كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

207
ح ل صا ظ ف حا ى عل ور خ ص.. ق ي ر ط ل ا1

Upload: bara-sipahi

Post on 31-Jul-2015

251 views

Category:

Documents


14 download

TRANSCRIPT

Page 1: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

حافظ صالح

صخورعلىالطريق..

ه1325 م – 2004

1

Page 2: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

الفهرس

2........................................................الفهرس

مقدمةالناشر ...........................................................

...................3

4...........................................الوصول إلى الحكم

13........................................عودة اإلسالم للحياة

19........................................................الهدف

30........................................البحث في الطريقة

33.............................إصالح الفرد وإصالح المجتمع

42.......................................................الثورات

45...............................................الكيان الفكري

51....................................نظرية العصيان المدني

54..................العصيان المدني ومايتطلبه من أعمال

67................................................ممالة الحاكم

71......................................مرحلة الترف الفكري

73.............................................الطرق الصوفية

40............................................األكثرية الصامتة

41.............................................الدعوة السلفية

42.................................................صحوة بطيئة

43......................................................التصوف

44.........................................................خاتمة

الناشر مقدمة

2

Page 3: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

والسالم , والصالة مسلمين فخلقنا االسالم بميزة خصنا الذي لله الحمدوللناس لنا الهداية نبي وسلم عليه الله صلى محمد الله خلق اشرف على

اجمعين .

رحمه " " صالح حافظ لالستاذ الطريق على صخور كتاب أيدينا فبينوما , عليه تكون ان يجب وما االسالم الى الدعوة غور سابرا فيه يبحر الله

حملتها . عليه يكون ان يجب

من , عز فقال شرعه وفق أعمالنا @ر نسي ان وأمرنا خلقنا سبحانه فاللهقال " ) ليعبدون اال والجن االنس خلقت وما وما خلقت الجن ابن عباس قائل

به( ( : إال ليقروا بالعبودة طوعا وكرها .واإلنس إال ليعبدون أمر ما يأتوا وانحياته . يسير أن مسلم كل على لزاما كان هنا ومن عنه نهى عما وينتهوا

وسلم , " عليه الله صلى الله رسول قال الله شرع NهM: وفق MمN عOن Mك Nت OهOي )مOا ن

NنQم OنN RذQي OهNلOَكO ال RمOا أ Qن ؛ فOِإ NمM OطOعNت ت Nا اسOم MهN Mوا مQن Nت QهQ فأ MمN ب Mك ت NرOمO MوُهM وOمOا أ Qب Oن ت NاجOف

( رواُه البخاري ومسلم . NمQهQ Oائ Qي Nب نO QالفMهMمN عOلOى أ QهQمN وOاخNت Qل ائ OسOم Mة OرN Oْث MمN ك Qك Nل قOب

وكما الحياة فكذاك حمل الدعوة لدين الله , فال يكفيني محبتي لله ولرسوله ولدينه ألكون على جادة الصواب في الدعوة الى دين الله

وتحكيم شرع الله , بل ال بد من علم باالحكام الشرعية المتعلقة بطريق السير الى الهدف واالحكام الشرعية الشارحة والموضحة للهدف , فالله

سبحانه يقول " ما فرطنا في الكتاب من شيء .

اتبعني " ومن أنا بصيرة على الله إلى أدعو سبيلي هذه قل

وما الله من وسبحان في .108يوسف المشركين " أنا الطبري يقول" " " : للناس : NلMق وسلم عليه الله صلى محمد لنبيه تعالى يقول اآلية تفسير, , , : الله " إلى الموصلة السبيل وهي إليها أدعوا التي طريقي أي QيلQي ب Oس QُهQذOه

, , , الدين وإخالص وإيْثارُه به والعمل بالحق للعلم المتضمنة كرامته دار وإلى , : " " . على والعباد الخلق أحث أي QهR الل QلOى إ OدNعMو أ له شريَك ال وحدُه لله

, . , , هذا ومع عنه يبعدهم مما وأرهبهم ذلَك في وأرغبهم ربهم إلى الوصول, , : , امتراء " " وال شَك غير من ويقين علم على أي ديني من jة OيرQصO ب عOلOى فأنا

, , " " " " . بصيرة على أدعو كما الله إلى يدعو Qي OعOن Rب ات QنOمOو كذلَك Oا Oن أ مرية وال , , " " . ينافي أو بجالله يليق ال مما إليه ينسب عما QهR الل OانOحN ب MسOو أمرُه من

, , له. " " مخلصا الله أعبد بل أموري جميع في OينQكQر NشMمN ال OنQم Oا Oن أ وOمOا كمالهالدين .

فألزمهم , دعوته حمل يريد من به وأمر نبيه به الله أمر أساس فالبصيرةيتبعهم من يمكنوا ان وأمرهم بصيرة على ودعوتهم أعمالهم تكون ان

ان , الدعوة لحامل بد فال عندهم التي البصيرة من الدعوة معهم ويحملفال , هدف ومن طريقة ومن عمل من عليه هو ما يتبعه ولمن للناس يبين

3

Page 4: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

ودليل بينة عن قناعة بل الداعية لشخص انقياد الدعوة حملة عند يكونوللهدف . للطريقة

اتبعني " ومن أنا بصيرة على الله إلى أدعو سبيلي هذه قلوما الله من وسبحان المشركين "أنا

وان الله رحمه استاذنا حسنات ميزان في العمل هذا يجعل ان نسأل واللهبه . ينفع

4

Page 5: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

الوصــول إلى الحكــم

ن يأخذ أحتى يوجد اإلسالم في واقع الحياة فال بد دوره الطبيعي بأن يكون الشارع حاكما[ على كل أفعال العباد من خالل سيادته في كافة العالقــات الــتي تنظم حيــاة النــاس باإلضــافة إلى وجــوب إقامــة الحجــة على

الناس به.

أما سيادة الشرع في كافة العالقــات الــتي تنظم حيــاة فالله سبحانه و تعالى نظم حياة النــاس بنظــام، الناس

ــا[ وّ، لم يترك شاردة وال واردة إال و بيقدقي ن لهــا حكم لذلك فهو يصف كتابه العزيز تبيانا[ لكــل شــيء ويقــول ))اليـــــوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمـــــتي

(٣ورضيت لكم اإلسالم دينا[(( )المائدة:

واليقال هنا أن الدين المراد به هو ما يتعلق بالعبادات أي ما يتعلق بعالقة الفرد بخالقه، فعالقة

التعبد باالسالم أشمل وأوسع من ذلك فقد شمل ذلك كل عمل يقوم به اإلنسان في الحياة قال الله-تعالى-:

(18))مايلفظ من قول إال لديه رقيب عتيد(( )ق: فالكلمة و هي أبسط عمل يقوم به الفرد تدخل الناس

الجنة و تردي بصاحبها في جهنم، بل قال الله تعالى أكثر من ذلك: ))ولله مافي السماوات وما في األرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله

فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء (، وقال-تبارك وتعالى-: ))كل284قدير(( البقرة:

( ، فمن حديث38نفس بما كسبت رهينة(( )المدثر: النفس إلى الجهاد المؤدي إلى الشهادة في سبيل الله

ا بالعبادات والمأكل والمشرب والمسكن[مرور والملبس والزواج و الطالق و المواريث و العقود

كالشركة و الوكالة و البيع و الشراء و رعاية الناس وتأمين المرافق لهم و تأمير أحدهم عليهم و تنفيذ ما جاء من أحكام في رعايتهم وتنظيم عالقتهم بغيرهم

من رعاية أهل ذمتهم أو الوفاء لمعاهديهم أو قتال

5

Page 6: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

أعدائهم و االنتصار عليهم و إقامة شرع الله فيهم أو الشهادة في سبيل الله وعليه: فالشارع هو الحاكم

ا أي بإباحتها أو على هذه األفعال اقتضاء[ أو تخيير[وجوبها أوحرمتها أو ندبها أوكراهتها .

باختصار قد قام اإلسالم بإيجاد أفكار تنظم حيــاة الفــرد في عقيدتــه وعبادتــه و معاملتــه، وأفكــار تنظمــاة حياة المجتمع بوضع أهداف عليا للمجتمع لحفــظ حي النــاس وحفــظ اســتمرارية وجــودهم وحفــظ أنســابهم وحفــظ كرامــاتهم وحفــظ عقــولهم و حفــط أمــوالهم

وقيـــامهمم،وحفـــظ أمنهم وحفـــظ مجتمعهم ودولته على نشر دينهم ليكونوا -بحق- شهداء على الناس كمــا

شــهيدا[ عليهم)صلى الله عليه وســلم( كان رسول الله ــذلوها ــوالهم يب وأنه سبحانه اشترى منهم أنفسهم وأم

في سبيل تبليغ ما أراد ليكافئهم بالجنة، قال تعالى:

م{ } ال�ه~ و� م{أ� م{ و� ه~ س� ن�ين� أ�نف~ م� ؤ{ ل{م~ ى� م�ن� ت�ر� ش{ لل�ه� ٱإ�ن� ٱ ٱ

ون� ت~لــ~ ي�ق{ ه� ف� للــ� ب�يل� ات�ل~ون� ف�ي ســ� ة� ي~قــ� نــ� ل{ج� م~ أ�ن� ل�ه~ ٱبــ� ٱ

آن� ر{ ل{قــ~ ــل� و� ي إل�ن{ج� اة� و� ر� لت�و{ ّقا[ ف�ي [ ع�ل�ي{ه� ح� ت�ل~ون� و�ع{دا ي~ق{ ٱو� ٱ ٱذ�ي ــ� ل { ب�ب�ي{ع�ك~م~ وا ر~ ــ� ت�ب{ش س{ ه� ف� ــ� لل د�ه� م�ن� ــ{ و{ف�ى� ب�ع�ه

ٱو�م�ن{ أ� ٱ ٱ

ل{ع�ظ�يم~ ُز~ و{ ل{ف� و� ذ�ل�ك� ه~ ٱب�اي�ع{ت~م{ ب�ه� و� (١١١ { )التوبة: ٱ

ــات فقد حدد لهم طريقة تنفيذ هذه األفكار بكيفي محددة، وبهذه الكيفية وجد اإلســالم في واقــع الحيــاة. وبهذه الكيفية تستأنف تلك الحياة التي أوجدها رســول الله)صلى الله عليه وســلم( وعــاش عليهــا المســلمون

ثالثة عشر قرن[ا ونيف.

ومن المالحظ هنا أنه ال يمكن مطلقا[ تطبيق هــذه األحكـــام للوصـــول إلى اســـتئناف الحيـــاة اإلســـالمية وتحقيــق أهــدافها إال إذا كــان هــذا التطــبيق من نفس منبع هذه األحكــام؛ إذ إن هــذه األحكــام نفســها حــددت

ــلمون رجل ب المس ــّ ــأن ينص ــا ب ــة تطبيقه ا منهم[طريق

6

Page 7: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

ــة عنهم كمــا فعــل المســلمون يمــارس الســلطان نيابعندما نصبوا أبا بكر خليفة عليهم.

ــالمية ــاة االس ــتئناف للحي ــه فال اس ــولإالوعلي بالوصللحكم ليقوم على:

رعاية شؤونهم.•

إقامة حدود الله .•

حماية الثغور.•

حمل الدعوة للعالم. •

إن اإلسالم قد حدد واجبات األمة وصالحيات هذا النائبــرد في عن األمة ومسؤولياته، كما حدد مسؤولية كل ف األمة لمحاسبة هذا الحاكم والوقوف على حراســة هــذا الدين وحسن تطبيقه، ويعلم هذا النائب أنه سيحاســب على كل عمل يقوم بــه في هــذا المجــال كمــا يحاســب

على العبادات و تنطبق عليه اآلية

)فمن يعمل مثقال ذرة خــيرا يــره* ومن يعمــل مثقــال ( وهو أثقل الناس حمال[، و8-7ذرة شرا[ يره( )الزلزلة:

ــالذا قال رسول الله ــة : ي ﴿ ألبي ذر حين طلب الوالي أبا ذر إنك ضعيف ... وإنها أمانة .. وإنهــا يــوم القيامــة خزي وندامة .. إال من أخذها بحقها .. وأدى الذي عليــه

لــذلك وجب أن يكــون من يختــاره المســلمون1 ﴾فيهــا نائبا[ عنهم رجال[ ورعا[ قويا[ قائد[ا يستطيع تحمــل أعبــاء هـــذا األمـــر، ولكي تشـــاركه األمـــة هـــذه المســـؤولية الجسيمة فرض نظامه سبحانه على عباده قــال رســول

[ه )صـــــــلى اللـــــــه عليـــــــه وســـــــلم( : اللـــــــ ،رعيتـــــــــــــــــه عن ومســـــــــــــــــؤول راع ملكك

 أهله في راع والرجل ، رعيته عن ومسؤول راع اإلمام ، والمــرأة راعيــة في بيت ُزوجهــا رعيتــه عن ومسؤول

ومســؤولة عن رعيتهــا ، والخــادم راع في مــال ســيده

1 : رقم الجامع، صحيح في األلباني .7823أوردُه : صحيح حكمه ،

7

Page 8: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

ــه ]ومسؤول عن رعيته ، وكلكم راع ومسؤول عن رعيت1

لــذا قــال لهم أبــو بكــر لمــا تــولى الخالفــة: "2."ورسوله الله أطعت ما أطيعوني

األساس الفكري:

نحمد الله الذي خص بني البشر بميزة العقل الذيلنا بــه على نحكّمه في جميع اختياراتنــا ألفعالنــا، وفضــّ خلقه وجعله مناط تكليفنا وخيّرنا باستعمال هذا العقل سبيالّ للنهضة إن اهتدى إلى الصواب أو أداة لالنحطاط إن ضــل باتبــاع الخطــأ، وبإعمــال هــذا العقــل اهتــدى اإلنسان ألن يجــزم بــأن لهــذا الكــون خالقــا[ أوجــده من عدم وأنه يدبّر مخلوقاته غير المختــارة بنظــام محكم ال تتخلف عنــه أبــد[ا وإدركنــا أننــا نحن المخــيرون بعقولنــا أحوج للنظام. فكان من رحمته بنا أن أرسل لنا رسال[ ختمهم بسيدنا محمــد -عليــه الصــالة والســالم- وبلغنــا أفكار الحق لتكون أساس كل فكر عن الكون واإلنسـانــون والحياة وأركان هذا الفكر األساس -البد -من أن يكــا صدقها جاُزما[ يقينيا[ مطابقا[ للصواب فصــدقت عقولن وانعقدت عليها قلوبنا وصدقها الواقع فكــانت عقيــدتناــله مبنية على أركان اإليمان بالله و مالئكته وكتبه ورس واليوم اآلخر وبالقدر خـيره وشـره. واخترنـا أن نطيـع

وطلب منا اإليمان، الله إذ طلب أن نؤمن بهذه العقيدة بوحدانيته وربوبيته وتفرده باأللوهية وبجميع الصــفات

التي تقتضيها واألسماء التي ذكرها القرآن الكريم.

ــرآن وطلب منا اإليمان بالمالئكة وقد ذكر ذلك في الق الكريم بما يزيــد عن ســبعين آيــة. وبيّن أعمــال البعض

رقم 1 ، الترغيب صحيح في األلباني صحيح : 1967أوردُه حكمه ،رقم : 2 ، والنهاية البداية في كْثير ابن صحيح : 305/6أوردُه حكمه ،

8

Page 9: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

منهم، وأنهم ال يعصــون اللــه مــا أمــرهم ويفعلــون مــايؤمرون .

و طلب منـــا اإليمـــان بـــالكتب المنزلـــة وهي التـــوراة واإلنجيل والزبور والقــرآن ومــا أنــزل اللــه من صــحف على بعض النبيين جملة. كما أكد على اإليمان بمــا ورد في القرآن الكريم سواء مما يقع تحت الحس أو مما ال

يقع عليه الحس :

وطلب منا اإليمان بيوم القيامة والجنة ونعيمها وجهنموجحيمها،فقال –تعالى-:

ر�يقــا[} ون� ف� ر�جــ~ ت~خ{ ك~م{ و� ســ� �ن{ف~ ون� أ ــ~ ت~ل ء� ت�ق{ ؤ~ ــ� ـ �ن{ت~م{ ه� لث~م� أإ�ن ال{ع~د{و�ان� و� إل�ث{م� و� م{ ب� ون� ع�ل�ي{ه� ر~ ن{ك~م{ م�ن د�ي�ار�ه�م{ ت�ظ�اه� ٱم�

م{ ه~ اج~ ر� م� ع�ل�ي{ك~م{ إ�خــ{ ر� حــ� و� م~ اد~وه~م{ و�هــ~ ى� ت~فــ� ار� ي�أت~وك~م{ أ~ســ�آء~ م�ن ز� ا جــ� مــ� ون� ب�ب�ع{ض� ف� ر~ ت�ك{ف~ ل{ك�ت�اب� و� ن~ون� ب�ب�ع{ض� ت~ؤ{م� ٱأ�ف�ة� ــ� ي�ام ل{ق� ي�و{م� لد�ن{ي�ا و� ي�اة� ل{ح� ي� ف�ي ز{ نك~م{ إ�ال� خ� ع�ل~ ذ�ل�ك� م� ٱي�ف{ ٱ ٱ

ون� لــ~ ا ت�ع{م� ل� ع�مــ� لل�ه~ ب�غ�افــ� ا لّع�ذ�اب� و�م� د� �ل�ى� أ�ش� د�ون� إ ٱي~ر� {ٱ.٨٥البقرة:

ــا اإليمـــان بالرســـل ابتـــداء من آدم -عليـــه وطلب منـ بخاتم األنبياء و المرسلين محمد -عليـه[السالم- وانتهاء

الصالة والسالم- سواء[ من ذكــر في القــرآن الكــريم أومن لم يذكر :

ن�ا ع�ل�ي{ك�} ص{ ن{ه~م م�ن ق�ص� ب{ل�ك� م� ال[ م�ن ق� س~ ل{ن�ا ر~ س� ر{د{ أ� ل�ق� و�

أ{ت�ي� ــ� ول� أ�ن ي ســ~ ا ك�ان� ل�ر� ص~ص{ ع�ل�ي{ك� و�م� م{ م�ن ل�م{ ن�ق{ ن{ه~ م� و�

ر� ســ� ق� و�خ� ل{ح� ي� ب� لل�ه� ق~ضــ� ر~ م{ـآء� أ� إ�ذ�ا ج� لل�ه� ف� ٱب�آي�ة� إ�ال� ب�إ�ذ{ن� ٱ ٱ

ب{ط�ل~ون� ل{م~ ن�ال�ك� ــق بينهم، قــال، ٧٨ {غافر: ٱه~ دون تفريــالى: } ه�تعـ ــ� بـ ه� م�ن ر� ــ{ �ل�يـ ز�ل� إ ــ{ ~نـ آ أ ــ� ول~ ب�مـ ــ~ سـ لر� ٱء�ام�ن�

ق~ ر� ل�ه� ال� ن~ف� س~ ك~ت~ب�ه� و�ر~ ئ�ك�ت�ه� و� م� ن~ون� ك~ل� آم�ن� ب�ٱلل�ه� و� ؤ{م� لو�ٱل{م~ا ب�نــ� ك� ر� انــ� ر� ا غ~ف{ أ�ط�ع{نــ� ع{ن�ا و� م� ال~وا{ س� ل�ه� و�ق� س~ د� م�ن ر� ب�ي{ن� أ�ح�

ير~ ل{م�ص� �ل�ي{ك� إ ــالة٢٨٥ { البقرة: ٱو� ، واإليمان بنبوة ورس محمد عليه الصالة والسالم وأنها ناسخة لجميع األديان

نها الدين الــذي ارتضــاه اللــه للنــاس منــذأالتي قبلها و

9

Page 10: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

بعثة محمد عليه الصالة والسالم وإلى يوم الدين، قالذ�ين�تعالى: } ــ� ل ف� ــ� ت�ل خ{ ا مــ� ال�م~ و� إل�ســ{ لل�ه� ند� لد�ين� ع� ٱإ�ن� ٱ ٱ ٱ ٱ

م{ و�م�ن [ ب�ي{ن�ه~ ل{ع�ل{م~ ب�غ{يا آء�ه~م~ ا ج� ل{ك�ت�اب� إ�ال� م�ن ب�ع{د� م� } ٱأ~وت~وا ٱ

اب� ســ� ل{ح� ر�يع~ لل�ه� ســ� إ�ن� لل�ه� ف� ر{ ب�آي�ات� ٱي�ك{ف~ ٱ { آل عمــران:ٱل�ن{، وقــال تعــالى } ١٩ ال�م� د�ينــا[ ف� إل�ســ{ ر� غ� غ�يــ{ ٱو�م�ن ي�ب{تــ�

ر�ين� اســ� ل{خ� ة� م�ن� ر� ــ� آلخ و� ف�ي ن{ه~ و�ه~ ب�ل� م� ٱي~ق{ ــران:ٱ آل عم٨٥

ما يبنى على األساس: ــل ــا العق ــنى عليه ــا[ يب ــان أساس ــذه األرك ــانت ه فك الطريقة المسيرة لسلوك اإلنسان بــأن يتخــذها قاعــدة لسلوكه وتصرفاته، تلك القاعــدة هي الحالل والحــرام، فال يقوم بعمل حــتى يعلم حكم اللــه فيــه فــإن أذن لــهــتي الشارع فعل و إال فال، وبهذا ينتفع بميزة العقل الــا[ بالســلوك خصه بها رب العالمين ليكون العقل متحكم

ــل } ــاكم القائ ــر الح ــق أوام ــه {إنوف الحكم إال لل ، فاللــه جعــل أول ركن أوجبــه على الفــرد٥٧األنعام:

ــه إال هو االنضمام لجماعة المسلمين بأن يشهد أن ال إل اللــه وأن محمــدا[ رســول اللــه وثنّى بواجبــات كالصــالة

والصيام و الزكاة والحج من استطاع إليه سبيال .

ــة ــ ــمام لجماع ــ ــركن األول - االنض ــ ــات ال ــ فمن موجب المسلمين – التي أجمع عليها المسلمون أنــه ال إيمــانــاقرار ــل. وب ــه بالعم ــالم لمن لم تتلبس جوارح وال إس اللسان بهذا الركن يعني التسليم حكما بجميــع مــا امــر الله به وطاعــة رســوله اللــه وتنفيــذ مــا طلب اللــه منــالقهم الجماعة القيام به من أعمال تنظم عالقاتهم بخــدر وفيما بينهم كجماعة وافراد ومع غيرهم وحصر مص هذا التنظيم بما جاء به االسالم فكما نظم االسالم بر الوالدين وصلة الرحم والحفــاظ على الجــار واإلتصــاف بالصــفات الحميــدة كالصــدق والوفــاء والخلــق الحســن فشرع االسالم امورا ال يصح اسالم من ال يعتــبر نفســه

مامورا بتطبيقها وهي :

ــة(• ــل في االرض خليفـ ــدين )اني جاعـ ــظ الـ حفـ فاالنسان اســتخلف في هــذه االرض ليقيم الحجــة ﴿على العالم بتنفيـذ حكم اللـه فيهم, قـال تعـالى

10

Page 11: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

د�اء� ع�ل�ى ه� وا شــ~ ط[ا ل�ت�ك~ونــ~ ة[ و�ســ� مــ�ع�ل{ن�اك~م{ أ~ ك�ذ�ل�ك� ج� و�

يد[ا ه� ول~ ع�ل�ي{ك~م{ شـ� سـ~ ون� الر� ي�كـ~ اس� و� وبقتـل)(﴾النـ� من بـــدل دينـــه﴿ المرتـــد, قـــال رســـول اللـــه

ــاقتلوه ــعوا لحكم1﴾ ف ــتى يخض ــار ح ــال الكف وقت اإلسـالم, أن يسـلموا أو أن يعطـوا الجزيـة عن يـد

ن~وا﴿وهم صاغرون قال الله تعالى ا ال�ذ�ين� آم� �ي�ه� ي�ا أيك~م{ د~وا ف� ــ� ل{ي�ج ار� و� ــ� ون�ك~م{ م�ن{ ال{ك~ف ــ~ ذ�ين� ي�ل ــ� ات�ل~وا ال ــ� ق

ين� ت�ق� ع� ال{م~ ه� مــ� وا أ�ن� اللــ� اع{ل�مــ~ ة[ و� ل{ظــ� وعشــرات()﴾غ� األيـــات الـــتي أوجبت القتـــال على المســـلمين لتحقيق هذه الغاية وهي بســط ســلطان اإلســالم على العالم أجمع.ولتحقيق هــذه الغايــة قــال اللــه

ه اشــترى من المؤمــنين أنفســهم﴿تعــالى ــّ إن الله وأموالهم بأن لهم الجنة يقــاتلون في ســبيل اللــّ فيقتلــون ويقتلــون وعــدا عليــه حقــا[ في التــوراةه ــّ ــده من الل ــرآن, ومن أوفى بعه ــل والق واإلنجي فاستبشــروا بــبيعكم الــذي بــايعتم بــه, وذلــك هــو

()﴾الفوُز العظيم

حفظ النفس وفي سبيل المحافظة على نفوس• الناس, على هذه النفس البشرية التي كرمها اللهــذه ــل, وبين ه ــل القات ــلمين قت أوجب على المس

ا﴿الجريمة حيث يقــول تعــالى ك� ك�ت�ب{نــ� ل� ذ�لــ� م�ن{ أ�جــ{

ر� ن�ف{س� ا ب�غ�يــ{ ســ[ ل� ن�ف{ تــ� �ن�ه~ م�ن{ ق� ائ�يل� أ ر� ع�ل�ى ب�ن�ي إ�س{ا ــ[ يع م� اس� ج� ــ� ل� الن ــ� ت ا ق� ــ� �ن�م ك�أ ض� ف� ر{

� اد� ف�ي األ{ و{ ف�ســ� أ�

د{ ــ� ل�ق ا و� ــ[ يع م� اس� ج� ــ� ا الن ــ� ي ا أ�ح{ ــ� �ن�م ك�أ ا ف� ــ� ي�اه و�م�ن{ أ�ح{ك� ــ� م{ ب�ع{د� ذ�ل ن{ه~ ا م� ل~ن�ا ب�ال{ب�ي�ن�ات� ث~م� إ�ن� ك�ث�ير[ س~ م{ ر~ اء�ت{ه~ ج�

ر�ف~ون� ض� ل�م~س{ ر{� )(﴾ف�ي األ{

ــة• حفظ االنساب فأوجب على المسلمين المحافظــرض عليهم ــابهم فف ــاس وأنس ــراض الن على أع إيقـــاع عقوبـــة ُزاجـــرة على من يمس أعـــراضــزاني ــرجم على الـ ــة الـ ــل عقوبـ ــرين فجعـ األخـ المحصن و مائة جلــدة على الــزاني األعــزب, قــال

ا﴿تعالى مــ� ن{ه~ د� م� احــ� ل� و� ل�د~وا كــ~ اج{ ان�ي ف� الز� ان�ي�ة~ و� الز�ه� إ�ن ة� ف�ي د�ين� اللــ� أ{فــ� ا ر� مــ� ذ{ك~م ب�ه� ل{د�ة� و�ال� ت�أ{خ~ ئ�ة� ج� م�ا م� ذ�اب�ه~ د{ عــ� ه� ل{ي�شــ{ ر� و� خ� ال{ي�و{م� اآل{ ن~ون� ب�الل�ه� و� ك~نت~م{ ت~ؤ{م�

رقمه : 1 ، البخاري صحيح في البخاري صحيح : 6922أوردُه حكمه ،

11

Page 12: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

ن�ين� م� ؤ{ ة� م�ن� ال{م~ وإمعانــا في الحفــاظ على)(﴾ط�ائ�ف� األعـــراض و كرامـــة هـــذا اإلنســـان أوجب على المسلمين تنفيذ عقوبـة الجلـد ثمـانين جلـدة على

والذين يرمون﴿من يقذف عرض امرؤ, قال تعالى المحصنات ثم لم يــأتوا بأربعــة شــهداء فاجلــدوهم ثمانين جلـدة وال تقبلـوا لهم شـهادة أبـدا وأولئـك

)(﴾هم الفاسقون

ــوالهم• ــة على ام ــرهم بالمحافظ ــال أم ــظ الم حفال�ك~م{﴿فقال تعالى و� م{

ن~وا ال ت�أ{ك~ل~وا أ� �م� ا ال�ذ�ين� آ �ي�ه� ي�ا أ

ن{ك~م{ اض� م� ر� ــ� ة[ ع�ن{ ت ار� ب�ي{ن�ك~م{ ب�ال{ب�اط�ل� إ�ال أ�ن{ ت�ك~ون� ت�ج�ا ــ[ يم ح� ان� ب�ك~م{ ر� ــ� ه� ك ــ� ك~م{ إ�ن� الل ــ� س �ن{ف~ وا أ ــ~ ت~ل )(﴾و�ال ت�ق{

ــد وجعل عقوبة ُزاجرة في سبيل ذلك وهي قطع يــالى ــال تعـ ــارق قـ ة~﴿السـ ار�ق� ــ� ار�ق و�السـ ــ� و�السـ

ه~ اللــّ ه� و� ب�ا ن�ك�االم�ن� اللــّ اك�س� اء ب�م� ز� ا ج� م� �ي{د�ي�ه~ اق{ط�ع~واأ ف�ك�يم� )(﴾ع�ز�يز� ح�

حفظ العقل•

اء~﴿حفــظ األمن للجماعــة فقــال تعــالى • ز� ا جــ� �ن�مــ� إ

ض� ر{� ع�و{ن� ف�ي األ{ ي�ســ{ ول�ه~ و� ســ~ ار�ب~ون� الل�ه� و�ر� ال�ذ�ين� ي~ح�

م{ د�يه� �يــ{ ع� أ طــ� و{ ت~ق�� ل�ب~وا أ و{ ي~صــ�

� وا أ ت�لــ~ اد[ا أ�ن{ ي~ق� ف�ســ�

م{ ك� ل�ه~ ــ� ض� ذ�ل ر{� ا م�ن� األ{ و{ ــ� و{ ي~ن{ف

� ف� أ ال� م{ م�ن{ خ� ل~ه~ ج~ ر{� أ و�

ذ�اب� ع�ظ�يم� ــ� ة� ع ر� ــ� �خ م{ ف�ي اآل{ ل�ه~ ي� ف�ي الد�ن{ي�ا و� ز{ )(﴾خ�

ومن مثل هذه االحكــام الكثــير الكثــير ممــا اوجبــه على المســلمين كجماعــة و لم يســمح ألي فــرد منهم أن يباشر أيا من هذه األعمــال ألنهــا ليســت من صالحيات الفرد, بــل من مســؤولية المســلمين كجماعة. ولكي يتأتى القيــام بمثــل هــذه االعمــالــذه عليهم أن يــنيبوا عنهم من يتــولى القيــام به

المسؤولية.

حفظ الدولة•

حفظ الكرامة االنسانية•

12

Page 13: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

كذلك من جهة أخرى أوجب عليهم دفــع صــدقاتهم إلى األصناف الثمانية التي حــددها الشــرع فمن يتــولى الجبايــة والتوُزيــع, وبهــذه المناســبة من يتــولى تقــدير

الخراج وجمعه وتوُزيعه على مستحقيه.

كل هــذه المســؤوليات وغيرهــا من رعايــة شــؤون النـــاس كتعبيـــد الطـــرق وبنـــاء المـــدارس وإيجـــاد المستشــفيات و المســاجد, وإســتخراج الــثروات وبنــاءــد ــداده, وعق المصانع وإعداد القوة وتجهيز الجيش وإع المعاهــدات أو إعالن الحــرب وأخــذ الجزيــة وإعطــاء األمـــان, كـــل ذلـــك ال يتحقـــق- مـــع أنـــه فـــرض علىــل المسلمين – إال بإنابة فرد من المسلمين ليقــوم بمث

هذا األمر.

ــه ــة﴿وجماع القول قول رسول الل ال يحــل لثالث فإن1﴾يكونون بفالة من األرض إال أمروا عليهم أحدهم

ــة يحــرم عليهم عــدم مبايعــة أمــير عليهم, كــان الثالث فاألمــة من بــاب أولى, وأن يكونــوا بفالة من األرض, ففي المدينة والقرية أولى. هذا من جهة وجهــة أخــرىــل ــة فالعم ــة على األم ــور واجب ــذه األم ــا دام أم ه فمــو لوجودها واجب من قاعدة ما ال يتم الواجب إال به فه واجب, فحمــل الــدعوة واجب, نعم إن حمــل الــدعوة فــرض, واألمــر بــالمعروف والنهي عن المنكــر فــرض, ووجوب وجود كتلة تدعوا إلى الخــير وتــأمر بــالمعروف وتنهى عن المنكر فرض, إال أن وجوب إيجــاد حكم اللــه في األرض وإستئناف الحياة اإلسالمية و حمل اإلســالم للعالم وفرض سلطانه عليهم فــرض. وهــذا اليتــأتى إالــاء ــوم بأعب ــة – يق ــة - أي خليف ــائب عن االم ــود ن بوج

المسلمين بالمسلمين.

رقمه : 1 ، األوطار نيل في الشوكاني شواهد : 157/9أوردُه له حكمه ،

13

Page 14: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

نعم إن حمل الدعوة فرض على كــل مسـلم أقلهـا األمر بالمعروف و النهي عن المنكر وهــل هنــاك منكــر أكــبر من إبعــاد حكم اإلســالم عن الحيــاة، وابتغــاء حكم الجاهليــة بــدال� منــه، وهــل هنــاك جــرم أكــبر من اتخــاذد�ي� بن ــ� ــه، عن ع ــا[ من دون الل ــة أرباب ــالس النيابي المج

ات�م� قال ل�يب� من ذ�ه�ب�أت�ي{ت~ النبي ﴿ح� ــ� ي ص وفي ع~ن~ق�أ~ في ر� ع{ت~ه~ ي�قــ{ م� ث�ن� و�ســ� ح{ ع�ن{ك� هذا ال{و� فقال يا ع�د�ي� اط{ر�

ب�اب[ا من د~ون� ر{� م{ أ ب�ان�ه~ ه{ ر~ ه~م{ و� ب�ار� ذ~وا أ�ح{ اء�ة� ات�خ� ة� ب�ر� ور� ﴿س~

ان~وا )( ﴾الل�ه� ــ� م{ ك ل�ك�ن�ه~ م{ و� م{ لم ي�ك~ون~وا ي�ع{ب~د~ون�ه~ �ن�ه~ ا إ م�� قال أ

وا عليهم شــيئا مــ~ ر� ل�وه~ وإذا ح� ت�ح� ل�وا لهم شــيئا اســ{ إذا أ�ح�

م~وه~ ر� 1﴾ ح�

فاتخاذ المجالس النيابية - البرلمانات – سلطة تشريعية تتولى سن القــوانين، أي تجــيز وتمنــع، وتحــل وتحــرم، فإنما يعني ذلك اتخاذ هذه المجالس آلهة من دون الله،

ن~ م�ن�قال تعالى : } ســ� ون� و�م�ن{ أ�ح{ ل�ي�ة� ي�ب{غــ~ اه� ل{ج� ك{م� ح~ ٱأ�ف�ن~ون� و{م� ي~وق� [ ل�ق� ك{ما ٥٠ {المائدة: ٱلل�ه� ح~

عوة لعمل الخير أي خير على أن يكون الشــرعوالد بينه أنــه خــير، فالــدعوة إليــه أو مباشــرته فــرض على المسلمين أقله إماطــة األذى عن الطريــق، أو أقــل مــا

يقال في بعض أفراد هذا الخير أنه مندوب.

وقد عدد اإلسالم الكثير من أعمال الخير في كتاب الله أو في األحاديث الشريفة فدراسة القــرآن الكــريم وتدريسه و المحافظة عليه من أبــواب الخــير، ودراســة الشــريعة والتفقــه في الــدين من أبــواب الخــير، وبنــاء المستشفيات و المعاهد من أبواب الخير وكفالة اليتيمــواب الخــير، ــة المســكين ومــأوى للعجــزة من أب ورعاي وتنظيم تقـــديم المســـاعدات للفقـــراء والمســـاكين والمحتــاجين من أبــواب الخــير، إال أنهــا وأمثالهــا ممــا

يدخل تحت قوله تعالى:

رقمه : 1 ، الترمذي صحيح في األلباني حسن :3095أوردُه حكمه ،

14

Page 15: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

] سواء اعتبرنا هذا األمر موجبــا[ على المســلمين جميعــا أن يكونــوا أمــة واحــدة تــدعو للخــير وتــأمر بــالمعروف وتنهى عن المنكر. فتكون األمــة كأنهــا كتلــة واحــدة و تنظيم واحــد يقــوم على األمــر بــالمعروف والنهي عن

المنكر و الدعوة للخير، أو أن نعتبر قوله تعالى:

ون�} ر~ م~أ{ يـــ� ر� و� يـــ{ ل{خ� �ل�ى د{ع~ون� إ ة� يـــ� ن{ك~م{ أ~مـــ� ل{ت�ك~ن م� ٱو�

ون� ــ~ ل�ح ف{ ل{م~ �ئ�ك� ه~م~ لـ� و{~ أ ن{ك�ر� و� ل{م~ و{ن� ع�ن� ي�ن{ه� وف� و� ع{ر~ ل{م� ٱب� ٱ {ٱ

١٠٤آل عمران:

ــنين أن من هي للتبعيض، أي أن تتكون من بعض المؤمــالمعروف والنهي عن ــر ب ــا األم ــون عمله ــة يك جماعــدة ــة واح المنكر والدعوة إلى الخير، سواء أكانت جماعــار أو عــدة جماعــات تقــوم على هــذا األمــر، وقــد تختــا[ آخــر من إحداها الخير كله أو بعضه، أخرى تختــار جانبــالمعروف أو ــار عمال[ من األمــر ب هــذا الخــير، وقــد تخت النهي عن المنكــر، وهكــذا قــد تتعــدد وجــوه الخــير في األمة وتتعدد الجماعات الداعية إلى الخـير أو إلى األمـر بـــالمعروف والنهي عن المنكـــر، ولكن مـــع كثرتهـــا وتعددها وتعدد وجوه نشاطها وعملهــا هــل يــؤدي ذلــكــل إلى إيجاد اإلسالم في واقع الحياة ؟ ترى لو كفلنا ك يتيم، وأعلنا كل مسـكين، وبنينـا في كـل حي مدرسـة،ــا، ــا الفقــر من ربوعن وفي كــل شــارع مســجد[ا، وأُزلن ولــو حفظنــا القــرآن الكــريم تالوة[ وتجويــدا،ً وطبعنــاه[ لنوفر لكل فرد مصحفا[ في بيته وأخر في جيبــه تكرارا وثالثا[ في مكتبه، ولو جعلنا كتب الفقــه، وفقــه جعفــر وأبي حنيفة ومالــك والشــافعي وابن حنبــل وابن حــزم واألوُزاعي متــوفرة في كــل مكتبــة ُزهيــدة الثمن، بــل قدمت مجانا[ لمن يريدها، ولو جعلنا العلوم من كل فئة متوفرة لكل فرد في األمة وأقمنا المعاهد والجامعــات والمختبرات، ونبــغ من أبنائنــا من لم يكتــف بمــا وصــل إليه العلم بل أبدع واكتشــف من األمــور مــا لم يســبقه

15

Page 16: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

إليه أحد، واخترع من اآلالت مــا يــوفر الرفاهيــة ورغيــدالعيش لجميع الناس.

فهــل نكــون بــذلك قــد أوجــدنا اإلســالم في واقــع الحياة؟ مع أنها جميعها من أبواب الخير فيه. هل يكونــوانين اإلسالم موجودا في واقع الحياة والذي يسن الق

ويضع التشريعات مجلس النواب – البرلمان - ؟

ــاة، ــع الحي ــالم في واق ــاد اإلس فالمســألة إذن هي إيج والمعلوم أنه قد أبعد عن الحياة منذ ما يقرب من قــرنــذلك أو من الزمان، واألمة بمجموعها آثمة إن رضــيت ب أن قعـــدت عن العمـــل للوصـــول إلى عـــودة اإلســـالم

للحياة.

16

Page 17: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

عودة الإسالم للحيــاة

ــرى ــارة أخ ــاة، أو بعب ــع الحي ــالم لواق ــودة اإلس عــددة، استئناف الحياة اإلسالمية هي فكرة عامة غير مح فال بد من تجسيد هذه الفكرة ووضعها في إطــار يحــددــاظ معناها ويبين المراد منها، فهي كقول جمهرة الوعــاس والمرشدين " أيها الناس اتقوا ربكم" أو "أيها الن عودوا إلى ربكم" أو "فروا إلى الله" لــذا كــان وجوبــا[ أن نبين المراد من القول "استئناف الحياة اإلســالمية"

أو القول "عودة اإلسالم لواقع الحياة".

فالمعنى المراد من هذه العبارة هو جعل اإلســالم هــو المتحكم بكافــة العالقــات القائمــة بين األفــراد أو األعمــال الــتي يقومــون بهــا، مثــل العبــادات واألخالق والمطعومــات والملبوســات، ومثــل الــبيع واإلجـــارةــة ــذلك بعالق ــزواج والطالق، والمتحكم ك ــة وال والكفال المسلمين بغيرهم وعالقة عامة المسلمين مــع غــيرهم مثـل معـامالت أهـل الذمـة، وبيـان مـا يجـوُز لهم ومـا

ومن مثــل جــواُزم،عليهم، والزواج منهم وأكل ذبــائحه المعاهدات مع كيانات الكفر، أو حالة الحرب الحكمية أو الفعلية معهم. مرد ذلك كله إلى األحكام الشرعية التي

عالجت هذه األمور.

ى اللهلالقاعدة األولى: العودة إتعني السيادة للشرع ال للشعب

وعبودية األمة ال تتحقق إال بسيادة الشرع فال عــز لنا إال بالعبوديــة لصــاحب الســيادة وال مشــرع والحــاكم على أفعالنا إال هو -ســبحانه وتعــالى- وال نشــرك معــه

: جعل السيادة للشـرع، وهـذا نقيضروبمعنى آخ، سيدا[ ما عليـه المجتمعـات الحاليـة، ونقيض مـا يسـيطر علىــعب أذهان الناس من فكر غربي يقول إن السيادة للش

17

Page 18: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

فأقـــاموا المجـــالس النيابيـــة لتضـــع لهم التشـــريعات المنظمة لحياتهم، بينما نحن نؤمن بأن السيادة للشرعــالم، ــا اإلس ــاء به ــتي ج ــام الشــرعية ال ــده، فاألحك وحــنة هي ــاب والسـ ــتنبطة من الكتـ ــأخوذة أو المسـ والمـــع ــا وض ــير. منه ــا ليس غ ــا وعالقاتن ــة لحياتن المنظم

وليس ألحــد في،دســتورنا، ومنهــا أخــذت قوانيننــا المجتمـــع أن يتعـــالى على هـــذه األحكـــام، أو أن يمنح

حصانة تحميه من هذه األحكام.

ا تامــا[ لهــذه األحكــام وال[ فالخليفة يخضــع خضــوع حصــانة لــه، والمعــاون أي الــوُزير يخضــع كــذلك لهــذه األحكام وال حصانة لــه. وكــذلك القضــاة حــالهم كحــال

، فالنــاس سواســيةزبقية الناس بال مفاضــلة وال تميــيكأسنان المشط ، قال الله تعالى في كتابه الكريم:

~ن{ث�ى�} أ ن�اك~م م�ن ذ�ك�ر� و� ل�ق{ �ن�ا خ� لن�اس~ إ ا �ي�ه� ٱي�ألل�ه� ك~م{ ع�ند� م� �ك{ر� { إ�ن� أ ا ف~ ب�آئ�ل� ل�ت�ع�ار� ق� ع~وبا[ و� ع�ل{ن�اك~م{ ش~ ٱو�ج� ۤو�

ب�ير� لل�ه� ع�ل�يم� خ� اك~م{ إ�ن� �ت{ق� ، وقال سيدنا١٣ { الحجرات: ٱأ على عجمي ، وال لعجمي لعربي فضل ال﴿ : محمد

على عربي ، وال ألبيض على أسود ، وال ألسود على 1﴾ أبيض إال بالتقوى ، الناس من آدم ، وآدم من تراب

ر�وقال } ج� ا ش� يم� ك�م~وك� ف� ت�ى� ي~ح� ن~ون� ح� ب�ك� ال� ي~ؤ{م� ر� ال� و� ف�

ي{ت� ا ق�ض� م� جا[ م� ر� م{ ح� ه� س� �ن{ف~ { ف� أ د~وا م{ ث~م� ال� ي�ج� ۤو�ب�ي{ن�ه~ل�يما[ { ت�س{ وا ل�م~ ي~س� ) ، وقال- تعالى: }٦٥ { )النساء: و�

] را م{ول~ه~ أ� س~ لل�ه~ و�ر� �ذ�ا ق�ض�ى ن�ة� إ م� ؤ{ ؤ{م�ن� و�ال� م~ ا ك�ان� ل�م~ ٱو�م�

ول�ه~ س~ لل�ه� و�ر� ر�ه�م{ و�م�ن ي�ع{ص� م{ة~ م�ن{ أ� ي�ر� ل{خ� م~ ٱأ�ن ي�ك~ون� ل�ه~ ٱ

ب�ينا[ ال�ال[ م� ل� ض� د{ ض� ق� ) .٣٦ { )األحزاب: ف�

فكان من الواجب توضيح هذه األفكار العامة التي درجت على ألسنة الوعاظ والمرشدين، دون أن يدرك

السامعون المعاني الحقيقية لهذه األفكار العامة، فإن الواعظ في درسه والخطيب في خطبته يبين لهم أن سبب االنحطاط والتأخر الذي نحن فيه وما نعاني من

رقمه : 1 ، الطحاوية شرح في األلباني صحيح :361أوردُه حكمه ،

18

Page 19: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

ظلم وإضطهاد وما نقاسي من سوء األوضاع االقتصادية وشغف العيش، سببه البعد عن الله،

ويعطيهم العالج الناجع والبلسم الشافي فيقول لهم: "عودوا إلى الله" أو "فروا إلى الله "لم يبين لهم

حقيقة المرض إال بكالم عام – البعد عن الله – فكان الواجب أن يبين لهم أن البعد عن الله إنما يعني ترك

تحكيم شرع الله في حياتهم وقبولهم باألنظمة الوضعية، وتسابقهم النتخاب ُزيد أو عمرو ليكون

مشرعا[ في مجلس النواب، وترك شريعة الله، والله -إ�ن�سبحانه وتعالى –يقول: } ض� ع�ن ذ�ك{ر�ي ف� و�م�ن{ أ�ع{ر�

ة� أ�ع{م�ى� يام� ل{ق� ه~ ي�و{م� ر~ ش~ ن�ح{ نكا[ و� ة[ ض� ع�يش� ال� { * } ٱل�ه~ م� ق�] يرا د{ ك~نت~ ب�ص� ق� ت�ن� أ�ع{م�ى� و� ر{ ش� ب� ل�م� ح� .١٢٤ { طه: ۤو�ر�

ومن هنا يكون قد أظهر المرض على حقيقته، وكذلك الحال حين وصف العالج فقال لهم "عودوا إلى الله"،

كان عليه أن يبين معنى العودة إلى الله. فالعودة إلى الله تعني تحكيم شرعه في كل تصرفاتنا، في كل شيء في حياتنا، وقد نفى القرآن اإليمان عّمن ال

ن~ون�يحتكم لشرعه فقد قال تعالى : } ب�ك� ال� ي~ؤ{م� ر� ال� و� ف�

م{ ه� س� �ن{ف~ { ف� أ د~وا م{ ث~م� ال� ي�ج� ر� ب�ي{ن�ه~ ج� ا ش� يم� ك�م~وك� ف� ت�ى� ي~ح� ۤو�ح�ل�يما[ { ت�س{ وا ل�م~ ي~س� ي{ت� و� ا ق�ض� م� جا[ م� ر� ) ٦٥ { )النساء: ح�

والعودة إلى الله تعني رفض المجالس التشريعية؛ ألننا لســنا بحاجــة إلى من يشــرع لنــا األحكــام أو يســن لنــاــا موجــودة في القوانين، فأحكامنا وتشريعاتنا وقوانينن ديننا، ال ينقصنا شيء من ذلك وقد قال تعــالى: )اليــوم

(٣أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي( )المائدة:

أما هذه المجالس النيابية – السلطة التشريعية – فقد فرضها الكفار علينا حين استولوا على بالدنا، وطبقوا

نظامهم علينا، وأرادوا خداعنا بأننا نحكم أنفسنا بأنفسنا، فهذا مجلس النواب تختارونه أنتم، وهو

يتولى تشريع األحكام نيابة عنكم، ويسن القوانين ليرعى بها شؤونكم، فانطلت علينا الخديعة، واندفعنا

19

Page 20: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

في التنافس على اختيار هؤالء النواب؛ فألجل العودة إلى الله، وألجل أن تتحقق فينا تقوى الله ال بد من نبذ هذه المجالس، وبيان أنها آلهة جديدة فرضت علينا، فال

يكفي مخاطبة الناس باألفكار العامة سواء في تشخيص المرض، أو في وصف العالج، فالسيادة إذن

للشرع وليست للشعب، وال لمجلس النواب، أو ممثلي الشعب، هذه هي القاعدة األولى التي تعنيها عبارة(

عودة اإلسالم لواقع الحياة).

20

Page 21: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

القاعدة الثانية: السلطان لألمـــة

من المالحظ في خطاب الشارع للناس بقوله مرة "يا أيها النــاس"، ومــرة "يــا أيهــا الــذين آمنــوا"، ومــرة يخاطب الفرد بعينه، ومرة يخاطب المؤمــنين كجماعــة، ومرة يعطي الصالحية لكل فرد، ومرة يحصر الصالحية بجهة معينة -هي الجهاُز التنفيذي الذي فرضــه الشــرع

على الناس والمتمثل بالخليفة ومعاونيه.

ــاُز ــة أو الجه ــرى أن الخليف ــة ن ــذه المالحظ من هــال، ــه من أعم التنفيذي ال يستطيع القيام بما أوكل إلي وما اختص به من أحكام، إال إذا أعطته األمة الســلطان ليستطيع بواسطته أن يتفذ ما أنابته عنها بتنفيــذه، فالــد ــزاني، أو قطــع ي ــد ال ــل، أو جل ــل القات يســتطيع قت السارق، أو تجهيز الجيش، أو توقيع معاهــدة، أو إعالن[ أو يعمــر جامعــا[ أو حرب، كما ال يقدر أن يبــني مســجدا يشق طريقا[ أو أن يرعى محتاجيه إال إذا وضــعت األمــة إمكانياتها بيده، والتزمت بطاعته فيما يرى من سياسة في رعايتهــا، فاإلســالم ألزمهــا بطاعــة األمــير وجعــل

كمــا جعــل طاعتهــاطاعتها له كطاعتها لرسول اللــها كطاعتها للــه، وقــال تعــالى: } لرسول الله �ي�هــ� ا أ ــ� ي

ر� أل�مــ{ ل�ي و{أ~ ول� و� ســ~ لر� } وا أ�ط�يعــ~ لل�ه� و� } { أ�ط�يع~وا ن~وا ٱل�ذ�ين� آم� ٱ ٱ ٱ

ول� ــ~ س لر� لل�ه� و� �ل�ى د�وه~ إ ر~ ء� ف� ي{ ع{ت~م{ ف�ي ش� إ�ن ت�ن�اُز� ن{ك~م{ ف� ٱم� ٱ

ن~ ســ� أ�ح{ ر� و� يــ{ ك� خ� ر� ذ�لــ� آلخــ� و{م� ل{يــ� لل�ه� و� ن~ون� ب� ٱإ�ن ك~ن{ت~م{ ت~ؤ{م� ٱ ٱو�يال[

من أـطاعني﴿ ، وقال رسول الله ٥٩ { النساء: ت�أ{ فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن أطــاع

1﴾أميري فقد أطاعني ومن عصى أميري فقد عصاني

إذن فهذا الذي أنابته عنها له عليها الطاعة، ولها عليــه أن يقوم باألحكام التي كلفها الله بهــا أي أنهــا بايعتــه

، وأن تطيعــه مــاعلى كتاب الله وســنة رســول اللــهبكر أبو سيدنا قال الله الله ﴿أطاع أطعت ما أطيعوني

عليكم لي طاعة فال عصيته فان فيكم

رقمه : 1 ، البخاري صحيح في البخاري صحيح : 7137أوردُه حكمه ،

21

Page 22: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

منكم والضعيف منه الحق آخذ حتى عندي ضعيف منكم القوي

حقه له آخذ حتى عندي )(﴾قوي

وبهذه البيعة كان له الســلطان منحتــه إيــاه األمــة، ولكنها ال تستطيع استرداد هــذا الســلطان مــا دام هــذا الخليفة ملتزما[ بالعقــد الــذي أبرمــه مــع األمــة، أمــا إذا قصر بهــذا العقــد أو خالفــه أو عجــز عن تنفيــذه فإنهــا

تخلعه وتعطيه لغيره بحكم من محكمة المظالم.

ومن هنا كانت الســيادة للشــرع وليس للشــعب أوــق من الناس, وكان السلطان لألمة تضعه إبتداء في عن تريــدإال أنهــا ال تملــك نزعــه إال بمــا مكنهــا بــه الشــرعــا المــادة األولى من أول صاحب السيادة، وتحضرني هنــه أهــل الحــل ــالم، ووقــع علي ــوب في الع دســتور مكت

على عليوالعقد :الدستور الــذي أماله رســول اللــه بن أبي طــالب -كــرم اللــه وجهــه- بحضــور أهــل الحــل والعقد من المســلمين والمؤمــنين واليهــود. فقــد جــاء

محمد رسول الله والــذين معــه﴿في المادة األولى منه )(﴾ من المسلمين والمؤمنين أمة واحدة من دون الناس

ذمــة المســلمين واحــدة﴿كما جاء في مواد أخــرى منــه وقـد )(﴾يسـعى بهـا أدنــاهم وهم يــد على من ســواهم

ت~ك~م{قال الله تعــالى في محكم كتابــه : } م�~ ذ�ه� أ ـــ� إ�ن� ه� و�

ون� ت�ق~ ب�ك~م{ ف� �ن�ا{ ر� أ د�ة[ و� اح� ة[ و� م� ، من هذه٥٢ { المؤمنون: ٱأ~

النصوص نرى أنه ال يجــوُز لهــذه األمــة أن تــنيب عنهــا وال أن ينفــرد أهــل قطــر بإنابــة، اثنين في وقت واحــد

أحدهم بل هناك نائب واحد، خليفة واحد، ألمــة واحــدة،ــه إذا﴿ لها كيان سياسي واحد، وقد قــال رســول الل

وأن هذا الخليفــة1﴾ بويع لخليفتين فاقتلوا اآلخر منهما هو الواجب الطاعة، وهو من أولته ســلطانها فعليــه أن يرعاها كما أمره صاحب الســيادة أي الشــرع. ونالحــظ من كالم أبي بكـــر رضـــي اللـــه عنـــه تحديـــد الطاعـــة المطلوبة من األمة، فهي الطاعة الــتي حــددها الشــرع

رقمه : 1 ، مسلم صحيح في مسلم صحيح : 1853أوردُه حكمه ،

22

Page 23: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

وأوجبها على األمــة وبحــدود الصــالحيات المعطــاة لــه,وإال فال طاعة ".

ــام- القاعدة الثالثة وحدة االمة وراي االميرفع الخالف:

،فالتفاوت بالعقول، إال أن هناك نقطة هامة جدا واالختالف في الفهم والعمـــق واإلتســـاع في معـــاني النصوص من الكتاب والســنة, وبخاصــة النصــوص الــتيــع ــف يمكن أن يجتم ــاس. فكي ــات بين الن تنظم العالق

الناس على فهم واحد, ووجود اإلختالف حتمي؟

ــر حتمي ــات، نعم إن اإلختالف أم ــاوت الطاق فتفــراء ــة ال م ــر حقيق ــني البش في الحس واإلدراك بين ب فيها والمعــارف المكتســبة الــتي تغــذي تلــك الطاقــات

مختلفة، فالخلفية الثقافية الموجودة عند متباينةكذلكــرو ــد عم ــد ليســت موجــودة عن ــإن فهم، ُزي ــالي ف بالت

النصـوص من قبـل ُزيـد يختلـف عن فهم عمـرو لـذلك النص، فكيف ال وإن هذه النصوص من قــرآن وأحــاديث هي أبلغ الكالم وأعمقه، وفيها من العمق والبالغــة مــا يعطي أكــثر من معــنى، وبالتــالي فسيصــل المفكــرونــاس ــات الن ــات لعالق ــة إلى معالج ــاء في األم والفقه

واألمة كما قلنا أمة واحــدة، وكيانهــا. مختلفة ومتعددة واحد، والتزاماتها واحدة والعالقات بين أبنائها ال بــد أن تكــون واحــدة كي يســتقيم األمــر وتنتظم العالقــات وتقضى الحاجات، فمن هنا كان ال بد أن تعطى صالحية جمع األمة على فهم واحد وااللــتزام بــه إلى من أنابتــه عنها أي الخليفــة. ولهــذا جــاءت النصــوص مبينــة هــذه

رأي اإلمام يرفــعالصالحية، فالقاعدة الشرعية تقول " ومنالخالف " أو " أمر اإلمام مطــاع ظــاهرا وباطنــا["

ــة ــرى وهي: إن الخليف هنا نصل إلى قاعدة أساسية أخ وحده له الحق بتبني رأيا مما اختلف فيه الناس، وإلزام الناس به, وعلى الناس السمع والطاعة مــادام أن هــذا

23

Page 24: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

الرأي الــذي تبنــاه الخليفــة لــه عليــه دليــل من الكتــاب والســـنة . وكـــذلك الحـــال بالنســـبة لتنظيم األعمـــال المباحة،كالسير في الشارع، وضبط األسواق، وتحصيل

ــل كــل مــا هــو من ــاء ب قمرافــالعلم والمــاء والكهرب الجماعة مما يمكن من الرعاية الحسنة للنــاس وإعطــاء

كل ذي حق حقه.

هـــذه القواعـــد الثالث ال بـــد من إدراكهـــا حين نقـــولــ ــالعودة إلى الل ــالم إلىه، ب ــودة اإلس ــول ع أو حين نق

واقع الحياة.

24

Page 25: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

الهدف العلم قبل العمــل من القواعــد الثابتــة في حياتنــاــة الحكم ــل, ومعرف ــبق العم ــر يس ــلمين أن الفك كمس الشرعي في المسألة تسبق مباشــرة العمــل في هــذه المسألة. ألن مباشرة العمل دون معرفة حكم الله فيــه يكـــون إتبـــاع للهـــوى, أو تنفيـــذا لرغبـــة, أو تحقيقـــا

ة[ ف�يلمصلحة, وقد قال تعالى ــ� ل�يف ع�ل{ن�اك� خ� �ن�ا ج� ي�د�او~ود~ إل�ك� ي~ضــ� و�ى� ف� ل{هــ� ع� ق� و�ال� ت�ت�بــ� ل{ح� لن�اس� ب� ك~م{ ب�ي{ن� ح{ ض� ف� ر{

ٱأل� ٱ ٱ ٱ ٱ

م{ ه� ل�ه~ للــ� ب�يل� ل�ون� ع�ن ســ� ذ�ين� ي�ضــ� لــ� ه� إ�ن� للــ� ب�يل� ٱع�ن ســ� ٱ ٱ

اب� س� ل{ح� { ي�و{م� وا ا ن�س~ د�يد~ ب�م� ، فاألصــل إذن٢٦ص: ٱع�ذ�اب� ش� الفكــر الــذي يــؤدي للمعرفــة. والمالحــظ أن القــرأن الكريم قد كرر طلب التفكــير عشــرات المــرات, وعــابــير من على الذين ينتقلون من اإلحساس للعمل في كث األيـات, وقـد شـبههم بالحيوانـات حيثمـا ال يسـتعملون

و{عقولهم قال تعالى ع~ون� أ� م� ه~م{ ي�ســ{ ر� �ك{ثــ� ب~ أ�ن� أ أ�م{ ت�ح{س�

ب�يال[ ل� ســ� أل�ن{ع�ام� ب�ل{ ه~م{ أ�ض� ل~ون� إ�ن{ ه~م{ إ�ال� ك� الفرقان:ٱي�ع{ق�إل�ن{س�، وقال } ٤٤ ن� و� ل{ج� [ م�ن� يرا ن�م� ك�ثــ� ه� ا ل�ج� {نــ� أ د{ ذ�ر� ل�قــ� ٱو� ٱ

ا ون� ب�هـ� ر~ م{ أ�ع{ي~ن� ال� ي~ب{صـ� ل�ه~ ا و� ون� ب�هـ� هـ~ ق� ل~وب� ال� ي�ف{ م{ ق~ ل�ه~ل� ــ� أل�ن{ع�ام� ب�ل{ ه~م{ أ�ض �ئ�ك� ك� لـ� و{

~ آ أ ع~ون� ب�ه� م� م{ آذ�ان� ال� ي�س{ ل�ه~ ٱو�ل~ون� اف� ــ� ل{غ �ئ�ك� ه~م~ لـ� و{

~ ــوب في١٧٩ {األعــراف: ٱأ ، والمطلالفكر والتفكير, ليس الفكر الفلسفي أو التنظير,

, وبيـان مـا يطلب منـه,التفكير من أجل العملبل وكيفية تنفيذه, ليس المطلوب من التفكــير العيش في الخيــال, أو المعرفــة من أجــل المعرفــة كمــا يقولــون,ــل ــة والعلم من أج ــل المعرف ــل العلم, ب والعلم من أج العمل ليكون العمل مبنيــا على أســس واضــحة مســيرا بأحكام دقيقة, مستنبطة من نصــوص ال يأتيهــا الباطــل

من بين يديها وال من خلفها.

ومهما يكن من أمر فــإن نســبة الجنــون إلى قيس بن الملوح قد تواترت, ولو أن هناك من أنكر وجود هـذا

25

Page 26: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

اإلسم, أو وجود هذه القصــة بكاملهــا. ونســبوا مــا جــاء فيها من أشعار إلى أحد متيمي بني أمية هام بابنـة عم له ولم يجرؤ على أن يصرخ بــذلك فانتحــل هــذا القــولــد ورد في ــوح. وق ــب إلى قيس بن المل ــعر ينس والش الجزء التاسع من كتاب األغاني قصــة يرويهــا إبن وأب, قال قلت لرجل من بني عامر أتعرف المجنــون وتــروي من شعره شيئا قال أو قد فرغنا من شعر العقالء حتى نروي أشعار المجـانين, إنهم لكثـير, فقلت ليس هـؤالء أعني, إنما أعني مجنون بني عامر الشــاعر الــذي قتلــهــادا من ذاك, ــظ أكب العشق, فقال هيهات, بنو عامر أغلــا, الســخيفة إنما يكون هذا في اليمانية الضعاف قلوبه

عقولها الصعلة رؤوسها, فأما نزار فال.

وسواء أصــحت هــذه الروايــة أم تلــك فــإن ذلــك ال يحــط من قيمــة األشــعار الــتي قيلت في هــذا البــاب –ــدا في األدب ــه وإن لم يكن جدي أعني الغزل – بــاب وأن العربي, إال أنه يظهر التطور العظيم الــذي تطــور على شعر الغزل, فمن قسوة الصحراء وشظف العيش, إلى هذه الرقــة والعذوبــة, ومن إســتهتار أمــرؤ القيس إلى

فيعذ موجودة رفيعة قيم وأمثاله, قيس رية النفـــوس صـــقلها اإلســـالم وحرســـها من اإلســـتهتار والفحش, حتى ظلت هذه الصفحة المشرقة في تــاريخ األدب العربي, وقد إنفــردت بعنــوان خــاص بهــا ال أظن أن له شبيه في حياة األمم كافة. وإن جاُز لنا أن نفاخر بشيء من أشعارنا القديمة فلنا في الغزل العذري كــل

فخر.

أما تسمية قيس بن الملوح بالمجنون فــأرجح أنهــا صحيحة لمــا أصــابه فعال من جنــون مطبــق, وتصــرفاته الدالــة على جنونــه كســيره عاريــا أو غــير ذلــك, إال أنــه إرتباط ذلك الجنون بالحب وتعليــق الســبب على الحب,ــف من هو بيت القصيد, وهو الذي دفع بين الناس لوص يشتهرون بالحب بالجنون أمثال قيس بن ذريح وجميــل

26

Page 27: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

ــد جــدا عن هــذه ــير بعي ــير غــيره, مــع أن كث ــة وكث بثين التسمية. أو غيرهم ممن أصيبوا – إن جاُزت التســمية –ــة ــألة خاليـ ــه. وال أظن أن المسـ ــرض الحب وبلوتـ بمـــيقته, ــع عش ــة م ــؤالء قص ــل من ه ــل إن لك ــة, ب خيالي والظروف التي حرمته تحقيق رغبته كــانت أقســى من أن يجتاُزها, فبقي في صراع عنيف بين حياتــه الخاصــةــذه ــل ه ــه. ومث ــق رغبت ــه الوصــول إلى تحقي ومحاوالت الحاالت قد تصيب اإلنسان ليس فقط في مجال الحب, بل في كل رغبة تتولـد في نفسـه ويسـعى لتحقيقهـا, وبمقـــدار إصـــراره على نـــوال تلـــك الرغبـــة, وبقـــدر الصعوبات الـتي تجابهـه يتقـرر مصـيره. كالقائـد الـذي يخطط للوصول لفتح حصــن, أو من يســعى للنجــاح, أوــل ــال بك ــو يحت ــة, فه ــول إلى وظيف ــل للوص من يعم الوسائل ويبذل قصارى جهده في تحقيق ذلك. فالفكر بال عمل سفسطة أو فلسفة أو تنظــير, والعمــل بــدون

ــل, ــة وردات فع ــير طيش ورعون ــلتفك ــإقتران العم ف ولكن ال بـد أن تكـون منبالفكر قاعـدة أساسـية ثابتـة

أجل غاية معينة وهدف مقصود, وإال كان العمــل دوران في حلقة مفرغة, ينتهي حيث ابتدأ والعبث عند العقالءــفه. ــربح س ــد ال ــدون قص ــبيع ب ــراء وال ــة, والش منقصــا والناظر في أفعال العقالء يجد أن لكل عمل قصد, إم أن يكون قصدا ماديا أو قصدا معنويا روحيا, كان خلقيــا أو إنســانيا. وألجــل أن يكــون تحقيــق القصــد مقصــودا وجب أن يكــون القصــد معروفــا, ليعــرف من بعــدهاإمكانية الوصول إليه وتحقيقه والطريق الموصل إليــه. فمن أراد أن يبني بيتا مهمــا كــان الــبيت كبــيرا أو

ــذلك هــو ــداءصــغيرا فــإن التفكــير ب , ومن نقطــة اإلبت البديهي أن يذهب للمهندس ليضع لــذلك الهــدف الــذيــغيرة, أو ــع ص ــما بقط ــا مجس ــميما, إم ــه تص في ذهنــاليف ــب التك ــة – ثم يحس ــوما على ورق – خريط مرس واإلمكانيات, ثم يختار السبيل المؤدي إلى تحقيــق هــذا الهدف. فقد يباشــر العمــل بنفســه وقــد يضــعه برســم

27

Page 28: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

التنفيذ بيد مقاول أو شركة, ويشرف هــو بنفســه على خطــوات التنفيــذ أو يعين مهندســا بــدال منــه لإلشــراف والمراقبة فالقاعدة العملية الثابتة أن يسبق كل عمــلــل فكر, وأن يقترن هذا الفكر بالعمل وأن يكون من أج

هدف معين محدد المعالم.

فحين نقــول أننــا نعمــل من أجــل عــودة اإلســالم للحياة فقــد حــددنا هــدفا إال أنــه ليس واضــح المعــالم, وصـــورته ليســـت مجســـمة أو مشخصـــة في الـــذهن, فخطونا خطـوة أخـرى في سـبيل توضـيح هـذا الهـدف فقلنـــا أن اإلســـالم لن يعـــود للحيـــاة إال إذا إختـــارــه وســنة المسلمون واحدا منهم يبايعونه على كتاب الل

وعلى الـسمع والطاـعة منهم, ـجاعلين أنرسول الله السيادة للشــرع على هــذا الرجــل المبــايع وعليهم هم

كذلك, فحددنا بذلك قواعد ثالث:

األولى : سيادة الشرع•

الثانية : السلطان لألمة•

ــق عليهم• ــد يطب ــة واح ــة : خليف الثالث أحكام دينهم ويقوم بجميــع مــا كلفــوا

به كافة .

كما أننا وضعنا قاعدة عملية ثابتة

اهمية المبدأ ال حياة بال مبدأ

التفكــير العملي وليس مجــرد التنظــيرأولها : • أو الفلســفة أو الفكــر من أجــل الفكــر, والعلم

من أجل العلم

28

Page 29: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

أن يقــترن هــذا الفكــر العملي بالعمــلثانيها : •ــة ــ ــدوران في حلق ــ ــدين عن العبث أو ال ــ مبتع

مفرغة

أن يكون هذا الفكــر المقــترن بالعمــلثالثها :•من أجل الوصول إلى الهدف

االنتصار الحقيقي هو نصرة المبدأ

ــدة أساســية أولى هي ولكن حين نقول أننا وضعنا قاع سيادة الشــرع فمــاذا نعــني بهــا, فــإذا إصــطدمت هــذه السيادة بمصــلحة الفــرد أو بمصــلحة األمــة أو بمصــلحة األمير فما هو موقفنـا من ذلـك. فال بـد أن تكـون هـذه القاعدة واضحة وضوح الشمس بأنه حيثما يكون الشرع

ت�ى�فثم المصلحة وقد قال تعالى ون� ح� ــ~ ن م� ك� ال� ي~ؤ{ ــ� ب ر� ال� و� ف�

م{ ه� ســ� �ن{ف~ { ف� أ د~وا ــ� م{ ث~م� ال� ي�ج ر� ب�ي{ن�ه~ ج� ا شــ� ــ� يم وك� ف� ــ~ ك�م ۤو�ي~ح�ل�يما[ { ت�س{ وا ل�م~ ي~س� ي{ت� و� ا ق�ض� م� جا[ م� ر� ، لـقادة٦٥ { النساء: ح�

بدون أمة تفقه ما يريدون وتؤمن بــه وتــؤمن بمــا يجب عليها أن تفعله, فإنهم لن يتمكنوا من تحقيق هــدفهم,

أو اإلستمرار فيه.

وضوح نظام الحكم

وهل إقامة دولة وإختيــار خليفــة يكفي ألن يكــون الهــدف محــددا؟ ال, ال يكفي من حيث أن فكــرة الدولــةــى ــان وأمس ــة عن األذه ــت غائب ــة أمس ــة خليف ومبايع تصورها مشوها أو غامضــا, خصوصــا مــا يتعلــق بنظــام الحكم فيها أو النظام اإلقتصــادي, إنــه لمــؤلم حقــا أن تسمع خطباء المساجد على المنــابر يــرددون أن نظــامــة ــورى, وأن الديمقراطي ــو الش ــالم ه الحكم في اإلس مأخوذة من اإلسالم, وأن السيادة للشـعب وهكــذا فـإنــرأي العــام, كان هذا حال خطباء المساجد الموجهين لل فمــا هــو حــال عامــة النــاس؟؟ وهنــاك رأي يقــول أن الخليفــة يجب أن يكــون من أل الــبيت وذلــك لقولــه

ة�تعــالى: ل�يــ� اه� ل{ج� ج� ر� ن� ت�بــ� ج{ ر� وت�ك~ن� و�ال� ت�بــ� ن� ف�ي ب~يــ~ ر{ ٱو�قــ�ول�ه~ س~ لل�ه� و�ر� أ�ط�ع{ن� اة� و� كـ� لز� آت�ين� ال�ة� و� لص� أ�ق�م{ن� ٱأل~ول�ى� و� ٱ ٱ ٱ

29

Page 30: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

ل{ب�ي{ت� ل� ج{س� أ�هــ{ لــر� ــم~ ذ{ه�ب� ع�نكـ~ ه~ ل�يــ~ للــ� ا ي~ر�يــد~ �ن�مــ� ٱإ ٱ ٱ] يـرا ك~م{ ت�ط{ه� ر� ي~ط�ه� ، ويقابلــه رأي يقــول٣٣ { األحزاب: و�

ــه إن الخليفة ال بد أن يكــون من قــريش وذلــك لقول ورأي ثــالث يقــول ال بــد للخليفــة)(﴾ األئمة في قريش﴿

من أن يكون مجتهدا حــتى ال يخضــع ألحــد بــرأي ورابــعــا, ويطــرح من ــون عربي ــد أن يك ــة ال ب ــرى أن الخليف ي

التعليل ما هــو مقتنــع بــه, فــالقرأن عــربي ومحمــد عـــربي وال يفهم اإلســـالم إال بالعربيـــة, وفي العـــرب

خصائص ليست في غيرهم وهكذا.

ورأي خاص يقول إن الشروط التي تجب أن تتوفر فيالخليفة هي:

اإلسالم•

الرجولة•

البلوغ•

العقل•

الحرية•

العدالة•فال فضل لعربي على أعجمي إال بالتقوى.

فال يصح أن يقال أن األحكــام الشـرعية المتعلقــةــة في الكتب, ــودة ومدون ــا موج ــذه المســألة وغيره بهــة تمأل الخــزائن ــة والفقهي وذخــيرة المســلمين الفكري والمكتبــات فهي أوســع ثقافــة ومعرفــة في الــدنيا. ال يصح أن يقال ذلك, ألن المطلوب هو وضع هذه الثقافة واألحكام بين يدي الناس لمعرفتهــا وفي أذهــان حملــة الدعوة ليبصروا بوضوح ما يعملوا من أجله كما ال يصــحــة أن يقــال إنهــا موجــودة في أذهــان القــادة من حمل الدعوة, ال يصــح أن يقــال ذلــك ألننــا نعلم من الســابق

30

Page 31: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

ــوة ــان والقـ ــمام األمـ ــة هي صـ ــه, وألن األمـ إلى أجلـالحقيقية إلقامة الدولة وإستمرارها, هذا من جهة,

وضوح النظام االقتصادي ــة فــإن معظم المســائل الفقهيــة ومن جهــة ثاني األساســية والفرعيــة فيهــا أكــثر من رأي, وقــد يكــون الــرأي ونقيضــه, هــذا يقــول إن المزارعــة حــرام – أي تأجير األرض للزراعــة – فال يجــوُز للمســلم أن يســتأجر

كذلك, وذلك لقول رســوليكريهاأرضا لزراعتها وال أن قــالوا يــا رســول اللــه كمــا نكــري األرض على﴿ اللــه

النصف قال ال, قالوا فعلى الربع, قال ال, قــالوا فعلىــع الثمن, قــال ال, قــالوا على , قــال ال, إُزرعهــا أو الرب

وفريق أخــر يقــول إن تــأجير األراضــي)(﴾ إمنحها أخاك الزراعية جائز وال شيئ فيه, وذلك لما فعله رسول الله

أبقــاهم على أرضــهم على مع يهــود خيــبر, إذ أنــه ــة ــرق بين المزارعـ ــوا الفـ ــار, ولم يلحظـ ــف الثمـ نصـ

والمساقاة هذا على سبيل المثال,

الوعي : إن إنفراد القيادة بمعرفة الهدف, ومعرفة واجبات الدولة, ومعرفة واجبات األمة تجاهها, ومعرفــة حقــوقــة إن ــذه المعرف ــراد به ــلطة. إن اإلنف ــة على الس األم وجدت, وإخفاءها عن األمة ليجعلنــا نتســاءل عن ســببــف أعضــاء إخفائه, وعدم تثقيف األمة به, بل عدم تثقيــل لهم الجماعة أو الحزب بذلك, فهل هذا اإلخفاء تجهي كي ال يتولون مراقبتهم ومحاسبتهم على أي إنحراف؟ أم هناك أسباب أخرى؟ مع أن األصل أن توجــد الفكــرة في األمة وبشــكل صــحيح جلي في كلياتهــا وجزئياتهــا والحزب أو التنظيم هو اللسان المعبر عن هذه الفكرة, وهو القائـد لهـذه األمـة كي يصـل بهـا إلى إيجـاد هـذه األفكار واألحكام في الحياة العملية لألمة بإقامــة دولــةــه دار ــالم بأن اإلسالم وإقامة دولة اإلسالم ونظرتها للع حرب, والعداء الطــبيعي بين اإلســالم والكفــر, والعــداء المتأصــل في النفــوس عنــد الكفــار ســيدفعهم إلى

31

Page 32: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

مهاجمة هذه الدولــة للقضــاء عليهــا وقــد يتمكنــون منــر ــه مبص ــم لفكرت ــي هاض ــزب سياس ــود ح ــك, فوج ذل لطريقته يسهل عليه إعادتها مــرة أخــرى. فــإذا قضــى الكفار على هذا الحزب كذلك كــانت الفكــرة في األمــة وسرعان ما ينشأ على هــذه الفكــرة حــزب أخــر يتــولىــاء التنظيم ــا وعن أعض ــة, ال أن نخفي عنه ــادة األم قي

ــه ــول الل ــال إن رس ــد, وال يق ــهالواح ــبين هدف لم يــك ألن واقــع ــه وتنظيمــه, ال يقــال ذل ــاس وال لحزب للن

الرسول في هذه المسألة يختلــف تمامــا. فالرســول ومن معه من المؤمنين كانوا مستسلمين للــوحي, ولم يكن تشريع أحكام الدولة والقيادة قد نــزل ولهــذا كــان

ودعوـته تـقويم على اإلستـسالم لـلوحي,عمل الرسول فالتوجيه واألوامر من الله سبحانه وتعــالى. نعم كــانت دعوته اإليمان بمــا تعنيــه كلمــة " ال إلــه إال اللــه محمــدــه ــا تعني ــه " حــتى إن قــريش قــد أدركت م رســول الل العبارة فتصــدت لهــا, نعم لقــد أدركت قــريش أن هــذه العبارة تعني إنتزاع الزعامــة والرئاســة والقيــادة منهــا

, ـهذا ـما فهمـته ـقريش والـعرب, وإالوجعلها بيد محمد ــة ــد, فئ ــدعوا إلى التوحي ــة ت فقــد كــان في العــرب فئــاعدة ــل والقس بن س ــة بن نوف ــال ورق ــة أمث الحنيفيــة األيادي وأمثالهم, وقد كانوا يدعون لفكــرتهم, وخطب القس بن ســاعدة األيــادي مشــهورة في التــاريخ وفي ﴿األدب العربي أيها الناس من مات فات ومــا هــو أت أت....يقسم قس بالله قسما ال إثم فيه أن لله دينا

(3)﴾خيرا من دينكم الذي أنتم عليه

ــة بنظــام ــة المتعلق ــذا في معظم المســائل العام وهكــه, الحكم, من صالحيات الخليفة ومتى يعزل, ومن يعزل ومجلس الشورى, ومحاسبة الخليفة إلى غــير ذلــك من

األحكام الكلية والفروعية.

ومثل نظام الحكم مثل النظام اإلقتصــادي وغــيرهــل ــل, حق ــذا الحق ــاملين في ه ــد للع من النظم, فال ب

32

Page 33: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

الدعوة لإلسالم, ولعودة اإلسالم لواقع الحياة أن تكــون عندهم تصور شامل لمــا يريــدون, تصــور للدولــة الــتي يريـــدون إقامتهـــا, بدســـتورها وقوانينهـــا, بأجهزتهـــا وأركانهــا, وال يكفي أن يــدعى إليهــا بألفــاظ عامــة, وأفكار مبهمة ومما يتردد على المنــابر, ومــا يلقى في المحاضــرات, ومــا تعقــد عليــه الــدروس مــا يبعث على األسى ويميت القلب, تسمع للخطيب أو المحاضر وهـوــه يتحــدث عن النظــام اإلقتصــادي – وهــذا الموكــل إليــلمون تثقيف الناس وتوجيههم – فيقول لو أخرج المســه ــة على وج ــنى أم ــوالهم فقــط ألصــبحنا أغ ــاة أم ُزكــفيات, ــد والمستش ــدارس والمعاه ــا الم األرض, ولبنين وعبــدنا الطــرق والشــوارع, وأقمنــا الجســور وحفرنــا األنفاق, لو أنفق المسلمون ُزكاة أموالهم ألضــحت بالد المسلمين جنات تجري من تحتها األنهــار, فالزكــاة هي النظام اإلقتصادي األمثل, هذا مـا يـتردد كـل يـوم عنـدــة؟ النابهين من الخطباء والمرشدين, فهل هي الحقيق أم أنها إن دلت على شيء فإنما تدل على جهل كامــل بالنظام اإلقتصادي أو السياسة اإلقتصادية, مثلــه مثــل الخطيب الـــذي يقـــف على المنـــبر ليـــبين للنـــاس أنــوم على اإلسالم هو دين الديمقراطية, وأن اإلسالم يق نظــام الشــورى, ألم يفكــر هــذا العــالم اإلقتصــادي الخطيب قليال ليعرف ما هو األساس الــذي يبــنى عليــه اإلقتصاد, فالمعروف أن المال مال اللــه, جعــل النــاس مستخلفين فيه, وإن امتالكهم له ال بــد أن يكــون بــإذن منه, من حيث أن الملكية هي إذن الشارع بحق اإلنتفاع بالعين, ألم يسأل ما هي األعيان التي يجــوُز للفــرد أنــا, ــا, واألعيــان الــتي يحــق للدولــة أن تمتلكه يمتلكهــرد أو ــوُز للف ــة ال يج ــة عام ــتي هي ملكي ــان ال واألعي للشركة أو للدولة أن يمتلكها, أو تستأثر باإلنتفــاع بهــاــة, فهي ملك للعامة, ملك لجميع الناس, هي ملكية عام إمتــاُز اإلســالم عن غــيره من النظم اإلقتصــادية في العالم بهذا النوع من الملك, فالشيوعية مثال كانت ترى

33

Page 34: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

ــة, والنظــام الحــر ــك للدول ــا في الوجــود مل أن كــل م الرأسمالي يرى أن كل ما في الوجود ملك للفرد, بينما يــرى اإلســالم أن هنــاك ملكيــة فرديــة منقولــة أو غــير منقولة وملكية دولة كذلك, وثالثة إمتاُز بها هي الملكية العامة, والتي تعتبر غائبة تماما عن أذهــان المســلمين, بل ال يعرفهــا إال من رحم ربي, ألنــه ممنــوع عليهم أن

يعرفونها وذلك لسببين رئيسيين:

األول كي ال يفكـــــــر المســـــــلمون•ــات ــه من معالجـ ــا فيـ ــالمهم ومـ بإســـة ــدهم للبحث في إقام ــادية تش إقتص

دولة اإلسالم

ــالبوا• ــاني كي ال يط ــبب الث ــا الس و أمحكامهم بنصيبهم من أموالهم

فهل يعــرف هــؤالء الخطبــاء والموجهــون عناصــر هــذه الملكيـــة العامـــة,وكيـــف يتم رعايتهـــا أو تنميتهـــا, أو

اإلنتفاع بها.

النــاس﴿ كلهم قــرأ أو ســمع قــول رســول اللــه والبعض منهم1﴾ شركاء في ثالث : الماء و الكأل و النار

ب�ق�﴿ أو كلهم سمع قول رسول الله ـن�اخ~ م�ن{ سـ� من[ى م~ــاع2﴾ وبعضهم قرأ أو سمع قصة أبيض بن جمال, وإقط

جبال له, ولما أبلغ أن فيه معــدن الملح قــالالرسول ال إذن فال, وكلنــا يعلم أن رســول اللــهرسول اللــه

يعود بهبته إال ألمر عظيم.

هل علم من قرأ أو سمع أن هذه القصة تعــني أنــة ــذهب والفض ــاطن األرض كال ــادن في ب ــع المع جمي والحديد والنحــاس, والزئبــق والغــاُز والنفــط هــو ملــك للناس, هو ملك للمسلمين. فليس للشــركة وال للدولــة

رقمه :1 ، الفتاوى مجموع في تيمية ابن السنن : 29 / 219أوردُه أهل رواُه معروف حكمه ،رقمه : 2 ، الترمذي سنن في الترمذي صحيح : 881أوردُه حسن حكمه ،

34

Page 35: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

وال للعائلــة المالكــة وليس ألحــد أن ينتفــع بشــيء منــه إنتفاعا دائما إن كان بذلك يمنع ولــو واحــدا من النــاس

من حق اإلنتفاع.

ــيرإليه بعض ــا يش ــف عم ــألة تختل ــذه المس وإن ه ُز فــإن فيــه الخمس للدولــة وأربعــةالركــاالفقهــاء من

أخماس لصاحب األرض أو المســتثمر فقــد خلطــوا بين المعدن الدائم واللقطة. لم يفرقوا بين مــا ركــز بفعــل اإلنسان وما هو طبيعي, بين ما هو محدود وبين ما هــو

بمنزلة الماء العد.

ــوع ــاك موض ــة, وهن ــة الملكي ــذا من حيث طبيع هــك. األعيان التي يجوُز أن تمتلك والتي ال يجوُز أن تمتل ثم هناك البحث في كيفيـة التملـك, ثم هنـاك موضـوع الصرف واإلنفاق. وما الذي أوجبه الله في هذا المــال. وما الزكاة سوى جزء تعبدي بسيط ال تدخل في النظامــا ــا أنه ــورد. كم ــددة الم ــا مح ــادي من حيث أنه اإلقتص محددة وجوه الصــرف في أنواعهــا الثمانيــة فال عالقــة

حرُزهــالها بالنظام اإلقتصــادي, وإنمــا بيت المــال هــو حتى يتم صرفها في وجوهها.

و مثــل هــذا البحث في أصــول اإلقتصــاد ال بــد من معالجة مسألة إستفحل خطرها في العالم أجمع, وهي فــرض الضــرائب على المــواد اإلســتهالكية كضــريبة

أن الفقـــيرفخـــذالجمـــارك أو أي ضـــريبة أخـــرى, المستهلك هو الواقــع تحت عــبئ الضــريبة, أمــا التــاجر والمستورد والصــانع فإنــه يضــيف هــذه الضــريبة على ثمن السلعة, فهـل بين هـؤالء الخطبـاء والـدعاة أنـه ال يجوُز فــرض ضــريبة على المــواد اإلســتهالكية كضــريبة

ــه ــة﴿ الجمــارك. وقــد قــال رســول الل ــدخل الجن ال ي و هل بينوا أنه ال يجوُز للدولة أن تفرض1﴾صاحب مكس

أية ضريبة على الناس إال في حاالت إضطرارية محــددة

رقمه : 1 ، داود أبي سنن في داود أبو عنه : 2937أوردُه سكت حكمه مكة) ، ألهل رسالته في قال وقد) صالح فهو عنه سكت ما كل

35

Page 36: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

وتكــون على األغنيــاء منهم, كمــا أنهــا ال يجــوُز لهــا أنتأخذها من الملكية العامة.

مثــل هــذه األمــور في النظــام اإلقتصــادي أو في السياسة اإلقتصادية ال بد للدعاة من توضــيحها للنــاس, فكيف إن كــانت مبهمــة عنــد الــدعاة أنفســهم, ففاقــد الشيء ال يعطيه. وكما قلنا في نظــام الحكم والنظــامــلمين ــة المس ــة عالق ــا من معرف ــد لن ــادي ال ب اإلقتص بغيرهم, وعالقة عامة المسلمين مع غيرهم, ناهيك عن العالقات القائمة بين هذه الكيانات السياسية المتعــددة القائمة في بالدهم. وهذه مشــكلة هامــة جــدا فمــا هــوــات ــاه الكيان ــر تج ــه عليهم بالنص ــوقفهم إن من الل م القائمة في العالم اإلسالمي, وما هي الحالة التي تتخذ معها, وهل يتم اإلعتراف بها؟ وهل تدعى لإلنضمام؟ الــر ــذا األم ــا, ألن ه ــر واضــحا جلي ــون األم ــد من أن يك بــبة ــذا بالنس ــات األولى. ه ــذ اللحظ ــة من ــترض الدول يع للكيانات القائمة في العــالم اإلســالمي, فكيــف بــاألمم

األخرى وكياناتها.

وهل ســطروا في كتبهم أو وضــعوا في تصــورهمــددوا ــل ح ــالم وه ــر ودار إس ــالم داران, دار كف أن العــر هي دار معنى كل دار, وهل توضح لديهم أن دار الكف الحرب, وأن دار الحرب إما أن تكون دار حرب حكمــا أو دار حرب فعال, وأي دولة يجوُز إقامــة المعاهــدة معهــا,ــوع من المعاهــدات, ومــا هــو الموقــف من ــل وأي ن بــر ــذا أم ــل ه ــا, ك ــا وقوانينه ــدة ومنظماته األمم المتح حتمي معرفتــه منــذ األيــام األولى بــل إن بعضــها منــذ

والتنضــيباللحظات األولى, وليس هناك متسع للبحث عن حكمها في مؤلفات الفقهاء السابقين.

فقد يقول قائل إن قيادات الحركة تعرف كل هذه األمور وال حاجة لتدوينها وطرحها للناس حتى ال يعرفــؤالء أعداء اإلسالم ما نبيت لهم من أمر, فهل ضمن ه وأخذوا المواثيق على الله أن القيادة التي تعــرف هــذه

36

Page 37: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

األمور ستبقى حية حتى قيام الدولــة وتســيير أمورهــا والنهوض بها, أال يخشون أن يفــاجئ المــوت من عنــدهــل ولم هذه المعلومات, فكيف تسير األمور من بعده؟ بــه ــاس, والل ــر من الن ــذا النف ــة على ه ــر المعرف تقتص

وسبحانه وتعالى يقول لرسول: } �د{عــ~ ب�يل� أ ـ�ذ�ه� س� ل{ ه� ۤو�ق~آ مــ� ه� و� للــ� ان� ب{ح� ت�ب�ع�ن�ي و�ســ~ �ن�ا{ و�م�ن� ة� أ ير� لل�ه� ع�ل�ى� ب�ص� �ل�ى� ٱإ ٱ ٱ

ر�ك�ين� ل{م~ش{ �ن�ا{ م�ن� ، ـهذا غيض من فيض,١٠٨ { يوسف: ٱأ وقليل من كثير ممـا يجب على الحركـات اإلســالمية أنــة ــة األم ــل على توعي ــرادا, وأن تعم ــادة وأف ــه قي تعي بمجموعهــا عليــه, فاألصــل غــرس الفكــرة في النــاســة وتغذيتها ورعايتها حتى تنمو وتكبر, فلو أقيمت الدولــل ــا, إســتطاعت الكت ــار من القضــاء عليه وتمكن الكف الواعية على إعادتها مرة بــل ومــرات. وإن قضــي على هذه الكتل الواعية, وكانت الفكـرة قـد نمت وترعـرعت في األمة, إستطاعت األمــة أن تنشــئ كتال أخــرى تعيــد بناء الدولة, فلتتضــافر جهــود هــذه الكتــل لغــرس هــذه األفكار في األمة. نعم إنه من المســتحيل إجتمــاع هــذه الكتــل في تنظيم واحــد, وذلــك للتبــاين الطــبيعي فيــاوت ــات, واإلختالف الحقيقي في الفهم, والتف العقليــري في الثقافات المكتسبة, إال أنه من الطبيعي أن يجــة هــذه األفكــار التعــاون والتنســيق فيمــا بينهــا لرعاي وتنميتها, حتى يشتد سوقها, وتؤتي أكلهــا بــإذن ربهــا. وال يعني التعاون بينها اإلقرار بمــا عنــدها من مفــاهيم ومــا تبنت من أفكــار, كمــا ال يعــني تأييــد الطريقــة أو األساليب المتبعة بينها, بل ال بد أن يكون التعاون مبنيا على الصــراحة الكاملــة, وبيــان مــا تــرى كــل فئــة عنــد األخـــرى من أخطـــاء, وأن يكـــون الحـــوار البنـــاء هـــو األسلوب األمثل للوصــول إلى التعــاون. أمــا مــا يجــري األن من طعن وتجريح وسب وشتم وإتهامات مــا أنــزل الله بها من سـلطان, فـإن هـذه أسـاليب هـدم وتنفـير وعداوة. كما أنهــا تجعــل األمــة تنفــر من كــل حــزب أوــة ــذا خدم تنظيم, وتبتعد عن كل تكتل سياسي. وفي ه

37

Page 38: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

ألعداء األمة الــذين يحــاولون غــرس فكــرة إن الــدين ال , وهــل ينقــذ األمــةأبــوهمدخل له في السياســة. للــه

ــل ــدها إال العم ــا ومج ــا عزته ــد له ــع شــأنها ويعي ويرفالسياسي.

38

Page 39: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

البحث في الطريقة بعد أن تالشت فكرة اعتزال العامة أو كادت, وعاد

امعظم الناس عن الفهم الخاطئ لقوله تعالى : } �ي�هـ� ي�أ�ذ�ا ل� إ ــ� ك~م{ م�ن ض ر� ــ~ ك~م{ ال� ي�ض ــ� س �ن{ف~ { ع�ل�ي{ك~م{ أ وا ــ~ ن ذ�ين� آم� ــ� ٱل

ا ك~ن{ت~م{ ــ� ي~ن�ب�ئ~ك~م{ ب�م ــا[ ف� يع م� ع~ك~م{ ج� ج� ر{ ــ� ه� م ــ� لل �ل�ى د�ي{ت~م{ إ ــ� ت ٱه{ ٱون� لـــ~ ، وأصـــبح معظم المســـلمين١٠٥ { المائـــدة: ت�ع{م�

وأن العمــلض،مؤمنين أن العمل للعودة إلى اللــه فــر الفردي ال يجدي بل ال بد أن يكون العمل في كتلــة لهــاــة. ــير، ولهــا خــط ســير واضــح، ولهــا سياســة معين أم ووجدت على هذا األســاس جمعيــات وتنظيمــات وكتــل وأحــزاب كلهــا تــدعو لعــودة النــاس إلى اللــه، وعــودة اإلسالم إلى واقع الحياة، إال أنهــا اختلفت في طريقــة عملها، وفي فهمها لكيفية الوصول إلى بغيتهــا) عــودة

اإلسالم لواقع الحياة(.

ولست هنا بصــدد مناقشــة خــط ســيرها ومــا تبنت وال بصدد ما يجب أن،من أفكار وما تقوم به من أعمال

تباشره اقتداء وتقيد[ا بأسلوب القرآن الكــريم ومنهجــهــدة ــيح العقي ــر، وتوض ــار الكف ــة أفك ــداء من مهاجم ابت اإلســالمية وضــرب أئمــة الكفــر – الحكــام – وتعــريتهم، وفضــح العالقــات الفاســدة القائمــة بين النــاس، فقــد

نهج القــرآن الكــريم﴿بحثت هذه المسألة في كتاب آخر ــدعوة ــا في البحث: الطريقــة)(﴾في ال ــل المــراد هن . ب

التي يرى كل من هذه الكتل والتنظيمات أنهــا الســبيل الموصــل لتحقيــق فكرتــه وإدراك غايتــه – أي عــودة اإلســـالم إلى واقـــع الحيـــاة - ويمكن مناقشـــة هـــذه المسألة مع الجميع معتــبرين أن هــذه الفئــات جميعهــا تتمتع باإلخالص الخالص واإليمان الكامل, ولست بصــدد مناقشة أراءها ومواقفها السياسية, بــل من حيث خــط سيرها الفكري والعملي فيمــا تــرى فيــه أنــه الطريــقــاة، ــع الحي ــالم لواق ــودة اإلس ــق ع ــل إلى تحقي الموص

39

Page 40: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

ويمكن تلخيص ذلك في مجموعات تتشابه في الطريق،تختلف باألعمال واألشخاص.

الفئة األولى: الجمعيات الخيرية

هناك مئات الجمعيات الخيريــة المنتشــرة في كــل قطــر من أقطــار العــالم اإلســالمي, وقــد تنــاولت كــلــده فروع الخير، إبتداء من تدريس القرأن الكريم وتجويــة وتالوته وحفظه وإنتهاء بمؤسسات الرعاية اإلجتماعيــة وحلقــات ــة الديني ــالتطبيب والتعليم مــرورا بالتربي ك

ــوا اوالدكم﴿الذكر, وتعريجا على النوادي الرياضية علم وقــد ضــمت هــذه1﴾ السباحه والرمايــه وركــوب الخيــل

الجمعيات في صفوفها بين أعضــائها مئــات األالف بــل الماليين في العالم اإلســالمي, فال تكــاد تخلــو قريــة أو مدينــة بــل حي من األحيــاء, من جمعيــة أو أثــار جمعيــة كمدرسة أو مستوصف أو مركز رعاية أو غير ذلك. وكل منها يرى أنه على الطريــق المســتقيم، وأن عملــه هــو العمل الحق, وأنــه وإن كــان ال يوصــل إلى إقامــة حكمــة ــالمية, إال أن الدول ــة إس ــاد دول ــه في األرض بإيج الل اإلسالمية ال توجد على األرض حتى توجد في النفوس.ــل ــدة ك ــوس وهي بعي ــام في النف ــف يمكن أن تق وكي

بــلت،البعد عن نفوس أعضاء ومؤسسي هذه الجمعيــا إنهم ال يؤمنون بالعمل السياسي إن لم يكن يحرمونــه. وفكــرة وجــود دولــة إســالمية هي فكــرة سياســية بحــد ذاتها، وكل فكر يتعلق برعايـة شـؤون النـاس هـو فكـر سياســي .ومــع ذلــك تجــد اآلالف من الطيــبين األتقيــاء ينخرطــون في هــذه الجمعيــات للقيــام بأعمــال خــيرةــا منهم بــأن لتخفيض العبء عن أبناء هذه األمــة وإيمان

الله ال يضيع أجر المحسنين.

كمــا ولســت بصــدد بيــان بعض هــذه الجمعيــات أو التعــرض لبعض األعضــاء في هــذه الجمعيــات الــذين

و الحصــول، إتخذوا منها وسيلة لتحقيق أغراض دنيويــة

1 .. رواية في الخيل ركوب ترد لم

40

Page 41: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

على مكاسب مادية, ال أريــد أن أخــوض في هـذا األمـر. حيث أنــني إفترضــت في الجميــع اإليمــان المطلــق, واإلخالص الخــالص, ولهــذا فــإن الــرد ال بــد وأن يكــون على هذا المستوى. فالســؤال الــذي أطرحــه األن علىــذين دفعهم ــات وال ــع العــاملين في مجــال الجمعي جميــاء إيمانهم للعمل في سبيل اللــه, لتخفيــف بعض األعب عن بعض المسلمين بقضاء بعض المصالح لهم. سؤالي

وهــو فيلهؤالء المؤمنين هو: هل قام رســول اللــه المرحلــة المكيــة الــتي تشــبه مــا نحن فيــه, بمثــل مــا يقومــون بــه من أعمــال وهــل كلــف أحــدا من صــحابتهــد ــان وعب ــان بن عف ــر وعثم ــال أبي بك ــادرين أمث الق الــرحمن بن عــوف وضــوان اللــه عليهم أجمعين بمثــلــنين ــاء من المؤم ــراء بعض األرق ــال. أو ش ــذه األعم ه الــذين يقاســون أالم العبوديــة واإلضــطهاد, أو تغطيــةــاجين من فقــراء الصــحابة أو غــيرهم من حاجــة المحت النـــاس, وأعـــني في المرحلـــة المكيـــة من حيث أن المرحلة المدنية تعني وجود الدولة اإلسالمية المتكفلــة برعاية شــؤون جميــع النــاس, فـإن لم يقم بهـذا األمــر

وال صاحبته الكرام, فهل أنتم أشد غــيرةرسول الله منهم؟

بها, تتمتعون التي الهائلة الطاقات هذه إن والقدرات العظيمة التي خصـكم اللـه بهـا, لم ال توضـع

في الطريق المؤدي لوجود اإلسالم في واقع الحياة؟

لم تجعلون من يسير معكم أو يمــدكم بــالعون أنــه قــام بمــا أوجب اللــه عليــه, فال على عثمــان بعــد ذلــك. ألمــالم أوجب على تعلمون – وأنتم حقا تعلمون - أن اإلس جميع أتباعه أن يجعلوا مصــيرهم موهــون بوجــوده في

إ�ن�الحياة, إنكم تقرأون وترددون دائما قوله تعــالى: }

م~ أ�ن� ل�ه~ م{ بــ� ال�ه~ و� مــ{أ� م{ و� ه~ ســ� ن�ين� أ�نف~ م� ؤ{ ل{مــ~ ى� م�ن� ت�ر� ش{ ٱلل�ه� ٱ ٱ

] دا ون� و�عــ{ ت�لــ~ ي~ق{ ون� و� ت~لــ~ ي�ق{ لل�ه� ف� ب�يل� ات�ل~ون� ف�ي س� ن�ة� ي~ق� ٱل{ج� ٱ

و{ف�ى�آن� و�م�ن{ أ� ر{ ــ~ ل{ق ــل� و� ي إل�ن{ج� اة� و� ر� و{ ــ� لت ا[ ف�ي ــّ ق ه� ح� ــ{ ٱع�ل�ي ٱ ٱ

ك� ــ� ذ�ل ل�ذ�ي ب�اي�ع{ت~م{ ب�ه� و� { ب�ب�ي{ع�ك~م~ وا ر~ ت�ب{ش� س{ لل�ه� ف� د�ه� م�ن� ٱب�ع�ه{ ٱ ٱ

ل{ع�ظ�يم~ ُز~ و{ ل{ف� و� ٱه~ ، كمــا أنكم تقــرأون في١١١ { التوبة: ٱال�ت�يكل صالة دعاء اإلستفتاح الــذي فيــه } ل{ إ�ن� صــ� قــ~

41

Page 42: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

ين� ال�م� ــ� ل{ع ب� ه� ر� ــ� ات�ي ل�ل م� ي�اي� و�م� ح{ ك�ي و�م� ن~س~ ــام:ٱو� { األنع ، وال تكون هذه اإلمكانــات الضــخمة موضــوعة على١٦٢

ــه, ــة ب ــة الالئق ــالم إلى المكان ــول باإلس ــق الوص طري ســيادته على العــالم وتحقيــق مــا وعــد اللــه ســبحانه

ق�وتعالى: } ل{حــ� د�ين� د�ى� و� ل{هــ~ ول�ه~ ب� ســ~ ل� ر� ســ� ر{ذ� أ� لــ� و� ٱه~ ٱ ۤو� ٱ

ر�ك~ون� ــ{ ل{م~ش ل�و{ ك�ر�ه� لد�ين� ك~ل�ه� و� ه~ ع�ل�ى ر� ٱل�ي~ظ{ه� ــف:ٱ { الص٩ .

إصالح الفرد وإصالح المجتمع

ــادر إلى الــذهن أن المجتمــع مكــون من أفــراد يتب وبنــاء عليــه فــإن صــالح الفــرد يــؤدي حتمــا إلى صــالح المجتمع, وقد هيمنت هــذه الفكــرة على أذهــان الكثــير من الناس واتخـذها بعضـهم قاعـدة أساسـية لطريقتـهــع ــا أن المجتم ــع, وبم في الوصــول إلى صــالح المجتم مكــون من أفــراد قــالوا أصــلح الفــرد يصــلح المجتمــع.ــذه ــاس ه ــية على أس ــزاب سياس ــامت تكتالت وأح وقــراد ــالح أف ــة إص ــا ملتمس ــقت طريقته ــدة, وش القاع

42

Page 43: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

المجتمع لتصل من ذلك إلى إصالح المجتمع بكامله, من أجل ذلك ال بد من مناقشة مكونات المجتمع حتى نصل إلى مناقشة الفكرة ومدى صالحيتها, فهــل حقيقــة أن المجتمــع مكــون من أفــراد وهــل حقيقــة أنــه إذا صــلح مجموع األفراد أو غالبيتهم يصــلح المجتمــع, فــإن كــان ذلــك كــذلك فـالقول صـحيح وإال فال بــد من معرفـة مــا

يصلح الفرد وما يصلح المجتمع.

إن هــذه الطاقــات الهائلــة والجهــود المبذولــة في أعمال البر, وتخفيف األعباء عن بعض المســلمين إنمــا هي أعمال خــير نســأل اللــه لفاعليهــا األجــر والثــواب, ولكن بودي أن أسأل هؤالء الناس, هل القيام باألعمال المندوبة, وبذل األموال في األمــور المســتحبة تســقط الــواجب, ويســتعاض بهــا عن الفــرض, فهــل يقــدم المندوب على الواجب؟ ومــا حكم اإلنشــغال بالمنــدوب

وترك الفرض؟

إن إفتتاح جمعية للمحافظة على القــرأن الكــريم,ــدواة ــ ــف لم ــ ــاح مستوص ــ ــد التالوة, أو إفتت ــ أو لتجويــاعدات المرضى, أو جمعية لمحو األمية, أو تقديم المس للمحتــــاجين, أو جمــــع الصــــدقات والتبرعــــات من المحسنين وتوُزيعها على المســتحقين, كلهــا وأمثالهــا أعمال خير والحمد لله, وأمتنا معطاءة كريمــة, كمــا أن فيها من الرجــال المفطــورين على النظــر في األمــور العامة, ممن يبذل قصارى جهده, بل أقول بياض نهاره وُزلفــا من ليلــه ال يكــل وال يمــل في خدمــة النــاس والبحث عن حاجاتهم, أمة معطاءة ورجال قادة ولكنهم انشـــغلوا في المنـــدوبات, وغاصـــوا في المســـتحبات فأضــاعوا الواجبــات. وظنــوا أن تــولي هــذه األمــور المستحبة أولى من التلبس بالواجب, أو أن هذه األمور المندوبــة تســقط عنهم الواجبــات المفروضــة. هــذاــا. بالنسبة للعاملين في هذه الجمعيات والقائمين عليه أما أثرها في الناس فإنهم يجعلونها مقياسا لمحاســبة

43

Page 44: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

الحركات السياسية العاملــة, فالنــاس عبيــد مصــالحهم. ولذلك فإنهم يهاجمون الفئات السياسية ويقولون ماذا

فعلتم للناس؟ ماذا قدمتم للمجتمع؟

لقد بحثت هذه المسألة بتفصيل في كتاب أخر لي )كتاب النهضة(, وال بأس من بحثها هنا مرة أخرى لعلنا نصل إلى حقيقة تؤدي إلى تغيير مسار كامل عند بعضــة التكتالت واألحزاب راجيا أن تدرس هذه الفكرة دراس جدية بعمق وإســتنارة, وهــذا يقتضــي معرفــة مكونــات

الفرد, وما الذي يحدد صالحه وفساده.

فبــالنظر إلى الفــرد والفطــرة الــتي فطــره اللــه عليها نجد أنه كائنا حيا فيه تركيب عضوي يحتـاج بقائـه إلى حاجات عضــوية ال بــد من توفرهــا لــه وتمكينــه من أخذها, منها مــا يأخــذه طبيعيــا من الهــواء المحيــط بــه كاألكسجين وغيره ومنها ما يقوم على توفيره وتناولــه عن طريق الفم كالطعام والشــراب والغــذاء. فالطاقــة الحيوية الفاعلة في هذا الكائن الحي توجــد في نفســه الرغبة أو الجوعة لتناول ما ينقص من هذه المواد التي يحتاجها الجســم, فيــدفع للبحث عنهــا لتناولهــا ويشــبع تلك الجوعة العضوية الحاصلة, أو أخرى لطرح مــا تلــف فيه من خاليا أو مواد تالفة يريد التخلص منهــا, وأعــني بذلك كله حاجة الجسم للغــذاء والمــاء, وقضــاء الحاجــة للتخلص من الفضالت. هذا جانب من حاجة هــذا الكــائن الحي وهو الجانب العضــوي وهنــاك حاجــات أو جوعــات من نــوع أخــر. حاجــات أو جوعــات نفســية يتعلــق بهــا الحفاظ على بقائــه أو الحفــاظ على إســتمرارية نوعــه وساللته, أو اللجوء إلى مواطن الطمأنينة واألمان عندــذا مــا يطلــق عليــه الحاجــات أو ــه. وه فزعــه وخوف الجوعات الغريزية كغريزة حب البقاء أو غريزة النوع أو غريزة التدين. هذه مجمل الجوعات الحاصــلة عنــد هــذا الكـــائن الحي والـــتي تســـبب الطاقـــة الحيويـــة فيـــه

اإلندفاع إلشباع هذه الجوعات.

44

Page 45: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

كمــا أنــه من الفطــرة أيضــا أن يمتــاُز هــذا الكــائن الحي الذي خلقه الله في أحســن تقــويم- من الفطــرة فيه أن الله تعالى قد وهبــه القــوة العاقلــة الــتي يمــيزــاهيم بين المواد والوسائل المشبعة, وتكون لديها المف المتعلقــة باألشــياء من حيث كونهــا تشــبع جوعــه أو ال تشبع. إال أن هذه الهبة الــتي إختص بهــا هــذا اإلنســان وكرمه بها كــان لهــا ثمن باهــظ التكــاليف, فقــد حملــه بالمقابل أمانة الســير بحســب مــا شــرع لــه من أحكــام ألزمه بالسير بحســبها, وبين لــه الخــير والشــر. فهــداه

د�ين�النجدين } لن�ج{ د�ي{ن�اه~ ، وجعـله مـسؤوال١٠ { البلد: ٱو�ه� عن كل عمل يقوم به مهما كــان صــغر فقــال تعــالى }

ه~ ر� ــ� [ ي را ــ{ ي ة� خ� ال� ذ�ر� ــ� ث{ق ل{ م� ــ� م�ن ي�ع{م ــم�ل{ { * } ف� و�م�ن ي�ع{ـه~ ر� [ يــ� ّرا ة� شــ� ال� ذ�ر� ث{قــ� ( ، ألزمــه بهــذه8-7 { )الزلزلــة: م�

األحكــام المنبثقــة من الرســالة الــتي جــاء بهــا رســولهــهمحمد ــوُز ل . وبينت له هذه الشريعة المواد التي يج

أن يشبع جوعاته منها, والمواد التي ال يجــوُز أن يشــبع منها, كما بينت له كيفية اإلشــباع, كمــا بينت لــه معــنى وجوده في الحياة وكيف عليــه أن يجتــاُز هــذه المرحلــة لينتقل منها إلى الدار األخرة الــتي يتم فيهــا الحســاب عما كسب وإكتســب في الحيــاة الــدنيا. وهنــاك الحيــاة األبديــة في نعيم مقيم أو الجحيم الــدائم. وهنــا يتقــرر لــدينا مــتى يكــون اإلنســان صــالحا, ومــا هي مقــاييس

الصالح والفساد, لهذا اإلنسان المطلوب صالحه.

ــذا ــات ه من هذا اإلستعراض السريع لمعرفة مكون الكــائن الحي, هـذا الفــرد المطلــوب إصـالحه. رأينــا أن األمــر ال يتعلــق بشــكله أو لونــه أو هندامــه أو ----, وال بقوته أو ضعفة, وإنما يتعلق بكيفيـة سـيره في الحيـاة في إشــباع جوعاتــه العضــوية, أو حاجاتــه الغريزيــة, واألساس الذي تنطلق منه هذه الكيفيــة ويمكن تلخيص

ذلك بما يلي:

أوال: عقيدته التي هي القاعــدة األساســية•ــاكله أي ــات مش ــا معالج ــق عنه ــتي ينبث ال

األحكام الشرعية التي تنظم حياته.

45

Page 46: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

ثانيا: تنظيم عالقاته بخالقــه وإلتزامــه بمــا• فرض عليه من عبادات والتقــرب إليــه بمــا

أرشده إليه من مندوبات.

ــه أن يتحلى• ــتي يجب علي ثالثا: الصفات ال بها في حياته وعلى رأســها حســن الخلــق على أن تكون هذه الصــفات بمــا بينتــه لــه األحكــام المنبثقــة من تلــك القاعــدة أي العقيــدة, ثم الــترفع عن الصــفات الــتي

ذمتها تلك العقيدة.

رابعا: تنظيم معاملته لنفسه أو تعامله مــع• غيره من النــاس أو األشــياء كمــا بينتــه لــه العقيدة كــذلك وتــركت لــه مقيــاس الحاللــلوكه ــبط س ــا يض ــا دقيق ــرام مقياس والح

ومعامالته.

هذه األمــور األربعــة هي المقومــات الــتي تحــدد صــالح الفـــرد وهي العقيـــدة والعبـــادة واألخالق والمعاملـــة. فبمقدار إيمانه وإلتزامه بالعقيدة ومــا ينبثــق عنهــا منــات ــه بالواجب ــام وتشــريعات تنظم ســلوكه, وقيام أحك المفروضة عليه وما ---- الواجبات من منــدوبات يتقــرر

صالحه وقوام شخصيته.

ــرد وأعني بذلك أن أعلى مرحلة نصل بها في صالح الف هي أن يلتزم بالعبــادات قــوال وعمال فيصــلي الفــروض الخمسة سبعة عشر ركعة ويصلي من النوافل مــا شــاء الله حتى تربو المائة ويصوم رمضان ويتبعــه بســت من شوال ثم يصوم صوم داوود عليه السالم وينفق أمواله بحيث أنه يمسي وال يملك النصاب فال تجب عليه ُزكــاة, ويحج ويعتمر كل عام, ويختم المصحف كل أسبوع وقدــتر عن حفظه على قلبه, تراه يسير وترى شفاهه ال تف

46

Page 47: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

التسبيح والحمد واإلســتغفار, ال يرتــاح إال بجلوســه فيالمسجد ينتظر الصالة, فهل بعد هذا من عبادة؟

ديدنه اإلنحناء إحتراما لمن هم في سن ابويه دائم اإلبتســامة لزمالئــه وأقرانــه, صــادق الحــديث, غضــيض البصر, وفي العهــد أمين, صــادق الســريرة ينبض قلبــه عطفـا وحنانـا على األطفـال أيـا كـانوا, ال تنظـر عينـه لمحرم, وال تســتمع أذنــه إال لترتيــل القــرأن وال ينطــق

لسانه إال بالذكر. فهل بعد هذا الخلق من خلق؟

ــعى ــالح يسـ ــان مصـ ــل إنسـ ــديهي أن لكـ من البـ لقضــائها, وكــذلك صــاحبي يعتمــد على نفســه بقضــاء مصـــالحه, إال أنـــه ال يعتـــبر المصـــلحة مصـــلحة إال إذا إعتبرها الشرع مصلحة, ويقوم على قضائها باإلســلوب الذي يحــدده الشــرع. فمقيــاس الحالل والحــرام دومــا تحت ناظره, فهو مقياسه الحقيقي ووجهة نظــره في الحياة, يبتعــد عن المكروهــات إبتعــاده عن المحرمــات,

فهي يقول من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه.

ترى من تمتع بهذه الصفات األربع هل يعتــبررجال صالحا؟

ــل ــف بك ــو المتص ــك, فه ــالح وال ش ــل ص ــه رج نعم إن الصفات الــتي ذكرهــا اللــه ســبحانه وتعــالى في كتابــهــل ــد تلبس بك ــك فق ــالح وال ش ــل ص ــه رج ــز, إن العزي مقومات الفرد في الحياة الدنيا, فال مزيد على ذلــك إال اإلستشهاد في سبيل الله, واألن نلقي نظــرة فاحصــة على المجتمــع لنعــرف مكوناتــه, ثم لنبحث مــتى يكــون المجتمع صـالحا ومـا هي السـمات الـتي تجعلنـا نطلـق

عليه أنه مجتمع صالح.

ــوا على ــاس إجتمع ــة من الن ــو جماع ــع ه المجتم العيش في مكــان واحــد, فكــان من البــديهي أن تنشــأ فيما بينهم عالقات دائمة, ومن البديهي أيضا أن تكــون هــذه العالقــات مســيرة بمفــاهيم ومقــاييس وقناعــات

47

Page 48: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

إرتضــتها الجماعــة, أو رضــيت بالخضــوع لهــا وتنظمعالقاتها بموجبها.

إن هذه الجماعة المكونة لهذا المجتمع لها عالقات داخلية فيما بينها إحتاجت إلى نظام ينظمها, فوضــعتــك قوانينه من تلك المفاهيم والمقاييس والقناعات, تل

القوانين التي يتم يموجبها قضاء مصالحها.

ــا من ــع غيره ــات م ــة عالق ــذه الجماع ــا أن له كم المجتمعات, سواء أكانت عالقات مودة وحسن جــوار أم عالقات حرب حكمية أو فعليـة, ولهـذا كـان ال بـد لهـذه

الجماعة من تنظيم لهذه العالقات وتحديد لها.

و من أجـــل تنفيـــذ هـــذه العالقـــات وإلتزامهـــا بالقوانين المرعيـة ال بـد من وجـود سـلطة تقـوم على تنفيذ هذه القوانين والمحافظة عليها ســواء مــا يتعلــق بالعالقات الداخليــة أو مــا يتعلــق بالعالقــات الخارجيــة, والســلطة هــذه تأخــذ صــالحيتها وقوتهــا من الجماعــة,

وليس من فرد أو مجموعة أفراد.

وعلى رأس هذه العالقات المطلوب تنفيذها:

حمايتها من أي غزو قد تقوم به جماعة أخرى• تطمع باإلســتيالء على خــيرات هــذه الجماعــة ونهب ثرواتهــا, وهــذا يتطلب تأســيس جهــاُز بضبط األمن الداخلي ويضبط األمن الخارجي كالجيش والشرطة مثال, وبديهي أن هذا ليس من صــالحية الفــرد بــل من صــالحية الســلطة

التي إختارتها الجماعة.

ــد• تحتاج هذه الجماعة إلى أشياء ضــرورية ال بــالتطبيب والتعليم ــة كـ ــا للجماعـ من توفيرهـ وإيجاد المرافق العامة كالشــوارع والطرقــات والمـــاء والكهربـــاء وأمثالهـــا, فعلى هـــذه السلطة المختارة أن تقــوم على توفــير هــذه

األشياء الضرورية في حياة الجماعة.

48

Page 49: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

قد يخرج فرد أو أفراد على مفاهيم وقناعات• هذه الجماعة, فيصيبهم مــا ذكــر في الحــديثــل ــذ ك الشريف إن قوما إستهموا سفينة فأخ منهم مكانه, فتناول أحدهم فأسا وأخــذ ينقــر مكانه فقالوا له ماذا تصــنع, قــال إنــه مكــاني اصنع فيه ما أشــاء, فـإن هم أخــذوا على يــده

نجا ونجوا, وإن تركوه هلك وهلكوا.

ل~﴿ ففي الحديث الشريف قــال رســول اللــه ثــ� م�ا )أي المــداهن( يهــ� د{ه�ن� ف� ال{مــ~ ه� و� د~ود� اللــ� ائ�م� ع�ل�ى حــ~ ال{ق�اب� صــ�

أ� ر�، ف� ين�ة� ف�ي ال{ب�حــ{ ف� م~وا ع�ل�ى ســ� ت�ه� و{م� اســ{ ث�ل� قــ� ك�م�ك�ان� ال�ذ�ين� ف�ي ا، ف� ل�ه� ف� م{ أ�س{ ه~ اب� ب�ع{ض~ ص�

أ� ا و� م{ أ�ع{ال�ه� ه~ ب�ع{ض~

ذ�ين� ب�ون� ع�ل�ى الــ� ي�صــ~ اء� ف� ون� ال{م� ت�ق~ ي�س{ ع�د~ون� ف� ا ي�ص{ ل�ه� ف� أ�س{ع�د~ون� ا: ال� ن�د�ع~ك~م{ ت�صــ{ ال� ال�ذ�ين� ف�ي أ�ع{ال�ه� ق� ا، ف� ف�ي أ�ع{ال�ه�

ا م�ن{ ب~هـ� ا ن�ن{ق~ �نـ� إ ا: ف� ل�ه� ف� ذ�ين� ف�ي أ�سـ{ ال� الـ� قـ� ا! ف� ذ~ون�نــ� ت~ؤ{ ف�

وه~م{ ن�عــ~ م� م{ ف� د�يه� �يــ{ ذ~وا ع�ل�ى أ إ�ن{ أ�خــ� ي، فــ� ت�ق� ن�س{ ا ف� ل�ه� ف� أ�س{يع[ا م� وا ج� ك~وه~م{ غ�ر�ق~ إ�ن{ ت�ر� يع[ا، و� م� ا ج� و{ 1﴾ ن�ج�

هذه نتيجة حتمية لمجتمع فسح المجال أمام الخارجينــذين ــراد ال ــرد أو األف ــدم على ردع الف ــه, فمن تق علي يخرجون على أعراف وتقاليد ونظم ذلــك المجتمــع. إن من المفاهيم المغلوطة الســائدة في المجتمــع, والــتيــة للفــرد, ــه وإنحطاطــه مفــاهيم الحري أدت إلى إنحالل فهل تعطى الحرية له؟ أم يخضع إلى قـوانين المجتمـع الذي يعيش فيه؟ فإن أراد أن يبدل عقيدته فهل يسمح

له بذلك؟

ــل ــدعارة ه ــار أو ال ــة القم ــك بطريق وإن أراد أن يمتليسمح له؟

وإن أراد أن ينشئ جريدة أو مجلــة أو كتب أراء فاســدةومفاهيم سيئة فهل يسمح له؟

ــاكس لم وإن أراد أن يســير بســيارته في اإلتجــاه المعحددته الجماعة هل يسمح له؟

رقمه : 1 ، الترمذي صحيح في األلباني صحيح : 2173أوردُه حكمه ،

49

Page 50: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

والناس ليسوا مالئكة, كما أنهم ليسوا أالت متحركة.

قلنا إن الفرد إن إلتزم بالعقيدة والعبادة واألخالق والمعاملة اعتبر فرد صالح فكان قرار صالحه ناشئا من

أمور خارجة عن ذاته.

فمتى نقـول عن المجتمـع أنـه صـالح, هـل يطلـق عليه أنه صالح لــوفرة النــاس الصـالحين فيــه؟ أم ألمــر

أخر خارج عن ذاته؟

ــوانين ــيرها بق ــيرها وتس ــات وس إن تنظيم العالق صالحة وجعلها عالقــات صــالحة وســلطة صــالحة تقــومــل المجتمــع على تنظيم هــذه العالقــات وضــبطها تجعــالحة ــدة ص ــع عقي ــالح المجتم ــالحا. إذن ص ــا ص مجتمع تكونت عليها أعراف عامة صيغت قــوانين عامــة نظمت عالقـــات النـــاس في الـــداخل تنظيمـــا دقيقـــا ورعت شؤونهم رعاية جيدة بواسطة سلطة أختيرت من هؤالءــيئهم, ــد مس ــربت على ي ــورهم وض ــاس, وحمت ثغ الن

وألزمتهم بدوام العبودية لله.

إذن فإن مقومات المجتمع هي : - - األعراف العامة

- القوانين المنبثقة عنهاــة على ــ ــلطة القائمـ ــ - السـ

تنفيذها

أو بعبارة أخرى, عرف عام ينبثق عنه نظام, يقوم علىــرد ــات الف ــؤمن. فالمالحــظ أن مقوم ــل م ــذه رج تنفيــالح يختلف كليا عن مقومات المجتمع, والسير على إص

مقومات الفرد لن يصل مطلقا إلى إصالح المجتمع.

بقيت مسألة ال بــد من إدراكهــا وعــدم الخلــط في مفهومها, إن البحث تناول مقومــات الفــرد ومقومــاتــة المجتمع لبيان الطريق الذي يجب أن تسير عليه الكتل

50

Page 51: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

المؤمنة الصالحة فهل تســلك ســبيل إصــالح الفــرد؟ أم تسلك سبيل إصالح المجتمع؟ فإن سلكت سبيل إصــالح الفرد فإنها لن تصل مطلقا إلى صــالح المجتمــع إال إذا انتقلت إليها في اللحظة المناسبة. أما الكتلـة المؤمنـة الصالحة فإن عملية تكوينها وبنائها ليســت هي موضــع البحث ألن عمليــة تكوينهــا لــه كيفيــة خاصــة, وهــذاــة ــة المؤمن ــألة. إن الكتل ــذه المس ــيح ه ــدفعني لتوض ي الصــالحة الــتي نــذرت نفســها للعمــل في ســبيل اللــه, ســبيل إعــادة اإلســالم لواقـع الحيــاة, ســبيل إســتئنافــدة الحياة اإلسالمية هي مجموعة من الناس أمنت بعقي اإلسالم, ووضعت لنفسها ثقافـة معينــة بتبــني شــبابها وأعضاءها على هذه الثقافة, وال تقبل في صــفوفها أو في عضويتها إال من تكون عقليته ونفســيته على هــذه الثقافة المتبناة. حتى الذين يستجيبون للعمل معهــا ال ينالون شــرف العضــوية فيهــا إال إذا اتصــفوا بالصــفات اإلسالمية كامال, وبنوا عقليتهم ونفسيتهم على أساس

تلك الثقافة المتبناة.

وتختلف كل فئة عن األخرى باختالف الثقافة التي تتبناها كل كتلة, سواء في خط ســيرها, أو في صــفات أعضــائها أو في جملــة األفكــار واالحكــام واألراء الــتي تبنتها وسارت عليها, والطريق الـذي تسـلكها للوصـول إلى هدفها, فإن كانت تســتهدف إصــالح الفــرد ســلكت لــذلك الطريــق الــذي يحقــق ذلــك, ورســمت األســاليبــع لهم التي تمكنها من ضم الشباب إلى صفوفها, وتضــظ ــالحهم كتحفي ــة إص ــاليب في عملي ــائل واألس الوس أجزاء أو سور أو أيات من كتاب اللــه. وكمالُزمــة الفــردــاد ــتدراجه إرتي ــه, وإس ــدوه ورواج ــطحابه في غ وإص الصــالة مــع الجماعــة, وربمــا قضــاء بعض مصــالحه أو إعانته لقضاء مصالحه, حتى ينخــرط بالجماعــة, ويصــبح

جزءا منها.

51

Page 52: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

أما إن كانت الجماعة تســتهدف األعمــال الخيريــة, فيكون همها األول ضــم النــاس أصــحاب اإلمكانيــة إلىــال من ------ لتتمكن من ــ ــاس الم ــ صـــفوفها, أو إلتم القيام بأعمالها الخيرية. وقد تعقد الندوات وتحث على التبرعات أو غــير ذلــك من الوســائل و األســاليب الــتيــذي ــبيل ال ــه في الس ــال إلنفاق ــع الم ــا من جم تمكنه

رسمته.

ــال ــام باإلعم ــتهدف القي ــة تس ــانت الجماع وإن ك المادية ومنها العسكرية فإنها تبحث كذلك عن الوسائل واألســاليب الــتي تمكنهــا من تحقيــق بغيتهــا, كالمــال

والسالح, وأماكن التدريب وغير ذلك.

أما إن كانت الجماعــة تســتهدف إصــالح المجتمــع,ــع فإنها تقوم ببيان فساد العالقات القائمة في المجتم وفساد الجهة القائمة على تنفيذ هــذه العالقــات, حــتىــة تتزعزع الثقة بين مجموعة الناس والســلطة التنفيذي القائمة على رعاية العالقات, وتستمر في الضرب على هذه العالقات, حــتى تصــل إلى القطيعــة بين الســلطة والمجتمـع, وتسـتمر حـتى تصـل إلى ثقـة النـاس بهـا, وبالتالي القبول والرضــى بقيادتهــا لهم, وفي الــوقت نفسه تعمل لتنمية جسمها, وبلورة مفاهيمها, وتوضيح

هدفها.

ــاوت ــة, والتف ــدف, وإختالف الثقاف إن إختالف اله بالفهم ومثل ذلك هي األساس في وجود أكثر من فئــةــوب األن وأكثر من حركة أو تكتل أو حزب وليس المطل توحيدها في حركة واحــدة إلســتحالة ذلــك كمــا أســلفنا وكمــا فصــلنا ذلــك في كتــاب نهج القــرأن الكــريم في الدعوة, إال أن المطلوب هو التعاون والتنسيق بين هذهــا ــل في تعاونه ــزاب. لع ــات واألح ــات والتنظيم الحركــق السرعة في إُزالة الغشاوة عن عيون األمة فيما يتعلــام ــايتعلق بنظ ــاة, وم ــع الحي ــالم في واق ــود اإلس بوجــادي في الحكم في اإلسالم, وما يتعلق بالنظام اإلقتص

52

Page 53: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

اإلسالم, وموقــف اإلســالم من العلم والتقــدم العلمي, وإستخدام الوسائل العلمية. إن التعاون الواجب وجوده

بين الحركات جميعها يؤدي حتما إلى:

إُزالة تلك الستارة التي أسدلها أعداءه على ما فيه•من نظم ورعاية لشؤون الناس.

غــرس فكــرة وجــوب وجــود دولــة لــه في نفــوس•ــا ــ ــألة يجب أن يجعله ــ ــذه المس ــ ــاس, وأن ه ــ الن المسلون قضــية مصــيرية, يتوقــف وجــودهم على

ى�وجودها مصداقا لقولــه تعــالى: } ت�ر� شــ{ ه� ــ� لل ٱإ�ن� ٱة� نــ� ل{ج� م~ أ�ن� ل�ه~ م{ بــ� ال�ه~ و� مــ{

أ� م{ و� ه~ ســ� ن�ين� أ�نف~ م� ؤ{ ل{مــ~ ٱم�ن� ٱ] دا ون� و�عــ{ ت�لــ~ ي~ق{ ون� و� ت~لــ~ ي�ق{ ه� ف� للــ� ب�يل� ات�ل~ون� ف�ي س� ٱي~ق�

و{ف�ى�آن� و�م�ن{ أ� ر{ ل{ق~ يل� و� إل�ن{ج� اة� و� ر� لت�و{ ّقا[ ف�ي ٱع�ل�ي{ه� ح� ٱ ٱ

ه� اي�ع{ت~م{ بــ� ذ�ي بــ� لــ� { ب�ب�ي{ع�ك~م~ وا ر~ ت�ب{ش� س{ لل�ه� ف� د�ه� م�ن� ٱب�ع�ه{ ٱ ٱ

ل{ع�ظ�يم~ ُز~ و{ ل{فــ� و� ك� هــ~ ذ�لــ� ٱو� ، الوضــوح١١١ { التوبــة: ٱــدع ــالمية, فال ينخ ــة اإلس ــوم الدول ــل لمفه الكام المسلمون بالكيانات الزائفة في العالم اإلســالمي

وتسميتها دول إسالمية.

إن المسلمين أمة واحدة وحربهم واحدة, فال يجوُز•أن تتعدد الكيانات في األمة الواحدة.

ــتراكية• ــة واإلش ــة أن الديموقراطي ــح لألم أن يتض أنظمة كفر, وأن أفكار الحرية والقومية والوطنيةــة ــدم وتجزئ ــل ه ــر وعوام ــار كف ــة أفك واإلقليمي

وتفريق.

ــك النظم• كما أن األجهزة التي تقوم على تنفيذ تلــة ــة والملكي ــر, فالملكي ــزة كف ــار هي أجه واألفكــة الدســتورية الدستورية, والجمهورية, والجمهوريــم والدكتاتورية فهذه األجهزة سواء من حيث اإلس

أو من حيث الصالحيات فإنه ال يجوُز إستعمالها.

53

Page 54: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

إن وجود ســلطة تشــريعية – برلمــان – كفــر ألنهــا• تعني إتخاذ رب جديد يأمر فيطاع, وذلــك من قولــه

ب�ابــا[ م�ن د~ون�تعالى: } ر{� م{ أ ب�ان�ه~ ه{ ر~ ه~م{ و� ب�ار� { أ�ح{ ا ذ~ ۤو�ت�خ� ٱ

ها[ ــ� �لـ� { إ ا د~ { إ�ال� ل�ي�ع{بــ~ ا ر~ ~مــ� آ أ مــ� ي�م� و� ر{ ب{ن� م� يح� ل{م�س� ۤو�لل�ه� و� ۤو� ٱ ٱ ٱر�ك~ون� ا ي~ش{ ان�ه~ ع�م� ب{ح� و� س~ �ه� إ�ال� ه~ �لـ� [ ال� إ دا اح� { التوـبة:و�

، فقال أحد الصحابة وهــو عــدي بن حــاتم, وقــد٣١ كان قد إعتنــق النصــرانية وعنــده معلومــات عنهــا,

ــولقال لرسول الله ــا رس "لكنهم لم يعبدوهم ي كــانوا يشــرعون لهم﴿ الله ! " قال رسول اللــه

.)(﴾ يحلون ويحرمون فيطعوهم وتلك عبادتهم

ــذا ــا, وه ــات بينه ــزاب والجماع ــاونت األح نعم إن تعوا{فــرض لقولــه تعــالى: } لــ� وا{ ال� ت~ح� نــ~ ذ�ين� آم� لــ� ا �ي�هــ� ا أ ٱيــ�

ئ�د� و� د{ي� و�ال� ٱل{ق� ام� و�ال� ٱل{ه� ر� ر� ٱل{ح� ه{ ع�آئ�ر� ٱلل�ه� و�ال� ٱلش� لش� ل�ذ�ا إ انا[ و� و� م{ و�ر�ض{ ب�ه� ال[ م�ن ر� ام� ي�ب{ت�غ~ون� ف�ض{ ر� ل{ح� ل{ب�ي{ت� ين� ٱآم� ٱ

د�وك~م{ و{م� أ�ن صــ� ن�آن~ قــ� ن�ك~م{ شــ� ر�م� { و�ال� ي�ج{ ط�اد~وا ص{ ل�ل{ت~م{ ف� ٱح�

بر� لـــ{ { ع�ل�ى ن~وا او� ت�عـــ� { و� د~وا ام� أ�ن ت�ع{تـــ� ر� ل{حـــ� د� ج� ل{م�ســـ{ ٱع�ن� ٱ ٱه� إ�ن� للــ� } وا ت�قــ~ ل{ع~د{و�ان� و� إل�ث{م� و� { ع�ل�ى ن~وا و�ى� و�ال� ت�ع�او� لت�ق{ ٱو� ٱ ٱ ٱ ٱ

اب� ل{ع�قــ� د�يد~ ٱلل�ه� شــ� ، فإنهــا ستحصــل على٢ { المائــدة: ٱــا نتائج ثالث بلورة أفكارهم, أوال: تحصين األمة وإبعاده

فهي الوصــولاالثافيعن أفكار الكفر ثانيا, وأما ثالثة للغاية المرجوة, وهي جعــل الهــدف الــذي تســعى إليــه

هذه الكتل والجماعات هو هدف األمة وغايتها.

54

Page 55: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

الثورات حيثما يســفر الفســاد عن وجهــه, وتبــدو الحقيقــة للعيان, ويرى الناس مقــدار الظلم والتعســف, وفســاد الرعايــة – رعايــة شــؤونهم – الداخليــة والخارجيــة. أيــه يظهر فساد المجتمع بالرغم من كــثرة الصــالحين فيــد ــد, مفاسـ ــك المفاسـ ــر تلـ ــراد, وحين تظهـ من األفـــامالت, تتحــرك ــة, ومفاســد الظلم, وســوء المع الرعاي طبيعيا في نفــوس النــاس غريــزة البقــاء لرفــع الظلم عنهم, وإصالح ما فسد من أحوالهم, مدركين أن فســاد العالقات ناشئ عن فساد السلطة التنفيذية التي تقوم على رعايـــة شـــؤون النـــاس. فينـــدفعون من هـــذا اإلحساس بالظلم أو الخيانة إلى العمل من أجــل إبعــادــة ذلك الظلم وإُزالة ذلك الفساد مستهدفين إُزالة الهيئ الحاكمة, والسلطة التنفيذية, الــتي هي ســبب الفســادــات ثم ــ ــدأ اإلحتجاج ــ ــديرهم, فتب ــ ــب تق ــ والظلم حس المظاهرات, ثم التنظيمــات المســلحة, وأخــيرا ثلــة من الجيش تقوم بعمل إنقالب, قد يكون إنقالبا أبيض كمــا يسمونه أو إنقالبا دمويا حين تتشبت السلطة التنفيذيةــاُزر ــؤدي إلى مج ــد ي ــا ق ــاء في ســدة الحكم, مم بالبق

رهيبة.

ويتم اإلنقالب, وتعــدم أو تبعــد الســلطة الحاكمــة, وتــأتي فئــة أخــرى – اإلنقالبيــة – أو من تختــاره, لتحــل محل السلطة األولى, ويخلــد النــاس للهــدوء والراحــة,ــترفع الظلم ــدة ل ــادة الجدي ــال على القي ــدين األم عاقــا هي إال عنهم, وتحسن رعايتهم, وتجيد سياستهم. وم فترة وجيزة حتى تبدأ األمة بالتذمر, فقد ذهبت أمالهــا أدراج الرياح, وتبخرت أحالمهــا ووجــدت نفســها تعــانيــد, أو ظلما وتعسفا وفسادا أشد وأنكى من العهــد البائ العهـد المبــاد ويبــدأ التملمــل من جديــد, ولكنــه تملمــل مصحوب بالبطش, قد تنجح فئـة مـرة ثانيـة في عمليـة تغيير السلطة التنفيذيــة أو الهيئــة الحاكمــة ومــع ذلــك

55

Page 56: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

تبقى األمـــة تـــرُزح تحت نـــير البطش واإلرهـــاب وكم األفــواه وقطــع األرُزاق وقطــع األعنــاق, وتبقى فكــرة التغيير بالعمل العسكري قائمــة في األذهــان, وإنتقلتــتي رأت أن العمــل العــدوى إلى التكتالت السياســية ال العسكري هو الطريق الوحيد لتحقيق األهداف. وبما أن العسكريين في القوات المسلحة ال يؤمن حانبها, وأنها تربت على أيدي الجالوُزة والطغــاة, وأنهــا من رجــاالت العهود السابقة, وإن اإلتصال بهــا إنمــا يعــني الخضــوع لها, والسير بأوامرها مع أن المطلوب أن تسير القــوى المسلمة بأمر هذا التكتل, ولذلك رأت هذه الكتل الــتي تؤمن بأن العمــل العســكري هــو الطريــق الوحيــد, رأت هــذه الكتــل أن تلحــق شــبابها في الجيش أو أن تقــوم على إيجــاد تنظيم عســكري من أبنائهــا حــتى إذا إشــتد سوقه تحركت الكتلة إلستالم الحكم بواســطة تنظيمهـا العســـكري فقـــط. ولمـــا لم ينجح إلحـــاق األبنـــاء في الجيش, ألنه سرعان ما ينكشف أمره فيطرد أو يســجن أو يعدم, وأما أن تغريــه رتبــة الضــابط وطريقــة عيشــه

, ويتخلى حــتىالمجنومكانته, فينقلب لتنظيمــه ظهــر ــه ــوده في كتلت ــاء وج ــا أثن ــتي أمن به ــادئ ال عن المب

السياسية.

إذن فلم يبقى إال أن يؤسس هذا التكتل السياسي تنظيما عســكريا من أبنائــه يقــوم في الموعــد المحــدد بتوته باإلحاطــة بــالحكم القــائم وإســتالم دفــة القيــادةــة ــ ــادة الكتل ــ ــة من ق ــ ــلطة تنفيذي ــ والمجيء إلى بســل السياسية نفسها. هذا ما يهيمن على الكثير من الكت السياسية الــتي تقــول أنهــا تريــد الوصــول إلى الحكم, وتنفيــذ فكرتهــا ورعايــة شــؤون األمــة بمــا تتبــنى من أحكام. وال يمكن أن يسمح وال بأي حال من االحوال أن توجد في هذا الكيان السياسي قوة يمكن ان تهدد أمنهــه ــكل رعايت ــه وش ــروج على نظام ــتقراره, أو الخ وإس للناس, ولهذا نجد األنظمة القائمــة في العــالم تــراقب بدقة هذه األمور الحساسة الســالح والتســلح, حــتى مــا

56

Page 57: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

يسمى بالسالح الفردي أو بنادق الصيد فقــد وضــع لهــاقوانين تنظم إستعمالها وإقتناءها.

ومن هنا كـانت قـوة الفئـة الحاكمـة معتمـدة على أمــرين, األمــر األول ثقــة النــاس بهـذه الفئــة الحاكمــة واألمر الثاني هو الجيش, فمن أراد أن يغير فئة حاكمةــة بين ــة القائم ويزيلها عن السلطة عليه أوال هدم الثق الشعب والسلطة ثم إيجاد قــوة ماديــة أقــوى من قــوة هــذه الســلطة, أي أقــوى من قــوة الجيش. ولمــا كــان الجيش هو القوة الفعلية الموجودة, وال يســمح بوجــود قوة قادرة على الوقوف بوجــه, لــذا كــان على مريــدي التغيير إستحضار قوى خارجية أقوى من قــوة الجيش – وهذه خيانة – فاإلستعانة باألجنبي خيانــة أيــا كــان هــذا األجنبي, وقد لمسنا بأيــدينا, ورأت عيوننــا, وقرأنــا عن تاريخ الشعوب والتدخالت األجنبية مــاذا كــان مصــيرها,

ومعظمها ماُزال قائما لألن.

فقــد إســتعان العــرب بــالغرب, بريطانيــا وفرنســاــانت ــاذا ك ــة فم ــة العثماني ــلطة من الدول ــتزاع الس إلن النتيجة, تمزيق للشــعب العــربي, وتجزئتــه إلى كيانــاتــتعانة الكـــويت ــة. وحـــرب الخليج وإسـ كرتونيـــة هزيلـ

والسعودية بأمريكا ال تحتاج إلى تعليق.

إذن وما دام األمــر كــذلك, إن اإلســتعانة بــاألجنبي خيانة, ونتائجه إجرام, والمسألة تحتاج إلى قــوة أقــوى من النظام القائم وأقــوى من الجيش فيــه, بــل أقــوى من الكيان كلــه, والمطلــوب هــو التغيــير, فكيــف يمكنــان ــطة الكي ــون بواس ــا يك ــير؟ إنم ــول إلى التغي الوص

الفكري.

قلنا إن هذا الكيان وقوته يقــوم على ثقــة النــاســة الحاكمــة ووضــع إمكانياتهــا تحت تصــرف هــذه بالفئــود ــبب بوج ــذه هي الس ــا دامت ه ــة. وم ــة الحاكم الفئــبب حيث أن القوة, فال بد من إُزالة السبب إلُزالة المس

مــا يلــزم من﴿القاعدة تقــول في تعريــف الســبب أنــه فكيــف لنــا أن نقتلــع )(﴾ وجوده وجود ومن عدمه العــدم

هذه الثقة من نفوس الناس؟

57

Page 58: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

الكيان الفكري إن النـــاس مرتبطـــون بالفئـــة الحاكمـــة بمقـــدارــرجت رعايتها لعالقاتهم وقيامها على مصالحهم فإذا خ هذه الفئة على مفاهيم الناس, أو قصرت في الرعاية,ــة على أخــرى, أو ظلمت أو إستأثرت بمنعه أو اثرت فئ الناس, فإن الثقة تبدأ باألفول حتى تنتهي ويحل عليها

الحقد والكراهية والتمني بزوال هذه الفئة.

هذه حقيقة واقعة, والطريــق إليهــا تقتضــي بيــانــان ــاس, وبي ــره على الن ــا خفي أم ــة مم ــاد الرعاي فس مخالفته لعقيدة الناس ومناقضــته لمــا يؤمنــون بــه من أعــراف وعــادات وتقاليــد, واإلســتمرار على ذلــك بكــلــة أو نفــاق. مثال إن اإلســالم ــات, وبال مداهن جــرأة وثب منـــاقض للديموقراطيـــة, ولكن التثقيـــف والتوجيـــهــا السابق جعل هذه الفكرة محببة مستساغة, فبيان انه مناقضة لإلسالم ليس أمرا سهال, لذا يقتضي ذلك بيــان جزئياتها حــتى تلمس لمس اليــد, فــالقول ان التشــريع في اإلسالم مصدره الــوحي – أي من عنــد اللــه – بينمــا الديموقراطيـــة تقـــول أن التشـــريع تضـــعه الســـلطة التشـــريعية أي مجلس النـــواب, أي أن الديموقراطيـــة

جعلت للناس ربا جديدا هو مجلس النواب.

هـو عبـارة عن مجموعـة من النـاس أمنت بعقيـدة معينة إيمانا فكريا, واشتملت هذه العقيــدة على فــروعــاس – فهي ــاة الن ــاة – حي ــوانب الحي ــع ج تعلقت بجمي لكونها عقيدة عقلية وجرى اإليمان بها عقليا, وتناولت بفروعها معالجة جميع نواحي الحياة, فهي بذلك كيــان فكري متسع, يؤثر بغيره وال يتأثر من غيره, يؤثر بغيره ألنــه يتنــاول مشــاعر األخــرين وأحاسيســهم ويخــاطبــة ــان الفكــري المكــون من كمي عقــولهم. إن هــذا الكي هائلة من المعالجــات, وهــو كتلــة من األفكــار تجســدت في أشخاص – قل عددهم أو كثر – فيــه قابليــة التــأثير

58

Page 59: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

ــدد ــبرة لع ــه, فال ع ــولي قيادت ــه وت ــذ ثقت ــيره, وأخ بغ األشخاص الذين يحملون هذه األفكار, إال أنه كلما كــان

عددها أكبر كان إشعاعها أفعل.

إذن الكيان الفكري هو عبارة مجموعة من األفكــارــذا واالحكام واألراء تجسدت بمجموعة من الناس. إن ه الكيان الفكــري فيــه قابليــة التــأثير في الشــعب وأخــذ ثقته, فيه قابليـة التـأثير السـلطة في الفئـة الحاكمـة, وممن الممكن أخذ قيادتها – لو كانت مخلصــة ألمتهــا – فيه قابلية التأثير في القوة التي تعتمد عليها الســلطة – الفئة الحاكمة – أي التأثير بالجيش وأخذ ثقته وإنتزاعــذا قيادته, فالجيش هم أبناء هذه األمة, لذا فإن على ه الكيان الفكري السير نحو هدفه بجرأة وثبات مستهدفا كســـب ثقـــة النـــاس وإيجـــاد القطيعـــة بين الســـلطة

والشعب.

قبل أن أناقش هذه الفكرة ومــا تتطلبــه من وعي وإدراك, وددت أن أضـــع بين يـــدي القـــارئ, تجربـــتين اثنتين يستطيع أن يلحظ منهما الرد على هــذه الفكــرة ولعله يعمل ذهنه فيهما, وينقل تصوره ذلك لرجال تلك الكتل المؤمنة بوجوب تأســيس تنظيم مســلح وتقويتــهــذ الحكم وإســتالم ــادرة على أخ بحيث يصــبح األداة الق

السلطة.

في ظــروف معينــة وجــدت منظمــة التجربة االولى:• التحريـــر الفلســـطينية كمـــا وجـــد من قبلهـــا جيش التحريــر الفلسـطيني في أوائــل السـتينيات, والــذي ذاب في إطار منظمة التحرير الفلســطينية الــتي مــا لبثت أن أشعرت عن نفســها وعن عملهــا, وباشــرتــام بالعمليــات الفدائيــة ضــد إســرائيل, ووقفت القي جميع الدول العربيـة إلى جانبهـا, حـتى إدعى الملـك حسين أنــه هــو الفــدائي األول, كمــا ســاندتها جميــعــد الدول القائمة في العالم اإلسالمي, وإنتقــل التأيي إلى المعســكر اإلشــتراكي الــذي فتح أبوابــه, ووضــع

59

Page 60: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

ــر وقيادتهــا. وحين إمكانياته بين يدي منظمــة التحري نقول منظمة التحرير الفلسـطينية إنمــا نعــني كافـةــمائها ــع أس ــلحة بجمي ــائل المس ــات والفص المنظمــا السياســية ومسمياتها. وانطلقت المنظمة بأعماله والعســـكرية حـــتى أرغمت العـــالم على إحترامهـــا,ــة األمم ــراقب في منظمـ ــو مـ ــا كعضـ ــرحيب بهـ وتـ المتحدة, وكان لدى المنظمة من اإلمكانيــات الماديــة والعســكرية مــا يفــوق مــا عنــد بعض جيــوش بلــدانــدريب, ــكرات التـ ــه معسـ ــد فتحت لـ ــة, وقـ المنطقـــورية ومن ــ ــاطق اإلنطالق, من األردن ومن س ــ ومن جنــوب لبنــان, حــتى قــالوا إن منظمــة التحريــر هي الناطق الوحيد والممثل الوحيد للشعب الفلسطيني. وإقتضــى الوضــع السياســي الــدولي أو اإلقليمي أو المحلي, تقليص هذا الوجود من بعض المناطق فمنع إنطالقه العمليـات من مصـر, وإقتضـى األمـر خـروج المنظمـــة المســـلحة من األردن فـــإدى ذلـــك إلى اإلصطدام العسكري بين الجيش األردني – الــذي هــوــاني – ودارت أضعف جيوش المنطقة بع الجيش اللبن المعــارك طاحنــة في ضــواحي إربــد, وفي عمــان نفسها مدة أربعة عشر يومــا كــانت حصــيلتها الــدمار والخـــراب واالف القتلى والجـــرحى, والهـــروب إلىــك سورية ولبنان وفلسطين المحتلة, واألنكى من ذل العداوة الشديدة بين أبناء الشعب الواحــد في األردنــطيني. ــر فلسـ ــعب أردني وأخـ ــطاره إلى شـ وإنشـ وطــردت المنظمــة من األردن, مــع أن اإلمكانيــات العســكرية الــتي تــوفرت لهــا ال يمكن أن تتــوفر أليــالم. ــدان العـ ــد من بلـ ــل أو تنظيم, وفي أي بلـ تكتـ طردت من االردن ولم تعتبر بما حصل, فانتقلت إلى لبنان, أو هكذا أريد لهــا أن تنتقــل إلى لبنــان, وكــان لديها من األمكانيات مــا تســتطيع بــه أن تغــير, أو أنــون ــد ال يك ــا ق ــة. من هن ــة المنطق ــؤثر في سياس تــوة ــني أن القـ ــه, وأعـ ــا على واقعـ ــال منطبقـ المثـ

60

Page 61: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

العسكرية للمنظمة كانت خاضعة للقــرار السياســي. ولذلك ال وجه للقول بعدم فاعليــة القــوة العســكرية في التغيـير السياسـي للكتلـة السياسـية أو الحـزب. فمنظمـــة التحريـــر كـــانت قوتهـــا أســـيرة القـــرار السياســي, وإال لتمكنت بقوتهــا الماديــة أخــذ األردن

وتغيير وجه السياسة في غيره69 و 68في سنوات من البلدان لما كان لها من دعوة ودعاية.

ــال حي التجربة الثانية:• وأما المثال الثاني وأظنه مثــة ــة فكري ــال لحرك ــو مث ــذلك, فه ــاس ك ــه الن عايش تســتهدف الحكم وتغيــير النظــام القــائم بــل وتغيــيرــة ــذ بداي ــامال, فعملت من ــذريا ش ــيرا ج ــع تغي المجتم تكوينهــا السياســي التنظيمي على األخــذ باالســبابــحة, ــية واض ــرة سياس ــا. فك ــلها لمبتغاه ــتي توص الــة ــرة, ودعــوة ودعاي ــون بهــذه الفك وأشــخاص مؤمنــكرات, ثم ــتعداد وتنظيم و معس ــوال وإس ــع أم وجم

1937سالح وتسليح وتدريب. بدأت تلك الكتلــة ســنة ــذي رســمته للوصــول إلى ــق ال و ســارت في الطريــاني ــائب اللبن هدفها. كانت تلك الكتلة هي حزب الكتــروف أن تفتح ــاءت الظ ــل. وش ــير الجمي ــادة بي بقي أمامها بابــا واســعا تــدخل بــه حلبــة الصــراع العلــني, واإلســتعداد العســكري, وتلقي المســاعدات الماديــةــا ــك حين إشــتد الصــراع بين أمريك والعســكرية, وذل وبريطانيا على الساحة اللبنانية حــامال وجــه الصــراع الديني, بل الحرب بين المسلمين والنصارى, وتسلم حزب الكتائب قيادة النصارى واستولى على البندقية النصرانية وهيمن على جميــع التنظيمــات النصــرانية المســلحة تحت إســم القــوات اللبنانيــة, في هــذه

حــتى1974الحقبة من الزمن وبالتحديد ما بين سنة كانت قواته العسكرية ال ينقصــها شــيء,1982سنة

بــل وكــثر من ذلــك فقــد إســتعان بإســرائيل لطــردــان, وإقتضــت ــر الفلســطينية من لبن منظمــة التحري السياســة الدوليــة ذلــك, وتم لــه مــا أراد بإجتيــاح

61

Page 62: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

إسرائيل لبنان, واستقبلها الحزب إستقبال الفاتحينــحبت ــا في خنــدق واحــد ومــا أن انس ــف معه ووق إسرائيل حتى كان بشير الجميل رئيسا للدولة, ولكن ليس بسبب قوته العســكرية بــل الظــروف والصــراع الـــدولي الـــذي جعـــل العـــرب يجتمعـــون في جـــدة ويســتدعون بشــير الجميــل لحضــور المــؤتمر ويعــودــل ــل بشــير الجمي ــة, واغتي ــل رئاســة الجمهوري ليحت وتــولى الحكم من بعــده شــقيقه أمين الجميــل وبــدأ الصراع يأخذ وجها أخر بعد أن طردت منظمة التحرير الفلسطينية, حتى أسفر عن صــراع عــنيف ثم حــرب طاحنــة بين الجيش اللبنــاني بقيــادة الجــنرال عــون, وبين القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجــع, عفــوا لمــه وبين ــ ــاني جميع ــ ــراع بين الجيش اللبن ــ يكن الص القوات, بل بين شرذمة منه ألن القســم األكــبر منــه كان مشتت الوالء بين ســورية ومنظمــة أمــل وجيشــرب بين فخر الدين ومستقلين وغير ذلك. إنتهت الح الجيش اللبناني – مجاُزا – والقوات اللبنانية بهزيمــة منكــرة للقــوات اللبنانيــة بقيــادة حــزب الكتــائب,ــول وانشطر الحزب على نفسه. وهنا ال بد لي أن أقــر ال إن المعاذير التي يمكن أن تساق لمنظمة التحري يجوُز أن تساق لحزب الكتائب. فهو حزب سياسي لهــعت فكرته وقيادته المخلصة لفكرته وله أهدافه, وضــه من شــراء الجيش ــة تمكن ــات هائل ــه إمكاني بين يدي اللبناني بكاملــه إال أن قيادتــه أخطــأت خطــأ فظيعــاــة, حين أهملت شــأن الجيش, اعتمــدت قوتهــا الذاتيمغرورة بما لديها من قوة, وما عندها من إمكانيات.

و هنا ال بد من وقفة قصيرة.

ــعب عن ــو تخلي الش ــا ه ــد م إن الحكم في أي بل سلطته ليضــعها بيــد شــخص أو فئــة تقــوم على رعايــة العالقات العامة التي تنظم حيــاة النــاس وتجعــل منهم

مجتمعا وكيانا سياسيا.

62

Page 63: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

فإن كانت هــذه الرعايــة للعالقــات العامــة منبثقــة عن عقيدة الشــعب أو من عاداتــه وتقاليــده. فــإن بقي هذا الشخص أو مجموعة األشخاص محافظــة على هــذه الرعاية, ومراعية عقيدة الناس ومخلصــة في تنفيــذها,ــا إن ــالي والنفيس. أم إلتف الشعب حولها وحماها بالغ أحس أنها بدأت تخرج عما اتفــق عليــه, وبــدأت تســتأثرــة ــة على فئ بإمتياُزات خاصة, ومنافع أنانية, أو تؤثر فئ

فإنها تبدأ بالتحسس للقيام بعملية التغيير.

ــاب ــعت على رق ــتي وض ــة ال ــخص أو الفئ إن الش الناس إعتمدت في وجودها على قوة من هؤالء النــاســة هــذا الكيــان وتوفــير األمن لــه في تمكنهــا من حماي الداخل والخــارج وتضــرب بقــوة كــل من يحــاول العبث بأمن الناس, أو الخروج على القانون, أو الخــروج على السلطة. ولهذا كانت هذه القوة – الجيش – هــو القــوة

الوحيدة في البلد.

ب�ابا[مستدال بقوله تعالى: } ر{� م{ أ ب�ان�ه~ ه{ ر~ ه~م{ و� ب�ار� { أ�ح{ ا ذ~ ۤو�ت�خ� ٱ

} ا د~ { إ�ال� ل�ي�ع{بــ~ ا ر~ ~مــ� آ أ مــ� ي�م� و� ر{ ب{ن� مــ� يح� ل{م�ســ� لل�ه� و� ۤو�م�ن د~ون� ۤو� ٱ ٱ ٱر�ك~ون� ا ي~شــ{ ــ� ان�ه~ ع�م ب{ح� و� ســ~ ه� إ�ال� هــ~ ــ� �لـ� [ ال� إ دا احــ� ها[ و� ــ� �لـ� {إ

فقد دخل عدي بن حاتم الطائي على رسول٣١التوبة: ا{ وكــان رســول اللــه يتلــو قولــه تعــالى: } الله ذ~ ۤو�ت�خــ� ٱ

ب{ن� يح� ل{م�ســ� ه� و� ــ� لل ــا[ م�ن د~ون� ب�اب ر{� م{ أ ان�ه~ ــ� ب ه{ ه~م{ و�ر~ ار� ــ� ب ٱأ�ح{ ٱ ٱ

و� ه� إ�ال� هــ~ ــ� �لـ� [ ال� إ دا احــ� ها[ و� ــ� �لـ� { إ ا د~ { إ�ال� ل�ي�ع{بــ~ ا ر~ ~مــ� آ أ مــ� ي�م� و� ر{ ۤو�م� ۤو�ر�ك~ون� ا ي~ش{ ان�ه~ ع�م� ب{ح� ــاتم٣١ {التوبة: س~ فقال عدي بن ح

كـــانوا﴿ لكنهم لم يعبـــدوهم, فقـــال رســـول اللـــه يشـــرعون لهم يحلـــون ويحرمـــون فيطعـــوهم وتلـــك

ــر,)(﴾ عبادتهم فإنك حين تخاطب الشعب بمثل هذا األم خصوصا وإن عقيدته ما ُزالت سليمة نقية, فإنك تثــيره وتسبب شــرخا بينــه وبين أســاس --- رعايتــه القائمــة. كذلك حين يتبين له أن هذه الفئة الحاكمة القائمة على رعاية شؤونه بنظام معين, إنمــا إســتباحت بــه أعــز مــا يملك فقد وضعت تشريعات إستباحت عرضه وانتقصت

63

Page 64: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

من كرامتــه, فقــد أبــاحت الزنــا إن كــان عن رضــى وإختيار, ويمنع األب منعا باتا من التدخل في تصــرفات ابنته الزانية, وقل هذه األمور من فساد الرعايــة كثــير, ومن الظلم أكــــــثر, ومن المحســــــوبية والتميــــــيز واإلمتياُزات أضعاف أضــعاف. فــإن إســتمرارية الضــرب على فساد هذه العالقات وكيفيــة رعايتهــا يــؤدي حتمــا إلى قطع الثقة ما بين الحاكم والمحكوم, مــا بين هــذه الفئة المتسلطة وبين الشعب الــذي مكنهــا من رقبتــه,ــير, أوعلى ــة التغي ــالي فســيبدأ بالتحســس لعملي وبالت األقل القبول بعملية التغيير. وبما أن الجيش هم أبنــاء هــذا الشــعب فــإن إحســاس الرغبــة بــالتغيير ســينتقل طبيعيا إلى هذا الجيش, وإلى أصحاب الفعالية فيــه, إالــا ــور لم ــديهم تص ــدفا وليس ل ــد ه ــددوا بع أنهم لم يح يريدون إال التغيير والتغيير فحسب, ولهــذا فقــد قــامت عدة محاوالت للتغيــير, فغــيرت األشــخاص فعال إال أنهــا لم تغير النظام, فبقيت تعاني األمرين مما وصلت إليه,

وتبكي على ما مضى.

أما ذلك الكيان الفكري فإن عليه البقاء في وسط األمة يشرح لها أفكاره, ويبين لهــا معالجاتــه, ويحــذرهاــا ــذ ثقته من اإلنتقال من اإلحساس للعمل, ويحاول أخــه في ــعب إلى أبنائ ــة من الش ــذه الثق ــل ه ــتى تنتق ح القــوات المســلحة, ممــا يســهل لهــذا الكيــان الفكــري العثور على مراكــز القــوة الــتي تثــق بــه ثم تمكنــه من

إستالم الحكم.

نعم ال بد لهذا الكيان الفكــري المتمثــل بمجموعــةــات ــرب على العالقـ ــل الضـ ــاس من أن يواصـ من النـ الفاســدة الــتي تنظمهــا الســلطة التنفيذيــة ســواء في العالقات الداخلية, كإهمال المرافــق العامــة, أو فــرضــارك الضرائب على المواد اإلستهالكية, أو ضرائب الجم التي ترهق كاهل المســتهلك وليس التــاجر ومخالفتهــا

ــه للنصوص التي أمن الشعب بها مثل قول رسول الل

64

Page 65: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

أو التنــاُزل عن البالد1﴾ ال يــدخل الجنــة صــاحب مكس﴿ وبمـــا فيهـــا من مقدســـات للكفـــار. نعم ال بـــد من اإلستمرار بتبني هذه المصالح والتصدي لتلك المفاســدــذا ــل ه ــة الئم, ولكي يص ــه لوم ــذه في الل دون أن تأخ الكيان لما يريد من تغيير ال بد أن تكون أهدافه واضــحة بكلياتهـا بـل وجزئياتهـا. فـالوعي على الهـدف ال يقـلــالوعي ــام ب ــق واإلهتم ــوعي على الطري ــة عن ال أهميــحية. والفهم ال يقل أهمية عن الجرأة واإلستعداد للتض فأخطر ما يجابه الكيان الفكري من أمور هو عــدم أخــذ األفكار بالجدية التي ترتقي لمستوى األفكــار العمليــة, كالتنظير والخيال والبحث في المثاليات إلى غــير ذلــك

وقانا الله شرها.األُزابيتاتمن البحوث الفلسفية أو

رقمه : 1 ، داود أبي سنن في داود أبو عنه : 2937أوردُه سكت حكمه مكة) ، ألهل رسالته في قال وقد) صالح فهو عنه سكت ما كل

65

Page 66: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

نظرية العصيان المدني العصيان المدني هو إمتنــاع كــل موظــف أو عامــل في القطاع العام أو القطاع الخاص عن مباشرة عمله, فهو بتعبير أخر إضراب عام شامل لكل نــواحي الحيــاة, ويستعمل عــادة بشــكل جــزئي للضــغط على الدولــة أو الســلطة لتحقيــق هــدف من األهــداف, أمــا إســتعماله بشــكله العــام فهــو محاولــة إلجبــار رئيس الدولــة على التنحي واإلســتقالة, وإســتبداله بغــيره. هــذا من ناحيــة نظرية, أما من حيث الناحية العملية فإن المسألة أبعــدــة ــة من األم ــة مطلق ــير, فهي تتطلب ثق ــك بكث من ذل بإطاعتها وتنفيذها. أما إن لم تكن الثقة كذلك فالدعوة إلى العصيان المدني قد تؤدي إلى نتائج عكسية تمامــا.ــاح, وقد مر بنا في هذا العصر تجربتان, بدا أولهما النج

وأما الثانية فقد فشلت باإلسلوب الذي سلكته.

إما أسباب نجاح األولى فيعود إلى أمرين.

ــديااألمر األول : • إرتباط الجماهير إرتباطا عقيــرعي بعلمائهم ومجتهديهم, حيث أن الحكم الشــد بحق الجعافرة يقضي بعدم تقليد الميت, فال بــة ــه ثق ــق ب ــد حي يث ــد مجته ــلم من تقلي للمس مطلقة. فقد أواله الثقة في دينــه فعليــه كــذلك أن يوليه الثقــة في أمــور دنيــاه, ومن هنــا صـار من السهل على العاملين في حقل التغيير أخــذ ثقــة األمــة بوجــود المجتهــد بينهم أو أن يكــونــؤون ــدرك لش ــرائط الم ــامع للش ــد الج المجته العصر هو قائد العاملين على التغيير كمــا حــدثــذي مع الخميني تحديدا. هذا هو السبب األول ال جعل الخميني ينجح بـالتغيير سـلما ودون إراقـة

دماء.

66

Page 67: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

ــاني: • ــر الث فــإن الصــراع العــالمي علىاألم أملىالمنطقـة, والتنـافس بين دول اإلسـتعمار

الجيش اإليراني على عدم التــدخل, وأجــبر على البقاء في ثكناته ممــا مكن للقيــادة الجديــدة أن

تقوم بمهامها, وتجبر الشاه على الرحيل.

إن هــذين األمــرين لم يتــوفرا في العمليــة الثانيــة التي فشلت في الجزائر وأعني جبهة اإلنقاذ فال أنــاس مرتبطين بعلمائهم ومجتهديهم إرتبــاط عقيــدة وتقليــد شرعي, وال القائمين على القيــادة هم من المجتهــدين أو المراجع الشرعية, ومع ذلك فقد أوجدت قيادة جبهة اإلنقــاذ رأيــا عامــا وإنقــاد لهــا النــاس إنقيــادا شــامال, إستعاضت به عن التقليد الشرعي, وكــان لتلــك الحالــة ظروفـا خاصـة مكنت الجبهـة من تحقيـق ذلـك النجـاح. ومع ذلك لم تنجح في التغيير بالرغم من حصولها على

% في اإلنتخابات.80

ــل في أما األمر الثاني فكان على العكس مما حص إيران, ففي إيــران أجــبرت أمريكــا الجيش على البقــاءــاه أو ــة الش ــرك لحماي ــه من التح ــه ولم تمكن في ثكنت الحكم. بينما في الجزائر فقد تدخل الجيش لمنع جبهــة اإلنقـــاذ من ممارســـة حقهـــا الدســـتوري والقـــانوني والشــرعي. ولم يكتفي بمنعهــا بــل إعتقــل قادتهــا, وإعتبر أتباعها خارجين على القانون, فاعتقــل المئــات

بل األالف منهم, وما ُزال يطاردهم.

من هنــا نــرى أنــه ال يمكن القيــام بعمليــة التغيــير مهما بلغت الثقة بين األمة وقيــادة التغيــير, فال بــد من مراكز القــوة لتتــولى هي عمليــة إبعــاد الحــاكم المــراد تغييره. وتمكن قــادة التغيــير من تنصــيب حــاكم جديــد, وإجــراء التغيــير اإلنقالبي الشـامل, وبــدون التمكن منــدا, أخذ مراكز القوة, فال يمكن القيام بعملية التغيير أبــة, وال ــات ديموقراطيـ ــدني, وال إنتخابـ ــيان مـ فال عصـ

إغتيال سياسي.

67

Page 68: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

ــتعمال ــ ــة – إس ــ ــة نظري ــ ممن الممكن – من ناحي العصــيان المــدني طريقــة للوصــول إلى الحكم وطــردــاكم أو إســتبداله, دون الحاجــة إلســتعمال القــوة, الح وهذا األمر يتطلب أمورا كثيرة ال بــد من إدراكهــا منهــا ما يجب أن يكون عليها هذا التكتــل أو ذلــك الحــزب من وعي وإدراك وجرأة وإقدام. وقد بينا في فصــل ســابق صــفة أي تنظيم يــود تغيــير الواقــع الفاســد إلى واقــع أفضل فال ضرورة للخوض فيه مــرة أخــرى بــالرغم منــل وال ــا لجاهـ ــه حيث أن األمم ال تعطي قيادتهـ أهميتـ جبــان. فكيــف إن كــانت األمــة – أمتنــا اإلســالمية – قــد ذاقت األمـرين من قـادة خـدعوها مـرات ومـرات حـتى باتت في شك دائم من أي قائــد, وإرتيــاب مســتمر من أي تحرك. مع أنها أمـة كريمـة معطـاءة, تجـود بفلـذاتــق ــ ــدما تث ــ ــالي والنفيس عن ــ ــذل الغ ــ ــا, وتب ــ أكباده

بقيادتها...وفي سبيل الجهاد على وجه الخصوص.

إذن, وما دام األمر يتعلق بالحصول على ثقة األمة فإن األمر ال يقتضي معرفــة األعمــال الــتي من شــأنها تحقيــق ذلــك, مثــل إرتبــاط األمــر بمصــالحها, وكشــفــل ــدها من قب ــا وتقالي ــرب قيمه ــا وض ــات قادته خيان

حكامها.

إن األساس الذي يقوم عليه الكيان السياســي هـوــطة المجلس ــه بواس ــق عن ــانون المنبث ــتور والق الدس التشريعي. إن الجريمة األولى بحق هذه األمة هو وضع دستور وضعي وقوانين إنبثقت عنه بواسطة المجــالس

فتفــرغالتشــريعية ومحاولــة جعــل األمــة تقــدس ذلــك لإلحتكام إليها كلما ظهر أي خالف بين أبنائها وفئاتهــا, وتنظم حياتهــا بمــوجب الدســتور والقــانون ولم تــدرك األمة أن هذا العمل هو اإلشــراك باللــه. إن هـذا العمــل

ه~م{هو إتخاذ ربا غير الله, قال الله تعالى} ار� ــ� ب { أ�ح{ ا ذ~ ۤو�ت�خ� ٱآ ي�م� و�مـ� ر{ ب{ن� مـ� يح� ل{م�سـ� ه� و� للـ� ب�ابـا[ م�ن د~ون� ر{

� م{ أ ب�ان�ه~ ه{ ر~ ٱو� ٱ ٱا ان�ه~ ع�مــ� ب{ح� و� ســ~ ه� إ�ال� هــ~ ــ� �لـ� [ ال� إ دا اح� �ها[ و� �لـ� { إ ا { إ�ال� ل�ي�ع{ب~د~ ا ر~ ۤو�أ~م� ۤو�

68

Page 69: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

ر�ك~ون� ، ولم تــدرك األمــة أن اإلنســان٣١ { التوبة: ي~ش{ــانون ــدا للق ــون عب ــه أو أن يك ــدا لل ــون عب ــا أن يك إم والدستور المنبثق عنه. إن األمة اإلســالمية تــؤمن بــأن الله سبحانه وتعالى هو الجهة الوحيدة الــتي تــدين لهــا بالعبودية, وال تحتكم إال لهــا مصــداقا لقولــه تعــالى: }

م{ ث~م� ر� ب�ي{ن�ه~ ج� ا شــ� يم� ك�م~وك� ف� ت�ى� ي~ح� ن~ون� ح� ب�ك� ال� ي~ؤ{م� ر� ال� و� ف�ل�يما[ { ت�س{ وا ل�م~ ي~س� ي{ت� و� ا ق�ض� م� جا[ م� ر� م{ ح� ه� س� �ن{ف~ { ف� أ د~وا ۤو�ال� ي�ج�

، وأن أي إحتكــام لغــير اللــه هــو إحتكــام٦٥{ النســاء: ن~لحكم الجاهلية: } ســ� ون� و�م�ن{ أ�ح{ ة� ي�ب{غــ~ ل�يــ� اه� ل{ج� ك{م� ح~ ٱأ�ف�

ون� ــ~ ن و{م� ي~وق� ــ� [ ل�ق ــا ك{م ه� ح~ ــ� لل ــدة: ٱم�ن� ، إال أن٥٠ { المائــدتها, قادتها والقائمين على أمرها قد ضللوها عن عقي وأوهموها أن هذا ال يخالف إيمانهــا, وال يمس عقيــدتها

فاستكانت.

فال بد من إستمرارية بيان هــذه المســألة ووجــوب العمل لنبذ هذا الدســتور ومــا ينبثــق عنــه من قــوانين, ورفض مــا يســمى بالســلطة التشــريعية, فــإن الشــرع اإلسالمي وحي من عند الله, جاء به محمد رســول اللــه , فبيان شــكل الدولــة وقواعــدها وأركانهـا وأجهزتهـا وصالحية كــل جهــاُز, و وحــدة األمــة, والقواعــد العامــة

ــول ــه الرس ــاء ب ــد ج ــتور – ق ــا – أي الدس ,لتنظيمهــراد على ــرفات األف ــل, وتنظيم تص ــل عم ــة ك ومعالج إختالف إعمالهم ووظائفهم قد بينته األحكام الشــرعية المنبثقة من الكتاب والسـنة, والفقهـاء أو المجتهـدون هم أهل القــدرة على فهم مــا جــاءت بــه الشــريعة من قوانين – إن جاُز التعبير – فهل ترضـى األمـة أن يكـون لها إلها غير الله. فعبادة الله طاعته فيما أمــر, وعبــادة

المشرع طاعته فيما أمر.

69

Page 70: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

العصيان المدني ومايتطلبه من أعمال

من الممكن من ناحيــة نظريــة إســتعمال العصــيانــاكم ــة للوصــول إلى الحكم, وطــرد الح ــدني طريق الم وتغيــيره دون اللجــوء إلى القــوة, إال أن هــذه النظريــة

تحتاج إلى ما يلي:

حزب سياسي أو تنظيم سياسي ينال ثقة جميع•الناس, فينقادون له, ويسيرون وراءه.

أمة أو شــعب مــا ُزال يتمتــع بحيويتــه, ولم تخــر• عزيمته, ولم تخدعه قياداته المتعاقبــة فهــو في

حالة شك وإرتياب دائمة.

ــد من وسابدأ من النقطة الثانية قبل األولى, فال ب معرفة طبيعــة هــذه األرض الــتي نريــد ُزراعتهــا, وهــذا يقتضي إلقاء نظـرة فاحصـة على هـذه األمـة. والحالـة التي وصلت إليها, نعم إن أمتنــا هي خــير أمــة أخــرجت للناس, أمة معطاءة كريمة حين تثق بقياداتهــا, وتــؤمن بزعاماتهــا, ولكنهــا مــع تعــاقب أولئــك القــادة عليهــا, والتنقل بها من خيانة ألخرى, ومن فشــل إلى فشــل, فقــد فت ذلــك في عضــدها, وُزعــزع ثقتهــا, ويكــاد أن يوصلها إلى حالــة اليــأس فإبتــداء ممــا يسـمى بــالثورة العربية الكبرى وإنتهاء بمواقــف قادتهــا من إســرائيل, مرورا بجميع الثورات المســلحة الداميــة, الــتي قــدمت فيهــا األمــة خــيرة بنيهــا قــرابين على مــذبح النهضــة, وهدرت فيها من األمــوال والطاقــات مــا يكفي لتغيــير معالم التاريخ في العــالم, إال أنهــا مــا ُزالت تعــاني من الظلم والجور ما يكفي لتحطيم أعتى أمة في الوجــود, ولوال ما حياها الله به من الخصائص, وبقيــة من إيمــان لزالت واندثرت منذ أمد بعيد, ولذلك صارت عمليــة أخــذ ثقتها عملية شاقة عسيرة, تتطلب جهودا غــير عاديــة,ــتى ومواقف جريئة, ورؤيا واضحة, ومفاهيم صــادقة ح تستطيع تحقيق جزء يسير من هذه الثقــة. وأمــا الثقــة

70

Page 71: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

لــكتســلمالمطلقة التي تستطيع بها أن تجعــل األمــة ــام القيادة, وتستجيب للقيام بعمل أو اإلمتناع عن القيــك أن ــير, وذل ــثر من األول بكث ــذا يتطلب أك ــل فه بعم تجعل الهدف الذي تريد قيادتها إليه سهل المنال, وإنكــة, قادر على تحقيقه, هذا من حيث معرفة ما عليه األم

وما فيها من طاقة حيوية, وممن إستعداد للعمل.

أمـــا من حيث الحـــزب أو الكتلـــة العاملـــة علىــوعي التغيير, فال بد أن تكون على مستوى عالي من الــان. والجرأة. فإن األمم ال تعطي قيادتها لجاهــل أو جبــة, ــاطب األم ــف تخ ــرف كي ــا أن تع ــوعي فعليه ــا ال أم واألوتار التي تضرب عليها, والميادين الــتي تلعب بهــا, فالعالقــات بينهــا وبين النظــام الفاســد, وســوء رعايــة النظام لهذه العالقات, وسوء النظام الذي فرض عليها لتسيير مصــالحها هــو الــركن األساســي الــذي يجب أن تعي عليه الكتلــة وعيــا كــامال كمــا ال بــد أن تكــون علىــة ــبين أن الديموقراطي ــديل, فحين ن ــة بالب علم ومعرف نظام فاسد ال بد من بيان البديل وال يكفي أن يقال أنــر. ــع البش ــعي, أي من وض ــام وض ــة نظ الديموقراطيــد من ــل ال ب ــه, ب ــد الل ــام روحي من عن ــالم نظ واإلس التعرض لكثــير من أســس وجزئياتــه, كبيــان أن الحريــة كأساس من اسس الديموقراطية فكرة باطلة ُزائفــة ال وجود لها, وبيان أن اإلنسان اما ان يكــون عبــدا للــه أو أن يكــون للنظـام فال وجــود للحريــة في واقـع الحيــاة. وحين نخاطب األمة بفساد الرعاية اإلقتصــادية وفســاد النظام الذي نظم العالقات اإلقتصادية بين الناس ال بدــا جــرت على األمــة من ــار هــذه المفاســد وم من إظه الويالت. وما إستأثرت بــه الســلطة من إمتيــاُزات, ومــاــد اكلت من أموال الناس. هذا مع بيان البدائل التي يري هــذا التنظيم أو الحــزب نقــل النــاس إليــه. ففــرض الضرائب مثال على المواد اإلســتهالكية لحفــظ إقتصــادــإن البلد أو حماية صناعاتها, كفرض ضريبة الجمارك, ف هذا خدمة لصاحب المصنع أو التــاجر, ويقــع عبــؤه على

71

Page 72: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

المســتهلك المســكين, وإســتيالء الدولــة على المرافــق العامــة, والــثروات الطبيعيــة انمــا هي ســرقة ألمــوال الناس ألنها من الملكية العامــة الــتي هي ملــك لجميــع النــاس, وليســت ملكــا للدولــة. وهــذا يقتضــي توضــيح الملكية في اإلسالم, وتحديدا ملكيــة األمــة أي المكتبــةــد ــة في البل العامة, وتفهيم الناس أن الثروات الطبيعي كالنفــط ومــا في بــاطن األرض من معــادن, والمــاء والكهرباء وشواطئ البحار والفضاء الخارجي هذه كلها من الملكية العامة التي ال يجوُز للدولــة أن تمتلكهــا وال أن تعطي إحتياُزها ألحد أو شركة أو غيرها, بــل الدولــة مسؤولة عن رعاية هذه الملكية وتنميتها وتوُزيع ريعهــا على أصحابها أي على الناس كافة. أما إن كانت الدولة محتاجة إلى المال, فإن بإمكانهــا فــرض الضــريبة على األغنياء في األمــة, وليســت على المــواد اإلســتهالكية,ــوال ــرض على األم ــرائب كف ــوس, فالض وال على النف حيثما وجد. وهكذا في جميع مفاسد النظام الذي ينظم العالقات بين الناس, فبيان هذه المفاسد, وبيــان ســوءــة, هــو العامــل األساســي في قطــع الثقــة بين الرعاي النــاس والســلطة, ألنــه ال يمكن أخــذ الثقــة النــاس مــا دامــوا يــدينون بــالوالء للســلطة القائمــة. فــإن نجح التنظيم بقطــع الثقــة, وُزعزعــة الــوالء بين الحــاكم والمحكوم, فإن الباب يصبح مفتوحــا ألخــذ ثقــة النــاس

ووالئهم.

فإنه أممهم, األنبياء في ولنلق نظرة على سيرة ــار ــإن إظه ــان من أممهم ف ــافة إلى طلب اإليم باإلض العالقات الفاسدة التي يمارسها النظــام كــان العنصــر

الثاني في الدعوة.

ــه فهذا شعيب عليه السالم في مدين يخاطب قومــالى في القــرأن ــه ســبحانه وتع ــذلك الل ــا ب كمــا أخبرن

ال�الكريم, قال تعــالى } ع�ي{با[ قــ� اه~م{ شــ~ د{ي�ن� أ�خــ� �ل�ى� مــ� إ و�ة� آء�ت{ك~م{ ب�ي�نــ� د{ جــ� ه~ ق� �ه� غ�ي{ر~ �لـ� ا ل�ك~م{ م�ن{ إ لل�ه� م� } ع{ب~د~وا و{م� ٱي�اق� ٱ

72

Page 73: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

اس� ــ� لن } وا ســ~ ان� و�ال� ت�ب{خ� يز� ل{مــ� ل� و� ــ{ ل{ك�ي } وا و{ف~أ� ب�ك~م{ فــ� ٱم�ن ر� ٱ ٱ

ي{ر� ا ذ�ل�ك~م{ خ� ه� ال�ح� ض� ب�ع{د� إ�ص{ ر{أل� د~وا{ ف�ي س� ي�اء�ه~م{ و�ال� ت~ف{ ٱأ�ش{

ن�ين� م� ؤ{ ــ� اط� { } ل�ك~م{ إ�ن ك~نت~م{ مـ ر� ــ� ل� صـ ــ~ { ب�كـ د~وا ــ~ عـ و�ال� ت�ق{ا ت�ب{غ~ون�هــ� ه� و� ه� م�ن{ آم�ن� بــ� للــ� ب�يل� د�ون� ع�ن س� ت�ص~ د~ون� و� ٱت~وع�ان� ــ� ف� ك ــ{ { ك�ي وا ن{ظ~ر~ ك~م{ و� ك�ث�ر� ل�يال[ ف� �ذ{ ك~ن{ت~م{ ق� { إ ا ذ{ك~ر~ و�جا[ و� ٱع� ۤو� ٱ

د�ين� س� ل{م~ف{ ب�ة~ )٨٦ -85 { )األعراف:ٱع�اق�

وكذلك األمر مع صالح عليه السالم إذ جاءهم ببينة وحذرهم من مخالفــة مــا فــرض عليهم بهــذه الناقــة إذ

�ل�ى�جعل لها شرب ولهم شرب بيوم معلوم فقــال: } إ و�

ا ل�ك~م{ م�ن{ ه� مــ� للــ� } د~وا ع{بــ~ و{م� اق� ال� يــ� ال�حا[ ق� اه~م{ ص� ٱث�م~ود� أ�خ� ٱ

ه� ل�ك~م{ للــ� ة~ ـ�ذ�ه� ن�اقــ� ب�ك~م{ ه� آء�ت{ك~م{ ب�ي�ن�ة� م�ن ر� د{ ج� ه~ ق� �ه� غ�ي{ر~ �لـ� ٱإء� ا ب�س~ وه� ه� و�ال� ت�م�ســـ� للـــ� ض� ر{

ل{ ف� أ� ا ت�أ{كـــ~ وه� ذ�ر~ ة[ فـــ� ۤو�آيـــ� ٱ ۤو�

�ل�يم� ذ�ك~م{ ع�ذ�اب� أ ي�أ{خ~ ٧٣ { األعراف: ف�

كما كانت دعوة لوط عليه السالم إذ حذر قومه من{ت~ون�﴿المفاســد الــتي ســادت عالقــاتهم فقــال لهم أ ــ� �ت أ

ال�م�ين� ) د� م�ن ال{عــ� ا م�ن{ أ�حــ� ك~م ب�هــ� ب�ق� ا ســ� ة� مــ� شــ� اح� ( 81 ال{ف�

�نت~م{ ل{ أ ــ� اء ب و�ة[ م�ن د~ون� الن�ســ� ه{ ال� شــ� جــ� {ت~ون� الر� أ ــ� �ن�ك~م{ ل�ت إر�ف~ون� و{م� م�س{ .)(﴾ق�

إن هذه المســألة يجب إســتمرار العمــل لهــا حــتى تصبح من البديهيات عند األمة حتى تقبل تغيـير مـا هي

فيه, بل تقبل التحرك لتغيير ما هي فيه.

ــا وكان مما جاء في هذا الدستور وتلك القوانين مــطهاد, جعــل األمــة تــرُزح تحت نــير من الظلم واإلض وضرب للقيم والعادات والتقاليد التي نبت عليها عزتهاــال, وكرامتها. فمن الناحية اإلقتصادية على سبيل المث

ال الحصر, الملكية العامة.

الملكية العامة هي ما حدده الشــرع اإلســالمي منــان أعيان ملكية لجميع الناس الذين يحملون تابعية الكيــع ــة لجمي ــه. فهي ملكي ــذي يعيشــون في السياســي ال الناس وليست ملكية للدولة, وإنمــا تقــوم الدولــة على

73

Page 74: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

رعايــة هــذه الملكيــة وتنميتهــا وتوُزيــع ريعهــا على أصحابها, فال يجوُز للدولة أن تتصرف بهــذه األمــوال إال بموجب ما حدده الشرع وتتلخص هذه الملكية في أمور

ثالث:

النــاس﴿ ما تتفرق الجماعة في طلبــه, لقولــه •ــار ــ ــاء و الكأل و الن ــ ــركاء في ثالث : الم ــ ,1﴾ ش

فالبحار وشواطئها, واألنهار وضفافها ومصابها واألحراش والبترول, والكهربــاء والمــراعي كــلــام على هذه ملك للجماعة وليس للدولة إال القي حمايتها ورعايتها وتنميتها, وتوُزيع أرباحها على

الناس جميعا.

ــه, كالفضــاء• ــرد ل ــع إمتالك الف ــه تمن ــا طبيعت م الخــارجي ومــا نجــني منــه من رســوم الطــيران وشــواطئ البحــر فال يجــوُز لفــرد أو جماعــة أو شركة أن تنشــئ أي مؤسســة أو مســح أو مولــد كهرباء بشكل دائم على أي جزء من ذلك, وعلى الدولــة إســتغالل هــذه األمــور بمــا فيــه مصــلحة

جميع الناس وتوُزيع ريعه على جميع الناس.

ما في باطن األرض من معادن وخيرات, فحكمه• كذلك, وعلى الدولة أن تقــوم بحمايتــه ورعايتــه

وتوُزيع ريعه على الناس كل الناس.

وال يقال إن الدولة تحتاج إلى أموال وهي القائمةــة على شؤون الناس ولذلك فهي تأخذ ريع هــذه الملكي لتقوم على رعاية شؤون الناس. ال يقال ذلك لســببين,ــا السبب األول أن للدولة أمواال أخرى وملكية خاصة به ليس هنــا معــرض بيانهــا, أمــا هــذه األمــوال فهي حــق لجميــع النــاس فــإن إحتــاجت ألمــوال للقيــام بمــا يجب عليها ولم يوجد عندها أموال لذلك, فلها أن تفرض من الضرائب على األغنياء بما يفي لحاجتهــا. وبهــذا يكــونــا من ــة حاجته ــذت الدول ــه, وأخ ــذ حق ــد أخ ــير ق الفق

رقمه :1 ، الفتاوى مجموع في تيمية ابن السنن : 29 / 219أوردُه أهل رواُه معروف حكمه ،

74

Page 75: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

األغنيـــاء. وبهـــذا تكـــون الـــدول القائمـــة في عالمنـــا اإلسالمي تأكل ظلما أمــوال النــاس بحجــة أنهــا أمــوال الدولـــة أو هي القائمـــة على رعايـــة النـــاس, مـــع أن الحقيقة هي خالف ذلك. فالدول القائمة ال تنظر لهــذه الملكيــة إعتبارهــا ملكيــة عامــة, بــل تعتبرهــا ملكيتهــا الخاصة, هــذا إن لم يكن الحــاكم نفســه يعتــبر أن هــذهــدول ــه من دون النــاس, ولم تكتــف ال األمــوال ملكــا ل القائمة في العالم اإلسالمي بأكل أموال المسلمين بل فرضت على فقرائهم من الضــرائب مــا أثقــل كــاهلهم

وُزاد في فقرهم.

الضرائب:

ضريبة الجمارك, لقد اتخذت ضــريبة الجمــارك• مصــدرا رئيســيا لملكيــة الدولــة, إنهــا ضــريبة فرضت على المواد اإلستهالكية يتحمل وُزرها كل من يستهلك شيئا من المــواد. أمــا التــاجر الذي إستوردها فإنه أضــاف ضــريبة الجمــارك على ســـعر الكلفـــة, وحافـــظ على أرباحـــه. وبهــذه الحالــة تكــون الدولــة بــدال من رعايــة شؤون الناس إنمــا تقــوم على أكــل أمــوالهمــة ــة رعاي ــة العيش, فإي ومالحتقهم على لقم

هذه, فال بد لألمة أن تتذكر ان رســول اللــه .1﴾ ال يدخل الجنة صاحب مكس﴿يقول

لم تنج ناحية من نواحي الحياة من الضــرائب,•ــول ــتراه, أو الحص ــجيل بيت إش ــريبة تس كض على رخصة لبناء بيت, أو فتح مدرسة, أو فتح مشـــغل أو أي جـــانب من جـــوانب الحيـــاةــديم ــهادة أو تق ــديق ش ــتى تص ــددة. ح المتع عريضة أو طلب فقد إبتدعوا لذلك مــا يســمى

بالطوابع المالية.

رقمه : 1 ، داود أبي سنن في داود أبو عنه : 2937أوردُه سكت حكمه مكة) ، ألهل رسالته في قال وقد) صالح فهو عنه سكت ما كل

75

Page 76: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

وضع القيود على الصــادرات أو الــواردات من•حيث اإلجاُزة بذلك أو المنع.

فرض الخضوع في المعامالت اإلقتصادية إلى•ــة النظام الربوي, وإستصدار الفتاوي الرخيصالتي أباحت المعامالت الربوية إلى غير ذلك.

ــا فال بد أن تعي األمة وعيا كامال على نهب خيراتهــا من ظلم وإبتزاُز أموالها ودفعها إلستنكار ما يحيق به

وتعسف.

أما من الناحية اإلجتماعية:

إن اإللــه الجديــد – الدســتور والقــانون – تعهــد أنــدة, وأن ــد الحمي ــة والتقالي ــع القيم الرفيع يفتت جميــوان إن لم يكن أدنى ينحدر باإلنسان إلى مســتوى الحيــاح ــد أب ــال ال الحصــر, فق ــك. وعلى ســبيل المث من ذل القانون المنبثق عن الدستور والذي سنه الــرب الجديــدــا إن تمت – السلطة التشريعية – أباح هذا القــانون الزن العملية برضى وإختيار الطرفين هــذا من حيث اإلباحــة أما من حيث الحماية فقد يخشى الفــاعالن تحــرك تلــك القيم الرفيعة في نفوس األهل. وأعني قيمــة العــرض والمحافظة عليه, قـد يخشـى الفــاعالن تصـرف األهـلــذهبا للقاضــي واإلقدام على قتلهما أو قتل أحدهما فيــد أوجب على ــانون قـ ــا. والقـ ــرطة لحمايتهمـ أو للشـــوم األمن ــا, فيقـ ــرطة حمايتهمـ ــي وعلى الشـ القاضـ بإستدعاء األهــل وياخــذ عليهم العهــود بعــدم المســاســع ــد, هــذا في جمي ــرب الجدي بهمــا, هــذا مــا شــرعه ال األقطار والكيانات القائمــة في العــالم اإلســالمي. أمــا في بعضها فقد أقام اإلنكليز والفرنسيون دورا خاصــةــاهرة ــالمية كالقـ ــدن اإلسـ ــات المـ ــدعارة في أمهـ بالـــرة ــق وأنق ــيروت ودمش ــداد وب ــا وبغ ــدس وحيف والق وإســتانبول وغيرهــا, ثم إســتبدلت األســماء مــع تقــدم

76

Page 77: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

الثقافــة الرأســمالية إلى أســماء جديــدة مثــل النــواديالليلية, أو مدينة المالهي أو غير ذلك.

إن اإلله الجديد – القــانون – قـد أبــاح الخمــر الــتيــه ــذا اإلل ــي إال أن ه ــا أم المعاص ــرعنا بأنه ــفها ش وص الجديد جعلها مباحة. فايها تقبلين أيتها األمة مــا أباحــه اإلله الجديد, والتعدي على حدود اللــه, أو اإللــتزام بمــا أمر الله وتحريم الخمر بكل أنواعها وما يتعلــق بهــا من

﴿عصر وإعتصار وبيع وشــراء فقــد قــال رســول اللــه لعن رســول اللــه صــلى اللــه عليــه وســلم في الخمــرــا ــ ــاربها وحامله ــ ــرها وش ــ ــرها ومعتص ــ ــرة عاص ــ عشــا ــل ثمنهـ ــا وآكـ ــاقيها وبائعهـ ــه وسـ ــة إليـ والمحمولـ

.1﴾والمشتري لها والمشتراة له

المقامرة:

ــالمي ــالم اإلس ــة في الع ــدول القائم ــف ال لم تكت بإفتتــــاح نــــوادي القمــــار, والتفنن في الوســــائل المســتعملة في ذلــك حــتى باشــرت هي المقــامرة مــع الناس كل الناس بإسلوب خبيث و هو ما يطلقون عليه "اليانصـيب". نعم هي عمليــة إمتصـاص ألمــوال النــاس مغطاة بمــا يعلن عنــه من أربــاح لزيــد أو عمــرو. إال أنــر, القصد الحقيقي هو إغراق الناس كل الناس بالميس

ومثله حلبات السباق وما يجري فيها.

ــع ــواه وقط ــة كم األف ــافة إلى سياس ــذا باإلض ه األرُزاق وقطع األعناق, فاإلعتقاالت والتعذيب والحبســة ــاطي دون تقــديم للمحاكم ــرفي والســجن اإلحتي الع

والتفنن في وسائل اإلرهاب.

هذه بعض القضايا األساســية الهامــة الــتي تعــاني األمة منها والــتي على الحــزب أو التكتــل التصــدي لهــا

ودفع األمة كذلك للتصدي لها ونبذها.

رقمه : 1 ، المصابيح مشكاة تخريج في األلباني لغيرُه : .2707أوردُه صحيح حكمه ،

77

Page 78: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

أما عن عزة األمة ومجدها وكرامتهــا فحــدث عنهــا وال حــرج, فلم يــترك الحكــام بابــا يمكن أن يعيــد لألمــة

. فالتجزئــةرئاجــهعزتها ومجــدها إال أغلقــوه وأحكمــوا ــر ــددة من العناصـ ــات متعـ ــة إلى كيانـ ــيم األمـ وتقســـا. فلم ــة وتحطيم عزتهـ ــعاف األمـ ــية في إضـ األساسـ يكتفي بالتمزيق على األساس القومي بل تمادى األمرــرك ــات, وت ــدة كيان ــدة إلى ع ــة الواح ــزقت القومي فم مسمار جحا في كل كيان, أو لنقل قنبلة موقوتة يصـارــل ــوقت المناســب, بحيث يبقى ك ــا في ال إلى تفجيرهــا في ــه, غارق ــغوال بذات ــات مش ــذه الكيان ــان من ه كيــا ــوب منه ــة المطل ــون األم ــدال من أن تك ــاكله. وب مش

ة[﴿الشهادة على الناس قال تعالى مــ�~ اك~م{ أ ع�ل{نــ� ك�ذ�ل�ك� ج� و�

ول~ ســ~ ون� الر� ي�كــ~ اس� و� ــ� د�اء� ع�ل�ى الن ه� وا شــ~ ــ~ ط[ا ل�ت�ك~ون و�ســ�يد[ا ه� بدال من ذلك صارت ميدانا للصراع بين)(﴾ع�ل�ي{ك~م{ ش�

الدول المستعمره والطامعة, بــل أنهــا تعتــبر في نظــرــير ــا نواط ــاموا عليه ــدول أق ــك ال ــة لتل ــاس مزرع الن يحفظون لها هذه المزرعة ويحمونهــا من أي طــارئ أو

تغيير.

1905و من أطرف ما حدث في مؤتمر لندن ســنة والذي إشترك فيه ســبعة دول أوروبيــة1907إلى سنة

إتخــاذ القــرارات بشــأن المنطقــة, والــتي لم تكن بعــد تحت نفــوذهم أو ســلطانهم. وكــان من تلــك القــراراتــا ــطين, وحمايتهـ ــة في فلسـ ــة اليهوديـ ــاء الدولـ إنشـ ورعايتها وتقويتها لتفصـل بين عــرب المشـرق وعــرب المغرب, وتصويرها أنها البعبع المخيف لــدول وشــعوبــة المنطقة كلها, وإمعانا في التضليل تقوم هذه الدويلــا بحيث ــداوة لجيرانه اليهودية بتحدي العالم وإعالن الع تصبح العداوة بين المســلمين واليهــود, وتنتهي عــداوةــلمين ــ ــنة بين المس ــ ــة س ــ ــف وأربعمائ ــ ــتمرت أل ــ إســالحرب ــة وإنتهــاء ب ــداء من معركــة مؤت والنصــارى. إبت العالميــة الثانيــة, مــرورا بــاليرموك واألنــدلس وســهل بواتيــه والقســطنطينية والبلقــان والحــروب الصــليبية. وإذا بمؤتمر لنــدن يمحــو من أذهــان المســلمين عــداوة النصــارى وطــردهم من األمــاكن الــتي كــانوا فيهــا

78

Page 79: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

ــا. نعم ــد وغيره ــاُز والهن ــان والقوق ــدلس والبلق كاألنــب ود ــوس وكس ــل النف ــؤتمر تحوي ــذا الم ــتطاع ه إســة ــة الجمع ــبح خطيبهم في خطب ــتى أص ــلمين ح المســا يقــول بكــل صــراحة بمناســبة وغــير مناســبة إخوانن النصارى. وباتت هذه األمة العظيم تالعب وتخشى ذلكــا من القـــط الصـــغير وتســـتنجد بالنصـــرانية لحمايتهـ

الصهيونية العالمية حسب تعبيرهم.

فإذا نجح هذا التنظيم أو ذلك الحزب بالقيام بهــذه األعمال جميعها فإنــه من المحتمــل جــدا أن يكــون قــد أخذ ثقة األمــة, ولكنهــا الثقــة في أدنى مراحلهــا. فلــو طلب منها القيام بعمل ما ترددت, وقد ال تقوم به, لــذا ال بد من القيــام بأعمــال معهــا لتحقيــق أهــداف قريبــة تشــعر األمــة بأنهــا قــادرة على التغيــير. إال أن هــذا الطريق قد سلكت فئات كثــيرة ومــا ُزالت. فهي تعمــلــة. على إستنزاف البقية الباقية مما في األمة من حيوي فهي تدعوها بمناسبة أو بال مناسبة, لهدف أو بال هدف تــدعوها للخــروج معهــا في مظــاهرة, أو إضــراب أو مسيرة إحتجــاج أو غــير ذلــك, دون أن تحس األمــة بــأن

هذا األمر لن يحقق شيئا.

والغـــريب في األمـــر أن هـــذه األمـــة المعطـــاءة الكريمة الــتي تجــود بنفســها وبــأفالذ كبــدها, وتضــحي بالغـالي والنفيس حين الـدعوة للجهـاد وحمـل السـالح والقتال. إال أنها ال تستجيب للقيــام بمحاســبة الحــاكم, أو األخذ على يده, أو العمــل على اإلطاحــة بــه بــالرغم من خروجه على مفاهيمها وقيمها وعاداتها وتقاليدها,ــبروت ــه من ظلم وتعســف وج ــرى من ــا ت ــالرغم مم وب وفساد, فهي تكتفي بالدعاء عليه ليال ونهــارا أن ينتقم الله منه ويريحها من شره فكيــف هــذا التنــاقض؟ على

أن أعود لتاريخها.

دولته في يــثرب بــل يــوممنذ أن أقام الرسول ــئتبيعة العقبة الثانية قال القوم لرسول الله إن ش

79

Page 80: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

ــه ﴿لنميلن على أهل منى بأسيافنا. فقال رســول الل بتجهــيز وفي المدينة بدأ رسول اللــه )(﴾ لم نؤمر بعد

الســرايا, وإرســالها بمهــام إســتطالعية, وترصــد أخبــار قــريش, وبــدأت الحــرب الفعليــة بين اإلســالم والكفــر

ـسبع عـشرإبتداء من معركة بدر حتى غزا رسول الله قبل أن ينتقل إلى الرفيق األعلى, وعقد اللــواء)(غزوة

ألسامة بن ُزيــد ليغــزو الــروم على تخــوم األردن وجــاءــام خلفاؤه من بعده فسيروا الجيوش إلى العراق والش وفلســطين ومصــر حــتى بلغــوا األنــدلس غربــا وحــتى أسوار الصين شرقا ومن بحر العرب جنوبا إلى أواسط القوقــاُز وغربــا حــتى أســوار فينــا, فمــا ضــعفوا ومــا استكانوا فتكونت أمة خالل أربعة عشــر قرنــا أمــة بيت عزها الجهــاد, وطريــق مجــدها القتــال في ســبيل اللــهــتي تجــري في ــدماء الســاخنة هي ال ــك ال ــاُزالت تل وم

يقــر لهم فــرارعــروق أبنائهــا, وتســتنهض همهم, فال كلمــا دعــوا إلى الجهــاد أو ســمعوا منــادي حي على

الفالح.

أما القيام لمحاسبة الحــاكم فــإن األمــة لم تباشــرــل هذا العمل بشكل منظم كما حصل بالنسبة للجهاد, ب مارسه أفــراد, وقفــوا مواقــف رائعــة, مــا ُزال التــأخير بذكر تلك البطوالت. أما األمة كأمة, أو بشــكل جمــاعي على األقل فإنــه لم يحصــل, ونســتعرض بشــكل مــوجز

تاريخها كما فعلنا بإستعراض األمر في قضية الجهاد.

ــادات ــة تتطلب قي ــال الجماهيري ــام باألعم إن القيــذي رســمته تحــرك الجمــاهير وتقودهــا إلى الهــدف ال القيــادة, ألنــه مهمــا إرتفعت حــرارة المشــاعر, ومهمــا غلت النفوس باإلنفعال فرحــة أو نقمــة فإنهـا ال تبــادر للقيام بالعمــل المعــبر عن مشــاعرها, والمتجــاوب مــعــادة تســير أحاسيســها إال إذا إنــدفعت من صــفوفها قي أمامهــا وتوجههــا, فــإذا إنطلقت تلــك شــرارة أشــعلتــيل ــدفعت كالس ــوس فان ــاس في النف ــزون األحس مخ

80

Page 81: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

العرم ال يقف في وجهها شــيء. ولهــذا كــان ال بــد من قيادة تعرف كيف تنجز تلــك الطاقــات في األمم وعلى األغلب األعم فإن األقدر على هــذا العمــل هــو الحــزبــد ــاس, أو القائ ــة الن ــل على ثق ــذي حص ــي ال السياس المحنك الــذي أحــرُز ثقــة النــاس كــذلك, وعقــدت عليــه

أمالها والقدرة على تحقيق هدفها.

على ضوء ذلك نلقي نظرة عميقة على تاريخ أمتنا حتى يومنا هذا.منذ بعثة الرسول

ــاهيري• ــدفاع الجم ــح واإلن ــف الواض ــان الموق أ- ك البارُز في صدر هذه األمة يوم الهجرة فقد خرجت

, فهل)(المدينة عن بكرة أبيها تستقبل رسول اللهــا أم أن عناصــر العمــل ــدفاع عفوي ــك اإلن ــان ذل ك

الجماعي كانت متوفرة فيه.

ــادة النــاس في تلــك التظــاهرة• كــان على قي العارمة ُزعماء النــاس الحقيقين أمثــال ســعد بن عبادة سيد الخزرج رضي اللــه عنــه وســعد بي معاذ ســيد األوس, وكــل منهمــا أمــير في

قومه في الجاهلية وفي اإلسالم.

كانت مشاعر الناس ملتهبة للخروج إلستقبال• ولغايــات مختلفــة, فــالمؤمنونرسول الله

فرحين منتظرين مجيئه بفارغ الصبر خصوصاوأن الكثير منهم أمن به ولم يره.

خرجت اليهود إلستقباله كذلك لعلها تستطيع•ــراه ــا تـ ــير فيمـ ــه ليسـ ــه عن طريقـ أن تثنيـــونهم ــا من ك ــا وأن واقعه ــالحها. خصوص لصــدور, أو ــك ال ــاب يمكنهم من لعب ذل ــل كت أهعلى األقل الدس على المسلمين وتضليلهم.

81

Page 82: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

المنافقون وقد قذف الله في قلوبهم الرعب• فأرادوا إثبات إخالصــهم بــأدنى ذي بــدء حــتى

يتمكنوا من العمل.

حب الفضول من جميع الناس لمشــاهدة أمــر•ــادة غريب لم يعهدوه من قبل. وقد عرفت قي

وتحتالنــاس كيــف يخرجــونهم ألســتقباله ثمرتهوطأة هذا اإلنفعال قطف رسول الله

ــه على ــرض إحترام ــتقباله وف ــواء في إس ســتور على الناس كل الناس, أو في إمالء الدس علي بن أبي طالب كــرم اللــه وجهــه, وإلــزام الحضور بالتوقيع عليه المؤمنون والمسلمون

واليهود.

ب- يوم أحد•

كان وسام الشرف الــذي حصــل عليــه شــهود بــدرــه تعــالى أكــبر حــافز للنفــوس, وهــو رضــوان الل خصوصا أولئك الذين لم يشهدوا بدرا. فلما سنحت الفرصــة للحصــول على ذلــك الوســام خرجــوا فيــوم ــك ي مظاهرة سلمية يطالبون بتحقيقه. كان ذل أحـــد إذ جمعت قـــريش الجمـــوع وقـــدمت لغـــزو

كبـــار الصـــحابةالمدينـــة, فاستشـــار الرســـول وُزعمــاء المدينــة فمــا اختلفــوا في رأي, وأشــارواــة في ــل المدين بالتحصن في المدينة, وقد قال أه مشورتهم ومنهم عبد اللــه بي أبي بن ســلول "يــا رسول الله أقم بالمدينة ال تخرج إليهم, فو الله ما خرجنا إلى عدو لنــا قــط إال أصــاب منــا وال دخلهــا علينــا إصــبنا عنــه, فــدعهم يــا رســول اللــه, فــإنــاتلهم ــوا ق ــاموا بشــر محبس, وإن دخل ــاموا أق اقــبيان ــاء والص ــاهم النس ــال في وجههم, ورم الرج بالحجارة من فــوقهم, وإن رجعــوا رجعــوا خــائبين

كـما ـجاؤوا" إال أن الـناس ـكثروا على رـسول الـله ــتجاب يطلبون لقاء عدوهم خارج المدينة, حتى إس

82

Page 83: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

ــرج لهم الرسول, ودخل بيته ولبس المة حربه, وخ لقتال قريش في ألف من أصــحابه وكــان من أمــر

.)(المعركة ما كان

ج- أمــا التظــاهرة الكــبرى, واإلنــدفاع الجمــاهيري• تلك كانت فتنة الدار التي قتل فيها رئيسالفظيع

الدولة الخليفة عثمان بن عفان رضوان الله عليه. تلــك التظــاهرة الــتي خطــط لهــا بإحكــام ونفــذت بنودها بدقة فأتت أكلهــا وحققت جــزءا كبــيرا منــة هدفها, إال أن الموقف المطلوب من أهل المدينــدم ــيرهم ورئيس دولتهم, وع ــدفاع عن أم ــو ال هــام ــاول على إمـ ــوار للتطـ ــال للثـ ــاح المجـ إفسـ المسلمين مهما كانت الظــروف حــتى ولــو أقســمــاهرين ــ ــوا بين المتظـ ــ ــة أن يخلـ ــ عليهم الخليفـ والخليفــة فكــان األولى بالنــاس أن يتصــدوا لهــذه الوفـــود وعنـــدهم القـــدرة على ذلـــك إال أنهم لم يفعلوا, ألنــه كمــا قلنــا أن الجمــاهير ال تتحــرك إالــة تنقصــهم ــادة. وقــد كــان النــاس في المدين بقيــار ــير من كب ــع أن الكث ــة, م ــع الفتن ــادة لقم القيــوا ــة, إال أنهم لم يقوم ــانوا في المدين الصــحابة ك بالتصدي للمتظاهرين لسبب أو ألخر, وكمـا يقـول البعض فقد كان كبــار الصــحابة مــدركين أن األمــر دبر بليل وأنه لو خرج أحدهم لقتلــه المتظــاهرون,ــة ــمة الدولـ ــى في عاصـ ــاعة الفوضـ ــك إلشـ وذلـ وبالتالي هدم اإلسالم من أساسه, هذا ما يفســرهــه ــرم الل ــام علي ك ــف األم ــرين لموق بعض المفك

وجهه وأمثاله,فقد كانوا هم المستهدفين.

ــة ــات جماهيري ــة لم تقم إحتجاج ــذه الحادث ــد ه بعــانت ــلحة ك ــات مس ــدها حرك ــامت بع ــل ق ــية, ب سياس تستهدف الحكم باإلسلوب العسكري. مثل خروج طلحةــة بي أبي ــة الجمــل, وخــروج معاوي ــير في معرك والزب سفيان في معركة صفين, وخروج الخوارج على اإلمام

83

Page 84: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

علي كــرم اللــه وجهــه في معركــة النهــروان, وخــروج الحسين رضي الله عنه على يزيد بن معاوية فقد كانت هــذه الحركــات الجماهيريــة حركــات مســلحة تســتهدف الحكم بإســـلوب عســـكري ولم تقم حركـــة جماهيريـــة

سياسية واحدة طيلة األربعة عشر قرنا. نعم كــان في األمــة, وطيلــة عهودهــا أشــخاص وفقهاء وُزعماء تصــدوا للخليفــة أو للــوالة, فمنهم من عذب ومنهم من سجن ومنهم من قتل, ولم يخل عصر من العصــور إال وجــد الكثــير من هــؤالء, ولكنهم قــامواــة ــة, ولم تقم حركـ ــفة فرديـ ــاكم بصـ ــبة الحـ بمحاسـ جماهيرية واحدة لتحاسب الحــاكم أو تضــرب على يــده. وكــل الــذي حصــل إمــا خــروج بالســيف وإمــا محاســبة فردية, حتى أن موقف العز بن عبد السالم رضــي اللــه عنه بوجه السلطان كان موقفا فرديا, مع أن أهل مصرــد, جميعا خرجوا معه حين أمر السلطان بطرده من البل مما جعل السلطان يتناُزل عن رأية لـرأي العـز بن عبـد السالم رضي الله عنه ويلحق به ويعيده إلى بيته معزُزا مكرما, إال أن هذه الحادثة ال تعني أنها حركة جماهيرية قامت بمحاسبة الحاكم, ألن العز بين عبد السالم رضي الله عنه لم يكن منظمــا لهــا, ولم يطلب من الجمــاهير القيام بما قـامت بـه, بـل كـان تحـرك الجمـاهير ذاتيـا, وتضامنا مــع العــز بن عبــد الســالم لمــا لــه في نفــوس

الناس من مكانة وتقدير والسبب في ذلك أمران:

وهو الشرخ الذي أحدثــه معاويــة منــذ األمر األول:• أخذ البيعة لولده يزيد في حياته وأصبح الحكم شبهــرة ــتهوتهم الفكـ ــد إسـ ــاس قـ ــأن النـ وراثي, وكـــة ــ ــدهم بالجاهلي ــ ــرب عه ــ ــك لق ــ ــا وذل ــ فأقروه ومجاورتهم للفرس والروم, وما أصــاب األمــة من تقتيل وتشريد بسبب التنــاُزع على الســلطة حــتىــلطان ــة – س ــاس مقول ــان الن ــيطرت على أذه س غشوم خير من فتنــة تــدوم – فكــانت األمــة تصــبر على مـــا يلحقهـــا من جـــور وظلم. خصوصـــا وأن

84

Page 85: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

عقيــدتها لم تمس, وإســالمها عزيــز, وجيوشــها تقاتــل الكفــار, وتخضــع األمم لســلطان اإلســالم, باإلضــافة إلى إنتشــار النصــوص الموجبــة لطاعــة

وأطيعــو اللــه﴿أولى األمــر من مثــل قولــه تعــالى تسمع له﴿ وكقوله )(﴾ ورسوله وأولي األمر منكم

كـل هـذا)(﴾ وتطيـع وإن أكـل مالـك وجلـد ظهـرك ساعد على الرضوخ واألســتكانة إلى جــور الظلمــة من الحكــــام, وإســــتبداد الســــالطين, وأنهم لم يخرجوا على اإلسالم, ولم يتركوا الحكم بما أنــزل الله, ولم يظهروا الكفــر البــواح المــوجب للخــروج عليهم, ولهذا بقيت محاسبة الحكام أعماال فرديـة.

وقد قام بها الكثير من الناس والعلماء.

: عدم وجــود األحــزاب السياســية وأما األمر الثاني•ة�﴿في األمة وفهمهم لقوله تعالى م�

~ نك~م{ أ ل{ت�ك~ن م� و�

و{ن� ع�ن� ي�ن{ه� وف� و� ع{ر~ ون� ب�ال{م� ر~ م~ي�أ{ ي{ر� و� �ل�ى ال{خ� ي�د{ع~ون� إ

ون� ل�حــ~ ف{ ـئ�ك� ه~م~ ال{م~ لـ� و{~ أ نك�ر� و� فقـد فهمـوا أن)(﴾ال{م~

هذا األمر لألمة بحيث تصــبح كيانــا فكريــا سياســيا واحــدا, ولهــذا كــان األمــر بــالمعروف والنهي عن المنكر أعماال فردية, وكانت الدعوة إلى الخــير أي إلى اإلسالم تتم بالجهاد وبســط ســلطان اإلســالمــة على البالد المفتوحة لتبصر صدق األفكــار وعدالــا أن ــا, كم ــالم أفواج ــدخل في اإلس ــريع فت التش الـــدعوة إلى الخـــير حملت كـــذلك على المحمـــل الفردي في كثير من الحــاالت, كالتواصــي بالصــبر والتواصــي بالمرحمــة والتواصــي بــالحق, أو حمــل اإلسالم من قبـل األفـراد والجماعـات إن تواجـدوا في بالد الكفر أو إلتقــوا بكــافر. وقــد نجحت مثــل هذه األعمال فقد إعتنقت إندونيسيا اإلسالم دون

عليها بخيل وال ركاب بــل كــانتيوجفقتال, ولم بجهود التجار وحملهم لإلسالم إلى تلــك األصــقاع,ــاة وقد كان المسلمون يرون أن وجودهم في الحيــه تعــالى, ــه تعــالى, أي لحمــل دعــوة الل ــدنيا لل ال

85

Page 86: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

ال�ت�ي﴿مصداقا لدعاء التوجه في الصالة ل{ إ�ن� صــ� قــ~، ال� ال�م�ين� ــ� ب� ال{ع ه� ر� ــّ ات�ي ل�ل ــ� م اي� و�م� ــ� ي ح{ ك�ي و�م� ن~ســ~ و�

ل�م�ين� ــ{ و�ل~ ال{م~س�ن�ا أ� أ ت~ و� ر{ ب�ذ�ل�ك� أ~م� ر�يك� ل�ه~ و� إذن)(﴾ش�

فعمل المسلم األساسي هو حمــل اإلســالم, وأمــا أعمالــه الدنيويــة ومكاســبه فيهــا إنمــا هي لتعينــه على عمله األساسي, ولم تكن قــد تبلــورت فكــرة

التكتل الحزبي.

د{ع~ون�﴿مع أن فهم األية الكريمــة ة� يــ� مــ�نك~م{ أ~ ل{ت�ك~ن م� و�

ر� ــ� نك و{ن� ع�ن� ال{م~ ــ� ي�ن{ه وف� و� ع{ر~ ال{م� ــ� ون� ب ر~ م~أ{ ــ� ي ر� و� ــ{ ي �ل�ى ال{خ� إ

ون� ل�ح~ ف{ ئ�ك� ه~م~ ال{م~ لـ� و{~ أ يعني وجــود أمــة أي فئــة من)(﴾و�

ــدعوة إلى الخــير واألمــر المســلمين تكــون مهمتهــا ال بالمعروف والنهي عن المنكر. وهذا يعني وجوب وجود تكتــل سياســي واحــد على األقــل يقــوم بهــذا العمــل المنوط به وهــو الــدعوة إلى الخــير واألمــر بــالمعروف والنهي عن المنكر بشكل يغطي الحاجة إلى هذا األمر. وهذا يعــني وجــوب وجــود أحــزاب سياســية تقــوم علىــا ــا باعث ــالم حي ــالم ليبقى اإلس ــاس باإلس ــف الن تثقي للحيوية واإلنــدفاع في النفــوس, وتقــوم كــذلك بــاألمر بالمعروف والنهي عن المنكــر وعلى رأس هــذا العمــل محاسبة الخليفة ومن دونــه, ويعــزُز ذلــك قــول رســول

ــه ــر أو﴿الل ــون عن المنك ــالمعروف ولتنه ــأمرن ب لت ليسلطن الله عليكم شراركم فيسومونكم سوء العذاب

وغـــيره من)(﴾ثم يـــدعو خيـــاركم فال يســـتجاب لهم األحاديث الموجبة

محاسبة الحــاكم وردعــه عن ظلمــه, وحــتى تكــون تلــك المحاسبة فاعلة مؤثرة فال بــد أن يكــون القــائم بهــا ذا أثر فعال, وبما أن الفرد مهما كانت أهليته فإنــه أعجــز

من أن يؤثر في تصرفات الحاكم, إال من رحم ربي.

ــان ومن هنا كانت الحركات السياسية شبه معدومة, وك التحرك الجماعي في األمة في المجال السياسي شــبه معدوم كذلك, وال يعني ذلك أبدا خنوع األمة وإستكانتها

86

Page 87: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

ووصــولها إلى حالــة اليــأس. ألن المالحــظ عليهــا أنهــاــاد تستجيب وبمنتهى القوة والحماس للدعوة إلى الجه بــل إن فكــرة الجهــاد تجــري مــع الــدم في نفــوس المسلمين, وألنهــا عاشــت حالــة الجهــاد الفعلي طيلــة أربعــة عشــر قرنــا, بينمــا لم تقم بتحــرك جمــاهيري إال نادرا. والغريب في األمر أن كبــار األئمــة والمجتهــدين, والـــذين مـــا ُزالت األمـــة تســـير في حياتهـــا بحســـبــري ــر جعف ــالكي وذاك حنفي وأخ ــذا م ــادهم, فه إجته وحنبلي وشافعي ومن أمثالهم الكثير لم يهتموا كثــيرا بهذه المسألة, مــع أن إجتهــاداتهم تنــاولت أحكــام هــذا األمر مجملة مرة ومفصلة أخرى, إال أنهم هم أنفســهمــا لم يدعوا األمة إلى تكتل سياسي أو تحرك عملي فيم إجتهدوه من وجــوب محاســبة الحــاكم أو غــير ذلــك منــذا األعمال. وقد كانوا هم يمارسونها بشكل فردي, فه مالك يعظ الرشيد المرة تلو المرة وكـان ال يدعـه حـتى تبتل لحية الرشيد بدموعه, وهذا إبن حنبل يقــف بوجــه

في مســألة خلــق القــرأن وهــذا أبــووخلفــهالمــأمون ــة حنيفة يمتنع عن تولي القضاء بالرغم من أمر الخليف

له.

ويبدو لي أن السبب في هــذا إنمــا يعــود لألســباب التي ذكرتها أنفــا, عــدم قيــام الخليفــة أو الحــاكم بمــا يوجب الخروج عليه, فلم يظهر أحدا من الخلفاء الكفــر ﴿البواح. وأما ما دون ذلك فــإن أحكــام وجــوب الطاعــة

كــانت)(﴾ تسمع له وتطيع وإن أكل مالك وجلــد ظهــرك هــذه األحكــام حــائال دون قيــام األمــة بشــكل جمــاعي

للتغيير على أولي األمر.

ــدة عن التحــرك السياســي ولهــذا ظلت األمــة بعي الجماهيري, وإقتصرت بمحاســبة الحكــام والــدعوة إلى

الخير على األعمال الفردية والتحرك الفردي.

ــزة, ومن هنا كانت الدعوة شاقة, واإلســتجابة عزي والتحرك نادر جــدا, إال أن يوجــد من تعطيــة األمــة ثقــة

87

Page 88: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

غير عادية فتستجيب لــه. ولهــذا كــان على أي تكتــل أوــه ــة إحــراُز ثقــة األمــة لجعلهــا تســاس ل تنظيم محاول القيـــادة, وبنـــاء عقليتهـــا على اإلحســـاس الجمـــاعي والتحــرك الجمــاعي, ودفعهــا إلى مباشــرة هــذا األمــر

بنفسها.

إال أن هــذا األمــر يتطلب من هــذا التكتــل القــوام على هذا األمة أن يطــرح أفكــاره وأحكامــه وأراءه على الناس, وأن يجسد هدفه تجسيدا يــبين لألمــة حــدود مــا يدعوها إليه, فلتحاسبه قبل تحقيق الهدف إن لم تقتنع بأدلتــه الــتي إســتند إليهــا حين حــدد هدفــه أو إســتنبط أفكاره وإال فإن عليها أن تحاسبه بعــد الوصــول لهدفــه بناء على ما لوح به من أحكام وأراء قبل الوصــول ومــا

رفع من شعارات, وما طرح من أماني.

ــة تجســيد ــل في محاول ــذا التكت فمثال إن طــرح ه هدفه بتنفيذ هذه الفكرة فإن على األمة أن تقوم على

محاسبته وإجباره على تنفيذها.

أوإن بين أن الدولـــة ســـتوفر جميـــع الحاجـــات الضــرورية للمجتمــع كــالتطبيب والتعليم واألمن فعلى األمة أن تحاسبه إن قصر عن إيجاد مستوصف لحي من

األحياء أو مدرسة لقرية من القرى.

وهكـــذا... فـــإن على أي تكتـــل أو تنظيم يســـعى لتحقيق هدف ما فإن عليه أن يبين هــذا الهــدف لألمــة, ويشجعها على محاسبته عند تقصيره عن تنفيذ ما كــانــد الهــدف قد أوعد به األمة. ومن هنا تظهر أهمية تحدي لجعل األمة هي معيار اإللــتزام, وأداة الضــبط, وصــمام

ــهاألمان. أما إن ذلك لم يقم به رسول الله فذلك ألن ومعه المؤمنون ينتظرون التشــريع من الــوحي فهــو المسير لهم في تنظيم حياتهم فكــانت األحكــام تتــنزل على الوقائع الجارية. ولم يكن الرسـول موضـع نقـاش أو تســاؤل فــالجميع ينتظــر الــوحي. ولهــذا حين هــاجر

88

Page 89: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

ــه ــول الل ــإمالءرس ــوحي ب ــه ال ــزل علي ــثرب ن إلى ي الدستور. أما األن فإن الوضع مختلــف عن ذلــك تمامــا,ــاول فاألحكام قد إكتملت, وأصبح تحديد الهدف في متناليد, فهو في بطون الكتب إن لم يكن مجتهدون هناك.

89

Page 90: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

ممالة الحاكم إجتمع أشراف قريش منهم عتبة بن ربيعــة وأخيــه شيبة وأبو سفيان وأبــو جهــل وغــيرهم فقــال بعضــهم ابعثوا إلى محمد فكلموه, وخاصموه حتى تغــدروا فيــه, فبعثوا إليه: إن أشراف قومك قد إجتمعوا لك ليكلمــوك

ســريعا وهــو يظن أن قــدفأتهم. فجاءهم رسول الله بدا لهم فيما كلمهم فيه بداء. وكان عليهم حريصا يحبــا رشدهم ويعز عليه عنتهم حتى جلس إليهم. فقالوا: ي محمد إنا قد بعثنا إليك لنكلمك, وإنا والله مــا نعلم رجال من العرب أدخل على قومه مثل ما أدخلت على قومك,ــة, ــتمت األله ــدين, وش ــاء, وعبت ال ــتمت األب ــد ش لق وسفهت األحالم, وفرقت الجماعة, فما بقي أمر قــبيح إال جئته فيما بيننا وبينك – أو كما قالوا – فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب به ماال جمعنـا لـك من أموالنـا حتى تكــون أكثرنــا مــاال, وإن كنت إنمــا تطلب الشــرفــا فينا فنحن نسودك علينا, وإن كان هذا الذي يأتيك رئي تراه قد غلب عليــك – وكــانوا يســمون التــابع من الجن رئيــا – فربمــا كــان ذلــك, بــذلنا لــك أموالنــا في طلب

فيــك. فقــال لهمنغــدرالطب لك حتى نبرئــك منــه, أو ما بي ما تقولــون, مــا جئت بمــا جئتكم بــهرسول الله

ــك عليكم, ــرف فيكم, وال المل ــوالكم, وال الش أطلب أم ولكن اللــه بعثــني إليكم رســوال, وأنــزل علي كتابــا, وأمرني أن أكون لكم بشـيرا ونـذيرا, فبلغتكم رسـاالت ربي ونصحت لكم, فإن تقبلوا متى مــا جئتكم بــه فهــوــر حظكم في الدينا واألخرة, وإن تردوه علي أصــبر ألم

-اللــه, حــتى يحكم اللــه بيــني وبينكم – أو كمــا قــال قــالوا يــا محمــد فــإن كنت غــير قابــل منــا شــيئا ممــا عرضناه عليك, فإنك قد علمت أنه ليس من الناس أحدا أضيق بلدا, وال أقل مــاال, وال أشــد عيشــا منــا, فاســأل ربنا ربك الذي بعثك فليسير عنا هذه الجبال...إنتهى ما

.)(جاء في السيرة النبوية إلبن هشام

90

Page 91: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

كمــا أن موقفــه حين كلمــه عمــه في هــذا األمــر, فقال كلمته المشهورة والله يا عم لو وضعوا الشــمس في يميني والقمر في شمالي ما تــركت هــذا األمــر أو

.)(أهلك دونه

خــذوا العطـاء مــا دام عطـاء، فـإذا صـار﴿ وقـال رشوة في الــدين فال تأخــذوه، ولســتم بتاركيــه يمنعكم

إن رحى اإلسالم دائرة فــدوروا مــع   الفقر والحاجة، أال الكتاب حيث دار، أال إن الكتــاب والســلطان ســيفترقان فال تفـــارقوا الكتـــاب، أال إنـــه ســـيكون عليكم أمـــراء يقضــون ألنفســهم مــا ال يقضــون لكم إن عصــيتموهم قتلوكم وإن أطعتموهم أضلوكم، قالوا: يا رســول اللــه كيف نصنع؟ قال: كما صــنع أصــحاب عيســى ابن مــريم نشروا بالمناشير وحملوا على الخشب، موت في طاعة

1﴾ الله خير من حياة في معصية الله

.)(﴾ ودوا لو تدهن فيدهنون﴿قال تعالى

, وهــذا األمــرإن هذه المواقف من رســول اللــه الصــريح الواضــح بوجــوب الوقــوف بوجــه الظلمــة من الحكام, حتى ولو كنت متأكــدا من القتــل, فقولــه كمــاــل أصــحاب عيســى, شــدوا على الخشــب ونشــروا فع بالمناشــير, فهــل أوضــح من ذلــك األمــر؟. إن هــذه النصوص لم تطلب منا عــدم التقــرب منهم, ولم تطلبــا ــل هي تطلب من ــودد لهم أو ممالتهم, ب ــا عــدم الت من رفض قبولهم وقبول مــودتهم, أو تقــربهم منــا. إن مــا طلبــه الشــرع منــا أن نتصــدى لهم ونغــير عليهم, فقــد

من رأى سلطانا[ جائرا[ مستحال[ لحرم﴿ قال رسول الله (الله ناكثــا لعهــد اللــه ، مخالفــا لســنة رســول اللــه )

ر عليــه ــ� يعمل في عباد الله باإلثم و العــدوان ، فلم ي~غي)(﴾بقول و ال فعل كان حقا[ على الله أن يدخله مدخله

رقمه : 1 ، األولياء حلية في نعيم أبو معاذ : 188/5أوردُه حديث من غريب حكمه ،

91

Page 92: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

مرحلة الترف الفكري

إطمـــأن أهـــل الذمـــة إلى وجـــودهم فنفوســـهم محفوظة بأمان, ويؤكد لهم ذلك مــا ســمعوا من حــديث

كمــا إطمــأنوا1﴾ من آذى ذميــا[ فقــد آذاني﴿رسول الله ــوالهم, كيـــف ال ــهم وأمـ ــة على أعراضـ إلى المحافظـ يطمئنوا وهم يسمعون ما لهم من اإلنصاف وعليهم ما علينا من اإلنتصاف. ونتيجة لهــذه الطمأنينــة وإنطالقــا من العـــداء التقليـــدي بين اإلســـالم والكفـــر, ونظـــرا لتمتعهم بحـــق التعبـــير عن الـــرأي تســـلح بعضـــهم بالفلسفة اليونانية محاوال تشكيك المسلمين بعقيدتهم في مسألة القضاء والقدر, أو البحث في صــفات اللــه, وغير ذلك من البحوث الفلسفية, ممــا دفــع المســلمين كذلك للرد عليهم بنفس السالح – الفلسفة اليونانية – وكبحوث ومعارف جديدة إستهوت الكثير من المسلمينــة ــفة اليوناني ــأثرة بالفلس ــدة مت ــدارس جدي ــأت م نشــة ــفة اليوناني ــيع الفلس ــرفت في مواض ــت وأس وخاض نفسها, وتوصلت إلى أراء غريبة عن أذهان المسلمين, وما إن طرحتها حتى بادر أخــرون بــالرد عليهــا وبنفســلمين ــ ــر المس ــ ــدة عن فك ــ ــة بعي ــ ــلوب وبنتيج ــ اإلســة ــة ثالث ــودج مدرس ــك إلى وج ــأدى ذل ــادهم. ف وإعتق وبنتيجة مختلفة عن ســابقتها, وأعــني بــذلك أن الفئــة األولى كانت المعتزلــة, والفئــة الثانيــة كــانت الجبريــة, والفئــة الثالثــة كــانت أهــل الســنة. كمــا تشــبعت هــذه الفرق الثالث إلى مــدراس متعــددة, يجمعهــا كلهــا علم الكالم, وسموا جميعا المتكلمون, وقــد قــامت بحــوثهم جميعا على اإلفراط في إستعمال العقــل حــتى جعلــوه حكما على نصوص القرأن الكـريم, وإسـتعملوا أسـلوب التأويل في معاني االيات المخالفــة في ظــاهر معناهــا إلى ما توصلوا إليه في بحــوثهم. إن هــذا اإلفــراط في إســـتعمال العقـــل, واإلنـــدفاع وراء هـــذه المـــدارس,

رقمه : 1 ، الفتاوى مجموع في تيمية ابن عليه : 653/28أوردُه الله صلى الله رسول على كذب حكمه ، وسلم

92

Page 93: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

واإلقبال على هذه المعارف الجديدة أدى بهم إلى عدم اإلهتمام بدراسة القرأن الكــريم, والتهــاون في التعبــد به, وقد وضع هــذا الواقــع الجديــد بعض المؤمــنين إلى إيجاد نمط أخــر من المعــارف. المعــارف الــتي تكتســبــادي ــع الم ــاع عن الواق ــدس, واإلرتف ــة والح بالروحانيــة متنفســا, والهروب منه, فوجدوا في الفلسفة الهندي فنشأت مدرســة التصــوف, وممــا يؤكــد أن نشــوء هــذه المدرسة إنما كــان ردة فعــل على مدرســة علم الكالم, هو مــا قــام بــه اإلمــام الغــزالي رضــي اللــه عنــه أمــامــافت ــوفة بــالرد على الفالســفة في كتابــه ته المتص الفالســـفة. ورد عليـــه إبن رشـــد في كتابـــه تهـــافت التهافت. وتعددت مدارس التصــوف, وســميت بــالطرق الصوفية, وكان لكل طريقة شــيخ لــه مريــدون وأتبــاع, ومع تالشي الفئــات األولى الثالث وبقــا إســلوبهم في التفكير وهو ما يسمى علم المنطق, أو علم الكالم, إال أن حركة التصوف إستمرت وما ُزالت منتشرة في كثير من اقطار المسلمين, ولست األن بصــدد مــا جــاءت بــه من أفكار, وما تقوم به من أعمال, وإنما أنطلق ببحثي هذا من ُزاوية واحدة هي قضــية المســلمين المصــيرية, قضية المسلمين األولى, وهي وجود اإلسالم في واقع الحياة, وجود اإلسالم محكما في عالقات الناس جميعا,ــذ قفيهم ــلمين تنف ــا على المس ــالم قوام ــود اإلس وجــرعى شــؤونهم ــه, وت أحكامــه وتســير أعمــالهم بموجب

تحت رايتــه, ويقــاتلون تحت لوئــه,ينضــدونبشــريعته, وينشرون أفكاره, ويطبقون عدالته عليهم وعلى أهــل ذمتهم. نابذين لحكم الجاهلية في العــالم أجمــع, حــتى يصل هذا الدين للبشرية جميعها. هذه هي الزاوية التي أنظــر منهــا, وأســأل أليس هــذه المســألة فرضــا علىــيتهم جميع المسلمين أينما كانوا؟ أليست هذه هي قض األولى؟ اليس القعود عنها إثما مبينــا؟ فــإن كــان ذلــك كذلك فهل ما يقومــون بــه هي الطريــق الــتي رســمها

وسار عليها؟ وهــل مــا يقومــون مطــابقرسول الله

93

Page 94: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

ــدعوة ــريم في ال ــرأن الك ــك كفى﴿لنهج الق ــرأ كتاب اق)(﴾ بنفسك اليوم عليك شهيدا

94

Page 95: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

الصوفية الطرق

تختلف الطرق الصوفية إختالفات بسيطة أو كبيرة فيمــا بينهــا, وتختلــف تفســيرات كــل منهــا عن غيرهــا لمعنى الصوفية. كما تختلف هــذه التفســيرات جميعهــاــت ــاب, ولس ــيرات المعلقين والمحللين والكت عن تفس بمعرض مناقشة هذه المعــاني من حيث إنطباقهــا على واقع تلك الطــرق أو واقــع المنتمين لتلــك الطــرق من مشــايخ أو مريــدين. ألن المســألة المبحــوث عنهــا األن هي الحكم بمــا أنــزل اللــه. هــل الحكم بمــا أنــزل اللــه فرض على المســلمين أم ال؟ المســألة المبحــوث عنهــا هي إيجاد اإلســالم في واقــع الحيــاة, أو بعبــارة أخــرى إستئناف الحياة اإلسالمية. وإستئناف الحياة اإلســالميةــا ــع تصــرفاتنا, في عالقاتن يعــني تحكيم اإلســالم بجمي باللــه, وفي عالقاتنــا بعضــنا ببعض, وفي عالقاتنــا مــعــرة ــة, أو كف ــل ذم ــافرين أه ــاس من ك ــا من الن غيرن معاهدون, أو كفرة مستأمنون, أو كفرة محاربون حكما أو كفــرة محــاربون فعال, أو في عالقاتنــا مــع أنفســنا.

ك~م{﴿ تحكيم اإلسالم في كل شــيء. قــال تعــالى ن� اح{أ� و�

ه~ ل� اللــ� �نــز� ا أ م{ ب�مــ� ون�﴿ وقــال (1)﴾ ب�ي{ن�ه~ نــ~ م� ك� ال ي~ؤ{ بــ� ر� ف�ال و�د~وا ف�ي م{ ث~م� ال ي�جـــ� ر� ب�ي{ن�ه~ ج� ا شـــ� وك� ف�يمـــ� ك�مـــ~ ت�ى ي~ح� ح�

ل�يما[ ل�م~وا ت�س{ ي~س� ي{ت� و� ا ق�ض� م� جا[ م� ر� م{ ح� ه� س� �ن{ف~ ــال (2)﴾ أ ﴿ وق] را ول~ه~ أ�مــ{ س~ �ذ�ا ق�ض�ى الل�ه~ و�ر� ن�ة� إ م� ؤ{ ؤ{م�ن� و�ال م~ ا ك�ان� ل�م~ و�م�

ه� ر�ه�م{ و�م�ن{ ي�ع{ص� اللـــ� ة~ م�ن{ أ�مـــ{ ر� يـــ� م~ ال{خ� ون� ل�ه~ أ�ن{ ي�كـــ~ب�ينا[ ل� ض�الال[ م~ د{ ض� ق� ول�ه~ ف� س~ ل{ت~﴿ وقــال (3)﴾و�ر� �ك{م� و{م� أ ال{يــ�

م� ال� ــ{ �س يت~ ل�ك~م~ اإل{ ض� ت�ي و�ر� �ت{م�م{ت~ ع�ل�ي{ك~م{ ن�ع{م� أ ل�ك~م{ د�ين�ك~م{ و�.(4)﴾ د�ين[ا

فاإلسالم حدد لنا كيفية تصــريف أفعالنــا, وتســيير أعمالنا, وسيحاسبنا على كل مخالفــة أو تقصــير. وبين

1 2 3 4

95

Page 96: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

لنا أن هذا الدين قد إكتمل, وأن هــذه النعمــة قــد تمت. واإلنسان المسلم ملزم بإلتزام ما جاءه من ربه كــامال,ــالم كما أنه ليس بحاجة إلى تشريعات قانونية ألن اإلس كامال شـامال لكـل نـواحي الحيـاة, كمـا أنـه ال يجـوُز أن يستعيض عن التشريع اإلســالمي بقــوانين وضــعية. فال يجوُز لــه أن يلــتزم أحكــام العبــادات وأحكــام العالقــاتــتزام ــترك اإلل ــالزواج والطالق واإلرث, وي الشخصــية ك بإحكام اإلقتصاد والحكم, فهـو ليس بحاجــة إلى مجلس

تشريعي "مجلس النواب" لسن القوانين.

إن هذه األمور أحكام عامة تخــاطب جميــع النــاس, تخــاطب الحــاكم والقاضــي واألمــير والــوُزير والســري والــثري والفقــير والمســكين, إنهــا تخــاطب جميــع المؤمـنين, ولهـذا كـان كـل مـؤمن ملـزم بالعمـل على إيجادها في الحياة. هذا من جهة ومن جهــة ثانيــة فــإنــأتى ــاك أحكامــا تخــاطب جماعــة المســلمين, وال يت هن تنفيــذها من قبــل فــرد أو أفــراد, وعلى المســلمين تنفيذها وال يجوُز تعطيلها إطالقا وإال أثم كــل من قعــدــوطب عن العمل لتحقيقها, وإيجادها في الحياة وقد خ بهــذه األحكــام من عــزف عن الــدينا وبهــا رجهــا ولبس ثوب التصــوف. وُزهــد حــتى في الكثــير من المباحــات, وتعلقت روحه بخالقها. كما أن من يقول ربنــا أتنــا في الدنيا حســنة وفي األخــرة حســنة مخــاطب بهــا كــذلك,

ة�﴿ وكذلك من يستدل بقولــه تعــالى م� ُز�ينــ� ر� ل{ م�ن{ حــ� قــ~

ل{ ه�ي� ق� قــ~ ُز{ ات� م�ن� الــر� الط�ي�بــ� اد�ه� و� ج� ل�ع�بــ� ر� الل�ه� ال�ت�ي أ�خــ{ذ�ل�ك� ــ� ة� ك ي�ام� ة[ ي�و{م� ال{ق� ال�ص� ي�اة� الد�ن{ي�ا خ� ن~وا ف�ي ال{ح� ل�ل�ذ�ين� آم�

ون� ــ~ و{م� ي�ع{ل�م ــ� ات� ل�ق ــ� ي ل~ اآل{ ــ� ص ــنين(1)﴾ن~ف� ــع المؤم فجمي مخاطبون بهذه األحكام العامة وجميع المؤمــنين يوجــه

[﴿ إليهم قول اللــه تعــالى طا ة[ و�ســ� مــ�اك~م{ أ~ ع�ل{نــ� ذ�ل�ك� ج� كــ� و�

ول~ ع�ل�ي{ك~م{ ــ~ س ون� الر� ــ~ ي�ك اس� و� ــ� د�اء ع�ل�ى الن ه� ــ~ وا{ ش ــ~ ل�ت�ك~ون] يدا ه� كمــا أن الجميــع مخــاطبون بأحــاديث رســول(2)﴾ ش�

1 2

96

Page 97: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

من رأى سلطانا[ جائرا[ مستحال[ لحرم اللــه ناكثــا﴿ الله ( يعمــل فيلعهد اللــه ، مخالفــا لســنة رســول اللــه )

ر عليــه بقــول و ال عباد الله باإلثم و العدوان ، فلم ي~غيــ� ﴿ ويقــول (1)﴾ فعل كان حقا[ على الله أن يدخلــه مدخلــه

لتأمرن بــالمعروف، ولتنهــون عن المنكــر، أو ليســلطنــدع الحليم ــل المظلم، ت ــع اللي ــا[ كقط ــه عليكم فتن الل

﴿ ويقــول (2)﴾ حيران، ثم يدعو خياركم فال يستجاب لهم ما دام عطاء، فإذا صــار رشــوة في الــدين خذوا العطاء

فال تأخــذوه، ولســتم بتاركيــه يمنعكم الفقــر والحاجــة، إن رحى اإلسالم دائرة فدوروا مع الكتــاب حيث دار، أال

ــارقوا ــيفترقان فال تفـ ــلطان سـ ــاب والسـ أال إن الكتـ الكتاب، أال إنه سيكون عليكم أمراء يقضــون ألنفســهمــوكم وإن ــ ــيتموهم قتل ــ ــون لكم إن عص ــ ــا ال يقض ــ م أطعتموهم أضلوكم، قالوا: يا رسول الله كيــف نصــنع؟ــروا ــريم نش ــى ابن م ــحاب عيس ــنع أص ــا ص ــال: كم ق بالمناشير وحملوا على الخشب، مــوت في طاعــة اللــه

حد يعمل به﴿ وقوله (3)﴾ خير من حياة في معصية الله في األرض خــير ألهــل األرض من أن يمطــروا أربعين

أو كما قال. (4)﴾صباحا

هل هنــاك أحــد ليس مخــاطب بهــذه األحــاديث من أمة محمد؟ وهل من أحد رفع عنه التكليف إال من ذهب

عقله؟

ــاس أفــرادا وجماعــات ليســت المســألة دعــوة الن لإللتزام بالعبادات, أو اإليمان بالله أو اإللــتزام بــالحاللــل ــور فحســب ب ــذه األم ــرام. ليســت المســألة ه والح المسألة وجود الجهة الــتي تقــوم بمــا فـرض اللــه على

جماعة المسلمين من مثل:

1 2 3 4

97

Page 98: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

ار�ق~﴿ إقامــة الحــدود, وقــد قــال تعــالى الســ� و�ب�ا ا ك�ســ� اء[ ب�مــ� ز� ا جــ� م� د�ي�ه~ �يــ{ اق{ط�ع~وا أ ة~ ف� ار�ق� و�الس�

ك�يم� ه~ ع�ز�يــز� ح� اللــ� ه� و� اال[ م�ن� اللــ� ﴿ وقــال (1)﴾ن�كــ� ولكم في القصــاص حيــاة يــا أولي األلبــاب

2))﴾ لعلكم تتقون

رعايـــة الشـــؤون وتـــأمين المرافـــق العامـــة ــدارس ــاجد والمـ ــاء المسـ ــل بنـ ــاس, مثـ للنـ والمستشفيات وشق الطــرق وبنــاء الجســور,ــتخراج ــاة, وإس ــع الزك ــاة, وتوُزي ــع الزك وجم الثروات الطبيعيــة للمســلمين, وتــأمين المــاء

والكهرباء.م�﴿قال تعالى و{ ــ� ا ل�ق ك{م[ ن~ م�ن� الل�ه� ح~ س� و�م�ن{ أ�ح{

ن~ون� ــه،﴿ ويقول (3)﴾ي~وق� من ترك ماال[ فلورثت(4)﴾ومن ترك دينا أو ضياعا[ فإلي وعلى

ــاس ــالم للشــهادة على الن ــدعوة للع حمــل ال تنفيذا للغايـة الـتي جعلنـا اللـه لهـا خـير أمـةــا أمــة وســطا لنكــون ــاس وجعلن أخــرجت للن شهداء على الناس, وأيات الجهاد في القرأن الكريم قــد إســتأثرت بالخــط الــوافر, وطلبت من المسلمين قتال الناس حتى يقولوا ال إله إال الله محمد رسول الله. فمن يجهــز جيــوش المســلمين, ومن يعقــد لهم األلويــة والريــات

ويوجههم إلى مشارق األرض ومغاربها.حماية الثغور, فمن يحفــظ األمن في الــداخل

ال يحل لثالثة يكونــون بفالة من﴿والرسول فـإذا كـان(5)﴾األرض إال أمـروا عليهم أحـدهم

ــة بفالة من األرض إال األمر كذلك ال يحل لثالث أن يــؤمروا أحــدهم فمن بــاب أولى أن يكــون

1 2 3 4 5

98

Page 99: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

لألمة إمام أو أمير أو سلطان يقوم بما تمليــهعليه مهمة اإلمارة أو السلطان.

ــاة, أو ــالم للحيـ ــودة اإلسـ ــألة إذن هي عـ فالمســـدعوة إلى ــاة اإلســالمية وليس مجــرد ال إســتئناف الحيــقط ــالم ال يس ــدعوة إلى اإلس ــرد ال ــالم, ألن مج اإلس التكليف بالدعوة إلى إعادة حكم اإلسالم, والــدعوة إلى عــودة اإلســالم وإقامــة دولــة إســالمية تقتضــي إيجــاد التكتل لذلك األمر ألن العمل الفردي ال يجــزي. وإيجــاد التكتل يقضي بأن يكون له أمير للدليل السابق. وهــذا التكتل بأميره يستهدف إقامة الدولــة اإلســالمية, وهــذا يقتضــي أن يتصــف هــذا التكتــل بكــل مــا من شــأنه أن يحقق الهـدف. كتحديــد الهـدف وتصـوره والــوعي علىــبيل ــلك س ــار أن يس ــه وبإختص ــتي تعترض ــات ال العقب

وينهج نهج القرأن الكريم في الدعوة.الرسول

لقد قلت أنني ال أريد مناقشة ما يقوم به الفرد أوــا ــا وم ــرعية بحقه ــام ش ــا تبنت من أحك ــة فيم الجماع

, وما تقربت بــه من نوافــل.أورادألزمت به نفسها من إن الـله تـعالى ـقال﴿ في حديث قدسي ملتزمة بقوله

ا[ : من عـــــــــــــــــــــــــادى لي وليـــــــــــــــــــــــــّ فقد آذنته بالحرب ، وما تقــرب إلّي عبــدي بشــيء أحب إلّي مما افترضــته عليــه ، وال يــزال عبــدي يتقــرب إلّيبالنوافـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــل حتى أحبه ، فإذا أحببتــه كنت ســمعه الــذي يســمع بــه ،ــتي يبطش بهــا ، ــده ال ــه ، وي ــذي يبصــر في وبصــره الــطينه ، ولئن ورجله التي يمشي بها ، ولئن سألني ألعـ

(1)﴾استعاذني ألعيذنه

ــد وال أريد أن أناقش ما وصل إليه الشــيخ أو المري رب أشــعث﴿ من كرامات مصداقا لقول رسول الله

ولكــني أريــد تــذكير (2)﴾أغبر لو أقســم على اللــه ألبــره

1 2

99

Page 100: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

الواصلين من مشــايخ ومريــدين, أريــد تــذكيرهم ولفت نظرهم إلى ما وصلت إليه حال المسلمين في مشارق األرض ومغاربها, في يمنها وشامها, ال أريد أن أذكرهم

يوشــك األمم أن تــداعى عليكم كمــا تــداعى﴿ بقولــه ــذ، األكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئ قال: بل أنتم يومئــذ كثــير ولكنكم غثــاء كغثــاء الســيل،ــة منكم، ــدوكم المهابـ ــدور عـ ــه من صـ ــنزعن اللـ وليـ وليقــذفن اللــه في قلــوبكم الــوهن، فقــال قائــل: يــا رسول الله وما الوهن، قال: حب الدنيا وكراهية الموت

ال أريــد أن التــذكير بهـذا الحــديث, ألن التــداعي قـد(1)﴾ حصل قبل الحرب العالمية األولى, وإجتمــع المــدعوون

على القصعة, وتقاسموا محتوياتها.

ومنذ ذلك التاريخ وكل طرف منهم يعبث بما خصهــذه األجــزاء ــركم به ــد أن أذك ــات. أري ــك المحتوي من تل المتناثرة المتدابرة من هذه األمة العاثرة. إنكم وال شك ترون هذه التجزئة المقيتــة في األمــة, ومــا لحقهــا من تباغض وتشاحن وحــروب مــرة بإســم القوميــة – الــتي

دعوهــا فإنهــا﴿ وصــفها رســول اللــه بــالنتن – فقــال نتنة وكــأن النــاس لم يــدركوا نتنهــا بعــد, وبعــد مــا( 2)﴾ م~

لحقهم منهــا مــا لحقهم. ومــرة بإســم اإلقليميــة أوالوطنية أو المذهبية.

ال شك أنكم تعــانون من التخلــف الــذي تشــاهدونه في هذا األمة التي من الله عليها لتقود العالم وإذا بها

منقادة ألحط شعوب األرض.

ال شك أنكم تشــاهدون أو تســمعون مــا يجــري من محاوالت اإلبادة في المسلمين بعد محــاوالت التحريــف

والتبديل والتضليل في اإلسالم.

وال شك أنكم تؤمنون بوجوب عودة اإلسالم لواقــع الحياة وعودة دولتــه لتعــود عــزة المســلمين ومجــدهم.

1 2

100

Page 101: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

وللوصــول إلى ذلــك ال بــد من العمــل, والعمــل إمــا أن ســائرا علىيكــون بالكيفيــة الــتي عمــل بهــا محمــد

ــد ــة العقائ النهج القرأني, مثل توضيح العقيدة ومهاجم الفاسدة, ومهاجمة أئمة الكفر, ورؤوس الضالل, وبيان فساد العالقات القائمة في المجتمــع وفســاد مــا ينظم هذه العالقات من دستور وقوانين ومراسيم إشتراعية, ومؤسســات تقــوم على هــذه التشــريعات, ثم تجســيد الهدف الذي نسعى إليه وبيان وجــوب وجــوده ووجــوبــا العمل إليه. هذه حالة وإال فالحالة األخرى بناء على م عندكم من مفاهيم أن يغير اللــه ســبحانه وتعــالى هــذا الحال, وأن يستخلف الله المؤمنين في األرض, ويمكنــد خــوفهم لهم دينهم الذي إرتضى لهم ويبدلهم من بع أمنا, وهذا يعني اإلستسالم للقدرية الغيبية أو الجبريــةــة في مهب ــان كالريش ــبر أن اإلنس ــتي تعت ــة ال الطلق الريح, ال يملك من أمـر نفسـه شـيء وال حـتى إمكانيـة

إ�ن�﴿ ممارسة إرادته, مع أن الله سبحانه وتعالى يقــول

م{ ه� س� �ن{ف~ ا ب�أ وا م� ت�ى ي~غ�ي�ر~ و{م� ح� ا ب�ق� وهنا(1)﴾ الل�ه� ال ي~غ�ي�ر~ م� جعل تغيير ما في القوم من أوضاع, من نعمة أو بؤس, من سعادة أو شقاء موقــوف على قيــام النــاس بتغيــير نفسياتهم – أي بتغيير أفكــارهم ومشــاعرهم, فــإن هم قاموا بتغيير أفكارهم ومشاعرهم – أي األعراف العامة المتحكمة بعالقاتهم, فإنه سبحانه وتعالى يغير ما بهم, فــإن غــيروا لإلحســن كــان تغيــيره كــذلك, وإن غــيرواــا بهم لألســوء – ــير م ــه غ ــأنعم الل لألســوء, وكفــروا ب

والعياذ بالله –.

عفـــوا أيهـــا المتصـــوفون, عفـــوا ومعـــذرة أيهـــا الصوفيون, إن الفترة التي إنطلقت فيها هــذه األفكــار كانت رايات اإلسالم تخفق فوق ســقف العــالم – جبــالــه ــهل بواتي ــاس, وفي س ــا – وعلى ربي القفق الهمالي

ــد ــا35على بع ــل إفريقي ــاريس, وفي مجاه ميال من بــة, ــبة الدول ــب في قص ــك البالد تص ــيرات تل ــانت خ وك

1

101

Page 102: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

وقطب رحاها. كذلك كانت قصبة الدولة – بغداد – موئال لكل مفكر, وساحة لكل فن, وسوقا لكل بضــاعة وعلىــدفع ــر واألدب والفن. وإن ــا ســوق الفك رأســها جميعه أصحاب كل فن يبدعون وينتجون ممــا هم بحاجــة إليــه, وممــا هم ليســوا بحاجــة إليــه, فكــان الــترف الفكــري سيماء تلك الحقبة من الزمن. وبالرغم من إتساع رقعة المدينة وكثافة سكانها حيث بلغ عــدد ســكان بغــداد مــا

– الــتيالنكايــايزيد على أربعة ماليين نسمة, وبلغ عدد تقدم الطعــام لمن يشــاء وخصوصــا إبن الســبيل – فلم يكن أحــد يحــار بتــدبير طعامــه ومؤونتــه. فكــان من البــديهي أن تنشــأ مثــل هــذه الطــرق الصــوفية. وكمــا سمي ذلك العصر بالعصر الذهبي. فلم يكن للمســلمينــوش ــانت جي قضــية ســوى قضــية نشــر اإلســالم – وك المســلمين ترفــرف في كــل إتجــاه – أمــا اليــوم فــإن قضيتهم إيجــاد اإلســالم في واقــع حيــاتهم هم, ناهيــك عن حمله وسيادته للعالم. لذا – وبناء على هذا الواقع – قد يعذر من إعتزل النــاس, وقــد يعــذر من جعــل عملــه رعايــة غنم يسـومها شــعب الجبــال, وقـد يعــذر النــاســب ــل والكس ــافز على العم ــباب من حيث أن الح والش ضعيف جدا, السمو الروحي في أعلى مستوى له كردةــراعات ــاحة من ص ــري على الس ــا يج ــة لم ــل عنيف فع

فكرية.

وقد قيل أن الكثــير من األحــاديث الشــريفة الــتي تناولت فضائل السور, ومنهم من يقول كلها موضـوعةوذلك تجيشا للناس لإلقبال على قراءة القرأن الكريم.

ــل ــيبة, وبين ك ــاني المص ــة تع ــوم – واألم ــا الي أم مصيبة مصيبة أخــرى – فــإن تــوالي األحــداث, وتعــاقب الويالت, والمعاناة الدائمة في طلب الرُزق والبحث عن األمــان. باإلضــافة إلى أنظمــة الكفــر المفروضــة علىــية ــاد صـــورة أنظمـــة اإلســـالم السياسـ النـــاس وإبعـ واإلقتصادية, ومنع تدريسها حــتى في كليــات الشــريعة

102

Page 103: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

إمعانــا في التجهيــل والتغــريب. وإختالط الرؤيــا وعــدمــرام. ــود واألبيض, بين الحالل والحـ ــيز بين األسـ التميـــون من ــاذا يهرب ــوا, لم ــنين أن يفعل ــاذا على المؤم فم تحمل المسؤولية والقيام بما فرض اللــه عليهم؟ وهــل يظن أن قيامــه بالمســتحبات والمنــدوبات يســقط عنــه

أثم القعود عن الواجبات.

ومن المعروف أن أمام المتصوفين هــو محمــد بن محمــد أبــو حامــد الغــزالي وقصـة مناظرتــه مــع ســيدناــذكرها موسى عليه السالم ليلة المعراج معروفة. كما تــيدنا الروايات, فقد روي أن سيدنا موسى عتب على س

لقوـله علـماء أـمتي كأنبـياء ـبني إـسرائيل, فـقالمحمد إنهــا كلمــة حــق, فقــال موســى عليــهرســول اللــه

السالم وكيف؟ فــدعى رســول اللــه ربــه أن يبعث أحــد علماء األمة, فبعث الله تعالى اإلمام الغزالي فقال لــهــزالي: موسى عليه السالم: ما إسمك؟ فقال اإلمام الغ محمد بن محمد أبــو حامــد الغــزالي, فقــال لــه موســى عليه الســالم: لقــد ســألتك عن إســمك ولم أســألك عنــى حين إسم أبيك وجدك, فقال الغزالي: أتذكر يا موس

ين�ك� ي�ا م~وس�ى﴿ سألك ربك عما في يمينك ا ت�ل{ك� ب�ي�م� ﴾ و�م�ا ع�ل�ى ﴿ فقلت (1) أ�ه~ش� ب�هــ� ا و� ك�أ~ ع�ل�ي{ه� �ت�و� اي� أ ال� ه�ي� ع�ص� ق�

ى ر� آر�ب~ أ~خــ{ ا مــ� يه� ل�ي� ف� مــع أن اللــه ســبحانه(2)﴾غ�ن�م�ي و� وتعالى قد سألك عما في يمينك ولم يسألك عما تصــنع بها, فقـال لـه موسـى عليـه السـالم: كنت أتلـذذ بكالم الحق جل وعال. قال الغــزالي وأنــا أتلــذذ بكالم من كلم

: ـيا ـغزاليالحق جل وعال. فقال رسولنا الكريم محمد لقد أسأت األدب مع موسى, وكان بيده قضيب, فضربــر ــان أث ــزالي ك ــد الغ ــزالي, ولمــا ول ــه بين كتفي الغ ب

القضيب بين كتفي اإلمام رضوان الله عليه.

إن هذا اإلمام رضي الله عنه في كتابه احياء علوم الدين, وضع كتابا خاصا ســماه كتــاب األمــر بــالمعروف

1 2

103

Page 104: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

والنهي عن المنكر" احياء علوم الــدين المجلــد الثــاني,306طبع دار المعرفة بيروت في صفحة

نأخذ منه ما يلي:

البـاب األول في وجـوب األمـر بـالمعروف والنهيــه وإضــاعته. عن المنكــر وفضــيلته والمذمــة في إهمال

ويقيم األدلة على ذلك من األيات واألخبار واألثار.

د{ع~ون� ﴿ أما األيات فقوله تعالى ة� يــ� م�نك~م{ أ~ ل{ت�ك~ن م� و�

ر� ــ� نك و{ن� ع�ن� ال{م~ ــ� ي�ن{ه وف� و� ع{ر~ ال{م� ــ� ون� ب ر~ م~أ{ ــ� ي ر� و� ــ{ ي �ل�ى ال{خ� إ

ون� ل�ح~ ف{ ئ�ك� ه~م~ ال{م~ لـ� و{~ أ ــالى (1)﴾ و� ون� ﴿ وقوله تع ــ~ ن م� ؤ{ ال{م~ و�

وف� ع{ر~ ال{م� ــ� ون� ب ر~ م~أ{ ــ� اء~ ب�ع{ض� ي ــ� ل�ي و{

� م{ أ ه~ ــ~ ات~ ب�ع{ض ــ� ن م� ؤ{ ال{م~ و�اة� كــ� ون� الز� تــ~ ي~ؤ{ ة� و� ال� ون� الصــ� يمــ~ ي~ق� ر� و� ن{كــ� و{ن� ع�ن� ال{م~ ي�ن{ه� و�

ه� ه~ إ�ن� اللـ� م~ اللـ� ه~ م~ ح� ي�ر{ ك� سـ� ول�ه~ أ~ول�ئـ� س~ ي~ط�يع~ون� الل�ه� و�ر� و�

ك�يم� ت{ ﴿وقولــه تعــالى ﴾ ع�ز�يــز� ح� ر�ج� ة� أ~خــ{ مــ�ر� أ~ ــ{ ي ك~ن{ت~م{ خ�

ن{ك�ر و{ن� ع�ن� ال{م~ ت�ن{ه� وف� و� ع{ر~ ون� ب�ال{م� ر~ م~ وقوله(2)﴾ ل�لن�اس� ت�أ{

ة� ﴿ تعــالى ال� ام~وا الصــ� ض� أ�قــ� ر{� اه~م{ ف�ي األ{ ك�نــ� ذ�ين� إ�ن{ م� الــ�

ه� ل�لــ� ر� و� ن{كــ� ا ع�ن{ ال{م~ و{ ن�هــ� وف� و� ع{ر~ وا ب�ال{م� ر~ م�أ� ك�اة� و� ا الز� آت�و{ و�~م~ور� ب�ة~ األ{ (3)﴾ع�اق�

ــر ــوب األم ــبين وج ــات ت ــثر من عشــر أي ــر أك وذكــات بالمعروف والنهي عن المنكر وشرح ما تضمنته األي من مديح وثناء للقائمين باألمر بــالمعروف والنهي عن المنكر كما بين الذم والتهديد والوعيد للمتقاعسين عن

ذلك.

وأما األخبار: فمنها مــا روي عن أبي بكــر الصــديقــاس رضي الله عنه أنه قال في خطبة خطبها "أيهــا الن

﴿ أنكم تقرأون هذه األية وتؤولونها على خالف تؤويلهــا�ذ�ا ل� إ ك~م{ م�ن{ ض� ر� ك~م{ ال� ي�ض~ س� ن~وا ع�ل�ي{ك~م{ أ�نف~ ا ال�ذ�ين� آم� �ي�ه� ي�اأ

ت�د�ي{ت~م{ مــا من قــوم ﴿ وإني ســمعت رســول اللــه (4)﴾ اه{

1 2 3 4

104

Page 105: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

عملوا بالمعاصي وفيهم من يقــدر أن ينكــر عليهم فلمــده ــذاب من عن ــه بع (1)﴾ يفعــل إال يوشــك أن يعمهم الل

لتـأمرن بـالمعروف ولتنهـون عن ﴿ وقال رسول الله المنكــر أو ليســلطن اللــه عليكم شــراركم ثم يــدعوا

مــا ﴿ وقال رســول اللــه (2)﴾ خياركم فال يستجاب لهم أعمال البر عنــد الجهــاد في ســبيل اللــه إال كنفثــة في بحر لجي، وما جميع أعمال البر والجهاد في سبيل اللهــة في عند األمر بالمعروف والنهي عن المنكــر إال كنفث

(3)﴾ بحر لجي

قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: يا رسول الله هل من جهاد غير قتال المشركين؟ فقال رســول اللــه : نعم يا أبا بكــر إن للــه مجاهــدين في األرض أفضــلــاهي من الشهداء أحياء مرُزقين يمشون على األرض يب الله بهم مالئكة السماء وتزين لهم الجنة كما تزينت أم

, فـقال أـبو بـكر رـضي الـله عـنه: ـياسلمة لرسول الله ــالمعروف ــرون بـ ــال: األمـ ــه ومن هم؟ قـ ــول اللـ رسـ والناهون عن المنكــر والمحبــون في اللــه والمبغضــون

في الله"

وقال أبو عبيــدة بن الجــراح رضــي اللــه عنــه قلت يارسول الله أي الشهداء أكرم على الله عز وجل؟ قال رجل قـام إلى وال جـائر فـأمره بـالمعروف ونهـاه عن المنكر فقتله..." أخرجه البزار وقــال الحســن البصــري

أفضــل شــهداء أمــتي﴿ رحمه الله: قال رســول اللــه رجل قام إلى إمام جــائر فــأمره بــالمعروف ونهــاه عنــه في ــك, فــذلك الشــهيد منزلت ــه على ذل المنكــر فقتل

وقــال عمــر بن الخطــاب(4)﴾الجنــة بين حمــزة وجعفــر بئس﴿ يقــولرضــي اللــه عنــه: ســمعت رســول اللــه

القوم قــوم ال يــأمرون بالقســط وبئس القــوم قــوم ال

1 2 3 4

105

Page 106: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

وقــد ذكــر (5)﴾ يأمرون بالمعروف وال ينهون عن المنكــرفي هذه المسألة أكثر من عشرة أحاديث كذلك.

وأما في األثار فقــد قــال أبــو الــدرداء رضــي اللــه عنه: لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليســلطن اللــه عليكم ســلطانا جــائرا ال يجــل كبــيركم وال يــرحم صـــغيركم, ويـــدعو عليـــه خيـــاركم فال يســـتجاب لهم,وتستنصرون فال تنصرون, وتستغفرون فال يغفر لكم.

وذكر رحمه الله في هذا الباب الكثــير من األثــار,وــر ــة أن األم ــذه األدل ــر به خلص إلى القــول "فقــد ظه بـــالمعروف والنهي عن المنكـــر واجب, وأن فرضـــه ال يسقط مع القدرة إال بقيام قائم به" نكتفي بهذا القدر

مما جاء في هذا الباب مع أنه كثير جدا.

أمــا قولــه "وإن فرضــه ال يســقط مــع القــدرة إال بقيام قائم به" إن القدرة على هذا األمــر متــوفرة إمــا بالفعل أو بالقوة. أما توفرهــا بالفعــل فــإن في األمــة األعداد الوفــيرة القــادرة على التغيــير لــو وضــعت هــذاــات, وأمــا ــه وفي ســلم األولوي األمــر في موضــع التنب القدرة بالقوة فما من مسلم إال وله القدرة على إعداد نفسه لمعرفة المعروف والمنكر, وفهم ما هو مطلوب قبل مباشرة العمل. وأرى هنا أنــه من الضــروري نقــل ما ورد في الكتــاب لمــا لــه من أهميــة في هــذا البحث, فكيف إذا علمنا أن هذا الوجوب قــائم في ظــل الدولــةــع اإلسالمية, وأن هذا الفرض مترتب على المسلمين م أنهم في عزة وكرامة وراية اإلسالم خفاقة, وقــد دانت لها أمم األرض قاطبة, فكيف بنا اليــوم ونحن في هــذا الواقع المرير, وهل هناك أمر بمعروف أكــبر من األمــرــاة ــاة, وإســتئناف الحي بإيجــاد اإلســالم في واقــع الحي اإلسالمية؟ وهل هناك منكــر أعظم من حكم الجاهليــة؟ــا وهل هناك منكر أكبر من إتخاذ المجالس النيابية أرباب

من دون الله؟ فاتقوا الله عباد الله.

5

106

Page 107: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

107

Page 108: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

الصامتة الأكْثرية

تتفاوت النسب بين شعب وأخر, وبين أمة وأخــرى من حيث اإلهتمــــام بالشــــؤون العامــــة والقضــــايا السياســية. ومــع ذلــك تبقى نســبة العــاملين في هــذا الحقل, والمهتمين بهذه األمور قليلة نسـبيا في جميــع األمم والشعوب, فقـد تبلـغ ال عشـرة في المائـة عنـد الشعوب الراقية, وقد ال تصل إلى واحد في األلف, بــل أقل من ذلك بكثـير, إن هـذه الظـاهرة يمكن ردهـا إلى

أمرين إثنين.

األمر األول إنها ظاهرة فطريــة ناتجــة عن غريــزة البقــاء, ومــا بطلــق عليــه عنــد البعض غريــزة القطيــع. فاإلنسان من طبيعته أنه يعيش جماعات جماعات, قلت هذه الجماعة أو كثرت. ومن النادر جدا, بل إنه لم يذكر التــاريخ أو البــاحثين في مثــل هــذا األمــر أن اإلنســان عاش بفرديته روحا من الزمن, ولهذا فإننا نقــول أنهــا ظاهرة غريزية تنطبــق على جميــع النــاس. وبنــاء على ذلك عاش الناس جماعات جماعات, وكــل جماعــة منهــا تنظم عالقاتها فيما بينها, وفيما بينها وبين غيرهــا منــذا ــذ ه ــذا يتطلب أن يشــرف على تنفي ــات, وه الجماعــراد لهم ــة أف ــرد أو مجموع ــات ف ــذه العالق التنظيم له صالحية ضبط الجماعة وتسييرها ضمن مــا إتفــق عليــهــا في من مفاهيم ومقاييس وقناعات. ويظهر هــذا جلي

ي�ا﴿ كافة المجتمعات البدائية منها والراقية. قال تعالى ع~وب[ا ع�ل{ن�اك~م{ ش~ ~ن{ث�ى و�ج� أ ن�اك~م{ م�ن{ ذ�ك�ر� و� ل�ق{ �ن�ا خ� ا الن�اس~ إ �ي�ه� أ

ه� اك~م{ إ�ن� اللــ� �ت{قــ� ه� أ د� اللــ� نــ{ ك~م{ ع� م� �ك{ر� وا إ�ن� أ ف~ ب�ائ�ل� ل�ت�ع�ار� ق� و�

ب�ير� (1)﴾ع�ل�يم� خ�

ــاييس ــاهيم والمق ــو المف ــاني فه ــر الث ــا األم وأم والقناعات التي حملتها هذه الجماعة أو تلك فإن كانت هــذه المفــاهيم المســيرة لســلوك الجماعــة تنظــر إلى

1

108

Page 109: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

الفرد بفرديته, وتنظر إلى المجتمــع بأنــه مجموعــة منــا ــد جمعته ــربطهم المصــالح المشــتركة, وق ــراد ت األف الظروف للعيش المشترك ضمن هذا الكيان السياسي. فاستأجرت لها رئيسا وحكومة لتنفيذ ما اتفق عليه من دستور وقوانين أي لتنفيذ مــا اتفــق عليــه من مفــاهيم ومقاييس وقناعــات. وإكتفت الجماعــة بهــؤالء األجــراء لتنفيذ القوانين. ويظهر في هذه المجموعة من الناس أناس ينافسون هذه الجهة المستأجرة للتنفيذ, وتتطلع نفــوس للوصــول إلى هــذه المراكــز, وتتحــرك مشــاعر المصلحة لتدفع بأصــحابها للمنافســة وهكــذا. من مثــلــات هذه األمور تظهر الجماعات السياسية في المجتمع التي نظرت للمجتمع بأنه مكون من أفــراد, ومن مثلهــا من المجتمعات التي قالت بإعطــاء الفــرد حريتــه, فمــا الــذي يربطــه بغــيره حــتى تتحــرك مشــاعره الشــؤونــع ــذي يض ــع ال ــية. والمجتم ــايا السياس ــة والقض العامــة مشــكلة أحكامه ومعالجاته لمشاكل المجتمع من ُزاوي الفرد فكيــف يمكن أن يوجــد عنــد أمثــال هــؤالء جميعــا أحاســيس عامــة وقضــايا سياســية. ولهــذا فــإن نســبة المهتمين بالقضايا العامة ستكون قليلة حتمــا, أو على األقل فإنها تختلــف تمامــا عن جماعــة أو مجتمــع وجــدــك على مفاهيم مقاييس وقناعات مغايرة تماما عن تل

التي سلفت.

ــاهيم ــ ــوم على المف ــ ــع يق ــ ــك مجتم ــ أين من ذلوالمقاييس والقناعات التالية:

ــلمين فليس منهم".1 ــأمر المسـ (1)"من لم يهتم بـ

دعوة للجميع لإلهتمام العام. أنت على ثغرة من ثغور اإلسالم فال يــؤتين من".2

حراسة عامة من الجميع.(2)"قبلك

1 2

109

Page 110: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

مــا أفلح أهــل عرصــة نــاموا وبينهم جــائع وهم".3 رعاية شاملة للجميع.(3)"يعلمون

ــل منهم".4 ــذ ك ــفينة فإخ ــتهموا س ــا إس إن قوم مكانــه, فإخــذ أحــدهم فأســا وبــدأ ينقــر في موضعه, فقالوا لــه مــا تصــنع, قــال إنــه مكــاني أصنع فيه ما أشاء, فإن هم أخذوا على يــده نجــا

2)) "ونجوا وإن تركوه هلك وهلكوا

ــإن لم".5 ــده, ف ــيره بي ــرا فليغ من رأى منكم منك يستطع فبلسانه, فإن لم يستطع فبقلبه وذلــك

3))"أضعف اإليمان

من رأى سلطانا جائرا مســتحال لحرمــات اللــه,".6 ناكثــا لعهــود اللــه حاكمــا في عبــاد اللــه بــاإلثم والعدوان ولم يغير عليه بقول أو فعل كان على

(4)"الله أن يدخله مدخله

(5)"المؤمنون والمسلمون أمة من دون الناس".7

ذمة المؤمنين واحــدة, يســعى بــذمتهم أدنــاهم".86))"وهم يد على من سواهم

ــاهيم ــذه المفـ ــل هـ ــوم على مثـ ــا يقـ إن مجتمعـ والمقاييس والقناعات ال بد وأن تكون نســبة المهتمينــوق بالقضايا السياسية والشؤون العامة نسبة عالية تف

كل ما سواها من مجتمعات في العالم.

ــتي ــا, وال ــتي يقــوم عليهــا مجتمعن ــدتنا ال إن عقي يتربى عليهــا أبناءنــا هي الــتي جــاءت بهــذه المفــاهيم والمقاييس والقناعات, والــتي تجعــل كــل مســلم عينــا ساهرة على مجتمعه ورقيبا لساسته. وهي التي جعلت الحاكم نائبــا عن األمــة وليس أجــيرا عنــدها فال مطمــع من تولي ذلك المنصب. أما الحــافز لوجــود جمهــرة من

3 2 3 4 5 6

110

Page 111: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

السياســــيين فهي هــــذه المفــــاهيم والمقــــاييسوالقناعات.

ــاملين في ــبة العـ ــد أن نسـ ــؤلم أن نجـ إال أن المـ المجال السياســي والــداعين إلى التكتــل السياســي أو الكتبة في الفكــر السياســي مــا ُزالت نســبتهم متدنيــة جدا وذلك للظروف التي تمر بها أمتنــا, والواقــع الــذيــك ــزوا ذل تعيشه والظلم الذي ترُزح تحته. ويمكن أن نع

لألسباب التالية:

إنفصــال المجــال السياســي عن عقيــدة األمــة,.1 فقد فرض على األمة نظام سياسي ال يمت إلى

عقيدتها بصلة. سياسة هذا النظام في توجيه الناس وتثقيفهم.2

ــق ــي من منطل ــير السياس ــادهم عن التفك وإبععقيدتهم وإيمانهم.

تصوير السياسة بأنها خداع ودجل وتضليل..3سياسة القمع واإلضطهاد..4ــرد.5 ــبح الف ــي ويص ــع بحيث يمس ــة التجوي سياس

مفكر بقوت يومه.

إن هـــذه األمـــور ومثلهـــا أوجـــدت خمـــورا في المفكــــرين السياســــيين, والــــداعين إلى األفكــــارــالقعود عن ــك فال عــذر للمســلم ب السياســية. ومــع ذل الدعوة لفكـر سياسـي والعمـل لتغيـير الواقـع السـيءــار ــا, واألفك الذي يعيش فيه, فإن العقيدة التي أمن به الــتي يحملهــا تــوجب عليــه أن يقــوم بمــا يســتطيع من أعمـــال في المجـــال السياســـي, هـــذا من الناحيـــة

الشرعية.

إال أن هناك جــانب أخــر وددت مخاطبــة أبنــاء هــذه األمة بــه, فبعــد أن خــاطبت قــواهم الفكريــة باألحكــام الشرعية, أريد أن أخاطب قــواهم العقليــة من منطلــق عاطفي, أحرك بــه أحاسيســهم, وأثــير بــه مشــاعرهم,

111

Page 112: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

ــري في ــاء قيم تجـ ــة واألبـ ــزة والكرامـ لعلمي أن العـ عروقهم مجــرى الــدم. فــإين هم األن من هــذا الواقــع

الذي أريد أبينه.

حين تنظر إلى ما يسمى باألكثريــة الصــامتة نــرى أن القسم األكبر منهــا ال تهمــه القضــايا السياســية وال الشؤون العامة بشيء أبدا, فتفكيره وعملــه ال يتعــدى شؤونه الخاصة, ومصالحه الذاتية وقد خالف ما أمره به

ال يكن أحــدكم إمعــة يقــول:﴿ حيث قال رسول الله أنــا مــع النــاس إن أحســن النــاس أحســنت وأن أســاؤا

إن هذا القسم األكبر قد تخطى معنى االمعـة(1)﴾أسأت إلى حد األنانية المطلقة فهو ال يفكــر بإحســان النــاس أو إساءتهم إن لم تكن هــذه اإلســاءة أو هــذا اإلحســان متعلقــا بمصــلحته الذاتيــة ليس غــير. حــتى لــو حاولنــا إثارته ودفعه إلى الحديث, فــإن تبلــد إحساســه وجمــود تفكيره, وإنطــواءه على نفســه يجعلــه كمــا وصــفه رب

ــالمين �ن{س�﴿ الع اإل{ ن� و� ا م�ن� ال{ج� ير[ ــ� ن�م� ك�ث ه� ا ل�ج� ــ� {ن أ د{ ذ�ر� ــ� ل�ق و�ا ون� ب�هـ� ر~ م{ أ�ع{ي~ن� ال� ي~ب{صـ� ل�ه~ ا و� ون� ب�هـ� هـ~ ق� ل~وب� ال� ي�ف{ م{ ق~ ل�ه~ل� ل{ ه~م{ أ�ضـ� �ن{ع�ام� بـ� ا أ~ول�ئ�ك� ك�األ{ ع~ون� ب�ه� م� �ذ�ان� ال� ي�س{ م{ آ ل�ه~ و�

ل~ون� نعم إن هذه الفئــة من األكثريــة(2)﴾ أ~ول�ئ�ك� ه~م~ ال{غ�اف� الصــامتة من الممكن أن ينطبــق عليهــا وصــف غريــزة القطيـــع. إنهم فعال كاألنعـــام ال يـــدرون بـــأي شـــعب يسيمون, وال في أي عدوة منه يرعــون. فــالمهم تــوفر الكالء. ومــا شــأنهم بالسياســة, ومــا عالقتهم بالنظــام المســير لحيــاتهم, إنهم ال رأي لهم فهم أدوات تتحــرك كما يريد صاحبها. هذا هــو القســم األكــبر من األكثريــةــاني – ولســت بقــادر على الصــامتة. وأمــا القســم الث الحكم عليه أهو أرقى منزلة من سالفه أم دونه – فهــو الذي يجابهني حين أدعوه, يجابهني بالقول, ومــا الــذي فعلتــه أنت؟ وقبــل أن أرد عليــه, تنهــال علي تعليقاتــه الالذعة, قل لي ما الذي فعلتموه؟ أليست األحزاب هي

1 2

112

Page 113: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

التي جرت الويالت والمصائب على هذه األمـة؟ أليسـتــتى ــت ح ــت...أليس ــباب البالء, أليس ــة هي أس السياس

أقول بنفسي ليته سكت.

ــاخر ــان المفـ ــا اإلنسـ ــؤالء أيهـ ــإين أنت من هـ فـ بإنسانيتك؟ أين أنت من ذلك أيه الرجل المعتز بكرامتك وعزتك؟ فهل ترضى أن تكون شاة في القطيـع؟ أحقـا

أنك أصبحت ال يهمك إال إمتالء معدتك؟

ــذا أما أن أنا فإنني أربأ بك يا أخي أن تهوى إلى ه الدرك األسفل فأنت ما ُزلت بنظري أكرم المخلوقــات.

اه~م{ ف�ي﴿ فقد كرمك الله ــ� ل{ن م� ا ب�ن�ي آد�م� و�ح� ــ� ن م{ د{ ك�ر� ل�قــ� و�ل{ن�اه~م{ ع�ل�ى ات� و�ف�ضــ� اه~م م�ن� الط�ي�بــ� نــ� ق{ ُز� ر� و�ر� ال{ب�حــ{ ر� و� ال{بــ�

يال[ ض� ن�ا ت�ف{ ل�ق{ ﴿ وخلقك في أحسن تقويم (1)﴾ك�ث�ير� م�م�ن{ خ� وأربــأ بــك أن (2)﴾ لقد خلقنا االنسان في احسن تقــويم

تهوى وترد إلى أسفل سافلين فأنت من الذين رفعهمالله باإليمان وُزينهم باألعمال الصالحة.

لو جــاُزت األعــذار كــان من الممكن أن تعــذر هــذهــامتة لكــثرة مــا قاســت مأســي, إال أن األكثريــة الص المأســي والمصــائب وســوء األحــوال تــؤدي إلى تحــرك جماهيري واسع ألنه كما يقال الضــغط يولــد اإلنفجــار, هــذا إن لم يجعــل لهــذا الضــغط متنفســا. ولهــذا فــإن القائمين على شؤون الجماعــة يراقبــون الوضــع بدقــة متناهية حتى إذا بلغ الضغط الخــط األحمــر أوجــدوا لــه متنفسا. فأفسحوا المجال لقيام هذه األكثرية الصامتة بمظاهرة أو إضراب, أو غير ذلك ممــا يجــري عــادة بين

أونة وأخرى.

وقــد يكــون هــذا المتنفس ألمــور تافهــة جــدا, كالمطالبة بمنع الغالء, أو ُزيادة األجور أو مناســبة وعــد

أيار أو مثل ذلك.17بلفور أو ذكرى

1 2

113

Page 114: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

114

Page 115: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

السلفية الدعوة

ــم ــها إس ــق على نفس ــات تطل ــة أو فئ ــاك فئ هن الســلفيين, أو أنصــار الســنة المحمديــة أو دعــوة أهــلــا ــاص به ــات على فهم خ ــذه الفئ ــوم ه ــديث. وتق الحــة فقــط. وذلــك من حــديث ــه الفرقــة الناجي ــة أن مدعي

افsترقت اليهsود على إحsدى وسsبعين فرقsة, كلهsا﴿ رسول الله في النار إال واحدة, وافترقت النصارى على اثنين وسssبعين فرقssة كلها في النار إال واحدة, وستفترق هذُه األمssة على ثالث وسssبعين فرقssة كلهssا في النssار إال واحssدة.وفي لفssظ : على ثالث وسssبعين ملة. وفي روايssة : قssالوا : يssا رسssول اللssه, من الفرقssة الناجيssة؟ قssال : من كssان على مْثssل مssا أنssا عليssه اليssوم, وأصssحابي. وفي

لــذا فهم(1)﴾ رواية : قال : هي الجماعة, يد اللssه على الجماعssة يرون أنهم هم الفرقــة الناجيــة ألنهــا هي الفئــة الــتيــد إستوفت شروط النجاة, وذلك ألنها لم تقف فقط عن الكتاب والسنة بل تمسكت بالعصمة – كما تقول – التيــحابة ــاع الص ــمة إتب ــني بالعص ــاة, وتع ــبيل النج هي س

خssير﴿ والتابعين وتابيعيهم بإحسان لقول رسول الله والذين قال(2)﴾ القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم

QقMونO﴿ فيهم الله سبحانه وتعالى في محكم كتابــه اب RssالسOو

Oي Qsض Rر jان OsسNحQ Qِإ وهMم ب MsعO Rب ذQينO ات RsالOو QارOنصO NمMهOاجQرQينO وOاأل MونO مQنO ال وRلO األ

OينQد QssالOخ MارOهN نO OهOا األ ت NحO OجNرQي ت Rاتj ت ن Oج NمMهO OعOدR ل NهM وOأ N عOن ضMوا OرOو NمMهN @هM عOن الل

MيمQِظOعN وNُزM ال OssفN َكO ال QssلOذ y دا OssبO ا أ OssيهQولهذا فهم يــرون وجــوب(3)﴾ ف اإلقتداء بالسلف الصالح وأن هــذا األمــر ثــابت بالكتــاب

ولO﴿ والسنة. أما الكتاب فقوله تعــالى Mssس Rالر QقQاق OssشM وOمOن يوOلRى Ossا تOم Qهz MوOل QينO ن NمMْؤNمQن QيلQ ال ب Oس OرN QعN غOي Rب Oت NهMدOى وOي OهM ال RنO ل Oي Oب OعNدQ مOا ت مQن ب

y اءتN مOصQيرا OسOو OمR هOن Oج QهQ MصNل وأما السنة فقد روى اإلمام(4)﴾ وOنــاض بن أحمد في مسنده والترمذي في سننه عن العري

موعظــة وجلت منهــا سارية قال "وعظنا رسول الله

1 2 3 4

115

Page 116: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

القلوب وذرفت منها العيــون. فقلنــا أوصــنا يــا رســول : أوصيكم بتقوى اللــه والســمع والطاعــة وإنالله, قال

ــه ــه من يعش منكم, فإن ــي, وإن ــد حبش ولي عليكم عبــيرا, عليكم بســنتي وســنة الخلفــاء ســيرى إختالفــا كث الراشــدين الهــادين المهتــدين من بعــدي عضــوا عليهــاــة بالنواجذ, وإياكم ومحدثات األمور فإن كل محدثة بدع وكل بدعة ضاللة, وكل ضـاللة في النـار". وأنهم يـرون أنــه ال يجــوُز التقليــد المــذهبي, والتــدين بالتقليــد فهم يقولون أن الجماعات األخــرى, قــد ران عليهــا الجمــودــد, ران على المــذهبي, ران عليهــا الجمــود على التقليــد قلوبها التدين بالتقليد. وهذا يعني أن التقليد, والتقي بمذهب من المـذاهب الشـرعية باطـل ألنـه تقليـد, ألن السلف الصالح لم ينهج منهج التقليد ولهذا فــإن الفئــة الــتي تتبــع في دعوتهــا مــذهبا معينــا, واإلنســان الــذي يلتزم في حياته مــذهبا معينــا قــد ران على قلبــه فهــو

ليس من الفرقة الناجية.

إنه ال يكفي أن يلتزم اإلنسان الكتاب والســنة, وال يجــوُز لفئــة أو جماعــة أن تلــتزم الكتــاب والســنة, ومــا يقوده إليها فهمهــا للكتــاب والســنة. فــإن فعلت فهي إذن في النـار, وليسـت من الفرقـة الناجيـة, فالفرقـةــاع الســلف الناجية هي التي تمسكت بالعصمة وهي إتبــا الكتــاب والســنة, وهم الصــالح. فهم الــذين نقلــوا لن الــذين فهمــوا من رســول اللــه بيانــه للكتــاب. فإتبــاعــاب والســنة ســواء ــاع الكت الســلف الصــالح واجب كإتب بســواء, بــل إن إتبــاع الكتــاب والســنة ال ينجي, بــل سيصلى صاحبه نار جهنم وســاءت مصــيرا, إن لم يتبــع

سيرة السلف الصالح.

ومن هنا كانت دعوتهم تقوم على أمرين:

ــذ الجمـــود على ــد, ونبـ األمـــر األول رفض التقليـمذهب واحد.

116

Page 117: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

ــالح, ــلف الص ــيرة الس ــتزام بس ــاني اإلل ــر الث األم والمقصود بالسلف الصالح القرون الثالثة األولى فهي

خير القرون.

إنــني ال أريــد أن أنــاقش الفكــرة األساســية الــتي تقوم عليهــا هــذه الــدعوة, وال مــا تقــول بــه من وضــع مخالفيهـــا في جهنم وســـاءت مصـــيرا, وال من حيث طبيعة تكــوين هــذا اإلنســان والتفــاوت في الفهم بين ﴿بني البشر. وجواُز أن يســأل من ال يعــرف من يعــرف

OونMمO OعNل O ت MمN ال Mنت Qن ك NرQ إ OهNلO الذzك N أ Mوا Oل أ NاسOأوال أريــد أن أســأل(1)﴾ ف ــاس كلهم ــة من الن ــذه الفئ ــال وشــباب ه ــان رج إن كــوا مجتهون أو أنهم مرجحون, أسأل الله تعالى أن يكون

كذلك.

بل ما أريد أن أذكرهم به أمرين.

ــد ــان أح ــا ورد على لس ــو م ــر األول وه األم العلماء بتكفير الفئات المخالفة لهم, أو على األقل يصليهم جهنم وســاءت مصــيرا, فليتــقــتزم ــال هــذا العــالم. فتكفــير من يل ــه أمث الل الكتاب والسنة وإن خالفهم بمسألة فقهية أو مسألة أصولية, أو مســألة فكريــة ال يجــوُز أنينعت بالكفر, أو أنه ليس من الفرقة الناجية.

أم األمر الثاني وهو بيت القصيد, يا من ترون أنكم الفرقــة الناجيــة, إن المســألة المبحــوثــاة, أو ــع الحي عنها هي وجود اإلسالم في واقــاة. فمــاذا لنقــل عــودة اإلســالم لواقــع الحي أعـــددتم لـــذلك؟ أم أنكم تـــرون أن اإلســـالمــه ــة, ودولت ــه خفاق ــاة فرايت موجــود في الحي مرهوبة الجانب, جيــوش الفتح تجــوب العــالم

طوال وعرضا تحمل النور والهدى للعالم؟

إن المســألة ليســت مســألة حمــل الــدعوة لمجــردــالى ادNعM﴿ حمل الدعوة والقيام بهذا الواجب من قوله تع

1

117

Page 118: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

OيQي هQ Rت ال Qssب NمMهN ادQل OssجOو QةO ن OssسOحN ةQ ال OssِظQعNوOمN NمOةQ وOال NحQك Qال zَكO ب ب Oر QيلQ ب Oى سOلQ إ

OينQد OssتNهMمN Qال OمM ب OعNل QهQ وOهMوO أ Qيل ب Oس NنOع RلOض NنOمQ OمM ب OعNل RَكO هMوO أ ب Oر RنQ OحNسOنM إ أوNالy مQمRنN﴿ أو التقرب إليه تعــالى لقولــه (1)﴾ Ossق Mن OssسNحO وOمOنN أ

OينQمQ ل NسMمN Qي مQنO ال Rن Qن ا وOقOالO إ yحQ RهQ وOعOمQلO صOال QلOى الل وليست(2)﴾ دOعOا إ المســـألة هي الـــدعوة لألمـــر بـــالمعروف والنهي عن المنكر, كمــا أن المســألة ليســت اإلنتظــام في جماعــة للقيام بأعمال الخير والبر, إنما المسألة هي جماع كــل ذلك فحمل الــدعوة اإلســالمية فــرض ولكنــه ال يســقط فرضــيته عن حملــه في جماعــة, وحملــه في جماعــة الــاة اإلســالمية. ــدعوة إلســتئناف الحي يســقط فــرض ال فـالفرض القـائم األن في حـق كـل مسـلم هـو العمـل إلقامة دولة اإلســالم ورفــع رايــة القــرأن, والحكم بمــا أنزل الرحمن على عبده محمد بن عبد الله نبي الرحمة هــذه هي المســألة. فهــل أنهــا من ضــمن ســبيل المؤمنين, وهل قام بهــا الســلف الصــالح رضــوان اللــه عليهم فبذلوا فيها الغالي والنفيس, ولم تأخذهم فيهــا لومة الئم. وهل تواطأ سلفنا الصالح مع حاكم ظالم أو إمام جائر, وهل سكت سلفنا الصــالح على كفــر بــواح,ــر بن ــألهم عمـ ــوا هم من سـ ــاهر, أليسـ ــق ظـ أو فسـ

من رأى منكم في إعوجاجssاالخطاب رضي الله عنه فقال " فليقومه فقالوا والله لو رأينا فيَك إعوجاجا لقومنssاُه بحssد سssيوفنا

أليس سلفنا الصالح هم الــذين حــاربوا أهــل الــردة,(3)" هم الـــذين حـــاربوا من حـــاول التفريـــق بين الصـــالة والزكاة, أليســوا هم من خــرج جهــادا في ســبيل اللــه, أليســت قبــور بعضــهم تحت أســوار القســطنطينية, أليسوا هم من دون لنــا مــا يســاعدنا على فهم الكتــاب والســنة. ألم تكن طــريقتهم في الحيـــاة إمـــا جهــادا بالسيف وإما جهادا بالكلمة واألمر بالمعروف ومحاسبة الحكام, وإما تــدوين مــا األمــة بحاجــة إليــه من فكــر أو فقه أو علوم شرعية فجزاهم اللــه عن المســلمين كــل

1 2 3

118

Page 119: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

خير, ومن يســير على ســيرتهم كيــف يرضــى أن يعيشــالم ــام اإلس ــرى أحك ــر, أو أن ي ــام الكف ــل أحك في ظ

ــة. ــة ال تعــرف من نظم حياتهــامعطل ــترك األم أو أن ي شيئا بــل ال تعــرف إن كــان في اإلســالم نظم أم ال. إن األمة أيهـا األحبـة المؤمنـون ال تعـرف شـيئا عن نظـام الحكم فيهــا فال تفــرق بين الملكيــة والخالفــة, وال بين الجمهورية واإلمامة, وال تفرق أبـدا بين مجلس النـواب ومجلس الشورى. ال تدري األمة أن مجلس النواب إتخذ ربا جديدا يضــع للنــاس تشــريعاتهم, ويســن قــوانينهم, ومــا عليهم إال عبادتــه, فعبادتــه طاعتــه فيمــا ســن منــاتم, قوانين وما وضع من تشريعات, لحديث عدي بن ح

﴿وكان يتلــو قولــه تعــالى حيث دخل على رسول الله OمO ي Nر Ossم OنN يحO اب QssسOمN RهQ وOال yا مQنN دMونQ الل Oاب ب Nر

O OهMمN أ Oان هNب MرOو NمMه OارO ب NحO RخOذMوا أ اتOونM رQك NشM OهM عOمRا ي ان OحN ب Mس OوMه RالQ OهO إ Qل Oهyا وOاحQدyا الO إ Qل MدMوا إ OعNب Qي QالR ل وا إ MرQمM وOمOا أ

ــال(1)﴾ ــدوهم فق ــاتم لكنهم لم يعب ــدي بن ح ــال ع فق مsا عبsدوهم ولكن أحلsوا لهم الحsرام فأطsاعوهم ﴿ رسول الله

فهــل تفضــلتم ببيــان(2)﴾ وحرمssوا عليهم الحالل فأطssاعوهملألمة بتبين فيه مصدر التشريع في اإلسالم.

ــام الملكي إن األمة أيها األخوة لم تفرق بين النظ ونظــام الحكم في اإلســالم فهــل تكــرمتم على األمــة

بتوضيح هذا األمر على األقل.

وهل علمتم أيها السادة أن األمة ال تعرف إن كــان في اإلســـالم نظـــام إقتصـــادي فقصـــارى فهمهـــا أنــل ــاة. فه ــو الزك ــالم ه ــادي في اإلس ــام اإلقتص النظــادي في ــام اإلقتصـ ــة أن النظـ ــلتم بتفهيم األمـ تفضـ اإلسالم ليس موجودا في واقع حياتنا, فالملكية العامة فيه أصبحت ملكية خاصة لصــاحب األمــر نعم إن النــاس ال يتصرفون بشؤونهم الخاصة في حيــاتهم اإلقتصــادية إال بنـــاء على مـــايعرفون من حالل وحـــرام. ولكن مـــا يتعلــق بالحيــاة العامــة من ملكيــة دولــة وملكيــة عامــة,

1 2

119

Page 120: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

وجمع الثروة وتوُزيعها وإعالة المحتاج وتــأمين المأكــل والملبس والمسكن للناس. كــل هــذه األمــور العامــة ال يعرف الناس فيها إال النذر اليسير, فإن كنتم أنتم على علم بهذه األمور فلم ال تطرح للناس حتى يكونــوا على

بينة من إسالمهم وهداهم.

أخيروا األمة عن الدستور الذي وضعه رسول اللــه وسار عليه السلف الصالح, فــإن أخبرتموهــا فســيروا أمامهـا للوصـول إلى وضـعه موضـع التنفيـذ, هـذه هي

المسألة, مسألة عودة اإلسالم للحياة.

رؤيا واضحة ال نريد بها تقليــدا لمــا يجب أن يكــونعليه المسلمون.

رؤيا واضحة ال نريد بها تقليدا للهدف المنشــود أيالدولة اإلسالمية بدستورها وقوانينها.

رؤيا واضحة ال نريد بها تقليدا لكيفية الوصول إلىهذا الهدف.

و الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه.

120

Page 121: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

بطيئة صحوة

خلف لنا عهد اإلنحطــاط أفكــارا إنهزاميــة مقيتــة,ــوع, ــتمرئ الخن ــوع وتس ــلم للخض ــة تستس جعلت األم وترضى بما هي فيه من إنحطاط, ومــا تعانيــه من ظلم وجور وتعسف وباتت تنتظر الفــرج الغيــبي, وتستبشــر كلمــا إُزداد الفســق والفجــور, وكلمــا تعــاظم الظلم والجور. فهي تفكر من قاعدة عقدية, من قوله تعــالى

ا﴿ ر[ ر� ي~ســ{ ع� ال{ع~ســ{ ا إ�ن� مــ� ر[ ر� ي~س{ ع� ال{ع~س{ إ�ن� م� وأخــذت(1)﴾ف� تردد "ما بعد الضيق إال الفرج" "إشتدي أُزمة تنفرجي",

بعض النصـوص الـتي تتحـدث عن المسـتقبل,وتتكمس وكيف أن الله سبحانه وتعالى يبعث على رأس كل مائة عام من يجـدد هـذا الـدين, أو أن اللـه سـبحانه وتعـالى سيرسل لهذه األمة من ينقذها مما هي فيه, ويعيد لهــا عزتهــا ومجــدها. فمن قائــل يقــول انــه مطلــق إنســان مؤمن يبعثه الله لينقذ األمة ويرفع عنها الضيم, ويأخــذ بيدها إلى شاطئ السـالمة, واخـرون يـرون وبنـاء على نصوص يؤمنون بها أن هذا اإلنسان ليس مطلق إنسان

ــنى يحمل إسم النبي فهو رجل من أل محمد ويتك بكنيته, وفريــق ثــالث يــرى أنــه ليس مطلــق رجــل, وال

إنـسان معين, إـنه, بل هومطلق إنسان من أل محمد محمد الهادي بن الحسن العسكري, وهو األمام الثــاني

252عشر من أئمة الجعفرية اإلثنــا عشــرية. ولــد ســنة وبقي على257وغاب الغيبة الصغرى بوفاة أبيــه ســنة

/255إتصال بالنــاس من خالل أربعــة أشــخاص؟ )ولــد (.260توفي

ــنة ــا أن من329وفي س ــة كتب فيه ــدت ورق وج إدعى أنه رأني أو إلتقى بي فإنــه كــذاب, كــانت الغيبــة الكبرى. وهؤالء المؤمنون بهذه العقيدة بانتظار ظهــور المهدي إلنقاذ هذه األمة, وكان ممــا يعتقــدون أن هــذا

1

121

Page 122: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

المنقذ ال يظهــر إال إذا ملئت األرض ظلمــا وجــورا, كييظهر ويمألها قسطا وعدال كما ملئت ظلما وجورا.

وقد بــدأت هــذه األفكــار تتالشــى تــدريجيا أو أنهــا تخلت عن مركز الصدارة, وكمنت في الخلفية الفكرية, فمنذ العقد الثالث من هذا القرن بدأت بعض الحركــاتــة, إال تسعى للتغيير ورفضت اإلستسالم للقدرية الغيبي أنها ما ُزالت موجودة عند قطــاع واســع من النــاس, أو أدخــل عليهــا بعض التعــديل عنــد بعضــهم, وقــد تعللــوا بــالقول كمــا تكونــوا يــولى عليكم, ولهــذا فقــد شــغلوا بأنفسهم بحسب تصورهم. ولســان حــالهم يقــول نحنــه ســبحانه ــا. والل ــل بيتن ــا أن نصــلح أنفســنا وأه علين وتعالى يتولى التغيير, بيده األمر وإليه راجعون, وإنضم لمثل هذه الفئات عشرات األالف من الشباب بل مئــات األالف, يبحثون عن دقائق األمور في الســنة المطهــرة

واللباس والعمامة وشــكلها, واللحيــةالمضعكالسواك و وكيفية المشــي إلى غــير ذلــك من األفعــال الــتي كــان

ــة,يقوم بها رسول الله . األفعال الجبلية وغير الجبلي حتى في كيفيــة جلوســه عنــد قضــاء الحاجــة أو دخولــه للخالء. أما أن يتطلع إلى ما يجب أن يكــون عليــه حــال اإلسالم والمسلمين في هذا الحياة الدنيا فذاك موكول أمره إلى الله سبحانه وتعالى, بيده الخير وهو على كلــرائيل, ــرة بيغن رئيس وُزراء إس ــدير"لعنت م ــيء ق ش فاستشاط صاحبي غضبا وقال ال يجوُزأن تلعن أحدا إال إبليس, وقال: وما يدريك لعلــه قـد يعتنــق اإلســالم في

الوقت الذي تلعنه فتكون قد لعنت مسلم"

وإن كنت لســـت بصـــدد مناقشـــة عقائـــد القـــومــوا بهــا, وأحكامهم ماداموا يعتقدونها بناء على أدلة أمن إال أنه أرى نفسي مضطرا إلى لفت أنظــار القــوم إلىــتي بعض األمور التي تعتبر جزءا أساسيا في القضية ال نسعى إليها جميعا باعتبارهــا قضــية المســلمين جميعــا وهي القضية التي يجب أن ينظر إليها كقضية مصيرية,

122

Page 123: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

يترتب عليها الوجود أو الفناء, ولهــذا فــإنني أطــرح مــا عندي حول هذا األمر وذلك من باب النصيحة فقد قــال

اـلدين النـصيحة, قلـنا لمن ـيا رـسول الـله؟ ﴿رسول الله ولهذا(1)﴾قال: لله ورسوله وألئمة المسلمين وعامتهم

أجد لزامــا علي – مــا دمت بصــدد بيــان الهــدف وكيفيــة الوصول إليه, والذي يســعى إليــه جميــع العــاملين على إيجاد اإلســالم في واقــع الحيــاة, والعــاملين إلســتعادةــا ــا علي أن أبين م عزة المسلمين ومجدهم – أجد لزام

أراه واجبا علي بيانه.

إن النقلة الجبارة الــتي إنتقــل إليهــا فكــر إنتظــار المهدي إلى وجــوب تطــبيق اإلســالم والحكم بنــا أنــزل الله سبحانه وتعالى وعدم اإلنتظــار في هــذه المســألة

,فمــا أوجبــه اللــه على المســلمين منــذ بعثــة محمــد يبقى واجبا, فال يتغــير بتغــير ُزمن, وال بغيــاب شــخص, ولهذا كانت فكرة "والية الفقيــه" نقلــة نوعيــة جبــارة, بالرغم من عدم أدراك أبعادها, وتفهم معانيهــا, وكــثرة من كتب في تفسيرها وإيضاحها, وبالرغم من معارضةــنة ــلمين س ــرة بين المس ــذه الفك ــاثرة له ــثرة الك الك وشيعة, عاملين أو قاعدين, نقلة وضعت حــدا لموضــوع إنتظــار المهــدي, وقضــت نهائيــا على الفكــرة القائلــة بوجوب إنتشار الفساد, وســيادة الظلم والجــور, كــذلك استبعدت فكرة عدم تطبيق اإلســالم إال من قبــل إمــام معصوم. ولو أن ما ُزال هناك بعض التــأويالت للقــائلين بوالية الفقيه, محدودوا صالحيات الولي الفقيه, وقالوا أن هنــاك صــالحيات ال يجــوُز أن يمارســها إال الــولي المعصوم, ومن مثل هــذه التــأويالت أو األراء المضــادةــر ــا من أث لها أجد لزاما أن أتطرق لهذه المسألة لما له

على الهدف األساسي, قضية اإلسالم والمسلمين.

هجريــة,257توفي اإلمام الحسن العسكري ســنة وكانت الغيبــة الصـغرى, ثم كــانت الغيبــة الكــبرى ســنة

1

123

Page 124: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

ــد هــذا329 ــزمن أن يتوقــف عن ــة. فهــل على ال هجري التـــــاريخ أم أن على اإلســـــالم أن ينتهي أم أن علىــود ــدم وج ــر. فع ــام الكف ــوا باحك ــلمين أن يرتض المس المعصوم يقضي بعدم الحكم باإلســالم بــزعمهم, ألنهــاــوم ــام المعص ــوم, أو أن اإلم ــام المعص ــؤولية اإلم مس سيضع لها برنامجا خاصا منذ إنتهاء العصــمة وإلى يــوم

هجريــة329الدين. إذ أن الحيــاة لم تتوقــف عنــد ســنة واإلسالم لم ترفع احكامه عند هذا التــاريخ. أمــا اإلمــام التسخيري فإنه يرى وجوب القيــام بــاألمر دون إنتظــار عودة المعصــوم فحالل محمــد حالل إلى يــوم القيامــة, وحرامه حـرام إلى يـوم القيامـة. أمـا القـول بـأن هـذا الدين ال يقوم بــه, وال بيانــه إال من كــان معصــوما ومن أهل البيت, وقــد تتــابع المعصــومون يخــير الســلف عن الخلف حتى اإلمام الثاني عشر. وذلك فهمــا لمــا فعلــه

ــولرسول الله حين نزلت سورة التوبة, فحملها رس إلى علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ليلحقالله

بها الحجيج ليبلغهم إياهــا, مــع أن أمــير الحج في حينــه أمــير الحجكان أبو بكر الصديق, فلم يكلف الرســول

بالبالغ, وقال ال يقوم بهذا األمر إال رجل مني.

وقد اتخذت هــذه الحادثــة دليال على أن من يتــولى أمــر هــذا الــدين ال بــد وأن يكــون من أهــل الــبيت, وأن يكون معصوما حتى ال يقع في الخطأ عنـد بيـان أحكـام

.اإلسالم أو شرح ما جاء به رسول الله

ــوص ــرح النص ــغ وش ــف بتبلي ــه من يكل ــول: ان أق المنزلة من رب العالمين أيات أو أحاديث, هو أحد اثنين أما أن يكون حاكما فتنفيذه لألحكام هو شرح لهــا, كمــا فعــل اإلمــام علي كــرم اللــه وجهــه, فقــد كــانت فــترة حكمه جميعها شرحا ألحكام البغاة, ومســؤولية الحــاكمــد من ــودة في عه ــور لم تكن موج ــا ألم ــاههم, بيان تج سبقوه من الخلفاء. كما أن حياته ف ظل حكم الخلفاءــه السابقين له كانت كذلك تشريعا وبيانا حسب ما فهم

124

Page 125: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

, لذا نقول بــأن ســيرته رضــوان اللــهمن رسول الله عليه كانت تشريعا وبيانا للكتاب والسنة, باإلضــافة إلى كتاب نهج البالغة, وهو مجموعــة خطب وأقــوال تحــدث بها. أو أن يكــون فقيهــا لم يتمكن من الوصــول للحكم وتنفيــذ األحكــام كمــا تعلمهــا من رســول اللــه, فقــام بتدوين وتدريس ما علم من فكر وفقــه, وبيــان أحكــامــام جعفــر بن الله في األمور المستجدة, كما فعل اإلم

محمد رضي الله عليهما.

ثم جاء من بعـد اإلمـام على ابنـه الحسـن رضـوان إن ابــني هــذاالله عليهما, الذي قال فيه رسول الله

سيد ولعل الله أن يصلح بــه بين فئــتين من المســلمين نظر فيما حوله فرأى ببصيرته وجوب وحدة المســلمين فبايع معاوية بن ابي سفيان مــع إيمانــه بأنــه هــو أدنىــه, ــذي يعيش فيـ ــع الـ ــر إال أن الواقـ ــذا األمـ ــه بهـ منـ وإنفضاض الناس عنه جعله يبايع معاوية. لم يقم بعدهاــده ــد وال ــر طــويال بع ــذكر ولم يعم ــي ي بنشــاط سياس رحمهما الله تعالى ورضي عنهما, فمن حيث سيرته لمــنة ــرح السـ ــرأن – ولم يشـ ــاب – القـ ــان الكتـ يقم ببيـــلم الحكم, لتكن ــ ــه لم يستس ــ ــرة من حيث أن ــ المطهــل ولم تصرفاته بيانا, كما أنه لم يؤلف لنا كتابا نقرأه ب ينقل عنه علماء الطائفة شيء, ولم يكتب عنه إال النزر اليسير, مما ال يصــح أن يقــال إن عصــمته ســالم اللــه

عليه كانت لبيان هذه األمور.

وجاء من بعــده اخــوه اإلمــام الحســين فعــاش في ظل خالفة معاوية ما يقرب من عشرين ســنة لم ينقــل عنه شرحا لما في كتاب الله أو توضــيحا لم في ســيرة

ولم يـبد رأـيا في المـسائل المـستجدة فيرسول الله حينه, أو على األقل لم ينقل عنــه شــيء من ذلــك, بــلــة بن إبي ــتراض على معاوي ولم ينقل عنه أية حادثة إع ســفيان إال اللهم موقفــه منــه حين طلب البيعــة ألبنــه يزيد في حياتــه, فقــد وقــف العديــد من أبنــاء الصــحابة

125

Page 126: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

موقف الرفض لهذه المسألة, فهم عبداللــه بن عبــاس, وعبداللــه بن عمــر و بن الزبــير وغــيرهم, فلمــا تــوفي معاوية واستلم ابنه يزيد الحكم من بعــده رفض مبايعــةــد وغــيره ــه أولى بهــذا األمــر من يزي ــا بأن ــد, مؤمن يزي وسارع للعمل على هذا األساس وأرســل ابن عمــه إلىــورة, ــان من ث ــا ك ــان م ــل, وك ــراق مســلم بن عقي الع والفاجعة العظمى التي أصابت المسلمين في كــربالء.ــثر الحســين على ــرد ســؤاال أو تســاؤل لم لم ي ــد ي وق معاوية, وثار على يزيد, مــع أنــه ال يختلــف عنــه كثــيرا,ــه مــا, ولم يكن قد إستلم الحكم بعد ليأخذ عليه مخالفت بينما والده معاوية قد إرتكب مخالفــات شــرعية كثــيرة أثناء فترة حكمه, مثل أخذه البيعة لولده في حياته, هذا الشرخ العظيم الذي أحدثه في اإلسالم, بل هذه السنةــل ــة وتحوي ــار الخليف ــتنها في إختي ــتي إس ــيئة ال الس

الشورى إلى التعيين أو والية العهد بتعبير أخر؟

أقول مجيبا على هــذا الســؤال إن معاويــة بن أبي سفيان حين بايعه الناس بعد إستشهاد أمــير المؤمــنين علي بن أبي طــالب, وبايعــه الحســن بن علي رضــوان الله عليــه, أصــبحت خالفتــه شــرعية, وأصــبح ولي أمــر المسلمين تجب طاعتـه, وال يجـوُز الخـروج عليـه إال إن أظهــر كفــرا بواحــا, وكــان من البــديهي أن يحــترم الحســين عليــه الســالم رأي أخيــه في مبايعــة معاويــة,ــرعي ــالحكم الش ــه ب ــزم نفس ــا, ويل ــه به ــزم نفس ويلــه إال ــروج علي ــدم الخ ــة, وع ــذه البيع ــترتب على ه الم بإظهــار الكفــر البــواح. ولمــا لم يظهــر معاويــة الكفــر البواح كان الخروج عليه حراما, وحاشا للحسين وأمثاله أن يرتكبوا حراما. ولهذا لم يخرج الحسين عليه السالم على معاوية بن أبي سفيان. أمــا بالنســبة ليزيــد فكــان األمـــر مختلفـــا تمامـــا. فيزيـــد بن معاويـــة لم يجمـــع المســلمون على مبايعتــه, ولم تكن البيعــة في حيــاةــة من ــفوة الطيب ــه الص ــة لهم, ولم تبايع ــده ملزم والــه وال المسلمين من أبناء الصحابة, بل وال الحجاُز بكامل

126

Page 127: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

ــاس, العراق وال مصر ولهذا لم تكن بيعته في أعناق الن ولم يكونوا ملزمين بالطاعة له. ولهــذا تحــرك الحســين عليــه الســالم ألخــذها لــه. وأرســل بن عمــه مســلم بن عقيل إلى العراق, وجــاء بــه رســل العــراق ورســائلهم يبايعونه على السـمع والطاعـة ويطلبـون منـه القـدوم إلى العراق. فخرج وكان ما كــان وال حــول وال قــوة إال

بالله العلي العظيم.

وخلفه عليه السالم اإلمام علي بن الحسين – ُزين العابدين – فنشط في المجال السياســي وإســتطاع أنــة ــا حادث ــب ثقتهم, وم ــه ويكس ــاس من حول ــع الن يجم الطواف بالبيت الحرام وإفساح المجال له, وإســتهجان الخليفة لهذا األمــر, والقصــيدة الــتي ألقاهــا الفــرُزدق بين يدي الخليفــة حين قــال لــه إن كنت ال تعرفــه فأنــا

أعرفه

هذا الذي تعرف البطحاء وطأتهوالبيـــت يعرفه والحـــل والحــرم

هذا إبن خير عبـــــاد الله كلــهمهذا التقــي النقــي الطــاهر العلـــم

هذا ابن فاطمة إن كنت جاهلـــهبـجده أنبيـــــــاء الله قـــد ختمــــوا

وليـس قـولك من هذا بضائـــرهالعرب تعرف من أنكرت والعجـم

لم تكن هذه القصيدة مرتجلــة كمــا يبــدو, ولم يكن إرفضاض الحجيج من حول الكعبة وفسح المجــال لــزين العابدين ليطوف دون مزاحم مصادفة وإنمــا كــان عمال

سياسيا منظما مما أُزعج الخليفة وأرعبه.

إال أن اإلمام لم يستلم الحكم, ولم يترك لنا فقيها مدونا نعود إليه, أو شرحا وبيانــا لمــا جــاء بــه محمــد

وإن كنا قد إستفدنا شيئا من سيرته – سالم اللــه عليــه

127

Page 128: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

– فهو نشــاطه السياســي, والصــحيفة الســجادية الــتي هي مجموعة أدعية وإبتهاالت إلى الله سبحانه وتعالى, وأظن أن نشاطه السياسي هذا جعل األمويين يقربون

إبنه محمد رضوان الله عليه.

وخلفه إبنه محمد رضوان الله عليه – الباقر- كذلك لم يحالفـــه الحـــظ إلســـتالم الحكم, كمـــا أن نشـــاطه السياسي أشغله عن الفقه والفكر والتدوين. ولهذا لم يترك لنا شيئا مما كــانت العصــمة بســببه – كمــا يعتقــد القوم – أي من الشرح والبيان لكتاب الله وسنة رسول

.الله

وتشـــتد الـــدعوة ألبنـــاء علي ســـالم اللـــه عليهم أجمعين, مما جعل العباسيين يلبســون ثوبهــا ويخفــون غايتهم, حيث أن الناس جميعا كانوا يدينون بــالوالء ألل

وقد فــوجئ اإلمــام جعفــرعلي, لصلتهم برسول الله الصادق عليه السالم بــالثورة, ولم يكن قــد إعــد نفســه لها, وُزحف أبو مسلم الخرســاني على الشــام. وكــانتــه من المعركة الفاصلة التي أنهت الحكم األموي وأُزالت الوجود بعد حكم دام حوالي ثمــانين ســنة, كمــا فــوجئــر اإلمام جعفر بالدعوة إلى بني العباس فعرف أن األم دبــر بليــل. وإســتلم الحكم أبــو العبــاس الســفاح فلمــا قضى وكان هناك شــيئ من البلبلــة أراد محمــد النفس الزكية الخالفة لنفسه – محمد النفس الزكية هو محمــد بن الحسين بن علي بن أبي طالب – إال أنه فشل إذ لم يجد تأييــدا وال من إبن عمــه جعفــر الصــادق فقــد قــال لوالده إن الخالفة ليســت لولــدك بــل الخالفــة لصــاحب

(1)الرداء األخضر يعني أبا جعفر المنصور

ــمه – ــميت بإس ــذي س ــة وال ــام الطائف ــأتي إم ويــرية – إســتاذ ــيعة الجعفريــة اإلماميــة اإلثنــا عش الشــاء, الفقهاء, تتلمذ على يديه األالف من مشاهير الفقه من أمثال أبي حنيفة النعمــان بن ثــابت ورث العلم عن

1

128

Page 129: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

أبيه اإلمــام محمــد البــاقر بــل ورث العلم والمكانــة عن جده علي بن أبي طــالب من جهــة األب وعن جــده أبي

بكر من جهة األم رضوان الله عليهم أجمعين.

يقف علمــاء الطائفــة عنــد حــد النص الــوارد عنــه, فهــو نص ورد عن معصــوم – حســب رأيهم – فال يصــار إلى تصويبه أو تخطيئه, بــل يســلم بــه تســليما كــالنص

ـفإن ـكان وال ـبد من النـظرالوارد عن جده رسول الله في الحديث الوارد عنه فإنما يكون ذلــك للســند فقــط. فإذا صح سنده فالتسليم المطلق لما في المتن. فمنــه يؤخــذ, وإليــه تنتهي سلســلة الســند ومن الطريــف فيــافي – ــحيح الك ــاحب ص ــني – ص ــام الكلي ــذا أن اإلم ه

هجريـة أي قبـل328وأصول الكـافي والمتـوفي سـنة بدء الغيبة الكــبرى بســنة واحــدة, أي أنــه كــان موجــوداــدر – ــا ن ــرو حــديثا واحــدا إال م بوجــود المعصــوم. لم ي والنادر كما يقال ال حكم له – لم يــرو حــديثا واحــدا عنــه أو ــق نواب ــغرى عن طري ــه الص ــائب عيبت ــق الغ طري أحــدهم, ولم يــرو كــذلك عن اإلمــام حســن العســكريــرو ــه لم ي بالرغم من قرب عهده به أو معايشته. كما أنــادي, أو ــام علي اله ــواد أو اإلم ــد الج ــام محم عن اإلم اإلمام علي الرضا أو اإلمام موسى بن جعفر بل كــانت رواياته كلها عن أناس من عامة الشعب. أعني أن رواة هذه األحاديث الذين إعتمدهم اإلمام الكليني لم يكونــوا

من المعصومين, بل لم يكونوا من أل البيت.

ولهذا نقول أن اإلمام جعفر الصادق رضــوان اللــه عليه لم يتولى أمور المسلمين بالرغم من أن الظروف كانت مهيأة له, ومكانتــه في نفــوس جميــع المســلمين عظيمــة, إال أنــه تــرك لنــا أمــرين األول فقهـه المــدون والثاني هذا الرعيل الهائل من الفقهاء الــذين تتلمــذوا

على يديه.

ــه اإلمــام ــه تعــالى فخلفــه إبن و إنتقــل إلى رحمتــا. وإنيليموسى بن جعفر, فلم حكما ولم يترك فقه

129

Page 130: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

نقلت عنــه بعض الروايــات, وعــاش عريبــا من الخليفــة الرشيد, ولو أن بعض الروايات تقول انه مات مسموما, وتتهم الرشيد بأنــه دس لــه الســم ليتخلص منــه رحمــه

الله.

ــى ــ ــام علي بن موس ــ ــة إلى اإلم ــ وإنتقلت اإلمام "الرضا" كذلك لم يل حكما إال أن الخليفة المــأمون قــد عينه ولي عهده, لكنه مات قبل المأمون. ولم يترك لنــا فقها معينا أو بيانــا لمســألة مســتجدة ومــا أكثرهــا في عهده وعهد سلفه. وبوفاته إنتقلت اإلمامــة إلى محمــدــادي بن علي الجواد ومنه إلى اإلمام علي بن محمد اله ثم لإلمام الحسن العسكري ثم إلى المهتــدي المنتظـر. فلم يل أحد منهم الحكم ولم يترك لنا رأيا في مســألة,

إال النادر جــداولم يشرح لنا أية أو حديثا لرسول الله إن وجد. ألهذا عصمهم الله, وجعلهم األمناء على دينه,

والمبينين إلحكام الله, وما يستجد من أمور؟

هذه مجــرد تسـاؤالت عن موضـوع العصـمة ومــدى أثرها على الدعوة اإلسالمية وحملتها فقد كـانت فكـرة إنتظار المهــدي من األفكــار المثبطــة للهم عن العمــل إلســتئناف الحيــاة اإلســالمية إلســتحالة ذلــك. واألســوء منها فكرة العمل على ُزيادة الظلم والفســق والفجــور حتى تســارع بــالفرج وتعجــل بظهــور المهــدي الــذي ال يظهر حتى يمتلئ العالم ظلما وجورا كي يمأله قســطا وعــدال. وقــد يــرد فكــر بــديل لهــا وهــو واليــة الفقيــه, ووجوب العمل إلستئناف الحيــاة اإلســالمية تحت إمــرة أمير فقيه, بالرغم من كثرة المعارضين لهذا الفكر من

أبناء الطائفة نفسها.

إنه بالرغم من هذه الخطوة المتقدمــة في العمــل لعودة اإلسالم لواقع الحياة عند هذه الفئة من النــاس, وتبــني واليــة الفقيــه, إال أنــه صــاحبها من األفكــار السابقة فكرة تحديــد موقــف المســلم ممــا حصــل بعــد

وتولي أبو بكر الخالفــة ثم عمــر ثموفاة رسول الله

130

Page 131: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

عثمــان فهــل كــانت خالفــة هــؤالء الثالثــة حــق أم أنهــاــة خالفة باطلة؟ وبالرغم من الرد على ذلك أنها تلك أم قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم وال تسألون عما كانوا يعلمون, إال أنهم يصرون على إتخاذ موقف معين

من ذلك, فعليه يترتب سير العمل؟

إن البحث هنــا ال يعــني مناقشــة هــذه األفكــار, ولست بصدد بيان الخطــأ والصــواب بــل إن البحث كلــه يتناول ما يجب أن تكون عليه كــل فئــة تــدعو لإلســالم, تدعوا لعــودة اإلســالم لواقــع الحيــاة, تــدعو إلســتئناف الحياة اإلسالمية. أن تكون دعوتهم طبقــا لمــا جــاء في

ه� ع�ل�ى﴿ األيـة الكريمـة �ل�ى اللـ� و إ �د{عـ~ ب�يل�ي أ ذ�ه� سـ� ل{ هـ� قـ~

ا م�ن� ــ� �ن ا أ ــ� م ه� و� ــ� ان� الل ب{ح� ــ~ ا و� م�ن� ات�ب�ع�ن�ي و�س ــ� �ن ة� أ ير� ــ� ب�ص

ر�ك�ين� (1)﴾ ال{م~ش{

نعم ندعوا إيمانا بما جاء في هذه األية الكريمة فال في دعوـته إلى الـله فـقدبد أن تحدد سبيل رسول الله

ذكرت األية الكريمة أن تكون الدعوة على بصيرة. وعي كامل على الفكرة التي يدعوا إليها بكلياتها وجزئياتها,ــل وعي على الهدف الذي يسعى إليه, والطريق الموص لهذا الهدف. وعي من قيــادة الجماعــة والــوعي نفســه من أعضاء هذه الجماعة, فال يصح إقتصار أمير الجماعة على معرفة الفكرة أو معرفة طريقة الوصول إليها, أو معرفة الهدف أو معرفة كيفيــة تحقيقــه, ألن ممــا جــاء

�ن�ا و� م�ن� ات�ب�ع�ن�ي ﴿ في األية الكريمة قوله تعالى فكرة﴾ أ شــاملة لجميــع نــواحي الحيــاة, ســواء منهــا مــا يتعلــق بإصــالح الفــرد كالعبــادات واألخالق أو مــا يتعلــق بعالجــة ــ ــادية واإلجتماعيـ ــ ــه اإلقتصـ ــ ــع في نظمـ ــ المجتمـــة ــاكم أو كيفي ــار الح ــة إختي ــية. أو في كيفي والسياس محاسبته. ثم الــوعي على كيفيــة إيصــال هــذه الفكــرة إلى التنفيذ والمباشــرة هــذا مــا وددت بحثــه أو طرحــه لجميــع الفئــات للنظــر فيمــا هي عليــه عســى اللــه أن

1

131

Page 132: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

يهدينا سواء السـبيل. ولتقـدم كـل فئـة مـا إسـتطاعتــا ــا أنه ــذي يغلب على الظن فيه ــبيل ال ولكن في الس تؤدي إلى تحقيق الهدف, وإقامـة الدولـة اإلسـالمية, الأن يقال يكفينا أن نترك التراث خيرا مما وجدناه عليه.

وإنه وإن سلمنا جدال بأن اإلمــام جعفــر بن محمــد الصادق هو إستاذ الفقهاء وقد ترك للمســلمين ذخــيرة فكريــة وفقهيــة هائلــة. فــأين هي ؟ أي أنهــا لم تــدونــاب ــان كت بالرغم من أن عصره عصر التدوين. ولذلك ك الكافي لإلمــام الكليــني هــو المرجــع األساســي للفقــه الجعفري. فلو كان فقه اإلمام مدونا لما إحتجنا الكتاب

الكافي, ونرجع مباشرة إلى اقوال اإلمام رحمه الله.

132

Page 133: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

التصوف

مع مطلع القرن الثاني للهجــرة, ظهــر العديــد منــنة ــل الس ــة وأه ــة والجبري ــة, كالمعتزل ــرق الكالمي الف والجماعة, وإشتد الصراع الفكري بينها. متخذة إســلوب المنطق إســلوبا للوصــول إلى قواعــد وأفكــار تــرد بهــا على أفكار الفئات والفرق األخــرى. وقــد كــان البــاعث على ظهور هذه الفــرق إبتــداء هــو الــرد على النــاطرةــكيك ــذ االســلوب لتش واليعاقبــه الــذين إســتعملوا ه المسلمين في معتقــداتهم. إال أن األمــر لم يقــف عنــد حد الرد على هؤالء بل تعداه لتولى كل فريق الرد علىــدفعوا في البحث والتنقيب ــلمين, وان ــيره من المس غــة عما يعزُز أراءهم, ويقوي حججهم, فعمدوا إلى ترجم كتب اإلغريق, وتأثروا بمــا جــاء فيهــا, ومنهم من إتخــذــذ ــه, ومنهم من أخـ ــالحا لـ ــاليبها سـ ــة وأسـ اإلبيقوريـ الرواقية مدرسة له. نشــأ عن ذلــك عــدة مشــاكل منهــا مشكلة القضاء والقدر التي ما ُزالت أثارهــا قائمــة إلى يومنا هذا. وكان المنهج الذي يسيرون عليه, إن اإليمان الحــق هــو اإليمــان الــذي يتوصــل إليــه بــالمنطق. وأن العقل هو الحكم في كل شيء, فإذا تعارض العقل مــع النص القرأني وجب تأويل المعنى بما يتفق مع العقل. كمــا أنهم حكمــوا العقــل في الخــير والشــر والحســنــانت ــيات. فكـ ــات والحسـ ــوا في العقليـ والقبح, وبحثـ بحــوثهم هــذه مثــيرة للمســلمين مزعجــة لهم, فإخــذوا يبحثون عن فلسفة أخرى يردون بها على هؤالء. فوجد البعض في الفلســـفة الهنديـــة ضـــالته, وتتلخص تلـــك بــالنظر لإلنســان بأنــه جســد وروح. فاإلعتنــاء بالجســد يضعف الروح, وتعذيب الجسد يغذي الروح فتقوى على الجســد وتحلــق في عليائهــا لتتصــل بخالقهــا. ونشــأت على هذه الفلسفة الطرق الصــوفية المتعــددة, والــتي يلتقي جميعهــا على هــذه الفكــرة. فكــرة العــزوف عن الدنيا, وتعذيب الجسد واإلكتفاء بما يقيم األود, ويبقي

133

Page 134: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

على الحياة ومحاولة اإلتصـال بالـذات اإللهيـة " كم من أشــعث أغــبر لــو أقســم على اللــه ألبــره " " يــا عبــدي اعبــدني تكن مثلي تقــل للشــيء كن فيكــون " وتــرتبــة, ــوفية كالرفاعي ــرق الص ــور بعض الط ــذا ظه على ه

, والكيالنيـــة. وظهـــور بعض المشـــايخالنقشـــبنديةو الواصلين – كمــا ُزعمــوا – وأصــحاب الكرامــات, وإلتــف حولهم الكثــير من األتبــاع والمريــدين, ومــا ُزالت بعض هــذه الفــرق قائمــة إلى األن, ومنهــا مــا نشــأ حــديثا. ووجـــدت تكتالت واســـعة تســـير وراء الشـــيخ الفالني صاحب الطريقة الفالنية. وكثر المريــدين واالتبــاع, من الذين إستهواهم الهوس الديني, أو من الــذين يريــدون الفــرار من تبعــات الحيــاة الــدنيا, ومهمــا يكن من أمــر فلست بصدد مناقشة مــا يحملــون من أفكــار, إال إنــني أريد تذكيرهم بمــا تركــوه من أحكــام. فمــا يقولــون بــه فأمره إلى الله قبلــه أو رده. ومــا يدعونــه من كرامــات ومعجزات فذلك شأنهم. وأما ما نريد تذكيرهم به, فهو غيــاب اإلســالم عن واقــع الحيــاة العامــة ونوجــه إليهم بعض األســئلة طــالبين منهم اإلجابــة المقترنــة بتقــوى

الله.

مــا حكم من تــرك فرضــا فرضــه اللــه عليــه؟.1وتشاغل عنه بالمندوب؟

ما حكم الساكت عن الحق المضاع؟.2 ما حكم من أقر بتعطيل أحكام الشــرع, وأقــر.3

بالخضوع للتشريع القوانين وحكم الطاغوت؟ اليس فرضــا على المســلمين أن يعيــدوا حكم.4

الله في الناس؟ أم حكم الجاهلية يتبعون؟ لماذا نهمــل العمــل إلقامــة الخالفــة مــع أنهــا.5

فــرض جــامع لكافــة نــواحي الحيــاة وبغيابهــاغياب تسعة أعشار اإلسالم.

ما حكم األمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟.6

134

Page 135: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

وإلى مثل هذه األحكام نذكر القــوم دون مناقشــةــوفة ــيد المتصـ ــروف أن سـ ــه. ومن المعـ ــا هم عليـ مـ وإمامهم هو اإلمام محمد بن محمد أبو حامــد الغــزالي. فهال جعلتم من حياته وسيرته منهجا وسبيال, مع إدراكــوب. فقــد ــاين في المطل اإلختالف في الظــرف, والتب عاش الغزالي في ظــل دولــة الخالفــة – أقــوى وأعظم دولة في ذلك العصر – والحكم قائم على ما أنــزل اللــه في معظمــه. وجيــوش المســلمين تجــوب البالد شــرقاــا. وغربا, شماال وجنوبا ال يجرؤ أحد أن يقف في وجههــري على والنهضة اإلسالمية في أوجها, والصــراع الفك أشده بين الفرق والمذاهب والتكتالت اإلسالمية تهيمن على الشارع برمته بحيث ال يتأتى للفرد أن يعتزل هذه الفرق جميعها ويخلو لنفسه, إال من تبلد حســه وهــرب بنفسه من تبعات الحياة. في مثــل هــذا المجتمــع وجــد اإلمام الغزالي فــأدلى بــدلوه وقطــع شــوطا بعيــدا في التصدي لكل من يراه قد ضل الســبيل, أو إنحــرف عن جادة الصواب فهو تارة يرد على أهل البدع, وتارة يفندــافت ــ ــه ته ــ ــل كتاب ــ ــفة والمتكلمين. مث ــ أراء الفالس الفالســفة, وأروع من ذلــك كلــه بحثــه في محاســبة الحاكم ومراقبته وحرصه على مصالح المسلمين وبحثه في األمر بــالمعروف والنهي عن المنكــر ممــا جــاء في كتابه إحياء علــوم الــدين أقتطــف منــه بعض الفقــرات. كما اصل لقــراءة هــذا البحث من الكتــاب نفســه جميــع دعاة الصوفية والتصوف, وجميع القاعــدين عن العمــلــع ــالم لواق ــودة اإلس ــالمية وع ــاة اإلس ــتئناف الحي إلس

الحياة.:

بســـم اللـــــه الرحمـــــن الرحيــــــم

الحمد للــه الــذي ال تســتفتح الكتب إال بحمــده, والــطة ــتمنح النعم إال بواس ــوهتس ــه وعف ــالةكرم . والص

والسالم على سيدنا محمــد رســول اللــه وعبــده, وعلىاله الطيبين وأصحابه الطاهرين من بعده, أما بعد,

135

Page 136: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

فــإن األمــر بــالمعروف والنهي عن المنكــر هــو القطب األعظم في الدين, وهو المهم الذي ابتعث الله له النبيين أجمعين, ولــو طــوي بســاطه, وأهمــل عملــه وعلمـــه لتعطلت النبـــوة, واضـــمحلت الديانـــة, وعمت الفترة, وفشت الضاللة, وشــاعت الجهالــة, واستشــرى الفساد, واتســع الخــرق, وخــربت البالد, وهلــك العبــاد, ولم يشعروا بالهالك إال يوم التناد. وقد كان الذي خفناــدرس من أن يكون, فإنا لله وإنا إليه راجعون, إذ قــد انــمه ــة رس ــق بالكلي ــه, وانمح ــه وعمل ــذا القطب علم ه وحقيقتـــه, فاســـتولت على القلـــوب مداهنـــة الحـــق. وانمحت عنهــا مراقبــة الخــالق, واسترســل النــاس في إتباع الشهوات والهــوى إسترســال البهــائم, وعــز على بســاط األرض مــؤمن صــادق ال تأخــذه في اللــه ولومــة الئم. فمن ســعى في اتبــاع تالفي هــذه الفــترة, وســد

, إمــا متكلفــا بعملهــا, أو متقلــدا لتنفيــذها.النلمــةهذه مجددا لهذه السنة الــدائرة, ناهضــا بأعبائهــا, ومتشــمرا في إحيائها كــان مســتأثرا من بين الخلــق بإحيــاء ســنة اقتضــى الزمــان إلى إماتتهــا, ومســتبد بقربــة تتضــاءل الــدرجات دون ذروتهــا. وفي وجــوب األمــر بــالمعروف

والنهي عن المنكر:-

ويدل على ذلك بعد إجمــاع األمــة عليــه, واشــارات العقــول الســليمة إليــه, األيــات واألخبــار واألثــار. أمــا

رQ﴿ األيـات فقولـه تعـالى Nssي OخN QلOى ال دNعMونO إ Ossة{ ي RssمM MمN أ Nك MنN مQن Oك Nت وOل

Oون MssحQ NمMفNل QَكO هMمM ال Oئ Mول OرQ وOأ Nك NمMن NهOوNنO عOنQ ال Oن وفQ وOي MرNعOمN Qال ونO ب MرMمN Oأ (1)﴾ وOي

ــه ــإن قول ــاب, ف ــان اإليج ــة بي MنN ﴿ ففي األي Oك Nت ــر.﴾وOل أم وظاهر األمر اإليجاب. ومنها بيــان أن الفالح منــوط بــه

ونO﴿ إذ حصر وقــال MssحQ NمMفNل َكO هMمM ال QssئO Mول وفيهــا بيــان أنــه﴾ وOأ فرض كفايــة. وأنــه إذا قــام بــه فــرد أو جماعــة ســقط الحـــرج عن األخـــرين, واختص الفالح بالقـــائمين بـــه, المباشرين له وإن تقاعد عنه الخلق أجمعون عم الحرج

كافة القادرين عليه.

1

136

Page 137: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

وأما األخبار فمنهــا مــا روي عن إبي بكــر الصــديقــاس رضي الله عنه أنه قال في خطبة خطبها " أيها الن

ا﴿ انكم تقرؤون األيــة وتؤولونهــا على خالف تأويلهــا Ossي

NمM Nت دOي OssتNا اهOذQ لR إ Ossض NنOم NمM ك OضMر~ MمN الO ي ك OسMفN Oن MمN أ Nك Oي Mوا عOل OمOن RذQينO َآ ~هOا ال يO ﴾ أ

مssا من قssوم عملssوا﴿ يقــول وإني ســمعت رســول اللــه بالمعاصي وفيهم من يقدر أن ينكر فلم يفعل إال يوشَك أن يعمهم

".(1)﴾ الله بعذاب من عندُه

وأما األثار فقد قــال أبــو الــدرداء رضــي اللــه عنــه "لتـأمرن بـالمعروف ولتنهـون عن المنكـر أو ليسـلطن الله عليكم ســلطانا ظالمــا ال يجــل كبــيركم, وال يــرحم صــغيركم, ويــدعوا عليــه خيــاركم فال يســتجاب لهم,وتستنصرونه فال تنصرون, وتستغفرون فال يغفر لكم".

وسئل حذيفة بن اليمان رضــي اللــه عنــه عن ميت األحياء فقال: "الذي ال ينكر المنكربيــده وال بلســانه وال بقلبه" وقال حذيفة: "يأتي على الناس ُزمان ألن تكونــأمرهم ــؤمن يـ ــار أحب إليهم من مـ ــة حمـ بينهم جيفـ

وينهاهم".

ــالمعروف والنهي فقد ظهر بهذه األدلة أن األمر ب عن المنكر واجب, وأنه فرضه ال يسقط مــع القــدرة إال بقيام قائم به. هــذا مــع العلم أنــه ذكــر أيــات وأحــاديث وأثار وأكثر من هذا بكثير. واقتصرت على هذه لم فيها

من كفاية لبيان الوجوب.

1

137

Page 138: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

العامة المنكرات

أعلم أن كــل قاعــد في بيتــه ليس خاليــا في هــذاــاس الزمان من منكر. من حيث التقاعس عن إرشاد النــاس ــ ــأكثر الن ــ ــروف, ف ــ وتعليمهم وحملهم على المع جاهلون بالشرع في شــروط الصــالة في البالد, فكيــف في القرى والبوادي, وواجب على كــل فقيــه فــرغ من فرض عينــه, وتفــرغ لفــرض الكتابــة أن يخــرج إلى من يجاوره من أهــل البــوادي, وكــل عــامي عــرف شــروط الصالة فعليه أن يعرف غيره وإال فهو شريك في اإلثم. ومعلوم أن اإلنسان ال يولد عالمــا بالشــرع, وإنمــا يجب التبليغ على أهــل العلم, فكــل من تعلم مســألة واحــدة

األثم على الفقهــاءولعمــريفهو من أهــل العلم بهــا. .اليــومأشد, ألن قــدرتهم فيــه أظهــر, وهــو بضــاعتهم

فكــل من يــتيقن أن في الســوق منكــرا يجــري على الدوام, أو في وقت بعينه وهــو قــادر على تغيــيره, فال يجوُز له أن يسقط ذلك عن نفسه بــالقعود في الــبيت, بل يلزمه الخروج, فإن كان ال يقدر على تغيــير الجميــعــة البعض ــترُز عن مشــاهدته ويقــدر على إُزال ــو مح وه لزمه الخروج, ألن خروجه إذا كان ألجل تغيير مــا يقــدر عليه فال يضره مشــاهدة مــاال يقــدر عليــه, وإنمــا يمنــع

الحضور لمشاهدة المنكر من غير غرض صحيح.

فحــق على كــل مســلم أن يبــدأ بنفســه فيصــلحها بالمواظبة على الفرائض وترك المحرمات, ثم يعلم بعد ذلك أهل بيته, ثم يتعدى بعد ذلــك إلى جيرانــه ثم أهــل محلته ثم أهل بلده ثم إلى السواد المكثف في بلده ثم أهل البوادي من األكــراد والعــرب وغــيرهم وهكــذا إلى أقصى العالم فإن قام به األدنى سقط عن األبعـد, وإال حرج به على كــل قــادر عليــه قريبــا كــان أم بعيــدا, وال يسقط الحــرج مــا دام على وجــه األرض جاهــل بفــرض

138

Page 139: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

من فروض دينه, وهـو قـادر أن يسـعى إليـه بنفسـه أوبغيره فيعلمه فرضه.

139

Page 140: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

خاتمة

إن ما أسلفنا هو الطريق القــويم للوصــول باألمــة إلى مرحلة يتمكن القائمون على حمــل دعــوة اإلســالم إلستئناف الحياة اإلســالمية فيهــا من القيــام بــالخطوة األخيرة وهي اللجوء لمراكز القوة إليصال فكرتهم إلى ســدة الحكم. ورعايــة شــؤون النــاس بحســبها. أي هي النجاح في إيجاد شــباب واعين على فكــرتهم مبصــرين طريقهم عندهم اإلستعداد للتضحية, والكفاءة والقدرة على رعاية شؤون النــاس بــالفكرة الــتي دعــوا النــاس إليها. وكذلك النجاح في إيجاد أمة تقبل بتطبيق شريعة اإلسالم عليها. وإستعدادها لبــذل الغــالي والنفيس فيــزو, أو إن كلفت ــا إن تعرضــت لغ ــة دولته ســبيل حماي بالقيــام بمــا أوجب اللــه عليهــا من جهــاد في ســبيله, وحمل دعوته, والنجاح كذلك في عملية اإلتصال بمراكز القوة إلقناعهم بالقيام بعملية التغيــير فهم أبنــاء هـذه

األمة التي أمنت بهذه الفكرة.

ــرة على ــدعونا نلقي نظ ــدم ف ــا تق ــاء على م وبن الواقــع الــذي نعيش فيــه, واقــع هــذه األمــة, وإلى أين وصلت فيهــا دعــوة الــداعين لإلســالم؟؟ ومــدى تأثرهــا بالظروف واألحوال التي طــرأت عليهــا خالل العقــدين

األخيرين؟؟

هل أنها ما ُزالت تسـتهجن العمـل السياسـي علىــد أساس اإلسالم, بل هل ما ُزالت تعتبر أن اإلسالم بعي عن السياســـة, فالسياســـة هي الخـــداع والتضـــليل,

واإلسالم بريء من ذلك؟؟

ــة وال أحــزاب في ــه ال حزبي ــرى أن هــل مــا ُزالت تاإلسالم؟

هل ما ُزالت تستبعد عودة اإلســالم لواقــع الحيــاة,وعودة عزة المسلمين ومجدهم؟

140

Page 141: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

هــل مــا ُزال إيمانهــا يــدفعها للخــروج للجهــاد فيسبيل الله ؟

هل ما ُزالت تتشبت باإلشــتراكية والقوميــة وغــيرذلك من أفكار؟

ما الذي تشكو منه؟

أمن قلة عدد المؤمنين؟

أمن قلة المصلين؟

أمن قلة عدد الملتزمين بأحكام اإلسالم؟

هل لها أمل بإنقاذها مما هي فيــه بغــير اإلســالم,وما هو؟

ــة كل هذه األسئلة ال بد من التدقيق في واقع األم لمعرفــة اإلجابــة عليهــا ومعرفــة مــا تعانيــه األمــة من أمراض تقف حائال دون عودتها إلى ربهــا, وعــودة عــزة

المسلمين ومجدهم.

منــذ أن بــدت الحيويــة تــدب في األمــة بعــد طــول رقـاد, وبعـد صـدمات عنيفـة هـزت كيانهـا, بـدأت بعض الحركات تظهر لتحرك جانبا في حياة األمة تدعوها فيه للنهوض أو على األقل للتخلص من الواقع المؤلم التي تعيش فيه, وقد تعددت الحركات وفشــلت فشــال ذريعــا وذلك السباب متعددة منهــا عــدم وضــوح الفكــرة الــتي تريد النهضة على أساسها. فقد كانت تقوم كردة فعــلــه في ــمع عن ــا تس ــأثرا بم ــل أو ت ــاس للعم من اإلحس

الغرب, أو بتوجيه من المطبوعين بالثقافة الغربية.

ــا أن ــذي عليه ــق ال ــرف الطري ــذلك لم تكنت تع كــك ــوين تل ــا تك ــتي يتم فيه ــة ال ــلكه. أو في الكيفي تس الحركــة أو الجمعيــة أو الحــزب, أو أنهــا إقتصــرت على جانب معين تدعو إليه مثل الجمعيات الخيرية والدعوات الروحية والخلقيـة وغـير ذلـك. كمـا وجـد فيهـا أحـزاب

141

Page 142: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

تجاهر بالدعوة للديمقراطية أو اإلشــتراكية أو القوميــةأو غير ذلك.

وكــان من الطــبيعي أن يحيــق الفشــل فيهــا, فلم يتغير واقع األمة ومــا ُزالت تــرُزح تحت نــير اإلســتعمار بواسطة عمالئه. إال أن هذه الدعوات جميعها قد تــركت أثرا إيجابيــا فــاعال في األمــة. وأخــذت تتلمس طريقهــا باحثــة عن مخــرج أو منقــذ. ولهــذا فقــد إنفعلت بعنــف حين قامت ثورة الخميــني فغمرتهــا عاطفــة حــادة من التأييـــد لمـــا جـــرى بـــالرغم من الخالفـــات المذهبيـــةــلمين والقومية. فقد كان التأييد شامال جميع بالد المســفر ــد أن أس ــد إال بع ــك التأيي ــتثناء, ولم يخب ذل بال إس الحكم في إيـــران عن شـــرذمته بالمذهبيـــة وتقيـــده بالقومية الفارسية. ولهذا فقد ترك عند األمــة تحسســا واستعدوا للتغيير على أساس اإلسالم. وقــد تجلى هــذا في الجزائــر بمــا يســمى بجبهــة اإلنقــاذ فقــد إنــدفعت األمة هناك لتعطي الثقة والقيــادة لهــذه الحركــة. ومــاــه تلــك ــذي إرتكبت ــالرغم من الخطــأ الجســيم ال ُزالت بــيلة ــة وسـ ــق الديمقراطيـ ــذت طريـ ــة حين إتخـ الحركـ للوصـــول إلى الحكم باإلســـالم, وأهملت أخـــذ مراكـــز القوة في األمة وذلك لقصر نظرها وعدم إدراكها لهذه

المسألة.

وما يجري في تــونس والســودان ومــا يحصــل فيــة ــرة حقيقي ــا فك ــرى في األردن يعطين ــا ج ــر, وم مص صــادقة عمــا وصــلت إليــه األمــة. وذلــك بســبب صــدق وصـــفاء عقيـــدتها, وثقتهـــا بربهـــا, وإيمانهـــا بـــدينها وشريعتها. باإلضافة إلى جهــود المخلصــين من أبنائهــا الذين يحاولون جاهدين تذكيرها بتقوى الله وما وعــدها

الله به من نصر.

ــدائها, ــا من أع ــف حكامه ــا ال ننس مواق ــا أنن كم وشراسة مواقف الكفار منها, والمصــائب الــتي تحيــط

بها أو تقع عليها.

142

Page 143: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

إذن فما الذي تريده األمة؟

حين إندفعت لتأييــد الخميــني كــانت تأمــل أن يمن الله عليها بالنصر والخالص ولم تنتظر حتى يــزداد عــدد المصــلين, أو حــتى تــدرس صــفات اللــه فتعــرف كيــفــدتها. ولم تنتظــر حين إلتهبت ــه وتصــلح عقي توحــد الل مشاعرها حماسا مع حركة اإلنقــاذ أن يمن اللــه عليهــا بطرق صوفية جديدة, أو تتضح لها عقيدة اإلسالم أكــثر

فأكثر على يد جبهة اإلنقاذ.

إن قلب األمة المشــدود ليقــف مــع حركــة الجهــاد اإلسالمي في مصر لم ينتظر من حركة الجهاد أن تفتح عليه بركات من السماء, فتوسع عليها بالرُزق والخــير. إن هـذا القلب المعلــق بحركــة الجهـاد في مصـر, ومــع المســلمين في البوســنة والهرســك, كمــا كــان معلقــاــه ــالثورة في أفغانســتان ال ينتظــر إال النصــر من الل بــه ــه إال الل سبحانه وتعالى, وإرتفاع راية الحق راية ال إل

محمد رسول الله.

أيها المخلصون

أيها المؤمنون العاملون

أيتها األحزاب المتناحرة

أيها القادة

يا مراكز القوة في األمة, إن أمتكم بحاجة إلى من يقتلع الكفر من جذوره, ويعصف بمخلفاته, ويبعد عنها دساتيره وقوانينه ليتمكن المخلصــون من رفــع رايــة ال

إله إال الله محمد رسول الله.

يــا مراكــز القــوة المؤمنــة, طهــري الكراســي من عفن الغرب وكفــره وخــذي من تشــائين من القــادرين

على تطبيق شريعة الله ورفع راية اإلسالم.

143

Page 144: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

ــري, وإختالف على فلم يعد الوقت وقت صراع فك الفكرة والطريقة, وليس الــوقت وقت تســقط إخطــاء األخــرين أو مخــالفتهم فيمــا تبنــوا من أفكــار وأحكــام

وأراء.

لم يعد الوقت وقت بحث في الفرقة الناجية

لم يعد الوقت وقت إنتظار المهدي

لم يعد الوقت وقت بيان اإلستواء

إنكم جميعا في المجتمع في هذه األمة تــرون بــأم أعينكم, وتسمعون بأذانكم, وتلمسون بأيديكم ما تعانيــه األمــة, ومــا رســمت لنفســها من أمــال وأمــاني, من وكلكم يدرك قدرة األمة حين تندفع في سبيل الله, إنهــق ال يقف في وجهها أحد, باإلضافة إلى اإليمان المطل

بنصر الله.

144

Page 145: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

الأولى الِإسالمية الدولة دستور

الرسول وصول من بعد المدينة ُزعماء جمع المدينة إلى . وثيقة يكتب أن طالب أبي بن علي وأمر ويهود ومسلمين مْؤمنين , أملى مما وكان تاريخه حتى عالقات من بينهم ما تنِظم الناس بين

-: يلي ما عليه

بسsssم اللsssssه الرحمsssssن الرحيssssssم

< بين المؤمنينهذا كتاب من محمد النبي >.1 والمسلمين من قريش وأهل يثرب ومن تبعهم فلحق

بهم وجاهد معهم, أمة واحدة من دون الناس وأن كل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين.2

المؤمنينوأن ال يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه.3 وأن المؤمنين المتقين أيديهم على كل من بغى منهم,.4

أو ابتغى وسيعة ظلم, أو اثما أو عدوانا أو فسادا بينالمؤمنين, وأن أيديهم عليه جميعا ولو كان ولد أحدهم.

وال يقتل مؤمن مؤمنا في كافر, وال ينصر كافرا على.5مؤمن

وأن ذمة الله واحدة, يجير عليهم أدناهم.6وأن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس.7 وأن من تبعنا من يهود فإن له النصر واألسوة غير.8

مظلومين وال متناصر عليهم وأن سلم المؤمنين واحدة, ال يسالم مؤمن دون مؤمن.9

في قتال في سبيل الله إال على سواء وعدل بينهمأن كل غاُزية غزت بعقب بعضها بعضاو.10 وأن المؤمنين يبيء بعضهم عن بعض بما نال دماءهم.11

في سبيل اللهوأن المؤمنين المتقين على أحسن هدى واقومه.12 وأن ال يجبر مشرك ماال لقريش وال نفسا, وال يحول.13

دونه على مؤمن

145

Page 146: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

وأن من اعتبط مؤمنا قتال عن بينة فهو قود به, إال أن.14 < وأن المؤمنين عليهبالعقليرضى ولي المقتول >

كافة, وال يحل لهم إال قيام عليه وأنه ال يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة وأمن.15

بالله واليوم األخر أن ينصر محدثا أو يؤويه, وأن من نصره أو أواه فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة,

وال يؤخذ منه صرف وال عدل وأنه مهما إختلفتم فيه من شيء فإن مرده إلى الله.16

وإلى محمدوأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين.17 وأن اليهود أمة مع المؤمنين, لليهود دينهم, وللمسلمين.18

دينهم, مواليهم وأنفسهم إال من ظلم وأثم فإنه ال يوتغإال نفسه وأهل بيته.

وأن بطانه يهود كأنفسهم.19وأنه ال يخرج منهم أحد إال بإذن محمد.20 وأنه ال ينحجز على ثأر جرح, وأنه من فتك فبنفسه.21

وأهل بيته إال من ظلم وأن الله على أبر هذا وأن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم, وأن.22

بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة, وإنبينهم النصح والنصيحة والبر دون اإلثم

وأنه ال تجار حرمة إال بإذن أهلها.23وأنه ال يأثم أمرؤ بحليفه, وأن النصر للمظلوم.24وأن يثرب حرام جوفها ألهل هذه الصحيفة.25وأن الجار كالنفس غير مضار وال أثم.26 وأنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث, أو اشتجار.27

يخاف فساده فأن مرده إلى الله وإلى محمد رسولالله, وأن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة وأبره

وأنه ال تجار قريش وال من نصرها.28وأن بينهم النصر على من دهم يثرب.29 وأن دعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه فإنهم يصالحونه.30

ويلبسونه, وأنهم إذا دعوا لمثل ذلك فإن لهم علىالمؤمنين األمن حارب في الدين

146

Page 147: كتاب صخور على الطريق - حافظ صالح

أمالها التي الوثيقة هذه في جاء مما بعض هذا رسول الله بين المؤمنين والمســلمين واليهــود بحضــورــا من حضــر ُزعمائهم وطلب منهم التوقيع عليها فوقعه منهم وإلتزم بهــا الجميــع فكــانت بحــق هي أول دســتور مكتوب في العالم. وقــد تنــاول هــذا الدســتور في حينــهــداخلي ــواء في األمن الـ ــة سـ ــات العامـ ــس العالقـ أسـ والعالقـــات الداخليـــة أو في األمن الخـــارجي والحـــرب واألخالق أو في العالقـــــــات الخارجيـــــــة من حيث أن العالقات العامة لم تكن قد شــرعت أحكامهــا بعــد, فقــد كان هذا الدســتور في األيــام األولى من وصـول رســول

إلى المدينة.الله

147