حنو أفق جديد

د. الشفيع خضر سعيد

المثقف والتغيير

اإللكرتونية منشورات صحيفة

1

المثقف والتغيير، موضوع قديم، لكن بإستمرار تتجدد المناقشات حولو، وتتعدد زوايا ومداخل ولعل مرد ذلك ىو الجدل المحتدم حول تعريف المفيومين، . تناولو، مثمما تتجدد اإلستنتاجات بشأنو

فقد تعددت تعريفات . المثقف والتغيير، واإللتباس الذي دائما ما يصاحب محاوالت تأطير العبلقة بينيماالمثقف بدرجة الفتة، مثيرة غبارا كثيفا من إصطدام المعاني، وبنفس المستوى، نال مفيوم التغيير حظو

ولعل ىذا التعدد في . من النقاش بدءا من التعريف ومرورا بكيفيتو والمحصمة المتوقعة، أو المرجوة، منوحتدام الجدل حوليا، يعود، في جانب منو، إلى إختبلف الرؤى والمواقف، وتنوع المناىج التعريفات، وا

المعرفية، وأننا عندما نعرف شيئا ما فإننا نعطيو مبلمحو ودالالتو كما نفيميا، أو كما نراىا، وأحيانا كما ...نتمناىا

اذن نحن أمام عنوان يتكون من مفيوميين ظبل يثيران جدال محتدما، ومنتجا في ذات الوقت، وأعتقد أن تعريف المفيومين وتبيان دالالتيما، سيقدمان مممحا رئيسا حول ..! مثمما ىي العبلقة بينيما .. فمن ىو المثقف؟ وما ىو التغيير؟ وكيف ىي العبلقة بينيما؟ .كيف ىي العبلقة بينيما

من هو المثقف؟

يقاببلن عمى التوالي المفظين (ثقافة)و (مثقف)أن المفظين العربيين عمى صعيد المغة، نجد (intellectual) و(culture) ويحاجج بعض . األوربيةاتذوي األصل البلتيني، المستخدمين في المغ

، اإلنجميزية( intellectual)انتمجنسيا كممة مثقف ال تعكس المقابل المغوى لكممة المتحدثين العرب بأن ، أي الفكر، بينما تحمل كممة (intellect)مشتقة من كممة ، بإعتبارىا مثقفالمفكر وليس التعنى والتي

(culture) ،ىي تستخدم حقيقة لمداللة عمى الشروط التي يوفرىا المزارع لنمو ومعنى الرعاية والعنايةوتستخدم مجازا لمداللة عمى الشروط التي يوفرىا المجتمع لمنمو ، (cultivation)أي حراثة األرض زرعو،

، وال أرى جدارا عازال بين مفيومي المفكر والمثقف، إذ يذكرا ال أرى فرقيولكن (1).النفسي والعقمي ألفرادهغير المثقف، أو المثقف غير المفكر، كما أعتقد بصعوبة الفصل بين الثقافة من الصعب تخيل المفكر

(2).والفكر

.زاجغ اؼبج اما١س اؼسث١خ اإلج١ص٠خ- 1

وثقف الشئ أى اجاده واتقنه واصبح حاذقا فه، وهى جمعها من صفات ". ثقف"ف المعاجم العربة، كلمة مثقف مأخوذة عن - 2

والثقافة، لغة، تدل على الحذق، وسرعة الفهم، والفطنة، والذكاء، وسرعة التعلم، وتسوة . العقل حث هو المسئول عن التنمة الذهنة

ف مجمع اللغة العربة . المعوج من األشاء، والظفر بالشء كل ما فه استنارة للذهن، وتهذب للذوق، وتنمة : "بأنه (الثقاف)وعر

".لملكة النقد والحكم لدى الفرد والمجتمع

2

وأحيانا يتسع اإللتباس ليشمل تعريفي الحضارة والثقافة، حيث نجد من من يطابق بينيما، أو من ومع اإلقرار بوجود درجة ما من التداخل بين المفيومين، إال أن الفرق بينيما . يفصل بينيما فصبل تعسفيا

فالحضارة تشتمل عمى الثقافة باعتبارىا جزءا من النيوض العام لممجتمع، وىي منظومة . واضح وبينمتكاممة ال تقبل التجزئة، في حين الثقافة يمكن ان تتحدد وتتشكل بحسب القوة المؤثرة عمى المنطقة

المفكر المصري الراحل محمود أمين العالم، يتعامل مع مصطمح . المحددة أو حتى المجموعة المحددةلكنو يرى . الحضارة دون تمييز جوىري بينو وبين مصطمح الثقافة بمفيوميا األنثربولوجي، كما يقول ىو

أن الحضارة ىي ثقافة تطورت تطورا ذاتيا مما دفعيا ويدفعيا إلى تجاوز حدودىا "فرقا بينيما يكمن في لى التوسع واإلمتداد، فارضة نفسيا عمى مجتمعات وأقاليم وتشكيبلت المجتمعية المحمية الخاصة، وا

جتماعية وثقافية أخرى، في عصر ما أو مرحمة إنيا نقمة من الخاص إلى . تاريخية معينة إقتصادية وا أي أن الحضارة ىي خصوصية ثقافية معممة وسائدة خارج حدود . العام ميما كانت حدود ىذه النقمة

(3) ."نشأتيا المحمية

وىو يرى أن كل البشر . تتسع كممة مثقف عند غرامشي، لتشمل كل من يفكر، أى جميع الناسمثقفون بمعنى من المعاني، بدرجة من الدرجات، ولكنيم ال يممكون الوظيفة االجتماعية لممثقفين، والتي ال يمكن أن يقوم بيا اال المثقف المنخرط فى قضايا اليومى واالستراتيجى، وىي وظيفة ال يمتمكيا اال

ومن ىنا جاء تقسيم غرامشي لممثقفين . اصحاب الكفاءات الفكرية العالية الذين يمكنيم التأثير في الناساألول يعيش عمى مسافة من الناس، في حين أن الثاني يحمل : إلى المثقف التقميدي والمثقف العضوي

ويشدد . ىموم كل الجماىير وكل الفقراء والمحرومين والكادحين، ويعيش ىموم عصره ويرتبط بقضايا أمتوغرامشي عمى أن أي مثقف ال يتحسس آالم شعبو، ال يستحق وصفو بالمثقف حتى وان كان يحمل أرقى

أعتقد أن أكثر األخطاء شيوعا، ىي البحث عن : "وفي دفاتر سجنو، كتب غرامشي. الشيادات الجامعيةمعيار التمييز في الطبيعة الجوىرية ألنشطة المثقفين، بدال من البحث عنو في مجمل نسق العبلقات

وبالنسبة لغرامشي فإن المثقفين العضويين يمكنيم أن يشكموا ىيمنة بديمة ". الذي تجري فيو ىذه األنشطةوالمثقفون، بحسب . عن الييمنة الرأسمالية، بل ويمعبون دورا حاسما في إحداث التغيير اإلجتماعي

غرامشي، قادرون عمى صنع المعجزات اذا ما التزموا بقضية الشعب األساسية التزاما عضويا وحيويا،

. 59، ص 2007، وساسبد آفبق إشزساو١خ، امبسح، "اؼخ رحد٠بد اسزمج"حد أ١ اؼب، - 3

3

، فيي تعرف أن نفوذىم كبير وقوي، ولذلك تحاول دائما أن تشترييم بأي ..البورجوازية تخشاىم"لذلك فإن (4)".شكل وبأي ثمن

جان بول سارتر يتحدث عن المثقف بوصفو ضمير شقى، وشخص قمق يقرأ ما وراء االحداث، فمثقف . شخص يعمن عن تمرده بوضوح، ويبشر بزمن قادم. ويرفض أن يعيش حياة عادية تحتفى بالسائد

المثقف، ىو االنسان الذي يدرك أن سارتريقررو. سارتر يسبق زمنو، وىو منخرط فى التغيير منذ البداية ذلك التعارض بين البحث عن الحقيقة العممية وبين االيديولوجيا ، في داخمو وفي المجتمع،بوعي

في ما يتعين عمييم أن يختاروه من خيارات سياسية ضد يوجو الناس ،مثقف كوني، وىو المسيطرة المثقفين إال أن،ومع عدم امتبلكيم شيئا من القوة االقتصادية أو االجتماعية. جبروت السمطة الحاكمة

وتحكم في في كل شيئ، وتبدي رأييا ،يعتبرون أنفسيم نخبة، وىي نخبة مدعوة الى أن تحاكم كل شيء .(5)كل األمور

ذا شددنا الرحال لزيارة المفكر الفرنسي ميشال فوكو، فسيحدثنا بأن زمن مثقف سارتر الكوني وا الذي كان يعطي الدروس لمناس في ما يتعين عمييم أن يختاروه من خيارات سياسية ضد جبروت السمطة

وأتى زمن مثقف من طراز جديد، أكثر تواضعا من المثقف الكوني، وأكثر . الحاكمة، قد ولى وانقضىإنو المثقف الخصوصي الذي بدال من أن يتحدث محل الناس، يتحدث انطبلقا . فاعمية منو في اآلن نفسو

ال "يقول فوكو . من محمو، خبيرا وتقني معرفة، متخصصا في ىذا القطاع أو ذاك من قطاعات الحياةبأي حق يفعل ذلك؟ ولنتذكر كل التنبؤات . يتمثل دور المثقف في أن يحدد لآلخرين ما يجب فعمو

ال . والوعود واألوامر والبرامج التي استطاع المثقفون صياغتيا خبلل القرنين األخيرين والتي رأينا نتائجيايتمثل عمل المثقف في تشكيل اإلرادة السياسية لآلخرين؛ بل في إعادة مساءلة البديييات والمسممات عن طريق التحميبلت التي يقوم بيا في المجاالت الخاصة بو، وفي زعزعة العادات وطرق العمل والتفكير،

وإدوارد . 2006إدوارد سعد، المثقف والسلطة، ترجمة محمد عنان، دار رؤة للنشر، القاهرة، - 1: لمزد من التفصل أنظر- 4

، 1، دار روتلدج، ط"أنطونو غرامش"ستفن جونز، - www.wafainfo.ps 2سعد، صور المثقف، ترجمة غسان غصن،

www.sayyaraljamil.comسار الجمل، .، باللغة اإلنجلزة، من موقع د2006

صطف ددش، . ، رسجخ د"دفبػب ػ اثمف١"ص٠د ازفص١، ٠ى اسجع إ ػدد وزبثبد سبزرس، أثسشب ؤف - 5

.1973داز ا٢داة، ث١سد

4

وفي تبديد المألوف المسمم بو، وفي استعادة حدود القواعد والمؤسسات، وفي المشاركة انطبلقا من إعادة 6."المشكمة ىذه، حيث يقوم بعممو الخاص كمثقف، في تكوين إرادة سياسية، حيث يمعب دوره كمواطن

أستاذ الفمسفة األمريكي، جاري جوتينج، نشر في ممحق لجريدة النيويورك تايمز، بتاريخ، ديسمبر شخص كرس نفسو لما يسمى حياة "، يقول فيو أن المثقف ىو "المثقفون والسياسة"، مقاال بعنوان 2011

نما بقصد المعرفة والفيم،العقل، أي التفكير " ليس بوصفو أداة أو وسيمة لتحقيق أغراض عممية، وا

كيف تعمل الطبيعة والمجتمع، ماذا حصل : المثقفون يخبروننا عن أشياء نحتاج الى معرفتيا: "ويضيف.؟ أنيم يجرون حوارا مع العقول العظيمة في ...في ماضينا، كيف نحمل المفاىيم، كيف نقدر الفن واالدب

ىذا الحوار ليس بالضرورة عمى مستوى المأمول ولكن يقدم نقاطا نقدية لتقييم أفتراضاتنا . الماضيليس بحاجة إلى أن يكون مثقفا، ولكن يجب أن يكون لديو "أما السياسي، ففي نظر جوتينج ىو ." الحالية

7"حياة فكرية

، يتحدث جوليان بندا عن المثقفيين بإعتبارىم في مرتبة (1927)" خيانة المثقفيين"فى كتابو تفوق مرتبة البشر العاديين، ويشدد عمى دورىم فى فضح وتعرية الفساد ومناصرة الضعفاء، ويسحب

ومنذ صدور ذلك الكتاب، صار مصطمح خيانة . صفة مثقف عن كل من يتردد فى المجاىرة بالحقالمثقفين يرمز لئلشارة إلى تخمي المثقفين عن استقامتيم الفكرية، والذين تستيوييم مغريات السمطة

8.فتقودىم لبلنحياز لمصالحيم السياسية والنفعية عمى حساب دورىم ومسؤولياتيم األخبلقية

بأخرى، مباشرة أو غير أما محمد عابد الجابري، فيرى أن المثقف شخص يفكر بصورة أوالخ، أي ليس ىناك ...مباشرة، إنطبلقا من تفكير مثقف سابق يسير عمى منوالو، يكرره يعارضو يتجاوزه

. مثقف يفكر من الصفر

يرفض ويصادم ويحتك ويتفاعل ويتطور، وال في ذاك الذي مثقف ال عن 9ث إدوارد سعيدبحويالمثقف عند إدوارد و. صوت نفسو، ويعبر عن تصوراتو قبل كل شئيكونيستجيب لحالة السكون، و

ىي بذل الجيد لتيشيم اآلراء المقولبة والمقوالت هإن إحدى ميام ليس مجرد بيروقراطى كفء، بل سعيد

2004 ،مجموعة من الكتاب، ترجمة محمد مالد، دار الحوار، الالذفة، سورا ،"مسارات فلسفة "-6

7 -http://opinionator.blogs.nytimes.com...-and-politics/ 8 -http://article.wn.com/view/WNAT487b7406e029bcbe454ff6137ad58466/ .. 13 12إدازد سؼ١د، صدز سبثك، ص- 9

5

يضا، بمعاييره المطمقة لمعدل أ وىو .التصغيرية التي تحد كثيرا من الفكر اإلنساني واإلتصال الفكري. معتمد أو فى مذىب فكرى جامديوالحرية، يستحيل حبسو فى اطار حزب

أما األديب السوداني كمال الجزولي، وفي سياق مناقشتو لييمنة فئة اإلنتمجنسيا السودانية عمى المفاصل األساسية لمعمل السياسي واإلجتماعي العام في كل حقولو وساحاتو، وتزعميا المطمق ألحزابو

وكياناتو، وتأثيرىا الشديد عمى خطابو وأدائو، فضبل عن سيطرتيا شبو المطمقة عمى قنوات المعرفة اإلنتمجنسيارف المناقشة تحديدا، يعهواإلتصال المعنية بتشكيل الوعي اإلجتماعي، فإنو، وفي إطار ىذ

الفئة اإلجتماعية التي تمتين أو تختص بالعمل الذىني من مداخمو التعميمية الحديثة، وبنسبية مائزة "بأنيابمعيارية داللية نسبية ال تتقيد " لكن، الجزولي ال ينفي تعاطيو مع المصطمح 10".في مثل ظروف السودان

بمنيج اإلحالة إلى السيرورة التاريخية ليذه الفئة وفق تضاريس الطبوغرافيا الطبقية في المجتمعات نما بالتركيز عمى السمات األولية المشتركة في كل المجتمعات البشرية، من حيث الصناعية في الغرب، وا إشتغال ىذه الفئة بالعمل الذىني، فيتحدد وجودىا اإلجتماعي بخصوصية المكانة التي يحتميا نشاطيا في

نسق التقسيم االجتماعي لمعمل، وبالقدرات العالية، نسبيا، التي يتطمبيا ىذا النشاط، بالقياس إلى نشاط ، بيذا الفيمو... الطبقات والفئات اإلجتماعية األخرى في البمد المعين، وخبلل المرحمة التاريخية المحددة

: مع الكتابات التي تدرج ضمن فئة اإلنتمجنسيا في بمدان العالم الثالثعن إتفاقو يعبر كمال الجزولي، وشيخ الطريقة الصوفية، والشاعر الشعبي، والطبيب البمدي، والنسابة، وخازن الحكمة الشعبية، (الفكي)

11،12..."والمنجم، والعارف بأساليب القضاء وفض المنازعات

مالحظات حول تعريفات المثقف

بنيت جميع ىذه التعريفات عمى الوظيفة، فيى تسعى الى تحديد دور المثقف وتأطيره، مثميا مثلثم ينطمق لتوصيف طريقة بعينيا (function)العموم الطبيعية، حيث يبدأ التعريف بالوظيفة

وكل تعريفات المثقف تقوم بتحديد دوره وترسمو بدقة، ثم بعد ذلك تصبغ عمى . ألداء ىذه الوظيفة. المثقف الصفات المناسبة لمقيام بيذا الدور

107، ص2008، داز دازن، طجؼخ أ، "إزجس١ب جبد اظ، ثبة ف مد اراد اجؼ"وبي اجص، - 10 .196وبي اجص، فس اصدز، ص - 11 .13،14،22، ص 1، ط2001ازى٠ ف اسدا، سوص ادزاسبد اسدا١خ، امبسح، -ح١دز إثسا١ ػ، اثمف.د- 12

6

فى . معظم التعريفات ال تفصل بين المثقف والمناضل، فيى تعتبر أن المثقف مناضل بطبيعتون كان بالضرورة / اعتقادى أن أى مناضل، نقابي سياسى، ليس بالضرورة أن يبتدئ مثقفا، وا

أو النقابي، لكن المناضل السياسي. 13جاري جوتينج يجب أن يكون لديو حياة فكرية، كما الحظ ىو مناضل محتملوأيضا، أى مثقف . يحمل امكانية ان يتحول لمثقفىو مثقف محتمل، أي

تيا، والتحتقر والمؤسسة الناجحة ىي التي تثقف قياد. يحمل امكانية ان يتحول لمناضل سياسىالتنظير أو الثقافة، وفي نفس الوقت ال تمغي فردانية وخصوصية المثقف، وتمرده عمى الساكن

ىذا ال يعني. وعمى عاتق المؤسسة تقع مسؤولية تحويل سباحة المثقف إلى فعل ممموس. والسائدوفي الغالب، فإن دور المثقف . التعسف فى رسم دور بعينو لممثقف فى لحظات التغيير السياسي

.يسبق لحظة التغيير، وىو الذى يميد ليذه المحظة، بطرقو المباشر عمى القضايا الساخنة ترسم معايير دقيقة لمحرية ، يحتذييا المثقف،إىتمت كل التعريفات بربط إسيام المثقف بقيم عميا

.والعدالة والخير تحدثت التعريفات عن حرية المثقف الفردية، وعن أن ما يقوم بو ىو تعبير عن حالتو الخاصة

فى تفاعميا مع العام، ولم تضع حدودا أو سقفا لحرية المثقف في ما يطرحو من مواضيع .وقضايا

ومع إعتراف جميع التعريفات بفردانية المثقف، إال أنيا تحدد مجال عممو في الجماعات وليسفالمثقف يعمل عمى قراءة تفاعل المجتمع مع القضايا المختمفة وال يكتفي . الحاالت الفردية

.بتفاعمو الشخصى مع االحداث منذ عصر التنوير، وحتى ما قبل إنفجار الثورة الصناعية التكنولوجية الحديثة، نجد أن تعريفات

المثقف تتحدث عن الشخص الذى أخذ عمى نفسو مبلحقة اليومى والمستقبمى، والذي يقرأ االحداث فى آنيتيا ليستشرف المستقبل وفق مرجعيتو الفكرية، والتى بالتأكيد ليا مردودىا عمى

أما تعريفات ما بعد إندالع ىذه الثورة، فتتحدث عن المثقف الذى يجيد . دوائر تأثيره المباشرةوفى . استخدام أدوات العصر، ويستوعب مستجداتو ليكون قادرا عمى صياغة مقوالت صادقة

فقد تصدى . اإلسبلمي، كان المثقف دائما موجودا، حتى قبل ظيور المصطمح/عالمنا العربيليذه الميمة رجال الدين، وعمماء الكبلم، ثم الفبلسفة، وغيرىم، منذ فترة ما بعد دولة الخبلفة

.االولى

. صدز سبثك- 13

7

أعتقد أن الجدل الواسع حول ىل المثقفيين طبقة ام افراد ام فئة أو شريحة اجتماعية، وحولفالمثقفون يأتون من كل . ، ىو جدل وىمى ال طائل منو..الحاق قطاعات بعينيا الى قائمتيم

الطبقات، ومن كل الخمفيات والمستويات التعميمية، فميس بالضرورة ان يكون المثقف من حممة والمثقف ال يحتاج من جية ما ان تعترف بو، بل ىذه الجيات ىي التى تسعى . الشيادات العميا

واليوم، . إليو بحكم بقدرتو عمى التحميل واطبلق االوصاف واالحكام والتأثير فى اتجاىات الرأىنجد أن الذين يسيمون فى تشكيل إتجاىات الرأى العام ىم الصحفيون، وكتاب الرأي، ومقدموا

. الخ، مما يثبت صحة تقسيم غرامشى...البرامج، وناشطوا وسائط الميديا الحديثة، ونجوم الغناء ،وفى إطار الكبلم حول تعريفات المثقف، نبلحظ اختفاء المثقف أوالمفكر أو المنظر الموسوعى

وبالمقابل انتشرت مجموعات . وكذلك الفيمسوف، وفق النمط، أو الوصف، القديم الكبلسيكي .كثيرة، ليا القدرة، وليا إعتبارىا فى صناعة االحداث أو التأثير عمييا

فجميعيا .ورغم اإللتباس البين فييا، فإن كل تعريفات المثقف ال تتصادم مع بعضيا البعض يتحدث عن إمتبلك المثقف لدرجة زائدة من التفاعل مع القضايا العامة، وجميعيا يتفق عمى قدرة

لكن، من الواضح أن تعريف غرامشي أحدث نقمة نوعية . المثقف في التأثير عمى دوائر متعددةتمنع حصر المثقفين في خانة القادمين من جية أو فئة بعينيا كالجامعات أو الفئات العميا من المتعممين، بل تفتح األبواب إلكتشاف من يمتمكون الحكمة والمقدرة عمى التأثير والتحميل واتخاذ

القرار المناسب، في األوساط المختمفة، سواء رجال الدين المستنيرين، أو شيوخ القبائل، أو العمد، صحيح إن بعض ىوالء يستمد قدرتو عمى التأثير الثقافي من موقعو . أو االطباء، أوالمعممين

السياسي، ولكن في االصل ىو إستمد سمطتو السياسية من سمطتو الروحية أو الثقافية، أي من . قدرتو عمى التأثير في وعي وأفكار اآلخرين

ما هو التغيير؟التغيير لغة، كما تخبرنا المعاجم العربية، ىو تحويل الشئ وتبديمو بغيره، أو جعمو عمى غير ما

وبشكل عام، تتحقق عممية التغيير بظيور الجديد، سواء كان منتج تكنولوجى أو إختراع أو قانون . كانوالتغيير ال يحدث بضربة واحدة فى كل المستويات، في . أو مشروع اقتصادى أو نظام سياسي إجتماعي

الطبيعة أو في المجتمع، وىو ال يحدث ميكانيكيا، وليس بالضرورة أن يسير في خط مستقيم، كما أن جتماعيا وثقافيا، تحتفظ بعبلقة تداخل وتشابك فيما بينيا . مستوياتو المختمفة، سياسيا وا

8

والقوى المنجزة ليذا . وغاية التغيير الثوري ىي تحقيق الحرية والديمقراطية والتنمية الشاممةوىوالء ال ينحصرون في . التغيير ىي قوى الوعي المناضل والمبدع، وىي القوى التي يبنييا المثقفون

نما اإلنسان المدرك لمشرط اإلجتماعي لمتغيير والتجديد، المثقف المتخصص وممتين الثقافة فحسب، وا والمدرك لحقائق المنجزات العممية والتكنولوجية والمعرفية، ولعبلقات القوى السياسية المختمفة والمتناقضة في العالم، ولمحتوى التحالفات ومحتوى البدائل والحمول لمقضايا، والذي ال يعتقل حركة التغيير في مجرد

وفي الحقيقة، في عصرنا الراىن أصبحت الثقافة، وبالتالي المثقفون، قوة 14. التعبوية واليتافاتالشعاراتإنتاجية ثورية تعمل مع القوى األخرى إلكتشاف حمول وبدائل لمقضايا والمشاكل المختمفة، عمى مستوى كل قطر أو عمى المستوى اإلنساني عامة، من خبلل تنويع الخيارات وتجديد الخبرات القديمة أو إنبثاق

. إقامة عبلقات حضارية إنسانية متشابكة ومتنوعة، برغم ىذا التنوع وبفضمومن خبلل خبرات جديدة، و 15.ىكذا نيزم مفاىيم نياية التاريخف

ذا أخذنا في االعتبار فشل النخب التي ظمت تحكم شعوب المنطقة، منذ فجر استقبلل ، في ىاوا تحمم بيا ىذه الشعوب في ما انفكتتنفيذ التحوالت السياسية واالقتصادية واالجتماعية والثقافية التي

لى الدور الذي ظمت تمعبو مجموعات المثقفين بمدانيا نتبينا إلى التركيبة الطبقية في ىذه البمدان، وا ، وا الخ، ... وحركة المجموعات اإلثنية والقومية ونشطاء المنظمات المدنية المختمفةوالمينيين والضباط

وبالنظر لما أفرزنو إنتفاضات الشعوب العربية األخيرة، وخاصة تجارب مصر وتونس واليمن، فمن :الواضح أن تحقيق التغيير المنشود يتطمب

أوال، مشاركة واسعة من مختمف طبقات وفئات الشعب وشرائحو السياسية واإلجتماعية والثقافية والدينية الخ، عمي الرغم من وجود فوارق في المصالح، وعمي الرغم من ...وحركة المجموعات اإلثنية والقومية

إن الدروس المستخمصة من واقع المستجدات والمتغيرات . وجود نزاعات قائمة بين ىذه الفئات والشرائحالمعاصرة والمعايشة، بما في ذلك إنييارات التجربة االشتراكية، تقول بأن تطور الثورة االجتماعية نحو تنفيذ تمك التحوالت، ال يرتبط بفكرة أن التغيير يمكن أن ينجز بواسطة حزب واحد أو طبقة واحدة، بل

والمسألة ال تقتصر عمى واقع . يرتبط بالمشاركة الواسعة، بعدم إلغاء اآلخر، بل إحترامو واإلقتناع بدورهفإذا امعنا النظر، عمى الصعيد العالمي، إلى المستجدات والتطورات الجديدة والمعاصرة، . بمداننا فحسب

الموقف ضد الحرب ومن أجل السبلم العالمي، : سنجدىا تطرح قضايا جديدة، واسعة ومتشعبة، من نوع

90حد أ١ اؼب، صدز سبثك، ص- 14 .73، 72فس اصدز، ص - 15

9

الحركة المناىضة لمعولمة الرأسمالية وضد السيطرة المحكمة لئلحتكارات المتعددة الجنسيات، النضال ضد أسمحة الدمار الشامل ومن أجل لجم المجمعات الصناعية العسكرية، إتساع نشاط المنظمات غير

الحكومية وتعاظم دورىا داخل المجتمع الرأسمالي وفي مناطق العالم األخرى، حركة الحفاظ عمى البيئة، الحركة العالمية من أجل حقوق اإلنسان، الحركات والمدارس العديدة المرتبطة بقضايا الشباب

ىذه القضايا، وغيرىا، توحد قوى جماىيرية واسعة وعريضة من مختمف . الخ...وقضاياالمرأة والنوع . الطبقات والشرائح االجتماعية

ثانيا، إقامة النظام الديمقراطي التعددي عمى أساس مضامين ومفاىيم المجتمع المدني الديمقراطي، وما يستتبع ذلك من ترسيخ لمبدأ التداول الديمقراطي الدستوري لمسمطة، واالحترام المتبادل بين األحزاب . والتنظيمات المختمفة، واحترام حقوق اإلنسان وحق الشعب وحريتو في اختيار الطريق الذي يرتضيو

. ثالثا، تجسيد قوى التغيير ىذه في قوام وبرنامج ممموسين، أوسع بكثير مما كان متعارفا عميوولكن أي مشروع فكري ستستند عميو قوى التغيير ىذه؟ فأنت : ال شك أن البعض سيتساءل منزعجا

! تتحدث عن قوى متعددة المدارس والمشارب الفكرية، بل أن أقساما منيا متباعدة المسافات الفكرية؟ولكن من الممكن تبديده إذا نظرنا بتمعن، وبحثنا بعمق، في النقطتين ! أعتقد، أن اإلنزعاج مشروع

: التاليتينقد إنتبيت إلى ذات : البد من األخذ في اإلعتبار أن تمك القوى المتباعدة فكريا، أوال: النقطة األولى

إرتضت التحالف والعمل المشترك في : القضايا السياسية واالجتماعية المطروحة في أجندة التغيير، وثانياالمعالجة المشتركة لذات القضايا، وفي خضم معركة : إطار برنامج إشتركت ىي في صياغتو، وثالثا

نضالية، طويمة نسبيا، ستولد، بفعل تأثير ديناميكية اإلنعكاس الديالكتيكي، عند ىذه القوى أفكارا ومفاىيم جديدة، متقاربة المسافات مقارنة بالمسافة بين المنطمقات الفكرية عند أي منيا قبل الخوض في معركة

. المعالجة المشتركةال أعتقد أن تعدد المدارس والمنطمقات الفكرية لقوى التغيير بالضرورة سيفضي إلى وحدة : النقطة الثانية

ولكن، ما أعتقده جازما، كما بينت التجربة الممموسة في مصر وتونس، أن ذلك لن . فكرية بين ىذه القوىبل، إن البرنامج الواحد الذى يتغذي من . يقف عائقا أمام صياغة وتنفيذ البرامج المشتركة بين ىذه القوى

. مدارس فكرية متعددة ومتنوعة أكثر جدوى من وحدة فكرية ال تتحقق عمى أرض الواقعوفي واقعنا الراىن، يتزايد يوميا عدد المبتعدين عن السياسة بسبب الخوف من األلغام المزروعة

لكن، في . في طرقاتيا، وبسبب المكابدة في الحياة اليومية، وأيضا بسبب اليأس من جراء الفشل المتواتر

10

وقطعا . ذات الوقت، يتزايد عدد الوافدين الجدد إلي السياسة بفكرة البحث عن الثراء وبناء الجاه الفرديىذا يصب في دائرة الفشل العام، والتي ال فكاك منيا إال بالسير في طريق التحالف واإلستقواء المتبادل

ىذا ىو المصل الواقي والمحصن ضد روح اليزيمة واليأس . بين المثقفين والكادحين والميمشينوالبلمباالة، وىو المبتدأ لخوض غمار التجربة الشاقة حتى تندحر مجموعات اإلنتيازيين وسماسرة

السياسة والثقافة، وحتى يتصدى لقضايا الوطن كل من لو عقل وقمب إنساني، مؤمن بأن ما يربط بين البشر ويمنع العنف ىو القدرة عمى التواصل والتفاعل بالخطاب الواضح الشفاف الذي يخاطب وجدان

حترام، وليس خطاب المغالطات والفجاجة الذي يحرك الغرائز ويحي الفتنة ومن ىنا . اآلخر بكل تقدير وا . أىمية وضرورة الثقافة في المين التي تمعب دورا في التعبئة والتأثير عمى إتجاىات الرأي العام

بل . فالصحفي، مثبل، ىو ليس مجرد آلة تصنع المواضيع وتفرخ الخبطات الصحفية، وتسيد حديث اإلثارةىو إنسان منفعل ومتورط إلى حد بعيد في كل ما يدور حولو، ليستخمص كل ما يمكن أن يضمنو رسالتو

وىو في كل . النبيمة تجاه المجتمع من إشارات إيجابية، وىو قبل كل شيئ مواطن لو وجية نظره الخاصة . ذلك يحتاج إلى درجة من الثقافة والتثقيف

وكثير من المثقفين يكتفي بممارسة حرية التعبير، بما في ذلك حرية إنتقاد المسؤولين في السمطة، ولكن، حرية. بالطبع، ىذا صحيح. ويعتبر ذلك في حد ذاتو نقمة كبيرة وقفزة ىائمة في إتجاه التغيير

التعبير ستصبح رافعا حقيقيا في عممية التغيير، عندما يتطور ىذا النقد، وما يثيره من قضايا، ويتحرك فمثبل، ماذا يعني أن يتم التشكيك عمنا في كفاءة وأىمية عدد من . فعبل ممموسا مجسدا عمى أرض الواقع

ذوي المناصب الدستورية، بينما تقف الجيات العدلية والقانونية ال تحرك ساكنا؟ وماذا يعني أن تتحول فالقول الذي . وضع كيذا، يجعل سقف األحبلم يتضاءل. تقارير فساد المسؤولين إلى مجرد كبلم والسبلم؟

ال ينتج عنو فعل، ربما يبرئ الذمة، لكنو ال يحقق الغرض المنشود، ويؤدي إلى شعور الفرد المحدد، ناشطا سياسيا كان أو صحفيا، باإلمتبلء الكاذب، أي أن مجرد حديثو في الموضوع المعين، يشعره بأنو

ىذه الحالة دفعت بقطاع واسع من المثقفين إلى الخمف ليسجموا غيابا ممحوظا في . قد أدى واجبو كامبلمعارك القضايا الكبيرة التي من المفترض، تاريخيا، أن يتصدى ليا المثقفون، بل ويحتمون مقدمة

. الصفوفالتغيير الثقافى

11

اإلجتماع درسمير ، نقتطف تعريف عالم16لمباحث المغربي محمد مستوري (Blog)من مدونة (Dircclir) التغيير الثقافي ىو تحول أو انقطاع عن اإلجراءات المجربة : "لمتغير الثقافي، والذي يقول فيو

والمختبرة والمنقولة من ثقافة الماضي مع إدخال إجراءات جديدة، وىو يمس االعتقاد واألذواق الخاصة بالمأكل والمشرب والممبس والتقاليد والفن واألخبلق والتكنولوجيا، باإلضافة إلى التغيرات التي تحدث في

أن التغير الثقافي "،17ويبلحظ الباحث حمدي عبد الحميد احمد مصطفى ".بنيان المجتمع ووظائفويتضمن مجموعة من المفاىيم منيا التثاقف، والتفكك، وىو يتسارع كمما تعرض المجتمع ألزمة ما،

عادة التفسير عادة اإلحياء، وا ... واالنحراف، والتطور، والتغير التدريجي، واإلبداع، والتكامل، والنقل، وا والتغيير الثقافى معني باحداث تغيير عمى مستوى االفكار والوعى، لكنو ال يتحقق بالسرعة التى تعتمد

في تصوري، إن و". عممية بطيئة تتحقق بطريقة االحبلل والتجديدإذ أنوعمى نظام االضافة والممحقات، مؤىلالمثقف المنفتح عمى روح عصره والقادر عمى مراجعة مسمماتو ومنطمقاتو األولية، وانتقادىا، ىو ال

وىى عممية يمكن ان تتم بشكل مباشر، . و بما أطمق عميو عممية التعجيل الثقافىأ ،دعم التغييرلمقيام بأى عن طريق السمطة السياسية مثمما حاول ماوتسى تونج فى الصين، أو بطريقة غير مباشرة عبر

وعممية التعجيل الثقافي . إصبلح نظام التعميم والتأىيل المجتمعي كما نفذىا مياتير محمد في ماليزياتيدف إلى المحاق بالتغيير في المستويات االخرى، والذى عادة ما يحدث بسرعة اكبر، في سياق عممية

ما المثقف الذى يختار أن يطمب ميمة حتى يقرأ ويراجع الكتب لتحديد ما ىو صحيح وما ىو أ. التنمية . ضع نفسو خارج التاريخىو لن يفعل سوى وخطأ، ف

ونحن، نتفق مع القائمين بصعوبة الحكم عمى المجتمعات التى تعجز عن خمق ثقافاتيا، بأنيا ، وكبلىما يشد ي مناقشة الوضع السياسي تستدعيمجتمعات متخمفة ثقافيا، ألن مناقشة التخمف الثقاف

إال ي يخضع لمتغيير السياسي، وال يمكن فصمو عن التغيير االجتماعيفالتغيير الثقاف. لى بعضإبعضو العالمي يوالميدان الثقاف. يرسم خطا رفيعا بينيماي، بغرض الدراسة، الذي األكاديمناولمن ناحية الت

فثقافة الدول الضعيفة، أو الميزومة، تأتى فى مرتبة دنيا، لذلك . يتعرض ايضا لتذبذب عبلقات القوىفيو، بعد فوران ثورات . ليس مستغربا ان يكون العالم العربى قابعا فى ركن قصي فى المسرح العالمى

التبعية بسبب و،التحرر الوطنى، أصيب بحالة تخبط ثقافى بسبب أزمة الحكم والصراعات االيدولوجيةولكن . فشل المشروع النيضويبسبب وي، اإلرث الماضوقابعة داخل جدراناالقتصادية ونظم التعميم ال

http://medmastoury.blogspot.comمحمد مستوري، - 16

حمدي عبد الحمد احمد مصطفى- 17، http://hamdisocio.blogspot.com

12

الربيع العربى، ربما التي ال تزال تعيش مراحميا األولى في ما بات يعرف بإنتفاضات الشعوب العربية، فيل يتصدى المثقف العربى . تعيد األمل لشعوب المنطقة لتستعيد مفاتيح بناء الثقافة الوطنية والقومية

! ليذه الميمة، أم يبقى حبيس المسممات الفكرية والنقاشات المعمقة فى اليواء؟نماذج لمنعطفات تاريخية فى تحديد دور المثقف في التغيير

: نموذج أولفي رسالتو الشييرة إلى الرئيس الفرنسي " إني أتيم"فى نياية القرن التاسع عشر، صرخة إميل زوال الداوية

، أول بيان ثقافي في تاريخ الفكر الغربي الحديث، إحتجاجا عمى "بيان المثقفيين"فميكس فور، وصدور ، وتشكل حركة جديدة مكونة من الفنانيين والكتاب "ألفرد دريفوس"ذبح العدالة في محاكمة الضابط الفرنسي

واالكاديميين، خمقت تأثيرا قويا عمى الرأى العام ووسائل االعبلم والدولة في فرنسا، مدشنة مرحمة جديدة في تأسيس سمطة المثقفيين، والتى بمغت شاؤا كبيرا فيما تمى ذلك من عيود، رغم ما تخمل ذلك من

. إنتكاسات خطيرة: نموذج ثان

شرعن مفكروا التنوير والنيضة العرب األوائل، في القرن التاسع عشر، عممية اإلقتباس من الغرب، عمى قاعدة التفاعل البناء وليس التقميد األعمى، معتبرين أن تغيير الذىنيات والعقميات وأنماط السموك ىو

المدخل إلى تممك أسس الحداثة والنيضة، فنجحوا في إطبلق الشرارات األولى لثورة ثقافية حقيقية، عن طريق سعييم إلى اإلصبلح الديني، والترويج لمحرية والدولة الدستورية، ودعوتيم إلى تحديث المغة . العربية، ونضاليم من أجل تحرير المرأة، ومن أجل إصبلح التعميم والتربية، داخل األسرة والمدرسة

: نموذج ثالثففي ىذا العام تم اغتيال مارتن لوثر كنغ، وروبيرت . منعطفا ىاما في تاريخ العالم1968يمثل العام

كندي، وقمعت موسكو تمرد تشيكوسموفاكيا فيما عرف بربيع براغ، وذاع صيت حركات تحرر المرأة في لكن، الحدث األىم، من . الغرب، ورسخت حركة التحرر الوطني المفمسطينية أقداميا عمى مسرح التاريخ

حيث العبلقة بموضوع مناقشتنا، ىو إندالع الثورة الطبلبية في فرنسا، في شير مايو، والتي ىزت نظام ىذه الثورة، لعبت دورا كبيرا في إحداث تغييرات نفسية وثقافية وسياسية . الجنرال ديغول، وكاد أن يسقط

نزل إلى شوارع الثورة كبار المثقفين والفنانين واألدباء، سارتر . وفمسفية عميقة في حياة المجتمع الفرنسييف مونتان، والعشرات غيرىم وكان سارتر يوزع منشورات الطبلب ضد . وميشيل فوكو وجيل ديموز وا

النظام، مما تسبب في إعتقالو الذي أثار ضجة كبيرة، حنى أن الرئيس ديغول تدخل إلطبلف سراحو

13

ومعروف أن ستينات وسبعينات القرن الماضي إرتبطت ". أتركوه حرا! من يستطيع أن يعتقل فولتير"قائبل بظيور حركات الييبيز، التي إبتدأت في الواليات المتحدة األمريكية، كظاىرة احتجاج وتمرد عمى قيم

الخ، وكذاك رفض ...المجتمع الرأسمالي من أبوية سياسية، ومظاىر المادية، والنفعية وثقافة االستيبلكولعل ىذه الحركات كانت المقدمات األولى . الحرب والدعوة لعالم تسوده الحرية والمساواة والحب والسبلم

لظيور الجماعات المناىضة لمتسمح النووي، وجماعات حماية البيئة، وجماعات دعم لمعالم الثالث، . وحركات مناىضة العولمة، والحركات المناىضة لمحرب

: نموذج رابعبمبادرة منو، أسس برتراند راسل، مع جان بول سارتر وسيمون دو بوفوار وآخرين، محكمة الضمير

، وكانت ميمتيا مقاضاة الواليات المتحدة "، والتي عرفت أيضا بمحكمة برتراند راسل1969عام " العالميليندون جونسون ومساعديو األمريكي األميركية عمى جرائميا ضد الشعب الفيتنامي، وقدمت الرئيس

كانت المحكمة بمثابة سمطة رمزية لممثقف فى التصدى لشطط .كمجرمي حرب، وأصدرت حكما باإلدانة .وعسف السمطات الرسمية

:نموذج خامسرفض صنع اهلل ابراىيم، الروائي المصرى الشيير، إستبلم جائزة من الحكومة المصرية، في عيد مبارك،

عن حكومة تقمع الشعب ، ألنيا، بحسب خطابو الذي ألقاه في إحتفال تسميم الجائزة، صادرة2003عام وتحمي الفساد وتسمح لمسفير اإلسرائيمي بالبقاء في مصر، في حين أن إسرائيل تقتل وتغتصب فى

برفضو إستبلم الجائزة، سمط صنع اهلل إبراىيم الضوء عمى معيار ىام لمحكم عمى . الشعب الفمسطينىوفرضت طريقة صنع اهلل . مشارك فييا؟/مصادم لؤلنظمة الديكتاتورية، أم متورط/ىل ىو مقاطع: المثقف

.تاكتيك المقاطعة لمفت النظر تجاه ما تفعمو الديكتاتوريات في المنطقة العربية :نموذج سادس

، .....يعتبر السودان بمد التنوع والتعدد األول في إفريقيا، التنوع والتعدد اإلثني والديني والتقافي والمغويصبلح محمد حسن في تقديمو لمسيرة الذاتية . وألسباب سياسية وآيديولوجية، كما كتب د. والحضاري

األولى، : تمحورت ىذه التعددية في مجموعتين ثقافتين"لمفنان التشكيمي السوداني إبراىيم الصمحي، عرقية محمية، /إسبلمية العقيدة وعربية اليوى والثقافة، مختمطة بما سبق تسرب اإلسبلم من عناصر ثقافية

أما المجموعة الثانية، فتتكون من مجموعة من عناصر الثقافات . وتنتشر في شمال ووسط السوداناألفريقية، وىي في الغالب مسيحية أو أرواحية المعتقد، وتنتشر في جنوب السودان وبعض ىوامش

14

وفي ستينات القرن الماضي، إحتدم في األوساط الفكرية والثقافية السودانية حراك عميق 18".الشمال، بحثا عن كيفية تحويل ىذا 1964وثري، إزداد إتساعا وعمقا بعد ثورة الحادي والعشرين من أكتوبر

قومية، تسيم، عبر اإلجابة عن سؤال /المخزون اليائل من التنوع والتعدد الثقافي إلى ثقافة سودانية وطنيةفي التغيير والتحرك نحو إرساء دعائم الدولة واليوية السودانية، في تخمق وتشكل وعي وطني جديد،

ذاك الحراك العميق عبر عن نفسو في مجاالت الفكر . 1956الوطنية السودانية، المستقمة حديثا، في ، "الجماعة الكريستالية"، و"مدرسة الغابة والصحراء"، و"مدرسة الخرطوم"واألدب والفن التشكيمي، فتأسست

طبلئع "، وأنتظمت في صفوف طبلب المدارس الثانوية مجموعات "، ومدرسة الواحد"مجموعة أباداماك"و، والمتان أسيمتا في نشر الوعي الثقافي والفكر الديمقراطي وسط الطبلب "طبلئع اليدىد"، و"النخيل

ىذا، باإلضافة إلى الكتابات والمسجاالت الثرة المنشورة في صحف ومجبلت الخرطوم . والمناطق الريفية، إلى مقال لممفكر والمعمم 19صبلح محمد حسن، في ذات المصدر السابق.ويشير د. في تمك الفترة

، في مجمة 1989 يوليو 15 أحمد الطيب زين العابدين، نشر بتاريخ أستاذيوالفنان التشكيمي السودانيبإعتباره المصب لتطور المنظور الفكري " السودانوية"، يتحدث فيو عن مفيوم 15الثقافة السودانية، العدد ىي عممية تخمق ثقافي طويمة "زين العابدين، أستاذ والسودانوية في تعريف . لتمك الحركات والمدارس

ستمرارية الثقافة عمى أمتداد وادي النيل وىي في نياية . المدى، تعتمد في جوىرىا عمى مبادئ اليجنة وا التحميل، بمثابة تتويج نيائي لعممية تداخل طبقات مختمفة من عناصر الواقع الديني واإلثني

". اإلقتصادي والفني، والتي إستمرت منذ آالف السنين في السودان/واإلجتماعي :نموذج سابع

رغم ان الكاتب الكولومبى الشيير غابلاير غارسيا ماركيز ظل يرفض، بإصرار، أن يتحول لمنبر لمدعاية مريكا البلتينية أفي تسميط الضوء عمى (1982)السياسية، اال انو استفاد من مناسبة فوزه بجائزة نوبل

في يوم من األيام، قال أستاذي ويميام فولكنر): ، عندما قال"عزلة امريكا البلتينية"فى خطابو المعنون أشعر بأنني لست أىبل ألقف في ىذا المكان الذي كان لو إذا . «لن أقبل بنياية اإلنسان»: من ىذا المنبر

ثنين وثبلثين إلم أكن أدرك تمام اإلدراك، وألول مرة منذ عيد طويل، أن الكارثة الميولة التي لم يقبميا منذ أمام ىذا الواقع المروع، الذي كان يبدو كالخيال . سنة ال تعدو أن تكون اليوم سوى إمكانية عممية بسيطة

لسنين عديدة، نشعر، نحن واضعي الخرافات الذين نصدق كل شيء، ولنا الحق في ذلك، أن الوقت ليس

.22، ص2012، زد داي اثمبف، "لجضخ رساة، س١سح ذار١خ"إثسا١ اصح، - 18 إثسا١ اصح، صدز سبثك- 19

15

خيال جديد وجامح، حيث ال سمطان ألحد عمى أحد بتحديد حتى . متأخرا لنشرع في خمق خيال مضادطريقة موتو، وحيث يسود الحب الحقيقي وتسود السعادة، و حيث تكون لؤلجيال المحكوم عمييا بمائة عام

وباإلضافة إلى سباحتو في عوالم اإلبداع واألدب 20.(.من العزلة فرصة أخرى ولؤلبد فوق كوكب األرضفى كتابتو يكشف عن الظمم والصحافة، ساىم ماركيز في عالم السياسة، بشكل غير مباشر، حيث ظل

كما جمعتو عبلقة صدلقة قوية مع زعيم الثورة الكوبية فيدل كاسترو، والقمع الذى يعيشو الكولومبيون،وكان يتواصل مع الرئيس الفمسطيني الراحل ياسر عرفات، كما إستغل شيرتو ومكانتو األدبية لمتوسط من

ورغم ميول . أجل إحبلل وقف إطبلق نار وبدء مفاوضات سبلم بين الثوار اليساريين والحكومة الكولومبية .ماركيز اليسارية الواضحة، إال أنو لم يكن يوما عضوا في أي حزب أو تنظيم سياسي

قراءتنا ليذه المنعطفات، وغيرىا كثر، تقول أن المثقف اذا لم يتفاعل مع القضايا اليومية . واالستراتيجية يفقد الصفة نفسيا، أو بحسب تعبير غرامشى، اذا لم يقم بالوظيفة فيو ال يستحق الصفة

ثم أن . واألىم ان المثقف ال ينال التفويض االجتماعى اال بعد ان يتصدى لمقضايا التى يواجييا المجتمعالمثقف ال يحتاج الى أن يكون في موقع السمطة الفعمية، موقع إتخاذ القرار، لممارسة دوره، بل ىو أى . يمارس دوره بشكل أفضل، وبالتحديد، من موقعو كمراقب لمسمطة من عمى البعد، وبأعين الجماىيرأن : "الموقع الذى يسمح لو باالنتقاد الصارم دون مساومة، وىذا يتطابق مع وصف كارل ماركس لممثقفيكون شجاعا ومستعدا بالذىاب بالمذىب العقبلنى الى أبعد مدى، وأن يقوم بنقد صارم لكل ما ىو

موجود، صرامة تحول دون تراجع النقد، ال أمام النتائج التى يقود الييا نفسو، وال أمام الصراع مع السمطة .21"أيا كانت

المثقف والسلطة ، خاصة فى العالم حولوندلف اآلن لمناقشة موضوع عبلقة المثقف بالسمطة، حيث يحتدم الجدل

ىل المثقف ىو أداة من أدوات السيطرة السياسية، أم أن التمرد : ، وتطرح األسئمة من نوعالعربىىل تتحدد عبلقة المثقف بالنظام السياسى المعين وفق . والمعارضة ىما بيئتو الطبيعية ومجالو الحيوي؟

ذا كانت السمطة متوافقة مع رؤى المثقف، ومتصالحة مع . ، أم ىناك خيار ثالث؟"مع أو ضد"معادلة وا فضاءات الديمقراطية وتطمعات الشعب، ىل يمكن لممثقف أن يخدم رسالتو وىو في مواقعيا، أي مواقع

وفي ظل الديكتاتوريات، ىل يقوم المثقف بمقاطعة أجيزة . السمطة، أم األفيد أن يحتفظ بإستقبلليتو عنيا؟

20 -http://www.maghress.com/alittihad/132317 24،25حد ػبثد اجبثس، صدز سبثك، ص- 21

16

وىل . التواصل اإلعبلمي والثقافي مع الجميور، أم يتعامل معيا، في حدود الممكن، لتوصيل رسالتو؟ دودح"ىذه سمات وظيفتة، أي وظيفة المثقف، أم أن " حدود الممكن"المثقف محصن ضد أن تسمبو

ىل 22.؟"المزور"، المثقف "المثقف المطبل لمسمطان"ىذه ىي المنزلق ليدخل المثقف في عالم " الممكننوافق عمى أن كل ىذه األسئمة، وغيرىا، ال داع ليا ونكتفي بإقرار أن المثقف حر في تحديد موقفو

وأخيرا، ىل . وموقعو مادام ىو يمتزم ويتقيد بمعيار اإلنحياز لصالح االنسان والعدالة االجتماعية؟ ..توافقونني بأن كل سؤال من ىذه األسئمة يحمل اإلجابة في طياتو؟؟

وتعقيداتو، ولم يمن الواضح أن سؤال المثقف والسمطة أغوانا، ألننا مشغولون بالصراع السياسنمتفت ألىمية الوجو اآلخر لمسؤال، وىو إستقبللية المثقف، رغم أن سؤال االستقبللية ىذا، قديم وأثاره دى

وأثاره إبن رشد، بشكل . ليبرا عندما طرح ضرورة تحرر الفبلسفة من مينة اإلستاذية بين جدران الجامعاتغير مباشر، عندما طرح الفصل بين الدين والفمسفة، تمك األطروحة التى بنى عمييا كانط كثيرا من

، ألن ىذه القضايا تتعمق ي السياسيبالطبع ليس ىناك مثقف محايد فى قضايا الصراع االجتماع. أفكارهولكن، ألن التغيير . ، والتى عمى ضوئيا تتخذ المواقف...بمعايير الحرية والعدالة والكرامة االنسانية

عممية ليست ليا نقطة نياية محددة، فسيظل دور المثقف ىو أن يبقي عينيو مفتوحة عمى مجريات وىذا يستدعى أىمية أن يكون المثقف مستقبل عن أى . االمور، مرسبل النظرة الثاقبة، ومنشطا الفكر الناقد

صبلح اإلعوجاج، ليس يمؤسسة أو حكومة، أو أ جية تسمبو حاسة النقد، ليحتفظ بقدرتو عمى النقد وا وبالطبع، ستصبح ىذه اإلستقبللية ببل معنى . لمحكومات فقط بل لمجتمع كامل بعاداتو ومسمماتو وسموكو

إذا لم يتمثل المثقف معايير دقيقة يشرف ىو شخصيا فى تنمية دقتيا أو حساسيتيا تجاه القضايا إن معظم المثقفيين الذين لعبوا دورا ىاما فى خمق دوائر تأثير مضادة لبلفكار السائدة او . المطروحة

القرارات الى تفرضيا السياسة، ىم من خارج الدوائر التنفيذية لمحكومات والمؤسسات التعميمية الحكومية، لكن، سيكون من . عمما بأن الطفرة التكنولوجية ساعدت كثيرا فى إمكانية خمق منابر مستقمة لممثقفيين

ىل المثقف يعمل مع الحكومة المحددة أم ال، مستفيدا أم ي العسف أن نختصر سؤال المثقف والسمطة ف، ونتجاىل جانبا ىاما يتعمق بيل تتوفر لممثقف الحرية التى يستطيع أن يكفل بيا عيشو، ...غير مستفيد

التزور، تعبر إستخدمه المفكر الفرنس باسكال بونفاس لوصف الذن سطرون على المشهد /مثقفوا التزف - 22

الثقاف الفرنس ووجهونه لخدمة أجندة ساسة رخصة، ال عالقة لها بالثقافة حتى ف أبخس تجسدها، وهم، بتعبر

1، صحفة الشرق األوسط، "باسكال بونفاس والفكر المستنر"هاشم صالح، ). بونفاس؛ صنعون عملة ثقافة مزورة

(. 2008ماو

17

مدى نسمح بالحرية لممثقف؟؟ كما أن اإلسترسال في طرح ي ذات الوقت يصون إستقبلليتو، والى أيوفنتباه، سيجعمنا نبدوا وكأننا نركض بحثا عن من ىوالمثقف؟ ىل ىو ىذا النوع من التساؤالت، دون حذر وا

المبدع أم المتعمم، الكاتب أم القارئ، المينى أم استاذ الجامعة، البورجوازى أم العامل، اليساري أم ؟ وىذا النوع من االسئمة، يمكن أن يبعدنا، حتى ....المستسمماإلصبلحي، المتمرد أم اليميني، الثورى أم

فالتعريف بدون . من أكثر التعريفات قربا من لساننا، وىو تعريف غرامشى الذى يحدد المثقف بالوظيفةالتصدى لموظيفة، كما ذكرنا من قبل، يشمل جميع الناس الذين تمقوا قدرا من االنفتاح الذى يسمح ليم

متى كان لمدولة فكر، متى كان : "نمخص، بقولة ميدي عامل الشييرة. مع االحداثي الفكريبالتعاطما أن يكون مخصيا، وىو المخصي إذا إستمد من ! لمفكر الثوري طابع رسمي إما أن يكون الفكر نقديا، وا

إنو خادم السمطان . وما ىذا الفكر بفكر. إذاك يتمأسس، فيستحيل فكرا بيروقراطيا. سمطة الدولة سمطتو 23".إنو المرتد بامتياز . وخائن نفسو

المثقف واإلنقالب المعرفي

إكتشاف نحن اليوم، نعيش في عصر سمتو األساسية ىي التطور المذىل في المعرفة، وفي عصر تتسارع فيو وتيرة التراكم العممي والمعرفي، ووتيرة تطور الثورة التكنولوجية، 24الفضاءات الجديدة،

ونحن نرى، أن ىذا الواقع فتح الباب . بشكل غير مسبوق، ال يمكننا تخيل حدوده، أوتخيل سقفو األعمىقائم عمى ذاك (paradigm shift)عمى مصراعيو لتخمق وتشكل نموذج معرفي جديد، إنقبلب معرفي،

االنخراط وعمى الخبرة والتجارب اإلنسانية، إضافة إلى الثورة التكنولوجية، التراكم العممي والمعرفي ونتائج .المباشر في سمسمة من األنشطة العممية، عبر المؤىمين المتخصصين في مجاالت المعرفة المختمفة

ونتصور أن ىذا اإلنقبلب المعرفي، سيفرض نفسو، وسيحدث نقمة نوعية في تطور الوعي البشري ضد الحمقية الضيقة وضد الجمود اآليديولوجي، مما يمكن من إختراق جدران التخندق اإلثني والتعصب

، واصفا التغيير "بنية الثورات العممية" توماس كوىين فى كتابو ويتحدث. العقائدي والتمترس اآليديولوجيالذى يحدث فى الفرضيات االساسية فى النظرية المطبقة أو المسيطرة عمى العمم، بأن الثورة العممية

160-159، ص 1990د ػب، بلشبد أحبد٠ث، داز افبزاث، - 23

حد، أوثس 2009ف ػب ب شس ػ اإلزسذ: رسصد االغ اإلسف١س٠خ ئبد اؤشساد اداخ ػ ذه، ث - 24

أ ب لد رسىة بث افضبئ ف أي ػب ثؼد إطالل ف ..! ػب5000ب شسر اجشس٠خ ثبطسق ازم١د٠خ ف آخس

آالف ػب، أ اؼبد ازم١خ رزضبػف و ػب١ 10ازسؼ١١بد ٠فق ؼبزفب افى١خ از رصب إ١ب ف آخس

.اخ!..!ح١ ٠ص ا سز اثبثخ (لد٠خ)ب ٠ؼ أ اؼبد از ٠دزسب اطبت اجبؼ ف سز األ رصجح

18

تحدث عندما تواجو بحاالت غير طبيعية ال يمكن تفسيرىا بالنموذج المعرفى السائد عالميا والذى احدثو أى أن النموذج المعرفى، بحسب كوىين، ليس مجرد نظرية جديدة، بل ىو الرؤية . التطور العممى

اذا نظرنا الى واقعنا اليوم، سنجد و25.العالمية الكمية التى تتولد فييا النظرية الجديدة وكل ما يترتب عميياكثيرا من االسئمة الحائرة المتروكة دون إجابات، كما سنجد كثيرا من الحاالت واإلشكاالت التى لم تستطع

وبسبب ىذا الوضع، تحدث عدد كبير من المثقفيين العرب، حول . اآليديولجيات المختمفة تقديم حمول لياضرورة إحداث تغيير جذرى عمى مستوى التفكير، سواء كان ذلك عن طريق القراءة النقدية لمموروث

. الدينى والتاريخى، أو عن طريق تبيئة المفاىيم العالمية

إن الذىنية المسيطرة عمى النقاش اليومى فى القضايا المصيرية والمفصمية، ونحن ىنا نتحدث تحديدا عن منطقتنا التي نعيش فييا، ىى ذىنية المغالطات الفكرية، وااللتباسات اآليديولوجية،

والتصدعات الناتجة عن ذىنية لم تتدرب عمى التفكير العممي الموضوعي، وظمت تتعرض لتأثيرات سالبة ومن ىنا، فإن إحداث انقبلب . ناتجة من ظواىر التعصب والتشوه السياسى الذى تعيشو المنطقة

(paradigm shift) فى النموذج المعرفى السائد، اصبح ضرورة يممييا الواقع السياسى المتأزم بفعلىذا الواقع، . التناحر السياسي واآليديولوجي والعرقي والطائفي، وبفعل إنزالقات العنف والعنف المضاد

أصبح يشكك في المعقولية السياسية لمشعوب العربية، أي يشكك في كل ما أستطاعت ان تصل اليو ىذه الشعوب من درجات القبول النفسى واالخبلقى لمعايير ذات حساسية فائقة تجاه القضايا االنسانية بشكل

حتجاجات القوميات . عام وتحديدا نقصد قضايا الراىن السياسى المتعمقة بالنزاعات الناتجة من تظممات وا والمعقولية السياسية، كما يوضح جون . الميمشة، والنزاعات المرتبطة بالطائفية، وبعبلقة الدين والسياسة

ال تتأسس بالدرجة األولى، عمى المصمحة النفعية، بغض النظر عن كون ىذه المصمحة عامة "26رولز،أو خاصة، كما أنيا ال تنبني عمى حسابات المكاسب والخسائر؛ وعميو، ىي ال تضع نتائج الفعل معيارا

النفسية /ما ىو معقول يتحدد وفقا لمدى المقبولية األخبلقية. لمحاكمة مدى ضرورة القيام بو أو عدمياتفتقدىا العقبلنية " حساسية أخبلقية"وىكذا تحيل المعقولية عمى . لمفعل أو لمواقع الذي يتعامل معو

ومن الواضح أن المعقولية السياسية ال يمكن أن تتأتى إال بالتغيير الثقافى، أو النيوض ." الحسابيةبمستوى المعايير المتدوالة، أو فى صورة اخرى، عبر خمق حساسية فكرية تجاه ما ىو انسانى فيما يدور

www.princton.edu/achaney/tmve/wiki100k/docs/paradigmرسجخ اىبرت - 25

ثحث شز " افىس االف اس١بس ث١ اح١بد٠خ اضػ١خ ث١ اؼمال١خ اؼم١خ"حسب اد٠ دز٠ش، - 26

www.dohainstitute.orgف لغ

19

من صراع فى أرض الواقع، ال سيما المداوالت االعبلمية والسياسية والثقافية واالجتماعية والتعميمية التى وكل ىذا يتطمب إحداث . تحمل كثيرا من المفاىيم القديمة البالية والتى ال تصمح حتى لترقيع الواقع

ال ومن الميم اإلشارة إلى أن إحداث ىذا اإلنقبلب المعرفى،. إنقبلب فى النموذج المعرفى السائديستدعى وصول أحزاب بعينيا الى الحكم، بقدر ما يحتاج لجيد المثقفيين والمفكرين فى صياغة رؤى

جديدة تغذى المشروع الثقافى النيضوى، وترفع من درجة حساسية الشعوب تجاه معايير اإلنسانية وقد أسيم في ىذا الجيد، عدد من الفبلسفة والمفكريين العرب مثل حسين مروة، ومحمد اركون، . والعدالة

التراث العربى عبر تاريخيتو، فى /والطيب تيزينى، وغيرىم، بمنتوجيم الفكرى المعنى بإعادة قراءة الفكر .إطار الظروف السياسية واالجتماعية واالقتصادية المحيطة بو، استنادا عمى المناىج العممية

تحديات في مواجهة المثقف العربي

ة الممموسة بالنسبة م نقصد بالتحديات، القضايا التي تشكل في مجموعيا مجال الفعل والمساهوىي قضايا عديدة ومتشعبة، وأي منيا يمكن أن يشكل مبحثا قائما . التغييرعممية المثقف في دورل

: يذاتو، لكنا ىنا سنتناول ما نعتقده أبرزىا

" إعادة النظر"منهج

إن السمات الرئيسية لموعي الثوري، العممي والسياسي، تتمثل في السعي نحو إبراز واكتشاف حقيقة األمور في العالم المحيط، والسرعة، مع الواقعية، في التجاوب مع الحقائق والميمات الجديدة،

والتفكير مميا، ثم الشجاعة في البحث النظري والممارسة العممية، مع التمسك بمبدأ النقد الذاتي، والتسمح في كافة القضايا والمفاىيم، حتى تمك التي كنا نجزم بصحتيا ودقتيا في مرحمة بمنيج إعادة النظر

وأعتقد أن الكثيرين يتفقون معي في . سابقة، وذلك في اطار استيعاب المستجدات والمتعيرات في الواقعيصيب الفكر باعراض التكمس والجمود، ويوفر تربة خصبة لنمو داء " إعادة النظر"إن اىمال منيج

. التخندق والتعصب األعمى، في حين االستخدام الدائم والثابت ليذا المنيج يقي الفكر من التحنط والصدأوىو يميد الطريق لئلعتراف باآلخر، ومن ثم التوافق والبحث عن القواسم المشتركة، في حدىا األعمى

وليس األدنى، بما يفضي لبناء أرضية صمبة متماسكة تسع الجميع وتحتضن حواراتيم، بل وصراعاتيم، نما حول أفضل السبل لمسير إلى األمام فوق ، مع الحفاظ عمى ذه األرضيةه ال حول األرضية نفسيا، وا

وأعتقد أن أي رؤية أو نظرية، تدعي أنيا عممية، يجب أن تكون مرنة بما . صبلبتيا وتماسكيا ووحدتيا

20

يكفي حتى تتيح ىامشا واسعا إلعمال منيج إعادة النظر لتعديل أطروحاتيا حسب تفيميا إلطروحات مكانية اإللتقاء معيا، وإلستيعاب نتائج التطور المحتممة، بما في ذلك التخمي عن أي أطروحات اآلخر وا

لم تصمد في إختبار الممارسة، أو يقودنا النموذج المعرفي الجديد إلكتشاف ما بيا من خمل ونواقص وتخمف عن واقع العصر، بما في ذلك تمك األحكام التي يرفض التزحزح عنيا بإعتبارىا من ضمن

ومن الميم ىنا التأكيد عمى أن إعادة النظر ال تعني النفي أو اإللغاء أو . مكونات الموقف المبدئينما المراجعة، وفق المستجدات والمتغيرات، بيدف التعديل أو تثبيت الحكم كما ىو وعمى . التخمي، وا

ضوء ذلك، فإن إحدى التحديات الرئيسة التي تواجو المثقف وىو يمارس دوره في عممية التغيير، ىي في منيج األحكام القطعية النيائية، المختومة في كل شيئ، وقبل كل شيئإعمالو مبدأ إعادة النظر

بالشمع األحمر، ومن ضمنيا منيج التعامل بالثنائيات مطمقة الضدية، والذي ال يزال سائدا في ساحات . المعرفة والممارسة، حيث الحكم يظل ساريا ونيائيا عبر الزمان والمكان، ال يقبل المراجعة أو اإلستئناف

. ونحن، ال نرى في كل ذلك تخاذال أو نكوصا أو تراجعا أو تنكرا لممبدأ

إدارة التنوعففي العديد . من أبرز التحديات التي تواجو المثقف، ىي دوره ومساىمتو في إدارة التنوع والتعدد

من البمدان يظل التنوع والتعدد اإلثني والمغوي والديني والثقافي، ظاىرة أساسية وموضوعية، ال يمكن وتظل إدارة ىذا التنوع وعبلقتو بتوظيف الموارد الطبيعية، وخاصة االرض، وكذلك . تجاىميا أو تخطييا

توظيفو كأحد عوامل التحالفات السياسية إلستيعاب كافة أو معظم العناصر الرئيسية لحياة الناس اليومية، تظل تحديا يتوجب عمى المجموعات المختمفة في الببلد مواجيتو في تفاعبلتيا اليومية وجيودىا من اجل

27.تحقيق السبلم والتنمية العادلةولقد ظمت أنظمة اإلستبداد والطغيان في العالم العربي، ولعقود طويمة، تحتكر السياسة، وتسعى

لمحاصرة القوى السياسية المعارضة، والمؤسسات المدنية والديمقراطية، من أحزاب ونقابات ومنابر ضعافيا وشل فعاليتيا، بل وتمزيق وحدتيا...وجمعيات وأندية ومنظمات ثقافية ونتيجة لذلك، وكرد . الخ، وا

ومعروف إن من ضمن . فعل طبيعي، كان ال بد أن تنمو ظاىرة القبمية، واإلستقواء بالعشيرة ورابطة الدم

. 5، ص2012عبد الغفار محمد أحمد، مشكالت التنوع االثن والثقاف ف السودان، مدارك، - 27

21

السمبيات واألخطار التي يمكن أن تنجم عن عمو وبروز شأن القبيمة في المشيد السياسي، ىو سيولة ، ووقوعيا في براثن العنصرية والشوفينية، خاصة (sociocentrism) "األنا الجمعية"إنقيادىا إلى روح

. في ظل غياب أي مصدات لمنع ىذا اإلنقياد وىذا الوقوعإن النقمة اليائمة في عالم تكنولوجيا االتصاالت، إضافة إلى أنيا أشاعت المعمومة وعولمتيا،

فإنيا أيضا قفزت بالوعي البشري قفزات ىائمة إلى األمام، لدرجة أن األميين اليوم أصبح في إستطاعتيم والنتيجة ىي إتساع قطاعات المجتمع التي . إمتبلك قدر محترم من الثقافة الشفاىية، عبر السمع والرؤية

باتت قادرة عمى معرفة ما يدور حوليا ودراستو ومن ثم تحديد أدوارىا فيو، وذلك من أجل تحقيق تطمعاتيا وفي ىذا السياق، أعتقد أن قفزة الوعي ىذه ساىمت في إعبلن ميبلد . المشروعة لعالم أكثر عدالة ورحابة

ثورات أبناء القوميات الميمشة ضد المركز في السودان، والتي اتخدت اشكاال متعددة، وفي الغالب شكل الثورة المسمحة المنطمقة من اليامش واألطراف، تبعا لبلختبلفات والتنوع اإلثني، ووفقا لتفاوت مستويات التطور االقتصادي واالجتماعي وكل تفاصيل الجغرافيا السياسية، وكذلك حسب سطوة وقبضة السمطة

المركزية عمى مناطق اليامش ىذه، واخيرا حسب القدرات واالمكانات الذاتية ليوالء الثوار، وقادتيم الجدد، فأن . وىذا األمر، في تقديري، لو داللتو. القادمون من صفوف مثقفي ومتعممي ىذه القوميات والقبائل

بل جاء كرد فعل طبيعي لييمنة الثقافة . تأخذ الثورة، في السودان، منحى إثنيا وقوميا، لم يأتي من فراغالعربية االسبلمية في المركز منذ االستقبلل، والتي إكتسبت بين يدي السمطة الحاكمة اليوم طابع الطغيان

. واالستبداد تجاه الثقافات والقوميات األخرى، مما دفع األخيرة لمرفض والمقاومة، ثم التمرد والثورةنسجاما مع رؤاه اآليديولوجية، ظل تيار اإلسبلم السياسي الحاكم اليوم في السودان يتجاىل حقيقة أن وا

اليوية الحضارية السودانية منبثقة من رحم التعدد والتنوع والتباين، وأنيا تخمقت وتبمورت عبر مخاض عدة عوامل بدءا بالحضارة المروية قبل الميبلد مرورا ىذا المخاضممتد لقرون وحقب، أسيمت في

بالحضارات المسيحية واإلسبلمية وأثر اليجرات العربية واألفريقية ونتاج الكيانات اإلفريقية القبمية والعرقية تجاىل تيار اإلسبلم . وبصمات المعتقدات اإلفريقية والنيمية، ثم مرحمة النضال الوطني ضد المستعمر

السياسي في السودان كل ذلك، مدعيا أن المكون الحضاري لميوية السودانية يقتصر عمى المكون العربي اإلسبلمي وحده، وكانت النتيجة إستدامة الحرب األىمية التي حصدت أرواح مبليين السودانيين، وبدء

وقد تتسع مطالبات اإلنفصال أو اإلستقبلل لتشمل مناطق أخرى، . تفتت الببلد بإنفصال جنوب السودان. إضافة إلى تفشي نعرات العنصرية والتعصب القبمي والجيوي، وآثارىا الكارثية

22

وكما ىو معروف، فإن العديد من بمدان المنطقة، تتميز بتعدد ثقافاتيا، وبتعدد لغات ىذه ما نود الطرق عميو ىنا، ىو أنو ال مجال إال . وأعتقد أن السودان يمثل نموذجا مثاليا ليذا الواقع. الثقافات

ىذا يفتح المجال . بإعطاء كل المغات الفرصة األقصى لمتطور ولتصبح أدوات متقدمة لمتعبير والتعميملممثاقفة الحرة التي تؤدى إلى التفاعل بين ىذه المغات وما تعبر عنو من ثقافات، مما ينتج عنو واقع

صحيح ىناك قوميات تتخذ المغة العربية بمحض إرادتيا أداة لمتخاطب، ىذا البد من . ثقافي جديدوفى . الترحيب بو، لكن البد من الوقوف بحزم ضد أي محاولة لفرض المغة العربية عمى من ال يرغب

نفس الوقت ال بد من ىزيمة المفاىيم المغوية الضيقة والتي تؤمن بنظرية النقاء المغوي فتحول بين المغة . العربية وبين تمثل واستيعاب كل األلفاظ ذات القدرة التعبيرية العالية في لغات القوميات غير العربيةومن البدييي ىنا اإلشارة إلى أن عدم إستيعاب ىذا الواقع، وعدم التعامل معو وفق تدابير ممموسة،

. سيكرس من مفاىيم االستعبلء العرقي بناء الدولة الوطنية

مشروع الوحدة العربية مناقشات طويمة وعميقة بين أوساط المثفقين العرب، خاصة بين أثار وظل الخبلف محتدما بين . مثقفي االتجاىات القومية من جية، واالتجاىات الماركسية من جية ثانية

ىذين اإلتجاىين حول أولوية الوحدة بين البمدان العربية، أم بناء الدولة الوطنية وترسيخ الديمقراطية عمى عموما، أعتقد أن الواقع فرض . الصعيد المحمي في كل قطر، ثم بعد ذلك التوجو لتحقيق الوحدة العربية

تراجع مشروع الوحدة العربية في سمم األولويات، مقابل صعود مشروع بناء الدولة الوطنية الحديثة في كل وأعتقد أن من أىم التحديات التي تواجو المثقفين العرب، ىي كيفية مساىمتيم في ىذا المشروع، . بمد

التصدي إلى جممة من التناقضات المبلزمة لمممارسة السياسية في بمداننا العربية، وتحديدا مساىمتيم في : والتي تتضمن عددا من القضايا، منيا، عمى سبيل المثال ال الحصر

.المواجية بين األحزاب والقوى المدنية من جية، والقوات المسمحة من جية أخرى -

القبيمة، وما أفرزتو من تناقضات مرتبطة بالممارسة الحزبية /الطائفة– الدين – ثبلثية السياسة -فاألحزاب والبرلمان مؤسسات سياسية حديثة باعتبارىا نتاج الثورة الصناعية . والبرلمانية

البرجوازية في أوروبا، لكن جوىرىا في بمداننا العربية مثقل بالطابع التقميدي المرتبط بالطائفة . والقبيمة والعائمة

التناقضات الناتجة من تيميش قوى مراكز اإلنتاج الحديث في المدينة، وفى نفس الوقت تيميش - . قوى اليامش واألطراف، قوى مراكز التوتر القومي

23

الثورة وفق مشروع وطني ينطمق من اإلقرار بأن تطورىاالتصدي ل تستوجب كل ىذه القضايا وغيرىا،مفاىيم االجتماعية في بمداننا العربية مرتبط بترسيخ مضامين الديمقراطية السياسية التعددية، وسيادة

رساء قواعد التنمية المتوازنة، وفق معادلة المشاركة العادلة في السمطة المجتمع المدني الديمقراطي، وا .والثروة بين كل المكونات السياسية والقومية والجيوية في البمد

اإلثنية والطبقية

أضحت النزاعات العرقية الدموية، والحروب المتفجرة ىنا وىناك عمى أساس العامل اإلثني، أضحت ظاىرة واضحة وممموسة وسائدة في عالم اليوم، خاصة في إفريقيا وآسيا، وحتى في أوروبا التي لم تخمو من ىذه الظاىرة، كما شاىدناىا في الحروب الدموية المتفجرة عقب تفكك دولة يوغسبلفيا، والتي وصمت

وأعتقد لن يختمف معي أحد في التقرير بأن لممنطقة . حد التطيير العرقي والقتل عمى أساس اليوية والدينوفي الحقيقة، فإن النزاعات العرقية . العربية نصيب وافر من تجميات ىذه الظاىرة الكارثية والمأساوية

ومن . واإلثنية تسببت في موت مبليين البشر، كما أدت إلى إندثار دول وتفكك أخرى، ونشوء دول جديدةزاوية أخرى، فقد أفرزت ىذه الظاىرة، ظاىرة النزاعات العرقية واإلثنية، أفرزت عددا من الظواىر اليامة األخرى، وفي مقدمتيا ظاىرة تراجع األحزاب والتنظيمات السياسية في بمداننا إلى تنظيمات مرتبطة، بيذا

.القدر أو ذاك، باإلثنية والدفاع عن المجموعات العرقية

أعتقد أن ظاىرة النزاعات اإلثنية تمثل تحديا جديا أمام المثقفين، وىي تحتاج إلى دراسة متأنية ال . تختزل جوىر النزاع وكل المسألة في إطار التحميل الطبقي، ولكن أيضا دون إىمالو في نفس الوقتصحيح أن اإلثنية تعكس حالة اإلضطياد القومي في حين تعبر الطبقية عن اإلستغبلل اإلقتصادي

نقول ذلك دون أن . واإلجتماعي ليذه المجموعات، لكن تظل العبلقة بين اإلثنين ىي عبلقة إرتباط جدلينغفل أنو في كثير من الحاالت، وخاصة في بمدان التوتر العرقي، كما في السودان، وفي سياق تاريخي محدد، يحتل العامل اإلثني، ال الطبقي، بالنسبة لمقوميات المقيورة والمضطيدة موقع األولوية بالنسبة

.لسياسات التعبئة والتحالفات

جدلية العبلقة بين الطبقية واإلثنية، قد تدفعنا، وفق مبدأ إعادة النظر، إلى مراجعة مفاىيمنا حول إن تفترض تواجد الكيان السياسي الناضج والكيان اإلقتصادي المتكامل كأساس ظمت األمة والقومية، والتي ن تواجدت سياسيا، ال لئلعتراف بالقومية أو ترقى إلى األمة، في حين تعتبر المجموعات اإلثنية، وا

24

عدم إدراك ىذه النقطة من قبل النخب . مستوى األمة أوالقومية مادامت التشكل كيانا إقتصاديا متكامبلالسياسية والثقافية في العديد من بمدان التوتر اإلثني، أضعف من إرتباطيم بنضاالت المجموعات اإلثنية، بل أن األخيرة تصنفيم ضمن تركيبة القومية الظالمة والممارسة لئلضطياد، رغم أنيم ىم في األصل غير

األمة، بشكمو الكبلسيكي يواجو الكثير من االزمات، وىو المشروع وفي الحقيقة، ظل مشروع بناء. ذلك" الصغيرة"الذي يرتكز عمى الوحدة السياسية بين كافة االثنيات والمجموعات القومية مع تأجيل المطالب

واآلن أصبح المثقف مواجو ببزل جيد مضاعف أقمو . ليذه اإلثنيات حنى يتم دحر القوى االستعماريةاإلنتصار لقضية النظام السياسي والدساتير والقوانين، والتي تعبر فعبل، ال قوال، عن واقع التنوع والتعدد

.واإلعتراف باآلخر، بعيدا عن مفاىيم األغمبية واألقميات

المثقفون والعولمة

ولقد ظل العديد . العولمة، كظاىرة موضوعية، تمثل تحديا رئيسا أمام المثقفين، بمختمف إتجاىاتيم طريق : أن يتم عن طريقتينمن المفكرين والمثقفين يحذر من التعامل الخاطئ مع العولمة، والذي يمكن

اإلستسبلم لمعولمة والييمنة الرأسمالية بإعتبارىا قدرا ال فكاك منو في صورتو الراىنة، والدعوة إلى حتمية االندماج أو التكيف الييكمي معيا دون تحفظ، ودون مراعاة لمخصوصيات واليويات الثقافية والمصالح

الطريق الثاني ىو إنكار العولمة واإلكتفاء بإدانتيا، واالستعبلء الفكري عمييا، والتمترس داخل . الوطنيةالخصوصية الوطنية، أو التشرنق في كيف ىوية سمفية مطمقة ونيائية مستغنية عن كل ما يتحقق في

وىذا الطريق يتعالي عمى الحوارات والصراعات . عصرنا الراىن من منجزات ومعارف عممية وتكنولوجيةولقد ناقش المفكر محمود أمين العالم ىذين الطريقين، وأستنتج . الفكرية والثقافية في مواجية ىذه العولمة

28.إن كبلىما يفضيان إلى ما أسماه االنتحار الثقافي، أي االستيعاب والتبعية والخروج من التاريخ

أعتقد أن دورالمثقف في مواجية العولمة، يبدأ بتعميق البعد الثقافي ألي مشروع تنموي، وأي مشروع سياسي ديمقراطي مبلزم لو، في إتجاه االنفتاح العقمي والعممي والنقدي واالبداعي عمى تنوع حقائق وخبرات الواقع والعصر، وتنمية القدرة عمى إمتبلك مفاتيحيا معرفيا وعمميا، وتطويعيا لموائمة البيئة

واإلضافة إلييا بحسب إحتياجاتنا وخبراتنا الخاصة، والتشديد عمى أن البعد الخاص، أو الوطني والقومي، ، إذ ال سبيل إلى العزلة ....ألي ثقافة أو مشروع لمتغيير، ال نجاح لو إال بتكاممو مع البعد اإلنساني العام

70حد أ١ اؼب، صدز سبثك، ص - 28

25

ومن زاوية أخرى، أعتقد أن المثقف، وخاصة مثقف اليسار، مواجو بتحدي خاص، فرضتو . من العالمىذا الواقع الجديد ادى الى . لمنظام العالمي العولمة بكل تجمياتيا، كما برز كنتيجة لتبمور السمات الجديدة

النضالية دون التقميدية حتى اصبحت ىذه الوسائل واالدوات وادوات النضال تأكل تدريجي لوسائلعن تخمف قوى اليسار في التجديد والتكيف لشروط النضال الجديدة في الواقع الجديد فاعمية، ومسؤولة بروز ميمة بناء ومن ىنا، فإن التحدي الذي يواجيو المثقف، مع زمبلئو اآلخرين، ىو. المتغير موضوعيا

التقميدية القديمة، وأن ال يكون ادوات عمل جديدة متناسبة مع ىذه المتغيرات، ادوات عمل غير االدواتوفي ىذا السياق تأتي . العمل الحزبي، أو العمل السياسي المباشر، ىو السبيل الوحيد في العمل النضالي

فيذه التنظيمات، ومن . المستقمة فكرة التكامل بين القوى الحزبية والتنظيمات األىمية المدنية الطوعيةالخ ...خبلل نضاليا ضد البطالة والفقر ومن أجل حقوق االنسان ورفع الوعي والقدرات وحقوق المرأة

في مواجية ومن ىنا، فإن ىذه التنظيمات ال تكون. تساىم بشكل أو بآخر في عممية التغيير االجتماعينما في موازاتيا وفي تكامل معيا، بل وتشكل سندا ليا وبالطبع، فإن مجال . االحزاب والقوى السياسية، وا

االرضية التي تسمح ببناء حياة سياسية صحية عمل ىذه التنظيمات ليس ىو الفضاء السياسي، بل ىو .ومعافاة

الحرية الفردية

أعتقد أن من التحديات األساسية التي تواجو المثقف ىي قضية الحرية الفردية، بمعنى تأكيدىا صحيح أن التغيير يستحيل بدون التعاون . كأساس ألي تحول ديمقراطي وتقدم إجتماعي وترسيخيا

والتحالف والعمل الجماعي، لكن ال يستطيع أي شخص أن يقدم شيئا لممجموعة ويساىم معيا في الفعل اإلجتماعي، فعل التغيير، إذا لم يكن ىذا الشخص فردا حرا، محترما كفرد، يشعر بكينونتو المستقمة

ويحس ويؤمن بأن وجوده الفردي وعممو الفردي المتناغم مع توجيات المجموعة سيكون لو أثره اإليجابي خاصة يعبر فييا عن ذاتيتو، فيستطيع أن الحرية الشخصية توفر لمفرد مساحة إن. في عمل المجموعة

تضحيات غير دون ان يمغي ذاتو، ودون ويضحي في سبيل المجموع دون ان في العمل العام يساىم" تكفير"والحرية الفردية، وكذلك حرية اإلختبلف دون تخوين أو . ىذا العمل ضرورية تشككو بجدوى

لآلخر، تشكل ضرورة قصوى لبلبداع الفكري، وتييئ األرضية االجتماعية الثقافية لمتصدي لمميام .المجتمعية الكبرى ونجاىيا

26

المثقف ومشروع اإلسالم السياسي

قطاعات واسعة وسط تيارات الحركات اإلسبلمية، تحمم فعبل بتحقيق حمم دائما ما أردد بأن ىنالك لكن، ال . المدينة الفاضمة، وبتكرار تجربة عدالة وسماحة مجتمعات صدر اإلسبلم، كما روتيا كتب السيرة

بد أن أقر بأن ترديدي ليذه المقولة سيعكس إختبلال وقصورا ونقصانا، إذا لم تصحبو مجموعة من :المحاججات المكممة، أبرزىا

تمثل ىذه القطاعات جزءا من منظومة محددة، ذات سمات فكرية وآيديولوجية ممموسة، تفعل فعميا :أوالولعل السمة األوضح ليذه المنظومة، أي الحركات والتيارات . في كل مكونات المنظومة وقاطنييا

اإلسبلمية، ىي إدعائيا التماىي الكامل مع اإلسبلم، وتمسكيا بدور الممثل الوحيد لو، الذي يحتكر الكبلم ولعل ىذا التماىي المزعوم، ىو البذرة . بإسمو، وبالتالي تضع نفسيا في موقع المحتكر لمحقيقة المطمقة

لمجموعة من الخصائص والسمات التي تشترك فييا الحركات االسبلمية، ومن ضمنيا خاصية ضيق جتيادات اآلخر، دون التمكن من دحضيا األفق، التي تقمل من شأن، بل وتتعالى عمى، أفكار وآراء وا وىزيمتيا، ولكنيا تحقر حامميا، وفي نفس الوقت تخشاه وتعتبره متراسا أمام خط سيرىا، وال تجد سوى

، حول "اإلسبلم والسياسة"كتب المفكر المغربي، عبد اإللو بمقزيز، في كتابو . العنف وسيمة لمتعامل معوإن ىذه الرواية ال تفعل أكثر من : "رواية التماىي المزعوم بين التيارات اإلسبلمية واإلسبلم، كتب يقول

التوحيد القسري، وغير المشروع، بين النص الديني وبين الواقع التاريخي، فتفترض النظر إلى حركتيما الداخمية بوصفيا حركة واحدة، وتدفع، بالتالي، إلى إلتزام آداب اإلصغاء لخطاب النص وخطاب التاريخ

إن التيار اإلسبلمي أقرب تيارات الفكر والسياسة، في الببلد : "ويقول أيضا...". وكأنيما خطاب واحدالعربية، إلى االسبلم بحكم نوع ثقافتو ومرجعياتو، ومع ذلك، فيو، في حساب المعرفة والواقع، ليس أكثر

والتأويل إجتياد، واإلجتياد . وىو ككل قارئ، يمارس فعل تأويل النصوص. من قارئ في مدونة اإلسبلمأما الحركات اإلسبلمية . إن اإلسبلم، بالتعريف، عقيدة، وثقافة، وحضارة.... رأي، والرأي غير مقدس

، وىذه الحركات ال تشكل، بأي معنى من المعاني، إمتدادا ...فيي حركات سياسية ببل زيادة وال نقصانفبل مساىمة ليا فعمية في التراكم الفقيي والفكري، ألنيا لم تقدم نفسيا . لمذاىب الفكر اإلسبلمي وتياراتو

29".بوصفيا مدارس فكرية جديدة، بل بحسبانيا تيارات سياسية

.23. ،22 ،21، ص 2008، 2سوص اثمبف اؼسث، ط، ا"اإلسال اس١بسخ "ػجد اإل ثمص٠ص،- 29

27

في السودان، ولما كانت . فقو التمكين، وىو مكون أساسي في أيديولوجيا الحركات اإلسبلمية: ثانياالحركة االسبلمية قد فطنت منذ بدايات تكوينيا إلى جدلية االقتصاد والسياسة، مدركة أن اإلقتصاد ىو

نقطة اإلرتكاز لبسط النفوذ السياسي، فإنيا عممت عمى توسيع قاعدتيا االقتصادية، وتقوية إرتباطيا بحركة رأس المال النقدي عبر العديد من البنوك اإلسبلمية العاممة في السودان، بدءا ببنك فيصل

اإلسبلمي، وعبر عبلقات الدعم واإلسناد مع رأس المال النقدي الموظف عالميا من قبل التيار اإلسبلمي وىكذا كبرت الحركة االسبلمية السودانية إقتصاديا، وىي بعد صغيرة في عالم السياسة، مستثمرة . العالمي

مناخ الكبت والقمع في ظل حكم الديكتاتور نميري، والذي تحالفت معو حينا من الدىر، متمسكنة حتى ىذا الحراك المنطمق من أيديولوجيا التمكين، دفع، ضمن عوامل أخرى، بوالدة شريحة الرأسمالية ! تمكنت

، 1989الطفيمية، التي نمت وترعرعت في ظل نظام النميري، ثم شبت عن الطوق بقدوم نظام البشير في وفي الحقيقة، ومنذ الوىمة األولى بعد إنقبلبيا في . وكانت الحركة اإلسبلمية ىي المعبر السياسي عنيا

، نفذت الجبية اإلسبلمية السودانية عددا من اإلجراءات اإلقتصادية، بقوة الحديد والنار 1989 يونيو 30والمشانق، ىدفيا واحد، ىو ضرب مجموعات الرأسمالية التقميدية وطردىا من حركة اإلقتصاد، وفي نفس

الوقت تحقيق المزيد من اإلحتكار والتمكين لشريحة الطفيمية التي نفذ موظفوىا السياسيين والعسكريين وىكذا، باتت الحركة اإلسبلمية، البلفتة السياسية لطبقة الرأسمالية الطفيمية . عممية اإلستيبلء عمى الحكم

التي ىي غير معنية بأي أشواق وأماني وأحبلم تتعمق بمجتمع العدالة والسماحة في عيد النبوة والخبلفة الراشدة، وال بتمك المعاني النبيمة التي تتوق لنيل مباديء االسبلم، والتي ظمت تحمم بيا مجموعات من

جل ىم الحركة كان، وال يزال، مواصمة مراكمة رأس المال وأرباحو . أعضاء الحركة، خاصة من الشباب، فميذىبوا جميعيم إلى "ىي هلل"بأي وسيمة كانت، أما الوطن وشبابو وشيبو، بما في ذلك حممة الفتتات

. الجحيم المعد من خبراء الطفيمية بمواصفات عالية الجودةفالحركة . فكرة التماثل والخوف واليمع من التنوع واإلختبلف، والتي ترتبط أيضا بمسألة فقو التمكين:ثالثا

االسبلمية في السودان أرادت جياز دولة خالصا ليا، نقيا من أي آخر لو قدرة عمى التفكير المختمف والنظرة الناقدة، حتى ولو لم تكن لو أي عبلقة بالسياسة، معتقدة ومقتنعة بأن ىذا ىو السبيل لتثبيت

ومن ىنا تمك المجزرة، غير المسبوقة في تاريخ السودان، بطرد وفصل وتشريد اآلالف من . أقدامياحتكار كل المناصب األساسية في مفاصل جياز الدولة دون أدنى إىتمام الخدمة المدنية والعسكرية، وا بالكفاءة والقدرة عمى شغل المنصب، بل ومحاولة إحتكار المجتمع المدني واألىمي، بما في ذلك وسائط

وكل ذلك، كان يتم تحت شعار تثوير الخدمة وأسممة . اإلعبلم والثقافة، وحتى إدارات األندية الرياضية

28

التماثل ورفض كل مختمف يمكن ينطمق من فرضيةوىو سموك آيديولوجي من الطراز األول، . المجتمعحكام قبضتو عمى الواقع لكن مسار التعامل مع الواقع، . أن يعطل حركتو السريعة إلرساء دعائم الحكم وا

أي واقع، بما في ذلك االحتكاك مع الناس وحياتيم ومصالحيم، بالضرورة سيواجو بتحديات وتعقيدات، . أصعب من أن تواجو أو تحل بفرض التماثل ورفض التنوع

لقد سددت الحركة اإلسبلمية السودانية طعنات نجبلء ومباشرة في جسد األمة الغض، فعصفت بحمم كتمال أركان كيان الببلد الواعدة بالحياة الغنية بحكم تركيبتيا الفسيفسائية، والتي كان، وال بناء األمة وا . يزال، يمزميا مقود مستدير يكمل إتجاه دورتو ليبدأ من جديد، دون أن يميل إلى جية أكثر من األخرى

ولكن الحركة االسبلمية السودانية، مجسدة أيديولوجيتيا في سمطة حاكمة بقوة البطش واإلرىاب منذ ربع وما كاد القطار يفارق محطة . قرن، ذبحت األخبلق السودانية السمحة عمى مذبح أسممة جياز الدولة

، والذين تساءل عنيم األديب السوداني الطيب "ىوالء"القبيمة والحماس األعمى لممنطقة والجية، حتى جاء ىوالء، الذين "! بل من ىم ىوالء الناس؟...من أين أتى ىوالء؟: "صالح، بسؤال التعجب والدالالت العميقة

شربوا من ضيق األفق حتى عميت رؤاىم عن تحقيق تفاعل حقيقي بين قيم الدين السمحة ومتطمبات الواقع في بمد عنوانو التعدد في كل شيء، في االعراق واألديان والثقافات ومستويات التطور، وحتى

ناصروا بشدة كل ما يمغي الذات الحرة، ويؤطر لثقافة الطاعة " ىوالء!. "الجغرافيا ولون تراب أرضوالعمياء، ويبرر لئلنزالقات الخطيرة، بما في ذلك التعامل مع اإلختبلف في الرأي بمغة التعذيب وشن

الحرب، والتعامل مع موارد الدولة وجيازىا، وكأنيا ممك خاص ينيل منيا ىذا المسؤول أو ذاك من عبدة وكان ما كان . الديني/الجاه، ويفرض بيا نفسو رقما أو مركزا في المجتمع، محميا بإدعاءات النفوذ القبمي

!. من فساد ذاع وعم القرى والحضر، وتخطى الحدود، بل وفاق الخيال

المثقف ومشروع النهضة والبعث الحضاري

النيضة، أو البعث الحضاري، من الموضوعات المحورية التي ظل يدور حوليا جدل وحوار عميقين بين المفكرين، منذ الجيل األول، في أفريقيا والعالم العربي، وىم يحاولون اإلجابة عمى ما أثاروه من سؤال

كتساب القدرة والقوة والزاد جوىري متعمق ببحث أسباب التخمف في مجتمعاتنا، وكيف يمكننا مقاومة ذلك وا قناعتي الخاصة ىي، أن فاتحة . لمسير في طريق التقدم والرقي تحت ضوء منارات الحضارة البشرية

إقتصادية " مفخرة"اإلجابة عمى ىذا السؤال الجوىري، تفترض اإلشارة إلى إن قدرة الشعوب عمى تحقيق لتزام وقدرة إجتماعية فكرية تتجمى فييا عظمة تراثيا الثقافي والحضاري، تبدو لنا محددة بمدى صدق وا

29

ورغم ذلك، ال أعتقد إن طبيعة . النظام السياسي الحاكم عمى التصدي لقضية النيضة والبعث الحضاريأنظمة الحكم ىي العامل الوحيد الحاسم في مسألة النيضة، ولكنيا تشكل جزءا ىاما ضمن مؤثرات كثيرة

. في حركة الوعي والتاريخ والثقافة ليذا الشعب أو ذاكولقد واجيت أفريقيا التحدي التاريخي المرتبط بإشكالية التخمف والتقدم من خبلل عدة محطات،

فمنذ خمس . أىميا، حسب وجية نظري الخاصة، محطتي اإلستنزاف والتبعية في ظل االستعمار الجديدأعقبو . قرون، كان البدء باستنزاف إنسان القارة السمراء، عبر تجارة تصدير العبيد إلى الدنيا الجديدة

. استنزاف الثروة، أي سرقة الموارد الطبيعية لمقارة األغنى في العالم، وىو استنزاف مستمر حتى المحظةاالستنزاف، وىو إستنزاف األدمغة أو ومنذ أكثر من نصف قرن، تتعرض أفريقيا، لشكل جديد من أشكال

العقول، أي تفريغ أفريقيا من أفضل كفاءاتيا وأكثرىم تعميما وموىبة، في عموم الطب وااللكترونيات يجذبيم الغرب بتوفير ظروف معيشية واعدة وفرص الخ،...واليندسة والفنون واإلدارة والبحث، واألدب

وعمى الرغم من بدايات نيوض أفريقيا بعد . وراءىم فراغا يصعب تعويضو ذىبية لتطوير الذات، تاركينانتصارات حركة التحرر الوطني في ستينات القرن الماضي، إال أنو كان نيوضا مؤقتا، إذ سرعان ما

سيطر االستعمار الجديد عمى القارة، وتعثر مشروع النيضة في ظل تمكن أنظمة التبعية، عبر االستبداد والطغيان، وما افرزتو من صراعات عرقية دموية، وتجاىل ألولويات التنمية، وتفشي الفقر والجوع

.والمرض الفتاك والفساد، والتواطوء مع سارقي ثروات القارة، وتغذية البيئة الطاردة لشباب أفريقيا وأدمغتيا

لحظة المواجية بين التخمف : الشعوب العربية جابيت ذاك التحدي التاريخي في لحظتين حاسمتينلمعالم العربي في القرن التاسع عشر، ولحظة الصدام العنيف مع الغرب والتقدم إبان الغزو االستعماري

اإليديولوجية وتصوراتو الفكرية وقد حاول المفكرون العرب، كل بحسب ميولو .بعد قيام دولة إسرائيلوانتماءاتو الطبقية والسياسية، اإلجابة عمى االسئمة المتولدة من ذلك التحدي التاريخي، والتي أوجزىا

مشكمة األصالة، أي تحديد اليوية أو : رئيسية، ىي المفكر المغربي عبد اهلل العروي في أربع مشكبلتومشكمة المنيج الفكري العام، أي الوسائل . ومشكمة االستمرار، أي عبلقة العرب بماضييم. تعريف الذات

ومشكمة أدوات التعبير، أي ما ىي أنسب . الفعل التي سيتبعيا العرب لكي يكتسبوا المعرفة، ويمارسواوأعتقد أن الفكر . 30أدوات التعبير التي تتيح لمعرب أن يعبروا بواسطتيا عن مرحمة تطورىم الراىنة

ذاتو، تمثمت في السعي إلى العربي طرح أيضا ثبلثة قضايا أساسية خاصة بتطوير المجتمع العربيمع الفكر الحديث، والسعي إلى األصالة من خبلل الحديث عن اإلسبلم وقدرتو عمى التجدد لكي يتبلءم

2010 أغسطس 26س١د ٠س، مبي ف جس٠دح اإلسا ثزبز٠خ - 30

30

الديمقراطي، الذي يكفل المساواة بين المواطنين في الحرية من خبلل الحديث عن أىمية تطبيق النظامقامة ظل سيادة القانون، والسعي إلى التحديث من خبلل تأكيد الدور الحاسم القتباس التكنولوجيا الغربية وا

ومن ناحيتو، يصف المفكر الراحل، نصر حامد أبوزيد ىذه القضايا، بأنيا محور .حركة شاممة لمتصنيعإنيا أسئمة ليست وليدة ىذه المحظة : "ىموم أسئمتنا المعاصرة، ويقولىمومو البحثية، وبإعتبارىا ىي

التاريخية التي نعيشيا، بل ىي األسئمة التي شغل بيا رواد النيضة في العالمين العربي واإلسبلمي منذ ىل يتوافق الفكر اإلسبلمي مع الحداثة؟ ىل تسمح أصول الدين أن يعيش : بداية القرن التاسع عشر

العربي المسمم في دولة عربية حديثة تتميز بصفات الحضارة بما فييا محورية اإلنسان المواطن في المجتمع، حرية الرأي والمساواة بغض النظر عن الجنس أو المون أو الدين؟ ىل يتعارض اإلسبلم مع أنظمة الحكم الحديثة القائمة عمى الديمقراطية وتناوب الحكم والتعددية؟ ىذه األسئمة نابعة من محاولة

التواصل مع اآلخر تواصبل إيجابيا فعاال، اآلخر األوروبي الغربي الذي ظير في أفق وعينا مسمحا بكل رادة السيطرة من جية، وقوة العمم والعقبلنية وقيم التطور والحداثة في الوقت أنماط القوة، قوة السبلح وا

31".نفسو

إن سقوط، أو تعثر، مشروع النيضة العربية واالفريقية، بعد أفول نجم ثورات التحرر الوطني، لم يكن بأي حال نتيجة حتمية لمسمات الخاصة بالموروث الثقافي، أو المكون البيئي والجغرافي، أو التركيبة

بل كان بسبب سياسات وبرامج أنظمة االستبداد . الجينية الوراثية لشعوب ىذه البمدان، كما يدعي البعضفسيف ىذه األنظمة . والطغيان التي حكمت أفريقيا والعالم العربي بعد انتصارات حركة التحرر الوطني

طال صناع النيضة الحقيقيين من مفكرين وعمماء ومثقفين ورجال دين مستنيرين، لتمتمئ مساحاتيم الشاغرة بالتيارات الماضوية، وبأنصاف المثقفين الذين سيطروا عمى وسائل اإلعبلم وأدوات التوجيو

الثقافي والتربوي، ففرضوا نموذجا معرفيا بائسا يقوم عمى التمقين دونا عن التفكير الناقد، ويتحمس لمتجييل إليكم، ما قالو أحد قادة الحركة االسبلمية الحاكمة في . ومعاداة العمم، بدرجة أقرب إلى الممياة المأساوية

السودان لمعالم الجميل واألكاديمي المرموق البروفسير فاروق محمد إبراىيم، وىو تحت التعذيب في "!! لطبلب الجامعة" أصل االنواع"نحن نعذبك ألنك تدرس نظرية دارون "المعتقل،

ذا كان قمع الفكر والبحث العممي يمثل أحد أوجو سياسات أنظمة االستبداد، فإن خمق البيئة وا وفي ىذا السياق، نوافق ما ذىب إليو الكاتب والشاعر . الطاردة لمعقول واألدمغة يمثل الوجو اآلخر

، زلخ لدب ف حف رس١خ جبئصح ؤسسخ إث زشد فىس احس، "ح ج جد٠د زأ٠ "صس حبد أثش٠د،- 31

. 2005ثس١، د٠سجس

31

مايو 11المبناني عيسى مخموف في ندوة الثقافة العربية والتحديات الراىنة في متحف البحرين الوطني، فرض عمى عالمنا، ذي الفضاء المغمق، ثقافة الخوف والكتمان، حيث يستقر التكفير "، عندما قال 2003

السياسي منذ خمسين سنة، وينضم إليو راىنا التكفير الديني، مما يحشر الكتاب وأصحاب الفكر في زاوية فكيف يمكن لممفكرين الذين وضعوا في . التبرؤ من الكفر، مع إنقطاع متزايد ما بين المثقف والجميور

. حالة إرتباك مع الذات، ودفعوا إلى الرقابة عمى فكرىم أن يقودوا معركة التصدي والتحدي وبناء المستقبلمن منصة األمل والثقة في المستقبل، وبالنظر إلى إنتفاضات شعوب المنطقة، يحق لنا أن نستنتج و

أن حراك التغيير الراىن سيفتح أبواب الولوج لمرحمة تاريخية جديدة تفوق في أىميتيا مرحمة عصر بناء الدول العربية في العقود االخيرة من القرن التاسع عشر ومطمع القرن العشرين، ومرحمة النيضة

الجديدة يمكن ان تؤسس إلعادة وذلك، ألن ىذه المرحمة. الوطنية المستقمة ما بعد الحرب العالمية الثانيةولسبب . ظل ظروف جديدة مغايرة كميا تتميز بإندفاع رياح التغيير في المنطقةبعث مشروع النيضة، في

آخر ىو ان قوى التغير ىذه المرة تحمل وعي عصرىا الذي أسقط كافة التعميمات واالدعاءات الزائفة واالفكار المسبقة، وىي قوى تجيد لغة العصر، والتعامل مع منجزات التكنولوجيا، بدرجة تمكنيا من

وكل ذلك يدفعيا لبناء . تطويعيا لصالح قضايا الشعوب، وتتطمع لمحياة الجديدة معززة مكرمة في بمدانيامشروع نيضوي جديد ال يخضع ألي تابوىات سياسية أو عقدة العصبية القومية، وفي نفس الوقت

فبالنسبة لمصراع الفمسطيني االسرائيمي مثبل، لن تتم . يستثمر إيجابيات العولمة إلى أقصى حد ممكنمواصمة اجترار انجراح الذات العربية، وبكائيات خيبات النكسة، ولكن ربما يتم التعامل معيا كقضية

وفيما يخص الضغوط االجنبية واالطماع الخارجية، . اليزيمة/سياسية قابمة لمحل بغير معيار النصرن شباب التغيير ال يحمل أي عقدة تجاه فستتصدر مصالح الشعوب قائمة األولويات، ال سيما وا

ال لصياغة شعارات عامة أو ىتافات سيفرض نفسو، وقطعا ىناك نموذج معرفي جديد ". الخواجة"نما لصياغة برامج عممية المحتوى تعبر عن مفيوم النيضة العربية الحديثة، تحريضية مؤقتة التأثير، وا

برامج تجتيد في قضايا التراث والفكر العربي اإلسبلمي لمواصمة . وفي نفس الوقت تعكس نبض الشارعإستنتاجات المفكرين، أمثال الشييد حسين مروة، حول أصالة العبلقة بين المحتوى التقدمي الديمقراطي

ليذا التراث، والمحتوى التقدمي الديمقراطي لحركة التغيير المعاصرة وثقافتنا الحاضرة، دحضا لكل وكذلك األمر بالنسبة لمناىج التعميم في . محاوالت اإلفتراء بأن المحتوى المعاصر دخيل ومستورد

المدارس والجامعات والمعاىد، وكذلك قضايا تربية النشء والتثقيف ومحاربة التسطيح واالستبلب الثقافي، البديل المرتبط بمشروع التنمية واإلنفتاح عمى : واإلطار العام لكل ذلك ىو. الخ....وقضايا الشباب والمرأة

32

آخر منجزات الثورة التكنموجية والثقافة العالمية، وبطرح تصور لتقديم المعرفة بذات الجودة لمجميع بدون وىكذا سيتم إحياء سر البناء المتمثل في تحرير العقل وعدم . أستثناء، وبدون أعباء مالية عمى المواطن

إعتقالو في سجون التجريم والتحريم، مما يساعد عمى نمو مجتمع مدني قادر عمى التصدي لدوره في نسوق كل ذلك دون تيويل أعمى، ودون . التوعية والتثقيف ومراكمة جزيئات النيضة الحضارية الجديدة

!! إفتراض أن االنتكاسات قد ولى زمانيا

وبالتالي فإن الخطوة األساسية في فك . إن اإلنسان، ىو الجوىر العام ألي مشروع نيضوي حقيقيوكما . شفرة النيضة والتقدم وبعث األمة تقوم عمى فكرة وضع اإلنسان فوق جميع اإلنتماءات الممكنة

، فإن األوروبيين ظموا لعدة قرون يتقاتمون بدافع من الوالء لمممك أو لمسيد 32أشار جيمبير األشقراإلقطاعي أو لديانة أو لشيعة أو لطائفة أو لبمد، إلى أن دعا مفكروا التنوير وعصر النيضة إلى وضع

ولعمنا جميعا قد إطمعنا عمى اإلعبلن الشيير الذي صدر عن المفكر . اإلنسان فوق جميع تمك اإلنتماءاتلو عرفت )): الفرنسي مونتسكيو، والذي لخص فيو جوىر فكرة عصر التنوير حول التوجو نحو اإلنسان

ولو عرفت شيئا يفيد عائمتي وال يفيد وطني، . شيئا يفيدني ولكنو يسيئ إلى عائمتي، ألبعدتو عن ذىنيولو عرفت شيئا يفيد وطني ويسيئ إلى أوروبا، أو يفيد أوروبا ويسيئ إلى الجنس البشري، . لحاولت أنساه

(. (إلعتبرتو إجراماوأعتقد أن الخطوات األخرى البلزمة لفك شفرة النيضة والتقدم وبعث األمة، وىي أيضا خطوات رئيسية وىامة، ال بد أن تتضمن عممية إحباط مفعول األلغام اآليديولوجية الكثيرة الناتجة من تباين

الخيارات الفمسفية والمذاىب الفكرية والدينية، ومن سوء الفيم والتنافس الطبيعي بين األحزاب والجماعات وبالمقابل تعزيز التفاعل بين التيارات الفكرية المختمفة والمتعددة، وتحرير الوعي العام . واألشخاص

: والفردي معا من خطر اإلستمرار في معتقل منطق الثنائيات المحبطة والمواجيات المستنفدة لمطاقةاإلسبلم في مواجية العممانية، الميبرالية في مواجية الديمقراطية اإلجتماعية، الوطنية في مواجية األممية،

الخ، ...القبيمة، الداخل في مواجية الخارج، المحمي في مواجية األجنبي/األمة في مواجية اإلثنية/القوميةلى تحقيق وذلك في سبيل الوصول إلى تفاىم وطني راسخ يفضي إلى صياغة مشروع وطني تنموي، وا

الثقافي لممكونات التي تقوم عمييا الحداثة المجتمعية، وفي مقدمتيا الحرية – التحديث الفكري . والديمقراطية وحقوق اإلنسان، العدل، المساواة، المواطنة، العمم، حب العمل، وتوفير لقمة العيش الكريمة

.2006، ثس١، د٠سجس "أشىب١بد أشخ اظب اؼسث إشىب١بد اضخ"سبخ ف دح جج١س األشمس،- 32

33

وىكذا، فإن مشروع النيضة والبعث الحضاري، ال يمكن أن يتحقق إال إذا توفرت لو جممة من الركائز واإلصبلح الديني، حل قضايا القوميات، التعميم، الديمقراطية، اإلستنارة: الرئيسية، أىميا في إعتقادي

وأي من ىذه الركائز يمثل مبحثا قائما بذاتو، وتحديا حقيقيا مستفزا لعقول وقدرات مفكرينا . والتنميةنما ليصب الناتج في ومثقفينا، ال عمى مستوى التنظير المجرد والمعتقل في زنازين الثرثرة الثقافية، وا

وعند ىذه النقطة فقط، يتحدد ويتحقق موقع . معتركات الصراع اإلجتماعي وحراك البحث عن البديل وحتى إذا إفترضنا توفر وتحقق الديمقراطية واإلصبلح الديني لكن،. المثقف ودوره في التغيير الثوري

وحل قضايا القوميات والتعميم والتنمية، بإعتبارىا من أىم الركائز األساسية إلنجاز المشروع النيضوي لبعث األمة، فمن الصعب تصور نجاح ىذا المشروع بدون توفر وتحقق ركيزة أخرى، ال بد منيا وال غنا

المفكر الفمسطيني كتب . عنيا، ونقصد بيا تخمق وتشكل المشروع الفكري الثقافي المصاحب لتمك الركائزأن األزمة التي تواجييا المجتمعات العربية قد نجمت، في األساس، عن أن : "الدكتور ماىر الشريف

التحديث الذي شيدتو ىذه المجتمعات عمى مدى قرنين، ظل تحديثا برانيا، لم يطال الميدان الفكري أما السبب في . الثقافي، بمفيومو الواسع، أي الحضاري، األمر الذي حال دون تحولو إلى حداثة جوانية

ذلك فيعود، في المقام األول، إلى إنتكاسة مشروع النيضة والتنوير، الذي كان ييدف إلى تحقيق مثل ىذا 33..."التحديث الفكري الثقافي

وعمى الرغم من القضايا المتشعبة التي ظل يفرزىا الصراع السياسي في بمداننا، فإن المردود النظري وفي الحقيقة، فإن اإلنفصام بين القاعدة . والثقافي كان دائما دون المستوى المطموب، أو دون المتوقع

، كميا من مغذيات ...والقيادة، بين الفكر والممارسة، وكذلك التعصب فى الدفاع عن المصالح الحزبيةالعقمية التي ال يمكن ان تستفيد من االختبلف والتنوع، الذى يوفره واقع التعدد في الببلد، لبمورة

نما تنتج عنو خصائص ثقافية مشتركة تفتح /صراع تبلقح فكرى ثقافى، ليس فيو منتصر أو ميزوم، وا بوابة اإلعتراف باآلخر لدخول فضاءات التعايش السممي المستدام، والذي أيضا بدونو ال يمكن إنجاز أي

ان عدم ايبلء الجيد النظري والفكري األىمية التي يستحقيا، ينعكس سمبا . مشروع نيضوي لبعث األمةبمعنى، يظل الفكري . عمى العمل السياسي وعمى العبلقة بين السياسي والفكري، بين الثقافي والسياسي

والثقافي خاضعا لمستمزمات العمل السياسي اليومي أو مبرراتو، فيفقد دوره وتميزه، ويصبح تابعا وليس ومن زاوبة أخرى، تجدر اإلشارة إلى أنو إذا نظرنا إلى قضايا الديمقراطية واإلصبلح . شريكا أو ناقدا

كوحدات منفصمة عن بعضيا البعض، سنصاب الديني وحل قضايا القوميات والتعميم والتنمية والثقافة،

.2006، ثس١، د٠سجس "أشىب١بد أشخ اظب اؼسث إشىب١بد اضخ"سبخ ف دح بس اشس٠ف،. د- 33

34

وفي ذات . بالعجز عن مواكبة الحياة دائمة التحرك، ومبلحقة العالم دائم التطور والتجدد من حولناآيديولوجي سنصاب بالعجز في مواجية الذات الحرة " جنزير"الوقت، إذا فكرنا في ربط ىذه الوحدات بأي . القادرة عمى تبين الخطى في دماس العتمة

ذو المسار السريع، والذي ال يتوقف في قطار المثقف والتحديات أدرك أنني أخذتكم في... في الختام

وبالتالي، كان من الصعب أن نوفي كل ىذه كل المحطات، وحتى التي يتوقف عندىا يكون توقفو قصيرا،لذلك، إكتفينا برسم بعض المبلمح العامة لكل . المحطات حقيا في إكتشاف كل تفاصيل فضاءاتيا الرحبة

كتشاف محطة، عمى أمل أن يساىم معنا اآلخرون، عبر الحوار والمثاقفة، في تدقيق الخطوط وا . التفاصيل، واإلقتراب من أستكمال الصورة

الشفيع خضر سعيد. د