالت : صلى اهللا عليه و سلم قال

و أنه {: ـ رضي اهللا عنهما ـ عند ذلك قال ابن عباس} و ال تزر وازرة وزر أخرى {: القرآن

رواه البخاري و هذا لفظه ] و اهللا ما قال ابن عمر شيئا : قال ابن ملكية }هو أضحك و أبكى

و مسلم

أن عائشة ـ رضي اهللا عنها ـ ذكر لها أن عمر و ابنه عبد اهللا [ وفي صحيح البخاري و مسلم

م لتحدثوني عن غير كاذبين و ال متهمين و إن الميت ليعذب ببكاء الحي قالت إنك: يقول

يغفر اهللا ألبي عبد الرحمن أما إنه لم يكذب و لكنه : لكن السمع يخطىء و في لفظ قالت

: نسي و أخطأ إنما مر رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم على يهودية يبكي عليها فقال

[ إنهم ليبكون عليها و إنها لتعذب في قبرها

إن الميت ليعذب بنوح أهله محمول على من أوصى به أو : قوله : ى و قالت طائفة أخر

كانت من عادتهم ذلك ولم ينههم يعني يوصي قبل موته أن ال يحدثوا قوال و ال فعال منكرا و

: هذا كان مشهورا عند العرب و هو كثير في أشعارهم كقول طرفة

إذا مت فانعني بما أنا أهله )

نة معبدو شقي علي الجيب يا اب ... )

: و قال لبيد

... فقوما فقوالبالذي قد علمتما )

( و ال تخمشا وجها و ال تحلقا شعر

هو المرء الذي ال حليفه: وقوال )

( أضاع و ال خان الصديق و ال غدر ...

و هو محمول على سنته و سنة قومه البكاء و النوح و قد اشتهر أن : و قالت طائفة أخرى

ا لم ينههم دخل في الوعيد ألن ترك نهيه عن البكاء دليل على رضائه هذا معروف منهم فإذ

به منهم و هذا قول عبد اهللا بن المبارك و هذا القول و الذي قبله هو قول واحد و قد حكى

أن هذين القولين متباينان و لم يظهر لي ذلك و اهللا أعلم: بعض أهل العلم

هذا القول هو أصح األقوال كلها و أرجحها ألنه إذا : ـ و قال أبو البركات ابن تيمية ـ رحمه اهللا

غلب على ظنه فعلهم له و لم يوصهم بتركه فقد رضي به و صار كمن ترك النهي عن

المنكر مع القدرة عليه فأما إذا أوصاهم بتركه فخالفوه فاهللا أكرم من أن يعذبه بذلك

ا القول إجراء الخبر على عمومه في و قد حصل بهذ: و قال العالم ابن المقيم ـ رحمه اهللا ـ

أكثر الموارد و إنكار عائشة ـ رضي اهللا عنها ـ لذلك بعد رواية الثقات ال يعول عليه فإنهم قد

يحضرون ما ال تحضره و يشهدون ما تغيب عنه و احتمال السهو و الغلط بعيد جدا خصوصا

من الصحابةبحق خمسة من أكابر الصحابة و قد تقدم ذكره عن أكثر من خمسة


و قوله في اليهود ال يمنع أن يكون قد قال مارواه عن هؤالء الصحابة في أوقات أخر ثم هي

فإذا لم يمتنع ] إن اهللا يزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه : [ محجوجة بروايتها عنه أنه قال

حق المسلم زيادة الكافر عذابا بفعل غيره مع كونه مخالفا لظاهر اآلية لم يمتنع ذلك في

إن اهللا سبحانه كما ال يظلم عبده المسلم ال يظلم الكافر و اهللا تعالى أعلم


فصل ـ في أن ما أورده من األحاديث ال يخالف قواعد الشرع

و اعلم ـ رحمك اهللا ـ أن هذه الحاديث ال تحتاج إلى شيء من هذه التعسفات و ليس فيها

القرآن و ال لقاعدة من قواعد الشرع و ال تتضمن عقوبة بحمد اهللا إشكال و ال مخالفة لظاهر

إن الميت ليعاقب ببكاء : اإلنسان بذنب غيره فإن النبي صلى اهللا عليه و سلم لم يقل

إنه ليعذب بذلك و ال ريب أن ذلك يؤلمه و يعذبه و : أهله عليه أو بنوح أهله عليه و إنما قال

قال [ من العقاب و األعم ال يستلزم األخص و قد العذاب هو األلم الذي يحصل له و هو أعم

و هذا العذاب يحصل للمؤمن و ] السفر قطعة من العذاب : النبي صلى اهللا عليه و سلم

الكافر و يحصل للميت األلم في قبره بمجاورة أهل البدع و الفسق و العصيان و يتأذى بذلك

ره و نص اإلمام أحمد على أن كما يتأذى اإلنسان في الدنيا بما يشاهده من عقوبة جا

الموتى يتأذون بفعل المصيبة عندهم فإذا بكى أهل الميت عليه البكاء المحرم من لطم

الخدود و تمزق الثياب و خمش الوجوه و تسويدها و قطع الشعر و نتفه و دعا بدعوى

وال الجاهلية و كل هذا موجود في غالب جهال أهل زماننا فإذا وجدت هذه األفعال و األق

على هذا الوجه حصل للميت األلم في قبره بذلك فهذا التألم هو عذابه بالبكاء عليه و هذا

معنى ما ذهب إليه شيخ اإلسالم ابن تيمية


فصل ـ في وسوسة الشيطان للمريض و ألقاربه و أهله

قد يستحوذ الشيطان على المريض فيوسوس له بأنك ستفارق المحبوبات و تخرج من

فربما أسخطه ! إلى مكان فظيع موحش و تلقى بين أطباق الثرى و كيف يؤلمك ؟ الدنيا

على ربه و كرهه لقاء اهللا عز و جل و ربما أنطقه بكالم يتضمن نوع إعراض و تسخط ثم

يوسوس ألقاربه بأنه ال بد أن يفوتكم من بره و إحسانه ما يزيد عن الوصف أو أنه كان قد

ى إلى المناصب العالية فيهيج هؤالء على البكاء المحرم و نشأ منشأحسنا و قد بدأ يترق

فعل ما ال يجوز فعله و يهيج المريض على الحزن على فراق الدنيا

فينبغي لكال الطائفتين أن يتداووا باألدوية الشرعية و قد تقدم في الباب األول ما فيه كفاية

هذا بجوابينمن األدوية اإللهية فال حاجة إلى تكرارها و لكن يجاب عن :

أن األغلب فيمن يفارقه أنه يؤثر فراقه خصوصا إن كان شيخا كبيرا أو أنه شاب أو : أحدهما

كهل يحجر على من ذكرته من قرابة أو ولد و نحوه أو له خلق شديد و أخص منه إن كان ذا

مال و قد رأيت في زماننا من كان من أصحاب األموال و هو محسن ألهله و أقاربه فمرض

فأوصى بوصايا ألقاربه لمن ليس بوارث في الحال فلما مات خلف ماال جزيال فاشتغل الوارث

و غيره بالمال عن الحزن عليه فأخذوا في الخصام عليه و تفرقته فهذا و هو محسن إليهم

بماله و ما أخذوه فهو سريع الذهاب و أما بره إليهم لو بقي حصل لهم أضعاف ذلك فال

حزن لفراق من ال يحزن لفراقهينبغي للعبد أن ي

أنشدني محمد بن األشعث لنفسه في ذم الحزن من : و ذكر أبو القاسم بن عساكر قال

: حيث هو

قلم القضاء جرى بكل مكون )

( ! يا صاحب األحزان ماذا تحزن ...

إن كان سخطك ليس يجلب راحة )

( فرضاك بالبلوى أحق و أحسن ...

ن هو أحب إليه منه و ما من مؤمن يموت فيؤثر الرجوع إلى الدنيا و و الثاني الرجاء لمالقاة م

لو أنها جميعها له إال الشهيد فإنه يحب الرجوع ليقاتل مرة أخرى لما يرى من عظم أجر

و قد روى اإلمام أحمد في مسنده أن النبي صلى اهللا [ الشهادة كما سيأتي ذكره بعد

ة يقبضها ربها عز و جل تحب أن تعود إليكم و ما من نفس مؤمنة مسلم: عليه و سلم قال

[ أن لها الدنيا و ما فيها


فصل ـ فيما ذكر في النعي و المناداة على الميت

و هو إعالم الناس بموت الشخص على ما يفعله أهل زماننا بالكبير أو بالمشهور و يرسلون

كان من هديه صلى اهللا عليه و: [ مناديا يعلم الناس به قال العالمة ابن القيم في الهدي

انتهى كالمه] و هو من عمل الجاهلية : و سلم ترك نعي الميت بل كان ينهىعنه و يقول

باب كراهة النعي و ساق في الباب ثالثة : و قال الحافظ ضياء الدين رحمه اهللا في أحكامه

اهللا عليه و عن عبد اهللا بن مسعود ـ رضي اهللا عنه ـ عن النبي صلى : [ أحاديث منها

رواه ] أذان بالميت : إياكم و النعي فإن النعي من عمل الجاهلية قال عبد اهللا : سلم قال

الترمذي و قال حديث حسن غريب

إذا مت فال تؤذنوا بي أحدا إني أخاف أن يكون نعيا فإني سمعت رسول : وعن حذيفة قال ]

م أحمد و ابن ماجة و الترمذي وهذا رواه اإلما] اهللا صلى اهللا عليه و سلم ينهى عن النعي

لفظه و حسنه

ال تؤذنوا به أحدا إني أخاف أن يكون : كان حذيفة إذا مات له الميت قال : و عند ابن ماجة ]

و روى ] نعيا إني سمعت رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم بأذني هاتين ينهي عن النعي

لم يقل بأذني هاتينأحمد أيضا هذه الزيادة كما رواها ابن ماجة و لكن

: قلت إلبراهيم : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم أخبرنا ابن عون قال : و قال سعيد بن منصور

إذا توفي الرجل يركب رجل دابته ثم صاح في : قال إبراهيم : نعم : أكان النعي يكره ؟ قال

أنعى فالنا: الناس

كان ال يؤذن بجنازة أحد فذكرت سمعت بالكوفة أن شريحا : و بإسناده إلى ابن عون قال

إن شريحا كان مكيا ما أعلم به بأسا أن يؤذن الرجل صديقه و : ذلك لمحمد بن سرين فقال

يؤذن الرجل جمعه

ال بأس إذا مات الرجل أن يؤذن صديقه و : و ذكر بإسناده حدثنا حماد عن إبراهيم أنه قال

فالنا فعل الجاهليةأنعي: أصحابه إنما يكره أن يكون في المجلس فيقال

: عن أبي موسى األشعري أن رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم قال [ و قد روى الترمذي

وا جباله وا سنداه أو نحو ذلك إال وكل اهللا به ملكان : ما من ميت يموت فيقوم باكيها فيقول

حديث حسن: قال الترمذي ] يلهزانه أهكذا كنت ؟

دالة على النهي و أنه من فعل الجاهلية لكن األحاديث التي و المقصود أن هذه األحاديث

ذكرناها منها ما يدل على أن النعي إعالم الناس بأن فالنا قد مات و منها ما يدل على أن

النعي هو تعداد صفات الميت فالظاهر أن كالهما نعي و اهللا أعلم


لمناداة له فهو من البدع و ما يفعله الناس اليوم في زماننا من إعالم الناس بالميت و ا

المنهي عنها كما وردفي الحديث فإنه مفض إلى تأخير الميت ألجل اجتماع الناس له

ثبت في [ تأخيرا زائدا عن الحد و يتركون السنة التي من شأنها اإلسراع بالجنازة كما

: ه فقال أن أبا طلحة بن البراء مرض فأتاه النبي صلى اهللا عليه و سلم يعود: سنن أبو داود

إني أرى طلحة قد حدث فيه الموت فآذنوني به و عجلوا فإنه ال ينبغي لجيفة مسلم أن

[ تحبس بين ظهراني أهله

ال بأس : الذي ينبغي أن يقال : و إن كان المراد النعي الذي هو تعداد صفات الميت فيقال

م و ال ينافي الصبر و بالكلمات اليسيرة إذا كانت صدقا ال على وجه النوح و التسخط فال يحر

ال يكون من المنهي عنه بل قد نص اإلمام أحمد ـ رحمه اهللا ـ أن الكلمات اليسيرة من

من حديث أنس بن [ الصدق ال تنافي الصبر الواجب يؤيد ذلك ما ثبت في صحيح البخاري

كرب لما ثقل رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم جعل يتغشاه ال: مالك ـ رضي اهللا عنه ـ قال

يا أبتاه : ليس على أبيك كرب بعد اليوم فلما مات قالت : وا كرب أبتاه فقال : فقالت فاطمة

أجاب ربا دعاه يا أبتاه جنة الفردوس مأواه يا أبتاه إلى جبريل أنعاه فلما دفن رسول اهللا

أطابت أنفسكم أن تحثوا التراب على رسول اهللا : صلى اهللا عليه و سلم قالت فاطمة

هللا عليه و سلم ؟صلى ا ]

و عن أنس أيضا أن أبا بكر الصديق ـ رضي اهللا عنه ـ دخل على النبي صلى اهللا عليه و ]

وا نبياه وا خلياله وا : سلم بعد وفاته فوضع فمه بين عينيه ووضع يده على صدغيه و قال

رواه اإلمام أحمد] صفياه

ى اهللا عليه و سلم نعى النجاشي و عن أبي هريرة ـ رضي اهللا عنه ـ أن رسول اهللا صل ]

رواه ] في اليوم الذي مات فيه وخرج بهم إلى المصلى فصف بهم وكبر عليه أربع تكبيرات

استغفروا ألخيكم: [ البخاري و مسلم و في لفظ لهما قال ]

وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون: [ و قد تقدم قول النبي صلى اهللا عليه و سلم ]

ألقاويل التي تقدمت ليس تسخط على الرب تبارك و تعالى بما قضاه و و هذا و نحوه من ا

قدره و ال ينافي الصبر الواجب و ال يأثم به قائله و اهللا أعلم


الباب الرابع ـ فيمن أصيب بفقد ثالثة من الولد فأكثر و البشارة له بذلك

بشر الصابرين و{: باب فضل من مات له ولد فاحتسب و قوله تعالى : قال البخاري }

قال : حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث ثنا عبد العزيز عن أنس ـ رضي اهللا عنه ـ قال ]

ما من مسلم من الناس يتوفى له ثالثة لم يبلغوا : رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم

و رواه مسلم من وجه آخر عن أنس] الحنث إال أدخله اهللا الجنة بفضل رحمته إياهم

أي لم يبلغوا سن التكليف الذي يكتب فيه الحنث] لم يبلغوا الحنث : [ قوله

سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ـ رضي اهللا عنه ـ عن النبي [ و روى البخاري من حديث

] ال يموت لمسلم ثالثة من الولد فيلج النار إال تحلة القسم : صلى اهللا عليه و سلم قال

تحلة القسم ما ينحل به القسم وهو : قال العلماء ورواه مسلم من هذه الطريق أيضا

و بهذا } و إن منكم إال واردها {اليمين وجاء مفسرا في الحديث أن المراد به قوله تعالى

قال أبو عبيد و جمهور من العلماء

فوربك {: المراد قوله تعالى : و اهللا إن منكم إال واردها و قيل : و القسم مقدر أي

شياطينلنحشرنهم و ال }

و تحلة القسم في هذا في كالم العرب و : معناه تقليل مدة ورودها قال : وقال ابن قتيبة

و ال تحلة القسم أي ال تحلة أصال وال قدرا يسيرا تحلة القسم و المراد بقوله : قيل تقديره

المرور على الصراط و هوعلى جهنم و قيل الوقوف : } و إن منكم إال واردها {: تعالى

عندها أعاذنا اهللا و إياكم منها

و روى مسلم أيضا هذا الحديث معنى تحلة القسم عن أبي بكر بن أبي شيبة و عمرو

الناقد و زهير بن حرب ثالثتهم عن سفيان بن عيينة به و رواه أيضا من حديث عبد الرزاق

شهاب حدثنا يحيى بن يحيى قرأت على مالك عن [ عن معمر عن الزهري به و رواه أيضا

ال يموت ألحد : عن ابن المسيب عن أبي هريرة عن رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم قال

و رواه الترمذي من حديث ] من المسلمين ثالثة من الولد فتمسه النار إال تحلة القسم

عن معاذ وعمر وكعب بن مالك و : و في الباب : حسن صحيح قال الترمذي : مالك به و قال

وأم سليم و عائشة و أنس و أبي ذر و ابن مسعود و أبي ثعلبة األشجعي و عتبة بن عبيد

ابن عباس و عتبة بن عامر و أبي سعد و قرة بن إياس

حدثنا إسحاق أخبرنا عوف عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة ـ : [ و قال اإلمام أحمد

لمين يموت لهما ما من مس: قال رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم : رضي اهللا عنه ـ قال

يقال لهم : ثالثة أوالد لم يبلغوا الحنث إال أدخلهم اهللا الجنة و آباءهم بفضل رحمته قال

فيقال : ثالث مرات فيقولون مثل ذلك قال : يقولون حتى يجيء أبوانا قال : ادخلوا الجنة قال


ادخلوا الجنة أنتم و آباؤكم: لهم ]

ي سعيد أن النساء قلن للنبي صلى اهللا عليه و حديث ذكوان عن أب[ و روى البخاري من

أيما امرأة مات لها ثالثة من الولد كن لها حجابا : اجعل لنا منك يوما فوعظهن و قال : سلم

ثنا أبو صالح : عن ابن األصبهاني [ و قال شريك ] واثنان : و اثنان قال : من النار قالت امرأة

لم يبلغوا : اهللا عليه و سلم قال أبو هريرة عن أبي سعيد و أبي هريرة عن النبي صلى

و قد روى الحديث محمد بن سيرين و أبو رزين و أبو سلمة بن عبد الرحمن عن ] الحنث

أبي هريرة

و اثنين و : فقالت امرأة : حديث أبي سعيد من حديث شعبة به و عنده [ و أخرج مسلم

و اثنين و اثنين و اثنين : عليه و سلم اثنين و اثنين يا رسول اهللا فقال رسول اهللا صلى اهللا

[ و هذا الذي علقه البخاري عن شريك عن ابن األصبهاني قد رواه هو و مسلم من ]

لم : حديث غندر عن شعبة عن ابن األصبهاني عن أبي حازم عن أبي هريرة و قال فيه

ين عن أبي حدثنا عوف عن ابن سير: [ و قال عثمان بن إبراهيم المؤذن ] يبلغوا الحنث

ما من مسلمين : قال رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم : هريرة ـ رضي اهللا عنه ـ قال

يكونون : يموت لهما ثالثة من الولد لم يبلغوا الحنث إال أدخلهم اهللا و أبويهم الجنة قال

ورواه النسائي من حديث ] ادخلوا الجنة أنتم و آباؤكم : على باب من أبواب الجنة فيقال

سحاق بن يوسف األزرق عن عوف األعرابيإ

عن أبي هريرة ـ رضي اهللا عنه ـ أن رسول اهللا صلى اهللا عليه [ و روى مسلم في صحيحه

ال يموت إلحداكن ثالثة من الولد فتحتسبه إال دخلت الجنة : و سلم قال لنسوة من األنصار

أو اثنين: أو اثنين يا رسول اهللا ؟ قال : فقالت امرأة منهن ]

عن أبي وائل عن ابن مسعود ـ رضي اهللا عنه ـ أن رسول [ و روى اإلمام أحمد في مسنده

ما منكن امرأة يموت لها ثالثة إال أدخلها : اهللا صلى اهللا عليه و سلم خطب النساء فقال

و صاحبة االثنين في : يا رسول اهللا و صاحبة االثنين ؟ فقال : اهللا الجنة فقالت أجلهن امراة

ةالجن ]

قال : من حديث أم سليم بنت ملحان و هي أم أنس بن مالك قالت [ و روى أحمد أيضا

ما من مسلمين يموت لهما ثالثة أوالد لم يبلغوا الحنث إال أدخلهم اهللا الجنة : رسول اهللا

و اثنان: يا رسول اهللا واثنان ؟ قال : قلت : بفضل رحمته قالها ثالثا ]

بن شعيب عن سعيد بن المسيب عن أم مبشر أن رسول اهللا عن عمرو [ و روى المثنى

من هلك له ثالثة من الولد فصبر و احتسب أدخل الجنة فقلت : صلى اهللا عليه و سلم قال

و اثنان: قال ! يا رسول اهللا و اثنان ؟ : ]

من حديث طلق بن معاوية عن أبي زرعة عن أبي هريرة ـ [ و روى مسلم في صحيحه


يا نبي اهللا ادع اهللا فلقد دفنت ثالثة : أتت امرأة بصبي لها فقالت : ـ قال رضي اهللا عنه

لقد احتظرت بحظار شديد من النار: فقال دفنت ثالثة ؟ قالت نعم قال ]

حدثني نصر بن عمر ابن يزيد بن قبيصة : [ و قال البخاري في تاريخه قال علي بن هاشم

كنت عند النبي صلى اهللا عليه و سلم جالسا :حدثني أبي عن قبيصة بن برمة قال : قال

و كم مات لك : يا رسول اهللا ادع اهللا لي فإنه ليس يعيش لي ولد قال : إذ أتته امراة فقالت

لقد احتظرت من النار بحظار شديد: ؟ قالت ثالثة قال ]

جاءت : حدثنا عبيد بن زياد ثنا أبي عن زهير ابن أبي علقمة قال : [ و قال سعيد بن منصور

: امرأة إلى رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم في ابن لها مات و كان القوم عنفوها فقالت

لقد احتظرت من : يا رسول اهللا قد مات لي ابنان منذ دخلت في اإلسالم سوى هذا قال

إسناد صحيح لكن ال صحبة لزهير هذا فيكون : قال جماعة من الحفاظ ] النار حظارا شديدا

مرسال

أي امتنعت بمانع ] لقد احتظرت بحظار شديد من النار : ما قوله صلى اهللا عليه و سلم أ ]

ما يجعل حول البستان و : المنع و أصل الحظار بكسر الحاء و فتحها : وثيق و أصل الحظر

غيره من القبضان و غيرها كالحائط

جماعة من و في هذه األحاديث دليل على كون أطفال المسلمين في الجنة و قد نقل

العلماء إجماع المسلمين على ذلك

أما أوالد األنبياء صلوات اهللا و سالمه عليهم فاإلجماع محقق في األطفال : قال الماوردي

على أنهم بالجنة و أما أطفال من سواهم من المسلمين فجماهير العلماء على القطع

و اتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا والذين آمنوا{: و يدل عليه قوله تعالى : لهم بالجنة قالوا

و توقف بعض المتكلمين منهم و أشار أنه ال يقطع لهم كالمكلفين و هو خطأ }بهم ذريتهم

توفي صبي من : حديث عائشة ـ رضي اهللا عنها ـ في الصحيح [ و لكنهم مستندون إلى

لم يدركه طوبى له عصفور من عصافير الجنة لم يعمل السوء و : األنصار فقالت عائشة

أو غير ذلك يا عائشة إن اهللا خلق للجنة أهال خلقهم لها و هم في أصالب آبائهم و : فقال

إن الغالم : [ و في الحديث اآلخر ] خلق للنار أهال خلقهم لها و هم في أصالب آبائهم

و أجاب العلماء عن ذلك بأن النبي صلى اهللا عليه ] الذي قتله الخضر طبع يوم القيامة كافرا

إنما نهى عائشة عن المسارعة إلى القطع من غير أن يكون عندها دليل قاطع كما : سلم

أو مسلما قال النووي : أعطه إني ألراه مؤمنا قال : أنكر على سعد بن أبي وقاص في قوله

فيحتمل أنه صلى اهللا عليه و سلم قال هذا قبل أن يعلم أن : رحمه اهللا في شرح مسلم :

مامن : [ في الجنة فلما علم قال ذلك في قوله صلى اهللا عليه و سلم أطفال المسلمين

و ] مسلم يموت له ثالثة من الولد لم يبلغوا الحنث إال أدخله اهللا الجنة بفضل رحمته إياهم


غير ذلك انتهى كالمه

و قد تقدم عدة من األحاديث تدل على ذلك كما سيأتي ما هو أتم من ذلك و أبين و ما ورد

و اثنين فمحمول على أنه : حاديث في الثالثة من الولد ثم سئل عن االثنين فقال من األ

أوحي إليه عند سؤال االثنين و كذلك عند سؤال الواحد في بعض األلفاظ و اهللا تعالى أعلم

سمعت عتبة بن عبد السلمي : عن شرحبيل بن شفعة قال [ و روى اإلمام أحمد بإسناده

ما من رجل مسلم يتوفى له ثالثة : لى اهللا عليه و سلم يقول سمعت رسول اهللا ص: قال

رواه ابن ] من الولد لم يبلغوا الحنث إال تلقوه من أبواب الجنة الثمانية من أيها شاء دخل

ماجة من حديث جرير بن عثمان الحمصي به

من حديث المغيرة ثنا جرير ثنا شرحبيل بن شفعة عن بعض الصحابة أنه [ و روى أحمد

: يقال للولدان يوم القيامة ادخلوا الجنة فيقولون : مع النبي صلى اهللا عليه و سلم يقول س

ما لي أراغكم محبنطين ادخلوا : فيقول اهللا تعالى : ربنا حتى يدخل آباؤنا و أمهاتنا قال

[ الجنة أنتم و آبائكم

ينا امرأة كانت ب: عن يزيد بن هارون عن هشام عن ابن سيرين [ و روى اإلمام أحمد أيضا

تأتينا يقال لها مارية كانت ترزأ في ولدها فلقيت عبد اهللا بن معمر القرشي و معه رجل من

أصحاب النبي صلى اهللا عليه و سلم فحدث ذلك الرجل أن امراة أتت النبي صلى اهللا عليه

: لت مذ أسلمت ؟ قا: ادع اهللا أن يبقيه لي فقد مات لي قبله ثالثة فقال : و سلم فقالت

جنة حصينة: نعم فقال ]

حديث ابن لهيعة عن أبي عشانة أنه سمع عقبة بن عامر [ و روى أيضا منفردا به لكنه من

من أثكل ثالثة من صلبه فاحتسبهم : يقول عن رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم أنه قال

[ على اهللا وجبت له الجنة

مالك ؟ قال : أتينا أبا ذر قلت : ة قال من حديث صعصعة بن معاوي[ و روى أيضا في مسنده

ما من : قال رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم ! نعم : حدثني قال : لي عملي قلت

ورواه النسائي ] مسلمين يموت بينهما ثالثة من أوالدهما لم يبلغوا الحنث إال غفر لهما

عن عن إسماعيل بن مسعود عن بشر ابن المفضل عن يونس بن عبيد عن الحسن

صعصعة

عن أبي ذر حدثنا عبد الملك بن عمرو ثنا قرة عن الحسن عن صعصعة [ و ثم طريق أخرى

: لقيت أبا ذر بالربذة فقال سمعت رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم يقول : بن معاوية قال

سمعت رسول اهللا : من أنفق زوجين من ماله في سبيل اهللا ابتدره حجبة الجنة و قال

ما من مسلمين يموت لهما ثالثة من الولد لم يبلغوا حنثا إال : ليه و سلم يقول صلى اهللا ع

[ أدخلهم اهللا الجنة بفضل رحمته إياهم


فصل ـ فيمن أصيب بأربعة من األوالد

حدثني محمد بن أبي بكر المقدمي : [ قال عبد اهللا بن اإلمام أحمد في مسند أبيه

أبي هند عن عبد اهللا بن قيس عن الحارث بن أقيس حدثني بشر بن المفضل عن داود بن

قال رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم ما من مسلمين يموت بينهما أربعة أوالد إال : قال

يا رسول اهللا و اثنان ؟ : و ثالثة قالوا : يا رسول اهللا و ثالثة ؟ قال : أدخلهم اهللا الجنة قالوا

نار حتى يكون أحد زواياها و إن من أمتي لمن قال و اثنان و إن من أمتي لمن يعظم لل

عن أبي بكر ] وإن أمتي إلخ [ و روى ابن ماجة منه ] يدخل بشفاعته الجنة أكثر من بمصر

بن أبي شيبة عن عبد

الرحيم بن سلمان عن داود بن أبي هند به

نا ك: عن عبد اهللا بن قيس األسدي عن الحارث ابن أقيس قال [ و روى داود بن أبي هند

ما من مسلمين : عند أبي بردة ليلة فحدث ليلته عن النبي صلى اهللا عليه و سلم يقول

يا رسول اهللا و ثالثة ؟ قال : يموت لهما أربعة أفراط إال أدخلهما اهللا الجنة بفضل رحمته قالوا

اإلمام و ذكر تمام الحديث وقد ذكر بعضهم أنه رواه] و اثنان : و ثالثة قالوا و اثنان ؟ ؟ قال :

أحمد و لكني لم أره

من حديث عبد اهللا بن وهب عن عمرو بن الحارث عن بكير بن األشج [ و روى النسائي

حدثني عمران بن نافع عن حفص بن عبيد اهللا عن جده أنس بن مالك ـ رضي اهللا عنه ـ أن

من احتسب ثالثة من صلبه دخل الجنة: رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم قال ]

عن األحوص عن عاصم األحول عن أنس قال توفي للزبير ولد [ ى الهيثم بن جميل و رو

من : يا رسول اهللا سخ أنفسنا عن أوالدنا فقال : فأتى النبي صلى اهللا عليه و سلم فقال

[ مات له ثالثة من الولد لم يبلغوا الحنث كانوا له حجابا من النار

بن سيرين عن عبيدة السلماني عن الزبير عن يونس عن ا[ و روى عبدالحكيم بن منصور

من مات له ثالثة من األوالد لم يبلغوا : بن العوام عن النبي صلى اهللا عليه و سلم قال

[ الحنث كانوا له حجابا من النار

: من حديث لقمان بن عامر عن أبي أمامة عن عمرو بن عنبسة قال [ و روى اإلمام أحمد

من رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم ليس فيه انتقاص و ال حدثنا حديثا سمعته : قلت له

من ولد له ثالثة أوالد في اإلسالم فماتوا قبل أن يبلغوا الحنث : سمعته يقول : زيادة قال

أدخله اهللا الجنة بفضل رحمته إياهم و من شاب شيبة في اإلسالم كانت له نورا يوم

العدو أصاب أو أخطأ كان له بعدل رقبة و القيامة و من رمى بسهم في سبيل اهللا بلغ به


من أعتق رقبة مؤمنة أعتق اهللا بكل عضو منه عضوا منه من النار و من أنفق زوجين في

و كذا رواه عبد الحميد ] سبيل اهللا فإن للجنة ثمانية أبواب يدخله اهللا من أي باب شاء منها

لسلمي فذكر نحوه و بن بهرام عن شهر عن أنس عن أبي طيبة عن عمرو بن عنبسة ا

رواه الوضين عن عطاء عن محفوظ بن علقمة عن أبي عائد عن عمرو بن عنبسة به

سمعت هشام بن حسان عن ابن سيرين عن يزيد ابن أبي بكرة : [ و قال عبد الرزاق

حدثتني حبيبة ـ يعني بنت سهيل ويقال بنت أبي سفيان ـ أنها كانت عند عائشة ـ رضي

ما من مسلمين يموت لهم ثالثة من : لنبي صلى اهللا عليه و سلم فقال اهللا عنها ـ فجاء ا

[ و كذا روى محمد بن عبد اهللا األنصاري ] الولد إال أدخلهم اهللا الجنة بفضل رحمته إياهم

عن أبان بن صمعة عن محمد بن سيرين عن يزيد بن أبي بكرة عن حبيبة أنها كانت في

ما من مسلمين يموت لهما : فجاء فجلس فقال بيت رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم

: ثالثة أطفال لم يبلغوا الحنث إال جيء بهم يوم القيامة حتى يوقفوا على باب الجنة فيقال

فال أدري في الثانية أوالثالثة : حتى يدخل آباؤنا قال ابن سيرين : ادخلوا الجنة فيقولون

نعم: أسمعت ؟ قالت : شة فقالت عائ] لهم ادخلوا أنتم و آ باؤكم : فيقال

هو أبو حفص اسمه عمر بن عبيد الرحمن ـ عن : األبار ـ قلت [ و روى : و قال الترمذي

األعمش عن زر عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبي أبزى عن أبيه عن محمد بن وهب أن

ةجنة حصين: هل لك من فرط ؟ قالت ثالثة قال : النبي صلى اهللا عليه و سلم قال المرأته

]

عن يزيد بن الحكم عن عثمان بن أبي العاص أن [ و روى عبد الرحمن بن إسحاق أبو شيبة

لقد استجن بجنة ححصينة من النار رجل سلف بين : النبي صلى اهللا عليه و سلم قال

[ يديه ثالثة من صلبه في اإلسالم

ي فإني سمعت أبشري وال تبك: لما حضرت أبا ذر الوفاة بكيت فقال : و عن أم ذر قالت

ال يموت بين امرأين مسلمين ولدان أو ثالثة : [ رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم يقول

وقد مات لنا ثالثة من الولد رواه الحافظ أبو موسى ] فيصبران و يحتسبان فيريان النار أبدا

المديني

أن رسول عن محمد بن ابي بكر عن أبيه عن أبي النضر السلمي [ و قال مالك في الموطأ

ال يموت ألحد من المسلمين ثالثة من الولد فيحتسبهم : اهللا صلى اهللا عليه و سلم قال

قال أبو ] أو اثنان : يا رسول اهللا أو اثنان قال : إال كانوا له جنة من النار فقالت امراة منهن

مالك عن: هكذا رواه القعنبي ويحيى بن يحيى عن مالك و قال اآلخرون : عمر بن عبد البر

و هذا مجهول في الصحابة و التابعين انتهى كالمه: باسناده عن أبي النصر قال

في كتاب : كذا قال ابن عبد البر وليس بمجهول كما قال فإن مسلم رحمه اهللا قال : قلت


أبو النضر عبد األعلى بن هالل السلمي عن عرباض بن سارية و روى : الكنى و األسامي

و تابعيعنه عامر بن خصيف فه

عن موسى الجهني عن مجاهد عن عائشة ـ رضي [ و روى إسماعيل بن يحيى التيمي

من قدم ثالثة من ولده صابرا محتسبا : قال النبي صلى اهللا عليه و سلم : اهللا عنها ـ قالت

[ حجبوه ـ بإذن اهللا ـ من النار

ثتنا حبيبة خادمة عن ابن سيرين حد[ و روى البخاري في تاريخه من طريق أبان بن صمغة

: عائشة أنها كانت في بيت عائشة قاعدة فدخل رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم فقال

[ ما من مسلمين يموت لهما ثالثة أطفال إال أدخلها اهللا الجنة

عن علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن [ ذكر : و في األربعين لنصر بن عبد الرزاق

خرج علينا رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم : قال المسيب عن عبد الرحمن بن سمرة

إني رأيت البارحة عجبا رأيت رجال من أمتي قد احتوشته مالئكة فجاءه و ضوءه : قال

و هومقتطع من ] فاستنقذه و رأيت رجال من أمتي خف ميزانه فجاءه أفراطه فثقلوا ميزانه

حديث طويل يأتي

من : قال رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم : قال و عن أنس بن مالك ـ رضي اهللا عنه ـ ]

رواه بسنده الحافظ ابن ] دفن من صلبه ثالثة من الولد كنت أنا و هو في الجنة كهاتين

عساكر

و هذه األحاديث ـ على اختالف ألفاظها و اتفاق معانيها غالبا و سيأتي بعد ذلك ما : قلت

كلها تدل على أنها وقعت من النبي صلى اهللا هو مثلها و ما هو أتم و أبين إن شاء اهللا ـ

عليه و سلم في مجالس متعددة و يدل على اهتمامه و اعتنائه و رحمته و شفقته بأمته

إذ كل حديث من هذه األحاديث فيه تسلية لألمة عن أوالدها بل تدل بفحوى الخطاب على

ا بما أعد اهللا لهما من أن الشارع صلى اهللا عليه و سلم أراد تسلية الوالدين عن أوالدهم

الثواب الجزيل على المصيبة و الصبر عليها فإن اتفق مع ذلك الرضى بها و كتمانها على

الخلق و طلبها و تلقيها بالقبول كان ذلك فضل اهللا يؤتيه من يشاء و اهللا ذو الفضل العظيم


فيمن أصيب بفقد ولدين و االحاديث الواردة فيه: الباب الخامس

حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه أبي السليل بن نفير عن : [ مسلم في صحيحه قال

إنه قد مات : قلت ألبي هريرة ـ رضي اهللا عنه ـ : أبي حسان ـ وهو خالد بن عالن ـ قال

لي ابنان فما أنت محدثي عن رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم بحديث يطيب أنفسنا عن

أبويه ـ بثوبه : غارهم دعاميص الجنة فيلقى أحدهم أباه ـ أو قال ص: نعم قال : موتانا ؟ قال

بيده ـ كما آخذ أنا بصنفة ثوبك هذا فال يتناهى ـ أو قال ينتهي ـ حتى يدخله و : ـ أو قال

و رواه اإلمام أحمد] إياه الجنة

هو بالدال والعين والصاد] صغارهم دعاميص الجنة : أما قوله صلى اهللا عليه و سلم ]

: المهمالت وأحدهم دعموص بضم الدال أي صغار أهل الجنة قال الشاعر

... إذا التقى البحران عم الدعمو )

( ص نفى أن يسبح أو يغوص

دويبة تكون في الماء ال تفارقه أي هذا الصغير في الجنة ال يفارقها: و أصل الدعموص

صنيفة: فه و يقال لها أيضا صنفة ثوبك هي بفتح الصاد وكسر النون وهي طر: و أما قوله

يتناهى و ] : فال يتناهى ـ أو قال ينتهي ـ حتى يدخله اهللا و إياه الجنة : و أما قوله ]

ينتهي بمعنى واحد أي ال يتركه و اهللا تعالى أعلم

حدثنا أبو هشام الرفاعي ثنا ابن فضيل ثنا بشير بن مهاجر : [ و قال أبو يعلى الموصلي

كان رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم يأتي األنصار و يعودهم : بيه قال عن ابن بريدة عن أ

و يسأل عنهم فبلغه أن امرأة من اإلنصار مات ابن لها فجزعت عليه فأتاها فأمرها رسول

يا رسول اهللا إني امرأة رقوب : اهللا صلى اهللا عليه و سلم بتقوى اهللا عز وجل و الصبر قالت

الرقوب التي يبقى : ره فقال رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم ال ألد ولم يكن لي ولد غي

ما من امرىء مسلم و ال امرأة مسلمة يموت لها ثالثة من الولد إال أدخلها : ولدها ثم قال

اهللا عز وجل الجنة فقال عمر بن الخطاب ـ رضي اهللا عنه ـ بأبي أنت و أمي يا رسول اهللا و

و اثنان: اثنان ؟ قال ]

عن أحمد بن عمر عن جعفر بن عون عن بشير بن المهاجر عن [ البزار في مسنده و رواه

يا رسول اهللا كيف ال أجزع و أنا رقوب ال : فقالت : عبد اهللا بن بريدة عن أبيه به و عنده

فقال عمر و هو على يمين : فقال إنما الرقوب التي يعيش ولدها و عنده ! يعيش لي ولد ؟

و هو على شرط مسلم] واثنان ؟ قال و اثنان : ليه و سلم رسول اهللا صلى اهللا ع

ثنا عفان ثنا وهيب ثنا عبد اهللا بن عثمان عن مجاهد عن إبراهيم بن : [ و قال اإلمام أحمد


ما يبكيك ؟ : األشتر أن أبا ذر ـ رضي اهللا عنه ـ حضره الموت و هو بالربذة فبكت امرأته فقال

ال تبكي فإني : ليس عندي ثوب يسع لك كفنا فقال قالت أبكي أنه ال يد لي بنعشك و

ليموتن رجل : سمعت رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم ذات يوم و أنا عنده في نفر يقول

منكم مسلم بفالة من األرض يشهده عصبة من المؤمنين و كل من كان في ذلك المجلس

أموت فراقبي الطريق مات في جماعة و قرية ولم يبقى منهم غيري و قد أصبحت بالفالة

فإنك سوف ترين ما أقول فإني ـ و اهللا ـ ما كذبت و ال كذبت قالت و أن ذلك و قد انقطع

راقبي الطريق فبينما هي كذلك إذ هي بقوم تجذبهم رواحلهم كأنهم الرخم : الحاج ؟ قال

و تؤجرون امرؤ من المسلمين تكفنوه : مالك ؟ قالت : فأقبل القوم حتى وقفوا عليها فقالوا

أبو ذر ففدوه بآبائهم و أمهاتهم و وضعوا أسياطهم في نحورها : من هو ؟ قالت : فيه قالوا

أبشروا أنتم النفر الذين قال رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم فيكم ما قال : يبتدرونه فقال

ما من امرأين مسلمين هلك : أبشروا سمعت رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم يقول

قد أصبحت اليوم و حيث : ما ولدان أو ثالثة فاحتسبا و صبرا فيريان النار أبدا ثم قال بينه

ترون و لو أن ثوبا من ثيابي يسعني لم أكفن إال فيه فأنشدكم ال يكفنني رجل منكم كان

أميرا أو عريفا أو بريدا فكل القوم كان قد نال من ذلك شيئا إال فتى من األنصار كان من

: أنا صاحبك ثوبان في عيبتي من غزل أمي واحد ثوبي هذين اللذين علي قال : القوم قال

تفرد به أحمد] أنت صاحبي فكفني

ثنا حماد بن مسعدة ثنا جريح عن أبي الزبير عن عمرو بن نبهان عن أبي : [ و قال أحمد

مات من : مات لي ـ يا رسول اهللا ـ ولدان في اإلسالم فقال : قلت : ثعلبة األشجعي قال

قال فلما كان بعد ذلك لقيني ] له ولدان في اإلسالم أدخله اهللا الجنة بفضل رحمته إياهما

أنت الذي قال لرسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم في الولدين ما قال ؟ : أبو هريرة فقال

ألن يكون ما قاله لي أحب إلي مما غلقت عليه حمص و فلسطين: نعم قال : قلت

عن ابن عبد اهللا بن مسعود ـ رضي اهللا عنه ـ أن [ د أيضا في مسنده و روى اإلمام أحم

ما منكن امرأة يموت لها ثالثة : رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم خطب النساء فقال لهن

أجلهن امرأة يا رسول اهللا و صاحبة االثنين في الجنة : إال أدخلها اهللا عز و جل الجنة فقالت

في الجنةو صاحبة االثنين : ؟ قال ]

جاءت امرأة إلى رسول اهللا صلى اهللا : و عن أبي سعيد الخدري ـ رضي اهللا عنه ـ قال ]

يا رسول اهللا ذهب الرجال بحديثك فاجعل لنا من نفسك يوما نأتيك : عليه و سلم فقالت

فيه تعلمنا مما علمك اهللا قال اجتمعن في يوم كذا و كذا فاجتمعن فأتاهن رسول اهللا صلى

ما منكن من امرأة تقدم بين يديها من : عليه و سلم يعلمهن مما علمه اهللا ثم قال اهللا

و اثنين و اثنين واثنين ؟ فقال رسول : ولدها ثالثة إال كانوا لها حجابا من النار فقالت امرأة


رواه البخاري و مسلم و لفظه ] و اثنين و اثنين و اثنين : اهللا صلى اهللا عليه و سلم

لمسلم

أوجب : عن معاذ بن جبل ـ رضي اهللا عنه ـ عن النبي صلى اهللا عليه و سلم أنه قال و ]

رواه اإلمام أحمد] و ذو االثنين : و ذو االثنين يا رسول اهللا قال : الثالثة قال معاذ

غلبنا عليك الرجال : أن النساء قلن : عن ذكوان بن أبي سعيد الخدري ـ رضي اهللا عنه ـ ]

ما : ـ فاجعل لنا يوما نأتيك فيه فواعدهن ميعادا فأمرهن و وعظهن و قال ـ يا رسول اهللا

و اثنين فإنه : منكن امرأة يموت لها ثالثة من الولد إال كانوا لها حجابا من النار فقالت امرأة

هذا لفظ البخاري و قد ] و اثنين : رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم : مات لي اثنان فقال

ورواه اإلمام أحمد من حديث أبي هريرة و ابن مسعود و قد تقدمتقدم لفظ مسلم


الباب السادس ـ فيمن أصيب بفقد ولد واحد

: حدثنا يحيى بن اسحاق ثنا حماد بن مسلم عن أبي سنان قال : [ قال اإلمام أحمد

: ل أال أبشرك ؟ قا: دفنت ابنا لي فإني لفي القبر إذ أخذ بيدي أبو طلحة فأخرجني فقال

حدثني الضحاك بن عبد الرحمن عن أبي موسى األشعري ـ رضي اهللا : بلى قال : قلت

يا ملك الموت : قال اهللا عز و جل : قال رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم : عنه ـ قال

حمدك : فما قال ؟ قال : نعم قال : قبضت ولد عبدي ؟ قبضت قرة عينه و ثمرة فؤاده ؟ قال

و هكذا رواه الترمذي عن ] بنوا له بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد ا: و استرجع قال

سويد بن نصر عن ابن المبارك عن حماد بن سلمة عن أبي سنان عيسى بن سنان عن

حسن غريب: أبي طلحة الخوالني به و قال

و إذا مات ولد العبد قال اهللا عز : و رواه ابن حبان و رواه أبو القاسم بن عساكر و لفظه ]

استرجع وحمدك : فماذا قال ؟ قالوا : نعم قال : قبضتم ولد عبدي ؟ قالوا : جل لمالئكته

و رواه البيهقي موقوفا على أبي موسى ] ابنوا له بيتا في الجنة و سموه بيت الحمد : قال

فيقال : و اهللا أعلم بما قال العبد قال : إذا قبض اهللا ولد الرجل قال : [ قال : و لفظه

؟ فذكر نحوالذي قبله] أقبضتم ولد فالن : ئكة للمال

حدثنا يزيد بن هارون أنبأ العوام عن محمد بن أبي محمد مولى لعمر بن : [ و قال أحمد

قال رسول اهللا : الخطاب عن أبي عبيدة عن أبيه عبد اهللا بن مسعود ـ رضي اهللا عنه ـ قال

ة من أوالدهما لم يبلغوا ـ الحنث ـ ما من مسلمين يموت لهما ثالث: صلى اهللا عليه و سلم

و اثنان : مضى لي اثنان يا رسول اهللا قال : إال كانوا لهما حصنا حصينا من النار فقال أبو ذر

مضى لي واحد يا رسول اهللا فقال رسول : أبي بن كعب ـ أبو المنذر و سيد القراء ـ : فقال

: و رواه الترمذي و قال ] ألولى وواحد و ذلك في الصدمة ا: اهللا صلى اهللا عليه و سلم

غريب و ابن ماجة جميعا عن نصر بن علي عن إسحاق بن يوسف عن العوام بن حوشب

عن أبي محمد مولى عمر بن الخطاب عن أبي عبيدة عن أبيه عبد اهللا بن مسعود مرفوعا

فذكره و أبو عبيدة لم يسمع عن أبيه

اوية ثنا األعمش عن إبراهيم التميمي عن حدثنا أبو مع: [ و قال اإلمام أحمد في مسنده

ما تعدون : قال رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم : الحارث بن سويد عن ابن مسعود قال

و ] ال و لكن الرقوب الذي يقدم من ولده شيئا : الذي ال ولد له قال : فيكم الرقوب ؟ قلنا

أنا رقوب ال : امرأة قالت أن : من حديث األعمش و رواه البيهقي و لفظه [ رواه مسلم

إنما الرقوب التي يعيش ولدها أما تحبين أن ترينه على باب الجنة : يعيش لي ولد فقال


فإنه كذلك: قال ! بلى : وهويدعوك إليها ؟ قالت ]

حدثنا وكيع ثنا شعبة عن معاوية بن قرة عن أبيه أن رجال كان يأتي : [ و قال اإلمام أحمد

أتحبه ؟ : و سلم و معه ابن له فقال له النبي صلى اهللا عليه و سلم النبي صلى اهللا عليه

ما فعل : يا رسول اهللا أحبك اهللا كما أحبه ففقده النبي صلى اهللا عليه و سلم فقال : فقال

أما تحب أن : يا رسول اهللا مات فقال النبي صلى اهللا عليه و سلم ألبيه : ابن فالن ؟ قالوا

يا رسول اهللا أله خاصة أو لكلنا : الجنة إال وجدته ينتظرك ؟ فقال رجل ال تأتي بابا من أبواب

و رواه النسائي من حديث شعبة بمثله] بل لكلكم : ؟ قال

من حديث هالل بن زيد بن أبي الزرقاء عن أبيه عن خالد بن ميسرة [ و في رواية أخرى

و سلم إذا جلس جلس إليه كان نبي اهللا صلى اهللا عليه: عن معاوية بن قرة عن أبيه قال

نفر من أصحابه و منهم رجل له ابن صغير يأتيه من خلف ظهره فيقعده بين يديه فهلك

فامتنع الرجل أن يحضر الحلقة بذكر ابنه فحزن عليه ففقده النبي صلى اهللا عليه و سلم

النبي صلى يا رسول اهللا بنيه الذي رأيته هلك فلقيه : ما لي ال أرى فالنا ؟ فقالوا : فقال

يا فالن أيما كان : اهللا عليه و سلم فسأله عن بنيه فأخبره أنه هلك فعزاه عليه ثم قال

أحب إليك أن تمتع به عمرك أو ال تأتي غدا إلى باب من أبواب الجنة إال وجدته قد سبقك

: يا رسول اهللا بل يسبقني إلى باب الجنة يفتحها لي أحب إلي قال : إليه يفتحه لك ؟ قال

و رواه [ رواه النسائي و هذا لفظه و رواه اإلمام أحمد و البيهقي و هذا لفظه ] فذلك لك

بل : يا رسول اهللا أله خاصة أم لكلنا ؟ قال : فقال رجل : اإلمام أحمد و البيهقي و زادا

فذكر مثل الذي قبله] لكلكم

يا نبي اهللا جعلني :فقام رجل من األنصار فقال : و رواه البيهقي من طرق أخرى وفيه ]

بل من : اهللا فداك أهذا لهذا خاصة أو من هلك له طفل من المسلمين كان ذلك له ؟ قال

[ هلك له طفل من المسلمين كان ذلك له

حدثنا يحيى بن إسحاق من كتابه أنبأنا ابن لهيعة عن عبد اهللا بن : [ و قال اإلمام أحمد

: ي فوجد عليه أبوه أشد الوجد فقال هبيرة عن حسان بن كريب أن غالما منهم توف

أال أخبرك بما سمعت من رسول اهللا صلى : حوشب صاحب النبي صلى اهللا عليه و سلم

اهللا عليه و سلم يقول في مثل ابنك ؟ إن رجال من الصحابة كان له ابن قد دب أو أدرك و

وه قريبا من كان يأتي مع أبيه إلى النبي صلى اهللا عليه و سلم ثم توفي فوجد عليه أب

ال أرى : ستة أيام ال يأتي النبي صلى اهللا عليه و سلم فقال النبي صلى اهللا عليه و سلم

يا رسول اهللا إن ابنه توفي فوجد عليه فقال رسول اهللا صلى اهللا عليه و : فقالوا ! فالنا

دك يا فالن أتحب لو أن ابنك عندك اآلن كأنشط الصبيان نشاطا ؟ أتحب أن ابنك عن: سلم

ادخل الجنة : أجرى الغلمان جرية ؟ أتحب أن ابنك عندك كهال كأفضل الكهول أو يقال لك


و قد ورد هذا الحديث بعدة طرق عن أنس بن مالك و بريدة بن ] ثواب ما أخذ منك ؟

الحصيب األسلمي و غيرهما

هللا من حديث إبراهيم بن عبيد بن رفاعة الزرقي عن عبد ا[ و روى الطبراني في معجمه

بن عمر ـ رضي اهللا عنهما ـ أن رجال من األنصار كان له ابن يروح إذا راح إلى النبي صلى

يا نبي اهللا نعم أحبك اهللا كما أحبه فقال : أتحبه ؟ فقال : اهللا عليه و سلم فسأل عنه فقال

ثه إن اهللا أشد لي حبا منك له فلم يلبث أن مات ابنه ذاك فراح إلى نبي اهللا و قد أقبل ب:

أو ما ترضى أن يكون ابنك مع ابني إبراهيم : قال ! نعم : أجزعت ؟ قال : فقال له نبي اهللا

هذا حديث غريب] بلى يا رسول اهللا : يالعبه تحت ظل العرش ؟ قال

من حديث ابن بريدة عن أبيه ـ رضي اهللا عنه ـ قال [ و روى أبو يعلى الموصلي في مسنده

ليه و سلم يتعاهد األنصار و يعودهم و يسأل عنهم فبلغه أن كان رسول اهللا صلى اهللا ع:

امرأة من األنصار مات ابن لها فجزعت عليه فأتاها فأمرها صلى اهللا عليه و سلم بتقوى اهللا

يا رسول اهللا إني امرأة رقوب ال ألد ولم يكن لي ولد غيره فقال : عز و جل و الصبر فقالت

ما من امرئ مسلم : الرقوب التي يبقى ولدها ثم قال : رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم

و ال امرأة مسلمة يموت لها ثالثة من الولد إال أدخلهما اهللا عز وجل الجنة فقال عمر بن

و اثنان: بأبي أنت و أمي يا رسول اهللا و اثنان ؟ قال : الخطاب ـ رضي اهللا عنه ـ ]

رسول اهللا كيف ال أجزع و أنا رقوب ال يعيش يا : فقالت : و رواه البزار في مسنده و لفظه ]

و ] إنما الرقوب التي يعيش و لدها : إنما الرقوب التي يعيش ولدها فقال : لي ولد فقال

ذكر تمام الحديث

و واحد ؟ : و اثنان قالوا : و اثنان ؟ قال : عن حديث معاذ بن جبل و فيه قال [ و رواه أحمد

و قد تقدم] و واحد : قال

قال اهللا عز : ن أبي هريرة ـ رضي اهللا عنه ـ أن رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم قال و ع ]

] ما لعبدي المؤمن جزاء إذا قبضت صفيه من المال و الولد فصبر إال أن أدخله الجنة : و جل

رواه ابن عساكر و إسناده فيه ابن لهيعة و الكالم فيه معروف

يفة عن ثابت عن أنس بن مالك ـ رضي اهللا عنه ـ أن من حديث المنهال بن خل[ و روى أيضا

ما فعل : رجال من أهل األساطين معروفا بذلك ففقده النبي صلى اهللا عليه و سلم فقال

ابنه شكا و هو يمرضه فأرسل إليه رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم يسأله : فالن ؟ فقالوا

هللا صلى اهللا عليه و سلم إلى عن ابنه فوجده قد مضى و جاء الرجل مع رسول رسول ا

ما حسبك : رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم فقال له رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم

أتحبه ؟ : إني كنت أمرضه حتى مضى فقال رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم : عنا ؟ قال

على باب فما يسرك أن يكون باركا: نعم شديدا قال : أجزعت عليه قال : نعم قال : قال


قال بلى يا نبي اهللا فقال المسلمون عند ذلك ! يا أبه أنا ذا فأتني ؟ : من أبواب الجنة يقول

نعم إذا صبر و احتسب: يا رسول اهللا فمن أصابه منا مصيبة كان ذلك له قال : ]

عن محمد بن خالد بن السلمي عن [ و روى ابن أبي الدنيا في كتاب األمراض و الكفارات

سمعت رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم يقول : ن جده ـ و كانت لجده صحبة ـ قال أبيه ع

إذاسبقت للعبد من اهللا عز و جل منزلة لم يبلغها بعمله ابتاله اهللا في جسده أو في ولده :

[ أو في ماله ثم صبره حتى يبلغه المنزلة التي سبقت له من اهللا عز و جل

قال رسول اهللا صلى اهللا عليه : يرة ـ رضي اهللا عنه ـ قال عن أبي هر[ و روى أيضا بإسناده

ما يزال البالء بالمؤمن و المؤمنة في جسده و ماله و ولده حتى يلقى اهللا و ما : و سلم

و رواه الترمزي و مالك في الموطأ] عليه خطيئة

إذا : ى قال اهللا تعال: قال رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم : و عن أنس بن مالك قال ]

وجهت إلى عبدي مصيبة في بدنه أو ماله أو ولده ثم استقبل ذلك بصبر جميل استحييت

رواه ابن عدي في الكامل] منه يوم القيامة أن أنصب له ميزانا أو أنشر له ديونا


فصل ـ في بشارة من مات ولده و صبر

بر ثنا سوادة بن األسود حدثني محمد بن الحسين ثنا داود بن المح: قال ابن أبي الدنيا

قال سمعت أبا خليفة العبدي قال مات ابن لي صغير فوجدت عليه وجدا شديدا و ارتفع

عني النوم فو اهللا إني لذات ليلة في بيتي على سريري و ليس في البيت أحد غيري و

ته يا السالم عليكم و رحمة اهللا و بركا: إني لمفكر في ابني إذ ناداني مناد من ناحية الباب

فتعوذ ثم : ـ ورعبت رعبا شديدا ـ قال : و عليكم السالم و رحمة اهللا قال : أبا خليفة فقلت

} و ما عند اهللا خير لألبرار {: قرأ آيات من آخر سورة آل عمران حتى انتهى إلى هذه اآلية

الناس ؟ ماذا تريد ؟ تريد أن تخص بالحياة في ولدك دون : لبيك قال : قال يا أبا خليفة قلت

: قال [ أنت أكرم على اهللا أم محمد صلى اهللا عليه و سلم و قد مات ابنه إبراهيم ؟ و !

أم ماذا تريد ؟ تريد أن يرتفع الموت ] تدمع العين و يحزن القلب و ال نقول ما يسخط الرب

عن ولدك و قد كتب على جميع الخلق ؟ أم ماذا تريد ؟ تريد أن تسخط على اهللا في تدبير

قه ؟ و اهللا لوال الموت ما وسعتهم األرض و لوال التأسي ما انتفع المخلقون بعيش ثم خل

امرؤ من جيرانك من الجن: من أنت رحمك اهللا ؟ قال : ألك حاجة ؟ قلت : قال

حدثنا سليمان بن أحمد ثنا محمد بن عبدوس ثنا أبو هاشم ثنا : قال الحافظ أبو نعيم

ر بن عمر بن ذر و كان موته فجاة أتاه أهل بيته يبكونه لما مات ذ: محمد بن كاسة قال

ما لكم ؟ إنا ـ و اهللا ـ ماظلمناه و ال قهرنا و ال ذهب لنا بحق و ال أخطىء بنا و ال أريد : فقال

رحمك اهللا يا بني لقد كنت بي : غيرنا و مالنا على اهللا متعب فلما وضعه أبوه في قبره قال

ما بي إليك من وحشة وال إلى أحد بعد اهللا فاقة و ال ذهبت لنا بارا و لقد كنت عليك حدبا و

بعز و ال أبقيت علينا من ذل و قد شغلني الحزن لك عن الحزن عليك يا ذر لوال هول المطلع

: و محشره لتمنيت ما صرت إليه فليت شعري ـ يا ذر ـ ماذا قيل لك ؟ و ماذا قلت ؟ ثم قال

ذر اللهم فعلى ذر صلواتك و رحمتك اللهم إني قد وهبت اللهم وعدتني الثواب بالصبر على

ما جعلت لي من أجر على ذر صلة مني فال تعرنه قبيحا و تجاوز عنه فإنك أرحم به مني

اللهم قد وهبت له إساءته إلي فأنت أجود مني و أكرم فلما ذهب لينصرف قال انصرفنا و

تركناك و لو أقمنا ما نفعناك

اآلن يضيع الشيخ ـ يعني والده ـ فإنه كان : ذرا لما مات قال أصحابه أن : و رواها من وجه

! أضيع و اهللا حي ال يموت ؟ : بارا به فسمعها الشيخ فبقي متعجبا ثم التفت إليهم و قال

رحمك اهللا يا : ثم سكت حتى دفن فلما واروه في التراب وقف على قبره ليسمعهم فقال

بنا إلى أحد مع اهللا حاجة و ما يسرني أن أكون المقدم ذر ما علينا بعدك من خصاصة و ما


قلبك و لوال هول المطلع لتمنيت أن أكون مكانك ثم رفع رأسه و قال اللهم قد وهبت حقي

فيما بيني و بينه له اللهم فهب حقك فيما بينك و بينه له و ساق نحوا من القصة األولى

ه من الرضا و التسليمفبقي القوم متعجبين مما جاء منهم و مما جاء من

و عن الحسن البصري رحمه اهللا ـ أن رجال جزع على و لده و شكا ذلك إلى الحسن فقال

نعم قال فأنزله : كانت غيبته أكثر من حضوره ؟ قال ! نعم : كان ابنك يغيب عنك ؟ قال : له

هونت يا أبا سعيد: غائبا فإنه لم يغب عنك غيبة خير لك فيها نفعا أعظم من هذه قال

علي وجدي على ابني

رحمك اهللا : لما مات ابن عمر بن عبد العزيز كشف أبوه عن وجهه و قال : و عن سلمة قال

يا بني فقد سررت بك يوم بشرت بك و لقد عمرت مسرورا بك و ما أتت علي ساعة أنا فيها

أسر من ساعتي هذه أما و اهللا إن كنت لتدعو أباك إلى الجنة

مات ولدي عقيل و كان قد تفقه و : قال أبو الوفاء بن عقيل : بن الجوزي و قال أبو الفرج

ناظر و جمع أدبا حسنا فتعزيت بقصة عمرو بن عبد ود الذي قتله علي بن أبي طالب

: فقالت أمه ترثيه

... لو كان قاتل عمرو غير قاتله )

( ما زلت أبكي عليه دائم األبد

ان يدعى أبوه بيضة البلد من ك...لكن قاتله من ال يقاد به ) )

فأسالها و عزاها جاللة القاتل فنظرت إلى قاتل ولدي الحكيم المالك فهان القتل و المقتول

لجاللة القاتل و عظمه


فصل ـ في الثواب على الولد الصغير و الشيخ البالغ

ولد الصالح البالغ و في األحاديث و اآلثار أكثر و رودها في الولد الذي لم يبلغ الحنث و لكن ال

أشد مصيبة من والديه و أكثر حزنا و جزعا منهما على الولد الصغير خصوصا إذا كان قد برز

في العلم أو له بر و إحسان إلى والديه و أقاربه و أصحابه أو له صفات جميلة و أفعال

متصفا بما حميدة و أين يقع الولد الصغير موقع الكبير في النفع لوالديه و لغيرهما إذا كان

ذكر ؟ فهل يستريب عاقل أن الحزن عليه أشد ؟ فكذلك أجره أعظم و أكثر

البالغ قد جرى عليه القلم و هو من المكلفين فنهايته يخلص نفسه يعتقها أو : فإن قيل

يوبقها

الجزاء على الكبير إنما يحصل على الصبر على المصيبة و االسترجاع و الحمدلة بل : قيل

ادخل الجنة ثواب ما أخذ منك: قول النبي صلى اهللا عليه و سلم [هو داخل في ]

من حديث ابن لهيعة عن عبد اهللا بن هبيرة النسائي عن حسان بن [ و روى ابن منده

كريب أن غالما منهم توفي بحمص فوجد عليه أبوه فقال له حوشب صاحب رسول اهللا

صلى اهللا عليه و سلم يقول في أال أخبرك ؟ سمعت رسول اهللا: صلى اهللا عليه و سلم

إن رجال من الصحابة كان له ابن قد أدرك و كان يأتي مع أبيه إلى رسول اهللا : مثل ابنك

الحديث و هذا الحديث ] صلى اهللا عليه و سلم ثم توفي فوجد عليه قريبا من ستة أيام

رواية اإلمام أحمد ذكر فيه أنه أدرك و ذكر فيه دخول الجنة ثواب ما أخذ منه و قد تقدم من

لكن لم يذكر في روايته أنه أدرك

عن إبراهيم عن علقمة عن عبد اهللا قال [ و قد روى الحافظ أبو القاسم بن عساكر بإسناده

من مات له ابن أو ولد سلم أو لم يسلم رضي أو : قال رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم :

من مات له ابن صبر أو لم يصبر : ر لم يرض لم يكن له ثواب دون الجنة و في لفظ آخ

و قد روى ابن عساكر هذا الحديث بعدة ] احتسب أو لم يحتسب لم يكن له ثواب إال الجنة

طرق و إن كان قد تكلم في بعضها أو في أكثرها ففيها بشارة عظيمة ألكثر الناس في

و عدم تصبر و ما زماننا هذا ألن بموت الولد في غالب أهل زماننا يحصل لوالديه جزع و هلع

ذاك إال لقلة الزواجر الشرعية فإن الوعد و الوعيد يحصل للعبد به تسلية عظيمة فنسأل اهللا

تعالى أن ال يمتحنا و إن امتحننا أن يثبتنا

أخبرنا أبو العز أحمد بن عبد اهللا العكبري ببغداد أنبأنا أبو : [ و قال أبو القاسم بن عساكر

ري أنبأنا أبو الحسن علي بن محمد الوراق أنبأ أبو حفص محمد الحسن بن علي الجوه

عمربن أيوب السقطي ثنا أبو الوليد بشر ابن الوليد القاضي ثنا الفرج بن فضالة ثنا هالل أبو


خرج علينا رسول اهللا صلى : جبلة عن سعيد بن المسيب عن عبد الرحمن بن سمرة قال

إني رأيت البارحة عجبا : فقام علينا فقال اهللا عليه و سلم يوما و نحن في صفة بالمدينة

رأيت رجال من أمتي أتاه ملك الموت لقبض روحه فجاءه بره بوالديه فرد ملك الموت عنه و

رأيت رجال من أمتي قد بسط عليه عذاب القبر فجاءه وضوءه فاستنقذه من ذلك و رأيت

الشياطين عنه و رأيت رجالمن أمتي قد احتوشته الشياطين فجاء ذكر اهللا عز و جل فطرد

رجال من أمتي قد احتوشته مالئكة العذاب فجاءته صالته فاستنقذته من أيديهم و رأيت

رجال من أمتي يلتهب عطشا كلما دنا من حوض منع منه و طرد فجاءه صيامه شهر رمضان

فأسقاه و أرواه و رأيت رجال من أمتي و رأيت النبيين حلقا حلقا كلما دنا إلى حلقة طرد

فجاءه غسله من الجنابة فأخذ بيده فأقعده إلى جنبي و رأيت رجال من أمتي من بين يديه

ظلمة و عن يمينه ظلمة و عن شماله ظلمة و من فوقه ظلمة و هو متحير فجاءه حجته و

عمرته فاستخرجاه من الظلمة و أدخاله في النور و رأيت رجال من أمتي يتقي بيده وهج

صدقته فصارت سترة بينه و بين النار و ظال على رأسه و رأيت رجال النار و شررها فجاءته

يا معشر المؤمنين إنه : من أمتي يكلم المؤمنين و ال يكلمونه فجاءته صلته لرحمه فقالت

كان وصوال لرحمه فكلموه فكلمه المؤمنين و صافحوه و صار فيهم و رأيت رجال من أمتي قد

عروف و نهيه عن المنكر فاستنقذه من أيديهم و أدخله احتوشته الزبانية فجاءه أمره بالم

في مالئكة الرحمة و رأيت رجال من أمتي جاثيا على ركبتيه و بينه و بين اهللا عز و جل

حجاب فجاءه حسن خلقه فأخذ بيده فأدخله على اهللا عز وجل و رأيت رجال من أمتي قد

فأخذ صحيفته فوضعها في هوت صحيفته من قبل شماله فجاءه خوفه من اهللا عز و جل

يمينه ورأيت رجال من أمتي خف ميزانه فجاءه أفراطه فثقلوا ميزانه و رأيت رجال من أمتي

قائم على شفير جهنم فجاءه رجاؤه من اهللا عز وجل فاستنقذه من ذلك و مضى و رأيت

رجال من أمتي قد هوى في النار فجاءته دمعته التي بكى من خشية اهللا عز وجل

ذته من ذلك و رأيت رجال من أمتي قائما على الصراط يرعد كما ترعد السعفه في فاستنق

ريح عاصف فجاءه حسن ظنه باهللا عز وجل فسكن رعدته و مضى و رأيت رجال من أمتي

يزحف على الصراط و يحبو أحيانا و يتعلق أحيانا فجاءته صالته علي فأنقذته وأقامته على

هى إلى أبواب الجنة فغلقت األبواب دونه فجاءته شهادة أن قدميه و رأيت رجال من أمتي انت

[ ال إله إال اهللا ففتحت له أبواب الجنة و أدخلته الجنة

هذا الحديث قد ذكر جماعة من الحفاظ أن لوائح الصحة ظاهرة عليه و أن القلب يركن الى

ألمة عامة و متنه و قد أومأت إليه فيما تقدم و بكل حال في هذا الحديث بشارة عظيمة ل

فيه تطيب خاطر الوالدين على األطفال خاصة سواء كان الطفل ولد قبل إسالم والده أو

رأيت رجال من أمتي خف ميزانه فجاءته أفراطه : [ بعده فإنه صلى اهللا عليه و سلم قال


كل مولود يولد : أن النبي صلى اهللا عليه و سلم قال [ و يؤيد ذلك ما ثبت ] فثقلوا ميزانه

فالولدان الذين يتوفون } فطرة اهللا التي فطر الناس عليها {: قال تعالى ] لى الفطرة ع

على ما فطرهم اهللا عليه من التوحيد هم من السعداء الذين يدخلون الجنة بال عمل عملوه

و ال خير قدموه بل برحمة اهللا لهم ومنته عليهم بل أعظم من هذا أنهم يشفعون في

ن في البرزخ في كفالة أبيهم إبراهيم الخليل ـ عليه السالم ـ كما ثبت آبائهم و لهذا يكونو

سمرة بن جندب أن النبي صلى اهللا [ في الصحيح في حديث المنام الطويل من حديث

والشيخ في أصل : عليه و سلم جاءه جبريل وميكائيل فانطلقا به فأرياه عجائب وفيه

والولدان حوله فكل : [ و في لفظ البخاري ] الشجرة إبراهيم والصبيان حوله أوالد الناس

و أوالد المشركين: يا رسول اهللا و أوالد المشركين ؟ قال : مولود يولد على الفطرة فقيل ]

و فطرة اهللا أضافها إليه إضافة مدح ال إضافة ذم فعلم أنها : قال شيخ اإلسالم ابن تيمية

للدين حنيفا فطرة اهللا التي فطر الناس فأقم وجهك {: فطرة محمودة ال مذمومة يبين ذلك

و لهذا نصب على المصدر الذي دل عليه الفعل األول عند سيبويه و أصحابه فدل }عليها

على إقامة الوجه للدين حنيفا هو فطرة اهللا التي فطر الناس عليها كما في نظائره مثل

فهو عندهم مصدر منصوب } سنة اهللا التي قد خلت { و } كتاب اهللا عليكم {: قوله تعالى

كتب اهللا عليكم ذلك و سن اهللا : بفعل مضمر الزم إضماره دل عليه الفعل المتقدم كأنه قال

ذلك لكم انتهى كالمه

و قد تكلمنا عن األطفال و أشبعنا الكالم فيهم في كتاب مفرد فمن رام كشفه فليطلبه و

هذا تنبيه على األطفال أنهم لكن ال يليق التطويل بل ليس نحن بصدده بأكثر من هذا ف

ولدوا على الفطرة و قد ذكرنا في الفطرة نحوا من عشرة أقوال في الصنف المشار إليه و

اهللا أعلم


المصائبفصل ـ في التأسي ببعض ما كان يفعله الصحابة و التابعون إذا نزلت بهم

فمات و أبوه : ال اشتكى ابن ألبي طلحة ق: عن أنس قال [ فقد ثبت في صحيح البخاري

أبوطلحة خارج فلما رأت امرأته أنه قد مات هيأت شيئا و جعلت ابنها في جانب البيت فلما

قد هدأت نفسه و أرجو أن يكون قد استراح وظن : كيف الغالم ؟ قالت : جاء أبو طلحة قال

قد مات فبات فلما أصبح اغتسل فلما أراد أن يخرج أعلمته أنه : أبو طلحة أنها صادقة قال

فصلى مع النبي صلى اهللا عليه و سلم ثم أخبره بما كان منها فقال رسول اهللا صلى اهللا

فرأيت لهما : فقال رجل من األنصار ] لعل اهللا أن يبارك لهما في ليلتهما : عليه و سلم

ال يكلم ألبي : و في لفظ أنها قالت ألهلها لما مات ولدها [ تسعة أوالد كلهم قد قرأ القرآن

إنه قد هدأ مماكان و قدمت له طعاما : طلحة أحد قبلي فلما دخل سأل عن الصبي فقالت

يا أبا طلحة أ رأيت قوما أودعوا قوما وديعة ثم : فأكل ثم تصنعت له حتى واقعها ثم قالت

فاحتسب ابنك فغضب لما : طلبوها منهم أفما يجب أن يؤدوها إليهم ؟ قال بلى قالت

باح ذهب إلى رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم يشكوها إليه صنعت به فلما كان الص

بارك اهللا لكما في غابر ليلتكما فجاءت : فتبسم رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم و قال

بغالم حنكه رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم و سماه عبد اهللا و هو الذي كان من ساللته

ان رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم يداعبه و اإلخوة القراء و األول هو أبو عمير الذي ك

أي ما فعل عصفورك] يا أبا عمير ما فعل النغير : يقول له

فهذه امرأة قد تصبرت و رضيت و تثبتت و احتسبت فأخلف اهللا لها خيرا من الذي أصيبت به

رور و فإذا نظر من أصيب بمصيبة إلى امرأة قد فعلت عند المصيبة أمرا ال يكون إال عند الس

األفراح فليتأس الشخص و ليتعلم أوصاف السابقين األولين و يعلم الرجال أولى بهذا الصنيع

و الصبر من النساء

و لم تصب امرأة في الوجود بما أصيبت به فاطمة ـ رضي اهللا عنها ـ التي هي سيدة نساء

قل في هذه أهل الجنة فإنها أصيبت بموت أبيها رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم ولم ت

يا أبتاه من ربه ما أدناه: الحال العظيمة إال قوال صدقا محفوظا عنها فإنها قالت !

فالذي ينبغي ! يا أبتاه جنة الفردوس مأواه ! يا أبتاه أجاب ربا دعاه ! يا أبتاه إلى جبريل أنعاه

لنا التأسي بسادات المسلمين من الرجال و النساء

ه سفيان بن عيينة و مسلم بن خالد و آخرون و هو في مات لرجل من السلف ولدا فعزا

يا هذا أرأيت لو كنت في سجن و ابنك : حزن شديد حتى جاءه الفضيل بن عياض فقال

فإن ابنك خرج من سجن الدنيا : قال ! بلى : فأفرج عن ابنك قبلك أما كنت تفرح ؟ قال


رقبلك قال فسري عن الرجل و قال تعزيت رواه الحافظ ابن عساك

عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة ـ رضي اهللا عنه ـ أن رسول اهللا [ إنه بلغه : و قال مالك

ما يزال المؤمن يصاب في ولده و خاصته حتى يلقى اهللا و : صلى اهللا عليه و سلم قال

[ ليست عليه خطيئة

أن و قد تقدم ما رواه اإلمام أحمد و الترمذي من حديث أبي موسى األشعري و المقصود

من سمع بهذا الحديث و كان قد أصيب بمصيبة حصل له تسلية

لما حضرت : و من التأسي بمن أصيب في نفسه فصبر و عزى نفسه و تكلم بما حفظ عنه

اآلن تذكر ربك يا : أقعدوني فأقعدوه فجعل يذكر اهللا و يسبحه ثم قال : معاوية الوفاة قال

و بكى حتى عال ! ذلك و غصن الشباب ريان ؟ معاوية بعد االنحطام و االنهزام ؟ أال كان

: بكاؤه ثم قال منشدا

هو الموت ال منجا من الموت و الذي )

( أحاذر بعد الموت أدهى و أفظع

ثم قال اللهم يا رب ارحم الشيخ العاصي و القلب القاسي اللهم أقل العثرة و اغفر الزلة و

يا بني إذا وافاني : اك ثم قال البنه جد بحلمك على من ال يرجو غيرك و ال يثق بأحد سو

أجلي فاعمد إلى المنديل الذي في الخزانة فإن فيها ثوبا من أثواب رسول اهللا صلى اهللا

عليه و سلم و قراضة من شعره و أظفاره فاجعل الثوب مما يلي جسدي و اجعل أكفاني

و ضعتموني فوقه و اجعل القراضة في فمي و أنفي و عيني فإن نفعني شيء فهذا فإذا

في قبري فخلوا معاوية و أرحم الراحمين

يبكيني : ما يبكيك ؟ فقال : و لما حضرت أبا هريرة ـ رضي اهللا عنه ـ الوفاة بكى فقيل له

بعد السفر و قلة الزاد و ضعف اليقين و العقبة الكؤود التي المهبط منها إما إلى الجنة و إما

إلى النار

اللهم أنا الذي : أجلسوني فأجلسوه فقال : ز الوفاة قال ولما حضرت عمر بن عبد العزي

أمرتني فقصرت و نهيتني فعصيت فإن غفرت فقد مننت و إن عاقبت فما ظلمت ال إله إال

أنت

دخلت على بعض أصحابنا وهو في النزع فرأيت من جزعه ما : و قال سليمان التيمي

و : فقال ! اهللا على حالة صالحة ؟ هذا الجزع كله لماذا و قد كنت بحمد: ساءني فقلت له

مالي ال أجزع ؟ و من أحق مني بالجزع ؟ و اهللا لو أتتني المغفرة من اهللا عز و جل ألهمني

الحياء منه فما أفضيت به إليه

و اهللا لوددت أني عبد لرجل من تهامة : و لما حضرت عبد الملك بن مروان الوفاة جعل يقول

ألأرعى غنيمات في جبالها ولم


و ذكر محمد الطائي الهمذاني في إرشاد السائرين إلى منازل المتقين ذكر بإسناده إلى

كيف : دخلت على الشافعي ـ رحمه اهللا ـ في مرضه الذي مات فيه فقلت : المزني قال

أصبحت من الدنيا راحال و إلخواني مفارقا و لسوء فعلي مالقيا و بكأس : أصبحت ؟ قال

اهللا عز وجل واردا فو اهللا ما أدري أروحي تسير إلى الجنة فأهنيها أم المنية شاربا و على

ثم بكى و أنشد! إلى النار فأعزيها ؟ :

جعلت رجائي نحو عفوك سلما...فلما قسا قلبي و ضاقت مذاهبي ) )

بعفوك ربي كان عفوك أعظما...تعاظمني ذنبي فلما قرنته ) )

... فما زلت ذا عفومن الذنب لم تزل )

( تجود و تعفو منة وتكرما

فلوالك لم يقو بإبليس عالم )

( وكيف و قد أغوى ضعيفك آدما ؟ ...

يا غالم شد كتافي و عفر خدي في : و قال بعض الصالحين لخادمه و قد حضرته الوفاة

اللهم ال براءة لي من ذنب و ال : دنا الرحيل ثم قال : التراب ففعل الغالم به ذلك ثم قال

أنت لي أنت لي ثم صاح صيحة فمات فسمعوا : تذر به و ال قوة فأنتصر بها ثم قال عذر أع

اشتكى العبد لمواله فقبله: صوتا يقول


فصل ـ في البشارات الهائلة لمن أصيب بمصيبة و إن لم تكن في ولده

ر من و من المطالب العالية و البشارات الهائلة لمن أصيب بمصيبة و قد تقدم غالبه ثم نذك

لم يقدم من ولده شيئا

ثنا بهز ثنا حماد بن سلمة ثنا يعلى بن عطاء عن شيخ من أهل : [ قال اإلمام أحمد

: خمس بخ بخ : قال رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم : دمشق عن أبي أمامة قال

و ] سبه سبحان اهللا والحمد هللا و ال إله إال اهللا و اهللا أكبر و الولد الصالح يموت للرجل فيحت

عن سفينة مولى رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم عن [ قد روي هذا الحديث بعدة طرق

بخ بخ لخمس ما أثقلهن في : الحشحاش العنبري و هو صحابي بنحو من هذا لكن بلفظ

حديث سالم االسود و لفظه كما تقدم و فيه و [ و رواه ابن سعد في الطبقات من ] الميزان

و رواه ابن أبي عاصم] فى للمرء المسلم فيحتسبه الولد الصالح يتو

عن [ قرأت على أبي محمد عبد الكريم بن حمزة السلمي : و قال أبو القاسم بن عساكر

أبي بكر أحمد بن علي الحافظ أنبأ الحسن بن أبي بكر أنبأ أبو الحسين أحمد بن عثمان ثنا

بن كهيل حدثني أبي عن أبيه ابن أبي العوام ثنا أبي ثنا إسماعيل بن يحيى بن سلمة

توفي ابن لصفية بنة عبد : كهيل عن هانئ ابن بنت الحضرمي ثنا عبد اهللا بن عباس قال

من ! تبكين يا عمة ؟ : المطلب فبكت عليه فقال لها رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم

فسكتت] توفي له ولد في اإلسالم كان له بيت في الجنة

ن أبي هريرة ـ رضي اهللا عنه ـ أن رسول اهللا صلى اهللا عليه و ع[ و في صحيح البخاري

ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفية من أهل : يقول اهللا عز و جل : سلم قال

[ الدنيا ثم احتسبه إال الجنة

حدثنا نصر بن علي الجهضمي وأبو الخطاب زياد بن يحيى : [ و قال الترمذي في جامعه

سمعت جدي أبا سماك بن الوليد يحدث أنه سمع : نا عبد ربه بن بارق قال ث: البصري قاال

: عبد اهللا بن عباس ـ رضي اهللا عنهما ـ أنه سمع رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم يقول

فمن : من كان له فرطان من أمتي أدخله اهللا بهما الجنة فقالت عائشة ـ رضي اهللا عنها ـ

فمن لم يكن له فرط من أمتك : ن كان له فرط يا موفقة قالت وم: كان له فرط من أمتك قال

هذا حديث غريب ال نعرفه إال من : قال الترمذي ] فأنا فرط أمتي لن يصابوا بمثلي : ؟ قال

حديث عبد ربه بن بارق

عبد ربه ابن بارق تكلم فيه يحيى : و قد روى عنه غير واحد من األئمة قال الحافظ الضياء

ما به بأس: اإلمام أحمد بن معين و قال


الموت كفارة لكل مسلم: و قد روينا في جزاء ابن عرفة مرفوعا

و المقصود أن من لم يصب في أوالده أو لم يكن له أوالد فالنبي صلى اهللا عليه و سلم

فرطه لكن أهل المصائب أيضا يشاركونهم في النبي صلى اهللا عليه و سلم فيحصل لهم

حصل للشخص أجر من جهات عديدة من موت و حريق و نهب و غير أجر من جهتين و قد ي

ذلك مما يكفر اهللا به السيئات و يرفع به الدرجات


في ذكر السقط و ثوابه و زيارة القبور: الباب السابع

حدثنا عفان ثنا خالد الطحان ثنا يحيى التميمي عن عبد اهللا بن مسلم : [ قال اإلمام أحمد

و الذي نفسي : قال رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم : هللا عنه ـ قال عن معاذ ـ رضي ا

و رواه ابن ماجه أيضا و الدرامي ] بيده إن السقط ليجر أمه بسرره إلى الجنة إذا احتسبته

من حديث يحيى بن عبد اهللا التميمي به

يراغم ربه إن السقط ل: قال رسول اهللا : و عن علي بن أبي طالب ـ رضي اهللا عنه ـ قال ]

رواه ابن ] أيها السقط المراغم ربه ادخل أبويك الجنة : عز وجل إذا أدخل أبويه النار فيقال

ماجة

قال : من حديث يزيد بن رومان عن أبي هريرة ـ رضي اهللا عنه ـ قال [ و روى ابن ماجة أيضا

فه لسقط أقدمه بين يدي أحب إلي من فارس أخل: رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم

و رواه عبد اهللا بن اإلمام أحمد] خلفي

إذا : قال رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم : و عن أنس بن مالك ـ رضي اهللا عنه ـ قال ]

كان يوم القيامة نودي في أطفال المسلمين أن اخرجوا من قبوركم فيخرجون من قبورهم

دنا معنا فينادي فيهم الثانية أن يا ربنا و وال: ثم ينادي أن امضوا إلى الجنة زمرا فيقولون

فيتبسم الرب جل و عال في : يا ربنا و والدنا معنا قال : امضوا إلى الجنة زمرا فيقولون

و والداكم معكم فيثب كل طفل إلى أبويه فيأخذون بأيديهم فيدخلونهم : الرابعة فيقول

رواه ابن شاهين و ] تكم الجنة لهم أعرف بآبائهم و أمهاتهم يومئذ من أوالدكم الذين في بيو

الحافظ ابن عساكر في ذكر ثواب السقط

و روي عن عبد الرحمن بن أبي حاتم ثنا محمد بن أبي الوزير ثنا خالد بن منصور الواسطي

رأيت في المنام كأن القيامة قد قامت و كأن الناس يدعون إلى : ثنا داود بن أبي هند قال

عت حسناتي في كفة و سيئاتي في كفة فرجحت فقربت إلى الميزان فوض: الحساب قال

السيئات على الحسنات فينا أنا كذلك مغموم إذ أتيت بشيء كالمنديل أو كالخرقة البيضاء

سقط : ال قال : تدري ما هذه ؟ قلت : فوضعت مع حسناتي فرجحت على السيئات فقيل

ت تتمنى موتهاتيك ليست لك ألنك كن: فإنه قد مات لي صبية ابنة لي : كان لك قلت

وروى يزيد بن أبي مريم عن أبيه عن سهل الحنظلية األنصاري ـ و كان ممن بايع تحت

ألن يولد لي و لو سقط فأحتسبه أحب إلي من الدنيا : الشجرة ـ و كان ال يولد له أنه قال

جميعا


فصل ـ في زيارة القبور و حكمها

وتى بما يحصل لهم من األحياء من قراءة و زيارتها مستحبة و هي تذكر اآلخرة و تفرح الم

استغفار و دعاء و صدقة و نحو ذلك فزيارة القبور فيها نفع لألحياء و األموات فالحي يذكر

اآلخرة و الموت الذي ما ذكر في قليل من متاع اآلخرة إال كثره و ال في كثير من متاع الدنيا

ألم يأن للذين آمنوا {: ل مثل قوله تعالى إال قلله و يقرأ على نفسه آيات الصبر و قصر األم

أفحسبتم أنما خلقناكم {: و قوله تعالى }أن تخشع قلوبهم لذكر اهللا وما نزل من الحق

{ عبثا و أنكم إلينا ال ترجعون

أخذ رسول اهللا صلى : من حديث ابن عمر ـ رضي اهللا عنهما ـ قال [ و في صحيح البخاري

و كان ابن عمر ] كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل : ال اهللا عليه و سلم بمنكبي فق

إذا أمسيت فال تنتظر الصباح و إذا أصبحت فال تنتظر المساء و خذ من صحتك : يقول

لمرضك و من حياتك لموتك

فإذا تذكر ذلك حصل له الخشوع و اإلقالع و تذكر من سلف من األهل و األقارب هذا في

يفعل في زماننا هذا من البدع في الزيارة يوم الخميس و السبت الزيارة النافعة ال كما

فتتزين النساء و يتبهرجن و يجلسن على القبور

: من حديث أبي هريرة أن النبي صلى اهللا عليه و سلم قال [ و قد نهى في سنن أبو داود

ألن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص على جلده خير له من أن يجلس على

ال تجلسوا على القبور وال تصلوا إليها: بر وقال ق ]

لكن اختلف العلماء في الجلوس ما هو ؟ فأكثر العلماء على أنه الجلوس المعروف و قال

هو التغوط عليها: مالك

أن عليا كان يتوسد القبور و يضطجع عليها و أن ابن عمر كان يجلس : و روي في الموطأ

أخذ خارجة ابن زيد بيدي فأجلسني على قبر و : كيم قال على القبور و أن عثمان بن ح

إنما كره ذلك لمن أحدث عليها: أخبرني عن عمه يزيد بن ثابت أنه قال

و المقصود أن النساء يخرجن إلى المقابر و تحضر الشباب الفسقة فيجلسون على سكك

غيرها للبيع و المقابر و يختلطون بهم في الغالب و ربما تصعد السوقة بمالذ المأكل و

الشراء و ربما تحدثوا بما ال يليق فهؤالء قبحهم اهللا تعالى و أبعدهم عن بابه و ختم على

قلوبهم و سمعهم و أبصارهم ألنهم يشاهدون منازل اآلخرة ـ يعني المقابر ـ و هم معرضون

عما يراد بهم

عصية عندهم و في و قد نص اإلمام أحمد ـ رحمه اهللا ـ على أن الموتى يتأذون بفعل الم


زماننا هذا تفعل المعاصي في الترب فيحصل للموتى األذى بذلك كما نص أحمد علىذلك

ألنهم ـ رحمهم اهللا تعالى ـ قد تيقنوا شؤم عاقبة الذنب و عاينوا عين اليقين نسأل اهللا

العافية في الدنيا و اآلخرة

طلوع الشمس فإن االموات يرون على أن الزيارة للقبور يوم الجمعة قبل: ونص اإلمام أحمد

زائرهم

الزيارة تكون يوم الجمعة و يوم السبت قبل طلوع : و قال الغزالي في إحياء علوم الدين

الشمس

من حديث أبي هريرة ـ [ و يستحب اإلكثار من ذكر الموت كما ثبت في الترمذي وحسنه

ـ ] أكثروا ذكر هاذم اللذات : قال رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم : رضي اهللا عنه ـ قال

يعني الموت ـ

ويستحب للشخص إذا دخل المقابر أن يسلم على أهل المقابر كما ثبت في صحيح

كان رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم يخرج : عن عائشة ـ رضي اهللا عنها ـ قالت [ مسلم

ا توعدون غدا السالم عليكم دار قوم مؤمنين أتاكم م: من آخر الليل إلى البقيع فيقول

[ و في صحيح مسلم ] مؤجلون و إنا إن شاء اهللا بكم الحقون اللهم اغفر ألهل بقيع الغرقد

كان رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم يعلمهم : من حديث سليمان بن بريدة عن أبيه قال

السالم عليكم أهل الديار من المؤمنين و : إذا خرجوا من المقابر فكان قائلهم يقول

نسأل اهللا لنا ولكم العافية] سلمين و إنا إن شاء اهللا بكم لالحقون الم

من حديث أبي هريرة ـ رضي اهللا عنه ـ أن رسول اهللا صلى اهللا [ و في صحيح مسلم أيضا

الحديث] السالم عليكم دار قوم مؤمنين : عليه و سلم خرج إلى المقبرة فقال

مر رسول اهللا صلى اهللا عليه : عنهما ـ قال عن أبن عباس ـ رضي اهللا[ و روى اإلمام أحمد

السالم عليكم أهل القبور يغفر اهللا لنا : و سلم بقبور المدينة فأقبل عليهم بوجهه فقال

حديث حسن غريب: و رواه الترمذي و هذا لفظه و قال ] ولكم أنتم سلفنا ونحن باألثر

السالم عليكم دار قوم : لفظه من حديث عائشة ـ رضي اهللا عنها ـ و [ و رواه ابن ماجة

[ مؤمنين أنتم لنا فرط و إنا بكم الحقون اللهم ال تحرمنا أجرهم و ال تفتنا بعدهم

نهيتكم : قال رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم : و عن عبد اهللا بن بريدة عن أبيه قال ]

بدا لكم و عن زيارة القبور فزوروها و نهيتكم عن لحوم األضاحي فوق ثالث فأمسكوا ما

رواه ] نهيتكم عن النبيذ إال في سقاء فاشربوا في األسقية كلها و ال تشربوا مسكرا

مسلم

نهيتكم عن زيارة القبور فمن أراد فليزر و ال يقول هجرا: و لإلمام أحمد و النسائي

قال رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم استأذنت : و عن أبي هريرة ـ رضي اهللا عنه ـ قال ]


رواه مسلم و في ] بي أن أستغفر ألمي فلم يأذن لي و استأذنته أن أزور قبرها فأذن لي ر

استأذنت ربي أن أستغفر لها فلم يأذن : زار قبرها فبكى وأبكى من حوله فقال : [ لفظ له

[ لي و استأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي فزوروا القبور فإنها تذكر الموت

كنت نهيتكم عن : عنه ـ أن رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم قال و عن علي ـ رضي اهللا ]

من حديث [ رواه اإلمام أحمد و رواه ابن ماجة ] زيارة القبور فزوروها فإنها تذكركم اآلخرة

من [ و رواه أحمد أيضا ] فزوروها فإنها تزهد في الدنيا و تذكر اآلخرة : ابن مسعود و فيه

و فيه دليل لمن جوز زيارة القبور ] فزوروها فإن فيها عبرة : حديث أبي سعد مرفوعا و فيه

للنساء

: وللعلماء فيها ثالثة أقوال

تحريمها عليهن لحديث لعن اهللا زوارات القبور: أحدها

يكره: الثاني

يباح لما تقدم فالنساء يدخلن في خطاب الرجال على الصحيح عند األصوليين: والثالث

أال أحدثكم عن رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم : هللا عنها ـ قالت و عن عائشة ـ رضي ا ]

لما كانت ليلتي التي كان رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم : بلى قالت : و عني ؟ قلنا

فيها عندي و ضع رداءه و خلع نعليه فوضعهما عند رجليه و بسط طرف إزاره على فراشه

دت فأخذ رداءه رويدا و انتعل رويدا و فتح الباب فاضطجع فلم يلبث إال ريثما ظن أن قد رق

فخرج ثم أجافه رويدا و جعلت درعي في رأسي و اختمرت و تقنعت إزاري ثم انطلقت على

أثره حتى أتى البقيع فقام فأطال القيام ثم رفع يديه ثالث مرات ثم انحرف فانحرفت فأسرع

إال أن اضطجعت فدخل فأسرعت فهرول فهرولت فأحضر فأحضرت فسبقته فدخلت فليس

لتخبريني أو ليخبرني اللطيف : ال شيء قال : مالك يا عائش حشياء رابية ؟ قلت : فقال

فأنت السواد الذي رأيت أمامي ؟ : يا رسول اهللا بأبي أنت وأمي فأخبرته قال : الخبير قلت

يك و أظننت أن يحيف اهللا عل: فلهزني في صدري لهزة أوجعتني ثم قال ! نعم : قلت !

فإن جبريل أتاني حين رأيت : قال ! مهما يكتم الناس يعلمه اهللا نعم : رسوله ؟ قالت

فناداني فأخفاه منك فأجبته فأخفيته منك ولم يكن يدخل عليك و قد وضعت ثيابك و ظننت

إن ربك يأمرك أن تأتي : أن قد رقدت فكرهت أن أوقظك و خشيت أن تستوحشي فقال

السالم على : كيف أقول يا رسول اهللا ؟ قال قولي : قلت : م قالت أهل البقيع فتستغفر له

أهل الديار من المسلمين و المؤمنين يرحم اهللا المستقدمين منا و المستأخرين و إنا إن

رواه مسلم] شاء اهللا لالحقون


في تطييب خاطر الوالدين على األوالد: الباب الثامن

و قد ذكر }وا و اتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم و الذين آمن{: قال اهللا تعالى

عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس ـ رضي اهللا عنهما ـ قال [ البغوي في تفسيره بإسناده

أن اهللا يرفع ذرية المؤمن في درجته و إن : قال رسول اهللا صلى اهللا عليه و آله وسلم :

والذين {: أ النبي صلى اهللا عليه و آله و سلم كانوا دونه في العمل لتقر بهم عينه ثم قر

[ { آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم

ففي هذه اآلية و الحديث دليل على تطييب خاطر الوالدين على أطفالهم و هذا الذي

ينبغي أن يطيبوا أنفسهم و يقروا أعينهم فإنهم و إن كانوا كبارا فهم من أهل التوحيد و

ألنهم ماتوا على } ال خوف عليهم و ال هم يحزنون {: سالم و إن كانوا صغارا فهم ممن اإل

الفطرة السليمة و هم من السعداء الذين يدخلون الجنة بال عمل عملوه و ال خير قدموه بل

رحمة اهللا و منته عليهم و لهذا يكونون في برزخهم في كفالة أبيهم إبراهيم الخليل ـ عليه

و اجعله في كفالة إبراهيم: م الحنفاء ـ كما في دعاء الميت إذا كان صغيرا السالم إما

من حديث سمرة بن جندب ـ وقد تقدم ـ عن النبي صلى [ و كما ثبت في صحيح البخاري

فأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإبراهيم : اهللا عليه و سلم في حديث المنام قال فيه

يا رسول اهللا و أوالد : وله فكل مولود يولد على الفطرة فقيل عليه السالم و أما الولدان ح

في رواية للبخاري أيضا و الشيخ في أصل [ و ] المشركين ؟ قال و أوالد المشركين

[ الشجرة إبراهيم ـ عليه السالم ـ و الصبيان حوله أوالد الناس

ما من : يه و سلم قال رسول اهللا صلى اهللا عل: و عن أبي هريرة ـ رضي اهللا عنه قال ]

مولود يولد إال على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة جمعاء

فطرة اهللا التي فطر {: اقرؤوا إن شئتم : ثم يقول أبو هريرة ! هل تحسون فيها من جزع ؟

ري و مسلم و رواه البخا: الحديث ] }الناس عليها ال تبديل لخلق اهللا ذلك الدين القيم

لفظه للبخاري

حدثنا بشر بن موسى ثنا ابن خليفة ثنا عون عن خنساء قالت : [ و قال أبو بكر القطيعي

النبي في الجنة و : يا رسول اهللا من في الجنة ؟ قال : قلت : حدثتني عمتي قالت

غندر عن و كذلك رواه بندار عن ] الشهيد في الجنة و المولود في الجنة و الوئيد في الجنة

عوف فذكر مثله

إال * كل نفس بما كسبت رهينة {: عند قوله تعالى : و قال الفراء في كتاب معاني القرآن

و هو شبيه بالصواب ألن : هم الولدان قال الفراء : قال علي رضي اهللا عنه }أصحاب اليمين


ما }المجرمين عن * يتساءلون {: الولدان لم يكتسبوا ما يرتهنون به و في قوله تعالى

ما سلككم في سقر{: يقوي أنهم الولدان ألنهم لم يعرفوا الذنوب فلهذا يقولون }

إال أصحاب {و لكن روى العقيلي بإسناده عن علي ـ رضي اهللا عنه ـ في قوله تعالى

قال هم أطفال المسلمين فظاهر هذه الرواية التخصيص بهذه األمة و الرواية }اليمين

في كل مولوداألولى عامة

اختلفوا فيهم فعن علي أنهم أطفال : } إال أصحاب اليمين {و قال البغوي في تفسيره

و عن ابن : المسلمين و هذا يوافق ما رواه العقيلي عنه و لم يحك عنه خالفه ثم قال

هم الذين كانوا على يمين آدم يوم : عباس ـ رضي اهللا عنهما ـ أنهم المالئكة و قال مقاتل

هم الذين كانوا ميامين : هم الذين أعطوا كتبهم بأيمانهم و عنه أيضا : ثاق و عنه أيضا المي

هم المسلمون المخلصون: على أنفسهم و قال الحسن

و حكى القرطبي في تفسيره في هذه اآلية الكريمة أقواال كثيرة ولم يذكر أنهم ال أطفال

هم الولدان ألنهم : عن الفراء أنه قال المسلمين و ال المشركين إال أنه ذكر في آخر كالمه

ال يعرفون الذنوب و قد حكيت قول الفراء قريبا و أنه أسنده إلى علي ـ رضي اهللا عنه ـ لكن

أن األطفال إن ماتوا صغارا فهم في الجنة أعني : حكى القرطبي في غير هذا الموضع

صورة الذر أقروا له بالربوبية و جميع األطفال ألن اهللا تعالى لما أخرج ذرية آدم من صلبه في

وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم {: هو قوله تعالى

ثم أعادهم في صلب آدم بعد أن أقروا له بالربوبية ثم }ألست بربكم قالوا بلى شهدنا

يكتب العبد في بطن أمه شقيا أو سعيدا على الكتاب األول


نى الفطرة التي نشأعليها كل مولود من بني آدم من ذكر و أنثىفصل ـ في مع

كل : [ و قال صلى اهللا عليه و سلم } فطرة اهللا التي فطر الناس عليها {: قال اهللا تعالى

و قد قدمنا في ذلك كالما مختصرا و لكن نبين معنى الفطرة لغة ] مولود يولد على الفطرة

الزموا و اتبعوا دين اهللا التي خلق الناس : فطرة اهللا أي : به و إعرابا قال أبو البقاء في إعرا

عليها انتهى كالمه

فطر اهللا الناس : فأقم و جهك ألن معنى ذلك : فطرة اهللا مصدر المعنى : و قال الطبري

على ذلك

سميت الفطرة دينا ألن الناس يخلقون له و فطرالناس عليها أي لها: و قال النحاس

ل الزجاجو كذلك معنى قو

فطرة اهللا أضافها إليه على الوجه الممدوح و لهذا نصبت : و قال شيخ اإلسالم ابن تيمية

على المصدر الذي دل عليه الفعل عند سيبويه وقد تقدم كالمه ـ رحمه اهللا ـ قريبا

الفطرة في كالم العرب البداءة انتهى: و قال أبو عمر بن عبد البرفي التمهيد


تالف العلماء في معنى الفطرةفصل ـ في اخ

: و قد اختلف بعض العلماء و المفسرون في المعنى المراد بالفطرة على أقوال

اإلسالم قاله أبو هريرة و ابن شهاب و غيرهما و هي إحدى : أن المراد بالفطرة : أحدهما

: مهيد قال الروايات عن اإلمام أحمد و لما ذكر ابن عبد البر النزاع في هذه المسألة في الت

و هو المعروف عند عامة الناس و أهل التأويل : الفطرة ها هنا اإلسالم قال : و قال آخرون

فقد أجمعوا على أن قالوا } فطرة اهللا التي فطر الناس عليها {: و أما قوله تعالى : ثم قال

ة أقواال فإن القرطبي و غيره من المفسرين ذكروا في اآلي: دين اإلسالم و ليس كما قال :

: كثيرة

و في معنى الفطرة أقوال متعددة منها دين اإلسالم و هو المعروف عند : قال القرطبي

و معنى هذا أن الطفل خلق سليما من الكفر على الميثاق الذي : عامة السلف ثم قال

أخذه اهللا على ذرية آدم حين أخرجهم من صلبه و أنهم إذا ماتوا قبل أن يدركوا فهم في

أوالد مسلمين كانوا أو أوالد كفارالجنة

على ملة : و قد اختلف أهل التأويل و األخبار في الفطرة فقيل : و قال النقاش في تفسيره

بحديث أبي هريرة [ إبراهيم ثم ذكر قريبا مما ذكره القرطبي و قد احتج من نصر هذا القول

ريرة باآلية في تمام الحديث و و استدالل أبي ه] مرفوعا ما من مولود يولد إال على الفطرة

و في بعض ] خلقت عبادي حنفاء : بحديث عياض بن حمار بن المجاشعي مرفوعا يقول [

في [ و ] خمس من الفطرة : مافي الصحيحين [ و يؤيد هذا ] حنفاء المسلمين [ ألفاظه

ن ياسر من حديث عمار ب[ و رواه اإلمام أحمد و أبو داود ] عشر من الفطرة : صحيح مسلم

في لفظ عشر من سنن اإلسالم[ و ] خمس من سنن اإلسالم : ]

البداءة التي بدأهم اهللا عليها من أنهم ابتدأهم للحياة و الموت : أن المراد بالفطرة : الثاني

و السعادة و الشقاوة و تقدم حكاية هذا القول و أنه حكاه أبو عمر بن عبد البر

المؤمنون إذ لو : فطر الناس : وم الناس و إنما المراد بقوله الثالث ـ ليس المراد بالفطرة عم

و لقد {فطر الجميع على اإلسالم لما كفر أحد و قد ثبت أنه خلق أقواما للنار كقوله تعالى

{ ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن و اإلنس

كل : ه قال الرابع ـ أن المراد بالفطرة الخلقة التي خلق عليها المولود في المعرفة بربه فكأن

مولود يولد على خلقة يعرف بها ربه إذا بلغ مبلغ المعرفة يريد خلقة مخالفة لخلقة البهائم

و } وما لي ال أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون {: و احتج من قال بهذا القول بقوله تعالى

تقدم في بسط هذا الكالم له موضع آخر و أنه في كتاب مفرد على الكالم في أطفال


مشركينال

و المقصود أن الولدان يتوفون على ما فطرهم اهللا عليه من التوحيد و اإلسالم فهم من

سعداءاآلخرة الذين استحقوا دخول الجنة بال عمل عملوه و ال خير قدموه بل برحمة اهللا

ذلك فضل اهللا يؤتيه من يشاء و اهللا ذو الفضل العظيم{: عليهم و لطفه بهم }


فيمن مات له طفل رضيع أنه يكمل رضاعه في الجنة : الباب التاسع

ثنا أسود بن عامر ثنا إسرائيل عن جابر الجعفي عن عامر عن البراء بن : [ قال اإلمام أحمد

صلى رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم على ابنه إبراهيم و : عازب ـ رضي اهللا عنه ـ قال

ورواه ] الجنة من يتم رضاعه وهو صديق إن له في: مات و هو ابن ستة عشر شهرا و قال

ضعيف: أبو يعلى الموصلي و جابر الجعفي

حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة حدثنا عدي بن ثابت أنه سمع البراء أنه قال : [ و قال البخاري

لما توفي إبراهيم ـ يعني ابن النبي صلى اهللا عليه و سلم ـ قال رسول اهللا صلى اهللا :

انفرد به البخاري و إنما كان كذلك ألنه مات و هو ] إن له مرضعا في الجنة : عليه و سلم

أقل فاهللا تعالى : أكثر من ذلك و قيل : مرضع ابن سبعة عشر شهرا أو ستة عشر و قيل

أعلم بالصواب

فإذا كان هذا ] إن ابني مات في الثدي و إن له مرضعا في الجنة : [ و في بعض الروايات

لسالم فال كالم و األصل عدم االختصاص إال أن يقوم دليل عليه و لم نجده و خاصا به عليه ا

إن كان عاما في حق أوالد المؤمنين ـ كما ذكر في بعض اآلثار و ال يحضرني اآلن و لكن

ـ فهي بشارة عظيمة ] إن في الجنة شجرة تحمل الثدي يرتضع منها الولدان : [ متنه

ب خاطر الوالدين و اهللا تعالى أعلمللمؤمنين في ولدانهم و فيه تطيي


فصل ـ في شفاعة األطفال الرضع لوالديهم

و قد روى المعافى بن الحسين في كتاب أنس المنقطعين له في األطفال الرضع أن ]

يجيء أطفال المسلمين يوم القيامة عند عرض : النبي صلى اهللا عليه و سلم قال

اذهب بهؤالء إلى الجنة فيقفون على أبواب : لجبريل الخالئق للحساب فيقول اهللا عز و جل

الجنة و يسألون عن آبائهم و أمهاتهم فيقال إن آباؤكم و أمهاتكم ليسوا بأمثالكم لهم ذنوب

و سيئات يطالبون بها فيصيحون صيحة واحدة عظيمة باكين فيقول اهللا سبحانه و تعالى و

إلهي أنت أعلم بهم هؤالء أطفال المسلمين : يا جبريل ما هذه الصيحة ؟ فيقول : هو أعلم

يا جبريل تخلل الجمع و خذ : ال ندخل الجنة حتى يدخل آباؤنا فيقول اهللا عز و جل : يقولون

[ آباءهم و أمهاتهم واجعلهم معهم في الجنة


في أنه يصلى على كل مولود مسلم و يدعى لوالديه: الباب العاشر

شارة عظيمة لكل من أصيب في أوالده أو في واحد منهم ألنه و هذا الباب عظيم ألن فيه ب

أمرنا رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم أن نصلي عليهم و أن ندعو لوالديهم كما سنذكره

إن شاء اهللا تعالى

و جمهور العلماء على أنه يصلى على الطفل الصغير و إن سقطا قد نفخ فيه الروح و ذهب

على الصغير ما لم يحتلم و سنذكر ما يدفع هذا القول و بعض السلف إلى أنه ال يصلى

: يضعفه

يصلى على كل مولود يتوفى و : حدثنا أبو اليمان ثنا شعبة قال ابن شهاب : [ قال البخاري

إن لغية من أجل أنه ولد على فطرة اإلسالم يدعي أبواه اإلسالم أو أبوه خاصة و إن كانت

هل صارخا صلي عليه و ال يصلى على من لم يستهل أمه على غير دين اإلسالم إذا است

ما من مولود إال يولد على : من أجل أنه سقط و أبو هريرة كان يحدث عن رسول اهللا قال

الحديث] الفطرة

مات إيراهيم بن النبي صلى اهللا عليه : عن عائشة ـ رضي اهللا عنها ـ قال [ و روى أبو داود

ا ـ فلم يصلي عليه رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم و سلم ـ و هو ابن ثمانية عشر شهر

في إسناده محمد بن إسحاق و الكالم فيه معروف و هويعضد من قال من السلف بعدم ]

من [ الصالة على األطفال لكن الحديث فيه كالم و قد رورى أبو داود أيضا ضد هذه الرواية

عليه و سلم صلى عليه رسول لما مات إبراهيم بن النبي صلى اهللا: حديث البهي قال

هذا مرسل ـ والبهي ـ هذا اسمه عبد اهللا بن ] اهللا صلى اهللا عليه و سلم في المقاعد

من [ يسار مولى مصعب بن الزبير تابعي يعد من الكوفيين و قد تقدم ما رواه اإلمام أحمد

يثالحد] حديث البراء بن عازب رضي اهللا عنه أن النبي صلى على إبنه إبراهيم

حدثنا هاشم بن القاسم ثنا المبارك أخبرني زياد بن خير عن : [ و قال اإلمام أحمد أيضا

الراكب خلف الجنازة و الماشي : المغيرة بن شعبة عن النبي صلى اهللا عليه و سلم قال

أمامها قريبا منها عن يمينها أو عن يسارها و السقط يصلى عليه و يدعى لوالديه بالمغفرة

حسن صحيح: و رواه أبو داود و النسائي و الترمذي و قال ] و الرحمة

الراكب يسير خلف الجنازة و الماشي يمشي : قال : و رواه ابن ماجة مرفوعا و لفظه ]

خلفها و أمامها و عن يمينها و عن يسارها و الطفل يصلى عليه و يدعى لوالديه بالمغفرة و

الطفل: فذكر ابن ماجة بدل السقط ] الرحمة

قال رسول اهللا صلى اهللا : من حديث أبي هريرة ـ رضي اهللا عنه ـ قال [ و روى ابن ماجة


صلوا على أطفالكم فإنهم من أفراطكم: عليه و سلم ]

الطفل ال يصلى عليه و ال : و عن جابر بن عبد اهللا عن النبي صلى اهللا عليه و سلم قال ]

رواية إسماعيل بن مسلم المكي قال رواه الترمذي من ] يورث و ال يرث حتى يستهل

الترمذي هذا حديث قد اضطرب الناس فيه فروي مرفوعا و روي موقوفا و هو أصح من

إسماعيل بن مسلم المكي قد تكلم فيه غير واحد من األئمة: المرفوع قال الحافظ الضياء

استهل إذا: قال رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم : عن جابر قال [ و روى ابن ماجة

هو رفع الصوت حين خروجه من األحشاء و اهللا : االستهالل ] الصبي صلي عليه و ورث

أعلم و هو من رواية الربيع بن يزيد و قد ضعفه غير واحد من األئمة

يصلى على الطفل إذا نفخ فيه الروح استهل أو لم يستهل: و قيل : قال الحافظ الضياء

د أنه يصلى عليه إذا نفخ فيه الروح وهوأن يستكمل و هو ظاهر مذهب اإلمام أحم: قلت

أربعة أشهر

و إن أسقط لدون أربعة أشهر فال يصلى عليه ألنه ليس بميت إذ : قال الشيخ مجد الدين

لم ينفخ فيه الروح

الصالة على السقط مالم ينفخ فيه الروح مبنية على بعثه : و قال شيخ اإلسالم ابن تيمية

إنه يبعث صلي عليه و إال لم يصلى عليه و اهللا أعلم انتهى : فإن قلنا و للعلماء فيه قوالن

كالمه

: متى يصلى على السقط ؟ قال : سألت أبا عبد اهللا أحمد بن حنبل : قال أحمد بن عبدة

حديث المغيرة بن شعبة المتقدم [ إذا أتى عليه أربعة أشهر ألنه قد نفخ فيه الروح و لكن

في رواية ابن [ و ] و السقط يصلى عليه : ائي و الترمذي و صححه الذي رواه أحمد و النس

و لم يفرق بين أن يكون له أربعة أشهر أو أقل أو أكثر لكن لم ] ماجة و الطفل يصلى عليه

أعلم أن أحدا ذهب إلى الصالة على السقط مطلقا إالسعيد بن المسيب و هو ظاهر

م ينفخ فيه الروح يؤيد ذلك ما ثبت في إن السقط ليس بميت ألنه ل: الحديث لكن قيل

حدثنا رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم و هو : من حديث ابن مسعود قال [ الصحيحين

إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون في ذلك : الصادق المصدوق

] علقة مثل ذلك ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح

الحديث فإذا نفخ فيه الروح وجبت الصالة عليه و بعث يوم القيامة

و قد اختلف الناس في هذه اآلثار فمنهم من أثبت الصالة عليه و منع صحة حديث عائشة و

غيره من األحاديث كما قال اإلمام أحمد و غيره و هذه المراسيل من حديث البراء يشد

اء ألجل جابر الجعفي و ضعف هذه المراسيل قال بعضها بعضا و منهم من ضعف حديث البر

حدثنا عقبة بن مكرم ثنا بشر بن : [ حديث ابن اسحاق أصح منها قال أبو يعلى الموصلي :


أبي بكر ثنا محمد بن عبيد اهللا الفزاري عن عطاء عن أنس أن رسول اهللا صلى اهللا عليه و

[ سلم صلى على ابنه إبراهيم فكبر عليه أربعا

: حدثنا محمد بن عمر ـ يعني الواقدي ـ قال : [ حمد بن سعد كاتب الواقدي و قال م

حدثني أسامة بن زيد الليثي عن المنذر بن عبيد عن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت عن

حضرت موت إبراهيم بن رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم فلما صحت : أمه سيرين قالت

عن الصياح و غسله الفضل بن عباس و رسول اهللا صلى أنا و أختي ما نهانا فلما مات نهانا

اهللا عليه و سلم كإنسان ثم حمل فرأيت رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم على شفة

القبر و العباس إلى جنبه و ترك في حفرته الفضل و أسامة بن زيد و أنا أبكي عند قبره ما

إبراهيم فقال النبي صلى لموت: ينهاني أحد و خسفت الشمس ذلك اليوم فقال الناس

إنها التخسف لموت أحد و ال لحياته و رأى رسول اهللا فرجة في اللبن : اهللا عليه و سلم

أما إنها التضر و ال تنفع و : فأمر بها أن تسد فقيل لرسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم فقال

ت يوم الثالثاء لعشر و ما] لكن تقر عين الحي و إن العبد إذا عمل عمال أحب اهللا أن يتقنه

ليال خلون من شهر ربيع األول سنة عشر و هكذا رواه الحافظ بن عساكر في ترجمة عبد

هذا حديث غريب ثم ساقه من طرق أخرى : الرحمن بن حسان بن ثابت عن أبيه ثم قال

من حديث الزبير بن بكار حدثني محمد بن طلحة عن إسحاق بن إبراهيم بن عبد اهللا بن

عبد الرحمن بن حسان فذكر نحوه و فيه مدرج يوم و فاته و شهره و سنته و حارثة عن

إن في بعض طرق هذا الحديث أنه : الظاهر ـ و اهللا أعلم ـ أنه من كالم الواقدي و لكن قيل

صلى عليه و لكن لم أره في هذين الطريقين فاهللا تعالى أعلم بذلك

اهيم الشامي ثنا حماد عن ثمامة بن عبد اهللا حدثنا إبر: [ و قال الحافظ أبو يعلى الموصلي

عن أنس بن مالك ـ رضي اهللا عنه ـ أن رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم صلى على صبي

لو نجا أحد من ضمة القبر لنجا هذا الصبي: أو صبية و قال ]

عن عطاء بن أبي رباح أن النبي صلى اهللا عليه و سلم صلى [ و قد روى أبو داود مرسال

قال البيهقي ـ بعد أن ذكر مرسل البهي و قد ] لى ابنه إبراهيم و هو ابن سبعين ليلة ع

فهذه اآلثار : تقدم ذكره و مرسل عطاء هذا و غيرهما من أحاديث الصالة على األطفال قال

و إن كانت مراسيل فبعضها يشد بعضا و قد أثبتوا صالة رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم

م و ذلك أولى من رواية من روى أنه لم يصل ـ يعني حديث عائشة على ابنه إبراهي

المتقدم المتصل و قد روي متصال أنه صلى عليه من حديث البراء بن عازب ـ وقد تقدم ـ

اختلف : لكنه حديث ال يثبت ألنه من رواية الجعد و ال يحتج بحديثه و قال الخطابي و غيره

إنما ترك الصالة على ابنه ألنه استغنى : م في السبب الذي ألجله لم يصل قال بعضه

ببنوة رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم عن الصالة عليه التي هي شفاعة له كما استغنى


إنما لم يصل عليه ألنه يوم مات إبراهيم ـ : الشهيد بشهادته عن الصالة عليه و قال غيره

ة عليه و اهللا أعلمعليه السالم ـ كسفت الشمس فاشتغل بصالة الكسوف عن الصال

ثم إنه ذكر مرسل عطاء و قال هذا أولى األمرين و إن كان : رجعنا إلى كالم الخطابي

حديث عائشة أحسن اتصاال و قد اعتل من لم ير الصالة على الطفال بترك صالة رسول اهللا

صلى اهللا عليه و سلم الصالة على ابنه و اشتغاله بنفل صالة الكسوف و الجواب ـ و اهللا

أن صالة الكسوف كانت واجبة في حقه ألنه لو لم يصلها لم نعلمها نحن : أعلم ـ عن ذلك

و أيضا و لو لم يقع ذلك لم نعلم كيفية صالة الكسوف فصالته كصالة الكسوف على هذه

الصفة دليل على أن اهللا أوحى إليه أن يشرعها لنا على هذه الصفة و يجب أن يبين كل ما

يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك{: لقوله تعالى أنزل إليه من ربه }


في استحباب اصطناع الطعام ألهل المصيبة: الباب الحادي عشر

إن أهل : و هذا الفعل من محاسن الشريعة التي جاء بها النبي صلى اهللا عليه و سلم

عليه و سلم للناس أن بل أمره صلى اهللا [ الميت ال يتكلفون طبخ طعام ألحد من الناس

هذا من أعظم مكارم األخالق و الشيم و ] يصنعوا طعاما ألهل الميت و يرسلونه إليهم

الحمل عن أهل الميت إعانة لهم و جبرا لقلوبهم ألنهم في شغل بمصابهم عن إصالح

طعام ألنفسهم فكيف للناس و االهتمام بأمرهم ؟ فإذا صنع الناس لهم الطعام المعروف و

ه إليهم حصلت الراحة ألهل الميت من وجهينحملو :

ـ شغلهم بمصابهم ثم بتجهيزه و غسله و تكفينه و الصالة عليه وحمله و مواراته : أحدهما

في حفرته ثم بعد ذلك إذا تفرغوا من هذه األمور و حصل لهم سكون و دعة فإن هذه كفاية

لهم عن شغلهم بالناس

فيها تسلية ألهل الميت فإن في زماننا هذا ما يتوارى ـ عدم الخسارة فإن عدمها: الثاني

الميت في حفرته حتى يخسر عليه دراهم كثيرة فألن ال يجتمع عليه خسارتان أولى

و قد وردت السنة بصنع الطعام ألهل الميت سواء فقد ميتهم في السفر أو في الحضر و

ع لهم طعاما و حمله سواء حصلت عليه خسارة أم لم تحصل فقد حصلت البشارة لمن صن

إليهم أنه اتبع سنة رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم و امتثل أمره فقد روى اإلمام أحمد

عن عبد اهللا بن جعفر ـ رضي اهللا عنه ـ قال جاء نعي جعفر ـ رضي اهللا عنه ـ [ في مسنده

ا اصنعوا آلل جعفر طعاما فقد أتاهم م: حين قتل قال النبي صلى اهللا عليه و سلم

و رواه أبو داود و الترمذي و ابن ماجة] يشغلهم

لما أصيب جعفر ـ رضي اهللا عنه ـ رجع رسول اهللا صلى : و عن أسماء بنت عميس قالت ]

] إن آل جعفر قد شغلوا بشأن ميتهم فاصنعوا لهم طعاما : اهللا عليه و سلم إلى أهله فقال

رواه اإلمام أحمد و ابن ماجة و هذا لفظه

ما زالت السنة فينا حتى تركها من تركها: ن عبد اهللا بن أبي بكر أنه قال و يروى ع


المصيبةفي الذبح عند القبور و كراهة صنع الطعام من أهل: الباب الثاني عشر

ال عقر : قال رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم : عن أنس بن مالك ـ رضي اهللا عنه ـ قال ]

أحمد في حديث طويل هذا منه و أبو داود و روى الترمذي نحوه و رواه اإلمام ] في اإلسالم

كانوا : قال حديث حسن صحيح غريب و رواه ابن حبان البستي و في رواية عبد الرزاق

هو الذبح عندها و هذا الفعل عندها : يعقرون عند القبر بقرة أو شيئا أما العقر عند القبور

ى هذه األمةفإنه من فعل الجاهلية وهو فعل محرم عل

هو ما كان عليه أهل : قال الخطابي ] ال عقر في اإلسالم : و قوله عليه الصالة و السالم ]

الجاهلية من عقر اإلبل على قبور الموتى كانوا إذا مات الشريف الجواد عقروا عند قبره و

ه بمثل إن صاحب القبر كان يعقرها لألضياف يقريهم أيام حياته فيكافأ علي: كانوا يقولون

صنيعه انتهى كالمه

كانوا يعقرون اإلبل عند القبور لتطعمها السباع و الطير عند قبر الميت فيدعى : و قال قوم

مطعما حيا و ميتا و قيل بل كان مذهبهم أن صدى الميت يصيب من ذلك الطعام فجاء

اإلسالم فمحا ذلك كله

ب قرى البر و هو أن الشخص و أما هذه البدعة الخبيثة فهي موجود قريب منها في غال

الذي توفي في بلده فإن أهل القرى التي حوله يأتون ألجل العزاء فيذبحون لهم من مال

الميت المنتقل إلى ورثته من أيتام و صغار و غيرهما بل قد يذبحون البقرة أو نحوها من

يقيض لهذه بهيمة األنعام ال يكون لأليتام غيرها على ماشاهدته و بلغني فنسأل اهللا أن

البدعة من والة أمور المسلمين من يبطلها

حدثنا ابن هاشم ثنا الدبري عن عبد الرزاق عن معمر عن ثابت عن أنس ـ رضي اهللا عنه ]

قد تقدم الكالم ] ال إسعاد وال عقر في اإلسالم : ـ أن النبي صلى اهللا عليه و سلم قال

من إسعاد النساء في المناحات و هوأن فهو : ال إسعاد : على العقر في اإلسالم و قوله

يروى في [ تقوم المرأة في المأتم و تقوم معها أخرى فيقال قد أسعدتها و هو مسعد و

يا رسول اهللا إن فالنة : حديث آخر أن امرأة أتت النبي صلى اهللا عليه و سلم فقالت

إنها مأخوذة من :و قال ] ال و نهى عن النياحة باإلسعاد : أسعدتني أ فأسعدها ؟ فقال

وضع الرجل يده على ساعد صاحبه إذا تماشيا في حاجة

و أما صنع أهل الميت طعاما للناس فمكروه ألن فيه زيادة على مصيبتهم و شغال لهم إلى

شغلهم و تشبيها بصنع أهل الجاهلية فإنهم يتكلفون طبخ الطعام كما يفعله أهل البر في

التي نهى عنها رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم لما زماننا و قد تقدم فهذا من النياحة


كنا نعد : ثبت في مسند اإلمام أحمد من حديث عبد اهللا البجلي ـ رضي اهللا عنه ـ قال

االجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام بعد دفنه من النياحة رواه ابن ماجة و رواه سعيد

: بن الخطاب ـ رضي اهللا عنه ـ فقال أن جريرا وفد على عمر: بن منصور في سننه و لفظه

فهل تتجمعون عند أهل الميت وتجعلون الطعام ؟ قال : ال قال : هل يناح على ميتكم ؟ قال

ذاك النوح: نعم قال :

و إن دعت الحاجة إلى ذلك جاز : و قال الشيخ موفق الدين ـ رحمه اهللا ـ في المغني

و األماكن البعيدة و يبيت عندهم فال يمكنهم فإنهم ربما جاءهم من يحضر ميتهم من القرى

إال أن يضيفوه انتهى كالمه

و إذا دعت الحاجة إلى صنع الطعام من أهل الميت لمن يفد من القرى و نحوها إنما : قلت

ذاك بشرط أن ال يكون من مال األيتام خصوصا إذا لم يكن لليتيم سوى ذاك الحيوان فأما

ميت في قريتهم فالضيافة على أهل القرية إما واجبة أو وفود أهل البادية على أهل ال

مستحبة و ليست على أيتام الميت و اهللا تعالى أعلم


مساويهفي الثناء الحسن على الميت و ذكر محاسنه و السكوت عن: الباب الثالث عشر

و غير ذلك و اعلم أن من أطلق اهللا ألسنة الناس فيه بالخير و الثناء الحسن و الذكر الصالح

من األقوال الصالحة غلب على الظن أنه من أهل الخير و غير مستنكر إذا أحب عبدا أن

: يلقي على ألسنة المسلمين الثناء الحسن عليه و في قلوبهم المحبة له قال اهللا تعالى

إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا{ }

إن : إن اهللا إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال : و سلم قال و ثبت أن النبي صلى اهللا عليه ]

إن اهللا يحب فالنا فأحبوه : فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء : اهللا يحب فالنا فأحبه قال

وذكر في البغضاء مثل ذلك رواه ] فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في األرض : قال


هذا و بلغنا عن عصر غيرنا أن أقواما من العلماء و أهل الحديث و و قد شاهدنا في عصرنا

التجار و السوقة كثر الثناء عليهم و صرفت قلوب الناس إليهم و حصلت الحفلة العظيمة في

جنائزهم من كثرة المشيعين لها و حضرها األلوف من الناس و ربما كثر الخلق في تشييع

ع ضجة عظيمة من جهة السماء في حال حضور هؤالء من الجن و المالئكة و ربما سم

الناس في الجنازة و لقد أخبرني شيخنا العالمة شمس الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن

سمعت : محمد الخطيب المقدسي بالجامع المظفري تغمده اهللا تعالى برحمته قال لي

ثني بها جماعة و حد: هذه الضجة من السماء مرارا لبعض األموات كهيئة البشائر ثم قال

من أصحابنا أنهم سمعوا ذلك في بعض جنائز المتهمين بالصالح و اهللا تعالى أعلم بذلك

مات : حدثنا أحمد بن زهير ثنا محمد بن يزيد الرفاعي قال : و ذكر قاسم بن أصبغ قال

عمرو بن قيس المالئي في ناحية فارس فاجتمع لجنازته من الخلق ما ال يحصى كثرة فلما

ظروا فلم يروا أحدادفن ن

مر بجنازة فأثنوا عليها خيرا فقال رسول اهللا : و عن أنس بن مالك ـ رضي اهللا عنه ـ قال ]

وجبت ومر بجنازة فأثنوا عليها شرا فقال نبي اهللا صلى اهللا عليه و : صلى اهللا عليه و سلم

ر بجنازة فأثنوا فداك أبي وأمي يا رسول اهللا م: وجبت فقال عمر ـ رضي اهللا عنه ـ : سلم

فقال رسول اهللا ! وجبت ؟ : وجبت ومر بجنازة أثنوا عليها شرا فقلت : عليها خيرا فقلت

من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة و من أثنيتم عليه شرا و : صلى اهللا عليه و سلم

و في لفظ ] جبت له النار أنتم شهداء اهللا في األرض أنتم شهداء اهللا في األرض ثالثا

يا رسول اهللا قلت : وفي رواية للبخاري فقيل [ رواه البخاري و مسلم : وجبت وجبت ثالثا

شهادة القوم المؤمنين شهداء اهللا في األرض: وجبت ولهذا وجبت ؟ قال : لهذا ]


دفنا أحمد بن حنبل يوم الجمعة بعد : و لما مات اإلمام أحمد بن حنبل قال الهيثم بن خلف

ربعين و مائتين و ما رأيت جمعا قط أكثر من ذلك و قال ابن أبي صالح العصر سنة إحدى وأ

ما : شهدت أربعين عالما ما رأيت جمعا قط مثل هذا ثم قال عبد الوهاب الوراق : القنطري

بلغنا أن جمعا في جاهلية و ال إسالم مثل الجمع في جنازة أحمد حتى بلغنا أن الموضع

و من ألف ألف و أما النساء فهو من ستين ألف امرأة مسح و حزر على الصحيح فإذا هو نح

وكلهم يشهدون له بالصالح و الوالية و يرجون بالصالة عليه البركة و يثنون عليه بأنواع الخير

رحمة اهللا عليه


بشارة للمؤمن بعمله الصالح: فصل

العمل من إذا رأيت الرجل يعمل: أن النبي صلى اهللا عليه و سلم قال [ و في الصحيح

و في رواية و يحبه الناس ] تلك عاجل بشرى المؤمن : الخير ويحمده الناس عليه قال

هذه البشرى المعجلة له بالخير هي دليل للبشرى المؤخرة : معناه : عليه قال العلماء

و هذه البشرى المعجلة دليل على } بشراكم اليوم جنات {: إلى اآلخرة لقوله تعالى

ى عنه و محبته له و محبته إلى الخلقرضى اهللا تعال

إذا رأيتم : و عن أبي سعيد ـ رضي اهللا عنه ـ عن النبي صلى اهللا عليه و سلم قال ]

فاشهدوا له بالخير قال اهللا تعالى : و في لفظ ] الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له باإليمان

لصالة وآتى الزكاة ولم يخش إال إنما يعمر مساجد اهللا من آمن باهللا واليوم اآلخر وأقام ا{:

حديث حسن و شهادة الناس له بعد الموت : اآلية رواه الترمذي وقال }اهللا فعسى أولئك

بالخير هي الشهادة التي كانوا يشهدون له بها في حال الحياة و اهللا تعالى أعلم


في الكف عن ذكر مساوي األموات: فصل

ال تسبوا : قال رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم : لت عن عائشة ـ رضي اهللا عنها ـ قا ]

رواه اإلمام أحمد و البخاري و النسائي] األموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا

ال تسبوا : و عن ابن عباس ـ رضي اهللا عنهما ـ أن النبي صلى اهللا عليه و سلم قال ]

رواه أحمد] موتانا فتؤذوا أحياءنا

من غسل ميتا : أسلم مولى رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم ـ قال و عن أبي رافع ـ ]

صحيح على شرط مسلم: رواه الحاكم و قال ] فكتم عليه غفر اهللا له أربعين مرة

إنما سيفك بين لحييك تأكل به كل من مر عليك قد آذيت أهل الدور : قال ابن السماك

هم و قد جرى البالء على وجوههم و أنت حتى تعاطيت أهل القبور أما أهل القبور فما ترى ل

ما عندك من نبشهم إال أخذ الخرق عنهم إذا ذكرت مساويهم فقد ! هاهنا تنبشهم ويحك

فلعلك تذكره : أما األولى : نبشتهم إنه لينبغي لك أن تترك القول في أخيك لخالل ثالث

أما تسمع ! زاؤه إذ عافاك ألمر هو فيك و الثانية لعلك تذكره ألمر قد عافاك اهللا منه فهذا ج

ارحم أخاك و احمد الذي عافاك ؟: إذ يقال !

من حديث معاوية ابن هشام عن عمران [ و في أبي داود في األدب و الترمذي في الجنائز

اذكروا محاسن موتاكم : بن أنس المكي عن عطاء عن ابن عمر ـ رضي اهللا عنهما ـ مرفوعا

[ و كفوا عن مساويهم

من عير أخاه بذنب قد : أبو داود مرفوعا أن النبي صلى اهللا عليه و سلم قال روى[ و قد

[ تاب منه لم يمت حتى يفعله

روى ابن أبي الدنيا بإسناده أن النبي صلى اهللا عليه و سلم [ و أما من جهة األموات فقد

من أهل النار ال تذكروا موتاكم إال بخير إن يكونوا من أهل الجنة تأثموا و إن يكونوا : قال

[ فحسبهم ما هم فيه


عليه و سلمفي فرح العبد و تسليته بكونه من أمة محمد صلى اهللا: الباب الرابع عشر

أن هللا علينا من النعم ما ال يحصيها إال اهللا تعالى الذي هدانا لإلسالم و جعلنا من أمة خير

ليهم أجمعين ـ فضل بشيء فنبينا األنام فإن كل نبي من األنبياء ـ صلوات اهللا و سالمه ع

فضل به و زاد عليه و هو أول من تنشق عنده األرض و أول شافع و أول مشفع و أول من

: عن أنس بن مالك ـ رضي اهللا عنه ـ قال [ يقرع باب الجنة و قد ثبت في صحيح مسلم

ثر األنبياء أنا أول الناس يشفع في الجنة و أنا أك: قال رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم

[ تبعا

يأتي معي من : و عن أبو هريرة ـ رضي اهللا عنه ـ عن النبي صلى اهللا عليه و سلم قال ]

لما جاء مع محمد : أمتي يوم القيامة مثل السيل و الليل فيحطم الناس فتقول المالئكة

رواه البزار] أكثر مما جاء مع سائر األنبياء

: قال رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم : عنه ـ قال و عن بريدة بن الحصيب ـ رضي اهللا ]

رواه ] أهل الجنة عشرون و مائة صف ثمانون منها من هذه األمة و أربعون من سائر األمم

الترمذي

إذا كان يوم القيامة : و عن الطفيل بن أبي عن أبيه عن النبي صلى اهللا عليه و سلم قال ]

و رواه الترمذي] شفاعتهم غير فخر كنت إمام النبيين و خطيبهم و صاحب

: قال رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم : و عن أنس بن مالك ـ رضي اهللا عنه ـ قال ]

يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب مع كل واحد من السبعين ألفا سبعين ألفا

رواه مسلم]

رسول اهللا صلى اهللا عليه و غاب عنا: و عن الحذيفة بن اليمان ـ رضي اهللا عنه ـ قال ]

سلم يوما فلم يخرج حتى ظننا أنه لن يخرج فلما خرج سجد سجدة ظننا أن نفسه قد

ما : إن ربي عز و جل استشارني في أمتي ماذا أفعل بهم ؟ قلت : قبضت فلما رفع قال

كذلك ثم استشار في : شئت يا رب هم خلقك و عبادك فاستشارني الثانية فقلت له

إني لم أخزك في أمتك و بشرني أن أول من يدخل الجنة : كذلك فقال : فقلت له الثالثة

زمرا من أمتي سبعون ألفا مع كل ألف في سبعون ألفا ليس عليهم حساب ثم أرسل إلي

أو معطني ربي عز و جل سؤلي ؟ : ادع تجب و سل تعطه فقلت لرسوله : ربي عز وجل

عطاني ربي غير فخر أنه غفر لي من ذنبي ما تقدم و ما أرسل إليك إال ليعطيك و قد أ: قال

تأخر و شرح صدري و أعطاني أن ال تجوع أمتي و ال تغلب و أنه أعطاني الكوثر و نهر في

الجنة يسيل من حوضي و أنه أعطاني العزة و النصرة و الرعب و أنه أعطاني بأني أول


أحل لنا كثيرا مما شدد على من األنبياء دخوال إلى الجنة و طيب لي و ألمتي الغنيمة و

رواه أبو بكر ] قبلنا ولم يجعل علينا في الدين من حرج فلم أجد شكرا إال هذه السجدة

الشافعي

أي ال تجوع كلها فإن جاعت في أرض شبعت في أخرى و ] و ال تجوع أمتي : [ و قوله

هللا أعلمأي كلها فإن غلبت في موضع غلبت في موضع آخر و ا] ال تغلب : [ كذلك


في استحباب التعزية ألهل المصيبة والدعاء لميتهم: الباب الخامس عشر

أمرته بالصبر و : التصبر و عزيته : إذا صبره على ما نابه و التعزية : عزى الرجل عزاء : يقال

التصبر: أصل التعزية : العزاء ـ بالمد ـ اسم أقيم مقام التعزية ذكره النووي و قال األزهري

تعزى بعزاء اهللا : التعزية التسلية وهو أن يقال له : لمن أصيب بمن يعزى عليه و قال غيره

و معنى } الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا هللا و إنا إليه راجعون {: و عزاء اهللا قوله تعالى

: ه أو يقال تصبر بالتعزية التي عزاك اهللا تعالى بها كما في كتاب: تعزى بعزاء اهللا أي : قوله

الصبر و اهللا أعلم: لك أسوة في فالن فقد مضى حميمه و أليفه فحسن صبره و أصل العزاء

عن عبد اهللا بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده عن النبي صلى ]

ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إال كساه اهللا عز و جل من حلل : اهللا عليه و سلم قال

رواته كلهم ثقات: رواه ابن ماجة و صححه الشيخ و قال ] يوم القيامة الكرامة

من عزى : و عن ابن مسعود ـ رضي اهللا عنه ـ عن النبي صلى اهللا عليه و سلم قال ]

ال نعرفه مرفوعا إال من حديث : و رواه ابن ماجة و الترمذي و قال ] مصابا فله مثل أجره

و علي بن عاصم ضعفعلي بن عاصم و ذكر أنه روي موقوفا

من عزى : قال رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم : وعن أبي برزة ـ رضي اهللا عنه ـ قال ]

إسناد هذا الحديث ليس بالقوي: قال الترمذي ] ثكلى كسي بردا في الجنة

تسلية أهل المصيبة و قضاء حقوقهم و التقرب إليهم بقضائها قبيل : و المقصود من التعزية

و بعده لشغلهم بمصابهمالدفن


فصل ـ في استحباب تعزية أهل الميت و وقتها

و يستحب تعزية أهل الميت و هي مسألة متفق عليها و لم أعلم أن أحدا خالف فيها إال

ال تستحب التعزية بعد الدفن ألنها خاتمة أمره و المعروف : سفيان الثوري ـ رحمه اهللا ـ قال

ستحباب التعزية قبل الدفن وبعده لما تقدم من األحاديث قريبا المستقر عند أهل العلم ا

من عزى مصابا فله مثل أجره من عزى ثكلى كسي بردا : عموم قوله عليه السالم [ مثل

فكل هذه عمومات تدل على االستحباب مطلقا] في الجنة


فيمن يكره تعزيتهم من أهل الميت وخاصة من النساء: فصل

جميع أهل المصيبة كبارهم و صغارهم و يخص خيارهم و المنظور إليه من و يستحب تعزية

بينهم ليستن به غيره و ذا الضعف منهم عن تحمل المصيبة لحاجته إليها و ال يعزي الرجل

األجنبي شواب النساء مخافة الفتنة و يجوز للمرأة البرزة و نحوها

ي المصيبة ألن فيه إشماتا و ثبت أن عائشة ـ رضي اهللا عنها ـ نهت على الضحك ف

أي : بالمسلم و كسرا لقلبه و لهذا رأى اإلمام أحمد رجال يضحك في جنازة فهجره و قال

أو نحوه! موعظة اتعظ هذا ؟

فيما يفعله بعض الناس من الجلوس عند القبر يوم الدفن و بعده: فصل

لتعزية و كذلك في اليوم و ما يفعله غالب أهل زماننا من الجلوس عند القبر يوم الدفن ل

الثاني و الثالث

يكره اإلجتماع بعد خروج الروح : ابن عقيل : يكره الجلوس للتعزية و قال : قال أبو الخطاب

يكره التعزية عند القبر إال لمن لم : ـ رحمه اهللا ـ : ألن فيها تهييجا للحزن و قال اإلمام أحمد

إن شئت أخذت بيد الرجل في : قال أحمد يعز فيعزي إذا دفن الميت أو قبل أن يدفن و

التعزية و إن شئت لم تأخذ و إذا رأى الرجل قد شق ثوبه على المصيبة عزاه ولم يترك حقا

لباطل و إن نهاه فحسن

إن كان اإلجتماع فيه موعظة للمعزى بالصبر و الرضى و حصل له من الهيئة : قلت

يث الصبر و الرضى فال بأس باالجتماع على اإلجتماعية تسلية بتذاكرهم آيات الصبر و أحاد

هذه الصفة فإن التعزية سنة سنها رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم لكن على غير الصفة

التي تفعل في زماننا من الجلوس على الهيئة المعروفة اليوم لقراءة القرآن تارة عند القبر

ر فهذا بدعة محدثة كرهه السلف في الغالب و تارة في بيت الميت و تارة في المجامع الكبا

كما تقدم لكن فيه تسلية لهم وإشغال لهم عن الحزن و اهللا أعلم


فيما يجوز أن يلبسه المصاب وزيه: فصل

و أما قول أصحابنا و غيرهم من الفقهاء ففي غالب كتبهم يذكرون أنه ال بأس أن يجعل

دسة يرخي عذبة من غير عادة قالوا المصاب على رأسه ثوبا يعرف به و بعض أصحابنا المقا

ألن التعزية سنة و في ذلك تيسير لمعرفته حال التعزية و أنكر هذا الفعل شيخ اإلسالم :

ال ريب أن السلف لم يكونوا يفعلون شيء من ذلك و ال نقل في هذا عن : ابن تيمية و قال

ء اهللا تعالى تقوي هذا أحد من الصحابة و التابعين و ثم آثار صريحة تأتي فيما بعد إن شا

القول و قد كره إسحاق بي راهوية أن يترك لبس ما عادته لبسه و اهللا أعلم


في أن التعزية قبل الدفن أو بعده: فصل

أن التعزية تجوز قبل : و قد ذكر الشيخ موفق الدين و غيره من أصحابنا في غالب الكتب

أعظم اهللا أجرك و أحسن عزاءك و : لمسلم الدفن و بعده و أنه يقول في تعزية المسلم با

أعظم اهللا أجرك و أحسن عزاءك: رحم ميتك و في تعزيته بكافر

و توقف أحمد ـ رحمه اهللا ـ عن تعزية أهل الذمة و هي تخرج على عيادتهم في أمراضهم و

: فيها روايتان

اهللا عليه و سلم روي أن غالما من اليهود كان يخدم النبي صلى [ إحداهما ـ يعودهم ألنه

أسلم فنظر إلى أبيه و : فأتاه النبي صلى اهللا عليه و سلم يعوده فقعد عند رأسه فقال له

أطع أبا القاسم فأسلم فقام النبي صلى اهللا عليه و سلم و هو يقول : هو عند رأسه فقال

ة في رواه البخاري و لكن الحكمة في العيادة منتفي] الحمد هللا الذي أنقذه من النار :

التعزية و هو رجاء إسالمه و اهللا تعالى أعلم

قال ] التبدؤوهم بالسالم : ألن النبي صلى اهللا عليه و سلم قال [ و الرواية الثانية ـ ال يجوز

أخلف اهللا : أحسن اهللا عزاءك و غفر لميتك و عن كافر : بجواز تعزيتهم عن مسلم يقال له

م لتكثر جزيتهمعليك و ال نقص عددك و يقصد زيارة عدده

أعطاك اهللا على مصيبتك : ال بأس أن يقول في تعزية الكافر : و قال أبو عبد اهللا بن بطة

أفضل ما أعطي أحد من أهل ملتك و قد روى أبو عبد اهللا المرزباني بإسناده عن الحسن

أجزاك اهللا على مصيبتك بأعظم مما جازى به أحد من: نحوا مما قال ابن بطة و لكن لفظه

أهل ملتك

قال : عن عبد اهللا بن عمر ـ رضي اهللا عنهما ـ قال [ و روى أبو موسى المديني بإسناده

أكثر اهللا : إذا دعوتهم ألحد من اليهود أو النصارى فقولوا : رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم

[ مالك و ولدك


في األلفاظ التي وردت في التعزية عن النبي: فصل

أن النبي صلى اهللا عليه و سلم عزى رجال [ التعزية شيء محدود إال أنه يروى ولم يرد في

رواه اإلمام أحمد و عزى أحمد أبا طالب فتوقف على باب ] رحمك اهللا وآجرك : فقال

أعظم اهللا أجرك و أحسن عزاءك: المسجد فقال

عليه و سلم لما توفي رسول اهللا صلى اهللا: و عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال ]

إن في اهللا عزاءمن كل مصيبة و خلفا من كل هالك و : و جاءت التعزية سمعوا قائال يقول

و رواه ] دركا من كل ما فات فباهللا فثقوا و إياه فارجعوا فإن المصاب من حرم الثواب

الشافعي في مسنده

ك ـ رضي اهللا من حديث أنس بن مال[ صحيح اإلسناد : و روى الحاكم في مستدركه و قال

لما قبض رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم أحدق به أصحابه فبكوا حوله : عنه ـ قال

فاجتمعوا فدخل رجل أشهب اللحية جسيم صبيح فتخطى رقابهم فبكى ثم التفت إلى

إن في اهللا عزاء من كل مصيبة و عوضا : أصحاب رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم فقال

من كل هالك فإلى اهللا فأنيبوا و إليه فارغبوا و نظره إليكم في البالء من كل فائت و خلفا

أبو : تعرفون الرجل ؟ قال : فانظروا فإنما المصاب من لم يجبر و انصرف فقال بعضهم لبعض

نعم هذا أخو رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم الخضر عليه السالم: بكر وعلي ]

د اهللا ـ رضي اهللا عنهما ـ لما توفي رسول اهللا صلى من حديث جابر بن عب[ و روى الحاكم

السالم : اهللا عليه و سلم جاءتهم المالئكة يسمعون الحس و ال يرون الشخص قالت

عليكم و رحمة اهللا و بركاته إن في اهللا عزاء من كل مصيبة و خلفا من كل فائت فباهللا فثقوا

وحسنه ] م عليكم ورحمة اهللا وبركاته و إياه فارجوا فإن المحروم من حرم الثواب و السال

الحاكم

و سيأتي كالم السلف ـ رحمهم اهللا في التعازي بألفاظ مختلفة فتارة مطولة و تارة وجيزة

بليغة كما سأذكره قريبا إن شاء اهللا


فيما يقال عند العلم بوفاة أحد المؤمنين: فصل

و التثبت فقد روى الطبراني و من بلغه وفاة أحد من المؤمنين فليحسن االسترجاع

قال النبي صلى اهللا : عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ـ رضي اهللا عنهما ـ قال [ بإسناده

إنا هللا و إنا إليه راجعون : إن للموت فزعا فإذا أتى أحدكم وفاة أخيه فليقل : عليه و سلم

ي عليين و اخلف عقبه وإنا إلى ربنا لمنقلبون اللهم اكتبه في المحسنين و اجعل كتابه ف

[ في اآلخرين اللهم ال تحرمنا أجره و ال تفتنا بعده

لما مات شق بصره فأغمضه النبي صلى اهللا عليه و سلم ثم : و في حديث أبي سلمة ]

ال تدعوا على أنفسكم إال : إن الروح إذا قبض تبعه البصر فصاح ناس من أهله فقال : قال

اللهم اغفر ألبي سلمة و ارفع درجته : ما تقولون ثم قال بخير فإن المالئكة يؤمنون على

في المهديين و اخلفه في عقبه في الغابرين و اغفر لنا و له يا رب العالمين و افسح له

رواه مسلم] في قبره و نور له فيه

و روي عن علي بن أبي طالب ـ رضي اهللا عنه ـ لما بلغه و فاة أبي بكر ـ رضي اهللا عنه ـ

ضينا من اهللا قضاه و سلمنا له أمره إنا هللا و إنا إليه راجعونر: قال

حدثنا يوسف بن عطية الصفار قال جلست إلى عطاء : [ قال سعيد بن منصور في سننه

حدثنا أنس بن مالك أن رجال كان يجيء بصبي له معه : بن ميمونة و هو يعزي رجال فقال

م مات فاحتبس أبوه عن النبي صلى اهللا إلى رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم و أن الغال

مات صبيه الذي رأيت : عليه و سلم فسأل عنه رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم فقالوا

فقوموا إلى أخينا نعزيه فلما دخل عليه إذا الرجل حزين و به ! أفال أذنتموني ؟ : معه فقال

ي فقال رسول اهللا صلى اهللا يا رسول اهللا كنت أرجوه لكبر سني و ضعف: كآبة فعزاه فقال

ادخل الجنة فيقول رب و : أما يسرك أن يكون يوم القيامة بإزائك ؟ يقال له : عليه و سلم

[ !أبواي ؟ و ال يزال يشفع حتى يشفعه اهللا عز و جل فيكم و يدخلكم جميعا الجنة ؟


فصل ـ فيما نقل إلينا من ألفاظ التعزية عن السلف و الخلف

عن محمود بن لبيد عن معاذ بن جبل رضي [ لطبراني في كتاب الدعاءبإسناده فقد روى ا

اهللا عنه ـ أنه مات ابن له فكتب إليه رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم يعزيه بابنه فكتب

بسم اهللا الرحمن الرحيم من محمد رسول اهللا إلى معاذ بن جبل سالم عليك فإني : إليه

إال هو أمابعد فأعظم اهللا لك األجر و ألهمك الصبر و رزقنا و إياك أحمد إليك اهللا الذي الإله

الشكر فإن أنفسنا و أموالنا و أهلينا و أوالدنا من مواهب اهللا الهنية و عواريه المستودعة

متعك اهللا به في غبطة و سرور و قبضه منك بأجر كثير الصالة و الرحمة و الهدى إن

جرك فتندم على مافاتك من ثواب مصيبتك فإنك لو احتسبته بالصبر و ال يحبط جزعك أ

اطلعت على ثواب مصيبتك لعرفت أن المصيبة قد قصرت عن الثواب ـ و هذه الزيادة في

و رواه الحاكم في المستدرك و ] و ما هو نازل بك فكأن قد و السالم : بعض طرقه ـ ثم قال

فليذهب : و عنده [ ب األدعية غريب حسن و رواه الحافظ أبو بكر بن مردوية في كتا: قال

فإن أنفسنا و أموالنا و أهلينا و أوالدنا من مواهب : لفظ الحاكم [ و ] أسفك ما هو نازل بك

اهللا الهنية و عواريه المستودعة نتمتع به إلى أجل معدود و يقبضها لوقت معلوم ثم افترض

ساقه الطبراني و اهللا أعلمو باقي الحديث كما] علينا الشكر إذا أعطى و الصبر إذا ابتلى

مات ابن لداود عليه : قال زيد بن أسلم : و رأيت في جزء ال أعرف مؤلفه و ليس له أول

كان أحب إلي من ملء : ما كان يعدل عندك ؟ قال : السالم فجزع عليه فعزوه فيه فقيل له

فإن لك من األجر على قدر ذلك: األرض ذهبا فقيل له

ن سليمان بن داود ـ عليهما السالم ـ مات له ولد فجزع عليه حتى أ: و في اسرائيليات

إن هذا بذر بذرا : عرف ذلك في مصابه فتحاكم إليه ملكان في صورة رجلين فقال أحدهما

لم بذرت في الطريق ؟ أما علمت : في طريق الناس فمررت فأفسدته فقال سليمان لآلخر

على ابنك و هذا طريق الناس إلى اآلخرة ؟و لم تحزن أنت : أنه ال بد من ممر ؟ فقال !

أرسلت ابنة النبي صلى اهللا عليه و سلم : و عن أسامة بن زيد ـ رضي اهللا عنهما ـ قال ]

إن هللا ما أخذ و له ما أعطى و : إليه أن ابنا لي قد قبض فأتنا فأرسل يقرأ السالم و يقول

م و أبو داود و النسائي و ابن رواه مسل] كل شيء عنده بأجل مسمى فلتصبر و لتحتسب

ماجة

لوال أني جعلت الميت ينتن : قرأت في بعض كتب اهللا تعالى يقول : و قال وهب بن منبه ]

على أهله ما دفن ميت و لوال أني جعلت الطعام يفسد الحتجبه الملوك و لوال أني آتي

[ بالعزاء بعد المصيبة ما عمرت الدنيا


ما من جزعتين أحب إلى اهللا من جزعة مصيبة : اهللا ـ و قال الحسن البصري ـ رحمه

موجعة محرقة ردها صاحبها بحسن عزاء و صبر و جزعة غيظ ردها صاحبها بحلم

اصبر لما حكم ربك: و قد روي عن شمر أنه كان إذا عزى مصابا قال

ال حدثني عبد اهللا بن محمد بن إسماعيل التيمي أن رجال عزى رج: و قال ابن أبي الدنيا

إنما يستوجب على اهللا وعده من صبر هللا بحقه فال تجمع إلى ما أصبت : على ابنه فقال

به من المصيبة الفجيعة باألجر فإنها أعظم مصيبتين عليك و السالم

عليك بالصبر فيه يعمل من احتسب و إليه يصير من جزع: و عزى ابن السماك رجال فقال

ليس الجزع أن تدمع العين و يحزن القلب و لكن : مير قال عبيد بن ع: و قال عمروبن دينار

القول السيئ و الظن السيئ: الجزع

كان سعيد بن جبير يعزيني على أبي فرآني أطوف : و قال خالد بن أبي عثمان القرشي

االستتارمن الجزع: بالبيت متقنعا فكشف القناع عن رأسي و قال

أن عبد الرحمن بن مهدي : ـ رحمه اهللا ـ و روى البيهقي بإسناده في مناقب الشافعي

يا أخي عز نفسك بما : مات له ابن فجزع عليه جزعا شديدا فبعث إليه الشافعي يقول له

تعزي به غيرك و استقبح من فعلك ما تستقبحه من غيرك و اعلم أن أمض المصائب فقد

أخي ـ إذا قرب منك سرور وحرمان أجر فكيف إذا اجتمعا مع اكتساب وزر ؟ فتناول حظك ـ يا

قبل أن تطلبه و قد تناءى عنك ألهمك اهللا عند المصائب صبرا و أحرز لنا بالصبر أجرا ثم

: أنشده

من الخلود و لكن سنة الدين...إني معزيك ال أني على ثقة ) )

وال المعزي ولو عاشا إلى حين...فال المعزى بباق بعد ميته ) )

ـ فجاؤوا يعزونه فأنشدو مات ابن للشافعي ـ رحمه اهللا :

وما الدهر إال هكذا فاصطبر له )

( رزية مال أو فراق حبيب ...

دخل بعض األعراب على بعض ملوك بني العباس و قد توفي له ولد اسمه العباس فعزاه

: فيه فقال

صبر الرعية عند صبر الراس...اصبر نكن بك صابرين فإنما ) )

و اهللا خير منك للعباس...وخير من العباس أجرك بعده ) )

: و ذكر أبو علي الحسن بن أحمد بن البنا بإسباده أن شخصا من الحكماء أنشده

... إذا دام ذا الدهر لم يحزن على أحد )

( ممن يموت و لم يفرح بمولود

حدثنا الحسين حدثنا عبد اهللا حدثنا محمد بن مسلمة القاسمي ـ و : و قال ابن أبي الدنيا


وعظ عابد جبارا فأمر به فقطعت يداه و رجاله و حمل إلى : قارب المائة ـ قال كان قد

: ال تعزوني و لكن هنئوني بما ساق اهللا إلي ثم قال : متعبده فجاءه إخوانه يعزونه فقال

إلهي أصبحت في منزلة الرغائب أنظر إلى العجائب إلهي أنت تتودد بنعمتك إلي من يؤذيك

يؤذى فيك ؟فكيف ال تتودد إلى من !

لما مات عبد اهللا بن عمر بن عبد العزيز دخل عليه : و ذكر عن سليمان بن حبيب قال

و أنا أعوذ باهللا أن يكون لي محبة في شيء من األمور تخالف : هشام فعزاه عنه فقال عمر

محبة اهللا عز و جل فإن ذلك ال يصلح لي في بالئه عندي و إحسانه إلي و في رواية أخرى

لما مات ابنه عبد الملك و أخوه سهل و مزاحم مولى عمر بن عبد العزيز في أيام : قال

أعظم اهللا أجرك يا أمير المؤمنين فما رأيت أحدا : متتابعة دخل عليه الربيع بن سبرة فقال

أصيب بأعظم من مصيبتك في أيام متتابعة و اهللا ما رأيت مثل ابنك ابنا و ال مثل أخيك أخا و

لقد هيجت عليه : الك مولى قط فطأطأ رأسه فقال لي رجل معه على الوساد ال مثل مو

ال و الذي قضى : فأعدت عليه ما قلت فقال ! كيف قلت ؟ : ثم رفع رأسه فقال : قال

عليهم بالموت ما أحب أن شيئا من ذلك لم يكن

رحمك : فقال قام عمر بن عبد العزيز على قبر ابنه عبد الملك : و عن بشر بن عبد اهللا قال

! اهللا يا بني فقد كنت سارا مولودا و بارا ناشئا و ما أحب أني دعوتك فأجبتني

و لما توفيت الياقوتة بنت المهدي جزع عليها جزعا لم يسمع بمثله فجلس للناس يعزونه و

أمر أن ال يحجب عنه أحد فأكثر الناس في التعازي و اجتهدوا في البالغة فأجمعوا أنهم لم

أعطاك اهللا يا أمير : تعزية أوجز و ال أبلغ من تعزية شبيب بن شبة فإنه قال يسمعوا

المؤمنين على ما رزئت أجرا و أعقبك خيرا و ال أجهد بالءك بنقمة و ال نزع منك نعمة ثواب

اهللا خير لك منها و رحمة اهللا خير لها منك و أحق ما صبر عليه ما ال سبيل إلى رده و في

مير المؤمنين اهللا خير لك منها و أنا أسأل اهللا أن ال يحزنك و ال يفتنكيا أ: رواية قال

هلكت امرأة لي فأتاني : و قد روى مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد عن القاسم قال

إنه كان في بني إسرائيل رجل فقيه عالم عابد : محمد بن كعب القرظي يعزيني بها فقال

معجبا و كان لها محبا فماتت فوجد عليها وجدا شديدا و مجتهد و كانت له امرأة و كان بها

تأسف عليها تأسفا شديدا حتى خال في بيت و أغلق على نفسه و احتجب و إن امرأة

إن لي إليه حاجة أستفتيه فيها ليس يجزيني إال مشافهته : سمعت به فجاءته فقالت

إن ها هنا امراة أرادت أن : ل ما لي منه بد فقال له قائ: فذهب الناس و لزمت بابه و قالت

إني استعرت من جارة لي حليا و كنت ألبسه و : ائذنوا لها فدخلت فقالت : تستفتيك قال

إنه : نعم و اإلله قالت : أعيره فلبث عندي زمانا ثم إنهم أرسلوا إلي فيه أفأرده إليهم ؟ قال

فتتأسف على ما أعارك اهللا أ: فذاك أحق لردك إياه إليهم قالت : قال ! مكث عندي زمانا ؟


ثم أخذه منك و هو أحق به منك ؟ فأبصر ما هو فيه و نفعه اهللا تعالى بقولها

إن أباك كان أصلك و إن ابنك : و عزى عمرو بن عبيد يونس بن عبيد على ولد له مات فقال

كان فرعك و إن امرءا ذهب أصله و فرعه لحري أن يقل بقاؤه

إن كانت مصيبتك أحدثت لك عظة في نفسك : مات ولده فقال و عزى صالح المري رجال قد

فنعم المصيبة مصيبتك و إن كانت لم تحدث لك عظة في نفسك فمصيبتك بنفسك أعظم

من مصيبتك بابنك

يا أخي العاقل يصنع في أول يوم ما يفعله الجاهل بعد عام: و عزى رجل رجال فقال

الصبر فيه فإنه يأخذ المحتسب و إليه يرجع عليك بتقوى اهللا و: و عزى رجل رجال فقال

الجازع

إن من كان لك في اآلخرة أجرا خير ممن كان لك في الدنيا سرورا: و عزى رجل رجال فقال

من لم يتعز عند مصيبته باألجر و االحتساب سال كما تسلو البهائم: وعن ابن جريج قال

ة واحدة و إن لم تصبر فهما إن صبرت فهي مصيب: قال بعض السلف و قد عزى مصابا

مصيبتان

و ذكر ابن أبي الدنيا بإسناده عن ميمون بن مهران قال عزى رجل عمر بن عبد العزيز ـ

األمر الذي نزل بعبد الملك أمر كنا نعرفه : رحمة اهللا عليه ـ على ابنه عبدالملك فقال عمر

فلما وقع لم ننكره

ابن رجل فحضره عمر بن عبد العزيز فكان رجل مات : و روى ابن أبي الدنيا بإسناده قال

أو الصبر قال : هذا و اهللا الرضا فقال عمر بن عبد العزيز : حسن العزاء فقال رجل من القوم

أن يكون الرجل قبل نزول المصيبة راضيا بأي ذلك كان و : الصبر دون الرضا الرضا : سليمان

أن يكون بعد نزول المصيبة فيصبر: الصبر

كتب محمدبن إدريس الشافعي إلى رجل : قال إبراهيم بن خالد : الحافظ بن عساكر و ذكر

اعلم يا أخي أن كل مصيبة ال يجبر صاحبها : من إخوانه من قريش يعزيه بابن أصيب به

ثوابها فهي المصيبة العظمى فكيف رضيت يا أخي بابنك فتنة ولم ترض به نعمة ؟ و كيف

خالدا ؟ و كيف رضيته على التعريض من الفساد ولم ترضى رضيت به مفارقا و لم ترضى به

به على اليقين من الصالح ؟ بل كيف لك بمقت منعم ولم تعرف له نعمة ؟ يريك ماتحب و

يرى منك ما يكره ؟ ارجع إلى اهللا عز و جل و تعز برسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم و

تمسك بدينك و السالم

أما بعد فإن اهللا تعالى وهب لك : ب رجل إلى أخ له يعزيه بابنه كت: و ذكر أيضا بإسناده قال

موهبة جعل عليك رزقه و مؤنته و أن تخشى فتنته فاشتد لذلك فرحك فلما قبض موهبته و

كفاك مؤنته اشتد لذلك حزنك أقسم باهللا إن كنت تقيا لهنئت على ما عزيت عليه و لعزيت


اصبر نفسك عن األمر الذي ال صبر لك على على ما هنئت عليه فإذا أتاك كتابي هذا ف

عقباه و اصبر نفسك عن األمر الذي ال غنى بك عن ثوابه و اعلم أن كل مصيبة لم يذهب

فرح ثوابها حزنها فذلك الحزن الدائم و السالم

: كتب ابن السماك إلى رجل يعزيه عن مولود له مات : عن عبد اهللا بن صالح العجلي قال

عت أن يكون شكرك حين قبضه اهللا عز و جل منك أكثر منه حين وهبه لك أما بعد فإن استط

فافعل فقد أحرز لك هبته حيث قبضه و لو بقي لم تسلم من فتنته أرأيت حزنك على فراقه

أرضيت الدار لنفسك فترضاها البنك أما هو فقد خلص من الكدر و ! و تلهفك على ذهابه

زعت فهي واحدة إن صبرت و مصيبتان إن لم تصبر بقيت أنت معلقا بالخطر و المصيبة إن ج

فال تجمع األمرين على نفسك و السالم

أما بعد فإن الولد على والده ما عاش حزن و : و كتب رجل إلى بعض إخوانه يعزيه بابنه

فتنة فإذا قدمه فصالة و رحمة فال تجزع على ما فاتك من حزنه و فتنه و ال تضيع ما عوضك

رحمتهاهللا من صالته و

أسرك و هو بلية و فتنة ؟ و : و قال موسى بن المهدي إلبراهيم بن مسلم و عزاه بابنه

! أحزنك و هو صلوات و رحمة ؟

: و قد روي عن ابن عمر ـ رضي اهللا عنهما ـ أنه دفن ابنا له فضحك عند قبره فقيل له

أردت أن أرغم الشيطان: قال ! أتضحك عند قبر ؟

فحمدت اهللا و لم : كر ولد لم يحتلم ـ و كان ولدا حسنا ـ قال الحافظ و مات للحافظ بن عسا

أظهر لموته جزعا و ال قلقا و لم أحالف لذهابه هلعا و ال أرقا ولم أترك لحزنه مجلس

التحديث و لم أمتنع ألجله من االنبساط و الحديث و ما كان ذلك إال بتوفيق اهللا و إعانته و

ه فله الحمد إذ لم يحبط أجري فيه بجزعي ولم يذهب حسن عصمته من الجزع و صيانت

صبري عنه بهلعي ألن المحروم من حرم عظيم الثواب و الملوم من جزع ألليم المصاب و

مررت بك يوم : لما عزاني بعض إخواني حضني على الصبر و قال لي : أعجب من تصبري

إن : ك الساعة فقلت له ثانية و أنت تحدث الجماعة فتعجبت من انشراح صدرك للتحديث تل

الجزع ال يرد فائتا و ال ذاهبا و الحزن ال يرجع هالكا و ال عاطبا و البكاء ال يجدي صرفا لمسلم

و ال نفعا و القلق ال يفيد دركا لخطب و ال دفعا و االحتيال اليوجب لهالك ضرا و ال نفعا و إذا

صبر أحرى بذوي الحجى و أليق كان األمر بهذه الصفة و الحال هكذا عند أهل المعرفة فال

بأولي الدين و النهى


في وجوب الصبر على المصيبة: الباب السادس عشر

و } يا أيها الذين آمنوا اصبروا و صابروا و رابطوا و اتقوا اهللا لعلكم تفلحون {: قال اهللا تعالى

و قال } مع الصابرين يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر و الصالة إن اهللا{: قال تعالى

و اآليات التي } ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم {: تعالى

فيها األمر بالصبر كثيرة جدا معروفة

ذكر اهللا سبحانه و تعالى الصبر في القرآن في تسعين موضعا: قال اإلمام أحمد

فاضل من أخالق النفس يمنع به من فعل خلق: اعلم أن حقيقة الصبر عند أرباب التصوف

ماال يحسن و ال يجمل و هو قوة من قوى النفس التي بها صالح شأنها و قوام أمرها

الصبر اعتراف العبد هللا بما أصابه منه و احتسابه عند اهللا و رجاء ثوابه : قال سعيد بن جبير

حديث أبي زيد أسامة بن [ و قد يجزع الرجل و هو متجلد ال يرى منه إال الصبر و قد تقدم

زيد بن حارثة مولى رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم و إرسال بنت رسول اهللا صلى اهللا

إن ابني قد احتضر فاشهد فأرسل : عليه و سلم إلى رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم

إن هللا ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى فلتصبر : يقرأ السالم ويقول

الحديث أمرها بالصبر] وتحتسب

مر النبي صلى اهللا عليه و سلم بامرأة تبكي : و عن أنس بن مالك ـ رضي اهللا عنه ـ قال ]

إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي ـ ولم تعرفه ـ : اتقي اهللا واصبري فقالت : عند قبر فقال

هللا عليه و سلم فلم إنه النبي صلى اهللا عليه و سلم فأتت باب النبي صلى ا: فقيل لها

رواه البخاري و ] إنما الصبر عند الصدمة األولى : لم أعرفك فقال : تجد عنده بوابين فقالت

و هذا ] إنما الصبر عند أول صدمة : تبكي على صبي لها فقال : في رواية [ مسلم و

نفسه ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك : قوله عليه الصالة والسالم [ يشبه

فإن مفاجئة المصيبة بغته لها روعة تزعزع القلب و تزعجه بصدمها فإن صبر ] عند الغضب

للصدمة األولى انكسرت حدتها و ضعفت قوتها فهان عليه استدامه الصبر كذلك الغضب

يقول اهللا : و عن أبي هريرة ـ رضي اهللا عنه ـ أن رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم قال ]

عبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إال ما ل: عز وجل

رواه البخاري] الجنة

وعن عائشة ـ رضي اهللا عنها ـ أنها سألت رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم عن الطاعون ]

أنه كان عذابا يبعثه اهللا تعالى على من يشاء فجعله اهللا رحمة للمؤمنين فليس : فأخبرها

يقع الطاعون فيمكث في بلده صابرا محتسبا يعلم أنه ال يصيبه إال ما كتب اهللا له من عبد


رواه البخاري و رواه اإلمام أحمد من حديث عائشة أيضا ] إال كان له مثل أجر الشهيد

بلفظه

الصبر على المصائب واجب باتفاق أئمة الدين و إنما اختلفوا : قال شيخ اإلسالم ابن تميمة

ضا انتهى كالمه فالصبر واجب من حيث الجملة و لكنه يتأكد بحسب األوقات في وجوب الر

فهو في زمن الطاعون آكد منه في غيره فإنه إذا صبر على اإلقامة في البلد الذي وقع فيه

الطاعون و صبر عند موت أوالده أو أقاربه أو أصحابه و صبر أيضا عند مصيبته بنفسه و علم

فيها و ال تأخير و أن اهللا تعالى كتب اآلجال في بطون األمهات كما يقينا أن اآلجال ال تقديم

كتب رزقه و أجله و شقي هو أم سعيد فال زيادة وال نقص إال في صلة : ثبت في الصحاح

األرحام ففيها خالف معروف بين أهل العلم فإذا صبر واحتسب لم يكن له ثواب دون الجنة و

ولم يرد من قضاء اهللا شيئا و لقد ضمن الوافي الصادق إذا جزع ولم يصبرأثم و أتعب نفسه

أنهم يوفون أجرهم بغير حساب و أخبر : الناطق في محكم كتابه حيث قال عن الصابرين

فذهب } إن اهللا مع الصابرين {: أنه معهم بهدايته و نصرة العزيز و فتحه المبين فقال تعالى

إنني {: اآلخرة و شارك بعض األنبياء في قوله الصابرون بهذه المعية التي هي خير الدنيا و

و لئن {: و أخبر تعالى أن الصبر خير ألهله خبرا مؤكدا فقال تعالى }معكما أسمع و أرى

{: و أخبر أن الصبر مع التقوى ال يضر معه كيد األعداء أبدا فقال }صبرتم لهو خير للصابرين

ن اهللا بما يعملون محيطو إن تصبروا و تتقوا ال يضركم كيدهم شيئا إ }


فيما ورد بالصبر على المصيبة: الباب السابع

* الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا هللا وإنا إليه راجعون * وبشر الصابرين {: قال اهللا تعالى

و لمن صبر و {: و قال تعالى }أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون

ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم {: و قال تعالى } لمن عزم األمور غفر إن ذلك

{ والصابرين ونبلو أخباركم

و هذا باب متسع جدا في اآليات و األحاديث و إنما نذكر منه ما يوقظ الساهي و ينبه الغافل

و عن[ و قد تقدم حديث أم سلمة من غير وجه من رواية اإلمام أحمد و مسلم و غيرهما

قال رسول اهللا صلى اهللا عليه : أبي مالك الحارث بن عاصم األشعري ـ رضي اهللا عنه ـ قال

الطهور شطر اإليمان و الحمد هللا تمأل الميزان و سبحان اهللا و الحمد هللا تمآلن ما : و سلم

بين السموات و األرض و الصالة نور و الصدقة برهان و الصبر ضياء و القرآن حجة لك أو عليك

الحديث رواه مسلم]

قال رسول اهللا صلى : أن أم سلمة قالت : [ و رواه أبو داود من طريق أخرى بلفظ غريب

إنا هللا و إنا إليه راجعون اللهم عندك : إذا أصابت أحدكم مصيبة فليقل : اهللا عليه و سلم

م الله: احتسبت مصيبتي فأجرني بها و أبدلني خيرا منها فلما احتضر أبو سلمة قال

إنا هللا و إنا إليه راجعون عند اهللا : أخلفني في أهلي خيرا مني فلما قبض قالت أم سلمة

فانظر رحمك اهللا إلى ما آلت إليه حين احتسبت و صبرت ] احتسبت مصيبتي فأجرني فيها

و رضيت و ركنت و اتبعت السنة و قد تقدم نحو ذلك

من األنصار سألوا رسول اهللا صلى و عن أبي سعيد الخدري ـ رضي اهللا عنه ـ أن ناسا ]

اهللا عليه و سلم فأعطاهم ثم سألوه فأعطاهم حتى نفذ ما عنده فقال لهم حين أنفق كل

ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم و من يستعف يعفه اهللا و من : شيء بيده

رواه ] صبر يستغن يغنه اهللا و من يتصبر يصبره اهللا و ما أعطي أحد عطاء خيرا و أوسع من ال


: قال رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم : و عن صهيب بن سنان ـ رضي اهللا عنه ـ قال ]

إن أمره كله له خير و ليس ذلك ألحد إال للمؤمن إن أصابته سراء شكر ! عجبا ألمر المؤمن

رواه مسلم] فكان خيرا له و إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له

سمعت رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم : س بن مالك ـ رضي اهللا عنه ـ قال و عن أن ]

ـ يريد ] إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة : إن اهللا عز و جل قال : يقول

عينيه ـ رواه البخاري


ن قال لي ابن عباس ـ رضي اهللا عنهما ـ أال أريك امرأة م: و عن عطاء بن أبي رباح قال ]

هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى اهللا عليه و سلم : بلى قال : أهل الجنة ؟ فقلت

إن شئت صبرت و لك الجنة و : إني أصرع و إني أتكشف فادع اهللا تعالى لي فقال : فقالت

إني أتكشف فادع اهللا أن ال أتكشف : إن شئت دعوت اهللا أن يعافيك فقالت أصبر ثم قالت

البخاري و مسلمرواه ] فدعا لها

: و عن أبي سعيد و أبي هريرة ـ رضي اهللا عنهما ـ عن النبي صلى اهللا عليه و سلم قال ]

ما يصيب المسلم من نصب و ال وصب و ال هم و ال حزن و ال أذى و ال غم حتى الشوكة

على المستقبل و الحزن: رواه البخاري و مسلم الهم ] يشاكها إال كفر اهللا بها من خطاياه

المرض: التعب و الوصب : على الماضي و النصب :

ال يصيب : و روي في حديث أبي موسى األشعري أن النبي صلى اهللا عليه و سلم قال ]

و ما أصابكم من {و قرأ : العبد نكبة فما فوقها أو دونها إال بذنب و ما يعفو اهللا عنه أكثر قال

من حديث عمرو بن العاص أن [ و روي ] }مصيبة فبما كسبت أيديكم و يعفو عن كثير

المسلم الذي يخالط الناس و يصبر على أذاهم خير من : النبي صلى اهللا عليه و سلم قال

[ المؤمن الذي ال يخالط الناس و ال يصبر على أذاهم

من يرد : قال رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم : و عن أبي هريرة رضي اهللا عنه ـ قال ]

رواه البخاري قوله يصب بفتح الصاد و كسرها] يصب منه اهللا به خيرا

هذه : أن رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم قسم ماال فقال بعض الناس [ و في الصحيح

رحم اهللا : قسمة ما أريد بها وجه اهللا فأخبر بذلك رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم فقال

[ أخي موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر

في : حدثنا الثوري عن سفيان العصفري عن سعيد بن جبير أنه قال : بد الرزاق و قال ع

لم : قال } يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر و الصالة إن اهللا مع الصابرين {قوله تعالى

يا أسفى {: يعط أحد غير هذه األمة الصبر أال تسمعون إلى قول يعقوب عليه السالم

{ على يوسف

حدثنا إسماعيل بن إبراهيم حدثنا عيينة بن عبد : يد بن منصور في سننه و روى سع

الرحمن عن أبيه أن ابن عباس ـ رضي اهللا عنهما ـ نعي إليه أخوه قثم و هو في سفر

فاسترجع ثم تنحى عن الطريق فأناخ ثم صلى ركعتين فأطال فيهما الجلوس ثم قام

الصبر و الصالة و إنها لكبيرة إال على و استعينوا ب{: يمشي إلى راحلته و هو يقول

{ الخاشعين

حدثني زيد بن علي أن ابن عباس كان في : حدثنا خالد بن صفوان قال : و قال هشيم

{: فعلنا كما أمرنا اهللا : مسير له فنعي إليه ابن له فنزل فصلى ركعتين ثم استرجع و قال


{ و استعينوا بالصبر و الصالة

روي عن أم كلثوم ـ و كانت من المهاجرات أنه لما غشي على : الجوزي و قال أبو الفرج بن

زوجها عبد الرحمن بن عوف ـ رضي اهللا عنه ـ خرجت إلى المسجد تستعين بما أمرت به

من الصبر و الصالة

: قال } و استعينوا بالصبر و الصالة {و حكى سعيد بن منصور عن الحجاج عن ابن جريج

مة اهللاإنهما معونتان على رح

دخلت على النبي صلى اهللا عليه و سلم و هو : و عن ـ ابن مسعود ـ رضي اهللا عنه قال ]

أجل إني أوعك كما يوعك الرجالن : يوعك فقلت يا رسول اهللا إنك توعك وعكا شديدا قال

أجل ذلك كذلك مامن مسلم يصيبه أذى شوكة فما : ذلك أن لك أجرين ؟ قال : منكم قلت

: رواه البخاري و مسلم و الوعك ] اهللا بها سيئاته كما تحط الشجرة ورقها فوقه إال كفر

الحمى: مغث الحمى و قيل

شكونا إلى رسول اهللا صلى اهللا عليه و : و عن خباب بن األرت ـ رضي اهللا عنه ـ قال ]

قد : أال تستنصر لنا ؟ أال تدعو لنا ؟ فقال : سلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة فقلنا

كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في األرض فيجعل فيها ثم يؤتى بالمنشار فيوضع

على رأسه فيجعل نصفين و يمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه و عظمه ما يصده ذلك

عن دينه و اهللا ليتمن اهللا هذا األمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ال يخاف إال

رواه البخاري] ه و لكنكم تستعجلون اهللا و الذئب على غنم

إن عظم الجزاء مع عظم البالء و : وفي الترمذي أن رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم قال ]

قال الترمذي ] إن اهللا إذا أحب قوما ابتالهم فمنرضي فله الرضى و من سخط فله السخط

حديث حسن:

حة ـ رضي اهللا عنه ـ يشتكي فخرج كان ابن ألبي طل: و عن أنس ـ رضي اهللا عنه ـ قال ]

ما فعل ابني ؟ قالت أم سليم ـ و هي أم : أبو طلحة فقبض الصبي فلما رجع أبو طلحة قال

هو أسكن ما كان فقدمت له العشاء فتعشى ثم أصاب منها فلما فرغ منها قالت : الصبي ـ

: م فأخبره فقال واروا الصبي فلما أصبح أبو طلحة أتى رسول اهللا صلى اهللا عليه و سل:

: اللهم بارك لهما فولدت غالما فقال لي أبو طلحة : قال ! نعم : أعرستم الليلة ؟ قال

أمعه شيء ؟ : احمله حتى تأتي به النبي صلى اهللا عليه و سلم و بعث معه تمرات فقال

نعم تمرات فأخذها النبي صلى اهللا عليه و سلم فمضغها ثم أخذها من فيه فجعلها : قال

قال : رواه البخاري و مسلم و في رواية البخاري ] في الصبي و حنكه و سماه عبد اهللا في

فرأيت تسعة أوالد كلهم قد قرأ القرآن ـ يعني من أوالد : فقال رجل من األنصار : ابن عيينة

عبد اهللا ـ


ال تحدثوا أبا : مات ابن ألبي طلحة من أم سليم فقالت ألهلها : وفي رواية لمسلم ]

لحة بابنه حتى أكون أنا أحدثه فجاء فقربت إليه عشاء فأكل و شرب ثم تصنعت له أحسن ط

يا أبا طلحة أ : ما كانت تصنع قبل ذلك فوقع بها فلما رأت أنه قد شبع و أصاب منها قالت

ال فقالت : رأيت لو أن قوما أعاروا عاريتهم أهل بيت فطلبوا عاريتهم ألهم أن يمنعوهم ؟ قال

فانطلق حتى ! تركتيني حتى إذا تلطخت ثم أخبرتيني ؟ : نك فغضب ثم قال احتسب اب

أتى رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم فأخبره بما كان فقال رسول اهللا صلى اهللا عليه و

و ذكر تمام الحديث و قد تقدم] فحملت : بارك اهللا في ليلتكما قال : سلم

مايزال : رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم قال: و عن أبي هريرة رضي اهللا عنه ـ قال ]

] البالء بالمؤمن و المؤمنة في نفسه وولده و ماله حتى يلقى اهللا تعالى و ما عليه خطيئة

حديث حسن صحيح: رواه الترمذي و قال

: قال رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم : و عن أنس بن مالك ـ رضي اهللا عنه ـ قال ]

لقيامة فيؤتى بأهل الصالة فيوفون أجورهم بالموازين ويؤتى بأهل تنصب الموازين يوم ا

الصيام فيوفون أجورهم بالموازين و يؤتى بأهل الصدقة فيوفون أجورهم بالموازين و يؤتى

بأهل الحج فيوفون أجورهم بالموازين و يؤتى بأهل البالء فال ينصب لهم ميزان و ال ينشر

إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير {غير حساب ثم قرأ لهم ديوان و يصب عليهم األجر صبا ب

حتى يتمنى أهل العافية في الدنيا أن أجسادهم تقرض بالمقاريض مما يذهب }حساب

رواه ابن منجويه في تفسيره] به أهل البالء من الفضل

من حديث عطاء بن يسار أن النبي صلى اهللا عليه و [ و روى مالك بن أنس في الموطأ

انظرا ماذا يقول لعواده ؟ فإن هو إذا : إذا مرض العبد بعث اهللا إليه ملكين فقال : سلم قال

لعبدي علي إن : جاؤوه حمد اهللا و أثنى عليه رفعا ذلك إلى اهللا ـ و اهللا أعلم ـ فيقول

توفيته أن أدخله الجنة وإن أنا شفيته أن أبدله لحما خيرا من لحمه و دما خيرا من دمه و أن

سيئاتهأكفر عنه ]


فصل ـ في كالم السلف في الصبر

صبر على المصيبة و صبر على : الصبر ثالثة : قال علي بن أبي طالب ـ رضي اهللا عنه ـ

الطاعة و صبر عن المعصية فمن صبر على المصيبة حتى يردها بحسن عزائها كتب له

عن المعصية كتب ثلثمائة درجة و من صبر على الطاعة كتب له ستمائة درجة و من صبر

له تسعمائة درجة

فالصبر على المصيبة حسن و أفضل منه الصبر عن : الصبر صبران : و قال ميمون بن مهران

المعصية

هو تجرع المرارة من غير تعبس: و قال الجنيد و قد سئل عن الصبر فقال

}ى الدار سالم عليكم بما صبرتم فنعم عقب{: في قوله تعالى : و قال الفضيل بن عياض

صبروا على ما أمروا به و صبروا عما نهوا عنه انتهى كالمه فكأنه ـ رحمه اهللا ـ : ثم قال

جعل الصبر عن المعصية داخال في قسم المأمور به

مرض أبو بكر فعادوه : حدثنا وكيع عن مالك بن مغول عن أبي السفر قال : قال اإلمام أحمد

: فأي شيء قال لك ؟ قال : قد رآني الطبيب قالوا : أال ندعو لك الطبيب ؟ فقال: فقالوا

إني فعال لما أريد

وجدنا : قال عمر بن الخطاب : حدثنا أبو معاوية حدثنا األعمش عن مجاهد قال : قال أحمد

أفضل عيش أدركناه بالصبر و لو أن الصبر كان من الرجال : خير عيشنا بالصبر و في رواية

كان كريما

أال إن الصبر من اإليمان بمنزلة الرأس من الجسد فإذا قطع : ي طالب و قال علي بن أب

أال إنه ال إيمان لمن ال صبر له: الرأس بار الجسد ثم رفع صوته فقال

الصبر كنز من كنوز الخير ال يعطيه اهللا إال لعبد كريم عنده: و قال الحسن

تزعها منه فعاضها مكانها الصبر إال ما أنعم اهللا على عبد نعمة فان: و قال عمر بن عبد العزيز

كان ما عوضه خيرا مما انتزعه منه

و اصبر لحكم {و قال بعض العارفين في رقعة يخرجها كل وقت فينظر فيها و فيها مكتوب

{ ربك فإنك بأعيننا

في غير جزع : } فصبر جميل {: و قال مجاهد في قوله تعالى

الرضا بالمصيبة و التسليم: قال } فصبر جميل {و قال عمروبن قيس

: ال شكوى فيه و قال همام عن قتادة في قول اهللا تعالى : } فصبر جميل {: و قال حسان

كظيم على الحزن فلم يقل إال خيرا و قال : قال } و ابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم {


كظيم الحزن: الصبور و قال الضحاك : الكظيم : الحسن

أخبرنا عبد اهللا بن لهيعة عن عطاء ابن دينار أن سعيد بن جبير : مبارك و قال عبد اهللا بن ال

الصبر اعتراف العبد هللا بما أصاب منهو احتسابه عند اهللا: قال

أن يكون : ما منتهى الصبر ؟ قال : سألت ربيعة بن أبي عبد الرحمن : قال يونس بن زيد

يوم تصيبه المصيبة مثله قبل أن تصيبه

أن يكون صاحب : قال } فاصبر صبرا جميال {: الحجاج في قوله تعالى و قال قيس بن

المصيبة في القوم ال يعرف من هو

خرجت أنا و صديق لي : قال األصمعي : و ذكر أبو الفرج بن الجوزي في عيون الحكايات

إلى البادية فضللنا الطريق فإذا نحن بخيمة عن يمين الطريق فقصدناها فسلمنا فإذا امرأة

قوم ضالون عن الطريق أتيناكم فأنسنا بكم فقالت : ما أنتم ؟ قلنا : رد علينا السالم قالت ت

يا هؤالء و لو وجوهكم عني حتى أقضي من حقكم ما أنتم له أهل ففعلنا فألقت لنا :

اجلسوا عليه إلى أن يأتي ابني ثم جعلت ترفع طرف الخيمة و تردها إلى : مسحا فقالت

أسأل اهللا بركة المقبل أما البعير فبعير ابني و أما الراكب فليس بابني :أن رفعتها فقالت

مات ابني ! ويحك : يا أم عقيل أعظم اهللا أجرك في عقيل قالت : فوقف الراكب عليها فقال

: ازدحمت عليه اإلبل فرمت به في البئر فقالت : و ما سبب موته ؟ قال : نعم قالت : ؟ قال

و دفعت إليه كبشا فذبحه و أصلحه و قرب إلينا الطعام فجعلنا نأكل و انزل فاقض ذمام القوم

يا هؤالء هل فيكم من أحد : نتعجب من صبرها فلما فرغنا خرجت إلينا و قد تكورت فقالت

: اقرأ من كتاب اهللا آيات أتعزى بها قلت : نعم قالت : يحسن من كتاب اهللا شيئا ؟ قلت

الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا هللا وإنا * بشر الصابرين و{: يقول اهللا عز وجل في كتابه

آهللا إنها : قالت }أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون * إليه راجعون

السالم عليكم ثم : قالت ! آهللا إنها لفي كتاب اهللا هكذا : لفي كتاب اهللا هكذا ؟ قلت

عند اهللا أحتسب عقيال } إنا هللا و إنا إليه راجعون {: صفت قدميها وصلت ركعات ثم قالت

تقول ذلك ثالثا اللهم إني فعلت ما أمرتني به فأنجز لي ما وعدتني


في غيرهافي أن الشخص ال يستغني عن الصبر ال في المصيبة و ال: الباب الثامن عشر

ر التكليف و األقالم اعلم ـ رحمك اهللا ـ أن الشخص البالغ العاقل المسلم ما دام في دا

جارية عليه ال يستغني عن الصبر في حالة من األحوال فإنه بين أمر يجب عليه امتثاله و

الصبر ال بد منه قوال و فعال و بين نهي يجب عليه اجتنابه و تركه و بين قضاء و قدر يجب

كانت هذه عليه الصبر فيهما و بين نعمة يجب عليه شكر المنعم عليها و الصبر عليه و إذا

األحوال ال تفارقه فالصبر ال زم له إلى الممات

النعم يجب الصبر عليه ؟: فإن قيل

فأما اإلنسان إذا ما ابتاله ربه فأكرمه و نعمه {: نعم ألنها من االبتالء كما قال تعالى : قيل

ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين{: و قال تعالى }فيقول ربي أكرمن

* وأما إذا ما ابتاله فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن {: و في اآلية األخرى }ونبلو أخباركم

أي ليس األمر كذلك و إنما اهللا تعالى يبتلي عباده بالغنى و الفقر فينظر من هو }كال

المجاهد الشاكر الصابر على ما ابتاله به كما يبتلي عباده بالمصائب و األسقام تطهيرا لهم

من الذنوب و اآلثام


في الحاالت التي يحتاج فيها العبد إلى الصبر: فصل

: و يحتاج العبد إلى الصبر في ثالثة أحوال

قبل الشروع في العبادات بتصحيح النية و اإلخالص و عقد العزم على توفية : أحدهما

المأمور به و تجنب دواعي الرياء و السمعة

حال العمل فيالزم الصبر عند دواعي التقصير فيه و التفريط و يالزم الصبر: و الحالة الثانية

على استصحاب ذكر النية و حضور القلب بين يدي المعبود و هو محتاج إلى الصبر توفية

أركانها و شروطها و واجباتها و سننها

ل قال تعالى الصبر بعد الفراغ من العمل فيحذر من اإلتيان بما يبطله كما قا: و الحالة الثالثة

فالصبر على محافظتها بعد الفراغ أنفع ما للعبد هذا } ال تبطلوا صدقاتكم بالمن واألذى {:

معنى ما ذكره الشيخ اإلسالم ابن تيمية

و كل ما يلقى العبد في هذه الدار ال يخلو من نوعين: و قال العالمة ابن اليقيم :

أحدهما ـ موافق هواه و مراده

فه و هو محتاج إلى الصبر في كل منهماو الثاني ـ يخال

أما النوع الموافق لغرضه فكالصحة و السالمة و الجاه و المال وأنواع المالذ المباحة و هو

: أحوج شيء إلى الصبر فيهامن وجوه

أحدهما ـ أن ال يركن إليها و ال يغتر بها و ال يحمله عليه البطر و األشر و الفرح المذموم

أهلهالذي ال يحب اهللا

الثاني ـ أن ال ينهمك في نيلها و ال يبالغ في استقصائها فإنها تنقلب إلى أضدادها فمن

يبالغ في األكل و الشرب و الجماع انقلب ذلك ضده و حرم األكل و الشرب و الجماع

الثالث أن يصبر على أداء حق اهللا فيها و ال يضيعه فيسلبها

ال يمكن نفسه من كل ما تريده منها فإنها توقعه الرابع ـ أن يصبر عن صرفها في الحرام ف

في الحرام فإذا احترز أوقعته في المكروه و ال يصبر على السراء إال الصديقون

البالء يصبر عليه المؤمن و الكافر و ال يصبر على العافية إال صديق: قال بعض السلف

يها ألن النفس بطبعها تنفر عن فأما الطاعة فالعبد يحتاج إلى الصبر عل: و أما النوع الثاني

كثير من العبادات إال من وفقه اهللا و تبين ذلك بالصالة طبع النفس فيها الكسل و إيثار

الراحة و الزكاة فطبع النفس فيها الشح و البخل و أما الصوم فطبع النفس بمحبة الفطر و

أعلمعدم الجوع و على هذا فقس فهو محتاج إلى الصبر في جميع ذلك و اهللا

ابتلينا بالضراء فصبرنا وابتلينا : و من هذا الباب قول عبد الرحمن بن عوف رضي اهللا عنه


بالسراء فلم نصبر


في مشقة الصبر على السراء أيضا: فصل

و إنما كان الصبر على السراء شديدا مشقا على النفس ألنه مقرون بالقدرة على ما

ع عند عدم الطعام أقدر منه على الصبر عند حضوره و تشتهيه النفس و تميل إليه ألن الجائ

كذلك الشبق عند غير المرأة أصبر منه عندحضورها و كذلك العطشان الشديد العطش عند

عدم الماء أصبر منه عند وجوده


فصل ـ في التحذير من فتنة المال و األزواج و األوالد

كتابه العزيز من فتنة المال و من فتنة و قد حذر اهللا سبحانه و تعالى عباده المؤمنين في

يا أيها الذين آمنوا ال تلهكم أموالكم و ال أوالدكم {: األزواج و من فتنة األوالد فقال تعالى

يا أيها الذين {: و قال تعالى } إنما أموالكم و أوالدكم فتنة {: و قال تعالى }عن ذكر اهللا

و ليس المراد من هذه العداوة ما } فاحذروهم آمنوا إن من أزواجكم وأوالدكم عدوا لكم

يفهمه كثير من الناس أنها عداوة البغضاء و المجادلة بل عداوة المحبة الصادة لآلباء عن

الهجرة و الجهاد و تعليم العلم و غير ذلك من أعمال البر هذا معنى ما ذكره العالمة ابن

القيم

ة فقد أمن فتنة المال فإنه قادر على فعل أنه من صبر في السراء عن المعصي: فالمقصود

المعصية و بذل المال فلهذا كان له الثواب الجزيل و الفضل العظيم و كذلك من صبر على

تربية األوالد و أذى بعض الزوجات كان له الدرجات العاليات فإنه ليس كل زوجة و ولد منهم

أذى

يا أيها الذين آمنوا إن من {: لى قال تعا: قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ـ رحمه اهللا ـ

: من هنا للتبعيض باتفاق الناس و المعنى : فإن }أزواجكم و أوالدكم عدوا لكم فاحذروهم

إن من األزواج و األوالد عدوا ليس المراد أن كل زوج و ولد عدو فإن هذا ليس هو مدلول

: إنهم يقولون : الرحمن اللفظ و هو باطل في نفسه فإنه سبحانه و تعالى قد قال عن عباد

فسألوا اهللا أن يهب لهم من أزواجهم و } ربنا هب لنا من أزواجنا و ذرياتنا قرة أعين {

أوالدهم قرة أعين فلو كان كل زوج و ولد عدوا لم يكن فيهم قرة أعين فإن العدو ال يكون قرة

راهيم و يحيى عين بل سخنة عين و أيضا فإنه من المعلوم أن إسماعيل و إسحاق ابني إب

بن زكريا و أمثالهم ليسوا أعداء

إنها زائدة غلط لوجوه: و قول من قال :

أنها ال تزاد في اإلثبات و إنما تزاد في : أحدهما ـ أن مذهب سيبويه و جمهور أئمة النحاة

د و ما من إله إال إله واح{ } و ما من إله إال اهللا {: النفي تحقيقا لعموم النفي لقوله تعالى

من لكان الكالم : و نحو ذلك فإنه لوال } و ما من دابة في األرض إال على اهللا رزقها { }

: فإذا أدخلت من فقلت : ظاهرا في العموم فإنه يجوز أن يقول ما رأيت رجال بل رأيت رجلين

ما رأيت من رجل بل رجلين مع أن : ما رأيت من رجل كان نعتا في العموم فال يجوز أن يقال

كرة في سياق النفي العموم مطلقا لكن قد يكون نصا و قد يكون ظاهرا فإذا كانت ظاهرا الن

احتملت نفي الواحد من الجنس بخالف النص و هذا الموضع إثبات ال نفي فال تزاد فيه


الثاني ـ أن من جوز زيادتها في اإلثبات ـ كاألخفش ـ ال يجوزه إال إذا كان في الكالم ما يدل

إن من هؤالء القوم مسلمين و أراد أن جميعهم مسلمون لم يجز : لو قال قائل عليه و إال ف

ذلك باالتفاق

الثالث إذا قيل بزيادتها كان المعنى باطال

الرابع ـ الزيادة على خالف األصل فال يجوز ادعاؤها بغير دليل انتهى كالمه

و هذه فائدة عارضة ذكرتها على سبيل التنبيه لوقوع ناس كثر فيها

أن العبد ال يستغني عن الصبر في حالة من األحوال و يكفي من فضل الصبر : و المقصود

أن اهللا تعالى وصف نفسه به كما في

ليس أحد ـ أو ليس شيء ـ : حديث أبي موسى أن النبي صلى اهللا عليه و سلم قال ]

رواه ] زقهم أصبر على أذى سمعه من اهللا تعالى إنهم يدعون له ولدا و إنه ليعافيهم و ير

البخاري

وصف اهللا تعالى بالصبر إنما هو بمعنى الحلم و معنى وصفه : قال القرطبي في تفسيره

تعالى بالحلم هو تأخير العقوبة عن المستحقين لها و وصفه تعالى بالصبر لم يرد في

تهى ابن فورك ان: التنزيل و إنما ورد في الحديث و تأوله أهل السنة على تأويل الحلم قاله

و قد : قلت } يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر و الصالة {: كالمه و ذكر عند قوله تعالى

جاء في أسمائه الحسنى الصبور و جاء في أسمائه الحليم فلو كان الصبور بمعنى الحليم

كان االسمان الشريفان مترادفين و األصل في األسماء التغابر و اهللا أعلم


في أن الصبر من أشق األشياء على النفوس: سع الباب التا

: و هذا الباب ينقسم فيه الصبر إلى قسمين

أحدهما ـ بحسب قوة الداعي إلى الفعل

الثاني ـ بسهولته على العبد

فإذا اجتمع في الفعل هذان األمران كان الصبر عنه أشق و إن فقدا ـ معا ـ يعني قوة

إن وجد أحدهما و فقد اآلخر سهل الصبر من وجه الداعي و سهولته ـ سهل الصبر عنه و

دون آخر فمن ال داعي له إلى قتل النفس و السرقة و شرب الخمر و أكل الحشيشة و

أنواع الفواحش و ال هو سهل عليه فصبره عنه من أيسر شيء و أسهله و من اشتد داعيه

السلطان عن إلى ذلك و سهل عليه فعله فصبره عنه أشق شيء عليه و لهذا كان صبر

الظلم و صبر الشباب عن الفاحشة و صبر الغني عن تناول اللذات و الشهوات منزلتهم عند

اهللا منزلة عظيمة عالية منيعة ال يصل إليها إال من صبر مثل صبرهم و كذلك من صبر على

موت أوالده و أبويه و أقاربه و أصحابه و نحوهم و هو مع ذلك صابر محتسب يأمر أهله

ر و ينهاهم عن لطم الخدود و شق الجيوب و عن كالم ما ال يجوز لهم شرعا هذا له بالصب

من الثواب الجزيل و األجر العظيم ما ال يعلمه إال اهللا فالعبد إذا ذاق لذة المعصية ثم تاب و

صبر عنها كانت توبته توبة صادقة

ثم إنه خالع وشرب و لقد بلغني عمن أعرفه أنه تاب عن الخمر و حلف بالطالق ال يشربه

ولقد رأيت جماعة منهم ممن حلف بالطالق الثالث ال يلعب بالشنطرنج و تاب منه و مع

ذلك يعلم أن أكثر العلماء قالوا بتحريمه و إنه يصد عن ذكر اهللا و عن الصالة و أنه يحصل

عليه من الحلف الكاذبه و الفحش ما هو معروف مشهور و مع ذلك منهم من خالع و لعب و

منهم من لعب و وقع عليه الطالق الثالث بعد التوبة و الحلف فالصبر المستمر مع القدرة

من غير خوف على جاهه أو ماله أو عرضه صبر على المعاصي و مواظيته على ما أمره اهللا

تعالى به صبر على الطاعات فإذا فعل ذلك ابتغاء وجه اهللا تعالى ثوابه أن يوفى أجره بغير

حساب

عجب ربك من : روى اإلمام أحمد في مسنده أن النبي صلى اهللا عليه و سلم قال ولهذا ]

[ شاب ليست له صبوة

سبعة يظلهم اهللا في : من أبي هريرة أن النبي صلى اهللا عليه و سلم قال [ وفي الصحيح

إمام عادل و شاب نشأ في عبادة اهللا و رجل قلبه معلق : ظل عرشه يوم ال ظل إال ظله

د و رجالن تحابا في اهللا اجتمعا عليه و تفرقا عليه و رجل دعته امرأة ذات منصب و بالمساج


إني أخاف اهللا رب العالمين و رجل تصدق بصدقة فأخفاه حتى ال تعلم شماله : جمال فقال

[ ما أنفقت يمينه و رجل ذكر اهللا خاليا ففاضت عيناه

برهم و مشقته على نفوسهم و لذلك استحق هؤالء السبعة أن يظلهم في ظله لكمال ص

فصبر الملك على العدل مع قدرته على الظلم و االنتقام من رعيته و صبر الشاب على

عبادة اهللا و مخالفة هواه و صبر الرجل على مالزمة المسجد و صبر المتصدق على إخفاء

الصدقة حتى عن شماله مع قدرته على الرياء و صبر المدعو إلى الفاحشة مع جمال

عي و صبرالمتحابين في اهللا في اجتماعهما و انفرادهما و صبر الباكي من خشية اهللا الدا

على كتمان ذلك عن الناس فهذه األمور فيها مشقة على النفوس فالصبر عليها بتوفيق اهللا

و فضله و إحسانه إلى عبده صبر عظيم جميل


في عقوبة من لم يصبر مع تمكنه من الصبر: فصل

الداعي في حق بعض الناس ضعيفا ولم يصبروا مع تمكنهم من الصبر كان و لما كان

عقوبتهم عند اهللا تعالى أشد من عقوبة غيرهم كالشيخ الزاني و الملك الكذاب و الفقير

المختال و إنما كانوا أشد عقوبة من غيرهم لسهولة التصبر عن هذه المحرمات عليهم و

بر عنها دليال على تمردهم على اهللا تعالى و لضعف دواعيها في حقهم فكان تركهم الص

عتوهم عليه و لهذا كان الصبر على معاصي اللسان و الفرج من أشق أنواع الصبر لشدة

الداعي إليهما و سهولتهما فإن معاصي اللسان فاكهة اإلنسان لسرعة حركته وسهولة

إطالقه

اس في النار على وجوههم ـ و هل يكب الن: أن النبي صلى اهللا عليه و سلم قال [ و ثبت

[ ! أو على مناخرهم ـ إال حصائد ألستنهم ؟

من كان يؤمن باهللا و : لهذا قال النبي صلى اهللا عليه و سلم [ فيجب لجامه بلجام الشرع

[ اليوم اآلخر فليقل خيرا أو ليصمت

فإن اللسان رحب الميدان في الخير و الشر فمن أطلقه و لم يضبطه بالشرع سلك به

الشيطان في المهالك و كبه في النار عند مالك فالكمال إمساكه مطلقا عن فضول الكالم

إال في خير و ما ال بد منه فإن اللسان ال تؤمن غائلته و خطره عظيم و لسهولة حركته و

: سرعة إطالقه قد بلي أكثر الناس في زماننا بآفاته التي هي فاكهة و سرور مجالسهم

و الكذب و المراء و الجدال و الخوض في الباطل و الخصومات و فضول كالغيبة و النميمة

الكالم و التحريف و الزيادة و النقصان و تزكية النفس تفريحا وتعرضا وحكاية كالم الناس

والطعن على ما يبغضه وتزكية من يحبه و هتك المستورات و نحو ذلك فيتفق قوة الداعي و

: لهذا قال النبي صلى اهللا عليه و سلم لمعاذ [ سرعة حركة اللسان فيضعف الصبر و

و قد تقدم الحديث] أمسك عليك لسانك

فإذا صارت هذه اآلفات التي ذكرناها للسان عادة و سجية فإنه يشق على العبد الصبر

عنها إال من عصمه اهللا فآفات اللسان مهلكة و لها حالوة في القلب و عليها بواعث من

مة منهاالطبع نسأل اهللا السال

لهذا نجد كثيرا من المتفقهة و غيرهم ممن ينتسب إلى الورع يتورع من استناده إلى

مخدة من الحرير أو من قعوده على بساط حرير أو من شربه من قدح زجاج مموه بالذهب أو

الجلوس لحظة واحدة في فرح و غيره مع ما فيه من الخالف و ال يتورع من إطالق لسانه

الذنوب كالغيبة و النميمة و التفكه في أعراض الخلقفي الكبائر من


و كذا إذا وقع الكالم في تفسير كالم اهللا أو في مسند رسول اهللا أطلق لسانه فيهما بغير

و ال تقف ما ليس لك به علم إن السمع و البصر و الفؤاد كل {: علم مع علمه بقوله تعالى

{ أولئك كان عنه مسؤوال

عن الحبة من الحرام بل عن الفلس المحرم و عن القطرة من الخمر و ثم أيضا ممن يتورع

يتحرز عن مثل رأس اإلبرة من النجاسة و ال يبالي بارتكاب الفرج المحرم سواء كان صبيا أو

يا هذه غطي وجهك : أن رجال خال بامرأة أجنبية فلما أراد جماعها قال : امرأة كما يحكى

امفإن النظر إلى وجه األجنبية حر

أن الصبر على األشياء الذي اعتادها اإلنسان و ورد الشرع بذمها من أشق : و المقصود

األشياء على النفوس إال من وفقه اهللا لذلك


في عالمات الصبر و رضا النفس عن قضاء اهللا تعالى: فصل

ومن عالمات الصبر عدم مشقته على النفس عند ورود المصائب وكف الكف عن تمزيق

ياب و لطم الخدود و حبس اللسان عن االعتراض على المقادير و التسخط و االمتناع من الث

كل شيء يوجب إظهاره حتى إن السلف كرهوا األنين

العاقل يفعل أول يوم ما يفعله الجاهل بعد خمسة أيام: قال الحكماء

سابا و إال إنك إن صبرت إيمانا و احت: و قد قال عليه الصالة والسالم لألشعث بن قيس

سلوت كما تسلو البهائم

في الرضا بالمصيبة: االباب العشرون

اعلم ـ رحمك اهللا ـ أن الرضا بالمصائب أشق على النفوس من الصبر و قد تقدم أن الصبر

أن النبي صلى اهللا عليه و سلم [ من أشق األشياء على النفوس و في جامع الترمذي

فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخطإذا أحب اهللا قوما ابتالهم: قال ]

و قد تنازع العلماء و المشايخ من أصحاب اإلمام أحمد و غيرهم في الرضا بالقضاء هل هو

واجب ؟ أو مستحب ؟ على قولين فعلى األول يكون من أعمال المقتصدين و على الثاني

يصبر على المصيبة و ال يكون من أعمال المقربين ذكره شيخ اإلسالم ابن تيمية فالعبد قد

يرضى بها فالرضا أعلى من مقام الصبر لكن الصبر اتفقوا على وجوبه و الرضا اختلفوا على

وجوبه و الشكر أعلى من مقام الرضا فإنه يشهد المصيبة نعمة فيشكر المبلي عليها

الصبر أما الرضا فمنزلة عزيزة أو منيعة و لكن قد جعل اهللا في : قال عمر بن عبد العزيز

معوال حسنا

قال : حدثنا زهير بن عباد عن السري ابن حيان قال : و قال محمد بن إدريس الشافعي

الرضا باب اهللا األعظم و جنة الدنيا و سراج العابدين: عبد الواحد بن زيد

سمعت : عن أبي موسى األشعري ـ رضي اهللا عنه ـ قال [ و روى ابن أبي الدنيا بإسناده

فهذا الحديث فيه بشارة عظيمة ] الصبر رضا : ى اهللا عليه و سلم يقول رسول اهللا صل

ألهل المصائب إذ سمى الصبر رضا

دخلت على أبي الدرداء في اليوم الذي : و بإسناده أيضا إلى أبي مسلم قال أبو مسلم

أجل : قبض فيه و كان عندهم في العز كأنفسهم فجعل أبو مسلم يكبر فقال أبو الدرداء

فقولوا فإن اهللا إذا قضى بقضاء أحب أن يرضى بهفهكذا


قال علقمة بن أبي } و من يؤمن باهللا يهد قلبه {: و ذكر ابن أبي الدنيا في قوله تعالى

هي المصيبة تصيب الرجل فيعلم أنها من عند اهللا و يسلم لها و يرضى: وقاص

عامري حدثنا أبوه بدر حدثنا حدثنا الحسين حدثنا عبد اهللا حدثنا علي بن الحسن ال: و قال

إن الراضين بقضاء اهللا الذين ما قضى اهللا : بلغنا أن أم الدرداء كانت تقول : عمر بن ذر قال

لهم رضوا به لهم في الجنة منازل يغبطهم بها الشهداء يوم القيامة

ه كان فيما أوحى اهللا تعالى إلى داود علي: و بهذا اإلسناد عن سليمان بن المغيرة قال

السالم إنك لن تلقاني بعمل هو أرضى لي عنك و ال أحط لوزرك من الرضا بقضائي و لن

تلقاني بعمل هو أعظم لوزرك و ال أشد لسخطي عليك من البطر فإياك يا داود و البطر

: سمعت أبا سليمان الداراني يقول : سمعت ابن أبي الحواري يقول : و قال الشافعي

ضا طرفا لو أدخلني النار لكنت بذلك راضياأرجو أن أكون رزقت من الر

: نظر علي بن أبي طالب ـ رضي اهللا عنه ـ إلى عدي بن حاتم كئيبا فقال : و قال ابن زيد

فقال ! و ما يمنعني و قد قتل أبنائي و فقئت عيني ؟ : يا عدي مالي أراك كئيبا حزينا ؟ قال

بقضاء اهللا حبط عمله ذكره ابن أبي يا عدي من رضي بقضاء اهللا كان له أجر و من لم يرض

الدنيا

من وهب له الرضا فقد بلغ أقصى الدرجات: و قال أبو عبد اهللا البراثي

إن نفور : غالب الناس يصبرون و ال يرضون فكيف يتصور الرضى بالمكروه ؟ يقال : فإن قيل

رهنا المقتضىالطبع عن المصائب ال ينافي رضا القلب بالمقدور فإنا نرضى القضاء و إن ك !

أتبكي و قد استشهد ؟ : فبكى فقيل له ! قتل و لدك في سبيل اهللا : قيل لبعض الصالحين

إنما أبكي كيف كان رضاه عن اهللا عز و جل حين أخذته السيوف: فقال !

اللهم لو : و ذكر أبو الفرج بن الجوزي بسنده عن عمار بن ياسر ـ رضي اهللا عنه ـ أنه قال

ى لك أن أوقد نارا عظيمة فأقع فيها لفعلت و لو أعلم أنه أرضى لك عني أن أعلم أنه أرض

ألقي نفسي في الماء فأغرق لفعلت

} و بشر المخبتين {: في قوله تعالى : و عن مصعب بن ماهان عن سفيان الثوري قال

المطمئنين الراضين بقضائه المستسلمين له: قال


: فصل ي الرضا في أقوال السلف و الخلف ف

و قد أطنب الناس ـ من السلف و الخلف ـ في الرضا و بسطوا القول فيه و اعتنوا به و هذا

يدل على علو منزلته

فلنحيينه {: في قوله تعالى : سمعت أبا معاوية األسود يقول : قال عمرو بن أسلم العابد

الرضا و القناعة: قال }حياة طيبة

جلساء : رفعه إلى النبي صلى اهللا عليه و سلم قال [و ذكر ابن أبي الدنيا بإسناده

الخائفون الراضون المتواضعون الشاكرون الذاكرون: الرحمن تبارك وتعالى يوم القيامة ]

الذي : أي رب أي خلقك أعظم ذنبا ؟ قال : وبإسناده إلى محمد بن كعب رفعه أنه قال

يستجيرني و ال يرضى بقضائينعم الذي: قال ! رب و هل يتهمك أحد ؟ : يتهمني قال

بلغني أن أبا الدراء دخل على رجل و هو يموت و هو يحمد اهللا تعالى : قال مالك بن أنس

أصبت إن اهللا تعالى إذا قضى أحب أن يرضى به: فقال أبو الدراء

أرض بقضاء اهللا على ما كان من عسر : و روى ابن أبي الدنيا بإسناده عن ابن عون أنه قال

فإن ذلك أقل لغمك و أبلغ فيما تطلب من أمر آخرتك و اعلم أن العبد لن يصيب و يسر

حقيقة الرضا حتى يكون رضاه عند الفقر و البالء كرضاه عند الغنى و الرخاء كيف تستقضي

و لعل ما هويت من ذلك لو وفق ! اهللا في أمرك ثم تسخط إن رأيت قضاءه مخالفا لهواك ؟

قضاءه إذا وافق هواك و ذلك لقلة علمك بالغيب وكيف لك لكان فيه هلكك و ترضى

! ! تستقضيه ؟ إن كنت كذلك ما أنصفت من نفسك و ال أصبت باب الرضا

: حدثنا الحسين ثنا عبد اهللا حدثني المروزي قال : و روى أبو بكر بن أبي الدنيا أيضا قال

اتت امرأته فسألته ما كنت عند عبد اهللا بن المبارك بالكوفة حين م: قال حفص بن حميد

الرضا أن ال يتمنى خالف حاله فجاء أبو بكر بن عياش فعزى ابن المبارك ـ قال : الرضا ؟ قال

من لم يتكلم بغير : سله عما كنا فيه فسألته فقال : ولم أعرفه ـ فقال عبد اهللا : حفص

ال قادم ذاك للخواص ثم ق: و سألت الفضيل بن عياض فقال : الرضا فهو راض قال حفص

الذي ال يحب أن : من الراضي عن اهللا ؟ قال : قلت للفضيل بن عياش : الديلمي العابد قال

يكون على غير منزلته التي جعل فيها

لم يرد اآلخرة أرفع درجات من الراضين عن اهللا عز وجل على : و قال أبو عبد اهللا البراثي

كل حال

إن أحبه إلي أحبه : ه الذي مات فيه فقال دخلت على أبي العالية في مرض: و قال سيار

إلى اهللا عز وجل


{: في قوله تعالى : سمعت أبا معاوية األسود يقول : و قال عمرو بن أسلم العابد

الرضا و القناعة: قال }فلنحيينه حياة طيبة

ذكرهن ابن أبي الدنيا في كتاب الرضا ثم ذكر عن مصعب بن ماهان عن سفيان الثوري قال

المطمئنين الراضين بقضائه المستسلمين له: قال } وبشر المخبتين {: قوله تعالى في

يا داود هل تدري أي الفقراء : وجدت في زبور داود عليه السالم : و عن وهب بن منبه قال

أفضل ؟ الذين يرضون بحلمي و بقسمي و يحمدوني على ما أنعمت عليهم هل تدري يا

ي منزلة ؟ الذي هو بما أعطي أشد فرحا بما حبسداود أي المؤمنين أعظم عند

و روى اإلمام أحمد في كتاب الزهد عن زياد ابن أبي حسان أنه شهد عمر بن عبد العزيز ـ

و اهللا يا : رحمة اهللا عليه ـ حين دفن ابنه عبد الملك استوى قائما و أحاط به الناس فقال

اهللا لي مسرورا بك و ال و اهللا ما كنت قط بني لقد كنت بارا بأبيك و اهللا ما زلت منذ وهبك

أشد سرورا و ال أرجى لحظي من اهللا فيك منذ وضعك اهللا في المنزل الذي صيرك إليه

فرحمك اهللا و غفر لك ذنبك و جزاك بأحسن عملك و رحم كل شافع يشفع لك بخير شاهد

انصرفو غائب رضينا بقضاء اهللا و سلمنا ألمره و الحمد هللا رب العالمين ثم

: في الموت قال : كيف تجدك ؟ قال : قال عمر بن عبد العزيز البنه : و قال سفيان الثوري

ألن تكون في ميزاني أحب إلي من أن أكون في ميزانك فقال و اهللا يا أبه ألن يكون ما تحب

أحب إلي من أن يكون ما أحب

دخلنا على : حوص قال حدثني األ: و روى اإلمام أحمد في الزهد بإسناده عن الحسن قال

ابن مسعود ـ رضي اهللا عنه ـ و عنده بنون له ثالثة كأنهم الدنانير حسنا فجعلنا نتعجب من

أي و اهللا لمثل هؤالء يغبط المسلم فرفع : حسنهم فقال لنا كأنكم يغبطونني بهم ؟ قلنا

و الذي نفسي بيده: رأسه إلى سقف بيت له صغير قد عشش فيه خطاف و باض فقال

ألن أكون نفضت يدي عن تراب قبورهم أحب إلي من أن يسقط عش هذا الخطاف و ينكسر

بيضه

و بإسناده عن علي بن أبي طالب ـ رضي اهللا عنه ـ أنه قال يوم مات أبو بكر الصديق ـ

رضينا عن اهللا قضاءه و سلمنا له أمره إنا هللا و إنا إليه راجعون: رضي اهللا عنه ـ


ه رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم ألهل المصيبة و ما نهى عنهفصل ـ فيما سن

قد تقدم ما سنه رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم ألهل المصيبة و ما نهى عنه و مما

تدمع : و كان يفعل ذلك و يقول [ سنه الخشوع و البكاء الذي ال صوت معه و حزن القلب

و كذلك الحمد و االسترجاع و قد تقدم] لرب العين و يحزن القلب و ال نقول إال ما يرضي ا

الرضا عن اهللا في المصيبة و غيرها و لم يكن ذلك منافيا لدمع العين و حزن : و من سنته

القلب

عن أبي [ و أشد الناس حرصا على رضى موالهم األنبياء فقد روى ابن أبي الدنيا بإسناده

إنا معشر األنبياء يضاعف : سلم قال هريرة رضي اهللا عنه ـ أن النبي صلى اهللا عليه و

أفعجبتم ؟ إن أشد الناس بالء األنبياء و : قال ! فقلنا سبحان اهللا : علينا البالء تضعيفا قال

أفعجبتم ؟ إن كان النبي من األنبياء : قال ! الصالحون األمثل فاألمثل قلنا سبحان اهللا

أفعجبتم ؟ إن كانوا : قال ! ن اهللا سبحا: ليتدرع العباءة من الحاجة ال يجد غيرها قلنا

و لهذا كان أرضاهم و أرضى الخلق عن اهللا نبينا ] ليفرحون بالبالء كما تفرحون بالرخاء

محمد صلى اهللا عليه و سلم في قضائه و قدره و أعظمهم له حمدا و لم يمكنني حصر ما

ـ عليه السالم ـ رأفة وقع له في ذلك لكثرته و شهرته و مع ذلك بكى يوم مات ابنه إبراهيم

و رحمة منه للولد و رقة عليه و قلبه صلى اهللا عليه و سلم ممتلئ بالرضا عن اهللا تعالى و

شكره له و اللسان مشتغل بحمده و ذكره

و لما ضاق هذا المشهد و الجمع بين األمرين ـ يعني رحمة الولد و الرقة عليه و الرضا عن

تضحك : من السلف يوم مات ولده جعل يضحك فقيل له اهللا تعالى ـ على أن بعض العارفين

إن اهللا تعالى قضى بقضاء فأحببت أن أرضى بقضائه: في مثل هذه الحال ؟ فقال

كيف يبكي رسول : فأشكل هذا على جماعة من العلماء و أرباب األحوال و التصوف و قالوا

خلق عن اهللا و يبلغ الرضا رب العالمين صلى اهللا عليه و سلم يوم مات ولده و هو أرضى ال

! بهذا العارف إلى أن ضحك يوم مات ولده ؟

هدي نبينا صلى اهللا عليه و سلم أكمل من هدي هذا : قال شيخ اإلسالم ابن تيمية

العارف فإنه أعطى صلى اهللا عليه و سلم العبودية حقها فاتسع قلبه للرضا عن اهللا و رحمة

عنه في قضائه و بكى رحمة و رقة فحملته الرحمة الولد و الرقة عليه فحمد اهللا و رضي

على البكاء و عبوديته هللا و محبته له على الرضا و الحمد و هذا العارف ضاق قلبه عن

اجتماع األمرين و لم يتسع باطنه لشهودهما و القيام بهما فشغلته عبودية الرضا عن

عبودية الرحمة و الرقة و اهللا تعالى أعلم انتهى


يؤيد ما ذكره الشيخ ـ رحمه اهللا ـ قصة نبي اهللا يعقوب إسرائيل عليه السالم إذ قلت و ما

إنما أشكو { و } فصبر جميل {: حكى اهللا تعالى عنه أنه ابيضت عيناه من الحزن و قال

فمشهده أوسع من مشهد هذا العارف بل نبي اهللا يعقوب أبلغ من }بثي و حزني إلى اهللا

ان له عدة من الولد و مع هذا فهذه الرقة و الرحمة التي عنده مع هذا العارف فإن يعقوب ك

و } إنما أشكو بثي و حزني إلى اهللا {: الرضا الكامل و استعمل الرضا و التفويض في قوله

فطريقة يعقوب عليه السالم } و ابيضت عيناه من الحزن {استعمل الرقة و الرحمة عند

أوالد يعقوب و هذه رحمته و رقته و أما هذا العارف ـ أفضل من طريقة هذا العارف مع كثرة

على ما قيل ـ لم يكن له ولد سواه

أن صلة بن أشيم كان في : و روى اإلمام أحمد في كتاب الزهد بإسناده عن ثابت البناني

أي بني تقدم فقاتل حتى أحتسبك فجاء فقاتل حتى قتل : مغزى له و معه ابنه فقال له

مرحبا إن كنتن جئتن : فاجتمعت النساء عند أمه معاذة العدوية فقالت ثم تقدم أبوه فقتل

لتهنئنني مرحبا بكن و إن كنتن جئتن لغير ذلك فارجعن

إنا لمتوجهون إلى همذان و معنا رجل من : قال أبو جحيفة : و ذكر أبو الفرج بن الجوزي

الرحل فلوددت أنه كان ال ولكن تركت ابني في: أجزع هذا ؟ قال : األزد فجعل يبكي فقلت

معي فدخلنا الجنة جميعا


فصل ـ في تحقيق الرضا و أنه من عمل القلب

الرضا من أعمال القلوب لكن و إن كان من أعمال القلوب فكماله هو الحمد حتى إن بعضهم

حمد هللا على كل حال و ذلك يتضمن : فسر الحمد بالرضا و لهذا جاء في الكتاب و السنة

قضائهالرضا ب

أول من يدعى إلى الجنة الحمادون الذين يحمدون اهللا في السراء و : و في الحديث ]

[ الضراء

الحمد : و في الحديث مرفوعا أن النبي صلى اهللا عليه و سلم كان إذا أتاه أمر يسره قال ]

الحمد هللا على كل حال: هللا الذي بنعمته تتم الصالحات و إذا أتاه أمر يسوؤه قال ]

من حديث أبي موسى األشعري أن النبي صلى اهللا [ قد تقدم في مسند اإلمام أحمد و

أقبضتم ولد عبدي ؟ فيقولون : إذا قبض اهللا ولد العبد يقول اهللا لمالئكته : عليه و سلم قال

ابنوا لعبدي بيتا : ماذا قال ؟ فيقولون حمدك و استرجع فيقول اهللا عز و جل : نعم فيقول :

سموه بيت الحمدفي الجنة و ]

و محمد نبينا صلى اهللا عليه و سلم هو صاحب لواء الحمد و أمته هم الحمادون الذين

يحمدون اهللا في السراء و الضراء و الرضا

: و الحمد على الرضا له مشهدان

أحدهما ـ علم العبد بأن اهللا سبحانه مستوجب لذلك مستحق له لنفسه أحسن كل

و هو العليم الحكيمشيء خلقه و أتقن كل شيء

الثاني ـ أن يعلم أن اختيار اهللا لعبده المؤمن خير من اختياره لنفسه كما روى مسلم في

و الذي نفسي بيده ال يقضي اهللا : عن النبي صلى اهللا عليه و سلم أنه قال [ صحيحه

له و إن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا : للمؤمن قضاء إال كان خيرا و ليس ذلك إال للمؤمن

فأخبر صلى اهللا عليه و سلم أن كل قضاء يقضيه اهللا ] أصابته ضراء صبر فكان خيرا له

إن في {: للمؤمن الذي يصبر على البالء و يشكر على الرخاء فهو خير له كما قال تعالى

{ ذلك آليات لكل صبار شكور

لقضاء خيرا له و لهذا فمن ال يصبر على البالء و ال يشكر على الرخاء فال يلزم أن يكون ا

: أجيب من أورد على هذا بما يقضى على المؤمن من المعاصي بجوابين

ما أصابك {: أن هذا إنما يتناول ما أصاب العبد ال ما يفعله كما في قوله تعالى : أحدهما

و بلوناهم {: و كقوله تعالى أيضا }من حسنة فمن اهللا و ما أصابك من سيئة فمن نفسك

أي السراء و الضراء} و السيئات لعلهم يرجعون بالحسنات


الثاني ـ أن هذا في حق المؤمن الصابر الشاكر و الذنوب تنقص اإليمان فإذا تاب العبد أحبه

اهللا و قد ترتفع درجته بالتوبة

كان داود عليه السالم بعد التوبة خيرا منه قبل الخطيئة فمن قضي له : قال بعض السلف

إن العبد ليعمل الحسنة فيدخل بها النار و إن العبد : قال سعيد بن جبير بالتوبة كان كما

ليعمل السيئة فيدخل بها الجنة و ذلك أنه يعمل الحسنة فتكون نصب عينيه و يعجب بها و

يعمل السيئة فتكون نصب عينيه فيستغفر اهللا و يتوب إليه منها

األعمال بالخواتيم : أن النبي صلى اهللا عليه و سلم قال[ و ثبت في الصحيح ]

: و المؤمن إذا فعل سيئة فإن عقوبتها تندفع بعشرة أسباب

أن يتوب توبة نصوحا ليتوب اهللا عليه فإن التائب من الذنب كمن ال ذنب له: أحدهما

أن يستغفر اهللا فيغفر اهللا تعالى له: الثاني

السيئات إن الحسنات يذهبن {: أن يعمل حسنات يمحوها لقوله : الثالث }

أن يدعو له إخوانه المؤمنون و يشفعون له حيا و ميتا: الرابع

أن يهدي له إخوانه المؤمنون من ثواب أعمالهم ما ينفعه اهللا به: الخامس

أن يشفع فيه نبينا محمد صلى اهللا عليه و سلم: السادس

أقاربه و من يحب و أن يبتليه اهللا في الدنيا بمصائب في نفسه و ماله و أوالده و: السابع

نحو ذلك

أن يبتليه في البرزخ بالفتنة و الضغطة و هي عصر القبر فيكفر بها عنه: الثامن

أن يبتليه اهللا في عرصات القيامة من أهوالها بما يكفر عنه: التاسع

أن يرحمه أرحم الراحمين: العاشر

: في األحاديث اإللهيات كما قال تعالى [ فمن أخطأته هذه العشرة فال يلومن إال نفسه

إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ـ ثم أوفيكم إياها ـ فمن وجد خيرا فليحمد اهللا ومن وجد غير

ذكره شيخ اإلسالم ابن تيمية و المقصود أن المؤمن إذا كان ] ذلك فال يلومن إال نفسه

لهيعلم أن القضاء خير له فيرضى عن اهللا بما قسم له كان قد رضي بما هو خير

إن اهللا يقضي بالقضاء : عن علي بن أبي طالب ـ رضي اهللا عنه ـ قال : و في الحديث ]

[ فمن رضي فله الرضا و من سخط فله السخط


فيما يقدح في الصبر و الرضا و ينافيهما: الباب الحادي و العشرون

و أنه حبس النفس قد تقدم أن الصبر اعتراف العبد باهللا بما أصابه منه و احتسابه عند اهللا

عما ال يحسن فعله و ال يجمل و حبس اللسان عما ال يحسن قوله فإذا كان معنى هذه

المقالة أن الصبر حبس اللسان عن الشكوى إلى غير اهللا و القلب عن التسخيط و الجوارح

عن لطم الخدود و خمش الوجوه و شق الثياب و نحو ذلك و أن العبد يرضى عن اهللا فيما

به مما يحب و قوعه و مما يكره و قوعه فإذا وقع من العبد عكس ما ذكرته كان يفعله

متلبسا بالنقائص و الرذائل فمن شكا ما به إلى مخلوق مثله كان قد شكا ربه إلى بعض

مخلوقاته فمثله كمثل من شكا من يرحمه و يلطف به و يعافيه و بيده ضره و نفعه إلى من

ال ضرا فهذا من عدم المعرفة و ضعف اإليمان شكاية الضار ال يرحمه و ليس بيده نفعا و

من شكا مصيبة : النافع الذي بيده أزمة األمور إلى من ال يضر و ال ينفع قال شقيق البلخي

نزلت به إلى غير اهللا لم يجد في قلبه لطاعة اهللا حالوة أبدا

بأن يرشده أو يعاونه أو و أما إخبار المخلوق بحاله ال على وجه الشكوى فإن كان لالستعانة

يوصله إلى زوال ضره بما ينفعه مما هو أخبر منه به كالحجام يحجبه و يقلع ضرسه أو رجل

صالح يدعو له فهذه األمور على هذا الوجه لم تقدح في صبره ألن هذا كإخبار المريض

و الطبيب بحاله و إخبار المبتلي في جسده ببالئه لمن يرجو أن يكون فرجه على يديه

كذلك إخبار المظلوم لمن ينتصر به و إخبار المبتلى في دينه لمن هو مسترشد الهداية

ليبين له طريق الهداية إن وفق لها

و قد ثبت أن النبي صلى اهللا عليه و سلم كان إذا دخل على المريض سأله عن حاله ]

وهو استخبار منه و استعالم بحاله] كيف تجدك ؟ : ويقول

: فهل يقدح في الصبر ؟ فيه روايتان عن اإلمام أحمد قال القاضي أبو الحسين و أما األنين

أصح الروايتين الكراهة لما روي عن طاووس أنه كان يكره األنين في المريض

يكتب على ابن آدم مما سطر به حتى أنينه في مرضه انتهى: و قال مجاهد

ينافي الصبراألنين شكوى بلسان الحال ف: و قال جماعة من العلماء

أخرج إلي كتاب : قال لي أبي في مرضه الذي توفي فيه : و قال عبد اهللا بن اإلمام أحمد

أخرج أحاديث ليث بن أبي سليم فأخرجت : عبد اهللا بن إدريس فأخرجت الكتاب فقال

إن طاووسا : قلت لطلحة : اقرأ علي أحاديث الليث قال : أحاديث ليث بن أبي سليم فقال

األنين في المرض فما سمع له أنين حتى مات فما سمعت أبي أن في مرضه كان يكره

ذلك إلى أن توفي و الرواية الثانية أنه ال يكره و ال يقدح في الصبر بل قد يقدح في الرضا


! سئل اإلمام أحمد عن المريض يشكو ما يجد من الوجع : [ قال بكر بن محمد عن أبيه

: نعم حديث عائشة : هللا صلى اهللا عليه و سلم ؟ قال يعرف فيه شيئا عن رسول ا: فقال

وجعل يستحسنه! وا رأساه ]

دخلت على أبي عبد اهللا أحمد بن حنبل و هو مريض فسألته فتغرغرت : و قال المروزي

عينيه و جعل يخبرني ما مر به في ليلته من العلة

أنين شكوى فيكره و : مين اعلم أن األنين على قس: قال العالمة ابن القيم ـ رحمه اهللا ـ

أنين استراحة و تفريج فال يكره و اهللا أعلم


في أن شق الثياب و لطم الخدود ينافي الصبر و الرضا: فصل

و مما ينافي الصبر و الرضا ما يفعله أكثر الناس في زماننا عند المصيبة من شق ثيابهم و

بإحدى اليدين على األخرى و لطم خدودهم و خمش وجوههم و نتف شعورهم و التصفيق

رفع أصواتهم عند المصيبة

و لقد حضرت عند شخص حين فارق الدنيا و هو من الجند فحين خرجت روحه أتوا بجعبة

نشاب فكسروها بمجموعها واحدة بعد واحدة عليه و أتوا أيضا بعدة الحرب فرموها عليه و

له عن ذلك و هذا فيه إضاعة مال هذا حرام نهى اهللا ورسو: أنا مع ذلك أعظم و أقول لهم

لم يصبك ما أصابنا فخرجت عنهم ثم إنهم بعد ذلك ندموا على ما فعلوا : فقال بعضهم لي

من إتالف ما أتلفوه

ألن في تلك ] إنما الصبر عند الصدمة األولى : و لهذا قال النبي صلى اهللا عليه و سلم ]

عقل بما دهمه و تمكن الشيطان منه فإن الحالة هيجان الحزن و استغراق الذهن و ذهول ال

إما بسكر كما وقع في : الشيطان ـ لعنه اهللا دائما ـ يتمكن من بني آدم عند ذهول عقلهم

قصة هاروت و ماروت و هي مشهورة حين دعتهما المرأة إل ىقتل الولد أو السجود للصنم

ا شربا سكرا فأتيا كل أو شرب القدح من الخمر مرارا و أنهما شربا القدح من المسكر فلم

ما أمرتهما به و كذلك ذهول العقل عند العشق و عند الوالية و عند كثرة المال و عند

المصيبة فكل هذه األمور العارضة للعبد في الغالب يحصل له بها ذهول العقل فيتمكن

الشيطان بها منه

فإن النبي صلى [ ى الرشد نسأل اهللا العافية و دوام العافية و الثبات في األمر و العزيمة عل

الدعاء ] اللهم إني أسألك الثبات في األمر : اهللا عليه و سلم كان يسأل اهللا في دعائه

فالثبات في األمور ] اللهم يا مثبت القلوب ثبت قلبي على دينك : وكان يقول [ المشهور

عجلة والحدة مطلوب شرعا كما أن العبد نهي عن األمور المذمومة من اللجاج و الطيش و ال

و افتقاد الحزن و غير ذلك من األمور المذمومة التي ال أحصيها عددا ويحا لمن يقدم على

اهللا تعالى مع هذه األمور المذمومة التي نهى الشرع عنها غير تائب منها معتمدا على

صومه و صالته و حجه و عبادته و هومع ذلك فرح مستبشر كأنه قد جاز الصراط و أعطي

ويحا لمن بعتز بأعماله الظاهرة و ! و جاءه البشير من اهللا تعالى بالفوز و الخالص البراءة

نسأل اهللا تعالى حسن التوفيق! باطنه مثل المزابل


في البكاء و الحزن الصامت ال ينافي الرضا و الصبر: فصل

رضا و قد تقدم لنا و أما البكاء و الحزن من غير صوت و ال كالم محرم فهو ال ينافي الصبر و ال

و ابيضت عيناه من الحزن فهو {: قريبا من ذلك قال تعالى حكاية عن يعقوب عليه السالم

إنما أشكو بثي {: كظيم على الحزن فلم يقل إال خيرا مع قوله تعالى : قال قتادة }كظيم

ء في أثر جا[ و قد } فصبر جميل {: و قوله تعالى عنه في أول السورة }و حزني إلى اهللا

لكن يعقوب عليه السالم ] من بث لم يصبر : مرفوع إلى النبي صلى اهللا عليه و سلم

ابيضت عيناه من البكاء و لم يناف حزنه و بكاءه صبره فإنه عليه السالم ما شكا بثه و حزنه

إلى مخلوق و إنما شكاه إلى اهللا

ابن عباس ـ رضي اهللا عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن [ و روى حماد بن سلمة

ما كان من العين و من القلب فمن اهللا و : عنهما ـ عن النبي صلى اهللا عليه و سلم قال

[ الرحمة و ما كان من اليد و اللسان فمن الشيطان

إياك و : مات ابن لي فرآني سعيد بن جبير مقنعا فقال لي : قال خالد بن أبي عثمان

التقنع فإنه من االستكانة

من االستكانة الجلوس في البيت بعد المصيبة: كان يقال : بكر بن عبد اهللا المزني و قال

ليس الجزع أن تدمع العين و يحزن القلب و لكن الجزع القول السيئ : و قال عبيد بن عمير

و الظن السيئ

جل و مات ابن لبعض قضاة البصرة فاجتمع إليه العلماء و الفقهاء فتذاكروا ما تبين به جزع الر

من صبره فأجمعوا أنه إذا ترك شيئا مما كان يصنعه فقد جزع

اتق اهللا و احتسبيه عند اهللا و : مات ابن لي نفيس فقلت ألمه : و قال ابن عبد العزيز

اصبري فقالت مصيبتي به أعظم من أفسدها بالجزع

ابنه في الموت أتى رجل يزيد بن يزيد و هو يصلي و : و قال عبد اهللا بن مبارك ـ رحمه اهللا ـ

إن الرجل إذا كان له عمل يعمله فتركه يوما واحدا : ابنك يقضي و أنت تصلي ؟ فقال : فقال

كان ذلك خلال في عمله

أصيب عبد اهللا بن مطرف بمصيبة فرأيته أحسن شيء شارة و أطيبه: و قال ثابت


نفصل ـ في أن من يبتلي بالمصائب هو أحكم الحاكمين و أرحم الراحمي

و ال بد أن يعلم المصاب أن الذي ابتاله بمصيبته أحكم الحاكمين و أرحم الراحمين و أنه

سبحانه لم يرسل البالء ليهلكه به و ال ليعذبه و ال ليجتاحه و إنما افتقده به ليمتحن صبره

و رضاه عنه و إيمانه و ليسمع تضرعه و ابتهاله و ليراه طريحا على بابه الئذا بجنابه مكسور

القلب بين يديه رافعا قصص الشكوى إليه

قال الشيخ اإلمام العالم العارف المكاشف عبد القادر الكيالني ـ رحمة اهللا عليه ـ البنه يا

بني إن المصيبة ما جاءت لتهلكك و إنما جاءت لتمتحن صبرك و إيمانك يا بني القدر سبع و

السبع ال يأكل الميتة انتهى كالمه

مصيبة كير العبد الذي يسبك بها حاصله فإما أن يخرج ذهبا أحمر و إما أن أن ال: و المقصود

: يخرج خبثا كله كما قيل

فأبدى الكير عن خبث الحديد...سبكناه و تحسبه لجينا ) )

فإن لم ينفعه هذا الكير في الدنيا فبين يديه الكير األعظم فإذا علم العبد أن إدخاله كير

ن ذلك الكير و المسبك و أنه ال بد من أحد الكيرين فليعلم قدر الدنيا و مسبكها خير له م

نعمة اهللا عليه في الكير العاجل فالعبد إذا امتحنه اهللا بمصيبة فصبر عند الصدمة األولى

مر النبي صلى اهللا عليه و سلم : في حديث أنس بن مالك ـ رضي اهللا عنه ـ قال [ كما ورد

إليك عني فإنك لم تصب : اتق اهللا و اصبري فقالت : ها بامرأة عند قبر و هي تبكي فقال ل

إنه النبي صلى اهللا عليه و سلم فأتت باب النبي صلى : بمصيبتي ـ و لم تعرفه ـ فقيل لها

إنما الصبر : قال ! لم أعرفك يا رسول اهللا : اهللا عليه و سلم فلم تجد عنده بوابين فقالت

أتى على امرأة تبكي على صبي لها : لفظ مسلم [ رواه البخاري و ] عند الصدمة األولى

إنه رسول : و ما تبالي بمصيبتي ؟ فلما ذهب قيل لها : اتق اهللا و اصبري فقالت : فقال لها

و ذكر تمام الحديث] فأخذها مثل الموت فأتت بابه فلم تجد على بابه بوابين ! اهللا


بر و الرضافصل ـ في أن الشكوى و التحدث بالمصيبة ينافي الص

إظهار المصيبة و التحدث بها و إشاعتها سواء : و مما يقدح في الصبر و الرضا و ينافيهما

مات فالن يعني : كان كالم بها بين األصحاب أو غيرهم اللهم إال أن يقول ألصحابه أو ألقاربه

الصالة عليه و والده أو ولده و نحو ذلك و ما يريد به إظهار المصيبة و إنما يريد إعالمهم ألجل

تشييعه و نحو ذلك مما هو من فروض الكفايات و يحصل لهم بذلك القراريط من األجر و قد

تقدم أن اإلعالم بالميت هل هو نعي أم ال ؟ و المقصود أن كتمان المصيبة رأس الصبر

حدثنا خلف بن تميم حدثنا زفر بن سليمان عن عبد : [ قال الحسن بن الصباح في مسنده

قال رسول اهللا : ز بن أبي رواد عن نافع عن عبد اهللا بن عمر ـ رضي اهللا عنهما ـ قال العزي

و ذكر أنه من بث ] من البر كتمان المصائب و األمراض و الصدقة : صلى اهللا عليه و سلم

لم يصبر

من حديث أنس ـ رضي اهللا عنه رفعه إلى النبي صلى اهللا عليه و [ و روي من وجه آخر

من كنوز البر كتمان المصائب و ما صبر من بث: سلم قال ]

و لما نزل في إحدى عيني عطاء الماء مكث عشرين سنة ال يعلم به أهله حتى جاء ابنه

يوما من قبل عينه التي أصيب فيها فلم يشعر به فعلم أن الشيخ قد أصيب

: راجعون فقال و دخل رجل على داود الطائي في فراشه فرآه يزحف فقال إنا هللا و إنا إليه

مه ال تعلم بهذا أحدا و قد أقعد قبل ذلك بأربعة أشهر لم يعلم بذلك أحد

ما تكرر علي ؟ لقد ذهبت : و شكا األحنف إلى عمه وجع ضرسه فكرر ذلك عليه فقال

! عيني منذ أربعين سنة فما شكوتها إلى أحد

إن {: لجزع قال اهللا تعالى الهلع عند ورود المصيبة و هو ا: و من المنافاة للصبر و الرضا

: قال الجوهري }وإذا مسه الخير منوعا * إذا مسه الشر جزوعا * اإلنسان خلق هلوعا

أفحش الجزع و قد هلع بالكسر فهو هالع و هلوع: الهلع

شر ما في العبد شح هالع و جبن خالع: و في الحديث ] ]

أمر لفظي و أمر معنوي: الحديث أمران هنا في هذا: قال العالمة ابن القيم ـ رحمه اهللا ـ

فأما اللفظي فإنه وصف الشح بكونه هالعا و الهالع صاحبه و أكثر ما يسمى هلوعا و ال

هالع له فإنه ال يتعدى و فيه وجهان: يقال :

ليل نائم و شر قائم و نهار صائم و يوم عاصف كله عند : أحدهما ـ أنه على النسب كقولهم

ب أي ذو كذاسيبويه على النس

و الثاني ـ أن اللفظة غيرت عن بابها لالزدواج مع خالع و له نظائر


و أما المعنوي فإن الشح و الجبن أردى صفتين في العبد و ال سيما إذا كان شحه هالعا أي

ملولة في الهلع و جبنه خالعا أي قد خلع قلبه من مكانه فال سماحة و ال شجاعة كما يقال

رد انتهى كالمهال يطرد و ال يث:

حدثنا إسماعيل بن عياش عن سليمان بن سليم : [ و روى سعيد بن منصور في سننه

ما يحبط األجر في : عن يحيى بن جابر أن رجال أتى النبي صلى اهللا عليه و سلم فقال

تصفيق الرجل بيمينه على شماله و الصبر عند الصدمة األولى فمن رضي : المصيبة ؟ قال

من سخط فله السخطفله الرضى و ]

إن القوم ليصابون : و ذكر بإسناده أيضا رفعه إلى النبي صلى اهللا عليه و سلم قال ]

بالمصيبة فيجزعون و يهلعون فما يكون لهم من أجرها شيء فيمر بهم الرجل من

[ المسلمين فيسترجع فيكتب اهللا عز و جل له أجر ما أعطاه من تلك المصيبة

حدثني أحمد بن عبد األعلى حدثني شيخ من آل ميمون بن مهران : ا و قال ابن أبي الدني

أن الحجاج أصيب بابن له فاشتد جزعه عليه فدخل فغير ثيابه و مس شيئا من طيب و

حسبي ثواب اهللا من كل نكبة و حسبي بقاء اهللا : جلس و أذن للناس فلم يتكلموا فقال

من كل هالك تحدثوا


ك و تعالى يختبر عباده بالمصائبفصل ـ في أن اهللا تبار

و اهللا تبارك و تعالى يبتلي عبده ليسمع شكواه و تضرعه و دعاءه و صبره و رضاه بما قضاه

عليه فهو سبحانه و تعالى يرى عباده إذا نزل بهم ما يختبرهم به من المصائب و غيرها و

ته و قد ذم اهللا يعلم خائنة أعينهم و ما تخفي صدورهم فيثيب كل عبد على قصده و ني

و لقد أخذناهم {: تعالى من لم يتضرع إليه و لم يستكن له وقت البالء كما قال تعالى

{ بالعذاب فما استكانوا لربهم و ما يتضرعون

و العبد أضعف من أن يتجلد على ربه و ال يشكو إليه حاله فإنه إذا كان سادات الخالئق و

المه عليهم أجمعين قد أثنى اهللا تعالى عليهم هم األنبياء المعصومون صلوات اهللا و س

و ذا النون إذ ذهب مغاضبا {: حيث شكوا ما بهم إلى اهللا تعالى فقال تعالى عن بعضهم

فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن ال إله إال أنت سبحانك إني كنت من

و على } الراحمين أني مسني الضر وأنت أرحم{: و أثنى على أيوب بقوله }الظالمين

إني لما أنزلت إلي {: و على موسى بقوله } إنما أشكو بثي و حزني إلى اهللا {: يعقوب

اللهم إني أشكو إليك ضعف : و قد شكا إليه خاتم أنبيائه و رسله بقوله [ }من خير فقير

] قوتي و قلة حيلتي و هواني على الناس أنت أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين

حديث المشهور في دعاء الطائف و هو دعاء عظيم فالشكوى إلى اهللا تعالى ال تنافي ال

الصبر و ال الرضا بل إعراض العبد بالشكوى إلى غيره من جهله بخالقه و عدم رضاه و صبره

بما ابتاله اهللا تعالى به و اهللا تعالى يمقت من يشكوه إلى خلقه و يحب من يشكو ما به

إليه

كيف تشتكي إلى من ال يخفى عليه خافية في األرض و ال في السماء ؟ : قيل لبعضهم

: فقال

ما ليس يخفى عليه...أتشكو إليه : قالوا ) )

ذل العبيد لديه...ربي يرضى : فقلت ) )

: ألمتحنن أهل البالء قال : قال رجل : و ذكر ابن أبي الدنيا عن علي بن الحسن قال

: أكلت األكلة أطرافه فقلت له كيف أصبحت ؟ قال فدخلت على رجل بطرسوس و قد

أصبحت و اهللا و كل عرق و كل عضو يألم على حدته من الوجع و إن ذلك لبعين اهللا أحبه

إلي أحبه إلى اهللا عز و جل و ددت أن ربي قطع مني األعضاء التي اكتسبت بها اإلثم و أنه

: متى بدأت هذه العلة ؟ قال : رجل فقال له : لم يبق مني إال لساني تكون له ذاكرا قال

أما كفاك ؟ الخلق كلهم عبيد اهللا و عياله فإذا نزلت بالعباد علة فالشاكي إلى اهللا ليس


يشكي اهللا إلى العباد


هل المصائب مكفرات أم مثيبات: الباب الثاني و العشرون

باينا شديدا فذهب بعض و قد اختلف العلماء في هذا الباب اختالفا كثيرا و تباينوا فيه ت

العلماء إلى أنه يثاب على كل مصيبة و ذهب طائفة أخرى من العلماء إلى أنه ال يثاب على

المصائب مطلقا و إنما يثاب على الصبر عليها حتى قطع به ابن عبد السالم في قواعده و

الهما ذهب شيخ اإلسالم ابن تيمية و جماعة من العلماء إلى أن إطالق القول بالثواب ك

يرد عليه ما يدفعه و أن ثم فرقا مؤثرا نذكره فيما بعد إن شاء اهللا

و قد احتجت كل طائفة بظواهر مرجحة لما ذهبت إليه كما سنذكره بعد

ذلك بأنهم ال {: احتجت طائفة من العلماء إلى أنه يثاب على كل مصيبة بقوله تعالى

ال يطؤون موطئا يغيظ الكفار و ال ينالون يصيبهم ظمأ و ال نصب و ال مخمصة في سبيل اهللا و

اآلية}من عدو نيال إال كتب لهم به عمل صالح

ما يصيب المؤمن من وصب و ال : عن النبي صلى اهللا عليه و سلم قال [ و في الصحيحين

] نصب و ال هم و ال حزن و ال غم و ال أذى حتى الشوكة يشاكها إال كفر اهللا بها من خطاياه

: أي الزم ثابت و النصب } و لهم عذاب واصب {: وجع الالزم و منه قوله تعالى ال: الوصب

التعب

المصاب من حرم : أن النبي صلى اهللا عليه و سلم قال [ و روى الحاكم في المستدرك

[ الثواب

قال رسول اهللا صلى اهللا عليه : من حديث أبي ذر ـ رضي اهللا عنه ـ قال [ و روى ابن ماجة

يس الزهادة في الدنيا بتحريم الحالل و ال بإضاعته و لكن الزهادة في الدنيا أن ل: و سلم

تكون بما في يد اهللا أوثق منك بما في يدك و أن تكون في ثواب المصيبة إذا أصبت بها

رواه اإلمام أحمد موقوفا عن أبي مسلم الخوالني] أرغب منك فيها لو أنها بقيت لك

مامن مسلم يموت له ثالثة : نبي صلى اهللا عليه و سلم قال أن ال[ و في صحيح البخاري

رواه أحمد و [ و ] من الولد لم يبلغوا الحنث إال أدخله اهللا الجنة بفضل رحمته إياهم

و غير ] ما من مسلمين يموت لهما ثالثة من الولد لم يبلغوا الحنث إال غفر لهما : النسائي

ذلك من األحاديث مما اختصرته

ما من : [ وي ـ رحمه اهللا ـ في شرح مسلم عند قوله صلى اهللا عليه و سلم قال النو

و في ] مسلم يشاك بشوكة فما فوقها إال كتبت له بها درجة و محيت عنه بها خطيئة

و حط عنه بها [ و في بعض النسخ ] إال رفعه اهللا بها درجة أو حط عنه بها خطيئة : [ رواية

: قال ] إال كتب له بها حسنة أو حطت عنه بها خطيئة [ بغير ألف و في رواية ] خطيئة


وفي هذه األحاديث بشارة عظيمة للمسلمين فإنه قل أن ينفك الواحد منهم ساعة من

شيء من هذه األمور و فيه تكفير الخطايا باألمراض و األسقام و مصائب الدنيا و همومها و

ادة الحسنات و هذا هو الصحيح الذي إن قلت مشقتها و فيه رفع الدرجات بهذه األمور و زي

أنها تكفر الخطايا فقط و لم : عليه جماهير العلماء و حكى القاضي عياض عن بعض العلماء

يبلغهم هذه األحاديث الصحيصة الصربحة برفع الدرجات و كتب الحسنات انتهى كالمه

لوجع من رسول اهللا ما رأيت رجال أشد عليه ا: و يؤيد ذلك قول عائشة ـ رضي اهللا عنها ـ ]

إني ألوعك مثل رجلين منكم و إنك : صلى اهللا عليه و سلم و قوله صلى اهللا عليه و سلم

أشد الناس بالء األنبياء ثم الصالحون ثم : لتوعك وعكا شديدا و قوله صلى اهللا عليه و سلم

ثم األمثل و الحكمة في كون األنبياء أشد بالء: قال جماعة من العلماء ] األمثل فاألمثل

أنهم مخصصون بكمال الصبر و صحة االحتساب و األنبياء معصومون من الخطايا : باألمثل

فتعين الثواب و اهللا أعلم

دليل على أن الصرع يثاب عليه أكمل ثواب: و في حديث المرأة التي كانت تصرع

تظرت بحظار اح: قالت امرأة يا رسول اهللا دفنت ثالثة من الولد قال [ و في صحيح مسلم

[ من النار

ثبت أن النبي [ فقد الثواب على المصيبة أعظم من المصيبة فإنه قد : قال بعض السلف

و قد تقدم] المصاب من حرم الثواب : صلى اهللا عليه و سلم قال

و تقدم في أثناء الكتاب أحاديث تشهد لهذا القول و اهللا أعلم

ق القول بأن المصائب ال يثاب عليها و إنما يثاب احتجت الطائفة األخرى من العلماء ممن أطل

قال ابن عبد } إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب {: على الصبر عليها بقوله تعالى

{: الثواب إنما يكون على فعل العبد ال على فعل اهللا فيه قال تعالى : السالم في قواعده

أولئك عليهم صلوات من ربهم * يه راجعون الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا هللا وإنا إل

فما حصل لهم من صالة اهللا عليهم و رحمته لهم و هدايته }ورحمة وأولئك هم المهتدون

فاالسترجاع هو سبب في حصول ما ذكر و } إنا هللا و إنا إليه راجعون {: إياهم بقولهم

رسول اهللا صلى اهللا قال: حديث أبي موسى األشعري ـ رضي اهللا عنه ـ أنه قال [ كذلك

يا ملك الموت قبضت ولد عبدي ؟ قبضت : يقول اهللا عز و جل لملك الموت : عليه و سلم

ابنوا له : حمدك و استرجع قال : فما قال ؟ قال : نعم قال : قرة عينيه و ثمرة فؤاده ؟ قال

ي الجنة فحمده و استرجاعه هو سبب بناء البيت له ف] بيتا في الجنة و سموه بيت الحمد

و تسمية البيت كافية

الوجع ال يكتب به أجر إنما : و قد روي عن عبد اهللا بن مسعود أنه قال : قال القاضي عياض

يكفر الخطايا فقط


فصل ـ في سياق كالم شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه اهللا

رة بفعلهم و أما ما يحدثه اهللا من مصائب فتارة بغير فعل الخالئق كاألمراض و نحوها و تا

أن المصائب إن تولدت عن عمل صالح كما تتولد عن الجهاد و األمر : فصل الخطاب

بالمعروف و النهي عن المنكر و نحوه فهذا يثاب عليه فإن اإلنسان يثيبه اهللا على عمله و

على ما يتولد من عمله إذا أقدم على احتماله فإن المجاهد قد أقدم على الجهاد و هو

ؤذى في اهللا عز وجل و قد يناله ضرر في جهاده فتموت فرسه أو يأخذ ماله أو يعلم أنه ي

ذلك بأنهم ال يصيبهم ظمأ وال نصب وال {: يضرب أو يشتم و نحو ذلك كما قال تعالى

مخمصة في سبيل اهللا وال يطؤون موطئا يغيظ الكفار وال ينالون من عدو نيال إال كتب لهم به

نه يكتب لهم عمل صالح بما يصيبهم من التعب و الجوع و فأخبر تعالى أ}عمل صالح

العطش و نحو ذلك الذي حصل لهم بسبب الجهاد في سبيل اهللا عز و جل فهذه األمور

يغفر اهللا بها خطاياه و يؤجر على هذه المصائب ألنها حصلت بسبب جهاده فهي مما تولد

ها و أما الجوع و العطش و من عمله و ما تولد عن عمله الصالح من المصائب يثاب علي

التعب الذي يحصل من دون ذلك فال يثاب إال على الصبر عليه فإنه ليس من عمله و ال

متولدا من عمل صالح لكن هو من المصائب التي يكفر اهللا بها خطاياه و أما المصيبة بالولد

األمة و غض فالولد تولد عن جماعه الذي صان نفسه به عن الزنا و قصد به النسل و تكثير

البصر عن المحارم فإذا حصل له ذلك ثم مات الولد فقد أثيب عليه من جهة و كفر اهللا به

خطاياه من جهة ألنه تولد عن عمله و أما األمراض و األسقام فهي تكفر الخطايا

ليس لي من األجر مثل : له أجر فقال : و قد روي أن أبا عبيدة بن الجراح لما عادوه و قالوا

لكن المرض حطة يحيط اهللا بها الخطاياهذه و

فهذا الذي ذكرته هو الفرق بين المصائب التي يثاب عليها و المصائب التي ال يثاب عليها

فإن بعض الناس يظن أنه يثاب على كل مصيبة و من العلماء من يطلق القول بأن المصائب

ال يثاب عليها و إنما يصاب على الصبر عليها

فمن فعل فعال صالحا باختياره فأوذي و احتسب ذلك األذى : كالم كثير ثم قال بعد ذلك ب

و [ كان ذلك األذى من عمله الصالح الذي يثاب عليه كالصائم إذا احتسب جوعه و عطشه

] لخلوف فم الصائم أطيب عند اهللا من ريح المسك : قد قال صلى اهللا عليه و سلم

تولد عن عمل صالح و كذلك القائم بالليل إذا والخلوف تولد عن صومه بغير اختياره و لكن

احتسب تعبه و سهره فإن األذى الذي يحصل باختيارك في طاعة اهللا أنت جلبته على

نفسك باختيارك طاعة اهللا فليس هو كمن أوذي بغير اختياره فإن ذلك أذاه مصيبة محضة


لكن هي حق له على الظالم

ال يقضي اهللا للمؤمن : بي صلى اهللا عليه و سلم في قول الن[ و قال الشيخ ـ رحمه اهللا ـ

قضاء إال كان خيرا له وليس ذلك ألحد إال للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له و إن

و هي نفسها تكفر خطاياه و يؤجر على الصبر عليها ففيها ] أصابته ضراء صبر فكان خيرا له

رحمة من جهة ما يؤجر على الصبر عليها له مغفرة من جهة ما يكفره من الخطايا و له فيها

ال سيما إذا اقترن بها توبة و إنابة إلى اهللا و توكل عليه و توحيد له و إخالص الدين له فإنها

تكون من أعظم النعم و مصيبة تقبل بها على اهللا خير لك من نعمة تنسيك ذكر اهللا

فيها قرع باب سيدكيا ابن آدم لقد بورك لك في حاجة أكثرت: و قال بعض السلف

كيف أرحمه من شيء : اللهم ارحمه يقول اهللا عز و جل : و في الحديث إذا قالوا للمرض ]

[ به أرحمه ؟

يا ابن آدم البالء يجمع بيني و بينك و العافية تجمع بينك و بين نفسك انتهى: و في األثر

ه الصالح من المصائب أثيب و المقصود من كالم الشيخ ـ رحمه اهللا ـ أن كل ما تولد عن عمل

عليه بخالف المصائب التي لم تتولد عن عمله فإنها مكفرات ال مثيبات

ت


فصل ـ في قوله أيضا رحمه اهللا في أن المصائب نعمة من نعم اهللا تعالى

و كثير من الناس ال يعرف النعمة إال ما يلتذ به في دنياه كما قال : قال الشيخ رحمه اهللا

من لم يعرف نعمة اهللا إال في مطعمه و مشربه فقد قل علمه و حضر عذابه : بعض السلف

فمن الناس من يرى النعمة في بدنه فقط باألكل و الشرب و النكاح و منهم من يرى النعمة

بالرئاسة و الجاه و نفاذ األمر و النهي و قهر األعداء و منهم من يرى النعمة في جميع

: رة و هؤالء من جنس الكفار يرون هذه نعما و أعلى من هؤالء األموال و القناطير المقنط

من يرى النعمةفي اإليمان و العمل الصالح لكن ال يرى األمر بذلك و الجهاد عليه نعمة بل

منهم من ال يراه نعمة إال مع : يرى فيه من المضار ما يوجب تركه و الذين يرون هذه النعمة

ل بعض أوالده أو أخذ ماله عد ذلك مصيبة ال نعمة و حجة السالمة و الغنيمة فإن جرح أو قت

هؤالء كلهم أن النعمة ما يتنعم به العبد و هذه األمور تؤلم النفس فال تكون من النعم بل

من المصائب و ال ريب أنها من المصائب باعتبار ما يحصل فيها من األلم و لهذا أمر بالصبر

يبة باعتبار و نعمة باعتبار فباعتبار ما يحصل له من عليها لكن ال منافاة بين كون الشيء مص

هذا يكفر به : األذى هو مصيبة و باعتبار ما حصل به من الرحمة نعمة و هذا ألنه إذا قيل

الخطايا و يؤجر عليها ويؤجر على الصبر عليها كانت نعمة و هذا بمنزلة شرب المريض الدواء

ة باعتبار إزالته للمريض الذي هو أشد ضررا فيه و الكريه هو مصيبة باعتبار مرارته و هو نعم

أدنى الشرين إذا زال أعظمهما كان نعمة و من استعمل نعمة اهللا في المعاصي كانت شرا

في حقه ألنها جرته إلى العذاب الذي هو أعظم من تلك اللذة كمن أكل عسال فيه سم

فإن ضرر السم أعظم من حلوة العسل و اهللا أعلم انتهى كالمه


في الصدقة عن المصاب به و أفعال البر عنه: الباب الثالث والعشرون

و هذا الباب مما يطيب قلوب أهل المصائب على مصابهم فإنهم إذا بدلوا بدل الحزن و البكاء

و لطم الخدود و شق الثياب و النياحة الصدقة و الدعاء و االستغفار و قراءة القرآن و الصالة و

: ذلك من أفعال القرب و علموا وصولهم إلى موتاهم و إنه يحصل لهم بذلك الصيام و نحو

إما تكفير سيئات أو رفع درجات أو كالهما ـ حصل لهم السرور بذلك و الفرح الزائد

و هذا الباب منعقد على إهداء القرب إلى الموتى و األحياء فنذكر اختالف العلماء في وصول

قرب لم يختلف في وصول ثوابها إلى الموتى و ثم قرب : ب ثواب ذلك إليهم فمن أنواع القر

اختلف العلماء في وصول ثوابها اختالفا كثيرا فنذكر ما يسره اهللا تعالى في ذلك فإن ذكر

االختالف و البسط سبيل ذلك الكتب المطولة

في ذكر اختالف الناس في وصول ثواب إهداء القرب إلى الموتى: فصل

تغفار و الصدقة و قضاء الدين و أداء الواجبات فال أعلم خالفا في وصولها أما الدعاء و االس

حكاها غير واحد من العلماء و من العلماء من يشرط في الوصول إذا كانت الواجبات مما

و الذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا و إلخواننا {: يدخله النيابة قال اهللا تعالى

و استغفر {: و قال تعالى }ن و ال تجعل في قلوبنا غال للذين آمنوا الذين سبقونا باإليما

و دعاء النبي صلى اهللا عليه و سلم ألبي سلمة حين [ }لذنبك و للمؤمنين و المؤمنات

مات أبو سلمة و دعاء النبي صلى اهللا عليه و سلم للميت الذي صلى عليه و شرع اهللا

اللهم : اللهم اغفر لحينا وميتنا وكذلك : وله ذلك له و شرعه لكل من صلى على ميت بق

الدعاء المشهور المعروف] اغفر له و ارحمه و عافه و اعف عنه

فجمهور العلماء من أهل : و أما وصول العبادات المالية المحضة كالعتق و الصدقة و نحوهما

تغفار و أما السنة و الجماعة على وصول ثوابها إلى الموتى كما يصل إليهم الدعاء و االس

وصول ثواب األعمال البدنية كالصوم و الصالة و القراءة و نحو ذلك فالصحيح الوصول و هو

مذهب اإلمام أحمد و أبي حنيفة و طائفة من أصحاب مالك و الشافعي لما يأتي من

األحاديث بعد إن شاء اهللا


في اآليات و األحاديث الواردة في هذا الباب: فصل

و الذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا و إلخواننا الذين {: ه تعالى قد تقدم قول

: و قال تعالى } و استغفر لذنبك و للمؤمنين و المؤمنات {: و قال تعالى }سبقونا باإليمان

الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا {

} رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ربنا وسعت كل شيء

فلو لم ينفعهم ذلك لم يخبر اهللا تعالى به ترغيبا

من حديث الحسن بن سعد بن عباده أن أمه [ ما روى اإلمام أحمد : و أما األحاديث فمنها

فأي الصدقة : قلت : نعم قال : يا رسول اهللا ماتت أمي أفأتصدق عنها ؟ قال : ماتت فقال

فتلك سقاية آل سعد بالمدينة و رواه النسائي : قال الحسن ] سقي الماء : أفضل ؟ قال

أيضا

اقرؤوا يس : قال رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم : عن معقل بن يسار قال : [ و منها

لقرآن ال يس قلب ا: لفظه [ رواه أبو داود و ابن ماجة و رواه اإلمام أحمد و ] على موتاكم

[ يقرؤها رجل يريد اهللا تبارك و تعالى و الدار اآلخرة إال غفر اهللا له و اقرؤوها على موتاكم

و فيه دليل على وصول القراءة إلى الميت فإنه صلى اهللا عليه و سلم أمرنا أن نقرأها على

لعبد بعد موته موتانا و أمره في هذا المكان أمر إرشاد ال يجوز أن يعرى عن فائدة و ال فائدة ل

أعظم من الثواب فإنا نعلم يقينا أن الميت من أحوج الناس الى ما يقربه من رحمة اهللا و

يباعده من عذاب اهللا و قد امتنع عليه ذلك بعد موته بفعل نفسه فما بقي يحصل له ذلك إال

بفعل غيره و الحصول هو الثواب المترتب على القراءة و اهللا أعلم

جماعة من العلماء أن المراد بقراءة يس عند االحتضار للمسلم الذي قد فسر: فإن قيل

سيموت و قد ذهب الى هذا جماعة من العلماء حتى الشيخ مجد الدين ابن تيمية الحراني

بوب عليه في كتابه المنتقى

هذا خالف الحقيقة فإنه إذا حمل على من سيموت يكون حمل اللفظ على مجازه و : قيل

اللفظ على حقيقته أولى من حمله على مجازه فإن سلم أنه أريد به معلوم أن حمل

المحتضر فهو حجة على المخالف المانع من وصول ثواب القراءة إلى الميت فإن قول

المخالف في أن الحي ال ينتفع بعمل الغير أشد من قوله في الميت

إنما يحصل له به راحة و سرور كالتذاذة به في الدنيا: فإن قيل

أي راحة و سرور أعظم من : هذه دعوى تفتقر إلى دليل و األصل عدمه بل نقول : نا قل

ثواب يحصل للميت يرفع درجاته أو يحط عنه سيئاته ؟ و قد أفردت لهذا الكالم جزءا و


سميته الدر المنتخب في إهداء القرب فمن رام كشف ذلك فليطلبه من محله و ما نذكره

ا ما روي عن عبد اهللا بن عمر ـ رضي اهللا عنهما ـ أن العاص هنا على سبيل التنبيه و منه

و [ بن وائل نذر أن ينحر في الجاهلية مائة بدنة و أن هشام بن العاص نحر حصته خمسين

أما أبوك فلو أقر بالتوحيد : أن عمرا سأل النبي صلى اهللا عليه و سلم عن ذلك فقال

م أحمد و هو دليل على وصول أفعال الخير رواه اإلما] فصمت عنه و تصدقت عنه نفعه ذلك

إلى الميت

إن : عن أبي هريرة ـ رضي اهللا عنه ـ أن رجال سأل النبي صلى اهللا عليه و سلم : [ و منها

رواه مسلم و اإلمام أحمد و ] نعم : أبي مات و لم يوص أفينفعه أن أتصدق عنه ؟ قال

النسائي و ابن ماجة

إن : هللا عنها ـ أن رجال قال للنبي صلى اهللا عليه و سلم عن عائشة ـ رضي ا: [ و منها

] نعم : أمي افتلتت نفسها و أراها لو تكلمت تصدقت فهل لها أجر إن تصدقت عنها ؟ قال

رواه البخاري و مسلم و اإلمام أحمد

ما على : عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى اهللا عليه و سلم قال [ و

راد أن يتصدق بصدقة تطوعا أن يجعلها عن والديه إذا كانا مسلمين فيكون أحدكم إذا أ

رواه حرب في ] لوالديه أجرها و له مثل أجورهما من غير أن ينقص من أجورهما شيء

مسائله بسنده

و روى ابن المنذر بإسناده عن عائشة ـ رضي اهللا عنها ـ أنها أعتقت عن أخيها عبد الرحمن

عبدا بعد موته

يا رسول اهللا إن : عن عطاء بن أبي رباح مرسال أن رجال قال [ ى الدارقطني و غيره و رو

نعم: أبي مات أفأعتق عنه ؟ قال ]

و روى الدار قطني أيضا عن الحسن و الحسين ـ رضي اهللا عنهما أنهما كانا يعتقان عن

أبيهما علي بن أبي طالب ـ رضي اهللا عنه ـ بعد موته

بينا نحن عند رسول اهللا صلى اهللا عليه و : بن ربيعة الساعدي قال عن ابن أسيد مالك ]

يا رسول اهللا هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما : سلم إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال

نعم الصالة عليهما و االستغفار لهما و افتقاد عهدهما بعدهما و صلة : به بعد موتهما ؟ قال

رواه أبو داود و هذا لفظه و ابن ماجة] كرام صديقيهما الرحم التي ال توصل إال بهما و إ


اهللا و اهللا بسم: فصل ـ من األدلة المستحسنة قوله صلى اهللا عليه و سلم في األضحية

أكبر

قوله صلى اهللا عليه و سلم في األضحية لما ضحى بكبشين [ و من األدلة المستحسنة

كبر اللهم هذا عن محمد و آل محمد و لما ذبح بسم اهللا و اهللا أ: فلما ذبح أحدهما قال

و في رواية ابن ماجة أن رسول ] اللهم هذا عني و عمن لم يضح من أمتي : الثاني قال

اهللا صلى اهللا عليه و سلم لما ضحى بكبشين عظيمين سمينين أقرنين أملحين موسومين

له بالبالغ ففيه فذبح أحدهما عن محمد و آل محمد و ذبح اآلخر عن أمته و عمن شهد

دليل على أن النفع قد نال األحياء و األموات من أمته بأضحيته صلى اهللا عليه و سلم و إال

لم يكن في ذلك فائدة فإنه صلى اهللا عليه و سلم ما ينطق عن الهوى

اآلن بردت عليه جلدته: و قال للذي قضى الدين عن الميت ] ]

إنهما ليعذبان و ما : عليه و سلم مر بقبرين فقال و حديث ابن عباس أن النبي صلى اهللا ]

يعذبان في كبير أما أحدهما فكان ال يستتر من البول ـ و في قول ال يستنزه من البول ـ أما

اآلخر فكان يمشي بالنميمة ثم دعا بجريدة رطبة فشقها نصفين ثم غرس على كل قبر

إنه ليخفف عنهما ما لم ييبسا: واحدة و قال ]

هذا عند أهل العلم محمول على أن األشياء ما دامت على أصل خلقتها أو : خطابي قال ال

خضرتها و طراوتها فإنها تسبح اهللا عز و جل حتى تجف رطوبتها أو تحول خضرتها أو تقطع

من أصلها فإذا خفف عن الميت بوضعه صلى اهللا عليه و سلم الجريدة على قبره لكونها

األحرى أن تخفف القرب على اختالف أسبابها و إن أعظم تسبح اهللا فبطريق األولى و

القرب كالم رب العالمين الذي نزل به الروح األمين على قلب أشرف المرسلين و قد أوصى

بريدة ـ رضي اهللا عنه ـ أن يجعل جريدة على قبره ذكره البخاري

و قد استحب ذلك جماعة من العلماء من أصحابنا و غيرهم و أنكره آخرون

ذكر أن العلماء استحبوا القراءة لخبر : قال الشيخ محي الدين النووي في شرح مسلم و

الجريدة ألنه إذا أرجي التخفيف لتنسبيحها فالقراءة أولى انتهى كالمه


فصل ـ في قوله تعالى و أن ليس لإلنسان إال ما سعى

على أن الميت ال و أما احتجاج بعض من خالف من أصحاب الشافعي و مالك بهذه اآلية

إذا مات ابن آدم : ألن النبي صلى اهللا عليه و سلم قال [ ينتفع بثواب من سعي غيره

صدقة جارية أو علم ينتفع به من بعده أو ولد صالح يدعو له: انقطع عمله إال من ثالث ]

و ألن نفع العبادة ال يتعدى فاعلها: قالوا

إجماع األمة أن الميت يصلى عليه و يدعى له و قد ثبت بالسنة المتواترة و : فيقال لهم

يستغفر له و هذا من سعي غيره و كذلك ما وافقوا عليه و سلموه من أن ينتفع بالصدقة و

العتق و هو من سعي غيره فما كان جوابهم على مورد اإلجماع فهو جواب الباقين عن

ة و لكن تحقيق ذلك أن محل النزاع و للناس في ذلك أجوبة متعددة سبيلها الكتب المطول

و أن {: إن اإلنسان ال ينتفع إال بسعي نفسه و إنما قال : إن اهللا تعالى لم يقل : يقال

و هو ال يملك إال سعيه و ال يستحق غير ذلك و إنما سعي }ليس لإلنسان إال ما سعى

و قد روي غيره فهو له كما أن اإلنسان ال يملك إال مال نفسه و يملك نفع نفسه بمال غيره

و الذين آمنوا و اتبعتهم ذريتهم بإيمان {: عن ابن عباس أن اآلية منسوخة بقوله تعالى

فأدخل األبناء الجنة بصالح اآلباء و ال يصح هذا ألن لفظ اآليتين لفظ خبر }ألحقنا بهم ذريتهم

و األخبار ال تنسخ

من تفسير علي بن طلحة اللفظ المنقول عن ابن عباس هو : قال شيخ اإلسالم ابن تيمية

هي خاصة بقوم : إنه لم يسمعه من ابن عباس و قال عكرمة : الوالبي عنه و قد قيل

إبراهيم و موسى دون هذه األمة و شرع من قبلنا ليس بشرع لنا و أما هذه األمة فلهم ما

و و هذا ضعيف ألن اهللا إنما ذكر هذا ليخبر به هذه األمة : سعوا و سعي لهم قال الشيخ

ليعلموا أن هذا حكم شامل و لو كان هذا مخصوصا بأمة موسى و إبراهيم لم يقم به حجة

على أن من أرسل إليه النبي صلى اهللا عليه و سلم و جميع المسلمين بما في هذا

و ال تزر وازرة وزر أخرى{: القوله }

ت و الدعاء لهم ؟ و أيضا فمن أين لهم أن تلك األمة لم تكن تنفعهم الصدقة عنهم بعد المو

السالم علينا و على عباد اهللا الصالحين : و قد بين النبي صلى اهللا عليه و سلم أنا إذا قلنا

أصابت كل عبد هللا في السماء و األرض و نحن إذا ذكرنا الصالحين من األمم و ترحمنا

و ليس عليهم وصل ذلك إليهم و ليس هو من سعيهم و إبراهيم قد دعا ألوالده بنص القرآن

ذلك من سعيهم

المراد باإلنسان و الكافر و هذا ليس بشيء ألن سياق اآلية يناقضه : و قال الربيع بن أنس


و هذا يتناول المؤمن قطعا فلو عكس كان أولى مع أن } ثم يجزاه الجزاء األوفى {: بقوله

حكم العدل ال فرق فيه بين مؤمن و كافر

إال ما سعى من طريق العدل فأما من طريق الفضل ليس لإلنسان: قال الحسن بن الفضل

فجائز أن يزيده اهللا ما شاء

و هذا القول أمثل من غيره و معناه صحيح لكنه لم يفسر : قال شيخ اإلسالم ابن تميمة

نفي عام فليس له إال ذلك و هذا هو العدل ثم إن : ليس لإلنسان : لفظه اآلية فإن قوله

ير سعيه من جهة فضله و إحسانه و إن كان ذلك ليس له ثم قال اهللا قد ينفعه و يرحمه بغ

و قال ابن الزاغوني إنه ليس له إال سعيه غير أن األسباب مختلفة فتارة يكون : الشيخ

سعيه في تحصيل الشيء نفسه و تارة يكون في تحصيل سببه مثل سعيه في تحصيل

ح و تارة يسعى في خدمة أهل قرابة أو نكاح ليحصل له ولد صالح يدعو له أو صديق صال

الدين و العبادة فيكتسب محبتهم بسب سعيه في ذلك

و هذا أمثل من غيره و قد استحسنه و رجحه أبو البركات و هو : قال الشيخ رحمه اهللا

ضعيف فإنه قد ينتفع بعمل غيره من لم يحصل سببا و بسط القول على هذا و علله بأمور و

و أن ليس عليه إال ما : و أن ليس لإلنسان بمعنى : آخر قال ذكر ابن أبي الزغواني قوال

سعى

و هذا من أرذل األقول فإنه قلب لمعنى اآلية فإنه ليس لإلنسان إال ما سعى : قال الشيخ

أفترى السعي الصالح لم }ثم يجزاه الجزاء األوفى * وأن سعيه سوف يرى {و تمامها

بين فساده و قد ذكرنا هذه األقوال و رتبناها و بسط القول على هذا و! يدخل في هذه ؟

مبسوطة في إهداء القرب


فصل ـ في أن الدفن بجوار الصالحين يجلب نوال بركتهم

و مما يستأنس به في وصول الثواب أنه يستحب الدفن عند الصالحين ليناله بركتهم و نص

اإلمام أحمد على أن الميت يتأذى بالمنكر عنده

جنبوا الميت جار السوء: ابن عباس ـ رضي اهللا عنهما ـ أنه قال و قد روي عن

الميت يؤذيه في قبره ما يؤذيه في بيته: و قالت عائشة ـ رضي اهللا عنها ـ

هذان األثران و إن كان فيهما ضعف ففيهما داللة على المسألة فإن الميت إذا تأذى : لكن

بالمنكر انتفع بالخير بطريق األولى

إن الميت ليعذب ببكاء : أن النبي صلى اهللا عليه و سلم قال : [ ي الصحيح و قد ثبت ف

فاهللا تعالى أحكم و أعدل من أن يوصل عقوبة المعصية إليه و يحجب عنه ] أهله عليه

المثوبة و اهللا تعالى أعلم

في استحباب القراءة عند القبر و ما ورد فيها: فصل

ح عن ابن عمر ـ رضي اهللا عنهما ـ أنه أوصى إذا دفن تستحب القراءة عند القبر ألنه قد ص

أن يقرأ عنده بفاتحة البقرة و خاتمتها

و المشهور عن اإلمام أحمد أن القراءة في المقبرة و عند القبر ال تكره اختاره أبو بكر عبد

العزيز و القاضي و جماعة من أصحابنا ذكره بعض أصحابنا و عليه عمل الناس في زمننا هذا

و ال تكره القراءة على القبر و كان أحمد رحمه اهللا يكرهما ثم رجع : ل في المستوعب قا

يقرأ بعد أن نهى عن ذلك و من أصحابنا من يتمسك : رجوعا أبان به عن نفسه و قال

فإن أهدي إليه الثواب نفعه : بكراهته أوال و يجعل المسألة على روايتين ثم قال بعد ذلك

انتهى كالمه

ذهب الحنفية لكن اختلف أصحابهم هل تستحب القراءة أم تباح ؟ وجهان لهمو هذا م

و روي عن اإلمام أحمد أن القراءة ال تكره حال الدفن دون غيره

و روي عنه الكراهة مطلقا اختارها اإلمام عبد الوراق و أبو حفص العكبري

مد و هي قول جمهور الكراهة نقلها الجماعة عن اإلمام أح: قال شيخ اإلسالم ابن تيمية

السلف و عليها قدماء أصحابه كالمروزي و غيره

و قال ابن عقيل و ابن المنجا ـ تعليال لرواية الكراهة ـ بأنها مدفن النجاسة كالحش و نحوه

انتهى كالمهما


المذهب رواية واحدة أن القراءة عند القبر ال تكره : و ذكر بعض أصحابنا عن الخالل أنه قال

انتهى

القراءة على القبر ليست من فعل النبي صلى اهللا عليه و سلم و ال أصحابه و اهللا لكن

أعلم


دفنهفصل ـ فيما نص عليه اإلمام أحمد بن حنبل في استحباب الدعاء للميت عقب

قد فعله علي : نص اإلمام أحمد على أنه يستحب الدعاء للميت عقب دفنه ثم قال أحمد

كان رسول اهللا : عن عثمان بن عفان أنه قال [ بن قيس و يروى بن أبي طالب و األحنف

استغفروا ألخيكم و سلوا : صلى اهللا عليه و سلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه و قال

رواه أبو داود] له التثبيت فإنه اآلن يسأل

اهللا كان رسول اهللا صلى : من حديث ابن مسعود ـ رضي اهللا عنه ـ قال [ و روى الطبراني

اللهم نزل بك صاحبنا و : عليه و سلم يقف على القبر بعد ما يسوى عليه التراب فيقول

خلف الدنيا خلف ظهره اللهم ثبت عندالمسألة منطقة و ال تبتله في قبره بما ال طاقة له به

]

و يروى أن عليا ـ رضي اهللا عنه ـ كان يقول ـ إذا سوي على الميت التراب عند شفير القبر

اللهم عبدك و ولد عبدك نزل بك و أنت خير منزول به اللهم أوسع له مدخله : ما يدفن ـ بعد

و اغفر له ذنبه فإنا ال نعلم إال خيرا و أنت أعلم به رواه حرب الكرماني في مسائله

اللهم عبدك نزل : و كان أنس ـ رضي اهللا عنه ـ إذا سوى على الميت قبره قام عليه فقال

رحمه اللهم جاف األرض عن جنبيه و افتح أبواب السماء لروحه و تقبل منه بك فارأف به و ا

ـ فزد له في إحسانه ـ و : بقبول حسن اللهم إن كان محسنا فضاعف له الحسنات أو قال

إن كان مسيئا فتجاوز عنه رواه اإلمام أحمد و الطبراني و غيرهما

و ذهب الشافعي أيضا إلى استحباب الدعاء عقب الدفن

: } و ال تقم على قبره {: قال أكثر المفسرين في قوله عز و جل في حق المنافقين و

لما هم : معناه بالدعاء و االستغفار بعد الفراغ من دفنه و كذلك ذكر جماعة من المفسرين

النبي صلى اهللا عليه و سلم باالستغفار لعمه أبي طالب لما مات و هم بعض الصحابة

ما كان للنبي و الذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين و {: ل اهللا تعالى باالستغفار ألبويه أنز

اآلية فلوال أن ذلك نافع للمؤمنين كما تقدم لم يكن لذلك معنى بل }لو كانوا أولي قربى

لما نهى عنه المشركين دل على وقوعه للمؤمنين و نفعه لهم

نازة فأخذ بيدي و قمنا ناحية كنت مع أحمد بن حنبل في ج: و قال محمد بن حبيب التمار

اللهم إنك : فلما فرغ الناس من دفنه جئنا إلى القبر فجلس و وضع يده على القبر و قال

فقرأ إلى آخر السورة اللهم و إنا نشهد أن } فأما إن كان من المقربين {: قلت في كتابك

ل شهادتنا له و دعا هذا فالن بن فالن ما كذب بك و لقد كان يؤمن بك و برسولك اللهم فاقب

له ثم انصرف


فصل ـ هل يصح إهداء ثواب نوافل العبادات للمسلم الحي ؟

و هذه مسألة ال تكاد تظفر بها في كتاب مشهور لغرابتها فذكر ابن تميم في كتابه فذكر

و في الحي وجهان: وصول الثواب إلى الميت قال

ى الحي مذهبهم و الدليل على الوصول و ذكر لي بعض فضالء الحنفية أن وصول القرب إل

و أيضا فإن الرسول صلى اهللا عليه و سلم و [ } فاعف عنهم و استغفر لهم {: قوله تعالى

المسلمون مازال يدعو بعضهم لبعض عموما و خصوصا ألحيائهم و أمواتهم من غير نكير و

لحينا و ميتنااللهم اغفر : ألنه مشروع في دعاء الميت إلى يوم القيامة في قوله ]

و ليس يعرف عن اإلمام أحمد رواية في الفرق بين الحي و الميت : قال القاضي أبو يعلى

بل ظاهر قوله يعمهما و قد دل عليه الكتاب و السنة في الدعاء و االستغفار للتساوي فال

فرق

هذا ليس له نكير فهو : و قال الشيخ شمس الدين بن عبد القوي في مجمع البحرين

جماع و ال شبهة لمن قال بعدم الجواز انتهى كالمهإ

إن القراءة و نحوها ال تصل إلى الحي فإنه يفتح مفسدة : و قال ابن عقيل في المفردات

عظيمة فإن األغنياء يتكلمون عن األعمال ببذل األموال التي تسهل لمن ينوب عنهم

الطاعات عن بابها إلى فيفوتهم أسباب الثواب باالتكال على الثواب و تخرج أعمال

المعاوضات انتهى كالمه

نحن نلتزم ذلك لوروده في الكتاب و السنة ؟: فلو قال قائل

ذلك فضل اهللا يؤتيه من يشاء و اهللا ذو الفضل العظيم: و نقول


في ذكر عمارة القبور: الباب الرابع و العشرون

بناء قبورهم و تبليطها و تجصيصها و و قد اشتغل بعض أهل زماننا ممن أصيب بموت أقاربه ب

بناء التربة المحتوية على القبور و تحسينها و تزويقها و يزرعونها أنواع الرياحين و يصعدون

إليها في الغالب كل خميس باألهل و األقارب و مالذ األطعمة و أنواعها و يظنون أن ذلك

مور تسلية لنا عن الموتى و ما في هذه األ: قربة و طاعة إلى اهللا عزو جل و ربما يقولون

علموا أن هذه األمور من البدع المكروهة المنهي عنها و أن من البدع تعظيم القبور و

تبليطها و تجصيصها و بناء القباب عليها كل هذا من البدع الذي كرهه السلف و العلماء و

هو مخالف لسنة رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم

أن النبي صلى اهللا عليه و سلم نهى أن : من حديث جابر [ ترمذي و قد روى أبو داود و ال

و أن يكتب عليه و أن يوطأ و حسنه و صححه : زاد الترمذي ] يجصص القبر و أن يبنى عليه

و لفظ أبو داود و أن يقعد عليه

و قد بعث النبي علي بن أبي طالب ـ رضي اهللا عنه ـ أن ال يدع تمثاال إال طمسه و ال قبرا

رفا إال سواهمش

أال أبعثك على ما بعثني عليه رسول اهللا صلى : قال لي علي : و عن الهياج األسدي قال

اهللا عليه و سلم ؟ اذهب فال تدع تمثاال إال طمسته و ال قبرا مشرفا إال سويته رواه أبو داود

و الترمذي

فالسنة تسوية هذه القبور المشرفة المحجرة المطينة المجصصة

ى رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم أن يكتب عليه و نهى عن اتخاذها مساجد و كذلك نه

و إيقاد السرج عليها و اشتد نهيه صلى اهللا عليه و سلم حتى لعن فاعل ذلك و نهى عن

الصالة إلى القبور حتى نهى أمته أن يتخذوا قبره مسجدا أو عيدا

القبور كما ثبت ذلك في صحيح و كان رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم يعظ الناس عند

كنا في جنازة في بقيع الغرقد : من حديث علي ـ رضي اهللا عنه ـ قال [ البخاري و مسلم

فأتانا رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم فجلس و جلسنا حوله و معه مخصرة فنكس و جعل

ن الجنة ما منكم من أحد إال قد كتب مقعده من النار و مقعده م: ينكت بمخصرته و قال

اعملوا و سددوا و قاربوا و كل ميسر : يا رسول اهللا أفال نتكل على كتابنا ؟ فقال : فقالوا

لما خلق له أما من كان من أهل السعادة فسييسر لعمل أهل السعادة و أما من كان من

* فأما من أعطى واتقى {: أهل الشقاوة فسييسر لعمل أهل الشقاوة ثم قرأ اآلية

* وكذب بالحسنى * وأما من بخل واستغنى * فسنيسره لليسرى * ى وصدق بالحسن


[ { فسنيسره للعسرى

استغفروا ألخيكم و اسألوا له : أنه كان يقف عند الدفن و يقول : و في الصحيح أيضا ]

[ التثبيت فإنه اآلن يسأل


طن البافصل ـ في أن العمارة ليست من الظاهر بل عمارة األحياء و األموات في

فإن النبي صلى اهللا عليه و سلم [ و ليعلم أن عمارة األحياء و األموات ليست من خارج

فعمارة ] إن اهللا ال ينظر إلى صوركم و ال إلى أجسامكم و لكن ينظر إلى قلوبكم : قال

القلب هي العمارة النافعة و الميت في قبره كذلك ليست بزخرفة القبر و ال التربة و ال

ما العمارة بالصدقة عن ساكنها و أفعال القرب عنه و قد تقدم هذا في الباب تزويقها و إن

الذي قبله

أما علم أن القبر الذي يزخرف ظاهره فإن باطنه مظلم ضيق و قد طرح فيه من هو أحب

أقاربه إليه فريدا و حيدا مستوحشا من غير و سادة و ال تمهيد و قد باشر الثرى و واجه

الورى و نبذ منها ما كان بيده بالعرا مع حبيب تركه و قرين أسلمه فكل البلى و ترك دنياه ب

ما ذكرته لك يا أخي يفطم النفوس عن الشهوات و تعلم أن عمارة البواطن أولى من عمارة

الظواهر و هي العمارة النافعة في يوم القارعة

ما صار إليه و فإذا بحثت عن الحقيقة و نظرت بعين البصيرة علمت أنك عن قريب صائر إلى

قادم على ما قدم عليه فإن العبد بينما هو يمرح في أمنيته غافال عن يوم مصرعه إذ

هجمت عليه المنية فهتكت أستاره و كسفت أنواره و طمست أعالمه و آثاره فأخرجته من

قصر مشيد و بيت حميد مزخرف نضيد إلى حفرة من األرض كحفرة أخيه أو ولده أو غيرهما

ة الجوانب مملوءة من الرعب و الفزع فإما هي روضة من رياض الجنة أو حفرة مظلمة ضيق

من حفر النار أعاذنا اهللا منها

النظر في محلة األموات: ما أبلغ الموعظة ؟ قال : قيل لبعض الزهاد

فإذا كانت القبور النظر إليها موعظة و هي أول منازل اآلخرة و عبرة ألهل الدنيا فال ينبغي

و ال التزخرف و ال ما يفعله غالب األغنياء من األمراء و التجار و غيرهم من ضرب الخام التزين

و الخيام و غيرهما في الترب و وضع البسط و الفرش تحت ذلك و ينامون عليها و إخوانهم

بل هذه ! تحت ذلك على التراب في حفرة ضيقة مظلمة فأي موعظة تعظ هؤالء بموتاهم ؟

الى السالمة منهاغفلة نسأل اهللا تع


فصل ـ في بكاء عثمان رضي اهللا عنه على القبور

تذكر : و كان عثمان رضي اهللا عنه ـ إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته فقيل له ]

إن رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم قال : فقال ! الجنة و النار و ال تبكي و تبكي من هذا ؟

ة فإن نجا منه فما بعده أيسر منه و إن لم ينج منه فما بعده أشد إن القبر أول منازل اآلخر:

[ منه

ما رأيت منظرا إال و : و روى الترمذي في جامعه أن النبي صلى اهللا عليه و سلم قال ]

[ القبر أفظع منه

دخل رسول : من حديث أبي سعيد الخدري ـ رضي اهللا عنه ـ قال [ و روى الترمذي أيضا

أما إنكم لو أكثرتم ذكر : ليه و سلم مصاله فرأى ناسا كأنهم يكتشرون فقال اهللا صلى اهللا ع

الموت فإنه لم : هاذم اللذات ـ يعني الموت ـ لشغلكم عما أرى فأكثروا ذكر هاذم اللذات

أنا بيت الغربة و أنا بيت الوحدة و أنا بيت التراب و : يأت على القبر يوم إال تكلم فيه فيقول

مرحبا و أهال أما إن كنت ألحب من : فإذا دفن العبد المؤمن قال له القبر أنا بيت الدود

مشى على ظهري إلي فإذا و ليتك اليوم و صرت إلي فسترى صنيعي بك فيتسع له مد

ال مرحبا و ال : بصره و يفتح له باب إلى الجنة و إذا دفن العبد الفاجر أو الكافر قال له القبر

يمشي على ظهري إلي فإذا وليتك اليوم فسترى صنيعي بك أهال أما إن كنت ألبغض من

فيلتئم عليه حتى يلتقي عليه و تختلف أضالعه قال رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم

و يقيض له سبعون تنينا لو أن واحدا منها نفخ في : بأصابعه فأدخل بعضها في بعض قال

ه حتى يفضى به إلى الحساباألرض ما أنبتت شيئا ما بقيت الدنيا فينهشنه و يخدشن ]

إنما القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر : قال رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم ]

[ النار

: من حديث أبي الحجاج الثمالي قال [ و روى الحاكم في كتاب الكنى و القاسم بن أصبغ

! ويحك يا ابن آدم : ع فيه يقول القبر للميت إذا وض: قال رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم

ما غرك بي ؟ ألم تعلم أني بيت الفتنة و بيت الظلمة و بيت الوحدة و بيت الدود ؟ ما غرك

أ رأيت إن كان يأمر : فيقول : فإن كان مصلحا أجاب عنه مجيب القبر ! بي يا ابن آدم ؟

د جسمه نورا و إني أعود عليه خضرا و يعو: بالمعروف و ينهى عن المنكر ؟ فيقول القبر

[ تصعد روحه إلى رب العالمين

أول ما يكلم ابن آدم حفرته تقول أنا بيت الدود و بيت الوحدة و بيت الوحشة : و قال مجاهد

هذا ما أعددت لك يا ابن آدم فما أعددت لي ؟! و بيت الظلمة و بيت الغربة !


؟ يوم أدخل قبريأال أخبركم بيوم فقري: و قال أبو الدرداء ـ رضي اهللا عنه ـ !

يا أهل القبور ما لي إذا : و كان جعفر الصادق ـ رضي اهللا عنه ـ يأتي القبور ليال و يقول

حيل و اهللا بينهم و بين الجواب و كأني أكون مثلهم و أدخل : دعوتكم ال تجيبون ؟ ثم يقول

في جملتهم ثم يستقبل القبلة حتى طلوع الفجر

يا فالن لقد أرقت البارحة : رحمة اهللا عليه ـ لبعض جلسائه و قال عمر بن عبد العزيز ـ

تفكيرا بالقبر و ساكنه إنك لو رأيت الميت بعد ثالث ليال في قبره الستوحشت منه بعد

طول األنس به و لرأيت بيتا تجول الهوام فيه و يجري فيه الصديد و تخرقه الديدان مع تغير

ن الهيئة و طيب الريح و نقاء الثوب ثم شهق الريح و تقطع األكفان و كان ذلك بعد حس

شهقة خر مغشيا عليه

الموت بحر الحياة و النفس بحر الشهوات و القبر : أربعة أبحر ألربع : و قال بعض الحكماء

بحر الندامات و عفو اهللا بحر الخطيئات فنسأل اهللا العظيم أن يجعل اهللا القبر خير بيت نعمره

! و نسكنه


عدم استطاعة التمييز بين السعيد و الشقي في القبرفصل ـ في

و اعلم أنه لو دخل شخص إلى المقابر المزخرفة ليميز السعيد من الشقي ما علم هذا

من هذا و ما يعلمه إال عالم الغيوب بل قد يكون قبرا من القبور قد درست أعالمه و قد بقي

را مزخرفا و قد عليت عليه القباب ممشى للدوالب و صاحبه في أعلى الجنان و قد يكون قب

لو دخل الشيخ المقابر لم يميز قبر : و البشخانات الحرير و صاحبه في نار جهنم بل نقول

الذكر من األنثى و ال الشيخ من الشاب و ال الحر من العبد فإذا كان هذا التمييز الذي يمكن

علينا بعد الموت فكيف نميز الشخص العاقل أن يميز بين هؤالء في الحياة الدنيا قد أبهم

السعيد من الشقي ؟ و يشبه هذا ما روي أن اإلسكندر مر بمدينة قد ملكها عدة ملوك و

ما بقي منهم إال رجل : هل بقي من نسل أولئك الملوك أحد ؟ فقيل : بادوا فقال اإلسكندر

أردت : ؟ قال ما حملك على لزوم المقابر: واحد يأوي المقابر فدعا به فلما أحضره قال له

هل لك أن : أن أميز عظام الملوك من عظام عبيدهم فوجدت الكل سواء قال له اإلسكندر

إن لي همة عظيمة : تتبعني فأجيز لك بشرف آبائك إن كانت لك همة عظيمة ؟ فقال

حياة ال موت فيها و شباب : و ما بغيتك ؟ قال : إن كانت بغيتي عندك تبعتك قال : بشرط

ليس ذلك : م و غنى ليس معه فقر و سرور ليس معه حزن قال اإلسكندر ليس معه هر

أي خير أرجوه عندك إن لم يكن عندك هذه األشياء ؟ فامض لشأنك : عندي و ال بيدي فقال

و دعني أطلب ذلك ممن يملكه و هو عنده ثم عاد إلى مكانه و لم يلتف إلى اإلسكندر

يا أهل القبور متم : الليل خرج إلى المقابر فيقول كان عطاء السليمي ـ رحمه اهللا ـ إذا جن

غدا يكون عطاء في القبور فال يزال ذلك : فوا موتاه و عانيتم أعمالكم فوا عماله ثم يقول

دأبه حتى يصبح

من أكثر من ذكر القبر وجده روضة من رياض الجنة و من غفل عن : و قال سفيان الثوري

ذكره وجده حفرة من حفر النار

السالم عليكم : علي بن أبي طالب ـ رضي اهللا عنه ـ بالمقابر فوقف عليها قليال فقال و مر

أهل الديار الموحشة و المحال المقفرة أنتم لنا سلف و نحن لكم تبع و بكم عما قليل

الحقون اللهم اغفر لنا و لهم و تجاوز عنا وعنهم طوبى لمن ذكر المعاد للحساب و قنع

يا أهل القبور أما الزوجات فقد : يع أحواله عن اهللا تعالى ثم قال بالكفاف و رضي في جم

نكحت و أما الديار فقد سكنت و أما األموال فقد قسمت هذا خبر ما عندك فما خبر ما

وجدنا خير الزاد التقوى: أما إنهم لو تكلموا لقالوا : عندكم ؟ ثم التفت إلى أصحابه فقال

عبد العزيز ـ رحهم اهللا ـ فرآه قد تغير من كثرة العبادة و يروى أن رجال دخل على عمر بن


يا ابن أخي و ما تعجبك مني : له عمر : فجعل يتعجب من تغير لونه و استحالة صفته فقال

فكيف لو رأيتني بعد دخول قبري بثالث ؟ و قد خرجت الحدقتان فسالتا على الخدين و ! ؟

صديد و الدود من المنخرين و الفم و انتفخ تقطعت الشفتان و تقلصت عن األسنان و خرج ال

البطن فعال على الصدر لو رأيت ذاك مني فهو أعجب مما رأيته اآلن

و اعلم ـ رحمك اهللا ـ أنه من علم مصيره إلى هذه الحفرة المظلمة الموحشة لم يبالغ في

تحسين ظاهرها مع علمه بما يؤول صاحبها إليه مع ترافةجسمه و حسن منظره و لين

دنه فإنه عن قريب سيطرح في حفرة تتقطع فيها أوصاله و تتغير فيها أحواله ثم ينتن بعد ب

ذلك و يفر من رائحته من كان عنده من أحب الناس إليه إذا اطلع عليها

فإذا نظر العبد بعين بصره و بصيرته إلى قبور المترفين من أهل الدنيا رأى كأنهم لم يشاركوا

هم و طيب عيشهم هم و اهللا صرعى قد حلت بهم المثالت و أهل الدنيا أبدا في لذات

استحكم فيهم البالء و أصابت الهوام في أجسادهم فأطيبهم و أنعهم من قد أمن من

عذاب اهللا عز و جل

يا ثابت ال : دخلت المقابر فلما أردت الخروج منها إذا أنا بصوت يقول : قال ثابت البناني

معذبة فيها يغرنك صموت أهلها فكم من نفس ! !


في أن اهللا يثبت الذين آمنوا عند المسألة: الباب الخامس و العشرون

قال } يثبت اهللا الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي اآلخرة {: قال اهللا تعالى

قبل ال إله إال اهللا في الحياة الدنيا ـ يعني: هي كلمة التوحيد و هي قول : أكثر المفسرين

في الحياة : الموت ـ و في اآلخرة يعني في القبر ـ و ذهب بعض المفسرين إلى أن قال

عند البعث و األول أصح: الدنيا في القبر عند السؤال و في اآلخرة

المسلم : عن البراء بن عازب ـ رضي اهللا عنه ـ أن رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم قال ]

يثبت {: إله إال اهللا و أن محمدا رسول اهللا فذلك قوله تعالى إذا سأل في قبره فشهد أن ال

نزلت في عذاب : و في لفظ }اهللا الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا و في اآلخرة

يثبت اهللا الذين {: من ربك ؟ فيقول ربي اهللا و نبيي محمد و ذلك قول اهللا : القبر يقال له

رواه البخاري و مسلم و رواه أحمد مطوال و أهل السنن ] ية اآل}آمنوا بالقول الثابت

والمسانيد

خرجنا : قال : من حديث البراء أيضا و لفظه [ و راه اإلمام أبو داود في سننه بأتم من هذا

مع رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم في جنازة رجل من األنصار فانتهينا إلى القبر ولم

هللا عليه و سلم و جلسنا حوله كأنما على رؤوسنا الطير و يلحد فجلس رسول اهللا صلى ا

استعيذوا باهللا القبر مرتين أو ثالثا و ذكر : في يده عود ينكت به األرض فرفع رأسه و قال

و إنه ليسمع خفق : صفة قبض الروح و عروجها إلى السماء ثم عودها إليه إلى أن قال

ا هذا من ربك ؟ و ما دينك ؟ و من نبيك ؟ و في ي: نعالهم ـ إذا ولو مدبرين ـ حين يقال له

ما : ديني اإلسالم فيقوالن : ما دينك ؟ فيقول : لفظ فيأتيه ملكان فيجلسانه و يقوالن له

: و ما يدريك ؟ فيقول : هو رسول اهللا فيقوالن : فيقول : هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ قال

يثبت اهللا الذين {: قت ؟ فذلك قوله قرأت كتاب صلى اهللا عليه و سلم و آمنت به و صد

أن : فينادي مناد من السماء : قال }آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا و في اآلخرة

فيأتيه : صدق عبدي فأفرشوه من الجنة و ألبسوه من الجنة و افتحوا له بابا إلى الجنة قال

و تعاد : لكافر فذكر موته قال و إن ا: و يفسح له مد بصره قال : من روحها و طيبها قال

هاه هاه ال أدري : من ربك ؟ فيقول : روحه إلى جسده فيأتيه ملكان فيجلسانه و يقوالن له

أن كذب : فينادي مناد من السماء ! هاه هاه ال أدري : ما دينك ؟ فيقول : فيقوالن له !

لنار فيأتيه من حرها و عبدي فأفرشوه من النار و ألبسوه من النار و افتحوا له بابا إلى ا

ثم يقيض له أعمى أبكم : و يضيق عليه قبره حتى تختلف عليه أضالعه قال : سمومها قال

فيضربه بها ضربة يسمعها بين : معه مرزبة من حديد لو ضرب بها جبل لصار ترابا قال


م من هذاورواه الطبراني بأت] المشرق و المغرب إال الثقلين فيصير ترابا ثم تعاد فيه الروح

التثبيت ألهل اإلسالم و اإليمان الذين آمنوا باهللا : فقد اشتمل هذا الحديث على فوائد منها

و ما جاء من عند اهللا و صدقوا به و آمنوا برسوله و اتبعوه و منها اإليمان بعذاب القبر و إعادة

عد إن شاء الروح إلى الجسد و غير ذلك من األمور التي ال تحضرني كما سأذكره مفصال ب

اهللا

إن : قال رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم : وعن أنس بن مالك ـ رضي اهللا عنه ـ قال ]

يأتيه : العبد إذا وضع في قبره و تولى عند أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم إذا انصرفوا قال

شهد أنه أ: ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ فأما المؤمن فيقول : ملكان فيقعدانه فيقوالن له

انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك اهللا به مقعدا من : فيقال له : عبد اهللا و رسوله قال

فيراهما جميعا و ذكر لنا أنه يفسح له في : نبي اهللا صلى اهللا عليه و سلم : الجنة قال

أدري ال : قبره سبعون ذراعا يمأل عليه خضرا إلى يوم يبعثون و أما المنافق أو الكافر فيقول

ال دريت و ال تليت ثم يضرب بمطرقة من حديد ضربة : فقال ! كنت أقول ما تقول الناس فيه

رواه البخاري و مسلم] بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها من يليه إال الثقلين

و قد روي من حديث البراء و حديث أنس في قبض الروح و المسألة و نعيم صاحب القبر و

حذيفة ابن اليمان و غيرهماعذابه عن أبي هريرة و

أن : من حديث أبي هريرة و لفظه [ فرواه اإلمام أحمد في مسنده و ابن حبان في صحيحه

إن الميت إذا وضع في قبره إنه ليسمع خفق نعالهم : لنبي صلى اهللا عليه و سلم قال

انت حين يولون عنه فإن كان مؤمنا كانت الصالة عند رأسه و كان الصيام عن يمينه و ك

الزكاة عن شماله و كان فعل الخيرات و الصدقة و الصلة و المعروف و اإلحسان عند رجليه

ما : ما قبلي مدخل ثم يؤتى عن يمينه فيقول الصيام : فيأتيان من قبل رأسه فتقول الصالة

ما قبلي مدخل ثم يؤتى من قبل شماله : قبلي مدخل ثم يؤتى عن يمينه فيقول الصيام

ما قبلي مدخل ثم يؤتى من قبل رجليه فيقول فعل الخيرات من الصدقة و : فتقول الزكاة

ما قبلي مدخل فيقال اجلس فيجلس قد مثلت له الشمس : الصلة و المعروف و اإلحسان

هذا الرجل الذي كان فيكم ما تقول فيه ؟ و ماذا تشهد به : قد أضاءت الغروب فيقال له

إنك ستصلي أخبرنا عما نسألك عنه أرايت : ل فيقا: عليه ؟ فيقول دعوني حتى أصلي

محمد أشهد : فيقول : هذا الرجل الذي كان فيكم ما تقول فيه ؟ و ما تشهد به عليه ؟ قال

على ذلك حييت و على ذلك تموت و : أنه رسول اهللا جاء بالحق من عند اهللا فيقال له

يقال له هذا مقعدك و ما أعد على ذلك تبعث إن شاء اهللا ثم يفتح له باب من أبواب الجنة ف

اهللا لك فيها فيزداد غبطة و سرور ا ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعا و ينور له فيه و يعاد

الجسد لما بدأ منه فيجعل نسمة في النسيم الطيب و هو طير يعلق من شجر الجنة قال


و } الدنيا و في اآلخرة يثبت اهللا الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة{: فذلك قوله تعالى :

يضيق عليه قبره إلى أن تختلف أضالعه فتلك : ذكر في الكافر ضد ذلك إلى أن قال

فإن له معيشة ضنكا و نحشره يوم القيامة أعمى {: المعيشة الضنك التي قال اهللا تعالى

و هذا مختصر من الحديث ] }

ول اهللا صلى اهللا عليه و من حديث أبي هريرة أيضا أن رس[ و رواه مسلم في صحيحه

إذا خرجت روح المؤمن تلقاها ملكان يصعدانها ـ فذكر من ريح طيبها و ذكر : سلم قال

روح طيبة جاءت من قبل األرض صلى اهللا عليك و : فيقول أهل السماء : المسك ـ قال

و :انطلقوا به إلى آخر األجل قال : على جسد كنت تعمرينه فينطلق به إلى ربه ثم يقول

روح جاءت من : إن الكافر إذا خرجت روحه و ذكر من نتنها و ذكر اللعن فيقول أهل السماء

فرد رسول اهللا صلى اهللا عليه و : قبل األرض فيقال انطلقوا به إلى آخر األجل قال أبو هريرة

فيقول عبدك فالن ـ يعني : في رواية أخرى [ و ] سلم ريطة كانت عليه على أنفه هكذا

: ـ فيقول أرجعوه فإني منها خلقتهم و فيها أعيدهم و منها أخرجهم تارة أخرى قال المؤمن

فإنه يسمع خفق نعال أصحابه إذا ولوا عنه فيأتيه آت و في لفظ فيأتيه ملكان أسودان

فيقول : فيقوالن و في غيره : النكير ففي الترمذي : أزرقان يقال ألحدهما المنكر و لآلخر

ربي اهللا و ديني اإلسالم و نبيي محمد صلى اهللا : ؟ من نبيك ؟ فيقول من ربك ؟ ما دينك

من ربك ؟ ما دينك ؟ من نبيك ؟ و هي آخر فتنة تعرض على : عليه و سلم فينتهره فيقول

اآلية فيقول كما قال } يثبت اهللا الذين آمنوا بالقول الثابت {: المؤمن فذلك حين يقول

أبشر بكرامة : سن الوجه طيب الريح حسن الثياب فيقول صدقت ثم يأتيه آت ح: فيقول له

و أنت فبشرك اهللا بخير من أنت ؟ فيقول أنا عملك الصالح : من اهللا و نعيم مقيم فيقول

كنت و اهللا سريعا في طاعة اهللا بطيئا عن معصية اهللا فجزاك اهللا خيرا ثم يفتح له باب من

عصيت اهللا أبدلك به هذا فإذا رأى ما في الجنة هذا منزلك لو: الجنة و باب من النار فيقول

: اسكن و في لفظ : رب عجل قيام الساعة كيما أرجع إلى أهلي و مالي فيقول له : قال

نم كنومة العروس الذي ال يوقظه إال أحب أهله إليه حتى يبعثه اهللا من مضجعه : فيقال له

اآلخرة نزلت عليه مالئكة غالظ شداد و إن الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا و إقبال من

فانتزعوا روحه كما ينتزع السفود الكثير الشعب من الصوف المبتل و ينزع نفسه مع العروق

فيلعنه كل ملك بين السماء و األرض و كل ملك في السماء و تغلق أبواب السماء ليس من

رب فالن : رج بروحه قالوا أهل باب إال و هم يدعون اهللا أن ال يعرج بروحه من قبلهم فإذا ع

أرجعوه فإني عهدت إليهم أني منها خلقتهم و فيها أعيدهم و منها أخرجهم : عبدك قال

ما دينك ؟ : فيأتيه آت فيقول : تارة أخرى فإنه ليسمع خق نعال أصحابه إذا ولوا عنه قال

الثياب منتن الريح ال دريت و ال تليت فيأتيه آت قبيح الوجه قبيح : فيقال ! ال أدري : فيقول


و أنت بشرك اهللا بالشر من أنت ؟ : أبشر بهوان من اهللا و عذاب مقيم فيقول : فيقول

أنا عملك الخبيث كنت بطيئا عن طاعة اهللا سريعا في معصية اهللا فجزاك اهللا شرا : فيقول

ير ثم يقيض له أعمى أصم أبكم في يده مرزبة لو ضرب بها جبل كان ترابا فيضربه ضربة فيص

ترابا ثم يعيده اهللا كما كان فيضربه ضربة أخرى فيصيح صيحة يسمعه كل شيء إال الثقلين

و رواه اإلمام أحمد] ثم يفتح له باب من النار ويمهد له له من فرش النار : قال البراء

من حديث البراء أيضا بأتم ما تقدم من [ و روى أحمد و الحافظ ابن منده بإسناد حسن

خرجنا مع رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم في جنازة : يرة و البراء قال حديث أبي هر

فانتهينا إلى القبر فجلس فجلسنا كأن على أكتافنا فلق الصخر و على رؤوسنا الطير فأرم

إن المؤمن إذا كان في قبل من اآلخرة و : قليال ـ و اإلرمام السكوت ـ فلما رفع رأسه قال

الموت فجلس عند رأسه و نزلت عليه مالئكة معهم كفن من دبر من الدنيا و حضره ملك

اخرجي أيتها : الجنة و حنوط من الجنة فجلسوا منه مد الصبر ثم يقول ـ يعني ملك الموت ـ

: النفس الطيبة ـ و في رواية أيتها النفس المطمئنة ـ إلى مغفرة من اهللا و رضوان قال

فإذا خرجت نفسه صلى عليه كل ملك فتخرج نفسه كما تسيل القطرة من في السقاء

بين السماء و األرض إال الثقلين فيأخذها و في رواية فإذا أخذها ـ يعني ملك الموت ـ لم

يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها في ذلك الكفن و ذلك الحنوط و يخرج منها

له فيصعدون بها إلى السماء فيفتح : كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه األرض قال

فال يمرون منها على مأل من : السماء و يشيعه مقربوها إلى السماء الثانية و في لفظ

فالن بن فالن بأحسن أسمائه التي : ما هذا الروح الطيب ؟ فيقولون : المالئكة إال قالوا

يسمونه بها في الدنيا فيشيعه من كل سماء مقروبها حتى ينتهي به إلى السماء

اكتبوا كتاب عبدي في : ذا انتهى إلى العرش قال اهللا عز و جل السابعة إلى العرش فإ

عليين و أعيدوه إلى األرض و في لفظ ـ إلى مضجعه ـ فإني وعدتهم أني منها خلقتهم و

فيها أعيدهم و منها أخرجهم تارة أخرى فتعاد روحه إلى جسده فيأتيه منكر و نكير يثيران

يا هذا من ربك ؟ : ما فيجلسانه ثم يقال له األرض بأنيابهما و يفحصان األرض بأشفاره

: ديني اإلسالم فيقوالن : ما دينك ؟ فيقول : صدقت ثم يقال له : ربي اهللا فيقوالن : فيقول

صدقت ثم يفسح له في : فيقوالن : محمد رسول اهللا : من نبيك ؟ فيقول : صدقت ثم يقال

جزاك اهللا خيرا و : لثياب فيقول قبره مد بصره و يأتيه رجل حسن الوجه طيب الريح حسن ا

من أنت ؟ فوجهك : أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول : في لفظ فيقول

رب أقم الساعة حتى أرجع إلى : أنا عملك الصالح فيقول : الوجه الذي يجيء بالخير فيقول

حتى تقوم أهلي و مالي ثم يفتح له باب إلى الجنة فينظر إلى مقعده و منزله منها

الساعة و إن العبد الكافر إذا كان في دبر من الدنيا و قبل من اآلخرة و حضره الموت نزلت


عليه من السماء مالئكة و معهم كفن من نار و في لفظ مالئكة سود الوجوه معهم

اخرجي : فيجلسون منه مد بصره وجاء ملك الموت فجلس عند رأسه فيقول : المسوح قال

بيثة اخرجي إلى غضب اهللا و سخطه فتتفرق روحه في جسده كراهية أن أيتها النفس الخ

تخرج لما ترى و تعاين فذكر خروجها كما تقدم و نتن ريحها و وضعها في تلك المسوح و لعن

ال {: المالئكة لها و غلق أبواب السماء دونها ثم قرأ رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم

فيقول اهللا }ون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط تفتح لهم أبواب السماء و ال يدخل

: في األرض السفلى فتطرح روحه طرحا ثم قرأ : اكتبوا كتاب عبدي في سجين : عز و جل

ومن يشرك باهللا فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق {

صان األرض بأشفارهما أصواتهما كالرعد فيأتيه منكر و نكير يثيران األرض بأنيابهما و يفح}

ال أدري : يا هذا من ربك ؟ فيقول : القاصف و أبصارهما كالبرد الخاطف فيجلسانه ثم يقوالن

ال دريت فيضربانه بمزربة من حديد لو اجتمع عليها من بين : فينادى من جانب القبر

معذبا حتى يبعثه اهللا الخافقين لم تقل و يضيق عليه قبره حتى تختلف أضالعه فال يزال

[ من مضجعه ذلك

و ذكر تمام الحديث كما تقدم

و رواه أبو داود أيضا بطوله بنحو هذه الرواية و أبو حاتم و ابن حبان في صحيحه و روى

النسائي و ابن ماجة أوله و رواه أبو عوانة يعقوب بن إسحاق اإلسفراييني في صحيحه و

هذا إسناد متصل مشهور ولم أذكر : ان بطوله و قال أما ابن منده فرواه في كتاب اإليم

لم : سمعت البراء و قال غيره : قال زاذان الكندي : سنده لالختالف فيه قال أبو عوانة

يسمعه من البراء و اهللا أعلم

: عن مالك عن نافع عن ابن عمر ـ رضي اهللا عنهما ـ قال [ و في صحيح البخاري و مسلم

إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة و : عليه و سلم قال رسول اهللا صلى اهللا

العشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة و إن كان من أهل النار فمن أهل النار فيقال

و رواه اإلمام أحمد أيضا في مسنده] هذا مقعدك حتى يبعثك اهللا يوم القيامة :


ست كمثلها في الدنيافصل ـ في أن النار و الخضرة في القبر لي

كما تقدم ليست من نار الدنيا و ال : و ليعلم أن النار و الخضرة التي ورد ذكرهما في القبر

الخضرة زرع الدنيا و إنما هي من نار اآلخرة و من خضرها و هما أبلغ و أشد من نار الدنيا و

جارة التي فوقه و خضرها فإن من قضى اهللا بعذابه فإنه يحمى عليه ذلك التراب و تلك الح

تحته أو اللبن حتى يكون أعظم حرا من جمر الدنيا و لو مسها أهل الدنيالم يحسوا بذلك

أحدهما إلى جانب صاحبه هذا في : ولم يروا إال ترابا و حجارة و لبنا بل قد يدفن شخصان

هذا حفرة من حفر النار و هذا في روضة من رياض الجنة ال حر هذا يصل إلى هذا و ال نعيم

يصل إلى هذا و قدرة الرب عز وجل أوسع و أبلغ و أعجب من ذلك و كل ذلك حتى يحصل

للمؤمنين اجتهاد و خوف من اهللا تعالى و مراقبته في السر و العالنية فينتج من ذلك

مضاعفة األجر العظيم و الثواب الجزيل ألن ما ذكرناه هو من اإليمان بالغيب و يعلم المؤمن

ل و عقبات ـ نسأل اهللا السالمة ـ و ما ذكرته و إن كان من المغيبات قد يطلع أن أمامه أهوا

أن النبي صلى اهللا [ اهللا بعض خلقه على ما يشاء من عجائب قدرته كما في الصحيح

و ] لوال أن ال تدافنوا لدعوت اهللا أن يسمعكم من عذاب القبر ما أسمع : عليه و سلم قال

إنهما ليعذبان و ما : ي صلى اهللا عليه و سلم مر بقبرين و قال أن النب: [ في الصحيح أيضا

الحديث المشهور] يعذبان في كبير

حدثني صاحبنا أبو عبد اهللا محمد بن : قال العالمة ابن القيم رحمه اهللا ـ في كتاب الروح ـ

فلما كان قبل غروب : الوزير الحراني أنه خرج من داره بعد العصر بآمد من بستان قال

الشمس توسطت القبور فإذا بقبر منها و هو جمرة من نار مثل كور الزجاج و الميت في

ثم التفت فإذا سور المدينة قلت ! أنا نائم أم يقظان ؟ : وسطه فجعلت أمسح عيني و أقول

ثم ذهبت إلى أهلي و أنا مدهوش فأتوني بطعام فلم أستطع أن آكل ! و اهللا ما أنا نائم :

سألت عن صاحب ذلك القبر فقالوا رجل مكاس توفي فإذا به توفي ذلك ثم دخلت البلد ف

اليوم انتهى ما ذكره

و قد ذكر ابن أبي الدنيا في كتاب القبور و كتاب المنامات من هذا النوع شيئا كثيرا عن

النبي صلى اهللا عليه و سلم و الصحابة و التابعين في الخير و الشر فمن رام المطالعة

موضعهفليطلب ذلك من

مررت ببدر فرأيت رجال يخرج : أن رجال قال للنبي صلى اهللا عليه و سلم [ ومما ذكر مرفوعا

من األرض فيضربه رجل بمقمع حتى يغيب في األرض ثم يخرج فيفعل به ذلك فقال رسول

ذاك أبو جهل بن هشام يعذب إلى يوم القيامة: اهللا صلى اهللا عليه و سلم ]


و البحث في ماهيتهفصل ـ في البرزح

اسم لما بين الدنيا و : فالبرزخ } و من ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون {: قال اهللا تعالى

اآلخرة و هذه اآلية دالة عليه و هذا البرزخ يشرف أهله فيه على الدنيا و اآلخرة و عذاب

دار : ر ثالثة اسم لعذاب البرزخ و نعيمه فجعل اهللا سبحانه و تعالى الدو: القبر و نعيمه

الدنيا و دار البرزخ و دار القرار و جعل لكل دار أحكاما تختص بها و ركب هذا اإلنسان من بدن

و نفس و جعل أحكام الدنيا على األبدان و األرواح تبع لها و لهذا جعل اهللا تعالى األحكام

ما ظهر الشرعية على ما يظهر من حركات اإلنسان و الجوارح و إن كان في النفس خالف

منها و جعل أحكام البرزخ على األرواح و األبدان تبع لها فكما تبعت األرواح األبدان في

أحكام الدنيا في نعيمها و عذابها تبعت األبدان األرواح في نعيمها و عذابها فاألرواح في

البرزخ هي المباشرة للنعيم و العذاب ثم يسري إلى أبدانها كما تجري أحكام الدنيا على

األبدان فتسري على أرواحها فاألبدان في الدنيا ظاهرة و األبدان خفية و إذا أردت أن تعلم

ذلك فخذ في نوم الشخص في الدنيا فإنه ينعم في حال نومه أو يعذب فهو يجري على

روحه أصال و البدن تبع لها و قد يقوى التأثير في البدن حال النوم حتى يشاهد و هذا ـ و

لب الناس يشاهد هذا في منامهاهللا أعلم ـ غا

و لقد أخبرني الشيخ نصير المقدسي ـ و كان من صلحاء أهل مدرسة شيخ اإلسالم أبي

ثالث ليال أرى في النوم كأن أناسا يستعملونني بالفاعل و أخلف منهم : عمر ـ قال لي

انظر : خوفا شديدا فأعمل ثم أصبح في هذه األيام و أنا تعبان في غاية التعب ثم قال لي

إلى يدي فنظرت و إذا بكفيه شالفيط كبار فكان ينزل الفجر يقرئ الناس فامتنع في النزول

في تلك األيام ثم أني أرشدته إلى ذكر يقوله عند النوم لعله أن يصرف عنه ما يجد و ربما

قص علي منامات لبعض الناس يرى أنه يأكل أو يشرب فيستيقظ و هو يجد أثر الطعام و

في فيه و أعجب من ذلك أنك ترى النائم يقوم في حال نومه و يبطش و يضرب في الشراب

الهواء أو يدافع عن نفسه و ربما صرخ بأعلى صوته كأنه يقظان و هو ال شعور له بشيء من

ذلك ألن الروح استعانت بالبدن و لو دخلت فيه الستيقظ و إنما مثلت لك ذلك حتى تعلم

الفصل و اهللا أعلمصحة ما ذكرته لك في أول هذا


في عرض أعمال األحياء على أقاربهم األموات: فصل

و ينبغي للعبد إذا تفكر بعين بصيرته و علم ماله إلى هذه الحفرة و ما أعد له فيها في

العبادة و يكثر من األعمال الصالحة و يعلم أن عمله يعرض على أقاربه من األموات كما ورد

قال رسول اهللا صلى اهللا عليه : نس بن مالك ـ رضي اهللا عنه ـ قال من حديث أ[ في الخبر

إن أعمالكم تعرض على أقاربكم و عشائركم من األموات فإن كان خيرا استبشروا : و سلم

رواه اإلمام أحمد في ] اللهم ال تمتهم حتى تهديهم كما هديتنا : و إن كان غير ذلك قالوا

مسنده

قال رسول اهللا : عن أبي هريرة ـ رضي اهللا عنه ـ قال [ ه و روى ابن أبي شيبة بإسناد

ال تفضحوا موتاكم بسيئات أعمالكم فإنها تعرض على أوليائكم من : صلى اهللا عليه و سلم

اللهم أعوذ بك أن أعمل عمال أخزى به عند عبد اهللا بن : فكان أبو الدرداء يقول ] أهل القبور

األقارب الصلحاء أهل طاعة اهللا تعالى ثم نعوذ باهللا من رواحة فنعوذ باهللا من االفتضاح بين

االفتضاح غدا بين يدي أحكم الحاكمين على رؤوس الخالئق بل نسأل اهللا تعالى التوفيق

لما يحبه و يرضاه

إنه ليبشر المؤمن بصالح ولده من بعده لتقر بذلك عينه: قال مجاهد


قين عمومافصل ـ في تلقين الصغار و ما قيل في التل

أما تلقين الطفل الرضيع فما له : و أما تلقين الصغار فقد قال اإلمام أبو عمر و بن الصالح

مستند يعتمد عليه و ال نراه و اهللا أعلم

الصواب أنه ال يلقن الصغير سواء كان رضيعا أو أكبر منه ما لم يبلغ : و قال النووي رحمه اهللا

إذ يصير مكلفا و اهللا أعلم

التلقين بعد الدفن لم أجد فيه عن أحمد شيئا و ال : العالمة موفق الدين في المغنى و قال

قلت ألبي عبد اهللا فهذا الذي يصنعون إذا : أعلم فيه لألئمة قوال سوى ما رواه األثرم قال

ما رأيت أحدا يفعل : يا فالن بن فالنة الحديث المعروف قال : دفن الميت يقف الرجل و يقول

و قال : أهل الشام حين مات أبو المغيرة جاء إنسان فقال ذلك ثم قال بعد كالم هذا إال

عن أبي أمامة أن النبي صلى اهللا عليه و [ يستحب ذلك و رويا فيه : القاضي أبو الحطاب

يا : إذا مات أحدكم فسويتم عليه التراب فليقم أحدكم عند رأس قبره ثم ليقل : سلم قال

يا فالن بن فالنة الثانية فيستوي قاعدا ثم : مع و ال يجيب ثم ليقل فالن بن فالنة فإنه يس

اذكر ما : أرشدنا يرحمك اهللا و لكن ال تسمعون فيقول : يا فالن بن فالنة فإنه يقول : ليقل

خرجت عليه من الدنيا شهادة أن ال إله إال اهللا و أن محمدا عبده و رسوله و أنك رضيت باهللا

و بمحمد نبيا و بالقرآن إماما فإن منكرا و نكيرا يتأخر كل واحد منهما ربا و باإلسالم دينا

انطلق فما يقعدنا عند هذا و قد لقن حجته ؟ و يكون اهللا حجيجه دونهما فقال رجل : فيقول

رواه ابن ماجة أيضا في ] فلينسب إلى حواء : يا رسول اهللا فإن لم يعرف اسم أمه ؟ قال

كتاب ذكر الموت


في حياة الميت في قبره و الخالف في ذلكفصل ـ

و أما من ظن أن : و من غرائب ما ذكره أبو محمد بن حزم في كتابه في الملل و النحل قال

الميت يحيا في قبره يوم القيامة فخطأ ألن اآليات التي ذكرناها تمنع من ذلك و كان قد ذكر

كيف {: و قوله تعالى }حييتنا اثنتين قالوا ربنا أمتنا اثنتين و أ{: قبل ذلك قوله تعالى

و لو كان الميت يحيا : ثم قال }تكفرون باهللا و كنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم

في قبره لكان تعالى أماتنا ثالثا و هذا باطل و خالف القرآن إال من أحياه اهللا آية لنبي من

ال ترجع إلى أجسادها إال إلى أجل األنبياء فصح بنص القرآن أن أرواح سائر من ذكرنا

مسمى ـ و هو يوم القيامة ـ و أخبر يوم بدر إذ خاطب الموتى أنهم قد سمعوا قوله قبل أن

يكون لهم قبور و لم ينكر على الصحابة قولهم قد جيفوا و اعلم أنهم سامعون قوله مع ذلك

و {ه و قد قال تعالى فصح أن الخطاب و السماع ألرواحهم بال شك و أما الجسد فال حس ل

فنفى السمع عمن في القبور و هي أجساد و لم يات قط }ما أنت بمسمع من في القبور

عن رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم في ذلك خبر صحيح أن أرواح الموتى ترد إلى

أجسادهم عند المسألة و لو صح ذلك عنه لقلنا به و إنما هذه رواية شاذة عن المنهال بن

ما جازت للمنهال : وحده و ليس بالقوي تركه شعبة و غيره و قال جماعة من الحفاظ عمرو

شهادة في اإلسالم قط انتهى كالمه

فهذا مضمون ما ذكره و من اطلع على ما قدمته من أحاديث و آمن بها و صدقها فليحمد

من أمة اهللا تعالى على التوفيق لذلك فإنه لو لم تكن هذه األحاديث كان إجماع الناس

محمد صلى اهللا عليه و سلم على إعادة الروح في الجسد ألجل المسألة فكيف و قد صح

بل قد كفانا الرسول صلى اهللا عليه و سلم أمر هذه ! عن النبي صلى اهللا عليه و سلم ؟

المسالة و أغنانا عن أقوال الناس حيث صرح بإعادة الروح إليه و ما كان يليق بأبي محمد

فجوابه مردود بالنصوص : جازف هذه المجازفة و أن يقول القول بهذا الخطأ بن حزم أن ي

بل ] فتعاد روحه في جسده : قوله صلى اهللا عليه و سلم [ الصريحة المتقدم ذكرها و هو

من : إن هذا إجماع األمة على هذا و أنهم تلقوه بالقبول و أنهم مجمعون على : لقد قيل

أن تصديق ذلك من اإليمان بالبعث و لكن إن أراد ابن حزم أن رد ذلك و أنكره إنه مخطىء و

الميت ال يحيا في قبره الحياة المعهودة في الدنيا التي يقوم فيها الروح بالبدن و تدبره و

تصرفه و يحتاج معها إلى الطعام و الشراب و اللباس فهذا صحيح يشهد العقل بصحة ذلك و

ة بل تعاد الروح إليه غير اإلعادة المألوفة في الدنيا إن أراد به حياة أخرى غير هذه الحيا

ألجل المسألة و االمتحان كما وردت بذلك النصوص الصحيحة فهذا حق و نفيه خطأ بين بل


أن النبي صلى اهللا عليه [ نفيه باطل قادح فيمن نفاه بل قد ورد في سنن أبي داود مرفوعا

رفه في الدنيا فسلم إال رد اهللا عليه روحه ما من رجل يمر بقبر أخيه كان يع: و سلم قال

فهذه إعادة الروح إلى الجسد أيضا غير اإلعادة المألوفة في الدنيا ] حتى يرد عليه السالم

ألجل رد السالم بل لو سلم على الميت في الليل و النهار مرارا عديدة عادت روحه لرد

السالم و ال يلزم من ذلك أن يحيا الحياة المعروفة

الحديث ال يصح لتفرد المنهال بن عمرو به فهذه مجازفة فإن ما قيل فيه قال أحمد : وله و ق

تركه شعبة هذا مضمون ما ذكره أبو الفرج بن الجوزي في الكالم على الرجال ولم يذكر أن

أحدا رد شهادته و الحديث صحيح ال شك فيه و قد رواه عن البراء بن عازب جماعة غير

بن ثابت و محمد بن عقبة و مجاهد و غيرهمالمنهال منهم عدي

الروح لها بالبدن خمسة أنواع من التعلق متغايرة : قال العالمة بن القيم ـ رحمه اهللا ـ

: األحكام

تعلقها به في بطن األم: أحدهما

تعلقها به بعد خروجه إلى وجه األرض: الثاني

ه و مفارقة من وجهتعلقها به في حال النوم فلها به تعلق من وج: الثالث

تعلقها به في البرزخ فإنها و إن فارقته و تجردت عنه فإنها لم تفارقه فراقا كليا بحيث : الرابع

ال يبقى لها التفات إليه بل تعاد إليه وقت المسألة و ترد إليه أيضا وقت سالم المسلم و

هذا الرد إعادة خاصة ال يوجب إعادة البدن قبل القيامة

قها به يوم بعث األجساد و هو أكمل تعلقها به و ال نسبة لما قبله من أنواع تعل: الخامس

التعلق البتة إذ هو تعلق ال يقبل البدن موتا و ال نوما و ال فسادا و اهللا أعلم انتهى كالمه

فهذا العالمة ابن القيم ـ رحمه اهللا ـ قد كفانا مؤنة الرد بال تكلف

يث الصحيحة المتواترة تدل على عود الروح إلى البدن قال شيخ اإلسالم ابن تيمية األحاد

وقت السؤال و سؤال البدن بال روح قول طائفة من الناس و أنكره الجمهور و قابلهم آخرون

السؤال للروح بال بدن و هذا قاله ابن مسرة و ابن حزم و كالهما غلط و األحاديث : فقالوا

الصحيحة ترده و اهللا أعلم انتهى كالمه


الخالف في ذلكالباب السادس و العشرون ـ في اجتماع األرواح و هيئاتها و أين محلها و

و {: و قال اهللا تعالى } و يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي {: قال اهللا تعالى

: قوله صلى اهللا عليه و سلم [ و } فنفخنا فيه من روحنا {: و قوله }نفخت فيه من روحي

إليه الملك فينفخ فيه الروحثم يرسل ]

فهل هو جبريل } يقوم الروح و المالئكة صفا { و } فأرسلنا إليها روحنا {: و أما قوله تعالى

أو ملك آخر ؟ فيه خالف للمفسرين

و أما كالم العلماء في هذا الباب فقد ألف الناس فيه شيئا كثيرا لكن على غير هذا الترتيب

لكالم غالب العلماء في مستقر األرواح بعد الموت إلى أن تقوم فنذكر نبذة يسيرة جامعة

الساعة هل هي في السماء أم في األرض ؟ و هل هي في الجنة أم في النار ؟ و هل

تنعم في أجسادها و تعذب أم تودع في أجساد غير أجسادها ؟ أم تكون مجردة أو تعدم

بالكلية فال يبقى لها و جود أصال ؟

علماء في ذلك اختالفا كثيرا متباينا ذهب كل طائفة إلى قول نصرته و فقد نقلوا عن ال

رجحته على غيره و هدى اهللا الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه و هذه المسألة

إنما تعرف من جهة الشرع بالسمع

فمن العلماء من ذهب إلى أن أرواح المؤمنين و الشهداء في الجنة بشرط أن ال يحسهم

ا ذنب عظيم كمظالم العباد و نحوها فإذا كانوا خالين من ذلك تلقاهم ربهم بالعفو و عنه

و ال تحسبن الذين قتلوا في سبيل اهللا أمواتا بل أحياء عند ربهم {: الرحمة قال اهللا تعالى

أبو هريرة و عبد اهللا بن عمر و جماعات من السلف: و ممن ذهب إلى هذا القول }يرزقون

إن أرواح المؤمنين في الجنة و أرواح الكفار في : أحمد في رواية ابنه عبد اهللا قال اإلمام

النار

و ذهبت طائفة إلى أن أرواح المسلمين على أبواب الجنة يأتيهم من روحها و نعيمها و

رزقها

أرواح : و قالت طائفة من العلماء من الصحابة و التابعين : و قال أبو عبد اهللا بن منده

و قد روي عن جماعة من : ن عند اهللا عز و جل و لم يزيدوا على ذلك ثم قال المؤمني

الصحابة و التابعين أن أرواح المؤمنين بالجابية و أرواح الكفار في بئر برهوت ـ بئر حضرموت ـ

أرواح الشهداء في الجنة و أرواح عامة المؤمنين على أفنية : و قال أبو عمر بن عبد البر

قبورهم

أرواح المؤمنين في : ن المبارك عن ابن جريج فيما قرئ عليه عن مجاهد قال و حكى اب


الجنة يأكلون من ثمارها و يجدون ريحها

بلغني أن الروح مرسلة تذهب حيث شاءت: و قال مالك

إن : سألت عامر بن عبد اهللا هل ألنفس المؤمنين مجتمع ؟ قال : و قال صفوان بن عمر

و لقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن األرض يرثها عبادي {: األرض التي يقول اهللا

هي األرض التي تجتمع إليها أرواح المؤمنين حتى يكون البعث و قال : قال }الصالحون

هي األرض التي يورثها اهللا المؤمنين في الدنيا

ر في أرواح المؤمنين في عليين في السماء السابعة و أرواح الكفا: و قال كعب األحبار

سجين في األرض السابعة

أرواح األبرار في عليين و أرواح الفجار في : و روي عن أبي هريرة ـ رضي اهللا عنه ـ أنه قال

سجين و عن عبد اهللا بن عمر نحوه

و ذهب طائفة من العلماء إلى أن أرواح المؤمنين في بئر زمزم ولم أطلع على دليل يدل

و أرواح الكفار في بئر برهوت: لقول على هذا القول ثم قال أرباب هذا ا

أرواح المؤمنين تذهب حيث شاءت كما قال مالك ـ و قد تقدم ـ و : و قال سليمان الفارسي

أرواح الكفار في سجين

ذهب جماعة من العلماء إلى أن أرواح المؤمنين على أفنية قبورهم و : و قال ابن قتيبة

أن أرواح المؤمنين و الكفار في القبور و أن منهم من ذهب من أهل السنة و الجماعة إلى

الروح تنعم وتعذب في القبر إلى يوم القيامة كما أخبر بذلك الصادق المصدوق و أن القبر

روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار و لهذا نهى عن الجلوس على القبر و أمر

داة والعشي إن كان من أهل إذا مات أحدكم عرض عليه مقعده بالغ: بالسالم عليهم و قال

هذا مقعدك حتى : الجنة فمن أهل الجنة و إن كان من أهل النار فمن أهل النار يقال له

يبعثك اهللا إلى يوم القيامة

و ذهب جماعة من العلماء إلى أن محل األرواح و مستقرها في سماء الدنيا كما أخبر بذلك

رأى ليلة أسري به في السماء الدنيا آدم الرسول صلى اهللا عليه و سلم ليلة اإلسراء أنه

عليه السالم و عن يمينه أرواح أهل السعادة و عن شماله أرواح أهل الشقاوة

من حديث سمرة بن جندب ـ رضي اهللا عنه ـ [ و من هذا الباب ما ثبت في صحيح البخاري

لرجل الطويل عن رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم في حديث الرؤيا إلى أن قال فيه فأما ا

الذي في الروضة فإبراهيم عليه السالم و أما الولدان حوله فكل مولود يولد على الفطرة

و : و في رواية له ] [ و أوالد المشركين : و أوالد المشركين ؟ قال : فقيل يا رسول اهللا

فهذا الحديث ليس هو عام] الشيخ في أصل الشجرة إبراهيم و الصبيان حوله أوالد الناس

في جميع األرواح و إنما هو خاص بأرواح الصغار و ما رأيت أحدا ذهب إلى التفرقة بين أرواح


الصغار و الكبار لهذا الحديث و ال أعلم أحدا قال به و اهللا أعلم


فيما جاء في أرواح الشهداء و غيرهم و أمكنتها: فصل

من نصره و ذهب إليه لطال و قد أشرنا إلى بعضه فيما تقدم و لو ذكرنا كل قول و حجج

الكتاب و خرج عن موضوعه و لكن نذكر ما يسره اهللا تعالى من األحاديث فمنها ما ثبت في

الصحيح من حديث عبد اهللا بن مسعود ـ كذا وقع في نسخ معتمد عليها و وقع في بعض

سعود النسخ عبد اهللا فقط فمن الحفاظ من يقول عبد اهللا بن عمرو و منهم من يقول ابن م

أرواحهم في : أن النبي صلى اهللا عليه و سلم قال في الشهداء [ و اهللا أعلم بالصواب ـ

جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوى إلى تلك

[ القناديل

أرواح المؤمنين في صورة طير بيض: و في حديث قتادة لفظ غريب قال ] ]

إنما نسمة : في هذا الحديث ذكر أرواح الشهداء و في حديث مالك : قال القاضي عياض

المؤمن لم يذكر الشهداء و النسمة تطلق على ذات اإلنسان جسما و روحا و تطلق على

الروح مفردة و هو المراد بها في هذا الحديث و اهللا أعلم و في الحديث داللة على أن

اهللا إلى جسده يوم القيامة و لكن تارة في حتى يرجعه: المراد بها الروح قطعا فإنه قال

هذا الحديث ذكر نسمة المؤمن و في اللفظ اآلخر أرواح الشهداء و قد ورد في حديث ابن

عمر أن غير الشهداء إنما يعرض عليه مقعده بالغداة و العشي كما رود في النظر في قوله

قال القاضي عياض أيضا } النار يعرضون عليها غدوا و عشيا{: تعالى في حق آل فرعون

المراد جميع أرواح المؤمنين الذين يدخلون الجنة بغير عذاب : و قيل : في موضع آخر

ورد بلفظ آخر [ فيدخلونها اآلن بدليل عموم الحديث كذا ذكره النووي في شرح مسلم و قد

] رها في صحيح مسلم أرواح الشهداء في حواصل طير خضر ترد أنهار الجنة و تأكل من ثما

ليس فيه ذكر أجواف الطيور و هذا إخبار منه صلى اهللا عليه و سلم عن الشهداء المؤمنين

أردت مالي : عن اسماعيل بن طلحة بن عبد اهللا عن أبيه قال [ و ذكر ابن منده بإسناده

بالغابة فأدركني الليل فآويت إلى قبر عبد بن عمرو بن حزم فسمعت قراءة من القبر ما

: منها فجئت إلى رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم فذكرت ذلك له فقال سمعت أحسن

ذاك عبد اهللا ألم تعلم أن اهللا قبض أرواحهم فجعلها في قناديل من زبرجد و ياقوت و علقها

وسط الجنة ؟ فإذا كان الليل ردت إليهم أرواحهم فال تزال كذلك حتى إذا طلع الفجر ردت

و أخبر سبحانه و تعالى عن أرواح قوم فرعون أنها تعرض ] ت أرواحهم إلى مكانهم التي كان

على النار غدوا و عشيا قبل يوم القيامة و ليس للعقول في هذا مجال فإنه سبحانه و

تعالى يتصرف فيها كيف شاء و غير مستحيل أن يصور هذا الجزء طائرا أو يجعل في جوف


طائر أو في حواصل طير أو في قناديل معلقة بالعرش

و هذه حياة أرواح و رزقها و األبدان قد تمزقت: قال العالمة ابن القيم

و قد فسر رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم هذه الحياة بأن أرواحهم في جوف طير خضر

لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل فاطلع

أي شيء نشتهي و نحن نسرح : ن شيئا ؟ قالوا هل تشتهو: عليهم ربهم اطالعه فقال

من الجنة حيث شئنا ؟ يفعل ذلك بهم ثالث مرات فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا

نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى و صح عنه صلى : قالوا

ق من ثمر الجنة و تعلق ـ اهللا عليه و سلم الحديث من غير و جه و في بعض األلفاظ تعل

تأكل العلقة: بضم الالم ـ

لما : قال رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم : و عن ابن عباس ـ رضي اهللا عنهما ـ قال ]

أصيب إخوانكم بأحد جعل اهللا أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة و تأكل من

ا وجدوا طيب مشربهم و مأكلهم و ثمارها و تأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش فلم

يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع اهللا لنا لئال يزهدوا في الجهاد و ال : حسن مقيلهم قالوا

و ال تحسبن الذين {: أنا أبلغهم عنكم فأنزل اهللا على رسوله : ينكلوا عن الحرب فقال اهللا

واه اإلمام أحمدر ] }قتلوا في سبيل اهللا أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون

و ال أعلم أحدا ذهب إلى أن هذا النعيم المذكور مختص بالذين قتلوا في أحد و اهللا أعلم


فصل ـ في بيان مستقر األرواح و اختالف مساكنها

و ذهب ابن حزم و جماعات إلى أن مستقر األرواح حيث كانت قبل خلق أجسادها قال ابن

ى به و نبيه صلى اهللا عليه و سلم ال يتعداه و هو البرهان و هذا الذي أخبر اهللا تعال: حزم

و إذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم و أشهدهم على {: الواضح قال اهللا تعالى

و }بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين : أنفسهم ألست بربكم قالوا

فصح أن األرواح } ثم قلنا للمالئكة اسجدوا آلدم ولقد خلقناكم ثم صورناكم{: قال تعالى

األرواح جنود مجندة ما : كذلك أخبر صلى اهللا عليه و سلم أن [ خلقها اهللا تعالى جملة و

و أخذ اهللا و شهادتها له بالربوبية و هي مخلوقة ] تعارف منها ائتلف و ما تناكر منها اختلف

د آلدم و قبل أن يدخلها في األجساد و األجساد مصورة عاقلة قبل أن يأمر المالئكة بالسجو

يومئذ تراب و ماء ثم أخرها حيث شاء و هو البرزخ ثم ال يزال يبعث منها الجملة بعد الجملة

فينفخها في األجساد المتولدة من المني

فصح أن األرواح أجساد حاملة ألعراضها من التعارف و التناكر و أنها : إلى أن قال ابن حزم

مميزة فإذا توفاها اهللا تعالى رجعت إلى البرزخ الذي رآها فيه رسول اهللا صلى اهللا عارفة

عليه و سلم ليلة أسري به عند سماء الدنيا أرواح أهل السعادة عن يمين آدم و أرواح أهل

الشقاوة عن يساره و ذلك عند منقطع العناصر و تعجل أرواح األنبياء و الشهداء إلى الجنة

د ذكر محمد بن نصر المروزي عن اسحاق بن راهوية هذا الذي ذكرنا بعينه ثم و ق: ثم قال

على هذا أجمع أهل العلم انتهى كالمه: قال

و ذكر األدلة على ذلك و لم يذكر خالفا و قد تقدم ذكر الخالف على ذلك و ما ذكره أبو

أو األجساد محمد بن حزم فهو يبنى على األصل و هو أن األرواح هل خلقت قبل األجساد

خلقت قبل األرواح ؟

: فهذه المسالة للناس فيها قوالن حكاهما شيخ اإلسالم ابن تيمية و غيره

ما حكاه و اختاره ابن حزم و محمد بن نصر المروزي و قد تقدم و ذكرنا ما استدل : أحدهما

به

ألرواح و و عليه عامة السلف و الخلف أن األجساد خلقها متقدم على ا: و القول الثاني

األدلة متظاهرة من وجوه عديدة ليس هذا محل ذكرها فخلق أبي البشر الذي هو أصل

الناس هكذا فإنه سبحانه و تعالى أرسل جبريل فقبض قبضة من األرض ثم خمرها حتى

صارت طينا ثم صوره ثم نفخ فيه الروح بعد تصويره و هذه قصة مشورة قد وردت من عدة

حانه نفخ فيه من روحه بعد أن خلق جسدهطرق تدل على أن اهللا سب


إن أحدكم يجمع خلقه في بطن : أن النبي صلى اهللا عليه و سلم قال : [ و في الصحيح

أمه أربعين يوما ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل إليه الملك

الروح فيه و لو الحديث المشهور فنفخ الملك فيه الروح هو سبب حدوث] فينفخ فيه الروح

كان للروح وجود قبل البدن و هي حية عالمة ناطقة لكانت ذاكرة في هذا العالم شاعرة به

و لو بوجه ما و من الممتنع أن تكون حية عالمة ناطقة عارفة بربها و هي بين مأل من

حالها و األرواح تنتقل إلى هذا البدن و ال تشعر بحالها األول و إذا كانت بعد المفارقة تشعر ب

هي في البدن على التفصيل و تعلم ما كانت عليه ههنا مع أنها التبست بالبدن أمورا

عاقها عن كثير من حالها فألن تشعر بحالها األول و هي غير معوقة هناك بطريق األولى و

اهللا أعلم


األرواح جنود مجندة و كيفية ذلك: فصل ـ في قوله صلى اهللا عليه و سلم

األرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف و ما تناكر : ه صلى اهللا عليه و سلم في قول ]

فمن العلماء كابن حزم و ابن نصر المروزي و غيرهما يقول األرواح مجموعة أو ] منها اختلف

مجتمعة و أنواع مختلفة فهي خلقت مجتمعة ثم فرقت في أجسادها فمن وافقه نسميه

هو ما خلقها اهللا عليه من السعادة : الفه و قال الخطابي و غيره إلفه و من باعده نافره و خ

و الشقاوة في المبتدأ فاألرواح قسمين متقابلين فإذا تالقت األجساد في الدنيا ائتلفت و

اختلفت بحسب ما خلقت عليه فيميل األخيار إلى األخيار و األشرار إلى األشرار انتهى

كالمه

معناه التقت أرواحهما في السماء فوقع : وسى قال الحسن و من هذا الباب احتج آدم و م

و يحتمل أنه على ظاهره و أنهما اجتمعا بأشخاصهما و : الحجاج بينهما قال القاضي عياض

قد ثبت في حديث اإلسراء أن النبي صلى اهللا عليه و سلم اجتمع باألنبياء صلوات اهللا و

فال يبعد أن : قدس و صلى بهم قال سالمه عليهم أجمعين في السموات و في بيت الم

و يحتمل أن قصة موسى جرت في حياة موسى و أنه سأل أن يريه آدم : اهللا أحياهم قال

فحاجه و اهللا أعلم


فصل ـ هل األرواح محدثة عند خلق البدان أم قديمة

يكون و هل األرواح مخلوقة محدثة كائنة بعد أن لم تكن أم قديمة ؟ و هي من أمر اهللا و ال

أمر اهللا مخلوقا و ال محدثا و قد أخبر أنه نفخ في آدم من روحه فهذه اإلضافة إليه هل تدل

على أنها قديمة أم ال ؟ و ما حقيقة هذه اإلضافة ؟

و هذه مسألة زل فيها عالم و ضل فيها طوائف من بني آدم و هدى : قال العالمة ابن القيم

فأجمعت الرسل صلوات اهللا و سالمه عليهم أجمعين اهللا أتباع رسوله فيها للحق المبين

على أن الروح محدثة مخلوقة مصنوعة مربوبة مدبرة هذا معلوم باالضطرار من دين اإلسالم

أن العالم حادث و أن معاد األبدان واقع و أن اهللا وحده الخالق و كل ما سواه مخلوق له ـ

ة زعم أنها قديمة غير مخلوقة و حتى نبعت نابعة ـ فمن قصر فهمه في الكتاب و السن

احتج بأنها من أمر اهللا و أمره غير مخلوق و بأنها أضافها إليه كما أضاف إليه علمه و حياته و

ال نقول مخلوقة و ال غير مخلوقة انتهى كالمه: قدرته و توقف في ذلك آخرون فقالوا

أن الناس : ؟ فقال و قال الحافظ بن مندة لما سئل عن األرواح هل هي مخلوقة أم ال

األرواح كلها مخلوقة و هذا : اختلفوا في معرفة األرواح و محلها من النفس فقال بعضهم

األرواح جنود مجندة : بقوله صلى اهللا عليه و سلم [ مذهب أهل الجماعة و األثر و احتجت

: هم الحديث و الجنود المجندة ال تكون إال مخلوقة و قال بعض] فمن تعارف منها ائتلف

قل الروح من {: األرواح من أمر اهللا أخفى اهللا حقيقتها و علمها عن الخلق و احتجت بقوله

بقوله [ األرواح نور من نور اهللا تعالى و حياة من حياته و احتجت : و قال بعضهم }أمر ربي

انتهى ] إن اهللا خلق خلقه في ظلمة و ألقى عليهم من نور : صلى اهللا عليه و سلم

كالمه

تأول صنف من الزنادقة و من الروافض في روح آدم ما تأولته : و قال محمد بن نصر المروزي

النصارى في روح عيسى و ما تأوله قوم من أن الروح انفصل من ذات اهللا فصار في المؤمن

: إن روح آدم غير مخلوق و تأولوا قوله تعالى : فقال صنف من الزنادقة و صنف من الروافض

ثم قال بعد كالم } ثم سواه و نفخ فيه من روحه {: و قوله }فيه من روحي و نفخت {

و ال خالف بين المسلمين أن األرواح التي في آدم و بنيه و عيسى و من سواه من : طويل

بني آدم كلها مخلوقة هللا خلقها و أنشأها و كونها و اخترعها انتهى كالمه

مي مخلوقة مبدعة باتفاق سلف األمة و أئمتها و روح اآلد: و قال شيخ اإلسالم ابن تيمية

سائر أهل السنة و قد حكى إجماع العلماء على أنها مخلوقة غير واحد من أئمة

المسلمين مثل محمد بن نصر المروزي و أبو محمد بن قتيبة و غيرهما و ذكر كالما طويال و


بحثا كثيرا يطول ذكره و اهللا أعلم


لروح إلى اهللا و تفسير تلك اإلضافةفصل ـ في دليل إضافة ا

فينبغي أن } و نفخت فيه من روحي {: من استدل بإضافة الروح إلى اهللا تعالى بقوله

: يعلم أن المضاف إلى اهللا سبحانه و تعالى نوعان

صفات ال تقوم بأنفسها كالعلو و القدرة و الكالم و السمع و البصر فهذه إضافة : أحدهما

صفات له غير مخلوقة و كذلك وجهه و يده سبحانه و تعالىصفة إلى موصوفها

إضافة أعيان منفصلة عنه كبيت اهللا و ناقة اهللا و رسول اهللا و روح اهللا فهذه : و الثاني

إضافة مخلوق إلى خالقه و مصنوع إلى صانعه لكنها إضافة تقتضي تخصيصا و تشريفا يتميز

انت البيوت كلها ملكا هللا و كذلك ناقة اهللا و النوق به المضاف إليه عن غيره كبيت اهللا و إن ك

كلها ملكه و خلقه و لكن هذه إضافة إلى إالهيته تقتضي محبته لها و تشريفه بخالف

اإلضافة العامةإلى ربوبيته حيث تقتضي خلقه و إيجاده هذا خلق اهللا فالعامة تقتضي

ا يشاء و يختار و إضافة الروح إليه الخلق و اإليجاد و الخاصة تقتضي االختيار و اهللا يخلق م

من هذه اإلضافة الخاصة ال من العامة و ال من باب إضافة الصفات

فتأمل هذا الموضع فإنه ينفعك من التخلص من البدع فقد ضل فيه خلق كثير نسأل اهللا

العصمة


فصل ـ عن موت األرواح و األبدان

تموت و تذوق الموت ألنها نفس : طائفة فقد اضطربت مقاالت الناس في هذا الباب فقالت

و كل نفس ذائقة الموت

ويبقى وجه ربك ذو الجالل * كل من عليها فان {: و قد دل القرآن عليه بقوله : قالوا

كل نفس ذائقة الموت{ و } كل شيء هالك إال وجهه {: و قوله تعالى }واإلكرام }

: بشرية أولى بالموت و قال في حق أهل النار و إن كانت المالئكة تموت فالنفوس ال: قالوا

فالموتة األولى هذه المشهودة فهي للبدن و } قالوا ربنا أمتنا اثنتين و أحييتنا اثنتين {

األخرى للروح و قال آخرون ال تموت األرواح فإنها خلقت للبقاء و إنما تموت األبدان

ألرواح و عذابها بعد المفارقة إلى أن و قد دل على هذا األحاديث الدالة على نعيم ا: قالوا

{: يرجعها اهللا في أجسادها و لو ماتت األرواح النقطع عنها النعيم و العذاب و قال تعالى

اآلية }فرحين * وال تحسبن الذين قتلوا في سبيل اهللا أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون

وتهذا مع القطع بأن أرواحهم قد فارقت أجسادهم و ذاقت الم

موت النفوس هو مفارقتها ألجسادها و خروجها : و الصواب أن يقال : قال العالمة ابن القيم

منها فإن أريد بموتها هذا القدر فهي ذائقة الموت و إن أريد أنها تعدم و تضمحل و تصير

عدما محضا فهي ال تموت بل هي باقية بعد خلقها في نعيم أو عذاب كما صرح به في

دها اهللا في أجسادها ثم ساق بعد ذلك النصوص الواردة في هذا المحل النصوص حتى ير

انتهى كالمه


فصل ـ في عذاب القبر على الروح و البدن

و هل عذاب القبر على الروح و البدن ؟ أو على الروح دون البدن ؟ أو على البدن دون الروح

و هل يشارك البدن النفس في النعيم و العذاب أم ال ؟

بل العذاب و النعيم : شيخ اإلسالم ابن تيمية ـ بعد أن سئل عن هذه المسألة فأجاب ـ قال

على النفس و البدن جميعا باتفاق أهل السنة و الجماعة تنعم النفس و تعذب منفردة و

تنعم و تعذب متصلة بالبدن و البدن متصل بها فيكون النعيم و العذاب عليهما في هذه

ن الروح منفردة عن البدن منعمة أو معذبة و هل يكون العذاب و الحال مجتمعين كما تكو

النعيم للبدن بدون الروح ؟ هذا فيه قوالن مشهوران ألهل الحديث و السنة و أهل الكالم و

في المسالة أقوال شاذة ليست من أقوال أهل السنة و الحديث

بدن ال ينعم و ال يعذب و هذا قول من يقول إن النعيم و العذاب ال يكون إال على الروح و أن ال

يقوله الفالسفة المنكرون لمعاد األبدان و هؤالء كفار بإجماع المسلمين و يقوله كثير من

ال يكون ذلك : أهل الكالم من المعتزلة و غيرهم الذين يقرون بمعاد األبدان و لكن يقولون

ذاب األبدان في البرزخ في البرزخ و إنما يكون عند القيام من القبور لكن هؤالء ينكرون ع

فقط و يقولون إن األرواح هي المنعمة أو المعذبة في البرزخ فإن كان يوم القيامة عذبت

الروح و البدن معا

و هذا القول قاله طوائف من المسلمين من أهل الكالم و أهل الحديث و غيرهم و هو

الشاذة بل هو مضاف إلى اختيار ابن حزم و ابن مسرة فهذا القول ليس من األقوال الثالثة

قول من يقر بعذاب القبر و يقر بالقيامة و يثبت معاد األبدان و األرواح لكن هؤالء لهم في

: عذاب القبر ثالثة أقوال

أنه على الروح فقط: أحدها

أنه عليها و على البدن بواسطتها: و الثاني

أنه على البدن فقط: الثالث

ذاب القبر و يجعل الروح هي الحياة و يجعل الفساد قول وقد يضم إلى ذلك قول من يثبت ع

منكر عذاب األبدان مطلقا و قول من ينكر عذاب البرزخ مطلقا و الفالسفة اإللهيون يقرون

بذلك ينكرون معاد األبدان فهؤالء يقرون بمعاد األبدان لكن ينكرون معاد األرواح و نعيمها و

أ و ضالل لكن قول الفالسفة أبعد من أقوال أهل عذابها بدون األبدان و كال القولين خط

اإلسالم و إن كان قد يوافقهم عليه من هو متمسك بدين اإلسالم بل من يظن أنه من أهل

المعرفة و التصوف


قول من يقول أن البرزخ ليس فيه نعيم و ال عذاب بل ال يكون ذلك : و القول الثالث الشاذ

لك من يقوله من المعتزلة و نحوهم ممن ينكر عذاب حتى تقوم الساعة الكبرى كما يقول ذ

القبر و نعيمه فجميع هؤالء الطوائف ضالل في أمر البرزخ لكنهم خير من الفالسفة فإنهم

مقرون بالقيامة الكبرى و أما األحاديث الدالة على نعيم القبر و عذابه فهي كثيرة جدا بل لو

ذلك فمنها ما تقدو من أحاديث مسألة منكر و قيل أنها بلغت التواتر في المغالبة لم يبعد

نكير و فيها كفاية و منها ما لم أحط به ولم أطلع عليه و منها ما اطلعت عليه و اختصرته

من حديث ابن عباس ـ رضي اهللا [ للتطويل و منها ما أذكره للتنبيه فقد ثبت في الصحيحين

إنهما ليعذبان و ما يعذبان في : ل عنهما ـ أن النبي صلى اهللا عليه و سلم مر بقبرين فقا

كبير أما أحدهما فكان ال يستتر من البول و أما اآلخر فكان يمشي في النميمة ثم دعا

رواه أبو داود ] [ لعله أن يخفف عنهما ما لم ييبسا : بجريدة رطبة فشقها نصفين فقال

كما ذكرتهو باقيه] أما أحدهما فكان يأكل لحوم الناس : الطيالسي لكن قال فيه

إن هذه األمة تبتلى في قبورها فلوال أن : و ثبت في صحيح مسلم في حديث طويل قال ]

تعوذوا باهللا من : ال تدافنوا لدعوت اهللا أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه ثم قال

نعوذ باهللا تعوذوا باهللا من عذاب القبر قالوا: نعوذ باهللا من عذاب القبر قال : عذاب القبر قالوا

الحديث] تعوذوا باهللا من الفتن ما ظهر منها و ما بطن : من عذاب القبر قال

عن أبي هريرة أن النبي صلى اهللا عليه و سلم [ و في صحيح مسلم أيضا و جميع السنن

من عذاب جهنم و من عذاب : إذا فرغ أحدكم من التشهد األخير فليتعوذ باهللا من أربع : قال

فتنة المحيا و الممات ومن فتنة المسيح الدجالالقبر و من ]

عن أبي أيوب خرج النبي صلى اهللا عليه و سلم و قد وجبت الشمس : [ و في الصحيحين

يهود تعذب في قبورها: فسمع صوتا فقال ]

دخلت على عجوز من يهود المدينة : عن عائشة قالت : [ و في صحيح البخاري و مسلم

ر يعذبون في قبورهم قالت فكذبتها و لم أنعم أن أصدقها فخرجت إن أهل القبو: فقالت

ودخل علي رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم فقلت يا رسول اهللا إن عجوز من عجائز يهود

صدقت إنهم يعذبون : فقال ! أهل المدينة دخلت فزعمت أن أهل القبور يعذبون في قبورهم

ته بعد في صالته إال أن يتعوذ من عذاب القبرفما رأي: عذابا يسمعه البهائم كلها قالت ]

ولهذا السبب يذهب الناس بالخيل إذا مغلت إلى قبور اليهود و : قال بعض أهل العلم

النصارى فإذا سمعت الخيل عذاب القبر أحدث لها ذلك فزعا و حرارة تذهب بالمغل

[ ا هو أبلغ من ذلك واألحاديث كثيرة جدا في هذا الباب وقد تقدم في أحاديث المسألة م

وهذا صريح في أن البدن يعذب ] فال يزال معذبا حتى يبعثه اهللا من مضجعه ذلك : في قوله

في القبر


من حديث عبد اهللا بن عمر ـ رضي اهللا عنهما ـ عن النبي صلى اهللا عليه [ و روى النسائي

له سبعون ألفا هذا الذي تحرك له العرش و فتحت له أبواب السماء و شهد : و سلم قال

ـ يعني سعد بن معاذ ـ: قال النسائي ] من المالئكة لقد ضم ضمة ثم فرج عنه

للقبر ضغطة لو نجا : قال رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم : و في حديث عائشة قالت ]

بلغني أنه شهد جنازته سبعون ألف ملك لم : قال نافع ] منها أحد لنجا منها سعد بن معاذ

منديل من مناديل سعد خير من الدنيا و ما فيها: و في لفظ [ األرض قط ينزلوا إلى ]


في عذاب القبر حق: فصل

عذاب القبر حق ال ينكره إال ضال مضل: قال اإلمام أحمد : قال المروزي

هذه أحاديث صحاح نؤمن بها ونقر : فقال ! قلت ألبي عبد اهللا في عذاب القبر : وقال حنبل

جاء عن النبي صلى اهللا عليه و سلم إسناد جيد أقررنا به إذا لم نقر بما جاء به بها كلما

} و ما آتاكم الرسول فخذوه {: الرسول و دفعناه و رددناه رددنا على اهللا أمره قال تعالى

و سمعت أبا عبد اهللا : حق يعذبون في القبور قل : قال ! و عذاب القبر حق ؟ : قلت له

يثبت اهللا الذين آمنوا {ب القبر و بمنكر و نكير و أن العبد يسأل في قبره نؤمن بعذا: يقول

في القبر}بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي اآلخرة

نقر بمنكر و نكير و ربما يروى من عذاب القبر ؟ : قلت يا أبا عبد اهللا : وقال أحمد بن القاسم

هنعم نقر بذلك و نقول ب! سبحان اهللا : فقال !

و مما ينبغي أن يعلم أن عذاب القبر هو عذاب البرزخ فكل من مات : قال العالمة ابن القيم

و هو مستحق العذاب ناله نصيبه منه قبر أو لم يقبر فلو أكلته السباع أو أحرق حتى صار

رمادا و نسف في الهواء أو صلب أو غرق في البحر وصل إلى روحه و بدنه من العذاب ما

بور انتهىكالمهيصل إلى الق


فصل ـ في أن البلي يختص البدن

و مما ينبغي أن يعلم أن البلي يختص هذا البدن المشاهد المركب فإن هذا البدن ليس

بشيء إنما هو آلة والنظر إلى ما يؤذي الروح و ينفعها

رضي دخل عبد اهللا بن عمر ـ : و قد روى أبو الفرج بن الجوزي ـ رحمه اهللا ـ بإسناده قال

: اهللا عنهما ـ المسجد وقد قتل عبد اهللا بن الزبير فمال إلى أسماء أم ابن الزبير فقال لها

و روينا عن ابن : اصبري فإن هذه الجثث ليست بشيء و إنما األرواح عند اهللا تعالى ثم قال

صنع بيلحم ال يضر ما ] أنا [ يا أماه إن قتلت فإنما : الزبير أنه قال ألمه أسماء قبل قتله

لما قتل هشام بن العاص يوم أجنادين وقع على ثلمة فسدها : و روى خالد بن معدان قال

و لم يكن ثم طريق غيره فلما انتهى المسلمون إليه هابوا أن يوطئوه الخيل فقال عمرو بن

أيها الناس إن اهللا قد استشهده ورفع روحه و إنما هو جثة فأوطئوه الخيل ثم أوطأه : العاص

و تبعه الناس حتى قطعوه و إذا ثبت هذا فإن اهللا تعالى إذا أتلف هذا البدن الترابي هو

وأباله المعرض لآلفات فإنه سيعيده بدنا ال يبلى في حياة ال تنفد أبدا وتبدل صعوبات

التكليف بحسن الجزاء ويعطيهم أجورا باقية عن أعمال منقطعة كما ال يبقى لمرارات

م اإلحرام طعم عند أيام التشريق و اهللا تعالى الموفقالشعث والتكليف في أيا


الصالحينفي عد الشهداء و فضلهم و أنهم أرفع درجات من: الباب السابع والعشرون

و من يطع اهللا و الرسول فأولئك مع الذين أنعم اهللا عليهم من النبيين و {: قال تعالى

{ الصديقين و الشهداء و الصالحين

كيف يكون الحال في : قال بعض أصحاب رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم : قال قتادة

الجنة و أنت في الدرجات العلى ونحن أسفل منك ؟ فكيف نراك ؟ فأنزل اهللا تعالى هذه

فأولئك مع الذين {: في السنن } والرسول { في أداء الفرائض } ومن يطع اهللا {: اآلية

ي ال تفوتهم رؤية األنبياء ومجالسهم فأعلى درجات بني آدم أ}أنعم اهللا عليهم من النبيين

األنبياء ثم الصديقون ثم الشهداء ثم الصالحون وهذا ترتيب ال شك فيه ألن اهللا تعالى رتبهم

في الذكر قدم األنبياء ثم األمثل فاألمثل في المراتب و المنازل

ما من نفس : ليه و سلم قال وعن أنس بن مالك ـ رضي اهللا عنه ـ أن النبي صلى اهللا ع ]

] تموت لها عند اهللا خير يسرها أنها ترجع إلى الدنيا و ال أن لها الدنيا و ما فيها إال الشهيد

الحديث هذا من صرائح األدلة في عظم فضل الشهادة

من سأل : و عن سهل بن حنيف ـ رضي اهللا عنه ـ أن النبي صلى اهللا عليه و سلم قال ]

رواه مسلم في ] دق بلغه اهللا منازل الشهداء و إن مات على فراشه اهللا الشهادة بص

صحيحه

من طلب : من حديث أنس أن النبي صلى اهللا عليه و سلم قال [ وفي صحيح مسلم أيضا

[ الشهادة صادقا أعطيها و لو لم تصبه

من سأل القتل في سبيله : من حديث معاذ مرفوعا ولفظه [ و رواه الترمذي و صححه

و رواه اإلمام أحمد بهذا اللفظ] ا في قلبه أعطاه اهللا أجر الشهيد صادق

ما : قال رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم : و عن أبي هريرة ـ رضي اهللا عنه ـ قال ]

إن : يا رسول اهللا من قتل في سبيل اهللا فهو شهيد قال : تعدون الشهيد فيكم ؟ قالوا

من قتل في سبيل اهللا فهو : هم يا رسول اهللا ؟ قال فمن: قالوا ! شهداء أمتي إذا لقليل

شهيد و من مات في سبيل اهللا فهو شهيد و من مات في الطاعون فهو شهيد و من مات

[ في البطن فهو شهيد و الغريق شهيد ـ و في رواية ـ وصاحب الهدم شهيد

القتل في الشهداء سبع سوى: و عن جابر بن عتيك ـ رضي اهللا عنه ـ أن النبي قال ]

المطعون شهيد و الغريق شهيد و المبطون شهيد و صاحب ذات : سبيل اهللا عز و جل

الجنب شهيد و الذي يموت تحت الهدم شهيد و صاحب الحريق شهيد و المرأة تموت بجمع

رواه اإلمام أحمد و أبو داود و النسائي و روى ابن ماجة بعضه قوله بجمع بضم ] شهيد


و هي التي تموت حامال أو نفساء كذا ذكره غير واحد من أهل : م ـ الجيم و إسكان المي

العلم و اهللا أعلم

من حديث صفوان ين أمية عن النبي صلى اهللا عليه و [ و روى اإلمام أحمد و النسائي

الطاعون شهادة و الغرق شهادة و البطن شهادة: سلم قال ]

ي اهللا عنه ـ أن رسول اهللا صلى اهللا من حديث عقبة بن عامر ـ رض[ و روى النسائي أيضا

المقتول في سبيل اهللا : خمس من قبض على شيء منهن فهو شهيد : عليه و سلم قال

شهيد و الغريق في سبيل اهللا شهيد و المطعون في سبيل اهللا شهيد و الفناء في سبيل

[ اهللا شهيد

ـ في قصة أن النبي صلى عن جابر بن عبد اهللا ـ رضي اهللا عنهما[ و روى مالك في الموطأ

القتل في سبيل اهللا قال رسول : ما تعدون الشهادة فيكم ؟ قالوا : اهللا عليه و سلم قال

ثم ذكر نحو ما ] الشهادة سبع سوى القتل في سبيل اهللا : اهللا صلى اهللا عليه و سلم

تقدم في السنن من حديث جابر بن عتيك

رة ـ رضي اهللا عنه ـ أن النبي صلى اهللا عليه من حديث أبي هري[ و روى البخاري و مسلم

المطعون و المبطون و الغريق و صاحب الهدم و الشهيد في : الشهداء خمس : و سلم قال

: المطعون : قال العالمة اسماعيل التيمي األصبهاني ـ مفسرا الحديث ـ قال ] سبيل اهللا

هىالذي أصابه الطاعون و المبطون الذي أصابه علة البطن انت

أنه الذي : أحدهما : للناس في تفسير علة البطن ثالثة أقوال : و قال غيره من العلماء

يموت باالستسقاء

الذي يموت بالمغص الشديد ـ وهو الذي يسمونه القولنج ـ وهو مرض معروف: و الثاني

الذي يموت باالسهال انتهى كالمه: و الثالث

ر أهل العلم وبعضهم لم يحك غيره ويحتمل ـ و اهللا والقول الثالث هو الراجح عند أكث: قلت

أعلم ـ أن الشهادة تعم الثالثة أصناف المذكورة وهو أبلغ في الكرم وسعة الفضل و اهللا

من حديث سليمان بن مراد [ أعلم و مما يؤيد هذا االحتمال ما روى ابن حبان في صحيحه

من قتله بطنه لم يعذب في : ال وخالد بن عرفطة أن رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم ق

[ قبره

من قتل دون ماله : قال رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم : و عن عبد اهللا بن عمرو قال ]

رواه البخاري] فهو شهيد

من حديث سعيد ابن زيد ـ رضي اهللا عنه [ و روى أبو داود و الترمذي و النسائي واللفظ له

من قتل دون ماله فهو شهيد و من قتل دون : عليه و سلم قال رسول اهللا صلى اهللا : ـ قال

[ دينه فهو شهيد و من قيل دون أهله فهو شهيد


قال رسول اهللا : من حديث سويد بن مقرن ـ رضي اهللا عنه ـ قال [ و روى النسائي مفردا

من قتل دون مظلمته فهو شهيد: صلى اهللا عليه و سلم ]

لهيعة عن خالد بن أبي زيد عن سعيد بن أبي هالل من حديث ابن[ و روى اإلمام أحمد

عن إبراهيم بن عبد اهللا بن رفاعة أن أبا محمد أخبره ـ وكان من أصحاب ابن مسعود ـ حدثه

إن أكثر شهداء أمتي : عن رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم أنه ذكر عنده الشهداء قال

[ أصحاب الفرش ورب قتيل بين الصفين اهللا أعلم بنيته

أن الموت كفارة لكل مسلم: و روينا في خبر ابن عرفة مرفوعا ] ]


في تسلية المصاب: فصل

ومما ينبغي أن يعلم أن العبد إذا نظر أو سمع ما تقدم في هذا الباب من تنوع الشهادة و

ذكر تعدادها حصل له تسلية بموت محبوبه فإنه في الغالب ال بد أن يكون ناله نصيب منها

ورد عن النبي صلى اهللا عليه و سلم في تسمية الشهداء و قد [ أني لم أحط بكل ما مع

و قد استقصينا في عد الشهداء في كتاب أحكام ] موت الغريب شهادة : روي مرفوعا

الطاعون

إن أكثر شهداء أمتي : من رواية اإلمام أحمد مرفوعا [ و يكفي في البشارة ما تقدم قريبا

تقدم ما أعد اهللا للشهداء من حين الموت و ما لهم عند اهللا و أن و ] أصحاب الفرش

أرواحهم في حواصل طير خضر تأكل و تشرب في الجنة وتسرح حيث شاءت و كل هذا في

دار البرزخ فإذا دخلوا الجنة يوم القيامة بأجسادهم انتقلوا إلى نعيم أعلى من ذلك و أكثر

منه

بن موسى حدثنا ابن خليفة حدثنا عوف عن خنساء حدثنا بشر: [ قال أبو بكر القطيعي

النبي في الجنة و : قلت يا رسول اهللا من في الجنة ؟ قال : حدثتني عمتي قالت : قالت

و كذلك رواه بندار عن غندر ] الشهيد في الجنة و المولود في الجنة و الموؤودة في الجنة

عن عوف فذكر مثله

اهللا هو خير لعباده من هذه الدنيا التي خلقهم فيها فينظر فانتقال العبد إلى اهللا و ما عند

كيف يعملون و يبتليهم بالمحن و المصائب و الشهادات حتى يعلم الصابر منهم و الجازع

ليجازي كل شخص بحسبه فمنهم من يجازيه بالحنان و منهم من يجازيه بالنيران و كل ذلك

إن أدخل العبد الجنة فبرحمته و فضله و عدل منه سبحانه و تعالى ال يظلم مثقال ذرة بل

فله الحمد دائما } ال يسأل عما يفعل وهم يسألون {: إن أدخله النار فبعدله و سلطانه

على كل حال


: فصل شهادة المعركة: في الشهادة المطلوبة

و الشهادة المطلوبة شهادة المعركة على ما تقدم و كذلك شهادة الطاعون فإنه قد رود

اللهم : ي أحاديث و آثار في تمني الطاعون ما وقع في قصة المغيرة ين شعبة أنه قال ف

أما أنا فال : ارفع عنا الرجز ـ يعني الطاعون ـ فقال أبو موسى األشعري ـ رضي اهللا عنه ـ

أقول هذا و لكن أقول كما قال العبد الصالح أبو بكر الصديق ـ رضي اهللا عنه ـ اللهم طعنا

: يا أيها الناس إن هذا الوجع رحمة بكم : ي مرضاتك و قام أبو عبيدة خطيبا فقال وطاعونا ف

و دعوة نبيكم و موت الصالحين قبلكم و إن أبا عبيدة يسأل اهللا العظيم أن يقسم له من

فطعن فمات: حظه قال

اللهم اجعل فناء : أن النبي صلى اهللا عليه و سلم قال [ و ثبت في مسند اإلمام أحمد

و غير ذلك من األحاديث و اآلثار التي ال تحضرني و قد قررت ذلك ] متي بالطعن و الطاعون أ

في كتابنا المعروف ب أحكام الطاعون و لكنه لم يكن عندي حين ألفت هذا الكتاب فإن قيل

الشهادة المطلوبة شهادة المعركة و كذلك شهادة الطاعون كما تقدم:

النبي صلى اهللا عليه و سلم استعاذ من بعض ما عده أن[ و قد ورد في بعض األحاديث

من موت الفجأة و من : استعاذ من سبع موتات : شهادة ففي مسند اإلمام أحمد مرفوعا

لدغ الحية و من السبع و من الغرق و من الحرق و من أن يخر على شيء أو يخر عليه

[ شيء و من الفرار من الزحف

للهم إني أعوذ بك أن أموت هما أو غما و أن أموت غرقا و أن ا: و في المسند أيضا مرفوعا ]

اللهم إني أعوذ بك من الهدم : رواه النسائي و لفظه [ و ] يتخبطني الشيطان عند الموت

و التردي و الهم و الغم و الغرق و الحرق و أعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت و

وغير ذلك من األحاديث] ك أن أموت بك لديغا أعوذ بك أن أموت في سبيلك مدبرا و أعوذ ب

إن كل شهادة مطلوبة بل من وقع له أو لمحبوبه أو لغيره : لم يقل أحد من العلماء : يقال

: شيء مما عده النبي صلى اهللا عليه و سلم شهادة والشهيد ثالثة أقسام

شهيد في الدنيا و اآلخرة وهو المنقول في المعركة مخلصا: أحدها

شهيد في الدنيا و اآلخرة فقط وهو المقتول في المعركة مرائيا: ثاني و ال

الشهيد في اآلخرة فقط وهو من أثبت له الشارع الشهادة ولم يجر عليها : و الثالث

أحكامها في الدنيا كالغريق و الحريق و من به ذات الجنب ونحوه كما تقدم

لم سمي الشهيد شهيدا ؟: فإن قيل

العلماء في ذلك على أقوالقد اختلف : قيل :


و ال تحسبن الذين قتلوا في سبيل اهللا أمواتا بل {: ألنه حي كما فصل تعالى : أحدها

{ أحياء عند ربهم يرزقون

ألن اهللا تعالى و مالئكته شهدوا له بالجنة: الثاني

ألن المالئكة تشهده: الثالث

لقيامه بشهادة الحق حتى قتل: الرابع

نه يشهد ما أعد اهللا له من الكرامة بالقتلأل: الخامس

ألنه شهد هللا بالوجود و اإللهية بالفعل لما شهد غيره بالقول: السادس

لسقوطه باألرض و هي الشاهد له: السابع

ألنه شهد له بوجوب الجنة: الثامن

من أجل شاهده و هو دمه: التاسع

ألنه شهد له باإليمان و حسن الخاتمة: العاشر

ذه عشر أقوال من أماكن متفرقة جمعت إليك رخيصة األثمان فهذه األقوال في المخلص فه

الذي قصد بجهاده وجه اهللا تعالى و الدار اآلخرة فإنه سبحانه و تعالى إذا علم قصد العبد و

و قد ذكر أبو الفرج } إنا ال نضيع أجر من أحسن عمال {: إخالصه أعانه و أغاثه قال تعالى

: في جزء الثبات عند الممات في هذا المعنى عن علي بن الموفق قال بن الجوزي

لقينا الترك و كان بيننا جولة فرماني تركي بسهم فقلبني عن : سمعت حاتم األصم يقول

فرسي فنزل عن دابته فقعدعلى صدري و أخذ بلحيتي و أخرج من خفه سكينا ليذبحني

و إنما كان قلبي عند سيدي أنظر ماذا فوحق سيدي ما كان قلبي عنده و ال عند سكينه

سيدي قضيت علي أن يذبحني هذا ؟ فعلى الرأس و العين إنما : ينزل القضاء منه فقلت

أنا لك و ملكك فبينما أنا كذلك و هو قاعد على صدري إذا رماه بعض المسلمين بسهم فما

ا هو إال أن أخطأ حلقه فسقط عني فقمت إليه و أخذت السكين من يده فذبحته بها فم

تكون قلوبكم عند مليككم حتى تروا عجائب لطفه ما ال ترون من اآلباء و األمهات


في ذكر الصراط و درجات الناس في المرورعليه: الباب الثامن و العشرون

أما الصراط فهو جسر منصوب على متن جهنم و هو أحد من السيف و أدق من الشعرة

رور عليهثبتنا اهللا و إياكم على الم

: من حديث أبي هريرة و حذيفة ـ رضي اهللا عنهما ـ قاال [ و قد روى مسلم في صحيحه

يجمع اهللا تبارك و تعالى الناس فيقوم المؤمنون : قال رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم

و هل أخرجكم من : يا أبانا استفتح لنا الجنة فيقول : تزلف لهم الجنة فيأتون آدم فيقولون

: اذهبوا إلى ابني إبراهيم خليل اهللا قال : ة إال خطيئة أبيكم آدم ؟ لست بصاحب ذلك الجن

لست بصاحب ذلك إنما كنت خليال من وراء : فيأتون إبراهيم فيقول إبراهيم عليه السالم

لست بصاحب ذلك اذهبوا : وراء اعمدوا إلى موسى كلمه اهللا تكليما فيأتون موسى فيقول

: لست بصاحب ذلك اذهبوا إلى محمد قال : و روحه فيقول عيسى إلى عيسى كلمة اهللا

فيأتون محمدا صلى اهللا عليه و سلم و يؤذن له و يرسل األمانة و الرحم فيقومان جنبي

الصراط يمينا و شماال فيمر أولكم كالبرق يمر و يرجع في طرفة عين ثم كمر الريح ثم كمر

نبيكم صلى اهللا عليه و سلم قائم على الصراط الطير و شد الرحال تجري بهم أعمالهم و

حتى تعجز أعمال العباد و حتى يجيء الرجال فال يستطع : رب سلم رب سلم : يقول

و في حافة الصراط كالليب معلقة مأمورة تأخذ من أمرت به فمخدوش : السير إال زحفا قال

سبعون خريفاناج و مكدوس في النار و الذي نفس أبي هريرة بيده إن قعر جهنم ل ]

و عن أبي سعيد الخدري ـ رضي اهللا عنه ـ عن النبي صلى اهللا عليه و سلم و ذكر ]

فيمر المؤمنين كطرف العين و كالبرق و كالريح و كالطير و : الصراط و مرور الناس عليه قال

رواه ] كأجاويد الخيل و الركاب فناج مسلم و مخدوش مرسل و مكدوس في نار جهنم

مسلم

عن أبي هريرة ـ رضي اهللا عنه ـ عن رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم و ذكر حديث و ]

و يضرب الصراط بين ظهراني جهنم فأكون أنا و أمتي أول من يجيز و ال يتكلم : الشفاعة

اللهم سلم اللهم سلم و في جهنم كالليب مثل : يومئذ إال الرسل و دعاء الرسل يومئذ

و إنها مثل شوك السعدان غير أنه : وك السعدان ؟ ـ ثم قال شوك السعدان ـ هل رأيتم ش

الحديث [ال يعلم قدر عظمها إال اهللا تعالى تخطف الناس بأعمالهم


فصل ـ في المرور على الصراط

قد سمعت ـ رحمك اهللا ـ فانظر إلى هذه الطريق الحرج و المسلك الشاق و القنطرة

تثبت عليها األقدام و ال تجوزها األوهام و ال يثبت عليه إال المضطربة و العقبة الكؤود التي ال

من ثبته اهللا بالقول الثابت و ثبت قدماه يوم تزل األقدام و لعل من عنده تساهل و عدم

توفيق يسمع بالصراط فيظن أن طريقه يشبه طريق الدنيا التي هي صعبة المسلك وعرة

أحد من السيف و أدق من الشعرة و على ذات صعود و نزول هيهات و ما علم و اهللا إنه

يمينه و شماله كالليب و خطاطيف فإذا كلفت المرور عليه و هو بهذه المثابة ـ و أعظم من

ذلك أن جهنم تحتك و قد أرعب قلبك من هول منظرها و مألت أذنيك زفيرها ـ فهل تستطيع

ب السعير من تحتك التهابا فإنه إذا اضطرب بك الصراط و الته! المرورأو النهوص أو الزحف ؟

و لم تجد إلى النجاة سبيال و ال إلى الخالص مقيال فال ينفعك في تلك الحال إال سعي

صالح مشكور أو توبة نصوح من ذنب مغفور فتخير اآلن أي األعمال أنجى لك ؟ و أي الطرق

معينة لك على سعيك لما ينفعك ؟

وجدت في زبور داود ـ عليه : ن منبه قال و قالد روى ابن أبي الدنيا بإسناده عن وهب ب

يا داود هل تدري من أسرع الناس ممرا على الصراط ؟ الذين يرضون بحكمي و : السالم ـ

ألسنتهم رطبة من ذكري


في ذكر سعة رحمة اهللا و من مات على التوحيد: الباب التاسع و العشرون

أن النبي صلى اهللا عليه [ الصحيح و في } و رحمتي وسعت كل شيء {: قال اهللا تعالى

يجيءيوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال فيغفرها اهللا لهم و : و سلم قال

[ يضعها على اليهود و النصارى

لكل أحد منزل في الجنة و منزل في النار فالمؤمن إذا : في حديث أبي هريرة [ و قد تقدم

هذا : ورد في الصحيح [ كما ] الستحقاقه ذلك بكفره دخل الجنة خلفه الكافر في النار

و هذه بشارة عظيمة للمسلمين أجمعين حتى قال الشافعي و عمر بن ] فكاكك من النار

عبد العزيز ـ رضي اهللا عنهما ـ هذا الحديث أرجى حديث المسلمين لما فيه من التصريح

بفداء كل مسلم

فيقال أخرجوا من عرفتم : إلى أن قال فيه من حديث أبي سعيد مرفوعا[ و في الصحيحين

يعني من النار ـ فتحرم صورهم عن النار فيخرجون خلقا كثيرا و قد أخذت النار إلى نصف

ارجعوا فمن و : ربنا ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا به فيقول : ساقيه و إلى ركبتيه فيقولون

ثم يقال : كثيرا إلى أن قال جدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا

و كان أبو ] ارجعوا فمن و جدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا

إن اهللا ال يظلم {: إن لم تصدقوني بهذا الحديث فاقرؤوا إن شئتم : سعيد الخدري يقول

ة و شفع النبيون و شفعت المالئك: فيقول اهللا [ اآلية }مثقال ذرة و إن تك حسنة يضاعفها

شفع المؤمنون و لم يبق إال أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم

يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة

فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم : فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل قال

هم أهل الجنة هؤالء عتقاء اهللا ؟ الذين أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه و ال خير قدموه يعرف

ربنا أعطيتنا ما لم تعط ألحد من : ادخلوا الجنة فما رأيتموه فهو لكم فيقولون : ثم يقال

ربنا و أي شيء أفضل من هذا ؟ : لكم عندي أفضل من هذا فيقولون : العالمين فيقول

أسخط عليكم بعده أبدافيقول رضائي فال ]

و في حديث أنس بن مالك و ذكر فيه الشفاعة مرة بعد مرة و أنه صلى اهللا عليه و سلم ]

و : اهللا : ال إله إال اهللا فيقول : رب أي رب أئذن لي فيمن قال : في اآلخرة فأقول : قال

في رواية [ و ] ال إله إال اهللا: عزتي و جاللي و عظمتي و كبريائي ألخرجن منها من قال

ليس ذلك لك أو إليك : مسلم الحديث [


فصل ـ في رحمته وسعت كل شيء

أن رحمته و سعت كل شيء و أنه كتب على نفسه الرحمة و قال : و قد أخبر اهللا تعالى ]

فالجنة دار رحمته و النار دار غضبه ] سبقت رحمتي غضبي و غلبت رحمتي غضبي :

خلقا في اآلخرة و يدخلها أيضا من دخل النار أوال و يدخلها األوالد فثبت أن الجنة ينشأ لها

بعمل اآلباء فثبت أن الجنة يدخلها من لم يعمل خيرا قط و ثبت أن النار ال يعذب أحد فيها

بغير ذنب فرحمته واسعة

يا محمد لو رأيتني و أنا : قال جبريل : حتى إن جماعة من المفسرين ذكروا قصة فرعون

طين في في فرعون مخافة أن يقول فرعون كلمة يرحمه اهللا بها فهذا جبريل من أدس ال

أعظم رسل المالئكة قد علم سعة رحمة اهللا ففعل ذلك مخافة إدراك الرحمة له مع أنه قال

أنا ربكم األعلى{: }

فصل ـ في أن من مات موحدا داخل الجنة

عة من السلف و الخلف أن من مات و مما ينبغي أن يعلم أن مذهب أهل السنة و الجما

موحدا أدخل الجنة قطعا على كل حال فإن كان سالما من المعاصي كالصغير و المجنون

الذي اتصل جنونه بالبلوغ و التائب توبة نصوحا صحيحة من الشرك أو غيره من المعاصي إذا

كل هؤالء لم يحدث معصية بعد توبته و من نشأ في عبادة اهللا و لم يقارف معصية أصال

يدخلون الجنة و ال يدخلون النار لكنهم يردونها على الخالف المعروف في الورود و الصحيح

إن شاء اهللا تعالى على ما ذكره جماعة من العلماء أن المراد بالورود المرور على الصراط و

هو منصوب على ظهر جهنم أجارنا اهللا من حرها و بردها

أو له معصية كبيرة و لم يتب منها فهو داخل تحت مشيئة و أما من مات من أهل المعاصي

اهللا إن شاء عذبه بمقدار ذنبه أو القدر الذي يريده ثم يدخله الجنة و إن شاء عفا عنه مطلقا

فال يخلد أحد في النار مات على التوحيد و لو عمل من المعاصي ما عمل و هذا من أحسن

هل المعاصي و مات و ما يعلم هل تاب من ما يتسلى به من مات له قريب أو صاحب من أ

المعاصي أم ال ؟

و قد تظاهرت األدلة من الكتاب و السنة و إجماع من : قال أبو ذكريا النووي ـ رحمه اهللا ـ

يعتد به على هذه القاعدة و تواترت بهذه نصوص تحصل العلم القطعي بذلك انتهى كالمه

قال رسول اهللا : مان ـ رضي اهللا عنه ـ قال من حديث عث[ و يؤكد ذلك ما ثبت في الصحيح


من مات و هو يعلم أن ال إله إال اهللا دخل الجنة: صلى اهللا عليه و سلم ]

اختلف الناس فيمن عصى اهللا تعالى من أهل الشهادتين فقالت : قال القاضي عياض

: قالت المعتزلة تضره و يكفر بها و : ال تضره المعصية مع اإليمان و قالت الخوارج : المرجئة

يخلد في النار إذا كانت كبيرة و ال يوصف بأنه مؤمن و ال كافر لكنه فاسق و قالت جماعة

بل هو مؤمن و إن لم يغفر له و إن عذب فال بد من إخراجه من النار و إدخاله : من العلماء

ت بظاهره و هذا الحديث حجة على الخوارج و المعتزلة و أما المرجئة فإن احتج: الجنة قال

نحمله على أنه غفر له و خرج من النار بالشفاعة ثم أدخل الجنة و يكون معنى قوله : قلنا

أي دخلها بعد مجازاته بالعذاب و هذا ال بد من تأويله لما جاء : دخل الجنة : عليه السالم

في ظواهر كثيرة من عذاب بعض العصاة انتهى كالمه

أتيت رسول : حدثه أبو ذر قال [ ن أبا األسود الديلي و من هذا الباب ما ثبت في الصحيح أ

اهللا صلى اهللا عليه و سلم و هو نائم على قميص أبيض ثم أتيته فإذا هو نائم ثم أتيته و قد

ال إله إال اهللا ثم مات على ذلك إال دخل : ما من عبد قال : استيقظ فجلست إليه فقال

ن زنى و إن سرق ثالث مرات ثم قال في و إ: و إن زنى و إن سرق ؟ قال : الجنة قلت

و فيه ] و إن رغم أنف أبي ذر : فخرج أبو ذر و هو يقول : على رغم أنف أبي ذر قال : الرابعة

رد على الخوارج و على المعتزلة بتخليد أهل الكبائر في النار

: فقال أتاني جبريل : أن رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم قال : و في رواية ل البخاري ]

و إن : و إن زنى و إن سرق قال : من مات من أمتك ال يشرك باهللا شيئا دخل الجنة قلت

و هو حديث أبي ذر] زنى و إن سرق

من مات ال يشرك : من حديث جابر أن النبي صلى اهللا عليه و سلم قال [ و في الصحيح

من لقي اهللا : في لفظ [و ] باهللا شيئا دخل الجنة و من مات يشرك باهللا شيئا دخل النار

في [ و ] من قال ال إله إال اهللا دخل الجنة : في رواية [ و ] ال يشرك به شيئا دخل الجنة

من شهد أن ال إله إال اهللا و أني رسول اهللا دخل الجنة: لفظ ]

و في حديث معاذ بن جبل ـ رضي اهللا عنه ـ عن رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم أنه ]

ن آخر كالمه ال إله إال اهللا دخل الجنةمن كا: قال ]

ما من : في رواية [ و ] من لقي اهللا ال يشرك به شيئا دخل الجنة : و عنه أيضا مرفوعا ]

و زاد في ] عبد يشهد أن ال إله إال اهللا و أن محمدا رسول اهللا إال حرمه اهللا على النار

لى ما كان من عملع: من حديث عبادة بن الصامت [ صحيح البخاري و مسلم ]

من حديث أنس أن نبي اهللا صلى اهللا عليه و سلم و معاذ [ و في صحيح البخاري و مسلم

يا معاذ : لبيك و سعديك يا رسول اهللا قال : يا معاذ قال : بن جبل رديفه على الرحل قال

ما : قال لبيك و سعديك يا رسول اهللا: يا معاذ قال : لبيك و سعديك يا رسول اهللا قال : قال


أو : من عبد يشهد أن ال إله إال اهللا و أن محمدا عبده و رسوله إال حرمه اهللا على النار قال

فأخبر بها عند موته تأثما ـ يعني مخافة ] إذا يتكلوا : ال أخبر بها الناس فيستبشروا ؟ قال

اإلثم ـ

: و سلم يقول من حديث عبادة أنه سمع رسول اهللا صلى اهللا عليه [ و في لفظ مسلم

[ من شهد أن ال إله إال اهللا و ان محمدا رسول اهللا حرم اهللا عليه النار

يا رسول اهللا من أسعد الناس بشفاعتك : قلت : و عن أبي هريرة ـ رضي اهللا عنه ـ قال ]

رواه ] ال إله إال اهللا خالصا من قبل نفسه : أسعد الناس بشفاعتي من قال : ؟ فذكره قال

البخاري

لكل نبي دعوة مستجابة : قال رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم : و عن أبي هريرة قال ]

فتعجل كل نبي دعوته و إني اختبأت دعوتي شفاعة ألمتي يوم القيامة فهي نائلة إن شاء

حرم اهللا على : و في لفظ له [ رواه مسلم ] اهللا من مات من أمتي ال يشرك باهللا شيئا

إال اهللالنار من قال ال إله ]

و قد ورد في ذلك عدة أحاديث و غالب هذه األحاديث سردها مسلم في صحيحه في باب

واحد في باب الدليل على صحة إسالم من حضره الموت لكن قال سعيد بن المسيب عند

إن هذا قبل نزول الفرائض و األمر و النهي و هذا القول عن سعيد : سماعه هذه األحاديث

هو خطأ ألن راوي أحد هذه : ه اهللا ـ ليس بشيء و قال بعض العلماء بن المسيب ـ رحم

األلفاظ أبو هريرة و هو متأخر اإلسالم اسلم عام خيبر سنة سبع باالتفاق و كانت أحكام

الشريعة مستقرة كالصالة و الزكاة و الصيام و نحوها فعلم ضعف هذا القول و اهللا تعالى

من قال الكلمة و أدى : ة تحتاج إلى شرح و معناه هي مجمل: أعلم و قال بعض العلماء

إن ذلك لمن قالها عند الندم و التوبة و : حقها و فريضتها و هذا قول الحسن البصري و قيل

مات على ذلك و هذا قول البخاري و قد تقدم في أول الباب حملها على ظاهرها و أن

ن مات موحدا دخل الجنة و مذهب السلف و الخلف من الفقهاء و أهل الحديث على أن م

إن كان من أهل المعاصي و أنه داخل تحت المشيئة و اهللا تعالى أعلم

لما حضر أبا زرعة الموت و عنده أبو حاتم و محمد بن مسلم و المنذر : و عن أبي جعفر قال

تعالوا نذكر : بن شاذان و جماعة من العلماء هابوا أن يلقنوه الشهادة فقال بعضهم لبعض

حدثنا الضحاك عن عبد الحميد بن جعفر عن صالح و لم : يث فقال محمد بن مسلم الحد

حدثنا بندار عن أبي عاصم عن عبد الحميد بن جعفر عن صالح و لم : يجاوز و قال أبو حاتم

ثنا بندار عن أبي عاصم عن عبد الحميد بن جعفر : [ يجاوز و الباقون سكوت فقال أبو زرعة

عن كثير بن مرة الحضرمي عن معاذ بن جبل ـ رضي اهللا عنه ـ قال عن صالح بن أبي عريب

ثم ] من كان آخر كالمه ال إله إال اهللا دخل الجنة : قال رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم :


توفي في ساعته رحمة اهللا عليه

لما مات النوار امراة الفرزدق شهدها الحسن البصري فلما : و عن عبيد بن عياش قال

يا أبا سعيد أما تسمع ما يقول : وثب الفرزدق لينصرف فقال للحسن : ليها التراب سوي ع

اجتمع في هذه الجنازة خير الناس و شر : يقولون : و ما يقول الناس ؟ قال : الناس ؟ قال

ما أنا بخيرهم و ما أنت بشرهم و لكن ما أعددت : الناس يعنونك و يعنونني فقال الحسن

يا أبا سعيد شهادة أن ال إله إال اهللا فبكى الحسن ثم التزم الفرزدق : لهذا اليوم ؟ فقال

لقد كنت من أبغض الناس إلي و إنك اليوم من أحب الناس إلي: فقال


اآلخرةفي فضل الزهد في الدنيا و التسلية عنها و الرغبة في: الباب الثالثون

}خير لمن اتقى و ال تظلمون فتيال قل متاع الدنيا قليل و اآلخرة {: قال اهللا تعالى

فاالستمتاع بالدنيا قليل و متعتك بها قليل من قليل و ثواب اآلخرة خير و أفضل لمن اتقى

المعاصي و أقبل على الطاعات

أن هذا الباب من أنفع األبواب لمن تدبره فإن الدنيا دار قلعة و زوال و : و مما ينبغي أن يعلم

نائبه و امتحان و متاع غرور و افتتان فال ييأس على ما فات منها منزل نقلةو ارتحال و محل

و ال يفرح على ما وجد منها و ال يجزع على ولد أو نفس تموت و ال يحزن على أمر يفوت

أخذ رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم : عن عبد اهللا بن عمر ـ رضي اهللا عنهما ـ قال ]

إذا : و كان ابن عمر يقول ] ب أو عابر سبيل كن في الدنيا كأنك غري: بمنكبي فقال

أمسيت فال تنتظر الصباح و إذا أصبحت فال تنظر السماء و خذ من صحتك لمرضك و من

حياتك لموتك رواه البخاري

ال تركن إلى الدنيا و ال تتخذها وطنا و ال : قال جماعة من العلماء في تفسير هذا الحديث

باالعتناء بها و ال تغتر بها فإنها غرارة خداعة و ال تتعلق تحدث نفسك بطول البقاء فيها و ال

إال بما يتعلق به الغريب في غير وطنه و ال تشتغل فيها إال بما يشتغل به الغريب الذي يريد

الذهاب إلى أهله و باهللا فاستعن

: جاء رجل إلى النبي صلى اهللا عليه و سلم فقال : و عن سهل بن سعد الساعدي قال ]

ازهد في الدنيا : رسول اهللا دلني على عمل إذا عملته أحبني اهللا و أحبني الناس فقال يا

رواه ابن ماجة و غيره بإسناد جيد و لوائح ] يحبك اهللا و ازهد فيما عند الناس يحبك الناس

الصحة ظاهرة عليه

اهللا جناح لو أن الدنيا تعدل عند: وعنه أيضا رفعه إلى النبي صلى اهللا عليه و سلم قال ]

رواه الترمذي و قال حديث صحيح] بعوضة ما سقى كافر منها شربة ماء

أال إن الدنيا : سمعت رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم يقول : و عن أبي هريرة قال ]

حديث : رواه الترمذي و قال ] ملعونة ملعون ما فيها إال ذكر اهللا و ما وااله و عالما و متعلما

حسن

سمعت رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم : عن كعب بن عياض قال [ مذي أيضا وروى التر

حديث حسن صحيح: قال الترمذي ] لكل أمة فتنة و فتنة أمتي المال : يقول

: عن عثمان أن رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم قال [ وروى الترمذي و حسنه و صححه

ه وثوب يواري عورته و جلف الخبز و بيت يسكن: ليس البن آدم حق في سوى هذه الخصال


سمعت أبا داود : وعاء الشيء جلفه ـ قال الترمذي : ـ قال ابن فارس في مجمله ] الماء

هو : الخبز ليس معه إدام و قال غيره : الجلفة : سمعت النضر بن شميل يقول : يقول

خرج و نحوه و اهللا أعلمو المراد به هنا وعاء الخبز كالجوالق و ال: غليظ الخبز و قال الهروي

أتيت رسول اهللا صلى اهللا عليه و : عن عبد اهللا بن الشخير قال [ و في صحيح مسلم

مالي مالي و هل لك يا ابن آدم : : يقول ابن آدم : قال } ألهاكم التكاثر {: سلم و هو يقرأ

[ من مالك إال ما أكلت فأ فنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت ؟

جلس رسول اهللا صلى اهللا : يح البخاري و مسلم من حديث أبي سعيد قال و في صح

إن مما أخاف عليكم بعدي ما يفتح : [ عليه و سلم على المنبر و جلسنا حوله فقال

[ عليكم من زهرة الدنيا و زينتها

إن الدنيا حلوة : عنه أيضا أن رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم قال [ و في صحيح مسلم

و إن اهللا مستخلفكم فيها فينظر كيف تعلمون ؟ فاتقوا الدنيا و اتقوا النساءخضرة ]

قال رسول اهللا صلى اهللا : عن أنس بن مالك ـ رضي اهللا عنه ـ قال [ و في مسلم أيضا

يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغة ثم : عليه و سلم

ال و اهللا يا رب و يؤتى : رأيت خيرا قط ؟ هل مر بك نعيم قط ؟ فيقول يا ابن آدم هل : يقال

يا ابن آدم : بأشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ في الجنة صبغة فيقال له

ال و اهللا ما مر بي بؤس قط و ال رأيت : هل رأيت بؤسا قط ؟ هل مر بك شدة قط ؟ فيقول

[ شدة قط

ديث جابر بن عبد اهللا أن رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم مر من ح[ و في مسلم أيضا

أيكم يحب أن هذا : بالسوق و الناس كنفتية فمر بجدي أسك ميت فتناوله فأخذ بأذنه فقال

و : تحبون أنه لكم ؟ قالوا : ما نحب أنه لنا بشيء و ما نصنع به ؟ قال : له بدرهم ؟ فقالوا

و اهللا للدنيا أهون على اهللا من : ك فكيف و هو ميت ؟ فقال اهللا لو كان حيا كان عيبا أنه أس

كنفتيه أي من جانبيه و األسك الصغير األذن: قوله ] هذا عليكم

أراه رفعه النبي صلى اهللا عليه و : و عن شهر بن حوشب عن عبادة بن الصامت قال ]

عز و جل و ألقوا سائرها ميزوا ما كان منها هللا: يجاء بالدنيا يوم القيامة فيقال : سلم قال

رواه ابن أبي الدنيا] في النار

عن عبادة بن العوام عن هشام أو عوف عن الحسن مرسال أن النبي صلى [ وروي أيضا

حب الدنيا رأس كل خطيئة: اهللا عليه و سلم قال ]

ما و اعلم أنه من أحب دنياه أضر بآخرته و من أحب آخرته أضر بدنياه فآثروا ما يبقى على

يفنى

يا رسول اهللا من خيرنا ؟ : و عن الحسن مرسال أن النبي صلى اهللا عليه و سلم قالوا له ]


: قال رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم [ و ] أزهدكم في الدنيا و أرغبكم في اآلخرة : قال

و من زهد في الدنيا أسكن اهللا الحكمة قلبه و أطلق بها لسانه و بصره عيوب الدنيا داءها

رواه ابن أبي الدنيا] دواءها و أخرجه منها سالما مسلما إلى دار السالم


فصل ـ في العجب ممن يسعى لدار الغرور

و من العجب كل العجب يصدق بدار الخلود و هو يسعى لدار الغرور فمن أحبه اهللا حماه عن

إن اهللا لم يخلق : ا و قد ورد في الحديث مرفوع[ الدنيا كما يحمي أحدكم مريضه عن الماء

[ خلقا أبغض إليه من الدنيا و إنه منذ خلقها لم ينظر إليها

يا : قالوا لعلي ـ رضي اهللا عنه ـ : قال مالك بن دينار : و روى ابن أبي الدنيا في ذم الدنيا

حاللها حساب و : بل أقصر قال : أطيل أم اقصر ؟ قالوا : أبا الحسن صف لنا الدنيا ؟ قال

و ما أصف لكم من : يا أمير المؤمنين صف لنا الدنيا ؟ قال : قالوا : النار و عنه أيضا حرامها

دار ؟ من صح فيها أمن و من سقم فيها ندم و من افتقر فيها حزن و من استغنى فيها فتن

في حاللها الحساب و في حرامها النار

أى في منامه ما يكره و ما شبهت الدنيا إال كرجل نائم فر: و روي عن يونس بن عبيد قال

ما يحب فبينما هو كذلك إذ انتبه

الدنيا ظل زائل: و قال الحسن بن علي

جاءت الدنيا تزحمها و إذا كانت : إذا كانت اآلخرة في القلب : و قال أبو سليمان الداراني

الدنيا في القلب لم تزحمها اآلخرة ألن اآلخرة كريمة و الدنيا لئيمة

و اهللا لكفى به ذنبا أن اهللا عز و جل يزهد : سمعت بالال بن سعيد يقول : و قال األوزاعي

في الدنيا و نحن نرغب فيها فزاهدكم راغب و مجتهدكم مقصر و عالمكم جاهل


فصل ـ في أن شرور الدنيا كأحالم نوم

و اعلم أن شرور الدنيا كأحالم نوم أو كظل زائل إن أضحكت قليال أبكت كثيرا و إن سررت

يوما أو أياما ساءت أشهرا و أعواما و إن متعت قليال منعت طويال و ما حصلت للعبد فيها

سرورا إال خبأت له أضعاف ذلك شرورا

لكل فرحة ترحة و ما ملىء بيت فر حا إال ملىء ترحا: قال ابن مسعود

ما من ضحك إال يكون بعده بكاء: قال ابن سيرين

يتنا و نحن من أعز الناس و أشدهم ملكا ثم لم تغب لقد رأ: و قالت هند بنت النعمان

الشمس حتى رأيتنا و نحن أذل الناس و إنه حق على اهللا عز و جل أن ال يمأل دارا حبرة إال

مأله عبرة و سألها رجل أن تحدثه عن أمرها فقالت أصبحنا ذات صباح و ما في العرب أحد

حمنا و بكت أختها حرقة بنت النعمان يوما و إال يرجونا ثم أمسينا و ما في العرب أحد إال ير

رأيت كثرة أهلي و سرورهم و قلما : ما يبكيك ؟ فذكر أنها قالت : هي في عزها فقيل لها

كيف : دخلت عليها يوما فقلت لها : امألت دار سرورا إال امألت حزنا قال إسحاق بن طلحة

كنا فيه باألمس إنا نجد في الكتب ما نحن فيه اليوم خير مما: رأيت عبرات الملوك ؟ فقالت

أنه ليس من أهل بيت يعيشون في حبرة إال سيعقبون بعدها عبرة و إن الدهر لم يظهر :

: لقوم بيوم يحبونه إال بطن لهم بيوم يكرهونه ثم قالت

فبينا نسوس الناس و المر أمرنا )

( إذ نحن فيهم سوقة نتنصف ...

قلب تارات بنا أو تصرف ت...فأف لدنيا ال يدوم نعيمها ) )

ما مثلي و مثل الدنيا إال كراكب سار في يوم صائف فاستظل : و في الحديث مرفوعا ]

رواه ابن أبي الدنيا] تحت شجرة ساعة من نهار ثم راح و تركها

ويل لصاحب الدنيا كيف يموت و يتركها ؟ يأمنها : قال عيسى عليه السالم : و روى أيضا

تخذله ويل للمغترين كيف أرقهم ما يكرهون وفارقهم ما يحبون وجاءهم ما وتغره ويثق بها و

! يوعدون ويل لمن الدنيا همته و الخطايه عمله كيف يفتضح غدا بذنبه ؟

بحق أقول لكم : وروى ابن أبي الدنيا بإسناده عن وهب بن منبه قال عيسى عليه السالم

ة الوجع كذلك صاحب الدنيا ال يلتذ كما ينظر المريض إلى طيب الطعام وال يلتذ من شد

بالعبادة وال يجد حالوتها مع ما يجد من حب الدنيا إن الدابة إذا لم تركب وتمتهن تصعبت

وتغير خلقها كذلك القلوب إذا لم ترق بذكر الموت و دأب العبادة تقسو وتغلظ


فصل ـ في اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا

اللهم اجعل رزق آ ل محمد قوتا: و ثبت في الصحيح مرفوعا ] ]

ما يسد الرمق وفيه داللة على فضيلة التقليل من الدنيا و االقتصار : القوت : قال أهل اللغة

على القوت منها و الدعاء بذلك و اهللا أعلم فإن الدخول في الدنيا و الميل إليها على خطر

عدي ما يفتح عليكم من إن مما أخاف عليكم ب: كما تقدم في الصحيح مرفوعا [ عظيم

في التحذير من االغترار بالدنيا و النظر إليها و المفاخرة بها : قال العلماء ] زهرة الدنيا

فالدنيا و إن أقبلت على الشخص من وجه حل يخاف عليه الفتنة و االشتغال بها عن كمال

فه في وجوه اإلقبال على اآلخرة فإن وفق إلعطاء المسكين و اليتيم و ابن السبيل و صر

البر كان من الفائزين و إال كان من الهالكين

عن المستورد بن شداد الفهري أنه سمع رسول اهللا صلى [ وقد ثبت في صحيح مسلم

ما الدنيا في اآلخرة إال مثل مايجعل أحدكم إصبعه في اليم فلينظر : اهللا عليه و سلم يقول

[ بما ترجع إليه

إنما : ذا المنبر ـ رسول اهللا صلى اهللا عليه و سلم يقول سمعت ـ على ه: و قال معاوية ]

بقي من الدنيا بالء و فتنة و إنما مثل عمل أحدكم كمثل الوعاء إذا طاب أعاله طاب أسفله

[ و إذا خبث أعاله خبث أسفله

من زهد في الدنيا هانت عليه المصائب و من : و قال علي بن أبي طالب ـ رضي اهللا عنه ـ

ت سارع في الخيراتارتقب المو

و الذي نفسي بيده لقد أدركت أقواما كانت الدنيا عليهم أهون : و قال الحسن البصري

عليهم من التراب الذي تمشون عليه

ثم عالمة الشقاء قسوة القلب و جمود العين و طول األمل و الحرص على الدنيا

ورع في الدنيا و الزهد في عالمة السعادة اليقين في القلب و ال: و قال الفضيل بن عياش

الدنيا و الحياء و العلم

لو أن الدنيا بحذافيرها عرضت علي حالال ال أحاسب بها في اآلخرة : و قال الفضيل أيضا

لكنت أتجنبها كما يتجنب أحدكم الجيفة ـ إذا مر بها ـ أن تصيب ثوبه

ا و الدواء تركهاخلق اهللا الداء و الدواء فالداء الدني: و قال أبو الهاشم الزاهد


فصل ـ في أن الدنيا دار ممر

حضر بعض الرؤساء صالة الجمعة و به مرض ال يحتمل معه تطويل الخطبة فصعد الخطيب

فإن : الحمد هللا رب العالمين و صلواته على أشرف النبياء و المرسلين أما بعد : المنبر فقال

من ممركم و ال تهتكوا أستاركم عند من ال الدنيا دار ممر و اآلخرة دار مقر فخذوا لمقركم

تخفى عليه أسراركم و أخرجوا الدنيا من قلوبكم قبل أن تخرج منها أبدانكم أقول قولي هذا

و أستغفر اهللا لي و لكم

فعمر الدنيا و اهللا قصير و أغنى غني فيها فقير و ! فما أبلغ هذه الخطبة و أفصحها و أوجزها

قد استنشقت ريح الغربة قبل الرحيل و رأيت أثر اليتم في كأني بك في عرصة الموت و

الولد قبل الفراق فتيقظ إذن من رقدة الغفلة و انتبه من السكرة و اقلع حب الدنيا من قلبك

فإن العبد إذا أغمض عينه و تولى تمنى اإلقالة فقيل كال

الطير تظله و مر سليمان بن داود عليهما السالم في موكبه و: قال أبو عمران الجوني

و اهللا يا : فمر عابد من عباد بني إسرائيل فقال : الجن و اإلنس عن يمينه و شماله قال

تسبيحة في : فسمع سليمان كلمته فقال : قال ! ! ابن داود لقد آتاك اهللا ملكا عظيما

صحيفة مؤمن خير مما أعطي ابن داود و ما أعطي ابن داود يذهب و التسبيحة تبقى


ـ في أن هذه الدار رحلةفصل

من بذل وسعه في التفكير التام علم أن هذه الدار رحلة فجمع للسفر رحلة و يعلم أن مبدأ

السفر من ظهور اآلباء إلى بطن األمهات ثم إلى الدنيا ثم إلى القبر ثم إلى الحشر ثم إلى

دار الخلود و العدو دار اإلقامة األبدية فدار اإلقامة هي دار السالم من جميع اآلفات و هي

سبانا إلى دار الدنيا فنجتهد في فكاك أسرنا ثم في حث السير إلى الوصول إلى دارنا

: األولى وفي مثل هذا قيل

فحي على جنات عدن فإنها )

( منازلك األولى و فيها المخيم ...

نعود إلى أوطاننا و نسلم...و لكننا سبي العدو فهل ترى ) )

السير في الدنيا يسير و يقطع باألنفاس و يسير باإلنسان سير السفينة و ليعلم أن مقدار

: ال يحس بسيرها و هو جالس فيها كما قيل

فالغوي الشقي من يصطفيها...إنما هذه الحياة متاع ) )

و لك الساعة التي أنت فيها...مامضى فات و المؤمل غيب ) )

خرة إال التقوى فال بد من تعب الشخص و و ال بد له في سفره من زاد و ال زاد إلى اآل

كال فليتنبه الغافل من : ارجعون فيقال : التصبر على مرارة التقوى لئال يقول وقت السير

كسل مسيره فإن اهللا تعالى يريه في قطع مسافة سفره آيات يرسلها تخويفا لعباده لئال

لته عن طريق االستقامة يميلوا عن طريقهم المستقيم و نهجهم القويم فمن مالت به راح

فرأى ما يخاف منه فليرغب إلى اهللا بالرجوع إليه عما ارتكبه من السبل فيتوب من معصيته

و يبكي من قسوته فإذا انتبه من رقدة كسله علم أن الدنيا دار غرور طبعت على كدر كما

أنشدني الحسن بن السكن: روى ابن أبي الدنيا قال :

فما تقطع العيش إال بهم...حياتك بالهم مقرونة ) )

فما تأكل الشهد إال بسم...لذاذات دنياك مسمومة ) )

توقع زلوال إذا قيل تم...إذا تم أمر بدا نقصه ) )

: و كما قيل في المعنى

ما هذه الدنيا بدار قرار...حكم المنية في البرية جار ) )

األخبار حتى يرى خبرا من...بينا يرى اإلنسان فيها مخبرا ) )

طبعت على كدر و أنت تريدها )

( صفوا من األقذاء و األكدار ...


احذروا دار الدنيا فإنها أسحر من هاروت و ماروت فإنهما يفرقان بين : و قال بعض السلف

المرء و زوجه و الدنيا تفرق بين العبد و ربه

اتقوا : معت مالكا يقول س: و ذكر ابن أبي الدنيا هذا األثر مرفوعا قال جعفر بن سليمان

السحارة فإنها تسحر قلوب العلماء ـ يعني الدنيا ـ

أما : و ذكر ابن أبي الدنيا بإسناده إلى الحسن البصري أنه كتب إلى عمر بن عبد العزيز

بعد فإن الدنيا دار ظعن ليست بدار إقامة و إنما أنزل إليها آدم عقوبة فاحذرها يا أمير

نها تركها و الغنى منها فقرها لها في كل حين قتيل تذل من أعزها و المؤمنين فإن الزاد م

تفقر من جمعها هي كالسم يأكله من ال يعرفه و هو حتفه فكن كالمداوي جراحته يحتمي

قليال مخافة ما يكره طويال و يصبر على شدة الدواء مخافة طول البالء فاحذر هذه الدار

بخدعها و فتنت بغرورها و ختلت بآمالها و تشرفت الغرارة الحيالة الخداعة التي ازينت

لخطابها فأصبحت كالعروس المجلية فالعيون إليها ناظرة و القلوب عليها والهة و النفوس لها

عاشقة و هي ألزواجها كلهم قاتلة فال الباقي بالماضي معتبر و ال اآلخر على األول مزدجر

ر فعاشق لها قد ظفر منها بحاجته فاغتر و و ال العارف باهللا عز و جل حين أخبر عنها مدك

طغى و نسي المعاد فشغل فيها لبه حتى زالت عنها قدمه فعظمت ندامته و كثرت

حسرته فخرج بغير زاد و قدم على غير مهاد فاحذرها يا أمير المؤمنين و كن أسر ما تكون

صه إلى مكروه قد فيها أحذر ما تكون لها فإن صاحب الدنيا كلما اطمأن منها إلى سرور أشخ

وصل الرخاء منها بالبالء و جعل البقاء فيها إلى فناء فسرورها مشوب بالحزن ال يرجع منها

ما ولى فأدبر و ال يدرى ما هو آت فينتظر أما نيها كاذبة و آمالها باطلة و صفوها كدر و

عيشها نكد و ابن آدم فيها على خطر و لقد عرضت على نبيك محمد صلى اهللا عليه و

سلم بمفاتيحها و خزائنها فأبى أن يقبلها كره أن يحب ما أبغض خالقه أو يرفع ما وضع

مليكه فزواها عن الصالحين اختيارا و بسطها ألعدائه اغترارا جاءت الرواية أنه تبارك و تعالى

ذنب عجلت عقوبته و إذا رأيت : إذا رأيت الغني مقبال فقل : قال لموسى عليه السالم

مرحبا بشعار الصالحين: فقل الفقر مقبال

و الحمد هللا رب العالمين و صلى اهللا على سيدنا محمد و آله و صحبه و سلم تسليما كثيرا

: و في آخر المخطوط التي تمت الطباعة وفقا له ما يأتي بخط المؤلف

علقها مؤلفا محمد بن محمد بن محمد المنبجي الحنبلي كان اهللا له و سامحه بمنه

نسخة أصله في رجب الفرد سنة سبع و سبعين و سبعمائة أحسن اهللا عا وكرمه من

قبتها

[ تم ]


www.alwww.al-mostafa.com

www.al

ﺐﺋﺎﺼﻤﻟﺍ ﻞﻫﺃ ﺔﻴﻠﺴﺗ · 3 ﻲﻠﺒﻨﺤﻟﺍ ﻲﺠﺒﻨﻤﻟﺍ...

Documents