אא

طبقا لقوانني امللكية الفكريةא אא

א .אא

א א أو عـرب االنرتنـت(א اى أو املدجمــة األقــراص أو مكتبــات االلكرتونيــةلل

א )أخرىوسيلة אא.

.א א

٣

)٦........................................................)١ )٨........................................................)٢ )١١......................................................)٣ )١٥......................................................)٤ )١٩......................................................)٥ )٢٣......................................................)٦ )٢٧......................................................)٧ )٣٠......................................................)٨ )٣٤......................................................)٩ )٣٩....................................................)١٠ )٤٣....................................................)١١ )٤٦....................................................)١٢ )٥٠....................................................)١٣ )٥٤....................................................)١٤ )٥٧....................................................)١٥ )٦١....................................................)١٦ )٦٦....................................................)١٧

٤

)٧١....................................................)١٨ )٧٥....................................................)١٩ )٧٨....................................................)٢٠ )٨٢....................................................)٢١ )٨٥....................................................)٢٢ )٩٠....................................................)٢٣ )٩٤....................................................)٢٤

٩٨...................................................حاشية ٩٨........................................*رجفة الجسد * ٩٩........................................*اآلن ... هكذا* ١٠٠......................................*عيون البنفسج * ١٠٠...................................*والشعر .. القرآن* ١٠١........................*أبيات للشاعر علي منصور * ١٠٢.......................* أبيات لشاعر عماد أبو صالح * ١٠٢........................................*ظهر القرية * ١٠٣.............................................*شرنقة *

٥

مقدمةمقدمة بالسـنة ١٩٧٥شاعر مصري مـن مواليـد " رتامر فكا "

. النهائية بكلية اآلداب قسم فلسفةولد في الخليج، ابن منير فكار أسـتاذ الجامعـة السـابق

روايـة قمـر ٠والسيدة سناء فرج ) رواية أطفال بال دموع ( ).على المستنقع

هذه بعض من اعترافاته وصور من حياته، أضاف إليهـا . دهالكاتب أشياء قليلة من عن

٦

))١١(( خرجت مسرعا صباح الجمعة قبـل الصـالة حتـى ال تحاصرني في شقتي أحزان الوحدة الخانقة، شوارعي القديمة في القاهرة في فصل الخريف بها لمحة من جمال لم يقتله بعد

أهرب إليه، لكنه يراوغني وتنتهـي الشـوارع . تلوث البيئة .دائما إلى غبار جاسم

سنة لما تحركت ثقيال هكذا، فاقدا لو أن لي من العمر ألف للحماس، هل هي آثار الليلة الماضية، والكيـوف المختلطـة والدخان الذي ال ينقطع، أم هو الثقل المعتاد واإلرهاق الـذي

.ال مبرر له الذي أشعر به كثيرا فوق قلبيجسدي اآلن ال حدود له، ال خطوط خارجية تفصل بينـي

في أية لحظة قـد أتـراكم . هويةوبين الناس، ال مالمح وال . أشالء بشرية إلى جوار حائط يعبرنـي مـارة مسـرعين

. صارت الشوارع مهدرة الطابع والمعنىالقديم الواسع، كل يوم يزداد " االستقالل"فدخلت إلى مقهى

قذارة وإهماال، الزجاج الواسع العريض قذر وتحت الكراسي . ة الزبائن العابرينوالمناضد تراكمت األوراق والطين وقذار

٧

رائحة الدخان العطن والخمر الرخيصة التي تقـدم فـي الركن الداخلي مختلطة مع رائحة دورة المياه التي ال تصلح .وال تنظف أبدا هبت علي وألقت بي على مقعد مجاور للباب

جئت إلى هذا المقهى مرة وأنا صغير مع أبـي وشـربت كان مكانا كبيرا جمـيال مشروبا أحمر باردا في كوب كبير،

ابتسم الجرسون .. مفتوحا والشمس تسقط على البالط النظيف . العجوز يومها في ود وحرارة

إلى نفس هذا المقهى، رجعت طـوال عمـري، عنـدما صرت وحيدا في هذه المدينة المزعجة، رجعت إليه دائما كما

.تهرش في جرح قديمقطـع مـن .. فراغ موجع يعشش بين اللحظـات .. اآلن

تخطف عيوني وقلبي، .. األبيض المعدول والمقلوب " الدمينو" . وتعود تتناثر أمامي من جديد

جلست في المقهى منهكا وحيدا أنتظر في ـ ال مبـاالة ـ . كيف سيمضي بي النهار

٨

))٢٢ ( ( " حسـين "اشترى كل بضعة أيام قلما جديدا، أخيرا أهداني

ب به شيئا له قيمة، أتأمل هذا ال أظنك ستكت : قلما جديدا وقال تنتابني ـ أحيانا ـ رغبة في أن أسـحقه . القلم األسود كثيراهـو : في القلم خاصية سحرية غريبـة .. مثل عقب سيجارة

.يستدعي حسين دائما للحضور. عندما يحضر صديقي تنتابني تجاهه مشـاعر مختلطـة

يقني، كأنه أكون فعال مشتاقا إليه، ولكن شيئا في وجوده يضا دقائق ويصـبح . يعطلني عن عمل مهم، أو لعلني أدعي ذلك

اللقاء حميما جديدا ومفاجئا، خاصة إذا استطاع أن يلف لنـا . سيجارتين

وانحط أمامي صـامتا، فـرد سـاقيه . فجأة دخل المقهى الرفيعتين الطويلتين أمامه، وشد جسده على الكرسي فعرفت

. أنه كتب قصيدة جديدةأشعر به متوترا إلى جواري وأنا أقرأ نفس األبيـات كنت

التي كتبت بنفس القلم على نفس الورق بذلك الخط الواضـح والمعتنى به، لم أستطع أن أرفع إليه نظري بسرعة بعـد أن

. فرغت من القصيدة

٩

كان يقرأ وجهي جيدا، أحسست بأنه يعيد ترتيـب نفـس من ذلك، التفنيط، الكلمات القديمة وأن ال شيء حقيقي يتكون

.المستمر ألوراق الكوتشينةأنا متأكد أنه يعرف رأيي الحقيقي في قصائده، كما أظنـه

. يعرف أيضا أنه صديقي وأنني أحبهأسترد أوراق القصيدة في هدوء وأنا أقول الكلمات التـي تقال عادة في هذه المواقف ووقع علينا صمت مريب زاد من

الساعات الثقيلة التي تسبق العصر كآبة المقهى ومن ثقل تلك .وتعقبه

أقترح أن نقوم أو نبحث عن طعام واقترحـت أال نفعـل . شيئا

وبقينا جالسين نقلب في بعض المجالت ونتفـرج علـى . العابرين

رأيي الحقيقي الذي أخفيه عن حسين كاظم وحتـى عـن نفسي أن الشعر أقدار مقدرة وأنه طرق ومسالك كتب علينـا

ها ونقولها ونعيشها، الشعر حياة أخرى ألهمنـا بهـا أن نسير ووهبت لنا، أما كل الرطان والكالم الكبير عـن المـدارس والحداثة وما قبلها وما بعدها فيه مجموعة من حيل السـحرة

١٠

التي تبتلعها كلمة شعر حقيقية أو بيت وإيقاع صادق نصـل .إليه

أخفي اعتقادي هذا حتى عن نفسي وأجـد نفسـي وسـط حنات حمقاء، وحوارات عقيمة مجهدة للروح حتى مـع مشا

حسين إال أنه الوحيد الذي أستطيع معه أن أضحك حتى تدمع عيناي من كل تلك النصوص واألشعار الفجة التـي يكتبهـا

.غيرنا والتي تشبه نقوشا كاريكاتورية عاجزة عن التعبيربعد أن دهمنا المساء ونحن ما زلنا على المقهى، انتهـت

نهاية حمقاء فقد مزق حسين قصيدته الجديدة إلى قطع " قعدةال"ودون أن أشعر مـده يـده " الطقطوقة"صغيرة ووضعها في

.إليها بعود كبريت مشتعلعندما تصاعد اللهب من القصيدة جاء الجرسون مفزوعا، ولوال أنه يعرفنا لطردنا واتهمنا بتدبير عملية إرهابيـة فـي

. المقهى * * * * *

١١

))٣٣(( عندما عدت مع أمي من الخليج وبدأت أذهب إلى مدرسة

لـم . المستقبل الخاصة، كنت طفال عليال متوحدا في الثامنـة أكن أعرف أحدا وال أريد أن أعرف، أعيش داخـل شـرنقة جافة مؤلمة تسبب لروحي ألما شديدا ونوبات متكـررة مـن

م، كل وجوه األوالد والبنات تبدو العدوانية والغربة في االنتقا .قبيحة مخيفة

لم أكن أرغب في أن أقترب من أحد أو أحدق في وجـه أحد، أسرع إلى شقة أمي في مصر الجديدة أشرب وجههـا

أحسـن " لمياء"وجسدها صامتا، وأدبر مقالب مزعجة ألختي شيء أن أخلو إلى نفسي أراقب ظل أوراق نباتات الظل التي

. ي الشقةزحمت بها أم" الـدجاج "كانوا يسخرون من لهجتي ومن نطقي لكلمات

ومن عدم معرفتي بألعابهم ومصـطلحاتهم التـي " السيارة"ولم يسمحوا لـي بمكـان . كنت أكتشفها بفرح حقيقي واهتمام

سادت أيـامي األولـى هنـا معهـم . بينهم وأنا لم أكن أريد .عدوانية وإعجابا بشروري الصغيرة

١٢

جدا والحصص فارغة، أراقب، ونادرا ما الدروس سخيفة أشعر أن ما يحدث حولي حقيقي، يعطيني مرضي المتكـرر فرصة ألن أتغيب كثيرا، وأن أكون مختلفا وغامضـا حتـى

.بالنسبة للمدرسين والمدرساتانتابت المدرسة كلها حمى غريبة أعلم أن شخصية كبيرة

لمدرسـات سوف تزورنا بعد أيام، المديرة والمدرسـون وا الترتيبات تلغي الحصـص وتوقـف . واألوالد وحتى المباني

ال أفهم سر تلك الغرابة التي انتابـت تصـرفات .. الدروسكان هناك شيء قبيح يجب إخفاؤه جيـدا، .. الجميع وأخالقهم

شبكة من خيوط العنكبوت والعالقات المتعلقـة بـدروس أو ونخـل صفاقات جانبية كان يـتم اسـتبدالها بـأواني زرع، . كاألقزام يرص على جوانب الممرات الرملية الملونة

األستاذ فوزي ناشد مدرس الرسم كان هو الكائن الوحيـد كان رجال جميال .. الذي يثير اهتمامي وأحاول االقتراب منه

. قصيرا يمتلك هدوءا غريبا وابتسامة ساحرة في وسط هذه الحمى الجديدة التي انتابت المدرسة اختـار

هو مكانا بعيدا في آخر حديقة المدرسة، وأخـرج منضـدة كبيرة ليضعها في الشمس ومألها بعلب كبيرة مـن األلـوان

١٣

جلس هناك مع بنتين كبيرتين يرسـمون . واألوراق واألقالم صورا ملونة لكي تعلق في المعرض الذي سيقام مـن أجـل

. الزيارة وابتسامته أن وقفت بعيدا قريبا حتى الحظني وناداني بيده

أحببت الرجل ساعتها بال حدود، لم يتكلم كثيرا لكنه . أقتربوضع أمامي أوراقا وألوانا كثيرة، وابتعدت المدرسة وكـأن

. المكان كله غرق في صمت: لم أكن أعرف كيف أرسم حتى أمي كانت تقول لي دائما

كنت أسرق أوراق رسـومها " شوف لمياء بترسم حلو إزاي "، وأرسم أنا وأمزق أوراقي أيضا، أما يومها فقد كان وأمزقها

الورقة واأللـوان والخطـوط واألشـكال . كل شيء جميال ضع مـا : تضحك لي وتكاد تتحرك، وقف إلى جواري وقال

تشاء من األلوان، النقط الملونة على الورقة تكلم بعضها، هل تسمعها؟ وضحك وضحكت وضحكت البنتان، أمضيت اليوم

في آخر النهـار علقنـا . أرسم وأرسم إلى األبد .. كله معهم سألت المديرة عن . لوحتين من رسمي قرب مدخل المدرسة

من رسم، ووضعت المدرسة الفظيعة اسمي علـى واحـدة، صحبني األستاذ فوزي أنا وواحدة من البنات إلى البيت بعـد

١٤

أن أخبر أمي بالتليفون أننا سنتأخر ألننـي أرسـم لوحـات . للمعرض

في الشارع تحدث إلي كثيرا، ووضع يده على كتفي لـم يكن أطول مني كثيرا، أخبرني أنه يجهز أوراقه ألنه سيسافر إلى الخارج بعد أسابيع، على باب الشقة لم أكـن أريـده أن

. يذهب . تمنيت أن يدخل وأن يبقى معي إلى األبد

* * * * * * * * * *

١٥

))٤٤(( أغرفة االنتظـار كأنها ميدان التحرير " شوقي عامر "شقة

كاتب ورسام وتاجر " شوقي عامر . "في عيادة طبيب مشهور . لوحات وآثار، هو صديق أبي وزميله الذي لم يعـد يـراه

عنـدما . الرجل والشقة كأنهما قلب القاهرة، بدونهما ال تكون ال يكون هناك في الحياة أمل وال خرم إبرة، هنا أجد كـل م

ت أشياء كثيرة لـم أكـن تعلمت هنا أشياء كثيرة وعش . أريدأعرف أن لها وجودا، رسم شوقي قليال وكتب قلـيال ولكنـه يعيش أكثر من أربع وعشرين ساعة في اليـوم، حتـى وإن أغلقت كل النوافذ، فنافذة غرفة نومه مضاءة أبدا، وبعد كوب من الشاي تجده قادرا على أن يسمع أي خرافات تحملها على

حد غيرك ويستغرقك الحـديث فـي قلبك، بعد ساعة يأتي وا أشياء أخرى، ثم تلتفت فال تجده، عاد إلـى فراشـه ونـام

.والنور مضاءهنا منذ األبد، في هذه الشقة القريبة من ميدان األوبرا، في آخر قصر النيل، هو والشقة يتحديان كل المتغيرات، االنفتاح

هـا والسمسرة، الحداثة والديكورات الجديدة، التيك أواي، كل أشياء ال تدخل من باب الشقة، وإن دخلت فال بد ستخرج بعد

١٦

ساعة، هو يقاوم حتى الرمق األخير دخول التليفزيون إلـى شقته، أغلب الوقت تجد الشقة مزدحمة بالناس، ولكنها المكان الوحيد الذي تستطيع أن تكون فيه وحيدا وحرا، كيف استطاع

ما يحدث حوله؟ أن يحتفظ بشيء أصيل وكريم في وسط كل ال أدري، ربما ألن قلبه على أطراف أصابعه، تشـعر بـه وأنت تسلم عليه، حيث يبقى يداك بين يديه، لفترة ال تطـول

.وتتلقاك عيناه الطيبتان المندهشتان. وال تقصروأحببتها، شيء كهذا لم يحدث لي " كارين"عنده هنا قابلت

. ذا الحـب من قبل، كل شيء في حياتي كان يسير بي إلى ه ولكن أليس ما يحدث .. رومانتيكي أنا أعلم "بعد أيام قلت لها

لم تكن تتكلم كثيرا، تصيغ جملها فـي إنجليزيـة " لنا غريبا تصل إلى روحي من أقرب الطرق، أمر بعيـوني .. بسيطة

. على جسدها كأنني ألمسها كأنني أطيرويفر في األيام األولى والحب ما زال مترددا كطائر يتقدم

كان كل شيء يبدو مستحيال جاءت من بولندا تزور .. هارباثالثة أو أربعة بالد في المنطقة، تعد رسـالة فـي الجامعـة

تكتب وتصور الكتاب والفنـانين وهـم " الفنان يعمل "بعنوان يعملون، تكبرني بست سـنوات، تعـرف أشـياء كثيـرة،

١٧

ة حضورها سحري آسر، وجودها معي بال ثقل كأنها موجود من القدم، أغرب شيء كان ذلك الشعاع البنفسجي في عينيها،

.لون لم أره من قبل، أظنه غير موجودأحببت " عيون البنفسج "اخترعت لها بيني وبين نفسي اسم

االسم وصرت أردده عليها، وأردده بيني وبين نفسي حتـى يغمرني صوت وضوء مسـتحيل يتكـور . أمتلئ به وأفيض

.ني حضورها برائحة العشب األزرقجسدي دون ألم، ويغسل. يومها عاصف مليء بالنشاط، لم تكن تحب السهر كثيرا

الساعة معها طيبة والوقت صادق، رتب لها شوقي زيارة إلى لتعـيش " أخميم"الفيوم لتزور فنانا هناك، وزيارة أخرى إلى

أياما مع نساج قديم، لم أسافر معها، قالت إنها لن تفعل شـيئا . معها، أكتب لها كل ليلة وأكرر اسمها حتى تعودلو كنت

الحركة كل شيء، حتى : عندما قرأت لها قصيدة لي قالت الشعراء يجب أن يعبروا بالحركة في قصـائدهم، لـم أفهـم بالضبط ماذا تعني، لكن عندما خلت حياتي منهـا ورجعـت وحيدا عاريا كنت أبحث عن تلك الحركة التي تختبـئ فـي

هي لم تأخذها معها، أكـدت لـي . راء فال أجدها قصائد الشع . سأبقى العمر أبحث. أنها موجودة

١٨

القبلة األولى بيننا لحظة غريبة سجلتها في التاريخ والشعر والحلم والعمر، عند مدخل الشقة التي تسكن فيها مع زميلتها،

هـل . نور بسيط وال صوت، شعرت بلسانها يالمس قلبـي مفتوحتين، أكيد أنني رأيت الدنيا أغمضت عيني، أم أبقيتهما

كلها، جبال عالية بعيدة وشمس حانية تغرب فـي آفـاق ال :أعرفها، قالت تدفعني بعيدا عن جسدها الذي يذوب

.يا حصاني الجميل.. غدا.. ـ غدا* * * * *

١٩

))٥٥ ( ( الفضيلة الوحيدة التي أظن أنني أمتلكها اآلن في فضـيلة

ب الذي يتحدثون عنه، ويوصي الصبر، ليس ذلك الصبر الطي به المؤمنون، صبري محسوب ومخطط وبـارد، صـبرت

لكي أصـبح فـي . وخططت لحياتي في برود قاتل محترف أو يقـتحم تلـك . ال يقدر أحد أن يعتدي علي . النهاية وحيدا

. الشرنقة المؤلمة التي نسجتها لنفسيهـذا شـري . لكنني ال أبالي بأحـد . ال أقصد بأحد شرا

أعـود . تضيع خطوطي الخارجيـة . غير الذي يكبر أبدا الصأستحضرها من جديد حتى ال يبتلعني الزحام الجهنمي الـذي

.ال أفهمهأبقى عاريـا بـال . يعود يستغرقني صراع حياتي األبدي

تحقق وال إنجاز، أحيانا يضمني ركن، أشعر بإنسانيتي كبرق . خاطف، وعندما ينطفئ أعود ال أبالي بشيء

، "البيـت " يوم آخر، دار وانقلب، أجهدني البقاء خارج هذاصرت أطلق عليها " الظوغلي"منذ سنوات، وشقتي في ميدان

، أمي أعطتني هذه الشقة بال شـروط وال توابـع وال "بيتي"وأنـت حـر، أول .. هذه شقة خالك القديمة : تعقيدات، قالت

٢٠

ـ . شيء حقيقي قديم له تاريخ داخل حياتي ا أسرع إليها أحيان .كثيرة وأغلق الباب والنوافذ وال أصدق أنني تامر منير فكار

أعود عبر . الليلة وقد انفض مبكرا سامر المقهى السخيف . شوارع جانبية معلومة، أكرر السير فيها كما يفعل الحمـار

أعرفهم، يعيشون دومـا .. ثالثة. أمر على شعبي وجماهيري اق، وزجاجات حولهم قطع قماش خلقة، وأور . لصق الجدران زهور سوداء، أسحلهم ورائي بالحبال أم أفر . بالستيك فارغة

.ال أدري... منهم رعباأعبر قالع وزارة الداخلية والمباحث واألمن حتى أجدني تحت تمثال الظوغلي نفسه، هو ال يفشل أبدا في أن يجعلني أبتسم وأنا أسمعه يصرخ بلهجته التركية في المارة والعابرين

. سكر الساهرينوالعابنـة " تهاني.. "في مدخل العمارة وجدت الفرح منصوبا

. األستاذ عباس العازف السابق في فرقة أم كلثوم تتزوج اليوم انتهت المناقشات والمساومات . وال نقود كافية لفرح في فندق

. إلى فرح في البيت وزفة بالسيارات على كـوبري أكتـوبر و البعض اآلخر، كـان سمعت بعض المناقشات وحكى لي ه

الرجل القديم، ذو التاريخ واألساطير، يذوب كل يوم في ظل

٢١

العاطلة " تهاني"زوجة تزدد كل يوم شراسة يرعيان ابنتهما، .من كل المواهب

المدخل الرخامي الضيق، مفروش بنشارة خشب خضراء، وبقايا المدعوين حول األستاذ عباس الذي يبدو أنه أسرف في

ويدفع ابنته في النهاية إلى . مذبوحا من األلم الشراب يرقص . داخل سيارة ملونة

مكتفيا بما يتسرب لي من ضوضاء . أحكمت إغالق بيتي صالة وغرفة واسـعة . ليس في الشقة منذ مدة حياة . وضوء

.كئيبة يغطيها الترابمع . أتركه يتراكم كأنه يغطي وجهي وال أريد أن أمسحه

والدموع المتحجـرة المسـتحيلة اإلرهاق والضيق المتصاعد عيون البنفسج، يمتلئ . أفتقد ضوء عيونها . جدا" كارين"أفتقد

بنـداءات . جسدي بغيرة حمقاء، يصرخ لي وجهها الحبيـب عـام وبعـده . غير مفهومة، ثم يغيب عني في أحراش بعيدة

.غيابها حاضر وقاس، ونفسي شتات. عام، أحسبها يوما يوماأخاف أن يكشـف أحـد . ى السرير ألقى بنفسي وحدي عل

أن يضطلع أحـد علـى ال . فراغي الذي أشعر به .. عورتي .جدواي، أن أعلم ويعلم الناس أنني غير ضروري

٢٢

يظهر لي فجأة أراه أمامي دون . هناك دائما من يترصدني .ضوء وال مرآة

ويتركنـي وحيـدا، أعـاني .. يختفي فجأة، ويظهر فجأة .استمرار الحياة

* * * * *

٢٣

))٦٦(( أشرفهم بزيارتي يومـا .. طالب في الجامعة ولست طالبا

حتـى االمتحانـات هنـاك أعـذار . وأنسى أمرهم لشهور من يعرفون أبـي مـن . ليس ورائي أحد . وشهادات مرضية

األساتذة القدامى اقتصرت عالقتنا علـى ابتسـامات باهتـة . نتبادلها عن بعد وسط الزحام

قرأ عنها في الكتـب مكـان الجامعة التي أسمع عنها أو أ .غير موجود اآلن

أو حي عشـوائي مـن . اآلن هي عربة أتوبيس مزدحمة الذي يتكلمون عنه في الجرائد، كنت فـي البدايـة أحضـر

وأبقى في المكتبة حتى الليـل أقـرأ وأراقـب . محاضرات. الدخول والخروج، وسط هذا الزحام تأكد لي أنني بال جذور

ليس لي طبقة .. أو أم أتحدث عنهما بال أب . معلق في الهواء دخلت مع األخوة اإلسالميين وخرجت مـن . وال طموح هنا

لـي دينـي . نفس الباب الدوار الطارد الذي ينتهي حيث يبدأ ربما أنا ال أعرف كيف . الخاص وفهمي الذي ال يهتم به أحد

العدوان على حرية اآلخر يزعجنـي ويـدمرني بـال . أقوله . ء على بعض يثير الفزععدوان الضعفا. حدود

٢٤

تقريبا لم أخرج من سنوات الجامعة الثالثة ـ األربع اآلن ـ سوى بصديقي الشاعر حسين كاظم، يومها كـان هنـاك

وجدت نفي . تجمع أمام مبنى اإلدارة لسبب سياسي ال أذكره .خارج دائرة اإلسالميين التي تحتل قلب التجمع

الغاضـبة استندت إلى سيارة وأخـذت أراقـب الوجـوه .المهتاجة

وجدته إلى جواري مستندا إلـى نفـس السـيارة يـدخن . سيجارته بنهم

كنت أحسدهم على المـاس . بدأ بيننا حديث ما زال ممتدا واالهتمام وكان هو يسخر من الشعارات القادمة من المتاحف

هو طالب في كلية الحقوق، ناصري، اشـتراكي، . كما يقول شعاراتك وأفكارك هي األخـرى أليست: كنت أغيظه وأقول

صارت إلى متاحف التاريخ؟ ربما ألن فقير جدا، أو ألنه يعيش وسط أسرة مزدحمـة

ربما ألن أبـاه . في شقة ضيقة في إمبابة . باإلخوة واألخوات ربما ألنه ال يجد مكانـا . طاغية، ما زال يضربه حتى اآلن األسـباب ربما لكل هذه . يتنفس فيه أو يمارس عادته السرية

مجتمعة كنت أشعر عندما أراه غاضبا على كل شيء، يـتهم

٢٥

أشعر أن كالمه دخان يتصاعد : الحكومة والبلد، ويسب الدين كان مأزوما حادا، ال يرى لخيانة مخرجـا أو . من قدر يغلي

. طريقاألنه صار بعد فترة صديقا، فإنني لم أعد أشفق عليـه أو

ون أن أدري ضـيق حياتـه أرثى لحاله، كنت أعيش معه د . حاولت دون ادعاء أو أوهام أن أحمل عنه شيئا. المرعب

. يعود دائما للسياسة، ويتحدث بغضب عن الواقع والفقـر واقـع . أرى من خالله أشياء لم أكن أتصور أنها موجـودة

أحاديثه تدفعني إلـى أن . غريب وقاس يخوض فيه ليل نهار فيـه بنـاس ال أعـرفهم أشعر أنني في مكان غريب محاط

مـا .. يتدافعون في الجامعة واألتوبيس، والشوارع واألسواق هـل نحـن ـ جميعـا ـ . الذي يجمع هذا الحشـد حقيقـة

. مصريونأنـا لـم أعـد : أمارس معه رزالة أخرى فأقول مستفزا

هـل : أعرف ماذا يعني أن أكون مصريا؟ واندفع أكثر قائال . لوطن؟تستطيع أن تقدم لي تعريفا ل

أشعر به يتكسر تحت وقع كالمي المستفز، ويندفع يحدثني عن النيل والناس وقـرى : عن أشياء مكررة كثير ومختلطة

٢٦

الصعيد، وعن فؤاد حداد الذي يعشقه، وسيد درويش الـذي . يردد أغانيه

وحدي بعد أن ينصرف حسين أجدني مشتاقا إلى شـارع طب فـي حـارة أو مقهى ر . يمتد وسط قرية مصرية قديمة

.هادئة ظليلة* * * * *

٢٧

))٧٧(( في المصطلح هي الفتاة التي تخلع مالبسها فـي " الموزة"

أول لقاء، المهندس باهر زميل المقهى كان زعيما في قنص يترك كل ما في يده ويتفـرغ تمامـا . هذا النوع من البنات

للعملية حالما يبدي أحد األصدقاء رغبة أو حتى يفكـر فـي . الموضوع

هو وعربته الفوكلس الصغيرة جاهزان دائما لتنفيذ العملية .وتجهيز ما تقتضيه من مستلزمات بحماس مذهل

أما أنا فأكتفي غالبا بصـفة . مشكلة حسين أنه دائما مفلس باهر لم يتأخر عن بـث . أشارك فقط عند الضرورة . مراقبة

الحماس في المشروع، وانطلقت الفولكس بنا نحـن الثالثـة .صاعدة إلى كازينو المقطم القديم

شـطرها . بعد لحظات " غادة"انضمت إلينا . تمت العملية الوحيد كان أن نصحبها إلى تاجر البرشام والمزاج في بطـن

.قبل أن نذهب إلى أي مكان" قيتباي"لم أكن أرحب بهذه اللقاءات كثيرا فـي شـقتي ألسـبابي

مبـاالة، ورغبـة أشعر الليلة بال . الخاصة وللجيران القدامى .بليدة في أن أشعر حولي ببعض اإلثارة والعنف

٢٨

وكما توقعت تماما، ما إن سخن الشراب وارتفع اإليقـاع، أخـذت . كادت المسألة تقلب غم . حتى وقع باهر مع حسين

. أخذ يهـذي فـي غضـب . حسين جانبا وجلسنا في الصالة .يكتم بصعوبة بكـاء دينـا . وعلى صدره جبال من الحزن

. ويتلظى بنار اإلحباط والكبت والكرامة المهدرةتحامل حسين على نفسه وانصرف متعثـرا فـي سـاقيه

ضروري غدا " المسألة"الطويلتين، أخذ يؤكد لي أننا سنناقش .في المقهى

صرت وحدي في الشقة مع زوج من الحيوانات الغائبـة تصاعدت غصـة . عن الوعي، لها عشرات األيدي والسيقان

. لقيفي حالرفيعة التي تطـل " البلكونة"أخذت شرابي وخرجت إلى

قالع الحكومـة ومبانيهـا مضـاءة ضـخمة، . على الميدان غادر قاعدتـه " الظوغلي"والميدان خال من الحركة، حسبت

.وذهب يقضي حاجتهأغلقت الشيش عليهما، وما زال الفحيح والعواء يصـلني

القاهرة القديمة، حتى بعد أن استدرت ناحية بيوت وعمارات

٢٩

تحول الغبار فوقها إلى ستائر من دخان يتكسر عليها ضـوء . الليل الذاهب

أن . تعذبني فكرة الطهـارة . كبذرة مرة وسط ثمرة فاكهة أغتسل وأغتسل من الخارج ومن الـداخل حتـى أذوب، أن

.أن أتوحد وأعتزل إلى األبد. أن أسافر. أهجرلعونة الساقطة إلـى أريد أن أهرب من مصير األرواح الم

وسـط هـذه األرواح " أبـي "كـان . األبد إلى قاع الجحـيم . يستصرخني، ولم أكن أستطيع له شيئا

الغنائم وانصرف، تاركا في الشقة " باهر"جمع : في الداخل .فراغا كثيفا وقذرا

بين الصالة والبلكونة أنسج من آخر خيوط الليل فجرا من .البنفسج بلله الندى

صبح كأنه قمر، سيطر علـى . م له قلب أحمر وقان يتبرع .سماء وجودي الصامت

.لماذا تقهرني دائما جيوش الليل سريعا هكذا* * * * *

٣٠

))٨٨(( محافظ اإلسكندرية، هكذا يطلق علي أصـدقائي عنـدما أبهرهم بمعارفي بحواري اإلسكندرية وشـوارعها الجميلـة،

في قلـب أحيائهـا والمطاعم والحانات التي ما زالت تعمل . القديمة

ونام نفسي نادر تضعني فيه هذه المدينة العبقرية، لـذلك أخذت قطار الثامنة صباحا وغادرت القـاهرة التـي تكـاد

في القطار يهدأ اإلرهاق والخـوف والقلـق . أحشاؤها تنفجر .أسلم نفسي لسرعة منتظمة ومكان بعيد عابر. قليال

ي لحظة، ال أكـد أتبـين المدن المزدحمة التي أعبرها ف أسماءها، تصيح بي أن االنتماء ألمر أو مكـان أصـبح ـ

.بالنسبة لي ـ شيئا مستحيالحبيبتـي، عيـون " كـارين "اإلسكندرية في حياتي كأنها

البنفسج، لها نفس اللون والضوء المستحيل، تنعش كياني وال .أشعر بثقل له

ي هـان "أمي هجرت الجميع، وسكنت هناك مع زوجهـا أزور اإلسـكندرية وال أراهـا، . مليونير آخر الزمن " قبطان

.حتى بعد أن مات الرجل من جرعة هيروين زائدة

٣١

لي في اإلسكندرية البحر، شواطئه الخالية البعيـدة فـي الشتاء، ودائرة الماء األسطورية في قلـب المدينـة، كأنهـا

.هبطت من القمر، أمتلكها وأهبها من أشاءمربيتي السـوداء، " نجية" ـ أيضا ـ لي في اإلسكندرية

حضنها وصدرها الباذخ المكان الوحيد الذي أدفن فيه وجهي .وأغلق عيني، فكأنني لم أتعذب أبدا ولم أولد بعد

عندما تم تدمير أسرتنا من الداخل وتفرقت شظايا اختفـت .بعد سنوات وجدتها ولم أفقدها أبدا. نجية في األدغال

بيت رفيع أبيض ". بحري" حواري وجدتها في بيت داخل كأن البيت بني عليها باليد . محشو بين عمارات صغيرة بذيئة

لها نافذة . وهي بداخله، تسكن في غرفة مسروقة بين الطوابق واحدة طويلة، يدخل منها ضوء بنفسجي رقيق تستقبل دومـا

.نسيم البحرهي ال تكاد تخرج، لكنها ليست وحيـدة، بقايـا األهـل

ان يرعونها عن بعد، أصابعها جميلة ووجهها يـزداد والجيرمع العمر بهاء ورضا، ما زالت مليئة باسمة، تتحـرك فـي ليونة قط جميل من السرير إلى الكنبة تحت النافذة الواحـدة

. الطويلة

٣٢

شيخة بال زحمة مريدين، أنا مريدها الوحيـد، أزورهـا .صلوزيوتا عطرية للمفا" الهريسة"كثيرا حامال بعض

رغم أن أمي تعيش في اإلسكندرية إال أنني ال أفكر فيهـا قطع من حياتي معها تحـرق . ال أزورها إال للضرورة . هنا

قصـيدة . جلدي أحيانا، وجه أعرفه يضيع مني في الزحـام قديمة حاولت أن أكتبها ـ وما زلت أحاول ـ عن جيـوش من النمل الصغير تفترس فراشة وهي بين الحياة والمـوت،

. أفكر في القصيدة عندما أفكر في أميعروسة ملونة، "وقصيدة أخرى ال أعرف كيف أكتبها عن

مختنقة داخل علبة من البالستيك، شـفافة ضـيقة، ال هـي ما أبشـع حيـاة . تستطيع أن تتحرك وال يستطيع لمسها أحد

النساء، وأنا أغادر نجية تسألني دوما وهي تسـوي شـعري تسأل عن أمك؟هل : بأصابعها الجميلة

. خيول الليل المتأخر والفجر تفرحنيأعـرف األصـحاء مـنهم . أعرفهم رغم نـدرتهم اآلن

وأعرف أصحابهم الطيبين والخبيثين والـذين لـم . والمضيونحن ننزل في " كارين"صادقتهم أنا و . يعودوا يبالون بشيء

٣٣

اللوكاندة الرخيصة القديمة التي تطل على البحيرة األسطورية .دان الرملفي مي

قفـزت . كان القمر شتويا رائعا يصارع سحبا قوية ملونة كانت سعيدة كطفل، وراقبنـا . من شرفة حجرتي إلى شرفتها

الخيول والقمر، سألت هل يمكن أن ـ أخـذ هـذه البحيـرة كم يصبح اإلنسان خفيفا عندما يلقي في الهواء بكل ما . معها

. يحمل من حزن ورثاء لنفسهنقبض بأيـدينا . ح، كنا نسير على شاطئ البحر في الصبا "

: على حوار قديم ؟..أتحبني - ..أحبك -

* * * * *

٣٤

))٩٩(( ضاعت مني هي األخـرى، سـقطت فـي " لمياء"أختي التاجر األشهر، كان أحدا ال " ابن الباجوري "تزوجت : بالوعة

وال يتعلمـون مـن . يتعلم، يكررون في حمق نفس األخطاء طف أبصارهم بريق الذهب فال يرون يخ. رأس الذئب الطائر

. شيئا، ويرتبطون بأوغاد يمتلكهم المال وال يملكونهلمياء رفيقة الصبا، تدربت فيها على التعامل مع اآلخـر،

ليس في الجسد فقط ولكن . قريبة جدا مني، مختلفة تماما عني . في الروح وفي التعبير عن النفس، وفـي الصـلة بالعـالم

أما هي فقد كانـت تتحـرك . إلى الخارج حركتي في الدنيا ..صوب عالم سري غامض في داخلها

أنا دائما الطفل العليل صحيا، أمرض مرة أو مرتين فـي . الشهر

مدمنة . هشة، قابلة للكسر : أما هي فقد كانت طول عمرها محترفة للبكاء، جميلة وضعيفة كريشة سقطت مـن طـائر

.غريبرة األخيرة التي اجتمعـت حفل زفافها األسطوري كان الم

أبـي وأمـي : فيها عائلتنا غير المقدسة فـي مكـان واحـد

٣٥

والعروسة لمياء وأنا، الشرط الوحيد الذي أرسل إلى أبي مع بركـة "دعوة الفرح، التي أرسلت باليد مع مخصوص إلـى

هـو أن ال يصـحب معـه زوجتـه : السبع، حيث يقيم كان .الجاموسة الفالحة كما تسميها أمي

هـاني " المجحـوم "ة من الخدمات القاتلة التي قدمها واحدقبطان زوج أمي البائد كانت إصراره وتدبيره لهذا الـزواج

لم تكن لمياء قد جاوزت الثانية والعشرين، ولم تكن . المشئوم . قد أنهت دراستها في كلية التجارة بعد

. وافقت الغبية الحمقاء، طمعت وسالت إفرازاتها األنثويـة . ن الباجوري إلى الجحيم الجديد المكيـف الهـواء سحبها اب

اسألي .. أنت حرة : "عندما وجدت وقتا لكي تسألني رأيي قلت "!.بريد األهرام

هل كنت أستطيع أن أقف في وجه حماس أمـي المنـدفع قادتهما النقـود . الذي انتقل إليها هي وقادها إلى هذا المصير

القلـق أو الضخمة، مغمضتين، فاقدتي القدرة حتـى علـى لـم . كانت القوة أكبر مني ومن أي شيء . التفكير أو التردد

.كانت تسحب البلد كله.. تكن تسحبهما وحدهما

٣٦

قلت لها أكثر من مرة وهي في غمـرة االسـتعدادات أن بخيل، : وأنه رغم النقود التي تسيل منه . الرجل غبي وحيوان

ه، لكنهـا وأناني، وأنه ال يرى في الدنيا كلها شيئا سوى نفس بينما أدخل أنـا . كانت تدور في فلك أمي وفلك هاني قبطان

أكثر وأكثر إلى شرنقتي الجميلة المؤلمة، التي أصبحت مادة لحملة سخرية يقودها ضدي زوج أمي الوقح، مؤكـدا لهمـا وللجميع أنني فاقد للهمة وللطموح فاسد الـرأي وأن حكايـة

. الشعر ستحولني إلى صعلوك ال قيمة له .حفل زفاف أختي لمياء كان مؤلفا جدا بالنسبة لي

بكيت وأنا أراها فريدة رقيقة وجملـة، يسـحبها زوجهـا وحرسه ورجاله المتشابهون لكي تذبح وتقطع وتعرض فـي

ال أحد يعترف بمسئوليته عما يحـدث، نضـحك، ". الفتارين" .ونحتفل، ونزف

ـ . ال أحد يرى الجريمة أو يوقف السكين . العروس ر أكبجرائمي ارتكبتها في هذه الليلة، ألني لم أتقدم فـوق رءوس

أو .. ها أنا اآلن غير قادر على إنقاذهـا . الجميع وأنقذ أختي .ضاعت لمياء وال عزاء. حتى مواساتها

٣٧

هي تسكن اآلن شقة غبيـة واسـعة مزدحمـة باألثـاث تحيطها غابة من العمارات العالية، . والصالونات وترى النيل

لـو . لشقق خالية، فارغة من الحياة ومـن النـاس فيها كل ا وحيدة مع الفأر . صرخت أختي حتى الصباح لما أنقذها أحد

أبـوه بمئـات اللعـب البـاردة ،الذي أنجبته وأحاطته هي . المستوردة

لم يمض على زواجها شهور حتى تحولت لمياء إلى جهاز أمي، هـاني قبطـان : إلرسال االستغاثات في كل االتجاهات

ل أن يموت في فضيحته المفاجئة المكتومة، وأنا والمعارف قب . الكبار، وحتى المسئولين في الدولة

كان يفعل بها كل شيء، من الضرب إلـى الطـرد فـي منتصف الليل إلى اصطحاب النساء إلى سريرها، يقدر دائما

. أن يكتم صراخها وأنفاسها، ليعيدها محظية شرعية منتهكـة لم يعد أحـد . نادق فاخرة وقرى سياحية يواصل تعذيبها في ف

صارت أخبارها معتـادة كجرائـد . يسمع استغاثاتها فسكتت .الصباح

اآلن تأكل نفسها ووقتها وتـدفن نفسـها فـي النـوادي عندما . والمحالت والسيارات المكيفة التي تنقلها إلى ال مكان

٣٨

أمضي معها ساعتين وحدنا، أالحظ كم أصبحت تكره جسدها ذابل مذعورة تقذف بأشيائها القريبة وال تكف عـن الرقيق ال . التدخين

يستفزها سكوني واستظرافي، والقصص التي اسـتخرجها تضيق بي . من طفولتنا، أو من األماكن الغريبة التي أرتادها

. تزداد يوما بعد يوم تشتتا وغبـاء . روحها خامدة . وتحسدنيتنا أفشل في أن أثير حماسـها لشـيء وال حتـى لمشاكسـا

. منذ سنوات لم أر لمياء تضحك.. القديمةتشـرب . قرب الظهر، وجدتها وحدها في الشقة الكبيـرة

زوجها سافر في داهية، ونجحت هي هذه المرة . قهوة وتبكي . في أن تبقى هي وابنها خارج الركب الذي يتحرك فيه دوما

ثم خمـدت مرهقـة، . أخذت تحكي وتتكلم وتبكي كما تشاء تريد أن تسحبني . لم أستطع أن أفعل لها شيئا . عجوز، وبعيدة

. كما يفعل الغريق إلى بحار من الفراغ والكآبـة والصـمت : انتفضت منصرفا وأنا أقـول لهـا . تسحبني إلى بؤس قاتل

..االنتحار هو الحل االنتحار أو الطالق المستحيل.. لمياء* * * * *

٣٩

))١٠١٠(( نـاس كهف الدكتور منير فكـار الـذي يخـرج منـه ال

لـم يعـد . بالمجوهرات والذهب والفضة أغلق علينا جميعا انتهـت مـن حياتنـا القصـص . يخرج أو يدخل منه أحد

.واألساطيرفـي بيـت كبيـر مبنـي " بركة السبع . "يعيش أبي قرب

بالطوب األحمر يطل على طريق نصف مرصوف، له حديقة خلفية، يزرع فيها خضارا وموالح، إني جوار البيت جراجات

لمقطورات الثالث وحظيرة كبيرة للدواجن والماشية، البيـت ل . دائما تحت اإلنشاءمشغوالن دوما حتى ما بعد صـالة " سكينة"هو وزوجته

العشاء بالحسـابات وإدارة شـئون السـيارات والحظيـرة . واألنفار

مات أبي تقريبا ثالث مرات إثر أزمات قلبية حادة، أجرى تداخلت أزمـات القلـب مـع . قلببعدها عملية كبيرة في ال

أزمات شركات االستثمار، وضاعت فلوس الخليج، كان هـو بعد الجراحة األخيرة، وزواجه وانتقاله النهـائي . يزداد قوة

٤٠

؛ .إلى بركة السبع عاد بالنسبة لي شابا نضرا في مقتبل العمر . إنه بعث رجال آخر غير الذي أعرفهت أسمع عنه فقـط، مـن في الحقيقة أنا لم أعرفه قط، كن

أمي ومن لمياء، ومن شوقي عامر وبـاقي النـاس، أذكـر طفولتي المبكرة معه، ولكنها صور عنيفة مختلطة، كبـرت وسيرته في البيت موضوع خطر غامض، يثير دائمـا ردود فعل عنيفة ومختلطة، عندما دخل هاني قبطان حياتنا وتزوج

حد يذكر أبي، صار أمي وغاب بها في بحاره القذرة، لم يعد أ لـم . أخذت أبي إلى داخلي كي أنفرد به .. الموضوع محرما

أن . كنت أريد أن أجده .. أكن أريد أن أحكم عليه أو أحاكمه وأغضب منه وعليـه ثـم . أفتقده أحيانا كثيرة . أتعرف عليه

أعود فأراه وحيدا مطرودا، يسير في شـارع مـوحش بـال . نهاية

. ن كل ما حدثكيف يمكن أن يرى اإلنسااستطعت أن أحصل على كتبه القديمة التي جمـع فيهـا

جمعت من مجـالت الخلـيج . محاضراته عن األدب العربي عثـرت . ومصر مقاالته، احتفظ بها وأعيد ترتيبها وقراءتها

في قلب هـذه . أيضا على قصائد قديمة له نشرها في شبابه

٤١

ية التي قصته ومشروع المسرح " رقصة الديك "األوراق كانت أعيد قراءته وأفـك . لم تكتمل، تحتل المركز، مشروع حياته

. رموزه، وأعتقد أنه عمل عبقري لم يلتفت إليه أحدعندما أراه اآلن وأحاول أن أذكر شيئا عـن كتاباتـه أو كتبه، أراه يبتسم ابتسامة شاحبة خجولة، ويشرد بعيدا عنـي

م أعد أراه ول. استقرت عالقتنا . ويسرع كي يغير الموضوع إال عندما يستدعيني، يحرص في كل مرة نلتقي فيها على أن يعطيني كميات مختلفة، ومحترمة من النقود، يضعها في يدي

. أو جيبي صامتا وكأنه يعتذر أو يسدد دينا قديماعرفت أنه يحصل على نسخ من قصائدي القليلـة التـي

جته سـكينة زو. نشرت ولكنه أبدا لم يعلق عليها أو يذكرها وهي ال .. تقول أنه يقرأها لها أحيانا . هي التي كانت تقول لي

.تفهم منها أي شيءوهو بعيد عني أبني معه حوارات طويلة، وأتخيل حـديثا

عندما نلتقي سرعان ما يتـوتر . حميما طويال ال يحدث أبدا الجو، غالبا ما ينتهي بخالف فأغادر غاضبا، أو يختفي هـو

. من البيت بعيدا متشاغال بشيء عارضفي مكان

٤٢

وجدته يتشاجر مـع واحـد مـن سـائقي المقطـورات، وصوتهما يمأل الدنيا، كان يشتمه ويتهمه بإهمال جسيم، وبأنه ال يقدر النعمة التي يعيش فيها وأنه يعض اليد التي تسـاعده

كان غاضبا مهتاجا كما لم أره من قبل، عنـدما . وتفتح بيته . دخل أسكتني وكأنه يهش كلبا غريباحاولت الت

غادرت البيت مسرعا رغم محاوالت سـكينة اسـتبقائي للصباح تركت البيت ورائي يتصاعد حوله غبار كثيف تثيره الجرارات والمقطورات التي تفـتح الطـرق الضـيقة بـين

.الحقولفي بركة السبع كان الوقت متأخرا والنداءات تتصاعد في

.واحد مصر... مصر.. صرم: ميدان المحطة* * * * *

٤٣

))١١١١ ( ( ضوء عينيها البنفسجيتين تحت النجفة الخشبية القديمة في شقة شوقي عامر، يظل هو المدخل الملكـي لعـالمي الـذي أعيشه مع كارين، الكلمات التي كان يجب أن تقال ال تـزال

.حية، وما قلته يبدو دوما ناقصا وليس كما ينبغيعة، حول المنضـدة المربعـة الكبيـرة، في الصالة الواس

: راقبتها تتحدث مع شوقي عامر عن عملها، كانت تقول لـه أن تحول المشاعر الغائمة في مسائل الفن إلى كلمات محددة

.واضحة صعب، ولكنه ممتع مثل التعبير عن الحبابتسم الرجل العجوز الجميل موافقا، وقام ليتركنا وحـدنا

ن يكمن في أن عندها دائمـا شـيئا سحر كاري . إلى المنضدة . حقيقيا تقوله أو تفعله يجعلها دوما مختلفة عمن حولها

في الشقة ثالثة شبان يحومون حول كارين ويحاولون شد انتباهها، خاصة ذلك المخرج المسرحي الـذي اسـمه عبـد اللطيف، والذي تقول هي عنه إنه يذكرها بفرشاة األسـنان،

الصالة صعوبة تدريبات الممثل التي أخذ يشرح لنا في وسط يسير على أربع، ثـم يرقـد علـى : كان يدرسها في برلين

البالط، ثم ينتفض فجأة قافزا في الهواء حتى تحولت الصالة

٤٤

إلى سيرك سيريالي، حول شوقي عامر الذي ظـل مشـغوال بتخطيطات مبدئية للوحة يعمل فيها منذ سـنوات ال شـيء

عينيه المندهشتين ثم يعود إلـى مـا يرفع. يفاجئه أو يزعجه . كان فيه

يذكر لي تفاصيل قديمة عن عالقته بأبي، فكأنني أراهمـا وأرى قاهرة الخمسـينيات والسـتينيات، هـو . صديقين معا

اعتقل لسنوات مع الشيوعيين، وخرج بال تشوهات في فكره أو روحه، أظن أن عالقته الطبيعة بالفن والرسم هي ما زالت

من كل شيء، ال أشعر أبدا أنه عجوز، فقـط عـاش تحميه .أكثر وعرف أكثر

هو من القالئل الذين ال يكرهون أبي، يحمل له مودة تسعه مع مئات غيره من الذين تحولوا إلى حاالت نفسية أو رمـم متنطعة ـ يقول أنه ذهب مرة وأمضي معه ليلة طيبـة فـي

. بركة السبعأبي، وال نعمـة البنفسـج ليست كلماته الطيبة النادية عن

التي هبطت علي في شقته هما ما يربطاني به، أهم شيء هو سخريته الصامتة التي تكشف المتناقضات حولك فترى الدنيا

. وقد اعتراها نوع من العري المثير األخاذ

٤٥

وجودها معي تشهد ما ينكشف ويتبدى في هذه الشـقة ـ ـ ا ويسـتحق قلب القاهرة ـ كان يجعل األمـر مثيـرا مهم

. المتابعة . كانت معي، ولم يعد للقاهرة قلب. هي ليس معي

. نزلنا متأخرين، بعد أن انتهى عرض عبد اللطيف العبثي ساحرا كـان الطريـق . باركنا عم شوقي بلطف حتى الباب

معها إلى الكورنيش والكوبري في طريقنا إلى غرفتهـا فـي . مضاءةقالت لي أنها قد تركت نافذتها. أول الزمالك

* * * * *

٤٦

))١٢١٢ ( ( : الجحيم الجديد بدأ منذ رحلة مرسى مطروح المشـئومة

أول دخول هاني قبطان الحقيقي إلى حياتنا لف حـول أمـي قامته الطويلـة . حباله، ودمر عائلتنا غير المقدسة من الداخل

المشدودة بال جالل وال مهابة، ألقت بظلها الكريه على كـل .لحظات حياتي

لكون والوجـود والـذوق واللـون والقمصـان كراهية ا والحركات واإلشارات والمعاني، والكلمات وخاصة الكلمات

وجوده كان يجعـل جراحـي تنـزف . احتفظت بها كلها له .ورأسي ينفجر

خطواته الحادة، صوت مفتاحه في باب الشقة كانا كافيين . لكي يجعال مني حيوانا جريحا مستفزا تحت التهديد

ي ألنها أصبحت من أشيائه، أرى وأشم ريحـه كرهت أم وال حيلة لي وال مهرب، ليسـت . في جميع ما تفعل أو تقول

.له مالبس جديدة وخلعتني وخلعت كل شيءوأنا أعاني من حمى طويلة، وكانا لم يتزوجا بعد، أفـتح عيني فأراه، واقفا على رأسي طويال حتى السقف مصـنوعا

٤٧

لـم . صدري ويكـتم أنفاسـي من رخام بارد يقع ظله على .يفارقني هذا الشعور أبدا

استولى على كل المواقع وأنا محاصر أتراجع دائما إلـى شرنقتي وأترك له أمي وأختي والمكان الذي أعـيش فيـه،

تم ترحيلنا إلى بيتـه . انتقلنا من شقتنا القديمة في مدينة نصر كانت في اإلسكندرية، تخلصت أمي من كل نباتات الظل التي

تعتني بها، وأشياء أخرى كثيرة كانت تحمل بصمات عـين . داستها أقدام حادة مزقتها سكاكين

في البيت المريب الذي لم أجد أبدا فيه مكانـا لروحـي، ومع تقدم الليل كان هاني قبطـان . كانت الليالي تبدأ متأخرة

يتحول فعال إلى رئيس عصابة، مخيف وجبان وقذر، يجمـع سلسالت التليفزيون المتخلفة في ليلة واحـدة، كل خصائص م

يبعثر حوله أشالء قذرة، تستيقظ في وسطها أمي وتعيش لكي كان البيت يبقى مفتوحا طوال . تعد له يوما جديدا وليلة جديدة

النهار، يدخل ويخرج خدم وصبيان، ومهربـون وصـناديق .مغلقة، وهاني نائم أو غير موجود ولكنه يدير كل شيء

٤٨

لكنها كانت . دت حاالت أمي، وارتدت عشرات الوجوه تعدقد تخلصت إلى األبد من الوجه الوحيد الذي أحبه وأعرفـه،

.ومحاوالتها للتقرب مني كانت تجعلني أكرهها أكثرانشغلت دوما بتدبير مؤامرات فاشلة لفضـحه وضـبطه متلبسا عاريا مفضوحا، من دون ذلك القناع الذي يداري بـه

.كل حياتهتأخذ هي . كل الوعود لم تكن تنفذ إال برضا وموافقة منه الثانويـة . أمامي موقف الزوجة التي ال تكسر لزوجها كلمة

العامة، مرضي المتكـرر، التحاليـل وزيـارات األطبـاء، عشرات الحيل واألكاذيب كانت الخيوط التي أخـذت أنسـج منها مؤامراتي للحصول على شقة الظوغلي التي أخذتها أمي

.من خالي الذي مات في كندالم يوافق هو أبدا وكان إعالنا للقطيعة وإخالء المسـئولية

.تحميلها هي للمرة األولى وحدها كل العواقبموافقة مع اللعنات خرجت بعدها من جنته وجحيمه، ولـم أنظر أبدا خلفي، اعتبرته مـيالدا جديـدا وحاولـت حفـره

. د والجدرانوتسجيله على كل المقاعد والمناض

٤٩

لم أترك كراهيته تذوب في حياتي، هي كافية لكي تفسـد . لم أسحبها ورائـي . أبقيتها في صناديق مغلقة . بحار العالم

المهم أن أعرف كيف أوقف كل شعور بالرثاء على نفسـي، .أال أقابل الحياة بشعور امرأة مغتصبة

.ولكن في القاهرة كان جحيم آخر جديد

* * * * * * * * * *

٥٠

))١٣١٣(( غامرة وخيمة العواقب كانت زيارتي للقرية التي ولد بها م

رقصة الديك، ومخطوط المسرحية . "أبي كفر شوق في المنيا التي لم يكملها أبي هي التي حركت كل هذه الكوارث التـي

.تساقطت على رأسيملكتني صور ذلك الكهف الذي يفتحه دم ديك بلدي يـذبح

ذين دخلوا لكي يحصـلوا أمامه، والهياكل العظيمة لطامعين ال . على الذهب والمجوهرات فمـاتوا ومـات غيـرهم مئـات

والمغربي البدوي الرحال يدور في القـرى مطلقـا بخـورا ومحطة كفـر شـوق القديمـة . ومغنيا أغاني ال يفهمها أحد

الذي أشعل الحريـق وأطلـق الجنـون " الدوم"ورجب بائع عـالم هـذه حاولت أن أدخل برأسي إلى .. وطاردته القرية

.القصة وليتني ما فعلتاتفقت أنا وصديقي حسين كاظم أن نسافر وراء هذا الحلم

كأنني . كان سوء اختيار مني للرفيق وللطريق معا . الملعون .حدقت في بئر فارغة بال قرار

كانت مواجهتي الحقيقة األولى لفكرة أن أبحث لـي عـن ألـيس . ولكن هنـا الـوطن . مسقط رأسي في الخليج . وطن

٥١

كذلك؟ استحوذت علي محاولة فهـم هـذه البديهيـة، كمـا . استحوذت علي صور مبعثرة من قصة أبي وحياته

لم أتعرف على أحـد ولـم . أنكرني هناك المكان والناس . كنت أخوض في زحام من الفقـر والتخلـف . يعرفني أحد

يصيبني مرة بالقرف ومرة بالفزع، يتركني مشدوها أقـرب بعضهم يقول . أغلق خلفي تماما طريق الفرار إلى األبله، وقد

ابن الدكتور منير، اهللا يسامحه بقه، وبعضهم ال يقـف .. آه"حتى ليدلني على الطريق، ال أحمل معـي سـوى نظـرات

.االستنكار والريبةطابور الناس والميكروباصات الممتد من المركـز إلـى

لتحين القرية، خليط غريب من الصعايدة والبسي الجينز والم والبسي المالبس الباكستانية، وجحافل من التالميذ الصـغار

الجميع منهمكون وسـط الغبـار لكـي . والفتيات المحجبات .يلحقوا بشيء ال أعرفه

. لم يكن حسين من الناحية المادية أحسن حاال من هـؤالء بل لقد بدا وكأن كثيرا منهم يخافون أن يظهـر علـيهم مـا

ك كان حسين يعاملهم بتعال قـاهري مع ذل . يملكون من نقود يكرر اإلشارة إلـى صـور . كأنه سائح خايب رذيل . بغيض

٥٢

. ومناظر موجعة أليمة، وكأنه عثر على ضالته وما يبتغيـه .. يستعرض عليهم ليس تفوقه العقلي فقط بل والطبقي أيضـا

. أنا أحسن منكم: يريد أن يقول دوماوضياعي الـذي فوق ارتباكي . كان هذا أكثر مما أحتمل

أحسست به وأنا أتلمس في ظالم تام أطـالل أحـالم أبـي، . ومهابط الوحي واإللهام الذي كان ينزل عليه

لم أجد رسما واحدا من الرسوم التي اشتعلت في خيـالي حتى الشجرة القديمة التي حكى عنها على رصيف . المحمومطة وال رصيفا أطبقت على المح .. لم أجد ال شجرة . المحطة

.من الجانبين ظهور بيوت بنيت على عجل بالطوب األحمر. ليس في القرية كلها مكان وال إنسان يؤوينا لليلة واحـدة

وعواقب وخيمة لو واصـلت الطـرق . نوافذ وأبواب مغلقة .والسؤال، ال وقت وال رغبة عند أحد في أن يتكلم أو يتذكر

الحيـاة ـ وحتـى الشـعر ـ . يضيع مني الشيء مرتينخارج أنا وحسين من القرية ليال عبر مسـتنقع . ض الريح قب

. مظلم يقود إلى الطريق السريعفي غرفة عالية السقف، عارية تقريبا من األثاث، أمضينا

.ليلة ثقيلة على النفس

٥٣

. نام حسين لكن ـ أنا ـ لم أنم* * * * *

٥٤

))١٤١٤(( عطشان دوما ـ لحبها الصافي ـ ال أريد أن أفارقهـا أو

أجد حال لوجودي، أشـرب . كها تنشغل عني بشيء آخر أترضوء عيونها البنفسجي الذي يبدل كل مـا حـولي ويطلـق

أتعلم منها وأسمع عن شعراء ورسامين وموسـيقيين . روحيوهـي . وإن سمعت فلم أكن أعرف ما يفعلون . لم أسمع بهم

كأنني أعـرفهم أو كـأنني . تحبني أدخلت هؤالء إلى حياتي .واحد منه

بيت الخشبي القديم المحشور وسط العمـارات الجديـدة التقول إنه يذكرها بديكور مسـرحية بيـت .. على الكورنيش

يا .. هل تعرف كل شيء : األشباح، أوافق على كالمها فتقول حصاني الجميل؟

كاثوليكيـة وأمـا . واقع ولغة ودين .. مسافات طويلة بيننا يلة معي، سمعت ساعات طو . أحبت المصحف المرتل . مسلم

. معها حتى أدمنتهـا " باخ"سمعت أم كلثوم، وسمعت موسيقى غالبا ما كانت تكتب كل ليلة خطابا لوالدتها بالبولندية، أسمع

.منها موسيقى غريبة تحرك الروح

٥٥

ال شـيء علـى اإلطـالق .. لم يكن هناك حلم وال واقع .مستحيل

ي كنت ال أرى ما يمنع من أن يتم زواجنا فورا، نتزوج ف النقود التـي . الشهر العقاري وننتقل معا إلى شقة الظوغلي

أبي وأمي يملكـان أطنانـا . هذان النذالن . أحتاجها لن تزيد منها، ثم إن لكارين طريقة غريبة في التعامل مـع النقـود،

.تصرف، ونقودها ال تنقصيمتعها اندفاعي هذا للزواج، تتأمله وتثيره وتبقي القـرار

.ملك كل شيء في يديهامعلقا كأنها تفي الصيف طلبت في نهار حار أن نزور المقـابر التـي

لم تفلح الزهور والخـوص . تمر بها كثيرا وهي في السيارة المتناثر في أن تقاوم في روحي ذلك الفناء الترابي المخيـف الذي أخذنا نخوض فيه، والسيدات البدينات الالتـي يحملـن

يدفعن . به فوق الموت األصفر ألوانا من الطعام ويتحرك من الغليان إلى مداه، كانت تحتمل الحرارة والتـراب والمـوت واألجرد في صالبة مثيرة للدهشة، محدقة في صمت، تكـاد

. تكتم أنفاسها

٥٦

حدقت أنا اآلخر في األشباح التي تراقصت على ضـوء الشمعة التي أشعلتها هي ليال، وأخذت تحكي عـن قصـص

: انوا يحكـون لهـا عنـه وهـي طفلـة الذي ك " المسلماني"الذي يقفز من نوافذ البيوت ليخطف األطفال، أو " المسلماني"

سكنت المربعات والمستطيالت التـي نمـت مـن . يذبحهم .الصمت في الليل أشباح غريبة بيننا

عندما نامت وسكنت إلى صدري كنت أحـس أن أمـامي . طرقا وأسفارا تحتملني إلى آفاق غريبة وحدي

* ** * *

٥٧

))١٥١٥(( الخدم الذين عرفتهم في الخليج كانوا أغرابا من سيريالنكا أو الفلبين، ألوان مختلفة، كأنهم بشر ركبوا من مواد أخرى،

فقد كان ابن الخادم الذي اخترعتـه أمـي لكـي " حلمي"أما ينظف الشقة مرتين في األسبوع في عهود ما قبل دادة نجيـة

..وقبل جحيم هاني قبطانمرجعي ومالذي في هذا العـالم الجديـد الـذي " يحلم"

. قذفوني غليهأعرف أن سن الثامنة والتاسعة سن االكتشاف والدهشـة، لكنني كنت أكتشف األشياء مرتين، وأفقدها مرتين، عمليـات

. تحويل عمالت غريبة تدور دائما في ذهني، حضور وغياب لذي لن وال ما هو الشيء ا . ال أعرف ما هو المكان الحقيقي

.أراه بعد ذلك أبداكانت أول شيء حقيقي أصنعه بنفسي " حلمي"عالقتي مع

والخميس عندما يأتي مع أبيه لتنظيـف .. وبشروطي، االثنين . الشقة كانا اليومين اللذين أعيش من أجلهما طوال األسـبوع

أعد البرامج وأرتب المفاجآت، وغالبا ما أتمارض حتـى ال .ضي النهار كله معهأذهب إلى المدرسة وأم

٥٨

خليط فريد من الحب واالمتالك والخوف والرغبـة فـي المجاهل والمعارف الواسعة واآلفاق الجديدة التـي تفتحهـا

.عالقتي بهوجـوده فـي الـدنيا .. هو في نفس سني أو أصغر قليال

ومجيئه مع أبيه كان الشيء الوحيد الذي يجعلني أرى األشياء أجعله يفعل أي شيء ويتحمـل كنت. تترابط وتصبح حقيقية

أبقيه دائما مندهشا من أشيائي وأالعيبي وقصصي . أي شيء .الحقيقية والمخترعة التي أنسجها له على هواي

كان موجودا طبيعيا . شيء وحيد كان يملكه وال أملكه أنا أنا بكل ما أملكه فـي . ضروريا، له مبرر، بينما أنا زجاجي

األثاث المختبئ في عمـق شـقة غرفتي المزدحمة باللعب و مدينة نصر المزدحمة بنباتات الظل، كنت زائدا على الحاجة، لست ضروريا وال مبرر لي، الشيء الوحيد الـذي يشـغل

كان التصوير الكاميرات الغالية الجديـدة " حلمي"ذهني غير .التي أطلبها من أمي بال حدود

إدمان مبكر، سلوك استحوذ على روحي ومتعـة سـرية أن ألتقط صورا ثابتـة مـن وراء عدسـة، أمسـك : خاصة

المسألة أنني لم أكن أحب . باللحظة الوهمية الخاطفة المدهشة

٥٩

أن يرى أحد صوري، ال أمي وال لمياء، وال أحد من الزوار القالئل، لماذا ـ وأنا ال أحبهم ـ أجعلهـم يقتحمـون علـي

لحظاتي الخاصة التي رأيتها وحدي؟كنت أتركه يقلب في كل الصور ويفعل ـ فقط ـ " حلمي"

أغلب الصور خالية من الوجوه .. بها ما يشاء ويسألني عنها أو األشخاص، كلها ألوراق النباتات أو حديـد الشـباك، أو أرجل المقاعد، أو أدوات المائدة، دهشته بالصور، وتأمله لها

أحيانا يخترع لها أسماء ويرى فيها كائنـات . سعادة هائلة لي . يرتبها ليصنع منها حكايةأو

لم يكن يذهب إلى المدرسة ألنه مصاب بالصرع، تصيبه نوبات متباعدة ويقتضي مصاريف كثيرة يتحملها أبـوه مـن

للرجل من أجل ذلك عدد هائل . أجل أمل غامض في الشفاء من األعمال وعالم مشغول واسع من العالقات والبيوت التي

هو عند بعض الناس أعجوبة " حلمي"يذهب إليها، ومعه دائما له وجه هادئ جميل، عينان تشـعان ذكـاء . أو طفل معجزة

صامتا وحزنا بعيدا، أهله رغم الفقر يعتنون به جدا، ويبقونه يضغط بقوة علـى . دائما نظيفا، النوبات لبست شيئا خطيرا

الحائط خلفه، ويفرك يديه فـي بعضـهما الـبعض بشـدة،

٦٠

مالمح الوجه الجميل ثم يفقد وعيه ويسقط ويتصاعد ألم يغير كأنـه .. عودته من النوبة كانت شيئا جميال .... على األرض

. الصباح يعود من جديدحياة حلمي حية واسعة مليئة، كأنه يعيش في قلب خليـة

بادلنا أنا وهـو . نحل أو في مدينة بناها النمل تحت األرض مـزدحم، أحـب ـ حياته بحياتي، أحب حياته جدا، ويومه ال

أيضا ـ أن يبقى معي طول الوقت يحكـي ويتفـرج علـى عندما أكون أنا مريضا ويبقى هو معي في الغرفـة . الصور

كنت أشعر بدفء وضوء غريبين يمآلن المكـان، وعنـدما .يذهب كانت الغرفة تعود باردة كأنها قبر من رخام

لم أعرف أبدا من دبر المؤامرة الكبرى ضدي، وال مـن أها، الذي أعرفه أننـي قاومـت وأضـربت واعتصـمت بد

وامتنعت عن الطعام، لكي ال تفصل أمي بيننا وتمنع حلمـي . ووالده من المجيء

لم أمسك . ذبحت أمي، في قسوة باردة وبال مبرر، أيامي بعدها كاميرا ووضعت الصور في صندوق أسـحبه دائمـا

. أحببتهحرمتني أمي من العالم الواحد الوحيد الذي. ورائي * * * * *

٦١

))١٦١٦(( نظهر متالزمين أنا وحسين كاظم فـي أغلـب النـدوات األدبية، أشعر أن وجودنا معا يثير أسئلة بال إجابات، فال أحد يعرفنا، وال أحد يعرف إلى من ننتمي وال مـع أي الشـيوخ

يلتفت نشرنا قصائد قليلة جدا ولسنا بأي مقياس كائنات . نعملنتخذ ألنفسنا موقعا استراتيجيا نراقـب منـه المقدمـة . لها

والمؤخرة ونختلط بالجمهور العادي الذي جاء بالمصادفة أو مع هؤالء يكون الجو أفضل من االخـتالط . لتمضية الوقت

بالمجموعة المألوفة دائمة الحضور التي تتحرك حول المنصة و تصفية حسابات والمقاعد األمامية لقضاء مصالح صغيرة أ

يقنعني أحدهم أو يفاجئني بتفكير خـاص أو اهتمـام . وهميةنتبـادل أحاديـث . صادق أو اقتناع بما يقوله أو يتحدث عنه

: جانبية متقطعة أو نقول نكتا قديمة لنسأل أنفسنا بعـد فتـرة !"هي إيه الحكاية"

في كل مساء يولد شيطان جديد يتحكم .. الليالي تدبر نفسها ليل ويقوده، شياطين صغيرة تنتجها حالة الضياع الـذي في ال

تمر أيام طويلة وليـال دون أن . ألقاه في كل طرقات حياتي

٦٢

أشعر بوميض الوجود الحقيقي أو تعتـري جسـدي رجفـة .الحياة

بعد أن تنتهي الندوة يخرج الجمهور العادي متثاقال يحمله واصـلة خيبة األمل، بينما تنشط جماعات الصفوف األولى لم

.المبارزات الخشبية في أي مكانيدفعني لكي أظل أتردد على هذه األماكن جوع حقيقي ألن

وغالبا مـا .. قصيدة ربما، أو مفتاح الحياة . أعثر على شيء تنتهي بي الليالي وحيدا غريبا على طاولة ممدودة مزدحمـة

.بكلمات كاذبة، وأحالم داستها أقدامل الندوات التي أسمع عنها هنا اندفعت في البداية أحضر ك

وهناك كأنني أبحث عن أبي أو بعض منه، عرفني واحـد أو اثنان من كبار السن ليسأال عنه بسؤال عابر وانتهى األمـر، قابلت بعض تالميذه الذين ال يذكرون له شيئا، الرأي السـائد أن الذين سافروا إلى الخليج خونة ال يحق لهم أن يعودوا إلى

فرصة للتصنيف والحكم واإلدانة وممارسة كراهيـة . الساحة .مكتومة ورغبة دائمة في ممارسة الجرح والتشريح

األستاذ الكبير اكتفى بنا نحن االثنين، حسين وأنا، بعد أن . فشل في أن يحصل في ليلته على مستمعين أكثر أهمية منـا

٦٣

ذهبنا معه ونحن نحسب حساب الكوارث التي يجلبها إسرافه اب، والصداع األبدي الذي يصيبنا إذا بدأ الحـديث في الشر

عن نضاله السياسي وعن الـثمن الـذي دفعـه مـن أجـل ". القضية"

على مائدة منعزلة في محمل تسكنه رائحة قديمة اسـتعاد الرجل شبابه وأخذ يصب في جوفه متسارعا شرابه القـوي، اختار مدخال جديدا وأخذ يقول إنه ال يفهـم سـر انفصـال

أخذ .. عن اإلنجاز الذي يتم .. مثقفين، وعزلتهم عما يتحقق ال. الديمقراطية نسبية والعدل نسبي .. يكرر أن كل شيء نسبي

وأن المشاركة في الفعل هي التـي تعطـي حـق النقـد أو .االعتراض

رجع . كنا قد سمعنا أنه مرشح لرئاسة تحرير مجلة جديدة لماذا تكتفـي .. أنت مثال موهوب : بكرسيه إلى الخلف وقال

لماذا ال تضع نفسك في قلب عمل ثقافي؟ لمـاذا ال .. بالفرجة !تشارك؟ أم أنك تريد الهرب مثل أبيك

يبدو أن الشراب القوي الرخيص قد ضخم كلمة الهـرب لم أرغب في أن أراها . رأيتها معنى بشعا كريها .. في رأسي

حاول الرجل قدر ما استطاع، إنه هو الهـارب . تلتصق بأبي

٦٤

ذلك الفأر الالمع، هارب إلـى دهـاليز السـلطة ومكاتـب المسئولين، هارب إلى محفظته التفاهـة ومالبسـه السـابقة

.التجهيزقلت له في كالم أثقله الغضب والشراب إنه هو الهـارب

وإنه ال يـرى شـيئا وال . في كل ما يفعل أو يكتب أو يقول به هـو يدافع عن شيء، وإن كان يتصور أن ما يفعله أو يكت

مشاركة في خدمة ثقافية تقدم للناس فهو واهم؛ ألن ما يفعلـه حقيقة هو استرزاق بذي من مال ناس في حاجة إلى رغيـف ومدرسة نظيفة، وأن الديمقراطية النسبية التي يتحدث عنهـا

. ليست سوى ستار يختفي وراءه النهابون أمثاله في لحظة اكتشفت أن األستاذ الكبير جبان، وأن غضـبي

الذي انفجر أرعبه، وأنه مستعد للموافقة معي إلى حد البكاء، لم يبق على المائدة سوى الفتات ككل ليلة، واستطرد األستاذ في تراجعه يستعمل كل المصطلحات القتالية من الساحة حتى

.المواجهة والصمودأراهم . كوميديا هذه األلفاظ كانت تثير ضحكي أنا وحسين

نمل اجتمعوا حول جلـد ثعبـان فـارغ، جميعا جيوشا من ال الثعبان في الحقيقة خلع جلده وتركه، وراح هو إلـى مكـان

٦٥

المصـيبة الماثلـة . هم مشغولون بالجلد الفارغ الملون . آخرفوق رأسي دوما أن كال منهم يعيش حياته وحده متصورا أنه

يرفـع " لقمة صـغيرة "عندما يقتنص . كون وحده أو جزيرة .يتوقع أن يشارك كل الناس في االحتفالرايات النصر و

كان على حسين أن يسرع لكي يندس في الميكروبـاص . الذاهب إلى إمبابة، حاسبا حساب رائحة الخمـر فـي فمـه

بعد أن ضـمن . حاسبا حساب الدخول إلى عرين أبيه الضيق . في جيبه ثمن السجائر وساعات الصباح

مررت . لفارغبقيت وحدي في الشوارع مع جلد الثعبان ا على الشحاذين الثالثة المتكومين مع نفاياتهم في شوارع باب

أطبق عليهم الليل، أما بقية الناس فقد دخلـوا . اللوق الجانبية وأغلقوا أبواب الشقق والنوافذ، ويبقى الحـال ـ ، إلى البيوت

. دوما ـ على ما هو عليه* * * * *

٦٦

))١٧١٧(( دنا فيه عقد الزواج في الشهر العقاري حار اليوم الذي عق

رغـم . إنجليزيا فاتحا وبسـيطا " تاييرا"كارين ترتدي . جداالزحام وضيق الغرفة وسخافة اإلجـراءات، فقـد سـاعدنا

.المحامي الماهر الذي دلنا عليه شوقي عامركانت كارين قد سافرت إلى أمها لتأخذ موافقتها وعـادت

بيني وبين نفسي كأنني ملكت نجـوم احتفلت. بعد أسبوعين السماء، أنجزت هي في سرعة وبساطة، وبتكـاليف قليلـة، ترتيب شقة الظوغلي وإعدادها للحياة، لم تمض أيـام حتـى

. صارت مكانا مختلفا نظيفا خارج فوضى العمارة والمكانلم تكن سهرة الليلة ظريفة، فقد اجتمع ثالثة أو أربعة من

اجات خمرة كثيرة وطعام غريب جلبـوه األصدقاء حول زج أغلب أحاديهم تدور باللغة العربية وأكثر اإلشـارات . معهم

بعد ساعة اشتكت لي كارين مـن . والنكت جنسية وال تترجم أن الدخان كثير، وأن أصواتهم العالية تشبه السعال، وآثـرت

.أن تأخذ صداعها الخفيف إلى غرفتها وتحاول أن تنام" الفنـان يعمـل " العمل في رسـالتها غيرت هي تفاصيل

واكتفت بالفنانين والكتاب المصريين حتى تبقى معـي فـي

٦٧

ترتيب الحيـاة وتخطيطهـا الـذي . مصر كل الوقت المتاح ناقشناه مئات المرات، كان يقتضي أن أنهي الدراسـة فـي الجامعة، وأنتظم في العمل والكتابة يوميا فـي اسـتمرارية

ت واأليام الضائعة، محاولة للتشريع مقدسة، تلم الوقت المشت .في أرض وروح تلوثت بداء الفوضى والضياع

كارين قادرة على خلق إيقاعها الخـاص ونظـام يومهـا المشحون دون تزمت وال جهامـة، ولكـن فـي صـرامة

. متحضرةحبها لي نهر تحت الصخر ال هـو مبـذول مبتـذل وال

ـ ي مصنوع، حاضر يحيط بي من أول سـاعات اإلفطـار ف . الصباح حتى هبوط الليل

مرت شهور وأنا أصارع بقعا سوداء تولد بين اللحظات، فتجعل الوقت حائال ال طعـم لـه، يضـيع فـي التحـديق

. واالجترارلم تكن تتحمس لفعل الحب لتمضـية الوقـت، ال يكـون مصدرا للسعادة إال إذا تم في لقاء جسدي ومزاجي متكامـل،

أمـا . تها في انتشاء كامل مريح تتصاعد في اتزان وتصل قم أنا فقد كان الجنس معها يبقيني غالبا أسير مشـاعر حـائرة

٦٨

أرى ذلك واضحا في .. مرتبكة، نهر حبها يتجدد بفعل الحب أما أنا فقد كانت شرنقتي القديمة تطبـق . وجهها في الصباح

دوما على أراض جديدة في روحي وحياتي، لم أعرف كيف . أعيشه حرا منعشا

األصدقاء واألشياء الطارئة كانت تخترق اليوم وتتركنـي أدور حول خياالت متعلقة بالكتابة أو الشعر دون إنجاز يذكر

بينما أراها إلى جواري ينتظم عملها يوم بعد يـوم، . أو تقدم تراقبني دون حكم أو إدانة، . وتتوالد األفكار في صحة ونماء

اق واالسـتغراب يولد عندها بالنسبة لي نـوع مـن اإلشـف أبحر دون أن أدري في بحار وحـدتي وضـياعي . الحقيقي . المطلق

لم أكن رأيت أمي منذ فترة طويلة، من أيام أزمـة وفـاة هاني قبطان، وما صاحبها من فضيحة حاولـت أمـي مـع الجميع كتمانها ومنع السبب الحقيقي للوفاة مـن أن يتسـرب

تعاطيـه مـن إلى الصحف التي تتشمم أخبار الهيـروين وم .البسطاء والمشاهير

بعد الزواج طلبت أن تراني وتتعرف على كارين أكثـر لكنني كنت أدفع المواجهة بعيدا عني كما أفعل في . من مرة

٦٩

أسمع أن حالتها تزداد سوءا مع الحبوب المهدئة . أشياء كثيرة . والشراب

قمنا بالزيارة بعد أن ألحت كارين وقالت إنها ضـرورية، البيت الذي تقيم فيه تحول بسرعة إلى . س مر المذاق يوم تع

فيلال مهجورة وسط فيلالت أخرى مزدهرة منتعشة في منطقة رشدي، هذا هو المكان الذي تمنيت دائما أن أراه كوم تراب

في الصباح المتأخر كانت السيدة العجـوز تبـذل . أو رمادا هـا دخلنـا إلي . مجهودا كبيرا لكي تبـدو متماسـكة مفيقـة

. متوجسينارتدت بعض ثيابها الكالسيكية، وشدت نفسها على مقعـد وحيد يحيطه فراغ بعد أن صففت شعرها ووضعت ماكياجـا

. ثقيال، جمعت كفيها في تتوتر، وكانت يداها عجوزتينبذلت مجهودا كبيرا لكي أتم عملية التعرف في سالسـة،

.. رين عني أخذت هي تتكلم في إنجليزية، متكلفة وتحكي لكا . وعن حياتي

. يستطيع اإلنسان أن يبرر لنفسه كل شيء . هو قادر على أن يرى فقط ما يحب أن يراه

٧٠

أعطت كارين في إصرار قطعتين من مجوهراتها القديمة، . وراقبتها كما أراقب ممثال متوسطا يؤدي دورا ال يصلح له

"..سـانت بـاربرا "في الليل ذهبت أنا وكارين إلى مطعم .الضوء أصفر شاحب وعلى صدري كآبة ال حل لها

لم أعـرف لـه . طلبت كارين النبيذ المصري الذي تحبه طعما، أبعدني النبيذ عنها وجعلني أسقط وراء الحقيقـة فـي

. وحدة مرة* * * * *

٧١

))١٨١٨(( تركت كارين وحدها في الشقة ألكثر من أسبوع، أجمـع

لمفاجئـة للـدكتور شتات نفسي بعد الوفاة ا " بركة السبع "في من فوضى القـاهرة " تعيش أنت "انتزعتني كلمة . منير فكار

". بركة السـبع "وارتباكها وسحبتني لكي تلقي بي في مستنقع لم أدرك لحظاتـه . في الفراغ الذي خلفه رحيل الرجل الكبير

كشفت المالءة البيضاء، حدقت للحظة فـي الوجـه . األخيرةلخارجية الحـادة بعـد أن انطبعت خطوطه ا . الصارم البعيد . لن يقول لي أبدا شيئا بعد اآلن. أعدت الغطاء

ولم يكن حـولي . للحزن طعم جديد طازج كأنه مذاق الدم . على اإلطالق من يشاركني

ضوضاء العزاء وكل الترتيبات تولتها زوجتـه سـكينة كتيبـة . وأهلها الذين مألوا المكان بمالبسهم البيضاء النظيفة

لم يكن لي في كل ما يفعلون رأي . ى قلعة سقطت تستولي عل .وال شأن

لمياء حضرت مع بعض زبانية زوجها وانصـرفت بعـد في ليالي العـزاء كـان . من أمي لم أسمع أي خبر . ساعات

ولـم يحضـر مـن أهلـه . الحضور من أهل الناحية قليال

٧٢

الصعايدة أو القاهريين إال أربعة أو خمسة، وظل السـرادق . خال يدوي فيه صوت قرآن ال يستمع إليه أحدمنصوبا شبه

البيت الداوي سكن . ليالي شتاء ريفي بارد ينفذ إلى العظم حط في غرفته وفي األماكن التي كان يجلـس فيهـا . تماما

أحسنت زوجته سكينة استقبالي في بيتها . فراغ الموت الجديد المرحوم رتب كل شيء منذ فترة قبل . ورعايتي دون إزعاج

لي أنا ولمياء ودائع نقدية فـي . كل شيء هنا باسمها . تهمو. أوراقه الخاصة لي أن أنظر فيها وأفعل بها ما أريـد . بنوك

هكذا قالت وهي تعطيني مفتاح الغرفة الفارغة التـي أعيـد .ترتيبها وتنظيفها بعد الدفن

جوار السرير حقيبة جلدية قديمة، مغلقة ومفتاحها صغير،

وزارة المعـارف "يس قديمة كتب عليهـا فيها أوراق وكرار ، ما أحلى خطك يا أبي، وما أجمل رائحة األوراق "العمومية . القديمة

. الليالي واأليام التي أمضيتها هنا صنعت من مادة مختلفة تحديقي عن قرب في حقيقة موته وغيابه قـد غيـر طبيعـة

٧٣

شيء ما جذبني وغاص بي إلى قاع سـحيق . الوقت والزمن . لضجة كلها انتهت إلى سكونا.. صامت

وحيدا صـامتا ال . تركتني سكينة أقضي أيامي في غرفته أكاد أفعل شيئا سوى التحديق في السـقف أو مـن نافذتـه

. المفضلة التي تطل على الحقول وأشجار بعيدةعرفت من سكينة أنه في األيام األخيرة لم يكن يغادر هذه

يغسل . ة في النهار والليل النافذة إال لكي يستحم مرات متعدد . جسده مرات ومرات بأنواع مختلفة من الصابون المعطر

ذهبت إلى المقبرة الجماعية في التل الترابي الكبير الكائن عرفت وحدي . أمضيت وقتا طويال معه هناك . جنب الحقول

. أن دموعي قد تحجرت وأنني لم أعد قـادرا علـى البكـاء رائحـة الغيـاب . مقابر المدينـة المقابر هنا أكثر رحمة من

. والفناء واحدةالنقود، والنجاح وكل أنواع الطموح تسكن هنا مع هؤالء الرفاق الذين أدوس على ترابهم اآلن وأشم رائحتهم تخـتلط

. مع الهواء الجديد

٧٤

تطل على كتلة مـن الظـالم . نافذته جميلة حتى في الليل يحاولون العودة تتراقص فيها قمم األشجار كأنها رؤوس بشر

. إلى الحياةعرفت أنني لن أراها أبدا بعد اآلن، حملت . ودعت سكينة

. حقيبته الجلدية القديمة ورجعت إلى القاهرة يتيما* * * * ** * * * *

٧٥

))١٩١٩ ( ( كأننـا عشـنا . حضوره صار كامال في حياتي بعد موته

العمر معا، لم نفترق يوما، لم أكن في حاجة ألن أقلب فـي سوى بعـض خطابـات ..كنت أعرف أغلبها . كثيرا أوراقه

مفاجئة كان قد كتبها لي وللمياء، خطابات حزينة وحيدة فيها نجتمع كلنا حـول . رغبة حارقة في أن نبدأ معا حياة جديدة

كلمة مكتوبة ومشطوبة " نبدأ من جديد "أمي تحبها ونغفر لها لم يـرد ذكـر . عشرات المرات في خطابات لم ترسل أبدا

. سنوات الخليج في أوراقه كأنه محاهـا أو أسـقطها عمـدا بدايات ومشروعات يوميات يتحدث في أغلبها عن الندم على

. هجر الكتابة، والتصميم على العودة إليها في انتظامصدى كلماته صار يطاردني في إيقاع ثابت كأنه دقـات

لم أدع أحدا يطلع على األوراق، وال حتـى كـارين، . القلبفيتها تحت مكتبي، انظر إليها من بعيد وكأنني أقلبها وأقرأ أخ . فيها

حواري الدائم يتسرب إلى داخلي، أسئلة غامضة ال أجـد أسئلة عن وجودي، عن نقودي الموجـودة، . من أحملها إليه

.والتي ضاعت، عن جدوى الطموح، والهمة ومعنى النجاح

٧٦

صارت هذه الحوارات واألسئلة تمأل سـاعات تحـديقي . واجتراري للصور والعبارات التي ال تكتمل

وجدت في الحقيبة أيضا بعض الصور القديمة لـه فـي . خاصة في الجبهة والشفتين . شبابه، هالني الشبه بيني وبينه

. صرت أرى صورته دون ضوء وال مرآةبقيت صامتا ثقيال طوال المساء والليل، حاولت كارين أن

اسـتأنفت . أعود إلى حالي القديم لكنني. تخرجني مما أنا فيه . طقوسها الليلية ودخلت إلى الفراش

حملت همي وخرجت إلى الشوارع متأخرا علـى غيـر تركت المكان الوحيد الذي سـكنت . العادة عندما تكون معي

إليه وكاد يحتويني، لم أكن قـادرا علـى أن أنطـق كلمـة . بدا لي المكان غريبا. إنجليزية واحدة أخرى

الشارع كان سواد فارغ ممدد ينتظرني، مجـرد مـن فيمررت في الشوارع الجانبية . الرغبة غير قادر على المقاومة

وجدتهم في أماكنهم المعتادة، حـولهم . أتفقد الشحاذين الثالثة . نفس األقمشة الخلقة وزجاجات البالستيك الفارغة

. كلها تؤدي إلى ال شيء. طرق الحياة بدت متساوية

٧٧

ق الخضار المجاور يرتبون في الفجـر العربـات في سو صـافية . عليها أكوام الفواكه والخضروات الطازجة الجميلة

بعهد قليل يمزقهـا البيـع والشـراء . مكتملة تحت األضواء عبـرت أكـوام . وتفترسها ضروس الماكينة التي ال تـرحم

واندفعت هاربا حتى ال أشهد بدايـة . الزبالة المحيطة بالسوق .ةالمعمع

وصلت إلى ضوء نافذة شوقي عامل، لم أصـدق أننـي . اندفعت أقفز درج السلم.. رأيت النور

. تأخر كثيرا في فتح الباب، جاء يجر أقدامه في الشبشـب الشقة خالية إال منه، أمسك يدي وراح يزحف صوب غرفته

تامر، أخيرا جئت، ابق معي، متعب جدا هـذا : قال. البعيدة . الصباح

* * * * *

٧٨

))٢٠٢٠(( المحبة الصافية التي أحملها لشوقي عامر أندر مـا فـي حياتي، عاطفة تجعلني أنتمي إليه دون قرابة أو حسـابات أو مخاوف وبال شروط، لم يكن قدوة أو مثاال، فقـط جناحـان

كل ما سببته . كأنني نشأت هنا معه . مفتوحان في نهاية العالم الخليج وطفولتي المرتبكة في أسرة مدمرة، أجد لي نشأتي في

عنده هنا قدرة على النظر إليها مـن مسـافة مالئمـة، أرى وأرى ما حرمت منه . االمتيازات التي أعطيت لي دون عناء

أحس االرتباك القومي والفوضـى فـي الكـالم . دون سبب الكل يتدافع ويكذب وال يمكن توقع حركتهم . واألفعال حولي

معه وجدت حقائق بسيطة وبدهيات تستحق أن تعاش، . التاليةأشعر معه بندية واستقالل، لم يسمح لي أبدا أن أتكئ عليه أو

كان يجعلني أشعر بأنني مستقل، وبـأنني واقـف . أذوب فيه . كانت هذه أهم عطاياه. على قدمي

عرفت معه أن اإلشفاق على النفس والرثاء لهـا أسـخف رؤية اآلخـرين واالهتمـام بهـم وأن القدرة على . النقائص

مصدر قوة للنفس، وتجديد حقيقي للدم الفاسد، ضاعت أيامـه كلها بين االعتقال الطويل الذي ال مبرر له، وعمل سياسـي

٧٩

وأصدقاء تسربوا كالماء، ومع ذلك فقـد . انتهى إلى ال شيء ظلت قامته منتصبة، وما يؤمن به في داخله أخضر متجددا،

وفي سخريته التي ال مرارة فيها مـن ترى ذلك في وجهه، .تناقضات اليوم وارتباك الواقع

اليوم طرحته أرضا نوبة برد شـديد، . لم يكن يشكو أبدا جلست إلى جوار فراشه بعد أن أعددت لـه شـرابا سـاخنا

. لم يكن الصمت معه أبدا مزعجـا . وأعطيته قرص أسبرين رة مع أصوات بقينا صامتين نراقب ضوء النهار يقتحم الحج

عندما عرف أن أبي قد مات ضمني إلى . المدينة التي تستيقظ صدره في قوة ونادرا ما يفعل، ولم يقل شيئا، أعطاني وأنـا

. أغادره يومها كراسة قديمة جميلةأراه جالسا في شقته ـ قلعته األخيرة ـ يشرب قهوته في

لتـي بطء كأنه واحد من اآلثار الطيبة التي تجلب الخيـر وا يـدور حولـه . تركها القدماء على أرض هذا البلد المتعـب

الحديث، وتحدث التغيرات والوقائع وهو ثابت واثق من شيء ال أعرفه، ال تصدمه التغيرات السياسـية وال ينـدفع إلـى

لكن يضع يـده فـي أغلـب .. تحليالت أو نظريات عرجاء هـل .. األمور على نقطة ضوء منطقية لم يكن يراها الجميع

٨٠

هي الحتمية التاريخية التي قام عليها فكره وحياتـه؟ أم هـو العمل السياسي القديم الطويل الذي قام به وسط بسطاء الناس

. هو الذي جعله يتعامل مع الجوهري ويسقط الحشو والزوائد وسط كل نماذج اليساريين الكذبة والمسترزقين يبقى شـوقي

حتميـا فـي ضـرورة يبقيه أمال . عامر اليسار نظيفا حقيقيا التغيير، عندما تطبق عليه صور التشـوهات واالنحرافـات ويضيق عليه الخناق جماعات المتسيسين ومحترفي الكـالم كان يقطع الحديث ويقوم واقفا يمد يديه أمامه كأنه يسـتنجد

. بالناس أو برب العالمين. للمثقف والفنان عنده دور واحد هو الذي يبرر وجـوده

عدم قبول ما هو قائم، والبحث الدائم عن إمكانية االعتراض و تغييره، الذين يدورون حوله وحولنا من فنـانين وسياسـيين كانوا حلقة وطابورا طويال من خدم السلطة والباحثين عـن

لـم يكـن يهـتم كثيـرا . مكاسب أو حلول شخصية لحياتهم بالصور الفردية أو التطورات الشخصية فقد كان يراها حالة

مة وإصابة وبائية أصابت الكل فحولتهم إلى جلـد ثعبـان عا . فارغ المع وبراق ولكن بال وظيفة وال فاعلية أو تأثير

٨١

رحت أقلب في اسكتشات وتخطيطات قديمة له بالرصاص والفحم، لفالحين عاش بينهم فـي طفولتـه، ووجـوه مـن المعارف واألصدقاء حولنا، وشخصيات عامة تصنع وجهـا

في الرسوم عناية فائقـة . ل الذي يجري ويدور غريبا للتحو بالتفاصيل وبالتنفيذ، وغنى تعبيري مذهل، تلفهـا موسـيقى

وواقـع . وإيقاع بعيد واحد، كأنه نداء لحلم قديم ببلـد رائـع متناسق لم يعد موجودا، لكنـه مهـم وضـروري، ويجـب

. استحضارهح حسـبته را . النهار يتقدم وأنا أسمع تنفسه المتعب العالي

أحضـرت لـه شـرابا . لما تحركت قال ال تذهب . في النوم ساخنا جديدا تحامل على نفسه وجلس في الفـراش وطلـب

قد تجعلني الحمى قادرا : أوراقه واإلناء المليء باألقالم وقال قد أستطيع أن . على تبين خط يجمع كل هذه األجزاء المبعثرة

.أرى لها معنى أو سياقاعمل عادت إلى وجهه بعض الحيوية، عندما انخرط في ال

تحت أشعة الشمس الواهنة التي تسللت إلى سـريره العـالي . الوحيد

* * * * *

٨٢

))٢١٢١(( وجه أمي األسطوري الذي أحمله معي، انطبع في عينـي وروحي وأنا أراها عندما كنت طفال صغيرا في الخليج واقفة

قمر شاحب ينعكس جنب وجهها و. هناك تبكي جنب المستنقع في الماء الساكن، هواء ثقيل ورائحة سمك ونفط وسفن بعيدة

. ال تتحركمركبة من مادة كأنها األحالم . أقدم ذكرياتي على اإلطالق

أراه . ومن حوارات متعددة مع أمي وقت أن كان بيننا حديث يوما ماثال بعيدا أحاول جمع تفاصيله كأنه قافلة تاهت وتشتت

العائالت المصرية الثالث التـي كنـا نعرفهـا . في صحراء وبعض المعارف وزمالء العمل خرجوا في يوم عطلة إلـى

. رحلة خلوية في صحراء تطل على بحر سـاكن مخنـوق سمك، ونفط ورائحة عـرق كأنـه . الرائحة أقوى ما أذكره

. رائحة نقود جديدةمعهـم . قالت لي أمي يوما إنها تذكر جيدا تلك الرائحـة

تالل من األطعمة والمشروبات وحشد من أوالد ال أعـرفهم . في سن متقاربة

٨٣

. تلك كانت أيام الحريق الذي ظل مشتعال بين أمي وأبـي . هي محبوسة قلقة عصبية مصممة على الرجوع إلى مصـر

هو اآلخر بعيدا عنها مصمم على البقاء متمسـك بمشـروع ء تائهان نتعثر وسـط وأنا ولميا . غامض ال يشرك فيه أحدا

نساء بدينات افترشن الرمـل كـأنهن غـرف . غابة سيقانهم ارتدين مالبس غريبة، وقطعا ضخمة من ذهب . مربعة مغلقة

وأحجار حمراء، يتكلمن بصوت عال ولهن ضحكات بذيئة ال أبي وسط الرجـال فـي حلقـة . أطيق أن أسمعها حتى اآلن

يضـحك بطريقـة مستديرة، عندما ألمحه ال أعرفه، يتكلم و أنا وسط حشد األوالد والبنات أختنق بغربتي التي لم . غريبة

. تفارقني أبدا. الوقت أبدا ال يتحرك، عشرات الشموس في كبد السـماء

ال يقطع صفرة الكون حولي سوى ذباب يلسع ودموع تنهمر عندما يلتفت إلي أحدهم أو إحداهن يصـر . لتخنقني ثم تجف

م أو أن يداعبني في غلظة ال أفهم لها على أن يحشوني بالطعا .مبررا

نمت تحت ظل خيمة نصـبوها واسـتيقظت فـي نفـس . الكابوس بحثت عن أمي بينهن، لكني وجدتها منفردة وحيدة

٨٤

هدأ رعبي قليال في ظل صمتها عندما عدت . جلسنا صامتين . وفقدتها مرة أخرى، وضاعت وسط الغرف المربعة المغلقة

كـل مـا . ي أصارع وحشا له ألف ذراع انتابني رعب وكأنن . أعرف ومن أعرف بعيد مستحيل ال يمكنني الوصول إليه

عندما بدأت الشموس المائة تغرب ويهبط الليل مع نسـيم دبت في الجميع حركة نشطة يجمعون متاعهم وأوالدهم . لزج

لمحت أمي بعيدا تقف وحيـدة . ويتصايحون في سعادة كاذبة . الذي امتد حولها كأنه مستنقع ال نهائيوقد دخلت إلى الماء

. وجهها مسطح بارد من الضوء الشاحب . جريت ناحيتها وعيناها تائهتان ضائعتان ال محالة، ألقيت نفسي عليها وبللنا

. ماء ما زلت أشم على جسدي رائحتهحكت لي أمي ـ وما زلت أذكر ـ غضب أبـي علينـا،

نمت ليلتها فـي . وصولته الصارخ بعد أن رجعنا إلى البيت حضنها على األرض، كان ملمس الموكيت المفروش خشـنا

كلما تحركت يداي المسـت بلولـة أحسـبها . ولونه أخضر . دموعها أو دموعي

.ذكرى مرة أليمة كأنها بئر مفتوحة* * * * *

٨٥

))٢٢٢٢(( تسعة أشهر كأنها فترة الحمل، أنجبت بعدها هواء، اختفت

ن، رحلت وخلفت لي ميراثـا ضـخما مـن القصـائد كاريالمجهضة واألماني الهشة التي ارتطمت بالجدران، حدث كل شيء في دورة صغيرة من دورات الزمن التـي أحـاول أن

تحدث األحـداث . أفهم كيف يتسرب كرمال من كف عجوز صغيرة متتالية، عميقة أو على السطح، ثم فجأة يتغير وجـه

حدي معها عجوز شمطاء ال مهرب منها وال الدنيا فإذا بي و . فكاك

هل بدأت األمور تتداعى في الفـراش، أم علـى مائـدة اإلفطار، أم بدأت المأساة وأنا عاطل أحـدق فـي فراغـي

اندفعت كـارين . الداخلي حيث ال تواصل بل غربة وانحسار تعمل، تمأل اليوم باللقاءات والقراءة وتدين المالحظات، ثـم

كتب حتى وقت متأخر في الليل، وأنا أدور فـي تجلس لكي ت أقف . المقهى والشوارع، واألصدقاء : دوائري الجهنمية نفسها

أخلف المواعيد واألنظمة التـي ! على أعتاب العمل وال أقدم أجد لنفسي دوما عذرا داخليـا أو خارجيـا لزجـا، . نضعها

٨٦

ب وأكسو وجهي عندما أضبط متلبسا، بابتسامة بريئة أو غض .. طفولي نفور

وليال تحدثت عن مسـافة . مرات تحدثت عن قيمة الوقت أمسكت وجهي بين يديها، . تولد، ومكان ال يمكن منه الرجوع

وحدقت في برجاء وابتهال، هل كانت تريد أن تـوقظ شـيئا ما أثقل اللحظات الماضية والكلمات عندما نعـرف . مستحيال

كيـف لـم أسـمع ! بدأنها ستظل معلقة فوق رؤوسنا إلى األ ساعتها ما تقول؟

ليته كان عراكا أو شجارا، كان خمودا باردا قاسيا للشيء الحقيقي الذي لد بيننا بال ميعاد، وتحول أيضا إلى هباء دون

ال . ميعاد، عيناها تعبراني كشيء، ال ضوء فيهما يبرق لـي صـارت مثـل أي . تنتظر، مشغولة، عيناها علي وال تراني

خر، ال توقظني عيـون البنفسـج، أسـحب ورائـي شيء آ .صرنا لهم بالشيء وال نفعله. اللحظات التي كانت

تظل دائمـا . هناك شروخ أو كسور ال تجبر وال تلتئم أبدا أن . حاولـت أن أتـدارك األمـر . تجرح األصابع والروح

أتراجع، أن أعد بأن أكون مفيدا، كل هذا كان يزيـد األمـر وء الرومانتيكي الذي كان يكسـو المكـان تساقط الض . سوءا

٨٧

والزمان معها، كما كان سيف الحب بـاترا، كـذلك نزلـت اكتفت بمكـان صـغير فـي . مقصلة الغربة قاطعة ال ترحم

حجرة النوم تعمل فيه في صمت وبال توقف، تأكل قليال وهي واكتفيت أنا بسـماع شـرائط المصـحف . واقفة في المطبخ

لتدخين، تركبني غربة وضـيق وأنـا المرتل أو الموسيقى وا أجد . أسمع حديثا طويال باإلنجليزية على شريط أو في تليفون

أي سبب يدفعني للخروج، عندما أعود أجدها مشغولة بعيـدة .ال تنتظرني

خرجت من بين شقوق الساعات عشرات التفاصيل البشعة الصغيرة التي لم تكن موجودة من قبل، في الخروج والدخول

عام والشراب في طريقة النوم وارتداء الثياب، تفاصـيل والطمن الرأس حتى أطراف األصابع، أحسبها غالبا على حـق،

.وعلى أنا أن أعتذر في ضيق وبال اقتناعتحصنت وراء التصرف الصحيح، لم ترتكب حيالي خطأ

لم يعد هناك لـي . ما، وبذلك تحملت وحدي الذنب والتقصير قمت من الفراش لكي أدخن سـيجارة عندما. عذر وال عزاء

لم يكـن األمـر . رجعت فوجدتها قد استدارت، كانت تبكي قالـت ووجههـا . مفاجأة فقد كانت ذابلة مهمومة منذ أسابيع

٨٨

مدفون في المخدات إنها حاولت وإنها لم تعد تستطيع، قالـت في حياد بعد أن هدأت إن ما سيحدث بيننا بعد اآلن بغـيض،

نع بحياتنا معا ما نريد، فلنعـرف علـى إن لم نعرف أن نص حدقت في سقف الغرفة، يـنعكس عليـه . األقل متى ننسحب

ضوء فجر كاذب وتصلني أصوات أجراس خيـول السـوق .البعيدة، لم أجد في روحي أي كالم منطقي أرد به

بعد نوبة غضب عبثية قمت بها ذات صباح كي أمتحن ما ين يديها على مائدة بقي من حياتنا، قالت وهي تضع رأسها ب

أنت قادر على أن تضيع حياتك، وأنا ال أملك ذلـك : اإلفطارلم أكن أعرف أنك تقف على أرض بعيـدة، ال . وال أستطيعه

. تطولها يداي وال حبي، سأفتقد دوما األمل الذي عرفته معككان فراقا متحضرا أليما راقبتها وهي تقـوم بإجراءاتـه

أراها . للحظة ثم تزيحها دون تردد تتوقف عند أشياء عزيزة عادلة قوية، وأستعذب إحساس الغريق، بدا التداعي قويـا ال أحد يقدر أن يوقفه، من أي مادة صنعت أيامنا الطيبـة معـا

. أحالم الشعر مستحيلة . حتى تحولت هكذا إلى صمت طيني بذوري في . الحرية والفن آفاق ليست لي، ظهرها نهاية العالم

. ة، تبقى الحياة بعدها خرابة أو أرضـا جـرداء األرض ميت

٨٩

أركب سمكة وأنزلق من على ظهرها وسط المحيط، راحـت . من حياتي عيون البنفسج

معك رأيت العالم في ضوء لم أكن أعـرف : قالت معزية . معك سمعت المعنى والصدى الحقيقي للكلمـات . أنه موجود

فـي اللحظة وحدها مفردة ال تكون سـوى حلـم، الحقيقـة . قالت لي كثيرا هذه المعاني، وبصـيغ مختلفـة . االستمرار

كتبت أوراقا كثيرة متناثرة تقول فيها إن كل هذا ال يعني أنها قد توقفت عن حبي، لكنني كنت أكتشف في ألـم وذهـول،

وأنا لم يعد لـي .. وللمرة األولى، أن لها مشروعها الخاص . مكان فيه

في ضيق وغضب إال تخلصت من أوراق كثيرة، مزقتها الورقة األخيرة التي تركتها لي على المنضدة في الصالة يوم

مكتوبـة . أن سافرت، لم أمزقها لكنني ال أدري أين ذهبـت أحفظ ما كتـب فيهـا لكننـي ال . بحروف كبيرة بقلم أخضر

ال داعـي ألن تـذهب . وداعا حصاني : "أجدها في أي مكان . المطاراتالحصان ال يذهب إلى. معي إلى المطار

* * * * *

٩٠

))٢٣٢٣ ( ( رقصة الديك المذبوح أمام الكهف الذي يبتلع الناس فـي

تشـد روحـي . ظلت هي الصورة التي تسكنني " كفر شوق "قصة أبـي، ومشـروع . ويشرد فيها دوما خيالي . وعيوني

انتقل الحلم إلى مسـيطرا مـن . حياته األدبية التي لم تتحقق لكثيرة التي وصلتني، مشاريع القصائد والقصـص األوراق ا

كل مرة تتركب لها معان . التي حاول كتابتها، ولم يكملها أبدا جديدة، في محاولة مستديمة ـ مني ومنه ـ للقـبض علـى

. الجحيم الذي عاشه وأعيشه. معنى لواقع حياتناجاء الطوفان فعال، ولم يبق إال أنا وحدي أسرع الخطـو

الجانبية، وأتعثر في الشحاذين الثالثة الرابضين في الشوارع . لي دوما جنب الجدران

ماذا فعل بأبي ذلك الفقر الموجع الذي عاشه فـي صـباه وشبابه؟ رحلة البحث عن النقود في كل الكهوف التي قابلها،

هـل كـان . النقود التي حرقت روحه وأيامه ثم ضاعت منه دائرة جهنمية ندور . ءوأي شي . يهمه حقا أن يترك لي شيئا

مع ذلك العناء الروحي الـذي ورثتـه، ال . فيها كقدر محتوم مع الشقة والنقود المودعـة . أعرف أن أعيش كبقية خلق اهللا

٩١

. في البنك أدور في شعور حارق دائم بعدم االنتماء لشـيء أضـيع دومـا فـي . وبأن جسدي يفتقد الخطوط الخارجيـة

ن أظل أواجه هذا الفـراغ كيف يمكن أ . الموقف وفي المكان .الداخلي الذي يشبه الجوع الذي لم أجربه أبدا

عندما أرى المؤامرات ومشاريع الحياة الصـغيرة التـي تحيط بي في كل مكان وأراها تدور بشكل أو آخـر حـول

كان جنب يدي دائما ما أحتاج من . النقود أقف ساكنا ال أفهم أضـيق بهـا . لب"أكان علي فقط أن . نقود من أمي أو أبي

أكتفي بأن أظل يوما أو يومين صامتا ساكنا، .. وأكره الطلب وحدي حقا . ثم تأتي النقود التي ال تشتري لي شيئا مما أريد

. بال طموح وال رغبة في نجاح أو مقاومةسادت شقة الظوغلي حالة بشعة كئيبة بعد سفر كـارين،

. في ركن منـه أصبحت مكانا مهجورا ـ لكنني أعيش فيه، الشيء الوحيد الذي ينبض فيه هو تلك الحقيبة الجلدية التـي

أتنفس هواء متربا ودخان سجائر دون أن . تحوي أوراق أبي أحيانا أخط على الورق كلمات ال تحمل . أفتح نافذة أو أخرج

. وأرى الحياة كلها لحظات فاتت. سوى الفراغ الذي يسكنني

٩٢

أخلعها ألرتديها هي مـرة . هاأرتدي ثيابا واحدة ال أغير صبري . وأمسك بما تبقى مني .. أدافع بها عن نفسي . أخرى

على الوجد يثير استغرابي، وألنني كرهـت الغـوص فـي رخاوة اإلشفاق على نفسي والرثـاء لهـا، صـرت كقاتـل

أدخـل . محترف، أتعمد إيذاءها وقطع كل وسائل االتصـال في داخلهـا شـيء، أكثر فأكثر إلى شرنقتي التي ال يثيرني

. وأستغرق في نوع من الوعي المؤلم بتفاصيل ال تهم أحداتتغير الحوادث . مر بي زمن سائب ال أعرف كيف أحسبه

والوعي الحارق المؤلم يتزايد مؤكـدا لـي . حولي والفصول كأن حياتي انتهت قبل . انفصالي وعدم قدرتي على المشاركة

أضواء تنير .. والزحامأن تبدأ، كل الضوضاء والعنف حولي . وتنطفئ وأنا جامد كصنم

هل يمكـن أن أصـبح اآلن . األلم الكبير يصنع الشعراء أنا . الشعراء ينتحرون، العباقرة منهم يموتون مبكرا . شاعرا

حضور . ال شعر وال غياب . أدب على األرض وآكل الطعام ـ فقط ـ بال مذاق، في الركن الذي يضيق حولي يوما بعـد

بحثت عن أشياء بديلة غير النقود والطموح والرغبة في يوم

٩٣

لكنـه ضـوء . الشعر ضوء في نهاية النفق . النجاح فلم أجد . مستحيل ما صار البنفسج مستحيال

* * * * *

٩٤

))٢٤٢٤(( سفر حسين إلى الخليج الذي يتم بعد أيام كـان هـو مـا

والزمن كأنني أغيب أخرجني من الشرنقة، اختلط علي األمر في لحظة من لحظات حلم، أنزل من رصيف الشارع فتقـع

.قدماي في بئر سحيقةعندما سمعت الخبر فكرت في نفسي أوال وقلت لقـد تـم

. الحصار اآلن أصبحوا كلهم أعدائيدق الباب بعنف فلم أكن في األيام األخيـرة أفـتح أو أرد

لـم . سـيجارة سحبته إلى ركني المترب وأشعلت . على أحد أجد صعوبة فـي . أكن أرتاح لالقتحام حتى من حسين كاظم

فتح النافذة . الهبوط المفاجئ من وحدتي التي تتصنع االكتفاء المطلة على القاهرة القديمة ففاجأني الضوء العفـي وطنـين

. الحياة الشرسةخبط بكوب الشاي على الزجاج المتـرب إلـى جـواري

العمـل . كرة في جيبه ١التذ. أسبوعيسافر بعد . وأعلن الخبر .األجر تقريبا ما يقبضه أبوه في سنة. في سوبر ماركت كبير

وقع قلبي . فارق كبير بين ما نفكر فيه وما يمكن أن نقوله فـي الفتـرة . في هوة سحيقة وانتصبت جالسا في السـرير

٩٥

األخيرة كان حسين قد مل من اكتئابي ومزاجي المتقلب، نعد كنت أسمع أنه دخل مؤخرا فـي عالقـات . درانلتقي إال نا

ودوائر مدمرة تأكل كرامته ولحمه الحي، لكنه ظـل دومـا حكاء بـارع، . عندما نلتقي متمردا على كل شيء وأي شيء

قريب الدموع والضحكات، وبقيت أعطيه أمانـا ال أعطيـه . ألحد غيره

ة في البداية عندما كان موضوع سفره مطروحا من الناحي تحدثت كثيرا ـ عندما كان الشرح . النظرية قلت له كل شيء

وعن الهـم المقـيم . ممكنا عن المصائب التي شكلت حياتي حدثتـه عـن . الذي أثقل قلبي من جراء الخليج ونقود الخليج

سرطان النفط وما فعله في عائلتي وفي قدرتي على الرؤيـة . وإحساسي بالناس

ويل على كورنيش النيل إن هذا قلت له في ليالي السير الط طريق مرعب، وإن من يستطيع أن يهرب من السير فيه فقد فاز بنفسه وبحظ عظيم، من الواضح أن الكالم كله يسقط قبل

. ألن ضيقه بالفقر وبالحياة مع أبيه كان عظيما. أن يصل إليهاآلن وقد خاض لشهور أهواال إدارية وعملية ناهيك عـن

فلم يعد من الممكن الحديث عـن شـيء أو األهوال المادية

٩٦

الشروط التي يسافر بهـا ونـوع العمـل . مناقشة أي قضية وظروفه كانت كما عرفت مجحفة ومهينة، لكنـه لـم يعـد يستطيع الصبر يوما واحدا أو احتمال بخار الغضب والضيق

بسـهرة . فلم يبق لنا سوى االحتفال بتوديعه . الذي يعيش فيه ".االستقالل"مفتوحة في مقهى

ذهبت يومها إلى المقهى في الموعد ثقيال مهموما حزينـا كالعادة كانت السـهرة حمقـاء وزادتهـا . عليه وعلى نفسي

ولم . اجتمع خمسة من الشباب غيرنا . المناسبة التهابا ودموية متشددون ال تسـتطيع أن " أسياخ"كلهم . يكن أحد يسمع ألحد

رضـون، وال إلـى أي حـد تفهم في النهاية على مـاذا يعت . يعتقدون فعال فيما يقولون

بعد عدد من زجاجات البيرة كادوا أن يلتهمـوا أطـراف متماسـكا يخفـي . بدا لي هو غريبا هذه الليلة . حسين كاظم

كان يدلي بتصريحات عـن . سعادة داخلية، وثقة جديدة عليه . مشاريع وخطط، ويستشهد بي لدعمه وتأييده

شددا كان هو في الحقيقة أكثـرهم حسـدا أكثر الزمالء ت فقد كان فقـره أشـد وظروفـه . لحسين على فرصة السفر

. أصعب

٩٧

عندما سكر وأفلتت منه نفسه، سحبه الجرسـون بعنـف أألنه ليسـت هنـاك "خارج المقهى، كان يصبح فينا مهتاجا

!!".؟..قبور في مصر تأخذوننا لنموت في الصحراءز فـي الميكروبـاص ولـم آخر الليل تركني حسين وقف

. أشاهده بعد ذلك* * * * *

٩٨

حاشية حاشية حقيبة جلدية جديـدة، صـغيرة مغطـاة بـالتراب، بهـا قصاصات ورق كثيرة بعضها رسائل قصيرة مـن كـارين، بعضها عليه رسوم بالرصاص غير مفهومة، أغلبها ألوراق

وقطع شـمع، وصور ممزقة لتامر وكارين، . شجر أو صبار وحبة رمان صغيرة جافة وأشياء أخرى، هذه بعض األوراق

.التي كانت في الحقيبة* * * * *

**رجفة الجسد رجفة الجسد * * ليته يرتجف

مرة واحدة أخيرة .كي أعرف أنني حي

. هزة واحدة من الرأس للقدم . ال دبيب

.لم يعد جسدي ـ أبدا ـ يرتجف .ازلحزن صامت، معقم، ع

.حط على أطراف األعصاب

٩٩

.قطع عني كل اتصال .واقفا فوق قبر أبي .جسدي لم يرتجف .ال دموع وال ألم

.كنت ـ فقط ـ أريد أن أدخل .أجلس إلى جواره

* * * * *

**اآلن اآلن ... ... هكذاهكذا* * . نبحت مئات من كالب ميكانيكية

. داخل عربات فاخرة ثابتة . حدليس بداخلها أ

. رعب الشحاذين الجوعى . في قلب قرية سياحية فاخرة . يا أوالد الشوارع اتحدوا

.لم يبق وقت لكي تغطوا عوراتكم* * * * *

١٠٠

* * عيون البنفسج عيون البنفسج * * . تحت ضوء نجفة خشبية

. رأيت حبي في وجهها واألصابع .قالت لي العروق تعال سكنت عندك في بيت

. فيه نفحة الجبلأشم . يا نفحة الجبل

. صدرك وسادتي الحرير . في داخلك مقعدي المريح

.عيونك مقدسة ألف جرو حديث الوالدة .يبتسمون في حضورك

* * * * *

**والشعر والشعر .. .. القرآنالقرآن* * يسقط الشاعر منا صريعا بين إيقاع الشعر العربي القـديم

معارفه ومشاعره الحديثة، وفي الذي يدوي في روحه، وبين ضميره أيضا اإلبداع الذي حققه شعراء العالم، بـين فخامـة

١٠١

بين المعرفة العلمية . أسطورية، وحميمية الصورة والتفاصيل الحديثة التي أحالت الكون إلى صراع وحشي داخـل نـواة

ال . صريعا يسقط الشاعر، يصرخ في أرض غريبـة . الذرة .دهو يفصح وال يسمعه أح

من يسمع الشعر اآلن؟ لماذا يتوقف أحد للحظ واحدة أمام . أجمل أبيات الشعر .. يا سحر القرآن

.كيف تماسكت آياتك، أي راحـة "اهللا الصمد "إلى " قل هو اهللا أحد "كيف قادت

.وسعادة منحتها آياتك لماليين ماليين البشر* * * * *

**منصور منصور أبيات للشاعر علي أبيات للشاعر علي * * من دل أحزاني عليكم"

يا فرادى ".في الزحام

* * * * *

١٠٢

**أبيات للشاعر عماد أبو صالح أبيات للشاعر عماد أبو صالح * * يدفعون األبواب خلفنا

يرفضون ـ حتى ـ أن يرموا لنا رائحتنا . من الشرفات

يصر قمرهم أن يتبعنا .رغم أننا نتخفى منه في حارات جانبية

* * * * *

**ظهر القرية ظهر القرية * * . بلدي ال تعرفني

داست حوافر البلدوزر . أشجار أبي القديمة

.تفرس الناس في وجهي من، وابن من، وبكم؟: قالوا

شاهدت في التليفزيون .مذبحة ومقبرة جماعية . وأطفاال ال يتنفسون

أحسن ما في التليفزيون

١٠٣

. أنه عابر .صورة تحدث في مكان بعيد

* * * * *

**شرنقة شرنقة * * شرنقتي

هشة جدا، وضعيفة جدا . لكنها أعجوبة في إحكام النسيج

شرنقتي، ولدت بها ال يسكنها غيري . ال يدخل إليها أحد

وحيد فيها ومشغول جدا حتى أنني ال أعرف

.ميعاد الخروج* * * * *

""تمتتمت""