طيور لم تحلق بعد

13

Upload: marc-castro

Post on 01-Apr-2016

215 views

Category:

Documents


1 download

DESCRIPTION

قصة قصيرة

TRANSCRIPT

Page 1: طيور لم تحلق بعد
Page 2: طيور لم تحلق بعد
Page 3: طيور لم تحلق بعد

. د عند وصولها الى الطابق الرابعدفع باب المصع ساعدها احد الواقفين خارجا على

.و ان لم تطلبها صراحة كانت يداها المرتعشتان تظهران حاجتها البالغة الى المساعدة

قطعت شوطا طويال قد طويلة منها اثناء خروجها من المصعد و كأنها انطلقت زفرة

اراحت اناملها على احدى الجدران و الواقفين امامها , منمن الوثب . لم تكترث ألى

الى ببطء اخذت تتطلع .هى تحاول حفظ اتزان جسدها فوق الكعب العالى الذى ترتديه

كان هو احد الواقفين تقديم العون لها , اراد .الشقق الثالثة الموجودة فى هذا الطابق

؟ تانية يا هانم تؤمرى بأى حاجةا: قال لهمنذ برهة , ن فتح لها البابعلى األرجح م

داء نظارتها السوبالنفى . و رفعت كفها قليال فى اتجاه المتكلم مشيرة امالت رأسها بسأم

معها ايضا كل تعبيرات مخفية ,نيها ذات االطار الكبير تحجب اغلب تجاعيد اسفل عي

يما يبدو هى احدى ذه فهالشمسية كانت نظارتها الذى يبدو للناظر بال اى انفعال.وجهها

الدفاعية التى تمكنها من االحتفاظ بتلك المسافة الكافية بينها و بين جميع البشر الوسائل

. فعندما نشعر بسخط تجاه اشخاص ما , نتمنى رؤيتهم جميعا بلون واحد ..

الذى باتت تنساه بفعل السن كلما جاءت الى هنا فى هذا عنوان المنشود ,تثبتت من ال

وقفت قبالة احدى الشقق المردود بابها , دقت الجرس آبية ان د من كل شهر .الموع

, مع ان ضغطة رقيقة على احدى ضلفتى تدخل قبل ان يستقبلها احد الذين بالداخل

انه احد طويل القامة , يبدو عليه الباب تكفى النفراجه على مصراعيه . فتح الباب شاب

وجود من فكرة دق الجرس معبالعيادة . كان مغتاظا فى بادىء األمر الجدد العاملين

امكانية الدخول دون عناء االنتظار , لكنه لما رأى ان الواقفة على عتبة الباب سيدة

اشار اليها خجال بالدخول و قد ارتسمت اتمت او قاربت على اتمام السبعين من عمرها

األرائك الوثيرة الموزعة بعناية على على شفتيه نصف ابتسامة . جلست على احدى

الحافة المذهبة لؤلريكة لتطمئن لتمام تلمست بحذر متناهى جنبات تلك الردهة الفسيحة .

مروحة من القماش نظافتها و خلوها من اى اتربة قبل ان تسند اليها ذراعها . اخرجت

ركة نصف الرقيق المطرز من حقيبة يدها و أخذت تحركها على مقربة من وجهها بح

دائرية من معصمها .

عليها بوجه بشوش هرول اليها عامل آخر بدا عليه التمرس فى فنون التعامل , طل

قائال :

Page 4: طيور لم تحلق بعد

" اهال اهال فريدة هانم , منورة الدنيا كلها وهللا , قولى لى تشربى ايه يروقلك اعصابك

من زحمة الشارع ؟ "

و يستحسن لو يكون برتقال . عندكم اى عصير فريشتشكرة يا خالد , شوف لو م -

كان بودى وهللا يا ست الكل لكن مفيش فريش , لكن ممكن ابعت اجبلك علبة عصير -

من اى مكان .

علت نبرة صوتها الخشنة كأنها تروس فى ماكينة عفا عليها الزمن :

أل أل العلب دى أل , ملهاش طعم خالص . اعملى طيب كوباية ليمون . -

حاال . تؤمرى يا هانم , -

بذات النصيحة بخ حينما سمع صوتها يعلو من جديدابتسم خالد عند اقترابه من المط

تقول : اذ التى تتكرر دائما

" ماتنساش تغسل الكوباية كويس احسن تجيب أمراض , و صفى الليمون على اآلخر

عشان مفيش حاجة تشبك فى اسنانى , و اياك تحط ثلج . "

على الجهة المقابلة من مكان جلوسها كانت تجلس شابة يشى مظهرها بأنها لم تبرح

مهجنة التى طفت على سطح , هيئتها تدل على انتمائها الى تلك األوساط الالثالثين بعد

ال تختلف كثيرا عن و طريقة جلوس مالبس تحاكى احدث صيحات الموضة المجتمع .

بين فخذيها , كانت ترتدى بنطاال من مباعدة دون ادنى تكلف جلست اهل الريف !

و بلوزة زرقاء لون السماء مفتوحة ازرارها العلوية , نز منحوتا على خصرهاالجي

لما سمعت حوار تلك السيدة المسنة حاولت كتمان ضحكتها لكن .ربما عن قصد .

محاولتها باءت بالفشل فخرجت رغما عنها . نظرت اليها السيدة فريدة بشىء من

دون ان تتزعزع فيها ثقتها األنثوية , وضعت األخيرة ساقا على األخرى كعادة التأفف

نساء الطبقة األرستقراطية و اخذت تدور بعينيها بين اللوحات التى تزين الحائط .

قطع الصمت صوت تلك الشابة و هى تنادى على سكرتير الطبيب بصوت ال يعرف

: النساءاقل القليل من حياء

ينه زينة تفتح يا عم التلفزيون خلونا نتسلى على بال ما يجى دورنا , و ال انتم حط " ما

؟! "

Page 5: طيور لم تحلق بعد

ثم انطلقت منها ضحكة اخرى اطول من سابقتها . مازحها السكرتير و هو يعطيها )

ريموت ( التلفاز , امسكته و بدأت للتو فى التنقل بين المحطات حتى استقر بها

. لم تسطع السيدة العجوز تحمل هذا .العربية ألغانىالتطواف امام احدى قنوات ا

الضجيج المنبعث من الشاشة امامها حتى صرخت بأعلى ما عندها :

او غيرى المحطة . ايه القرف ده , اقفلى يا بنت انتى الزفت ده -

, و ضعه على منضدة صغيرة بجانبها و هو هرول اليها خالد و فى يده كوب الليمون

فانطفأ . قالت رتجاه التلفاز ضاغطة على الز بسرعة . رفعت الفتاة يدهايحاول تهدئتها

لها األخيرة :

خالص يا ابلة انا ماعرفش ان صوته بيضايقك , انا قلت اهو نتسلى شوية . -

كان خالد اقدم المساعدين للطبيب و كان على دراية بكيفية التعامل مع المسنات , جلس

و االعتذار لها . السيدة فريدة و استمر فى هدهدتها على ركبتيه حتى بدا اقصر من

حيلة القناع من هم اكبر سنا بأنهم الزالوا فى حيز القيادة . ثم قرب لها الكوب امام

قال معدل ضربات قلبها الطبيعى . شفتيها لتتذوقه حتى هدأ جسدها من ثورته مستعيدة

لها فيما قال :" آنسة الهام مكانتش تقصد تضايقك صدقينى "

, عاوزة اشوف اخبار الدنيا ايه . قناة فرانس طيب هاتلى -

جاء لها خالد بمحطتها المفضلة قبل ان يجعل الريموت يستقر على األريكة على الفور

. قادر على تعكير صفوها مرة اخرى بجانب يدها ليطمئنها بأنه ال احد

امام محطة األخبار الفرنسية شعر جميع الجالسين بالملل ما عدا على مدى عشر دقائق

اما تلك . وق مثل اغلب بنات جيلهاتلك السيدة السبعينية التى تتقن لغة الجمال و الذ

الفتاة التى كادت تتسبب لها فى ازمة قلبية منذ دقائق , فقدت األمل فى فهم اى مما يدور

و قد فردت احدى ساقيها بطول األريكة جاعلة اجفانها ك الشاشة فثقلتمها على تلاما

جزءا من بطنها قد انكشف بشكل عفوى و هى مستلقية ذراعاها وراء رأسها . حتى ان

دون ادنى اكتراث ألحد .

, صبى على مشارف العشرين من عمره , يرتدى بذلة سمراء مخططة دخل زائر آخر

مع صغر سنه ابدا , بدا عليه التردد الشديد حتى ظن من و كرافتة منقوشة ال تتناسب

من البيانات المكتوبة على اليافطة مرارا بالداخل انه ضل طريقه . خرج ليتأكد

Page 6: طيور لم تحلق بعد

الخارجية للعيادة , ثم يطابقها بما هو مدون على الكارت الذى اخرجه بعناية من جيب

غمغم خالد ببضع كلمات لم يسمعها سواه , سيطر اليأس على كل تقاسيم وجهه .بنطاله

و هو ينادى على الشاب :

اتفضل يا يوسف , حمدهلل على السالمة , ايوة و من غير ما تتعب نفسك و تنزل -

تسأل البواب زى كل مرة , هنا عيادة الدكتور فهمى أمين استشارى الطب النفسى , و

ى وصول , اطمئن .الدكتور خالص عل

دخل الشاب دون ان ينطق بكلمة , ينظر حوله مذبهال و كأنه يرى مخلوقات تهبط من

عشوائية و يمسك بكيس بالستيكى به , يتأبط بعض األوراق بطريقة تبدواكوان اخرى

بعض اقراص من األدوية . ازدادت حيرته حين وجد اكثر المقاعد شاغرة , ليبدأ رحلة

يار اى مكان األنسب للجلوس . ترك الثالث ارائك المريحة و المبطنة و المعاناة فى اخت

ا تزينت ذهب ليجلس على مقعد خشبى مالصق لغرفة الطبيب . هكذا دائما البشر مهم

هم . بجوار من يملكون شفاء خوارجهم , ال يجدون األمان اال

فى حجره مخبئا ثبت يوسف نظره على نقطة بعينها على البالط امامه , وضع اوراقه

ما بين رجليه . حتى السيدة فريدة الحظت ثمة ارتجافة تنتشر فى خاليا جسده لتستقر

ها الثورة على حاله , قرر ان يجولاسفل حجابة الحاجز . اللحظة الوحيدة التى اراد في

ليشاهد تفاصيل غرفة االنتظار الذى يجلس فيها . و ليته لم يفعل ! اول ما وقع بعينيه

عليه كانت الهام التى ظلت شاخصة الى السقف و هى مستلقية على الكنبة بينما بصره

ته صاعقة لسنتيمترين او اكثر . كان كمن مس حظ ارتفاع بلوزتها و انكشاف لحمهالم تل

بغتة و سقطت األوراق بين رجليه و هو يحاول عصفت بجسده , انتفض شعواء

لم ت. التفتت اليه الهام فذهلت من منظره , و السيطرة على اطرافه و لكن هيها التجشم

تعرف ايهما اولى بالسيطرة على زمام الموقف , اهى السخرية من شاب صغير يرتدى

هذا ما يفوق مرحلته العمرية بكثير , يفزع من كل ما هو مألوف. ام هى الشفقة على

الكائن الذى ال يفتر جسده عن االرتجاف و كأنه فأرا سقط فى وكر للقطط البرية

الشرسة . على اية حال قالت له فى نبرة ال تظهر نية قائلها الحقيقية :

محتاج مساعدة يا كابتن ؟ -

تلعثم يوسف و هو يكاد ينبطح ارضا ليعيد االمساك بأوراقه التى تبعثرت تحته . حدة

: ف جعلت لسانه يأبى ان يخرج جمال مهندمةالموق

Page 7: طيور لم تحلق بعد

انا آسف بأمانة .. مكانش قصدى اوقع الورق , دى غلطتى انا عارف , انا اصال -

مهمل .

اعتدلت الهام فى جلستها و قد امالت ظهرها الى األمام واضعة رأسها على كفيها و هى

و تركيزها تها لهتصوب نظرها تجاه جسد الصبى المرتجف الذى ال يلبث ان يلمح نظر

حتى تخور قواه فيزداد فى تشنجه .. كانت تبدو مستمتعة الحساسها بالهيمنة عليه عليه

و كأنها تتفنن فى تعذيبه ..

كانت المفاجأة العجيبة لهذا . جديد من اوراقه ترتيب فى ليساعده خالد اليه اسرع

ألول مرة على ماهية تلك الوريقات المهترئة التى يصر و األخير حين تعرف عن قرب

يوسف على اصطحابها معه فى كل مرة . كانت فى الحقيقة رسومات بدائية على

, ملونة بألوان الخشب الرديئة لطفل دون السادسة اوراق منزوعة من كراسات مدرسية

" بريشة الفنان / ... و مكتوب اسفل كل منها بخط ال يقل ردائة عن الرسومات نفسها

يوسف " .

* * *

ت السيدة فريدة مروحتها , دس وراءه خالدبيب , دلف الى غرفته و دخل الطوصل

داخل الحقيبة بينما اعتدلت الهام فى جلستها و اما يوسف فظل على حالته . خرج اليهم

خالد معلنا :

فهمى غير لكم راتكم اتفضلوا مع بعض , عشان كده دكتور الدكتور بيقول لحض -

المواعيد الشهر ده عشان تبقوا مع بعض , النهارده الجلسة مختلفة .

تسلل اليها الشعور من هذا التصريح , اما الهام التى تنهدت فريدة و هى تشعر بالضجر

. لم يتحرك و الشاب العليل فقد انتظرت ان يدخال اوال بالذنب تجاه هذه السيدة المسنة

عليه الدكتور فهمى من الداخل فقام مستجيبا لدعوته .يوسف اال حينما نادى

جلس األربعة فى حلقة دائرية صغيرة ال يفصل بينهم اى شىء سوى الفراغ , و اغلق

الباب .

حديثه , نظر الى لوحة معلقة على حائط امامهم , كانت مقولة للكاتب بدأ الدكتور فهمى

البرازيلى األشهر " كويلو " : ) عندما تتعب اقدامنا نستمر بفضل قلوبنا , و عندما

تتعب قلوبنا نستمر بفضل قوة ايماننا .. (

Page 8: طيور لم تحلق بعد

عاوزكم تتأملوا فى الجملة دى جيدا -

قاطعته السيدة فريدة معترضة :

بس يا دكتور فهمى , ممكن تقول لآلنسة دى تبطل تعمل صوت بالماستيكة استسمحك -

الى فى فمها .

اومأ الطبيب بابتسامة هادئة الى الهام , فبصقت ما فى فمها و هى تقول :

تؤمرى يا ابلة , ادينى رميتها اهه . -

مش و ياريت بالش ابلة دى الى عمالة من الصبح تقوليها لى , اسمى فريدة هانم , -

عاوزة تقولى هانم قولى لى طنط فريدة و خالص .

قال الطبيب :

يحبوه , الشعور بالوحدة هو ببأنه محاط بأشخاص الشعور كل انسان فى حاجة الى -

اسوأ ما يمكن ان يقاسيه االنسان فى حياته , خاصة فى وقت الضيق . االحتياج

. كامل جسديا و نفسيا و اجتماعيا خلقنا هللا لنت .للمساندة ال يعنى الضعف بالمناسبة .

و اعمار كل منكم هى شعوركم القاسم المشترك فى حاالتكم على اختالف خلفيات

بالوحدة . كلنا نعانى , الحكمة فقط تكمن فى اختيار األشخاص المناسبين الشديد

لمصارحتهم بمعاناتنا ..

منهم على صفحة بيضاء كل ما يود كتابته طلب الدكتور فهمى من الثالثة ان يدون كل

عن نفسه , شريطة ان يكتبه بصراحة مطلقة .

* * *

و هذا ما كتبته السيدة فريدة فى اول جلسة مساندة نفسية

مشتركة :

رأوا مصر حين , احدى الالئى 4مواليد القاهرة اسمى فريدة كمال ابراهيم , من

رد تهمتهم بأنهم أ, و كانت وطنا يسكنه اآلدميون . يتهمنى ابنائى انى مصابة بالزهايمر

الذين شهدوا الحياة على هذه األرض قبل خمسين عام او اكثر مصابون بالجهل ..

بالتأكيد سيكونون اكثر شقاءا ممن عرفوها كما هى اآلن .

Page 9: طيور لم تحلق بعد

فى حى الزمالك و قضيت به معظم سنى شبابى , فقط شهور الصيف كنا نقضيها نشأت

ل , لرح كان ابى تاجرا , التجار فى ذلك الزمان كانوا اشبه با فى فيال االسكندرية .

. حطينا اليه الرحال عرفت اصدقاءا من كل مكانزرت معه اغلب بقاع اوروبا و

عادلى بوسط البلد او ذهابا الى حى ين شارع قاهرة كانت مناصفة باغلب منتزهاتنا بال

الكوربة .

جاء ابى بجرامافون أيطالى بحواف مذهبة و معه اسطوانات فخيمة ل" اديث بياف " ,

بالشرفة اعظم صوت نسائى سمع على مسارح باريس . اجتماعنا المسائى المعتاد

اء لتلك األلحان المطلة على الحديقة الصغيرة , انا و ابى و امى , نجلس فى اصغ

.. اخبرنى ابى انه عايش اليهود قبل ان يرحلوا عن الشجية و األصوات العذبة المنبعثة .

. ا كان يجمعنا اكبر جدا مما فرقنابالدنا , كان يقول ان م

رأيت شوارع األحياء الراقية و هى تتسع للجميع , و محال المالبس و هى تعرض

. تربينا على قواعد االتيكيت التى علمتنا الذوق فى الصيحات األوروبية فور نزولها

وطنا غير ذاك الذى تعيشون فيه , و كل تفصيلة من تفاصيل يومنا .. باختصار , رأيت

تلك هى المشكلة ..

, كأن السماء لعنت تلك البقعة من األرض . زاد البشر آل كل شىء تدريجيا الى الزوال

األرض الى اوعية تحوى كيماويات تنحر فى لت خيراتقلت األخالق .. تحو , و

, و حولى امقت كل ما اجسادنا رويدا. فقد كل شىء مذاقه الذى اعتدنا عليه .. اصبحت

صوت الوان مالبسهم , , اشكال الناس , طريقة كالمهم , مفرداتهم , من حولى

جة .. و تحولت بونجور يا هانم الى سالم عليكم يا حا .كل شىء . موسيقاهم الفجة ,

هذا كاف .

كنت اسير بمفردى منذ اشهر فمر بجانبى شاب من دور ابنائى , له لحية طويلة و

اتحجبى يا مرة بدل ما انت معرية مالمح غليظة , اعترض طريقى و قال فى تبجح :

شعرك كده , طب ده انت حتى يومين و هتقابلى ربك "

عاهدت نفسى أال اسير وحدى مطلقا ...بكيت كما لم اظن ان ابكى هكذا من قبل , و

* * *

Page 10: طيور لم تحلق بعد

و هذا ما كتبته الهام فى اول جلسة مساندة نفسية مشتركة :

, اكملت تعليمى الثانوى بمدرسة 49 م السيد محمد , من مواليد الزقازيقاسمى الها

الى القاهرة . قال لى ان ابى يعمل فى شبرا الخيمة بعد ان انتقل بى عمى و أسرته

.. كان فاكرنى بريالة ! اكتشفت بعد فترة ان ابى واخد شان يجيب لى فلوسلبالخليج ع

, جديدة من حياتها حةاما امى فقد فضلت ان تبدأ صفتأبيده لتجارته فى المخدرات .

تزوجت و عاشت فى االسكندرية و لم تأت لزيارتنا ابدا ..

ل فترة طفولتى , و ال عمرى حضرت درسا دينيا. اللصالة طو انى احد ال اذكر ان دع

ذكر فيه اسم هللا اال لما ال ي بمن يصوم رمضان . عشت فى بيت دائما كنت استهزىء

يحلفوا .. و غالبا كان بيبقى كذب .

آسفة على الى باكتبه ده لكن لؤلسف مفيش فى حياتى حاجة تانية مشرفة اقدر اشارك

بيها ,

قلت اجرب النوع الى لكن ة , لكن بعد كده بطلتها اه ,اول سيجارة كانت فى االعدادي

ابويا هيقضى بقية عمره فى السجن بسببه ..

كانت فى آخر سنة فى المدرسة , لم تكن عن , ) مش اسمها كده برده ( , اول قبلة

ما اصبحت مهنة. من اآلخر, بوسة جابت التانية لحد حب , لكن على سبيل التجربة

اماكنها فى الحوارى الى كمان و لها و زبائنها , بعد اليوم الدراسى , مهنة و لها رزقها

. حول المدرسة

حيد , الشىء الو التفاصيل حكاويها بتتعبنى , باحس انها معلمة فى كل مكان فى جسمى

هو السرعة , السرعة فى البحث المشترك ما بين كل الشباب الى عرفتهم فى الفترة دى

.. و السرعة فى التخلص منى كأنى اسورة الماظ ملهاش صاحب عنى ما بين الحوارى

و . كانت هواية لحد ما بقت فعال شغالنة كأنى لفافة بانجو بعد ما الموضوع ينتهى

. انت السلعة و انت من غير مجهود . دى اسهل مهنة ممكن تروج لهامصدر رزق

اصل الذكاء هو استغاللك الصح لنقطة ضعف الى قدامك ! .. البياع

, و عشان كده انا باكره رغم من كده انا الى باجرى وراهم ة , و بالانا باكره الرجال

. هما شايفنى جميلة , و انا بأقرف لما باشوف نفسى فى . نفسى ألنى ضعيفة قدامهم

المرآة .

Page 11: طيور لم تحلق بعد

ح ..كن اوقات الفضفضة بتري انا مش عارفة انا ازاى باكتب الكالم ده ل

* * *

و هذا ما كتبه يوسف فى اول جلسة مساندة نفسية مشتركة :

مظهرى يشى . اعرف ان 44حليم , مولود بالقاهرة سنة اسمى يوسف عطية

بالبالهة و يثير السخرية و ليس هناك داع النكار تلك الحقيقة او حتى محاولة التخفيف

اعتدت على مثل ذلك التعامل من كل من يرانى , نعم , من وطأتها على نفسى.

اصبحت كلماتهم البذيئة التى تصف مالبسى العتيقة و حركاتى العصبية البليدة نشيدا

ان هذا بقى ان تعرفوا. يةاالستهجان هميوميا آلفت سماعه ممن حولى ممتزجا بضحكات

, على العكس مكن الظنكما ي السلوك تجاهى لم يحيلنى كائنا ماقتا على من حولى

..غير قادرين على معرفة ما يحمله القلب كل العذر للبشر ماداموا تماما,

ا كنت دائما فى كل سنوات كنت األول على الجمهورية فى الثانوية العامة , كم

المنزل و المدرسة , و لما غادرتها لم اعرف طريقا آخر سوى طريقى دراستى.

ان اصير فنانا , فصرت مهووسا كما ية الطب . كنت احلماستبدلت طريقها بطريق كل

رفض ابى اال ان يرانى طبيبا , ارغمنى ان استبدل الفرشاة و ألوان الزيت تروننى !

وافقت مرغما ألن القرار عادة ما يكون فى يد األكثر شجاعة على بالبالطو األبيض .

حياتى , فصرت اضعف التعبيرعن موقفه .. عاملنى بقسوة كيما اصير شديدا فى

الضعفاء .

يمكن لآلباء ان يشكلوا حياة بنيهم كيفما يشاءون , بشرط ان يتحملوا بكل الرضا نتيجة

على الصانع تحمل شكاوى المستخدمين ! ما زرعوه .

رآنى ابى ذات يوم عائدا عقب انتهاء محاضراتى , استقليت المترو انا و فتاة من دفعتى

ى علن رضا عليها توصيلها فى ذلك اليوم ,شهور , تجرأت عاكنت معجبا بها منذ

فى قلبى , او ما كان .. بما لها استجمع شجاعة المواجهة فأفضى

لى بدهشة ال امسكت بأطراف اناملها و نحن على رصيف المترو بعد نزولنا , نظرت

يمكن له. لحظتها شعرت انى الزلت كائنا مرغوبا فيه و , او الترقب تخلو من الفرح

ا فاهنارتسمت على ش قد . اشتبكت يدانا و ان يحب دون خجل ان يختار بملء ارادته و

كافية هى تلك اللحظة لتكفكف عنى آالم الحاضر .. .. وجداننابسمة استقرت فى عمق

Page 12: طيور لم تحلق بعد

كف انطبق على خدى بعنف شديد ليعيدنى الى ذكريات العقاب فى المدرسة االبتدائية .

سمعت صوته غليظا تذكار تلك اللحظة يدغدغ رأسى . .. تلك كانت يده , و كان ابى

على فكى . آتيا من وراء طرقعة أصابعه

" ... و رايح تتصرمح مع النسوان !! و مستقبلك فى كلية الطب " سايب كليتك

على رصيف المترو وسط حشد من الناس و بكلية قمة جامعىلطمنى ابى و انا شاب

.. امام الفتاة التى احبها

. اندفعت حتى استقرت بالقرب من كاحلى من فرط ارتطام يده هوت نظارتى ارضا

لتى كحركة الارادية مما افقدنى القدرة على تمميز الوجوه من حولى . دموعى فى مق

عابرة رئتاى منذ لحظات بدأ يتالشى كأنه ذكرى ءكنت اشتمه ملفقط عطرها الذى

اقف التى هذه احدى المو؟ تنتظر بعد ما حدث امامها عليها ان لماذا كان داستها األيام .

طلب الكثير من الوقت قبل اتخاذ القرار بالرحيل , او الفرار !ال تت

يكفى هذا ...

* * *

النافذة و هم فى طريقم الى البوابة الخارجية للعمارة , م الدكتور فهمى من وراءرمقه

من الصعب التنبؤ بفترة العالج و لكن يمكن على على بعضها . ثالثة اجساد تتكىء

ق الصحيح ام ال . و قال فى نفسه انه األقل معرفة اذا ما كان المريض يسير فى الطري

ان تتعكز عليها كيما اضافية يمكن لها ت السيدة فريدة اليوم بأربع اياد على األقل فاز

فيها مساعدة تقدم اللهام التى ن هذه احدى المرات القالئلستكو, بينما تعبر الطريق

. دونما ثمن ألحد

الى ان رآه على امتداد البصر يدور من وراء السيدتين فيقف كان قلقا بشأن يوسف ,

فى الجهة المقابلة الندفاع السيارات ملوحا بيده ليهىء لهما طريق العبور ..

دون الطبيب تلك المالحظة فى دفتره الخاص :

" تقودنا دائما الى النهايات العظيمة طة , مع استمراريتها , هى التىالتغيرات البسي "

( تمت (

Page 13: طيور لم تحلق بعد