media.kenanaonline.commedia.kenanaonline.com/files/0035/35705/مجمع... · web view129- أ ن ت...

1026
* BOOK صدار ، الإ ال ث م ع الإ م ج م* 2.01 * AUTHOR ي ن دا ث م ل ل ا ض ف ل ا ي ن لإ* * STAMP* "#$%&'(;<>=AD@BCCDMNNHMLQTMUNWPY * EXEVER*08 * TYPING % ة ن س ي ف ي ف و% ت م ل ، ا ي ن دا ث م ل ، ا وري ب سا ي ث ل م، ا ي هرا ب ا9 ن ب مد ح ا9 ن ب> مد ج م9 ن ب مد ح ل ا ض ف ل و ا ب و ا ه و* 518 . % رة ج ه ل ا9 ن م* TYPING ،) خ ي ار% ت9 دون ت( 9 ان ث لب% روت يT ب، % ة رف مع ل دار ا% عة ب لط9 ان% ق ف وا م، % حات ف لص م ا ي% ق ر% ب ، و ف ل م ل ا ا هد* د. ث م ج ل دا ث ع9 ن ب الد ي حي م مد ج م% ق ت% ق حp ت ب* TYPING . % حات ف لص م ا ي% ق ر% ب ، و ي ن لإ م ا% ق ت% ق د% ع ت م، % لة ات% ق م ل ا ت% ق% ق ل، ومد م كا ف ل م ل ا* * TYPING* COMPLETE, VERIFIED, SPELL CHECKED, PAGE NUMBERS * END * * 1 ول. ء الإ ر ج ل ا* * 2 ال . ث م ع الإ م ج م ب ح صا ي ن دا ث م ل ا% مة ح ر% ب" " * ة. ن ح ص لة و لة وا و س ي ر عل لإم س ل وا% لإة ض ل لة وا مد ل ج ل م. ا ي ح ر ل ا9 ن م ح ر ل ا م اس ب]ص ح[ & @ - 1 اء : دت م الإ ج ع م ي ف% وت% ق ا ال ت% ق- " " : ُ 9 انَ دْ ثَ م ل ، وا وري ب سا ي ث ل ل، ا ض ف ل و ا ب ، ا ي ن دا ث م ل م، ا ي هرا ب ا9 ن ب مد ح ا9 ن ب مد ج م9 ن ب مد ح ا. ويَ غُ ل، وي ح ي م، ل ، عاٌ ل ص ا قٌ ب ي د و ا ه ر. و ف ا غ ل د ا ث ع لك ر د ك ها، د لي ا بِ سُ ن ق ها سكي ب9 كانَ ورُ ب اَ سْ يَ ' نِ الَ حَ م9 ن م% ةَ لِ حَ مَ 9 نِ فُ ر، ودْ دَ % ق ل اَ % ةَ ل ث ل، % ة ماب س م ح وَ % ةَ رْ شَ ع9 مان ث% ة ن س9 ان ض م ر ي ف- % قَ ا ثِ س ل ا ي ف ل ث ع ما س ا9 ن ب ر ف ا غ ل د ا ث ع رة ك ما د ي ق- % مات9 ن م . ولة وري ب سا ي ث ل مد ا ح ا9 ن ب وت% ق غ ي يَ لَ ع ، و يِ دِ واح ل مد ا ح ا9 ن ب يِ عل9 ن س ح ل ا ي ن ي اَ لَ ع را% ف.9 انَ دْ ثَ م ل ا% رة ي% ق م ث ات% ث ك و، ت ل ا ي ف9 ج ود م ث الإ ات% ث ك، ي م سا الإ ي ف ي م سا ل ا ات% ث ك ع، ف ا د تِ يَ ح ال، ث م ع الإ م ا ح ات% ث ك: ف ب ب ضا% ت ل ا، % ات ث ل ض ف م ل رج ا ش ات% ث ك، فْ رَ لص م ا عل ي ف فْ رَ ط ل ا% هة' ر ب ات% ث ك، ي ن اَ دْ ثَ م ل و ا ت ل ا ات% ث ك، ادي سل ل هادي ل ا: ي ن رسا م ل ا> مد ج م9 ن ب غد س ول ا% ق ي ي م سا الإ ي ف ي م سا ل ا ات% ث ك ي ف . و ي ض ا% ق ل ل ا ن رسا ي ف ي ض را ل ا% ةَ نْ ' بُ م ات% ث كِ امَ س ل ا9 ن م ر كي ل ن، ِ رُ الد9 ن مٌ 9 جْ رَ د يِ م اَ س ل ا اة تَ مَ س ي الدُ ات% ث لك ا ا هد*

Upload: others

Post on 10-Feb-2020

2 views

Category:

Documents


0 download

TRANSCRIPT

*BOOK*مجمع الأمثال، الإصدار 2.01

*AUTHOR*لأبي الفضل الميداني

*STAMP* "#$%&'(;<>=AD@BCCDMNNHMLQTMUNWPY

*EXEVER*08

*TYPING* وهو أبو الفضل أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم، النيسابوري، الميداني، المتوفي في سنة 518 من الهجرة.

*TYPING* هذا الملف، وترقيم الصفحات، موافقان لطبعة دار المعرفة، بيروت لبنان (بدون تاريخ)، بتحقيق محمد محيي الدين عبدالحميد.

*TYPING* الملف كامل، ومدقق بالمقابلة، مع تدقيق إملائي، وترقيم الصفحات.

*TYPING* COMPLETE, VERIFIED, SPELL CHECKED, PAGE NUMBERS

*END*

*1* الجزء الأول.

*2* ترجمة الميداني صاحب "مجمع الأمثال".

@[ص حـ] & بسم اللّه الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه.

-1- قال ياقوت في "معجم الأدباء":

أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم، الميداني، أبو الفضل، النيسابوري، والمَيْدَانُ:

مَحِلَّة من مَحَالِّ نَيْسَابُورَ كان يسكنها فنُسِب إليها، ذكر ذلك عبد الغافر. وهو أديبٌ فاضلٌ، عالم، نحويّ، لُغَوي. مات - فيما ذكره عبد الغافر بن إسماعيل في السِّياَق - في رمضان سنة ثمان عَشْرَةَ وخمسمائة، ليلَةَ القَدْر، ودُفِنَ بمقبرة المَيْدَان. قرأ عَلَى أبي الحسن علِيّ بن أحمد الواحِدِيّ، وعَلَى يعقوب بن أحمد النيسابوري. وله من التصانيف: كتاب جامع الأمثال، جَيِّد نافع، كتاب السامي في الأسامي، كتاب الأنموذج في النحو، كتاب الهادي للشادي، كتاب النحو المَيْدَاني، كتاب نزهة الطَّرْف في علم الصَّرْف، كتاب شرح المفضليات، كتاب مُنْيَة الراضي في رسائل القاضي. وفي كتاب السامي في الأسامي يقول أسعد بن محمد المرساني:

هذا الكتابُ الذي سَمَّاه بالسَّامِي * دَرْجٌ من الدُّرِّ، بل كنز من السَّامِ

ما صَنَّفَتْ مثْله في فَنِّهِ أبداً * خَوَاطِرُ الناس من حَامٍ ومن سَامٍ

فيه قَلاَئدُ ياقُوتٍ مُفَصَّلة * لكل أرْوَع َماضي العَزْم بَسَّامِ

فكعْبُ أحمَدَ مولاي الأمام سَمَا * فوق السَّماكين من تصنيفه السَّامِي

وسمعت في المُفَاوضة ممَّنْ لا أحصي أن المَيداني لما صنف كتاب الجامع في الأمثال وقف عليه أبو القاسم الزمخشري، فحسَدَه على جَوْدة تصنيفه، وأخذ القلم و زاد في كلمة الميداني نوناً قبل الميم فصار "النميداني" ومعناه بالفارسية الذي لا يعرف شيئاً، فلما وقف الميداني على ذلك أخذ بعض تصانيف الزمخشري، فصيَّر ميم نسبته نوناً فصار "الزنخشري" ومعناه مشتري زوجته. [ص د]

وذكر محمد بن أبي المعالي بن الحسن الخواري في كتابه " ضالة الأديب، من الصحاح والتهذيب" - وقد ذكر الميداني - قال: سمعت غير مرة من كتَّابِ أصحابه يقولون: لو كان للذكاء والشهامة والفضل صورة لكان الميداني تلك الصورة، ومَنْ تأمل كلامه واتقفى أثره علم صدق دعواهم.

وكان ممن قرأ عليه وتخرج به: الإمامُ أبو جعفر أحمد بن علي المقرىء البيهقي، وابنه (أي ابن الميداني) سعيد، وكان إماماً بعده.

قال عبد الغافر بن إسماعيل: ومن أشعاره:

تنفَّس صُبْحُ الشيب في ليل عارضي * فقلت: عَساَهُ يكتفي بِعِذَارِي

فلما فشا عاتبته فأجابني * ألا هل يُرَى صُبْحٌ بغير نهارِ؟

وذكره أبو الحسن البيهقي في كتاب " وِشاح الدُّمْيَةِ" فقال: الإمامُ، أستاذنا، صَدْرُ الأفاضل، أبو الفضل أحمد بن محمد بن أحمد الميداني، صَدْرُ الأدباء، وقدوة الفضلاء، قد صاحَبَ الفضل في أيام نَفِدَ زاده، وفنى عَتَاده، وذهبت عُدَّتهُ، وبطلت أُهْبَتهُ، فقوَّمَ سِنادَ العلوم بعد ما غيَّرتها الأيامُ بصُرُوفها، ووضع أنامل الأفاضل على خُطُوطها وحُرُوفها، ولم يخلق اللّه تعالى فاضلاً في عَهْده إلا وهو في مائدة آدابه ضَيْف، وله بين بابِهِ وداره شتاء وصَيْف، وما على مَنْ عام لجج البحر الخِضَمّ واسْتَنْزَف الدرر ظُلْمٌ وحَيْف، وكان هذا الإمامُ يأكُلُ من كَسْب يَدِه، ومما أنشدني - رحمه اللّه - لنفسه:

حَنَنْتُ إليهم والدِّيارُ قريبة * فكيف إذا سار المَطِيُّ مَرَاحلا؟

وقد كنتُ قبل البَيْن، لا كان بَيْنُهُمْ، * أُعَايِنُ للهِجْرَانِ فيهم دلائلا

وتحت سُجُوف الرقم أغْيَدُ ناعِمٌ * يَمِيسُ كخوطِ الخيزرانة مائلا

ويَنْضُو علينا السيف من جَفْن مقلة * تريق دَمَ الأبطال في الحب باطلا

وتكسرنا لَحْظاً ولفظاً، كأنما * بِفِيه وعَيْنَيْهِ سُلاَفَةُ بَابِلاَ

وله أيضاً:

شَفَةٌ لَمَاهَا زادَ في آلامي * في رَشف ريقتها شِفَاءُ سَقَامِي

قد ضَمَّنَا جنحُ الدُّجى وللثمنا * صَوْتٌ كقَطِّكَ أرْؤس الأقلام

وذكر البيتين اللذين أولهما* تنفس صبح الشيب في ليل عارضي * ثم قال: وله أيضاً: [ص هـ]

يا كاذباً أصبح في كِذْبِهِ * أعْجُوبَةً أيَّةَ أعْجُوبَهْ

وناطقاً ينطق في لفظة * واحِدَةٍ سبعين أكذوبَهْ

شَبَّهَك الناسُ بعُرْقُوبهم * لَّما رَأوْا أخْذَكَ أسْلُوبَهْ

فقلت: كلا! إنه كاذبٌ * عُرْقُوبُ لا يبلغ عُرْقُوبَهْ

-2- وقال قاضي القضاة ابن خلكان في "وفَيَات الأعيان":

أبو الفضل أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم، المَيْدَاني، النيسابوري، الأديبُ، كان أديباً فاضلاً، عارفاً باللغة، اختصَّ بصحبة أبي الحسن الواحدي صاحب التفسير، ثم قرأ على غيره، وأتْقَنَ فنَّ العربية خصوصاً اللغة وأمثال العرب، وله فيها التصانيف المفيدة، منها كتاب الأمثال المنسوب إليه، ولم يعلم مثله في بابه، وكتاب"السامي، في الأسامي" وهو جيد في بابه، وكان قد سمع الحديث ورَوَاه، وكان ينشد كثيراً، وأظنهما له:

تنفس صبح الشيب في ليل عارضي * فقلت: عَسَاه يكتفي بعذاري

فلما فشا عاتبته فأجابني * أيا هَلْ ترى صبحاً بغير نهار؟

وتوفي يوم الأربعاء الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة ثمان عشرة وخمسمائة، بنيسابور، ودفن على باب ميدان زياد.

والميداني - بفتح الميم، وسكون الياء المُثَنَّاة من تحتها، وفتح الدال المهملة، وبعد الألف نون - هذه النسبة إلى ميدان زياد بن عبد الرحمن، وهي مَحِلَّة في نيسابور.

وابنه أبو سعد سعيدُ بن أحمد كان فاضلا ديناً، وله كتاب "الأسْمى، في الأسما" وتوفي سنة تسع وثلاثين وخمسمائة، رحمه الله تعالى:

-3- ولأبي الفضل أحمد بن محمد بن أحمد الميداني - غير ما أثرناه - ترجمة في المراجع الآتية:

الأنساب، للسمعاني 548

تاريخ ابن كثير المعروف باسم البداية والنهاية 12/194

نزهة الألباب للأنباري 466

الفلاكة والمفلوكون 99

شذرات الذهب لابن العماد 4/58

بغية الوعاة للسيوطي 155 [ص و]

كشف الظنون 974 و 1597 و 1703 (طبع الآستانة)

الإنباه للقفطي 1/121

ونحن نجتزي من كل هذه المراجع بعبارة جاءت في كشف الظنون (1598) لأنها لم ترد فيما أثرناه عن ياقوت وعن ابن خلكان، قال:

ويحكى أن الزمخشري - بعد ما ألف "المستقصى في الأمثال" - اطَّلع على "مجمع الأمثال" للميداني، فأطال نظره فيه، وأعجبه جداً، ويقال: إنه ندم على تأليفه المستقصي لكونه دون مجمع الأمثال في حسن التأليف والوَضْع وبَسْط العبارة وكثرة الفوائد.

وقد اختصر "مجمعَ الأمثال" شهابُ الدين محمد القضاعي، الخوبي، من تلاميذ الميداني.

-4- وبعد فإن كتاب "مجمع الأمثال" أحَدَ تصانيف أبي الفضل أحمد بن محمد الميداني أفْضَلُ كتاب صنف في موضوعه حُسْنَ تأليف، وبَسْطَ عبارة، وكثرة فائدة، حتى إن الإمام الزمخشري حين تأمله نَدِمَ على أن ألفَّ كتاباً جامعاً في الأمثال، فقد ظن أنه حَشَد فيه وجَمَع ما لم يتهيأ لغيره من أدباء العربية وعلمائها وباهى بأن سماه "المستقصي" ثم تبين له أنه أقل فائدة وأهْوَنُ جمعاً مما صنفه الميداني، وقد رأيت في كلام ابن خلكان أنه سمى الكتاب "كتاب الأمثال" ورأيت في كلام ياقوت أنه سماه "جامع الأمثال" ورأيت في كلام صاحب كشف الظنون أنه سماه "مجمع الأمثال" على ما هو المشهور في اسم الكتاب.

وقد طبع الكتابُ مراراً في مصر، في بولاق وفي غير بولاق، ولم يظهر في طبعة من هذه الطبعات سليما من التحريف والتصحيف، بل شاع المسخ في طبعاته الحديثة حتى بعد عن أصله بعد الفيل من رحم الأتان، ولعلنا - بعد أن حققنا أصله، وضبطنا غرائبه، ورقمناه ترقيما دقيقاً - نكون قد أعدنا له بهاءه، وجَدَّدنا رُوَاءه، ونَفَيْنَا عنه عَبَث العابثين، ويَسَّرناه للانتفاع به، والله وحده المسئول أن يجعل هذا العملَ مقروناً بالقبول، وأن ينفع به إنه أكرم مسئول.

محمد محي الدين [ص ز]

@[ص 1]&بسم اللّه الرَحمنِ الرَحيم

إن أحسن ما يُوَشَّحُ به صَدْرُ الكلام، وأجملَ ما يفصَّل به عِقْدُ النِّظام، حَمْدُ الله ذي الجلال والإكرام، والإفضال والإنعام، ثم الصلاة على خير الأنام، المبتَعثِ من عُنْصُر الكرام، وعلى آلِهِ أعلامِ الإسلام، وأصحابِهِ مصابيحِ الظلام، فالحمد لله الذي بدأ خَلْقَ الإنسان من طين، وجَعَله ذا غَوْرٍ بعيد وشَأوٍ بَطِين، يستنبط الكامِنَ من بديع صَنْعته بذكاء فِطْنَته، ويستخرج الغامضَ من جَليل فِطْرته بدقيق فِكْرته، غائصا في بحر تصرُّفه على دررِ مَعَان، أحْسَنَ من أيام مُحْسن معان، وأبْهَجَ من نيل أمان، في ظل صحةٍ وأمان، مودِعاً إياها أصْدَافَ ألفاظٍ، أخْلَبَ للقلوب من غمزات ألحاظ، وأسْحَرَ للعقول من فَتَرات أجفانٍ نواعسَ أيْقَاظ، ناظما من محاسنها عُقُودَ أمثال، يحكم أنها عَديمةُ أشْبَاهٍ وأمثال، تتحلّى بفرائدها صدورُ المحافل والمحاضر، وتتسلَّى بشواردها قلوبُ البادي والحاضر، وتُقَيَّد أَوَابِدُها في بطون الدفاتر والصحائف، وتطير نواهضُها في رءوس الشواهق وظهور التنَائِف، فهي تُوَاكبُ الرياحَ النُّكْبَ في مَدَارجِ مهابِّهَا، وتُزَاحم الأراقمَ الرُّقْشَ في مضايق مَدَابِّها، وتحوج الخطيبَ المِصْقَع والشاعر المُفْلِقَ إلى إدماجها وإدراجها، في أثناء متصرِّفاتها وأدراجها، لاشتمالها على أساليب الحسن والجمال، واستيلائها في الْجَوْدَة على أمَدِ الكمال، وكفاها جلالَةَ قدر، وفَخَامة فخر، أنَّ كتاب الله عز وجل - وهو أشرفُ الكتب، التي أنزلت على العجم والعرب - لم يَعْرَ من وشاحها المفصل ترائبُ طِواله ومُفَصَّله، ولا من تاجها المُرَصَّعِ مفارقُ مجمله ومُفَصَّله، وأن كلام نبيه صلى الله عليه وسلم - وهو أفصح العرب لسانا، وأكملهم بيانا، وأرْجَحُهم في إيضاح القول ميزانا - لم يَخْلُ في إيراده وإصداره، وتبشيره وإنذاره، من مَثَل يحوز قَصَبَ السَّبْق في حَلْبة الإيجاز، ويستولي على أمَدِ الْحُسْن في صَنْعَة الإعجاز، أما الكتابُ فقد وُجد فيه هذا النهج لَحِباً مسلوكا، حيث قال عز من قائل: {ضَرَبَ الله مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً} وقال: {ضَرَبَ الله مَثَلاً كلمةً طيبةً} يعني كلمة التوحيد {كشجرة طيبة} يعني النخلَةَ {أصلها ثابت وفرعها في السماء} شَبَّه ثَبَاتَ الإيمان في قلب المؤمن بثَبَاتها، وشَبَّهَ صُعُود عمله إلى السماء، بارتفاع [ص 2] فروعها في الهواء، ثم قال تعالى {تؤتي أكُلَهَا كلَّ حينٍ} فشبه ما يكتسبه المؤمن من بركة الإيمان وثوابه في كل زمان، بما ينال من ثمرتها كل حين وأوان، وأمثالُ هذه الأمثال في التنزيل كثير، وهذا الذي ذكَرْتُ عن طَويلها قصير، وأما الكلام النبوي من هذا الفن فقد صنف العسكريُّ فيه كتابا براسه، ولم يأل جَهْداً في تمهيد قواعده وأساسه، وأنا أقتصر ههنا على حديث صحيح وقَعَ لنا عاليا، وهو ما أخبرنا الشيخ أبو منصور بن أبي بكر الْجَوْزِي أنبأنا أبو الحسن عبد الرحمن بن إبراهيم، أنبأنا أبو طاهر محمد بن الحسن، أنبأنا أبو البحتري أنبأنا أبو أسامة، أنبأنا يزيد بن أبي بُرْدَةَ عن أبي موسى الأشْعَرِيِّ رضي اللّه تعالى عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما مَثَلُ الجليسِ الصالِح وجليسِ السوء كحامل المِسْكِ ونافخُ الكِيرِ، فحاملُ المسكِ إما أن يُحْذِيَكَ (أحذاه يحذيه: أعطاه) وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبا، ونافخُ الكِيرِ إما أن يحرق ثيابك وإما أن تَجِدَ منه ريحا خبيثة" رواه البخاري عن أبي كريب عن أبي أسامة، فكأن شيخ شيخي سمعه من البخاري.

وبعد، فإن من المعلوم أن الأدب سُلَّم إلى معرفة العلوم، به يُتَوَصَّل إلى الوقوف عليها، ومنه يتوقَّع الوصولُ إليها، غير أن له مَسَالكَ ومَدَارج، ولتحصيله مَرَاقِيَ ومَعَارج، من رَقِيَ فيها درَجاً بعد درج، ولم تهمّ شمسُ تشميره بِعَرَج، ظفِرَتْ يَدَاه بمفاتح أغلاقه، وملكت كفاه نفائس أعْلاَقه، ومن أخطأ مِرْقَاةً من مَرَاقيه، بقي في كد الكَدْحِ غيرَ مُلاَقيه، وإنَّ أعلى تلك المراقي وأقصاها، وأوْعَرَ هاتيك المسالك وأعصاها، هذه الأمثالُ التي هي لُمَاظَاتُ حَرَشَةِ الضِّبَاب، ونُفَاثات حَلَبة اللِّقَاح وحَمَلَة العِلاَب، من كل مرتضعٍ دَرَّ الفصاحة يافعا ووليدا، مرتكضٍ في حجر الذَّلاَقة توأما ووَحيدا، قد ورد مَنَاهل الفطنة يَنْبوُعا فينبوعا، ونزف مناقع الحكمة لَدُوداً ونَشُوعا، فنطق بما يُسِرُّ المعبِّر عنها حبوا في ارتقاء (هكذا وقع في جميع المطبوعات، وأراه محرفا عن "حسوا في ارتغاء" وهو مأخوذ من المثل "يسر حسوا في ارتغاء" وسيأتي في حرف الياء مشروحا) والمشير إليها يمشي في خَمَر ويدبُّ في ضَراء، ولهذا السبب خفيَ أثرُها، وظهر أقلُّها وبطن أكثرها، ومن حَامَ حول حِمَاها، ورام قَطْفَ جَنَاها، علم أن دون الوصول إليها خَرْطَ القَتَاد، وأن لا وقوف عليها إلا للكامل العَتَاد، كالسَّلَف الماضِينَ الذين نظموا [ص 3] من شَمْلها ما تشتَّت، وجمعوا من أمرها ما تفرَّق، فلم يبقوا في قوس الإحسان مَنْزعا، ولا في كِنانة الإتقان والإيقان أهْزَعا، والناس اليوم كالمجمِعِين على تقاصُرِ رغباتهم، وتقاعُدِ همَّاتهم، عما جاوز حد الإيجاز، وإن حرك في تلفيقه سلسلة الإعجاز، إلا ما نشاهده من رغبةِ مَنْ عَمَرَ معالم العلم وأحياها، وأوضَحَ مناهج الفضل وأبداها، وهمةِ مَنْ تجمعت في فؤاده همم ملءُ فؤاد الزمان إحداها، وهو الشيخ العميد الأجل السيد العالم ضياء الدولة منتخب المُلْك شمس الْحَضْرة صفيُّ الملوك أبو علي محمد بن أرسلان، أدام الله علوّه، وكبَتَ حاسده وعدوّه، فإنه الذي جَذَب بضَبْع الأدب من عَاثُوره، وغالى بقيمة منظومه ومنثوره، وأقبل عليه، وعلى من يُرَفْرِفُ حواليه، إقبالَ مَنْ ألقت خزائن الفضل إليه مقاليدها، ووقفت مآثرُ المجد عليه أسانيدها، فأبرز محاسن الآداب في أضْفَى ملابسها، وبَوَّأها من الصُّدور أعلى منازلها ومجالسها، بعد أن حَلَّقت بها العنقاء في بَنَاتِ طَمَار، وتضاءلت كتضاؤل الحسناء في الأطْمَار، فالحمدُ لله الذي جعل أيامه للحسن والإحسان صورة، وعلى الفضل والإفضال مقصورة، وجعلها موقوفَة الساعات، على صنوف الطاعات، محفوفَةَ الساحات، بوفود السعادات، موصوفة الحركات والسكنات، بوفور البركات والحسنات، حتى أصبحت حُلِيَّاً على لَبَّة الدولة الغراء، وتاجا في قِمَّةِ الحضرة الشمَّاء، وحِصْنا لملك الشرق حصينا، ورُكْنا يؤوي إليه ركينا، وأمست على معصمه ومعتصمه سورا وسِوَارا، ولوَجْهِ دولته وحُسام سَطْوته غرةً وغِرارا، يُسْتَمْطَر النُّجْحُ ببركات أيامه، ويستودَعُ المللك حركات أقلامه، فلله دره من عالم زرَّ بُرْدَاهُ على عالم، وأمين بانتظام الملك ضمين، ومُطَاع عند ذي الأمر مَكِين، يزين بحضوره ديوان عماله، ولا يشين بمحظوره ديوان أعماله، فعل من تَنَبَّه له الجد، فنظرت نفسه ما قدمت لغد، وتمكَّن منه الجد، فلا الدَّدُ منه ولا هو من دَد، وعليه عينة من سيد جُمِعَ له إلى القُدْرة العصمة، وإلى التواضع الرفعة والحِشْمة، فرَفَلَ من السيادة في أغلى أثوابها، وأتى بيوتَ المجدِ من أبوابها، وباشَرَ أبكار المكارم فالتزمها واعْتَنَقها، وباكر أقداح المحامد فاصطَحَبَها واغتَبَقَهَا، فأصبح لا يَطْرَبُ إلا على معنى تكد له الأفهام، دون مؤثر تأتي له الإيهام، ولا يَعْشَق إلا بناتِ الخواطر والأفكار، دون العذَارَى الخُرَّد الأبكار، ولا يثافن إلا مَنْ أخلق جَدِيدَيْهِ، حتى ملأ من الفضل بُرْدَيه، وكَحَّلَ بإثمِدِ السهر جَفْنيه، حتى أقرَّ بنيل القرب منه عينيه، فتبوَّأ من حضرته [ص 4] المأنوسة جنة حُفَّتْ بالمكارم لا المكاره، وروضةً خُصَّت بالمجد الزاهر لا بالأزاهر، تنثال عليها أفراد الدهر من كل أوْب، وتنصبُّ إليها آحاد العصر من كل صَوْب، لا سَلَب الله أهل الأدب ظلَّه، ولا بلغ هَدْىُ عمرِه مَحِلّه، ما طَلَع نَجْم، ونَجَم طَلْع، بمنه وكرمه.

هذا، ولما تقدر ارتحالي عن سُدَّته، عمرها الله بطول مُدَّته، أشار بجَمْع كتاب في الأمثال، مبرِّزٍ على ما لَه من الأمثال، مشتمل على غَثِّها وسَمينها، محتوٍ على جاهليها وإسلاميها، فعُدت إلى وطني رَكْضَ المنزع شمره الغالي، مشمراً عن ساق جِدِّي في امتثال أمره العالي، فطالعت من كتب الأئمة الأعلام، ما امتد في تقصِّيه نَفَسُ الأيام، مثل كتاب أبي عُبَيدة وأبي عُبَيد، والأصمعي وأبي زَيْد، وأبي عَمْرو وأبي فَيْد، ونظرتُ فيما جمعه المفضَّلُ بن محمد والمفضَّلُ بن سَلَمَةَ. حتى لقد تصفحت أَكْثَرَ من خمسين كتاباً، ونَخَلْتُ ما فيها فصلاً فصلاً وباباً باباً، مفتشاً عن ضَوَالِّها زوايا البقاع، مشذِّباً عنها أُبَنَهَا بصارِمِي القَطَّاع، علماً مني أني أمَتُّ به الدينار في كف ناقد، وأجلو منه البدر لطرف غير راقد، يزيده بالنظر فيه رونقاً وبهاء، ويكسبه بالإقبال عليه سَناً وسناء، ونقلتُ ما في كتاب حمزة بن الحسن إلى هذا الكتاب، إلا ما ذكره من خَرَزَات الرُّقَى وخُرَافات الأَعْرَاب، والأمثال المزدوجة لاندماجها في تضاعيف الأبواب، وجعلتُ الكتابَ على نظام حروف المعجم في أوائلها، ليسهل طريق الطلب على مُتَنَاولها، وذكرتُ في كل مَثَل من اللغة والإعراب ما يفتح الغَلَق، ومن القَصَصِ والأسباب ما يوضِّح الغرض ويُسيغ الشَّرَق، مما جمعه عُبَيْد بن شَرِيَّة وعطاء بن مصعب والشَّرقِيُّ بن القُطَامي وغيرهم، فإذا قلت "المفضل" مطلقاً فهو ابنُ سَلَمة، وإذا ذكرتُ الآخَرَ ذكرتُ اسمَ أبيه، وأفتتح كل باب بما في كتاب أبي عُبَيد أو غيره، ثم أعقبه بما على أَفْعَلَ من ذلك الباب، ثم أمثال المولدين، حتى آتي على الأبواب الثمانية والعشرين على هذا النَّسَق، ولا أعدُّ حرفي التعريف ولا ألفَ الوصل والقطع والأمر والاستفهام، ولا ألفَ المخبِرِ عن نفسه، ولا ما ليس من أَصْلِ الكلمة حاجزاً إلا أن يكون قبل هذه الحروف ما يُلاَزم المَثَل، نحو قولهم "كالمستغيث من الرمضاء بالنار" أو بعدها نحو "المستشار مؤتمن" "والمحسن مُعَان" فإني أورِدُ الأول في الكاف، والثاني والثالث في الميم، وأثبت الباقي على ما ورد، نحو "تَحْسَبُهَا حمقاء" و "بيدين ما أوردها زائدة" يكتبان في بابي التاء والباء، وجعلتُ الباب التاسع والعشرين في أسماء أيام العرب [ص 5] دون الوقائع، فإن فيها كتباً جَمَّةَ البدائع. وإنما عُنِيتُ بأسمائها لكثرة ما يقع فيها من التصحيف، وجعلت الباب الثلاثين في نُبَذٍ من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وكلام خُلَفَائه الراشدين، رضي الله تعالى عنهم أجمعين، مما ينخرط في سِلْكِ المواعظ والحكم والآداب.

وسميت الكتاب "مجمع الأمثال" لاحتوائه على عظيم ما وَرَدَ منها، وهو ستة آلاف ونيف، والله أعلم بما بقي منها، فإن أنفاس الناس لا يأتي عليها الحصر، ولا تَنْفَدُ حتى يَنْفَدَ العصر.

وأنا أعتذر إلى الناظر في هذا الكتاب من خَلَل يَرَاه، أو لفظ لا يرضاه، فأنا كالمنكر لنفسه، المغلوب على حِسِّه وحَدْسه، منذ حط البياض بعارِضِي رحالَه، وحال الزمانُ على سوادهما فأحَالَه، وأطار من وَكْرِ هَامَتِي خُدَارِيَّه، وأنحى على عُود الشَّباب فمصَّ رِيَّه، وملكَتْ يدُ الضعفِ زمامَ قُوَاي، وأسلمني مَنْ كان يَحْطِبُ في حبل هَوَاي. وكأني أنا المعنيُّ بقول الشاعر:

وَهَتْ عَزَمَاتُكَ عند المشِيبِ * وما كان من حَقِّهَا أن تَهيَ

وأنكَرْتَ نفسَكَ لما كَبِرْتَ * فلا هِيَ أَنْتَ ولا أَنْتَ هِي

وإن ذكرت شَهَوَاتُ النفوسِ * فما تشتهي غيرَ أن تشتهى

وأعيذه أن يَرِدَ صَفْوَ منهلِهِ التقاطا، ويشرب عَذْب زُلاله نقاطا، ثم يتحزَّم لتَغْوِير مَنَابعه بالتعيير، ويتشمر لتكدير مَشَارِعه بالتغيير، بل المأمولُ أن يسد خَللَه، ويُصْلح زَلَله، فقلما يخلو إنسان من نِسيان، وقلم من طغيان.

وهذا فصل يشتمل على معنى المثل وما قيل فيه.

قال المبرد: المثَلُ مأخوذ من المِثال، وهو: قولٌ سائرٌ يُشَبَّه به حالُ الثاني بالأول، والأصل فيه التَّشْبِيه، فقولُهم "مَثَلَ بَيْنَ يَدَيه" إذا انتصب معناه أَشْبَهَ الصورةَ المنتصِبة، و "فلان أَمْثَلُ من فلان" أي أَشْبَهُ بما لَه (من) الفضل. والمِثالُ القِصاصُ لتشبيه حالِ المقتَصِّ منه بحال الأول، فحقيقة المَثَلِ ما جُعل كالعلم للتشبيه بحال الأوَّل، كقول كعب ابن زهير:

كَانَتْ مَوَاعِيدُ عُرْقُوبٍ لَهَا مَثَلاً * وَمَا مَوَاعِيدُهَا إِلاَّ الأبَاطِيلُ [ص 6]

فمواعيد عرقوب عَلَم لكل ما لا يصح من المواعيد.

قال ابن السِّكِّيتِ: المَثَلُ: لَفْظٌ يخالفُ لفظَ المضروب له، ويوافق معناه معنى ذلك اللفظ، شَبَّهُوه بالمثال الذي يُعْمَلُ عليه غيره.

وقال غيرهما: سُمِّيت الحكَمُ القائمُ صدقُها في العقول أمثالا لانتصاب صُوَرِها في العقول، مشتقَّة من المثُول الذي هو الانتصاب.

وقال إبراهيم النظام: يجتمع في المثل أربعة لا تجتمع في غيره من الكلام: إيجاز اللفظ، وإصابة المعنى، وحُسْن التشبيه، وجَوْدة الكناية، فهو نهاية البلاغة.

وقال ابن المقفع: إذا جعل الكلام مثلا كان أوضح للمنطق، وآنَقَ للسمع، وأَوْسَعَ لشُعُوب الحديث.

قلت: أربعة أحرف سمع فيها فَعَلٌ وفِعْلٌ، وهي مَثَلٌ ومِثْلٌ، وَشَبَه وَشِبْه، وَبَدَل وبِدْل، ونكَل ونِكْل، فمَثَلُ الشئ ومِثلُه وشَبَهه وشِبْهُه: ما يماثله ويشابهه قدراً وصفةً، وبَدَل الشيء وبِدْلُه: غيره، ورجل نَكَل ونِكْل للذي ينكل به أعداؤه. وفَعيل لغةٌ في ثلاثة من هذه الأربعة، يقال: هذا مَثِيله وشَبِيهه وبَدِيله، ولا يقال نكيله، فالْمَثَلُ ما يُمَثَّلُ بِهِ الشيء: أي يُشّبَّه، كالنَّكَل من يُنَكًّل به عدوّه، غير أن المِثْلَ لا يوضع في موضع هذا المَثَل وإن كان المَثَلُ يوضع موضعه، كما تقدم للفرق، فصار المَثَل اسماً مصرحاً لهذا الذي يضرب ثم يردُّ إلى أصله الذي كان له من الصفة، فيقال: مَثَلُكَ ومَثَلُ فلانٍ: أي صفتك وصفته، ومنه قوله تعالى: {مَثَلُ الجنَّة التي وُعِدَ المتقون} أي صفتها، ولشدة امتزاج معنى الصفة به صح أن يقال: جعلتُ زيداً مثلا، والقوم أمثالا، ومنه قوله تعالى: {ساء مثلاً القومُ} جعل القوم أنفسهم مثلا في أحد القولين، والله أعلم. [ص 7]

*2* الباب الأول فيما أوله همزة.

1- إنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْراً

قاله النبي صلى الله عليه وسلم حين وَفَدَ عليه عَمْرو بن الأهتم والزِّبْرِقَانُ بن بدر وقَيْسُ بن عاصم، فسأل عليه الصلاة والسلام عمرَو بن الأهتم عن الزِّبْرِقان، فقال عمرو: مُطَاع في أَدْنَيْه (هكذا في جميع أصول هذا الكتاب، والأدنون: جمع الأدنى بمعنى الأقرب، ووقع في بعض الأمهات "مطاع في أذينه" والأذين - بوزن الأمير - النداء، يعني أنه إذا نادى قومه لحرب أو نحوها أطاعوه) شدِيدُ العارِضة، مانعٌ لما وَرَاء ظهره، فقال الزبرقان: يا رسول اللّه إنه لَيَعْلَم مني أكثَرَ من هذا، ولكنه حَسَدني، فقال عمرو: أما واللّه إنه لَزَمِرُ المروءة، ضَيّق العَطَن، أحمق الوالد، لئيم الخال، واللّه يا رسول اللّه ما كَذَبْتُ في الأولى، ولقد صدقْتُ في الأخرى، ولكني رجل رَضِيت فقلت أحسنَ ما علمت، وسَخِطْتُ فقلت أقبحَ ما وجدت، فقال عليه الصلاة والسلام "إنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْراً" يعني أن بعض البيان يعمل عمل السحر، ومعنى السحر: إظهار الباطل في صورة الحق، والبيانُ: اجتماعُ الفصاحة والبلاغة وذكاء القلب مع اللسَنِ. وإنما شُبِّه بالسحر لحدَّة عمله في سامعه وسرعة قبول القلب له.

يضرب في استحسان المنطق وإيراد الحجَّة البالغة.

2- إنَّ المُنْبَتَّ لاَ أرْضاً قَطَعَ وَلاَ ظَهْراً أبْقَى.

المنبتُّ: المنقطع عن أصحابه في السفَر، والظَّهْرُ: الدابة.

قاله عليه الصلاة والسلام لرجل اجتَهَد في العبادة حتى هَجَمت عيناه: أي غارَتَا، فلما رآه قال له "إنَّ هذَا الدينَ مَتِينٌ فأوْغِلْ فيه بِرِفْقٍ، إنَّ المُنْبَتَّ" أي الذي يجدُّ في سيره حتى ينبتَّ أخيراً، سماه بما تؤول إليه عاقبتُه كقوله تعالى {إنَّكَ مَيِّت وإنهم ميتون}.

يضرب لمن يُبالغ في طلب الشيء، ويُفْرِط حتى ربما يُفَوِّته على نفسه. [ص 8]

3- إنَّ مِمَّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ مَا يَقْتُلُ حَبَطاً أوْ يُلِمُّ.

قاله عليه الصلاة والسلام في صفة الدنيا والحثِّ على قلة الأخذ منها.

والْحَبَطُ: انتفاخُ البطن، وهو أن تأكل الإبلُ الذُّرَقَ فتنتفخ بطونها إذا أكثرت منه، ونصب "حَبَطاً" على التمييز، وقوله "أو يلم" معناه يقتل أو يَقْرُبُ من القتل، والإلمام: النزولُ، والإلمام: القرب، ومنه الحديث في صفة أهل الجنة "لولا أنه شيء قضاه اللّه لألم أن يذهب بصرهُ لما يرى فيها" أي لقَرُبَ أن يذهب بصره.

قال الأزهري: هذا الخبر - يعني إن مما ينبت - إذا بُتر لم يكد يُفْهَم، وأوّلُ الحديث "إني أخَافُ عليكم بعدي ما يُفْتَح عليكم من زَهْرة الدنيا وزينتها" فقال رجل: أوَ يأتِي الخيرُ بالشرِّ يا رسول اللّه؟ فقال عليه الصلاة والسلام "إنَّهُ لا يأتي الخيرُ بالشر، وإن مما يُنْبِتُ الربيعُ ما يقتل حَبَطا أو يلم، إلا آكلة الْخَضِرِ فإنها أكلَتْ حتى إذا امْتَلأَتْ خَاصِرَتَاهَا اسْتَقْبَلَتْ عَيْنَ الشَّمْسِ فَثَلطَتْ وَبَالَتْ ثم رَتَعَتْ" (في جميع أصول هذا الكتاب "ثم رتعته" والفعل لازم) هذا تمام الحديث.

قال: وفي هذا الحديث مثلان: أحدهما للمُفْرِطِ في جمع الدنيا وفي منعها من حقها، والآخر للمقتصد في أخْذِها والانتفاع بها، فأمّا قولُه "وإن مما ينبت الربيعُ ما يقتل حَبَطاً أو يُلمُّ" فهو مثل المُفْرِط الذي يأخذها بغير حق، وذلك أن الربيعَ يُنْبِتُ أحْرَار العُشْب فتستكثر منها الماشية حتى تنتفخَ بطونُها إذا جاوزَتْ حدَّ الاحتمال، فتنشق أمعاؤها وتهلك، كذلك الذي يجمع الدنيا من غير حِلِّها ويمنع ذا الحق حقَّه يهلك في الآخرة بدخوله النار. وأما مَثَلُ المتقصد فقوله صلى اللّه عليه وسلم "إلا آكلة الْخَضِر" بما وصفها به، وذلك أن الْخَضِرَ ليست من أحرار البقول التي يُنْبتها الربيع، ولكنها من الْجَنْبَة التي ترعاها المواشي بعد هَيْج البقول، فضرب صلى اللّه عليه وسلم آكلةَ الخضِر من المواشي مثلاً لمن يقتصد في أخذ الدنيا وجَمْعها، ولا يَحْمله الحرصُ على أخذها بغير حقها، فهو ينجو من وَبَالها كما نَجَتْ آكلةُ الخضِر، ألا تراه قال عليه الصلاة والسلام " فإنها إذا أصابَتْ من الْخَضِرِ استقبلت عينَ الشمس فَثَلَطَتْ وبالت" أراد أنها إذا شبعت منها بَرَكَتْ مستقبلةَ الشمس تستمرىء بذلك ما أكَلَتْ وتجترُّ وتَثْلِط، فإذا ثَلَطته فقد زال عنها الْحَبَط، [ص 9] وإنما تَحْبَطُ الماشيةُ لأنها لا تثلِطُ ولا تبول. يضرب في النهي عن الإفراط.

4- إنَّ الْمُوَصَّيْنَ بَنُو سَهْوَانٍَ.

هذا مثل تخبَّط في تفسيره كثيرٌ من الناس، والصوابُ ما أثْبِتُهُ بعد أن أحكي ما قالوا

قال بعضهم: إنما يحتاج إلى الوصية من يَسْهو ويَغْفُل، فأما أنت فغيرُ محتاج إليها، لأنك لا تسهو.

وقال بعضهم: يريد بقوله بنو سَهْوان جميعَ الناس، لأن كلهم يسهو.

والأصْوَبُ في معناه أن يقال: إن الذين يُوَصَّوْنَ بالشيء يستولِي عليهم السهوُ حتى كأنه مُوَكَّل بهم، ويدل على صحة هذا المعنى ما أنشده ابن الأعرابيّ من قول الراجز (روى صاحب اللسان أولها في (ع ل ا) غير منسوب، وآخرها في (س ه ا) منسوبا إلى زربن أو في الفقيمي):

أنشد من خَوّارةٍ عِلْيَانْ * مَضْبُورَة الكَاهِلِ كالبُنْيَانْ

ألْقَتْ طَلاً بمُلْتَقَى الْحَوْمَانْ * أكثر ما طافت به يَوْمَانْ

لم يُلْهِهَا عن هَمِّها قَيْدَانْ * ولا الموصَّوْنَ مِنَ الرُّعْيَانْ

إن الموصَّيْنَ بنو سَهْوَانْ

يضرب لمن يسهو عن طلب شيء أمر به والسَّهْوان: السهو، ويجوز أن يكون صفة: أي بنو رجُلٍ سَهْوَان، وهو آدم عليه السلام حين عُهِد إليه فسَهَا ونسى، يقال: رجل سَهْوَانُ وسَاهٍ، أي إن الذين يُوَصَّوْن لابِدْعَ أن يَسْهُوا لأنهم بنو آدم عليه السلام.

5- إنَّ الجوَادَ عَيْنُهُ فُرَارُهُ

الفِرار بالكسر: النظر إلى أسنان الدابة لتعرُّفِ قدر سِنِّها، وهو مصدر، ومنه قول الحجاج "فُرِرْتُ عَنْ ذكاء" ويروى فُرَاره بالضم، وهو اسم منه.

يضرب لمن يدلُّ ظاهره على باطنه فيغني عن اختباره، حتى لقد يقال: إنَّ الخبيثَ عينه فُرَاره.

6- إنَّ الشَّقِيَّ وَافِدُ البَرَاجِمِ

قاله عمرو بن هند الملك، وكان سُوَيْدُ ابن ربيعة التميمي قتلَ أخاه وهَرَب، فأحرق به مائةً من تميم: تسعةً وتسعين من بني دارم وواحداً من البَرَاجم، فلقِّبَ بالمحرِّقِ، وستأتي القصة بتمامها في باب الصاد، وكان الحارث بن عمرو ملك الشأم من آل جَفْنة يدعى أيضا بالمحرِّق، لأنه أول من حَرَّق العرب في ديارهم، ويدعى امرؤ القيس بن عمرو بن عَدِيٍّ الَّخْمِي محرِّقاً أيضا. يضرب لمن يُوقِع نفسه في هَلَكة طمعا. [ص 10]

7- إنَّ الرَّثيئَةَ تَفْثَأُ الغَضَبَ

الرثيئة: اللبنُ الحامض يُخْلَط بالحلو، والفَثْء: التسكينُ.

زعموا أن رجلا نزل بقوم وكان ساخِطاً عليهم، وكان مع سخطه جائعا، فسَقَوْهُ الرثيئة، فسكن غضبه

يضرب في الهَدِيَّة تُورِث الوِفَاقَ وإن قلَّت.

8- إنَّ البُغَاثَ بأَرْضِنَا يَسْتَنْسِرُ

البغاث: ضربٌ من الطير، وفيه ثلاث لغات: الفتح، والضم، والكسر، والجمع بِغْثَان، قالوا: هو طير دون الرَخمة، واستنسر: صار كالنسر في القوّة عند الصيد بعد أن كان من ضعاف الطير

يضرب للضعيف يصير قويا، وللذليل يعزّ بعد الذل.

9- إنَّ دَوَاءَ الشَّقِّ أنْ تَحُوصَهُ

الْحَوْصُ: الخياطةُ

يضرب في رَتْق الفَتْق وإطفاء النائرة

10- إنَّ الجبَانَ حَتْفُهُ مِنْ فَوْقِهِ

الحتفُ: الهلاك، ولا يُبْنَى منه فِعل، وخص هذه الجهة لأن التحرُّزَ مما ينزل من السماء غير ممكن، يُشير إلى أن الحَتْفَ إلى الجَبَان أسرعُ منه إلى الشجاع، لأنه يأتيه من حيث لا مَدْفَع له.

قال ابن الكلبي: أولُ من قاله عمرو (الشعر في اللسان منسوب لعامر ابن فهيرة) ابن أمامة في شعرٍ له، وكانت مُرَادٌ قتلته، فقال هذا الشعر عند ذلك، وهو قوله:

لَقَدْ حَسَوْتُ الموتَ قبل ذَوْقِهِ * إنَّ الجبانَ حَتْفُه مِنْ فَوْقِهِ

[كُلُّ امْرِئٍ مُقَاتِلٌ عَنْ طَوْقِهِ] * وَالثَّوْرُ يَحْمِي أنْفَهُ بِرَوْقِه

يضرب في قلة نفع الحذر من القدر

وقوله "حسوت الموت قبل ذَوْقِهِ" الذوق: مقدمة الحَسْو، فهو يقول: قد وطنّت نفسي على الموت، فكأني بتوطين القلب عليه كمن لقيه صُرَاحا.

11- إنَّ المُعَافَى غَيْرُ مَخْدُوعٍ

يضرب لمن يُخْدَع فلا يَنْخَدع والمعنى أن مَنْ عوفي مما خدع به لم يَضُره ما كان خُودِع به.

وأصلُ المثل أن رجلا من بني سُلَيم يسمى قادحا كان في زمن أمير يكنى أبا مظعون، وكان في ذلك الزمن رجل آخر من بني سليم أيضا يقال له سُلَيْط، وكان عَلِقَ امرأة قادح، فلم يزل بها حتى أجابته وواعدته، فأتى سُلَيْطٌ قادحاً وقال: إني [ص 11] علقت جارية لأبي مظعون، وقد واعدتني، فإذا دخلتَ عليه فاقْعُدْ معه في المجلس، فإذا أراد القيامَ فاسبقه، فإذا انتهيت إلى موضع كذا فاصفر حتى أعلم بمجيئكما فآخذ حَذَري، ولك كل يوم دينار، فخدعه بهذا، وكان أبو مظعون آخر الناس قياما من النادي ففعل قادح ذلك، وكان سُلَيْط يختلف إلى امرأته، فجرى ذكر النساء يوما، فذكر أبو مظعون جواريه وعَفَافهن، فقال قادح وهو يعرض بأبي مظعون: ربما غُرّ الواثق، وخُدِع الْوَامق، وكذب الناطق، ومَلَّتِ العاتق، ثم قال:

لا تَنْطِقَنَّ بأمرٍ لا تَيَقَّنُهُ * ياعمرو، إنَّ المُعَافى غيرُ مخدوعِ

وعمرو: اسم أبي مظعون، فعلم عمرو أنه يعرّض به، فلما تفرق القوم وثَب على قادح فخنقه وقال: اصدقني، فحدثه قادح بالحديث، فعرف أبو مظعون أن سُلَيطا قد خدَعه، فأخذ عمرو بيد قادح ثم مر به على جَوَاريه فإذا هن مُقْبلات على ماوكلن به لم يفقِدْ منهن واحدةً، ثم انطلق آخذا بيد قادح إلى منزله فوجد سُلَيطا قد افترش امرأته، فقال له أبو مظعون: إن المعافى غير مخدوع، تهكما بقادح، فأخذ قادح السيفَ وشدَّ على سُلَيط، فهرب فلم يدركه، ومال إلى امرأته فقتلها.

12- إنَّ فيِ الشَّرِّ خِيَاراً

الخير: يجمع على الخِيار والأخيار، وكذلك الشر يجمع على الشِّرَار والأشرار: أي أن في الشر أشياء خيارا. ومعنى المثل - كما قيل - بعض الشر أهون من بعض، ويجوز أن يكون الخيار الاسم من الاختيار: أي في الشر ما يُخْتَار على غيره.

13- إنَّ الْحَديِدَ بالْحَدِيِدِ يُفْلَحُ

الفَلْح: الشَّقُّ، ومنه الفلاَّح للحَرَّاث لأنه يشق الأرض: أي يُسْتعان في الأمر الشديد بما يشاكله ويقاويه.

14- إنَّ الْحَمَاةَ أُولِعَتْ بالْكَنَّهْ * وَأُولِعَتْ كَنَّتُهَا بالظِّنَّهْ

الحماة: أم زوج المرأة، والكَنَّة: امرأة الابن وامرأة الأخ أيضاً، والظنة: التهمة، وبين الحماة والكنة عداوة مستحكمة يضرب في الشر يقع بين قوم هو أهلٌ لذلك.

15- إن للّهِ جُنُوداً مِنْهَا العَسَلُ

قاله معاوية لما سمع أن الأشْتَر سُقِيَ عسلاً فيه سم فمات.

يضرب عند الشَّماتة بما يصيب العدو. [ص 12]

16- إن الْهَوى لَيَمِيلُ بِاسْتِ الرَّاكِبِ

أي مَنْ هوى شيئاً مال به هواه نحوه، كائناً ما كان، قبيحاً كان أو جميلا، كما قيل: إلى حيثُ يَهْوَى القَلْب تَهْوِي به الرجل*

17- إنَّ الْجَوَادَ قَدْ يَعْثُرُ

يضرب لمن يكون الغالبُ عليه فعلَ الجميل، ثم تكون منه الزَّلَّة.

18- إنَّ الشَّفِيقَ بِسُوءِ ظَنٍّ مُولَعُ

يضرب للمَعْنِيِّ بشأن صاحبه، لأنه لا يكاد يظن به غير وقوع الحوادث، كنحو ظُنُون الوالدات بالأولاد.

19- إنَّ المَعَاذيرَ يَشُوبُها الكَذِبُ

يقال: مَعْذِرة ومَعَاذِر ومَعَاذِير.

يحكى أن رجلا اعتذر إلى إبراهيم النَّخَعي، فقال إبراهيم: قد عذرتك غير معتذر، إن المعاذير، المثلَ.

20- إنَّ الْخَصَاصَ يُرَى فِي جَوْفِها الرَّقَمُ

الْخَصَاص: الفُرْجَة الصغيرة بين الشيئين. والرقَم: الداهية العظيمة، يعني أن الشيء الحقير يكون فيه الشيء العظيم.

21- إنَّ الدَّوَاهِيَ في الآفاتِ تَهْتَرِس

ويروى "ترتهس" وهو قلبُ تهترس من الهَرْسِ، وهو الدقّ، يعني أن الآفات يموج بعضها في بعض ويدق بعضها بعضاً كثرة.

يضرب عند اشتداد الزمان واضطراب الفتن.

وأصله أن رجلا مر بآخر وهو يقول: يا ربِّ إما مهرةً أو مهراً، فأنكر عليه ذلك، وقال: لا يكون الجنين إلا مهرةً أو مهراً، فلما ظهر الجنين كان مُشَيَّأَ الْخَلْقِ مختلفه، فقال الرجل عند ذلك:

قَدْ طَرَّقَتْ بجنينٍ نصفُهُ فَرَسٌ * إن الدواهِيَ في الآفاتِ تهترس

22- إنَّ عَلَيْكَ جُرَشْاً فَتَعَشَّه

يقال: مضى جُرْشٌ من الليل، وجَوْش: أي هزيع.

قلت: وقوله "فتعشه" يجوز أن تكون الهاء للسكت، مثل قوله تعالى: {لم يَتَسَنّهْ} في أحد القولين، ويجوز أن تكون عائدة إلى الْجَرْش على تقدير: فتعشَّ فيه، ثم حذف "في" وأَوْصَلَ الفعلَ إليه، كقول الشاعر:

وَيَوْمٍ شَهدْنَاهُ سُلَيْماً وَعَامِراً * قَلِيلٌ سِوَى الْطعنِ الدِّرَاكِ نَوَافِلُهْ [ص 13]

أي شهدنا فيه.

يضرب لمن يؤمر بالاتّئاد والرفق في أمرٍ يبادره، فيقال له: إنه لم يَفُتْكَ، وعليك ليل بعدُ، فلا تعجل.

قال أبو الدقيش: إن الناس كانوا يأكلون النسناس، وهو خَلْقٌ لكل منهم يدٌ ورجل، فرعى اثنان منهم ليلا، فقال أحدهما لصاحبه: فَضَحك الصبحُ، فقال الآخر: إن عليك جَرْشاً فتعشَّهْ. قال: وبلغني أن قوما تبعوا أحد النسناس فأخذوه فقال للذين أخذاه:

يارُبَّ يَوْمٍ لَوْ تَبِعْتُمَانِي * لمتُّمَا أَوْ لَتَركْتُمَانِي

فأدرِكَ فذُبح في أصل شجرة فإذا في بطنه شَحْم، فقال آخر من الشجرة: إنه آكِلُ ضَرْوٍ، فقال الثالث: فأنا إذن صُمَيْمِيت، فاستنزل فذبح.

23- إنَّ وَرَاءَ الأكَمةِ مَا وَرَاءَهَا

أصله أن أَمَةً واعدت صديقها أن تأتيه وراء الأكمة إذا فرغَت من مهنة أهلها ليلا، فشغلوها عن الإنجاز بما يأمرونها من العمل، فقالت حين غلبها الشوقُ: حبستموني وإن وراء الأكَمَة ما وراءها.

يضرب لمن يُفْشِي على نفسه أَمْرَاً مستوراً.

24- إنَّ خَصْلَتَينِ خَيْرُهُما الكَذِبُ لَخَصْلَتَا سُوءٍ

يضرب للرجل يعتذر من شيء فَعَله بالكذب.

يحكى هذا المثل عن عمر بن عبد العزيز رحمه اللّه تعالى، وهذا كقولهم: عذرُهُ أَشَدُّ من جُرْمِه.

25- إنَّ مَنْ لا يَعْرِفُ الوَحْيَ أحْمَقُ

ويروى الْوَحَى مكان الوَحْيِ.

يضرب لمن لا يَعْرف الإيماء والتعريضَ حتى يجاهر بما يراد إليه.

26- إنَّ فِي الْمَعَارِيضِ لَمَنْدُوحَةً عَنِ الْكَذِبِ

هذا من كلام عِمْرَان بن حصين.

والمعاريض: جمع الْمِعْرَاض، يقال: عرفتُ ذلك في معراض كلامه، أي فَحْوَاه. قلت: أجود من هذا أن يقال: التعريض ضدُّ التصريح، وهو أن يُلْغِزَ كلامه عن الظاهر، فكلامه مَعْرض، والمعاريض جمعه. ثم لك أن تثبت الياء وتحذفها، والْمَندُحة: السَّعَة، وكذلك النُّدْحَة، يقال: إن في كذا نُدْحَةً: أي سَعَة وفُسْحة.

يضرب لمن يحسب أنه مضطر إلى الكذب [ص 14]

27- إنَّ الْمَقْدِرَةَ تُذْهِبُ الْحفِيظَةَ

المَقْدِرة (ذكر لغتين وترك ثالثة، وهي بفتح الميم وسكون القاف ودالها مثلثة) والمَقْدُرة: القدرة، والحفيظة: الغضب.

قال أبو عبيد: بلغنا هذا المثلُ عن رجل عظيم من قريش في سالف الدهر كان يطلب رجلا بِذَحْلٍ (الذحل - بفتح الذال وسكون الحاء - الثأر) فلما ظفر به قال: لولا أن المقدرة تذهب الحفيظة لانتقمت منك، ثم تركه.

28- إنَّ السَّلاَمَةَ مِنْهَا تَرْكُ ما فيها

قيل: إن المثل في أمر اللَقطة توجَد، وقيل: إنه في ذم الدنيا والحثِّ على تركها، وهذا في بيت أولهُ:

والنفسُ تَكْلَفُ بالدنيا وقد علمت * أنَّ السلامة منها تَرْكُ ما فيها

29- إنَّ سِوُادَها قَوَّمَ لِي عِنَادَهَا

السِّواد: السِّرار، وأصله من السَّواد الذي هو الشخص، وذلك أن السِّرار لا يحصل إلا بقرب السواد من السواد، وقيل لابنة الْخُسِّ وكانت قد فَجَرت: ما حملكِ على ما فعلتِ؟ قالت: قُرْبُ الوِسَاد وطُولُ السِّواد. وزاد فيه بعضُ المُجَّان: وحُبُّ السِّفَاد.

30- إنَّ الهَوَان لِلَّئيمِ مَرْأمَة

المَرْأَمة: الرِّئْمَانُ، وهما الرأفة والعطف. يعني إذا أكرمْتَ اللئيم استخفَّ بك، وإذا أهنته فكأنك أكرمته، كما قال أبو الطيب:

إذا أَنْتَ أكرمْتَ الكريمَ ملكتَهُ * وإنْ أَنْتَ أكرمْتَ اللئيمَ تمرَّدَا

وَوَضْعُ النَّدَى في مَوْضِع السيفِِ بالعُلاَ *مُضِرّ كوضعِ السيف في موضع النَّدَى

31- إنَّ بَنِيَّ صِبْيَةٌ صَيْفِيُّونْ * أفْلَحَ مَنْ كانَ لَهُ رِبْعِيُّونْ

يضرب في التندم على ما فات.

يقال: أَصَافَ الرجلُ، إذا وُلد له على كبر سنه، وولده صَيْفيون، وأَرْبَعَ الرجل إذا وُلد له في فَتَاء سنه، وولدُهُ رِِبْعِيُّون، وأصلُها مستعار من نِتاج الإبل، وذلك أن رِبْعِيَّة النِّتَاج أولاه، وَصَيْفيته أخراه، فاستعير لأولاد الرجل.

يقال: أول من قال ذلك سعد بن مالك بن ضُبَيعة، وذلك أنه ولد له على كبر السن، فنظر إلى أولاد أَخَوَيْه عمرو وعَوْف، وهم رجال، فقال البيتين، وقيل: بل قاله معاوية ابن قُشَيْر، ويتقدمهما قولهُ: [ص 15]

لَبِّثْ قَلِيلاً يَلْحَقِ الداريُّونْ * أَهْلُ الْجِبَابِ البُدَّنُ المَكْفِيُّونْ

سَوْفَ تَرَى إن لَحِقُوا ما يُبْلُونْ * إنَّ بَنِيَّ صِبْيَةٌ صَيْفِيُّونْ

وكان قد غزا اليمن بولدهِ فقُتِلوا ونجا وانصرف ولم يبق من أولاده إلا الأصاغر، فبعث أخوه سَلَمَةُ الخير أولاده إليه، فقال لهم: اجلسوا إلى عمكم وحَدِّثوه ليسلو، فنظر معاوية إليهم وهم كبار وأولاده صغار، فساءه ذلك، وكان عَيُوناً فردَّهم إلى أبيهم مخافة عينه عليهم وقال هذه الأبيات.

وحكى أبو عبيد أنه تمثل به سليمانُ بن عبد الملك عند موته، وكان أراد أن يجعل الخلافة في ولده فلم يكن له يومئذ منهم مَنْ يصلح لذلك إلا مَنْ كان من أولاد الإماء، وكانوا لا يَعْقِدُون إلا لأبناء المَهَائر. قال الجاحظ: كان بنو أمية يرون أن ذهاب ملكهم يكون على يد ابن أم ولد، ولذلك قال شاعرهم:

ألم تَرَ للخلاَفَةِ كَيْفَ ضَاعَتْ * بأن جُعِلَتْ لأبْناء الإمَاءِ

32- إنَّ الْعَصَا مِنَ الْعُصَيَّةِ

قال أبو عبيد: هكذا قال الأصمعي، وأنا أحسبه العُصَية من العَصَا، إلا أن يُرَاد أن الشيء الجليلَ يكون في بَدْء أمره صغيرا، كما قالوا: إن القَرْم من الأفِيل (القرم - بفتح القاف وسكون الراء - الفحل من الإبل، والأفيل - بوزن الأمير - ابن المخاض فما دونه، وهذا مثل سيأتي)، فيجوز حينئذ على هذا المعنى أن يقال: العَصَا من العُصَية.

قال المفضل: أول من قال ذلك الأفْعَى الْجُرْهُمي، وذلك أن نِزَاراً لما حَضْرَتْه الوفاة جَمَع بنيه مضر وإيادا وربيعة وأنمارا، فقال: يا بني، هذه القبة الحمراء - وكانت من أدَم - لمضر، وهذا الفرس الأدهم والخِباء الأسود لربيعة، وهذه الخادم - وكانت شَمْطَاء - لإياد، وهذه البدرة والمجلس لأنمار يجلس فيه، فإن أشكل عليكم كيف تقتسمون فائتوا الأفعى الجرهمي، ومنزلُه بنَجْرَان. فتشاجروا في ميراثه، فتوجَّهُوا إلى الأفعى الجرهمي، فبيناهم في مسيرهم إليه إذ رأى مُضَر أثَرَ كلأ قد رُعِىَ فقال: إن البعير الذي رَعَى هذا لأعْوَر، قال ربيعة: إنه لأزْوَرُ، قال إياد: إنه لأبتَرُ (الأزور: الذي اعوج صدره أو أشرف أحد جانبي صدره على الآخر، والأبتر: المقطوع الذنب) قال أنمار: إنه لَشَرُود، فساروا قليلا فإذا هم برجل يَنْشُد جَمَله، فسألهم عن البعير، فقال مضر: أهو أعور؟ قال: نعم، [ص 16] قال ربيعة: أهو أزور؟ قال: نعم، قال إياد: أهو أبتر؟ قال: نعم، قال أنمار: أهو شَرُود؟ قال: نعم، وهذه واللّه صفة بعيري فدُلوني عليه، قالوا: واللّه ما رأيناه، قال: هذا واللّه الكذبُ. وتَعَلَّق بهم وقال: كيف أصَدِّقكم وأنتم تَصِفون بعيري بصفته؟ فساروا حتى قَدِموا نَجْران، فلما نزلوا نادى صاحبُ البعير: هؤلاء أَخَذوا جَمَلي ووصَفوا لي صفته ثم قالوا: لم نَرَهُ، فاختصموا إلى الأفْعَى، وهو حَكَم العرب فقال الأفعى: كيف وصفتموه ولم تَرَوْه؟ قال مضر: رأيته رَعَى جانبا وتَرَك جانبا فعلمتُ أنه أعور، وقال ربيعة: رأيت إحدى يديه ثابتة الأثَر والأخرى فاسدته، فعلمت أنه أَزْوَر، لأنه أفسَده بشدةِ وَطُئه لازوراره، وقال إياد: عرفت أنه أبتر باجتماع بَعَره، ولو كان ذَيَّالا لَمَصَع به، وقال أنمار: عرفت أنه شَرُود لأنه كان يرعى في المكان الملفتِّ نَبْتُه ثم يَجُوزُه إلى مكان أرقَّ منه وأخبثَ نَبْتاً فعلمت أنه شَرُود، فقال للرجل: ليسوا بأصحاب بعيرك فاطلبه، ثم سألهم: مَنْ أنتم؟ فأخبروه، فرحَّب بهم، ثم أخبروه بما جاء بهم، فقال: أتحتاجون إليَّ وأنتم كما أرى؟ ثم أنزلهم فَذَبَحَ لهم شاة، وأتاهم بخَمْر: وجلس لهم الأفعى حيث لا يُرَى وهو يسمع كلامهم، فقال ربيعة: لم أَرَ كاليوم لحماً أطيبَ منه لولا أن شاته غُذِيت بلبن كلبة! فقال مضر: لم أر كاليوم خمراً أطيَبَ منه لولا أن حُبْلَتَها نبتت على قَبر، فقال إياد: لم أر كاليوم رجلا أسْرَى منه لولا أنه ليس لأبيه الذي يُدْعَى له! فقال أنمار: لم أر كاليوم كلاما أَنْفَعَ في حاجتنا من كلامنا، وكان كلامُهم بأذُنِهِ، فقال: ما هؤلاء إلا شياطين ثم دعا القَهْرَمَان فقال: ما هذه الخمر؟ وما أمرها؟ قال: هي من حُبْلَة غرستُها على قبر أبيك لم يكن عندنا شرابٌ أطيبُ من شرابها، وقال للراعي: ما أمر هذه الشاة؟ قال: هي عَنَاق أرضَعْتُها بلبن كلبة، وذلك أن أمها كانت قد ماتت ولم يكن في الغنم شاة ولدت غيرها، ثم أتى أمه فسألها عن أبيه، فأخبرته أنها كانت تحت ملك كثير المال، وكان لا يولد له، قالت: فخفتُ أن يموت ولا ولد له فيذهب الملك، فأمكنت من نفسي ابنَ عم له كان نازلا عليه، فخرج الأفعى إليهم، فقصَّ القومُ عليه قصتهم وأخبروه بما أوصى به أبوهم، فقال: ما أشْبَهَ القبة الحمراء من مال فهو لمضر، فذهب بالدنانير والإبل الحمر، فسمى "مضر الحمراء" لذلك، وقال: وأما صاحب الفرس الأدهم والخِباء الأسود فله كل شيء أسود، فصارت لربيعة الخيلُ [ص 17] الدُّهْمُ، فقيل " ربيعة الفرس" وما أشبه الخادمَ الشمطاء فهو لإياد، فصار له الماشية البُلْقُ من الحَبَلَّقِ والنَّقَدِ (الحبلق: غنم صغار لا تكبر، والنقد: جنس من الغنم قبيح الشكل)، فسمى " إياد الشَّمْطَاء" وقضى لأنمار بالدراهم وبما فَضَل فسمى " أنمار الفضل" فصَدَروا من عنده على ذلك، فقال الأفعى: إن العصا من العُصَية، وإن خُشَيْناً من أخْشَن، ومُسَاعدة الخاطل تعد من الباطل، فأرسلهن مُثُلاً، وخُشَيْن وأخشن: جَبَلاَن أحدهما أصغر من الآخر، والخاطل: الجاهل، والْخَطَل في الكلام: اضطرابه، والعُصَيَّة: تصغير تكبير مثل " أنا عُذَيْقُها المرَجَّبُ وجُذَيْلُها المُحَكَّكُ" والمراد أنهم يشبهون أباهم في جَوْدة الرأي، وقيل: إن العصا اسم فرس، والعُصَيَّة اسم أمه، يراد أنه يحكي الأم في كَرَم العِرْق وشرف العِتْق.

33- إنَّ الكَذُوبَ قَدْ يَصْدُقُ

قال أبو عبيد: هذا المثل يضرب للرجل تكون الإساءة الغالبةَ عليه، ثم تكون منه الهَنَةُ من الإحسان.

34- إنَّ تَحْتَ طِرِّيقَتِكَ لَعِنْدَأْوَةً

الطِّرَقُ: الضعف والاسترخاء، ورجل مَطْروق: فيه رخوة وضعف، قال ابن أحمر:

ولا تَصِلِي بمَطْرُوقٍ إذا ما * سَرَى في القوم أصبح مستكينا

ومصدره الطِّرِّيقة بالتشديد. والعِنْدَأوَة: فِعْلأَوة من عَنَد يَعْنُد عُنُوداً إذا عَدَل عن الصواب، أو عَنَدَ يَعْنِدُ إذا خالف وردَّ الحق. ومعنى المثل أن في لينه وانقياده أحياناً بعضَ العسر.

35- إنَّ الْبَلاَءَ مُوَكَّلٌ بالمَنْطِقِ

قال المفضل: يقال: إن أول من قال ذلك أبو بكر الصديق رضي اللّه تعالى عنه فيما ذكره ابن عباس، قال: حدثني علي ابن أبي طالب رضي اللّه تعالى عنه لما أمِرَ رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يَعْرِضَ نفسَه على قبائل العرب خرج وأنا معه وأبو بكر، فَدُفِعْنَا إلى مجلسٍ من مجالس العرب، فتقدم أبو بكر وكان نَسَّابة فسَلَّم فردُّوا عليه السلام، فقال: ممن القوم؟ قالوا: من ربيعة، فقال: أمِنْ هامتها أم من لَهَازمها؟ قالوا: من هامتها العظمى، قال: فأيُّ هامتها العظمى أنتم؟ قالوا: ذُهْلٌ الأكبر، قال: أفمنكم عَوْف الذي يقال له لاَحُرّ بِوَادِي عَوْف؟ قالوا: لا، قال: أفمنكم بِسْطَام ذُو اللَّواء ومنتهى الأحياء؟ قالوا: لا؟ قال: أفمنكم جَسَّاس بن مُرَّةَ [ص 18] حامي الذِّمار ومانِعُ الجار؟ قالوا: لا، قال: أفمنكم الحَوْفَزَان قاتل الملوك وسالبها أنفَسها؟ قالوا: لا، قال: أفمنكم المزدَلف صاحب العِمَامة الفَرْدة؟ قالوا: لا، قال: أفأنتم أخوال الملوك من كِنْدَة؟ قالوا: لا، قال: فلستم ذُهْلا الأكبر، أنتم ذهل الأصغر، فقام إليه غلام قد بَقَلَ وَجْههُ يقال له دغفل، فقال:

إنَّ عَلَى سِائِلِناَ أنْ نَسْأَلَه * وَالْعِبْءُ لاَ تَعْرِفُهُ أوْ تَحْمِلَهُ

يا هذا، إنك قد سألتنا فلم نكتمك شيئاً فمن الرجل أنت؟ قال: رجل من قريش، قال: بخ بخ أهل الشرف والرياسة، فمن أي قرش أنت؟ قال: من تَيْم بن مُرَّة، قال: أمْكَنْتَ واللّه الرامي من صفاء الثغرة، أفمنكم قُصَيّ بن كلاب الذي جَمَعَ القبائل من فِهْر وكان يُدْعَى مُجَمِّعاُ؟ قال: لا، قال: أفمنكم هاشم الذي هَشَم الثريدَ لقومه ورجالُ مكة مُسْنتُونَ عِجَاف؟ قال: لا، قال: أفمنكم شَيْبَةُ الحمدِ مُطْعم طير السماء الذي كأن في وجهه قمراً يضيء ليل الظلام الداجي؟ قال: لا، قال: أفمن المُفِيضينَ بالناس أنت؟ قال: لا، قال: أفمن أهل النَّدْوَة أنت؟ قال: لا، قال: أفمن أهل الرِّفادة أنت؟ قال: لا، قال: أفمن أهل الحِجَابة أنت؟ قال: لا، قال: أفمن أهل السِّقَاية أنت؟ قال: لا، قال: واجتذبَ أبو بكر زِمام ناقته فرجع إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقال دغفل: صادَفَ دَرأ السيل دَرْأً يصدعُهُ، أما واللّه لو نبتَّ لأخبرتك أنك من زَمَعَات قريش أو ما أنا بدغفل، قال، : فتبسَّم رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم، قال علي: قلت لأبي بكر: لقد وقَعْتَ من الأعرابي على باقِعَةٍ، قال: أجَلْ إن لكل طامة طامة، وإن البلاء مُوَكَّل بالمنطق.

36- إنَّما سُمِّيتَ هَانِئاً لِتَهْنَأ

يقال: هَنَأْتُ الرجل أهْنَؤُه وأهْنِئهُ هَنأْ إذا أعطيته، والاسم الهِنْء - بالكسر - وهو العطاء: أي سميت بهذا الاسم لتُفْضِلَ على الناس، قال الكسائي: لتهنأ أي لتَعُولَ، وقال الأموي: لتَهْنِئَ أي لِتُمْرِئَ

37- إنَّهُ لَنِقَابٌ

يعني به العالم بمُعْضِلات الأمور، قال أوس بن حجر:

جَوَادٌ كَرِيمٌ أخُو مَاقِطٍ * نِقَابٌ يحدث بالغائب

ويروى عن الشعبي أنه دخل على [ص 19] الحجاج بن يوسف فسأله عن فريضة من الجد فأخبره باختلاف الصحابة فيها، حتى ذكر ابن عباس رضي اللّه تعالى عنهما، فقال الحجاج: إن كان ابنُ عباس لَنِقَاباً.

38- إنَّهُ لَعِضٌّ

أي دَاهٍ، قال القطامي:

أحَادِيث مِنْ أنْباء عَادٍ وَجُرْهُم * يُثَوِّرُهَا العِضَّانِ زَيْدٌ وَدغْفلُ

يعني زيد بن الكيس (في القاموس: زيد بن الحارث) النمري ودغفلا الذهلي، وكانا عالمي العرب بالأنساب الغامضة والأنباء الخفية.

39- إنَّهُ لوَاهًا مِنَ الرِّجَالِ

يروى واها بغير تنوين: أي أنه محمودُ الأخلاق كريم، يعنون أنه أهل لأن يقال له هذه الكلمة، وهي كلمة تعجب وتلذذ، قال أبو النجم:

واهاً لريَّا ثمَّ وَاهاً وَاهاَ*

ويروى "وَاهاً" بالتنوين، ويقال للئيم: إنه لغَيْرُ وَاها.

40- إنَّمَا خَدَشَ الْخُدُوشَ أَنُوشُ

الخَدْش: الأثر، وأنوش: هو ابن شيث ابن آدم صلى اللّه عليهما وسلم، أي أنه أول من كَتَبَ وأثر بالخط في المكتوب.

يضرب فيما قَدُمَ عهدُه.

41- إنَّ العَوَانَ لا تُعَلَّم الْخِمْرَةَ

قال الكسائي: لم نسمع في العَوَان بمصدر ولا فعل. قال الفراء: يقال عَوَّنَتْ تَعْوِينا وهي عَوَان بينةُ التعوين. والْخِمْرَة: من الاختمار كالجِلْسة من الْجُلُوس اسم للهيئة والحال: أي أنها لا تحتاج إلى تعليم الاختمار. يضرب للرجل المجرب.

42- إنَّ النِّسَاءَ لَحْمٌ عَلَى وَضَمْ

الوَضَم: ما وُقِيَ به اللحمُ من الأرض بارِيَّةٌ (البارية: الحصير المنسوج من القصب ونحوه) أو غيرها، وهذا المثل يروى عن عمر رضي اللّه عنه حين قال: لا يخلُوَنَّ رجل بِمُغِيبَةٍ، إن النساء لحمٌ على وضم.

43- إنَّ الْبَيْعَ مُرْتَخَصٌ وَغَالٍ

قالوا: أول مَنْ قال ذلك أُحَيْحَةُ بن الجُلاَح الأوْسِيُّ سيد يثرب، وكان سبب ذلك أن قيس بن زهير العبسي أتاه - وكان صديقا له - لما وقع الشر بينه وبين بني عامر، وخرج إلى المدينة ليتجَهَّز لقتالهم حيث قتل خالدُ بن جعفر زهيرَ بن جَذِيمة، فقال قيس لأحَيْحَة: يا أبا عمرو، نُبِّئت أن عندك دِرْعا فبِعْنِيهَا أو هَبْها لي، فقال: يا أخا بني عَبْس ليس مثلي يبيع السلاح ولا يفضل [ص 20] عنه، ولَولا أني أكره أن أستلئم إلى بني عامر لوهبتها لك ولحملتك على سَوَابق خيلي، ولكن اشْتَرِها بابن لَبُون فإن البيع مرتخص وغال، فأرسلها مثلا، فقال له قيس: وما تكره من استلآمك إلى بني عامر؟ قال: كيف لا أكره ذلك وخالد بن جعفر الذي يقول:

إذا ما أرَدْتَ العزَّ في دار يثرب * فنادِ بصوتٍ يا أحَيْحَةُ تُمْنَعِ

رأينا أبا عَمْرٍ وأحَيْحَةَ جَارُهُ * يَبيتُ قريرَ العين غيرَ مُرَوّعِ

ومن يأتِهِ من خائِفٍ يَنْسَ خوفَه * ومن يأته من جائِعِ البطنِ يَشْبَعِ

فضائلُ كانت للجُلاَح قديمة * وأكْرِمْ بفَخْرٍ من خصالك أربع

فقال قيس: يا أبا عمرو ما بعد هذا عليك من لوم، ولهى عنه.

44- إلاَّ حَظِيَّةً فَلا أَلِيَّةً

مصدر الحَظِيَّة: الحُظْوَة، والحِظْوَة والحِظَة، والألِيَّة: فَعيلة من الألْو، وهو التقصير، ونصب حظيَّةً وأليَّةً على تقدير إلاّ أكُنْ حظيةً فلا أكون أليَّةً، وهي فَعيلة بمعنى فاعلة، يعني آليةً، ويجوز أن يكون للازدواج، والحَظِية: فعيلة بمعنى مفعولة، يقال: أحْظَاها اللّه فهي حَظِية، ويجوز أن تكون بمعنى فاعلة، يقال: حَظِىَ فلانٌ عند فلان يَحْظَى حُظْوَةً فهو حَظِيّ، والمرأة حَظِية، قال أبو عبيد: أصل هذا في المرأة تَصْلَفُ عند زوجها فيقال لها: إن أخطأتْكِ الحُظْوة فلا تألِي أن تتودَّدي إليه.

يضرب في الأمر بمُداراة الناس ليدرك بعضَ ما يحتاج إليه منهم.

45- أمَامَها تَلْقَى أَمَةٌ عَمَلَها

أي إن الأمة أيْنَمَا توجهت ليقتْ عملا

46- إنَّهُ لأََخْيَلُ مِنْ مُذَالَةٍ

أخْيَلُ: أفْعَلُ من خَالَ يَخَالُ خَالاً إذا اختال، ومنه:

وَإنْ كُنْتَ لِلْخَالِ فَاذْهَبُ فَخَلْ* والمُذَالة: المُهَانة. يضرب للمختال مهانا

47- إنِّي لآكُلُ الرَّأْسَ وَأَنَا أعْلَمُ ما فِيهِ

يضرب للأمر تأتيه وأنت تعلم ما فيه مما تكره

48- إذَا جاءَ الْحَيْنُ حارَتِ العَيْنُ

قال أبو عبيد: وقد روى نحو هذا عن ابن عباس، وذلك أن نَجْدَة الحَروُرِيّ أو نافعا الأزْرَقَ قال له: إنك تقول إن الهدهد إذا نَقَر الأرض عرف مسافة ما بينه وبين [ص 21] الماء وهو لا يبصر شعيرة الفَخَّ، فقال: إذا جاء القَدَر عمى البصر

49- إنَّهُ لشَدِيدُ جَفْنِ العَيْنِ

يضرب لمن يَقْدر أن يصبر على السهر

50- أنْفٌ في السَّماءِ واسْتٌ فِي الماءِ

يضرب للمتكبر الصغير الشأن.

51- أنْفُكَ مِنْكَ وَإِنْ كانَ أذَنَّ

الَّذنِين: ما يسيل من الأنف من المُخَاط وقد ذَنّ الرجلُ يَذِنُّ ذَنِيناُ فهو أذَنٌّ، والمرأة ذَنَّاء.

وهذا المثل مثلُ قولهم: أَنْفُكَ منك وإن كان أجْدَعَ.

52- إِنَّهُ لَخَفِيفُ الشُّقَّةِ

يريدون إنه قليلُ المسألة للناس تعفُّفاً

53- إذَا ارْجَعَنَّ شَاصِياً فَارْفَعْ يَدا

وروى أبو عبيد "ارْجَحَنّ" وهما بمعنى مَالَ، ويروى "اجرعن" وهو قلب ارجعن وشاصيا: من شَصَا يَشْصُو شُصُوّا إذا ارتفع. يقول: إذا سقط الرجل وارتفعت رجلهُ فاكْفُفْ عنه، يريدون إذا خَضَع لك فكفّ عنه.

54- إِنَّ الذَّلِيلَ الَّذِي لَيْسَتْ لَهُ عَضُدُ

أي: أنصار وأعوان، ومنه قوله تعالى: {وما كُنْتُ متخذَ المضِّلين عَضُداً} وفَتّ في عضده: أي كسر من قوته.

يضرب لمن يَخْذُلُه ناصِرُه.

55- إِنْ كُنْتَ بي تَشُدُّ أزْرَكَ فَأَرْخِهِ

أي إن تَتَّكل عليَّ في حاجتك فقد حُرِمْتَهَا.

56- إِنْ يَدْمَ أظَلُّكَ فَقَدْ نَقِبَ خُفِّي

الأظَلُّ: ما تحت مَنْسِمِ البعير. والخفُّ: واحد الأخفاف، وهي قوائمه.

يضربه المشكّو إليه للشاكي: أي أنا منه في مثل ما تشكوه.

57- أتَتْك بحَائِنٍ رِجْلاَهُ

كان المفضَّل يخبر بقائل هذا المثل فيقول: إنه الحارث بن جَبَلَة الغَسَّاني، قاله للحارث بن عيف العبدي، وكان ابن العيف قد هَجَاه، فلما غزا الحارث بن جَبَلة المنذرَ ابن ماء السماء كان ابن العيف معه، فقُتِل المنذر، وتفرقت جموعُه، وأسِرَ ابنُ العيف، فأتى به إلى الحارث بن جَبَلة، فعندها قال: أتتك بحائن رجلاه، يعني مسيرَه مع المنذر إليه، ثم أمر الحارث سيافه الدلامص فضربه ضربةً دقت منكبه، ثم برأ منها وبه خَبَل وقيل: أول مَنْ قاله عَبيدُ بن الأبْرَصِ حين عَرَض للنعمان بن المنذر في يوم بؤسه، وكان قَصده ليمدحه، ولم يعرف أنه يومُ [ص 22] بؤسه، فلما انتهى إليه قال له النعمان: ما جاء بك يا عَبيد؟ قال: أتتك بحائن رجلاه، فقال النعمان: هلا كان هذا غَيْرَك؟ قال: الْبَلاَيا على الْحَوَايا، فذهبت كلمتاه مثلا، وستأتي القصة بتمامها في موضع آخر من الكتاب إن شاء اللّه تعالى.

58- إِيَّاكَ وَأهْلَبَ الْعَضْرَطِ

الأهْلَبُ: الكثيرُ الشعر. والْعَضْرَط: ما بين السَّهِ والمذاكير، ويقال له العِجَان، وأصل المثل أن امرأة قال لها ابنها: ما أجِدُ أحداً إلا قهرْتُه وغلبته، فقالت: يا بني إياك وأهْلَبَ العَضْرَطِ، قال: فصرعَه رجل مرة، فرآى في استه شَعْرا، فقال: هذا الذي كانت أمي تحذرني منه.

يضرب في التحذير للمُعْجَب بنفسه.

59- أنْتَ كالْمُصْطادِِ بِاسْتهِ

هذا مثل يضرب لمن يطلب أمرا فيناله من قرب.

60- أنا ابْنُ بَجْدَتِهَا

أي أنا عالم بها، والهاء راجعة إلى الأرض، يقال: عنده بَجْدَةُ ذاك، أي علم ذاك، ويقال أيضاً: هو ابن مدينتها، وابن بجدتها، من "مَدَنَ بالمكان" و "بَجَدَ" إذا أقام به، ومَنْ أقام بموضع علم ذلك الموضع، ويقال: البَجْدَةُ الترابُ، فكأنَّ قولَهم "أنا ابن بجدتها" أنا مخلوق من ترابها، قال كعب بن زهير:

فيها ابنُ بجدتِهَا يكاد يُذِيبه * وَقْدُ النهار إذا اسْتَنَارَ الصَّيْخَدُ

يعني بابن بجدتها الحِرْبَاء، والهاء في قوله " فيها" ترجع إلى الفَلاَة التي يصفها.

61- إِلَى أُمِّه يَلْهَفُ الَّلهْفَانُ

يضرب في استعانة الرجل بأهله وإخوانه والَّلهْفَان: المتحسر على الشيء، واللَّهِيف: المضطر، فوضع اللهفان موضع اللهيف، ولَهِفَ معناه تلَّهفَ أي تحسر، وإنما وصَل بإلى على معنى يلجأ ويفر، وفي هذا المعنى قال القُطَامي:

وإذا يُصيبك والحوادثُ جَمَّةٌ * حَدَثٌ حَدَاك إلى أخيك الأوْثَقِ

62- أُمٌّ فَرَشَتْ فَأَنامَتْ

يضرب في بر الرجل بصاحبه، قال قُرَاد:

وكنت له عَمًّا لطيفا، ووالدا * رَءُوفاً، وأمّا مَهَّدَتْ فأنَامَتِ

63- إِذا عَزَّ أَخُوكَ فَهُنْ

قال أبو عبيد: معناه مُيَاسَرتَكُ صديقَك ليست بضَيْم يركبك منه فتدخلك [ص 23] الحميَّة به، إنما هو حسن خلُق وتفضّل، فإذا عاسَرَك فياسره.

وكان المفضل يقول: إن المثل لهُذَيل ابن هُبَيرة التَّغْلبي، وكان أغار على بني ضبة فغنم فأقبل بالغنائم، فقال له أصحابه: اقْسِمْهَا بيننا، فقال: إني أخاف إن تشاغلتم بالاقتسام أن يدرككم الطلب، فأبوا، فعندها قال: إذا عزَّ أخوك فهُنْ، ثم نزل فقسم بينهم الغنائم، وينشد لابن أحمر:

دَبَبْتُ له الضَّرَاء وقُلْتُ: أبْقَى * إذا عَزَّ ابنُ عمك أنْ تَهُونَا

64- أخاكَ أَخَاكَ إِنَّ مَنْ لا أَخالَهُ * كَسَاعِ إلَى الهَيْجا بِغَيْرِ سِلاَحِ

نصَب قوله "أخلك" بإضمار فعل: أي الزم أخاك، أو أكرم أخاك، وقوله " إن من لا أخا له" أراد لا أخَ له، فزاد ألِفاً لأن في قوله "له" معنى الإضافة، ويجوز أن يحمل على الأصل أي أنه في الأصل أخَوٌ فلما صار أخا كعَصاً ورحىً ترك ههنا على أصله.

65- أيُّ الرِّجَالِ المُهَذَّبُ

أول من قاله النابغةُ حيث قال:

ولَسْتَ بِمُسْتَبْقِ أخاً لا تَلُمُّهُ * على شَعَثٍ، أيُّ الرجالِ المهذَّبُ؟

66- أَنا عُذَلَةٌ وَأَخِي خُذَلَة * وكلاَنا لَيْسَ بِابْنِ أمَةٍ

يضرب لمن يَخْذُلك وتَعْذِله.

67- إِنَّهُ لَحَثِيثُ التَّوالِي

ويقال: لَسَريعُ التوالي. يقال ذلك للفرس، وتواليه: مآخيرُهُ رِجْلاه وذَنَبه، وتَوَالِي كل شيء: أواخره.

يضرب للرجل الجادّ المسرع.

68- أّخُوكَ مَنْ صَدَقَكَ النَّصِيحَةَ

يعني النصيحة في أمر الدين والدنيا: أي صدقك في النصحية، فحذف "في" وأوصل الفعل، وفي بعض الحديث "الرجُلُ مِرْآة أخيه" يعني إذا رأى منه ما يكره أخْبَره به ونهاه عنه، ولا يوطئه العَشْوَة.

69- إِنْ تَسْلَمِ الْجِلَّةُ فَالنَّيبُ هَدَر

الجِلَّة: جميع جَليل، يعني العظامَ من الإبل. والنِّيب: جمع نَابٍ، وهي الناقة المسنَّة، يعني إذا سلم ما يُنتفع به هان مالا ينتفع به.

70- إِذَا تَرَضَّيْتَ أَخَاكَ فَلاَ أَخَا لَك

الترضِّي: الإرضاء بجَهْد ومشقة. يقول: إذا ألجأك أخوك إلى أن تترضَّاه وتداريه فليس هو بأخ لك [ص 24]

71- إِنَّ أَخَاكَ لَيُسَرُّ بأنْ يَعتَقلَ

قاله رجل لرجل قُتل له قَتيل فعُرِض عليه العَقْل فقال: لا آخذه، فحدَّثَ بذلك رجلٌ فقال: بل واللّه إن أخاك ليُسَرُّ بأن يعتقل، أي يأخذ العَقْل، يريد أنه في امتناعه من أخذ الدية غير صادق.

72- أصُوصٌ عَلَيْهَا صُوصٌ

الأصوص: الناقة الحائلُ السمينة، والصُّوص: اللئيم، قال الشاعر:

فألفيتكم صُوصاً لُصُوصاً إذا دجا ال * ظلامُ (الظلامُ) وهَيَّابِينَ عند البَوَارِقِ

يضرب للأصل الكريم يظهر منه فرع لئيم. ويستوي في الصُّوص الواحدُ والجمع.

73- أخَذَتِ الإِبِلُ أسْلِحَتَها

ويروى " رِمَاحَهَا" وذلك أن تسمن فلا يجد صاحبُها من قلبه أن يَنْحَرَها

74- إَنَّهُ يَحْمِي الحَقِيقَةَ، ويَنْسِلُ الوَدِيقَةَ، ويَسُوقُ الوَسِيقَةَ

أي يحمي ما تحقُّ عليه حمايتُه، وينسل: أي يُسْرع العَدْوَ في شدة الحرِ، وإذا أخذ إبلا من قوم أغار عليهم لم يَطْرُدْها طَرْداً شديداً خوفاً من أن يُلْحق، بل يسُوقها سَوْقاً على تُؤَدة ثقةً بما عنده من القوة.

75- إِنَّ ضَجَّ فَزِدْهُ وِقْراً

ويروى " إن جَرْجَرَ فزده ثقلا" أصلُ هذا في الإبل، ثم صار مثلا لأن تُكَلِّفَ الرجلَ الحاجةَ فلا يضبطها بل