١

) قــد يف بــالط اخلليــفة املهــدي عــر والن )حركــة الش

:الطالبةإعداد

إميان بنت حامد بن معيض الزهراني

)٤٢٥٨٠٠٩٦(

:د.إشراف أ

حسن حممد با جودة

ھـ١٤٣١- ھـ ١٤٣٠

٢

٣

Abstract

Mahdi took the succession after a Al-Safah and Al-Mansour , his was the stability and security

which allowed the poets of the Abbasid literary atmosphere of freedom to express their experiences and

perceptions and manifestations of their environment without fear helped by the Abbasid equality

between Arabs and Persians in place, as a result of the important role played by the Persians in the

Abbasid State all stages from the end of the call confidential and Abbasid coup .

But this equality was intercepted by some of the confrontations and conflicts between the hills of

the literary poets past one stick and the other sought to renewal. The result of this conflict, the

movement of poetry, followed by a strong wave of Critic and a broad-based differences between the

people of the language and criticism about the importance of adhering to uphold with old or left it .

Has prompted me to choose the subject and the presence of a large number of studies have

examined the moral poetry in the Abbasid era and explained the most important Critic issues that have

arisen in it, but did not specify the exact origin of these issues and stages.

I have in this research to highlight the era of the Mahdi as the real start of the Abbasid poetry of

life in all its manifestations and the variety that led to the emergence of the most important issues in

critic in Abbasid poetry.

We have divided into two chapters of this research, Prior to that, according to the introduction on

the life and times of the Mahdi, the conclusion followed by the entire contents of the search said the

findings, and the body of the letter is as follows:

Chapter one : Poetry themes and trends in the Tiles of the Mahdi

And it spoke about important subjects of poetry, which flourished in the tile Caliph Mahdi, and

trends that emerged in the poetry of that period .

Chapter two : Critical issues in Mahdi Tiles :

I reported that the most important of these issues and the reasons for its inception and the stage

reached in the era of the Mahdi.

One of the most important findings of the study through the following:

Cultural collision between the Arabs and the Persians is the solid foundation on which the

all the changes that have occurred in the Abbasid poetry.

The reign of the Mahdi was the period in which the most important and critical issues that

have accompanied the Abbasid poetry, but it did not reach the stage of maturity has not

been completed only in the aspects of the following covenants.

The conflict between the old and new is the major critical issue upon which the rest of the

critical issues.

God the Source of strength

٤

ملخص الرسالة عنى ھذه الدراسة بحركة الشعر والنقد في بالط الخلیفة المھدي، وھو الخلیفة العباسي الثالث والذي كان ت

.عھده عھد استقرار سیاسي، وبدایة جني الثمرةوكان المھدي شغوفا باألدب واألدباء معجبا بالقدیم بما فیھ من فخامة وروعة، ومرحبا بالجدید بما فیھ

.من ابتكار ورونقوكانت الصراعات األدبیة محتدمة بین جیلین من الشعراء في ذلك العھد أحدھما متمسك بالقدیم واآلخر

ونتجت عن ھذا الصراع حركة شعریة قویة تبعتھا موجة نقدیة واسعة أساسھا االختالف بین . یسعى إلى التجدید .ركھأھل اللغة والنقاد حول أھمیة التمسك بالقدیم أو ت

ولقد دفعني إلى اختیار ھذا الموضوع وجود عدد كبیر من الدراسات األدبیة التي بحثت الشعر في . العصر العباسي وشرحت أھم القضایا النقدیة التي شاعت فیھ ولكنھا لم تحدد بدقة نشأة تلك القضایا ومراحلھا

حقیقیة للحیاة الشعریة العباسیة بكل فقمت في ھذا البحث بتسلیط الضوء على عھد المھدي بصفتھ البدایة ال .مظاھرھا و اختالفاتھا التي أدت إلى نشأة أھم القضایا النقدیة في الشعر العباسي

ولقد قسمت ھذا البحث إلى فصلین مسبوقین بمقدمة عن سیرة المھدي وعصره، وأتبعتھما بخاتمة أجمل .من نتائج فیھا محتویات ھذه الدراسة موضحة فیھا ما توصلت إلیھ

:أما متن الرسالة فھو على النحو التالي ، وفیھ ذكرت أھم )موضوعاتھ واتجاھاتھ في بالط المھدي: الشعر: (الفصل األول وھو بعنوان

الموضوعات الشعریة التي شاعت في بالط المھدي مع ذكر أھم شعراء البالط وإیراد نماذج من . متنوعة التي اتخذھا الشعراء في ذلك الوقتشعرھم، وقد بینت فیھ االتجاھات الشعریة ال

، وعددت فیھ أھم تلك القضایا وأسباب )القضایا النقدیة في بالط المھدي: (الفصل الثاني وھو بعنوان .نشأتھا والمرحلة التي وصلت إلیھا في عھد المھدي

:وكان من أھم النتائج التي توصلت إلیھا من خالل ھذه الدراسة ما یليصطدام الحضاري بین العرب والموالي ھو األساس القوي الذي ترتكز علیھ كل التغیرات التي اال -

.حدثت في الشعر العباسي

تعد فترة حكم المھدي ھي الفترة التي نشأت فیھا أھم القضایا النقدیة التي واكبت الشعر العباسي، إال أنھا - .ود التالیةلم تبلغ مرحلة النضج ولم تكتمل أوجھھا إال في العھ

.قضیة الصراع بین القدیم والجدید ھي القضیة النقدیة الكبرى التي قامت علیھا بقیة القضایا النقدیة -

واهللا ولي التوفیـــق؛؛؛ :المشرف :الطالبة

حسن محمد باجودة. د.أ إیمان بنت حامد الزھراني

٥

بسم اهللا الرمحن الرحيم

إهداء ..ان له الفضل بعد اهللا سبحانه وتعاىل يف كل أمنية حتققت يلإىل من ك

إىل من آزرين حني أمسكت بالقلم ، وشجعين حني ترددت يف اختيار الكلم ، إىل من استبشـر

حني عقدت العزم ، ومن رأى يف شخصي الضعيف عاملا يستحق الظهور يف عامل الواقـع وأال

...يكتفي باحللم

احلنون وزوجي احلبيب و إىل ابنيت اليت أجد يف الورد من حسنها نصيبا،،إىل أيب الغايل وأمي

أقدم إليكم خبجل حيدوه الفخر هذا البحث املتواضع، هدية عرفان وإشارة بدء حقيقيـة يف درب

.الطموح، آملة أن أكون قد حققت ولو جزءا من توقعاتكم

٦

شكر وتقدير،،

ا من أشرف على رساليت وساندين يف مللمة أشالء فكري حىت خرجت ـذا أشكر يف مقامي هذ

البحث الذي ال أقول عنه إنه كامل إال أنه مدعاة لفخري إذ سطرت كل حرف فيـه جبهـدي

د حسن .أ: مشريف وشيخي وأستاذي: وفكري وبتوجيه صاحب الفضل الكبري بعد موالي القدير

.وأشهر من نار على علم منيفحممد باجودة، الذي هو غين عن التعريف

:محد الزايدي قوله.وال يسعين يف هذا املقام إال أن أقتبس من شعر د

وإن بدا فيه تقصيــر فال تلم هذا عطائي أبا األجـواد أنظمه

د من أمم واسلم وسر يف املعايل سري متئديا من أخذت لواء ا

را وللعلم حبرا وللعرب فخرا،،فجزاك اهللا عين خري اجلزاء إذ كنت لإلسالم ذخ

مصطفى عناية، الذي كان له الفضل األول : والشكر موصول ملرشدي وأستاذي سعادة الدكتور

بعد اهللا عز وجل يف اختياري ملوضوع هذا البحث، والذي مل يبخل علي بنصائحه وتوجيهاتـه

. جعلها اهللا يف موازين حسناته..السديدة

٧

ةاملقدم

احلمد هللا محد الشاكرين لعظيم منه ، احلمد هللا محد املتضرعني لكرمي عفوه ، احلمد هللا محد الساعني

للقاء وجهه ، احلمد هللا محدا كثريا طيبا عدد ما خلق و ذرأ و برأ ، والصالة والسالم على املصطفى

أنف الراغمني نبينا حممد وعلى آله املختار املبعوث رمحة للعاملني، الشريف القدر الصادق األمر رغم

:وصحبه ومن تبعه ومن نصره إىل يوم الدين، وبعد

فيها حركة الشعر والنقد لأتناو ،)حركة الشعر والنقد يف بالط اخلليفة املهدي(فهذه دراسة بعنوان

عنها من نتـائج مبا نتج ءيف بالط اخلليفة العباسي الثالث ابتداء من أسباب نشأة هذه احلركة، وانتها

االنتقالية اليت كان االصطدام احلضـاري بـني املرحلةأثرت يف احلياة األدبية والسيما الشعر يف تلك

.العرب والفرس على أشده

فلقد اشتهر اخلليفة املهدي بثقافته األدبية واهتمامه بالشعر والشعراء منذ أن كان وليا للعهد،إذ كـان

عطاء،مما دفع الشعراء إىل التنافس فيما بينهم طلبا جلوائزه،فاجتمع يف بالطـه حيسن إليهم وجيزل هلم ال

وزادت حدة التنافس بينهم فسعى بعضهم إىل االبتكـار والتجديـد يف أشـعارهم . عدد كبري منهم

ليتمكنوا من التفاعل مع مظاهر واقعهم اجلديد،هنا حدثت ثورة شعرية كبرية صاحبتها حركة نقديـة

اسها اخلالف الذي قام بني الشعراء احملدثني وعلى رأسهم بشار بن بـرد وأبـو العتاهيـة وليدة أس

. ،والشعراء القدماء أمثال مروان بن أيب حفصة واحلسني بن مطري وسلم اخلاسر

٨

أسباب اختيار املوضوع:

التركيز يف الدراسات األدبية والنقدية يف العصر العباسي كان موجها للحديث عن .١

صر الرشيد واملأمون،وأغفلت معظم الدراسات عصر املهدي على الرغم مـن أن ع

حركة التجديد يف الشعر بدأت يف بالطه،كما أن شعر البالط بشكل عام مل يدرس

. دراسة وافية يف أدبنا العريب على الرغم من أمهيته

عـن مل ختصص الدراسات اليت حتدثت عن العصر العباسي سوى صفحات قليلـة .٢

.الشعر يف بالط املهدي ،على الرغم من أمهية ذلك

الدراسات السابقة:

الـبالط :(مل أعثر إال على دراسة واحدة حتدث فيها صاحبها عن أدب البالط ،وهـي بعنـوان

عبـده عبـد العزيـز : دراسة تارخيية أدبية نقدية،تأليف الدكتور -األديب للمعز بن باديس

بها على احلديث عن أدباء بالط امللك الصنهاجي املعز بن بـاديس ،وقد ركز فيها صاح)قلقيلة

سواء كانوا شعراء أم كتابا أم نقادا،ومل أعثر على دراسة واحدة تتحدث عن شـعر الـبالط يف

.العصر العباسي

مصادر البحث:

باإلضافة كتاب األغاين أليب الفرج األصفهاين كمصدر رئيس،: أهم املصادر اليت اعتمدت عليها

إىل دواوين الشعراء،وبعض كتب التاريخ، وبعض الكتب والدراسات النقدية واألدبيـة القدميـة

. واحلديثة

:متهيد وفصلني كبريينولقد اقتضت طبيعة املوضوع أن أقسم هذا البحث إىل

٩

بالشـعر فتناولت فيه بعون اهللا تعاىل عصر املهدي وسريته،وثقافته األدبية،واهتمامـه التمهيدأما

.والشعراء و قيام حركة شعرية ونقدية واسعة النطاق يف عهده

:وأما فصال الرسالة فهما على النحو التايل

لجاهاته يف بالط املهدي:الفصل األوالشعر موضوعاته وات:

وفيه استعرضت أهم املوضوعات الشعرية اليت ازدهرت يف بالط اخلليفة املهدي ، واالجتاهـات

: ، واملوضوعات هياملرحلةليت سلكتها يف تلك الشعرية ا

مروان بن أيب حفصة، واحلسني بن مطري، وسلم اخلاسر : املديح واجتاهاته، ومن أهم شعرائه -

.وبشار بن برد وأبو العتاهية وغريهم

.بشار بن برد وأبو العتاهية وربيعة الرقي وغريهم: ومن أشهر شعرائه: الغزل وتياراته -

.أبو دالمة ونصيب األصغر وحجناء بنت النصيب وغريهم: رائهالوصف ومن شع -

.ومن شعرائه مروان بن أيب حفصة وربيعة الرقي والسيد احلمريي وغريهم: اهلجاء وأنواعه -

.ومن شعرائه مروان وسلم اخلاسر وبشار وأبو العتاهية: الرثاء ومذاهبه -

.ومن أهم شعرائه مروان وبشار: الفخر -

.شعرائه مروان وسلم اخلاسر ونصيب ومن أشهر: االعتذار -

. ومن أهم شعرائه احلسني بن مطري وأبو العتاهية: الزهد -

، الشكوى واالسـتعطاف، التحريض،شـعر بالتعازي والتهاين ، العتا:(الشعر االجتماعي -

أبو دالمة وأبو العتاهية وربيعـة الرقـي : ، ومن أهم شعرائه)الفكاهة والتظرف واالستجداء

.وأبو خنيلة

١٠

كما حتدثت يف هذا الفصل عن االجتاهات الشكلية والصنعة يف هذا الشعر باالسـتناد إىل الشـواهد

.الشعرية

ة يف بالط اخلليفة املهدي:الفصل الثايناحلركة النقدي:

ويف هذا الفصل حتدثت عن تلك احلركة النقدية اليت حمي وطيسها و اتسع نطاقهـا يف بـالط

لسه،كما تناولت أهم القضايا النقدية اليت تولدت عن هذه احلركة كقضـية اخلليفة املهدي وجما

البيئة وأثرها يف الشعر العباسي، وقضية القدماء واحملدثني،وقضية السرقات الشعرية، وقضية اللفظ

واملعىن وقضية الوحدة الفنية، وليست دراسيت هلذه القضايا بغرض تفصيل القول فيها والغوص يف

ها وإمنا غرضي من ذلك هو توضيح ما عنيته سابقا من أن عهد املهدي يعد مرحلة انتقالية أعماق

.مهمة ولدت فيها أهم القضايا النقدية إال أا مل تبلغ سن النضج إال بعده

.وأخريا يف خامتة البحث قمت بتلخيص أهم النتائج اليت توصلت إليها يف هذه الدراسة

١١

:مهيدالت

: أوال :سرية املهدي

وأمه أم (. ٢)ويكنى أبا عبد اهللا(،١)هو حممد بن عبد اهللا بن حممد بن علي بن عبد اهللا بن العباس(

رييموقيل أم موسى بنت منصور بن عبد اهللا (، ٣)موسى بنت منصور بن عبد اهللا بن يزيد بن مشر احل .٥)وتكنى أم موسى(،٤)ن من ملوك حميربن ذي سهم بن أيب سرح من ولد رعيا

هـ، وبويع له ١٤٧وليا للعهد سنة ح، وأصب٨،وقيل بإيذج٧باحلميمة ٦هـ١٢٧ولد املهدي سنة ، وقيل بويع له باخلالفة ٩هـ مبكة يف يوم السبت لست ليال خلون من ذي احلجة١٥٨باخلالفة سنة

خالفته تثالث خلفاء بين العباس، ودام ووه،١٠ببغداذ يف منتصف شهر ذي احلجة من هذا العام .١٢،وقيل عشرة أعوام وتسعة وأربعني يوما١١عشرة أعوام وشهرا واثنني وعشرين يوما

أبا احلسن بن علي بن احلسني : ، وانظر١٠٨ص ٨ج/إبراهيم حممد أبو الفضل:قالطربي، حتقي خحممد بن جرير الطربي، تاري ١

، الطبعة )لبنان - بريوت(حممد هشام النعسان عبد ايد طعمة احلليب، دار املعرفة . د: املسعودي، مروج الذهب ومعادن اجلوهر، حتقيق )٢٩٢(ص) ٣(ج) /م٢٠٠٥-هـ١٤٢٦(األوىل

٢٩٢ص ٣ج/مروج الذهب ٢، نلبنا- الكتاب العريب، بريوت رعمر عبد السالم تدمري، دا.د:قيف التاريخ، حتقي لابن األثري، الكام، و ١٠٩ص ٨ج/تاريخ الطربي ٣

) ١٩٨(ص) ٥(ج/أا تدعى أروى بنت منصور أخت يزيد بن منصور احلمريي م،ورد فيه٢٠٠٤- هـ١٤٢٤الرابعة ةالطبع ٢٩٢ص ٣ج/مروج الذهب ٤ ١٩٨ص ٥ج/الكامل يف التاريخ ٥ ٢٩٢ص ٣ج/مروج الذهب ٦درويش جويدي، شركة أبناء شريف . ، اعتىن به د)الدولة العباسية(الشيخ حممد اخلضري بك، حماضرات يف التاريخ األمم اإلسالمية ٧

، وهي بلد من أرض الشراة من أعمال عمان يف أطراف ٧٦ص)/لبنان - بريوت - صيدا(األنصاري للطباعة والنشر والتوزيع، .باسالشام،وهي مرتل بين الع

.، وهي كورة وبلد بني خوزستان وأصبهان١٧١ص ٨ج/تاريخ الطربي ٨،و يرى الواقدي انه ٢٩٢ص ٣ج/،وهو قول هشام بن حممد وحممد بن عمر وغريمها،وورد أيضا يف مروج الذهب١٠٨ص ٨ج/نفسه ٩

١٠٩ص ٨ج/بويع له ببغداد يوم اخلميس إلحدى عشرة ليلة بقيت من ذي احلجة من هذه السنة،تاريخ الطربي،ويف كتاب الدولة العباسية بويع له باخلالفة مبدينة السالم يوم الثالثاء للنصف من ذي احلجة من ٢٠٧ص ٥ج/الكامل يف التاريخ ١٠

٧٦ص/العام نفسه ٣ج/ويف مروج الذهب) نفسه(،وقال الواقدي وأبو معشر إنه ملك عشر سنني وشهرا ونصف الشهر١٧١ص ٨ج /تاريخ الطربي ١١

١٧١ص ٨ج/،وقال بعضهم ملك عشر سنني وتسعة وأربعني يوما،تاريخ الطربي٧٦ص /ويف الدولة العباسية ،٢٩٢ص ١٧١ص ٨ج /تاريخ الطربي ١٢

١٢

ولقد تولى اخلالفة بعد استقرار األحوال السياسية وانتعاش األحوال االقتصادية فالتفت إىل األمور

على إحقاق احلقوق ألصحاا كما عمل لوالشعبية، وعم بالقضايا الوطنية لالداخلية للدولة، وانشغ

.على توفري أسباب الراحة واألمن للمجتمع

وللمهدي سرية حسنة حممودة يف حكم رعيته قربته إليهم فكان حمببا إىل اخلاص والعام،فلم يكد

من كان عليه يتولى اخلالفة حىت سارع إىل إطالق سراح كل من كان حمبوسا يف سجون املنصور إال

،كما أجرى الرواتب على اذومني رأفة حباهلم وللحد ١دم أو حق للناس أو كان مفسدا يف األرض

من انتشار مرضهم بني الناس،وعلى أهل السجون الذين ليس هلم من يتفقد أحواهلم وذلك لتحسني

.٢أحواهلم وللكف من شرورهم

، وقد عاتبه ٣أيام عشرة آالف ألف درهم من صلب مالهوكان كرميا جوادا حىت إنه فرق يف عشرة

ويلك يا ! وهل حيسن السرف إال بأهل الشرف! ويلك:(يعقوب بن داود يف إسرافه فقال له املهدي

٤!)يعقوب، لوال السرف مل يعرف املكثرون من املقترين

شفاعة يف حد شرعي،وملا ورد إىل وكان املهدي إماما خيرا حمبا للسنة ، جيلس للمظامل وال يقبل ال

مسمعه أن بعض حاشيته يقبلون الرشوة مقابل تقدمي مظلمة على أخرى أو غض الطرف عنها عمد

إىل اختاذ بيت من شباك احلديد تطرح فيه املظامل مث يدخل مبفرده فيطلع عليها بالترتيب فال يقدم

اف املظلوم أنه كان أول من يدخل عليه عند وبلغ من شدة حتريه للعدل وإنص.إحداها على األخرى

.٥)أدخلوا علي القضاة،فلو مل يكن ردي املظامل إال للحياء منهم لكفى:(جلوسه القضاة فكان يقول

٢١٣ص ٥ج/،و الكامل يف التاريخ١١٧ص ٨ج/تاريخ الطربي ١ ٢٢٩ص ٥ج/نفسه،و ١٤٢ص ٨ج/نفسه ٢ ٢٩٦ص ٣ج/مروج الذهب ٣ ١٥٧ص ٥ج/تاريخ الطربي ٤

٢٥٤ص ٥ج/يف التاريخ لو الكام،١٧٢ص ٨ج/نفسه ٥

١٣

ما توسل أحد إيل بوسيلة،وال تذرع بذريعة هي أقرب من تذكريه إياي يدا :(وروي عنه أنه قال

.١)عها أختها،فأحسن ربها؛ألن منع األواخر يقطع شكر األوائلسلفت مني إليه أتب

كما اشتهر بسعة حلمه وعفوه عن خصومه وله يف ذلك قصص و مواقف كثرية منها أنه عتب على

). إىل أبد نسيء،ويبقيك اهللا فتعفو عنا:(فأجابه) وأعفو؟ إىل مىت تذنب إيل:(أحد قواده مرارا فقال له

. ٢فرضي عنه املهدي

:ومن أهم إصالحاته الداخلية

١. وأطلق من كان يف ٣صافة ومسجدها وحفر خندقهايف سنة تسع ومخسني ومائة بىن سور الر،

٤حبس املنصور إال من كربت جريرته أو أفسد يف األرض

يف سنة ستني ومائة بلغته خماوف حجبة الكعبة من دمها لكثرة ماعليها من أستار فأمر أن .٢

ويف نفس السنة أمر بتوسعة مسجد . ٥كساها كسوة جديدة بعد أن طليت باخللوق تجرد مث

مسجد رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم

،ويف هذه السنة أيضا أمر برد نسب آل زياد إىل عبيد ٦ونزع املقصورة اليت كانت فيه

صلى ،كما أمر برد نسب آل أيب بكرة من ثقيف إىل والء رسول اهللا٧وأخرجهم من قريش

.٨اهللا عليه وسلم

١٨١ص ٨ج/تاريخ الطربي ١ بتصرف ٢٥٥ص ٥ج/،و الكامل يف التاريخ١٧٢ص ٨ج/تاريخ الطربي ٢ ٢١٣ص ٥ج/،والكامل يف التاريخ١١٦ص ٨ج/تاريخ الطربي ٣ ٢١٤ص ٥ج/الكامل يف التاريخ١١٧ص ٨ج/تاريخ الطربي ٤ ، واخللوق هو نوع من العطور١٣٣ص ٨ج/تاريخ الطربي ٥ ٢٢٠ص ٥ج/،والكامل يف التاريخ١٣٣ ٨/تاريخ الطربي،ج ٦ ٢١٩ص ٥ج/الكامل يف التاريخ ٧ ٢٥٠ص ٥ج/نفسه ٨

١٤

يف سنة إحدى وستني ومائة أمر ببناء القصور بطريق مكة،وتوسيع القصور اليت بناها .٣

وأمر بتوسيع .١وجتديد الربك رأمر حبفر اآلبا ااملصانع يف طريق القوافل، كم ذالسفاح، واتخا

نابر على برتع املقاصري من مساجد اجلماعات وتقصري مجيع امل رمسجد البصرة، وكذلك أم

.٢مقدار منرب رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم

.٤وولى عليها عمرو بن مربع مواله ٣يف سنة اثنتني وستني ومائة وضع دواوين األزمة .٤

ايف سنة ست وستني ومائة أقام الربيد بني مكة و املدينة النبوية،وبني مكة واليمن، ومنه .٥

.٥الربيد بني احلجاز والعراق مجيعا إىل العاصمة فكان بذلك أول من أقام

ويف سنة سبع وستني ومائة أمر بالزيادة الكربى يف املسجد احلرام وأدخل فيه دورا .٦

،وقام مبالحقة الزنادقة وجد يف طلبهم ٧،كما أمر بالزيادة يف املسجد اجلامع باملوصل٦كثرية

ه كما جعل هلم سجنا ، وجعل هلم ديوانا خاصا م يتولاه عدد من معاوني٨والتنكيل م

٩.خاصا م عرف بسجن الزنادقة

٢٢٦ص ٥ج/،والكامل يف التاريخ١٣٦ص ٨ج/تاريخ الطربي ١ ٢٢٦ص ٥ج/،والكامل يف التاريخ١٣٦ص ٨ج/تاريخ الطربي ٢، والزمام هو خيط يشد به ،ويف اللسان زم الشيء أي بطهرجل يض هأن يكون لكل ديوان زمام خاص به، وعلي: دواوين األزمة ٣

شده، والزمام باملعىن احلديث هو سجل يقيد فيه كل ما يتعلق بالديوان بصورة منتظمة من قبل شخص مسئول يعينه احلاكم ٢٢٩ص ٥ج/،والكامل يف التاريخ١٤٢ص ٨ج/تاريخ الطربي ٤ ٢٤٤ص ٥ج/تاريخ،والكامل يف ال١٦٢ص ٨ج/تاريخ الطربي ٥ ،وقد تويف املهدي قبل اكتمال البناء٢٤٨ص ٥ج/، والكامل يف التاريخ١٦٥ص ٨ج/تاريخ الطربي ٦ ٢٤٨ص ٥ج/الكامل يف التاريخ ٧ ٢٤٧ص ٥ج/نفسه ٨اريخ خالد عزام،موسوعة الت.د:كان ملسئول ديوان الزندقة سلطة واسعة يف عهد املهدي، فكان يقتل كل من أدين ذه التهمة،انظر ٩

٧٦ص)/م٢٠٠٣(عمان، الطبعة األوىل - ، دار أسامة للنشر والتوزيع، األردن)هـ٦٥٦-١٣٢العصر العباسي (اإلسالمي

١٥

أمر العلماء وأهل العقيدة بتصنيف الكتب ايعاقب بالقتل، كم ١وكان كل من يتهم بالزندقة

.يف جدال الزنادقة وإبطال مذهبهم

يف إحدى عينيه نكتة - وقيل أمسر- أبيض ٢أنه كان طويال مضمر اخللق جعداصفات املهدي ومن

، وكان كرميا مسح األخالق حمبا للعفو وحمبا ألهل العلم ،كما كان حمببا إىل رعيته مشهودا ٣اءبيض

.له بالصالح

ليلة اخلميس يف الثاين والعشرين من شهر حمرم لعام تسعة ٤تويف املهدي يف قرية من قرى ماسبذان

،ودفن حتت جوزة هناك ٧ني سنةوهو ابن ثالث وأربع ٦)٧٨٥أغسطس ٤(٥وستني ومائة من اهلجرة

هناك كان جيلس حتتها،وقد خرج إليها بعد أن عزم على خلع ابنه موسى اهلادي والبيعة البنه

-وتعددت الروايات يف أسباب وفاته فقيل إن إحدى جواريه بعثت حملظيته طعاما فيه سم. ٨الرشيد

خذ يصيح جويف جويف ومات من فرآه املهدي فرغب فيه وأكل منه مث أ - وقيل بكمثرى مسمومة

.ساعته

على من يظهر اإلسالم ويبطن الكفر سواء كان كفره باعتقاد اوسية الفارسية أم بالدهرية أم بغري يف الفقه يدل اسم علمي: الزندقة ١

ف والترمجـة حممد شوقي أمني، مطبعـة جلنـة التـألي : حممد الطاهر ابن عاشور، مراجعة: ار بن برد، شرحديوان بش: ذلك، أنظر ١٨ص/)م١٩٦٦-هـ١٣٨٦القاهرة(والنشر،

١٧١ص ٨/نفسه ٢ ٢٥٤ص ٥ج/الكامل يف التاريخ ٣مدينة منها تدعى الرذ،وليس عليه ماه سبذان مضاف إىل اسم القمر،وتشمل عدة مدن،وهي بإيران،ويقع قرب املهدي يف :أصل الكلمة ٤

.أثر إال بقايا بناء تقادم عهده ٧٦ص/، والدولة العباسية٢٥٤ص ٥ج/،وهو قول أيب معشر و الواقدي،والكامل يف التاريخ١٧١ص ٨/تاريخ الطربي ٥ ٧٦ص/الدولة العباسية ٦ ٢٩٣ص ٣ج/،ومروج الذهب٢٥٤ص ٥ج/،والكامل يف التاريخ١٧١ص ٨/تاريخ الطربي ٧حبسب - وأنه مات بقرية يقال هلا ردين وهي تبعد..ويف مروج الذهب ورد أنه خرج إىل ماسبذان ألن طبيبه وصف له طيب هوائها ٨

٨٣انظر الدولة العباسيةص)الروذ(، وقيل ان القرية تدعى٢٩٢ص ٣ج/عن الرذ عدة فراسخ وفيها قربه،مروج الذهب - قول ياقوت

١٦

وقيل بل كان يطارد ظبيا فهرب الظيب إىل باب خربة فدخلها وتبعته كالب املهدي ودخل فرسه

. ١وراءها فدق الباب ظهر املهدي فقتله

، كما تزوج باخليزران أم ٢هـ١٤٤أما عن زوجاته فقد تزوج بريطة بنت أيب العباس السفاح سنة

، وتزوج أيضا بأم عبد اهللا بنت صاحل بن علي أخت ٣هـ١٥٩أعتقها وذلك يف سنة ولده بعد أن

. ٥هـ١٦٠، وبرقية بنت عمرو العثمانية سنة ٤الفضل وعبد امللك

:اهتمامه بالشعر والشعراء

توىل املهدي اخلالفة بعد أن اتضحت معامل الدولة العباسية واستقرت سياسيا مما أتاح له أن يلتفت إىل

.ية العلمية ألن العلم هو مفتاح احلضارة وأساس التقدمالناح

ولقد اهتم املهدي بالعلم والعلماء إال أن اهتمامه بالشعر والشعراء كان أكثر وضوحا إذ كان يتمتع

مبوهبة تذوق الشعر ومتييز اجليد منه ومعرفة الرديء، كما أنه كان عاملا بأيام العرب ومطلعا على

.دماء واملعاصرينأشعار الق

ولشدة اهتمامه بالشعر نراه يف جملسه جيمع علماء الشعر ونقاده ورواته فيدخل معهم يف مناظرات

أدبية مفيدة،أو يستنشد الشعراء شيئا من أشعارهم أو أشعار غريهم، أو يطلب منهم أن يجيزوا بيتا

ونه أشعر الشعراء سواء من معاصريهم أم من من نظمه أو ينسبوا أبياتا لقائلها،ويسأل النقاد عمن ير

قرها أو ينفيهااألقدمني وال يكتفي بسماع آرائهم وإندها مث يما يناقشها ويفن.

، ومروج ٢٥٣،٢٥٤ص ٥ج/،والكامل يف التاريخ١٦٨،١٦٩ص ٨/تاريخ الطربي: نظراملهدي أ ن التفصيل يف أسباب وفاةملزيد م ١

٢٩٣ص ٣ج/الذهب ٧٦ص/الدولة العباسية ٢ ٢١٢ص ٥ج/،و الكامل يف التاريخ١٢١ص ٨ج/تاريخ الطربي ٣ ٢١٢ص ٥ج/،و الكامل يف التاريخ١٢١ص ٨ج/تاريخ الطربي ٤ ١٣٤ص ٨ج/تاريخ الطربي ٥

١٧

كما كان معروفا بكرمه مع الشعراء وأهل اللغة وكثرة جوائزه ومكافآته هلم مما دفع هؤالء إىل

.اإلسراع بتقدمي علومهم وآدام وخالصة فكرهم إليه

ليحصلوا على نصيبهم -ولو ظاهريا- بل إن بعض الشعراء املوالني لبين أمية سارعوا إىل تبديل والئهم

!من تلك الغنائم

:وهنا بعض املواقف اليت تدل على اهتمام املهدي بالشعر والشعراء

زيد قال املهدي لعمارة بن :بن احلباب األسدي، وهو والبة: الناس شعرا؟ قال من أرق

:ذي يقولال

.١صدقت واهللا: قال

كر فأنشده قول األخطل ٢استنشد املهدي محادا الراوية٣عن أحسن أبيات قيلت يف الس:

١٨٢ص ٨ج/تاريخ الطربي ١وقيل محاد بن سابور من موايل بين شيبان،كان من أعلم الناس بأيام العرب وأخبارها،وكان مقربا خللفاء بين - هو محاد بن ميسرة ٢

أمية،ولقب بالراوية لكثرة ما حيفظه من أشعار األقدمني واحملدثني حىت قيل إنه أنشد يف جملس واحد مائة قصيدة لكل حرف من حروف قيل إنه أفسد الشعر العريب بإدخاله فيه عروفا بقدرته على متييز الشعر القدمي من احملدث إال أن روايته مشكوك فيها حىتاهلجاء وكان م

.ما ليس منه،وهو شاعر أموي معروف كان يتشبه يف شعره بالنابغة الذبياين عاصر جريرا كغياث بن غوث من بين تغلب ويكىن أبا مال ٣

.ما يف مديح امللوك والوصفوالفرزدق وتقدم عليه

١٨

٢.فأثىن عليه املهدي وكافأه مبال وكسوة

)قل يف احلب شعرا وال تطل واجعل احلب قاضيا بني : بعث املهدي إىل بشار فقال له

:احملبني وال تسم أحدا؛فقال

٣).فأمر له بألف دينارحكمت علينا ووافقنا ذلك،:فبعث إليه املهدي

يل الضبعشرة آالف درهم،إذ جاءين رسول :قال املفض كنت يوما حمتاجا إىل درهم،وعلي

فتخوفته ألين كنت خرجت عليه مع إبراهيم بن عبد اهللا! أجب أمري املؤمنني:املهدي فقال

.بن احلسن،فتطهرت ولبست ثوبني نظيفني،وصرت إليها

يا مفضل،أي بيت :سلمت،فرد علي وأمرين باجللوس،فلما سكن جأشي قال يلفلما مثلت بني يديه

.بيت اخلنساء:قالته العرب افخر؟ فتشككت ساعة مث قلت

من الوقاية: بفتح الواو والقاف: وقت ١ - بريوت(بو الفرج علي بن احلسني بن حممد األصفهاين، كتاب األغاين،إعداد مكتب حتقيق التراث العريب، دار إحياء التراث العريبأ ٢

٣٥٠ص ٣ج/، الطبعة الثانية)لبنان ١٥٥ص ٢ج/كتاب األغاين ٣

١٩

:قوهلا:وأي بيت هو؟قلت:وكان مستلقيا فاستوى جالسا مث قال

.قد قلت له ذلك فأىب:يع،مث قالفأومأ إىل إسحاق بن بز

:يا مفضل أسهرين البارحة قول ابن مطري األسدي:مث قال.الصواب ما قاله أمري املؤمنني:فقلت

.نعم يا أمري املؤمنني:أهلذين البيتني ثالث؟ قلت:مث قال

كيف يكون حال من هو :يامفضل،كيف حالك؟قلت:وكان املهدي رقيقا فاستعرب،مث قال

شأنك ح ــاقض دينك،وأصل:وقال فأمر يل بثالثني ألف درهم، !مأخوذ بعشرة آالف درهم

٢.فقبضتها وانصرفت

ى بشارا دون هومما يدل على علم املهدي بالشعر ومعرفة أنواعه األشد تأثريا يف الناس أن

وكانت حجته يف ذلك أن لبشار أسلوبا خاصا سواه عن نظم أبيات يف الغزل والنسيب،

رائر من النساء و على الرجال،وال يصدر يف الغزل له تأثري قوي ومباشر على اجلواري واحل

. هذا الرأي إال عن شخص خبري عامل بأسرار الشعر وخفاياه

:لبيت من املوسوعة الشعرية إذ ورد يف األغاين ذا الشكلقمت بتصحيح هذا ا ١ د بؤس فقريهاغنـيا ويغىن بعـ ا فيضحي فقريهاوقد تغدر الدني

.وهو بال شك خطأ مطبعيحممد نبيل .د:عبد القادر بن عمر البغدادي، خزانة األدب ولب لباب لسان العرب،قدمه ووضع هوامشه و فهارسه ٢

٤٥٦ص ٥ج)/م١٩٩٨-هـ١٣١٨(،الطبعة األوىل)لبنان- بريوت(ل بديع يعقوب،دار الكتب العلميةامي.د:طريفي،إشراف

٢٠

وكان له ذوق خاص يف الشعر فال يقبل أن ميدحه الشاعر بألفاظ غريبة خشنة،فمن ذلك

ألست :أن طريح بن إمساعيل الثقفي دخل عليه وأراد أن ينشده فاستوقفه املهدي وقال

:يف الوليد بن يزيدالقائل

.٢)واهللا ال تقول يل يف مثل هذا أبدا،وال أمسع منك شعرا،وإن شئت وصلتك(

ولشدة عنايته بالشعر كان يدقق يف كل كلمة ينطقها الشاعر حىت ولو مل يكن

وت على نفسه ما قد يفوته من معان أو صور،فكان يسأل يف ،وذلك لكي المشهورا

الشاعر عن معاين بعض ما يأيت به من ألفاظ غريبة حىت ال يفوته املعىن، ولذلك قصة طريفة

تدور حول أحد الشعراء املغمورين الذين عرفوا بضعف أشعارهم أنه دخل على املهدي

إن : له املهدي عن معىن زفرات فأجابهفسأ)) وجوار زفرات ((فأنشده شعرا ميدحه قال فيه

كنت أنت أمري املؤمنني وسيد املسلمني وابن عم الرسول صلى اهللا عليه وسلم ال تعرفها

٣!!أفأعرفها أنا؟

ه،وقد كثرت الروايات حولوكان املهدي يعىن بالشعر يف هزله كما يعين به يف جد

ا إىل حمظياته أو جيعل من احلب قاضيا إرساله إىل أحد الشعراء لينظم أبياتا غزلية يتقرب

بني احملبني أو يصف جارية أو جملسا وغري ذلك من املوضوعات اليت يتخيرها فإن أعجبته

.األبيات كافأ قائلها مبا يستحق

،وهناك قريش الظواهر وأكرمها هم الذين يسكنون الشعب بني أخشيب مكة وهم صميم قريش: ، قريش البطاح. ضخم:مسلنطح ١

.النواحي واألزقة: احلين والوجل،. الذين يرتلون خارج الشعب ١٨٢ص ٨ج/ربيتاريخ الط ٢ ١٨٢ص ٨ج/تاريخ الطربي ٣

٢١

ومن ذلك أنه نظر مرة إىل إحدى جواريه وكان عليها تاج من ذهب وفضة وفيه نرجس

:فاستحسنه فقال

وارتج عليه، فطلب من عبد اهللا بن مالك الشاعر أن جييزه فطلب منه أن ميهله، وأرسل إىل

:مؤدب ولده فسأله إجازته فقال

.١فأمتها أربعة أبيات، مث بعث ا إىل املهدي فأعجبته وكافأه بأربعني ألفا

واله، فانقطعا عن العسكر وأصاب املهدي جوع، وخرج يوما مترتها ومعه عمر بن بزيع م

فسارا حىت وجدا كوخا فيه نبطي فسأاله القرى فأطعمهم ربيثاء وخبز شعري وزيتا

:قل يف هذا شعرا، فقال: وكراثا،فأكال منه حىت شبعا، فقال املهدي لعمر بن بزيع

..بئس ماقلت، ليس هكذا: فقال املهدي

. ٢ووافامها العسكر فكافأه املهدي بثالث بدر وانصرف

١٨٥ص ٨ج/تاريخ الطربي ١ ٢٩٤،٢٩٥ص ٣ج/،و مروج الذهب٢٥٥ص ٥ج/،والكامل يف التاريخ١٧٤ص ٨ج/تاريخ الطربي ٢

٢٢

بفضل أبيات قيلت يف جملسه أو نظمها وتكررت مواقف له يف العفو عن أحد خصومه

. صاحب الذنب دفاعا عن نفسه،بل إنه قد يقرن العفو باملكافأة إن أعجبته القصيدة

الح ال يعرفه مل جيد عقاباوحىت عندما أراد أن يعاقب نفسه على ذنب اقترفه يف حق م

.٢أن يهجوه ١أشد عليه من اهلجاء فطلب من أيب العتاهية

علقه بالشعر مل يصرفه عن حزنه على وفاة ابنته البانوكة إال أبياتا قاهلا أبو وهو لشدة ت

.العتاهية معزيا له،وسترد الحقا يف باب الشعر االجتماعي بإذن اهللا

على مساع الشعر أو قراءته أو نظمه وإمنا عين عناية كبرية ومل يقتصر اهتمام املهدي

ان يأيت بالراوية وخيتربه حىت يتأكد من أنه أهل للثقة أو مبصادره املتمثلة يف رواة الشعر،فك

ال،ومما يدل على ذلك أنه اجتمع يف جملس املهدي عدد من الرواة والعلماء بأيام العرب

وآداا وأشعارها ولغاا ومن بينهم املفضل الضيب،فأقبل املهدي على املفضل وانفرد به

:صيدته بأن قالافتتح ق ٣إين رأيت ابن أيب سلمى:(وسأله

ما مسعت يا :(،فأجابه املفضل قائال)ومل يتقدم له قبل ذلك قول،فما الذي أمر نفسه بتركه؟

أمري املؤمنني يف هذا شيئا إال أني تومهته كان يفكر يف قول يقوله،أو يروي يف أن يقول

،أو كان مفكرا يف شيء من شأنه فتركه وقال شعرا فعدل عنه إىل مدح هرم وقال دع ذا

.؛فأمسك عنه)دع ذا،أي دع ما أنت فيه من الفكر وعد القول يف هرم

.إمساعيل بن القاسم ،شاعر عباسي معروف ١ ٢٩٣ص ٢ج/قصة املهدي مع املالح موجودة يف كتاب األغاين ٢ من أصحاب املعلقات، وعرفت قصائده باحلوليات زهري بن أيب سلمى، شاعر جاهلي ٣

٢٣

ليس هكذا قال زهري يا :(مث إن املهدي دعا حبماد الراوية وانفرد به فسأله عن ذلك فقال له

):أمري املؤمنني؛قال فكيف قال؟ فأنشده

قد بلغ أمري املؤمنني خرب البد من: فأطرق املهدي ساعة،مث أقبل على محاد فقال له

أصدقين عن حال هذه األبيات ومن أضافها إىل زهري؛فأقر له حينئذ :قال له.استحالفك منه

).أنه قائلها

فوصله املهدي بعشرين ألف درهم ووصل املفضل خبمسني ألفا وأمر خادمه حسينا فخرج

إن أمري املؤمنني يعلمكم :يا معشر من حضر من أهل العلم:(معهما على أهل الس وقال

د وصل محادا الشاعر بعشرين ألف درهم جلودة شعره وأبطل روايته لزيادته يف أشعار أنه ق

الناس ما ليس منها،ووصل املفضل خبمسني ألفا لصدقه وصحة روايته،فمن أراد أن يسمع

٤).شعرا جيدا حمدثا فليسمع من محاد،ومن أراد رواية صحيحة فليأخذها عن املفضل

اهتمام املهدي بالشعر كان من أكرب املؤثرات اليت أسهمت يف وخالصة القول هي أن

ضة الشعر والنقد يف عهده،ذلك بأنه كان حمبا للشعر،مكرما ألهله ورواته والعاملني به

وجمزال هلم العطاء،واألهم من كل ذلك هو أنه كان يتقبل الشعر باجتاهاته املختلفة دون

جر احلرام وهو بالكسر أفصح، واحل: بالضم والكسراحلجر قصبة اليمامة،و :مدينة اليمامة وقيل: ،احلجر بالفتح.رأس اجلبل: القنة ١ .سنني:،حجج. خلون: ،أقوين. مثود حجر: بالكسر أيضا

.واحدها ضفاجانيب،: ، ضفوى.آبار معروفة: النحائت ٢

.اصرفه: عد القول ٣ ٣٥١ص ٣ج/كتاب األغاين ٤

٢٤

شعراء كل اجتاه أن يعرضوا ما لديهم من نتاج شعري تفضيل أحدها على اآلخر فأتاح ل

.يف جو من احلرية والعدل كما سنرى يف ثنايا هذا البحث بإذن اهللا عز وجل

٢٥

:عصر املهدي: ثانيا

املطلب عم عبد ،وهو منسوب إىل العباس بنالعربيةالعصر العباسي هو أحد أهم العصور األدبية

ه وسلم وجد األسرة العباسية، وقد بدأ منذ سقوط الدولة األموية عام الرسول صلى اهللا علي

٢٦٠٠(هـ واليت بلغ طوهلا يف إحدى مراحلها ٦٥٦هـ،وانتهى بايار الدولة العباسية سنة١٣٢

، و دام العصر ٢)أحسن التقاسيم يف معرفة األقاليم(على ماذكره حممد املقدسي يف كتابه ١)فرسخ

.٣ال بوفر من العطاءات واإلجنازات على الصعيدين األديب والتارخييعاما حاف٥٢٤العباسي

الشعر :سيد العصور األدبية من حيث التطور الفني يف األدب بنوعيه ويعد العصر العباسي األول

والنثر،فقد شهد هذا العصر كثريا من التغيرات السياسية واالقتصادية واالجتماعية والثقافية

وقبل أن نتطرق إىل احلياة األدبية ينبغي . فكان هلذه التغيرات أثر مباشر على احلياة األدبيةوالدينية،

رات واليت متثل يف جمملها عصر اخلليفة املهديف أوال على أهم هذه التغيعلينا أن نتعر.

:احلياة السياسية/أوال

النهر ءلت بالد السند وخراسان وما وراكانت الدولة اإلسالمية قد اتسعت حىت مش ٤يف عهد املهدي

واجلزيرة العربية والعراق وإيران والشام ومصر واملغرب وكانت بغداد هي عاصمة الدولة،وبذلك

ةبلغت مرحلة االستقرار واهلدوء السياسي،إال أن ذلك مل مينع وجود بعض الثورات واحلركات املناوئ

:واليت من أبرزها

: الفرسخ ثالثة أو ستة أميال، واألرجح ثالثة، أما يف املقاييس احلديثة فيعادل: هو وحدة لقياس الطول، قال عنه ابن منظور:الفرسخ ١ مترا)٥٥٤٤( ٣١ص/انظر الدولة العباسية ٢ بتصرف ٤ص/نفسه ٣٤ بعهد املهدي تنيع ة اليت تبدأ بواليته للعهد وتنتهي بنهاية خالفته واليت تنحصر بني عاميهـ١٦٩- ١٤٧الفترة الزمني.

٢٦

ع خبراسا للعهد آنذا٢هـ١٥٩سنة ١انخروج املقنولي ع هو رجل من ك،وكان املهديواملقن،

مدعيا بأن أبا مسلم أفضل من ٤ادعى األلوهية ونادى لألخذ بثأر أيب مسلم اخلراساين ٣مرو

النيب صلى اهللا عليه وسلم،وانتشر أتباعه يف بالد ما وراء النهر،كما انضمت له بعض

،وأخذ يهاجم القرى ويقطع ٥احلكم العباسي كجماعة املبيضةاحلركات املتمردة على

ا بعث اخلليفة جيشا بقيادة احلرشيللقضاء عليه هرب إىل بالد ما وراء النهر ٦الطرق،فلم

فحوصر طويال فلما يئس من النجاة شرب مسا وسقى أهله وأصحابه ٧واعتصم حبصن سنام

.١٠هـ١٦٣وذلك يف سنة ٩املهدي يف حلب ،فبعث احلرشي برأسه إىل٨فهلكوا مجيعا

تقع حمافظة خراسان يف شرق ومشال شرق إيران، حيد احملافظة من الشمال والشمال الشرقي دولة تركمنستان كما حيدها من الشرق ١

من الغرب فتحدها حمافظات يزد، أصفهان، مسنان وگلستانأفغانستان ومن اجلنوب حمافظة سيستان وكرمان أما

٢١١ص ٥ج/الكامل يف التاريخ ٢٣ ت جبماهلا وحسن عشرة أهلها،وخرج منها عدد من األعيان وعلماء الدين كأمحد بن حنبل وسفيان الثوريهرأهم مدن خراسان،اشت

١١٢ص ٥ج/البلدانمعجم : القفال املروزي الفقيه وغريهم وعبد الرمحن بن أمحدى قائد معروف أصله فارسي كان له دور فعال يف قيام الدولة العباسية إال أن تعاظم طموحاته واتساع نفوذه كانت سببا يف اغتياله عل ٤

. هـ١٣٧يد اخلليفة املنصور سنةاء النهر،ومن أتباع أيب مسلم يف بالد ماور -مذهب جموسي متأثر ببعض تعاليم الدين اإلسالمي- هم مجاعة من اخلرمية ٥

.اخلراساين،ويرون أن أبا مسلم حي مل ميت وأنه املنقذ املنتظربن مروان و خلع عنها،مث أصبح صاحب شرطة املهدي كسعيد بن عمرو احلرشي كان واليا على خراسان يف عهد يزيد بن عبد املل ٦

.يف بغداد وقائدا من قواد جيشه ٢٦٠ص ٣ج/معجم البلدان: بالد ما وراء النهر بناها املقنعسنام هي قلعة يف ٧وقيل إنه أحرق كل ما يف قلعته من دواب وثياب وغريها مث دعا مجيع أهله فألقوا بأنفسهم فيها وهو معهم،الكامل يف ٨

٢٢٣ص٥ج/التاريخ،وهي قريبة )مي واملاءطيبة اهلواء صحيحة األد هي مدينة عظيمة واسعة كثرية اخلريات:(إحدى مدن الشام،قال عنها ياقوت احلموي ٩

٢٨٢ص ٢ج/معجم البلدان: من قنسرينموسوعة ،وانظر ٢٢٣ص ٥ج/الكامل يف التاريخ:هـ١٦١،و يف الكامل ورد أن مقتله كان يف عام ١٤٤ص ٨ج/اريخ الطربيت ١٠

.٧٨ص/اسيةالدولة العب:،و انظر أيضا: ٧٢ص ) / العصر العباسي األول( التاريخ اإلسالمي

٢٧

هـ يف خراسان معارضا للحكم ١٦٠خروج يوسف بن إبراهيم املعروف بالربم سنة

،وكان سبب خروجه إنكاره سرية )األمر باملعروف والنهي عن املنكر(العباسي حتت شعار

.١املهدي اليت يسري عليها،ولقد ظفر به املهدي وقتله يف العام نفسه

وقتلوخرج يف دعى عبد السالم اخلارجي٢هذه السنة رجل ي.

ت ٣هـ١٦٢إعالن عبد السالم بن هاشم اليشكري حركته يف املوصل سنةوقد اشتد،

شوكته وكثر أتباعه فتمكن من هزمية عدد من القواد العباسيني،إلا أنه هزم أخريا وقتل

.٥على يد شبيب بن واج املروروذي ٤نبقنسري

دعى يف السرة(نة نفسها خرجت مجاعة تدعى عبد ) احملمجبرجان يترأسهم رجل ي

.٦القهار،فعاثوا فيها فسادا وقتال،فحارم عمر بن العالء وأفناهم

بأرض املوصل سنة هـ،وكان يعتقد مبقالة صاحل بن ١٦٨خروج ياسني بن متيم اخلارجي

يعة فبعث إليه املهدي جيشا بقيادة حممد مسرح اخلارجي،وقد استوىل على اجلزيرة وديار رب

.٧بن فروخ القائد،فقتله وازم أتباعها

ولقد شاعت يف عصر املهدي حركة الزندقة واستفحل أمرها مما دفع املهدي إىل اختاذ ديوان

خاص بالزنادقة وتوكيل شخص ليتعقبهم وينكل م حىت يكونوا عربة لغريهم،ومن أشهر الزنادقة

٩٧،و موسوعة التاريخ اإلسالمي ص٢١٦ص ٥ج/الكامل يف التاريخ ،و١٢٤ص ٨ج/تاريخ الطربي ١ ١٣٢ص ٨ج/تاريخ الطربي ٢ ٢٢٠ص ٥ج/هـ١٦٠،وورد يف الكامل أنه خرج عام ١٤٢ص ٨/نفسه ٣ .إحدى مدن الشام، تقع قرب محص ،فتحت على يد أيب عبيدة بن اجلراح ٤ ٩٣ص/موسوعة التاريخ اإلسالمي:،وانظر أيضا٢٢٩ص ٥ج/،والكامل يف التاريخ١٤٢ص ٨ج/تاريخ الطربي ٥ ٢٣٠ص ٥ج/،و الكامل يف التاريخ١٤٣ص ٨ج/تاريخ الطربي ٦ ٢٥٠ص ٥ج/الكامل يف التاريخ ٧

٢٨

بشار بن برد الشاعر املعروف،ويعقوب بن الفضل بن عبد :قضوا على يد املهدي الذين

.الرمحن،ومجاعة علي بن يقطني وغريهم

ولقد حدثت يف عهد املهدي فتوحات عظيمة، وال سيما أن العالقة بني املهدي وملك الروم

٢الصائفةا كان غزو كم ١كانت متأزمة فكانت احلروب بني املسلمني والروم قائمة برا وحبرا

،كما أن جيشه عرب إىل ٤وفتح مدنا للروم ٣مستمرا يف كل عام تقريبا،وبلغ جيش املهدي أنقرة

. ٦هـ١٦٠وفتحها سنة ٥بالد اهلند ونزل باربد

٨إىل حصن مسالو ٧هـ وصل جيشه الذي استغرق يف إعداده شهرين كاملني١٦٣ويف عام

.١٠دنا أخرى،كما فتح م٩وفتحه بقيادة الرشيد

هـ توجه جيشه بقيادة الرشيد لغزو الروم صائفة فتوغل يف البالد حتى بلغ خليج ١٦٥مث يف سنة

ـ ملكة الروم إىل طلب الصلح واملهادنة ملدة ثالث ١٢ـ أو عطسة ١١القسطنطينية مما دفع أغسطة

.١٣الف دينار يف كل عام ٧٠سنني على فدية مقدارها

٨١ص/الدولة العباسية١انع،وهو نظام متبع يف اخلالفة اإلسالمية، الصائفة هي اجليوش اليت ترسل لغزو الروم يف الصيف يف كل عام وال تنقطع عن ذلك إال مل ٢

.ويطلق على اهلجمات من قبل الروم اسم الغارات .مدينة تركية فتحت على يد املعتصم٣ ٢١٣ص ٥ج/الكامل يف التاريخ ٤ ٢١٨ص ٥ج/،و الكامل يف التاريخ١٢٨ص ٨ج/هـ،تاريخ الطربي١٥٩ياربد،فتحها املهدي سنة : وقيل ٥ ٢١٨ص ٥ج/،و الكامل يف التاريخ١٢٨ص ٨ج/تاريخ الطربي ٦ ١١٠ص/موسوعة التاريخ اإلسالمي ٧ ٨١ص/مساال:الدولة العباسية ورد باسم: دير مشيد البناء حوله أمجة يرمى فيها الطري، ويف كتاب:وقيل صمالو ٨سنة وشهرين ٢٣ي ودامت خالفتهاخلالفة بعد أخيه موسى اهلاد ىخلفاء بين العباس، تول سهارون الرشيد بن حممد املهدي، خام ٩ .يوما١٨و

٢٣٢ص ٥ج/،والكامل يف التاريخ١٤٨ص ٨ج/اريخ الطربيت ١٠ ١٥٢ص ٨ج/هكذا يف تاريخ الطربي ١١ ٨١ص)/إيرين(،وورد يف كتاب الدولة العباسية أن امسها٢٣٨ص ٥ج/هكذا يف الكامل ١٢ ٨١/الدولة العباسية:،و انظر أيضا٢٣٨ص ٥ج/الكامل يف التاريخ ١٣

٢٩

بقيادة يزيد بن بدر بن البطال ١ت إليهم سريةهالروم الصلح، فتوج هـ نقض ١٦٨ويف عام

.٢فانتصروا وغنموا

فكان خلع عيسى بن موسى عن والية أما أبرز األحداث السياسية على مستوى بيت اخلالفة

أخذ البيعة هلارون من بعد ١٦٦، مث يف سنة ٣هـ، وأخذ البيعة ملوسى اهلادي١٦٠العهد يف سنة

.٤ومساه الرشيدبعد أخيه

ولكن هذه األحداث يف جمملها مل تتعارض مع مامتيز به عصر املهدي من شيوع األمن والرخاء

وسعة العيش بسبب سرية املهدي وعدالته يف حكم رعيته،كما أنها كانت ذات تأثري إجيايب فيما

ألديب والشعري كما سريد األحداث السياسية زاد النتاج ا تاألديب فكلما حترك جيتعلق بالنتا

.الحقا بإذن اهللا

)السرية من مخسة أنفس إىل ثالمثائة أو أربعمائة:(يف القاموس ١ ٢٥٠ص ٥ج/،و الكامل يف التاريخ١٦٧ص ٨ج/تاريخ الطربي ٢ ٢١٧ص ٥ج/،و الكامل يف التاريخ١٢٤ص ٨ج/تاريخ الطربي ٣ ٢٤١ص ٥ج/،و الكامل يف التاريخ١٦٧ص ٨ج/تاريخ الطربي ٤

٣٠

:احلياة االجتماعية واالقتصادية/ثانيا

كثرت الفتوحات يف عهد املهدي فتدفقت األموال على العاصمة العباسية من كل أرجاء البالد،فكان

ال،وعلى حاشيتهم ومن يتم لذلك تأثريه املباشر على مستوى أفراد الطبقة احلاكمة أو صل

فأصبح هؤالء يرفلون يف النعيم وظهرت عليهم أمارات الترف والبذخ يف كل مايتعلق بشئون .ثانيا

فقد ابتنوا الدور الواسعة والقصور الفاخرة مث تفننوا يف زخرفتها بالفضة وماء الذهب،وأحلقوا .حيام

جلبوا هلا أمثن الرياش وزينوها بأغلى التحف ا البساتني املزهرة والنوافري العجيبة والشرفات األنيقة،مث

.حتى أصبحت لوحات فنية ناطقة مبظاهر النعيم والترف

كما نلمس شغفهم بالعطور .عناية فائقة بأناقتهم نمث جندهم يتفننون يف لباسهم وزينتهم، ويعتنو

النساء،وجند النساء يتحلني والسيما املسك والعنرب والغالية وأنواع الزهور يتساوى يف ذلك الرجال و

.بأمثن احللي وأندرها

وأما املطاعم واملشارب فقد تنوقوا فيها ونوعوها حتى بلغت أصناف الطعام على مائدة بعض اخللفاء

.ثالمثائة نوع ما بني حلو وحامض وماحل ومقبالت ومشهيات وغريها

ذخ املراكب من بغال مطهمة وإبل مزينة باحللي ومل يتوقف ترفهم عند هذا احلد وإنما جتاوزوه إىل ب

جة بالذهب والفضة واحلليالثمينة وجياد مسر.

أما من ناحية الترفيه والترويح عن النفس فإنهم أوجدوا ألنفسهم مالعب وأدوات للتسلية منها ما

لع بالصيد من املهدي أول من أو نكان معروفا من قبل كالصيد بالبزاة والصقور والكالب، وكا

.خلفاء بين العباس إذ كان خيرج له يف مواكب عظيمة

ومنها ما استحدث أو نقل عن احلضارة الفارسية كالتفرج على القرادين واحلوائني واالستماع إىل

.احلكائني

٣١

ن ولكن أهم مظهر من مظاهر التسلية هو الغناء،فقد كثر وانتشر انتشارا عجيبا يف خالفة املهدي وم

بعده حىت مل يكد خيل منه بيت أو قصر ولدرجة أن املغنني صنفوا فيه إىل طبقات ومراتب،وكان مثن

.اجلارية يرتفع إىل الضعف أو أكثر إن كانت تحسن الغناء

،لذلك كان !لقد شغل اتمع العباسي باملغنني واملغنيات،بل وكانت أصوات الغناء تباع وتهدى أيضا

.أكرب تأثري يف الشعر العباسيللغناء

م، أم صلعب فكانوا طبقات متفاوتة ما بني اهذا فيما يتعلق بأبناء الطبقة احلاكمة ومن يتة الشعام

ة القوم، ومتوسليميسور احلال كبعض التجار وأصحاب الثروات القدمية وع ١احلال وفقري طغين.

العباسي كان يعيش حالة بؤس وشقاء وشظف عيش حبيث ولقد قيل إن عامة الشعب يف العصر

كانت حياة الترف اليت يعيشها أبناء الطبقة األوىل أي احلكام ومن اتصل م قائمة على حساب

.٢عامة الشعب

مث املنصور ٣يشمل فترة حكم السفاح إمناولكنين وجدت أن هذا احلكم مل يشمل عصر املهدي و

م املهدي،ألن السفاح كان منشغال بقمع حركات املقاومة فترة حك جاءت ومن بعدمها

والثورات اليت رافقت ميالد الدولة العباسية ومات وهو يقاتل يف سبيل تثبيت دعائم دولته،مث إن

خزانة الدولة حديثة الوالدة كانت تصرف األموال على اجليوش احملاربة ألعداء الدولة،فالسفاح

هله األجل ليتذوق طعم الرفاهية،وإن كان الشعب قد عاش حياة مل يعش حياة الترف ومل مي

.البؤس يف عهده فإن ذلك عائد إىل احلالة السياسية وليس إىل ترف اخلليفة على حساب شعبه

دار : القاهرة ،العصر العباسي األولشوقي ضيف،.د: العصر العباسي األول انظرملزيد من االطالع على احلياة االجتماعية يف ١

٤٤ص/م١٩٦٦املعارف، الطبعة السادسة عشرة ٤٥ص/العصر العباسي األول: انظر ٢سفك دماء بين أمية، بالسفاح إلسرافه يف بخلفاء بين العباس، لق لأبو العباس عبد اهللا بن حممد بن علي بن عبد اهللا بن العباس، أو ٣

.خالفته أربع سنني ومثانية أشهر تدام

٣٢

مث جاء عصر املنصور فكان اخلليفة منصرفا إىل تأسيس دعائم الدولة العباسية وتثبيت ركائزها فلم

لية إلا قليال،ومع ذلك جند أن الشعب عاش حياة معتدلة فال فقر مدقع يلتفت إىل أحواهلا الداخ

. ١وال ترف مفرط

وأخريا نصل إىل خالفة املهدي فنجد أن الدولة قد بلغت أقصى اتساعها فتدفقت األموال على

يش،فلم خزانة الدولة مما هيأ اتمع العباسي لتجربة حياة جديدة أال وهي حياة الترف ورخاء الع

يكن الترف مقصورا على األسرة احلاكمة ألن املهدي كان إماما عادال مراعيا حلاجات الشعب

يف سريته،وخالصة القول هي أن اتمع العباسي يف عصر املهدي كان جمتمعا وردوتطلعاته كما

.٢لى الشعر يف هذه الفترةمرفها ينعم يف ظل األمن والعدل والرخاء مما كان له تأثريه الواضح ع

ومابعدها ٧٦ص/الدولة العباسية: انظر ١

نفسه ٢

٣٣

:احلياة الثقافية والدينية/ثالثا

اتسعت رقعة الدولة اإلسالمية يف عصر املهدي حىت مشلت أمصارا كثرية،وصار الناس ينتقلون من

األمصار العربية إىل األمصار األجنبية وبالعكس فامتزجت احلضارات وتعددت الثقافات وبدأ

ضارات األجنبية وعلى رأسهم الفرس بتعلم اللغة العربية والتعرف على كثري من أهل احل

أسرارها،مث توسعوا يف االطالع على العلوم اإلسالمية واآلداب العربية قدميها وحديثها،مث أخذوا

.يف تسجيل تراثهم اللغوي والفكري واألديب-وهم أهل اللغة- ينافسون العرب

العرب على لغة األعاجم ودروسها فلما متكنوا من كسر حاجز اللغة وكذلك اطلع بعض علماء

جدوا يف ترمجة العلوم األجنبية إىل اللغة العربية مما ساعد بقيتهم على االطالع على الثقافة

األجنبية وبذلك انتشرت هذه العلوم مما أحدث ثورة علمية هائلة كان هلا تأثري مباشر يف النتاج

.دي كما سريد الحقا بإذن اهللالشعري والنق

ولقد متركزت بوادر هذه النهضة العلمية الواسعة يف دور العبادة أوال يف شكل حلقات علمية

.حلقة احملدثني وتلك حلقة النحويني وحلقة اللغويني وحلقة املتكلمني وغريها همتنوعة، فهذ

علمية فأخذوا ينهلون من شتى العلوم والسيما أن ولقد تفاعل اتمع العباسي مع هذه الثورة ال

اخلليفة املهدي عرف بسخائه مع أهل العلم وحرصه على تأمني احتياجام واإلغداق عليهم

باجلوائز واألموال تشجيعا هلم على مواصلة طريقهم واالستفادة من علمهم،وال خيفى أن اخلليفة

ئه ومؤدبني هلم وكذلك اقتدى به وزراؤه وأفراد كان ينتخب من هؤالء العلماء معلمني ألبنا

حاشيته مما أجج التنافس بني العلماء لبلوغ أعلى املراتب ونيل اجلوائز واألعطيات،فشاع التعليم

٣٤

يف كل أحناء الدولة وانتشرت الكتب بعدة لغات وعلى رأسها العربية وتعددت الفنون فكان لكل

.١فن من اشتغل به وحبث يف خصائصه

كن لكل ظاهرة إجيابياا وسلبياا إذ مل يلبث األعاجم الذين هم حديثو عهد باإلسالم أن ول

اختذوا من العلم وسيلة لبث أفكارهم املشوهة يف طيات العقيدة اإلسالمية ليتسببوا بذلك يف نشأة

على كل من يف اتمع العباسي حىت أصبحت كلمة زنديق تطلق اليت شاعت يعرف بالزندقة ما

.٢كان سليم العقيدة نانفلتت نفسه وراء ملذاا وشهواا وإ

القتل والتنكيل فكان القتل هو العقوبة الوحيدة لكل من مولقد ترصد املهدي للزنادقة وأكثر فيه

ام بالزندقة،حىت إن أفراد احلاشية كانوا إذا أرادوا التخلص من أحد منافسيهم نسبوه إىل

.٣الزندقة

أن املهدي أمر العلماء من أهل العقيدة بالتصدي هلم وتصنيف كتب اجلدل يف الرد عليهم اكم

.ودحض مزاعمهم حول العقيدة

يسلم هؤالء الزهاد املتطرفني يف زهدهم، ومل وو ظهرت يف هذه الفترة أيضا مجاعة املتصوفة

هد احلقيقي هو أن يعيش املرء على أيضا من الفساد يف عقيدم إذ كان بعضهم يرى أن الز

.٤أن ديننا احلنيف حيثنا على التوكل ال التواكل ع، م!الصدقات

القرآن والسنة فال :مجاعة ممن متسكوا بتعاليم الدين املستقاة من منابعها األصلية ولقد ظهرت

.١إفراط وال تفريط

حممد زغلول سالم ،األدب يف عصر العباسيني، ،منشأة .د.أ :انظر لالطالع على احلياة العقلية يف العصر العباسي األول بتوسع ١شوقي ضيف،الفن ومذاهبه يف الشعر العريب،دار .د: ، وانظر٨٩ص/لعباسي األول، والعصر ا١٩٩٣/١٠١،ط)اإلسكندرية(املعارف

١٢٩ص/ املعارف مبصر،الطبعة العاشرة ٧٤/العصر العباسي األول:انظر ٢

١١١ص/الفن ومذاهبه يف الشعر العريب ٣

١٠٩ص/، و الفن ومذاهبه يف الشعر العريب٨٢/األدب يف عصر العباسيني ٤

٣٥

ورة عامة والشعري بصورة أخص،فلقد سار لقد أثرت هذه التغيرات جمتمعة يف النتاج األديب بص

الشعر منذ العصر اجلاهلي وحتى أواخر العصر األموي على خطا ثابتة وفق منهج قدمي معروف اتبعه

. ٢والنابغة وغريهم وهو ما عرف باملنهج التقليدي ىالقدماء الفحول كزهري واألعش

نبية وامتزجت الثقافات حبيث تكونت ثقافة جديدة فلما انفتحت احلضارة العربية على احلضارة األج

أصبح لديهم نوع اوة إىل حياة املدنية واحلضارة وحدث للعرب ما يشبه االنتقال املفاجئ من حياة البد

:من احلرية األدبية إذ وجدوا أنفسهم أمام خيارين

ى إنة حتثوا بالبناء القدمي والوالء لألصالة العربيا أن يتشباضطرهم ذلك إىل التكلف يف فإم

.تقليد القدماء والعيش يف املاضي والتعامي عن الواقع اجلديد

روا عنه بأسلوب معاصر وذلك باستحداث منهج جديدا أن جياروا الواقع اجلديد ويعبوإم

. واالبتعاد عن املنهج القدمي املعروف

:فانقسم الشعراء إىل

من أمثال مروان بن أيب حفصة واحلسني بن ) تقليديني(متمسكني باملذهب القدمي .١

.مطري وابن ميادة

.وأبو العتاهية سوعلى رأسهم بشار بن برد وأبو نوا)جمددين(مطالبني بالتجديد .٢

، واألدب يف عصـر ٧٤ص/العصـر العباسـي األول :احلياة الثقافية و الدينية يف العصر العباسـي انظـر ملزيد من االطالع على ١

١٠١ص/العباسيني

هو املنهج الذي يتخذ تقاليد خاصة يف صناعته وكانت له أمهية كربى يف العصور الوسطى،و فتحه شعراء العصر اجلاهلي من أمثال ٢العصر اإلسالمي من أمثال جرير والفرزدق واألخطل فكانوا جيمعون له من أسباب اإلجادة الفنية زهري والنابغة واحلطيئة،وتعهده شعراء

٣٧ص/ الفن ومذاهبه يف الشعر العريب ما جعل الشعر العريب يتطور إىل مذاهبه اخلاصة وهو مناذج املديح وما يتصل ا؛

٣٦

كل فريق مبذهبه الذي ارتضاه لشعره الفريقني صراعات أدبية ممتعة،ومتسك وحدثت بني هذين

تفوق هذا املذهب على ذاك، ومل يتمكن بعض الشعراء من وفضله على املذهب اآلخر مبينا أسباب

.اختاذ موقف حمدد فحاولوا التمسك مبذهب وسط ال مع هؤالء وال مع هؤالء

كما أن األحداث السياسية كان هلا أثر مباشر يف موضوعات الشعر،إذ انقسم الناس إىل أحزاب

ع إىل نقل اخلالفة للبيت العلوي وهم حزب فحزب مؤيد خلالفة بين العباس،وحزب مناهض هلا ودا

العلويني،وحزب ينادي بوجوب االحتكام إىل رأي الشعب يف اختيار احلاكم،وغريها من األحزاب

.١املتفرقة فمنها ما كان سريا ومنها ما كان ظاهرا جماهرا برأيه

وال خيفى . فعون عن مواقفه وآرائهفكان لكل حزب شعراؤه الداعون إليه واملعبرون عن تطلعاته واملدا

.أثر ذلك يف الشعر العباسي،إذ ازدهر موضوع الفخر كما احتدم اهلجاء بني شعراء هذه األحزاب

أما تأثري احلياة االجتماعية يف الشعر فكان جليا،إذ أخذ الشعراء يتبارون يف وصف حياة الرخاء اليت

فقها من مظاهر الترف والنعيم مما عرف قدميا أو استحدث يعيشها أبناء الطبقة األوىل بكل ما را

. مؤخرا من قصور فاخرة وحدائق غناء ومطاعم ومشارب متنوعة وأدوات ترفيه خمتلفة

أن بعض الشعراء جتاوزوا احلد الفاصل بني الغزل كما انتشر فن الغزل بنوعيه الصريح والعذري، إال

حىت إنه ظهر نوع جديد من الغزل يعد قبيحا ومستنكرا وخمالفا للفطرة واون واإلمعان يف الفجور

.٢السوية أال وهو الغزل بالغلمان إال أنه كان مازال يف بدايته يف عهد املهدي

ها حركة العلويني الداعني إىل حكم آل البيت من ذرية علي، وحركة انقسمت احلركات املعارضة حلكم العباسيني إىل عدة أقسام أقوا ١

العصـر (موسـوعة التـاريخ اإلسـالمي :اخلوارج الذين جوزوا أن يكون اخلليفة من غري قريش مهما كان أصله أو لونـه، انظـر الفصل الرابع)/العباسي

٣٧٠ص/ العصر العباسي األول ٢

٣٧

يف هذه الفترة نتيجة لفخر كل جنس بأصله وتفضيله ألبناء جنسه عمن سواهم، ١انتشرت الشعوبيةو

وايل ينظمون القصائد يف الفخر جبنسهم وأصلهم وحضارم وحىت معتقدام، فقد انربى الشعراء امل

ساعدهم على ذلك سكوت احلكام عنهم بل وتشجيعهم على ذلك أحيانا، والسبب هو أن الدعوة

العباسية اعتمدت يف كل مراحلها منذ الدعوة السرية حىت االنقالب العباسي على الفرس وعلى

. ٢القائد الذي خلع قلوب بين أمية وهو أبو مسلم اخلراساينرأسهم الفارس املعروف و

ولقد أدت هذه الشعوبية اجلائرة وهذا الغزل الفاجر إىل تأجيج مشاعر الغيورين على العقيدة فنظموا

القصائد الدينية اليت تدعو إىل التمسك باخللق اإلسالمي القومي وحتذر من االنغماس يف امللذات

غبات وإتباع الشهوات،وحتث على التقوى وخمافة اهللا عز وجل،وتذكر باملوت الذي ال واإلذعان للر

.مفر منه،وهذا هو شعر الزهد

ولقد أدى االتصال بالثقافات األجنبية إىل ظهور مصطلحات جديدة ختللت الشعر العريب،وهي

.٣مصطلحات ذات أصول فارسية يف معظمها

حاولوا أن يضيفوا إىل قصائدهم عناصر -حىت التقليديون منهم–وما مث إن شعراء هذا العصر عم

.جديدة مستوحاة من الواقع احلي الذي يعيشونه

وال ننسى أن انتشار الغناء أثر بشدة يف الشعر العباسي إذ عمد الشعراء إىل ابتداع صور مبتكرة

أكثر ظرافة ليتغىن ا املغنون يف جمالس اخللفاء وأصحاب واستخدام ألفاظ أكثر عذوبة ورشاقة،ومعان

ف سياسية يقوم على أساس مهامجة العرب واحلط من شأم والتهوين مـن دورهـم مذهب اجتماعي ينطوي على أهدا: الشعوبية ١

احلضاري يف تاريخ اإلنسانية ومتجيد احلضارة الفارسية من أجل اإلطاحة باحلكم العريب وهدم السيادة العربية وإعادة الدولة الفارسـية ١٦ص/ج جديد،دار غريب، القاهرةحنو منه: يوسف خليف، يف الشعر العباسي.، دإىل سابق عهدها وحضارا

١٥ص/حنو منهج جديد: يف الشعر العباسي :كتاب، و٧٥ص/األدب يف عصر العباسيني ٢ ١١٦ص/األدب يف عصر العباسيني ٣

٣٨

.١النفوذ،فيشتهر الشاعر ويصبح من ضمن حاشيتهم وينال جوائزهم وصالم

كان تدفق األموال على الشعراء واألدباء وأهل العلم يف عهد املهدي دوره الفعال يف إثراء ..وأخريا

لشعر والشعراء مما أثار قرائحهم النتاج الشعري وتنويعه،إذ عرف املهدي بسخائه وشدة اهتمامه با

وجعلهم يتوافدون عليه من كل أحناء البالد وينظمون القصائد املتنوعة يف مدحه ويف شتى

املوضوعات اليت قد تنال إعجابه من وصف وغزل وزهد وحكمة وغريها مما ساعد على احتدام

توايل أدى إىل انتعاش احلركة هذا النتاج الشعري املستمر وامل.٢التنافس بني الشعراء من املذهبني

العاملون بأسرار الشعر وأحكامه ينقدون ما يصل إليهم من النقدية إذ انربى النقاد وذوو اخلربة و

.قصائد الشعراء ويقوموا ويدلون بآرائهم حوهلا

وما بعدها ٥٩ص/العصر العباسي األول ١

من هذا البحث ٦ص/اهتمام املهدي بالشعر والشعراء: انظر ٢

٣٩

:الفصل األول

: الشعر

واجتاهاته يف بالط املهديموضوعاته

٤٠

رت عوامل كثرية يف العصر العباسي األول والسيما يف عهد املهدي أسهمت بدور فعال يف تنوع ظه

نقلة واسعة يف حياة املرحلةموضوعات الشعر وتعدد اجتاهاته وتياراته وأهدافه، فلقد حدثت يف تلك

. د الفرسلبالالعرب، إذ انتقلت عاصمة اخلالفة العربية من دمشق إىل بغداد يف العراق واملتامخة

وحبكم تلك اجلرية مع حدوث االندماج القوي بني العرب وغريهم من األجناس األخرى حديثة

العهد باإلسالم باإلضافة ملا جلبته تلك األجناس من حضارات وثقافات ومعتقدات دينية جديدة على

من أسباب الترف العرب تبدلت حيام البدوية اخلشنة إىل احلياة املدنية املتحضرة بكل ما يصاحبها

.والبذخ ورخاء العيش

ولقد استقرت األحوال السياسية الداخلية يف عهد املهدي وتفرقت تلك األحزاب اليت ثارت على

احلكم العباسي يف بدايته مما أتاح للشعراء فرصة اللتقاط األنفاس والبدء يف تأمل بيئتهم اجلديدة اآلمنة

بعد أن كان نتاجهم حمصورا يف موضوعات املديح واهلجاء و االلتفات للموضوعات الشعرية األخرى

فالشعر السياسي الذي كان شائعا يف العصر األموي بسبب تعدد . واملناسبات السياسية املختلفة

األحزاب السياسية وقيام شعراء كل حزب بتفضيل حزبه والتعبري عن آرائه ومعتقداته والدفاع عن

ى يف العصر العباسي والسيما يف عهد املهدي ومن تبعه من سياسته وأهدافه، ضعف وكاد يتالش

اخللفاء العباسيني نظرا لالستقرار السياسي الداخلي للدولة العباسية وتفكك األحزاب وتفرق أصحاا

. ١نتيجة بطش العباسيني م وعدم التهاون يف إبادة كل من يناهض حكمهم

من مديح وهجاء وفخر ورثاء الشعرية القدمية األغراض ينظمون قصائدهم يفولقد ظل الشعراء

كما .اجلديدة ثقافتهمولكن مبا يتالءم مع حيام وأذواقهم وبيئتهم ووغزل ووصف وحكمة،

ظهرت موضوعات جديدة بطبيعة احلال نتيجة التأثر بالبيئة املتحضرة املختلفة كالزهد والشعوبية

٢٩١- ٢٩٠ص/ العصر العباسي األول ١

٤١

ضوعات إىل الظهور بعد أن اختفت مدة من والتحريض وشعر الفكاهة والتظرف، وعادت بعض املو

الزمن كفن االعتذار، كما خرجت موضوعات أخرى معروفة بصورة جديدة كالغزل الصريح

.احملرض على االنفالت األخالقي وعدم التقيد ال بأخالق وال بدين

هم على عدد املوضوعات الشعرية اتصال العرب باألمم األخرى وتعرفتومن أهم املظاهر اليت أثرت يف

مظاهر حضارم وكل ما يتعلق حبيام وحىت معتقدام، كما كان النتشار اجلواري غري العربيات

وتعدد دور النخاسة اليت تضم أولئك اجلواري وتعقد هلن االس لعرض مفاتنهن ومواهبهن للترغيب

.يما الغزل والوصفيف شرائهن مع شيوع الغناء يف الدولة العربية أثر كبري يف الشعر العريب والس

مدى التنوع يف املوضوعات و االجتاهات والتيارات واألهداف أحاول توضيحوإنين يف هذا البحث

الشعرية من خالل دراسة شرحية معينة من شعراء العصر العباسي األول وهي فئة الشعراء العباسيني

).شعراء البالط(ليهم اسم الذين اتصلوا باملهدي بصورة مباشرة أو غري مباشرة والذين أطلقت ع

العه املتبحر يف شئون الشعر طمد على خلفية أدبية كبرية نتيجة اوكان له ذوق خاص يف الشعر يعت

والشعراء، هذا الذوق مل يكن يرضى بأي شعر منظوم وإمنا يعجب باجليد من القصائد ويعرض عن

اجلائزة دل ذلك على درجة إعجابه الرديء منها، وكان يعبر عن إعجابه باجلوائز، فكلما عظمت

.بالشعر والشاعر

لذلك احتدمت املنافسة بني شعراء البالط يف نظم القصائد يف مجيع املوضوعات بغرض نيل إعجابه

والفوز جبوائزه، مما تسبب يف قيام ثورة شعرية نتج عنها تنوع يف املوضوعات الشعرية واجتاهاا فمن

القدمي مثاال حيتذي به ١عر املبدع األصيل هو الذي يتخذ من املنهج التقليديالشعراء من رأى أن الشا

الذي ينتهج منهج الفحول القدماء من حيث بناء القصيدة والصور البدوية مع جزالة األلفاظ وخشونتها وغالبا ما االجتاه احملافظهو ١

يدور حول املوضوعات التقليدية من مديح وهجاء ورثاء وفخر وميتاز بطول حبوره وفخامة أوزانه والبناء التقليدي للقصيدة يبدأ ل وبكاء الديار منتقال إىل الغزل والنسيب مرورا بوصف الرحلة والراحلة انتهاء مبوضوع القصيدة، وقد تتخللها بالوقوف على األطال

أبيات احلكمة بعض

٤٢

ويسري عليه، فبالغ يف تقليدهم وحاول أن يتقيد بقواعدهم، وهذا القسم من الشعراء هم شعراء االجتاه

.١التقليدي وأغلبهم من شعراء املديح والرثاء والفخر

لقصيدة وعارض املنهج التقليدي القدمي معتربا إياه شعرا ومن الشعراء من ثار على الشكل القدمي ل

ال يعبر عن الواقع ومقيدا لروح الشاعر ومتكلفا يف التعبري، فحاولوا أن متكلفا لشعراء العصر العباسي

جيددوا يف قصائدهم مبا يتناسب وروح العصر ومظاهر الواقع اجلديد، وهؤالء هم شعراء االجتاه

.٢التجديدي

وهناك فريق من الشعراء خلط بني املنهجني حبسب املوضوعات اليت خاضها، كأن يسري على املنهج

التقليدي يف املديح والفخر والرثاء حماوال أن جيدد يف املعاين والصور واألساليب مبا ال يتعارض مع

.صورته القدمية األصيلة، بينما جيدد يف الغزل والوصف واملناسبات

النماذج الشعرية يف كل موضوعات البالط لنوضح مدى تنوع هذه املوضوعات وسنورد بعض

. واجتاهاا وتياراا يف بالط املهدي

*********************************************

٣٠٧-٣٠٣ص/١٩٩٤_الرؤية والفن،املكتبة األكادميية، الطبعة األوىل: عز الدين إمساعيل، يف الشعر العباسي.د: انظر ١ ات القصائد حبيث تدور القصيدة بأكملها حول موضوع واحد دون اخلوض يف مقدمة القصيدة التقليدية هو التجديد يف موضوع ٢

ميل إىل البحور القصرية والقوايف الرقيقةوبساطة اإليقاع مع األلفاظ مع سهولةتتألف من عناصر حضرية و صوره

٤٣

:موضوع املديح: أوال

لة إما هو أن يثين الشاعر على شخص أو قوم ويصفهم بعدد من الصفات احلميدة واملآثر احلسنة اجللي

إشادة باملمدوح وإعجابا به وإما لشكره على صنيع أو معروف وإما رغبة يف نيل جائزة أو حتقيق

.أمنية

ولقد شاع فن املديح يف العصر العباسي بسبب املظاهر االجتماعية و احلالة املعيشية اليت كان الشعراء

كن هلم صنعة غري الشعر فحاولوا مل ي كل الشعراءيطمحون إىل الوصول إليها لعدة أسباب أمهها أن

أن يكسبوا كل ما يستطيعون كسبه من تلك الصنعة قبل أن تكسد بضاعتهم، وأيضا ألن املظهر

األموال يف سبيلها حىت إم إنفاقاالجتماعي وأعباء الشهرة وحياة اللهو والبذخ تتطلب من الشاعر

طمع يف نيل اجلوائز، لذلك جند أن كثريا ضمنوا مدائحهم عبارات تفوح منها رائحة االستجداء وال

من شعراء الغزل واملوضوعات األخرى يتجهون إىل مدح أصحاب املال والنفوذ بني فترة وأخرى

لضمان االستقرار املادي ورمبا لغض الطرف عما يصدر عنهم من أفعال منافية للدين واألخالق

.أحيانا

العصر األموي الذي كانت تتخلله كثري من الصراعات وكان املديح يف العصور السابقة والسيما يف

والعلويون، وكانت هناك وارجاألمويون واخل: السياسية حول احلكم تتنازعه ثالث فئات أساسية

أحزاب تابعة لتلك الفرق أو مستقلة عنها، فكان لكل فريق ولكل حزب شعراؤه الذين وقفوا شعرهم

.١فريقهم ومن واالهم وأيدهم أو دافع عنهميف مدح رؤسائهم واملؤسسني حلزم أو

ولكن منذ قيام الدولة العباسية بدأت هذه األحزاب يف التقوقع على نفسها واحلد من نشاطاا خوفا

من بطش العباسيني مما أفسح اال أمام الشعراء يف مدح بين العباس دون اخلوف من انتقام تلك

٢٩١- ٢٩٠ص/العصر العباسي األول ١

٤٤

ب سارعوا إىل مدح بين العباس تقية منهم وصرفا لألنظار األحزاب، بل إن بعض شعراء تلك األحزا

. ١عن والئهم احلقيقي

:فرقتنيولقد انقسم شعراء املديح بصورة عامة إىل

على منهج األولني يف بناء القصيدة وصورها ومعانيها وألفاظها، وهم أصحاب تسار فرقة .١

.االجتاه التقليدي

التجديد يف بناء القصيدة ته وحاولتوتركعنه تعلى النهج القدمي وأعرض تثار ةقفر .٢

ومعانيها وصورها وألفاظها مبا يتناسب وتطورات عصرهم، وهؤالء هم أصحاب االجتاه

.التجديدي

وكانت صفات املدح يف العصر العباسي هي تقريبا نفس صفات املدح فيما سبقه من عصور

أفق وبالغة وفطنة من كرم وشجاعة وسطوة وعزة نفس ورجاحة عقل وسداد رأي وسعة

ورزانة وحلم ومجال وكرم نسب، باإلضافة إىل إسباغ الصفات الدينية على املمدوح وهو ما

.٢كان معروفا عند بعض شعراء العصر األموي كجرير

٣يف بالط املهدي مروان بن أيب حفصة واحلسني بن مطري واملؤمل شهر شعراء املديحومن أ

شار بن برد وسلم اخلاسر ونصيب األصغر والعماين الراجز والسيد بن أميل وأبو العتاهية وبا

. احلمريي وأبو دالمة

:وهذه مناذج شعرية لكل اجتاه

٢٩١ص/العصر العباسي األول ١ ٣٤٢- ٣٣٧ ص/الرؤية والفن: يف الشعر العباسي: نظرا ٢ بكسر امليم الثانية، ولكنها وردت مفتوحة يف معظمها ) املؤمل(ورد يف بعض املراجع ٣

٤٥

:االجتاه التقليدي يف املديح .١

.مروان بن أيب حفصة واحلسني بن مطري والسيد احلميري وابن اخلياط: من أهم شعرائه يف البالط

:٢يف مدح املهدي ١ةفمن ذلك قول مروان بن أيب حفص

*****************************

هو مروان بن سليمان بن حيىي بن أيب حفصة، من أشهر شعراء بين أمية، عاصر الدولة العباسية واشتهرت مدائحه يف املهدي واهلادي ١

هـ١٨٢، قتل على يد رجل علوي سنة ، ختم به ابن األعرايب الشعراء ومل يدون ألحد بعدهوالرشيد

، من الطويل ٣٠٣ص ٥ج/، األغاين٤٧ص/ديوان مروان بن أيب حفصة ٢ ٤٧الديوان ص/الزائلة: البوائد. طيف احلبيب: عائد. أصابك: أعادك ٣ نفسه/يرفض: يأىب ٤ ٤٨الديوان ص/هائمة: شوارد. الرماح: القسي. الضامرة النوق الضعيفة: خوص. اندفعت: جتاذبت ٥ نفسه/البعيد: الشاحط. يبتعد: ينأى ٦ نفسه/التراب: الثرى ٧ نفسه/قدمي: تالد. األصل:مجع جرثومه: اجلراثيم. قدمي: عادي. حديث: طريف ٨ .٤٩الديوان ص/املوت:مجع حتف: احلتوف ٩

٤٦

********************************

هذه القصيدة تعد النموذج األمثل للقصيدة العباسية التقليدية إذ يبدأها الشاعر بالوقوف على األطالل

ى من آثارهم، فال هو نسيهم واستراح من وبكاء األحبة بعد أن ثارت مشاعره الدفينة إثر رؤيته ملا تبق

.عذاب فقدهم وال هو واصلهم فسعد مبالقام، ويف هذه احلالة يكون املوت راحة للمحب اليائس

مث ينتقل الشاعر إىل وصف ناقته اليمانية الرشيقة اليت ا يدنو البعيد ويدنو القريب فهي تقطع

.مسافات كبرية بسرعة رهيبة

ليفته فيصفه بامللك الكرمي الذي مجع بني طيب األصل وعلو املكانة والذي هو مث ميدح الشاعر خ

لشدة رأفته برعيته كأنه والد هلم إال أن ذلك ال يتعارض مع سلطته عليهم وأخذه على يد املخالف

.منهم ومعاقبته أشد العقاب

هم التقليدي، فهو قد وأول ما نالحظه يف هذه القصيدة هو احتذاء الشاعر بالفحول القدماء يف منهج

بدأ باملقدمة الطللية املعروفة مث انتقل إىل وصف الرحلة والراحلة قبل أن يدخل يف موضوع القصيدة

-خوص - الرسوم البوائد:(أعين املدح، وألفاظه جزلة بدوية مل تؤثر فيها احلضارة كما يف قوله

البيئة البدوية القدمية كما يف ، وكذلك صوره مستوحاة من )تالد -عادي اجلراثيم - الشاحط-القسي

وتشبيهه النوق بالرماح يف ضمورها -تصويره األطالل القدمية و الرسوم اليت عفا عليها الزمن

-الكرم(وسرعتها، كما جند أنه نعت اخلليفة بصفات املدح التقليدية اليت مشلتها املدائح منذ القدم

).معاقبة املسيء -الرأفة بالرعية -اد

.مل خترج عن إطار املنهج التقليديوالقصيدة

٤٧

:١وقوله

، من الكامل١٠٣ص /ديوان مروان بن أيب حفصة ١ طيفها: خياهلا. أتتك ليال: طرقتك ٢ أخضعت: قادت ٣ السحب املمطرة: الدمي. أمطرت: سحت. رائحة: نفحة الروض ٤ مغلظ من األرض: حزون. األرض القفار: الفالة. أسرعت: تقاذفت. العطشى: صادي. تاقت: نزعت ٥ مؤخر الرأس :القذال. العنق: التليل. السري جبد: املراح. السريعة: الناقة الناجية ٦ احلصن: الربج. ضامرة: سامهة ٧ الشريعة: مجع سنة: سنن ٨

٤٨

******************************************

ولطاملا سبت يتحدث الشاعر يف أول قصيدته عن طيف حبيبته الذي زاره فاستبد به الشوق للقياها،

.فهي كنفحة طيبة باردة جادت ا روضة خمضرة يف الربيع..القلوب فاستأثرت ا

تفرع بالعني: هكذا يف الديوان،واألنسب ٩

الناس: األنام ١٠ رماها: رادى اجلبال. حتتمي: تلوذ ١١

هالك: وبال. العطاء: النوال ١ ختفون: تطمسون ٢ تدفعون: جتحدون ٣ ))وأولو األرحام بعضهم أوىل ببعض يف كتاب اهللا إن اهللا بكل شيء عليم: ((سورة األنفاليشري إىل قوله تعاىل يف آخر آية من ٤ العطاء: النوال. أعطى: راش ٥ مزهو: خمتال. خلق: شيمة. غين: مترف. الظامل: الرجل احملشود هو املخدوم الذي جيتمع عليه أصحابه وخيدمونه،الباغي: حشدت ٦

٤٩

مث ينتقل إىل وصف ناقته السريعة الضخمة اليت عربت به القفار واألهوال يتبعها قطيع من النوق، فهي

.أشدها وأسرعها

دية وال عجب من ذلك فهو من وأخريا يبدأ الشاعر يف تعداد صفات املمدوح فهو حميي السنة احملم

. نسل آل هاشم، وهو اجلبل الذي تلوذ به األمة، وهو كرمي جواد مقدام ولكنه شؤم على أعدائه

مث ينتقل إىل أسلوب جديد يف املديح هو أسلوب الدفاع عن أحقية بين العباس باخلالفة، وجعلهم

ذ يعزز دفاعه بآيات القرآن الكرمي وكأنه ومل يكتف بذلك وإمنا أخ. الورثة الشرعيني للتراث احملمدي

. ال يريد أن يترك جماال للنقاش أو التشكيك يف صحة آرائه

وهو أسلوب جديد ظهر مع قيام الدولة العباسية نتيجة الصراع الدموي بني العباسيني والعلويني على

.اخلالفة

أت بذكر طيف احلبيبة، وقد عرف ونالحظ هنا أن القصيدة مل تبدأ بالوقوف على األطالل إال أا بد

وتأبط ١االبتداء بذكر الطيف عند الشعراء اجلاهليني الكبار كزهري بن أيب سلمى وعنترة بن شداد

وغريهم ٢شرا

والوليد بن يزيد وعمر بن أيب ربيعة وجمنون ليلى وابن ٣واحتذى م شعراء العصر األموي كجرير

الدميلغزل واستدعاء طيف احلبيبة، استأنف قصيدته حبسب العمود ة وغريهم ، و بعد أبيات ان

.التقليدي منتقال إىل وصف الرحلة والراحلة وهكذا

:علقات، قال يف مطلع قصيدة ميميةشاعر جاهلي فحل من أصحاب امل ١

الثا يف اللثامفقبلين ثــ عبلة يف املنام أتاين طيف :شاعر جاهلي معروف، اشتهر بسرعته وفتكه، يقول:ثابت بن جابر ٢

ومر طيف على األهوال طراق راقـن شوق وإيياعيد مالـك م ي فداؤك من سار على ساقنفس ري على األين واحليات حمتفيايس

:له قصيدة شهرية بدأها بذكر الطيف وهي ٣ وقت الزيــارة فارجعي بسـالم طرقتك صائدة القلوب وليس ذا

٥٠

وصوره ...) راشين- تليلها وقذاهلا -دمي - الفالة -سحت(وألفاظه مازالت جزلة بدوية

يف تلك و وصفه للناقة السريعة اليت تشبه القوس وما عانته من أهوال - كتصويره للصحراء:(كذلك

).وتشبيه اخلليفة بالنبع واجلبل -الرحلة الشاقة

ولقد جدد يف هذه القصيدة وأبدع فيها ومل خيرج عن النهج القدمي، وأثىن على قصيدته هذه خلف

.األمحر ويونس بن حبيب وأبو عبيدة وغريهم

:١وقوله

٥

١١٣ص/بيتا، انظر الديوان ١٦قصيدة من الطويل، عدد أبياا يف الديوان ١ ترك: أقصر. حساده: عواذله ٢ صباغته باحلناء: خضاب الشعر. ذهب: توىل. نية جبماهلا عن الزينةمجع الغانية، وهي الفتاة الغ: الغواين ٣ زوال خضاب الشعر وبيان الشيب: الناصل. العني: اللحظ ٤ طال عمره: مد يف أيامه ٥ املعطي: الباذل. حمافظ: صئون ٦ العطاء: النائل. جرب: بال ٧

٥١

**************************************************

يقول بأنه قد ترك ما كان فيه من طيش الشباب ووره واتباعه ألهوائه بعد أن طال به العمر

وظهرت عليه أمارات التقدم يف السن اليت متثلت يف الشيب، وقد حاول أن يكافحه مبداومة اخلضاب

إال أنه يعود فيعزي نفسه بأن هذه ..ن منه فتركته الغواين بعد أن صار ظاهرا للعيانإال أنه غلبه ومتك

.ليست حاله فقط وإمنا هي حال كل شخص خيطو باجتاه الشيخوخة

.التقوى والورع والكرم والسطوة والعزم واحلزم والعدل وكرم النسب اتمث يبدأ بنعت املمدوح بصف

الغضب: السخط ٨ ردموا: مناهل. السم القاتل: الزعاف. عاقبة: مغبة ١ متاثله: تقابله. سري النعل: الشراك ٢ حر: طليق ٣ وقع عليه: أصاب مفاصل احلق ٤

٥٢

العباسي وأكثر توافقا مع احمليط املتحضر إذ نالحظ أن ألفاظه وقد تكون هذه القصيدة أقرب للواقع

باتت أقرب للفهم ومل نعد حباجة إىل النظر يف املعجم عند قراءة كل بيت لفهمه واستيعاب معانيه،

فاأللفاظ هنا أوضح وأسهل مما كانت عليه يف قصائده السابقة، كما أن الصور هنا اختذت مسارا

عر التقليدي الذي عرفناه سابقا، فعلى الرغم من كوا مستوحاة من البيئة البدوية جديدا بالنسبة للشا

كتشبيهه الشيب خبصم يقاتله فيخضع له ويستسلم ملشيئته، وتشبيهه : (إال أن فيها نوعا من التجديد

).العقاب والنوال بالطعام املر واحللو

ياا مترابطة مما يقرا إىل قصيدة االجتاه كما نالحظ بأن القصيدة امتازت بالوحدة املوضوعية فأب

فال هو الشاعر : التجديدي، فكأن الشاعر يف هذه القصيدة حياول أن يتخذ لنفسه مكانة وسطا

وال هو ...البدوي التقليدي القدمي الذي ينفر من شعره اتمع العباسي املتحضر والسيما جيل الشباب

واجلاحد لفضل األولني فيخسر مكانته عند النقاد وأهل األدب الشاعر ادد املنكر لكل ما هو قدمي

ورمبا أيضا ألنه رأى أن خلفاء بين العباس وحاشيتهم على عكس خلفاء بين أمية هم . املتعصبني للقدمي

أهل حضارة وترف وقد اعتادوا اللغة السهلة الواضحة نتيجة اختالطهم باألجناس األخرى فلم يرغبوا

البدوي اخلشن فكأنه أراد أن يكسب رضاهم وإعجام واألهم من ذلك فهمهم يف مساع األسلوب

.واستيعام ملا يقول

:١وقال أيضا

، من الطويل١١٩ص/ ديوان مروان بن أيب حفصة ١ السري املتعب: املخدم. السريع: السريح. يسرن على غري هدى: خيبطن ٢

٥٣

القدمي إذ ال يكاد خيرج لنا بشيء جديد وإمنا يف هذه األبيات يظل الشاعر يعزف على حلنه التقليدي

و املشاهد القدمية للصحراء القاحلة والنوق اليت ) خيبطن السريح املخدما(هي نفس األلفاظ البدوية

تسرع تارة وتبطيء تارة أخرى حاملة الرجال والرحال ويف النهاية تصل إىل باب املمدوح فتستريح

.الصفات الدينية هي األبرز يف مدحيه للخليفة من العناء وتفوز بالغنيمة، ومازالت

ونرى بصورة عامة أن مروان هو شاعر املدح التقليدي األول يف بالط املهدي ألنه كان يجهد نفسه

يف تقليد األولني يف ألفاظه ومعانيه وصوره ومل يتخذ يف اجتاه التجديد إال خطوات قليلة ضيقة تتمثل

مقدمة أخرى غزلية أو وصفية أحيانا مع حماولة التقليل من األلفاظ يف االستبدال باملقدمة الطللية

واألساليب البدوية ولكن حبذر شديد دون االستغناء عن التصوير البدوي واملوسيقى التقليدية القدمية

وكأن ذلك سوف يؤثر على صورته كشاعر أصيل متمكن من صنعته مما ينعكس على مكانته بني

جعل منه شاعرا قليل املعاين على الرغم من غزارة اإلنتاج ولكنه عرف شعراء عصره، وهذا ما

يف الشعر بصورة عامة ويف املديح بصورة أخص، ولذلك ختم به ابن األعرايب ٢بتجويده وحذقه

.الشعراء فلم يدون لشاعر بعده

عراء واجلديد يف مدح مروان هو أنه نصب نفسه كمتحدث رمسي باسم البيت العباسي من بني ش

البالط يف عهد املهدي، وقد انصبت مدائحه يف الدفاع املتواصل عن أحقية العباسيني باخلالفة، مؤكدا

على أن ذلك احلق تؤيده أحكام الدين اإلسالمي وآيات القرآن الكرمي،منددا بكل من يرى غري هذا

.الرأي

اخلري: املغنم ٣، جدة، دار ١ألديب يف آثار الشريف املرتضي طأمحد عبد الواحد، النقد ا :وهو ما يراه الشريف املرتضى١

٨٨ص/م١٩٩٦/هـ١٤١٧العلم،

٥٤

ل للمواقف مبا يتناسب مع أسلوب جديد ينم عن اطالع واسع وذكاء متوقد وحسن استغال وهو

.الوضع السياسي يف ذلك الوقت

لذلك ال ينبغي أن نتعجب من كون مروان بن أيب حفصة هو الشاعر املقدم يف بالط املهدي، واحلائز

على أعظم اجلوائز من بني مجيع شعراء البالط، فهو يعد مكسبا للمهدي وقصائده تعد دعامة قوية

.الدولة كانت ال تزال يف بداية عهدها للعباسيني والسيما أن

:١يف مدح املهدي قولهالشهرية ومن قصائده

، من الكامل١٢١ص/ ديوان مروان بن أيب حفصة ١ زيارة: ملام. حل: أمل. جال: طاف ٢ ليس وقت اخلالف: الت حني خصام. أى اخلالف: قطع اخلصام ٣اليت زعم مروان وجودها يف هذه السورة، ولقد حبثت عن و واريث حبثت يف سورة األنعام فلم أجد اآلية اليت تتحدث عن أحكام امل ٤

تعليقا البن أيب اإلصـبع يف )) النسخة اإللكترونية((حترير التحبري يف صناعة الشعر والنثر: إشارة هلا يف بعض املراجع فوجدت يف كتابرة األنعام ذكر شيء من الفرائض، أو حكـم مـن وما أعلم من أين يف سو:(...باب اإليغال على بيت مروان اآلنف الذكر يقول فيه

، واإليغال هو أن يكون املتكلم أو الشاعر أوغل يف الفكـر حـىت ...)أحكام املواريث، أو ذكر نسب أو شيء مما يقارب هذا الشأن . استخرج سجعة أو قافية تفيد معىن زائدا على معىت الكالم

لكرميالقرآن ا: الكتاب. يأخذوا: يشرعوا. حظ: سهام ٥ يعين العباس بن عبد املطلب: ساقي احلجيج ٦

٥٥

أول ما نالحظه يف هذه القصيدة هو اختالفها عن قصائده التقليدية السابقة، فالقصيدة هنا أقرب

دد من حيث سهولة األلفاظ أو وحدة املوضوع أو التخلي عن املقدمة التقليدية، كما لالجتاه ا

نالحظ هنا كثرة الصفات الدينية اليت أسبغها الشاعر على اخلليفة مع كثرة االقتباس من معاين القرآن

يت قامت الكرمي خصوصا فيما يتعلق بأحكام الوراثة اليت جعل منها الفاصل الشرعي لتلك اخلصومة ال

بني العباسيني والعلويني حول أحقية أي منهما باخلالفة، فأحكام الوراثة هي األساس الذي اعتمد

. عليه العباسيون يف إسباغ الصفة الشرعية على حكمهم

:٢وقال يوم عقد املهدي البيعة ملوسى اهلادي

هذه املقطوعة مشاة للمقطوعة السابقة، وفيها يشدد على أحقية بين العباس باخلالفة باالعتماد على

فهو ال يترك ) قالمجفت بذلك مواقع األ(:قطوعتةخيفى علينا قوة عبارته يف آخر مأحكام الوراثة، وال

هنا جماال للنقاش أو اجلدل، وال عجب أنه مات مقتوال على يد أحد العلويني فقد أغاظهم بشعره حىت

.أهدروا دمه إذ كانت قصائده هذه مبثابة الدرع الواقية للحكم العباسي ضد مطالب العلويني

األسد: أصيد ٧

، من الكامل١٢٣ص/ ديوان مروان بن أيب حفصة ١

٥٦

:١ومنه قول احلسني بن مطري يف مدح املهدي

*********************************************************

يصف الشاعر ناقته اليت قطعت به الصحراء بسرعة وطيش كالذي يسري على غري هدى، وكيف أن

.هذه الرحلة كانت شاقة متعبة رأى فيها األهوال

مث ميدح اخلليفة باد وحسن اخللق و احللم والسطوة واملهابة واإلقدام والشجاعة واحلياء والتقوى،

.جمملها صفات تقليدية مدح ا امللوك منذ القدم وهي يف

وقد وردت هذه األبيات مقطوعة هكذا فال ندري إن كانت قد بدأت باملقدمة الطللية أم ال ولكننا

وصف (نرى أا مطابقة لالجتاه التقليدي املعروف سواء من حيث األسلوب القدمي وتنوع املوضوعات

-خبوب -النجاء - هوجاء - البيد -تعسفت(و من حيث األلفاظأ)مث مدح اخلليفة - الرحلة والراحلة

).وصف الناقة ووصف الرحلة ووصف الصحراء(أو من حيث الصور والتشبيهات)سهوب

٢٨٣ص ٨ج/األغاين ١الناقة املسرعة، كأن ا هوجاء، : واهلوجاء من اإلبل. من العسف، وهو أن يأخذ املسافر على غري طريق وال جادة وال علم: تعسفت ٢

.صيغة مبالغة من اخلبب، وهو ضرب من عدو اإلبل: وخبوب. اإلسراع: والنجاء. تسرعوهو الطيش وال

٥٧

إال أننا لو متعنا يف أبيات املدح لوجدنا شيئا من التغيري من حيث سهولة األلفاظ وحداثة التشبيه

أن الشاعر مل يستطع مقاومة ذلك الربيق الذي يشع وك)كتشبيه األخالق بالثوب الذي يضيق ويتسع(

من مظاهر البيئة اجلديدة للمجتمع العباسي، ولكن القصيدة يف صورا العامة تظل تابعة لالجتاه

.التقليدي القدمي

:١وقال احلسني بن مطري يف مدح املهدي

الحظنا هنا أن الشاعر يسمو باملمدوح عن بقية البشر حىت يكاد يضعه يف مقام األلوهية، وينعته

والسخاء مث يغري رأيه فيجعله هو أصل اجلود، وأن نوره كفيل بتغيري كل ما هو أسود إىل بالكرم

.وهي يف جمملها صفات ال ميكن أن يتصف ا بشر..البياض

وهذا هو أسلوب احلسني بن مطري يف املديح، وقد القت هذه املبالغة استحسانا عند ممدوحيه ومن

.طاء اجلزيلبينهم املهدي إذ كان يعطيه عليها الع

وال يفوتنا هنا ما متيزت به القصيدة من شيوع السهولة املقرونة باجلزالة، فالشاعر هنا يعد منوذجا

لألسلوب الوسط أو األسلوب احملافظ الذي ال خيرج عن اإلطار التقليدي ولكنه ال حيتذيه حبذافريه،

تقليدية قدمية أو كوا تقليديةولو أننا وجدنا القصيدة كاملة الستطعنا احلكم بدقة أكثر حول

.حمافظة

٢٨٤ص ٨ج/األغاين ١

٥٨

:٢مادحا املهدي ١ومن ذلك قول بشار بن برد

،مات مقتوال على يد ولكنه انتهج املنهج التقليدي يف املديح والفخر واددين وأصحاب البديع، بشار بن برد هو رأس احملدثني ١

هـ١٦٨املهدي بعد أن ام بالزندقة سنة ،من البسيط٢٧٧ص ٢ج/ان بشار بن بردديو ٢ ٢٧٧ص ٢الديوان ج/أمساء بقاع: الثمد وما معه. خال: أقوى. اسم امرأة: فراطة ٣ ٢٧٨ص ٢الديوان ج/املاء اجلامد: اجلمد بالفتح. الوقت الذي يورق فيه الشجر: بالكسر: الوراق ٤ نفسه/رض ذات الشجر والنخل الكثريمجع عقدة وهي األ: العقد. الرمل: القاع. منعطف الرمل: العرج ٥النية ألا تطوي الفؤاد، مث أطلقت على املقصد الذي يقصده : الطية. اسم استفهام عن املكان مبعىن أين: أىن. كره: عاف ٦

نفسه/املسافرمرض يف العروق : لعندا. قرحة العر، وهو مرض كالقروح يصيب اإلبل الصغار يف رقاا: العرة. من نغل األدمي وهو فساده: نغلت ٧

٢٨٦ص ٢الديوان ج/يسيل منها الدم من األنف أو غريه ٢٨٧ص ٢الديوان ج/احتصد الرجل أعداءه إذا قتلهم: يقال ٨ نفسه/طاقة: بدد. قوة: حول. الشيعة أي أنصار اخلليفة: يشيعه ٩

٥٩

يف هذه القصيدة حياكي بشار أسلوب القدماء حماكاة دقيقة فيبدأ باملقدمة الطللية التقليدية مستخدما

،ويستعمل ...)العرج - اجلمد -الوراق - السند -الربع -الثمد -فراطة - أقوى(ألفاظا بدوية قدمية

كتشبيهه صدور العصاة مبا غشاها من ذنوب بداء (الصور والتشبيهات املستوحاة من تلك البيئة القدمية

وهذا أسلوب تقليدي ) العند، وشبه إصالح املهدي هلم بالدواء الذي يدهن به من أصابه ذلك املرض

يء على شعر بشار الذي نعرفه يف العصر العباسي والسيما أن بشارا عد رأس يعد غريبا بعض الش

اعتمد األسلوب ادد يف مجيع موضوعاته الشعرية ماعدا ، ولقد احملدثني وإمام اددين يف عصره

، ولعل ١املدح والفخر فقد ظل يسري فيهما على األسلوب التقليدي الذي كان ميدح به خلفاء بين أمية

يف ذلك هو أن بشارا كان حديث عهد مبدح اخلليفة العباسي فلم يرد أن يدخل عليه ولعل السبب

بأسلوب جديد قد ال يستسيغه بدليل أننا نرى يف قصائده التالية نوعا من التغيري وشيئا من االبتكار

اعر والتجديد، وقد تكون هذه القصيدة من أوائل املدائح اليت نظمها يف املهدي، كما أن بشارا ش

ذكي بال شك وقد أراد بقصيدته هذه أن جيس نبض اخلليفة ويتعرف على ذوقه الشعري كي يتسىن

.له التجديد والتغيري حبسب ما يتطلبه األمر

والشيء الوحيد اجلديد الذي نلمسه هنا هو مدحه اخلليفة بالصفات الدينية اإلسالمية وهو ديدن كل

قامت على العباسيةسالمية يف مدائحهم حبكم أن الدعوة شعراء البالط الذين اعتمدوا الصفات اإل

.أساس ديين أكثر منه سياسي

:٢ومن ذلك قول بشار بن برد مادحا المھدي

١٥٢ص/الفن ومذاهبه يف الشعر العريب:، وانظر أيضا٣٤٩ص/األدب يف عصر العباسيني:انظر ١ ٢٧٢ص ٣ج/، انظر الديوان١٦٩ص ٢ج/، وردت يف األغاين٨٧قصيدة من حبر الطويل، عدد أبياا يف الديوان ٢ ٢٧٢ص ٣الديوان ج/يريد حبيبتيه اللتني مها من فهر: جاريت فهر. اسم رجل أو قبيلة: فهر. ترفعت: جتاللت ٣

٦٠

٢٧٣ص ٣الديوان ج/الستر: الغفر. هو قريب متمكن من الزيارة لو أراديريد دان وهو ضد املعىن ف: ناء. تقصري عن زيارتنا: تثاقل ١ نفسه/تتبعنا: تقفونا ٢ ٢٧٦ص ٣ج/أصل الوعي الربء على عوج أو بقية كسر: وعيت إىل كسر. مبالغة يف بركت: بركت ٣ ٢٧٦ص ٣الديوان ج/اخليانة: اخلتر ٤ويعين . قشر جلد احليوان من أثر جرح أو احتكاك: الدبر. التعب واإلعياء: يناأل. يعين السفينة وقصد بأا جديدة مل تركب: العذراء ٥

٢٨٠ص ٣الديوان ج/به هنا اخلدوش على لوح السفينة فهي تطلى بالقار فجعل ذلك إحلاما نفسه/مشص الدابة إذا خنسها فعجلت يف السري: تشمصت. ريح الصبا، وهي رخاء للسفن: القبول ٦ ٢٨١ص ٣الديوان ج/الظهر: القرى. البحر: املتنصب. من الدالل: دلت. وهو املشي اخلفيف أي مشت القصد: قصدت ٧ كانت أم املهدي محريية ٨

٦١

**********************************************

افتتح قصيدته بفعل ماض أخرب به عن نفسه وهو افتتاح نادر يف الشعر العريب اقتبسه من افتتاح سورة

وهو .٦}يالما جرجم ههرجواه: مقتبس عن قوله تعاىل) وباهلجر(وقوله ..٥الفرقان وسورة امللك

٢٨٢ص ٣الديوان ج/طائر مثل احلجل اشتهر خبوفه: الكروان ١ليزيد ذكاؤه وعرفه، مشتق من الفتق وهو الفصل، والفتيق أيضا املسك الذي فتق أي خلط بعنرب وبعود . الصبح املشرق: الفتيق ٢

:امرؤ القيس /صنم، وقد يفتح، قال: دوار بالضم، وكال املعنيني صاحل هنانلنا فع ربكأن س هذارى نعاجوار عالء يف دل مذينفسه /م

٢٨٣ص ٣الديوان ج/مجع مصلت، وهو الرجل الذي ميضي يف األمور: مصاليت ٣

نفسه/ن يدخل يف اخلوارج من الشراةأي م): يشري(لعله ٤ )٤رقم اهلامش(٢٧٢ص ٣ج/ديوان بشار بن بردانظر ٥

)١٠(سورة املزمل، آية ٦

٦٢

يقول بأنه هجر حمبوبته وترك زيارا على الرغم من قرب املكان وقصر املسافة بينهما وقد عزى ذلك

.إىل ي املهدي إياه عن الغزل فكان ذلك سبب توبته وإقالعه عن غيه الذي استمر سبعني عاما

كان فيه فهو هنا يتذكر فيقول بأنه لوال هذا النهي ملا ترك مامث يعود إىل الغزل وكأنه مل حيتمل تركه

تلك األيام اخلوايل اليت كان يواصل فيها حمبوبته وال يتورع عن ذكر ما قد حيدث بينهما من تفاصيل

.صرحية تشمئز منها النفس ورمبا كان هذا هو ما أغضب املهدي عليه الحقا فحرمه اجلائزة

الرحلة اليت مل تكن على راحلة مألوفة وإمنا كانت وسيلة سفره سفينة مث ينتقل الشاعر إىل وصف

وهي ليست ما تعودنا مساعه عند شعراء املديح التقليديني ولكن بشارا فارسي األصل فالبد انه اعتاد

السفر عليها لذلك أبدع يف وصفها، وقد شبه ريح الصبا عندما تدفع السفينة باملنخاس الذي تنخس

.١ة فتسرع، وهي استعارة مكنيةا الداب

وهو املديح فيصف املهدي بعدد من صفات املدح التقليدية يصل الشاعر إىل موضوعه األساس وأخريا

منها رفعة احلسب وكرم النسب والكرم واجلود والسطوة وعلو اهلمة وعزة النفس والشجاعة

حاة من البيئة البدوية كأن يشبهه والتواضع والعدل مع الرعية ويشبهه بعدد من التشبيهات املستو

عروف خبوفه، كما يشبهه بالدرع بالصقر الذي ابه امللوك فكأن الواحد منهم الكروان وهو طائر م

األمة وقت اخلطر ويشبه كفه بالسحاب املطري تارة وبالسيف البتار تارة أخرى، كما ا حتتمي اليت

.أخرىشبهه بالعسل الصايف تارة وبالثمرة املرة تارة

.بذله له من العطاء وخيتم القصيدة بقوله إنه يتمىن لو يوفي املهدي حقه من املديح على كل ما

ولو دققنا النظر يف هذه القصيدة لرأينا مدى التشابه بينها وبني قصائد األولني وكأا نسخة حمدثة

-ذي منعه من الغزلصحيح أن الشاعر مل يقف على األطالل ولكنه استعاض عنها بالعذر ال. عنها

أن تذكر املشبه وتريد املشبه به، وتدل عليه بشيء :االستعارة املكنية هي،و)٤اهلامش رقم(٢٨٠ص ٣ج/ديوان بشار بن برد: انظر ١

من لوازمه

٦٣

أال وهو ي املهدي فأراد أن يبدأ قصيدته مبا يالئم ذلك النهي وهو التصريح جر - على حد زعمه

احملبوبة وترك زيارا بدال من الوقوف على منازل أهلها والبكاء على ما تركوه من آثار، مث إن الشاعر

لرحلة والراحلة وقد أبدع يف ذلك وفصل انتقل إىل املرحلة التالية يف القصيدة وهي مرحلة وصف ا

كما فعل القدماء مع فارق بسيط هو أن الراحلة هنا مل تكن ناقة أو فرسا وإمنا كانت سفينة، ولكن

؟١وصفهم للراحلة اليت نقلتهم إىل مكان املمدوح منأليس هذا هو ما فعله القدماء

ه عناصر القصيدة التقليدية من جزالة اللفظ و فيما عدا ذلك فالقصيدة تعد منوذجا قدميا توفرت في

. وقوة املعىن والصور القدمية املستوحاة من البيئة البدوية وغريها

:٢ومنه قول بشار ميدح املهدي ويعيب على بعض ولد احلسن بن احلسن بن علي مطالبته باخلالفة

٣٤٥ص/ الرؤية والفن: الشعر العباسييف: ملزيد من التوضيح انظر ١ ، والقصيدة من الطويل٧٠ص ٣ج/ديوان بشار بن برد ٢ املتوحش الذي سكنته األوابد وهي الوحش: املتأبد ٣ الغطاء من اخلشب بضم احلاء وهو الوعاء املستدير ذوقة مجع ح: حقائق. ما يربح: ما يرمي. آثار الديار: الوشام ٤ النسب من غري اآلباء كالعصبة فيكون وارثا إذا انعدم اآلباء: افبضم الق: القعدد ٥

٦٤

******************************************************

هنا أيضا يربز االجتاه التقليدي سواء يف بناء القصيدة إذ بدأها باملقدمة الطللية أو يف وزا أو ألفاظها

أو تصاويرها املوغلة يف القدم كتشبيهه أصوات ...)متأبد، وشام، الباكر املتعهد:(البدوية كمثل قوله

ام الديار بالوشوم على الكف، وكذا يف احلمام وإمياءاته بأصوات احملبني وإشارام، وتشبيهه وش

إال أن بشارا قد اختذ مذهبا جديدا عليه يف .تصويره األطالل املهجورة اليت سكنتها الوحوش وغريها

املديح هو مذهب الدفاع عن أحقية املهدي باخلالفة والضرب على يد خصومه ممن أرادوها ألنفسهم

قد يكون سر هذا التغيري هو ما رآه الشاعر من اجلوائز مقلدا شاعر البالط مروان بن أيب حفصة، و

القيمة اليت تهدى ملروان فأراد أن حيظى مبثلها، أو قد يكون أراد أن يرضي املهدي والسيما عندما

.علم بغضبه عليه إلفحاشه يف الغزل وملا أشاعه من الفساد بني رجال ونساء عصره

:٢دييف مدح امله ١ومن ذلك قول السيد احلمريي

إمساعيل بن حممد بن يزيد بن ربيعة بن مفرغ احلميري،حفيد لبيد بن ربيعة الشاعر املشهور، وهو شاعر مطبوع غزير اإلنتاج، سلك ١

هـ١٧٣يف شعره طريق الفحول، تويف يف خالفة الرشيد سنة ١٨٦ص ٤ج/األغاين ٢

٦٥

***********************************************************

جند أن الشاعر قد ترك املقدمة الطللية املعروفة واستبدل ا أبياتا يف الغزل قبل أن يدخل يف صلب

املوضوع أي املديح، ولو جتاهلنا بييت النسيب لوجدنا أن القصيدة امتازت بالوحدة املوضوعية وهي

.ا شعراء التجديدمن أهم التغيريات اليت دعا إليه

ولكنه فيما عدا ذلك مل خيرج متاما عن االجتاه التقليدي وإمنا حافظ عليه يف تعبرياته وصوره وأوزانه

. ولكنه مجع يف ألفاظه بني اجلزالة والعذوبة مع حتاشي األلفاظ الغريبة مما يسهل حفظ شعره وتداوله

ورة واضحة عن والئه احلقيقي لبين العباس، كما الحظنا يف هذه األبيات كيف أن الشاعر عبر بص

. العلوينيهذا الوالء الذي هو نابع من معتقده الديين الذي يفضل والية بين العباس على والية

٦٦

:٢يف مدح املهدي ١ومنه قول أيب العتاهية

ثل مثل هذه القصيدة منسوبة إىل أيب العتاهية ذلك الشاعر العباسي الذي مي من أن تكون نعجبقد

ولكن يف هذه املقطوعة تظهر روح التحدي اليت دفعت الشاعر إىل جيل الشعراء اددين الشباب

خوض غمار احلرب غري املعلنة على شعره املطبوع واستعراض عضالته اللغوية، فقد عيب شعر أيب

العتاهية بأنه خيلو من اجلزالة وأن ألفاظه لفرط سهولتها جعلته يف مرتلة أقل من شعراء التقليد

هو إمساعيل بن القاسم، كان شاعرا ذائع الصيت مطبوعا كثري اإلنتاج حىت قيل إن شعره ال ميكن أن جيتمع ألحد لكثرته، وكان ١اتصل باملهدي العباسي ومدحه ونال الكثري من جوائزه، وتنسك يف عهد الرشيد، تويف .سريع اخلاطر وقد عد من طبقة بشار وأيب نواس

هـ٢١٣نة يف خالفة املأمون س، والقصيدة ٩٦ص ) / بريوت لبنان ( م ٢٠٠٦/ هـ ١٤٢٧ديوان أيب العتاهية ، شرح جميد طراد ، دار الكتاب العريب ، ط ٢

من املنسرح ٩٦الديوان ص/املصدر من فعل محى: احملاماة. خال: قفر. الدارس املمحو:الطامس. املفازة، الفالة: املهمه ٣

نفسه/الغليظة: العلنداه. الناقة السريعة: العريانة. الغائرة العني: اخلوصاء. الناقة الشديدة: العذافرة. ةالناقة الضخم: اجلسرة ٤ ٩٧الديوان ص/سريي سري اخلبب وهو ضرب من السري السريع: خبي. مرخم ناقة: ناق ٥ نفسه/الوقار واهليبة: املهابات. تربكي: تناخي ٦ نفسه/التواضع: اإلخبات ٧ وهو مكسور فقمت بتصحيحه من مراجع أخرى) من مثل من ساد أعماما مث من( :شطره األول يف الديوان ذا الشكلورد ٨

٦٧

املعروفني، فرد الشاعر على ذلك االام بالتطبيق الفعلي ونظم هذه القصيدة ذات األسلوب القوي

-عذافرة-رةجس-اهلول- طامسه-همهم: (واليت حشد فيها عددا كبريا من األلفاظ البدوية منها

والشاعر وإن كان قد بالغ يف حشد كل تلك األلفاظ اجلزلة يف مقطوعته حىت )..إخبات-خيب-علنداة

بلغت حد التكلف واستعصت على األفهام إال أن أبياته حوت بعض العبارات اليت تدل على تأثري

هل - ك مرضايتتبغي بذا : (احلضارة وحياة املدينة الناعمة يف شعره دون أن يشعر،فمن ذلك قوله

فهي عبارات مطبوعة بطابع احلضارة صادرة من نفس هذبتها حياة الترف والنعيم ) لك يف مبارايت

.ورققتها بيئة احلضارة واملدنية ومل تصدر عن بدوي شقي خشن الطباع

:االجتاه التجديدي يف املديح .٢ . ومن أهم شعرائه أبو العتاهية وسلم اخلاسر واملؤمل بن أميل

:١ن ذلك قول أيب العتاهية يف مدح املهدي فم

من املتقارب٢٨٢ص ٢ج/،األغاين٣٣٠ص/ديوان أيب العتاهية ١ أت ووثقت مبحبة احلبيباجتر: أدلت .أدلت فأمجل إدالهلا،ولكنه يف معظم املراجع ورد بالصياغة األوىل: ورد يف الديوان ٢ أخطأت: جتنت ٣ إن اخلالفة أتت إليه صاغرة كما يأيت احلبيب املذنب إىل حبيبه معتذرا: يقول. ذليلة: منقادة ٤

٦٨

هذه القصيدة تعد من أشهر املدائح اليت قيلت يف املهدي، بدأها الشاعر بالغزل الرقيق املطبوع بطابع

املدينة، فعلى الرغم من ذكر الشاعر لألطالل إال أنه ال ميت للشعر التقليدي بصلة، فاألساليب

ستعملها واأللفاظ هي يف غاية السهولة والوضوح ومقتبسة من قاموس اللغة الدارجة اليت ي

، والصور واألخيلة هي بال شك مستقاة من البيئة ...)حور -اإلمام - جارية -أدلت -سيديت(العامة

، كما أن )شبه اخلالفة جبارية ذليلة تنقاد إليه وجتر أذيال اخلضوع واالستسالم(احلضرية اجلديدة

.يات جيعل موسيقاها مطربة لألمساعالتوزيع اإليقاعي لألب

:٤وقوله

يف هذين البيتني ميدح الشاعر اخلليفة املهدي بصفة الكرم اليت مل خيل شعر املديح منها مطلقا، إال أنه يدة مبتكرة فيشبه املال يف يد اخلليفة باحللم الذي خيتفي مبجرد استفاقة النائم من يأيت ا يف صورة جد

نومه، ويعود فيشبه ميينه بشخص مستقل كرمي ينادي ضيفه وحيكمه يف أمواله لشدة جوده وإحسانه، .كانت معروفة منذ القدم بال شك تشبيهات جديدة تصور معاين وهي

طلبها، أرادها: رامها ١ النيات: بنات القلوب ٢ ويبغض من يقوهلا" ال"يريد أن اخلليفة يبغض كلمة ٣ ، ومل يرد يف األغاين٣٥٩ص /ديوان أيب العتاهيةمن الطويل، ٤ وهب: أفاد. اكتسب واقتىن: استفاد ٥ إن الزائر يستطيع أن يتصرف بأمواله كما يشاء: يقول ٦

٦٩

فهي مستقاة من قاموس العامة ومفهومة وال ...) زائرا - ابتسم(ينة كما أن ألفاظه مطبوعة برقة املد . حتتاج إىل عناء البحث عن معانيها

***************************************

:١قولھمنھ و

يقول بأن املنايا واآلجال مطيعة للمهدي فإن وجهها حنو خصم أو طاغية قضت عليه كما أراد مشبها

وهي معان قدمية . ه ويعود به ملطخا بدمائهماملنايا بالفارس الذي حيمل رمح املهدي فيقتل به أعداء

يف صورة جديدة أيضا، أما البيت الثالث فيظهر فيه التأثر باحلياة احلضرية مبا تشمله من أساليب هلو

جديدة منها املباريات التنافسية سواء يف القتال او يف الصيد أو غريمها، يظهر ذلك من استخدام

.ن هنا متوسطة إيقاعية، واألوزا)بارتك(الشاعر لكلمة

:٦وقوله

، وهي من املديد٢٧٨ص/ديوان أيب العتاهية ١ مطيعات: سامعات لك ٢ رماحك ومفردها قناة: قناك. تسيل دما: ترعف. الظامل املستبد: الطاغي ٣ أن ،ولكن موسيقى الشعر اقتضتها هكذاولو : أصلها: ولون ٤

الكرم: الندى. الكرم: السماح. سابقتك: بارتك ٥ ، من الوافر٣٦٢ص/ديوان أيب العتاهية ٦

٧٠

ونالحظ أنه وألول مرة ) امللك - قصر(استخدم الشاعر هنا ألفاظا مستوحاة من البيئة احلضرية

يستخدم الطابع الديين يف مدح اخلليفة على غرار مروان واحلسني وبشار واقتبس من العبارات الدينية

، كما أنه عاد إىل )البلد احلرام -حفك باملالئكة -نشر اإلله عليك نورا -لغيثسقيت ا(املعروفة

.األوزان القصرية والقوايف السهلة

:١وقال أبو العتاهية ميدح يزيد بن منصور احلمريي بعد أن كلم فيه املهدي وأطلقه من حبسه

نه شديد التأثر بالبيئة العباسية احلضرية بكل ما فيها من عر أيب العتاهية جند بصورة عامة أويف ش

ة فيعيد تصويرها بأسلوب جديد مظاهر وجتارب، فهو شاعر مطبوع حساس يأيت باملعاين القدمي

. مبتكر، وقد استطاع التعبري عنها بأقل جهد وجبمل قصرية سهلة خالية من التكلف وإدامة التفكر

وهي ذات إيقاع مطرب تفوح منها رائحة اجلدة وال ختلو من الطرافة والعذوبة، وشعره بصورة عامة

.داخل يف معىن السهل املمتنع

:٢ن مقطوعةومنه قول سلم اخلاسر م

، من البسيط٩٧ص/ ديوان أيب العتاهية ١ ٣٠٢ص/ من املوسوعة الشعرية، واألول واألخري من العصر العباسي األول ٦-٢األبيات ٢

٧١

:١وقوله من مقطوعة أخرى

جديد يف األلفاظ واألساليب واألوزان، فألفاظه سهلة واضحة نرى بوضوح الت ٢يف هاتني املقطوعتني

ومل أجد للشاعر سوى . وأساليبه بسيطة خالية من التعقيد وأوزانه قصرية ذات إيقاع خفيف مطرب

. هذه األبيات القليلة يف مدح املهدي، إال أا ألقت بعض الضوء على أسلوبه يف املديح

:٣ومنه قول املؤمل بن أميل

١٨٥ص ١٠ج/األغاين ١ ملقطوعة الشعرية هي أبيات ال يزيد عددها عن ستة أو سبعة ، فإن زادت عدت قصيدة ا ٢واملؤمل بن أميل احملاريب هو شاعركويف خمضرم اشتهر يف العصر العباسي، كان منقطعا إىل املهدي منذ واليته ، ٤٣٧ص ١١ج/األغاين ٢

العهد، وعمي يف أواخر عمره

٧٢

***********************************************

اقع هنا أيضا نرى الشاعر قد استغىن عن املقدمة الطللية وأكثر من استعمال الصور املستوحاة من الو

قارنة وهذا التفصيل الدقيق يف امل) مقارنته بني املهدي والقمر وتفضيله هذا على ذاك(احلضري اجلديد

بال شك صورة من صور التأثر بالواقع اجلديد والبيئة الثقافية اليت انتشرت فيها بني املهدي والقمر هو

وب يف بعض قصائد الشعراء ثقافات األمم األخرى ومنها علوم املنطق والفلسفة، وجند هذا األسل

-السرير -املنابر(اددين كأيب العتاهية، كما استعمل بعض األلفاظ املستقاة من البيئة احلضرية

). الوزير

وبصورة عامة جند أن املديح يف كل االجتاهات قد طبع بالطابع الرمسي املتعلق بإجنازات الدولة وحنكة

اإلكثار من اخلطاب باستخدام النربة امللكية الفخمة والعبارات القيادة والوالء للدولة اجلديدة و

عاثر من كبا يكبو: كاب ١ أي بذنبه ما عن ميينه ومشاله: ، وضرب الفرس صلويهسابقه ومسي بذلك ألنه يضع أنفه عند صلويتاليا للسابق، : مصليا ٢

٧٣

احلضارية املنمقة تأثرا بأسلوب الفرس يف خماطبة ملوكهم،وتتضح فيه مدى املبالغة يف املعاين وتزييف

ة لصرف انتباه الوالة العباسيني عن حقيقة والئهم السابق لبين يقإما ت: ألسباب شخصية ١العواطف

ة، وإما طمعا يف نيل اجلوائز و املناصب، وإما رغبة يف حتقيق مطامع شخصية، أو ألسباب عقدية أمي

.٢أو سياسية

ومن أهم ما نالحظه هنا هو أن معظم شعراء االجتاه التجديدي هم من شعراء اجليل اجلديد الشاب

لى حياة اتمع األموي، فكانوا الذي مل يعايش احلضارة العربية البدوية اليت كانت تغلب بطابعها ع

أصغر سنا من أن يتأثروا ا، وملا فتحوا أعينهم على احلياة وجدوها على الصورة العباسية احلديثة

املتحضرة واليت شاعت فيها حياة الترف ومظاهر احلضارة والثقافات األجنبية اليت مل تعرف من قبل

بثورة على االجتاه التقليدي ، بينما جند أن معظم فكان من البدهي أن يقوم جيل الشعراء الشباب

شعراء االجتاه التقليدي هم من جيل املخضرمني الذين عاشوا فترة طويلة يف ظل الدولة األموية العربية

اخلالصة فوقعوا يف احلرية بني ترك القدمي األصيل لنيل رضا الشرحية األكرب يف اتمع العباسي أو بني

.٣ألصيل لنيل رضا النقاد وشعراء اجليل القدميالتمسك بالقدمي ا

٣٠٨ -٢٩٩ص/األدب يف عصر العباسيني: انظر ١ ٢٩١-٢٩٠ص/األدب يف عصر العباسيني ٢ ٣٠٦- ٣٠٣ص/الرؤية والفن: يف الشعر العباسي: انظر ٣

٧٤

:موضوع الغزل: ثانيا

الغزل هو فن شعري قدمي مطروق عند مجيع الشعراء الذين اختذوا منه حلية لقصائدهم، وكثريا ما

.يفتتح الشاعر قصيدته بالغزل بقصد لفت االنتباه وإيقاظ األذهان قبل الدخول يف املوضوع الرئيس

ولكنه يف العصر العباسي صار موضوعا مستقال قائما بذاته، وهناك فرق بني الغزل والتشبيب

والنسيب، فالغزل هو تصوير عواطف الشاعر جتاه املرأة وما يدور بينهما من أحاديث اهلوى والعشق

.وقد يتخلله وصف حسي للمرأة

من احلديث يف حماسن النساء ووصف أما التشبيب فهو نوع من الغزل قريب إىل الصريح ألنه يتض

يف مطالع الكالم وما يتصل بذلك توخيا لتعليق القلوب وتقييد األمساع قبل (أعضاء املرأة، ويكون

فهو نوع من الغزل الصناعي الذي يلجأ إليه الشاعر للفت االنتباه، أما ١)املفاجأة بغرضه من الكالم

يبثه الشاعر من الشكوى، وما يصيغه من التجين، وما أثر احلب وتربيح الصبابة فيما : (النسيب فهو

٢)يعرض له من ذكر حماسن النساء

ولقد كان اتمع العباسي جمتمعا حضريا تشيع فيه مظاهر الترف والتمدن،مما ساعد على تطور فن (

وع الغزل وشيوعه بني طبقات اتمع،فانتشر انتشارا واسعا ومن أهم العوامل اليت أثرت يف موض

.٣)مالئمة بني األبيات واألصواتالغزل شيوع فن الغناء،مما أدى إىل تطور األوزان القصرية لل

وانتشار األلفاظ الظريفة الرقيقة السهلة واللمحات الدالة الدقيقة بني شعراء الغزل، واليت مردها إىل

م إىل اجلواري املتظرفات الالئي حيام اللينة املتمدنة ، والسيما أن معظم الشعراء كانوا يتجهون بغزهل

. ٤كن يعجنب بذلك

٤١٤ص)/ ١٩٩٨(علي اجلندي، دار غريب للطباعة والنشر، ط.ديف تاريخ األدب اجلاهلي، ١ نفسه ٢ ٧٦ -٧٠ص/ الفن ومذاهبه يف الشعر العريب ٣ بتصرف ٣٧٥ص/العصر العباسي األول ٤

٧٥

وكانت صورهم مقتبسة من واقعهم املترف املتمدن وحيام املتحضرة وحسهم الرقيق املرهف، كما

أكثروا فيه من توليد املعاين وابتكار الصور واألخيلة، إال أم مل يهجروا الصور القدمية من نسيب

بتجديدها وإضافة معان جديدة إليها مستوحاة من بيئتهم احلضارية ووصف أطالل وإمنا قاموا

. ١وواقعهم اجلديد وأحاسيسهم املرهفة اليت رققتها حياة املدينة

وقد ضاق جمراه كثريا ٢تيار الغزل العفيف: ولقد ظل الغزل يسري يف نفس االجتاهني اللذين عرفا قدميا

ه وجردته من العاطفة الصادقة فصار متكلفا زائفا ال يؤثر حىت كاد يندثر وكانت احلضارة قد أفسدت

الذي يطلق عليه أيضا اسم التشبيب وهو األقوى واألكثر ٣يف النفوس إال ما ندر، وتيار الغزل الصريح

واألكثر انتشارا والذي كان يف جممله شعرا مطبوعا مستوحى من البيئة احلضرية مع خروج واضح

.لسمو باحلبيب عما يعيبعن حدود احلشمة واألدب وا

ومن املهم أن نشري إىل أن شعراء الغزل الصريح قد خيرجون عن طريقتهم الصرحية يف التعبري

فيصوغون مقطوعات غزلية عفيفة أعذب من املاء الزالل كما سريد الحقا بينما مل جند شاعرا واحدا

.من شعراء الغزل العفيف جترأ على اخلروج عن منهجه العفيف

:غزل العفيفال .١

. ومن أهم شعرائه السري بن عبد الرمحن وعبد اهللا بن مصعب وربيعة الرقي

، بتصرف٣٧٠ص/العصر العباسي األول ١ هو الغزل النابع من العاطفة الصادقة واحلب املربح دون اخلوض يف التفاصيل اجلسدية ٢وال خيلو يقف عند حدود الوصف املادي مستعريا أوصاف احملبوب من البيئة حوله هو الغزل احلسي النابع من الغريزة اجلسدية والذي ٣

من الفسوق واإلمث

٧٦

:١قال السري بن عبد الرمحن يف الغزل -

له طبتسي مازال فينا سقيم فينا من ريح زينب ليلة األحد

حد، فالشاعر أراد أن يعرب عن يف هذا البيت رقة وعذوبة وأمل وشوق قلما جندها جمتمعة يف بيت وا

مدى احتياجه لرؤية حمبوبته لكوا البلسم الشايف لعلته، وهو ليس الوحيد الذي يعاين من هذا الداء

وإمنا يتجدد هذا األمل ويستشري فال مير يوم إال وهناك مريض أضناه الشوق فهو يداوى بالريح اليت

.ب من حيث تسكن زينب

نابعة من السهولة والرقة اليت امتازت ا األلفاظ مع خفة اإليقاع ومجال وال شك أن تلك العذوبة

.التصوير

:٢وقال والبة بن احلباب متغزال -

الغزل يف العصر العباسي األول، وفيهما تصوير طريف إذ يشبه هذان البيتان عدا من أشهر أبيات

حها بالرمح فهو يطعن القلب ويكرر الطعنات فيتركه جرحيا نازفا، وهو تصوير عنيف ودموي إال ب

.أنك ال متلك إال أن تتأثر به وتشعر مبا فيه من عاطفة صادقة جياشة

األسلوب قد أسهمت بدور فعال يف التخفيف ونالحظ هنا أن سهولة األلفاظ وخفة الوزن وحداثة

من وحشية التصوير، إذ تربز منه اجلانب الرومانسي الرقيق وتصرف االنتباه عن ذلك اجلانب الدموي

.العنيف

٣٤٨ص ١٠ج/األغاين ١ العفيف الغزلإال أن هذين البيتني يدخالن يف ، ووالبة مشهور بغزله الصريح،٦٤ص/الفن ومذاهبه يف الشعر العريب ٢

٧٧

:١ومنه قول بشار متغزال

يف هذه األبيات يعرب بشار عن عاطفة متلكته جتاه امرأة كانت ختتلف إىل جملسه مع جمموعة من

مل يقف حائال بينه وبني الوقوع يف اهلوى بعد أن النساء، ومعلوم بأن الشاعر كان أعمى إال أن العمى

مسع صوا، وقد علل هو ذلك بأنه وإن كان فاقدا للبصر إال أنه مل يفقد مسعه، واألذن بالنسبة له

.٢تقوم مقام العني بالنسبة للمبصرين، وهو تعليل طريف أثبتته الدراسات العلمية فيما بعد

اب إىل األمساع فتلج القلوب وتطرا، وال عجب من ذلك فبشار ويف هذه األبيات عذوبة جتعلها تنس

.هو ملك الغزل يف عصره إن جاز لنا التعبري

:٣ويقول أيضا

تغلب على هذه األبيات رنة احلزن وآهات األمل وتصوير املعاناة اليت يلقاها العاشق من شدة الشوق،

ه امنع قا، فمع أن الليل مل يطل إال أن الشوق واألملوالسيما حني يزوره طيف حمبوبته فيتركه متأملا أر

٢٠٦ص ٤ج/الديوان ١، الفن ومذاهبه يف الشعر ٢٠٦ص /العصر العباسي األول(شوقي ضيف.هذا الرأي اتفق عليه عدد كبري من املؤلفني منهم د٢

)١٥٧-١٥٤ص/العريب ، ومل أجدها يف الديوان١٥٥ص/الفن ومذاهبه يف الشعر العريب ٣

٧٨

أن الليل دام دهرا، وتتجلى روعة التصوير يف بيته األخري إذ يصور نفسه كشخص أضناه النوم فشعر ب

العشق وبراه األمل حىت أصبح يتهادى يف مالبسه اليت وسعت عليه، وهو لشدة حنوله يكاد ينهدم لو

ى توكأت عليه حبيبته، وهو تصوير الفت لالنتباه وطريف ويظهر مدى قوة امللكة الشعرية والقدرة عل

! نه ضخم اجلثة كبري احلجمأالتصوير عند بشار، خاصة عندما نقرأ ترمجته ونكتشف

:١وقوله

اإلبداع يف التصوير عند بشار،والسيما عندما يشبه الصباح مبسافر ضل يف هذين البيتني تتجلى ملكة

طريقه فتأخر عن موعد الوصول، وزاد من مجال التصوير استخدام صيغة التساؤل والتعجب مما

.جيذب السامع ويأسر اهتمامه

:٢وقوله

يدور معىن هذين البيتني حول نفس املعىن السابق من طول الليل على العاشق املشتاق نتيجة ما يالقيه

من أرق وأمل، ويف البيت األخري تصوير مجيل إذ يشبه جفونه بثوب قصر عن صاحبه فتركه مكشوفا،

عجيبة يف تصوير حال هذا العاشق الذي يعاين من التعب وأجهده األرق والسهر ويف هذا التشبيه دقة

١٥٥ص/ر الفن ومذاهبه يف الشع: ، وانظر١٠٤ص ٢ج/ الديوان١ ١٥٦ص/نفسه ٢

٧٩

نه ال يستطيع إغماضهما متاما أإال وكأن جفون عينيه قصار وال تكفي لتغطية عينيه مطلقا،املتواصل

. على الرغم من شدة تعبه وإرهاقه من شدة شوقه حلبيبته

:١وقوله

يف بيت واحد استطاع الشاعر أن يصور حاله مع من يهواها، فهي يف غىن عن لقائه وغري مبالية به

.بينما هو يتعذب ويتأمل ويطلق الزفرات تلو الزفرات مما أضناه وأتعب قلبه

لفاظ ورقة التعبري ويف كل مناذج بشار السابقة نالحظ غلبة الطابع احلضري من حيث سهولة األ

. وحداثة التصوير واالبتكار يف األخيلة والتشبيهات

:٢ومنه قول أيب العتاهية

١٥٦ص/الفن ومذاهبه يف الشعر ١ ٥٩٦ص/األدب يف عصر العباسيني: ، وانظر٤٨٠ص/الديوان ٢

٨٠

البدوية القدمية، فالوأول ما نالحظه يف غزل أيب العتاهية هو الطابع احلضري ادد اخلايل من الصور

وا يف احلضارة أالعتاهية من جيل الشباب الذين مل يتأثروا باحلضارة األموية وإمنا نش ننسى أن أبا

لطافة معانيه وسهولة ألفاظه ال يؤثر يف القلوب وال العباسية املتمدنة، وغزل أيب العتاهية على رقته و

عا عن رغبته يف االشتهار بني تشع منه العاطفة احلقيقية ألسباب أمهها أن تشبيبه بعتبة قد يكون ناب

الناس، كما يرى الدكتور حممد زغلول سالم أن كثرة اجلدل والتشقيق العقلي هو الذي حيجب

.١حرارة العاطفة يف شعر أيب العتاهية

:وأرى أن تعبريه يف البيت الثاين مل يكن مناسبا، وهو قوله

فكأن الشاعر يتعجلها بأن ختتار أحب األمرين إليها وإال فسيموت من شدة الوجد وكأن ال وقت

لديه ملزيد من االنتظار مما ينفر احلبيب ويربكه وقد يؤدي إىل نتيجة معاكسة ملا كان يرجوه الشاعر،

ومتسك باألمل الذي يتجدد مع كل ألنه يتعارض مع ما عرف به العشاق من صرب على جفاء احلبيب

شروق مشس ومداومة تذكريه مبدى حبه وشوقه وصربه على لوم العواذل له ومداومته على السؤال

احلب املعروفة، فما دام عاشقا متمنيا وصاهلا مالبساتعنه واستمالته باهلدايا واألشعار وغري ذلك من

!حقا فلم العجلة؟

:٢لغزلية قوله معتذرا عن دمعهومما يستحسن من مقطوعاته ا

٥٩٧- ٥٩٤ص /األدب يف عصر العباسيني: انظر ١ ، من جمزوء الكامل٢٦ص/ الديوان ٢ أخفي عنه: أسارقه ٣

٨١

):وقد نسبت هذه األبيات إىل غريه(٢وقوله يف ذلك أيضا

:٥ومن طريف غزله قوله

وال نلمس يف هذين البيتني حرارة العاطفة مما يدل على أن أبا العتاهية كان يتسلى بنظم أبيات الغزل

. ويدفعه إىل النظم فيه رغبته يف جمارات شباب عصره واالشتهار بينهم ليس إال

فاحت منه ريح التصايب هي صورة غريبة فصورة العاشق وهو حيبو إىل حمبوبته على يديه ورجليه وقد

!ال تدعو إىل التعاطف وإمنا تولد يف نفس القارئ الرغبة يف الضحك

:٨ومنه قوله

أصاا بشيء فجعلها تدمع: طرف العني ١ ١٤٠ص/ الديوان ٢ الصبور: اجلليد. عدم الصرب على املكروه: اجلزع ٣ مايدخل يف العني فيجعلها تدمع: القذى. تصغري عود: بالضم ويدعوالثاين أرجح، ) سواد(بدال من) صواب: (ورد يف الديوان لفظ ٤ ، من جمزوء الكامل٦٩ص/ الديوان ٥ زحفت على يدي ورجلي: حبوت ٦ امليل إىل الفتوة واجلهل: التصايب ٧ ، من جمزوء الرمل١٤١ص/ وانالدي ٨

٨٢

هنا أيضا تتضح صورة الشاعر الذي يتسلى بنظم أبيات الغزل دون أن تصدر من عاطفة حقيقية، بل

فأي ) دهما ابتلى اهللا فؤادي بك إال شؤم ج: (قد تكون بعض معانيها منفرة للحبيب كما يف قوله

!!حبيب سريضى بوصاله بعد أن صور حبه على أنه بالء وشؤم عليه

: ١ومن غزله يف عتبة قوله

-منا هي شرارة تومض وختبو، وقد استخدم الشاعروهنا أيضا ال نكاد نلمس حرارة عاطفة وإ

) ليتين مت فاسترحت(، وتعبريات غري مشجعة)لوجدت الفؤاد قرحا تفقا(صورا منفرة -كالعادة

). فإين أبدا ما حييت منها ملقى(وتصور احلبيب على أنه بالء ومصيبة اصابت حياة الشاعر

، من اخلفيف٢٦٠ص/ الديوان ١ مراعاة للوزن) ياعتب(، والبيت هنا مكسور وينبغي أن يكونشق ليخرج ما فيه من القيح وحنوه: تفقا. اجلرح: القرح ٢ ممتحن: ملقى ٣

٨٣

:١ومن غزله فيها أيضا قوله

يف عصره وهي ظاهرة تعدد العشاق، فكل يف هذه األبيات يعرب الشاعر عن ظاهرة كانت شائعة

شاعر له عدد من العشيقات وكذلك كل جارية هلا عدد من العشاق، لذلك كان الطرف من كال

الفريقني يشك أحيانا يف صدق عاطفة الطرف اآلخر، فإما أن يكذبه ويصده وإما أن يطالبه

با العتاهية مل يكن عاشقا لعتبة وإمنا باإلثباتات والرباهني، وال ننسى أن بعض الروايات أكدت أن أ

أراد أن يشتهر بتشبيبه ا، لذلك قد تكون عتبة قد علمت بنواياه فطالبته بشهود يؤكدون صحة ما

! يدعيه

:٢ويقول أيضا

٣٤٠ص/الديوان ١ ٣٤٠ص / الديوان ٢

٨٤

قد تكون هذه األبيات هي أمجل ما قاله أبو العتاهية يف الغزل إذ انطوت على تعبريات وتشبيهات

يا (جلميلة تكاد تفصح عن عاطفة حقيقية بعكس ما سبقها من مقطوعاته الغزلية، فمن تعبرياته ا

إذ يستنجد بإخوته وخالنه استنجاد املشرف على املوت مبن حوله مما يصور ) إخويت إن اهلوى قاتلي

مل يبق مين حبها ما خال (شدة ما يقاسيه جراء تلك العاطفة القوية اليت يكنها حملبوبته،وكذلك قوله

ك احلب اليائس حىت إنه مل يعد ، فهنا أيضا أحسن يف التعبري عما فعله به ذل)حشاشة يف كبد ناحل

) بسطت يدي حنوكم سائال(ومن تعبرياته الرقيقة قوله.فيه إال بقية روح يف كبد ناحل أعياه املرض

.ففيه تصوير شاعري رقيق يستعطف القلوب

. فكأن األكفان شخص يفرح باملوتى ويبشر م) فبشروا األكفان من عاجل(ومن صوره البليغة قوله

ه الرقيقة تشبيهه احلبيبة بدرة من اليم، وتشبيهه طرفها وفمها بسواحر بابل فكالمها يسحر ومن صور

.الناظر ويسلب لبه

إال أن بيته األخري فيه رنة فكاهية وأراه متعارضا مع بقية األبيات، إذ كيف يتسىن له أن خيتم مقطوعته

وح احملب املعذب الذي يستنجد ببيت ينطوي على روح الفكاهة وقد بدأها ببيت ينطوي على ر

مما جيعلنا نعود إىل نقطة البداية متسائلني عن مدى صدق عاطفة !أصحابه ويبشر املوت بدنو أجله

.الشاعر جتاه تلك املرأة

٨٥

:١ويضاهي هذه األبيات جودة ورقة قوله

ففي هذه األبيات يتذلل الشاعر حلبيبته وأمرية قلبه بعد أن أسرت فؤاده يف سجن حمكم حصني ال

ميكن الفرار منه، وهو من شدة وهله صار أشبه بالشقي املسكني الذي يرق قلبه لكل عاشق حزين

..ءمثله فيواسيه يف حمنته وجيد يف ذلك بعض الراحة والعزا

:٢ومن غزله اجليد قوله

٤٠٩ص/الديوان ١ ، من الطويل٤٣٠ص/الديوان ٢ خلي البال: اخللو. احلزن: والشج ٣ التيه والفخر: الزهز ٤ )خمففة(بداية وهي من بدء: بدو. اهلزل واملداعبة: املزح ٥ )خمففة(كفؤ:كفو. تكرب: جترب. يتكرب: يزهو ٦

٨٦

فهذه املقطوعة توضح ما يكابده الشاعر وحيدا إذ يعاين أعراض حبه الشقي وحده، وقد تكون هذه

األبيات من أصدق ما قاله الشاعر يف الغزل ألنه عرب عن حقيقة واقعة وتسلسل منطقي لألحداث إذ

قيقة أن أبا العتاهية كشف واحل..كثريا ما يبدأ األمر باملزاح واهلزل والتظرف مث ينتهي بالتعلق احلقيقي

لنا هنا عن جانب خفي وأجاب عن سؤال حمري ظل يتردد يف عقولنا كلما قرأنا شعره الغزيل أال وهو

: سبب برودة غزله، فإن كانت هذه األبيات صادقة فهي أجابت عن ذلك السؤال بكل وضوح

حىت طالبا للشهرة، واآلن انقلب فالشاعر يف البداية مل يكن عاشقا وإمنا كان ممازحا أو هازال أو

السحر على الساحر ووقع يف شرك الغرام ، وأصبح الشاعر عاشقا حقا وقد ذاق مرارة الصد وأمل

اإلعراض بدليل أنه عرب بكل صراحة عما يالقيه من اهلوى ووصفه جبمر الغضى إال أنه عاد فوصفه

وهو يعاكس ما ورد يف مقطوعاته ..العشقباحلالوة وهذا هو احلب احلقيقي الذي عرفناه عند أهل

السابقة اليت تصفه كشخص فوجئ باحلب وابتلي به فلما رأى صد احملبوب نفد صربه وحاول اهلروب

هذا قد يكون أحد األسباب وهو جمرد تفسري شخصي، ! من احلب بكل وسيلة ممكنة حىت ولو باملوت

أن يتفوق فيه أبو العتاهية وإن كان قد أجاد وعلى كل حال ال أعتقد أن الغزل هو اال الذي ميكن

.فيه بسبب ما شاع يف أكثر غزلياته من عاطفة متكلفة ومشاعر باردة

خشنة اعتماده ألفاظا ٢وقد يكون سبب برود الغزل عند أيب العتاهية إضافة إىل كثرة التشقيق العقلي

. ق على مقطوعاته السابقةأو منكرة وتعبريات وصورا منفرة أحيانا كما ذكرنا يف التعلي

وقد تكون تلك األسباب هي نفسها اليت جعلت من أيب العتاهية شاعر الزهد األول واملتقدم على بقية

شعراء عصره يف هذا اال ألن موضوع الزهد وما يتعلق به من حياة وموت ونعيم وجحيم هو بال

نوع من الشجر خشبه صلب ومجره شديد االلتهاب ال ينطفئ بسرعة: الغضا ١ ٥٩٧ -٥٩٤ص/عصر العباسينياألدب يف : نظراحممد زغلول سالم، .وهو رأي د ٢

٨٧

ن األلفاظ العذبة و الصور الرقيقة شك املوضوع الذي يتطلب التعبري عنه بقوة ومصداقية وبعد ع

الشفافة بل بالعكس فكلما كانت األلفاظ أفخم والتصوير أقوى وأعنف كان تأثريه يف النفس أقوى

.وأبلغ

:١وقال عبد اهللا بن مصعب متغزال

ديد، فهو سيظل يبكي من شدة يؤكد الشاعر بأنه سيظل وفيا حلبيبته ولن تؤثر فيه الوشاية وال الته

الوجد عليها، وسيظل حمتفظا حببها يف قلبه، وستظل تنتابه زفرات وآهات مؤملة ويسأل اهللا أن خيفف

.عنه ما يالقيه من الصبابة

وهنا جند الشاعر اختار األسلوب التقليدي يف التعبري عن حتريض الوشاة وديد األمري مما مل يعد

عباسي الذي عرف باالنفتاح واحلرية حيث مل تعد احملبوبة هي تلك املرأة العربية موجودا يف اتمع ال

العفيفة احملجوبة عن الناس واليت تصون نفسها وعرضها وحتاصرها غرية إخوا ووالدها، وطبيعي،

و من فهذه األمور مل تعد واقعية، وبالتايل مل يعد هلا مجهور حيب مساعها أو يتأثر ا وإن كانت ال ختل

.حرارة العاطفة

٣٤٤ص ١٢ج/األغاين ١

٨٨

:١ومن الغزل العفيف التقليدي قول مروان بن أيب حفصة

هنا يتضح أسلوب مروان يف الغزل، وهو األسلوب التقليدي القدمي سواء يف األلفاظ أم يف الصور أم

.يف األوزان والبحور

كن هذا ال مينع وجود بعض اللمسات اجلمالية يف الغزل التقليدي وإن كانت الفخامة اليت حتيط ول

باألبيات قد حتول دون االنتباه لتلك اللمسات، كما أن الوزن الذي يقوم عليه ال يتناسب مع موجة

.الغناء السائدة يف ذلك العصر

:٣ومنه قول بشار بن برد متغزال

، من الطويل، وقد ورد هذا البيت فقط٥١ص/الديوان ١ غزيرة: حشد. مجاعات: أسراب. الصرب: التجلد. جحد: مرى ٢ ، من الطويل١٥٥ص ٢ج/الديوان ٣ الذي عمده العشق أي غلبه: العميد ٤أشرف على اهلالك من شدة اهليام كأن اهلالك : جيد: عل إىل ارور، وقيلأي جيد عليه فحذف اجلار وارور ووصل الف: جيد ٥

مجع خلي، أراد خليني فجمع يف مقام التثنية: خاليا. جاده )الكلمة الطيبة صدقة:(سن مشريا إىل احلديثاحلأي : ديدسال. اليمني: األلوة ٦

٨٩

ه يف حمنته ويواسيه بعد أن جفته تلك املرأة اليت يتساءل وقد أكه الشوق وأعياه املرض عمن سيساند

مساها أم سعيد وصارت متنيه باللقاء مث ختلف وعدها وكأا تتعمد تعذيبه، وهو مل يعد قادرا على

.حتمل كل هذا الصد واإلعراض

-عميد -مطروب(ومييل بشار يف هذه األبيات إىل الطابع التقليدي يف الغزل إذ ختللتها ألفاظ بدوية

،كما يستخدم موسيقى بدوية وحبرا طويال، وقد يكون نظم هذه )إلوة -جمود -خاليا -معود

. القصيدة يف بداية العصر العباسي أو بداية مرحلة انتقاله من املنهج التقليدي إىل املنهج التجديدي

إلقبال تقليدي وجتديدي، كما نالحظ أن ا: وبصورة عامة جند أن الغزل العفيف ينقسم إىل قسمني

.على اجلديد أكثر من اإلقبال على التقليدي

وال ختفى علينا السهولة اليت امتازت ا معظم هذه النماذج واليت تأسر الفؤاد رقة وعذوبة مع رقي

يف التعبري وبالغة يف التصوير وحضور العاطفة اجلياشة املمتزجة باليأس القانع من وصال احلبيب،

.ه احلب على قلوم، فاحلب يف عرفهم هو الداء والدواءوالرضا بالعذاب الذي يوقع

كما ال ختفى علينا املعاين السطحية والعواطف الزائفة اليت تظهر جليا يف بعضها اآلخر، إال اننا يف كل

تلك األبيات نرى أن الشعراء مل يتعدوا حدود التعبري العفيف عن العاطفة السامية، مما يذكرنا بالغزل

.عرفناه عند شعراء العصر األموي من أمثال مجيل بن معمر وغريه العذري الذي

ريح .٢ :الغزل الص

.ومن أهم شعرائه بشار بن برد

٩٠

:مناذج من غزل بشار بن برد :١فمن ذلك قوله

:عليق على األبياتالت

يف هذه األبيات يتحدث بشار عن لوم العذال له بسبب شيوع خربه مع حمبوبته، وهو يرد عليهم

مصرحا باستمراره يف غيه ومالحقته للنساء متحديا عاذليه بل ومكفرا إياهم، وتلي هذه األبيات قصة

ات من معان تدخله يف شعر الغزل تدور حول تغريره بفتاة ومل أوردها اكتفاء مبا تضمنته هذه األبي

.الصريح

ملة ملا فيها من غزل صريح خارج عن حدود احلشمة مما ، وهي قصيدة طويلة من املنسرح، ومل أوردها كا١٦٩ص ٣ج/الديوان ١

تترفع عن مساعه األنفس العفيفة واألول أرجح) ضجر(بدال من )قدر(هذا البيت برواية األغاين ،وقد وردت يف الديوان كلمة ٢

يف هذا البيت خطأ موسيقي ٣

بفيه احلجر إذا قال كالما مكروها أو متشائما به: تقول العرب ٤

٩١

:١وقوله

وقد ..وقد جعله مقدمة هلجاء محاد! لنسيبهذه القصيدة قاهلا الشاعر بعد أن اه املهدي عن الغزل وا

إن اخلليفة قد : حشد فيها أوصاف حمبوبته وصورها تصويرا حسيا مفصال، مث ختم كل ذلك بقوله

فكأن الشاعر مل يستطع كبح مجاح نفسه ففلتت منه تلك ..اين عن الغزل فال جيوز يل أن أذكرها

، من املتقارب١٠٧ص ٢ج/ديوانال ١، وجيب وهي غدة يف حجم بيضة الدجاج تستخرج من جلدة بطن حيوان يشبه الغزال وجتفف فتصري مسكا أذفر: يعين فأرة املسك ٢

حنرها: املرأة مجع أسود وهو اسم لذكر احلية: أساود ٣ احلسن املعتدل: األسجح ٤ )٤هامش (١٠٨ص ٢ج/يت ملا فيه من استعارة كريهة،انظر الديوانالدفع من الدابة، وقد عيب هذا الب: الرمح ٥ وسط الوادي: الوحوح ٦ العجيزة: البوص. اخلصر: الكشح.اجلميلة اليت يف أعضائها استرسال وتتناسب : املبتلة ٧

٩٢

ما بدر منه، إال أن هذه هي طريقة بشار يف االلتفاف األبيات احلسية قبل أن يتدارك املوقف ويعتذر ع

على أمر اخلليفة إذ يعمد إىل الغزل وقول ماشاء يف النسيب والتشبيب متبعا ذلك بأبيات يذكر فيها

ي اخلليفة وأنه أطاع األمر ومل خيرج عنه، إال أن املهدي فطن حليلة بشار فمنعه من العطاء حىت بعد

.ا أغضب بشارا ودفعه إىل هجاء اخلليفةأن مدحه بعدة قصائد مم

:وقوله

وهو الدعوة الصرحية للفجور وارتكاب تقوم عليهففي هذين البيتني ال خيفى علينا املعىن اآلمث الذي

.االجتهاد للوصول إىل املرأة وعدم اليأس منها ولو كانت عفيفة حمترمة احملارم مع

:٢وقوله

:وقوله

٩٨ص ٢ج/الديوان ١ ٧٥ص ٢ج/الديوان ٢ ٨٩ص ٤ج/الديوان ٣

٩٣

هو أن احلب كان جائرا يف حكمه على العاشق بالعذاب هنا أيضا احتوت األبيات على معىن خفي

لو كان احلب عادال ألمر احملبوب بالوصال وعدم التمنع عن : واهلوان وكأن الشاعر يريد أن يقول

عاشقه الذي أسقمه الشوق، وال خيفى علينا أن يف هذا دعوة للرجال والنساء إىل االستجابة لنداء

:١، وهو نفس املعىن الذي جهر به أبو العتاهية يف قوله!!لقسوةاحلبيب وإال وصفوا بالظلم وا

:٢قوله الصريح ومن شعره يف الغزل

وعلى الرغم من أا ثالثة أبيات فقط إال أا عربت بصدق عن واقع حياة شرحية كبرية من الناس يف

اتمع العباسي، إذ كانت الفتيات اجلميالت السافرات ميرحن رائحات غاديات أمام الشعراء

يت يسلنب لب من يراهن من الرجال املتعطشني للغزل، وغالبا ما يكن من اجلواري احلسناوات والال

يدل على أي جريئة عابثة )شاطرة(بقصد أو دون قصد، كما أن وصف أيب العتاهية للفتاة على أا

شيوع التمرد بني أولئك الفتيات على أهلهن والسيما أن احلياة العباسية آنذاك كانت تشجع نوعا ما

٥٩٥ص/األدب يف عصر العباسيني ١ ، من جمزوء اخلفيف١٩٢ص/ نالديوا ٢

٩٤

الشاعر مبثل هذه الفتاة ستخفافيدل أيضا على ا على هذا التمرد بني جيل الشباب والشابات، ولكنه

العه على ما تنطوي عليه نفسها من اخلبث وانعدام احلياء، فكأنه يرى فيها مجاال ظاهريا وخبثا واط

داخليا وال أدري أيف هذه الصفات ما جيذب الشاعر إليها أم أنه يتغزل رد التسلي وجماراة الشعراء

!تادالذين يسايرهم كاملع

عصره من استخفاف بالدين واآلخرة إذ وال خيفى ما يف البيت الثاين من تصوير ملا وصل بالشعراء يف

يصفها بأا دنيا وهو امسها احلقيقي إال أنه أخذه مبعىن احلياة الدنيا مث أضاف إليها اآلخرة فأراد بأن

.هذه اجلارية هي مبثابة سعادة الدنيا واآلخرة ملن ميلك قلبها

:١نه أيضا قولهوم

:٣ومن ذلك قول مطيع بن إياس

، من السريع٢٠٣ص/ الديوان ١ الراهب: القس ٢ ٤١٦ص ١٠ج/األغاين ٣ بربر هي جارية آلل سليمان أعتقت، وكان هلا جوار مغنيات، فيهن جارية امسها جوهر كان مطيع يتعشقها ويشبب ا ٤

٩٥

هذه األبيات تعد من أشهر األبيات الغزلية املاجنة، وقد احتوت باإلضافة إىل الغزل الصريح تعديا

خفف من حدة هذا التعدي ما احتوته من ظرافة ومتاجن وخفة ظل، وقد ..واضحا على اخلليفة

.وصلت إىل مسامع املهدي بل وكافأ الشاعر عليها مع تعليق ظريف منه

:٣ومنه قول أيب دالمة متغزال

العود الذي يضرب عليه: املزهر ١ يد أن الرجل قد يستخفه الطرب بصوا فييصدر منه هذا الصوتصوت يف اخليشوم، ير: النعرة ٢، من ٨٤ص/م ١٩٩٤/ هـ ١٤١٤الطبعة األوىل ، : إميل بديع يعقوب ، دار اجليل ، بريزن . ديوان أيب دالمة ، شرح د ٣

ال وكان معروفا بشدة البخل، وقد البسيط، وهلا قصة خالصتها أنه نظم هذه األبيات ليحتال ا على العباس بن حممد كي ينال منه ما ذكرت من األبيات مايليق ذا البحث وتركت مابقي منها ملا فيها من لفظ صريح خيدش احلياء وال فائدة منه

موضع بظهر الكوفة وهو دومة اجلندل بعينها: الظهر ٤ احملب: الكلف ٥

٩٦

وهذه القصيدة تدور حول رؤيته جارية مجيلة ووقوعه يف هواها مث يصف لنا كيف اشتراها من

وبينها مما ال فائدة لنا من ذكره وإمنا قصدنا االستشهاد مالكها ويتمادى يف وصف ما حدث بينه

.مبا يف مضموا من غزل صريح خارج عن حدود التأدب واحلشمة

وبصورة عامة جند أن الغزل بنوعيه غلبت عليه الصور اجلديدة املستلهمة من البيئة احلضرية وحياة

الغناء وعقد الصداقات بني الشعراء الترف اليت عاشها شعراء هذا العصر، واالنفتاح الكبري على

واجلواري املتظرفات، مما جعلهم يعتمدون اساليب سهلة وألفاظا واقعية ليتمكن من فهم قصائدهم

.وليطربن إليقاعها ومعانيها

اإلسالمية كانت قد دس فيها بعض التعاليم الباطلة نتيجة االختالط بني املسلمني ياةوال ننسى أن احل

صحاب الديانات واملعتقدات املختلفة، ولقد أسهم ذلك يف شيوع الغزل إذ ظهر يف وغريهم من أ

اتمع نوع من االستهتار باألحكام املتعلقة باحلجاب الشرعي واخللوة وأحكام العالقات بني النساء

والرجال وحكم الغناء وغري ذلك، كما يظهر لنا مدى اعتماد شعراء الغزل على االستشهاد باملعاين

غري مكتسب، أي أصيل: غري مقترف ١ وا يكتبون عليهعظم كتف احليوان وكان: الكتف ٢ الستر: السجف ٣

٩٧

بالدين والتهاون يف ستخفافلدينية لترقيق قلب احلبيبة وللوصول ملبتغاهم مما يدل على مدى االا

انتهاك احلرمات عند بعضهم، كما كانوا يعمدون إىل السب والتجريح عند نصحهم ولومهم على

رارة تدنيهم األخالقي، وعادة ال يلجأ اإلنسان إىل العنف إال عندما يفقد احلجة، فهم يعلمون يف ق

أنفسهم أم على خطأ ولكن ضعف اإلميان يدفعهم إىل تناسي ذلك والتغافل عن الذنب،ونالحظ

كثرة تضمينهم أللفاظ القسم يف إثبات حبهم ووالئهم مما يدل على شيوع جو من التشكيك يف

خوف صدق تلك العواطف بتأثري من البيئة املتحررة اليت تتيح للشاعر االتصال بأكثر من عشيقة دون

.أو وجل

كما جند أن شعر الغزل قد أصبح على شكل مقطوعات شعرية أو قصائد مفردة فيه ومل يعد جمرد

أبيات يف مقدمة قصيدة نظمت يف موضوع آخر، إال ما كان عند بعض الشعراء التقليديني فإم مل

.يتركوا هذا النهج الشعري حىت وإن استغنوا عن املقدمة الطللية أحيانا

٩٨

:موضوع الوصف:ثالثا

.الشاعر يف شعره بظواهر البيئة اليت يعيش فيها يلمالوصف هو أن

ويعد الوصف من أمتع موضوعات الشعر والسيما يف العصر العباسي األول، فهو املرآة احلية اليت

ام وما وجد حوهلم تعكس مجيع مظاهر احلياة احلسية يف حياة الشاعر،وتصور لنا ما كانت عليه حي

ائق غناء وقصور شاخمة ورياش فاخر وكل ما يتبع ذلك من مظاهر احلياة دمن طبيعة خضراء وح

.الرغيدة اليت كانت شائعة يف عصر بين العباس

وخيتلف الوصف العباسي عن اجلاهلي واألموي باعتماده مظاهر بيئية جديدة بعد أن كان وصف

عند األولني، إال أنه يتفق مع وصف األولني من حيث اعتماده الصور اخليل واإلبل مقدما على غريه

احلسية بصورة كبرية نظرا للمرحلة االنتقالية اليت كان العرب يعيشوا يف بداية العصر العباسي،

وغالبا ما يسعى الفنان إىل التعبري عن كل ما حييط به ويدور حوله من مشاهد وظواهر والسيما

.ة عليهعندما تكون جديد

أو جمرد وإن من أهم ما نراه يف الوصف العباسي هو أنه مل يعد مقدمة ملوضوعات الشعر األخرى

.وإمنا قد تفرد له القصائد واملقطوعات جزء منها

ونالحظ فيه شيوع املعاين احلضرية والصور املستوحاة من حياة املدينة مع دقة تصوير الرياض

خامة وأدوات اللهو ومظاهر الترف اليت يراها الشعراء يف بيوت احلكام والقصور ومظاهر األة والف

وعلية القوم ، كما يطغى عليه الطابع احلركي، إال أنه مل خيل متاما من الصور البدوية القدمية عند

.شعراء املنهج التقليدي

:١قال مروان بن أيب حفصة يصف حديقة منحه إياها املهدي

، والقصيدة من الطويل٣١ص/ديوان مروان بن أيب حفصة ١

٩٩

نالحظ أن مروان يصف حديقته بعاطفة جتمع ما بني الوالء للمهدي والفخر باهلبة، وقد أكثر هنا من

ال أنه مل يستطع مقاومة تلك الصور التقليدية الصور والتشبيهات اليت ال يقوم فن الوصف إال ا، إ

اليت اعتاد وصفها قدميا حىت شبه النخل يف علوه وشكله بالظعائن، وال شك أن صورة الظعينة يف

.هودجها هي صورة موغلة يف القدم

كما أنه حرص أشد احلرص على تكرار القول بأا نشأت من املال احلالل فلم خيتلط ماهلا بربا وال

مثارها بالدماء، مما يدل على سيادة األمن والرخاء بعكس العصور السابقة اليت كان الغين فيها سقيت

.يأخذ كل ما أراد بقوة السيف والعنف

كثيفة: غلبا. األشجار ذات األوراق الشديدة االخضرار: النواضر ١ اهلوادج: الظعائن. النخل الطوبل: العم. العاليات: الباسقات ٢ نضجت: أينعت. فقري: مدفع ٣ يستعاض به عن دماء القتلىما : الديات. حدائق: حظائر ٤ جعله خليفة: استخلفه ٥ غنيمتها: اا ٦ الصلبة: الصم. رؤوس الرماح: العوايل ٧

١٠٠

:١وقال يصف اإلبل

هنا أيضا جند أن مروان يعتمد على املعاين واأللفاظ البدوية يف الوصف، والسيما أن موضوع

عها إىل هو موضوع قدمي، وقد عمد مروان إىل ذكر جتويع النوق أنفسها نتيجة إسرا)اإلبل(الوصف

املهدي حيدوها رجاؤها بكرمي عطفه، وهي حملة ذكية من الشاعر، فمن املعلوم أن ذكر اجلوع

.نفسهوالنصب يستثري املمدوح ويؤجج النخوة وروح الكرم يف

:٤وقال يصف دموع فتاة

بسعنان م كتهابعمل د هخيط ــنم ننسي ر٥كالد

لدموع، ووصف مروان دموع عنان جارية الناطفي الشهرية حببات اللؤلؤ أكثر الشعراء يف وصف ا

:اليت تتساقط من العقد يدل على عدة أمور

. أن الشاعر ميلك حسا مرهفا وقدرة على الوصف قيدها تعصبه األعمى لالجتاه التقليدي

، من البسيط٥٣ص/ديوان مروان بن أيب حفصة ١ ممانعة وعاصية: منازعة ٢ أمامها: هو السائق، بدليل قوله: احلادي. مجع عقب ، فكأنه هنا مبعىن اخللف: أعقاا ٣ ، من السريع٧١ص/ نان جارية الناطفي، الديوانهي ع ٤ : والبيت مكسور هنا، وفيه روايات أخرى أشهرها ٥

كالدر إذ يسبـق من خيطه بكت عنان فجرى دمعهاكأنه متصل متصل بعضه ببعض، يشبه دموع عنان بالدر الذي ينسل من العقد متتاليا و: مسبل). كالدر قد توبع من خيطه: (وقيل

ببعضه لغزارته وتتابعه

١٠١

لس موالها، كما أا أن الشاعر مل يكن منعزال متاما عن بيئته، فعنان كانت معروفة بغنائها يف جم

كانت أديبة تقارع الشعراء وتنقد شعرهم، ويبدو أن شاعرنا مل يفوت فرصة غشيان مثل تلك االس

.ومنافسة الشعراء على وصف تلك اجلارية

:٣فقالت ٢، فدخل عليه النصيب ومعه ابنته احلجناء١خرج املهدي مترتها بعيسى باذ

١٧٢ص ٤معجم البلدان ج/عمارة عيسى، وعيسى هو ابن املهدي: عمارة، فقصد بامسها: حملة بشرق بغداد، ومعىن باذ ١حجناء بنت نصيب موىل املهدي،وكانت شاعرة وهلا شعر جيد وبرعت يف الوصف مثل والدها،مدحت املهدي،كما مدحت ابنته ٢

ت جوائزمهاالعباسة ونال ١٥ص ١٢ج/األغاين ٣ .بقلة من بقول الرياض هلا نور أصفر طيب الرائحة أيضا: احلوذان. نبات طيب الرائحة: ار ٤ هو ما وضع للزينة: مجع حتسني: التحاسني ٥ .بيت من خشب كالقبة، معرب: الطارمة ٦ مجع صرمية، وهي قطعة من الرمل: صرائم الكثبان ٧ وهذا الشطر. على مجلة قرى، واملراد هنا حلوان العراق، وهي يف آخر السواد مما يلي بغداد شرقا )حلوان(اسم لق يط: خنلتا حلوان ٨

:قصيدة ملطيع بن إياس الليثي من أهل فلسطني قال فيها هو مطلع وابكياين من ريب هذا الزمان ــوانأسعداين ياخنليت حلـ ريانلاف واجلــرق بني األ زل يفـواعلما أن ريبه مل يـ

١٠٢

سنت هنا يف وصف نزهة املهدي وأبدعت يف اشتهرت حجناء بنت النصيب بالوصف، وقد أح

تصويره، وأهم ما نالحظه هنا هو الفرق بني هذه القصيدة وقصيدة مروان يف وصف حديقته،

فمروان اعتمد األساليب والصور البدوية واأللفاظ التقليدية البدوية واألوزان الثقيلة، بينما احلجناء

رتبطة باحلياة امللكية الفخمة واألوزان اخلفيفة اليت اعتمدت األساليب والصور واأللفاظ احلضرية امل

.ميكن تلحينها وغناؤها

وصف تقليدي بدوي ووصف جتديدي حضري، إال : وعموما جند أن الوصف أيضا ينقسم إىل نوعني .أن كال النوعني قد اختذا شكل املقطوعات املستقلة فلم يعد مقدمة ملوضوعات أخرى

١٠٣

:موضوع اهلجاء:رابعا

.هو أن يعدد الشاعر عيوب خصمه بقصد إذالله والتقليل من شأنه وقد يتخلل هجاءه ديد أو وعيد

إال أنه يف عصر بين أمية كان ..وكان اهلجاء شائعا يف العصر العباسي، كما كان يف العصر األموي

شده، فكان الشعراء يتفننون يف موجها إىل زعماء األحزاب واملذاهب الذين كان الرتاع بينهم على أ

.هجاء أعداء حزم ومن واالهم وكان شعراء احلزب اآلخر يردون عليهم باملثل

شائعا، وإمنا حل حمله ) السياسي(أما يف عهد بين العباس فقد اختفت تلك األحزاب ومل يعد اهلجاء

: ثالثة أنواع من اهلجاء

.ة على العرب من قبل األمم األخرىيانات واملعتقدات الدخيلالد ي الذي سببته موجةدقالع اهلجاء/١

الناتج عن التنافس على املراتب أو اجلوائز وقد يكون بني شاعر وشاعر وهو األكثر أو بني اهلجاء/٢

.شاعر ورجل من رجال البالط

يوب اهلجاء اهلزيل الذي يقصد به الضحك والترويح عن النفس بإظهار ع:ومن أنواع اهلجاء /٣

الشخص أو إلصاق عيوب به وشتمه من باب املزاح وهو شائع بني شعراء هذا العهد وقد ينظمه

.الشاعر يف شاعر آخر تربطه به صداقة أو عداوة على حد سواء

الغدر وخسة األصل والضعف واحلمق ومن أهم الصفات اليت يتهاجى ا الشعراء البخل واللؤم و

الصفات اجلديدة يف اهلجاء اخللقة القبيحة والثياب القذرة والرائحة عدم احملافظة على العرض، ومن و

الكريهة والدابة املريضة اهلرمة والفقر وعدم جودة الشعر وغريها من الصفات اليت تربز مدى تأثري

.احلضارة يف تغيري مفاهيم الصفات املرغوبة و املكروهة بني أفراد اتمع العباسي

:رة عامة إىل قسمنيولقد انقسم اهلجاء بصو

١٠٤

١. يوهو أن يهجو الشاعر خصما له أو منافسا له يف البالط مبا عهدناه قدميا من : هجاء جد

اامه بأمور قبيحة أو تتبع زالته وعثراته والسخرية منه أو قذف عرضه أو شتمه وشتم

.قبيلته

رف وخفة الظل وهو ال خيلو من اخلبث إال أن السمة الغالبة عليه هي التظ: هجاء هزيل .٢

وقد ينظمه الشاعر يف هجاء عدو حيتقره ليقلل من شأنه ..وطرافة املعاىن والتصاوير املضحكة

!أو قد يهجو به بعض أصدقائه بقصد التفكه كنوع من املزاح

ما منعه من عندفمن النوع األول قول مروان بن أيب حفصة يهجو يعقوب بن داود وزير املهدي

:١الدخول عليه

هنا نلمس مرارة وحقدا يتأجج يف قلب الشاعر والسيما أنه تعرض ألسوأ ما قد يتعرض له شاعر يف

رم من اجلوائز اليت كان يطمح إليها، وقد مثل مكانته، فقد منع من الدخول على اخلليفة وبالتايل ح

، من الطويل٥٦ص/ديوان مروان بن أيب حفصة ١ خمذوال: خائبا. يوم القيامة: احلشر ٢ مات: غيبته املقابر. طغت: أودت ٣ ختفي: جتن. ظهر: بدا ٤ أزال: جاب. ظهر: الح ٥ جنحت: أفلحت. مكانة: مرتلة ٦

١٠٥

خائنا مستحقا -يف نظر الشاعر - حرمه من كل ذلك هذا الشخص الذي أصبح لعظم فعلته كافرا

ألشد العقاب، وقد انتهز الشاعر هذه الفرصة للتحريض على الوزير وحماولة التقليل من شأنه

.الئه للخليفة وكأنه بذلك حيرض اخلليفة على ما جيب القيام به جتاه هذا الشخصوالتشكيك يف و

:١وقال أيضا يهجو سلما اخلاسر ويفخر عليه بعظم اجلوائز اليت يناهلا

، من الطويل٨٥ص/ ديوان مروان بن أيب حفصة ١ جا: خطة ٢ أضعف: أوهى. مجع سنبك وهو طرف احلافر: سنابك. غبار احلرب: العجاج ٣ أجود العطاء: اللها ٤ العطاء: احلباء. نصف: شطر ٥ الصراخ: العويل ٦ املصيبة: الرزء ٧

١٠٦

فسية اليت مير ا الشاعر يف هذه هذا هجاء ممزوج بالفخر، إال أننا لو متعنا يف العاطفة واحلالة الن

األبيات لوجدنا شعلة من الغرية واحلقد تتأجج يف قلبه، ورمبا نتجت عن براعة سلم اخلاسر يف

نظم الشعر ومساواة املهدي بينه وبني مروان يف اجلوائز أحيانا، فالشاعر هنا يشعر بالتهديد

وحي إليه بأنه لن يتمكن من جماراته، وحياول أن يقلل من شأن خصمه كي يفقده الثقة بنفسه ولي

وهو ما يسمى باحلرب النفسية، وال خيفى هنا اعتماد الشاعر على التعابري والصور واإليقاع

.التقليدي يف هجائه

: ٣يف هجاء يزيد بن أسيد ٢ومنه قول ربيعة الرقي

اشتهر هذا البيت حىت صار من األبيات السائرة يف العصر العباسي، وقد اجتمع فيه اهلجاء واملديح

وهو أمر قليل احلدوث يف البيت الواحد، كما اجتمعت فيه سهولة ووضوح املعاين وبساطة التعبري مع

.فهذا البيت داخل يف مضمون السهل املمتنع..قوة املعىن وظهور السخرية الالذعة

:٤إىل املهدي يهجو بين عدي وبين تيم ويطلب إليه أن يقطع عطاءهم احلمريي أرسل السيد

احلبل: الرشاء. العطاء: الرفد ١ شعراء املطبوعني املكثرين ايدين، وقد برع يف الغزل العفيفوهو من ال، كان من أصحاب األبيات السائرة، ربيعة بن ثابت بن جلأ األسدي الرقي ٢

هـ١٩٨تويف سنة ، اتصل باملهدي ومدحه ونال جوائزه ٤٣٦ص ٨ج/األغاين ٣ ١٧٧ص ٤ج/األغاين ٤ هم بنو عدي بن كعب رهط عمر بن اخلطاب رضي اهللا عنه ٥

١٠٧

أثقلها احلسد ونفثتها نفس حاقدة، وقد عرب الشاعر الشك يف أن هذه األبيات خرجت من روح قد

هنا عن رأيه يف بين عدي وبين تيم من وجهة نظره الدينية وأكثر فيها من التحريض عليهم والتذكري

مبساوئهم اليت يدعيها كما يلفق هلم التهم اليت يرى أا قد تغيظ اخلليفة وتغضبه فيضمن بذلك

.ذلكوقد كان له ..حرمام من العطاء

:٢وأما النوع الثاين فمنه قول سلم اخلاسر يهجو يعقوب بن داوود بعد أن جعله املهدي وزيرا له

. احلسن واحلسني: ويعين بابنيه. ات بعده صلى اهللا عليه وسلمالذي بقي من أعمامه هو العباس بن عبد املطلب رضي اهللا عنه وقد م ١

ومبرمي بنت عمران أم عيسى عليهما السالم. وبابنته فاطمة رضي اهللا عنها ١٨٤ص ١٠ج/األغاين ٢

١٠٨

ملتجسد يف تصوير الوزير الذي يطمح ألمور ويسعى إليها بينما يتجلى يف هذين البيتني املعىن الساخر ا

اخلليفة غافل عنه، فهو خبيث الناصية وال خيفى هنا االقتباس من القرآن الكرمي وحتديدا من قوله

.أي كاذبة يف قوهلا خاطئة يف فعلها١))ناصية كاذبة خاطئة* كال ألن مل ينته لنسفعا بالناصية : ((تعاىل

:٢ل مروان بن أيب حفصةومنه قو

بروح على الرغم من أن مروان هو سيد الشعر اجلدي بني شعراء عصره إال أنه يثبت هنا حتليه

الفكاهة رمبا نتيجة مباشرة الحتكاكه بشعراء منافسني له من كال االجتاهني مما أطلعه على نوع اهلجاء

السائر، فمعلوم أن اهلجاء كلما زاد غرابة ووضوحا سار بني الناس وسهل على األلسن تداوله يف

.جمالس األنس واملسامرة

:٥وقوله يهجو رجال

)١٦-١٥(سورة العلق،آية ١ ، من الوافر٣٨ص/الديوان ٢ واسعة: فساحا ٣ متفرقة: مبعثرة ٤ ٧٠ص/ ديوان مروان بن أيب حفصة ٥ أذاه: ضريه ٦ جيره: يعتله ٧

١٠٩

هنا أيضا تغلب رنة اإلضحاك على هذين البيتني،وقد وصف الشاعر املهجو بالغدر والبخل،كما

من التشبيه يشبهه بالقرد، وهو ليس باألمر اجلديد على شعراء العصر العباسي إذ نراهم يكثرون

.يعتد الشعراء قدميا على رؤيتهاباحليوانات الغريبة اليت رمبا مل

:١وقول بشار بن برد يف هجاء الوزير يعقوب بن داود

يسخر بشار من الوزير يعقوب بن داود فيصفه بأنه شخص قذر كسول فاسد، وهي من أسوأ

بني البيت األول ونالحظ هنا تشاا كبريا..ليفةالصفات اليت قد تنسب إىل شخص يف مكانته من اخل

فة من اصطناعه يعقوب هنا وبني البيت الثاين يف مقطوعة سلم اخلاسر يف املعىن، فكالمها يحذر اخللي

.بن داود وأن هذا الفعل منه قد يعود عليه بالسوءا

:٤وقوله يهجو محاد عجرد ويرميه بالزندقة

زنادقة يف وجود إهلني معبودين مها إله املاء وإله النار أو إله اخلري وإله الشر، ولقد ويظهر هنا معتقد ال

كانت الزندقة هي التهمة األثرية عند شعراء ذلك العصر واليت يلقون ا على أعدائهم عاملني مبا تسببه

.بسببها نمن متاعب وخماوف على من تثبت تلك التهمة عليهم فيقتلو

، وهي من البسيط١٠٤ص ٣ج/ديوان بشار بن برد ١ لفظة تقال يف الثناء والتعجب: هللا درك ٢ التجشؤ ألنه يشبه قرقرة البعري: القرقرة. مجع خنمة وهو ما يقذفه اإلنسان من الصدر: النخمات ٣ ١٤٤ص/الفن ومذاهبه يف الشعر العريب ٤

١١٠

!ا حيصب محادا حبجارة الزندقة وهو من قتل بتهمة اعتناقهاوالعجيب أن بشار

:١وقوله يف هجاء آل سليمان بن علي بن عبد اهللا بن العباس

يف هذه األبيات تشبيه طريف هو تشبيه دينار آل سليمان ودرمههم بامللكني هاروت وماروت ومها

فهما حمروسان مبردة اجلن وال يرجى لقاؤمها كما حرس دينار آل ..امللكان اللذان علما الناس السحر

.مان فال يرجى نيلهسلي

:٤يهجو نفسه ٣ومنه قول أيب دالمة

يف هذه األبيات نوع طريف من الفكاهة والتظرف ، وقد أراد الشاعر أن يستدر الضحكات من أفواه

احلاضرين مصورا نفسه يف هيئات خمتلفة ومشبها نفسه بعدد من احليوانات مما يدعو إىل السخرية

،وهي من البسيط٥٦ص ٢ج/ديوان بشار بن برد ١ الكلب واحلوت كالمها يوصفان بالنهم ٢زند بن اجلون، شاعر كويف اسود متظرف،أدرك أواخر العهد األموي وعال شأنه يف العهد العباسي، واتصل بالعباس واملنصور ٣

كل املوضوعات الشعرية، واملهدي وكانوا يقدمونه وينادمونه ويستطيبون نوادره، وهو شاعر مطبوع وشعره مستحسن، ونظم يف .هـ١٦١وكان جييد املديح والرثاء، تويف سنة

٤٢٢ص ٥ج/األغاين، ١٠٩/ديوان أيب دالمة ٤ البشاعة: الدمامة ٥

١١١

ويف هذا قمة اخلنوع واالستسالم لتلك الرغبات، ولقد فضل املقرونة باملرح واخلضوع لرغبات اخلليفة

الشاعر أن يهجو نفسه ليكفي نفسه شر هجاء شخص ممن بالس خوفا من االنتقام ورغبة يف

. املكافأة وهو نوع نادر من اهلجاء وإن مل يكن معدوما متاما

:١وقول أيب العتاهية يف هجاء املهدي بطلب منه

ذا النوع من اهلجاء قد يكون من الغريب أن يقوم شاعر معروف جاء خليفته الذي أكرمه وقربه

إال أن القصة هنا حتكي عن ندم املهدي على ما أصاب املالح من الفزع حىت فر هاربا قبل ..الساخر

.أن ينال مكافأة منه بعد أن أطعمه وأمن له املأوى الدافئ إىل أن وصلت حاشيته

الذي دفعه إىل أن يعاقب وهذه األبيات توضح لنا ثالثة أمور مهمة أوهلا تواضع املهدي ورهافة حسه

نفسه على فعله مع أنه مل يتعمده، وثانيها براعة الشاعر وسرعة بديهته اليت ساعدته على صياغة هذه

األبيات الالذعة فور أن طلبها اخلليفة وقد يكون شيوع اهلجاء يف ذلك الوقت ووقوع معظم الشعراء

رها سهولة األلفاظ مع تضمنها للمعاين فيه سببا مهما ساعد على سهولة نظمه يف كل وقت، وآخ

.الطريفة املستقاة من مشاهدات البيئة الواقعية يف ذلك الوقت

، وهي من السريع، وقصة هذا الشعر مذكورة يف الديوان١٠٩ص/ ديوان أيب العتاهية ١ اليوم الشديد الريح: الراح ٢ شعر املشيب: األوضاح ٣

١١٢

وبصورة عامة جند أن اهلجاء اجلدي تكثر فيه األلفاظ اجلزلة القوية واملعاين املباشرة الواضحة، بينما

عانيه، وكذلك صوره اليت تعد اهلجاء الساخر يقوم على األلفاظ السهلة املنتقاة من قاموس العامة وم

.دخيلة على اتمع العريب، أما معانيه فخفية خبيثة ال تصل إىل األفهام إال بعد تدبر وتفهم

وكال النوعني فيهما كثري من املعاين الدينية والتصاوير القرآنية وهو أمر متوقع والسيما حني نتذكر أن

منه سياسي وكأن الشعراء قد تأثروا بذلك فصاروا خالفة بين العباس قامت على أساس ديين أكثر

ينسبون الصفات اخلارجة عن الدين خلصومهم رغبة يف استثارة اتمع العباسي عليهم، إال أن ذلك ال

خيفي ما وقع فيه الشعراء وغريهم من االستخفاف باملعاين الدينية واختاذها وسيلة خبيثة للنيل من

.خصومهم

حظه هنا هو أن اهلجاء كان منذ القدم سببا مباشرا يف قيام حروب طاحنة بني ومما جيدر بنا أن نال

قبيلتني أو طائفتني، أو حروب كالمية وشعرية بني شاعرين أو قبيلتني، بينما اهلجاء يف العصر العباسي

دار بني جنسني أو عرقني، وهو ما جعل الشعراء يركزون على تلك احلرب العرقية وينسون مادون

من خالفات وشجارات سخيفة قد تصل إىل حد اإلقذاع إال أا تظل حمصورة بني شخصني ذلك

.يعربان عن آرائهما ومشاعرمها جتاه بعضهما

١١٣

:موضوع الرثاء:خامسا

هو تعبري الشاعر عن حزنه وفجيعته بسبب خسارته لشخص عزيز عليه، ويتضمن مدح امليت وذكر

عزية بأنه ينبع من ذات الشاعر ويعرب عن أمله بينما التعزية هي حماولة صفاته احلسنة، وخيتلف عن الت

التخفيف عن أهل الفقيد و تصبريهم وتذكريهم جبزاء الصرب وعاقبة الرضا بالقضاء والقدر،وغالبا ما

.ينظمها الشاعر بغرض التقرب إىل أهل الفقيد والسيما إن كان من بيت اخلالفة

:١رثاء املهديقال مروان بن أيب حفصة يف

حيق ملروان أن يرثي املهدي بقدر ما يشاء، فقد كان املهدي يقربه ويفضله على غريه ويقدمه على

بقية شعراء البالط، ويف األبيات تشبيهات مجيلة تعرب عن عاطفة حقيقية وحزن عميق، وتلك

، من الكامل٢١ص/وان مروان بن أيب حفصةدي ١ دفينا: ثاويا ٢ ظالمها احلالك: دجى ظلمائها. غفلته واملراد موته: غرته ٣ تسخو بدمعها: جتود مبائها ٤ مجاهلا اخلارق األخاذ: فرط ائها. متداعية: خواشع. يغطيها الغبار: غربا ٥ سلوكه احلسن من صرب ومعروف وكرم: عرفه. ين اخلصوميع: املراض. يعين م األصدقاء املخلصني: الصحاح ٦ خيوطه: أرشية الندى. األماكن العامرة بالسكان ويعين احلضر: العوامر ٧

١١٤

يكتشف بأن الفقيد هو اخلليفة حىت قبل التشبيهات ترتبط حبياة امللوك ومظاهرها إذ ميكن للقارئ أن

ولكن تلك اللغة امللكية قد تكون غضت قليال من طابع احلزن وأشاعت . أن يقرأ مناسبة القصيدة

.بدال منه طابع التكلف الرمسي اجلاف

اخلليفة بقصيدة فخمة ورمبا كان مروان متعمدا لذلك ألنه كان شاعر البالط، ويتوقع منه أن يرثي

.مها أهله وحاشيته يف ندبه يف احملافل الرمسيةديستخ

:١وقال يف رثاء معن بن زائدة الشيباين

انئ الذي عاش فيه أمجل أيام حياته يف شاعر يربط تعلقه باليمامة موطنه اهلأن النرى يف هذين البيتني

سعة ورخاء عيش ال حيتمل فراقه حبياة املمدوح، ولكنه يف البيت الثاين يصرح بسبب هذا التعلق أال

وهو النوال أو العطاء الذي كان يناله من املمدوح، فلما قتل معن نضب ينبوع الكرم الذي كان

.ةيغدق على الشاعر ويؤمن له تلك احلياة الرغيد

ويف البيتني بساطة يف التعبري ووضوح يف املعاين وبعد عن التعقيد، إال أن العاطفة فيهما باردة نوعا ما

.بعطاء املمدوح ال باملمدوح نفسه عرألا تظهر تعلق الشا

:٢وقال يرثي محادا الراوية

٣٠٢ص ٥ج/األغاين ١ ، من الطويل١٣١ص/ ديوان مروان بن أيب حفصة ٢ من هذا الكتاب ٥ سبق التعريف مبوقعه يف ص..اسم مكان: ماسبذان ٣

١١٥

يستخدم هنا أسلوب التعجب من الكف اليت أهالت التراب على فقيده الغايل، وكيف أا سلمت من

اللعنة اليت كانت تستحقها جزاء ملا فعلت، مما يدل على مكانة املتوىف من الشاعر، رمبا ألن محادا كان

. أنصار االجتاه التقليدي من

:١قال أبو دالمة يرثي زوجته أم دالمة مدعيا موا

غ الرقة والشفافية وموسيقى حزينة تستدر العطف، فالشاعر يشبه نفسه يف هذين البيتني تصوير بال

وحليلته بزوجي قطا عاشا يف حياة هانئة رغيدة فقد أحدمها رفيقه فبقي وحيدا بائسا ال أنيس له،

وهي صورة محيمة تدل على التقارب والتعلق الكبري بينهما، ونالحظ أن التصوير مستقى من البيئة

.البدوية

:٤سلم اخلاسر يف رثاء البانوكة بنت املهديقال

o

٤٢٠ص ٥ج/األغاين،٥٣ص/ديوان أيب دالمة ١ طائر صحراوي يشبه احلمام: القطا ٢ مصائبه: ريب الزمان وصرفه ٣ ١٨١ص ١٠ج/األغاين ٤

١١٦

يف هذه األبيات منوذج واضح للرثاء الذي كان حيظى به اخللفاء وكبار احلاشية يف عصر بين العباس،

وهو الرثاء املمزوج باملواساة املتفائلة بأن الفقيد هو من أهل اجلنان وأنه انتقل إىل حياة أفضل من

لفقيد لوال ملحوظة صغرية وهي أن مصريه حياته يف الدنيا، وهي أقوى مواساة قد حيظى ا أهل ا

.جمهول فهو قد صار بني يدي اهللا عز وجل وال علم لنا به

كما نالحظ املبالغة يف تصوير الفجيعة على امليتة حىت إن األرض بكل من فيها بكت حزنا على

.وهي كما ذكرنا مبالغة معتادة يف رثاء امللوك وأبنائهم..فقدها

:١ثي يزيد بن منصور خال املهدي وكان بارا بهير أبو العتاهية وقال

يف هذه املقطوعة يقارن بني احلياة واملوت واالنتقال من حال إىل حال، وهو يردد احلديث عن كرم

املتوىف وفضله على الشاعر، وهو أمر شائع يف رثاء علية القوم إذ يركز الشاعر على موضوع حرمانه

.ته مما مينح رثاءه الطابع الرمسي ال الشخصي احلميممن مصدر رزقه ورفاهي

ونالحظ هنا أن موضوع الرثاء عند أيب العتاهية يتداخل كثريا مع الزهد والتذكري بتغري احلال، وكأن

الرثاء هو النواة األوىل اليت لفتت الشاعر إىل موضوع الزهد الذي برع فيه فيما بعد وتقدم به على

.شعراء عصره

، من البسيط١٨٩ص/ ديوان أيب العتاهية ١ العقار واملال: النشب ٢

١١٧

امة نرى أن الرثاء خيتلف حبسب مكانة الشخص املرثي من الشاعر، فإذا كان الفقيد من وبصورة ع

األسرة املالكة أو من عليالقوم وجدنا ضروب املبالغة يف تعداد صفاته احلسنة مع ارتفاع رنة املواساة ة

!!والتعزية بالتأكيد على مصريه احلسن فهو من أهل اجلنة

ا مقربا من الشاعر فنجد أن العاطفة الصادقة هي املسيطرة على القصيدة أما إذا كان الفقيد شخصكما تقل كلمات املواساة وكأن الشاعر يرى أن تلك املواساة لن ختفف عنه ولن تعرب عن حقيقة

.شعوره جتاه الفقيد فكل مواساة العامل لن تعوضه عمن فقد

١١٨

:موضوع الفخر:سادسا

الفخر هو أن يتغىن الشاعر بأجماد قومه أو نسبه أو تراث أجداده أو بصفات حسنة ينسبها إىل نفسه

.أو إىل آبائه أو قومه سواء كان صادقا أم مدعيا

وبعد أن كان العرب قدميا ينسبون إىل أنفسهم الشجاعة والشهامة والكرم والبالغة وسداد القول

ناة والنسب العريب اخلالص وغريها من الصفات التقليدية املعروفة، واالنتصارات والعدد واحللم واأل

جندهم يف العصر العباسي يضيفون إىل تلك الصفات أمورا جديدة على رأسها الفخر بالنسب

. ١األعجمي والفخر بقوة القرحية الشعرية والتفوق على األقران

:٢قال مروان بن أيب حفصة مفتخرا

املعايري اليت يفخر ا فن الفخر هو فن مرن تابع لعصره وجمتمعه، لذلك وجدت االختالفات بني اتمعات القدمية واملعاصرة يف ١

الشاعر بنفسه أو بقومه

، من الكامل٦٧ص/ ديوان مروان بن أيب حفصة ٢ مجع هلوة وهو أفضل العطاء: اللها. آمل: أمض ٣ اعترف بتفوقه يف املديح: أبر ٤ اإلعياء: البهر. بارد: شبم. سبقتها: فتها ٥ مجع بدرة وهو كيس حيفظ فيه املال: بدور ٦ غلبت: عزت ٧

١١٩

عور بالعظمة عند الشاعر حىت إنه أباح لنفسه أن حيكم على يف هذه األبيات تعلو رنة الغرور و الش

شعر ثالثة من فحول الشعراء املعروفني، ومل يكتف بذلك وحسب بل متادى به األمر حىت حكم

لنفسه بأنه يفوقهم شاعرية ومكانة، جاعال من اجلوائز واألعطيات الدليل احلسي الثابت على صحة

!هذا األمر

ه خال من الشعوبية مما يدل على والئاليب التقليدية يف فخره، كما أن فخره ونالحظ استعماله لألس

الصادق جتاه مواليه العرب على الرغم من شيوع جو احلرية الذي يتيح للشعراء االفتخار بأصوهلم

.األعجمية

:٦وقال بشار بن برد مادحا املهدي ومفتخرا خبراسان

عطاء: سيب. تعطى: تثب. أعطيت: حبيت ١ .امشئز: آنف ٢ اجلوعى: السغاب. أمأل: أترع. زاخر: مفعم ٣ املنحور: العقري. الناقة: التامكة. طعام الضيف: القرى ٤ األسياد: القروم ٥لك ليثبت للمهدي ، والقصيدة من البسيط، وسبب فخره خبراسان هو أن أصله منهم وقد استغل ذ٢٩٧ص ٢ج/ديوان بشار بن برد ٦

أنه من شيعته أي من أهل خراسان الذين كان هلم دور ظاهر يف قيام الدولة العباسية

١٢٠

هنا يفخر بشار بأصله األعجمي دون خوف أو وجل، وميكن أن نقول إنه جاء هنا جبرعة خمففة من

الوقت، خفف من حدا تذكري اخلليفة بفضل الفرس يف قيام احلكم الشعوبية اليت شاعت يف ذلك

.العباسي

مكان األسود: املأسدة ١ العطشان: الذي يأيت ماءهم، والصادي: يدفعون وحيامون، والوارد: يذبون ٢ من الناس املنهزمنيما يتركه الناس من دينء الطعام والثياب، وأراد به هنا الضعفاء : السقاطة ٣ بفتح السني مجع سري وهو الشريف ذو املروءة : سراة ٤ أسرنا، وأصل السيب احلبس: وسبأنا. تالحم اجليشني واختالطهما عند اهلجوم: وامللحمة. عيد النصر: العيد هنا ٥ ثاق والقيدمجع صفد وهو الو: واألصفاد. مجع راحة وهي اليد: الراح. نبخل: بكسر الضاد وفتحها: نضن ٦ دهاء وخديعة: اجلائرون احلائدون عن احلق، إسباد: القاسطون ٧ مجع الطنب وهو حبل طويل يشد به السرادق: األطناب ٨

١٢١

وجند بصورة عامة أن شعراء الفخر اعتمدوا اللغة البدوية واألسلوب التقليدي يف الفخر، إذ كان

الفخر واملديح من أهم املوضوعات اليت متسك شعراؤها مبنهج الفحول ملا تتطلبه من فخامة ولغة قوية

.تبطت عادة باالجتاه التقليدي العريقجزلة ار

١٢٢

:موضوع االعتذار: سابعا

، وهو أن ينظم الشاعر ١فن االعتذار هو فن معروف منذ العصر اجلاهلي، وقد اشتهر به النابغة الذبياين

مكروها صدر منه مع إظهار قصيدة يعتذر فيها عن ذنب اقترفه أو يدفع ا مة ام ا أو يفسر فعال

الندم وطلب الصفح، وعادة ما تكون قصيدة االعتذار موجهة مللك أو أمري أو كبري قوم، وكان نادرا

يف العصر اجلاهلي ملا كان فيه من خنوع وضعف ينايف طبيعة البدوي املعروف بعزة النفس واإلباء،

رار السيادة العربية ، إال أنه شاع يف العصر وكذلك مل يكن رائجا يف العصرين التاليني بسبب استم

العباسي ونظم فيه كثري من الشعراء لعدة أسباب منها امتزاج الثقافة العربية بغريها من الثقافات

والسيما الفارسية والرومية واهلندية مما فتح أعني الشعراء على طريقة خماطبة الشعراء مللوكهم والسيما

.امللك ووضعه يف مقام اآلهلة أحياناأن تلك األمم عرفت بتقديس

كما أن ظروف احلياة قد تغريت وأصبحت أكثر كلفة واعتمادا على املادة، فكثر احلسد بني الشعراء

إىلوصاروا يلجأون إىل الوشاية ببعضهم وتدبري املكائد ضد منافسيهم مما دفع الشعراء للجوء

وال ننسى أن معظم هؤالء الشعراء ليس له صنعة االعتذار كلما شعروا خبطر أو مكيدة أو وشاية،

سوى الشعر فهو مصدر رزقه الوحيد وبوابته األثرية اليت تكسبه ما يؤمن له حياة رغيدة ومكانة

مرموقة، لذلك علت حدة التنافس بني الشعراء لكسب رضى احلكام وأصحاب النفوذ، وهذه مناذج

: لبعض قصائد االعتذار

:٢معتذرا إىل املهدي بعد أن وشى به إليه الوزير يعقوب بن داود قال مروان بن أيب حفصة

)النابغة إذا رهب...أشعر الناس: (شاعر جاهلي من أصحاب املعلقات، برع يف فن االعتذار وقيل عنه: النابغة الذبياين ١ ، من الطويل٧٦ص /ديوان مروان بن أيب حفصة ٢ املكان اخلايل: مجع بلقع: البالقع. أثار: هاج. املباين: املصانع ٣

١٢٣

قاطع: جادع. احلقد: الضغن. مداوم: مدمن ١ ال قاتلة هلا: الشوى هلا ٢ مضيء: ساطع. جيلله: يكنه ٣ القيود: اجلوامع. عرق خفي يف جانب العنق: األخدع. قيد: وثاق ٤ ىأعط: راش. الفقر: العدم ٥ أي املعروف: مجع صنيعة: الصنائع ٦ أي سبب: مجع ذريعة: الذرائع ٧ تضمر:جتن. جنبه: كشحه ٨ جائع: نائع ٩

عتاب ولوم: تثريب ١٠

١٢٤

يف هذه القصيدة يعتذر مروان إىل خليفته مستخدما أسلوب املدح والتضرع وإظهار الوالء واخلضوع،

كاء الديار متمسكا بعمود الشعر التقليدي حىت يف وقد بدأ قصيدته بالوقوف على األطالل وب

اعتذاره، وألفاظ القصيدة بدوية وكذلك صوره ، وقد انتقل من املقدمة الطللية إىل تصوير حالته

كما صور مشاعر اخلوف والرجاء اليت تناوشته، إال أنه عليه، املهدي غضبالنفسية عند وصول خرب

ه ما مسع و كانت االسترجاع واللجوء إىل اهللا سبحانه وتعاىل، تعمد التصريح بردة فعله األوىل جتا

وهي خطوة ذكية تستدر تعاطف اخلليفة ورضاه عن الشاعر املتمسك بسنة النيب صلى اهللا عليه

.وسلم

مث يبدأ الشاعر يف مدح اخلليفة ونعته بصفات احللم والتقوى واخلوف من اهللا عز وجل، مث بعد أن

واجنالء الغضب عنه يبسط عذره ويدافع عن نفسه ويربأ من تلك التهم اليت يستشعر هدوء اخلليفة

ألصقت به من قبل الوزير الذي يكن يف قلبه حقدا وغدرا مل يتنبه الشاعر إليه إال بعد أن وقع يف

الشاية املطاف يطلب من املهدي أن يرأف به كما رأف يوسف عليه السالم بإخوته فعفا ر ك، ويف

. السيما أن الشاعر املعروف عرضة لشماتة أعدائه إذا ما تعرض للعقابعنهم، و

:٢وقال سلم اخلاسر معتذرا للمهدي بعد أن علم بغضبه عليه ملدحه بعض العلويني

حتسن: تسدي. شاخص: متشوف ١ ١٨٢ص ١٠ج/األغاين ٢

١٢٥

تدور معاين االعتذار يف هذه القصيدة حول نفس املعاين يف قصيدة مروان ولكن بلغة أسهل، فهو

يصف حالة اخلوف اليت انتابته عندما علم بغضب املهدي، مث بدأ يقسم ويكرر القسم بأنه بريء من

رم وهو مدح غري العباسيني، وخيتم قصيدته كما ختم تلك التهم وأنه لن يعود إىل ارتكاب ذلك اجل

. مروان قصيدته بالتذكري بشماتة األعداء لو وقع العقاب عليه

:٢معتذرا عن أمر ارتكبه ١ومنه قول نصيب األصغر

وله قصائد يف ،ريفا ،مدح املهدينصيب موىل املهدي، اشتراه املهدي يف حياة املنصور، فلما نبغ وقال الشعر أعتقه، كان شاعرا ظ ١

الوصف واالعتذار وشعره جيد ٦ص ١٢ج/األغاين ٢

تراءى له املوت عيانا ٣

١٢٦

يبدأ بوصف مهه وخوفه بعد أن بلغه خرب غضب اخلليفة عليه، وكيف أنه سارع إىل اخلليفة

ة أخالقية ليعتذر منه ويطلب عفوه،وتكتنفه روح التفاؤل ملا يعلمه عن اخلليفة من صفات ديني

.تدفعه إىل العفو عن املسيء والصفح عن املخطئ

وقد استخدم هنا طريقة التقسيم أو تعداد األسباب اليت تدفع املهدي إىل العفو عنه وكأنه يذكره

.ا خمتتما أبياته بتجديد الوالء للخليفة وتأكيد اخلضوع له

يعرج يف املشي، وهو كناية عن التعثر: خيمع ١ نوع من السري: العنق ٢ خبيث: مسبع ٣

١٢٧

:١وقال أبو العتاهية معتذرا للمهدي وقد أعرض عنه

نالحظ هنا أن أبيات االعتذار تنتمي إىل االجتاه التجديدي، ونالحظ أا مقطوعة صغرية خمتصرة

بعكس القصائد التقليدية السابقة، كما أا متيزت بالوحدة املوضوعية واألسلوب املباشر، واشتملت

.قليدينيعلى املدح ولكنها مل تتضمن معاين اخلضوع ودفع التهمة اليت حفلت ا قصائد الت

وجند بصور عامة أن شعر االعتذار قد شاع يف عصر املهدي ألسباب متعددة أمهها شيوع روح

.التنافس اليت ولدت احلقد يف النفوس وكثرة املكائد والتهم الباطلة

:كما جند أن قصائد االعتذار انقسمت إىل اجتاهني

قصائد النابغة مبا حتويه من معاين وهي قصائد تلتزم بعمود الشعر القدمي الذي يذكرنا ب: تقليدي .١

اخلضوع واخلوف والتذلل للخليفة وخماطبته بألفاظ التقدير واالحترام مما مينحها طابعا رمسيا

مهيبا، كما أا تبدأ عادة بوصف احلالة النفسية لدى الشاعر عند تلقيه اخلرب وكيف أن مشاعر

املسارعة إىل اخلليفة لالعتذار منه وبسط اخلوف قد اجتاحته حىت ملكت كل كيانه مما دفعه إىل

وهم يعمدون إىل تلك املقدمات وكأم يقدمون للخليفة جرعة .حجة براءته مما نسب إليه

، من جمزوء الكامل١٣٦ص/ديوان أيب العتاهية ١ كثرة العدد: العديد. ع نسب على غري قياسمج: املناسب. الكرمي األبوين: املدابر ٢ العايل البنيان: املشيد ٣ يعين يزيد بن منصور، وكانت أم املهدي بنت منصور احلمريي: يزيد ٤

١٢٨

مهدئة حىت إذا ما وجدوا الوقت املناسب وظهرت عليه عالمات اهلدوء انتهزوا الفرصة يف

لتبجيل للخليفة، لذلك بسط أعذارهم وطلب العفو مضمنني يف طيات ذلك صفات املدح وا

كانت قصائد االعتذار عند التقليديني مطولة مفصلة، وغالبا ما ختتم بذكر العار الذي سيلحق

بالشاعر إن وقعت عليه العقوبة، مما يدل على مدى خوف أولئك الشعراء على مظهرهم

.االجتماعي كما يدل على كثرة احلساد الشامتني من حوهلم

مقطوعات قصرية خمتصرة ومباشرة وأوزان خفيفة ولغة عامية سهلة وهو يقوم على : جتديدي .٢

.نزعت منها ذلك الطابع الرمسي الفخم الذي تطبعت به قصائد التقليديني

١٢٩

:موضوع الزهد: ثامنا

:١قال احلسني بن مطري

على تغري حال املرء من الغىن إىل الفقر أو من الفقر إىل الغىن مما يترك العبد أبياته هذهيركز احلسني يف

ف، كما حيث العبد على أال يأمن مكر الدنيا ولكن ال ينبغي له أن ييأس يف حال بني الرجاء واخلو

منها أيضا، وتغري احلال قد يشكل ظاهرة اجتماعية متكررة يف ذلك الوقت والسيما بني الشعراء

.الذين تتفاوت معيشتهم حبسب متكنهم من صنعتهم

بيئة شاعت فيها احلريات كما أن الشاعر حيذر من الكسب احلرام إذ كان املرء معرضا له يف

. وختلصت من قيود احلالل واحلرام

:٢يف الزهد وقال أبو العتاهية

:وردت كما يلي(٢٨٢ص ٨ج/األغاين ١

غنيا ويغىن بعد بؤس فقريها وقد تغدر الدنيا فيضحى فقريها وأظنه خطأ مطبعي

، من الوافر١١٥ص/ديوان أيب العتاهية ٢ التحقري، يريد أن الدنيا ليست عادلة يف معاملة الناس: الصغر ٣

١٣٠

تدور األبيات حول اشتغال الناس بالدنيا وافتتام ا حىت بلغوا حد الطمع فلم يكتفوا منها حىت

سببت هلم األمل والعذاب، وهي معروفة بغدرها وإعراضها عن طالبيها بينما تقبل عمن يعرض عنها

.ي حباجته الضرورية منها وأال يطمح لالستزادة من متاعهاويزهد فيها، فعلى اإلنسان أن يكتف

وقد يكون تركيز الشاعر على إعراض الدنيا نامجا عن جتربة شخصية مر ا، فاحلسني مل يكن كثري

االتصال باخللفاء، ورمبا مرت به فترات كسد فيها شعره بسبب معركة القدمي واجلديد، فشعر

بينما شعر التقليديني الرمسي هو مصدر تكسبهم، أما التقليديون اددين غري الرمسي هو الرائج،

.حمظوظني أو العكس ا وإمنا هي فترات متر م فيصبحوناملغمورون فال مكان هلم هن

ودخل أبو العتاهية يوما على املهدي بعد وفاة ابنته البانوكة وكان قد سال وضحك بعد أن امتنع

:١هاعن الطعام والشراب مدة حزنا علي

فهذه أبيات هي يف جمملها تدور حول الزهد يف احلياة واالستعداد للموت، وهي على عكس أبيات

.احلسني بن مطري تسودها نزعة من التشاؤم

، من البسيط٢٨٧ص/ ديوان أيب العتاهية ١ الطري الناعم: الغض. الليل والنهار: نااجلديد ٢ نسي: سال ٣ السراب: اآلل. يشبه: حيكي ٤ مصائب: غري ٥

١٣١

عر الزهد يف عهد املهدي كان قليال جدا إذا ما قارناه بعهد من بعده، ونرى بصورة عامة أن ش

والسبب يف ذلك هو أن الدولة كانت ماتزال يف بدايتها، كما كانت حديثة عهد باالستقرار الداخلي

مما أشاع جوا من األمن املقترن بالرخاء و احلرية، فانغمس الناس يف أنواع اللذات وتكالبوا على متاع

.يا، ومل تبدأ الصحوة الدينية الزهدية إال يف أواخر عهد املهديالدن

وجند أن الزهد صيغ بلغة سهلة قريبة من أفهام الناس وابتعد عن الغريب والبعيد املستعصي على

.الفهم، ألن صعوبة التعبري تولد النفور يف النفوس وبذلك تنتفي الفائدة منه

١٣٢

:االجتماعيالشعر :تاسعا

:التعازي والتهاين .١

كثرت يف عصر املهدي قصائد التهاين والتعازي نظرا للنشاط الذي امتازت به احلياة العباسية وتعدد

وإقبال الشعراء على هذا النوع من الشعر االجتماعي ناجم عن . املناسبات االجتماعية والسياسية

ظار إليهم و الدعاية ألنفسهم عند اخللفاء اطالعهم على كل مستجدات العصر وحماولتهم لفت األن

وحاشيتهم وكبار القوم، لذلك جند أن معظم هذه القصائد اختذت الطابع الرمسي الرتباطها بأحداث

. الدولة و بيت اخلالفة

ويف كثري من تلك القصائد الرمسية جند أن الشاعر جيمع بني التهنئة والتعزية، والتهنئة هي أن يظهر

ه ومتنياته الطيبة جتاه الشخص املعين ملنصب تواله أو مال أو ولد رزقه وما إىل ذلك من الشاعر حفاوت

.مناسبات اجتماعية تتطلب التهنئة

من املواساة والتسلية نوعاأما التعزية فغالبا ما تتخذ الطابع الرمسي ألا تكون موجهة إىل أهل الفقيد

اليت سيجزيه اهللا عنها خري اجلزاء، وإن كانت تلك األبيات هلم عما أصام وتذكريهم بأفعاله الصاحلة

على قدر من اجلودة وأعجب ا أهل الفقيد فإم يستخدموا يف ندبه، لذلك تكون معظم تلك

. التعازي قيلت بناء على طلب أهل الفقيد ، وتكون موجهة غالبا إىل أهل بيت اخلالفة وعلية القوم

:١هدي يف وفاة املنصور ومهنئا إياه بتوليه اخلالفةقال أبو دالمة معزيا امل

، من الكامل٨٢ص/ديوان أيب دالمة ١ فرحة: جذىل ٢

١٣٣

استطاع الشاعر أن جيمع يف مقطوعته بني مناسبتني اجتماعيتني مها موت خليفة سابق وتويل خليفة

الحق، وذلك يف كل بيت من أبياا مما يدل على حضور بديهة وذكاء متوقد، إال أن كثرة التقسيم

نوع من التكلف وهو ما يعيب معظم القصائد اليت مجعت بني مناسبتني متضادتني يف آن قد أدى إىل

واحد، وقد مجع الشعراء منذ القدم بني موضوعني شعريني أشهرها اجلمع بني متناقضني مها الفخر

واهلجاء أو املديح واهلجاء، وقد جنحوا يف ذلك وامتازت قصائدهم بوقع قوي للعالقة بني الترغيب

لترهيب، كذلك جند أن اجلمع بني الرثاء والزهد مثال هو مجع ناجح نظرا لعالقة التناسب بني احلزن وا

.واخلوف، فاخلوف من املوت يكون تابعا للحزن على امليت وهكذا

أما اجلمع بني التعزية والتهنئة فأرى أن فيها نوعا من التكلف نظرا لتناقض عاطفيت احلزن والفرح،

. قصيدة مجعت بني تلك العاطفتني فكان هلا تأثري بالغ على النفوسوقلما جتد

:العتاب .٢

وهو لون من الشعر يتوجه به الشاعر إىل شخص عزيز عليه فيعاتبه على أمر ارتكبه فأغضبه أو أحزنه، ء وهو تقريبا ضد االعتذار، وكأن الشاعر ينتظر من املعاتب اعتذارا ، ولكنه غالبا ما يقصد به اخللفا

.وكبار القوم فتكون اجلوائز والصالت بديال مناسبا عن االعتذار

الكثري الرأفه: االرأف. داخال يف احلرم، أو يف الشهر احلرام: حمرما ١

١٣٤

:١قال أبو العتاهية معاتبا املهدي وكان قد وعده بشيء مث منعه منه

أول ما قد يتبادر إىل ذهن القارئ هو مدى جرأة الشاعر على توجيه العتاب للخليفة، ولكن هذا هو

ينما ما جو احلرية الذي شاع يف ذلك الوقت والذي ظهر أثره جليا على شعراء االجتاه التجديدي، ب

.زال شعراء االجتاه التقليدي جيعلون بينهم وبني خلفائهم حاجزا من الرهبة واإلجالل

وقد تكون رنة اإلجالل عند املقلدين من األسباب اليت دفعت املهدي إىل تقدمي شاعر البالط األول

. مروان بن أيب حفصة على أي شاعر جمدد

:الشكوى واالستعطاف .٣

حادث أصابه أو أمر أحزنه أو تغري حاله أو مصيبة وقعت عليه، وقد كثر وهو أن يشكو الشاعر منيف عهد املهدي كثرة مفرطة فكان يف جممله بديال عن رقع الشكوى اليت اعتاد الناس إرساهلا إىل

.اخللفاء :٥قال مروان بن أيب حفصة يشكو دهره

، من الكامل٣٣٥ص/ديوان أيب العتاهية ١ ايء والعودة: احلل والترحال ٢ اقتتل وتصارع: اعتلج. الوعود: بنات الوعد ٣ خلداعالسراب، ويضرب مثال يف ا: اآلل. الربق املخادع الذي ال حيمل املطر: الربقة اخللب ٤ ١١٥ص/ ديوان مروان بن أيب حفصة ٥ عصري مر املذاق: الصاب. عانيت: قاسيت ٦ الصباغ: اخلضاب ٧

١٣٥

يتحدث الشاعر عن شدة أصابته بعد أن تقدمت به السن فاكتشف أنه مل يصب من حياته ما أراده لة لن تعيد من متاعها، مث يستنكر أن يلجأ إىل اخلضاب إلخفاء عالمات تقدمه يف السن ألن تلك احلي

.إليه سين شبابه وقوته، فموضوع الشكوى هنا هو تغري احلال وذهاب الشباب :١ي يشكو جنود املهدي بعد أن محلوه من الرقة إىل قصر املهدي بأمر منهقال ربيعة الرق

يشكو الشاعر إىل اخلليفة قيام جنوده مبباغتته ومحله إكراها من الرقة إىل بغداد، وكان املهدي قد أمره

بالقدوم بطلب من جواريه ألن أردن أن يسمعن شعره يف الغزل والذي كان من أرق الشعر

.هنا هو اإلكراه على الفعلوأعذبه، فموضوع الشكوى

:٢دخل أبو دالمة على املهدي فوجد رجلني يعيبانه ويعاتبان املهدي على تقريبه إياه، فقال

أبو دالمة يف هذه األبيات أن يستثري عاطفة املهدي وأن يضمن مساندته ووالءه لنفسه، فقد استطاع

أما عليهما ورمحته بقبيلتيهما، ويبدوصرف اخلليفة عن وشاية الرجلني بأن ذكره مبا كان من فضله

٤٣٧ص ٨ج/األغاين ١ ١٠٧ص/، الديوان٤٢٤ص ٥ج/األغاين ٢ كثري اهلم: جم البالبل. احلمار والكافر والرجل الضخم من كفار العجم: العلج ٣

١٣٦

كانتا مواليتني كانا من بين حمرز ومقاتل كما ذكر الشاعر يف البيت الثالث ويبدو أن هاتني القبيلتني

. للحكم األموي

ويستأذن الشاعر خليفته يف هجاء الرجلني أو الكف عنهما على الرغم مما خيتلجه من مشاعر السخط

والغضب، وهي لفتة ذكية منه تظهر مدى إجالله للخليفة فال يقوم باالنتقام لنفسه إال بإذن منه، وهي

وك حىت عصرنا احلاضر لعلمهم أن إظهار الوالء طريقة ذكية يستخدمها املقربون من اخللفاء واملل

واالحترام يولد التعاطف واملساندة منهم، إذن موضوع الشكوى هنا هو تعرض الشاعر للوشاية

.ورغبته يف االنتقام

:١وكتب إىل املهدي يستنجز جائزة وعده ا ويشكو من أذى احلر والصوم

يبدأ الشاعر أبياته بذكر الرحم اليت مجعت بينه وبني اخلليفة وهي صلة الوالدين األكربين آدم وحواء

ة يف إضحاكه ونقله إىل حالة مناسبة لسماع موضوع الشكوى الذي بغرض استدرار عطفه ورمبا رغب

، من الكامل٥٦ص/ديوان أيب دالمة ١ رحم آدم وحواء: بالرحم يريد ٢ املطبق: املؤصد ٣ مشقوقة اجللد: مشجوجة ٤ التسويف: املطل ٥

١٣٧

يعد غريبا ومتجاوزا للحدود الدينية وهو الشكوى من تعب الصيام وإرهاقه ومايالقيه من عناء الصالة

واألهم العناء ينتهي إىل املوضوع األساسيف املسجد، وبعد أن ينتهي من وصف تلك احلالة وذلك

خري جائزته اليت كان املهدي وعده إياها، إذن موضوع الشكوى هنا هو تأخر بالنسبة له وهو تأ

. اجلائزة

:١وقال نصيب األصغر شاكيا للمهدي منع جائزته

على الرغم من أن موضوع الشكوى هنا هو نفس املوضوع السابق إال أن االختالف يف التعبري يبدو

ند أيب دالمة إىل جدي عند النصيب،وعلى الرغم من جليا هنا بسبب اختالف األسلوب من هزيل ع

العالقة اليت ربطته باملهدي حىت واله بعض أعماله إال أنه مل ير لنفسه احلق يف خماطبة املهدي بلغة غري

رمسية وإمنا جنده يعمد إىل الطابع الرمسي القائم على التكلف، أما أبو دالمة فنظرا لطبيعة عالقته

.جنده ال يتورع عن اهلزل وإضحاك املهدي فهو سر تقربه منه) كمضحك املل(باملهدي

٧ص ١٢ج/األغاين ١

١٣٨

:١املهدي تأخري جائزته إىلوقال أبو العتاهية شاكيا

تفوح من هذين البيتني رائحة الطمع، فنحن نتخيل الشاعر وهو يف حال التفكر والتخيل وعالمات

الطمع والتفاؤل تظهر على وجهه، ولقد استطاع بذكاء أن يبدل حالة اليأس من اجلائزة بعد أن حرم

سلوب سيدفع اخلليفة إىل إجناز منها شهرا إىل حال التفاؤل والتطلع ألمر مجيل، والشك أن هذا األ

األمر على ما يتوقعه الشاعر حىت ال يكون دون التوقعات، وموضوع الشكوى هنا هو تأخر اجلائزة

.أيضا

إذن فقد تنوعت املوضوعات اليت دارت حوهلا أبيات الشكوى والعتاب مابني تغري احلال والرغبة يف

ري هو األكثر رواجا بني شعراء االجتاهني، وجند أن كل االنتقام وتأخر اجلوائز، إال أن املوضوع األخ

شاعر اختار طريقة عرضه ملشكلته أو موضوع شكايته مبا يتناسب ومكانته من املشكو إليه وطبيعة

عالقته به، وكثريا ما يلجأ شعراء االجتاه التقليدي إىل تفخيم لغتهم واحلرص على أن حتوي أكرب قدر

اجلائزة، بينما يلجأ اددون إىل التحدث عن موضوع شكايتهم بصورة من املدح والتفاؤل بعظم

مباشرة وخمتصرة ممتزجة حبال الطمع والرجاء اليت تعتريهم، ونالحظ أن االستعطاف والشكوى يف

.كال االجتاهني يتخذ شكل املقطوعات ال القصائد

، وهي من اخلفيف١٨٥ص/ديوان أيب العتاهية ١ املعروف: اجلميل. أحق: أوىل ٢

١٣٩

:التحريض .٢

سية بني الشعراء أو بينهم وبني أفراد احلاشية ، كثر التحريض يف ذلك الوقت نتيجة للرتاعات التنافوهو غرض خبيث يهدف إىل التخلص من عدو أو منافس وغالبا ما يكون عن طريق اامه بوالئه

.لبين أمية أو اامه بالزندقةلو كان : أمر املهدي مروانيا بقتل علج يف جملسه فضربه املرواين فنبا السيف فرمى به املرواين وقال

فغضب املهدي،فقام يقطني بن موسى البغدادي فأخذ السيف وضرب به العلج .. سيوفنا ما نبامن

:١فقال أبو دالمة...فقتله

. واينفرضي املهدي وأمر بقتل املر

استطاع أبو دالمة كعادته أن يلفت نظر اخلليفة إىل والئه احلقيقي ويذكره بأن نبو السيف له سبب

أعمق هو عدم إخالص حامله، والشاعر هنا يف سبيل احلصول على رضا اخلليفة مل يتوان عن اإلتيان

ك األبيات ، وهو تصرف نه قتل الرجل بسبب تلإمبعىن حساس جدا بالنسبة إىل اخلليفة حىت قيل

.عجيب من أيب دالمة ولكنه مل ينفرد بذلك إذ تكثر معاين التحريض والوشاية يف جملس املهدي

:٤حمرضا املنصور على خلع عيسى بن موسى وتولية املهدي العهد ٣وقال أبو خنيلة

٤٣٣ص ٥ج/األغاين ١ كليل ال يقطع: كهام ٢لقيط بن هدم، شاعر راجز له قصائد يف مدح املهدي ونظم يف عدة يعمر بن حزن بن زائدة بن : امسه أبو نخيلة وقيل ٣

وهو من خمضرمي الدولتني ٣اتصل خبلفاء بين العباس فانقطع إليهم ولقب نفسه بشاعر بين هاشم ومدحهم وهجا بين أمية.موضوعات األموية والعباسية ومن اوائل املدافعني عن احلكم العباسي

٤٩٢ص ١٠ج/األغاين ٤

١٤٠

ا للمهدي، وهو أمر حيرض الشاعر املنصور على خلع عيسى بن موسى من والية العهد لكي يسلمه

ال يتجرأ أي شاعر على اخلوض فيه إال إذا تبين أنه موافق لرغبة اخلليفة، وأكثر يف األبيات من مدح

املهدي وإظهار ما فيه من صفات حسنة وكأنه يربر ملن يف جملس املنصور سبب تقدمي املهدي ومدى

.ا عند الناسأحقيته بوالية العهد، والسيما أن عيسى بن موسى مل يكن حمبوب

اجلبل: الصدي. سم األسدا: الورد ١ يعين أبا دالمة ٢ عصا يضرب ا: الدرة ٣

١٤١

وبقدر ما كانت أبيات أيب دالمة سهلة وواضحة وقريبة من األفهام كانت أبيات أيب خنيلة جزلة تكثر

وغريها، إال أا مل ختل من ألفاظ قد تكون ...) البيعة - الصدي -الورد -زعقة(فيها األلفاظ البدوية

...).العقد - معهد - فزحلقها(أكثر قربا للحياة العباسية

بصورة عامة أن أكثر أبيات التحريض تدور حول موضوعات سياسية وغالبا ما تكون موافقة وجند

لرغبة اخلليفة وبذلك تكون ذات تأثري قوي مباشر على اخلليفة من حيث رضاه وموافقة أهوائه وعلى

. الشاعر من حيث تقدمه وصعوده السريع يف جملس اخلليفة

:شعر الفكاهة والتظرف واالستجداء .٣

هو ضرب جديد من الشعر الغرض منه اإلضحاك والتسلية يف جمالس اللهو والترويح عن النفس وقد و :خيالطها نوع من االستجداء الصريح كما سنرى يف النماذج التالية

:١مر أبو دالمة بنخاس يبيع الرقيق فرأى حسنهن ومسع غناءهن فدخل على املهدي وقال

، وهي من الكامل٦٩ص/، الديوان٤١٧ص ٥ج/األغاين ١ ابتعد منه: أعز به ٢ مجع ناهد، وهي الفتاة اليت د ثدياها: د ٣ واملراد هنا املشاحة يف البيع والشراء . نقص الثمن): من باب ضرب(مكس يف البيع ميكس ٤ لبسوا: تسربلوا ٥

١٤٢

وخرج املهدي يوما للصيد ومعه علي بن سليمان وأبو دالمة فرمى املهدي ظبيا فأصابه بينما رمى

:١علي بن سليمان فأصاب كلبا فقال أبو دالمة متندرا

٢وقال للمهدي ملا عاد من الري:

:٤وقال يف بغلته املشهورة

الشيخ أمحد حممد شاكر، دار احلديث، القاهرة، : ، ابن قتيبة، الشعر والشعراء، حتقيق٤٢٣ص ٥ج/األغاين، ٥٠ص/ديوان أيب دالمة ١

٧٦٦ص ٢ج/م ٢٠٠٦- هـ١٤٢٧(الطبعة الثانية ٤١٩ص ٥ج/، ٦٧ص/ديوان أيب دالمة ٢ صاحب أموال وفرية: ذو وفر ٣ ٤٢٧ص ٥ج/غاين، األ٩٣ص/ديوان أيب دالمة ٤ طلب السوم أي تعيني الثمن: يستام ٥ خيادع: خيايل ٦ املباراة واملساجلة، يريد أنه ال مياكس يف الثمن: السجال ٧

١٤٣

:٤أبياتا يستنجز فيها ما وعدته به وهي ٣وبعث للخيزران

:١١طامعا يف نيل شيء منها ١٠أبو العتاهية إليها ملا مسع بضرب السكة وبعث

الفساد يف األفعال أو العقول، أو التعب والعناء: اخلبال ١ الكرمي: الطرف من اخليل ٢ عتقها وتزوجها، وكانت حازمة متفقهة وهي ميانية األصلهي زوجة املهدي وأم ولديه اهلادي والرشيد، كانت جارية فأ ٣ ، من جمزوء الرمل٤٦ص/ديوان أيب دالمة ٤ بلني: أخلقن ٥ املرأة، ومسيت بذلك لقعودها يف البيت: القعيدة ٦ اللحم املقدد والثوب اخللق: القديد. هزيلة: عجفاء ٧ طحني يلت بالزيت ويطبخ: العصيدة ٨ زوجيت: عرسي ٩ النقود ١ ، من الرمل٤٠٥ص/ديوان أيب العتاهية ٢

١٤٤

:٣وبعث إىل املهدي يطلب منه جارية كان يهواها

:٤وقال ميدح البخل على سبيل املغايرة

طوعات اختذت جانب التجديد فهي ذات ونرى هنا أن هذا النوع من الشعر يأيت غالبا بشكل مق

وحدة موضوعية وموسيقى ظريفة وإيقاع سريع وألفاظ مستقاة من القاموس العباسي وصور حضارية

.غالبا ما تكون مضحكة ويكثر فيها التشبيه باحليوانات الرتباطها بعنصر اإلضحاك

ون من اهلبوط مبستواهم ومكانتهم وقلما جند شاعرا تقليديا ينظم يف مثل تلك املوضوعات وكأم يأنف

إىل ذلك املستوى املتدين، ورمبا كان ذلك أيضا ألم التزموا ديارهم فلم يربحوها إال قليال فلم تتح

.هلم فرصة التأثر مبثل ذلك اجلو الفكاهي الذي شاع يف املدن

يريد أن املهدي ضرب السكة هذه السنة، والسكة حديدة منقوشة تضرب عليها النقود: ضرب السنة ١ يريد أن هذه العملية مل تكن معهودة من ذي قبل ٢ ، من البسيط، ومل يرد غري هذا البيت يف الديوان٤٤١ص/ديوان أيب العتاهية ٣ ، من الكامل١٩١ص/اهيةديوان أيب العت ٤

١٤٥

:الفصل الثاني

ة يف بالط املهدي القضايا النقدي

١٤٦

ال شك أن الصراع الفكري واحلضاري الذي احتدم يف عصر املهدي كان له تأثري مباشر على

.احلركة النقدية اليت هي بطبيعة احلال تابعة للحركة الشعرية

وكما رأينا يف الفصل األول من تنوع يف املوضوعات الشعرية واجتاهاا سنجد هنا تنوعا يف

ات النظر حوهلا، ولقد كانت املعركة النقدية قائمة على أشدها القضايا النقدية واختالف وجه

:بني فريقني أساسيني تغلب عليهما مجيعا مسة التعصب ومها

فريق النحاة اللغويني املتعصبني للقدمي يتزعمهم ابن سالم واألصمعي وأبو عمرو بن

.العالء

ددوفريقا يف بداية جتربتهم ن أنفسهم و الذين كانومتعصب للجديد وهم الشعراء ا

شرعية فعمدوا الشعرية اجلديدة، وككل مذهب جديد مل يكن هلم من يناصرهم بصورة

.مدافعني عن جديدهم وعلى رأسهم بشار بن برد وأبو العتاهيةإىل تنصيب أنفسهم

هم إال بعد عهد املهدي، وقد والنقاد املعتدلني فلم تظهر آراؤ أما فريق علماء املنطق

.منها حبسب ما يقتضيه البحث الكتمال الفائدة أوردنا شيئا

١٤٧

: قضية اللفظ واملعىن : أوال

تعد من أهم القضايا النقدية وأكثرها حبثا ودراسة، فهي القضية األوىل اليت قامت عليها نظريات النقد

بية العرقية، إال أن األديب األخرى، وقد نشأت هذه القضية يف بيئة دينية نتيجة العصبية العربية والشعو

هلا جذورا تصل إىل العصر اجلاهلي حني كان مصطلح اللفظ مرتبطا بالنطق، ولكنها أشد ارتباطا

.١باإلعجاز القرآين واالختالف حول ما إذا كان يف اللفظ أم يف املعىن

أو الشكل و قد دارت الدراسات النقدية حول الشعر بصفته فنا تعبرييا يقوم على اللفظ واملعىن

واملضمون أو املادة واحملتوى، و مها متالزمان ال ميكن فصل أحدمها عن اآلخر ، يقول ابن

اللفظ جسم وروحه املعىن وارتباطه به كارتباط الروح باجلسم يضعف بضعفه ويقوى :(رشيق

امه وإمنا فصلهما العلماء بغرض احلديث عن صفات كل منهما ومساته وميزاته وأنواعه وأقس.٢)بقوته

.وغري ذلك من املسائل املتعلقة بتبيني ما يتصل بكل منها

ولقد أكثر العلماء يف البحث حول عالقة اللفظ باملعىن وأيهما أسبق من اآلخر، فمنهم من يرى أن

املعىن سابق للفظ حبيث ميكن أن يكون املعىن جمردا يف الذهن قبل اختيار اللفظ املناسب له، ومنهم من

ال ميكن أن يتجرد من اللفظ وإمنا خيطر يف الذهن بلفظه، كما اختلفوا يف تفضيل يرى أن املعىن

:٣أحدمها على اآلخر كما يلي

إىل اللغة نظرة عقلية منطقية صارمة تفصل بني اللفظ واملعىن، وبالتايل ينظر إىل اجلاحظينظر .١

.خلياليةالشعر بنفس النظرة اليت ينظر ا إىل اخلطابة مما كاد يسلبه طبيعته ا

٧٣ص/ م١٩٩٦، اإلسكندرية، منشأة املعارف،٣حممد زغلول سالم،تاريخ النقد األديب والبالغة حىت آخر القرن الرابع اهلجري ط ١

وما بعدها ٩١ص ١ج)/بريوت لبنان(مفيد حممد قميحة،دار الكتب العلمية:احلسن بن رشيق القريواين،العمدة يف صناعة الشعر ونقده،حتقيق ٢ نفسه ٣

١٤٨

كما يرى أن املعىن سابق للفظ فهو مستقل عنه واللفظ تابع له، ويقسم املعاين إىل شريفة

وغري شريفة، ويقيس الشعر اجليد جبودة لفظه وحسن شكله، وليس أدل على ذلك من قوله

من يأيت إىل املعىن اخلسيس فيجعله بلفظه كبريا، أو إىل الكبري فيجعله:(واصفا الشاعر اجليد

، ولكنه ال يريد بذلك التكلف يف اختيار اللفظ وإمنا هو يريد بذلك حتري ١)بلفظه خسيسا

اللفظ احلسن وتنقيح الكالم وذيبه، وسر اهتمام اجلاحظ باللفظ هو اعتقاده بأن األلفاظ

حمدودة بينما املعاين ال اية هلا، لذلك يكون تعامل األديب مع اللفظ أكرب من تعامله مع

.سنة اليت تفسر ما يريده من معانين وذا يتميز كل أديب عن اآلخر بتحريه األلفاظ احلاملعا

وهو أيضا من أصحاب النظرة العقلية اليت تقدم اللفظ على املعىن، فقد جعل ابن قتيبة .٢

لأللفاظ دالالت مفردة مستقلة بينما يرى أن املعاين ما هي إال احملتوى املنطقي للكالم، وعلى

:٢ألساس قسم الشعر إىل أربعة أقسامهذا ا

:ضرب حسن لفظه وجاد معناه، كقول أوس بن حجر .١

:ضرب حسن لفظه و ال فائدة يف معناه، كقول جرير .٢

:رب جاد معناه وقصرت عنه ألفاظه، كقول لبيد بن ربيعةض .٣

:ضرب تأخر معناه ولفظه، كقول األعشى .٤

١٧٠ص)/م١٩٨٧/هـ١٣٩٨(كمال مصطفى،القاهرة،مكتبة اخلاجني:،حتقيق٣قدامة بن جعفر،نقد الشعرط ١ و ما بعدها، بتصرف٢٥٥ص/م٢٠٠٤حممد زكي العشماوي،قضايا النقد األديب بني القدمي واحلديث، األزاريطة، دار املعرفة اجلامعية، ٢

١٤٩

.١)حكمة أو مثل أو فكرة أخالقية أو فلسفية(باملعىن عنده أن يكون ذاواملقصود

بتلك النظرة العقلية للشعر فصرح بأن معاين الشعر ليست ذات تأثري قدامة بن جعفرتأثر .٣

على شكله كما أن براعة النجار ال تفسدها رداءة اخلشب، وكان من أشد النقاد افتتانا حبلية

قسيمات املنطقية فيما يتعلق بأنواع املعاين مث أنواع ائتالف اللفظ مع ، وقد أكثر يف الت٢اللفظ

، وبني عيوب اللفظ وعيوب املعىن وعيوب ٦ومتثيل ٥وإرداف ٤وإشارة ٣املعىن من مساواة

. ٧ائتالف اللفظ مع املعىن وغريها من التقسيمات العقلية الفلسفية

عمل الفين للشكل اخلارجي، وكان مع من سبق يف إرجاع قيمة ال أبو هالل العسكرييتفق .٤

.شديد التأثر بتقسيمات قدامة بن جعفر

اإلبداع الفين ال يظهر يف الوقوع على املعىن، وإمنا يف إجادة (على أن اتفق مجيع النقاد السابقني لقد

،وقد أدت نظرم للشعر على أساس اللفظ واملعىن ٨)القوالب واألشكال اليت تربز املعىن وتكشف عنه

، القاهرة، أمرية للطباعة، ١عىن وأثرها يف تدوين البالغة العربية طعلي حممد حسن العماري،قضية اللفظ وامل ١

، بتصرف٢٥٧ص/م١٩٩٩/هـ١٤٢٠ ، بتصرف واختصار٢٦٦ص/قضية اللفظ واملعىن ٢ :أن يكون اللفظ مساويا للمعىن، حىت ال يزيد عليه وال ينقص منه، كقول زهري ٣

س تعلموإن خاهلا ختفى على النا ومهما تكن عند امرئ من خليقة :أن يكون اللفظ القليل مشتمال على معان كثرية بإمياء إليها أو حملة تدل عليها، كقول زهري ٤

لكان لكل منكرة كفاء فإين لو لقيتك واجتهنالى التابع أن يريد الشاعر داللة على معىن من املعاين فال يأيت باللفظ الدال عليه بل بلفظ يدل على معىن هو ردفه وتابع له، فإذا دل ع ٥

:أبان عن املتبوع، كقول ابن أيب ربيعة أبوها و إما عبد مشس وهاشم بعيدة مهوى القرط إما لنوفل

:أن يريد الشاعر إشارة إىل معىن فيضع كالما يدل على معىن آخر يكون منبئا مع الكالم عما أراد أن يشري إليه، كقول بعض العرب ٦ ه فاجل من دائها فهو يرعشب فىت صدمته الكأس حىت كأمنا

١٦٢- ١٥٠ص/نقد الشعر: ملزيد من االطالع انظر ٧ ٢٢٤ص/م٢٠٠٦/هـ١٤٢٧، الرياض، مكتبة الرشد،٢السيد أمحد عمارة،يف النقد األديب ط ٨

١٥٠

حممد زغلول سالم.دجتريده من روحه ونبضه أعين اجلانب اخليايل أو الصورة الفنية، ولكن يرى إىل

أنه ليس املقصود باللفظ دائما اللفظ املفرد، وال املقصود باملعىن دائما املعىن املفرد، إذ ال ميكن تصور

ظي يف مجلة مفيدة، وقصد استقالل أحدمها عن اآلخر ذا املعىن، وإمنا قصد باللفظ التركيب اللف

.واهللا أعلم..١باملعىن املعىن الذي تدل عليه تلك العبارة وعلى ذلك يصح الفصل بينهما

، فهو يصور عالقة اللفظ )اللفظ جسم روحه املعىن:(عن هؤالء يف قوله السابق ابن رشيقوخيتلف

يعترف بأن أكثر الناس باملعىن كعالقة اجلسد بالروح مبعىن أما متآزران مكمالن لبعضهما، و

.٢يفضلون اللفظ على املعىن

عبد القاهر اجلرجاين الذي تعد آراؤه يف اللفظ واملعىن هي أهم ما توصل إليه النقاد أما الشيخ

فريى أن اللفظة املفردة ال قيمة هلا وال داللة لذلك فلم يكن مرد اإلعجاز القرآين يف األلفاظ قدميا

اليت وصلت بني ٣عند استخدامه يف سياق كالمي، وقد جاء بنظرية النظموإمنا تظهر أمهية اللفظ

اللفظ واملعىن ونفت فكرة انفصال أحدمها عن اآلخر، كما أنكر أن يكون ألحدمها مزية مفردة وإمنا

.٤هو النظم واألسلوب والصياغة

:وقد استشهد على فساد النظم بقول الفرزدق

وه يقاربهأمه حي أبــ أبو س إال مملكاوما مثله يف النا

وما بعدها، بتصرف ٧٣ص/تاريخ النقد األديب والبالغة ١ ،بتصرف٢٣٢ص/يف النقد األديب ٢أن تضع كالمك الوضع الذي يقتضيه علم النحو وتعمل على قوانينه وأصوله، وتعرف مناهجه اليت (وتعريف النظم عند عبد القاهر ه ٣

حممود شاكر ، مكتبة اخلاجني ، : ،تعليق ،دالئل اإلعجاز)جت فال تزيغ عنها، وحتفظ الرسوم اليت رمست لك فال ختل بشيء منها ٨١ص/ هـ ١٤٢٤القاهرة ، الطبعة اخلامسة

وما بعدها، بتصرف٢٣٣ص/ألديبيف النقدا ٤

١٥١

وما مثله يف الناس حي :(فإن سوء الترتيب أدى إىل فساد املعىن والذي هو على الترتيب الصحيح

.١)يقاربه إال مملكا أبو أمه أبوه

:ومن أشهر الشواهد اليت ميثل ا مجال النظم قول بشار

إن ذاك النجاح يف التبكري بكرا صاحيب قبل اهلجري

على هذا الوجه أغنت غناء فاء العطف وأضافت للكالم رونقا واء ) إن(جميء يرى الشيخ أن

.٢فجعلته مقطوعا موصوال يف نفس الوقت

إذ علي حممد حسن عماري.دومن أحدث اآلراء حول الفصل بني اللفظ واملعىن ما توصل إليه

بعد أن استعرضت اآلراء فيها وعرضت ملسألة الفصل بني اللفظ واملعىن يف النفس اإلنسانية، و:(يقول

رأيت أن املعىن يصحبه اللفظ إذا وصل إىل منطقة الفكر، أما قبل ذلك فهو خيال حائم يف النفس

. ٣)يبحث عن معرضه الذي يبدو فيه

، بتصرف٢٣٥ص/نفسه ١ ، بتصرف نفسه ٢ ٤٠٧ص/قضية اللفظ واملعىن وأثرها يف تدوين البالغة العربية ٣

١٥٢

:يف الشعر العباسي أثر البيئة: ثانيا

ذي يدفع الشاعر إىل نظم الشك أن للبيئة أثرا مباشرا يف الشاعر،بل هي الباعث األساس ال

أوليس الشعر هو الفن الذي اختاره الشاعر ليعرب عن مظاهر بيئته وأحداثها وعناصرها ..الشعر

وأشكاهلا؟

ولذلك جند أن شكل القصيدة الشعرية قد تغري تدرجييا وصوال إىل العصر العباسي يف عهد املهدي،

لرأينا أن الصور حتورت تدرجييا من صور بدائية ولو أتيح لنا أن نضع هذا التغري يف شريط من الصور

تتمازج فيها مشاهد الصحراء القاحلة والناقة الضامرة واألطالل القدمية البائدة وبعض صور األمل

املتمثلة يف نزول مطر بعد قحط أو ظهور غدير بعد عطش وما يرتبط بكل ذلك من تشبيهات وأخيلة

متاما عما اعتدنا عليه قدميا فنرى الصحراء استحالت روضة إىل مشاهد حضارية ختتلف..بدوية قدمية

يانعة والناقة الضامرة أصبحت فرسا مسرجة بالديباج املعقود خبيوط الذهب واألطالل أصبحت

قصورا عامرة تشيع يف أرجائها روح الفرح وحياة املرح، والتعطش جلرعة املاء من الغدير صار تعطشا

لزق اخلمر من الدكل هذه التغريات نتجت عن تغري البيئة نفسها، وهنا تربز أمهية الشعر الذي !!ري،

هو املرآة احلقيقية الصادقة اليت تعكس مظاهر البيئة اليت عايشها الشاعر وخاض فيها جتاربه الشخصية

.فعرب عنها مستعينا بأدوات الواقع املعاصر

مع )شعريا(يف مدى قدرة الشاعر على التكيف إال أن شخصية الشاعر وذوقه مها املتحكمان الرئيسان

فقد ينسلخ الشاعر من تأثري البيئة القدمية متجردا من مظاهرها معربا عن واقع جديد : كل بيئة جديدة

وخري مثال ..يعيشه متلقفا لكل جديد ومعربا عن جتاربه ومشاهداته وآرائه بشفافية وصدق وعاطفة

.بشار بن برد على هؤالء الشاعر العباسي الكبري

١٥٣

فإن القارئ لديوان بشار ال حاجة له يف العودة إىل ترمجته ليعلم بأنه شاعر خمضرم عاصر دولتني

عربيتني مها الدولة األموية والدولة العباسية،إذ تكاد قصائده تنطق بتلك احلقيقة ألنه عاش بيئتني

عال من مظاهرها وجتاربه فيها أدوات خمتلفتني واستطاع أن يعرب عن كل بيئة تعبريا دقيقا صادقا جا

فنحن نراه يف العصر األموي يسري على منهج األوائل ليس بغرض تقليدهم .. فنية يصنع ا فنه اخلالد

فحسب وإمنا ألن البيئة األموية مل ختتلف كثريا عما سبقها من عصور عربية إذ كانت الدولة ما تزال

رات ومل يتغري منظورها املتعصب الذي جيعل من العريب سيدا عربية خالصة مل ختتلط بغريها من احلضا

فلم جيد الشاعر يف ذلك الوقت ما يدعوه إىل التجديد أو ابتداع ..مطاعا ومن املوىل خادما وتابعا

مذهب جديد طاملا أن املنهج التقليدي هو الرائج واملفضل يف ذلك الوقت فنراه ينظم قصائد تقليدية

:١على غرار قوله

ولكننا جنده يف العصر العباسي يعرض عن القدمي ويستحدث منهجا جديدا مواكبا لعجلة التطور

:٢خص آخر ال صلة له بالشاعر القدمي فيقولالعباسي وكأنه ولد من جديد أو كأنه ش

ته الشعرية وسعة أفقه وسرعة بديهته وهذا إن دل على شيء فإمنا يدل على براعة الشاعر وقوة ملك

.وخصوبة معانيه ومرونة فنه

،من السريع، قاهلا يف العصر األموي ميدح ابن هبرية١٤٥ص ١ج/ديوان بشار بن برد ١ ١٥٥ص/الفن ومذاهبه يف الشعر ٢

١٥٤

ولكن بعض الشعراء مييل به ذوقه إىل التمسك بالقدمي واالستمرار فيه خوفا من التجديد الذي قد

فيخسر مكانته الشعرية ومجهوره من املعجبني، فنجده مرتويا على -كما يرى- يوقعه يف الضعف

ع اجلديد متجاهال لتجاربه وواقعه هاربا إىل ماض لن يعود متطلعا إىل مكانة نفسه حذرا يف التعامل م

لن يبلغها وإن كان أشعر الشعراء ألن الشعر هو املصداقية يف التعبري عن جتارب الشاعر نفسه ال عن

.جتارب غريه فإن خال من املصداقية عجز عن التعبري فصار تقليدا فقط

العباسية املغايرة للبيئة القدمية هي اليت سببت قيام الثورة العاتية ضد القدمي ونتوصل هنا إىل أن البيئة

وإىل انقسام الشعراء إىل تقليديني وجمددين، كما أن مكان نشأة الشاعر قد حيدد اجتاهه الشعري،

ئته فبشار شاعر خمضرم عاصر الدولة األموية وبرع يف الشعر التقليدي إال أنه غري اجتاهه متأثرا ببي

حيث عاش يف البصرة مما أتاح له االحتكاك بالشعراء الشباب عالوة على خوض جتاربه الشخصية

اجلديدة اليت مل جيد من الصواب التعبري عنها بلغة الشعر القدمي، بينما عاش مروان جل حياته يف

.دن الكربىاليمامة فلم يكد يبتعد عنها لذلك مل يتأثر بتلك الثورة التجديدية اليت قامت يف امل

وال ميكن أن ننكر أن للبيئة تأثريا حىت يف شعر التقليديني، إال أنه أثر ضئيل ال يكاد يظهر عند بعض

الشعراء، لذلك خنص هنا االجتاه ادد لنرى مدى تأثري البيئة على قصائد أصحابه من حيث

.يهات والعاطفةاملوضوعات الشعرية والشكل واألوزان واأللفاظ واملعاين والصور والتشب

:املوضوعات الشعرية

كانت البيئة العباسية من أخصب البيئات العربية إذ تباينت فيها األعراق واألذواق واللغات

واحلضارات والثقافات اليت تتفق تارة وتتالطم تارة أخرى، مما أشعل قرحية الشعراء الذين مزجوا تلك

فيه عن مشاهدام وجتارم وآرائهم ومعتقدام وحىت األلوان املتباينة ليخرجوا بفن جديد حي عربوا

مهومهم وعواطفهم،لذلك تعددت املوضوعات الشعرية يف عهد املهدي إذ نظم الشعراء يف كل

١٥٥

املوضوعات يف املديح والفخر واهلجاء والوصف والغزل والرثاء والزهد واملناسبات االجتماعية

ح بين أمية فأرادوا ورط كثري من الشعراء املخضرمني يف مداملختلفة،وأعيد إحياء فن االعتذار نتيجة ت

ة،كما ظهر لون شعري يقاخلليفة العباسي فعمدوا إىل االعتذار له ومدحه خوفا وت أن ينالوا رضا

جديد هو شعر الفكاهة الذي يقصد به اإلضحاك والترويح عن النفس نتيجة حياة الترف والرفاهية

هو شعر التحريض والكيد للخصم وهو أيضا من تبعات احلياة التنافسية واألمن، كما شاع نوع آخر

يف الدولة العباسية إذ كان الشعراء يتسابقون فيما بينهم للوصول إىل املكانة اليت أرادوها يف تلك

.الدولة اجلديدة

رائه ولقد كان املديح هو سيد املوضوعات يف ذلك الوقت وكان يف جممله موجها إىل اخلليفة وأم

واقية و املكانة الرفيعة أو لتكوين درعووزرائه وحاشيته واملقربني منه بغرض نيل اجلوائز الثمينة أ

للشاعر عند اخلليفة أمام قذائف الكيد اليت يتلقاها من حساده يف البالط، ومل يقتصر على شعراء

ال تستوي حيام مذهب دون آخر،إذ انربى الشعراء يتنافسون على رضا اخلليفة وجوائزه اليت

الناعمة إال ا كل على طريقته ومذهبه، فبينما نسمع مروان يقول مادحا اخلليفة بصفات املدح

:١التقليدية املعروفة منذ القدم كقوله

:٤نلتفت لنسمع أبا العتاهية يقول وقد غلبت عليه صبغة احلضارة

من املتقارب، ١١٧ص/مروان بن أيب حفصة نديوا ١ املقام: الدعم. الساحة: الفناء. ظلمة الليل: الدجى ٢ االنتقام: النقم. تزيل: تبيد. تعطي: تفيد ٣ ، من السريع٤٠٣ص/ ديوان أيب العتاهية ٤

١٥٦

توحات اإلسالمية املتتالية وافتتان الشعراء ن انتشار اجلواري بشكل كبري جدا نتيجة الف نكما أ

باإلضافة إىل شيوع الغناء وموجة من التحرر االجتماعي واالنفالت األخالقي أدى إىل شيوع الغزل

الذي وجد مساحة كافية العفيف ولكنه مل يقف أمام الغزلالصريح الذي اكتسح اتمع اكتساحا

د الديانات عدة نتيجة تترفاملتمع ا أوساط يف رائجا كان النوع الصريح إال أن..لينتعش وينشط

.واملفاهيم األخالقية

إال أن املالحظ على الغزل بنوعيه هو غلبة طابع الرقة اليت أحدثتها احلضارة واحلياة املترفة الالهية يف

التقليديقلوب الشعراء من أصحاب املذهبني، فها هو ذا مروان بن أيب حفصة أشهر شعراء املذهب

:١يف عهد املهدي يقول متغزال وواصفا فم حمبوبته وصفا مجيال عذبا

ناجم عن حركة الشعوبية البغيضة اليت ولدها الصراع العنيف أما موضوعا اهلجاء والفخر فأكثرمها

بني العرب واملوايل واليت كانت على أشدها يف عهد املهدي فتعددت قصائد الفخر بالعرق األعجمي

مقابل الفخر بالعرق العريب وكذلك هجاء العرب والتقليل من شأم يف مقابل هجاء املوايل

:٤ب،مثال ذلك قول بشار مفتخرا بأصله الفارسيواحتقارهم من قبل الشعراء العر

١١٢ص/ ديوان مروان بن أيب حفصة ١ املساء: طفل. يداعبها: غازهلاي. روض: مخل. يعين الفم: الذي به الريق. الريق: ماء املساويك. العطش الشديد: الصدى ٢ يلمع لنظافته: جيلو. الناصع البياض: الغريض. األسنان الناصعة البياض واليت تشبه الربد: الربد ٣ ٣٦ص)/حنو منهج جديد(يف الشعر العباسي ٤

١٥٧

لذي ناهلا الشاعر هو الفخر بكمية العطاء ا..كما شاع نوع آخر من الفخر يعد غريبا بعض الشيء

مقابل قصيدة من قصائده أو مدحة من مدائحه لبث احلسد والغيظ يف قلوب منافسيه وخصومه،

:١كقول مروان

ومن أهم ما نالحظه يف الشعر العباسي متيز القصيدة بالوحدة املوضوعية على عكس القصيدة القدمية

املعروفة بتعدد الوحدات املوضوعية، كما أفردت القصائد يف موضوعات شعرية مل تفرد هلا القصائد

.ل كالوصف واحلكمة والزهدمن قب

عن الشكل القدمي الذي اعتدنا عليه منذ العصر اجلاهلي حىت شكل القصيدة العباسيةولقد تغري

أواخر العصر األموي، إذ جند القصيدة العباسية قد حتررت من املقدمة الطللية وأصبح الشاعر يدخل

ه بأبيات يف الغزل أو احلكمة أو يف موضوع القصيدة مباشرة دون مقدمات إال إن أحب أن ميهد ل

الوصف، وبذلك اتسمت القصيدة بالوحدة املوضوعية ، كما أن القصائد قصرت شيئا فشيئا حىت

.صارت أشبه باملقطوعات منها بالقصائد

الثقيلة استحالت إىل أوزان خفيفة ذات إيقاع خفيف مطرب لتتماشى مع موجة األوزانكما أن

.ك العصرالغناء اليت شاعت يف ذل

فكانت رشيقة سهلة واضحة بعيدة عن اجلزالة وأقرب إىل العذوبة والرقة نتيجة تباين األلفــاظأما

اللغات و اللهجات واختالط النسب العريب بغريه ورغبة يف استمالة قلوب اجلواري املولدات اللوايت

، من الكامل٦٧ص /ديوان مروان بن أيب حفصة ١

١٥٨

لدارجة والكلمات اليومية هي فأصبحت اللغة ا. ال يستهويهن الشعر الفخم املعقد هذا إن فهمنه أصال

القاموس الذي يستقي منه الشعراء ألفاظهم الشعرية حماولني أن يتجنبوا كل ما هو بدوي معقد

أمري (ومن أهم املصطلحات اليت استخدمها الشعراء يف قصائد املديح الرمسية استبداهلم باسم. جاف

.خرىمما يدل على مدى تأثرهم باحلضارات األ) ملك(اسم) املؤمنني

عن املعاين القدمية املعروفة، فأصبح الفخر باألصل األعجمي املعاين يف الشعر العباسيوكذلك تبدلت

بل لقد تغري مفهوم اجلرأة ..وبالوسامة والثراء هو البديل عن الفخر بالنسب العريب والفروسية والكرم

والفروسية ..خيوضها الشاعر والشجاعة يف احلروب فصارت اجلرأة تتمثل يف املغامرات العاطفية اليت

، وبعد أن كان الشاعر القدمي !!هي قدرته على اصطياد النساء وبراعته يف القصف والصيد واللهو

كما أصبح األمر باملعروف ! يفتخر بعفة حمبوبته ونقاء أصلها صار يشجعها على السفور والفجور

ند البعض نظرا النغماس اتمع يف والنهي عن املنكر ضربا من التشدد والفكر الرجعي املستهجن ع

اللهو واتباعهم لألهواء وإنكارهم على املتعففني وترغيبهم يف الوقوع يف الزالت واحملرمات، لذلك بدأ

بعض الشعراء يف نظم مقطوعات زهدية حيثون الناس فيها على الرجوع إىل الدين احلق وتذكر املوت

:١،كما يف قول احلسني بن مطريوالنشور واخلوف من العقوبة يف يوم احلساب

:٢وقول أيب العتاهية

٢٨٢ص ٨ج/األغاين ١ ، من البسيط٢٨٧ص/ ديوان أيب العتاهية ٢ السراب: اآلل. يشبه: حيكي ٣

١٥٩

:٢وقوله

إال أن قصائد الزهد كانت قليلة يف عهد املهدي إذ كان الشعراء ما زالوا متخبطني يف سكرة احلياة

. ررة اجلديدة ومل يبدأ عهد الصحوة الدينية إال يف زمن الرشيداملتح

يف العصر العباسي متنوعة بتنوع الثقافات واحلضارات، كما كان والصور واألخيلة والتشبيهات

التساع رقعة الدولة وتضخمها يف ذلك العصر تأثري يف تباين تلك الصور اليت استمدها الشعراء من

إن مل خيل متاما من مشاهد الصحراء القاحلة والدابة الضامرة ولكنها عند بعض الواقع احلي املباشر و

الشعراء استحالت إىل رياض يانعة ودواب فارهة وقصور عامرة وما يتبع ذلك من عطور وألبسة

فبدال من تشبيه ..فاخرة ومطاعم ومشارب متنوعة،وصارت التشبيهات مستوحاة من البيئة اجلديدة

الشارد والقمر املنري وقضيب اخليزران املتثين، أصبحت تشبه بـخامت امللك الذي زينته املرأة بـالظيب

:٣النقوش

مصائب: غري ١ ، من الوافر٦٠٢ص/ديوان أيب العتاهية ٢ ،والقصيدة من اهلزج١٤ص ٢ج/ديوانهبشار بن برد،: القائل ٣

١٦٠

:١وبدمية القس الفاتنة

:٣وشبه وجهها باملاء العذب الذي يطفىء ظمأ العاشق

:٤وظهر نوع جديد من التشبيه هو تشبيه احلسي باملعنوي كما يف قول بشار

:٥وقوله يف املديح

:٦أو تشبيه املعنوي باحلسي،كقول بشار

لنظرة إىل قواعده وأصوله وما يتطلبه الشعر وهكذا جند أن البيئة هلا دور فعال يف الشعر ويف اختالف ا

قد ختتلف املقامات واألزمنة والبالد فيحسن يف وقت ماال :(اجليد، ولقد صدق ابن رشيق حني قال

٧)حيسن يف آخر ويستحسن عند أهل بلد ما ال يستحسن عند أهل غريه

، من السريع٢٠٣ص/ ديوانهأبو العتاهية، ١ الراهب: القس ٢ ٣٩ص ٢ج/ديوانه/بشار بن برد:القائل ٣ ٤٢ص/يف الشعر العباسي ٤ ١٥٣ص/هبه يف الشعرالفن ومذا ٥ ٣٨- ٣٧ص ٢ج/ديوان بشار بن برد ٦ ٧١ج ص/العمدة يف صناعة الشعر ونقده ٧

١٦١

ه أشبه بآلة زمنية تعود وخالصة األمر أننا لو أردنا أن نشبه الشعر العباسي التجديدي بشئ لوجدنا

بك إىل ذلك الزمن القدمي وتلك البيئة العجيبة اليت مجعت أشد األلوان تنافرا يف لوحة تشكيلية إبداعية

لترى بنفسك عناصر احلياة العباسية املتنوعة وتشهد صراعاا العنيفة حول السلطة واملال مع ما شاع

مما يدل على براعة أولئك ..إيقاعها املتسارع احملمومفيها من مظاهر الرخاء والترف ولتعايش بنفسك

. الشعراء يف التعبري عن مظاهر تلك البيئة

١٦٢

قضية القدماء واحملدثني : ثالثا

يعد العصر العباسي أخصب العصور األدبية ألنه شهد كثريا من التغريات السياسية واالجتماعية

واالقتصادية ، بل هو نقلة نوعية فريدة نقلت العرب من بيئة بدائية حمدودة متقوقعة والثقافية والدينية

على نفسها و يغلب عليها الطابع البدوي األصيل إىل بيئة حضارية مدنية جديدة متوج مبختلف

.التنوعات وعلى كل املستويات

ية البحتة يف معظم نتاجها األديب فلقد كانت الدولة األموية دولة عربية خالصة تعتمد على الثقافة العرب

والشعري وكان قاموسها الشعري حافال باأللفاظ القدمية اجلزلة والصور املستقاة من البيئة البدوية

.األصيلة

ولكن مع قيام الدولة العباسية حدث اتصال مباشر بني العرب وغريهم من األمم األخرى اليت اعتنقت

ند وظهرت معها أنواع جديدة من الثقافات والفنون الغريبة اإلسالم حديثا كالفرس والروم واهل

واملعتقدات الدخيلة على اتمع العريب فانسلخ شيئا فشيئا من التراث العريب البحت ليدخل منحى

جديدا هو منحى الفكر اإلسالمي احلديث، إال أن هذا التمازج كان مقرونا يف عهد املهدي بالصراع

احلضارات نتج عنه لون جديد من النتاج الشعري املتأثر بالبيئة اجلديدة بكل العرقي العدواين بني

مافيها من مظاهر حضارية جديدة فاجأت الشعراء ووضعتهم يف موقف صعب حمير دفعهم إىل اختاذ

.موقف معني جتاه كل ذلك

:فانقسموا إىل ثالث فرق

اس األصيل لكل عمل شعري عريب فريق نظر إىل التراث القدمي ومنهج الفحول على أنه األس .١

الشعري تراثهم العريبجلودة امنهم لفضل األوائل ونكران اقومي، وأن تركه يعد جحود

١٦٣

، ١فاختاروا السري على منهجهم على غرار من سبقهم من الشعراء حىت اية العصر األموي

أسهم مروان ،ومعظمهم من الشعراء املخضرمني وعلى رشعراء االجتاه التقليديوهؤالء هم

.بن أيب حفصة واحلسني بن مطري ا

وكانت أشعارهم تقوم على البناء التقليدي القدمي من وقوف على األطالل ونسيب ووصف للرحلة

والراحلة انتهاء مبوضوع القصيدة الذي قد تتخلله أبيات يف احلكمة، فقصائدهم تتعدد فيها

واملعىن القدمي والصور البدوية والوزن الثقيل املوضوعات وقاموسهم الشعري يتألف من اللفظ اجلزل

.الفخم

م هلولقد اختار هذا الفريق أن يتعامى عن الواقع احلي ورضي لنفسه أن يكون مقلدا للقدماء حمتذيا

وقد حرم نفسه من متعة التعبري عن واقعه ونبض شارعه عاجزا عن التعبري عن جتاربه الشخصية

.ان باجلديدوأحاسيسه احلقيقية وعن اإلتي

وظن أصحاب هذا االجتاه أم بفعلهم هذا سيظهرون على منافسيهم غافلني عما نتج عن اختيارهم

هذا من تقوقع على الذات بسبب انعدام التفاعل مع متغريات العصر ومتطلباته مع ظهور التكلف

والذين لتشبه م ألوائل الذين حاولوا اتزييف العواطف يف قصائدهم، فانسلخوا بذلك عن أولئك او

كانوا يعربون عن واقعهم الذي عاصروه وعن جتارم اليت عايشوها دون أن يضطروا إىل التزييف

. التكلف كما فعل هؤالءو

ويف احلقيقة لقد أدى هذا التعصب األعمى للقدمي إىل تراجع مكانة هؤالء الشعراء بني مجهور

.ائدهماملتذوقني للشعر يف عصرهم وقل اإلقبال على قص

يعرف بعضهم شعر القدماء بأنه التراث الشعري الذي يشمل العصر اجلاهلي والعصر اإلسالمي حىت اية العصر األموي بعد جرير ١

) اهلامش(، ٢٠٨ص/ يف النقد األديب: والفرزدق بقليل، أي حىت أوائل القرن الثاين اهلجري، انظر

١٦٤

نظر إىل تراث األوائل على أنه قدمي قد عفا عليه الزمن ومل يعد مواكبا للعصر آخر وفريق .٢

شعراء االجتاه اجلديد، فتركه أو ثار عليه واختذ مذهبا جديدا مسايرا للعصر، وهؤالء هم

.ادد

اة العرب ومعظم هؤالء من اجليل الشاب الذي عاش حياة احلضارة منذ أن وعى ومل يعاصر حي

.أمثال أيب العتاهية ومطيع بن إياسمن السابقة

ويرى أصحاب هذا املذهب أن الفن هو يف حقيقته مرآة صادقة تعكس واقع الفنان دون تزييف أو

تكلف وأدواته هي التجارب الشخصية للفنان وأحاسيسه الصادقة النامجة عن تلك التجارب، لذلك

وعا خاليا من التكلف معربا عن واقعهم اجلديد مصورا خرج شعرهم صادق العاطفة عفويا مطب

لبيئتهم احلقيقية مبفردات قاموس العامة وموضوعات مترابطة مل تفرد هلا القصائد من قبل كالوصف

واحلكمة والزهد وأوزان خفيفة مطربة جتذب األمساع وتستميل القلوب وتتماشى مع املوجة السائدة

.ناءيف ذلك الوقت أعين موجة الغ

مل يستوعب سرعة هذا االختالف املفاجئ ومل يتمكن من اختاذ موقف جتاه ثالث فريقإال أنه ظهر

ميكن أن نطلق عليهمأي من املذهبني فجمع بني املذهبني وبقي يف موقف وسط بينهما، وهؤالء

.ومنهم السيد احلمريي واملؤمل بن أميل،أصحاب االجتاه احملافظ

واالستبدال ذهب ظل مير مبراحل انتقالية أوهلا التخلص من املقدمة الطللية ولكن بعض شعراء هذا امل

مقدمة غزلية أو وصفية مث التقليل من األوزان الثقيلة واإلكثار من األوزان اخلفيفة املطربة املناسبة ا

بني األبيات املفردات العامية السهلة القريبة من أفهام اجلمهور وزيادة الترابط بعض للغناء مث استخدام

وجتنب تعدد املوضوعات وهكذا حىت توصل إىل قرار اعتناق املذهب ادد يف الشعر ،وخري مثال

الذي يعد رأس احملدثني وحامل لواء اددين، فبشار عاصر الدولة بشار بن بردعلى ذلك شعر

١٦٥

بين أمية وقادم ألم األموية ردحا من الزمن واعتاد على استعمال املذهب التقليدي يف مدح خلفاء

كان على منهج األوائل وكل ما خالفه هو هو ما اجليد أصحاب تاريخ عريب أصيل يرى أن الشعر

روح فيه، وهكذا استمر على ذات املنهج يف بداية اتصاله باملهدي كما رأينا يف قصيدته جمرد نظم ال

:١اليت مدح فيها املهدي

مث جند أن الشاعر قد بدأ يف تغيري أسلوب القصيدة تبعا للمستجدات اليت يراها حوله، فالدولة مل تعد

لقصيدة إسالمية عربية وإمنا أصبحت إسالمية عاملية، وقد تغري منظور الشعر القدمي وأصبحت ا

فيحاول مواكبة العصر وجيدد يف قصائده إال أنه العباسية أكثر مرونة وأسرع تطورا وتقبال للتجديد،

:٦ال خيرج متاما عن اإليقاع القدمي كما يف قوله

، من الطويل٨٥ص ٢ج/ديوان بشار بن برد ١ البس الدرع: املدجج. غري املتسلح: احلاسر. أي وردت وجاءت: قد تكون بالفاء دفت: دقت ٢ذب . أكلهوهو ما أدرك وطاب : قد تكون نضيجا: نصيحا. أي ال يطيب أكل ما ال ينضج): ال يطيب امللهوج. (اسم شخص: واقد ٣

ادفعهم عين: القوم . التام اخللق: اخلمرنج. مالزمة املكان: اخليس ٤ تفضيل من معج مبعىن أسرع: أمعج ٥ ٣١٢ص)/يف الشعر العباسي(،ماعدا البيت األول فإنه من كتاب٢٠٦ص ٤ج/ديوان بشار بن برد ٦

١٦٦

فهو هنا قد جاء مبعىن بديع مل يسبقه إليه أحد كما يرى ابن املعتز، إال أنه مل يصل بعد إىل مرحلة

إىل ذلك االرتبـاط الالشعوري التجديد التام فالزال مرتبطا بالقدمي بصورة ال إرادية، ويفطن هو

:١يصرخ مستنكرا لذلك اهلوس العجيب بالتمسك بالقدمي قائالف

اارع أننا علمنا أن بشونالحظ أنه يتذرع عن ترك ذلك بالزهد يف احلياة وتذكر البعث واحلساب م

وهو إمنا أراد ان جيس نبض جمتمعه ومجهوره لريى مدى !! يكون عن الزهد وتذكر املوت هو أبعد ما

.تقبلهم للتجديد

اجلديد وأخريا يشق طريقه اجلديد يف الشعر العريب متخذا من التجديد والواقعية والطبع أساسا ملنهجه

:٢على غرار قوله متغزال

ين ما لبث أن شاع بصورة تلقائية بني صفوف الشعراء ادد واستمر يف نظم الغزل العجيب الذي

.حىت كون لنفسه قاعدة متماسكة وقوة شعرية ال يستهان ا

ولقد متاشت مع هذه االجتاهات الشعرية ثالثة اجتاهات نقدية كانت ما تزال يف بدايتها ومل تنضج

:بعد، فقد انقسم النقاد يف عهد املهدي إىل ثالثة أقسام أيضا

١٩٧ص٣ج/يني للجاحظ، نقال عن كتاب البيان والتب٣٢٢ص/الرؤية والفن -يف الشعر العباسي ١ ٢٠٦ص ١ج/ديوان بشار بن برد ٢

١٦٧

كم على الشاعر بالشاعرية مجاعة من النقاد ترى التمسك بالقدمي هو األساس يف احل .١

واألصالة، وهم غالبا من اللغويني والنحويني الذين مل يكونوا نقادا باملعىن الدقيق وإمنا كان

اهتمامهم بالشعر منصبا على الناحية اللغوية ومدى صالحية الشاهد الشعري يف االحتجاج

هو من تشبه بالقدماء الذين به يف قضايا اللغة والنحو، ومن الطبيعي أن يروا أن الشاعر احلق

كانت أشعارهم هي مصدر الشواهد الشعرية املعترف ا، وقد كانت هلم مواقف يف غاية

التعصب للقدمي ورفض احملدث حىت عدوا العذوبة ضعفا والسهولة ركاكة وسخفا ، يقول

د هذا مذهب أيب عمرو وأصحابه كاألصمعي وابن األعرايب أعين أن كل واح:(ابن رشيق

حلاجتهم يف الشعر إىل شاهد ...منهم يذهب يف أهل عصره هذا املذهب ويقدم من قبلهم

، أي صار احملدث مرفوضا ال لقلة ١)وقلة ثقتهم فيما يأيت به املولدون مث صارت جلاجة

أبو عمرو بن العالء الذي كان يرى جريرا من :جودته وإمنا حلداثته فقط، ومن هؤالء النقاد

لو أدرك :(عد الشعر إال للمتقدمني، ومن مواقفه الشهرية من احملدث قولهاملولدين وال ي

الذي كان يقول ٣، وكذلك األصمعي٢)األخطل يوما واحدا من اجلاهلية ما قدمت عليه أحدا

الذي كان شديد ٥،واآلمدي٤عن مروان إنه مولد والعلم له باللغة، ويونس، وابن األعرايب

،وبعض هؤالء النقاد مل ٧ل الشعر أو رده، وابن سالم اجلمحييف قبو ٦التمسك بعمود الشعر

٧٠ص ١ج/العمدة ١ ٨٠ص/دار ضة مصر: النسون وماييه، القاهرة: حممد مندور،النقد املنهجي عند العرب ومنهج البحث يف األدب واللغة مترجم عن ٢ )هـ٢١٦- ١٢٢(عبد امللك بن قريب األصمعي، راوية العرب وأحد أئمة اللغة، ولد ومات بالبصرة ٣ )هـ٢٣١-١٥٠(حممد بن زياد املعروف بابن األعرايب، راوية نسابة عامل باللغة وهو من أهل الكوفة ٤املوازنة بني أيب متام (، وهو صاحب كتاب)هـ٣٧٠ت(احلسن بن بشر بن حيىي اآلمدي، عامل باألدب وراوية للشعر وشاعر وكاتب ٥

)والبحتريعه القدماء يف صياغة شعرهم، وله قواعد خاصة من حيث البناء األوزان والقوايف واألساليب هو املنهج الشعري القدمي الذي اتب ٦

واأللفاظ واملعاين والصور واألخلية، والذي يدعو أصحاب االجتاه التقليدي إىل ضرورة التمسك به وعدم اخلروج عنه )هـ٢٣٢-١٥٠(- )طبقات فحول الشعراء(حب كتابحممد بن سالم بن عبيد اهللا اجلمحي، إمام يف األدب وعامل ناقد، وهو صا ٧

١٦٨

تظهر آراؤهم النقدية إال بعد عهد املهدي ولكنهم اتفقوا على أمر واحد وهو أن الشاعر

مهما كان جيدا فإنه ال يقارن بالقدماء ألن جيده لن يدوم بل هو مرحلة مؤقتة من الصعود

هم دائم، وقد خفت حدة هذا التعصب برحيل قد يليه احنطاط مفاجئ بينما القدماء جيد

.معظم أصحابه يف أواخر القرن الثاين اهلجري

مجاعة أخرى تتعصب للجديد وترى أن الشعر ينبغي أن يعكس مظاهر احلياة اجلديدة، وقد .٢

بلغ م التعصب للجديد إىل إنكار القدمي ووصفه باملساوئ والعيوب، ومعظم هؤالء النقاد

ددين أنفسهم، وهذا يفسر مدى تعصبهم لرؤيتهم الشخصيةهم من الشعراء ا.

وا على الشعر على أساس اجلودة وليس الزمن كابن قتيبة مكحمجاعة التزموا اجلانب احملايد و .٣

الذي كان جيعل من عامل التجديد واالبتكار أساسأ يف تفاضل الشعراء ومل يقصرها على

أشعار :(عن أيب حممد بن علي بن وكيعزمن دون زمن، كذلك ابن رشيق إذ يقول نقال

املولدين إمنا تروى لعذوبة ألفاظها ورقتها وحالوة معانيها وقرب مأخذها ولو سلك

املتأخرون مسلك املتقدمني يف غلبة الغريب على أشعارهم ووصف املهامه والقفار وذكر

.١)ما رويت ألن املتقدمني أوىل ذه املعاين...الوحوش

معظم النقاد الذين نظروا إىل الشعر نظرة واقعية خالية من التعصب مل ومن املالحظ أن

يظهروا آراءهم إال بعد عهد املهدي، ولذلك سبب منطقي هو أن املهدي كان اخلليفة الثالث

يف الدولة العباسية، ويف عهده كانت التغريات االجتماعية واحلضارية ما زالت يف أول

اول استيعاب كل جوانب تلك النقلة احلضارية الضخمة، عهدها، وكان اتمع العباسي حي

وكان الشعراء يعيشون مرحلة النضال رغبة يف إثبات الذات، كل على طريقته ومنهجه،

٧٠ص ١ج/العمدة يف صناعة الشعر ونقده ١

١٦٩

وكان النقاد يقفون كاملشدوهني أمام كل تلك التغريات، فالدستور الشعري املتمثل يف

واحلديث، ولكن باملقابل مل يرد فيه ي التراث القدمي مل مير بتلك املعارك الطاحنة بني القدمي

عن التجديد يف الشعر، لذلك ضاع النقاد مابني منكر للجديد متمسك بالقدمي الذي يرى فيه

بر األمان، وبني مشجع للتجديد ناقم على القدمي املتعصب الذي يقيد نفس الشاعر، وأما

لتدبر ولرؤية ما قد تنفرج عنه العقالء فالتزموا جانب الصمت املؤقت ليتمكنوا من التفكر وا

. تلك اخلصومة ليكونوا آراءهم على أساس منطقي مقبول

هو األقرب إىل معىن الفن - أعين الشعراء وليس النقاد املتعصبني للجديد-وأرى أن فريق اددين

ى غريهم واألصدق يف التعبري عن الواقع،أما بالنسبة للتقليديني فال جمال أمامهم للشهرة أو التقدم عل

، فالتراث األديب مقدس هألن املقلد مهما بلغت براعته فلن يصل إىل مستوى املقلد ولو كان أشعر من

.وال ميكن املساس به أو بلوغ مكانته نقاديف نظر ال

صدق التعبري عن جتارب الشاعر : كما أن قصائدهم خلت من أهم ما مييز أشعار األولني أال وهو

آة عاكسة لعصره وواقعه، فإن انتفى ذلك من شعره فما هو إال مقلد مردد حبيث تكون قصائده مر

.لقصائد األولني

ولقد ظل الصراع قائما بني شعراء املذهبني التقليدي وادد حىت اية عهد اخلليفة املهدي واستعرت

:نريانه نتيجة لعدة عوامل أمهها

ا مماا وحضاراخوف العرب على : تسبب يف أمرين اتصال العرب بأمم أخرى هلا ثقافا

تراثهم األديب من الضياع أو التحريف أو التقليل من شأنه مما دفعهم إىل الدفاع عنه

والتمسك مبذهبه القدمي حفظا له وضمانا الستمراريته على اعتبار أنه أصل حضارم العربية،

ات وتأثرهم ا وحماولة هذه احلضار يفواألمر الثاين هو اندماج كثري من الشعراء الشباب

١٧٠

استحداث اجلديد على اعتبار أم أصحاب احلضارة و التمدن واحلداثة،مما ولد الصراع بني

.الفئتني

الدولة اجلديدة وحماولة زيادة حدة التنافس بني العرب واملوايل على بلوغ املراتب العالية يف

يجة لظاهرة الشعوبية اليت شاعت ثبات تفوقه األديب والشعري على الفريق اآلخر نتإكل فريق

يف ذلك العصر، فاختلط احلابل بالنابل واختلت موازين العمل الشعري نوعا ما نتيجة للثورة

. التجديدية

والسيما االستقرارإن الدولة العباسية كانت ما تزال حديثة عهد ومل تصل بعد إىل مرحلة

كمني للجودة الشعرية املقننني لقواعدفكان الشعراء أنفسهم هم احمل من الناحية األدبية،

.وأهدافه حبسب أذواقهم وآرائهم الفنية الشعر

بني مشجع للقدمي داع إىل وجوب اد يف ذلك الوقت نتيجة انقسامهم غياب دور النق

التمسك به باعتباره األصل واملرجع للشعر العريب معتربا شعر اددين جمرد نظم مسج ال

قيقي، وبني معجب باجلديد مبهور مببادئه مشجعا على اعتناقه والفتا خيرج من قرحية شاعر ح

إىل مدى االختالف بني املاضي واحلاضر مع التنبيه على ضرورة االلتزام بالتعبري الصادق عن

متداولة، إال أن الواقع باستخدام أدوات البيئة اجلديدة من ألفاظ سهلة وصور حاضرة ومعان

كما أن من النقاد من اختذ موقفا حمايدا ..عراء اددين أنفسهم أغلب هؤالء هم من الش

. منتظرا انقشاع الغمامة عن املذهب املنتصر يف النهاية

يف هذا الصراع هو سبقها أن املوضوع الشعري األساس ومن األسباب اليت ال تقل أمهية عما

دي متقبال لكال املذهبني فلم املديح وكان يف جممله موجها إىل املهدي وحاشيته، وكان امله

هم حول ذلك، فالتقليديون يرون أن املهدي ؤمنهما، وكان لشعراء املذهبني آرا ايرفض أي

١٧١

هو شخص عريب أصيل سليل أسرة عرفت بثقافتها األدبية وحرصها على مساع الشعر مع

بالقدمي ملسة نقدية جتاه ما جيدونه حسنا ورفض للرديء منه، لذلك فهو يشجع التمسك

.والسري على منهج األولني الذين عرفوا جبودة أشعارهم وروعة تعبريهم

بينما يرى اددون أن املهدي من أسرة متحضرة شهدت تغريات كثرية وتكيفت مع العصر اجلديد

بكل مافيه من مظاهر التحضر والتمدن والترف املمزوج بالطابع احلضري املتأثر بالثقافات األجنبية

، فالبد أنه يفضل الشعر ادد املعرب عن كل تلك األمور بدال من االستماع إىل قصائد بدوية اجلديدة

.تتحدث عن األطالل البائدة والرسوم الدارسة اليت مل تعد تستهوي اتمع العباسي املتحضر

وقد متسك كل فريق برأيه واشتد التنافس بينهما على نيل رضى املهدي وحاشيته واحلصول على

.جوائزه الكبرية

لذلك وجدنا يف قصائد املديح عند شعراء البالط منوذجا حيا لواقع الصراع العنيف بني اددين

، ونرى أن شعراء بينهما االختالفواملقلدين مع توضيح لكافة أشكال الصراع ومراحله ومواطن

لقرحية الشعرية إال أن املذهب التقليدي ال تنقصهم الرباعة وليسوا دون اددين من حيث قوة ا

.تعصبهم للقدمي هو الذي حرمهم من إظهار تلك امللكة بصورا العفوية الصادقة

ولكن ال ميكننا أن نطلق أحكاما صادقة على هذه املذاهب يف هذه املرحلة املبكرة أعين يف عهد

ه إال يف خالفة صورت تتضحستقرار ومل اال املهدي ألا كانت يف أوهلا ومل تبلغ مرحلة النضج و

، فمرحلة حكم املهدي هي إحدى تلك املراحل األدبية اليت أغفلت كتب األدب والنقد الرشيد

البحث فيها إال فيما خيص بشار بن برد ألا كانت مرحلة انتقالية مل تتضح فيها صورة احلياة األدبية

.بكل أبعادها

١٧٢

نفس املوضوعات القدمية إال أن أما من حيث املوضوعات فقد ظل شعراء كل مذهب ينظمون يف

األمر اجلديد هو إفراد القصائد عند اددين واحملافظني يف موضوعات مل تفرد هلا القصائد من قبل

. ، كما متيزت قصائد اددين بالوحدة املوضوعية بعكس التقليدينيكما ذكرنا سابقا

١٧٣

.قضية السرقات الشعرية : رابعا

هم القضايا النقدية اليت خاض فيها النقاد فاتفقوا يف بعض أحكامها واختلفوا يف أخرى، وهي من أ

ولكن قبل اخلوض يف هذه املعركة النقدية نود هنا أن نوضح أمرا مهما وهو أن الشعر فن مثل بقية

احملب الفنون له مجهوره و معجبوه، والفنان بطبيعة احلال حيب أن يكون له تأثري واضح يف مجهوره

فيجهد نفسه يف حتسني أدائه وتطوير أساليبه واإلتيان باجلديد حىت ال ميل منه الناس وحىت يضمن والء

.معجبيه أطول مدة ممكنة

ولكن قد مير الفنان بفترات مخول أو عجز مؤقت حبيث تنفد منه األفكار وهو أمر قد يقضي على

ده يعمد إىل االطالع على آخر مستجدات الساحة مسعته الفنية متاما إذا مل جيد لنفسه خمرجا، فنج

الفنية مما طرأ حديثا وكان له وقع مجيل يف قلوب الناس أو يعود ملا وجد قدميا من تراث فين عريق

كان له يف قلوب الناس تأثري ممتزج بالتقدير واإلجالل ألصحابه، هنا توارده فكرة جديدة وهي أن

خرى سواء عن طريق نسخه حرفيا مع إضافة طابع شخصي عليه يضمن فنه شيئا من تلك الفنون األ

أو عن طريق االقتباس منه والتشبه بشيء منه فقط أو بأي طريقة متكنه من االستفادة من هذا النموذج

.الفين، قد يسميه البعض باإلحياء وقد يسميه البعض اآلخر باإلهلام أو التنوير

سب طريقة استفادة شاعر من منوذج شعري لشاعر آخر، إال بينما له يف الشعر عدة أمساء ختتلف حب

).السرقة(أن أشهر تلك األمساء اسم

ولقد عرفت السرقات الشعرية منذ احلضارة اليونانية، أي أا ليست خمتصة بشعراء العرب وحدهم،

.نامجة عن رغبة النفس اإلنسانية يف الوصول بفنها إىل الكمال - كما أسلفنا - فهي

د العرب فقد عرفت منذ العصر اجلاهلي وإن كان مشكوكا يف بعض تلك السرقات بسبب أما عن

.غلط الرواة، كما عزاها البعض إىل توارد اخلواطر بسبب تشابه النمط املعيشي

١٧٤

ولقد فطن النقاد إىل تلك السرقات منذ القدم وعدوها من عيوب الشاعر، وعزاها ابن رشيق إىل

على قضية اللفظ واملعىن، فقد قسمها النقاد إىل قائمة بشكل أساسحلس والعجز، وهي بالدة ا

١وانقسم النقاد يف مواقفهم منها إىل قسمني: سرقات لفظية:

.قسم ال يعدها من السرقات إذا كانت يف حدود البيت أو البيتني يف القصيدة الواحدة .١

.ه من عيون القصيدةقسم يهتم ا اهتماما كبريا والسيما إذا كان البيت املأخوذ من .٢

سرقات معنوية، وهي اليت دارت حوهلا معظم الدراسات النقدية واشتدت حوهلا اخلصومات

السرقة ال تتم إال يف (وكثرت فيها التقسيمات والتفسريات، إال أا اتفقت تقريبا على أن

ذا حتقق الشرط ،و أن الشاعر قد يعذر يف سرقاته إ٢)بديع املعاين واملبتكر الذي مل يسبق إليه

يزيد إضاءة املعىن، أو يأيت بأجزل من الكالم األول، أو (الذي أمجع النقاد عليه وهو أن

وينظر إىل ما قصده نظر –وال يفتضح به –يسنح له بذلك معىن يفضح به ما تقدمه

. ٣)مستغن عنه ال فقري إليه

م منها فإن اقترافهم هلا هو ولو تتبعنا رأي الشعراء أنفسهم يف هذه السرقات ومعرفة موقفه

خري السرقة ماال :(أكرب شاهد على استباحتهم هلا، وخري مثال على ذلك قول الفرزدق

، فهو هنا يستجيد السرقة )حنن الشعراء أسرق من الصاغة:(، وقول األخطل٤)يوجب القطع

نبذة اخلفية ويستحسنها بل ويفتخر ا، أما عن آراء النقاد يف السرقات الشعرية فهذه

:خمتصرة ألمهها

٧٨ص/تاريخ النقد األديب والبالغة ١ ٨٠ص/نفسه ٢ .،عن املوشح يف مآخذ العلماء على الشعراء للمرزباين٦٥ص/النقد األديب يف آثار الشريف املرتضى ٣ ١١٢١ص ٢ج/م٢٠٠٠عمان،دار أسامة،- ، األردن١اين طوليد حممود خالص،النقد األديب يف كتاب األغ ٤

١٧٥

البن سالم ) طبقات فحول الشعراء(بالسرقات الشعرية كتاب اهتمأول كتاب

الذي مجع فيه آراء النقاد يف سرقات الشعراء اجلاهليني، وكان يف آرائه النقدية ) هـ٢٣٢ت(اجلمحي

فتوسع ) اءالشعر والشعر(بكتابه املعروف ) هـ٢٧٦ت(حيتكم إىل آراء من سبقوه ،مث جاء ابن قتيبة

يف شرح السرقات وأنواعها وأمسائها وإيراد األمثلة عليها من شعر اجلاهليني واملخضرمني،وكان يطلق

.على السرقة اسم األخذ، كما كان يعيب كثرة األخذ

فتحدث عن السرقات يف املعاين املشتركة اليت سبق إليها الشعراء بشكل ) هـ٣٢٢(مث جاء ابن طباطبا

دقة وتنظيما، ويرى أن الشاعر إذا عمد إىل معىن سابق فأخذه وأعاد إخراجه مفصل وأسلوب أكثر

بصورة أمجل فال ينبغي أن يقال له سارق بل ينبغي اإلشادة بأسلوبه واإلشارة إىل فضله يف حتسني

املعىن، وقد عذر احملدثني يف أخذهم من القدماء بأن أولئك قد سبقوهم إىل املعاين الشريفة فقلت

.اخليارات إال أم استطاعوا أن جيددوها فأحسنوا وأجادواأمامهم

السرق يف البديع الذي ال يكون للناس فيه اشتراك، ويقول يف تعريف ) هـ٣٧٠(وحيدد اآلمدي

، وال يرى يف نقل األلفاظ ) السرق يف الشعر ما نقل معناه دون لفظه وأبعد آخذه يف أخذه(السرق

.معىن السرقة ألا مباحة للجميع

أن الناقد ال يكون ناقدا حقا حىت يفرق بني السرق والغصب ) هـ٣٩٢(ويرى أبو احلسن اجلرجاين

وبني اإلغارة واالختالس وبني اإلملام واملالحظة وبني املشترك الذي ال يصح ادعاء السرقة فيه واملبتذل

. الذي ال أحد أحق به من اآلخر

ع املشترك قد خيتص به الشاعر إذا صاغه بأسلوب أن الشائ)هـ٣٩٥(كما يرى أبو هالل العسكري

.بديع فيتملكه، وجعل تلك الصياغة دليال على السرق

١٧٦

، حيث نقل بعض )هـ٤٦٣(ومن أشهر من ناقش موضوع السرقات الشعرية ابن رشيق القريواين

دون لفظه السرق يف الشعر ما نقل معناه :(تعريفات السرقة وأنواعها مثل نقله عن عبد الكرمي أنه قال

ومنهم من حيتاج إىل دليل من اللفظ مع املعىن ...وأبعد يف أخذه على أن من الناس من بعد ذهنه

، وحدد السرق يف البديع املخترع الذي خيتص به ١)ويكون الغامض عندهم مبرتلة الظاهر وهم قليل

سارقا فان غري من أخذ معىن بلفظه كما هو كان : (ونقل أيضا عن بعض املتأخرين قوله. الشاعر

.٢)بعض اللفظ كان ساخلا فان غري بعض املعىن ليخفيه أو قلبه عن وجهه كان ذلك دليل حذقه

فريى أنه ال ينبغي أن حنكم على شاعر بالسرقة ألن املعاين تتشابه ) هـ٤٧١(أما عبد القاهر اجلرجاين

ذلك املعىن، وقد سبقه إىل ذلك واألفكار تتوارد، وإمنا ميكن أن نشري إىل أن فالنا سبق فالنا إىل

إذ يرى أنه ال ينبغي أن يقال هذا مسروق أو هذا مأخوذ وإمنا يشار إليه ) هـ٤٣٦(الشريف املرتضى

بأن شاعرا ما هو -مهما كان عجيبا -بأنه شبيهه ونظريه، ويرى أيضا أنه ال يصح اإلشارة إىل معىن

ر أمر عام الميكن حصره كما الميكن اإلحاطة بكل ما األسبق إليه أو أنه منفرد به ألن توارد اخلواط

.قيل وسطر وذكر

وقد أورد عدة مصطلحات للسرقة منها السبق واألخذ والنظر واللحظ والتوارد ، فاألخذ هو السرق

تضاد العند القاضي اجلرجاين، والنظر واللحظ هو أن يتساوى املعنيان دون اللفظ مع خفاء األخذ أو

على - باملعاصرة -اللفظ الذي استعمله(دل أحدمها على صاحبه ، واملواردة وتقع يفيأن من غري أو

وال تصح إال إذا ثبت أن الشاعر مل يسمع بقول اآلخر وكانا ٣)ما تضمنه املعىن االصطالحي للمواردة

. يف عصر واحد

٤٥٤ص ٢ج/العمدة ١ نفسه ٢ ٧١ص/النقد األديب يف آثار الشريف املرتضى ٣

١٧٧

بتقسيم ) هـ٥٨٤(وتوالت الدراسات واآلراء النقدية حول مفهوم السرقة، فقد جاء أسامة بن منقذ

سرقات حممودة وسرقات مذمومة مث فصل القول يف تعريف كل : جديد للسرقات إذ قسمها لنوعني

فضل :(أبوابا تتعلق باألخذ منها) البديع يف نقد الشعر(نوع وذكر شروطه وأقسامه ، وجند يف كتابه

-احلذو -باب النقل - باب التقصري - رجحان املسبوق على السابق -السابق على املسبوق

).وغريها...الكشف

أن فهو الظاهر أما. ظاهر وغري ظاهر نوعان والسرقة األخذ):( هـ٧٣٩(ومن اآلراء النقدية القزويين

لفظه فهو تغيري غري من كله املأخوذ كان فإن وحده وإما بعضه أو كله اللفظ مع إما كله يؤخذ املعىن

.١)وانتحاال نسخا ويسمى حمضة سرقة ألنه مردود مذموم

:٢كما قسم بعضهم السرقات إىل ثالثة أقسام

.وهو أخذ املعىن بلفظه: النسخ .١

.وهو أخذ املعىن والتعبري عنه بلفظ جديد فيأيت أقبح من سابقه: املسخ .٢

.وهو أخذ بعض املعىن أو جتديده أو حتويره: السلخ .٣

، أمساؤهاكاهلا واستمرت الدراسات حول قضية السرقات الشعرية حىت عصرنا احلاضر، وتعددت أش

واختلفت اآلراء حوهلا ما بني مؤيد لبعض صورها وبني منكر ورافض هلا مجلة وتفصيال، ولقد دفعت

وهي من ٣)حتري النقاد ألصالة الشاعر، ومدى ابتكاره و ابتداعه يف فنه(قضية السرقات الشعرية إىل

. أهم فوائد دراستها

١٢١ص ٦ج/عبد املنعم خفاجي،بريوت، دار اجليل: ، شرح٣اخلطيب القزويين،اإليضاح يف علوم البالغة ط ١ ٨٠ص/تاريخ النقد األديب والبالغة ٢ ٧٨ص/ديب والبالغة تاريخ النقد األ ٣

١٧٨

ة النقدية العربية إال أنه مل يظهر األخذ يف عهد املهدي وعلى الرغم من أمهية قضية السرقات يف احلرك

:١إال عند قلة من الشعراء املقلدين، كقول سلم اخلاسر معتذرا إىل املهدي

:فالبيت الثاين يشبه قول النابغة

:والبيت األخري يشبه قول الفرزدق

وقد يكون ظهورها يف شعر التقليديني ناجتا عن التغريات البيئية واحلضارية اليت أربكتهم بعد أن حمت

ما كانوا قد اعتادوا عليه من مظاهر تقليدية قدمية والسيما أن معظم الشعراء املقلدين هم من شعراء

وية القدمية، وبعد أن نظروا حوهلم واكتشفوا أم اجليل القدمي من املخضرمني الذين اعتادوا احلياة البد

فقدوا مصدر إحيائهم مل جيدوا أمامهم إال العودة للتراث القدمي ليتمكنوا من االستمرار يف طريق

.التقليد الذي انتهجوه

أما شعراء االجتاه التجديدي فكانوا يف عهد املهدي مازالوا يف أول طريقهم وكانوا حياربون بشراسة

يل اجتاههم ادد الذي انتهجوه، ونظرا لتلك املعركة الضارية بني اددين واملقلدين جند أن يف سب

اددين حاولوا بكل قوم التأثري يف جمتمعهم وإثبات أم الفريق األقوى، وال ننسى أن سر قوة

عوم، لذلك فإن اددين تكمن يف استقالليتهم عن التراث القدمي أو أن هذا ما ادعوه يف بداية د

إال أن البيت الثالث ورد مكسورا فصححته من املوسوعة الشعرية ٨٧ص/النقد املنهجي عند العرب ١

١٧٩

آخر ما كانوا يريدونه هو األخذ عن القدماء مما يهدم نظريتهم من أساسها ، ولكن هذا مل مينعهم من

:١األخذ عن معاصريهم يف كثري من أشعارهم ،فمن ذلك قول سلم اخلاسر

:٢أخذها من قول بشار وكان أستاذه

:٣ومنه قول ابن اخلياط مادحا املهدي

أا منسوبة أيضا إىل بشار ودعبل اخلزاعي وكلهم عاش يف يقال إنه سرقه بلفظه من ابن هرمة، إال

!نفس العصر

:٤ولكن أبا العتاهية مل يتمكن من مقاومة بريق املعىن البديع الذي سبق إليه مجيل بثينة يف قوله

:٥فقال

وال شك أنه معىن بديع مغر لشاعر حيب املعاين العجيبة كأيب العتاهية ، كما أن املعىن جديد مبتكر ،

.وال أجد سوى هذا البيت أخذه اددون عن القدماء

١١٥٠ص ٢ج/النقد األديب يف كتاب األغاين ١ نفسه ٢ ١١٨٧ص ٢ج/نفسه ٣ ١١٥٢ص ٢ج/النقد األديب يف كتاب األغاين ٤ نفسه ٥

١٨٠

أخذوا عن أعين اجليل الثاين من اددين كاملتنيب وأيب متام وغريمها قد-و جند أن اددين املتأخرين

اجليل األول من اددين بينما الفريق األول كان معتمدا على ذاته فقط، ومما شجع اجليل الثاين على

:األخذ من الفريق األول

إن اددين األوائل كانوا مطبوعني فلم ينقحوا قصائدهم ومل يتأنوا يف نظمها نظرا إليقاع حيام

ليت حدثت بينهم وبني التقليديني ومسارعتهم يف التعبري عن احملمومة وتلك املعارك واالصطدامات ا

كل جتربة شخصية ميرون ا مما أتاح لشعراء اجليل الثاين النظر فيها ووضع يدهم على معانيها املبتكرة

:١وإعادة صياغتها بصورة أمجل وأنوق، كما يف قول أيب نواس

:٢أخذه من قول بشار

:٣وقول حسني بن الضحاك

:٤قول أيب العتاهية أخذه من

وال ننسى أن البيئة اجلديدة اخلصبة هي اليت أهلمت هؤالء اددين حىت حاولوا التعبري عن كل جتارم

.بري عنهاجلديدة فيها فلم يكونوا حباجة إىل السرقة بل مل تكن قصائد القدماء تعرب عما أرادوا التع

١١٥٠ص ٢ج/النقد األديب يف كتاب األغاين ١ ١١٥٠ص ٢ج/نفسه ٢ ١١٦٣ص ٢ج/نفسه ٣ نفسه ٤

١٨١

:قضية الوحدة الفنية : خامسا

تعد هذه القضية من أصعب القضايا النقدية وأكثرها إثارة للحرية، والسيما أن معظم املراجع اليت

.رجعت إليها مالت إىل إغفال ذكرها أو إدراجها حتت قضايا وأمساء أخرى

حدة املوضوعية هي جزء من معىن وكثريا ما خلط الدارسون بينها وبني الوحدة املوضوعية، مع أن الو

.أمشل وأكرب هو الوحدة الفنية

ولكن قبل الشروع يف تعريف الوحدة الفنية ينبغي علينا معرفة مقوماا والتعرف على كل منها على

:حدة

واملقصود ا أن يكون الشاعر يف حالة نفسية معينة عند نظم القصيدة، :الوحدة النفسية .١

ض من قصيدته املديح فيعمد الة على تلك احلالة، كأن يكون الغرفتكون مقدمة القصيدة د

ها ببكاء الديار وذكر األحبة لشد انتباه املتلقي مث ينتقل من تلك املقدمة إىل وصف إىل بدئ

األهوال اليت مر ا يف رحلته الشاقة بغرض استعطاف املمدوح وإثارة مشاعر الشفقة

هتمامه وضمن استجابته وتفاعله بدأ يف مدحه والنخوة يف نفسه، وبعد أن هيأه وشد ا

.بغرض بلوغ منتهى رضاه ألن رضا املمدوح هو بيت القصيد

وقد كانت الوحدة النفسية موجودة منذ العصر اجلاهلي، إذ كان االنتقال بني املوضوعات

الشعرية يقوم وفق منهج مت التخطيط له من قبل الشاعر بغرض وضع املخاطب يف حالة

.ئمة تضمن له الوقع الذي أراده من قصيدتهنفسية مال

وال يشترط يف القصيدة أن تكون ذات وحدة موضوعية لتتوفر فيها الوحدة النفسية بدليل أن

الشعر التقليدي كان امتاز بتعدد املوضوعات يف القصيدة الواحدة، ولقد عزى بعض

١٨٢

أثر البيئة العربية القدمية املفكرين خلو القصيدة العربية القدمية من الوحدة املوضوعية إىل

.١والعوامل اجلغرافية واملناخية اليت أثرت على حالتهم املعيشية والفكرية والشعرية

ولقد اتصفت القصائد القدمية بتعدد موضوعات القصيدة حبيث تكون :الوحدة املوضوعية .٢

ء كل جمموعة من األبيات تتحدث عن موضوع مستقل عن سابقه، وال يعين ذلك انتفا

التناسب، فالشعر اجلاهلي الذي يعد قمة يف اإلبداع كان قائما على أساس تعدد

املوضوعات إال أننا لو متعنا فيه لوجدنا أن الشاعر ينتقل من موضوع إىل آخر يناسبه

كاالنتقال من البكاء على األطالل إىل الغزل وتذكر صفات احلبيبة أو االنتقال من وصف

الرحلة، فهي موضوعات خمتلفة شكال إال أا متناسبة نفسيا غرضها الراحلة إىل ذكر أهوال

نقل املتلقي بصورة تدرجيية من حالته إىل حالة أخرى أكثر تفاعال مع موضوع القصيدة

الوحدة العضوية والوحدة : ٢وأقرب إىل حالة الشاعر نفسه، وهي تقوم على وحدتني

:املنطقية

وحدة وتطور أجزائها تطورا مطردا يقوم على وهي منو القصيدة :الوحدة العضوية .١

، ولقد أنكر بعض النقاد ٣حبيث يكون كل بيت فيها ذا صلة قوية مبوضوعها نفسية

احملدثني وجود الوحدة العضوية يف الشعر القدمي بناء على مسة التفكك وعدم

يت هذا أفخر بيت وأشجع بيت وأغزل ب: االرتباط بني أجزائها بدليل قوهلم قدميا

ومابعدها ١٢١ص/قضايا النقد األديب بني القدمي واحلديث: انظر ١جبامعة اإلمام حممد بن سعود كلية اللغة العربية/ حممد بن سليمان القسومي . د: صوت العربية: الكاتب/حبوث أدبية/النادي األديب ٢

، بتصرف)١١:٢٤(،٢٠٠٨/ليويو/٠٤اجلمعة / الرياض -اإلسالمية النادي األديب ٣

١٨٣

، بينما فريق آخر يرى أن الشعر القدمي مل خيل منها، ١وهكذا..وهذا واسطة العقد

:إحسان عباس الذي استشهد بقصيدة املتنيب اليت مطلعها. ومن هؤالء د

. ٢على أا مثال للنمو العضوي الذي يقوم على التناقض

مصطفى بدوي أن الوحدة املوضوعية ال تقتصر على ضرب من ضروب . دويرى

. ٣الشعر وإمنا توجد يف املسرحية الشعرية

وهي التسلسل املنطقي بني أجزاء القصيدة حبيث ال ميكن ):البنائية(الوحدة املنطقية .٢

. أن يقدم بيت على اآلخر

ت بالبيت أو البيتني يف العمل الفين الواحد، ولو حبثنا يف الدراسات النقدية القدمية لوجدنا أا اهتم

ولو حبثنا عن آراء النقاد القدماء حول موضوع الوحدة الفنية لوجدنا يف طيات نقدهم إشارات تدل

أجود الشعر ما :(على تلك الوحدة وحماوالت يف تفسريها وربطها جبودة الشعر وطبعه، يقول اجلاحظ

، ...)تعلم بذلك أنه أفرغ إفراغا واحدا، وسبك سبكا واحدارأيته متالحم األجزاء، سهل املخارج، ف

فهو هنا يقيس جودة الشعر بتالحم أجزائها ، ولكنه مل يفسر معىن هذا التالحم، ونظرا إىل أن

مراده أقرب إىل وحدة املوضوعية ولكنال: هاجلاحظ من النقاد املتعصبني للقدمي فهو بال شك ال يعين ب

.ليت تقوم على تتابع منطقي نفسيالوحدة العضوية ا

قتيبة أيضا يقيس جودة الشعر بوحدة القصيدة بدليل أنه أورد مقالة عمرو بن جلأ ألحد نبوجند أن ا

، فهو هنا يتحدث عن )ألين أقول البيت وأخاه وتقول البيت وابن عمه...أنا أشعر منك:(الشعراء

،بتصرف١٩٦/قضايا النقد األديب بني القدمي واحلديث ١ ،بتصرف١٩٦نفسه ص ٢ ١١٧/نفسه ٣

١٨٤

حقه، وتبعا الجتاهه النقدي نرى أنه يعين الوحدة تالحم األبيات حبيث يكون البيت مرتبطا بسابقه وال

.العضوية اليت تقوم على الوحدة النفسية أيضا

:أما ابن طباطبا فقد وجد أن وحدة القصيدة تقوم على مبدأين(

بني الكلمة وجارا حبيث تتناغمان مع املعىن املطلوب، ويرى أن مبدأ التناسب .١

.خيل ببناء القصيدة ١كثرة احلشو

، وهو الوحدة العضوية اليت تقوم على البناء النفسي واملنطقي أ التدرج املنطقيمبد .٢

.٢ )أو البنائي املتدرج

فابن طباطبا فهم الوحدة الفنية فهما دقيقا وربطها باللغة والتراكيب وصياغة األلفاظ، إال أنه مل ينظر

. اخلارجية إىل بنية النص الداخلية املتعلقة جبوهر الشعر وعالقتها بالبنية

ات يف عصر املهدي وإمنا هي آراء ن قضية الوحدة الفنية مل تدر حوهلا الدراسوخالصة األمر أ

إشارات متناثرة يف معرض القضايا األخرى وعلى رأسها قضية اللفظ واملعىن اليت أسهمت بدور و

تلك النظرة العقلية فعال يف إخراج تلك اآلراء إىل النور ألن تقسيم الشعر إىل لفظ ومعىن أدى إىل

.اليت ألغت جوهره وجعلت النقاد القدماء يهتمون بالشكل دون اجلوهر

ويف حقيقة األمر نرى أن قضية الوحدة الفنية هي قضية حديثة ال تتعلق ذه الرسالة، وإمنا أردت هنا

يف معناها احلديث أال أن أبني أن النقاد القدماء اهتموا مببدأ من املبادئ اليت تقوم عليها الوحدة الفنية

. وهو إشارم وعنايتهم بالوحدة العضوية

هو إيراد كلمة ال حيتاجها النص مما يؤدي إىل اختالل نظام القصيدة وعدم انسجامها يف وحدة تأليفية مع بقية األلفاظ ١ ، بتصرف)غري مرقمة(معتوقة سامل القحطاين،: عدادإطبا، حبث مقدم لنيل درجة املاجستري، معايري الشعر عند ابن طبا ٢

١٨٥

: نتائج البحث

:حلمد هللا والصالة والسالم على رسول اهللا، وبعدا

١٨٦

،)هديحركة الشعر والنقد يف بالط اخلليفة امل(: فلقد أمتمت حبمد اهللا هذه الدراسة اليت بعنوان

الشعرية والنقدية اليت نشأت يف عهد اخلليفة املهدي حممد بن عبد اهللا احلركةحيث تناولت فيها تلك

، ثالث خلفاء بين العباس، والذي دامت خالفته عشرة أعوام بن حممد بن علي بن عبد اهللا بن العباسا

ا معظم القضايا النقدية شكلت مبا فيها من أحداث أدبية ونقدية خطوة انتقالية ضخمة تفتقت عنه

. املتعلقة بتراثنا األديب قدميه وحديثه

الشعرية يف بالط املهدي فوجدت انتقال عاصمة اخلالفة احلركة نشاط ولقد بدأت بدراسة أسباب

من دمشق إىل بغداد وما تبعها من امتزاج حضاري بني العرب وغريهم إضافة إىل استقرار األحوال

باسية قد أدت إىل حدوث اصطدام حضاري أشاع جوا من احلرية االجتماعية الداخلية يف الدولة الع

تبعتها حرية فكرية وأدبية دفعت بعض الشعراء إىل حماولة التجديد يف الشعر ليتمكنوا من التعبري عن

واقعهم باستخدام أدواته احلقيقية، بينما سارع بعضهم إىل التمسك مبا بني يديهم من تراث القدماء

الشعري القدمي، و نتيجة إلصرار أصحاب كل اجتاه على إثبات أنه األحق معلى منهاجه والسري

.واألقوى ولدت أهم القضايا النقدية يف العصر العباسي

كما أن متتع املهدي بذوق فين مرهف جعله يتقبل الشعر من أصحاب االجتاهني مما أدى إىل تنوع

بالطه، وبذلك ميكن القول إن بالط املهدي هو مبثابة املوضوعات واالجتاهات واملذاهب الشعرية يف

بني التمييزأساسها اختالفاتقطرة حتت اهر مجعت مظاهر احلياة الشعرية والنقدية بكل ما فيها من

القدمي واجلديد، ومن خالهلا ميكن استخالص أهم تلك املظاهر ومن مث تعميمها على جزء كبري من

.العصر العباسي

شعراء عرية يف بالط املهدي فوجدت أناألول من هذا الكتاب عرضت املوضوعات الشويف الفصل

:كال االجتاهني قد نظموا يف ثالثة أقسام من املوضوعات

١٨٧

.موضوعات قدمية معروفة كاملديح والفخر والغزل واهلجاء والرثاء والوصف .١

ي يصل إىل ح الذموضوعات قدمية أخرجت بصورة جديدة وتتمثل يف موضوع الغزل الصري .٢

.وتتمثل يف فن االعتذار موضوعات قدمية أعيد إحياؤهاحد الفحش والتهتك، أو

موضوعات جديدة نشأت بسبب تغريات البيئة العربية منها الشعوبية والتحريض والزهد .٣

.وشعر الفكاهة والتظرف واالستجداء

النموذج األقوى هو ملك املوضوعات الشعرية يف عهد املهدي، وهو موضوع املديح ولقد كان

شعراء االجتاه التقليدي : لتمثيل الصراع بني االجتاهات الشعرية، ولقد انقسم شعراؤه ثالثة أقسام

ومعظمهم من املخضرمني وعلى رأسهم مروان بن أيب حفصة، وشعراء االجتاه التجديدي ومعظمهم

ن برد، وشعراء االجتاه من جيل الشباب أو شعراء املدن الكربى وعلى رأسهم أبو العتاهية وبشار ب

احملافظ الذين مل يتركوا القدمي متاما ومل يتبعوا اجلديد ومعظمهم من املخضرمني الذين عاشوا زمنا يف

.املدن إال أن سليقتهم البدوية مل تتح هلم اخلوض يف اجلديد

ع وكانت صفات املدح يف العصر العباسي هي تقريبا نفس صفات املدح فيما سبقه من عصور م

إضافة الطابع الديين وكثرة االقتباس من الشواهد القرآنية تأكيدا على أحقية العباسيني يف اخلالفة

الذين وذلك يف شعر اددين، بينما اختذ طابع التفخيم الذي يصل إىل حد التقديس عند اددين

.الفخمة بأسلوب الفرس يف خماطبة ملوكهم فأكثروا من استخدام النربة امللكية تأثروا

تيارين مها تيار الغزل العفيف الذي كاد يندثر يفوسار فإنه شاع بشيوع الغناء موضوع الغزلأما

إال ما بقي منه عند الشعراء الذي لزموا البادية ومل خيتلطوا بأهل املدن الكربى ومسته الطبع وصدق

جتاوز معىن الصراحة إىل معاين العاطفة إال ما كان متكلفا عند بعضهم ، وتيار الغزل الصريح الذي

الفحش والبذاءة وقد علته صفة جديدة هي ااهرة باملعصية والدعوة إىل الفجور وشعراؤه غالبا من

١٨٨

هر أهل املدن، ومسته الغالبة هي العاطفة الزائفة النامجة عن الرغبات الغريزية إال أن بعضها كانت تظ

اددين كثريا ما يدور حول حوار بني حبيبني أو قصة والغزل عند . فيه العواطف الرقيقة الصادقة

.غرامية

تقليدي وجتديدي، كما نالحظ أن اإلقبال : وبصورة عامة جند أن الغزل العفيف ينقسم إىل قسمني

.على اجلديد أكثر من اإلقبال على التقليدي

كما شاعت فيه العباسي عن األموي وما قبله بأنه مل يعد مقدمة ملوضوع أهم، الوصفواختلف

مظاهر احلياة احلضرية الناعمة فارتبط بوصف الرياض والقصور والرياش والدواب واأللبسة وغريها،

.ماعدا ما كان عند شعراء االجتاه التقليدي الذين استمروا يف وصف البادية واإلبل وغريها

عن التنافس بني الشعراء فقد تنوع ما بني هجاء متعلق بأمور الدين والعقيدة وهجاء ناجم اهلجاءأما

وغريهم، ولقد أدت تلك اخلصومة بني أصحاب االجتاهات الشعرية إىل تأجيجه إضافة إىل تفشي

.صور املكر والتنافس غري الشريف مع قلة الوعي الديين يف ذلك الوقت

ولقد انقسم بصورة عامة إىل نوعني قدمي وجديد، فأما القدمي فهو اهلجاء اجلدي املعروف، وأما

اجلديد فهو اهلجاء اهلزيل الساخر الذي يرتبط باملزاح والتندر وتكثر فيه املعاين اخلبيثة والتشبيه

.باحليوانات مع سهولة األلفاظ، ويكون غالبا يف شكل مقطوعات

ة القوم فصار ارتفاع مستوى احلزن يقاس مبكانة املتوىف، فإن كان من علي الرثاءولقد اختلف مفهوم

بع املواساة مع الكثري من املبالغة يف تصوير املصري احلسن، وإن كان املتوىف قريبا للشاعر أو غلب طا

. صديقا كان شعره أقرب للصدق مع صدق العاطفة

فيمكن القول بأنه كان يف عهد املهدي أشبه جبرعة خمففة أو صورة مبسطة للشعوبية للفخروبالنسبة

ال للفخر باألصل العريب إال أا مل تتخذ صورا العنيفة إال يف إذ ظهر الفخر باألصل األعجمي مقاب

١٨٩

ولقد اعتمد الشعراء من كال الفريقني اللغة البدوية واألسلوب التقليدي يف الفخر، إذ . العهود التالية

كان الفخر واملديح من أكثر املوضوعات اليت متسك شعراؤها مبنهج الفحول ملا خيالطها من فخامة

.جزلة ارتبطت عادة باالجتاه التقليدي العريق ولغة قوية

يف طور النمو يف عهد املهدي لذلك قلت القصائد اليت تدور حوله وغالبا ما تيار الزهدولقد كان

.ارتبط بالشكوى أو الرثاء

وانقسم الزهد إىل نوعني زهد معتدل يتمثل يف الدعوة إىل ترك احلرام واالستغناء عنه باحلالل

.ن فنت الدنيا وعدم الركون إليها، وعادة تتخلله نظرة تفاؤلية وتكون معانيه عامةوالتحذير م

.زهد تشاؤمي متشدد يدور حول التذكري باملوت وأنه اية كل حي دون التذكري جبزاء العمل الصاحل

خلليفة، نتيجة لألجواء املسمومة واملكائد املتفشية بني املتنافسني على رضا ا فن االعتذاروأعيد إحياء

وقد كان القدماء يعرضون عنه ملنافاته ما متيز به العريب من عزة و أنفة، إال أن امتزاج الثقافة العربية

بغريها من الثقافات والسيما الفارسية و خماطبة الشعراء مللوكهم والسيما أن تلك األمم عرفت

.بتقديس امللك ووضعه يف مقام اآلهلة أحيانا

قليدي رمسي تكثر فيه معاين اخلضوع والتذلل وألفاظه جزلة فخمة، وجتديدي ت: وانقسم إىل نوعني

.مييل إىل االختصار ويستخدم اللغة السهلة

وجند أن املناسبات االجتماعية والسياسية كانت منتشرة يف عهد املهدي نتيجة النشاط الذي متيزت به

زي والتهاين اليت ارتبطت غالبا ببيت احلياة العباسية مما أدى إىل شيوع الشعر االجتماعي، كالتعا

.اخلالفة مما منحها طابعا رمسيا جافا

بصورة مستقلة يف شكل مقطوعات صغرية غالبا ما ينظمها الشاعر يف معاتبة العتابكذلك ظهر فن

.صديق أو حبيب

١٩٠

خيتار حبيثموضوع الشكوى واالستعطاف إال أن أكثر املوضوعات االجتماعية شيوعا وتنوعا هو

كل شاعر طريقة عرضه ملشكلته أو موضوع شكايته مبا يتناسب ومكانته من املشكو إليه وطبيعة

عالقته به، وكثريا ما يلجأ شعراء االجتاه التقليدي إىل تفخيم لغتهم واحلرص على أن حتوي أكرب قدر

شكايتهم بصورة من املدح والتفاؤل بعظم اجلائزة، بينما يلجأ اددون إىل التحدث عن موضوع

مباشرة وخمتصرة ممتزجة حبال الطمع والرجاء اليت تعتريهم

الذي دار حول موضوعات سياسية غالبا ما تكون موافقة لرغبة التحريضوظهر موضوع جديد هو

. اخلليفة

ونتيجة لشيوع الترف ومظاهر الرخاء التفت الشعراء إىل ضرب جديد من ضروب اللهو والضحك

، وتكثر فيه الصور املضحكة و التشبيه باحليوانات اهة والتظرف واالستجداءالفكوهو شعر

قصرية، وقد اقتصر هذا الضرب من الالرتباطها بعنصر اإلضحاك، واختذ غالبا شكل املقطوعات

.الشعر على شعراء االجتاه التقليدي إذ كان شائعا يف املدن املتحضرة

يا النقدية يف البالط واختالف وجهات النظر حوهلا، ولقد القضا مث حتدثت يف الفصل الثاين عن أهم

: كانت املعركة النقدية قائمة على أشدها بني فريقني أساسيني تغلب عليهما مجيعا مسة التعصب ومها

فريق النحاة اللغويني املتعصبني للقدمي يتزعمهم ابن سالم واألصمعي وأبو عمرو بن العالء وفريق

راء اددون أنفسهم و الذين كانوا يف بداية جتربتهم الشعرية اجلديدة، متعصب للجديد وهم الشع

وككل مذهب جديد مل يكن هلم من يناصرهم بصورة شرعية فعمدوا إىل تنصيب أنفسهم مدافعني

.عن جديدهم وعلى رأسهم بشار بن برد وأبو العتاهية

األفكار النقدية إىل مرحلة بعد أن وصلتومل يظهر فريق العلماء والنقاد املعتدلني إال بعد عهد املهدي

.جالنض

١٩١

ولقد بدأت بقضية اللفظ واملعىن ألا أهم القضايا النقدية وأكثرها حبثا ودراسة، فهي القضية األوىل

اليت قامت عليها نظريات النقد األديب األخرى، وقد نشأت هذه القضية يف بيئة دينية مرتبطة باإلعجاز

حدمها اآلخر، كما اختلف العلماء يف تفضيل عالقة اللفظ باملعىن وسبق أحث يفالقرآين، وكثر الب

بن جعفر، أيب هالل العسكري، اجلاحظ، ابن قتيبة، قدامة أحدمها على اآلخر، وذكرت آراء كل من

.واتفاقهم مجيعا يف نظرم العقلية اليت جترد الشعر من روحه وصورته الفنية

اهر اجلرجاين اليت قلبت معايري من سبقوه بفضل نظرية النظم اليت مث ذكرت دراسة الشيخ عبد الق

.أعادت التالحم بني اللفظ واملعىن

وتوصلت إىل أثر اللفظ يف خصومة القدماء واحملدثني اليت قامت على تفضيل اللفظ القدمي الذي امتاز

الضعف، فهم يفضلون باجلزالة عند أصحاب االجتاه التقليدي بينما ربطوا اللفظ السهل بالركاكة و

.اللفظ على املعىن

. أما أصحاب االجتاه التجديدي فيفضلون املعىن على اللفظ

قد عرببني الفرس وال الشعر فذكرت أن الصراع األساسأما تأثريها يف قضية البيئة ومدى تأثريها يف

لعرب متقدمون فيها قام على تفضيل كل أمة لتراثها األديب والسيما اخلطابة اليت قال اجلاحظ بأن ا

واجلاحظ معروف بتفضيل اللفظ على املعىن والصنعة على .على الفرس مليزة االرجتال وعدم املكايدة

. ١الطبع

أما تأثريها يف قضية السرقات الشعرية فمن حيث إن التركيبات اللفظية يكون هلا غالبا أكثر من معىن،

ن كانت نفسها، وعلى هذا األساس نشأت قضية تغيري نظم األلفاظ قد يغري املعىن وإ أنكما

.السرقات الشعرية بنوعيها اللفظي واملعنوي

.يفضل املعىن على اللفظ وإن كان كالمه يوهم بغري ذلك عبد القاهر يف دالئل اإلعجاز أن اجلاحظ يرى ١

١٩٢

مث حتدثت عن قضية البيئة و أثرها يف الشعر العباسي وأن بناء القصيدة الشعرية تغري تدرجييا حىت بلغ

دى قدرة مرحلة التجديد، كما توصلت إىل أن شخصية الشاعر وذوقه مها املتحكمان الرئيسان يف م

مع كل بيئة جديدة فإما أن يقبل التجديد متخليا عن القدمي وإما أن )شعريا(الشاعر على التكيف

.يتمسك بالقدمي خوفا من التجديد أو إنكارا له

كما توصلت إىل أن البيئة العباسية املغايرة للبيئة القدمية هي اليت سببت قيام الثورة العاتية ضد القدمي

.الشعراء إىل تقليديني وجمددين باإلضافة إىل مكان نشأة الشاعروإىل انقسام

كما أن البيئة العباسية أثرت حىت يف شعر التقليديني بصورة متفاوتة، فمن أثر البيئة يف املوضوعات

الشعرية أا ولدت شعر الزهد وأعادت إحياء فن االعتذار كما أظهرت لونا شعريا جديدا هو شعر

يقصد به اإلضحاك والترويح عن النفس نتيجة حياة الترف والرفاهية واألمن، كما الفكاهة الذي

شاع نوع آخر هو شعر التحريض والكيد للخصم وهو أيضا من تبعات احلياة التنافسية يف الدولة

.العباسية

ل يف ولقد أثرت أيضا يف بناء القصيدة العباسية فقد حتررت من املقدمة الطللية وأصبح الشاعر يدخ

موضوع القصيدة مباشرة دون مقدمات إال إن أحب أن ميهد له بأبيات يف الغزل أو احلكمة أو

الوصف، وبذلك اتسمت القصيدة بالوحدة املوضوعية ، كما أن القصائد قصرت شيئا فشيئا حىت

.صارت أشبه باملقطوعات منها بالقصائد

حبور جديدة مل تعرف من وقصرت األوزان وصارت ذات إيقاع خفيف مطرب كما ظهرت

وصارت األلفــاظ رشيقة سهلة واضحة بعيدة عن اجلزالة .كل ذلك لتتماشى مع موجة الغناء..قبل

وأقرب إىل العذوبة والرقة نتيجة تباين اللغات و اللهجات واختالط النسب العريب بغريه ورغبة يف

١٩٣

وكانت الصور . ة جديدة بديعةاستمالة قلوب اجلواري، كما تغريت املعاين القدمية فاختذت صور

.واألخيلة والتشبيهات يف العصر العباسي متنوعة متباينة بتنوع الثقافات واحلضارات

قسمت الشعراء إىل حضارية جديدة وما شاع فيها من مظاهر مث انتقلت إىل قضية القدماء واحملدثني

جزين حبكم مذهبهم الصارم يف تقليديني وجمددين وحمافظني، وتوصلت إىل أن التقليديني كانوا عا

تقليد األولني عن التعبري عن جتارم الشعرية اجلديدة وتراجعت مكانتهم أمام منافسيهم، والعجيب أن

كهم بالقدمي متس للمجددينسبب تأخر مرتلتهم يكمن يف أن النقاد املتعصبني للقدمي أيضا مل يشكروا

استطاع اددون أن يكونوا مرآة حقيقية عاكسة لكل صفوهم باملولدين، بينما وإمنا عابوا شعرهم وو

.مظاهر حيام اجلديدة

مث ذكرت أن هذا الصراع الشعري تابعته موجة نقدية تنقسم إىل متمسكني بالقدمي يقيسون جودة

الشعر مبدى شبهه بالقدمي وهم مجاعة النحويني واللغويني الذين يهتمون بالشاهد الشعري املوافق

لغوية والنحوية، وهناك املتمسكون بالتجديد وهم شعراء التجديد أنفسهم ألن مذهبهم لقواعدهم ال

ومعلوم أن النقد على الرغم من متاشيه مع الشعر إال أنه ال يصوغ النظريات .كان جديدا على النقاد

.بنفس سرعة التغريات الشعرية

وا يف بعض أحكامها واختلفوا يف اليت خاض فيها النقاد فاتفق وانتقلت لنظرية السرقات الشعرية

.أخرى، ونسبوا نشأا إىل العصر اجلاهلي وعزاها البعض إىل نظرية التوارد

وأوردت تقسيم النقاد هلا إىل سرقات لفظية ومعنوية، كما أوضحت أن السرقات املعنوية هي اليت

تقسيمات دارت حوهلا معظم الدراسات النقدية واشتدت حوهلا اخلصومات وكثرت فيها ال

. والتفسريات، واتفاقهم على أن السرقة ال تتم إال يف بديع املعاين واملبتكر الذي مل يسبق إليه

١٩٤

وتوصلت إىل أن األخذ ظهر يف عهد املهدي إال أنه كان قليال، كما ذكرت أن سبب جلوء املقلدين

دمية وكذلك اخلشية على تراثهم إليه هو التغريات البيئية واحلضارية اليت حمت رموزهم وآثار بيئتهم الق

مث توصلت أيضا إىل أن شعراء التجديد أعرضوا عن األخذ من القدماء لتعارض .اجلديد من االندثار

ذلك مع منهجهم اجلديد القائم على االستقالل عن القدمي، ولكن ذلك مل مينعهم عن األخذ من

. معاصريهم

ومل أسهب فيها ألن دراسة القدماء مل تركز على وأخريا حتدثت باختصار عن قضية الوحدة الفنية

مفهومها احلديث بسبب نظرم العقلية للشعر وإمنا وردت بعض اإلشارت إىل الوحدة العضوية

.للقصيدة يف ثنايا قضية اللفظ واملعىن وأن ذلك من مقومات العمل الشعري اجليد

مت حبمد اهللا

:اخلامتة

١٩٥

وال أقول أكملتها ألنه ما من دراسة نقدية أو أدبية ميكن ...حبثي وختمت دراسيت وعلى هذا أيت

..نعتها بالكمال فهي متجددة بتجدد األفكار ودائمة بدوام العلم

اللهم لك احلمد على نعمة العقل وصحة اجلسم وتيسر العلم، اللهم إن كنت قد أصبت يف بعض

فمن نفس أخطأت درا وشيطان يهون عليها ذنبها مقصدي فبتوفيق منك، وإن كنت قد أخطأت

، ..واهللا املستعان وعليه التكالن..أعاذنا اهللا من وساوسه

:املصادر واملراجع القرآن الكرمي: أوال.

املصادر: ثانيا:

١٩٦

يباين ، الكامل يف ابن األثري ، علي بن أيب الكرم حممد أيب عبد الكرم بن عبد الواحد الشدار الكتاب : عمر عبد السالم تدمري ، بريوت . د: الطبعة الرابعة ، حتقيق . التاريخ

م ٢٠٠٤/ هـ ١٤٢٤العريب ،

مكتبة : ، القاهرة. كمال مصطفى: ، حتقيق. الطبعة الثالثة. ، نقد الشعر. ابن جعفر، قدامة .م١٩٧٨/هـ١٣٩٨اخلاجني،

الطبعة األوىل، . الدين بن مالك الدشقي، املصباح يف املعاين والبيان والبديع ابن الناظم، بدر .م٢٠٠١/هـ١٤٢٢دار الكتب العلمية، : عبد احلميد هنداوي، بريوت.د: حتقيق

أمحد حممد شاكر: ، حتقيق وشرح. الطبعة الثانية. ج٢. ،الشعر والشعراء. ابن قتيبة. .م٢٠٠٦/هـ١٤٢٧دار احلديث ، : القاهرة

أمحد أمحد بدوي و حامد عبد : ،حتقيق.) د.ط.(،البديع يف نقد الشعر.ابن منقذ، أسامة .ايد

شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البايب احلليب وأوالده، : مصر،.إبراهيم مصطفى: مراجعة .).د.ط( دار اجليل الطبعة : إميل بديع يعقوب ، بريوت . د: ديوانه ، شرح وحتقيق :أبو دالمة

م١٩٩٤/هـ ١٤١٤ األوىل دار الكتاب العريب ، : بريوت .)د.ط.(جميد طراد: تقدمي وشرح.ديوانه:أبو العتاهية

.م٢٠٠٦/ هـ ١٤٢٧ املكتبة : ،القاهرة.الطبعة األوىل. ، يف الشعر العباسي الرؤية والفن. إمساعيل، عز الدين

.م١٩٩٤األكادميية ، مكتب حتقيق : ،إعداد. الطبعة الثانية. ين،كتاب األغا. األصفهاين، علي بن احلسني بن حممد

. م١٩٩٤/هـ١٤١٤دار إحياء التراث العريب، : لبنان - ،بريوت. التراث العريب الطبعة األوىل. ،خزانة األدب ولب لباب لسان العرب. البغدادي، عبد القادر بن عمر.

دار الكتب : لبنان -بريوت،.اميل بديع يعقوب: إشراف،.حممد نبيل طريفي: تقدمي وفهرسة .م١٩٩٨/هـ١٤١٨العلمية،

م١٩٩٨دار غريب، : ،القاهرة.)د.ط.(،يف تاريخ األدب اجلاهلي.اجلندي، علي.

١٩٧

الطبعة اخلامسة. ،دالئل اإلعجاز.اجلرجاين، عبد القاهر بن عبد الرمحن بن حممد. .م٢٠٠٤/هـ١٤٢٤مكتبة اخلاجني، : القاهرة،.حممود حممد شاكر: تعليق

دار صادر للطباعة والنشر، : لبنان - ،بريوت.الطبعة الثالثة. جم البلدان،مع.احلموي، ياقوت .م٢٠٠٧

دار : عمان- األردن.الطبعة األوىل. ج٢. النقد األديب يف كتاب األغاين.خالص، وليد حممود م٢٠٠٠أسامة،

د.ت.(دار غريب: القاهرة.)د.ط.(يف الشعر العباسي حنو منهج جديد.خليف، يوسف(.

درويش جويدي.د: ،اعتىن به.).د.ط.(،الدولة العباسية.كاخلضري، حممد ب. .م٢٠٠٧/هـ١٤٢٨املكتبة العصرية، : بريوت - صيدا

د.ط.(تاريخ األمم وامللوك: ،تاريخ الطربي. الطربي، أبو جعفر حممد بن جرير.(. .).د.ت: (لبنان -بريوت،.حممد أبو الفضل إبراهيم: حتقيق

حممد عبده و : ،عن نسخة الشيخني.). د.ط.(ج٢ .،ديوان املعاين.العسكري، أبو هالل .).د.ت(،.)د.ل.(،عامل الكتب.حممد حممود الشنقيطي

دار : ، األزاريطة.) د.ط. (،قضايا النقد األديب بني القدمي واحلديث.العشماوي، حممد زكي .م٢٠٠٤املعرفة اجلامعية،

الطبعة . لبالغة العربية،قضية اللفظ واملعىن وأثرها يف تدوين ا.العماري، علي حممد حسن .م١٩٩٩/هـ١٤٢٠أمرية للطباعة، : ،القاهرة.األوىل

حممد عبد املنعم : ،شرح.الطبعة الثالثة. ج٦. ،اإليضاح يف علوم البالغة.القزويين، اخلطيب .)د.ت. (دار اجليل: ،بريوت.خفاجي

حممد مفيد: ،حتقيق وشرح.،العمدة يف صناعة الشعر ونقده.القريواين، احلسن بن رشيق .دار الكتب العلمية: لبنان - ،بريوت.قميحة

تصحيح وتعليق.الطبعة األوىل. ،معجم الشعراء.املرزباين، أبو عبيد اهللا بن حممد بن عمران، : .م١٩٩١/هـ١٤١١دار اجليل، : ،بريوت.ف كرنكو.د.أ الطبعة األوىل. ،مروج الذهب ومعادن اجلوهر.املسعودي، أبو احلسن علي بن احلسني.

١٩٨

دار املعرفة، : لبنان -بريوت،.حممد هشام النعسان، عبد ايد طعمة حليب.د: جعةمرا .م٢٠٠٥-هـ١٤٢٦

ضبط و تعليق.حممد الطاهر بن عاشور: شرح وتكميل.)د.ط.(ج٤. ديوانه:بشار بن برد :مطبعة جلنة التأليف والترمجة والنشر، : القاهرة .حممد رفعت فتح اهللا و حممد شوقي أمني

.م١٩٥٠/هـ١٣٦٩

سالم، حممد زغلول:

.).د.ط.(األدب يف عصر العباسيني منذ قيام الدولة حىت اية القرن الثالث .١ .م١٩٩٣منشأة املعارف، : اإلسكندرية

.الطبعة الثالثة. تاريخ النقد األديب والبالغة حىت آخر القرن الرابع اهلجري .٢

م١٩٩٦منشأة املعارف، : اإلسكندرية ضيف، شوقي:

.الطبعة السادسة عشرة. األول العصر العباسي .١

.م١٩٦٦دار املعارف، : القاهرة .الطبعة العاشرة. الفن ومذاهبه يف الشعر العريب .٢

.).د.ت(دار املعارف، : مصر دار العلم، : ،جدة.الطبعة األوىل. ، النقد األديب يف آثار الشريف املرتضى. عبد الواحد، أمحد

.م١٩٩٦/هـ١٤١٧منشورات نادي جازان األديب، الطبعة ).هـ٦٥٦/هـ١٣٢(العصر العباسي: ، موسوعة التاريخ اإلسالمي. عزام، خالد

.األوىل .م٢٠٠٣دار أسامة للنشر والتوزيع، : األردن - عمان

مكتبة الرشد، : ،الرياض. الطبعة الثانية. ، يف النقد األديب. عمارة، السيد أمحد

.م٢٠٠٦/هـ١٤٢٧ دار الكتاب : بريوت.أشرف أمحد عددة: شرح.ألوىلالطبعة ا. ديوانه:مروان بن أيب حفصة

.م١٩٩٣/هـ١٤١٤العريب،

١٩٩

دار احلديث، : القاهرة.) د.ط.(، معجم تراجم الشعراء الكبري. مراد، حيىي م٢٠٠٦/هـ١٤٢٧

ومنهج البحث يف األدب واللغة مترجم عن. النقد املنهجي عند العرب. مندور، حممد : .)د.ت(ضة مصر، دار: القاهرة.) د.ط.(النسون وماييه

معايري الشعر عند : املعطاين، معتوقة سامل جابر، رسالة مقدمة لنيل درجة املاجستري بعنوان ١٤٢٠/هـ١٤١٩: صابر عبد الدائم، جامعة أم القرى. د:ابن طباطبا، إشراف

الفهرس الصفحة املوضوع

٥ إهداء

٢٠٠

٦ شكر وتقدير

٧ املقدمة

١١ التمهيد

٣٩ :موضوعاته واجتاهاته يف بالط املهدي: الشعر: الفصل األول

٤٣ موضوع املديح: أوال

٧٤ موضوع الغزل: ثانيا

٩٨ الوصفموضوع : ثالثا

١٠٣ اهلجاءموضوع : رابعا

١١٣ الرثاءع وموض: خامسا

١١٨ موضوع الفخر: سادسا

١٢٢ االعتذارموضوع : سابعا

١٢٩ موضوع الزهد: ثامنا

:الشعر االجتماعي: تاسعا

التعازي والتهاين.١

١٣٢

١٣٣ العتاب.٢

١٣٤ الشكوى واالستعطاف. ٣

١٣٩ التحريض. ٤

١٤١ شعر الفكاهة والتظرف واالستجداء. ٥

٢٠١

١٤٥ :القضايا النقدية يف بالط املهدي: الفصل الثاين

١٤٧ قضية اللفظ واملعىن:أوال

١٥٢ أثر البيئة يف الشعر العباسي: ثانيا

١٦٢ قضية القدماء واحملدثني: ثالثا

١٧٣ قضية السرقات الشعرية: رابعا

١٨١ فضية الوحدة الفنية: خامسا

١٨٦ نتائج البحث

١٩٥ اخلامتة

١٩٦ املصادر واملراجع