السياسة الخارجية الأميركية: ضرورة الإنكفاء؟

29
د عد ل – ا سات لدرا ل ي ب ورا م ح لة ج م4 ول ون" الأ% ن كا ي – ل و الأ ة% ن س ل ا- 2012 اء؟% ف ك% ن6 الأ ورة ر% ض: ة ن ك ر مي الأ ة ن ج ار% ج ل ا اسة ي س ل ا ر مط مد ح م سام ج)" ان% ي لب" ن م ي م ي كاد واS ث ج ا ن( 1 : دمة ف مً عدا صا ت م وً ا% ر مي مً ا% ر حي ل% عS ش ت ة ن ك ن ر م الأ ة ن ج ار% ج ل ا اسة ي س ل ا ت دا " ن ن ي رS ش ع لرن" ا لق ا ة داي نi د% ي م ي لم الدو اj ظ% ت ل ا ي% ف ة ق ي م ع رات يS ي ا " ن ن م اسة ي س ل ة ا% هد ل ما لً راj ط% ن, ة ن ل الدو سات الدرا ي% ف م ت ه6 ا ما ل لظا ا% . ولد ة ري سك ع ل وا } ة ن% ف ا فS ي ل وا ة ن ل ما ل وا ة صادي ت ف6 والأ ة ن س ا ي س ل ة ا اي ف ي ط ل ك ب ي لت ا ة ن ج ار% ج ل وا ة ن ل% خ الدا راتS ث و م ل ا ودراسة اسة ي س ل ة ا% ور هد ط ن ة ن ف را م ي% ف" ون ث ج ا ي ل ا% عظاف% ن6 الأ اتj حظ ل ها و ي% ف لة جاص ل ا ولأت ح ت ل ا ة ن ف را م و ه لك% ن" د م م ه الأ ي ق ن" ن ك ل ها, و م ك ج ت } ة ري صي م ة ن م ي ل ق6 وا ة ن ل دو ات ي ع دا ن رك ث لك% ن" د اS ن" س م" ن دها, لأ هS ش ت ت% ن كا ي لتد ا جا ل ا. رت ح ل و ا لأم ا س لة ا ا ج ت واء س1 ا ي ك يS س ت- ة ن ل الدو% راغ ث امعة خ ي% ف وراة ث ك د ت ل طا- 144

Upload: hosam-matar

Post on 07-Aug-2015

161 views

Category:

Documents


14 download

DESCRIPTION

تستعرض الورقة المذاهب والإتجاهات المختلفة بخصوص كيفية تغيير السياسة الخارجية الأميركية بما يتناسب مع أزمتها الإقتصادية وتراجع نفوذها في العالم لا سيما بعد حربي العراق وأفغانستان.

TRANSCRIPT

Page 1: السياسة الخارجية الأميركية: ضرورة الإنكفاء؟

العدد – للدراسات حمورابي األول - – 4مجلة كانون األولى 2012السنة

السياسة الخارجية األميركية: ضرورة اإلنكفاء؟

حسام محمدمطر

1 )باحث وأكاديمي من لبنان(

مقدمة:

منذ بداية القرن العشرين بدأت السياسة الخارجية األمريكية تشغل- لما لهذه - في الدراسات الدولية, نظرا - ومتصاعدا - مميزا حيزا السياسة من تأثيرات عميقة في النظام الدولي بكل طبقاته

السياسية واإلقتصادية والمالية والثقافية والعسكرية. ولذا لطالما إهتم الباحثون في مراقبة تطور هذه السياسة ودراسة المؤثرات

الداخلية والخارجية التي تحكمها, ولكن بقي األهم من ذلك هو مراقبة التحوالت الحاصلة فيها ولحظات اإلنعطاف الحاد التي كانت

تشهدها, ألن من شأن ذلك ترك تداعيات دولية وإقليمية مصيريةسواء تجاه السالم أو الحرب.

لطالما إختلف األميركيون حول طبيعة دورهم في العالم, وهو إختالف ال يعكس إال إختالفهم حول ماهية الواليات المتحدة ذاتها, هل هي جزيرة قارية

في ما وراء المحيطات فقط؟ هل هي المثال الذي يجب أن يجذب سموه القلوب والعقول كما ترشد المنارة السفن التائهة؟ هل هي سيدة القارة

األميركية؟ أم هل هي فيض سماوي لهداية البشرية نحو الحرية والرفاه؟ إن اإلجابة عن هذه األسئلة هي التي حكمت إتجاه السياسة الخارجية األميركية

من اإلنعزالية الى اإلمبريالية والهيمنة اآلحادية وما بين بين. في حين أن- بمعنى أن األميركيين لطالما إنقسموا حول - جدليا - امرا اإلجابة كانت دوما

- لإلجماع موقفهم من الدور األميركي في العالم, أي أنهم إفتقدوا دوما- السياسي أو حتى شبه اإلجماع حول هذا الدور ما عدا لحظات إستثنائية جدا

أيلول.11كالحرب على أفغانستان بعد

تشيكيا - - 1 الدولية براغ جامعة في دكتوراه طالب

144

Page 2: السياسة الخارجية الأميركية: ضرورة الإنكفاء؟

العدد – للدراسات حمورابي األول - – 4مجلة كانون األولى 2012السنة

لقد شكلت اإلنعطافات األميركية مفاصل تاريخية منذ الحرب العالمية األولى- الى ما بعد . واليوم - وفي ظل األزمة المالية2001 أيلول 11وصوال

واإلقتصادية التي تضرب أسس اإلقتصاد األميركي لدرجة قال فيها رئيس هيئة األركان األميركية: " إن الخطر األكبر على أمننا القومي هي مسألة الدين" - يتصاعد بشكل ملفت الحديث عن إرهاصات إنعطافة أميركية

ستترك تداعيات خطيرة على النظام الدولي ككل, سواء اإلستقرار النقدي واإلقتصادي, تعطيل مؤسسات النظام الدولي, ظهور موجة من المواجهات اإلقليمية جراء حال الفراغ التي سيتركها التراجع األميركي, وإرتفاع عداونية

القوى الكبرى الصاعدة. تتمحور هذه النقاشات حول سؤال مركزي: هل آحادية الهيمنة األميركية تمر في لحظة ضمور؟ وتتفرع من هذا السؤال جملة أسئلة فرعية: كيف يجب على الواليات المتحدة التعامل مع هذا التهديد؟ هل

تتراجع إلستجماع أنفاسها عبر إتباع "سياسة تقشفية" أو بالعكس تبادر لإلندفاع لمنع المنافسين من الحلول مكانها؟ وما هي التداعيات التي يمكن

أن يتركها كال الخيارين؟

هذه هي األسئلة التي ستدور حولها المحاور الرئيسية لهذه الدراسة, وفي- قاعدته الفهم“ سبيل الولوج الى اإلجابات ستعتمد الدراسة منهجا

Understanding“ . وليس التحليل ”Explainingضمن هذا المنهج سيتم ” التركيز على فهم الالعب المعني من الداخل – أي الواليات المتحدة بهذه

الحالة –من خالل دراسة قيمه ومصالحه وتركيبته الداخلية وتطوره التاريخي وبنيته الذاتية, وليست بالتالي معنية بإيجاد عالقة األسباب )المتغيرات

المستقلة( والمسببات )المتغيرات التابعة(. يرتكز البحث على شق نظري حول أبرز النظريات المتعلقة بالموقف من قضية "الهيمنة", وشق سياسي-

عملي مستند الى دراسات وابحاث متخصصين أميركيين, شهادات في الكونغرس , تصريحات ألهم صانعي القرار في اإلدارة األميركية وجملة تقارير

أميركية رسمية.

أوًال3: الهيمنة األميركية بين اإلستدامة واألفول

تستند نظرية "الواقعية الجديدة" على أهمية طبيعة البنية الدولية )آحادية – ثنائية – تعددية( في تحديد سلوك الدول, التي يحكمها التنافس )ال التعاون( ضمن الساحة الدولية التي تمتاز بكونها فوضاوية وتفتقد لهرمية سلطوية ومرجعية سيادية واحدة. وعليه تعيش

الدول في ظل هاجس دائم لزيادة قوتها وحفظ أمنها, وهو ما تضمنه حالة " اليهمنة"

145

Page 3: السياسة الخارجية الأميركية: ضرورة الإنكفاء؟

العدد – للدراسات حمورابي األول - – 4مجلة كانون األولى 2012السنة

سواء اإلقليمية او الدولية. ولذا تبقى الدول الكبرى رهينة المنافسة فيما بينها على إحتاللقمة النظام الدولي الذي يمتاز بالفوضى والوحشية والخضوع للمصالح الخاصة.

وعليه يصف بريجنسكي الهيمنة بأنها " قديمة قدم الجنس البشري" إال أن ما يميز سيادة .2أميركا العالمية الراهنة هو "سرعة ظهورها, ومداها العالمي والطريقة التي تمارس بها" لقد أدت نهاية الحرب البادرة الى تربع الواليات المتحدة على عرش النظام الدولي من دون أن تبدو أي قوة دولية آنذاك على قادرة على تحدي التفوق األميركي في أي مجال

من مجاالت القوة اإلقتصادية, السياسية, العسكرية, الثقافية والتكنولوجية. وقد عبر:- بريجينكسي عن ذلك قائال

"تنبثق ممارسة النفوذ اإلمبريالي األميركي الى حد كبير, عن تنظيم أعلى, ومن القدرة على تجنيد الموارد اإلقتصادية والتقنية الواسعة لألغراض

العسكرية, ومن الجاذبية الحضارية الغامضة والشديدة معا- لطريقة الحياة األميركية, ومن الدينامية المجردة والتنافسية المتأصلة لدى الزعامات

3السياسية واإلجتماعية األميركية".

إال أنه ورغم ما إعتبره كثيرون بداية النظام الدولي الجديد القائم على اآلحادية األميركية بعد سقوط السوفيات, إال أن التاريخ يعيد إثبات نفسه في أن اآلحادية ليست إال مرحلة

- في البنية الدولية سرعان ما يجري إصالحه إنتقالية أو " لحظة" و "وهم" كونها تعكس خلال عبر عملية توازن القوى التي تمارسها القوى األخرى بوجه قوة الهيمنة. لذا يعتقد

الواقعيون الجدد بأن النظام األحادي غير مستدام وعنفي بناء- على فكرة توازن القوى إذ تقوم الدول الكبرى بالسعي لتحقيق توازن قوى – داخلي أو خارجي – بوجه القوة الساعية

4للهيمنة.

- وسلمية- نتيجة ومن هذا المنطلق يحاجج هؤالء أن نظام الثنائية القطبية هو األكثر إستقرارا سهولة تحديد وقياس حال توازن القوى بين الطرفين, فيما ينحو نظام التعددية القطبية

نحو العنف نتيجة صعوبة إجراء قياسات للقوة بين مختلف االطراف مما يزيد حال الشك والقلق والتقييمات الخاطئة تدفع القوى المختلفة نحو مغامرات كارثية. تبدو الوقائع- آخر لفرضيات نظرية الواقعيين الجدد ال سيما - عمليا الحالية للتراجع األميركي إثباتا- حتى - وليس صلبا - ناعما لمفهومهم حول "توازن القوى", وإن كان يمتاز بكونه توازنا

5اللحظة.

في المقابل هناك من نظ�ر لفكرة إستدامة الهيمنة األحادية األميركية من منطلقات مختلفة: مقاربة "األحادية المستقرة" التي ترجع هذه اإلستدامة الى التوزيع األحادي

للقدرات لصالح الواليات المتحدة بشكل ال يمكن قهره وتجاوزه, كما أن الدول األخرى

2 , , , , والتوزيع- للنشر األهلية الشرقي أمل ترجمة الكبرى الشطرنج رقعة بريجنسكي . 1999زبغنيو 15ص , 3 . , , ص- سابق مصدر بريجنسكي 23زبغنيو

4 : - مثال ,Kenneth N. Waltz, “The Emerging Structure of International Politics,” International Security-أنظر

Vol. 18, No. 2 (Fall 1993), pp. 44–79

5 , - مثال ت. بول, التوازن الناعم في عصر التفوق األميركي, مجلة األمن القومي, عددراجع أو روبرت بايب, التوازن الناعم بوجه الواليات المتحدة, مجلة األمن القومي,2005صيف

.2005عدد صيف

146

Page 4: السياسة الخارجية الأميركية: ضرورة الإنكفاء؟

العدد – للدراسات حمورابي األول - – 4مجلة كانون األولى 2012السنة

تمتنع عن مواجهة الواليات المتحدة نتيجه ما تكسبه من فوائد أمنية وإقتصادية بفضل الهيمنة األميركية. فالواليات المتحدة حافظت على تفوق شامل وعميق في مختلف

- منها عن محاولة موازنة محددات القوة مع سائر القوى الكبرى بالشكل الذي ردع أيا الهيمنة األميركية بل أن أكثر هذه القوى فضلت اللحاق بالركب األميركي والحصول على

بعض العوائد.

وعليه يحاجج وليم وولفورث أن النظام األحادي – وبعكس فرضية الواقعيين- ال يسمح- ان بقيام تحالفات لموازنة القوة المهينة وانه متى قامت هكذا أحالف فإنه يعني تلقائيا

-. يضيف وولفوث نقطتين هامتين لتدعيم نظريته حول النظام األحادي لم يعد موجودا ديمومة اآلحادية األميركية, األولى جغرافية إذ تستفيد الواليات المتحدة كونها "قوة بحرية"

تقع خلف المحيطات مما يسهل عليها حسم سيطرتها اإلقليمية بما ال يستنزفها في-, إن مواجهة صراعات التوازنات اإلقليمية, وذلك بعكس الصين واإلتحاد األوروبي. ثانيا األحادية األميركية ال تكون فقط من خالل أحالف تقليدية للقوى اإلقليمية بل ال بد من ظهور آحاديات إقليمية قادرة على تحويل امكاناتها اإلقتصادية المتراكمة الى القدرات

الضرورية للحصول على صفة " قطب" أي, صناعة عسكرية وقدرات إنزال وتوسع لقواتها وهي شروط لم تتوفر بعد ألي قوى إقليمية نتيجة عوامل ذاتية ونتيجة6العسكرية.

السياسة األميركية التي ترعى قيام توازنات قوة إقليمية لمنع صعود أحاديات إقليميةكما تفعل بوجه, الصين, روسيا, وإيران.

في حين يرى آخرون أن الواليات المتحدة تمكنت من حفظ هيمنتها اآلحادية من خالل منع ظهور توازن معاكس لهيمنتها عبر إتباع سياسة مساكنة وإستيعاب تمكنت خاللها من تهدئة

مخاوف القوى األساسية في النظام الدولي. أما بعض الليبراليين فيعتبروا أن نجاح الواليات المتحدة تحقق كونها قوة "هيمنة خيرة" اي أنها ال تهيمن فقط لمصالحها الضيقة

بل لتحقيق مصالح النظام الدولي ككل. ويكمل آخرون بالحديث عن أن إستدامة هذه الهيمنة مقرونة بمدى تبني أميركا سياسة متعددة األطراف من خالل المؤسسات الدولية ,

7باإلضافة الى أثر القوة الناعمة األميركية التي تجذب الالعبين الدوليين الى مدارها.

ثانيا3: اآلحادية المتطرفة: النفق نحو األفول األميركي

- لقوة إن قوة ونفوذ ودور أي العب سياسي في الساحة الخارجية ليست إال إنعكاسا

عناصره الداخلية المتمثلة في اإلستقرار السياسي, اإلزدهار اإلقتصادي, الفاعلية

العسكرية, كفاءته اإلجتماعية والخدمية والعلمية, وجاذبيته الثقافية والحضارية. لقد تمتعت

الواليات المتحدة في مجمل هذه العناصر بالتفوق على سائر القوى الدولية الكبرى ال

سيما بعد إنتهاء الحرب البادرة.إال أن األميركيين ال زالوا منقسمين طوال هذه الفترة حول

مدى إستدامة آحادية قوتهم الدولية, ولذلك أرست اإلدارات المتعاقبة إستراتيجياتها على

جوهر أساسي قوامه حفظ وتحصين هذه اإلستدامة.

6 - William Wohlforth, The Stability of a Unipolar World, International Security, Vol.24, No.1, Summer 1999, pp. 26-297- Christopher Layne, The Waning of U.S. Hegemony—Myth or Reality, International Security, Vol. 34, No. 1,Summer 2009, pp.150-151

147

Page 5: السياسة الخارجية الأميركية: ضرورة الإنكفاء؟

العدد – للدراسات حمورابي األول - – 4مجلة كانون األولى 2012السنة

الذي أقرته إدارة1999-1994على سبيل المثال ما ورد في " دليل التخطيط الدفاعي"

بوش األب: "يجب الحفاظ على اآلليات لردع المنافسين المحتملين حتى من الطموح لدور

بأن الهدف2009إقليمي أو عالمي", وهو ما عادت هيالري كلينتون التأكيد عليه عام

األساسي إلدارة أوباما في السياسة الخارجية سيكون " تقوية موقع أميركا في قيادة

حين ذكرت عن ضرورة "2009العالم". وفي ذات السياق عبرت إستراتيجية إدارة أوباما

- للقيادة أكثر من تجديد قيادة أميركا للعالم" بحيث ال تكون هناك دولة أخرى أكثر إستعدادا

الواليات المتحدة في مرحلة العولمة, إال أن هذه السياسات هي بالتحديد ما حذر من

هنري كيسينجر بقوله:

" هل ستعر�ف الواليات المتحدة أمنها بداللة منع ظهور أي قوة رئيسية

محتملة؟ هذا سيجعلها شرطي العالم وفي النهاية ستنقلب معظم الدول

األخرى ضدها, وسيكون ذلك إستنفادا- للموارد األميركية والتوزان النفسي إذا

أصبحت التدخالت والحمالت الدائمة تعر�ف خصائص السياسة الخارجية

.8األميركية"

- مع الصعود - تزامنا - نسبيا - إقتصاديا منذ التسعينات بدأت الواليات المتحدة تشهد تراجعا

أيلول برزت محدودية القوة11الصيني واآلسيوي بشكل عام, ومنذ حروب ما بعد

العسكرية األميركية ألسباب ذاتية وخارجية باإلضافة الى الصعود العسكري للقوى

اإلقليمية ) الصين – إيران – تركيا – روسيا- الهند (. بالتزامن شهدت السنوات العشر

األخيرة حدة متناهية في اإلنقسام السياسي واإلستقطاب الحزبي ) فوز بوش بواليته

- مع بروز حركات اليمين المتطرف. الثانية بفارق مئات األصوات وبشكل ملتبس( مترافقا

إال أن التراجع األميركي األبرز كان في كفاءة النظام األميركي اإلجتماعية والخدمية ال

سيما متى قورن مع التقدم الذي تحرزه قوى كبرى أخرى. أما االخطر هو التردي في

صورة الواليات المتحدة في العالم إذ تعتقد نسب متزايدة في العالم ال سيما منذ حكم

بوش بأن الواليات المتحدة هي خطر على إستقرار النظام الدولي ناهيك عن صورتها

كمنتهك لحقوق اإلنسان ومحتل مرتكب لجرائم بحق اإلنسانية ) وموقفها من المحكمة

- للبيئة والموارد الطبيعية )موقفها من الجنائية الدولية( وناهب لألسواق والثروات ومدمرا

معاهدة كيوتو(.

8 - , , ترجمة والعشرين الحادي للقرن دبلوماسية نحو خارجية؟ سياسة الى أميركا تحتاج هل كيسينجر هنري , , العربي الكتاب دار األيوبي 147ص. , 2002عمر

148

Page 6: السياسة الخارجية الأميركية: ضرورة الإنكفاء؟

العدد – للدراسات حمورابي األول - – 4مجلة كانون األولى 2012السنة

إال أن غزو العراق كان النقطة التحول األميركية من جهة قدرتها على اإلستمرار كقوة

هيمنة عالمية, إذ أنه أدى الى عملية إستنزاف غير مسبوقة للموارد األميركية – كما سائر

- سياسات بوش, إال أن العراق كان "القشة التي قسمت ظهر البعير"- وهو ما أطلق سيال

من الدراسات والتوقعات التي تؤكد على تجاوز الواليات المتحدة ذروة هيمنتها وأنها بدأت

-. كانت الحرب في العراق من فئة " الحرب الطويلة" على اإلرهاب, - معاكسا تسلك مسارا

ومن مميزاتها أنها ال تنتهي بهزيمة الخصم بل تحتاج الى "جهود حكومية شاملة" من

مختلف أجهزة ووكاالت الدولة األميركية لبناء وتشكيل الوعي والواقع في البيئة

- يتساءل دافعوا الضرائب األميركية العاطلون المستهدفة. وفي ظل األزمة الواقعة حاليا

عن العمل – أو المهددون بالبطالة- والمرهقون بالقروض والفوائد, بشكل متزايد عن

جدوى بناء طريق أو مدرسة أو البنية التحتية في أقاصي أفغانستان والعراق , بينما تريد

الحكومة تخفيض الدعم عن البرامج الوطنية المختصة بالتعليم والضمان والمستشفيات.

في هذا السياق يتحدث مايكل مانديلبوم في مقالته في الفورين أفيرز عن ضرورة

التخلص من التدخالت العسكرية وسياسة " بناء الدولة" التي سادت منذ التسعينات كما

-, أن هذه في كوسوفو, أفغانستان, هاييتي والعراق, ويذكر ثالثة أسباب تدعم حجته: أوال

السياسة غير مقبولة من األميركيين, المستعدون لإلنفاق على أمنهم ولكن ليس على حكم

-, أنها فشلت -, هي النجاحات المحدودة التي تم تحقيقها في هذا المجال. ثالثا اآلخرين. ثانيا

في زيادة األمن األميركي, كما يحصل في أفغانستان إذ ال توجد أي مؤشرات بحصول

تقدم أمني بعد اإلنسحاب األميركي منها. لهذه األسباب يدعو الكاتب الى أن تكون هذه

السياسة أولى المجاالت التي يجب تقليص ميزانيتها لجعل السياسة الخارجية اكثر فعالية

لقد سرعت سياسات الغطرسة األميركية من توقعات نهاية أحاديتهم, إذ تنبأ9وأقل كلفة.

– أي ما قبل األزمة المالية2008تقرير صادر عن مجلس اإلستخبارات القومي األميركي عام

, بأن نظام االحادية القطبية2025العالمية- بعنوان " عالم متغير: إتجاهات عالمية

سيندثر خالل عقدين لصالح نظام دولي تعددي .

إن وهن وتراجع الدول – وال سيما الكبرى منها – ينتج عندما يغيب التجانس بين وسائلها

� بالمقارنة مع محدودية مواردها المتاحة مما يدفع وأهدافها, أي تصبح أهدافها طموحة جدا

بها نحو اإلفالس , كما في الشركات. هذا الحال هو ما أطلق عليه بول كينيدي " فرط

التوسع اإلمبريالي" في دراسته الشهيرة عن صعود وهبوط القوى العظمى, فالتوسع

9 - Michael Mandelbaum, America's Coming Retrenchment, Foreign Affairs.com, 9 August 2011.

Available at: http://www.foreignaffairs.com/articles/68024/michael-mandelbaum/americas-coming-

retrenchment

149

Page 7: السياسة الخارجية الأميركية: ضرورة الإنكفاء؟

العدد – للدراسات حمورابي األول - – 4مجلة كانون األولى 2012السنة

- أمام أصغر اإلخفاقات واألزمات, - ومهددا المفرط يجعل من الالعب السياسي مكشوفا

فالقوة المفرطة تصبح مرادفة للضعف. والملفت أن إدارة أوباما كانت تدرك – كما

كثيريين في أميركا وخارجها- أن بوش اإلبن قد دفع أميركا الى قلب هذا الفخ, ولذلك

على التأكيد أن الواليات المتحدة ال تسعى لبناء2009شددت اإلستراتيجة األميركية

إمبراطورية وأنها ال بد أن تراجع سياستها الخارجية لتجنب الوقوع في مكيدة فرطة

- عن األدوار الخارجية – -, يمكن تجنب هذا المسار عبر التراجع نسبيا التوسع اإلمبريالي. إذا

من خالل تخفيض اإلنفاق العسكري, اإلمتناع عن خوض صراعات مكلفة, نقل بعض األعباء

والمسؤوليات الى آخرين- وإعادة إستجماع عناصر قوتها الداخلية بهدف إستجماع أنفاسها

بل وعكس مسار الهبوط, أي بإعتماد سياسة تقشفية ال سيما في مجال الدفاع السياسة

الخارجية.

ثالثا3: سياسة التقشف: التوازن بين اإلمكانات والطموحات

ينطبق الواقع الحالي للواليات المتحدة في الخلل بين قدراتها وإلتزاماتها على مقولة-: "مع إنخفاض معدل النمو اإلقتصادي والمعدل1987لروبرت غيلبين حين حذر عام قائال

المنخفص لإلدخار القومي, كانت الواليات المتحدة تعيش وتلتزم بإلتزامات تفوق إمكاناتها.- ما أن وفي سبيل إعادة التوازن بين إلتزامات الواليات المتحدة وقوتها سيكون عليها يوما

تقلص إلتزاماتها في ما وراء البحار, تخفض مستوى المعيشة أو تخفض اإلستثمارات 10المحلية المنتجة. في الوقت الحالي, الهيمنة األميركية مهددة بإحتمال أزمة مالية مدمرة."

هذا اإلختالل والقصور اإلقتصادي ال بد من تدراكه عبر إعادة التوازن بين اإلمكانات األميركية من جهة وإلتزاماتها وطموحاتها الدولية من جهة أخرى, وهذا يتحصل عبر العودة

الى تمتين المقدرات الوطنية وإعادة هيكلة وفرز اإللتزامات الخارجية بحسب األولوية. وعليه يعرف ماكدونالد وبارينت التقشف في السياسة الخارجية بأنه " سياسة التراجع عن اإللتزامات اإلستراتيجية الكبرى كإستجابة لضمور القوة النسبية". أي توجيه وحصر الموارد المخصصة للسياسة الخارجية نحو اإللتزامات الجوهرية على حساب اإللتزامات الهامشية.

- بقوله " إن الواليات المتحدة ستستنفد مواردها المادية وهذا ما عبر عنه كيسينجر سابقا والمعنوية إذا لم تتعلم كيف تميز بين ما يجب عليها القيام به وما الذي ترغب بالقيام به

. 11وما هو خارج قدراتها"

هذا التراجع قد يشمل اإلنسحاب من إلتزامات محددة, أو مناطق معينة أو إشراك الحلفاء والشركاء في تحمل أعباء إضافية بدل لعب دور " الراكب المجاني" . تميل القوى الكبرى التي تتمتع بفائض من القوة والمقدرات والثروة الى تجاهل التمييز بين المصالح القومية

10 - Robert Gilpin, The Political Economy of International Relations (Princeton, N.J.: Princeton University

Press, 1987), pp. 347–34811 . , , ص- سابق مصدر كيسينجر 289هنري

150

Page 8: السياسة الخارجية الأميركية: ضرورة الإنكفاء؟

العدد – للدراسات حمورابي األول - – 4مجلة كانون األولى 2012السنة

الجوهرية وتلك الهامشية, وعليه تفرط في التدخل في أي قضية مهما كانت ضآلت إرتباطها بهذه المصالح. بينما عندما تعاني هذه القوة من ندرة ومحدودية القوة بكافة

إشكالها تبدأ – أو يفترض ان تبدأ- بالعمل على التمييز بين هذه المصالح وتحديد األولى فاألولى وثم حصر تدخلها ومواردها نحو المصالح القومية الحيوية دون تلك الهامشية أو

الطرفية. وكلما تراجعت قدرات الدولة ضاق إطار "المصالح الحيوية" لحساب توسع إطار"المصالح الهامشية والطرفية".

إال أنه في حال رفضت أو جهلت الواليات المتحدة هذا المسار فإنها تتجه نحو داء اإلمبراطوريات القاتل أي " فرط التوسع اإلمبريالي". هذا التوسع " المرضي" تبرزه

2001% بين 70الزيادات الضخمة في الميزانيات الدفاعية األميركية التي إرتفعت بنسبة -, فيما إرتفعت النفقات العسكرية700 لتصل الى قرابة 2009– مليار دوالر سنويا

.- إن اإلنفاق العسكري12األميركية بالمقارنة مع اإلنفاق العالمي من الثلث الى النصف تقريبا ألميركا اليوم يتجاوز معدل إنفاقها العسكري خالل الحرب الباردة بكل تحدياتها وحروبها

- " القوى الكبرى ال تنظف النوافذ" إال انه في25بنسبة %. لقد قال جون هيلين مرة ساخرا الواقع الحالي بما يشهده من تدخالت أميركية مفرطة في كل أقاصي األرض بمهمات ال

تمت بصلة الى األمن القومي األميركي, فقد تحولت أميركا الى "المنظف العالمي للنوافذ"كما يقول تيد كاربينتر.

الى ضرورة عكس السياسات التي13لذلك حذر فريد زكريا في كتابه " عالم ما بعد أميركا" إتبعها بوش اإلبن بإتجاه اإلعتماد على العمل المتعدد األطراف, الدبلوماسية واإلقناع. ويعتقد�ن أميركا من الحفاظ على موقعها العالمي كونه " ال زكريا أن القيام ببعض اإلصالحات سيمك

- لسبب أكثر زال هناك سوق قوي للقوة األميركية ألسباب جيوبوليتيكية وإقتصادية, وأيضا محورية وهو إستمرار وجود طلب إيديولوجي قوي عليها". وعليه يحاجج زكريا ان بقاء

الواليات المتحدة في موقع القيادة العالمية في ظل التحوالت القائمة إنما يتحقق باإلستنادالى القوة الناعمة وليس الصلبة.

مذهبه الجديد للسياسة الخارجية2011وفي السياق عينه , أطلق ريتشارد هاس في آب األميركية والذي يهدف الى " إعادة التوازن للموارد المخصصة لمواجهة التحديات الداخلية

. إن القيام بذلك سيمكن14في مقابل التهديدات الخارجية وذلك لصالح التهديدات الداخلية" أميركا باإلضافة الى مواجهة التهديدات الداخلية الحرجة, من إعادة بناء أسس قوة هذا البلد

ليكون في موقع أفضل لمواجهة المتحديين اإلستراتيجيين.إن مذهب "الترميم" كما يسميه الكاتب, يهدف لترميم وإحياء "قوة هذا البلد وتجديد موارده اإلقتصادية واإلنسانية

- عن اإلنعزالية, إذ أن والمادية". ثم يستدرك الكاتب مباشرة أن هذا المذهب مختلف تماما الواليات المتحدة "ستستمر في مارسة سياسة خارجية فاعلة: لخلق ترتيبات دولية

إلدارة التحديات التي تنتجها العولمة, لتنشيط التحالفات والشراكات, للتعامل مع التهديدات المرتبطة بعدوانية كوريا الشمالية, والتسلح النووي اإليراني, وفشل الدولة الباكستانية". إال أنه في ظل مذهب " الترميم" ستتقلص التدخالت العسكرية إال في حالة الضرورة – عندما

12 - the Washington-based Center for Arms Control and Non-Proliferation (Laicie Olson, “U.S. vs. Global Defense Spending,” 21 May 2010.13 - Fareed Zakaria, The Post-American World (New York: W.W. Norton, 2008.14 - Richard N. Haass, Bringing Our Foreign Policy Home, Time Magazine, August 8, 2011. Available at: http://www.cfr.org/us-strategy-and-politics/bringing-our-foreign-policy-home/p25514

151

Page 9: السياسة الخارجية الأميركية: ضرورة الإنكفاء؟

العدد – للدراسات حمورابي األول - – 4مجلة كانون األولى 2012السنة

تكون مصالحنا الحيوية مهددة وليس هناك من بدائل غير عسكرية- وذلك كحرب العرقاألولى, وحرب أفغانستان, بعكس حرب العراق الثانية وفيتنام , والتدخل في ليبيا.

إال أن هذه الطروحات سرعان ما تواجه بتهمة "اإلنعزالية" الى درجة ينعت فيها تيد كاربيتر- "إن15سياسة واشنطن الخارجية بأنها "مسكونة بالوساوس المرضية" , ثم يكمل قائال

- على الطروحات المتواضعة بشأن تشذيب اإللتزامات اإلتهامات الهيستيرية باإلنعزالية ردا�ظهر المشهد المضطرب والذي يبدو أن األميركية المفرطة في الشؤون األمنية الدولية, ت النخبة السياسية غير قادرة على تعديله". ويعتقد كاربيتر – كمن سبقه- أن تفحص خاطف�قدم أدلة قوية عن دولة لألفعال األميركية على الساحة الدولية منذ سقوط جدار برلين , ي

غير قادرة أو على األقل غير راغبة, بالقيام بتمييز بديهي بين المصالح الحيوية, المصالح الثانوية, المصالح الهامشية, والشؤون التي ال صلة لها. لذا يجب على القادة األميركيين الحد من التدخالت العسكرية في المسائل التي يمكن فيها ضرب إستقرار النظام الدولي وتعجز

قدرات الدول الكبرى األخرى عن التعامل معها. أننا – يقول الكاتب- نفقد قوتنا بسرعة , هناكحاجة لنقاش جدي حول مناسبة وسائلنا مع أهدافنا في الداخل والخارج.

رابعا3: متاهة السياسة الداخلية

تعتبر المصادر الداخلية سواء الحكومية أو المجتمعية من المصادر الرئيسية للسياسة الخارجية األميركية, إذ أن التنافس بين الحزبين, دور المجمع الصناعي- العسكري, ودور

اللوبيات كلها تؤثر في صياغة السياسة الخارجية بشكل يضعف الحسابات العقالنية واإلستراتيجية ويؤدي الى دفع أميركا الى ساحات جلية المخاطر والتكاليف. وفي ذات السياق تؤثر هذه العوامل اليوم على محاولة تبني سياسة تقشفية وإعادة صياغة رؤية

ومذهب جديد للسياسة الخارجية األميركية, لذلك يتفق كثيرون أن أميركا – الدولة العظمى المهيمنة – إنما تضيع سياستها الخارجية التي تسود العالم في متاهات وأنفاق

السياسة الداخلية.

يحاجج ستيفن والت " ان الواليات المتحدة سمحت لسياستها الخارجية أن تتعرض لإلنحراف بسبب, التراشق بين الحزبين, خطفها من قبل اللوبيات والمصالح الداخلية

الضيقة, والخطاب غير الواقعي, وجرى أخذها رهينة ألعضاء الكونغرس العديمي- ترفض16المسؤولية " . إذ رغم أن التقشف امر مفضل إال أنه يبدو أن القوى الكبرى تاريخيا

فرغم أن الدول17ذلك ألسباب محدودة األفق مرتبطة بالثقافة الوطنية أو السياسات المحلية. الكبرى تصل لنتيجة عقالنية أثناء إنحدارها بانها ملزمة بالتراجع وإستجماع مواردها إال

أن ذلك يصطدم بالصراعات الداخلية, المصالح اإلنتخابية, مصالح الشركات الكبرى, وجماعات

1515- Ted Galen Carpenter, Washington's Foreign-Policy Hypochondria, National Interest, July 25, 2011.

Available at: http://nationalinterest.org/commentary/washingtons-foreign-policy-hypochondria-5652?

page=1

16 - Stephen M. Walt, “In the National Interest: A New Grand Strategy for American Foreign Poli cy,”

Boston Review, Vol. 30, No. 1 (February/March 2005), http://www.bostonreview.net/BR30.1/ walt.php.

17 - Paul K. MacDonald and Joseph M. Parent, Graceful Decline? The Surprising Success of Great Power

Retrenchment, International Security, Vol. 35, No. 4 (Spring 2011), p.8

152

Page 10: السياسة الخارجية الأميركية: ضرورة الإنكفاء؟

العدد – للدراسات حمورابي األول - – 4مجلة كانون األولى 2012السنة

الضغط المختلفة التي تتدخل في عملية صنع القرار لمنع هذا التراجع الذي يضر بمصالحها, وهي عقبات أصابت بريطانيا في نهاية القرن التاسع عشر وساهمت في نهايتها

كقوة عالمية. وقد لفت كيسينجر الى أن السياسات المحلية واإلعالم تؤدي الى دفع السياسة الخارجية في إتجاه معاكس ال سيما بسبب ما يحصل بين الحزبين من مقايضة

18للسياسات الداخلية بتلك الخارجية منها.

إال أن آخرون يقللون من شأن هذه القيود الداخلية بإعتبار أن هذه النخب اإلقتصادية والسياسية ال تبني قراراتها في فراغ وبالتالي تأخذ الظروف الدولية بعين اإلعتبار, كما-, ثم أن جزء منهم يستفيد من توجيه موارد أنهم ليسوا كتلة واحدة بل متنافسون أحيانا

أكثر نحو اإلنفاق الداخلي على حساب نفقات السياسة الخارجية والدفاع, باإلضافة الى أنتأثيرهم على عملية صنع القرار تبقى مبهمة وتحتاج لتدقيق.

هذا اإلنقسام الواقع على ضفتي الديموقراطيين والجمهورين حول تخفيض اإلنفاق " تبدو وكأنها تعيد فتح جراح االنقسامات القديمة حول نظرة أميركا لنفسها والعالم. والنتائج أبعد

�ع�د بمثابة داء أميركي خالد، تبدو وكأنها ما تكون عن اليقين، ولكن حتى االنعزالية، التي ت هذه اإلنعزالية التي يتقاسمها اليمين واليسار وإن من منطلقات19عادت من جديد."

مختلفة, فاليمينيون األميركيون يخافون أن يتلوث نقاء وطاهرة تجربتهم وجموريتهم جراء اإلحتكاك والتوغل في العالم الفاسد والشرير , فالواليات المتحدة أفضل وأرقى من أن

تتورط في هكذا ساحة, في حين يخاف اليساريون على العالم من البطش التدميري للقوة األميركية. "ولكن في هذه المرة، وربما على نحو غير مسبوق على اإلطالق، تحرك

االنعزاليين من الحزبين دوافع مرتبطة بالميزانية" كما يعبر هيل.

خامسا3: التقشف في الميزانية العسكرية بين المؤيديينوالرافضين

- حول أزمة الدين بحسب اإلتفاق المبدئي الذي جرى بين الحزبين في الكونغرس مؤخرا مليار دوالر350األميركي, فإن الواليات المتحدة ستقلص ميزانيتها العسكرية بمجموع

موزعة على عشر سنوات, إال أنه في حال فشلت اللجنة العليا التي نص عليها إتفاق- الحزبين على المرحلة الثانية من التخفيضات , فإن الميزانية العسكرية ستتقلص تلقائيا

- بمبلغ مليار دوالر, إذأ في المجمل سيقتطع من الميزانية العسكرية األميركية600مجددا وعليه. تريليون دوالر1.3 مليار دوالر الى 350في السنوات العشر المقبلة مبلغ ما بين

ستعاني منه وهو ما ليس هناك من حسم نهائي لحجم التخفيض أو البرامج العسكرية التي ال يزال مدار جدل حاد في الواليات المتحدة والذي يرجح ان يشكل مادة دسمة في معركة

اإلنتخابات الرئاسية المقبلة, يسوق الطرفين جملة حجج سنعرضها فيما يلي:

يستند مؤيدو تقليص ميزانية الدفاع الى الحجج التالية:-- في السياسية األميركية وهو قد حصل-1 - جديدا الى أن هذه التخفيضات ليست أمرا

- بعد حرب فييتنام وفي عهد ريغان وكلينتون. سابقا

18 . , , ص - سابق مصدر كيسينجر 22 -15هنري19 , , , كوم- دوت سينديكيت بروجيكت المالية والعزلة أميركا هيل :2011\7\27كريستوفر عبر. متوفر http://www.project-syndicate.org/commentary/hill8/Arabic

153

Page 11: السياسة الخارجية الأميركية: ضرورة الإنكفاء؟

العدد – للدراسات حمورابي األول - – 4مجلة كانون األولى 2012السنة

- إن حجم الفساد والتحايل والهدر في الميزانية العسكرية هو األكبر واألكثر-2 ثانيا- مقارنة بأي مجال آخر الى حد يصف فيه فريد زكريا مؤسسة الدفاع ضررا

20األميركية بأنها " اإلقتصاد اإلشتراكي األكبر في العالم". ثم أن ذلك, سيعيد التوازن بين السياسة الخارجية والدفاع, بحيث ان الواقع الحالي-3

- لبرامج السياسة - لصالح النفقات العسكرية ينعكس تهميشا - عميقا يشهد إختالال الخارجية وهذا ما يشجع اإلدارات األميركية على تفضيل الخيارات العسكرية على

تلك الدبلوماسية. إن ميرانية الشؤون الخارجية والتي تشتمل على المساعدات المالية الخارجية هي أقل بعشر مرات من ميزانية الدفاع , لقد قال إيزنهاور مرة "

- يحمل مطرقة سيرى كل المشاكل على أنها مسامير". إن رجال وفي السياق ذاته يشير دانيل سيروير الى أن التهديدات التي يواجهها األمن-4

القومي األميركي هي في معظمها تهديدات غير تقليدية في الوقت الحالي كتهريب المخدرات, اإلرهاب والتطرف الديني, وافنتشار النووية والقرصنة اإللكترونية

والتي بمعظمها صادرة عن دول ضعيفة أو فاشلة. وعليه فإن هكذا تهديدات يجب مواجهتها عبر الوكاالت المدنية وليس العسكرية التي اظهرت خلال ونقائص في

هكذا مواجهات . وهذا يستدعي أن يتركز التخفيض على الميزانية الدفاعية وليس ميزانية الوكاالت المدنية الفاعلة في الشؤون الخارجية ألن هذه الوكاالت هي

- للحرب , وهي - وقبل إنفالت االوضاع الخارجية وصوال القادرة على التدخل باكرا وكاالت رغم أهميتها ال زال ينقصها العديد والتمويل والخبرة وهو ما يجب تداركه

21حاأل إذا أردات الواليات المتحدة حفظ أمنها القومي.

إن الرافضين للتخفيض يغالون في تقدير أهمية المصداقية – التي يمكن ان تتضرر-5 بنظر الحلفاء والخصوم إذا تراجعت الواليات المتحدة عن بعض إلتزاماتها- إذ أن

األهم أو ال يقل أهمية عن المصداقية هي القدرات الفعلية على القيام باإللتزام ,لذايجب حشد الموارد المحدودة نحو اإللتزامات األساسية.

لن يؤثر هذا التخفيض على مظهر أو قدرات الواليات المتحدة, فاإلنسحاب من-6 إلتزامات معينة ال يعني بالضرورة اإلنسحاب من كل اإللتزامات بل ربما العكس تماما إذ يمكن أن يؤدي اإلنسحاب من مجال أو منطقة محددة الى توفير موراد

لتركيزها في إلتزامات أفضل. على مثال, تراجع تورمان في الحرب الكورية لتوجيه22موارد إضافية لتعزيز الردع ضمن القارة األوروبية.

20 - Fareed Zakaria, Why defense spending should be cut, Washington Post, 4 August 2011. Available at:

http://www.washingtonpost.com/opinions/why-defense-spending-should-be-cut/2011/08/03/

gIQAsRuqsI_story.html

21 - Daniel Serwer, Spending Cuts that Threaten Our Influence Abroad, The Middle East Institute, August

2011. Available at:

http://mei.edu/Publications/WebPublications/MEICommentaries/CommentariesArchive/tabid/624/ctl/

Detail/mid/1531/xmid/2055/xmfid/13/Default.aspx

154

Page 12: السياسة الخارجية الأميركية: ضرورة الإنكفاء؟

العدد – للدراسات حمورابي األول - – 4مجلة كانون األولى 2012السنة

يحذر هؤالء من خطر خيار " الحرب الوقائية" التي تحتاج الى موارد وحلفاء-7 متماسكون وكالهما غير متوفر, كما ان الهزيمة في هكذا حرب ستعني فقدان أي- في المدى المنظور, وحتى في حال إحتمال لعودة القوة الضامرة للصعود مجددا النصر فإن هذه القوة ستكون أصبحت مستنزفة وبالتالي مكشوفة لتهديدات أقل- من الموت". 23جدية. ولذلك شبه ريتشارد بيتس هذه المحاولة ب " اإلنتحار خوفا

إن إقرار هذه التخفيضات في السياسة الخارجية لعدة سنوات سيمكن الواليات-8 المتحدة من إستجماع األسس اإلقتصادية لقوتها, وسيعيد الواليات المتحدة الى

�حتذى, كما يعتقد ريتشارد هاس في حديثه موقع القيادة من خالل ظهورها كنموذج يعن مذهب "الترميم".

إتجاه آخر وإن كان يقر بحصول تراجع في القوة األميركية إال أنه يحاجج أن هذا-9 التراجع لن يصل الى مستوى يؤدي الى خسارة الواليات المتحدة لقب القوة

,- العالمية األقوى, إذ أن سائر المنافسين المحتملين ليسوا في أفضل أحوالهم أيضا فالصينيون مرهقون بالداخل واألوروبين بأزمة الديون, والروس واليابانيون ليسوا

24قادرين حتى على مواجهة أزمتهم الديموغرافية حتى.

- في المقابل يسوق الرافضون لتخفيض النفقات العسكرية جملة حجج:

- في لحظات ضمور وتراجع على1 - إن ذلك سيكرس أن الواليات المتحدة تعيش فعال- على الساحة الدولية. يقول كاغان " إن اإلعالن عن هكذا تخفيضات سيعتبره العالم دليال

إن هذا اإلحساس يدفع بعض الساسة األميركيين الى التمسك25بداية التراجع األميركي". باإللتزامات الدولة فيما وراء البحار رغم كلفتها العالية وعوائدها المحدودة وهذا بدوره

يعمق المأزق ويهدد بسقوط مدو. - إن ذلك سيتعبر إشارة وهن وضعف مما من شأنه أن يؤدي الى فقدان المصداقية2

والثقة مع الحلفاء الذين سيسارعون الى البحث عن تحالفات أخرى تخدم مصالحهم , فيما�ظهر الخصوم عدوانية أكثر وشهية مفتوحة لمحاولة قضم نفوذ القوة بالمقابل سي

المتراجعة. لهذه األسباب يدعو غيلبين الى خيار "الحرب الوقائية" لمواجهة معضلة- من إعتماد خيار تقليص النفقات. 26الضمور بدال

22 - - مثال Roy K. Flint, “The Truman-MacArthur Conflict,” in Richard H. Kohn, ed., The United States :أنظر

Military under the Constitution of the United States, 1789–1989 (New York: New York University Press,

1991), pp. 246–251.23 - See Richard K. Betts, “Suicide from Fear of Death?” Foreign Affairs, Vol. 82, No. 1 (January/ February

2003), pp. 34–43

24 - Daniel W. Drezner, Has the USA lost its AAA superpower rating? , Foreign Policy.com, 3 August

2011, Available at:

http://drezner.foreignpolicy.com/posts/2011/08/03/has_the_usa_lost_its_aaa_superpower_rating

25 - Robert Kagan, “No Time to Cut Defense,” Washington Post, February 3, 2009.

155

Page 13: السياسة الخارجية الأميركية: ضرورة الإنكفاء؟

العدد – للدراسات حمورابي األول - – 4مجلة كانون األولى 2012السنة

- كونها تستجلب مخاطر أكبر بكثير مما تتيحه من فرص , إذ انها تقلل من فرص كسب3 أي مواجهة عسكرية كما أنه ال يمكن ضمان النوايا الحسنة للقوى المنافسة, لذلك يكون

التخفيض آخر الخيارات وينجح في لحظات نادرة عندما يكون إستعمال القوة في الساحة يحذر جون بولتون من إقتطاعات كبيرة من ميزانية الدفاع لذلك 27الدولية غير مرجح.

28ويعتبر ان ذلك سيكون بمثاثة " خنجر في قلب االمن القومي األميركي".

- إن التراجع في موازنة الدفاع والسياسة الخارجية يعني قدرة تأثير أقل في البئية4 الخارجية سواء في إستعمال القوة أو التهديد بإستعمالها , كما يعني فاعلية اقل للقوة

الناعمة التي تحتاج لموارد مالية معتبرة , وهو واقع يختصره كريستوفر هيل بالقول عندها يصل مسؤول أميركي كبير إلى بلد ما، فيعرض المشورة، فال يجد من يكلف نفسه عناء"س

اإلصغاء إليه".

- يحاجج آخرون من باب حفظ اإلستقرار الدولي واإلقليمي, إذ يحذرون من أن تراجع5 الواليات المتحدة على المستوى العالمي سيخلق فراغات سياسية وأمنية هائلة ستؤدي الى خلق صراعات بين القوى الساعية الى إشغال هذا الفراغ. على سبيل المثال يؤكد

- - اكثر عنفا - بدون سيادة الواليات المتحدة سيكون عالما صموئيل هنتنغتون ان " عالما وفوضى وأقل ديموقراطية وأدنى في النمو اإلقتصادي من عالم بدون هذه السيادة. إن

السيادة الدولية المستدامة للواليات المتحدة ضرورية لرفاهية وأمن األميركيين ولمستقبل29الحرية, والديموقراطية واإلقتصاد المنفتح والنظام الدولي في العالم".

- على ريتشارد هاس بأنه " ال يمكن-6 يحاجج مايكل سينغ في الفورين بوليسي ردا للشعب األمريكي أن يهمل أو يؤجل القضايا الدولية لصالح األمور الداخلية. فرفاهيته ال

- على تلك التي تتوقف فقط على الظروف السياسية واالقتصادية في الداخل، ولكن أيضا في الخارج" . والقول عكس ذلك هو ببساطة ال يتناسب مع واقع اليوم, فقد تمت عولمة االزدهار االقتصادي للشعب األمريكي، حيث أن التجارة ورأس المال واليد العاملة تتحرك على نحو متزايد عبر الحدود الوطنية. وهو األمر فيما يتعلق بأمن الواليات المتحدة، حيث

لم يعد باستطاعة المحيطات توفير مناطق عازلة من التهديدات الخارجية. وإذا ما وضعت- وركزت نحو األمور الداخلية، فإن ذلك سوف ال يضر أميركا اآلن األعباء الخارجية جانبا

.- 30العالم فحسب، بل الواليات المتحدة أيضا

26 - Robert Gilpin, War and Change in World Politics (New York: Cambridge University Press, 1983),

p.197مثال - 27 ,Dale C. Copeland, The Origins of Major War (Ithaca, N.Y.: Cornell University Press, 2000) :أنظر

p.p 40- 49.28 - John Bolton, Defense and the Debt Ceiling, Decide America, 1 August 2011. Available at:

http://www.aei.org/article/10394029 -Samuel P. Huntington, Why International Primacy Matters, International Security, Spring 1993, p.38.

30 -, , : بوليسي " فورين الخلف من تقود أن المتحدة للواليات يمكن ال لماذا - خيارا ليس الترميم سينغ مايكليوليو/ .2011تموز

156

Page 14: السياسة الخارجية الأميركية: ضرورة الإنكفاء؟

العدد – للدراسات حمورابي األول - – 4مجلة كانون األولى 2012السنة

سادسا3: العبر التاريخية من سلوك القوى اآلفلة

من المفيد بعد إستطالع حجج الفريقين مقارنتها مع الكيفية التي واجهت فيها القوى الكبرى السابقة المعضلة التي تواجهها أميركا اليوم وكيف إنعكس ذلك على موقعها وسلوكها وعالقتها بالقوى الكبرى األخرى. لهذه الغاية سنستند الى بول ماكدونالد

وجوزيف بارينت في دراستهما القيمة حول القوى الكبرى التي واجهت خطر الضمور . لقد توصل الباحثان الى إستنتاجات ملفتة فيما يخص سياسة "1870والتراجع منذ العام

تقليص النفقات":

,- % من القوى الكبرى التي واجهت تحدي الضمور تبنت سياسة تقشفية.83-61- أوال

-, إن طبيعة النظام – ديموقراطي أو إستبدادي- ال تؤثر في تبني سياسة التخفيض - ثانياعند لحظات التراجع الحاد.

- إذ جرى فقط في - , إن تبني القوى الهابطة لخيار الحرب الوقائية بقي نادرا حاالت4- ثالثا . مع اإلشارة الى ما توصلت إليه دراسات أخرى أنه كلما كان ضمور القوى18من أصل

- كلما زاد إحتمال إستعمالها للعنف. الكبرى متسارعا

-, خفضت هذه الدول عديدها العسكري بمعدل سنوات, وقد تفاوتت5 خالل 0.8- رابعاهذه النسبة بحسب مستوى الهبوط ) منخفض – وسط – عالي(.

-, وخالل ال سنوات التي تلت تراجع هذه الدول في ترتيب القوى العالمية زادت5- خامسا % فيما زاد معدل هذا اإلنفاق للدول الكبرى التي ال2.14نسبة إنفاقها العسكري بمعدل . وعليه تظهر هذه الدول )اآلفلة( رغبة أكبر في8.38تعاني من حالة هبوط بنسبة %

إستخدام الوسائل الدبلوماسية والمساومة لحل األزمات والخالفات.

-, إال أنه بمقارنة تكوين التحالفات لكال النوعين من الدول ال تظهر االرقام أي - سادسا فوارق هامة, أي أنه حتى الدول الهابطة تبقى قادرة على صوغ تحالفات جديدة. غير أن الملفت هو أن درجة الهبوط تؤثر على نسبة السعي لتكوين تحالفات, إذ أن القوى التي

- تتجه بشراسة نحو صوغ تحالفات جديدة, أي أنها تسعي لتحقيق توازن تعاني هبوط عاليا قوى مع القوى الصاعدة باإلستناد الى عناصر خارجية, فيما القوى التي تشهد هبوط- تميل أكثر للموازنة من خالل التركيز على تحسين عناصر القوة - أو متوسطا منخفضا

الداخلية.

-, تتورط الدول الكبرى الهابطة مقارنة بغيرها من الدول الكبرى, بشكل أقل في - سابعا- اقل باإلضافة الى ان هذه الحروب تبقى أقل النزاعات المسلحة, كما تطلق حروبا

عدوانية, وهذه النتائج تعاكس ما يقول به "المتشائمون" بأن القوى الهابطة تصبح أكثرعدوانية.

157

Page 15: السياسة الخارجية الأميركية: ضرورة الإنكفاء؟

العدد – للدراسات حمورابي األول - – 4مجلة كانون األولى 2012السنة

- لإلفتراس الخارجي وذلك ربما نتيجة نقائص في -, ال تبدو القوى الهابطة أكثر إنكشافا - ثامنا تقييم القوة الصاعدة لحال القوة الهابطة , أو نتيجة تحسن حال القوة الهابطة بعد تبنيها

31سياسة التقشف.

خاتمة:

إن من شأن التراجع األميركي في الساحة الخارجية أن يترك تداعيات حادة على مستويات عدة, على سلوك وطموحات الدول الكبرى, على إستقرار

وطبيعة عمل المؤسسات الدولية, على اإلستقرار اإلقليمي. وبحال إعتمدنا على حجج نظرية " الهيمنة المستقرة" بأن النظام اإلقتصادي الدولي يحتاج الى قوة هيمنة آحادية تقوم بالمهام العسكرية واإلقتصادية الحرجة. إذ أنها- - تكون مسؤولة عن جلب اإلستقرار للمناطق األساسية, وإقتصاديا عسكريا تسهم بفتح أسواقها إلمتصاص إنتاج الدول األخرى, تؤمن السيولة والعملة اإلحتياطية. وعليه باإلستناد الى هذا المنطق فإن إفتراض أنهيار أو تضعضع- تغييرات عميقة في النظام الدولي القائم. قوة الهيمنة اآلحادية يعني حكما

-, فيما يخص الدول الكبرى, ستسعى هذه الدول الى إحياء طموحاتها أوال الخارجية ال سيما في محيطها اإلقليمي, وستظهر رغبة أكبر في تحدي اإلرادة

األميركية التي بدورها ستسعى الى مساكنة - بدون إظهار الضعف - المطالبات المتصاعدة لهذه الدول على أمل إشباعها, على أنه من المستبعد

�ظهر القوى الدولية عدوانية تجاه الواليات المتحدة الى في الواقع الحالي أن ت حد الصدام. من ناحية أخرى ستعيد القوى الحليفة لواشنطن تقويم هذا

- نحو قوى دولية أخرى. إن التحالف ال سيما متى كان ذلك التحالف موجها

31 - Paul K. MacDonald and Joseph M. Parent, Graceful Decline? The Surprising Success of Great Power Retrenchment, International Security, Vol. 35, No. 4 (Spring 2011), pp. 16-28

158

Page 16: السياسة الخارجية الأميركية: ضرورة الإنكفاء؟

العدد – للدراسات حمورابي األول - – 4مجلة كانون األولى 2012السنة

اإلعتماد المتبادل بين جملة من الالعبين الدوليين والواليات المتحدة لن يمنع من إضطراب هذه العالقات في لحظة التراجع األميركي, إذ سرعان ما

- على الواليات المتحدة ال سيما ستسعى هذه القوى للبحث عن خالصها بعيدا- معه كل ما إتصل به. إن موقف - يهوي آخذا - متضخما متى رأت فيها جسما

32الصين وروسيا من اآلزمة السورية مرتبط الى حد بعيد بهذا التحليل.

-, إن طبيعة النظام الدولي المتوقع ستعتمد على الدور الذي ستلعبه ثانيا القوى الدولية الصاعدة – ال سيما الصين - في هذه البنية, أي هل ستكون في

- في موقع الداعم, المفسد, أو المتهرب. عند هذه المرحلة المبكرة نسبيا تطور نظام دولي جديد, ليس للصين بعد مخطط ثابت لهذا النظام, بل إن الصين تعيش مرحلة من الرؤى المتناقضة حول كيفية اإلنتقال من اآلحادية

إن الصين وإن كانت تفضل نهاية االحادية األميركية33.الى توازن دولي للقوة-, وهذا ما يعكسه تصريحها بأنه " - أميركيا إال أنها بالتأكيد ال تريد إنهيارا

على الواليات المتحدة تخفيض إنفاقها العسكري إذا إرادت أن ال يكون تخفيضتصنيف ديونها مجرد بداية نحو كوارث اخرى".

-, إن التراجع األميركي وما يرافقه من تقليص اإللتزامات األميركية ثالثا وتركيزها تجاه المصالح الحيوية لألمن القومي األميركي, سيؤدي الى إنتقال

محور الصراع الدولي من الشرق األوسط بإتجاه شرق آسيا – الباسيفيك حيث المنازع األبرز لهمينة الواليات المتحدة, أي الصين. ويعتبر هذا اإلنتقال

هو الثالث منذ نهاية الحرب العالمية الثانية, بعد أم تركزت في النطاق األوروبي خالل الحرب الباردة, ثم مع نهاية الحرب الباردة إنتقل محور

الصراع الى الشرق األوسط حيث تلقت الواليات المتحدة – ومعها إسرائيل- هزائم كارثية رغم بعض النجاحات التكتيكية وهو أبرز أسباب تراجعها الحالي.وعليه فالمواجهة الدولية القادمة فستتركز في نطاق منطقة

الباسيفيك وهي مواجهة سترسم مستقبل القوتين الكبريتين ودورهما فيالعالم. فالقرن الواحد والعشرين هو قرن الباسيفيك.

32 , : , األخبار- , صحيفة واشنطن بوجه الناعم التوازن السورية األزمة مطر حسام الموضوع هذا عن راجعالعدد, .2012حزيران 16, 1734اللبنانية

33 - Randall Schweller, Xiaoyu Pu, After Unipolarity: China's Visions of International Order in an

Era of U.S. Decline, International Security, volume 36, issue 1, Summer 2011, pp.41-72

159

Page 17: السياسة الخارجية الأميركية: ضرورة الإنكفاء؟

العدد – للدراسات حمورابي األول - – 4مجلة كانون األولى 2012السنة

-, إن تراجع الواليات المتحدة سيطرح تساؤالت وشكوك حول دور رابعا المؤسسات الدولية وتركيبتها, إذ ستطلب الدول الصاعدة أن تتمثل مصالحها

بشكل عادل في هذه المؤسسات بعد أن كانت خاضعة للهيمنة األميركية. سيكون على هذه الدول تحمل أعباء إضافية في مقابل المطالبة بمسؤوليات متزايدة وهذا يستدعي إعادة تعريف لدور المؤسسات الدولية وهيكليتها, ومن غير المستبعد ان يترافق ذلك مع مرحلة من الشلل واإلضطراب ستسود هذه

المؤسسات الى حين تبلور التعديالت المطلوبة.

-, سينتج التراجع االميركي فراغات سياسية وأمنية في جملة من خامسا األقاليم ال سيما في الشرق األوسط. يؤكد باراغ خنا في دراسته حول,

"العالم الثاني: اإلمبراطوريات وتأثير النظام الدولي الجديد", أن المنافسة الجيوبوليتيكية في العقود المقبلة ستنحصر في ما يسميه "العالم الثاني"

الذي تتقاطع فيه الجيوبوليتيك والعولمة, كما في الشرق األوسط, البلقان ووسط آسيا. وفي مواجهة هذا الفراغ ستجد القوى اإلقليمية نفسها أمام

إحتمالين, التنافس والصراع إلشغال الفراغ المستجد, وإما السعي إلرساءقواعد تعاون تحدد حدود المصالح الخاصة بهذه الدول في نطاق هذا الفراغ.

-, بالنسبة للشرق االوسط, ونتيجة لغياب قواعد ناظمة للعالقات سادسا اإلقليمية والضعف في العمل المشترك, فإنه من المرجح بعد هذا الفراغ, أن

يتقدم خيار التنافس لفترة زمنية كافية ليتعرف الالعبون اإلقليميون على حدود قوتهم وطموحاتهم وليكتسبوا تجربة إختبار آليات التنسيق اإلقليمي

وحل الخالفات وبناء الثقة. إن أحداث "الربيع العربي" هي التجلي األبرز لهذه التحوالت, إذ ال يمكن فهمها فقط من خالل عواملها ودينامياتها الداخلية, إذ أن توقيتها مرتبط بما شهده الدور األميركي من ضمور واضح في المنطقة

بما أتاح إمكانية اإلنقضاض على االنظمة التابعة لواشنطن في مصر وتونس. وتجلى في أحداث هذه الفترة محدودة التدخل الميداني األميركي بداية-

المباشر, والجرأة المرتفعة للصين وروسيا, ودفع واشنطن لحلفائها اإلقليمينفي تركيا والخليج الى واجهة األحداث.

إن هذا النقاش في السياسة الخارجية األميركية, سيكون من أبرز عناوين المعركة الرئاسية األميركية المقبلة, إذ في هذا النقاش يتداخل اإلقتصاد

باإلستراتيجيا, واألمن بالسياسة, الوطني بالدولي, والدور بالهوية. هنا تأتي- من األسئلة, الى أي مدى تتأثر السياسة الخارجية األميركية بالتغييرات مزيدا

- في القرارات الخارجية بعدما تم الرئاسية؟ هل أصبح البنتاغون أكثر تأثيرا توريطه في حربي أفغانستان والعراق؟ هل خسر المجمع الصناعي –

العسكري جزء من همينته في صنع القرار الخارجي؟ هل سيدفع التردي

160

Page 18: السياسة الخارجية الأميركية: ضرورة الإنكفاء؟

العدد – للدراسات حمورابي األول - – 4مجلة كانون األولى 2012السنة

الحالي لقوة الواليات المتحدة حتى بالجمهوريين الى الخضوع للتوازناتالجديدة أم سيعودون لممارسة الجنون؟

161