1

هاد المقاصدياالجت

مجموعة بحوث

جاسر عودة

م 2011العربية لألبحاث والنشر الشبكة –الطبع تحت –عودة جاسر – االجتهاد المقاصدي مجموعة بحوث

2

فهرس المحتويات مقدمة

:البحث األول االجتهاد في تصور مقاصد الشريعة

نظرية الضرورات نموذجا :ثانيالبحث ال

االجتهاد المقاصدي األصولي نوط األحكام بمقاصدها نموذجا

:البحث الثالث

االجتهاد المقاصدي الفقهي سألة إسالم المرأة دون زوجها نموذجام

:رابعالبحث ال

االجتهاد المقاصدي الفكري التنمية المعرفية نموذجا

:خامسالبحث ال

االجتهاد في مقاصد العقيدة مقاصد صفتي المعطي والمانع نموذجا

3

:ثانيالبحث ال االجتهاد المقاصدي األصولي

نوط األحكام بمقاصدها نموذجا مةمقد

عن طريق اقتراح المقصد ياس األصوليقالهذا البحث محاولة لتفعيل علم المقاصد الشرعية في بعرض يبدأ البحث .الحكم الشرعي وجودا وعدما حسب تغير األحوال معه رودآمناط ي الشرعينهم العتبار المقاصد الشرعية في الفقه اإلسالمي منذ عهد الصحابة المجتهدين رضي اهللا ع تاريخي

يعرض البحث إلى اعتبار المقاصد ثم .مع الترآيز على ما عرف باجتهادات الفاروق رضي اهللا عنهآما هو ثابت في –يقترح توسيع مفهوم دوران األحكام مع عللها متنوعة، و جزئية ضمن مناهج

يا أصولويناقش ذلك من ناحية صالحية المقصد إلى دورانها مع مقاصدها آذلك، –مذاهب األصول تحديد مساحة ما عرف بالعبادات المحضة والتي البحث يحاولأخيرا، و. ألن يكون مناطا للحكم

.األصل فيها االتباع الحرفي دون النظر إلى الحكم والمقاصد

حديث الصالة في بني قريظة أصل في إدارة الحكم مع مقصده المستنبط

صده الشارع بالنص وإن تعارض أثره مع ظاهر أي ما ق –اعتبار المقصد من وراء األمر الشرعي

عمل اجتهادي ظني، ولكن له أصوال مما أقره رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم من فهم –هذا النص بن عمر اعن فعلى سبيل المثال، ورد في الصحيحين وغيرهما . وفعل الصحابة رضي اهللا عنهم

ال يصلين أحد :لنا لما رجع من األحزاب ليه وسلمصلى اهللا ع قال النبي" :قالرضي اهللا عنهما أنه ،ال نصلي حتى نأتيها :فقال بعضهم ،فأدرك بعضهم العصر في الطريق ،العصر إال في بني قريظة

صلى اهللا عليه آر للنبيفذ ).إنما أراد اإلسراع: وفي رواية( بل نصلي لم يرد منا ذلك :وقال بعضهم ال نصلي إال حيث أمرنا رسول اهللا :قال آخرونو: "رواية مسلموفي 1".فلم يعنف واحدا منهم وسلم

2".وإن فاتنا الوقت صلى اهللا عليه وسلمأصل في جواز استنباط المقصد من النص الشرعي ) صالة العصر في بني قريظة(وهذا الحديث

نص بالظن الغالب بل وجواز إدارة الحكم العملي مع هذا المقصد المستنبط وإن خالف ظاهر الفالصحابة الذين قالوا إن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم إنما قصد إلى اإلسراع وليس إلى . األصلي

عين الصالة في بني قريظة خالفوا ظاهر األمر بصالتهم في الطريق، والذين أصروا على الصالة هللا ورسوله، في بني قريظة ولو بعد وقت الفريضة استمسكوا بحرفية األمر ووآلوا القصد منه إلى ا

.وإقرار رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم للفريقين دليل على جواز األمرين والمنهجين

مصطفي البغا، دار ابن آثير واليمامة، بيروت، :محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي، صحيح البخاري، تحقيق 1

321:ص 1:باب صالة الطالب والمطلوب ج –هـ 1407ة الطبعة الثالثمحمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث، بيروت، : مسلم بن الحجاج أبو الحسين النيسابوري، صحيح مسلم، تحقيق 2

1391:ص 3:باب المبادرة بالغزو ج –بدون تاريخ

4

وقد اختلفت تعليقات العلماء على هذا الحديث حسب مذاهبهم األصولية وميلهم إلى إناطة الحكم مر، فنجد جمهور العلماء يرجحون عمل الفريق الذي اعتبر مقصد األ. بظاهر النص أو مقصد النص :آل من الفريقين مأجور بقصده إال أن من صلى حاز الفضيلتين: "ولخص ابن القيم رأيهم بقوله

وإنما لم يعنف الذين أخروها ..امتثال األمر في اإلسراع وامتثال األمر في المحافظة على الوقت قصد الذي فهمه وعلى هذا فابن القيم جعل اإلسراع وهو الم 3".لقيام عذرهم في التمسك بظاهر األمر

أمرا شرعيا في نفسه يجب االلتزام به، –ال من ظاهره فقط –بعض الصحابة من سياق الحديث ما الظاهرية فقد عبر عن رأيهم ابن أ .وجعل الذين تمسكوا بظاهر األمر فقط معذورين باجتهادهم

4".لو بعد نصف الليلإال فيها و العصرلما صلينا قريظة بنيولو أننا حاضرون يوم : "حزم بتعليقهوهو رأي يتفق مع منهجهم األصولي في األخذ بظواهر النصوص ولو على حساب مقاصدها

.وسياقها

اعتبار المقاصد في فقه الصحابة المجتهدين رضي اهللا عنهم

يستعرض من سيرة الصحابة رضي اهللا عنهم ما يثبت أن تغيير األحكام مع الظروف من هذا المبحثار تحقق المقاصد هو المنهج األقرب لمنهج الصحابة رضي اهللا عنهم في االجتهاد بعد أن أجل استمر

. انقطع الوحي بوفاة الرسول صلى اهللا عليه وسلم وتغير الزمانآان الصحابة رضي اهللا عنهم يسألون رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم قبل مراجعته في أي أمر أو

، فإذا آان وحيا التزموا به وإن آان رأيا "عن رأي ارتآه"وحي أو نهي عن ما إذا آان هذا األمر عنوقد نبغ في فهم هذا الفرق سيدنا أبو بكر الصديق رضي 5.يراه صلى اهللا عليه وسلم اشترآوا بآرائهم

اهللا عنه، حتى إذا ولي أمر المسلمين حفظ اإلسالم بفهمه لثوابته ومتغيراته في حربه للمرتدين وجمعه .وغيرها من اإلنجازات التي حققها في فترة خالفته القصيرة للقرآن

آما يظهر من مجموع الروايات –ولكن أآثر الصحابة مراجعة ومشورة للنبي صلى اهللا عليه وسلم آان عمر بن الخطاب رضي اهللا عنه، وموافقته للوحي قبل نزوله في عدة مسائل معروفة، ولكن –

عند النص سواء آان آتاب اهللا أو ما ثبت له أنه سنة رسوله صلى اهللا عمر في نفس الوقت آان وقافاوآانت المواقف أيام الرسول صلى اهللا عليه وسلم التي آان على عمر التفريق فيها بين . عليه وسلم

المسائل التي ال اجتهاد فيها والمسائل التي يصح فيها االجتهاد بالرأي أفضل إعداد إلهي الجتهاد ه عمر حين ولي أمر المسلمين من بعد أبي بكر رضي اهللا عنه، وذلك حين جدت مسائل عبقري مارس

وظروف آان على عمر االجتهاد فيها لتحقيق المقاصد الشرعية المنشودة وإن تغير شكل الحكم عن واجتهد على نفس المنهج علماء الصحابة رضي اهللا . ما آان على عهد الرسول صلى اهللا عليه وسلم

اء من موقع الحكم أو اإلفتاء أو القضاء، من أمثال عثمان وعلي وعائشة ومعاذ وابن عباس عنهم سو . وغيرهم

محب الدين : باري شرح صحيح البخاري، تحقيقابن حجر العسقالني، فتح ال: رأي ابن القيم ذآره ابن حجر في 3

، وانظر أيضا اآلراء المماثلة في آتب ورسائل وفتاوى 410:ص 7:ج –الخطيب، دار المعرفة، بيروت، بدون تاريخ إسماعيل بن عمر بن آثير، تفسير ابن آثير، دار الفكر، بيروت، : ، وابن آثير في تفسيره252:ص 20:ابن تيمية ج

محمد بن على بن محمد الشوآاني، نيل األوطار، دار الجيل، : ، والشوآاني في نيل األوطار548:ص 1:هـ ج1401 .، وغيرهم11:ص 4:م ج 1973بيروت،

علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري أبو محمد، اإلحكام في أصول األحكام، دار الحديث، القاهرة، الطبعة 4 291:ص 3:هـ ج 1404األولى،

4:م ص1948إجتهاد الرسول صلى اهللا عليه وسلم، دار البيان، الكويت، عيسى، عبد الجليل 5

5

وآان اجتهاد الصحابة بعد الرسول صلى اهللا عليه وسلم اجتهادا عمليا مرتبطا بالمسائل الحقيقية التي سلم اإلتباع والتعبد تحدث في واقعهم، وآان األصل في تطبيقهم لما يعرفون عنه صلى اهللا عليه وروي عن عمر أنه . بذلك ما لم تقتض الظروف تغيير هذا االتباع إلى الدوران مع المقصد حيث دار

في " فيما الرمالن والكشف عن المناآب وقد أعز اهللا اإلسالم ونفى الكفر وأهله؟: "قال في خالفتهعليه وسلم وهو إظهار قوة المسلمين إشارة إلى الحكمة من الرمل حين أمرهم به رسول اهللا صلى اهللا

وال ندع شيئا : "حين فتحوا مكة وقد أشاع الكفار أنهم قد أضعفتهم أوبئة المدينة، ولكن عمر قال معقباوفي حدود ذلك ينبغي أن تفهم اجتهاداته رضي 6".آنا نفعله على عهد رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم

فإنها لم تكن تغييرا للحكم لمجرد مرور الزمان أو لهوى اهللا عنه واجتهادات علماء الصحابة، النفوس، وإنما آانت استجابة لظروف لو لم يستجب لها لحصل ضرر واضح لضياع المقصد

. المستهدف بالحكم

:وهذه نماذج من اجتهادات عمر رضي اهللا عنه تبين منهجه في االجتهاد بالمقاصد

ع مقصد التقوي بهم إلعزاز اإلسالمإدارة حكم المؤلفة قلوبهم م: أواليا :إلى أبي بكر فقاال عيينة بن حصن واألقرع بن حابسجاء : "روى الجصاص في أحكام القرآن

فأقطعها ،خليفة رسول اهللا إن عندنا أرضا سبخة ليس فيها آأل وال منفعة فإن رأيت أن تعطيناهاعمر فانطلقا إلى عمر ليشهد لهما فلما سمع عمر وأشهد وليس في القوم إياهما وآتب لهما عليها آتابا

صلى اهللا إن رسول اهللا :فتذمرا وقاال مقالة سيئة فقال ،ما في الكتاب تناوله من أيديهما ثم تفل فمحاهواإلسالم يومئذ قليل وإن اهللا قد أغنى اإلسالم اذهبا فاجهدا جهدآما ال يرعى آان يتألفكما عليه وسلم

سهم المؤلفة قلوبهم آان مقصورا على الحال التي : "ثم علق الجصاص قائال ".مااهللا عليكما إن رعيتفي باب سماه الشعبيوروي البيهقي عن 7".آان عليها أهل اإلسالم من قلة العدد وآثرة عدد الكفار

إنما آانوا على عهد رسول اهللا .لم يبق من المؤلفة قلوبهم أحد: "أنه قال" سقوط سهم المؤلفة قلوبهم" 8".صلى اهللا عليه وسلم

ودعوى النسخ باطلة ألنه ال نسخ بمجرد الرأي 9،"نسخ الحكم"ولكن البعض فهم من هذا أن عمر قد : علق ابن حجر على هذا المسلك في النسخ بقولهوقد . صلى اهللا عليه وسلم رسول اهللابعد عهد

ويقول 10،"النسخ ال يصار إليه اال بدليلالذي ال مستند له ال يقبل و بالظنالطعن في الروايات الثابتة "الظنون التي ف ..به النسخوجب العمل به بظن لم نؤمر أن نوجب لم يجز أن نترك شرعا: "ابن رشد

11".تستند إليها األحكام محدودة بالشرع أعني التي توجب رفعها أو إيجابها وليست هي أي ظن اتفقية وال حديث بالنسخ إال عن نص ألن طاعة اهللا وطاعة ال يحل لمسلم أن يقول في آ: "ابن حزمقال و

رسوله صلى اهللا عليه وسلم واجبة فإذا آان آالمهما منسوخا فقد سقطت وهذا خطأ، ومن ادعى

باب الرمل في الحج والعمرة –آتاب الحج –صحيح البخاري 6محمد الصادق قمحاوي، دار إحياء التراث، بيروت، : أحمد بن على أبو بكر الجصاص، أحكام القرآن، تحقيق 7

325:ص 4:هـ ج 1405باب –هـ 1414محمد عبد القادر عطا، مكتبة دار الباز، مكة، : سين البيهقي، السنن الكبرى، تحقيقأحمد بن الح 8

20:ص 7:سقوط سهم المؤلفة قلوبهم ج 2:آمال الدين بن عبد الواحد السيواسي، شرح فتح القدير، دار الفكر، بيروت، الطبعة الثانية، بدون تاريخ ج 9 260:ص 363:ص 2:ج ابن حجر –فتح الباري 10 1:محمد بن أحمد بن رشد القرطبي أبو الوليد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، دار الفكر بيروت، بدون تاريخ ج 11 63:ص

6

سقوط طاعة اهللا تعالى وسقوط طاعة نبيه صلى اهللا عليه وسلم في مكان ما من الشريعة فقوله وطاعة وإن لم يأت به فهو ثابت فإن أتى به فسمعا مطروح مردود ما لم يأت على صحة دعواه بنص

فعل إذ ي ،إلعزازل العلة"ه المسألة بأن ذورد ابن الهمام على القائلين بالنسخ في ه 12".آاذب مفتر. الذي هو العلة –على الدفع –الذي هو اإلعزاز –فإنما انتهى ترتب الحكم ،الدفع ليحصل اإلعزاز

ال نسخ ألن و ،لما آان في زمنه عليه الصالة والسالم ن للمؤتلفة تقريراعدم الدفع اآل :وعن هذا قيل 13".الواجب آان اإلعزاز وآان بالدفع واآلن هو في عدم الدفع

يبدو لي أن اإلعزاز هنا ليس علة حسب دعوى النسخ باطلة إال أنه ورغم تأييدي لرأي ابن الهمام أن ن اإلعزاز وصف متغير بتغير األحوال، وبالتالي أل(التعريف األصولي لها آوصف ظاهر منضبط

قد أدار الحكم هنا مع المقصد رضي اهللا عنها فعمر ذوعلى ه. ، بل اإلعزاز مقصد)فهو غير منضبطلك الوقت ألن ذا السهم في ذاعتبر الظروف التي تغيرت ورأى أنه ال حاجة له وليس مع العلة، ألنه

ويفصل المبحث القادم العالقة بين . لم يعد مستهدفا) لمؤلفينوهو تقوي المسلمين بهؤالء ا(المقصد .العلة والحكمة والمقصد

وآما أن دعوى النسخ لحكم المؤلفة قلوبهم باطلة ألنها أبطلت الحكم بدون برهان من الشارع، آذلك نتها التي تب) بل وألحكام القرآن عامة(لنفس الحكم " االنتهاء"و" اإلسقاط"و" اإللغاء"هي دعاوى

فمحمد النويهي مثال فسر اجتهاد . التي تنتمي لتيارات ما بعد الحداثة المدرسة التاريخية المعاصرةلم "وفسره نصر أبو زيد على أن عمر 14،"إلغاء لتشريع قرآني"الفاروق في هذه المسألة على أنه ءا ويلحقه بقصص وشتان بين هذا المنهج الذي يلغي النص إلغا 15".يتعامل مع النص آسلطة دائمة

، والمنهج الذي اتبعه عمر رضي اهللا عنه والذي ال يماري في 16"التصورات األسطورية"التاريخ وبل يجتهد في تحقيق المناط بإعمال النص في موضعه الصحيح تبعا لمقصود الشارع " سلطة النص"

.الحكيم

ها الدوران مع مقصد اإلعمار في مسألتي إحياء األرض وإقطاع: ثانيامن أعمر أرضا : "، وفي رواية"من أحيا أرضا ميتة فهي له: "قال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم

على األرض الموات التي ال : معنى هذا الحديث عندنا: "قال أبو يوسف 17".ليست ألحد فهو أحق بهاويكري منها حق ألحد فيها وال ملك، فمن أحياها وهي آذلك فهي له، ويزرعها ويزارعها ويؤاجرها

ولكن عمر رضي اهللا عنه الحظ أن بعض الناس يقيمون 18."األنهار ويعمرها بما فيها مصلحتهااألسوار حول بعض األراضي السنين الطوال بدعوى إعمارها وإصالحها ثم ال يفعلون ذلك، فقام

والمحتجر ( 19"من أحيا أرضا ميتة فهي له، وليس لمحتجر حق بعد ثالث سنين: "وخطب الناس قائال ). هو من يأتي إلى أرض موات فيقيم حولها سورا وال يعمرها وال يحييها

380: ص 7: ابن حزم ج -اإلحكام 12 نفس المصدر السابق 13منهج عمر ،محمد بلتاجي: يونقله الدآتور محمد بلتاجي ف 1970مايو –في مقال نشره في مجلة اآلداب البيروتية 14

قسم ،في جامعة القاهرة أصله رسالة ماجستير(دراسة مستوعبة لفقه عمر وتنظيماته :بن الخطاب في التشريع 158- 156:م ص 2002 ، الطبعة األولى،قاهرة، السالم، دار ال)الشريعة اإلسالمية

ر محمد بلتاجي في منهج عمر بن الخطاب في ، ونقله الدآتو1995-6-26عدد –في مقال نشره في جريدة العربي 15 162-161:التشريع ص

171:نفس المصدر السابق ص. على حد تعبير نصر أبو زيد 16 باب إحياء األرض –صحيح البخاري 17 37:هـ ص1303يعقوب بن إبراهيم أبو يوسف، الخراج، المطبعة األميرية ببوالق، القاهرة، 18 نفس المصدر السابق 19

7

بهذا القيد الذي أضافه عمر إلى التشريع الذي : "وقد علق الدآتور محمد بلتاجي على فعل عمر بقولهها أصبح محققا الهدف منه، فإما أن يعمر الرجل األرض التي سور) صلى اهللا عليه وسلم(سنه النبي

في مدة ال تزيد على ثالث سنين وإما أن تعود آما آانت في األصل ملكا للدولة من حق أي فرد فيها وقد أضاف عمر هذا القيد بوصفه ولي األمر الحريص على إحياء األرض الموات التي .. أن يعمرها

من (ريع حرص على إحيائها قبله رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، حيث رفض عمر أن يستخدم تشأما الجامدون .. في نقيض ما قصده منه رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم ) أحيا أرضا ميتة فهي له

الذين يريدون إعمال حرفية النصوص والوقوف عندها دون نظر إلى مقاصدها ومعانيها، فما أبعدهم 20".عن فهم فكر عمر الفقهي

رض التي أدار فيها عمر الحكم مع إعمارها ومن خالل تطبيق نفس المنهج تفهم مسألة إقطاع األجاء : "ذآر يحيى بن آدم في خراجه. واالنتفاع بها، وهو المقصود من تشريع إقطاع األرض أصال

فأقطعها له طويلة فاستقطعه أرضا صلى اهللا عليه وسلم بالل بن الحارث المزني إلى رسول اهللاطويلة رضاأ صلى اهللا عليه وسلم قطعت رسول اهللايا بالل إنك است :ى عمر قال لهفلما ول ،عريضة

له وأنت ال تطيق ما في أسي لم يكن يمنع شيئا صلى اهللا عليه وسلم عريضة فقطعها لك وإن رسول اهللافانظر ما قويت عليه منها فأمسكه وما لم تطق وما لم تقو عليه فادفعه إلينا :فقال .أجل :فقال .يديك

:فقال عمر .صلى اهللا عليه وسلم رسول اهللاأقطعنيه شيئا ،ال أفعل واهللا :لفقا .نقسمه بين المسلمينفعمر هنا لم يلغ تشريع إقطاع 21".فأخذ منه ما عجز عن عمارته فقسمه بين المسلمين .واهللا لتفعلن

وإنما وجهه حتى ال يكون طريقا الآتناز –وقد ورد عن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم –األرض .ة وتعطيل الموارد، األمر الذي يتعارض مع مقصود النبي صلى اهللا عليه وسلم من إقطاعهاالثرو

مراعاة مقصد العدالة في توزيع الثروة في مسألتي األرض المفتوحة وتخميس السلب: ثالثا

وهذا مثال آخر على إناطة إعمال حكم شرعي بمقصد شرعي فهمه عمر رضي اهللا عنه من سعد بن أبي (فتحت العراق والشام ومصر، طلب آثير من المحاربين من قوادهم فبعد أن . النصوص

أن يقسموا عليهم األرض ) وقاص في العراق وأبي عبيدة في الشام وعمرو بن العاص في مصرالسواد تاه رؤساء أ"وروى يحيى بن آدم أن عمر 22!المفتوحة بمن عليها من الناس باعتبارها غنيمة

هل فارس قد ظهروا علينا أوآان السواد هل أنا قوم من إ ،مير المؤمنينأيا :فقالواوفيهم ابن الرفيل عجبنا ذلك فلم نرد آفكم أفلما سمعنا بكم فرحنا بكم و ،حتى ذآروا النساء ،ضروا بنا ففعلوا وفعلواأو

سالم ن شئتم فاإلإفاآلن :فقال عمر .ونان تسترقأنكم تريدون أخرجتموهم عنا فبلغنا أعن شيء حتى 23".فاختاروا الجزية. ن شئتم فالجزيةإو

ولكن عمر لقي معارضة شديدة في االآتفاء بأخذ الخراج وعدم اعتباره لألرض المفتوحة بشعوبها تقف ما أفاء اهللا علينا بأسيافنا : فأآثروا على عمر، وقالوا: "حكى أبو يوسف! فيئا يقسم بين المحاربين

فاستشار عمر .. ا؟ وا، وألبناء القوم، وألبناء أبنائهم، ولم يحضروعلى قوم لم يحضروا ولم يشهدإني وجدت حجة، قال اهللا تعالى : فمكثوا يومين أو ثالثة، ثم قال عمر.. المهاجرين األولين فاختلفوا

ال رآاب ولـكن الله يسلط رسله ومآ أفآء الله على رسوله منهم فمآ أوجفتم عليه من خيل و‘: في آتابه. ، حتى فرغ من شأن بني النضير، فهذه عامة في القرى آلها’على من يشآء والله على آل شيء قدير

173:محمد بلتاجي ص –ج عمر بن الخطاب في التشريع منه 20 110:ص 1:م ج 1974يحيى بن آدم القرشي، الخراج، المكتبة العلمية، الهور، باآستان، الطبعة األولى، 21، وأبو الحسن البالذري، فتوح البلدان، مطبعة الهالل، بيروت، الطبعة األولى، 81و 14:أبو يوسف ص –الخراج 22

264:م ص1983 152:ص 1:يحيى بن آدم ج –الخراج 23

8

لقربى واليتامى والمساآين وابن مآ أفآء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي ا‘: ثم قالتهوا واتقوا الله السبيل آي ال يكون دولة بين األغنيآء منكم ومآ آتاآم الرسول فخذوه وما نهاآم عنه فان

المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضال للفقرآء ‘: ، ثم قال’إن الله شديد العقاب، ثم لم يرض حتى خلط بهم غيرهم، ’من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولـئك هم الصادقون

أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضال من الله ورضوانا للفقرآء المهاجرين الذين ‘: فقالوالذين تبوءوا الدار واإليمان من قبلهم يحبون من * وينصرون الله ورسوله أولـئك هم الصادقون

دون في صدورهم حاجة ممآ أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو آان بهم خصاصة هاجر إليهم وال يجفهذا فيما بلغنا واهللا أعلم لألنصار خاصة، ثم لم يرض . ’ومن يوق شح نفسه فأولـئك هم المفلحون

ن جآءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا وإلخواننا الذين سبقونا والذي‘: حتى خلط بهم غيرهم، فقال، فكانت هذه عامة لمن جاء من ’باإليمان وال تجعل في قلوبنا غال للذين آمنوا ربنآ إنك رءوف رحيم

جميعا، فكيف نقسمه لهؤالء وندع من تخلف بعدهم بغير بعدهم، فقد صار هذا الفيء بين هؤالء 24".على ترآه وجمع خراجه) عمر(فأجمع -قسمة؟

فالمقصد من جزء الغنيمة الذي يقسم على المحاربين هو نوع من التعويض والمكافأة على ما بذلوه عبير عمر رضي اهللا على حد ت" المدن العظام"ولكن أن تقسم األرض المفتوحة بمن فيها و. في القتال

فهذا مما يتعدى المصلحة المقصودة إلى مفسدة اإلخالل الشديد بالتوازن في توزيع الثروات 25عنه،ليس في جيل الصحابة رضي اهللا عنهم فقط بل –على الناس ونتيجته أن تكون دولة بين األغنياء

.آما شرح عمر رضي اهللا عنه في حجته –وفي األجيال من بعدهم ورووا أنه عليه السالم قسم : "عكر على هذا رد ابن حزم الظاهري على اجتهاد عمر بقولهوال يوترآوا ذلك إليقاف عمر األرض مع إقرارهم بأنهم ال يعرفون آيف ،فقالوا ليس عليه العمل ،خيبر

مع صلى اهللا عليه وسلم أفيكون أعجب من ترك عمل مشهور متيقن على النبي .عمل عمر في ذلكوقد خالفه في ذلك ،من عمل عمر – بإقرارهم –أصحابه لعمل مجهول ال يدرون آيف وقع جميع

ويبدو لي أن ابن حزم لم يستطع اعتبار حجة عمر المستنبطة من اآليات 26".؟وغيرهماالزبير وبالل رضي دليل تقسيم خيبر، وبالتالي اعتبار اجتهاد عمر ) تعارضا ظاهريا(المذآورة آنفا دليال يعارض

ورأي ابن حزم هذا يتفق على .اهللا عنه نوع من إعمال الدليلين بالنظر إلى المقاصد والمصالح والعللالمنهج الذي طالما قاده –أية حال مع منهجه في رفض التعليل للنصوص ولو بعلل ظاهرة منضبطة

للعلل المؤثرة من رأيه ولكني لم أر رأيا أآثر إفراطا في الظاهرية وتجاوزا 27.إلى نتائج غير مقبولةعن أنس بن مالك أن امرأة : "المحلى قال في! في أن من قتل إنسانا بطعام مسموم أنه ال يقتل به

يهودية أتت رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم بشاة مسمومة فأآل منها فجيء بها إلى رسول اهللا صلى آان اهللا ليسلطك على ذلك أو قال علي فقالوا اهللا عليه وسلم فسألها عن ذلك فقالت أردت ألقتلك قال ما

فصح أن من .. أال تقتلتها قال ال قال أنس فما زلت أعرفها في لهواة رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم أطعم آخر سما فمات منه أنه ال قود عليه وال دية عليه وال على عاقلته ألنه لم يباشر فيه شيئا أصال

وما أبعد هذا الرأي عن تحقيق مقصود الشارع من القصاص 28".فسهبل الميت هو المباشر في ن، وعلة ذلك القصاص وهي القتل العمد بغض النظر عن وسيلة القتل سواء آانت سيفا )وهو الردع(

10- 6واآليات من سورة الحشر 15:أبو يوسف ص –الخراج 24 نفس المصدر السابق ، وضرب عمر أمثلة بالكوفة والبصرة ومصر والشام 25 229:ص 2:ابن حزم ج –اإلحكام في أصول األحكام 26 –رسالة دآتوراه –لف عليها في الشريعة اإلسالمية مدى حجية األدلة االجتهادية المخت: راجع أمثلة لذلك في 27

.334- 333:صالح الدين سلطان ص 26:ص 11:ج ،لجنة إحياء التراث العربي، دار اآلفاق الجديدة، بيروت، بدون تاريخ: المحلى باآلثار، تحقيق 28

9

إن تخيلنا تطبيقه على هيئة ) بالسم(وما أآثر ما يترتب على هذا الرأي من الفساد والقتل ! أو سما .قانون في بلد ما

عن أنس بن مالك أن البراء بن : "فروي. سار عمر على نفس المنهج في مسألة تخميس السلب وقدفبلغ مالك حمل على مرزبان يوم الدارة فطعنه طعنة على قربوس سرجه فقتله فبلغ سلبه ثالثين ألفا

وال آثيرا وإن سلب البراء قد بلغ ماالالسلب ال نخمس إنا آنا :ذلك عمر بن الخطاب فقال ألبي طلحة 29".أراني إال خمسته

قال : "ولكن الفقهاء اختلفوا في تفسير فعل عمر رضي اهللا عنه، وقد رصد ابن رشد هذا الخالفوبه ،ال يستحق القاتل سلب المقتول إال أن ينفله له اإلمام على جهة االجتهاد وذلك بعد الحرب :مالك

واجب للقاتل :و ثور وإسحاق وجماعة من السلفوقال الشافعي وأحمد وأب ،قال أبو حنيفة والثوريوسبب اختالفهم هو احتمال قوله عليه الصالة والسالم : "ثم علق ابن رشد". قال ذلك اإلمام أو لم يقله

أن يكون ذلك منه عليه الصالة والسالم على جهة ،فله سلبه يوم حنين بعد ما برد القتال من قتل قتيال 30".ق للقاتلالنفل أو على جهة االستحقا

ولكن فعل عمر رضي اهللا عنه يدلنا على أن فعل النبي صلى اهللا عليه وسلم آان على جهة القيادة ومن ثم نظر عمر إلى المصالح والمفاسد وليس إلى ظاهر فعل . وليس تقريرا لحق شرعي محض

ثروات آبيرة النبي صلى اهللا عليه وسلم، فلو لم يخمس هذا السلب الكبير لضاع على المسلمينولقصد آل محارب في المستقبل ذوي األسالب الكبيرة فقط دون من سواهم ابتغاء الدنيا، وهو ما

.يناقض المقاصد الشرعية من الجهاد في سبيل اهللا

مراعاة مقصد عالمية الشريعة وخلودها في مسألة وعاء الزآاة : رابعارأيت أبي يقيم :ن السائب بن يزيد أخبره قالأخرج الدارقطني عن جويرية عن مالك عن الزهري أ"

وروى عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار أن جبير .الخيل ثم يدفع صدقتها إلى عمرابتاع عبد الرحمن بن أمية أخو يعلى بن أمية من رجل :بن يعلى أخبره أنه سمع يعلى بن أمية يقول

لي دم البائع فلحق عمر فقال غصبني يعلى وأخوه فرساأنثى بمائة قلوص فن من أهل اليمن فرسا إن الخيل لتبلغ هذا عندآم ما علمت أن فرسا :فكتب إلى يعلى أن الحق بي فأتاه فأخبره الخبر فقال

فقرر على الخيل خذ من آل فرس دينارا يبلغ هذا فنأخذ عن آل أربعين شاة وال نأخذ من الخيل شيئاأيضا عن ابن جريج أخبرني ابن أبي حسين أن ابن شهاب أخبره أن عثمان آان وروى ، دينارا دينارا

قال ابن .وأن السائب بن يزيد أخبره أن آان يأتي عمر بن الخطاب بصدقة الخيل ،يصدق الخيل 31".سن صدقة الخيل صلى اهللا عليه وسلمال أعلم أن رسول اهللا :شهاب

قصة عمر مع يعلى بن أمية لها : "ى هذا الخبر بقولهوقد علق الدآتور القرضاوي في فقه الزآاة علفقد دل تصرف عمر رضي اهللا عنه على أن للقياس فيها . في نظري أهمية بالغة في باب الزآاة

مدخال ولالجتهاد مسرحا، وأن أخذ النبي صلى اهللا عليه وسلم الزآاة من بعض األموال ال يمنع من ا، وأن أي مال خطير نام يجب أن يكون وعاء للزآاة، وأن بعده أن يأخذوها من غيرها مما ماثله

هذا وقد أجاب الجمهور عن هذه القصة بأن ذلك . المقادير فيما ال نص فيه تخضع لالجتهاد أيضاالزآاة في –ومنهم الظاهرية –وقد حصر بعض الفقهاء 32".اجتهاد من عمر، فال يكون حجة

291-290:ص 1:ابن رشد ج –بداية المجتهد 29 نفس المصدر السابق 30 185:ص 2:السيواسي ج –ر شرح فتح القدي 31أصله رسالة دآتوراه (دراسة مقارنة ألحكامها وفلسفتها في ضوء القرآن والسنة :فقه الزآاة ،يوسف القرضاوى 32

229:ص 1:ج 1985مؤسسة الرسالة، القاهرة، الطبعة الخامسة عشر، ،)في جامعة األزهر آلية الشريعة

10

: فقال ابن حزم. ى اهللا عليه وسلم فقط ولم يعتبروا غيرهااألصناف المذآورة في حديث رسول اهللا صلوهي الذهب والفضة والقمح والشعير والتمر واإلبل ،زآاة إال في ثمانية أصناف من األموال فقطال "

وال زآاة في شيء من الثمار وال من .. وفيها جاءت السنة ..والبقر والغنم ضأنها وماعزها فقط .. نا وال في الخيل وال في الرقيق وال في العسل وال في عروض التجارة الزرع وال في غير ما ذآر

."33 القرضاوي أيد مذهب أبي حنيفة المتوسع في هذه المسألة بإيجابه للزآاة في آل ما الشيخولكن

آل مال نام : "بل عمم القرضاوي ذلك الحكم بأن جعل 34أخرجت األرض مما يقصد بزراعته النماء،إن الزآاة إنما شرعت لسد حاجة الفقراء والمساآين : "، وآتب معلال لذلك"فهو وعاء للزآاة

والغارمين وابن السبيل وإلقامة المصالح العامة للمسلمين آالجهاد في سبيل اهللا وتأليف القلوب على ومن المستبعد أن يكون الشارع قد قصد إلقاء هذا العبء على من يملك خمسا من اإلبل أو .. اإلسالم

بعين من الغنم أو خمسة أوسق من الشعير ثم يعفي آبار الرأسماليين الذين يملكون أعظم المصانع أروأضخم العمارات أو األطباء والمحامين وآبار الموظفين ورجال المهن الحرة الذين يكسبون في

هج ومن 35".اليوم الواحد ما يكسبه صاحب الخمسة من اإلبل أو الخمسة من أوسق الشعير في سنواتأقرب ما يكون من منهج عمر والصحابة –فيما يبدو لي –القرضاوي في هذه المسألة الشيخ

المجتهدين رضي اهللا عنهم في النظر إلى مقاصد األحكام الشرعية وأهدافها عند تغير الزمان . واألحوال

ة عن رسول اهللا وقد التزم عمر رضي اهللا عنه المنهج نفسه في مسألة الدية، وقد ثبت قيمتها الوارد، ولكنه غير نوع المال المدفوع فيها حسب نوع المال )وهي قيمة مائة من اإلبل(صلى اهللا عليه وسلم

، وفي )36اإلبل في الجزيرة، والذهب في الشام ومصر، والورق في العراق(السائد في البقاع المختلفة .القيم المقدرة بالشرعهذا مراعاة لبعد المكان في األحكام الشرعية مع الحفاظ على

آانت تلك أمثلة قليلة تدل على الكثير من القضايا التي أناط فيها عمر رضي اهللا عنه األحكام الشرعية بمقاصدها بمشورة وإقرار من الصحابة رضي اهللا عنهم، مثل تحقيق مقصد العدل بمنع االحتكار عن

وتحقيق مقصد السماحة ورفع الحرج طريق التسعير وتضمين الصناع والمؤتمنين وعول الفرائض،بعدم قطع يد السارق في المجاعة ودرأ حد الرجم عن المرأة األعجمية التي لم تفقه، وتحقيق مقصد الردع بقتل الجماعة بالواحد، وتحقيق مقصد إعفاف المسلمات بمنع الزواج بالكتابيات، وغيرها من

37.االجتهادات الهامة في تاريخ التشريع اإلسالميإن اإلسالم لم يشرع لعرب الجزيرة في زمن التشريع وحدهم دون سائر الناس في سائر األمكنة

ولذلك فإنه . واألزمنة، وإنما الشريعة عالمية باعتبار عنصر المكان وخالدة باعتبار عنصر الزمانج البد من اعتبار تغير الزمان والمكان في تطبيق أحكام الشرع في الواقع المعاصر خاصة خار

وهذه القضية في الواقع قضية عميقة حساسة . أرض جزيرة العرب التي آانت مهد رسالة اإلسالم . البد من التعامل معها بمنهج وسط بين طرفي غلو وإفراط

فأما أصحاب طرف اإلفراط فال يتصورون أن تترتب أية نتائج في الواقع المعاصر على الوقائع التي ختالف الزمان، وقد عرض في الصفحات السابقة بعضا من هذه حدثت في زمن التشريع نظرا ال

.اآلراء على لسان نصر أبو زيد وغيره من أصحاب المدرسة التاريخية

211-209:ص 5:ابن حزم ج –المحلى 33 146:ص 1:القرضاوي ج –الزآاة فقه 34 148: نفس المصدر السابق ص 35 190:محمد بلتاجي ص –منهج عمر بن الخطاب في التشريع 36 راجع المصدر السابق 37

11

أما أصحاب طرف الغلو فال يتصور أصحابه إال أن يتعامل الناس على اختالف أزمنتهم وأماآنهم اعا وال بيئة طبيعية إال أموال العرب بتعامالت العرب في زمن التشريع وال يتصورون ماال وال مت

وإذا حدث واختلفت البيئة . وأمتعة العرب وبيئة العرب بمنظومتها الجغرافية والحيوانية والزراعيةفمثال، في الغرب المعاصر ! في مسألة ما، أسقطوا الحكم الشرعي نفسه في حق أهل البيئة المختلفة

ء في الصيف عن مسلمي البالد القطبية التي ال تغرب اآلن فتاوى تسقط فرض صالة المغرب والعشاوفتاوى أخرى تسقط الزآاة عن الثروات الدوالرية الهائلة أو آبار البترول 38عنها الشمس صيفا،

وعليه فإن المغالين يصلون إلى نفس النتيجة التي وصل إليها 39.الغنية بدعوى أنها لم يرد بها نص !الشرعيةإسقاط األحكام : المفرطون، وهي

وأما المنهج الوسطي فال يجمد على بيئة محددة وفي الوقت نفسه ال يهمل ما صحت روايته عن وقد آان هذا هو منهج . رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، بل يدور مع المتغيرات ويقيس على الثوابت

مان والمكان، عمر رضي اهللا عنه في اعتبار المقاصد التشريعية ومراعاة المتغيرات في بعدي الز .آما وضحت األمثلة السابقة

تطور الفقه واعتبار المقاصد ضمن مناهج أصولية متنوعة

بالغفلة عن مقاصد "الطاهر بن عاشور علم أصول الفقه في تطوره التاريخي واصفا إياه الشيخانتقد

ي التي أنبأت عليها قصروا مباحثهم على ألفاظ الشريعة، وعلى المعان"وآتب أن الفقهاء 40،"الشريعةابن عاشور في الشيخ وقد وافق عدد من العلماء المعاصرين 41".األلفاظ؛ وهي علل األحكام القياسية

علماء األصول من لدى "محمد أبو زهرة في آتابه عن الشافعي أن الشيخفمثال، آتب 42.نقده هذاهذا نقصا واضحا في علم أصول فكان.. الشافعي لم يكن يتجهون إلى بيان مقاصد الشريعة العامة

عبد اهللا دراز في مقدمة شرحه الشيخوآتب 43".الفقه، ألن هذه المقاصد هي أغراض الفقه وهدفهفلم يتكلموا عن " 44لموافقات الشاطبي أن الفقهاء أغفلوا علم أسرار الشريعة ومقاصدها إغفاال،

د تقسيم العلة بحسب مقاصد الشارع مقاصد الشارع، اللهم إال إشارة وردت في باب القياس، عنمع أن هذا آان أولى بالعناية والتفصيل واالستقصاء والتدوين من آثير من .. وبحسب اإلفضاء إليها

45".المسائل التي جلبت إلى األصول من علوم أخرىيخي وقد أرجع الدآتور حسن الترابي هذا القصور الذي شهده الفقه اإلسالمي إلى غياب الفقهاء التار

فكتب تحت . عن إدارة الحياة العامة وإبعادهم المقصود عن شؤون السياسة بعد عهد الخالفة الراشدةالحكومة بكل أمورها العامة قد انحرفت عن مقتضى العقيدة والشريعة ": "تجديد أصول الفقه"عنوان

ونيو يدبلن، ول،العدد األ ،لإلفتاء والبحوث لمجلس األوروبيالمجلة العلمية ل: انظر هذه الفتاوى والرد عليها في 38

101-99:ص 2002علي السالوس، االقتصاد : راجع فتوى مجمع الفقه اإلسالمي في اعتبار صفة الثمنية آاملة في العمالت الورقية في 39

549:ص 1:م ج 1996اإلسالمي والقضايا الفقهية المعاصرة، دار الثقافة، الدوحة 204:ص م1988؟، الشرآة التونسية لفنون الرسم، تونس، أليس الصبح بقريب، محمد الطاهر بن عاشور 40 118:ابن عاشور ص –مقاصد الشريعة اإلسالمية 41قراءة في نشأة علم –الفكر األصولي وإشكالية السلطة العلمية في اإلسالم عبد المجيد الصغير،: انظر أمثلة في 42

-468:ص م 1994األصول ومقاصد الشريعة، دار المنتخب العربي، سلسلة دراسات إسالمية، لبنان، الطبعة األولى، 471

نفس المصدر السابق 43 5:ص 1:شرح عبد اهللا دراز ج –الشاطبي –الموافقات 44 نفس المصدر السابق 45

12

منحسر أيضا عن وحينما انحرف الواقع ومرق من الدين فالفقه بالضرورة. اإلسالمية منذ زمن بعيدوآان أشهر عهد تشريعي رعى مصالح األمة العامة رعاية شاملة بعد عهد الرسول .. هذا الواقع

ولئن لم يكن عمر قد اتخذ لنفسه منهجا أصوليا معلنا في . صلى اهللا عليه وآله هو عمر بن الخطابوبالرغم من . يتسم بالسعة والمرونةتشريعاته فإن لنا أن نستنبط من اجتهاداته المختلفة منهجا معينا

أن التابعين وفقهاء المدينة قد ورثوا من ذلك المنهج سعة األصول فإن التاريخ الفقهي الالحق لم يشهد تطورا لتلك األصول بل تعطلت تلك األصول آما تعطلت الحاجات التي اتخذ المنهج من أجل الوفاء

ية، ولكن مالك وتالمذته لم يكونوا أولي أمر مسؤولين وفي مذهب مالك بعض تلك األصول العمر. بهاعن رعاية مصالح األمة وسياستها بالشرع فلم يستعملوا أصول المصالح بعد أن قرروها وآلت إلى

46".التعطيل الكاملولكن يبدو لي أن هذا النقد يصدق فقط على اعتبار المقاصد في علم أصول الفقه وهو الجانب النظري

فقد . ولكنه ال يصدق على اعتبارها في أحكام الفقه نفسها وهو الجانب العملي التطبيقيالتأصيلي، استقرأت من العديد من مراجع الفقه حضور المقاصد القوي في آثير من األحكام الجزئية عند مختلف

آما المذاهب الفقهية بالرغم من اقتصار الفقهاء على معالجة القضايا الفردية دون القضايا العامةولكن البد أن نأخذ في عين االعتبار أن هذا اإلعمال للمقاصد الشرعية . الحظ العلماء المعاصرون

وإن اختلفت 47في الفقه اإلسالمي قد تم تحت مسميات مختلفة اتفقت مع المقاصد الشرعية في المعنى 49ود الشارعوأطلق عليه أيضا مقص( 48قصد الشارع بالحكم: معها في األلفاظ والمصطلحات، مثل

، )53وأطلق عليها أيضا الحكمة( 52، ومناسبة القياس)51وما أراد الشارع بالحكم 50وغرض الشارعوهو تعبير 56وأحيانا أخرى المصالح المرسلة 55وأطلق عليها أحيانا مصالح العباد،( 54والمصلحة

بار وال غير دقيق ألن مصطلح المصلحة المرسلة يقصد به مصلحة ال يشهد لها دليل خاص باعت

161- 160:ص م 2000، الطبعة األولى، دار الهادي، بيروتنحو منهج أصولي، –قضايا التجديد حسن الترابي، 46 ثحسب تعريفها المذآور في المبحث األول من هذا المبح 47، 424:ص 29:ابن تيمية ج -آتب ورسائل ابن تيمية في الفقه ، و9:ص 2:ابن رشد ج –بداية الجتهد : انظر مثال 48

شمس الدين محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية، حاشية ابن القيم، دار الكتب العلمية، بيروت، : وحاشية ابن القيم 167:ص 6:هـ ج1415

286:ص 4:اآلمدي ج –م نفس المصادر السابقة، واألحكا 49عبد : ، وعبد القادر بن بدران الدمشقي، المدخل، تحقيق95:ص 1:أبو بكر بن العربي ج –المحصول : انظر مثال 50

، ومحمد بن أحمد بن 160:ص 1:هـ ج1401اهللا بن عبد المحسن الترآي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية، ، و محمد بن على 248:ص 2:رخسي، دار المعرفة، بيروت، بدون تاريخ جأبي سهل السرخسي أبو بكر، أصول الس

محمد سعيد البدري، دار الفكر، : بن محمد الشوآاني، إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم األصول، تحقيق 137:ص 1:هـ ج1412بيروت، الطبعة األولى،

هـ 1358أحمد شاآر، دار الفكر، القاهرة، : ، تحقيقمحمد بن إدريس الشافعي أبو عبد اهللا، الرسالة: انظر مثال 51 177:ص 2:، وج139:ص 1:الجصاص ج –، وأحكام القرآن 62:ص 391:ص 5:اآلمدي ج –األحكام ، و172:ص 1:أبو حامد الغزالي ج –المستصفى : انظر مثال 52، 614:سي، الطبعة غير معروفة صحمد الكبي: محمد بن محمد الغزالي أبو حامد، شفاء الغليل، تحقيق: انظر مثال 53

.، ويفصل المبحث القادم في مسألة التعليل بالحكمة596- 595:وص 396-392:ص 5:الرازي ج –والمحصول دار الكتب العلمية بيروت، محمد بن عبد الباقي بن يوسف الزرقاني، شرح الزرقاني على الموطأ، : انظر مثال 54

، وعبد اهللا بن أحمد بن 238:ص 4:، وج56:ص 3:، وج400:ص 2:ج، و459:ص 1:ـ جه 1411 الطبعة األولى،، وشمس الدين محمد بن أبي بكر 68:ص 1:هـ ج1405قدامة المقدسي، المغني، دار الفكر، بيروت، الطبعة األولى،

147:ص 3:ج م 1973طه عبد الرؤوف سعد، دار الجيل، بيروت، : ابن قيم الجوزية، إعالم الموقعين، تحقيق 1:ص 3:ابن القيم ج –، وإعالم الموقعين 279:ص 4:اآلمدي ج –األحكام : مثال انظر 55 172:ص 1:أبو حامد الغزالي ج –المستصفى : انظر مثال 56

13

وهذه ). 58وهذا ال ينطبق على المقاصد والتي تشهد لها نصوص المقاصد العامة 57بإلغاء،مثل الترجيح بين األدلة العقلية وتغير األغراض الفقهية بعض المصطلحات آلها استخدمت في

.الفتوى ومنع التحيل

ن علتين، يؤدي القياس فيهما إلى فصل اآلمدي القول في الترجيح بي: الترجيح بين األدلة العقلية: أوالأن يكون المقصود من إحدى العلتين من : "نتيجتين مختلفتين، وذآر وجوها للترجيح بالمقاصد منها

والمقصود من العلة األخرى غير ضروري، فما مقصوده من الحاجات .. الضرورية المقاصدخل شريعة عن مراعاته وبولغ في أولى لزيادة مصلحته وغلبة الظن به، ولهذا فإنه لم ت الضرورية

أن يكون مقصود إحدى العلتين من الحاجات الزائدة ومقصود ) أو.. (حفظه بشرع أبلغ العقوبات األخرى من باب التحسينات والتزيينات، فما مقصوده من باب الحاجات الزائدة أولى لتعلق الحاجة به

ومقصود الضروريةمالت المصالح أن يكون مقصود إحدى العلتين من مك) أو.. (دون مقابله األخرى من أصول الحاجات الزائدة، فما مقصوده من مكمالت الضروريات وإن آان تابعا لها ومقابله أصل في نفسه يكون أولى ولهذا أعطى حكم أصله حتى شرع في شرب قليل الخمر ما شرع

59".في آثيرهفصل شهير في إعالم الموقعين البن القيم من أحسن ما آتب في هذا الموضوع :تغير الفتوى :ثانيا

60،"فصل في تغير الفتوى بحسب تغير األزمنة واألمكنة واألحوال والنيات والعوائد"تحت عنوان تضمن عشرات األمثلة على تغيير الصحابة للفتاوى حسب تغير األحوال للمحافظة على تحقيق

لما رأته الصحابة من .. تغير األحوال الحكمة في تغير الفتوى ب: "المقاصد الشرعية، وذآر أن 61".المصلحة

للشاطبي والبن عاشور دراستين عن إبطال التحيل " مقاصد الشريعة"تضمن آتابا :منع التحيل: الثاث

وفي إعالم الموقعين آذلك ذآر ابن القيم عشرات من 62عن طريق النظر إلى المقاصد الشرعية،: اعتبار المقاصد الشرعية على اعتبار ظواهر األحكام، وقالأمثلة الحيل وأبطلها عن طريق ترجيح

مما يدل على بطالن الحيل وتحريمها أن اهللا تعالى إنما أوجب الواجبات وحرم المحرمات لما "فإذا احتال العبد على تحليل ما حرم اهللا وإسقاط ما .. تتضمن من مصالح عباده في معاشهم ومعادهم

أحدها إبطالها ما في األمر : آان ساعيا في دين اهللا بالفساد من وجوهفرض اهللا وتعطيل ما شرع اهللاونقض حكمته فيه ومناقضته له، والثاني ان األمر المحتال به ليس له الشارعالمحتال عليه من حكمة

عنده حقيقة وال هو مقصود بل هو ظاهر المشروع فالمشروع ليس مقصودا له والمقصود له هو فإن المرابي مثال مقصوده الربا المحرم الشارعذا ظاهر آل الظهور فيما يقصد المحرم نفسه وه

وصورة البيع الجائز غير مقصودة له وآذلك المتحيل على إسقاط الفرائض بتمليك ماله لمن ال يهبه

361:صالح الدين سلطان ص –مدى حجية األدلة االجتهادية المختلف عليها في الشريعة اإلسالمية 57 376:نفس المصدر السابق ص 58 286:ص 4:آلمدي جا -األحكام 59 1:ص 3:ابن القيم ج –إعالم الموقعين 60 35:نفس المصدر السابق ص 61

محمد الطاهر بن عاشور –مقاصد الشريعة اإلسالمية وما بعدها، و 384:ص 2:الشاطبي ج –الموافقات 62 وما بعدها 259:ص

14

فإن الشريعة .. درهما واحدا حقيقة مقصودة إسقاط الفرض وظاهر الهبة المشروعة غير مقصودة له 63".بمنزلة الغذاء والدواء لألبدان وإنما ذلك بحقائقها ال بأسمائها وصورهاللقلوب

آانت جزئية، –في رأيي –هذه التطبيقات للمقاصد الشرعية في الفقه اإلسالمي إال أنها وبالرغم منوأعني باالطراد اعتبار . ، وهو عنصر منهجي هاماالطراد في التطبيق افتقدت عنصربمعنى أنها لشارع من األحكام حاآمة على جميع جزئيات الفقه بل وعلى فهمنا وتفسيرنا للنصوص مقاصد ا

فلم يحدث تاريخيا أن قدمت المقاصد الشرعية آأصول ثابتة تفسر على ضوئها جميع . الشرعية أيضاالتفصيلية، اللهم إال ما نصوص األدلة التفصيلية من آيات وأحاديث، وتتفرع عنها آل أحكام الفقه

غياث األمم في "به إمام الحرمين أبو المعالي الجويني في القرن الخامس الهجري في آتابه الفذ آتوفيه يعرب عن خوفه من انقراض حملة الشريعة ونقلة المذاهب في يوم من األيام، 64،"التياث الظلم

الفتراض الجدلي ثم يفترض جدال في الجزء األخير من الكتاب أن هذا قد حدث فعال، وبناء على هذا اأوجد اإلمام الجويني لنفسه مجاال لإلبداع في االجتهاد دون التقيد بمذهب بل ودون التقيد بظواهر

ثم بنى الجويني . النصوص الجزئية المتعارضة التي تختلف فيها األفهام وتختلف في توثيقها اآلراءالمحكمات التي ال يتطرق "، و"أصول قطعية"أحكام الشريعة في أبوابها المختلفة من األساس على

وأوضح الجويني أن منهجه آان . على حد تعبيره 65،"إليها تعارض االحتماالت وطرق التأويالتنذآر في آل أصل : "استقراء هذه األصول من دراسته الواسعة لمجموع النصوص واآلراء، ثم قالبنى، ونوضح أنها منشأ من أصول الشريعة قاعدة تنزل منزلة القطب من الرحى واألس من الم

في أبواب الفقه، 67وهذه األصول والقواعد بناها على المقاصد 66".التفاريع، وإليه انصراف الجميع 69ومقصد رفع ضرر المحتاجين في باب الزآاة، 68مثل مقصد تراضي المالك في معامالت البيع،

.وغيرها 70ومقصد التيسير في باب النجاسات،خطة تجديد شاملة وعميقة في مناهج –في رأيي –هذا الكتاب يمثل ومنهج اإلمام الجويني في

االجتهاد، تقوم على استقراء آل ما هو متاح من النصوص واآلراء والمذاهب استقراءا شامال، ثم استنتاج مقاصد وأصول قطعية تكون حاآمة على عملية االجتهاد ببعديها الحديثي النقدي والفقهي

.نها األحكام التفصيلية ال تشذ عنها و بالطبع ال تتناقض معهااالستنباطي، وتتفرع عوهذا التجديد الشامل قد ظهر له إرهاصات في آتابات األصوليين في العقود القليلة الماضية بدأ بالنقد

. وانتهى مؤخرا بمحاوالت منهجية لبلورة هذا التجديد لألصول عن طريق المقاصد 71الذي ذآر آنفا،أن نتسع في القياس على الجزئيات لنعتبر : "دآتور حسن الترابي القياس الواسع، وهوفقد اقترح ال

الطائفة من النصوص ونستنبط من جملتها مقصدا معينا من مقاصد الدين أو مصلحة معينة من

148-147:ص 3:ابن القيم ج –إعالم الموقعين 63عبد العظيم الديب، وزارة : الجويني أبو المعالي، غياث األمم في التياث الظلم، تحقيق عبد الملك بن عبد اهللا 64

هـ 1400الشئون الدينية بدولة قطر، 490:نفس المصدر السابق ص 65 435-434:نفس المصدر السابق ص 66 476:نفس المصدر السابق ص 67 494:نفس المصدر السابق ص 68 473:نفس المصدر السابق ص 69 446:نفس المصدر السابق ص 70الفكر األصولي . 118:ابن عاشور ص –مقاصد الشريعة اإلسالمية . 204:ابن عاشور ص –أليس الصبح بقريب 71

شرح عبد اهللا –الشاطبي –الموافقات . 471-468:عبد المجيد الصغير ص –وإشكالية السلطة العلمية في اإلسالم 161- 160:الترابي ص حسن –قضايا التجديد .5:ص 1:دراز ج

15

مصالحه ثم نتوخى ذلك المقصد حيثما آانت الظروف والحادثات الجديدة، وهذا فقه يقربنا من فقه ينطلق من منهج استقرائي : "صل الدآتور طه العلواني لما أسماه بفقه المقاصد الذيوأ 72".عمر

شامل يحاول الربط بين األحكام الجزئية وصياغتها في قانون عام دلت على اعتبار الشرع له الكثير من األدلة، وتضافرت عليه العديد من الشواهد، وبذلك يعتبر هذا القانون الكلي مقصدا من مقاصد

وهذا 73".الشريعة، فيتحول إلى حاآم على الجزئيات قاض عليها بعد أن آان يستمد وجوده منهاقترح القاعدة يها، والقياس عليلك التجديد إعمال المقاصد في حل تعارض النصوص ويقترح لذ البحث :التالية

جودا تدور األحكام الشرعية العملية مع مقاصدها وجودا وعدما آما تدور مع عللها و

وعدما

:لبحثهما انالقادم انص المبحثصولكن هذا الطرح يثير سؤالين منهجيين هامين خهل يصلح المقصد آوصف يتعلق به الحكم آما هو الحال في العلة التي يتفق :السؤال األول

على حجيتها أغلب الفقهاء؟ها المستنبطة واألحكام آيف نفرق بين األحكام التي تصلح ألن تناط بمقاصد :السؤال الثاني

التي قصد بها التعبد الحرفي المحض دون النظر إلى مسألة المصالح والحكم؟

به الحكم؟ ناطي اوصف أصوليا هل يصلح المقصد

مشارآة مسكوت عنه لمنصوص على حكمه الشرعي في علة هذا الحكم وإلحاقه به "القياس هو رعية عند األصوليين على اختالف مذاهبهم وفرقهم إال وهو مصدر من مصادر األحكام الش 74".فيه

الظاهرية الذين أنكروا القياس سواء نص على علته أو استنبطت من النص، واإلمامية والزيدية الذين 75.أنكروا العلل المستنبطة دون المنصوص عليها

م هذا األصل وهو حك(، والحكم )المنصوص عليه(األصل 76:وأرآان القياس عندهم جميعا أربعةالوصف الذي جعله الشارع مناطا "وهي (، والعلة )المسكوت عن حكمه(، والفرع )المنصوص عليه

وإناطة ). 77"لثبوت الحكم بناء على أنه مظنة لتحقيق المصلحة المقصودة للشارع من شرع الحكمالحكم، والقاعدة الحكم بالعلة يعني ارتباطهما، أي أنه إن غابت العلة انعدم الحكم وإذا وجدت وجد

78.الحكم يدور مع علته وجودا وعدما: المعروفة تقولأي أن يكون (الظهور : ولكن األصوليين اشترطوا في الوصف الذي يصلح علة شروطا أربعة، وهي

أي محدودا ال يختلف باختالف (، واالنضباط )واضحا يمكن إدراآه والتحقق من وجوده أو عدمه

167-166:حسن الترابي ص –قضايا التجديد 72 125-124:طه العلواني ص –مقاصد الشريعة 73 124:ص م1964علي حسب اهللا، أصول التشريع اإلسالمي، دار المعارف، القاهرة، 74تلف عليها في الشريعة مدى حجية األدلة االجتهادية المخ: انظر الرد على منكري القياس والحجج واألمثلة في 75

وما بعدها 353:صالح الدين سلطان ص –اإلسالمية 200:نفس المصدر السابق ص 76أصله رسالة دآتوراه في أصول الفقه في جامعة (مباحث العلة في القياس عند األصوليين ،عبد الحكيم السعدي 77

106:ص م1986، دار البشائر اإلسالمية، بيروت، الطبعة األولى، )األزهر 12:ص 24:ابن تيمية ج -آتب ورسائل ابن تيمية في الفقه ، و138:ص 2:الشاطبي ج –الموافقات 78

16

أي أال يكون خصوصية (، والتعدي )لصور واألشخاص واألزمان واألحوالموصوفه وال باختالف اأي أال يكون الشارع قد أورد أحكاما (، واالعتبار )للرسول صلى اهللا عليه وسلم مثال أو ألحد أصحابه

أما التعدي واالعتبار فليس فيهما خالف بين األصوليين، ولكن الظهور 79).تدل على عدم االعتداد بهوهي 80ضباط فيهما خالف، فرأى بعض األصوليين أنه يجوز التعليل بما أطلقوا عليه الحكمةواالن

المصلحة المترتبة على الحكم رغم أن هذه المصلحة قد تخفى على العباد فتفتقد شرط الظهور، وقد وفيما 81.تتغير حسب األحوال واألشخاص فتفتقد شرط االنضباط، بل وقد يتخلف عنها الحكم أحيانا

يلي أمثلة يضربها من يمنع التعليل بالحكمة من األصوليين للتدليل على هذه الموانع الثالثة، أعرضها .على هيئة مثالين لكل مانع

عدة المطلقة معللة بالطالق، والطالق ظاهر منضبط، ولكن حكمة العدة ):مانع الخفاء(المثال األول

ل إنها فرصة للصلح بين الزوجين، ومن قائل إنها فترة قد تخفى، فمن قائل إنها براءة الرحم، ومن قائإسقاط العدة عن اآليسة –باتفاق العلماء –وعلى هذا فال يصح مثال . نقاهة للمرأة قبل زواج جديد

.مثال ليقينها من براءة رحمها، أو عن الزوجة المطلقة ثالثا النعدام فرصة الصلحضل حكم معلل بعلل محددة يمكن استنباطها من الحديث الذي ربا الف ):مانع الخفاء(المثال الثاني ولكن حكمة ربا الفضل تفتقد شرط الظهور إذ صرح آثير من العلماء بعدم اهتدائهم 82ورد في بابه،

رباأما : "يقول ابن القيم. لها، إال بعض العلماء الذين رأوا أن الحكمة هي سد ذريعة ربا النسيئةآما صرح به في حديث أبي سعيد الخدري رضي اهللا عنه عن الذرائع فتحريمه من باب سد الفضلوالرما هو الربا ،ال تبيعوا الدرهم بالدرهمين فإني أخاف عليكم الرما: صلى اهللا عليه وسلمالنبي

بدرهمين وال يفعل وذلك أنهم إذا باعوا درهما ،النسيئة ربالما يخافه عليهم من الفضل ربافمنعهم من للتفاوت الذي بين النوعين إما في الجودة وإما في السكة وإما في الثقل والخفة وغير ذلك هذا إال

فمن ،النسيئة وهذه ذريعة قريبة جدا رباتدرجوا بالربح المعجل فيها إلى الربح المؤخر وهو عين 83".حكمة الشارع أن سد عليهم هذه الذريعة

–عللة بنص القرآن بالمرض أو السفر، وهي علة رخصة الفطر م ):مانع االنضباط(المثال الثالث ولكن حكمة رخصة الفطر في رمضان، التي هي . ظاهرة منضبطة –في رأي جمهور األصوليين

تختلف باختالف الصور واألشخاص واألزمان واألحوال، : "رفع المشقة، تفتقد شرط االنضباط ألنهاوالمسافر في الصيف وتحت .. الواسطة الحديثة فالراآب على الدابة يجد من المشقة ما ال يجده راآب

علي –وأصول التشريع اإلسالمي ،110:عبد الحكيم السعدي ص –مباحث العلة في القياس عند األصوليين 79

143-141:حسب اهللا ص 117-106:ص السعدي عبد الحكيم –مباحث العلة في القياس عند األصوليين 80 106:صنفس المصدر السابق 81البر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثال بمثل يدا :األصل في هذا قوله عليه الصالة والسالم" 82

ميات وقصر أهل الظاهر على هذه المس ..بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى فإذا اختلفت األصناف فبيعوا آيف شئتم لنفيهم القياس وأما من يقول بالقياس فال خالف بينهم أن الحكم ليس مقصورا عليها وإنما اختلفوا في العلة المقتضية

االقتيات وما و.. وآونه متخذا للعيش غالبا .. االقتيات واالدخارو.. واالدخار.. االقتيات :على عشرة أقوال.. للمنع وقال أبو حنيفة العلة الكيل وقال .. المالية فال يباع ثوب بثوبين و.. كه واالدخارالتفو.. غلبة االدخارو.. يصلحه

دار الفكر، بيروت، الطبعة الثانية، ، مواهب الجليلمحمد بن عبد الرحمن المغربي أبو عبد اهللا، .." ( الشافعي الطعم .ةالعلة نفسها ليست ظاهرة في هذه المسأل، وعلى هذا ف)346:ص 4:جبدون تاريخ

3:الزرقاني ج –شرح الزرقاني على الموظأ : انظر. ، وهو رأي مالك155:ص 2:ابن القيم ج –إعالم الموقعين 83 410:ص

17

ويدل على ذلك أنه لم يرخص للحمال في .. وهج الشمس مشقته تختلف بكثير عن المسافر أيام الربيع 84".الفطر في الحضر مع أنه يجد من المشقة ما ال يجده المسافر في الطائرة

ولكن 85أطلق عليه العلماء الشدة في الشراب،حرمة الخمر معللة بما ):مانع االنضباط(المثال الرابع ال تنضبط فال يمكن القياس 86الحكمة وهي إيقاع العداوة والبغضاء وآونها سببا للصد عن ذآر اهللا

.عليهاوجوب الحد على الزاني معلل بالزنا، وهو ظاهر ):مانع تخلف الحكم عن الحكمة(المثال الخامس

وهي تلزم 87منع اختالط األنساب –ى آثير من األصوليين آما ير –منضبط، ولكن الحكمة منه فلو أخذ إنسان صبيانا صغارا إلى حيث لم يرهم آباؤهم وفرقهم حتى : "التخلف في بعض الصور

صاروا رجاال لم يستطع آباؤهم التعرف عليهم فقد تحققت الحكمة وهي اختالط األنساب، فينبغي 88".لم يقل به أحد من الفقهاءالقول بوجوب الحد على آخذهم، وهذا

حرمة الزواج من األم من الرضاعة معللة ):مانع تخلف الحكم عن الحكمة(المثال السادس –آما يرى بعض الفقهاء –بالرضاعة المشبعة، وهي ظاهرة منضبطة، والحكمة من ذلك هي

الحكمة تتخلف في الجزئية، أي أن الطفل قد أخذ من المرأة التي أرضعته جزءا منها، ولكن هذهدم من امرأة دون أن يرضع منها، وهو نوع من الجزئية ال يحرمها –مثال –صورة طفل نقل له

89.عليه اتفاقا

إال أنه يبدو 90ورغم أن الحكمة من الحكم ال تختلف عن المقصد من الحكم عند آثير من األصوليين،وما يقصد بالمقصد، وهذا الفارق له أثره في مسألة لي أن هناك فارقا معتبرا بين ما يقصد بالحكمة

فالحكمة مصلحة تترتب على الحكم، أما المقصد فهو مصلحة أو مجموعة مصالح ينص . التعليلوأرى . الشارع أو يغلب على ظن المجتهد أنها المقصودة من الحكم، أي لوالها لما شرع الحكم أصال

مقصد، وقد تكون جزءا من المقصد، وقد تساوي المقصد، بناء على ذلك أن الحكمة قد تختلف عن الال يلزم أن ينطبق على –آما في األمثلة السابقة –وأن النقد الموجه للتعليل بالحكمة وإناطة الحكم بها

. التعليل بالمقصدول ابن يق. أما عدة المطلقة وربا الفضل فالحكمة فيهما خفية، فيلزمنا أن نعتبر أن المقصد منهما التعبد

تعبدا الفضل ربامن لم يعتبر الذرائع ولم يأمر بسدها أن يجعل تحريم ويلزم": القيم عن ربا الفضل 91".محضا ال يعقل معناه آما صرح بذلك آثير منهم

فالمقصد منها ليس رفع –وعلتها المرض أو السفر وحكمتها رفع المشقة –أما رخصة الفطر فال يرخص باإلفطار لمن يجد مشقة في الصوم إال أن تتعدى المشقة وعليه، . المشقة، بل رفع الضرر

، وراجع رأي ابن القيم في زاد المعاد في 110:عبد الحكيم السعدي ص –مباحث العلة في القياس عند األصوليين 84

رخصة الفطر للجهاد 1997، ومحيي الدين يحيى بن شرف النووي، المجموع، دار الفكر، بيروت، 144:ص 9:ابن قدامة ج –المغني 85محمد حامد الفقي، : ، وعلي بن سليمان المرداوي، اإلنصاف في معرفة الراجح من الخالف، تحقيق530:ص 2:م ج

228:ص 10:دار إحياء التراث، بيروت، بدون تاريخ ج 110:عبد الحكيم السعدي ص –مباحث العلة في القياس عند األصوليين 86 109:نفس المصدر السابق ص 87 نفس المصدر السابق 88 نفس المصدر السابق 89 –، والمحصول 391:ص 5:اآلمدي ج –األحكام ، و172:ص 1:أبو حامد الغزالي ج –المستصفى : انظر مثال 90

396-392:ص 5:الرازي ج 155:ص 3:ابن القيم ج –إعالم الموقعين 91

18

إلى الضرر بهذا الصائم، ولهذا شرع اإلفطار في غير صور المرض والسفر مثل القتال، فإذا اعترض معترض بأن الضرر غير منضبط . واإلرضاع، وغيرها من صور مظنة الضرر

لعلة نفسها في هذا المثال غير منضبطة، فالسفر أن ا –آما يرى مجيزو التعليل بالحكمة –فالجواب : ويعبر ابن قدامة عن هذا الرأي بقوله. اختلفت فيه اآلراء آثيرا، والمرض غير منضبط آذلك

منها ما يضر صاحبه الصوم ومنها ما ال أثر للصوم فيه ،المرض ال ضابط له فإن األمراض تختلف"اليسيرة والجرب وأشباه ذلك فلم يصلح المرض آوجع الضرس وجرح في األصبع والدمل والقرحة

وهو يقصد بالحكمة هنا 92،"وأمكن اعتبار الحكمة وهو ما يخاف منه الضرر فوجب اعتباره ،ضابطا .المقصد من الحكم

وهذا . وأما حرمة الخمر التي عللها العلماء بالشدة في الشراب، فالمقصد منها هو حفظ عقول الناسأفضل من العلة المذآورة آأداة للقياس ألنه يحرم بناء عليه آل ما يذهب العقل –في رأيي –المقصد

من مشروب ومأآول ومحقون ومشموم وغيره، بل ويجب إقامة الحد على فاعله إذ أنه ال فرق بين شارب الخمر وآآل الحشيش ومتعاطي حبوب الهلوسة مثال في فقدان العقل، وهذا التعليل بالمقصد

وقد تردد بعض العلماء في إقامة الحد على متعاطي الحشيشة بناء على تشددهم . السليمأقرب للمنطق ضررها من بعض الوجوه أعظم من ضرر : "في حرفية العلة المذآورة، فرد عليهم ابن تيمية بأن

وتوقف بعض المتأخرين في الحد بها وإن أآلها يوجب الخمر، ولهذا أوجب الفقهاء بها الحد آالخمر، عزير بما دون الحد فيه نظر، إذ هي داخلة في عموم ما حرم اهللا وأآلتها ينتشون عنها ويشتهونها الت

وأآثر وتصدهم عن ذآر اهللا، وإنما لم يتكلم المتقدمون في خصوصها ألن أآلها إنما الخمرآشراب 93".حدث في أواخر المائة السادسة أو قريبا من ذلك فكان ظهورها مع ظهور سيف جنكيزخان

أما وجوب الحد على الزاني فهو معلل بالزنا، وحكمته التي ذآرها الفقهاء وهي منع اختالط األنساب ورغم أن منع اختالط األنساب مصلحة معتبرة في الشرع، إال أن قضية الزنا . قد تتخلف عن الحكم

. تماعية متعددةفي اإلسالم ليست قضية اختالط األنساب فقط، وإنما هي قضية ذات أبعاد أخالقية واجفإذا . والمقصد من حد الزنا ليس المنع من اختالط األنساب فحسب، وإنما الردع عن الزنا بكل مفاسدهآما –استكرهت امرأة على الزنا مثال أو آانت ال تفقه معناه، انعدم قصد الردع ولم يقم عليها الحد

إحداهما على الزنا وآانت األخرى درأ عمر رضي اهللا عنه الحد عن المرأتين اللتين استكرهت 94.أعجمية ال تفقه

–آما ذآر الفقهاء –وحرمة الزواج من األم من الرضاعة معللة بالرضاعة المشبعة وحكمتها الجزئية وهي قد تتخلف عن الحكم، ولكن المقصد من هذا التشريع الذي لواله ما شرع الحكم ليس

تبجيل واحترام رابطة األمومة التي تنشأ بين المرضعة –في غالب ظني –قضية الجزئية وإنما هو والطفل الذي أرضعته، وروابط األخوة التي تنشأ آذلك بين هذا الطفل وإخوته من الرضاعة، وهو

.مقصد ال يتخلف عنه الحكم أبدا آما تخلف عن الحكمةلظاهرة، وإنما التعليل ليس مطروحا آبديل عن التعليل بالعلل المنضبطة ا هناوالتعليل بالمقاصد

فإن الشارع الحكيم قد أناط آثير من شرائعه بالعلل . بالمقاصد إضافة للتعليل بالعلل وتوسيع لمفهومهاالمنضبطة الظاهرة، إذ علم سبحانه وتعالى عدم ظهور المقاصد أحيانا وصعوبة القياس عليها في حق

لزمان والمكان وعقالنية منهجه التشريعي ولكن سعة اإلسالم وشموله لبعدي ا. آثير من المكلفينتلزمنا أن نوسع دائرة القياس لتشمل التعليل بالمقصد إذا غلب على الظن أنه هو المصلحة التي شرع

42:ص 3:ابن قدامة ج –غني الم 92 228:ص 10:المرداوي ج –اإلنصاف : نقله المرداوي في 93 190:محمد بلتاجي ص –منهج عمر بن الخطاب في التشريع 94

19

وهذا التوسيع لدائرة القياس عن طريق التعليل بالمقاصد يتيح للفقه اإلسالمي مرونة . من أجلها الحكم . ر األعرافأآثر في استيعاب تغير األحوال وتطو

وأذآر هنا فتوى ذآرها ابن عابدين رحمه اهللا في رسالته العميقة المغزى عن عالقة العرف بالحكم صرحوا بفساد البيع : "قال". نشر العرف فيما بني من األحكام على العرف"الشرعي التي سماها

صلى اهللا تعالى عليه وسلم بشرط ال يقتضيه العقد وفيه نفع ألحد العاقدين، واستدلوا على ذلك بنهيه.. وبالقياس، واستثنوا من ذلك ما جرى به العرف آبيع نعل على أن يحذوها البائع 95عن بيع وشرط

ليس : إذا لم يفسد الشرط المتعارف العقد يلزم أن يكون العرف قاضيا على الحديث؟ قلت: فإن قلتنزاع المخرج للعقد عن المقصود به وهو بقاض عليه بل على القياس ألن الحديث معلول بوقوع ال

96".قطع المنازعة، والعرف ينفي النزاع فكان موافقا لمعنى الحديثوهو النهي عن (ال على ظاهره ) وهو قطع المنازعة(فابن عابدين هنا بنى فتواه على مقصد الحديث

لعرف الجديد الذي يحقق ، وأدار الحكم مع هذا المقصد وجودا وعدما، وهو ما جعله يقر ا)بيع وشرط .المعنى المقصود

تحديد مساحة التعبد المحض

أبي مسعود روى البخاري في آتاب مواقيت الصالة ومسلم في باب أوقات الصلوات الخمس عن

نزل فصلى فصلى رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم ثم صلى فصلى جبريل عليه السالم أن : األنصاريسلم ثم صلى فصلى رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم ثم صلى فصلى رسول اهللا صلى اهللا عليه و

97".رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم ثم صلى فصلى رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم ثم قال بهذا أمرتمثل عدد ومواقيت الصلوات –أجمع المسلمون أن في الشرع أحكاما يلزم المسلم اتباعها تعبدا

أي أنه يلزم المسلم عين ما ورد فيها عن الشارع بصرف –هذا الحديث المفروضة المذآورة في وال ينكر أصل األحكام . النظر عن الحكم والعلل وبصرف النظر عن اختالف الزمان واألحوال

. التعبدية في اإلسالم إال من آان في تصوره اإليماني خلل آبير –كام التعبدية ومنهج التعرف عليها، وهو خالف ولكن هناك خالفا بين األصوليين في مجال هذه األح

ناتج عن خالفهم في القياس بين منكري القياس ومؤيديه، وبين المكثرين من التعليل –فيما يبدو لي أما منكرو القياس وعلى رأسهم الظاهرية فهم يعتبرون أن آل األحكام .والتفريع والمقلين المتحفظين

حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم :قال ،عن أبي حنيفةالحديث مروي 95

ذآره ابن حجر ، وآذلك 335:ص 4:باب من اسمه عبد اهللا ج –الطبراني –وسط المعجم األ –نهى عن بيع وشرط عن : ديث بريرةفي تعليقهما على ح 30:ص 11:على مسلم جفي شرحه النووي و 403:ص 4:فتح الباري جفي

إن أحب عائشة رضي اهللا عنها قالت جاءتني بريرة فقالت آاتبت أهلي على تسع أواق في آل عام أوقية فأعينيني فقلتأهلك أن أعدها لهم ويكون والؤك لي فعلت فذهبت بريرة إلى أهلها فقالت لهم فأبوا عليها فجاءت من عندهم ورسول

صلى اهللا جالس فقالت إني قد عرضت ذلك عليهم فأبوا إال أن يكون الوالء لهم فسمع النبي صلى اهللا عليه وسلماهللا فقال خذيها واشترطي لهم الوالء فإنما الوالء لمن أعتق ففعلت ليه وسلمصلى اهللا عفأخبرت عائشة النبي عليه وسلم

في الناس فحمد اهللا وأثنى عليه ثم قال أما بعد ما بال رجال يشترطون صلى اهللا عليه وسلمعائشة ثم قام رسول اهللا ضاء اهللا أحق وشرط قشرط ليس في آتاب اهللا فهو باطل وإن آان مائة شرط شروطا ليست في آتاب اهللا ما آان من

.اهللا أوثق وإنما الوالء لمن أعتقالعلم : مجموعة رسائل ابن عابدين ،نشر العرف فيما بني من األحكام على العرفمحمد أمين بن عمر عابدين، 96

119:ص 2:ج الظاهر في نفع النسب الطاهر، القاهرة، بدون تاريخ 1:باب أوقات الصلوات الخمس ج –وصحيح مسلم ،195:ص 1:آتاب مواقيت الصالة ج –صحيح البخاري 97 425:ص

20

تعبديات، على المسلم اتباع ظواهرها وصورها اهللا عليه وسلم صلىالتي وردت عن اهللا ورسوله يقول ابن . بغض النظر عن ما يبدو للعقل من حكمها ومقاصدها، وال يصح أن يقاس عليها غيرها

أمر اهللا تعالى عند التنازع بالرد إلى وال يحل القول بالقياس في الدين وال بالرأي، ألن: مسألة: "حزمقد صح، فمن رد إلى قياس وإلى تعليل يدعيه أو إلى رأي فقد صلى اهللا عليه وسلم آتابه وإلى رسوله

ويقترب من منهج الظاهرية هذا من ال ينكرون التعليل 98".خالف أمر اهللا تعالى المعلق باإليمانلألحكام وال القياس عليها ولكنهم ال يتوسعون في التعليل وال القياس تورعا، فال يخالفون ظواهر

. نصوص بحال، وال يكادون يقيسون إال ما ثبت علته نصاالإلى حيث انتهت مدارك –على اختالف مسالكهم في التعليل –وهناك العلماء الذين يعللون األحكام

عقولهم عن إدراك علة الحكم ردوا األمر إلى اهللا تعالى إيمانا وتصديقا صرتعقولهم، فإن قذا رأي أغلب األئمة أي المقصود منها االتباع والتعبد، وهواعتبروا التكليف عبادة محضة،

وجهان، فمنه تعبد ألمر أبان اهللا عز وجل أو رسوله سببه التعبد : "يقول الشافعيفمثال، 99.المجتهدينفيه أو في غيره من آتابه أو سنة رسوله فذلك الذي قلنا به وبالقياس فيما هو في مثل معناه، ومنه ما

ولم نعرف في شيء له معنى فنقيس عليه وإنما قسنا على .. راد اهللا عز شأنه مما علمه هو تعبد لما أ 100".ما عرفنا

يقول . وهذه الطائفة من األحكام التي قصد بها التعبد المحض ال يجوز تبديلها بالرأي باتفاق العلماءالتعبد بلفظها أو يقع تعبد الاألقوال المنصوص عليها في الشريعة ال يخلو أن يقع : "ابن العربي مثال

بمعناها جاز تبديلها بما يؤدي التعبد وقع بلفظها فال يجوز تبديلها، وإن وقع التعبد بمعناها، فإن آان 101".ذلك المعنى وال يجوز تبديلها بما يخرج عنه

ولكن السؤال هنا هو آيف نفرق بين األحكام التي قصد بها التعبد المحض واألحكام التي يجوز فيهاالتعليل والقياس على المعنى؟ فالكثير من أحكام الشريعة مشكل ال نستطيع القطع إذا آان األصل فيه

والرجوع 102.مسائل الزآاةواالتباع المحض أو التعليل بالعلل والمقاصد، مثل العديد من عقود البيع وجود منهجية ثابتة إلى ما أدخله الفقهاء على اختالف مذاهبهم في باب العبادات المحضة يكشف عدم

ابن رشد اتهم بعض الفقهاء بادعاء التعبد في بعض األحكام أبا الوليد ن إلتحديد هذه األحكام، حتى إذا ضاق عليه المسلك يقول عبادة وإنما يلجأ الفقيه إلى أن : "آوسيلة لالنتصار في المناظرات، فقال

103."عن من أمرهم في أآثر المواضمع الخصم فتأمل ذلك فإنه بيوقد حاول الشاطبي في موافقاته تحديد هذه المسائل نظريا بالتفريق بين ما صنف تحت أبواب

التعبد ) أي العبادات(األصل فيها : "العبادات وما صنف تحت أبواب العاديات أو المعامالت، فقال

56:ص 1:ابن حزم ج –المحلى 98 5:هـ ج1393محمد بن إدريس الشافعي أبو عبد اهللا، األم، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الثانية، : انظر مثال 99الشاطبي –لموافقات ا، و61:ص 1:ابن رشد ج –، وبداية المجتهد 300:ص 1:الغزالي ج –، والمستصفى 235:صمحمد عبد القادر عطا، دار الفكر : ، تحقيقأحكام القرآنأبو بكر محمد بن عبد اهللا بن العربي، ، و285:ص 1:ج

، المكتب الكافي في فقه ابن حنبل، و عبد اهللا بن أحمد بن قدامة المقدسي، 35:ص 1:ج للطباعة، لبنان، بدون تاريخ، وعبد الرحمن بن أبي بكر جالل الدين السيوطي، األشباه والنظائر، 200:ص 3:ج اإلسالمي، بيروت، بدون تاريخ

شرح ، و206:ص 6:ج ابن قدامة – المغني، و479:ص 1:هـ ج 1403 بيروت، الطبعة األولى، ،دار الكتب العلمية، 155:ص 3:ابن القيم ج –، وإعالم الموقعين 283:ص 2:أصول السرخسي ج، و65:ص 2:جعلى الموطأ الزرقاني وغيرهم

235:ص 5:الشافعي ج –األم 100 35:ص 1:ابن العربي ج –أحكام القرآن 101 يوسف القرضاوي، وفيه أمثلة آثيرة لما اختلف العلماء في وقوع التعبد فيه من عدمه –فقه الزآاة : راجع 102 61:ص 1:جابن رشد –بداية المجتهد 103

21

لعقول فى اختراع لتفات إلى المعاني واألصل فيها أن ال يقدم عليها إال بإذن إذ ال مجال لدون االالتعبدات فكذلك ما يتعلق بها من الشروط، وما آان من العاديات يكتفي فيه بعدم المنافاة ألن األصل

104".واألصل فيها اإلذن حتى يدل الدليل على خالفهالتعبد فيها اإللتفات إلى المعاني دون مثل أحكام الزآاة –ادات وهذا التفريق ليس على إطالقه، فبعض األحكام التي صنفت تحت باب العب

مجالها العباد، وهو ما يقتضي أن تدور مع متغيراتهم وظروفهم لتحقيق المقاصد االجتماعية –مثل مهر الزوجة وعدة –المنشودة، وبعض األحكام التي صنفت تحت باب المعامالت أو العاديات

.كاال من العبادات المحضةال يعللها العلماء بل يعتبرونها أش –المطلقة وحرمة الربا وغيرها : وقد اقترح الشاطبي في نفس السياق وسيلة أخرى للتفريق بين العبادات المحضة وغيرها، فقال

مصالح أخر غير ما يدرآه المكلف ال يقدر ممن الشريعة في مواطن آثيرة أن ث وإذا آان معلوما"آون المحل اآلخر وهو الفرع وجدت على استنباطها وال على التعدية بها في محل آخر إذ ال يعرف

105،"التعبد المحضلم يكن إلى اعتبارها في القياس سبيل فبقيت موقوفة على ،فيه تلك العلة ألبتةالمعنى وبحيث ال يصح فيه إجراء القياس وإذا معقولية التعبد راجع إلى عدم : "ويقول في موضع آخر

وأيضا فلو فرضنا أن .. عند ما حده ال يتعدى لم يعقل معناه دل على أن قصد الشارع فيه الوقوففيكفي في ذلك عدم المعنى ليس بدليل على أن قصد الشارع الوقوف عندما حده الشارعمعقولية عدم

تحقق البراءة منه وعدم تحقق البراءة موجب لطلب الخروج عن العهدة بفعل مطابق ال بفعل غير عدم معقولية المعنى الذي "لعلم هنا، فجهلنا بالعلة ووهو ما يعني أن الجهل هو وسيلة ا 106".مطابق

. هو الذي يرشدنا إلى العبادات المحضة" يقاس عليهوللقرافي تفريق إضافي بين حكم المعامالت الذي هو حق خالص هللا تعالى وهو بالتالي تعبدي، وبين

ة الربا وإن تراضى مثل حرم 107،"ليس للعباد حق إسقاطه"غيره من األحكام، فقال إنه الحكم الذي . الطرفان، وأداء الزآاة وإن لم يوجد فقير، ودفع المهر ولو الشيء اليسير وإن تنازلت الزوجة، وهكذاولم والخالصة أن األصل فيما أورده العلماء تحت أبواب العبادات التعبد خاصة ما ال يعقل معناه

وران مع العلل والمقاصد إال ما ال يعقل ، واألصل فيما ورد تحت أبواب المعامالت الديتعلق بالعبادمعناه مما قصرت عنه أفهام المستنبطين، أو عقل معناه ثم دلت النصوص على أنه ليس للعباد حق

فإذا غلب على ظن الفقيه أن حكما ما قد شرع من أجل مقصد معين وليس . عنهإسقاطه والتنازل إال أن يدير الحكم مع هذا المقصد من –واهللا أعلم –المقصود منه التعبد المحض، فإنه ال يحل له . أجل تحقيق مصالح العباد ودرء المفاسد عنهم

285:ص 1:جالشاطبي –الموافقات 104 314:ص 2:جالشاطبي –الموافقات 105 319:نفس المصدر السابق ص 106 الفرق الحادي والعشرين –القرافي –الفروق 107

22

23

:رابعالبحث ال االجتهاد المقاصدي الفكري

التنمية المعرفية نموذجا

مقدمة

توظيف نظرية مقاصد الشريعة في تنمية االقتصاد الرقمي أو المعرفى، فيه حاول ا بحث نهذ

ا يتعلق بوضع السياسات واألولويات التنموية، وفي اإلسهام في تجنب سلبيات هذا خاصة فيم

بمبحث يقدم تعريفا ويبدأ البحث. بشكل عام واإلسالمية بشكل خاصاالقتصاد على الدول الضعيفة

أما المبحث الثاني، . لالقتصاد المعرفى والفروق األساسية بينه وبين االقتصاد بمفهومه التقليدي

ح في نقاط طريقة البنك الدولى في تقييـم قوة االقتصاد المعرفى، ويسأل بعض األسئلة بهدف نقد فيشر

وأما . من وجهة النظر اإلسالمية على أية حال –هذه الطريقة ألخذ ما ينفع وترك ما يضر فيها

ية آيف يمكن لمقاصد الشريعة أن تسهم فى تخفيف اآلثار السلب: المبحث الثالث فيجيب عن سؤال

وتصحيح األولويات في السياسات التنموية التي تتعلق باالقتصاد المعرفي؟

في تعريف االقتصاد المعرفي: أوال

منذ مائتي سنة أو تزيد تغير االقتصاد العالمى تغيرا جذريا بعد أن آان أساسه األرض

هذه المنظومة قائمة إلى والعمالة، إلى أن يكون اقتصادا أساسه رأس المال والعمالة والطاقة، وظلت

واالقتصاد المعرفي يتعلق بالمعرفة، والمعرفة أوسع من المعلومة، ألن . أن بدأ عصر المعلومات

- والتصميمات الفنية المختلفة . المعلومات الكثيرة تصاغ في معرفة على شكل فكرة أو تصميم ما

ا من منتجات انتجت بناء على هي الذي تحرك االقتصاد اآلن بما له -بأفكارها التي بنيت عليها

. األفكار وما يحمي األفكار من قوانين تنظم حقوق الملكية الفكرية، وبراءات االختراع، وما إلى ذلك

مثل ميكروسوفت وإنتل وفودافون وديزنى وغوغل (وبالتالي، فإن الشرآات األآبر في هذا العالم

أس مالها وممتلكاتها الفعلية، وهي إذن أمثلة ، قيمتها في السوق أعلى بكثير جدا من قيمة ر)وغيرها

.واضحة على طبيعة شرآات ومكونات االقتصاد المعرفي

والمعلومات التي هي أساس االقتصاد المعرفي أو الرقمي هي أموال لها قيمة تبادلية وقيمة

ن طريق استعمالية، وحيازتها تكون عن طريق براءة االختراع أو ملكية فكرية إذا آانت عامة، أو ع

. مفتاح إلكتروني أو حرز أو قفل على نطاق التخزين إن آان نطاق في ملكية صاحب المعلومة

24

والضمان يكون فيها على من أتلف النطاق المادي الذي يحملها إن لم تتوفر نسخ أخرى لهذه

المعلومات، أو على من أشاعها إن آانت سرية حسب اتفاقية محددة أو عرف معلوم، أو على من

ق حقوق الملكية الفكرية بنسخ نص المعلومة، أو خرق براءة االختراع بنقل الفكرة أو استخدامها خر

.بغير حق

طريقة البنك الدولى في تقييـم قوة االقتصاد المعرفي: ثانيا

وهي أآثر الطرق انتشارا وتطبيقا –وتقيـم قوة االقتصاد المعرفي حسب طريقة البنك الدولى

وهي الطريقة التي 108حسب ما يسمى بمعدل االقتصاد المعرفي، -اإلسالمية خاصة في الدول

تعتمدها أغلب الدول اإلسالمية، عن طريق معايير لقياس أربعة معدالت، تقع تحت آل منها ثالث

109:مقاييس، آالتالي

:معدل االبتكار) 1(

:ويقاس آمتوسط للمعدالت التالية

ل لحقوق الملكية الفكرية والرخص المتعلقة بها في بلد مقياس حصيلة مصاريف التسجي: أوال

).تحسب آرقم مجرد وتحسب أيضا مقسومة على عدد السكان(معين

لالختراعات والعالمات ) تحديدا(عدد براءات االختراع التي أجازها المكتب األمريكي : ثانيا

).لبلدوهي أيضا تحسب آرقم مجرد وتحسب مقسومة على عدد سكان ا(المسجلة

): دون غيرها من المجاالت(عدد المقاالت في المجالت العلمية في المجاالت اآلتية : ثالثا

الفيزياء، واألحياء، والكيمياء، والرياضيات، والطب المعملي، وأبحاث الطب، والهندسة

.والتكنولوجيا، وعلوم األرض والفضاء

:معدل التدريب والتعليم) 2(

:يم فيقاس رقميا آمتوسط للمعدالت التاليةأما معدل التدريب والتعل

KEI: واختصارها، Knowledge Economy Index: باإلنجليزية 108 :موقع البنك الدوليوآخر اإلحصائيات على راجع التفاصيل 109

http://info.worldbank.org/etools/kam2/KAM_page5.asp

25

).حسب إحصاءات اليونسكو(نسبة غير األميين لمن هم في الخامسة عشرة على األقل : أوال

).حسب إحصاءات اليونسكو(عدد الطلبة في الدراسة الثانوية : ثانيا

).حسب إحصاءات اليونسكو(عدد الطلبة في الدراسة ما بعد الثانوية : ثالثا

:معدل تشجيع المؤسسات والشرآات) 3(

:وهذا يقاس أيضا عن طريق متوسط للمعدالت التالية

.لمعدل الحرية االقتصادية في البلد) هيريتاج فاونداشن(مقياس مؤسسة التراث : أوال

.التشريعات المتعلقة بالسوق باالستثمار األجنبي) ترحيب(مقياس البنك الدولي لمدى : ثانيا

.في آل بلد) سيادة القانون(ياس البنك الدولي لـ مق: ثالثا

:معدل البنية التحتية التكنولوجية) 4(

:وهذا يقاس عن طريق متوسط المعدالت التالية

.عدد التلفونات لكل ألف شخص من السكان: أوال

.عدد أجهزة الحاسب لكل ألف شخص: ثانيا

.عدد مستخدمي االنترنت لكل ألف شخص: ثالثا

ما هو الموقف اإلسالمي من هذه المعايير؟ هل نقبل معايير : لة التي نطرحها اآلن هىواألسئ

البنك الدولى آما هي أم نغيرها؟ ولماذا؟ وآيف يمكن لمقاصد الشريعة اإلسالمية أن تسهم في تقييم

نموية مكونات هذا االقتصاد آما تعرفه تلك المعايير؟ ثم آيف يمكن أن تسهم المقاصد في السياسات الت

المستوحاة من اإلسالم؟

آيف تسهم مقاصد الشريعة في تجنب سلبيات االقتصاد المعرفي؟: ثالثا

26

الخلل في تحديد االستراتيجيات والسياسات حسب أولويات إنسانية سليمة من مظاهر

ين ماذا تفيد ثورة المعلومات ح. االقتصاد العالمى المعاصر، خاصة فيما يتعلق باالقتصاد المعرفي

إلى مجتمعات أفريقية أو آسيوية فقيرة، الناس –مثال -تدخل شرآات االتصاالت الهواتف الجوالة

فيها معدومون ال يجدون ما يأآلون أو يشربون، وتفتك بعقولهم وأجسادهم المخدرات واألمراض

ة جاهدة والحروب والتغيرات المناخية الكارثية؟ وماذا تنفع المعلومات حين تعمل حكومات عربي

على إدخال اإلنترنت العالية السرعة إلى القرى النائية، والناس فيها ليس عندهم آهرباء، وأغلبهم

أميون ال يقرأون وال يكتبون أصال؟

هو تفكير بنى على فهم إسالمي أصيل -في شكليه القديم والمعاصر-والتفكير المقاصدي

والضرورات تتفاوت، . لتي بدورها تجب التحسيناتفالضرورات تقدم على الحاجيات، ا. لألولويات

فحفظ الدين مقدم على حفظ العقل، وحفظ العقل مقدم على حفظ المال، وحفظ النفس . آم قال العلماء

والفروض أولى من السنن، وفروض العين أولى من فروض . مقدم أيضا على حفظ المال، وهكذا

من حق اهللا المجرد الذي هو -في ميزان الشرع- تهم أولى الكفاية، وحقوق المكلفين التي تقوم بها حيا

عبادة محضة، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، والمصلحة الكبيرة أولى من المصلحة

وهذا . الصغيرة، وتغتفر المفسدة الصغيرة من أجل دفع مفسدة آبيرة، والكيف أولى من الكم، وهكذا

ص الكتاب والسنة، وأساسه الفلسفى تساوى الناس جميعا في الترتيب لألولويات أساسه الشرعي نصو

.فطرتهم، وأساسه القيمي العدل وهو مبدأ شرعي أصيل ومقصد آلي حاآم

نحو االقتصاد " التقدم"وبناء على هذه األولويات، فإن بعض المعايير العالمية لقياس

البد أن يؤخر في -ط تليفون جوالةمثل عدد المواطنين الذين يمتلكون حاسبات آلية أو خطو- المعرفي

سلم االهتمام والتخطيط االستراتيجى اإلسالمي، على أن يرآز أوال على اإلصالح التعليمى

واألخالقى الذي يحفظ على الناس أول ما يحفظ أصل دينهم، ونفوسهم، وعقولهم، ونسلهم،

". معرفة"نك الدولى للـ وأعراضهم، بصرف النظر عن مدى تأثير هذا الترآيز على تقييم الب

ثم إنه البد من الترآيز على الكيف في التفكير قبل الترآيز على آم المعلومات المجردة الذي

. تحشى به الكتب أو المكتبات أو عقول التالميذ، فالكيف أولى من الكم في ميزان اإلسالم

ة لتطبيق التقنيات، والبد من الترآيز على الصناعات الصغيرة واألشكال البسيطة الرخيص

قبل الترآيز على الشرآات العمالقة التي تنتج سلع استهالآية تحسينية غير ضرورية وال حاجية،

27

. وتصنع تطبيقات معقدة وغالية الثمن للتقنيات الحديثة

هكذا يمكن للتفكير المقاصدي أن يرتب أولويات السياسات التنموية بشكل أآثر إنسانية

إلسالمية التي تبني السياسات التنموية والمعلوماتية فيها على أساس معايير البنك أما الدول ا. وعدال

الدولي الخاصة بمعدل االقتصاد المعرفي فقط، ودون تعديلها بناء على نظرة إسالمية أصيلة، فسوف

ينتهي بها الحال إلى اإلخالل باألولويات اإلسالمية وإعطاء الوقت والمال والجهد لألقل أهمية من

.األمور، شرعا وعقال

وفيما يلي مقترحات محددة لتعديل معدل االقتصاد المعرفي للبنك الدولي بما يتوافق مع

:مقاصد الشريعة اإلسالمية، حتى تتحقق التنمية اإلسالمية المتوازنة المنشودة

:معدل االبتكار

و مكتب حقوق ال ينبغي أن يرتبط هذا المعدل بالكم الذي يسجل في مكتب االختراعات أ

، وإنما ينبغي أن يرتبط )سواء في الواليات المتحدة آما يشترط البنك الدولي أو في غيرها(الملكية

بمقياس ألهمية هذه المخترعات وجودتها وليس فقط بالكمية، فالكيف أولى من الكم في ميزان

.اإلسالم

الح األمة العليا والكيف هذا البد أن يقاس بمدى تحقيق هذه المخترعات الجديدة لمص

وأولوياتها من فروض عين وفروض آفاية، وأن تعطى األفكار التي تتعلق بالضرورات واألساسيات

.وزنا أآبر من األفكار التي تتعلق بالحاجيات واالستهالآيات، ثم تأتي أخيرا النوافل والتحسينيات

ل االبتكار فيها، وإنما يقاس وال ينبغي لزيادة عدد السكان في بلد ما أن تؤثر سلبا على معد

آما ال ينبغي قصر المقاالت العلمية على . معدل االبتكار حسب الجودة دون اعتبار لعدد السكان

تخدم باألساس الشرآات العالمية للتقنيات والتسليح والخدمات نحو المزيد من (مجاالت معينة

علمية وفنية : ات في آل المجاالتع، وإنما ترصد المعرفة واألفكار واألبحاث والمختر!)الثروات

وسياسية واجتماعية وفلسفية وقانونية ورياضية وغيرها، وهي آلها مما ينمي االقتصاد المعرفي

.عند الناس) االبتكار(وقدرات

:معدل التدريب والتعليم

28

وينبغي أن تعتبر اإلجراءات والمعايير التي تحفظ العقل آما اعتبرت المعايير واإلجراءات

فنسبة األمية وعدد الطلبة في مراحل التعليم المختلفة معايير لقياس تنمية . ي تنمي العقل وتدربهالت

العقل، ولكن ينبغي أن يضاف إليها المعايير اإلسالمية التي تحفظ العقل ووعي اإلنسان من الخلل

خرى ترتفع مع والفساد، آمعايير لقياس سالمة الناس من المسكرات والمخدرات بأنواعها، ومعايير أ

انخفاض هجرة العقول وقلة تغيب الطلبة عن الحضور في المدارس أو الجامعات، وما إلى ذلك من

.معايير

:معدل تشجيع المؤسسات والشرآات

بالحرية (وهذا المعدل ال ينبغي له أن يقاس حسب إحصائيات المؤسسات المتعلقة

إنما تقيس هذه المعايير بناء على -هنيتها ودقتهامع آل االحترام لم- ، ألن هذه المؤسسات )االقتصادية

مصالح المستثمر في الشرآات المعولمة، ال مصالح المواطن العادي، بل وال تفصل بين األنواع

المختلفة من االستثمار في الضرورات من بنية تحتية وتنمية بشرية وما إلى ذلك، أو الحاجيات من

اس أو عن بعضها، أو آماليات هي رفاهيات يمكن للناس استهالآيات يمكن أن يستغني عنها الن

.االستغناء عنها دون ضرر بالمعرفة أو االقتصاد الرقمي أو غير الرقمي

:معدل البنية التحتية التكنولوجية

عن طريق أعداد أجهزة التلفون أو الحاسب اآللي ) البنية التحتية(وال ينبغي آذلك أن تقاس

إنما ينبغي أن يدخل في ذلك ضرورات أولية، مثل الكهرباء والطرق أو وصالت اإلنترنت فقط، و

. والمواصالت

آما ينبغي أن يعدل مقياس استخدام اإلنترنت من آونه يقتصر على أعداد المستخدمين

وسرعة الشبكة إلى آيفية استغالل هذه الشبكة وأنواع التطبيقات والصفحات المنشأة والمستدعاة من

وهذه اإلحصائيات يمكن . عوامل أهم من أعداد المستخدمين وسرعة الشبكة خالل الشبكة، وهي

.حسابها مباشرة عن طريق الحاسبات المرآزية في نقاط االتصال الرئيسية في تلك الدول

والخالصة أنه ينبغي تقسيم المعايير العالمية لقياس التقدم نحو االقتصاد المعرفي إلى ما

الكماليات، وإعطاء آل مستوى وزنا أعلى من المستوى األقل أهمية يتعلق بالضرورات والحاجيات و

آما ينبغي تقديم الكيف على الكم في هذه المعايير وربطه بمصالح األمة العليا . في حساب المعدالت

29

.وضروراتها الملحة

ع االحتكار نضبط الملكية الفكرية عن طريق مقصد م

الفكرية يتعلقان باالقتصاد المعرفي، أال وهما براءة ثم إن هناك نوعين رئيسيين من الملكيات

ال يحق -فأما براءة االختراع فهى تسجيل ملكية فكرة معينة محليا أو دوليا . االختراع وحقوق الطبع

وأما حقوق الطبع فهى ملكية على المادة العلمية . ألحد أن يستخدم هذه الفكرة إال باتفاق مع مالكها

والثروات الضخمة التي حققتها الشرآات العمالقة . التي ترد فيها على التفصيلنفسها دون األفكار

110.في مجال المعلومات هي بسبب حقوق الملكية باألساس

ولكن هذه الحقوق على المعلومات واألفكار تعارضت في ذهن بعض الناس مع تعريف المال

ا جعل بعض المفتيين يفتى بإهدارها ، آما مر، مم)ال يشمل األمور المعنوية(في الفقه بدعوى أنه

وهذا . وإباحة التعدى على الملكية الفكرية بكل صورها، خاصة في مجال تقنيات المعلومات والبرامج

المجمع الفقهي اإلسالمي في دورته التاسعة المنعقدة خطأ تصدى له أهل العلم والمجامع الفقهية، آ

هـ إلى يوم 1406رجب12في الفترة من يوم السبت بمبنى رابطة العالم اإلسالمي في مكة المكرمة

هـ، ومجمع الفقه اإلسالمي الذي انعقد في دولة الكويت في دورته الخامسة في 1406رجب19السبت

111.، وغيرهما)م1988ديسمبر ( 1409/10جمادي األولى 6إلى 1الفترة من

ح االنتفاع به، وأن يكون له ما يميل إليه الطبع ويبا: " أما باعتبار تعريف المال المشهور أنه

اإلجابة " ماال"فالسؤال هل تعتبر المعلومات 112،"قيمة بين الناس توجب الضمان على من أتلفه

. السريعة عليه باإلثبات نظرا ألن المعلومات أصبحت لها قيمة بين الناس حسب التعريف السابق

للمعلومات قيمة تبادلية وقيمة استعمالية، ولكننا إذا نظرنا إلى المعلومات في هذا العصر، وبالرغم أن

. لوجدنا أنها ال تنطبق انطباقا تاما على التعريف السالف الذآر

http://www.arabpip.orgاللجنة العربية لحماية الملكية الفكرية : اجعر 110حقوق الملكية الفكرية -موسوعة الفتاوى ، وhttp://www.islamonline.net: راجع فتاوى مختلفة في 111

www.ibadhiyah.netوغيرها ،. - الجزء األول-تعريف المال 126ادة الم. درر الحكام في شرح مجلة األحكام. العبادي، عبد السالم: راجع مثال 112

المدخل الفقهي والزرقا، مصطفى . المدخل إلى نظرية االلتزام العامة. ، والملكية، والزرقا، مصطفى116صفحة .الملكية ونظرية العقد. ، وأبو زهرة، محمدالعام

30

، فهي تتعلق بالظروف "اإلباحة والتحريم"أو " ميالن الطبع"أما المعلومات من حيث

لومة عن الجيش فالتعامل في مع. المحيطة، وال تتعلق بأصل المعلومة آما هو الحال في الخمر مثال

والتي يبيعها مواطن ألعداء أمته يعتبر حراما نظرا ألن هذا العمل نفسه يعد -مثال- في بلد إسالمي

خيانة وتسليما للمسلمين ألعدائهم، ولكن بيع نفس هذه المعلومة قد يكون جائزا إذا آان لغرض

ولكن . مر يتوقف على الظروفإعالمي مشروع مثال أو من أجل مصلحة األمة بشكل أو بآخر، واأل

.نفس المعلومة ال تكون حراما أو حالال

فالتلف ال يحدث . فال ينطبق أيضا على المعلومات) إتالف المال(وأما مسألة الضمان على

للمعلومات، وإنما قد يحدث للنطاق المادي أو اإللكتروني، أي االسطوانات أو الشرائط أو األوراق،

واألمر يختلف بين أن تكون تلك النسخة هي النسخة . من هذه المعلومات ليس إالوالتي تحمل نسخة

.الوحيدة للمعلومة، وأن تكون نسخة مكررة والنسخ األخرى متوافرة

األمور "، فيرى البعض أنها ال تنطبق على تعريف المال آذلك، ألن )الحيازة(وأما اشتراط

في المال، وضربوا لها أمثلة في الفقه الحنفي، آالعلم ال تدخل -آما يرى األحناف أيضا- " المعنوية

للمعلومة تتم إذا آانت مخزونة في نطاق معين، وهذا ) الحيازة(ولكننا نرى أن 113.والصحة وغيرها

النطاق إما أن يكون ورقيا أو ثقوبا على اسطوانات معينة، وهي في هذه الحالة ينطبق عليها شروط

ان التخزين إلكترونيا، أي أن المعلومات مخزنة آوحدات آهرومغناطيسية وأما إن آ. الحيازة والحرز

إال بكلمة سر أو مفتاح أو ) الحيازة(أو ضوئية على شبكة أو قرص مرآزي، فهذه حالة ال تتحقق فيها

).االمتالك الحصري(بصمة إلكترونية تحقق معنى

ار المتضمنة في آتب أو على مثل االختراعات أو األفك(وقد تكون المعلومة متاحة للعامة

ولكننا نرى أن وجود براءة لالختراع أو حقوق ). الحرز(، وهذا يخرجها عن )صفحات اإلنترنت

في ) الحيازة(طبع على الكتاب أو صفحة اإلنترنت تجعل من هذه المعلومة ملكا لصاحبها تماما مثل

. التعريف التقليدي

أساس االقتصاد المعرفي أو الرقمي هي أموال لها وبناء على ما سبق، فالمعلومات التي هي

قيمة تبادلية وقيمة استعمالية، وحيازتها تكون عن طريق براءة االختراع أو ملكية فكرية إذا آانت

.المراجع السابقة 113

31

عامة، أو عن طريق مفتاح إلكتروني أو حرز أو قفل على نطاق التخزين إن آان نطاق في ملكية

ى من أتلف النطاق المادي الذي يحملها إن لم تتوفر نسخ والضمان يكون فيها عل. صاحب المعلومة

أخرى لهذه المعلومات، أو على من أشاعها إن آانت سرية حسب اتفاقية محددة أو عرف معلوم، أو

على من خرق حقوق الملكية الفكرية بنسخ نص المعلومة، أو خرق براءة االختراع بنقل الفكرة أو

.استخدامها بغير حق

حقوق (رأي في ) نظرات في الشريعة اإلسالمية(ور عبد الكريم زيدان في آتابه وللشيخ الدآت

114:قريب مما ذآر، وأنقله هنا للفائدة) التأليف

أن المنافع أموال، وهذا على قول الجمهور؛ ألن المنافع تعتبر أمواال لما : والراجح...

ي صحيحه عن سهل بن سعد احتجوا به، وبداللة الحديث الصحيح الذي رواه اإلمام البخاري ف

معي : قال هل معك من القرآن شيء؟: أن النبي صلى اهللا عليه وسلم قال للرجل: "الساعدي ، وفيه

وقد ترجم " اذهب فقد أنكحتها بما معك من القرآن: قال صلى اهللا عليه وسلم. سورة آذا وسورة آذا

ابن حجر وقال" وبغير صداقباب التزويج على القرآن : "اإلمام البخاري لهذا الحديث بقوله

ثم قال ابن حجر بهذا " أي على تعليم القرآن صداق مالي: "العسقالني تعليقا على ترجمة البخاري

الحديث، واستدل به على جواز جعل المنفعة صداقا، ولو آان تعلم القرآن، وبهذا الحديث النبوي

وآذلك قول اإلمام أحمد الشريف وبغيره من األدلة، قال الشافعية والظاهرية والزيدية بمالية المنافع،

بن حنبل في إحدى الروايتين عنه محتجا بحديث الرسول صلى اهللا عليه وسلم، وألن تعليم القرآن أو

سورة منه منفعة معينة مباحة ، فجاز جعلها مهرا آتعليمها نحوا أو فقها، آذلك قال القائلون بجعل

ة معينة أو يعلمها فقها أو لغة او نحوا أو تعليم القرآن مهرا للزوجة، أن يكون المهر تعليمها صناع

هذا وقد جرى العرف على اعتبار النتاج الفكري، . غير ذلك من العلوم الشرعية أو العلوم المباحة

وضع المصنفات والمؤلفات من المنافع ذات القيمة المالية، وبالتالي يكون للمؤلف حق مالي، : ومنه

يتمثل : ه إليه وانفراده بحق نشره وتوزيعه، وحق ماليبنسبت: حق معنوي .وحق معنوي على مؤلفه

بقابلية هذا النتاج الفكري للمعاوضة المادية، والعرف يصلح أن يكون مصدرا من مصادر التشريع ما

دام لم يخالف نصا شرعيا، وال مبدأ من مبادئ الشريعة اإلسالمية، وهو هنا لم يخالف شيئا من

...ئها نصوص الشريعة اإلسالمية ومباد

.م2000الة، مؤسسة الرس. نظرات في الشريعة اإلسالمية. زيدان، عبد الكريم 114

32

من اعتبار مالية المعلومات وقيمتها في الفقه المعاصر بل وفي القانون -بالتالي -وال بد

أما القيمة في الفقه المعاصر فأثرها في تحريم التعدي على الملكية الفكرية أو براءة . الوضعي آذلك

ى سبيل االستثناء، االختراع المتعلقة بالمعلومة، إال ما آان من مصالح أو ضرورات تبيح ذلك عل

.وغير ذلك من أحكام المال، واألمر يحتاج إلى بحث واجتهاد

وأما في القانون الوضعي فيترتب على اعتبار المعلومات ماال آثارا قانونية من ناحية

اإلجراءات المعتمدة والعقود النافذة والدعاوى المتعلقة بها، بل ولهذا االعتبار أثر في تنمية االقتصاد

.رفي للبلدان التي تأخذ به، آما سيأتيالمع

األول هو حفظ المال، وقد صارت هذه : والحق أن القضية تحتاج إلى توزان بين مقصدين

األفكار أو المخترعات البرمجية أمواال ومنافع في حد ذاتها، آما أفاض وأجاد العلماء، والمقصد

أصبحت بعض هذه األفكار والتقنيات الثانى هو تحقيق العدل بمنع االستغالل واالحتكار، وقد

واألجهزة المبنية على أساسها بمثابة الضرورات، أو الحاجات التي عمت حتى نزلت منزلة

.الضرورات

الملكية (ومنهج التوازن بين هذين المقصدين يقتضى اتخاذ تدابير لئال تؤدى حماية هذه

-أفرادا أو جماعات أو دوال- رار بالفقراء إلى اإلخالل بما هو ضروري لحياة الناس أو اإلض) الفكرية

خاصة مع االنتشار الهائل للمنتجات التي بنيت على هذه األفكار آأجهزة الحاسب واالتصال وغيرها،

. والتي أضحت تدخل في نطاق الضرورات التي ال تقوم الحياة المدنية إال بها

:مقصد التكافلعن طريق ) تجسير الهوة الرقمية(تضييق الفجوة الرقمية

والفجوة أو الهوة الرقمية معناها فارق اإلمكانات بين األغنياء والفقراء الذي يظهر في

امتالك األغنياء للتقنيات الحاسوبية في الوقت الذي يحرم منها الفقراء ال لسبب إال لفقرهم وضعف

الرقمية بين البيض مثال الهوة(اقتصادياتهم، وهى هوة موجودة على مستوى المجتمعات داخليا

مثال الهوة الرقمية بين الغرب بشكل (، وعلى مستوى الدول والقارات )والسود في المجتمع األمريكى

). عام، وأفريقيا وأمريكا الجنوبية بشكل عام

33

آي لا يكون دولة بين الأغنياء (واجتهاد عمر رضي اهللا عنه المقاصدي في فهم اآلية

الذي نادى به غير واحد من " المقصد"فالتقريب بين الطبقات، وهو . ينطبق على هذا الواقع 115)منكم

ينبغى أن يتم في المال بمعنى الممتلكات المادية، والمال بمعنى المعلومات 116الباحثين المعاصرين،

وآال . روالمعارف على حد سواء، خاصة وقد أصبحت لهذه المعلومات قيم تبادلية واستعمالية، آما م

. النوعين من التقريب يساهم في تضييق الفجوة الرقمية المذآورة

ولدولـة ماليزيا تجـربة رائدة في هذا المجال حيث جعلت من أولوياتها في تنمية االقتصاد

باإلضافة إلى الترآيز على إنتاج 117المعرفي الترآيز على مقاصد الشريعة في التعليم اإلسالمي،

والتعليم بكل مراحله، وتضييق الفجوة الرقمية، وغيرها من األولويات، وآلها األجهزة واألفكار،

أما عن آيفية . أسهمت في لحاق ماليزيا باالقتصاد المعرفي وريادتها فيه على مستوى العالم اإلسالمي

: تأدية مقاصد الشريعة لدور إيجابي في تنمية االقتصاد المعرفي، فذلك تقترحه النقاط التالية

:هج التفكير المقاصديمن

مقاصد الشريعة نفسها هي معرفة بشرية نتجت عن استخالص ألفكار وقيم ومبادئ من وعاء

والجزئيات المتناثرة عن الشريعة وأحكامها ونصوصها، حيث صيغت هذه المعلومات ) المعلومات(

هو منهج يخرج -واليةبأسئلته المت- فالمنهج المقاصدي في التفكير. في هذه المعاني المقاصدية الكلية

بالعقل المسلم من طريقة التفكير الذرية أو التجزيئية إلى طريقة تفكير آلية شاملة، ومن الثنائيات

المنطقية التقليدية إلى مستوى أعلى من التفكير أو التأمل الفلسفي أو الغائي، ويشكل منطلقا للتطوير

. واالبتكار واالختراع

ا منهجا وسطا بين طرفين آالهما يحاول أن يستحوذ على التفكير ومقاصد الشريعة تقدم أيض

اإلسالمي المعاصر، وآالهما له خطره وأثره السلبي، أال وهما المنهج الحرفي الظاهري، والمنهج

. التفكيكي التأريخي

7سورة الحشر 115مقاصد الشريعة : في. مقاصد الشرعية وبعض أمثلتها التطبيقيةحول علم ال. خسرو شاهي، هادي: مثال 116

مرآز دراسات مقاصد : العوا، محمد سليم، لندن: تحرير. دراسات في قضايا المنهج ومجاالت التطبيق: اإلسالمية .م2006الشريعة اإلسالمية،

:راجع مثال 117siteresources.worldbank.org/INTMALAYSIA/Resources/Malaysia-Knowledge-

Economy2007.pdf

34

أما المنهج الحرفي، فيرفض آل جديد ولو آان نافعا من الناحية الدنيوية وال شيء فيه من

والمحصلة هي . احية الشرعية، ويتوسع آثيرا في األخذ بسد الذرائع منهجا أصليا وليس استثنائياالن

سد وتضييق لكثير من األدوات واألفكار واألنظمة التي يمكن أن تكون نافعة وتساهم في االقتصاد

لفضائي وما يتعلق بنوعيه القديم والجديد، مثل ما يفتي به بعض العلماء من تحريم اإلنترنت والبث ا

بهما من تقنيات، نظرا إلى ما قد يطرأ بسبب ذلك من مفاسد، ورغم ما يتعلق بها من مصالح مصيرية

. لألمة في االقتصاد المعرفي الجديد

من العلماء والمفكرين يوازنون بين سد الذرائع لدرء المضار والمفاسد، " المقاصديون"و

اصد، فيحاربون ما قد تؤدى إليه تكنولوجيا االتصاالت الرقمية وفتح الذرائع لتحقيق المصالح والمق

ومن جهة أخرى، هم يفتحون أبواب . هذا من جهة - من مفاسد ويدعون إلى حلول لهذه المشكالت

هذه التقنيات من أجل تنشيط األفكار المبتكرة، والتواصل بين الناس لتحقيق المصالح المختلفة، ودعم

. لرأى والفكر للعامة، وغيرها من المنافع األآيدةاإلعالم البديل، ونشر ا

قد ال -والمقاصد أيضا تقدم منهجا للفتوى في ما يستجد من معامالت تتعلق بهذه التقنيات

.يحسن المنهج الحرفي التعامل معها، آما مر في المسائل الفقهية التي ناقشها هذا البحث

بمعامالته وتراثه، بل وعباداته وقيمه " يؤرخ اإلسالم" وأما المنهج التفكيكي التأريخي، فيريد أن

وينتهي . بحجة اللحاق بالعصر وتغير الزمان وتطور تعريف األخالق، بل والعقائد -وعقائده جميعا

أصحاب هذه النظرية إلى تبنى أنماط حياة غريبة على اإلسالم والمسلمين ال تقودهم إال إلى التبعية

قل األعمى عنهم، بل والقعود عن المشارآة في العالم الجديد الذي أضحى قرية الذليلة لغيرهم والن

. صغيرة البد لكل سكانها أن يشارآوا في صياغة ثقافتها

التام لإلسالم عن طريق التوازن بين الوسائل التي يجوز " التأريخ"والمقاصد تحمى من ذلك

عن -مثال-فإبرام العقد . والقطعيات في الدين ، والمقاصد الثابتة والكليات"التأرخ"عليها التغير و

طريق افتراق البائعين وسيلة قد تتغير إلى نقرة على مفتاح إلكتروني اليوم، ولكن هدف التراضي

. ومنع الغرر هو المقصود الثابت

وبالتالي فالمقاصد تقدم منهجا وفلسفة تقوم عليها قضية وجود األمم اإلسالمية آأمم تميزها

فة، هي من ناحية لها شخصيتها التي ال تذوب في غيرها، ومن ناحية أخرى ال تنعزل على ثقا

35

حرفيات وظروف تاريخية وتجمد عليها، بل تدور مع المتغيرات حول الثوابت، ومع الفروع حول

. األصول، ومع الجزئيات حول الكليات

:مقصد حفظ العقل سلبا وإيجابا

إلسالمي من السلبيات المختلفة مثل المسكر والمخدر مقصد حفظ العقل يحمي العقل ا

العقل وتطويره " تنمية"أما من الناحية اإليجابية، فمفهوم حفظ العقل هو مفهوم لـ. وغيرهما، آما مر

آتب الدآتور .ونماء الملكات الفكرية، على حد تعبير غير واحد ممن آتبوا عن هذا المقصد حديثا

حفظ العقل من آل ما يسلبه .. ظ العقل ضرورة من ضرورات العمران حف: "سيف عبد الفتاح يقول

من أفكار وتسميم وغسيل مخ، وحفظه من آل ما يذهبه لهو تعبير عن الحفظ األساسي الالزم لكي

118".يمارس العقل وظيفته وفاعليته

رأ باسم ربك اق. (وتبدأ تنمية العقل للمسلمين وغير المسلمين على حد سواء بالدعوة إلى العلم

ولكن الواقع يبين أن غالبية . فاإلسالم دعوة للقراءة وتحصيل العلم ونماء العقل 119).الذي خلق

أنصاف أميين ال - في أحيان آثيرة-المسلمين أميون، ويزيد الطين بله أن المتعلمين منهم يكونون

تقنيات المعرفة الحديثة، وهم بالتالي أميون يحسنون استثمار ما تعلموه أو قرأوه، فضال عن استخدام

. آما هو المصطلح المعاصر - حاسوبيا

ولكن تنمية العقل هي مقصد ضرورى من مقاصد الشريعة، يمتد إلى ما وراء تحريم المسكر

والمخدر إلى فرض طلب العلم على آل مسلم ومسلمة، والحض على السياحة في طلب العلم، والجهد

سالطين آانوا أو آباء -واإلتقان في فهمه، وتحكيم العقل في األمور ونبذ تقليد اآلخرين في تحصيله،

وأجداد، والتفكر في خلق اهللا والسنن الجامعة التي تحكم هذا الخلق، وغيرها من فرائض ومستحبات

ستغالل اإلسالم التي تنمى العقل وتساعد في إنشاء العقلية العلمية التي تبدع في صنع المعرفة وا

فالسفة ورياضيين - فالمسلمون هم الذين صنعوا النهضة اإلنسانية في القرون الوسطى . المعلومات

ولكن المسلمين قد توقفوا في . وآيميائيين وأطباء وفلكيين ومعماريين وغيرهم في شتى مناحي الحياة

: مقاصد الشريعة اإلسالمية". نحو تفعيل النموذج المقاصدي في المجال السياسي واالجتماعي. "عبد الفتاح، سيف 118

مرآز دراسات مقاصد الشريعة : لندن. محمد سليم العوا: تحرير .دراسات في قضايا المنهج ومجاالت التطبيق

.م2006اإلسالمية، 1سورة العلق 119

36

سين في البالد التي أغلبها هذا العصر عن المساهمة في تطور العلوم، اللهم إال المهاجرين منهم والدار

من غير المسلمين، وهم عنصر قوة في االقتصاد المعرفي المعاصر، إال أن البالد األصلية لهؤالء ال

. تستفيد منهم بقدر ما تستفيد منهم أوطانهم الجديدة

: مقصد الحرية

تعبير ومن مستلزمات انتعاش االقتصاد المعرفي إتاحة الفرصة لكل الناس في التواصل وال

والحرية . عن أفكارهم بل ونقد ما يعن لهم نقده من سياسات اقتصادية أو تنفيذية أو قضائية أيا آانت

120.الطاهر بن عاشور الشيخ، على حد تعبير "مقصد أصيل من مقاصد الشريعة"

مدى حرية التصرف عند "وقد أفرد ابن عاشور لهذا المقصد بابا في آتابه تحت عنوان

باإلضافة إلى العتق، -بتعبير الفقهاء -فصل فيه معنى الحرية التي يتشوف إليها الشارع ،"الشريعة

وهو معنى أصيل 121،"تمكن الشخص من التصرف في نفسه وشؤونه آما يشاء دون معارض"وهو

الذي هو من (ناشئ عن فطرة البشر التي فطرهم اهللا عليها، ويتحقق فيه معنى المساواة بين البشر

متى : "ويستشهد الطاهر بن عاشور بقول عمر رضى اهللا عنه). الشريعة األصيلة أيضا مقاصد

على أن الحرية أمر فطرى ال يحل لإلنسان حتى أن - " استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟

يختار إبطاله بأن يختار أن يسترق نفسه مثال أو أن يسترق اآلخرين لدين أو غيرها من الحاجات

. اإلنسانية الطبيعية

حرية "وقد أفاض اإلمام ابن عاشور في تفصيل هذه الحريات اإلسالمية ودلل عليها، من

122".حرية التصرف"و" حرية األعمال"إلى " حرية األقوال"و" االعتقادات

فإطالق آل هذه الحريات هو عين ما يتطلبه االقتصاد المعاصر من أجل تبادل أوسع

ارف، وآسر احتكار الشرآة العمالقة وبعض وسائل اإلعالم والنشر للمعلومات، للمعلومات والمع

وفتح األبواب للجماهير في التواصل والتعبير الحر عن آرائهم وبالتالي االشتراك واالندماج في

الذين أصبح -تكنولوجيا االتصال وحيازة عضوية نوادى المشترآين والمتواصلين على الشبكة

. ات والمميزات تتعلق بهم وحدهم دون غيرهمالكثير من الخدم

.183: ص. مقاصد الشريعة. ابن عاشور، محمد الطاهر 120 .المرجع السابق 121 .المرجع السابق 122

37

): التي هي من مقاصد الشريعة" (العالمية"و" العولمة"بين

" العالمية"ومما يمكن لمقاصد الشريعة العامة أن تضيفه إلى فكرة االقتصاد المعرفي فكرة

فهناك فرق بين مفهوم 123).لتعارفوا وجعلناآم شعوبا وقبائل: (بمعنى األخوة اإلنسانية، آما قال تعالى

والتي يقصد بها تذويب العالم في الثقافة الغربية ،عند الدول والشرآات المتسلطة" العولمة"

أو سمها عولمة " (عالمية"على حساب خصوصيات الناس الدينية والثقافية، وبين ) األنجلوساآسونية(

لبشرى الصالح في الشؤون آلها، وأن يحترموا تنادى بأن يستفيد البشر من النتاج ا) إن شئت

اختالفاتهم الطبيعية والمكتسبة آسنة من سنن اهللا تعالى في خلقه، وأن يتفقوا على آلمة سواء من

. إحقاق الحق والتعاون على الخير، وهو المعنى الذي يوافق عليه اإلسالم، بل يتبناه ويحض عليه

ية عامة وللغرب خاصة، حتى في هذا الزمان الذي واإلسالم يمكنه أن يقدم الكثير للبشر

ضعف فيه المسلمون، آشعائر الصدقة واإلحسان آالزآاة والوقف وآفالة األيتام، ورعاية المسنين

والمرضى واألسرى والعوزى عامة واآلباء واألمهات خاصة، وحسن التعامل مع األقليات، واحترام

ير من المعاني التي هي من اإلسالم وبعد عنها الناس، خاصة البيئة بما فيها من مخلوقات، وغيرها آث

المسلمون ولألسف الشديد، وهي المعاني التي تعطي لعالمية األخوة اإلنسانية أبعاد جديدة، وتسهم في

. تالفي سلبيات االقتصاد المعرفي المعولم

خاتمة

المستوى التنظيرى الفلسفى يمكن أن تسهم على -عامة وخاصة، آلية وجزئية -المقاصد الشرعية

والعملى التطبيقى فى أن يدخل المسلمون عصر االقتصاد المعرفى آمسهمين فيه ومضيفين إليه بدال

ويمكن أن يسهم الفهم الحسن والتطبيق الواعي لمقاصد . من أن يدخلوه آمستهلكين له وعالة عليه

، فى إحداث التوازنات المطلوبة بين حفظ العقل وحفظ المال والعدل والحرية وغيرها من المقاصد

حقوق األغنياء والفقراء، ووضع أولويات السياسات التنموية فى نصابها الصحيح، وإضفاء التعددية

.وروح التعايش على مفهوم العولمة واالقتصاد المعرفى الجديد

.13الحجرات سورة 123

38

39

:خامسالبحث ال االجتهاد في مقاصد العقائد

مقاصد صفتي المعطي والمانع نموذجا

مقدمة

قديما بحث فيه األئمة . قديم جديد: األخرى مقاصد االعتقاد باب من أبواب المقاصد آبقية األبوابفي الشكل ولكنها تتفق في " مقاصد العقائد"مصطلح وتحدثوا عنه بمصطلحات تختلف عن

" بالمناق"، و"المحاسن"و ،"األغراض"و ،"مالحك"و ،"األسرار"عن همثيحدالمضمون، وذلك آمن إيمان باهللا وآتبه ورسله واليوم اآلخر، إلى صفات اهللا تعالى وأفعاله، وغير بالعقائدالتي تتعلق

. ذلك من مسائل االعتقادالعقائد بأسلوب صوفي غلب " علل"، الذي آتب عن أسرار والترمذي الحكيممن األمثلة على ذلك و

الذي القميوآابن بابويه 125،"ج وأسرارهالح"و 124،"إثبات العلل" هيآتابفي عليه التذوق الخاصتفسيرات عقلية لإليمان باهللا، وبالرسل، والغيب، وما إلى ذلك من عقائد، " ععلل الشرائ"ضمن آتابه

إضافة إلى ما آتبه عن أسرار الصالة، والصيام، والحج، والزآاة، وبر الوالدين، وغير ذلك من 126.أحكام

، فقد قارن بين اإلسالم وغيره من األديان من ناحية العقائد، "ناقبهم"في أما العامري الفيلسوف، وغير في إثبات الصانع تعالى، والرسل، والمالئكة، والمعاد" المناقب"وبحث في الحكم واألسرار و

فقد 128،"محاسـن اإلسـالم"وأما محمد الزاهد البخاري في آتاب اإليمان من آتابه 127.ذلك من العقائدوأما اإلمام الغزالي، فقد اشتهر بنظراته .شهادة بالتوحيد وفصل القول في ذلكال تناول محاسن

، والتي تعدى بها الحديث عن األحكام والعبادات والمعامالت إلى الحديث عن "األسرار"المبدعة في وقد آتب العز بن عبد السالم 129".معارف األولياء وأحوالهم"أسرار العقائد في معرض آالمه عن

، وعظمته، وعلوه، وأثر ذلك المتوقع على العبد خضوعا وخشوعا قرب اهللا عز وجلسرار أعن أما اإلمام و 131هللا تعالى عن ما ليس له،واإلمام القرافي آتب عن مقاصد تمييز ما 130وتذلال هللا تعالى،

وعن )والتي تشمل العقائد(الشاطبي، فقد دافع عن التعليل لتفاصيل األحكام في الكتاب والسنة

داب والعلوم ، ضمن منشورات آلية اآل)خالد زهري تحقيق ودراسة: (آتاب إثبات العلل للحكيم الترمذي :راجع 124

.1998اإلنسانية بالرباط، .1969حسني نصر زيدان، دار السعادة، القاهرة، قيحقت 125 . 1966ابن بابويه الصدوق القمي، علل الشرائع، تحرير محمد صادق بحر العلوم، دار البالغة، النجف، 126دار ، أحمد عبد الحميد غراب. د: تحقيق ودراسة ، الماإلعالم بمناقب اإلس، ريأبو الحسن محمد بن يوسف العام 127

.م1967/هـ1387، 1القاهرة، ط - الكتاب العربي للثقافة والنشر .هـ1386القاهرة، - مكتبة حسام الدين المقدسي، الممحاسن اإلس، محمد بن عبد الرحمن الزاهد البخاري 128

مطبعة ، حمدي الكبيسي. د: تحقيق، شفاء الغليل فـي بيان الشبه والمخيل ومسالك التعلي، أبو حامـد الغـزالي 129

.م1971/هـ1390بغداد، -اإلرشاددمشق، - بيروت، دار الفكر - دار الفكر المعاصر، إياد خالد الطبـاع: العز بن عبد السالم، مقاصد الصالة، تحقيق 130 .م1995، 2ط

، 1بيروت، ط -لعلميةدار الكتب ا، األمنية فـي إدراك النيـة، أحمد بن إدريس المالكي الشهير بالقرافي 131 .م1984/هـ1404

40

مقاصد "وغير هؤالء من العلماء آثير ممن آتبوا في 132.االستقراء منهجا الستنباط العلل والمقاصد 133.وقاربوا نفس المعنى بأساليب مختلفة "العقائد

نفيسا عن مقاصد العقائد في اهللا تعالى، آالماوبعد عصر السلف ذآر إمام الهند شاه ولي اهللا الدهلوي

، آباب اإليمان بصفات اهللا تعالى، وباب اإليمان بالقدر، وباب "حجته"ة من وذلك في أبواب متعدد

عليهم مجاز لهم باإلرادة، وباب تعظيم شعائر اإليمان بأن العبادة حق اهللا تعالى على عباده ألنه منعم

134.االعتقادية ، وغير ذلك من األبواب)القرآن، والكعبة، والنبي، والصالة(اهللا

الذي : "سف القرضاوي عن مدى السعة في مجال البحث في مقاصد الشريعة، فقاليوالشيخ وقد آتب

أننا نعني مقاصد اإلسالم آله، وأحسب أن األصوليين الذين حصروا مقاصد الشريعة في : أرجحه

. الكليات الخمس، أرادوا أن تشمل العقائد فيما تشمل، ولهذا جعلوا الدين هوالضرورية األولى

135".بنيانه آلهلدين وأساس والعقائد هي رأس ا

136:وحث الدآتور أحمد الريسوني على تفعيل البحث في مقاصد العقائد فكتب يقول

ارتيادها اآلفاق التي على البحث المقاصدي وهذا المجال في تقديري هو أهم المجاالت و

مقاصد العقيدة (وإلحاقها بمجاالت الدراسات المقاصدية، وأعني به البحث في

مقاصد الشريعة ( تماما مثلما بحث السابقون ويبحث المعاصرون في ،)اإلسالمية

وليست شرائع اإلسالم أولى بالعناية وبالبحث عن مقاصدها من عقائد ). اإلسالمية

فلماذا نجد الحديث ينمو ويتكاثر عن مقاصد األحكام وال نجد شيئا عن مقاصد . اإلسالم

قد خال تقريبا من النظر المقاصدي، ) الكالم علم التوحيد وعلم(مجال العقائد ... العقائد؟

وآأن عقائد اإلسالم ليس لها مقصد وال غرض وال ثمرة ترجى، وأن على المكلف أن

لكي تستعيد عقائدنا وجهها الحقيقي وتؤدي : المهم... يعتقدها ويعقد عليها قلبه ليس إال

قافتنا، البد من البحث في دورها الحقيقي، وتستعيد موقعها األساسي في حياتنا وعلومنا وث

عبد اهللا دراز، محمد عبد اهللا دراز ، عبد : تحقيق، أبو إسحاق الشاطبي الغرناطي، الموافقات فـي أصول الفقه 132

.، ب تبيروت -دار الكتب العلمية، السالم عبد الشافي محمدمرآز دراسات مرآز بحوث المقاصد ،ميةمحمد آمال إمام، الدليل اإلرشادي إلى مقاصد الشريعة اإلسال: راجع 133

.2011 - 2006 ،6ج – 1، ج، لندنمقاصد الشريعة .2005شاه ولي اهللا الدهاوي، حجة اهللا البالغة، تحقيق سيد سابق، دار الجيل، بيروت، 134نهج دراسات في قضايا الم: محمد سليم العوا، محررا، مقاصد الشريعة اإلسالمية: القرضاوي في يوسف: راجع 135

).2006مؤسسة الفرقان للتراث اإلسالمي، مرآز دراسات مقاصد الشريعة، : لندن(وقضايا التطبيق محمد سليم العوا، محررا، : في، البحث في مقاصد الشريعة نشأته وتطوره ومستقبله، أحمد الريسوني: راجع 136

مؤسسة الفرقان للتراث اإلسالمي، : دنلن(دراسات في قضايا المنهج وقضايا التطبيق : مقاصد الشريعة اإلسالمية ).2006مرآز دراسات مقاصد الشريعة،

41

فهذا مجال آبير . مقاصدها الشرعية، ودراستها والتعامل معها في ضوء مقاصدها تلك

... ، يحتاج إلى باحثين أفذاذ ومستكشفين رواد )علم المقاصد(وبكر من مجاالت

في هذا ومن تالميذ األستاذ الدآتور الريسوني بكلية اآلداب والعلوم اإلنسانية بالرباط من آتب الموضوع رسائل علمية جددت البحث في آثير من الجوانب، وآانت محاوالت رائدة في هذا العلم،

، )2002عام " (مقاصد العقائد عند اإلمام الغزالي"آاألستاذ امحمد عبدو الذي قدم رسالة عن مام فخر مقاصد العقيدة ومقاصد الشريعة عند اإل"واألستاذة يامنة هموري التي قدمت رسالة عن

.، وغيرهما)2003عام ( الدين الرازينور الدين بن مختار الخادمي آذلك على أهمية التفرقة بين مجاالت العقيدة ونوه األستاذ الدآتور

لظنية التي تقبل االجتهاد المقاصدي، مجاالت العقيدة القطعية التي ال تقبل االجتهاد المقاصدي، وابين الدآتور يوسف أحمد محمد البدوي في آتابه عن ابن تيمية و 137.الوسائل الخادمة للعقيدة: مثل

آيف أنه لم يراع المقاصد في الفقه وأصوله فحسب، بل في آل أبواب الشريعة، حتى في العقيدة وأشار 138.واألخالق والسلوآيات، وحرص على ربط الجزئيات بالكليات في اإلسالم وبيان مقاصدها

عقيدة بمختلف أصولها وفروعها إنما جاءت لرعاية مصالح اإلنسان الدآتور محمد الزحيلي إلى أن ال 140.هؤالء آثيروغير 139.وتحقيق السعادة لهم في الدارين

وهذا البحث يهدف إلى إضافة متواضعة في هذا الباب عن طريق التفكر في صفتين من صفات اهللا .في حكمه يعز وجل تحدث عنهما اإلمام العارف باهللا أحمد بن عطاء اهللا السكندر

هل العقائد اإلسالمية معللة بأغراض؟

ا اإلسالمي، أال وهو السؤال ه الجدل في تراثن ر حول ق بسؤال آث : هذا السؤال الفلسفي يتعل

م يكن يجري في /، ومن المهم أن نالحظ أن مفهوم التعليل"هل أفعال اهللا معللة بأغراض؟" األسباب لوإنما آان يجري التفريق بين هذين . 141الحكم/المقاصد/م األغراضعلم الكالم التفريق بينه وبين مفهو

ة بأبحاث . 142ومين في مجال االجتهاد الفقهيهالمف ل ذو عالق إن البحث الفلسفي الكالمي حول التعليوحي، " فعل إلهي "هذا الكتاب، ألن الشريعة اإلسالمية نفسها هي من حيث العقيدة ق ال ا عن طري أتتن

ريعة واألغراض التي اك من قصد : فالسؤال إذن هو . من وراء الشريعة هي إذن مقاصد الش هل هن :من وراء تنزيل اهللا تعالى لهذه الشريعة؟ وقد أعطانا الكالميون عن هذا السؤال ثالثة أجوبة

ضمن سلسلة آتاب ، مجاالته.. ضوابطه.. حجيته :االجتهاد المقاصدي ،نور الدين بن مختار الخادمي: راجع 137

هـ، 1419لى ، جمادى األو65، العدد 1ج، قطر - األمة، سلسلة دورية تصدر عن وزارة األوقاف والشئون اإلسالمية .ةهـ، السنة الثامنة عشر1419، رجب 66، العدد 2ج، والسنة الثامنة عشرة

، 1األردن، ط - يوسف أحمد محمد البدوي، مقاصد الشريعة عند ابن تيمية، دار النفائس للنشر والتوزيع: راجع 138 .م2000/ هـ1421

-ية الشريعة والدراسات اإلسالميةمحمد مصطفى الزحيلي، مقاصد الشريعة، بحث منشور في مجلة آل: راجع 139 .هـ1403-1402مكة المكرمة، السنة السادسة، العدد السادس،

مرآز دراسات مرآز بحوث المقاصد ،محمد آمال إمام، الدليل اإلرشادي إلى مقاصد الشريعة اإلسالمية: راجع 140 .2011 - 2006 ،6ج – 1، ج، لندنمقاصد الشريعة

. 1.، ص3، والمجلد 173.، ص1الشاطبي، الموافقات، المجلد : يمكن الرجوع مثال إلى - 141فيرجينيا، المعهد العالمي للفكر اإلسالمي، (إناطة األحكام الشرعية بمقاصدها : جاسر عودة، فقه المقاصد - 142

.51.، ص)2006

42

ا أسباب " يجب "إن أفعال اهللا ) أ( يعة : أغراض /مقاصد /أن يكون له ة والش قسم المعتزلتثناءا ( ال ) تآلهم عدا بعض االس ى أفع ال إل ل األفع ال " حسنة "آ 143".قبيحة "وأفع

غير قابلة ) الحسن أو القبح(من هاتين السمتين " ذاتية"واعتقدوا أن في آل فعل سمة ه . للتغير بتغير الظروف وا علي ا أطلق ى م ثم اعتقدوا أن العقل اإلنساني قادر بذاته عل

. فة الحسن من القبيح ولو دون وحي إلهي ، أي على معر"التحسين والتقبيح العقليين"ى وألن تحديد التحسين والتقبيح أعمال عقلية، فإن المعتزلة طبقوهما سواء بسواء عل

دهم " أصل العدل"بناء على (البشر وعلى اهللا تعالى ا يخص البشر، تكون ). عن ففيمما فيما يخص وأ". محظورة"وتكون األفعال القبيحة " واجبة"األفعال الحسنة عندهم

ال ي أفع نة ه ال الحس إن األفع الى، ف رهم –اهللا تع ب تعبي ى اهللا " -حس ب عل ، "تجا "واألفعال القبيحة هي أفعال ه فعله ذلك "يستحيل علي رهم آ دون . ، حسب تعبي ويعتق

م ذا فه أيضا أن األفعال التي ال علة وال غرض لها عبث، وهي إذن أفعال قبيحة، وله 144".معللة"فعال اهللا تعالى يعتقدون أن آل أ

ان األشاعرة : إن أفعال اهللا تعالى هي فوق األسباب والمقاصد واألغراض ) ب( آقد تبنوا موقفا ينطوي على رد الفعل على آالم المعتزلة ) والسلفية، بما فيهم الحنابلة(

نا "فقد أقر هؤالء بأن الفعل يمكن أن يكون . السابق، فتطرفوا إلى الجهة المقابلة " حسى الشريعة ال "قبيحا"أو ى عل ن يجب أن يبن بح والحس ر الق رروا أن تقري نهم ق ، ولك

ل ى العق ريعة . عل اب الش ي غي اعرة -فف ول األش ذا يق ل -هك ون أي فع ن أن يك يمكانوا (على حد سواء " قبيح"أو " حسن" م آ ا أنه ين، نضيف هن ولكن حتى نكون دقيق

م قد استثنوا من ذلك العلم ل الظل دل في مقاب ل، والع ل الجه اء ). 145في مقاب الوا بن وق" خير"فعل شيء أصال، وأن آل ما يفعله هو " ال يجب عليه"على ذلك إن اهللا تعالى

الى هي ". حسن"و ال اهللا تع اعرة أن أفع د األش ذا يعتق باب"له وق األس ن "ف ، ألن ما اهللا ك السبب، بينم ى ذل اج لشيء يفعل الشيء لسبب هو بحاجة إل الى ال يحت 146. تع

الى هو مسبب األسباب، وخالق األسباب، وخالق واحتج األشاعرة أيضا بأن اهللا تعا من نتائجها آذلك، ولهذا فهو يفعل ما يشاء دون أن يحتاج أن يلتزم بأي شيء يلزمن

ة 147".أحكام األسباب والمسببات فتهم األخالقي م وفلس وقد بنى األشاعرة أصول فقههي . لى المنطق الذي ذآرناهع ثال –فقد ذآر الغزال ة الوسط "أن -م ا " (نظري وهي م

، 2، المجلد )هـ 1404مؤسسة علوم القرآن، : دمشق(أحمد بن تيمية، دقائق التفسير، تحرير محمد الجلينيد - 143

.110.صدار الكتب : بيروت(محمد الطيب البصري، المعتمد في أصول الفقه، تحرير خالد الميس، الطبعة األولى - 144

نظرية المقاصد عند الشاطبي "أحمد الطيب، : ، راجع أيضا184.، ص2، المجلد )هـ 1403/ م 1983العلمية، ، وطه جابر العلواني، 39.، ص)2002( 103المعاصر، رقم ، المسلم"ومدى ارتباطها باألصول الكالمية

، 75.، ص)2001دار الفكر، : دمشق(، في مقاصد الشريعة، تحرير عبد الجبار الرفاعي "مقاصد الشريعة" . 441.، ص)1998دار السالم، : القاهرة(، الطبعة األولى "اآلمدي وآراؤه الكالمية"وحسن الشافعي،

".ظرية المقاصدن"الطيب، : راجع - 145 .نفس المصدر - 146المعهد العالمي للفكر اإلسالمي ودار الهادي، : بيروت(طه جابر العلواني، مقاصد الشريعة، الطبعة األولى - 147

. 75.، ص)2001

43

دتها، ) يطلق عليه أيضا مبدأ أرسطو في االعتدال د أي صحيحة ألن نصوص الشرع ق 148.وليس ألن العقل يوافق عليها آما يقول الفالسفة

. مة منه بعبادهاالتجاه الثالث يرى أن أفعال اهللا تعالى لها أسباب ومقاصد رح ) ت(غ عددهم ة ال يبل ق من الحنفي م فري ة، وه اه الماتريدي وهذا هو الرأي الوسط الذي تبن

ادهم أن . عدد الفرق التي ذآرناها ة مصيبون في اعتق ة أن المعتزل أى الماتريدي وارتل اهللا ي جع ون ف نهم مخطئ ببة، ولك الى مس ال اهللا تع ا"أفع ل" ملزم ا يفع ل م . أن يفع

الى وارت ولهم إن اهللا تع اج "أى الماتريدية أيضا أن األشاعرة مصيبون في ق " ال يحتللبشر، ال " حاجات"إلى األسباب، ولكنهم قالوا إن األسباب والمقاصد والمصالح هي

ن . هللا تعالى يح، ولك دأ التحسين والتقب ة مب ل الماتريدي ل "وقب ة ال " العق د الماتريدي عنل يملك السلطة ليحكم ا العق يح، وإنم ا هو قب مستقال عن الشرع على ما هو حسن وم

149.منحها اهللا لإلنسان لكي يدرك الحسن والقبح إذا أعلم به" آلة"

خالفوا الموقف األشعري - أشاعرة من حيث المذهب المعلن " رسميا"إن آثيرا من الفقهاء الذين هم تبنوا موقفا هو أقرب إلى موقف الماتريدية في هذا فيما يخص عدم تعليل أفعال اهللا بأسباب، و

فيما يبدو لي –الخصوص، غير أن هؤالء الفقهاء دفعتهم الظروف السياسية والخوف من االضطهاد " التحسين والتقبيح"أن يبقوا على مسافة بينهم وبين رأي المعتزلة بأن يعلنوا رفضهم لمبدأ -

توفي عام (والشاطبي 150،)م 1234/هـ 631توفي عام (آلمدي ومن أمثلة ذلك موقف ا. المعتزلي/ هـ 748توفي عام (وابن القيم 152،)م 1328/هـ 728توفي عام (وابن تيمية 151،)م 1388/هـ 790

وقد آان هجوم ابن رشد على األشاعرة 154).م 1189/ هـ 584توفي عام (وابن رشد 153،)م 1347 155".أولئك الذين ينفون األسباب ينفون العقل نفسه: "بأن التهافت هو األشد، فقد آتب في نقده لكتاب

أرسخ من أصول الفقه نفسه، إذ عد من العامة ومما يجدر ذآره أن الشاطبي اعتبر مقاصد الشريعة خالفا للرأي –المقاصد من وراء فعل اهللا التشريعي " أصول الدين وآليات الملة"بين ما أسماه

156.لمعروفاألشعري ا

جرى [ 1963الكونغرس الفلسفي في الباآستان، (آمالي . س. أبو حامد الغزالي، تهافت الفالسفة، ترجمة م - 148

. http://www.muslimphilosophy.com؛ متوفر في موقع ])2005يناير / آانون الثاني 18ي اقتباسه ف، )دار إحياء التراث العربي، بدون تاريخ: بيروت(شهاب الدين اآللوسي، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم - 149

.39.، ص15المجلد دار الكتاب : بيروت(تحرير سيد الجميلي، الطبعة األولى علي أبو الحسن اآلمدي، اإلحكام في أصول األحكام، - 150

. 249.، ص3المجلد ) هـ 1404العربي، . 6.، ص2الشاطبي، الموافقات، المجلد - 151 .“نظرية المقاصد"الطيب، - 152 . 3.، ص3ابن القيم، إعالم الموقعين، المجلد - 153 .ابن رشد، تهافت التهافت - 154 .نفس المصدر - 155 . 25.، ص2الشاطبي، الموافقات، المجلد - 156

44

لى الله يسيرما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في آتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك ع

الله لا يحب آل لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاآم و 23 57 سورة الحديد مختال فخور

عضهم ببعض لهدمت الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس ب

ها اسم الله آثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذآر في 40الحج -عزيز

19الشورى –الله لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو القوي العزيز

45

مقاصد العطاء والمنع

العطاء والمنع بقصد اإلفهام يبتليك بالخير أحيانا وبالشر أحيانا أخرى، . عز وجل يعطيك أحيانا، ويمنعك أحيانا أخرى اهللا

ولكن األمر . بالسراء أحيانا وبالضراء أحيانا أخرى، بالنعمة أحيانا وبالحرمان منها أحيانا أخرى !على حقيقته قد يختلف عن ما أظن أنا أنه خير أو شر أو نعمة أو نقمة

المرحلة من الرحلة إلى اهللا، هناك ضرورة لحسن الفهم عن اهللا سبحانه وتعالى في عطائه في هذه

فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه {: نقرأ قوله تعالى. ومنعه، ألن األمور قد ال تكون آما تبدو ظواهرها): آلا. (}آلا. ا إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهاننوأم. فأآرمه ونعمه فيقول ربي أآرمن

. أي أن اهللا عز وجل يقول إن هذا ليس هو الفهم الصحيح التساع الرزق أو ضيق الرزق

هية فهذا ال إن قدر اهللا عليك الرزق، فهذا ال يعني أنه يهينك، وإن نعمك وأغدق عليك بعض الرفا: والسؤال اآلن هو. يعني أنه يكرمك، وال يعني بلوغ المكانة الرفيعة، بل العكس قد يكون صحيحا

آيف نحكم في هذا األمر؟

إن : (يقول). الفهم(على معني هام في هذه الحكمة، وهو معني الشيخ اإلمام ابن عطاء رحمه اهللاينبه فإن منعك أو أخذ منك اهللا عز وجل ). اد المنع عين العطاءفتح اهللا تعالى لك باب الفهم في المنع ع

شيئا من المال، أو الوظيفة، أو الصحة، أو األهل، أي أخذ منك شيئا هاما وغاليا، ولكنه في نفس إن حدث ذلك فما -والقرب من اهللا الوقت قد فتح لك بابا للفهم، أي بابا للعبرة والتفكر والنضوج

!ل هو عطاء وهدية، وعندها تتحول المحنة إلى منحةحدث ليس منعا، ب

وبالفهم عن اهللا عز وجل، تعرف أن ما يحدث من بالء هو عين العطاء، ألنك قبل الفهم آنت تنظر ذهب (، أو )قد خسرت عشرة آالف: (إلى المادة، وإلى الحواس الخمس، وإلى األرقام، فتقول مثال

. ، إلى آخره)نياآذا من أهلي أو صحتي أو من متاع الد

ولكن ذلك هو الحساب المادي، واهللا عز وجل قد يأخذ منك العشرة آالف ولكنه يعطيك فهما، ويعطيك رضى، ويعطيك عمال صالحا، ويعطيك همة عالية لتغيير حالك، وقد يعطيك صديقا وفيا

يه سبحانه وتعالى فتكون يقف معك، وقد يعطيك استكانة له سبحانه وتعالى ودعاء وقربا وتوآال علبل وقد يعطيك بدال منها مائة ألف مثال في . خسارة هذه العشرة آالف هي عين العطاء وعين المنحة . وقت الحق نتيجة مراجعتك لنفسك وتحسينك لمسلكك

البد إذن من أن نحسن الفهم عن اهللا سبحانه وتعالى، والبد أن تعتدل الموازين حتى نفهم ما هو المنع

ما ونتصور أن شيئا. ما منع، ويكون هو عين العطاء ألنه أحيانا نتصور أن شيئا. ما هو العطاءو .عطاء، ويكون هو عين المنع

والمثال بالعكس صحيح، فقد يعطي اهللا سبحانه وتعالى إنسانا عشرة آالف ابتالء له، فال يشكر اهللا

. فه في الحرام، وتكون العاقبة سيئة، والعياذ باهللاعليه بالقول وال بالعمل، ويغتر بالمال، ولعله يصرفاهللا عز وجل . ، والعياذ باهللا}وأملي لهم إن آيدي متين{: ولعل اهللا عز وجل يملي لهذا اإلنسان

46

والبد للعبد . }حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون{أحيانا ما يفتح األبواب عقوبة، . ن هذاالعاقل أن يخاف م

. إذن، إذا حدث لك انفتاح في الرزق، أو انفتاح في شيء تطلبه، البد أن تفهم عن اهللا سبحانه وتعالى

وثانيا، أن تحاول أن تفهم الحكمة . أوال، أن تشكر اهللا سبحانه وتعالى حتى تقيد النعمة إليك، آما مر .والمعنى وراء هذا العطاء، وأن تحذر من ما فيه من فتنة

ربما : (يقول رحمه اهللا. هنا مثاال آخر في نفس المعنىالشيخ اإلمام ابن عطاء رحمه اهللا رب ويض

).فتح لك باب الطاعة وما فتح لك باب القبول، وربما قضى عليك الذنب فكان سببا في الوصول

، أو هنا يعطيك اهللا تعالى الطاعة أو العبادة أو العمل الصالح، صليت القيام، أو حفظت القرآنفأحيانا تتخيل أن ! لكن احذر. تصدقت، أو صمت، أو حججت، وهذا فتح من اهللا سبحانه وتعالى

العبادة نفسها في حد ذاتها عطاء وما هى بعطاء، لماذا؟

الذين ينفقون أموالهم في سبيل اهللا {: فمثال، قال تعالي. مثلا، قد يبطل العبد ثوابه بنفسه بعد أداء العملفالمن واألذى يبطل الصدقة ويسد باب القبول . }ن ما أنفقوا منا وال أذى لهم أجرهمثم ال يتبعو

.واألجر

إن المنافقين يخادعون {: وقد يكون هناك طاعة ولكن سوء أداء العبد لهذه الطاعة نتج عن رياء مثال، }قاموا آسالى يرآؤون الناس وال يذآرون الله إال قليال الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصالة

وإذن تؤدي هذه الطاعة إلى عقوبة، والعياذ باهللا، ألن المقصود من الطاعة هو اإلخالص فيها يا فإن حدثت الطاعة ولم يحدث اإلخالص أو لم يتم االنتفاع بها روح. واالنتفاع بها خلقيا وروحيا

من لم يدع قول الزور والعمل به فال حاجة هللا في أن : (ولذلك، ففي الحديث أنه. وخلقيا، فال قيمة لها .، أي أن صيامه غير مقبول ومردود عليه، والعياذ باهللا)يدع طعامه وشرابه

دقة في مثال آخر في باب الطاعة والمعصية مما يتطلب الشيخ اإلمام ابن عطاء رحمه اهللا ثم يعطينا

، )وربما قضى عليك الذنب فكان سببا في الوصول: (الشيخ اإلمام ابن عطاء رحمه اهللا يقول . الفهمرب معصية أورثت ذال وانكسارا فأدخلت : (وفي هذا المعنى يقول ابن قيم الجوزية رحمه اهللا

).صاحبها الجنة، ورب طاعة أورثت صاحبها عجبا وآبرا فأدخلته النار

ة في حد ذاتها ال تدخل أحدا الجنة طبعا، ولكنها قد حدثت بالفعل وحدثت التوبة، ويذآر والمعصيوهذا المعنى من معاني العطاء . العاصي ذنبه باستمرار وال ينساه، بل يجتهد ويجد حتى يدخل الجنة

بحانه أحيانا تكون معصية، ولكنها معصية تاب العبد منها وتورث الذل واالنكسار هللا س. والمنع .وتعالى، فتصبح منحة وتصبح عطاء

حتى ينكسر القلب ويتوب، هذا فهم خاطئ منحرف : وهذا ال يعني أن أذهب وآتي المعاصي ثم أقول

ولكنني أتحدث عما سبق وحدث من المعاصي في الماضي، أن تورث هذه . انزلق إليه بعض الجهال: أفضل من طاعة تورث العزة واالستكبار ولعل ذلك. المعاصي الذل واالنكسار هللا سبحانه وتعالى

فإن آانت ثمة . ، آما قال صلى اهللا عليه وسلم)ال يدخل الجنة من آان في قلبه مثقال ذرة من آبر(

47

فالبد إذن أن ننظر إلى مدى القرب والبعد من اهللا . طاعة، ولكنها أورثت فاعلها الكبر، فعدمها أفضل .عز وجل، وأن يكون هذا هو المعيار

عجبا ألمر المؤمن إن أمره آله له خير، إن أصابته سراء : (ال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلموق

وهذا الحديث يدل على أنك أنت الذي ). شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا لهو خير، إن استقبلت السراء بالشكر فه! تصنع الخير أو الشر لنفسك في الحقيقة، واألمر بيدك أنت

وإن استقبلت الضراء بالصبر فهو خير، وإن استقبلت السراء بالكبر والمعصية فهو شر، وإن . عطاء أم منع، حسب رد فعلك أنت: استقبلت الضراء بالضجر والكفر فهو شر، فأنت الذي تحدد

فهذه فأحسن الفهم عن اهللا عز وجل في عطائه ومنعه،). ربما أعطاك فمنعك، وربما منعك فأعطاك(

أن : ضرورة للسالكين إلى اهللا سبحانه وتعالى وللمتخلقين مع اهللا تبارك وتعالى بأخالق اإلحسانتدرك أن العطاء والمنع في يدك وفي قلبك، والعطاء والمنع يكون حسب رد فعلك، فاهللا تعالى دائما

واألمر . آل األحوال يعطيك، ودائما ما يعرضك إلى ما هو خير، وهو دائما ما يحسن االختيار لنا فيبيدك الخير {. أن يجعل أمرنا آله خير: وهذا في حد ذاته من نعمه ولطفه وجميل آرمه معنا! إلينا

.}إنك على آل شئ قدير

المنع بقصد تقريب العبد من اهللا

الشيخ اإلمام ابن عطاء وهذا مثال آخر خاص بالفهم عن اهللا تعالى في عطائه ومنعه، يعلمنا إياه ، )متى أوحشك من خلقه فأعلم أنه يريد أن يفتح لك باب األنس به: (يقول. ورضى عنه اهللا رحمه

فأحيانا يأتي البالء في صورة أن يستوحش اإلنسان أي ينعزل وينفرد، مثال بأن يأخذ اهللا عز وجل مكان الرفيق، آالصاحب أو الزوج أو األخ أو الصديق، أو أن يسافر العبد لظرف ما ويبقى وحده في

.بعيد أو بلد غريب، أو تجد نفسك فجأة وحدك في سجن أو مستشفى، ال قدر اهللا

أن هذا قد يكون من العطاء في صورة المنع، وهذا أيضا الشيخ اإلمام ابن عطاء رحمه اهللا يبين ). سإذا أراد اهللا بعبد خيرا أوحشه من النا: (مصداق حديث النبي صلى اهللا عليه وسلم الذي يقول فيه

فيفتح اهللا لك في هذه الوحدة باب الذآر أو باب التفكر أو باب األنس به، وهذا األنس لم يكن ليأتي وأنت تختلط بالناس ليل نهار، فيفتح لك سبحانه وتعالى هذا الباب بأن يحبسك في مكان ما، ولعلك

.تظن أن هذا من المنع وإنما هو من العطاء، أوسع عطاء

: ر فترات من حياته آان فيها في السجن أو في منفى، يذآرها بالخير ويقولومن أساتذتي من يذآفكان السجن والوحشة في الحقيقة سببا ). لوال ذلك السجن لما ألفت آتبي وال وصلت إلى أفكاري(

.لألنس باهللا والنفع للخلق

، أي قد يبتليك )عطيكومتى سألت فأعلم أنه يريد أن ي: (الشيخ اإلمام ابن عطاء رحمه اهللا ثم يقول اهللا عز وجل بالء ال ترى له حال إال أن تسأل وتدعو، فلعلك مقصر ال تسأل وال تدعو آثيرا قبل هذا

فأحيانا يجد اإلنسان . البالء، ولعلك تتوهم أنك ال تحتاج إلى الدعاء، أو تدعو ولكن ال تكون مضطراله وال آاشف له إال اهللا، وأخيرا يدعو ويسأل نفسه مضطرا، ويجد اإلنسان نفسه في ضيق ال مالذ

. }أمن يجيب المضطر إذا دعاه{. اهللا عز وجل

48

الدعاء مخ (ولعل هذا السؤال يستمر أياما أو أسابيع، ويكون هذا من العطاء وليس من المنع، ألن تظل في عبادة ، ف)الدعاء هو العبادة: (، آما قال الحبيب صلى اهللا عليه وسلم، وفي رواية)العبادة

. صادقة وصلة دائمة بالمولى عز وجل، ويكون هذا هو عين العطاء وليس من المنع في شئ

، )إن فتح لك باب السؤال فأعلم أنه يريد أن يعطيك: (الشيخ اإلمام ابن عطاء رحمه اهللا ولكن، يقول في الدنيا أو في فاهللا عز وجل يثيب على السؤال في حد ذاته، ويعطي آذلك ويجيب السؤال آذلك

اآلخرة، أو في الدنيا واآلخرة معا، أو في شيء آخر أفضل في الدنيا أو في اآلخرة؛ فاهللا عز وجل حين يفتح لنا باب الدعاء فإنه سبحانه وتعالى يريد أن يعطينا، ألن العبد الكريم إذا سئل البد أن

! يعطي، فما بالك باهللا

المنع بقصد توبة العبد

أو ال يرون أنهم {. ما يضيق اهللا عز وجل عليك الرزق، ويريد منك أن تتوب، ليس إالوأحيانا ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا {، }يفتنون في آل عام مرة أو مرتين ثم ال يتوبون والهم يذآرون

فاهللا عز وجل أحيانا يأخذك ببعض البالء وبعض الضرر حتى تتوب إليه،. }لربهم وما يتضرعونوتستكين، وتدعوه وأنت تحس باالضطرار، وهذا أيضا من صور المنع الذي هو في حقيقته عطاء،

.فالبالء والفتنة اللذان ينتهيان إلى التوبة والرجوع إلى اهللا تعالى هما نعمة حقيقية

ييس والمنع والعطاء ال يقاسان بمقاييس البشر، فلن تكون المقاييس الصحيحة هي مقاييس األرقام ومقافأحيانا يبتليك اهللا ابتالء فتتحسن العالقة معه . اللذات المادية، وإنما المقياس الحقيقي هو عالقتك باهللا

سبحانه وتعالى، وهذا هو عين العطاء، وأحيانا ال تأتي منح من اهللا تعالى إال عن هذا الطريق، ألنني الى يأخذ من مليارات النعم التي أعطاني مثال قصرت في حق الشكر أو حق العبادة، فاهللا تبارك وتع

إياها يأخذ مني نعمة أو اثنتين أو ثالثة، وقد أجزع، ولكنني أعود إليه سبحانه وتعالى، وهذه هي !المنحة أي منحة، وعطاء أي عطاء

المنع بقصد فتح باب الدعاء

أمن يجيب {: زيزومن مقاصد المنع فتح باب الدعاء، واهللا عز وجل يسأل الكفار في آتابه الع

، فاهللا عز وجل يشهد الكفار }المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء األرض؟ أإله مع اهللا؟فإذا آان دعاء المضطر الكافر يستجاب ! على أنهم حين يضطرون في دعائه له سبحانه فإنه يجيبهم

بالقدرة اإللهية، فما بالك من اهللا سبحانه وتعالى نظرا لما فيه من الصدق والحرارة والتسليم بالمضطر المؤمن؟

في هذه الشيخ اإلمام ابن عطاء رحمه اهللا االضطرار إذن يسرع باستجابة اهللا للدعاء، ولذلك فإن

أنت مضطر وترفع يديك هللا عز ). ما طلب لك شيء مثل االضطرار: (الحكمة التي نتدارسها يقول . قطاع األسباب أحيانا، آما مروجل، وتحس بالحاجة الشديدة، ويؤيد ذلك ان

وهذا ينطبق أيضا على المسائل العبادية، فأنا مضطر إلي مغفرة اهللا عز وجل ورحمته، وأحس بهذا

إذن حتى في أبواب العبادات . االضطرار حين أسأله أن يفتح علي من مغفرته ورحمته وفضله

49

ر المسلم باالضطرار والفقر والتعلق وأبواب المناجاة، ليس هناك شئ أسرع بالطلب مثل أن يشع .بمحض الرحمة اإللهية

ونرى هذا الحال في دعاء المصطفى صلى اهللا عليه وسلم في مواضع آثيرة، ونذآر منها مثال غزوة بدر، حين رفع يديه صلى اهللا عليه وسلم حتى سقط الرداء عن آتفيه وحتى رؤي بياض إبطيه، أي

، ورفع )لن تعبد بعد اليوم –يعني المجموعة–اللهم إن تهلك هذه العصابة : (أنه رفع يديه عاليا، قائال .هذا دعاء المضطر، هذا الذي يسرع إليك باالجابة! يديه صلى اهللا عليه وسلم ودعا دعاء طويال

وال أسرع إليك : (قال. أحواال أخرى مفيدة في الدعاء الشيخ اإلمام ابن عطاء رحمه اهللا ثم يشرح

قال بعض العلماء . ، أي أن تتذل إلي اهللا عز وجل، وتحس بالفقر له)هب مثل الذلة واالفتقاربالمواهذه تنطبق أيضا على من يحس بالفقر ويطلب من : ، قالوا}إنما الصدقات للفقراء{: في قوله تعالى

عليك له اهللا تعالى العون، وهو تأويل بعيد، ولكن المعنى صحيح ألنه إذا آان اإلنسان الفقير يحقالصدقة؛ فما بالك إذا أظهرت هللا عز وجل فقرك وهو سبحانه وتعالى الكريم، بل األآرم، فإذا أظهرت له الفقر وأظهرت الذلة وأظهرت الخشوع فإن اهللا عز وجل يكرمك ويعطيك ما تسأل أو

.أفضل مما تسأل

المواهب، دنيوية أو دينية، ، ألن اهللا عز وجل هو الذي يمنحنا )وال أسرع بالمواهب إليك: (وقولهإنما يقصد المواهب الدينية باألساس، آالحال القلبي الشيخ اإلمام ابن عطاء رحمه اهللا لكن

. والطاعات والقربات

وصحيح أن للدعاء شروط وفقه، وهي أن تتوجه إلى القبلة، وأال تدعو بإثم وال قطيعة رحم، حمد هللا والصالة على النبي صلى اهللا عليه وسلم، ويستحب أن ترفع يديك عند الدعاء، وتبدأ بال

وأفضل منه أن تتوسط وتختم بالصالة على النبي آذلك، هذا من فقه الدعاء؛ ولكن الحال أبعد من ).المستحبات(الفقه، فهو يتعلق بالحال القلبي الذي هو أساس للدعاء وليس فقط من

ن أن ندخل في متاهات من سموا بالباطنية، هذا دو(ففي أحكام اإلسالم هناك ظاهر وهناك باطن

فالظاهر هنا هو ). والذين أساءوا استغالل المعاني الباطنية لتعطيل وتبديل الظواهر والفقه والشرعهذا التوجه إلي القبلة والصالة على النبي صلى اهللا عليه وسلم ورفع اليدين، إلى آخر آدب الدعاء

.اهللا عليه وسلمالتى تعلمناها من دعاء النبي صلى

وأما الباطن فهو أن تشعر بالدعاء وتشعر بالفقر والحاجة والذل واالضطرار إلى اهللا تعالى ، وهذا .آما يظهر أيضا في دعاء النبي صلى اهللا عليه وسلم في أحوال مختلفة

يخلع والنبي صلى اهللا عليه وسلم آان له دعاء حين يستيقظ، وحين ينام، وحين يضع ثيابه، وحين

ثيابه، وحين ينظر إلي المرآة، وحين يغتسل، وحين يجتمع مع أهله، وحين يرى الهالل، وحين يصبح، وحين يمسي، وحين يخرج، وحين يدخل، وآان له دعاء في آل حال، فيعلمنا أن نرتبط دائما

. باهللا عز وجل بالدعاء

قبل محمد وال بعد محمد صلى اهللا عليه ال تجد أحدا -إن صح التعبير–ولكنك إذا تتبعت تاريخ الدعاء ال تجد في الزبور وال التوراة وال اإلنجيل مثل هذه . وسلم قد دعا ربه بمثل هذا، وال األنبياء قبله

50

األدعية الكثيرة المتنوعة التي تظهر حجم وعمق هذه العالقة بين هذا العبد المصطفى المجتبى صلى لى، يدعوه في آل شيء، في أصغر شيء وفي أآبر شيء، اهللا عليه وسلم وبين ربه سبحانه وتعا

.وبمنتهى الخشوع والتفويض واإلدراك لقدرة المدعو سبحانه

فعن عائشة رضي اهللا . ويظهر أيضا من السنة أنه قد صاحب هذا الدعاء اضطرار وشجون قلبيةفلم . صلى فأسمع بكاءهآان النبي صلى اهللا عليه وسلم يبيت فيناديه بالل فيغتسل، ثم يخرج في: عنها

يكن هذا الدعاء النبوي الكريم مجرد آالم ظاهر ال يتعلق به حال باطن، وإنما آان االثنين معا في .أعلى وأسمى الصور

ومن إجابة الدعاء ما يكون في اآلجل ويكون أفضل من العاجل، وفي حديث النبي صلى اهللا عليه

حتى يتمنى : (هللا لم يستجاب، يقول صلى اهللا عليه وسلم وسلم أن العبد يثاب يوم القيامة على دعاءأن تتمنى يوم القيامة أن اهللا عز وجل لم يستجب لك أبدا حين : ، يعني)العبد أن لم يستجب له دعاء قط

ترى أن الذي لم يجبه لك في الدنيا قد أخره لك يوم القيامة في صورة درجات هي أفضل من الدنيا .وما فيها

وهل عودك إال حسن . ستجيب لك في الدنيا، فإنه سبحانه وتعالى يحسن لك االختياروحين ال ي

فإن . ، أي أنه عز وجل دائما ما يحسن لنا}بيدك الخير{: االختيار؟ وهو الذي يقول عن نفسه سبحانهوألنه أذن لك . دعوت بشيء ولم يستجب لك فاعلم أنه يختار لك الخير، وال يختار لك الشر أبدا

. هناالشيخ دعاء، فاعلم أنه يريد أن يعطيك، آما يقول بال

ربك {فلنترك االختيار له سبحانه وتعالى، فـ . وهذا العطاء يكون إما في هذه الدنيا أو في اآلخرة .، ودائما ما يختار أفضل مما نختار، في العاجل واآلجل}يخلق ما يشاء ويختار

ي الدعاء له سبحانه، وأن يرزقنا االضطرار في الدعاء نسأل اهللا عز وجل أن يرزقنا حسن األدب ف

له سبحانه، حتى نسلك في هذا الدعاء طريق الذلة واالفتقار بين يديه سبحانه، وأن يثيبنا على دعائنا .في الدنيا وفي اآلخرة، إنه سميع مجيب الدعاء

العطاء والمنع بقصد فتح باب الخوف والرجاء

إللهي الخوف والرجاء البشري، فقد يلتمس السالك إلى اهللا قلبه أحيانا فال ومن مقاصد العطاء والمنع ا

الشيخ و. ويحاول أن يستشعر شيئا نحو اهللا فتحول بينه وبين ذلك غفالت القلب وشهوات النفس! يجدههنا يدلنا على بابين يمكن أن نفتحهما عن طريق العقل، وهو اآللة التي اإلمام ابن عطاء رحمه اهللا

هاذان البابان هما باب الرجاء وباب . كن أن نستعملها في أي وقت بفضل اهللا ورحمته الواسعينيم .الخوف

آيف يمكن أن ينفتح لي باب : هنا هو الشيخ اإلمام ابن عطاء رحمه اهللا والسؤال الذي يجيب عنه

لخوف وأنا ال الرجاء وأن ال أستشعر هذا الرجاء في قلبي حقيقة؟ وآيف يمكن أن ينفتح لي باب اأجر إحصاء وجردا للنعم التي من اهللا عليك بها، : استشعر هذا الخوف في قلبي حقيقة؟ والجواب

.وإحصاء وجردا آخر للطاعات والقربات التي تقدمها إلى حضرته سبحانه

51

، ولكنك آلما }وإن تعدوا نعمة اهللا ال تحصوها{: فأما النعم فال يمكن أن تحصيها على أية حالتذآرت نعمة من نعم اهللا تعالى عليك، أدرآت وشعرت آم هو آريم، وآم هو حليم، وآم هو رحيم،

وإذا استغرقتني هذه المعاني، فسينفتح لي باب الرجاء في عطاء هذا اإلله الكريم . وآم هو جواد .المعطي الحليم الجواد الرحيم

أدنى درجات الشكر الذي يليق ثم إنني إذا تذآرت ما أقوم به، وتقصيري، وقصوري عن بلوغ

بكرمه، أو الذآر الذي يليق بجالله، أو التعبد الذي يليق بمقامه سبحانه، وإذا استغرقتني هذه المعاني، .فسينفتح لي باب الخوف في قلبي

-آما قال ابن القيم في إحدى تشبيهاته الجميلة- والعبد ينبغي أن يراوح بين هذا وذاك، فيصبح

. له جناحان، جناح رجاء وجناح خوف، وآأنه يطير بهذين الجناحين آالطائر الذي

والتوازن بين األضداد أيضا من السنن اإللهية الثابتة، وهنا البد أن يحدث توازن بين الرجاء ! والخوف حتى يطير الطائر، ألنه ال يستطيع أن يطير بجناح واحد

وهذا). األمن(إلى فمن االنحرافات في هذا الباب أن يتعدى الرجاء

، وهذا قد ورد في شأن }وقالوا لن تمسنا النار إال أياما معدودة {. يعني أن يأمن اإلنسان من العقاببعض األمم من قبلنا وقد آانوا يظنون أنهم شعب اهللا المختار أبدا، بغض النظر عن عملهم، آما يظن

فال يأمن {: داموا مسلمين فمهما فعلوا فال يهم وال يضر، وقد قال تعالى بعض المسلمين اليوم أنهم ما، فال ينبغي للرجاء أن يصبح أمنا أو توهم وجود ضمان مع اهللا }مكر الله إال القوم الخاسرون

.سبحانه وتعالى، ليس هناك ضمان إال في الجنة

ن يتعدى الخوف حتى يكون قنوطا من رحمة اهللا سبحانه ومن االنحرافات في هذا الباب آذلك أقل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله {: رغم قوله تعالى! وتعالى

. }إنه ال ييأس من روح الله إال القوم الكافرون{ :، وقال}يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم

والمطلوب هنا هو أن يكون هناك توازن بين الرجاء والخوف، فنتوب إلى اهللا سبحانه وتعالى ونرجوه من فضله ومنه وآرمه أن يعفو عنا، وفي نفس الوقت نخاف من اهللا عز وجل أال يتقبل منا،

لكن ال ينبغي للذنوب أن تصدنا عن . حنا ذلك العفو بسبب التقصير وبسبب ارتكاب الذنوبوأال يمنالرجاء في رحمة اهللا سبحانه وتعالى، آما ال ينبغي للرجاء أن يصدنا عن الخوف من اهللا سبحانه

.وتعالى

العطاء والمنع بقصد تعليم العبد الشكر

، فمن سنن اهللا سبحانه وتعالى التي يجري بها الرزق، ومن مقاصد العطاء والمنع تعليم العبد الشكرقال عز . آل أنواع الرزق، أن شكر اهللا على النعمة يزيد النعمة نفسها أو يستبدلها بما هو أفضل منها

. ، وهو قانون عام وسنة ماضية}لئن شكرتم ألزيدنكم {: من قائل

52

واهللا عز وجل يقول في محكم ! ا فضال عن أن نشكرها آلهاوإننا لن نستطيع أن نعد النعم آلها عدولكن ينبغي على المسلم على أي حال أن يجتهد في أن . }وإن تعدوا نعمت الله ال تحصوها{: آتابه

.يشكر اهللا سبحانه وتعالى على ما ينعم عليه من نعم

، والكفر هنا هو آفر النعمة، وهو ليس الكفر الذي }ي لشديدولئن آفرتم إن عذاب{: ثم يقول تعالىالشيخ وهذا عيب آخر يتحدث عنه . يعني عدم اإليمان، بل الكفر هنا هو أن يقصر العبد في الشكر

.في هذه الحكمة البليغة اإلمام ابن عطاء رحمه اهللا

قد تعرض لزوالها، ومن شكرها فقد من لم يشكر النعم ف: (الشيخ اإلمام ابن عطاء رحمه اهللا يقول ، فالذي يشكر النعم يقيدها إليه حتما ألن وعد اهللا بالمكافأة على الشكر وعد صادق، )قيدها بعقالها

. وهو آأنه ضمان يأتي مع النعمة، ولكن الضمان هذا يتطلب منك عمال تؤديه، وهو أن تشكر النعمة

: قال تعالى. كن الشكر يكون أيضا عن طريق العمل، ول)الحمد هللا: (والشكر ال يكون فقط بقولماذا فعلت بهذه النعمة؟ هل وضعتها : والشكر بالعمل يقتضي األسئلة التالية. }اعملوا آل داود شكرا{

في حالل؟ هل ساهمت بها أو بجزء منها في معروف أو غرض صالح؟ أم وضعتها في حرام .ة، والعياذ باهللا، العمل نفسه هو آفر بالنعمةواستخدمتها في حرام أو منكر؟ وفي هذه الحال

من لم يشكر النعم فقد تعرض لزوالها . (إذن، إن لم تشكر النعم بالقول والعمل فقد تعرضها للزوال

).ومن شكرها قيدها بعقالها

من لم يقبل على اهللا بمالطفات اإلحسان قيد: (رحمه اهللا الشيخ اإلمام ابن عطاء رحمه اهللا ثم يقول ، ذلك أنك إن لم تشكر النعم وتقبل على اهللا تعالى حتى تصل إلى درجة )إليه بسالسل االمتحان

.اإلحسان، يمتحنك اهللا سبحانه وتعالى حتى يمنحك فرصة أخيرة لكي تصل إلى هذه الدرجة

ولقد أخذناهم {: قال تعالى. إذن، يمتحنك اهللا لكي يرقيك ويزآيك، ولكي تتضرع فيتوب عليك، فحين يمتحنك اهللا بشيء فاألولى بك أن تستكين وأن }عذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعونبال

أو ال يرون أنهم يفتنون في آل عام مرة أو مرتين ثم ال {: ويقول عن المنافقين. تتضرع وتدعو . }يتوبون وال هم يذآرون

ن تعود إليه، وأن تبدأ في عد النعم وحين يمتحنك فهو ال يريد أن يعذبك أو يتعبك، وإنما يريد منك أ

.التي أنعمها عليك، وتبدأ في شكر حقيقي باللسان وبالعمل

واهللا سبحانه وتعالى حين يبتليك بفقدان بعض النعم إنما يبتليك بمس من العذاب فكل منا لديه ماليين، أن أعدها، وحين يبتليني أنا عندي مليارات من النعم ال أستطيع حتى . ال بل مليارات ال تعد من النعم

اهللا بفقد نعمة، أو اثنتين، أو حتى خمسة، أحس وآأنني في أزمة شديدة، ولكن الحقيقة هى أن عندي . ماليين ومليارات من النعم اآلخرى التي يغدقها علي آل لحظة

حصى من ففي آل خلية نعمة، وفي آل ثانية نعمة، وفي آل نفس نعمة، وفي آل نظرة نعمة، وما ال ي

أضف إلى ذلك أنه حين يبتليك بفقدان نعمة أو . فاهللا هو المستحق للشكر سبحانه مهما حدث. النعميقيدك إليه، أي يردك إليه ردا جميال، فيأخذ –الشيخ اإلمام ابن عطاء رحمه اهللا بتعبير –اثنين فهو

53

ا تبت إلى اهللا وتذآرت وعدت منك نعمة بسيطة حتى تعود إليه وتتوب إليه، وحتى تتذآر وتتفكر، فإذ، والحظ هنا أنه }إن مع العسر يسرا. فإن مع العسر يسرا{. فإن اهللا سبحانه ال يبتليك إلى األبد

، وهذا وعد صادق }سيجعل اهللا بعد عسر يسرا{: آررها اهللا سبحانه وتعالى، وفي اآلية األخرىباليسر مع العسر، ويأتي باليسر بعد العسر فأحيانا تتعسر األمور، ولكن يأتي اهللا سبحانه وتعالى

.آذلك

فعندما تحدث مشكلة أو مصيبة يأتي مع المشكلة اليسر، أي في وسط األزمة تجد اليسر، بل نفس فإن آان هذا اليسر هو مزيد من القرب من اهللا تعالى فهذه نعمة، فربما ! لحظة العسر يأتي اليسر معه

ان فتتقرب منه، ويصير هذا االمتحان ال شيء في مقابل المكسب يعطيك اهللا سبحانه وتعالى االمتح؟ فأعود إلى اهللا سبحانه وتعالى !آم عندي من النعم: الذي حققته بقربك من اهللا، وبسؤال نفسك

وأتوب، واستصغر في جنب رحمته وفضله ونعمه وآالئه هذه النعمة التي فقدتها، وهذا الكدر الذي صابها الحقيقي، وفي هذه الحالة يرفعك اهللا سبحانه بهذا االبتالء ثم أصابني، وأضع األشياء في ن

.يرفع البالء عنك

ولكن هذا لن يحدث دائما . وإن أردنا أن نتجنب هذا آله، فلنقبل على اهللا عز وجل باإلحسان والشكرل آثيرا ما أبدا، ألننا بشر ضعفاء ال نستطيع أن نشكر اهللا وتعالى على آل شيء، فأحيانا نقصر، ب

ولذلك، فاهللا عز وجل يجبر آسرنا ويقوي ضعفنا ويصلح من شأننا ). آل ابن آدم خطاء! (نقصر .باالبتالء الذي دائما ما يأتي معه اليسر، وبعده