بﻮﻘﻌﻳ ﺪﻤﺣأ :ﺔﻤﺟﺮﺗqattanfoundation.org/sites/default/files/u2/695_1.pdf ·...

210
ﺎر اﻟﻨُ ﺎﻃﻴﺮَ َ أ اﻷﻣﺮﻳﻜﻲّ اﻟﻬﻨﺪيُ ذاﻛﺮةْ ُ اﳋُ ﺷﺠﺮة(ﺣﻜﺎﻳـﺎت وأﺳﺎﻃﻴﺮ ﻋﺎﳌﻴﺔ) إرﻣﻴﻨﻴﻮ أﳌﻨﺪروس ﺗﺮﺟﻤﺔ: أﺣﻤﺪ ﻳﻌﻘﻮب ﻣﺮﻛﺰ اﻟﻘﻄﱠ ﺎن ﻟﻠﺒﺤﺚ واﻟﺘﻄﻮﻳﺮ اﻟﺘﺮﺑﻮي٢٠٠٤ ﻓﻠﺴﻄﲔ- ﻣﺆﺳﺴﺔ ﻋﺒﺪ اﶈﺴﻦ اﻟﻘﻄﱠﺎن

Upload: others

Post on 17-Feb-2020

2 views

Category:

Documents


0 download

TRANSCRIPT

١

أساطير النارذاكرة الهندي األمريكي

شجرة اخلبز (حكايـات وأساطير عاملية)

إرمينيو أملندروسترجمة: أحمد يعقوب

ان للبحث والتطوير التربوي مركز القطان- فلسطني ٢٠٠٤ مؤسسة عبد احملسن القط

عنوان الكتاب: حكايات عتيقة

تأليف: إرمينيو أملندروس ترجمه عن اإلسبانية: أحمد يعقوب

Book Title:Oros Viejos

Author: Hermino Almendros

Translated by: Ahmad Ya’aqoub

Editorial Gente Nueva La Habana Cuba: صادر عن

الناشر: مؤسسة عبد احملسن القطانان للبحث والتطوير التربوي مركز القطفلسطني رام الله – الطبعة األولى ٢٠٠٤هاتف: ٢٩٦٣٢٨١ ٢ (٩٧٢)فاكس: ٢٩٦٣٢٨٣ ٢ (٩٧٢)

Publisher: A.M.Qattan FoundationQattan Center for Educational Research and Development

P.O. Box 2276 Ramallah – PalestineFirst Edition – 2004

ISBN:9950-313-12-0

Tel: +972 2 2963281Fax: +972 2 2963283

www.qattanfoundation.org

التصميم واإلخراج الفني: أضواء للتصميم

٣

اإلهداء

إلى ابني أدونيس..إلى الطفولة التي أمعنوا في االعتداء عليها...!إلى الطفولة كي حتلق في تخيالت ال تنتهي

إال باإلنسانية احلاملة واملبدعة ..أحمد يعقوب

٥

متهيدفي هذا الكتاب قصص منتخبة من أنحاء مختلفة ومتنوعة، وهي قصص أنتجتها الذائقة لشعوب كثيرة عبر رحلة طويلة من اخليال! وقد ترجمت هذه القصص من اإلسبانية إلى العربية، وكان جامعها قد بذل جهدا هائال في جمعها من ثقافات والكون للحياة تصورات ومحتواها جمالياتها في تعكس وهي عديدة. إنسانية

والقيم واملفاهيم والعالقات ... وتتيح لنا أن نشغل املخيلة كثيرا ونحن نقرأها.وإذ نضعها بني أيدي املعلمني مترجمة إلى العربية، فإننا نتيح فرصة لتلمس غناها وسبر ما تنتجه من عالقات اجتماعية ثقافية روحية متنوعة، فهي تكشف لنا عن هذا املزيج الهائل والغني الذي مييز الثقافات اإلنسانية على اختالفها وتنوعها. فميزة الكتاب أنه يجمع حكايات من الشرق ومن الغرب على حد سواء، وبذلك،

فهي تشكل مادة ثرية للمعلمني.التربوي والتطوير للبحث القطان مركز اهتمام إطار في الكتاب هذا يأتي بالقصص في سياق املناهج املدرسية، باعتبارها مصدرا غنيا للبحث واالستقصاء لدينا إن اللغوي. التعبير وبخاصة وأشكاله، بكل صوره والتعبير واالستكشاف قناعة راسخة بأهمية القصص في النمو اللغوي، وقد اشتغلنا في املركز على تقييم القصص في الكتب املدرسية املستندة إلى املنهاج الفلسطيني اجلديد، كما اشتغل باحثونا على توظيف القصص في سياقات تعلمية متنوعة، سواء في مجال اللغة العربية أم العلوم أم الرياضيات ... وأدركنا ذلك السحر الذي تبثه القصص في ثناياها وبأهميتها في عمليتي التعليم والتعلم. وضمن هذا اإلدراك، فإننا نقدم مادة إثرائية للمعلمني مجسدة في هذا الكتاب كي ينهل منه املعلمون

كلما ارتأوا ذلك ممكنا.ففي هذه القصص حرارة تنطوي على خبرة إنسانية مكثفة وعميقة، وتنهل من لنا استكشاف وجهات نظر مختلفة تتيح إليه، وهي عالم من اخليال، وتأخذنا وزوايا متعددة، وقد أثبتت الكثير من الدراسات والتطبيقات العملية، وفي مختلف أنحاء العالم، أن القصص تشكل مصدرا جوهريا للنمو اللغوي والتعبير الكالمي هائلة تعبيرية طاقة متتلك فالقصص أيضا، للكبار بل فقط، لألطفال ليس متعددة الداللة ومركبة العالقات، ولكل قصة سحرها اخلاص الذي يقودنا إلى عاملي اخليال والواقع، فنتحرك في كليهما ونحاورهما معا. فلكل قصة طبقات خطته ما فهناك واإليحاءات، الدالالت من متنوعة ومستويات العالقات من القصة لغة وفيها مسارات ألحداث ووقائع، ولكل مبناها السردي الذي مييزها عن غيرها، ولها شخصياتها وما تتضمنه من رسائل، وفي كل قصة ما لم تقله، وهو ال يقل أهمية عما تقوله في بنيتها الظاهرية، وما ميكن استكشافه فيها، سواء أكان

ذلك فيما يقوله السرد القصصي أم فيما لم يقله.

إن املتعة التي حتققها القصص لنا وألطفالنا ميكن أن تشكل مدخال نوعيا في هذه أيديكم بني نضع فإننا حني ولذلك لديهم، التعبيري النمو غايات حتقيق أو توظيفها، بل التعامل معها القصص، فإننا لن نضع لكم وصفات في كيفية إثرائية نوعية التفاعل معها، فهي تشكل مادة نتيحها لكم ونترك لكم خيارات ميكن لكم اإلفادة منها بصور مختلفة، سواء أكان ذلك من خالل القراءة، أم الرواية فقط، أم عبر مقاربات تتجاوز ذلك إلى أنشطة تفاعلية، تنطلق من االنطباع إلى فالدراما، فالتخيل، وكتابة، شفاهة فالتعبير فالكشف، فاالستكشاف، التحليل، فالرسم، فاملناقشة، فالكتابة على الكتابة ... . فالتعامل مع هذه القصص ميكن أن يكون متنوع األوجه، ومتعدد الطرائق، وأبسط ما ميكن فعله أن نتيحه لتالمذتنا كي يقرأوه، أو أن يناقشوا قصصه واحدة واحدة كما ميكن لكم أن توظفوا قصصه في أنشطة حتث على التفكير وحتفز على اإلبداع، وأن تعقدوا موازنات ما بني ما تنتجه ثقافة وما تنتجه ثقافة أخرى، ليس من قبيل املفاضلة بل من قبيل استكشاف اخلصوصيات وتنوع املصادر واختالف املالمح، إضافة إلى املعاجلات

املختلفة للموضوعات نفسها.بأننا أجرينا تغييرا بسيطا، ولكنه ذو داللة التنويه في هذه املقدمة وال بد من كبيرة فيما يخص تعبير "الهنود احلمر" الوارد في احلكايات اخلاصة باألمريكيني تعبير واستخدمنا حينا األصليني" "األمريكيني تعبير فضلنا حيث األصليني، "الهنود" فقط دون إقرانها "باحلمر"، ألننا نعتقد أن هذا التعبير قد يحمل داللة أمريكا سكان لوصف األوروبيني الغزاة قبل من استخدم تعبير فهو عنصرية، األصليني. ومن املفيد هنا أن ال منر على هذا التعبير مرورا سريعا حني نشتغل على هذه القصص مع تالمذتنا، بل أن نضع هذه املسألة في وعينا، باعتبار أن املصطلحات ليست بريئة، أو محايدة، وإمنا حتمل في طياتها معاني ذات داللة ثقافية، فخلف هذا التعبير أو ذاك، يكمن تاريخ طويل يعكس مواقف وآراء وتوجهات

قد تصب في رؤية ثقافية ذات مالمح إنسانية، أو ذات مالمح عنصرية.إننا في مركز القطان للبحث والتطوير التربوي، وفي إطار عملنا البحثي، اشتغلنا على تقييم بعض ما تتضمنه الكتب املدرسية من قصص، كما أننا وظفنا القصص في كثير من األنشطة التفاعلية التعليمية مع املعلمني، ووجدنا كم لذلك من تأثير إيجابي على خلق إمكانية نوعية في النمو التعبيري لدى التالميذ، وليس فقط التعبير الكالمي، بل كل أشكال التعبير أيضا، لذلك فإننا ارتأينا إصدار هذا الكتاب على أمل أن يشكل إضافة نوعية ميكن للمعلمني أن يتعاملوا معه كأحد املصادر

الطبيعية غير املصطنعة في عملهم التربوي.وسيم الكردي

٧

احملتـويــاتالكتاب األول: ذاكرة الهندي

األزتيك - حب البراكني

- إله الهواء واحلياة املايا

- وردة ماياب البيضاء - طائر الفوهوي

- أمريكا اجلنوبية - جبل ايوان

عذراوات الشمس - الراعي وبنات الشمس

- أويانتي - الذاكرة الساحرة للهنود

األركانوس - كاوفوليكان

أرض الفضة - اسافي

- املرأة والفهدة

الكتاب الثاني: أساطير النار أمريكا الشمالية

نيوزيلندا اليونان

الكتاب الثالث: شجرة اخلبز اليابان

- العجوز غوارديان - اسوغاي املسكني

الصني - حكاية إله اخلزف والبرسالن

- هروب الرسام "لي"

١١ ................................................................................................١٣ ...........................................................................................................................................١٥ ...................................................................................................١٩ ..........................................................................................٢٣ .................................................................................................................................................٢٥ ..................................................................................٣١ .................................................................................................٣٥ ...............................................................................................٣٧ ...........................................................................................................٤١ .................................................................................................................٤٣ .............................................................................٤٦ .....................................................................................................................٥٣ ..........................................................................٥٩ ....................................................................................................................................٦١ .........................................................................................................٦٥ ...............................................................................................................................٦٧ .....................................................................................................................٧١ .................................................................................................

.......................................................................٧٣ .................................................................................................٧٥ ......................................................................................................................٧٩ ........................................................................................................................................٨٥ ............................................................................................................................................

٨٩ ................................................................................................٩١ ..............................................................................................................................................٩٣ ...........................................................................................٩٧ .........................................................................................٩٩ ..............................................................................................................................................١٠١ .............................................................١٠٧ ...................................................................................

١١١ .................................................................................................................................................١١٣ ........................................................................١١٧ ...........................................١٢١ ...................................................................................................

١٢٥ ....................................................................................................١٢٧ ........................................................................................................................١٢٩ .................................................................................١٣١ ..............................................................................١٣٧ .........................................................................................................١٣٩ ................................................................................................١٤١ ........................................................................١٤٣ ...................................................................................١٥٣ ........................................................................................................١٥٧ ...............................................................................................................................١٥٩ ..................................................................١٦٣ ............................................١٦٧ ........................................................................١٧٣ .................................................................................................................١٧٥ ..................................................................١٨١ ..............................................................................................

١٨٢ ..................................................................١٨٧ .......................................................................................................١٨٩ ......................................................................................................١٩٣ .................................................................................٢٠٣ ...........................................................................................................

الهند - البراهما والنمر وابن آوى

- كيف نبتت شجرة اخلبز في الهند؟ - حيوان النمس

الكتاب الرابع: طفلة الثلج أوروبا/ روسيا:

- "سينغورتشكا" طفلة الثلج - اسفياتوغور والعمالقة

(Rhine) بالد الراين - الفارس األخير

- الطفلة العمالقة والفالح - حكاية احملتال تيل

- لعنة اخلبز اسكندينافيا

- امللك الذي جاء من البحر - كيف تشكلت جزيرة دي سي الند؟

- عبقرية الناس البسطاء اجلزر البريطانية

- حكاية وليم دي كالوديزلي - الفارس جيريان

الكتاب اخلامس: الطفل دان والوحش إفريقيا/ بالد النيجر - سامبا غانا

- األصيل ابن األصول - دان- أوتا

٩

مقدمةعام، بشكل العربية للطفولة هنا نقدمها التي عاملية وأساطير حكايات وللفلسطينية على وجه اخلصوص، هي نصوص في غاية الروعة واجلمال. وهذه الغاية في الروعة تتأتى من جمالية مواضيعها، وثراء ثيماتها، وتنوع تواريخ حدوثها،

وأمكنتها، ومصادرها اجلغرافية، فتشمل القارات القدمية واجلديدة.تتحدث هذه األساطير واحلكايات عن شعوب الهنود في القارة األمريكية، وعن التاريخ الشفهي لتلك الشعوب التي أبادها االستعمار القدمي، وكانوا قوما لم يعرف الكتابة بعد، فتنقلنا حكاياتهم وأساطيرهم إلى الذاكرة الساحرة للهنود، عن تاريخ املكان وداللته األسطورية ورمبا فلسفته، كما عن معتقداتهم الغيبية وطقوسهم

في احلياة، وحتدثنا عن احلب العذري، وعن الفروسية والبطولة.فإضافة األسطورة، تنوع في كبيرة تاريخية إضافة فثمة النار، أساطير وعن إلى األسطورة اإلغريقية املعروفة بأسطورة بروميثيوس، فإننا جند هنا أسطورة طفولية ومخيلة فائقة بسحرية تتحدثان نيوزيالندا، ومن الشمالية، أمريكا من

خصبة.واليابان، القدمية، والصني الهند، عن النصوص هذه آخر، حتدثنا جانب وفي وعن احلكمة التي وسمت شعوب تلك البلدان، وكذلك عن أفريقيا، وعن شعوب

الفايكينغ واجلزر البريطانية واألراضي املنخفضة (هولندا).باللغة العاملية، جاء عنوانها األصلي واألساطير هذه املختارات من احلكايات لكلمة اجلمع "OROS"، فهي أما لكلمة ذهب، اجلمع "VIEJOS" وهي اإلسبانية: "عتيق أو قدمي". لهذا، ستكون الترجمة احلرفية: "مجموعة ذهب عتيق"! وعندما باللغة كنز مفردة بأن علما عتيقة"، "كنوز أكتبها فإنني الترجمة، في أتدخل اإلسبانية هي: "TESORO"، وليست "ORO"، مع أن مفردة "ORO" تدخل في نسيج

كلمة الكنز! وهنا يتضح مقدار تدخل املترجم في النص األصلي.حقا إن هذه النصوص هي لقيا أثرية، بل إنها كنوز تاريخية، نقدمها إلى أطفالنا

بكل احملبة واإلخالص، للمخيلة البريئة وهي حتلم مبستقبل أفضل.

أحمد يعقوب

١١

الكتاب األول:ذاكرة الهندي

١٣

∂``«JRC’Gáeó≤e

Iɪ°ùŸG áÑ°†¡dG ¤EG ∫ƒ°UƒdG øµÁ ,᫵«°ùµŸG ¢VQC’G ‘ áÄaGódG »°ù∏WC’G ÅWGƒ°T øe

∂∏àH ᣫëŸG ∫ÉÑ÷G ‘ ájôé◊G êGQOC’G áYƒª› Oƒ©°U ÈY (Anahuac) "∑Gƒ¡fCG" º«≤j ¿Éc ,êƒ∏ãdG É¡ªªb ƒ°ùµJ AGOôL ∫ÉÑéH áWÉëŸGh á©ØJôŸG ¢VQC’G √òg ‘h .áÑ°†¡dG

≥WÉæŸG √òg ‘ ¿hô°ûàæj GƒfÉc ó≤a ,¿ÉÑ°SC’G IGõ¨dG ∫ƒ°Uh πÑb ,¿ƒ«∏°UC’G ¿Éµ°ùdG ,Oƒæ¡dG

∂«°ùµŸG áæjóe ø°†àëj …òdG ÒѵdG …OGƒdG ∑GP ≈àM á©ØJôŸG É¡dÉÑLh É¡JÉHÉZ OGóàeG ≈∏Y

≥jô©dG ∂«JRC’G Ö©°T IQÉ°†ëH áahô©ŸG Oƒæ¡dG IQÉ°†◊ ¢ù«FôdG õcôŸG ¿Éch ,Ωƒ«dG

.áeRÉ◊G á«æjódG ¬°Sƒ≤£Hh ,IAÉصdG …hP ,ÚëaɵŸG ¬dÉLôH kGóL Qƒ¡°ûŸGh

,ÉgQÉgORG êhCG ‘ ∂«JRC’G ájQƒWGÈeEG âfÉc ,ô°ûY ¢SOÉ°ùdG ¿ô≤dG ‘ IGõ¨dG ∫ƒ°Uh óæYh

áaôNõŸG á©FGôdG Qƒ°ü≤dÉH OÓÑdG äôNR óbh ,∫ÉÑ÷G ∂∏J øe ó©HCG ¤EG äOó“ ób âfÉc PEG

á¡dB’G π«KɪàHh ,äÉeGôgCG πµ°T ≈∏Y Ió«°ûŸG ᪵◊G óHÉ©eh ,πcÉ«¡dÉHh ,π«ªL πµ°ûH1.á°Só≤ŸG äÉfGƒ«◊Gh

ájQƒ£°SCG äÉjɵMh ,óHÉ©e ÉjÉ≤Hh ,¿óe QÉKBG :¿B’G ≈àM áªFÉb ∫GõJ ’ IQÉ°†◊G ∂∏J QÉKBG ¿EG.á∏«°UC’G IQÉ°†◊G ∂∏J ≈∏Y ógGƒ°ûc á«dƒ£H ºMÓeh

.º¡àdÓ°S π°UCG ÉgQÉÑàYÉH É¡«dEG ô¶æj ¿Éch ,áÁó≤dG ܃©°ûdGh πFÉÑ≤dG ¢†©H É¡°Só≤J âfÉc äÉfGƒ«M :ºWƒ£dG 1

١٢

١٥

حب البراكنيومدينته"تينوتش عظيمة، سلطة اجلبار األزتيك إلمبراطور كان ألرض املستقلة العاصمة باخليرات والغنية الكبيرة تيتالن" تي

"أنهواك" الشاسعة.أما القبائل واملدن األخرى، سواء أكانت كبيرة أم صغيرة، التي منت هنا وهناك بني الغابات، فقد كان شيوخها في خدمة اإلمبراطور األزتيكي، فكانوا يدفعون الضرائب، التي كانت تتدفق على "تينوتش

تي تيتالن" عاصمة اإلمبراطورية فتزداد عظمة وسطوة.فإن وغنية، عظيمة كانت الشاسعة "أنهواك" إمبراطورية أن ومع جميع قبائلها لم تكن سعيدة، فالكثير من ذهب تلك القبائل ورجالها تيتالن" تي "تينوتش من كفرض األزتيك، ملعابد قرابني يقدم كان

العظيمة على القبائل احمليطة.كانت شعوب القبائل متعبة من تلك العبودية، وشيوخها يكظمون لكن اجلميع. سيد العنيف اإلمبراطور عقاب من خوفا تذمرهم إرادة السماء كانت قد أعدت شيئا ما، وما قدر أن يكون فقد كان. فالشيخ العظيم ململكة "تالكس كاال"، وهي إحدى القبائل اخلاضعة إلمبراطورية األزتيك، كان قد قرأ ذلك، قرأه في ضوء النجوم. ومنذ ذلك اليوم وضع إرادته إلى جانب إرادة الزعماء والشيوخ اآلخرين من كل املمالك والقبائل، وقال: "سيمضي شعبي في الطريق الذي اختارته اإلرادة العليا لنا جميعا. فلنتحد لنتحرر من تلك العبودية. ال ذهب بعد اليوم، وال فتية من أجل مذبح األزتيكيني". لكن اخلوف

شل إرادة زعماء القبائل األخرى.أما الزعيم الشجاع واملتمرد، شيخ مملكة "تالكس كاال"، فقد بقي وحيدا مع شعبه في مواجهة األزتيكيني. وبدأت احلرب بني رجال "تالكس كاال" من جهة، واألزتيكيني الشجعان الذين انضم إليهم آخرون من سبع

ممالك من جهة أخرى.كان النجوم، رسومات في هناك مكتوبا كان الذي الصراع هذا قدر الزعيم الشجاع الذي متكن من قراءة املغامرة الكبيرة التي

١٤

اصطفته اآللهة لتحقيقها، لم يقل ألحد، ولم يعلم بها أحد غيره إال كاهن ساحر متكن بدوره، أيضا، من قراءتها وفهمها، وكتم السر أيضا.

فلقد حدث أن أسرت فتاة بحبها احملارب الشجاع "فوفوكاتيفيتي"، بطل الناضجة، الذرة حبات مثل اجلمال، رائعة الفتاة كانت كاال". "تالكس األميرة إلى بحب تنظر كانت العيون وكل الصباح. مثل وبهية وجميلة اجلميلة "اكستاك سيهوات"، لكن األكثر شجاعة من بني احملاربني وضع

عينيه البراقتني وقلبه عليها.وعندما خرج احملاربون، "التالكس كاليني" إلى خوض املعركة في مواجهة القيادة أعطيت األزتيكيني، مع احتدت قد كانت التي السبع املمالك للشجاع "فوفوكاتيفيتي" صاحب احلب الصامت لألميرة، الذي ال يخضع

وال يركع، وطلب أمنية واحدة فقط:فأنا "إكستاك سيهوات" زوجة، إذا عدت منتصرا فاجعل لي "يا سيدي،

أهيم بها بصمت".وسيد "تالكس كاال" العظيم وعد، والوعد كان احتفاال عظيما على شرف

االنتصار، وعلى شرف الزوجة الرائعة مثل الشمس."فوفوكاتيفيتي" الذي ال يهزم مضى أمام رجاله احملاربني، يقوده األمل اجلميل لقلبه، اجتاز الغابات، صعد التالل، اجتاز السيول اجلارفة والبحيرات، يقاتل ضد مئات ومئات من اجلنود، يصارع وينتصر، ويحارب دون هوادة، ال يهزمه الوهم،

وبعد مئات املعارك فها هو بطل عظيم ومنتصر، وفقا لوعد اإلرادة العليا.لقد قاتل "فوفوكاتيفيتي"، وهو احملارب األعظم، وقد انتصر، ليعود مكلال بها وحلم بها وعد التي اجلائزة عن ليبحث يعود النسور، طيور بريش

كثيرا.وفي شوارع مدينته يستقبل باملوسيقى وأفراح النصر، لكن في قصر امللك كاال" "تالكس سيد خرج عندها القلب. يجمد صمت هناك كان الكبير وجعله يده، من "فوفوكاتيفيتي" وأخذ فاجعة، ونظرات صامتة، بخطى ميضي معه في أروقة ظليلة، حتى وصلوا إلى سرداب محفور في الصخر.

وهناك رأى األميرة "إكستاك سيهوات" ملفوفة بكفن املوت األبيض.قال السيد الكبير بصوت مخنوق باحلشرجات: "لقد خبأتها لك يا ولدي،

لكن املوت خطفها".

١٧

مع معاهدة يوقعون وجعلهم ملوك، الذي هزم ستة البطل لكن "تالكس كاال"، لم يتكلم، فهو يشعر أن انتصاراته قد أحبطت، وأن اب سيده األعظم قد خذله. أحس بقوة خفقان دمه، اهتز قوس النشبني يديه، نادى على الظالل، ظالل أسالفه، أطلق صوته إلى السماء

التي أهدته النصر لكنها خذلت حبه.وفي الليل، وبينما البطل يروح ويجيء، وكأنه يهذي، وقد بدا لنفسه في ضوء القمر كأنه أصبح عمالقا ضخما جدا، انطلق يأمر، ويصرخ، ويحرك آالف احملاربني الذين ينطلقون عظماء حتت ضوء القمر، األرض، ويجمعون التراب، ويحركون ويرفعون الغابات، فيجتازون قبالة ويرفعونها الصخور، ويكومون هائل، مدرج في اجلبال

النجوم.ويقفز احلبيبة، الشابة ذراعيه بني "فوفوكاتيفيتي" يأخذ عندها، بها مدرجات اجلبال، وميضي بها. وهناك في القمم يضعها ممددة يضيء احملارب، ينحني جانبها وإلى القمر، ضوء حتت وبيضاء

بقبعته شعلة احللم األبيض لألميرة الهندية الرائعة اجلمال.جبلني و"فوفوكاتيفيتي" سيهوات" "إكستاك احلبيبان صار لقد

تغطي قمتيهما الثلوج حتت شمس "أنهواك" كخامتة حب خالد.

١٦

١٩

إله الهواء واحلياةإله " كيتزال كوتال" الهنود، اآللهة عند إنها حكاية من حكايات الهواء واحلياة، الذي هبط إلى العالم من أجل أن يفتدي الناس، ويساعدهم، ويعيش معهم، حيث شعر جميعهم بحبه ألنه كان إلها

طيبا، وال ميكن أن يأتي منه أي سوء. وعنه يروون:عندما ولد البشر، لم يكن في الدنيا شمس وال قمر. عندها اجتمعت إنارة من متكنها التي بالطريقة لتفكر "تيوتيهواكان" في اآللهة

السماء واألرض، وبذلك يتمكن البشر من الرؤية.قالت اآللهة كلمات كثيرة في ذلك املجلس. وفي اخلتام قررت أن

يضحي إله بنفسه، وأن يتحول إلى شمس.وجبارا، غنيا إلها كان األول للتضحية. تطوعا اآللهة من اثنان والثاني كان إلها فقيرا ومريضا. هناك بالضبط، في" تيوتيهواكان"

رفعت اآللهة ميزانا، من احلجر، وإلى جانبه أضرموا نارا كبيرة.استعدت اآللهة طيلة أربعة أيام متتالية، وقد صام اإللهان اللذان سيقدمان التضحية، وفي اليوم اخلامس اصطفت اآللهة األخرى، في صفني طويلني، وأمامها كانت تشتعل احملرقة ضخمة وبراقة.

مرات ثالث الغني جاهزين. صعد كانا الغني واإلله الفقير اإلله إلى امليزان، وفي املرات الثالث كان يخاف من الوهج ومن لون أغمض عينيه واحدة. مرة فقد صعد الفقير، اإلله أما الوميض. وقفز إلى اللهب مسببا بذلك احلرج لإلله الغني الذي بدوره قذف

بنفسه في النار أيضا.وانتظرت وتنتظر، تنتظر فيه اآللهة كانت طويل، أطبق صمت أياما أربعة حتى خمدت النار. وفي اليوم الرابع بدأت السماء تتحول إلى احلمرة، وأخيرا ظهرت الشمس. وفي الوقت نفسه تقريبا، وفي اجلهة املقابلة من السماء، ظهر القمر رائعا وبراقا كالشمس متاما.

اعتقدت اآللهة أن ما تراه مجرد وهم فامتعضت. أخذ أحدها أرنبا، وقذف به نحو القمر، فبدا بياض األرنب، وقد ظهرت عليه بقع من

١٨

الظل، ولم يحتج األمر ألكثر من نظرة واحدة للتأكد من أن ذلك قد حدث فعال.

وبينما اآللهة مذهولة، وهي تنظر إلى احلدث الغريب، كانت الشمس في صفحة السماء ساكنة ال تتحرك، وكذلك القمر. ونظرت الشمس في عيون أيضا علكم تصيرون بأنفسكم "القوا وقالت: واملندهشة، املتسائلة اآللهة

جنوما في السماء".وأرسلت الشمس ريحا قوية وغريبة ضربت األرض، وخطفت اآللهة، وحولتها إلى جنوم، سمرتها في السماء. وعندئذ، دار كل شيء في الفضاء بفضل قوة الرياح تلك. ومنذ ذلك الوقت تتقد النجوم عندما تنطفئ الشمس. وتنطفئ

عندما تضيء.كل هذا قاله كيتزال كوتال إلى الرجال في مدينة "توييان" العظيمة. لكن ماذا يقول الناس عن اإلله الطيب، إله احلياة، إله العطاء، عن "احلية ذات الريش"؟ وهو االسم الرائع لـ"كيتزال كوتال" الذي عاش في "توييان"، حيث كان الناس سعداء، فقد علمهم كيتزال كوتال كيف يكونون سعداء، ألنه علمهم أن يعملوا وأن يتمتعوا بالعمل. ولذلك، كان الناس في "توييان" يعملون في األرض بشغف، فينمو نبات الذرة في عرانيس كأنها من ذهب. والقطن أيضا

ينبت بكل األلوان، فال يضطر الناس لصبغه بعصير جذور األعشاب.في "توييان" أيضا، سبك الناس الفضة والذهب. وصقلوا األحجار الكرمية، وصنعوا التماثيل والبيوت من احلجارة. وزخرفوا فسيفساءات بريش طيور والقمر الشمس ورسموا "غواكامايو"،٣ والـ والـ"كوليبري"،٢ الـ"كيتزال"،١

وحركة األفالك بإشارات.لقد علم كيتزال كوتال كل هذا للناس في "توييان". لكنه لم يعلمهم فن احلرب، لهذا لم تصبغ حقولهم أية دماء بشرية أبدا. ولهذا، فإن الناس في ـروا كيتزال كوتال، وشيدوا له قصرا ومذابح ممتلئة دائما باخلبز "توييان" وقوالورود واملسك. فقبل مجيء كيتزال كوتال، لم يكن نبات الذرة موجودا فقد والصيد. النباتات يعيشون على جذور الناس كان إذ "توييان"، في كانت حقول الذرة محصورة بني اجلبال، ولم يكن مبقدور أحد أن يجلبها

إلى الناس.

طائر الكيتزال طائر من طيور أمريكا الوسطى (املترجم).١

٢ طائر الكوليبري طائر أمريكي حجمه صغير جدا له منقار طويل ومدبب، له ريش كثيف يسمونه العصفور الذبابة (املترجم).

طائر الغواكامايو طائر ببغاء كبير ريشه أحمر وأزرق وأصفر (املترجم).٣

٢١

إلى التي كانت تغلق املمر أن تفصل اجلبال آلهة كثيرة حاولت جاء األيام، أحد وفي ذلك. من تتمكن لم ولكنها الذرة، حقول كيتزال كوتال وعرف كيف يصنع األشياء بطريقة ثانية غير طريقة القوة. فلقد حول نفسه إلى منلة سوداء ومنلة حمراء. وبدأ يصعد

اجلبل الذي كان نبات الذرة ينبت خلفه.كان اجلبل شاهقا تكاد قمته تعانق السماء، وحوافه حادة ومنحدرة، وكان الوادي عميقا، لهذا، كان ال بد من بذل جهد كبير الجتياز كل تلك املعيقات اخلطيرة، لكن كيتزال كوتال كان يشعر بحب الناس في قلبه، ولهذا لم يسمح للتعب أن يهزمه، فاجتازت النملتان كل

املعيقات.الصاعدة احلواف وعبرتا وشاهقة، حادة صخورا النملتان وصعدت

باجتاه السماء، وفي النهاية وصلتا إلى املكان الذي تنبت فيه الذرة. أخذ كيتزال كوتال بـ"فكيه" كنملة حبة ذرة ناضجة جدا وعاد إلى توييان. وهناك زرعها الناس ألول مرة، ومنذ ذلك الوقت تخلوا عن الصيد، وبدأوا ببناء املدن واملعابد، تغمرهم سعادة االستقرار. ومن حينها واجلميع يحترم ويقدس ذلك اإلله الطيب، صديق الناس، إله

الهواء واحلياة كيتزال كوتال.

٢٠

٢٣

* ÉjÉŸG

:áeó≤e .(Yucatan) ,"¿ÉJÉcƒj" Ωƒ«dG ≈ª°ùj ÉŸ kGóL Ëó≤dG º°S’G »g (Mayab) ÜÉjÉe ¢VQCG

â– ,πNGódG øe É¡æµd ,Aɪ°ùdG â– ±ƒ°ûµŸG ɡ룰ùH lIôYhh lÜÉÑj l¢VQCG »gh

»YÉaC’G »JCÉJ »àdG ,áFOÉ¡dG AÉŸG ¿ƒ«Yh IÒѵdG ±ƒ¡µdG ⪰üH ¢†«ØJ ,ájôî°üdG áHÎdG

.É¡æe Üô°ûàd á«∏ªîŸG ±GôÿGh

É¡JQGôëH ¢ùª°ûdG √OóÑJ ¿CG πÑb kÉ≤jôH ìÉÑ°üdG ‘ ióædG É¡ëæÁ »àdG »°VGQC’G ∂∏J ‘

‘ ¬JGô¶f âqÑãj ,kÉÄ«£H kÉàeÉ°U »°†Áh .¢ùª°ûdG É¡àM qƒd »àdG ¬àæë°ùH …óæ¡dG ôÁ ,∑Éæg ,áÑgÓdG

.áÁó≤dG º¡JQÉ°†Mh ÉjÉŸG Oƒæg äÉjôcP ÅÑîj …òdG ó¡°ûŸG

∫ÉLôdG øYh .Ëó≤dG ⁄É©dG ܃©°T »bÉÑc ,≥jô©dG Ö©°ûdG ∂dP øY ±ô© oj Ée ƒg lπ«∏b lA»°T

É¡JÉJƒëæe ‘ êõà“ , môéM øe nóHÉ©eh ,á©FGQ kGQƒ°üb AGôØ°üdG ∫ƒ¡°ùdG »HGhQ ‘ Ghóq«°T øjòdG

.á°ûgóŸG á©jóÑdG ¢Tƒ≤ædGh ±QÉNõdG ™e Oƒæ¡dG √ƒLh

äGAÉÁEG ∫ÓN øe IQÉ°†◊G ∂∏àd ᪫¶©dGh IQOÉædG Iƒ≤dG ôjó≤J øµÁ ,øµd ,π«∏≤dG ±ô© oj

Aɪ°S ‘ A»°T πµd á≤«ª©dG ÊÉ©ŸGh …ô©°ûdG ïjQÉàdG ±ô©j …òdG ,¬MhQh ‹É◊G …óæ¡dG

.¬°VQCGh ÉjÉŸG Ö©°T

.≈£°SƒdG ɵjôeCG .Yucatan ,"¿ÉJÉcƒj" IôjõL ¬Ñ°T *

٢٢

٢٥

وردة املايا البيضاءكل الذين عاشوا في أرض املايا كانوا قد سمعوا عن االسم العذب "الوردة تعني "ساكنيكت" أن يعلمون جميعهم اجلميلة. لألميرة

البيضاء".كانت مثل القمر العالي الذي يسكن الليالي الهادئة. وكانت حبابة مثل وعذبة بهية حمامة العذب، بالهديل مطوقة حمامة مثل قطرات الندى، كانت جميلة مثل الوردة التي متأل احلقل بالسعادة املعطرة، ورائعة مثل ضياء الشمس الذي يضم كل األلوان، وناعمة كانت هكذا األغنيات. كل ذراعيها بني تأخذ التي النسمة مثل

األميرة ساكنيكت التي ولدت في املدينة الشامخة لـ"مايافان".أرض على كشقيقات الكبرى الثالث املدن يوحد السالم كان و"أوكسمال" والغالية، اجلديدة "مايافان" هي: واملدن ماياب. الرائعة، و"تشي تشني إتزا" التي كان فيها املذبح ومعبد احلكمة. لم تكن هناك جيوش، ألن ملوك تلك املدن كانوا قد قطعوا عهدا

بأن تعيش املدن مثل شقيقات.كل الذين عاشوا في ماياب سمعوا، أيضا، اسم األمير "كانيك"، الذي يعني "األفعى السوداء". وكان مقداما، وقوي القلب، وعندما أمت لثالث

مرات سبع سنوات، مت تنصيبه ملكا ملدينة "تشي تشني إتزا".في ذلك اليوم رأى األمير "كانيك "القوي القلب، "ساكنيكت". وفي تلك الليلة لم ينم األمير الشجاع والقوي القلب، ومنذ ذلك الوقت

بدأ يشعر باحلزن ميأل أيامه.كان عمر األميرة ساكنيكت ثالث مرات خمس سنوات عندما رأت األمير "كانيك"، وهو يجلس في عرش مدينة "إتزا"، فخفق قلبها بالسعادة، وملا حل الليل نامت وثغرها مشتعل بابتسامة مضيئة. األمير وحياة حياتها أن عرفت ساكنيكت استيقظت وعندما "كانيك" قد أصبحتا مثل نهرين يجريان معا ليقبال البحر. وهذا ما

حدث. وهكذا يغني أولئك الذين عرفوا ولم ينسوا ذلك التاريخ.

٢٤

في اليوم الذي مت فيه تنصيب األمير "كانيك" ملكا لإلتزيني، سكان مدينة اإلله. أمام نفسه ليقدم املقدسة "اتزمال" مدينة معبد إلى "اتزا"، صعد والعشرين الستة املدرجات نزل عندما صياد- -قدما قدماه اصطكت للمعبد، وارتخت ذراعاه -ذراعا محارب- كل ذلك ألنه رأى األميرة الوردة

البيضاء.كانت الساحة الكبيرة للمعبد تضج بالناس، الذين وصلوا من جميع أنحاء ما حدث. منه الحظوا قريبني كانوا الذين وكل األمير. ليشاهدوا ماياب األمير يغلق عينيه، ويشد على صدره األميرة، وشاهدوا ابتسامة الحظوا

بيديه الباردتني.كان هناك ملوك وأمراء املدن األخرى، جميعهم شاهدوه لكنهم لم يعرفوا أنه اعتبارا من تلك اللحظة بدأت احلياة اجلديدة للملك، واحلياة اجلديدة لألميرة تركضان مثل نهرين معا لتكمال إرادة القدر في األعالي. وهذا ما لم يفهموه ألنه كان من الضروري العلم أن والد األميرة ساكنيكت امللك اجلبار ألرض "ماياب" كان قد منحها إلى الفتى "أوليل"؛ األمير الذي يرث مملكة البيضاء" "الوردة واألميرة وأمراء، ملوكا جميعهم هناك كانوا أوكسمال. يركض كما معه، تركض حياتها لتجعل السوداء" "األفعى األمير اختارت

نهران معا إلى البحر.انتهى اليوم الذي تنصب األمير "كانيك" فيه ملكا على "تشي تشني إتزا". وبدأ العد لأليام السبعة والثالثني املتبقية لزواج األمير "أوليل" من األميرة

"ساكنيكت".جاء مبعوثون ورسل من مدينة "مايافان" إلى ملك "إتزا" الشاب، وقالوا له: فأجاب ابنته". زواج إلى حفل واحلليف الصديق "ادع لك: يقول "ملكنا،

امللك كانيك بعينني تشتعالن:"قولوا لسيدكم إنني سأحضر".

له: وقالوا كانيك امللك إلى "أوكسمال" مدينة ورسل من مبعوثون وجاء إلى للجلوس يأتي أن املعظم اإلتزانيني ملك من يطلب أوليل "أميرنا "قداس" زواجه من األميرة ساكنيكت". فأجاب امللك كانيك وكانت جبهته

تسبح بالعرق ويداه مشدودتان:"قولوا لسيدكم إنه سيراني في ذلك اليوم".

وفيما كان ملك اإلتزانيني وحيدا ينظر إلى النجوم في السماء ليسألها، جاءه

٢٧

السفير عند منتصف الليل على شكل قزم غامق وشائخ، وهمس له: "الوردة البيضاء تنتظرك بني األوراق اخلضراء، هل ستدع رجال آخر يذهب ويقطفها؟" واختفى مع الهواء أو حتت األرض، دون أن

يراه أو يعلم به أحد سوى امللك.في أوكسمال العظيمة كانت جتري التحضيرات لزفاف األميرة "الوردة برفقة األميرة "مايافان" خرجت ومن مدينة "أوليل". واألمير البيضاء" والدها والسادة العظماء في موكب مهيب، مأل الطريق بالغناء. وإلى أبعد من بوابة مدينة "أوكسمال"، خرج األمير "أوليل" يرافقه العديد من النبالء

واحملاربني الستقبال األميرة، لكنه، عندما شاهدها كانت تبكي.وبالفضة البري الديك وبريش بالرايات مزينة بأسرها املدينة كانت وبأقواس ألوان براقة، وكان اجلميع يرقصون، سعيدين وهم ال يدرون

ماذا سيحدث!أقيمت االحتفاالت الكبيرة طيلة أيام ثالثة، أقيمت للمدعوين في مدينة "أوكسمال"، وكانت املدينة تهتز بالسعادة، فال أحد كان يدري ماذا سيجري. وفي اليوم الثالث من االحتفاالت والقمر كان بدرا مدورا كالشمس، كان

ذلك هو اليوم الطيب لزفاف األمير حسب طالع السماء.لقد وصل إلى أوكسمال ملوك وأبناء ملوك، من كل املمالك القريبة الهدايا للعروسني اجلديدين. جاء بعضهم والبعيدة، وجلبوا جميعهم بأقحاف جاءوا آخرون ذهب. من لولبية قرون لها بخراف بيضاء، بزيوت محاربون جاء البراق. كيتزال بريش معبأة ضخمة سالحف بطيور موسيقيون جاء كما والياقوت. الذهب من وعقود الطيب مدربة على الشدو كموسيقى السماء. ومن كل األماكن، جاء سفراء يحملون هدايا ثمينة، ما عدا امللك كانيك ملك "تشي تشني إتزا". لقد

انتظروه حتى اليوم الثالث لكنه لم يصل، ولم يرسل أي مبعوث له.يعرفوا لم ألنهم اجلميع؛ على يسيطران والقلق االستغراب كان

السبب. لكن قلب األميرة كان يعلم وينتظر.لقد انتهى اليوم الثالث لالحتفاالت، ومت حتضير املذبح املخصص للقرابني، لكن، سيد اإلتزانيني األعظم لم يصل. لهذا، كف الذين األميرة زفاف "في حفل وقالوا: انتظاره السبب عن يعرفون ال ساكنيكت من األمير أوليل مت انتظار سيد تشي تشني ثالثة أيام

متتالية، لكنه لم يصل".

٢٦

الصافية األلوان ترتدي وهي املذبح قبالة تقف ساكنيكت األميرة كانت واملزدانة بالورود، بينما يقترب الرجل الذي ستقدم نفسها زوجة له. وردة ماياب تنتظر ... تتخيل الطرقات التي سيأتي منها امللك الذي وهبته قلبها. والصياد احلزين الشاب امللك كانيك بينما البيضاء، ماياب وردة تنتظر القوي يبحث يائسا في الظالل عن الطريق الذي سيسلكه، ليكمل مشيئة السماء. ففي حفل زفاف األميرة ساكنيكت من األمير أوليل مت انتظار سيد

تشي تشني ثالثة أيام متتالية، لكنه لم يصل.لكن، امللك كانيك وصل في الساعة التي كان عليه أن يصل فيها. قفز فورا وسط ساحة أوكسمال يرافقه ستون من رجاله احملاربني املهمني، وصعد بلباس وصل لقد ينشدون. والكهنة تتوهج النار كانت حيث املذبح إلى احلروب وعلى صدره شارة إتزا، وبدأ رجاله يصرخون: إتزاالنا! إتزاالنا! كما

يفعلون في ميادين احلروب.لم ينهض أحد ملواجهتهم. حدث كل هذا في حلظة، دخل امللك كانيك كالريح احلارقة، وأخذ األميرة بني ذراعيه على مرأى من اجلميع. لم يقو أحد على منعه، وعندما أرادوا النظر إليه، كان قد اختفى. وأمام املذبح بقي األمير أوليل مع الكهنة فقط. لقد ضاعت األميرة أمام عينيه يحملها

امللك الذي مر مثل البرق. وهكذا انتهت احتفاالت الزفاف.وفجأة قرعت القواقع، ودقت الصنوج، وانطلقت صرخة غضب أوليل في

الشوارع لتجمع رجاله احملاربني.كان األمير كانيك قد سار من مدينته تشي تشني إلى أوكسمال العظيمة، دون أن يراه أحد، لقد سار عبر الطرقات املظلمة، حيث توجد ممرات بني احلجارة، حتت التربة، في أرض املاياب املقدسة. هذه الطرقات لم يكن يعرفها أحد سوى أولئك الذين كان عليهم أن يعرفوها. وهكذا وصل األمير كانيك دون أن

يراه أحد ليخطف اليمامة العشيقة احللوة جدا على ضوء قمر قلبه.وها هي نصال األسلحة تسن ألول مرة في ماياب، وترفع رايات احلروب،

ويتوحد األوكسماليون واملايابيون ضد اإلتزانيني."آه من االنتقام!! سوف يسقط على رأس "تشي تشني"، وهي لم تنم إال

القليل وقد هدها التعب وألعاب األفراح".وأخذت الطرقات متتلئ بغبار املسير، وامتأل الهواء بصرخات احلرب وقرع

القواقع وضجيج صنوج احلرب!

٢٩

ماذا سيحل بك يا مدينة "تشي تشني" املتعبة والنائمة من سعادة غادر كيف هي سر كأنها بقيت التي املفاجأة لكن أميرك؟ مدينتهم وتركوا تشني"، "تشي في ومعابدهم بيوتهم اإلتزانيون جميعهم حيث الزرقاء؟ املياه ضفاف على مضطجعة اجلميلة كانوا ميضون في الليل، وهم يبكون على أنوار حملة املشاعل. كلهم مضوا على شكل أرتال، لينفذوا تعاليم اآللهة وينقذوا حياة امللك

واألميرة، نور ماياب ومجدها.كان امللك كانيك ميضي بني حملة املشاعل وسط اجلبال وخلفه أبناء إتزا، كان ملتفا برداء أبيض وجبهة خالية من التاج املصنوع من الريش. إلى جانبه األميرة ساكنيكت، التي كانت ترفع يدها وتشير

إلى الطريق واجلميع يسيرون في اخللف.وأخيرا وصلوا إلى مكان هادئ وأخضر، إلى جانب بحيرة ساكنة، بعيدا عن جميع املدن. هناك وضعوا سدة اململكة، وبنوا البيوت البسيطة في سالم. وهكذا جنا اإلتزانيون بفضل حب األميرة ساكنيكت، التي كانت قد دخلت إلى قلب األمير األخير لتشي تشني، لينقذها من

العقاب، ولكي يصنعوا حياتهما الصافية والبيضاء.عصافير، بال الغابة وسط وصامتة وحيدة تشني" "تشي بقيت ألنها طارت جميعها خلف األميرة ساكنيكت. وصلت إليها جيوش أصداء ال شيء، على فيها يعثروا لم لكنهم ومايابان أوكسمال القصور، وال أصوات املعابد الفارغة. عندها، أشعل حنقهم النيران في املدينة الرائعة، وأصبحت "تشي تشني" وحيدة وميتة مهجورة إلى جانب املياه الزرقاء. بقيت وحيدة وميتة يعطر أنقاضها عبير

ناعم يشبه البسمة والضوء األبيض للقمر."ومن يومها، تنبت الوردة البيضاء في ماياب في كل ربيع، تزين األشجار ومتأل الهواء بشذاها الطيب. وأبناء أرض املايا ينتظرونها ليحيوها بكل

حنان قلوبهم، وعندها يتم ذكر اسم األميرة ساكنيكت".٢٨

٣١

* طائر الفوهويكل من ميشي أو يكمن ليال في طرقات أرض الهنود/ املايا، عليه من تخرج قوية صرخة "فواهو"، تقول: صرخة سماع ينتظر أن

الصمت. وسرعان ما يسمعها مرات أخرى: فواهو! فواهو!من تأتي نشاب. قوس من مثل سهم الليل في الصرخة تنطلق هناك، من الطريق األمامي التي يجب على العابر أن مير بها. وفيما بعد يسمع حركة طيران تخمد بعيدا في الدرب، وعندما يقترب

الرجل، يعاود الصمت إطالق الصرخة احلادة: فواهو! فواهو!هكذا، ميضي املسافر، لتخرج له الصرخة مع كل خطوة، ويجفل، وتتكرر اجلفالت نفسها ورمبا حتى الشفق. ترى من يكون هذا املرافق اخلفي للمسافر؟ هذا الذي ميضي ويكمن ليال في دروب أرض املايا؟ ثانية ومرة ليطلق عليه صرخته؟ قريب املسافر أن يعتقد وملاذا

يبتعد، ويعود ويحط في الطريق ثانية لينتظر، وال ييأس؟ال أحد ميكنه توضيح ذلك، غير أحد الهنود الصامتني، والعارفني بأسرار األلغاز، والتاريخ، وروح األشجار، واألحجار، وكل شيء من

السماء، حتى األرض في املايا.إنها حكاية الفوهوي العصفور البريء وفاقد الثقة الذي يخرج في الطرقات، ليبحث عن أحد ما، يخبره شيئا عن ذاك الذي، منذ

سنوات عدة، سخر من نيته الطيبة وخدعه بال شفقة.واملسكني فوهوي ال يفقد األمل بالعثور على ذلك اخلداع. وعن

ذلك يقول الهنود في املايا:أراد الرب األعظم إيقاف العداوة واخلصومة بني الطيور، فحاول أن يضع لها ملكا يحكمها بسالم. أعلن الرب األعظم اقتراحه لكل الطير صاحب يوم محدد الطيور، ودعاها جميعا كي تختار في

احلسنات األكثر بينها.* El puhuy:طائر صغير جاء اسمه من طبيعة الصوت الذي يطلقه (املترجم).

٣٠

فاحتشدت الطيور جميعها، وبدأت تفكر بإظهار صفاتها احلميدة، وكل منها يكاد يكون متأكدا أنه سيكون امللك. قال البلبل جازما وهو الطير صاحب التغريد األكثر حالوة:

"يجب اختيار الطير صاحب الشدو األجمل". وبكل الثقة واملباهاة جرب موسيقاه بعد أن حط على أعلى أغصان الغابة.

فكرت البومة في داخلها: "بالتأكيد، فإن الرب األعظم سيختار الطير الذي ا من الطيور ال ميتلك النظر مثلي!". وثبتت عينيها الدائريتني ينظر، ولكن أي

في الليل، وبدأت تتخيل امللوك.املسمى أنا وسأكون قوة، األكثر اختيار سيتم "بالتأكيد الطاووس: قال ألصدر األوامر بني احملتشدين الكثيرين". وهز جناحيه العريضني، وكذلك

الغصن السميك الذي كان يقف عليه.قال النسر: "بالتأكيد من أجل حكم جيد يجب رؤية العالم من مكان مرتفع".

وانطلق النسر في السماء محلقا بني الغيوم.قال الديك املكسيكي: "بالتأكيد، فإن امللك سيكون من يصرخ بقوة أكبر، الديك !أنا! وأنا الذي يجعل اجلميع يسمع بالشكل فيجب إعطاء األوامر

املكسيكي، أنا قادر على ذلك، فإذا صحت، فإني أسمع حتى القمر".أما طائر الكاردينال١ فقد قال: "بالتأكيد سأكون أنا امللك، فمن عالمات امللوكية

أن تلبس فروة من األرجوان القرمزية كريشاتي التي تبدو شعلة متقدة".وهكذا شعر كل واحد من الطيور باالطمئنان من فوزه.

كان الطاووس قد سمع ما قاله اآلخرون من الطيور، عندئذ كان للطاووس إمكانية في التفكير على قادرا يكن لم وكئيبة. وشعثة متسخة ريشات ه كان بشعا وبائسا، لم يكن كالطاووس ـ اختياره، ألن بدنه كان ضخما، وزي

الذي نعرفه اليوم.بدأ الطاووس يفكر دون أن يفقد األمل، وجاء ليتفق مع صديقه الفوهوي الذي كان له ريش رائع. فقال الطاووس له: "يا صديقي تعال أحادثك بشيء يهمنا جدا نحن االثنني: الرب األعظم سيفكر بالتأكيد في تسمية الطير األكثر جماال واألكثر وتنقصك صغير، لكنك جدا، وفير ريش لك فأنت الطيور، على ملكا هيبة، العجرفة، أما أنا، فعلى العكس، لدي بدن له حضور كبير، وريشات أكثر وفرة.

لكنني ال أقدر أن أعطيك بدني، أما أنت فيمكنك إعارتي ريشاتك.

طائر الكاردينال طائر أمريكي لون ريشه رمادي، له خصلة شعر سوداء حول املنقار وغرة مرتفعة (املترجم).١

٣٣

كان الفوهوي يستمع إلى صديقه، فقال الطاووس له: "اسمع، تعال نعقد صفقة، أنت تعيرني الريش إلى أن يتم اختياري من قبل الرب ذلك من وأكثر لك، الريشات أرد ملكا أصبح وعندما األعظم،

سأتقاسم معك كل خيرات وتشريفات منصبي".فكر العصفور الفوهوي في ذلك للحظة، لكن الطاووس عاد يغريه بالوعود، والعصفور الطيب والواثق لم يقو على الرفض. وهكذا بدأ الفوهوي بخلع ريشه، ووضعها لصديقه فيما الطاووس يثبتها جيدا حسب مقاسه. وبدأت تنمو وتنمو حتى صارت غطاء بديعا بذيل

رائع تخرج منه ألوان الفضة والذهب."أيها الصديق الفوهوي، سوف ترى اخليرات التي سنتقاسمها معا. املسكني وبقي والبهرجة. باجلمال يختال وهو الطاووس، قال رأى طيورا وملا البرد. من يرجتف تقريبا الريش منزوع الفوهوي بني واختبأ باخلجل أحس منه تقترب الطريق في تأتي أخرى

األعشاب كي ال يروه.حل يوم املوعد أمام الرب األعظم، وحضرت جميع الطيور واثقة متأكدة، لكنها عندما شاهدت الطاووس بحلته اجلديدة املذهلة، بقيت مناقيرها مفتوحة من العجب والدهشة. فاختار الرب األعظم

الطاووس ملكا وسيدا للطيور.ومضى الطاووس بعجرفته وبنكرانه للجميل بعد تلك اللحظة التي حقق فيها

مبتغاه، فلم يعد يتذكر الفوهوي الطيب، الذي ساعده وضحى من أجله.بني مختبئا املسكني الفوهوي على الطيور عثرت األيام من يوم وفي األعشاب الطويلة، فاستغربت لنحافته وحزنت لذلك، عندها أعطاه كل واحد منهم ريشة من ريشاته، ولذلك فإن للفوهوي ريشا قليال، ومنذ ذلك بهذه يروه السبب، وكي ال ولهذا الوقت، ميضي خجوال ألنه فقد ريشه. احلالة، فإنه ال يخرج إال ليال، يخرج ليبحث عن الصديق النذل الذي خدعه! وألن الفوهوي طيب للغاية، فإنه يظن أن الطاووس سيفي بوعده يوما ما.

الفوهوي الطيب ال يفقد األمل أبدا، ويخرج إلى الطرقات وعندما يرى اإلنسان، فإنه يقترب منه ويصرخ به :فواهو! فواهو! مرة وثانية

يسأله إن كان قد شاهد الطاووس.يعد لم لهذا السيئة دون عقاب، األفعال يترك الرب األعظم ال

٣٢

الطاووس يشدو كما كان يفعل سابقا بصوت عذب. فلقد علم الرب بالفعلة الشائنة التي فعلها، فأمر أن ال يشدو الطاووس أبدا.

ومنذ ذلك احلني وفي كل مرة يحاول الطاووس فيها أن يطلق صوته للريح، فإنه ال يجد سوى الزعيق والكركرة التي جتعل الطيور األخرى تسخر منه.

٣٥

أمريكا اجلنوبية

مقدمة:في بالد غووايانا تتكثف الغابات، وتبدو وحيدة وبعيدة عن العالم، كأن أدغالها الرطبة شبك محكم، حيث األنهار العريضة جتري، تلفها

ظالل الغابة.ولكن سلسلة اجلبال العمالقة ذات القمم الشاهقة تبدو وقد نهضت من األرض وحطمت السور العظيم للغابة وصعدت من بني األدغال اخلضراء، مشكلة جبل إيوان الذي انبثق من صعود ضخرة عارية لتتربع على قمة السلسلة متجهة بجوانبها املهشمة واحلادة باجتاه السماء. ذلك اجلبل املقدس عند هنود األركانوس الذين يعتقدون أن اآللهة

تعيش فيه، ومنه تسير حياة البشر وترعى صحتهم.الرذاذ بسبب ورطبة، دافئة تكون األرض فإن الوادي، في أما

املتطاير من مياه األنهار اجلارية واخلضراوات الكثيفة.يحكي خالبة، أماكن توجد للوادي، احملاذية الغابة داخل في زائروها الكثير عن تلك األنهار، وعن الشالالت، وعن ما يسكنها من ببغاوات، وأفاعي الكوبرا، وأصناف الطيور املتنوعة، واحليات، والنمور، وحيوان التابير١،واخلرفان، والقرود الرمادية. ويروون الكثير وسط بائسة حياة تعيش التي الهنود قبائل عن احلكايات من في ايوان جبال سلسلة في واملنعزلة والبعيدة الهادئة األدغال

أراضي قبائل الكاريبي.

١ حيوان التابير من الثديات يشبه اخلنزير البري، لكن ساقيه أطول وأنفه متطاول على شكل بوق له شعر قصير يغطي جسمه وذيل يكاد ال يرى، يعيش في مناطق مدارية في أسيا وأمريكا الالتينية، وهناك من يأكل حلمه (املترجم). من الثديات الالحمة، سريع، يشبه الفهد، لكن،

جلده أصفر محمر ببقع سوداء، يعيش في غابات أمريكا قريبا من األنهار (املترجم).

٣٤

من الشالالت وتنفلت الغيوم، بني ايوان قمة تختفي املطر، أوقات وفي القمم، تقفز، تصطدم، تتحطم بني الصخور وترشح في الهاوية، بينما اجلبل الشمس تنير الغيوم، وعندما العمالق حتيطه أصوات عالية هي إضاءات

ذروة جبل "ايوان"، فإنه يبدو جليال ومثيرا للدهشة!هناك في األعلى تتشكل من الصخور قمم متباعدة منشطرة في أشكال هندسية، كأنها فصلت على مقاسات خيالية، وكأن األيادي اخلفية لآللهة امتدت لتضع على قمة اجلبل العمالق سورا من األحجار ومن بقايا كائنات

حية وأشياء غريبة جدا.املستحيل عليه ومن ايوان، قمة جبل تسلق يعجز عن اإلنسان كان وإذا األعمدة لتلك العشوائية األكوام هناك وضع الذي فمن إليها؟ الوصول أكواخ، وسقوف متاثيل، بقايا ووضع املهدمة؟ الساحات في املقطوعة ووحوشا في حالة ترقب، ونسورا بأجنحة مفتوحة؟ لكن، لم تكن هذه حالة قمة ايوان دائما، وعند الهنود األركانوس الشرح والتوضيح عن ايوان جبلهم

املقدس، الذي يقولون عنه:

٣٧

جبل ايوانالذي يجري قريبا من خاصرة "El Carao" الكاراو نهر عند ضفة جبل ايوان، كانت هناك مدينة في الزمان الغابر، اسمها "تي كوفاي Tey Cupay"، وكانت األكثر غناء وازدهارا بني جميع املدن، يتوافد تسكنه الذي اجلبل ليروا بكثرة، النائية القبائل من إليها الناس بني ومن املفقودة. والسالمة الصحة لإلنسان تعيد التي اآللهة

األكواخ العديدة ملدينة تي، تظهر قمة ايوان بوضوح.في متبخرا ينتهي ثم ليدوي الرعد تطلق الصاعقة كانت عندما الوديان العميقة للجبال، كان الهنود يبعدون النظر خائفني من غضب واملرض األلم ألن الويالت، أن حتل عليهم يخشون الطيبة، اآللهة دائما. لهذا، كانت نظرات اجلميع تتجه متوسلة نحو البشر يقهران

قمم اجلبل، كي تنحدر العطايا منها كمواساة حلوة وتهدئة طيبة.منذ سنوات كثيرة جدا، وفي ظهيرة ربيعية دافئة وصافية، وصلت أخرى قبائل من قوارب للنهر، الصغير امليناء إلى قوارب عدة كثيرون رجال ومعهم مرضى، ونساء رجاال جاءت حتمل بعيدة،

ليساعدوهم في الوصول إلى جبل ايوان املقدس.خرج الناس في مدينة "تي كوفاي" الستقبالهم، وليقدموا لهم أغطية ألكواخهم، وكانت قلوب الهنود األركانوس/Arecunos تتراقص فرحا

برؤيتهم العدد الكبير جدا من القبائل.أحضر املسافرين، شرف على احلفالت نظموا التالي اليوم في واألسماك، املاشية حلم من كبيرة كميات الغابات من الرجال جمعوها وقدموها مشوية مع فطائر الذرة واألناناس واملوز في مركز البلد وسط األكواخ الكبيرة. وحولها كانت أوان عريضة مليئة بشراب

الكاتشيري١ (Cachiri) اخلمر الذي يجعلهم ينتشون وميرحون.والطنابير فاملزامير السعادة، عليهم وخيمت الهنود، كل اجتمع أعطت موسيقاها اإلذن لبدء الرقص. وبدأت تسمع األغاني وحفيف

١ Cachiri: مشروب شائع في فنزويال (املترجم).

٣٦

أوراق األشجار اليابسة من سعف النخيل الذي كان يضعه الراقصون عليهم. وهكذا تواصلت ساعات وساعات من الغناء والرقص، كان يقطعها فقط شراب من كبيرة رشفات ليشربوا األواني، إلى والنساء الرجال ذهاب آالمهم، مع وحيدين املرضى بقي األخر اجلانب في هناك لكن احلفلة، احلسرات تنطلق كانت ومن جميعها أكواخ خوص صغيرة، في متروكني

نفسها والتوسالت نفسها في طلب املساعدة:تعالوا تعالوا أيها األخوة ... خذونا إلى جبل املعجزات ايوان!

لكن ال أحد كان يسمع التوسالت أو يتذكر اآلالم؛ فاحلفلة تستمر بالغناء، وبالصرخات، واجلرار يعاد ملؤها بالشراب، وعندما اختبأت الشمس خلف قمم ايوان استمرت الرقصات، ومن تأثير شراب الكاتشيري كانت صيحات

الفرح تنطلق، وهيجانات احلفلة ترتفع ومتتزج بأنني املنسيني واملهملني.ت الشمس، واختفت قمة ايوان خلف غيوم كبيرة رصاصية وبسرعة اغمقاللون. وفجأة، شق السماء برق كبير، ورعد بعيد صار يقترب حتى جعل األرض تهتز. جاءت عاصفة محمولة على رياح هائجة، وتوقفت تهدد فوق الرعد، يرافقها هدير املدينة العاصفة جتول في وبدأت "كوفاي"، مدينة

وغيوم حتولت إلى شالالت.كبرت العاصفة، وجعلت األكواخ تهتز وتنتفض! وكذلك األحجار! وازدادت الرياح بصفيرها، وخرج الهنود مذعورين إلى الساحات، فاألشجار الغليظة

قد اقتلعت من جذورها، وألقي بها بعيدا، وبعضها كان يتدحرج ويقفز.واملروج، السفوح نحو دفعتها غريزتها الغابة، احليوانات هائجة من فرت

لتختبئ في املكان الذي يحيا فيه اإلنسان.في راكضة الشاحمة، عبرت البفري وحيوانات واملواشي اجلغوار حيوان املرج تزمجر من الهلع، وكانت حيوانات التبري وحيوانات الباكه١ تبحث عن مخبأ في مياه النهر، فيما كانت الطيور الكبيرة جتاهد بأجنحتها املضروبة

ضد اإلعصار.تختلط كانت الوحوش، وعواء الناس وصرخات ودويها الصاعقة قعقعة جميعها في صخب واحد ووحيد، لقد اهتز وادي "تي كوفاي"، واإلعصار

اقتلع األشجار، وتطايرت أكواخ اخلوص في الهواء.السقوف املصنوعة من سعف النخيل كانت تعلو فوق الناس والدواب مثل

حيوان الباكة ثدي قارض جنوب أمريكي يؤكل حلمه (املترجم).١

٣٩

تكسرت التي الكبيرة الطيور وكذلك الهواء، في وتدور الريش، أجنحتها، لكن جبل ايوان فقط بقي ثابتا ومحافظا على مكانته وشموخه. فلقد حاول اإلعصار أن يلفه في حلقات زوابعه، لكن قوة اإلعصار خارت وتفتتت، لكنها رفعت كل ما جمعت وما مت

اقتالعه وتخريبه في السهل حتى الذروة إلى هناك بني الغيوم.من كانت التي ايوان وقمة الشمس، أشرقت التالي اليوم وفي قبل نظيفة بدت مغطاة مبزركشات نادرة وغريبة مقلوبة، فكانت وأشجار مقطعة، وجثامني هنود األكواخ واخلوص، هناك سقوف مقطوعة، وأنصاف نساء جميالت، وبالعيم وزالقيم ووحوش وطيور مفتوحة ومخالب متشنجة في الصخور، وصقور بأجنحة مفتوحة

للقفز إلى اجلرف.لقد جمع ايوان املقدس في قمته كل تلك األنقاض، وهناك بقيت التي كوفاي تي ملدينة كتذكار األحجار بني ومحفوظة مخزونة

حطت عليها لعنات اآللهة وغضبها.

٣٨

٤١

¢ùª°ûdG äGhGQòY

:áeó≤e »gh ,ñÉæŸG áÄaGOh áÑ°üN ¿ÉjOh óLƒJ ,á«é∏K ºª≤H áWÉëŸG õjófC’G ÜÉ°†g ≈∏YCG ‘ ∑Éæg

IQÉKEGh ,AÉæZ ÌcC’G äGQÉ°†◊G ióMEG ¬«∏Y "¢SGƒ°ûà«c"`dG Oƒæg ΩÉbCG …òdG ¿ÉµŸG1.ɵæjE’G IQÉ°†M ,áÁó≤dG ɵjôeCG ‘ ∫ƒ°†Ø∏d

»àdG IÒѵdG IÒëÑdG ,(Titicaca) "Écɵ«à«J" IÒëH óLƒJ É«Ø«dƒHh hÒÑdG »°VGQCG ‘ ∑Éæg

‘ áæYÉW ¿óe ÉjÉ≤Hh QÉKBG óLƒJ É¡Hô≤Hh ,ôëÑdG í£°S ¥ƒa Îe ±’BG 4 øe ÌcCG ´ÉØJQG ≈∏Y ™≤J

.ÜÉéYE’G ÒãJ óHÉ©eh πcÉ«gh ¿ƒ°üMh ´Ób QÉKBG óLƒJ ɪc ,Úæ°ùdG ±’BG ÉgôªY ,Ωó≤dG

…òdG ,¢ùª°ûdG ÜQ ÜC’G ¿CG øY IQƒ£°SC’G çóëàJ …òdG ¿ÉµŸG óLƒj IÒëÑdG óæY ∑Éæg

.¤hC’G ɵæjE’G ájQƒWGÈeEG ɪ«≤«d ICGôeGh πLQ :¬FÉæHCG øe ÚæKG ¬«dEG π°SQCG

ºg GƒfÉch .…OGƒdG ∂dP ‘ "¢SGƒ°ûà«c" `dG Oƒæ¡dG Gƒªµë«dh Gƒ∏ª©«d √AÉæHCG π°SQCG ó≤∏a ,ájQƒWGÈeE’G ¥É£f ,¿hôb ∫ÓNh ,É¡æe óàeG »àdG ᪰UÉ©dG "ƒcRƒc" áæjóe GƒæH øjòdG

.ɵæjE’G ájQƒWGÈeE’ IQÉÑL áeƒµM ‘ ™°SƒJh

ΩɶædGh πª©dÉH É«ëj ∞«c √ƒª∏©j »µdh ,¿É°ùfEÓd ÒÿG Gƒ©æ°ü«d ,√AÉæHCG ÜôdG π°SQCG ó≤d Ëó≤J ¢SÉædG ≈∏Y ¢VôØj ⁄ …òdG ,Ö«£dG ¬dE’G ¢ùª°ûdG ÜôdG áÄ«°ûe Ö°ùM ΩÓ°ùdGh

.AGó©°S ºgGôj ¿CG OGQCG πH ,¬d ájô°ûÑdG ÚHGô≤dG

,hÒÑdGh É«Ø«dƒH áÑ°†g ‘ º¡àaÉ≤K GhQ qƒW øjòdG "¢SGƒ°ûà«c"`dG øe kÉeób ÌcCG "ɵæjE’G"h

.∑Éæg ¢û«©J ≥jô©dG Ö©°ûdG ∑GP ádÓ°S ∫GõJ ’ å«M ,"Écɵ«à«J" á≤£æe ‘ ∂dòch

.ájóæ¡dG πFÉÑ≤dG ióMEG ɵæjE’G /Oƒæ¡dG 1

٤٠

πªLCG É¡«a ¢û«©J óHÉ©e áHÉãà ,á©FGQh áªî°V Qƒ°üb ájQƒWGÈeE’G ᪰UÉY ƒcRƒc áæjóe ‘ âfÉc

øjôj ¿CG ÒZ øe äÉ°Só≤ŸG äGhGQò©dG â°TÉY .¢ùª°ûdG IOÉÑ©d ø¡JÉ«M ø°Sôµj »JGƒ∏dG äGhGQò©dG

âfÉc ó≤∏a .øgQhõJ ¿CG É¡æµÁ »àdG §≤a ɵæjE’G áLhR áµ∏ŸG GóY Ée ¢üî°T …CG ™e øKóëàj hCG kGóMCG

¤EG ∫ƒNódG ≈∏Y óMCG Qó≤j ’ ¿CG πLCG øeh ,øgGóMEG ÖM ≈∏Y Dhôéj øe πc ô¶àæJ 䃟G áHƒ≤Y

âfÉc å«M ,IôjOC’G ¿ƒ£«ëj AÉ«ahCG ¢SGôMh ,á«dÉY ¿ƒ°üëH ¿ÉµŸG áWÉMEG â“ ó≤a ,øgÉæµ°S ¿Éµe

.¢ùª°ûdG äGhGQòY

٤٣

الراعي وعذراوات الشمسعلى اخلاصرة اخلضراء للجبل الذي تغطيه الثلوج، كان شعب "اإلينكا"

يخبئ املاشية البيضاء، لتقدميها كأضاح وقرابني إلله الشمس.الئق مظهر وله لطيفا، نافا" "اكويا يدعى الشاب الراعي كان وحسن، ميضي خلف ماشيته، وكان يجلس سعيدا والقطيع يرعى، ويخرج الناي الذي كان يرافقه دائما، ويبدأ بعزف موسيقى هادئة

وعذبة تزيد سعادته.وفي يوم كان فيه منشرحا جدا، وهو يعزف، جاءته اثنتان من بنات الشمس كانتا تعشيان في أحد قصور املدينة املجاورة، إذ كان قد سمح لهما باخلروج في النهار كي تتسليا في احلقل، لكن لم يكن مسموحا لهما الغياب في الليل عن مسكنهما احملروس جيدا من

قبل حراس صارمني.قطيع وعن الرعي عن وسألتاه الراعي إلى العذراوان وصلت أن يطلق ثم فكر نافا" جالسا وهو مذعور، "أكويا أغنامه، فبقي وابنتان للشمس، أنهما مقدستان إلى للهرب، فهما إضافة ساقيه فهما فائقتا اجلمال، لكنهما طلبتا منه أال يخاف، وعاودتا السؤال

عن أغنامه، ثم أخذتاه من ذراعه لينهض.وقف الراعي أخيرا وقبل يد كل واحدة منهما، وهو مندهش من

روعتهما.العذراء الكبيرة واسمها "تشوكي بيانتو" اجنذبت للكالم مع "اكويا

نافا" بعد أن بانت خفة دمه، وبعد حلظات ودعتاه.بدأت "تشوكي بيانتو" تتحدث مع أختها عن لطافة ذلك الراعي وبهجته، واستمرتا بذلك طوال الطريق حتى وصلتا إلى قصرهما، األيام يقولون في تلك إذ البوابة، وفتشوهما؛ حيث رآهما حراس إنهم وجدوا إحداهن وقد خبأت رجال حبيبا على قلبها وجعلته مير

مختفيا بني املالبس!

٤٢

دخلت العذراوان إلى قصر بنات الشمس وزوجاتها - الشمس - اللواتي كن ينتظرن أطيب األكالت املطبوخة في قدور من الذهب الناعم، لكن تشوكي ذهبت مباشرة إلى مخدعها ليكون مبقدورها التفكير منفردة بالراعي، الذي

بدأ قلبها يخفق باحلب اجتاهه.ليفكر منفردا في إلى خصه نافا" قد دخل "اكويا كان األثناء، تلك وفي املفاجأة العظيمة لتشوكي الرائعة، لكنه بدأ يشعر بحزن شديد، فأخذ الناي وعزف أحلانا شديدة احلزن، جعلت حتى احلجارة تشفق عليه، ثم غنى

وهو يبكي:"آه! آخ! منك! أيها الراعي البائس! أيها العاجز عن كل شيء ... أه! منك! ال تقدر على رؤية حبيبة قلبك، ولو رأيتها فإن حبك سينفضح، وسيقضى عليك وعلى حبك، وسينتهي احلب باملوت" ... واستمر يغنى بحزن شديد

جدا حتى غفا.لكن أمه العجوز البعيدة عنه، قد حدست بسبب عذاب ابنها، وراحت تهيئ نفسها للسفر إليه، فحملت معها سلة مزركشة وفاخرة، وبدأت متشي في

اجلبال حتى وصلت إلى الزريبة التي يسكن فيها ابنها.إن له وتقول تواسيه وأخذت أمه، شاهد عندما الراعي عواطف ثارت أحزانه ستزول خالل بضعة أيام، ومن أجل ذلك ذهبت حتضر له طبخة السالحف، األكلة املوصوفة للحزن عند الهنود، وبينما هي تطبخ، رأت بنات الشمس قادمات باجتاه الزريبة، ثم جلست االثنتان عند املدخل ترتاحان من التعب، وعندما شاهدتا املرأة العجوز في الداخل طلبتا منها شيئا لألكل،

فقدمت لهما صحنا من السالحف، أكلتاه بشهية كبيرة.تعثر علها كبيرة برغبة داخلها وإلى الزريبة حوالي تنظر تشوكي بدأت على"اكويا نافا"، لكنها لم جتده ألنه في حلظة وصولهما أمرته أمه أن يدخل في السلة التي أحضرتها معها، (يقول الهنود إن ذلك كان ممكنا في تلك

األزمان).ظنت تشوكي أن حبيبها الراعي يحرس القطيع، لهذا لم تسأل أمه عنه، وعندما رأت السلة قالت: "ما أجملها!". وسألت: "ملن هذه السلة؟". فأجابتها العجوز: "إنها لها وقد ورثتها عن والديها، فهي سلة فاخرة جدا". وأضافت العجوز إنها

تقدمها وبنفس طيبة هدية لها، وبإمكانها أخذها معها إلى القصر.وبعد قليل، ودعت ابنتا الشمس أم الراعي، واجتهتا نحو املرج حتمل تشوكي السلة

بيدها وفي عينيها شوق لرؤية راعيها هنا أو هناك، فهي لم تره في زريبته.

٤٥

وصلتا إلى القصر، وعند املدخل فتشهما حراس البوابة ولم يجدوا شيئا معهما عدا السلة التي لم تكونا تخفيانها.

وبعد العشاء، أخذت تشوكي سلتها اجلديدة وذهبت إلى مخدعها، لم لكنه قلبها، أحبه الذي الراعي وتتذكر تبكي، بدأت وهناك يناديها نافا" "اكويا أخذ عندما الدموع من الكثير تذرف يدعها باسمها، فارتعبت وهلعت، لكنها صارت تذرف دموع الفرح عندما رأت حبيبها الراعي، وراحت تسأله كيف دخل إلى هناك؟ فأجابها

باحلقيقة عن دخوله في السلة التي جاءت حتملها.عانقته تشوكي، ووضع "اكويا نافا" رأسه على رجل تشوكي، التي الرائعتني بعينيها إليه وتنظر بلطف وحنان، راحت متسد شعره الساحرتني حتى مطلع الفجر، عندها دخل الراعي مرة ثانية إلى

السلة، وحبيبته ابنة الشمس تنظر إلى تلك املعجزة.تشوكي خرجت كلها، األراضي وقبلت الشمس خرجت وبعدما الكهوف أحد وفي السلة، وحيدة، حتمل املروج إلى القصر من رآهما أن حدث لكن ثانية، مرة حبيبها مع جلست اجلبال في أحد حراس القصر الذي كان يتبعها، وشاهد كل شيء فبدأ يطلق الصيحات، يستدعي احلراس اآلخرين، فهرب الراعي وحبيبته إلى اجلبال القريبة من مدينة "كالكا"، ومن شدة التعب نام احلبيبان وعندما استيقظا كانا مرعوبني من املوت احملتم الذي ينتظرهما كعقاب، فنهض االثنان يرتعدان خوفا، حيث كانا محاطني بالناس

واحلرس.أخذت هي في يدها فردة من حذائها، ونظرا إلى الناس في "كالكا" كتلة صلبة ثم صارا مكانهما، يتجمدان في أنهما يشعران وصارا

كبيرة وضخمة، لقد أخذا بالتحول إلى حجارة.اليوم ميكن رؤيتهما من "كالكا" ومن مناطق أخرى، لقد صارا جبلني

كأنهما متثاالن يذكران باحلبيبني الراعي وابنة الشمس.

٤٤

٤٧

(Oyallanty) انتي أويبعد البعيدة، احملافظات من منتصرين يعودون احملاربون سيطرة إلى محافظاتهم وأعادوا املتمردين، أولئك حاربوا أن

إمبراطورية "اإلينكا".يعودون من بعيد إلى "كوزكو" املدينة العظيمة، ليهدوا انتصارهم بطل "أويانتي" يأتي مقدمتهم وفي الشمس. ابن "اإلينكا" إلى

األنديز، الشاب الطويل القوي، القائد احملارب واملنتصر.في مدينة "كوزكو" مت تزيني القصر اإلمبراطوري من أجل استقبال أويانتي املنتصر، وفي العرش الذهبي ينتظر اإلينكا محاطا بهدايا

عظيمة إلى القائد احملارب.هناك وإلى جانب العرش، كانت زوجة اإلينكا واألميرة "كوييور"، ومع أن اسمها يعني "جنمة"، فان عينيها كانتا حزينتني وخافتتني

مثل الفوانيس عندما يشرق عليها نور الصباح.من املصنوعة النايات أصوات معها وتقترب احلاشية، تقترب قصب السكر ومن العظام، وكذلك تقترب أصوات الطبول الكبيرة،

وتسمع اجلوقات وصرخات الشعب الذي يهتف لألبطال.وإلى صالة العرش يدخل، املوسيقيون واملغنون واحملاربون، الذين

ينقلون هدايا الذهب واألحجار الكرمية.بثياب أويانتي األنديز ظهور ابن الكبير الربان إلى املنادي يعلن ملونة، وهو عاري الذراعني والفخذين، وفأسه في اخلصر، واخلوذة

مزركشة برأس النسر.يصل أويانتي ، ويتقدم وينحني أمام العرش، يتكلم وصوته رصني:

- "سيدي، يا ابن الشمس، لقد انتصرت كما أردت أنت، وهنا عند قدميك كما الشعوب التي هزمتها، أضع الفأس التي أخذتها إلى املعركة، قل لي إن كنت استحق فضلك؟ وإن كنت أقدر أن أقول

لك رغباتي كما وعدتني، عندما خرجت إلى احلرب؟".

٤٦

نهض اإلينكا وأخذ أويانتي بني ذراعيه. ورفع أويانتي رأسه ونظر إلى األميرة "كوييور"، فبقيت عيناها ثابتة في عيني احملارب القوي كوعد حب صامت.

قال اإلينكا:النصر ألكرم جاهزا ستجدني أويانتي، الشجاع أيها اطلب "اطلب! -البطولي ألفضل رجالي احملاربني. تكلم وال تصمت. فكل اخليرات تبدو لي

أنها ال تكفي لتكرميك".وبقي أويانتي صامتا، تتجه نظراته ثانية لتتقاطع مع نظرات العيون الثابتة

لكوييور اسم النجمة.- "تكلم، اطلب يا أويانتي"..ألح اإلينكا: "قل ما تشاء".

فتحدث أويانتي:- "أيها السيد، يا سيدي، أريد جنمة. لكن اإلينكا لم يفهم، وعبر عن ذلك

بنظراته إلى احملارب.- "نعم أيها السيد العظيم، أريد جنمة، أريد كوييور ابنتك التي تهب احلب

لقلبي".فارتعد اإلينكا، واشتعلت عيناه كاجلمر، وبدأ فمه يرتعش قبل أن يتكلم:

- "مستحيل هذا أبدا، يا أويانتي ... فأنت بذلك تطلب تدمير األعراف السماوية لإلينكا، ففي جسد األميرة جتري الدماء املقدسة للشمس، وكذلك دماء القمر، وال ميكن خلطها بدماء اإلنسان. هذه هي قوانني اإلينكا ابن الشمس التي تريد

أن تنتهكها. كيف ميكن أن يتسع قلبك لرغبة مرعبة كهذه؟".رفع أويانتي نظراته عاليا وقال:

- "أنا ابن األرض األقدم من القمر، وبخفقان من نار اجلبال انولد في قلبي حب النجمة القوي، احلب الذي ال ينهزم، وهكذا حتبني كوييور، ولن تكون

هناك قوة في العالم ميكنها أن تعارض ملكا من األنديز".- "ال أيها املتشامخ أويانتي! ال أريد سماعك! ابتعد من هنا".

وفي الوقت الذي متكن أويانتي فيه من الوصول إلى البوابة، واخلروج منها، تابع ملك اإلينكا صراخه:

- "أيها اجلند، يا جنودي اتبعوه! ال تدعوه يخرج من مدينة كوزكو، فليمت

٤٩

أعلنوا احلرب عليه وعلى األنديز. إلى قمم جبال أن يصل قبل أتباعه، ولتطبق قوانني أبناء الشمس والقمر".

وفيما بعد، ثبت اإلينكا نظراته في "كوييور" اجلميلة، وفي عينيه سؤال مليء باحلسرة. لكن كوييور حتدثت بصوت واثق:

كل مالك اإلينكا، والدي أنت ... الشمس ابن "سيدي -اإلمبراطورية، لكن قلبي سليل القمر والشمس قد احتله أويانتي،

نعم لقد احتله".بحب املسمم الدم ابنة يا "أبدا مزمجرا: اإلينكا صرخ "ال!"، -مدفونة ستكونني سأمنعك. أنا القدر. قانون متزقي لن إنسان، هناك تنتظرين وسوف للشمس. املنذورات العذراوات بيت في القوانني قوانيننا. هي هذه لها. عروسا لتكوني حياتك ساعات

املقدسة ألبناء الشمس".ماذا النجمة!؟ اسم يا واحلزينة اجلميلة كوييور يا بك، سيحل ماذا بأسوار احملاط احملفل ذاك في الشمس عذراوات بني بك سيحل مغلقة وعالية!؟ ماذا سيحل بك بغير حب أويانتي!؟ سوف يقدمونك إلى الشمس كزوجة، بحسب معتقدات اإلينكا. وبينما أنت حتلمني ببطلك

فهم يطاردونه، وهو يهرب، يريد االجتماع مبحاربيه في اجلبال.إنك يائسة من غير أمل. الليل والشفق سيفاجآنك بعينني مليئتني قريب احلب كوييور! يا واحللوة اجلميلة أيتها الضائع. باحلب العذراء أيتها تعلمني ال إنك العالية. األسوار مع بك ويحيط الذي احلقل في الليلة هذه لقائه إلى ستمضني إنك الشاحبة، لكن، تعلمني، ال إنك النجمات. حتت أحزانك مع فيه تتمشني أويانتي قريب منك وسيأتي، ألنه ال شيء مينع رغبته، فلقد دخل إلى حيث األبواب قد أغلقت، وها هو قريب جدا منك، وأنت اآلن تستمعني إلى قلبه في صدرك. اآلن ستشعرين أنك مأخوذة كما لو كنت تطيرين على ذراعي أويانتي اجلبارتني، يحمالنك بلطف كما

لو كنت ملتفة بغيمة حتت القمر الذي يرانا.بني باألمان ستشعرين لكنك تذهبني، أين إلى تعلمني ال أنت الذراعني اللتني حتمالنك، وترفعانك إلى اجلبال، وسوف تشعرين نسر يصلها التي الشاهقة القمم في والنقي العليل بالنسيم الكوندور. وهناك سوف ترتاحني في خيمة أويانتي التي شيدها من

٤٨

اجللود القوية، ستكون قلعة من قالع األنديز، يحميك فيها آالف احملاربني، يحرسون القمم والطرقات واألعناق حتت النجوم.

وأنت أيها البطل املقدام، سوف تشعر بالسعادة ألنك حتديت قوانني اآللهة. األوفياء احملاربني آالف يحرسها اجلبال، أعلى في الصخور قلعة إنها ألويانتي. وفي كل مكان توجد عيون يقظة في القمم وفي النهر الذي يجري

في الوادي.ال كي ويصمتون له، وفاء األكثر احملاربون فيحرسها أويانتي، خيمة أما يعكرون صفو أحالم األميرة التي اقتلعت من بني أبناء الشمس ومت تنصيبها ملكة وأما ألبناء األرض الذين سنوا األسلحة، وهيأوا صدورهم لقتال جيوش

اإلينكا إن وصلت إليهم.مع ليتكلم اخليمة من أويانتي ويخرج األنديز. بالد فوق صامتا النجوم ليل ومير قياداته، فتصله أخبار أن اإلينكا أرسل جيوشه ضد القلعة. وكل شيء جاهز للمقاومة

ولالنتصار. فال أحد يقدر على الوصول إلى أعلى القمة، حيث توجد األميرة.وفي احلال، يأتي أحدهم ليبلغ عن وصول رجل جريح إلى بوابة السور يقول

إنه يحمل أخبارا إلى أويانتي.جيوش قبطان "رومنيهوي" على أويانتي تعرف املشاعل، ضوء وعلى افيننكا ورفيق حروب كثيرة، الرفيق الذي كان قد أنقذ حياته. ورومنيهوي يأتي جريحا يقول: إن اإلينكا قد أقصاه عن القيادة وعاقبه بشكل قاس ألنه لم يتمكن من منع هروب أويانتي واختطاف األميرة، وهو اآلن في حالة حقد

ويستعد للقتال ضد السيد القاسي.يأمر أويانتي بعنايته وحراسته، ألنه لم يكتشف التزلف واخلديعة املختبئة

في قلب رومنيهوي.وجيوش اإلينكا أتت بصمت عبر الطرقات واجلبال وعند بزوغ الشفق كانوا

قد وصلوا إلى الوادي الذي تسيطر عليه القلعة.ودارت حرب عنيفة بني جيوش اإلينكا ومحاربني األنديز فاحترقت الغابات، املجنبات، من تساقطت احلجارة من ورعود النبال من مطر وسقط

واخلديعة واخليانة سمحتا لألعداء بالتقدم بني دخان احلرائق.أمر أويانتي رفاقه أن يأخذوا األميرة كوييور إلى ممر في داخل األرض، ينفتح إلى جانب الذي يحيط بصوجلانه، لكن السور ويتجه نحو الصخور، بني السور كان اخلائن يزحف، ويتقدم ويقترب من ظهر أويانتي، ويفرغ ضربة

٥١

جبارة من فأسه على رأس البطل، فسقط بطل األنديز مضرجا بالدماء وفاقدا للوعي وسط حصنه املنيع. فباخليانة فقط أمكن مهاجمة قلعة األنديز. فلقد زحف احملاربون اإلينكا في الليل حتى

السور، وانتظروا إشارة النار التي أرسلها اخلائن رومنيهوي.إلى مدينة كوزكو، حيث كان وأخذهما وأويانتي، أسر كوييور ومت

اإلينكا العظيم قد اعد لهما العقاب.وصلت هوادج القضاة مرفوعة على حماالت من ذهب. وأمام ابن

الشمس احضروا كوييور وأويانتي اجلريح بال خوذة وال سالح!وفيما يحتفظ الكهنة بصمت مطبق وجه اإلينكا سؤاال إلى أويانتي:

يدوي صوته وكان الشمس؟" عذراوات معبد انتهكت "ملاذا -ويهدد..

تقدمت كوييور وقالت:- "كنت أنا يا أبي وسيدي، لم يكن الذنب ذنبه، بل أنا هربت إلى

اجلبل التبعه ألن قلبي كان يوجهني نحوه".لكن أويانتي سيقول احلقيقة، ينظر بحزم إلى "اإلينكا" ويقول: "هذه هي احلقيقة أنا اختطفت األميرة، إني أحبها على طريقة حب أبناء الذي كان قد الفظيع العقاب أنقذتها من األرض وأخذتها معي، أعد لها. فال ميكن للشمس أن تأخذ لها زوجات من حلم من بنات اإلنسان، إمنا فظاعتك ووحشيتك هما القادرتان على تقدمي حياة األميرة الشابة ... أنا فقط من يحبها، وعندي االستعداد للتضحية

بحياتي ألجلها وليس أنت أو الشمس التي تدعي أنك ابنها".في عيني اإلينكا ملع برق من احلقد، فقال: "أويانتي أيها الزنديق! بالنار املذنب وسيحرق سيطبق القانون املارق. بذنبك اعترف في وتتشرد تنفى فسوف تدنست التي االبنة أما املخلصة.

الصحارى".سمع أويانتي كلمات اإلينكا ونظر إلى كوييور، وفي النظرات كانت

مواساتهم الكبيرة.سار احملارب صاحب القلب الذي ال يهزم، سار بخطوات واثقة

نحو املوت وهو يفكر في كوييور احلبيبة اجلميلة.

٥٠

أويانتي البطل! أما كوييور النجمة احللوة فلقد شردت إلى احلقول مات والصحارى، لكن في إمبراطورية اإلينكا يتذكر اجلميع ذلك احلب الذي وحد

ألول مرة بني ابن األرض وابنة السماء.ومنذ ذلك الوقت واجلميع يعبرون عن إعجابهم بكوييور اسم النجمة وببطل

األنديز الذي أحبها على طريقة أبناء األرض.

٥٣

الذاكرة الساحرة للهنودمقدمة:

على طول أمريكا اجلنوبية تستند التربة إلى اجلدار اجلبلي، الذي تشكله جبال األنديز في سلسلة من القمم الشاهقة تصعد وتهبط، تتجمع وتفترق، وفي وسطها توجد هضبة كبيرة، هي الهضبة البوليفية، حيث توجد هناك البحيرة العمالقة، وكأن األعمدة الصخرية حتملها

لتتربع على ارتفاع أربعة آالف متر عن سطح البحر.كان املسافر القوي قد مشى أياما وأياما بني تلك السهول الشاهقة

واملنعزلة والصامتة، التي تشبه عاملا ميتا.أحس املسافر بعاطفة قوية في تلك العزلة اجلرداء، في منطقة الهواء يستنشق توقف ملرات عدة، كي بحر من احلجارة، كأنها الناعم الذي يأتي من الذرى العمالقة لتلك اجلبال اجلبارة وقممها

الثلجية، تلمع في السماء الصافية.نظر القروي املسكني إلى البعيد، حيث عاشت أجيال من الرجال صامتة لقرون، مثل صمت القمم الشاهقة. أجيال قدمية أكثر قدما

من "اإلينكا" قد ضاعت هنا في أزمان مشاعية بال ذاكرة.ومن بعيد، رأى املسافر نقطة سوداء، بدأت تكبر وتكبر مع املسير، اقترب هندي. رجل عن وأفضت النقطة، انفلقت بعد وفيما

املسافر من الهندي وسارا معا بصمت في التربة الوعرة.مشيا كثيرا، ووصال إلى هناك، حيث األرض تنحدر مبنحنى عنيف، وكأنها املائلة، اجلبال سور من قريبا وواسع عميق جرف حتى

مضطجعة على املنحدر.ومن عمق احلفرة الكبيرة الضخمة، خرجت مثل حكاية عجيبة مدينة وبيوت ضخمة، جذورها وبشجرات بيضاء، بأعمدة احلمر السقوف * وشوارع تتفرع وتتفرع على جنبات الطريق والسور، إنها الباث "la paz"؛

٥٢

٭ z حرف الزين يلفظ ثاء باألسبانية (املترجم).

مدينة عمرها مئات السنوات هي أعلى العواصم في العالم، أعلى من أربعة آالف متر فوق سطح البحر، مقامة على صحن رائع، وساحر محاط بقمم اجلبال والذرى

التي تشبه عرف الديك.أشار الهندي بإصبعه إلى املسافر عن املدينة وعن اجلبال املقدسة، وكانت عيناه اإلله دماء فيه تسري الذي البشري العرق ذاكرة القرون، ذاكرة بضياء تشعان

"أميارا"١ (Aimara)، التي سالت في العصور األولى ملنطقة األنديز الشاسعة.إله "(WirAkocha) يا أخي! عندما كان اإلله "ويراكوتشا" الهندي: "انظر قال (Kjuno) "العمار يشيد احلياة للناس في كل ما تراه عيوننا اآلن، كان اإلله "كجنو

إله اخلراب يالحق خطوات اإلله الطيب ويدمر كل شيء يبنيه".شيد اإلله ويراكوتشا مدينة من احلجر، فقذفها اإلله كجنو بجبال من الثلج، كان إله اخلراب لكن الناس، يحيا إضافية كي الطيب مدينة اإلله فبنى آخر إلها ويراكوتشا اإلله بالقوة نفسها، عندها استدعى ويدفنها يدمرها، النار. مادت األرض وماجت القوة ورب إله (Nine) "نيني" ملساعدته هو غاضبة وحارقة وظهرت حلقة من البراكني حلماية اإلله الطيب ويراكوتشا وعمله الصالح. لكن كجنو مدمر العالم بثلوجه، طلب في احلال حماية من "هوايارا" (Huayra) إله الريح. واستمر ويراكوتشا في كل الهضبة الرائعة يبني مدنا محاطة بجبال من نار، لكن عندما ينتهي ويغادرها وينطلق ليعمر مدنا أخرى، كان إله الريح ينفخ في البراكني ويطفئ لهيبها، ثم يأتي كجنو، متبوعا بثلوجه ويعيد تدمير كل شيء، فتصارع اإلله ويراكوتشا الذي يبني مع اإلله

كجنو الذي يدمر، واستمر الصراع وقتا طويال.وهكذا كانت املدن تبنى، محاطة بالبراكني، لتبقى فيما بعد خربة ومدفونة

بالبرد.تعب ويراكوتشا من تلك احلرب التي ال نهاية لها، ففكر بطريقة يحمي فيها

أعماله من غضب خصمه، فقام بالتالي:غرس بشكل قوي كعب قدمه اجلبارة في تراب السهل الكبير، وهكذا شكل

ما تراه اليوم صحنا عظيما، الذي أقام املدينة عليه الحقا.هل ترى هناك دروع الثلج في كل القمم اجلبلية؟ إنها جيوش اإلله كجنو التي النزول أبدا على تزال تترصد رغم هزميتها، فهم ال يجرؤون، ولن يجرؤوا ال إلى املدينة احملمية في هذه احلفرة، فلقد أطلق اإلله ويراكوتشا عليها اسم

١ من اآللهة التي تعتقد بها الشعوب الهندية التي سكنت أعالي البيرو (املترجم).

٥٥

"ماركا" (Marka)؛ أي مدينة املدن. املدينة األكثر ارتفاعا، واألكثر قدما ملا كان وستبقى ملجأ لإلنسان خالل قرون، ملجأ آمنا ومحميا في املكان الذي حفره الكعب املقدس، وكان اسمها "الباث"، (La Paz)؛

أي السالم.صمت الهندي أمام عيون املسافر الغارق في التفكير، وعاد فيما بعد يحكي ببطء وبلهجة أكيدة وبذاكرة قدمية: "نحن نعرف كل شيء عن عاملنا هذا، عالم اجلبال الذي ال يعرفه أناس آخرون. أقول لك احلقيقة، ألن اآللهة أرادت أن يرى الناس هنا كيف انخلقت هذه الروائع؟ انظر إلى هناك! إلى اجلبل وقممه اجلبارة البراقة من الثلج فوق مدينة السالم الباث! انه "إييامامني" (Illimamni)؛ سيد

األنديز األعظم بني النسور! وسأقول لك ما حدث".- "في الوقت املظلم، رمبا وتقريبا في الفجر األول عندما كانت األرض واجلبال تتحركان ليأخذ كل منهما مكانه، جاء نسر الكوندور

العظيم جدا ليحط على سلسلة جبال يراقب منها بناء األنديز.وفي مكانا، لها لتجد تتجاذب كانت كثيرة وأقمار مرت شموس كل األيام مع الغسق، عندما كانت تولد النجوم كان نسر الكوندور يطلق جناحيه الهائلني املشتعلني ليطير في الليل بإشعاع مذهل، وفي النهار كان يعود دوما إلى االختفاء عندما تأتى الظالل. هكذا استمر سنوات وسنوات وقرونا يتحرك من أجل بناء كل هذا العالم الذي تراه، وفي يوم من األيام، عندما رأى ويراكوتشا إله العمل أن مهمته انتهت، وكانت كل الصخور واملياه واجلبال قد بقيت كل في مكانه بثبات، أراد، وقرر أن يبقى الطير املشتعل املضيء الذي

يراه اجلميع، أن يبقى هناك أيضا وإلى األبد.خفق نسر الكوندور العجيب بجناحيه الهائلني املنتشرين على قمم األحجار، فسقطت الثلوج من السماء كأنها جبل من البياض البراق وله قمم عدة، تلك القمم الثالث هي في احلقيقة: رأس الكوندور

واألجنحة الهائلة التي ال ميكنها التحرك بعد".هذا وبعد للمسافر، الثابتة العيون أمام الهندي ثانية سكت مرة عاد يقول وكأنه راوي الذاكرة املتقدة للهنود: "هناك أشياء أخرى وإن كنت ولد هنا. يكن قد لم ما يعرفها أحد غيرنا وال نعرفها

تستطيع استيعابي فاسمع هذه احلقيقة أيضا":

٥٤

"عندما كان الزمن ال يزال ظالما، تضخمت األرض كثيرا عدة مرات، حتى جنحت في احملاولة وخرجت من املاء، ونهضت إلى أن شكلت السلسلة وثابتة في ومرتفعة عالية لتبقى وجاهدت اجلبال اجلبلية هذه. حتركت املكان، بعضها بإكليل من ثلج، وبعضها من نار البركان، وبفضل تلك األنوار كان اجلميع يرونها كمحاربني أشداء وغريبني؛ إذ كان الزمان لم يزل ظالما، أربعة من تلك اجلبال تفوقت على ما تبقى بفضل قوتها، ويعمه السواد. وكل واحد منها أراد أن يرتفع ويعلو أكثر وميتاز بالضخامة، وعندما ذهبوا

إلى ويراكوتشا كي يحكم بينها ويقرر. قال اإلله لهم:"لن يكون أحدكم أكثر قوة من اآلخرين. سيكون هناك أسياد أربعة لسلسلة

اجلبال وهم:سيد الضوء، وسيد احلجارة، وسيد املاء، وسيد الهواء.

سيد احلجارة وسيد الهواء اخترقا السماء بقممها احلادة، وسيد الضياء وسيد املاء اتسعا ومتددا مثل مناشير متعجرفة في اآلفاق، ومبا أن سيد الهواء يغار من سيد املاء، فقد قال في يوم من األيام لسيد احلجارة الذي بدوره يحسد سيد الضياء بقوة: "توحد معي ضد سيد النار، فأنا سأقضي على سيد املاء".

وانطلق االثنان يزمجران ضد خصميهما.خاضوها املتحاربني، األربعة األبطال بني وشرسة كبيرة معركة ودارت بدون تعب طوال آالف السنني، وال يزالون يخوضون تلك املعركة، فالثلوج والنيران والرياح والصخور تتعارض بقوة في عواصف وأعاصير وحمم بركانية محترقة وكوارث طائحة. مزقوا بعضهم، وغرق بعضهم، لكنهم لم ميوتوا وما

زالوا يبزغون ويظهرون أكثر عنفا وشراسة.في النهاية تدخل ويراكوتشا وأقر الهدوء على األرض الهائجة واملتحارب عليها، وأصدر إرادته: "يبقى اآلن فقط ثالثة أسياد في سلسلة اجلبال هم: البراق (Illampu) "ايامفو" اآلن فصاعدا من اسمه وسيكون الضياء، سيد "(Illimani) "املشرق، وسيد املاء، وسيكون اسمه من اآلن فصاعدا "اييمانيالرقراق املتأللئ، وسيد احلجارة، وسيكون اسمه من اآلن فصاعدا "وايانا سيد يا أنت وأما يجأر. الذي الهادر الشاب (Wayana Potosi) فوتوسي"

الهواء، فستدفع ثمن متردك، لهذا ستبقى وحيدا في األسفل.أطلق اإلله مبقالعه اإللهي حجرا من ذهب على قمة اجلبل املدببة، فقصها كما تقص قصبة سكر، وسوى مكانا سديدا في قلب اجلبل، وأما القطعة العلوية التي ... ابعدي أنت لها: ويراكوتشا اإلله قال وهربت طائرة فقد القمة انشطرت عن

٥٧

ابعدي أنت "ساهاما" أي املبعدة! هكذا أناديك بسبب متردك. ومن تلك اآلن تراها التي اجلبال هذه آلهة في سلسلة ثالثة بقي فقط اللحظة هربت، التي "ساهاما" أما فوتوسي"، "ايانا و و"اييماني" "ايامفو" هي: فإنها موجودة بعيدا ووحيدة في اجلانب اآلخر من السلسة اجلبلية، لكنها

مغطاة بالثلوج متشامخة وعظيمة ورائعة".إلى بإصبعه يشير وأخذ القدمي، صوته وأحجم الهندي، وصمت القمم الساحرة التي ال تزال تلمع وتضيء كأنها ألغاز وأسرار عند

الغسق.

٥٦

٥٩

(Arecunos) ¢SƒfÉcQC’G

:áeó≤e ¢TÉY »àdG ,"¢SƒfÉcQC’G" ¢VQCG ™≤J ÇOÉ¡dG §«ëŸG ÅWGƒ°T ≈∏Y »∏«°ûJ øe ܃æ÷G ¤EG

.QÉbƒdGh ÜÉéYE’ÉH ¿ƒ¶ëj ,á©FGQ áæë°S º¡d ∫ÉLQ ,IôHɨdG ¿ÉeRC’G ‘ ,É¡«a

ºªb ≈∏YCGh ôëÑdG ÚH óà“ »àdG ,"ÉfÉcGhQCG" ≈∏Y á£∏°ùdG Gƒª°SÉ≤J á∏«Ñb º«YR ô°ûY áà°S

.∫ÉÑ÷G

,∫ÉØWC’G ÉeCG .º¡eÉæZCG ¿ƒYôjh ¿ƒKôëj ,¢VQC’G ∂∏J äGÒN ≈∏Y É¡«a ¢SÉædG ¢TÉY

.ΩÉæZC’G »YQ ºgQhó≤à ¿ƒµ«a , kGóL Ú©jô°S GƒëÑ°UCG GPEG ≈àM ,¥ô£dG ‘ ¿ƒHQój Gƒfɵa

hCG ¢ShDƒØdG πª◊ hCG ,∫Éà≤dG πLCG øe º¡H ßØàëj ¿Éc iƒb C’G äÓ°†©dG ÜÉë°UCGh

.áØ«îŸG ™«dÉ≤ŸG ¥ÓWEG hCG ,ìÉeôdG OGóYEG hCG ,á∏«≤ãdG Üô◊G ¢ù«HÉHO

óªéŸG OÈdGh ´ƒ÷G ΩÉeCG AGó°TCG ,πª©dG ‘ AÉjƒbCG AÉ«æZCG ∫ÉLQ øe kÉÑ©°T ¢SƒfÉcQC’G ¿Éc ∑ƒ∏ŸG Óa .º¡àjôM Ö∏°Sh º¡«∏Y Iô£«°ùdG ≈∏Y Qó≤j øe kGóHCG ∑Éæg øµj ⁄ ,ójó°ûdG ô◊Gh

kGóHCG âYÉ£à°SG ,á°Sô°ûdG áHQÉëŸG πFÉÑ≤dG ’h ,iôNC’G áÑjô¨dG ܃©°ûdG ’h ,AÉjƒbC’G

¢†jô©dG …OGƒdG CÉ£j ¿CG Ú©eÉ£dG πc øe óMCG Qó≤j ⁄h ,¢SƒfÉcQC’G ∫ÉÑLh ∫ƒ¡°ùdG ∫ÓàMG

.ÖgòdGh á°†ØdG ºLÉæeh äGÒÿGh ¬cGƒØdÉH »æ¨dG

٥٨

٦١

(Caupolican) كاوفوليكانفي يوم من األيام، ظهر خلف سلسلة اجلبال بعض الرجال البيض كانوا معروفة، تكن لم قبل، من أبدا يروها لم على ظهر خيول مسلحني بحديد يلمع، يلبسون حديدا وميلكون الرعد والنار التي

تخرج من املدافع والبنادق القدمية فتقتل.أثار ظهور املقاتلني األسبان مفاجأة وخوفا كبيرين لدى األركانوس

الذين تساءلوا: هل هم آلهة؟أية املياه؟ من جاءوا هل ويسألون: ويصرخون، يقولون، كانوا بأيديهم، الصواعق إنهم يحملون أقلتهم؟ مراكب عجيبة وغريبة

ويركبون دواب سريعة مثل الريح، إنهم آلهة ... إنهم آلهة!وألول مرة مت غزو أراضيهم، وألول مرة انتشر الرعب في قلوب كائنات إلرادة خاضعني خانعني مستعبدين فعاشوا األركانوس،

غريبة جاءت تبحث عن الذهب والفضة.أخذ الغزاة البيض يتحولون إلى أفظاظ قساة، فجبروتهم وإساءاتهم

وأفعالهم الشريرة جعلتهم ضعفاء وحاقدين.ليسوا آلهة أيها األخوة ... إنهم ليسوا آلهة - هكذا كان يصرخ نبالء األركانوس - إنهم أناس شريرون اضطهدونا وأذلونا ومبقدورنا على واملوت احلرب نعلن احلرب، إلى فلننهض نهزمهم، أن أطفال قلوب راحة وسالم في تكون هناك فلن الغرباء، هؤالء

األركانوس ما لم تنظف أرضنا، وتتحرر من هؤالء األبالسة.غابات بني تركض والرسل والسهول، اجلبال االستنفار وعم القبائل وزعماء وجتميعهم، الناس أجل حتميس من األركانوس يعقدون االجتماعات الكبيرة للحرب، وهناك في السهل الكبير بني اجلبال بدأوا يتجمعون: "توكفال" مع ألفني من احملاربني، "اونغولو" مع أربعة آالف، "كايوكوفيل" مع ستة آالف، "لينكوي" آالف مع وآخرون و"كولكولو" و"تفورين" "ليموليمو" ثالثة، مع

٦٠

على واحلائز القوي "كاوفوليكان" فقط غاب الشباب. احملاربني من إعجاب اجلميع.

كانت املجادالت قوية وحامية الوطيس بني زعماء القبائل، ليقرروا من الذي سيقود احلرب ضد الغزاة فصرخ "كايوكوفيل":

- "عندي حتت األوامر العدد األكبر من احملاربني، وأنا مستعد ألجرب قوتي مع أي كان"، فقال "تفورين":

- "أنا جاهز للموت مع جميع رجالي، وال أحد يتفوق علي في الشجاعة واستخدام السالح".

الهمم، املنافسة فشحذت حسناتهم، معلنني اآلخرون احملاربون صرخ واملجادالت كادت تتحول إلى نزاع بني اجلميع، فتحدث "ليموليمو" الشيخ

واحلكيم وقدم نصيحته:يرفع ضد أن فاألفضل اآلن، اتركوا سالحكم الشجعان، الزعماء "أيها -العدو، جميعكم متساوون بالنبل والقوة، امتحنوا قوة أذرعكم، وليكن الرئيس هو الذي يقدر على حمل اجلذع األضخم في غاباتنا على كتفيه من غير

توقف أو استراحة".أخذ جميعهم ميتحن أسباب الشيخ "ليموليمو"، الذي راح ينظر إلى اجلبال

بقلق، يرقب قدوم العظيم "كاوفوليكان".أحضروا جذعا ضخما من شجر البلوط، حمله ستة رجال ذوي عضالت قوية، ومن شدة ثقله، أحضروه مجرورا على األرض، وأبقوه وسط حشود

احملاربني، الذين يحضرون املسابقة.ويبقيه ويحمله، اللحم، يحضن اجلذع قاسي "فايكابي" شاب طويل يأتي

على كتفيه مدة ست ساعات."فورين" بينما الوقت، هذا إلى يصل أن قبل يستسلم و"كايوكوفيل"

و"اونغولو" أبقياه طيلة نصف نهار.ا "لينكويا" القوي، فيحمل اجلذع بسالسة على كتفيه العريضتني جدا، ـ أمنوره القمر لتشارك الشمس خرجت أن منذ باجلذع، ويركض ويتمشى

الساحر.املغيب، نحو بالنزول وتبدأ السماء، منتصف إلى الشمس تصل وعندما

يسقط اجلذع عن أكتاف لينكويا القوية.

٦٣

فلـ"لينكويا" له!! قيادتنا فلتكن انتصر!! لينكويا يصرخون: كلهم احلظوة في أن يكون املسؤول األعلى".

وفي هذه اللحظات يأتي ويتقدم كاوفوليكان، يأتي وحيدا من غير محاربني يرافقونه.

كاوفوليكان: طويل، وقوي ومحارب متمرس، وخفيف احلركة وله هيبة قوية وصارمة، واجلميع يقدرون األقوى واألنبل.

يطلبون وكلهم بالغروب، الشمس تبدأ عندما "كاوفوليكان" يأتي وقتا للراحة، ويقررون متديد املسابقة حتى اليوم التالي.

اجلذع "كاوفوليكان" حمل اجلبل أعالي في الفجر بزغ وعندما الثقيل على أكتافه اخلارقتني.

ثانية وتختفي السماء، منتصف إلى الشمس وتعلو النهار، يطلع ويجيء يروح و"كاوفوليكان" النجوم يظهر والليل اجلبال، خلف ببطء وبسرعة، دون أن يعطي إشارات تعب، تعود الشمس للطلوع، وميضي نهار كامل، ويخرج القمر ثانية بطلعته البهية، ومرة ثانية

يأتي الفجر، ليرى "كاوفوليكان" مع اجلذع على كتفيه.السماء إلى نصف الثالث، عندما تصل الشمس اليوم نهاية وفي يقفز "كاوفوليكان"، ويرمي اجلذع الثقيل إلى بعيد، فتهيج احلشود

باالنفعال: إنه األقوى ... إنه األقوى إنه "كاوفوليكان".يضع الشيخ "ليموليمو" الفأس احلجري في يد املنتصر، ومن تلك اللحظة استعد األركانوس للقتال حتت إمرة كاوفوليكان العظيم.

كثيرة، كانت الغرباء ضد احلرب في كاوفوليكان وبطوالت وحفظت في الذاكرة، وغناها الشعراء كما غنوا مماته املفخرة من

٦٢أجل حرية أرض أركانوس.

٦٥

(Guaranties) á°†ØdG ¢VQCG

á°†Ø∏d ÒѵdG º«¶©dG Ö°üŸG ¤EG ¬éàJ ¿CG πÑb ,…GƒZhQC’G ô¡f √É«e ÜÎ≤J å«M ∑Éæg

Ú«fGQGƒ¨dG Oƒæg πFÉÑb ¢û«©J âfÉc ,øjÒѵdG øjô¡ædG ÚH Qõ÷ÉH á©£≤ŸG ¢VQC’G ‘

‘ ¢û«©J Ú«fGQGƒ¨dG Oƒæg πFÉÑb âfÉc ,¢†«ÑdG IGõ¨dG ∫ƒ°Uh óæYh 1."Guaranias"

±ÉØ°†d ájPÉëŸG äÉHɨdG ¤EG 2,"¢SôjG ¢ùæjƒH"`H ᣫëŸG »°VGQC’G øe IóટG á≤£æŸG

. k’ɪ°T ô¡fC’G

¿ƒ°û«©j Oƒæ¡dG øe ¿hôNBGh "Querndies" ,¢ùjófÒµdG Oƒæ¡dG ¿Éc ,Ú«fGQGƒ¨dG ™eh

º¡æµd ,∫ƒ≤◊G ´Qõj º¡°†©H ¿Éch ,äÉfGƒ«◊Gh Qƒ«£dGh ∑ɪ°SC’G ¿hOÉ£°üj ,∑Éæg

IÒãch IÒÑc ∑QÉ©e º¡©e Gƒ°VÉN øjòdG IGõ¨dG º¡æY ∫Éb ɪc ,AGó°TCG ÚHQÉfi kÉ©«ªL GƒfÉc

.܃ൟGh ≥KƒŸG º¡îjQÉJ ‘

ÖJɵ∏d ∞dDƒe ‘ IOƒLƒe »gh ,Ú«fGQGƒ¨dG Oƒæ¡dG äÉjɵM øe IóMGh "‘É°SG" ájɵM

.Ω1612 ΩÉ©dG (Ruy Diaz de Guzman) "¿ÉªKƒZ …O çÉjO …hQ" »æ«àæLQC’G

.(ºLΟG) á«fÉcÈdG ∫ÉÑ÷Gh á°†ØdG ô¡fG ÚH IóટG á≤£æŸG ‘ πFÉÑ≤dG √òg øµ°ùJh ,ÊQGƒZ ¬dE’ÉH ¿hó≤à©j øjòdG AÉeó≤dG Oƒæ¡dG πFÉÑb øe 1

.(ºLΟG) á«dÉ◊G ÚàæLQC’G ᪰UÉY 2

٦٤

٦٧

(Isape) "الفتاة "اسافيابنة رئيس القبيلة، وكان والدها "اسافي" فتاة جميلة جدا، وهي الشيخ ينظر إلى فتاته بحنان كبير، كما يجب على اآلباء أن ينظروا

إلى أبنائهم غير السعداء.خيرة أتاها وقد اجلمال، رائعة اسافي الهندية الشابة كانت احملاربني لرؤيتها، والتقدم خلطبتها، لكن اسافي لم تعط إجابة للذين حتببوا إليها، فالفتاة األكثر جماال في القبيلة ال تبادل احلب،

ألنها كانت باردة وقاسية القلب.لم تعشق "اسافي" ولم تطع أحدا، لهذا كانوا يتندرون ويطلقون عليها: "التي لم تبك أبدا!"، ولم ير أحد دمعة منها في عيونها السود حتى في أشد املعاناة. ففي أحد فيضانات نهر األروغواي الذي أغرق األرض، واقتلع األكواخ واخلوص، وأخذ إلى األبد النساء واألطفال، رفع الشيوخ والشباب نحيبهم وأساهم إلى السماء، لكن اسافي لم تبك. كانت عيناها الرائعتان السوداوان تنظران إلى بعيد بال مباالة بآالم اآلخرين، فبدأوا يفكرون أن اسافي هي سبب كل املآسي تلك، فقالت إحدى الساحرات:

" دموع اسافي فقط تقدر على تهدئة غضب اآللهة!".أقوياء آخرين قوم مع املعارك إحدى وفي املآسي، وتوالت وأشداء، كان على القبيلة أن تهرب، وتختفي في اجلبال بعد أن وقعت الفتيات العذراوات األكثر روعة في أيدي األعداء، وسقط أشجع احملاربني قتلى، وتقلصت القبيلة إلى بضع نساء وحفنة إلى جميعهم وجلأوا الزعيم الشيخ أنقذوا الذين املقاتلني، من عينيها. في الدمع يلمع ولم اسافي، كانت ومن ضمنهم الغابة، تتوخى علها وسحرها، طالسمها على بيدها الساحرة فألقت النصيحة من الفلك والنجوم، وقالت بعد برهة: "كي متر املصائب كيف لكن تبكي! أن اسافي يجب على تضربنا، وال جانبنا من حدود ال كبيرا حبا البنته يكن الزعيم فالشيخ تبكي؟ جنعلها له! فكيف ميكن جعلها تبكي؟ إذ أنها لم تكن قادرة على إظهار

٦٦

أراده ما وهذا ومصائبهم! اآلخرين مآسي التعاطف مع أبسط عالمات الكهان والسحرة!

وجاء يوم االمتحان؛ امتحان األلم في داخل أعماق اسافي، فبينما اسافي تتمشى في أحد دروب الغابة، خرجت للقائها امرأة عجوز محنية الظهر، ترجتف، وبصوت فيه الكثير من احلسرة طلبت منها أن تقطع لها بعض

األغصان اليابسة لكوخها، حيث حفيدها مريض، ويكاد ميوت من البرد.إليها بازدراء، فركعت العجوز على ركبتيها، وطلبت منها، نظرت اسافي

وتوسلت بصوت مفجوع، لكن الشابة الهندية تابعت طريقها!بعد قليل، ظهرت لها امرأة ال تزال شابة، وعلى يديها طفل، والدموع في عينيها. اقتربت املرأة من اسافي، كانت مالمحها تشير إلى أنها موجوعة، ومفجوعة. وبصوت فيه الكثير من التوسل، كشفت لها عن الطفل الذي القادرة على يحتضر، ورجتها أن تبحث لها عن بعض األعشاب املفيدة

شفاء ابنها.كانت اسافي تعلم أين توجد تلك األعشاب، وفي أي مكان من الغابة، فتلك األعشاب تطرد املوت، وكان مبقدورها أن حتضرها مبجرد أن متشي قليال إلى جانب الطريق، لكن الشابة الهندية التي ال تعرف األلم تابعت مشيتها

دون اكتراث.وما أن مشت بضع خطوات حتى ظهرت قوة غريبة، جعلتها تتوقف، ومن خلف ظهرها سمعت صوت ساحرة القبيلة التي تقمصت الشيطان، سيد

األعمال الشريرة.- "آنيا! يا سيد الظالل، اجعل هذه الفتاة الباردة التي ال تواسي عجوزا وال

ا وال عجوزا أبدا!". ـ ا، اجعلها أن ال تكون أم ـ أم- "آنيا! يا سيدي اجعل هذه املرأة التي بال قلب، والتي لم تبك أبدا، اجعلها

تبكي مدى احلياة..".- "آنيا! اجعل هذه املرأة التي كان عدم بكائها سبب املآسي، اجعلها حتيا

إلى األبد، تبكي ومن خالل بكائها تقدم اخلير لآلخرين".اسافي لم تقدر على سماع أكثر من الكلمة األولى للساحرة، وأخذت تتحول رويدا رويدا، إلى شجرة أقدامها تغوص في األرض كجذور قاسية، وجسدها

يتصلب مثل جذع الشجر، وصار شعرها أغصانا مليئة باألوراق.

٦٩

وعند انتهاء الساحرة من طقوسها، كانت اسافي اجلميلة الفاتنة اجلمال قد حتولت إلى شجرة خضراء ورطبة، ومنذ ذلك الوقت وشجرة اسافي تعيش وتنمو في الغابات االستوائية، هذه الشجرة ومدرار ناعم ندى أوراقها من ينز التي اخلير فاعلة الكرمية

يرطب الهواء.اسافي الشجرة؛ التي تبكي دائما من أجل حماية اآلخرين ببكائها. فالرجل الذي يصل متعبا ومختنقا من الشمس يشعر أن الشجرة

متنحه العذوبة كهدية.وتبقى تبكي، إنها اسافي، العذراء الهندية فاتنة اجلمال التي كانت

ال تعرف البكاء أبدا.

٦٨

٧١

* املرأة والفهدةفي األوقات التي كانت فيها مدينة "بوينس آيرس"١ ال تعدو أكثر بقليل من حصن للجنود األسبان، يعيشون فيه مع عائالتهم إلى جانب أناس ليسوا بكثيرين، وقع هذا احلدث النادر واملثير لالستغراب، وبقي في ذاكرة الذين عايشوه أو سمعوه لوقت طويل. ففي تلك األوقات، كان الذين يعيشون الطعام، ينقصهم كان حيث قاس، جوع من يعانون آيرس" "بوينس في فاضطروا ألكل األعشاب وكل أصناف احليوانات في احلقول، ووصلوا إلى

حد من اجلوع هدد أولئك الناس البؤساء بأن يأكل أحدهم اآلخر.السكان طاغية، يفرض عليهم شروطا قاسية، آنذاك كان يحكم لم يحبه أحد منهم، فكلهم كانوا يعيشون حالة من االستياء، وهذا يضاف إلى مرارة اجلوع، وإلى بعض بلوى الوحوش املفترسة من النمور وفهود األونزا،٢ التي أتت إلى الغابات القريبة من احلصن،

وهددت بالتهام كل من يبتعد عنه.كان الطاغية مسؤول املدينة، وحتت طائلة العقوبة باملوت، منع

الناس من اخلروج، فازداد اجلوع ومات ناس كثيرون.إحدى النساء األسبانيات لم تقدر على حتمل معاناة تلك الفاقة التي ال تطاق، فعبرت السور الذي كان مبنيا للدفاع، ودخلت إلى أراض هندية علها تنقذ حياتها. مضت لوقت ال بأس به على غير هدى في الطريق، وكان عليها االحتماء من عاصفة، فدخلت لالختباء في كهف وجدته في وهاد النهر، لكن فزعها كان كبيرا عند الدخول إلى الكهف، ووجدت نفسها أمام أنثى فهد كبيرة وقوية كانت ترتاح هناك في الكهف، ولرؤيتها

فقط، فإن املرأة، سيئة احلظ، سقطت مغميا عليها.عادت إلى وعيها بعد وقت، وعندما نظرت إلى مكان الفهدة رأتها

ملقاة تلعق بحنان كبير شبلني كانت حتميهما بني ساقيها.

* املقصود أنثى الفهد أو اللبؤة األمريكية (املترجم). عاصمة األرجنتني احلالية، (سبق ذكرها).

١٢ الوشق البري نوع من الذئاب بحجم الكلب الكبير يعيش في املكسيك وأمريكا الشمالية (املترجم).

٧٠

نظرت الفهدة إلى املرأة وفي عينيها شيء يشبه وهج احلنان والعطف على األشبال املولودين حديثا، ولم حتس املرأة بنفسها إال وقد قامت واقتربت من األم وأشبالها، وأخذت مترر يدها، وتداعب األم واألشبال، وبعدها عاشت

في ألفة صحبة احليوانات الثالثة.لتعود الفهدة األم الطيبة ترعى األشبال عندما تخرج لقد صارت املرأة

بلحم صيد للجميع.النهر، ماء من عطشها لتطفئ املرأة خرجت األيام من يوم في لكن إلى خرجوا قد كانوا الذين Querandies/هنود الكيرنديس بعض فأفزعها

الصيد هناك، فأخذوها معهم إلى قبيلتهم.في هذا الوقت، خرجت مجموعة من اجلنود األسبان، يبحثون عن األكل من القبائل املجاورة، فوجدوا املرأة أسيرة عند الهنود فأنقذوها في اللحظة املناسبة، وأخذوها إلى مسؤول حصن "بوينس آيرس" الذي لم يرها جيدا،

فأمر أن تلقى إلى الوحوش ليقطعوها ويأكلوها.أخذها اجلنود إلى اخلارج، وتركوها مربوطة جيدا إلى شجرة على بعد فرسخ من القرية، وفي تلك الليلة أتى رهط من الوحوش إلى املرأة الغنيمة، ومن

بينهم الفهدة التي كانت املرأة قد عاشت معها.وعندما رأت الفهدة املرأة اقتربت إلى جانبها، ولم تسمح ألي وحش باالقتراب منها،

وبقيت تدافع عنها طيلة تلك الليلة واليوم التالي بليلته حتى اليوم الثالث.ذهب اجلنود إلى هناك بأمر من القبطان ليتأكدوا من موت املرأة، وبدهشة

كبيرة رأوها ال تزال على قيد احلياة والفهدة عند قدميها مع الشبلني.الوفية قليال عندما رأت اجلنود، وأفسحت لهم الطريق ابتعدت احليوانة كأنها أشارت إليهم أن يصلوا إلى املرأة، ويفكوا وثاقها حيث فعل اجلنود

ذلك، وهم معجبون بذكاء وإنسانية تلك الوحشة.وبعد أن فك اجلنود وثاق املرأة أخذوها معهم ليعفوا عنها، بعد تلك املعجزة التي رأوها، وبقيت الفهدة تصدر إشارات وحركات، وتزأر بحزن كأنه تعبير عن اإلحساس بالوحدة! بينما كانت املرأة تبتعد وتلتفت إلى الوراء وفي عينيها دموع

الشكر واالمتنان للفهدة الطيبة.

٧٣

الكتاب الثاني: أسـاطير النـار

٧٥

أمريكا الشمالية* الفتى وذئب الكويوتي

وقد حدث احلمراء، السحنة أصحاب األمريكيون يحكيه ما هذا منذ سنني غابرة.

في تلك األيام البعيدة، حيث كان الناس فيها يفهمون لغة احليوانات، التي كان منها كلب الصحارى، الذئب األمريكي اخلبيث احملتال،

الرمادي اللون كان صديقا طيبا للهنود، وقد أسموه كويوتي.في قبيلة هندية كان يعيش فتى له ساقان قويان مطواعان، وله

نظرات ثابتة وثاقبة.كان يعيش وسط القبيلة، لكنه كان يكثر القفز بني الغابات، ويصعد إلى قمم اجلبال، وكان يخوض في األنهر، ال يفارقه صديقه حيوان

الكويوتي "Coyote"، رفيقه في الصيد وحتى في املنام.وفي مرات كثيرة توقف لينظر كيف كان الرجال يحشرون األسماك بني شقوق صخور النهر، وكيف كانت النساء يقتلعن جذورا طازجة، ويحفرن األرض بأحجار مسننة، كان ذلك في أيام الربيع الدافئة والطويلة، لكن عند حلول الشتاء كان الناس يتراكضون بني الثلوج يهربون من البرد وكأنه عدوهم، فكانوا يغرقون يائسني في أعماق

الكهوف املظلمة.شعبه بحسرات يفكر وهو قاس، بوجه ينظر الفتي الشاب كان للحيوان فقال املثلجة، السماء حتت له حول ال الذي البائس جلد ولك ألنك سمني، البرد بسكاكني ال حتس "أنت الكويوتي: كثيف الشعر، أما هم فإنهم يرجتفون وميوتون، قل لي يا صاحبي وأنت الذي تقود خطواتي في الصيد، قل لي ماذا علي أن أفعل

اجتاه شعبي كي ال يعاني أكثر؟".* Coyote.

٧٤

قال الكويوتي: "ال شيء!". وفي تلك الليلة لم ينم إلى جانب صاحبه، ولم يعد إلى جانبه إال بعد انقضاء عدة أيام بلياليها الطويلة. عندئذ قال الكويوتي: "أنا أعرف ماذا عليك أن تفعل، لكنه صعب جدا وأكثر صعوبة من أي شيء،

كنت قد فعلته، ولن تقدر على فعله أبدا".فأجابه الفتى: "قل لي ما هو؟ فأنا قادر على فعل كل شيء ما لم يكن مستحيال!".

الوهج، ذلك من قبسات لتسرق النار جبل إلى "اذهب الكويوتي: قال وحتضره إلى شعبك".

سأل الفتى: "وما هي النار؟ وما هو الوهج؟".أجاب الكويوتي: "النار مثل وردة حمراء، لكنها ليست وردة، إنها تركض بني األعشاب، وتقضي عليها كما لو كانت دابة، لكنها ليست دابة مع أنها قوية وتقدم األشجار أغصانها تتمدد على سرير بني احلجارة، لكنها ومريعة، لها لتأكل، إنها أخ طيب يداعب النسمات واألشياء بألسن كبيرة وبراقة وساخنة. وإذا أمكنك إحضارها، فإن شعبك سينعم بالدفء، ويخبئه كما لو

أنك تخبئ قطعة من الشمس".قال الهندي: "نعم سأحضر تلك النار، ساعدني".

اجته الفتى نحو شيوخ القبيلة ليطلب مائة رجل لهم أفخاذ قوية وعضالت الكويوتي وسيقان خفيفة احلركة. فاصطفوا جميعهم في طابور، يوجههم

نحو جبل النار، وانطلقوا راكضني.مع انتهاء اليوم األول، تركوا في الطريق الرجل األقل مقدرة على الركض من الثاني اليوم انتهاء ومع وينتظر، هناك، يرتاح أن عليه وكان فيهم. تلو يتناقصون واحدا بدأوا ليرتاح وينتظر، وهكذا ابقوا رجال آخر الركض

اآلخر مع نهاية كل يوم من األيام املائة للمسيرة.بقي فقد الكويوتي، برفقة له وامللبيتني القويتني الساقني ذو الشاب أما السهول، عبرا املسير، من األخيرة املرحلة إلى وحدهما والكويوتي هو الكبير الذي يجري النهر إلى النهاية وصال سوية وواجهتهما اجلبال، وفي

فوق رمال جميلة عند سفح جبل النار.كان اجلبل يصل الغيوم، وكان في قمته شيء يشبه قبعة كبيرة من الدخان

الكثيف.هيئة على املجنبات في وترقص تتراكض، النار أرواح كانت الليل، في

٧٧

الكبير يلمع كما لو أن مياهه قد النهر بينما كان جذوات كبيرة، اشتعلت.

قال الكويوتي للفتى: "انتظرني هنا، سأذهب ألحضر لك قبسا من منهكا، سأصل ألنني ويقظا مستعدا وكن انتظرني اجلبل، وهج

وعليك أن تتابع راكضا، إذ أن أرواح النار سوف تالحقك".أرواح لكن األحجار، خلف ويختبئ اجلبل يصعد الكويوتي وبدأ النار اكتشفته، وعندما رأوه نحيفا ومتسخا سخروا من رائحته غير

العدوانية.لكن عند حلول الليل، وعندما بدأت األرواح بألعابها ورقصاتها في ألسنة اللهب الكبيرة، متكن الكويوتي من أخذ لسان كبير وطويل، ألسنة كانت مستقيم وبطريق بسرعة. اجلبل هابطا به وهرب

اللهب تركض خلفه، تصدر زئيرا كأنه زئير لبؤة حتترق.الكويوتي يهبط اجلبل مثل جنمة تهرب من رأى الشاب صديقه السماء، كانت أرواح النار تتبعه كأنها نهر من الوهج، وراح يتساءل:

"هل يقترب القبس املشتعل؟ هل يقترب؟ هل يصل؟".وقع احليوان الشجاع أرضا، يكاد يختنق، وقواه تخور، فأخذ الشاب في النار وأرواح والركض، بالركض وبدأ املشتعل القبس ذلك اجلذوات تركض خلفه، والفتى يتابع الركض، وميضي مثل سهم، كي يصل إلى الرجل األول، الذي تركوه يستريح وينتظر، ويده ممدودة

ليستقبل اجلذوة، ويبدأ الركض بها سريعا كسهم انطلق من قوس.وهكذا تستمر اجلذوة من يد إلى يد دون توقف، وأرواح النار تركض خلف الشعلة املسروقة، إلى جبال الثلج التي ال يقوى الناس فيها

على البرد.استمرت النار في الهواء تنتقل من يد إلى يد بني الراكضني، فكانت

صفراء وجميلة في النهار، وفي الليل حمراء رائعة.وصلت الشعلة إلى الرجل األخير، ومنه إلى القبيلة، وهناك صنع الرجال لها سريرا من األحجار وسط املغارة، بدأوا يطعمونها بحب، يقدمون لها األغصان اليابسة، ومنذ ذلك الوقت ابتهج الناس بتلك الشعلة عدوة البرد، والفتى الهندي النبيل أصبح معروفا من قبل

اجلميع. إنه الشجاع الذي اكتشف النار.

٧٦

والكويوتي، أيضا، منذئذ ميكنه أن يعرض وإلى األبد آثار عمله املعطاء، وحتى هذا اليوم حتتفظ ساللة الهندي باجللد األصفر، وكيف احتمى

بالنار كذكرى ملأثرته الشجاعة

٧٩

نيوزيلندا"مانوي" الذي أحضر النار

عن البطل يتحدثون، عن مآثر عجيبة ليست من صنع البشر، كان البحر، الكبيرة من أعماق الذي أخرج جزيرة نيوزيلندا مانوي هو

وتركها على سطح املياه في املكان نفسه الذي تقع فيه اليوم.على جيدا تطبق كي للحربة نابا اخترع الذي هو مانوي كان األسماك، وكذلك اخترع سلة بها فخ كي يحشر سمك احلنكليس.

كان مانوي هو الذي أحضر النار إلى الناس، وهو الذي جعل اليوم يطول مبا يكفي كي يتمكن الناس من العمل جيدا.

ومانوي فعل أشياء خيرة كثيرة للناس، وهي أشياء ال ميكن تعدادها لكثرتها.

شاطئ عند أمه فتركته ومشوها، بشعا كان مانوي ولد عندما قاحل، لكن آلهة البحار حمته، و"تامانويكي تي راجني" وهو أحد أجداده السالفني، كان في السماء، فأخذه إلى هناك، وعلمه كل

األشياء غير الطبيعية التي كان يعرفها، وهكذا كان.وعند عائلته، عن ليبحث األرض إلى عاد مانوي شب عندما وصوله عثر على إخوانه وهم يلعبون باحلراب عند شاطئ البحر، وعندما شاهدوا الفتى البشع انفجروا جميعهم بالضحك، لكنه قال لم لكنهم الصغير؟" أخوكم إنني ترون أال "ملاذا تضحكون؟ لهم:

يصدقوه، وكذلك أمهم التي قالت له: "أنت لست ابني!".فأجابها مانوي: "أال تذكرين عندما تركتيني في ذلك الشاطئ القاحل؟".

- آه! نعم، صحيح، لقد نسيت! أنت مانوي! قالت األم وهي نادمة فبقي له. ورؤيتها ابنها عودة من نفسه الوقت في لكن سعيدة

مانوي مع أهله.

٧٨

"أريد لهم: الصيد، قال الصغير بهدف القارب إلى وعندما صعد أشقاؤه الذهاب معكم"، لكنهم رفضوا قائلني: "ال، إننا ال نحتاجك".

لكن أخوة مانوي كانوا يصطادون بشكل قليل، إذ أن احلراب لم يكن لها أنياب كي تطبقها على األسماك، فعلمهم مانوي كيف يصنعون حرابا في

طرفها أنياب ال ميكن إن تفلت األسماك منها.الشيء اصطادوا لكنهم احلنكليس، األخوة الصطياد ذهب آخر، يوم في القليل، إذ أن أسماك احلنكليس كانت تخرج من الباب نفسه الذي دخلت منه في سالل الصيد، عندها اخترع مانوي فخا في باب سلة الصيد، كي

تدخل أسماك احلنكليس وال ميكنها اخلروج.وعلى الرغم من ذلك، فإن أخوة مانوي لم يحبوه، ولم يرغبوا في أن يذهب الزورق، قاع في مانوي اختبأ األيام من يوم في لكنه الزورق، في معهم "ما أخوته: قال البحار أعالي في كانوا وعندما األرضية، بألواح ى وتغط

أحسن أن منضي من غير مانوي!".لكن صوتا قد خرج من القاع يقول: "إنني هنا! ورفع مانوي األلواح، وخرج.

فغضب األخوة كثيرا ولم يرغبوا بإعطائه صنارة كي يصطاد.لكن مانوي لم يغضب، وبدأ يصطاد بصنارة سحرية كان يخبئها معه، وكانت

مصنوعة من فك أحد أسالفه القدماء.لم يرغب أخوته بإعطائه طعما، عندها أدخل مانوي رأس الصنارة في أنفه،

وبللها بالدم، ثم رمى بها إلى املاء.لم يكن أحد من األشقاء قد اصطاد شيئا، وقد اعتقدوا أن مانوي لن يصطاد

أيضا، لكن مانوي انتظر حتى ينزل شص الصيد إلى األعماق أكثر.قال أخوانه له: "ملاذا أنت هكذا عنيد جدا؟ ال يوجد هنا صيد! هيا نذهب

إلى مكان آخر!".ضحك مانوي وبقي ينتظر، وفجأة أحس بحركة شد قوية في اخليط الذي

جعل الزورق الصغير يكاد ينقلب.بدأ يصعد رويدا ورويدا أخوانه بذلك، بقوة، وساعده ـت مانوي احلبل مانوي ثب أخوة بقي السطح إلى وصل وعندما األعماق، من مرعب شيء مشدوهني، إذ إن ذلك الشيء كان كبيرا جدا، غطى كل مساحة البحر على مد النظر، ولم يكن ذلك أقل من "تي- اكا - آ - مانوي"؛ أي السمكة التي

اصطادها مانوي، وهي جزيرة نيوزيلندا الكبيرة.

٨١

قفز أخوة مانوي فوق الشيء املريع، كي يقصوا منه قطعا من اللحم، لكن كل مكان غرسوا سكاكينهم فيه، حتول إلى وهاد، وفي كل مكان سلخوا اجللد منه، حتول إلى جبال. وهكذا انولدت نيوزيلندا

١.Maories/من أعماق املياه التي أصبحت الحقا أرض املاورييسجدا، قصيرا كان النهار أن إلى مانوي انتبه الوقت، مرور ومع بسرعة، السماء وجتوب تنهض، كانت الشمس أي و"تامانويتيرا" إمتام من ميكنهم للناس، كافيا وقتا متنح أن غير من وتعود

أعمالهم.فكر مانوي أن عليه أن يجبر الشمس على أن تسير ببطء أكثر، وهكذا ببطء، تسير كي الشمس "فلنربط إلخوانه: مانوي فقال

يكون للناس وقت أطول كي يتموا أشغالهم".فردوا عليه: "كيف لنا أن نفعل ذلك؟ أال ترى أن الشمس حترق كل

من يقترب منها؟".فقال مانوي: "لقد رأيتم ماذا أمكنني فعله، ألم أرفع جزيرة تي- اكا - آ- مانوي من البحر؟ وكذلك بإمكاني أن أفعل أشياء أخرى، بل

أشياء أعظم أيضا"."هينا/ أخته رأس شعر من خصلة واقتلع أشقاءه، مانوي اقنع

Hina"، وبحث عن أربطة من حرير أخضر، حتى يتمكن إخوانه من ضفر اخليوط بقوة.

السماء، في كان الذي سلفه إياه علمه قد كان ما مانوي تذكر وكيف تكون لألوتار قوة سحرية فائقة.

صنعوا بتلك اخليوط شبكة كبيرة، حملوها ومخروا حتى نهاية العالم إلى املكان الذي تخرج منه الشمس كل صباح، استغرقوا شهورا عدة في الوصول إلى نهاية العالم، ووصلوا إليه في ليلة مظلمة، عندها

علقوا الشبكة أمام احلفرة التي كانت الشمس ستخرج منها.عليها مطبقا نفسها ووجدت "تامانويتيرا"، الصباح خرجت عند في الشبك السحري. حاولت أن ترخيها، ولم تستطع، كان األخوة

ميسكون الشبكة بقوة وثبات، وربطوها بأوتار جديدة.كانت الشمس تنتفض على اجلانبني تريد أن تقفز، وحاولت تقطيع

١ تطلق على سكان جزر نيوزيالندا في االقيانوس (املترجم).

٨٠

احلبال، لكن احلبال كانت قوية جدا. عندها تقدم مانوي حامال عصاه احلربية املصنوعة من عظم أحد أسالفه، وبدأ يضرب الشمس، لكنها أخذت تقاوم، لم لكنها يتراجعون، األخوة جعلت وساخنة كبيرة جرعات تنشر وبدأت جتعل مانوي يتحرك من مكانه، وهكذا استمر الصراع بينهما، وكانت الشمس

تصرخ:- "أنا تامانويتيرا اجلبارة! ملاذا انتم ضدي؟".

- "ألنك جتوبني السماء بشكل سريع جدا، والناس ال يوجد عندهم الوقت الكافي للبحث عن األكل وهم جياع".

- "وأنا، أيضا، ال يوجد عندي الكثير من الوقت ألضيعه!" أجابت تامانويتيرا.عندها استمر مانوي بالضرب، حتى وهنت الشمس واستسلمت. عندها قالت:

- "كفى من فضلك، سأمشي بشكل أقل سرعة".ومقابل هذا الوعد سمحوا لها باخلروج من الشبكة، وهي أوفت بوعدها.

لتجفف أطول وقت للناس وأصبح ببطء، السماء تعبر اليوم ذلك ومنذ مالبسها، وحتصل على قوتها، لكن بعض احلبال التي ربطوا الشمس بها بقيت ملتفة عليها، وميكن رؤيتها كأشعة تومض، وهي تخترق الغيوم. كل هذه املآثر، أجنزها مانوي، لكن شعبه لم يكن يعرف أبدا كيف يشعل النار.

قرر مانوي أن يكتشف سر مناطق النيران. عندها نزل في حفرة وجدها في األرض، وكانت فيها "مافويكي" آلهة النار، فطلب مانوي منها جذوة، فأعطته أحد أظفارها املشتعلة، فخرج مانوي بالظفر وفكر: "هذا ال ينفعني، إنها نار حقا! لكن أهلي مهتمون مبعرفة كيف يشعلون النار لهذا أطفأ الظفر

املتوهج في تيار ماء، وعاد يطلب النار مرة ثانية.أعطته مافويكي ظفرا مشتعال آخر، لكن مانوي أطفأه وعاد يطلب النار من آلهة النار، وللمرة الثالثة أعطته مافويكي ظفرا مشتعال آخر، فأطفأه مانوي في تيار املاء نفسه، وللمرة الرابعة عاد يطلب النار من آلهة النار، وللمرة

اخلامسة أعطته ظفرا مشتعال.وأعاد مانوي الكرة تسع مرات، إذ أطفأ النار في املاء تسع مرات، وعندما املشتعلة أظفارها آخر منها وطلب النار آلهة إلى العاشرة للمرة جاء قبضت عليه، ودفعته مافويكي إلى النار بشكل قوي، لكن مانوي متكن من اإلفالت بسرعة كبيرة، ولم تتمكن من اإلمساك به، وأثناء هربه كان يشتمها

٨٣

حتى اشتاطت غضبا فاقتلعت آخر أظفارها املتوهجة وألقتها كي تصطاده.

أحدث الظفر نارا في احلقول وفي الغابات، وكان على مانوي أن يهرب أمام تقدم ألسنة اللهب، وفي النهاية طلب مساعدة املطر

الذي هطل بسيل جارف، حتى أطفأ احلريق الكبير.وعندما رأى مانوي أن آخر نار في العالم تكاد تنطفئ، التقط بعض اجلمرات، وخبأها داخل أشجار الغابة. وهكذا بقيت النار في العالم.

٨٢

٨٥

اليونانبروميثيوس والنار

في البالد التي نسميها اليوم اليونان، وقبل قرون من الزمن، كان قد عاش فيها شعب الهيلينيني أو اإلغريقيني القدماء. وهو من أكثر

الشعوب حكمة في ذلك التاريخ القدمي.في تلك البالد يوجد جبل عال تختبئ قمته بني الغيوم، سماه اإلغريقيون، آنذاك، باجلبل األوملبي، وقد تخيلوا أن قمة اجلبل كانت مبثابة السماء،

التي خلقتها اآللهة اجلبارة التي كانت تعيش في هذه القمة.كان زيوس مبثابة امللك، وسيد جميع تلك اآللهة. كان اإلله األعظم فوق والصواعق الرعود يطلق يغضب، فعندما جبروتا، واألكثر أيضا، واآللهة اخلوف، من يرجتفون وهم الناس فيختبئ األرض،

كانت ترتعد خوفا.كان زيوس قد اتخذ من جبل األوملبي مملكة له، يحيط به مجلس امللكة اإللهة (Hira) هيرا زوجته من: مؤلف اآللهة من كبير والشعر، املوسيقى وإله الشمس، إله (Febo) وفيبو وأوالدهما، وحامية الصيد إلهة القمر اإللهة ،(Artemisa) ارمتيسا واآللهة الشباب، وبالس أثينا إلهة احلكمة، وآرس إله احلرب، وحادس إله التجارة، إله واجلمال، وهيرميس١ إلهة احلب وافروديت الثروات،

وآلهة آخرى كثيرة.بني تلك اآللهة الكثيرة والكائنات فوق الطبيعية التي عاشت في جبل األوملب، كان بينها بروميثيوس العظيم، الذي جترأ على حتدي اإلله

امللك املرعب.كان بروميثيوس واحدا من الذين خلقوا على األرض قبل أن يخلق اإلنسان كان مسؤوال عن خلق من وهو الزمن. من بكثير الناس ١ هذه األسماء أطلقها الرومان على اآللهة اإلغريقية: زيوس(جويبتر) وهيرا (جونو) وفيبو (ابولو) ارمتيسا

(ديانا) باالس أثينا (مينيرفا) آرس (مارتي) حادس (بلوتن) افروديت (فينوس) هيرميس (ميركوري).

٨٤

نفسه، فقد أخذ بروميثيوس حفنات من تراب اليونان، وعجنها باملاء، فصنع والقوة كي احلياة وأعطاه البشرية، للهيئة قواما له إنسان، وصنع شكل ميكنه من مضاعفة نفسه، وفي حني تخفض احليوانات رؤوسها لتنظر إلى

األرض، فقد جعل اإلنسان يرفع رأسه لينظر إلى السماء.أحب بروميثيوس الناس الذين خلقهم، وسخر لهم خير األرض وكل ما ميكن أن مينحهم السعادة. لكن ما أشعر زيوس العظيم باالهتياج أن بروميثيوس فضل الناس مبعاملته، فلقد أرادهم زيوس خانعني وبائسني، وكان يرغب في أال تكون

لهم أية قوة ألن يجرؤوا في يوم ما على التفكير في االستيالء على مملكته.لكن بروميثيوس كان سعيدا، وهو ينظر إلى الناس وهم يواصلون حياتهم، وكان على أمت االستعداد خلدمتهم حتى لو حتدى زيوس وأثار غضبه في

سبيل ذلك.جاء عندما ولكن سعيدين، نشيطني، ويأتون يروحون وهم يراهم فكان الناس وقد كفوا اخلريف وأطلق أول برد الشتاء صفيره، رأى بروميثيوس

عن الفرح، رآهم يرجتفون ويظهرون عالمات األسى.إلى تلجأ أن وبإمكانها الشعر، كثيفة للحيوانات جلود سميكة كانت فقد

كهوف األرض، لكن اإلنسان لم يتمكن من حماية نفسه وكان يعاني.تأثر بروميثيوس بآالم املخلوقات التي خلقها. فكر أن يحضرها إلى األوملب الذي ال يقربه فصل الشتاء، لكن زيوس كان هناك، ولم يكن يسمح بدخول املخلوقات

البشرية، وأحس أن عليه أن يفكر في طريقة أخرى ملساعدة البشر.فكر وفكر، وجاء يذكر إله البركان هيفايستوس، (Hefaisto)، أحد أبناء زيوس املعاقبني في العمل في أحد أكوار احلدادة الكبيرة جدا على األرض، حيث

كان يصهر الصواعق والسالح لوالده.قال بروميثيوس: "أجل، ميكن للبركان أن مينح القليل من نيران املرجل".

خرج بروميثيوس ليال من جبل األوملب، وأخذ يهبط من جنمة إلى جنمة كي ال يكتشف زيوس أمر مغامرته.

وعندما وصل إلى األرض، بحث عن كهف عميق بجانب البحر، وعبر مغارة بني الصخور أخذ ينزل وينزل زوايا حجرية، وهو يبحث عن كور اإلله، وفي نهاية الطريق املعتم ظهرت شرارة من النار، لقد وصل، وقف أمام البوابة الضخمة حملددة البركان ونادى بضربات قوية، انتشرت بني ضجيج السنديان كان بروميثيوس. رأى عندما البركان وتفاجأ البوابة فانفتحت واملطارق،

٨٧

بروميثيوس يعلم جيدا أنه مينع على البركان أن يوقف نيران اآللهة، لكنه حاول أن يؤثر على قلبه، فقال له: "لقد خلقنا الناس، وهم يعيشون هنا، ويعبدون زيوس، لكن فصل الشتاء قد حل، وهم يعانون

وميوتون من البرد، وال ميكننا تركهم بال رحمة!".- "نعم!"، أجاب البركان "حقا! ما تقول، لكنك تعلم جيدا إننا ال ميكننا

فعل أي شيء من أجل إنقاذهم من غير أن يقول زيوس ذلك!".وتابع البركان يصهر األحمر احلي يحوله إلى صاعقة سماوية.

في تلك اللحظة تظاهر البركان بأنه منهمك في عمله، وبسرعة أضرم بروميثيوس شعلة نار، وهرب بها وسط العتمة بني الصخور.

حلق الناس ببروميثيوس وأحاطوه، وهو يحمل وهجا في قبضة يده، فقدم لهم النار عدوة البرد، وقال لهم: "ميكنكم أن حتافظوا عليها،

وتبقوها حية بأن تقدموا لها أغصان األشجار اليابسة".ارتفعت صيحات وأغاني االمتنان لصديق الناس الذي أحضر لهم الوهج الذي يعطي الضياء والدفء، ويصهر املعادن لتصب على

شكل محاريث وأسلحة وأدوات صيد ونقود.اشتاط زيوس غضبا عندما علم أن الناس امتلكت النار، وهو الذي كان قد أقفل عليها في جوف األرض، فهبط إلى السرداب ليسأل البركان:

"هل كنت أنت من منح النار التي أعطيتك لتخبئها؟".أجاب البركان وهو يتمنى أن ال ينكشف أمر بروميثيوس، قائال: "ال! واشتغل عندك، فصنعت لك أجمل فأنا من عمل أنا! ال، لست األسلحة التي لم يكن أحد قد صهرها من قبل، تعال ومتع نظرك يعرف حتى سؤاله عن يتوقف لم زيوس لكن األسلحة". بهذه

احلقيقة، وقال للبركان:"أطعني اآلن! اصهر السالسل األكثر صالبة من نيران الكور هذه، سوف أقيد بروميثيوس بها هناك على صخرة في أقصى األرض، وسوف يقوم

أحد طيوري اجلوارح، وليكن النسر، بتعذيبه ليال ونهارا وإلى األبد".انتهى وملا السالسل، بصهر البركان بدأ بينما األوملب، إلى زيوس وعاد أخذها إلى صخرة كبيرة في القوقاز، حيث كان هناك ينتظره رسل زيوس

ومعهم بروميثيوس.

٨٦

في السالسل وربط فيها احلديد، وثبت الكبيرة، الصخرة البركان ثقب زندي بروميثيوس وعقبيه، وأدار اإلله البركان رأسه وابتعد بخطوات طويلة

حتى ال يرى البطل وهو يتعذب.وبقي بروميثيوس مقيدا بالسالسل، ووجهه مرفوع نحو السماء، وفوق الصخرة

بدأ طائر النسر يحوم، كي يلتهم أحشاءه يوما بعد يوم.كان بروميثيوس على ثقة بأن الناس لن تعاني من البرد بعد اآلن، وهذا ما

كان يواسيه في عذابه، فلم يدع األلم يهزمه، ولم يفقده األمل باحلرية.وفي يوم صادف فيه أن مر هيركوليس، (Hercules)١ بالقرب من الصخرة التي قيد بروميثيوس عليها، ورأى كيف كان النسر يهبط ليلتهم الكبد من الصدر املفتوح للرجل العظيم غير القادر على الدفاع عن نفسه، فأحس

بالغضب من قسوة التعذيب.استل هيركوليس قوسه الضخمة، ووضع السهم القومي وأطلقها على قلب النسر، ثم صعد إلى الصخرة وبذراعيه اجلبارتني حطم سالسل القيود، لكن إحداها بقيت عالقة في قدم بروميثيوس وبها أيضا القاعدة التي ثبتت مع

قطعة من حجر الصخرة.قال بروميثيوس له: "لقد أمضيت هنا سنوات وسنوات إلى أن جئت أنت.

قل لي يا هيركوليس كيف ميكنني مكافأتك؟".اصطحب بروميثيوس هيركوليس ليريه إحدى مآثره، إلى حيث يعيش الناس

كي يساعدوهم ويسروا برؤيتهم.لكن، ومن وسط األوملب، رأى زيوس بروميثيوس حرا طليقا، فغضب، لكنه ظن أن قراره قد مت تنفيذه، إذ أن البطل كان يجر السلسلة وهي مثبتة إلى بروميثيوس وعاد الصخر. بقطعة مثبتا القيد كان وكذلك بقدميه، األوملب، ليواصل حياته مع اآللهة، لكن على األرض، لم ينسه الناس أبدا. ففي كل سنة يقيمون احتفاال على ذكراه، حيث الشباب األكثر قوة واألكثر بها في ويركضون يتناقلون في قبضاتهم جذوة مشتعلة، بالركض سرعة النار، جلب الذي للبطل تخليدية سباق احتفاالت في اإلغريقية، املدن

وتكرميا لصديق الناس املثال األعلى للتمرد على اجلور والطغيان.

١ رمز القوة اجلسدية (املترجم).

٨٩

الكتاب الثالث: شجرة اخلبز

٩١

¿ÉHÉ«dG

áHÓN á«©«ÑW ôXÉæà áÄ∏à‡ ¢VQCG »gh ,ÇOÉ¡dG §«ëŸG QõL ™FGhQ ióMEG »g ¿ÉHÉ«dG

,áÁób áaÉ≤K ÖMÉ°U ÊÉHÉ«dG Ö©°ûdGh .ÚcGÈdG äÉgƒØHh áªYÉædG ÜÉ°†¡dGh ≥FGó◊ÉHh

.⁄É©dG ‘ áeó≤àŸG á«YÉæ°üdG ¿Gó∏ÑdG ºgCG óMCG √ó∏H øe π©L

âë‰Gh äôeóJ PEG ,ÚcGÈdG äGQƒKh ∫R’õdG QÉKBG øe kɪFGO âfÉY ¿ÉHÉ«dG ÅWGƒ°T øµd

:çQGƒµdG √òg ióMEG …hôJ Rƒé©dG QƒWÉædG ájɵMh .á«fÉHÉ«dG ÅWGƒ°ûdG øe IóY ≥WÉæe

٩٠

٩٣

العجوز غوارديانأية سعادة نشعر بها عندما ننظر من أعلى إلى السفن في البحر فنرى السفن وكأنها مرآة! لكن الصغير الذي اسمه "ين"، شعر بتلك

السعادة، وهو على قمة اجلبل.كان ين الصغير بال والدين، لهذا ذهب مع جده ليعيش في ذلك كالذهب. البراقة األرز حقول وسط اجلبل، في الصغير الكوخ وهناك، كان يتمتع بالهواء النقي وبالشمس وباحلرية مثل الطيور، فهناك ميكنه الركض واللعب بسعادة، وأن يقول: "ما أروع العيش

في هذا الريف الهادئ الذي يعمه السالم!".على طول ومتتد اجلبل، أسفل في تقبع الصغيرة القرية كانت

الشاطئ قبالة البحر املتوهج من السماء.وكان الصغير ين يرى األشياء صغيرة جدا، كأن بعضها منل كبير واآلخر منل صغير، أما الشيء الوحيد الذي كان بني اجلبل والبحر، فلم يكن سوى حزام من التراب، أقام الناس عليه أكواخهم وبيوتهم، بينما كانت احلقول املزروعة متتد على طول سفوح اجلبل، وهناك كان يعيش

الصغير ين في كنف جده أمام حقول األرز التي كان يعشقها.كان ين جاهزا على الدوام للمساعدة في العمل، فيفتح السواقي للري، ولم يكن هناك أحد مياثله في تقدمي احلبوب للعصافير أثناء احلصاد.

كان ين يشعر بالسعادة ألن جده كان يحبه كثيرا، فذلك العجوز كوخ في يعيش كان وألنه الرجال، أفضل كان والرصني القوي صغير لطيف ونظيف، فقد كان على يقني بأن األطفال اآلخرين

سيحسدونه على ذلك.في يوم من أيام السنابل الصفراء التي تلمع كالشمس، نظر العجوز بعيدا إلى أفق البحر بنظرات ثابتة، لكنها امتألت باملفاجأة. فقد شاهد نوعا من الغيوم الضخمة السوداء ترتفع في األفق، كما لو أن

احلياة قد متردت على السماء.

٩٢

تابع العجوز نظراته الثابتة، وفجأة عاد إلى البيت وهو يصرخ:- "ين! ين! احضر عودا مشتعال بالنار!".

ه، إال أنه أطاعه في احلال، وخرج راكضا لكن الصغير ين لم يفهم مراد جدوفي يده عودا مشتعال.

له، األقرب األرز باجتاه حقول وركض ثانيا، تناول عودا قد العجوز كان يتبعه ين مذعورا يحكي مع نفسه: هل هذا معقول؟! وسرعان ما انفجع ين

عندما رأى جده يلقي بالعود املشتعل في حقول األرز، فصرخ ين:- "ماذا تفعل يا جدي؟ ماذا تريد أن تفعل؟".

في بالنار واقذف عجل ين! يا بسرعة بسرعة! "هيا العجوز: فرد احلقول!".

بقي ين متسمرا في مكانه. فظن أن جده قد فقد صوابه بعد أن امتأل كل جسده بالوحل.

الوحل بني بالشعلة فقذف دائما، يطيع الياباني الطفل أن ين تذكر والطني.

في البداية كان هناك وميض بطيء، ما لبث أن تراجع، فاتسعت رقعة النار وبدا اجلبل، إلى محرقة حقيقية، األرز بألسنتها احلمراء، وحتولت حقول

وكأنه يتمدد نحو السماء بأعمدة من الدخان.وهي حقولهم، يشاهدون القرية سكان كان األسفل من هناك، ومن يتسلقون ملتاعني وركضوا الغضب، صرخات يطلقون فبدأوا حتترق، إلى أن خارت قواهم، ولم يبق أحد الدروب املتعرجة للجبل، يتسلقون على أطفالهن يضعن وهن اجلبل، تسلقن النسوة حتى اخللف، في باملهانة، أحسوا مخربة األرز حقول ورأوا وصلوا، وعندما ظهورهن.

وبدأوا يصرخون بغضب شديد:- "من كان هذا؟! من الذي أضرم النار؟!".

تقدم الناطور العجوز نحو الرجال، وبصوت رصني قال:"أنا".

فبدأ ين يبكي.

٩٥

أحاط بهما عدد من الرجال وقد سيطر عليهم الهيجان، ويصرخون: "ملاذا فعلت ذلك؟! ملاذا؟!".

عاد العجوز إلى صرامته، وأشار بيده نحو األفق، وقال لهم: "انظروا البحر مستويا هناك!". فقبل بضع ساعات من ذلك كان سطح كمرآة، لكنه اآلن يتغير، فقد أخذ املاء يرتفع كجدار من األشباح املرعبة باجتاه السماء، كانت موجة داكنة وعاتية تتقدم من التخوم، كأنها تهدد وتتوعد، فبدت حلظات الرعب، وأخذت القلوب تخفق بقوة، ولم تبق صرخة في احللوق، فلقد تقدم جدار املاء إلى التربة بهدير صاخب، اجتاز الشاطئ وهو يغزو كل شيء، ويدمره، كان

على شكل صاعقة ستنفجر ضد اجلبل وقحة وغاضبة.بدأ البحر يتراجع بهدير أخرس، فبدت األرض معصوفة ومنكوبة،

فالقرى الصغيرة اختفت متاما بسبب تلك املوجة اجلبارة.نظر العجوز، وهو ممتلئ بالسعادة، إلى جميع السكان الذين يقفون

في قمة اجلبل، وقد جنوا. فلقد أنقذهم من اجتياح البحر.

٩٤

٩٧

* املسكني اسوغايكان "اسوغاي"، اسمه فقير رجل اليابان في عاش ما زمن في بأجر الغرانيتية الصخور محاجر أحد في بسيطا عامال يشتغل

قليل جدا، ال يكفيه لتحسني حياته البائسة.وكان التعب، منهكا من شدة بيته إلى عاد األيام، من يوم وفي املريحة احلياة أصحاب وميقت حظه، يندب الفقير الرجل

والناعمة في القصور الفارهة.رجال ما، فسأكون يوما أصير غنيا جدا "لو يفكر: اسوغاي أخذ محترما محبوبا ومحط إعجاب كل الناس. أما اآلن فأنا رجل فقير بائس، ال أنفع في شيء، ولن أقدر أبدا على اخلروج من هذه احلياة

التعيسة واحلزينة، آه لو كان عندي ثروات كثيرة!".حيث رائع، منام فزاره بذلك، يفكر وهو الفقير العامل ونام جدا! ثري رجل إلى وقد حتول الطيب! اسوغاي نعم اسوغاي! عنده قصر رائع مشيد بأحجار املرمر، وفي إحدى الغرف الوثيرة املمتلئة باحلرير صار اسوغاي يرتاح، ومن خلف النوافذ الواسعة

ينظر إلى الناس في املدينة.وفي يوم ما رأى اإلمبراطور على هودج فوق عربة مذهبة، يتبعه فرسان رائعون وخدم يرفعون فوق رأسه شمسيات نفيسة ومزركشة،

فأخذ احلسد اسوغاي، وبدأ يفكر:"مباذا يفيدني أن أكون غنيا إذا لم يكن مسموحا لي اخلروج مثل اإلمبراطور على هودج ويرافقني خدم يحمونني من أشعة الشمس

بواقيات من ذهب؟! لهذا سأكون إمبراطورا".وما أن قال اسوغاي ذلك حتى حتول إلى إمبراطور، يتبعه فرسان رائعون، وحواليه خدم، يحيطونه بشمسيات غاية في الروعة، لكن حرارة الطقس كانت مريعة، فالشمس ساطعة وحارقة، وأشعتها

* ISOGAI.

٩٦

اإلمبراطور كاملة! مسكني هذا توجد سعادة "ال اسوغاي: قال عامودية. إنه يعاني، أيضا، من شدة وهج الشمس، ليتني أكون شمسا، عندها سأكون

الكائن األقوى في العالم".وفي احلال حتول اسوغاي إلى شمس! الشمس التي تصل إلى أي مكان في واألمراء، واجلوارح والرجال كل شيء: احملاصيل تدفئ وحتمص األرض،

وتصل بجبروتها إلى اجلميع.لكن فجأة جاءت غيمة وبال خجل، حشرت نفسها بني الشمس واألرض، الشمس أعلنت لهذا اختراقه، الشمس أشعة تستطع لم فشكلت حاجزا غضبها، وبدأت تصرخ: "بأي حق؟! ومباذا تقوى غيمة على معارضة قوتي

وحتجب أشعتي؟ إذا، فاألجدر أن أصير غيمة".وحتول اسوغاي إلى غيمة، وفي احلال، ولكي ميتحن قوته وضع نفسه أمام الشمس بطريقة هزمها فيها، فحجب أشعتها، وألقى بالظالل على األرض. الرعود والبروق، الغيمة زخة مطر قوية، وانفجرت فيما بعد، هطلت من

وفاضت األنهر على احلقول.وفي السماء كان اسوغاي يتبرم بقوته، وهو في غاية السعادة، ويقول ال أحد يقدر على مقاومتي، لكنه سرعان ما جتهم عندما رأى من األعلى شيئا ما في األسفل.

كان هذا الشيء صخرة ثابتة ال تتحرك، لم تنفع معها قوة دفع التيار، وكانت موجاته تتحطم عليها دون أن تزحزحها من مكانها.

على ألفرضها الكافية القوة أملك لم "إذا وقالت: الغيمة فكرت عندها صخرة، فسيكون من األجدر بي أن أصير صخرة مثلها!".

الصواعق وغضب الشمس لهب تقاوم صخرة، إلى اسوغاي وحتول والفيضانات، لكن، وعند أسفل الصخرة الصلبة، أتى رجل له هيئة فقيرة وبائسة، أخرج أزاميل حديدية ومطرقة ضخمة، ورويدا رويدا بدأ ينقر وينقر،

ويفتت قطعا من الصخرة، وبدأ ينحتها بأشكال فنية متعددة."كيف هذا؟!"، صرخت الصخرة! "هل ميكن لرجل أن يهزمني، ويقتطع مني أجزاء ويحولها إلى أشكال فنية، وهو في غاية السعادة! إن األفضل لي أن

أعود إنسانا".عندها نهض اسوغاي من نومه وقد فارقه احللم.

٩٩

Ú°üdG

á∏Môe ‘ ™°†N ¬æµd ,⁄É©dG ‘ áÁó≤dG äGQÉ°†◊G »bÉÑc áÁób IQÉ°†M hP º«¶Y ó∏H Ú°üdG

,Qɪ©à°S’G ∂dP AGôL ¢SDƒÑdGh ÜGò©dG øe Ú°üdG Ö©°T ≈fÉYh ,Qɪ©à°S’G ¤EG á«îjQÉJ

áfɵe É¡«a ≥≤M á«Ñ©°T ájQƒ¡ªL ¢ù°SCGh ,∫ÓàM’G ájOƒÑY øe ¢ü∏îàdG ´É£à°SG ¬æµd

ïjQÉàdG ‘ ≈ª¶©dG ∫hódG ióMEG Ú°üdG âëÑ°UCGh ,»YɪàL’Gh »ª∏©dG Qƒ£àdG ‘ áeó≤àe

.åjó◊G

π«Ñfh º«¶Y Ö©°ûc ¬ÑbÉæe ∫hÉæàJh ,»æ«°üdG Ö©°û∏d áÁó≤dG ó«dÉ≤àdG …hôJ ájɵ◊G √òg

.íaɵeh …ƒbh

٩٨

١٠١

حكاية إله اخلزف "البرسالن"من هو أول إنسان اكتشف سر اخلزف؟ من الذي اكتشف سر الغبار الناعم الذي يتحول إلى أحجار بلورية بيضاء مثل الثلج في أعالي

اجلبال؟ من هو مكتشف اخلزف، هذا الفن الرائع؟نعم إنه "فو" (Pu)، اإلنسان الذي رفعه الصينيون القدامى إلى مرتبة

إله، وآمنوا به لقرون طويلة، إنه فو إله اخلزف.أفران الذي عمل في العبقري الرجل أما في احلقيقة، فإن هذا صهر التراب كان قد عاش قبل ذلك بكثير، فقبل خمسة آالف سنة كانت اإلمبراطورية الصفراء قد علمت رعاياها فن تشكيل اجلرار األفران، في املستعرة النار في شيها يتم وكان بالتراب، الرائعة وبعد ذلك بألفي سنة ولد فو الرجل الذي أراد رب السماوات له

أن يكون إلها للخزف.وحتى يومنا هذا، يحتفظ الصينيون بأعمال العظيم فو التي خلفها لتكون ملهمة لعمال الفخار واخلزافني الذين يخبئون سر هذا الفن التي خلفها فو، فهي تشبه كنوز بورسالنات أما األشياء العظيم. صافية كالسماء، وبراقة مثل املرآة وأنوار الشفق مع طيران اللقلق فوق البحيرة، والبيضاء مثل الثوب وندى دمعات األرامل اللواتي لم

تتم مواساتهن.فارغة تكون فعندما هيئة حرباء، شكلت على الكبيرة واألكواب فإنك ترى فيها بياض الآللئ، وعندما تفيض باملاء، تبدو كأنها مليئة بأسماك األرجوان. وتلك التي للسماء عند املغيب األزرق فتراها التي خلضار واخلضراء القمر. وانعكاسات النجوم بغبار ممزوجة طازجة مع غيوم املرمر. والشموس محاطة بتنينات سماويات ...

والكثير الكثير من األعمال الفنية الرائعة لـ"فو".لقد نسي الناس الكثير من األسرار التي علمهم إياها إله اخلزف.

لكن الذاكرة لم تفقد التاريخ العاطفي لهذا اإلله.

١٠٠

في مصانع اليوم األلوان طيلة يطحنون الذين من السن كبار أحد رمبا البرسالن الضخمة، رمبا أحدهم يكون قادرا على أن يروي لنا أن "فو" كان عامال صينيا بسيطا وراح بالتدريج يتطور إلى أن صار فنانا عبقريا عظيما،

وله قدرة فائقة على الصبر.كان يولف بني األلوان، وميزج التراب، وكان يرسم، ويجلس على ركبتيه أمام

األفران بانتظار أن يخرج منها عمل كامل وجديد ال يعرفه الناس.لقد حتققت له سمعة كبيرة، وظنه الكثيرون ساحرا، عاملا باألسرار التي النجوم. ل احلجارة إلى ذهب، وقد سمح له بقراءة أسرار الكون عبر تبدلهذا، كان من املمكن أن تخرج من بني يدي "فو" األشكال الرائعة ونغمات

النور السحرية من اخلزف الناعم.في يوم من األيام استطاع العامل الساحر أن يبعث بأحد أعماله املذهلة

إلى اإلمبراطور.وراح اإلمبراطور ابن السماء يتأمل، مندهشا، اجلرة الرائعة التي تظهر عليها انعكاسات الفضة والشمس مع ألعاب نارية، تغير لونها مع كل حركة لكل من ينظر إليها، فأمر ابن السماء أن يحضروا له ذلك العامل العجيب. وفي

احلال أخذ البسيط "فو" إلى صالة العرش.ركع "فو" أمام اإلمبراطور ثالث مرات كي يلمس األرض بجبهته ثالث مرات

متذكرا أوامر الكاهن "اغوستو".قال اإلمبراطور:

، لقد قبلنا هديتك اللطيفة، ولكي نثبت لك سعادتنا بعملك املفرح "بنيفلقد قررنا منحك خمسة آالف قطعة نقدية من الفضة، لكن اسمع هذا إذا متكنت من صناعة جرة املبلغ أضعاف هذا ثالثة لك جيدا: سيكون لها ألوان اللحم احلي ومالمحه. اسمع جيدا: حلم يرتعش لكلمات الشعراء

املبهجة، ويتعكر، ويتأثر باألفكار، فكر بطلبنا هذا وعليك بالطاعة!".انسحب "فو" من القصر ملتاع القلب، وهو يسأل نفسه: "كيف ميكن لإلنسان

أن مينح املادة امليتة نبض احلياة، فهذا سر املبدأ األعلى؟".كان "فو" يعمل دائما كي يحقق أشياء لم يعرفها أحد من قبل، فلقد تعلم من الزهرة اللمسة الناعمة واحلساسة. وتعلم األخضر الزمردي من اجلبال، واألزرق األفعى، من املزرق واألخضر الذهب، من البراقة واللمعة الشفق، من والدم وقزح الفضي من األسماك، لكن كيف يستطيع اإلنسان أن مينح التراب مالمح

١٠٣

اللحم احلي؟ وأن يجعله قادرا على االرتعاش مع نبرات الكالم وفي ظالل التفكير؟

في كل األحوال كان عليه أن يطيع، وينفذ طلب اإلمبراطور، كان عليه أن يتفانى في محاولته من أجل إسعاد ابن السماء.

أمام وركع بيديه، وفرك واأللوان، عجن التراب مزج ورشته في النار، يتوسل اإلله، لكن بال نتيجة.

للفرن كي الشهور، وذهبت كل توسالته وعلى هذه احلال مرت يساعده عبثا.

- "آه! أنت يا عبقري النار في األفران... ساعدني! كيف أقدر من تلقاء نفسي أن أنفخ احلياة في الصلصال؟ كيف أقدر على منح

هذه القطعة امليتة صفات اللحم الذي يقشعر لألفكار؟".نيتك "كبيرة هي النار: ألسنة وهي العجيبة، بلغته النار فأجابه عبقري

الطيبة، لكن هل يقدر أي ميت أن يتبع آثار التفكير وارتعاشات احلياة؟".وعلى الرغم من هذه اإلجابة املخيبة آلماله، استمر العامل الطيب

بتجاربه بال توقف، وعبثا كان كل ذلك.لقد نفد منه احتياطي اخلزف، وقد خارت قواه، وأنهكت عبقريته، وكذلك نفد صبره املقدس، وبدأ املرض يأكل منه، وحلت عليه الفاقة والشقاء.

وحاول من جديد، لكن بال قوة، إال أنه في اللحظة التي كان على الفرن أن يصهر فيها ترابا وألوانا في مادة شفافة، ارجتفت واهتزت الطاولة

الفقيرة واملتسخة باأللوان بينما كان "فو" يشتكي وفي قلبه لوعة.- "آه يا عبقري النار في الفرن! إذا لم تنقذني فكيف لي أن أضبط

نفخة الروح ورنة احلياة التي ينتظرهما ابن السماء؟".فأجابه صوت النار بشكل غرائبي: "أأنت تريد أن تفعل ما يفعله

امللون الالمتناهي الذي يصنع قوس قزح بأقالم ضوئية؟".فعاد "فو" من جديد إلى العمل.

املضبوطة، التدرجات في انصهرت وقد تبدو األلوان كانت أحيانا وسطح اجلرة كان يهتز باأللوان مثل حلم حي، لكن عندما راحت تبرد

أخذت تتجعد وتتشابك خطوط فيها كأنها قشرة فاكهة يابسة.

١٠٢

وعاد "فو" يتضرع ويتوسل باكيا:إذا لم تساعدني أنت، فكيف لي أن أصهر خزفي النار! يا عبقري "آه -

وأحيله حلما حيا في فرني؟".فأجابه عبقري النار بشكل غرائبي للمرة الثانية: "هل تسعى إلعطاء الروح إلى

احلجر؟ هل تقدر أنت أن جتعل باطن الروابي الغرانيتية تقشعر وتفكر؟".صرخ "فو" وهو محبط جدا: "أيها الرب اجلبار! ملاذا تتخلى عني؟ ملاذا

نسيتني فأنت يا من عبدتك دائما؟".عندها، قال عبقري النار بصوت من نار: "أنت تريد أن متنح روحا للشيء من قسما تعطي أن ال ميكن ال ميكن قسمتها، الروح لكن الذي صنعته،

روحك ؟ إني أحتاج إلى روحك كاملة مقابل إعطاء الروح لعملك".نهض "فو" وقد امتألت عيناه باحلزن، وانفطر قلبه.

التراب وكذلك مرة، مائة الرمل نخل عمله، "فو" أعاد األخيرة، وللمرة الناعم جدا غسله باملاء األكثر صفوا ملائة مرة وعجنها بحب.

راحت األلوان متتزج رويدا رويدا لتصل إلى الدرجات التي حلم بها ابن السماء.وفيما بعد، بدأ العامل امللهم يعطي شكال لتلك العجينة الصافية النقية، أنه قبض الرائع كما لو يلمسها ويداعبها بأصابعه، حتى صار جلد اجلرة على رقة احلرير وشفافيته ونعومة الشمع الزهري، ودم من حلم األميرات.

عندها أمر "فو" املساعدين أن يغذوا الفرن العظيم بأغصان ناعمة وصافية من شجرة الشاي.

وخالل تسعة أيام وتسع ليال، كان الفرن مشتعال أحمر يتغذى على أغصان شجرة الشاي النقية والناعمة.

اجلرة النار تلف أن على الرجال حرص ليال، وتسع أيام تسعة وخالل الوحيدة التي كانت تتجسد في حلم سحري.

ليرتاحوا، يذهبوا أن مساعديه "فو" أمر التاسعة الليلة اقتراب مع فلقد بدا العمل وقد انتهى، وقال لهم: "مع بزوغ الفجر إذا لم جتدوني هنا فاخرجوا اجلرة من الفرن، إذ أنه في تلك الساعة ستكون كما أراد

ابن السماء".وبقي "فو" وحده قبالة الفرن في الليلة التاسعة، ركع أمام النار، وقال أمنيته

١٠٥

إلى عبقري اللهب: "آه يا رب النار لقد استوعبت أعماق معاني كلماتك! اقبل حياتي فداء حلياة عملي وروحي فداء لروحها".

النار احلية الليلة التاسعة ألقى "فو" بنفسه إلى وقبل أن تنتهي في الفرن.

عند فجر اليوم العاشر جاء العمال ليخرجوا اجلرة الغالية من الفرن، يا للمعجزة! كانت اجلرة متأججة لكنهم لم يجدوا معلمهم! لكن بحق مثل اللحم الذي يقشعر مع نسق األفكار. وإذ ملسوها ببصمة موجوعة، جعلت روح أصدرت صوتا خفيفا كصوت فقط إبهام

األسماع تلتقط باألنفاس اسم الذي صار بعد هذا إله اخلزف.

١٠٤

١٠٧

هروب الرسام "لي"الرسام التاريخية املشوقة للرسام "لي تشان جاو"، إنها احلكاية الصيني في أزمان بعيدة، الذي هرب من القصر اإلمبراطوري، ولم

يعرف عنه أي شيء أبدا.ولد "لي" في منطقة رطبة وخضراء، وكانت طفولته سعيدة بني قريته وفي املزهرة، واألشجار والبيضاء الرمادية املروج أشجار بني الرقراق النهر ومع املسنني، الفالحني والديه ومع احللوة،

سهول القصب واخليزران.كان ذلك كل فرحه وحياته. حتى في نومه كان يضحك، وهو يحلم

بالشمس البلورية على احلقل.منذ صغره كان يرسم األسماك والعصافير باحلجارة التي غسلها

النهر، يرسم القطيع والرعاة في تخشيبات اإلسطبالت.اجلس والكربون كانا قلما سحريا لتخيالته الطفولية. منا "لي" في القرى والضيعات القريبة. كان اجلميع يتحدث عن "لي". كثير من الناس كانوا يأتون ليروا رسومات الفتى الفنان. فلقد أخذت موهبته

تكبر وشهرته تذيع إلى أن وصلت إلى قصر اإلمبراطور.أمام ركع إذ الطلب، "لي" فلبى "لي"، بطلب اإلمبراطور بعث اإلمبراطور ابن السماء ثالث مرات، وملست جبهته األرض ثالث مرات، عندها قال اإلمبراطور له: "عليك أن تبقى هنا لتعمل على إحدى لك تهيأ أن أمرت ولقد وصاالته، القصر ممرات زخرفة الرائعة. واألخشاب واللوحات باأللوان مليء كمرسم الصاالت

ستتغير حياتك اعتبارا من اليوم، ولن تعود إلى حيث ولدت".في هناك ذلك، بعد منزله رؤية من يتمكن لن ألنه "لي" حزن الضيعة احللوة والبيضاء ذات األشجار املزهرة على ضفتي النهر الصافي واألليف، ويكفيه اآلن أن يحلم بسعادة الريف، وهو محجوز

في صاالت القصر احملاط بتنينات حجرية ضخمة!

١٠٦

أخذ يعمل بال توقف، كي يرضي اإلمبراطور، فمألت رسوماته جدران الغرف واألبواب اخلشبية واحلديدية وأسوار املعابد وصاالت التشريفات، لكن تفكيره

كان يحلق في األرض اخلالبة والرطبة التي عاش فيها بسعادة غامرة.نها سماء طفولته وأخاذة ضم كبيرة لوحة "لي" رسم األيام، من يوم في النهر فوق العيدان من املصنوع الصغير واجلسر املروج وحقل الصافية، الذي يكتنفه قصب خيزران الضيعة البيضاء، وفي العمق كان طيران البط

البري وشمس الفجر احلمراء واألخضر الناصع للعشب املبلل.كانت لوحة كبيرة ورائعة جاء لرؤيتها األمراء واملوظفون الساميون، كانت معلقة في إحدى صاالت القصر الفارهة، وبدت كأنها نافذة مفتوحة في

اجلدار الصلب، على مشهد الريف األكثر حالوة وعذوبة.كان "لي" قد صنع أفضل أعماله التي حملها دائما في تفكيره وفي أحالمه، ولم تبد له كلوحة من بالده، إمنا كانت بالده كلها قد وضعت في اللوحة كمعجزة. لهذا، كان يقضي ساعات طويلة أمامها يشم هواءها النقي وعطرها، لكن الرسام العبد لم يكن مبقدوره أن يدخل الصاالت الكبيرة املخصصة للحفالت واستقباالت األمراء والنبالء. كان عليه أن يعيش ويعمل في ورشته

منسيا من اجلميع.متنى "لي" دائما أن يتمكن من رؤية لوحته، وإن كان ذلك من خالل األبواب نصف املفتوحة. وفي يوم كان احلراس واخلدم غير موجودين، دخل "لي" بني بها ومضى األخضر، الريف عن تتحدث التي لوحته وانتزع خلسة،

املمرات املعتمة ليخبئها في مشغله، حيث يستطيع تأملها وهو يتحسر.أنحاء إلى الصيحات وامتدت القصر، أنحاء في اخلطر انطلقت صافرة

املدينة، وهي تعلن عن اختفاء اللوحة العظيمة.كان اإلمبراطور يشتاط غضبا، يتهدد ويتوعد. فانتشر ألف جندي يبحثون على عثروا وأخيرا األماكن كل وفتشوا البيوت كل دخلوا السارق. عن

أها بني األلواح وأقمشة الكتان. ـ اللوحة في مرسم "لي"، وقد خبأمر اإلمبراطور بسجن "لي" وأن يستمر في الرسم من داخل سجنه ليكمل

زخرفة قصره.لم يقدر "لي" على الرسم. كان النور ينقص عينيه ويفتقر قلبه إلى السعادة. عندها استدعاه اإلمبراطور وقال له: "ستعود من جديد إلى القصر لتعيش وترسم وكي تكون سعيدا سأدعك وحدك مع لوحتك لدقائق قليلة كل يوم،

١٠٩

بال تعاقب فسوف يغيظني قد بأي شيء القيام حاولت إذا أما رحمة أو شفقة".

تابع "لي" عمله، وفي كل يوم كان جرح روحه يتسع أكثر فأكثر أمام احلقل الطليق ملوطنه األخضر، واستمر يعاني من احلزن املزعج

في القصر اإلمبراطوري. ولم يعد يقوى على املقاومة أكثر.وفي يوم من األيام، كان وحيدا في الصالة الواسعة أمام لوحته، ينظر إليها بعينني كبيرتني وواسعتني، ينظر إلى ضيعته اخلضراء غير من فيه الركض ميكن الذي الشاسع احلقل وإلى والبراقة، الوصول إلى نهايته. ينظر من أجل أن يستنشق هواءه الذي تصفيه الريح، ويسمع ويغني مع يعانق األشجار الصفصاف، وكي أشجار فحيح قصب اخليزران. لهذا قرر أن يهرب من هذا العالم األسود .. هناك احلقل واسع وقريب نعم والثقيل بسجنه، وقال لنفسه: مني، طري من كثرة املروج، سأدوسه وأركض فيه مفتوح الذراعني

كأنهما جناحي طير..".واقترب لي من اللوحة شيئا فشيئا، ثم قفز داخلها، داخل احلقل بني املروج من غير أن يبحث عن الطرقات، وأخذ يركض ويركض إلى أن اختفى عند دون توقف، وأخذ يبتعد ويصغر رويدا رويدا

خط األفق األزرق.عندما دخل احلراس ليعيدوا "لي" إلى مرسمه لم يجدوه. اشتاط اإلمبراطور غضبا. لقد كان مستحيال أن يكون "لي" قد خرج من املوظفني من احلكماء أحد لكن أحد، يراه أن غير من هناك الساميني وجد التفسير لتلك األحجية، لقد هرب "لي" في داخل اللوحة، وبدأ يركض عبر املنظر الطبيعي الذي رسمه هو. ولقد

١٠٨شوهدت أثار خطواته على العشب الندي للمروج.

١١١

óæ`¡dG

áØ∏àfl ∫ƒ°UCG øe ¿Éµ°ùdG ÚjÓe äÉÄe É«ëj å«M ,É«°SBG ‘ ±GôWC’G á«eGΟG óæ¡dG OÓH ‘

≈æZCG øe IQÉ°†M OÓÑdG √òg ‘ â∏µ°ûJ IôHɨdG Úæ°ùdG òæeh ,∑Éæg IOó©àe äÉfÉjOh

.á«fÉ°ùfE’Gh Ëó≤dG ⁄É©dG äÉaÉ≤K

ÉæKó– º¡JÉ«Mh ¬°SÉf øY ,AÉ«°TC’ÉH ≥«ª©dG ¬°SÉ°ùMEG øYh ,…óæ¡dG Ö©°ûdG Gòg IÉ«M øY

...᪵◊ÉH Å∏ટG ºgÒµØJh á«æØdG º¡dɪYCG

١١٠

١١٣

البراهما والنمر وابن آوىعند مرور البراهما بإحدى قرى الهند في إحدى املرات، رأى على قارعة الطريق قفصا كبيرا من اخليزران وفي داخله منر هائج، كان الفالحون قد اصطادوه بأحد شراكهم. وعندما شاهد النمر البراهما واتركني األبواب، لي افتح البراهما األخ "أيها قال بصوت جريح:

أخرج ألشرب ماء، فأنا عطشان ولم يضعوا لي ماء في القفص".فرد البراهما عليه: "إذا فتحت لك الباب يا أخي النمر فإني أخشى

أن تلتهمني كما تلتهم أغنام القطيع!".فقال النمر: "كيف تفكر بهذه الطريقة؟ هل تعتقد أني قادر على رشفة ألخذ واحدة، للحظة أخرج دعني املشينة؟ الفعلة هذه

واحدة من املاء، آه أيها األخ البراهما!".فتح البراهما باب القفص، وعندما أحس النمر بأنه صار طليقا، قفز

على البراهما ليأكله.- "أيها األخ النمر انتظر! لقد وعدتني بأنك لن تلحق بي أي أذى!

وما تفعله اآلن ليس فعال نبيال وال عادال!".يبدو لي بالنسبة ألنه فأنا سألتهمك، يهمني، ال "هذا النمر: قال

األمر عادال ولدي احلق في ذلك".بأن يقنعه أن استطاع وأخيرا كثيرا، النمر إلى البراهما وتوسل

ينتظرا سماع رأي أول ثالثة عابرين يصادفانهم في الطريق.وأول من عثرا عليه كان جاموسا متمددا على قارعة الطريق، فتوقف البراهما وقال له: "أيها األخ اجلاموس! هل يبدو لك عدال ونبيال أن

يلتهمني النمر، بعد أن أطلقت سراحه من قفص محكم اإلغالق؟".فتيا كنت "عندما قال: وببطء احلزينتني عينيه اجلاموس رفع وقويا كان مالكي وسيدي يجبرني أن أعمل بال توقف، واآلن وقد صرت شائخا وخائر القوى، فلقد أهملني وتركني ألموت هنا من

١١٢

ذلك سيكون البراهما النمر أكل فإذا جاحدون! الناس والعطش، اجلوع عمال عادال".

قفز النمر هائجا على البراهما الذي صرخ: "ال! ال! انتظر! علينا أن ننتظر اثنني آخرين لنستشيرهما، لقد وعدتني بذلك!".

فصرخ الرؤوس، فوق منخفض علو على يطير نسرا شاهدا قليل وبعد البراهما عليه: "أيها األخ النسر! قل لنا إن كان يبدو لك عدال أن يأكلني هذا

النمر بعد أن حررته من سجن فظيع؟!".أمضي "إنني وقال: جانبهما إلى وحط في حلظة، النسر حتليقه أوقف حياتي بني الغيوم، وال أؤذي أحدا من البشر، لكن بني البشر يطلقون علي السهام، وعندما يصلون إلى عشي فإنهم يقتلون فراخي، أعتقد أن النمر

سيقوم بعمل جيد إذا أكلك!".فقفز النمر على البراهما، والبراهما يصرخ: "ال! ال! انتظر يا أخي النمر! إنها املرة الثانية التي نستشير بها، ولقد اتفقنا على أن نسأل ثالثة عابرين فما زال أمامنا

واحد لنسأله!"، ومع أن النمر كان يزمجر، فإنه واصل الطريق مع البراهما.وما هي إال حلظات حتى ظهر ابن آوى، وهو ميشي مختاال ومزهوا بنفسه، اقترب البراهما منه وقال له: "أيها األخ ابن آوى! كيف يبدو هذا األمر لك؟

هل ترى أنه من العدل أن يلتهمني النمر بعد أن حررته من القفص؟".- "ماذا تقول؟"، سأله ابن آوى.

النبل من أنه تعتقد كنت إن – مرتفع وبصوت البراهما أعاد "أقول- -والعدل مبكان أن يأكلني هذا السيد النمر مع أنني ساعدته شخصيا باخلروج

من قفص محكم اإلغالق؟".- "من قفص؟"، ردد ابن أوى الكالم وكأنه لم يكن منتبها.

- "نعم! نعم! من قفص، أنا شخصيا فتحت الباب. واآلن نريد أن نعرف ما هو رأيك؟".

- "آه! - قال ابن آوى - تريدان معرفة رأيي؟ في هذه احلالة عليكما أن تقصا علي احلكاية كلها، وبوضوح فأنا مشوش، وال أفهم األشياء جيدا. هيا

لنرى ماذا يجري هنا!".- "انظر! - بدأ البراهما احلديث- كنت ماشيا في الطريق عندما شاهدت

النمر محبوسا في القفص، عندها ناداني هو".

١١٥

- "اسمع! اسمع -قال ابن آوى- إذا بدأت بحكاية طويلة جدا فلن أفهم منك وال كلمة واحدة! عليك أن تشرح لي بشكل أفضل! أي

قفص تقصد؟".أجابه "إنه قفص عادي، قفص مصنوع من قصب اخليزران"، -

البراهما.- "طيب! لكن هذا ال يكفي، فمن األفضل أن أرى ذلك القفص!

وبذلك أفهم ما جرى بشكل أفضل".ومشوا في الطريق إلى أن وصلوا ثالثتهم إلى املكان الذي يوجد

فيه القفص.أخي يا أنت كنت أين آوى- ابن قال نرى!- هيا "اآلن -

البراهما؟".- "هنا بالضبط في الطريق".

- "وأنت يا أخي النمر؟".- "أنا في داخل القفص!". أجاب النمر وهو غاضب ومستعد ليأكل

االثنني معا.- "أوه! معذرة أيها النمر! - قال ابن آوى - أنا مشوش، وال أقدر أن أفهم األشياء بالضبط! دعني أرى! اسمح لي! كيف كنت حضرتك

في القفص؟ في أي وضع؟".- "هكذا! أيها املعتوه! - قال النمر، وقفز إلى داخل القفص - وفي

هذه الزاوية كنت ورأسي بهذا االجتاه".- "آه! نعم نعم، لقد بدأت أفهم، لكن ملاذا لم تخرج من القفص؟".

سأل ابن آوى.- "أال ترى أن الباب كان مقفال؟". قالها النمر وبدأ يزمجر.

- "آه...! الباب كان مقفال! وكيف كيف كان مقفال؟"، استمر ابن آوى باحلديث.

- "هكذا". قال البراهما، وهو يغلق القفص.- "لكنني ال أرى قفال -أضاف ابن آوى - وكان مبقدوره أن يخرج!".

١١٤

- "هذا هو القفل"، وأحكم البراهما إغالقه.- "آه! نعم! يوجد قفل، إنني أرى قفال"، قال ابن آوى وهو يسخر من النمر بعد أن اطمأن أنه في القفص، واستدار ابن آوى باجتاه البراهما قائال: "اآلن والقفص محكم اإلغالق بالقفل، فإنني أنصحك أن تتركه كما كان، وأنت يا حضرة السيد النمر! بإمكانك أن تبقى هادئا، فرمبا مير أحد ما وقد يخاطر بإطالق سراحك". وضرب تعظيم سالم إلى البراهما، وراح يختال مبشيته

سعيدا فرحا.

١١٧

كيف نبتت شجرة اخلبز في الهند؟في منطقة فقيرة من مناطق الهند احلارة، كان هناك رجل عجوز في أضاع، قد وكان وكلبه، القدمي وخادمه ابنه مع يعيش فقير احلياة، من الهدف فاقدا وغدا الصغيرة، ثروته البؤس، سنوات ودون أية رعاية من أحد، عاد ومن معه إلى العيش في بيت مهجور

عند الريف الصحراوي.في الصندوق املهترئ ميكنهم أن يضعوا أربعة أقراص كبيرة من اخلبز فقط، لكل واحد رغيف، وكان ذلك هو الغذاء الوحيد لهم

الذي يعتمدون عليه طيلة الشهر، وحتى يتوقف فصل األمطار.يجلسون كانوا فيها، الصمت البرق مزق التي الليالي إحدى في حول الطاولة، أخذ األب واالبن واخلادم يفكرون في شقائهم، وكان

الكلب ينام على قدم سيده.الباب، على طرقات سمعت الرياح وصفير املطر صوت وبني

فسارع اخلادم ليفتحه، فإذا بأحد املشردين يطلب شيئا ليأكله.لم يكن بإمكان أي كان أن يعرف بأن ذلك الرجل ذا ربطة العنق األرض، إلى حتول وقد هكذا! مير البراهما، الرب؛ هو والبائس مينحهم أو يعاقبهم ولكي وعاداتهم، الناس حياة على ليتعرف

الثواب، كال حسب عمله.سمع األب طلب املشرد وقال خلادمه: "أعط الرجل حصتي من اخلبز، إنه أكثر فقرا مني، وال يوجد له مكان يلجأ إليه. سأبقى من

غير أكل وسنخرج من األرض ما ينقصنا".للرجل سيده حصة باستياء، وقدم، سيده، أوامر اخلادم أطاع البيت على يخيم واحلزن بالهطول، األمطار وتواصلت الفقير.

البسيط.به الباب، وطلب شيئا يسد أيام عاد املشرد يطرق وبعد سبعة

رمقه، ويحميه من اجلوع والبؤس.

١١٦

اضطرب األب للحظة، لكن نظراته بقيت حادة وثابتة، فنادى خادمه وقال له: "إذا كنت أنا قد امتنعت عن األكل، كي أساعد هذا الرجل املسكني، فعليك أنت أن تفعل الشيء نفسه، فأنت ال تزال شابا وقويا وتعيش في بيتي كابن لي، بينما هذا الرجل الفقير الذي يتسول، عجوز وال معني له، فأعطه

خبزك كما أعطيته أنا".أطاع اخلادم سيده، لكنه كان سعيدا هذه املرة.

مر أسبوع آخر، والسماء ال تزال سوداء مكفهرة والبيت مغلق، يعيش صمتا مطبقا. عاد املشرد يسأل بصوت يكاد صاحبه يغشى عليه.

جاءت "لقد متهدج: بصوت قال لكنه للحظة، البيت عجوز اضطرب اللحظة التي يجب فيها على ابني أن يضحي، فيجب أن يتعلم من الصغر الشخصية، معاناته كانت لو كما رغم مظهرهم الغير بؤس معاناة حتمل

فأعط الرجل خبز ابني".أطاع اخلادم األمر باستياء هذه املرة.

مرت سبعة أيام أخرى، كانت طويلة جدا، لكنها مليئة باألمل.وعاد الرب البراهما للمرة األخيرة يتظاهر بالتعب وباجلوع وبالبؤس، أراد أن ميتحن ويعرف إلى أي مدى تصل شفقة أولئك الناس الفقراء ورأفتهم؟

وطلب خبزا بصوت ضعيف وفيه حسرة.كلماته يرافق وهو قال، لكنه قليال، فاضطرب املتسول، توسل العجوز سمع بحركات بطيئة: "لقد أعطيت الرجل خبزي وخبز خادمي وابني ... وبعد هذا أظن أنه بإمكاني أن أقدم له حصة الكلب، فاحليوان الطيب يشعر مبتعة التضحية.

أعطه ما تبقى من خبز! ولنكن محظوظني ألننا استطعنا أن نعطي شيئا".أخذ املتسول اخلبز من األيادي النبيلة وحيا اخلادم لوقفته إلى جانب سيده، لكنه

عاد مرة ثانية إلى الباب، حيث سمعهم ينادونه باسمه مع الشكر والتبجيل!ووهجه جالله إلى وعاد املتسول حتول للمغيب الرمادي الضوء وعلى

كالشمس.كشف الرب البراهما بني أصابعه عن بذور كبيرة كحبات اللوز، وقال: "خذ

وأعط هذه إلى سيدك ليزرعها ولن يجوع أبدا".وبدأ الغريبة، الرب إلى سيده، وأعطاه هدية بالدهشة عاد اخلادم مليئا

يحكي له عن حتول املتسول.

١١٩

أخذ العجوز ابنه من يده، وخرج ليرى بعينيه ذلك التحول الغريب، لكنه لم يجد أحدا إال الضوء الرمادي للمغيب.

ومع ابنه وخادمه صعد العجوز إلى مرتفع قريب وزرع هناك البذور السمراء اللون.

وبدأت البرق، وميض السماء من خالل أعماق رأوا بعد حلظات أمطار ثقيلة ودافئة بالهطول.

لقد منح تراب األرض وبقوة شكال صلبا ومستقيما، أخذ ينمو وينمو، واتسع مثل جذع غريب، وفي وقت قصير تشكلت شجرة رائعة، نبت قطف على أحد أغصانها، والقطف فيه أربع ثمرات كبيرة

وغالية.إنه قطف من اخلبز بعجينة بيضاء، أربعة من أقراص اخلبز إلى

الفقراء األربعة الذين يعيشون في ذلك البيت البائس.شكروا جميعهم البراهما الذي أحضر إلى أرض الهند شجرة اخلبز

املعطاءة.

١١٨

١٢١

حيوان النمسكل فجر صباح كان الشاب احلطاب يخرج إلى الغابة، وال يعود

إال بعد أن تغيب الشمس.كانت زوجته تبقى وحيدة طوال اليوم في الكوخ اخلشبي وسط احلقل، ولم تكن لترتاح للحظة واحدة، وهي تقوم بترتيب البيت ورعاية رضيعها، األكل للنار، وحتضير األغصان والتقاط الفقير، فقد كانت تروح وجتيء ناظرة إليه، وكانت تعاود النظر إليه في مهده، وهي سعيدة لرؤيته. كان وليدها األول الذي أجنبته قبل عدة شهور، وصار مصدر سعادة األم الشابة، فهي حتيا من أجل رعايته تغمرها ذراعيها بني حتمله أو جواره إلى تكون وعندما فقط.

السعادة. ال جتعلها سود، أفكار من تعاني كانت فلقد ذلك، جانب وإلى

تعيش بسالم وطمأنينة.كانت عني املاء على مسافة من اخليمة، وكان عليها الذهاب إلى هناك، كي متأل اجلرار، وفي أثناء ذلك كان الطفل يبقى وحيدا في

مهده، وحيدا هناك وسط احلقل.أيضا، هناك يبقى البيت حيوان النمس كان األمر، حقيقة وفي بعيون إليهم ينظر الذي كان يعيش معهم، وهو الصديق احليوان

احملبة.وحني تخرج األم، كان الطفل يبقى حتت رعاية النمس، لكن هل ميكن الوثوق بحيوان حتى ولو تربى في البيت؟ ماذا ميكن حليوان أن يفعل يوما ما إذا أحس أنه مهتاج؟ هل يقدر أن يلقي بنفسه على

الطفل الصغير املسالم، ويجعله غنيمته؟- "إنه حيوان! حيوان! وثقة! وثقة!". قالت األم الشابة ذلك، وكانت

ترجتف كعادتها كلما فكرت بذلك.

١٢٠

كان زوجها قد قال لها مرات كثيرة إنها تتعذب من غير مسببات، فالنمس حيوان كبير ووديع وصديق، فمن اخلطأ عدم الثقة به، فأخذت األم تلوم بالطمأنينة تتمكن من اإلحساس لم السيئة، لكن رغم كل شيء، أفكارها

وتقول: "ماذا لو أن النمس في يوم ما ...؟ ".وفي أحد الصباحات نزلت املرأة إلى عني املاء وهي حتمل جرتها، وهناك في اخليمة بقي الطفل نائما في املهد، والنمس يتظاهر بالنوم في الزاوية، وقد كور جسمه كأنه بيضة، ومن حني الى آخر كان يفتح إحدى عينيه، وكأنه يتفقد شيئا! وفجأة وبال ضجيج، ومن ثقب كان بني األرضية وخشب اخليمة انسلت أفعى كبيرة وسوداء، كانت أفعى سمينة وقوية، لكن ما يخيف هو السم املوجود في أسنانها. وبصمت وبسرعة اجتهت نحو مهد الطفل، لكن النمس وثب لها في اللحظة املناسبة. ووقف أمامها وشعر ذيله قد اقشعر، وعيناه تشعان

بوميض حقد.الكلب أو الذئب ال يقدران على مواجهة األفعى، ففي ضربة سريعة من رأسها يدلف السم القاتل إلى أجسام هذه احليوانات القوية، وال ميكن لها أن تقاوم ضغط الطية اللولبية التي تضغط بها كثيرا وبقوة كي ينفث السم فيها، لكن النمس كان

هناك، هذا احليوان الصغير يقف قبالة األفعى فال يسمح لها باملرور!كان النمس يستجمع شجاعته ليواجه فم األفعى املفتوح وعيناه متقدتان

باحلقد، كأن األفعى صارت عصا، وأطلقت رأسها في هجوم مثل السهم.امتص النمس الضربة بقفزة سريعة مواربة، وعاد ثانية يقف قبالتها ال يزيح أنيابها، نظره عن عدوته، كان شعر النمس مقشعرا، وكانت تهدد بإظهار

لكن مخالب النمس كانت تخرمش األرض كأنها أمواس حادة.أحنى ظهره مرات عدة، وألصق جسمه في األرض مرات أخرى، وكذلك ووثب للهجوم، املناسبة اللحظة ينتظر أنه واضحا كان حرك عضالته. مهاجما، فلقد جعل جسم األفعى غنيمته، ووثب بسرعة ككرة تتقافز! ومع

وثبة ثانية أكثر سرعة حترر من رأس عدوته التي أخذت تتلوى.هاجت األفعى السامة وقد أحست بأنها اجنرحت، فتقدمت وهاجمت، وهي

تطلق رأسها ونصف جسمها مثل السهم.كان النمس يقفز من مكان إلى آخر، ليمتص الهجمات التي كانت جتيئه مثل الطنني، وكان عليه أن يتراجع ويقبع، لكن عضالتها كانت تتحرك حتت اجللد، وفي عينيها كانت نقاط حمر تلمع، وانطلقت بقفزة بدت أنها وجها لوجه، لكنها أخفقت في حتديد زاوية الهجوم، وعندما هاجمت األفعى من

١٢٣

اجلهة األخرى، ومثل البرق، هبط عليها النمس من خلف رأسها، إنها غنيمته هناك! فهاجمها مبخالبه وبكل جسمه الضاغط.

وبدأ جسم األفعى يتراجع، كان يرتفع وينطوي، ويلتف بارتعاشات قوية، وهناك في الرقبة خلف الرأس كان يضع وزنه الذي حرقها كاجلمر. كانت هناك حلظة أخيرة من الضجيج، كأنها رياح تكنس

أوراق الشجر اليابسة.األرض بتراب ممرغني اآلخر يجرجر أحدهما يتراجعان االثنان أخذ والغبار، الذي انبعث من هزه لذنبه، وأخذ جسم األفعى يطول، ويرسم

على األرض، وملرة أخيرة، شكل حرف (أس) "S"، وهمدت بال حراك.لكن النمس بقي هناك للحظة عند غنيمته يتحسس دم عدوته من الرقبة التي قطعها، وبعد ذلك قفز، لكن في داخله يغلي الهيجان والرغبة بالعض، وأخذ يسحب اجلسم املهزوم ويسحله هنا وهناك ممسكا به مبخالبه مرة وبـ"بوزه" مرة أخرى. ورغم أنه كان منهكا، الطفل، مهد نحو النمس اجته فلقد بانتصاره، كان سعيدا لكنه وخرج من الباب شبه املفتوح، وراح ينتظر سيدته عله ينقل لها

الفرح املوجود في قلبه كحيوان!كانت املرأة عائدة في الطريق حتمل جرتها املمتلئة باملاء على رأسها، وعند وصولها رأت النمس معفرا بالتراب، والدم على "بوزه"

ومخالبه، وفي عينيه بريق غريب، فأخذت الهواجس تتناوبها.- "آه آيتها اآللهة! هذا ما كنت أخشاه من هذا احليوان امللعون! لهذا أي عقاب اآللهة! آيتها آه التهام رضيعي! أكمل قد ها هو احلقد الكبير واألعمى! عقاب وأي عقاب؟! ال شيء غير املوت!

نعم املوت!".وفي حلظة من اليأس ألقت اجلرة بكل قوتها على النمس الذي سرعان ما متدد على الطريق. وأخذت تركض كأنها تطير باجتاه الكوخ، وعندما دخلت كان ابنها الرضيع يغفو في املهد، لكن قدمها تعثرت بأشالء جسم األفعى السوداء فأدركت كل شيء، ونظرت إلى نفسها، وإلى األفكار السيئة والسوداء! وإلى فورة غضبها امللعونة التي جعلتها تدفع املعروف باإلساءة! وبدأت تضرب بقبضتي يديها على صدرها ورأسها، وهي تركض إلى الطريق، يأكلها احلزن كما

كانت من قبل، وأخذت تبحث عن احليوان الوفي.

١٢٢

الكوخ، إلى به ومضت بحب، ذراعيها بني وحملته األرض، من التقطته وهناك أعدت له سريرا من أفضل األقمشة لديها، وقربته من النار، وأخذت

تداعبه وتقول له أحلى الكالم املمزوج بدموعها.وبعد وقت ال بأس به ارجتف النمس، ونظر إلى سيدته بعينيه الطيبتني، ثم

نظر نحو مهد الطفل.وفي الليل، عندما عاد زوجها احلطاب، وجد األم تبكي من الفرح، وهي

جتلس قرب النار وطفلها والنمس معا بني ذراعيها.

الكتاب الرابع: طفلـة الثلــج

١٢٧

أوروباروســــــيا

* طفلة الثلج "سنيغورتشكا"قادم بضياء تلمع زواياه بعض كانت البسيط القروي البيت في الصباح والبارد لذلك األبيض الضوء النافذة، حيث كان يدخل من القدر باجلمر، كي أما اجلدة "ماريوتشا" فقد كانت حتيط الثلجي. يغلي احلساء على نار هادئة. وكانت حزينة؛ فلقد مضت السنوات،

وأحنتها بأثقالها وبيضت شعر رأسها بثلوج فصول الشتاء املتعاقبة.لقد مرت السنوات، وأخذت معها حلم العجوزين في أن يلد لهما

طفل ميأل حياتهما بالسعادة.بها ليطيل اليابسة، األغصان "يوتشوكو" حزمة من اجلد أحضر وهي األغصان املطبخ بطقطقات فامتأل البيت. في النار حياة

تشتعل. وفي جوار البيت كانت تعلو فرحة األطفال وهم يلعبون.يرقصون األطفال فرأى النافذة من يوتشوكو العجوز أطل وهم ليغنوا كورال جوقة أنفسهم من شكلوا وقد ويضحكون،

يحيطون بتمثال من الثلج.إلى وانظري تعالي ماريوتشا، يا "اسمعي اجلد: قال وبحماس الدمية التي صنعها األطفال". وبدأ العجوزان بالضحك وهما يريان األطفال يضحكون. كانت دمية الثلج سمينة وقصيرة القامة، فيها

شبه كبير من عمدة القرية، إنها شيطنة أطفال!وفجأة، كف يوتشوكو عن الضحك وقال: "ماريوتشا تعالي لنرى إن

كان بإمكاننا أن نصنع صغيرا! أال ترغبني؟".

* كلمة روسية تعني طفلة الثلج.

١٢٦

فردت عليه: "ماذا بك؟ أال ترى أن الناس ستسخر منا؟ لقد شخنا يا رجل على أشياء الصغار هذه!".

- "ال يهم!". - وأصر يوتشوكو - وأضاف: "سنتفادى أن يرانا أحد، سنشكل دمية صغيرة مثل طفلة صغيرة وجميلة جدا".

مع وخرجت اجللد من شاال ووضعت النار، عن القدر ماريوتشا أخذت يوتشوكو، وعندما مرا بالصغار توقفا، وأخذا يلعبان معهما ويقفزان ويغنيان بكل الفرح الطفولي، ثم بدآ باالنسحاب رويدا رويدا، وتوجها إلى دغل صغير

كانت أشجاره عالية والثلج عليها شديد البياض.ركع العجوزان على ركبتيهما وبدآ يجمعان الثلج، ويشكالنه على هيئة طفل صغير، شكال اجلسم ثم الرأس، ووضعا كمية كبيرة من الثلج على الرأس، وقاال: "كي ينبت شعر كثيف!"، ثم أضافا حفنتني على اخلدين وقليال من

الثلج لألنف، وحفرا حفرتني كبيرتني للعينني.- "آه ها هو بالضبط!" قاال، وتعانقا وهما ينظران إلى ما شكاله، لكن فجأة توقفا وصمتا، فلقد شاهدا شيئا غريبا، فأخذا يقتربان شيئا فشيئا، ثم تبادال

النظرات بصمت.متتلئان أخذتا قد الدمية رأس في احلفرتان كانت جدا كبيرة وبدهشة بلون أزرق، ومنه خرجت عينان تنظران بثبات، ولم يعد وجه الدمية أبيض، واخلدود أخذت تظهر وتتدور، وبدأ يسري بها اللون الزهري، وحترك الفم

في ابتسامة لذيذة.نفخة من الريح جعلت الثلج يهتز، ويتحول إلى شعر طويل وملتف، وعليه ثلج عن يفرقه أن لناظره ميكن ال أبيض وفستان للرأس، جلدي غطاء

املكان، لقد حتولت الدمية الثلجية إلى طفلة رائعة!إنها حقيقية! "نعم وقاال سوية: كبير، باندهاش النظرات العجوزان تبادل إننا ال نحلم، فهذه طفلة! إنها هنا إلى جانبنا قريبة منا جدا، تتحرك ومتد

ذراعيها وتنادينا!".احلياة أن شعرا عندها بالقبل، يداعبانها وبدآ بدفء فأحسا فأخذاها،

انولدت من جديد في قلب كل منهما.عانقا الطفلة وحضناها بني أذرعهما، وعادا بها إلى البيت وهما يرجتفان من

شدة فيض عاطفتهما وسعادتهما.

١٢٩

في البيت وضعت اجلدة ماريوتشا الطفلة على ساقيها، وراحت تهزهما، وهي تردد أغنية حلوة للطفلة، كي تنام.

ومن أعلى جدار املدفأة تدلى شال جلدي، وبالقرب من وهج النار وضعا احلذاء الصغير األبيض.

اقترب العجوز يوتشوكو وقال بصوت منخفض: "اسمعي ماريوتشا! الذي باالسم أفكر وإنني الثلج، لنا طفلة صنعناها من لقد صار يعجبك؟". هل "سنيغورتشكا" نسميها أن فوجدت لها سنعطيه

هزت اجلدة رأسها باملوافقة وهي تبتسم.وهما حائران بني فيض سعادتهما العجوزان نام الليلة، تلك في

وخوفهما أن يكون كل شيء مجرد وهم أو حلم جميل قصير.لكن في الصباح كانت الطفلة معهما، وفي مكانها تضحك وحتكي تغمرها

السعادة، فلقد كانت تتكلم بطالقة، لقد صارت بهجة حقيقية للعجوزين.اجلدة قامت البيت، في كبيرة حفلة أقيمت اليوم، ذلك في ماريوتشا بتحضير كل أنواع احللويات، أما اجلد يوتشوكو، فلقد دعا وامتدت السعادة وانتشرت وبناتها، القرية أوالد املوسيقيني وكل

األغاني وطالت الرقصات حتى ساعة متأخرة.في تلك الليلة، حلم األطفال بسنيغورتشكا وبشعرها الذهبي وعينيها الزرقاوين، لقد بدت سنيغورتشكا، وكأنها جاءت من إحدى احلكايات اجلميلة، وهي تلعب مع األطفال، أخذت تعلمهم كيف يبنون قالعا وقصورا من الثلج، فيها صاالت من املرمر ونوافير ماء كبيرة، لقد بدا الثلج وكأنه يطيع مخيلة سنيغورتشكا وهي تشكله بهيئات مستحيلة.

وعندما رقصت لتعلم الصغار كيف يسقط ندف الثلج في البداية بشكل دردور، وفي النهاية بشكل بطيء، انذهل األطفال جميعهم.

لقد كانت سنيغورتشكا إحدى طفالت حكاية ثلجية.لكن فصل الشتاء بدأ بالرحيل، واألرض املغطاة بالثلوج أخذت تعود يأتي والهواء بالنوار، أغصانها تكسو األشجار بدأت إلى خضرتها،

محمال بالدفء وأغنيات الربيع وأريجه، وملعت الشمس ناصعة.في أحد الصباحات كانت اجلدة ماريوتشا قرب النار، حترس القدر انتهى من جتميع حزمة قد كان يوتشوكو واجلد باجلمر، احملاط

احلطب إلى املطبخ.

١٢٨

لم يكن هذا الصباح مثل ذاك الصباح الشتائي الذي شاهدا فيه األطفال مجتمعني حول دمية الثلج، فهذا الصباح كان حزينا، وذاك صار بعيدا بعد

أن أبهج البيت واحلياة كلها.وازدان أزهر وقد املرج إلى تنظر النافذة، إلى جانب تقف سنيغورتشكا

واألشجار اخضوضرت أوراقها.حذر يوتشوكو من أن وجه سنيغورتشكا صار شاحبا، وامتألت عيناها بحزن

غريب وسأل سنيغورتشكا: "ما بك؟ هل تشعرين بسوء؟".- "ال! ال! - أجابته بحزن - لكنني افتقد الثلج، فأنا ال أقدر على العيش بدونه، والعشب األخضر ليس جميال، إن أختي البيضاء الرائعة أكثر جماال

وروعة". وبدأت سنيغورتشكا ترجتف.وفي اليوم الثاني بدت أكثر شحوبا وحزنا فيما ينظر العجوزان إليها بهلع.

- "ما الذي حل بالطفلة؟". سألت ماريوتشا بخوف كبير، ولم يجبها يوتشوكو الذي أمال رأسه، وأخفى عالمات األلم، ثم اجته نحو سنيغورتشكا متظاهرا بالسعادة، وقال: "مباذا تفكرين يا صغيرتي؟ لم ال تخرجني إلى اللعب مع

األطفال في احلقول؟ أم أنك لم تعودي حتبينهم؟".- "ال اعرف يا أبتي يوتشوكو، لكنني أشعر هنا في داخلي إنني سأختنق كلما

استنشقت الهواء الدافئ، وقلبي يكاد يتوقف".- "هيا تشجعي وتعالي معنا، سأحملك بني ذراعي، ولن أدع الريح تصلك،

سترين األزهار والورود اخلالبة التي جلبها الربيع".أبعدت ماريوتشا القدر عن النار وخرج ثالثتهم إلى احلقل، يوتشوكو يحضن سنيغورتشكا بني ذراعيه ليحميها من النسيم، فلقد كان الهواء عليال ودافئا ومعطرا بعبير الورود، لكن سنيغورتشكا انقبضت، وأخذت ترجتف، شجعها العجوزان وحمالها بني أذرعهما إلى دغل مزهر، لكن ورغم املرور مبجموعة من أشجار وارفة، فلقد جاءت حزمة من أشعة الشمس، ووصلت إلى الطفلة

فجرحتها كأنها سيف.صرخت سنيغورتشكا بلوعة ومرارة، ثم بدأت تخرج منها حشرجات، جحظت عيناها

ممتلئة بالدموع على مرأى من يوتشوكو وماريوتشا وهما مضطربان مذهوالن.لقد بدأ جسم الطفلة يتقلص، وأخذ يتحلل شيئا فشيئا ثم ذاب ببطء حتى صار قطرات

ندى على العشب، وعلى اجلبال كان الثلج يتحلل مع أول إشعاعات الشمس.

١٣١

اسفياتوغور والعمالقةاجلبال املقدسة في روسيا كانت عالية وعالية جدا، تخترق الغيوم فوق الهادئ بطيرانها تقوم النسور، كانت طيور وهناك، بقممها.

القمم، وحتط بصمت في أعماق املضائق.بخارا تطلق الهائلة الصخور كانت الشاسع األعشاب وفي مرج

يرتسم في السماء مثل أشباح رمادية.كان الساكن الوحيد لتلك اجلبال املقدسة هو املارد اسفياتوغور العمالق، ولضخامته، فقد كان يشبه إحدى تلك الصخور العالية،

وعندما كان ميشي يجعل األرض ترجتف حتت أقدامه.كان ممتطيا حصانه يتسلق أعلى القمم، يعبر الوهاد ويجتاز األنهار

بقفزات غريبة كأنه يطير.كان اسفياتوغور يعيش وحيدا في تلك العزلة الكبيرة، جعلته قوته ينازل جميع أبطال روسيا، وعندما كان يخرج إلى احلقول والسهول كانت األشجار تتسمر من مشيته، واألرض ذاتها كانت تهتز، ووحدها

كانت صخور اجلبال املقدسة حتتمل املشية الثقيلة للعمالق.كانت قوته غير طبيعية، وكان ذلك سببا لبؤسه، إذ كان مبقدوره أن يستغل قوته في أشياء أخرى، فلو أنه خصصها للعمل أو خلدمة

الناس لكانت السعادة تغمره.كان بل كان جاهال، اسفياتوغور لكن قليل، األرض فعمره على يحول كل شيء يلمسه إلى ذرات غبار، وكل شيء كان ينسحق بني

يديه اجلبارتني.في يوم ما خرج من جباله، ووسط مرج األعشاب الشاسع نصب خيمته الرمادية اللون، وفيها اضطجع ونام حتى اليوم الثاني، حيث

قرر اسفياتوغور أن يتابع املسير.وأخذ مير بقرى وضيعات ومدن، وبدأ يتعرف ويعشق الناس، أسره

١٣٠

القرويات، وعندما مر النساء الفالحون بطيبتهم وعطفهم، وكذلك جمال بإحدى القرى رأى شابة رائعة اجلمال، وعندها فكر: "هذه شابة تصلح أن تكون خطيبة لي وتستحقني بجدارة". ولم يتأخر البطل بالفوز بقلب الشابة القروية الفاتنة اجلمال، وبعد قليل فاز بالزواج منها وبأخذها إلى مملكته في

اجلبال املقدسة.أماكن يبحث عن الشجاع "إيليا موروميتس" احملارب فيه كان يوم وفي أيام قفز من ثالثة املقدسة، وخالل باجلبال أن مير فسيحة، فكان عليه صخرة إلى صخرة، وصعد القمم، واجتاز الوهاد حتى خارت قواه فنصب

خيمته وربط حصانه، ونام مع أحالم عميقة.غريبة بأشياء حلم الشمس تخرج أن وقبل طويلة، لساعات إيليا نام وهجينة، رأى وكأن جواده القوي يحفر األرض بحوافره، ويصهل جافال، فيما بعد سمعه يقول بصوت إنسان: "إيليا! إيليا! انهض، اجن من اخلطر! فالبطل اسفياتوغور يقترب! هيا! اتركني طليقا في هذه احلقول واختبئ أنت سريعا

في جذع الشجرة!".نهض إيليا وعمل بنصيحة حصانه، فتسلق إلى أعلى أغصان شجرة بلوط، وبعد قليل ظهر "اسفياتوغور" املريع الضخم والقوي مثل الصخر، يحمل زوجته

على أكتافه، جتلس في هودج من الزجاج، وفي حزامه سيف كبير جدا.ترجل العمالق عن احلصان ومبفتاح من ذهب فتح القفص الزجاجي الذي

خرجت منه زوجته الفاتنة اجلمال والرائعة مثل الصباح.وبينما كان "اسفياتوغور" يجهز خيمته بسطت الشابة على األرض حصيرة، وأخرجت من اخلرج كمية كبيرة من الطعام اللذيذ ومشروبات حلوة مثل

العسل.خالل األكل كان "ايليا" ال يتحرك بني أغصان الشجرة مختفيا عن عيون زوجها، فجعلت رأته وخشيت من غضب قد كانت املرأة لكن العمالق، الذي الضخمة، اسفياتوغور جيوب إحدى في يختبئان وحصانه "إيليا" بدأ حصان الثالث اليوم وفي ليومني، باحلمولة يدري مضى أن من غير هل احلصان! أيها "آه البطل: فزأر تعب، إشارات يصدر "اسفياتوغور"

أصبحت شائخا وغير مفيد! أال تستطيع املسير بعد؟".أيام ثالثة منذ لكن وزوجتك، أنت أحملك "كنت الذكي: احليوان أجاب

أحمل على ظهري حمولة زائدة".

١٣٣

فتش "اسفياتوغور" جيوبه الضخمة فعثر فيها على "ايليا" وحصانه فقال له: "من أنت؟".

للبطل إعجابي بإبداء رغبة وكانت عندي إيليا، "اسمي فأجابه: اسفياتوغور".

- "ها أنا أمامك، وهذه فرصة لنكون أصدقاء، وستكون شاهدا على أفعالي العظيمة".

قبل إيليا مشكورا، واستعد للمشي إلى جانب صديقه العمالق. وبدأ اسفياتوغور يعامله كأخ له، يتقاسم معه األكل والشراب من الكأس

نفسها.في يوم من األيام كان البطالن يعدوان في املرج الشاسع فعثرا

على تابوت كبير جدا مغطى في كومة من احلبوب.توقف اسفياتوغور يفكر، وقال: "فلنفحص ملن كان ذلك معدا؟".

دخل إيليا أوال، لكن القبر الصخري كان كبيرا جدا بالنسبة ملقاسه، كان معدا ملقاسه وكأنه الغريب التابوت اسفياتوغور في فدخل

العمالق.- "يبدو أنه معد لي - قال اسفياتوغور وأضاف- يا إيليا! يا صديقي وأخي! هل بإمكانك وأنا هنا في جوف التابوت أن تغلق الغطاء؟".

- "ال يا أخي! إني أخاف ذلك"، أجاب إيليا.يديه، بإحدى الضخم احلجري الغطاء وأخذ اسفياتوغور تدخل كامل، بشكل التابوت وأقفل اجلوانب أحكمت أطبقها وعندما

وعبثا أخذ اسفياتوغور يتحرك، ويتلوى في الداخل.القبر هذا جدران وحطم سيفي خذ العزيز! أخي يا "إيليا -

اللعني".أخذ إيليا السالح الفتاك، وأفرغ ضرباته اجلبارة على احلجر، وهو

يسمع زئير اسفياتوغور يختنق في اجلوف.من يضرب وبدأ السيف وأخذ فعاد تتضاعف، قوته بأن أحس جديد، ومع الضربات القوية كانت تتطاير شظايا الصخرة والشرر

من السيف.

١٣٢

اقترب جيدا! يا أخي! إيليا يا تعال اسفياتوغور - زأر اختنق! - "إني -أريد قبل أن أموت أن ألصق بك السر الرفيع لقوتي". وأخذ صوت العمالق

يضعف وكأنه يختنق.- "وداعا يا رفيقي، لقد لصقت بك قوتي وسيفي اجلبار".

وهو مات الذي العمالق أنفاس آخر وكانت األخيرة، الكلمات هذه كانت يصارع املوت.

وقف إيليا مستندا إلى سيف اسفياتوغور وسط صمت املرج الشاسع، لكنه أحس بقوة جبارة، تسري به، فراح إلى جانب قبر صديقه، وأخذ يدور حوله مرات ثالث، ثم ودعه، وعاد في الطريق إلى روسيا قاصدا قصر عمه "فالدمييري نور الشمس"؛ أمير مدينة كييف، وقد اكتسب إيليا القوة والشجاعة اللتني حملتاه

إلى أن يحقق املآثر املدهشة مع مردة آخرين في قصص مثيرة.الصحراء يعبرون راحوا ميتطون خيولهم، املردة إلى ستة من إيليا انضم إلى أن وصلوا إلى سفح فيه أشجار بلوط قدمية، وألنهم كانوا متعبني جدا نزلوا إلى األرض، ونصبوا خيامهم، واضطجعوا ليرتاحوا، بينما راحت اخليول

ترعى في اجلانب.موروميتس إيليا نهض األحمر بشفقها النهار عن الشمس أعلنت عندما تلفها التتار حتجب األفق، وتتقدم، البعيد، كانت مجموعة من إلى ونظر

غيمة من الغبار، تغزو السهل، وكأنها إعصار عنيف.وحملوا فنهضوا نحونا". قادمون فالتتار املردة! أيها "انهضوا إيليا: صرخ

سالحهم وانطلقوا ملواجهة التتار، وسرعان ما انتصروا عليهم.صرخات يطلقون املردة بينما السهل، ميألون املهزومون األعداء كان املنتصرين: "أية قوة ميكن مقارنتها بقوتنا؟". وصرخ "اليوشا بوبوفيتش": "ال

يوجد جيش يقدر على هزميتنا!".إياه اسفياتوغور ال يهزم، لكن في تلك وقال إيليا: "السيف الذي منحني اللحظة وكأن األرض انشقت وانبثق منها محاربان مسربالن مبعادن تلمع، واجتها نحو املردة قائلني: "جئنا لنمتحن قوتنا نحن اثنان وأنتم سبعة، لكن

ال يهم فلنتحارب!".امتأل قلب اليوشا بوبوفيتش بالغضب، امتشق سيفه وهجم على خصميه غريبي الشكل، لكن آه منك أيتها املعجزة! فعندما ضربهما "اليوشا" فقد

حتوال إلى أربعة.

١٣٥

جرد "دوبينيا نيبريتش" سيفه، وتقدم نحو األربعة ووقف وسطهم، وأخذوا ثمانية، إلى األربعة حتول فلقد أيضا، وللغرابة لكن

يتقدمون!قضى إيليا موروميتس بسيفه اجلبار على الثمانية، لكنهم تضاعفوا

أيضا أمام دهشة املردة واستغرابهم.وبعزم وبأس وغضب هجم السبعة سوية على أعدائهم، لكنهم كلما

قاتلوهم كانوا يتضاعفون!وطيلة أيام ثالثة وثالث دقائق وثالث ثوان استمرت املعركة، حتى اجلبل إلى فهربوا الذعر واحتلهم األبطال، املردة قوى خارت لينجوا بأنفسهم، وهناك حتولوا إلى حجارة وبقوا إلى األبد، وهكذا

يروون عن نهاية األبطال العمالقة في روسيا املقدسة.

١٣٤

١٣٧

øjGôdG OÓH

…ôŒh ,á©jô°S êGôHC’G ‘ É¡gÉ«e ôjÉ£àJ ájô°ùjƒ°ùdG äGÒëÑdGh ,∫ÉÑ÷G ‹ÉYCG ‘ ‘É°üdG AÉŸG

‘ ¢ûeGƒg ÚH ÉgQÉ°ùe ‘ √É«ŸG ¥ô¨J ,AGOƒ°ùdG äÉHɨdG ∫ÉZOCG ÚH áFOÉg á«aÉ°U ó©H ɪ«a

,É¡«MGƒ°Vh áÁó≤dG ¿óŸG ‘ ¢SÉædG IÉ«M øY »µ– »àdG ´Ó≤dGh QÉKB’ÉH á∏∏µe ,á«dÉY Qƒî°U

.ájóædƒ¡dG ±ÉjQC’G ÈY ôëÑdG ƒëf kÉ°†jôYh kÉÄ«£H AÉŸG ôªà°ùjh

‘ Gƒ°û≤f ,∫É«LCG AGQh k’É«LCG ∑Éæg GƒeÉbCG øjòdG ¿Éeô÷G πFÉÑb ƒ∏«∏°S ¢TÉY ,øjGôdG ¢VƒM ‘

.äÉjɵ◊G πªLCG º¡JÉ«M IôcGP

١٣٦

١٣٩

الفارس األخيروينحرف الكبيرة، فيصقلها مبياهه، الصخور "Aer" بني نهر يقفز هادئا حتت ظالل الغابات الكثيفة. يجري في السهل، يصعد في

تدفق جارف ويدخل في واد ضيق حتيطه الروابي.الصخرية منحنياته من النهر ضفاف من القريبة التالل إحدى بالنباتات مغطاة التينار قلعة آثار عليها تقبع واملتشظية

املتسلقة.منذ سنني عدة هجرت القلعة الرائعة، والعرق البشري األرجواني

ملالكيها القدماء قد قضي عليه في معركة مأساوية.النبيلة، كان فارسا العائلة آخر ساللة التينار" "الكورت دي كان شجاعا ومحبا للحرية، لم يسمح أبدا أن يفرض أحد عليه أي شيء ال يتالءم مع كرامته وعزته، في مرحلة كان األمراء فيها يفرضون،

وبشدة، الضرائب واخلدمات لصالح اإلقطاع والنبالء.الفارس كورت اعترض، وبقوة، على ذلك اجلور غير آبه بالتهديدات. وعندها بعث األمراء جيشا كي يحاصر القلعة املتشامخة، أغلقوا

بوابات احلصن، وخاض كل الرجال مقاومة بطولية.كانت السهام تصدر صفيرا، وفي املجنبات املنحدرة كانت تتدحرج الصخور الكبيرة التي كانت تقذف من األعلى. واحملاصرون الذين التي أفادوا من تلك الصخور جترأوا على االختباء في الصخور،

جعلت قفز املهاجمني مستحيال.امتد احلصار عدة أسابيع، وصار نقص األكل في احلصن هو العدو

األكبر للمدافعني.رأى الكورت دي التينار اقتراب اليوم الذي عليه توزيع آخر اخلبز

بني رجاله. وبعدها عليهم االستسالم أو الهالك.امتد احلصار من غير أن تهبط معنويات احملاصرين، وعلى العكس،

١٣٨

يوما بعد يوم كانت الهمم تضعف عند الذين يحاولون الهجوم والدخول إلى احلصن أمام الصعوبات للسيطرة على تلك القلعة احلصينة وإخضاعها،

والتي كان وضعها يجعل محاوالتهم الهجومية ضربا من املستحيل.املدافعون كانوا شجعانا ومستبسلني، عندها أحس األمراء بالرعب واليأس بني حلظة بينهم مترد يندلع أن فخشوا احملاربني، رجالهم بني يتفشى

وأخرى.املفيدة غير احلرب تلك من هاربني اختفوا اإلقطاعي اخلدم بعض واخلطرة. والتمرد سينشر الفوضى وعدم التنظيم في اجليش الذي يفرض

احلصار.وفي صباح دافئ ومشرق ظهر املسن كورت بشعره األبيض فوق أعلى أبراج

القلعة ميتطي خيله ومدججا بكل األسلحة.املظهر النبيل للفارس، بوجهه الشاحب الذي يداعبه الهواء الطل، وبريق سالحه الفوالذي وخيله األسود املتألق، كل ذلك كان مينح الفارس الهيبة الوادي ظل اجلميع حتى وصمت عليه، النظرات كل فتثبـتت والسحر.

صامتا في ذلك الصباح املشرق والدافئ!مد الكورت دي التينار ساعده في إشارة حتية وقال بصوت جهوري:

القلعة هذا في عاشوا الذين لكل األخير! واخليل األخير! الرجل "هنا احلصينة! فلقد قضى اجلوع على رجالي وأبنائي! وقد ماتوا جميعا، لكن بكرامة ألنهم يعشقون احلرية، ويبغضون طغيانكم. أنا أيضا سأموت بالطريقة

التي عشت فيها حرا دائما من كل العبودية كأي فارس حقيقي".وعندما قال ذلك عند حافة البرج، لكز خيله مبهمازه، وأطلق صرخة على احليوان النبيل الذي صهل صهلة غضب، وانطلق إلى الفضاء بوثبة مخيفة.

سقطت خيول من جهة املنحدر الصخري املتشظي، وتدحرجت محطمة حتى غرقت في ماء النهر وإلى األبد أمام اخليل األخير لـ"التينار".

لم يتجرأ أي من احملاصرين على دخول احلصن الصامت لألبطال، فرعب امليدان جعلهم يفرون من ذلك الوادي املفزع.

وهكذا استمرت القلعة حصنا أبيا ووحيدا طوال الوقت الذي غطى آثارها بوشاح من احلجر.

١٤١

الطفلة العمالقة والفالحأنهم يروون الغابرة احلقبة تلك في الناس كان بعيد، زمن منذ رأوا أشياء رائعة، وكائنات غير طبيعية وغريبة. في تلك األزمان هناك كانت "نييدك" في جدا الكبيرة القلعة في إنه يقولون

عائلة من العمالقة.لكن وآثارها، أنقاضها من أكثر أي شيء اآلن القلعة من يبق لم رجال القرى التي حلت محل القلعة يروون تواريخ مثيرة للفضول، سمعوها عن آبائهم وأجدادهم، ويحكون عن القوة والهياكل الضخمة ألولئك العمالقة الذين كانوا يصنعون حياة متكاملة في تلك القلعة دون التعامل مع الناس، ودون أن يقوموا بأدنى فعل يضر، إمنا كانوا

رحيمني متسامحني وطباعهم حلوة.من وأصيلة، نبيلة سمة له اإلقليم ذلك أن يتذكرون الناس كل سمات القالع القدمية في "نييدك"، وعندما يروي الفالحون ذلك

فإنهم يحكونه بانفعال وعلى شرف ذكرى أسالفهم.يقولون: "إن االبنة الوحيدة ملالك القلعة ابتعدت في أحد األيام، تتمشى بني أشجار الصنوبر وكروم العنب حتى وصلت إلى هضبة قريبة ملركز حكم القلعة، أي إلى املكان الذي ميكن منه السيطرة على القلعة، حيث الوادي ينقسم إلى قطع من األراضي الفالحية.

العمالقة الطويلة مثل أعلى شجرة صنوبر توقفت لتنظر الطفلة إلى بعض الكائنات الغريبة التي كانت تتحرك هناك في األسفل،

وتقوم بحراثة األرض.تقدمت قليال فاكتشفت أن تلك الكائنات كانت رجال يحرث األرض مبحراثه املربوط بزوجني من العجول، وخالل دقائق عدة، راقبت

الرجل بفضول وهو يحرث حقله.كان ذلك مجهوال وغريبا بالنسبة لها، فصارت تنظر إليه كما ينظر الهيئات تلك منظر كان النمل في جحره، تعذيب إلى األطفال

١٤٠

طويلة خطوطا األرض في يصنعون وهم رائعا لها بالنسبة املتحركة ومتقاربة فيما بينها.

برذاذ الوديان ومألت الفرح، من وتطايرت العمالقة، الطفلة قفزت قهقهاتها.

الفالح العامل توقف متعجبا، والعجول جفلت، وتوقفت مذعورة، وقبل أن يدرك الفالح ما يجري، اقتربت الطفلة نحو الرجل والعجول وأخذتهم وهي

في حالة من الفرح كما لو كانوا دمى أطفال.عادت إلى القلعة، كانت سعيدة ومبتهجة وهي تعرض لقيتها إلى والديها.

- "انظروا! انظروا إلى ما عثرت؟! ال توجد دمى أجمل من هذه! أليست جميلة حقا؟ إنها دمى حقيقية حية! سترون كيف تتحرك وتصنع خطوطا

مستقيمة ومتقاربة!".وبينما كانت تتكلم وضعت الفالحني وزوجي العجول ونير احلراثة واحملراث على الطاولة الضخمة كمسرح احلفالت. ودفعتهم كي يبدأوا بالعمل. لكن

الطفلة توقفت عن الكالم والضحك أمام النظرة القاسية لوالديها.العمالق صاحب اللحية الثلجية قال بحنان وجدية: "هل تعرفني جيدا ماذا أحضرت يا بنيتي؟ هل تعرفني ماذا فعلت؟ هذا الذي تسمينه دمية هو رجل فالح، لقد أرعبته عندما كان يشتغل! واقتلعته من بني الفواكه، الثمار التي تتغذين عليها ومتد أهلك باحلياة! فمن غيره ما كانت احلياة ممكنة لنا! هذا العامل املسكني هو األكثر نفعا وفائدة من كل الرجال، فاآلخرون ميكنهم احلياة بفضل عمله، وجهده هو اجلهد األكثر نبال وعطاء، فال املطر وال البرد وال الشمس الالهبة قادرة على إبعاده عن األرض التي يحرثها ويحرسها بحب. كل عامل يستحق االحترام، والفالح هو أكثر الذين يعملون، إنه ليس دمية! ال يا بنيتي! هيا! خذيهم بحذر شديد وبعناية إلى املكان نفسه الذي أحضرتهم منه، واحمهم من أي مكروه! وال تنسي أن من ال يحترم الفالح وال

يحبه، ويصنع منه ضحية ألنانيته، فإنه يجلب اللعنات من السماء".طلبت الطفلة العمالقة وابنة العمالقة املعذرة، وحملت بانتباه كبير الفالح في يحرثوا كي وأعادتهم يدها، راحة في يهتزون وهم العجول، وزوجي

أرضهم أثالما جديدة".

١٤٣

١ Eulenspiegal and Lamme Goedzak.٢ Till Eulenspiegel.

حكاية احملتال تيلمن حكاية شعبية قدمية في أملانيا تروي مغامرات أحد احملتالني الذي عاش بني القرنني الثالث عشر والرابع عشر، والذي كتب عنه الروائي الفالمنكو كارلوس دي كوستير في ١٨٧٦، وهو عمل يعتبر من أجمل نتاجات الروح اإلنسانية عن حكايات الفرح واملغامرات وحكاية و"الم غويدزاك"١ "ايولن شفيغيل" والبطوالت لشخصية

تيل ايولن شفيغيل.٢كان "تيل ايولن شفيغيل" أحد أكبر احملتالني الذين يتفننون في الضحك على الناس وخداعهم، ومن الذين يحلو لهم العيش من اكتشافهم من حتررهم مسؤوليات أو انشغاالت وال عمل غير

ومالحقتهم بسبب أعمالهم وأالعيبهم السيئة.ولد تيل في قرية صغيرة في ساجونيا (Sajonia)، شب سليما معافى منيعا ولم يتأخر في إعطاء إشارات حياة مكر ودهاء أدهشت كل

من عرفه.كان عمره ١٤ سنة عندما انتقل مع عائلته للعيش في قرية قريبة من مدينة "مغديبورغ"، إذ مات والده بعد فترة قصيرة، ومن ذلك الوقت صار يتصارع مع أمه؛ ألنه كان يحصل على مبلغ من عمله، لكن هكذا كان تيل جاهزا لإلطاعة واخلنوع، وأن يترك هواياته، وحبه للتعلم في

القرقوز التي كان يقضي فيها أغلب وقته اليومي.وألن اجلزء اخللفي من بيته كان يطل على النهر، فلقد ثبت تيل حبال في شباك بيتهم وربطه إلى شجرة في الضفة الثانية للنهر.

وعندما صار احلبل مشدودا ومحكما جيدا، قام تيل بالعبور عليه من طرف إلى طرف، فتجمع ناس كثيرون، وصارت فرجة كبيرة

مشاهدة الصبي وهو يرقص ويقفز على احلبل بظرافة وخفة.

١٤٢

جاءت أمه وأرادت أن تبعد ابنها عن تلك األالعيب، فحذرته، ثم صعدت إلى السدة وقصت احلبل املشدود إلى النافذة، عندها سقط تيل في املاء، ا الذين كانوا ـ وفي أثناء سقوطه كان يقوم بحركات دورانية في الهواء، أم

يتفرجون عليه من أطفال وكبار فلقد بدأوا يضحكون ويهزأون ويصيحون:"تيل!! حمام الهنا! بالتأكيد لن تشعر باحلر! وال بالرغبة في معاودة ذلك!".

ألعابه، تيل يستعد إلعادة أن القرية أنحاء أيام قليلة سرى خبر في بعد فرغب اجلميع في أن يقضوا وقتا من الضحك والترفيه عن النفس، فذهبوا إمنا فقط، األطفال على الذهاب يقتصر ولم املتهور، املغامر ليشاهدوا

ذهب، أيضا، رجال القرية ونساؤها.كان تيل يتوازن على احلبل بخفة وطرافة، واجلميع يتابعونه بأفواه مفتوحة

وعيون جاحظة، وفي أثناء ذلك صرخ تيل:"دعوني أرى! من يعيرني فردة حذائه اليسرى؟ سأقدم لكم لعبة مسلية جدا".

نزع جميع األطفال أحذيتهم ألمن كانوا مبتهجني ومسحورين بتيل. جمع تيل أربعني إلى خمسني حذاء وشكها ولظمها في حبل، ثم رماها بني

جموع الفضوليني وهو يقول:"ألرى إن كنتم جاهزين! ليأخذ كل منكم حذاءه!".

تدافع اجلميع في البحث عن أحذيتهم، كانت هناك أحذية كثيرة، وبعجلة كانوا يريدون استردادها، إذ بعد قليل صار هناك كومة من الناس يلعنون،

ويصرخون ويتضاربون.هرب تيل من شباك السدة وهو في غاية السعادة، ولم يفكر في العقاب الذي تنويه أمه له على مدار أربعة أسابيع، فقد كانت بالنسبة له قرونا من الزمن، خاللها ظل تيل محبوسا في البيت في غرفة مظلمة، وعندما خرج من حبسه ليأخذ من احلرية ما سلب منه، قرر أن يجول العالم مقتنعا بأن القرية صارت صغيرة على مغامراته، وهذا ما فعله بعد أن ترك ذكرى طيبة

من مسخراته وإساءاته في أماكن عدة.اجته نحو إمارة "Anhalt"، حيث ضمه األمير إلى خدمته، ووضعه حارسا في

برج مراقبة القلعة.وفي يوم من األيام نسي اخلدم أن يأخذوا أكال له، وفي اليوم نفسه تسللت

١٤٥

١ العملة الهولندية (املترجم).

قوى معادية إلى الزريبة اخللفية للقلعة، وسرقوا كمية كبيرة من املاشية.

واصل تيل في مكانه ما كان يعمل به، ومن غير أية نية بأن يعطي إشارة صافرة إنذار.

وأنقذوا اللصوص، صد من متكنوا احملاربني ورجاله األمير لكن املسروقات كلها، وعند عودتهم إلى القلعة توجه األمير نحو تيل،

الذي كان يسترق النظرات من خلف النافذة فقال تيل له:الذي القرن في أنفخ أن وخفت خاوية، معدتي إن "معاليك! أعطيتني ألنه يصدر صوتا قويا وعلى معدة خاوية فإنه يسبب لي

طنينا مؤملا".كبيرة وعامرة، الطعام على طاولة لتناول والفرسان األمير ذهب املأكوالت ألذ بتناول منهمكون هم وبينما بالنصر، احتفاال أقيمت اإلنذار، صافرة من الثالث اإلشارات تيل أطلق األطباق، وأطيب وعند سماعها نهض اجلميع ألخذ أسلحتهم تاركني املطعم خاليا، وأطياب األكل على الطاوالت، عندئذ لم يكن صعبا على تيل نيل مراده، فهبط من برجه بقفزات صامتة، وعبأ قسما من تلك الطبخات

واملأكوالت اللذيذة في أكياس وفي جيوبه وعاد بهدوء إلى مكانه.الوغد فطرد الصافرة، بخديعة أحس عندما األمير وجه تلون شراء قرر بالتعب شعر وعندما احلال، في مشى الذي املكار، حصان، وفي السوق عثر على حصان رخيص، ألنه كان كبيرا في السن، وقد أسيئت معاملته، لكن صاحبه احلوذي كان نبيها وسريع

الفطنة، يريد بيعه بالغش واحليلة فطلب ٢٤ فلورينا.١ ١٢ تطلبني ويبقى فلورينا، ١٢ اآلن لك "سأدفع له: تيل فقال

فلورينا".وافق احلوذي، فدفع تيل اثني عشر فلورينا، وأصبح مالكا للحصان. وبعد ثالثة شهور أراد احلوذي أن يقبض الباقي الذي وعده تيل به،

فرد تيل عليه وكأنه يستغرب:"ألم نتفق على أن يبقى ذلك املبلغ دينا؟ لهذا بالضبط يجب علي

أال أدفعه!".

١٤٤

غضب احلوذي، وجتادل االثنان، ثم ذهبا إلى القاضي، وأمامه رفض تيل أن يدفع أي مبلغ قائال:

"أنا اشتريت احلصان بشرط، وهو أن أدفع له مبلغ ١٢ فلورينا عدا ونقدا، وأن أدين له باالثني عشر املتبقيات، وإذا دفعت له اآلن فمن الواضح أنني لن أدين له، وهذا ليس ما اتفقنا عليه، فأنا رجل شريف ويجب علي احترام

كالمي". فقبل القاضي بهذه احلجة، ولم يدفع تيل الدين أبدا.وبعد عدة حيل نادرة ومغامرات في ذلك البلد، انتهى تيل بالوصول إلى

مجلس أمير "Hesse"، عندها سأله األمير: "من أنت؟".- "معاليكم! أنا فنان كبير! رسام على مستوى عال جدا! إذ لن جتد مثيال

لي في كل اململكة".- "ابق إذا لتزخرف لنا جدران الصالة برسومات، متثل تاريخ أسالفنا وأجدادنا".

طلب تيل مائة فلورين مقدما على احلساب ليشتري ألوانا، وليدفع لعدد من الرجال الذين سيساعدونه، ووضع شرطا: أن ال يدخل أحد إلى الصالة

طيلة الوقت الالزم إلمتام العمل.اللوحة فيها سيرسمون التي الصالة في مبساعديه تيل اختلى وعندما

الرائعة، قال لهم تيل: "يا أصحابي، لقد جاءت الساعة التي سنبدأ بها راحتنا، ميكنكم أن تناموا كل الوقت الذي ترغبونه، فهنا لن نفعل شيئا، إمنا سندع الوقت ميضي! فإياكم

أن يتحدث أحد عن عمل هنا!".مضت عدة أسابيع، وفي صالة القصر لم يفعل أحد أي شيء أكثر من الراحة واألكل من أطيب وأفخر املأكوالت التي كانت تأتيهم بأمر من األمير، وعندما حل

اليوم الذي طلب األمير فيه أن يشاهد اللوحة الفنية العظيمة، قال تيل له:وكبير، نادر شرط من أحذركم أن أريد لكني أوامر! رغباتكم "معاليكم! فرسوماتي ال تبدو للعيان أمام ناظريها إن كانوا قد كذبوا في مناسبة ما

من حياتهم!".فكر األمير في األكاذيب التي كان قد ارتكبها، ومع أنها كانت نادرة وقليلة،

فإنه لن يجعل تيل يعرف ذنوبه.وصال إلى الصالة، وتيل في حالة كبيرة من القلق، لكنه رفع ستارة كانت

مخصصة حلماية األلوان وتغطية اجلدران.

١٤٧

فتح األمير عيونه جيدا، وأعاد فتحها كثيرا وهي مليئة بالدهشة، وأبيض، لكنه كتم فلم يكن يرى شيئا! إمنا اجلدار فقط! نظيف

ذلك ولم يتحدث خشية أن يعتبره مخادعا.وراح تيل يوضح لوحته الرائعة إلى األمير، ويقول وهو في غاية السعادة:

"انظر يا سيدي! هذا الرجل صاحب الهيئة الكبيرة املليئة بالظرافة! إنه األمير "هيس (Hesse) أحد أسالفكم البارزين، وهذه السيدة التي إلى جانبه هي زوجته ابنة أنبل البيوت في بافاريا، وهذا الفتى املقابل الذي تراه هنا هو ابنهم، وهذا هو احلكيم والد األمير غيلليرم! وكما ترى فإن كل األجداد أسالف معاليكم قد رسمت بحرفة فريدة، ولم

يبق إال إطاللة وهيئة سيدي األمير!".تشوش األمير، واحتار ولم يعرف ما يجيب به، ويخشى أن ينتقد تيل

الغريب، فقال األمير:اختصاصيون أشخاص يراها أن أريد تعجبني، ال رسوماتك "إن

يعطونها قيمتها الفنية املناسبة".فكر األمير في أن يرسل وزراءه لرؤية ما بدا له حائطا أبيض وخاليا من وإخالصهم ليمتحن صدقهم مناسبة تكون ورمبا األلوان، من

زيف املجامالت والتملق، وعندما علم تيل بذلك قال ملساعديه:"يا أصدقائي ليهرب كل واحد فيكم من هنا قبل أن يتم اكتشاف اخلديعة! وندفع عندها ثمنا سيئا ملا فعلناه، وملا لم نفعله بعد".

فهرب جميعهم دون أن يتركوا أي أثر.توجه تيل إلى مدينة براغ، وأخذ يعيش بالطريقة نفسها التي كان قد عاشها، فادعى أنه حكيم عظيم، يعرف ويعلم كل خفايا وألغاز

العالم والعلوم كلها!والنزعاجهم من هذا احلكيم، اجتمع أساتذة اجلامعة في املدينة، العليا للحكمة امتالكه يعلن الذي املختال العالم إفشال وقرروا علومه من للتأكد اجلامعة إلى للمثول تيل فدعوا والرفيعة،

وللمناظرة العلنية واإلجابة عن أربعة أسئلة، قد وضعوها.حضر تيل في اليوم الثاني إلى اجلامعة، وبعد أن جلس في كرسي الفخامة أمام منتدى العلماء، وحشد من الشخصيات، قال عميد

اجلامعة الوقور:

١٤٦

"أيها العالم البار، أجب عن هذا السؤال األول: ما هي كمية املاء املوجودة في البحر قطرة قطرة تقريبا؟".

- "أيها املعلم املبجل- أجاب تيل- اجعل األنهار توقف جريانها، وأن ال ترفع مستوى املاء في هذه اللحظة، كي أمتكن من حساب الكمية بالضبط".

تشوش عميد اجلامعة قليال، فطرح السؤال الثاني:"قل لنا أين يقع مركز سطح األرض؟".

تصدق لم وإذا أنا، أجلس حيث هنا بالضبط موجود األرض "مركز -ميكنك قياسه بحبل، وإن كنت أنا مخطئا بقرط أو قرطني فإني أعترف

بخطئي".- "قل لنا اآلن ما هي املسافة بالضبط بني األرض والسماء؟".

جيد وبشكل ميكن السماء فمن تيل- قال - كبيرة مسافة توجد "ال -سماع أي كان عندما يصرخ من هنا من األسفل، وللتأكد من ذلك فلتصعد

فخامتكم، وسترى كيف تسمعني عندما أناديكم".كتم عميد اجلامعة غضبه، وطرح على تيل السؤال األخير:

"قل لنا ما هو حجم اجلرم السماوي؟"."تيوسا"١ ألف لها فالسماء السماء؟ تقصد "هل الفور: على تيل أجاب (Toesas) طوال وألف عقدة عرضا، وإن كنت ال تريد تصديق ذلك، فاطرح منها الشمس والقمر والنجوم، واحسب احلجم بنفسك! وعندها سترى أنني

لم أخطئ".اجلامعة من تيل بينما خرج مأخوذين، اجلميع وبقي العميد أفحم وهكذا

يختال بني األساتذة.وبفوزه، ذاع صيته كثيرا، لكنه كان يخشى أن يثأر العلماء لهزميتهم، فقرر هجر مدينة "براغ" وتوجه إلى" نيورمبيرغ"، حيث قدم نفسه على أنه طبيب شهير.

في ذلك الوقت كانت املشفى مكتظة باملرضى، ولم يكن هناك عدد كاف من األطباء في املدينة ليرعوا املرضى، وفي هذه الظروف ذهب مدير املشفى إلى الطبيب الشهير "تيل ايولن شفيغيل"، الذي بدوره قطع وعدا على نفسه بشفائهم

جميعا في حلظة واحدة مقابل مائتي فلورين، فوافق املدير في احلال.١ مقياس طول فرنسي قدمي يعادل مترا واحدا و٩٤٩ مليمترا (املترجم).

١٤٩

وعندما حضر تيل أمام املرضى راح يقترب من كل واحد فيهم، وفي الوقت الذي كان يجس نبضهم، ويكشف عليهم، كان يقترب

من مسمع أذن املريض ويقول له بصوت منخفض:"ال تفش ألحد ما أقوله لك، فأنا أفكر بشفائكم وتخليصكم جميعا من آالمكم، وألجل ذلك يلزم ومن الضروري أن نحرق واحدا منكم لنأخذ رماده، ونصنع منه الدواء الوحيد الذي سيشفي اجلميع، ومن بواحد، وهذا سيكون التضحية تتم أن اآلخرين، يجب إنقاذ أجل األكثر مرضا، فعندما أصيح بكم: على كل من هو غير مريض في الردهة أن ينهض، ويخرج منها ويعجل في مشيته، ومن سيتأخر في

ذلك سيقع عليه اختيار التضحية وفداء اجلميع".في اليوم التالي حضر تيل إلى املشفى، وعندما فعل ما كان قد قاله، وهو ما كان ينتظرونه، تعجب اجلميع لسرعة املرضى وهم يقفزون أحدهم فوق اآلخر، بل خرجوا إلى الشارع يصيحون، إنهم

يشعرون بتحسن كبير وقد شفوا، وكأن معجزة قد حصلت لهم.بعد تيل، لكن إلى املبلغ املتفق عليه ابتهج مدير املشفى ودفع انقضاء ثالثة أيام، لم يقدر املرضى على التحمل بعد، فرجعوا جميعا إلى املشفى يصرخون، ويستنجدون رعاية األطباء فترك تيل املدينة

قبل أن تنكشف خديعته.سره: في فقال واالحتيال، النصب حياة حياته، من تعب وقد

"األفضل تغييرها وتوجيه قدراتي إلى العمل الشريف".وبعد هذا التفكير جرب عدة مهن مختلفة في كل القرى التي مر بها، لكن هكذا كانت عادته في السخرية واخلديعة واالحتيال، إذ لم يبق

مكان لم يخرج منه إال مطرودا ومالحقا وحتت التهديد والوعيد.زل صغير ليقضي ـ وفي الطريق إلى مدينة كولونيا توقف تيل في ن

هناك عدة أيام للراحة.وفي الصباح حلت ساعة اإلفطار، ولم يكن الطعام قد جهز بعد، فانزعج تيل جدا من االنتظار ومن اجلوع الذي كان يعانيه، فحذره

صاحب املتجر من انزعاجه، وقال له:"من ال يوجد عنده صبر على انتظار الطعام كما يجب، فيمكنه في

ساعة طيبة أن يأكل ما يقع حتت يده".

١٤٨

بعد هذا التحذير جلس تيل إلى الطاولة، وأكل قطعة خبز ناشفة، وبعدها ذهب إلى جانب النار، وجلس يرقب القدر ريثما جتهز الطبخة، وعندما جلس

جميع النزالء ليأكلوا، بقي تيل في املطبخ دون أن يتحرك فسأله املؤجر:"أال تريد أن تأتى إلى الطاولة؟".

- "ال! - أجاب تيل- لقد شبعت من رائحة الطنجرة!".وعندما رفعت طاولة األكل، قبض املؤجر املبلغ الذي يدفعه كل واحد من

النزالء مقابل حصته من األكل، واجته نحو تيل طالبا منه أن يدفع.لم شيء مقابل سأدفع هل تيل- -احتج املؤجر السيد أيها "كيف -

آكله؟".- "بال أعذار- قال املؤجر- عليك دفع املبلغ الذي يقع عليك فلقد أتخمت

من رائحة طبختي!".األرض على وترن تقع وتركها الفضة معدن من نقود قطعة تيل أخرج

وأعادها إلى جيبه ثم قال للمؤجر:"يا سيد! هل سمعت صوت قطعة النقود؟".

أجاب املؤجر: "نعم ... وأظن أنها مصنوعة من فضة جيدة".- "هل أنت متأكد أنك سمعت رنينها؟". وأضاف تيل: "هل تقبض الرنني

مقابل رائحة الطبخة؟".وخرج تيل، وقصد طريق مدينة "مغديبورغ".

وبعد دوراته الكثيرة حول العالم، حظي تيل بتعاطف أسياد عظام، قدموا له احلماية وجعلوا منه إنسانا وديعا.

لم يكن آنذاك قد شاخ تيل عندما شعر باملرض، وقرر العودة إلى مهبط رأسه، لكن في مدينة قريبة من موطنه اشتد عليه املرض، فنقلوه إلى املشفى،

حيث مت إخبار أمه بذلك كي تأتي لتكون بالقرب من ابنها الذي يحتضر.قدمت العجوز، ووصلت في الوقت املناسب لتحتضن ابنها، وبالسر أعطاها تيل صندوقا قال إنه يخبئ فيه ثروة كل ما ادخره وجمعه! وقبل موته بأيام قليلة وضع تيل وصيته التي مبوجبها أوصى أن كل طيباته احملفوظة في صندوق مشابه للصندوق الذي أعطاه ألمه، وأن تقسم بني عائلته وأصدقائه

والكاهن.

١٥١

وبعد أربعة أسابيع على موته مت فتح الصندوق الذي فيه امليراث.لكنهم لم يجدوا فيه شيئا أكثر من حجر! جعلت شدة وزنه اجلميع

يتوهمون بكمية الثروة ومقدارها التي كانت مخبأة هناك!انتظروا أن الذين أولئك من هذه اخلديعة األخيرة غضب كثيرا يثروا بامليراث!، لكنهم تبرأوا من تيل، وندموا على مراسم الدفن بكائهم وعلى والورود، الزهور وعلى بها، قاموا التي الكبيرة ومرافقتهم للتابوت حتى املقبرة، حيث حدث األمر الغريب وغير

العادي:في اللحظة التي أنزل فيها التابوت إلى "فستقية" القبر، انقطع

أحد احلبال التي كانت حتمله فسقط التابوت بشكل عامودي!قال أحد الرجال: "اتركوه هكذا على هذه احلالة، فهو لم يعش مثل

اآلخرين! دعوه يرتاح في املوت بشكل مختلف! القوا به هكذا!".وعلى قبره كتبت العبارة التالية:

"أال ال يرفعن أحد غطاء هذا القبرهنا يرتاح واقفا

تيل ايولن شفيغيلTill Eulenspiegel."Anno domini

١٥٠

١٥٣

لعنة اخلبزقبل مئات السنني كانت "ستافورن" (Stavoren) أغنى املدن التجارية في هولندا. كان ميناؤها غابة دائمة بالصواري واملراكب احململة بشباك الصيادين، ومن هناك كانت تنطلق السفن التي جتوب كل البحار، وتعود

محملة باملنتجات األكثر جماال واألغلى من كل البلدان.املرمر من القصور تزداد وكذلك تنمو، ستافورن خيرات كانت فقراء، ناس املدينة في كان ذلك، جانب وإلى بالذهب. املزين بينما عدد األغنياء املتكبرين كان كبيرا، كانوا يبعثرون ثرواتهم في

حفالت فاخرة يأكل فيها الغرور والشهوات.لم يكن أحد من بني أولئك التجار األغنياء في ستافورن أكثر ثراء وسطوة من الشابة "ريتشبيرتا" (Richberta)، كانت قطع أسطولها باملاس محملة وتعود العالم، بحار متخر العدد، كبيرة التجاري

واملجوهرات والذهب من أراض بعيدة.في جماال األكثر كان فقصرها ال حتصى، ريتشبيرتا ثروة كانت الرائعة، الكرمية باألحجار مشكشكة كانت ومالبسها ستافورن، وفي احلفالت كانت تستعرضها كلها ببريقها األخاذ الذي كان يثير دهشة املدعوين، وفي االحتفاالت الكبرى لم تغب ألذ املأكوالت وأغالها وأندرها. وهكذا كانت تنمو كنوز ريتشبيرتا كما منا غرورها

وازدراؤها للناس الفقراء املساكني.في أحد األيام وفي حفلة عشاء حضرها عدد كبير من املدعوين، يقدم أن ويريد بعيدة، بالد من إنه جاء قال حضر رجل مسن امللوك محافل في عنها سمع التي ريتشبيرتا بثروات إعجابه

األكثر جبروتا.الرجل من ريتشبيرتا رجت املديح، ذلك من تطير تكاد وهي

األجنبي أن يجلس إلى طاولتها.كان الرجل الغريب يلبس على الطريقة الشرقية، ويظهر إحساسا

١٥٢

بالكرامة والنبل عبر حركاته وإمياءاته، وفي عينيه كان يخفي نظرات ثابتة فيها طاقة الشباب.

وعند اقترابه من ريتشبيرتا كان ينتظر أن يرى في يدها اخلبز وامللح الذي يقدم في بلده إلى الزائر الضيف في إشارة للترحيب والضيافة، لكن على تلك الطاولة املليئة بألذ الطعام وأكثره ندرة لم يكن هناك خبز! كل شيء

كان متوفرا حتى الورود والزجاج ماعدا غذاء الفقراء واملساكني.اجلوالة حياته عن العشاء حكى نهاية وفي الطاولة، إلى الضيف جلس بني كل بلدان العالم، حتدث عن أراض بعيدة ورائعة، وعن عادات شعوب الشرق، وعن مغامراته الشخصية في الرحالت الطويلة، حتدث عن أفراحه وأحزانه بني الناس الفقراء والناس األثرياء، وعن األراضي اخلصبة الطيبة،

وعن استحالة السعادة البشرية.التذكارية بالروايات مهتمني كانوا املائدة على يأكلون كانوا الذين كل للضيف الغريب. كلهم ما عدا ريتشبيرتا فلقد كانت تنتظر سماع املدائح فقط عن ثرواتها. فعندما حتدث املسافر عن احملافل الفاخرة للملوك، قارن قصورهم وكنوزهم مبا متلك ريتشبيرتا، لكنها تفاجأت عندما قال: إنه ال يجد على الطاولة الضخمة للدعوة ذلك الشيء الذي يقدره كل العالم أكثر من ذلك، كأفضل وأكثر ضرورة من كل اخليرات. ولم يقل األجنبي أن يفسر معاني كالمه، لكنه سرعان ما وعبثا كان سؤالها وإحلاحها في

حياها باحترام ومضى دون أن يعرف أحد عنه أي شيء.املتعجرفة ريتشبيرتا لم تقو على مقاومة معاناة احليرة تلك، فلقد كانت متلك كل األشياء التي متنتها، وقصرها كان مليئا بكل األغراض الثمينة ومن كل الثروات وأطياب أكل األرض والبحار، فما هو الشيء الذي كان ينقص

والذي يعتبر أفضل كل اخليرات؟حاول حكماء كثيرون ومنجمون اكتشاف اللغز، وكانت ريتشبيرتا تفقد الصبر، وهي مصرة على أن تعثر على ذلك اخلير الكبير، ولذلك أمرت أن ينطلق أسطولها في البحر. وأن ال يعود إال وقد استطلع كل البحار وكل اليابسة.

نفخت الريح أشرعة مائة مركب لرحالت طويلة، وتشققت قبعات البحارين، وامتزجت مياه البحر األجاج باملؤونة املخزونة، فأتلف امللح كميات اخلبز

وأكياس الطحني.الفاخرة واألسماك واللحوم املقددة بامللح، وصار النبيذ كما نفدت كمية امليناء إلى يعود أن البحارة ربان فطلب تطاق، ال معاناة اخلبز نقص

١٥٥

األكثر قربا من أجل احلصول على الطحني، وعندها عرف قبطان األسطول ما هو الشيء األفضل بني كل اخليرات.

لم يكن الذهب أو عطور الشرق وال البهارات الطيبة الفاخرة وال الآللئ في أعماق البحر. كان ذلك هو اخلبز ... خبز كل يوم ... غذاء ... لقد مت اكتشاف اللغز في كالم ذلك الغريب الفقراء واألغنياء

الذي قاله في احلفلة الكبيرة.ومع هذه األفكار اجته الربان مباشرة نحو ميناء البلطيق، فحمل إلى منتشيا سعيدا وعاد واملذهبة القوية القمح بحبوب سفنه

ستافورن.- "سيدتي ريتشبيرتا! هنا أحضر شحنة من الكنز الثمني! إنه اخلبز! إنه ما كان ينقص على الطاولة! اسمعي كيف وصلت الكتشاف ما

كان يفكر فيه ذلك املسافر الغريب.تركت ريتشبيرتا القبطان يتكلم وصاحت بحالة من الغضب: "اسمع الليل يجب أن جيدا ما آمرك به! حضر رجالك! وقبل أن يحل

تلقى شحنتك الغبية في البحر!".وعبثا كان احتجاجه ومحاولته للتوضيح، وعبثا توسل ريتشبيرتا أن ال تدمر ثروة ميكنها أن تنهي بؤس فقراء املدينة ومجاعتهم، لكن الشحنة الثمينة ألقي بها إلى البحر على مرأى حشود من اجلائعني،

كانت تلعن ريتشبيرتا وجبروتها وإساءاتها.الكمية الهائلة من احلبوب الذهبية اختلطت في البحر مع طمي القاع، وبعد فترة ال بأس بها بدأت تنمو هياكل مستقيمة وصلبة وأخذت تنمو وتنمو بقوة، ارتفعت من أعماق البحر بصخب مرعب أكوام من الرمال والطمي التي امتزجت بني غابة كثيفة من القصب، فتشكل بذلك ارتفاعات كبيرة كالروابي، لقد منا القمح حتى سطح املاء، وشكـل

أمام ستافورن حاجزا ال ميكن تفتيته.إلى امليناء الرائع في "زويدرز" (Zuiderzee)، عاد البحارة وداروا ولفوا أياما وليالي دون أن يقدروا على عبور ذلك اجلدار املائي، ورويدا رويدا بدأت األمواج تتحطم على سور الطحني، وفقدت ستافورن بشكل سريع ثرواتها وقوتها. هاج البحر وهدر، يرغي

زبده األبيض أمام املياه الهادئة في امليناء القدمي.

١٥٤

وبعد زمن ال بأس به جاءت ليلة عاصفة، وحطمت بقوة احلاجز فوصلت املياه إلى املدينة تسحبها و جترجرها حتى األعماق على ألواح من القمح

البحري، وغمرت مياه زويدرز الوادي العريض، حيث كانت ستافورن.وفي أيام الهدوء، يقترب البحارة بحذر من مقدمات سفنهم، لينظروا إلى والقصور في واألبراج العالية ويروا األجراس الشفافة، املياه إلى األسفل،

املدينة املغمورة باملاء.

١٥٧

É«aÉæjóæµ°SG

Ö°üJh ,á«éjhÔdG ÅWGƒ°ûdG ≈àM ∫ƒ«°ùdG ™aóæJ ,è∏ãdÉH IÉ£¨ŸG á«dÉ©dG iQòdGh ºª≤dG øe

.á≤«ªYh á°†jôY ¿Éé∏N ‘

‘ ô≤à°ùJh ájójƒ°ùdG ∫ƒ¡°ùdG äÉ룰ùe ¤EG QÉ¡fC’Gh ∫ƒ«°ùdG »JCÉJ á«é∏ãdG iQòdG ≈∏YCG øeh

.ábÓª©dG äÉHɨdG ‘ ∫ƒàÑdGh ôHƒæ°üdGh ܃æàdG QÉé°TCG ∫ƒM ≈°ü– ’ »àdG äGÒëÑdG

¬aÓ°SCG øY …hôj .πª©dG Öëjh ,OÉLh ´Éé°T …ƒb πLQ ‘Éæjóæµ°S’G πLôdG

, m¢VGQCG »Ø°ûàµeh QÉëÑdG »Ø°ûàµeh ôëÑdG ܃cQ ‘ Ú≤jô©dG øjQÉëÑdG "≠櫵jÉØdG".ÉHhQhCG ܃©°T øah ÒWÉ°SC’Gh äÉjɵ◊G ‘ äô q KCG äÉ«Lƒdƒ«ã«e »≤dÉNh

١٥٦

١٥٩

امللك الذي جاء من البحاربحار تعبر للفايكينغ اجلبارة األساطيل كانت بعيد زمن قبل الزمن، كانت الشمال، تتحدى مغامرات احلرب والغزو. في ذلك األفظاظ ألولئك وحصونا مالجئ الصغيرة البريطانية اجلزر ومحترفي القتال املغامرين، الذين كانوا يصلون اخللجان، وينهبون

الشعوب واملدن الساحلية.في ذلك الوقت، لم يكن للدامنرك ملك وال حكومة، وفي احلرب والفظائع، النهب على األسياد اعتاد الفايكينغ مع املستمرة

واستعبدوا الفالحني وصيادي األسماك في تلك البالد.في أحد األيام، الحظ الناس على الشاطئ ظهور شيء يتقدم مثل الظالل وملتف في سلسلة غيوم بحرية، لقد كانت سفينة هائلة

تأتي من بحار الشمال.املربعة أشرعتها منتفخة فشيئا شيئا تتقدم كانت السفينة خشبية في ومنحوتات مزخرفات عن وتكشف اللون، والفاحتة مقدمة السفينة، ثم بدأ يظهر رأس ضخم لتنني بلون أحمر والشراع

العريض مثل القبعة السحرية بثنياتها وطياتها.الصيادون شاهدوها مذهولني وهي تبرز من بني الضباب مزركشة بالزينة بالرمل. ارتطمت حتى بصمت الشبح السفينة تلك وتتقدم واملرايا، ابتعدوا جميعهم، وأخذوا ينظرون من بعيد، فلم يشاهدوا أحدا على

السفينة اللغز ولم يسمعوا صرخة أو صوتا.ومن األراضي القريبة من الساحل جاء الرجال، وقد تركوا حراثتهم وقطعان ماشيتهم والشباك والقوارب الصغيرة البحرية، لقد تركوا كل شيء وجاءوا ليروا سفينة جبارة، فأبدا لم يخرج من البحر شيء

مثيل من بني الضباب وكل هذا الصمت!الليل اجتمعوا كلهم، وحتدثوا االقتراب، وفي لم يجرؤ أحد على السفينة تلك كانت الهرب؟ هل عليهم كان وخوف. هل برعب

١٥٨

لن الذين للفايكينغ سفينة هي هل جيدا؟ املسلحني باألعداء محملة يتأخروا باخلروج وسرقة القرى الفقيرة وحرقها؟

أخذوا يرقبون وهم يخشون اخلطر، فلم ينم أحد في تلك الليلة، وفي اليوم التالي عند الفجر ظهر محاربون كثيرون في السهل، جاءوا ملتفني بغيوم من الغبار الذي حتدثه خيولهم مع وقع حوافرها القوية. جاءوا تلمع قبعاتهم األسياد كان للفايكينغ. الغريبة السفينة ليقاتلوا ضد وأسلحتهم ودروعهم لونهم وعارين، مفتولة عضالت لهم رجال من املؤلفة اجليوش يرسلون ومليئة أحمر، وشعرهم طويل، ومبالمح وهيئات متوحشة ووجوه محزوزة

بآثار جراح عميقة.توقف احملاربون قريبا من السفينة الغريبة مذعورين أمام الزركشة الرائعة للقبعة والتنني في مقدمة السفينة، وقد ألبسوه شرائح من ذهب وبعينني

واسعتني وملونتني براقتني.صار ينظر أحدهم إلى اآلخر ويتساءلون:

"يا ترى من أي مكان قد جاءت هذه السفينة الرائعة اجلبارة؟ هل وصلت من أراضي الـ"ساجوناس" من السويد؟ أم من مناطق الغرب الهجينة؟ من هم؟ وماذا يبتغي ركابها؟ وملاذا يختبئون؟ هل وجدوا أنفسهم مجبرين من قبل الرياح إلى الوصول إلى هنا؟ وهم خائفون اآلن من أن يجدوا خصوما

أقوياء وأشداء !".وصاحوا: احتراس، حالة في وهم السفينة، من اقتربوا املتهورين بعض وا بوجوهكم! هيا للقتال للقاء رجال الدامنرك! ـ "كان من كان هناك! أطلانزلوا! فالرمل ميدان جيد وميتص الدم من اجلراح! تعالوا فمالمح الفايكينغ

ال تخيفنا!".ومن املركب لم يجب أحد، فهاج احملاربون الدامنركيون وبدأ بعضهم يطلق السهام، وامتشق آخرون الفؤوس، ووثبوا إلى السفينة، وهم يطلقون صيحات

احلرب.الصارية وفوق سجادة إلى جانب إمنا السفينة لم يكن هناك أعداء، لكن في وثيرة وسميكة من احلرير كان وحيدا ومضطجعا على حزمة حطب مذهب، ينام طفل صغير وعار تقريبا، وحول ذلك أكوام تبرق مثل غنائم مغامرة فاتنة: أسلحة من ذهب! أسلحة مصقولة! خناجر بقبضات من املرمر! وأحجار صوان مزركشة! وأسنان ذئاب! دروع ضخمة! ومنحوتات من البرونز مبزخرفات مذهبة! قطع من األحجار الكرمية! قبعات تبرق وعليها أجنحة من ذهب! وغوايش من

١٦١

عرق بقشور ملبسة الوعل حيوان وقرون وسهام! الكرمية! األحجار اللؤلؤ! والفوالذ املسنن مثل ورقة الصفصاف! أبواق وقرون من العاج مليئة باملجوهرات! أكواب! كؤوس! وجرار منقوش عليها! وعقود من

زمرد وطوباز! واحلرير! والطالء!يتأملون وبدأوا جانبا أسلحتهم نحى احملاربون الكنز ذلك وأمام الطفل املضطجع على حزمة حطب مذهب. فاعتقدوا أن اآللهة

أرسلت تلك السفينة كإشارة للخير والسالم.الطفل وحملوه كشارة للمحاربني األشداء، رفعوا القوية وبالزنود وأمام مجلس مبتهجة، تصيح التي املتجمهرة احلشود بني نصر السادة مت إعالن من أرسلته اآللهة ملكا للدامنرك، الطفل الذي جاء من البحر محاطا بالدروع، لهذا سيكون الدرع املستقبلي في "درع" أي ،(Skiod) "سكويد" كلمة إطالق ومت البالد، الدفاع عن

على الطفل كاسم له.لقد توافقت قوة "سكويد" وشجاعته ونبله مع آمال الشعب، فلما األيام، أحد وفي الصيادين، أشجع من واحدا أصبح شابا صار وبينما كان ذاهبا مع حشمه ضاع في الغابة، فهاجمه دب ضخم، الوحش جسما جلسم، وسيطر إمنا صارع لم يهرب، لكن سكويد عليه، بل هزمه ثم ربطه بقوة، حتى وصل رفاقه. وفي اخلامسة في وهناك الساجونيس، وهزم اجليش تقدم عمره من عشرة ابنة من سكويد تزوج بعد وفيما قائدهم، انهزم املعركة ميدان ملك املهزومني، فكان طوال حياته مثاال للنبل، طيبا وعادال شديد أحكامه كانت رعيته، على وكرميا ورحيما األعداء على البأس واملسكني، الضعيف كما على القوي قومية وصارمة، سواء على لقد خصص حياته الطويلة خلدمة بالده، وعندما شعر بأن حياته

بدأت تنتهي، استدعى نبالء مجلسه وقال لهم:"انظروا يا أبنائي ... عندما تغلق عيناي وإلى األبد ... خذوا جسمي إلى شاطئ البحر ... فهناك في لسان اخلليج ال يزال املركب راسيا ... وانصبوا ... ضعوني فيه ... املركب الذي أحضرني وأنا طفل األشرعة واتركوه للبحر وللرياح ... أريد أن أرحل على الشكل الذي جئت فيه ... لقد أمتمت مهمتي ... فمن بلد بائس ومنقسم على

نفسه جعلت منه بلدا موحدا وسعيدا".مات امللك سكويد، وقد كفنوا جسده بثياب ثمينة ومعطرة، ووضعوا

١٦٠

له إكليال حقيقيا، وفي اخلصر السيف املنتصر، ثم رفعه رجاله احملاربون بزهو بني احلشود التي كانت تبكي ملكها، وأخذوه إلى البحر، إلى السفينة

وأشرعتها القرمزية والقبعة املطلية والبراقة.هناك بالقرب من الصارية وضعوا جسم امللك احلكيم، وجاء الناس من كل حدب وصوب؛ من القرى، والبلدات يحملون الهدايا الثمينة، نساء ومحاربون ونبالء وناس بسطاء وفقراء كلهم أحضروا أغلى ما عندهم من ثرواتهم، ومما يحتفظون به من األسلحة الفاخرة التي غنموها في املعارك، ومن العقود واخلوامت ومن األحجار الكرمية، ومن صناديق وخزنات مليئة باحللي وقطع نقود ذهبية، وقبعات، ودروع، وفؤوس، وأبواق، وقرون من الياقوت، وكؤوس كبيرة، وصوان من الفضة مليئة باألحجار الكرمية، وكل شيء. لقد جمعوا كنزا حول جثمان امللك، ووضعوا في يده سهم احلرب، وحتت رأسه حزمة

من السنابل التي مت قطعها حديثا.كل الشعب كان ينظر، وأجواء الفجيعة تلف الصمت، وأخيرا مت حل الشراع القرمزي اللون، وآالف الزنود القوية دفعت السفينة الراسية على الرمال،

ورويدا رويدا بدأت األمواج تهزها وتبعدها عن الشاطئ.في الصباح املعتم بالضباب، أبحرت السفينة اجلبارة، سفينة امللك سكويد، قد اآللهة كانت حيث مجهولة، بحار باجتاه الظالل مثل تبتعد وراحت

أرسلتها، واختفت في األفق مغطاة بضباب كثيف.

١٦٣

* كيف تشكلت جزيرة دي سي الند؟قبل زمن بعيد كان امللك الرحيم "غيلفوا" (Gylfwa) يقيم مجلسه امللوك بقبور احملاطة القدمية املدينة ،(Upsala) في"أوبساال" الغابات، كثيفة خضراء واسعة اململكة أراضي كانت الوثنيني، من يرى الذي األفق أبعد من إلى كثيرا توسعت وحتت سلطته األبراج العالية للقلعة، ألنه لم يكن ممكنا الوصول إلى نهايتها عبر

رحالت من ركوب اخليل.عاش امللك الشائخ وبشعر ثلجي ليتأمل ويحكم مملكته، ولم يكن يعرف شيء عن عائلته، ورمبا لم يكن له عائلة، أو أنه كان يفضل

الوحدة.في املجلس كانت تعيش شابة فاتنة اجلمال، إذ كان الشيخ غيلفوا الرائعة (Gelfion) "غيلفيون" اسمها وكان ابنته، كأنها يداعبها،

بيضاء وشقراء، بل إنها تشبه أميرات احلكايات واألساطير.كانت حياة غيلفيون يلفها غموض مبهم، فالبعض يظن أنها كانت اها منذ ـ ابنة امللك، وآخرون كانوا يقولون: "إن املسن غيلفوا تبنطفولتها، وآخرون كثيرون كانوا يؤكدون أن أمها كانت ابنة ألحد

العمالقة أصدقاء ملك اجلبال العظيم".فاتنة اجلمال بشكل مذهل، فصوتها عذب حلو، كانت غيلفيون وفي أعماق عينيها الشفافتني يتوهج ضوء النظرات الغريبة، التي

تكاد تشبه نظرات اآللهة.في ذلك الوقت، كان يحكم الدامنرك امللك "أودين"، (Odin)، وله ابن رائع وشجاع هو األمير "سكيولد"، (Skiold) الذي وصل فجأة إلى مجلس غيلفوا مجذوبا بسمعة غيلفيون الفاتنة اجلمال، وملا رآها سكيولد، صار مثل املسحور من روعة غيلفيون التي وقعت

بحبه أيضا.*

De see land.

١٦٢

كان املسن غيلفوا ينتظر اليوم الذي سيفصله عن غيلفيون باحلزن واأللم، لكنه أخفى حزنه، وداعب الضفيرتني املذهبتني لشعر الشابة وقال:

"غيلفيون! بنيتي! سأكون محظوظا وسأموت مطمئنا عندما أراك سعيدة ... فلترع اآللهة زواجك ... أريد اآلن أن أقدم لك األعطيات التي طاملا

متنيتها".- "ملكي غيلفوا - أجابت غيلفيون - سأشعر بحزن عميق عند مفارقتي لك، فأنا أحب بلدي كثيرا ... ولن أطلب منك شيئا أكثر من سماحك لي أن آخذ حفنة من تراب السويد إلى بلدي اجلديد ... فإن شئت أحصل لي على

حفنة من التراب ميكن لرجل أن يحرثها في حلظة ومن غير تعب".- "حسنا يا غيلفيون - قال امللك - فليكن كما تشائني". ونادى على حراث

قوي وال يتعب.اختفت غيلفيون من القصر، فلقد ذهبت إلى اجلبل، حيث كانت أمها قد أيام عادت يرافقها رجل حراث، وكان خرجت من هناك، وبانقضاء عدة كانوا يحملون محراثا أيضا، األربعة، وهم عمالقة أبناؤه عمالقا، جاء معه ضخما يجعل األرض تهتز، وكي ميكنه بسط احملراث، فلقد أحضر أبناءه

األربعة.إلى فوصلت وضغط األرض، في السكة وغرس احملراث العمالق حمل األعماق. طحنت الصخر احلي بينما العمالقة األربعة اآلخرون كانوا يدفعون

مقود احلراثة بقوة قادرة على اقتالع أضخم أشجار البتول.متطايرة، حجارة وكسرات الغبار من غيوم بني تنفطر األرض بدأت وظهرت األثالم عميقة وعميقة مثل األخاديد، فلقد اشتغل العمالقة دون

تعب، أطالوا األثالم حتى كادت تختفي في األفق.وكانت قطعت، قد السويد أرض من قطعة كانت اليوم، بانتهاء وأخيرا

غيلفيون سعيدة بذلك.- "أيها امللك غيلفوا، أنظر! سآخذ إلى بلدي اجلديد هذه األرض التي رأتها

عيناك وداستها أقدامك".اكتفى امللك املسن بالنظرات - وهو يدمع- إلى فرحة غيلفيون.

وعادت الشابة العذراء إلى ملك اجلبال، وفي إحدى الليالي رجعت، يرافقها احملروثة الشاسعة األرض قطعة رفعوا الذين العمالقة، من كبير عدد

١٦٥

وهناك البحر، حتى سحبوها ثم اقتطاعها، مت التي أة، ـ واملهيرها ذراع العذراء ـ رفعها العمالقة ومضوا بها كأنها سفينة هائلة تسياملمدودة، وهي تؤشر إلى وجهتهم، وفي املياه املظلمة والعميقة بني الدامنرك والسويد وضع العمالقة قطعة األرض بقوة، بحيث

استقرت صماء وبال حراك.هكذا يروون كيف ظهرت جزيرة دي سي الند اخلصبة والرائعة.

وهناك في منطقة "أوبساال"، حيث مت اقتالع اجلزيرة، فلقد مألت املرآة (Melar) "ميالر" بحيرة وشكلت الضخمة، احلفرة األنهار الكبيرة من املاء التي أبقتها غيلفيون، كي تكون قطعة من سماء

السويد هناك مقابل األرض التي أخذتها.

١٦٤

١٦٧

عبقرية الناس البسطاءكان رجل وزوجته وهما كهالن وفقيران، يعيشان سعيدين ومتحابني ومستعدين دائما أن يجد كل واحد منهما عمل اآلخر عمال رائعا،

ـظهر املوافقة على أفعاله بوجه فرح. وأن يكانا يسكنان كوخا بسيطا، وكان لديهما حصان ال يزال قويا بعد ... وكانا يعيرانه للجيران في القرية دائما، إذ كان بعضهم يحتاجه حلراثة أرضه، أو للمساعدة في نقل األعشاب في موسم احلصاد.

وفي مقابل هذه األفضال، كان العجوزان يتلقيان بعض قطع اللحم من الذبائح التي تقدم للقديس "سانت مارتني"، وفي الصيف بعض الهدايا من األسواق التي كانت تقام في القرى املجاورة، وهكذا كانا

ميضيان حياتهما سعيدين وفرحني، ال يحسدان ثروات اآلخرين.في يوم من األيام، أقيم سوق في القرية املجاورة، فقال العجوز

لزوجته:"ما رأيك لو أنني بعت احلصان في السوق؟ فنحن عجوزان، وقد نحتاج يوما ما إلى بعض االدخار ليساعدنا، وعند ذلك إذا أردنا أن

نبيع حصاننا فإنهم لن يدفعوا لنا السعر احلقيقي ملا يستحق".- "يبدوا أنك قد حسبتها جيدا، إنها فكرة عظيمة"، قالت الزوجة

وقامت حتضر الثياب اجلديدة لزوجها.امتطى العجوز حصانه، واجته نحو السوق، ومع أنه لم يبتعد كثيرا عن القرية فلقد تقاطع في الطريق مع شاب يسوق بقرة ليست قوية جدا، والقرون براقا كان لكن شعرها وليست سمينة، كبيرة توقف العجوز لينظر إلى احليوان اجلميل، وفي الوقت نفسه سأل:

"اسمع أيها الشاب! هل تدر هذه البقرة كثيرا من احلليب؟".- "خمسة لترات تقريبا ... هذا ما يحلو لها كلما حلبتها، وميكن حلبها

مرتني وثالث مرات في اليوم إذا وضعت لها البرسيم جيدا".

١٦٦

نقوم مببادلة، أن أريد العجوز- قال ينقصها فهو عندي- لن "البرسيم -إذ بذلك، زوجتي سعيدة البقرة، ستكون تعطيني وأنت أعطيك حصاني ميكنها أن تصنع اجلنب والزبدة، وميكننا أن نتناول مقدارا كبيرا من احلليب".

برؤية يتسلى كان وهكذا البقرة، مع طريقه العجوز وتابع الشاب، وافق له عضالت بشاب التقى عندما املرج من الطري العشب تأكل البقرة،

مفتولة، مكنته أن يجعل خنزيرا بدينا وثقيال ميشي إلى السوق!توقف الرجل الطيب معجبا بتدويرة أنف اخلنزير، وسأل الشاب:

"كم ميكن أن يزن؟ وكم حلقة من السجق والنقانق ميكن أن يعطي مع حلول موسم الذبح؟"

لكن احلسابات، إجراء سهال فليس احلديث، ميكننا ال هذا عن "آه!! -بالتأكيد لن يكون ثانيا مثله في كل السوق، إنه خنزير حصل على ميدالية

في إحدى املسابقات".إلى أريد أن أزف السعادة الفتى! أيها العجوز- اسمع - "ميدالية؟- قال زوجتي، فهي ستكون فخورة لو أنها امتلكت هذا احليوان صاحب امليدالية

في السباق، هل ترغب مببادلتي به بالبقرة؟".فكر الشاب للحظة، وبعدها وافق على املبادلة، ثم ابتعد سريعا مع البقرة

قبل أن يندم العجوز.ولم ميض على ذهابه سوى مائة متر، حتى صار يتوقف كل دقيقة بسبب املشية البطيئة والثقيلة للخنزير، وعندها مر بالقرب من شاب يحمل بني ذراعيه وزة رائعة بريش يلمع، بيضاء وكبيرة مثل البجعة. بقي العجوز الفالح فكر في واألعاصير، الثلج ليالي الباردة، الشتاء ليالي في يفكر مندهشا زوجته وهي ترجتف في الفراش من غير أن يكون هناك حلاف دافئ وناعم،

فسأل في احلال:"اسمع أيها الشاب! هل تقبل مببادلتي هذه الوزة بهذا اخلنزير؟ وستخرج

أنت الرابح، وأنا سأكون سعيدا جدا".ومع أن الشاب استغرب لوقت طويل من هذا االقتراح، فلقد قرر ومتت املبادلة.

واصل القروي طريقه والوزة اجلميلة بني ذراعيه، وقبل أن يصل إلى السوق صادف امرأة تنقل على رأسها سلة، فيها أعشاب كثيرة، وبينها ميكن رؤية

دجاجة كبيرة سمينة وعريضة لها رجالن قصيرتان وريش نظيف.

١٦٩

ونظرة وزهرية مدورة بخدود رشيقة السنابل، مثل شقراء شابة كانت زرقاء لطيفة، توقف العجوز للتحدث معها، وعندما شاهد الدجاجة التي اضة جيدة؟ وإذا كانت تأكل كثيرا؟ ـ كانت حتملها، بدأ يسألها إذا كانت بي

وكم تأكل؟ فأجابته الفتاة:"إن هذه الدجاجة جيدة جدا، وال تخلف عادتها في وضع بيضة كل يوم، ومبا يخص األكل، فإنها تكون سعيدة تكتفي بالفتات الذي

يسقط عن الطاولة، وبقليل من عشب احلديقة إن وجد".الوزة فبادل قبل، من به توهم قد كان ما الطيب الرجل نسي بالدجاجة، وهو يفكر بسعادة زوجته عندما تأخذ البيضات وتخبئها،

وتعتني بالصيصان التي ستفقص ألول مرة.وهكذا وصل إلى السوق، وذهب مباشرة إلى نـزل صغير ميكنه أن يرتاح فيه، ويشرب كأسا من املنعشات، وبعد قليل جاء ليجلس إلى جانبه قروي، كان يحضر كيسا كبيرا يحمله على األكتاف، وعند

وصوله، قال العجوز له:"أهال أيها الصديق! ماذا حتضر في كيس اجلوال هذا املمتلئ والثقيل؟".

- "ال! ليس أكثر من تفاح براوة مما يتساقط من األشجار، أجاب القروي، وستكون غذاء جيدا خلنازيرنا".

- "وهل كل الكيس ممتلئ بتفاح براوة؟ انظر يا صاحبي، سأقترح عليك شيئا: إذا أعطيتني كيس التفاح هذا! أعطيك بديال عنه هذه الدجاجة الرائعة! عندي رغبة بأن أقدم لزوجتي مفاجأة لطيفة، ففي حقلنا ال يوجد غير شجرة تفاح واحدة، وكل ما تعطيه في أبدا، فتأخذ زوجتي تفاحة خضراء وعجفاء ال تنضج املوسم هو تلك التفاحة وتخبئها بعناية في خزانتها، ثم تنظر لها وتقول: "علينا

باالكتفاء والقبول! فتفاحة سيئة في النهاية هي هدية صغيرة".لهذا، فإني أرغب أن آخذ لها هذا اليوم هدية كبيرة من التفاح،

حتى لو كانت سيئة فإنها ستكون سعيدة جدا".أمت الرجالن التبادل، وصار الكيس حتت تصرف مالكه اجلديد.

كان هناك رجالن غنيان من اإلنكليز قد شاهدا كل ما دار، وكانا جاهزين للضحك على ذلك الرجل الساذج، فسأاله عن جتارته في السوق.

١٦٨

فروى العجوز لهما كل شيء حدث له منذ أن خرج من بيته، وكيف حتول احلصان، وبعد مبادالت كثيرة، وصار كيسا من التفاح البراوة، فلم يستطع له على البسيط، فقاال الرجل أمام هذا يوقفا ضحكاتهما أن اإلنكليزيان سبيل املزاح: "سترى عندما ترجع إلى البيت، كيف ستصير فرجة عندما

تضربك زوجتك!".- "تضربني أنا؟! إنكما ال تعرفان زوجتي، أنا واثق إنها ستعتبر كل شيء قمت

به عمال جيدا".أنهم مولعون عندما سمع اإلنكليزيان ذلك، وكما هو معروف عن اإلنكليز

باملراهنات والتحقق من األشياء، قاال:مقابل الذهب بكيس صغير من نراهنك املسكني! السيد أيها لنرى "هيا مع جرى ما لها حتكي عندما ستغضب زوجتك أن على التفاح، كيس

احلصان أوال، وعن كل املبادالت األخرى الحقا".- "حسنا فلنذهب وجنرب". قال العجوز.

أمر اإلنكليزيان أن جتهز األحصنة ويحضران عربتهما، ثم جلسا فيها جلسة مريحة يرافقهما القروي العجوز دون أن ينسيا كيس الذهب وكيس التفاح،

ولم يتأخروا جميعا بالوصول إلى كوخ الرجل الطيب.ولقد عاليا، ضجيجا سمعت عندما الباب عند خرجت قد زوجته كانت استغربت كثيرا لرؤية زوجها برفقة أولئك األثرياء، لكن في تلك اللحظة بدأت

ترحب بهما بأدب جم، ومدت يديها لزوجها وصافحته بحرارة وبسعادة.- "ها أنا أعود من جتارتي".

- "نعم، إنني أرى أنك تعود سعيدا، فأنت قادر على إدارة األمور جيدا، ماذا بخصوص احلصان؟ "سألت العجوز!- "حسنا! في الطريق أبدلته ببقرة".

- "آه شيء جيد! لقد قلت إنك تعرف الكثير، واآلن ميكننا أن نتناول حليبا كثيرا، وسيكون عندنا زبدة وجبنة، فالبقرة هي ثروة حقيقية".

- "نعم، لكني بادلت البقرة فيما بعد بخنزير كبير نال جائزة في أحد السباقات".- "فكرة رائعة، فهكذا يكون لدينا حلم مقدد وأفخاذ مدخنة جيدا وحبال

من السجق، لقد متكنا من امتالك أشياء جيدة كثيرة".

١٧١

- "نعم كان باإلمكان أن منتلك كل هذا لو أنني لم أبادل اخلنزير بالوزة ".

الفقيرة بزوجتك تفكر كنت أطيبك! ما ذلك؟ فعلت "وهل -وبلحاف الريش في الشتاء، لتحمي رجليها املتورمتني، كم أشكرك

على ذلك! وأيضا ميكننا أن نقيم حفلة شواء لذيذة إنه...".- "ستـرين! الوزة بادلتها فيما بعد بدجاجة بياضة".

الطازج البيض الدجاجة ستعطينا أفضل! ألن لي هذا "يبدو -وكذلك الصيصان، ما أمتع أن أراهم يركضون ويوصوصون حوالي ـد حلافا من الريش، ونأكل مشويات بني أمهم! أيضا ميكننا أن ننج

احلني واآلخر".-"نعم! لكن الدجاجة أبدلتها بكيس براوة التفاح!".

عندها بدأت املرأة تضحك بأعلى رغبة في الضحك، ثم قالت:- "يا للمصادفة يا رجل! ال ميكنك أن تخمن كم أسعدتني! تصور تعود عندما لك أقدمها لذيذة أردت حتضير طبخة اليوم أنني من السوق، فذهبت إلى اجلارة ألطلب رأسي بصل اعتزتهما، هل لي قالت فقد ومرابية، جدا بخيلة وألنها أجابتني؟ ماذا تعرف بصوتها املفتعل: كم أنا متأسفة ال أمتلك في احلقل وال حتى تفاحة التفاح أكبر كيس من لها أقدم أن اآلن! ميكنني مخمجة! فانظر البراوة ... فلترى كم كنت متيقنة وعندي حدس! إنني سعيدة ...

وليتك تسمح لي بقبلة رغم أنها أمام هذين السيدين".وألقت بذراعيها على رقبة زوجها العجوز وقبلته بسعادة، قبلتني

أحدثتا صوتا على خديه.لم يتحرك اإلنكليزيان من ذهولهما وقال أحدهما لألخر:

الزوج يفعله ما كل النفس؟! تفرح التي األشياء هذه "أرأيت -بالنسبة لزوجته هو دائما عمل جيد ومحكم األداء. حقا إن زوجة

مثل هذه تساوي كيسا من الذهب، حقا".دفعا ما كان قد راهنا عليه وودعا القرويني بإشارات الفرح والسعادة.

١٧٠

١٧٣

á«fÉ£jÈdG Qõ÷G

IÉ«M á«fÉ£jÈdG Qõ÷G ‘ IÉ«◊G ¬«a âfÉc møeR øe ,≈£°SƒdG Qƒ°ü©dG øe ¿ÉàÁób ¿ÉàjɵM

¿ƒ≤°û©j GƒfÉc øjòdG ,øjôeɨŸG äô`à n°S •ƒ∏ÑdG ∫ÉZOCG å«M ,IÒѵdG äÉHɨdG ‘ á«MÓa

.á«°ShôØdG ôKBÉŸG ó¡°T …òdG É¡µjCÉH º¡à` q£Zh ,ájô◊G

١٧٢

١٧٥

* حكاية: وليم دي كالوديزليبالقرب من مدينة "كاراليزل" (Carlisle) التي حتيطها األسوار، كان في أزمان بعيدة غابة كبيرة وكثيفة، حيث كان امللك يخبئ أيائله،

وكذلك فـزاعات لتخيف احليوانات واللصوص.اجلريئني، الصيادين من جماعة بقسوة يطاردون امللك خدم كان للقمع وأعداء للحرية كعشاق الغابة في دائما يعيشون كانوا الذين

الذي يقوم به األسياد.والشجعان الثالثة هم: "آدم بيل"، و"كالمي"، و"وليم دي كالوديزلي"، بالسعادة، يشعرون وهم الصيادين، مجموعة يقودون كانوا الذين

وينعمون بروعة احلرية في الغابة.مكونة كانت التي فيهم، الوحيد العائلة صاحب "وليم" كان من: زوجته أليسيا وأبنائه الثالثة الذين يعيشون في أحد أكواخ

مدينة "كارليزل".غياب بعد وأبنائه زوجته رؤية في بالرغبة الشجاع وليم أحس طويل، فأعلم أصدقاءه بذلك كي ينتشروا في الطريق حتسبا ألي إلى الصباح في يعودون ثم ومن كوخه، إلى وصوله حتى شيء الغابة، علما أنهم بذلك سيتعرضون خلطر وقوعهم في األسر من

قبل عسس الشريف "العمدة" وجنوده.دخل وليم إلى املدينة عندما كان الظالم قد عـم متاما، ووصل إلى بيته ثم نادى عند الباب بصوت يكاد ال يسمع، ففتحت زوجته الذين الشريف رجال من ومرعوبة متفاجئة وهي الباب، أليسيا

كانوا يراقبون البيت بشكل متواصل.نظر األوالد بدهشة كبيرة إلى والدهم، وفي تلك الليلة امتأل البيت

بالسعادة والفرح.لكن أحدهم وشى بوجود الصياد، ولم تتأخر الوشاية بالوصول إلى

* William de Cloudlessly.

١٧٤

أقدامها مرغمة على القرية تقف على الفجر كانت بزوغ الشريف، وقبل معاونة الشريف والقاضي في القبض على املغامر.

كان جنود امللك يحقدون على الصياد، بينما كان رجال القرية معجبني به ويتعاطفون معه.

سمع وليم خطوات املسلحني، فصعد مع زوجته وأبنائه بسرعة إلى الطابق العلوي، ومن خالل نافذة عريضة شاهد اجلنود، وهم يحاصرون البيت، كان

الصباح قد بدأ يتفتح بصفاء، لكنه امتأل باألصوات.استعدادا السهام من حفنة معه أحضر قد كان باخلوف، وليم يشعر لم

للمقاومة، ومن النافذة الواسعة شاهد القاضي والشريف وكالهما أعداؤه.صوب قوسه، ثم انطلق السهم بقوة، وهو يصفر، فحط على صدر القاضي

احملمي بدرع من مشبك احلديد.- "استسلم يا وليم دي كالوديزلي!". كانوا يصرخون عليه من اخلارج.

فردت عليهم أليسيا الشجاعة بفخر: "زوجي ال يستسلم! زوجي ليس جبانا مثلكم!".

الذين يحاصرونه، لكن كانت سهام كالوديزلي صائبة، وقد جرحت بعض أو شفقة دون بالبيت النار بإضرام أمر بالغضب، يحتقن الذي الشريف،

رحمة للمرأة ولألوالد.وبدأ البيت يحترق، ووصلت ألسنة اللهب إلى الغرفة التي كان األطفال فيها

يبكون من شدة اخلوف.املتني، القماش وأخذ عدة شراشف من السهام، إطالق وليم عن توقف النافذة، عبر النزول من وأوالده متكنوا أليسيا بينما احلبل، مثل وربطها

وعندما تأكد وليم أنهم جنوا صاح:لكن نحوي، انتقامك ه ـ وج وأطفالي، زوجتي أرعبت لقد الشريف! "أيها

حذار أن متسهم بأقل األذى".واستمر من بني ألسنة اللهب يطلق السهام حتى آخر سهم عنده، فلم تعد

املقاومة ممكنة وقد صار البيت على شفا أن ينهار.ومثل وحش كاسر قفز وليم من النافذة فأطبق اجلنود عليه، وشدوا وثاقه

بقوة، ثم سجنوه في قفص مغلق.

١٧٧

قال الشريف له: "وليم كالوديزلي! غدا في ساعات الصباح األولى فتح أبواب املدينة إال بعد ـ قا في الساحة العامة، ولن ت ـ ستكون معل

موتك، ال تنتظر اآلن من رفاقك أن يأتوا ليخلصوك!".الساحة في املدينة سكان كان الشفق عند الثاني اليوم في فتح ـ العامة، واجلندي الذي كان يحرس أبواب املدينة أمر أن ال ت

إال بأوامر عليا.سأل للرعي، قطيعه إخراج من يتمكن لم الذي الرعيان، أحد النبيل "إنه الرجل: فقال املتهم، اسم عن القرية سكان أحد الصيد من أكثر يؤذي شيء أي يفعل لم الذي وليم والشجاع والعيش في غابات امللك، إن إعدامه بسب ذلك وباسم السماء

لهو جور كبير!".كان الراعي يعرف وليم الذي تصادق معه في الغابة ... فكر للحظة يراه أن إلى احلقل دون السور وقفز ... وبعدها تسلل من جدار أحد. ركض بكل قوته إلى أن وصل إلى مخيم الصيادين، وأخبرهم

عما جرى.أخذ آدم بيل وكالمي أسلحتهما، وركضا باجتاه أبواب املدينة. عندها طرأت فكرة جيدة لكالمي: "فلنقدم أنفسنا أننا مبعوثون من امللك،

وبهذا يفتحون لنا األبواب".زور آدم بيل خط امللك وختمه في صحيفة لفها الحقا، فبدت أنها

أمر رسمي.طرق االثنان بوابة املدينة بقوة، وأعلنا أنهما مبعوثان يحضران أمرا

طارئا من القصر إلى القاضي.فـتحت البوابات، وركع احلراس عندما رأوا اخلتم احلقيقي، لكن آدم وكالمي ألقيا بنفسيهما على احلارس، وربطاه بقوة، ثم حبساه

في زنزانة قريبة، وبعد ذلك ركضا إلى الساحة العامة.كانت جموع الناس تتابع التحضيرات لتنفيذ حكم اإلعدام. وكان لكنه باحلبال، بقوة موثقا الساحة وسط هناك كالوديزلي وليم

حلظ أصدقاءه األوفياء.صوب االثنان سهام قوسيهما على القاضي والشريف اللذين كانا

بارزين من فوق حصانيهما من بني احلشود.

١٧٦

األرض على والشريف القاضي فسقط السهام، وصفرت القوسان، اهتز بإصابات قاتلة.

من لالقتراب السهام رماة استغلها فوضى، وتبعها ذهول، سادت حلظة رفيقهم فقطعا احلبال التي كانت تشد وثاقه، وعندها تسلح وليم بفأس أحد

اجلنود.يقاتلون كانوا هناك، كانت التي القوات يقاومون الثالثة الصيادون بدأ وظهر كل منهم محمي بظهر اآلخر، بينما يعطون وجوههم للمهاجمني، كان نحو يتراجعون خطوة خطوة وهم يطلقون سهامهم الشجعان الصيادون

أبواب املدينة.وبجهد الثالثة، املتمردين قوى وخارت السيوف، وملعت السهام، نفدت أخير فازوا باخلروج، وأغلقوا البوابة الكبيرة باملفتاح الذي استولوا عليه من احلارس، وانطلقوا بسرعة نحو امللجأ اآلمن في الغابات التي عاشوا فيها

دائما وناضلوا وكافحوا لالحتفاظ باحلرية.مشى الرفاق الثالثة حتت ظالل األشجار الضخمة، يتندرون على أحداث السور من تخرج استغاثة، وأصوات همهمات فسمعوا الكبيرة، مغامرتهم الكثيف، فباعدوا األغصان، واقتربوا من املكان الذي كانت الشكوى تسمع ومعها الغابة إلى هربت وقد هناك، الشجاعة أليسيا على فعثروا منه،

أطفالها الثالثة.كانت منتشية من السعادة، أحضر آدم وكالمي صيدا وفيرا، وفي املكان نفسه

زوا الغذاء الذي سيسترد لهم القوة التي بذلوها. ـ جهيجب أنه "أظن وليم: قال النار، يتسامرون حول وهم الراحة وقت وفي علينا أن نذهب في احلال إلى لندن، لنطلب الصفح من امللك قبل أن تصله األخبار من كارليزلي، فعندي ثقة بأنه سيستمع لنا، لكنني سأترك هنا زوجتي أليسيا واثنني من أبنائي في بستان قريب، وسآخذ معي ابني الكبير،

حتى يتمكن من نقل أخبار حظنا إلى أمه".استعد رماة األقواس الثالثة، وكذلك الطفل الرائع ابن السبع سنوات من العمر، وانطلقوا باجتاه لندن. وبعد ثالث دوريات متعبة من املسير، وصلوا يطلبون جاءوا وقد امللك غابات في صيادون أنهم وأعلنوا القصر، إلى

الغفران.استقبلهم امللك بشكل سيئ، وعندما علم بأسمائهم أمر غاضبا أن يودعوا

١٧٩

الصيادين نبل لكن إساءاتهم، ثمن بحياتهم يدفعوا كي السجن، أن امللك من وتطلب معهم، تتعاطف امللكة جعلت ولطافتهم

يعفو عن الثالثة.فوافق امللك على العفو بسبب حبه لزوجته، وفي تلك اللحظة وصل أحدهم يحمل رسالة يشرح فيها ما حدث في مدينة كارليزلي،

وما فعله الرجال الثالثة أمام املدينة كلها.وأمر الواقعة املستحيلة، تلك أمام امللك مشدوها وحانقا وقف ليمتحنوا الرماية، حقل إلى يخرجوا أن السهام رماة من رجاله

مهارة املغامرين.امتأل احلقل الشاسع بالناس واجلنود ينظرون بازدراء إلى الصيادين

الثالثة.الثالثة بإطالق سهامهم التابعون للملك والرفاق الرماح قام رماة على دريئات بيضاء، فقال وليم دي كالوديزلي: "يبدو هذا مثل لعبة بالتسديد يفرح للذي رامي سهم جيد أبدا أسمي فأنا ال أطفال، على هذه األهداف الكبيرة جدا، التي تشبه الدروع في املعارك،

فأيا كان ميكنه القيام بذلك.قال امللك: "فلتختر الدريئة التي حتب، وأرني ما أنت قادر على

فعله".قال وليم بصوت جهوري: "من أجل شرف رماة السهام سأقوم مبا ال ميكن ألحد القيام به، فهذا الطفل املوجود هنا هو ابني، وعن مسافة

أربعمائة قدم سأسدد سهمي على تفاحة تضعها على رأسه".قال امللك: "إن هذا ملغامرة كبيرة وخطرة، وإن لم حتققها فسوف لتنفيذ وليم فاستعد رفاقك". وحياة أنت حياتك الثمن تدفع

كلمته.كان الطفل بعينني مفتوحتني جاحظتني، وقد مت ربطه إلى جذع شجرة، ثابتا في األرض، ووضعوا تفاحة على رأسه األشقر اجلميل. أطول قوسه في ووضع قدم، أربعمائة مسافة كالوديزلي وابتعد

سهامه وأكثرها استقامة.شدة من تبكي والنساء بأسى، إليه تنظر الناس حشود كانت

تأثرهن.

١٧٨

استدار كالوديزلي إلى الناس، وقال: "إياكم أن يتحرك أحدكم فيعكر صفائي .. أدعوا لي".

ر السهم، وسقطت التفاحة ووسط الصمت ثبت الرامي قدميه ثم سدد فصفمشطورة إلى نصفني متساويني.

يصفقون وجميعهم فرحها، عن تعبر كبيرة بصرخات احلشود انفجرت متلؤهم السعادة.

يا وليم دي كالوديزلي، العفو اتخذ امللك الصمت، وبعدها قال: "أمنحك ومن اآلن أمنحك لقب كبير حراس غاباتي إن كنت ال تزال تفضل العيش

مع رفاقك حتت حمايتي.لكن األصدقاء الشجعان اختاروا أن يواصلوا حياتهم، حياة احلرية واملغامرات

في غابات كثيفة من أشجار البلوط املعمرة منذ مئات السنني.

١٨١

* الفارس جيريانتتبعها إحدى سيدات مجلسها، كانت زوجة امللك "آرثر" تتجول في مجنبات القلعة. وهما متتطيان اخليل عبرتا اجلسر املقام على

النهر، وابتعدتا في احلقل األخضر بني املروج واألشجار.توقفت امللكة لسماعها وقع حوافر حصان كان يأتي في االجتاه النبالء، من شاب فارس أمامها ظهر قصيرة فترة وبعد نفسه. له سيف جانبه وعلى ومفتوحة، واسعة عباءة معطف يرتدي

قبضة من ذهب.- "أهال وسهال أيها الفارس" - قالت األميرة له وتابعت:

إلى سنصل فاليوم تعال كهذه، سعيدة صحبة أتوقع أكن "لم مدخل الغابة".

وقبل الوصول توقفوا عندما شاهدوا بني األشجار رجال بدينا يرافقه قزم، يأتيان على حصانيهما بخطوات بطيئة ومعهما امرأة كانت إلى جانب الذهب من واملصنوع املخرم الداخلي، بثوبها متشي

فارس له طابع مستبد ومدجج بسالح ثقيل يلمع.اسم عن القزم لتسأل الشرف سيدة وصيفتها األميرة أرسلت

سيده، وعندما سألته بلطف وأدب رد القزم:"لن أقول لك شيئا، فأنت لست أهال لالقتراب من سيدي".

أرادت السيدة أن تتجه نحو الفارس املجهول الهوية، لكن القزم تدخل وضربها بالسوط على وجهها.

استعد جيريان ليقتص من تلك الفعلة الدنيئة، ووضع يده على سيفه، لكنه توقف، ألنه اعتبر من غير املشرف أن ينتقم من ذلك الرجل الصغير عدمي القيمة، عندها طلب اإلذن من امللكة ليتبع أولئك املجهولني حتى

يجد الفرصة، ليرتدي ثياب احلرب ويعاقب الفارس الفظ.* Gerian.

١٨٠

- "اذهب - قالت امللكة - وسننتظر عودتك في املجلس بفارغ الصبر".تابع جيريان أولئك املجهولني، وبعد أن اجتازوا نهر "اليوسك" (usk) وصلوا إلى مدينة، عند مدخلها كانت تقوم قلعة جبارة، مر بها الفارس املدجج مع

سيدته وقزمه، فنهض الناس يؤدون طقوس االستقبال ويقدمون التحيات.كانت البيوت والنوافذ مزينة بدروع ملونة ورايات وردية، وفي كل محددة وتلميع الرماح وتدبيب السيوف صقل في منهمكون رجال هناك كان

اخلوذات والدروع.دخل القزم والسيدة والفارس إلى القلعة وسط صفني من احملاربني كانوا

قد خرجوا واصطفوا عندما شاهدوا الفارس وجماعته يصلون.بقي جيريان يفكر دون أن يعرف إلى أين يتجه، لكنه رأى قلعة قدمية مهدمة

ونائية شيئا ما، فمشى إلى هناك يطلب مأوى لتلك الليلة.، وله حلية وشعر أبيض، وعندما أحسوا بقدومه خرج الستقباله رجل مسنتبدو عليه عالمات النبل على الرغم من ثيابه البالية، والذي رحب بالفارس

بعبارات كيسة، وقدم له ضيافة متواضعة.نزل جيريان عن حصانه في احلديقة احملاطة بأنقاض آثار، ظن أنها لقلعة كانت هنا في أزمان أخرى، مع أنه يرى بعض األسوار واألقواس قد تشققت، واقفة، بقيت حجر من سقوف وبعض مدمرة، واملنارات األبراج وبعض

وكذلك بعض الغرف التي تكون هذا املأوى املسكني.قدمه املسن إلى زوجته وابنته "إيناد" التي وإن كانت مبالبس بسيطة، فقد

بدت جليريان أجمل النساء وأكثرهن روعة.الفقير مضيفا منزلنا واجعلي بحصان ضيفنا، "اعتني إليناد: املسن قال طيبا للفارس". فقامت الشابة العذراء بترتيب كل شيء بطيبة نفس وثقة.

حضرت العشاء، وجلسوا إلى املائدة، وبقيت الشابة إيناد تقدم اخلدمات، وبعد األكل شرح جيريان عن احترافه كفارس وعن قربه من امللك آرثر،

وبعدها أبدى اهتمامه ملعرفة ملن تعود تلك القلعة املبادة؟قال املسن: "هذه! إنها آخر ممتلكاتي الوحيدة املتبقية! لقد أعلن حفيدي اجلاحد احلرب علي، وجردني من كل أمالكي! أقدم لك نفسي: أنا "الكونت

ينيوال"، أراني اآلن وبسبب غدره قد انحدرت إلى هذا الفقر".- "سيدي - سأل جيريان- من هو الفارس الذي وصل إلى القلعة مع زوجته

١٨٣

املزدانة املدينة هذه في حتضيره يتم الذي األمر وما والقزم؟ جدا؟".

- "إنه حفيدي الكونت اخلائن، هو من رأيته يدخل القلعة، لقد نظم إنه هنا. من نراه الذي الكبير السهل في غدا سيقام مبارزة حفل الذهب من صقر طرفه في يكون رمحا احلقل وسط في سيغرس كجائزة للمنتصر. واجلميع في املدينة يحضرون السالح واخليول، ولن هذا إن زوجته! يذهب بصحبة ال من املنازلة تلك في مكانته يأخذ اليوم إلى املدينة، كان قد اغتصب الشرير امللعون الذي رأيته يصل للمرة الثانية الصقر الذهبي، وإذا استطاع أن ينتصر غدا من جديد فانه

سيغتصب لقب الفارس الصقر".- "سيدي! - قال جيريان: علي أن انتقم لذلك اجلور الذي سببه حفيدك لي وللملكة. وهكذا أرجوك أن تعيرني درعا، وأن تسمح لي أن أدخل املنازلة، على شرف ابنتك إيناد، التي إن خرجت منتصرا

فسأبقى أحبها طاملا حييت".-"إنك تقدم لي سعادة عارمة، وغدا عند شروق الشمس سيكون

لك درع جاهز وحصانك، وأنا وابنتي سنرافقك".وعند الصباح استعد الفارس جيريان، فارتدى احلديد، وسن سيفه، ثم

امتطى احلصان، وتسربل بالدرع، وحمل الرمح ليتجه إلى املنازلة.انتصاره، القلعة متأكدا من عندما وصلوا إلى احلقل كان فارس ويؤشر لزوجته أن تأخذ الصقر الذهبي جائزة املنتصر، لكن في

تلك اللحظة ظهر الفارس جيريان وقال:"الصقر الذهبي ليس لك، وال ميت إليكم بصلة. أدعوك ملنازلتي أيها الفارس اخلائن، إنني سأهزمك، وعليك أن تعلن أن زوجتي هي

السيدة األكثر جماال وروعة".وبعد أن قال جيريان ذلك اجته على وقع حوافر خيله نحو أطراف

احلقل، ليكون مستعدا للقتال.بأقصى سرعة الغرميان وانطلق الفظ غاضبا جدا. الفارس كان حصانيهما كل في اجتاه اآلخر، ولثالث مرات تكسرت الرماح على الدروع، ولثالث مرات قام الكونت املسن ينيوال والقزم املتعجرف

بتقدمي السالح للخصمني، وأخيرا قال الرجل املسن جليريان:

١٨٢

"هذا الرمح الذي أخذته في شبابي عندما سلحوني ألكون فارسا، ولقد قاوم الرمح في الكثير من املعارك ولم يتكسر".

فيها، درعه ومزق بقوة، خصمه فرمى الفوز، على مصمما جيريان كان وأسقط اخلائن على األرض.

ترجل جيريان عن خيله، وبدأ املبارزة حيث راحت السيوف تقعقع، واقترب املسن إلى املسافة التي أمكنه االقتراب إليها، وقال:"يا فارس امللك آرثر، تذكر اإلهانة التي سببها لك".

زها في املعركة، وبضربة ـ عندها، استجمع جيريان كل طاقته وقوته وركرهيبة قصم خوذة خصمه الذي سقط مهزوما على األرض، وراح يطلب

الرأفة.فقال جيريان له: "أسامحك بحياتك حتت شرط واحد أن متثل أمام امللكة، املجلس فرسان وعندها سينطق إساءتك، الغفران عن منها تطلب وأن

بالعقاب الذي تستحق".قام جميع رجال اخلائن احملاربني، وجميع فرسان املدينة بتقدمي التحية إلى الفارس املنتصر، الذي رجع مع املسن وعائلته إلى القلعة املهدمة، وهم

مزدانون بالورود وباملشاعل املنيرة.حضر الكونت املهزوم إلى هناك، ليتفرغ جيريان له وقال له:

التي إيناد مصطحبا وسأذهب منه، أتيت الذي البلد إلى غدا "سأعود ستصبح زوجة لي، لكن قبل أي شيء عليك بإعادة كل شيء اغتصبته من

الكونت ينيوال".وهذا ما كان قبل انطالق إيناد وجيريان نحو مجلس امللك آرثر.

١٨٥

الكتاب اخلامس: الطفل دان والوحش

١٨٧

É«``≤jôaEG

ôé«ædG OÓH

,IQhóe ñGƒcCG øe iôb ‘h ,ôé«ædG äÉHÉZh AGôë°üdG OhóM ÚHh ,É«≤jôaEG ÜôZ ∫ɪ°T ‘

πFÉÑb ™e ÒѵdG π¡°ùdG ¿ƒª°SÉ≤àj øjòdG ,(Flubes) 1"¢ù«Hƒ∏ØdG" ¿ƒMÓa ¢û«©j ∑Éæg

.ábQÉaCGh ÜôYh ¥QGƒW øe á∏≤æàe

IQÉ°†M øY äÉeÓ©c ´Óbh QGƒ°SCGh ¢VÉ≤fCGh ,¿óe QÉKBG ±É°ûàcG ” ,∂∏J á≤£æŸG πc ‘

.âØàNGh â°Vƒ≤J ób ,IôgOõeh áÁób

áYGQRh »YôdÉH ¢ü°üîàe OÉM AÉcPh á«ëªb áæë°S º¡d ∫ÉLQ øe ¿ƒµŸG ¢ù«Hƒ∏ØdG Ö©°T

IóMGh Gƒ©æ°U ,iôNCG ¿ÉeRCG ‘ øjòdG ∂ÄdhC’ kGÒÑc kGó«cCÉJ πãÁh ,iôNCG ∫ɪYCGh ∫ƒ≤◊G

.∫ƒ°†Ø∏d IÒãŸGh á«≤jôaE’G äGQÉ°†◊G ºgCG øe

Ö◊G øY ᪠q«b äÉjɵMh ÒWÉ°SCG •É≤àdGh ±É°ûàcG ” ,¢VÉ≤fC’Gh QÉKB’G ÖfÉL ¤EGh

øe ≈fÉY ób ,É«≤jôaEG ܃©°T »bÉÑc ,á≤£æŸG ∂∏J Ö©°T ¿CG øe ºZôdG ≈∏Y ,á«°ShôØdGh

.᪰TɨdG iƒ≤dG Qɪ©à°SG

١ تطلق على الشعوب التي تسكن في القسم الغربي من الصحراء اإلفريقية (املترجم).

١٨٦

١٨٩

* سامبا غانا Analia) "أناليا- تو-باري" (Wagna) كانت امللكة في مدينة "واغنا" Tu-bari)، وكان والدها هو أمير واغنا وسيد قرى كثيرة. وفي إحدى املرات خاض حربا مع أمير عدو انهزم فيها والد أناليا، فتم جتريده من ممتلكاته، وكان عليه أن يسلم إحدى قراه، لكن كبرياءه لم يسمح له

بتحمل ذلك، فمات كمدا وغما، وورثت أناليا كل اململكة عن أبيها.حضرت أعداد كبيرة من الفرسان إلى مدينة "واغنا"، يطلبون يدها للزواج، لكن أناليا كانت حتزم بطلبها، ليس فقط أن يستردوا القرية الضائعة، إمنا ثمانني مدينة أخرى! لكن ال أحد من الفرسان جترأ

على هذا املهر احلربي.ومرت السنوات، وفقدت أناليا كل سعادتها، ومع أنها كانت تزداد

جماال في كل يوم، فإنها كانت تزداد حزنا.في بلد مجاور كان ألميرها ولد يدعى "سامبا غانا"، وعندما كبر هجر مدينة أبيه حسب عادات البلد، وخرج ليحتل أراضي ومدنا

أخرى، كي يقيم عليها مملكته.مدينة من وقد خرج سعيدا دائما، مبتهجا شابا غانا سامبا كان

والده يرافقه اثنان مدرعان.أعلن سامبا احلرب على أمير مدينة وحتداه إلى منازلة فتصارع االثنان، واملدينة كلها تشاهدهم، وأخيرا انتصر سامبا غانا، فطلب فبدأ مدينته. له ويقدم حياته، عن يعفو أن منه املهزوم األمير

سامبا يضحك ويقول:"ابق مع مدينتك فهي ال تهمني".

تابع سامبا طريقه، وهزم األمراء واحدا تلو األخر، ودائما كان يعيد كل ما يحصل عليه بفوزه إلى كل أمير مهزوم، ويقول له:

* Samba Gana.

١٨٨

"ابق مع مدينتك فمدينتك ال تهمني".متكن سامبا غانا من هزمية كل أمراء البالد، ومع ذلك لم يكن ميلك أرضا وال مدينة،

ألنه بعد كل انتصاراته كان يعيد كل شيء، وميضي ضاحكا مبتهجا وحاملا.وفي يوم كان يرتاح فيه مع مرافقه عند ضفاف نهر النيجر، غنى املرافق

األغنية الرائعة لـ "أناليا- تو- باري"، واملليئة باحلزن وعزلة األميرة.بأناليا وسيجعلها تضحك هو فقط الذي سيحظى "الرجل قال املرافق:

ذاك الفارس الذي سيسترد ثمانني مدينة".عندما سمع سامبا غانا ذلك، وثب بقفزة سريعة، وصاح: "هيا يا أصحاب

العضالت اسرجوا اخليول! هيا بنا إلى بالد أناليا- تو- باري".انطلق سامبا مبسيرة مع املرافقني املدرعني، واستمروا أياما وليالي ميتطون اجلياد، حتى وصلوا إلى مدينة "أناليا - تو - باري"، فرأى سامبا غانا امرأة رائعة اجلمال وشديدة احلزن. فقال لها: "أناليا أنا سأسترد املدن الثمانني".

وقرر أن ينطلق في مسيرة ثانية.اجعلها نفسها، عن وروحها لها غن أناليا، مع هنا "ابق ملرافقه: قال تضحك". فبقي املرافق في مدينة "أناليا - تو - باري"، وكل يوم صار يغني ألناليا أغنيات عن أبطال بالدها، وعن مدنها، وعن أفاعي النهر التي جتعل ويبقون سنوات لسبع األرز يخزنون الناس فتجعل يرتفع، املياه مستوى

جائعني لسبع سنني أخرى.وكانت أناليا تستمع له، بينما سامبا غانا كان يقطع األمصار، ويحارب األمراء

واحدا تلو اآلخر. فأخضع ثمانني أميرا، ولكل مهزوم منهم كان يقول:تو- باري، وأن تقول لها: إن مدينتك صارت لها". "عليك احلضور أمام أناليا –

ذهب األمراء الثمانون يرافقهم أعداد كبيرة من احملاربني إلى مدينة واغنا، أن أصبحت ملكة إلى وتتسع، تتسع أناليا وسكنوا هناك، فأخذت مدينة

على األمراء واحملاربني في كل األمصار.قال سامبا غانا لها: "كل شيء متنيته قد أصبح ملكا لك".

فقالت أناليا: "لقد وفيت بوعدك، سأكون زوجتك".فقال سامبا غانا: "ملاذا أنت حزينة؟ إنني لن أتزوج منك إال عندما تعود

البسمة إليك، وأراك تضحكني".

١٩١

قالت أناليا: "لقد كان عار والدي املهزوم يبعث احلزن في، واآلن ال أقدر على الضحك، ألنني لم أجد أحدا يقدر على إمتام رغبتي".

قال سامبا غانا: "أشيري علي ماذا علي أن أفعل؟".قالت: "اقتل األفعى التي في النهر! فهي تأخذ اخليرات لسنة كاملة

فيكون هناك مجاعة لسنة كاملة، وأنا سأكون سعيدة لقتلها".قال سامبا: "لم يجرؤ أحد على ذلك، لكنني سأقوم به".

األفعى عن وبحث النهر، نحو الثالثة رجاله مع غانا سامبا اجته واستمر في املسير والبحث، فوصل إلى مدينة فلم يعثر على األفعى، واستمر ميشي مع النهر ويبحث عن األفعى، فوصل إلى مدينة أخرى ولم يجدها! واستمر في البحث إلى أن عثر عليها أخيرا، وبدأ يتصارع

معها! وفي النهاية انهزمت األفعى وكذلك سامبا غانا!كان تيار النهر يأخذهما من جهة إلى جهة، ومير بني اجلبال، ثم

يفتح أراضي ويدخل فيها.استمر الصراع ثماني سنوات بني سامبا واألفعى، وفي العام الثامن هزمها. وخالل هذا الوقت كسر سامبا ثمامنائة رمح وثمانني سيفا،

وأخذ أحد الرماح املليئة بالدم فأعطاه إلى مرافقه قائال:"خذها إلى أناليا، وقل لها: إنني هزمت األفعى، وانظر إليها جيدا

لتراها إن كانت ستضحك".عاد املرافق وسلم هدية سامبا غانا، وعندما سمع سامبا كالم أناليا

قال: هذا عظيم جدا.أخذ سامبا السيف املبلل بالدم وغرسه في صدره وضحك مرة

ثانية قبل أن يسقط ميتا.أخذ املرافق السيف املدمي، وامتطى اخليل، ومضى باجتاه أناليا،

وعند الوصول قال لها:"هذا سيف سامبا غانا، والدم الذي عليه هو دم األفعى ودم سامبا

الذي ضحك آلخر مرة".خيلها، وامتطت املدينة، في واحملاربني األمراء كل أناليا جمعت فامتطى اجلميع خيولهم، وتبعوها نحو البلد الذي مات فيه سامبا غانا.

١٩٠

وصلت أناليا إلى املكان الذي كانت فيه جثة سامبا غانا وقالت:"لقد كان بطال عظيما، ليس له مثيل عند من سبقوه، أقيموا له ضريحا،

وليكن األعلى بني أضرحة امللوك واألمراء واألبطال".وبدأ العمل لذلك، فحفر األرض رجال حاصل عددهم هو ثمانية أضعاف الرقم ثمامنائة. والعدد نفسه من الرجال قاموا ببناء الضريح، وكذلك الرقم أحرقوها ثم ورصرصوها الضريح، فوق التراب بتجميع قاموا الرجال من

فظهر هرم كبير.عند كل غروب كانت أناليا وأمراؤها ورجالها احملاربون يصعدون إلى قمة الهرم، وكل مساء كان املرافق يغني أغنية البطل، وعند كل صباح، كلما

كانت أناليا تستيقظ، كانت تقول:"الهرم ليس عاليا مبا يكفي، يجب رفعه كي ترى منه كل مملكة واغنا".

ثم ورصرصوها األرض حفروا الرجال من ثمامنائة العدد أضعاف ثمانية نهاية ومع ويرتفع، ويطول يكبر الهرم كان أعوام ثمانية حرقوها. وطوال العام الثامن نظر املرافق بعينيه الدائريتني، وقال: "يا أناليا – تو – باري،

اليوم ميكنك رؤية واغنا".نظرت أناليا نحو الغرب وقالت: "ها أنا أرى "واغنا" وضريح سامبا غانا هو العظمة التي يستحقها اسمه". وضحكت أناليا! نعم ضحكت كثيرا! وقالت:

"اآلن انفصلوا أيها األمراء، تفرقوا في أنحاء األرض، وكونوا أبطاال مثل سامبا غانا".

وضحكت أناليا مرة ثانية قبل أن تسقط ميتة، ويدفنوها في سرداب الهرم إلى جانب سامبا غانا.

١٩٣

األصيل ابن األصولبالد حتكم التي هي "اآلردو" عائلة كانت طويل، زمن خالل ساللته تنحدر القوي الشاب ديكي" - "غوربو وكان الفلوبيس.١ من تلك العائلة النبيلة، وألنه لم يكن االبن البكر، لم تكن له مدينة ،(Bammana) "يحكمها، لهذا كان ميضي هائما في بالد الـ"بام ماناومبزاجه املعكر ينشر املعاناة بني سكانها، فجعلهم يخشون بطشه

بشدة ألنه كان قاسيا وعنيفا.على فنادوا األمر، تدبير يستعجلون املرعوبون الباممانيون كان

"أآلل" املدرع مرافق غوربو - ديكي وقالوا له:"أنت الوحيد الذي ميكنه إقناع البلدة، ويا ليتك تقدر أن جتعل غوربو

- ديكي يرحل عن البالد! فسوف نعطيك كمية جيدة من الذهب".وبعد انقضاء عدة أسابيع قال" أآلل" لغوربو ديكي: اسمع! البام مانا ولو كنت الطريقة، بهذه تعاملهم يفعلوا شيئا سيئا لك حتى لم

مكانك، لذهبت إلى عائلة الفلوبيس ليعطوني مملكة".- "لديك حق - قال غوربو - لكن أية مدينة تريدني أن اختارها؟". فسأله املدرع: "ما هو رأيك لو أنك تذهب إلى بالد "ساريام" التي

يحكمها حمادي آردو؟".قال غوربو: "يبدو لي حسنا، هيا بنا إلى هناك".

ووصال قريبا من ساريام. وفي قرية في الضواحي توقفوا عند بيت فالح حراث.

أرى أن أريد وأنا أنت هنا مؤقتا، "ابق الدرع: قال غوربو حلامل املدينة وحدي أوال".

خلع املالبس الفارهة، وطلب من الفالح مالبس عمل قدمية، ارتداها وتوجه نحو املدينة، وأول شيء فعله حتدث مع حداد وقال له:

١ Flubes: الفلوبيس تطلق على سكان القسم الغربي من الصحراء اإلفريقية (املترجم).

١٩٢

"أنا من الفلوبيس وأحوالي سيئة اآلن، ومقابل القليل من الطعام أنا مستعد ملعاونتك في العمل".

قال احلداد: "لم ال! هل تريد أن تعمل بالكير؟".قال غوربو: "سأقوم بذلك بامتنان كبير".

وبينما هو يشتغل سأل احلداد: "من هو حاكم هذه املدينة؟".- "هنا يحكم حمادي من عائلة آردو". أجاب احلداد.

- "وهل عند حمادي اآلردو خيول؟".- "نعم! - قال احلداد - لديه الكثير من اخليول، إنه ثري جدا ولديه أيضا ثالث بنات. اثنتان متزوجتان من اثنني من الفلوبيس، وهما فارسان شجاعان، أما البنت الصغرى واسمها "كودي آردو"، فهي أجمل فتيات الفلوبيس في البالد، فهي تضع في إصبعها البنصر خامتا من الفضة، وتقول إنها لن تتزوج إال بالرجل الذي يدخل اخلامت في البنصر من أصابعه، وتقول: "إن الرجل

الفلوبي احلقيقي يجب أن تكون أطرافه ناعمة وأصابعه لطيفة".في اليوم التالي، وكما في كل األيام، جتمع صفوة من شباب الفلوبيس أمام بيت حمادي آردو، فخرجت ابنة امللك الصغرى الفاتنة اجلمال من البيت، وسحبت اخلامت الفضي من بنصرها، ثم بحثت بني الرجال احلضور عمن

يدخل اخلامت في بنصره.متكن بعضهم من إدخاله بصعوبة حتى العقدة األولى من اإلصبع، وبعضهم أوصله إلى العقدة الثانية، لكن أيا منهم لم يتمكن من إدخاله كليا، عندها فقد

امللك حمادي آردو صبره وقال البنته: "عليك بالزواج من أي من احلضور".احلداد الذي كان يشتغل عنده غوربو ديكي سمع تلك الكلمات وقال:

واضحة تبدو الفلوبيس لكن عالمات رثة، مالبسه رجل يعمل بيتي "في عليه".

- "احضر الرجل لي - قال امللك - وليجرب خامت ابنتي".التحدث يريد امللك حاال! "تعال له: وقال غوربو ليحضر احلداد ذهب

معك".ذهب غوربو مبالبسه الرثة مع احلداد إلى الساحة، حيث كان هناك امللك

حمادي آردو وجميع الشخصيات املعتبرة.

١٩٥

سأله حمادي آردو: "هل أنت فلوبيس؟".أجاب غوربو: "نعم أنا فلوبي".

- "ما اسمك؟".أجاب غوربو ديكي: "ال أقدر على ذكره".

أصابع من البنصر في اخلامت هذا إدخال "جرب امللك: فقال يدك".

أخذ غوربو اخلامت، وأدخله في إصبعه فاستقر اخلامت بسهولة."كودي فأخذت امللك- قال - ابنتي" من سيتزوج من "أنت -

آردو" تبكي، ثم قالت:"ال أريد الزواج من هذا الفالح، من هذا الرجل البشع والقذر، وبقيت كودي تبكي طوال النهار، لكنها اضطرت أخيرا للزواج من الرجل

البشع والقذر، وأقيمت مراسيم الزواج.في أحد األيام حدثت حرب بني امللك والطوارق، ومتكن الطوارق

من االستيالء على ماشية امللك حمادي ومواشي مدينة ساريام.تسلح جميع سكان املدينة، وخرجوا خلف الطوارق، بينما غوربو

كان جالسا في إحدى زوايا املدينة، فقال امللك له:"أال تريد أن متتطي حصانا وتأتي معنا إلى احلرب؟".

- "أن امتطي حصانا! أنا لم أركب حصانا في حياتي، أنا ابن ناس فقراء، وإذا أعطيتموني جحشا فرمبا أقدر على ركوبه". فصارت

"كودي آردو" تبكي.ركب غوربو على اجلحش، وذهب باجتاه معاكس لوجهة احملاربني،

فقالت "كودي" وهي تبكي:"آه ! يا أبتي! آه! يا أبتي! أي حظ تعس جلبته لي من تزويجك لي

من هذا الرجل؟".لقد ذهب غوربو ديكي إلى بيت الفالح الذي كان قد ترك خيله

هناك، وسالحه ودرعه، قفز عن اجلحش وقال:" يا أآلل! لقد تزوجت".

١٩٤

- "ماذا؟ تزوجت؟! ممن تزوجت؟".- "تزوجت أجمل نساء املدينة؛ إنها ابنة امللك حمادي آردو".

- "ماذا؟! كيف حصلت على هذا احلظ الكبير؟".- "نعم!- قال غوربو - لكن يوجد هناك شيء آخر، لقد سطا الطوارق على ماشية حمادي، فبسرعة البس وتسلح واسرج اخليل، علي أن أتقدم اجلميع،

واختصر الطريق".فحضر املدرع كل شيء وسأله: "هل ميكنني مرافقتك؟".

قال غروبو ديكي: "ال! ليس اليوم".وانطلق بسرعة كبيرة حتى متكن من اللحاق بهم فشاهده اثنان من أنسباء امللك حمادي، وشاهده جميع الفلوبيس وهو على حصانه السريع، يقطع

احلقول املجاورة فقال نسيب للنسيب اآلخر:إلى جانبنا فنفوز إنه "تشينار املستبد"، وسيكون لصاحلنا لو يقف "يبدو

باملعركة، علينا أن نتحدث معه.هو ما تذهب؟ أين "إلى وسألوه: غوربو نحو احملاربني من عدد واجته

غرضك؟".- "أذهب إلى حيث تكون هناك حرب، وأساعد من يحلو لي".

- "أنت! ألست أنت تشينار؟!".- "نعم، أنا تشينار".

- "هل تريد مساعدتنا؟".- "كم عدد أنسباء امللك الذين يسيرون معكم؟".

- "اثنان".- "إذا دفع كل واحد منهما أذنه لي فسوف أساعدكم".

- "هذا ليس ممكنا! ماذا سيقال في املدينة؟".- "إنه بسيط جدا- قال غوربو- فليقولوا إنهم فقدوها في املعركة، فهذا

يحدث عادة، وكذلك ألشرف الناس".

١٩٧

مضى الرجال على خيولهم نحو املكان الذي يتجمع فيه اآلخرون، وقصوا ما سمعوه على نسيبي امللك.

في البداية لم يوافقا، وفيما بعد وافقا على أن تقطع أذنا واحدة من كل واحد منهم، وبعثوا بهما إلى غوربو.

خبـأ غوربو األذنني في جيبه، وتقدم إلى رأس القوات وهو يقول:"ال تقولوا إن "تشينار" قد ساعدكم".

- "ال! ال! ال لن نقول"، أجاب الفلوبيس.ابتعد احلرب، الفلوبيس فربح معهم، وحتاربوا بالطوارق، حلقوا غوربو، ومضى على خيله نحو بيت الفالح الذي يختبئ عنده رجله املدرع، وهناك ترجل عن احلصان، وخلع مالبسه والسالح، وارتدى

املالبس الرثة، وركب اجلحش وعاد إلى املدينة.وفي طريقه إلى هناك، وفي طرقات سارياما رآه احلداد الذي أمن

له املأوى في اليوم األول، فقال له:"ال تدق باب بيتي! أنت لست فلوبيس! أنت زنديق! أو عبد! أنت

لست محاربا وال فلوبيا!".القطعان ومعهم منتصرين، مبتهجني الفلوبيس عاد األثناء وفي الناس سعداء ليحييوهم، وكذلك خرج التي استردوها، وقد خرج

امللك الستقبالهم، وقال:عاد هل فلوبيس، هنا يزال ال شجعان، محاربون هنا يزال "ال

اجلرحى؟".أحد نسائب امللك قال: "عندما انطلقت إلى املعركة واجهني أحد الطوارق، وكان ضخما جدا فضربني بسيفه، فأبعدت رأسي فقطع

السيف أذني، وبفضل ذلك فإنني قد جنوت".قال الصهر الثاني:

"عندما كنت أهاجم في اجلانب اآلخر أحد الطوارق، وكان قصيرا، فسارعني من األسفل بطعنة من سيفه الطويل على عنقي، وكاد

أن يقطع رأسي، لكنني انحنيت فاخذ أذني".قال امللك حمادي:

١٩٦

ألم لي: قولوا لكن أبطال، أنتم الروح، يفرح األمور هذه مثل سماع "إن تشاهدوا صهري الثالث؟".

- "آه! ذاك! منذ البداية اتخذ اجتاها معاكسا. قال اجلميع ذلك وهم يهزأون.وفي هذه اللحظة كان غوربو يأتي من اجلانب الثاني، يركب على اجلحش،

وعندما اقترب منهم، سرح الدابة فراحت تخبب.وهي بالبكاء مبرارة، كودي بدأت املسيئة الهيئة بهذه قادما رؤيته وعند

تقول:"يا أبتي! يا أبتي! أية تعاسة جلبتها لي!".

خالل االحتفال كان صفوة الفلوبيس يجلسون على شكل دائرة، يروون ما فعلوه، فسمعهم "غوربو" من إحدى الزوايا، فقال أحدهم:

"عندما جندلت أول واحد على مرأى من األعداء ...".وقال الثاني: "عندما استوليت على اخليول ...".

بحق أبطال فأنتم آردو، كودي زوج مثل لستم فأنتم "نعم، ثالث: وقال وحقيق".

كان النسيبان االثنان يكرران الرواية نفسها عن فقدانهما أذنيهما في املعركة. وكان غوربو هناك في اجلانب يستمع إلى كل شيء، وفي جيبه كانت األذنان.

وعندما حل الليل ذهب إلى البيت، فقالت كوردي له: "أنت جبان!".في اليوم التالي هاجم الطوارق املدينة بأعداد كبيرة، وعند مشاهدتهم من القادرين على حمل السالح، وركب غوربو بعيد اجتمع كل رجال املدينة إلى "انظروا الناس تصيح: انسل خفية من املدينة، فأخذت ثم اجلحش،

هناك! إلى نسيب امللك! كيف يهرب نسيب امللك؟".وبدأت كوردي تبكي وتقول: "يا أبتي! يا أبتي! أية تعاسة جلبت لي!".

الذي ترك مالبسه عنده وحصانه وسالحه، الفالح إلى بيت ذهب غوربو وعندما وصل قفز عن اجلحش وقال لرجله املدرع:

"بسرعة! بسرعة! هيئ لي خيلي وأشيائي، فاليوم هناك تطورات مهمة، لقد هاجم الطوارق املدينة بأعداد كبيرة جدا، وال يوجد هناك من يعرف كيف يصدهم".

- "وهل ميكنني مرافقتك؟". سأل أآلل.

١٩٩

قال غوربو ديكي: "ال، ليس اليوم".ارتدى ثيابه اجليدة، وأخذ سالحه، ووثب إلى حصانه، وانطلق على

وقع احلوافر القوية والسريعة.في األثناء كان الطوارق قد اقتربوا كثيرا، وهاجموا املدينة حتى

أنهم متكنوا من دخولها، وقسم منهم تقدم باجتاه قصر امللك.وصل غوربو في الوقت املناسب، اخترق صفوف الطوارق يضرب قصر إلى احلاسمة اللحظة في وصل لقد وشماال. ميينا بسيفه

حماه.آردو، كودي يحاصرون الطوارق بعض كان اللحظة، تلك في الشجاع الفولبي الفارس آردو يريدون سبيها، وعندما رأت كودي

يصل، استغاثت بصوت عال:"يا أخي العظيم! تعال وخلصني! لقد فر زوجي بجنب وخسة".

وبرمح طويل أبعد غوربو أحد الطوارق، وجرح طوارقيا آخر، لكن أحدهم متكن من جرحه قبل أن يفروا جميعهم، وعندما رأت كودي أيها األخ العظيم! لقد البالغ واخلطير صاحت: "أواه آردو اجلرح

أنقذتني، لكنك أصبت".مزقت نصف ثوبها، وربطت بالقماش فخذه النازف.

وفي احلال خرج غوربو من هناك وهجم على الطوارق، يضربهم بسيفه في كل االجتاهات، ويجعلهم يفرون، عندها خرج الفلوبيس يالحقونهم، لكن غوربو ذهب إلى بيت الفالح، حيث هناك رجله املدرع أآلل، وهناك ربط احلصان وخلع مالبسه وسالحه، ثم ارتدى

مالبسه الرثة، وعاد إلى املدينة وهو يركب اجلحش.وعندما رآه احلداد الذي كان قد استقبله أول مرة من قبل صاح به:

"انظروا إلى هذا البائس! الزنديق! هذا الكلب األجرب! هذا اجلبان! هيا أسرع باملرور من جانب بيتي!".

فقال غوربو: "ماذا تريد؟ منذ أن جئت إلى هنا وأنا أقول إنني ابن ناس فقراء".

وبعد أن قال ذلك، سرح اجلحش واجته إلي الساحة الكبيرة، حيث

١٩٨

الفلوبيس مجتمعني في مجلس امللك حمادي، كان هناك عدد كبير من يتحدثون عما جرى ذلك اليوم وكانت كودي بينهم.

عندما وصل غوربو بهيئته البائسة، بدأت كودي تبكي وتقول: "آه يا أبتي ... آه يا أبتي ... أية تعاسة جلبت لي! فلقد كان من بني الفلوبيس رجال أكثر

شجاعة وفروسية".فقال غوربو:

"منذ اليوم األول لزواجنا قلت لك: إنني ابن ناس فقراء، وقلت ألبيك: إنني ال أفهم في اخليول وال في احلروب".

فأخذت كودي تبكي وتقول: "جبان! بائس! خواف!".وجلس غوربو غير مبال في إحدى الزوايا.

حل الليل وذهب الفلوبيس إلى بيوتهم، ولم تقدر كودي على النوم، كانت تفكر في زوجها اجلبان وفي الفارس الشجاع الذي أنقذها، وفي منتصف الليل نظرت إلى مكان نوم زوجها، فشاهدت آثار دماء، كانت تنز من ربطة على فخذه، والربطة كانت قطعة من ثوبها الذي مزقته من أجل إسعاف

الفارس الشجاع.راكبا على اجلحش، عاد الذي زوجها الربطة مشدودة على فخذ كانت

فنهضت كودي وسألت زوجها: "قل لي: من أين جاءك هذا اجلرح؟".فرد عليها غوربو: "خمني".

فسألت كودي: "من قص الثوب لربط جرحك؟".قال غوربو: "خمني".

فسألت كودي: "من تكون أنت؟".فقال غوربو: "ابن أحد امللوك، لكن ال تقولي شيئا اآلن، قومي وحضري

زبدة لتضعيها على جراحي".الزبدة، وسخنتها ثم صبتها على اجلرح وربطتها، وبعدها أحضرت كودي

خرجت لترى أمها، فجلست إلى جوارها، وبدأت تبكي وتقول:من املدينة اليوم أنقذ الذي الرجل إنه يهرب، لم جبانا، ليس "زوجي

الطوارق، لكن ال تقولي ذلك ألحد". وانسلت بصمت.

٢٠١

بيت إلى وذهب اجلحش، يركب غوربو عاد التالي اليوم في الفالح الذي ترك فيه رجله املدرع وأسلحته وثيابه وحصانه.

أن فيه علينا الذي اليوم لقد حل املدرع، لرجله قال "اآلل! -نقدم أنفسنا إلى ساريام وإلى امللك العظيم حمادي، اسرج خيلي

وخيلك أيضا".وارتدى غوربو ثيابه الفارهة، وأخذ سالحه، ودخل ساريام ممتطيا

حصانه يتبعه الرجل املدرع.الفلوبيس من أعداد كانت حيث الكبيرة، الساحة في توقف مجتمعني. غرس املدرع قطعتني رائعتني من الفضة ليربط بهما

رسن اخليل.التي جاءت في احلال وحياها مبتسما، نادى غوربو على زوجته

وبعدها اجته نحو الفلوبيس وقال:أنا غوربو ديكي وهذه زوجتي كودي آردو، أنا ابن أحد امللوك، أنا

من هزم الطوارق البارحة وأول البارحة.- "ال أصدق ذلك". قال امللك.

فرد عليه غوربو: "اسأل من كان معي في القتال".فقال اجلميع: "هل هذا صحيح؟ لقد رأيناك تفر دائما على اجلحش".

لكن نسيبي امللك فقط هما اللذان قاال: "لسنا متأكدين".عندها أخرج غوربو األذنني من جيوبه، وقال: "هل تعرفون هاتني

األذنني؟".اخفض االثنان رأسيهما ولم يقوال كلمة واحدة.

اقترب امللك من غوربو، وركع أمامه قائال: "اعذرني، وهاك امللك من يدي". فقال غوربو:

"أيها امللك حمادي آردو، أنا لست أقل منك، أنا أيضا ابن عائلة من اآلردو، ومبا أنني أصبحت ملكا، فإنني آمر بإحضار احلداد الذي هزأني

وسخر مني ملرات عدة. آمر أن يجلد مائة سوط على إليته.وهذا ما حصل.

٢٠٠

٢٠٣

دان - أوتاهذه إحدى احلكايات التي يرويها كبار السن في ليالي الشتاء حول

مواقد النار عند القبائل في أراضي مالي الشاسعة.قبل سنني بعيدة، في وقت ألقى الزمان به من وراء ظهره، تزوج رجل من امرأة، وذهبا وحيدين إلى الغابة، وهناك زرعا األرض واستخرجا منها ما يكفي حاجتهما، وبعد انقضاء سنة ولدت لهما ابنة أسمياها "سارا" شابة، جاءهما أصبحت وعندما وحيدين، واستمرا "سارا"،

طفل آخر أسمياه "دان-أوتا".وبعد فترة، مرض األب فقال لنفسه: "إنني أموت". ونادى على ابنته سارا وقال لها:

"يبقى دان - أوتا معك، ال تتركيه، وفوق كل شيء اعملي على أن ال يبكي دان أوتا أبدا". وما أن قال األب ذلك حتى مات.

وبعد فترة، مرضت األم، وقالت لنفسها: "إنني أموت". ونادت سارا وقالت أمها لها:

"ليبقى دان أوتا معك، ال تتركيه، وفوق أي شيء إياك أن يبكي أبدا". وماتت األم بعد أن قالت ذلك.

مخزون لهما تبقى قد وكان الغابة، في وحيدين الطفالن بقي الطحني املستخرج من شجرة اخلبز ومن الذرة، ومن قليل من الفاصولياء الناشفة، فقالت سارا: "بهذا لدينا ما يكفينا، لنأكل إلى

أن يصبح دان أوتا رجال وميكنه زراعة األرض".وبدأت سارا تطحن الذرة لتحضر الطعام، وعندما أصبحت الذرة لتخبزه، الكوخ إلى وأخذته القرعات، إحدى في وضعته طحينا وبعدها خرجت لتبحث عن احلطب، وقد تركت دان أوتا وحيدا يحبو على األرض، وبالكاد يحاول الوقوف على قدميه، وعندما شعر أوتا بامللل اقترب من القرعة، فقلبها، وأخذ جمرة من املوقد، وخلطها

بالطحني. عندما عادت سارا ورأت ما فعله دان أوتا صرخت:"أي! يا أخي دان أوتا ماذا فعلت؟! لقد أتلفت طحني طعامنا اليوم!".

٢٠٢

فبدأ دان أوتا بالبكاء، لكن سارا قالت في احلال: "ال! ال تبك يا دان أوتا، فأبوك وأمك قاال لي أال أدعك تبكي أبدا".

عادت سارا للخروج، وعاد دان إلى امللل. وعندما رأى اجلمرات تتوهج أخذ دان واحدة منها، وزحف خارج الكوخ، فأشعل النار في مخزون الذرة وفي طحني شجرة اخلبز والفاصولياء، عندها وصلت سارا ورأت كل شيء، وقد

أكلته النار فصرخت:"أي! يا أخي دان! ماذا فعلت؟ لقد حرقت كل شيء كان عندنا لنأكله! كيف

سنعيش اآلن؟".وعندما سمعها دان، بدأ بالبكاء، لكن سارا قالت له بسرعة: "يا أخي دان أوتا ال تبك لقد أوصاني أبوك وأمك أال تبكي أبدا، وها أنت قد أحرقت كل

ما كان عندنا، ال بأس، تعال لنرى ماذا نفعل لنأكل".وضعت سارا دان على ظهرها، وربطته بثوبها وانطلقت نحو الغابة، فعثرت على طريق مشت فيه حتى وصلت إلى إحدى املدن، فوجدت نفسها في حي امللك، وهناك استقبلتهما الزوجة األولى للملك، وأبقتهما ليسكنا معها،

وصارت تقدم لهما الطعام يوميا.كانت سارا دائما حتمل دان أوتا على ظهرها، فأخذت النساء األخريات يسألنها:

"سارا، ملاذا حتملني دان على ظهرك دائما؟ ملاذا ال تضعيه على األرض وتتركيه يلعب مع األطفال اآلخرين؟".

فأجابت سارا: "دعوني وحالي، فإن أبي وأمي أوصياني أال يبكي أبدا، وعندما أحمله على ظهري فإنه ال يبكي، علي أن أحرص أال يبكي".

لكن دان أوتا في يوم من األيام قال لسارا: "أريد أن ألعب مع ابن امللك".فوضعته سارا على األرض، وأخذ دان يلعب مع ابن امللك، تناولت سارا جرة وخرجت لتبحث عن املاء، وفي األثناء أخذ ابن امللك غصنا فأخذ دان غصنا أخر وبدأ االثنان يلعبان باألعواد، فقلع دان إحدى عيني ابن امللك

الذي ارمتى سريعا على األرض.ابن اللحظة كانت سارا قد وصلت، ورأت دان وقد اقتلع عني في هذه امللك. لم يكن أحد هناك، لكن ابن امللك بدأ يصرخ، فتركت سارا اجلرة، وأخذت دان اوتا وخرجت من حي امللك، ومن ثم خرجت من املدينة كلها

مبا أمكنها من عجلة.

٢٠٥

لم يكن أحد موجودا عندما اقتلع دان عني ابن امللك، لكن الطفل استمر بالبكاء والصراخ فسمعه امللك وسأل:

"ملاذا يبكي ابني؟".املصيبة، الحظن وعندما حدث، ماذا ليرين نساؤه خرجت أخذن بالصراخ فسمع امللك صرخات زوجاته األربعني، فهرع إلى

املكان.- "ما هذا؟ من فعل ذلك؟". سأل امللك. فأجابه ابنه: "إنه دان أوتا".

قال امللك حلراسه: "اخرجوا، اذهبوا في كل أرجاء املدينة، ابحثوا عن سارا ودان أوتا".

ضالتهم، يجدوا لم لكنهم بيت، كل في وبحثوا احلراس انطلق فجمع امللك كل ناسه وكل جنوده املشاة واخليالة وقال لهم:

"لقد هربت سارا ومعها أخوها دان أوتا من املدينة، فابحثوا عنهما في الغابة، وأنا سأذهب بنفسي مع اخليالة للبحث عنهما".

لقد مضى يومان متتاليان على سارا وهي متشي، ودان أوتا على ظهرها، ولم تقو بعد، لكنها رأت من بعيد امللك وجنوده قادمني،

وكان بالقرب منها شجرة ضخمة، فقالت سارا لنفسها:"سأصعد هذه الشجرة، وهكذا ميكنني االختباء بني أوراقها".

بني واختبآ ظهرها، على دان يرافقها الشجرة إلى وصعدت الشجرة إلى وجنوده امللك وصل قليل وبعد الكثيفة، اخلضرة

فقال امللك:اخليزران كرسي متعب، ضعوا وأنا ليومني امتطيت خيلي "لقد

حتت هذه الشجرة، أريد أن أرتاح".نفذ اجلنود ما أمر به امللك، واسترخى امللك على كرسيه حتت

الغصن الذي جتلس عليه سارا ودان أوتا.متلمل دان أوتا، لكنه شاهد امللك في األسفل فقال: "سارا! سارا!".

بالبكاء، وأخذت سارا أوتا! اسكت!". فبدأ دان يا دان - "اسكت تقول له: "ال تبك يا دان أوتا! ال تبك فأبوك وأمك قاال لي: أال تبك

أبدا، فقل ما تشاء".

٢٠٤

فقال دان أوتا: "سارا أريد أن "أسوي بيبي"، أن أبول على رأس امللك".فغضبت سارا وقالت: "أي يا دان أوتا! سوف يقتلنا إذا فعلت ذلك". فبدأ دان بالبكاء.

فقالت سارا له: ال تبك، وافعل ما تشاء".وفعل دان ما يريد، وسقط السائل على رأس امللك، الذي وضع يده على رأسه، وحتسس الشيء الذي سقط على رأسه وقال: "هذا براز!" . فنظر

امللك إلى أعلى، ورأى سارا ودان أوتا. فصرخ:"احضروا الفؤوس، وقصوا الشجرة". فركض رجاله، وجلبوا الفؤوس، وبدأوا

يضربون على جذع الشجرة.الشجرة، عندها القوية، فانحنت وازدادت ضرباتهم تهتز، الشجرة أخذت

قالت سارا: "اآلن سيقبضون علينا، وسوف يقتلوننا".في احلال انطلق طائر عمالق فوق الغابة، وجاء ليحط على الشجرة التي

كانت سارة ودان يختبئان فيها، شاهدت سارا الطير وهو يقترب فقالت:"يا طائري العمالق إن رجال امللك سيقتلونني أنا ودان أخي، إذا أنت لم تنقذنا".

سمع الطير العمالق ما قالته سارا، فاقترب منها ومن أخيها، فوضعت سارا دان على ظهرها، لكن الشجرة سقطت في احلال، فالتقط الطائر سارا وأخيها وطار بهما عاليا فوق الغابة، واستمر بالتحليق عاليا. نظر دان إلى الطائر، فالحظ أنه يحرك ذيله كأنه مقود، فتمتع برؤية ذلك، لكنه بعد قليل

متلمل وقال: "سارا! سارا!".ردت سارا: "ماذا تريد بعد يا دان أوتا؟". فبدأ دان بالبكاء.

فقالت سارا: "ال تبك! ال تبك! فأبوك وأمك أوصياني أال تبكي، افعل ما تشاء".- "أريد أن أضع إصبعي في هذه الفتحة التي حتت ذيل الطائر!".

فقالت سارا: "إذا فعلت ذلك فسيدعنا الطير نهوي، وسوف منوت، لكن ال تبك، وافعل ما يحلو لك". فأدخل دان إصبعه في املكان الذي قال عنه، عندها طوى الطائر جناحيه، فسقطت سارة وهي حتمل دان على ظهرها، وعندما كانا قريبني من األرض، بدأت رياح قوية تصفر بزوابعها، فرأتها سارا وقالت لها: "أيتها

الريح! إننا نسقط، وبعد قليل سنرتطم باألرض، وسنموت إذا لم تنقذينا".فوصلت الريح، واختطفت سارا ودان وحملتهما إلى مكان بعيد، ثم ألقت

بهما بهدوء على األرض، فكان ذلك املكان غابة في إقليم بعيد.

٢٠٧

تقدمت سارا مع دان في الغابة وعثرت على طريق. ومشت فيه ودان على ظهرها، حتى وصال إلى مدينة كبيرة وأكبر من كل املدن، بوابة ضخمة من كانت اجلدار وفي وقوي، كبير بها سور يحيط احلديد، كانت تغلق عند الليل ألنه كل ليلة وبعدما ينقضي النهار بقليل، كان يظهر شبح مخيف يدعونه" دود" (Dod)، كان مرتفعا مثل البغل، لكنه لم يكن بغال، وكان طويال مثل أفعى ضخمة، لكنه لم يكن أفعى، كان قويا مثل الفيل، لكنه لم يكن فيال، كانت له عينان تتقدان

فتضيئان في الليل مثل الشمس في النهار، وكان له ذنب.كل ليلة، كان الدود يزحف باجتاه املدينة، ولهذا السبب أقاموا السور والبوابة الضخمة، ومن تلك البوابة دخلت سارا حتمل دان على ظهرها، امرأة عجوز، البوابة، كانت تسكن وخلف السور مباشرة، وإلى جانب

فطلبت سارا منها أن تشفق عليهما، فقبلت العجوز وقالت لهما:"كل ليلة يأتي دود املريع أمام املدينة، ويبدأ بالغناء بصوت قوي، جميعا، ويقتلنا املدينة، يدخل فإنه الدود غناء أحد ردد وإذا

فاحذري أن يصرخ دان، وهذا هو شرطي الوحيد الستقبالكما".وسط إلى سارا ذهبت التالي اليوم وفي شيء، كل دان سمع يابسة أغصانا دان أحضر األثناء وفي طعاما، لتحضر املدينة، وقطعا صغيرة من اخلشب، وجدها إلى جانب السور، وبعد ذلك ،(Makodi) "انطلق باجتاه املدينة، وكلما رأى حجرا من "املاكوديوهو حجر الصوان الذي يستخدم للجاروشة، كان دان أوتا يأخذه،

وهكذا جمع مائة حجر صوان وبعدها قال:"تبقى لي بعض اجلمر، وتابع في املدينة فرأى بعضها ملقى ومهمال".

وإلى جانب السور الذي كوم عنده احلطب، وضع أحجار املاكودي وأخفى اجلمرات حتتها. ولم يشعر أحد بفعلته هذه.

أوتا، يا دان البيت إلى الليل، قالت سارا له: "ادخل بسرعة في فـ"دود" املرعب سيأتي بعد قليل، وميكن أن يقتلنا".

فأجاب دان أوتا: "هذا اليوم أريد أن أبقى في اخلارج".قالت سارا: "ادخل إلى البيت".

وبدأ دان بالبكاء، لكن سارا بسرعة قالت له:

٢٠٦

"يا أخي دان أوتا! ال تبك! فأبوك وأمك أوصياني أال تبكي، وإذا أردت البقاء خارج البيت، فابق".

دخلت سارا إلى البيت عند العجوز، وبقي دان أوتا في اخلارج، يجلس أمام بيت العجوز.

كان كل سكان املدينة في بيوتهم، وقد أغلقوا األبواب عليهم، وكان دان أوتا هو االستثناء الوحيد، فركض إلى املكان الذي كوم فيه احلطب، وأشعل فيه النار فصارت أحجار الصوان حمما متقدة، وفي هذه اللحظة أحس بقدوم الوحش دود، فصعد دان أوتا على السور، وشاهد دود قادما من بعيد، كانت حدقات عينيه تضيئان مثل الشمس، وسمع دان أوتا دود وهو يغني بصوت

قوي ومرعب:من ومعناها: .(vuayanni agarinana ni dod) دود" ني أغارينانا "فوايانني

يشبهني في هذه املدينة أنا دود.عندما سمع دان أوتا ذلك، وهو يجلس على اجلدار، بدأ بالغناء، وبكل قوته

وجه صوته نحو دود: (naiyakay agarinana naiyakai ni auta) ناي ياكاي أغارينانا ناي ياكي ني أوتا"

ومعناها: "أنا أشبهك في هذه املدينة أنا أوتا".ويقترب، فوصل ويقترب، املدينة، يقترب من بدأ ذلك، دود عندما سمع

قريبا جدا، وصار يغني: "من يشبهني في هذه املدينة أنا دود".وعندما غنى دود ذلك، بدأت األشجار تهتز في الغابة، واألعشاب اليابسة

بدأت تشتعل، لكن أوتا أجابه: "أنا من يشبهك في هذه املدينة، أنا أوتا".قفز دود عن السور، ونزل أوتا راكضا، وذهب إلى جانب النار التي أشعلها،

فكانت أحجار الصوان تتوهج متقدة.أوتا مرة ثانية بصوت أكثر رعبا من قبل، فأجابه دان الدود عندها غنى ثانية، بينما كان الناس في املدينة يرجتفون من شدة اخلوف والهلع لسماعهم

صوت الشبح املريع.فاستوحش دود واستشرس كما لم يكن من قبل، وبدأ يردد أغنيته، وعندما

فتح فمه وقال:الصوان بأحجار أوتا دان ". قذفه .... (vuayanni) من يشبهني "فوايانني"

العشرة، فدخلت إلى حلقه. واستمر دود، يريد إكمال أغنيته وقال:

٢٠٩

أخرى، أحجار بعشرة أوتا قذفه عندها . "... املدينة هذه "في فبلع الصوان املتقد، وهاج، وبصوت منخفض أمت املقطع األخير

من أغنيته: "أنا دود".انتهز دان أوتا فتح الشبح لفكيه، وأدخل فيها ما تبقى من الصوان املشتعل، فصار الشبح يتلوى، ثم سقط على األرض هامدا. فصعد أوتا إلى اجلدار وبدأ يغني بصوته الطفولي: "من يشبهني في هذه

املدينة؟ أنا أوتا".العجوز السور، وأخذ سكينا كان قد أخرجها من بيت ونزل عن وأخفاها عن أخته، وبتلك السكني قطع أوتا ذيل الشبح، وأخفاه في مخالة، ودخل بها إلى غرفة العجوز، حيث انسل إلى فراش

سارة ونام.ا أرفعهم في صباح اليوم التالي، خرج جميع سكان املدينة من بيوتهم، أمشأنا، فلقد ذهبوا للقاء امللك، الذي سألهم: ما هذا الذي جرى في الليلة

املاضية؟".جرى ولقد اخلوف، من منوت كدنا لقد نعرف، "ال فأجابوه: احلادث قرب السور والبوابة احلديدية". عندها قال امللك لوزيره

املتخصص بشؤون الصيد: "اذهب، وانظر ماذا حصل".ذهب وزير الصيد إلى املكان، وصعد إلى السور فشاهد دود ميتا. "إن رجال جبارا قد قتل دود". له: إلى امللك وقال فعاد راكضا فأراد امللك رؤية ذلك، وامتطى جواده، وانطلق إلى السور، وهناك

رأى الشبح ممددا وقد فارقته احلياة، فصاح:طع ذيلها! احضروا لي الرجل الشجاع "حقا! لقد مات دود! وقد قالذي قتله". أحد الرجال ممن كان ميتلك لبؤة، قام بقتلها وقطع ذيلها، وآخر كان عنده جمل فقد ذبحه وقطع ذيله، وآخر كانت

عنده بقرة فذبحها وقطع ذيلها.وذهب كل واحد منهم إلى امللك وأبرز ذيل حيوانه وكأنه ذيل دود، لكن امللك عرف اخلديعة فقال: "كلكم مخادعون! ولم تقتلوا دود! فدود لم يقتله رجل من املدينة، أنا واجلميع سمعنا صوت طفل". وسأل: "هل يسكن بالقرب من البوابة احلديدية أي طفل غريب؟".

فذهب اجلنود إلى بيت العجوز وسألوها: "أيتها العجوز! هل يسكن هنا طفل جاء من الغابة؟".

٢٠٨

- "يسكن معي سارا وأخوها دان أوتا".فتوجه اجلنود بالسؤال إلى سارا:

"سارا! هل كان أوتا الصغير هو من قتل دود؟".أجابت سارا: "أنا ال أعرف شيئا! اسألوه هو!".

- "دان أوتا! هل أنت من قتل دود؟، فامللك يريد أن يعرف ذلك".لم يجب دان أوتا، إمنا أخذ املخالة وذهب مع اجلنود إلى امللك، وهناك فتح

املخالة وأخرج ذيل دود، ثم أبرزه إلى امللك، عندها قال امللك:"نعم دان أوتا! دان آوتا هو الذي قتل دود املريع".

وقام امللك مبنح مائة زوجة إلى دان أوتا ومائة حصان ومائة عبد ومائة بقرة ومائة ثوب ومائة نعجة ونصف املدينة.