٥مبالشكر تدوم النع

املقدمةاحلمد هللا رب العاملني، محدا يليق جبـالل وجهـه، وعظـيم سلطانه، أمحده سبحانه على آالئه، وأشكره علـى جزيـل منـه

.وعطائهيا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل : احلمد هللا القائل

ماء والأرض لا إله إلا هو فأنى من خالق غير الله يرزقكم من الس ].٣: فاطر[ تؤفكوناليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتـي : القائل

].٣: املائدة[ ورضيت لكم الإسلام دينا :، وبعد والصالة والسالم األمتان على نبينا حممد

فإن من أجل العبادات محد اهللا وشكره على نعمائه، وقد أمرنا فاذكروني أذكركم واشكروا لي : اهللا تبارك وتعاىل بشكره بقوله

].١٥٢: البقرة[ )١(ولا تكفرونفعندما أمر اهللا سبحانه وتعاىل إبلـيس بالسـجود آلدم عليـه

ألمر، فطرده اهللا وجعلـه مـن السالم، امتنع عن االستجابة هلذا اامللعونني، وتوعده بدخول النار، ولكنه مل يكتف بسـماع أوامـر الطرد واالمتثال، بل قام بكل وقاحة بسرد خطته إلغواء بـين آدم

.الذي طرد بسببهفهنا يكشف إبليس حقيقة ختفى على عن كثري من الناس وهي

).٤ – ٣(التذكرة يف شكر النعم ـ عبد العزيز اخلطايب ـ (١)

مبالشكر تدوم النع ٦

م هو الذي يقوم أن معظم الناس ال يقومون بشكر اهللا، والناجي منه .بأداء الشكر

:فما هو الشكرإذا ظهـر عليهـا أثـر (مسنـت : شكرت الدابة، أي: يقال .)١()العلف

وكذلك حقيقته يف العبودية، وهو ظهور أثر نعمـة اهللا علـى شـهودا وحمبـة، وعلـى : ثناء واعترافا، وعلى قلبه: لسان عبده .)٢(انقيادا وطاعة: جوارحه

وشـكر : محه اهللا عن الشكر، يقـول ولنسمع قول ابن القيم ر: العبد يدور على ثالثة أركان ال يكون شكورا إال مبجموعها، وهي

االعتراف بالنعمة باطنا، والتحدث هبا ظاهرا، واالستعانة هبا علـى .فالشكر يتعلق بالقلب واللسان واجلوارح. طاعة اهللا

فالقلب للمعرفة واحملبة، واللسان للحمد والثنـاء، واجلـوارح .)٣(الستعماهلا يف طاعة املشكور وكفها عن معاصيه

.الشكر أن ال ترى نفسك أهال للنعمة: وقال اجلنيد .على املطعم واملشرب وامللبس، وقوت األبدان: وشكر العامة .على التوحيد واإلميان وقوت القلوب: وشكر اخلاصة

.بتصرف) ١٥(واحات اإلميان ـ عبد احلميد الباليل ـ اجملموعة األوىل ـ (١) ).٢٤٦ – ٢٤٤( ٢مدارج السالكني ـ ابن القيم ج (٢) .بتصرف) ٩٣(تزكية النفوس ـ ابن رجب ـ ابن القيم ـ الغزايل، (٣)

٧مبالشكر تدوم النع

لـئن شـكرتم : والشكر بأيت باملزيد دائما، لقولـه تعـاىل ].٧: إبراهيم[ لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد

.)١(فمىت مل تر حالك يف مزيد، فاستقبل الشكر :درجات الشكر

:وقد قسمها ابن القيم رمحه اهللا كاآليتالشكر على احملاب، وهذا شكر تشارك فيـه : الدرجة األوىل*

وس، ومن سعة رمحـة البـاري املسلمون واليهود والنصارى واجمل .سبحانه أن عده شكرا، ووعد عليه الزيادة، وأوجب فيه املثوبة

وأنه االستعانة بنعم املـنعم علـى ) الشكر(إذا علمت حقيقة نعم . طاعته ومرضاته، علمت اختصاص أهل اإلسالم هبذه الدرجة

قد يؤدي غريهم بعض أركاهنا وأجزائها، كـاالعتراف بالنعمـة، ا قلنا حقيقة الشكر، هو االستعانة هبذه النعمـة علـى ولكن كم

مرضاته، وقد كتبت عائشة رضي اهللا عنها إىل معاوية رضـي اهللا إن أقل ما جيب للمنعم على من أنعم عليه، أن ال جيعل مـا : (عنه

).أنعم عليه سبيال إىل معصيتهالشكر يف املكاره، إظهارا للرضى، ومما مييـز : الدرجة الثانية* .م الغيظ وستر الشكوىكظ

يعين أن الشكر على املكاره أشد وأصعب من الشـكر علـى :احملاب، وهلذا كان فوقه يف الدرجة، وال يكون إال من أحد رجلني

).٢٤٦ – ٢٤٤( ٢مدارج السالكني ـ ابن القيم ج (١)

مبالشكر تدوم النع ٨

إما رجل ال مييز بني احلاالت، بل يسـتوي عنـده املكـروه واحملبوب، فشكر هذا إظهار منه للرضى مبا نزل به، وهـذا مقـام

.ابقنيالرضى، وهو من السمن مييز بني األحوال، فهو ال حيب املكروه، وال : الرجل الثاين

يرضى بنزوله به، فإذا نزل به مكروه شكر اهللا تعاىل عليه، فكـان شكره كظما للغيظ الذي أصابه، وسرا للشكوى، ورعايـة منـه لألدب، وسلوكا ملسلك العلم، فإن العلم واألدب يأمرانه بشكر اهللا

اء، ألنه شاكر هللا شكر مـن رضـي بقضـائه، على السراء والضر .كحال الذي قبله، وهو من املقربني، لكن الذي قبله أرفع منه

.)١(أن ال يشهد العبد إال املنعم : الدرجة الثالثة* :الشاكر والشكور

وأما تسميته سبحانه بالشاكر، فهـو : يقول ابن القيم رمحه اهللا ].١٤٧: النساء[ را عليماوكان الله شاك: من قوله تعاىل

وإنك لعلـى : معناه املادح ملن يطيعه، قال تعاىل: والشاكر[ .)٢(]]٤: القلم[ خلق عظيم

والله شكور حلـيم : وتسميته أيضا شكور، من قوله تعاىل ].١٧: التغابن[

ه فهو الشكور على احلقيقة، فإنه يعطي العبد ويوفقه ملا يشـكر

).٢٥٥ – ٢٥٣(ـ ٢مدارج السالكني ـ اإلمام ابن القيم ـ ج (١) ).٢٩٤) (٣١٦ – ٣١٥(النهج األمسى ـ (٢)

٩مبالشكر تدوم النع

عليه، ويشكر للقليل من العمل، ويعطي الكثري من الثواب، وهلـذا ال حتقـرن مـن «: هنينا أن نستصغر شيئا من أعمال الرب، قال

.)١(»املعروف شيئا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلقاتقوا النار ولو بشق مترة، فـإن مل جيـد، فبكلمـة «: وقال

.)٣(])٢(»طيبةىل أضعاف مضاعفة، ويلقي لـه ويشكر احلسنة بعشر أمثاهلا إ

منـها يف افلما ترك الصحابة ديارهم، وخرجو. الشكر بني عبادهمرضاته، عوضهم عنها أن ملكهم الدنيا وفتحها عليهم، وملا احتمل يوسف الصديق ضيق السجن، شكر له ذلك بأن مكن له يف األرض يتبوأ منها حيث يشاء، وملا بذل الشهداء أبداهنم له حـىت مزقهـا أعداؤه، شكر هلم ذلك بأن عوضهم منها طريا خضرا أقر أرواحهم فيها ترد أهنا اجلنة وتأكل من مثارها إىل يوم البعث، فريدها علـيهم

.أكمل ما تكون وأمجله وأهباهومن شكره غفرانه للرجل بتنحيته غصن شوك عـن طريـق

.املسلمني .فالشكور ال يضيع أجر حمسن، وال يعذب غري مسيء

ره سبحانه أنه خيرج العبد من النار بأدىن مثقـال ذرة ومن شك

.عن أيب ذر) ٢١٥١٩(محد ، وأ)١٨٣٣(، والترمذي )٢٦٢٦(أخرجه مسلم (١)من ) ١٨٢٥٣(وأمحد ) ٦٨) (١٠١٦(، ومسلم )٦٠٢٣(أخرجه البخاري (٢)

.حديث عدي بن حامت .بتصرف) ٣٣٦ – ٣٣٤(عدة الصابرين (٣)

مبالشكر تدوم النع ١٠

.من خريد من عباده ينوه بذكره، كما شكر ملـؤمن بومن شكره أن الع

.آل فرعون ذلك املقام، وأثىن به عليهوملا كان سبحانه هو الشكور على احلقيقة، كان أحب خلقـه إليه من اتصف بصفة الشكر، كما أن أبغض خلقه إليه من عطلـها

اتصف بضدها، وهذا شأن أمسائه احلسىن، وهلذا يبغض الكفـور و .)١(واجلاهل وحيب الشكور العامل

وأخرب أن أهل الشكر هم املنتفعون بآياته، واشتق هلم امسا مـن أمسائه، فسمى نفسه شاكرا وشكورا، ومسى الشـاكرين هبـذين االمسني، فأعطاهم من وصفه ومساهم بامسه، وحسبك هبـذا حمبـة

.)٢(رين وفضال للشاك :الشكر يف القرآن

وقد قرن اهللا سبحانه وتعاىل الشكر باإلميان، وأخـرب أنـه ال مـا : غرض له يف عذاب خلقه إن شكروا وآمنوا به، فقال تعاىل

].١٤٧: النساء[ يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتمون مبنته عليهم من وأخرب سبحانه أن أهل الشكر هم املخصص

وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من : بني عباده، قال ].٥٣: األنعام[ الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين

.بتصرف) ٣٣٦ – ٣٣٤(عدة الصابرين (١) .الروضة الندية ـ شرح العقيدة الواسطية ـ زيد بن فياض (٢)

١١مبالشكر تدوم النع

وقسم الناس إىل شكور وكفور، فأبغض األشياء إليـه الكفـر : ، وأحب األشياء إليه الشكر وأهله، قال تعاىل يف اإلنسـان وأهلهإنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا ]٣: اإلنسان.[

.وهذا كثري يف القرآن، يقابل سبحانه بني الشكر والكفروبني سبحانه أن الشاكرين هم الذين ثبتوا على نعمة اإلميـان،

وما محمد إلا رسول قد خلـت : على أعقاهبم، قالفلم ينقلبوا من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقـابكم ومـن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين

].١٤٤: نآل عمرا[هي اآلية اليت تالها أبو بكر الصديق رضي اهللا عنه يوم مـات

من كان يعبد حممدا، فإن حممدا قد مات، ومـن : (، وقال النيب .)١()كان يعبد اهللا، فإن اهللا حي ال ميوت

وقد وقف سبحانه كثريا من اجلزاء على املشـيئة، كقولـه يف فيغفـر : ، ويف املغفرة]٢١٢: البقرة[ يرزق من يشاء: الرزق

: ، وأطلـق جـزاء الشـكر كقولـه ]٢٨٤: البقرة[ لمن يشاءوسيجزي الله الشاكرين ]١٤٤: آل عمران.[

وقليل : ووصف اهللا سبحانه الشاكرين بأهنم قليل، فقال تعاىلمحه اهللا عن ، وذكر اإلمام أمحد ر]١٣: سبأ[ من عبادي الشكور

اللهم اجعلين : عمر بن اخلطاب رضي اهللا عنه، أنه مسع رجال يقول

) ١٥١ – ١٥٠(شاكرين ـ ابن قيم اجلوزية ـ عدة الصابرين وذخرية ال (١) .بتصرف

مبالشكر تدوم النع ١٢

: إن اهللا قـال ! يا أمري املـؤمنني : ما هذا؟ فقال: من األقلني، فقالوما آمن معه إلا قليل ]وقال تعاىل]٤٠: هود ، : وقليل مـن

يـل مـا هـم وقل: ، وقـال ]١٣: سبأ[ عبادي الشكور .)١(صدقت: ، فقال عمر]٢٤: ص[

ذريـة مـن : وقد أثىن اهللا سبحانه على نوح بالشكر، فقال، ويف ]٣: اإلسـراء [ حملنا مع نوح إنه كان عبـدا شـكورا

ختصيص نوح هاهنا بالذكر، وخطاب العباد بأهنم ذريته، إشارة إىل .االقتداء به

سبحانه أمنا يعبده من شكره، فمن مل يشكره مل يكن وقد أخرب واشكروا لله إن كنتم إيـاه تعبـدون : من أهل عبادته، فقال

].١٧٢: البقرة[وأمر عبده موسى أن يتلقى ما آتاه من النبوة والرسالة والتكليم

ك على النـاس قال يا موسى إني اصطفيت: بالشكر، فقال تعاىل برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتـك وكـن مـن الشـاكرين

].١٤٤: األعراف[وأول وصية وصى اهللا تعاىل هبا اإلنسان بعد مـا عقـل عنـه

ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه : بالشكر له وللوالدين، فقالا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلـي وهن

].١٤: لقمان[ المصري

.١٤٢: أخرجه أمحد يف الزهد (١)

١٣مبالشكر تدوم النع

إن : وأثىن سبحانه على خليله إبراهيم بشكر نعمـه، فقـال ا شاكر* إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركني

ــتقيم ــراط مس ــى ص ــداه إل ــاه وه ــه اجتب لأنعم ].١٢١، ١٢٠: النحل[

وأخرب سبحانه أن الشكر هو الغاية من خلقه وأمره، بل هـو والله أخرجكم من بطـون : الغاية اليت خلق عبيده ألجلها، فقاللكم السمع والأبصار والأفئـدة أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل

.)١(]٧٨: النحل[ لعلكم تشكرون :والصحابة وأحوال السلف مع الشكر حال النيب

قال رسول اهللا :» إذا أنعم اهللا على عبد نعمة حيب أن .)٢(»يرى أثر نعمته على عبده

وقد ثبت يف الصحيحني أن النيب فطـرت قام حـىت تأتفعل هذا وقد غفر اهللا لك ما تقدم من ذنبك وما : قدماه، فقيل له

.)٣(»أفال أكون عبدا شكورا«: تأخر؟ قال

أن النيب : وثبت يف املسند وسنن أيب داود قال ملعـاذ :اللهم أعين : واهللا إين ألحبك، فال تنس أن تقول دبر كل صالة«

.بتصرف) ١٥٤ – ١٥٠(عدة الصابرين، اإلمام ابن القيم ـ (١)، والزبيدي يف إحتاف السادة املتقني ١٥/١٠٥أخرجه ابن عبد الرب يف التمهيد (٢)

٤/١٨٠. ، من حديث )١٨١٩٨(محد ، وأ)٢٨١٩(، ومسلم )٤٨٣٦(أخرجه البخاري (٣)

.املغرية بن شعبة

مبالشكر تدوم النع ١٤

.)١(»على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك

صحيح مسلم عنـه وقد ثبت يف إن اهللا «: أنـه قـاللريضى عن العبد، يأكل األكلة فيحمده عليها، ويشرب الشربة

فكان هذا اجلزاء العظيم الذي هو أكرب أنـواع . )٢(»فيحمده عليها، ]٧٢: التوبة[ ورضوان من الله أكبر: اجلزاء، كما قال تعاىل .يف مقابل شكر باحلمد

ن أيب هريرة رضي اهللا عنه عن الـنيب وقد روي ع أنـهإذا أحب أحدكم أن يرى قدر نعمة اهللا عليه، فلينظـر إىل «: قال

.)٣(»من حتته، وال ينظر إىل من فوقه

كان داود عليه السالم قد جزأ : وروى أمحد عن ثابت، قالساعات الليل والنهار على أهله، فلم يكن ساعة من ليل أو هنار إال

آل داود قائم يصلي فيها، قال فعمهم تبارك وتعاىل يف وإنسان مناعملوا آل داوود شـكرا وقليـل مـن عبـادي : هذه اآلية ].١٣: سبأ[ )٤(الشكور

،ودعي عثمان بن عفان رضي اهللا عنه إىل قوم على ريبـةن فانطلق ليأخذهم، فتفرقوا قبل أن يبلغهم، فأعتق رقبة شكرا هللا أ

.)٥(ال يكون جرى على يديه خزي مسلم

، وابن حبان )٧٥١(، وابن خزمية )١٥٢٢(، وأبو داود )٢٢١١٩(أخرجه أمحد (١)

.عن معاذ) ١/٢٧٣(، واحلاكم )٢٠٢٠( .عن أنس) ١١٧(و ) ٣/١٠٠(، وأمحد )٢٧٣٤(أخرجه مسلم (٢) .٢٩: ، وابن أيب الدنيا يف الشكر)٥٠٢(أخرجه ابن املبارك يف الزهد (٣) .٢٦: أخرجه ابن أيب الدنيا يف الشكر (٤) .٣٩: املرجع السابق (٥)

١٥مبالشكر تدوم النع

من مل يعرف نعمة اهللا عليه إال يف مطعمه : قال أبو الدرداء .)١(ومشربه، فقد قل عمله وحضر عذابه

لعلنا نلتقي يف اليوم مرارا : عن ابن عمر رضي اهللا عنه قال .يسأل بعضها عن بعض ومل يرد بذلك إال ليحمد اهللا عز وجل

املزين محاال عليه محله وهو يقـول ورأى بكر بن عبد اهللا :فانتظرته حىت وضع ما على ظهـره، : ، قال)احلمد هللا، أستغفر اهللا(

بلى، أحسن خريا كثريا، أقـرأ : أما حتسن غري هذا؟ قال: وقلت لهكتاب اهللا، غري أن العبد بني نعمة وذنب، فأمحد اهللا علـى نعمـه

.ه من بكراحلمال أفق: السابغة، وأستغفره لذنويب، فقلت

كيـف : قـال رجـل أليب متيمـة : وقال يونس بن عبيدذنوب : أصبحت بني نعمتني، ال أدري أيتهما أفضل: أصبحت؟ قال

سترها اهللا، فال يستطيع أن يعريين هبا أحد، ومـودة قـذفها اهللا يف .)٢(قلوب العباد ال يبلغها عملي

إال ) احلمـد هللا (ما قال عبد قـط : وقال بكر بن عبد اهللا: فجزاء تلك النعمة أن يقـول ) احلمد هللا: (بت عليه نعمة بقولهوج

.، فجاءت نعمة أخرى، فال تنفذ نعم اهللا)احلمد هللا(

يا أبا حازم، ما أكثر مـا : قال حممد بن املنكدر أليب حازميلقاين أحد، فيدعو يل باخلري، ما أعرفهم وما صنعت إليهم خريا قط

قبلك، ولكن انظر إىل الـذي ال تظن أن ذلك من : فقال أبو حازم

.٣٠: املرجع السابق (١) .٣٩: أخرجه ابن أيب الدنيا يف الشكر (٢)

مبالشكر تدوم النع ١٦

إن الـذين آمنـوا : ذلك من قبله فاشكره، وقرأ أبو عبد الرمحن ].٩٦: مرمي[ وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا

ليس بفقيه مـن مل يعـد : كان يقال: وقال سفيان الثوري .البالء نعمة والرخاء مصيبة

الشكر نصف اإلميان واليقني اإلميان كله: وقال الشعيب.

قيدوا نعم اهللا بشكر اهللا: وقال عمر بن عبد العزيز.

ألنه حيفظ الـنعم )احلافظ: (وهلذا كانوا يسمون الشكر ، .، ألنه جيلب النعم املفقودة)اجلالب(املوجودة، و

:الشكر والصربما يصيب اإلنسان إن كان يسره فهو نعمة بينـة، وإن كـان

ءه فهو نعمة من جهة أنه يكفر خطاياه، ويثاب بالصرب عليـه، يسو: ومن جهة أن فيه حكمة ورمحة ال يعلمها إال اهللا، كما قال تعاىل

وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شـيئا ].٢١٦: البقرة[ علمونوهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا ت

عجبا ألمر املؤمن، إن أمره كلـه «: يف احلديث وقد قال خري، وليس ذاك ألحد إال للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان

، وإذا كان هذا )١(»خريا له، وإن أصابته ضراء صرب فكان خريا له .وهذا، فكالمها من نعم اهللا عليه

من حديث ) ١٨٩٣٤(، وأمحد )٢٨٩٦(، وابن حبان )٢٩٩٩(أخرجه مسلم (١) .صهيب

١٧مبالشكر تدوم النع

حتتاج مع الشكر إىل الصـرب، ) السراء والضراء(وكلتا النعمتني : فاحتياجها إىل الصرب ظاهر، وأما نعمة السـراء : أما نعمة الضراء

فتحتاج إىل الصرب على الطاعة فيها، فإن فتنة السراء أعظم من فتنة ابتلينا بالضراء فصربنا، وابتلينـا : (الضراء، كما قال بعض السلف

).بالسراء فلم نصرب )١(»فتنة الفقر، وشر فتنة الغىنأعوذ بك من «: ويف احلديث

والفقر يصلح عليه خلق كثري، والغىن ال يصلح عليه إال أقـل منهم، وهلذا كان أكثر من يدخل اجلنة املساكني، ألن فتنة الفقـر

.أهون: وكالمها حيتاج إىل الصرب والشكر، لكن ملا كان يف السـراء

اء، والصرب يف األمل، اشتهر ذلك الشكر يف السر: اللذة، ويف الضراءالضراء، وألن صاحب السراء أحوج إىل الشكر، وصاحب الضراء أحوج إىل الصرب، فإن صرب هذا وشكر هذا واجـب، إذا تركـه

.استحق العقابوأما صرب صاحب السراء فقد يكون مستحبا، إذا كـان عـن فضول الشهوات، وقد يكون واجبا، ولكن إلتيانه بالشكر ـ الذي

وكـذلك صـاحب . له ما يغفر من سيئاتههو حسنات ـ يغفر الضراء ال يكون الشكر يف حقه مستحبا إذا كان شكرا يصري به من السابقني املقربني، وقد يكون تقصريه يف الشكر مما يغفر له، ملا يأيت

والترمذي ، )١٥٤٣(، وأبو داود )٥٨٩(، ومسلم )٦٣٨٦(أخرجه البخاري (١)

.من حديث عائشة رضي اهللا عنها) ٢٤٣٠١(، وأمحد )٣٤٩٥(

مبالشكر تدوم النع ١٨

به من الصرب، فإن اجتماع الشكر والصرب مجيعا يكون مـع تـأمل لنعم، وهذا حـال النفس وتلذذها، يصرب على األمل، ويشكر على ا

.)١(يعسر على كثري من الناس إن في ذلك لآيـات لكـل صـبار شـكور : قال تعاىل

، فآياته املشهودة إمنا ينتفع هبا أهل الصرب والشكر ومها ]٥: إبراهيم[ .سبب انتفاع صاحبهما باآليات

فاإلميان ينبين على الصرب والشكر فنصفه صرب ونصفه شـكر، فعلى حسب صرب العبد وشكره تكون قوة إميانه، وآيات اهللا إمنـا ينتفع هبا من آمن باهللا وآياته، وال يتم له اإلميان إال بالصرب والشكر،

.فإن رأس الشكر التوحيد، ورأس الصرب ترك إجابة داعي اهلوىفإذا كان مشركا متبعا هواه مل يكن صابرا وال شـكورا فـال

.له وال مؤثرة فيهتكون اآليات نافعة :الشكر واحلمد :الفرق بينهما

: كثري من الناس يقول: يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهللااحلمد أعم من الشكر من جهة أسبابه، فإنه يكون على نعمة وعلى غري نعمة، والشكر أعم من جهة أنواعه، فإنـه يكـون بالقلـب

، مل يكن احلمـد إال فإذا كان كل خملوق فيه نعمة. واللسان واليدنعمة، واحلمد هللا على كل حال، ألنه ما من حال يقضيها إال وهي

).٧١ – ٧٠(احلسنة والسيئة ـ ابن تيمية ـ (١)

١٩مبالشكر تدوم النع

.نعمة على عبادهوإذا كان احلمد ال يقع إال على نعمة، فقد ثبـت أنـه رأس

.الشكر، فهو أول الشكرواحلمد ـ وإن كان على نعمته وعلى حكمتـه ـ فالشـكر

إلهليته اليت تتضـمن باألعمال هو على نعمته، وهو على عبادة اهللا .حكمته، فقد صار جمموع األمور داخال يف الشكر

وهلذا عظم القرآن أمر الشكر، ومل يعظم أمر احلمد جمـردا، إذا احلمد أعم من الشكر، ألنك حتمد : وقيل. )١(كان نوعا من الشكر

اإلنسان على صفاته اجلميلة وعلى معروفه، وال تشكره إال علـى .معروفه دون صفاته

أن احلمد ثناء على املمدوح بصفاته من غري سـبق : واخلالصة .إحسان، والشكر ثناء على املشكور مبا أوىل من اإلحسان

فكل ما يتعلق به الشكر يتعلق به احلمد مـن : يقول ابن القيمغري عكس، وكل ما يقع به احلمد يقع به الشكر من غري عكـس،

.)٢(ب واللسان فإن الشكر يقع باجلوارح، واحلمد يقع بالقل :الشكر والتوحيد

شرع احلمد ـ الذي هو الشكر املقول ـ أمام كل خطاب مع التوحيد، ففي الفاحتة الشكر والتوحيد، واخلطب الشرعية البد فيها

).٧٤ – ٧٣(احلسنة والسيئة ـ ابن تيمية ـ (١) ).٢٩١ – ٢٩٠(النهج األمسى ـ حممد النجدي ـ (٢)

مبالشكر تدوم النع ٢٠

فسـبحان اهللا : (من الشكر والتوحيد، والباقيات الصاحلات كلمتاناهللا واهللا وال إلـه إال (فيها الشكر والتنزيه والتعظـيم ـ ): وحبمده .فيها التوحيد والتكبري) أكرب

فادعوه مخلصني له الدين الحمد للـه رب : وقد قال تعاىل .)١(]٦٥: غافر[ العالمني

:الشكر واالستغفارإذا تدبر العبد علم أن ما هو فيه من احلسنات من فضـل اهللا،

، ونعما يفيضها عليـه، صاحلا فشكر اهللا، فزاده اهللا من فضله عمالوإذا علم أن الشر ال حيصل إال من نفسه بذنوبه، استغفر وتـاب، فزال عنه سبب الشر، فيكون العبد دائما شاكرا مستغفرا، فال يزال

يقـول يف اخلري يتضاعف له، والشر يندفع عنه، كما كان النيب " سـتغفره نسـتعينه ون : "فيشكر اهللا، مث يقول" احلمد هللا: "خطبته

ونعوذ باهللا : "نستعينه على الطاعة، ونستغفره من املعصية، مث يقولفيستعيذ به من الشـر . )٢(" من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا

الذي يف النفس، ومن عقوبة عمله، فليس الشر إال من نفسه ومـن عمل نفسه، فيستعيذ اهللا من شر النفس أن يعمل بسـبب سـيئاته

عمل استعاذ باهللا من سيئات عمله، ومن عقوبـات اخلطايا، مث إذاعمله، فاستعانه على الطاعة وأسباهبا، واستعاذ بـه مـن املعصـية

.وعقاهبا

).٧٥) (٤٠ – ٣٩(، )٧٥( -ابن تيمية -احلسنة والسيئة (١)، وابن حبان )١٨٩٣(، وابن ماجة )٢٧٤٩(، وأمحد )٤٦) (٨٦٨(جه مسلم أخر (٢)

.من حديث ابن عباس رضي اهللا عنهما) ٦٥٦٨(

٢١مبالشكر تدوم النع

فعلم العبد بأن ما أصابه من حسنة فمن اهللا، وما أصـابه مـن سيئة فمن نفسه، يوجب له هذا وهذا، فهو سبحانه فرق بينـها يف

فمن الله وما أصابك من سيئة فمن ما أصابك من حسنة: قولهقل كل من : ، بعد أن مجع بينهما يف قوله]٧٩: النساء[ نفسك ].٧٨: النساء[ عند الله

النعم واملصـائب، والطاعـات : فبني أن احلسنات والسيئات .من عند اللهواملعاصي، على قول من أدخلها يف

مث بني أن اخلري من نعمة اهللا، فاشكروه يزدكم، وهذا الشر من ومـا كـان اللـه : ذنوبكم فاستغفروه يدفعه عنكم، قال تعاىل

ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهـم يسـتغفرون .)١(]٣٣: األنفال[

:احلمد والتوحيد واالستغفارالذي هو رأس الشكر، وبـني ) احلمد(جيمع بني كان النيب

ربنا ولك «: إذا رفع رأسه من الركوع فيقول) التوحيد واالستغفار(احلمد، ملء السماوات وملء األرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء واجملد، أحق ما قال العبد، كلنـا

وال معطي ملا منعت، وال ينفـع ذا لك عبد، ال مانع ملا أعطيت، اللهم طهرين بالثلج والربد، واملـاء «: ، مث يقول»اجلد منك اجلد

البارد، اللهم طهرين من الذنوب واخلطايا كما ينقـى الثـوب

).٤٠ – ٣٩) (٧٥(احلسنة والسيئة ـ ابن تيمية ـ (١)

مبالشكر تدوم النع ٢٢

.)١(»األبيض من الدنسبإزاء النعمة، واالستغفار بإزاء الذنوب، وذلك تصديق : فاحلمدحسنة فمن الله وما أصابك من سيئة ما أصابك من : قوله تعاىل

].٧٩: النساء[ فمن نفسكأبوء لـك بنعمتـك علـي، وأبـوء «: ففي سيد االستغفار

احلمد رأس الشـكر، «: ، ويف حديث عمرو بن العاص)٢(»بذنيب، كما مجع بينـهما يف أم القـرآن )٣(»فما شكر اهللا عبد ال حيمده

أوهلا حتميد، وأوسطها توحيد، وآخرها دعاء، وكما يف ، ف)الفاحتة(هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصني له الـدين : قوله تعاىل

].٦٥: غافر[ الحمد لله رب العالمنيأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي، ال «: ويف حديث املوطأ

وحده ال شريك له، له امللك وله احلمد، وهو علـى إله إال اهللا، .)٤(»كل شيء قديرسبحان اهللا وحبمـده، : من قال يف يوم مائة مرة«: ويف قوله

.)٥(»حطت خطاياه، ولو كانت مثل زبد البحر

، وابن )١/١٩٨(، والنسائي )١٩١١٨(، وأمحد )٢٠٤) (٤٧٦(أخرجه مسلم (١) ).١٠/٢١٣(أيب شيبة

، )١٠٢٩٨(، والنسائي يف الكربى )١٧١١١(، وأمحد )٦٣٢٣(أخرجه البخاري (٢) .٢/٤٥٨، واحلاكم )٩٣٢(، وابن حبان ١٠/٢٩٦وابن أيب شيبة

، )٢٦٠٧(، والديلمي يف مسند الفردوس )١٩٥٧٤(أخرجه عبد الرزاق (٣) ).٦٤١٩(، واملتقي اهلندي يف كنز العمال )١/١١(والسيوطي يف الدرر املنثور

من حديث طلحة بن ) ٣٥٨٥(، والترمذي )٣٢( ١/٢١٤ملوطأ أخرجه مالك يف ا (٤) .عبد اهللا بن كثري

.من حديث أيب هريرة) ٢٨) (٢٦٩١(، ومسلم )٣٢٩٣(أخرجه البخاري (٥)

٢٣مبالشكر تدوم النع

سبحانك اللهم وحبمدك، أشهد «: ويف حديث كفارة اجمللسسـبيح، الت: فيـه )١(»أن ال إله إال أنت، أستغفرك وأتوب إليك

.)٢(والتحميد، والتوحيد، واالستغفار :شهود النعمة

إن شهود العبد نعمة ربه ال يدع له رؤية حسنة من حسـانه، ولو عمل أعمال الثقلني، ألن نعم اهللا أكثر من أعماله، وأدىن نعمة من نعمه تستنفد عمله، فينبغي للعبد أال يزال ينظر يف حق اهللا عليه،

.)٣(فسه ذاما هلا، وما أقربه من الرمحة وال يزال مزريا على نوال أنت : ، قالوا»لن ينجي أحدا منكم عمله«: ويف الصحيحوال أنا إال أن يتغمدين اهللا برمحة منه وفضل، «: يا رسول اهللا؟ قال

.)٥)(٤(»فإن أعمال العبد ال توايف نعمة من نعم اهللا عليهوغريهـا مـن ومما جيب معرفته أن ما يقدمه املسلم من صالة

أعمال الرب احملدودة باألعمار القصرية، واليت يتخللها التقصـري، ال سـددوا وقـاربوا «: ميكن حبال أن تكون مثنا للجنة، قـال

.)٧)(٦(»وأبشروا، فإنه لن يدخل اجلنة أحدا عمله

، والنسائي )١٠٤١٥(، وأمحد )٣٤٣٣(، والترمذي )٤٨٥٨(أخرجه أبو داود (١) ).١٩١٤(لدعاء ، والطرباين يف ا١/٥٣٦، واحلاكم )٣٩٧(يف عمل اليوم والليلة

.بتصرف) ١٥٥ – ١٥٢(احلسنة والسيئة ـ ابن تيمية ـ (٢) .بتصرف) ١٨٦(عدة الصابرين ـ (٣)من ) ١٠٣٣٠(، وأمحد )٧٣) (٢٨١٦(، ومسلم )٦٤٦٣(أخرجه البخاري (٤)

.حديث أيب هريرة ).١٧٦(عدة الصابرين ـ (٥) ).٢٤٩٤١(، وأمحد )٨٢١٨(، ومسلم )٦٤٦٧(أخرجه البخاري (٦) ).٢٩٦(النهج األمسى ـ (٧)

مبالشكر تدوم النع ٢٤

:الفرق بني إنعام اخلالق وإنعام املخلوقم مع إن اهللا سبحانه وتعاىل يعطي اخللق ويتفضل عليه -أ

.استغنائه عنهم، واملخلوق ال يعطي غالبا إال لقصد أو غرضإنك رمبا احتجت إىل شيء من املخلوق وال يعطيكـه، - ب

لكونه حمتاجا إليه، واهللا سبحانه وتعاىل غين عن كل شـيء، قـال ].١٤: األنعام[ وهو يطعم ولا يطعم: سبحانه

أنـه ال إنك رمبا احتجت إىل شيء من املخلـوق إال - ج ميكنك الوصول إليه، فتبقى حمروما من عطيته، واهللا سبحانه تصـل

وإذا : إليه بدعائك ومناجاتك يف كل وقت وحني، قـال تعـاىل سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الـداع إذا دعـان

....... ]١٨٦: البقرة.[

لوق قطع عنك إنعامـه، إنك إذا قصرت يف خدمة املخ -د والكافر يقصر بأعظم حقوق اهللا ويظل إنعامه سبحانه عليه، كمـا

ما أحد أصرب على أذى مسعه من اهللا، يـدعون لـه «: قال .)١(»الولد، مث يعافيهم ويرزقهم

:شكر النعمعلى اإلنسان أن يعلم : يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهللا

حتصل بعمله وبغري عمله، وعمل نفسه أن النعم كلها من اهللا، وقد

، )١٩٥٢٧(، وأمحد )٤٩) (٢٨٠٤(، ومسلم )٧٣٨٧(أخرجه البخاري (١)

).٧٧٠٨(، والنسائي يف الكربى )١٩٥٨٩(

٢٥مبالشكر تدوم النع

من إنعام اهللا عليه، وأن كل ما خلقه فهو نعمة، فاهللا يستحق الشكر .)١(الذي ال يستحقه غريه

ولألسف الشديد جند الناس حيمد بعضهم بعضا حينما يقـدم أحدهم عونا ألخيه ولو كان صغريا، وال جند الكثري منهم حيمدون

عظمها وكثرهتا، وكأن هذه النعم حـق اهللا على نعمه عليهم رغم مكتسب ال فضل هللا عليهم فيها، بل كـثريا مـا يسـتعملوهنا يف معصيته، إهنا الغفلة واجلحود والكفران بالنعمة، ال يقدرون قيمـة هذه النعم إال إذا حرموا منها أو أصيبوا فيهـا، فيجـأرون إىل اهللا

: النتحار، قال تعاىلبالدعاء، ومنهم من يضيق باحلياة وقد يلجأ إىل ا وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون *

* ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بـربهم يشـركون - ٥٣: النحـل [ وف تعلمونليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فس

وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان : ، وقال تعاىل]٥٥ ].٣٤: إبراهيم[ لظلوم كفار

وهلذا جند القرآن الكرمي يدعونا إىل التفكر والتعرف على نعـم ضل اهللا علينـا، اهللا اليت ال حتصى، وأن نقدرها قدرها، ونستشعر ف

.ونقوم بواجب احلمد والشكر له على ما أنعمفما أجدرنا أن نشعر مبدى فقرنا وحاجتنا إليه سبحانه يف كل حلظة وكل حركة وسكنة، وكذا مدى تقصرينا يف واجب الشـكر

.)٢(وضرورة استعمال هذه النعم يف طاعته والبعد هبا عن معصيته

.بتصرف) ٩٥(احلسنة والسيئة ـ ابن تيمية (١) .بتصرف) ٤٤، ٤٣(زاد على الطريق ـ مصطفى مشهور ـ (٢)

مبالشكر تدوم النع ٢٦

، والـيت ـ لألسـف من هنا يتضح عظيم شأن هذه العبـادة الشديد ـ قد نسيها كثري من الناس اليوم، حىت أصبحت الـنعم ال تعين شيئا هلم، وكأهنا أمر طبيعي ال يستحق الشكر، وال حول وال

.)١(قوة إال باهللا العلي العظيم وهللا تبارك وتعاىل على عبده نوعان : ويقول ابن القيم رمحه اهللا :من احلقوق ال ينفك عنهما

.أمره وهنيه اللذان مها حمض حقه عليه: اأحدمه .شكر نعمه اليت أنعم هبا عليه: والثاين

وكلما كان أفقه يف دين اهللا كان شهوده للواجـب عليـه أمت .)٢(وشهوده لتقصريه أعظم

كيف أشكر؟: سؤال اشتاقت إليه النفوس وهو :إن للشكر ثالثة أركان: يقول القرطيب رمحه اهللا

.للمنعماإلقرار بالنعمة - ١ .واالستعانة هبا على طاعته - ٢

.وشكر من أجرى النعمة على يده تسخريا منه إليه - ٣أما اإلقرار هبا ومعرفتها وذكرها على الدوام والتحدث هبا، فقد

يا أيها الذين آمنوا : أمر اهللا تعاىل به عباده يف غري آية، فقال تعاىل

.بتصرف) ٥(اخلطايب ـ التذكرة يف شكر النعم ـ عبد العزيز (١) ).١٨٦(عدة الصابرين ـ (٢)

٢٧مبالشكر تدوم النع

].٣: فاطر[ اذكروا نعمة الله عليكمالشكر اسم ملعرفة النعمـة، ألهنـا : ويقول ابن القيم رمحه اهللا

.السبيل إىل معرفة املنعموقد جاء يف احلديث ما يبني عظمة تذكر النعمة واالعتراف هبا

، أبـوء لـك : ...... سيد االستغفار أن يقول«: وهو قوله .)١(»......بنعمتك علي،

: يف أدبـار الصـلوات يف قولـه االعتراف بالنعمة ويكرر .)٢(»له النعمة وله الفضل وله الثناء احلسن..... «

:الثناء على املنعم املتعلق بالنعمة نوعان: قال ابن القيم رمحه اهللا .وهو وصفه باجلود والكرم: عام - ١وهو التحدث بنعمته واإلخبار بوصوهلا إليه من : خاص - ٢

مـة ربـك فحـدث وأمـا بنع : جهته، كما قـال تعـاىل ].١١: الضحى[

:ويف هذا التحديث املأمور به قوالنأنعـم اهللا علـي : أنه ذكر النعمة واإلخبار هبا، وقوله: أحدمها .بكذا وكذا

من «: والتحدث بنعمة اهللا شكر، كما يف حديث جابر مرفوعا

.٢٦: تقدم خترجيه يف الصفحة (١)، والبيهقي يف )١٥٠٧(، وأبو داود )١٤٠(و ) ١٣٩(ـ ) ٥٩٤(أخرجه مسلم (٢)

).١٦١٠٥(، وأمحد ٢/١٨٥السنن

مبالشكر تدوم النع ٢٨

صنع إليه معروف فليجز به، فإن مل جيد ما جيزي به فليثن، فإنـه أثىن فقد شكره، وإن كتمه فقد كفره، ومن حتلى مبا مل يعـط إذا

.)١(»كان كالبس ثويب زور :فذكر هنا أقسام اخللق الثالثة

.شاكر النعمة املثين هبا -أ .واجلاحد هلا والكامت هلا - ب

.واملظهر أنه من أهلها، وليس من أهلها - ج :الثرثرة بالنعم: خاطرة

منها ما يبني أثرهـا، ينبغي ملن تظاهرت نعم اهللا عليه أن يظهروال يكشف مجلتها، وإن كان إظهارها حلوا عند النفس، إال أهنا إن أظهرت لوديد مل يؤمن تشعث باطنه بالغيظ، وإن أظهـر لعـدو فالظاهر إصابته ملوضوع احلسد، وإن شر احلسود يف حال الـبالء

.يتشفى، ويف حال النعم يصيب بالعنيال حيملـون أسـرارهم حـىت وال تكن من املذاييع الغر الذين

يفشوهنا إىل من ال يصلح، ورب كلمة جرى هبا اللسان هلك هبـا .)٢(اإلنسان

أن التحدث بالنعمة املأمور به يف هذه اآلية هـو : والقول الثاين

، وابن حبان )٢٠٣٥(، والترمذي )٦٩(أخرجه البخاري يف األدب املفرد (١) ).٨/٤٥٩(يف التفسري ، والبغوي)٢٠٧٣( ).١٢٣ – ١٢٢(صيد اخلاطر ـ ابن اجلوزي ـ (٢)

٢٩مبالشكر تدوم النع

.الدعوة إىل اهللا، وتبليغ رسالته، وتعليم األمةما النعم ـ على طاعة اهللا، فهو : وأما االستعانة هبا ـ أي : ثانيا

يقتضيه الشرع والعقل، فإن من أحسن إليك بشـيء ال جيـوز أن تقابله باإلساءة إليه، ومن فعل ذلك فهو يف نظـر النـاس نـاكر للجميل، فكيف إذا استعان بإحسانه على اإلساءة إليه، فهو أشـد

.)١(جحودا للجميل وفي أنفسـكم : ولعلنا نقف مع آية عظيمة وهي قوله تعاىل

، ولننظر إىل عامل هـذا اإلنسـان ]٢١: الذاريات[ تبصرون أفلا املكرم، وما وهبه اهللا من النعم، وكيف نستعني هبا على طاعته؟

:نعمة اإلسالم -١إن أجل نعم اهللا على اإلطالق هي نعمة الدخول يف هذا الدين، هذه أم النعم، وبغريها فإنه ال فالح وال سـعادة يف الـدنيا وال يف

.خرةاآلومن املعلوم أن اهللا ال يقبل عمل عامل إال بشرط اإلسالم، قال

ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة : تعاىل ].٨٥: آل عمران[ من الخاسرين

وكيف فضلك اهللا على كثري مـن ! فهل تذكرت هذه النعمة؟محدت اهللا على نعمة اإلسالم واليت هبا سيكتب لك ـ خلقه، فهل

.بتصرف) ٣٠٤ – ٢٩٧(النهج األمسى ـ اجمللد األول ـ حممد النجدي ـ (١)

مبالشكر تدوم النع ٣٠

.)١(!! إن شاء اهللا ـ النجاة من النريان، حقا إهنا أم النعم: ما أحوجنا أن حنمد اهللا دائما على هذه النعمة، كما قال تعاىل

ن وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتـدي لولـا أ ].٤٣: األعراف[ هدانا الله

واهللا سبحانه وتعاىل يدعونا إىل احملافظة على هذه النعمة حـىت يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حـق : نلقى اهللا عليها، قال تعاىل

ن ، أل]١٠٢: آل عمـران [ تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلموناألمور خبواتيمها، وها هو ذا سيدنا يوسف عليه السالم بعد ما آتاه

تـوفني : اهللا من امللك يدعو اهللا أن يتوفاه مسلما كما قال تعاىل .)٢(]١٠١: يوسف[ مسلما وألحقني بالصالحني

.إهنا املرتبة الثانية بعد اإلسالمة، ويا من تركت الكثري أنت يا من رفعك اهللا على غريك درج

من شهواتك هللا ومألت قلبك قرآنا وتـذكرة وخشـية وحبـا، هل علمت ماذا أعد اهللا هلم؟. وطردت وسواس الشيطان واهلوى

والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم مـن : قال تعاىل ].٥٨: العنكبوت[ الجنة غرفا

!رجات من تلك الدركات؟أين هذه الدهنا جنات أهلها خالدون فيها، وهناك نار جهنم أهلها خالدون

).١٠ – ٩(التذكرة يف شكر النعم ـ عبد العزيز اخلطايب ـ (١) ).٤٥ – ٤٤(زاد على الطريق ـ مصطفى مشهور ـ (٢)

٣١مبالشكر تدوم النع

ويف اجلنات ما ال عني رأت وال أذن مسعت وال خطر علـى . فيها .قلب بشر، وذلك يف النعيم وهذا يف اجلحيم

فهل شكرنا اهللا على نعمة اإلميان؟ت ضعيف له، وإال فأن.واعلم أن اهللا هو الذي من عليك هبذا ك

.مسكني ال متلك من أمرك شيئا :نعمة األخوة والصحبة احلسنة -٣

هل علمت ما أعد اهللا للمتحابني فيه واملتزاورين فيه؟أيـن املتحـابون : إن اهللا تعاىل يقول يوم القيامة«: قال

: ، وقـال )١(»جباليل، اليوم أظلهم يف ظلي يوم ال ظل إال ظلـي ر مـن نـور يغـبطهم النبيـون املتحابون يف جاليل هلم منـاب «

.)٢(»والشهداءوبفضل اهللا مث بسبب هؤالء اجللساء الصاحلني نلـت املراتـب

!وكم كنت ختطئ فيوجهونك! كم كنت تغفل فيذكرونك. العاليةوكم هم الذين استزهلم الشيطان بسبب بعدهم عـن جمـالس

!مث كان مصريهم يف النهاية مؤملا!! الذكر وصحبة األخيارقدر هذه النعمة، ولنحرص عليها، كما قال ربنا تبارك فلنعرف

واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي : وتعاىل

، وابن حبان )٧٢٣١(، وأمحد )٢٥٦٦(، ومسلم ٢/٩٥٢وطأ أخرجه مالك يف امل (١) .من حديث أيب هريرة) ٢٧٥٧(، والدارمي )٥٧٤( ).١٣٨٥(واهلامشي يف مسنده ) ٢٣٩٠(، والترمذي )٢٢٠٨٠(أخرجه أمحد (٢)

مبالشكر تدوم النع ٣٢

يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولـا ا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمـره فرطـا تطع من أغفلن

.)١(]٢٨: الكهف[واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين : وقال

].١٠٣: آل عمران[ قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناقوم ميأل قلوهبم احلقـد والغـل والشـحناء وإن حياة وسط

.)٢(والبغضاء حياة ال تطاق، كلها هم وغم وكرب والعياذ باهللا .فاحلمد هللا على نعمة األخوة يف اهللا

:نعمة البصر -٤نسـيت، : هل تتذكر كل يوم هذه النعمة اجلليلة؟ فإذا قلـت

.فليكن لك عربة يف غريك من الذين حرمهم اهللا هذه النعمةتلهج األلسنة حبمد اهللا، ولتكفها عما حرم اهللا من النظر فيما فل

قـل للمـؤمنني يغضـوا مـن : ال جيوز النظر إليه، قال تعاىل ].٣٠: النور[ أبصارهم :نعمة السمع -٥

هل تعلم أن من مل يسمع من مولده ال يتكلم؟ت ربنـا فنعمة السمع نسمع هبا من خياطبنا، نسمع هبـا آيـا

تصور لو أنك حرمت هذه النعمة، كيف سيكون حالك . سبحانه

).١٦ – ١١(التذكرة يف شكر النعم ـ (١) ).٤٦ – ٤٥(زاد على الطريق ـ (٢)

٣٣مبالشكر تدوم النع

إذا الناس حضروا لسماع حماضرة قيمة مهمة، وأنت تأيت لتجالسهم !لتعمك رمحة وسكينة ترجوها مع القوم فقط؟

وإياك أن تستخدم نعمة السمع فيما حرم اهللا من مساع غيبة أو إن السـمع : ل تعاىلمنيمة أو غناء حمرم، ولنحفظ هذه النعمة، قا

].٣٦: اإلسراء[ والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا :نعمة اليدين -٦

هبما نأكل، وهبما نشرب، وهبما نكتب وهبمـا منـيط األذى، .، وهبما نتصدق من أموالناأكبادناوهبما حنمل فلذات

إهنما سيشهدان عليكم يـوم واحذروا من استعماهلا يف الشر، فيوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم : القيامة، قال تعاىل ].٢٤: النور[ بما كانوا يعملون

:نعمة العقل -٧لقد فضلنا اهللا على مجيع خملوقاته هبذا العقل، فلواله ألصـبح

واحدة ألحد مستشـفيات األمـراض إن زيارة : اإلنسان كاألنعام .العقلية ميكن أن تذكرك بفضلك على من سواك

فها أنا أعود فأذكرك وأحذرك من التفكري هبذا العقـل فيمـا يغضب اهللا عليك، بل سخره دائما فيما يرضي اهللا، والـتفكري يف

: دعوة الناس إىل اخلري، والتفكري يف خملوقات اهللا، كما قال تعـاىل إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات

].١٩٠: آل عمران[ لأولي الألباب

مبالشكر تدوم النع ٣٤

إن : ما شكر العينني يا أبا حازم؟ قـال : قال رجل أليب حازم .رأيت هبما خريا أعلنته، وإن رأيت هبما شرا سترته

إن مسعت هبما خريا وعيته، وإن : لفما شكر األذنني؟ قا: قال .مسعت هبما شرا دفعته

ال تأخذ هبما ما ليس هلما، وال متنع : قال فما شكر اليدين؟ قال .حقا هللا هو فيهما

أن يكون أسفله طعاما، وأعـاله : فما شكر البطن؟ قال: قال .علما

والـذين هـم : قال اهللا تعاىل: فما شكر الفرج؟ قال: قالإلا على أزواجهم أو ما ملكـت أيمـانهم * جهم حافظون لفرو

فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون* فإنهم غير ملومني .)١(]٧ – ٥: املؤمنون[

:نعمة اللسان -٨إشارات هل وقفت يوما ختاطب إنسانا حرم نعمة الكالم؟ إهنا

.يومئ هبا، كيف سيكون تعامل هذا املسكنيتصور نفسك لو صمت عن الكالم يوما كامال ال تتكلم فيـه

هل يكون ذلك يف استطاعتك؟!! وال كلمة واحدة !فكيف مبن كان عمره كله يقضيه بال كالم؟

.عدة الصابرين (١)

٣٥مبالشكر تدوم النع

.احلمد هللا الذي فضلنا على كثري ممن خلق تفضيالد سخروا هذه النعمـة يف ولألسف الشديد، فكثري من الناس ق

معصية اهللا، فخرجت الغيبة والنميمة، والكالم الفاحش والكذب، ].١٢: احلجرات[ ولا يغتب بعضكم بعضا: قال تعاىل

ولنستغل اللسان يف نشر اخلري ويف التسبيح والتهليل، قبـل أن خيتم على هذه األلسن، فال تتكلم أبدا إال حني تستشـهد، قـال

].٢٤: النور[ يوم تشهد عليهم ألسنتهم: عاىلت :نعمة الرجلني -٩

تذكر ـ أيها املسلم ـ أن اهللا وهب لك رجلني لتسري هبما إىل .املسجد، ولتطوف هبما حول الكعبة

ولو فكرت يوما مبن حرموا هذه النعمة؟يـوم هنيئا ملن انطلقت رجاله إىل املساجد وشهدتا له : لقلت .القيامة

وهنيئا ملن انطلقت رجاله لكي يدعو إىل اهللا، ويا تعاسة مـن .زلت قدماه وسارت به إىل ما حرم اهللا

ويا ترى هل ستسري على الصراط يوم القيامة فتجتازه بسـرعة !وسالمة؟ :نعمة الصحة -١٠

صحتك «: ، وذكر منها»اغتنم مخسا قبل مخس«: يف احلديث

مبالشكر تدوم النع ٣٦

.)١(»غلكقبل سقمك، وفراغك قبل شكم هم الذين ينامون على األسرة البيضاء، فكن ممن يصـرفون نعمة الصحة يف الطاعة قبل أن يفاجئك املرض، مث تريد أن تنشـط

تعرف إىل اهللا يف الرخاء يعرفك «: للعبادة، فال تستطيع، قال .)٢(»يف الشدةإن العبد إذا اتقى اهللا يف حال رخائه وصحته فقد تعرف : املعىن

لك إىل اهللا، فعرف ربه يف الشدة، فنجاه من الشـدائد بتلـك بذ .املعرفة

وهذه معرفة خاصة تقتضي القرب من اهللا عز وجـل وحمبتـه لعبده وإجابته لدعائه، وليس املراد املعرفة العامة، فإن اهللا ال خيفـى

.عليه حال أحد من خلقهاذكروا اهللا يف الرخـاء يـذكركم يف : وقال الضحاك بن قيس

شدة، فيونس عليه السالم كان يذكر اهللا فلما وقع يف بطن احلوت الللبث فـي * فلولا أنه كان من المسبحني : جناه اهللا، قال تعاىل ].١٤٤ - ١٤٣: الصافات[ بطنه إلى يوم يبعثون

وإن فرعون كان طاغيا ناسيا لذكر اهللا، فلما أدركه الغـرق، آلآن وقد عصيت قبل وكنـت مـن : آمنت، فقال تعاىل: لقا

، واملنذري يف الترغيب ٤/٣٠٦، واحلاكم )٢(بن املبارك يف الزهد أخرجه ا (١)

٤/٢٥١. ، والبيهقي يف شعب اإلميان )٢٥١٦(، والترمذي )٢٨٠٣(أخرجه أمحد (٢)

).١٢٩٨٩(، والطرباين يف الكبري ٧٦ – ٧٥، ويف األمساء والصفات )١٠٧٤(

٣٧مبالشكر تدوم النع

].٩٢ - ٩١: يونس[ المفسدين )١(وحديث الثالثة الذين دخلوا الغار وانطبقت عليهم الصخرة

يشهد هلذا أيضا، فإهنم فرج عنهم بدعائهم هللا مبا كان سبق منـهم الوالـدين، وتـرك من األعمال اخلالصة يف حال الرخاء من بـر

.الفجور، واألمانة اخلفيةفإذا علم أن التعرف إىل اهللا يف الرخاء طريق ملعرفة اهللا لعبده يف الشدة، فال شدة يلقاها العبد يف الدنيا أعظم من شـدة املـوت،

حيث تتكاثف الشياطني الذين يريدون أن حيولوا بني العبد وبـني (، وهي أهون مما بعـدها )٢() يدهختم حياته باخلري فإن اهللا يعينه ويؤ

إن مل يكن مصري العبد إىل اخلري، وإن كان مصريه إىل خري فهـي .آخر شدة يلقاها

فمن أطاع اهللا واتقاه وحفظ حدوده يف حياته، تواله اهللا عنـد وفاته وتوفاه على اإلميان وثبته بالقول الثابت يف القرب عند سـؤال

س وحشته يف تلـك الوحـدة امللكني، ودفع عنه عذاب القرب، وآن .والظلمة

وكذلك أهوال القيامة وأفزاعها وشدائدها، إذا توىل اهللا عبـده .املطيع له يف الدنيا، أجناه من ذلك كله

، والطرباين يف الدعاء )١٨٤١٧(، وأمحد )٨(أخرجه ابن أيب الدنيا يف جمايب الدعوة (١)

، والبزار ٤/٧٩، وأبو نعيم يف احللية )٢٣٢٨(، ويف املعجم األوسط )١٩٠( .من حديث النعمان بن بشري) ٣١٧٨( .بتصرف) ٤٦(التوضيح والبيان لشجرة اإلميان ـ السعدي ـ (٢)

مبالشكر تدوم النع ٣٨

وأما من مل يتعرف إىل اهللا يف الرخاء، فليس من يعرفه يف الشدة .)١(ال يف الدنيا وال يف اآلخرة

:نعمة الوقت -١١مة، وما أكثر الناس الذين يضيعوهنا إال ما أعظم شأن هذه النع

من رحم اهللا ـ واملؤمن يستغل وال يسرف ـ واعلم أن السـاعة اليت متر عليك ال تعود إىل يوم احلساب، فإما أن تصرفها يف خـري يعود عليك، وإما أن تصرفها يف شر وجتين أثـر ذلـك، وإمـا أن

.)٢(! تضيعها يف املباحات فيضيع عليك خري عظيمومن دقيق نعم اهللا على العبد، اليت ال يكاد يفطن هلا، أنه -١٢

يغلق عليه بابه، فريسل اهللا إليه من يطرق عليه الباب يسأله شـيئا، دخلت على مـريض : ليعرف نعمته عليه، وقال سالم بن أيب مطيع

اذكر املطروحني على الطريق، اذكر : أعوده، فإذا هو يئن، فقلت لهمث دخلت عليه بعـد : هلم من خيدمهم، قالالذين ال مأوى هلم وال

اذكري املطروحني يف الطريق، اذكري : ذلك فسمعته يقول لنفسه .من ال مأوى له وال له من خيدمه

:سجود الشكر: من صور الشكرال حيرم على من كـان حمـدثا أن : يقول ابن تيمية رمحه اهللا

– ٥٤(البن عباس ـ ابن رجب ـ نور االقتباس يف مشكاة وصية النيب (١)

٦٠.( .تذكرة يف شكر النعمال (٢)

٣٩مبالشكر تدوم النع

.)١(يسجد للشكر وهو على غري طهارة كان إذا جـاءه أمـر أن رسول اهللا : ودليل سجود الشكر

.يسره خر هللا ساجدا شاكرا له عز وجلملـا جـاء : ، قال)الفتوح(وذكر حممد بن إسحاق يف كتاب

ثالثة أميـان املبشر يوم بدر بقتل أيب جهل استحلفه رسول اهللا باهللا الذي ال إله إال هو، لقد رأيته قتيال، فحلف له، فخر رسول اهللا

ساجدا. .ملا بشر بتوبة اهللا عليه جد كعب بن مالك يف عهد النيب وس

فنعم اهللا دائما مستمرة على العبد، فما الذي اقتضى : فإن قيلختصيص النعمة احلادثة بالشكر دون الدائمة، وقد تكون املسـتدامة

أعظم؟ :اجلواب من وجوه: قيل

أن النعمة املتجددة تذكر باملستدامة، واإلنسان موكل: أحدها .باألدىن

أن النعمة املتجددة تستدعي عبوديـة جمـددة، وكـان : الثاين .أسهلها على اإلنسان وأحبها إىل اهللا السجود شكرا له

أن النعمة املتجددة هلا وقع يف النفوس، والقلوب هبـا : الثالث .أعلق، وهلذا يهىن هبا ويعزى بفقدها

).٢٧١(ـ ١الشرح املمتع على زاد املستقنع ـ ابن عثيمني ـ ج (١)

مبالشكر تدوم النع ٤٠

كثريا أن حدوث النعم يوجب فرح النفس وانبساطها، و: الرابعما جير ذلك إىل األشر والبطر، والسجود ذل وعبودية وخضـوع، فإذا تلقى به نعمته لسروره وفرح النفس وانبساطها، فكان جـديرا بدوام تلك النعمة، وإذا تلقاها بالفرح الذي ال حيبـه اهللا واألشـر والبطر، كما يفعله اجلهال عندما حيدث اهللا هلم من النعم، كانـت

وشيكة االنتقال، وانقلبت نقمة، وعادت استدراجا، سريعة الزوال، .فإن اهللا إذا أحدث لعبده نعمة أحب أن حيدث هلا تواضعا

بشرت احلسن مبوت احلجـاج، وهـو : وقال العالء بن املغرية .خمتف، فخر هللا ساجدا

:شكر من أجرى اهللا سبحانه النعمة على يده: ثالثاأن اشـكر لـي :فقد أمر اهللا سبحانه به يف قولـه تعـاىل

].١٤: لقمان[ ولوالديك إلي المصريفأمره بشكره مث بشكر الوالدين، إذ كانا سـبب وجـوده يف الدنيا، وسهرا وتعبا يف تربيته وتغذيته، فمن عقهما أو أساء إليهما، فما شكرمها، بل جحد أفضاهلما عليه، ومن مل يشكرمها فإنـه مل

ال «: أجرى النعم على أيديهما، وقـد قـال يشكر اهللا الذي .)١(»يشكر اهللا ن ال يشكر الناسلكن ال يبلغ من حق أحد وإنعامه، : ويقول ابن تيمية رمحه اهللا

أن يشكر مبعصية اهللا، أو أن يطاع مبعصية اهللا، فإن اهللا هو املـنعم

، والبيهقي يف )١٩٥٤(، والترمذي )٤٨١١(، وأبو داود )٧٥٠٤(أخرجه أمحد (١) .من حديث أيب هريرة) ٣٤٠٧(، وابن حبان ٦/١٨٢السنن

٤١مبالشكر تدوم النع

.)١(بالنعم العظيمة، اليت ال يقدر عليها خملوق :كفر النعم

النعمة والتحدث هبا من صفات املؤمنني الشاكرين، وأما إظهار أن يكتم املرء النعمة، ويظهر أنه فاقد هلا إما بلسان احلال أو املقال،

.فهو كفر هلا، وهو من صفات الكافرين اجلاحدينوإمنا مسي الكافر كافرا، ألنه يغطي نعمة اهللا اليت أسبغها عليـه

.وجيحدها وال يقر هبايعرفون نعمة الله ثم : هللا بذلك يف كتابه، فقالوقد وصفهم ا

].٨٣: النحل[ ينكرونها وأكثرهم الكافرونبل رمبا نسوا نعم اهللا تعاىل اليت أعطاهم إياهـا إىل أنفسـهم

ا فإذا مس الإنسان ضر دعانا ثم إذ: وعلمهم وخربهتم، قال تعاىلخولناه نعمة منا قال إنما أوتيته على علم بل هي فتنـة ولكـن

].٤٩: الزمر[ أكثرهم لا يعلمونومما الشك فيه أن الكفر بنعم اهللا تعاىل مؤذن بزواهلا عمن كفر

نت آمنة مطمئنة يأتيها وضرب الله مثلا قرية كا: هبا، قال تعاىلرزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لبـاس

].١١٢: النحل[ الجوع والخوف بما كانوا يصنعونوهذه القرية هي مكة، من دخلها كان آمنا، وكان مـن متـام

إليهم، فكفروا به، وهلذا أذاقهـا اهللا عليهم إرسال حممد النعمة

).٩٦(احلسنة والسيئة ـ ابن تيمية ـ (١)

مبالشكر تدوم النع ٤٢

إن : بالقحط، فعن عبد اهللا بن مسعود قال اجلوع، فدعا عليهم اللـهم سـبع كسـبع «: ملا رأى من الناس إدبارا، قال النيب ، فأخذهتم سنة حصدت كل شيء، حىت أكلوا اجللـود )١(»يوسف

ء فريى الدخان من اجلوع، وامليتة واجليف، وينظر أحدهم إىل السمايا حممد، إنك تأمر بطاعة اهللا وصلة الرحم، : فأتاه أبو سفيان، فقال

فارتقب يوم : وإن قومك قد هلكوا، فادع اهللا هلم، قال اهللا تعاىل ].١٠: الدخان[ تأتي السماء بدخان مبني

حـني وأصـحابه وأما اخلوف يف اآلية فهو من رسول اهللا هاجروا إىل املدينة، فكانوا خيافون من سطوته، وبقوا كذلك إىل أن

مكة، وللكافرين أمثاهلا، وقد قـص اهللا فتح اهللا تعاىل على نبيه وأهنم كانوا يف نعـم كـثرية، وأمـوال " سبأ"سبحانه علينا قصة

ممدودة، وفواكه منتشرة، وأسفار بال أخطار، مث إهنم غريوا بأنفسهم سبحانه أحواهلم، فأرسل اهللا عليهم سيال عارما، جـرف فغري اهللا

أشجارهم وحدائقهم وأمواهلم، وبدلوا بعد ذلك بأشجار مـرة أو ذات شوك، وأشجار ال مثار هلا، وكان خري األشجار اليت أعطوها

ذلك جزيناهم بما كفروا : ومثره يسري، قال تعاىل) شجر السدر( ].١٧: سبأ[ ا الكفوروهل نجازي إل

اللـهم «: يستعيذ من زوال النعمة يف دعائه وقد كان النيب

، )٥١٤٥(، وأبو يعلى )٣٩) (٢٧٩٨(، ومسلم )١٠٠٧( أخرجه البخاري (١)، وابن حبان )٣٢٥٤(، والترمذي )٤٢٠٦(، وأمحد ٢١/١٥والطربي يف تفسريه

، والبغوي )٣٦٩(، وأبو نعيم يف الدالئل )٩٠٤٨(، والطرباين يف الكبري )٦٥٨٥( .، من حديث ابن مسعود٧/٢٢٩يف التفسري

٤٣مبالشكر تدوم النع

إين أعوذ بك من زوال نعمتك، وحتول عافيتك، وفجأة نقمتك، .)١(»ومجيع سخطك

:من صور الكفرانإن أعظم الشكر هللا سبحانه هو توحيده وعبادتـه : الشرك -١

أوجد من العـدم، ورزق وحده ال شريك له، ألنه هو الذي خلق واإلنسان أرزاقا كثرية، ومل يشاركه يف ذلك أحد، فال يستحق أحد العبادة معه، ولكن أكثر الناس كما قال تعاىل أعرضوا عـن هـذه

.احلقيقة، وجعلوا له أندادانسبتهم ما حيصل هلـم مـن : فمن الشرك الذي يقع من العباد

بـاب : هللا يف صحيحهاألرزاق إىل املخلوقني، قال البخاري رمحه ا: الواقعـة [ وتجعلون رزقكم أنكم تكـذبون : قول اهللا تعاىل

.شكركم: ، قال ابن عباس]٨٢لوال الطبيب ملات ابين، لـوال الـبط أو : ومن هذا قول الناس

الكلب لسرق اللصوص الدار، وما شابه ذلك من نسـبة الفضـل .)٢(والنعمة لغري اهللا تعاىل

وهو الذي ال يشكر النعم، وقد ذمه اهللا سـبحانه : الكنود -٢، قـال ]٦: العاديات[ إن الإنسان لربه لكنود: يف كتابه، فقال

.هو الذي يعد املصائب وينسى النعم: احلسن

، ٥/١٦٨، والبغوي يف شرح السنة )١٥٥٠(، وأبو داود )٢٧٣٩(أخرجه مسلم (١) .١/٥٣١واحلاكم

.النهج األمسى (٢)

مبالشكر تدوم النع ٤٤

: أن النساء أكثر أهل النار هبذا السبب، فقال وقد أخرب النيب ما : هر، مث رأت منك شيئا، قالتولو أحسنت إىل إحداهن الد«

، فإذا كان هذا بترك شكر نعمة الـزوج )١(»رأيت منك خريا قط وهي يف احلقيقة من اهللا، فكيف من ترك شكر نعمة اهللا؟

إن مـن اآلفـات : ملل العبد النعمة وطلب االنتقال منها -٣، أن يكون العبد يف نعمة أنعم اهللا هبا عليه واختارها له: اخلفية العامة

فيملها العبد، ويطلب االنتقال منها إىل ما يزعم جلهله أنه خري لـه منها، وربه برمحته ال خيرجه من تلك النعمة، ويعذره جبهله وسـوء اختياره لنفسه، حىت إذا ضاق ذرعا بتلك النعمة وسخطها، وتربك منها، واستحكم ملله هلا سلبه اهللا إياها، فإذا انتقل إىل مـا طلبـه،

اوت بني ما كان فيه وما صار إليه، اشتد قلقـه وندمـه ورأى التفوطلب العودة إىل ما كان فيه، فإذا أراد اهللا بعبده خـريا ورشـدا أشهده أن ما هو فيه نعمة من نعمه عليه ورضاه وأوزعـه شـكره عليه، فإذا حدثته نفسه باالنتقال عنه استخار ربه استخارة جاهـل

طالب منه حسن اختياره له، مبصلحته، عاجز عنها، مفوض إىل اهللاوليس على العبد أضر من ملله لنعم اهللا، فإنه ال يراهـا نعمـة وال يشكره عليها وال يفرح هبا، بل يسخطها ويشكوها ويعدها مصيبة، وال يفرح هبا، بل يسخطها ويشكوها ويعدها مصيبة، وهذا وهـي

وال من أعظم نعم اهللا عليه، فأكثر الناس أعداء نعـم اهللا علـيهم يشعرون بفتح اهللا عليهم، نعمه وهم جمتهدون يف دفعهـا وردهـا

، والطرباين )٢٦٠٢(، والترمذي ١/٢٣٤، وأمحد )٩٤) (٢٧٣٧(أخرجه مسلم (١)

.من حديث ابن عباس) ١٢٧٦٧(يف الكبري

٤٥مبالشكر تدوم النع

جهال وظلما، فكم سعت إىل أحدهم نعمة وهو ساع على ردهـا جبهده، وكم وصلت إليه وهو ساع يف دفعهـا وزواهلـا بظلمـه

سنستدرجهم من حيـث لـا يعلمـون : وجهله، قال تعاىل ].١٨٢: األعراف[

عن سـفيان يف : ال النعمة يف معصية اهللا عز وجلاستعم -٤ سنســتدرجهم مــن حيــث لــا يعلمــون: قولــه تعــاىل

.يسبغ عليهم النعم، ومينعهم من الشكر: ، قال]١٨٢: األعراف[ .كلما أحدثوا ذنبا أحدث اهللا هلم نعمة: وقال غريه

اهللا بالعباد ذلك مكر: وسئل ثابت البناين عن االستدراج، فقالإن العبد إذا كانت له عنـد اهللا : وقال يونس يف تفسريها. املضيعني

منزلة، فحفظها وبقي عليها، مث شكر اهللا مبا أعطاه، أعطاه أشـرف منها، وإذا هو ضيع الشكر استدرجه اهللا، وكان تضـييعه الشـكر

.استدراجاظـم عين من الدنيا أع )١(نعمة اهللا فيما زوي : وقال أبو حازم

من نعمته فيما أعطاين منها، إين رأيته أعطاها أقواما فهلكوا، وكل نعمة ال تقرب من اهللا فهي بلية، وإذا رأيت اهللا يتابع عليك نعمـه

.وأنت تعصيه فاحذره :أسباب كفر النعم

إن اخللق مل يقصروا عن شـكر النعمـة إال للجهـل - ١

.حجب ومنع: أي (١)

مبالشكر تدوم النع ٤٦

.والغفلة، فإهنم منعوا بذلك عن معرفة النعم

رفوا نعمه ظنوا أن الشـكر عليهـا أن يقـول مث إن ع - ٢ .، هذا شكر باللسان فقط)احلمد هللا، والشكر هللا: (أحدهم بلسانه

:وأما الغفلة عن النعم فلها أسبابأن الناس جلهلهم ال يعدون ما يعم اخللق نفعه يف مجيع : أحدها

أحواهلم نعمة، فلذلك ال يشكرون، فال تراهم يشكرون اهللا علـى .اخل..... لشمس و اهلواء، واإذا ابتلي أحدهم بنقمة مث جنا، قدر نعمة اهللا عليه بشـكر : ثانيا

اهللا عليها، وهذا غاية اجلهل، إذ صار شكرهم موقوفـا علـى أن تسلب عنهم النعمة، مث ترد إليهم، فال نرى البصري يشكر صـحة

.البصر إال أن يعمىنعـم اهللا خيطئ الكثري من الناس وحيصرون نظـرهتم إىل : ثالثا

عليهم بدخلهم الشهري أو السنوي من دراهم، أو ما شابه ذلـك، وينسون باقي النعم اليت ذكرنا بعضها واليت ال يعادهلا ماليني املاليني

.)١(من املال فكل ما خلق فهو نعمة، ودليل على : يقول ابن تيمية رمحه اهللا

.قدرته وعلى حكمتهواملشـارب واملسـاكن لكن نعمة الرزق، واالنتفاع باملآكل

واملالبس ظاهرة لكل أحد، فلهذا يستدل هبا، كما يف سورة النحل،

.زاد على الطريق (١)

٤٧مبالشكر تدوم النع

.)١(وتسمى سورة النعم، كما قال قتادة وغريه ومما الشك فيه أن اإلنسان إذا أمعن النظر رأى من نعم اهللا نعما كثرية ال يشاركه فيها عموم الناس، ومنها ما يشاركه يف ذلك كثري

العقل، فما من عبد إال وهو راض عن اهللا سبحانه : منها، من ذلكيف عقله، يعتقد أنه أعقل الناس، وإن كان ذلك اعتقاده فحسـب،

.فيجب عليه أن يشكر اهللاومن ذلك اخللق احلسن، فإنه ما من عبد إال ويـرى يف غـريه عيوبا يكرهها، وأخالقا يذمها، ويرى نفسه بريئا منها، فينبغـي أن

: أحسن خلقه وابتلى غريه، قال رسـول اهللا يشكر اهللا، حيثاحلمد هللا الذي عافاين مما ابـتالك : من رأى رجال به بالء، فقال«

به، وفضلين على كثري ممن خلق تفضيال، إال كان شـكر تلـك انظروا إىل من هو أسفل منكم، وال تنظـروا «: ، وقال)٢(»النعمة

، ويف )٣(» عليكمإىل من فوقكم، فإنك أجدر أال تزدروا نعمة اهللامن أصبح آمنا يف سربه، معاىف يف بدنـه، عنـده «: حديث آخر

.)٤(»قوت يومه، فكأمنا حيزت له الدنيا حبذافريها فما عالج القلوب الغافلة عن شكر نعم اهللا تعاىل؟: فإن قيل

).٧٣(احلسنة والسيئة ـ ابن تيمية ـ (١)واحلديث أخرجه الترمذي ) ٣٤(ة الشكر على نعمته ـ اخلرائطي ـ فضيل (٢)

).٦٢٤٨(، وحسنه األلباين يف صحيح اجلامع )٣٤٣٢( .١٥تقدم خترجيه يف الصفحة (٣)، والبخاري )٤٣٩(، واحلميدي )٣٣٤٩(، وابن ماجة )٣٢٤٧(أخرجه الترمذي (٤)

.اريمن حديث عبيد اهللا بن حمصن األنص) ٣٠٠(يف األدب املفرد

مبالشكر تدوم النع ٤٨

أما القلوب املبصرة، فتتأمل ما رمز إليه من أصـناف : فاجلوابوب البليدة اليت ال تعد النعمة نعمـة إال نعم اهللا عز وجل، وأما القل

:إذا نزل هبا البالء، فسبيل صاحبهاأن ينظر أبدا إىل من دونه، ويفعل ما كان يفعله بعض - ١

القدماء، فإن كان حيضر دار املرضى ليشاهد أنواع البالء علـيهم، مث يتأمل صحته وسالمته، ويشاهد اجلناة الذين يقتلـون، وتقطـع

عذبون، فيشكر اهللا على سـالمته مـن تلـك أيديهم وأرجلهم ويالعقوبات، وحيضر املقابر، فيعلم أن أحب األشـياء إىل املـوتى أن يردوا إىل الدنيا، ليتدارك من عصى عصيانه، وليزيد يف الطاعة مـن أطاع، فإن يوم القيامة يوم التغابن، فإذا شاهد املقابر، وعلم أحب

اعة اهللا تعاىل وشـكره يف األشياء إليهم، فليصرف بقية عمره يف ط .اإلمهال، بأن يصرف العمر إىل ما خلق ألجله، وهو التزود لآلخرة

ومما ينبغي أن يعاجل به أن يعرف أن النعمة إذا مل تشكر - ٢عليكم مبداومة الشـكر : زالت، كان الفضيل رمحه اهللا تعاىل يقول

.)١(على النعم، فقل نعمة زالت عن قوم فعادت إليهم :نال إال بتوفيق اهللاشكرها ال ي

أن تعلم أن النعم كلها من اهللا وحده، نعم الطاعـات ونعـم امللذات، فترغب إليه أن يلهمك ذكرها ويوزعـك شـكرها، ألن شكرها ال ينال إال بتوفيقه، والذنوب من خذالنه، وختليه عن عبده وختليته بينه وبني نفسه، وإن مل يكشف ذلك على عبده فال سبيل له

).٤٣١ – ٤٢٥(خمتصر منهاج القاصدين ـ ابن قدامة املقدسي ـ (١)

٤٩مبالشكر تدوم النع

ه عن نفسه، فإذا هو مضطر إىل التضرع واالبتهال إليه أن إىل كشفيدفع عنه أسباهبا حىت ال تصدر منه، وإذا وقعت مبقتضى البشـرية فهو مضطر إىل التضرع والدعاء أن يدفع عنه موجباهتا وعقوباهتـا، فال ينفك العبد عن ضرورته إىل هذه األصول الثالثة، وال فالح له

.والتوبة النصوح إال بالشكر وطلب العافيةوإن مدار ذلك على الرغبة والرهبة، وليس بيد العبد، بل بيـد مقلب القلوب ومصرفها كيف يشاء، فإن وفق عبده أقبل بقلبه إليه ومأله رغبة ورهبة، وإن خذله تركه ونفسه ومل يأخذ بقلبه إليه ومل

.يسأله ذلك، وما شاء كان، وما مل يشأ مل يكن واخلذالن سبب أم مها مبجرد املشيئة؟ هل التوفيق: فإن قيلإن التوفيق واخلذالن سببهما أهلية احملل، فإذا كـان : فاجلواب

احملل قابال للنعمة حبيث يعرفها ويعرف قدرها ويشكر املـنعم هبـا ويثين عليه، ويعلم أهنا من عني اجلود واملنة من غري أن لكون هـو

.مستحقا هلاصدقته وفضله وإحسانه، وإن وعلم إن أدامها عليه فذلك حمض

سلبه إياها فهو أهل لذلك مستحق له، وكلما زاد من نعمـة ازداد ذال وانكسارا وخضوعا بني يديه، وقياما بشـكره، وخشـية لـه سبحانه أن يسلبه إياها لعدم توفيقه لشكرها، كما سـلب نعمتـه

ا وكذلك فتن: عمن مل يعرفها ومل يرعها حق رعايتها، قال تعاىلبعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس اللـه

، وهم الذين عرفوا قدر نعمة اهللا ]٥٣: األنعام[ بأعلم بالشاكرين

مبالشكر تدوم النع ٥٠

.وقبلوها وأحبوها وأثنوا على املنعم هبا، وأحبوه وقاموا بشكرهالحية احملل وقبوله للنعمة حبيث لو وافته وسبب اخلذالن عدم ص

هذا يل وإمنا أوتيته ألين أهل له وأستحقه، كمـا قـال : النعم لقال: ، أي]٧٨: القصص[ قال إنما أوتيته على علم عندي: تعاىل

.على علم علمه اهللا عندي أستحق به ذلك من امللك وذكر عن سليمان بن داود عليهما السالم فيما أويت

هذا من فضـل ربـي ليبلـوني أأشـكر أم أكفـر : مث قال: هذا من كراميت، مث ذكر قارون وقولـه : ، ومل يقل]٤٠: النمل[إنما أوتيته على علم عندي ]أن سليمان : ، يعين]٧٨: القصص

ومنته وأنه ابتلـي بـه عليه السالم رأى ما أوتيه من فضل اهللا عليهفشكر اهللا، وقارون رأى ذلك من نفسه واستحقاقه، وكذلك قوله

ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هـذا : تعاىلأنا أهل له وحقيق به، فاختصاصي بـه : ، أي]٥٠: فصلت[ لي

يرى ذلك ملكا لربه وفضال منه كاختصاص املالك مبلكه، واملؤمن .من به على عبده من غري استحقاق منه

فإذا مل يشهد ذلك رأى أنه أهل ومستحق هلا، فأعجبته نفسـه وطغت بالنعمة وعلت هبا واستطالت على غريها، فكان حظها منها

ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ثم: الفرح والفخر، كما قال تعاىلولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته * نزعناها منه إنه ليئوس كفور

، ]١٠ - ٩: هود[ ليقولن ذهب السيئات عني إنه لفرح فخورفذمه باليأس والكفر عند االمتحان بالبالء، وبالفرح والفخر عنـد

٥١مبالشكر تدوم النع

ء بالنعماء، واستبدل حبمد اهللا وشكره والثناء عليه إذا كشف االبتالأذهب اهللا : (، ولو أنه قالذهب السيئات عني: عنه البالء قوله

ملا ذم على ذلك، بل كان حممودا عليـه ) السيئات عين برمحته ومنهولكنه غفل عن املنعم بكشفها، ونسب الـذهاب إليهـا وفـرح

اهللا سبحانه هذا من قلب عبد فذلك من أعظـم وافتخر، فإذا علمأسباب خذالنه وختليه عنه، فإن حمله ال تناسبه النعمة املطلقة التامة،

إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لـا : كما قال تعاىلعهم ولو أسمعهم لتولوا ولو علم الله فيهم خيرا لأسم* يعقلون

، فأخرب سبحانه أن حملـهم ]٢٣ - ٢٢: األنفال[ وهم معرضونغري قابل لنعمه ومع عدم القبول ففيهم مانع آخر مينع وصوهلا إليهم

ومما ينبغي أن يعلـم . وهو توليهم وإعراضهم إذا عرفوها وحتققوهاعلى ما خلقت عليه يف األصـل أن أسباب اخلذالن من بقاء النفس

وإمهاهلا وختليتها، فأسباب اخلذالن منها وفيها، وأسباب التوفيق من جعل اهللا سبحانه هلا قابلية للنعمة، فأسباب التوفيق منه ومن فضله وهو اخلالق هلذه وهذه، كما خلق أجزاء األرض هذه قابلة للنبات

لـذكره وشـكره وهذه غري قابلة له، وخلق األرواح الطيبة قابلةوحمبته وإجالله وتعظيمه وتوحيده ونصيحة عباده، وخلـق األرواح

.اخلبيثة غري قابلة لذلك بل لضده، وهو احلكيم العليم :ةـــوقف

جيب أن نعلم أن اهللا تعاىل ال يزداد ملكه شيء بشكر الناس له ونسبتهم الفضل إليه، كما أنه ال يتضرر بكفـرهم، ألنـه الغـين

نه تبارك وتعاىل حيب أن حيمد ويشكر ويرضى عـن احلميد، ولك

مبالشكر تدوم النع ٥٢

العبد بذلك، ويكره أن يكفر به وبنعمته ويسخط على العبد بذلك، إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضـى لعبـاده : قال تعاىل

].٧: الزمر[ الكفر وإن تشكروا يرضه لكمد واملنتفع بالشكر هو اإلنسان نفسه، كما أنه هـو بل املستفي

قال هذا من : املتضرر بالكفر، قال تعاىل عن سليمان عليه السالمفضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه

].٤٠: النمل[ ومن كفر فإن ربي غني كرميوآخر دعوانا أن احلمد هللا رب العاملني، والصالة والسالم على

.نبينا حممد وعلى آله وصحبه أمجعني

* * *

٥٣مبالشكر تدوم النع

املراجع .احلسنة والسيئة، البن تيمية - ١ .عدة الصابرين وذخرية الشاكرين، ابن القيم - ٢

.مدارج السالكني، ابن القيم - ٣

.لغزايلتزكية النفوس، ابن رجب ـ ابن القيم ـ ا - ٤

.صيد اخلاطر، ابن اجلوزي - ٥

البن عباس، ابن نور االقتباس يف مشكاة وصية النيب - ٦ .رجب

.خمتصر منهاج القاصدين، ابن قدامة املقدسي - ٧

.التوضيح والبيان لشجرة اإلميان، السعدي - ٨

.الشرح املمتع لزاد املستقنع، حممد بن عثيمني - ٩

.اضالروضة الندية شرح العقيدة الواسطية، زيد بن في -١٠

.التذكرة يف شكر النعم، عبد العزيز اخلطايب -١١

.واحات اإلميان، عبد احلميد الباليل -١٢

.النهج األمسى، حممد النجدي -١٣

.زاد على الطريق، مصطفى مشهور -١٤

.فضيلة الشكر على نعمته، اخلرائطي -١٥

مبالشكر تدوم النع ٥٤

الفهرس

٥ ...................................................... املقدمة ٦ .............................................. ؟ما هو الشكر

٧ ............................................ :درجات الشكر ٨ ........................................... :الشاكر والشكور ١٠ .......................................... :الشكر يف القرآن

١٣ .......... :والصحابة وأحوال السلف مع الشكر حال النيب ١٦ ............................................. :الشكر والصرب ١٨ ............................................ :الشكر واحلمد

١٩ ........................................... :الشكر والتوحيد ٢٠ ......................................... :الشكر واالستغفار

٢١ ................................ :احلمد والتوحيد واالستغفار ٢٣ .............................................. :شهود النعمة

٢٤ ....................... :ام املخلوقالفرق بني إنعام اخلالق وإنع ٢٤ ................................................ :شكر النعم

٢٨ .............................................. :الثرثرة بالنعم

٥٥مبالشكر تدوم النع

٣٨ ............................................. :سجود الشكر ٤١ ................................................. :كفر النعم

٤٣ .......................................... النعم صور كفران ٤٥ ......................................... :أسباب كفر النعم

٤٨ ...................................... :ال ينال إال بتوفيق اهللا ٥١ ............................................... :وقفـــة

٥٣ .................................................... املراجع ٥٤ .................................................... الفهرس

* * *