- ١٧٧ -

التغيير السياسى فى إيران ما بين المتغيرات والقضايا

باكينام الشرقاوى. د

شهدت الدولة اإليرانية طوال القرن الماضى، حركات تغيير متعددة، ، ١٩٧٩ و١٨٩٠فى الفترة ما بين . اتسمت بالثورية فى بعض األحيان

وك، عاصرت إيران سقوط أسرتين حاكمتين، إسقاطا بالقوة أو نفى أربعة ملعددا من االغتياالت السياسية، عددا من الحركات االجتماعية واالنتفاضات

وحركة مصدق، حيث أجبرتا ) ١٨٩٢-١٨٩١(المدنية أهمها حركة الدخان السلطة الحاكمة على التراجع، وثورتين إحداهما شعبية كبرى، أفرزتا تغييرا

لى عدد من ، ذلك باإلضافة إ)١٩٧٩ و ١٩٠٥(بالقوة فى شكل الحكومة الحركات االجتماعية اإلقليمية، خاصة فى الشمال، وكثيرا ما حققت

إنه سجل حافل ال يوازيه سجل آخر ليس فقط فى العالم . انتصارات مؤقتةاإلسالمى بل النامى بأسره، إنه سجل أمة متمردة، مازالت لم تحسم أمرها

األهداف وفى تباينت محطات هذا التغيير فى األسباب، والمطالب و. بعدجماعة التغيير والجدل الفكرى السائد فى كل مرحلة، وفى النتائج المنبثقة

وفى هذا اإلطار ستعمل الدراسة على تحليل متغيرات عملية التغيير، . عنهاوأهم القضايا الجدلية الحاكمة له التى اقترن بها التطور السياسى اإليرانى فى

العام للتغيير فى إيران خالل القرن هذا القرن فى محاولة لتبيان المسار .العشرين

لعل مقولة الدكتور محمود سريع القلم تكتسب درجة عالية من المصـداقية فى إطار هذه الدراسة، حيث رأى أن حالة من االسترخاء السياسى هى حالـة

فى إطار تعدد الحركات الثورية، ) ١(غير واردة عبر التاريخ السياسى اإليرانى ثورة اإلسالمية أهمية مطلقة بل أعطت مدلوالت جديـدة للتطـور اكتسبت ال

- ١٧٨ -

ففى وقت اندالعها ونجاحها نظر العالم اإلسـالمى إليهـا . السياسى اإليرانى استحوذ فقيه علـى السـلطة، : على أنها تحقيق ألسطورة على أرض الواقع

وأسقط أحد أعتى النظم الملكية فى التاريخ، وأدار ظهره لكل مـن الواليـات )٢(المتحدة واالتحاد السوفيتى مما كان مدعاة للفخر واإلعجاب

لماذا إيران ثورية إلى : يثور تساؤل رئيسى عند تناول الحالة اإليرانية هو وترى الدراسة أن أكثرها شـيوعا . هذا الحد؟ وتعددت اإلجابات والتفسيرات

ولكن فـي هو التفسير الثقافى؛ حيث تم التركيز على محوره الشيعى الدينى، خاصـة –حيث تعد الدولـة . إطار من متغيرات اجتماعية واقتصادية مواتية

فـاعال رئيسـيا خـالل القـرن -اإليرانية في ظل ما تتمتع به من استقاللية العشرين في العالم النامى، فالصراعات السياسية تنبع في معظم األحيان، من

ـ ر االجتمـاعى، والتنميـة جراء السياسات التى تشكلها الدولة لتحقيق التغيياالقتصادية، من خالل ما تقوم به من إعادة توزيع موارد القوة، وبذلك تمـنح

وفى إيران ظهرت غالبية الصراعات فـي . فرصة للعمل الجماعى والصراع القرن العشرين في سياق من أزمات سياسية واقتصادية، تفاعلت في إطارهـا

في حين يـرى ()٣(ية، وقوى خارجية الدولة، والجماعات، والطبقات االجتماع فريق آخر أن اإلسالم قد سهل ولكن لم يتسبب فـي بعـض الحركـات وأن األبعاد الثقافية واالقتصادية مترابطة ببعضها البعض فى إطـار معقـد مـن

). ٤)(الصعب الفصل بينهمااشتركت إيران مع غيرها من الدول اإلسالمية، بـل دول العـالم النـامى

ير من المشاكل االقتصادية، والتحديات التى تفرضـها عمليـة أجمعه فى كث التحديث فى إطار من هيمنة القوى الكبرى فى القـرن العشـرين، إال أنهـا ارتكزت على متغيرين هامين، أعطيا للمسار اإليرانى فى القـرن العشـرين

إنه الطابع الخاص والمكثف للتدخالت الخارجية مـن جانـب، : خصوصيته

- ١٧٩ -

لفقهاء، وما أنتجوه من فكر سياسى، ورؤية أيديولوجية، وجدت وتطور دور ا تنطلـق . طريقها للتطبيق فى الربع األخير من القرن الماضى من جانب آخر

. الدراسة من افتراض ثورية الخبرة السياسية اإليرانية فى القـرن العشـرين وتحاول تفنيد افتراض يعطى للقوى الغربية ـ خاصة تدخلها فـى الشـئون

يرانية الداخلية، والفقهاء خاصة تجديدهم الفقهى واستقالليتهم، وفى الوقـت اإلذاته التحامهم بقطاعات جماهيرية عريضة، وجماعات ذات نفوذ مثل البازار

.ـ دورا تثويريا في التجربة اإليرانية في القرن الماضىدورا تعد إيران في مقدمة الدول اإلسالمية القليلة التى لعب فيها الفقهـاء

إنه التغيير الذى صاحبه جـدل . أساسيا في تطور أهداف هذا التغيير وأدواته ممتد طوال القرن حول قضايا خالفية محورية لم يحسم الخالف حولها حتـى

عالقة اإلسالم بالديمقراطية، دور الفقيه، الموقف من تـدخل : اآلن من أهمها طه عنـد تنـاول تطـور وهو األمر الذى من الممكن استنبا . القوى الكبرى

ولقد عاصرت إيران خالل هذا القـرن . التطبيق الليبرالى في السياق اإليرانى أنظمة سياسية مختلفة، ولكن حتى اآلن لم ينجح اإليرانيون فى تنظيم بالدهم، فى شكل سياسى يحظى بإجماع مجتمعى، وموافقة كافة التيارات السياسية فى

ا حول كثير من القضايا، ما بـين منطـق فما زال الجدل مطروح )٥(.الدولة .الدولة، ومنطق الثورة داخل الجمهورية اإلسالميةمتعلق بمتغيرات -األول : ومن ثم ستنقسم الدراسة إلى قسمين رئيسيين

خاص بالقضايا الجدلية المطروحة على الساحة -عملية التغيير، والثانىئيسى فى تحول إيران وستراعى الورقة المنعطف الر. السياسية اإليرانية

السياسى خالل القرن العشرين، ممثال فى الثورة اإلسالمية عند تحليل هذه القضايا والمسائل الخالفية؛ حيث تغيرت الخلفية الثقافية واالقتصادية

ومن ثم اختلفت . والسياسية بل والدولية التى يعمل النظام السياسى في إطارها

- ١٨٠ -

على قاعدة إسالمية للتقييم، وال يقلل التعدد منطلقات الجدل السياسى بارتكازهفى إطارها من الطابع اإلسالمى للتغيير اإليرانى فى العقدين األخيرين من

.القرن الماضى :الفقهاء والغرب.. متغيرات رئيسية للتغيير: أوال

تعددت المتغيرات الداعية للتغيير فى إيران ما قبل الثورة اإلسـالمية، إال أت محورية العالقة مع الغرب، ودور الفقهاء، وبـذلك امتـزج أن الدراسة ر

المتغير الخارجى مع آخر داخلى إلضفاء الخصوصية على عمليـة التغييـر .اإليرانية : المتغير الخارجى كدافع هام للتغيير-١

ال يخلق الشعور بالهوية الثقافية العريقة وحدها الثورات بل يتعاظم التأثير . ما اختلط بحضور إمبريالى غربى قوى كالذى عاشته إيران التثويرى له، إذا

فى هذه الحالة يزداد الشعور بالهجوم الخارجى على الهوية قويـة التأسـيس فلم تتفق أغلبية المجتمع اإليرانى على شىء مثلما اتفقـت علـى )٦(.والوجود

ضرورة مقاومة استفحال النفوذ األجنبى فى إيران؛ حتـى تحولـت النظـرة ة المستريبة لما هو غربى، ألن تكون أحد المكونات الرئيسـية للهويـة الحذر

.القومية الفارسية طوال القرن الماضىشجع النمط المكثف والتنافسـى السـتغالل القـوى الخارجيـة إليـران

وسـاعد . االحتجاجات والحركات الثورية خاصة الموجهة ضد ما هو أجنبى ة وبالقيمة الذاتية للهوية على هذا السلوك الشعور القوى بالوحدة الثقافية الذاتي

لقد تميزت كل حركة تمرد إيرانية باتجاه سياسى ثقافى قوى مضـادة . الثائر ومن ثم لعبت العوامل الخارجية دورا أساسيا فـى تحفيـز )٧(.لما هو أجنبى

القوى الداخلية على إحداث التغيير، حيث كانت تظهر دومـا الشـكوى مـن

- ١٨١ -

)٨(.جنبى داخل إيران قبل أى حركـة تغييـر فـى إيـران استفحال النفوذ األ فبالنظر للتاريخ الطويل من التدخالت األجنبية يمكن مالحظة ارتباط ما بـين أزمات السيادة والشرعية والمشاركة، فالضغوط الخارجيـة تسـمح بإظهـار

)٩(.الشكوك فى شرعية النظام بشكل علنى هنـاك خصوصـية التـدخل وفى مقابل الخصوصية الثقافية اإليرانيـة،

الخارجى فى إيران؛ حيث تنافست عدة قوى غربية إلحكام سـيطرتها علـى إيران ومواردها االقتصادية اإلستراتيجية، فكان تعدد االختراقات الخارجيـة سببا فى عدم إحكام قوى أجنبية واحدة سيطرتها على إيران خـالل النصـف

ول التنافس األجنبى إلى عامـل وزادت إمكانية تح . األول من القرن العشرين عدم استقرار، وهو ما اتضح خالل حركة الدخان عنـدما ناصـر الـروس المحتجين ضد البريطانيين، وعندما ساعدت بريطانيا الثـوار فـى المراحـل

فبتفاعل التدخل األجنبى المكثف والتنافس بـين . األولى من الثورة الدستورية ية الثقافية القوية مثل المحيط اإليرانى أكثر من قوى غربية مع محيط من الهو

)١٠(.من المتوقع نمو شعور عام من العداء لالختراق الغربى واسع المدىلكن بالرغم من كره الهيمنة األجنبية وما سببته إليران من مشـاكل إال أن

حيـث تشـاركت . العالقة مع الغرب مثلت ما يسمى بعالقة الحب والكراهية الدسـتوريون الليبراليـون، : خالل الثورة الدسـتورية جميع القوى السياسية

اإلسالميون اإلصالحيون، والجماعات الديمقراطية االشتراكية الصغيرة فـى رؤية عامة ترى فى اللحاق بالغرب حال لمشاكل إيران، وإن اختلفـوا حـول

)١١(.أسباب التخلف والحلول الواجب اتباعها للخروج من هذه الحالةى مسألة تبعية إيران للغرب وكيفية التعامل معهـا؛ رأت تطورت النظرة إل

األجيال األولى من اإلصالحيين القوميين التفوق العسكرى للقوى األوروبيـة، . وأفضلية هياكلهم السياسية كأسباب لتقدمهم وهيمنتهم على غيرهم من الـدول

- ١٨٢ -

اكـل في حين اعتقد جيل الحق من القوميين الراديكاليين والماركسيين أن الهي االقتصادية للرأسمالية العالمية هـى الكامنـة وراء تبعيـة إيـران للقـوى

وبخالف هذين الجيلين رأى المنظور اإلسـالمى أن اإلمبرياليـة . اإلمبرياليةحققت هيمنتها من خالل اختراق التعليم والتقليل من قيمـة القـيم اإلسـالمية

اديكـالى فـى النظـام التقليدية؛ لذا جاء خلق ثقافة جديدة وإحداث تحويـل ر )١٢(.التعليمى واإلعالم على سلم أولويات بناء نظام إسالمى ما بعد الثورة

. بعد نصف قرن من االمتيازات األجنبية المقدمة لرعايا الـدول الغربيـة إيذانا ال ببدء القرن العشرين، بـل ببـدء اسـتفحال النفـوذ ١٩٠٠كان عام

ل طلب لقرض مـن روسـيا بعـد األجنبى فى إيران، حيث تقدمت إيران بأو مقتل الشاه ناصر الدين، وتولى ابنه مظفر الدين الذى انغـرس فـى ملذاتـه

)١٣(.فساءت األوضاع االقتصاديةبنظرة إلى التاريخ اإليرانى خالل القرن الماضى، نجده سجال حافال مـن تداعيات التدخل األجنبى، وتأثيره على مسار األحداث وتسلسلها، وما تركـه

فلقد ظهرت دوما حاجة الملكيات . بصمات على الدولة اإليرانية وتشكيلها مناإليرانية فى القرن العشرين إلى مساندة قوى خارجية، سواء فـى مواجهـة

فكان للمغير الخارجى عقب الحـرب . قوى داخلية أو لموزانة أخرى خارجية لويـة فـى العالمية األولى دور هام فى تكوين أو تسهيل تكوين الدولـة البه

١٩٠٧لقد تم تقسيم مناطق النفوذ رسميا فـى . العشرينيات من القرن السابق حظيت فيه روسيا بنصيب األسد؛ حيث حصلت على الشمال بما فيه طهران،

وبالرغم من إعالن إيران حيادها فـي . أما بريطانيا فكان الجنوب من نصيبها وسببوا الكثير من الصـعاب الحرب العالمية األولى إال أن العثمانيين احتلوها

ثم أبعدت الثورة البلشفية شاه األسـرة القاجاريـة الحاكمـة، )١٤(.لإليرانيين

- ١٨٣ -

لم يكن في إيران حكومة مركزية فعالـة، واسـتحوذت ١٩١٩وبحلول عام )١٥(.الحركات االنفصالية على عدة مقاطعات خزيستان وجيالن وخرسان

العالمية األولى، ومن أهـم وتوالت تدخالت الدول الكبرى ما بعد الحرب ؛ فأمام الخوف من اسـتخدام ١٩٢١ما أفرزته تداعيات هذه األحداث انقالب

الثورة البلشفية إيران للوصول إلى الهند وحاجة إيران إلى مسـاعدة القـوى الخارجية للدفاع عن نفسها في مواجهة جارها الشيوعى في الشمال ظهـرت

في محاولة لتحويل إيـران لمـا ١٩١٩ام اإليرانى لع -فكرة العقد اإلنجليزى وفى إطار مناخ رافض لهـذه االتفاقيـة، جـاء )١٦(.يشبه المحمية البريطانية

احتالل مقاطعة جيالن فى شمال إيران كنتاج غير مباشر له الذى بالرغم من ، ممـا زاد )١٧(تعليق تنفيذه إال أن الدولة الشيوعية فـى جـيالن اسـتمرت

جيش اإليرانى إلى أقسام عدة يسيطر على كل منهـا األوضاع سوءا انقسام ال وأصبح من أهم األهداف البريطانية فى ظـل حكـم . إحدى القوى الخارجية

الشاه أحمد آخر حكام الدولة القاجارية هو ضمان السلطة الكاملة على الجيش اإليرانى بأكمله تحت قيادة جنرال بريطانى، خاصة أن المستشـار الروسـى

كسب ثقة الشاه أحمد الذى اعتبره عنصرا هاما فى قدرته على للشاه استطاع الحفاظ على حكمه، ورأى فى وجود الضـباط الـروس موازنـة للوجـود

ومـن ثـم . )١٨(البريطانى الذى يسيطر بالفعل على سياسات واقتصاد إيران دعت الظروف الداخلية المتدهورة لتدخل يد قوية فى الداخل لتعيد االستقرار،

.ذا السياق المتردى رضا خانوظهر فى هلقد ترك الحكم الفاسد للقاجار وضعفه وعجز الشاه أحمد األمة اإليرانيـة فى موقف خطر أمام احتمال غزو الشيوعيين لطهران، وهو الغزو الذى كان سيؤثر بشدة على وحدة وتماسك األراضى اإليرانية بالنظر لما كانت سـتقوم

فاع عن وجودها فى الجنوب؛ لذا رأى بعض به بريطانيا من تركيز قوتها للد

- ١٨٤ -

المحللين فى غزو رضا خان لطهران أفضل البدائل المطروحـة فـى ذلـك الوقت، إذ منعت تفكك األراضى اإليرانية بعد أن يحول توازن القوة الجديـد

إلى تقسيم إيران ما بين بريطانيا واالتحاد السوفيتى الشـيوعى، ١٩٠٧اتفاق . الجدد على طهران يعنى عموم الفوضى فى الـبالد وأن سيطرة قادة جيالن

وبالرغم من أن هذا االنقالب فتح الباب أمام ديكتاتورية الشاه رضـا وقهـر الحريات السياسية، إال أنه من ناحية أخرى أمن الوحدة السياسية واالنـدماج

فكأن التـاريخ اإليرانـى فـى القـرن )١٩(.اإلقليمى إليران منذ ذلك التاريخ ن يدعم المقولة الداعية إلى احتالل هدف بناء الدولة القوميـة وتـأمين العشري

حدودها ووحدتها السياسية قمة سلم األولويات التى على كل أمـة أن تسـعى .لتحقيقها أوال

ولم تقتصر عوامل نجاح الحركة االنقالبية لرضا خان على قدرته علـى يين والحركات المحليـة مواجهة التحديات الداخلية، من ثوار جانجالى الشمال

األخرى، وعلى المناورة الناجحة ما بين األحـزاب السياسـية والجماعـات المختلفة التى تضمها السياسة اإليرانية، وإنما األهم نجاحه فى اكتساب الدعم الغربى باعتباره الرجل القوى الذى يحتاجه الغرب لحمايـة مصـالحه فـى

لسلطة المركزية فإنـه لـم يسـتطع أن بل إنه بالرغم من تقويته ل )٢٠(.إيران اإليرانية للنفط حتى أن ضآلة ما حصلت عليه -يتعرض للشركة اإلنجليزية

مع هذه الشركة، يوضح أن الضعف اإليرانـى فـى ١٩٣٣إيران من اتفاقية مواجهة النفوذ األجنبى لم يختلف بالمرة عن بدايات القرن عنـدما اكتشـف

)٢١(.يران على نصيب ضعيف منه أيضـا ، وحصلت إ ١٩٠٨النفط فى إيران وامتد الدعم الخارجى بالمثل ممثال فى الواليات المتحدة التى أراد الكثيـرون دخولها الساحة اإليرانية كقوة ثالثة لتـوازن بريطانيـا واالتحـاد السـوفيتى وبالفعل قامت بعثة أمريكية بتنظيم مالية الدولة؛ وهو ما سـمح للشـاه بـدفع

- ١٨٥ -

ومثلت هذه البعثة األمريكية شبه الرسـمية ٢٢.لعملة اإليرانية رواتب قواته با .البدايات المبكرة للتدخل األمريكى

ومن جديد أعلنت إيران حيادها خالل الحرب العالمية الثانية، ومن جديـد وأجبروا الشاه على التنازل عن عرشه البنـه ١٩٤١أيضا احتلها الحلفاء فى

فى قيامهـا بموازنـة القـوى البريطانيـة بسبب تعاطفه مع ألمانيا ورغبته (فكان ذلك إيذانا ببدء فترة من التعددية السياسية النسـبية التـى ). والسوفيتية

عندما قامت المخابرات األمريكية بانقالب ضـد رئـيس ١٩٥٣ستدوم حتى لقد أنتج كال التدخلين أزمة فى السـيادة بـالرغم مـن أن . الوزراء مصدق

إيجابيا فيما يخص إشكالية المشاركة، والثانى أثر سلبيا التدخل األول قد أسهم لقد فرضت بريطانيا حظرا اقتصاديا علـى إيـران )٢٣(.على نفس اإلشكالية

عقب تأميمها النفط أعجز االقتصاد اإليرانى، وأجبر مصدق على قطع دعـم إذ استطاع سالح المقاطعـة )٢٤(.اإلسكان واألجور وبرامج الرفاهية األخرى

صادية البريطانية فى الخمسينيات أن يكون أكثر فعاليـة مـن الحظـر االقت . األمريكى فى أواخر القرن العشرين

التى لطالما ظلت اسمية فى ظـل ظـروف الحـرب –وكانت سلطة الشاه قد بدأت تتدعم بالمساندة األمريكية، سـواء –واالحتالل البريطانى السوفيتى

ولكن ظل االقتصاد اإليرانى بشكل عام . السياسية أو االقتصادية أو العسكرية اإليرانية للنفط، وبدأت التعبئـة السياسـية -تحت سيطرة الشركة اإلنجليزية

على الرغم من فشله، فلقد أعطى مصدق إليران سـيادتها لفتـرة )٢٥(.للتأميمثم نجحت الواليات المتحدة فى إنهاء ذلك، وأدخلت إيران فى نظـام . وجيزة

أصبحت السفارة األمريكيـة ١٩٥٣ومنذ . لالتحاد السوفيتى االحتواء الغربى )٢٦(".بعش الجواسيس"تلقب

- ١٨٦ -

لقد نجحت الواليات المتحدة فى بناء تحالف مـن الضـباط والسياسـيين ولم )٢٧(.المواليين للشاه، واستطاع جنودهم اقتحام منزل مصدق والقبض عليه

اه فـى ظـل تصـاعد تكن الواليات المتحدة بالرغم من حاجتها الشديدة للش الحرب الباردة أن تنجح فى إعادته من دون تواجد انقسام داخلى وسط قـوى التحالف المكونة من الجبهة الوطنية وحزب تودة باألسـاس حـول المسـائل

فلقـد تواجـد )٢٨(.الداخلية الحيوية سواء اقتصـادية أو سياسـية أو ثقافيـة العديد من مؤسسات الدولة فى ) بمعيار تلك اللحظة " (والرجعيون"المحافظون

مثل الجيش، وأيضا خارج الدولة حيث مارس النظام األوليجاركى االجتماعى االجتماعى، وامتلكت النخبة التقليديـة -تأثيرا كبيرا على الهيكل االقتصادى

)٢٩(.القوة السياسية واالقتصادية وارتبط الكثير من أعضائها بالقوى األجنبيـة تودة مثل أكثر القوى نقدا بشكل علنى لمصدق إال أن وبالرغم من كون حزب

الخطورة كمنت فى البرلمان الذى ما زال محافظا بـالنظر إلـى أن نصـف أعضائه يعينهم الشاه واألخطر الجيش الذى يعد فى النهاية مؤسسـة ملكيـة

وهكذا ظهرت رغبة )٣٠(.واشترك كثير من قيادته فى إجهاض حركة مصدق رادة الشاه فى المقاومة وانقسام قـوى التغييـر كعامـل أمريكية تقابلت مع إ

أساسى فى النجاح، وساعدها على ذلك وجود أرضية من المسـاندين داخـل المجتمع اإليرانى للحكم الشاهنشاهى علـى عكـس الوضـع فـى أواخـر السبعينيات عندما ساد الغموض حول إرادة ورغبة الشاه والواليات المتحـدة

ومن هنـا، . فيه إال فى تأليب المجتمع بكافة قطاعاته فى وقت لم ينجح الشاه يمكن القول إن المتغير الخارجى على أهميته، إنما يبرز فـى إطـار محلـى

.يسمح له بالتدخل بالفعالية: لقد أفرز دخول الحلفاء إيران آثارا واضحة أيضا على مشكلة األقليـات

االحتالل الروسى أعلنت مقاطعتان داخل األراضى الواقعة تحت ١٩٤٥ففى

- ١٨٧ -

وبالرغم مـن . والتى بها أقليات إثنية استقاللهما مما خلق أزمة هوية رئيسية أن السوفييت لم يوجدوا هذا الحس القومى لدى األطـراف فـى أذربيجـان . وكردستان إال أنهم لم يمنعوا الجيش اإليرانى من اقتحام هاتين المقـاطعتين

حية موسكو بالشيوعيين اإليـرانيين ولقد سقطت الدولتان الوليدتان بسبب تض فقد مارست الواليات المتحدة )٣١(.المحليين لتحقيق مصالح سياساتها الخارجية

وبـالرغم )٣٢(١٩٤٦ضغوطا على ستالين حتى تنسحب القوات السوفيتية فى من نظرة كثير من المحللين إلى حركات الشعب اآلزارى والكردى فى ذلـك

ة لها محدداتها الداخلية النابعـة مـن الجـذور الوقت باعتبارها حركات قومي إال أنهما اختلفا فى درجة الراديكالية بسـبب تبـاين . التاريخية لهوية الشعبين

وكان التفاعل ما بـين التوازنـات . القواعد االجتماعية والهياكل االقتصادية فالشـك أن )٣٣(.المحلية والقومية والعالمية وراء محدودية مخرجاتها النهائية

وجود الجيش األحمر فى ظل تناقص قوة السلطة المركزيـة عقـب سـقوط ديكتاتورية الشاه رضا شجعا على إحياء عدة حركات اجتماعية بل وامتزاجها بنشأة أحزاب سياسية متنوعة، فقام الحزب الديمقراطى ألذربيجـان بـإعالن

عـالن تشكيل حكومة مستقلة باسم الجمهورية الديمقراطية ألذربيجان، وتم اإل وأعلنت الجمهوريتان . عن الجمهورية الكردية بعد ذلك بشهر واحد فى مهاباد

أن تحركهما جاء فى إطار الدستور اإليرانى، وأنهما ال يخططان لالنفصـال ولكن لعوامل خاصة بتوازنات دولية تم السماح للسلطات اإليرانية . عن إيران

وحرق الكتـب مـع حملـة بقهر وحشى لهاتين الحركتين وتم إعدام القيادات منظمة ضد الحركات القومية دامت حتى سقوط الشاه واستمرت فـى عهـد

وبشكل عام ستظل إيران تعانى درجة من درجات )٣٤(.الجمهورية اإلسالمية التوتر على مستوى األقليات بالنظر للطبيعة التعددية لتكوينها القومى فهنـاك

وأن الحدود لم . والعرب Baluchis األذربيجانيون األتراك، األكراد، البالوش

- ١٨٨ -

يتم تحديدها بمعاهدات دولية متفق ومجمع عليها بل لعبـت توازنـات القـوة )٣٥(.اإلقليمية دورا أساسيا فى تحديدها

تزامنت األزمة المالية التى مرت بها إيران حديثة التصـنيع، فـى نهايـة لى وإدارة كيندى الخمسينيات، مع الضغوط الخارجية القوية من االقتصاد الدو

. إلجبار الشاه على اإلسراع من إحداث التحول الهيكلى للمجتمـع اإليرانـى التى شارك فيها تحـالف واسـع ضـم العلمـانيين ١٩٦٣وجاءت انتفاضة

والنقابات المهنية والطالب والبازار مع بداية تنفيذ هذه التغييـرات الهيكيلـة )٣٦(.التى قامت بها الدولة البهلوية

دى تأثير المتغير الخارجى على تطور النظام السياسى اإليرانـى واتضح م من خالل ما مارسته الواليات المتحدة من ضغوط متزايـدة لزيـادة درجـة ليبرالية النظام عندما تم انتخاب إدارتين ديموقراطيتين جديدتين عقب إحبـاط

وبالرغم من الجدل الدائر حول صـحة . ١٩٧٦ و ١٩٦٠حركة مصدق فى اإلصالحات الليبرالية فى المرتين للضغوط األمريكيـة فقـط، فـإن إرجاع

االعتقاد السائد خالل هذه الفترات هو الربط بين ليبرالية هـاتين المـرحلين والموقف األمريكى فى إشارة واضحة ليس فقط لقوة تأثير القـوة األمريكيـة ـ ره على تطور السياسات الداخلية اإليرانية وإنمـا لألرضـية العريضـة لك

لقـد انضـم خطـر اإلمبرياليـة . ومعارضة كل ما هو أمريكى عقب الثورة الثقافية الغربية مع الخوف من السـيطرة السياسـية الغربيـة فـى أواخـر

ومما يفسر . ليحدد النظرة العامة المرتابة فى كل ما هو غربى )٣٧(السبعينياتعـش "كيـة الشعبية الكبيرة التى تمتعت بها عملية احـتالل السـفارة األمري

، حيث كان ذلك بمثابة إعالن انتهاء قرابـة قـرن مـن التـدخل "الجواسيس )٣٨(.الخارجى فى الشئون اإليرانية

- ١٨٩ -

. فى الحالة اإليرانية، ساهم المتغير الخارجى فى التأثير على شكل الدولـة فقط، بل إنـه بالتشـجيع " عميلة" دولة ١٩٥٣فلم ينشئ التدخل األمريكى فى

على خالل فترة كيندى وكارتر وبيع صفقات سالح كبرى على اإلصالح من أ وتدريب القوات األمنية، ساعد على خلق دولة ضعيفة المبادرة تجاه دمقرطـة النظام واالهتمام بمصالح رعاياها؛ خاصة أن تدفق الـدخل النفطـى غـذى الجنوح نحو العظمة لدى الشاه، وأعلن عن برامج كبرى ال تتفق مع الواقـع

فبقيام الشاه بقهر كافـة الجماعـات . فما بدا قوة أصبح ضعفا قاتال . اإليرانىاإلصالحية المرئية، شجع نمو المعارضة الثورية خاصة ذلك الجزء الذى من

فربمـا إذا مـا . الصعب استئصاله وهو الفقهاء واإلسالميون الراديكـاليون لتـى وجدت سياسة أمريكية أقل تخوفا من الخطر السوفيتى على إيـران، وا

استدعت االستجابة ألى مطلب إيرانى لتوافرت دولة تسعى لعمل مواءمـات سياسية، وتستمع لبعض معارضيها السياسـيين، ولكـان سـيناريو التطـور

وأرجعـت الكثيـر مـن )٣٩(.السياسى إليران فى القرن العشرين قد تغيـر ـ ى التحليالت ضعف أداء النظام الشاهنشاهى فى مواجهة الثورة اإلسالمية إل

إعطاء الشاه أهمية ربما مبالغا فيها لبرنامج كارتر لحقوق اإلنسـان وتـزامن ذلك مع علمه بمرضه، األمر الذى برر به الكثيرون عدم التأكيد على العنـف

)٤٠(.للنهاية إلحباط الثورةبل أشار البعض إلى اإلمكانيات التكنولوجية التى أتاحت اتصـال خمينـى

فى إيران للتخطيط لقيام الثورة، وهـى الفرصـة المنفى إلى فرنسا بأنصاره التى لم تكن سانحة فى العراق، واعتبر ذلك مؤشرا لمساندة الغرب بطريقـة غير مباشرة لخومينى وحركته لمنع الماركسيين من االستيالء على السـلطة، ومساعدة اإلسالميين فى حربهم ضد الحكومة األفغانيـة المواليـة لالتحـاد

.السوفيتى

- ١٩٠ -

فى يد السـلطة دور الجيش المتغير الخارجى دوره أيضا فى تحجيم ولعبفحتى قيام الدولة البهلوية لم تكـن هنـاك إصـالحات . اإليرانية قبل الثورة

فلقد اعتمد األمن اإليرانى القومى على الموازنـة . حقيقية فيما يخص الجيش انيـة، بين الروس والبريطانيين فى منع وقوع تهديد حقيقى لألراضـى اإلير

ولذا لم يمتلك الشاه خـالل . سواء من قبل أى دولة أخرى أو إحدى الدولتين حركة التبغ أو الثورة الدستورية قوة مسلحة كافيـة لـردع والقضـاء علـى حركات التمرد، ولذا انتشرت الحركة الثورية وقويت، واضطر الشـاه فـى

ف األمر كثيرا فـى ومن ناحية أخرى لم يختل . كلتا الحالتين للقيام بالتنازالت ظل وجود قوات مسلحة حديثة؛ حيث ظل المتغير الخارجى متمثال فى تدخل القوى الكبرى خاصة الواليات المتحدة حائال أمام االستخدام الموسـع لهـذه

ففى كل من حركة مصدق والثورة اإلسالمية كان الشاه محمـد . القوة داخليا ستخدم الجـيش فـى الحركـة رضا خاضعا لما أسماه بالنصح األجنبى ولم ي

)٤١(.األولى إال عندما جاءت المبادرة من الواليات المتحدة األمريكية كان الشاه يجمع األسلحة بمعدل ما تقوم به دولة كبرى ١٩٧٧بحلول عام

من الميزانية اإليرانية على القوات المسـلحة % ٤٠تستعد للحرب فكان ينفق وساعده علـى ذلـك الـدور . النفطوقوات األمن الداخلى معتمدا على أموال

الكبير الذى أعطته له الواليات المتحدة فى اإلستراتيجية األمريكية الحتـواء عنـد قيـام حركـة ١٩٥١الخطر السوفيتى وهو الدور الهام الذى بدأ منـذ

ولقد نمى هذا الشعور بالقوة الذاتية على المستوى اإلقليمى؛ حيث )٤٢(.مصدقفى الخليج، فلم يكتف بشط العرب كطموح إقليمـى بدأت أطماع الشاه تظهر

وحيد، بل سعى إلى ملء الفراغ السياسى الذى تركه االنسحاب البريطانى من دول الخليج األخرى بل أعلن أن المحيط الهندى أيضا يعـد حيويـا لألمـن

)٤٣(.القومى اإليرانى

- ١٩١ -

وجعل الشاه محمد رضا كل أفرع الجيش تحت قيادتـه المباشـرة وهـى ريقة التى سهلت من نجاح الثورة اإلسالمية بسبب ضعف التعاون بين هذه الط

األفرع المختلفة، واستلزم التاريخ الطويل من الوالء بـين الجـيش والدولـة البهلوية بشاهيها شكال جديدا للجيش اإليرانى، وشكال جديدا لعالقة القيـادات

للدولة اإليرانية عقـب العسكرية بالقيادات السياسية فى إطار الطبيعة الجديدة ويمكن تمييز ثالثة مستويات للتعامل بين الجيش والنظام اإليرانى مـا . الثورة المستوى األول غياب الثقة وعمليات التطهير داخل الجيش بسبب ١٩٧٩بعد

غياب دور مباشر للجيش فى إنجاح الثورة وللطبيعـة التكوينيـة العقائديـة مستوى التسلح، وبالتالى لم يقـم الجـيش المرتبطة بالشاه والغرب حتى على

بالدور التقليدى الذى يمكن للقوات المسلحة أن تقوم به فى تجـارب ثوريـة مماثلة؛ ومن هنا جاء المستوى للثانى للتعامل مع الجيش وهو مستوى خلـق أجهزة منافسة وموازية للجيش من أهمها الحرس الثورى والباسدران وأخيرا

مستوى توزيع األدوار والتنسيق بين األفرع المختلفـة المستوى الثالث، وهو وفى إطار هذه المنظومة يكتسب الحرس الثورى أهميـة )٤٤(.للقوات المسلحة

وسط المؤسسات الثورية، بل مؤسسات النظام بأكمله؛ إذ أكد الدستور علـى أهميته، فعليه مهمة حماية الثورة اإلسالمية، وهى المهمة التى أداها بكفـاءة

كما أن إيران اإلسالمية على عكـس )٤٥(. ظروف مختلفة وبطرق مختلفة فيمن إجمالى الدخل القـومى علـى اإلنفـاق % ٢,٧إيران الشاه تنفق حوالي

العسكرى وهو األدنى فى الشرق األوسط، بـل وتمتلـك قاعـدة صـناعية ،)٤٦(.عسكرية متقدمة وتصدر أسلحة ألربع عشرة دولة من دول العالم الثالث

ال يجب إغفال عامل الموقف الغربى عامة واألمريكـى خاصـة مـن ولكن تصاعد عمليات التسلح اإليرانى باإلضافة إلى الحظر االقتصادى األمريكـى

- ١٩٢ -

وهى أمور وإن لم تمنع إيران من تحقيق قدر معقول التسليح إال أنها حـدت .من انطالقها الكامل فى هذا المجال

األمريكية تجاه الجمهورية اإلسـالمية فى المقابل قامت السياسة الخارجية اإليرانية على العداء المفتوح ومحاولة االحتواء أكثر من الـتفهم والحـوار،

حيث لم تـتفهم الواليـات . فأجج ذلك من المشاعر المعادية للواليات المتحدة المتحدة أن لكل ثورة منطقها الخاص، وأن القيام بـالهجوم علـى الثـورات

)٤٧(.يزيدها عدوانيةوبذلك تغير شكل العالقة مع الغرب عامة والواليات المتحدة خاصة تغيرا كبيرا عقب الثورة اإلسالمية، وانتقلت من التحالف اإلستراتيجى إلى العـداء

.المطلق وأصبح لكل طرف أسبابه وحساباته الكامنة وراء هذا العداء أجنبيـة أعطى اإلمام الخمينى أهمية كبرى لشكل الحكم وارتباطه بقـوى

أن مشـكلة المسـلمين هـى : "ويراه المشكلة الرئيسية التى تواجه المسلمين أن الحكومات هى التى خلقت المشاكل للمسلمين بعالقاتهـا . حكومة المسلمين

وسادت مفاهيم مثل الشيطان األكبر إشارة إلـى )٤٨(."وعمالتها للقوى الكبرى واعتمدت السياسـة . سرائيلالواليات المتحدة، والشيطان األصغر إشارة إلى إ

الخارجية اإليرانية على مبدأ تصدير الثورة وغيرها من اآلليات التى عبـرت ومازالت لغة بعض . عن الزخم الثورى على مستوى عالقات إيران الخارجية

الخطب اإليرانية الرسمية ممثلة أساسا فى خطب المرشد الروحـى خـامنئى أن االستكبار : "من الغرب ومن أمثلة ذلك مليئة بالعداء أو على األقل الترقب

العالمى لن يترك أبدا المؤامرات ضد الجمهورية اإلسالمية التى تقـف ضـد العمليات المتبناه من قبل االستكبار العالمى فـى .. الفساد والرأسمالية المستبدة

حملته ضد الجمهورية اإلسالمية هو ثقافى فـى طريقـه ودعايـة مضـادة

- ١٩٣ -

دو فى حملته على الهوية اإلسـالمية للحكومـة اإليرانيـة ركز الع .. إليران )٤٩(."ووالية الفقيه

بل ولقد انعكست عقدة الغرب فى الذاكرة اإليرانية على مستوى الصـراع بين أقطاب النظام اإليرانى؛ حيث اتهم المرشد الرئيس في إحدى خطبه بأنـه

ى مواضع أخرى يتأثر بكل محاوالت اإلعالم الغربى التى تدعى مساندته، وف اإلعالم األجنبى الذى تسيطر عليه دوائر الصهيونية يتملق الـبعض "يذكر أن

مما يعنى أنه يلفت النظر إلى محاوالت )٥٠("فى حين يطلق النار على آخرين الغرب تكريس االنقسام ومناصرة جانب على آخر، وكـأن دفـاع ومسـاندة

.رانىالغرب تهمة البد من الدفاع عنها فى السياق اإليإن من أهم اإلشكاليات التى يواجهها صانع السياسـة الخارجيـة تحديـد

تعانى إيران من حساسية شديدة تجاه الغـرب ناشـئة مـن . عالقته بالغرب الخبرة التاريخية السيئة للنفوذ الغربى التى عاشتها إيران فى تاريخها؛ حيـث

القـة مـع الغـرب قام باستغالل مواردها وانتهاك ثقافتها، ومن ثم تثيـر الع وبالرغم من هذه المخاوف فهناك إعجاب . المخاوف على االستقاللية الوطنية

وتكسـب . بتقدم الحضارة الغربية ولذا ليس من السهل حسم هـذه المسـألة العالقة مع الغرب أهمية محورية عند صياغة السياسة الخارجيـة اإليرانيـة

العراق، أمـن الخلـيج، : ككل فبناء عليها تتشكل العالقة مع العالم الخارجى ففـى ظـل العالقـة . النفط والغاز، إسرائيل، فلسطين، العالقات مع العرب

المتوترة بين إيران والقوى الكبرى تشكلت أبعاد العالقة بين إيران ونظمهـا تقوم سياسة إيران الخارجية الحالية على . اإلقليمية فى الخليج وآسيا الوسطى

لمفروضة عليها وجعلها فاعال إقليميا رئيسيا علـى إخراج إيران من العزلة ا فمن الناحية اإلقليمية، توجد إيـران فـى منطقـة . مستوى األمن واالقتصاد

مخترقة بشدة من الغرب والبد من تحديد نهج السياسة الخارجية اإليرانية هل

- ١٩٤ -

سيقوم على رفض الغرب وإدراك تناقض النظم بسـبب الطـابع اإلسـالمى ومن هنا تصبح العالقة مع . رانى أم إيجاد صيغة للعمل مع الغرب للنظام اإلي )٥١(.للسياسة الخارجية اإليرانية" الكشاف المرشد"الغرب هى

لقد مثلت إيران تحديا لنموذج األمـن األحـادى األمريكـى والحضـور ولهذا الخـالف جـذور . األمريكى فى منطقة الشرق األوسط وآسيا الوسطى

يديولوجية، وكلما زاد الطـابع األيـديولوجى للسياسـة تاريخية وجغرافية وإ . الخارجية اإليرانية زاد الصراع مع الواليات المتحـدة وأهـدافها اإلقليميـة

ارتفعت درجة العداء بين الواليات المتحدة وإيران خاصة بعد الثورة مباشـرة وطوال والية خمينى، فالخالف فى جوهره أساسى وجذرى ويمس المصـالح

دعم الالمحدود المستمر الذى تقدمه الواليات المتحدة إلسرائيل عقبـة ويقف ال رئيسية أمام تخطيه خاصة أن التحالف مع إسرائيل يعد الدعامـة األساسـية لإلستراتيجية األمريكية فى المنطقـة واألداة األولـى لتحقيـق مصـالحها؛

خالف بـين وتتركز مسائل ال . فإسرائيل هى الوجه اإلقليمى للهيمنة األمريكية األرصـدة اإليرانيـة : الدولتين من وجهة النظر اإليرانية فى عدة نقاط منها

مليار دوالر، الحظر التجـارى ١٢المجمدة منذ قيام الثورة، والتى تقدر بنحو ١٩٩٣والتكنولوجى والعسكرى الشامل المفروض على إيران تدريجيا منـذ

عد الحـرب، كـذلك قيـام والذى يعوق تنمية بنائها االقتصادى والعسكرى ب الواليات المتحدة بما تعتبره إيران تدخال فى شـئونها الداخليـة مثـل تأييـد

وإصدار التقارير التى تدين إيران بانتهاك ١٩٩٩مظاهرات الطلبة فى يوليو كما يأتى الخالف حول الموقف من . حقوق اإلنسان وتضييق الحريات الدينية

تهم الدولتين، ومن أهمها الموقف من التسوية كثير من القضايا اإلقليمية التى واضطرت إيران إلى إحداث مراجعـات . السلمية للصراع العربى اإلسرائيلى

فى عالقاتها وسياساتها الخارجية لموازنة الموقف األمريكى بهـدف إيجـاد

- ١٩٥ -

بدائل للعالقة مع الواليات المتحدة مثل تطوير العالقات مع روسيا والصـين ولقد ركزت إيران مؤخرا فى توجهها نحو العـالم . ة وأوروبا وكوريا الشمالي

الخارجى خاصة الغربى وبشكل أخص األمريكى على مفهوم ثقـافى جديـد وهو حوار الحضارات، فى محاولة لنفى صورة اإلرهاب والتطـرف عنهـا،

.والتى روجت لها وسائل اإلعالم األمريكية واليهودية باألساسوى الدولة والمجتمع حول العالقة مع الغـرب، لقد احتدم الجدل على مست

وبدأت تتبلور حجج التيار الداعى إلى تحسين هذه العالقات حتى وسط التيـار وفى هذا اإلطار تثار مقولة أن مفهوم االستقاللية . المحافظ فى بعض األحيان

قد فقد معناه التقليدى عبر العقود الثالثة األخيرة، فهناك دول تسعى إلى خلق تقالل مشترك من خالل إقامة اتحادات أو تكـتالت سـواء اقتصـادية أو اس

وعليه من المفيد إعادة النظر فى الفهم الخاطئ لالسـتقالل والـذى . سياسيةوألن . مازال قائما وأحدث عزلة حالت دون تفاعل إيران مع العالم الخارجى

ـ ة أصـبحت إيران دولة نامية بكل المقاييس فمسألة انضمامها لعملية العولموال تعنى حتمية االندماج فى العولمة بثقافتها وثورتها العلمية تهديـدا . حتمية

للهوية القومية بل هو اختبار لثقتها بثقافتها وتقاليدها، فإيران تستطيع أن تلعب وهـو )٥٢(دورا عالميا نشطا إذا ما امتلكت ناصية ثقافتها اإلسالمية والقومية؛

تبنى القيادة السياسية اإليرانيـة ممثلـة فـى األمر الذى انعكس بوضوح فى الرئيس خاتمى باألساس مفهوم حوار الحضارات مع مطلع القـرن الحـادي

وتكتسب هذه المقولة مصداقية أكبر فى الحالة اإليرانيـة بسـبب . والعشرينالطبيعة الريعية لالقتصاد اإليرانى التى تفرض على إيران االرتباط بالخارج

وبـدت هـذه النغمـة أوضـح خـالل . واء أرادت أم أبت بشكل أو بآخر س االنتخابات الرئاسية األخيرة حيث دعا بعـض المرشـحين للرئاسـة حتـى المنتمين منهم إلى الجناح المحافظ إلى إعادة العالقات مع الواليات المتحـدة

- ١٩٦ -

وفى هذا السياق يثار أيضا تساؤل آخر عن المعنـى الحقيقـى . ودون شروط األمريكى فى مجتمع نصفه من الشباب الذين لم يعاصـروا للخوف من النفوذ

.بحق الحياة فى ظل نظام الشاه الموالى للواليات المتحدةوفى هذا السياق لم ينظر صانع القرار اإليرانى إلى الغرب باعتباره كيانـا موحدا، فلقد استغلت السياسة الخارجية اإليرانية التباين فـى المصـالح بـين

ية خاصة الواليات المتحدة فى جانب وأوروبا واليابان فى الجانب القوى الغرب ولم تضع إيران الغـرب . اآلخر، للتحرك فى مساحة أكبر من حرية الحركة

محال للحـوار ) واليابان(كله فى سلة واحدة، بل كانت دوما الدول األوروبية ات واستمرار العالقات وعودتها بعد حدوث أى أزمة عكس الوضع مع الوالي

المتحدة، فمفهوم العداء والترقب لم يشمل الغرب ككل بل هنـاك نـوع مـن االنتقائية خص الواليات المتحدة وإسرائيل بالهجوم والرغبة فى الدفاع عـن

وعلـى . النفس ومقاومة المخططات الرامية إلى حصارها والضـغط عليهـا سـا خاصـة إيطاليـا وفرن –الجانب اآلخر تبلورت مصالح أوروبية مستقلة

. بعيدا عن النفوذ األمريكى التقطتها إيران لتطوير عالقاتها بأوروبا -وألمانياومثال ذلك ما واجهته إستراتيجية االحتواء المزدوج مـن انتقـاد أوروبـى

متزايد، وكان من األسباب الرئيسية لفشـل وعـدم فعاليـة هـذه ) ويابانى( –ح األمريكيـة وبذلك استفادت إيران من تضـارب المصـال . اإلستراتيجية

.األوروبية خاصة على المستوى االقتصادى لما له من أهمية قصوىباختصار، قامت إيران بتحديث اقتصادها ما قبل الرأسمالى عقب الحـرب العالمية الثانية على قاعدة رأسمالية مـن المسـاعدة التكنولوجيـة والخبـرة

حة تـابعين ومن ثم أصبح االقتصـاد اإليرانـى والقـوات المسـل . الغربيةومع انتصار الثـورة اإلسـالمية ورفـض . للتكنولوجيا والرأسمالية الغربية

الواليات المتحدة التفاوض معها فى نفس الوقت الذى اعتبـرت فيـه القيـادة

- ١٩٧ -

الثورية الواليات المتحدة عدوا لها؛ لم تتمكن إيران من تشـغيل صـناعاتها . سلحة لقواتهـا المسـلحة التابعة بكفاءة ومن الحصول على قطع الغيار واأل

وساعد هذا الوضع على اتخاذ إيران خطوات تدريجية لتطبيع عالقاتهـا مـع كما أوضح مدى قوة رأس المال العالمى وتبعية دول الجنوب للخبرة . الغرب

فلقد جعلت عولمة نظام العالم الرأسـمالى . التكنولوجية والعالقات االقتصادية م العالمى من الصـعوبة إن لـم يكـن مـن واندماج الدول النامية فى النظا

االستحالة على دولة بمفردها أن تحرر ذاتها واقتصادها وعسكرها من النفوذ العسكرى والسياسى واالقتصادى والثقافى لنظام العالم الرأسـمالى أو تعلـن

لقد فرض سقوط القطبية وبزوغ نظام القطبية األحادية أو ما عرف . انسحابهاال "لجديد على الدولة التى يقودها الفقهاء على تـرك سياسـة بالنظام الدولى ا إال أن هـذا السـيناريو )٥٣(.والبحث عن التوائم مع الغرب " شرق وال غرب

المبسط هو ما يراه الغرب أو يريد أن يراه، ولكن بنظرة أكثر عمقـا يمكـن مالحظة أن المسلك اإليرانى االنتقائى والتدريجى فى عالقاته مع دول الغرب والذى يعمل على أن يتم االنفتاح فى إطار له حـدوده ولـيس مـن خـالل االنصياع الكامل كما يريد الغرب؛ ولذا تستمر حتى اآلن إشكالية العالقة مـع

.الغرب مثارا للجدل على الساحة اإليرانيةإنه انفتاح خارجى محسوب وانتقائى بشكل ال يهدد منظومة قيم وأهـداف

بل لعلهم يستغلون تلك الدرجة المدروسة من الحريـة المحافظين حتى اآلن، التى يعمل فى إطارها المعسكر اإلصالحى بشكل يسمح بتطوير التعاون مـع بعض القوى الغربية واآلسيوية بما يخدم مصالح إيران االقتصادية ويخفـف

فإظهار إيران بمظهر ديمـوقراطى تسـود فيهـا . من وطأة مشاكلها الداخلية ة وينجح فيها اإلصالحيون أمر حيوى لتحسين صورة إيـران انتخابات نزيه

- ١٩٨ -

الخارجية ودرء اتهامات التطرف واإلرهاب عنها، وفتح المزيد من المـداخل .للساحة الدولية حتى تواجه وتخترق الحصار األمريكى

: الفقهاء والديناميكية الثقافية-٢

ية فـى إيـران لعبت المتغيرات الثقافية دورا هاما فى تطور الحياة السياس القرن العشرين، وتركز الدراسة فى هذا السياق على األوجه الدينية والفقهيـة

حيث اضطلع الفقهاء بوظيفة التجديد الفقهى لمواجهـة تحـديات . من الثقافة واقترن الفكر السياسى اإليرانى فـى كثيـر مـن مقوالتـه . العصر المختلفة

الفقه والفقهاء وكان دوما الفقهـاء فى حين ارتبط البازار ب . بالرؤية اإلسالمية والبازار من المشاركين الرئيسيين فى كافة الحركات االجتماعيـة الرئيسـية، فربما قلل التحديث من قوة هذه الجماعات ولكنه لم يستطع استئصال شبكاتها التعبوية والتنظيمية؛ حيث تزايدت أهمية مشاركتهم الثورية وأثبتـوا قـدرتهم

" تقليديـة " وارتبط هذا التحالف بمنظومة قيم ثقافيـة )٥٤(.قاومةعلى البقاء والم دافع عنها كل منهم بطريقته؛ حيث قام الفقهاء بعمليـة تجديـد للفقـه حتـى يستطيع مواكبة التطورات ومعالجة المشـاكل الطارئـة، وأعطـى البـازار التحالف مزيدا من القوة االقتصادية والدعم المجتمعى، وبذلك كـان الفقهـاء

تحالفاتهم وجدلهم الفقهى بمثابة القاطرة التى قادت إيران خـالل مراحلهـا والمختلفة بل كان لغياب هذه القاطرة فى لحظة تاريخية ما أثره أيضـا علـى

.مخرجات تلك المرحلة ومسارهاولكى يكتسب الفقهاء أهمية كبرى فى المسار التاريخى لبالدهم كان البـد

بدور على أرض الواقع يعطى الجتهاداتهم قيمـة أن تقترن إسهاماتهم الفكرية ولذا عند معالجـة دور الفقهـاء . نظرية وتطبيقية مؤثرة فى حياة مجتمعاتهم

اإليرانيين فى مراحل التطور السياسى المختلفة تم التعـرض لـثالث نقـاط األولى تعرض لتطور عالقة الفقهاء بالدولة اإليرانية، والثانية تناقش : أساسية

- ١٩٩ -

طوط الرئيسية لتجديدهم الفقهى واألخيرة ترتبط بتحليل المناخ العام بعض الخ للمعارضة اإلسالمية التى واجهتها الدولة البهلوية فى نهاية عمرها وأفـرزت لنا الجمهورية اإلسالمية التى حولت من مسار األمـة اإليرانيـة السياسـية

.وأدخلتها منعطفا جديدا تماما :دولة تطور عالقة الفقهاء بال-أ

فى ظل الدولة القاجارية كان لكل من الدولة والفقهاء كيانه المتميز الخاص به وساد تقسيم للعمل متفق عليه سيطر بمقتضاه الفقهاء على المدارس الدينية التى كانت فى ذلك الوقت الوسيلة الوحيدة للتعليم، كما تولـوا إدارة الشـئون

ل مالى مستقل مـن خـالل الخمـس القانونية للمجتمع المسلم، وتمتعوا بهيك من العوامل الهامة األخرى التى ظهرت فى القرن التاسع عشـر )٥٥(.والزكاة

وقوت من الفقهاء هو تطور مؤسسة المرجعيـة التـى خلقـت نوعـا مـن الهيراركية والتنظيم بين فقهاء الشيعة اإليـرانيين وجعلـتهم أقـوى وأكثـر

تطور المذهب الشيعى بين فقهائه وأرجع الكثيرون )٥٦(.استقالال عن الحكومة إلى صعود المدرسة األصولية وانحدار المدرسة اإلخبارية، مما ساعد علـى نمو قوة الفقيه بسبب ما يطلبه المدخل األصولى من ضرورة قيـام المـؤمن باختيار مرجع يتبعه فى أحكامه، األمر الذى أعطى للفقيـه الشـيعى قـوة ال

كانته، بل وأعطاهم يدا قوية على مـا تصـدره يضاهيها قوة الفقيه السنى وم وتزامن توفر أيديولوجية تنظيمية فى ظل األصولية، مـع . الدولة من قوانين

ضعف الدولة القاجارية مما أعطى ظرفا سياسيا مالئما للتدخل فى السياسـة، وأثناء محاولة الدولـة القاجاريـة . ولنمو وتماسك استقاللية المؤسسة الشيعية

بالوظيفـة التـوأم "ا وتماسكها شكلت مع الفقهاء ما أسماه آرجومان بناء قوته وسـاعد علـى التمييـز . أى القيادة السياسية والدينية العليا للجماعة " لإلمامة

- ٢٠٠ -

الوظيفى ما بين الحكام والفقهاء تمتع المؤسسة الشيعية باالسـتقاللية الماليـة )٥٧(.ا عن سيطرة الدولة واحتكارها للوظيفة القضائية التى احتفظت باستقالليته

وبذلك تعايش كل من الدولة والفقهاء بشكل منسجم طوال حكم القاجار حتـى عندما مست حركة ١٨٩٢نهاية القرن التاسع عشر، واختل هذا التحالف فى

)٥٨(.الدخان ونجاح ضغوط القائمين عليها من هيبة الملكيةالسلطة الملكيـة بالرغم من عدم إجماع الفقهاء على الوقوف فى مواجهة

المطلقة إال أن دورهم فريد فى تعبئة الجماهير المدنية بشكل مضاد للملكيـة وساعدهم على ذلك الهيراركيـة . خالل الحركات الثورية عبر القرن الماضى

ولقد تحدث الفقهاء باسم جميع حركات التغييـر . والتنظيم اللذين يتمتعان بهما ا حركة مصدق التى لم يكن الحضـور ماعد–فى إيران خالل القرن العشرين

حتى وإن كانت المبادرة للتحرك قد جـاءت مـن غيـر -الفقهى بنفس القوة )٥٩(.الفقهاء

لـيس ١٩٠٦-١٩٠٥وكان من األهداف األولية للثورة الدسـتورية فـى حيـث )٦٠(تأسيس حكم شعبى بقدر ما هو إنهاء السلطات االستبدادية للشـاه،

الرغبة فى تقليص الحكم المطلق للشاه وتقويـة حرك الفقهاء فى هذه الحركة اإلسالم سياسيا؛ حتى يتمكن مـن مواجهـة االختـراق األوروبـى بشـكل

بسحب مساندتهم للحركة الدسـتورية " الفقهاء الدستوريين " وقد قام )٦١(.أفضل )٦٢(.بعد ذلك

وأمام هذا التردد من جانب الفقهاء اتجهت كثير من التحليالت إلى القـول نتلجستيا اإليرانية التى أرادت خلق ملكيـة دسـتورية علـى الـنمط بأن اال

األوروبى ومؤسسة على قوانين علمانية قد قاموا باستغالل الفقهـاء لتحقيـق وفى المقابل لم تكتمل الصورة واضـحة . أهداف لم يكونوا لينجزوها وحدهم

ظهـور عن الدستورية المرغوبة لدى الفقهاء فى بداية األمر فقط، وأرادوا ال

- ٢٠١ -

وبمرور الوقت، وعندما أدرك الكثير )٦٣(.بمظهر المدافع عن األفكار التقدمية من الفقهاء أن تطبيق هذا الدستور ذاته ومرور قوانينه سوف تحد من قـوتهم فى مجاالت هامة مثل التعليم والتشريع انقلبوا ضد الدسـاتير الغربيـة مـع

)٦٤(.استمرار قلة منهم مناصرة لها حتى النهايةمهما تباينت التحليالت حول قيمة دور الفقهاء فى حركـات االحتجـاج و

والتمرد خالل مطلع القرن العشرين، فال شك أنه حتى فـى ظـل اضـعف التقديرات التى قالت إن البازار والمثقفين هم الذين أدخلوا الفقهاء فى السياسة

لشـرعية النشطة خالل فترتى حركة التبغ والثورة الدستورية لحاجتهم إلـى ا أمام الجماهير، كان لهذا الدور أهمية متفردة ال تعادلها األدوار التى يقوم بها

فمنذ نهاية القرن التاسـع العشـر )٦٥(.الفقهاء فى دول إسالمية أخرى كثيرة أدركت التيارات اإليرانية المختلفة، سواء ليبرالية أو غيرها التـأثير الكبيـر

فى المدن؛ ولذا بدا واضحا فعاليـة هـذا الذى يمتلكه الفقهاء على الجماهير التأثير على نجاح حركة التبغ التى شهدت تحالفا بـين البـازار والليبـراليين والراديكاليين مع الفقهاء اعترفت فيه العناصر غير الدينيـة بأهميـة الـدور

حتى أن أعضاء الجمعيات السرية المنتشرة فى إيران فى أوائـل )٦٦(.الفقهىضرورة تجنيد الفقهاء داخل الحركة الدستورية لخلـق تحـالف القرن آمنوا ب

وكان هذا إيذانا بقيام هذه العناصر فـى )٦٧(.وطنى له مظهر جماهيرى واسع فترات الحقة بتغليب عدائهم للسياسات الحكوميـة علـى تـوجههم المضـاد

)٦٨(.للفقهاء، فكثيرا ما أخفوا آراءهم وشجعوا قيادة الفقهاء لهذه الحركةء انقالب رضا خان وتميز بعلمانيته؛ حيث لم يشارك فيـه الفقهـاء ثم جا

عكس الحركات التى سبقت الحرب العالمية األولى حتـى تلـك التمـردات اإلقليمية مثل تمرد خيابانى فى أذربيجان وحركة جنجلى فى جيالن كان بهـا

فعند تكوين دولة األسرة البهلوية لم يظهـر دور للفقهـاء علـى . قوى دينية

- ٢٠٢ -

إلطالق إال فيما بعد عند معارضة اقتراح رضا خان بتكـوين الجمهوريـة؛ ا )٦٩(.خوفا من محاكاة سلوك أتاتورك

بعد توليه الحكم، بدأ الشاه رضا حملته ضد اإلسالم برسم الفقهاء كرمـوز وإدراكـا . إليران القديمة العاجزة في حين قام بتقديم نفسه كمنقذ األمة العظيم

ما تمثله من تهديد لحكمه حاول تخليص إيران مـن نفـوذ منه لقوة الفقهاء و اإلسالم؛ حتى يمكن لسلطته كزعيم لدولة حديثة تحميها آلية عسكرية ولـيس

وخالل عملية تخطيه لإلسالم قام بـالربط بـين إيـران . كمدافع عن العقيدة وهو ما جعل اإلسالم يظهر بصورة )٧٠(.الحديثة وصورة مجد فارس القديمة

مع العصرية والحداثة فقط، ولكن أيضا مع الجـذور الفارسـية ال تتعارض .القديمة

لقد حاولت األسرة البهلوية األب وابنه تقليص قوة الفقهاء، فتغيـر كثيـرا التوازن الذى كان سائدا خالل القاجار مـا بـين الدولـة والفقهـاء لصـالح

شـملت لقد قاد الشاه رضا حربه ضد الفقهاء على عدة جبهـات )٧١(.األولىفبدأ بإصالح قضـائى . القانون والتعليم واألراضى والمناسبات الدينية والمرأة

شرع قانونا مدنيا جديدا جعل من القانون النابليونى قانونا صالحا ١٩٢٧وفى مع القرآن، وهو ما قلل من دور الشريعة فى الجرائم الجنائية والمدنية وحدد

. مثل الزواج والطـالق والوصـية قضاء الفقهاء فى مجال الشئون الشخصية وأصبح من شروط القضاء الحصول على درجة القانون من جامعة طهـران

كما لم يكن . وبذلك ألغيت معظم محاكم الفقهاء وانسحبوا إلى المدارس الدينية هناك مجال للتعليم الدينى فى دولة رضا البهلوى فأغلقت بأوامره المـدارس

ولم يبق فى أواخر . ة والخاصة باألقليات الدينية اإلسالمية والمسيحية التبشيري عهده إال نوع واحد من التعليم االبتدائي والثانوي ، وهو تعليم علمانى تـابع للدولة يتم التركيز فيه على األمجاد الفارسية القديمة وكيفية الـوالء للدولـة

- ٢٠٣ -

رحة كما ذهب أيضا وراء ثروة الفقهاء وبجرة قلم ضمت الدولة أض . البهلويةمشهد وقم وغيرها من األضرحة الصغيرة تحت سلطتها بما تجلبه من دخـل

إدارة األوقاف مـن وانتزع )٧٢(.ضخم من عوائد وقف األراضي والعقارات ولم يكتف بضرب مكانة الفقهاء المالية وهـيكلهم اإلداري، بـل )٧٣(.الفقهاء

به قضـاء تمادى وقام بما لم يقم به غيره؛ حيث جعل على كل فقيه معترف كما احتك واشتبك مع الفقهاء فـى مسـألة حجـاب . خدمة عامين فى جيشه

)٧٤(.المرأةثم خففت القيود على السياسات الدينية والفقهاء فى ظـل منـاخ الحريـة

مما مهد لظهـور . ١٩٤١السياسية النسبية الذى تال اإلطاحة بالشاة رضا فى ار خلف الحركات القوميـة دور قوى نسبيا لبعض العناصر من الفقهاء والباز

وتأميم النفط اإليرانى لمصدق، فكان آيات اهللا كاشانى أبرز الوجوه المناصرة لمصدق فى ذلك الوقت ولكن لم يدم هذا الموقف؛ حيث انفصال عن بعضهما

كما ظهرت المعارضة الدينية على )٧٥(.البعض ألسباب تتعلق بالقوة والسلطة مثال ذلك بزوغ جماعة فدائى اإلسـالم : ياتالسطح فى األربعينيات والخمسين

)٧٦(.التى عمدت إلى تحدى سياسات الشاه العلمانيةأدرك الشاه حاجته لتعاون أكبر مع الفقهاء لتدعيم نظامه الضعيف واألكثر

وساعده على تحقيق ذلك . حساسية أمام الطبقات الدينية والتقليدية فى مجتمعه فلقد حظـت حركـة . خل المباشر فى السياسة انقسام القيادة الدينية حول التد

مصدق داخل وخارج البرلمان بمساندة من أقلية من الفقهاء، فى حين انضوى ومحمـد حسـين Bihbihaniاألغلبية تحت لواء محمد موسـوى بهبهـائى

فلقـد . الذين اتخذوا موقفا مضادا للحركية السياسـية Burujirdiبورجيرى بالسكون السياسى بينما يقوم الشاه بتدمير فدائى التزم هذان الزعيمان الدينيان

إسالم وهو التنظيم اإلسالمي الحركي الذي وجه انتقادات إلى كل الزعامـات

- ٢٠٤ -

الدينية والشيوعيين، وفى المقابل اتخذ الشاه بعض الخطوات لتعضيد الصورة وتحولـت . اإلسالمية مثل تقديم تمويل إضافى إلى المدارس الدينية والمساجد

فى ظل آية اهللا بورجيرى إلى مركز الشيعية وتضاعفت أعـداد الطـالب قم إن مـا )٧٧(.حتى صارت لها مكانة تحسب لها الدولة اإليرانية ألف حسـاب

هو إعادة بناء لقوة الفقهاء التنظيمية؛ حيث أعيد تنظـيم ١٩٤١حدث بعد عام بـورجيرى، المؤسسة الدينية المركزية في قم في الخمسينيات على يد آية اهللا

أكثر تنظيما وأوثق اتصاال فيمـا ١٩٦٣وأصبح الفقهاء بعد ذلك خاصة بعد كانت إذا بداية صعود التعليم الدينى فى فترة التوافـق بـين الشـاه )٧٨(.بينهم

فبالرغم من اتخاذ النخبة الفقهية قرارهـا . وكبار آيات اهللا خالل الخمسينيات أنها استطاعت تدعيم دورها الثقـافى بعدم المشاركة فى العملية السياسية إال

الذى فى النهاية يعد الدور األولى وربما الرئيسى لالنطالق بنجاح فى الساحة كما أحكم الفقهاء سيطرتهم على عـدة أدوات . السياسية مثلما حدث بعد ذلك

تنظيمية لها فعالية ملحوظة فى المجتمع اإليرانى تتمثل أساسا فـى المسـجد )٧٩(.ة والمناسبات الدينيةوالمدرسة الديني

بعد فترة انسحاب نسبى من العمل السياسي النشـط التـى تلـت الثـورة الدستورية وقيام رضا شاه بتأسيس دولة حديثة مركزية ذات أساس عسكري،

ففى فتـرة إعـادة . ١٩٥٣بدأ تاريخ المعارضة الحديثة للفقهاء بقوة لما بعد تالل القيادة األيديولوجية ضد األسـرة التكوين السياسى تلك بدأ الفقهاء فى اح

١٩٥٥ وكانت بداية قيام الفقهاء بشن هجوم ضد البهائيـة فـى )٨٠(.البهلوية. والتى مثلت منعطفا فى عالقات الفقهاء بالدولـة واتسـمت بالتعقيـد أكثـر

علـى صـخرة ١٩٥٩وانكسر الحلف التكتيكى ما بين الشاه والفقهـاء فـى رير المرأة والثانية اإلصالح الزراعى حتـى أن مسألتين أساسيتين األولى تح

الفتوى الوحيدة من آيات اهللا بورجيرى ضد سياسة النظام جاءت بخصـوص

- ٢٠٥ -

بالرغم من أن الفقهـاء ١٩٥٩ فحتى )٨١(.مشروع قانون لإلصالح الزراعى فقدوا السيطرة على النظم القانونية والتعليمية وظلوا جماعة مـؤثرة وغنيـة

إال أن . ترام وال تمانع هى األخرى فـى مسـاندة الدولـة تعاملها الدولة باح عنـدما ١٩٥٩الصراع المفتوح بين الشاه محمد رضا والفقهاء بدأ فى يناير

كانت أول إشاراته االقتراحات الجديدة لتحرير المرأة التى انتقدها الكثير مـن ولكن كان الصراع المباشر ممثال فى مشروع قدمته الحكومـة . الفقهاء بشدة

لإلصالح الزراعى للمجلس فى ديسمبر من نفس العام، وسرعان ما وجه لـه وحتى علـى مسـتوى القضـايا )٨٢(.بروجيرى االتهام بأنه مخالف للشريعة

واإلجراءات التى تضر بمصالحهم مباشرة مثل برامج اإلصالح الزراعى فى ن مـن إطار ما سمى بالثورة البيضاء تباينت المواقف الفعلية للفقهاء مـا بـي

واستغل الشاه هذا . تحركوا بالفعل فى مواجهة الشاه ومن آثروا البقاء ساكنين االنقسام لتحديد من يملك من الفقهاء الحق الشرعى فـى ممارسـة السـلطة

)٨٣(.وخصه لمن لم يعارضه فى قم لم يظهر فقيه واحـد قـادر علـى ١٩٦١بعد وفاة آية اهللا بورجيرى فى

وتعددت مراجع التقليد الذين يتبعهم الشعب علـى . خالفته كأكبر زعيم للشيعة وبذلك يمكن الحديث عن بداية ظهور نوع مـن )٨٤(.نفس الدرجة من المكانة

القيادة الجماعية قبل إعادة اإلمام الخمينى فى أواخر السبعينيات لمفهوم القيادة .الفردية من جديد بنجاح الثورة

اص من نفوذ الفقهاء فى مرحلة ما اتجه النظام باستمرار إلى محاولة االنتق ، فواصل الشاه سياسة أبيه فى محاولة السيطرة على الحوزات من ١٩٦٣بعد

وهكذا أعيد الهجوم بشكل مفتـوح علـى )٨٥(.خالل إدارة الهبات التى تمولهم الفقهاء فى هذه المرحلة، إال أن الفقهاء فى دفاعهم اكتسبوا مزيدا مـن القـوة

)٨٦(.الممارسات غير المقبولة لسلطة الشاهالجديدة فى مواجهتهم

- ٢٠٦ -

بخالف الحركة الدستورية فى أوائل القرن الماضى والصعود القومى فـى منتصفه، ظهرت المؤسسة الفقهية كمؤسسة مسيسة فى بداية الستينيات تتسـم بالراديكالية وموحدة نسبيا تحت قيادة خمينى الذى بالرغم من أنه أقـل آيـات

بة فى ذلك الوقت، ولكنه اشتهر بمساندته لدخول الفقهـاء اهللا والمرجعية مرت وكانت أولى خطوات تسييس هذه المؤسسة موقفهـا مـن )٨٧(.مجال السياسة

أمـا الثانيـة )٨٨(؛١٩٦٢مشروع قانون االنتخابات المقدم من الحكومة فـى )٨٩(.فتمثلت فى معارضة برنامج الشاه لإلصالح الزراعى

حيـث شـهدت ١٩٧٤لفقهاء بالدولة منذ بدأت مرحلة جديدة من عالقة ا ورأى . إيران اإلسراع فى عمليات التغريب فى ظل تنامى الـدخل النفطـى

أن concordataire)( آيات اهللا شريعتمدارى ممثل الفقهاء المتفقين ضـمنيا الدولة ال تلتزم بتعهداتها بالسماح للمجتمع باالبتعاد يومـا بعـد يـوم عـن

قامت حكومة آموذجار بمنع األموال عن ١٩٧٧فى و. األخالقيات اإلسالمية . تم قطع االتفاقية واحتل الفقهاء الحركيون المكانة الهامـة . المؤسسات الدينية

فى حين ال يجب إغفال تأثير أفكار شريعتى على الشباب، وكذلك تأثير حركة )٩٠(.التحرير لبازرجان

: التجديد الفقهى والفكرى-ب

الفقهى هم القوة المحركة للتطور السياسـى اإليرانـى إن الفقهاء والتجديد عبر القرن، إنهم الجماعة التى قامت بمسئولية اسـتيعاب وتجميـع وصـهر العوامل السياسية واالقتصادية واالجتماعية؛ لصبها فى فكر جديـد تزايـدت قوته بتبنى مؤسسة تنظيمية شبه موحدة لمقوالته وتحت زعامة كاريزما ذات

ولعل من أهم األدوار التى لعبها الفقهاء على اإلطـالق القيـام . رؤية متميزة .بمهمة التجديد الفقهى

- ٢٠٧ -

تعطى الشيعة أهمية أكبر للفقه عن السنة حيث قل إنتاج الفقهاء السنة منـذ القرن التاسع واتجه التفكير ألن يكون قانونيا، وانحصر التعليق على المسائل

فـى . لغ آراء شرعية موجودة بالفعـل الموجودة بالفعل، ولكن لم يضف أو ي حين وسع الشيعة من قدرة البشر على إعمال العقل وقاموا بتعـديل وإعـادة

فمبدأ أن باب الجهـاد دائمـا )٩١(.ترتيب وإعادة تفسير اتجاهات فى اإلسالم مفتوح حاضر بوضوح فى الذاكرة الشيعية، وللمجتهـدين اقترابـات حـرة

فاإليمان . مى ليتكيف مع متطلبات المرحلة وقومية من مصدر التشريع اإلسال . بإمكانية وجود تفسيرات شرعية متباينة يقوى من مبدأ التعددية األيديولوجية

وفى نفس الوقت تكتسب هذه االجتهادات الفقهية مكانة كبـرى علـى أرض الواقع من خالل ضرورة أن يكون لكل مؤمن مقلد بمثابـة مرجـع للتقليـد

ته، وهو األمر الذى قوى الصلة ما بين الشـيعة عامـة يحتذى بآرائه فى حيا ومجتهديهم، ولكن كثيرا ما تتحول االختالفات األيديولوجيـة إلـى خالفـات سياسية وأوضح مثال لها المواقـف األيديولوجيـة التباينـة بـين خمينـى . وشريعتمدارى التى كان لها انعكاسات واضحة على الخالف السياسى بينهما

تقوى طريقة اختيار مرجع التقليد من العالقة بـين الفقهـاء وفى نفس الوقت وتابعيهم فتقبل مرجعية الفقيه يتم بالتدريج ومن خالل إجماع اختيارى؛ ولـذا

ولكن طرق حسـمه أبعـد مـا )٩٢(أحيانا ما يظهر التنافس على هذا المركز، تكون عن القوة، بل تحتاج لنصرة أعضاء الجماعة الفقهية أنفسـهم وعامـة

. لمقلدين طواعية وبالتدريجالقد أخرج االجتهاد الشيعى المستمر الفقه الشيعى من المأزق الذي يتعرض

فقـه "له فقه المذاهب األخرى، حيث يرى البعض أن الفقه الشيعى ما هو إال واتفق علماء الشيعة على أنه طالما ظل باب االجتهاد مفتوحـا فـإن ". مفتوح

ضل من العمل بفتـوى المرجـع الميـت؛ ألن العمل بفتوى المرجع الحى أف

- ٢٠٨ -

الزمان يتغير والمستحدثات تظهر، بل لقد ذهب اإلمام الخمينى إلى أبعد مـن من يقلد فقيها توفى دون أن يرجع إلى فقيه حى فإنه يكون "ذلك عندما أكد أن

وهو األمر الذى يضمن تجدد الفقـه الشـيعى " مثل الشخص الذى ال فقيه له ولكنه عاد وأشار إلى ضرورة التمسـك بالفقـه التقليـدى (ومواكبته للعصر

إال أن الخطير ). باعتباره فقه األئمة عقب الثورة ربما خوفا من أن يفقد نفوذه فى األمر أن الفقهاء يعولون كثيرا على العقل خاصة فى تعاملهم مع بعضـهم

فى مما يؤدى إلى وقوع كثير من الخالفات بينهم البعض ووقوع العديد منهم باإلضافة إلى أن تعويل فقهاء الشيعة كثيرا . أخطاء كما يعترف الفقهاء أنفسهم

على العقل فى استنباط األحكام الفقهية قد أوجد ما يسمى بالفقه السياسى الذى وكان لغلبة االتجاه األصولى على اتجـاه . طغى بشكل عام على الفقه التقليدى

يد الشيعى، إنه االتجاه الذى يرى أنـه اإلخباريين أكبر األثر فى تعضيد التجد يمكن للمجتهد أن يمارس مبدأ االجتهاد وليس مقيدا بفكرة تقليد أحكام األئمـة كما يؤكد اإلخباريون الذين يعتقدون أنه فى ظل غيبة اإلمام ال يمكن للفقيه أن

لقد دعا الخط األصولى إلى توسيع الممارسة إلى حد إقامـة . يمارس االجتهاد إسالمية دون انتظار لعودة اإلمام الغائب، وبتطوير هـذا التوجـه تـم دولة

الوصول إلى والية الفقيه اعتمادا على أن غيبة اإلمام سبب رئيسى فى نقـل إنها الرؤية التى تـرتبط ارتباطـا . جميع صالحياته إلى الفقهاء المعاصرين

وع إال لسـلطة وثيقا باالتجاه الحركى داخل المؤسسة الدينية، وال تقبل الخض الشرع وبضرورة الكفاح ضد الحكـام الـذين ال يقبلـون تطبيـق المـنهج

وانطالقا من ذلك وافق الفقهاء خالل الحركـة الدسـتورية علـى . اإلسالمىعملية إصالح سياسى ذات جذور أجنبية بعد أن كانت النظرة ألى حكم زمنى

ة قيـام حكومـة تعنى اغتصاب لسلطة اإلمام المعصوم؛ وهو ما يعنى استحال ولكنه منذ بدايات القرن الماضى بدأ الحديث أنه في ظل غيبة اإلمام . شرعية

- ٢٠٩ -

كل ما يمكن عمله هو التقليل من درجة عدم الشرعية من خالل إيجاد سـلطة ولقد ظل الصراع قائمـا علـى . ملكية مقيدة بالدستور وبانتخاب مجلس نيابى حالة غياب اإلمام وبين معلـن المستوى الفكرى ما بين مؤيد لحكم الشاه في

لعدم شرعية أى نظام علمانى، ومع ضعف الدولة النسبى فى الفترة األخيـرة )٩٣(.زادت قوة ونفوذ مجتهدى التيار الثانى

يرى الكثير من المحللين أن اإلسالم الشيعى يقدم نظرة أيديولوجية للتاريخ تعطى شـرعية للحركـة المعارضـة حيـث يمتلـك رمزيـة المعارضـة

إنها مقولة لها مصداقيتها، ولكنها تغفل أيضا أن هنـاك فـى )٩٤(.واالحتجاجوفى ظل غيبة اإلمـام . المقابل نظريات شيعية تنادى بالسكون النتظار اإلمام

إن النظرية الشيعية السياسية إنما تقدم خليطا فريدا ما بين إنكار : يمكن القول وأن أهـم مـا )٩٥(.لعملشرعية سلطة أى دولة مع صبر ساكن وغياب عن ا

أنجزه اإلمام الخمينى هو إحياء الرؤية الثورية الكامنة فى اإلسالم الشـيعى، وكانت تحتاج لفقيه قوى يخرجها من جديد للعالم ويعطيها قوة االلتحـام مـع

ومن هنا يبرز أن الفقه إنما يكتسب فعاليته مـن . الواقع واإليمان بقدرة تغييره م علمائه بربطه باحتياجـات مجتمعـات المسـلمين قدرته على التجديد وقيا

.وإعطائها المخرج الشرعى فى تلك اللحظة الزمانية والمكانيةولقد شهد الخطاب اإلسالمى المعاصر فى إيران مفردات معاصـرة مثـل

وفى إيران . الدولة القومية، البرلمان، الدستور، الحرب لحماية الحدود القومية . الدولة لتبرير زيادة تدخل الحكومة البيروقراطيـة ما بعد الثورة ظهر منطق

حتى فى داخل الحكومة الفقهية تستمر التفسيرات اإلسالمية فى التغير حاليـا وربما تظهر صيغة جديـدة لـربط الـدين ()٩٦(فى اتجاه مزيد من االعتدال

).بالسياسة

- ٢١٠ -

كان الدستور والقوانين الناشئة عن الحركة الدسـتورية أكثـر معاصـرة مانية من تلك المنبثقة عن الثورة اإلسالمية التى جاءت فى سياق إيـران وعل

ويمكن شرح هذه اإلشكالية من خالل االخـتالف بـين . أكثر حداثة وعلمانية فبالرغم من كون األجانب هم الهدف المـراد . العدو الرئيسى فى كال الحالتين

لصـداقة بعـض مواجهته فى المرتين إال أنه خالل الثورة الدستورية ونظرا العناصر الثورية إلنجلترا ولبعض القوى الغربية غير المتدخلة فـى الشـئون اإليرانية فلقد احتلت األسرة المالكة الرافضة للتحديث ولتقوية الـذات مكانـة

وجـاء . العدو الرئيسى وألقى عليها لوم التخلف اإليرانى والتبعيـة للـروس أن الدستور الغربى هـو سـر قـوة انتصار اليابان على روسيا ليؤكد مقولة

حيث غلبت الدولة اآلسـيوية الدسـتورية الوحيـدة الدولـة (الدول اآلسيوية كان العـدو الرئيسـى ١٩٧٩فى ثورة ). األوروبية الرئيسية غير الدستورية

أيضا أسرة ملكية، ولكن اختلفت صورة الشاه باتجاهه التغريبـى المنـاهض )٩٧(.ضافة إلى التبعية الكاملة للحكومات الغربية للفقهاء والتقاليد اإلسالمية باإل

إذا جاءت الثورة اإلسالمية بعد نصف قرن مـن محاولـة التشـبه بـالغرب والعمل بقوانينه بدون القدرة على إنجاح النموذج المستقى من الغرب أو حـل مشاكل إيران الداخلية المتفاقمة؛ فتركز التغيير المنشـود فـى العـودة إلـى

.ريعتهاإلسالم وش -حتى فى إطار الخصوصية الشـيعية –بل إن مجرد تقديم رؤية إسالمية

أمر له داللته الهامة ويكسب الفقهاء مزيدا من القوة فـى السـاحة الواقعيـة والدليل على ذلك الفارق فى النتيجـة مـا بـين الحركـة . للحركات الثورية

فليس صحيحا . الدستورية فى مطلع القرن العشرين والثورة فى ربعه األخير أن الفقهاء المناصرين للثورة الدستورية قد قدموا الرؤية الليبرالية األوروبيـة السياسية على الفقه الشيعى، وإنما األدق القول بأنه فى ظل غيـاب مشـروع

- ٢١١ -

سياسى إيجابى واضح يخص الفقهاء خاصة والتقاليد الشيعية نجح ذوو التوجه )٩٨(.وذج البلجيكىفى تقديم النم" المستغربين"الغربى

فالجدل بـين مواقـف تتميز المؤسسة الفقهية بتنوع وتعدد اآلراء داخلها، والتى اتضـحت خـالل جميـع فكرية متمايزة هو السمة السائدة بين الفقهاء .حركات التغيير اإليرانية فى القرن المنصرم

لقد صنفت كثير من األدبيات الغربية الفقهاء الذين انضموا إلـى البـازار على أساس أنهم يمثلـون الجنـاح الثورة الدستورية خالل والحركة الشعبية

اليسارى من الفقهاء فى حين أن من دافع عن الملكية هم المنتمون إلى الجناح المحافظ، ألن الجدل ظهر واضحا بين الطرفين فى المحاضرات والكتابـات

عن الديمقراطيـة تدافع" ثورية"المعاصرة لهذه الثورة ما بين نظرة إسالمية ومضادة لالستبداد واالستعمار وأخرى تدافع عن سـلطة القاجـار الملكيـة

)٩٩(.وارتباط المشروعية بالشريعة اإلسالميةوبسبب دور الفقهاء فى الثورة الدستورية، سادت النظرة إلـى إجـراءات

ولكن فـى مرحلـة . اإلصالح الليبرالى باعتبارها عودة لحكم أكثر إسالمية حيث توقع غالبية . الدستور ظهرت الرؤى المختلفة على السطح سريعا كتابة

فلقد سيطرت مفـاهيم العدالـة )١٠٠(.الفقهاء عودة الشريعة اإلسالمية بكاملها والشريعة على فكرهم أكثر من مفهوم الدستورية، وأشاروا للمجلس باعتبـاره

االنقسـامات ولذا بمجرد اجتماع المجلس لكتابة الدستور ظهرت . بيت العدالة جلية وبسرعة، حيث احتج الكثير من رجال الفقه على فكرة دستور من صنع اإلنسان مؤسس على نماذج أوروبية وليس الشريعة باعتباره القانون األساسى

ولعل إصرار آيات اهللا نورى على المادة الثانية الشهيرة من ملحـق . للمجتمععلى ذلك، حيث نجح فى إعطاء دليال ١٩٠٦) فى أكتوبر (القانون األساسى

لجنة من خمسة فقهاء الحق فى الفيتو على القوانين التى يصدرها المجلس فى

- ٢١٢ -

وبذلك تمتع المجتهـدون . حالة ما إذا كان التشريع مخالفا للشريعة اإلسالمية وكانت بمثابة الحل الوسط بـين ١٠١بسلطة أعلى من النواب الممثلين للشعب،

غم من استمرار هذه المادة مثلها مثل الدستور ذاتـه وبالر. التيارات المختلفة . مجرد وهم فى ظل تخطى الشاه المستمر للحدود التى فرضتها على سـلطته

إال أنها رمز لرغبة الشعب فى إيجاد حكومـة مسـئولة تسترشـد بالمبـادئ وهو األمر الذى له داللته حتى لو ظلت هذه المـادة نظريـا )١٠٢(.اإلسالمية

وأعلن نورى أن الشريعة صـالحة . قيام الثورة اإلسالمية بدون تطبيق حتى ألن تواكب القرن العشرين، وبالتالى ليست هناك الحاجة إلى استيراد عـادات وممارسات من عالم غير المؤمنين، وامتد هجومه ليشمل حرية الصحافة التى

موقف مماثل لخامنئى بخصوص حرية الصحافة فـى (يراها منافية للشريعة وللفقرة الثامنة من ملحق القـانون األساسـى ) القرن الحادي والعشرين بداية

التى تنص على الحقوق المتساوية لمواطنى إيران أمام القانون لكونها تتجاهل الفروق الطبيعية بين المريض والسليم والرجل وزوجته والمـتعلم والجاهـل

طاعات الدينيـة ولقد نجح نورى فى تعبئة كثير من الق . والمسلم وغير المؤمن ولم يكتـف )١٠٣(.ضد الدستور وكسب صمت العديد من مؤيدى هذا الدستور

نورى بالتمثيل الجيد للفقهاء داخل المجلس ذاته، بل فتح جبهة أوسع بالهجوم وسرعان ما سحب آية اهللا نورى دعمه )١٠٤(على مبدأ الحكومة البرلمانية ذاته

لتشريع وتوصل إلى نتيجة مفادها لفكرة الدستورية رافضا مبدأ أن يقوم أحد با وأنه من غير الممكن جعل هذه الدولـة . أن الدستورية ضد الدين اإلسالمى "

وأنتج هذا جدال ثريـا مـا ". اإلسالمية تحت نظام دستورى إال بإلغاء اإلسالم بين فقهاء الشيعة أخرج كتابات من أقوى ما كتب دفاعا عن الدستورية مـن

حيث رأى أنه Nainiت الشيخ محمد حسين نائينى أهمها على اإلطالق كتابا ويجـب أن يـولى . فى ظل غيبة اإلمام فإن التطبيق الكامل للشريعة مستحيل

- ٢١٣ -

االهتمام لتطوير الوسائل التى تحد وتقيد من قوة السلطة الزمنيـة أو الحكـم ومع ذلـك . العلمانى، ومن ثم حماية المجتمع من استبداد وقهر الحكم المطلق

إذا ظهر الصراع بـين )١٠٥(.قسام الفقهاء وظلت المسألة بدون حسم استمر ان المشروطية أى الدستورية والمشروعية أى الحكم وفق الشريعة بعـد تكـوين البرلمان وتحرير الدستور وهو الصراع الذى سيظل مالزما للحركة الثوريـة

. بل لنهاية القرن وبعد قيام الثورة اإلسالمية ذاتها)١٠٦(للنهاية،مناخ عام من اإلحباط عقب ما أسفرت عنه التجربة الدسـتورية فـى ساد

مطلع القرن طال أيضا الزعامات الدينية الذى أظهرت عدم اكتراثهـا بعـالم وباستثناءات قليلة انسحب الفقهاء من الساحة السياسية . ١٩١١السياسة عقب

و بـورجيرى ١٩٤٥(، إصـفاهانى )١٩٣٦ (Hairiفى عهد مراجع هايرى وليس قبل بداية الستينيات أن بدأ اإلمام الخمينى فى خلـق حركـة ). ١٩٦١(

سياسية تقليدية متمايزة عن وفى مواجهة األحـزاب السياسـية االشـتراكية )١٠٧(.والقومية

تبنى رجالن فى قمة سلم الهيراركية الفقهية مـوقفين خالل حركة مصدق لشيعى التقليدى تجـاه األول آيات اهللا بورجيرى الذى تبنى السلوك ا : متباينين

وأقام اتفاقا ضمنيا مع الشاه محمد رضا بمقتضـاه يتعـايش . السلطة العلمانية وفى فترة التوافـق . سلميا المجال العلمانى للشاه مع المجال الدينى آليات اهللا

واالستقرار بين آيات اهللا والعرش أبعد بورجيرى نفسه والشيعة عن شـئون . لشـاه والءه للفقهـاء بزيـارات متعـددة لقـم الدولة، وقدم من حين آلخر ا

وبتصاعد المشاعر القومية مع ظهور مصدق ألزم آيات اهللا بورجيرى نفسـه وجاء االخـتالف مـن . الصمت وكذلك معظم الفقهاء الملتزمين بمنهج التقليد

موقف آيات اهللا كاشانى الذى عرف عنه معارضة النفـوذ البريطـانى فـى وقـدم مسـاندته لحركـة . ايا شعبية تقلق العرش الشرق األوسط وتبنيه لقض

- ٢١٤ -

مصدق، فكفقيه له سمعته فى الدوائر الدينية يستطيع التأثير فى الفقهاء داخـل البرلمان إلعطاء أصواتهم لمصدق، وخارج البرلمان يمتلك القدرة والسـلطة

اتفق . المكونة من البازار والجماهير للقوميين " التقليدية"لزيادة دعم الجماعات كل من التحالف القومى الممثل من قبل الجبهة الوطنية وكاشانى وأتباعه على

اإليرانية؛ -معاداة النفوذ البريطانى فى إيران ورمزه شركة النفط اإلنجليزية وفيما عدا ذلك اختلف الطرفان في الرؤى؛ ألن مصدق يتبنى رؤية العلمـانى

خر رجل فقه يتبنى القوانين الذى يؤمن بالقوانين التى من صنع اإلنسان، واآل ما هى مكونات السلطة والشرعية فـى : اإللهية فانقسموا حول تساؤل رئيسى

فكاشانى يدعو إلى إعادة الشـريعة اإلسـالمية ١٠٨النظام السياسى اإليرانى؟ كمحور للحكومة اإلسالمية فى حين يرى مصدق محوريـة القـانون الـذى

اكتشف الفقهـاء الـذين دخلـوا لقد. يصنعه نواب منتخبون فى ظل الدستور الجبهة الوطنية بسبب دفاع مصدق عن إيران الشيعة ضـد األجانـب غيـر المسلمين أن دفاع مصدق كعلمانى عن اإلسالم الشيعى كان باعتباره مكونـا

وظلت التباينـات كامنـة )١٠٩(.من مكونات الهوية القومية اإليرانية ليس أكثر الجبهة الوطنية فـى البرلمـان : بدوره وراء الهدف الواحد، وكل منهم يقوم

ولكن مازالت المساندة الفقهية لحركـة مصـدق )١١٠(.وكاشانى فى المساجد أضعف من التى حظيت بها كثير من الحركات الثورية الرئيسية فـى القـرن العشرين، ربما لوجود تيار مهادن قوى تحت زعامة أكبر مرجع تقليـد ممـا

.يار المعارض للنظام من الفقهاءحجم من ساحة المناورة أمام التوبدأت إيران تشهد ظهور فكر سياسى ذي توجهات ورؤى إسالمية لعـب دورا هاما ال يمكن إغفاله فى رسم معالم الساحة السياسـية اإليرانيـة فـى

فمنذ الخمسينيات وكـرد فعـل لظهـور . النصف الثانى من القرن العشرين ١٩٥٣ية وتنامى النفوذ الغربى عقـب الخطابات الليبرالية والقومية والماركس

- ٢١٥ -

. بدأت المحاوالت لتضمين االتجاه اإلسالمى مفاهيم اشتراكية وسياسية حديثة ومهد موت آيات اهللا بورجيرى الطريق أمام هذه الجهود؛ فبزغ رجـال فقـه ومفكرون سياسيون شيعة وإصالحيون من أمثال مرتضى متطهرى ومحمـد

ديم مقوالتهم اإلصالحية لتتواءم مع الظروف بهشتى ومحمود تلقانى قاموا بتق وهم الذين ترى الكثير من الكتابـات الغربيـة أنهـم )١١١(.اإليرانية المتغيرة

ولكونهم مـن خلفيـة غيـر Shi`it modernismيمثلون الشيعة المعاصرة . فقهية، فلم يكن لهم نفس التأثير داخل الجماهير المتدينة الذى لكبار الفقهـاء

مفكـرى الشـيعة " المؤسسة الفقهية كثيرا مـا ارتـابوا فـي بل إن أعضاء وبالمثل كثيرا ما ظهرت آراء مضادة للفقهاء عند مـن يمثلـون " المعاصرين

أن أسـس بازرجـان ١٩٦١وليس قبل . التيار المعاصر في الكتابات الغربية وتلقانى حركة تحرير إيران التى قدمت حزبا ذا أيديولوجية وبرنـامج قـائم

ولقد اتخذت هذه الحركة موقع المعارض للنظم الحاكمـة فـى . سالمعلى اإل )١١٢(.إيران خالل معظم تاريخها

أصحاب الفكر السياسى المعاصر " اإلسالميون المعاصرون "ولعب هؤالء فليبرالية الستينيات لم تكن لتسمح للقومين بالعمل، ومـن . دورا سياسيا نشطا

وكـان )١١٣(.حركة تحرير إيران ثم عمل كل من بازرجان وتلقانى من خالل مهدى بازرجان من أوائل الذين استفادوا من الحضارة الغربية مـع الحفـاظ على الهوية اإلسالمية والذى أكد على الرؤية التى تجمع بين الـدين والعلـم

الذى أكـد أن النمـوذج ١٩٩٨وهى قريبة الشبه برؤية الرئيس خاتمى فى (ين الدين وحرية اإلنسان نجم عنه حضارة األمريكى الذى يعتمد على المزج ب

، وأشار بازرجان إلى أن المواطن اإليرانى لم يعد يولد ليعـى سـوى )كبرىالمذهب الشيعى وأحكامه والنظرة اإلسالمية للعالم بأسره كمـا يحـدث فـى بدايات القرن، بل أصبح يتعرض أليديولوجيات ومفاهيم وفلسفات متنوعة مما

- ٢١٦ -

ظر فى التزامنـا بالمبـادئ اإلسـالمية ليصـبح أكثـر يحتم علينا إعادة الن تقدم حركة تحرير إيران أكثر من أى جماعة أخـرى النمـوذج )١١٤(.مرونة

إلحالل العلمانية وصعود الدين فى السياسة اإليرانية عندما تتم قراءة بـرامج لقد لعب زعماء هذه الحركة دورا قائدا فـى . ١٩٨٠ وفى ١٩٦١الحزب فى تركزت أنشطتهم ١٩٥٣فقبل . دين فى الحياة السياسية اإليرانية إعادة تقديم ال

فى النواحى االجتماعية والدينية فى محاولة لطرح أنفسهم للشباب اإليرانـى قـدموا سياسـيا الزعامـة ١٩٦٣ و ١٩٥٣كبديل للماركسية، وفيمـا بـين

كمعاصـرين "الراديكالية للحركـة القوميـة، ودينيـا اسـتمرت أعمـالهم modernists ." ثم توقفت جميع األنشطة المعارضة المفتوحة بعـد الثـورة

صـعودا تـدريجيا ١٩٧٨– ١٩٦٣البيضاء، وشهدت األعـوام مـا بـين )١١٥(.أليديولوجية مؤسسة على اإلسالم

ومن ثم تأثرت المعارضة اإليرانية للشـاه باألفكـار الغربيـة الليبراليـة الم تأثيرا سـلبيا علـى واالشتراكية قبل الستينيات، بل رأى البعض أن لإلس

: انقسمت االنتلجستيا اإليرانية إلـى معسـكرين ١٩٦٠وبعد . الحياة اإليرانية أحدهما انتقد الشاه من منطلق ليبرالى ولكنه لم يناصر التوجه الثقافى الغربى العداء، وعلى الجانب اآلخر وجد مفكرون لم يتقبلوا الجانب التجارى والنفعى

على نشرها وسط الطبقة الوسطى اإليرانية، وذلـك التى ساعدت ثروة النفط ومـن أبـرز . بالرغم من استيعابهم لألفكار الليبرالية واالشتراكية من الغرب

أمثلة هذا جالل األحمد الذى أعاد توطين اإلسالم فى الهوية اإليرانية ودافـع عن هجوم نورى على الدستورية باعتباره صراعا للهوية ضـد اإلمبرياليـة

وقد قام بذلك بتهيئة المناخ لتأثير مفكرين الشيعة من أمثـال تلقـانى . يةالغربوفـى . وبازرجان وخاصة شريعتى على الطبقات المتعلمة والشـباب عامـة

- ٢١٧ -

المقابل على المستوى الجماهيرى، أمكن مالحظة النمـو السـريع لألنشـطة )١١٦(.الدينية التقليدية خالل السبعينياتات خطوط التطور الفقهى، فبعد وفـاة آيـة اهللا إذا بدأت تتجمع مع الستيني

بورجيرى اتجهت المناقشات مرة أخرى إلى تفعيل دور المؤسسة الدينية فـى عالم السياسة، وتركزت الدعاوى على تشجيع المؤسسة الدينية على المشاركة

نقطة االنطالق لحركـة ١٩٦٣ وتعتبر أحداث )١١٧(.فى السياسة مرة أخرى وبدأت عمليـة تنظـيم . لتى أفرزت الجمهورية اإلسالمية التجديد والتطوير ا

١٩٧٣ و ١٩٦٧داخلية، واتخذت حركة اإلصالح اتجاها جيـدا فيمـا بـين خاصة فى ظل انتشار أفكار علـى شـريعتى، فالتشـيع لديـه هـى ديانـة

وفى . المعارضة، كما عمل على تعميم االلتزام بضرورة إسقاط حكومة فاسدة ات المسلحة نشاطها مثل مجاهـدى خلـق، وبـذلك نفس الوقت بدأت الجماع

اكتسب االتجاه الحركى فى المؤسسة الدينية تأييدا أكبر بانضمام المزيد مـن )١١٨(.الفقهاء

ومن ثم كان بزوغ على شريعتى بفكره الذى جعله أستاذ الشباب اإليرانى فأظهر مؤشرات لتوجه عام نحـو ١١٩.المثقف من أهم أحداث عقد الستينيات

دية أو اإلسالمية وأحيانا األصولية وسط ليس فقط الفقهاء بل وسط مـن التقلي فمنذ العقد السـادس مـن ١٢٠.تلقوا تعليما غربيا خالل الستينيات والسبعينيات

القرن الماضى بدأ ظهور تيار آخر ملحوظ داخل الحركة الشيعية المتمـردة، الميـل تجـاه وهو تيار متأثر أكثر من اإلمام الخمينـى باألفكـار الغربيـة ب

وتمثل ذلك فى إيران مـن . التفسيرات اليسارية واالشتراكية لإلسالم والشيعية األولى خاصة بعلى شريعتى، والثانيـة : خالل حركتين متوازيتين ومتداخلتين

لقد قدم شريعتى رؤية ديموقراطية واشتراكية بشـكل . خاصة بمجاهدى خلق اإلمام الثانى عشر؛ ولذا اعتبـر أو بآخر لإلسالم، وقدم تفسيرا ثوريا النتظار

- ٢١٨ -

فـى . أنه الثورة بدال من السكون كأحد محاور التفسير الشيعى للعالم المحيط حين ظلت حركة مجاهدى خلق جماعة تحت األرض طوال معظم تـاريخهم

وقاموا بإدخال عناصر مـن الماركسـية . منذ تكوينهم فى منتصف الستينيات ا عن شريعتى فى تأكيدهم علـى النشـاط واختلفو. لتفسيرهم الثورى لإلسالم

١٢١.والتنظيم السياسى سواء قبل أو بعد الثورة اإلسالميةفى حين ركز خمينى فى هجومه على الشاه على ما اعتبره تهديدا للفقهـاء . ولإلسالم فى ظل برامج اإلصالح التى أعلنها الشاه مـع بدايـة السـتينيات

أن تصويت المـرأة ومسـاواتها باإلضافة إلى اإلصالح الزراعى رأى أيضا الوضع اختلف بعد ذلك عندما أشاد بدور المرأة (نوع من التهديد لقيم اإلسالم

). الكبير فى إنجاح الثورة اإلسالمية وتعددت أدوارهـا بعـد الثـورة كـذلك وعارض هذه اإلصالحات؛ ألنها تقوى من البهائيين وإسرائيل واإلمبرياليـة

وألول مرة يتخـذ زعـيم . هديد واضح لإلسالم األمريكية التى تحوى على ت دينى موقف المدافع ليس عن قضايا دينية فقط بل أيضا عن قضايا جماعـات

فلقـد تحـدث . اجتماعية أخرى مما سهل من تحالف القوى المعارضة للشاه على االختراق اإلسرائيلى واألمريكى لالقتصـاد اإليرانـى وعـن خسـائر

وكان اإلمام الخمينـى أول مـن . زراع والبازار األسواق اإليرانية وإفالس ال إن الحكومـة التسـلطية التـى : وقال في البداية . دعى إلى إسقاط نظام الشاه

انتهكت الدستور يجب إسقاطها وإحاللها بأخرى جديدة تحترم اإلسالم وتهـتم )١٢٢(.بالشعب اإليرانى

ـ ة بـين وعلى مستوى التجديد فى الفكر السياسى الشيعى البد مـن التفرقإحياء بعض المفاهيم الستخدامها كأسلحة ثورية وبين التجديد فـى مضـمون

فهنـاك . بعض المفاهيم األخرى وصوال إلى نسق مثالى شيعى مثالى جديـد تغير قد طرأ على طبيعة الحكم الشرعى فى غيبة اإلمام بهدف الوصول إلـى

- ٢١٩ -

لواقعية، كمـا نظرية والية الفقيه، وأضحت النظرة للشرعية تتسم بمزيد من ا : ، ويمكن القـول "االنتظار"، و "التقية: "تغير الموقف من مفاهيم محورية مثل

ومن ثم بتطوير بعض . إن شكل المشاركة السياسية قد تغير فى الفكر الشيعى المفاهيم المحورية فى منظومة الثقافة الشيعية تغيرت كذلك الوظـائف التـى

لم والتكيف مع الواقـع إلـى رغبـة يؤديها هذا النسق الفكرى من مجرد التأق وذلك بخالف مفاهيم أخرى تم إحياؤها . التغيير الثورى –بل وحتمية -واردة

واستخدامها كمحاور أليديولوجية بديلة لها فعالية ملحوظة فى تعبئة الجماهير وشحن مشاعر الحشود وأهمها على اإلطالق مفهوم الشهادة وما ارتبط به من

نبراسـا إليقـاظ الجمـاهير ) τ(فى حياة الحسـين تضحيات وبطولة وجدت واعتبر أيضا إعالن الجهاد أحد أهم المفاهيم الدينيـة التـى تحولـت . سياسيا

وهـو مـا –ألسلحة ثورية، فإعالن الجهاد ضد السلطة وتكفير هذه األخيرة وهو ما مكن آيـات اهللا مـن الهيمنـة –ظهر بعد إلغاء اإلمام الخمينى للتقية

وقام كل مـن شـريعتى واإلمـام الخمينـى . لى العملية الثورية والسيطرة ع بتطويع مبدأ غياب اإلمام ليصبح مبدأ حركيا وليس سكونيا فباالقتـداء بفتـرة خالفة على كنموذج وقدوة خرجت حركة الفقهاء فى بداية القـرن بالمنـاداة م بأهمية الحكم الدستورى، وبنفس المنطق خرج اإلمام الخمينى بضرورة الحك

كما أن من إسهامات الفكر )١٢٣(.اإلسالمى الذى يلعب فيه الفقيه دورا أساسيا الشيعى المتجدد محاولة خمينى لتقديم شكل مؤسسى لرؤيته اإلسالمية سـادت

وبغض النظر عـن تقيـيم الجانـب المؤسسـى مـن . بعد ذلك عقب الثورة أن الفكـر الجمهورية اإلسالمية إال أنه أحد المحاوالت الرائدة فـى إثبـات

اإلسالمى يمكن أن يقدم رؤية لمرحلة ما بعد الثورة، وأنه ليس مجرد سـالح . فعال لعمل الثورات وفقط

- ٢٢٠ -

ألهم مالمح فكر كل من شريعتى ولذا من األهمية بمكان اإلشارة السريعة اللذين أسهما المساهمة الرئيسية فى تحويل مسار الفكـر السياسـى وخمينى

ول يعبر عن فكر إسالمى يقدمه مفكر غير فقيه، فـى الشيعى، باعتبار أن األ حين أن الثانى يمثل أفكار فقيه على درجة كبرى من األهمية بالنظر إلى مـا

.أحدثته من تغيير فى حياة أحد الشعوب اإلسالمية الكبرى على أرض الواقعإذا كان اإلمام الخمينى هو رمز الثورة ومهندسها فإن شريعتى هو منظـر

تحول المثقفين اإليرانيين إلى االلتزام بمفهـوم شريعتىفلقد سهل . رةتلك الثو ثورى جديد وبحركة ثورية إسالمية؛ حيـث أكـد علـى حيويـة اإلسـالم وديناميكيته من خالل قدرته على التأقلم مع مقتضيات العالم المعاصر وحول

حتـى االعتقاد الشيعى إلى قوة ديناميكية من خالل المناداة بضرورة العمـل عودة اإلمام الغائب وليس االكتفاء بانتظاره، فهو يتحدث عن إسـالم يمثـل

فوفقا له . أيديولوجية ثورية تهدف لتحويل النظام والبيئة والعالقات االجتماعية قدم القرآن تفسيرا متعدد العوامل لظاهرة التغير االجتماعى حددها فى أربعـة

لشخصية والحـدث والسـنن ا: محددات أساسية تؤثر فى مصير المجتمعات وبهذا يرى شـريعتى . والناس وأهمها العامل األخير؛ ألنه يمثل إرادة الشعب

أن القرآن قد جمع بين كل النظريات الغربية والديمقراطية؛ ومن ثم يعد االسم أول مدرسة فى الفكر االجتماعى تعترف بالجماهير كأساس وعامل حيوى فى

وتـؤمن فلسـفة شـريعتى بحريـة . جتمعاتتحديد مسار التاريخ وتغيير الم )١٢٤(.اإلنسان واختياره والحتمية التاريخية ما هى إال إرادة اهللا فى نظره

وقام شـريعتى . لم يكن شريعتى ماركسيا، ولكنه تأثر باألفكار الماركسية بإعادة تفسير بعض المفاهيم الماركسية وكذلك الحال بالنسبة لبعض المفـاهيم

ة مثل االنتظار؛ حيث ال يعنى االنتظار السلمى للعدالة بقدر األساسية اإلسالمي ما هو تدخل نشيط في الصراع ضد الظلم، وكأن التشيع أيضا هو موضـوع

- ٢٢١ -

حولها الظالمون أليديولوجيـة . للصراع الطبقى ما بين المظلومين والظالمين أما الجماعة األولى فقد حولتها إلـى أيديولوجيـة " الشيعة الصفوية "مسيطرة ، فيجب علـى العلمـاء والفقهـاء أن "الشيعة الحمراء "أو " شيعة اهللا "للتحرير

ومن خـالل رؤيتـه . يحملوا المسئولية تجاه تطوير وتنمية الشيعة المظلومين لمحورية دور اإلسالم في تغيير وتحسين المجتمع فإنه رأى أن الدين كظاهرة

في يد الطبقة المهيمنـة فإما أن يكون أداة : تاريخية يظهر في شكلين مختلفين ويخدم المصالح المدعمة للفساد ويصبح أداة للسيطرة واستغالل المجتمـع، أو

إن الثورة )١٢٥(.العكس يصبح أداة فى الصراع من أجل إعادة المجتمع العادل بالنسبة لشريعتى تعد ضرورة تاريخية ودينيـة واجتماعيـة فاإلسـالم قـوة

وبشـكل عـام أعـاد . رك هذه القوة محركة، ويعد الشهيد المحارب هو مح . شريعتى فحص وإحياء عدد كبير من المفاهيم الرئيسية فى المذهب الشـيعى

لقد طور مفهوم اإلمامة ونادى بتغييره من مجرد اعتباره شخصا مقدسا فـى ذكراه تذرف الدموع ولكن ليس له أدنى تأثير فـى سـلوك وتوجيـه حيـاة

وفى هـذا السـياق . تى ظهور اإلمامةالمسلمين، فلقد رفض فكرة االنتظار ح إلحياء المعانى التى ) رضى اهللا عنهما (استخدمت سيرة اإلمام على والحسين

قلـب "فالشهيد وفقا لشريعتى هو . تقدم العمل الثورى مثل التضحية والشهادة فهو محركه، وبهذا قدم نقدا واضحا لإلصـالحيين الـذين وجـدوا " التاريخ

ن االنتلجستيا هى المؤهلة لقيادة الثورة، فللمثقفين دور التبريرات للمسالمة، وأ محورى لدى شريعتى يقابله دور الفقهاء لـدى اإلمـام الخمينـى والثـورة المزدوجة التى تحتاجها دول العالم الثالث هى أوال ثورة قوميـة تنهـى كـل

يـة أشكال الهيمنة اإلمبريالية وتعيد إحياء ميراث الدولة الثقافى وهويتها القوم وثانيا ثورة اشتراكية تنهى كافة أشكال االسـتغالل، وتقضـى علـى الفقـر

فللثـورة فـى . والرأسمالية، وتؤسس مجتمعا غير طبقى وعادال وديناميكيـا

- ٢٢٢ -

أوال وحدة الهوية القومية وثانيا العدالة : إيران عند شريعتى مظهران أساسيان المـزدوج ومـا هـى االجتماعية واالقتصادية، ولكن من يقود هذا البرنامج

األيديولوجية اإلسالمية التى يجب اتباعها فإن شريعتى مثلـه مثـل اإلمـام الخمينى يتحدث عن اإلمام كمرشد للمجتمع، ولكن هناك مـن يـرى أنـه ال يساوى ما بين الفقهاء والمثقفين بل يؤمن بـأن القيـادة مـن أجـل الثـورة

تيا المتدينة أكثر من الفقهاء، االجتماعية والسياسية فى إيران تأتى من االنتلجس فبينما يتحدث شريعتى عن مفهوم اإلمامة كقيادة فهى خليط بين القبول والتأييد الشعبى والتميز الفقهى، ولكن فى نفس الوقت يلقى بواجبات دينية على كـل

: التقـوى وثالثهـا : العلم وثانيهـا : أولها: ولإلمامة ثالثة شروط عنده . مسلمبح السلطة واجبة الطاعة والقيادة يمكن أن تأتى من جماعة العدالة وبذلك تص

، فليس بالضرورة أن تمثـل القيـادة فـى "بالمفكرين المستنيرين "من أسماهم )١٢٦(.رجل الفقه، بل قد تكون فى مجرد مفكر مستنير

، فكان يتمتع ببراعة فائقة فى توظيف كلمات قرآنية الخمينىأما عن اإلمام مع استفادته استفادة جيدة مـن " مستضعفين"و " كبرينمست"و " طواغيت: "مثل

وقد مر فكر اإلمـام الخمينـى . ظاهرة التجمع فى المناسبات الدينية الشيعية األولى لم يلغ فيها شرعية النظام الشاهنشاهى، بل تحدث : بمرحلتين أساسيتين

عن تقوية القانون وإصـالح " كشف األسرار "فى األربعينيات من خالل كتابه الذين يملكون المعرفة " المجتهدين"لنظام الموجود عن طريق مزيد من تدخل ا

الضرورية لألوامر اإللهية، ويقدرون على تطبيق العدالة بـدون طموحـات شخصية أو قهر فال يجب على الفقهاء مجرد نقد الحكومة بل التدخل بالنصح

إسالمى وغيـر ثم بدأ نقده للنظام يشتد حتى نادى بأنه حكم غير . والمساعدة. شرعى فطرح فى مرحلة ثانية البديل اإلسالمى ممثال فى نظرية والية الفقيه

وسعى بذلك إلى إنهاء أى إزدواجية مـا بـين السـلطة الدينيـة والسـلطة

- ٢٢٣ -

ومن أجل تحقيق الثورة اإلسالمية وتغيير أنظمـة وحكومـات )١٢٧(.السياسية. التقية ومبدأ االنتظـار االستبداد والجور رفض اإلمام الخمينى كال من مبدأ

قام اإلمام الخمينى بالتمييز بين االنحراف عن الفروع وهو مـا تجـوز فيـه التقية وبين استشراء الفساد والجور والظلم وهو الخروج عـن جـوهر قـيم اإلسالم، ووفقا له ال تجوز فى هذه الحالة التقية؛ حيث شرعت التقية للحفـاظ

جال فروع األحكام، أما إذا كان اإلسـالم على النفس والغير من الضرر في م فأحد محاور هجومه على . كله في خطر فليس هناك متسع للسكوت أو التقية

هو تطبيقهم لمبدأ التقية مما يعد خطرا على كيان " بفقهاء السلطان "من أسماهم اإلسالم وهاجم رؤيتهم السلبية في ظل غيبة اإلمام، فالتقية فى ظـل تهديـد

ودعا الفقهاء لدور نشط وللتدخل فى حياة الشـعب . ال مكان لها اإلسالم ذاته وإلحداث الثورة اإلسالمية الالزمة لبناء وتأسيس . من أجل إحياء القيم الدينية

حكومة إسالمية تبنى اإلمام الخمينى عدة أساليب أولها أساليب خاصة بهـدم أوال : السليم وتحطيم الحكومات الجائرة وأخرى خاصة ببناء البديل اإلسالمى

بالنسبة لألولى هناك فى البداية مقاطعة المؤسسات التابعة للحكومة الجـائرة وترك التعاون معها واالبتعاد عن كل عمل يعود بالمنفعة علـيهم وتأسـيس

أما فـى سـبيل . مؤسسات قضائية ومالية واقتصادية وثقافية وسياسية جديدة دعايـة واإلعـالم مـا بـين تحقيق حكومة إسالمية يجب المرور بمرحلة ال

الجماهير من أجل خلق إجماع وتيار اجتماعى مؤيـد للتغيـر حتـى تـنظم الجماهير نفسها فى حركة إسالمية قادرة على تكوين مثل هذه الحكومة، كمـا

)١٢٨(.نبه إلى أهمية استخدام المناسبات الدينية كأدوات سياسية لهذا الغرض توصل إليه مـن ثبـوت الواليـة يقوم جوهر فكر اإلمام الخمينى على ما

فال يفرق بين والية المعصوم ووالية الفقيه " للفقيه فى زمن الغيبة "االعتبارية من حيث درجة العموم والشمول فى حياة البشر، وبالتالى إذا غاب المعصوم

- ٢٢٤ -

وبالرغم من أن الفقيه ال يتمتـع . انتقلت واليته بالكامل إلى الفقيه العالم العادل ة النبى واألئمة ولكن عليه تحمل نفس المسئوليات طالما أن الشرع بنفس مكان

والعقل ال يوصيان بترك عمل الحكومة ألفراد جهلة بشـريعة اهللا وبحـدوث ومن ثم فلقد تقـدم . ذلك فإن الشرك سوف يظهر ويتحول الحاكم إلى طاغوت

لحراس اإلمام الخمينى خطوة لألمام عن الذين سبقوه حيث أكد أن الفقهاء هم ا باختصار فإن والية الفقيه عند اإلمام الخمينى هى . الحقيقيون فى غيبة اإلمام

الفقهـاء "المرادفة للحكومة اإلسالمية، فالفقهاء وفقا له هم الحكام الحقيقيـون ، بل إن حق الطاعة للفقيه واجبة ومن يتخلف عـن ذلـك "حكام على الملوك ومـا . العلم بالشريعة والعدالة ومن أهم أركان اإلمامة )١٢٩(.وجبت محاسبته

هو دور الفقيه فى النظام السياسى؟ رأى اإلمـام الخمينـى أن اإلدارة العليـا للبالد وتأسيس العدالة هى مسائل تحتاج لتدخل الفقيه، أمـا بـاقى الوظـائف التنفيذية واإلدارية فهى تحتاج للمتخصصين، والفقيه في هذه الرؤية هى منظم

راقب لحسن تسييرها، وفى نفـس الوقـت البـد مـن عام لشئون الحكم وم االستفادة من ذوى االختصاص العلمى والفنى فيما يتعلق باألعمال اإلداريـة

وما يميز الحكومة اإلسالمية عند اإلمام الخمينى هو خصوصـية . والتنظيميةوتميز سلطة التشريع، حيث أكد على أن انحصار سلطة التشريع فى اهللا عـز

حد أيا كان أن يشرع أو يحكم بما لـم ينـزل اهللا، وإذا فشـل وجل، وليس أل . المسلمون فى تحقيق هذا الهدف فإنهم يكونون قد انتهكوا مهمتهم التاريخيـة

وينحصر دور الشعب فى الجمهورية اإلسالمية فى حق المشـورة بواسـطة وفرق اإلمام الخمينى بين صنع القواعد وصنع القوانين، . ممثلين فى المجلس

لشعب ينتخب برلمانا ليقوم بالنمط األول من التشريع، وهـو عبـارة عـن فامجموعة من التنظيمات واألوامر لمختلف الوزارات ولنشر وتطبيق الشريعة

)١٣٠(.اإلسالمية

- ٢٢٥ -

باعتبار أن قيادة الفقهـاء للمجتمـع النقد لمبدأ عموم والية الفقيه لقد وجه ظـروف العاديـة علـيهم يجب أن تقتصر على أوقات األزمات، ولكن فى ال

تجنب التدخل فى اإلدارة السياسية؛ ألنه قد يلقى على عاتقهم تبعـة أى فشـل إال أن اإلمام الخمينى يرى أنه حتى بافتراض عدم قدرة الفقهاء علـى . للنظام

مجاراة السياسة العامة بسبب نظام تعليمهم وبافتراض أنه قـد يفسـد فسـاد خاطرة ضرورية أمام واجب تأسيس مجتمع المجتمع سلطتهم الروحية، فإنها م

هل توجد عند الحكام الفعليين من القابليات أكثـر ممـا "أخالقى، كما تساءل ومن بين ". وها هو التاريخ يحدثنا عن حكام حكموا الناس بغير جدارة " "عندنا

أوجه النقص أيضا في نظرية والية الفقيه هو كيفية اختياره، واألهم مشـكلة . ، فهو لم يتطرق لفكرة درجة العصمة التى يتمتـع بهـا الفقيـه الرقابة عليه

وصحيح أنه قد أكد على فقد الفقيه للوالية في حالـة عملـه وفقـا إلرادتـه الخاصة، ولكنه لم يحدد اإلجراء المؤسسى لمعالجة مثل هذا الوضع، فإنه لـم

نى بعد يوفر ميكانيزما دستوريا للسيطرة على الفقيه، ولم يشر الدستور اإليرا ويشـير الـبعض إلـى . ذلك إال إلى قيد هام ومؤثر على قوته وهو شعبيته

غموض النقطة المتعلقة بعدم امتداد والية الفقيه إلى الفقهاء، ممـا قـد يثيـر كما تعرض اإلمام الخمينى إلى نقد بخصوص تقليصـه . مشكلة تعدد الواليات

لك وضـع سـلطة دور الشورى الذى جعله دورا ضيقا في نظريته، وأنه بذ كبيرة إن لم تكن السلطة كلها فى يد حاكم فرد وهو ما يتعـارض مـع مبـدأ

ويبدو أن الخالف بين المنظرين حول مسألة والية )١٣١(.األغلبية فى اإلسالم الفقيه ليس فى مبدأ الوالية ذاته بقدر ما هو فى مدى ونطاق تلـك الواليـة،

اك نوع آخر من االنتقادات يستند بل هن . وهل تشمل الحكم وإقامة الدولة أم ال أيضا إلى أسانيد شرعية وال يرى فى والية الفقيه البديل اإلسـالمى الوحيـد

ولعل من أهم المشاكل التى أثارها طرح اإلمام الخمينى جـاءت فـى . للحكم

- ٢٢٦ -

مرحلة التنفيذ المؤسسى لها، فوضع مفاهيم مثل السـيادة واإلمامـة موضـع ويجـب . رية وهيكلية فى مرحلة ما بعـد الثـورة التنفيذ خلق إشكاليات دستو

االنتباه إلى أن أى معارضة قوية وفعالة لفكرة والية الفقيه سـتكون بمثابـة طعنة فى األساس الشرعى لكل البناء الذى قام بعد الثورة، حيث تعـد هـذه

ولكن بغض النظر عن االنتقـادات الموجهـة )١٣٢(.النظرية قاعدته األساسية خمينى، فما يزال أكثر الرؤى اإلسالمية تأثيرا من حيث التطبيق لفكر اإلمام ال

على أرض الواقع، فلقد قامت عليه جمهورية إسالمية وفى دولـة إسـالمية محورية، األمر الذى يمثل أقصى حاالت الترابط ما بين فكر إسالمى معاصر

.وتغيير سياسى بل وشامل واقعاإلمام الخمينى مـن االسـتحواذ " يةالتقليد"لقد مكنت األيديولوجية الشيعية

على السلطة؛ لما تحتويه من عناصر يمكن إعادة العمل بها لشرعنة الثـورة كما ساعد التـراث ١٣٣.والجمهورية وقيام زعيم فقهى على القمة بحكم البالد

الثقافى للشعب اإليرانى على تهيئه األرضية لفكره، حيث تضـرب التجربـة أو ربط الحكم السياسى بالعقيدة الدينية فـي القـدم، اإليرانية في الحكم الدينى

وتتحرك عبر العصور مرورا بظهور زردشت وحتى تولى آيـة اهللا اإلمـام فباسـتعراض األسـس . الخمينى زمام الحكم في أواخـر القـرن العشـرين

الحضارية للشعب اإليرانى وطبيعة شخصيته التاريخية يمكـن إدراك مـدى ى في وجدان الشعب اإليرانى وفكـره وحضـارته، أصالة نظرية الحكم الدين

فمبدأ التفويض اإللهى للحاكم منذ القدم هو أحد عناصر الشخصية اإليرانيـة؛ حيث اعتاد اإليرانيون أن يعتبروا ملوكهم مفوضين من قبـل اهللا بـل يتخـذ

وهكذا تبلورت فكرة الحكم الدينى . الحكام أنفسهم أسلوبا ينطلق من هذا المبدأ رسوخها على رسوخ عدد من العقائد والعادات والتقاليد والسلوك الذى وساعد

وعندما بدأ الحديث بشكل مفتـوح ١٣٤.اتخذ أشكاال عدة فى العصر اإلسالمى

- ٢٢٧ -

كانت المالحظة الهامة أن هنـاك قبـوال ١٩٧٨عن الحكومة اإلسالمية فى )١٣٥(ته،عاما بين الطبقات الشعبية لهذا المفهوم بالرغم من عدم وضوح جزئيا

وهو ما يفسر كيف . أى أن الفكرة ذاتها لها بريقها بغض النظر عن التفاصيل استطاعت الجمهورية اإلسالمية بعد ذلك من تكوين قاعدة اجتماعية واسـعة لنظامها منحتها الشرعية والوالء، فلقد نجحت جهود بناء اإلجماع بخلق ثقافة

وى فى نظام ما بعد الثـورة سياسية إسالمية شرعية، وساعد دور الفقهاء الق )١٣٦(.على فعالية استخدام األداة األيديولوجية

تطورت قناعة الفقهاء من مناقشة األفكار الغربيـة إلـى ١٩٧٩وبحلول وجرى هذا التطور فى ظل تعدد فى رؤاهـم . محاولة تطبيق نموذج إسالمى

م وهـى قدم اإلمام الخمينى فكرة جديدة على الشيعة أو اإلسال . وليس توحدها ولقد جاء تطور فكرة واليـة الفقهيـة كـرد فعـل . أن يحكم الفقهاء مباشرة

للظروف الموضوعية المحيطة فى منتصف القرن الماضـى؛ فمـع أواخـر الستينيات ساد االعتقاد بأن حكومة الشاه الفاسد الدمية فى يد الواليات المتحدة

رى فى الفكر الشيعى ومن ثم فالتحول الثو . البد من إحاللها بحكومة إسالمية لم ينشأ بالضرورة بسبب تطور المؤسسة الفقهية الشيعية فى إيران فـى حـد

االقتصادى، وهو المناخ الـذى أكسـب -ذاته، بل استجابة للمحيط االجتماعى فاالختالف الذى أحدث فارقا فـى الحالـة اإليرانيـة . التحول الثورى فعاليته

د الفكر السنى هذه المقولـة قبـل ليست فكرة إنشاء حكومة إسالمية حيث رد مثيله الشيعى، إنما الفارق فى الظرف الموضوعى الـذى أيضـا مـن أهـم مكوناته الهيراركية الفقهية فى إيران التـى بتنظيمهـا المتطـور ومـذهبها وعالقاتها بالبازار ذوى النفوذ أصبحت أداة فعالة فى تحقيق دولـة إسـالمية

)١٣٧(.أكثر من أى قوى أخرى غير إيران

- ٢٢٨ -

استمر الجدل الفقهى، ولكن اتخذ أبعادا أخرى بعد تأسيس الدولة اإلسالمية هامة واتضح فى شكل انقسام بين معسكرين داخل النظام الحاكم نفسه ولـيس

لقد انعكس التنوع الثقافى والثقافات الفرعية التى سادت إيران ما قبل . خارجهراكية واإلسالمية داخل الجماعـة الثورة قرابة القرن ما بين الليبرالية واالشت

اإلسالمية الحاكمة فى إيران عقب الثورة، وانتقل التعدد من خـارج النظـام .السياسى إلى داخله

لعل من أخطر أنواع المعارضة التى واجهها النظام اإليرانى عقب الثورة اإلسالمية هو المعارضة الفقهية التى تعددت فى إطارها انتقادات الفقهاء مـن

تلف التوجهات المحافظة والمعتدلة إلى الفقهاء فى السلطة وعلـى سـبيل مخانتقد آيات اهللا قمى حزب الجمهورية اإلسالمية الحاكم، واتهمه بأنـه : المثال

يدمر اإلسالم باسم اإلسالم، حيث تطبق جميع القوانين اإلسالمية بطرق غير دات أن تظهر عالنية فى ولم يتم السماح لمثل هذه النوعية من االنتقا . إسالمية

بينما )١٣٨(.الصحف؛ فكثرت النداءات والخطابات المفتوحة الموجهة للخمينى وافقت الجماهير على مفهوم والية الفقيه فإن العلمانيين رفضـوها، ولكـنهم . مثلوا تهديدا ضعيفا بالمقارنة بما يمكن أن تثيره معارضة قوية داخل الفقهاء

كبار لم يتفقوا تماما مـع العناصـر المحوريـة إال أنه من بين ست آيات اهللا للحكومة اإلسالمية كما طرحها خومينى بما فيها المرشد الروحى األكبـر إال أن المعارضة الفقهية تركزت حول المخاوف مـن األثـر المفسـد للسـلطة

بذلك لم تخل رؤية اإلمام الخمينى لوالية الفقيه من االنتقـادات ١٣٩.السياسيةصار الثورة اإلسالمية، ومن أهم من عارضها تلقانى التقـدمى حتى عقب انت

وعـارض ١٩٠٦وشريعتمدارى المعتدل، حيث طالب األخير بعودة دستور الحكم المباشر للفقهاء فكان ليس ليبراليا ومعاصرا من وجهة النظر الغربيـة

أواخـر القـرن التاسـع عشـر وبدايـة القـرن " بشيعية"بل تقليديا متمسكا

- ٢٢٩ -

حتى أن آيات اهللا شريعتدمدارى وقمى قد تم إيقافهم لمعارضتهم ١٤٠العشرين؛فى حين ظل كثير من الفقهـاء . التدخل المباشر لرجال الفقه فى شئون الدولة

ولكن لم توجد رؤية فقهية مخالفة وبديلـة )١٤١(.بعيدين عن المغامرة الثورية .وقوية لرؤية اإلمام الخمينى

:ا؟ لماذ.. معارضة إسالمية قوية-ج

فشلت كثير من النظريات الغربية الشهيرة فى تفسير تعقيـدات المجتمـع اإليرانى وحدوث الثورة اإلسالمية وتحوالت ما قبل الثورة خاصة فى مجـال

لقد اهتزت نظريات التحديث بظهور الجمهورية اإلسـالمية . الثقافة السياسية . مؤشـرات التحـديث اإليرانية بالنظر إلى امتالك إيران الشاه لقدر كبير من

كما لم تستطع تفسير صعود الثقافة السياسية اإلسالمية بما تراه من عناصـر أمام الثقافة السياسية العلمانية التـى تتسـم بالتعـدد والرشـادة " عدم رشادة "

وبينما قامت نظرية التبعية بتفسير الطابع المضاد للغرب والبحـث . واإلبداع التفسيرية أمام التحوالت فى فترة مـا بعـد عن االستقاللية تراجعت قدراتها

الثورة ولماذا آلت قيادة الحركة الثورية إلى الفقهاء وليس إلى الطبقة العاملـة أو االنتلجستيا العلمانية؟ وكيف استطاعت حركة إسالمية مسلحة فقـط بقـيم

)١٤٢(.تقليدية عمرها مئات األعوام تتغلب على دولة حديثة وتحـوذ السـلطة؟ حولت المعارضة للنظام إلى اإلسالم فى السبعينيات من القرن بالرغم ولماذا ت

من أن قسوة إصالحات رضا خان وتأثيرها على الفقهاء كانـت أكبـر مـن إصالحات نجله بعد ذلك؟

حتى نهاية القرن التاسع عشر تميز المجتمع اإليرانـى بوحـدة المنظـور قت لـه درجـة واضـحة مـن للحياة وبثقافته التقليدية واإلسالمية، والتى حق

ولكن مع تزايد االحتكاك مع الغرب تغيرت نظرة الشريحة الحاكمة . التماسك

- ٢٣٠ -

من المجتمع للعالم، فبدخول األفكار العلمانية الغربية داخل إيران ومحيطهـا التقليدى شعرت قطاعات أساسية من الطبقات الحاكمة بالغربة عـن الثقافـة

أولية عن الدين وسط هذه القطاعـات، وتـم واحتلت القومية مكانة . التقليديةوانتشـرت . إرجاع التخلف في إيران لمفهوم الدين الممارس في ذلك الوقـت

هذه الرؤية الثقافية الجديدة وسط الطبقة الحاكمة فـي العاصـمة والمثقفـين، وامتدت بعد تولى رضا خان الحكم إلى أعضاء بيروقراطية الحكومة والجيش

وبمرور الوقت وتزايـد . القطاع الحديث من االقتصاد وأصحاب األعمال فى التنوع على الساحة السياسية اإليرانية، ضم القطاع الحديث من المجتمع ليس

ومـع . فقط مؤيدي الحكم البهلوى بل أيضا اليساريين والقوميين والليبـراليين ذلك ظلت غالبية الشعب غير متأثرة بهـذه النقلـة، واسـتمرت فـى تبنـى

١٤٣. القديمةالتوجهاتاتسمت الرؤية التى حازت بشبه اتفاق منذ مطلع القرن بالعلمانية باألساس

ثم حظت التجربة السوفيتية فى األربعينيـات .وتدور حول الدستور والقانون بإعجاب الكثير من كتاب العالم اإلسالمى كنموذج للتنمية، وسيطر القـوميين

وليس قبـل األزمـة التـى .فى ظل مصدق على الخطاب السياسى اإليرانى أن بدأت عمليـة ١٩٥٣عاشها والفشل الذى ذاقه القوميون واالشتراكيون فى

ولقد سـاهمت التحـوالت االجتماعيـة . إعادة تكوين ألفكار إسالمية جديدة والسياسية خالل التحديث ليس فى خلق الخطاب اإلسالمى الجديد، وإنما فـى

ولكن عملية التحـول ذاتهـا . جماهيرتأكيد تحولها السياسى وتوجهها نحو ال )١٤٤(.كانت رد فعل أيديولوجى لخبرة قرن بأكمله

فعندما قام الشاه بتطبيق سريع للتحـديث ولعلمانيـة السياسـات عـادت المعارضة إلى التقليدية والتوجهات الشيعية الدينية، وساعد على ذلـك قبـول

ة السـلطة المطلقـة العلمانيين والقوميين العمل مع الفقهاء تحت هدف مواجه

- ٢٣١ -

ففى ظل غيـاب تنظـيم لهـؤالء . للحكومة بالرغم من تقليدية الرؤى الفقهية ومـن ثـم . المثقفين لم يكن من المتوقع نجاحهم بدون القيادة الفقهية المنظمة

تميز التحالف بين العلمانيين الراديكاليين والمنظرين التقليديين بالهشاشة مثـل الدستورية فى بدايات القرن العشرين بـالرغم ذلك التحالف الذى ساد الثورة

)١٤٥(.من وحدة الهدف األساسى وهو إسقاط الشاهومن ثم يمكن مالحظة التنوع والتعدد علـى مسـتوى وسـائل اإلنتـاج االقتصادية والمؤسسات السياسية، وكذلك على المستوى الثقافى، فكمـا ذكـر

: تعايش ثـالث ثقافـات عبد الكريم سوروش يتسم المجتمع اإليرانى بتواجد و وتـرتبط . األولى الثقافة القومية، والثانية الثقافة الدينية، والثالثة الثقافة الغربية

الديناميكية بين الطبقات االجتماعية المختلفة خاصة الطبقات الحديثة بالتفاعل بين هذه الثقافات حيث ترفض هذه الجماعات السـاعية لتطـوير التحـديث

خرى المضادة بشكل كلى أو جزئى للتحويالت االجتماعية مقاومة الطبقات األ وال يمكن فهم ثورات إيران بمعزل عن الفهم الجيـد لثقافـة )١٤٦(.المفروضة

فبتجاهل مكونـات هـذه الثقافـة زادت درجـة )١٤٧(.إيران الشعبية والدينية .االغتراب الشعبى عن القوى األخرى خاصة التى ال ترتبط بالفقهاء

ريع من خالل أموال النفط على الفجوات الثقافية وفـى شجع التحديث الس ولم يكن فى صالح النظام هذه االزدواجية الثقافية وكان تغريب . توزيع الدخل

الجانب التقليدى اإلسالمى من المجتمع أعمق فساعد على تعبئته للمشاركة فى م على وانتشرت القناعة بأن الشاه يبيع إيران لألجانب مع هجوم النظا . الثورة

اإلسالم والتقاليد من خالل تشجيع مظاهر الثقافة الغربية من أفالم وأسـاليب ومن الغريب ١٤٨.الحياة الغربية وقى بذلك من تغريب هذه القطاعات التقليدية

أنه ليس من المصادفة أن تبزغ الحركات اإلسـالمية الحركيـة ذات خلفيـة ١٤٩.ظات تحول عميقتقليدية فى الفترات التى تعيش فيها المجتمعات لح

- ٢٣٢ -

ونبعت أهمية الثورة البيضاء ليس من برامج اإلصالح الزراعـى التـى تبناها الشاه، ولكن من كونها اإلعالن عن تحول قيادة المعارضة السياسية من

مـن ١٩٦٣ لقد قـوت حركـة )١٥٠(.العلمانية إلى الدينية تحت قيادة خمينى تقليدية فى المجتمع اإليرانى، كما االنقسام القديم بين القوى التحديثية والقوى ال

ولعل )١٥١(.أثبتت مهارات وقدرة األخيرة على تعبئة الجماهير باستخدام الدين التيار المعتدل يمتلك قدرة مماثلة على تعبئة الجماهير بالرغم من كونه لـيس

.تيارا معارضا بل مشارك فى الحكم، ولو أنه الشريك الضعيف مؤسسيا المعارضة اإلسالمية كان البد لها من قيادة قوية وحتى تكتمل عناصر قوة

لقد أصـبح المسـجد الملجـأ الرئيسـى . تمثلت فى شخصية اإلمام الخمينى للمعارضة فى النصف الثانى من السبعينيات، وبدا الخمينى متصـدرا قائمـة

الذى أمضى ثالثين عاما مـن (اهتمامات الشاه بحيث تضاءلت فرصة تلقانى فقـد . فى الظهور كزعيم رئيسى للقوى المعارضة للشـاه ) حياته فى السجن

فضلت جماهير الفقهاء األكثر كالسيكية وتقليدية من الفقهـاء وهـو اإلمـام ربما فى الواقع الشيعى هو األكثر راديكاليـة بفكـرة حكـم ( )١٥٢(.الخمينى

لم يضاه أحد التيارات سواء اليسـارية أو اليمينيـة شـعبية ). الفقهاء مباشرة ى؛ فعدد أتباعه فاق جميع قيادات إيران فى القرن العشرين حتى مصدق خمين

)١٥٣(.الذى استطاع أن يجمع بين العلمانية والشعبيةإن المحيط الثقافى اإليرانى من أكثر األطر الصالحة لظهـور الزعامـات

هناك مقوالت استمرت عبر الحركات السياسية اإليرانية، وهـى . الكاريزميةوالشر، والتى فى إطارها يتم مقارنة الشـاه، -زدواجية الخير التى تعبر عن ا

وتسهل هذه العقلية التى تصـنف العـالم مـن . سواء األب أو ابنه باألمويين حولها إلى هذه الثنائية من األفعال الثورية التى من الصعب عليهـا أن تقبـل

ـ . الحلول التوفيقية الة وفى هذا المناخ تظهر الحاجة إلى زعماء يحملـون رس

- ٢٣٣ -

عكـس الوضـع إذا مـا . وبدونهم قد يلجأ معظم األفراد إلى هجر السياسـة ظهرت الكاريزما سيتحرك أفراد المجتمع لتأييده مثلمـا كـان الوضـع مـع مصدق وخمينى مع االختالف فى درجة نضج اللحظة الثورية ومـا أنتجتـه

ضـل لقد مثـل كالهمـا المنا . حركة كل منهما من آثار على الدولة اإليرانية كما ظهرت أهمية مفهـوم . الكبير ضد الظالمين وخاصة ضد القهر األجنبى

الشهيد فى الذاكرة التاريخية للشيعة خالل لحظات سياسـية قليلـة معظمهـا وال يقتصر استخدام ثنائيـة الخيـر والشـر علـى . مرتبط بالثورة والتمرد

أيضا ثنائيـة وتماثلها . الزعامات الدينية، فلقد استخدمتها بنجاح حركة مصدق كما أن الشـعب )١٥٤(.العدل والظلم التى تجد جذورها فى فقه الشيعة المعتزلة

اإليرانى من أكثر الشعوب التى يسهل إثارتها تجاه قضية ما إما بالعزف على )١٥٥(.أوتار القومية اإليرانية أو بالخلط بين الدين والسياسة

. اإلسالمية وما بعـدها اتضح احتكار خمينى للقيادة والزعامة خالل الثورة فهل الحركات هـى التـى تنـتج : وثار التساؤل لماذا اختاره المجتمع تلقائيا

هناك تأثير متبادل بين االثنـين؛ ولـذا . الزعماء أم أن الزعماء هم محركها؟ يجب أن يمتلك الزعيم عناصر هامة للقوة والتميز، وفى نفس الوقت البد من

لقد كان اإلمام الخمينى فى اتساق كامل مع . توافر سمات معينة فى الحركات لقـد . تفكير ومشاعر الجماهير اإليرانية وحاجاتها، فاستطاع تعبئتهم بنجـاح

حارب ضد القهر، ولكن الجديد الذى أضافه ووسع من المعركة هو استخدامه وساعدته مجموعة من األحداث المتتالية وليدة اللحظـة )١٥٦(.لمعايير إسالمية مع مناسبات دينية ووقائع وسعت من تعبئة الشارع اإليرانـى والتى تزامنت

فى وقت مارست فيه راديكالية صغار الفقهاء والحـركيين مـنهم ضـغوطا وجميعها أمـور . إضافية، خاصة أنهم اضطلعوا بمهمة الخطابة فى المساجد

- ٢٣٤ -

أنجحت الدعاية لفكرة الحكومة اإلسالمية وحدت من شعبية نهـج الموائمـة . ومن ثم تدعم الطابع القيادى للفقهاء خالل الحركة الثورية)١٥٧(.واالعتدال

لقد عبر خطاب اإلمام الخمينى عـن طموحـات الجمـاهير أكثـر مـن الليبراليين والعلمانيين الذين تبنوا رؤى توفيقية، حيث هـاجم أعمـال الشـاه وتبعيته للواليات المتحدة وروابطه مع إسرائيل هجوما صريحا، فلمس وتـرا

بدأ اإلمام الخمينـى فـى ١٩٦٣ومنذ . ا لدى كثير من أفراد المجتمع حساسوساعد على قـوى . كسب أتباع تفوق بكثير أنصار الجبهة الوطنية الليبرالية

تيار اإلمام الخمينى صعوبة سيطرة الشاه على المعارضـة الدينيـة بعـد أن خدم فلم تستطع الحكومة سجن كل واعظ يست . قضى على المعارضة العلمانية

فلقد . اللغة الكودية التى تندد ظلم األمويين وتتحدث عن شهادة اإلمام الحسين استطاعت المعارضة الدينية االلتحام مع الجماهير وتلبية احتياجاتهم الثقافيـة

لعلـه بسـبب التوجـه )١٥٨(.والمساعدة فى مواجهة ظروفهم المادية الصعبة يران، أصبحت الثقافة اإلسالمية الثقافى الغربى لألتوقراطية غير الشعبية فى إ

ففى حين يـتم قهـر . ملجأ لصرخة المعارضة من الجماعات غير الراضية الجماعات السياسية المعارضة ظل الفقهاء من الصعب التعرض لهـم بـأى هجوم قوى فعال، وأصبح الفقهاء الحركيون سياسيا حلفاء خمينى هم األقـوى

ختصـار تحـول اإلسـالم عامـة با )١٥٩(.فى السنوات السابقة على الثـورة والمناسبات الدينية خاصة محاورا هاما لتعبئة الجماهير سياسيا، وتحولت قـم

وارتكب الشاه فـى هـذه الفتـرة خطـأ . الدينية-إلى مركز للسلطة السياسية إستراتيجيا قاتال وهو تجاهله النسبى لهذه الحركة الدينيـة فـى حـين ركـز

)١٦٠(.هجومه على المعارضة العلمانيةلعل أحد أسباب قوة اإلسالميين بزعامة اإلمام الخمينى هو تعـدد مكـامن

فبالنسبة لليسار على سبيل المثال لـم يكـن : ضعف التيارات األخرى البديلة

- ٢٣٥ -

مستعدا لطرح نظرية تتعامل مع المسائل الثورية المعقدة وقهر نظـام الشـاه نقسامه إلى جماعـات االجتماعية باإلضافة إلى ا -ومثالب التنمية االقتصادية

فلقد ركزت رؤية اليسار على نظرية التبعيـة وسياسـات مواجهـة . صغيرة وكانت أزهى )١٦١(.اإلمبريالية على حساب األهداف االجتماعية والديمقراطية

فترات األحزاب الشيوعية فى األربعينيات وأوائل الخمسينيات، حيث امتلكـت سياسـية متماسـكة وتنظـيم فى ذلك الوقت ما افتقده منافسوها من نظريـة

)١٦٢(.وانضباط حزبى

:الحليف اإلستراتيجى للفقهاء.. البازار-ء

إن البازار ليسوا مجرد تجار أو مكانا للتسوق، إنهم عالم اجتماعى وثقافى كامل فى حد ذاته، يحوى عناصر اجتماعية وسياسية وتجارية ودينية، ويسمح

بالتركيز على وجه واحد أو عدة أوجـه هذا التنوع بتكيفها مع أوضاع مختلفة إنهم فى النهاية تعبير عن ظاهرة معقـدة لهـا . بحسب مقتضيات كل مرحلة

)١٦٣(.تركيبها الخاصالمتوقع تحركه عند قيام كافة حركات " التوأم"مثل كل من الفقهاء والبازار ة وتحدثت معظم األدبيات عن فعالية وأهمي . التغيير فى إيران القرن العشرين

هذا التحالف بين الموارد الثقافية المانحة لشرعية المطالبة بالتغيير والقـادرة على تعبئة الجماهير من جانب والموارد االقتصادية الضرورية لدعم جماعة

لقد اشتركت جماعة البازار مع الفقهاء فـى . التغيير وموقفها من جانب آخر بحيث استطاعت االسـتمرار، خاصية هامة جدا، وهى االستقاللية عن الدولة

بالرغم من معاداة الدولة لهم فى كثير من الحيان ومحاولة إحاللهـم بطبقـة ".أكثر معاصرة وحداثة"

- ٢٣٦ -

ولقد أفاد التحالف الفقهى البازارى فى تفسير الطابع المدنى والشبكة التـى تعمل ما بين المدن للثورات اإليرانية خالل حركات التمـرد، فلقـد خلقـت

األسرية والمهنية ما بين البازار والفقهاء كتلة فعالة من األشـخاص الروابط وبـذلك )١٦٤(.لها أهداف واحدة سياسية واقتصادية وسياسـية وأيديولوجيـة

استطاع الفقهاء التفاعل مع البازار من خالل شـبكة اجتماعيـة واقتصـادية بل نجحت فى تعبئة العديد من قطاعات المجتمع فى سرية بدون اختراق من ق

فما زال لتجار البازار دور تجارى مهيمن جعلهم قادرين علـى . أجهزة الشاه )١٦٥(.تجميد شبه كامل لالقتصاد عن طريق استخدام سالح اإلضراب

هناك تاريخ من سوء معاملة النظام لطبقات البازار الحيوية وكيفيـة قيـام األوقـات النظم الملكية اإليرانية بتجاهل مصالح هذه الطبقة برغبتهـا فـى

ضربا موجعا لمصالح العديد مـن ١٨٩٠فلقد مثل احتكار التبغ فى . الحاسمةوقبـل . التجار لهذه السلعة، ولكن يبدو أن النظام لم يول ذلك أدنـى اهتمـام

الثورة الدستورية كان التجار فى حالة غضب قصوى بسبب تكليف البلجيكـى ويكفـى . بازار لصالح األجانب بأمور الجمارك واتباعه سياسة التمييز ضد ال

١٩٠٥اإلشارة إلى أهمية عدم رضاء هذه الجماعة إلى أن تـاريخ ديسـمبر الخاص ببداية تفجير الثورة الدستورية ارتبط باتهام الدولة للتجار بالمبالغـة،

وظهرت الدراسات التى تركز علـى )١٦٦(.واتجه النظام إلى ضربهم وقهرهم البازار واإلصالحات الجمركية المجحفة لهـم األسباب االقتصادية وراء ثورة

وإلى أهميـة دور البـازار فـى الثـورة ١٩٠٥ إلى ١٩٠٠فى الفترة من الدستورية باعتبارها حركة متنوعة الحلفاء، وأنهم هـم مـن سـاند الفقهـاء

)١٦٧(.وكافحوا وكسبوا برلمانا ودستورا على الغرار الغربىين لمكانة صغيرة داخل اقتصاد الدولـة وبالرغم من احتالل التجار التقليدي

البهلوية، فإن تزايد سوء معاملتهم فى السنوات السـابقة للثـورة اإلسـالمية

- ٢٣٧ -

فلقد تركزت حملة الشـاه ضـد . أعطى لمشاركتهم فى الثورة دورا هاما قويا على البازار، خاصة أن نظرة النظـام السـائدة عـنهم أنهـم " االستغالليين"

ثر من الالزم للفقهاء المعارضين للنظام، ويعـدون مركـزا يتصفون بوالء أك وغالبا ما ارتبطت أهداف هذه الجماعة بمواجهة السـيطرة . محتمال للعصيان

والتنافس األجنبى، وارتبط موقف النظام البهلوى من البازار بموقـف معـاد، هـذا أعم وأشمل من الجماعات التقليدية مثل الفقهاء والقبائل؛ حيث آمن حكام

النظام أن المساندة األمريكية وأموال النفط التى تمول قوات األمـن الـداخلى ولكن الحقيقة الواضـحة أن . والخارجى تغنيهم عن طلب دعم هذه الجماعات

هى فى الواقع جماعات منظمة ومقاومة، والسير فى " التقليدية"هذه الجماعات )١٦٨(.مواجهتهم يزيدهم معارضة أكثر من إرضاخهم

الغريب أنه فى ظل التمدن السريع، استمر االقتصاد التقليدى للبازار ومنفأعداد البـازار فـى . فى النمو حتى مع نمو االقتصاد الحديث بشكل أسرع

تزايد عنها فى القرن التاسع عشر؛ وهو ما يعطيهم نسبة ال بأس بهـا وسـط عنى النشـاط وال ي . القائمين بنشاط التجارة بالنظر إلى النمو السكانى الضخم

. االقتصادى للبازار بأنه تقليدى بقدر ما هو مرتبط بقيم تقليدية وأساليب عمل فلقد تواءم البازار على المستوى المحلى والدولى على التجارة فـى منتجـات

)١٦٩(.جديدة

- ٢٣٨ -

:وقضايا جدلية مستمرة.. قرابة قرن من التحديث: ثانيا

نهاية دولـة القاجـار : شهدت إيران خالل رحلتها مع التحديث ثالث دول وتأسيس وسقوط الدولة البهلوية وقيام الجمهورية اإلسالمية؛ دار خاللها جدل واسع النطاق حول قضايا تربتط بشكل أو بآخر بالديمقراطية، ولكن فى إطار

.من الشد والجذب ما بين الرؤى اإلسالمية والعلمانية فمع الدعوة إلى تحديث أثر مشروع الحداثة على موقع الدين فى السياسة،

إيران بدأت تشهد المؤسسة الدينية تحوال ملحوظا من حيث تأثيرها وعالقاتها وكانت من أهم العناصر األساسية للمشروع الغربى لتحديث إيـران . بالسياسة

ولكن فى إطار محاوالت النخبـة ذات التوجـه . هو فصل الدين عن السياسة ية والسياسية ظهرت نخبة جديـدة أخـرى الغربى للفصل بين المؤسسة الدين

جمعت على خالف النخبة السابقة بين الدين والعلم، وهى ال ترى أن الغـرب أحدث تقدمه بفصل الدين عن العلم أو السياسة، بل باالستفادة من الدين والعلم

وبحلول الستينيات عاد الجدل حول ضرورة العودة إلى ). آراء بازرجان (معا ، ولكن من منظور جديد بعيـدا عـن التغريـب أى بتبنـى مشروع التحديث

أفكـار (القائم على التكنولوجيا الحديثة وليس الفكر الغربى " التحديث الحقيقى "وأفرزت هذه التطورات تحالفا بين القوى المؤيـدة للتحـديث ). جالل األحمد

د ثم تال ذلك مرحلـة سـا . ١٩٦٣والقوى الدينية التقليدية تبلورت فى أحداث فيها مفهوم التغريب على التحديث، وكان من تداعياتها بـزوغ قـوى دينيـة

وتـنجح . جديدة تضع خططها من أجل نظام جديد يحل محل النظام البهلوى )١٧٠(.الثورة اإليرانية حاملة فى طياتها أيديولوجية إسالمية جديدة

لقد ظل الجدل محتدما طوال القرن العشرين وحتى هـذه اللحظـة حـول قة بين الدين والسياسة؛ حيث بدأ مع االحتكاك المباشر مع الغرب الـذى العال

أخل بالتوازن السابق بين المجال الدينى والسياسى، ونشأت الدولة البهلوية فى

- ٢٣٩ -

وفى المرحلة األخيـرة مـن . ظل إعالء لقيم العلمانية على الرؤى اإلسالمية ولة إسالمية يهـيمن فيهـا حياتها احتدم الجدل من جديد ليفرز لنا هذه المرة د

وتشهد الجمهورية اإلسالمية حاليا جدال، ولكـن . المنظور اإلسالمى للسياسة من منطلقات إسالمية باألساس فى محاولة لتحديد معـالم واضـحة آلليـات مؤسسية إسالمية تعمل فى إطار من الشرعية الدينية والسياسية، بمعنى آخـر

ديمقراطية كصيغة سياسـية بشـرية، إعمال نموذج سياسى قادر على ربط ال .هناك شبه اتفاق عليها وبين اإلسالم كدين يحترم خصوصية الزمان والمكان

: بداية التحديث ونهاية دولة القاجار-١

قد يكون من المفيد تحليليا إدراج أواخر حكم الشاه ناصر الدين باعتبارهـا رهاصات األولـى المدخل الزمنى القريب للقرن العشرين، وبسبب ظهور اإل

للتغيير، ومحاوالت التمرد، ولرفض كثير مـن قطاعـات المجتمـع الهامـة اإلرهاصـة األولـى ١٨٩٢للسياسات الموالية للغرب، مثلت حركة الدخان

لقرن كامل قادم تموج فيه حركات التغيير كما ظهـرت فـى هـذه الفتـرة التقـدم محاوالت الشاه إلجراء بعض اإلصالحات فى إطار مـن االنبهـار ب

وجاءت الثورة الدستورية لتعلن بوضـوح عـن . الغربى، خاصة التكنولوجى اقتران التقليد بالحداثة فى التطور اإليرانى طوال القرن العشرين، وأنه أصبح من الصعب الفصل بينهما، ومثلت المحطات الثورية المختلفة توليفات مختلفة

.ما بينهماالمية من موجـات تاريخيـة؛ ففـى لم تختلف إيران عما ساد الدول اإلس

أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين ظهر االتجاه اإلصـالحى التحديثى الذى يرى تواؤم اإلسالم مع العلوم الحديثة والديمقراطيـة، وبـدأت : تظهر التجارب الدستورية المختلفة فى العديد من الدول اإلسـالمية، منهـا

- ٢٤٠ -

زايد الحديث عـن العلمانيـة والتغريـب واإليمـان وفى الثالثينيات ت . إيرانويختلف السياق الشيعى فى . بالدستورية وانتشار الحركات المعادية لالستعمار

ومن مظاهر الخصوصية اإليرانية فى )١٧١(.صورة الفقيه المعارض لالستبداد تعاملها مع قضايا التحديث هو أن إحداث تغييرات مواكبة فى النظم السياسية

قتصادية فى إيران فى فترات التحول الرئيسية غالبا ما تأتى من حركـة أو اال جماهيرية يلعب فيها الفقهاء والبازار دورهم، ويستجيب النظام الحـاكم لهـذه الضغوط الشعبية فى حين أن البعد الثورى الجماهيرى فى العالم اإلسـالمى

اخل كل جيـل يكاد يكون غائبا عن لعب دور فى تطبيق المقوالت المنتشرة د إسالمى، وتأتى رغبة الحاكم فى إجهاض أى تحوالت جذرية متوقعة؛ فهـل المجتمع اإليرانى أكثر ديناميكية أو أكثر استجابة للجدل الثقـافى والفكـرى

السائد عن غيره من المجتمعات؟ تركزت اهتمامات السياسة اإليرانية حول التحول المادى لمجتمع متخلـف

وبدأ التحديث بشكل أو بآخر كحل سياسـى، . تاسع عشر منذ منتصف القرن ال كيف يتم تحديث إيران؟ هو المسيطر علـى كافـة : وأصبح التساؤل الرئيسى

الحركة الدستورية لليبراليين والقوميين، الدولة عند رضا : الحركات السياسية خان، االتجاه األوتوقراطى عند محمد رضا والسياسات القومية لفترة مصدق

سياسات المعارضة لحزب تودة تبنت فى هذا اإلطار النمط السـوفيتى حتى ال . القائم على االقتصاد المركزى المخطط كنموذج للتغلب على هـذا التخلـف

وبحلول السبعينيات تحولت االهتمامات السياسية من التخلف إلى االنحطـاط decadence ومن التحديث إلى التطهر الروحى للمجتمـع الفاسـد، ومـن ،

بعاد السياسية للتطور الحكومى إلى استخدام العائد النفطـى وتغييـر قـيم األوبذلك استقطبت السياسة حول توزيع الثورة، وليس السيطرة علـى . المجتمع

- ٢٤١ -

اإلنتاج حول االنحدار الروحى واالستهالكى، ولـيس المشـاركة السياسـية )١٧٢(.وصنع القرار الرشيد

ر القرن التاسع عشـر، تكثـف عندما بدأ احتكاك إيران بالغرب فى أواخ التوتر بين الدينى والعلمانى الذى تميز بهما التاريخ اإليرانى الطويل بسـبب

وقـدمت . التزاوج ما بين المكون الفارسى واإلسالمى داخل الثقافة اإليرانية الثورة الدستورية أساسا جديدا للسلطة، وخالف اإليرانيـون تقليـد السـلطة

انتشرت فـى )١٧٣(.دينى للملك التى اعترف بها الفقهاءالمطلقة ذات األساس ال إيران مع بدايات القرن العشـرين الجمعيـات شـبه السـرية التـى تسـاند اإلصالحات الليبرالية، وكانت تنتشر بها عضـوية الفقهـاء بهـا أو تسـتلهم الخطاب الدينى فى توجهاتها، فكثر استخدام األيديولوجية الشيعية ولعبت كـل

، وبذلك تـالزم )١٧٤(الزعامات القومية واإلسالمية دورا مركزيا من الرموز و الفقه والدين مع الدعوة لإلصالحات الليبرالية بشكل أو بآخر فى هذه الحقبـة

أما خالل خمس عقود وما يزيد من الدولة البهلوية هيمنت العلمانيـة . الهامةم علـى عكس الوضع خالل الثورة اإلسالمية؛ حيث طغى اإلسال . على الدين

)١٧٥(.السياسة وانتقلت السياسة إلى نخبة جديدة تماماالتحـديث، : تأثرت إيران طوال القرن الماضى بعدة تيارات أيديولوجيـة

بدا التيار التحديثى واضحا وسط أفراد النخبة المعرضين : القومية واإلسالمية ويدخل فـى إطـار مـن سـموا . لألفكار الغربية من خالل التعليم أو السفر

لقد عملوا على مواءمـة الـنمط . الجمهوريون أو االشتراكيون -بالليبراليينالغربى للتنظيم العسكرى والعتاد ولإلدارة العامـة والهياكـل المدنيـة مـع

ومن ناحية أخرى تعددت أشكال القومية بحسب الجماعـة . الظروف اإليرانية " القوميين"رب أطلق الغ " رضا خان "ومع صعود . والتعليم والتوجه االجتماعى

على من ينادون بحكومة مركزية قوية، ويدافعون عـن العسـكرية واللغـة

- ٢٤٢ -

بالنسبة لإلسالميين، كانت األمـة . الفارسية وتمجيد ماضى ما قبل اإلسالمى بالرغم من نظرة القومى التحديثى السلبية للفقهـى . كل من اإليرانى والمسلم

ه تقاسم مع اإلسالمى فى هدف باعتباره أحد مصادر الضعف القومى، غير أن كما اختلفـت الليبراليـة )١٧٦(.مشترك، وهو تقوية إيران ضد العالم العدوانى

لدى الديمقراطيين االشتراكيين عن الليبرالية الكالسيكية فى تركيزهـا علـى )١٧٧(.المساواة االجتماعية االقتصادية من أجل حياة كريمة

تدريجى لألفكار مـن الغـرب، مع نهايات القرن التاسع عشر بدأ استيراد وبفعل االحتكاك بذات الغرب تم إحياء الحس القومى الذى عمل على تـدعيم

ونمت القوميـة اإليرانيـة فـى )١٧٨(.االستقالل السياسى واالقتصادى للدولة أواخر القرن التاسع عشر كاستجابة لتزايـد التهديـد األجنبـى لالسـتقاللية

ق القـوى االسـتعمارية غيـر المسـلمة اإليرانية ولإلسالم من خالل اخترا ولمحاولة تقديم حدود دسـتورية رسـمية للحكـم األوتـوقراطى التسـلطى

لقد لعبت القومية دورا هاما خالل القرن العشرين، ولكن لـيس )١٧٩(.للقاجاركمنظومة قيم أيديولوجية متمايزة؛ ألن القومية ليسـت أيديولوجيـة متكاملـة

إدماجها مع نظم أيديولوجية متعـددة، فإنـه بالمعنى الحرفى للكلمة، ويمكن يمكن مالحظة التواجد القومى فى تجمعـات أيديولوجيـة متعـددة ونشـيطة

القومية الليبراليـة التـى مثلتهـا حركـة : تتلخص فى أربع اتجاهات رئيسية مصدق وفكر الجبهة الوطني عامة، والقومية الفارسية التـى تركـز علـى

ما قبل اإلسالم، ثم القومية االشتراكية التـى تعريف إيران من خالل مرحلة عبر عنها خطاب جماعة فدائيان، وأخيرا القومية اإلسالمية التى ظهرت لهـا

فكـر : رؤى فرعية مختلفة داخل التعدد اإلسالمى الفكرى فى إيـران، مثـل اإلمام الخمينى ورافسنجانى وتلقانى، بل وبعض القطاعـات داخـل الجبهـة

)١٨٠(.لمجاهدين وغيرهاالوطنية، وتنظيم ا

- ٢٤٣ -

غالبا ما تقترن عملية بناء مركز سياسى حـديث بمراحـل مـن ظهـور الحركات القومية والمطالبة بتجديد النظام السياسى؛ حيث تنتج عملية تحديث التعليم واالقتصاد نوعا من السلوك االحتجاجى، خاصة فـى وسـط النخـب

الملكيـة المركزيـة والقـوى التقليدية والبازار الذين يوجهون نقدهم للسلطة وفى هذا اإلطار تكتسب الثورة الدستورية فى مطلع القرن داللـة . الخارجية

االقتصـادى -هامة؛ ألنها بلورت تعبئة الفقهاء والبازار ضد النفوذ السياسى للغرب وضد السلطة المطلقة للسلطة الشاهنشاهية، وظهرت الدعوة لتأسـيس

نى من النفوذ للفقهاء والبازار، فكـان ذلـك مؤسسات تمثيلية تضمن الحد األد وتشـير بعـض )١٨١(.بمثابة الظهور األول لجدل يحمل طابعا قوميا تحديثيا

الكتابات إلى أهمية الدور الذى لعبه الديمقراطيون االشتراكيون خاصـة بعـد كسب المعركة األولية فى تأسيس البرلمان وصياغة الدستور، ففى الفترة من

أظهرت التنظيمات الديمقراطيـة االشـتراكية بمسـاعدة ١٩١١ إلى ١٩٠٦المفكرين األرمن واآلزاريين تأثيرا على الحركة الدستورية ساهم فى تصاعد

ومن هنا من األهمية بمكـان االنتبـاه إلـى بدايـة دخـول )١٨٢(.راديكاليتهاأراد الديمقراطيون الذين سـموا . أيديولوجية أخرى فى سياق العمل السياسى

ناح الراديكالى داخل حركة الدستور أن يسـرعوا مـن تنميـة إيـران بالجوتحويلها من النظام اإلقطاعى إلى دولة جديدة رأسمالية وأكثر تقدما، ولكـن دعا حزب الديمقراط ألن تقوم هذه الدولة أيضا بعدة برامج إصالح اجتماعى

تمـاعى فيرى أن التنميـة االقتصـادية واإلصـالح االج . للعمال والفالحين . الوسيلتان اللذان يفسحا الطريق للنظام االشتراكى فـى المسـتقبل المنظـور

أن يؤسس النظام االقتصادى الجيد فى إيران على ثالثـة - وفقا لهم -فيجبفالبالد فى حاجة إلـى ". المركزية، والبرلمانية، والديمقراطية : "مبادئ أساسية

ـ ن إيـران مـن مواجهـة حكومة مركزية قوية تبادر ببرنامج للتصنيع يمك

- ٢٤٤ -

كمـا سـاد الرؤيـة . التحديات التى يفرضها االختراق االقتصادى األجنبـى العلمانية الداعية للفصل بين الدين والسياسة برنامج هذا الحزب، ولكن ظـل هذا البرنامج حبرا على الورق بالرغم من تكوينه لحكومة ائتالفية مع زعماء

ب اقتصادية باألساس خاصة بالضرائب ، ولكن ألسبا ١٩١٠قبائل باختيار فى وفـى النهايـة . ساد نوع من التذمر العام تجاه المجلس الثانى والديمقراطيين

الـديمقراطيون وباختيـاريون مـن : سادت االغتياالت المتبادلة بين الطرفين ناحية، والمعتدلون من ناحية الذين رأوا فى سلوك زعيم حـزب الـديمقراط

وأعلن هذا الخالف عن بداية . سالمية وقوانين الشرع مضادا لسمات األمة اإل وحلت الحكومة المجلس . نهاية الحركة الدستورية التي حظت بدعم جماهيرى

)١٨٣(. معلنة انتهاء الفترة الدستورية األولى١٩١١فى ديسمبر تعبئـة ١٩٠٦كانت الحركة الدستورية من الضعف بحيث لم تحمل ثورة

قهاء سريعا إلى محاولـة التأكيـد علـى أولويـة اتجه الف : مستديمة ألطرافها الشريعة على نظام دستورى يتواءم مع النموذج الغربى، عادت الجماهير إلى المفهوم السلبى للقومية، وبالمثل خبت مساهمات السلطة السياسـية التـى ال ترى فى المؤسسات التمثيلية إال جانبا ثانويـا قليـل الفائـدة مـن التحـديث

ما هى إال رمز فـى التـاريخ ١٩٠٦ذا اعتبر البعض أن ثورة ول. السياسى إال أنه على مستوى ما قدمته من أفكـار ومـا أنتجتـه مـن )١٨٤(.الفارسى

ال يمكن قصـر - حتى لو تم تعطيل الكثير من وظائفها -مؤسسات تشريعية تأثيرها على المستوى الرمزى، بدليل أن المطالبة بعودة هذا الدستور ظلـت

األساسية لفقهاء فى الستينيات والسبعينيات بحيث جاءت رؤيـة من المطالب اإلمام الخمينى الخاصة للدستور وكونه مشتقا من الشـريعة، وأن البرلمـان تنحصر مهمته فى التأكد من تطبيق هذه القوانين التى يفسرها الفقهاء، معبـرة

، ١٩٧٩ مطبقا رسميا حتى ١٩٠٦ ولقد ظل دستور )١٨٥(.عن أقلية فى البداية

- ٢٤٥ -

فى حين اقتصرت الدعاوى )١٨٦(.وتأسس على دستور بلجيكا فى معظم مواده قبل الستينيات والسبعينيات على أحقية المجتهدين فى إسداء النصح للملـوك،

١٩٩١ إلـى ١٨٩١وهى التى ساعدت على تدعيم الحركات المعارضة من ـ )١٨٧(. وفى الخمسينيات ١٩٢٤وفى ذانا كما أن الثورة الدستورية كانـت إي

وقـدمت نمطـا جماهيريـا )١٨٨(.بميالد حركات جماهير المـدن المسيسـة )(grassroots جديدا، ليس فقط بين الطبقة الوسـطى، بـل بـين العمـال

والفالحين وبعض دوائر المرأة فى المدن، وأثرت أفكارا جديدة للديمقراطيـة ، باإلضافة االشتراكية من خالل الجمعيات السرية ومجالس االنتخاب المحلية

)١٨٩(.إلى مسار عمل مؤسسات سياسية جديدة مثل المجلس بتقسـيم ١٩٠٧فعند قيـام اتفـاق . ولكن كانت الفترة الدستورية قصيرة

مناطق النفوذ بين روسيا وبريطانيا قام الشاه بإغالق مجلس الشورى الوطنى وبالرغم من فتحه من حديد فـى أواخـر . ١٩٠٨بدعم من روسيا فى يوليو

وعندما زحف ثوار جيالن بمساعدة قبائل )١٩٠(.١٩١١ فإنه ألغى فى ١٩٠٨ أعادوا تأسيس الحكومة الدسـتورية، وتـم ١٩١٩باختيار إلى العاصمة فى

طرد الشاه محمد على من البالد، وحل محله ابنه األمير أحمد،، وتم تكـوين يـر وبهذا ما زال التطور الديمقراطى مرتبطا بحركة تغي )١٩١(.المجلس الثانى

آتية من خارج النظام، وتصحبها درجة من درجات العنف، فما زال التطبيق . الديمقراطى فى بدياته غير متمتع بالنضج

: الدولة البهلوية والتحديث-٢

ظهرت الدولة البهلوية فى مناخ يسوده الفوضى الواضـحة علـى كافـة تل هدف بنـاء األصعدة السياسية واالقتصادية والعسكرية والفكرية أيضا، فاح

دولة قومية مركزية قوية قمة سلم األولويات لدى مؤسس هذه الدولة، وتـاله

- ٢٤٦ -

ابنه، وتبنى مشروع الغرب للتحديث، إال أنه ركز على األبعـاد االقتصـادية والثقافية، متغافال عن توفير ليبرالية سياسية حقة؛ حتى تكتمل بالفعل حلقـات

الذى أحدث خلال هيكليا خلق مناخا المشروع التحديثى، وهو الخطأ التاريخى .مواتيا ومثيرا باستمرار لحركات التغيير؛ سواء اإلصالحية، أو الثورية

: قيام دولة مركزية قوية-أ

باإلضافة إلى هذا التعدد األيديولوجى الذى ماجت به إيـران فـى الربـع مـات : األول من القرن العشرين، ظهرت فوضى واضحة على أرض الواقع

. الكـوليرا : رب من ربع السكان بسبب المجاعات واألمـراض، مثـل ما يق وبانهيار روسيا والعثمانيين وألمانيا احتلت القوى البريطانية معظم األراضـى

: ولم تنصاع القبائـل، مثـل . اإليرانية، وساندت الشاه والحكومة والعسكريين تبريز، ومشهد، وغيرها ألوامر طهران، وربما تجاهـل ربـع آخـر مـن

فنحن إذا أمـام أزمـة قوميـة، ومـن )١٩٢(.إليرانيين وجود سلطة مركزية ا .الطبيعى توقع تغيير يتبعها، وقد جاء على يد الشاه رضا

لقد حظى رضا خان بدعم كل من الفقهاء والليبراليين القوميين فى البدايـة بهدف تقوية الدولة المركزية لمقاومة النفوذ األجنبى، وبهدف استخدام قوتـه

تحقيق برنامج اإلصالح الدستورى الذى بدا أن الهيمنة سـتكون لصـالح فى فمـن الواضـح أن . الفقهاء ومالك األراضى المحافظين علـى االنتخابـات

جماعات متباينة قد منحته مساندتها من أجل أسباب خاصة بها، متغافلة عـن )١٩٣(.بعض مؤشرات استبداده المستقبلى

لحداثة السياسية فى إيران برغبات قمـة وعلى الجانب اآلخر ارتبط بناء ا الستعادة قوته السياسـية أمـام الهـزائم الداخليـة - الشاه -السلطة السياسية

والخارجية؛ فالمبادرة تأتى من أعلى بهدف بناء مركز يسيطر علـى الواقـع

- ٢٤٧ -

االجتماعى المفتت؛ وهو ما ال يعنى التخلى عـن الـنمط الـدينى -السياسىالمفترض أن يحتل الشاه مكانة الخلفاء، ولكـن مـع للشرعية؛ حيث كان من

خلط أنماط جديدة من الشرعية تتواكب مع الطبقة االقتصادية الجديدة المتوقع وغالبا ما يمثل الجيش أولـى مجـاالت . بزوغها فى ظل محاوالت التحديث

اإلصالح، ويتواكب معه تقوية للبيروقراطية، وإعادة تشكيل للعمل التشـريعى فكان أن بدأ ببناء جيش إيرانى علمانى يمثل مركـز )١٩٤(. القواعد أو إصدار

ومثلـت هـذه . مستقل لسيطرة عرشه العسكرية على باقى قطاعات المجتمع القوة العسكرية سنده فى عملية علمنة المحاكم والمدارس وإنشـاء جامعـات

مع مالحظة أن الشاه رضا مثله مثل من سبقه؛ ما زال ال )١٩٥(.علمانية جديدة ففى الوقت الذى اسـتاء مـن . يميز بين الدولة وشخصه وبين عائلته واألمة

التدخل األجنبى المتزايد فى شئون إيران فإنه رفض بشدة أى معارضة فردية أو جماعية للسلطة المركزية، الذي رأى كعسكرى أن أى فوضى تقود إلـى

القـدرة األولى : ضعف قومى، وأدرك أن القوة المركزية تقوم على دعامتين على إحداث توازن ما بين القوى المتنافسة والمستقلة، والثانية رغبة الحكومة

لقـد أدخـل . فى العمل بحسم إلزاحة المناوئين، خاصة فى أوقات األزمـات فقهاء، وعلمانيين، وليبراليين، ومحافظين للتواؤم مع قضـيته التـى : الجميع

ة مثله مثـل مـن سـبقه وحاول استخدام القوى الخارجي . رآها قضية إيران وعمل على تدعيم القوة المؤسسية للحكومة المركزية، خاصـة . لتدعيم قوته

فى الشئون العسكرية والمالية لزيادة القوة القوميـة والتقليـل مـن التبعيـة لقد استخدم حلفاؤه لبنـاء دولـة . الحكومية على القطاعات المحلية واألجنبية

)١٩٦(. استبدادية عسكريةقوية، وهى وفق رؤيته وخلفيته دولةوبالفعل، مثلت الدولة البهلوية بداية تحديث إيران؛ فخـالل الفتـرة مـن

تعرضت إيران لتحوالت ضخمة فى الهياكل االقتصادية، ١٩٧٧ إلى ١٩٢٧

- ٢٤٨ -

والدخل النفطى، وتركزت عملية تصنيع إيران وإنشاء كـل بنيتهـا التحتيـة ئى للقبائـل القويـة وتحـديث الحديثة والتعليم ونزع سالح واالستقرار الجز

القوانين بما فيها قوانين األحوال الشخصية واألسرية ذات الحساسية الخاصـة واإلصالح الزراعى والنمو السكانى السريع والتمدن المكثف والتوسـع فـى المدن وإضعاف قوة الفقهاء والبازار وبناء جيش حديث من الصـفر وهيكـل

)١٩٧ (.ت برغبة ملكيةوجميعها إصالحات تم. حكومى للدولةتأثر مؤسس الدولة البهلوية الشاه محمد رضا خان بتجربة كمال أتاتورك؛ حيث تزامنت التجربتان فى مطلع العقد الثانى من القـرن العشـرين، إال أن الواقع اإليرانى اختلفت درجة تقبله لمعالم التجربة التحديثيـة التـى قوامهـا

ما لعبه الفقهاء من دور حاسم فى الحـد التغريب والعلمانية، خاصة فى إطار بل إن معارضـة الفقهـاء . من انتشار أفكار التغريب داخل المجتمع اإليرانى ؛ خوفـا مـن علمانيـة ١٩٢٤إلعالن رضا خان تأسيس نظام جمهورى فى

توجهها كانت السبب الرئيسى وراء تراجعه وإعالن نفسه الشـاه األول فـى شرعيته وراء الحـد مـن نجـاح تجربتـه كما كان ضعف . الدولة البهلوية

)١٩٨(.التحديثية فى تغريب المجتمع اإليرانىتـم : فتح الشاه رضا الباب على مصراعيه أمام اإلسراع بعملية التحـديث

تشجيع النمط الغربى من التعليم، وتشريع قواعد ليست مؤسسة على الشريعة، وفـى . الرفاهيـة وإنشاء محاكم جديدة لتطبيقها، وتم علمنة جمعية خـدمات

الوقت الذى تعمل هذه اإلصالحات على إضعاف سيطرة الفقهاء تقـوى مـن . وبمرور الوقت تحول الفقهاء إلى مناوئين للنظـام البهلـوى . سيطرة الدولة

ورأى الشاه رضا أن عملية تدمير المؤسسة الدينية والعمل على خلـق دولـة . بتجربة كمـال أتـاتورك علمانية إنما يسهل من عملية التحديث، وهو التأثر

ولمواكبه هذه الرغبة تم اإلعالء من تاريخ إيران ما قبل اإلسـالم وتمجيـده؛

- ٢٤٩ -

وهو األمر الذى اتبعه أيضا ابنه، ولكن بشكل أوضح، وهو ما اعتبره كثيـر لقد تغير مناخ التحديث . من المسلمين والمؤسسة الفقهية هجوما على اإلسالم

ينيات بحيث ساد االعتقاد أن جذور المشاكل تكمـن العام فى الستينيات والسبع فى التغريب والتحديث، أو على األقل بعض مظاهرهما بحيـث بـدأ النـاس

)١٩٩(.westoxicationالحديث عن مرض التغريب لقد حقق الشاه رضا الكثير إليران، ولكنه افتقـد التواصـل مـع األبعـاد

شعب اإليرانى فى العدالـة؛ الشيعية فى الثقافة اإليرانية، وأجهض توقعات ال ولقد كرر ابنه نفس األخطاء فخلف االغتراب . فلقد عاش فى تصوره للقومية

الثقافى والحكم المطلق، بل أضاف إليه فشال أوضح فى حمايـة األمـة مـن )٢٠٠(.األجانب

ولعل تصاعد ظاهرة التمدن مسألة من المهم اإلشارة إليها، ليس باعتبارها ث، ولكن ألن الثورات الرئيسية فى إيران ثورات مدنيـة أحد أهم نتائج التحدي

فلقد تميزت الثورات فى إيران بتورط ليس مدينة واحدة أو اثنتين، . باألساسبل تقريبا عدة مدن رئيسية أعطى للحركة الثورية فى إيـران طابعـا قويـا

ويرجع ذلك باألساس إلى طبيعة الدولة البهلوية التى علـى عكـس . متكررالقاجار التقليدية، كانت دولة مركزية ذات تحديث سريع؛ فلقد شـجعت دولة ا

الدولة الصناعات الحديثة واالتصاالت؛ وهو ما سـاعد علـى نمـو المـدن وعندما قامت . اإليرانية نموا كبيرا بسبب تزايد الهجرة من الريف إلى المدن

ثلهـا بعد عدة عقود من التحديث المكثف كانت م ١٩٧٩الثورة اإلسالمية فى مثل الحركات التغييرية السابقة تعتمد على التحـالف الواسـع بـين الفقهـاء والبازار والمثقفين، وتلعب المدن الرئيسية دورا محوريا بالرغم مـن دخـول

فلقـد اسـتخدمت الحركـات )٢٠١(.طبقات وأفكار جديدة إلى الجماعة الثورية ظيم بـالرغم مـن تنـامى المدنية اإليرانية الوسائل التقليدية فى التحالف والتن

- ٢٥٠ -

. الطرق الحديثة لالقتصاد والتنظيم فى إيران، فهناك العامل الثقافى الموحـد )٢٠٢(.وظهر االقتصاد المزدوج بتعايش طرق إنتاج مختلفة

لقد خلق التحديث االزدواجية فى كل من المجتمع واالقتصاد، فى إطارهـا لغة مختلفة عـن -ت واألكثر ثراء فى نفس الوق -تتحدث الطبقات المستغربة

. الطبقات التقليدية والشعبية، ولها أسلوب حياة مختلف وقيم ثقافيـة مغـايرة ونتج قدر من التوتر المجتمعى يمكن اعتباره أحد روافد اإلحياء اإلسالمى فى

لقد قدمت إيران نموذجـا مثاليـا لقصـور نظريـة . الستينيات والسبعينيات أخـرى للخلـف، وكـان لمعظـم التحديث؛ حيث صاحبت كل خطوة لألمام

البرامج االقتصادية واالجتماعية والثقافية أبعادا سلبية؛ حتى أرجع الكثير من )٢٠٣(.المحللين سقوط الشاه إلى هذا النمط من التحديث الذى اتبعه

: ليبرالية سياسية شكلية-ب

ومن أهم األدوار التى كان . لقد تميزت سلطة الملكية فى إيران باالستبداد ى الملكية االضطالع بها هى لعب دور المحكم والموازن بين كثيـر مـن عل

زعماء القبائل، والفقهاء، والطوائف المهنية المختلفة؛ وهـو : الجماعات، مثل ما يجعل لسلطته المطلقة بعض الحدود، ولكنها فى النهاية سلطة غير محاسبة

ـ ط تعمـل علـى إال أمام اهللا؛ حيث ال يوجد هيكل دستورى لمحاسبته، بل فق حتى إن البعض أشار إلى نجاح اإلمـام )٢٠٤(مراعاة توازنات القوة الموجودة،

الخمينى بتفوق فى لعب الدور الموازن لكافة القوى المتصارعة فـى العقـد األول من الثورة مع استمرار تمتعه بسلطات عظمى كأحد مؤشرات استمرار

.الطابع االستبدادى للدولة اإليرانية فترات قصيرة من الليبراليـة السياسـية النسـبية، ولكنهـا شهدت إيران

ارتبطت أساسا بإرادة الحاكم المنفردة أو موافقته على مطالب جماعة التغيير؛

- ٢٥١ -

وهو ما يوضح محورية دور الشاه فى النظام السياسـى اإليرانـى وتـأثيره .الضخم على توجهات النظام

لشاه رضا مع سابقيه من حكام إيران فى رغبة جعل نفسه وأسرته تشابه ا الحاكمة الرمز األكبر لألمة؛ فخالل عشرين عاما نجح فـى حفـظ النظـام والدفاع عن األمة، ولكن خالل هذه السنوات عاش اإليرانيين مثلما عاشوا فى

حيث )٢٠٥(.عهود الملكيات السابقة فى ظل الفساد وعدم العدالة واألوتوقراطية استمرت األهمية ألولويات الحاكم وليس المحكـوم، واسـتمرت شخصـانية السلطة طوال القران، إال أنه بعد الثورة اتخذت أبعادا أخرى، وأصبح اإلسالم

.هو الرمزانخفضت شعبية رضا خان وسط األنتلجستيا اإليرانيـة بسـبب اسـتبداد

الدستورية الساعية إلى حكمه؛ حيث أحبط جهود البرلمان اإليرانى بعد الثورة تأسيس قاعدة قانونية رشيدة للسلطة فى إيران، كما أدى استبداد حكمـه إلـى

وبتحديث الدولة . تغريب عدة قطاعات من البرجوازية حتى تلك التى ناصرته اصطناعيا يتأسس حكم شخصى ينبثق الوالء فيه من خلـيط مـن الخـوف

بين الشاه رضا والقوى األجنبيـة وساهم االرتباط الوثيق . والمكافأة لمعاونيه فى إحداث أزمة فى سيادة الدولة اإليرانية قلصـت مـن شـرعيته، وذلـك باإلضافة إلى التأثير السلبى للسياسات المعادية للفقهاء التى أثارت الحساسـية

فلقد سيطر على البرلمـان والجـيش )٢٠٦(.لدى أغلبية القطاعات الجماهيرية وفـى محاولتـه . نه لم يسطتع أن يدمر الفقهـاء وجميع مؤسسات القوة، إال أ

لتحييد قوى روسيا وبريطانيا فى إيران بالتحالف مع ألمانيـا كانـت نهايتـه؛ حيث أصبح خط السكة الحديد الذى أنشأه خط الحياة لروسيا وإمدادات الحلفاء

) ٢٢(لها فى الحرب؛ فقام البريطانيون والروس بتولية ابنه البالغ من العمـر )٢٠٧(.المعروف بنزواته وأعلم بسهولة استبداله إن رفض ما يملى عليـه عاما

- ٢٥٢ -

فمن الغريب أن سقوط الشاه رضا جاء بفعل متغير خارجى بالرغم من تعـدد .سلبيات ممارساته الداخلية

. اقترنت حركة مصدق بمفاهيم القومية الممزوجة بالليبرالية والديمقراطية صدق من داخل البرلمان اإليرانى ظهرت كاريزما م ١٩٥٣ و ١٩٥١فيما بين

لتقود إيران فى حركة تغيير جديدة ضد محاوالت اإلخضاع القـومى وضـد ولكن عند تأزم األمور لجأ مصدق إلى سـالح قـانون )٢٠٨(.الملكية المطلقة

الطوارئ وحاول اتخاذ إجراءات تسلطية لمواجهة خصومه، ولكنه لـم يكـن مزجـا دائمـا مـا بـين الديمقراطيـة إذا هناك )٢٠٩(.يمتلك أدواتها القهرية

.والتسلطية حتى فى ظل أكثر الحركات الداعية للديمقراطيةأشارت بعض التحليالت إلى األثر اإليجابى لفترة الليبرالية النسـبية التـى

بعودة حكم أكثر دسـتورية، ١٩٥٣ إلى ١٩٤١عاشتها إيران فى الفترة من قومية ناجحة فى دولة مستقلة فى فلقد أنتجت هذه التجربة صعود أول حركة

وبعد سقوط مصـدق . الجنوب بأكمله بتأميم شركة النفط البريطانية الضخمة عاد الحكم الملكى أكثر أوتوقراطيـة فـى ظـل الشـاه محمـد ١٩٥٣فى ترى بعض التحليالت تجذر الحكم الملكى فى الثقافـة اإليرانيـة، )٢١٠(.رضا

المتحدة عودة واستمرار الشاه محمـد ودللوا على ذلك بسهولة تأمين الواليات رضا بحيث اعتاد الشعب اإليرانى على الحكم الملكـى؛ سـواء المطلـق أو

لقـد عـارض . - حتى هذه اللحظـة -)٢١١(الدستورى، ولم يتخيلوا بديال آخر الشاه محمد رضا وأسقط رؤساء الوزراء األقوياء، واعتمد فى حكمـه علـى

تقوية الجيش باعتباره قاعدة القوة الرئيسـية االستغالل أكثر من القيادة، وقام ب لحكمه، وعمل على والء كل فرع بذاته له شخصيا؛ تخوفا من توحده ضـده،

)٢١٢(.كما اعتمد بشكل متزايد على نصائح السفراء األمريكى والبريطانى

- ٢٥٣ -

تعددت األسباب لعدم اكتمال التجربة الديمقراطية ومؤسستها بشكل كامـل النفوذ األجنبى كأحد العوامل، ولكن هناك أيضا سمات يدخل : فى األربعينيات

مؤسسية وقانونية وعملياتية خاصة بفروع الحكومة المختلفة منعـت تطبيـق ديمقراطية حقة، وذلك بالرغم من التوسع فى بعض أبعاد التطور الديمقراطى

وتأسست عدة أحزاب من مختلف االتجاهات من . مثل حرية التعبير والتجمع مين إلى أقصى اليسار؛ وهو ما خلق مناخا واعيا بأمراض المجتمع أقصى الي

اتسم النظـام الحزبـى ١٩٧٥ حتى )٢١٣(.الرئيسى والطرق المختلفة لعالجها حزب إيران الجديدة كحزب الحكومـة، : اإليرانى رسميا بكونه نظام الحزبين )٢١٤(.وحزب الشعب كحزب المعارضة

١٩٧٩ و ١٩٦٣لليبراليـة فـى اختلفت النتائج الخاصة بكل من تجربتى ا بسبب اختالف الديناميكيات الداخلية لعملية التغيير داخل النظام فى كل فتـرة

-١٩٦٠على حدة؛ ففى ظل عجز المؤسسات ظهرت أهمية األشخاص فـى تمتع الشاه بسلطة شخصية واسعة لعدد من السنوات، وكان فى مجده، ١٩٦٣

قادر على التصرف بحسم كان شخصا مريضا غير ١٩٧٧ولكن بحلول عام وفى بداية الستينيات لم يكن فى مواجهة الشاه منافس قوى يسـتطيع . واتساق

ولم . جمع قوى المعارضة مثل شخصية اإلمام الخمينى فى أواخر السبعينيات تمتلك القوى العلمانية مثل هذه القيادة؛ وهو ما يفسر اندثارها عقـب نجـاح

ن الذى عاصر التجربتين كـان سياسـيا، فى حين أن بازرجا . الثورة سريعا يسعى إلقناع اآلخرين فكريا أكثر من أن يكون زعيما بحق، خاصة أنه فـى : كال المرحلتين عمل فى ظل القيادتين الكاريزميتن إليران فى القرن العشرين

كما يجب مالحظة أن درجة استبداد نظـام الشـاه . مصدق واإلمام الخمينى لة ما قبل الثورة اإلسالمية عن بداية الستينيات التى كانت أكبر بكثير فى مرح

سمحت تجربة أمينى بها بوجود شبه المعارضة على الرغم من قصـر هـذه

- ٢٥٤ -

بعكس ما حدث لهويدا رئيس الوزراء للشاه ألكثر من اثنى عشر عاما . الفترة كمـا ظهـر عنصـر )٢١٥(.الذى أمر الشاه بسرعة محاكمته لتهدئة الجماهير

يختص بالعدد فاألعداد التى يمكن لمعارضة الشاه تعبئتها فى اختالف رئيسى الستينيات لم تتعدى اآلالف فى حين وصلت المظاهرات إلى الماليـين فـى

خاصة وأن األزمة االقتصادية الناجمة بعد خمس عشر عام من النمو ١٩٧٨كما أن حساسية الجماهير أكثر بكثيـر فيمـا . االقتصادى كانت قد استفحلت

لتعبئة الدينية عن تلك التعبئة التى تنادى بانتخابات حـرة وبتقلـيص يخص ا فمن الواضح أن الجماهير المعارضة كانت أكثر تنظيما وتعبئة . سلطات الشاه

عن بداية الستينيات، وفى الوقت الذى عملت فيه قيادات الحركـة ١٩٧٨فى رع مع الشـاه القومية فى التجربة الليبرالية األولى على تجنب مواجهات الشا

كانت هذه المواجهات األداة الرئيسية للفقهاء تحت زعامة خمينى وفى غايـة لقد تميز تطور ما بعد الحرب العالمية الثانية بمزيد من تماسـك )٢١٦(.التنظيم

الرأسمالية مع تركيز لسلطات الشاه وكذلك ظهـور حركـة شـعبية تهـاجم ذا من الغريب أن إيران مثلهـا إ)٢١٧(.عالقات الشاه الوثيقة مع القوى األجنبية

مثل كثير من دول العالم اإلسالمى بل والنامى خبرت ليبرالية اقتصادية بدون .ليبرالية سياسية

فلقد . اتسمت المؤسسة البرلمانية بضعف عام حتى قبل قيام الدولة البهلوية فالشاه يعين نصف أعضـاءه : اشتملت سلطات وتشكيل البرلمان بعدة نواقص

وجميع القوانين ما عدا الخاصة بالمالية يجب أن تحظى بموافقـة ) ٤٥ة الماد( كمـا قامـت الحكومـة )٢١٨().٤٣ و ١٧المـادة (المجلس وتصديق الشـاه

األوتوقراطية والتدخل األجنبى بمحو أى قيمة حقيقية للبرلمان اإليرانى منـذ ـ ١٩٠٥إنشائه عام ى أى خالل الثورة الدستورية ولم يقم بالدور المكلف به ف

وبالرغم من ذلك تخطى المجلس النيابى سـقوط الحركـة . وقت من األوقات

- ٢٥٥ -

من أطراف العمليـة -ولو ضعيف– واستمرت كطرف ١٩١١الدستورية فى )٢١٩(.الديمقراطية البرلمانية فى الدولة القاجارية

وكان من نتائج وصول بهلوى للحكم تهميش واضح للمؤسسة الدستورية، شريعية األولى كانت تلعب أدوارا هامة نسبيا، ثم قلت فى حين أن المجالس الت

اجتماعات المجالس الالحقة تدريجيا مع تزايد سيطرة رضا خان على الشـاه قبل أن يسقط الدولة القاجارية ويعين نفسه شاه إليران فـى ١٩٢١أحمد فى ومنذ ذلك التاريخ تحولت المجالس التشريعية إلـى أدوات لسـلطته . ١٩٢٥

يختار بنفسـه النـواب ويمنـع مـن ناحيـة أخـرى األحـزاب حيث كان )٢٢٠(.السياسية

ولكن من المالحظ أن اإلرهاصات األولى لحركة مصدق بدأت من ساحة البرلمان وتحديدا آخر العقد األربعين من القـرن العشـرين، حيـث حظـت

البرلمانية باهتمام خاص بسبب تصاعد حدة الجـدل حـول ١٩٤٩انتخابات على إيران من اتفاقيات توزيع النفط مع بريطانيا وبـدأ يظهـر الظلم الواقع

مصطلح التأميم وطالب تسعة عشر عضوا بتحقيق فى هذا الشـأن وانتهـى األمر بتكوين الجبهة الوطنيـة لتكـون التعبيـر التنظيمـى عـن الحركـة

ومن هنا اكتسب البرلمان اإليرانى أهمية خاصة فى هذه اللحظة )٢٢١(.القوميةة فكان الساحة المؤسسية التى انطلق منه حركـة مصـدق وتأسـس التاريخي

.واحدة من أهم تنظيمات المعارضة اإليرانية لفترة طويلةولم تشهد إيران إال فترة قصيرة من المشاورات البرلمانية عقب الحـرب العالمية الثانية وإن كانت من خالل برلمانيون ال يعبرون عن إرادة الشـعب

م تلته قهر لمختلف الجماعـات والطبقـات خاصـة للقـوى ث. تعبيرا حقيقيا مما فتح المجال أمام المعارضة الفقهية وحلفائها الـذين ١٩٥٣العلمانية عقب

)٢٢٢(.يمكن لمقابلتهم أن تتم فى المنازل والمساجد مع استخدام لغة كودية

- ٢٥٦ -

بالشـكلية ١٩٠٦اتسم تطبيق اإلصالحات الدستورية الناجمة عن ثـورة تخابات دورا مختلفا عن الدور األصيل لها بحيث أصبح زيفها أحد ولعبت االن

فعل سبيل المثال شهدت انتخابات عام . أهم مظاهر تزايد الحكم األوتوقراطى النتخاب المجلس العشرين تزويرا واضحا حتى أن النـاجحين كـانوا ١٩٦٠

عنـدما و. يشعرون باإلحراج فلقد أثبتت أن االنتخابات أداة فى يد الشاه وحده ظهر احتجاج وأغلق البازار متاجرهم ألغى الشاه االنتخابات وحـل المجلـس

وبدال من أن تكون االنتخابات لحظة لإلصالح السياسى أثبتت تزايـد . الجديد بالرغم من إجبار رئيس الوزراء إقبـال علـى )٢٢٣(الحكم األوتوقراطى للشاه

تزوير واضح وعاد احتجاج فلقد عانت االنتخابات المعادة أيضا من . االستقالةوظهـرت ) ١٩٦٠الثانية التـى أنشـئت (المعارضة بزعامة الجبهة الوطنية

وساهمت هـذه . اإلضرابات فى أوساط الطلبة والبازار مع إضراب للمدرسين المتغيرات الداخلية مع أخرى خارجية أهمها انتخاب كيندى إلى بدء مرحلـة

نى بحل المجلس العشرين وضمان حرية الليبرالية الثانية قامت فيها وزارة أمي الصحافة والسماح لجبهة الوطنية بعودة األنشطة العامـة واألهـم التخطـيط

ثم علق الشاه البرلمان وأعلن أنه سيحكم بالمراسـيم )٢٢٤(.لإلصالح الزراعى وتزايد النقد لتزايد سلطوية نظامه حيث قامت عدة مظاهرات وانتشر . الملكية

وفى . ، وتم قهر المظاهرات بعنف ١٩٦٢ان فى بداية التمرد فى جامعة طهر العام التالى دخـل موضـوع التبعيـة للغـرب كعامـل إضـافى إلشـعال

)٢٢٥(.المعارضةمن أهم سمات العمل السياسى فى إيران هو توافر درجـة مقبولـة مـن : التعاون السياسى بين الجماعات المختلفة ظهرت على مدار القرن الماضـى

الوطنية، تيارات ليبرالية أخرى، اليسار استطاعوا أن يجتمعوا الفقهاء، الجبهة والتحالف ما بين القيادات الدينية وزعماء الحركة السياسية . حول قضية عامة

- ٢٥٧ -

أمر ال شبيه له سواء فى العالم اإلسالمى أو غيـر westernizedالمستغربة بـين بل األغرب أن التنوع األيديولوجى ال يوجـد فقـط فيمـا . اإلسالمى

الجماعات بل أيضا داخل الجماعة الواحـدة بمـا فيهـا المؤسسـة الدينيـة )٢٢٦(.ذاتها

فمن أهم ما أنتجته تجارب تطبيق الليبرالية تحريـك القـوى المعارضـة فالنظام يريد مـن : وتحديها للنظام الذى يسمح بانتخابات حرة ليثبت شرعيته ص العاصـفة إال أن هذه االنتخابات تأسيس الليبراليـة النسـبية التـى تمـت

المعارضة تصمم على هدف الدمقرطة الكاملة وترفض حتـى بـالرغم مـن إن المعارضـة )٢٢٧(.كونها شبه معارضة أن تتوائم مع هذه الليبرالية النسبية

اإليرانية أكثر قوة وفعالية من كثير من قوى المعارضة فى العالم اإلسـالمى ا نجحوا فى انتزاع احتـرام فلقد وضعت لحكام إيران خطوطا حمراء كثيرا م

واألهم قدرتها على إجبـار ١٩٦٣هؤالء الحكام لها مثال حركة التبغ وثورة الحاكم على تغيير شكل النظام كما فى الثورة الدستورية أو إسـقاط النظـام

.بأكمله كما فى الثورة اإلسالميةـ ا وبالنظر إلى إشكال المعارضة السياسية غير اإلسالمية التى تعرضت لهالدولة البهلوية وارتبطت برامجها بطريقة أو بأخرى بالرؤى العلمانية، تظهر بوضوح الرؤية اليسارية وفى إطارها حزب تودة والرؤية الليبراليـة وفـى

.سياقها الجبهة الوطنيةفلقـد . ظهر الفكر االشتراكى كقوة معارضة رئيسـية منـذ األربعينيـات

يا فـى معارضـتها للشـاه فـى اكتسبت الحركات االشتراكية شكال شـرع وتوسع بسرعة خـالل ١٩٤١ تكون حزب تودة رسميا فى )٢٢٨(.األربعينيات

تبنى الحل الماركسى للمجتمع اإليرانـى ذو الطبقـات . منتصف األربعينيات ولقد ضم الحزب أتباع مـن داخـل . الجامدة والنظام االقتصادى غير العادل

- ٢٥٨ -

كما قـوت المسـاندة السياسـية . مثقفى الطبقة الوسطى وعمال الطبقة الدنيا وقدر أتباعه بحوالى أربعمائـة ألـف فـرد . واالقتصادية السوفيتية من تودة ألـف فـى ٨٠ من خالل مسيرة ضمت ١٩٤٦واستعرض الحزب قوته فى

ويتفرد هذا الحزب عـن بـاقى الجماعـات . أبادان وخمسين ألفا فى طهران عينها بقدر ما عمـل كحـزب السياسية فى إيران بعدم التفافه حول شخصية ب

مدافع عن أهداف اجتماعية واقتصادية من خالل عـدد مـن الكتـاب فـى إال . الصحافة الذين اخترقوا جميع جماعات المصلحة ما عدا مالك األراضى

أن حزب تودة لم يمتلك مقومات االستيالء على الحكومة اإليرانية حيث مثـل كمـا . يعبر عن ظاهرة إيرانية أصيلةاألجندة الدولية السوفيتية أكثر من كونه

أن طاقة الحزب نبعت من شباب المثقفين الذين تحـدثوا بلغـة االشـتراكية ولكنهم ظلوا فى النهاية أسرى لهيراركية الهيكل االجتماعى اإليرانى فاتجـه بعض منهم إلى الماركسية التى اعتبروها الخـالص مـن فسـاد وانحـدار

لحزب االتصال الروحى مع الجماهير اإليرانيـة وفى النهاية افتقد ا . المجتمع من األهمية بمكان اإلشارة إلى كثرة الجدل حول مـدى قـوة )٢٢٩(.العريضة

التيار اليسارى اإليرانى وكثرة الكتابات التى حللت دور حـزب تـودة فـى الثورة اإلسالمية ولكنها فى النهاية ال تعبر عن قوة حقيقية فى المجتمع بدليل

لم يلعـب "ها من الجماعة الثورية عقب الثورة ورأى خمينى أنه سهولة إقصائ أى دور إيجابى فعال فى مختلف ثورات وانتفاضات الشعب المجيدة، بدءا من

) ١٩٦٣( خرداد ١٥ثورة الدستور، ومرورا بحركة مصدق وانتهاء بانتفاضة والسبب الرئيسى فى ذلك هو أن هـذه المجموعـات الماركسـية الصـغيرة

ضة، كانت ترتبط بشكل مباشـر أو غيـر مباشـر بسياسـة االتحـاد المتناق ومن )٢٣٠(".السوفيتى، وهى لم تكن أكثر من أداة طيعة بيد الشيوعيين الروس

هنا نالحظ التأثير السبى الرتباط أى جماعة داخلية إيرانية بقـوى خارجيـة

- ٢٥٩ -

فهذا عامل كفيل وحده بإفقادها المصداقية لدى الجماهير الحساسـة مـن أى تدخل أجنبى حتى ولو على المستوى الفكرى كما قدم تـودة مـن نظريـات

وبينما مثلت القومية أحد أهم نجاحات اإلسالميين فى التعبئة، فشلت . ماركسيةفى ظل الخطاب االشتراكى الذى اصبح خطابه اقتصاديا خالصا وتجاهل القيم

ـ ريس اإلسالمية المتجذرة فى وعى الشعب اإليرانى، كمـا فشـلت فـى تككمـا نجحـت الحركـة . المصالح الديمقراطية فى الشريحة الوسطى المدنية

)٢٣١(.اإلسالمية فى استخدام مفهوم معاداة االمبريالة كمرادف لضد التغريبلقد جذبت حركة مصدق قطاعات عريضة من الطبقات االجتماعية المدنية

ى أصـبحت التالجبهة الوطنية فى إطار أيديولوجى متنوع وقادت إلى تكوين وظهرت العديد من المصاعب التى أجهضـت نجـاح . أداة الحركة التنظيمية

هذه الحركة بسبب عداء القوى األجنبية واألهم انقسام حلفائهم المحللـين مـع ضعف وتبعية االقتصاد اإليرانى والتوترات داخل الحركة ذاتها، األمر الـذى

بكونها مظلة تضم عدة تميزت الجبهة الوطنية )٢٣٢(.جعل هزيمتها أمرا سهال تيارات وال تمتلك هيكال موحدا قويا أو أيديولوجية موحدة فلكل جماعة داخلها برنامجها ورؤيتها وقادتها يسعى أعضاء الجماعات الفرعية لتحقيق رغبـاتهم . وما جمعهم هو المفهوم الواسع للقومية والرغبة فى كسـب كرامـة إيـران

-ند محاولة تشكيل سياسات اقتصـادية واتضحت هذه االختالفات الجذرية ع وحتـى ). مثال ذلك احتدام الجدل حول اإلصالح الزراعى (اجتماعية إيجابية

على مستوى الجبهة الثقافية قادت االتجاهات والسلوكيات العلمانية للحكومـة إن التعدد ما بين اليسار والوسـط )٢٣٣(.إلى إحباط المنتمين للجبهة المتدينين

بهة الوطنية جعل من الصعب الوصول إلى خطـة متسـقة واليمين داخل الج وهنا ال يمكن إال لقيادة حازمة . ومتماسكة لشكل النظام الجديد المراد تأسيسه

أن تتخطى هذه العقبة إال أن التحليالت إشارات إلى مبالغة مصدق فـى وزن

- ٢٦٠ -

ياسة التأثير البريطانى والتقليل من قدرته على إحداث اختالفا راديكاليا فى الس )٢٣٤(.اإليرانية

زادت هشاشة الدولة اإليرانية فى ظل األزمـة االقتصـادية مـع بدايـة الستينيات وانقسام داخل الجماعة الحاكمة ما بـين كبـار مـالك األراضـى وميدرى بيروقراطية الدولة فكانت الفرصة سانحة لنجـاح التعبئـة والعمـل

جـل مزيـد مـن الجماعى فى وقت ساهمت فيه الضغوط األمريكية مـن أ الليبرالية فى تخفيف القيود فاتسع العمل الثورى ليشمل قطاعات كبيـرة مـن

إال أن الشاه خرج مـن أزمـة . المجتمع الذى يعانى من مصاعب اقتصادية وهو الفائز الوحيد، فلقد عانت المعارضة من ضعف وغياب تحـالف ١٩٦٣

قضـى علـى فعال مما سهل من عملية قمع هذه الحركة، وهو القمع الـذى التعبئة الجماهيرية حتى قيام الثورة اإلسالمية وتركز سلطة الشاه فى مواجهة

كما لـم )٢٣٥(.باقى الجماعات خاصة طبقة المالك العليا قاعدة دعمه التقليدية إجماعا مجتمعيا من قبل جميع القطاعات على معرضـة ١٩٦٣تشهد حركة

والعمـال ومـن يسـموا ومواجهة الشاه فشهدت ضعفا فى مشاركة الفالحين )٢٣٦(.بأصحاب الياقات البيضاء

وحل البرلمان واإلصالح الزراعى المعيـوب وقهـر ١٩٦٣بعد أحداث االحتجاجات الشعبية والمعارضة السياسية بما فيهم الفقهاء والجبهة الوطنيـة : الثانية، استطاع الشاه تركيز قوته وسيطر على كافة مراكز القوة الرئيسـية

. لمان والحكومة البيروقراطية والـوزارة واألحـزاب السياسـية الجيش والبر واحتكر عملية صنع القرار السياسى والتعينيات فى قمة الهيكـل الحكـومى

واخـتص بجميـع . وأصبحت جميع األحزاب السياسية تابعة لـه . والوزارىالقرارات الحيوية مثل التخطيط القومى وتخصيص االستثمارات الرئيسية بـل

واختلف األمر فى خـالل عقـد . ه إلى المؤسسات الدينية والفقهاء مد سلطات

- ٢٦١ -

واحد من بداية الخمسينيات إلى بداية الستينيات فكانت التعبئـة فـى الفتـرة ولكن مع . األولى من خالل األحزاب السياسية والجامعات والبازار والمصانع قد ضـعفت بداية الستينيات كانت أحزاب المعارضة بما فيها الجبهة الوطنية )٢٣٧(.وأجهض قهر الدولة أى تعبئة فعالة لقطاعات واسعة من الشعب

وبسبب عدم رغبة الشاه فى أن يشاركه أحد الحكم ولمناخ الترقب والريبة وعادت قيـادات . لليبراليةأمينى السائد فى إيران فى هذه الفترة فشلت تجربة

. د انتهاء الليبرالية الحركة القومية إلى السجن، وعادت سيطرة الشاه كاملة بع ولكن يمكن مالحظة أنه مع كل استعادة للحكم المطلق وقهر للمعارضة تظهر قوة معارضة أكثر راديكالية والتى تلقى جانبا من الفشل على عاتق قيـادات

١٩٥٣بعد سجن قيادة الجبهة الوطنية فـى . المعارضة السابقة األكثر اعتداال سـواء (كثر راديكالية، ثم أتى فشل القوميين ولدت حركة المقاومة الوطنية األ

فى العشر السنوات الالحقة فى إجبار ) الجبهة الوطنية أو حركة تحرير إيران الشاه على الديمقراطية باإلمام الخمينى ثم بعـده مجاهـدى خلـق للتصـدى

ومن ثم أنتجت عملية استعادة الشـاه لتماسـك نظامـه . لسياسات المعارضة اديكالية المعارضة؛ وهو ما أعاد تشكيل مطالب المعارضة وسلطته المطلقة ر

ففـى حـين . كشريحة اجتماعية تنتمى للقطاع التقليدى، ونجحت فى تعبئتـه عملت المعارضة المعتدلة؛ سواء الدينية، أو العلمانية، علـى اللجـوء إلـى األنشطة المشروعة فى ظل تجربتى الليبرالية فى عهد الشاه محمـد رضـا،

انين الموجودة، فإن المعارضة الراديكالية الجديدة رفضـت هـذه ووفق القو فلم تعد تتسم المعارضة باإلصالحية كما )٢٣٨(.١٩٧٩ -١٩٧٨الخيارات فى

؛ حيث إن تصاعد عمليات المواجهـة مـع النظـام ١٩٧٨كان الوضع قبل السياسى الذى عمل على التعامل مع قوى المعارضة بشكل عسكرى وبوليسى

قد وسع من التحالف الثورى وعضويته، وكـذلك ) قصى مدى ولكن ليس أل (

- ٢٦٢ -

وبالرغم من اتفاق هذه القـوى علـى . أهدافه التى تحولت إلى ثورة سياسية التغريب والحكم التسلطى، فإن الفهم لطبيعـة العـالج تنوعـت : سبب العلة

واختلفت النظرة للمقولة الداعية إلى العودة إلى اإلسالم حتـى وسـط قـوى ومن ثم كان الخالف حـول الحـل ولـيس )٢٣٩(.ير اإلسالمية المعارضة غ

. توصيف المشكلةفى هذا السياق يجب اإلشارة إلى خصوصية الظرف التاريخى فى اللحظة

، والتى امتألت بتسلل للقرارات؛ حيث ساعد على ١٩٧٩الثورية، التى سبقت الية فى قرار النظام بإجراء بعض اإلصالحات الليبر : تأجج الثورة ثم نجاحها

، والسماح ببعض المعارضة، ثم نشر مجموعة مقاالت تهاجم اإلمـام ١٩٧٧ التى أعقبها عام من المظاهرات، ثم القـرار بمحدوديـة ١٩٧٨الخمينى فى

استخدام القوة ضدها، ثم تعدد اإلجراءات الرامية لمزيد من الليبرالية فى ربيع ، ١٩٧٨رئ فى أواخر ، ثم الردة الجزئية بإعالن قانون الطوا ١٩٧٨وصيف

. والقهر الدموى لمظاهرات الجماهير مع عدم استخدام الجيش بشكل مكثـف وذلك فى الوقت الذى أدت فيه اإلضرابات إلى شلل كامل؛ وجميعهـا أمـور جعلت من مقولة دو تكفيل حقيقة، وأن االضطرابات تظهـر، لـيس عنـدما

)٢٤٠(.تصبح األمور أصعب، بل أكثر سهولةتصنيف وفق الموقف من الشاه، يمكن مالحظة ثالثة مجتمعات إذا ما تم ال

إيران األولى ممثلة فـى األثريـاء ذوي التعلـيم الغربـى : مختلفة فى إيران والمصانع الحديثة والقوات المسلحة واألسلوب الغربى للحياة، وتمثل إيـران

بى عن التى يريد الشاه للعالم أن يراها، وهى بالفعل االنطباع األمريكى والغر أمـا . إيران، ووقع البهلويون فى خطأ تصديق هذه الصورة التـى أرادوهـا

. إيران الثانية فتمثلت فى الطبقة الوسطى من المتعلمين والمعارضـين للشـاه وبالرغم من صغر أعدادهم فإنه تم التركيز عليهم من قبل المحللين الغربيين،

- ٢٦٣ -

لكونه من السـهل التواصـل ليس لكونهم التهديد الحقيقى لنظام الشاه، ولكن أما الجزء الثالث، والـذى . واالحتكاك معه، خاصة أنه ذو التوجهات الغربية

إن أمكن وضع األول والثانى فى سلة واحدة تقترب من المنظومة الغربيـة، فلقـد . فإن هذه إيران الثالثة التى ظلت غامضة غير معروفة إال ألصـحابها

ة ضـعيفة ال تمثـل أى تهديـد للنظـام كانت من المفترض أنها تمثل جماع الشاهنشاهى حتى إن أصحاب السلطة أنفسهم كانوا يجهلون إيـران المسـاجد

ظل معظم هؤالء األفـراد . والبازار والعشوائيات والفالحين والعمال والفقراء وساد الغضب . منتمين للثقافة التقليدية المحافظة وأساليب الحياة المرتبطة بها

إنـه )٢٤١(.الثقافة الغربية واالنحدار التدريجى للقـيم الشـيعية بينهم الختراق التقسيم الذى يوضح مدى أهمية البعد االجتماعى للتحديث فى ظـل الدولـة

.البهلوية والتى ستتناوله الدراسة

: ازدواجية ثقافية واجتماعية واقتصادية-ج

ولـة حتى تكتمل النظرة التقويمية إلى مشروع التحديث الـذى تبنتـه الد البهلوية البد من التعرض للحلقات االجتماعية واالقتصـادية مـن تسلسـله، وستعمل هذه الجزئية على مناقشة عالقـة الدولـة بالقطاعـات االجتماعيـة المحورية المختلفة طوال القرن الماضى بسبب أهمية ما أسـماه كثيـر مـن

. ياسـى متخصصى الشئون اإليرانية بالتناقض بين التطور االجتمـاعى والس وفى هذا اإلطار يظهر مفهوم االستقاللية على السطح، وهى االستقاللية التى ال تقتصر على دولة ريعية مثل إيران، بل تمتد لبعض الجماعات المؤهلة ألن

وبدأت سلسلة األحداث تتداعى عند تزايـد . تلعب دورا تثويريا عند الضرورة لسلسلة من القرارات المتجاهلـة شعور الدولة اإليرانية باستقالليتها واتخاذها

- ٢٦٤ -

لمصالح جماعات هامة مثل الفقهـاء والبـازار، وامتـدت لكافـة القواعـد فلقد سقطت الدولة البهلوية وهى دولة غنيـة وموحـدة، . االجتماعية التقليدية

.ولكنها تفتقد إلى دعم الطبقات القوية فى المجتمعدة درجة اعتمادها على باألساس، وينبع تفردها من ش إيران دولة ريعية إن

القوى الخارجية، وتأثر الدخل بمعطيات خارجية؛ فكانت ال تهـتم بالدرجـة المقبولة والمتوقعة مثل غيرها من الدول بمصالح قطاعات المجتمع المختلفـة

االسـتقاللية الملحوظـة وظلت )٢٤٢(.حتى الجماعات القوية منها مثل البازار لدخل النفطى واضحة عقب الثـورة؛ فبعـد التى تعتمد على ا للدولة اإليرانية

انحسار دور القوى األجنبية بسبب موقف الواليـات المتحـدة مـن الثـورة اإلسالمية، استطاعت الجمهورية اإلسالمية الصمود ومواجهة كثير من القيود

.التى فرضتها عليها بيئة خارجية رافضة لهالدولة اإليرانية فـى منذ بدايات القرن العشرين بدأت مؤشرات استقاللية ا

ففى بادئ األمر ارتبطت هذه االستقاللية بـالقروض مـن األجانـب . التزايدومنحهم االحتكارات والسـيطرة األجنبيـة علـى الجمـارك والمؤسسـات

إال أنه فى عهد محمد رضا تضـخمت هـذه النزعـة . االقتصادية المحورية النفطية والتوسع فـى االستقاللية للدولة عن االقتصاد المحلى بحدوث الطفرة

)٢٤٣(.التسليح وخلق تضخم متصاعد واقتصاد غير متوزانلقد فرضت الطبيعة الريعية للدولة اإليرانية خاصة منذ السبعينيات طبيعـة خاصة جعلت من ظهور الحالة الثورية للمجتمع أمرا ممكنا ومتوقعا؛ حيـث

د االقتصـاد اإليرانـى تتأثر بشدة بتقلبات أسواق النفط العالمية، ومن ثم شه دورات انكماش وازدهار مثل الدورة التى عاصرها فى السـبعينيات؛ بسـبب

بـدرجات -احتكار الدولة لعملية توزيع الثورات تصـبح بجميـع الطبقـات تابعة لهذه الدولة فتزيد احتماالت الثورة فى ظل االنكمـاش، مثـل -متفاوتة

- ٢٦٥ -

ـ ١٩٧٩ إلى ١٩٧٥الذى حدث منذ دخل النفطـى بشـكل عندما انخفض الوبسبب زيادة الدخل القومى لم تعد الدولة اإليرانية تعانى من نقـص . أساسى

إلى تنمية القطـاع -مثل كثير من دول العالم الثالث -رؤوس األموال وعمدت الحديث من االقتصاد، وتصعيد االزدواجية التكنولوجيـة باسـتيراد أحـدث

ات التقليدية تعانى مزيـدا مـن اآلالت من الغرب لهذا القطاع، وترك القطاع باإلضافة إلى أنه كلما . التدهور؛ ما جعل من ثورية هذه األخيرة أمرا متوقعا

زادت استقاللية الدولة عن المجتمع بكافة طبقاته بسبب غناها باألساس زادت درجة استبدادها؛ فتنمو معارضة مخترقه للطبقات، وأصبحت محاسبة النظـام

ادت تبعية الشاه كرمز للشاه علـى الواليـات المتحـدة، ز. بأكمله أمام الشاه خاصة فى السبعينيات حتى اختلط األمر عليه فى ظل سياسات كارتر لتعضيد حقوق اإلنسان؛ وهو ما أسهم فى عدم فعالية تعامله مع الحركات المتصـاعدة

)٢٤٤(.١٩٧٧منذ إلى سـلوك باختصار قادت الدرجة العالية من االستقاللية للدولة اإليرانية

خاص من قبل هذه الدولة ال يهتم بالتوائم مع رغبات الجماعـات والطبقـات ويرى البعض أن بداية تلك الظاهرة تعود إلـى الثـورة . االجتماعية الرئيسية

وساعد هذا على ظهور معارضة ال تبغى إصـالح النظـام، بـل . البيضاء )٢٤٥(.إسقاطه، وإحداث تغيير كامل بطبيعة الدولة

لمقابل لعب النفط دورا إيجابيا فى مرحلة ما بعد الثورة بحفاظه على وفى ا درجة مقبولة من ثراء الدولة؛ حيث يكمن التفسير الرئيسـى لعـدم انهيـار

خاصة أن إيران نجحـت فـى )٢٤٦(. فى الثورة النفطية ١٩٧٩االقتصاد منذ جذب درجة معقولة من االستثمارات األجنبية فى قطـاع الـنفط باألسـاس، بالرغم من تركيز الحظر االقتصادى األمريكى على محاربة هذه النوعية من

إال أن الجهود األمريكية من المتوقع لها الفشل فى هـذا . االستثمارات بالذات

- ٢٦٦ -

رابع احتياطـات نفـط (المجال بسبب ما تمتلكه إيران من احتياطيات ضخمة قا ألكثر التقـديرات على مستوى العالم، والثانية على مستوى الغاز، وذلك وف

ومن ثم سيظل االهتمام الخـارجى بـإيران علـى المسـتوى )٢٤٧().تحفظا .اإلستراتيجى واالقتصادى أمرا تفرضه الحقائق الجغرافية والجيولوجية

كانت آلية ١٩٢٦عندما نصب قائد الجيش رضا خان نفسه شاها فى يناير . صم المقاطعـات الحكومة المركزية صغيرة، والتصل سلطتها ألبعد من عوا

ولكن بالرغم من هذه العقبة فقد استطاع الشاه رضا خـان تحقيـق التماسـك ١٩٧٩وفى يناير . لحكمه وتقويته من خالل تحالفات مع عدة قوى اجتماعية

عندما غادر الشاه محمد رضا إيران كانت آلية الحكومة المركزيـة واسـعة الميـزة لـم يسـتطع ولكن بالرغم من هـذه . ومعقدة وتصل لكافة المجتمع

االحتفاظ بسلطته، ونجح فى تغريب كل القوى المجتمعيـة، خاصـة الطبقـة ففى الواقع فإن تاريخ الدولة البهلوية هو تـاريخ لعمليتـين . الوسطى التقليدية

النمو الكبير لحجم الدولة، والخسارة الكبـرى الموازيـة للـدعم : متزامنتين )٢٤٨(.االجتماعى

أسهمت التحـوالت الهامـة فـى الهيكـل ١٩٢١فعند قيام االنقالب فى الفقهـاء، : االجتماعى فى عالقة الدولة اإليرانية بقواعدها التقليديـة الـثالث

لقد استخدم الشاه رضا كافة السبل للسيطرة . والتجار، وكبار مالك األراضى أما بالنسبة للتجار فبالرغم من الفائـدة الماديـة ). كما ذكر (وتطويق الفقهاء

ة عليهم من جراء تطوير شبكة االتصاالت وتـوفير األمـن العسـكرى العائدوالمكاسب من جراء سياسات الشاه الحمائية فإنهم فى المقابل فقدوا صـوتهم

ربما تكون طبقة كبار . السياسى المستقل الذى حققوه كنتيجة للثورة الدستورية الفتـرة، مالك األراضى هى الطبقة التى تطورت وتدعمت مكانتها خالل هذه

والتى استمرت فترة أطول، وتمتعت بقاعدة سلطة محلية خالل الفتـرة مـن

- ٢٦٧ -

مكنتها من التأثير على السياسات القوميـة عـن طريـق ١٩٦٣ إلى ١٩٤١التأثير على انتخابات المجلس؛ فكانت مصالح الطبقة المالكـة هـى الكتلـة

مليـة انسـالخ الوحيدة األكبر من المقاعد البرلمانية فى المجلس، ثم بدأت ع مع تزايد ١٩٥٣الدولة اإليرانية عن كافة الطبقات االجتماعية تتصاعد عقب

الدخل النفطى وتوسع هياكل الدولة بشكل ملحوظ، وتمكنها من بناء مؤسسات )٢٤٩(.قهر فعالة

لم تكن الثورة البيضاء ثورة بالمعنى الحقيقى؛ وإنما مجرد إمالء لـإلرادة فلقـد أعطـت . قمة النظام االجتماعى اإليرانى السياسية للرجل الجالس على

للفالحين أمال وقامت بتغريب الجماعات األخـرى فـى المجـال السياسـى أولهم بالطبع طبقة مالك األراضى أو األتوقراطية القديمـة ومـع : اإليرانى

الفقهاء لما لهذه الثورة من تأثير سلبى على ثرواتهم، كما رفضـتها الطبقـة ترى فيها إال محاولة من الشاه لكسب اإلعجاب األمريكـى الوسطى؛ ألنها لم

. واإلعالم الغربى، خاصة أنه رافض إلجراء إصـالحات سياسـية حقيقيـة وبذلك لم تساهم الثورة البيضاء إال بوضع الفقهـاء والشـاه علـى مسـارين

)٢٥٠(.متضادين، خاصة أن قضية تحرير المرأة قد زادت من هذه الفجوةصالح الزراعى على طبقة كبـار المـالك كجماعـة وقد أثرت برامج اإل

سياسية لها صوت سياسى خاص بها فيما يخص شئون الدولة؛ حيـث تفتـت الطبقة بشكل فردى على أنشطة الصناعة والتجارة واالستثمار فى العقـارات

وساهمت هذه السياسات الجديدة فى نقل مركـز االقتصـاد مـن . فى المدن وبذلك فقدت المصـالح التجاريـة التقليديـة . عيةالبازار إلى األنشطة الصنا

صوتها السياسى فى عهد الشاه رضا؛ ففقدت بعد ذلك مكانهـا المميـز فـى )٢٥١(.مركز االقتصاد اإليرانى

- ٢٦٨ -

؛ ألنـه لـم ١٩٧١لقد انتهى رسميا برنامج الشاه لإلصالح الزراعى فى ك فبالرغم من تخفيضـه قـوة مـال . يغير حقيقة من طرق اإلنتاج اإلقطاعية

األراضى السياسية فإن طبقة صغيرة من مالك األراضى ظهرت؛ حيث مكن التوزيع غير العادل لألرض أقلية من أثرياء الفالحين من حيازة مزيـد مـن

وبشكل عام لـم )٢٥٢(.األراضى واستغالل العمالة الزراعية وصغار الفالحين نى؛ سواء قبـل تالق برامج اإلصالح الزراعى نجاحا كبيرا فى السياق اإليرا

لقد استهدفت برامج اإلصالح الزراعى التـى أقامهـا الشـاه . أو بعد الثورة توسيع الرأسمالية التابعة لتشمل المناطق الزراعية، ومـن خـالل التصـنيع

ولكنها فى مجملها فشلت، وتحول الفالحون . الكبير تصل إلى المراكز المدنية )٢٥٣(.إلى أصحاب أجور فى الصناعات المدنية

كما سحب الشاه القوة السياسية من يد طبقة كبار مالك األراضى خـالل و فإنه قد عادى أيضا كبار رجـال الصـناعة فـى ١٩٦٣الثروة البيضاء فى

التسعينيات عندما قامت الدول بتقديم الضمان لعدة امتيازات للعمال، بـالرغم يـل فلقد نجح نظـام الشـاه فـى تحو )٢٥٤(.من معارضة األوائل الشديدة لها

الطبقات التى من المعتاد أن تكون مضادة للثورة إلى أن تكون جزءا من هذه فلقد شعر البازار بأن هناك تمايزا ضدهم لصالح رجال األعمال ذوى . الثورة

كما جاء قانون حماية األسرة، الـذى يعطـى . الصالت الوثيقة مع الحكومة وشاركت كـل مـن . عامال فى تزايد معارضة الفقهاء -مساواة أكبر للنساء

الطبقة الوسطى الجديدة واألنتلجستيا والعمال فى المعارضـة بسـبب عـدم فلقد تزايد انفصال الشاه عن كافة الطبقـات . الرضاء عن اإلصالح السياسى

االجتماعية المدنية منذ النصف الثانى من السبعينيات بسـبب عـدم شـعبية حد، ورفض كل من العمال اإلصالحات الجديدة القائمة على نظام الحزب الوا

والرأسماليين لنظام حصول العمال على أسهم الشركات، والحملة العنيفة ضد

- ٢٦٩ -

؛ باإلضافة إلـى أن جميـع ١٩٧٧صغار رجال األعمال ونظام التقشف فى الطبقات قد اجتمعت على عدم الرضاء عن هيمنة الواليات المتحدة والعالقات

)٢٥٥(.مع إسرائيلية مطالبة بإصالحات سياسية، كما كان الوضع فى وباختفاء طبقات اجتماع

مطلع القرن، سهل على الشاه تجاهل تطوير هياكل مؤسسية ليبراليـة علـى فعقب فترة من اإلحباطات وضعف المعنويات التى ميزت . المستوى السياسى

، حـدث ١٩٢٥مرحلة ما بعد إيران الدستورية وتأسيس الدولة البهلوية فـى ياسات النخبة ذات التوجه اإلصـالحى وانحـدار فـى قطع فى استمرارية س

. إن اإلصالح من الداخل هو اختيار متـاح : الثقافة السياسية التى تتبنى مقولة شهدت األربعينيات صعودا جديدا للقوميين والسياسات اإلصالحية، ولكن من خالل البازار والطبقات الوسطى التقليدية، وليس عند الطبقات العليـا التـى

؛ ١٩٥٣فى حين اختلف الوضع مـا بعـد . بت من البرامج اإلصالحية انسح، وتنازلت الطبقات الوسطى - الطبقات العليا والوسطى -حيث انسحب االثنان

بل لم تظهر أدنى رغبـة لـدى . التقليدية عن كافة المطالب السياسية المستقلة . همطبقة األغنياء الجدد من رجال صناعة ورأسماليين جدد فى تشكيل دولـت

ودعم من هذا التوجه وسار بمواجهته تزايد التطور المستقل للدولة البهلويـة التى فقدت بالتدريج جميع القواعد التقليدية للدعم االجتمـاعى بـدون كسـب

وفى ظل هذه الطبيعة الجديدة لرجال الصناعة وأصـحاب )٢٥٦(.قواعد جديدة ى، أصبح هناك نخبـة الثورة الجدد، ومع استقاللية الدولة عن المجتمع المدن

جديدة مسالمة، مستفيدة اقتصـاديا مـن سياسـات الدولـة فـى السـتينيات والسبعينيات، فأصبحت عقيمة سياسيا؛ فساد مناخ من عدم التسييس والـتهكم

وتم تضييق مدى جميـع أنـواع ، وسط الطبقات العليا إليران فى السبعينيات )٢٥٧(.الخطاب السياسى بشكل ضخم

- ٢٧٠ -

على خلق نوع جديد من الدعم، يتبع برنـامج التوسـع كان الشاه قد ركز االقتصادى السريع، بعد أن أدرك أن شرعيته قد تضاءلت وسـط القـوميين

إال أن . وإسـقاط مصـدق ١٩٥٣بسبب الدور األمريكى فى إعادة الشاه عام : للتحول المجتمعى من دولة زراعية إلى أخرى شبه صناعية، أو كمـا يقـال

. تائج خطيرة جعلت من هذه الخبرة عامل عدم استقرار ن -فى طور التحديث فلقد فتحت الطريق لسقوط وظهور طبقات اجتماعية، ونشرت أفكارا جديـدة، غالبا ما كانت معادية لألفكار القديمة السابقة عليها، وطرحت طرقـا جديـدة

ومن السهل فى هذا اإلطار تمتع نظرية الفجوة بقـدر . للحياة والعمل والتفكير ففـى ظـل التنميـة . المصداقية فى تفسير عوامـل عـدم االسـتقرار من

االقتصادية كان من أفدح أخطاء الشاه إنكار المشاركة السياسية -االجتماعيةلكل من الطبقات المعاصرة والتقليدية؛ حيـث وحـد كـال الطبقـات ضـد

فلقد مثل التناقض بين تزايد أوتوقراطية الهيكل السياسـى وبـين )٢٥٨(.عرش االقتصادية السريعة أكثر العوامـل المثيـرة للخلـل -المتغيرات االجتماعية

فأصبح الواقع السياسى الناتج عن الواقع االقتصـادى هـو )٢٥٩(االجتماعى،الفشل فى خلق مؤسسات سياسية تتوازى مع زيادة التعليم والثـروة وتمـدين

)٢٦٠(.الشعب اإليرانىصاد وبيروقراطية الدولـة فـى لقد توسع كل من القطاع الحديث من االقت

الستينيات، وخاصة السبعينيات، كنتيجة لزيادة الدخل النفطى، وتمتعـت هـذه الفئات بثمار النمو االقتصادى؛ حتى اتضحت الحدود الفاصـلة بينهـا وبـين

تركزت القـوى ١٩٦٣وحتى . القطاع التقليدى حتى على مستوى الجغرافيا ودة؛ أى فيمن يصنفون كأعضاء فـى المعارضة للشاه فى القوميين وحزب ت

-القطاع المعاصر؛ حيث اعتبرت قطاعات الجماهير التقليدية سـلطة الشـاه

- ٢٧١ -

ذات شرعية، وغالبا ما ألصق اإليرانيـون التقليـديون أى -حتى هذا التاريخ )٢٦١(.قصور بالمحيطين بالشاه

ولم يشكل كل قطاع كيانا منسجما موحدا، بل تنوعت الشرائح فى داخـل خالل السبعينيات، احتـل . منها، وظهرت التناقضات والتوترات فيما بينها كل

كبار رجال أصحاب األعمال قمة القطاع الحـديث بعالقـاتهم القويـة مـع الرأسمالية العالمية ومع الشاه وبالطه، وشاركهما أعضاء أعلى سلم الهيكـل

مـوظفى أما الشريحة الوسطى فاحتوت على. الحكومى وقيادات الجيش العليا وال يمكن الحديث عن شريحة دنيـا . الحكومة وأصحاب المهن واألكاديميين

بشكل حقيقى وكامل لهذا القطاع، وإنما من الممكن ذكر المدرسين والمثقفـين العائدين من أوروبا وأمريكا فى السبعينيات ليجدوا أنهـم جماعـة مهمشـة

الذى استطاع حزب اقتصاديا، ويمكن أن يضم لهم عمال النفط فى الجنوب، و وبالمثل احتوى القطاع التقليدى من المجتمع على . تودة اختراقهم لعدة سنوات

لقد اختفى زعماء القبائل وكبار مالك األراضى من أعلى سـلم . عدة شرائح هذا القطاع فى السبعينيات، واحتل كبار تجار البازار األثرياء وبعض رجـال

ويقع التجار ورجال . مكانهم -ار أيضا الذين لهم جذور داخل الباز -الصناعةالبازار األقل شأنا فى المرتبة التالية، أما بالنسبة للشـريحة الـدنيا فتتضـمن الفالحين وعمال المدن الذين يعمل الكثير منهم فـى القطـاع الحـديث مـن

ومثل الفقهاء عنصرا محوريا . االقتصاد، ولكن حافظوا على نظرتهم التقليدية )٢٦٢(.اع التقليدى ساعد على اندماج الطبقات المختلفةفى هذا القط

افتقدت إيران مطلبا هاما لجدية ونضج التحول الديمقراطى؛ وهو ضـعف البرجوازية اإليرانية، وعدم قدرتها على لعب الدور المطلوب منها؛ حيـث ال تنتعش الليبرالية والديمقراطية فقط بتأسيس نظام قانونى رشـيد، بـل بقـوة

إال أن البرجوازيـة . ة وقيامها بالدور القائـد المحـرك لليبراليـة البرجوازي

- ٢٧٢ -

اإليرانية عانت من الضعف الواضح لعدة أسباب من أهمها تبعيـة االقتصـاد اإليرانى الراجع إلى الوضع الشبه مستعمر إليران، والـذى أعـاق تنميتهـا

ـ . وتطوير برجوازيتها إيجابيا ى وأمام التدخل األجنبى الذى لـم يقتصـر علاالقتصاد، بل امتد للجانب السياسى، ظهـرت أهـداف قوميـة للبرجوازيـة اإليرانية؛ وهو ما جعل القطاع غير التابع منها يعد وطنيـا قبـل أن يكـون

)٢٦٣(.ليبرالياباختصار تحولت الحركية اإلسالمية إلى الثورة بتـوافر ثالثـة محـاور

ـ : أساسية ة مغربـة عـن جماعة فقهية حركية مسيسة ومستقلة، ودولة غني سياسـى وتزايـد الفـروق مـا بـين -المجتمع المدنى، وخلل اجتمـاعى

ولكن من الخطر اختصار العامل الثقافى إلى اإلسالم الشـيعى )٢٦٤(.الدخول ولكن )٢٦٥(.والقوى االجتماعية المشاركة إلى دور الفقهاء وتحالفهم مع البازار

رة اإلسالمية بالفعل بعد لعل السبب وراء هذا التركيز يعود إلى ما أنتجته الثو نجاحها ليعبر عن الثقل الرئيسى لهذه المتغيرات فى الحركة الثوريـة لعـام

١٩٧٩. : الثورة وقيام الجمهورية اإلسالمية-٣

مثلت الثورة اإلسالمية منعطفا خطيرا فى عملية التغييـر السياسـى فـى لطـابع الثـورى تغيرت أولويات الدولة اإليرانية تماما، ليس بفعـل ا : إيران

لعملية التغيير فقط، بل األهم بفعل إسالمية التوجه أثنـاء العمليـة الثوريـة، ولم يتعلق األمر بمجرد تغيير النظام السياسى بأكمله؛ وإنمـا . وخاصة بعدها

السعى إلحداث تغيير يشمل المجتمع بأسره من حيث القيم والسلوك والرؤيـة تختص بها الحالة اإليرانية الثوريـة، والهدف، وبدأت تظهر إشكاليات جديدة

- ٢٧٣ -

وهى مشاكل ما بعد نجاح الثورة اإلسالمية، أو بمعنى أدق تطبيـق نمـوذج .سياسى إسالمى معاصر

مر التاريخ السياسى اإليرانى خالل القرن العشرين بعدة مراحـل متتاليـة سية ويرتبط التنافر بتنافر الرؤى السيا . ومتباينة بل ومتنافرة فى أحيان أخرى

التى يرى أصحابها أنها غير قابلة للتعايش مع غيرها من البدائل مثاال ما كان سائدا خاصة فى بدايات الثورة من رفض للديمقراطيـة البرلمانيـة الغربيـة بالرغم من اقتباس النظام لبعض هياكلها المؤسسية وليس بالضرورة قواعدها

تـى وان رفـض النظـر ومسلماتها فإيمانه منصب على الرؤية اإلسالمية ح وبـالرغم مـن اخـتالف الجـدل . لعناصر اشتراكها مع الرؤيـة الغربيـة

األيديولوجى والفكرى الذى يسود إيران مع بداية القرن الواحد العشرين فـى مفردات خطابه عن تلك السائدة فى بداية القرن العشرين، إال أنه لم يختلـف

حداث الجسام التى مرت بها فى القضايا التى مازالت مطروحة بالرغم من األ فمازال األمر يتعلق الديمقراطية الغربيـة : إيران وتباين النظم السياسة الشديد

وقدرة إيران على تقديم نموذج إسالمى أصيل حتى وإن ظهر فى سياق ثقافى .شيعى

لقد شهد التاريخ اإليرانى خاصة فى القرن العشرين تأرجحا ما بين التمرد إلى مجتمـع ثـورى يحمـل ١٩٧٩أن عملية التحول عقب واالستقرار، إال

أيديولوجية ثورية إسالمية مضادة للواليات المتحدة وتدعو للمساواة قد غيرت فلقد كان تغييرا ضخما وسريعا يفوق حتى فتـرة دخـول . المجتمع اإليرانى

اإلسالم التى اتخذ التغيير فيها خطا تدريجيا أو حتى خالل الغـزو المغـولى ، فال يقارن التحول االجتماعى والثقافى الذى أفرزته الثورة اإلسالمية المدمر

ولم يبقـى . فى الدرجة والسرعة )٢٦٦(تغييرا آخر على مدار التاريخ اإليرانى من فترة محمد رضا إال قوة قمة النظام السياسى والتى يمثلها المرشد الفقيـه

- ٢٧٤ -

يطر قائد كـاريزمى بعد الثورة وليس الحكم االستبدادى كما يرى الغرب، وس فلقد ظهـر . كبير وهو اإلمام الخمينى على مسار العقد األول من حياة الثورة

كثانى زعيم كاريزمى خالل القرن السابق فـى ) بعد مصدق (اإلمام الخمينى فبتآكل السلطة التقليدية ممثلة فى سلطة الشاه المطلقة ولـدت سـلطة . إيران

إلسالمية نخبة سياسية جديـدة تمامـا وأفرزت الثورة ا )٢٦٧(.كاريزمية جديدة ومار س اإلمام الخمينى قوته كمصدر رئيسى للسلطة فى النظـام السياسـى

فلقد استمرت الدولة اإليرانية فى صراعها مـا بـين التسـلطية )٢٦٨(.بأكملهوالديمقراطية وإن زادت األولى عن الثانية فى العقـد األول للثـورة فـذلك

إال . ظروف الحرب اإلقليمية كبرى مع العراق لوجود كاريزما مثل خمينى ول انه بعد ذلك بدأت مساحة الحرية تتزايد بالتدريج حتى وصـل األمـر إلـى الحديث الحالى فى بعض الدوائر عن ضرورة تقلـيص صـالحيات مرشـد

.الثورة : مرحلة تدعيم الهيمنة الفقهية-أ

رون األولـى عقب الثورة، سادت وجهة النظر الشيعية الرافضة لسكون الق التى تلت غياب اإلمام وللملكية الدستورية البرلمانية التى سادت فى بـدايات

وبدأت ديناميكية سياسية جديـدة علـى أرض الواقـع )٢٦٩(.القرن العشرين .واالجتهاد الفقهى والفكرى

: لقد صنف المحللون الخطاب اإلسالمى قبل الثورة مباشرة إلى أربع فئات اإلسـالم "لالنتلجسـتيا الصـغيرة، " م الراديكـالى باإلسـال "األولى خاصـة

ألمثـال بازرجـان واإلسـالم التقليـدى " اإلسالم الليبرالى "للخمينى "الحركىوبعد الثورة تم . استطاعوا جميعا تكوين خطابا تعبويا لإلسالم الشيعى .للفقهاء

إقصاء خطابات الجناح اليسارى والليبرالى لتكوين خطاب راديكالى شـعبوى

- ٢٧٥ -

والذى استمر لفترة عقب الثورة وقـام بإبعـاد جميـع القـوى غيـر ثورى لم تشكل معظـم األحـزاب االشـتراكية أى ١٩٧٩ بعد ثورة ٢٧٠.اإلسالمية

معارضة حقيقية تمثل تحدى للنظام بل قدمت بشكل أو بآخر سلوكا غير ناقدا )٢٧١(.ومساندا فى أحيان أخرى للنظام الجديدسية للثورة اإليرانية هـى الشـعوبية يرى بعض المحللين أن السمة الرئي

والتى خرجت من عباءة سياق دولى تسيطر عليه الواليات المتحدة ومحـيط إقليمى بدأ ينظر إلى النهج اإلسالمى كحل لألزمات التى يمر بها وبيئة إقليمية تعانى من تنمية مضطربة ذات نمط رأسمالى وتحالف ثورى ذو قاعدة واسعة

تحـول الخطـاب ١٩٧٩وبعد انتصار . ابر للطبقات وتمتلك خطابا واحدا ع الشعبوى للحركة الثورية إلى أيديولوجية إسـالمية شـعبوية تبنتهـا الدولـة

وركزت هذه األيديولوجية على السياسة والثقافة ونجحت . اإليرانية بعد الثورة حيث تم الرجـوع . فى مجالهما إال أنها فشلت فى تحويل العالقات االقتصادية

ر من السياسات التى نادت بهـا الدولـة فـى النصـف األول مـن عن كثي الثمانينيات وساد إدراك عام من عدم القدرة على الغاء التبعية بشـكل مطلـق وأنه الغنى عن اعادة التعاون مع العالم الرأسمالى بل حتى علـى مسـتوى

)٢٧٢(.سياسة تنظيم األسرة عادت الدعوة إليهاات العنف المستخدم من النظـام الجديـد مثل جميع الثورات ارتفعت درج

فزاد عدد المساجين واالعتقاالت والمحاكمات حتى بدأ اإلمام الخمينـى فـى بينما كان يقوى الفقهاء مـن مركـزهم ٢٧٣.التحذير من استمرار هذه األفعال

واجهت الحكومة المؤقتة بزعامة بازرجان ومن بعدها الحكومـة فـى ظـل د من العقبات االقتصادية الكبرى بسـبب مـا رئاسة بنى صدر القصيرة العدي

عاناه االقتصاد اإليرانى إبان فترة الثورة من إضـرابات وفوضـى، فظهـر التضخم والبطالة وضعف اإلنتاج وقلة السلع بوضوح فى هذه الفتـرة وممـا

- ٢٧٦ -

زاد الوضع سوءا هجرة ما يقرب من مليون نسمة إلى طهران خالل الثمـانى ولقد اختلـف بنـى صـدر مـع حـزب )٢٧٤(.رةأشهر األولى فقط من الثو

أزمة الرهائن، تكوين الـوزارة : الجمهورية اإلسالمية حول عدة مسائل منها وانتخابات المجلس والحرب العراقية واالقتصـاد المنهـار والموقـف مـن

حيث حاول خلق مؤسسة رئاسة قوية ولم يكـن يسـاند )٢٧٥(.مجاهدين خلق ولقد وضع يده ()٢٧٦(.ثله مثل بازرجان مؤسسة الدور الفقهى كحارس للدولة م

على المشكلة التى يعانيها وفجرها خاتمى من داخل عباءة الفقهاء بعد ذلك مع وبرحيـل ). بداية القرن الواحد والعشرين ولكن بطريقة مختلفة وأكثر مهادنة

الرئيس األول للجمهورية اإلسالمية بسبب تأزم الخالفات حول هذه المحـاور الميين على الحكم فى إيران ويدعمهم القطاع األكبـر مـن بدت سيطرة اإلس

.وترجم ذلك مؤسسيا بتولى خامنئى رئاسة الجمهورية. الفقهاءومثلها مثل باقى الثورات اتحد التحالف الثورى فى مواجهة الشاه ورفض النفوذ األمريكى ولكن اختلفت أجنحته حول مصدر السلطة والشرعية وشـكل

ارى يريد الماركسية واليمينى بقيادة خمينى يبغى حكومـة فالجناح اليس . الحكمإسالمية أما بقية اإليرانيين فلقد قطعوا صلتهم بتاريخهم الملكى الطويل دونما

وربما أكثر الرغبات وضوحا فى إطار . تمحيص فى البديل الذى سيحل محله ثورة تحمل شعارا إسالميا هو خلق كيان سياسى قادر علـى دمـج األفكـار

)٢٧٧(مختلفة من حرية وتحديث فى سـياق مـن القـيم التقليديـة والتقاليـد الومن ثم اتضح الطابع اإلسالمى لحكومة إيران ما بعد الثورة بعـد . اإلسالمية

.فترة قصيرة من النزاعات والتى اتضح فيها هيمنة اإلسالميين منذ البدايةالمية، يجعل إن التنوع الشديد للعناصر التحالف إلى كون الجمهورية اإلس

ولقد لعب حزب الجمهورية اإلسالمية . من الصعب توقع تكوين نظام وحدوى وظهـر داخـل النظـام اإلسـالمى . دورا هاما فى التنسيق بين اإلسالميين

- ٢٧٧ -

جماعات شبه معارضة تتمايز باختالف الدعاوى حول مزيد من تدخل الدولة أمـا خـارج . هأو أقل أو حول تأييد قانون اإلصالح الزراعى أو معارضـت

النظام فلقد تم إبعاد القوى المعارضة فمثال تم إبعاد القوميين العلمانيين تمامـا فى حين ظلت حركة تحرير إيران تحاول أن ١٩٨١عن النشاط السياسى منذ

لقد واجهـت )٢٧٨(.تلعب دور المعارضة المخلصة لسنوات عديدة عقب الثورة لمانية داخل وخارج إيران وفى الحكومة اإلسالمية مجموعة من الحركات الع

ومـن خـالل . الداخل أهمها كان جماعة فدائى خلق ذات التوجه الماركسى إقصائها لليبراليين والعلمانيين والبهائيين ثم مجاهدى خلق، بـدت الحكومـة

وحاليا تمثل جماعة مجاهـدى )٢٧٩(. يمينية بشكل أوضح ١٩٨٢اإليرانية منذ ة قوة المعارضة الرئيسية للنظام اإليرانى خلق المتركزة فى األراضى العراقي

١٩٨٧ وبحل حزب الجمهورية اإلسالمية فى )٢٨٠(.ما بعد الثورة فى الخارج ولكـن .أصبحت حركة التحرير الحزب السياسى العامل الوحيد بشكل مفتوح

قيد اإلمام الخمينى عملها لقيامه بلعب دور الحكم بين القطاعات المتصـارعة القيام بتحالفات تكتيكية ومثل إقصاء منتظرى قبل وفـاة مما منع الحركة من

فلقد حظيـت )٢٨١(.اإلمام الخمينى مباشرة ضربة خطيرة لحركة تحرير إيران ثم تعددت الجبهـات )٢٨٢(.هذه الحركة بعالقات مع المؤسسة الفقهية والبازار

.السياسية التى تعمل وتقوم بأنشطة حزبية خاصة خالل فترة االنتخاباتاءت الدستورية الغربية فى التجارب الغربية عقب حسـم مسـألة بينما ج

فصل الدين عن الدولة، فإنه فى األمم اإلسالمية لم تحسم هذه القضـية ولـذا اتخذت الدستورية إشكاال عدة لتنسجم مع القوانين اإلسالمية ومثلت إيران هذه

أمـا عـن دسـتور . ١٩٠٧-١٩٠٦وكانت أوضح فى دسـتور . اإلشكاليةورية اإلسالمية فلقد تمت صياغته فى إطار من عـدم الشـعور بعقـدة الجمه

بل تمت صياغة األهـداف . النقص تجاه ما هو غربى أو فى ظل خلط فكرى

- ٢٧٨ -

ومن أهم المواد التى حددت سمة النظام اإليرانى عقـب )٢٨٣(.الدينية بوضوح مة لتحديد السياسات العا " التى أعطت للزعيم سلطات هائلة ١١٠الثورة المادة

يعتبر مفهوم والية الفقيـه الـذى قدمـه اإلمـام )٢٨٤(".للجمهورية اإلسالمية : الخمينى أجرأ محاولة فى التاريخ اإليرانى إلخضاع كافـة أبعـاد المجتمـع

وينبـع . السياسية، االجتماعية، الثقافية واالقتصادية لفكرة الحكومة اإلسالمية ى إيران من ذلـك الشـد الجدل حول والية الفقيه كمحور للحكم اإلسالمى ف

والجذب التاريخى بين الروحى والدنيوى حيث يثور تسـاؤل رئيسـى عـن إنها إشكالية محوريـة . مصدر سلطة الفقيه هل هى اإلرادة اإللهية أم الشعبية فقد برزت من جديـد ٢٨٥.للشعب اإليرانى الذى يتفرد بميراث شيعى فارسى

الدولـة بعـد الثـورة مسألة الدستورية وموقع الشـريعة اإلسـالمية فـى ٢٨٦.اإلسالمية

يستند النظام السياسى اإليرانى إلى مرجعية دينية قائمة على مفهوم واليـة ظهر فى إطارها نظام تتوازى فيه المؤسسـات تاركـة نوعـا مـن . الفقيه

فهنـاك ثنائيـة علـى .االزدواجية ولكنها حتى اآلن لم تؤدى إلى شلل النظام ن المرشـد الروحـى والـرئيس وإن كانـت مستوى السلطة التنفيذية ما بـي

صالحيات األول ال تقارن بما هو معطى لمؤسسة الرئاسة، وعلـى مسـتوى السلطة التشريعية هناك مجلس الشورى اإلسـالمى يقابلـه مجلـس صـيانة

وهناك مجلس . الدستور ثم مجلس تشخيص المصلحة التى يحكم بين الطرفين وفى إطار هـذه . نتخاب المرشد الجديد الخبراء الذى يقوم بعد وفاة المرشد با

المنظومة يسيطر المرشد على الحرس الثورى والقضـاء ومجلـس صـيانة )٢٨٧(.الدستور ومجلس تشخيص المصلحة واإلعالم المرئى والمسموع

لم يسيطر فقط الفقهاء على أجهزة الدولة بل إنها تضخمت بشكل ملحـوظ الكبرى للدولة اإليرانيـة مرتـان فكانت بمثابة النقلة الثالثة )٢٨٨(.عقب الثورة

- ٢٧٩ -

فى ظل الدولة البهلوية بتولى كل من األب وابنـه والثالثـة عقـب الثـورة اإلسالمية وكأن كل تغيير يشهده النظام السياسى فى التاريخ اإليرانـى البـد

.وان يقترن بمزيد من تضخم الدولة. لمؤسسـية امتلك التيار الفقهى المناصر لرؤية خمينى السياسية السيطرة ا

فهيمن على مجلس الخبراء الذى خط الدسـتور بمسـاعدة مجلـس صـيانة الدستور كما سيطر حزب الجمهورية اإلسالمية على نصف مقاعـد مجلـس

ولم يتبق لتمكين قبضتهم إال السيطرة على الوزارة التى حلت محل . الشورىوألن الشـريعة أصـبح . المجلس الثورى وبطرد بنى صدر تحقق لهم ذلـك

حور قانون الجمهورية اإلسالمية سيطر الفقهاء باعتبارهم من يقوم بتفسـير موتمكنـت وزارة اإلرشـاد . الشريعة بالسيطرة على المجلس األعلى للقضاء هـذا علـى مسـتوى )٢٨٩(.اإلسالمى من السيطرة على الوسائل اإلعالميـة

المؤسسات الرسمية االعتيادية للدولة ومن ناحيـة أخـرى امتلـك الجنـاح إلسالمى عدة أدوات مؤسسية هامة ولكن ثورية مكنته من السيطرة المبكـرة ا

والحاسمة على تطور النظام السياسى اإليرانى ما بعد الثـورة مـن أهمهـا المجلس الثورى واللجان التى بدأت من المسـاجد وانتشـرت إلـى العمـال

ثورية والطالب وكافة الجهات الحكومية، ثم هناك الحرس الثورى والمحاكم ال وكونت المؤسسات الثالث الثوريـة . التى سيطر عليها الحركيين اإلسالميين

الهامة وهى اللجان والحرس الثورى والمحاكم الثورية دولة منافسة لحكومـة بازرجان امتلكت مقاليد األمور وتقوت مراكزها من خالل صـالتها الوثيقـة

ع، فاسـتطاعت أن بقمة النظام الفقهى ومن خالل العنف على مستوى الشـار وبـذلك )٢٩٠(.تدخل فى صراع على السلطة واسع المدى مع الحكومة المؤقتة .استمر التفوق ألدوات الثورة الحقيقية وليس الحكومة الرسمية

- ٢٨٠ -

وحتى تكتمل حركة السيطرة كان البد للفقهاء من استعادة سيطرتهم علـى ـ ى وضـعتها الدولـة التعليم وتطهيره من أى آثار للعلمانية والقيم الغربية الت قضـت عمليـة )٢٩١(.البهلوية وتم ذلك من خالل ما عرف بالثورة الثقافيـة

المجتمع اإليرانى ما بعد الثورة على علمنة التعليم التى قام بها الشـاه " أسلمة"تمت مراجعة الكتب المدرسية فى المدارس االبتدائية والثانويـة وتـم . تماما

فكثـرت . كانت الثورة واإلسالم بديال له محو التركيز على المكون الفارسى و وارتبط هـذا التـوائم الثقـافى مـع ). أربعين ألفا (عمليات الطرد المدرسين

مؤسسات الدولة اإلسالمية وخاصة الحرس الثورى الذى أدى وظيفـة هامـة أعلت ثورة . متمثلة فى توفير االستقرار والنظام للنظام الجديد وأجندته الثقافية

)٢٩٢(. اإلسالمى للثقافة اإليرانية وحولت الدين إلى سياسة من البعد١٩٧٩وتحقق بناء الدولة ما بعد الثورة من خالل تحول الكثير مـن المؤسسـات الثورية المستقلة إلى تنظيمات بيروقراطية مثل المجالس الثورية وحملة إعادة البناء الزراعية والباسدران، مع تكوين مؤسسات جديدة وتقويـة المؤسسـات الموجودة الخاصة بالقوة مثل الباسدران والباسـيز باإلضـافة إلـى الجـيش الموروث من الشاه وجميعها أدت إلى التوسع فى هياكل الدولة ولكن فى ظل

)٢٩٣(.غياب طبقة مهيمنة تسيطر على وسائل اإلنتاجاألول يتخذ مواقف : وانحصرت الخالفات داخل القطاع الفقهى فى جناحين

ويطلق عليه خط اإلمام ويدعو إلى مؤسسة والية الفقيه وتأميم أكثر راديكالية أما الجناح الثانى . الصناعات المحورية وإحكام القيود على التجارة الخارجية

الموازى فيسمى بالحجتية وهو إن كان يؤمن بضرورة الثورة الثقافية إال انـه فظـة مـن يتخذ مواقف أقل تشددا فى السياسات المختلفة فتبنى مواقـف محا )٢٩٤(.اإلصالح الزراعى وتأميم الصناعات والتجارة ومن قانون العمل

- ٢٨١ -

وعند قيام الثورة اإلسالمية بزغ المجلـس النيـابى المعـروف بمجلـس الشورى اإلسالمى إلعطاء اإليرانيين حكومة أكثر تمثيلية مـن أى حكومـة

وأصبحت االنتخابات غير مزيفة وفى نفس الوقـت . أخرى عرفوها من قبل غير مفتوحة بالكامل طالما يتم تأمين ترشيح من يضمن النظام والئهم لفلسفة

إال أن المجلس . الثورة اإلسالمية وأهدافها عن طريق مجلس صيانة الدستور ولتعبيره منذ السنوات األولى . قدم درجة مقبولة من الشرعية للنظام باعتباره

، فبعد أن تم ١٩٨٤ منذ وبدأت تتضح الخالفات داخله . من الثورة عن التنوع فرض األسلمة كمنهج عام بدأ المجلس المبارزة مع مجلس صيانة الدسـتور حول حقوق الملكية فظهر التباين فى المواقف جليا حول توجـه الجمهوريـة

وبدأت االختالفات تتضح حول ضرورة االختيار بـين الثـورة أم . اإلسالمية الحكم الفقهى ما بـين معتـدل وكان هذا الجدل وراء تصنيف أعضاء . الدولة

بـالرغم . وراديكالى أو براجماتى ومتشدد واآلن ما بين اإلصالحى والمحافظ من دور مجلس صيانة الدستور الذى لعبه كقوة محافظة ظل المجلس يعمـل

)٢٩٥(.كأكثر الهياكل المؤسسية فى الحكومة اإلسالمية اعتداالمنهـا : مينى عـدة إنجـازات لقد حقق النظام اإليرانى فى ظل اإلمام الخ

مواجهة حرب طويلة ومريرة مع العراق والحفـاظ علـى سـالمة إيـران اإلقليمية، وإمداد الريف بالكهرباء واألهم هيمنة اإلشـكال اإلسـالمية مـن

من القضايا األخرى التى نجحت إيران ما بعد الثورة فـى حلهـا ٢٩٦.الحياةنجح النظام اإليرانى فى إيجـاد مسألة الخالفة، وكانت من أكثر القضايا التى

حل سلمى وفعال لها سواء على مستوى الرئيس أو المرشد على عكس الدولة : البهلوية التى تولى فيها الشاه فى المرتين بطرق غير طبيعيـة أو دسـتورية

ولقـد . األولى بناء على انقالب والثانية من خالل تنحية األب يد قوى أجنبية عن شرط مرجعية التقليد فى المرشد وتـم االكتفـاء تخلى التعديل الدستورى

- ٢٨٢ -

بأن يكون حجة اإلسالم ومن ثم وسع من مجال االختيار وهو تعديل ارتـبط ولـم . بعدم الرضاء بمعايير النظام عن مراجع التقليد الذين على قيد الحيـاة

يؤثر موت اإلمام الخمينى على سيطرة الفقهاء السياسية على السياسة والثقافة وبذلك مثل العقد األول مرحلة إثبات تماسك النظام فى مواجهة ٢٩٧.يرانفى إ

واعتبرت التسـعينيات وخاصـة بعـد تـولى . التحديات الداخلية والخارجية رافسنجانى بمثابة الجمهورية اإليرانية الثانية نظرا لبدء مرحلة جديدة بقيادات

ى الجدل الدائر جديدة ومشاكل أخرى وبالتالى قضايا جديدة استدعت تطويرا ف .فى أوساط النخبة اإليرانية والمجتمع اإليرانى

فوجـود . شهدت التسعينيات توسعا فى المشاركة السياسـية والمعارضـة رافسنجانى المعتدل ومساحة حرية الحركة التى خلقتها األجنحـة المتنافسـة

ـ . وتعدد مراكز القوة فتحت المجال للتغيير الديناميكى ى وبالرغم من التدخل فعملية الترشيح لالنتخابات إال أن االنتخابات ذاتها كانت تجرى بـدون فسـاد

امتألت الساحة البرلمانية بالجدل حول سياسـة الحكومـة . وباستقاللية نسبية . وشعورا بحرية النقد ورفض التعيينات الرئاسـية والمبـادرات البرلمانيـة

٢٩٨. المستقلةوانتعشت الحياة الثقافية بالجدل وتزايدت أعداد الصحفبالرغم من تزايد قوة التيار المعتدل داخل مجلس الشورى اإلسالمى فـى التسعينيات إال أنه لم يظهر رغبة حقيقية للوقوف وراء بـرامج رافسـنجانى

وبتصاعد النقد العام لفترة التقشف المصاحبة لإلصالح نشأ داخل . اإلصالحيةقتصـادية وتحـديث المجلس تحالف جديد لضرب براجماتيـة السياسـة اال

الفقهـاء " االقتصاد بل واستهدف رافسنجانى ذاته حيـث رأى كثيـر مـن أنه يستخدم اإلصالح االقتصادى كوسيلة إلضعاف مكانـة ودور " السياسيين

وتكون هذا التحالف الجديد من مناوئى األمـس . الفقهاء فى المسائل الداخلية ضم المتشددين واليمينيـين خالل السنوات األولى من الجمهورية اإلسالمية ف

- ٢٨٣ -

فلقـد . من الجناح المحافظ للدفاع عن األيديولوجية الثورية والمصالح الذاتية تجمعوا حول عدة مسائل جوهرية تحت قيادة خامنئى الذى بدأ فى اسـتخدام سلطاته الدستورية كسلطة نهائيـة فـى الجمهوريـة اإلسـالمية إلجهـاض

عيم سياسى وحيد ال ينافسه أحد فـى البراجماتيين ووقف تقدم رافسنجانى كز وبذلك تغيرت استراتيجية المرشد فى عهد خمينى القائمة على التوازن . إيران

. بين األجنحة المختلفة إلى سياسة مساندة الجناح المحافظ فى عهـد خـامنئى ومن ثم توحدت جهودهم حول القضايا الثالث الرئيسية المثيرة للجدل منذ قيام

مية وهى تدخل الدولة فى االقتصـاد والفـرض الصـارم الجمهورية اإلسال لمعايير السلوك اإلسالمى والعالقة مع الغرب والتى باتـت تهـدد سـيطرة

ومنـذ الواليـة الثانيـة ٢٩٩.البراجماتيين على السياسـة العامـة اإليرانيـة لرافسنجانى بدأت تتضح إشكالية النظام السياسى اإليرانى الرئيسية بعد الثورة

نافس بين اإلصالحيين والمحافظين وشكاوى األوائل المسـتمرة مـن وهى الت تدخالت الجناح المحافظ إلعاقة أى إصالحات سواء أكانت اقتصادية كـالتى

وامتد الجدل فى هـذا . ركز رافسنجانى أو سياسية وثقافية كالتى ركز خاتمى الشأن ليشمل االختصاصات الدستورية الواسعة للمرشـد والتـى أصـبحت

دم بشكل أكثر وضوحا ومباشرة فى هـذا الصـراع لصـالح الطـرف تستخ .المحافظ : القضايا الجدلية ما بين المحافظين واإلصالحيين-ب

ومن الممكن إرجاع بزوغ الخالفات والتباينات بين المعسـكرات داخـل الجناح اإلسالمى على السطح إلى انتهاء الحرب مع العراق ومـوت اإلمـام

تتعدى الحدود بما يهدد بقاء النظام والجديد أنها اتضـحت ولكنها لم . الخمينى .بشكل أكثر عالنية وانفتاحا

- ٢٨٤ -

األولـى : بالرغم من مرور نظام الجمهورية اإلسالمية بمرحلتين أساسيتين مرحلة تأمين انتصار الثورة اإلسالمية خالل عقد الثمانينيات، والثانية مرحلة

ات الرئيسية التى زرعت فـى طريـق بناء الدولة اإلسالمية بعد تخطى العقب الثورة اإلسالمية، إال أن الجدل استمر طوال هاتيتن المرحلتين بـين تيـارين تعددت مسمياتهما ولكن انحصر االختالف بينهما حول شكل ودرجة التمسـك بمبادئ الثورة فاألول الملقب بالمحافظين يـزداد تمسـكه الحرفـى بـالثورة

صالحى يبغى التغيير فى إطار هذه الثورة بشكل ومبادئها والثانى ويسمى باإل .يجعل من المرونة سبيال لحل كثير من المشاكل التى يراها ما زالت موجودة

فلقـد كـان . ولكن تغيرت األرضية التى ينطلق منها الجدل عقب الثورة الوضع قبلها يتباين ما بين يساريين وليبراليين وعلمانيين وإسالميين، أما مـع

قرن فى ظل انتصار الثورة اإلسالمية أصبح التبـاين داخـل نطـاق نهاية ال أرضية اإلسالم التى تضم تيارات مواقفها متنوعة من قضـايا رئيسـية لـم

ووسع من دائـرة الجـدل أن األرضـية . يحسم غالبية المجتمع األمر حولها الواحدة التى تجمعهم هى دين صالح لكل العصور واألزمنة يسـمح بتبـاين

رات فى الفروع التى على كل مجتمع حسمها بما تقتضـيه المصـلحة التفسيوألنه جـدل يـرتبط باالجتهـادات . بحسب ظروف المكان واللحظة المعنية

الفقهية أيضا فمن المهم اعتباره أحد األبعاد الهامة والجديدة داخـل التجديـد لـربط اوربما تقدم إيران نموذجا فريدا فى هذا اإلطار فـى . الفقهى والفكرى

حيث اختلطت الفتاوى بعملية التشريع القانونى داخل . القوى بين الفقه والحكم الجمهورية اإلسالمية بشدة ممثلة ليس فقط فى آراء مجلس صيانة الدسـتور الرقيب الشرعى على مشاريع القوانين التى تصـدرها السـلطة التشـريعية

ى المرشد ليس فقـط فى فتاو ) ربما األهم وبشكل أكثر حسما (للقوانين ولكن فى ظل اإلمام الخمينى بل أيضا فى ظل خامنئى حيـث أضـحت أى فتـوى

- ٢٨٥ -

يصدرها المرشد من منصبه هذا قرارا سياسيا نهائيا من الصعب رده إن لـم .يكن مستحيال

فتوى هامة جدا أعلـت مـن سـلطة ١٩٨٨قدم اإلمام الخمينى فى بداية مطروح دوما داخـل النظـام الدولة فى مواجهة المسجد حيث كان السؤال ال

اإليرانى عقب الثورة هو عند تحديد المسائل الجوهرية فى السياسات العامـة هل تكمن السلطة فى المسجد أم فى الدولة؟ لقد أعطى الخمينى للدولة سـلطة غير محدودة لتنظيم شئون المجتمع مؤثرا بذلك على مكانة مجلـس صـيانة

ذلك لم يمنع الجدل بـين البراجمـاتيين ولكن. الدستور وقيمة قراراته شرعيا وبعدها بعام بدأ تصاعد قـوة التيـار المعتـدل . والمتشددين حول التفاصيل

وانعكس ذلك على انتخابات المجلس الثالث التى انخفضت فيها نسبة عضوية إن من أهم ما يميز نموذج الدولة اإلسـالمية فـى )٣٠٠(.الفقهاء إلى النصف

الواضح ما بين الفتاوى أو مسـار التجديـد الفقهـى إيران هو حالة الترابط . وتطور الواقع السياسى وتوازن القوة ما بين التيارات المختلفة فـى إيـران

فللمستوى الفكرى أو الفقهى مردود تطبيقي من السهل مالحظته، فهى حالـة .ترابط ديناميكى فاعل

رشد الروحـى وآخر هذه الفتاوى الفتوى التى أصدرها آية اهللا خامنئى الم للثورة بشأن مخالفة قانون الصحافة الجديد للمصلحة والشرع والتى أرسـلها لمجلس الشورى اإلسالمى واستند عليها مجلس صيانة الدستور فـى رفـض

ولقد سرت هذه الفتوى على جميع المشاريع )٣٠١(استفسارات مجلس الشورى حافة الحالى يعـد واللوائح الخاصة بالصحافة وبذلك فأى تغيير فى قانون الص

)٣٠٢(.مخالفا للشرعخاصة فى (فى ظل تطبيق والية الفقيه تحققت السيطرة الشخصية للمرشد

، وتبعية الطبقة السياسـية واإلداريـة لشـخص )ظل كاريزما اإلمام الخمينى

- ٢٨٦ -

المرشد، وسيطرة المرشد على وسائل االتصال اإلعالميـة وعلـى مصـادر لحماية المستضـعفين ومواجهـة "التوزيع الثروة والقوة وبالتالى على عملية

وبالطبع خفت حدة هذه الصورة الثورية خاصة بعد وفـاة )٣٠٣(".المستكبريناإلمام الخمينى ولكن ظلت السلطات الدستورية الواسعة الممنوحـة للمرشـد

" هاشـمى رافسـنجانى "فمع تولى حجة اإلسالم . سمة رئيسية للنظام اإليرانى عد مـوت اإلمـام الخمينـى بـدأت المشـاكل وخاصة ب ١٩٨٩الرئاسة فى

وفى المقابل زاد توجس التيـار المحـافظ . المصاحبة لتحول الثورة إلى دولة وأسـرعت . من محاوالت االنفتاح التى يراها مساسا بمبادئ الثورة اإلسالمية

. وتيرة االستقطاب الفكرى والسياسى بين التيـارين المحـافظ واإلصـالحى رنامج اإلصالحى لخاتمى فى إقامة دولـة المؤسسـات وتمثلت أهم مالمح الب

وتحقيق سيادة القانون وتقوية المجتمع المدنى وتحقيق المصالحة بين اإلسـالم والديمقراطية وتأكيد حرية الرأى والتعبير وتطبيع العالقات الدولية واإلقليمية

)٣٠٤(.إليرانات عديـدة لقد جرت المواجهة بين التيارين اإلصالحى والمحافظ فى ساح

وباستخدام وسائل متنوعة لعل أهم األدوات المسـتخدمة محاصـرة التيـار المعتدل فى الصحافة باستخدام صالحيات السلطة القضائية التى يسيطر عليها

ولكن من الواضح أن التيار اإلصالحى تتسع دائرة مؤيديه فـى . المحافظونعض األحـداث وفسـر الـب . الشارع اإليرانى خاصة وسط الشباب والنسـاء بـالثورة " والتى وصفت ١٩٩٩الطالبية الكبرى التى شهدتها إيران فى يوليو

باعتبارها األولى من نوعها منذ قيام الثورة " االنتفاضة الطالبية "أو " الطالبيةبأنها تأكيد لرغبة قطاع الشباب الذى يمثل حـوالى نصـف عـدد السـكان

يعنى دعما للتيار المعتدل حتـى اإليرانيين فى اإلسراع بمسيرة اإلصالح مما بدأ خاتمى عامه األول بتوسيع حريـات )٣٠٥(.فى األجلين المتوسط والطويل

- ٢٨٧ -

التعبير إال أنه مع نهاية واليته األولى اكتملت عملية تقييد كافة الحريات التى وفى نفـس الوقـت )٣٠٦(.كانت مكفولة للصحافة التى بدت مناصرة للرئيس

اكل المؤسسية المحورية مما قد يعنى شدا وجذبا يسيطر المحافظون على الهي بين المجتمع والدولة لفترة قد يحسمه تصاعد التيار اإلصالحى على مسـتوى المجتمع أكثر خاصة وأن بعض التحليالت تشكك من قوة التيار اإلصـالحى الحقيقية فى المجتمع بالنظر للمكانة الدينية الكبرى التى يحتلها الفقهـاء فـى

.المجتمعبـل أثيـرت خـالل -من بين المسائل المثيرة للجدل حتى هذه اللحظـة

إشكالية عدم توازن السلطات ما بـين -االنتخابات الرئاسية اإليرانية األخيرة واتساع سلطات األول بشكل قد يضـر بـالتوازن الـداخلى المرشد والرئيس

مشـكلة فى محاولة لحل هذه ال ١٩٨٩لقد جاء التعديل الدستورى فى . للنظام بحيث يقوى من النظام القائم الذى يعمل بكفـاءة ١٩٧٩الموروثة من دستور

فبينما يـوازن مجلـس األوصـياء . فى حالة توافق كل من المرشد والرئيس وطوال حياة خمينـى لـم . مجلس الشورى اإلسالمى يوازن المرشد الرئيس

)٣٠٧(.امتتضح أهمية هذا التعديل حيث كان محققا لإلجماع بحق داخل النظوجاء خامنئى وغير من التاريخ ما بعد الثورى بتوسيع إشرافه الروحـى

فمنذ توليه منصب المرشد بـدأ فـى توسـيع . ليتضمن شئون الحكم اليومية قبضته لتشمل شئون البرلمان والرئاسة وحتى حلقـات الفقـه التـى طالمـا

خمينـى فعلى خالف اإلمـام ال . افتخرت باستقالليتها عن السيطرة الحكومية الذى لم يؤمن بالتدخل المباشر فى الشئون السياسية اليومية أدخـل خـامنئى نفسه فى نطاق واسع من األنشطة الحكومية وأضـعف مـن قـوة الـرئيس

)٣٠٨(.المعتدل

- ٢٨٨ -

يقدم خاتمى الوجـه الباسـم "فهذه هى إيران الجديدة كما قال أحد المحللين نئى جعل نفسه مستهدفا بالنقـد إال أن خام " للغرب بينما يحكم المحافظون البلد

مثله مثل أى سياسى واصبح المنصب الذى لم يكن من الممكن المسـاس بـه معرضا للجدل حول صالحياته وكيفية الرقابة على قراراته وذلك بالرغم من أن نقد المرشد األعلى عقوبة يعاقب عليها بالسـجن ثـالث سـنوات كحـد

جمع الخمس والزكاة المصـدر بل حاول خامنئى السيطرة على نظام .أقصىالتقليدى لقوة واستقاللية الفقهاء وقام بعدة زيارات القتراح تأسيس قنوات لهذه

وقابل معظـم . الماليين من الدوالرات فى إطار صندوق عام تحت سيطرته كبار الفقهاء هذا االقتراح بالرفض ألنه يحرمهم من شـبكة الـوكالء القيمـة

وقام خامنئى بـذلك . رشد الروحى وليس لمقلديهمويجعل والء طالب الفقه للم بخلق انقسام آخر داخل الفقهاء فى قم ما بين المهمومين بمسـتقبل اإلسـالم الشيعى ومؤسساته أكثر من دولة زمنية تناصر الدين وبدا النقد بشكل منفـتح

وقد تدفع محاوالت خامنئى الكثيـرة )٣٠٩(.أكثر يوجه لمنعطف خامنئى الجديد طاته وموارده واستخدام صالحياته فى نطاق غير ضرورى إلـى لتوسيع سل

زيادة التيار الناقد له ولصالحيات المنصب الذى يمثله والمطالبة بتغيير دوره .ولو من خالل تعديل دستورى

وفى المقابل فجر خاتمى بنفسه هذه القضـية عنـدما أعلـن أن رئـيس فالمرشـد )٣١٠(.ة الدسـتور الجمهورية ال يملك السلطات الكافية لتنفيذ وحماي

يمتلك أكبر قدر من الصالحيات فى حين يتحمل رئيس الجمهورية أكبر قـدر من المسئولية، وعلى المستوى الكلى للمؤسسات هناك نوع من الصدام ما بين المؤسسات المنتخبة سواء مجلس الشورى اإلسالمى أو مؤسسة الرئاسة وبين

عليا فى تجنيد أعضائها مثـل مجلـس المؤسسات األخرى التى للمرشد اليد ال صيانة الدستور ومجلـس تشـخيص المصـلحة باإلضـافة إلـى السـلطة

- ٢٨٩ -

ومما زاد من الشعور بهذا الصراع أن المحافظين فـى ظـل )٣١١(.القضائية كـانوا ٢٠٠٠احتفاظهم باألغلبية البرلمانية قبل االنتخابات البرلمانية لعـام

مخططـة وغيـر موضـوعية يتمكنون من شل عمل الحكومة باستجوابات لوزراء خاتمى إلضعاف قوة التيار اإلصالحى وإبعاد وجوهه عـن السـاحة

التـى حظـى فيهـا ٢٠٠٠إال أن الوضع اختلف بعد انتخابـات . السياسيةاإلصالحيون باألغلبية، فبدأ استخدام القضاء لضرب الصـحافة اإلصـالحية

انة الدستور ومجلس ورموز اإلصالحيين واستفادوا من نفوذهم فى مجلس صي تشخيص المصلحة فى إفشال سياسات خاتمى، كما لجأوا إلى أجهـزة األمـن

)٣١٢(.والمخابرات للتدليل على قوتهم وأن الساحة لم تخل بعد لإلصالحيينفوفق الدستور يستطيع خامنئى تسريح رئيس الجمهورية ويقـوم خـامنئى

ى توجه محافظ والذين بالفعل برئاسة حكومة موازية مكونة من مستشارين ذو لقد فقد اليمين المتشدد االنتخابـات ولكـن . كثيرا ما يتخطون وزراء خاتمى

احتفظ بسلطات هامة داخل الهيكل التشريعى، الراديـو والتلفزيـون، قـوات كمـا يتمتـع خـامنئى . األمن وأئمة الجمع الذين يخضعون إلشراف المرشد القضـاء وشـبكات البـث بالسيطرة المباشرة علـى وزارة االسـتخبارات،

وتوازى هـذه القـوة . اإلعالمى ودعم المؤسسات الثورية االقتصادية القوية فبينمـا . على الصعيد المحلى قوة أيضا على عملية صنع السياسة الخارجيـة

يتمتع خامنئى بمساندة النخب القوية فإن خاتمى يتمتع بدعم الجمـاهير التـى لم يعاصر كثير منهم الحيـاة فـى ظـل انتخبته خاصة المرأة والشباب الذين

ولكن يجب اإلشـارة إلـى )٣١٣(.النظام الشاهنشاهى الحليف للواليات المتحدة نجاح خامنئى فى جعل نفسه فوق القوى السياسية عند الضـرورة بإعطائـه المساندة المطلوبة لخاتمى لدرء األزمات حينما تبدو وشـيكة وليعمـل علـى

بهدف تحقيق أقصـى درجـات االسـتقرار إعادة ترتيب األوضاع الداخلية

- ٢٩٠ -

فلم يسمح مطلقا للخالفات ما بين معسكرى السلطة أن تهدد أمن )٣١٤(.الداخلى .النظام وبقائه

ما بدا حتى اآلن هو أن الجناح المحافظ لم يحقق نجاحـا علـى مسـتوى الشارع اإليرانى حيث امتلك التيار اإلصالحى القوة االنتخابية فى حين تفوق

ويمكن النظر إلى أسلوب العمـل الحـالى . ون فى الهيكل المؤسسى المحافظعلى أساس أنه يحقق رضاء المعسكر المحافظ حيث يعمل التـوازن الحـالى لصالحهم، بل إن استمرار خاتمى فى السلطة وقيامه بتسيير األعمال اليوميـة ة للسلطة التنفيذية فى ظل سيطرة المرشد على السياسات العامة يحقق المصلح

اإليرانية ويضمن قدرا من االستقرار ال غنى للنظام عنـه فتبـدو الصـورة الديمقراطية إليران ذات مصداقية فهناك رئيس منتخب انتخابا حـرا ونزيهـا

.مع سيطرة المحافظين من وراء الستارمن المالحظ أيضا أن االنتخابات الرئاسية األخيرة قد شهدت نوعـا مـن

ين، حيث أعلن خامنئى فى إحدى خطبه أن تأييـد التراجع فى خطاب المحافظ الشعب هو أساس مشروعية النظام فى الجمهورية اإلسالمية، األمـر الـذى

ومـن ناحيـة أخـرى . يعنى نوعا من االعتراف بغاية المشروع اإلصالحى تعددت مؤشرات نجاح خاتمى النسبى فى تحقيق بعـض اإلنجـازات والتـى

فلقد ركـزت التحلـيالت . آلخر من الواقع بدورها تلقى الضوء على الوجه ا معظمها على القدرة المؤسسية التى يملكها التيار المحافظ وتفوقها حتـى اآلن على قوة التيار اإلصالحى فى الشارع اإليرانى ولكن للنظر إلـى الصـورة

صحيفة اغلبها يعبر عـن اإلصـالحيين ٤٠كاملة البد من ذكر أنه مع غلق صـحيفة ومجلـة أخـرى ٤٠٠لخاتمى فإن اكثر من خالل الوالية األولى

صـحيفة بعـد أن ١٢صدرت فى إيران واصبح المعسكر اإلصالحى يمتلك إلـى ١٩٩٧ وارتفع فى نفس الفترة من ١٩٩٧كان يمتلك صحيفة واحدة فى

- ٢٩١ -

٤٠٠٠كما تم تسجيل . عدد القراء من مليون إلى ثالثة ماليين قارئ ٢٠٠٠خيرتين من القرن الماضـى وتسـتطيع هـذه جمعية أهلية خالل السنتين األ

وبشكل عام نجـح خـاتمى فـى . التنظيمات أن تؤثر على توجهات المجتمع تحويل قطاعات عريضة من المجتمع إلى قطاعات مشاركة سياسـيا وعقـد مصالحة عامة بين حكومة الفقهاء والديمقراطية وفك العالقة المفترضة بـين

ال المطروح بشدة حاليـا علـى السـاحة والسؤ )٣١٥(.الديمقراطية والعلمانية اإليرانية ما الذى حققه التيار اإلصالحى حتى اآلن بالرغم مـن انتصـاراته

.االنتخابية المستمرة على الصعيد الرئاسى والبرلمانىيرى البعض أن إشكاليات هذا الوضع تنبع من الصراع داخـل الشـرعية

ما بين السيادة الشعبية التى : المزدوجة التى تقوم عليها الجمهورية اإلسالمية تقدمها االنتخابات الرئاسية والبرلمانية وما بين السلطة اإللهيـة كمـا يمثلهـا

فوفق هذه الرؤية يسـاند خـاتمى سـيادة . المرشد والمعبر عن والية الفقيه ولكن ال يذكر الدستور اإليرانـى سـيادة . الشعب ويدافع خامنئى عن الثانية

ده صاحب السيادة والمشرع الوحيد فقانونه موجه للشعب الشعب وإنما اهللا وح قد يكون للشعب رأي فى تسيير إدارة دولتهم فقـد يكونـوا . ومفروض عليهم

ولكنهم ال يتحكمـون فـى قـدرهم ) ٥٦المادة " (أسياد مصيرهم االجتماعى "وال يبدو التناقض فى الدستور فى الشرعية فطالما سـاند خـاتمى . السياسى

تباره المرجع إنما تقوم روح الدستور على إعـالء أيديولوجيـة الدستور باع فالصراع ينصب على إدارة الدولة فخاتمى يبغى االعتماد على الكفاءة . النظاموبذلك فالصراع هو تعبير مفتوح عن أزمة التوازن ما بين الهياكـل . المهنية

لـم )٣١٦(.المؤسسية أكثر من كونه توترا ما بين اإلصـالحيين والمحـافظين ولكن الجديد أن . ينازع خاتمى أبدا مبدأ أولوية الفقيه كما نص عليها الدستور

التناقض بين التفويض الشعبى للرئيس والتفويض الدستورى لواليـة الفقيـه

- ٢٩٢ -

فلـم يحسـم ٣١٧.كانت تحت السطح فى البداية ثم انفتحت علـى المـأل اآلن .بيقه البشرىاإليرانيون بعد كيفية التوفيق بين إالهية التشريع وتط

ولكنها عبارة عن نفس القضـايا (من المفاهيم الجديدة التى طرحها خاتمى ) والظواهر التى اختلجت داخل وجدان األمة اإليرانية طوال القرن الماضـى

، حكـم القـانون، حقـوق المـواطن، المشـاركة مفهوم المجتمـع المـدنى على الجمهوريـة دةلغة أيديولوجية جدي السياسية،حرية الفكر والتعددية وهى

فلقد دخل المجتمع المدنى المسرح اإليرانـى السياسـى كمفهـوم . اإلسالميةولكن فى ظل دولة مركزية قوية استمرت قرابـة القـرن، . ومشروع ومثالية

فهناك تنـاقض . فإن تطبيق وتمكين مفهوم المجتمع المدنى ليس باألمر السهل حيـث ". والثيوقراطية اإليرانية "نى تراه األدبيات الغربية ما بين المجتمع المد

تفترض نظريات المجتمع المدنى المتعددة أنه يتأسس على استقاللية األفـراد . والجمعيات ومن متطلبات هذه االستقاللية حيادية الدولة األيديولوجية والدينية

وترى بعض الدراسات الحديثة للمنظمات غير الحكومية االيراينة المصـاعب تطور هياكل المجتمع المدنى فـى الثيوقراطيـة التـى تفتقـد التى يواجهها

ففى الوقت الحالى ال يمتلك المجتمع . أساسيات الشفافية المؤسسية والمحاسبية ولذا مازال الجدل العام يختص . المدنى قوة للتأثير فى الدولة من خالل ممثليه

تمى أن يرى خـا ٣١٨.أساس بالمتطلبات األيديولوجية لتأسيس المجتمع المدنى النظام اإلسالمى يحتاج إلى فكر دينى معاصر قادر علـى جـذب الشـباب واالستجابة للتحديات الغربية والى شعب مستعد للمشاركة النشطة فى الحيـاة

فوفقا لـه يـرى أن . السياسية واالجتماعية لبلدهم من اجل البقاء واالستمرار ويقـوم . لهى مثـالى يعود الناس إلى السياسة والمشاركة فى تأسيس مجتمع إ

المجتمع المدنى لدى خاتمى على عدة افتراضات منها التفاعل المستمر بـين . الدين والسياسة فى اإلسالم وأن العلمانية ال مكان لها فى قلوب اإليـرانيين

- ٢٩٣ -

ومن هذا المنطلق ليس هناك ما يمنع ظهور مجتمع مدنى إسالمى دينـاميكى قد تعبر ٣١٩.ى حياة إيران السياسية ويعبر عن نفسه من خالل مشاركة دالة ف

النقلة من مفهوم األمة إلى المجتمع المدنى عن رغبـة النظـام المتصـاص الحداثة فى إيران حتى بتوفيقها مع التقليدية ومواجهة الحقـائق االجتماعيـة

ومن هنا اليتشابه مشروع المجتمـع المـدنى ٣٢٠.أكثر من تجاهلها ورفضها أنهـا يوتوبيـا . المدنى وفق المثاليات الغربية الذى يقدمه خاتمى مع المجتمع ففى إيران لكى يوجـد مجتمـع ).الورسوزكسية(جديدة شكل معاصر للتقليدية

وبهـذا . مدنى البد لمكوناته وأعضائه أن تحصل علـى موافقـة السـلطات إنهـا ٣٢١. المجتمـع المـدنى generatesالمنظور انها الدولة التى تخلـق

تنبثق من خصوصية إسالمية تشـمل العـالم خصوصية إيرانية أخرى ربما وفى هذا السياق قد يثـور التسـاؤل حـول دور الفقهـاء . اإلسالمى بأكمله

وهل تستطيع أن تقدم شـكال ! والمؤسسة الفقهية بمواردها المالية والتنظيمية خاصا من مؤسسات المجتمع المدنى يـتالءم مـع الخصوصـية اإليرانيـة

واإلسالمية؟العالقة ئل األخرى الهامة المثيرة للجدل بين الطرفين مسألة ومن بين المسا

فبالنظر لعمق التحول الثورى الذى حدث داخـل إيـران، فمـن . مع الغرب الصعب تصور إجراء التغييرات المطلوبة فى هوية النظام السياسـى بشـكل

وأمام جوهريـة . يغير من توجهاته الخارجية بما يتوافق مع الرؤية األمريكية ورية الخالف األمريكى اإليرانى فهو فى جذوره خالف حضـاري رأى ومح

التيار المحافظ فى العالقة مع الواليات المتحدة تعارضا مع مصـير الثـورة والنظام لما يمثله من تهديد للهوية اإلسالمية إليران التى ال يمكـن التفـريط

بمصلحة فى حين يتبنى التيار المعتدل حججا هامة هى األخرى خاصة . فيهاحيث عانت إيران من . الدولة اإليرانية وحاجتها الماسة لالستثمارات األجنبية

- ٢٩٤ -

مشاكل اقتصادية جمة وتفاقمت فى عهد الجمهوريـة اإلسـالمية فـى ظـل باإلضافة إلـى ظـروف داخليـة –ظروف الحرب ومواجهة الغرب للثورة

ول للثورة ضاعفت من المصاعب مثال ذلك أن تعداد السكان زاد فى العقد األ مليون نسمة، واكتظت مدن مثـل طهـران ٥١ مليون نسمة إلى ٣٥فقط من

وفى ظل هذه الظروف بـرزت دعـوة . -بسكانها مع تدهور البنية األساسية البراجماتيين إلى ضرورة عودة العالقات مع الغرب إلى طبيعتها خاصة فـى

ـ وفـى . راقإطار المضى فى عملية إعادة البناء عقب انتهاء الحرب مع الع زادت كثير مـن الصـالت والبعثـات ١٩٨٩ إلى فبراير ١٩٨٨الفترة من

إال أن قضية سلمان رشدى عادت وأعطت المعسـكر . الدبلوماسية مع الغرب الراديكالى فرصة إليقاف نفوذ البراجماتيين خاصـة فـى مجـال السياسـة

ـ . الخارجية ن وعاد المناخ مالئما لعزل بعض اإلصالحيين مـن النظـام ومأهمهم آيات اهللا منتظرى الذى كان خليفة للخمينـى خاصـة بعـد أن انتقـد انتهاكات حقوق اإلنسان ودعا للتواؤم مع العناصر الليبراليـة مثـل حـزب

وفى الواقع لقد خفت حدة النقاش فى هذه القضية حيث )٣٢٢(.الحرية لبازرجان لغرب حتـى بدأ كثير من رموز المحافظين يخففون من حدة خطابهم العدائى ل

كما سبق وأشير مـن (دعا البعض منهم لعودة العالقات مع الواليات المتحدة ).قبل

ولتصنيف التيارات األيديولوجية بشكل أكثر دقة وإزالة ألى لبس، البد من . الثقافيـة -االجتماعية والقضايا السياسـية -الفصل ما بين القضايا االقتصادية

ا بين اليسار واليمين بالنوعية األولـى ففى السياق اإليرانى يختص التمييز م فالتيار اليمينى يؤيد توسيع دور القطاع الخاص فى حين يـدافع : من القضايا

أما التمييـز . اليساريون عن أهمية دور الدولة ومزيد من عدالة توزيع الدخل ما بين التيار المحافظ والتيار المعتدل اإلصالحى فينصـب علـى المسـائل

- ٢٩٥ -

فالمحافظون يؤمنون بعدم إطـالق الحريـات السياسـية : فيةالسياسية والثقا والثقافية، فى الوقت الذى يدعو فيه اليمين لمزيـد مـن االنفتـاح السياسـى

وال يشترط أن يرتبط اليمين باالعتدال بل قد يظهر علـى العكـس . والثقافىومن ثم ال تناسب منظومة القيم الليبراليـة الغربيـة . تنظيم يسارى إصالحى

ى تربط بين السوق الحر والحريات المدنية والسياسـية الواقـع اإليرانـى الت )٣٢٣(.بحيث تتداخل المواقف األيديولوجية بالنظر للقضية محل البحث

وتبقى اإلشارة إلى التباينات داخل كل معسكر سواء أكان اإلصـالحى أو فعنـد النظـر إلـى . المحافظ حيث تعدد اآلراء والمواقف فى سياق كل تيار

الجدل السياسى الحالى داخل دوائر المصلحين يالحظ انقسام أيديولوجى يكسر وحدة الحركة اإلصالحية التى كانت سائدة خالل االنتخابات الرئاسـية لعـام

فهناك قطاع داخل اإلصالحيين يرفض الطابع السـلطوى المطلـق . ١٩٩٧لمرشد مثل لسلطات المرشد داخل الكيان السياسى ويرى أنه البد من اعتبار ا

وهـم . أى مسئول عام ال يعلو على القانون ويجب محاسبته من قبل الشـعب وهناك إيحاءات أيديولوجية لهذا . بطريقة أو بأخرى يطالبون بتعديل دستورى

المطلب يستخدمها اإلصالحيون مثل استخدام مفاهيم كانت منذ عـامين فقـط شـعب والسـيادة الشـعبية الديمقراطية والليبرالية وحقوق ال : تعتبر ذنبا مثل

والحقوق الفردية والفرد وحرية التعبير وحرية الفكر، وهى تعبر عـن قـيم ولكن بالرغم مـن . جديدة يحملها هذا الخطاب الذى يراجع المفردات الثورية

كون خاتمى حليفا سياسيا للمعسكر اإلصالحى إال انه يقترب من المحـافظين ا حمراء تحدد حدود حرية التعبيـر فى عدة مسائل من أهمها أن هناك خطوط

وهى ترتبط بدوجما الجمهورية اإلسالمية، فالتعرض لألساسيات النظام يعـد ولذا فلقد اعتبر مطالب الطلبة ونقدهم ألعلى سلطة فـى الدولـة . إضعافا له

بمعنـى آخـر ". إعالن حرب على الـرئيس "و " مؤامرة ضد األمن القومى "

- ٢٩٦ -

أكثر كفاءة لألوضاع الحالية ودرجة حراك تقتصر مطالب الرئيس على إدارة كما لم يرض عـن عمليـات إغـالق الصـحف . أكبر داخل النخب الحاكمة

وفى المقابل برر خامنئى تلـك الهجمـة . وفرض حدود على حرية الصحافة على الصحافة من منطلق المبادئ وتحدث عن ضرورة الوقوف فى مواجهـة

فـى )٣٢٤(.ر ودور القائـد األعلـى من يهاجم الثورة وطريق اإلمام والدستو المقابل أشار المحافظون إلى حدوث نوع من التراجع عند خاتمى بتحوله عن شعار الحكومة الشعبية من خالل الدستور والقانون إلى شعار آخر هو الثورة

٣٢٥.اإلسالمية رابطة بين حكم الشعب والقيم الدينيةمقراطية تمتزج فى داخلها تقدم التجربة اإليرانية الحالية شكال خاصا للدي

من أهم السلبيات عدم توازن االختصاصات الدستورية : سلبياتها وإيجابيتهابين الهياكل المؤسسية المنتخبة والمؤسسات األخرى التى توازنها وتقابلها ولكنها معينة بشكل أو بآخر من قبل المرشد، حيث تفوق السلطات القانونية

ة بشكل يخل بصالحيات الجانب التمثيلى من والفعلية التى تحوذها األخيرمؤسسات النظام، ومن أبرز األمثلة على ذلك سيطرة مجلس صيانة الدستور على عملية الترشيح فى االنتخابات وهو االختصاص الذى وإن ضمن تحقيق قدر من االنسجام والتوافق بين دوائر النخبة الحاكمة بالسيطرة على أحد أهم

، ولكنه الشك عيب خطير من المنظور الديمقراطى منابع التجنيد لهاولكنها فى النهاية ديموقراطية إيرانية تعمل على إال تهدد أسس . المعروف

النظام اإليرانى كما رسمته الثورة وحمته بسياج دستورى قوى يضمن استمراره ويترك مساحة لحرية الحركة يعتد بها لمن سيباشر السياسات

تى هى من اختصاص الرئيس وليس االستراتيجية طويلة اإليرانية اليومية الوهنا ال يضير التيار المحافظ . األجل والتى يختص بها رمز الثورة المرشد

الذى يسيطر على مفاتيح النظام السياسى أن يلعب اإلصالحيون فى المنطقة

- ٢٩٧ -

المسموح بها، بل ويشجعونه أيضا لما يحققه من مكاسب داخلية ممثلة فى طر كبت أى معارضة وأخرى خارجية ممثلة فى تخفيف قيود تجنب مخا

بل لعله ليس من المبالغة فى . البيئة الدولية المفروضة على الثورة منذ قيامهاشىء القول إن انتصار خاتمى فى االنتخابات الرئاسية األخيرة يخدم التيارين

من الرئيسيين فى إيران المحافظين واإلصالحيين على السواء، بل ويدعماستقرار النظام اإليرانى بتحقيق درجة مقبولة من الرضاء الشعبى لمعسكريه

.الرئيسيين : غياب الرؤية االقتصادية المتمايزة -ج

تميزت إيران فى جميع فترات التغيير بعدم وضوح الرؤية االقتصادية فى ة واستمر هدف القضاء على تبعي . سياق من تتابع األزمات االقتصادية الخانقة

االقتصاد اإليرانى للنفط هدفا استراتيجيا رئيسيا على مدار نصف قرن تقريبا .بدون إحراز نجاح واضح فى ظل أى عهد من العهود السياسية المتعاقبة

ففى عهد مصدق عانى االقتصاد اإليرانى مـن مصـاعب عـدة بسـبب الموقف البريطانى وكان الهدف األساسى هو تحرير االقتصاد اإليرانى مـن

وتركـزت . التبعية لعائدات النفط وتطوير اإلنتاج والتصدير غيـر النفطـى االستراتيجية االقتصادية فى هذه الفترة على تنمية اإلنتاج الزراعى لتحقيـق االكتفاء الذاتى وتطوير الصناعات المحلية الهامة مثل المنسـوجات وتكريـر

فائض فى الميزان وظهر . وحققت هذه االستراتيجية بعضا من النجاح . السكرالتجارى بسبب خفض الواردات وزيادة الصادرات غير النفطية ولكن اسـتمر

وتفاقمت األمـور بسـبب الضـغوط . التأثير الضخم النخفاض العائد النفطى االقتصادية على الحكومة وعدم مساندة العديـد مـن المؤسسـات اإلداريـة

- ٢٩٨ -

ـ وجميعهـا . ة ذاتهـا والنقسام الرؤى حول المسائل االقتصادية داخل الحرك )٣٢٦(.مشاكل لم تتح الفرصة لسياسات إصالحية اجتماعية واقتصادية

قام الشاه بتبنى مشروع تحديثى غير مكتمل الجوانب ركز فيه على البعـد االقتصادى تاركا البعد السياسى على حاله من االتوتوقراطية، وحتـى علـى

اه عائد النفط لتنمية المستوى االقتصادى هناك بعض القصور فلقد استخدم الش ولم يقض التصنيع الموجه . الحديد والصلب والبتروكيماويات : الصناعات مثل

من قبل الدولة على طرق اإلنتاج ما قبل الصناعية التى يقـوم بهـا صـغار )٣٢٧(.الصناع والبازار

فى حين أنه فى عهد الجمهورية اإلسالمية ظهـر نمـوذج سياسـى لـه أو وافقنا عليه ولكنـه نمـوذج لـه معالمـه خصوصيته سواء اختلفنا حوله

ومنطلقاته الفكرية لكن لم يالق البعد االقتصادى نفس االهتمام على مسـتوى ولعـل . تكوين نموذج إسالمى تطبيقى تتفرد به التجربة اإليرانية تقدمه للعالم

ما يجعل التجارب اإليرانية المختلفة عبر القرن غير ناضجة ومحققة إلجماع ولها يسمح لهذه األمة باالنطالق بكامل قوتها هو أنها دائمـا تقـدم مجتمعى ح

نموذجا أعرج يعتمد على ساق واحدة أما السياسة أو االقتصاد ولم تعتمد على .اثنين معا فى لحظة ما من لحظات تطور تاريخها الهامة

. استمر غياب استراتيجية اقتصادية متمايزة فى عهد الجمهورية اإلسالمية ففى البداية قل . ت األولويات فى الدولة ما بعد الثورية باختالف المرحلة اختلف

تركيز الدولة على مسألة التراكم الرأسمالى وازداد حـول قضـايا الشـرعية وبتحقيق األخيرة ووفـاة اإلمـام . وتماسك السلطة السياسية والهيمنة الثقافية

مية وإعادة البناء قمـة الخمينى وانتهاء الحرب مع العراق احتل التخطيط والتن األولويات فاتجهت إيران إلى الليبراليـة االقتصـادية وتبنـى نهـج دولـى

)٣٢٨(.جديد

- ٢٩٩ -

ويمكن تلخيص الجدل االقتصادى فى عقد الثمانينيات وبالذات نصفه األول األول الحجتية ويـؤمن بالسـوق الحـر : تيارين رئيسيين فى المناقشات بين

ماعى الراديكالى والضـرائب المرتفعـة ويعارض التشريع االقتصادى االجت والسياسات التدخلية للدولة على أسس دينية حيث يدافع عن وجهة نظره بـأن أى ضرائب مرتفعة أو حتى نظام فعال لجمع الضرائب سوف يقلل من سلطة المؤسسة الدينية ويخفض من تدفق العائدات السنوية للمسجد؛ أما التيار الثانى

ن أيضا بأتباع خط اإلمـام فانـه يـؤمن بالـدفاع عـن والمعروفي" المكتبى"المحرومين ويناصر التخطيط االقتصادى المركـزى والضـرائب المرتفعـة

حتى بعد الحل الرسمى لجماعة الحجتية ظل الـبعض . والدعم المادى للفقراء داخل النظام يعبر عن الحاجة إلى تقوية القطاع الخاص بل إن اإلمام الخمينى

)٣٢٩(ارا لصالح البازار والقطاع الخاصذاته تحدث مر ١٩٨٢ولقد اتضح االتجاه اليمينى المحافظ فى سياسات الحكومة ما بعـد

من خالل الفيتو الذى يستخدمه مجلس صيانة الدستور إلجهاض أى مشـروع قانون لمزيد من اإلصالح الزراعى أو تأميم التجارة الخارجية، وهـو بـذلك

زار ورجال الصناعة الذين وقفوا فى مواجهة مزيد يتبع أفكار أثرياء تجار البا ولعل ذلك يعد أحد المؤشرات اإلضـافية ٣٣٠.من اتجاه الثورة إلى الراديكالية

لضعف التيار اليسارى وتأثيره خالل القرن العشرين فى إيران سـواء قبـل .الثورة أو بعدها

ى وكذلك واجهت برامج اإلصالح الزراعى فى عهد الثورة عقبات جمة فف السنوات الخمس األولى من عمر الجمهورية اإلسالمية رفض مجلس صيانة الدستور جميع التشريعات الخاصة باإلصالح الزراعى على أساس أنها غيـر

أن بدأ السماح بتشريع بعض قـوانين اإلصـالح ١٩٨٥إسالمية، وليس قبل الزراعى لمواجهة المشاكل الكبرى التى ظهرت فـى الزراعـة وأدت إلـى

- ٣٠٠ -

وفى كلتـا الحـالتين أسـهمت هـذه )٣٣١(.نخفاض اإلنتاج ونزاعات الملكية االبرامج إما فى تفتيت قوة أحد الدعامات التقليدية للنظام كما فى فترة الثـورة البيضاء أو فى إثارة االتجاه المحافظ الذى ترتبط مصـالحه بالحفـاظ علـى

جتماعيـة للدولـة ومن ثم كان لها دورا فى اهتزاز القاعدة اال . الملكية عامة .اإليرانية

وفى مقابل هذه القوة التى تمتعت بها القوى اليمينية فى االقتصـاد بحيـث فرضت اتجاها مستمرا داخل الجمهورية اإلسالمية يعمل على حماية الملكيـة الخاصة، فإن الدولة من خالل التنظيمات االقتصادية الثورية اسـتطاعت أن

وما زالت الحكومة على رغم الحمايـة . قتصادتكون هى القطاع القائد فى اال مـن القطـاع % ٨٣المعلنة للقطاع الخاص وتشـجيعه تقـود أكثـر مـن

ومن ثم ظهر نموذج اقتصاد مختلط يسعى إلى تحرير آليات )٣٣٢(.االقتصادىالسوق به ولكنه فى نفس الوقت لـم يـتمكن مـن تخفيـف قبضـة الدولـة

مما كان عليه فى عهد الشـاه حتـى االقتصادية، بل توسع القطاع العام أكثر )٣٣٣(.يمكن القول إن دور الدولة اإليرانية قد اتسع بشكل ملحوظ بعد الثورة

على الرغم من تقديم إيران لنموذج هام للتطبيق اإلسالمى، إال أنهـا لـم حيث ارتبطت السياسـة االقتصـادية . تستطع أن تبنى اقتصادا إسالميا حقيقيا

تمع التى جعلت هذه السياسة أقرب إلى أن تكـون بالظروف الموضوعية للمج تتشابه فى كثير من جوانبها مع آليات العمـل االقتصـادى )٣٣٤(سياسة وطنية

فلـم تقـدم الثـورة . فى دول الجنوب فى ظل معطيات النظام الدولى الجديد اإلسالمية فى إيران نظرية اقتصادية إسـالمية واضـحة وإنمـا توجهـات

لت معها توجهات قومية ظلت تتطور مـع الظـروف اقتصادية إسالمية تداخ الثورية ثم الحرب مع العراق ثم عمليات إعادة البناء وظهور الطموح لدخول

ورغم أن المذهب الشيعى االثنى عشرى هو المـذهب . نادى النمور اآلسيوية

- ٣٠١ -

الرسمى والفعلى للحكومة والشعب فى إيران، ورغم تميزه بجوانب اقتصادية ى غيره من المذاهب وخاصة نظام الخمس إال انه لم يـدخل ليست موجودة ف

فى إطار العملية االقتصادية وظل على الهامش لـدعم بعـض المشـروعات والقيام بدوره الدينى والمحافظة على هيبة الحوزات العلمية ومراجع التقليـد

كما لـم تسـتغل فريضـة . من خالل المشاريع الخيرية والتبرعات اإلنسانية إلسالمية فى نظام االقتصاد اإلسالمى وإنما بقيت تحت عباءة علمـاء الزكاة ا

لقد اتبعت إيران سياسة اقتصادية فى مجال التنميـة . الدين إلى جانب الخمس تتجه فى األغلب األعم لتحقيق مصالح براجماتية وقومية أكثر ممـا اتجهـت

٣٣٥.لتحقيق سياسات إسالميةتدهورا خاصة فى ظـل سـيطرة فقد واجه رافسنجانى وضعا اقتصاديا م

اقتصاد الحرب وقامت إيران بتطبيق سياسة متذبذبة وانتقلـت مـن سياسـة . اقتصادية ألخرى وطبقها رجال متمرسون فى الفقه أكثر من أى شىء آخـر

كما عانى رافسنجانى أيضا من صعود وهبوط أسعار النفط مما زاد أوضـاع موض فـى مجـال صـنع وساعد على هذا الغ ٣٣٦.العملة الخارجية صعوبة

السياسة االقتصادية ما درج اإلمام الخمينى على اتباعه من العمل على عـدم ففى عهده دار الجدل حول حقوق الملكية فى مواجهـة : غلبة تيار على آخر

العدالة التوزيعية، المؤسسة الحرة فى مواجهة سيطرة الدولـة، التسـاهل أم نقاش تقريبا حول كل مشـروع الصرامة فى فرض السلوك اإلسالمى فكان ال

وخيم هذا الغموض األيديولوجى علـى . قانون محتدما بين األجنحة المختلفة ورفض اإلمام الخمينى اختيار اتجاه محدد ليعطيه الغلبة بـل . سياسة الحكومة

األمر الذى يراه البعض قرارا غير سليم جعـل . فضل إحداث التوازن بينهم فال شك بثقله كزعامة كاريزمية )٣٣٧(.ه اللحظة إيران تدفع ثمنا باهظا حتى هذ

وإسالمية كان قادرا على حسم الجدل لصالح تيار بعينه ولكن هذا لـم يخـدم

- ٣٠٢ -

تماسك السياسات اإليرانية حتى وإن كان سيحد من حرية التيار اآلخر الـذى .لم يتبن رؤيته

وما يالحظ حول التاريخ المعاصر للجمهورية اإلسـالمية هـو التـدهور مستمر فى نطاق وعمق الدعم االجتماعى للنظام حتى بين العديد من مؤيديه ال

ويعود ذلك فى معظمه إلى عدم الكفـاءة فـى إدارة االقتصـاد . المخلصين عقب الثورة ابتغت من عملية تحويل الثروة دفعة واحـدة مـن )٣٣٨(.اإليرانى

س جماعة صغيرة من أفراد الطبقة الميسورة إلى قطاع أوسـع نسـبيا ولـي ). كمـا رأى آموزجـار (بالضرورة األكثر فقرا على تحقيق الترضية الثورية

وكان لعملية إعادة التوزيع هذه تكلفة اقتصادية واجتماعية طويلة المدى مـن أهمها فقدان الثقة فى مناخ العمل االقتصادى وبالتالى انخفـاض االسـتثمار

مجتمعات مـا وهو الوضع الذى تتسم به معظم أن لم يكن جميع ٣٣٩الخاصومن ثم يرى الكثيرون أن الثورة ليست ثورة المستضعفين كمـا . بعد الثورة

فلـيس . أعلن اإلمام الخمينى عند نجاحها بل هى ثـورة البـازار والفقهـاء مصادفة أن حصل الفقهاء على السلطة السياسية بينما وسـعت أرسـتقراطية

ولعـل التطـور . ديةالبازار الجديد من سيطرتها على شبكة البالد االقتصـا الوحيد الذى حظى به جزء مـن المستضـعفين هـو ارتبـاطهم وإلحـاقهم

ولقد مثلـت أحـداث . بالمؤسسات الثورية وخاصة الحرس الثورى والباسيز مفاجأة هزت النظـام حيـث ربمـا ألول مـرة يـدرك ١٩٩٢أبريل ومايو

بهـذه المستضعفون أن هذه الثورة ليست ثورتهم، وزاد من اهتمـام النظـام وبـذا . األحداث موقف البوليس والحرس الثورى المتواطئ تجاه المظاهرات

أدرك النظام أن التهديد الحقيقى للنظام اإلسالمى قد يأتى ليس من المعارضة المنظمة سواء قانونية أو غير قانونية بل من قطاعات الجمـاهير العريضـة

ال بديل أمـام النظـام إال ومن ثم فإنه . التى بدأت تفقد ثقتها فى وعود النظام

- ٣٠٣ -

تحسين األوضاع االقتصادية من أجل الحفاظ على بقائه ذاته، وهـى المهمـة التى تتطلب بالضرورة تخفيض االمتيازات االجتماعية واالقتصادية الكبيـرة التى يتمتع بها البازار وحلفاؤه األقوياء، بمعنى آخر البد من أن يكيف النظام

.)٣٤٠(قتصادى المحتملذاته لمتطلبات التحول االومن ناحية أخرى، كان لإلصالحات الليبرالية الجديدة آثار سـلبية علـى معيشة قطاعات عريضة من المجتمع، ويتمثل ذلك فى تدهور أحوال الفقـراء وأصحاب الدخول الثابتة والطبقة المدنية الدنيا والوسطى، وهؤالء هم قاعـدة

ية رئيسية المظـاهرات احتجاجـا كما شهدت عدة مدن إيران . النظام الشعبية فى الواقع أن النظام اإليرانى واقع بـين . على السياسات االقتصادية الليبرالية

شقى الرحى؛ فمن ناحية هو فى احتياج لقاعدته االقتصادية المكونة من رأس مال وعمالة ماهرة ومن ثم على الجمهورية اإلسالمية أن تودع نظام اإلمـام

اية المستضعفين؛ فى حين أن القاعدة االجتماعية للنظـام الخمينى الداعى لحم ومـن . والتى يستمد شرعيته أساسا منها قائمة على اإلمام الخمينى وتعاليمـه

هنا نشأت ازدواجية بين الممارسة السياسية والسياسـة االقتصـادية، فعلـى صعيد األولى يعرف النظام نفسه كمدافع عن رؤى اإلمام الخمينى وآرائه فى حين أنه على الصعيد االقتصادى فانه يفكـك أو يتخطـى سياسـات اإلمـام

من الريبة وعدم الوضوح مما يخلق جوا. الخمينى االقتصادية بقدر المستطاعيقود رأس المال إلى االستمرار فى تركيز جهوده فى أنشطة التوزيـع بعيـدا

أيضـا عن اإلنتاج الذى يحتاج لوقت طويل حتى تؤتى ثمار العمـل فيـه، و ستعارضه التنظيمات الثورية التى يعتمد بقاؤها السياسى واالقتصـادى علـى

.الحصول على امتيازات خاصة بها

: خاتــمة

- ٣٠٤ -

التى قادت عملية التغيير المتغيرات الرئيسية اعتمدت الدراسة على تحليل من ناحية والقضايا المحورية التى ثار حولها الجدل خالل حركـات التغييـر

من ناحية أخرى، وذلك حتى تستطيع استطالع المسار العام للتغييـر المتعددة .فى إيران القرن العشرين

فيما يخص المتغيرات، أعطت الدراسة أهمية قصوى للمتغيرات الثقافيـة وتأثيرها على التطور السياسى إليران فى القرن العشرين وتتبنـى الباحثـة

وفى هذا اإلطـار اضـطلع . فقهيةمفهوما واسعا لها يشمل األبعاد الدينية وال حيث واجه الفقه الشيعى تحديات دعـت إلـى . الفقهاء بوظيفة التجديد الفقهى

دافع " تقليدية" البازارى بمنظومة قيم ثقافية -وارتبط التحالف الفقهى . تجديدهعنها كل منهم بطريقته حيث قام الفقهاء بعملية تجديد للفقـه حتـى يسـتطيع

عالجة المشاكل الطارئة وأعطى البازار التحالف مزيـدا مواكبة التطورات وم الفقهاء وتحالفاتهم وجدلهم من القوة االقتصادية والدعم المجتمعى، وبذلك كان

ولـذا مثلـت . بمثابة القاطرة التى قادت إيران خالل مراحلها المختلفة الفقهىء مـن حركة الدخان بداية االهتمام التحليلى حيث ظهرت الحاجة إلى الفقهـا

أجل إضفاء الفعالية على أى حركة تغييـر فـى المجتمـع اإليرانـى وبـدأ المؤرخون والمحللون يتباينون فى تفسير صعود الشأن الفقهـى فـى عـالم

العالقة مـع وهو -وفى نفس الوقت لعب المتغير الخارجى . السياسة اإليرانية جنبا إلـى دورا محوريا فى مسار التغيير فى إيران القرن العشرين -الغرب

فلقـد تعـددت األزمـات الثقافيـة . جنب مع خصوصية دور الفقيه الشيعى واالقتصادية والسياسية التى خلقت بيئة مواتية للثورة والتغيير ولكنها كانـت ستقف عند هذا الحد مثلها مثل كثير من دول العالم اإلسالمى األخرى لـوال

اينة مع هذه البيئـة خـالل تفاعل هذين العاملين بدرجات متفاوتة وإشكال متب . الممرات الثورية الرئيسية التى عاشتها األمة اإليرانية طوال القرن العشرين

- ٣٠٥ -

وعند ترتيب عوامل البيئة المواتية للثورة تظهر العوامل الثقافية فى الطليعـة لتحتل قمة سلم األولويات الداعية للتغيير حيث زادت درجة التهديـد للثقافـة

وهى التى دفعت أيضا بالفقهاء ليحتلوا المكانة المتبوأة فـى . اإلسالمية وقيمها كما كـان للفقهـاء واجتهـاداتهم . صفوف الجماعات الثورية الداعية للتغيير

دورها الحاسم فى رسم معالم النموذج اإلسالمى الـذى قدمتـه الجمهوريـة .اإلسالمية وتطبيقه خالل آخر عقدين من القرن الماضى

، هناك نوع مـن التطـور الصـاعد الجدلية الرئيسية القضايا فيما يخص والهابط وليس خط تدريجى لتطور األفكار والممارسات، ففى بدايـة القـرن بفعل االحتكاك بالغرب وإدراك مدى التخلف السياسى والعلمى بـدأ التمـرد

وبدأت أفكار مشروع الحداثة التى محورهـا العلمانيـة تجـد " التقليدية"على أو بأخرى وبإشكال مختلفة بل وتتباين مواقف الفقهـاء منهـا مكانها بطريقة

خالل الحركة الدستورية فى محاولـة للمصـالحة بـين السـلطة السياسـية والمجتمع التى شهدت العالقة بينهما تباعدا واضحا فى أواخر القرن التاسـع

ولكن بعد ذلك عنـد تطبيـق التحـديث فـى . عشر وبدايات القرن العشرين . والسبعينيات حدثت ردة من جديد إلى التقليدية ورفـض العلمانيـة الستينيات

بذلك مثل مسار التاريخ اإليرانى فى القرن العشرين نوعا مـن الفعـل ورد .الفعل المعاكس له

العالقة بين الدين والسياسة أو بمعنى أدق مـا احتلت القضية الرئيسية هى رن العشرين مكان الصدارة طوال الق بين المنطق العلمانى والمنطق اإلسالمى

فى الجدل السياسى عبر القرن وتفرعت منها معظم إن لم يكن جميع القضايا احتدم الجدل حـول العالقـة . األخرى، وهى التى شهدت شدا وجذبا مستمرا

. بين الدين والسياسة عند بداية االحتكاك بالغرب فى نهاية القرن التاسع عشر فى توفير نظام سياسـى قـادر " المشروطةثورة "وفشلت الحركة الدستورية

- ٣٠٦ -

ثم قادت الدولة البهلوية النخبة ذات . على إحداث التوازن بين الدين والسياسة التوجه الغربى وتبنت المشروع الغربى وعملت على تطبيقه لما يزيـد عـن

وبانتصار الثورة اإلسالمية عـاد الـدين . ١٩٧٩ إلى ١٩٢١نصف قرن من سلطة السياسية بعد أن كان يمثل تحديا بشكل أو بآخر ليهيمن بل وليتحد مع ال

وتم التخلى عن مسلمة فصل الدين عن السياسة التى عايشتها إيران فـى . لهاظل األسرة البهلوية وارتكز النظام على افتراض جديد وهو إسالمية النظـام السياسى وتطبيقه لنموذج إسالمى جديد يعتمد على مفهوم والية الفقيه كمحور

وفى إطار اإلصالح من داخل الثورة ومن منطلق إسالمى ثـار الجـدل . هلحول العالقة بين الديمقراطية والشريعة اإلسالمية وتشابه مع الجـدل السـائد

حيث شملت دومـا حركـات ". المشروطية والمشروعية"فى مطلع القرن بين ـ ا بـين التغيير اإليرانية مظلة لعدة تيارات أيديولوجية يسودها شد وجذب م

التعددية السياسية والحكم المطلق، ومثلت العالقة بين الديمقراطية والتسـلطية فالسلطات الكبيرة للحـاكم . وعالقة اإلسالم بكل منها الوجه اآلخر لهذا الجدل

مبدأ ساد آلالف السنين، فالشاه قد استمر محورا للنظام ومركـزا للسـلطات وبعد الثورة احتدم النقاش حول . إيرانطوال الملكيات اإليرانية المتعاقبة على

تـم إعطـاء . التناقض المفترض بين السـيادة الشـعبية والسـيادة اإللهيـة اختصاصات دستورية كبرى للمرشد باعتباره رمز النظام وممثـل لتوجهـه

حتى أن الكتابات الغربية ما زالت تنظر إلى النظام اإليرانى علـى . األساسىإال أن . بالنظر للسلطات الكبـرى للمرشـد " داديةأوتوقراطية استب "أساس انه

األمر ليس بهذه البساطة ففى السياق اإلسالمى تكتسب الرقابة علـى تطبيـق الشريعة اإلسالمية أولوية ويمكن االختالف حول أسلوب تحقيق ذلك وماهيـة

. السلطات الالزمة لضمان فعالية هذه الرقابة بدون انتهاك مبادئ الديمقراطية

- ٣٠٧ -

الجدل األيديولوجى والفكرى الذى يسود إيران مع بدايـة القـرن اختلفالواحد العشرين فى مفردات خطابه عن تلك السائدة فى بداية القرن العشرين، إال أنها لم تختلف فى القضايا التى مازالت مطروحة بالرغم مـن األحـداث

ل األمـر فمـا زا : الجسام التى مرت بها إيران وتباين النظم السياسية الشديد يتعلق الديمقراطية الغربية وقدرة إيران على تقديم نموذج إسالمى أصيل حتى

فالشعب اإليرانى من أسهل الشعوب التـى . وإن ظهر فى سياق ثقافى شيعى يمكن تحريكها وتعبئتها حول هدف قومى كبير خاصة فى ظل االتفاق علـى

الحركـة الثوريـة العدو الرئيسى ولكن يأتى االختالف بعد ذلك عقب انتهاء حول طبيعة السلطة ومصدر الشرعية باعتبارها انعكاسا لعدم حسـم شـكل العالقة بين الدين والسياسة وهى اإلشكالية التى مازالت سـائدة حتـى هـذه

وفى هذا اإلطار تزعم خـاتمى النخبـة . اللحظة داخل الجمهورية اإلسالمية اسـتطاع خـاتمى اسـتغالل وإذا ما . الداعية إلى المزج بين الدين والحرية

شعبيته الطاغية فى توسيع قدراته وسمح له المرشد بممارسة صالحيات أكبر على ارض الواقع تكون االنتخابات األخيرة نوعا من المصالحة التاريخية بين

إن النقاش المحتدم حاليـا بـين التيـار المعتـدل ذو . الديمقراطية واإلسالم رانى والتيار المحافظ ذو القـوة المؤسسـية األرضية الواسعة فى الشارع اإلي

يدور فى محوره عن العالقة بين الدين والسياسة من خالل مناقشـة العالقـة بين مرشد الثورة الذى يحمى أحكام الشريعة اإلسالمية وبين الـرئيس الـذى يقوم بتنفيذ هذه المبادئ ويضطلع باألداء السياسى للنظام وتلعب االنتخابـات

مباشرا فى اختياره على حين يلعب التصويت الجماهيرى دورا الشعبية دورا غير مباشرا فى اختيار اإلمام الفقيه عن طريق مجلس الخبراء الذى يختـاره

.مدى الحياة

- ٣٠٨ -

اختالل التوازن مـا بـين عاصرت إيران طوال القرن الماضى نوعا من واإلنجازات فى كل منهمـا داخـل المشـروع المجال السياسى واالقتصادى

فعقب الثورة الدسـتورية تـم التركيـز علـى المجـال . التحديثى اإليرانى االقتصادى وبدأ التخلى عن المطالب السياسية والمناداة بأى مشروع سياسـى

وعنـدما . متكامل كما كان الحال فى ظل صعود القومية مع بـدايات القـرن على شرع الشاه محمد رضا فى االنطالق بسرعة فى برنامجه للتحديث ركز

التصنيع وتكثيف مظاهر التمدن ونشر القيم الثقافية الغربية ولكنه لـم يكمـل وبالمثل . الحلقة السياسية لهذا المشروع وتغاضى عن البعد السياسى لليبرالية

عقب الثورة اإلسالمية انشغل النظام السياسى بتحقيق تماسكه وتدعيم شرعيته عتها البيئة الخارجية الرافضـة وأسلمة المجتمع وبمواجهة التحديات التى زر

وبعد انتهاء الحرب مع العراق ركزت إدارة رافسنجانى على عمليـة . للثورةإعادة البناء وإعمال الليبرالية االقتصادية وجاء من بعده خاتمى ليركز علـى البعد الثقافى والسياسى لمشروعه لتطـوير إيـران علـى حسـاب األبعـاد

فى واليته الثانية لـيعلن اهتمامـه بإصـالح االقتصادية ولكنه عاد من جديد ومن ثم لم تشهد إيران تطويرا متكامال بين السـاحات . السياسات االقتصادية

السياسية واالقتصادية وإنما تم التركيز دوما علـى إحـداها علـى حسـاب .األخرى

فى تحديد الدور الهام الذى لعبه الشارع اإليرانىومن المالحظ أيضا لقد اشتركت الجماهير . السياسى إليران القرن العشرينمسار التطور

اإليرانية بدرجات متفاوتة فى جميع محطات التغيير خاصة الثورية منها مثل وحركة مصدق والثورة اإلسالمية وفرضت بديل التغيير " ثورة المشروطة"

عاما تقريبا حركة ثورية أو ١٥لقد كان هناك كل . على نظام الحكم القائم أو انقالب يؤثر فى توجهات الحكم وحتى اآلن الجمهورية اإلسالمية تمرد

- ٣٠٩ -

عاما هناك اضطرابات ولكن لم تؤد إلى تغيير حال مباشر وكبير ولعب ٢٣فى سياقها الشارع اإليرانى دوره من خالل االنتخابات وتزايد تأييده للتيار

بذلك فإنه حتى و. اإلصالحى مما قد يجبر التيار المحافظ على التراجع تكتيكياهذه اللحظة يلعب الشارع اإليرانى دوره الرئيسى والخطير فى التأثير على توازن القوى بين المعسكرين الفكريين السائدين فى الجمهورية اإلسالمية

لعله ليس من المبالغة القول بأن الشعب اإليرانى من أكثر الشعوب . اإليرانيةوتمتد هذه الديناميكية لتشمل النخبة . اإلسالمية ديناميكية فى القرن الماضى

اإليرانية حيث ظلت تموج بعدة تيارات فكرية وتعمل على تحريك قوى فهى وان اختلفت الرؤية . المجتمع من اجل قضايا تراها مصيرية

األيديولوجية بداخلها إال أنها نخبة فى مجموعها تتسم بالحركية ورفض م الجمهورية اإلسالمية، حيث للسكون وهو األمر الجلى حتى فى ظل نظا

تتصارع بداخل النخبة تيارات ومواقف فكرية متمايزة تكسب النظام السياسى .كله ديناميكيته

اهلوامــــشا

Discourse, Vol2, No1الحالة اإليرانيـة، : محمود سريع القلم، االستقرار السياسى والتنمية السياسية ١

.١٧، ص٢٠٠٠رانية، العدد الخامس، ديسمبر ، مختارات إي2000٢ Bernad Hourcarde, Iran: revolution islamique ou tiers-mondiste?, Herodote, Janvier-Mars 1985, p158. ٣ Misagh Parsa, Mosque of last resort: state reform and social conflict in the early 1960s, John Foran (ed), A Century of revolution: Social movements in Iran, University of Minnesota Press, 1994, p136-137. ٤ John Foran, Introduction, John Foran(ed), opcit, pxiv. ٥ Mahmood Sariolghalam, Political stability and political development: the case of Iran, Discourse –An Iranian Quartely-, Vol.2, No.1, Summer 2000, p65-66. ٦ Nekkie Keddie, Iran and the Muslim World: resistance and revolution, New York University Press, 1995, p62.

٧ Ibid, p62.

- ٣١٠ -

٨ Afsaneh Najmabadi, From Modernism to a Moral order, The Middle East Journal, Vol 41, No 2, Spring 1987, p307. ٩H.E.Chehabi, Iranian politics and Religious Modernism: the liberation movement of Iran under the shah and Khomeini, I.B.Tauris & Co Ltd Publishers, London , p37. ١٠ Nikki R.Keddie, opcit, p62-63.

١١ Afsaneh Najmabadi, opcit, p307. ١٢Ibid,, p309.

أمين شحاتة، إيران مسار تاريخى، ١٣ http://www.aljazeera.net/in-depth/Iran_file/2001/5/5-7-1.htm ١٤ H.E.Chehabi, opcit, 1990, p10. ١٥ Edward Mortimer, Faith and Power: the politics of Islam, Faber and Faber Limited, London, 1982, p307. ١٦Javad Shaikholeslami, On the Coup that brought Reza shah To power, Discourse –

An Iranian Quartely-, Vol.2, No.1, Summer 2000, p40-41. خاصة وأن بريطانيـا كانـت تسيطر فعليا على إيران عقب سحب لينين للقوات الروسية التى اشـتركت مـع البريطانيـة فـى إجـالء

نظام استشارى يسمح لبريطانيا ان تحكم فعليا بـدون ان تتحـول ويرمى هذا التعاقد الى خلق . -العثمانيين).الحالة المصرية فى ذلك الوقت(إيران الى اراضى بريطانيا بشكل رسمى

١٧Ibid, p39. ١٨Ibid, p43-44. ١٩ Javad, Ibid, p63. ٢٠ John Foran, opcit, xv. ٢١ Sussan Siavoshi, The oil nationalization movement 1949-1953, John Foran (ed), opcit p111. ٢٢ Michael P.Zirinsky, The rise of Reza Khan, John Foran (ed), opcit, p69. ٢٣ H.E.Chehabi, opcit, p10 ٢٤ Hafizullah Emadi, Iran and the Islamists, Contemporary review, January 2000, p2, http://www.findarticles.com/cf_0/m2242/1608_276/59487890/print.jhtml ٢٥ Edward Mortimer, opcit, p310-311. ٢٦ Sandra Mackey, The Iranians: Persia, Islam and the Soul of a Nation, Penguin Books Group, New York, 1996, p208. ٢٧ Hafizullah Emadi, opcit, p2, ٢٨ John Foran, opcit, pxv. ٢٩ Sussan Siavoshi, opcit, p118. ٣٠ Ibid, p122.

- ٣١١ -

٣١ H.E.Chehabi, opcit, p10. ٣٢ Edward Mortimer, opcit, p310 ٣٣ John Foran, opcit, pxv. ٣٤ Amir Hassanpour, The Nationalist movements in Azarbaijan and Kurdistan 1941-1946, john Fran (ed), opcit, p78-79. ٣٥Ibid, p83. ٣٦ John Foran, opcit, pxvi. ٣٧ John L. Esposito, Islam and Politics, Syracuse University Press, New York, 1994, p198. ٣٨ H.E.Chehabi,opcit, p10-11. ٣٩ Nikki R.Keddie, Iran and The Muslim World: resistance and revolution, opcit, p28-29. ٤٠Ibid, p68. ٤١Ibid, p66. ٤٢ Sandra Mackey, opcit, p245. ٤٣Ibid, p242-243.

.٥٨، ص٢٠٠١أمل حمادة، الجيش ومسألة الدولة فى إيران، مختارات إيرانية، العدد السادس، يناير ٤٤٤٥ Karroubi: Israeli Lobby in U.S. Congress opposes lifting of Iran sanctions, Aftab-e Yazd (Morning Daily), Thursday, September 12, 2000, Vol 1, No.19, p1, http://www.netiran.com/Htdocs/Clippings/Fpolitics/200912XXFP01.html

.١٤، ص٢٠٠١ يونيو ٣سين عبد الرازق، إيران بين المحافظين واإلصالحيين، الوفد، ح٤٦ ٤٧ Mohsen M.Milani, Shi`ism and the state in the constitution of The Islamic Republic of Iran, Samih K.Farsoun & Mehrdad Mashykhi (ed), p314.

ت المسلمين، خطاب االمام الخومينى حول مسألة تحرير القدس، االمام القائد، مشكلة المسلمين هى حكوما ٤٨.٣-٢، ص١٩٧٩مركز االعالم العالمى للثورة اإلسالمية، طهران،

٤٩ Leader: Islamic Republic has become powerful in every respect (30/8/2000), p4, htt://www.islam-pure.de/imam/news/news2000/aug2000.htm. ٥٠ (IRNA), Leader leads last Friday prayer of the year, calls for unity against enemies, Saturday, March 17, 2001, p1-2, http://www.tehrantimes.com/Detailview.a..eyword=khamenei&Da=3/17/01&Cat=2&Num=13

www.elgezira,net، ٩-٨باكينام الشرقاوى، السياسة الخارجية اإليرانية، ص ٥١ ١٧محمود سريع القلم، المرجع السابق، ص ٥٢

٥٣ Hafizullah Emadi, opcit , p6. ٥٤ Mohsen M.Milani, opcit, p31.

- ٣١٢ -

٥٥ Afsaneh Najmabadi, opcit, p210. ٥٦ Nikkie Keddie, Introduction, Nikkie Keddie (ed),Religion and Politics in Iran, Shi`ism from quietism to revolution, p9. ٥٧ Mansoor Moaddel, Shi`I Political discourse and class mobilization in the Tobacco Movement of 1890-1892, John Foran (ed), opcit p2-3.

H.E.Chehabi, opcit, p15٥٨ ٥٩ Nekkie Keddie, Iran and The Muslim World, opcit, p65. ٦٠ H.E.Chehabi, opcit, p15. ٦١ Edward Mortimer, opcit, p304 ٦٢H.E.Chehabi, opcit, p16. ٦٣ Mohsen Milani, opcit, p135. ٦٤ Nikki R.Keddie, Iran and The Muslim World: resistance and revolution, p167 ٦٥Ibid,, p64. ٦٦Ibid, p167 ٦٧ Janet Afary, , Social Democracy and The Iranian Constitutional Revolution of 1906-1911, John Foran (ed),opcit, p23. ٦٨ Nikki R.Keddie, Iran and The Muslim World: resistance and revolution, opcit, p167 ٦٩ Nikki R.Keddie, Religion, Society, and Revolution in Modern Iran, Michael E. Bonine & Nikkie Keddie (ed), Continuity and Change in Modern Iran, State of University of New York Press, New York, 1981, p26 ٧٠ Sandra Mackey, opcit, p176-177.

٧١ H.E.Chehabi, opcit, p16. ٧٢ Sandra Mackey, opcit, p176 ٧٣ Tareq Y. Ismael and Jacqueline S.Ismael, Government and Politics in Islam, France Pinter (Publishers), London, 1985,p83. ٧٤ Sandra Mackey, opcit, p176-181. ٧٥Nikki R.Keddie, Religion, Society, and Revolution in Modern Iran, opcit, p26-27. ٧٦ Mangol Bayat-Phillip, Tradition and Change in Iranian Socio-Religious Thought, p51. ٧٧ John L. Esposito, opcit, p128

.١٢٧باكينام رشاد الشرقاوى، الظاهرة الثورية والثورة اإليرانية، المرجع السابق، ص ٧٨خالد العوامال، الثورة اإليرانية وشرعية النظم السياسية العربية، رسالة ماجستير، كلية االقتصاد والعلوم ٧٩

فكار الدينية والثورةي فلقد قامت المدرسة الدينية بمهمة نشر األ: ١٧٩، ص١٩٩٢السياسية، جامعة القاهرة،

- ٣١٣ -

ومن أبرز أمثله هذه المدارس معهد حسينة إرشاد الذى طرح رؤية تدافع باألساس عن عقيدة التوحيد أمـام ضغط الحياة الفكرية نتيجة حالة التغريب التى فرضها النظام اذ لعب المعهد دورا ضخما فى بث الـوعى

ولبعت المناسبات دينية دورا سياسيا هاما حيث . الشباباالسمى لمقاومة األيدولوجيات العلمانية خاصة بين فى هذه المناسبات درجة الشحن المعنوى الى أقصاها فتصل قمة الوعى واالدراك السياسى الى مداها فـى المناسبات الدينية حيث يستعيد األفراد رموز وتضحيات آل البيت واألئمة وتصبح هذه اللحظـات مصـدرا

العلماء الى تنشيط الوعى بالمفاهيم الثورية اإلسـالمية المتجـذرة فـى مشـاعر للحركة السياسية ويعمد .١٨٦ الى ١٨٤لمزيد من التفاصيل، انظر المرجع السابق، من ص. اإليرانيين

٨٠ Afsaneh Najmabadi, opcit, p310-311. ٨١ John L. Esposito, opcit, p128-129. ٨٢ Edward Mortimer, opcit, p315. ٨٣ Sandra Mackey, opcit, 221. ٨٤ John L. Esposito, opcit, p130. ٨٥ Edward Mortimer, opcit, p319. ٨٦ H.E.Chehabi, opcit, p17. ٨٧ Samih K.Farsoun & Mehrdad Mashykhi, Introduction: Iran`s Political Culture, Samih K.Farsoun & Mehrdad Mashykhi (ed), Iran :Political Culture in The Islamic Republic, Routledge, London, 1992, p17. ٨٨ Mohammad Borghei, Iran`s Religious Establishment: the dialectics of politization,

Samih K.Farsoun & Mehrdad Mashykhi, (ed), opcit, p66. انصب االعتراض على تبـديل .وإلغاء شرط أن يكون مسلما enfranchised وان المراة heavenly كلمة القرآن ب بالنص ال٨٩Ibid, p71. ٩٠ Bernadard Hourcarde, opcit p140-141. ٩١ Sandra Mackey, opcit, p115. ٩٢ David Menashri, Shi`ite Leadership: In the shadow of conflicting ideologies, Iranian Studies, Vo XIII, No 1-4, 1980,p121.

.١٣٧-١٣٦باكينام الشرقاوى، الظاهرة الثورية والثورة اإليرانية، ص ٩٣٩٤ John Esposito, opcit, p209. ٩٥ Mansoor Moaddel, opcit, p2. ٩٦ Nikki R.Keddie, Iran and The Muslim World: resistance and revolution, opcit, p24-25. ٩٧Ibid, p167-168. ٩٨ Edward Mortimer, opcit, p304

- ٣١٤ -

٩٩ Alain Chenal, Le shiism et les evenements d`Iran, Pouvoirs, 12, 1 trimestre, 1980 , p120-121. ١٠٠ Edward Mortimer, opcit, p304 ١٠١Ibid, p304 ١٠٢ Tareq Y. Ismael and Jacqueline S.Ismael, opcit,p83. ١٠٣ Edward Mortimer, opcit, p304-305. ١٠٤Ibid, p304 ١٠٥ John L. Esposito, opcit, p88-89. ١٠٦ Janet Affary, p23. ١٠٧ Said Amir Arjomand, The state and Khomeini`s Islamic order, Iranian Studies, Vo XIII, No 1-4, 1980, p153. ١٠٨Sandra Mackey, opcit, p197. ١٠٩ Sandra Mackey, opcit, 203. ١١٠Ibid, p197-198. ١١١ Samih K.Farsoun & Mehrdad Mashykhi, Introduction: Iran`s Political Culture, Samih K.Farsoun & Mehrdad Mashykhi (ed), opcit, p12. ١١٢ H.E.Chehabi, opcit, p32. ١١٣. Ibid, p38

، مختـارات Discourse: Vol 2, No 3, Winter 2001فرحانج رادى، الدين والسياسة فى إيران، ١١٤ .٢٤،، ص٢٠٠١، يونيو ١١إيرانية، العدد

١١٥ H.E.Chehabi, opcit, p305. ١١٦ Edward Mortimer,opcit, p321-322.

فى " مناقشة وضع الزعيم األعلى والمؤسسة الدينية "وظهر كتاب . ٢٥فرحانج راجى،المرجع السابق ص ١١٧ . وتركز محور الكتاب حول تسييس الدين". قليدمرجاعال ت" والذى ألفه الزعيم الدينى١٩٦١

.١٣٧باكينام الشرقاوى، الظاهرة الثورية والثورة اإليرانية، المرجع السابق،ص ١١٨١١٩ Roger Du Pasquier, p106. ١٢٠ Nikkie Keddie, Introduction, p4. ١٢١ Nikki R.Keddie, Iran and The Muslim World: resistance and revolution, p170. ١٢٢ Misagh Parsa, p150.

.١٣٤-١٣٣باكينام الشرقاوى، المرجع السابق، ص ١٢٣ .139-138 ص، المرجع السابق ١٢٤ .141-140 ص، المرجع السابق ١٢٥ .144-143ص، المرجع السابق ١٢٦

- ٣١٥ -

.150-149ص، المرجع السابق ١٢٧ .154-153ص، المرجع السابق ١٢٨ .156-155 ص، المرجع السابق ١٢٩ .158-157ص، المرجع السابق ١٣٠ .161-160ص، المرجع السابق ١٣١ .163ص، المرجع السابق ١٣٢

١٣٣ Nikki R.Keddie, Iran and The Muslim World: resistance and revolution, opcit p173.

، اإلسالم والتنمية فى )تحرير(محمد السعيد عبد المؤمن، اإلسالم والتنمية فى إيران، ماجدة على صالح ١٣٤ .١٦٣، ص ١٩٩٩ اآلسيوية، كلية االقتصاد والعلوم السياسة، جامعة القاهرة، آسيا، مركز الدراسات

١٣٥ Samih K.Farsoun & Mehrdad Mashykhi, Introduction: Iran`s Political Culture, Samih K.Farsoun & Mehrdad Mashykhi (ed), opcit, p15. ١٣٦Ibid, p2. ١٣٧ Nikki R.Keddie, Iran and The Muslim World: resistance and revolution,, opcit, p23-24. ١٣٨ Suroosh Irfani, Iran`s Islamic Revolution: popular liberation or religious dictatorship? , Zed Books, London, 1983, p220-221. ١٣٩ Sandra Mackey, opcit, 296. ١٤٠ Nikki R.Keddie, Religion, Society, and Revolution in Modern Iran, opcit, p31. ١٤١ Ladan Boroumand, Illusion and reality of civil society in Iran: an ideological debate, Social Research, Summer 2000, p, 8 http://www.finarticles.com/cf_0/m2267/2_67/63787334/print.jhml ١٤٢ Samih K.Farsoun & Mehrdad Mashykhi, Introduction: Iran`s Political Culture, Samih K.Farsoun & Mehrdad Mashykhi (ed),opcit, p5-6. ١٤٣ H.E.Chehabi, opcit, p21. ١٤٤ Afsaneh Najmabadi, opcit, p308. ١٤٥ Mangol Bayat-Phillip, Tradition and Change in Iranian Socio-Religious Thought, p55-56. ١٤٦ Samih K.Farsoun & Mehrdad Mashykhi, Introduction: Iran`s Political Culture, Samih K.Farsoun & Mehrdad Mashykhi (ed), opcit, p6-7. ١٤٧ Nikki R.Keddie, Iran and The Muslim World: resistance and revolution, opcit, p69. ١٤٨Ibid, p70. ١٤٩ Habib Boulares, L`Islam: la peur et l`esperance, editions Jean-Claude Lattes, Paris, 1983, p34.

- ٣١٦ -

١٥٠ Sandra Mackey, p224. ١٥١ Mohammad Borghei,opcit, p78. ١٥٢ Habib Boulares, opcit p150. ١٥٣ Nikki R.Keddie, Iran and The Muslim World: resistance and revolution, opcit, p69 ١٥٤Ibid, p63.

.١٦محمود سريع القلم، المرجع السابق، ص ١٥٥١٥٦ Morteza Motahari, The Nature of the Islamic revolution, Haleh Afshar (ed), Iran, a revolution in turmoil, Macmillan, 1985, p207-208. ١٥٧ Said Amir Arjomand, opcit, p12. ١٥٨ Nikki R.Keddie, Iran and The Muslim World: resistance and revolution, opcit, p168-169. ١٥٩ Nikkie Keddie, Women in Iran since 1979, Social Research, summer 2000, p3, www.findarticles.com/cf_0/m2267/2_67/63787337/print.jhtml ١٦٠ Samih K.Farsoun & Mehrdad Mashykhi, Introduction: Iran`s Political Culture, Samih K.Farsoun & Mehrdad Mashykhi (ed), opcit, p18. ١٦١ Hooshang Amirahmadi, Introduction: from ideology to pragmatic policy in post-revolutionary Iran, Hooshang Amirahmadi & Manoucher Parvin (ed), Post-Revolutionary Iran, Westview Press, London, 1988, p2-3. ١٦٢ Said Amir Arjomand, Introduction: Social Movements in the contemporary Near and Middle East, Said Amir Arjomand (ed), From Nationalism to Revolutionary Islam, State University of New York Press, Albany, 1984, p3-4. ١٦٣ Richard C. Martin, Islamic Studies: A History of Religious Approach, Prentice Hall, New Jersy, 1996, p236. ١٦٤ Nikki R.Keddie, Iran and The Muslim World: resistance and revolution, opcit, p73.

.١٣٢باكينام الشرقاوى، الظاهرة الثورية والثورة اإليرانية، المرجع السابق، ص ١٦٥١٦٦ Nikki R.Keddie, Iran and The Muslim World: resistance and revolution, opcit, p67 ١٦٧ Janet Affary, opcit, p22-23. ١٦٨ Nikki R.Keddie, Iran and The Muslim World: resistance and revolutionm, opcit, p67. ١٦٩Ibid, p84.

.٢٥-٢٣فرحانج راجى، المرجع السابق، ص ١٧٠١٧١ Michael Fisher, Becoming Mollah: reflections on Iranian Clerics in a revolutionary age, Iranian Studies, VO XIII, No 1-4, 1980, p92.

- ٣١٧ -

١٧٢ Afsaneh Najmabadi, opcit, p203-204. ١٧٣ Sandra Mackey, opcit, p378 ١٧٤ John L. Esposito, opcit, p87. ١٧٥ Sandra Mackey, opcit, p378-379. ١٧٦ Sussan Siavoshi, opcit, p108. ١٧٧ Sussan Siavoshi, opcit, p108. ١٧٨ Mangol Bayat-Phillip, Tradition and Change in Iranian Socio-Religious Thought, p55. ١٧٩ John L. Esposito, opcit, p86. ١٨٠ Mehrdad Mashayeshi, The Politics of Nationalism and Political Culture, , Samih K.Farsoun & Mehrdad Mashykhi (ed), p85-86. ١٨١ Bertrand Badie, Les Deux Etats : pouvoir et societe en Occident et en terre d`Islam, Fayard l`espace du politique, Paris, 1986, p182. ١٨٢ Janet Afary, opcit, p24. ١٨٣Ibid, p37-38. ١٨٤ Bertrand Badie, opcit, p181-182. ١٨٥Nikkie Keddie, Introduction, Michael E. Bonine & Nikkie Keddie (ed), Continuity and Change in Modern Iran, State of University of New York Press, New York, 1981, p3. ١٨٦ Edward Mortimer, opcit, p304. ١٨٧ Nikki R.Keddie, Religion, Society, and Revolution in Modern Iran, Michael E. Bonine & Nikkie Keddie (ed ), opcit, p33. ١٨٨ Nikkie Keddie, Women in Iran since 1979, opcit, p1. ١٨٩ John L. Esposito, opcit ,p89 ١٩٠ John L. Esposito, opcit ,p89 ١٩١ Janet Afary, opcit ,p36. ١٩٢ Michael P.Zirinsky, opcit ,p47. ١٩٣Ibid, p66. ١٩٤ William O.Beeman, Iran`religious regime: What makes it tick? Will it ever run down?, Annals, AAPSS, 483, January 1986, p77. ١٩٥ William O.Beeman, Iran`religious regime: What makes it tick? Will it ever run down?, Annals, AAPSS, 483, January 1986, p77. ١٩٦ Michael P.Zirinsky, opcit, p45-46.

- ٣١٨ -

١٩٧ William O.Beeman, Iran`religious regime: What makes it tick? Will it ever run down?, Annals, AAPSS, 483, January 1986, p77. ١٩٨ H.E.Chehabi, opcit ,p16-17. ١٩٩ William Montgomery Watt, Islamic Fundamentalism and Modernity, Routledge, London, 1988, p132-133. ٢٠٠ Sandra Mackey, opcit ,p186. ٢٠١ Nikki R.Keddie, Iran and The Muslim World: resistance and revolution, opcit ,p75. ٢٠٢Ibid, p82-83. ٢٠٣ Nikkie Keddie, Introduction, p14-15. ٢٠٤ H.E.Chehabi, opcit, p13. ٢٠٥ Sandra Mackey, opcit , p183. ٢٠٦ H.E.Chehabi, opcit, p17. ٢٠٧ Sandra Mackey, opcit , p184-185. ٢٠٨Ibid, p188 ٢٠٩ Sussan Siavoshi, opcit ,126-127. ٢١٠ Nikkie Keddie, Women in Iran since 1979, opcit, p1. ٢١١ Sandra Mackey, opcit ,p208-209. ٢١٢ Pahlavi, Mohammad Reza Shah, p1, http://encarta.msn.com/find/Concise.asp?ti=05D20000 ٢١٣ Sussan Siavoshi, opcit , p119. ٢١٤ H.E.Chehabi,opcit, p39. ٢١٥Ibid, P307. ٢١٦Ibid, p308. ٢١٧ Hafizullah Emadi, opcit, p2. ٢١٨ Mohsen Milani, opcit, p135. ٢١٩ Sandra Mackey, opcit , p343. ٢٢٠ Bertrand Badie, opcit ,p189-190. ٢٢١ Sussan Siavoshi, opcit ,p112. ٢٢٢ Nikki R.Keddie, Iran and The Muslim World: resistance and revolution, opcit ,p26. ٢٢٣ Sandra Mackey, opcit ,p219. ٢٢٤ Misagh Parsa, p140.

- ٣١٩ -

٢٢٥ John L. Esposito, opcit, p129-130 حيث عقد اتفاق لقرض من اجل عتاد عسكرى مع اقتراح . .بتوفير الحصانة الدبلوماسية للمستشارين األمريكيين على ارض إيران سواء مدنيين أو عسكريين ٢٢٦ David Menashri, opcit, p119-120. ٢٢٧ H.E.Chehabi, opcit ,37-38. ٢٢٨ Samih K.Farsoun & Mehrdad Mashykhi, opcit, p17. ٢٢٩ Sandra Mackey, opcit, p191.

، مركز االعالم العالمى للثورة )الحركة اإلسالمية فى إيران (من أحاديث الخومينى، على طريق الثورة ٢٣٠.١٢٢ص ، ١٩٧٩اإلسالمية فى إيران، الطبعة األولى، طهران،

٢٣١ Samih K.Farsoun & Mehrdad Mashykhi, opcit, p19. ٢٣٢ Sussan Siavoshi, opcit, , p106. ٢٣٣Ibid, p125-126. ٢٣٤Ibid, p109. ٢٣٥ Misagh Parsa, p137. ٢٣٦Ibid, p154. ٢٣٧Ibid, p156. ٢٣٨ H.E.Chehabi, opcit, p38-39. ٢٣٩ John Esposito, opcit, p198. ٢٤٠ Nikki R.Keddie, Iran and The Muslim World: resistance and revolution, opcit, 30-31. ٢٤١ Mohsen M.Milani, The making of Iran`s Islamic revolution: from monarchy to Islamic Republic, Westview Press, London, 1988, p26. ٢٤٢ Nekkie Keddie, Iran and The Muslim World, opcit, p65. ٢٤٣Ibid, p71. ٢٤٤ Mohsen M.Milani, opcit, p32. ٢٤٥ Nikki R.Keddie, Iran and The Muslim World: resistance and revolution, opcit, p28. ٢٤٦ Bernadard Hourcarde, opcit, p154. ٢٤٧ Iran`s bid to lure oil investment succeeding despite U.S. sanctions, Oil and Gas Journal, April 1999, 1-2, www.findarticles.com/cf_0/m3112/14_97/54443793/print.jhtml .تدخل إيران فى االستراتيجية الكلية للشرق األوسط للربط بين الدول األخرى الهامة المنتجة وبحر قزوين ٢٤٨ Ervand Abrahamian, Radical Islam: the Iranian mojahedin, I.B. Tauris & Co Ltd, London, 1989, p11.

- ٣٢٠ -

٢٤٩ Afsaneh Najmabadi, opcit, 311-312. ٢٥٠ Sandra Mackey, opcit, p221. ٢٥١ Afsaneh Najmabadi, opcit, 312-313. ٢٥٢ Hafizullah Emadi, opcit, p2. ٢٥٣ Hooshang Amirahmadi, p5 ٢٥٤ Mohsen M.Milani, opcit, p34. ٢٥٥ Nikki R.Keddie, Iran and The Muslim World: resistance and revolution, opcit, p27-28. ٢٥٦ Afsaneh Najmabadi, opcit, 311. ٢٥٧Ibid, p313. ٢٥٨ Mohsen M.Milani, opcit, p28. ٢٥٩ Nikki R.Keddie, Iran and The Muslim World: resistance and revolution, opcit, p21. ٢٦٠Ibid, p71. ٢٦١ H.E.Chehabi, opcit, p23. ٢٦٢Ibid, p21-22. ٢٦٣ Ibid, p19. ٢٦٤ Afsaneh Najmabadi, opcit, p204. ٢٦٥ John Foran, The Iranian Revolution of 1977-1979: a challenge for social theory, John Foran (ed), opcit, p163. ٢٦٦ Nikkie Keddie, Introduction, Nikkie Keddie (ed),Religion and Politics in Iran, Shi`ism from quietism to revolution, Yale University Press, New Haven, 1983, p1-2. ٢٦٧ H.E.Chehabi, opcit, p19. ٢٦٨ Mansour Farhang, Forward: Iran and the prism of Political Culture, Samih K.Farsoun & Mehrdad Mashykhi (ed), opcit, pxii. ٢٦٩ Nikki R.Keddie, Religion, Society, and Revolution in Modern Iran, opcit, p33. ٢٧٠ Val Moghadam, Islamic populism, class and gender in Postrevolutionary Iran , p199. ٢٧١ Mehrdad Mashayeshi, The Politics of Nationalism and Political Culture, , Samih K.Farsoun & Mehrdad Mashykhi (ed), opcit, p106. ٢٧٢ Val Moghadam, opcit, p216-217. ٢٧٣ John Esposito, opcit, p216. ٢٧٤ Ervand Abrahamian, opcit, p51. ٢٧٥Ibid, p60.

- ٣٢١ -

٢٧٦ Hafizullah Emadi, opcit,, p4. ٢٧٧ Sandra Mackey, opcit, p284. ٢٧٨ H.E.Chehabi, opcit, p40. ٢٧٩ Nikki R.Keddie, Iran and The Muslim World: resistance and revolution, opcit, p171.

، أمتى )المحددات، المسارات، اآلفاق(اإليرانية -التركية-حسنين توفيق ابراهيم، مثلث العالقات المصرية ٢٨٠، ص ٢٠٠٠، مركز الحضارة للدراسات السياسية، القاهرة، ١٩٩٩فى العالم حولية قضايا العالم اإلسالمى

٣٦٩. ٢٨١ H.E.Chehabi, opcit, p310. ٢٨٢ Mohsen M.Milani, opcit, 313. ٢٨٣ Mohsen Milani, Shi`ism and the state in the constitution of The Islamic Republic of Iran, Samih K.Farsoun & Mehrdad Mashykhi (ed), opcit, p134. ٢٨٤ Ibid, p152. ٢٨٥ Sandra Mackey, opcit, p379. ٢٨٦ John L. Esposito, opcit, p89. ٢٨٧ Bertrand Badie, opcit, p 217 ٢٨٨ Ervand Abrahamian, opcit, p71 فبعد أن كانت إحدى وعشرين وزارة أصبحت فـى العيـد . الخامس للثورة أربع وعشرون بالرغم من الغاء عدة وزارات سابقة مثل السياحة ووزارة الفن والثقافة، كما

ألف موظف مدنى ومليونا ٧٠٠الف موظف مدنى ومليون مستخدم الى ٣٠٠زادت اعداد البيروقراطية من .مستخدم ٢٨٩ John Esposito, opcit, p215. ٢٩٠ Sandra Mackey, opcit, p291. ٢٩١ Said Amir Arjomand, The state and Khomeini`s Islamic order, opcit, p159. ٢٩٢ Sandra Mackey, opcit, p336-337. ٢٩٣ Val Moghadam, opcit, p209. ٢٩٤ Robert S.Litwak, Iran, Samuel F.Wells & Mark A.Bruzonsky (ed), Security in Middle East: regional change and great power strategies, Westview Press, London, 1987, p121. ٢٩٥ Sandra Mackey, opcit, 343. ٢٩٦ William Montgomery Watt, opcit, p136. ٢٩٧. Sandra Mackey, opcit, 354-355. ٢٩٨ John Esposito, opcit, p225. ٢٩٩ Sandra Mackey, opcit, p367.

- ٣٢٢ -

٣٠٠Ibid, p349.

.٦، ص٢٠٠١جدل حرية الصحافة فى إيران، مختارات إيرانية، العدد السادس، يناير ٣٠١، أبعاد جديدة فى قضية الصراع بين مجلس الشـورى ومجلـس ٤/١١/٢٠٠٠، )التضامن(همبستكى ٣٠٢

.٧، ص٢٠٠١صيانة الدستور، مختارات إيرانية، العدد السادس، يناير ٣٠٣ Bertrand Badie, opcit, p 217-218.

.368 ص المرجع السابق، ابراهيم، توفيق حسنين ٣٠٤ .369ص ،المرجع السابق ٣٠٥

٣٠٦ Ladan Boroumand, Illusion and reality of civil society in Iran: an ideological debate, Social Research, Summer 2000, p3, http://www.finarticles.com/cf_0/m2267/2_67/63787334/print.jhml ٣٠٧ Sandra Mackey, opcit, p354. ٣٠٨ Geneive Abdo, Iran`s Supreme Leader pushes boundaries of authority, International Herald Tribune, Thursday, December 21, 2000, p1,

http://www.iht.com/articles/5025.htm ٣٠٩Ibid, p2-3.

.٦، ص٢٠٠١، مختارات إيرانية، العدد الثامن، مارس "فتنة خاتمى"انتخابات رئاسة الجمهورية و ٣١٠ .١١، ص٢٠٠١ يناير ٣٠فهمى هويدى، محاكمة خاتمى أمام المأل، األهرام، ٣١١ .١٤حسين عبد الرازق، المرجع السابق، ص ٣١٢

٣١٣ CNN, Ali Khamenei: The hard-liner, Revolutionary Journey, wysiwyg:/56/http://www.cnn.com/SEPECIAL…yjourney/profiles/khamenei.profile.html

مدحت أحمد حماد، .م، د١٩٩٩مدحت أحمد حماد، مقدمة التقرير، التقرير االسترتيجى اإليرانى السنوى ٣١٤ .٢٢-٢١ص .١١، ص ٢٠٠١ يونيو ١٢فهمى هويدى، مخاوف ما بعد االنتصار، األهرام، ٣١٥

٣١٦ Ladan Boroumand, opcit, p3 ٣١٧ Said Amir Arjomand, Civil society and the rule of law in the constitutional politics of Iran under Khatemi, Social Research, summer 2000, p1, http://www.finarticles.com/cf_0/m2267/2_67/63787333/print.jhml ٣١٨ Ladan Boroumand, opcit, p1 ٣١٩Ibid, p6. ٣٢٠Ibid,, p3-4. ٣٢١Ibid, p20-22. ٣٢٢ John Esposito, opcit, p221.

- ٣٢٣ -

دراسة مقارنة للحالتين التركية واإليرانية، رسالة : باكينام الشرقاوى، قوة الدولة وبرامج التكيف الهيكلى ٣٢٣

.١٣٤، ص٢٠٠٠دكتوراه، كلية االقتصاد والعلوم السياسية، ٣٢٤ Ladan Boroumand, opcit, p20.

.١٤حسين عبد الرازق، المرجع السابق، ص ٣٢٥٣٢٦ Sussan Siavoshi, opcit, p121. ٣٢٧ Hafizullah Emadi, opcit, p2. ٣٢٨ Val Moghadam, opcit, p190. ٣٢٩ Anoushiravan, op.cit,p223-224. ٣٣٠ Nikki R.Keddie, Iran and The Muslim World: resistance and revolution, opcit, 171. ٣٣١ Hooshang Amirahmadi, , opcit, p5.

..١٤حسين عبد الرازق،المرجع السابق، ص ٣٣٢٣٣٣ Amuzgar Jahangir, Economic perfermance of The Islamic Republic of Iran, I.B.Tauris & Ltd Publishers, London, 1995, p85.

.١٦٣محمد السعيد عبد المؤمن، المرجع السابق، ص ٣٣٤ .١٧٣محمد السعيد عبد المؤمن،، المرجع السابق، ص ٣٣٥

٣٣٦ Sandra Mackey, opcit, p359. ٣٣٧Ibid, p346. ٣٣٨ Ahmed Ghoreishi & Dariush Zahedi, “Prospects For Regime Change In Iran”, Middle East Policy, Vol: V, No: 1, January 1997, p86. ٣٣٩ Amuzgar Jahangir, op.cit, p46. ٣٤٠ Mehdi Mozzafari,op.cit, p616.