ict120.files.wordpress.com€¦  · web view4- تفسير سورة النساء عدد...

158
4 - ساء لن ا ورة س ر سي ف ت ها ت ا ي د ا عد176 ( ة ي ا1 - 25 ) ة ي ن مد ي ه و{ 1 } َ قَ لَ خَ وٍ ةَ دِ اخَ وٍ سْ فَ تْ 9 نِ مْ مُ كَ قَ لَ خ يِ دَ ّ الُ مُ كَ ّ C يَ وا رُ قَ ّ ت اُ اسَ ّ ن ل ا اَ هُ ّ تَ J ا اَ يِ م يِ حَ ّ ر ل اِ 9 نَ مْ حَ ّ ر ل اِ َ ّ اِ مْ سِ C ب{ َ 9 انَ كَ َ ّ اَ ّ 9 نِ V اَ امَ خْ رَ J ْ الَ وِ ةِ C يَ 9 ونُ لَ اءَ سَ ب يِ دَ ّ الَ َ ّ وا اُ قَ ّ ت اَ وً اءَ سِ بَ ا وً ر يِ ] ثَ كً الَ C خِ ا رَ مُ هْ نِ مَ ّ ] ثَ C بَ ا وَ هَ C جْ وَ ا رَ هْ نِ م} اً C نf يِ قَ رْ مُ كْ نَ لَ ع.k لك ي د عل] ث ح لم، وا رخاJ ال لة صC ب ر مJ ة، وال اديC ن ع ي عل] ث ح لاة، وا و ق تC ن ر مJ الC ي ورة س ل ة ا ى هد ل عا ت ح ت ي ق ا ة يJ واة ل ق ت لC ثC ح و م ل ا9 نJ ، واk لك د9 ن م ل لكC ثC ح و م ل ا ي ع الداC ثC ب س ل ا9 نَ ّ f يC ب و يِ دَ ّ الُ مُ كَ ّ C يَ ر{ } ْ مُ كَ قَ لَ خ م ك ق ل خ ها ملنC ح9 ن م ي لت ، ا مة ي عظ ل مة ا ع تC ن م ك اC م، وري ك ق ورر اَ هْ نِ مَ قَ لَ خَ وٍ ةَ دِ اخَ وٍ سْ فَ ّ ت9 نِ م{ } اَ هَ C جْ وَ رC ثC ح و م ل ا9 ن مk لك ور، وكد ر س ل ة اC ل ي ص ح ي ، و مة ع ت ل اk لك دC م ي ي ن ها، و لنV ا9 ن ك س ي ق ها،C سن ا ن لي هاC ت م ي ل س و ت م، كC ي ر وما م ك ي اC اء خاخ ص ق م ت ردJ ا ا دV م ا ك يV ي ا حت م، مك ي عظ ت ة وC م ي لكJ ساو ب واة ق ت ل ي ع الدا ي ف ام ما قC ب مة ل ع ل ؛ ى ن ل ق ل ر ا مJ § ال ل ع ق ت9 نJ لة ا الC يk لكJ ساJ رة: ا ي غ لk لك د د ري ي9 ن م ول ق ت ف لة. الC ال يJ و س ل اC ي واة. ق ت ة و اديC ن عC ت وة م ظ ع ت ل قk لك دC وة ي م ي م ظ ع ما ك ق لة، الC لة يJ سا9 ن مرد ي ل9 نJ ا ي عة الدا ل م ال ي عظ ت9 ن م ةC ي ل ق م، ه علن م و ه ر س م، و ه ت و ك س م و ه ت ركا ح خال ي ف ادC ن ع ل ي ا عل ع ل مط: يJ ، اC ث ب ف ة ر يJ اC ار يC ن حV الk لك وكد واة. ق ت وم ر لC ي ة، ي م اء ن ح ل ا دة] ة، وس يC ي ق را مC ثC ح و ت ما م ها ن ف م ه ل اC ن ف را م م، ه ل وا حJ ع ا ت مC ح و- ل واخد صJ ى ا لV م ا ه ع وC ح ع ر م، رضJر ال طا قJ ا ي ف م ه] نC ن ة يJ ، وا س واخدة ف ت9 ن م م ه ق ل خ ة يJ اC ار يC ن حV ال ي ف و ي ه لنم وا رخاJ ر الC ي˘ ي ر مJ الC واة ي ق تC ن ر مJ ال9 رن ق . و ض عC ت ي عل م ه عضC ت ق قر ي ، و ض عC ت ي عل م ه عضC ت ف عط ت ل

Upload: others

Post on 13-Sep-2020

2 views

Category:

Documents


0 download

TRANSCRIPT

Page 1: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

( 25-1 آية ) 176عدد آياتها  تفسير سورة النساء -4وهي مدنية

ذي خلقكم من { 1 } كم ال قوا رب اس ات ها الن حيم يا أي حمن الر ه الر } بسم اللذي ه ال قوا الل نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجاال كثيرا ونساء وات

ه كان عليكم رقيبا { تساءلون به واألرحام إن الل

افتتح تعالى هذه السورة باألمر بتقواه، والحث على عبادته، واألمر بصلةاألرحام، والحث على ذلك.

ن السبب الداعي الموجب لكل من ذلك، وأن الموجب لتقواه ألنه كم وبي } ربذي خلقكم { ورزقكم، ورباكم بنعمه العظيمة، التي من جملتها ال

فس واحدة وخلق منها زوجها { خلقكم ليناسبها، فيسكن إليها، وتتم } من ن بذلك النعمة، ويحصل به السرور، وكذلك من الموجب الداعي لتقواه

تساؤلكم به وتعظيمكم، حتى إنكم إذا أردتم قضاء حاجاتكم ومآربكم، توسلتم بـها بالسؤال بالله. فيقول من يريد ذلك لغيره: أسألك بالله أن تفعل األمر الفالني؛ لعلمه بما قام في قلبه من تعظيم الله الداعي أن ال يرد من سأله

بالله، فكما عظمتموه بذلك فلتعظموه بعبادته وتقواه.

وكذلك اإلخبار بأنه رقيب، أي: مطلع على العباد في حال حركاتـهم وسكونـهم، وسرهم وعلنهم، وجميع أحوالهم، مراقبا لهم فيها مما يوجب

مراقبته، وشدة الحياء منه، بلزوم تقواه.

وفي اإلخبار بأنه خلقهم من نفس واحدة، وأنه بثهم في أقطار األرض، مع رجوعهم إلى أصل واحد -ليعطف بعضهم على بعض، ويرقق بعضهم على

بعض. وقرن األمر بتقواه باألمر ببر األرحام والنهي عن قطيعتها، ليؤكد هذا الحق، وأنه كما يلزم القيام بحق الله، كذلك يجب القيام بحقوق الخلق،

خصوصا األقربين منهم، بل القيام بحقوقهم هو من حق الله الذي أمر به.

وتأمل كيف افتتح هذه السورة باألمر بالتقوى، وصلة األرحام واألزواج عموما، ثم بعد ذلك فصل هذه األمور أتم تفصيل، من أول السورة إلى آخرها. فكأنـها

مبنية على هذه األمور المذكورة، مفصلة لما أجمل منها، موضحة لما أبهم.

تنبيه على مراعاة حق األزواج والزوجات } وخلق منها زوجها { وفي قوله: والقيام به، لكون الزوجات مخلوقات من األزواج، فبينهم وبينهن أقرب نسب

عالقة. وأشد اتصال، وأقرب

ب وال تأكلوا أموالهم إلى وآتوا اليتامى أموالهم وال تتبدلوا الخبيث بالطيه كان حوبا كبيرا { أموالكم إن

} وآتوا اليتامى أموالهم وال تتبدلوا الخبيث بالطيب وال تأكلوا وقوله تعالى: هذا أول ما أوصى به من حقوق أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا {

Page 2: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

لهم، وهم الخلق في هذه السورة. وهم اليتامى الذين فقدوا آباءهم الكافلينصغار ضعاف ال يقومون بمصالحهم.

فأمر الرءوف الرحيم عباده أن يحسنوا إليهم، وأن ال يقربوا أموالهم إال بالتي هي أحسن، وأن يؤتوهم أموالهم إذا بلغوا ورشدوا، كاملة موفرة، وأن

ب { الذي هو أكل مال اليتيم بغير حق. } تتبدلوا الخبيث { ال وهو } بالطي أي: مع } وال تأكلوا أموالهم إلى أموالكم { الحالل الذي ما فيه حرج وال تبعة.

أموالكم، ففيه تنبيه لقبح أكل مالهم بهذه الحالة، التي قد استغنى بها اإلنسان بما جعل الله له من الرزق في ماله. فمن تجرأ على هذه الحالة، فقد

أي: إثما عظيما، ووزرا جسيما. } حوبا كبيرا { أتى

ومن استبدال الخبيث بالطيب أن يأخذ الولي من مال اليتيم النفيس، ويجعل بدله من ماله الخسيس. وفيه الوالية على اليتيم، ألن من الزم إيتاء اليتيم

ماله، ثبوت والية المؤتي على ماله.

وفيه األمر بإصالح مال اليتيم، ألن تمام إيتائه ماله حفظه والقيام به بمايصلحه وينميه وعدم تعريضه للمخاوف واألخطار.

{ } وإن خفتم أال تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من4 - 3} ساء مثنى وثالث ورباع فإن خفتم أال تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء ذلك أدنى أال تعولوا * وآتوا الن

منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا {

أي: وإن خفتم أال تعدلوا في يتامى النساء الالتي تحت حجوركم وواليتكم وخفتم أن ال تقوموا بحقهن لعدم محبتكم إياهن، فاعدلوا إلى غيرهن،

ساء { وانكحوا أي: ما وقع عليهن اختياركم من ذوات } ما طاب لكم من الن الدين، والمال، والجمال، والحسب، والنسب، وغير ذلك من الصفات الداعية

لنكاحهن، فاختاروا على نظركم، ومن أحسن ما يختار من ذلك صفة الدين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "تنكح المرأة ألربع لمالها ولجمالها

ولحسبها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يمينك"

وفي هذه اآلية - أنه ينبغي لإلنسان أن يختار قبل النكاح، بل وقد أباح له الشارع النظر إلى من يريد تزوجها ليكون على بصيرة من أمره. ثم ذكر

أي: من أحب أن } مثنى وثالث ورباع { العدد الذي أباحه من النساء فقال: يأخذ اثنتين فليفعل، أو ثالثا فليفعل، أو أربعا فليفعل، وال يزيد عليها، ألن اآليةسيقت لبيان االمتنان، فال يجوز الزيادة على غير ما سمى الله تعالى إجماعا.

وذلك ألن الرجل قد ال تندفع شهوته بالواحدة، فأبيح له واحدة بعد واحدة، حتى يبلغ أربعا، ألن في األربع غنية لكل أحد، إال ما ندر، ومع هذا فإنما يباح له

ذلك إذا أمن على نفسه الجور والظلم، ووثق بالقيام بحقوقهن.

فإن خاف شيئا من هذا فليقتصر على واحدة، أو على ملك يمينه. فإنه ال أي: االقتصار على واحدة أو ما } ذلك { يجب عليه القسم في ملك اليمين

أي: تظلموا. } أدنى أال تعولوا { ملكت اليمين

Page 3: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

وفي هذا أن تعرض العبد لألمر الذي يخاف منه الجور والظلم، وعدم القيام بالواجب -ولو كان مباحا- أنه ال ينبغي له أن يتعرض، له بل يلزم السعة

والعافية، فإن العافية خير ما أعطي العبد.

ولما كان كثير من الناس يظلمون النساء ويهضمونـهن حقوقهن، خصوصا الصداق الذي يكون شيئا كثيرا، ودفعة واحدة، يشق دفعه للزوجة، أمرهم

أي: عن طيب } نحلة { أي: مهورهن } صدقاتهن { وحثهم على إيتاء النساء نفس، وحال طمأنينة، فال تمطلوهن أو تبخسوا منه شيئا. وفيه: أن المهر

يدفع إلى المرأة إذا كانت مكلفة، وأنـها تملكه بالعقد، ألنه أضافه إليها،واإلضافة تقتضي التمليك.

بأن سمحن } نفسا { أي: من الصداق } فإن طبن لكم عن شيء منه { لكم عن رضا واختيار بإسقاط شيء منه، أو تأخيره أو المعاوضة

أي: ال حرج عليكم في ذلك وال تبعة. } فكلوه هنيئا مريئا { عنه.

وفيه دليل على أن للمرأة التصرف في مالها -ولو بالتبرع- إذا كانت رشيدة، فإن لم تكن كذلك فليس لعطيتها حكم، وأنه ليس لوليها من الصداق شيء،

غير ما طابت به.

ساء { وفي قوله: دليل على أن نكاح الخبيثة } فانكحوا ما طاب لكم من الن } وال غير مأمور به، بل منهي عنه كالمشركة، وكالفاجرة، كما قال تعالى:

ى يؤمن { انية ال ينكحها إال زان أو مشرك وقال: تنكحوا المشركات حت } والز}

ه لكم قياما وارزقوهم فيها5} تي جعل الل فهاء أموالكم ال { } وال تؤتوا السواكسوهم وقولوا لهم قوال معروفا {

} وال تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما وقوله تعالى: السفهاء: جمع "سفيه" وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قوال معروفا {

وهو: من ال يحسن التصرف في المال، إما لعدم عقله كالمجنون والمعتوه، ونحوهما، وإما لعدم رشده كالصغير وغير الرشيد. فنهى الله األولياء أن يؤتوا هؤالء أموالهم خشية إفسادها وإتالفها، ألن الله جعل األموال قياما لعباده في

مصالح دينهم ودنياهم، وهؤالء ال يحسنون القيام عليها وحفظها، فأمر الولي أن ال يؤتيهم إياها، بل يرزقهم منها ويكسوهم، ويبذل منها ما يتعلق

بضروراتهم وحاجاتهم الدينية والدنيوية، وأن يقولوا لهم قوال معروفا، بأن يعدوهم -إذا طلبوها- أنهم سيدفعونها لهم بعد رشدهم، ونحو ذلك، ويلطفوا

لهم في األقوال جبرا لخواطرهم.

وفي إضافته تعالى األموال إلى األولياء، إشارة إلى أنه يجب عليهم أن يعملوا في أموال السفهاء ما يفعلونه في أموالهم، من الحفظ والتصرف وعدم

التعريض لألخطار. وفي اآلية دليل على أن نفقة المجنون والصغير والسفيه} وارزقوهم فيها واكسوهم { في مالهم، إذا كان لهم مال، لقوله:

Page 4: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

وفيه دليل على أن قول الولي مقبول فيما يدعيه من النفقة الممكنةوالكسوة؛ ألن الله جعله مؤتمنا على مالهم فلزم قبول قول األمين.

كاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا6} ى إذا بلغوا الن { } وابتلوا اليتامى حتا فليستعفف إليهم أموالهم وال تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ومن كان غني ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم

وكفى بالله حسيبا {

االبتالء: هو االختبار واالمتحان، وذلك بأن يدفع لليتيم المقارب للرشد، الممكن رشده، شيئا من ماله، ويتصرف فيه التصرف الالئق بحاله، فيتبين

بذلك رشده من سفهه، فإن استمر غير محسن للتصرف لم يدفع إليه ماله،بل هو باق على سفهه، ولو بلغ عمرا كثيرا.

} فادفعوا إليهم فإن تبين رشده وصالحه في ماله وبلغ النكاح أي: مجاوزة للحد الحالل } وال تأكلوها إسرافا { كاملة موفرة. أموالهم {

الذي أباحه الله لكم من أموالكم، إلى الحرام الذي حرمه الله عليكم منأموالهم.

أي: وال تأكلوها في حال صغرهم التي ال يمكنهم فيها } وبدارا أن يكبروا { أخذها منكم، وال منعكم من أكلها، تبادرون بذلك أن يكبروا، فيأخذوها منكم

ويمنعوكم منها.

وهذا من األمور الواقعة من كثير من األولياء، الذين ليس عندهم خوف من الله، وال رحمة ومحبة للمولى عليهم، يرون هذه الحال حال فرصة فيغتنمونها

ويتعجلون ما حرم الله عليهم، فنهى الله تعالى عن هذه الحالة بخصوصها.

ساء نصيب مما ترك7} جال نصيب مما ترك الوالدان واألقربون وللن { } للرالوالدان واألقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا {

وقسوتهم ال يورثون الضعفاء كان العرب في الجاهلية - من جبروتهم كالنساء والصبيان، ويجعلون الميراث للرجال األقوياء ألنهم -بزعمهم- أهل

الحرب والقتال والنهب والسلب، فأراد الرب الرحيم الحكيم أن يشرع لعباده شرعا، يستوي فيه رجالهم ونساؤهم، وأقوياؤهم وضعفاؤهم. وقدم بين يدي

ذلك أمرا مجمال لتتوطن على ذلك النفوس.

فيأتي التفصيل بعد اإلجمال، قد تشوفت له النفوس، وزالت الوحشة التيجال نصيب { منشؤها العادات القبيحة، فقال: : أي: قسط } للر

أي: األب } الوالدان { أي: خلف } مما ترك { وحصةساء نصيب مما ترك الوالدان عموم بعد خصوص } واألقربون { واألم } وللن

واألقربون {

فكأنه قيل: هل ذلك النصيب راجع إلى العرف والعادة، وأن يرضخوا لهم ما : أي: قد قدره } نصيبا مفروضا { يشاءون؟ أو شيئا مقدرا؟ فقال تعالى:

العليم الحكيم. وسيأتي -إن شاء الله- تقدير ذلك.

Page 5: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

وأيضا فهاهنا توهم آخر، لعل أحدا يتوهم أن النساء والولدان ليس لهم نصيب فتبارك الله } مما قل منه أو كثر { إال من المال الكثير، فأزال ذلك بقوله:

أحسن الحاكمين.

{ } وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه8} وقولوا لهم قوال معروفا {

} وإذا حضر وهذا من أحكام الله الحسنة الجليلة الجابرة للقلوب فقال: أي: األقارب غير الوارثين } أولو القربى { أي: قسمة المواريث القسمة {

} واليتامى ألن الوارثين من المقسوم عليهم. } القسمة { بقرينة قوله: أي: أعطوهم } فارزقوهم منه { أي: المستحقون من الفقراء. والمساكين {

ما تيسر من هذا المال الذي جاءكم بغير كد وال تعب، وال عناء وال نصب، فإن نفوسهم متشوفة إليه، وقلوبهم متطلعة، فاجبروا خواطرهم بما ال يضركم

وهو نافعهم.

ويؤخذ من المعنى أن كل من له تطلع وتشوف إلى ما حضر بين يدي اإلنسان، ينبغي له أن يعطيه منه ما تيسر، كما كان النبي صلى الله عليه

وسلم يقول: "إذا جاء أحدكم خادمه بطعامه فليجلسه معه، فإن لم يجلسهمعه، فليناوله لقمة أو لقمتين" أو كما قال.

وكان الصحابة رضي الله عنهم -إذا بدأت باكورة أشجارهم- أتوا بها رسولك عليها، ونظر إلى أصغر وليد عنده فأعطاه الله صلى الله عليه وسلم فبر

ذلك، علما منه بشدة تشوفه لذلك، وهذا كله مع إمكان اإلعطاء، فإن لم } قوال يمكن ذلك -لكونه حق سفهاء، أو ثم أهم من ذلك- فليقولوا لهم

ردا جميال، بقول حسن غير فاحش وال قبيح. يردوهم معروفا {

ة ضعافا خافوا عليهم10 - 9} ي ذين لو تركوا من خلفهم ذر { } وليخش الما ذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إن ه وليقولوا قوال سديدا * إن ال قوا الل فليت

يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا {

قيل: إن هذا خطاب لمن يحضر من حضره الموت وأجنف في وصيته، أن } وليقولوا قوال يأمره بالعدل في وصيته والمساواة فيها، بدليل قوله:

أي: سدادا، موافقا للقسط والمعروف. وأنهم يأمرون من يريد سديدا {الوصية على أوالده بما يحبون معاملة أوالدهم بعدهم.

وقيل: إن المراد بذلك أولياء السفهاء من المجانين والصغار والضعاف أن يعاملوهم في مصالحهم الدينية والدنيوية بما يحبون أن يعامل به من بعدهم

ه { من ذريتهم الضعاف قوا الل في واليتهم لغيرهم، أي: يعاملونهم بما } فليتفيه تقوى الله، من عدم إهانتهم والقيام عليهم، وإلزامهم لتقوى الله.

ولما أمرهم بذلك، زجرهم عن أكل أموال اليتامى، وتوعد على ذلك أشدذين يأكلون أموال اليتامى ظلما { العذاب فقال: أي: بغير حق. وهذا } إن ال

Page 6: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

القيد يخرج به ما تقدم، من جواز األكل للفقير بالمعروف، ومن جواز خلططعامهم بطعام اليتامى.

أي: فإن الذي أكلوه نار } إنما يأكلون في بطونهم نارا { فمن أكلها ظلما فـ } وسيصلون تتأجج في أجوافهم وهم الذين أدخلوها في بطونهم.

أي: نارا محرقة متوقدة. وهذا أعظم وعيد ورد في الذنوب، يدل سعيرا { على شناعة أكل أموال اليتامى وقبحها، وأنها موجبة لدخول النار، فدل ذلك

أنها من أكبر الكبائر. نسأل الله العافية.

ه في أوالدكم للذكر مثل حظ األنثيين فإن كن12 - 11} { } يوصيكم اللصف وألبويه لكل نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها الندس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه واحد منهما السة يوصي بها أو دين دس من بعد وصي لث فإن كان له إخوة فألمه الس فألمه الث

ه كان ه إن الل هم أقرب لكم نفعا فريضة من الل آباؤكم وأبناؤكم ال تدرون أي عليما حكيما *ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن

بع مما ة يوصين بها أو دين ولهن الر بع مما تركن من بعد وصي ولد فلكم الرمن مما تركتم من بعد تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثة توصون بها أو دين وإن كان رجل يورث كاللة أو امرأة وله أخ أو أخت وصي

لث من دس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الث فلكل واحد منهما السه عليم حليم { ه والل ة من الل ة يوصى بها أو دين غير مضار وصي بعد وصي

هذه اآليات واآلية التي هي آخر السورة هن آيات المواريث المتضمنة لها. فإنها مع حديث عبد الله بن عباس الثابت في صحيح البخاري "ألحقوا

الفرائض بأهلها، فما بقي فألولى رجل ذكر" - مشتمالت على جل أحكام الفرائض، بل على جميعها كما سترى ذلك، إال ميراث الجدات فإنه غير

مذكور في ذلك. لكنه قد ثبت في السنن عن المغيرة بن شعبة ومحمد بن مسلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الجدة السدس، مع إجماع

العلماء على ذلك.

ه في أوالدكم { فقوله تعالى: أي: أوالدكم -يا معشر الوالدين- } يوصيكم الل عندكم ودائع قد وصاكم الله عليهم، لتقوموا بمصالحهم الدينية والدنيوية،

فتعلمونهم وتؤدبونهم وتكفونهم عن المفاسد، وتأمرونهم بطاعة الله ومالزمةذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم التقوى على الدوام كما قال تعالى: ها ال } يا أي

اس والحجارة { فاألوالد عند والديهم موصى بهم، فإما أن نارا وقودها النيقوموا بتلك الوصية، وإما أن يضيعوها فيستحقوا بذلك الوعيد والعقاب.

وهذا مما يدل على أن الله تعالى أرحم بعباده من الوالدين، حيث أوصىالوالدين مع كمال شفقتهم، عليهم.

أي: األوالد للصلب، } للذكر مثل حظ األنثيين { ثم ذكر كيفية إرثهم فقال: واألوالد لالبن، للذكر مثل حظ األنثيين، إن لم يكن معهم صاحب فرض، أو ما أبقت الفروض يقتسمونه كذلك، وقد أجمع العلماء على ذلك، وأنه -مع وجود

أوالد الصلب- فالميراث لهم. وليس ألوالد االبن شيء، حيث كان أوالد الصلب ذكورا وإناثا، هذا مع اجتماع الذكور واإلناث. وهنا حالتان: انفراد الذكور،

Page 7: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

} فإن كن نساء فوق اثنتين وسيأتي حكمها. وانفراد اإلناث، وقد ذكره بقوله: } فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت أي: بنات صلب أو بنات ابن، ثالثا فأكثر {

صف { أي: بنتا أو بنت ابن واحدة { وهذا إجماع. } فلها الن

بقي أن يقال: من أين يستفاد أن لالبنتين الثنتين الثلثين بعد اإلجماع علىذلك؟

صف { فالجواب أنه يستفاد من قوله: فمفهوم } وإن كانت واحدة فلها الن ذلك أنه إن زادت على الواحدة، انتقل الفرض عن النصف، وال ثم بعده إال

إذا خلف ابنا وبنتا، فإن } للذكر مثل حظ األنثيين { الثلثان. وأيضا فقوله: االبن له الثلثان، وقد أخبر الله أنه مثل حظ األنثيين، فدل ذلك على أن

للبنتين الثلثين.

وأيضا فإن البنت إذا أخذت الثلث مع أخيها - وهو أزيد ضررا عليها من أختها،فأخذها له مع أختها من باب أولى وأحرى.

لثان مما وأيضا فإن قوله تعالى في األختين: } فإن كانتا اثنتين فلهما الثنص في األختين الثنتين. ترك {

فإذا كان األختان الثنتان -مع بعدهما- يأخذان الثلثين فاالبنتان -مع قربهما- من باب أولى وأحرى. وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم ابنتي سعد الثلثين

كما في الصحيح.

؟. قيل: الفائدة في ذلك } فوق اثنتين { بقي أن يقال: فما الفائدة في قوله: -والله أعلم- أنه ليعلم أن الفرض الذي هو الثلثان ال يزيد بزيادتهن على

الثنتين بل من الثنتين فصاعدا. ودلت اآلية الكريمة أنه إذا وجد بنت صلب واحدة، وبنت ابن أو بنات ابن، فإن لبنت الصلب النصف، ويبقى من الثلثين

اللذين فرضهما الله للبنات أو بنات االبن السدس، فيعطى بنت االبن، أو بناتاالبن، ولهذا يسمى هذا السدس تكملة الثلثين.

ومثل ذلك بنت االبن، مع بنات االبن الالتي أنزل منها.

وتدل اآلية أنه متى استغرق البنات أو بنات االبن الثلثين، أنه يسقط من دونهن من بنات االبن ألن الله لم يفرض لهن إال الثلثين، وقد تم. فلو لميسقطن لزم من ذلك أن يفرض لهن أزيد من الثلثين، وهو خالف النص.

وكل هذه األحكام مجمع عليها بين العلماء ولله الحمد.

أن الوارثين يرثون كل ما خلف الميت من عقار } مما ترك { ودل قوله: وأثاث وذهب وفضة وغير ذلك، حتى الدية التي لم تجب إال بعد موته، وحتى

 الديون التي في الذمم

} لكل واحد منهما أي: أبوه وأمه } وألبويه { ثم ذكر ميراث األبوين فقال:دس مما ترك إن كان له ولد { أي: ولد صلب أو ولد ابن ذكرا كان أو الس

أنثى، واحدا أو متعددا.

Page 8: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

فأما األم فال تزيد على السدس مع أحد من األوالد.

وأما األب فمع الذكور منهم، ال يستحق أزيد من السدس، فإن كان الولد أنثى أو إناثا ولم يبق بعد الفرض شيء -كأبوين وابنتين- لم يبق له تعصيب. وإن

بقي بعد فرض البنت أو البنات شيء أخذ األب السدس فرضا، والباقي تعصيبا، ألننا ألحقنا الفروض بأهلها، فما بقي فألولى رجل ذكر، وهو أولى من

األخ والعم وغيرهما.

لث { ه ولد وورثه أبواه فألمه الث م يكن ل أي: والباقي لألب ألنه } فإن ل أضاف المال إلى األب واألم إضافة واحدة، ثم قدر نصيب األم، فدل ذلك

على أن الباقي لألب.

وعلم من ذلك أن األب مع عدم األوالد ال فرض له، بل يرث تعصيبا المال كله، أو ما أبقت الفروض، لكن لو وجد مع األبوين أحد الزوجين -ويعبر عنهما بالعمريتين- فإن الزوج أو الزوجة يأخذ فرضه، ثم تأخذ األم ثلث الباقي واألب

الباقي.

لث { وقد دل على ذلك قوله: أي: ثلث ما ورثه } وورثه أبواه فألمه الث األبوان. وهو في هاتين الصورتين إما سدس في زوج وأم وأب، وإما ربع في زوجة وأم وأب. فلم تدل اآلية على إرث األم ثلث المال كامال مع عدم األوالد

حتى يقال: إن هاتين الصورتين قد استثنيتا من هذا.

ويوضح ذلك أن الذي يأخذه الزوج أو الزوجة بمنزلة ما يأخذه الغرماء، فيكونمن رأس المال، والباقي بين األبوين.

وألنا لو أعطينا األم ثلث المال، لزم زيادتها على األب في مسألة الزوج، أو أخذ األب في مسألة الزوجة زيادة عنها نصف السدس، وهذا ال نظير له، فإن

المعهود مساواتها لألب، أو أخذه ضعف ما تأخذه األم.

أشقاء، أو ألب، أو ألم، ذكورا كانوا أو } فإن كان له إخوة فألمه السدس { إناثا، وارثين أو محجوبين باألب أو الجد ]لكن قد يقال: ليس ظاهر

شامال لغير الوارثين بدليل عدم تناولها } فإن كان له إخوة { قوله: للمحجوب بالنصف، فعلى هذا ال يحجبها عن الثلث من اإلخوة إال اإلخوة

الوارثون. ويؤيده أن الحكمة في حجبهم لها عن الثلث ألجل أن يتوفر لهم ولكن بشرط كونهم اثنين فأكثر، شيء من المال، وهو معدوم، والله أعلم[

ويشكل على ذلك إتيان لفظ "اإلخوة" بلفظ الجمع. وأجيب عن ذلك بأنالمقصود مجرد التعدد، ال الجمع، ويصدق ذلك باثنين.

وقد يطلق الجمع ويراد به االثنان، كما في قوله تعالى عن داودا لحكمهم شاهدين { وسليمان } وإن كان رجل وقال في اإلخوة لألم: } وكن

دس فإن كانوا يورث كاللة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السلث { أكثر من ذلك فهم شركاء في الث

Page 9: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

فأطلق لفظ الجمع والمراد به اثنان فأكثر باإلجماع. فعلى هذا لو خلف أما وأبا وإخوة، كان لألم السدس، والباقي لألب فحجبوها عن الثلث، مع حجب

 األب إياهم ]إال على االحتمال اآلخر فإن لألم الثلث والباقي لألب[

ة يوصي بها أو دين { ثم قال تعالى: أي: هذه الفروض } من بعد وصي واألنصباء والمواريث إنما ترد وتستحق بعد نزع الديون التي على الميت لله أو لآلدميين، وبعد الوصايا التي قد أوصى الميت بها بعد موته، فالباقي عن

ذلك هو التركة الذي يستحقه الورثة.

وقدم الوصية مع أنها مؤخرة عن الدين لالهتمام بشأنها، لكون إخراجها شاقاعلى الورثة، وإال فالديون مقدمة عليها، وتكون من رأس المال.

وأما الوصية فإنها تصح من الثلث فأقل لألجنبي الذي هو غير وارث. وأما غيرهم ذلك فال ينفذ إال بإجازة الورثة، قال تعالى: } آباؤكم وأبناؤكم ال تدرون أي

أقرب لكم نفعا {

فلو رد تقدير اإلرث إلى عقولكم واختياركم لحصل من الضرر ما الله به عليم، لنقص العقول وعدم معرفتها بما هو الالئق األحسن، في كل زمان

ومكان. فال يدرون أي األوالد أو الوالدين أنفع لهم، وأقرب لحصول مقاصدهمالدينية والدنيوية.

ه كان عليما حكيما { ه إن الل أي: فرضها الله الذي قد أحاط } فريضة من الل بكل شيء علما، وأحكم ما شرعه وقدر ما قدره على أحسن تقدير ال

تستطيع العقول أن تقترح مثل أحكامه الصالحة الموافقة لكل زمان ومكانوحال.

م يكن أيها األزواج } ولكم { ثم قال تعالى: } نصف ما ترك أزواجكم إن لة يوصين بها أو بع مما تركن من بعد وصي هن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الر لمن كم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الث م يكن ل بع مما تركتم إن ل دين ولهن الر

ة توصون بها أو دين { مما تركتم من بعد وصي

ويدخل في مسمى الولد المشروط وجوده أو عدمه، ولد الصلب أو ولد االبن الذكر واألنثى، الواحد والمتعدد، الذي من الزوج أو من غيره، ويخرج عنه ولد

البنات إجماعا.

أي: } وإن كان رجل يورث كاللة أو امرأة وله أخ أو أخت { ثم قال تعالى: من أم، كما هي في بعض القراءات. وأجمع العلماء على أن المراد باإلخوة

هنا اإلخوة لألم، فإذا كان يورث كاللة أي: ليس للميت والد وال ولد أي: ال أب وال جد وال ابن وال ابن ابن وال بنت وال بنت ابن وإن نزلوا. وهذه هي الكاللة

كما فسرها بذلك أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وقد حصل على ذلكاالتفاق ولله الحمد.

} فإن كانوا أكثر ،} السدس { أي: من األخ واألخت } فلكل واحد منهما {لث { أي: من واحد من ذلك { أي: ال يزيدون على } فهم شركاء في الث

Page 10: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

لث { الثلث ولو زادوا عن اثنين. ودل قوله: أن ذكرهم } فهم شركاء في الث يقتضي التسوية. وأنثاهم سواء، ألن لفظ "التشريك"

على أن الفروع وإن نزلوا، واألصول الذكور وإن علوا، } الكاللة { ودل لفظ يسقطون أوالد األم، ألن الله لم يورثهم إال في الكاللة، فلو لم يكن يورث

كاللة، لم يرثوا منه شيئا اتفاقا.

لث { ودل قوله: أن اإلخوة األشقاء يسقطون في } فهم شركاء في الث المسألة المسماة بالحمارية. وهى: زوج، وأم، وإخوة ألم، وإخوة أشقاء.

للزوج النصف، ولألم السدس، ولألخوة لألم الثلث، ويسقط األشقاء، ألن اللهق الله أضاف الثلث لإلخوة من األم، فلو شاركهم األشقاء لكان جمعا لما فر حكمه. وأيضا فإن اإلخوة لألم أصحاب فروض، واألشقاء عصبات. وقد قال

النبي صلى الله عليه وسلم: - "ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فألولى رجل ذكر" - وأهل الفروض هم الذين قدر الله أنصباءهم، ففي هذه المسألة ال

يبقى بعدهم شيء، فيسقط األشقاء، وهذا هو الصواب في ذلك.

} يستفتونك وأما ميراث اإلخوة واألخوات األشقاء أو ألب، فمذكور في قوله:ه يفتيكم في الكاللة { اآلية. قل الل

فاألخت الواحدة شقيقة أو ألب لها النصف، والثنتان لهما الثلثان، والشقيقة الواحدة مع األخت لألب أو األخوات تأخذ النصف، والباقي من الثلثين لألخت

وهو السدس تكملة الثلثين. وإذ استغرقت الشقيقات الثلثين أو األخوات ألب سقط األخوات لألب كما تقدم في البنات وبنات االبن. وإن كان اإلخوة رجاال

ونساء فللذكر مثل حظ األنثيين.

فإن قيل: فهل يستفاد حكم ميراث القاتل، والرقيق، والمخالف في الدين، والمبعض، والخنثى، والجد مع اإلخوة لغير أم، والعول، والرد، وذوي األرحام،

وبقية العصبة، واألخوات لغير أم مع البنات أو بنات االبن من القرآن أم ال؟

قيل: نعم، فيه تنبيهات وإشارات دقيقة يعسر فهمها على غير المتأمل تدل على جميع المذكورات. فأما )القاتل والمخالف في الدين( فيعرف أنهما غير

وارثين من بيان الحكمة اإللهية في توزيع المال على الورثة بحسب قربهمونفعهم الديني والدنيوي.

هم أقرب لكم وقد أشار تعالى إلى هذه الحكمة بقوله: } ال تدرون أي بأعظم الضرر، فال ينتهض ما فيه وقد علم أن القاتل قد سعى لمورثه نفعا {

من موجب اإلرث أن يقاوم ضرر القتل الذي هو ضد النفع الذي رتب عليه اإلرث. فعلم من ذلك أن القتل أكبر مانع يمنع الميراث، ويقطع الرحم الذي

مع أنه قد } وأولو األرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله { قال الله فيه:استقرت القاعدة الشرعية أن "من استعجل شيئا قبل أوانه عوقب بحرمانه"

وبهذا ونحوه يعرف أن المخالف لدين الموروث ال إرث له، وذلك أنه قد تعارض الموجب الذي هو اتصال النسب الموجب لإلرث، والمانع الذي هو

المخالفة في الدين الموجبة للمباينة من كل وجه، فقوي المانع ومنع موجب اإلرث الذي هو النسب، فلم يعمل الموجب لقيام المانع. يوضح ذلك أن الله

Page 11: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

تعالى قد جعل حقوق المسلمين أولى من حقوق األقارب الكفار الدنيوية، فإذا مات المسلم انتقل ماله إلى من هو أولى وأحق به. فيكون قوله

إذا اتفقت } وأولو األرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله { تعالى:أديانهم، وأما مع تباينهم فاألخوة الدينية مقدمة على األخوة النسبية المجردة.

قال ابن القيم في "جالء األفهام": وتأمل هذا المعنى في آية المواريث، وتعليقه سبحانه التوارث فيها بلفظ الزوجة دون المرأة، كما في قوله

إيذانا بأن هذا التوارث إنما وقع } ولكم نصف ما ترك أزواجكم { تعالى: بالزوجية المقتضية للتشاكل والتناسب، والمؤمن والكافر ال تشاكل بينهما وال تناسب، فال يقع بينهما التوارث. وأسرار مفردات القرآن ومركباته فوق عقول

]انتهى[. العالمين

وأما ) الرقيق ( فإنه ال يرث وال يورث، أما كونه ال يورث فواضح، ألنه ليس له مال يورث عنه، بل كل ما معه فهو لسيده. وأما كونه ال يرث فألنه ال يملك،

فإنه لو ملك لكان لسيده، وهو أجنبي من الميت فيكون مثل قوله } ولكم نصف ما ترك } للذكر مثل حظ األنثيين { تعالى:

ونحوها لمن يتأتى منه التملك، } فلكل واحد منهما السدس { أزواجكم { وأما الرقيق فال يتأتى منه ذلك، فعلم أنه ال ميراث له. وأما من بعضه حر

وبعضه رقيق فإنه تتبعض أحكامه. فما فيه من الحرية يستحق بها ما رتبه الله في المواريث، لكون ما فيه من الحرية قابال للتملك، وما فيه من الرق فليس

بقابل لذلك، فإذا يكون المبعض، يرث ويورث، ويحجب بقدر ما فيه من الحرية. وإذا كان العبد يكون محمودا مذموما، مثابا ومعاقبا، بقدر ما فيه من

موجبات ذلك، فهذا كذلك. وأما ) الخنثى ( فال يخلو إما أن يكون واضحاذكوريته أو أنوثيته، أو مشكال. فإن كان واضحا فاألمر فيه واضح.

إن كان ذكرا فله حكم الذكور، ويشمله النص الوارد فيهم.

وإن كان أنثى فله حكم اإلناث، ويشملها النص الوارد فيهن.

وإن كان مشكال، فإن كان الذكر واألنثى ال يختلف إرثهما -كاإلخوة لألم- فاألمر فيه واضح، وإن كان يختلف إرثه بتقدير ذكوريته وبتقدير أنوثيته، ولم يبق لنا طريق إلى العلم بذلك، لم نعطه أكثر التقديرين، الحتمال ظلم من معه من الورثة، ولم نعطه األقل، الحتمال ظلمنا له. فوجب التوسط بين

} اعدلوا هو أقرب األمرين، وسلوك أعدل الطريقين، قال تعالى:قوى { وليس لنا طريق إلى العدل في مثل هذا أكثر من هذا الطريق للت

ه نفسا إال وسعها { المذكور. و ف الل ه ما استطعتم { } ال يكل قوا الل } فات

وأما ) ميراث الجد ( مع اإلخوة األشقاء أو ألب، وهل يرثون معه أم ال؟ فقد دل كتاب الله على قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وأن الجد يحجب

اإلخوة أشقاء أو ألب أو ألم، كما يحجبهم األب.

} إذ حضر وبيان ذلك: أن الجد أب في غير موضع من القرآن كقوله تعالى: يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك

ة اآلية. وقال يوسف عليه السالم: إبراهيم وإسماعيل وإسحاق { بعت مل } واتآبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب {

Page 12: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

فسمى الله الجد وجد األب أبا، فدل ذلك على أن الجد بمنزلة األب، يرث مايرثه األب، ويحجب من يحجبه.

وإذا كان العلماء قد أجمعوا على أن الجد حكمه حكم األب عند عدمه في  ميراثه مع األوالد وغيرهم من بني اإلخوة واألعمام وبنيهم، وسائر أحكامالمواريث، فينبغي أيضا أن يكون حكمه حكمه في حجب اإلخوة لغير أم.

وإذا كان ابن االبن بمنزلة ابن الصلب فلم ال يكون الجد بمنزلة األب؟ وإذا كان جد األب مع ابن األخ قد اتفق العلماء على أنه يحجبه. فلم ال يحجب جد

الميت أخاه؟ فليس مع من يورث اإلخوة مع الجد، نص وال إشارة وال تنبيه والقياس صحيح.

وأما مسائل )العول( فإنه يستفاد حكمها من القرآن، وذلك أن الله تعالى قدفرض وقدر ألهل المواريث أنصباء، وهم بين حالتين:

إما أن يحجب بعضهم بعضا أو ال. فإن حجب بعضهم بعضا، فالمحجوب ساقط ال يزاحم وال يستحق شيئا، وإن لم يحجب بعضهم بعضا فال يخلو، إما أن ال

تستغرق الفروض التركة، أو تستغرقها من غير زيادة وال نقص، أو تزيد الفروض على التركة، ففي الحالتين األوليين كل يأخذ فرضه كامال. وفي

الحالة األخيرة وهي ما إذا زادت الفروض على التركة فال يخلو من حالين:

إما أن ننقص بعض الورثة عن فرضه الذي فرضه الله له، ونكمل للباقين منهم فروضهم، وهذا ترجيح بغير مرجح، وليس نقصان أحدهم بأولى من اآلخر، فتعينت الحال الثانية، وهي: أننا نعطي كل واحد منهم نصيبه بقدر

اإلمكان، ونحاصص بينهم كديون الغرماء الزائدة على مال الغريم، وال طريق موصل إلى ذلك إال بالعول، فعلم من هذا أن العول في الفرائض قد بينه الله

في كتابه.

وبعكس هذه الطريقة بعينها يعلم ) الرد ( فإن أهل الفروض إذا لم تستغرق فروضهم التركة وبقي شيء ليس له مستحق من عاصب قريب وال بعيد، فإن

رده على أحدهم ترجيح بغير مرجح، وإعطاؤه غيرهم ممن ليس بقريب } وأولو األرحام بعضهم أولى ببعض في للميت جنف وميل، ومعارضة لقوله:

فتعين أن يرد على أهل الفروض بقدر فروضهم. كتاب الله {

ولما كان الزوجان ليسا من القرابة، لم يستحقا زيادة على فرضهم المقدرث الزوجين بالرد، وهم جمهور القائلين بالرد، فعلى هذا ]هذا عند من ال يور

تكون علة الرد كونه صاحب فرض قريبا، وعلى القول اآلخر، أن الزوجين كغيرهما من ذوي الفروض يرد عليهما؛ فكما ينقصان بالعول فإنهما يزادان

بالرد كغيرهما، فالعلة على هذا كونه وارثا صاحب فرض، فهذا هو الظاهر من داللة الكتاب والسنة، والقياس الصحيح، والله أعلم[

وبهذا يعلم أيضا ) ميراث ذوي األرحام ( فإن الميت إذا لم يخلف صاحب فرض وال عاصبا، وبقي األمر دائرا بين كون ماله يكون لبيت المال لمنافع األجانب، وبين كون ماله يرجع إلى أقاربه المدلين بالورثة المجمع عليهم،

} وأولو األرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب ويدل على ذلك قوله تعالى:

Page 13: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

فصرفه لغيرهم ترك لمن هو أولى من غيره، فتعين توريث ذوي الله {األرحام.

وإذا تعين توريثهم، فقد علم أنه ليس لهم نصيب مقدر بأعيانهم في كتاب الله. وأن بينهم وبين الميت وسائط، صاروا بسببها من األقارب. فينزلون

منزلة من أدلوا به من تلك الوسائط. والله أعلم.

وأما ) ميراث بقية العصبة ( كالبنوة واألخوة وبنيهم، واألعمام وبنيهم إلخ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فألولي

} ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان رجل ذكر" وقال تعالى: فإذا ألحقنا الفروض بأهلها ولم يبق شيء، لم يستحق العاصب واألقربون {

شيئا، وإن بقي شيء أخذه أولي العصبة، وبحسب جهاتهم ودرجاتهم.

فإن جهات العصوبة خمس: البنوة، ثم األبوة، ثم األخوة وبنوهم، ثم العمومة وبنوهم، ثم الوالء، فيقدم منهم األقرب جهة. فإن كانوا في جهة واحدة

فاألقرب منزلة، فإن كانوا في منزلة واحدة فاألقوى، وهو الشقيق، فإنتساووا من كل وجه اشتركوا. والله أعلم.

وأما كون األخوات لغير أم مع البنات أو بنات االبن عصبات، يأخذن ما فضل عن فروضهن، فألنه ليس في القرآن ما يدل على أن األخوات يسقطن

بالبنات.

فإذا كان األمر كذلك، وبقي شيء بعد أخذ البنات فرضهن، فإنه يعطى لألخوات وال يعدل عنهن إلى عصبة أبعد منهن، كابن األخ والعم، ومن هو أبعد

منهم. والله أعلم.

ات تجري14 - 13} ه ورسوله يدخله جن ه ومن يطع الل { } تلك حدود الله ورسوله من تحتها األنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم * ومن يعص الل

ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين {

أي: تلك التفاصيل التي ذكرها في المواريث حدود الله التي يجب الوقوف معها وعدم مجاوزتها، وال القصور عنها، وفي ذلك دليل على أن الوصية

للوارث منسوخة بتقديره تعالى أنصباء الوارثين.

فالوصية للوارث بزيادة على حقه يدخل } تلك حدود الله { ثم قوله تعالى: في هذا التعدي، مع قوله صلى الله عليه وسلم: "ال وصية لوارث" ثم ذكر طاعة الله ورسوله ومعصيتهما عموما ليدخل في العموم لزوم حدوده في

ه ورسوله { الفرائض أو ترك ذلك فقال: بامتثال أمرهما الذي } ومن يطع الل أعظمه طاعتهما في التوحيد، ثم األوامر على اختالف درجاتها واجتناب نهيهما

ات الذي أعظمه الشرك بالله، ثم المعاصي على اختالف طبقاتها } يدخله جن فمن أدى األوامر واجتنب النواهي فال تجري من تحتها األنهار خالدين فيها {

الذي حصل } وذلك الفوز العظيم { بد له من دخول الجنة والنجاة من النار. به النجاة من سخطه وعذابه، والفوز بثوابه ورضوانه بالنعيم المقيم الذي ال

يصفه الواصفون.

Page 14: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

ه ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين } ومن يعص الل ويدخل في اسم المعصية الكفر فما دونه من المعاصي، فال يكون فيها {

شبهة للخوارج القائلين بكفر أهل المعاصي فإن الله تعالى رتب دخول الجنة على طاعته وطاعة رسوله. ورتب دخول النار على معصيته ومعصية رسوله،

فمن أطاعه طاعة تامة دخل الجنة بال عذاب.

ومن عصى الله ورسوله معصية تامة يدخل فيها الشرك فما دونه، دخل النار وخلد فيها، ومن اجتمع فيه معصية وطاعة، كان فيه من موجب الثواب

والعقاب بحسب ما فيه من الطاعة والمعصية. وقد دلت النصوص المتواترة على أن الموحدين الذين معهم طاعة التوحيد، غير مخلدين في النار، فما

معهم من التوحيد مانع لهم من الخلود فيها. 

تي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة16 - 15} { } والاله ى يتوفاهن الموت أو يجعل الل منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما لهن سبيال * والل

ه كان توابا رحيما { إن الل

أي: الزنا، ووصفها بالفاحشة لشناعتها } الالتي يأتين الفاحشة { أي: النساءوقبحها.

} فإن أي: من رجالكم المؤمنين العدول. } فاستشهدوا عليهن أربعة منكم { أي: احبسوهن عن الخروج الموجب للريبة. شهدوا فأمسكوهن في البيوت {

ى يتوفاهن الموت { وأيضا فإن الحبس من جملة العقوبات أي: هذا } حته لهن سبيال { منتهى الحبس. أي: طريقا غير الحبس في } أو يجعل الل

البيوت، وهذه اآلية ليست منسوخة، وإنما هي مغياة إلى ذلك الوقت، فكان األمر في أول اإلسالم كذلك حتى جعل الله لهن سبيال، وهو رجم المحصن

وجلد غير المحصن.

لذان يأتيانها { كذلك } و { من الرجال } منكم { أي: الفاحشة } ال بالقول والتوبيخ والتعيير والضرب الرادع عن هذه } فآذوهما { والنساء

الفاحشة، فعلى هذا يكون الرجال إذا فعلوا الفاحشة يؤذون، والنساء يحبسنويؤذين.

فالحبس غايته إلى الموت، واألذية نهايتها إلى التوبة واإلصالح، ولهذا أي: رجعا عن الذنب الذي فعاله وندما عليه، وعزما على } فإن تابا { قال:

} فأعرضوا العمل الدال على صدق التوبة } وأصلحا { أن ال يعوداه كان توابا رحيما {أي: عن أذاهما عنهما { أي: كثير التوبة على } إن الل

المذنبين الخطائين، عظيم الرحمة واإلحسان، الذي -من إحسانه- وفقهمللتوبة وقبلها منهم، وسامحهم عن ما صدر منهم.

ويؤخذ من هاتين اآليتين أن بينة الزنا، ال بد أن تكون أربعة رجال مؤمنين، ومن باب أولى وأحرى اشتراط عدالتهم؛ ألن الله تعالى شدد في أمر هذه

Page 15: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

الفاحشة، سترا لعباده، حتى إنه ال يقبل فيها النساء منفردات، وال مع الرجال،وال ما دون أربعة.

وال بد من التصريح بالشهادة، كما دلت على ذلك األحاديث الصحيحة، وتومئ لم يكتف بذلك } فاستشهدوا عليهن أربعة منكم { إليه هذه اآلية لما قال:

أي: ال بد من شهادة صريحة عن أمر يشاهد عيانا، } فإن شهدوا { حتى قال:من غير تعريض وال كناية.

ويؤخذ منهما أن األذية بالقول والفعل والحبس، قد شرعه الله تعزيرا لجنسالمعصية الذي يحصل به الزجر.

وء بجهالة ثم يتوبون18 - 17} ذين يعملون الس ه لل وبة على الل ما الت { } إنوبة ه عليما حكيما * وليست الت ه عليهم وكان الل من قريب فأولئك يتوب اللي تبت اآلن وال ى إذا حضر أحدهم الموت قال إن ئات حت ي ذين يعملون الس لل

ذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما { ال

توبة الله على عباده نوعان: توفيق منه للتوبة، وقبول لها بعد وجودها من العبد، فأخبر هنا -أن التوبة المستحقة على الله حق أحقه على نفسه، كرما

أي: جهالة منه } بجهالة { منه وجودا، لمن عمل السوء أي: المعاصي بعاقبتها وإيجابها لسخط الله وعقابه، وجهل منه بنظر الله ومراقبته له، وجهل منه بما تئول إليه من نقص اإليمان أو إعدامه، فكل عاص لله، فهو جاهل بهذا

االعتبار وإن كان عالما بالتحريم. بل العلم بالتحريم شرط لكونها معصية يحتمل أن يكون المعنى: ثم يتوبون } ثم يتوبون من قريب { معاقبا عليها

قبل معاينة الموت، فإن الله يقبل توبة العبد إذا تاب قبل معاينة الموت والعذاب قطعا. وأما بعد حضور الموت فال يقبل من العاصين توبة وال من

ى إذا أدركه الغرق قال آمنت الكفار رجوع، كما قال تعالى عن فرعون: } حتذي آمنت به بنو إسرائيل { ه ال إله إال ال } فلما رأوا اآلية. وقال تعالى: أن

ا به مشركين فلم يك ينفعهم إيمانهم ه وحده وكفرنا بما كن ا بالل بأسنا قالوا آمنتي قد خلت في عباده { ه ال ة الل لما رأوا بأسنا سن

وقال هنا:

ئات { ي ذين يعملون الس وبة لل أي: المعاصي فيما دون } وليست التذين يموتون الكفر. ي تبت اآلن وال ال ى إذا حضر أحدهم الموت قال إن } حت

وذلك أن التوبة في هذه الحال توبة وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما { أن يكون معنى اضطرار ال تنفع صاحبها، إنما تنفع توبة االختيار. ويحتمل

أي: قريب من فعلهم للذنب الموجب للتوبة، فيكون } من قريب { قوله: المعنى: أن من بادر إلى اإلقالع من حين صدور الذنب وأناب إلى الله وندم

وأصر على عيوبه، عليه فإن الله يتوب عليه، بخالف من استمر على ذنوبهحتى صارت فيه صفات راسخة فإنه يعسر عليه إيجاد التوبة التامة.

والغالب أنه ال يوفق للتوبة وال ييسر ألسبابها، كالذي يعمل السوء على علم على نفسه باب الرحمة.  بنظر الله إليه، فإنه سد  ويقين وتهاون تام

Page 16: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

  تامة نعم قد يوفق الله عبده المصر على الذنوب عن عمد ويقين لتوبة ]التي[ يمحو بها ما سلف من سيئاته وما تقدم من جناياته، ولكن الرحمة

ه عليما والتوفيق لألول أقرب، ولهذا ختم اآلية األولى بقوله: } وكان اللحكيما {

فمن علمه أنه يعلم صادق التوبة وكاذبها فيجازي كال منهما بحسب ما يستحق بحكمته، ومن حكمته أن يوفق من اقتضت حكمته ورحمته توفيقه للتوبة،

ويخذل من اقتضت حكمته وعدله عدم توفيقه. والله أعلم.

ساء كرها وال21 - 19} ذين آمنوا ال يحل لكم أن ترثوا الن ها ال { } يا أينة وعاشروهن تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إال أن يأتين بفاحشة مبي

ه فيه خيرا كثيرا بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الل*

وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فال تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا * وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى

{ بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا

كانوا في الجاهلية إذا مات أحدهم عن زوجته، رأى قريبه كأخيه وابن عمهونحوهما أنه أحق بزوجته من كل أحد، وحماها عن غيره، أحبت أو كرهت.

فإن أحبها تزوجها على صداق يحبه دونها، وإن لم يرضها عضلها فال يزوجها إال من يختاره هو، وربما امتنع من تزويجها حتى تبذل له شيئا من ميراث

قريبه أو من صداقها، وكان الرجل أيضا يعضل زوجته التي ]يكون[ يكرهها ليذهب ببعض ما آتاها، فنهى الله المؤمنين عن جميع هذه األحوال إال

حالتين: إذا رضيت واختارت نكاح قريب زوجها األول، كما هو مفهوم قوله: { وإذا أتين بفاحشة مبينة كالزنا والكالم الفاحش وأذيتها لزوجها كرها }

فإنه في هذه الحال يجوز له أن يعضلها، عقوبة لها على فعلها لتفتدي منهإذا كان عضال بالعدل.

{ وهذا يشمل المعاشرة القولية وعاشروهن بالمعروف ثم قال: } والفعلية، فعلى الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف، من الصحبة الجميلة،

وكف األذى وبذل اإلحسان، وحسن المعاملة، ويدخل في ذلك النفقة والكسوة ونحوهما، فيجب على الزوج لزوجته المعروف من مثله لمثلها

في ذلك الزمان والمكان، وهذا يتفاوت بتفاوت األحوال.

ه فيه خيرا كثيرا } { فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الل أي: ينبغي لكم -أيها األزواج- أن تمسكوا زوجاتكم مع الكراهة لهن، فإن

في ذلك خيرا كثيرا. من ذلك امتثال أمر الله، وقبول وصيته التي فيهاسعادة الدنيا واآلخرة.

ومنها أن إجباره نفسه -مع عدم محبته لها- فيه مجاهدة النفس، والتخلق باألخالق الجميلة. وربما أن الكراهة تزول وتخلفها المحبة، كما هو الواقع

Page 17: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

في ذلك. وربما رزق منها ولدا صالحا نفع والديه في الدنيا واآلخرة. وهذاكله مع اإلمكان في اإلمساك وعدم المحذور.

فإن كان ال بد من الفراق، وليس لإلمساك محل، فليس اإلمساك بالزم.

{ أي: تطليق زوجة وتزوج أردتم استبدال زوج مكان زوج بل متى } { آتيتم إحداهن أخرى. أي: فال جناح عليكم في ذلك وال حرج. ولكن إذا }

فال تأخذوا منه { أي: ماال كثيرا. } قنطارا أي: المفارقة أو التي تزوجها }{ بل وفروه لهن وال تمطلوا بهن. شيئا

وفي هذه اآلية داللة على عدم تحريم كثرة المهر، مع أن األفضل والالئق االقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في تخفيف المهر. ووجه الداللة أن

الله أخبر عن أمر يقع منهم، ولم ينكره عليهم، فدل على عدم تحريمه ]لكن قد ينهي عن كثرة الصداق إذا تضمن مفسدة دينية وعدم مصلحة

 تقاوم[

{ فإن هذا ال يحل ولو تحيلتم عليه أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا ثم قال: }بأنواع الحيل، فإن إثمه واضح.

وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى وقد بين تعالى حكمة ذلك بقوله: } { وبيان ذلك: أن الزوجة قبل عقد النكاح بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا

محرمة على الزوج ولم ترض بحلها له إال بذلك المهر الذي يدفعه لها، فإذا دخل بها وأفضى إليها وباشرها المباشرة التي كانت حراما قبل ذلك، والتي

لم ترض ببذلها إال بذلك العوض، فإنه قد استوفى المعوض فثبت عليهالعوض.

فكيف يستوفي المعوض ثم بعد ذلك يرجع على العوض؟ هذا من أعظم الظلم والجور، وكذلك أخذ الله على األزواج ميثاقا غليظا بالعقد، والقيام

بحقوقها. ثم قال تعالى:

ه كان { } 22 } ساء إال ما قد سلف إن وال تنكحوا ما نكح آباؤكم من الن{ فاحشة ومقتا وساء سبيال

ه كان أي: ال تتزوجوا من النساء ما تزوجهن آباؤكم أي: األب وإن عال. } إن { من الله لكم ومقتا { أي: أمرا قبيحا يفحش ويعظم قبحه } فاحشة

ومن الخلق بل يمقت بسبب ذلك االبن أباه واألب ابنه، مع األمر ببره.

{ أي: بئس الطريق طريقا لمن سلكه ألن هذا من عوائد وساء سبيال }الجاهلية، التي جاء اإلسالم بالتنزه عنها والبراءة منها.

24يبدأ من اآلية  لخامستفسير الجزء ا

مت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم { } 24 - 23 } حرتي أرضعنكم وأخواتكم من وخاالتكم وبنات األخ وبنات األخت وأمهاتكم الال

Page 18: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

تي تي في حجوركم من نسائكم الال ضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم الال الرذين دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فال جناح عليكم وحالئل أبنائكم ال

ه كان غفورا من أصالبكم وأن تجمعوا بين األختين إال ما قد سلف إن الله عليكم ساء إال ما ملكت أيمانكم كتاب الل رحيما * والمحصنات من الن

وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة وال جناح عليكم فيما تراضيتم

ه كان عليما حكيما { به من بعد الفريضة إن الل

هذه اآليات الكريمات مشتمالت على المحرمات بالنسب، والمحرمات بالرضاع، والمحرمات بالصهر، والمحرمات بالجمع، وعلى المحلالت من

النساء. فأما المحرمات في النسب فهن السبع الالتي ذكرهن الله.

األم يدخل فيها كل من لها عليك والدة، وإن بعدت، ويدخل في البنت كل من لك عليها والدة، واألخوات الشقيقات، أو ألب أو ألم. والعمة: كل أخت

ألبيك أو لجدك وإن عال.

والخالة: كل أخت ألمك، أو جدتك وإن علت وارثة أم ال. وبنات األخ وبناتاألخت أي: وإن نزلت.

فهؤالء هن المحرمات من النسب بإجماع العلماء كما هو نص اآلية الكريمة { وذلك كبنت وأحل لكم ما وراء ذلكم وما عداهن فيدخل في قوله: }

العمة والعم وبنت الخال والخالة.

وأما المحرمات بالرضاع فقد ذكر الله منهن األم واألخت. وفي ذلك تحريم األم مع أن اللبن ليس لها، إنما هو لصاحب اللبن، دل بتنبيهه على أن

صاحب اللبن يكون أبا للمرتضع فإذا ثبتت األبوة واألمومة ثبت ما هو فرع عنهما كإخوتهما وأصولهم وفروعهم

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب" فينتشر التحريم من جهة المرضعة ومن له اللبن كما ينتشر في

األقارب، وفي الطفل المرتضع إلى ذريته فقط. لكن بشرط أن يكونالرضاع خمس رضعات في الحولين كما بينت السنة.

وأما المحرمات بالصهر فهن أربع. حالئل اآلباء وإن علوا، وحالئل األبناء وإن نزلوا، وارثين أو محجوبين. وأمهات الزوجة وإن علون، فهؤالء الثالث

يحرمن بمجرد العقد.

والرابعة: الربيبة وهي بنت زوجته وإن نزلت، فهذه ال تحرم حتى يدخلتي بزوجته كما قال هنا } تي في حجوركم من نسائكم الال وربائبكم الال

{ اآلية. دخلتم بهن

تي في حجوركم وقد قال الجمهور: إن قوله: } { قيد خرج مخرج الال الغالب ال مفهوم له، فإن الربيبة تحرم ولو لم تكن في حجره ولكن للتقييد

بذلك فائدتان:

Page 19: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

إحداهما: فيه التنبيه على الحكمة في تحريم الربيبة وأنها كانت بمنزلةالبنت فمن المستقبح إباحتها.

والثانية: فيه داللة على جواز الخلوة بالربيبة وأنها بمنزلة من هي فيحجره من بناته ونحوهن. والله أعلم.

وأما المحرمات بالجمع فقد ذكر الله الجمع بين األختين وحرمه وحرم النبي صلى الله عليه وسلم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها، فكل

امرأتين بينهما رحم محرم لو قدر إحداهما ذكرا واألخرى أنثى حرمت عليه فإنه يحرم الجمع بينهما، وذلك لما في ذلك من أسباب التقاطع بين

األرحام.

ساء { من المحرمات في النكاح } و } { أي: ذوات والمحصنات من الن األزواج. فإنه يحرم نكاحهن ما دمن في ذمة الزوج حتى تطلق وتنقضي

{ أي: بالسبي، فإذا سبيت الكافرة ذات إال ما ملكت أيمانكم عدتها. } الزوج حلت للمسلمين بعد أن تستبرأ. وأما إذا بيعت األمة المزوجة أو وهبت فإنه ال ينفسخ نكاحها ألن المالك الثاني نزل منزلة األول ولقصة

بريرة حين خيرها النبي صلى الله عليه وسلم.

ه عليكم وقوله: } { أي: الزموه واهتدوا به فإن فيه الشفاء كتاب اللوالنور وفيه تفصيل الحالل من الحرام.

{ كل ما لم يذكر في هذه وأحل لكم ما وراء ذلكم ودخل في قوله: } اآلية، فإنه حالل طيب. فالحرام محصور والحالل ليس له حد وال حصر

لطفا من الله ورحمة وتيسيرا للعباد.

{ أي: تطلبوا من وقع عليه نظركم واختياركم أن تبتغوا بأموالكم وقوله: } { أي: مستعفين عن محصنين من الالتي أباحهن الله لكم حالة كونكم }

الزنا، ومعفين نساءكم.

{ والسفح: سفح الماء في الحالل والحرام، فإن الفاعل غير مسافحين } لذلك ال يحصن زوجته لكونه وضع شهوته في الحرام فتضعف داعيته

للحالل فال يبقى محصنا لزوجته. وفيها داللة على أنه ال يزوج غير العفيفانية ال ينكحها إال زان لقوله تعالى: } اني ال ينكح إال زانية أو مشركة والز الز

فآتوهن { أي: ممن تزوجتموها } فما استمتعتم به منهن { .} أو مشرك { أي: األجور في مقابلة االستمتاع. ولهذا إذا دخل الزوج بزوجته أجورهن

{ أي: إتيانكم إياهن أجورهن فرض فرضه الله فريضةتقرر عليه صداقها } عليكم، ليس بمنزلة التبرع الذي إن شاء أمضاه وإن شاء رده. أو معنى قوله فريضة: أي: مقدرة قد قدرتموها فوجبت عليكم، فال تنقصوا منها

شيئا.

{ أي: بزيادة من وال جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة } الزوج أو إسقاط من الزوجة عن رضا وطيب نفس ]هذا قول كثير من

Page 20: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

المفسرين، وقال كثير منهم: إنها نزلت في متعة النساء التي كانت حالال في أول اإلسالم ثم حرمها النبي صلى الله عليه وسلم وأنه يؤمر بتوقيتها

وأجرها، ثم إذا انقضى األمد الذي بينهما فتراضيا بعد الفريضة فال حرج عليهما، والله أعلم[.

ه كان عليما حكيما } { أي: كامل العلم واسعه، كامل الحكمة: فمن إن الل علمه وحكمته شرع لكم هذه الشرائع وحد لكم هذه الحدود الفاصلة بين

الحالل والحرام.

ومن لم يستطع منكم طوال أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن { } 25 }ه أعلم بإيمانكم بعضكم من ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والل

بعض فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غيرخذات أخدان فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف مسافحات وال مت ما على المحصنات من العذاب ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا

ه غفور رحيم { خير لكم والل

{ اآلية. ومن لم يستطع منكم طوال ثم قال تعالى }

أي: ومن لم يستطع الطول الذي هو المهر لنكاح المحصنات أي: الحرائر المؤمنات وخاف على نفسه العنت أي: الزنا والمشقة الكثيرة، فيجوز له نكاح اإلماء المملوكات المؤمنات. وهذا بحسب ما يظهر، وإال فالله أعلم

بالمؤمن الصادق من غيره، فأمور الدنيا مبنية على ظواهر األمور، وأحكاماآلخرة مبنية على ما في البواطن.

{ أي: سيدهن واحدا أو بإذن أهلهن { أي: المملوكات } فانكحوهن }متعددا.

{ أي: ولو كن إماء، فإنه كما يجب المهر وآتوهن أجورهن بالمعروف } للحرة فكذلك يجب لألمة. ولكن ال يجوز نكاح اإلماء إال إذا كن

{ أي: زانيات غير مسافحات { أي: عفيفات عن الزنا } محصنات }خذات أخدان عالنية. } { أي: أخالء في السر. وال مت

فالحاصل أنه ال يجوز للحر المسلم نكاح أمة إال بأربعة شروط ذكرها الله: اإليمان بهن والعفة ظاهرا وباطنا، وعدم استطاعة طول الحرة، وخوف

العنت، فإذا تمت هذه الشروط جاز له نكاحهن.

ومع هذا فالصبر عن نكاحهن أفضل لما فيه من تعريض األوالد للرق، ولما فيه من الدناءة والعيب. وهذا إذا أمكن الصبر، فإن لم يمكن الصبر عن

ه المحرم إال بنكاحهن وجب ذلك. ولهذا قال: } وأن تصبروا خير لكم والل{ غفور رحيم

فعليهن نصف { أي: تزوجن أو أسلمن أي: اإلماء } فإذا أحصن وقوله: }{ من العذاب { أي: الحرائر } ما على المحصنات

Page 21: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

وذلك الذي يمكن تنصيفه وهو: الجلد فيكون عليهن خمسون جلدة. وأما الرجم فليس على اإلماء رجم ألنه ال يتنصف، فعلى القول األول إذا لم

يتزوجن فليس عليهن حد، إنما عليهن تعزير يردعهن عن فعل الفاحشة.

وعلى القول الثاني: إن اإلماء غير المسلمات، إذا فعلن فاحشة أيضاعزرن.

وختم هذه اآلية بهذين االسمين الكريمين "الغفور والرحيم" لكون هذه األحكام رحمة بالعباد وكرما وإحسانا إليهم فلم يضيق عليهم، بل وسع غاية

السعة.

ولعل في ذكر المغفرة بعد ذكر الحد إشارة إلى أن الحدود كفارات، يغفر الله بها ذنوب عباده كما ورد بذلك الحديث. وحكم العبد الذكر في الحد

المذكور حكم األمة لعدم الفارق بينهما.

( 50-26 آية ) 176عدد آياتها  تفسير سورة النساء -4وهي مدنية

ذين من قبلكم ويتوب { } 28 - 26 } ن لكم ويهديكم سنن ال ه ليبي يريد اللبعون ذين يت ه يريد أن يتوب عليكم ويريد ال ه عليم حكيم * والل عليكم والل

ه أن يخفف عنكم وخلق اإلنسان هوات أن تميلوا ميال عظيما * يريد الل الش{ ضعيفا

يخبر تعالى بمنته العظيمة ومنحته الجسيمة، وحسن تربيته لعبادهن لكم المؤمنين وسهولة دينه فقال: } ه ليبي { أي: جميع ما يريد الل

ويهديكم سنن تحتاجون إلى بيانه من الحق والباطل، والحالل والحرام، }ذين من قبلكم { أي: الذين أنعم الله عليهم من النبيين وأتباعهم، في ال

سيرهم الحميدة، وأفعالهم السديدة، وشمائلهم الكاملة، وتوفيقهم التام. فلذلك نفذ ما أراده، ووضح لكم وبين بيانا كما بين لمن قبلكم، وهداكم

هداية عظيمة في العلم والعمل.

{ أي: يلطف لكم في أحوالكم وما شرعه لكم حتى ويتوب عليكم } من الوقوف على ما حده الله، واالكتفاء بما أحله فتقل ذنوبكم تمكنوا

بسبب ما يسر الله عليكم فهذا من توبته على عباده.

ومن توبته عليهم أنهم إذا أذنبوا فتح لهم أبواب الرحمة وأوزع قلوبهم اإلنابة إليه، والتذلل بين يديه ثم يتوب عليهم بقبول ما وفقهم له. فله

الحمد والشكر على ذلك.

ه عليم حكيم وقوله: } { أي: كامل الحكمة، فمن علمه أن علمكم ما والل لم تكونوا تعلمون، ومنها هذه األشياء والحدود. ومن حكمته أنه يتوب على من اقتضت حكمته ورحمته التوبة عليه، ويخذل من اقتضت حكمته وعدله

من ال يصلح للتوبة.

Page 22: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

ه يريد أن يتوب عليكم وقوله: } { أي: توبة تلم شعثكم، وتجمع واللمتفرقكم، وتقرب بعيدكم.

هوات } بعون الش ذين يت { أي: يميلون معها حيث مالت ويقدمونها ويريد ال على ما فيه رضا محبوبهم، ويعبدون أهواءهم، من أصناف الكفرة أن والعاصين، المقدمين ألهوائهم على طاعة ربهم، فهؤالء يريدون }

{ أي: ]أن[ تنحرفوا عن الصراط المستقيم إلى صراط تميلوا ميال عظيماالمغضوب عليهم والضالين.

يريدون أن يصرفوكم عن طاعة الرحمن إلى طاعة الشيطان، وعن التزام حدود من السعادة كلها في امتثال أوامره، إلى من الشقاوة كلها في

اتباعه. فإذا عرفتم أن الله تعالى يأمركم بما فيه صالحكم وفالحكم وسعادتكم، وأن هؤالء المتبعين لشهواتهم يأمرونكم بما فيه غاية الخساروالشقاء، فاختاروا ألنفسكم أولى الداعيين، وتخيروا أحسن الطريقتين.

ه أن يخفف عنكم } { أي: بسهولة ما أمركم به و ]ما[ نهاكم عنه، يريد الل ثم مع حصول المشقة في بعض الشرائع أباح لكم ما تقتضيه حاجتكم،

كالميتة والدم ونحوهما للمضطر، وكتزوج األمة للحر بتلك الشروط السابقة. وذلك لرحمته التامة وإحسانه الشامل، وعلمه وحكمته بضعف

اإلنسان من جميع الوجوه، ضعف البنية، وضعف اإلرادة، وضعف العزيمة، وضعف اإليمان، وضعف الصبر، فناسب ذلك أن يخفف الله عنه، ما يضعف

عنه وما ال يطيقه إيمانه وصبره وقوته.

ذين آمنوا ال تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إال أن { } 30 - 29 } ها ال يا أيه كان بكم رحيما * تكون تجارة عن تراض منكم وال تقتلوا أنفسكم إن الل

ه ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الل{ يسيرا

ينهى تعالى عباده المؤمنين أن يأكلوا أموالهم بينهم بالباطل، وهذا يشمل أكلها بالغصوب والسرقات، وأخذها بالقمار والمكاسب الرديئة. بل لعله يدخل في ذلك أكل مال نفسك على وجه البطر واإلسراف، ألن هذا من

الباطل وليس من الحق.

ثم إنه -لما حرم أكلها بالباطل- أباح لهم أكلها بالتجارات والمكاسبالخالية من الموانع، المشتملة على الشروط من التراضي وغيره.

{ أي: ال يقتل بعضكم بعضا، وال يقتل اإلنسان نفسه. وال تقتلوا أنفسكم } ويدخل في ذلك اإللقاء بالنفس إلى التهلكة، وفعل األخطار المفضية إلى

ه كان بكم رحيما التلف والهالك } { ومن رحمته أن صان نفوسكم إن الل وأموالكم، ونهاكم عن إضاعتها وإتالفها، ورتب على ذلك ما رتبه من

الحدود.

Page 23: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

وال تقتلوا { } ال تأكلوا أموالكم وتأمل هذا اإليجاز والجمع في قوله: } { كيف شمل أموال غيرك ومال نفسك وقتل نفسك وقتل غيرك أنفسكم

بعبارة أخصر من قوله: "ال يأكل بعضكم مال بعض" و "ال يقتل بعضكمبعضا" مع قصور هذه العبارة على مال الغير ونفس الغير فقط.

مع أن إضافة األموال واألنفس إلى عموم المؤمنين فيه داللة على أن المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم ومصالحهم كالجسد الواحد،

حيث كان اإليمان يجمعهم على مصالحهم الدينية والدنيوية.

ولما نهى عن أكل األموال بالباطل التي فيها غاية الضرر عليهم، على اآلكل، ومن أخذ ماله، أباح لهم ما فيه مصلحتهم من أنواع المكاسب

إال أن تكون تجارة عن والتجارات، وأنواع الحرف واإلجارات، فقال: }{ أي: فإنها مباحة لكم. تراض منكم

وشرط التراضي -مع كونها تجارة- لداللة أنه يشترط أن يكون العقد غير عقد ربا ألن الربا ليس من التجارة، بل مخالف لمقصودها، وأنه ال بد أن

يرضى كل من المتعاقدين ويأتي به اختيارا.

ومن تمام الرضا أن يكون المعقود عليه معلوما، ألنه إذا لم يكن كذلك ال يتصور الرضا مقدورا على تسليمه، ألن غير المقدور عليه شبيه ببيع

القمار، فبيع الغرر بجميع أنواعه خال من الرضا فال ينفذ عقده.

وفيها أنه تنعقد العقود بما دل عليها من قول أو فعل، ألن الله شرط إن الرضا فبأي طريق حصل الرضا انعقد به العقد. ثم ختم اآلية بقوله: }

ه كان بكم رحيما { ومن رحمته أن عصم دماءكم وأموالكم وصانها اللونهاكم عن انتهاكها.

{ أي: أكل األموال بالباطل وقتل النفوس ومن يفعل ذلك ( ثم قال: }30) { أي: عظيمة فسوف نصليه نارا { أي: ال جهال ونسيانا } عدوانا وظلما }

ه يسيرا كما يفيده التنكير } { وكان ذلك على الل

ئاتكم وندخلكم { } 31 } إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سي{ مدخال كريما

وهذا من فضل الله وإحسانه على عباده المؤمنين وعدهم أنهم إذا اجتنبوا كبائر المنهيات غفر لهم جميع الذنوب والسيئات وأدخلهم مدخال كريما كثير الخير وهو الجنة المشتملة على ما ال عين رأت، وال أذن سمعت، وال خطر

على قلب بشر.

ويدخل في اجتناب الكبائر فعل الفرائض التي يكون تاركها مرتكبا كبيرة، كالصلوات الخمس، والجمعة، وصوم رمضان، كما قال النبي صلى الله

عليه وسلم "الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضانمكفرات لما بينهما ما اجتنبت الكبائر" .

Page 24: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

وأحسن ما حدت به الكبائر، أن الكبيرة ما فيه حد في الدنيا، أو وعيد فياآلخرة، أو نفي إيمان، أو ترتيب لعنة، أو غضب عليه.

جال نصيب { } 32 } ه به بعضكم على بعض للر وا ما فضل الل وال تتمنه ه من فضله إن الل ساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الل مما اكتسبوا وللن

{ كان بكل شيء عليما

ينهى تعالى المؤمنين عن أن يتمنى بعضهم ما فضل الله به غيره من األمور الممكنة وغير الممكنة. فال تتمنى النساء خصائص الرجال التي بها فضلهم على النساء، وال صاحب الفقر والنقص حالة الغنى والكمال تمنيا مجردا ألن هذا هو الحسد بعينه، تمني نعمة الله على غيرك أن تكون لك

ويسلب إياها. وألنه يقتضي السخط على قدر الله واإلخالد إلى الكسل واألماني الباطلة التي ال يقترن بها عمل وال كسب. وإنما المحمود أمران:

أن يسعى العبد على حسب قدرته بما ينفعه من مصالحه الدينية والدنيوية، ويسأل الله تعالى من فضله، فال يتكل على نفسه وال على غير ربه. ولهذا

جال نصيب مما اكتسبوا قال تعالى: } { أي: من أعمالهم المنتجة للرساء نصيب مما اكتسبن للمطلوب. } { فكل منهم ال يناله غير ما وللن

ه من فضله كسبه وتعب فيه. } { أي: من جميع مصالحكم في واسألوا الل الدين والدنيا. فهذا كمال العبد وعنوان سعادته ال من يترك العمل، أو يتكلعلى نفسه غير مفتقر لربه، أو يجمع بين األمرين فإن هذا مخذول خاسر.

ه كان بكل شيء عليما وقوله: } { فيعطي من يعلمه أهال لذلك، إن اللويمنع من يعلمه غير مستحق.

ذين عقدت { } 33 } ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان واألقربون واله كان على كل شيء شهيدا { أيمانكم فآتوهم نصيبهم إن الل

{ أي: يتولونه ويتوالهم بالتعزز جعلنا موالي { من الناس } ولكل أي: } { وهذا مما ترك الوالدان واألقربون والنصرة والمعاونة على األمور. }

يشمل سائر األقارب من األصول والفروع والحواشي، هؤالء الموالي منالقرابة.

ذين عقدت أيمانكم ثم ذكر نوعا آخر من الموالي فقال: } { أي: وال حالفتموهم بما عقدتم معهم من عقد المحالفة على النصرة والمساعدة واالشتراك باألموال وغير ذلك. وكل هذا من نعم الله على عباده، حيث

كان الموالي يتعاونون بما ال يقدر عليه بعضهم مفردا.

{ أي: آتوا الموالي نصيبهم الذي يجب القيام فآتوهم نصيبهم قال تعالى: } به من النصرة والمعاونة والمساعدة على غير معصية الله. والميراث

لألقارب األدنين من الموالي.

ه كان على كل شيء شهيدا } { أي: مطلعا على كل شيء بعلمه إن الللجميع األمور، وبصره لحركات عباده، وسمعه لجميع أصواتهم.

Page 25: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

ه بعضهم على بعض { } 34 } ساء بما فضل الل جال قوامون على الن الره وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الل

تي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن والالا كبيرا ه كان علي { فإن أطعنكم فال تبغوا عليهن سبيال إن الل

جال } ساء يخبر تعالى أن الر { أي: قوامون عليهن قوامون على الن بإلزامهن بحقوق الله تعالى، من المحافظة على فرائضه وكفهن عن

المفاسد، والرجال عليهم أن يلزموهن بذلك، وقوامون عليهن أيضا باإلنفاق عليهن، والكسوة والمسكن، ثم ذكر السبب الموجب لقيام الرجال

ه بعضهم على بعض وبما أنفقوا من على النساء فقال: } بما فضل الل { أي: بسبب فضل الرجال على النساء وإفضالهم عليهن، أموالهم

فتفضيل الرجال على النساء من وجوه متعددة: من كون الواليات مختصة بالرجال، والنبوة، والرسالة، واختصاصهم بكثير من العبادات كالجهاد

واألعياد والجمع. وبما خصهم الله به من العقل والرزانة والصبر والجلد الذي ليس للنساء مثله. وكذلك خصهم بالنفقات على الزوجات بل وكثير

من النفقات يختص بها الرجال ويتميزون عن النساء.

{ وحذف المفعول ليدل على عموم وبما أنفقوا ولعل هذا سر قوله: } النفقة. فعلم من هذا كله أن الرجل كالوالي والسيد المرأته، وهي عنده

عانية أسيرة خادمة،فوظيفته أن يقوم بما استرعاه الله به.

فالصالحات ووظيفتها: القيام بطاعة ربها وطاعة زوجها فلهذا قال: } { أي: مطيعات حافظات للغيب { أي: مطيعات لله تعالى } قانتات

ألزواجهن حتى في الغيب تحفظ بعلها بنفسها وماله، وذلك بحفظ الله لهن وتوفيقه لهن، ال من أنفسهن، فإن النفس أمارة بالسوء، ولكن من توكل

على الله كفاه ما أهمه من أمر دينه ودنياه.

تي تخافون نشوزهن ثم قال: } { أي: ارتفاعهن عن طاعة أزواجهن والال { فعظوهن بأن تعصيه بالقول أو الفعل فإنه يؤدبها باألسهل فاألسهل، }

أي: ببيان حكم الله في طاعة الزوج ومعصيته والترغيب في الطاعة، والترهيب من معصيته، فإن انتهت فذلك المطلوب، وإال فيهجرها الزوج

في المضجع، بأن ال يضاجعها، وال يجامعها بمقدار ما يحصل به المقصود، وإال ضربها ضربا غير مبرح، فإن حصل المقصود بواحد من هذه األمور

{ أي: فقد حصل لكم ما تحبون فاتركوا فال تبغوا عليهن سبيال وأطعنكم } معاتبتها على األمور الماضية، والتنقيب عن العيوب التي يضر ذكرها

ويحدث بسببه الشر.

ا كبيرا } ه كان علي { أي: له العلو المطلق بجميع الوجوه إن الل واالعتبارات، علو الذات وعلو القدر وعلو القهر الكبير الذي ال أكبر منه وال

أجل وال أعظم، كبير الذات والصفات.

وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها { } 35 }ه كان عليما خبيرا ه بينهما إن الل { إن يريدا إصالحا يوفق الل

Page 26: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

أي: وإن خفتم الشقاق بين الزوجين والمباعدة والمجانبة حتى يكون كل { أي: رجلين فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها منهما في شق }

مكلفين مسلمين عدلين عاقلين يعرفان ما بين الزوجين، ويعرفان الجمع والتفريق. وهذا مستفاد من لفظ "الحكم" ألنه ال يصلح حكما إال من اتصف

بتلك الصفات.

فينظران ما ينقم كل منهما على صاحبه، ثم يلزمان كال منهما ما يجب،عا الزوج اآلخر بالرضا بما تيسر من الرزق فإن لم يستطع أحدهما ذلك، قن

والخلق، ومهما أمكنهما الجمع واإلصالح فال يعدال عنه.

فإن وصلت الحال إلى أنه ال يمكن اجتماعهما وإصالحهما إال على وجه المعاداة والمقاطعة ومعصية الله، ورأيا أن التفريق بينهما أصلح، فرقا بينهما. وال يشترط رضا الزوج، كما يدل عليه أن الله سماهما حكمين،

إن يريدا إصالحا  لم يرض المحكوم عليه، ولهذا قال: } والحكم يحكم ولوه بينهما { أي: بسبب الرأي الميمون والكالم الذي يجذب القلوب يوفق الل

ويؤلف بين القرينين.

ه كان عليما خبيرا } { أي: عالما بجميع الظواهر والبواطن، مطلعا إن الل على خفايا األمور وأسرارها. فمن علمه وخبره أن شرع لكم هذه األحكام

الجليلة والشرائع الجميلة.

ه وال تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي { } 38 - 36 } واعبدوا الل القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحبه ال يحب من كان مختاال بيل وما ملكت أيمانكم إن الل بالجنب وابن الس

ه من اس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الل ذين يبخلون ويأمرون الن فخورا * الاس ذين ينفقون أموالهم رئاء الن فضله وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا * وال

يطان له قرينا فساء ه وال باليوم اآلخر ومن يكن الش وال يؤمنون بالل{ قرينا

يأمر تعالى عباده بعبادته وحده ال شريك له، وهو الدخول تحت رق عبوديته، واالنقياد ألوامره ونواهيه، محبة وذال وإخالصا له، في جميع

العبادات الظاهرة والباطنة.

وينهى عن الشرك به شيئا ال شركا أصغر وال أكبر، ال ملكا وال نبيا وال وليا وال غيرهم من المخلوقين الذين ال يملكون ألنفسهم نفعا وال ضرا وال موتا

وال حياة وال نشورا، بل الواجب المتعين إخالص العبادة لمن له الكمال المطلق من جميع الوجوه، وله التدبير الكامل الذي ال يشركه وال يعينه عليه أحد. ثم بعد ما أمر بعبادته والقيام بحقه أمر بالقيام بحقوق العباد

{ أي: أحسنوا إليهم بالقول وبالوالدين إحسانا األقرب فاألقرب. فقال: } الكريم والخطاب اللطيف والفعل الجميل بطاعة أمرهما واجتناب نهيهما

واإلنفاق عليهما وإكرام من له تعلق بهما وصلة الرحم التي ال رحم لك إالبهما. ولإلحسان ضدان، اإلساءة وعدم اإلحسان. وكالهما منهي عنه.

Page 27: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

{ أيضا إحسانا، ويشمل ذلك جميع األقارب، قربوا أو وبذي القربى } بعدوا، بأن يحسن إليهم بالقول والفعل، وأن ال يقطع برحمه بقوله أو

فعله.

وهم صغار، فلهم حق على { أي: الذين فقدوا آباءهم واليتامى } المسلمين، سواء كانوا أقارب أو غيرهم بكفالتهم وبرهم وجبر خواطرهم

وتأديبهم، وتربيتهم أحسن تربية في مصالح دينهم ودنياهم.

{ وهم الذين أسكنتهم الحاجة والفقر، فلم يحصلوا على والمساكين } كفايتهم، وال كفاية من يمونون، فأمر الله تعالى باإلحسان إليهم، بسد

خلتهم وبدفع فاقتهم، والحض على ذلك، والقيام بما يمكن منه.

{ أي: الجار القريب الذي له حقان حق الجوار وحق والجار ذي القربى } { كذلك و القرابة، فله على جاره حق وإحسان راجع إلى العرف. }

{ أي: الذي ليس له قرابة. وكلما كان الجار أقرب بابا كان الجار الجنب } آكد حقا، فينبغي للجار أن يتعاهد جاره بالهدية والصدقة والدعوة واللطافة

باألقوال واألفعال وعدم أذيته بقول أو فعل.

{ قيل: الرفيق في السفر، وقيل: الزوجة، وقيل والصاحب بالجنب } الصاحب مطلقا، ولعله أولى، فإنه يشمل الصاحب في الحضر والسفر

ويشمل الزوجة. فعلى الصاحب لصاحبه حق زائد على مجرد إسالمه، من مساعدته على أمور دينه ودنياه، والنصح له؛ والوفاء معه في اليسر

والعسر، والمنشط والمكره، وأن يحب له ما يحب لنفسه، ويكره له مايكره لنفسه، وكلما زادت الصحبة تأكد الحق وزاد.

بيل } { وهو: الغريب الذي احتاج في بلد الغربة أو لم يحتج، فله وابن الس حق على المسلمين لشدة حاجته وكونه في غير وطنه بتبليغه إلى

 مقصوده أو بعض مقصوده ]وبإكرامه وتأنيسه[

{ : أي: من اآلدميين والبهائم بالقيام بكفايتهم وعدم وما ملكت أيمانكم } تحميلهم ما يشق عليهم وإعانتهم على ما يتحملون، وتأديبهم لما فيه

مصلحتهم. فمن قام بهذه المأمورات فهو الخاضع لربه، المتواضع لعباد الله، المنقاد ألمر الله وشرعه، الذي يستحق الثواب الجزيل والثناء

الجميل، ومن لم يقم بذلك فإنه عبد معرض عن ربه، غير منقاد ألوامره، وال متواضع للخلق، بل هو متكبر على عباد الله معجب بنفسه فخور بقوله،

ه ال يحب من كان مختاال ولهذا قال: } { أي: معجبا بنفسه متكبرا إن الل { يثني على نفسه ويمدحها على وجه الفخر والبطر فخورا على الخلق }

على عباد الله، فهؤالء ما بهم من االختيال والفخر يمنعهم من القيامذين يبخلون بالحقوق. ولهذا ذمهم بقوله: } { أي: يمنعون ما عليهم من ال

اس بالبخل الحقوق الواجبة. } { بأقوالهم وأفعالهم ويأمرون النه من فضله } { أي: من العلم الذي يهتدي به ويكتمون ما آتاهم الل

الضالون ويسترشد به الجاهلون فيكتمونه عنهم، ويظهرون لهم من الباطل ما يحول بينهم وبين الحق. فجمعوا بين البخل بالمال والبخل

Page 28: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

بالعلم، وبين السعي في خسارة أنفسهم وخسارة غيرهم، وهذه هي { أي: وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا صفات الكافرين، فلهذا قال تعالى: }

كما تكبروا على عباد الله ومنعوا حقوقه وتسببوا في منع غيرهم من البخل وعدم االهتداء، أهانهم بالعذاب األليم والخزي الدائم. فعياذا بك اللهم من

كل سوء.

ثم أخبر عن النفقة الصادرة عن رياء وسمعة وعدم إيمان به فقال:اس } ذين ينفقون أموالهم رئاء الن { أي: ليروهم ويمدحوهم وال

ه وال باليوم اآلخر ويعظموهم } { أي: ليس إنفاقهم صادرا وال يؤمنون بالل عن إخالص وإيمان بالله ورجاء ثوابه. أي: فهذا من خطوات الشيطان

وأعماله التي يدعو حزبه إليها ليكونوا من أصحاب السعير. وصدرت منهميطان له قرينا بسبب مقارنته لهم وأزهم إليها فلهذا قال: } ومن يكن الش

{ أي: بئس المقارن والصاحب الذي يريد إهالك من قارنه فساء قريناويسعى فيه أشد السعي.

فكما أن من بخل بما آتاه الله، وكتم ما من به الله عليه عاص آثم مخالف لربه، فكذلك من أنفق وتعبد لغير الله فإنه آثم عاص لربه مستوجب

للعقوبة، ألن الله إنما أمر بطاعته وامتثال أمره على وجه اإلخالص، كماه مخلصين له الدينقال تعالى: } { فهذا العمل وما أمروا إال ليعبدوا الل

المقبول الذي يستحق صاحبه المدح والثواب فلهذا حث تعالى عليه بقوله:

ه { } 39 } ه واليوم اآلخر وأنفقوا مما رزقهم الل وماذا عليهم لو آمنوا بالله بهم عليما { وكان الل

أي: أي شيء عليهم وأي حرج ومشقة تلحقهم لو حصل منهم اإليمان بالله الذي هو اإلخالص، وأنفقوا من أموالهم التي رزقهم الله وأنعم بها عليهم

ا بين العبد وبين ربه، فجمعوا بين اإلخالص واإلنفاق، ولما كان اإلخالص سره ال يطلع عليه إال الله أخبر تعالى بعلمه بجميع األحوال فقال: } وكان الل

{ بهم عليما

ة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت42 - 40} ه ال يظلم مثقال ذر { } إن الل من لدنه أجرا عظيما * فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على

سول لو تسوى بهم ذين كفروا وعصوا الر ال هؤالء شهيدا * يومئذ يوده حديثا { األرض وال يكتمون الل

يخبر تعالى عن كمال عدله وفضله وتنزهه عما يضاد ذلك من الظلمة القليل والكثير فقال: } ه ال يظلم مثقال ذر { أي: ينقصها من إن الل

فمن يعمل مثقال حسنات عبده أو يزيدها في سيئاته، كما قال تعالى: }ا يره ة شر ة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذر { ذر

{ أي: إلى عشرة أمثالها، إلى أكثر من ذلك، وإن تك حسنة يضاعفها }بحسب حالها ونفعها وحال صاحبها، إخالصا ومحبة وكماال.

Page 29: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

{ أي: زيادة على ثواب العمل بنفسه من ويؤت من لدنه أجرا عظيما }التوفيق ألعمال أخر، وإعطاء البر الكثير والخير الغزير.

فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤالء ثم قال تعالى: } { أي: كيف تكون تلك األحوال، وكيف يكون ذلك الحكم العظيم، شهيدا

الذي جمع أن من حكم به كامل العلم، كامل العدل، كامل الحكمة، بشهادة أزكى الخلق وهم الرسل على أممهم مع إقرار المحكوم عليه؟"

فهذا -والله- الحكم الذي هو أعم األحكام وأعدلها وأعظمها.

وهناك يبقى المحكوم عليهم مقرين له لكمال الفضل والعدل، والحمد والثناء. وهناك يسعد أقوام بالفوز والفالح والعز والنجاح. ويشقى أقوام

بالخزي والفضيحة والعذاب المهين.

سول ولهذا قال: } ذين كفروا وعصوا الر ال { أي: جمعوا بين يومئذ يود { أي: لو تسوى بهم األرض الكفر بالله وبرسوله، ومعصية الرسول }

ويقول الكافر يا ليتني تبتلعهم ويكونون ترابا وعدما، كما قال تعالى: }ه حديثا {. } كنت ترابا { أي: بل يقرون له بما عملوا، وال يكتمون الل

وتشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون. يومئذ يوفيهمالله جزاءهم الحق، ويعلمون أن الله هو الحق المبين.

فأما ما ورد من أن الكفار يكتمون كفرهم وجحودهم، فإن ذلك يكون في بعض مواضع القيامة، حين يظنون أن جحودهم ينفعهم من عذاب الله، فإذا

عرفوا الحقائق وشهدت عليهم جوارحهم حينئذ ينجلي األمر، وال يبقىللكتمان موضع، وال نفع وال فائدة.

ى تعلموا ما43} ذين آمنوا ال تقربوا الصالة وأنتم سكارى حت ها ال { } يا أيى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على تقولون وال جنبا إال عابري سبيل حت

ساء فلم تجدوا ماء سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو المستم النه كان عفوا با فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الل فتيمموا صعيدا طي

غفورا {

ينهى تعالى عباده المؤمنين أن يقربوا الصالة وهم سكارى، حتى يعلموا مان يقولون، وهذا شامل لقربان مواضع الصالة، كالمسجد، فإنه ال يمك

السكران من دخوله. وشامل لنفس الصالة، فإنه ال يجوز للسكران صالة وال عبادة، الختالط عقله وعدم علمه بما يقول، ولهذا حدد تعالى ذلك

وغياه إلى وجود العلم بما يقول السكران. وهذه اآلية الكريمة منسوخة بتحريم الخمر مطلقا، فإن الخمر -في أول األمر- كان غير محرم، ثم إن

يسألونك عن الخمر والميسر الله تعالى عرض لعباده بتحريمه بقوله: }اس وإثمهما أكبر من نفعهما { قل فيهما إثم كبير ومنافع للن

ثم إنه تعالى نهاهم عن الخمر عند حضور الصالة كما في هذه اآلية، ثم إنهذين تعالى حرمه على اإلطالق في جميع األوقات في قوله: } ها ال يا أي

Page 30: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

يطان ما الخمر والميسر واألنصاب واألزالم رجس من عمل الش آمنوا إن{ اآلية. فاجتنبوه

ومع هذا فإنه يشتد تحريمه وقت حضور الصالة لتضمنه هذه المفسدة العظيمة، بعد حصول مقصود الصالة الذي هو روحها ولبها وهو الخشوع

وحضور القلب، فإن الخمر يسكر القلب، ويصد عن ذكر الله وعن الصالة، ويؤخذ من المعنى منع الدخول في الصالة في حال النعاس المفرط، الذي

ال يشعر صاحبه بما يقول ويفعل، بل لعل فيه إشارة إلى أنه ينبغي لمن أراد الصالة أن يقطع عنه كل شاغل يشغل فكره، كمدافعة األخبثين

والتوق لطعام ونحوه كما ورد في ذلك الحديث الصحيح.

{ أي: ال تقربوا الصالة حالة كون وال جنبا إال عابري سبيل ثم قال: } أحدكم جنبا، إال في هذه الحال وهو عابر السبيل أي: تمرون في المسجد

ى تغتسلوا وال تمكثون فيه، } { أي: فإذا اغتسلتم فهو غاية المنع من حتقربان الصالة للجنب، فيحل للجنب المرور في المسجد فقط.

وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو المستم }ساء فلم تجدوا ماء فتيمموا { الن

فأباح التيمم للمريض مطلقا مع وجود الماء وعدمه، والعلة المرض الذي يشق معه استعمال الماء، وكذلك السفر فإنه مظنة فقد الماء، فإذا فقده

المسافر أو وجد ما يتعلق بحاجته من شرب ونحوه، جاز له التيمم.

وكذلك إذا أحدث اإلنسان ببول أو غائط أو مالمسة النساء، فإنه يباح له التيمم إذا لم يجد الماء، حضرا وسفرا كما يدل على ذلك عموم اآلية.

والحاصل: أن الله تعالى أباح التيمم في حالتين:

حال عدم الماء، وهذا مطلقا في الحضر والسفر، وحال المشقة باستعمالهبمرض ونحوه.

ساء واختلف المفسرون في معنى قوله: } { هل المراد أو المستم الن بذلك: الجماع فتكون اآلية نصا في جواز التيمم للجنب، كما تكاثرت بذلك األحاديث الصحيحة؟ أو المراد بذلك مجرد اللمس باليد، ويقيد ذلك بما إذا كان مظنة خروج المذي، وهو المس الذي يكون لشهوة فتكون اآلية دالة

على نقض الوضوء بذلك؟

{ بوجوب طلب الماء عند دخول فلم تجدوا ماء واستدل الفقهاء بقوله: } الوقت، قالوا: ألنه ال يقال: "لم يجد" لمن لم يطلب، بل ال يكون ذلك إال

بعد الطلب، واستدل بذلك أيضا على أن الماء المتغير بشيء من { فلم تجدوا ماء الطاهرات يجوز بل يتعين التطهر به لدخوله في قوله: }

وهذا ماء. ونوزع في ذلك أنه ماء غير مطلق وفي ذلك نظر.

وفي هذه اآلية الكريمة مشروعية هذا الحكم العظيم الذي امتن به الله على هذه األمة، وهو مشروعية التيمم، وقد أجمع على ذلك العلماء ولله

Page 31: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

الحمد، وأن التيمم يكون بالصعيد الطيب، وهو كل ما تصاعد على وجه األرض سواء كان له غبار أم ال، ويحتمل أن يختص ذلك بذي الغبار ألن الله

{ وما ال غبار له ال يمسح به. فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه قال: }

{ هذا محل المسح في التيمم: فامسحوا بوجوهكم وأيديكم وقوله: } الوجه جميعه واليدان إلى الكوعين، كما دلت على ذلك األحاديث

الصحيحة، ويستحب أن يكون ذلك بضربة واحدة، كما دل على ذلك حديثعمار، وفيه أن تيمم الجنب كتيمم غيره، بالوجه واليدين.

فائدة

اعلم أن قواعد الطب تدور على ثالث قواعد: حفظ الصحة عن المؤذيات،واالستفراغ منها، والحمية عنها. وقد نبه تعالى عليها في كتابه العزيز.

أما حفظ الصحة والحمية عن المؤذي، فقد أمر باألكل والشرب وعدم اإلسراف في ذلك، وأباح للمسافر والمريض الفطر حفظا لصتحهما،

باستعمال ما يصلح البدن على وجه العدل، وحماية للمريض عما يضره.

وأما استفراغ المؤذي فقد أباح تعالى للمحرم المتأذي برأسه أن يحلقه إلزالة األبخرة المحتقنة فيه، ففيه تنبيه على استفراغ ما هو أولى منها من

البول والغائط والقيء والمني والدم، وغير ذلك، نبه على ذلك ابن القيمرحمه الله تعالى.

وفي اآلية وجوب تعميم مسح الوجه واليدين، وأنه يجوز التيمم ولو لم يضق الوقت، وأنه ال يخاطب بطلب الماء إال بعد وجود سبب الوجوب والله

أعلم.

ه كان عفوا غفورا ثم ختم اآلية بقوله: } { أي: كثير العفو والمغفرة إن الل لعباده المؤمنين، بتيسير ما أمرهم به، وتسهيله غاية التسهيل، بحيث ال

يشق على العبد امتثاله، فيحرج بذلك.

ومن عفوه ومغفرته أن رحم هذه األمة بشرع طهارة التراب بدل الماء، عند تعذر استعماله. ومن عفوه ومغفرته أن فتح للمذنبين باب التوبة

واإلنابة ودعاهم إليه ووعدهم بمغفرة ذنوبهم. ومن عفوه ومغفرته أن المؤمن لو أتاه بقراب األرض خطايا ثم لقيه ال يشرك به شيئا، ألتاه

بقرابها مغفرة. 

ذين أوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضاللة46 - 44} { } ألم تر إلى الا وكفى ه ولي ه أعلم بأعدائكم وكفى بالل بيل *والل وا الس ويريدون أن تضل

فون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا ذين هادوا يحر ه نصيرا * من ال باللهم ا بألسنتهم وطعنا في الدين ولو أن وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا لي

Page 32: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

ه قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم ولكن لعنهم الل{ بكفرهم فال يؤمنون إال قليال

{ وفي ضمنه تحذير عباده عن أوتوا نصيبا من الكتاب هذا ذم لمن } يشترون االغترار بهم، والوقوع في أشراكهم، فأخبر أنهم في أنفسهم }

{ أي: يحبونها محبة عظيمة ويؤثرونها إيثار من يبذل المال الكثير الضاللة في طلب ما يحبه. فيؤثرون الضالل على الهدى، والكفر على اإليمان،

بيل والشقاء على السعادة، ومع هذا } وا الس { . يريدون أن تضل

فهم حريصون على إضاللكم غاية الحرص، باذلون جهدهم في ذلك .ولكنن لهم ما اشتملوا عليه من لما كان الله ولي عباده المؤمنين وناصرهم، بي

ا الضالل واإلضالل، ولهذا قال: } ه ولي { أي: يتولى أحوال عباده وكفى بالل ويلطف بهم في جميع أمورهم، وييسر لهم ما به سعادتهم وفالحهم.

ه نصيرا } { ينصرهم على أعدائهم ويبين لهم ما يحذرون منهم وكفى باللويعينهم عليهم. فواليته تعالى فيها حصول الخير، ونصره فيه زوال الشر.

من ثم بين كيفية ضاللهم وعنادهم وإيثارهم الباطل على الحق فقال: }ذين هادوا { أي: اليهود وهم علماء الضالل منهم. ال

فون الكلم عن مواضعه } { إما بتغيير اللفظ أو المعنى، أو هما جميعا. يحر فمن تحريفهم تنزيل الصفات التي ذكرت في كتبهم التي ال تنطبق وال تصدق إال على محمد صلى الله عليه وسلم على أنه غير مراد بها، وال

مقصود بها بل أريد بها غيره، وكتمانهم ذلك.

فهذا حالهم في العلم أشر حال، قلبوا فيه الحقائق، ونزلوا الحق على الباطل، وجحدوا لذلك الحق، وأما حالهم في العمل واالنقياد فإنهم

{ أي: سمعنا قولك وعصينا أمرك، وهذا غاية يقولون سمعنا وعصينا } الكفر والعناد والشرود عن االنقياد، وكذلك يخاطبون الرسول صلى الله

اسمع غير عليه وسلم بأقبح خطاب وأبعده عن األدب فيقولون: } { قصدهم: اسمع منا غير مسمع ما تحب، بل مسمع ما تكره، مسمع

{ قصدهم بذلك الرعونة، بالعيب القبيح، ويظنون أن اللفظ -لما وراعنا } كان محتمال لغير ما أرادوا من األمور- أنه يروج على الله وعلى رسوله،

فتوصلوا بذلك اللفظ الذي يلوون به ألسنتهم إلى الطعن في الدينا بألسنتهم والعيب للرسول، ويصرحون بذلك فيما بينهم، فلهذا قال: } لي

{ وطعنا في الدين

هم قالوا سمعنا ثم أرشدهم إلى ما هو خير لهم من ذلك فقال: } ولو أن { وذلك لما تضمنه هذا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم

الكالم من حسن الخطاب واألدب الالئق في مخاطبة الرسول، والدخول تحت طاعة الله واالنقياد ألمره، وحسن التلطف في طلبهم العلم بسماع

سؤالهم، واالعتناء بأمرهم، فهذا هو الذي ينبغي لهم سلوكه. ولكن لما كانت طبائعهم غير زكية، أعرضوا عن ذلك، وطردهم الله بكفرهم

ه بكفرهم فال يؤمنون إال قليال وعنادهم، ولهذا قال: } { ولكن لعنهم الل

Page 33: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

لنا مصدقا لما معكم من { } 47 } ذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نز ها ال يا أيا أصحاب قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعن

ه مفعوال بت وكان أمر الل { الس

يأمر تعالى أهل الكتاب من اليهود والنصارى أن يؤمنوا بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم وما أنزل الله عليه من القرآن العظيم، المهيمن

على غيره من الكتب السابقة التي قد صدقها، فإنها أخبرت به فلما وقعالمخبر به كان تصديقا لذلك الخبر.

وأيضا فإنهم إن لم يؤمنوا بهذا القرآن فإنهم لم يؤمنوا بما في أيديهم من الكتب، ألن كتب الله يصدق بعضها بعضا، ويوافق بعضها بعضا. فدعوى

اإليمان ببعضها دون بعض دعوى باطلة ال يمكن صدقها.

لنا مصدقا لما معكم وفي قوله: } { حث لهم وأنهم ينبغي أن آمنوا بما نز يكونوا قبل غيرهم مبادرين إليه بسبب ما أنعم الله عليهم به من العلم،

والكتاب الذي يوجب أن يكون ما عليهم أعظم من غيرهم، ولهذا توعدهم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على على عدم اإليمان فقال: }

{ وهذا جزاء من جنس ما عملوا، كما تركوا الحق، وآثروا الباطل أدبارها وقلبوا الحقائق، فجعلوا الباطل حقا والحق باطال، جوزوا من جنس ذلك بطمس وجوههم كما طمسوا الحق، وردها على أدبارها، بأن تجعل في

بت أقفائهم وهذا أشنع ما يكون } ا أصحاب الس { بأن أو نلعنهم كما لعن يطردهم من رحمته، ويعاقبهم بجعلهم قردة، كما فعل بإخوانهم الذين

ه { } فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين اعتدوا في السبت } وكان أمر اللما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون { كقوله: } مفعوال { إن

ه ال يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن { } 48 } إن الله فقد افترى إثما عظيما { يشرك بالل

يخبر تعالى: أنه ال يغفر لمن أشرك به أحدا من المخلوقين، ويغفر ما دون من الذنوب صغائرها وكبائرها، وذلك عند مشيئته مغفرة ذلك، إذا الشرك

اقتضت حكمته مغفرته.

فالذنوب التي دون الشرك قد جعل الله لمغفرتها أسبابا كثيرة، كالحسنات الماحية والمصائب المكفرة في الدنيا، والبرزخ ويوم القيامة، وكدعاء

المؤمنين بعضهم لبعض، وبشفاعة الشافعين. ومن فوق ذلك كله رحمتهالتي أحق بها أهل اإليمان والتوحيد.

وهذا بخالف الشرك فإن المشرك قد سد على نفسه أبواب المغفرة، وأغلق دونه أبواب الرحمة، فال تنفعه الطاعات من دون التوحيد، وال تفيده

 المصائب شيئا، وما لهم يوم القيامة } { من شافعين وال صديق حميم

ه فقد افترى إثما عظيما ولهذا قال تعالى: } { أي: افترى ومن يشرك بالل جرما كبيرا، وأي: ظلم أعظم ممن سوى المخلوق -من تراب، الناقص من

Page 34: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

جميع الوجوه، الفقير بذاته من كل وجه، الذي ال يملك لنفسه- فضال عمنا وال موتا وال حياة وال نشورا- بالخالق لكل شيء، عبده -نفعا وال ضر

الكامل من جميع الوجوه، الغني بذاته عن جميع مخلوقاته، الذي بيده النفع والضر والعطاء والمنع، الذي ما من نعمة بالمخلوقين إال فمنه تعالى، فهل

أعظم من هذا الظلم شيء؟

ه من يشرك ولهذا حتم على صاحبه بالخلود بالعذاب وحرمان الثواب } إنار ة ومأواه الن ه عليه الجن م الل ه فقد حر { وهذه اآلية الكريمة في حق بالل

غير التائب، وأما التائب، فإنه يغفر له الشرك فما دونه كما قال تعالى:ه إن } ذين أسرفوا على أنفسهم ال تقنطوا من رحمة الل قل يا عبادي ال

ه يغفر الذنوب جميعا { أي: لمن تاب إليه وأناب. الل

ي من يشاء { } 50 - 49 } ه يزك ون أنفسهم بل الل ذين يزك ألم تر إلى اله الكذب وكفى به إثما وال يظلمون فتيال * انظر كيف يفترون على الل

{ مبينا

هذا تعجيب من الله لعباده، وتوبيخ للذين يزكون أنفسهم من اليهود والنصارى، ومن نحا نحوهم من كل من زكى نفسه بأمر ليس فيه. وذلك

اؤه أن اليهود والنصارى يقولون: } ه وأحب لن { ويقولون: } نحن أبناء اللة إال من كان هودا أو نصارى { وهذا مجرد دعوى ال برهان يدخل الجن

بلى من أسلم عليها، وإنما البرهان ما أخبر به في القرآن في قوله: }ه وال خوف عليهم وال هم يحزنون ه وهو محسن فله أجره عند رب { وجهه لل

ي من يشاء فهؤالء هم الذين زكاهم الله ولهذا قال هنا: } ه يزك { بل الل أي: باإليمان والعمل الصالح بالتخلي عن األخالق الرذيلة، والتحلي

بالصفات الجميلة.

وأما هؤالء فهم -وإن زكوا أنفسهم بزعمهم أنهم على شيء، وأن الثواب لهم وحدهم- فإنهم كذبة في ذلك، ليس لهم من خصال الزاكين نصيب،

وال يظلمون بسبب ظلمهم وكفرهم ال بظلم من الله لهم، ولهذا قال: } { وهذا لتحقيق العموم أي: ال يظلمون شيئا وال مقدار الفتيل الذي فتيال

في شق النواة أو الذي يفتل من وسخ اليد وغيرها.

ه الكذب قال تعالى: } { أي: بتزكيتهم انظر كيف يفترون على الل أنفسهم، ألن هذا من أعظم االفتراء على الله. ألن مضمون تزكيتهم

ألنفسهم اإلخبار بأن الله جعل ما هم عليه حقا وما عليه المؤمنون المسلمون باطال. وهذا أعظم الكذب وقلب الحقائق بجعل الحق باطال،

{ أي: ظاهرا بينا موجبا وكفى به إثما مبينا والباطل حقا. ولهذا قال: }للعقوبة البليغة والعذاب األليم.

( 75-51 آية ) 176عدد آياتها  تفسير سورة النساء -4وهي مدنية

Page 35: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

ذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت { } 57 - 51 } ألم تر إلى الذين آمنوا سبيال * ذين كفروا هؤالء أهدى من ال والطاغوت ويقولون لل

ه فلن تجد له نصيرا * أم لهم نصيب ه ومن يلعن الل ذين لعنهم الل أولئك الاس على ما آتاهم اس نقيرا * أم يحسدون الن من الملك فإذا ال يؤتون الن

ه من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما * اللذين م سعيرا * إن ال فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهن

لناهم جلودا غيرها ما نضجت جلودهم بد كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلذين آمنوا وعملوا الصالحات ه كان عزيزا حكيما * وال ليذوقوا العذاب إن الل

ات تجري من تحتها األنهار خالدين فيها أبدا لهم فيها أزواج سندخلهم جن{ مطهرة وندخلهم ظال ظليال

وهذا من قبائح اليهود وحسدهم للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، أن أخالقهم الرذيلة وطبعهم الخبيث، حملهم على ترك اإليمان بالله ورسوله،

والتعوض عنه باإليمان بالجبت والطاغوت، وهو اإليمان بكل عبادة لغيرالله، أو حكم بغير شرع الله.

فدخل في ذلك السحر والكهانة، وعباده غير الله، وطاعة الشيطان، كل هذا من الجبت والطاغوت، وكذلك حملهم الكفر والحسد على أن فضلوا

طريقة الكافرين بالله -عبدة األصنام- على طريق المؤمنين فقال:ذين كفروا } { أي: ألجلهم تملقا لهم ومداهنة، وبغضا لإليمان:ويقولون للذين آمنوا سبيال } { أي: طريقا. فما أسمجهم وأشد هؤالء أهدى من ال

عنادهم وأقل عقولهم" كيف سلكوا هذا المسلك الوخيم والوادي الذميم؟" هل ظنوا أن هذا يروج على أحد من العقالء، أو يدخل عقل أحد من

الجهالء، فهل يفضل دين قام على عبادة األصنام واألوثان، واستقام على تحريم الطيبات، وإباحة الخبائث، وإحالل كثير من المحرمات، وإقامة

الظلم بين الخلق، وتسوية الخالق بالمخلوقين، والكفر بالله ورسله وكتبه، على دين قام على عبادة الرحمن، واإلخالص لله في السر واإلعالن،

والكفر بما يعبد من دونه من األوثان واألنداد والكاذبين، وعلى صلة األرحام واإلحسان إلى جميع الخلق، حتى البهائم، وإقامة العدل والقسط بين

الناس، وتحريم كل خبيث وظلم، والصدق في جميع األقوال واألعمال، فهل هذا إال من الهذيان، وصاحب هذا القول إما من أجهل الناس

وأضعفهم عقال، وإما من أعظمهم عنادا وتمردا ومراغمة للحق، وهذا هوه الواقع، ولهذا قال تعالى عنهم: } ذين لعنهم الل { أي: طردهم أولئك اله فلن تجد له نصيرا عن رحمته وأحل عليهم نقمته. } { أي: ومن يلعن الل

يتواله ويقوم بمصالحه ويحفظه عن المكاره، وهذا غاية الخذالن.

{ أي: فيفضلون من شاءوا على من شاءوا أم لهم نصيب من الملك } بمجرد أهوائهم، فيكونون شركاء لله في تدبير المملكة، فلو كانوا كذلك

{ أي: لو كان لهم نصيب من فإذا لشحوا وبخلوا أشد البخل، ولهذا قال: }اس نقيرا الملك } { أي: شيئا وال قليال. وهذا وصف لهم بشدة ال يؤتون الن

البخل على تقدير وجود ملكهم المشارك لملك الله. وأخرج هذا مخرجاالستفهام المتقرر إنكاره عند كل أحد.

Page 36: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

ه من فضله } اس على ما آتاهم الل { أي: هل الحامل لهم أم يحسدون الن على قولهم كونهم شركاء لله فيفضلون من شاءوا؟ أم الحامل لهم على

ذلك الحسد للرسول وللمؤمنين على ما آتاهم الله من فضله؟ وذلك ليس فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة ببدع وال غريب على فضل الله. }

{ وذلك ما أنعم الله به على إبراهيم وذريته من وآتيناهم ملكا عظيما النبوة والكتاب والملك الذي أعطاه من أعطاه من أنبيائه كـ "داود" و

"سليمان" . فإنعامه لم يزل مستمرا على عباده المؤمنين. فكيف ينكرون إنعامه بالنبوة والنصر والملك لمحمد صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق

وأجلهم وأعظمهم معرفة بالله وأخشاهم له؟"

{ أي: بمحمد صلى الله عليه وسلم فنال بذلك فمنهم من آمن به } { عنادا وبغيا ومنهم من صد عنه السعادة الدنيوية والفالح األخروي. }

وحسدا فحصل لهم من شقاء الدنيا ومصائبها ما هو بعض آثار معاصيهمم سعيرا } { تسعر على من كفر بالله، وجحد نبوة أنبيائه من وكفى بجهن

اليهود والنصارى وغيرهم من أصناف الكفرة.

ذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا ولهذا قال: } { أي: عظيمة إن الما نضجت جلودهم الوقود شديدة الحرارة } بدلناهم { أي: احترقت } كل

{ أي: ليبلغ العذاب منهم كل مبلغ. وكما تكرر جلودا غيرها ليذوقوا العذاب منهم الكفر والعناد وصار وصفا لهم وسجية؛ كرر عليهم العذاب جزاء

ه كان عزيزا حكيما وفاقا، ولهذا قال: } { أي: له العزة العظيمة إن اللوالحكمة في خلقه وأمره، وثوابه وعقابه.

ذين آمنوا } { وعملوا الصالحات { أي: بالله وما أوجب اإليمان به } والات تجري من تحتها األنهار من الواجبات والمستحبات } سندخلهم جن

{ أي: من األخالق الرذيلة، والخلق خالدين فيها أبدا لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظال الذميم، ومما يكون من نساء الدنيا من كل دنس وعيب }

{ ظليال

وا األمانات إلى أهلها وإذا حكمتم { } 59 - 58 } ه يأمركم أن تؤد إن الله كان سميعا ه نعما يعظكم به إن الل اس أن تحكموا بالعدل إن الل بين الن

سول وأولي األمر منكم ه وأطيعوا الر ذين آمنوا أطيعوا الل ها ال بصيرا * يا أيه سول إن كنتم تؤمنون بالل ه والر فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الل

{ واليوم اآلخر ذلك خير وأحسن تأويال

األمانات كل ما ائتمن عليه اإلنسان وأمر بالقيام به. فأمر الله عباده بأدائها أي: كاملة موفرة، ال منقوصة وال مبخوسة، وال ممطوال بها، ويدخل في

ذلك أمانات الواليات واألموال واألسرار؛ والمأمورات التي ال يطلع عليها إال الله. وقد ذكر الفقهاء على أن من اؤتمن أمانة وجب عليه حفظها في حرز

مثلها. قالوا: ألنه ال يمكن أداؤها إال بحفظها؛ فوجب ذلك.

{ داللة على أنها ال تدفع وتؤدى لغير المؤتمن، إلى أهلها وفي قوله: }ووكيله بمنزلته؛ فلو دفعها لغير ربها لم يكن مؤديا لها.

Page 37: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

اس أن تحكموا بالعدل } { وهذا يشمل الحكم بينهم وإذا حكمتم بين الن في الدماء واألموال واألعراض، القليل من ذلك والكثير، على القريب

والبعيد، والبر والفاجر، والولي والعدو.

والمراد بالعدل الذي أمر الله بالحكم به هو ما شرعه الله على لسان رسوله من الحدود واألحكام، وهذا يستلزم معرفة العدل ليحكم به. ولما

ه كان كانت هذه أوامر حسنة عادلة قال: } ه نعما يعظكم به إن الل إن الل { وهذا مدح من الله ألوامره ونواهيه، الشتمالها على مصالح سميعا بصيرا

الدارين ودفع مضارهما، ألن شارعها السميع البصير الذي ال تخفى عليهخافية، ويعلم بمصالح العباد ما ال يعلمون.

ثم أمر بطاعته وطاعة رسوله وذلك بامتثال أمرهما، الواجب والمستحب، واجتناب نهيهما. وأمر بطاعة أولي األمر وهم: الوالة على الناس، من

األمراء والحكام والمفتين، فإنه ال يستقيم للناس أمر دينهم ودنياهم إال بطاعتهم واالنقياد لهم، طاعة لله ورغبة فيما عنده، ولكن بشرط أال يأمروا بمعصية الله، فإن أمروا بذلك فال طاعة لمخلوق في معصية الخالق. ولعل

هذا هو السر في حذف الفعل عند األمر بطاعتهم وذكره مع طاعة الرسول، فإن الرسول ال يأمر إال بطاعة الله، ومن يطعه فقد أطاع الله،

وأما أولو األمر فشرط األمر بطاعتهم أن ال يكون معصية.

ثم أمر برد كل ما تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه إلى الله وإلى الرسول أي: إلى كتاب الله وسنة رسوله؛ فإن فيهما الفصل في جميع

المسائل الخالفية، إما بصريحهما أو عمومهما؛ أو إيماء، أو تنبيه، أو مفهوم، أو عموم معنى يقاس عليه ما أشبهه، ألن كتاب الله وسنة رسوله عليهما

بناء الدين، وال يستقيم اإليمان إال بهما.

 فالرد إليهما شرط في اإليمان فلهذا قال: } ه واليوم إن كنتم تؤمنون بالل { فدل ذلك على أن من لم يرد إليهما مسائل النزاع فليس بمؤمن اآلخر

{ أي: الرد ذلك حقيقة، بل مؤمن بالطاغوت، كما ذكر في اآلية بعدها } { فإن حكم الله ورسوله أحسن خير وأحسن تأويال إلى الله ورسوله }

األحكام وأعدلها وأصلحها للناس في أمر دينهم ودنياهم وعاقبتهم.

هم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل63 - 60} ذين يزعمون أن { } ألم تر إلى ال من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد

ه وإلى هم ضالال بعيدا * وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الل يطان أن يضل الشسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا * فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما الر

قدمت أيديهم ثم جاءوك يحلفون بالله إن أردنا إال إحسانا وتوفيقا * أولئكه ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم ذين يعلم الل ال

قوال بليغا {

هم { يعجب تعالى عباده من حالة المنافقين. ذين يزعمون أن مؤمنون بما } ال } يريدون أن يتحاكموا إلى جاء به الرسول وبما قبله، ومع هذا

وهو كل من حكم بغير شرع الله فهو طاغوت. الطاغوت {

Page 38: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

فكيف يجتمع هذا واإليمان؟ فإن } قد أمروا أن يكفروا به { والحال أنهم اإليمان يقتضي االنقياد لشرع الله وتحكيمه في كل أمر من األمور، فمن زعم

أنه مؤمن واختار حكم الطاغوت على حكم الله، فهو كاذب في ذلك. وهذاهم ضالال من إضالل الشيطان إياهم، ولهذا قال: يطان أن يضل } ويريد الش

عن الحق. بعيدا {

} إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت يكون حال هؤالء الضالين } فكيف {من المعاصي ومنها تحكيم الطاغوت؟! أيديهم {

} إن أردنا إال إحسانا  لما صدر منهم، ويقولون: معتذرين } ثم جاءوك { أي: ما قصدنا في ذلك إال اإلحسان إلى المتخاصمين والتوفيق وتوفيقا {

بينهم، وهم كذبة في ذلك. فإن اإلحسان كل اإلحسان تحكيم الله} ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون { ورسوله

ه ما في قلوبهم { ولهذا قال: ذين يعلم الل أي: من النفاق والقصد } أولئك ال أي: ال تبال بهم وال تقابلهم على ما فعلوه } فأعرض عنهم { السيئ.

أي: بين لهم حكم الله تعالى مع الترغيب في االنقياد } وعظهم { واقترفوه. أي: انصحهم } وقل لهم في أنفسهم قوال بليغا {لله، والترهيب من تركه

سرا بينك وبينهم، فإنه أنجح لحصول المقصود، وبالغ في زجرهم وقمعهم عما كانوا عليه، وفي هذا دليل على أن مقترف المعاصي وإن أعرض عنه فإنه

ينصح سرا، ويبالغ في وعظه بما يظن حصول المقصود به.

هم إذ ظلموا65 - 64} { } وما أرسلنا من رسول إال ليطاع بإذن الله ولو أنه توابا سول لوجدوا الل ه واستغفر لهم الر أنفسهم جاءوك فاستغفروا الل

موك فيما شجر بينهم ثم ال يجدوا في ى يحك ك ال يؤمنون حت رحيما * فال وربموا تسليما { أنفسهم حرجا مما قضيت ويسل

يخبر تعالى خبرا في ضمنه األمر والحث على طاعة الرسول واالنقياد له. وأن الغاية من إرسال الرسل أن يكونوا مطاعين ينقاد لهم المرسل إليهم

 في جميع ما أمروا به ونهوا عنه، وأن يكونوا معظمين تعظيم المطيعللمطاع.

وفي هذا إثبات عصمة الرسل فيما يبلغونه عن الله، وفيما يأمرون به وينهون عنه؛ ألن الله أمر بطاعتهم مطلقا، فلوال أنهم معصومون ال يشرعون ما هو

خطأ، لما أمر بذلك مطلقا.

أي: الطاعة من المطيع صادرة بقضاء الله وقدره. ففيه } بإذن الله { وقوله: إثبات القضاء والقدر، والحث على االستعانة بالله، وبيان أنه ال يمكن اإلنسان

-إن لم يعنه الله- أن يطيع الرسول.

ثم أخبر عن كرمه العظيم وجوده، ودعوته لمن اقترفوا السيئات أن يعترفواهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك { ويتوبوا ويستغفروا الله فقال: أي: } ولو أنمعترفين بذنوبهم باخعين بها.

Page 39: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

ه توابا رحيما { سول لوجدوا الل ه واستغفر لهم الر أي: لتاب } فاستغفروا الل عليهم بمغفرته ظلمهم، ورحمهم بقبول التوبة والتوفيق لها والثواب عليها،

وهذا المجيء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم مختص بحياته؛ ألن السياق يدل على ذلك لكون االستغفار من الرسول ال يكون إال في حياته، وأما بعد

موته فإنه ال يطلب منه شيء بل ذلك شرك.

ثم أقسم تعالى بنفسه الكريمة أنهم ال يؤمنون حتى يحكموا رسوله فيما شجر بينهم، أي: في كل شيء يحصل فيه اختالف، بخالف مسائل اإلجماع،

فإنها ال تكون إال مستندة للكتاب والسنة، ثم ال يكفي هذا التحكيم حتى ينتفي الحرج من قلوبهم والضيق، وكونهم يحكمونه على وجه اإلغماض، ثم ال يكفي

حتى يسلموا لحكمه تسليما بانشراح صدر، وطمأنينة نفس، وانقياد ذلكبالظاهر والباطن.

فالتحكيم في مقام اإلسالم، وانتفاء الحرج في مقام اإليمان، والتسليم في مقام اإلحسان. فمن استكمل هذه المراتب وكملها، فقد استكمل مراتب الدين كلها. فمن ترك هذا التحكيم المذكور غير ملتزم له فهو كافر، ومن

تركه، مع التزامه فله حكم أمثاله من العاصين.

ا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم68 - 66} { } ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد ما فعلوه إال قليل منهم ولو أن

ا أجرا عظيما * ولهديناهم صراطا مستقيما { تثبيتا * وإذا آلتيناهم من لدن

يخبر تعالى أنه لو كتب على عباده األوامر الشاقة على النفوس من قتل النفوس والخروج من الديار لم يفعله إال القليل منهم والنادر، فليحمدوا ربهم وليشكروه على تيسير ما أمرهم به من األوامر التي تسهل على كل أحد، وال يشق فعلها، وفي هذا إشارة إلى أنه ينبغي أن يلحظ العبد ضد ما هو فيه من

المكروهات، لتخف عليه العبادات، ويزداد حمدا وشكرا لربه.

ثم أخبر أنهم لو فعلوا ما يوعظون به أي: ما وظف عليهم في كل وقت بحسبه، فبذلوا هممهم، ووفروا نفوسهم للقيام به وتكميله، ولم تطمح

نفوسهم لما لم يصلوا إليه، ولم يكونوا بصدده، وهذا هو الذي ينبغي للعبد، أن ينظر إلى الحالة التي يلزمه القيام بها فيكملها، ثم يتدرج شيئا فشيئا حتى

يصل إلى ما قدر له من العلم والعمل في أمر الدين والدنيا، وهذا بخالف من طمحت نفسه إلى أمر لم يصل إليه ولم يؤمر به بعد، فإنه ال يكاد يصل إلى

ذلك بسبب تفريق الهمة، وحصول الكسل وعدم النشاط.

ثم رتب ما يحصل لهم على فعل ما يوعظون به، وهو أربعة أمور:

أي: لكانوا من األخيار } لكان خيرا لهم { الخيرية في قوله: )أحدها( المتصفين بأوصافهم من أفعال الخير التي أمروا بها، أي: وانتفى عنهم بذلك

صفة األشرار، ألن ثبوت الشيء يستلزم نفي ضده.

حصول التثبيت والثبات وزيادته، فإن الله يثبت الذين آمنوا بسبب )الثاني( ما قاموا به من اإليمان، الذي هو القيام بما وعظوا به، فيثبتهم في الحياة الدنيا عند ورود الفتن في األوامر والنواهي والمصائب، فيحصل لهم ثبات

Page 40: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

يوفقون لفعل األوامر وترك الزواجر التي تقتضي النفس فعلها، وعند حلول المصائب التي يكرهها العبد. فيوفق للتثبيت بالتوفيق للصبر أو للرضا أو للشكر. فينزل عليه معونة من الله للقيام بذلك، ويحصل له الثبات على

الدين، عند الموت وفي القبر.

وأيضا فإن العبد القائم بما أمر به، ال يزال يتمرن على األوامر الشرعية حتى يألفها ويشتاق إليها وإلى أمثالها، فيكون ذلك معونة له على الثبات على

الطاعات.

ا أجرا عظيما { قوله: )الثالث( أي: في العاجل } وإذا آلتيناهم من لدن واآلجل الذي يكون للروح والقلب والبدن، ومن النعيم المقيم مما ال عين

رأت، وال أذن سمعت، وال خطر على قلب بشر.

الهداية إلى صراط مستقيم. وهذا عموم بعد خصوص، لشرف )الرابع( الهداية إلى الصراط المستقيم، من كونها متضمنة للعلم بالحق، ومحبته

وإيثاره والعمل به، وتوقف السعادة والفالح على ذلك، فمن هدي إلى صراطمستقيم، فقد وفق لكل خير واندفع عنه كل شر وضير.

ه عليهم70 - 69} ذين أنعم الل سول فأولئك مع ال ه والر { } ومن يطع اللهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا * ذلك ين والصديقين والش بي من الن

الفضل من الله وكفى بالله عليما {

أي: كل من أطاع الله ورسوله على حسب حاله وقدر الواجب عليه من ذكره عليهم { وأنثى وصغير وكبير، ذين أنعم الل أي: النعمة } فأولئك مع ال

ين { العظيمة التي تقتضي الكمال والفالح والسعادة بي الذين فضلهم } من الن الله بوحيه، واختصهم بتفضيلهم بإرسالهم إلى الخلق، ودعوتهم إلى الله

وهم: الذين كمل تصديقهم بما جاءت به الرسل، } والصديقين { تعالى فعلموا الحق وصدقوه بيقينهم، وبالقيام به قوال وعمال وحاال ودعوة إلى

هداء { الله، الذين قاتلوا في سبيل الله إلعالء كلمة الله } والش الذين صلح ظاهرهم وباطنهم فصلحت أعمالهم، فكل } والصالحين { فقتلوا،

} وحسن أولئك من أطاع الله تعالى كان مع هؤالء في صحبتهم باالجتماع بهم في جنات النعيم واألنس بقربهم في جوار رب رفيقا {

العالمين.

فهو الذي وفقهم لذلك، وأعانهم } من الله { الذي نالوه } ذلك الفضل {عليه، وأعطاهم من الثواب ما ال تبلغه أعمالهم.

يعلم أحوال عباده ومن يستحق منهم الثواب الجزيل، } وكفى بالله عليما {بما قام به من األعمال الصالحة التي تواطأ عليها القلب والجوارح.

ذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا74 - 71} ها ال { } يا أيه علي إذ لم * وإن منكم لمن ليبطئن فإن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله ليقولن كأن لم تكن بينكم أكن معهم شهيدا * ولئن أصابكم فضل من الل

Page 41: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

ه وبينه مودة يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما * فليقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب ذين يشرون الحياة الدنيا باآلخرة ومن يقاتل في سبيل الل ال

فسوف نؤتيه أجرا عظيما {

يأمر تعالى عباده المؤمنين بأخذ حذرهم من أعدائهم الكافرين. وهذا يشمل األخذ بجميع األسباب، التي بها يستعان على قتالهم ويستدفع مكرهم وقوتهم،

من استعمال الحصون والخنادق، وتعلم الرمي والركوب، وتعلم الصناعات التي تعين على ذلك، وما به يعرف مداخلهم، ومخارجهم، ومكرهم، والنفير

في سبيل الله.

أي: متفرقين بأن تنفر سرية أو جيش، ويقيم } فانفروا ثبات { ولهذا قال: وكل هذا تبع للمصلحة والنكاية، والراحة } أو انفروا جميعا { غيرهم

} وأعدوا لهم ما للمسلمين في دينهم، وهذه اآلية نظير قوله تعالى:استطعتم من قوة {

أي: } وإن منكم { ثم أخبر عن ضعفاء اإليمان المتكاسلين عن الجهاد فقال: أي: يتثاقل عن الجهاد في سبيل الله ضعفا } لمن ليبطئن { أيها المؤمنون

وخورا وجبنا، هذا الصحيح.

وقيل معناه: ليبطئن غيره أي: يزهده عن القتال، وهؤالء هم المنافقون،ولكن األول أولى لوجهين:

والخطاب للمؤمنين. } منكم { قوله أحدهما:

فإن الكفار } كأن لم تكن بينكم وبينه مودة { قوله في آخر اآلية: والثاني: من المشركين والمنافقين قد قطع الله بينهم وبين المؤمنين المودة. وأيضا

فإن هذا هو الواقع، فإن المؤمنين على قسمين:

صادقون في إيمانهم أوجب لهم ذلك كمال التصديق والجهاد.

وضعفاء دخلوا في اإلسالم فصار معهم إيمان ضعيف ال يقوى على الجهاد.

ا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا { كما قال تعالى: إلى } قالت األعراب آمن آخر اآليات. ثم ذكر غايات هؤالء المتثاقلين ونهاية مقاصدهم، وأن معظم

أي: هزيمة وقتل، } فإن أصابتكم مصيبة { قصدهم الدنيا وحطامها فقال: وظفر األعداء عليكم في بعض األحوال لما لله في ذلك من

ه علي إذ لم أكن معهم ذلك المتخلف } قال { الحكم. } قد أنعم الل رأى من ضعف عقله وإيمانه أن التقاعد عن الجهاد الذي فيه تلك شهيدا {

المصيبة نعمة. ولم يدر أن النعمة الحقيقية هي التوفيق لهذه الطاعة الكبيرة، التي بها يقوى اإليمان، ويسلم بها العبد من العقوبة والخسران، ويحصل له

فيها عظيم الثواب ورضا الكريم الوهاب.

وأما القعود فإنه وإن استراح قليال، فإنه يعقبه تعب طويل وآالم عظيمة،ويفوته ما يحصل للمجاهدين.

Page 42: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

} ليقولن كأن لم أي: نصر وغنيمة } ولئن أصابكم فضل من الله { ثم قال: أي: يتمنى أنه تكن بينكم وبينه مودة يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما {

حاضر لينال من المغانم، ليس له رغبة وال قصد في غير ذلك، كأنه ليس من مقتضاها منكم يا معشر المؤمنين وال بينكم وبينه المودة اإليمانية التي

أن المؤمنين مشتركون في جميع مصالحهم ودفع مضارهم، يفرحون ويألمون بفقدها، بحصولها ولو على يد غيرهم من إخوانهم المؤمنين

ويسعون جميعا في كل أمر يصلحون به دينهم ودنياهم، فهذا الذي يتمنىالدنيا فقط، ليست معه الروح اإليمانية المذكورة.

ومن لطف الله بعباده أن ال يقطع عنهم رحمته، وال يغلق عنهم أبوابها. بل من حصل منه غير ما يليق أمره ودعاه إلى جبر نقصه وتكميل نفسه، فلهذا

ه أمر هؤالء باإلخالص والخروج في سبيله فقال: } فليقاتل في سبيل اللذين يشرون الحياة الدنيا باآلخرة { هذا أحد األقوال في هذه اآلية وهو ال

أصحها.

وقيل: إن معناه: فليقاتل في سبيل الله المؤمنون الكاملو اإليمان، الصادقونذين يشرون الحياة الدنيا باآلخرة { في إيمانهم أي: يبيعون الدنيا رغبة } ال

عنها باآلخرة رغبة فيها.

فإن هؤالء الذين يوجه إليهم الخطاب ألنهم الذين قد أعدوا أنفسهم ووطنوهاعلى جهاد األعداء، لما معهم من اإليمان التام المقتضي لذلك.

وأما أولئك المتثاقلون، فال يعبأ بهم خرجوا أو قعدوا، فيكون هذا نظير قولهذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى تعالى: } قل آمنوا به أو ال تؤمنوا إن ال

ون لألذقان سجدا { } فإن يكفر بها هؤالء إلى آخر اآليات. وقوله: عليهم يخرلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين { وقيل: إن معنى اآلية: فليقاتل فقد وك

المقاتل والمجاهد للكفار الذين يشرون الحياة الدنيا باآلخرة، فيكون على هذاالوجه "الذين" في محل نصب على المفعولية.

بأن يكون جهادا قد أمر الله به ورسوله، } ومن يقاتل في سبيل الله { } فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه ويكون العبد مخلصا لله فيه قاصدا وجه الله.

زيادة في إيمانه ودينه، وغنيمة، وثناء حسنا، وثواب المجاهدين أجرا عظيما { في سبيل الله الذين أعد الله لهم في الجنة ما ال عين رأت، وال أذن سمعت،

وال خطر على قلب بشر.

جال75} { } وما لكم ال تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها ذين يقولون رب ساء والولدان ال والن

ا واجعل لنا من لدنك نصيرا { واجعل لنا من لدنك ولي

هذا حث من الله لعباده المؤمنين وتهييج لهم على القتال في سبيله، وأن } وما لكم ال ذلك قد تعين عليهم، وتوجه اللوم العظيم عليهم بتركه، فقال:

والحال أن المستضعفين من الرجال والنساء تقاتلون في سبيل الله { والولدان الذين ال يستطيعون حيلة وال يهتدون سبيال، ومع هذا فقد نالهم أعظم الظلم من أعدائهم، فهم يدعون الله أن يخرجهم من هذه القرية

Page 43: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

الظالم أهلها ألنفسهم بالكفر والشرك، وللمؤمنين باألذى والصد عن سبيلالله، ومنعهم من الدعوة لدينهم والهجرة.

ا ونصيرا يستنقذهم من هذه القرية الظالم ويدعون الله أن يجعل لهم ولي أهلها، فصار جهادكم على هذا الوجه من باب القتال والذب عن عيالتكم

وأوالدكم ومحارمكم، ال من باب الجهاد الذي هو الطمع في الكفار، فإنه وإن كان فيه فضل عظيم ويالم المتخلف عنه أعظم اللوم، فالجهاد الذي فيه

استنقاذ المستضعفين منكم أعظم أجرا وأكبر فائدة، بحيث يكون من بابدفع األعداء.

( 100-76آية  ) 176عدد آياتها  تفسير سورة النساء -4وهي مدنية

ذين كفروا يقاتلون ثم قال: { 76 } ذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله وال } اليطان كان ضعيفا { يطان إن كيد الش في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الش

ذين كفروا يقاتلون هذا إخبار من الله بأن المؤمنين يقاتلون في سبيله } والالذي هو الشيطان. في ضمن ذلك عدة فوائد: في سبيل الطاغوت {

منها: أنه بحسب إيمان العبد يكون جهاده في سبيل الله، وإخالصه ومتابعته. فالجهاد في سبيل الله من آثار اإليمان ومقتضياته ولوازمه، كما أن القتال

في سبيل الطاغوت من شعب الكفر ومقتضياته.

ومنها: أن الذي يقاتل في سبيل الله ينبغي له ويحسن منه من الصبر والجلد ما ال يقوم به غيره، فإذا كان أولياء الشيطان يصبرون ويقاتلون وهم على

} إن تكونوا باطل، فأهل الحق أولى بذلك، كما قال تعالى في هذا المعنى:ه ما ال يرجون { هم يألمون كما تألمون وترجون من الل اآلية. تألمون فإن

ومنها: أن الذي يقاتل في سبيل الله معتمد على ركن وثيق، وهو الحق، والتوكل على الله. فصاحب القوة والركن الوثيق يطلب منه من الصبر

والثبات والنشاط ما ال يطلب ممن يقاتل عن الباطل، الذي ال حقيقة له واليطان عاقبة حميدة. فلهذا قال تعالى: يطان إن كيد الش } فقاتلوا أولياء الش

كان ضعيفا {

والكيد: سلوك الطرق الخفية في ضرر العدو، فالشيطان وإن بلغ مكره مهما بلغ فإنه في غاية الضعف، الذي ال يقوم ألدنى شيء من الحق وال لكيد الله

لعباده المؤمنين.

ذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصالة وآتوا78 ، 77} { } ألم تر إلى الاس كخشية الله أو كاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الن الز

رتنا إلى أجل قريب قل نا لم كتبت علينا القتال لوال أخ أشد خشية وقالوا ربقى وال تظلمون فتيال * أينما تكونوا متاع الدنيا قليل واآلخرة خير لمن ات

دة { يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشي 

Page 44: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

كان المسلمون -إذ كانوا بمكة- مأمورين بالصالة والزكاة أي: مواساة الفقراء، ال الزكاة المعروفة ذات النصب والشروط، فإنها لم تفرض إال

بالمدينة، ولم يؤمروا بجهاد األعداء لعدة فوائد:

منها: أن من حكمة الباري تعالى أن يشرع لعباده الشرائع على وجه ال يشقعليهم؛ ويبدأ باألهم فاألهم، واألسهل فاألسهل.

ومنها: أنه لو فرض عليهم القتال -مع قلة عددهم وعددهم وكثرة أعدائهم- ألدى ذلك إلى اضمحالل اإلسالم، فروعي جانب المصلحة العظمى على ما

دونها ولغير ذلك من الحكم.

وكان بعض المؤمنين يودون أن لو فرض عليهم القتال في تلك الحال، غير الالئق فيها ذلك، وإنما الالئق فيها القيام بما أمروا به في ذلك الوقت من

هم فعلوا ما التوحيد والصالة والزكاة ونحو ذلك كما قال تعالى: } ولو أن فلما هاجروا إلى المدينة وقوي يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا {

اإلسالم، كتب عليهم القتال في وقته المناسب لذلك، فقال فريق من الذيننا لم كتبت يستعجلون القتال قبل ذلك خوفا من الناس وضعفا وخورا: } رب

؟ وفي هذا تضجرهم واعتراضهم على الله، وكان الذي ينبغي علينا القتال { لهم ضد هذه الحال، التسليم ألمر الله والصبر على أوامره، فعكسوا األمر

رتنا إلى أجل قريب { المطلوب منهم فقالوا: أي: هال أخرت فرض } لوال أخ القتال مدة متأخرة عن الوقت الحاضر، وهذه الحال كثيرا ما تعرض لمن هو

غير رزين واستعجل في األمور قبل وقتها، فالغالب عليه أنه ال يصبر عليها وقت حلولها وال ينوء بحملها، بل يكون قليل الصبر. ثم إن الله وعظهم عن

} قل متاع الدنيا قليل واآلخرة هذه الحال التي فيها التخلف عن القتال فقال:قى { أي: التمتع بلذات الدنيا وراحتها قليل، فتحمل األثقال في خير لمن ات

طاعة الله في المدة القصيرة مما يسهل على النفوس ويخف عليها؛ ألنها إذا علمت أن المشقة التي تنالها ال يطول لبثها هان عليها ذلك، فكيف إذا وازنتبين الدنيا واآلخرة، وأن اآلخرة خير منها، في ذاتها، ولذاتها وزمانها، فذاتها -

كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الثابت عنه- "أن موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها" . ولذاتها صافية عن المكدرات، بل

كل ما خطر بالبال أو دار في الفكر من تصور لذة، فلذة الجنة فوق ذلك كماة أعين { قال تعالى: وقال الله على } فال تعلم نفس ما أخفي لهم من قر

لسان نبيه: "أعددت لعبادي الصالحين ما ال عين رأت، وال أذن سمعت، والخطر على قلب بشر" .

وأما لذات الدنيا فإنها مشوبة بأنواع التنغيص الذي لو قوبل بين لذاتها وما يقترن بها من أنواع اآلالم والهموم والغموم، لم يكن لذلك نسبة بوجه من

الوجوه.

وأما زمانها، فإن الدنيا منقضية، وعمر اإلنسان بالنسبة إلى الدنيا شيء يسير، وأما اآلخرة فإنها دائمة النعيم وأهلها خالدون فيها، فإذا فكر العاقل في هاتين

الدارين وتصور حقيقتهما حق التصور، عرف ما هو أحق باإليثار، والسعي لهقى { واالجتهاد لطلبه، ولهذا قال: أي: اتقى الشرك، } واآلخرة خير لمن ات

Page 45: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

أي: فسعيكم للدار اآلخرة ستجدونه } وال تظلمون فتيال { وسائر المحرمات.كامال موفرا غير منقوص منه شيئا.

ثم أخبر أنه ال يغني حذر عن قدر، وأن القاعد ال يدفع عنه قعوده شيئا، } ولو أي: في أي زمان وأي مكان. } أينما تكونوا يدرككم الموت { فقال:

دة { أي: قصور منيعة ومنازل رفيعة، وكل هذا حث على كنتم في بروج مشي الجهاد في سبيل الله تارة بالترغيب في فضله وثوابه، وتارة بالترهيب من

عقوبة تركه، وتارة باإلخبار أنه ال ينفع القاعدين قعودهم، وتارة بتسهيلالطريق في ذلك وقصرها.

ه وإن ثم قال:  {80 - 78} } وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله فمال هؤالء القوم ال ئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الل تصبهم سي

ئة ه وما أصابك من سي يكادون يفقهون حديثا ما أصابك من حسنة فمن اللسول فقد ه شهيدا من يطع الر اس رسوال وكفى بالل فمن نفسك وأرسلناك للن

ى فما أرسلناك عليهم حفيظا { ه ومن تول أطاع الل 

يخبر تعالى عن الذين ال يعلمون المعرضين عما جاءت به الرسل، المعارضين لهم أنهم إذا جاءتهم حسنة أي: خصب وكثرة أموال، وتوفر أوالد وصحة،

وأنهم إن أصابتهم سيئة أي: جدب وفقر، ومرض } هذه من عند الله { قالوا: أي: بسبب ما جئتنا به يا } هذه من عندك { وموت أوالد وأحباب قالوا:

محمد، تطيروا برسول الله صلى الله عليه وسلم كما تطير أمثالهم برسل } فإذا جاءتهم الله، كما أخبر الله عن قوم فرعون أنهم قالوا لموسى

روا بموسى ومن معه { ي ئة يط الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سي

رنا بك وبمن معك { وقال قوم صالح: } قالوا اطي

كم { وقال قوم ياسين لرسلهم: رنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمن ا تطي اآلية. } إن فلما تشابهت قلوبهم بالكفر تشابهت أقوالهم وأعمالهم. وهكذا كل من نسب حصول الشر أو زوال الخير لما جاءت به الرسل أو لبعضه فهو داخل في هذا

الذم الوخيم.

أي: من الحسنة والسيئة والخير } قل كل { قال الله في جوابهم: } فما لهؤالء أي: بقضائه وقدره وخلقه. } من عند الله { والشر.

} ال يكادون يفقهون أي: الصادر منهم تلك المقالة الباطلة. القوم { أي: ال يفهمون حديثا بالكلية وال يقربون من فهمه، أو ال يفهمون منه حديثا {

إال فهما ضعيفا، وعلى كل فهو ذم لهم وتوبيخ على عدم فهمهم وفقههم عنالله وعن رسوله، وذلك بسبب كفرهم وإعراضهم.

وفي ضمن ذلك مدح من يفهم عن الله وعن رسوله، والحث على ذلك، وعلى األسباب المعينة على ذلك، من اإلقبال على كالمهما وتدبره، وسلوك الطرق الموصلة إليه. فلو فقهوا عن الله لعلموا أن الخير والشر والحسنات

والسيئات كلها بقضاء الله وقدره، ال يخرج منها شيء عن ذلك.

Page 46: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

وأن الرسل عليهم الصالة والسالم ال يكونون سببا لشر يحدث، هم وال ماجاءوا به ألنهم بعثوا بصالح الدنيا واآلخرة والدين.

} فمن أي: في الدين والدنيا } ما أصابك من حسنة { ثم قال تعالى:ئة { هو الذي من بها ويسرها بتيسير أسبابها. الله { في } وما أصابك من سي

أي: بذنوبك وكسبك، وما يعفو الله عنه أكثر. } فمن نفسك { الدين والدنيا

فالله تعالى قد فتح لعباده أبواب إحسانه وأمرهم بالدخول لبره وفضله، وأخبرهم أن المعاصي مانعة من فضله، فإذا فعلها العبد فال يلومن إال نفسه

فإنه المانع لنفسه عن وصول فضل الله وبره.

ثم أخبر عن عموم رسالة رسوله محمد صلى الله عليه وسلماس رسوال وكفى بالله شهيدا { فقال: على أنك رسول الله } وأرسلناك للن

حقا بما أيدك بنصره والمعجزات الباهرة والبراهين الساطعة، فهي أكبره شهادة على اإلطالق، كما قال تعالى: } قل أي شيء أكبر شهادة قل الل

فإذا علم أن الله تعالى كامل العلم، تام القدرة عظيم شهيد بيني وبينكم { الحكمة، وقد أيد الله رسوله بما أيده، ونصره نصرا عظيما، تيقن بذلك أنه رسول الله، وإال فلو تقول عليه بعض األقاويل ألخذ منه باليمين، ثم لقطع

منه الوتين.

ى فما أرسلناك81 - 80} ه ومن تول سول فقد أطاع الل { } من يطع الرت طائفة منهم غير عليهم حفيظا * ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بي

ه ه وكفى بالل ل على الل تون فأعرض عنهم وتوك ه يكتب ما يبي ذي تقول والل الوكيال {

ه { أي: كل من أطاع رسول الله في أوامره ونواهيه تعالى } فقد أطاع الل لكونه ال يأمر وال ينهى إال بأمر الله وشرعه ووحيه وتنزيله، وفي هذا عصمة

الرسول صلى الله عليه وسلم ألن الله أمر بطاعته مطلقا، فلوال أنه معصومغ عن الله لم يأمر بطاعته مطلقا، ويمدح على ذلك. وهذا من في كل ما يبل

الحقوق المشتركة فإن الحقوق ثالثة:

حق لله تعالى ال يكون ألحد من الخلق، وهو عبادة الله والرغبة إليه، وتوابعذلك.

وقسم مختص بالرسول، وهو التعزير والتوقير والنصرة.

وقسم مشترك، وهو اإليمان بالله ورسوله ومحبتهما وطاعتهما، كما جمع اللهروه وتوقروه بين هذه الحقوق في قوله: ه ورسوله وتعز } لتؤمنوا بالل

حوه بكرة وأصيال { فمن أطاع الرسول فقد أطاع الله، وله من الثواب وتسبى { والخير ما رتب على طاعة الله عن طاعة الله ورسوله فإنه ال } ومن تول

أي: تحفظ } فما أرسلناك عليهم حفيظا { يضر إال نفسه، وال يضر الله شيئا أعمالهم وأحوالهم، بل أرسلناك مبلغا ومبينا وناصحا، وقد أديت وظيفتك،

ر ووجب أجرك على الله، سواء اهتدوا أم لم يهتدوا. كما قال تعالى: } فذكر لست عليهم بمصيطر { ما أنت مذك اآلية. إن

Page 47: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

وال بد أن تكون طاعة الله ورسوله ظاهرا وباطنا في الحضرة والمغيب. فأما من يظهر في الحضرة والطاعة وااللتزام فإذا خال بنفسه أو أبناء جنسه ترك

الطاعة وأقبل على ضدها، فإن الطاعة التي أظهرها غير نافعة وال مفيدة، أي: يظهرون الطاعة إذا } ويقولون طاعة { وقد أشبه من قال الله فيهم:

أي: خرجوا وخلوا في حالة ال يطلع } فإذا برزوا من عندك { كانوا عندك.ذي تقول { فيها عليهم. ت طائفة منهم غير ال أي: بيتوا ودبروا غير } بي

طاعتك وال ثم إال المعصية.

ذي تقول { وفي قوله: ت طائفة منهم غير ال دليل على أن األمر الذي } بي استقروا عليه غير الطاعة؛ ألن التبييت تدبير األمر ليال على وجه يستقر عليه

تون { الرأي، ثم توعدهم على ما فعلوا فقال: ه يكتب ما يبي أي: } والليحفظه عليهم وسيجازيهم عليه أتم الجزاء، ففيه وعيد لهم.

ثم أمر رسوله بمقابلتهم باإلعراض وعدم التعنيف، فإنهم ال يضرونه شيئا إذا توكل على الله واستعان به في نصر دينه، وإقامة شرعه. ولهذا

ه وكيال { قال: ه وكفى بالل ل على الل } فأعرض عنهم وتوك

ه لوجدوا فيه اختالفا82} رون القرآن ولو كان من عند غير الل { } أفال يتدبكثيرا {

يأمر تعالى بتدبر كتابه، وهو التأمل في معانيه، وتحديق الفكر فيه، وفي مبادئه وعواقبه، ولوازم، ذلك فإن تدبر كتاب الله مفتاح للعلوم والمعارف،

وبه يستنتج كل خير وتستخرج منه جميع العلوم، وبه يزداد اإليمان في القلبف بالرب المعبود، وما له من صفات الكمال; وما وترسخ شجرته. فإنه يعر

ينزه عنه من سمات النقص، ويعرف الطريق الموصلة إليه وصفة أهلها، وماف العدو الذي هو العدو على الحقيقة، والطريق لهم عند القدوم عليه، ويعر

الموصلة إلى العذاب، وصفة أهلها، وما لهم عند وجود أسباب العقاب.

وكلما ازداد العبد تأمال فيه ازداد علما وعمال وبصيرة، لذلك أمر الله بذلك } كتاب وحث عليه وأخبر أنه ]هو[ المقصود بإنزال القرآن، كما قال تعالى:

ر أولو األلباب { روا آياته وليتذك } أفال وقال تعالى: أنزلناه إليك مبارك ليدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها { يتدب

ومن فوائد التدبر لكتاب الله: أنه بذلك يصل العبد إلى درجة اليقين والعلم بأنه كالم الله، ألنه يراه يصدق بعضه بعضا، ويوافق بعضه بعضا. فترى الحكم والقصة واإلخبارات تعاد في القرآن في عدة مواضع، كلها متوافقة متصادقة، ال ينقض بعضها بعضا، فبذلك يعلم كمال القرآن وأنه من عند من أحاط علمه

} ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه بجميع األمور، فلذلك قال تعالى:أي: فلما كان من عند الله لم يكن فيه اختالف أصال. اختالفا كثيرا {

{ } وإذا جاءهم أمر من األمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى83} ه ذين يستنبطونه منهم ولوال فضل الل سول وإلى أولي األمر منهم لعلمه ال الر

يطان إال قليال { بعتم الش عليكم ورحمته الت

Page 48: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

هذا تأديب من الله لعباده عن فعلهم هذا غير الالئق. وأنه ينبغي لهم إذا جاءهم أمر من األمور المهمة والمصالح العامة ما يتعلق باألمن وسرور

المؤمنين، أو بالخوف الذي فيه مصيبة عليهم أن يتثبتوا وال يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر، بل يردونه إلى الرسول وإلى أولي األمر منهم، أهل الرأي: والعلم

والنصح والعقل والرزانة، الذين يعرفون األمور ويعرفون المصالح وضدها. فإن رأوا في إذاعته مصلحة ونشاطا للمؤمنين وسرورا لهم وتحرزا من

أو فيه مصلحة ولكن أعدائهم فعلوا ذلك. وإن رأوا أنه ليس فيه مصلحةذين يستنبطونه مضرته تزيد على مصلحته، لم يذيعوه، ولهذا قال: } لعلمه ال

أي: يستخرجونه بفكرهم وآرائهم السديدة وعلومهم الرشيدة. منهم {

وفي هذا دليل لقاعدة أدبية وهي أنه إذا حصل بحث في أمر من األمور ينبغي أن يولى من هو أهل لذلك ويجعل إلى أهله، وال يتقدم بين أيديهم، فإنه أقرب

إلى الصواب وأحرى للسالمة من الخطأ. وفيه النهي عن العجلة والتسرع لنشر األمور من حين سماعها، واألمر بالتأمل قبل الكالم والنظر فيه، هل هو

مصلحة، فيقدم عليه اإلنسان؟ أم ال،فيحجم عنه؟

ه عليكم ورحمته { ثم قال تعالى: أي: في توفيقكم } ولوال فضل الليطان إال قليال { وتأديبكم، وتعليمكم ما لم تكونوا تعلمون، بعتم الش ألن } الت

اإلنسان بطبعه ظالم جاهل، فال تأمره نفسه إال بالشر. فإذا لجأ إلى ربه واعتصم به واجتهد في ذلك، لطف به ربه ووفقه لكل خير، وعصمه من

الشيطان الرجيم.

ض المؤمنين عسى84} ف إال نفسك وحر ه ال تكل { } فقاتل في سبيل الله أشد بأسا وأشد تنكيال { ذين كفروا والل ه أن يكف بأس ال الل

هذه الحالة أفضل أحوال العبد، أن يجتهد في نفسه على امتثال أمر الله من الجهاد وغيره، ويحرض غيره عليه، وقد يعدم في العبد األمران أو أحدهما

ف إال نفسك { فلهذا قال لرسوله: أي: ليس } فقاتل في سبيل الله ال تكلض  قدرة على غير نفسك، فلن تكلف بفعل غيرك. لك } وحر

على القتال، وهذا يشمل كل أمر يحصل به نشاط المؤمنين المؤمنين { وقوة قلوبهم، من تقويتهم واإلخبار بضعف األعداء وفشلهم، وبما أعد

للمقاتلين من الثواب، وما على المتخلفين من العقاب، فهذا وأمثاله كلهيدخل في التحريض على القتال.

ذين كفروا { ه أن يكف بأس ال أي: بقتالكم في سبيل الله، } عسى الله أشد بأسا { وتحريض بعضكم بعضا. } وأشد أي: قوة وعزة } والل

بالمذنب في نفسه، وتنكيال لغيره، فلو شاء تعالى النتصر من الكفار تنكيال {بقوته ولم يجعل لهم باقية.

ولكن من حكمته يبلو بعض عباده ببعض ليقوم سوق الجهاد، ويحصل اإليمانالنافع، إيمان االختيار، ال إيمان االضطرار والقهر الذي ال يفيد شيئا.

{ } من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة85} ه على كل شيء مقيتا { ئة يكن له كفل منها وكان الل سي

Page 49: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

المراد بالشفاعة هنا: المعاونة على أمر من األمور، فمن شفع غيره وقام معه على أمر من أمور الخير -ومنه الشفاعة للمظلومين لمن ظلمهم- كان

له نصيب من شفاعته بحسب سعيه وعمله ونفعه، وال ينقص من أجر األصيل والمباشر شيء، ومن عاون غيره على أمر من الشر كان عليه كفل من اإلثم بحسب ما قام به وعاون عليه. ففي هذا الحث العظيم على التعاون على البر

والتقوى، والزجر العظيم عن التعاون على اإلثم والعدوان، وقرر ذلكه على كل شيء مقيتا { بقوله: أي: شاهدا حفيظا حسيبا على } وكان الل

هذه األعمال، فيجازي كال ما يستحقه.

ه كان على كل86} وا بأحسن منها أو ردوها إن الل ة فحي يتم بتحي { } وإذا حيشيء حسيبا {

التحية هي: اللفظ الصادر من أحد المتالقيين على وجه اإلكرام والدعاء، ومايقترن بذلك اللفظ من البشاشة ونحوها.

وأعلى أنواع التحية ما ورد به الشرع، من السالم ابتداء وردا. فأمر تعالى المؤمنين أنهم إذا حيوا بأي تحية كانت، أن يردوها بأحسن منها لفظا

وبشاشة، أو مثلها في ذلك. ومفهوم ذلك النهي عن عدم الرد بالكلية أو ردهابدونها.

ويؤخذ من اآلية الكريمة الحث على ابتداء السالم والتحية من وجهين أحدهما:

أن الله أمر بردها بأحسن منها أو مثلها، وذلك يستلزم أن التحية مطلوبةشرعا.

الثاني: ما يستفاد من أفعل التفضيل وهو "أحسن" الدال على مشاركةالتحية وردها بالحسن، كما هو األصل في ذلك.

ا بحال غير مأمور بها، كـ "على ويستثنى من عموم اآلية الكريمة من حي مشتغل بقراءة، أو استماع خطبة، أو مصل ونحو ذلك" فإنه ال يطلب إجابة

تحيته، وكذلك يستثنى من ذلك من أمر الشارع بهجره وعدم تحيته، وهو العاصي غير التائب الذي يرتدع بالهجر، فإنه يهجر وال يحيا، وال ترد تحيته،

وذلك لمعارضة المصلحة الكبرى.

ويدخل في رد التحية كل تحية اعتادها الناس وهي غير محظورة شرعا، فإنه مأمور بردها وبأحسن منها، ثم أوعد تعالى وتوعد على فعل الحسنات

ه كان على كل شيء حسيبا { والسيئات بقوله: فيحفظ على العباد } إن الل أعمالهم، حسنها وسيئها، صغيرها وكبيرها، ثم يجازيهم بما اقتضاه فضله

وعدله وحكمه المحمود.

كم إلى يوم القيامة ال ريب فيه ومن87} ه ال إله إال هو ليجمعن { } الله حديثا { أصدق من الل

يخبر تعالى عن انفراده بالوحدانية وأنه ال معبود وال مألوه إال هو، لكماله فيذاته وأوصافه ولكونه المنفرد بالخلق والتدبير، والنعم الظاهرة والباطنة.

Page 50: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

وذلك يستلزم األمر بعبادته والتقرب إليه بجميع أنواع العبودية. لكونه المستحق لذلك وحده والمجازي للعباد بما قاموا به من عبوديته أو تركوه

منها، ولذلك أقسم على وقوع محل الجزاء وهو يوم القيامة،كم { فقال: أي: أولكم وآخركم في مقام واحد. } ليجمعن

أي: ال شك وال شبهة بوجه من الوجوه، } يوم القيامة ال ريب فيه { في بالدليل العقلي والدليل السمعي، فالدليل العقلي ما نشاهده من إحياء األرض

بعد موتها، ومن وجود النشأة األولى التي وقوع الثانية أولى منها باإلمكان، ومن الحكمة التي تجزم بأن الله لم يخلق خلقه عبثا، يحيون ثم يموتون. وأما

الدليل السمعي فهو إخبار أصدق الصادقين بذلك، بل إقسامه عليه ولهذاه حديثا { قال: كذلك أمر رسوله صلى الله عليه وسلم } ومن أصدق من الل

ذين كفروا أن يقسم عليه في غير موضع من القرآن، كقوله تعالى: } زعم اله ؤن بما عملتم وذلك على الل ي لتبعثن ثم لتنب أن لن يبعثوا قل بلى ورب

يسير {

ه حديثا { وفي قوله: ه } ومن أصدق من الل } ومن أصدق من الل إخبار بأن حديثه وأخباره وأقواله في أعلى مراتب الصدق، بل أعالها. قيال {

واألعمال مما يناقض ما أخبر الله به، فهو فكل ما قيل في العقائد ]والعلوم[باطل لمناقضته للخبر الصادق اليقين، فال يمكن أن يكون حقا.

ه أركسهم بما كسبوا91 - 88} { } فما لكم في المنافقين فئتين والله فلن تجد له سبيال * ودوا لو ه ومن يضلل الل أتريدون أن تهدوا من أضل اللى يهاجروا في خذوا منهم أولياء حت تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فال تت

ا خذوا منهم ولي وا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم وال تت ه فإن تول سبيل اللذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق أو جاءوكم حصرت وال نصيرا * إال ال

ه لسلطهم عليكم صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ولو شاء الله لكم لم فما جعل الل فلقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السما ردوا عليهم سبيال * ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كللم ويكفوا أيديهم إلى الفتنة أركسوا فيها فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم الس

فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا {

المراد بالمنافقين المذكورين في هذه اآليات: المنافقون المظهرون  إسالمهم، ولم يهاجروا مع كفرهم، وكان قد وقع بين الصحابة رضوان الله عليهم فيهم اشتباه، فبعضهم تحرج عن قتالهم، وقطع مواالتهم بسبب ما

أظهروه من اإليمان، وبعضهم علم أحوالهم بقرائن أفعالهم فحكم بكفرهم. فأخبرهم الله تعالى أنه ال ينبغي لكم أن تشتبهوا فيهم وال تشكوا، بل أمرهم

واضح غير مشكل، إنهم منافقون قد تكرر كفرهم، وودوا مع ذلك كفركم وأنخذوا منهم أولياء { تكونوا مثلهم. فإذا تحققتم ذلك منهم وهذا } فال تت

يستلزم عدم محبتهم ألن الوالية فرع المحبة.

ويستلزم أيضا بغضهم وعداوتهم ألن النهي عن الشيء أمر بضده، وهذا األمر موقت بهجرتهم فإذا هاجروا جرى عليهم ما جرى على المسلمين، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يجري أحكام اإلسالم لكل من كان معه وهاجر

إليه، وسواء كان مؤمنا حقيقة أو ظاهر اإليمان.

Page 51: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

أي: } فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم { وأنهم إن لم يهاجروا وتولوا عنها في أي وقت وأي محل كان، وهذا من جملة األدلة الدالة على نسخ القتال في األشهر الحرم، كما هو قول جمهور العلماء، والمنازعون يقولون: هذه

نصوص مطلقة، محمولة على تقييد التحريم في األشهر الحرم.

ثم إن الله استثنى من قتال هؤالء المنافقين ثالث فرق:

م ]على[ ذلك، إحداهما من يصل إلى قوم بينهم فرقتين أمر بتركهم وحت وبين المسلمين عهد وميثاق بترك القتال فينضم إليهم، فيكون له حكمهم في

حقن الدم والمال.

أي: } حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم { والفرقة الثانية قوم بقوا، ال تسمح أنفسهم بقتالكم، وال بقتال قومهم، وأحبوا ترك قتال الفريقين،

ه فهؤالء أيضا أمر بتركهم، وذكر الحكمة في ذلك في قوله: } ولو شاء اللفإن األمور الممكنة ثالثة أقسام: لسلطهم عليكم فلقاتلوكم {

إما أن يكونوا معكم ويقاتلوا أعداءكم، وهذا متعذر من هؤالء، فدار األمر بين قتالكم مع قومهم وبين ترك قتال الفريقين، وهو أهون األمرين عليكم، والله قادر على تسليطهم عليكم، فاقبلوا العافية، واحمدوا ربكم الذي كف أيديهم

عنكم مع التمكن من ذلك.

ه لكم فـهؤالء لم فما جعل الل } إن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السعليهم سبيال {

الفرقة الثالثة: قوم يريدون مصلحة أنفسهم بقطع النظر عن احترامكم، وهم أي: من هؤالء } ستجدون آخرين { الذين قال الله فيهم:

ما أي: خوفا منكم } يريدون أن يأمنوكم { المنافقين. } ويأمنوا قومهم كل أي: ال يزالون مقيمين على كفرهم ونفاقهم، ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها {

وكلما عرض لهم عارض من عوارض الفتن أعماهم ونكسهم على رءوسهم، وازداد كفرهم ونفاقهم، وهؤالء في الصورة كالفرقة الثانية، وفي الحقيقة

مخالفة لها.

فإن الفرقة الثانية تركوا قتال المؤمنين احتراما لهم ال خوفا على أنفسهم، وأما هذه الفرقة فتركوه خوفا ال احتراما، بل لو وجدوا فرصة في قتال

النتهازها، فهؤالء إن لم يتبين منهم ويتضح اتضاحا المؤمنين، فإنهم مستعدون } فإن لم عظيما اعتزال المؤمنين وترك قتالهم، فإنهم يقاتلون، ولهذا قال:

لم { } ويكفوا أيديهم أي: المسالمة والموادعة يعتزلوكم ويلقوا إليكم الس فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا

أي: حجة بينة واضحة، لكونهم معتدين ظالمين لكم تاركين للمسالمة، مبينا {فال يلوموا إال أنفسهم.

{92 { } وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إال خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ مة إلى أهله إال أن يصدقوا فإن كان من قوم فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسل

عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم

Page 52: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

مة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين ميثاق فدية مسله عليما حكيما { ه وكان الل متتابعين توبة من الل

هذه الصيغة من صيغ االمتناع، أي: يمتنع ويستحيل أن يصدر من مؤمن قتل مؤمن، أي: متعمدا، وفي هذا اإلخبار بشدة تحريمه وأنه مناف لإليمان أشد

منافاة، وإنما يصدر ذلك إما من كافر، أو من فاسق قد نقص إيمانه نقصا عظيما، ويخشى عليه ما هو أكبر من ذلك، فإن اإليمان الصحيح يمنع المؤمن من قتل أخيه الذي قد عقد الله بينه وبينه األخوة اإليمانية التي من مقتضاها محبته ومواالته، وإزالة ما يعرض ألخيه من األذى، وأي أذى أشد من القتل؟

وهذا يصدقه قوله صلى الله عليه وسلم: "ال ترجعوا بعدي كفارا يضرببعضكم رقاب بعض"

فعلم أن القتل من الكفر العملي وأكبر الكبائر بعد الشرك بالله. ولما كان لفظا عاما لجميع األحوال، وأنه ال } وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا { قوله:

} إال يصدر منه قتل أخيه بوجه من الوجوه، استثنى تعالى قتل الخطأ فقال: فإن المخطئ الذي ال يقصد القتل غير آثم، وال مجترئ على محارم خطأ {

الله، ولكنه لما كان قد فعل فعال شنيعا وصورته كافية في قبحه وإن لم سواء كان } ومن قتل مؤمنا خطأ { يقصده أمر تعالى بالكفارة والدية فقال:

ا أو عبدا، صغيرا أو كبيرا، عاقال أو مجنونا، مسلما أو القاتل ذكرا أو أنثى حر كافرا، كما يفيده لفظ "من" الدالة على العموم وهذا من أسرار اإلتيان بـ

"من" في هذا الموضع، فإن سياق الكالم يقتضي أن يقول: فإن قتله، ولكنهذا لفظ ال يشمل ما تشمله "من"

وسواء كان المقتول ذكرا أو أنثى، صغيرا أو كبيرا، كما يفيده التنكير في كفارة لذلك، تكون } تحرير رقبة مؤمنة { سياق الشرط، فإن على القاتل

في ماله، ويشمل ذلك الصغير والكبير، والذكر واألنثى، والصحيح والمعيب،في قول بعض العلماء.

ولكن الحكمة تقتضي أن ال يجزئ عتق المعيب في الكفارة؛ ألن المقصود بالعتق نفع العتيق، وملكه منافع نفسه، فإذا كان يضيع بعتقه، وبقاؤه في

ما يدل } تحرير رقبة { الرق أنفع له فإنه ال يجزئ عتقه، مع أن في قوله: على ذلك؛ فإن التحرير: تخليص من استحقت منافعه لغيره أن تكون له، فإذا

لم يكن فيه منافع لم يتصور وجود التحرير. فتأمل ذلك فإنه واضح.

مة وأما الدية فإنها تجب على عاقلة القاتل في الخطأ وشبه العمد. } مسل جبرا لقلوبهم، والمراد بأهله هنا هم ورثته، فإن الورثة يرثون ما إلى أهله {

ترك، الميت، فالدية داخلة فيما ترك وللدية تفاصيل كثيرة مذكورة في كتبالفقه.

أي: يتصدق ورثة القتيل بالعفو عن الدية، فإنها } إال أن يصدقوا { وقوله: تسقط، وفي ذلك حث لهم على العفو ألن الله سماها صدقة، والصدقة

أي: من } من قوم عدو لكم { المقتول } فإن كان { مطلوبة في كل وقت. أي: وليس عليكم ألهله دية، } وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة { كفار حربيين

لعدم احترامهم في دمائهم وأموالهم.

Page 53: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

مة إلى أهله المقتول } وإن كان { } من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلوذلك الحترام أهله بما لهم من العهد والميثاق. وتحرير رقبة مؤمنة {

الرقبة وال ثمنها، بأن كان معسرا بذلك، ليس عنده ما } فمن لم يجد { } فصيام شهرين يفضل عن مؤنته وحوائجه األصلية شيء يفي بالرقبة،

أي: ال يفطر بينهما من غير عذر، فإن أفطر لعذر فإن العذر ال متتابعين { يقطع التتابع، كالمرض والحيض ونحوهما. وإن كان لغير عذر انقطع التتابع

ووجب عليه استئناف الصوم.

أي: هذه الكفارات التي أوجبها الله على القاتل توبة من } توبة من الله { الله على عباده ورحمة بهم، وتكفير لما عساه أن يحصل منهم من تقصير

وعدم احتراز، كما هو واقع كثيرا للقاتل خطأ.

ه عليما حكيما { أي: كامل العلم كامل الحكمة، ال يخفى عليه } وكان الل مثقال ذرة في األرض وال في السماء، وال أصغر من ذلك وال أكبر، في أي

وقت كان وأي محل كان.

وال يخرج عن حكمته من المخلوقات والشرائع شيء، بل كل ما خلقه وشرعه فهو متضمن لغاية الحكمة، ومن علمه وحكمته أن أوجب على القاتل كفارة مناسبة لما صدر منه، فإنه تسبب إلعدام نفس محترمة، وأخرجها من

الوجود إلى العدم، فناسب أن يعتق رقبة ويخرجها من رق العبودية للخلق إلى الحرية التامة، فإن لم يجد هذه الرقبة صام شهرين متتابعين، فأخرج

نفسه من رق الشهوات واللذات الحسية القاطعة للعبد عن سعادته األبديةإلى التعبد لله تعالى بتركها تقربا إلى الله.

ومدها تعالى بهذه المدة الكثيرة الشاقة في عددها ووجوب التتابع فيها، ولم يشرع اإلطعام في هذا الموضع لعدم المناسبة. بخالف الظهار، كما سيأتي إن

شاء الله تعالى.

ومن حكمته أن أوجب في القتل الدية ولو كان خطأ، لتكون رادعة وكافة عنكثير من القتل باستعمال األسباب العاصمة عن ذلك.

ومن حكمته أن وجبت على العاقلة في قتل الخطأ، بإجماع العلماء، لكون القاتل لم يذنب فيشق عليه أن يحمل هذه الدية الباهظة، فناسب أن يقوم بذلك من بينه وبينهم المعاونة والمناصرة والمساعدة على تحصيل المصالح

وكف المفاسد ]ولعل ذلك من أسباب منعهم لمن يعقلون عنه من القتل بسبب توزيعه عليهم بقدر أحوالهم  ويخف عنهم حذرا من تحميلهم[

وطاقتهم، وخففت أيضا بتأجيلها عليهم ثالث سنين.

ومن حكمته وعلمه أن جبر أهل القتيل عن مصيبتهم، بالدية التي أوجبها علىأولياء القاتل.

م خالدا فيها وغضب الله93} { } ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنعليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما {

Page 54: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

تقدم أن الله أخبر أنه ال يصدر قتل المؤمن من المؤمن، وأن القتل من الكفر العملي، وذكر هنا وعيد القاتل عمدا، وعيدا ترجف له القلوب وتنصدع له

األفئدة، وتنزعج منه أولو العقول.

فلم يرد في أنواع الكبائر أعظم من هذا الوعيد، بل وال مثله، أال وهو اإلخبار بأن جزاءه جهنم، أي: فهذا الذنب العظيم قد انتهض وحده أن يجازى صاحبه بجهنم، بما فيها من العذاب العظيم، والخزي المهين، وسخط الجبار، وفوات الفوز والفالح، وحصول الخيبة والخسار. فعياذا بالله من كل سبب يبعد عن

رحمته.

وهذا الوعيد له حكم أمثاله من نصوص الوعيد، على بعض الكبائر والمعاصيبالخلود في النار، أو حرمان الجنة.

وقد اختلف األئمة رحمهم الله في تأويلها مع اتفاقهم على بطالن قول الخوارج والمعتزلة الذين يخلدونهم في النار ولو كانوا موحدين. والصواب في

تأويلها ما قاله اإلمام المحقق: شمس الدين بن القيم رحمه الله في "المدارج" فإنه قال - بعدما ذكر تأويالت األئمة في ذلك وانتقدها فقال:

وقالت فرقة: هذه النصوص وأمثالها مما ذكر فيه المقتضي للعقوبة، وال يلزم من وجود مقتضي الحكم وجوده، فإن الحكم إنما يتم بوجود مقتضيه وانتفاء

موانعه.

وغاية هذه النصوص اإلعالم بأن كذا سبب للعقوبة ومقتض لها، وقد قام الدليل على ذكر الموانع فبعضها باإلجماع، وبعضها بالنص. فالتوبة مانع

باإلجماع، والتوحيد مانع بالنصوص المتواترة التي ال مدفع لها، والحسنات العظيمة الماحية مانعة، والمصائب الكبار المكفرة مانعة، وإقامة الحدود في

الدنيا مانع بالنص، وال سبيل إلى تعطيل هذه النصوص فال بد من إعمالالنصوص من الجانبين.

ومن هنا قامت الموازنة بين الحسنات والسيئات، اعتبارا بمقتضي العقابومانعه، وإعماال ألرجحها.

قالوا: وعلى هذا بناء مصالح الدارين ومفاسدهما. وعلى هذا بناء األحكام الشرعية واألحكام القدرية، وهو مقتضى الحكمة السارية في الوجود، وبه

ارتباط األسباب ومسبباتها خلقا وأمرا، وقد جعل الله سبحانه لكل ضد ضدايدافعه ويقاومه، ويكون الحكم لألغلب منهما.

فالقوة مقتضية للصحة والعافية، وفساد األخالط وبغيها مانع من عمل الطبيعة، وفعل القوة والحكم للغالب منهما، وكذلك قوى األدوية واألمراض. والعبد يكون فيه مقتض للصحة ومقتض للعطب، وأحدهما يمنع كمال تأثير

اآلخر ويقاومه، فإذا ترجح عليه وقهره كان التأثير له.

ومن هنا يعلم انقسام الخلق إلى من يدخل الجنة وال يدخل النار، وعكسه، ومن يدخل النار ثم يخرج منها ويكون مكثه فيها بحسب ما فيه من مقتضى

المكث في سرعة الخروج وبطئه. ومن له بصيرة منورة يرى بها كل ما أخبرالله به في كتابه من أمر المعاد وتفاصيله، حتى كأنه يشاهده رأي عين.

Page 55: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

ويعلم أن هذا هو مقتضي إلهيته سبحانه، وربوبيته وعزته وحكمته وأنه يستحيل عليه خالف ذلك، ونسبة ذلك إليه نسبة ما ال يليق به إليه، فيكون

نسبة ذلك إلى بصيرته كنسبة الشمس والنجوم إلى بصره.

وهذا يقين اإليمان، وهو الذي يحرق السيئات، كما تحرق النار الحطب، وصاحب هذا المقام من اإليمان يستحيل إصراره على السيئات، وإن وقعت

منه وكثرت، فإن ما معه من نور اإليمان يأمره بتجديد التوبة كل وقت بالرجوع إلى الله في عدد أنفاسه، وهذا من أحب الخلق إلى الله. انتهى

كالمه قدس الله روحه، وجزاه عن اإلسالم والمسلمين خيرا.

نوا وال تقولوا لمن94} ذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبي ها ال { } يا أيه مغانم الم لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الل ألقى إليكم السه كان بما تعملون نوا إن الل ه عليكم فتبي كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الل

خبيرا {

يأمر تعالى عباده المؤمنين إذا خرجوا جهادا في سبيله وابتغاء مرضاته أن يتبينوا ويتثبتوا في جميع أمورهم المشتبهة. فإن األمور قسمان: واضحة وغير

نة ال تحتاج إلى تثبت وتبين، ألن ذلك تحصيل حاصل. واضحة. فالواضحة البي وأما األمور المشكلة غير الواضحة فإن اإلنسان يحتاج إلى التثبت فيها

والتبين، ليعرف هل يقدم عليها أم ال؟

فإن التثبت في هذه األمور يحصل فيه من الفوائد الكثيرة، والكف لشرور عظيمة، ما به يعرف دين العبد وعقله ورزانته، بخالف المستعجل لألمور في

قبل أن يتبين له حكمها، فإن ذلك يؤدي إلى ما ال ينبغي، كما جرى بدايتهاا لم يتثبتوا وقتلوا من سلم عليهم، وكان لهؤالء الذين عاتبهم الله في اآلية لمـا أنه يستكفي بذلك قتلهم، وكان هذا خطأ في معه غنيمة له أو مال غيره، ظن

الم لست نفس األمر، فلهذا عاتبهم بقوله: } وال تقولوا لمن ألقى إليكم الس أي: فال يحملنكم مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة {

العرض الفاني القليل على ارتكاب ما ال ينبغي فيفوتكم ما عند الله منالثواب الجزيل الباقي، فما عند الله خير وأبقى.

وفي هذا إشارة إلى أن العبد ينبغي له إذا رأى دواعي نفسه مائلة إلى حالةرها ما أعد الله لمن نهى نفسه عن له فيها هوى وهي مضرة له، أن يذك

هواها، وقدم مرضاة الله على رضا نفسه، فإن في ذلك ترغيبا للنفس فيامتثال أمر الله، وإن شق ذلك عليها.

} كذلك ثم قال تعالى مذكرا لهم بحالهم األولى، قبل هدايتهم إلى اإلسالم:ه عليكم { أي: فكما هداكم بعد ضاللكم فكذلك يهدي كنتم من قبل فمن الل

غيركم، وكما أن الهداية حصلت لكم شيئا فشيئا، فكذلك غيركم. فنظر الكامل لحاله األولى الناقصة، ومعاملته لمن كان على مثلها بمقتضى ما

يعرف من حاله األولى، ودعاؤه له بالحكمة والموعظة الحسنة - من أكبرنوا { األسباب لنفعه وانتفاعه، ولهذا أعاد األمر بالتبين فقال: } فتبي

Page 56: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

فإذا كان من خرج للجهاد في سبيل الله، ومجاهدة أعداء الله، وقد استعد بأنواع االستعداد لإليقاع بهم، مأمورا بالتبين لمن ألقى إليه السالم، وكانت

القرينة قوية في أنه إنما سلم تعوذا من القتل وخوفا على نفسه - فإن ذلك يدل على األمر بالتبين والتثبت في كل األحوال التي يقع فيها نوع اشتباه،

فيتثبت فيها العبد، حتى يتضح له األمر ويتبين الرشد والصواب.

ه كان بما تعملون خبيرا { فيجازي كال ما عمله ونواه، بحسب ما } إن اللعلمه من أحوال عباده ونياتهم.

{ } ال يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر96 - 95} ه المجاهدين بأموالهم والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين ه الحسنى وفضل الل وأنفسهم على القاعدين درجة وكال وعد الل

ه غفورا على القاعدين أجرا عظيما * درجات منه ومغفرة ورحمة وكان اللرحيما {

أي: ال يستوي من جاهد من المؤمنين بنفسه وماله ومن لم يخرج للجهاد ولم يقاتل أعداء الله، ففيه الحث على الخروج للجهاد، والترغيب في ذلك،

والترهيب من التكاسل والقعود عنه من غير عذر.

وأما أهل الضرر كالمريض واألعمى واألعرج والذي ال يجد ما يتجهز به، فإنهم ليسوا بمنزلة القاعدين من غير عذر، فمن كان من أولي الضرر راضيا

بقعوده ال ينوي الخروج في سبيل الله لوال ]وجود[ المانع، وال يحدث نفسهبذلك، فإنه بمنزلة القاعد لغير عذر.

ومن كان عازما على الخروج في سبيل الله لوال وجود المانع يتمنى ذلك ويحدث به نفسه، فإنه بمنزلة من خرج للجهاد، ألن النية الجازمة إذا اقترن

بها مقدورها من القول أو الفعل ينزل صاحبها منزلة الفاعل.

ح تعالى بتفضيل المجاهدين على القاعدين بالدرجة، أي: الرفعة، وهذا ثم صر تفضيل على وجه اإلجمال، ثم صرح بذلك على وجه التفصيل، ووعدهم

بالمغفرة الصادرة من ربهم، والرحمة التي تشتمل على حصول كل خير،واندفاع كل شر.

والدرجات التي فصلها النبي صلى الله عليه وسلم بالحديث الثابت عنه في "الصحيحين" أن في الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء

واألرض، أعدها الله للمجاهدين في سبيله.

وهذا الثواب الذي رتبه الله على الجهاد، نظير الذي في سورة الصف في قوله: كم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم ذين آمنوا هل أدل ها ال } يا أي

ه بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير ه ورسوله وتجاهدون في سبيل الل تؤمنون باللات تجري من تحتها األنهار لكم إن كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جن

ات عدن ذلك الفوز العظيم { بة في جن إلى آخر السورة. ومساكن طي

Page 57: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

وتأمل حسن هذا االنتقال من حالة إلى أعلى منها، فإنه نفى التسوية أوال بينح بتفضيل المجاهد على القاعد بدرجة، ثم انتقل إلى المجاهد وغيره، ثم صر

تفضيله بالمغفرة والرحمة والدرجات.

وهذا االنتقال من حالة إلى أعلى منها عند التفضيل والمدح، أو النزول منحالة إلى ما دونها، عند القدح والذم - أحسن لفظا وأوقع في النفس.

وكذلك إذا فضل تعالى شيئا على شيء، وكل منهما له فضل، احترز بذكر } وكال الفضل الجامع لألمرين لئال يتوهم أحد ذم المفضل عليه كما قال هنا:

ه الحسنى { وعد الل

ر وكما ]قال تعالى[ في اآليات المذكورة في الصف في قوله: } وبش } ال يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وكما في قوله تعالى: المؤمنين {

أي: ممن لم يكن كذلك. وقاتل {

ه الحسنى { ثم قال: } ففهمناها سليمان وكما قال تعالى: } وكال وعد الل فينبغي لمن بحث في التفضيل بين األشخاص وكال آتينا حكما وعلما {

والطوائف واألعمال أن يتفطن لهذه النكتة.

وكذلك لو تكلم في ذم األشخاص والمقاالت ذكر ما تجتمع فيه عند تفضيل بعضها على بعض، لئال يتوهم أن المفضل قد حصل له الكمال. كما إذا قيل:

النصارى خير من المجوس فليقل مع ذلك: وكل منهما كافر.

والقتل أشنع من الزنا، وكل منهما معصية كبيرة، حرمها الله ورسوله وزجرعنها.

ولما وعد المجاهدين بالمغفرة والرحمة الصادرين عن اسميهحيم { الكريمين ه غفورا ختم هذا اآلية بهما فقال: } الغفور الر } وكان اللرحيما {

ذين توفاهم المالئكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم99 - 97} { } إن الا مستضعفين في األرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا قالوا كن

جال م وساءت مصيرا * إال المستضعفين من الر فيها فأولئك مأواهم جهنه ساء والولدان ال يستطيعون حيلة وال يهتدون سبيال * فأولئك عسى الل والن

ه عفوا غفورا { أن يعفو عنهم وكان الل

هذا الوعيد الشديد لمن ترك الهجرة مع قدرته عليها حتى مات، فإن المالئكة } فيم الذين يقبضون روحه يوبخونه بهذا التوبيخ العظيم، ويقولون لهم:

أي: على أي حال كنتم؟ وبأي شيء تميزتم عن المشركين؟ بل كثرتم كنتم { سوادهم، وربما ظاهرتموهم على المؤمنين، وفاتكم الخير الكثير، والجهاد مع

رسوله، والكون مع المسلمين، ومعاونتهم على أعدائهم.

ا مستضعفين في األرض { أي: ضعفاء مقهورين مظلومين، ليس } قالوا كن لنا قدرة على الهجرة. وهم غير صادقين في ذلك ألن الله وبخهم وتوعدهم،

وال يكلف الله نفسا إال وسعها، واستثنى المستضعفين حقيقة.

Page 58: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

ه واسعة فتهاجروا فيها { ولهذا قالت لهم المالئكة: وهذا } ألم تكن أرض الل استفهام تقرير، أي: قد تقرر عند كل أحد أن أرض الله واسعة، فحيثما كان

العبد في محل ال يتمكن فيه من إظهار دينه، فإن له متسعا وفسحة منذين آمنوا إن األرض يتمكن فيها من عبادة الله، كما قال تعالى: } يا عبادي ال

اي فاعبدون { قال الله عن هؤالء الذين ال عذر أرضي واسعة فإيم وساءت مصيرا { لهم: وهذا كما تقدم، فيه ذكر بيان } فأولئك مأواهم جهن

السبب الموجب، فقد يترتب عليه مقتضاه، مع اجتماع شروطه وانتفاءموانعه، وقد يمنع من ذلك مانع.

وفي اآلية دليل على أن الهجرة من أكبر الواجبات، وتركها من المحرمات، بل من الكبائر، وفي اآلية دليل على أن كل من توفي فقد استكمل واستوفى ما قدر له من الرزق واألجل والعمل، وذلك مأخوذ من لفظ "التوفي" فإنه يدل

على ذلك، ألنه لو بقي عليه شيء من ذلك لم يكن متوفيا.

وفيه اإليمان بالمالئكة ومدحهم، ألن الله ساق ذلك الخطاب لهم على وجهالتقرير واالستحسان منهم، وموافقته لمحله.

ثم استثنى المستضعفين على الحقيقة، الذين ال قدرة لهم على الهجرة بوجه} وال يهتدون سبيال { من الوجوه

ه عفوا فهؤالء قال الله فيهم: ه أن يعفو عنهم وكان الل } فأولئك عسى الل و "عسى" ونحوها واجب وقوعها من الله تعالى بمقتضى كرمه غفورا {

وإحسانه، وفي الترجية بالثواب لمن عمل بعض األعمال فائدة، وهو أنه قد ال يوفيه حق توفيته، وال يعمله على الوجه الالئق الذي ينبغي، بل يكون مقصرا

فال يستحق ذلك الثواب. والله أعلم.

وفي اآلية الكريمة دليل على أن من عجز عن المأمور من واجب وغيره فإنه } ليس على األعمى حرج معذور، كما قال تعالى في العاجزين عن الجهاد:

وقال في عموم وال على األعرج حرج وال على المريض حرج {ه ما استطعتم { األوامر: قوا الل } فات

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" ولكن ال يعذر اإلنسان إال إذا بذل جهده وانسدت عليه أبواب الحيل

وفي اآلية تنبيه على أن الدليل في الحج } ال يستطيعون حيلة { لقوله:والعمرة ونحوهما مما يحتاج إلى سفر من شروط االستطاعة.

{ } ومن يهاجر في سبيل الله يجد في األرض مراغما كثيرا وسعة100} ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره

ه غفورا رحيما { ه وكان الل على الل

هذا في بيان الحث على الهجرة والترغيب، وبيان ما فيها من المصالح، فوعد الصادق في وعده أن من هاجر في سبيله ابتغاء مرضاته، أنه يجد مراغما في

األرض وسعة، فالمراغم مشتمل على مصالح الدين، والسعة على مصالحالدنيا.

Page 59: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

وذلك أن كثيرا من الناس يتوهم أن في الهجرة شتاتا بعد األلفة، وفقرا بعدالغنى، وذال بعد العز، وشدة بعد الرخاء.

واألمر ليس كذلك، فإن المؤمن ما دام بين أظهر المشركين فدينه في غاية النقص، ال في العبادات القاصرة عليه كالصالة ونحوها، وال في العبادات المتعدية كالجهاد بالقول والفعل، وتوابع ذلك، لعدم تمكنه من ذلك، وهو

بصدد أن يفتن عن دينه، خصوصا إن كان مستضعفا.

فإذا هاجر في سبيل الله تمكن من إقامة دين الله وجهاد أعداء الله ومراغمتهم، فإن المراغمة اسم جامع لكل ما يحصل به إغاظة ألعداء الله

من قول وفعل، وكذلك ما يحصل له سعة في رزقه، وقد وقع كما أخبر اللهتعالى.

واعتبر ذلك بالصحابة رضي الله عنهم فإنهم لما هاجروا في سبيل الله وتركوا ديارهم وأوالدهم وأموالهم لله، كمل بذلك إيمانهم وحصل لهم من

اإليمان التام والجهاد العظيم والنصر لدين الله، ما كانوا به أئمة لمن بعدهم، وكذلك حصل لهم مما يترتب على ذلك من الفتوحات والغنائم، ما كانوا به

أغنى الناس، وهكذا كل من فعل فعلهم، حصل له ما حصل لهم إلى يومالقيامة.

ه ورسوله { ثم قال: أي: قاصدا ربه } ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الل } ثم ورضاه، ومحبة لرسوله ونصرا لدين الله، ال لغير ذلك من المقاصد

أي: فقد حصل } فقد وقع أجره على الله { بقتل أو غيره، يدركه الموت { له أجر المهاجر الذي أدرك مقصوده بضمان الله تعالى، وذلك ألنه نوى

وجزم، وحصل منه ابتداء وشروع في العمل، فمن رحمة الله به وبأمثاله أن أعطاهم أجرهم كامال ولو لم يكملوا العمل، وغفر لهم ما حصل منهم من

التقصير في الهجرة وغيرها.

ه غفورا ولهذا ختم هذه اآلية بهذين االسمين الكريمين فقال: } وكان الل يغفر للمؤمنين ما اقترفوه من الخطيئات، خصوصا التائبين المنيبين رحيما {

إلى ربهم.

بجميع الخلق رحمة أوجدتهم وعافتهم ورزقتهم من المال والبنين } رحيما { والقوة، وغير ذلك. رحيما بالمؤمنين حيث وفقهم لإليمان، وعلمهم من العلم ما يحصل به اإليقان، ويسر لهم أسباب السعادة والفالح وما به يدركون غاية

األرباح، وسيرون من رحمته وكرمه ما ال عين رأت، وال أذن سمعت، وال خطرعلى قلب بشر، فنسأل الله أن ال يحرمنا خيره بشر ما عندنا.

( 125-101 آية ) 176عدد آياتها  تفسير سورة النساء -4وهي مدنية

} وإذا ضربتم في األرض فليس عليكم جناح أن تقصروا { 102 - 101 }ذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا من الصالة إن خفتم أن يفتنكم ال

*وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصالة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذواوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصل

Page 60: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

ذين كفروا لو تغفلون عن فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ود ال أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة وال جناح عليكم إن كان بكمه أعد أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم إن الل

للكافرين عذابا مهينا {

} وإذا هاتان اآليتان أصل في رخصة القصر، وصالة الخوف، يقول تعالى: في أي: في السفر، وظاهر اآلية ]أنه[ يقتضي الترخص ضربتم في األرض {

أي سفر كان ولو كان سفر معصية، كما هو مذهب أبي حنيفة رحمه الله،  وخالف في ذلك الجمهور، وهم األئمة الثالثة وغيرهم، فلم يجوزوا الترخص في سفر المعصية، تخصيصا لآلية بالمعنى والمناسبة، فإن الرخصة سهولة

من الله لعباده إذا سافروا أن يقصروا ويفطروا، والعاصي بسفره ال يناسبحاله التخفيف.

أي: ال حرج وال إثم } فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصالة { وقوله: عليكم في ذلك، وال ينافي ذلك كون القصر هو األفضل، ألن نفي الحرج إزالة

لبعض الوهم الواقع في كثير من النفوس، بل وال ينافي الوجوب كما تقدم إلى } إن الصفا والمروة من شعائر الله { ذلك في سورة البقرة في قوله:

آخر اآلية.

وإزالة الوهم في هذا الموضع ظاهرة، ألن الصالة قد تقرر عند المسلمين وجوبها على هذه الصفة التامة، وال يزيل هذا عن نفوس أكثرهم إال بذكر ما

ينافيه.

ويدل على أفضلية القصر على اإلتمام أمران:

أحدهما: مالزمة النبي صلى الله عليه وسلم على القصر في جميع أسفاره.

والثاني: أن هذا من باب التوسعة والترخيص والرحمة بالعباد، والله تعالىيحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته.

ولم يقل أن تقصروا الصالة فيه فائدتان: } أن تقصروا من الصالة { وقوله:

إحداهما: أنه لو قال أن تقصروا الصالة لكان القصر غير منضبط بحد من الحدود، فربما ظن أنه لو قصر معظم الصالة وجعلها ركعة واحدة ألجزأ،

ليدل ذلك على أن القصر محدود مضبوط، } من الصالة { فإتيانه بقوله:مرجوع فيه إلى ما تقرر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

تفيد التبعيض ليعلم بذلك أن القصر لبعض الصلوات } من { الثانية: أن المفروضات ال جميعها، فإن الفجر والمغرب ال يقصران وإنما الذي يقصر

الصالة الرباعية من أربع إلى ركعتين.

فإذا تقرر أن القصر في السفر رخصة، فاعلم أن المفسرين قد اختلفوا فيذين كفروا { هذا القيد، وهو قوله: الذي يدل ظاهره } إن خفتم أن يفتنكم ال

أن القصر ال يجوز إال بوجود األمرين كليهما، السفر مع الخوف.

Page 61: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

قصر العدد } أن تقصروا { ويرجع حاصل اختالفهم إلى أنه هل المراد بقوله:فقط؟ أو قصر العدد والصفة؟ فاإلشكال إنما يكون على الوجه األول.

وقد أشكل هذا على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حتى سأل عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما لنا نقصر

ا؟ أي: والله يقول: ذين كفروا { الصالة وقد أمن فقال } إن خفتم أن يفتنكم ال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا

صدقته" أو كما قال.

فعلى هذا يكون هذا القيد أتى به نظرا لغالب الحال التي كان النبي صلى اللهعليه وسلم وأصحابه عليها، فإن غالب أسفاره أسفار جهاد.

وفيه فائدة أخرى وهي بيان الحكمة والمصلحة في مشروعية رخصة القصر،ن في هذه اآلية أنهى ما يتصور من المشقة المناسبة للرخصة، وهي فبي

اجتماع السفر والخوف، وال يستلزم ذلك أن ال يقصر مع السفر وحده، الذيهو مظنة المشقة.

وأما على الوجه الثاني، وهو أن المراد بالقصر: قصر العدد والصفة فإن القيد على بابه، فإذا وجد السفر والخوف، جاز قصر العدد، وقصر الصفة، وإذا وجد

السفر وحده جاز قصر العدد فقط، أو الخوف وحده جاز قصر الصفة.

} وإذا كنت فيهم فأقمت لهم ولذلك أتى بصفة صالة الخوف بعدها بقوله: أي: صليت بهم صالة تقيمها وتتم ما يجب فيها ويلزم، فعلمهم ما الصالة {

ينبغي لك ولهم فعله.

أي: وطائفة قائمة بإزاء } فلتقم طائفة منهم معك { ثم فسر ذلك بقوله: أي: الذين معك أي: } فإذا سجدوا { العدو كما يدل على ذلك ما يأتي:

أكملوا صالتهم وعبر عن الصالة بالسجود ليدل على فضل السجود، وأنه ركنمن أركانها، بل هو أعظم أركانها.

وهم الطائفة الذين } فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا { ودل ذلك على أن اإلمام يبقى بعد } فليصلوا معك { قاموا إزاء العدو

انصراف الطائفة األولى منتظرا للطائفة الثانية، فإذا حضروا صلى بهم ما بقي من صالته ثم جلس ينتظرهم حتى يكملوا صالتهم، ثم يسلم بهم وهذا

أحد الوجوه في صالة الخوف.

فإنها صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه كثيرة كلها جائزة،وهذه اآلية تدل على أن صالة الجماعة فرض عين من وجهين:

أحدهما: أن الله تعالى أمر بها في هذه الحالة الشديدة، وقت اشتداد الخوف من األعداء وحذر مهاجمتهم، فإذا أوجبها في هذه الحالة الشديدة فإيجابها

في حالة الطمأنينة واألمن من باب أولى وأحرى.

والثاني: أن المصلين صالة الخوف يتركون فيها كثيرا من الشروط واللوازم، ويعفى فيها عن كثير من األفعال المبطلة في غيرها، وما ذاك إال لتأكد وجوب

Page 62: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

الجماعة، ألنه ال تعارض بين واجب ومستحب، فلوال وجوب الجماعة لم تتركهذه األمور الالزمة ألجلها.

وتدل اآلية الكريمة على أن األولى واألفضل أن يصلوا بإمام واحد. ولو تضمن ذلك اإلخالل بشيء ال يخل به لو صلوها بعدة أئمة، وذلك ألجل اجتماع كلمة المسلمين واتفاقهم وعدم تفرق كلمتهم، وليكون ذلك أوقع هيبة في قلوب أعدائهم، وأمر تعالى بأخذ السالح والحذر في صالة الخوف، وهذا وإن كان

فيه حركة واشتغال عن بعض أحوال الصالة فإن فيه مصلحة راجحة وهو الجمع بين الصالة والجهاد، والحذر من األعداء الحريصين غاية الحرص على

} ود اإليقاع بالمسلمين والميل عليهم وعلى أمتعتهم، ولهذا قال تعالى:ذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة { ال

ثم إن الله عذر من له عذر من مرض أو مطر أن يضع سالحه، ولكن مع أخذ } وال جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن الحذر فقال:

ه أعد للكافرين عذابا مهينا { تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم إن الل

ومن العذاب المهين ما أمر الله به حزبه المؤمنين وأنصار دينه الموحدين من قتلهم وقتالهم حيثما ثقفوهم، ويأخذوهم ويحصروهم، ويقعدوا لهم كل مرصد،

ويحذروهم في جميع األحوال، وال يغفلوا عنهم، خشية أن ينال الكفار بعضمطلوبهم فيهم.

دهم بمعونته فلله أعظم حمد وثناء على ما من به على المؤمنين، وأي وتعاليمه التي لو سلكوها على وجه الكمال لم تهزم لهم راية، ولم يظهر

عليهم عدو في وقت من األوقات.

يدل على أن هذه الطائفة } فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم { وفي قوله: تكمل جميع صالتها قبل ذهابهم إلى موضع الحارسين. وأن الرسول صلى الله

عليه وسلم يثبت منتظرا للطائفة األخرى قبل السالم، ألنه أوال ذكر أن الطائفة تقوم معه، فأخبر عن مصاحبتهم له. ثم أضاف الفعل بعد إليهم دون

الرسول، فدل ذلك على ما ذكرناه.

وا معك { وفي قوله: وا فليصل دليل على أن } ولتأت طائفة أخرى لم يصل الطائفة األولى قد صلوا، وأن جميع صالة الطائفة الثانية تكون مع اإلمام

حقيقة في ركعتهم األولى، وحكما في ركعتهم األخيرة، فيستلزم ذلك انتظاراإلمام إياهم حتى يكملوا صالتهم، ثم يسلم بهم، وهذا ظاهر للمتأمل.

ه قياما وقعودا وعلى جنوبكم فإذا103} { } فإذا قضيتم الصالة فاذكروا اللاطمأننتم فأقيموا الصالة إن الصالة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا {

أي: فإذا فرغتم من صالتكم، صالة الخوف وغيرها، فاذكروا الله في جميع أحوالكم وهيئاتكم، ولكن خصت صالة الخوف بذلك لفوائد. منها: أن القلب

صالحه وفالحه وسعادته باإلنابة إلى الله تعالى في المحبة وامتالء القلب منذكره والثناء عليه.

Page 63: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

وأعظم ما يحصل به هذا المقصود الصالة، التي حقيقتها أنها صلة بين العبدوبين ربه.

ومنها: أن فيها من حقائق اإليمان ومعارف اإليقان ما أوجب أن يفرضها الله على عباده كل يوم وليلة. ومن المعلوم أن صالة الخوف ال تحصل فيها هذه المقاصد الحميدة بسبب اشتغال القلب والبدن والخوف فأمر بجبرها بالذكر

بعدها.

ومنها: أن الخوف يوجب من قلق القلب وخوفه ما هو مظنة لضعفه، وإذا ضعف القلب ضعف البدن عن مقاومة العدو، والذكر لله واإلكثار منه من

أعظم مقويات القلب.

ومنها: أن الذكر لله تعالى مع الصبر والثبات سبب للفالح والظفر باألعداء،ه كثيرا كما قال تعالى: ذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الل ها ال } يا أي

كم تفلحون { فأمر باإلكثار منه في هذه الحال إلى غير ذلك من الحكم. لعل

أي: إذا أمنتم من الخوف واطمأنت } فإذا اطمأننتم فأقيموا الصالة { وقوله: قلوبكم وأبدانكم فأتموا صالتكم على الوجه األكمل ظاهرا وباطنا، بأركانها

وشروطها وخشوعها وسائر مكمالتها.

أي: مفروضا في وقته، فدل } إن الصالة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا { ذلك على فرضيتها، وأن لها وقتا ال تصح إال به، وهو هذه األوقات التي قد

تقررت عند المسلمين صغيرهم وكبيرهم، عالمهم وجاهلهم، وأخذوا ذلك عن نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم بقوله: "صلوا كما رأيتموني أصلي" ودل

على أن الصالة ميزان اإليمان وعلى حسب إيمان } على المؤمنين { قوله: العبد تكون صالته وتتم وتكمل، ويدل ذلك على أن الكفار وإن كانوا ملتزمين ألحكام المسلمين كأهل الذمة - أنهم ال يخاطبون بفروع الدين كالصالة، وال

يؤمرون بها، بل وال تصح منهم ما داموا على كفرهم، وإن كانوا يعاقبون عليهاوعلى سائر األحكام في اآلخرة.

هم يألمون كما104} { } وال تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنه عليما حكيما { تألمون وترجون من الله ما ال يرجون وكان الل

أي: ال تضعفوا وال تكسلوا في ابتغاء عدوكم من الكفار، أي: في جهادهم والمرابطة على ذلك، فإن وهن القلب مستدع لوهن البدن، وذلك يضعف عن

مقاومة األعداء. بل كونوا أقوياء نشيطين في قتالهم.

ثم ذكر ما يقوي قلوب المؤمنين، فذكر شيئين:

األول: أن ما يصيبكم من األلم والتعب والجراح ونحو ذلك فإنه يصيب أعداءكم، فليس من المروءة اإلنسانية والشهامة اإلسالمية أن تكونوا أضعف منهم، وأنتم وإياهم قد تساويتم فيما يوجب ذلك، ألن العادة الجارية ال يضعف

إال من توالت عليه اآلالم وانتصر عليه األعداء على الدوام، ال من يدال مرة،ويدال عليه أخرى.

Page 64: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

األمر الثاني: أنكم ترجون من الله ما ال يرجون، فترجون الفوز بثوابه والنجاة من عقابه، بل خواص المؤمنين لهم مقاصد عالية وآمال رفيعة من نصر دين

الله، وإقامة شرعه، واتساع دائرة اإلسالم، وهداية الضالين، وقمع أعداء الدين، فهذه األمور توجب للمؤمن المصدق زيادة القوة، وتضاعف النشاط

والشجاعة التامة؛ ألن من يقاتل ويصبر على نيل عزه الدنيوي إن ناله، ليس كمن يقاتل لنيل السعادة الدنيوية واألخروية، والفوز برضوان الله وجنته،

} وكان فسبحان من فاوت بين العباد وفرق بينهم بعلمه وحكمته، ولهذا قال:ه عليما حكيما { كامل العلم كامل الحكمة الل

اس بما أراك113 - 105} ا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الن { } إنه وال تكن للخائنين خصيما * ه كان غفورا رحيما * وال الل ه إن الل واستغفر الل

ه ال يحب من كان خوانا أثيما * ذين يختانون أنفسهم إن الل تجادل عن التون ما ال ه وهو معهم إذ يبي اس وال يستخفون من الل يستخفون من الن

ه بما يعملون محيطا * ها أنتم هؤالء جادلتم يرضى من القول وكان الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الل

ه ه يجد الل عليهم وكيال * ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله عليما ما يكسبه على نفسه وكان الل غفورا رحيما * ومن يكسب إثما فإن

حكيما * ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثماوك وما ه عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضل مبينا * ولوال فضل الل

ه عليك الكتاب ونك من شيء وأنزل الل ون إال أنفسهم وما يضر يضله عليك عظيما مك ما لم تكن تعلم وكان فضل الل { والحكمة وعل

يخبر تعالى أنه أنزل على عبده ورسوله الكتاب بالحق، أي: محفوظا في إنزاله من الشياطين، أن يتطرق إليه منهم باطل، بل نزل بالحق، ومشتمال

ك أيضا على الحق، فأخباره صدق، وأوامره ونواهيه عدل } وتمت كلمة رب{ وأخبر أنه أنزله ليحكم بين الناس. صدقا وعدال

ل إليهم وفي اآلية األخرى: } اس ما نز ن للن {. وأنزلنا إليك الذكر لتبي فيحتمل أن هذه اآلية في الحكم بين الناس في مسائل النزاع واالختالف،

وتلك في تبيين جميع الدين وأصوله وفروعه، ويحتمل أن اآليتين كلتيهما معناهما واحد، فيكون الحكم بين الناس هنا يشمل الحكم بينهم في الدماء

واألعراض واألموال وسائر الحقوق وفي العقائد وفي جميع مسائلاألحكام.

ه وقوله: } { أي: ال بهواك بل بما علمك الله وألهمك، كقوله بما أراك الل { وفي هذا دليل على وما ينطق عن الهوى إن هو إال وحي يوحى تعالى: }

غ عن الله من جميع األحكام وغيرها، عصمته صلى الله عليه وسلم فيما يبله  العلم والعدل لقوله: } وأنه يشترط في الحاكم { ولم يقل: بما أراك الل

بما رأيت. ورتب أيضا الحكم بين الناس على معرفة الكتاب، ولما أمر الله بالحكم بين الناس المتضمن للعدل والقسط نهاه عن الجور والظلم الذي

{ أي: ال تخاصم عن من وال تكن للخائنين خصيما هو ضد العدل فقال: } عرفت خيانته، من مدع ما ليس له، أو منكر حقا عليه، سواء علم ذلك أو

Page 65: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

ظنه. ففي هذا دليل على تحريم الخصومة في باطل، والنيابة عن المبطلفي الخصومات الدينية والحقوق الدنيوية.

ويدل مفهوم اآلية على جواز الدخول في نيابة الخصومة لمن لم يعرفمنه ظلم.

ه } { مما صدر منك إن صدر. واستغفر الل

ه كان غفورا رحيما } { أي: يغفر الذنب العظيم لمن استغفره، إن الل وتاب إليه وأناب ويوفقه للعمل الصالح بعد ذلك الموجب لثوابه وزوال

عقابه.

ذين يختانون أنفسهم } { "االختيان" و "الخيانة" بمعنى وال تجادل عن ال الجناية والظلم واإلثم، وهذا يشمل النهي عن المجادلة، عن من أذنب

وتوجه عليه عقوبة من حد أو تعزير، فإنه ال يجادل عنه بدفع ما صدر منهه ال من الخيانة، أو بدفع ما ترتب على ذلك من العقوبة الشرعية. } إن الل

{ أي: كثير الخيانة واإلثم، وإذا انتفى الحب ثبت يحب من كان خوانا أثيماضده وهو البغض، وهذا كالتعليل، للنهي المتقدم.

اس وال يستخفون من ثم ذكر عن هؤالء الخائنين أنهم } يستخفون من النتون ما ال يرضى من القول ه وهو معهم إذ يبي { وهذا من ضعف اإليمان، الل

ونقصان اليقين، أن تكون مخافة الخلق عندهم أعظم من مخافة الله، فيحرصون بالطرق المباحة والمحرمة على عدم الفضيحة عند الناس، وهم

مع ذلك قد بارزوا الله بالعظائم، ولم يبالوا بنظره واطالعه عليهم.

وهو معهم بالعلم في جميع أحوالهم، خصوصا في حال تبييتهم ما ال يرضيه من القول، من تبرئة الجاني، ورمي البريء بالجناية، والسعي في ذلك

للرسول صلى الله عليه وسلم ليفعل ما بيتوه.

فقد جمعوا بين عدة جنايات، ولم يراقبوا رب األرض والسماوات، المطلعه بما على سرائرهم وضمائرهم، ولهذا توعدهم تعالى بقوله: } وكان الل

{ أي: قد أحاط بذلك علما، ومع هذا لم يعاجلهم بالعقوبة يعملون محيطا بل استأنى بهم، وعرض عليهم التوبة وحذرهم من اإلصرار على ذنبهم

الموجب للعقوبة البليغة.

ه عنهم يوم } ها أنتم هؤالء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الل { أي: هبكم جادلتم عنهم في هذه الحياة القيامة أم من يكون عليهم وكيال

من العار والفضيحة عند الدنيا، ودفع عنهم جدالكم بعض ما تحذرون الخلق، فماذا يغني عنهم وينفعهم؟ ومن يجادل الله عنهم يوم القيامة حين

تتوجه عليهم الحجة، وتشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانواه هو الحق يعملون؟ } ه دينهم الحق ويعلمون أن الل يومئذ يوفيهم الل

{ المبين

Page 66: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

فمن يجادل عنهم من يعلم السر وأخفى ومن أقام عليهم من الشهود ما ال إلى المقابلة بين ما يتوهم من يمكن معه اإلنكار؟ وفي هذه اآلية إرشاد

مصالح الدنيا المترتبة على ترك أوامر الله أو فعل مناهيه، وبين ما يفوتمن ثواب اآلخرة أو يحصل من عقوباتها.

فيقول من أمرته نفسه بترك أمر الله ها أنت تركت أمره كسال وتفريطا فما النفع الذي انتفعت به؟ وماذا فاتك من ثواب اآلخرة؟ وماذا ترتب على

هذا الترك من الشقاء والحرمان والخيبة والخسران؟

وكذلك إذا دعته نفسه إلى ما تشتهيه من الشهوات المحرمة قال لها: هبك فعلت ما اشتهيت فإن لذته تنقضي ويعقبها من الهموم والغموم

والحسرات، وفوات الثواب وحصول العقاب - ما بعضه يكفي العاقل في اإلحجام عنها. وهذا من أعظم ما ينفع العبد تدبره، وهو خاصة العقل

يدعي العقل، وليس كذلك، فإنه بجهله وظلمه يؤثر الحقيقي. بخالف الذياللذة الحاضرة والراحة الراهنة، ولو ترتب عليها ما ترتب. والله المستعان.

ه ثم قال تعالى: } ه يجد الل ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الل { أي: من تجرأ على المعاصي واقتحم على اإلثم ثم استغفر غفورا رحيما

الله استغفارا تاما يستلزم اإلقرار بالذنب والندم عليه واإلقالع والعزم علىأن ال يعود. فهذا قد وعده من ال يخلف الميعاد بالمغفرة والرحمة.

فيغفر له ما صدر منه من الذنب، ويزيل عنه ما ترتب عليه من النقص والعيب، ويعيد إليه ما تقدم من األعمال الصالحة، ويوفقه فيما يستقبله

من عمره، وال يجعل ذنبه حائال عن توفيقه، ألنه قد غفره، وإذا غفره غفرما يترتب عليه.

واعلم أن عمل السوء عند اإلطالق يشمل سائر المعاصي، الصغيرة والكبيرة، وسمي "سوءا" لكونه يسوء عامله بعقوبته، ولكونه في نفسه

سيئا غير حسن.

وكذلك ظلم النفس عند اإلطالق يشمل ظلمها بالشرك فما دونه. ولكن عند اقتران أحدهما باآلخر قد يفسر كل واحد منهما بما يناسبه، فيفسر

عمل السوء هنا بالظلم الذي يسوء الناس، وهو ظلمهم في دمائهموأموالهم وأعراضهم.

ويفسر ظلم النفس بالظلم والمعاصي التي بين الله وبين عبده، وسمي ظلم النفس "ظلما" ألن نفس العبد ليست ملكا له يتصرف فيها بما يشاء،

وإنما هي ملك لله تعالى قد جعلها أمانة عند العبد وأمره أن يقيمها على طريق العدل، بإلزامها للصراط المستقيم علما وعمال، فيسعى في تعليمها

ما أمر به ويسعى في العمل بما يجب، فسعيه في غير هذا الطريق ظلملنفسه وخيانة وعدول بها عن العدل، الذي ضده الجور والظلم.

Page 67: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

ما يكسبه على نفسه ثم قال: } { وهذا يشمل كل ما ومن يكسب إثما فإن يؤثم من صغير وكبير، فمن كسب سيئة فإن عقوبتها الدنيوية واألخروية

وال تزر وازرة وزر على نفسه، ال تتعداها إلى غيرها، كما قال تعالى: } { لكن إذا ظهرت السيئات فلم تنكر عمت عقوبتها وشمل إثمها، فال أخرى

تخرج أيضا عن حكم هذه اآلية الكريمة، ألن من ترك اإلنكار الواجب فقدكسب سيئة.

وفي هذا بيان عدل الله وحكمته، أنه ال يعاقب أحدا بذنب أحد، وال يعاقبه عليما أحدا أكثر من العقوبة الناشئة عن ذنبه، ولهذا قال: } وكان الل

{ أي: له العلم الكامل والحكمة التامة. حكيما

ومن علمه وحكمته أنه يعلم الذنب وما صدر منه، والسبب الداعي لفعله، والعقوبة المترتبة على فعله، ويعلم حالة المذنب، أنه إن صدر منه الذنب بغلبة دواعي نفسه األمارة بالسوء مع إنابته إلى ربه في كثير من أوقاته،

أنه سيغفر له ويوفقه للتوبة.

وإن صدر منه بتجرئه على المحارم استخفافا بنظر ربه، وتهاونا بعقابه،فإن هذا بعيد من المغفرة بعيد من التوفيق للتوبة.

{ ما دون ذلك. أو إثما { أي: ذنبا كبيرا } ومن يكسب خطيئة ثم قال: } { من ذلك الذنب، وإن كان مذنبا. بريئا { أي يتهم بذنبه } ثم يرم به } { أي: فقد حمل فوق ظهره بهتا للبريء فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا }

وإثما ظاهرا بينا، وهذا يدل على أن ذلك من كبائر الذنوب وموبقاتها، فإنه قد جمع عدة مفاسد: كسب الخطيئة واإلثم، ثم رمي من لم يفعلها بفعلها،

ثم الكذب الشنيع بتبرئة نفسه واتهام البريء، ثم ما يترتب على ذلك منالعقوبة الدنيوية، تندفع عمن وجبت عليه، وتقام على من ال يستحقها.

ثم ما يترتب على ذلك أيضا من كالم الناس في البريء إلى غير ذلك منالمفاسد التي نسأل الله العافية منها ومن كل شر.

ثم ذكر منته على رسوله بحفظه وعصمته ممن أراد أن يضله فقال:وك } ه عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضل { وذلك أن ولوال فضل الل

هذه اآليات الكريمات قد ذكر المفسرون أن سبب نزولها: أن أهل بيت سرقوا في المدينة، فلما اطلع على سرقتهم خافوا الفضيحة، وأخذوا

سرقتهم فرموها ببيت من هو بريء من ذلك.

واستعان السارق بقومه أن يأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ويطلبوا منه أن يبرئ صاحبهم على رءوس الناس، وقالوا: إنه لم يسرق وإنما الذي

سرق من وجدت السرقة ببيته وهو البريء. فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبرئ صاحبهم، فأنزل الله هذه اآليات تذكيرا وتبيينا لتلك

الواقعة وتحذيرا للرسول صلى الله عليه وسلم من المخاصمة عنالخائنين، فإن المخاصمة عن المبطل من الضالل، فإن الضالل نوعان:

Page 68: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

ضالل في العلم، وهو الجهل بالحق. وضالل في العمل، وهو العمل بغير ما يجب. فحفظ الله رسوله عن هذا النوع من الضالل ]كما حفظه عن

 الضالل في األعمال[

وأخبر أن كيدهم ومكرهم يعود على أنفسهم، كحالة كل ماكر، فقال:ون إال أنفسهم } { لكون ذلك المكر وذلك التحيل لم يحصل لهم وما يضل

إال الخيبة والحرمان واإلثم والخسران. فيه مقصودهم، ولم يحصل لهم نعمة كبيرة على رسوله صلى الله عليه وسلم تتضمن النعمة وهذه

بالعمل، وهو التوفيق لفعل ما يجب، والعصمة له عن كل محرم.

ه عليك الكتاب والحكمة ثم ذكر نعمته عليه بالعلم فقال: } { وأنزل الل أي: أنزل عليك هذا القرآن العظيم والذكر الحكيم الذي فيه تبيان كل

شيء وعلم األولين واآلخرين.

ة تنزل عليه ن ة التي قد قال فيها بعض السلف: إن الس ن والحكمة: إما السكما ينزل القرآن.

وإما معرفة أسرار الشريعة الزائدة على معرفة أحكامها، وتنزيل األشياءمنازلها وترتيب كل شيء بحسبه.

مك ما لم تكن تعلم } { وهذا يشمل جميع ما علمه الله تعالى. فإنه وعل ما كنت تدري ما صلى الله عليه وسلم كما وصفه الله قبل النبوة بقوله: }

{ ووجدك ضاال فهدى { } الكتاب وال اإليمان

ثم لم يزل يوحي الله إليه ويعلمه ويكمله حتى ارتقى مقاما من العلم يتعذر وصوله على األولين واآلخرين، فكان أعلم الخلق على اإلطالق،

ه وأجمعهم لصفات الكمال، وأكملهم فيها، ولهذا قال: } وكان فضل الل { ففضله على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أعظم عليك عظيما

 من فضله على كل مخلوق

وال يتيسر وأجناس الفضل الذي قد فضله الله به ال يمكن استقصاؤهاإحصاؤها

{ } ال خير في كثير من نجواهم إال من أمر بصدقة أو معروف أو114} اس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا إصالح بين الن

عظيما {

أي: ال خير في كثير مما يتناجى به الناس ويتخاطبون، وإذا لم يكن فيه خير، فإما ال فائدة فيه كفضول الكالم المباح، وإما شر ومضرة محضة كالكالم

المحرم بجميع أنواعه.

من مال أو علم أو أي نفع } إال من أمر بصدقة { ثم استثنى تعالى فقال: كان، بل لعله يدخل فيه العبادات القاصرة كالتسبيح والتحميد ونحوه، كما قال

النبي صلى الله عليه وسلم: "إن بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة،

Page 69: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، وفيبضع أحدكم صدقة" الحديث.

وهو اإلحسان والطاعة وكل ما عرف في الشرع والعقل } أو معروف { حسنه، وإذا أطلق األمر بالمعروف من غير أن يقرن بالنهي عن المنكر دخل

فيه النهي عن المنكر، وذلك ألن ترك المنهيات من المعروف، وأيضا ال يتم فعل الخير إال بترك الشر. وأما عند االقتران فيفسر المعروف بفعل المأمور،

والمنكر بترك المنهي.

اس { واإلصالح ال يكون إال بين متنازعين متخاصمين، } أو إصالح بين الن والنزاع والخصام والتغاضب يوجب من الشر والفرقة ما ال يمكن حصره،

فلذلك حث الشارع على اإلصالح بين الناس في الدماء واألموال واألعراض،قوا بل وفي األديان كما قال تعالى: ه جميعا وال تفر } واعتصموا بحبل الل

} وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت وقال تعالى: {ى تفيء إلى أمر الله { تي تبغي حت اآلية. إحداهما على األخرى فقاتلوا ال

والساعي في اإلصالح بين الناس أفضل من } والصلح خير { وقال تعالى:القانت بالصالة والصيام والصدقة، والمصلح ال بد أن يصلح الله سعيه وعمله.

كما أن الساعي في اإلفساد ال يصلح الله عمله وال يتم له مقصوده كما قاله ال يصلح عمل المفسدين { تعالى: . فهذه األشياء حيثما فعلت فهي} إن الل

خير، كما دل على ذلك االستثناء.

} ومن يفعل ولكن كمال األجر وتمامه بحسب النية واإلخالص، ولهذا قال:ه فسوف نؤتيه أجرا عظيما { فلهذا ينبغي للعبد أن ذلك ابتغاء مرضاة الل

يقصد وجه الله تعالى ويخلص العمل لله في كل وقت وفي كل جزء من أجزاء الخير، ليحصل له بذلك األجر العظيم، وليتعود اإلخالص فيكون من

المخلصين، وليتم له األجر، سواء تم مقصوده أم ال، ألن النية حصلت واقترنبها ما يمكن من العمل.

بع غير116 ، 115} ن له الهدى ويت سول من بعد ما تبي { } ومن يشاقق الره ال يغفر م وساءت مصيرا * إن الل ى ونصله جهن ه ما تول سبيل المؤمنين نوله فقد ضل ضالال أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالل

بعيدا {

} من أي: ومن يخالف الرسول صلى الله عليه وسلم ويعانده فيما جاء بهن له الهدى { بالدالئل القرآنية والبراهين النبوية. بعد ما تبي

بع غير سبيل المؤمنين { وسبيلهم هو طريقهم في عقائدهم } ويتى { وأعمالهم ه ما تول أي: نتركه وما اختاره لنفسه، ونخذله فال نوفقه } نول

للخير، لكونه رأى الحق وعلمه وتركه، فجزاؤه من الله عدال أن يبقيه فيضالله حائرا ويزداد ضالال إلى ضالله.

ه قلوبهم { كما قال تعالى: } ونقلب وقال تعالى: } فلما زاغوا أزاغ اللة { أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مر

Page 70: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

ويدل مفهومها على أن من لم يشاقق الرسول، ويتبع سبيل المؤمنين، بأن كان قصده وجه الله واتباع رسوله ولزوم جماعة المسلمين، ثم صدر منه من الذنوب أو الهم بها ما هو من مقتضيات النفوس، وغلبات الطباع، فإن الله ال

يوليه نفسه وشيطانه بل يتداركه بلطفه، ويمن عليه بحفظه ويعصمه منوء السوء، كما قال تعالى عن يوسف عليه السالم: } كذلك لنصرف عنه الس

ه من عبادنا المخلصين { أي: بسبب إخالصه صرفنا عنه السوء، والفحشاء إنوكذلك كل مخلص، كما يدل عليه عموم التعليل.

م { وقوله: } وساءت مصيرا أي: نعذبه فيها عذابا عظيما. } ونصله جهنأي: مرجعا له ومآال. {

على الشقاق ومخالفة المؤمنين مراتب ال يحصيها إال وهذا الوعيد المرتب الله بحسب حالة الذنب صغرا وكبرا، فمنه ما يخلد في النار ويوجب جميعالخذالن. ومنه ما هو دون ذلك، فلعل اآلية الثانية كالتفصيل لهذا المطلق.

وهو: أن الشرك ال يغفره الله تعالى لتضمنه القدح في رب العالمين وفي وحدانيته وتسوية المخلوق الذي ال يملك لنفسه ضرا وال نفعا بمن هو مالك

النفع والضر، الذي ما من نعمة إال منه، وال يدفع النقم إال هو، الذي له الكمالالمطلق من جميع الوجوه، والغنى التام بجميع وجوه االعتبارات.

فمن أعظم الظلم وأبعد الضالل عدم إخالص العبادة لمن هذا شأنه وعظمته، وصرف شيء منها للمخلوق الذي ليس له من صفات الكمال شيء، وال له

من صفات الغنى شيء بل ليس له إال العدم. عدم الوجود وعدم الكمالوعدم الغنى، والفقر من جميع الوجوه.

وأما ما دون الشرك من الذنوب والمعاصي فهو تحت المشيئة، إن شاء الله غفره برحمته وحكمته، وإن شاء عذب عليه وعاقب بعدله وحكمته، وقد

استدل بهذه اآلية الكريمة على أن إجماع هذه األمة حجة وأنها معصومة منالخطأ.

ووجه ذلك: أن الله توعد من خالف سبيل المؤمنين بالخذالن والنار، مفرد مضاف يشمل سائر ما المؤمنون عليه من } سبيل المؤمنين { و

العقائد واألعمال. فإذا اتفقوا على إيجاب شيء أو استحبابه، أو تحريمه أو كراهته، أو إباحته - فهذا سبيلهم، فمن خالفهم في شيء من ذلك بعد انعقاد

} كنتم إجماعهم عليه، فقد اتبع غير سبيلهم. ويدل على ذلك قوله تعالى:اس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر { خير أمة أخرجت للن

ووجه الداللة منها: أن الله تعالى أخبر أن المؤمنين من هذه األمة ال يأمرون إال بالمعروف، فإذا اتفقوا على إيجاب شيء أو استحبابه فهو مما أمروا به،

فيتعين بنص اآلية أن يكون معروفا وال شيء بعد المعروف غير المنكر، وكذلك إذا اتفقوا على النهي عن شيء فهو مما نهوا عنه فال يكون إال منكرا،

} وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على ومثل ذلك قوله تعالى:اس { فأخبر تعالى أن هذه األمة جعلها الله وسطا أي: عدال خيارا ليكونوا الن

شهداء على الناس أي: في كل شيء، فإذا شهدوا على حكم بأن الله أمر به أو نهى عنه أو أباحه، فإن شهادتهم معصومة لكونهم عالمين بما شهدوا به

Page 71: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

عادلين في شهادتهم، فلو كان األمر بخالف ذلك لم يكونوا عادلين فيشهادتهم وال عالمين بها.

سول ومثل ذلك قوله تعالى: } فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والر يفهم منها أن ما لم يتنازعوا فيه بل اتفقوا عليه أنهم غير مأمورين برده {

إلى الكتاب والسنة، وذلك ال يكون إال موافقا للكتاب والسنة فال يكونمخالفا.

ن فهذه األدلة ونحوها تفيد القطع أن إجماع هذه األمة حجة قاطعة، ولهذا بيالله قبح ضالل المشركين بقوله:

{ } إن يدعون من دونه إال إناثا وإن يدعون إال شيطانا مريدا121 - 117} هم ين هم وألمن ن خذن من عبادك نصيبا مفروضا * وألضل ه وقال ألت * لعنه الل

خذ ه ومن يت رن خلق الل هم فليغي كن آذان األنعام وآلمرن هم فليبت وآلمرنيهم وما ا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا * يعدهم ويمن يطان ولي الش

م وال يجدون عنها محيصا { يطان إال غرورا * أولئك مأواهم جهن يعدهم الش

أي: ما يدعو هؤالء المشركون من دون الله إال إناثا، أي: أوثانا وأصناما مسميات بأسماء اإلناث كـ "العزى" و "مناة" ونحوهما، ومن المعلوم أن

االسم دال على المسمى. فإذا كانت أسماؤها أسماء مؤنثة ناقصة، دل ذلك على نقص المسميات بتلك األسماء، وفقدها لصفات الكمال، كما أخبر الله

تعالى في غير موضع من كتابه، أنها ال تخلق وال ترزق وال تدفع عن عابديها بل وال عن نفسها؛ نفعا وال ضرا وال تنصر أنفسها ممن يريدها بسوء، وليس لها

أسماع وال أبصار وال أفئدة، فكيف يعبد من هذا وصفه ويترك اإلخالص لمن له األسماء الحسنى والصفات العليا والحمد والكمال، والمجد والجالل، والعز

والجمال، والرحمة والبر واإلحسان، واالنفراد بالخلق والتدبير، والحكمة العظيمة في األمر والتقدير؟" هل هذا إال من أقبح القبيح الدال على نقص

صاحبه، وبلوغه من الخسة والدناءة أدنى ما يتصوره متصور، أو يصفهواصف؟"

فعبادتهم إنما صورتها فقط لهذه األوثان الناقصة. وبالحقيقة ما ومع ذلك عبدوا غير الشيطان الذي هو عدوهم الذي يريد إهالكهم ويسعى في ذلك بكل

ما يقدر عليه، الذي هو في غاية البعد من الله، لعنه الله وأبعده عن رحمته،ما يدعو فكما أبعده الله من رحمته يسعى في إبعاد العباد عن رحمة الله. } إن

عير { ولهذا أخبر الله عن سعيه في إغواء حزبه ليكونوا من أصحاب السخذن من عبادك العباد، وتزيين الشر لهم والفساد وأنه قال لربه مقسما: } ألت

أي: مقدرا. علم اللعين أنه ال يقدر على إغواء جميع عباد نصيبا مفروضا { الله، وأن عباد الله المخلصين ليس له عليهم سلطان، وإنما سلطانه على

من تواله، وآثر طاعته على طاعة مواله.

هم أجمعين إال عبادك منهم وأقسم في موضع آخر ليغوينهم } ألغوين فهذا الذي ظنه الخبيث وجزم به، أخبر الله تعالى بوقوعه المخلصين {

بعوه إال فريقا من المؤمنين { بقوله: ه فات } ولقد صدق عليهم إبليس ظن

Page 72: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

ذكر ما يريد بهم وما وهذا النصيب المفروض الذي أقسم لله إنه يتخذهمهم { يقصده لهم بقوله: ن أي: عن الصراط المستقيم ضالال في } وألضل

العلم، وضالال في العمل.

هم { ين أي: مع اإلضالل، ألمنينهم أن ينالوا ما ناله المهتدون. وهذا هو } وألمن الغرور بعينه، فلم يقتصر على مجرد إضاللهم حتى زين لهم ما هم فيه من الضالل. وهذا زيادة شر إلى شرهم حيث عملوا أعمال أهل النار الموجبة للعقوبة وحسبوا أنها موجبة للجنة، واعتبر ذلك باليهود والنصارى ونحوهم

ة إال من كان هودا أو فإنهم كما حكى الله عنهم، } وقالوا لن يدخل الجنهم { ا لكل أمة عملهم { نصارى تلك أماني ن ئكم } كذلك زي } قل هل ننب

هم ذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أن باألخسرين أعماال الاآلية. يحسنون صنعا {

} ألم نكن وقال تعالى عن المنافقين إنهم يقولون يوم القيامة للمؤمنين:ى تكم األماني حت صتم وارتبتم وغر كم فتنتم أنفسكم وترب معكم قالوا بلى ولكن

ه الغرور { كم بالل جاء أمر الله وغر

كن آذان األنعام { وقوله: هم فليبت أي: بتقطيع آذانها، وذلك كالبحيرة } وآلمرن والسائبة والوصيلة والحام فنبه ببعض ذلك على جميعه، وهذا نوع من اإلضالل

يقتضي تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله، ويلتحق بذلك منهم االعتقادات الفاسدة واألحكام الجائرة ما هو من أكبر اإلضالل. } وآلمرن

رن خلق الله { وهذا يتناول تغيير الخلقة الظاهرة بالوشم، والوشر فليغي والنمص والتفلج للحسن، ونحو ذلك مما أغواهم به الشيطان فغيروا خلقة

الرحمن.

وذلك يتضمن التسخط من خلقته والقدح في حكمته، واعتقاد أن ما يصنعون بأيديهم أحسن من خلقة الرحمن، وعدم الرضا بتقديره وتدبيره، ويتناول أيضا تغيير الخلقة الباطنة، فإن الله تعالى خلق عباده حنفاء مفطورين على قبول الحق وإيثاره، فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن هذا الخلق الجميل، وزينت

لهم الشر والشرك والكفر والفسوق والعصيان.

فإن كل مولود يولد على الفطرة ولكن أبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، ونحو ذلك مما يغيرون به ما فطر الله عليه العباد من توحيده وحبه ومعرفته.

فافترستهم الشياطين في هذا الموضع افتراس السبع والذئاب للغنم المنفردة. لوال لطف الله وكرمه بعباده المخلصين لجرى عليهم ما جرى على

 هؤالء المفتونين، وهذا الذي جرى عليهم من توليهم عن ربهم وفاطرهم وتوليهم لعدوهم المريد لهم الشر من كل وجه، فخسروا الدنيا واآلخرة،

ا من ورجعوا بالخيبة والصفقة الخاسرة، ولهذا قال: يطان ولي خذ الش } ومن يت وأي خسار أبين وأعظم ممن خسر دينه دون الله فقد خسر خسرانا مبينا {

ودنياه وأوبقته معاصيه وخطاياه؟!! فحصل له الشقاء األبدي، وفاته النعيمالسرمدي.

كما أن من تولى مواله وآثر رضاه، ربح كل الربح، وأفلح كل الفالح، وفاز بسعادة الدارين، وأصبح قرير العين، فال مانع لما أعطيت، وال معطي لما

منعت، اللهم تولنا فيمن توليت، وعافنا فيمن عافيت.

Page 73: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

يهم { ثم قال: أي: يعد الشيطان من يسعى في إضاللهم، } يعدهم ويمنيطان يعدكم الفقر { والوعد يشمل حتى الوعيد كما قال تعالى: فإنه } الش

يعدهم إذا أنفقوا في سبيل الله افتقروا، ويخوفهم إذا جاهدوا بالقتل وغيره،يطان يخوف أولياءه { كما قال تعالى: ما ذلكم الش اآلية. ويخوفهم عند } إن

إيثار مرضاة الله بكل ما يمكن وما ال يمكن مما يدخله في عقولهم حتى يكسلوا عن فعل الخير، وكذلك يمنيهم األماني الباطلة التي هي عند التحقيق

يطان إال غروراكالسراب الذي ال حقيقة له، ولهذا قال: } وما يعدهم الشم { أي: من انقاد للشيطان وأعرض عن ربه، وصار من أولئك مأواهم جهن

أي: مخلصا } وال يجدون عنها محيصا { أتباع إبليس وحزبه، مستقرهم النار.وال ملجأ بل هم خالدون فيها أبد اآلباد.

{ ولما بين مآل األشقياء أولياء الشيطان ذكر مآل السعداء أوليائه122} ات تجري من تحتها ذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جن فقال: } وال

ه حقا ومن أصدق من الله قيال { األنهار خالدين فيها أبدا وعد الل 

بالله ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر، والقدر خيره وشره } آمنوا { أي: } وعملوا الصالحات على الوجه الذي أمروا به علما وتصديقا وإقرارا.

الناشئة عن اإليمان؟ {

وهذا يشمل سائر المأمورات من واجب ومستحب، الذي على القلب، والذي على اللسان، والذي على بقية الجوارح. كل له من الثواب المرتب على ذلك

بحسب حاله ومقامه، وتكميله لإليمان والعمل الصالح.

ويفوته ما رتب على ذلك بحسب ما أخل به من اإليمان والعمل، وذلك بحسب ما علم من حكمة الله ورحمته، وكذلك وعده الصادق الذي يعرف من

تتبع كتاب الله وسنة رسوله.

ات تجري من ولهذا ذكر الثواب المرتب على ذلك بقوله: } سندخلهم جن فيها ما ال عين رأت، وال أذن سمعت، وال خطر على قلب بشر، تحتها األنهار {

من أنواع المآكل والمشارب اللذيذة، والمناظر العجيبة، واألزواج الحسنة، والقصور، والغرف المزخرفة، واألشجار المتدلية، والفواكه المستغربة،

واألصوات الشجية، والنعم السابغة، وتزاور اإلخوان، وتذكرهم ما كان منهم في رياض الجنان، وأعلى من ذلك كله وأجل رضوان الله عليهم وتمتع األرواح

بقربه، والعيون برؤيته، واألسماع بخطابه الذي ينسيهم كل نعيم وسرور، ولوال الثبات من الله لهم لطاروا وماتوا من الفرح والحبور، فلله ما أحلى

ذلك النعيم وما أعلى ما أنالهم الرب الكريم، وماذا حصل لهم من كل خير وبهجة ال يصفه الواصفون، وتمام ذلك وكماله الخلود الدائم في تلك المنازل

} خالدين فيها أبدا وعد الله حقا ومن أصدق من الله العاليات، ولهذا قال:قيال {

فصدق الله العظيم الذي بلغ قوله وحديثه في الصدق أعلى ما يكون، ولهذا لما كان كالمه صدقا وخبره حقا، كان ما يدل عليه مطابقة وتضمنا ومالزمة

Page 74: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

كل ذلك مراد من كالمه، وكذلك كالم رسوله صلى الله عليه وسلم لكونه اليخبر إال بأمره وال ينطق إال عن وحيه.

كم وال أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز124 ، 123} { } ليس بأمانيا وال نصيرا * ومن يعمل من الصالحات من به وال يجد له من دون الله ولي

ة وال يظلمون نقيرا { ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجن

كم وال أماني أهل الكتاب األمر والنجاة والتزكية } ليس { أي: } بأماني واألماني: أحاديث النفس المجردة عن العمل، المقترن بها دعوى مجردة {

لو عورضت بمثلها لكانت من جنسها. وهذا عام في كل أمر، فكيف بأمراإليمان والسعادة األبدية؟!

ة إال من فإن أماني أهل الكتاب قد أخبر الله بها أنهم قالوا: } لن يدخل الجنهم { وغيرهم ممن ليس ينتسب لكتاب وال كان هودا أو نصارى تلك أماني

رسول من باب أولى وأحرى.

وكذلك أدخل الله في ذلك من ينتسب إلى اإلسالم لكمال العدل واإلنصاف، فإن مجرد االنتساب إلى أي دين كان، ال يفيد شيئا إن لم يأت اإلنسان ببرهان

} من على صحة دعواه، فاألعمال تصدق الدعوى أو تكذبها ولهذا قال تعالى: وهذا شامل لجميع العاملين، ألن السوء شامل ألي ذنب يعمل سوءا يجز به {

كان

من صغائر الذنوب وكبائرها، وشامل أيضا لكل جزاء قليل أو كثير، دنيوي أو أخروي.

والناس في هذا المقام درجات ال يعلمها إال الله، فمستقل ومستكثر، فمن كان عمله كله سوءا وذلك ال يكون إال كافرا. فإذا مات من دون توبة جوزي

بالخلود في العذاب األليم.

ومن كان عمله صالحا، وهو مستقيم في غالب أحواله، وإنما يصدر منه بعضاألحيان بعض الذنوب الصغار فما يصيبه من الهم والغم واألذى و ]بعض[

اآلالم في بدنه أو قلبه أو حبيبه أو ماله ونحو ذلك - فإنها مكفرات للذنوب،  وهي مما يجزى به على عمله، قيضها الله لطفا بعباده، وبين هذين الحالين

مراتب كثيرة.

وهذا الجزاء على عمل السوء العام مخصوص في غير التائبين، فإن التائبمن الذنب كمن ال ذنب له، كما دلت على ذلك النصوص.

ا وال نصيرا { وقوله: إلزالة بعض ما لعله يتوهم } وال يجد له من دون الله ولي أن من استحق المجازاة على عمله قد يكون له ولي أو ناصر أو شافع يدفع

عنه ما استحقه، فأخبر تعالى بانتفاء ذلك، فليس له ولي يحصل له المطلوب،وال نصير يدفع عنه المرهوب، إال ربه ومليكه.

Page 75: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

دخل في ذلك سائر األعمال القلبية والبدنية، } ومن يعمل من الصالحات { ودخل أيضا كل عامل من إنس أو جن، صغير أو كبير، ذكر أو أنثى. ولهذا

وهذا شرط لجميع األعمال، ال تكون } من ذكر أو أنثى وهو مؤمن { قال:صالحة وال تقبل وال يترتب عليها الثواب وال يندفع بها العقاب إال باإليمان.

فاألعمال بدون اإليمان كأغصان شجرة قطع أصلها وكبناء بني على موج الماء، فاإليمان هو األصل واألساس والقاعدة التي يبنى عليه كل شيء، وهذا

القيد ينبغي التفطن له في كل عمل أطلق، فإنه مقيد به.

ة أي: الذين جمعوا بين اإليمان والعمل الصالح } فأولئك { } يدخلون الجن أي: ال } وال يظلمون نقيرا { المشتملة على ما تشتهي األنفس وتلذ األعين {

قليال وال كثيرا مما عملوه من الخير، بل يجدونه كامال موفرا، مضاعفا أضعافاكثيرة.

بع ملة125} ه وهو محسن وات { } ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله إبراهيم خليال { خذ الل إبراهيم حنيفا وات

أي: ال أحد أحسن من دين من جمع بين اإلخالص للمعبود، وهو إسالم الوجه لله الدال على استسالم القلب وتوجهه وإنابته وإخالصه، وتوجه الوجه وسائر

األعضاء لله.

أي: متبع لشريعة الله } محسن { مع هذا اإلخالص واالستسالم } وهو {التي أرسل بها رسله، وأنزل كتبه، وجعلها طريقا لخواص خلقه وأتباعهم.

ة إبراهيم { بع مل أي: مائال عن الشرك إلى } حنيفا { أي: دينه وشرعه } واته إبراهيم التوحيد، وعن التوجه للخلق إلى اإلقبال على الخالق، خذ الل } وات

والخلة أعلى أنواع المحبة، وهذه المرتبة حصلت للخليلين محمد خليال { وإبراهيم عليهما الصالة والسالم، وأما المحبة من الله فهي لعموم المؤمنين،

وإنما اتخذ الله إبراهيم خليال ألنه وفى بما أمر به وقام بما ابتلي به، فجعلهالله إماما للناس، واتخذه خليال، ونوه بذكره في العالمين.

( 152-126 آية ) 176عدد آياتها  تفسير سورة النساء -4وهي مدنية

ه بكل شيء { 126 } ماوات وما في األرض وكان الل ه ما في الس } وللمحيطا {

} وهذه اآلية الكريمة فيها بيان إحاطة الله تعالى بجميع األشياء، فأخبر أنه لهماوات وما في األرض { أي: الجميع ملكه وعبيده، فهم ما في الس

المملوكون وهو المالك المتفرد بتدبيرهم، وقد أحاط علمه بجميع المعلومات، وبصره بجميع المبصرات، وسمعه بجميع المسموعات، ونفذت مشيئته

وقدرته بجميع الموجودات، ووسعت رحمته أهل األرض والسماوات، وقهربعزه وقهره كل مخلوق، ودانت له جميع األشياء.

Page 76: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

ه يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في127} ساء قل الل { } ويستفتونك في النتي ال تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن ساء الال الكتاب في يتامى الن

والمستضعفين من الولدان وأن تقوموا لليتامى بالقسط وما تفعلوا من خيره كان به عليما { فإن الل

االستفتاء: طلب السائل من المسئول بيان الحكم الشرعي في ذلك المسئول عنه. فأخبر عن المؤمنين أنهم يستفتون الرسول صلى الله عليه

وسلم في حكم النساء المتعلق بهم، فتولى الله هذه الفتوى بنفسه { فقال: ه يفتيكم فيهن فاعملوا على ما أفتاكم به في جميع شئون} قل الل

النساء، من القيام بحقوقهن وترك ظلمهن عموما وخصوصا.

وهذا أمر عام يشمل جميع ما شرع الله أمرا ونهيا في حق النساء الزوجات وغيرهن، الصغار والكبار، ثم خص -بعد التعميم- الوصية بالضعاف من اليتامى

} وما يتلى والولدان اهتماما بهم وزجرا عن التفريط في حقوقهم فقال:ساء { أي: ويفتيكم أيضا بما يتلى عليكم في عليكم في الكتاب في يتامى الن { الكتاب في شأن اليتامى من النساء. تي ال تؤتونهن ما كتب لهن وهذا } الال

إخبار عن الحالة الموجودة الواقعة في ذلك الوقت، فإن اليتيمة إذا كانت تحت والية الرجل بخسها حقها وظلمها، إما بأكل مالها الذي لها أو بعضه، أو

منعها من التزوج لينتفع بمالها، خوفا من استخراجه من يده إن زوجها، أو يأخذ من مهرها الذي تتزوج به بشرط أو غيره، هذا إذا كان راغبا عنها، أو

يرغب فيها وهي ذات جمال ومال وال يقسط في مهرها، بل يعطيها دون ما } وترغبون أن تستحق، فكل هذا ظلم يدخل تحت هذا النص ولهذا قال:

} أي: ترغبون عن نكاحهن أو في نكاحهن كما ذكرنا تمثيله. تنكحوهن

أي: ويفتيكم في المستضعفين من الولدان } والمستضعفين من الولدان { الصغار، أن تعطوهم حقهم من الميراث وغيره وأن ال تستولوا على أموالهم

أي: بالعدل } وأن تقوموا لليتامى بالقسط { على وجه الظلم واالستبداد. التام، وهذا يشمل القيام عليهم بإلزامهم أمر الله وما أوجبه على عباده،

فيكون األولياء مكلفين بذلك، يلزمونهم بما أوجبه الله.

ويشمل القيام عليهم في مصالحهم الدنيوية بتنمية أموالهم وطلب األحظ لهم فيها، وأن ال يقربوها إال بالتي هي أحسن، وكذلك ال يحابون فيهم صديقا وال غيره، في تزوج وغيره، على وجه الهضم لحقوقهم. وهذا من رحمته تعالى

بعباده، حيث حث غاية الحث على القيام بمصالح من ال يقوم بمصلحة نفسهلضعفه وفقد أبيه.

لليتامى ولغيرهم } وما تفعلوا من خير { ثم حث على اإلحسان عموما فقال:ه كان به عليما { سواء كان الخير متعديا أو الزما أي: قد أحاط } فإن الل

علمه بعمل العاملين للخير، قلة وكثرة، حسنا وضده، فيجازي كال بحسبعمله.

{ } وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فال جناح عليهما أن128} قوا ح وإن تحسنوا وتت يصلحا بينهما صلحا والصلح خير وأحضرت األنفس الش

ه كان بما تعملون خبيرا { فإن الل

Page 77: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

أي: إذا خافت المرأة نشوز زوجها أي: ترفعه عنها وعدم رغبته فيها وإعراضه عنها، فاألحسن في هذه الحالة أن يصلحا بينهما صلحا بأن تسمح المرأة عن بعض حقوقها الالزمة لزوجها على وجه تبقى مع زوجها، إما أن ترضى بأقل

من الواجب لها من النفقة أو الكسوة أو المسكن، أو القسم بأن تسقط حقهامنه، أو تهب يومها وليلتها لزوجها أو لضرتها.

فإذا اتفقا على هذه الحالة فال جناح وال بأس عليهما فيها، ال عليها وال على الزوج، فيجوز حينئذ لزوجها البقاء معها على هذه الحال، وهي خير من

} والصلح خير { الفرقة، ولهذا قال:

ويؤخذ من عموم هذا اللفظ والمعنى أن الصلح بين من بينهما حق أو منازعة في جميع األشياء أنه خير من استقصاء كل منهما على كل حقه، لما فيها من

اإلصالح وبقاء األلفة واالتصاف بصفة السماح.

وهو جائز في جميع األشياء إال إذا أحل حراما أو حرم حالال، فإنه ال يكونصلحا وإنما يكون جورا.

واعلم أن كل حكم من األحكام ال يتم وال يكمل إال بوجود مقتضيه وانتفاء موانعه، فمن ذلك هذا الحكم الكبير الذي هو الصلح، فذكر تعالى المقتضي لذلك ونبه على أنه خير، والخير كل عاقل يطلبه ويرغب فيه، فإن كان -مع

ذلك- قد أمر الله به وحث عليه ازداد المؤمن طلبا له ورغبة فيه.

ح { وذكر المانع بقوله: أي: جبلت النفوس على } وأحضرت األنفس الش الشح، وهو: عدم الرغبة في بذل ما على اإلنسان، والحرص على الحق الذي له، فالنفوس مجبولة على ذلك طبعا، أي: فينبغي لكم أن تحرصوا على قلع هذا الخلق الدنيء من نفوسكم، وتستبدلوا به ضده وهو السماحة، وهو بذل

الحق الذي عليك؛ واالقتناع ببعض الحق الذي لك.

فمتى وفق اإلنسان لهذا الخلق الحسن سهل حينئذ عليه الصلح بينه وبين خصمه ومعامله، وتسهلت الطريق للوصول إلى المطلوب. بخالف من لم

يجتهد في إزالة الشح من نفسه، فإنه يعسر عليه الصلح والموافقة، ألنه ال يرضيه إال جميع ماله، وال يرضى أن يؤدي ما عليه، فإن كان خصمه مثله اشتد

األمر.

قوا { ثم قال: أي: تحسنوا في عبادة الخالق بأن يعبد العبد } وإن تحسنوا وتت ربه كأنه يراه فإن لم يكن يراه فإنه يراه، وتحسنوا إلى المخلوقين بجميع

قوا { طرق اإلحسان، من نفع بمال، أو علم، أو جاه، أو غير ذلك. الله } وتت بفعل جميع المأمورات، وترك جميع المحظورات. أو تحسنوا بفعل المأمور،

ه كان بما تعملون خبيرا { وتتقوا بترك المحظور قد أحاط به علما } فإن اللوخبرا، بظاهره وباطنه، فيحفظه لكم، ويجازيكم عليه أتم الجزاء.

ساء ولو حرصتم فال تميلوا كل129} { } ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النه كان غفورا رحيما { قوا فإن الل قة وإن تصلحوا وتت الميل فتذروها كالمعل

Page 78: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

يخبر تعالى: أن األزواج ال يستطيعون وليس في قدرتهم العدل التام بين النساء، وذلك ألن العدل يستلزم وجود المحبة على السواء، والداعي على

السواء، والميل في القلب إليهن على السواء، ثم العمل بمقتضى ذلك. وهذا متعذر غير ممكن، فلذلك عفا الله عما ال يستطاع، ونهى عما هو ممكن

قة { بقوله: أي: ال تميلوا ميال كثيرا } فال تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلبحيث ال تؤدون حقوقهن الواجبة، بل افعلوا ما هو باستطاعتكم من العدل.

فالنفقة والكسوة والقسم ونحوها عليكم أن تعدلوا بينهن فيها، بخالف الحب والوطء ونحو ذلك، فإن الزوجة إذا ترك زوجها ما يجب لها، صارت كالمعلقة

التي ال زوج لها فتستريح وتستعد للتزوج، وال ذات زوج يقوم بحقوقها.

ما بينكم وبين زوجاتكم، بإجبار أنفسكم على فعل ما ال } وإن تصلحوا { تهواه النفس، احتسابا وقياما بحق الزوجة، وتصلحوا أيضا فيما بينكم وبين

الناس، وتصلحوا أيضا بين الناس فيما تنازعوا فيه، وهذا يستلزم الحث علىكل طريق يوصل إلى الصلح مطلقا كما تقدم.

قوا { } فإن الله بفعل المأمور وترك المحظور، والصبر على المقدور. } وتته كان غفورا رحيما { يغفر ما صدر منكم من الذنوب والتقصير في الحق الل

الواجب، ويرحمكم كما عطفتم على أزواجكم ورحمتموهن.

ه واسعا حكيما {130} ه كال من سعته وكان الل قا يغن الل { } وإن يتفر

هذه الحالة الثالثة بين الزوجين، إذا تعذر االتفاق فإنه ال بأس بالفراق،قا { فقال: ه كال أي: بطالق أو فسخ أو خلع أو غير ذلك } وإن يتفر } يغن الل

أي: من فضله وإحسانه الواسع الشامل. } من سعته { من الزوجين { فيغني الزوج بزوجة خير له منها، ويغنيها من فضله وإن انقطع نصيبها من

زوجها، فإن رزقها على المتكفل بأرزاق جميع الخلق، القائم بمصالحهم، ولعله واسعا { الله يرزقها زوجا خيرا منه، أي: كثير الفضل واسع } وكان الل

الرحمة، وصلت رحمته وإحسانه إلى حيث وصل إليه علمه.

أي: يعطي بحكمة، ويمنع لحكمة. فإذا اقتضت } حكيما { ولكنه مع ذلك حكمته منع بعض عباده من إحسانه، بسبب من العبد ال يستحق معه

اإلحسان، حرمه عدال وحكمة.

ذين132 ، 131} ماوات وما في األرض ولقد وصينا ال ه ما في الس { } ولله ما في ه وإن تكفروا فإن لل قوا الل اكم أن ات أوتوا الكتاب من قبلكم وإي

ماوات وما ه ما في الس ا حميدا * ولل ه غني ماوات وما في األرض وكان الل السفي األرض وكفى بالله وكيال {

يخبر تعالى عن عموم ملكه العظيم الواسع المستلزم تدبيره بجميع أنواع التدبير، وتصرفه بأنواع التصريف قدرا وشرعا، فتصرفه الشرعي أن وصى

األولين واآلخرين أهل الكتب السابقة والالحقة بالتقوى المتضمنة لألمر والنهي، وتشريع األحكام، والمجازاة لمن قام بهذه الوصية بالثواب، والمعاقبة

Page 79: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

بأن تتركوا } وإن تكفروا { لمن أهملها وضيعها بأليم العذاب، ولهذا قال: تقوى الله، وتشركوا بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا، فإنكم ال تضرون

بذلك إال أنفسكم، وال تضرون الله شيئا وال تنقصون ملكه، وله عبيد خير منكم وأعظم وأكثر، مطيعون له خاضعون ألمره. ولهذا رتب على ذلك

ا قوله: ه غني ماوات وما في األرض وكان الل ه ما في الس } وإن تكفروا فإن لل له الجود الكامل واإلحسان الشامل الصادر من خزائن رحمته التي ال حميدا {

ينقصها اإلنفاق وال يغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار، لو اجتمع أهل السماوات وأهل األرض أولهم وآخرهم، فسأل كل ]واحد[ منهم ما بلغت أمانيه ما نقص

من ملكه شيئا، ذلك بأنه جواد واجد ماجد، عطاؤه كالم وعذابه كالم، إنماأمره لشيء إذا أراد أن يقول له كن فيكون.

ومن تمام غناه أنه كامل األوصاف، إذ لو كان فيه نقص بوجه من الوجوه، لكان فيه نوع افتقار إلى ذلك الكمال، بل له كل صفة كمال، ومن تلك الصفة

كمالها، ومن تمام غناه أنه لم يتخذ صاحبة وال ولدا، وال شريكا في ملكه والظهيرا، وال معاونا له على شيء من تدابير ملكه.

ومن كمال غناه افتقار العالم العلوي والسفلي في جميع أحوالهم وشئونهم إليه وسؤالهم إياه جميع حوائجهم الدقيقة والجليلة، فقام تعالى بتلك

المطالب واألسئلة وأغناهم وأقناهم، ومن عليهم بلطفه وهداهم.

وأما الحميد فهو من أسماء الله تعالى الجليلة الدال على أنه ]هو[ المستحق لكل حمد ومحبة وثناء وإكرام، وذلك لما اتصف به من صفات الحمد، التيعم الجزال، فهو هي صفة الجمال والجالل، ولما أنعم به على خلقه من الن

المحمود على كل حال.

!! فإنه غني} الغني الحميد { وما أحسن اقتران هذين االسمين الكريمين محمود، فله كمال من غناه، وكمال من حمده، وكمال من اقتران أحدهما

باآلخر.

ثم كرر إحاطة ملكه لما في السماوات وما في األرض، وأنه على كل شيء وكيل، أي: عالم قائم بتدبير األشياء على وجه الحكمة، فإن ذلك من تمام

الوكالة، فإن الوكالة تستلزم العلم بما هو وكيل عليه، والقوة والقدرة على تنفيذه وتدبيره، وكون ذلك التدبير على وجه الحكمة والمصلحة، فما نقص

من ذلك فهو لنقص بالوكيل، والله تعالى منزه عن كل نقص.

ه على134 - 133} اس ويأت بآخرين وكان الل ها الن { } إن يشأ يذهبكم أيه ثواب الدنيا واآلخرة وكان ذلك قديرا * من كان يريد ثواب الدنيا فعند الل

ه سميعا بصيرا { الل

} إن أي: هو الغني الحميد الذي له القدرة الكاملة والمشيئة النافذة فيكماس ويأت بآخرين { ها الن غيركم هم أطوع لله منكم وخير يشأ يذهبكم أي

منكم، وفي هذا تهديد للناس على إقامتهم على كفرهم وإعراضهم عن ربهم،فإن الله ال يعبأ بهم شيئا إن لم يطيعوه، ولكنه يمهل ويملي وال يهمل.

Page 80: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

ثم أخبر أن من كانت همته وإرادته دنية غير متجاوزة ثواب الدنيا، وليس له إرادة في اآلخرة فإنه قد قصر سعيه ونظره، ومع ذلك فال يحصل له من

ثواب الدنيا سوى ما كتب الله له منها، فإنه تعالى هو المالك لكل شيء الذي عنده ثواب الدنيا واآلخرة، فليطلبا منه ويستعان به عليهما، فإنه ال ينال ما

عنده إال بطاعته، وال تدرك األمور الدينية والدنيوية إال باالستعانة به، واالفتقارإليه على الدوام.

وله الحكمة تعالى في توفيق من يوفقه، وخذالن من يخذله وفي عطائهه سميعا بصيرا { ومنعه، ولهذا قال: } وكان الل

ذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء ثم قال تعالى:  {135} ها ال } يا أيه أولى ا أو فقيرا فالل ه ولو على أنفسكم أو الوالدين واألقربين إن يكن غني لل

ه كان بما تعملون بعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الل بهما فال تتخبيرا {

ه يأمر تعالى عباده المؤمنين أن يكونوا } قوامين بالقسط شهداء لل والقوام صيغة مبالغة، أي: كونوا في كل أحوالكم قائمين بالقسط الذي هو {

العدل في حقوق الله وحقوق عباده، فالقسط في حقوق الله أن ال يستعانبنعمه على معصيته، بل تصرف في طاعته.

كما تطلب والقسط في حقوق اآلدميين أن تؤدي جميع الحقوق التي عليك حقوقك. فتؤدي النفقات الواجبة، والديون، وتعامل الناس بما تحب أن

يعاملوك به، من األخالق والمكافأة وغير ذلك.

ومن أعظم أنواع القسط القسط في المقاالت والقائلين، فال يحكم ألحد القولين أو أحد المتنازعين النتسابه أو ميله ألحدهما، بل يجعل وجهته العدل بينهما، ومن القسط أداء الشهادة التي عندك على أي وجه كان، حتى على

ه ولو على أنفسكم أو األحباب بل على النفس، ولهذا قال: } شهداء لله أولى بهما { ا أو فقيرا فالل أي: فال تراعوا الوالدين واألقربين إن يكن غني

الغني لغناه، وال الفقير بزعمكم رحمة له، بل اشهدوا بالحق على من كان.

والقيام بالقسط من أعظم األمور وأدل على دين القائم به، وورعه ومقامه في اإلسالم، فيتعين على من نصح نفسه وأراد نجاتها أن يهتم له غاية

االهتمام، وأن يجعله نصب عينيه، ومحل إرادته، وأن يزيل عن نفسه كل مانعوعائق يعوقه عن إرادة القسط أو العمل به.

وأعظم عائق لذلك اتباع الهوى، ولهذا نبه تعالى على إزالة هذا المانعبعوا الهوى أن تعدلوا { بقوله: أي: فال تتبعوا شهوات أنفسكم } فال تت

المعارضة للحق، فإنكم إن اتبعتموها عدلتم عن الصواب، ولم توفقوا للعدل، فإن الهوى إما أن يعمي بصيرة صاحبه حتى يرى الحق باطال والباطل حقا،

وإما أن يعرف الحق ويتركه ألجل هواه، فمن سلم من هوى نفسه وفقللحق وهدي إلى الصراط المستقيم.

ن أن الواجب القيام بالقسط نهى عن ما يضاد ذلك، وهو لي اللسان ولما بي عن الحق في الشهادات وغيرها، وتحريف النطق عن الصواب المقصود من

Page 81: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

كل وجه، أو من بعض الوجوه، ويدخل في ذلك تحريف الشهادة وعدم تكميلها، أو تأويل الشاهد على أمر آخر، فإن هذا من اللي ألنه االنحراف عن

أي: تتركوا القسط المنوط بكم، كترك الشاهد } أو تعرضوا { الحق.لشهادته، وترك الحاكم لحكمه الذي يجب عليه القيام به.

ه كان بما تعملون خبيرا { أي: محيط بما فعلتم، يعلم أعمالكم } فإن الل خفيها وجليها، وفي هذا تهديد شديد للذي يلوي أو يعرض. ومن باب أولى وأحرى الذي يحكم بالباطل أو يشهد بالزور، ألنه أعظم جرما، ألن األولين

تركا الحق، وهذا ترك الحق وقام بالباطل.

ل على136} ذي نز ه ورسوله والكتاب ال ذين آمنوا آمنوا بالل ها ال { } يا أيذي أنزل من قبل ومن يكفر بالله ومالئكته وكتبه ورسله رسوله والكتاب ال

واليوم اآلخر فقد ضل ضالال بعيدا {

اعلم أن األمر إما أن يوجه إلى من لم يدخل في الشيء ولم يتصف بشيء منه، فهذا يكون أمرا له في الدخول فيه، وذلك كأمر من ليس بمؤمن

ما باإليمان، كقوله تعالى: لنا مصدقا ل ذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نز ها ال } يأياآلية. معكم {

وإما أن يوجه إلى من دخل في الشيء فهذا يكون أمره ليصحح ما وجد منه ويحصل ما لم يوجد، ومنه ما ذكره الله في هذه اآلية من أمر المؤمنين

باإليمان، فإن ذلك يقتضي أمرهم بما يصحح إيمانهم من اإلخالص والصدق،وتجنب المفسدات والتوبة من جميع المنقصات.

ويقتضي أيضا األمر بما لم يوجد من المؤمن من علوم اإليمان وأعماله، فإنهكلما وصل إليه نص وفهم معناه واعتقده فإن ذلك من اإليمان المأمور به.

وكذلك سائر األعمال الظاهرة والباطنة، كلها من اإليمان كما دلت على ذلكالنصوص الكثيرة، وأجمع عليه سلف األمة.

ها ثم االستمرار على ذلك والثبات عليه إلى الممات كما قال تعالى: } يأيه حق تقاته وال تموتن إال وأنتم مسلمون { قوا الل ذين آمنوا ات وأمر هنا ال

باإليمان به وبرسوله، وبالقرآن وبالكتب المتقدمة، فهذا كله من اإليمان الواجب الذي ال يكون العبد مؤمنا إال به، إجماال فيما لم يصل إليه تفصيله

وتفصيال فيما علم من ذلك بالتفصيل، فمن آمن هذا اإليمان المأمور به، فقد } ومن يكفر بالله ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر فقد ضل اهتدى وأنجح. وأي ضالل أبعد من ضالل من ترك طريق الهدى المستقيم، ضالال بعيدا {

وسلك الطريق الموصلة له إلى العذاب األليم؟"

واعلم أن الكفر بشيء من هذه المذكورات كالكفر بجميعها، لتالزمها وامتناعوجود اإليمان ببعضها دون بعض، ثم قال:

ذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم137} { } إن اله ليغفر لهم وال ليهديهم سبيال { يكن الل

Page 82: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

أي: من تكرر منه الكفر بعد اإليمان فاهتدى ثم ضل، وأبصر ثم عمي، وآمن ثم كفر واستمر على كفره وازداد منه، فإنه بعيد من التوفيق والهداية ألقوم الطريق، وبعيد من المغفرة لكونه أتى بأعظم مانع يمنعه من حصولها. فإن

} فلما زاغوا أزاغ الله كفره يكون عقوبة وطبعا ال يزول كما قال تعالى:ة { قلوبهم { ودلت } ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مر

اآلية: أنهم إن لم يزدادوا كفرا بل رجعوا إلى اإليمان، وتركوا ما هم عليه منالكفران، فإن الله يغفر لهم، ولو تكررت منهم الردة.

وإذا كان هذا الحكم في الكفر فغيره من المعاصي التي دونه من باب أولىأن العبد لو تكررت منه ثم عاد إلى التوبة، عاد الله له بالمغفرة.

خذون139 ، 138} ذين يت ر المنافقين بأن لهم عذابا أليما * ال { } بشه جميعا ة لل ة فإن العز الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العز

}

البشارة تستعمل في الخير، وتستعمل في الشر بقيد كما في هذه اآلية.ر المنافقين { يقول تعالى: أي: الذين أظهروا اإلسالم وأبطنوا الكفر، } بش

بأقبح بشارة وأسوئها، وهو العذاب األليم، وذلك بسبب محبتهم الكفار ومواالتهم ونصرتهم، وتركهم لمواالة المؤمنين، فأي شيء حملهم على ذلك؟

أيبتغون عندهم العزة؟

وهذا هو الواقع من أحوال المنافقين، ساء ظنهم بالله وضعف يقينهم بنصر الله لعباده المؤمنين، ولحظوا بعض األسباب التي عند الكافرين، وقصر

نظرهم عما وراء ذلك، فاتخذوا الكافرين أولياء يتعززون بهم ويستنصرون.

والحال أن العزة لله جميعا، فإن نواصي العباد بيده، ومشيئته نافذة فيهم. وقد تكفل بنصر دينه وعباده المؤمنين، ولو تخلل ذلك بعض االمتحان لعباده

المؤمنين، وإدالة العدو عليهم إدالة غير مستمرة، فإن العاقبة واالستقرار للمؤمنين، وفي هذه اآلية الترهيب العظيم من مواالة الكافرين؛ وترك مواالة

المؤمنين، وأن ذلك من صفات المنافقين، وأن اإليمان يقتضي محبةالمؤمنين ومواالتهم، وبغض الكافرين وعداوتهم.

ه يكفر141 ، 140} ل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الل { } وقد نزكم إذا مثلهم ى يخوضوا في حديث غيره إن بها ويستهزأ بها فال تقعدوا معهم حتصون بكم فإن ذين يترب م جميعا *ال ه جامع المنافقين والكافرين في جهن إن الل كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم

ه يحكم بينكم يوم القيامة ولن نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين فالله للكافرين على المؤمنين سبيال { يجعل الل

ن الله لكم فيما أنزل عليكم حكمه الشرعي عند حضور مجالس أي: وقد بيه يكفر بها ويستهزأ بها { الكفر والمعاصي أي: } أن إذا سمعتم آيات الل

يستهان بها. وذلك أن الواجب على كل مكلف في آيات الله اإليمان بها وتعظيمها وإجاللها وتفخيمها، وهذا المقصود بإنزالها، وهو الذي خلق الله

Page 83: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

الخلق ألجله، فضد اإليمان الكفر بها، وضد تعظيمها االستهزاء بها واحتقارها،ويدخل في ذلك مجادلة الكفار والمنافقين إلبطال آيات الله ونصر كفرهم.

وكذلك المبتدعون على اختالف أنواعهم، فإن احتجاجهم على باطلهم يتضمن االستهانة بآيات الله ألنها ال تدل إال على حق، وال تستلزم إال صدقا، بل وكذلك

يدخل فيه حضور مجالس المعاصي والفسوق التي يستهان فيها بأوامر الله ونواهيه، وتقتحم حدوده التي حدها لعباده ومنتهى هذا النهي عن القعود

ى يخوضوا في حديث غيره { معهم أي: غير الكفر بآيات الله واالستهزاء } حتبها.

كم إذا { ألنكم } مثلهم { أي: إن قعدتم معهم في الحال المذكورة } إن رضيتم بكفرهم واستهزائهم، والراضي بالمعصية كالفاعل لها، والحاصل أن

من حضر مجلسا يعصى الله به، فإنه يتعين عليه اإلنكار عليهم مع القدرة، أوالقيام مع عدمها.

م جميعا { ه جامع المنافقين والكافرين في جهن كما اجتمعوا على } إن الل مجرد كونهم في الظاهر مع المؤمنين كما الكفر والمواالة وال ينفع الكافرين

ذين آمنوا انظرونا نقتبس قال تعالى: } يوم يقول المنافقون والمنافقات للوركم { إلى آخر اآليات. من ن

ذين ثم ذكر تحقيق مواالة المنافقين للكافرين ومعاداتهم للمؤمنين فقال: } الصون بكم { أي: ينتظرون الحالة التي تصيرون عليها، وتنتهون إليها من يترب

} فإن كان لكم فتح خير أو شر، قد أعدوا لكل حالة جوابا بحسب نفاقهم.ه قالوا ألم نكن معكم { فيظهرون أنهم مع المؤمنين ظاهرا وباطنا من الل

ليسلموا من القدح والطعن عليهم، وليشركوهم في الغنيمة والفيءولينتصروا بهم.

ولم يقل فتح؛ ألنه ال يحصل لهم فتح، يكون } وإن كان للكافرين نصيب { مبدأ لنصرتهم المستمرة، بل غاية ما يكون أن يكون لهم نصيب غير مستقر،

أي: نستولي } قالوا ألم نستحوذ عليكم { حكمة من الله. فإذا كان ذلك أي: يتصنعون عندهم بكف أيديهم عنهم مع } ونمنعكم من المؤمنين { عليكم

القدرة، ومنعهم من المؤمنين بجميع وجوه المنع في تفنيدهم وتزهيدهم فيالقتال، ومظاهرة األعداء عليهم، وغير ذلك مما هو معروف منهم.

ه يحكم بينكم يوم القيامة { فيجازي المؤمنين ظاهرا وباطنا بالجنة، } فاللويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات.

ه للكافرين على المؤمنين سبيال { أي: تسلطا واستيالء } ولن يجعل الل عليهم، بل ال تزال طائفة من المؤمنين على الحق منصورة، ال يضرهم من

خذلهم وال من خالفهم، وال يزال الله يحدث من أسباب النصر للمؤمنين، المسلمين ودفع لتسلط الكافرين، ما هو مشهود بالعيان. حتى إن ]بعض[

الذين تحكمهم الطوائف الكافرة، قد بقوا محترمين ال يتعرضون ألديانهم وال الحمد أوال يكونون مستصغرين عندهم، بل لهم العز التام من الله، فله

وآخرا، وظاهرا وباطنا.

Page 84: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

ه وهو خادعهم وإذا قاموا إلى143 ، 142} { } إن المنافقين يخادعون الله إال قليال * مذبذبين بين اس وال يذكرون الل الصالة قاموا كسالى يراءون الن

ه فلن تجد له سبيال { ذلك ال إلى هؤالء وال إلى هؤالء ومن يضلل الل

يخبر تعالى عن المنافقين بما كانوا عليه، من قبيح الصفات وشنائع السمات، وأن طريقتهم مخادعة الله تعالى، أي: بما أظهروه من اإليمان وأبطنوه من الكفران، ظنوا أنه يروج على الله وال يعلمه وال يبديه لعباده، والحال أن الله

خادعهم، فمجرد وجود هذه الحال منهم ومشيهم عليها، خداع ألنفسهم. وأي:خداع أعظم ممن يسعى سعيا يعود عليه بالهوان والذل والحرمان؟"

ويدل بمجرده على نقص عقل صاحبه، حيث جمع بين المعصية، ورآها حسنة،وظنها من العقل والمكر، فلله ما يصنع الجهل والخذالن بصاحبه"

} يوم يقول المنافقون ومن خداعه لهم يوم القيامة ما ذكره الله في قوله:وركم قيل ارجعوا وراءكم ذين آمنوا انظرونا نقتبس من ن والمنافقات لل

حمـة وظاهـره من فالتمسـوا نورا فضرب بينهم بسـور له باب باطنه فيه الرإلى آخر اآليات. قبله العذاب ينادونهم ألم نكن معكم {

-إن قاموا- التي هي أكبر } إذا قاموا إلى الصالة { " و " من صفاتهم أنهم متثاقلين لها متبرمين من فعلها، والكسل } قاموا كسالى { الطاعات العملية

ال يكون إال من فقد الرغبة من قلوبهم، فلوال أن قلوبهم فارغة من الرغبة } يراءون إلى الله وإلى ما عنده، عادمة لإليمان، لم يصدر منهم الكسل،

اس { أي: هذا الذي انطوت عليه سرائرهم وهذا مصدر أعمالهم، مراءاة الن الناس، يقصدون رؤية الناس وتعظيمهم واحترامهم وال يخلصون لله،

ه إال قليال { فلهذا المتالء قلوبهم من الرياء، فإن ذكر الله } ال يذكرون اللتعالى ومالزمته ال يكون إال من مؤمن ممتلئ قلبه بمحبة الله وعظمته.

أي: مترددين بين فريق } مذبذبين بين ذلك ال إلى هؤالء وال إلى هؤالء { المؤمنين وفريق الكافرين. فال من المؤمنين ظاهرا وباطنا، وال من الكافرين

ظاهرا وباطنا. أعطوا باطنهم للكافرين وظاهرهم للمؤمنين، وهذا أعظمه فلن تجد له سبيال { ضالل يقدر. ولهذا قـال: أي: لن تجد } ومن يضلل الل

طريقا لهدايته وال وسيلة لترك غوايته، ألنه انغلق عنه باب الرحمة، وصار بدلهكل نقمة.

فهذه األوصاف المذمومة تدل بتنبيهها على أن المؤمنين متصفون بضدها، من الصدق ظاهرا وباطنا، واإلخالص، وأنهم ال يجهل ما عندهم، ونشاطهم في صالتهم وعباداتهم، وكثرة ذكرهم لله تعالى. وأنهم قد هداهم الله ووفقهم

للصراط المستقيم. فليعرض العاقل نفسه على هذين األمرين وليختر أيهما المستعان. أولى به، وبالله

خذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين144} ذين آمنوا ال تت ها ال { } يا أيه عليكم سلطانا مبينا { أتريدون أن تجعلوا لل

Page 85: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

لما ذكر أن من صفات المنافقين اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين، نهى عباده المؤمنين أن يتصفوا بهذه الحالة القبيحة، وأن يشابهوا المنافقين،

ه عليكم سلطانا مبينا { فإن ذلك موجب ألن أي: حجة واضحة } تجعلوا لل على عقوبتكم، فإنه قد أنذرنا وحذرنا منها، وأخبرنا بما فيها من المفاسد،

فسلوكها بعد هذا موجب للعقاب.

وفي هذه اآلية دليل على كمال عدل الله، وأن الله ال يعذب أحدا قبل قيام الحجة عليه، وفيه التحذير من المعاصي؛ فإن فاعلها يجعل لله عليه سلطانا

مبينا.

ار ولن تجد لهم147 - 145} { } إن المنافقين في الدرك األسفل من النه فأولئك مع ذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لل نصيرا * إال اله بعذابكم إن ه المؤمنين أجرا عظيما * ما يفعل الل المؤمنين وسوف يؤت الل

ه شاكرا عليما { شكرتم وآمنتم وكان الل

يخبر تعالى عن مآل المنافقين أنهم في أسفل الدركات من العذاب، وأشر الحاالت من العقاب. فهم تحت سائر الكفار ألنهم شاركوهم بالكفر بالله ومعاداة رسله، وزادوا عليهم المكر والخديعة والتمكن من كثير من أنواع

العداوة للمؤمنين، على وجه ال يشعر به وال يحس. ورتبوا على ذلك جريان أحكام اإلسالم عليهم، واستحقاق ما ال يستحقونه، فبذلك ونحوه استحقوا أشد العذاب، وليس لهم منقذ من عذابه وال ناصر يدفع عنهم بعض عقابه،

وهذا عام لكل منافق إال من من الله عليهم بالتوبة من والتجأوا } واعتصموا بالله { له الظواهر والبواطن } وأصلحوا { السيئات.

الذي هو } وأخلصوا دينهم { إليه في جلب منافعهم ودفع المضار عنهم.ه { اإلسالم واإليمان واإلحسان } لل

فقصدوا وجه الله بأعمالهم الظاهرة والباطنة وسلموا من الرياء والنفاق، أي: في الدنيا، والبرزخ، } فأولئك مع المؤمنين { فمن اتصف بهذه الصفات

ه المؤمنين أجرا عظيما { ويوم القيامة ال يعلم كنهه إال } وسوف يؤت الل الله، مما ال عين رأت، وال أذن سمعت، وال خطر على قلب بشر. وتأمل كيف

ألن } وأصلحوا { خص االعتصام واإلخالص بالذكر، مع دخولهما في قوله: االعتصام واإلخالص من جملة اإلصالح، لشدة الحاجة إليهما خصوصا في هذا

المقام الحرج الذي يمكن من القلوب النفاق، فال يزيله إال شدة االعتصام بالله، ودوام اللجأ واالفتقار إليه في دفعه، وكون اإلخالص منافيا كل المنافاة للنفاق، فذكرهما لفضلهما وتوقف األعمال الظاهرة والباطنة عليهما، ولشدة

الحاجة في هذا المقام إليهما.

وتأمل كيف لما ذكر أن هؤالء مع المؤمنين لم يقل: وسوف يؤتيهم أجراه المؤمنين أجرا عظيما، مع أن السياق فيهم. بل قال: } وسوف يؤت الل

ألن هذه القاعدة الشريفة -لم يزل الله يبدئ فيها ويعيد، إذا كان عظيما { عليه ثوابا أو عقابا وكان ذلك السياق في بعض الجزئيات، وأراد أن يرتب

مشتركا بينه وبين الجنس الداخل فيه، رتب الثواب في مقابلة الحكم العام الذي تندرج تحته تلك القضية وغيرها، ولئال يتوهم اختصاص الحكم باألمر

Page 86: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

الجزئي، فهذا من أسرار القرآن البديعة، فالتائب من المنافقين مع المؤمنينوله ثوابهم.

} ما ثم أخبر تعالى عن كمال غناه وسعة حلمه ورحمته وإحسانه فقال:ه بعذابكم إن شكرتم وآمنتم { والحال أن الله شاكر عليم. يعطي يفعل الل

المتحملين ألجله األثقال، الدائبين في األعمال، جزيل الثواب وواسعاإلحسان. ومن ترك شيئا لله أعطاه الله خيرا منه.

ومع هذا يعلم ظاهركم وباطنكم، وأعمالكم وما تصدر عنه من إخالص وصدق، وضد ذلك. وهو يريد منكم التوبة واإلنابة والرجوع إليه، فإذا أنبتم

إليه، فأي شيء يفعل بعذابكم؟ فإنه ال يتشفى بعذابكم، وال ينتفع بعقابكم، بلالعاصي ال يضر إال نفسه، كما أن عمل المطيع لنفسه.

والشكر هو خضوع القلب واعترافه بنعمة الله، وثناء اللسان على المشكور،وعمل الجوارح بطاعته وأن ال يستعين بنعمه على معاصيه.

تفسير الجزء السادس

وء من القول إال من ظلم وكان149 ، 148} ه الجهر بالس { } ال يحب الله كان ه سميعا عليما * إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الل الل

عفوا قديرا {

يخبر تعالى أنه ال يحب الجهر بالسوء من القول، أي: يبغض ذلك ويمقته ويعاقب عليه، ويشمل ذلك جميع األقوال السيئة التي تسوء وتحزن، كالشتم

والقذف والسب ونحو ذلك فإن ذلك كله من المنهي عنه الذي يبغضه الله.ويدل مفهومها أنه يحب الحسن من القول كالذكر والكالم الطيب اللين.

 أي: فإنه يجوز له أن يدعو على من ظلمه ويتشكى } إال من ظلم { وقوله: منه، ويجهر بالسوء لمن جهر له به، من غير أن يكذب عليه وال يزيد على

مظلمته، وال يتعدى بشتمه غير ظالمه، ومع ذلك فعفوه وعـدم مقابلته أولى،} فمن عفا وأصلح فأجره على الله { كما قـال تعالى:

ه سميعا عليما { ولما كانت اآلية قد اشتملت على الكالم السيئ } وكان الل فيسمع أقوالكم، فاحذروا أن } سميع { والحسن والمباح، أخبر تعالى أنه

تتكلموا بما يغضب ربكم فيعاقبكم على ذلك. وفيه أيضا ترغيب على القولبنياتكم ومصدر أقوالكم.} عليم { الحسن.

وهذا يشمل كل خير قولي } إن تبدوا خيرا أو تخفوه { ثم قال تعالى:وفعلي، ظاهر وباطن، من واجب ومستحب.

أي: عمن ساءكم في أبدانكم وأموالكم وأعراضكم، } أو تعفوا عن سوء { فتسمحوا عنه، فإن الجزاء من جنس العمل. فمن عفا لله عفا الله عنه، ومن

ه كان عفوا قديرا { أحسن أحسن الله إليه، فلهذا قال: أي: يعفو } فإن الل عن زالت عباده وذنوبهم العظيمة فيسدل عليهم ستره، ثم يعاملهم بعفوه

التام الصادر عن قدرته.

Page 87: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

وفي هذه اآلية إرشاد إلى التفقه في معاني أسماء الله وصفاته، وأن الخلق واألمر صادر عنها، وهي مقتضية له، ولهذا يعلل األحكام باألسماء الحسنى،

كما في هذه اآلية.

لما ذكر عمل الخير والعفو عن المسيء رتب على ذلك، بأن أحالنا علىمعرفة أسمائه وأن ذلك يغنينا عن ذكر ثوابها الخاص.

قوا بين152 - 150} ذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفر { } إن الخذوا بين ذلك ه ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يت الل

ذين آمنوا سبيال * أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا * واله قوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم وكان الل بالله ورسله ولم يفر

غفورا رحيما {

هنا قسمان قد وضحا لكل أحد: مؤمن بالله وبرسله كلهم وكتبه، وكافر بذلككله.

وبقي قسم ثالث: وهو الذي يزعم أنه يؤمن ببعض الرسل دون بعض، وأن هذا سبيل ينجيه من عذاب الله، إن هذا إال مجرد أماني. فإن هؤالء يريدون

التفريق بين الله وبين رسله.

فإن من تولى الله حقيقة تولى جميع رسله ألن ذلك من تمام توليه، ومن عادى أحدا من رسله فقد عادى الله وعادى جميع رسله، كما قال

له { تعالى: اآليات. } من كان عدوا ل

وكذلك من كفر برسول فقد كفر بجميع الرسل، بل بالرسول الذي يزعم أنه وذلك لئال يتوهم أن } أولئك هـم الكـافرون حقا { به مؤمن، ولهذا قال:

مرتبتهم متوسطة بين اإليمان والكفر.

ووجه كونهم كافرين - حتى بما زعموا اإليمان به- أن كل دليل دلهم على اإليمان بمن آمنوا به موجود هو أو مثله أو ما فوقه للنبي الذي كفروا به، وكل

شبهة يزعمون أنهم يقدحون بها في النبي الذي كفروا به موجود مثلها أوأعظم منها فيمن آمنوا به.

فلم يبق بعد ذلك إال التشهي والهوى ومجرد الدعوى التي يمكن كل أحد أن يقابلها بمثلها، ولما ذكر أن هؤالء هم الكافرون حقا ذكر عقابا شامال لهم

كما تكبروا عن اإليمان } وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا { ولكل كافر فقال:بالله، أهانهم بالعذاب األليم المخزي.

ه ورسله { ذين آمنوا بالل وهذا يتضمن اإليمان بكل ما أخبر الله به عن } والقوا بين نفسه وبكل ما جاءت به الرسل من األخبار واألحكام. } ولم يفر

من رسله، بل آمنوا بهم كلهم، فهذا هو اإليمان الحقيقي، واليقين أحد {المبني على البرهان.

Page 88: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

أي: جزاء إيمانهم وما ترتب عليه من عمل } أولئك سوف يؤتيهم أجورهم { صالح، وقول حسن، وخلق جميل، كل على حسب حاله. ولعل هذا هو السر

حيما { في إضافة األجور إليهم، ه غفورا ر يغفر السيئات ويتقبل } وكان اللالحسنات.

( 176-153 آية ) 176عدد آياتها  تفسير سورة النساء -4وهي مدنية

ماء فقد { 161 - 153 } ل عليهم كتابا من الس } يسألك أهل الكتاب أن تنزه جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الل

نات فعفونا عن ذلك وآتينا موسى خذوا العجل من بعد ما جاءتهم البي ثم ات سلطانا مبينا * ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم وقلنا لهم ادخلوا الباب سجدا

بت وأخذنا منهم ميثاقا غليظا *فبما نقضهم وقلنا لهم ال تعدوا في الس ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم األنبياء بغير حق وقولهم قلوبنا غلف بله عليها بكفرهم فال يؤمنون إال قليال * وبكفرهم وقولهم على مريم طبع الله وما ا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الل بهتانا عظيما * وقولهم إن

ذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم ه لهم وإن ال قتلوه وما صلبوه ولكن شبه ه إليه وكان الل باع الظن وما قتلوه يقينا * بل رفعه الل به من علم إال ات

عزيزا حكيما * وإن من أهل الكتاب إال ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامةبات أحلت لهم منا عليهم طي ذين هادوا حر يكون عليهم شهيدا * فبظلم من ال

با وقد نهوا عنه وأكلهم أموال ه كثيرا * وأخذهم الر وبصدهم عن سبيل اللاس بالباطل وأعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما { الن

هذا السؤال الصادر من أهل الكتاب للرسول محمد صلى الله عليه وسلم على وجه العناد واالقتراح، وجعلهم هذا السؤال يتوقف عليه تصديقهم أو تكذيبهم. وهو أنهم سألوه أن ينزل عليهم القرآن جملة واحدة كما نزلت التوراة واإلنجيل، وهذا غاية الظلم منهم والجهل، فإن الرسول بشر عبد مدبر، ليس في يده من األمر شيء، بل األمر كله لله، وهو الذي يرسل

وينزل ما يشاء على عباده كما قال تعالى عن الرسول، لما ذكر اآليات التيي فيها اقتراح المشركين على محمد صلى الله عليه وسلم، } قل سبحان رب

سوال { هل كنت إال بشرا ر

وكذلك جعلهم الفارق بين الحق والباطل مجرد إنزال الكتاب جملة أو مفرقا، مجرد دعوى ال دليل عليها وال مناسبة، بل وال شبهة، فمن أين يوجد في نبوة أحد من األنبياء أن الرسول الذي يأتيكم بكتاب نزل مفرقا فال تؤمنوا به وال

تصدقوه؟

بل نزول هذا القرآن مفرقا بحسب األحوال مما يدل على عظمته واعتناءل عليه الله بمن أنزل عليه، كما قال تعالى: ذين كفروا لوال نز } وقال ال

لناه ترتيال وال يأتونك بمثل إال ت به فؤادك ورت القرآن جملة واحدة كذلك لنثبجئناك بالحق وأحسن تفسيرا {

فلما ذكر اعتراضهم الفاسد أخبر أنه ليس بغريب من أمرهم، بل سبق لهم من المقدمات القبيحة ما هو أعظم مما سلكوه مع الرسول الذي يزعمون

Page 89: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

أنهم آمنوا به. من سؤالهم له رؤية الله عيانا، واتخاذهم العجل إلها يعبدونه،من بعد ما رأوا من اآليات بأبصارهم ما لم يره غيرهم.

ومن امتناعهم من قبول أحكام كتابهم وهو التوراة، حتى رفع الطور من فوق رءوسهم وهددوا أنهم إن لم يؤمنوا أسقط عليهم، فقبلوا ذلك على وجه

اإلغماض واإليمان الشبيه باإليمان الضروري.

ومن امتناعهم من دخول أبواب القرية التي أمروا بدخولها سجدا مستغفرين، فخالفوا القول والفعل. ومن اعتداء من اعتدى منهم في السبت فعاقبهم الله

تلك العقوبة الشنيعة.

وبأخذ الميثاق الغليظ عليهم فنبذوه وراء ظهورهم وكفروا بآيات الله وقتلوا رسله بغير حق. ومن قولهم: إنهم قتلوا المسيح عيسى وصلبوه، والحال أنهم

ه لهم غيره، فقتلوا غيره وصلبوه. ما قتلوه وما صلبوه بل شب

وادعائهم أن قلوبهم غلف ال تفقه ما تقول لهم وال تفهمه، وبصدهم الناس عن سبيل الله، فصدوهم عن الحق، ودعوهم إلى ما هم عليه من الضالل

والغي. وبأخذهم السحت والربا مع نهي الله لهم عنه والتشديد فيه.

فالذين فعلوا هذه األفاعيل ال يستنكر عليهم أن يسألوا الرسول محمدا أن ينزل عليهم كتابا من السماء، وهذه الطريقة من أحسن الطرق لمحاجة

الخصم المبطل، وهو أنه إذا صدر منه من االعتراض الباطل ما جعله شبهة له ولغيره في رد الحق أن يبين من حاله الخبيثة وأفعاله الشنيعة ما هو من أقبح ما صدر منه، ليعلم كل أحد أن هذا االعتراض من ذلك الوادي الخسيس، وأن

له مقدمات يجعل هذا معها.

وكذلك كل اعتراض يعترضون به على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم يمكن أن يقابل بمثله أو ما هو أقوى منه في نبوة من يدعون إيمانهم به

ليكتفى بذلك شرهم وينقمع باطلهم، وكل حجة سلكوها في تقريرهم لنبوة من آمنوا به فإنها ونظيرها وما هو أقوى منها، دالة ومقررة لنبوة محمد صلى

الله عليه وسلم.

ولما كان المراد من تعديد ما عدد الله من قبائحهم هذه المقابلة لم يبسطها في هذا الموضع، بل أشار إليها، وأحال على مواضعها وقد بسطها في غير

هذا الموضع في المحل الالئق ببسطها.

يحتمل أن الضمير } وإن من أهل الكتاب إال ليؤمنن به قبل موته { وقوله: يعود إلى أهل الكتاب، فيكون على هذا كل } قبل موته { هنا في قوله:

كتابي يحضره الموت ويعاين األمر حقيقة، فإنه يؤمن بعيسى عليه السالم ولكنه إيمان ال ينفع، إيمان اضطرار، فيكون مضمون هذا التهديد لهم والوعيد،

وأن ال يستمروا على هذه الحال التي سيندمون عليها قبل مماتهم، فكيفيكون حالهم يوم حشرهم وقيامهم؟"

Page 90: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

راجع إلى عيسى عليه السالم، } قبل موته { ويحتمل أن الضمير في قوله: فيكون المعنى: وما من أحد من أهل الكتاب إال ليؤمنن بالمسيح عليه السالم

قبل موت المسيح، وذلك يكون عند اقتراب الساعة وظهور عالماتها الكبار.

فإنه تكاثرت األحاديث الصحيحة في نزوله عليه السالم في آخر هذه األمة. يقتل الدجال، ويضع الجزية، ويؤمن به أهل الكتاب مع المؤمنين. ويوم القيامة

يكون عيسى عليهم شهيدا، يشهد عليهم بأعمالهم، وهل هي موافقة لشرعالله أم ال؟

وحينئذ ال يشهد إال ببطالن كل ما هم عليه، مما هو مخالف لشريعة القرآن ولما دعاهم إليه محمد صلى الله عليه وسلم، علمنا بذلك، لعلمنا بكمال

عدالة المسيح عليه السالم وصدقه، وأنه ال يشهد إال بالحق، إال أن ما جاء بهمحمد صلى الله عليه وسلم هو الحق وما عداه فهو ضالل وباطل.

ثم أخبر تعالى أنه حرم على أهل الكتاب كثيرا من الطيبات التي كانت حالال عليهم، وهذا تحريم عقوبة بسبب ظلمهم واعتدائهم، وصدهم الناس عن

سبيل الله، ومنعهم إياهم من الهدى، وبأخذهم الربا وقد نهوا عنه، فمنعوا المحتاجين ممن يبايعونه عن العدل، فعاقبهم الله من جنس فعلهم فمنعهم

من كثير من الطيبات التي كانوا بصدد حلها، لكونها طيبة، وأما التحريم الذي على هذه األمة فإنه تحريم تنزيه لهم عن الخبائث التي تضرهم في دينهم

ودنياهم.

اسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل162} { } لكن الره كاة والمؤمنون بالل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصالة والمؤتون الز

واليوم اآلخر أولئك سنؤتيهم أجرا عظيما {

اسخون لما ذكر معايب أهل الكتاب، ذكر الممدوحين منهم فقال: } لكن الر أي: الذين ثبت العلم في قلوبهم ورسخ اإليقان في أفئدتهم في العلم {

} بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك { فأثمر لهم اإليمان التام العام

وأثمر لهم األعمال الصالحة من إقامة الصالة وإيتاء الزكاة اللذين هما أفضل األعمال، وقد اشتملتا على اإلخالص للمعبود واإلحسان إلى العبيد. وآمنوا

باليوم اآلخر فخافوا الوعيد ورجوا الوعد.

ألنهم جمعوا بين العلم واإليمان والعمل } أولئك سنؤتيهم أجرا عظيما {الصالح، واإليمان بالكتب والرسل السابقة والالحقة.

ين من بعده  {165 - 163} بي ا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والن } إنوب وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب واألسباط وعيسى وأي ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا * ورسال قد قصصناهم عليك من

رين ه موسى تكليما * رسال مبش م الل قبل ورسال لم نقصصهم عليك وكله عزيزا سل وكان الل اس على الله حجة بعد الر ومنذرين لئال يكون للن

حكيما {

Page 91: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

يخبر تعالى أنه أوحى إلى عبده ورسوله من الشرع العظيم واألخبار الصادقةما أوحى إلى هؤالء األنبياء عليهم الصالة والسالم وفي هذا عدة فوائد:

منها: أن محمدا صلى الله عليه وسلم ليس ببدع من الرسل، بل أرسل الله قبله من المرسلين العدد الكثير والجم الغفير فاستغراب رسالته ال وجه له إال

الجهل والعناد.

ومنها: أنه أوحى إليه كما أوحى إليهم من األصول والعدل الذي اتفقوا عليه،وأن بعضهم يصدق بعضا ويوافق بعضهم بعضا.

ومنها: أنه من جنس هؤالء الرسل، فليعتبره المعتبر بإخوانه المرسلين، فدعوته دعوتهم؛ وأخالقهم متفقة؛ ومصدرهم واحد؛ وغايتهم واحدة، فلم

يقرنه بالمجهولين؛ وال بالكذابين وال بالملوك الظالمين.

ومنها: أن في ذكر هؤالء الرسل وتعدادهم من التنويه بهم، والثناء الصادق عليهم، وشرح أحوالهم مما يزداد به المؤمن إيمانا بهم ومحبة لهم، واقتداء

بهديهم، واستنانا بسنتهم ومعرفة بحقوقهم، ويكون ذلك مصداقا } سالم } سالم على إبراهيم { } سالم على نــوح فـي العـالميـن { لقوله:

ا كذلك نجزي على موسى وهارون { } سالم على إل ياسين * إنالمحسنين {

فكل محسن له من الثناء الحسن بين األنام بحسب إحسانه. والرسل -خصوصا هؤالء المسمون- في المرتبة العليا من اإلحسان.

ولما ذكر اشتراكهم بوحيه ذكر تخصيص بعضهم، فذكر أنه آتى داود الزبور، وهو الكتاب المعروف المزبور الذي خص الله به داود عليه السالم لفضله

وشرفه، وأنه كلم موسى تكليما، أي: مشافهة منه إليه ال بواسطة حتىاشتهر بهذا عند العالمين فيقال: "موسى كليم الرحمن".

وذكر أن الرسل منهم من قصه الله على رسوله، ومنهم من لم يقصصه عليه، وهذا يدل على كثرتهم وأن الله أرسلهم مبشرين لمن أطاع الله

واتبعهم، بالسعادة الدنيوية واألخروية، ومنذرين من عصى الله وخالفهم } ما بشقاوة الدارين، لئال يكون للناس على الله حجة بعد الرسل فيقولوا:

جاءنا من بشير وال نذير فقد جاءكم بشير ونذير {

فلم يبق للخلق على الله حجة إلرساله الرسل تترى يبينون لهم أمر دينهم، ومراضي ربهم ومساخطه وطرق الجنة وطرق النار، فمن كفر منهم بعد ذلك

فال يلومن إال نفسه.

وهذا من كمال عزته تعالى وحكمته أن أرسل إليهم الرسل وأنزل عليهم الكتب، وذلك أيضا من فضله وإحسانه، حيث كان الناس مضطرين إلى

األنبياء أعظم ضرورة تقدر فأزال هذا االضطرار، فله الحمد وله الشكر. ونسأله كما ابتدأ علينا نعمته بإرسالهم، أن يتمها بالتوفيق لسلوك طريقهم،

إنه جواد كريم.

Page 92: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

ه يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والمالئكة يشهدون  {166} } لكن اللوكفى بالله شهيدا {

لما ذكر أن الله أوحى إلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم كما أوحى إلى إخوانه من المرسلين، أخبر هنا بشهادته تعالى على رسالته وصحة ما جاء به،

يحتمل أن يكون المراد أنزله مشتمال على علمه، أي: } أنزله بعلمه { وأنه فيه من العلوم اإللهية واألحكام الشرعية واألخبار الغيبية ما هو من علم الله

تعالى الذي علم به عباده.

ويحتمل أن يكون المراد: أنزله صادرا عن علمه، ويكون في ذلك إشارة وتنبيه على وجه شهادته، وأن المعنى: إذا كان تعالى أنزل هذا القرآن

المشتمل على األوامر والنواهي، وهو يعلم ذلك ويعلم حالة الذي أنزله عليه، وأنه دعا الناس إليه، فمن أجابه وصدقه كان وليه، ومن كذبه وعاداه كان

عدوه واستباح ماله ودمه، والله تعالى يمكنه ويوالي نصره ويجيب دعواته، ويخذل أعداءه وينصر أولياءه، فهل توجد شهادة أعظم من هذه الشهادة وأكبر؟" وال يمكن القدح في هذه الشهادة إال بعد القدح بعلم الله وقدرته وحكمته وإخباره تعالى بشهادة المالئكة على ما أنزل على رسوله، لكمال

إيمانهم ولجاللة هذا المشهود عليه.

فإن األمور العظيمة ال يستشهد عليها إال الخواص، كما قال تعالى في الشهادة على التوحيد: ه ال إله إال هو والمالئكة وأولو العلم ه أن } شهد الل

وكفى بالله شهيدا. قائما بالقسط ال إله إال هو العزيز الحكيم {

وا ضالال  {169 - 167} ه قد ضل ذين كفروا وصدوا عن سبيل الل } إن اله ليغفر لهم وال ليهديهم طريقا * ذين كفروا وظلموا لم يكن الل بعيدا * إن ال

ه يسيرا { م خالدين فيها أبدا وكان ذلك على الل إال طريق جهن

لما أخبر عن رسالة الرسل صلوات الله وسالمه عليهم وأخبر برسالة خاتمهم محمد، وشهد بها وشهدت مالئكته -لزم من ذلك ثبوت األمر المقرر

والمشهود به، فوجب تصديقهم، واإليمان بهم واتباعهم.

ذين كفروا وصدوا عن سبيل الله { ثم توعد من كفر بهم فقال: أي: } إن ال جمعوا بين الكفر بأنفسهم وصدهم الناس عن سبيل الله. وهؤالء هم أئمة

وأي ضالل أعظم من ضالل من } قد ضلوا ضالال بعيدا { الكفر ودعاة الضالل ضل بنفسه وأضل غيره، فباء باإلثمين ورجع بالخسارتين وفاتته الهدايتان،

ذين كفروا وظلموا { ولهذا قال: وهذا الظلم هو زيادة على كفرهم، } إن الوإال فالكفر عند إطالق الظلم يدخل فيه.

والمراد بالظلم هنا أعمال الكفر واالستغراق فيه، فهؤالء بعيدون من المغفرةه ليغفر لهم وال ليهديهم والهداية للصراط المستقيم. ولهذا قال: } لم يكن الل

م { طريقا * إال طريق جهن

Page 93: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

وإنما تعذرت المغفرة لهم والهداية ألنهم استمروا في طغيانهم، وازدادوا في } وما  فطبع على قلوبهم وانسدت عليهم طرق الهداية بما كسبوا، كفرانهم

م للعبيد { ك بظال رب

أي: ال يبالي الله بهم وال يعبأ، ألنهم ال } وكان ذلك على الله يسيرا {يصلحون للخير، وال يليق بهم إال الحالة التي اختاروها ألنفسهم.

كم فآمنوا خيرا  {170} سول بالحق من رب اس قد جاءكم الر ها الن } يا أيه عليما حكيما { ماوات واألرض وكان الل ه ما في الس لكم وإن تكفروا فإن لل

يأمر تعالى جميع الناس أن يؤمنوا بعبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم. وذكر السبب الموجب لإليمان به، والفائدة في اإليمان به، والمضرة

من عدم اإليمان به، فالسبب الموجب هو إخباره بأنه جاءهم بالحق.أي: فمجيئه نفسه حق، وما جاء به من الشرع حق، فإن العاقل يعرف أن بقاء

الخلق في جهلهم يعمهون، وفي كفرهم يترددون، والرسالة قد انقطعت عنهم غير الئق بحكمة الله ورحمته، فمن حكمته ورحمته العظيمة نفس

إرسال الرسول إليهم، ليعرفهم الهدى من الضالل، والغي من الرشد، فمجردالنظر في رسالته دليل قاطع على صحة نبوته.

وكذلك النظر إلى ما جاء به من الشرع العظيم والصراط المستقيم. فإن فيهمن اإلخبار بالغيوب الماضية والمستقبلة، والخبر عن الله وعن اليوم اآلخر - ما ال يعرف إال بالوحي والرسالة. وما فيه من األمر بكل خير وصالح، ورشد

وعدل وإحسان، وصدق وبر وصلة وحسن خلق، ومن النهي عن الشر والفساد والبغي والظلم وسوء الخلق، والكذب والعقوق، مما يقطع به أنه

من عند الله.

وكلما ازداد به العبد بصيرة، ازداد إيمانه ويقينه، فهذا السبب الداعي لإليمان. وأما الفائدة في اإليمان فأخبر أنه خير لكم والخير ضد الشر. فاإليمان خير

للمؤمنين في أبدانهم وقلوبهم وأرواحهم ودنياهم وأخراهم. وذلك لما يترتب عليه من المصالح والفوائد، فكل ثواب عاجل وآجل فمن ثمرات اإليمان،

فالنصر والهدى والعلم والعمل الصالح والسرور واألفراح، والجنة ومااشتملت عليه من النعيم كل ذلك مسبب عن اإليمان.

كما أن الشقاء الدنيوي واألخروي من عدم اإليمان أو نقصه. وأما مضرة عدم اإليمان به صلى الله عليه وسلم فيعرف بضد ما يترتب على اإليمان به. وأن العبد ال يضر إال نفسه، والله تعالى غني عنه ال تضره معصية العاصين، ولهذا

ماوات واألرض {قال: ه ما في الس أي: الجميع خلقه وملكه، وتحت } فإن لله عليما { تدبيره وتصريفه في خلقه وأمره. } حكيما { بكل شيء } وكان الل

فهو العليم بمن يستحق الهداية والغواية، الحكيم في وضع الهداية والغوايةموضعهما.

{ } يا أهل الكتاب ال تغلوا في دينكم وال تقولوا على الله إال الحق171} ما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه إن

Page 94: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

ه إله واحد سبحانه ما الل فآمنوا بالله ورسله وال تقولوا ثالثة انتهوا خيرا لكم إنه وكيال { ماوات وما في األرض وكفى بالل أن يكون له ولد له ما في الس

ينهى تعالى أهل الكتاب عن الغلو في الدين وهو مجاوزة الحد والقدر المشروع إلى ما ليس بمشروع. وذلك كقول النصارى في غلوهم بعيسى عليه السالم، ورفعه عن مقام النبوة والرسالة إلى مقام الربوبية الذي ال

يليق بغير الله، فكما أن التقصير والتفريط من المنهيات، فالغلو كذلك، ولهذاه إال الحق { قال: وهذا الكالم يتضمن ثالثة أشياء: } وال تقولوا على الل

أمرين منهي عنهما، وهما قول الكذب على الله، والقول بال علم في أسمائه وصفاته وأفعاله وشرعه ورسله، والثالث: مأمور به وهو قول الحق في هذه

األمور.

ولما كانت هذه قاعدة عامة كلية، وكان السياق في شأن عيسى عليه السالمما نص على قول الحق فيه، المخالف لطريقة اليهودية والنصرانية فقال: } إن

أي: غاية المسيح عليه السالم المسيح عيسى ابن مريم رسول الله { ومنتهى ما يصل إليه من مراتب الكمال أعلى حالة تكون للمخلوقين، وهي

درجة الرسالة التي هي أعلى الدرجات وأجل المثوبات.

أي: كلمة تكلم الله بها فكان بها } ألقاها إلى مريم { التي } كلمته { وأنه عيسى، ولم يكن تلك الكلمة، وإنما كان بها، وهذا من باب إضافة التشريف

والتكريم.

أي: من األرواح التي خلقها وكملها بالصفات } وروح منه { وكذلك قوله: الفاضلة واألخالق الكاملة، أرسل الله روحه جبريل عليه السالم فنفخ في

فرج مريم عليها السالم، فحملت بإذن الله بعيسى عليه السالم.

فلما بين حقيقة عيسى عليه السالم، أمر أهل الكتاب باإليمان به وبرسله، ونهاهم أن يجعلوا الله ثالث ثالثة أحدهم عيسى، والثاني مريم، فهذه مقالة

النصارى قبحهم الله.

فأمرهم أن ينتهوا، وأخبر أن ذلك خير لهم، ألنه الذي يتعين أنه سبيل النجاة،ما وما سواه فهو طريق الهالك، ثم نزه نفسه عن الشريك والولد فقال: } إن

ه إله واحد { أي: هو المنفرد باأللوهية، الذي ال تنبغي العبادة إال الل } له ما في ألن } أن يكون له ولد { أي: تنزه وتقدس } سبحانه { له.

ماوات وما في األرض { فالكل مملوكون له مفتقرون إليه، فمحال أن السيكون له شريك منهم أو ولد.

ولما أخبر أنه المالك للعالم العلوي والسفلي أخبر أنه قائم بمصالحهمالدنيوية واألخروية وحافظها، ومجازيهم عليها تعالى.

ه وال المالئكة173 ، 172} { } لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا للبون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا * فأما المقر

ذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله وأما ال

Page 95: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

ه ذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذابا أليما وال يجدون لهم من دون الل الا وال نصيرا { ولي

لما ذكر تعالى غلو النصارى في عيسى عليه السالم، وذكر أنه عبده ورسوله، ذكر هنا أنه ال يستنكف عن عبادة ربه، أي: ال يمتنع عنها رغبة عنها، ال

بون { هو فنزههم عن االستنكاف وتنزيههم عن االستكبار } وال المالئكة المقرمن باب أولى، ونفي الشيء فيه إثبات ضده.

أي: فعيسى والمالئكة المقربون قد رغبوا في عبادة ربهم، وأحبوها وسعوا فيها بما يليق بأحوالهم، فأوجب لهم ذلك الشرف العظيم والفوز العظيم، فلم

يستنكفوا أن يكونوا عبيدا لربوبيته وال إللهيته، بل يرون افتقارهم لذلك فوقكل افتقار.

وال يظن أن رفع عيسى أو غيره من الخلق فوق مرتبته التي أنزله الله فيها وترفعه عن العبادة كماال، بل هو النقص بعينه، وهو محل الذم والعقاب، ولهذا

أي: } ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا { قال: فسيحشر الخلق كلهم إليه، المستنكفين والمستكبرين وعباده المؤمنين،

فيحكم بينهم بحكمه العدل، وجزائه الفصل.

ذين آمنوا وعملوا الصالحات { ثم فصل حكمه فيهم فقال: أي: } فأما ال جمعوا بين اإليمان المأمور به، وعمل الصالحات من واجبات ومستحبات، من

حقوق الله وحقوق عباده.

أي: األجور التي رتبها على األعمال، كل بحسب إيمانه } فيوفيهم أجورهم {وعمله.

من الثواب الذي لم تنله أعمالهم ولم تصل إليه } ويزيدهم من فضله { أفعالهم، ولم يخطر على قلوبهم. ودخل في ذلك كل ما في الجنة من المآكل والمشارب، والمناكح، والمناظر والسرور، ونعيم القلب والروح، ونعيم البدن،

بل يدخل في ذلك كل خير ديني ودنيوي رتب على اإليمان والعمل الصالح.

ذين استنكفوا واستكبروا { } فيعذبهم أي: عن عبادة الله تعالى } وأما الوهو سخط الله وغضبه، والنار الموقدة التي تطلع على األفئدة. عذابا أليما {

ا وال نصيرا { أي: ال يجدون أحدا من الخلق } وال يجدون لهم من دون الله ولي يتوالهم فيحصل لهم المطلوب، وال من ينصرهم فيدفع عنهم المرهوب، بل

قد تخلى عنهم أرحم الراحمين، وتركهم في عذابهم خالدين، وما حكم بهتعالى فال راد لحكمه وال مغير لقضائه.

كم وأنزلنا إليكم175 ، 174} اس قد جاءكم برهان من رب ها الن { } يا أيه واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه ذين آمنوا بالل نورا مبينا * فأما ال

وفضل ويهديهم إليه صراطا مستقيما {

Page 96: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

يمتن تعالى على سائر الناس بما أوصل إليهم من البراهين القاطعة واألنواراس قد الساطعة، ويقيم عليهم الحجة، ويوضح لهم المحجة، فقال: ها الن } يأي

كم { ب أي: حجج قاطعة على الحق تبينه وتوضحه، وتبين جاءكم برهان من رضده.

} سنريهم آياتنا وهذا يشمل األدلة العقلية والنقلية، اآليات األفقية والنفسيةه الحق { ن لهم أن ى يتبي في اآلفاق وفي أنفسهم حت

كم { وفي قوله: ب ما يدل على شرف هذا البرهان وعظمته، حيث } من ر كان من ربكم الذي رباكم التربية الدينية والدنيوية، فمن تربيته لكم التي

يحمد عليها ويشكر، أن أوصل إليكم البينات، ليهديكم بها إلى الصراطالمستقيم، والوصول إلى جنات النعيم.

وهو هذا القرآن العظيم، الذي قد اشتمل على } وأنزلنا إليكم نورا مبينا { علوم األولين واآلخرين واألخبار الصادقة النافعة، واألمر بكل عدل وإحسان

وخير، والنهي عن كل ظلم وشر، فالناس في ظلمة إن لم يستضيئوا بأنواره،وفي شقاء عظيم إن لم يقتبسوا من خيره.

ولكن انقسم الناس -بحسب اإليمان بالقرآن واالنتفاع به- قسمين:

ذين آمنوا بالله { أي: اعترفوا بوجوده واتصافه بكل وصف كامل، } فأما ال أي: لجأوا إلى الله } واعتصمــوا بـه { وتنزيهه من كل نقص وعيب.

} فسيدخلهم في واعتمدوا عليه وتبرأوا من حولهم وقوتهم واستعانوا بربهم. أي: فسيتغمدهم بالرحمة الخاصة، فيوفقهم للخيرات رحمة منه وفضل {

ويجزل لهم المثوبات، ويدفع عنهم البليات والمكروهات.

أي: يوفقهم للعلم والعمل، معرفة الحق } ويهديهم إليه صراطا مستقيما {والعمل به.

أي: ومن لم يؤمن بالله ويعتصم به ويتمسك بكتابه، منعهم من رحمته، وحرمهم من فضله، وخلى بينهم وبين أنفسهم، فلم يهتدوا، بل ضلوا ضالال

مبينا، عقوبة لهم على تركهم اإليمان فحصلت لهم الخيبة والحرمان، نسألهتعالى العفو والعافية والمعافاة.

ه يفتيكم في الكاللة إن امرؤ هلك ليس له ولد176} { } يستفتونك قل الل وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فإن كانتا اثنتين

لثان مما ترك وإن كانوا إخوة رجاال ونساء فللذكر مثل حظ األنثيين فلهما الثه بكل شيء عليم { وا والل ه لكم أن تضل ن الل يبي

أخبر تعالى أن الناس استفتوا رسوله صلى الله عليه وسلم أي: في الكاللةه يفتيكم في الكاللة { بدليل قوله: وهي الميت يموت وليس له ولد } قل الل

} إن امرؤ هلك ليس له ولد صلب وال ولد ابن، وال أب، وال جد، ولهذا قال:أي: ال ذكر وال أنثى، ال ولد صلب وال ولد ابن. {

Page 97: ict120.files.wordpress.com€¦  · Web view4- تفسير سورة النساء عدد آياتها 176 ( آية 1-25 )وهي مدنية { 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ

وكذلك ليس له والد، بدليل أنه ورث فيه اإلخوة، واألخوات باإلجماع ال يرثون أي: شقيقة أو } وله أخت { مع الوالد، فإذا هلك وليـس لـه ولـد وال والـد

أي نصف متروكات } فلها نصف ما ترك { ألب، ال ألم، فإنه قد تقدم حكمها. أخيها، من نقود وعقار وأثاث وغير ذلك، وذلك من بعد الدين والوصية كما

تقدم.

ها ولد { أي: أخوها الشقيق أو الذي لألب } وهو { م يكن ل ولم } يرثها إن ل يقدر له إرثا ألنه عاصب فيأخذ مالها كله، إن لم يكن صاحب فرض وال عاصب

يشاركه، أو ما أبقت الفروض.

لثان مما ترك أي: فما فوق } اثنتين { أي: األختان } فإن كانتا { } فلهما الث أي: اجتمع الذكور من اإلخوة لغير أم مع وإن كانوا إخوة رجاال ونساء {

فيسقط فرض اإلناث ويعصبهن إخوتهن. } فللذكر مثل حظ األنثيين { اإلناث

ه لكم أن تضلوا { ن الل أي: يبين لكم أحكامه التي تحتاجونها، ويوضحها } يبي ويشرحها لكم فضال منه وإحسانا لكي تهتدوا ببيانه، وتعملوا بأحكامه، ولئال

تضلوا عن الصراط المستقيم بسبب جهلكم وعدم علمكم.

ه بكل شيء عليم { أي: عالم بالغيب والشهادة واألمور الماضية } والل والمستقبلة، ويعلم حاجتكم إلى بيانه وتعليمه، فيعلمكم من علمه الذي

ينفعكم على الدوام في جميع األزمنة واألمكنة.

آخر تفسير سورة النساء فلله الحمد والشكر.