حب وبلاوي أخرى

final edition.indd 1 02/12/11 5:43 PM

ت�أليف : عبداهلل ح�سني الزعابي, من مواليد دبي 1982

[email protected] :للتوا�سل مع الكاتب

ر�سوم : نادية الكعبي

اإخراج فني : حامت ال�سريف

الطبعة الأوىل

2011

جميع احلقوق حمفوظة


4

المتصل الذي يعرف كل الفضائح


5

ـ اآلو نعم.

ـ �سباح اخلري, الأخت �سعاد؟

ـ نعم, من املتكلم؟

ـ اأنا فاعل خري, ا�سمعيني للنهاية ول تقفلي اخلط, كي ل تندمي.

�سمتت �سعاد, حارت يف ما يجب اأن تفعل, اأرادت اإغالق اخلط, لكنها مل ت�ستطع, رمبا هو

اخلوف اأو الف�سول, اأ�ساف املت�سل:

ـ انا اأعلم كل �سيء عنك, واأعرف اأين كنت اأم�س ع�سرا.

ـ ماذا تق�سد؟ من اأنت؟

قال ال�سوت بالنربة نف�سها اخلالية من اأي اإح�سا�س:

ـ تعرفني ق�سدي, ولي�س مهما من اأكون, املهم ما اأعرفه, وما قد اأفعله.

�سمت حلظة لت�ستوعب ما يحدث, واأ�ساف:

ـ اأعتقد اأنك فهمت ق�سدي؟

ابتلعت ريقها فجاء �سوتها �سعيفا مرتددا, ل كما يف البداية:

ـ ل اأفهم.

مر ببالها زوجها وطفالها, ثم حبيبها الذي مل ت�ستطع الزواج به ومل يتقدم خلطبتها طوال

�سنوات حبهما, وعندما تقدم لها زوجها احلايل, وهو من عائلة حمرتمة وكبرية, مل ت�ستطع

الرف�س اأمام اإ�سرار اأهلها, وعدم ا�ستعداد حبيبها م�سطفى للتقدم.

بعد �سهور من زواجها, واأمام مالحقة واإ�سرار حبيبها على ا�ستمرار عالقتهما التي اأ�سبحت

اأ�سهل بعد زواجها, ا�ست�سلمت له ولقلبها الذي مل ينجح زوجها يف احتالله.

قال لها ال�سوت وقد بداأ ميل من الإنكار واإطالة احلوار:

ـ اأم�س كنت مع حبيبك م�سطفى وح�سل بينكما ما ح�سل.


6

مل تنطق ب�سيء, كان قلبها يخفق ب�سدة حتى خيل اإليها اأن املت�سل ي�ستطيع �سماعه, و�سارعت

قائلة لتخفي قلقها:

ـ كيف علمت بذلك؟

ـ مل ت�ساأليني ال�سوؤال ال�سحيح حتى الآن.. �سوؤال املليون.

ـ ا�سمع اإن كنت تريد املال فاأنا م�ستعدة..

قاطعها ال�سوت ب�سحكة بدت كاأنها �سادقة:

ـ ل اأريد مالك.. اأريدك اأنت.

بعد اأن همت باإقفال اخلط, مل جتروؤ, اأ�ساف ال�سوت:

ـ ا�سمعي يا �سعاد, اأنت جميلة, واأنا معجب بك منذ راأيتك اأول مرة, كل ما اأريده اأن تكوين

على عالقة بي.

كانت لتكون �سعيدة بهذا الإطراء يف ظروف اأخرى, اإمنا يف هذا املوقف فالأمر خمتلف,

اأجابته:

ـ لكن اأنا متزوجة و..

ـ اأمل تكوين متزوجة اأم�س؟!

حاولت �سعاد جعله يرتكها ب�سالم, تو�سلت اإليه باكية, اأفهمته اأنها ل تريد اأن تدمر اأ�سرتها,

واأنها ل ت�ستطيع فعل ما يطلبه لأن ذلك اأ�سبه بالغت�ساب, واأنها فعلت ما فعلت لأنها حتب

م�سطفى, مبدية ا�ستعدادها لرتكه الآن بعد هذه املكاملة.

كان الطرف الآخر ين�ست دون اأن يقاطعها, وحني تاأكد من انتهاء مرافعتها, قال:

ـ كالمك كله مردود عليه.

�سرح لها اأن العالقة معه لن تدمر �سيئا, بل على العك�س �ستنقذ كل �سيء, لأنه �سيبقي فمه

مقفال حينها. واأعلن اأنه �ساب و�سيم يقدر املراأة, ووعدها:

ـ �ست�ستمتعني معي اأكرث مما ا�ستمتعت مع زوجك, وحبيبك.

اأما عن الغت�ساب فرف�س الت�سمية نهائيا واحتج عليها, وحجته اأنها انخرطت يف عالقة

مع م�سطفى لأنها حتبه, اإل اأنها دخلت عالقة مع زوجها دون اأن حتبه, واإل ملا خرجت مع

حبيبها.


7

ماذا تفعل؟ ماذا تقول له؟ اإنه ل يعطيها الفر�سة لتفكر, يريد جوابا الآن. لبد اأن حتاول

اإقناعه, فهو برغم ما يطلبه يبدو طيبا نوعا ما. قالت:

ـ اأعلم اأنني اأخطاأت, اأرجوك تفهم موقفي, زوجي ل ي�ستحق ذلك.

انتظرت اأن يرد عليها, ظل �سامتا حلظات كانت اأ�سبه بحياة كاملة ل�سعاد, بدا اأنها اأثرت

فيه, لكنه تنحنح قليال, ثم قال:

ـ ح�سنا, اتركي ال�سماعة واذهبي اإىل خزانة الأغطية الإ�سافية, ابحثي جيدا خلف الأغطية,

واأخربيني ماذا �ستجدين؟

لوهلة مل ت�ستوعب ما يقوله, نه�ست وهي مترر يدها على خديها لتم�سح بقايا دموعها,

ت�ساءلت كيف يعرف هذه التفا�سيل, هل يكون م�سطفى مل منها ويريد ت�سليمها ل�سخ�س

اآخر؟ ومن اأين ح�سل على رقم هاتف امللحق الذي ت�سكنه يف بيت اأهل زوجها؟ وماذا يريد

اأن يريها يف اخلزانة؟

ات�سعت عيناها عندما راأت ما يوجد خلف الغطاء الأ�سود, كانت هناك علبة واق ذكري.

هي تعلم اأكرث من غريها اأن زوجها مل ي�ستخدم هذا ال�سيء معها. ازداد احمرار وجهها,

وت�سارعت اأنفا�سها وفا�ست دموعها مرة اأخرى, وهي تفكر يف خيانة زوجها النذل, وكيف

عرف النذل الآخر بالأمر؟

رفعت املت�سل, مع عالقة تقيم اأن فكرة تتقبل بداأت وقد الهاتف, �سماعة اإىل عادت

ال�سماعة و�سمعته يقول:

ـ ماذا وجدت؟

ـ اأنت تعلم ماذا يوجد هناك.

قال وقد بدا فرحا بانت�ساره:

ـ اإين اأعلم حتى اأنه من احلجم الكبري, لكني مل اأكن اأريد لك اأن تتعذبي.

يف �سرها كانت تعلم اأن هذا الأمر اأراحها بطريقة ما, رمبا من تاأنيب ال�سمري الذي كان

يطرق بابها اأحيانا بعد لقاءاتها مع م�سطفى, وقالت له ب�سوت اأكرث ثقة من ذي قبل:

ـ ح�سنا اأنا موافقة على طلبك, لكن ما اأدراين اأنك �سترتكني بحايل بعدها؟


8

اأكد بنربة فرح دون اإ�سراف اأنه لن يطاردها بعد املرة الأوىل, مرجحا فكرة اأن تقوم هي بهذا

الدور. كان يتحدث بثقة خميفة جعلتها تقول:

ـ لكن عليك اأن تخربين من اأين علمت بكل هذه الأ�سياء؟

ـ هذا ما ل اأ�ستطيع اإعالمك به.

قالها بو�سوح و�سرعة وكاأنه كان ينتظر اأن تقول ذلك.

�سمت حلظة ثم اأ�ساف:

ـ افهمي يا �سعاد, اأنا اأعلم اأكرث مما تتخيلني, هناك فتيات اأخريات يف البيت, واأنا اأعلم اأن

بع�سهن على عالقات غرامية ببع�س الرجال, لكني مل اأفعل �سيئا لهن, اأتدرين ملاذا؟ لأين

ل�ست خ�سي�سا, كل ما يف الأمر اأنني معجب بك اأنت, و�سدقيني لو مل اأكن اأفكر بك كل ليلة,

ملا ات�سلت بك اأ�سال.

اتفقا على اللقاء ع�سرا, يف املوعد نف�سه الذي كانت تذهب فيه ملقابلة حبيبها, �سيلتقيان

يف مواقف اأحد املراكز التجارية, تركب معه ال�سيارة, ويتجهان اإىل بيته.

كانت �سعاد تعلم ما الذي �سيحدث هناك, مل يكن ذلك ما ي�سغل بالها, فقد كانت م�سممة

على معرفة ال�سخ�س الذي يقف خلف كل هذه املعلومات.

بعد �ساعات عدة, كان املت�سل يتناول طعام غدائه عندما رن هاتفه, اإنه الرقم نف�سه, خطر

له اأنها تت�سل لتلغي املوعد, وقرر اأن يكون قا�سيا معها هذه املرة, ويجربها على احل�سور

يف املوعد متاما واإل الف�سيحة.

نه�س متجها اإىل غرفته, اأجاب على الهاتف, فجاءه �سوت اأنثوي يقول بدلل وا�سح:

ـ مرحبا حبيبي.

ـ اأهال.

ارتاح عندما �سمع ال�سوت, مل يكن �سوت �سعاد, قالت له:

ـ هل اأ�ستطيع اأن اأراك اليوم؟

ـ ل, اأنا م�سغول.

حتدثت معه قليال, ثم طلبت منه اأن ير�سل لها ر�سيدا لهاتفها املتحرك.

اأقفل اخلط وقال لنف�سه, وهو ير�سل اإليها ع�سرين درهما:


9

ـ خادمة �ساطرة.. الدراهم لي�ست خ�سارة فيمن جتلب يل كل هذه الأ�سرار.


10

صاحب اإلصبع الطويل


11

�سحك �سحكة عالية اأ�سابتها بالق�سعريرة, وقال وهو يبدل الـ»غري« اإىل و�سعية احلركة:

ـ ح�سنا, ل باأ�س.

غادر ب�سيارته التي ظلت عيون الن�ساء الثالث تالحقها حتى وارتها املباين. ثم اأخذت اثنتان

منهن تنظران اإىل ذات البطن املنتفخة با�ستغراب.

ولديها حامل فاأ�سغرهن امل�ست�سفى, اإىل ليذهنب اأجرة �سيارة ينتظرن كن بدقائق قبلها

موعد مراجعة. جاء اإليهن اأحد جريانهن, وهو رجل حليق الذقن �سبغ الزمن �ساربه وما

تبقى من �سعره, عار�سا اأن يو�سلهن اإىل وجهتهن.

رحبت الأم والأخت الكربى بالعر�س املغري كي يتخل�سن من انتظار »التاك�سي« الذي كان

يدوم �ساعة, بداية ت�سعينات القرن املا�سي. رف�ست الأخت ال�سغرى الركوب, وابتعدت عن

ال�سيارة, قائلة يف �سرها:

ـ لن اأركب حتى لو قتلتموين.

اأ�سود يف ال�سيارة خملفة دخانا اأن غادرت اإىل مل تفلح حماولت الأم والأخت يف ثنيها,

املكان, و�سدى �سحكة �سائقها يف اأذن الأخت ال�سغرى.

مل جتب على اأ�سئلتهما, لو مل تكن حامال رمبا لرف�ساها يف بطنها, كما رف�ست هي النعمة

�سيارة ركنب عندما حتى �سمتها ا�ستمر وجمانية. مريحة »تو�سيلة« عليهن واأف�سدت

»التاك�سي« التي ا�ستقبل �سائقها الباك�ستاين لعنات الأم و�سراخها بابت�سامة بلهاء, لأنه مل

يفهم �سيئا منها.

كانت احلامل �سارحة يف املا�سي, متذكرة هذا الرجل الذي كان يريدها. تذكرت ذلك اليوم

حني كانت يف ال�سف الرابع البتدائي, تذكرت نظراته لها, وكلماته التي كان يقولها بني


12

احلني والآخر ملن معها.

كانت تتحا�ساه من حينها, ترتع�س وتعرق عندما تراه. حتى اأنها يف اأحد الأيام وهي عائدة

من املدر�سة الإعدادية, �سمعته يقول:

ـ كربت يا فتاة.

اأح�ست بقلبها يدق يف حنجرتها, مل جتبه ب�سيء, كان مي�سي خلفها وحيدين يف »ال�سكة«,

�سعرت اأنها طريدة يالحقها ذئب, اأ�سرعت اخلطا حتى و�سلت بيتها. اأقفلت الباب, جل�ست

وا�سعة حقيبتها على حجرها وبكت.

ل�سنني كانت ت�ستيقظ من نومها فزعة, ودائما هو بطل كوابي�سها. كابو�س يتكرر با�ستمرار؛

يختبئ الرجل خلف جدار, ل يظهر منه �سوى ن�سف وجهه ويده وكفها اإىل الأعلى, وب�سبابته

الطويلة يدعوها اإليه.

يحاول ولكنه باأهلها, حماطة لأنها منها القرتاب على قادر غري باأنه احللم ف�سرت

ا�ستدراجها, لذلك هربت يف ذلك اليوم عندما كان جال�سا اأمام بيته وراآها, فناداها ليعطيها

اإلها, بـ»عيدياتهم« ذهبوا مطالبني اإخوانها اأيام, جميع قبل تاأخذها التي مل »عيديتها«

فقد كانت تف�سل اأن تقف اأمام �سيارة م�سرعة بدل من اأن تقف اأمامه حتى واإن اأعطاها

مال قارون.

مل تخرب اأحدا مبعاناتها, رغم بكائها امل�ستمر. مل تكن تخاف الغرباء, حتى اأنه مل يكن غريبا, كان

يزورهم اأحيانا ومعه زوجته واأبناوؤه يف املنا�سبات, وكانت يف هذه اللحظات ت�سبح فتاة اأخرى, ل

تتحدث مع اأحد, حتى مع زوجته.

مل تكن ت�ستطيع اأن تخرب اأحدا, فماذا �ستقول؟ ومن �سي�سدقها؟ مل ت�ستبعد اأن ي�سربها اأهلها اإن

تكلمت يف هذه الأ�سياء. ظلت تعاين وحدها, تكتم �سرها ومت�سح دموعها كي ل يراها اأحد.

مل تتوقف الكوابي�س حتى حني تزوجت منذ عام, الكابو�س نف�سه و»الإ�سبع« نف�سه, لكن مالمح

الرجل تغريت, فقد �ساب قليال. كانت تراه بني فرتة واأخرى, كما حدث قبل دقائق عندما اأراد

اإي�سالهن.

تاأكدت من اأنها �سرتاه يف املنام اليوم, كانت مرتاحة لقرارها بعدم الركوب, فمن يعلم ما الذي قد


13

يفعله هذا املجنون الذي يالحقها منذ �سنني؟

يف هذه الأثناء كان العجوز �ساحب ال�سيارة يغني فرحا, فقد ربح اليوم مبلغا حمرتما بعد اأن باع

�سيارة م�ستعملة ا�سرتاها منذ اأيام.

هذا هو عمله منذ �سنني, عندما قدم اإىل الدولة �سابا ذكيا, متكن بف�سل »�سطارته« يف ال�سراء

والبيع من اأن يفتتح بقالة, لكنه كان يتاجر يف كل �سيء, ي�سرتي من اأهل احلي اأي غر�س يريدون

بيعه, باأبخ�س الأ�سعار بف�سل خفة دمه وقدرته على الإقناع, ويعيد بيعه لغريهم بعد اإ�سالحه اأو

جمرد تنظيفه. ومن عنده ميكن �سراء: جالك�سي, معكرونة, كول, م�سجل, تلفزيون, اأتاري, ثالجة,

دراجة, �سيارة.. وكل �سيء ميكن بيعه.

يف »التاك�سي« منعت احلامل نف�سها من البكاء, كانت الأم لتزال تتحدث يف املو�سوع عندما انتهت

من خيالتها. وهي م�سرة على اأن تعرف �سبب رف�س ابنتها, ت�ساألها قليال ومن ثم تلعنها وتتهمها

بقلة الأدب قائلة:

ـ يا خ�سارة تربيتي فيك.

مل تتحمل احلامل اأكرث, بداأت دموعها تاأخذ طريقها على خديها, كاأنه اأمل ال�سنني وجد ثغرة

ليخرج منها, وقالت وكاأنها تزيح جبال عن �سدرها:

ـ اأنتم ل تعرفون ما الذي يريده هذا الرجل.

الراديو يف اأغنية اإىل ي�ستمع كان الذي التاك�سي �سائق با�ستثناء اإليها, الأنظار اجتهت

والأخت الأم �سمع عندما ا�ستغرب لكنه حوله, من والبكاء الغ�سب �سبب عن مت�سائال

الكربى ت�سحكان فجاأة, حني اأكملت احلامل حديثها قائلة لأمها:

ـ عندما كنت �سغرية كان يريد �سرائي, األ تذكرين ذلك؟

عادت الأم بذاكرتها وهي ت�سحك اإىل ما قبل ع�سر �سنوات, حتديدا ذلك اليوم عندما كان الرجل

يف فناء بيتهم يريد حمل الغ�سالة بعد اأن دفع ثمنها, ف�ساأل م�سريا اإىل املطبخ:

ـ هل تبيعونني الثالجة؟

رف�ست الأم ذلك, ف�ساأل عن الفرن, وقوبل طلبه بالرف�س اأي�سا. وعند هذه اللحظة اأقبلت فتاة

مل يتجاوز عمرها ال�سنوات الثمان, فاأ�سار اإليها �سائال وهو يبت�سم:

ـ وماذا عن هذه, األ تبيعونها؟


14

محششون بال حدود


15

هذا الكالم ل يجوز, اأنا ل اأر�سى بذلك, اإنهم ي�سوهون �سورتنا, ملاذا ل يلقون بالويهم على

غرينا, ملاذا ل يوؤلفون النكات على ال�سكارى اأو املدخنني اأو حتى متعاطي الهريوين واملاك�س

والرتياق.. ملاذا ي�سرون علينا نحن امل�ساكني؟

هل لأننا فقراء ل منلك ثمن الهريوين والكوكايني؟ نحن اأف�سل من هوؤلء باألف مرة, نحن

اأ�سحاب كيف ومزاج, هم يريدون الهرب من الدنيا, يريدون اأن يغيبوا عن الوعي, نحن نريد

اأن نبقى فيها ونعي�سها حلظة بلحظة نفرف�س ون�سحك ونحب.. اأطول مدة ممكنة.

الكاذبة النكات اإطالق يتوقفوا عن باأن نطالب اجلميع اأن نحن مع�سر احل�سا�سني يجب

علينا.

النا�س ل يعلمون اأن موؤلفي النكات كذابون يريدون اأن يظهرونا ب�سورة الأغبياء, فيوؤلفون

نكته تقول اإن »حم�س�س� يت�جر يف املخدرات و�سع اإعالن� يف جملة الو�سيط يقول فيه: للبيع

طحني من اللي ب�يل ب�لك!«.

ويقولون اأي�سا اإن »حم�س�س� اآخر وقف عند مركز ال�سرطة وظل ي�سرب على الزمور، فخرج

له بع�ض رج�ل ال�سرطة، فق�ل لهم: واحد بيب�سي واثنني �س�ورم�«.

هذا لي�س كالما منطقيا باملرة, فاملح�س�س يخاف حتى ظله, ولن يغامر مثل هذه املغامرات,

لأنه بب�ساطة يريد اأن يكون بعيدا عن امل�ساكل وكل ما يتعلق بها. هل ت�سدق اأنني خائف منك

واأنا اأكلمك, ما اأدراين اأنك ل�ست خمربا لل�سرطة؟

يا عزيزي هناك حماولة لإبعاد النا�س عن احل�سي�س لأنه يجعلهم يفرف�سون ويفرحون ومن

ثم يبدعون, انظر اإىل ذلك البلد, كم مبدعا فيه, اأعتقد اأنهم كلهم ح�سا�سون.


16

ذلك املمثل امل�سحك, ل اأعتقد اأنه وقف على امل�سرح يوما دون اأن يدخن احل�سي�س قبلها.

طريقة من زميل اأنه اأعرف اإين امللغومة, �سيجارته يدخن وهو اأراه اأكاد املطرب وذلك

غنائه.

هوؤلء كلهم لو اأ�س�سوا جمعية ت�سم حتت جناحيها ح�سا�سي الأر�س تدافع عنهم ملا حدث

ما حدث.

ماذا لو اأ�س�سوا نقابة للمح�س�سني, واأ�سموها مثال »حم�س�سون بال حدود« وتكون مهمتها اأن

تو�سح للجماهري املوؤامرة التي حتاك �سدنا.

رمبا تكون موؤامرة ت�سبه اأختها التي حتيكها هوليوود �سد امل�سلمني والعرب, اأو اإنه جمرد

ا�ست�سهال كما تفعل الأفالم امل�سرية التي ت�سوه �سورة ال�سعايدة.

لبد من نقابة متثلنا وتنقل اأ�سواتنا, وت�سدر بيانات تنفي بها عالقة اأي من املنت�سبني اإليها

بالنكات الكاذبة واملغر�سة.

لكنهم لن يفعلوا لأنهم جبناء, املح�س�سون م�ساملون بطبيعتهم, ول يحبون امل�ساكل. ل يقولون

�سيئا حتى عندما يخرج اأحد ال�سكارى اأو احلمقى لين�سر نكتة تافهة تقول: »حم�س�ض اأراد اأن

يدلع زوجته فق�ل له�: اأنتي حم�مة.. فق�لت الزوجة: ل اأن� غزالة، فق�ل: املهم حيوانة«.

هذا الكالم لي�س حقيقيا, فلي�س املح�س�س فقط من يقول ذلك, تقريبا كل الرجال يوؤمنون مبا

قاله, من األف هذه النكتة كان يريد اأن يقول لزوجته اإنها حيوانة, لكنه مل يجروؤ, فو�سعها

على ل�سان املح�س�س الربيء.

ما هذا الفرتاء؟ هناك اأكرث من مليون نكتة على هذه ال�ساكلة. ملاذا ل تتحدث؟ ل جتد ما

تقوله, �سحيح؟

اأ�سبح الأمر ل يطاق, هل اأفعل �سيئا, فقد اأن اأنا لن اأ�سمت بعد اليوم, لبد ا�سمح يل,

تعلم اأن املح�س�س ي�سحك على اأي �سيء, لكني مل اأعد اأ�ستطيع ال�سحك على النكات التي

يطلقونها علينا, فيقولون اإن »حم�س�س� دخل مطعم� و�س�أل: عندكم حلق�ت ب�سل؟ ف�أج�بوه

بنعم، فق�ل: اإذا اأعطوين احللقة الأخرية«..


17

وهذا »حم�س�ض اآخر ات�سل ب�خلطوط اجلوية و�س�أل: كم ت�ستغرق رحلة دبي ب�نكوك؟ ق�لو

له: حلظة، فق�ل: احجز يل تذكرة«.

اأنها حقيقية, مثال اأ�سعر التي النكات اإن جميع ما يقال عنا كذب, هناك بع�س اأقول ل

عندما يقولون اإن »حم�س�س� و�سديقه الأحول ك�ن� ي�سنع�ن بع�ض احللوي�ت، الأحول ي�سع

قطع العجني خ�رج الزيت، واملح�س�ض يقول: ت�س�س�ض«.

هذه قد تكون حقيقية, لأنني ب�سفتي حم�س�سا اأ�ستطيع اأن اأوؤكد لك اأنني ل اأحب اأن اأجرح

اأحدا واأ�سعره بالنق�س.

وهناك نكتة تقول اإن »حم�س�س� فتح ب�ب الثالجة، ووجد اجليلي يهتز، فق�ل له: ل تخف،

�س�أ�سرب امل�ء!«.

قد يفعلها املح�س�س لأنه ربط بني اخلوف والهتزاز ب�سرعة, بينما ل ي�ستطيع اأن يفعلها

ال�سخ�س ال�سليم.

ثم ها اأنا اأمامك الآن, هل تراين غبيا اأو �ساذجا اأو مفتعال للم�ساكل؟ فها اأنت تقلدين منذ

اأنك حترك حتى وجهي, وتعابري وج�سدي, يدي حركات جميع معك يف احلديث بداأت

�سفاهك كما اأفعل بال�سبط.

مل اأعترب ذلك قلة اأدب ومل اأغ�سب, لي�س فقط لأنك يف غرفة نومي, بل لأين حم�س�س,

واملح�س�س ل يت�سرف بغباء!


18

عارية في بيت اإلمام


19

يوم اجلمعة, ا�ستيقظ اإمام امل�سجد يف الثالثة �سباحا, اعتاد ذلك منذ اأ�سابيع عدة,

يقوم الليل, ويقراأ القراآن, ثم يذهب اإىل امل�سجد الذي يعمل به, ليوؤم امل�سلني ل�سالة

الفجر.

�سباح له �سرف الذي دواءه حامال املطبخ اإىل اجته عادته وعلى غري اليوم, ذلك

اأم�س.

وهو يف املمر املوؤدي اإىل املطبخ, ملح �سوءا يت�سرب من فتحات باب غرفة ابنه عي�سى,

وهو اآخر العنقود, واملدلل يف البيت.

حوقل احلاج يف نف�سه, وعلم اأن ابنه نام دون اأن يطفئ الأنوار, وهو ما ي�سكل هدرا

لإحدى نعم اهلل.

اأدار مقب�س الباب وفتحه, �سعق احلاج ملا راآه؛ كانت هناك فتاة عارية م�ستلقية على

ال�سرير.

ا�ستغفر احلاج ربه مما راأى, واأو�سد الباب ب�سرعة متاما كمن ي�سع اإ�سبعه على اإناء

يغلي.

وقف يفكر من دون اأن ترتك يده مقب�س الباب, اأح�س بحاجة اإىل دواء ال�سغط يف يده

الأخرى, لكنه مل يتحرك.

خطرت بباله اأ�سئلة عدة:

ـ من هذه؟ وماذا تفعل هنا؟ واأين عي�سى؟ األهذا ال�سبب ظل يطالب بغرفة خا�سة؟


20

كان عي�سى واأخوه الكبري ينامان يف غرفة واحدة, لكنه طالب منذ مدة بغرفة خا�سة

به, متعلال بحاجته اإىل اخل�سو�سية بعد اأن كرب, والهدوء للدرا�سة, واقرتح اأن يبنوا

له غرفة يف فناء البيت.

اخلادمة, غرفة فمنحوه دائما, قربها تريده اأنها اأولهما ل�سببني؛ ذلك الأم رف�ست

بنوا يف اخلارج غرفة للخادمة اآخر وجنحت فيه, حيث اأنها خططت ل�سيء والثاين

اإ�سافة اإىل مطبخ وخمزن, لي�سبح هناك مطبخان يف البيت؛ داخلي وخارجي.

عليها, كثرية تغيريات واأدخل اخلادمة, بغرفة قبل لذلك �سيء, ل من اأف�سل �سيء

ناق�سا, هو واحدا البيت, لكن هناك �سيئا اأ�سبحت غرفته املكان الأجمل يف وفعال

احلمام, لذلك ي�سطر عي�سى اإىل اخلروج من غرفته للذهاب اإىل بيت الراحة.

وحني فتح اأبوه باب الغرفة كان عي�سى هناك, دون اأن يخطر له اأن اأباه قد يطل عليه

يف هذه ال�ساعة.

خرج عي�سى من احلمام, كان الأب ليزال واقفا, تقابل الثنان, و�سادت بينهما حلظة

�سمت.

ال�سغرية, مل يعرف ماذا له حني يدخل مملكته ون�سي ما كان يخطط تلعثم عي�سى

يجب اأن يقول؛ فهو يعلم اأن اأباه قد يت�ساهل يف كل الأمور, اإل يف املحرمات.

داخل الفتاة �سمعته �سوتا اأ�سدرت خده على ب�سفعة اأفاق بالدوار, عي�سى �سعر

الغرفة, والتي كانت بدورها ترتعد خوفا وهي تبحث عن قطعة من مالب�سها الداخلية,

خباأها عي�سى كي ي�سمن بقاءها عارية.

قال احلاج ويده ترتفع ببطء:

ـ كيف تفعل ذلك واأبوك اإمام م�سجد, ماذا تركت لأبناء ال�سوارع يا ابن الكلب؟

وكانت هناك �سفعة اأخرى على وجهه تزامنت مع الكلمة الأخرية.

فعلته, على ندمه ليوؤكد اأبيه, ثوب بطرف مت�سبثا باكيا الأر�س على عي�سى جل�س

وي�سمن عدم تلقيه �سفعات جديدة, ومي�سح دموعه اأي�سا.


21

ـ ال�سيطان �ساطر يا اأبي, اأنت تعرفني يا اأبي, �ساحمني اأرجوك.

قالها عي�سى الذي كان ينتظر اأن ياأمره اأبوه بطرد الفتاة حال, ومن ثم ل يتحدث معه

�سهرا اأو اثنني, وتدريجيا تعود املياه اإىل جماريها.

لكن ما حدث كان خمتلفا, حيث قال احلاج:

ـ ا�سمع يا بني, لقد اأخطاأت, ولبد من ت�سحيح اخلطاأ.

�سكت برهة و�سمع ابنه يوؤكد كالمه قائال:

ـ طبعا يا اأبي, �ساأخرجها الآن من املنزل, واقتلني لو كررت فعلتي مرة اأخرى.

اأ�ساح احلاج بوجهه اإىل اجلهة الأخرى لئال ينظر اإىل ابنه, لربهة ظل يفكر, ثم و�سع

يديه على كتفي ابنه طالبا منه الوقوف.

قال الأب ب�سوت منخف�س, كمن يقول كالما لي�س مقتنعا به:

ـ �سنذهب الآن مع الفتاة اإىل بيت اأهلها, ونخربهم مبا حدث, ويف ال�سباح تتزوجان

على �سنة اهلل ور�سوله.

�سدم عي�سى مبا �سمع, فالأول مرة يف حياته ي�سمع باأب يجرب ابنه على الزواج بفتاة

لأنه اأخطاأ معها, فهذه الزيجات غالبا ما تكون باإ�سرار من عائلة الفتاة.

ـ كيف اأتزوجها يا اأبي, وقد �سبقني اإليها اآخرون.

قالها عي�سى لأبيه الذي ظل م�سرا على موقفه, موؤكداأ لعي�سى اأنه لن يكون ابنه اإذا مل

ينفذ ما يقول وي�سلح خطاأه.

يف الوقت نف�سه, كان عي�سى يتخيل ردة فعل والده لو علم اأنه اأخطاأ مع اأكرث من ع�سر

فتيات.

يتزوجها اأن وقرر امل�سجد, لإمام ابنا تكون اأن �سريبة هذه باأن نف�سه عي�سى اأقنع

ويطلقها بعد اأيام, وقال يف نف�سه:

ـ لعنة اهلل عليها, لبد اأنها �ستطري فرحا بهذا اخلرب.

دخل الثنان الغرفة, كانت الفتاة متدثرة بغطاء ال�سرير, اأخربها الأب مبا ينويه. لكن


22

وجه الفتاة تغري كاأنها �ساهدت جنيا اأمامها.

�سمت اجلميع فرتة, حتى قال احلاج:

ـ كل ما نريده اأن ن�سلح اخلطاأ ون�سرت عليك.

حتول هلع الفتاة اإىل ابت�سامة ل معنى لها, وقالت:

ـ لكنني ل اأريد الزواج بابنك.

�سعق احلاج, فقد توقع اأن ت�سرع الفتاة اإىل قدميه تقبلهما ملا يفعله لها.

اأما عي�سى فكانت مفاجاأته خمتلطة باأحا�سي�س عدة مثل ال�سعادة وال�ستغراب والغ�سب,

فكيف ترف�سه خ�سو�سا بعد اأن اأخذ منها ما يريده الرجال عندما يتزوجون.

ت�ساءل احلاج م�ستغربا عن �سبب رف�سها, فعللت ذلك قائلة:

ـ اأهلي �سيقتلونني ل حمالة, ورمبا يقتلون را�سد اأي�سا.

ت�ساءل الأب بعد اأن التفت اإىل ابنه:

ـ ومن هو را�سد هذا؟

كان عي�سى ينظر اإىل اأ�سفل, بينما كانت الفتاة حتدق فيه بنظرة مت�سائلة عن �سبب

هذه الكذبة, وقالت:

ـ ما هو ا�سمك يا را�سد؟

يلقي خطبة وكاأنه بثقة وحما�س الآن, فقال لي�س مهما لكن ذلك الأمر, فهم احلاج

اجلمعة:

ـ ل تخايف يا ابنتي, �ساأ�سرح لهم الأمر, و�ساأكون معكما ولن يح�سل اأي مكروه اإن..

لكن الفتاة قاطعته, وقالت ما جعل عي�سى يقفز دون وعي ليحت�سن اأباه, اإل اأن الأخري

�سده واأخرج تنهيدة طويلة.

توجه احلاج اإىل الباب وعبارة الفتاة الأخرية ترن يف اأذنيه من دون توقف حتى وهو

يف املطبخ:


23

ـ لكنك ل تفهم يا عمي.. اأنا متزوجة.


24

الحوار الذي أبكى السجين النائم


25

اأن يراه يف فوجئ بروؤية خليل يف هذا املكان.. مل يكونا �سديقني, لكنه مل يخطر له اأبدا

توقيف املحكمة بدبي, حيث ينتظر املتهمون اأدوارهم لدخول قاعة املحكمة.

مل يكن �سبب ا�ستغرابه اأن خليل اإن�سان مهذب ل عالقة له باجلرائم وال�سجون, فالأخري

ترعرع يف هذه البيئة, حتى اأنه الآن ميازح احلرا�س كاأنهم اأ�سدقاء طفولة.

�سجن يف �سخ�سني بني يدور القلب يفطر حديثا �سمع اأنه فقط �سهر قبل يتذكر لكنه

ملوقوفني ينتظرون اأحكامهم مبركز �سرطة الرا�سدية بدبي.

كانت الدموع تبلل حوارهما, اأح�س بذلك وهو م�ستلق يف الطابق العلوي لأحد ال�سريرين,

وي�ستن�سق دخان ال�سجائر الذي مل يجد مكانا يخرج منه ف�سكل �سحبا يف الزنزانة, وكان كل

منهما يجل�س على �سريره يدخن, معتقدين اأن زميلهما نائم.

ويذكر »امل�ستمع النائم« جيدا اأن خليل قال ل�سديقه يعقوب و�سوته يدل على وجود دموع

على خديه:

ـ ملاذا فعلنا ذلك, ما ذنب زوجتينا واأبنائنا, ليحرموا منا اأربع �سنوات؟

فريد عليه يعقوب ب�سوت متقطع بعد تنهيدة طويلة:

ـ لقد دمرنا عائلتينا.. نحن حيوانان, �سيعنا نف�سينا وعائلتينا ب�سبب املخدرات.

ـ لي�ست هذه املرة الأوىل التي اأ�سجن فيها, لكنها خمتلفة هذه املرة.. فطفلي عمره �سنة, هل

�سيكرب دون اأن يرى وجهي بو�سوح ب�سبب الق�سبان؟

كان احلديث موؤثرا, وفيه ندم �سادق, وعبارات عن اأن هذه املرة �ستكون الأخرية, لكن اأربع

اأح�سان �سنوات من احلرية يف اأربع اأو كما متر ال�سجن لن متر ك�سربة ماء, �سنوات يف

العائلة والأ�سدقاء..


26

حديثا, متزوج اأي�سا فيعقوب حديثهما, اإىل ي�ستمع وهو البكاء و�سك على »النائم« كان

وينتظر طفلة يف ال�سهور املقبلة, والتحاليل التي ل تكذب ول جتامل اأو ترحم تثبت تعاطيهما

املخدرات, والقا�سي �سينظر اإىل الأدلة, ولن ياأخذ عائالت املتهمني بعني العتبار, حتى واإن

كان لدى كل واحد منهما اأربع زوجات على و�سك الولدة.

بعد هذا احلوار باأيام حكمت املحكمة على الثنني بال�سجن اأربع �سنوات, ومت نقلهما اإىل

اأن �سجناءه ال�سرطة �سوى يف ال�سجن املركزي بدبي, والذي ل يختلف عن توقيف مركز

يعلمون حمكومياتهم.

بانق�ساء اأ�سبوعني فقط, حدث اأمر غريب, مت الإفراج عن خليل ويعقوب بعد �سدور عفو

عام عن جميع ال�سجناء املحكومني يف هذه النوعية من الق�سايا, مهما كانت الفرتة التي

اأطلق �سراحهم بعد ق�ساء يوم واحد فقط يف ال�سجن اأم�سوها, حتى اأن هناك اأ�سخا�سا

املركزي.

وها هو خليل يجل�س الآن يف توقيف املحكمة مرثثرا مع جميع من يعرفهم وكاأنه موظف عاد

اإىل العمل بعد اإجازته ال�سنوية. اجته »الزميل النائم« اإىل خليل, وبعد الأح�سان وال�سالم,

�ساأله:

ـ ماذا ح�سل, ملاذا عدت ب�سرعة؟

قال خليل وهو يزم �سفتيه, ويطوح براأ�سه ميينا و�سمال:

ـ عندما كان »مايكروفون« ال�سجن املركزي يعلن اأ�سماء امل�سمولني يف العفو, كنت يف احلمام

اأ�ستعد حلقن نف�سي بــ»الـاجلرد«.

ـ هريوين يف ال�سجن املركزي؟!

ـ اأحيانا يكون �سعره اأرخ�س يف الداخل لوفرته.

قالها خليل �ساحكا, واأكد اأنه خرج من ال�سجن وهو حتت تاأثري املخدر, ويف اليوم التايل,

كان يعاين »اخلرمة« اأو الأعرا�س الن�سحابية التي تفتك باجل�سم املحتاج اإىل هذا ال�سم,

فلم يجد اإل اأن يتعاطى, وكذلك فعل يف اليوم الثاين والثالث والرابع..

لكن بعد اأ�سبوع من احلرية, األقي القب�س عليه, بينما كان يجل�س مع بع�س »زمالء املهنة«

يتعاطون, وكان من بينهم اأحد املخربين.

قال املتفاجئ يف نف�سه:


27

ـ كم هو خرب حمزن, لكن احلمد هلل؛ فعلى الأقل يعقوب يجل�س مع عائلته الآن, وبالإرادة

ميكن ترك كل �سيء.

و�ساأله عن اأخبار �ساحبه يعقوب, فقال خليل وهو ي�سحك مبا ي�سبه �سحكة املنت�سر:

ـ يعقوب حطم الرقم القيا�سي, فقد مت القب�س عليه بعد يومني من اخلروج فقط, وهو نائم

يف توقيف مركز بردبي الآن.


28

حب و»بالوي« أخرى


29

»ماذا اأفعل؟ اأحبها, ول اأملك اجلراأة مل�سارحتها«. قالها نا�سر لبن خالته واأعز اأ�سدقائه حممد,

وهما يجل�سان يف »كويف �سوب« يف »مريكاتو مول« القريب من �سكنهما.

حممد ل يعمل, تخرج من الثانوية وقرر اأخذ »فرتة نقاهة« ملدة �سنة, وبعدها, ولأنه ل يريد

العمل, حتجج باأن موا�سلة الدرا�سة اأهم, فلم يكن هناك اأف�سل من اأن يكمل الدرا�سة يف جامعة

خا�سة يف الفرتة امل�سائية ل�ساعتني اأو ثالث, ما يتيح له �سهر الليل, و�سخري النهار.

اأما نا�سر فطالب بال�سنة الأخرية يف الثانوية العامة, يح�سر اإىل »مريكاتو« اأكرث من املوظفني,

فهم يح�سلون على اإجازة اأ�سبوعية, ل يحتاجها هو؛ فاحلب طاقة نووية بداخله.

ويوؤكد دائما ل�سديقه الذي اأبدى رغبته يف تغيري املكان والذهاب اإىل »مول الإمارات« اأو »دبي

مول« اأنه م�ستعد لأن يق�سي ما تبقى من حياته يف حمامات »مريكاتو«, ليحظى بنظرة من عيني

فتاته التي تاأتي اإىل هنا مع اأخواتها مرة اأو اثنتني يف الأ�سبوع, دون اأن يخطر لها اأن هناك من

ي�سجل ح�سوره يف املكان يوميا, لرياها فح�سب.

م�سكلة نا�سر اأنه خجول, بعك�س ابن خالته الذي ل يرتك فتاة متر اإل وينظر يف عينيها بتحد,

وبعد اأن تتخطاه يتعقبها بنظراته رغم وجود ع�سرات النا�س حوله. حتى اأنه تربع ليذهب اإىل

الفتاة ويعطيها رقم هاتف نا�سر, لكن العا�سق الولهان رف�س ب�سدة, فمن ذا الذي ير�سى اأن يبداأ

ق�سته مع حبيبته جبانا خجول, كاأنه هو الفتاة؟

يف ذلك اليوم, وبعد اأن طفح الكيل مبحمد من »مريكاتو« ونا�سر وق�سة حبه والفتاة التي يحبها,

فقد وهب نا�سر ل�سانه لهذا املو�سوع ومل يعد يتحدث يف غريه, اقرتح حممد بعد اأن ارت�سف

من قهوته:

ـ ا�سمع, تعال عندي الليلة, واأنا اأوؤكد لك اأنك �ستكون كازانوفا غدا �سباحا, بل ورمبا جيم�س

بوند اأي�سا.


30

واأبدى حممد ا�ستعداده لإح�سار امل�سروبات الكحولية اإىل غرفته هذه الليلة فقط من اأجل عيني

�سديقه وابن خالته, واأنهما �سيثمالن حتى ال�سباح, بعد ذلك �سيتقدم نا�سر اإىل الفتاة وهي

تنتظر حافلة املدر�سة, ودون �سك �سيكون جريئا ليف�سح عن حبه لها.

نفخ نا�سر خديه قليال وزم �سفتيه وهز راأ�سه ومتتم بجملة دينية مل ي�سمعها حممد بو�سوح,

فاأ�ساف:

ـ رمبا تدفعك جراأتك بعد ال�سرب اإىل حتطيم اأبواب املدر�سة, واقتحام طابور ال�سباح, واأخذ

املايكرفون من املديرة, واجللو�س على ركبتيك, والعرتاف اأمام اجلميع باأنك حتب فتاتك حتى

النخاع.

وافق نا�سر بعد حماولت حممد الطويلة, فهو يعلم اأنه لن ي�ستطيع فعلها وهو يف كامل قواه

العقلية, وقد �سبق اأن �سنحت له فر�س عدة كان ي�ستطيع خاللها النفراد بها والبوح مبا يحمله

لها يف �سدره, فكثريا ما ترتك الفتاة اأخواتها وتتجه اإىل احلمام, حتى اأنه قابلها مرات عدة وجها

لوجه ومل ي�ستطع حتى اأن ينظر يف عينيها ويبت�سم.

قرر نا�سر اأن ي�سرب اليوم, واليوم فقط, لأنه م�ستعد ل�سرب ال�سم ل اخلمر فح�سب, فداء حلبه.

وقال يف نف�سه:

ـ قليل من اجلراأة, هو كل ما اأحتاجه, واهلل غفور رحيم.

ات�سل نا�سر باأمه يعلمها اأنه �سيبيت عند ابن خالته كي ل تقلق, واأخربها اأنه �سيو�سله �سباحا

اإىل املدر�سة.

ليال ويف غرفة حممد, جل�س الثنان اأمام التلفزيون, واأمامهما طاولة �سغرية, عليها زجاجتا

»فودكا« و»تكيال«, وعبوات عدة من م�سروب الطاقة »ريد بول«, و�سيب�س امللح واخلل وبع�س

املك�سرات والليمون.. وكي�س كبري من الثلج, وفنجانا قهوة فارغان!

مل يتكلم نا�سر, وكاأنه بنت يف ليلة دخلتها. �سب حممد الكاأ�س الأوىل وقال وكاأنه ابتداأ �سرب

اخلمر بر�ساعته وهو طفل:

ـ الفودكا ل يك�سر طعمها اإل الريد بول.

وناول الكاأ�س لنا�سر الذي قال يف �سره كما تعود:


31

ـ ب�سم اهلل الرحمن الرحيم.

وثم تذكر اأنه �سي�سرب خمرا ل ماء زمزم!

بعد كوؤو�س عدة من الفودكا التي مل يكن طعمها بذلك ال�سوء, و�سع حممد اأمام نا�سر الفنجان

وفيه »تيكيال« وبجانبه قطعة ليمون وقال:

ـ ا�سربه دفعة واحدة, ل حتاول اأن تتذوقه, وم�س الليمونة بعد اأن تنتهي مبا�سرة.

اتبع نا�سر التعليمات, لكن ما هذه احلرارة؟ هناك نار بداخله, دفعته ليقول, وهو ي�سع الفنجان

على املن�سدة م�سندا ظهره اإىل خلف وعيناه تتالألآن بالدموع:

ـ األ تكفيني نار احلب يا ولد اخلالة؟

يف ال�سباح, لب�س »كندورته« وتعطر وو�سع »علكة« يف فمه, خرج ببطء حماول األ يرتنح. احلركة

عادية, حافالت ذاهبة ومقبلة, النا�س يتجهون اإىل اأعمالهم, و�سل اإىل املكان املحدد, وقف

منتظرا, وها هي حبيبته تخرج, مت�سي قليال اإىل اأن ت�سل ال�سوبرماركت ال�سغري.

من هذه اللحظة لي�س اأمامه �سوى دقيقتني اأو ثالث على اأف�سل تقدير قبل و�سول احلافلة, هو

متاأكد من ذلك, فطاملا تاأخر عن مدر�سته وهو يتحرى ظهور بدر البدور!

اأ�سرع نا�سر اإليها, مرت �سيارة �سرطة اأمامه, مل يكرتث لها, فقد كان يفكر يف ما �سيقول رغم

اأنه كان ح�سر منذ اأم�س اأ�سياء كثرية �سيقولها, كان واثقا من اأنه ي�ستطيع اأن يقول كل �سيء, لأن

لديه من اجلراأة الآن ما يكفيه ليقفز مبظلة �سم�سية من فوق »برج العرب« الذي يراه �ساخما يف

هذه اللحظة وهو يتجه اإليها.

بداأ ي�سعر بالغثيان, فقال يف نف�سه:

ـ لبد اأنها لوعة احلب.

و�سل اإليها, اقرتب منها حتى �سم رائحة »�سامبو« �سعرها. احمرت وجنتاها وابت�سمت وهي تلتفت

حولها, واأخذت خطوة اأو اثنتني اإىل اخللف, اقرتب منها اأكرث, وقال ب�سوت مبحوح:

ـ اأنا..

مل ي�ستطع نا�سر اأن يخرج ما يف قلبه, فقد خرج كل ما يف بطنه قبل ذلك.. ومل تذهب هي اإىل

املدر�سة.


32

الحقيقة ليست مرة فقط


33

الذي ما ويتخيل عنها, �سمع اأن منذ بها يحلم كان الإخفاء«, »طاقية وجد اأخريا

لو ح�سل عليها. فعله �سيتمكن من

كاأنها قبعة م�ستعملة مت الهند, بدت له هدية من اأح�سرتها اأمه اإليه م�سادفة, و�سلت

الغريبة. القبعات اأحب تنظيفها يف مغ�سلة خم�س جنوم. كان �سكلها غريبا, ولطاملا

مل ينتبه اإىل اأنها تخفيه اإل عندما ارتداها اأمام املراآة. مل ي�سدق ذلك يف البداية, ظن

يحلم. اأنه

تاأكد من ذلك يف اليوم نف�سه عندما كان م�ستلقيا على ال�سرير وفتحت اأمه باب الغرفة

واأطلت براأ�سها, ثم اأغلقت الباب وظلت تناديه وتبحث عنه يف اأرجاء البيت.

كان �سعيدا جدا, �سي�ستطيع اأن يعرف اأ�سياء كثرية, لكن عليه اأن يكون حذرا, واأل يقوم

باأ�سياء غبية قد ترعب الآخرين, كاأن يفتح الباب اأمامهم وهو خمتف.

اأنه واأخربهم املاجنا, مع الربتقال ع�سري وطلب بالكافترييا ات�سل اليوم ذلك ع�سر

بنف�سه. لياأخذه �سيح�سر

�سديقتها مع الهاتف يف ترثثر ال�سالة يف اأمه جتل�س كانت غرفته خمتفيا, من خرج

اأنها تخربها عن �سفرتها الأخرية. كالعادة, لبد

اأراد اإكمال طريقه لكن احلوار �سده, رغم اأن ما ي�سمعه كان من طرف الأم فقط:

ـ اأقول لك اإنه اأراد ممار�سة و�سعيات جديدة يف ال�سرير اأم�س.

ـ ...

ـ نعم, لكن يف هذه ال�سن؟


34

ـ ...

ـ ح�سنا, �ساأدعه يجرب يف املرة املقبلة.

ـ ...

ـ رمبا بعد �سهر اأو اثنني.

ـ ...

�سحكت الأم �سحكة جملجلة كراق�سة يف فيلم م�سري قدمي, وقالت:

ـ تعرفني الرجال يف هذه ال�سن.. يف ال�سنة ح�سنة.

جن�سية اأو�ساع تخيلها يف عينيه, من اأمه �سقطت ما هذا؟ اأكرث, ال�ستماع ي�ستطع مل

لها اأرقام واأ�سماء حيوانات وبلدان.. مل يخطر له ذلك �سابقا. وكاأنه كان يعتقد اأن اأمه

و�سقيقته الأكرب و�سقيقه هو اأجنباه عندما فقط, مرات ثالث بع�سهما مع ناما واأباه

الكربى املتزوجة. قال يف نف�سه:

ـ اأمي داعرة.

املراأة اختفت �سورة اأن بعد لديه, تتغري �سورتها اجلديدة اأن دون ب�سرعة, نف�سه وبخ

يكفي لديها من احلنان ما والتي اأبنائها, ب�سعادة تفكر �سوى التي ل العفيفة الطاهرة

اأو بالأحرى اأكرث احلنان واحلب لأبيه, اأنها متنح لتوزعه على العامل كله, وات�سح الآن

اأبيه. لأ�سياء

ال�سعريات غزت وقد ي�ستحي األ الو�سعيات, ممار�سة يريد الذي اأبيه عن ماذا ثم

وذقنه؟ راأ�سه البي�ساء

مل يكن يرى اأباه راهبا, وطاملا اعتقد اأن له عالقات غرامية خارج البيت, مل يغظه ذلك.

لكن عالقات وو�سعيات داخل البيت, ومع من؟ مع زوجته واأم اأبنائه!

راأ�سه, يف تدور عدة واأ�سئلة ال�سيئة, الأفكار هذه على نف�سه يلوم وهو البيت, غادر

منها: هل �ستعود �سورة اأمه اإىل ما كانت عليه, وما هي الو�سعية املف�سلة لأبيه؟

مع بيته دكة على يجل�س �سديقه راأى الكافرتيا, حيث ال�سارع اإىل املوؤدية ال�سكة يف

بـ»�سعود حرامي«. اآخر ملقب �ساب


35

لها بها, يخططان �سيقومان يتحدثان عن عملية كانا به, ي�سعرا اأن دون قربهما وقف

الليل ويف عدة, اأمتارا املحل عن يبعد الذي البقالة خمزن على ال�سطو يومني؛ منذ

نادرا ما مير اأحد يف املكان, وحده �ساحب اأحد البيوت يف تلك ال�سكة, يعود يوميا يف

يقف الباب, ي�سل حتى مغنيا, يرتنح وهو »التاك�سي« �سيارة من ينزل �سباحا, الثانية

واقف اأنه اأحيانا يكت�سف يجده وعندما جيوبه, كل املفتاح يف عن يبحث قليلة دقائق

عند باب اجلريان!

كانت اخلطة ب�سيطة, ينتظران ال�سكري حتى يجد بيته, ثم يك�سران قفل الباب اخل�سبي

القدمي, ويحمالن ما قل حجمه وكربت قيمته ـ مثل ال�سجائر ـ يف �سيارة �سعود حرامي

يف عالقاته م�ستغال الأغرا�س هذه وبيع بت�سريف بدوره �سيقوم والذي الـ»فورويل«

الو�سط.

»�سديقي ل�س؟« ت�ساءل مطوحا راأ�سه ميينا و�سمال وهو يرتكهما. و�سل اإىل الكافترييا

وهو ليزال يفكر يف �سديقه الل�س, واأمه واأبيه وو�سعياتهما.

كل يف ي�سمعوه لن واأنهم خمتف, اأنه تذكر لكنه التحية اإلقاء اأراد الكافترييا, دخل

وع�سائرهم لذيذة �سندويت�ساتهم الكافترييا, هذه من ياأكل طويلة ل�سنوات الأحوال.

طازجة.

الع�سري, خرج كبري التي ت�سنع اآلة اخلالط �سمع زمورا من اخلارج غطى على �سوت

ال�سائق الذي �سرخ قائال: اإىل املوظفني عبدالرحمن

اأريد الطماطم واخل�سار يف اأكرر لكم: ل اأن اإىل متى �ستظلون حمريا, كم مرة علي ـ

ال�سندويت�سات.

املختفي, يفهمها بلغة مل �سندويت�سني متمتما الداخل وهو يحمل اإىل عاد عبدالرحمن

اأم ال�سائق. اأنها كانت �ستائم, غالبا بحق اإل

واخل�سار الطماطم منهما و�سحب ال�ساندوي�ستني اأوراق من عبدالرحمن تخل�س

وابت�سما معا, وبعدها ب�سق الع�سري الذي ي�سنع اإىل �ساحبه التفت ثم باأ�سابعه, ومن

بالـ»مايونيز«. اللعاب اختلط حتى عليهما و�سغط فيهما

املختفي ظل اأعدهما. الذي غباء من ومعتذرا مبت�سما �ساحبهما اإىل ليعيدهما خرج


36

الذي والربتقال املاجنو اأنه ع�سري لبد الع�سري, �سنع من انتهى الذي الرجل يراقب

يحبه.

اأن اإل الع�سري, فلم يجد الكوب و�سال منه الورقي حتى فا�س الكوب الرجل يف �سبه

ي�سرب قليال من الكوب, ويلح�س الأطراف بل�سانه, ثم ينظفها باأ�سابعه, ويغلقه وي�سعه

يف كي�سه بانتظار قدوم �ساحبه, الذي خرج من الكافترييا مقررا األ يعود اإليها جمددا,

وهو يت�ساءل عن كمية اللعاب التي دخلت جوفه طوال تلك ال�سنني.

عاد اإىل املنزل, كانت اأمه لتزال تتحدث يف الهاتف, وا�سل طريقه اإىل غرفته ب�سرعة

اأخرى عن حياتها اجلن�سية. اإىل تفا�سيل حتى ل ي�ستمع

معه ودخل ب�سرعة فلحقه اإىل غرفته, يتجه وهو الكبري اأخيه �سمع �سوت دقائق بعد

قبل اأن يقفل الباب.

خلع الأخ ثيابه واكتفى بالإزار, جل�س اأمام �سا�سة الكمبيوتر بعد اأن و�سع الـ»يو ا�س بي«,

وفتح امللفات حتى و�سل اإىل ما يريد؛ لقطات من اأفالم خليعة.

اأراد اأن يخربه اأن لي�س من حقه اأن ي�سربه مرة اأخرى ب�سبب الأفالم, فمنذ مدة اكت�سف

الأخ الكبري مقاطع خليعة يف هاتفه, ف�سربه كاأن بينهما ثاأرا قدميا, ومن يومها وهو ل

ي�ساهد هذه الأفالم, اإل يف هواتف اأ�سدقائه.

الإزار م�ستخدما خفيفة تاأوهات وي�سدر منتظمة, غري الآن الأخ اأنفا�س هي وها

ملداعبة ما حتته.

التي اللقطات فجميع ا�ستغرابه؛ رغم اأي�سا م�ستثارا اأخيه مع يتفرج املختفي كان

واأ�سواط.. و»كلب�سات« و�سال�سل �سوداء فيها جلود �سادية م�ساهد كانت الأخ, عر�سها

ما جعله يقول يف نف�سه:

اإن�سان طبيعي, اأحب اجلن�س الطبيعي. اأنا ـ على الأقل

اأخوه. اأي�سا, كما يفعل بداأ املختفي يداعب نف�سه الوقت ولتم�سية

علت تاأوهات الأخ الكبري, و�سحب بع�س املناديل الورقية, ومن ثم اأغلق اجلهاز, فازداد


37

حبيبته يف مفكرا بخياله, م�ستعينا بداأه ما ينهي اأن ا�سطر فقد ال�سغري, الأخ غيظ

التي يحدثها يف الهاتف منذ �سهور عدة.

اأ�سوار عامل حبيبته, اأنه ي�ستطيع اقتحام اأول ما خطر له عندما علم بقدرة »الطاقية«

مل يكن قادرا على النتظار, هذه الفتاة اأ�سرته باأنوثتها, لي�ست نحيفة ول �سمينة, اإنها

يف منطقة يف الو�سط, مميزاتها كبرية ومثرية.

�سيء كل ينوم اأن بعد اإل النوم من يتمكن فال ينام, اأن قبل عارية يتخيلها يوميا

خياله اإىل يحتاج ولن غرفتها, ويدخل بيتها يف �سيزورها اليوم لكن فيه. م�ستيقظ

بعد الآن.

كان اأخرى. مرة وخرج »الطاقية« و�سع غرفته, ودخل �سينام اأنه تظاهر الع�ساء بعد

ليلة لها متمنيا اخلط اأقفل بيتها, اإىل انتهى حتى املتحرك هاتفه من معها يتحدث

�سعيدة.

بع�س الأبواب كانت مفتوحة وبع�سها الآخر وقف اأمامها منتظرا اأن يفتحها اأحد. وفعال

»كمبيوترها« حتدث اإىل جتل�س وهي مفتوحا بابها كان التي حبيبته غرفة اإىل و�سل

الـ»م�سنجر«. عرب �سديقاتها

ظل يقراأ كل ما يكتب وهو ي�سم رائحتها, كان وا�سحا اأنها خرجت من املطبخ للتو.

انتظرها حتى دخلت احلمام لتاأخذ حمام ما قبل النوم. قال لنف�سه:

ـ الآن �سيبداأ امل�سهد الذي �سين�سيني كل ما راأيته اليوم.

لكن الآن, عارية ها هي ذلك. تفعل اأن قبل م�ستثارا كان مالب�سها, خلع الفتاة بداأت

فجاأة غابت عنه الإثارة! ت�ساءل:

ـ ما هذا؟

اأكرب من كر�سه, وثدياها متدليان وبعيدان اإن كر�سها اأين املوا�سفات الكبرية واملدورة,

اأ�سغر حجما ال�سفلي ق�سمها التنا�سق؟ اأين ثم وكاأنهما يف خ�سام, بع�سا بع�سهما عن

ما كل مفاتنها مب�ساعدة واإبراز عيوبها اإخفاء ناجحة يف كم هي العلوي.. ق�سمها من


38

ترتديه. وفجاأة �سرخ دون اأن ت�سمعه:

ـ ل اأرجوك, ماذا تريدين اأن تفعلي.. انتظري.

بالغثيان, �سعر الطبيعة! نداء تلبي وبداأت »الإفرجني«, الكر�سي على الفتاة جل�ست

قائال: بيديه فغطى وجهه

ـ ل لي�س اأنت, اأريد اأن اأخرج من هنا.. مل اأكن اأعلم اأنك تتغوطني!

اإىل »الطاقية«, كانت التفت التايل يف غرفته, كان مزاجه �سيئا, اليوم ا�ستيقظ �سباح

الغرفة. اأر�سية باإهمال على ملقاة

اإليهما, اأمه واأباه يجل�سان اإىل طاولة الطعام, دعواه لالن�سمام اإىل ال�سالة, راأى خرج

�ساأله عن درا�سته, وحثاه على الجتهاد اأكرث, ثم �ساأله الأب بعتاب:

ـ ملاذا ل اأراك يف امل�سجد كثريا, كما اأرى اأخاك؟

للتو: الولد وكاأنه ا�ستيقظ من نومه فقال

ـ عفوا اأبي, مل اأ�سمع ما قلت.

منه �ستخرج التي الإجابة كانت فقد الأب, �سوؤال على الإجابة يرد مل اأنه واحلقيقة

تقول:

الو�سعيات على طاولة اإحدى لتمار�س تنتظر خروجي واأنت ال�سالة ـ هل حتدثني عن

الطعام؟

قاطعهما �سوت الأخ الأكرب وهو ي�ساأل مبجرد دخوله:

ـ هل علمتم مبا حدث؟

منزله قرب ليال وجدوه الذي ال�سكري لذلك وقع مبا فاأخربهم اجلميع, اإليه التفت

التي زمان اأيام ال�سغري, على الأخ با�ستثناء راأ�سه, فرتحم اجلميع, تنزف من والدماء

اأبواب اإقفال اإىل حاجة يف يكونوا مل اأنهم لدرجة اأمان يف يعي�سون فيها النا�س كان

منازلهم, حتى وهم يف اخلارج.

علم �ساحب »الطاقية« اأن الرجل يرقد يف امل�ست�سفى, واأنه اأفاد باأنه عاد اإىل البيت يف

واألقى اإليهما فاجته البقالة, م�ستودع باب ك�سر يحاولن اثنني وراأى الثالثة, ال�ساعة


39

راأ�سه, ثم هربا. اأحدهما ب�سربة بعمود حديدي على التحية, فعاجله عليهما

لكن يبلغ عنهما؟ يفكر هل بال�سبط. ظل ما حدث يعلم الذي الوحيد اأنه متاأكدا كان

األن يعترب مت�سرتا هل يدخل �سديقه ال�سجن؟ واأي�سا كيف �سيف�سر معرفته بالأمر؟ ثم

على جرمية؟ وماذا اإن مات الرجل.. اأ�سئلة كثرية مرت بباله.

بعد دقائق عاد اإىل غرفته, تناول القبعة واجته اإىل املطبخ, ومن ثم اإىل خلف املنزل.

نارا, ووقف يحدق فيها قليال, بينما ينقل نظراته بينها وبني »الطاقية«. اأ�سعل


40

»حسون بوراس والوحش«


41

»يا قليلة احلياء, تريدين اأن تدفني روؤو�سنا يف الطني« كان ح�سن يقولها وهو ي�سرب اأخته يف

اأي مكان تطاله يداه, كان الطق�س حارا يف فناء البيت, والعرق يت�سبب من جبهته وين�ساب

على وجهه حتى يختفي يف حليته التي اأطلقها منذ مدة طويلة, حني تويف اأحد اأ�سدقائه

يف حادث �سيارة.

كانت اأخته حتاول اأن حتمي وجهها وهي تبكي, �سائلة عن ال�سبب. توقف ح�سن عن ال�سرب

لهثا وقال:

ـ يا �سافرة, تظهرين �سعرك اأمام الرجال,

واأكمل ما ميار�سه با�ستمرار على اأخواته واإخوانه, ظل ي�سربها وهي تنفي التهمة عنها, فقال

وهو م�ستمر يف ال�سرب:

ـ اأمل يظهر �سعرك اليوم عندما نزلت من حافلة املدر�سة؟ ل تنكري, �ساهدتك بعيني التي

�سياأكلهما الدود.

تذكرت الأخت ما جرى, فعال كان الهواء قويا حني ترجلت من احلافلة, فانح�سر حجابها

اأ�سلحت و�سع احلجاب, قليال اإىل الوراء وظهرت بع�س خ�سالت �سعرها, لكنها ب�سرعة

وعادت اإىل املنزل, ول�سوء حظها كان ح�سن يغادر امل�سجد يف الوقت نف�سه, وراآها.

�سرحت له كل �سيء, فقال وهو ي�سع يديه على خ�سره ناظرا اإليها:

ـ ظهر �سعرك اأمام الرجال, وهذا ل يجوز, كان يجب عليك اأن تتاأكدي من اأن احلجاب لن

يتحرك حتى واإن كنت خارجة من اإع�سار.

كانت الأم تراقب ما يحدث وهي حترك راأ�سها ميينا و�سمال وحتوقل ب�سوت خافت.

اأما الأخت الكربى فحاولت اأن تدافع عن اأختها وقالت:

ـ ما حدث مل يكن مق�سودا يا اأخي, فال داعي اإىل كل هذا.


42

التفت ح�سن اإليها وهو يرفع حاجبيه وي�سع و�سط وجهه ابت�سامة عري�سة نادرة:

ـ اهلل اأكرب, منذ متى ظهر لك هذا الل�سان, هل تريديني اأن اأقطعه لك الآن؟

دخلت الأخت املبنى, تبعتها الأم, ورتب ح�سن نف�سه و»كندورته« الق�سرية ونظر اإىل الأخت

املتكورة على نف�سها يف الركن, اأح�س اأنه م�سيطر على الو�سع, فاأ�سعل �سيجارة وخرج.

الوالد, وفاة بعد البيت رجل هو وقوته, ق�سوته جانب فاإىل ح�سن, يهابون اجلميع كان

وكانت اأعذاره واأ�سبابه لالعتداء عليهم مدعمة بن�سو�س دينية. لذلك يتحا�ساه جميع من

يف البيت.

ذهب ح�سن اإىل البقالة ل�سراء اللنب للغداء, راأى اأربعة �سبان يهرولون نحوه ب�سرعة, اأوقفوه

قبل اأن يفكر يف الهرب, وقال زعيمهم »�سامي الوح�س« م�سريا اإىل راأ�س ح�سن:

ـ �سحيح اأن لقبك ح�سون بو را�س, لكن ل تدع الألقاب تغرك, فهذا الراأ�س الكبري ي�سهل

ك�سره.

بية »الفريج«, فقال علم ح�سن اأنهم قادمون لينتقموا منه ب�سبب اعتدائه بال�سرب على �س

بعد اأن بلع ريقه, وببطء �سديد, ليمنح نف�سه فر�سة للتفكري:

ـ وعليكم ال�سالم ورحمة اهلل وبركاته.

اأ�سبحت مالمح »الوح�س« اأكرث حدة واأم�سك ح�سن من ياقته وجذبه اإليه حتى كاد اأنفاهما

يتالم�سان, وقال:

ـ اإن �سربت اأحد ال�سغار مرة اأخرى, �ساأجعل منك حكاية الفريج يف ال�سنوات املقبلة.

ويف اإل بيته من يخرج ول امل�ساكل, اأ�سحاب من اأنه الوح�س« »�سامي عن معروفا كان

جيوبه اأ�سلحته البي�ساء التي ت�سبح حمراء بعد ال�ستعمال. ويذكر اأنه اأودع ال�سجن مرات

عدة, كانت اآخرها ملدة �ستة اأ�سهر ب�سبب م�ساجرة طعن فيها اأحدهم, واأدانوه بال�سروع يف

القتل.

قال ح�سن وقد بداأ يفقد اأع�سابه واإميانه:

ـ لكنني فعلت ذلك مل�سلحتهم, كانوا يلعبون وقت الأذان, فكان لبد من اإعطائهم در�سا.


43

ترك »الوح�س« ياقة ح�سن, واأم�سك بيده واأخذ منه ال�سيجارة, وقال:

ـ اأخذتها منك للم�سلحة العامة, فهذه ال�سيجارة ت�سر ب�سحتك و�سحة الآخرين.

دوائر م�سكال اأعلى اإىل فمه من الدخان ينفث وهو وتابع ال�سيجارة, من »نف�سا« واأخذ

عدة:

ـ وكذلك تفعل الأفالم اخلليعة التي تاأخذها من خلود دبلكيت.

ومن ثم مرر �سامي ال�سيجارة اإىل اأحد رفاقه وقال:

ـ خذ دخن, اأنت حتب هذا النوع.

اأ�سبحت الأمور حقيقية ووا�سحة اأمام اجلميع. لكن ح�سن قال وهو ي�ستنجد مب�سبحة من

جيبه ليخفي توتره:

ـ اأ�ستغفر اهلل.. عموما لن اأتدخل يف �سوؤون هوؤلء مرة اأخرى.

ظهرت عالمات الن�سر على وجه »الوح�س« وقال وكاأنه يريد اأن يعمق جراح ح�سن:

ـ ح�سنا, ومع ذلك لو راأيتك تدخن مرة اأخرى, فلن اأحتدث معك, لأنني �ساأكون م�سغول باأن

اأجعلك تاأكل الرتاب.

يف هذه الأثناء, كانت الأم واأولدها جمتمعني يف غرفتها, يفكرون يف حل ينقذهم من بط�س

ح�سن, واقرتحت الأخت الكربى اأن ياأخذوه بغتة وهو نائم ويوثقوه وينهالوا عليه �سربا حتى

يتاأدب, وقالت:

ـ ميكننا اأن ن�ستعني بخايل مبارك لي�ساعدنا.

وكان اجلميع �سامتني يقلبون الفكرة يف روؤو�سهم.


44

حيوان منوي لعين


45

»اأنا حامل.. ما العمل؟«.

اأ�سعل �سيجارته بعد اأن قراأ »امل�سج«, رغم اأنه مل يعتد التدخني حني ي�ستيقظ. جل�س على

الر�سالة, فرمبا تكون هناك عالمة مزاح و�سعتها �سديقته مل اأعاد قراءة ال�سرير يفكر,

ينتبه اإليها, لكن ل �سيء من هذا.

مرت اأكرث من �سنة على عالقتهما, وها قد حملت وحدث ما كان يخ�ساه, لكن كيف؟ ظل

يحاول اأن يتذكر الليلة التي مل يلتزما فيها بطرق الأمان.

كان حذرا جدا, رغم علمه اأن احلذر ل مينع القدر, واأنه ل يوجد و�سيلة اآمنة مئة باملئة

ملنع احلمل, فحيوان منوي واحد من بني ماليني احليوانات قد يختبئ ويت�سلل بطريقة ما

اإىل »قناة فالوب«, ويخرتق البوي�سة, فتقفل اأبواب الرحم.. ومن ثم »مربوك, جالك ولد«.

قال يف نف�سه:

ـ يا لهذا احليوان اللعني!

اأ�سعل �سيجارة ثانية, واأخذ يفكر؛ ما الذي يجب اأن يفعله؟ خطر له اأن يتزوجها فهو يحبها,

�سبههما وخداها طاملا وعيناها خ�سراوان �سقراء وجميلة, ر�سيقة ومكافحة, ذكية لأنها

بكعكة اجلنب, تناق�سه يف ق�سايا كثرية رغم اأنهما يتوا�سالن بالإنكليزية, وهي لغة غريبة

عن كليهما, ول يكتفيان بذلك, بل وي�سحكان معظم الوقت..

فالأجنبيات باأجنبية, يتزوج األ نف�سه عاهد زمن منذ اأجنبية؟ وهي يتزوجها كيف لكن

ع�سيقات فقط, والزواج بهن كمحاولة طريان الإن�سان بجناحني فقط, واملجتمع ل يه�سمها

وغالبا ما يتقيوؤها, خ�سو�سا الزواج ببنات هذه البلدان, لأنهن اكت�سنب �سمعة »�سوارعية«

ب�سبب من قدمن اإىل اخلليج بعد ازدهار دوله, وانهيار الحتاد ال�سوفييتي. ثم مباذا �سيربر

هذا الزواج للنا�س ولأهله؟ قال يف نف�سه:


46

ـ الزواج منها انتحار اجتماعي.

فيها تزاحمت التي راأ�سه ي�ستطع حمل لكنه مل بالوقوف, ال�سرير, هم على بقي جال�سا

الأفكار, وكانت اإحداها فكرة الإجها�س, فهي احلل الأمثل. لكن األي�س هذا قتال؟ ثم هل

يعالج خطاأه بجرمية؟

ودع فيها املتهمون ال�سجن. تذكر اأنه قراأ يف ال�سحف عن حالت اإجها�س ودفن للجثة.. اأ

تخيل اأي�سا اأن الإجها�س مت ب�سالم, ومل ينتبه اأحد, كيف �سيقنع �سمريه باأن ما فعله جمرد

عملية خلع �سر�س موؤملة؟!

تاأخر عن العمل, حمل نف�سه واأفكاره وذهب لي�ستحم. مل يهتم ب�سبط درجة حرارة املاء, اأو

مل ينتبه اإىل ذلك. كان املاء احلار ين�سكب عليه وهو يفكر يف اإر�سال الفتاة اإىل بلدها, حيث

ميكنها اإجناب الطفل هناك ورعايته, ويتكفل هو مب�ساريفه كلها حتى ي�سبح رجال..

تخيل ذلك, وتخيل اأنه يعي�س اأحد الأفالم الهندية املكررة, حيث يظهر لأبنائه اأخ اأكرب بعينني

خ�سراوين ليطالب بحقه يف املرياث, رغم ثقته باأنه لن يورث �سوى الديون.

كيف ميكن اأن يفعل ذلك؟ ما ذنب هذ الطفل ليرتعرع من دون اأب؟ ل يعلم ابن من هو, ول

من اأين؟ ثم ماذا �سيقول له اإن �سدف وتقابال م�ستقبال. وهذا ما �سيحدث بالتاأكيد, فالبد

اأن تخربه اأمه باأ�سله وف�سله يف النهاية..

ل لن يكون مبقدوره اأن ي�سبب هذا العذاب لبنه ولنف�سه اأي�سا, وهو يعلم اأن هناك طفال

من �سلبه, يتعذب يف مكان ما.

تذكر حكاية الرجل الذي اأعجب بامراأة فقرية واأحبته, فلما حملت منه, تركها واأخذ طفله

لأنه مل فعلته, نادم على و�ساب وهو باأخرى غنية, وكرب وتزوج اأحدهم, باب ورماه عند

ي�ستطع اإجناب طفل اآخر.

خرج من احلمام, اأراد الت�سال بها, لكنه مل يقرر �سيئا بعد, فماذا �سيقول لها؟ يف ال�سيارة

ا�ستجمع قواه, وكلمها تلفونيا لي�سمع اقرتاحاتها, فلم يعد قادرا على التفكري.


47

قالت له بنربة ر�سمية:

ـ اأنا يف اجتماع, �ساأت�سل بك لحقا.

واأقفلت اخلط, قالتها ب�سوت ي�سبه �سوت الفتاة التي ترد عندما يكون الهاتف مغلقا. ظل

يفكر يف امل�ساألة حتى تهياأ له اأن �سعره اأبي�س حتت »الغرتة«.

و�سل املكتب, األقى التحية على ال�سكرتري الذي قال وابت�سامته العري�سة تزم عينيه:

ـ هل �سمعت اآخر خرب؟

هز راأ�سه نافيا, وهو ل يريد �سماع اأي خرب �سواء كان اأخريا اأو اأول, فاأكمل ال�سكرتري:

ـ �سدام ح�سني مل ميت, لقد اأعدموا �سبيهه, اأعلنوا اأنه حي اليوم.

لوهلة حدق يف ال�سكرتري, حماول ربط الأحداث, ت�ساءل:

ـ ما الذي يحدث اليوم؟

اأخرج هاتفه, نظر اإىل التاريخ, اإنه الأول من اأبريل, يوم الكذب العاملي!


48

محاصر بالخراء


49

يا ح�سرة القا�سي اأنا بريء, ملاذا اأقف يف القف�س واملجرمون احلقيقيون يجل�سون يف القاعة

يرمقونني بنظرات ال�ستهجان؟

اأهاليهم ومن ثم اإيل الآن وكاأنني اقتحمت بيوتهم وقتلت اإنهم ينظرون هذه لي�ست نكتة,

�سرقتهم ولعبت باأموالهم يف الكازينوهات و�سالت القمار!

اأمل يدي, اأموالهم يف لي�سعوا الأر�س اإىل ي�سيل ولعابهم اإيل ياأتوا اأمل �سيدي, يا �سلهم

ينظروا اإيل باحرتام وتقدير حينها؟

ذلك الرجل الذي يرتدي قمي�سا اأ�سفر, كان اأول من منحني ماله. نعم اأنت, ل تلتفت اإىل

اخللف!

اآ�سف يا ح�سرة القا�سي, اأرجوك دعني اأوا�سل! اأمل اأدفع لك طوال تلك ال�سنني اأرباحا مل

تكن لتح�سل عليها حتى لو عملت اأربعا وع�سرين �ساعة يوميا حتى اآخر حياتك؟ اأمل حت�سل

يف تلك ال�سنوات على مبالغ تفوق املبلغ الذي منحتني اإياه يف البداية؟ اأمل ت�سكرين ومتدح

اأخالقي وعملي حينها, ما زاد توافد النا�س اإيل؟

ملاذا يقا�سيني هذا الرجل يا ح�سرة القا�سي؟ كان الأوىل به اأن ي�سنع يل متثال وي�سعه

اأمام بيته, فقد جعلته يلعب باملاليني �سريعا, واإن كنت جمرما فاإنه �سريكي يف اجلرمية, لي�س

وحده فح�سب, بل اأغلب احلا�سرين هنا اليوم �سركائي فيها.

مل هذه ال�سجة يا ح�سرة القا�سي؟ ملاذا تنهال اللعنات على راأ�سي؟ اأمل يعجبهم كالمي؟ هذه

املراأة التي ت�سرخ وتولول مطالبة بحقوقها الآن, اأ�ساألوها:

ـ اأمل تبك اأمامي لأقبل اأن اآخذ اأموالها واأ�ستثمر فيها مقابل اأرباح �سهرية جمزية؟


50

كان املبلغ ب�سيطا يا �سيدي, لكني مل اأحتمل منظر دموعها وقبلته, رغم اأن املبلغ ل ي�ساوي

ال�سداع الذي �سي�سببه يل, فهل يكون جزائي ال�سجن؟

يا ح�سرة القا�سي اأعرتف اأنني اأخطاأت, لكنني ل�ست جمرما. كانت البداية عندما اأخذت

ع�سكر كل اأول �سهر عند ال�سراف الآيل. قر�سا من البنك, كنت موظفا حينها, اأ

كانت الطريق مفرو�سة بالدراهم عندما دخلت �سوق الأ�سهم م�سلحا بالقر�س, وربحت كثريا,

كانت اأيام الطفرة, وادخرت مبلغا حمرتما يف �سهور عدة.

عائلتي اأفراد بع�س جاءين النا�س. جتذب والأموال �سيدي, يا الذباب يجذب اخلراء

والعقار, كانت �سماء هذه الأ�سهم لهم يف �سوق اأموالهم لأ�ستثمرها واأ�سدقائي, منحوين

الأ�سواق متطر نقودا يف تلك الأيام.

احلكومة, خدمة من عاما 14 م�ستحقات واأخذت اأكرث وغامرت وظيفتي, من ا�ستقلت

وو�سعتها مع اأموال اأ�سدقائي واأهلي.

كنت ناجحا يا ح�سرة القا�سي, حققت اأرباحا طائلة, نعم كنت اأمنحهم اأرباحا �سهرية كبرية.

كان كثريون منهم ل ي�سدقون ذلك, لكنها احلقيقة, كان احلظ معي, �سفقاتي دائما ناجحة,

تعيني من لبد وكان جنونيا, الو�سع كان اأحيانا, ال�سعفني من اأكرث اإىل ت�سل واأرباحي

م�ساعدين يل, ومن ثم تاأ�سيي�س �سركة, خ�سو�سا عندما بداأت اأموال النا�س تتدفق.

اأريدها, لكن قل يل يا �سيدي اأكن اأموالهم, مل اأ�سع اإىل �سدقني يا ح�سرة القا�سي, مل

كيف يل اأن اأرف�س؟ وكل �سخ�س منهم قادم بو�ساطة �سديق اأو قريب, فكل واحد فيهم يريد

اخلري لأ�سدقائه.

مل اأ�ستطع اأن اأرف�س, كنت لأبدو كمن ميلك كعكة كبرية ويرف�س اأن مينح فتاتها لالآخرين. كنت

م�سطرا اإىل اأخذ اأموالهم حتى ل يتهموين بالطمع وباأنني اأريد مال الدنيا يل وحدي.

اأ�سبحت عائلتي من العائالت الغنية يف اأقل من �سنتني, كنا نركب اأفخر ال�سيارات, انتقلنا

اإىل م�ساكن جديدة, كنت اأعمل يف كل الأ�سواق: الأ�سهم والعقارات وال�سيارات ولوحاتها..


51

بداأت الأمور تتغري, اأ�سبحت اأخ�سر بع�س ال�سفقات, لكنني اأبقيت على اأرباح امل�ستثمرين

ال�سهرية كما هي, وذلك من خالل الأموال التي كانت تتدفق علي من امل�ستثمرين اجلدد.

مل اأكن اأنوي �سرقتهم, كنت اأعتقد اأنني �ساأ�ستطيع تعوي�س اخل�سائر يف ال�سفقات املقبلة,

لكن الو�سع ازداد �سوءا يا �سيدي.

كبار لكن امل�سوار, امل�ستثمرين والعتذار عن موا�سلة اإىل املتبقية الأموال اإرجاع حاولت

امل�ستثمرين رف�سوا, جتاهلوا الأزمة املالية التي �سربت الغرب, مل يتخيلوا اأنها �ست�سربنا

اأي�سا, ومل ي�سدقوا اأن رجل اأعمال مثلي �سيخ�سر, وجددوا ثقتهم بي.

اأخذين احلما�س يا �سيدي وقبلت التحدي, فاأو�سلني اإىل هنا بني يدي ح�سرتك.

يا ح�سرة القا�سي لو كنت ل�سا اأو ن�سابا لهربت خارج البلد منذ مدة, ومللكت اأموال يف بنوك

�سوي�سرا وغريها, لكني مل اأفعل.

مثلي وبع�سهم خ�سر, ربح بع�سهم اأموايل, تاجرت يف كما النا�س اأموال تاجرت يف لقد

متاما, هااأنذا خ�سرت كل �سيء؛ �سمعتي, حريتي, عائلتي, وظيفتي .. تخلى اجلميع عني,

ومل يتبق يل اإل اخلراء يحيط بي من كل جانب, ورغم ذلك حتى الذباب ل يريدين.

األ تعتقد اأنني بريء يا ح�سرة القا�سي؟


52

المالك المسطول


53

قبل ع�سرين عاما, يف بيت �سعبي قدمي, يجل�س رجل اإىل طاولة مهرتئة وكر�سي بال�ستيكي

اإىل �ساعة يده وقبعة �سوداء ت�سبه مالب�س رجال املخابرات, ينظر اأبي�س, يرتدي معطفا

با�ستمرار, ويراقب طفلني يلعبان اأمامه, فرحني باألعابهما ومالب�سهما الريا�سية اجلديدة,

فاختلطت �سحكاتهما ب�سرخات امراأة تلد, ولدة على الطريقة القدمية.

ينتهي �سراخ املراأة, ويبداأ �سراخ القادم اجلديد اإىل الدنيا. ت�سل امراأة عجوز, حتمل املولود

بني يديها, وتاأمر الطفلني بالدخول اإىل اأمهما.

العجوز وهي تقول كبريا. ماليا مبلغا يحوي مغلفا منه وتاأخذ الرجل, اإىل الطفل ت�سلم

تو�سك على البكاء:

ـ ولد ا�سم النبي حار�سه, خلي بالك منه, مافي�س اأم تفرط يف �سناها, اإمنا �ساعات لزم

ت�سحي بواحد, ع�سان يعي�سوا اثنني.

يقول الرجل دون اأن تظهر مالمح وجهه جيدا ب�سبب القبعة:

ـ ل تخايف, �ساأجعل منه مالكا.

ربى الرجل ذو املعطف الطفل يف مكان غريب, كل �سيء فيه اأبي�س, كان الطفل يكرب ويكرب,

متعلما اأنه مالك, واأن هناك عاملا اآخر ل ي�ستطيع روؤيته الآن لأنه لي�س م�ستعدا.

»اأنت ال�سبورة على له يكتب اأمامه واملعلم كر�سيه على جال�س والطفل ال�سنوات, مرت

مالك«. يكرب الولد قليال, املعلم يكتب على ال�سبورة »الب�سر اأ�سرار«. يكرب الفتى اأكرث »يقتلون

وي�سرقون وين�فقون..«. يكرب ال�ساب اأكرث, املعلم يكتب »نه�يتن� �سعيدة ونه�يتهم تعي�سة«.

الع�سرين ال�سنوات التي جرت يف الأحداث يتذكر هذه املعلم, اأو املعطف ذو الرجل كان

املا�سية, قبل اأن يح�سر اإليه املالك, ومي�سيان و�سط الأ�سجار والطيور والزهور والفرا�سات,

ليخربه املعلم باأن وقته قد حان ليخو�س املهمة التي طاملا انتظرها.


54

املهمة هي اأن يعي�س مع الب�سر حماول األ ي�سبح مثلهم. هو �سيء �سهل للمالك, فقد تعلم

وتدرب منذ طفولته على ذلك, لكن املعلم اأخربه اأن هناك مهمة اأخرى يف انتظاره:

ـ عليك اأن تهدي ب�سريا واحدا على الأقل, وحني تفعل �ستعود معه اإىل هنا, واإل فلن تعود

اأبدا.

ذهب املالك ليح�سر نف�سه ملغادرة اجلنة التي تربى فيها, ومل يغادرها اأبدا, كان يتوق اإىل

ذلك, وها قد حان املوعد.

ينما وقف املعلم يراقبه وابت�سامة حزينة على �سفتيه, ودمعة ترتاق�س يف عينيه ب�سعوبة

ا�ستطاع حب�سها يف مكانها, و�سورة الطفل وهو يكرب يف خميلته.

اليوم وبعد كل ذلك التعليم والرتبية املالئكية, املالك مي�سي حامال حقيبته, حمالت على

ميينه و�سماله, يبحث عن مكان يقيم فيه, يطوف بالبنايات, ي�ساأل عن �سقة ي�ستاأجرها, لكن

ل يوجد �ساغر, اإىل اأن ي�سل بناية يقول حار�سها الهندي:

ـ �سقة مايف, �سرير فا�سي داخل غرفة يف.

يلتقط بينما الأعلى, �سقة يف اإىل الهندي ي�سعد الإجباري, »البخ�سي�س« ياأخذ اأن وبعد

فتقع عيناه على عنوان ويت�سفحها, الباب, ال�سحف من على من�سة قرب اإحدى املالك

»حم�كمة رجل اغت�سب طفلة وقتله�«, فيهز راأ�سه قائال:

ـ ب�سر.

يف غرفة ب�سريرين, ينام على اأحدهما �ساب, وعلى املن�سدة بقربه كمية من املحارم الورقية

امل�ستعملة. يرن جر�س الباب مرات عدة وباإ�سرار �سديد, يفتح ال�ساب اإحدى عينيه, ت�سل

اإىل �سمعه عبارة من التلفزيون الذي مل يغلقه منذ �ساعات:

ـ ات�سل علينا, نحن ناطرينك على نار, ما بدك جترب احلب يف التلفون.

ينه�س ال�ساب, يرمي املحارم الورقية يف القمامة, يغلق التلفاز, ومن ثم يفتح الباب. يظهر

الهندي قائال:

ـ اأرباب, اإذا اأنا يجيب �ساب مي�سان �سرير زيادة, اأنت كم يدفع؟


55

يفرك ال�ساب عينيه, وينظر اإىل الهندي بعتاب ويقول:

ـ العمى, اأنت ما بت�ساوي �سي ببال�س؟

يرد الهندي وهو يبت�سم:

ـ هذا رجل اأنت يخلي ي�سكن داخل غرفة بال�س؟

يتفقان على مبلغ عمولة, وافق الهندي على اأن ياأخذه يف اأول ال�سهر.

اإىل اإليه من فوق ليتفح�س من �سي�سكن معه, نظر الذي نزل ال�ساب البواب ومعه ي�سل

حتت, ومن ثم بداأ با�ستجوابه:

ـ �سو ا�سمك بال زغرة؟

ـ يو�سف.

ـ ومنني ح�سرتك؟

ـ من بالد اهلل الوا�سعة.

قال ال�ساب العربي �سليم مبت�سما:

ـ وكمان بتحكي بالف�سحى, ل تكون من اإخوان امل�سلمني ب�س؟

ـ ل�ست من اإخوانهم ول حتى اأقربائهم.

ي�سحك ال�ساب مع يو�سف, ويقول:

ـ ولك عجبتني, دمك خفيف.. �سو فيها هاي ال�سنطة, اإن �سا اهلل مو حزام نا�سف؟

ـ مالب�سي واأغرا�سي ال�سخ�سية فقط.

ينهيان هذه الدرد�سة ويتجهان اإىل امل�سعد, وقبل اأن يدخال, يقول ال�ساب وهو ي�سع يده

على �سدر يو�سف ليوقفه:

بيحدد اللي واأنا �سقتي وال�سقة وكا�س.. �سهر كل اأول تدفع 1500 راح واحد, �سي ـ يف

قوانينها؟

وافق املالك وت�سافحا ودخال.

يف ال�سقة, املالك ي�سع مالب�سه يف اخلزانة بعد اأن �سمح له �سليم بذلك. يبداأ �سليم الذي

ال�سكن قوانني ب�سرد الواوا«, »بو�س كليب« »فيديو على ويتفرج التلفزيون بجانب يجل�س

معه:

ـ اأول �سي, ممنوع جتيب رفيقتك هون.. اإل اإذا كانت رفيقتها معها.

يقول يو�سف دون اأن يلتفت اإليه:


56

ـ لي�س لدي رفيقة.

يبدي �سليم اإعجابه مبوقف املالك من الن�ساء, ويكمل حديثه:

والبرية الوي�سكي �سرب �سي, ثاين واجليب.. القلب وجع اإل وراهم ما البنات عموما ـ

ممنوع.

يبت�سم وهو يلتفت اإىل املالك وي�سيف:

ـ لكن �سوية ح�سي�س ما بي�سرو.

يلتفت يو�سف اإىل حمدثه ويقول:

ـ اأ�ستغفر اهلل.. اأنا ل اأتعاطى هذه الأ�سياء.

يقول �سليم بعد اأن ي�سرب جبهته بانفعال وا�سح:

ـ ولك ل بت�سرب ول بتح�س�س ول عندك ن�سوان.. ولك منني طلعتلي اأنته؟

ل يرد يو�سف مكتفيا بالبت�سام. بعد حلظة �سمت طويلة يدعو �سليم رفيق غرفته اجلديد

اإىل �سهرة جميلة وخمتلفة.

ثالثة اأ�سخا�س يجل�سون يف غرفة, �سوت »بوب ماريل« يعلو اأ�سواتهم, ي�سل اإليهم �سليم ومعه

املالك, ي�سلمان ويجل�سان. يحدق زعيمهم وليد ـ وهو �ساب �سخم مل ت�ستطع »الكندورة«

اإخفاء كل ترهالته ـ باملالك, وي�ساأل وهو يلف ورقة ملئت تبغا خملوطا باحل�سي�س:

ـ �سلومة هذا هو اللي خربتني عنه؟

ـ اأيه هو.. ل�ساتو بكر على هال�سغالت.

يقول وليد بعد اأن ميرر ل�سانه على اللفافة:

ـ كلنا كنا جداد قبل, كل �سي له اأول مرة, ول �سو رايك؟

يلتفت »يو�سف« يف كل الجتاهات ليتاأكد اإن كان ال�سوؤال موجها اإليه ويقول:

ـ �سكرا لكني ل اأريد هذه التجربة.

تفلت �سحكات مكتومة ت�سدر من الثالثة, يقول اأحد ال�سابني اجلال�سني لالآخر:

ـ اليوم ليلتنا فيلم.

ويقول وليد:

ـ على راحتك, لكن ل تخجل اإذا بغيت جترب, اعتربين مثل اأخوك الكبري.

وي�سري اإىل رفاقه وي�سيف:

ـ واعترب هالثنني خواتك.


57

ي�سحك اجلميع, ويبت�سم املالك اأي�سا.

بعد �ساعات, الدخان ميالأ املكان, بوب يغني: »قف, انه�س, ونا�سل لأجل حقوقك, قف,

انه�س ول ت�ست�سلم يف املعركة«, ال�سحكات م�ستمرة, �سجائر احل�سي�س تدور على اجلميع

با�ستثناء املالك, لكنه بداأ ي�سعر بالراحة وال�سجاعة ب�سبب الدخان وبوب.

مل ي�ستطع يو�سف النتظار اأكرث, وقف فجاأة وقال باأعلى �سوته:

ـ اأريد اأن اأخربكم �سيئا.

اأغلق اأحد ال�سابني امل�سجل ب�سرعة, فاأكمل يو�سف:

ـ يا �سباب, اأنا ل�ست اإن�سانا مثلكم, اأنا مالك.

حدق اجلميع فيه وهم �سامتون, التفتوا اإىل بع�سهم بع�سا, وفجاأة �سحكوا ب�سكل ه�ستريي,

وتخللت ال�سحكات بع�س التعليقات:

ـ نحن نح�س�س, وهو ين�سطل.

ـ �سو راأيك تعطينا من ال�سنف اللي جايبو معاك من اجلنة.

وي�ستمرون يف ال�سحك وهم يرددون »مالك«.

انتظرهم املالك حتى هدوؤوا, وكرر عبارته مرة اأخرى وبت�سميم اأكرب, فانخرطوا يف نوبة

�سحك اأخرى, انتهت بوقوف وليد وهو ي�سعل متجها اإىل املالك الذي مل تتغري تعابري وجهه

اجلادة, ي�سافحه ويجعله يتحرك معه باجتاه الباب, ويقول:

ـ اأنا ما قلت لك تعتربين اأخوك الكبري؟ مب عيب تتم�سخر على اأخوك الكبري؟

ي�سالن اإىل الباب, يفتحه وليد, يقول املالك:

ـ اأنا ل اأمزح, اأنا مالك, لو..

اأراد اأن يكمل كالمه لكن �سفعة على »قفاه« منعته من ذلك واأخرجته من الباب, و�سمع وليد

يقول:

ـ اإذا كنت اأنت مالك, ترى اأنا ن�سيت اأعرفك بنف�سي, اأنا اإبلي�س, واإن رجعت مرة ثانية بنتف

جناحينك تنتيف.

ارتفعت ال�سحكات جمددا ممزوجة ب�سوت بوب وهو يكمل الأغنية: »معظم النا�س يعتقدون.. اأن

اهلل العظيم �سياأتي من ال�سماء.. ياأخذ كل �سيء ويجعل اجلميع ي�سعرون بالرتياح.. لكن اإن كنت


58

تعلم ما ت�ستحقه احلياة.. �ستبحث عن حياتك على الأر�س...«.

مي�سي املالك يف ال�سوارع وحيدا, يقول يف نف�سه:

ـ م�ساكني مل ي�ستطيعوا تقبل احلقيقة.

ومن ثم يت�ساءل:

ـ كيف اأ�ستطيع هداية هوؤلء؟

ي�سري من غري هدف وا�سح. ي�سمع �سوت اأذان الفجر من اأماكن خمتلفة, يقرر الذهاب اإىل

امل�سجد, وهو يتذكر اأنه يف اإحدى املرات �ساأل معلمه اإن كان كل الب�سر �سيئني, فكانت اإجابة

املعلم:

ـ نعم كلهم �سيئون.. لكنهم �سيئون بتفاوت, مثال, اأف�سلهم يكونون يف دور العبادة حني يكون

الآخرون نائمني.

ي�سل املالك امل�سجد, يدخل من الباب اخلارجي, لكنه ينتظر يف امل�ساحة اخلالية بني املغا�سل

وامل�سلني.

يبداأ امل�سلون باملغادرة. بع�سهم مير اأمام املالك ويلقي عليه التحية, وبع�سهم مير بجانبه وكاأنه

ل يراه, اإىل اأن جاء اإليه املوؤذن, واألقى عليه التحية, طالبا منه احل�سور مبكرا غدا, قبل اأن يدور

بينهما حوار طويل عندما �ساأله املوؤذن:

ـ من وين اأنت؟

ـ جئت من بالد بعيدة ل تعرفها.

ي�ساأل املوؤذن ممازحا:

ـ يعني اأبعد من اأمريكا؟

ـ لن ت�سدقني.

ي�سر املوؤذن على معرفة ذلك, فقال املالك:

ـ ح�سنا, جئت من اأر�س املالئكة.

�سحك املوؤذن وعر�س على يو�سف اأن يبات عنده اليوم لأنه يبدو متعبا.

يف الطريق اإىل املنزل يفتح يو�سف املو�سوع مرة اأخرى, ي�سايره املوؤذن اإىل اأن يقول املالك:

ـ اإن �سدقتني ف�ست�سبح مالكا اأي�سا, و�سنذهب اإىل مكان اآخر مليء باملالئكة.

ي�سحك املوؤذن ول يرد.


59

ي�سالن البيت, ويدخالن غرفة النوم, فيقول املالك وهو ليزال واقفا:

ـ ملاذا ل ت�سدقني؟

ـ لأن ما يف �سي يثبت كالمك.

يقول يو�سف ب�سرعة:

ـ كيف اأثبت لك اأنني مالك.

يفكر املوؤذن طويال وهو ينظر اإىل يو�سف, ومن ثم يقول:

ـ يف اختبار ممكن يثبت �سحة كالمك, لكن لزم تنفذ كالمي للنهاية.

ـ موافق.

يجل�س املوؤذن على الكر�سي مقابل ال�سرير وياأمر يو�سف بخلع مالب�سه, فيخلع مالب�سه اخلارجية

فقط, فياأمره بالتجرد من كل �سيء, يرتدد يو�سف, لكنه ينفذ الأمر ويقف منتظرا الأوامر. ينه�س

املوؤذن من كر�سيه, وياأمره بال�ستلقاء على ظهره يف ال�سرير.

يفعل املالك ذلك, فيتحرك املوؤذن ليطفئ النور. وبعد ثوان يقول املالك:

ـ ملاذا تتح�س�س اأع�سائي؟

ـ تق�سد هذا اللي وقف؟

قالها املوؤذن وقد بدا �سوته ناعما قليال.

يتذكر املالك معلمه مرة اأخرى, وتظهر اأمامه ال�سبورة, وقد كتب عليها »الب�سر يوؤتون القب�ئح:

رجل مي�ر�ض اجلن�ض مع رجل مثله«. فيدفع املالك املوؤذن ويقفز من ال�سرير, وياأخذ ثيابه ويهرب.

ظهر نور ال�سباح, املالك مي�سي ببطء, لكن اجلميع م�ستعجل, فهو وقت العمل, با�ستثناء رجل

عجوز يجل�س اأمام بيته يقراأ ال�سحيفة. يراقبه املالك قليال, ويقول يف نف�سه:

ـ يبدو طيبا.

يقرتب منه اأكرث, يرفع العجوز راأ�سه وينظر اإىل املالك, ثم يوا�سل القراءة, يقرتب املالك اأكرث,

ويجل�س على الأر�س قربه.

ل يتكلمان, حتى ي�ساأل العجوز من دون اأن يرفع راأ�سه:

ـ لي�س الهم واحلزن ماليني وجهك يا ولدي, ترى الدنيا ما ت�سوى؟

يخربه املالك اأن ما حدث له اليوم مل يحدث له طوال حياته. يوا�سيه الرجل بعبارات قليلة


60

وي�سجعه على الإف�ساح عما بداخله, لكن املالك يرف�س, فال اأحد ي�سدقه.

يرمي الرجل ال�سحيفة من يده, ويت�سوق ل�سماع الق�سة, موؤكدا اأنه �سي�سدق كالمه ويقول:

ـ كل �سي له مرة اأوىل.

يقول املالك وهو يبت�سم ابت�سامة حزينة:

ـ �سمعت العبارة نف�سها من �سخ�س اآخر اأم�س, ثم ح�سلت على �سفعة منه.

قال العجوز وهو ي�سري اإىل وجهه:

ـ احلمد هلل اأين اأقدر اأ�سمع للحني, فكيف اأقدر اأ�سرب..

قاطعه يو�سف قائال دون اكرتاث:

ـ اأنا مالك.

ينتظر الرجل اأن يكمل املالك حديثه, لكنه ل يفعل, فيقول:

ـ اأ�سدقك.

يرفع املالك راأ�سه وتت�سع عيناه وتظهر ابت�سامته العري�سة في�سيف الرجل:

ـ كلنا مالئكة, يوم ننخلق نكون مالئكة, لكن بعدين نبداأ ن�ستوي ب�سر خطائني.

يبداأ يو�سف �سرح الأمر كله, ويخربه ما حدث له يف هذا اليوم الذي اأم�ساه مع الب�سر. ا�ستمع

العجوز اإليه, واأخذ يفكر طويال, ثم قال:

ـ كل النا�س يعتقدون اأن هم �سح واأن هم على حق, واأن غريهم على خطاأ, وهذا يف كل مكان, هني

ويف اأمريكا ويف اأوروبا ويف الأدغال.

ي�سمت حلظة, ثم ي�سيف مبت�سما:

ـ حتى يف اأر�س الـ.. مالئكة.

اأ�سر يو�سف على موقفه موؤكدا اأنه خمتلف واأنه مالك, فقال الرجل العجوز:

ـ هل بت�سدقني لو قلت لك اأين اأنا دينا�سور؟

هز املالك راأ�سه عالمة النفي, فاأ�ساف العجوز:

ـ عيل ل تزعل من النا�س يوم ما ي�سدقون اأنك مالك, املو�سوع بهذه الب�ساطة«.

اأم�سك بجريدته غري مبال باملالك الذي ظل �سامتا, ثم قام وغادر.

مي�سي املالك متعبا وهو يت�ساءل:

ـ لبد اأن هناك �سخ�سا يف مكان ما �سيقتنع بكالمي, لكن اأين هو؟


61

بداأ باإيقاف النا�س واإخبارهم اأنه مالك, اأحدهم قال له:

ـ هذي م�سكلتك.

واآخر هرب من اأمامه, وثالث قال:

ـ بتعمل هنا اأيه طيب؟

ورابع قال:

ـ اآي دونت �سبيك اأرابيك.

وخام�س قال:

ـ اأ�ستغفر اهلل.

و�ساد�س �سرب كفا بكف وقال:

ـ حتى املالئكة بت�سحت.

ذهب املالك وا�ستظل باأحد املباين, وجل�س يفكر. بعد دقائق وقفت اأمامه �سيارة اإ�سعاف, نزل

منها اثنان, واجتها اإليه, فوقف لهما وا�سعا يده على �سدره وقال:

ـ اأنا مالك.

فقال اأحدهما وهو يجره:

ـ �سيب الدكتور يقرر احلكاية دي.

األقيا القب�س عليه, واأو�ساله اإىل م�ست�سفى الأمرا�س العقلية.

يف امل�ست�سفى, يجل�س املالك مع رفاقه, يخربهم ق�سته, موؤكدا اأنه ي�ستطيع اإخراج من ي�سدقه من

هذا املكان. فريفع اأحدهم يده قائال:

ـ اأنا اأ�سدقك.

بينما يقول اآخر:

ـ اإذا اأنت مالك, لي�س ما عندك جناحني تطري بيهم.

ويقول ثالث:

ـ اأنت مالك, لكن مالك جمنون.

يقف اجلميع حوله با�ستثناء الذي �سدقه, ويدورون حوله, وهم ي�سفقون ويرددون »املالك

املجنون اأهو«.. والذي �سدقه ي�سفق معهم.


62

النيسان األسود.. والعقال


63

دخل �سامل حو�س ال�سباحة, كان اأ�سدقاوؤه وبع�س الأ�سخا�س يلعبون الكرة. اأحدهم يقف

يف منت�سف الدائرة, وعليه اأن يت�سدى للكرة التي يرميها الآخرون اإىل بع�سهم بع�سا قبل

�سقوطها يف املاء, ومن يخطئ يدخل الدائرة بدل منه.

ل الذين حتى جميعهم, فيه, ويحدقون اللعب, عن يتوقفون جعلهم �سيئا �سامل قال

يعرفونه.

***

�سامل ذو الت�سعة ع�سر عاما, تخرج من الثانوية العامة منذ �سنة, كان يبحث عن وظيفة,

الأ�سود« »الني�سان يتخيل كان اأنه حتى بها, حلم طاملا برتول« »ني�سان �سيارة لي�سرتي

وهي تلمع يف ال�سوارع وت�سهل, يف الوقت الذي كان فيه رفاقه يتخيلون الن�ساء والعالقات

ال�ساخنة.

�سامل ذهب اإىل كل مكان, تقدم اإىل الوظائف احلكومية وال�سركات اخلا�سة, فلم يقبل به

اأحد, واجلميع ي�ساألونه بعد اأن يروا �سريته الذاتية وخانة اجلن�سية الفارغة:

ـ هل اأنت بدون؟

حتى خيل اإليه اأنه �سئل هذا ال�سوؤال اأكرث من »كيف حالك؟« يف ال�سنة الأخرية.

مل يكن �سامل نابغة, كان طالبا عاديا, لكنه مل ير�سب اأبدا, مل تكن كلمة »بدون« تعنيه كثريا,

اأبناء الفريج, وكانوا اإماراتيني يحملون كل الأوراق الثبوتية, ويعاملونه على فقد تربى مع

اأنه واحد منهم.

ومل مينع ذلك بع�سهم من اأن ميازحوه بهذا اخل�سو�س, فمثال حني يفوز منتخب اإيران على

املنتخب الإماراتي يقول اأحدهم ل�سامل:

ـ مربوك, دائما تفوزون علينا.


64

وكانت ال�سحكات تتعاىل بني الأ�سدقاء, با�ستثناء �سامل الذي مل يكن ي�سحك, لي�س لأنهم

اأ�ساروا اإىل اأنه ي�سجع املنتخب الإيراين, بل لأنه حزين خل�سارة املنتخب الإماراتي.

يف هذه الفرتة وبعد اأن تخرج, وبعد ال�سفعات التي تلقاها وهو يبحث عن وظيفة, يتذكر

هذه املواقف متاأملا, وهو يرى اأ�سدقاءه وقد ح�سلوا على وظائف منا�سبة, حتى اأن اأحدهم

ميلك »الني�سان الأ�سود« التي كان �سامل يحلم بها.

و�سل الأمر ب�سامل اإىل درجة الغ�سب على اأبيه الذي كان لهيا مع الن�ساء واخلمر عندما

كانت الأوراق الثبوتية متنح للم�ستحقني. ومل يعد الأب ي�ساأله عما �سيفعله, بعد ما اأملح �سامل

مرات عدة اإىل اأنه ل يحق ملن ت�سبب يف هذه امل�سكلة, اأن يتفل�سف كثريا.

ا�ست�سلم �سامل للياأ�س ع�سر ذلك اليوم الذي ذهب فيه اإىل حو�س ال�سباحة, ففي �سباح اليوم

نف�سه, كانت لديه مقابلة لوظيفة يف �سركة تابعة للحكومة.

فرح لهذه املقابلة, فبما اأنهم طلبوه فذلك يعني اأنهم يوظفون »البدون« اأي�سا, وهو يعلم اأن

هناك �سركات تعامل هذه الفئة كما تعامل املواطنني, ويعرف بع�س هوؤلء, رغم اأنهم اأكرب

منه �سنا, وعملوا يف هذه الوظائف منذ زمن.

يف املقابلة �سارت كل الأمور ب�سالم, وحتدث �سامل بالإجنليزية عن نف�سه وعن طموحاته

اأمام املدير الذي كانت عالمات الر�سا تتقافز على وجهه, ويف النهاية حيا �ساملا وطلب منه

موافاة ال�سكرترية يف اخلارج.

رحبت ال�سكرترية العربية به مبت�سمة, وقبل اأن يجل�س قالت له:

ـ غدا اأح�سر لنا اأوراقك كاملة.

تغريت مالمح �سامل واأراد اأن يخفي ذلك, رفع ظرفا بحوزته وقال:

ـ �سهادتي الدرا�سية و�سهادة امليالد هنا.

ردت ال�سكرترية حمافظة على ابت�سامتها:

ـ اتركها يل, واأح�سر غدا اجلن�سية وجواز ال�سفر.

حتطمت اآمال �سامل, ومل يعرف ما يقول, وقف مرتددا للحظة, م�سح جبينه وقال:

ـ لكنني ل اأملك هذه الأوراق, اأنا بدون.


65

�سامل �سراخ �سمع املدير. اإىل ال�سكرترية, وطلبت منه اجللو�س, ودلفت ابت�سامة اختفت

ال�سورة يف والعقال »الغرتة« وخدعتها خطاأ, يف وقعت ال�سكرترية اأن وعرف املدير,

ال�سخ�سية على ورقة ال�سرية الذاتية, ومل تنتبه اإىل خانة اجلن�سية الفارغة.

خرجت بعد دقيقة واعتذرت من �سامل ووجهها كاإ�سارة �سوئية حمراء قائلة:

ـ نعتذر منك كثريا, مطلوب مواطن للوظيفة.

غادر �سامل مقر ال�سركة مهموما, واأم�سى يومه دون اأن يكلم اأحدا, وحتى و�سوله حو�س

ال�سباحة مل يكن قد فكر يف �سيء �سوى اأنه »بدون«, واأنه لن يجد وظيفة, ولن يقود »الني�سان

الأ�سود«, ولن ي�سافر, ولن يتزوج بابنة اجلريان التي يتبادل معها النظرات منذ مدة..

***

املدر�سة �سوؤال يف الإجابة على يريد وكاأنه �سبابته �سامل ورفع ال�سباحة وقف يف حو�س

وقال للجميع:

ـ اأنا بدون.. هل اأ�ستطيع اأن األعب معكم؟


66

حبيبتي صاحبة العضالت


67

اأول مرة, وكاأنني يف فيلم »دي يف دي« و�سغط اأحدهم على توقف الزمن حني راأيتها

الإيقاف. زر

خياليا. �سيئا كانت وهي متر. اأراقبها ثواين وقفت اإكمال طريقي, اأ�ستطع مل

املا�سية. الفرتة يف كثريا ال�ساطئ على ا�ستلقت وكاأنها غريب, برونزي لونها

اأدمنته. بقربي فاح منها حني مرت الذي العطر رائحتها, هذا اأعرف اإين

عن تختفي حتى يراقبونها اجلميع اأن عارفة وغرور بدلل مت�سي وهي ر�ساقتها

نف�سي: واأقول يف معهم اأراقبها الأنظار.

اإليها؟ ينظرون ملاذا الأوغاد ـ

ال�سخ�سيات. اأكرب انتباه يلفت الريا�سي الدقيق فخ�سرها معذورون اإنهم

العري�سة �سفاهها اإىل ي�سري وكاأنه نهايته, يف الأ�سفل اإىل وينحني قليال طويل اأنفها

الدخان. ب�سبب ما, رمبا نوعا الأطراف الداكنة عند

فهما عنهما, ناظريه رفع اإليهما ينظر لرجل ميكن ل »مغناطي�س« فيهما ردفاها

م�ستفزة. ب�سورة وبارزان مدوران

تتعمد وكاأنها املوظفني اأمام ودلل بغنج تتجول كانت العمل, يف اأراقبها واأنا اأ�سبوع

ثارتهم. اإ

وكاأنه املكان يف امل�سهد في�سبح وتعود تذهب حلت, اأينما معها تلتفت الروؤو�س ترى


68

معها. روؤو�سها اجلماهري وحترك الكرة لعبان فيه يتقاذف للتن�س ملعب

اأكون اأن اأمتنى كنت كم يقفون حولها, املالعني املوظفني, بع�س مع تقف اأراها اليوم

رائحتها جمددا. اأ�سم اأن معهم,

يفعل؟ ماذا ال�سافل, لهذا يا

يوجد ل امل�سكينة متانع, ل وهي �سديقها, وكاأنه عليها, القذرتني يديه ي�سع اإنه

�سمحت اإذا بالتوايل يغت�سبونها قد لكنهم جتاملهم, اأن عليها فعله, ت�ستطيع �سيء

اأكرث. بالتمادي لهم

متر م�ساهدها جميع كانت املا�سية, الأيام يف النوم اأ�ستطع مل �سيئا, اأفعل اأن لبد

اأنني وقعت يف غرامها. اأعتقد الفرا�س, واأنا يف علي

اأنها علمت عنها, �ساألت حني العمال. فئة من واأنا الأر�ستقراطية, الطبقة من لكنها

املدير. �ساحبة اإنها يقال العالقة, الأعمال بع�س لإنهاء �سركتنا اإىل جاءت اأمريكية,

اأردت اإذا علي هل تقريبا. ال�سنوي راتبي ي�ساوي ال�سهري راتبه الأخرق هذا

اأول؟ باملدير اأت�ساوى اأن ا�ستمالتها

بها فاأنفرد الآن, املتحر�سني املوظفني اأيدي بني من واأخطفها اإليها اأذهب هل

التام؟ اإخال�سي لها واأعلن بحبي واأ�سارحها

اآذتني؟ اإن اإن قاومتني, ماذا ماذا

اأعلم ملاذا, رمبا لقوة �سخ�سيتها, فاجلميع اأنهم ي�سمونها �ساحبة الع�سالت, ل علمت

فعال.. لديها ع�سالت لأن اأو رمبا روؤيتها, يهابها مبجرد

الأمريكية. الع�سالت �ساحبة يا اأحبك

لبد اأنني �ساأح�سل عليها يوما ما, نعم اإنني اأعمل يف ور�سة لت�سليح ال�سيارات حاليا,

الأ�سود.. بالزيت ملطختان ويداي


69

النهاية. يف �ساأركبك اأنني الـ»�سفروليه« ابنة يا »كورفيت« يا اعلمي لكن


70

آينشتاين البخيل


71

الفكرة, اأعجبتهم الذين لزمالئه يون�س قالها عنه« رغما ح�سابه, على �سنتع�سى »الليلة

ولكنهم علقوا قائلني:

ـ لن ت�ستطيع اإجباره على اإخراج درهم واحد من جيبه.

ـ لو تع�سينا على ح�سابه اليوم, ف�ستتع�سون يف املرات ال�سبع القادمة على ح�سابي.

ـ �سدقني, يف ما يخ�س املال, هو اأذكى من اآين�ستاين.

ـ اإذا مل تنجح اخلطة ف�سيكون الع�ساء على ح�سابك.

كانوا يعملون بنظام املناوبات يف ال�سرطة, �ستة زمالء اعتادوا تناول الع�ساء معا يف املناوبة

الليلية, ويف كل مرة يتربع اأحدهم باإح�سار الع�ساء, �سواء من بيته, اأو من اأي مطعم, اإل اأن

اأ�سد الغابة, اأول امل�سمرين عن �سواعدهم عبد الكرمي مل يجلب الع�ساء يوما, لكنه دائما

على طاولة الع�ساء قائال:

ـ تف�سلوا يا �سباب, ل تخجلوا, البيت بيتكم.

اأن اتفق مع رفاقه على الذي التحدي, وكان حممود اأحدهم هذا الأيام, خا�س اأحد يف

يدفعوا له مقابل الع�ساء, بعد اأن يق�سموا قيمة الع�ساء على اجلميع اأمام عبدالكرمي, �سرط

اأن يكون املبلغ كبريا بالن�سبة لع�ساء �سخ�س واحد. قال اأحدهم يومها معلنا بدء التمثيلية:

ن�ساركك دفع اأن اليوم من مكان فاخر وثمنه غال, يجب علينا الع�ساء اأن ـ حممود, مبا

قيمته.

فقال حممود بعد م�سغ لقمة:

ـ ل داعي لذلك, املبلغ ما ي�سوى, 500 درهم فقط.

اأ�سر الرفاق على تقا�سم املبلغ, اإل عبدالكرمي الذي كان ياأكل ب�سرعة و»من �سكات«, وكان

اجلميع ي�سريون اإليه ويتغامزون دون اأن يراهم, وعندما اتفقوا على اأن يدفع كل منهم ثمانني

درهما, روؤوا عبدالكرمي يغ�س باللقمة وي�سعل ب�سدة, ثم ي�ستاأذن ليذهب اإىل املطبخ.


72

عندما عاد وراآهم يخرجون دراهمهم وي�سلمونها ملحمود, قال مطاأطئا راأ�سه:

ـ ا�سمح يل يا حممود, فقد ن�سيت اأن اأ�سحب املال من ال�سراف الآيل اليوم.

�سحك بع�س الرفاق, فاأخرج عبدالكرمي حمفظته وفتحها اأمام حممود وقال:

ـ انظر ل اأملك �سوى ع�سر دراهم.

ما. اأو يخبئه بطريقة املال, ليفرغ حمفظته من املطبخ فقط اإىل اأنه ذهب علم اجلميع

ولحظ عبدالكرمي اأن عيني حممود حتدقان يف الدراهم الع�سر, فاأكمل ب�سرعة:

ـ واأريد اأن اأ�سرتي بها ال�سجائر.

وقرروا يومها اأن يكرروا التمثيلية نف�سها, ولكن قبل بدء الع�ساء. وفعال قاموا بذلك يف اليوم

التايل, فلم يكن من عبدالكرمي اإل اأن قال بعدها بلحظات وهو ي�سرب بيده على بطنه:

ـ �سباب بالهناء وال�سفاء لكم, اأنا تع�سيت يف البيت قبل جميئي, فقد كانت العائلة كلها متواجدة.

ويق�سم اأحد الزمالء اأنه راأى عبدالكرمي لحقا وهو ياأكل »�سندويت�س كيما« من املطعم الهندي,

خمتبئا يف املطبخ.

يف هذا اليوم اتفقوا على اأن ي�ستخدموا �سده خطة هجومية, فلم يح�سر اأي منهم الع�ساء.

وكان احلزن باديا على وجه عبدالكرمي حني علم اأن ل وجود للع�ساء اليوم. وهم جال�سون قال

يون�س �ساحب التحدي لعبدالكرمي:

ـ ا�سرتيت �سيارة جديدة منذ مدة, ومل تعزم ال�سباب حتى على »�سندويت�سات« �ساورما.

قال اأحد الرفاق:

ـ ل نريد »�ساورما«, حني ا�سرتى حممود �سيارة اأح�سر لنا ماأكولت بحرية م�سكلة.

قال عبدالكرمي وهو يخرج مفتاح �سيارته ويرميه على الطاولة:

ـ ا�سرتيت �سيارة م�ستعملة, ل ت�ستحق الحتفال, بل على العك�س عليكم اأن توا�سوين وتعزموين

�سنة كاملة على �سرف هذه ال�سيارة.

�سحك الرفاق, وكل منهم يرى هزمية يون�س الذي مل ي�ست�سلم وقال:

ـ لكنك مل تعزم ال�سباب حتى عندما ولدت ابنتك.

قال اأحدهم بفخر:

ـ عندما قدم ابني اإىل الدنيا, اأح�سرت لكم م�ساوي م�سكلة تكفي لإ�سباع ع�سر ذئاب.

�سحك اجلميع ومعهم عبدالكرمي الذي قال عندما انتهى ال�سحك:

ـ اأقمت عزومة فعال يف البيت بهذه املنا�سبة, لكنكم مل تاأتوا.

ـ مل ناأت لأنك مل تدعنا يا عبدالكرمي الطائي!


73

قالها يون�س مبت�سما, فاأجاب عبدالكرمي وهو ي�سع �ساقا على اأخرى:

ـ ذلك لأنكم مل حت�سروا عندما دعوتكم اإىل عر�س �سقيقي.

تاأكد اجلميع من اأن هزمية عبدالكرمي يف هذه املوا�سيع م�ستحيلة, رغم اأنهم يعلمون اأنهم مل

يذهبوا اإىل زفاف �سقيقه لأنه اأقيم يف اإمارة اأخرى بعيدة, ولأنهم جميعا كانوا يف املناوبة التي

تنتهي يف العا�سرة م�ساء. قال يون�س باإ�سرار املتاأكد من الفوز:

ـ الليلة �ستعزمنا, لأنك رقيت قبل اأ�سبوعني, ومل حت�سر لنا �سيئا حتى الآن.

ـ اآه �سحيح رقيت.. ملاذا ل ترتكوها لالأ�سبوع املقبل؟

قال يون�س وكاأنه مالكم نه�س مناف�سه من �سقطته مرتنحا, فاأراد اإ�سقاطه ب�سربة قا�سية:

ـ ح�سنا, ولكن حينها �سيكون عليك اأن حت�سر �سيئا فاخرا.

فكر عبدالكرمي حلظة وتغري لونه قليال ثم قال:

ـ ل باأ�س, �ساأعزمكم الليلة.

اجته اإىل الهاتف قائال:

ـ ماذا تريدون من الكافرتيا؟

�ساد الرتياح بني اجلميع, خ�سو�سا يون�س الذي و�سع عبدالكرمي يف الزاوية وهزمه.

يف انتظار الطعام كان اجلميع �سعداء, با�ستثناء عبد الكرمي الذي كان يقراأ اجلريدة اأحيانا,

ويلهو بهاتفه املتحرك اأحيانا اأخرى.

بعد دقائق ح�سر ال�سائق الهندي, وهو يحمل الطعام وقال:

ـ احل�ساب 55 درهما.

ظل اجلميع يلتفتون باحثني عن عبدالكرمي, فاأكد اأحدهم اأنه راآه يخرج منذ دقائق عندما رن

هاتفه, فالبد اأنه يتحدث يف اخلارج. ذهبوا يبحثون عنه, فلم يجدوه يف اأي مكان.

عاد عبدالكرمي بعد مدة, وحني ا�ستف�سروا عن مكانه, قال:

ـ كنت يف احلمام, بعيد عنكم اأنا م�ساب بالإ�سهال منذ بداية اليوم.

ثم اأ�ساف وهو ينظر اإىل اأكيا�س الطعام:

ـ من الذي دفع احل�ساب؟

اأ�ساروا اإىل يون�س �ساحكني, فلم ميهله ليقول �سيئا, اإمنا قال وهو يتجه اإىل الطعام:

ـ دائما يون�س, لقد غرقنا يف خريك, اأكرمك اهلل.


74

إلى زوجي الحمار بعد التحية..


75

بالها م�سغول وهي تقلب ما يف القدر بع�سبية, منذ اأم�س مل يقرتب النوم من عينيها,

واليوم منذ ال�سباح وهي يف املطبخ, اإل اأن عقلها يف مكان اآخر, وحتديدا عند نافذة

غرفة ال�سيوف املطلة على بيت اجلريان, واجلدار الذي وجدت بقعة غريبة عليه, ي�سيل

منها �سائل لزج برائحة تعرفها.

هل ت�سارح زوجها باأنها راأته وهو يطل على بيت اجلريان اجلدد. ماذا تقول له, وهي

تعلم اأنه �سينكر التهمة جملة وتف�سيال, بل ورمبا يدعي عدم معرفته بوجود نافذة تطل

على بيت اجلريان من خلف ال�ستائر, فهو بطل العامل يف الإنكار والكذب, ما يعني اأي�سا

واتهمته يتمادى وي�سربها لأنها �سكت فيه بالظلم ورمبا نف�سه وي�سعر اأنه قد ي�سدق

زورا!

اأ�سئلة كثرية مرت يف خاطرها مذ راأته واقفا يف زاوية النافذة يراقب اجلريان وال�ستارة

تتحرك ببطء وانتظام؛ ملاذا يفعل ذلك؟ األي�ست كافية بالن�سبة له؟ هل مل منها يف �سنتني

فقط؟ اأم اأن نظرية »الرجل ل ميالأ عينيه اإل الرتاب« �سحيحة؟

وهل �سحيح اأن زوجة اجلار دائما اأجمل بالن�سبة لأي رجل, واأنها لذيذة مثل اخلبزة التي

يتقطر عليها دهن الكباب, ل غنى عنها رغم وجود الكباب نف�سه.

بعد طول تفكري, وجدت حال رمبا ل ينهي امل�سكلة, لكنه لن ي�ستطيع اأن ي�سربها بهذه

الطريقة.

كتبت ر�سالة وو�سعتها يف ظرف, وتركتها عند حافة النافذة, ل ي�ستطيع اأن يراها اإل من ينوي

اأن يطل على بيت اجلريان, فاإذا ذهب ليمار�س هوايته, �سريى الر�سالة, وقد يخجل من نف�سه,

اأما اإذا غ�سب فلن يقدر على اأذيتها, لأن ذلك يعني بب�ساطة اعرتافه بفعلته.


76

يف م�ساء اليوم نف�سه, وبعد اأن تاأكد من اأن زوجته م�سغولة بطفلها, دخل غرفة ال�سيوف

كل�س, فهذا هو الوقت الذي جتل�س فيه الفتيات يف فناء البيت, ثالث فتيات لبد اأن

اثنتني منهن �سديقات لبنة اجلريان.

امل�سهد ل يفوت, حتى اإنه قال يف نف�سه:

ـ اأنا م�ستعد لدفع الفلو�س مقابل هذا امل�سل�سل اليومي الرائع.

يرينه, اأن املراقبة دون ي�ستطيع الزاوية املطلوبة كي واأخذ ال�ستائر, حني وقف خلف

ورفع راأ�سه قليال, راأى ر�سالة زوجته, عقد حاجبيه وازدادت �سرعة خفقات قلبه, كان يف

داخله وهو ميد يده اإىل الر�سالة كثري من اخلوف وقليل من الأمل, فرمبا تكون اإحدى

البنات الثالث معجبة به, وو�سعت له هذه الر�سالة.

اأع�سائه النافذة من اخلارج م�ستحيل, فطاملا فكر الرجل يف اأن فتح بباله مل يخطر

ال�سفلية فاإن اأع�ساوؤه العلوية ل تعمل.

التحية.. بعد احلم�ر زوجي »اإىل التايل: وقراأ وا�سطراب, بنزق املغلق الظرف فتح

توقف عم� تفعله، وا�ستح على وجهك«.

اأول ما خطر له حلظتها هو كيف علمت باأمره؟ والتفت بعفوية اإىل اخللف ليتاأكد اأنه

وحده, وثم ت�ساعد الدم اإىل راأ�سه وكور الورقة يف يده بقوة؛ كيف تنعته باحلمار؟ نظر

اإىل فناء اجلريان فازداد غ�سبه:

ـ ملاذا فتاتان فقط اليوم؟

ظل واقفا يف غرفة ال�سيوف, اأ�سعل �سيجارته, فكر طويال؛ هل يت�سرف وكاأن �سيئا مل

بـ»حموريته«؟ كيف �سيربر يكن؟ غري ممكن؛ فالظرف ممزق. هل ي�سارحها ويعرتف

فعلته؟ اأخريا وجد احلل الأن�سب.

بعد دقائق ذهب اإليها, جل�س قربها وهي تبدل »حفاظات« ابنه. قال وهو يداعب الطفل:

ـ ما الع�ساء اليوم؟


77

اأجابت وهي تر�س البودرة على ج�سد الطفل:

ـ ل �سيء حتى الآن.. هل تريد �سيئا معينا؟

ـ ل داعي لذلك, �سنتع�سى يف اخلارج اليوم.

قالها ب�سرعة, فقد كان �سيقولها يف كل الأحوال ومهما كانت اإجابتها. رفعت راأ�سها اإليه

لتتاأكد من جديته وقالت:

ـ ح�سنا.

ا�ستغلت دخوله احلمام, واجتهت اإىل غرفة اجللو�س. هناك �سيء غريب؛ الظرف ليزال

موجودا, لكنه مفتوح.

تناولته ببطء, اأخرجت الورقة منه, وقراأت حتت ما كتبته هي كلمات اأخرى تقول: »اإىل

زوجتي وحبيبتي.. ل اأعرف كيف اأعتذر عم� بدر مني.. اأن� اآ�سف جدا.. �س�أم�سي عمري

كله حم�ول تعوي�ض م� حدث عليك«.

تهلل وجه الزوجة, وقفزت دمعة من عينها, اإذا فهو نادم على فعلته, والأجمل اأنه ليزال

يحبها, حتى اأنه اأكد ذلك يف توقيعه على الر�سالة: »زوجك وحبيبك ووالد ابنك«.

�ساحمته من قلبها, فهي حتبه, وها هو قد اعتذر وجدد لها حبه واإخال�سه, وحتولت

احلياة يف تلك اللحظة وردية.

اإر�سال اخلادمة والطفل اإىل �سقيقتها حتى غد. واأخربها الليلة ذاتها, طلب منها يف

اأنهما لن يعودا اإىل البيت بعد الع�ساء, لأنهما �سيبيتان يف اخلارج.

ملعت عينا الزوجة, ما كل هذه الرومان�سية؟ و�ساألته عن عمله غدا وهي تتمنى األ تنبهه

اإىل �سيء رمبا ن�سيه, فاأكد اأنه هاتف م�سوؤوله وا�ستاأذنه بالتغيب غدا.

يف الطابق العلوي من فندق »املرتوبليتان« ب�سارع ال�سيخ زايد, كان �سوء املدينة املتالألئة

يف ظالم الليل يغازلهما وهما يجل�سان اإىل طاولة متطرفة يف املطعم الفاخر.


78

مع غيتار واأنغام حزنا, ترق�س �سمعة الطاولة منت�سف ويف اأمامهما, الطعام كان

اإيقاعات خفيفة تنبعث يف املكان, ومل يكن ينق�س اإل اأن يدعوها اإىل رق�سة رومان�سية

على املن�سة.

هذا ما فكرت فيه وابت�سمت, لكن ابت�سامتها ات�سعت وهي تفكر يف ما �سيحدث لحقا

يف غرفة بهذا الفندق.

منذ زمن مل يتقابال يف جل�سة م�سارحة كهذه, كان يتحدث عن حبه الكبري لها, واأنه

لن يجرحها مرة اأخرى مهما حدث, واأنه ل يرى غريها اأنثى يف هذه الدنيا, وكان يلعن

اإبلي�س بعد كل جملة يقولها.

مل يلتفت ميينا اأو �سمال تلك الأم�سية, حتى عندما نادى النادل, كان يحدق يف زوجته,

ونظراته تقول لها ما ل ي�سرح به ل�سانه.

قاطعت حديثهما النادلة العربية لت�سع اأمامهما �سحني الكراميل والفراولة بال�سيكولته,

ظل ينظر اإىل عيني زوجته وهو يجاهد نف�سه ويقول يف �سره:

ـ ل تلتفت اإىل امل�سرية, لي�س الآن, لي�س الليلة.

ال�ساعات التالية كانت ت�سبه �ساعاتهما الأوىل يف �سهر الع�سل, وكانت الزوجة �سعيدة

لدرجة اأنه خطر ببالها اأن فعلة زوجها كانت �سرورية لر�س البهارات على عالقتهما التي

فرتت منذ قدوم طفلهما.

كانت اأ�سعة ال�سم�س تت�سلل اإىل الغرفة من النافذة عندما اأوقظها الزوج بحنان ودلل,

وهو يعد لها ال�ساي. جل�سا لتناول الفطور الذي متنت األ ينتهي, فقد كان الزوج حتت

خدمتها يطعمها بيديه ويغازلها وي�سمعها الكالم اجلميل.

دخلت احلمام لت�ستحم على مهلها بعد اأن اأعد لها زوجها »البانيو« املمتلئ رغوة وفقاقيعا.

بعد انتهائها من ا�ستخدام جمفف ال�سعر, خرجت ترتمن باأغنية, ا�ستقبلها زوجها بقبلة


79

ودخل بعدها لي�ستحم.

وقفت الزوجة اأمام النافذة لتم�سط �سعرها وت�ستمتع باأ�سعة ال�سم�س. نظرت اإىل اأ�سفل,

متنت لو اأنها ت�ستطيع اأن ترتدي الـ»بكيني« وتنزل حو�س ال�سباحة مثل الن�ساء اللواتي

ي�سبح بع�سهن مبرح وي�ستلقي بع�سهن الآخر على الكرا�سي لال�سرتخاء.

ينزلق امل�سط يف �سعرها عندما لحظت وجود �سائل لزج تعرف رائحته جيدا, وقف

على النافذة.


80

اإلدارة بفن الزبالة


81

ذهب وكالعادة اإ�سبعه, بب�سمة ح�سوره �سجل فيها. يعمل التي ال�سركة مقر فهد و�سل

تكون هناك يوميا, فرمبا املوظفني يتابعها جميع اأن التي يجب لوحة املالحظات لقراءة

تعليمات جديدة, اأو ر�سائل اأخرى يود امل�سوؤولون اإي�سالها اإىل املوظفني.

كان هناك �سيء غريب معلق على اللوحة هذه املرة؛ كي�س قمامة, مليء باملحارم الورقية

والعلب الفارغة وخملفات اأخرى, وبجانبها ورقة كتب عليها: »حت�سروا.. لقد مت جمع هذه

املخلف�ت من مواقع العمل اخل�رجية خالل ثالثة اأي�م فقط«.

وقف فهد اأمام هذا امل�سهد متاأمال, ترك اأ�سابعه تعبث بلحيته, حمدقا يف الكي�س. التفت

العبارة, فلم يكن موجودا. توقيعه وا�سحا حتت الذي كان ال�سركة اإىل مكتب مدير فرع

اأخرج هاتفه املتحرك, والتقط �سورا للم�سهد.

اإنه توفيق, املدير الذكي ال�سارم, ل يجروؤ على حتديه اأحد, ويعترب بطال من ي�ستطيع النظر

يف عينيه عندما يكون غا�سبا. بنظرة منه يهز اأف�سل واأقوى موظف.

توفيق هو اأحد اأعمدة هذه ال�سركة, �سعب اأن يحبه اأحد, حتى اأن هناك �سائعة تقول اإن اأفراد

اأ�سرته ل يحبونه, لكن ما هو اأكيد اأن اجلميع يخ�سونه, اأو على اأقل تقدير يحرتمونه.

لديه �سالحيات مطلقة, فهو ناجح يف حتقيق الأرباح وتقليل امل�سروفات, وهذان ال�سيئان

هما مقيا�س جناح املدير بالن�سبة ملجل�س اإدارة ال�سركة, لذلك, فمن يعمل يف املكان يفعل

ذلك فقط لأن املدير را�س عنه, ومن يخرج عن طوعه اأو ل يعجبه مظهره, يكون م�سريه

الطرد اأو النقل اإىل اأحد الفروع البعيدة.

غادر فهد اإىل ا�سرتاحة املوظفني, جل�س اأمام الكمبيوتر, بداأ يكتب ر�سالة موجهة اإىل املدير

العام الذي يدير الفروع جميعها.


82

كان جميع املوظفني يتحدثون ويبدون امتعا�سهم يف ما بينهم مما حدث, بالطبع لي�س اأمام

اجلميع, فهناك اأ�سخا�س ف�سح اأمرهم وات�سح اأنهم خمربون ل�سالح توفيق.

اإلكرتوين اأر�سلها اإىل املدير من عنوان بريد باأمر هذه الر�سالة التي اأحدا مل يخرب فهد

جديد اأن�ساأه, با�ستثناء زميله املقرب الذي طلب منه اأن ير�سل له الر�سالة, وبالفعل هذا ما

حدث بعد اأن قال فهد وهو يرفع حاجبيه و�سبابته:

ـ ل تدع اأحدا يراها.. لأنهم �سريكلوين خارجا.

يف اليوم التايل كان جميع املوظفني يتحدثون عن الر�سالة, كانوا فرحني بها, رغم معرفتهم

اأنها لن تهز �سعرة يف ج�سد توفيق, اإل اأن حماولة حتدي توفيق بحد ذاتها �سيء ي�ستدعي

الحتفال.

كانت الأ�سئلة تدور عن هوية ال�سخ�س الذي كتب الر�سالة, واإىل من اأر�سلها, مل يعرف اأحد

�سيئا. فقد كانت الأوراق موجودة على مكاتبهم ب�سكل ع�سوائي حني قدموا يف ال�سباح نف�سه

الذي اختفت فيه »القمامة« لحقا.

يف اليوم التايل, ازداد احلديث يف الأمر, فقد تربع اأحد الأ�سخا�س واأم�سى �ساعات وهو

غرفة يف املوظفون ووجدها الأجانب, ليقراأها الإجنليزية, اإىل الطويلة الر�سالة يرتجم

العمليات يف ال�سباح الباكر.

كان اجلو العام يف ال�سركة يف اليومني املن�سرمني متفائال, اجلميع �سعداء ي�سحكون, كانت

الر�سالة بالن�سبة اإليهم كانتقام طفل يخرج ل�سانه وي�سع يديه على راأ�سه اأمام كلب م�سعور

لكنه مربوط, ويكفي اأن توفيق �سي�سعر بالغيظ لأن هناك من يتحداه.

وبيد اأحيانا, املخربين بفعل الأوراق و�سلته اأن بعد غيظه, قمة يف توفيق كان وبالفعل

ال�سامتني اأحيانا اأخرى.

كان ع�سبيا يف هذين اليومني لدرجة جعلت كل املوظفني يتحا�سون املرور اأمام مكتبه, اأو

التواجد يف مكان مير فيه.

كان غ�سبه وا�سحا للجميع, خ�سو�سا عندما قراأ بنف�سه الر�سالة التي جاء فيها:


83

اإىل ال�سيد املدير الع�م.. ال�سالم عليكم ورحمة اهلل وبرك�ته

يعتقد مدير العري�ض »حت�سروا«! هل فوقه ب�خلط كتب زب�لة« »كي�ض ن�ستحقه؛ م� هذا

العملي�ت املحرتم، توفيق، اأنن� ق�دمون للتو من الغ�بة؟

وقتن� من منحن�ه� التي ال�سركة �سبيل يف نبذله الذي املجهود على ي�سكرن� هكذا وهل

اخل��ض ـ �س�ع�ت عمل اإ�س�فية اإجب�رية ـ اأكرث مم� مننحه لأنف�سن� ولذوين�؟

علق مدير العملي�ت »زب�لة« على لوحة املالحظ�ت حتتوي من�ديل م�ستعملة واأكواب� وعلب

مي�ه ف�رغة، يقول اإنه جمعه� من مواقع العمل..

الآن فهمن� م� هو عمل مديرن� املحرتم؛ مراقبة »الزب�لة« وعده� وجمعه� يف كي�ض وتعليقه يف

غرفة العملي�ت التي يدخله� �سيوف يف كل الأوق�ت �سواء من ال�سرك�ت املن�ف�سة اأو غريه�.

ترى م� الذي �سي�سعر به الزائر وهو يرى »زب�لة« معلقة يف �سدر الغرفة؟ ب�سراحة مل يكن

اأن ي�سع »الزب�لة« يف برواز كي تكتمل ال�سورة اجلميلة التي ينق�ض مديرن� العزيز �سوى

�ستعلق ب�أذه�ن الزائرين كم� علقت »الزب�لة« يف غرفة عملي�تن�..

غرفة يف زب�لة« »كي�ض ي�سع النظيف مديرن� اأن يعقل هل اإج�بته: اأجد مل واحد �سوؤال

جلو�ض بيته عندم� يو�سخ اأبن�وؤه املك�ن؟!

مل ال�ستغراب من وجود هذه الأ�سي�ء يف مواقع العمل؟ هل �سرب امل�ء حمرم؟ هل من�سح

عرقن� الذي ت�س�قط لأ�سب�ب ل تخفى على اأحد مبالب�سن� املت�سخة ب�لزيت والغب�ر؟

ك�ن الأوىل به توفري اأكي��ض قم�مة ف�رغة يف مواقع العمل كي ي�ستخدمه� املوظفون بدل من

تعليقه� يف غرفة العملي�ت.

لي�ض املق�بل لكنه يف فعال جميال، لي�ض العمل مواقع املخلف�ت يف و�سع اأن نعلم جيدا

جرمية، بل هو بكل ت�أكيد لي�ض فعال �سيئ� مق�رنة ب�لفعل الذي جعل املوظفني يبدوؤون يوم

عملهم مب�س�هدة »زب�لة« بدل من ابت�س�مة مع حتية ال�سب�ح، مع الأخذ بعني العتب�ر اأنه

لي�ض اجلميع �سرك�ء يف جرمية القم�مة النكراء!


84

اعذروين فثق�فتي حمدودة، ول علم يل اإن ك�ن هذا فن� جديدا من فنون الإدارة، مل اأ�سمع

به من قبل..

ومن ثم يت�س�ءلون مل�ذا يتغيب املوظفون ب��ستمرار؟ ومل�ذا تقدم كثريون ب��ستق�لتهم؟ ومل�ذا

كل تلك احلوادث ال�س�ذجة يف املواقع؟ ومل�ذا ومل�ذا..

اإنه� الإدارة بفن »الزب�لة« ي� �سيدي.. واملق�سود هن� ل هذه احل�دثة فقط، بل ال�سكل الع�م

لطريقة الإدارة، طريقة التلويح ب�لع�س� والزب�لة يف وجه املوظفني.

الزب�لة ككي�ض ثقيلة اأنه� علمي رغم بكرثة »زب�لة« كلمة ا�ستعم�ل على اأي�س� واعذروين

املعلق، ف�مل�سهد ك�ن ب�سع� للغ�ية.

مالحظة: ال�سور املرفقة مع الر�س�لة حقيقية، ولي�ست من ن�سج »الفوتو �سوب«.

التوقيع: موظف يفكر ب�ل�ستق�لة

يف اليوم الثالث زارهم عدد من ال�سخ�سيات املهمة يف ال�سركة, على راأ�سهم رئي�س جمل�س

الإدارة, الرجل الأقوى يف ال�سركة, وكانت زيارته الأوىل منذ �ست �سنوات, ومعه املدير العام

الذي مل يفعل �سيئا حني تلقى ر�سالة فهد �سوى اأنه عاتب توفيق وقال له �ساحكا:

ـ قمامة يا توفيق, احلمدهلل اأنك مل تعلق م�سنقة على اللوحة وتعلق عليها الفاعلني واحدا

تلو الآخر.

ولهذا ال�سبب اختفى كي�س القمامة يف اليوم الأول.

اإىل رئي�س جمل�س باإر�سالها اأحدهم اأنه بعد تناقل الر�سالة بني املوظفني, قام وما حدث

حال يف كبرية ف�سيحة لتكون ال�سحف يف وال�سور الر�سالة بن�سر تهديد ومعها الإدارة

اأغلب اأمامه ويجل�س الجتماعات غرفة الآن يف يقف فالرئي�س لذلك املدير, يعاقب مل

املوظفني, يف غياب توفيق الذي ح�سر �سباح هذا اليوم, لكنه غادر بعد تلقيه مكاملة باكرة,

كما اأكد �سكرتريه الذي اأبدى �سعادته بذلك اأمام بع�س املوظفني على غري عادته.

قال الرئي�س يف خطابه:


85

ـ اأتفهم متاما �سبب غ�سبكم, نحن ل�سنا را�سني عما حدث, وال�سركة لي�ست �سخ�سا واحدا,

اأنتم عماد هذه ال�سركة, ومن ل يهتم ويراعي اأ�سا�س ال�سركة فالأف�سل له اأن يرحل, واإل

ف�سيحا�سب. اأحزنني ما فعله مديركم, لكن ما اأحزنني اأكرث اأن بع�سكم فكروا يف الجتاه

اإىل ال�سحف.. نحن ن�سكل عائلة هنا, ولبد من وجود م�ساكل يف اأي عائلة, لكنها ل يجب

اأن تظهر لالآخرين.

�سفق اجلميع, وكان اأكرثهم حما�سا فهد و�سديقه.

بعد اأ�سبوع من العمل ال�سعيد, عاد توفيق خمتلفا, يبت�سم للجميع ويلقي التحية قبلهم, بل

حتى وميد يده لي�سلم ومي�سك اأياديهم املت�سخة. وكان اأول �سوؤال �ساأله لل�سكرتري حني دخال

املكتب:

ـ هل ا�ستطعت اأن تعرف من الذي كتب الر�سالة؟


86

من التي ستفوز برقم الوسيم؟


87

ي�سمعهما ل كي اأي�سا هام�سة ذلك اأكدت التي ل�سقيقتها الأخت هم�ست و�سيم«, »اإنه

ال�سغري. �سقيقهما

مت و�ساربه حليته الأمريكية, القدم كرة كالعبي الكتفني عري�س طويال ال�ساب كان

رقبته. ين�سدل على قليال �سعره طويل »القفل«, ربطهما بطريقة

يرتدي »كندورة« بنية, يلف راأ�سه بـ»غرتة« حليبية خمططة بالبني, و�سماعة الهاتف يف

اأذنه, يت�سلى باحلديث مع �سديقه, فهو مي�سي وحيدا يف »مول الإمارات«.

كان يالحقهم يف كل مكان منذ نزولهم من »املرتو« الذي ي�ستخدمونه لأول مرة من باب

املراهق فاأخوهما ال�سورة, بهذه تعقبهما على اإ�سراره الفتاتان ا�ستغربت التجربة,

. معهما

معهما ي�سحك الأخ وكان الو�سيم, هذا اإىل ينتبه ل حتى معه تتحدثان ظلتا لذلك

اأحيانا ناحيته, ورغم ذلك مل يكف ال�ساب عن مطاردتهم. ويلتفت

منهما واحدة كل كانت �سجاعة. اإنها وقاحة, يفعله ما تعتربا به, مل الفتاتان اأعجبت

تتمنى اأن يعطيها هي الرقم, �سحيح اأن الت�سال به �سيكون �سعبا ب�سبب رقابة الأهل,

هي. يف�سلونها الو�سيمني الرجال واأن اأختها, من اأجمل بالرقم الفائزة اأن لبد لكن

لالأخرى: اإحداهما فهم�ست

ـ اأعتقد اأنه يريدك اأنت.

ـ ل, اإنه ينظر اإليك.

رقمه منح ما اإذا حتى لمبالتها, وتظهر للخ�سارة, نف�سها تهيئ واحدة كل كانت

لالأخرى, ل يكون موقفها حمرجا.


88

فاأ�سبح الدلع, بو�سعية العادية م�سيتها طريقة ا�ستبدلت اإحداهما اأن مينع ل وذلك

اإيقاعا مو�سيقيا يطرب له الرجال وترق�س له قلوبهم. �سوت الكعب الذي ترتديه

بينما ا�ستخدمت الأخرى تكتيكا اأكرث فاعلية عندما �سدت عباءتها على موؤخرتها, حتى

يرفع ومل بها, يحدق كان فقد الداخلية, مالب�سها خطوط يلمح اأن ال�ساب ا�ستطاع

اإليه. ناظره عنها اإل عندما اأح�س باأن الأخ �سيلتفت

ال�سينما. حلقهم واختار طاولة قربهم. اإىل مقهى »كو�ستا« القريب من ذهبوا

غري الأخ مكانه وجل�س يف مو�سع ميكنه من مراقبة ال�ساب الذي كان بدوره ي�ستطيع اأن

يرى وجهي اإحدى الأختني والأخ ال�سغري.

قاموا بطلب امل�سروبات واحللويات, ف�سربوا واأكلوا �ساحكني, كان ال�ساب يقراأ جريدة,

كلمة كل بعد اإليهم لينظر راأ�سه يرفع كان فقد �سنة, بعد ولو منها ينتهي لن لكنه

يقروؤها.

القمي�س واجلينز: يعدل من و�سعية �سقيقتيه وهو و�ساأل الولد نه�س

الفيلم؟ ـ هل �ستاأتيان معي لنقطع تذاكر

الوطني: الن�سيد ترددان وكاأنهما بحما�س معا فقالتا

ـ ل.

اإحداهما: اأكملت ثم

ـ ل نريد الوقوف يف الطابور املزدحم.

ابت�سم الأخ لهما, ورمق ال�ساب بنظرة, واحمرت وجنتاه, وحترك متجها اإىل ال�سينما.

تبحث عن حقيبة باأنها ال�ساب متظاهرة روؤية لتتمكن من الوراء اإىل اإحداهما التفتت

يدها, بينما كانت الأخرى تنظر اإليه ونظراتها تقول: »ها قد خال لك اجلو, فتقدم«.

اأم �سيقف ت�ساءلتا عن الطريقة التي �سيمنحهما بها الرقم, هل �سريميه على الطاولة,

�سفاهة؟ الرقم ويعطيهما


89

ورقة ينتظر اأن دون الطاولة على درهما خم�سني ترك ب�سرعة, ال�ساب نه�س

احل�ساب.

ال�ساب خرج فقد بع�سهما؛ اإىل تنظران وهما الفتاتني عيون وات�سعت بعدها ثواين

ب�سقيقهما. ليلحق م�سرعا الو�سيم


90

استقالة أبناء إبليس


91

حتلقوا حول عر�س اأبيهم اإبلي�س, اتفق اأربعة منهم اأن يفاحتوه يف الأمر, فلم يجروؤ اأي منهم

على القيام باملهمة وحده.

واأعمال اأن كال منهم لديه م�سوؤوليات اأبنائه املقربني, فيفرت�س ا�ستغرب الأب من جتمع

كثرية عليه تنفيذها. �ساألهم �ساخرا:

ـ ما �سبب هذه املظاهرة؟

مل يجب اأحد؛ فاحرتام الأب واجب حتى واإن كان اإبلي�س. حرك راأ�سه ببطء من جهة اإىل

اأخرى لرياهم واحدا تلو الآخر قبل اأن ي�ستقر نظره يف النهاية على �ساعة احلائط, قا�سدا

اأن ينبههم اإىل الوقت الذي يهدرونه يف عمر معركتهم �سد الب�سر.

يف اإل ل حتدث العائلية الجتماعات فهذه ح�سورهم, �سبب علم اأنه رغم غا�سبا قال

امل�سائب:

ـ ماذا تريدون يا ك�ساىل, كل دقيقة متر يهتدي اأحد الأعداء اأو يقلع اآخر عن فعل �سيء

�سيء؟

نظر الأ�سقاء اإىل بع�سهم بع�سا مبت�سمني, وقال اأحدهم بعد اأن لكزه �سقيقه:

ـ بابا, نريد اأن ن�ستقيل من عملنا.

تغريت مالمح اإبلي�س, �سرب بع�ساه ذات ال�سوكة الأر�س, ما جعل املتحدث يرتعد ب�سكل

فيهم, تاأثري غ�سبه الآخرين, لريى اإىل التفت ال�سفلي. ق�سمه �سرارات من ت�سربت معه

فهداأت مالحمه واأ�سند ظهره اإىل العر�س, عندما راأى ال�سرارات تتطاير منهم جميعا.

بعد �سمت �سمعهم يقولون:

ـ منذ اآلف ال�سنني ونحن نعمل دون حتى اإجازة مر�سية.


92

ـ اأ�سبح العمل روتينيا, بال اإبداع اأو متعة.

ـ ل يوجد ترقيات ول حتى بون�س.

ـ اأريد اأن اأتزوج واأقعد يف البيت..

اأنه عاطل عن اإىل اأنهم يلمحون اإىل اإبلي�س لهم, ذلك لي�س من طبعه, وتنبه مل ي�ست�سلم

العمل يف هذه املعركة.

فكر يف طريقة لإقناعهم بالعدول عن هذه ال�ستقالة اجلماعية, لكن عليه اأن ي�ستمع اإليهم

اأول ليتمكن من مناق�ستهم يف قرارهم.

طالب باأن يتحدث كل منهم عن �سبب ا�ستقالته, فرفع »زملبور« اإ�سبعه, وتقدم ملتفتا يف كل

اجتاه, كاأنه ل�س خائف من اأن يتم �سبطه, م�سك ع�ساه التي تنتهي بعالمة الدولر, بني

يديه, وبداأ كالمه:

ـ النا�س مل يعودوا بحاجتي لي�سرقوا بع�سهم, اإنهم يفعلون ذلك دون اأن اأو�سو�س لهم. اأحيانا

اأ�سل اإىل العمل متاأخرا ب�سبب الزدحام, فاأجدهم قد بدوؤوا حفلة ال�سرقة دوين.

�سرقة وغ�س ون�سب يف كل مكان؛ الـ»مولت«, الأ�سواق, املطاعم.. قليلون هم رجال الأعمال

الذين ل ي�سرقون اأو يغ�سون, ويف الأغلب لأنهم ل ميلكون الفر�سة, اأو خلوفهم من اأن يك�سفوا,

فقد ازدادت اجلهات القانونية التي تالحق الل�سو�س, لكنها ل تقب�س على الل�سو�س الكبار

غالبا, لأن �سياطني الر�ساوى والوا�سطات يقومون بعملهم باإخال�س و�سمري.

قلة قليلة من الب�سر ل ي�سرقون ب�سبب اإميانهم, وقد مللت الذهاب اإليهم كل يوم.. واأنا متاأكد

اأن الباقني لن ي�سعروا بغيابي.

التفت اإبلي�س اإىل »م�سوط«, واأوماأ له براأ�سه حتى ظهر بو�سوح قرناه الكبريان اللذان جعال

البن يتاأتئ, فقال اإبلي�س مطمئنا:

ـ تكلم, وحاول األ تكذب!

ت�سجع م�سوط, لكن فجاأة انطفاأت اأ�سواء الق�سر, وعادت اإىل العمل جمددا, فقال:

ـ اأ�سبح الكذب يا اأبي هواية لدى الكثريين, هل تعلم اأنني ا�ستغرب اأحيانا لكذباتهم, كيف

يبتدعونها, ما كنت اأ�ستطيع اأن اأخرج باأف�سل منها واأنا ابنك, فهذا يدعي اأنه ميلك �سيارة

جامعة من تخرج اأنه يق�سم واآخر القيادة, تعلم منذ »هوندا« يقود اأنه رغم »فرياري«

»هارفرد«, وهو مل ينه درا�سته الثانوية.


93

األوان, فالذي ل يكذب مل�سلحته ال�سخ�سية يفعل مل�سلحة اأهله ورفاقه, لقد �سار للكذبة

ومن ل يكذب يكون عادة خائفا من اأن تك�سف كذبته, فقد تغري الزمان, واأ�سبح كل �سيء

ميكن التحري عنه بف�سل الإنرتنت وثورة الت�سالت, ومل يبق اإل قليلون لن يكذبوا حتى واإن

ظللت خلفهم مليون �سنة جديدة.. لقد �سئمتهم وكذباتهم امللونة.

رفع »الأعور« اإ�سبعه قبل اأن يلتفت اإليه اأبوه, كان الوحيد من بينهم الذي يرتدي »�سورتا«

يخفي اأع�ساءه, ما جعل اإخوته ميازحونه �سائلني:

ـ متى �سرتتدي الكرفتة؟

اأذن اإبلي�س له باحلديث وهو يداعبه بجره بوا�سطة �سوكته من »ال�سورت« الدخيل, فقال:

ـ لو كنت اأ�ستطيع النتحار لفعلتها, مل اأعد قادرا على اإ�سافة �سيء, ل حاجة اإىل تزيني

املراأة ليقع الرجل يف حبائلها, فهي تتزين من نف�سها لتوقعه, وهو عالق يف حبائلها ول يريد

اخلروج.

هل ت�سدق اأنني اأحاول تخلي�سهم اأحيانا لكنهم ل ي�ستمعون اإيل؟ فبعد اأن ينتهي الرجل من

فعلته يف ال�سوط الأول, يقرر ممار�سة ال�سوط الثاين, فاأقول له:

ـ اأنت متعب الآن, تعال غدا واأكمل ما بداأت.

اإل اأنه ي�سرب بكالمي عر�س ال�سرير. هذا اإذا وجد ال�سرير, فاجلن�س اأ�سبح ميار�س يف كل

مكان وزمان, ولول احلياء فقط لأنهوا اأمورهم يف ال�سوارع اأمام بع�سهم بع�سا. وذلك ل مينع

من اأن بع�سهم يفعلونها يف ال�سوراع وال�سواطئ والأماكن العامة الآن.

ملا معي اجلن�س ملمار�سة فر�سة على ح�سلوا لو بع�سهم اأن اأعتقد بت اأبي يا ب�سراحة

ترددوا!

بع�سهم ل يفعل هذه الأ�سياء ب�سبب الرقابة والتقاليد, ولكنهم يفكرون يف الأمر اأكرث مني..

زاد لقد اإيل, انظر اللعينة. اأياديك اأ�سابع يعدون على اإميانهم ب�سبب يفعلون والذين ل

وزين, مل اأعد اأعمل منذ مدة.

اعتدل اإبلي�س واأ�سار مبت�سما اإىل »دا�سم« باأن يقرتب منه, اأجل�سه على حجره, واأخذ مي�سط

خ�سلة ال�سعر يف نهاية ذيله, فقال البن املدلل:

يقتلون الأزواج اأغلبهم, ع�سرات الزوج والزوجة �سارت �سبه يومية بني امل�ساجرات بني ـ

يف الباعة اأخذ حتى �سحيح, اأي�سا والعك�س ال�سرف. جاهزة؛ واحلجة يوميا زوجاتهم

»ال�سوبرماركت« يت�ساءلون عندما ت�سرتي املراأة اأكيا�سا بال�ستيكية اإن كانت �ستقتل زوجها

اأم ل؟


94

حتررت املراأة, واأ�سبحت تعني زوجها يف كل �سيء, فلم تعد جمربة على احتماله. والزوج

بدوره ل يطيقها, فهو يرى كل الن�ساء جميالت اإل زوجته, ي�سخم عيوبها دون م�ساعدتي,

فرائحتها ب�سل يف اأنفه, ورائحة زميلته يف العمل عطور فرن�سية. غ�سب الطريق والعمل

وخ�سارة مباريات كرة القدم.. يخرجه عليها.

هناك بع�س الأزواج الذين ل توجد بينهم م�ساكل, لكن ذلك لأن الزوجة تعرف كيف متت�س

الغ�سب وجتعل نف�سها خا�سعة. هذه النتيجة التي انتهينا اإليها ل يوجد اأف�سل منها بابا.

الروؤو�س يراقبون ذيل و�سطهم وجميعهم مطاأطئو اإبلي�س واأخذ مي�سي جيئة وذهابا وقف

اأبيهم العظيم.

�ساألهم عن باقي ال�سياطني واجلنود, فاأخربوه اأنهم ينتظرون نتيجة الجتماع خارج الق�سر.

فقال اإبلي�س وهو يلوح بع�ساه كقائد ثوري انت�سب اأمام جي�سه لي�سحن عزائمهم:

ـ املعركة مل تنته, لقد اأكد كل منكم وجود قلة من الب�سر مل ن�ستطع هزميتهم بعد, كيف

نرتكهم؟ ثم ماذا عن الأجيال املقبلة؟ هل تعتقدون اأنهم �سيكونون على �ساكلة اآبائهم, واإذا

اأن النا�س احلاليني لن يهتدوا يف غيابكم, هل �سرنجع افرت�سنا حدوث ذلك, من ي�سمن

لنبني ما �سنعناه طوال تلك ال�سنني, اإن ا�ستقالتكم تعني الهزمية..

بدا تعبا, �سمت حلظة لريتاح, واأ�ساف:

اأنني اأق�سي يومي هنا اأداعب اأمكم؟ اإين اأقوم باملهمة الأ�سعب؛ اأذهب ـ ثم هل تعتقدون

لهم واأزين وال�سهرة, املال ليجنوا وكذا كذا يقولوا باأن اأغريهم الدين, رجال اإىل يوميا

القنوات الف�سائية ليظهروا فيها, في�سيبهم العجب, وي�سبح ما يفعلون لأنف�سهم, ل لربهم

ودينهم.. من منكم ي�ستطيع اأن يقوم بذلك؟

توقف عن الكالم, راأى عالمات التاأثر على وجوههم وذيولهم التي تتحرك ببطء, فعلم اأنه

الوقت املنا�سب ليق�سي على ما تبقى من اإرادتهم, فاأ�سال دموعه النارية, واأخذ مي�سحها

وهو مي�سي ببطء ملتفتا اإليهم.

اأطرق اأبناوؤه, فما اأ�سعب اأن ترى اأباك يبكي. اأردف اإبلي�س ب�سوت رجل مري�س:

ـ اذهبوا اإن اأردمت وخذوا معكم كل من يريد, �ساأكمل مهامكم بنف�سي.

قالها �ساربا �سدره بقوة, ف�سقط على الأر�س.


95

حتلق الأبناء حوله لي�سعفوه, و�سمعهم يقولون:

ـ نحن اآ�سفون يا اأبي, ل نريد اأي ترقيات.

ـ �سنعمل بجد اأكرب.

ـ اأرجوك ل تقبل ا�ستقالتنا.

قال اإبلي�س يف نف�سه:

ـ ح�سنا, اأراكم بعد األف �سنة.


96

إصابة تحت الطائرة


97

كان اأحمد يتعرق بغزارة, مل يكن ذلك يزعجه, فقد اعتاد الأمر. يف نهار ذلك اليوم كان يزود

الطائرة العمالقة بالوقود.

الطائرة الواقف حتت بطن الق�سري الفلبيني امليكانيكي اأو�سك على النتهاء وهو يراقب

يتابع عدادات خزانات الوقود, ويقفز اأحيانا لي�ستطيع الو�سول اإليها. و�سع امليكانيكي يده

قرب رقبته ومررها مرتني من ال�سمال اإىل اليمني, معلنا النتهاء.

ف�سل اأحمد خرطومني من جناح الطائرة وهو يراقب امل�سافرين اأو بالأحرى امل�سافرات وهن

مي�سني عرب اجل�سر املو�سول بالطائرة.

اأر�س املطار. لكنه فجاأة و�سع يده اأراد فك خرطوم عربته ال�سخم املت�سل بفتحة يف ثم

اأ�سفل ظهره, وجل�س لال�سرتخاء.

وقد �سبق لبع�س زمالء اأحمد اأن اأ�سيبوا يف ظهورهم ب�سبب الأوزان الكبرية التي يتعاملون

معها.

يف اأ�سيب اأنه واأخربه امل�سرف, مب�ساعد اأحمد ات�سل ال�سريع, الت�سال جهاز بوا�سطة

ظهره, واأنه بحاجة اإىل م�ساعدة فورية, كي ل يت�سبب يف تاأخر الطائرة عن موعد الإقالع.

اأقل من خم�س دقائق و�سل امل�سرف وم�ساعده وزميل اآخر, اطماأن اثنان على اأحمد بعد

الذي كان يتاأوه وهو يراقب امل�سيفات وهن ينهني اأعمالهن. بينما بداأ الثالث ف�سل بقايا

العربة عن الأر�س والطائرة, واأخرجها من املكان.

اأو�سل الثنان اأحمد اإىل بوابة املطار املخ�س�سة للموظفني, واأ�سر امل�سرف على اأن يو�سله

اإىل �سيارته يف اخلارج, لكن القانون وا�سح, يجب خروج املوظفني �سريا على الأقدام ليعربوا


98

جهاز ك�سف املعادن, با�ستثناء ال�سائق الذي �سيغادر من البوابة بعد تفتي�س العربة.

نزل امل�سرف وذهب ليكلم عنا�سر الأمن لل�سماح لهم باإي�سال �سديقهم امل�ساب لأن امل�سافة

من البوابة اإىل مواقف ال�سيارات لي�ست ق�سرية, وبعد حلظات �سمع اأحمد وهو يف ال�سيارة

�سراخ امل�سرف واأ�سوات اآخرين.

عاد بعدها امل�سرف اإىل ال�سيارة وهو يلعن اأفراد الأمن وي�ستمهم, مقرتحا الت�سال بجهات

عليا, اأو الت�سال بالإ�سعاف لينقل اأحمد اإىل امل�ست�سفى, اإل اأن امل�ساب رف�س اإعطاء امل�ساألة

اأكرب من حجمها.

مر اأحمد وامل�سرف ي�سنده ببطء من حتت اجلهاز قائال لرجال الأمن:

ـ هل يعجبكم ما ترونه؟ ماذا ا�ستفدمت الآن؟

رد اأحدهم بهدوء:

ـ لدينا ا�سمك ورقم بطاقتك, و�ستدفع ثمن طول ل�سانك لحقا.

يف اخلارج كان م�ساعد امل�سرف ينتظرهم ليو�سل اأحمد اإىل �سيارته.

قال امل�سرف وهو يلتفت اإىل اأحمد يف اخللف:

ـ هل اأنت متاأكد من اأنك ت�ستطيع قيادة �سيارتك اإىل امل�ست�سفى؟

قال اأحمد متاأوها:

ـ اأعتقد ذلك.

�سدرت �سحكة خفيفة عن م�ساعد امل�سرف, اأثارت غ�سب امل�سرف الذي قال له:

ـ زميلك م�ساب واأنت ت�سحك يا قليل الأدب.

مل يرد امل�ساعد, ونظر اإىل اأحمد من خالل مراآة املنت�سف, نظرة ندم. فقال اأحمد معتذرا

عما حدث:

ـ اأنا اآ�سف, اأوقعتك يف م�ساكل.

ـ فليذهبوا اإىل اجلحيم.. اأهكذا يتعاملون مع �سخ�س م�ساب؟ اأين روح القانون؟

بعد �ساعة رن هاتف م�ساعد امل�سرف, وكان املت�سل اأحمد الذي قال ب�سرعة:

ـ جنحت اخلطة.

ـ نعم لكن »بوعلي« كاد يف�سحنا.

قال اأحمد معاتبا:


99

ـ ملاذا اأح�سرته معك؟

ـ عندما علم اأنك امل�ساب اأ�سر على القدوم معي.

ـ احلمدهلل اأنهم مل ي�سعوا الأ�سفاد يف يديه وير�سلوه اإىل املركز, كنت �ساأ�سعر بندم اأكرب.

�سحك م�ساعد امل�سرف وقال:

ـ اأين اأنت الآن؟

ـ اأنا يف امل�ست�سفى, لبد من هذا الإجراء الروتيني للح�سول على اإجازة.

بعد دقائق اأظهرت نتائج الفحو�س اأن اأحمد يعاين بدايات الإ�سابة بالدي�سك.


100

البنات تافهات.. لكن هذه مختلفة


101

مل يتوقع ات�سالها, اإنها خمتلفة عن جميع البنات الالتي عرفهن, فهي اأكرب منه �سنا, وتبدو

جادة, ت�سع نظارة, كانت جتل�س يف مكتبة »املجرودي« يف »دبي �سيتي �سنرت«, تقراأ كتابا

تريد اأن تتاأكد من جودته قبل �سرائه, ل يبدو عليها اأنها خرجت لت�ستمتع بنظرات الرجال,

فمالب�سها عادية, ول تظهر من راأ�سها �سعرة.

التقت عيناهما حلظة, كانت هي ال�سبب يف اأن يرتك لها رقم هاتفه على الكر�سي قبل اأن

يغادر.

هي اأكرب منه بكل تاأكيد, وذلك كان �سببا اإ�سافيا ليتعرف اإليها, فقد مل البنات ال�سغريات

املو�سة موا�سيع نف�سها: الأمور يف يتحدثن فجميعهن بالتافهات, ي�سفهن كان اللواتي

واملكياج, الأفالم والأغاين.. وجميعهن ياأكدن يف اأول مكاملة اأنهن مل يكن يف اأبهى �سورهن

عندما اأعطاهن الرقم, في�سطر اأن يقول العبارة نف�سها للجميع:

ـ وهل يعقل اأن هناك �سورة اأجمل من تلك التي راأيتك فيها؟ كنت رائعة.

اأنه ي�ستطيع اخلو�س يف حوار كامل مع فتاة جديدة وهو بداأ ي�سعر اأنه اإىل درجة و�سل

نائم!

ولحظ اأن اأغلبهن ينقطعن عن الت�سال اأ�سبوعا بعد املكاملة الأوىل, رمبا لينهني عالقاتهن

مع اآخرين, اأو لأنهن يختربن �سربه, اأو اأنهن يردن اإظهار الالمبالة.

ولحظ اأي�سا اأن اأغلبهن ي�سبح �سوتهن ناعما اأكرث قبل النوم, وتتخلله تنهيدات طويلة, منتظرات

منه اأن يبداأ اأمرا يعرفه جيدا, لكنه ل يفعل, لأنه يريد اأن يقابلهن ويخرج معهن ل اأن يظل يغازلهن

يف الهاتف, وهذا ما تريده اأغلبهن.

هو موؤمن باأن الأنثى ت�سكر من اأذنها, والرجل يثمل من عينيه, فهي تريد اأن ت�سمع العملية


102

اجلن�سية, بينما هو يريد اأن يرى العملية ماثلة اأمامه, وهو و�سطها ي�سول ويجول.. لذلك كانت

اأكرث عالقاته تواأد يف مهدها.

قرر األ يتعرف اإىل فتيات يف �سنه اأو اأ�سغر ب�سبب فتاة �ساألته بعد الدقائق اخلم�س الأوىل

من تعارفهما عن اأ�سله! ا�ست�سخف ال�سوؤال, ما هذه التفاهة؟ لكنه حاول تلطيف اجلو باإلقاء

دعابة مفيدة عن جمزرة عرقية بني فئتي الـ»هوتو« والـ»توت�سي« اأ�سالت دماء مئات الألوف

يف رواندا. فقال �ساحكا:

ـ ملاذا ت�ساألني, هل نحن يف رواندا؟

بل هناك, وقعت التي باملجازر ت�سمع مل وكاأنها �سوؤاله, من وا�ستغربت ق�سده, تفهم مل

واأح�س باأنها ل تعرف ما هي »رواندا« هذه, ف�ساألها:

ـ هل تعلمني اأين تقع رواندا؟

اأجابت بعد طول �سمت, وكما يبدو بعد اأن بحثت يف الإنرتنت:

ـ يف.. اإفريقيا.

بعد اأيام قال لها عندما فا�س به الكيل من غبائها وتفاهتها:

ـ ل ن�ستطيع اأن نكمل معا.

ـ ملاذا حبيبي؟

اأثارت الكلمة الأخرية غيظه اأكرث, فقال:

ـ لأنك غبية جدا.

ـ كاأنك اأخطاأت يف حقي حبيبي.

ودعها واأغلق هاتفه دون اأن ينتظر جوابها, كي ل ي�سطر اإىل �سماع رد اأحمق جديد.

ول يقول, ما تفهم ت�ساء, متى تخرج اأن باإمكانها نا�سجة, فتاة اإىل التعرف يريد كان

تتحدث عن مالب�سها كثريا, فلم يكن ي�ستطيع تفويت فر�سة الفتاة يف املكتبة, حتى واإن مل

تت�سل, فيكفيه �سرف املحاولة, ثم اإنه لن يغم�س له جفن اإذا مل يحاول, و�سيظل يتهم نف�سه

باجلنب.

اأنها هي, رقم غريب, لبد املتحرك وظهر الهاتف رن ال�سرير عندما على م�ستلقيا كان

اعتدل جال�سا, تنحنح وكاأنه مطرب ي�ستعد للغناء:

ـ األو, مرحبا.


103

اإن كانت هي فتاة املكتبة, فاأكدت كانت هي, فرح ب�سماع �سوتها, لحظ ارتباكها, �ساألها

ذلك. ودار بينهما حوار روتيني عرف خالله اأن ا�سمها هدى وهي طبيبة اأ�سنان, وعمرها

38 عاما, حتب القراءة يف خمتلف املجالت.

كان مبهورا بطريقة حديثها ومالحظاتها الطريفة وثقافتها, خطر بباله اأنه قد يكون هو

الطرف التافه يف هذه العالقة, اإىل اأن قالت:

ـ ا�سمع ماجد, اأو اأيا كان ا�سمك.

ـ اأنا معك.

ـ اإنها املرة الأوىل التي اأحتدث فيها مع �ساب خارج اإطار العمل اأو الدرا�سة.

�سدم من عبارتها, فقد كانت جملة كاللبانة التي علكت كثريا, �سمعها ع�سرات املرات. بداأت

�سورتها تتغري للحظة, لكنها وا�سلت حديثها ب�سرعة:

ـ لبد اأنك �سمعت هذه العبارة �سابقا, ل اأطلب منك اأن ت�سدقني, كل ما اأريده اأن ت�سمعني

حتى اأنهي كالمي, وبعدها افعل ما �سئت.

ـ تف�سلي.

قالت بعد اأن اأخذت نف�سا طويال, كاأنها �ستغو�س يف بحر:

اأفكر بالزواج اأ�سغر منك قليال, مل اأبنائي اأنا عان�س, لو تزوجت يف بداية �سبابي لكان ـ

عندما كنت �سغرية, كانت درا�ستي تاأخذ جل وقتي, �سدقني مل اأ�سعر باأنوثتي اإل يف ال�سنة

الثانية من اجلامعة, وكانت جمرد حلظات متر علي اأحيانا قبل النوم.

تخرجت من اجلامعة, ذهبت لأوا�سل درا�سة طب الأ�سنان يف اخلارج, �سنوات مرت واأنا ل

اأفعل �سيئا �سوى الدرا�سة والعمل والقراءة. فاتني قطار الزواج, كان هناك بع�س العر�سان,

لكنني كنت اأرف�سهم جميعا, فعملي وم�ستقبلي املهني واأبي واأمي كانوا ميلوؤون حياتي, اأمي

ماتت منذ �سنتني, واأنا اأعي�س وحيدة مع اأبي, اإخوتي جميعهم تركوا املنزل لين�سئوا عائالت

جديدة.

اأن اأحد يتقدم خلطبتي, فقد كربت يف ال�سن, وكما لحظت ل�ست جميلة, ويبدو الآن ل

النا�س بدوؤوا يعتقدون اأنني ل اأريد الزواج.

رقمك, يل تركت عندما واليوم فيها, اأحد ي�ساعدين اأن اأريد فكرة تراودين فرتة منذ


104

ت�ساءلت اإن كنت اأنت هذا ال�سخ�س.

اأنت �ساب و�سيم ويبدو اأنك مثقف وذكي, األف فتاة �سغرية وجميلة تتمنى اأن ترتبط بك,

لكن اأرجوك فكر يف املو�سوع, رمبا يبدو ما �ساأقوله غريبا, لكن ل جتب الآن, فكر اأ�سبوعا

واأخربين بقرارك.. اأريد منك اأن تتزوجني!

اعتربين حالة اإن�سانية تريد م�ساعدتها, قم بتطليقي مبجرد اأن اأحمل منك, ل�ست طماعة,

ل اأريد اأن اأ�سرق �سبابك, ول اأريد منك �سيئا, ول داعي لإخبار اأهلك, فقط �ستاأتي لأبي

وتطلبني, ونتزوج يف املحكمة ب�سرعة, ويكفي اأن تاأتي اإىل بيتنا اأحيانا, ل اأطالبك باأن تن�سئ

اأ�سرة معي, كل ما اأريده هو طفل اأعتني به, طفل ي�سليني وين�سيني وحدتي, ورمبا يعتني

بي لحقا.

اأنا اأقدر موقفك, اأعتربه عمال خرييا �ستقوم به, �ستمنحني �سيئا اأرغب فيه, و�ستاأخذ �سيئا

ترغب فيه, واإل ملا تركت الرقم يل.

اأرجوك ل تخرب اأحدا بهذا الأمر, واإذا مل توافق على طلبي ان�س الأمر نهائيا, ل تقل �سيئا,

�ساأقفل اخلط الآن, واإذا مل تت�سل بي خالل اأ�سبوع �ساأعرف اجلواب, و�سدقني لن اأغ�سب

منك, فال يحق للفقري اأن يغ�سب اإن مل مينحه الغني من ماله.. مع ال�سالمة.


105

4 املتصلالذييعرفكلالفضائح

10 صاحباإلصبعالطويل

16 محششونبالحدود

20 عاريةفيبيتاإلمام

26 احلوارالذيأبكىالسجنيالنائم

30 حبو»بالوي«أخرى

36 احلقيقةليستمرةفقط

44 »حسونبوراسوالوحش«

48 حيوانمنويلعني

52 محاصرباخلراء

56 املالكاملسطول

62 النيساناألسود..والعقال

66 حبيبتيصاحبةالعضالت

70 آينشتاينالبخيل

74 إلىزوجياحلماربعدالتحية..

80 اإلدارةبفنالزبالة

84 منالتيستفوزبرقمالوسيم؟

90 استقالةأبناءإبليس

96 إصابةحتتالطائرة

100 البناتتافهات..لكنهذهمختلفة

الفهرس


106


حب وبلاوي أخرى

Documents