العدد ٥ - فبراير ٢٠٢٠

3 |

املحتويات

افتتاحية العدد ................................................................................................................................. 5

أولويات العدالة االنتقالية: قوة القانون أم األمن املجتمعي؟

محمد الشرقاوي ................................................................................................................................ 9

أزمة الديمقراطية الليبرالية: األبعاد القيمية وآفاق اإلصالح السياسي

امحمد جبرون ..................................................................................................................................57

الخوارزميات وهندسة تفضيالت مستخدمي اإلعالم االجتماعي

فاطمة الزهراء السيد .................................................................................................................... 93

املغرب: استراتيجية االنفتاح االقتصادي ىلع إفريقيا وتحدياتها املستقبلية

خالد عثمان الفيل ......................................................................................................................... 141

شبكات التواصل االجتماعي والرقابة ىلع املحتوى: فيسبوك وإشكالية الجمع بين

التواصل اإلعالمي وحرية التعبير

محمد األمين موسى ..................................................................................................................... 177

أزمة الصحافة الورقية يف لبنان: أطروحة النهاية وإشكالية االستمرارية

محمد الراجي...................................................................................................................................221

قراءة يف كتاب

ديكاتورية الهويات

عبد السالم رزاق............................................................................................................................ 285

فعاليات

الجزيرة للدراسات يبحث أزمتي سد النهضة واألونروا وتحديات املوجة الثانية من الربيع العربي

محمد عبد العاطي ..................................................................................................................... 307

5 |

يســعى العــدد اخلامــس مــن )لبــاب( إلــى تكريــس هويتــه اإلعالميــة إلــى جانــب

ــدرس ــي ال ــة ف ــا جوهري ــاول قضاي ــة تتن ــة بحــوث مهم االســتراتيجية، مــن خــالل ثالث

اإلعالمــي املعاصــر.

ــوان: ــت عن ــاءت حت ــدد ج ــذا الع ــالف ه ــوع غ ــت موض ــي كان ــى الت ــة األول الدراس

“اخلوارزميــات وهندســة تفضيــالت مســتخدمي اإلعــالم االجتماعــي”، وهــذا املوضــوع

مــن الدراســات اإلعالميــة اجلديــدة والرائــدة، التــي متــزج التقنيــة االتصاليــة بدراســات

جمهــور وســائل اإلعــالم االجتماعــي، وهــو أساســي للبحــث االتصالــي، الســيما مــع

االنتشــار الضخــم للتقنيــة، واألمنــاط املســتحدثة من القيــم واملظاهــر والعــادات االتصالية.

ــالل ــن خ ــي م ــالم االجتماع ــائل اإلع ــور وس ــة” جمه ــة “هندس ــذه الدراس ــاول ه تتن

التعــرف علــى تفضيــالت هــذا اجلمهــور، بينمــا تتولــى الـ”خوارزميــات” حتويــل عــادات

االســتخدام إلــى أمنــاط ســلوكية للجمهــور. تســمح املعطيــات التــي توفرهــا هــذه اآلليــات

التقنيــة، باكتشــاف ميــول األفــراد، ناهيــك عــن اجلمهــور العــام، ومتنــح هــذه املعلومــات

فرصــا فريــدة ملنشــئي الرســائل االتصاليــة، لتوجيــه الــرأي العــام، وتوســيع قاعــدة التعرض

افتتاحية العدد

“لباب” وجهد البحث اإلعالمي

| 6

ــة السياســية أو لوســائل االتصــال، وضمــان أقصــى قــدر مــن النجــاح حلمــالت الدعاي

التجاريــة.

ــا آخــر بعنــوان: “شــبكات التواصــل االجتماعــي والرقابــة على ــن العــدد بحثــا إعالمي تضم

احملتــوى”، وهــو بحــث فــي جدليــة العالقــة بــن حريــة التعبيــر التــي توفرهــا بيئــة اإلعــالم

اجلديــد، وبــن كل مــن الفــرص التــي توفرهــا هــذه البيئــة لغيــاب التقاليــد املهنيــة فــي

اإلنتــاج املعرفــي، وكذلــك إرادات الــدول فــي وضــع ضوابــط رقابيــة وعقوبــات جنائيــة

ــة. ــا الوســائط االجتماعي ــة ومنه ــه املختلف ــت بوســائله ومنصات ــر اإلنترن ــر عب ــى النش عل

ــا ــى م ــة عل ــط رقابي ــن ضواب ــا فرضــه م ــوك وم ــس ب ــع الفي ــار الباحــث موق ــد اخت وق

ينشــره مســتخدموه كدراســة حالــة إلغنــاء البحــث واإلجابــة علــى مشــكلته.

ــا، هــو مــن بــن أبــرز معطيــات ونتائــج البحــث اإلعالمــي الثالــث تنــاول موضوعــا إعالمي

االنتقــاالت التكنولوجيــة فــي العالــم املعاصــر، ويتمثــل بأزمــة الصحافــة الورقيــة، وحقيقة

ــج ــل بالتدري ــف تنتق ــراءة الصح ــد ق ــت تقالي ــا بات ــا بعدم ــة عصره ــن نهاي ــا م اقترابه

ــر مــن الصحــف حنــو ــم الرقمــي، وكذلــك مــع حتــول كثي ــى العال وبشــكل متســارع إل

ــب وتراجــع ــف الطل ــاجل ضع ــي يع ــل منطق ــي كبدي ــن الورق ــدال م ــي ب اإلصــدار الرقم

ــة ــان كحال ــاول الباحــث لبن ــة للصحــف. تن ــات االقتصادي ــات، وتعاظــم األزم اإلعالن

عربيــة لهــذه الظاهــرة، الســيما أن لبنــان هــو مــن بــن الــدول العربيــة الرائــدة فــي ظهــور

ــدول ــن كل ال ــي ب ــل الصحف ــز األساســي للعم ــة املرك ــنوات طويل ــة وظــل لس الصحاف

ــف ــوم توق ــهد الي ــو يش ــا، وه ــة وحرفيته ــد املهن ــادة لتقالي ــة وإج ــا حري ــة وأكثره العربي

صحــف عريقــة فيهــا عــن اإلصــدار الورقــي.

فــي العــدد اخلامــس أيضــا دراســات مهمــة أخــرى، منهــا: “أولويــات العدالــة االنتقاليــة:

7 |

قــوة القانــون أم األمــن املجتمعــي؟”، وهــو بحــث معمــق فــي مفهــوم العدالــة االنتقاليــة،

ومناقشــة التســاؤل حــول أســبقية العدالــة وتطبيــق العقــاب علــى مجرمــي احلــرب وســائر

اجلنــاة خــالل فتــرة النــزاع أم أولويــة التعامــل مــع اآلثــار النفســية ملــا حــدث مــن أعمــال

ــم ــة ترمي ــا، ومحاول ــة للضحاي ــرة اجلماعي ــة الذاك ــام، وطبيع ــب االنتق ــف، ومطال العن

ــي: ــالث دول، ه ــارب ث ــث جت ــد درس الباح ــالم. وق ــاء الس ــة وبن ــة االجتماعي اللحم

ــا، واملغــرب. تشــيلي، وجنــوب إفريقي

ــذي أصابهــا ــل ال ــة اخلل ــة” مــن زاوي ــة الليبرالي دراســة أخــرى تناقــش “أزمــة الدميقراطي

فــي مركزهــا األساســي فــي الغــرب؛ حيــث بــدأت األفــكار الشــعبوية بالبــروز، بــل الفــوز

ــي، ــي والسياس ــج االجتماع ــذا املنه ــاط به ــة االرتب ــة، وعريق ــدان مهم ــي بل ــلطة ف بالس

مثــل: الواليــات املتحــدة وبريطانيــا. وقــد بنــى الباحــث فرضيتــه علــى اعتبــار أن األزمــة

العميقــة التــي تعانــي منهــا التجربــة الدميقراطيــة مبختلــف أوجههــا فــي الغــرب وخارجــه،

ثيــل، ومؤسســات. هــي أزمــة قيميــة فــي العمــق، وليســت أزمــة مت

والدراســة األخيــرة كانــت فــي االقتصــاد السياســي، وتتركــز علــى اســتراتيجية االنفتــاح

ــب ــة، حس ــت الدراس ــتقبلية. هدف ــا املس ــا وحتدياته ــى إفريقي ــي عل ــادي املغرب االقتص

ــا والعوامــل ــاح االقتصــادي علــى إفريقي ــة املغــرب فــي االنفت ــراز جترب الباحــث، إلــى إب

الداخليــة واإلقليميــة التــي أســهمت فــي حتقيــق هــذا االنفتــاح، باإلضافــة إلــى مناقشــة

أثــره علــى التحديــات الهيكليــة التــي يعانــي منهــا االقتصــاد املغربــي، ورصــد التحديــات

املســتقبلية لهــذا االنفتــاح.

ــاب، وتناولــت فــي ــة فــي كت ــة بالقــراءة النقدي ل ــة ممث ــواب الثابت وفــي العــدد أيضــا األب

هــذا العــدد كتابــا بعنــوان: “ديكتاتوريــة الهويــات”، فضــال عــن زاويــة الفعاليــات التــي

افتتاحية العدد

| 8

ــرة ــز اجلزي ــا مرك ــي أقامه ــة الت ــة والعلمي ــطة البحثي ــات واألنش ــازا للفعالي ــت إيج تناول

ــة. ــرة املاضي للدراســات خــالل الفت

هيئة التحرير

9 |

أولويات العدالة االنتقالية :قوة القانون أم األمن املجتمعي؟

محمد الشرقاوي*

مقدمة

تفيــد العدالــة االنتقاليــة فــي أبســط تعريفاتهــا، كمــا قــال األمــن العــام الســابق لــأمم

املتحــدة، كوفــي عنــان، أنهــا “كامــل نطــاق العمليــات واآلليــات املرتبطــة باحملــاوالت

ــه ــة كفالت ــا املجتمــع لتفهــم وجتــاوز تركــة املاضــي الواســعة النطــاق بغي ــي يبذله الت

للمســاءلة وإحقــاق العــدل وحتقيــق املصاحلــة”)1(. وتتفــق التعريفــات األخــرى علــى

أن العدالــة االنتقاليــة تنطــوي علــى “الطــرق التــي تعــاجل بهــا البلــدان اخلارجــة مــن

فتــرات الصــراع والقمــع مــا عانتــه مــن انتهــاكات متعــددة وواســعة النطــاق حلقــوق

ــن نظــام العدالــة العــادي مــن التعامــل املناســب معهــا”)2(. اإلنســان، والتــي لــم يتمك

بيــد أن أوجــه تطبيــق العدالــة االنتقاليــة تتبايــن حســب ســياقاتها ودينامياتهــا السياســية

والقانونيــة وأحيانــا اإلجرائيــة بــن جتــارب الــدول التــي اختــارت هــذا املســعى لتجاوز

ــار ــق األمــن املجتمعــي. وتكمــن اإلشــكالية الرئيســية فــي اخلي ــزاع وحتقي ــاد الن أحق

Re�( ”أو “تصاحليــة ،)Punitive )االســتراتيجي الصعــب بــن الســعي لعدالــة “عقابيــة”

* د. محمد الشرقاوي، باحث أول مبركز اجلزيرة للدراسات.

| 10

storative(، أو “انتقاليــة” )Transitional( حتــت شــعار جتــاوز الصــراع وتراكــم العــداء

ــق القانــون ــة تطبي ــة واملجتمــع. وتنقســم اآلراء بــن أحقي ــم العالقــة بــن الدول وترمي

ج فــي احلســابات ــة التــدر ــاة وإنصــاف الضحايــا وأفضلي ــا وروحــا وعقــاب اجلن نص

ــزج ــات وال ــزال العقوب ــد بإن ــة ال تعت ــة وطني ــق مصاحل ــي حتقي ــث ف ــة والتري القانوني

مبرتكبــي انتهــاكات حقــوق اإلنســان فــي الســجون بقــدر مــا حتــرص علــى التوصــل

إلــى تعايــش مجتمعــي وطــي صفحــة املاضــي األليــم.

مــن هــذا املنطلــق، تركــز هــذه الدراســة علــى الســجال املفتــوح بــن خبــراء تســوية

ــل ــة: ه ــد األولوي ــول حتدي ــالم ح ــاء الس ــعى لبن ــي تس ــات الت ــات واملؤسس النزاع

ــاة خــالل هــي أســبقية العدالــة وتطبيــق العقــاب علــى مجرمــي احلــرب وســائر اجلن

فتــرة النــزاع أم أولويــة التعامــل مــع اآلثــار النفســية ملــا حــدث مــن أعمــال العنــف،

ومطالــب االنتقــام، وطبيعــة الذاكــرة اجلماعيــة للضحايــا، ومحاولــة ترميــم اللحمــة

االجتماعيــة وبنــاء الســالم. وتهتــم بتحليــل جدليــة هــذه الثنائيــة ليــس علــى املســتوى

ــاوالت ــي مح ــة ف ــة العملي ــم احلصيل ــا تقيي ــل وأيض ــب، ب ــي فحس ــري األكادمي النظ

حتقيــق العدالــة االنتقاليــة فــي مراحــل زمنيــة متباينــة وفــي جغرافيــات متباعــدة. وتبعــا

لذلــك، تســتهدف تقييــم حصيلــة التعامــل مــع جدليــة: العدالــة أم األمــن املجتمعــي؟

Rettig( ضمــن جلــان ومشــاريع املصاحلــة فــي تشــيلي أو مــا عــرف بتقريــر جلنــة ريتيــغ

ــة ــا )1996(، وهيئ ــوب إفريقي ــي جن ــة ف ــة واملصاحل ــة احلقيق Report( )1991(، وجلن

اإلنصــاف واملصاحلــة فــي املغــرب )2004(، وكيــف حاولــت التوفيــق بــن مقتضيــات

تطبيــق القانــون والعقــاب واعتبــارات الســالم املجتمعــي.

ويعــزى ســبب اختيــار هــذه التجــارب الثــالث إلــى قربهــا الزمنــي مــن هــذه املرحلــة،

11 |

وقــد متــت بــن نهايــة قــرن وبدايــة آخــر بــن أقصــى جنــوب وأقصــى شــمال القــارة

اإلفريقيــة ووســط القــارة األميركيــة الالتينيــة. كمــا أنهــا تعــد مــن أهــم، إن لــم تكــن

األهــم، بــن جتــارب العدالــة االنتقاليــة فــي العقــود الثالثــة املاضيــة الســتخراج بعض

ــد ــي ســوريا بع ــول ف ــاء الســالم املأم ــي بن ــد ف ــي ميكــن أن تفي ــر الت ــدروس والعب ال

ســنوات احلــرب األهليــة، وتشــريد نصــف الشــعب الســوري، ومقتــل قرابــة نصــف

مليــون مــن املدنيــن منــذ أحــداث درعــا، فــي مــارس/آذار 2011. ويتمســك بعــض

ــأن جرميــة بحجــم اجلرميــة فــي ســوريا ال ــر ب ــي التذكي ــه “ينبغ ــول: إن الســورين بالق

ميكــن مقاربتهــا بوجــه واحــد مــن أوجــه العدالــة، بــل البــد مــن مزيــج مــن املقاربــات

للمســاعدة علــى ختطــي اللحظــة، والبنــاء علــى أســاس قانونــي ســليم”)3(.

ــي ــا ف ــل وأيض ــب، ب ــوريا فحس ــي س ــس ف ــودة، لي ــة املنش ــارات العدال ــر أن مس غي

ــوي ــة، تنط ــدول العربي ــة ال ــرب وبقي ــر واملغ ــس واجلزائ ــا وتون ــر وليبي ــن ومص اليم

ي فــي التعامــل مــع التركــة النفســية، وآثــار علــى ضــرورة التفكيــر والتخطيــط املتــرو

ــارف ــا يتع ــتبداد، أو م ــش واالس ــا البط ــدى ضحاي ــا، ل ــدية أحيان ــب اجلس التعذي

ــي )�1961 ــى تســميته “ســنوات الرصــاص” خــالل حكــم احلســن الثان ــة عل املغارب

1999(. بيــد أن تفعيــل آليــات تلــك العدالــة مــن خــالل عمليــات كشــف احلقيقــة أو

إجــراءات العدالــة اجلنائيــة ميكــن أن يهــدد عمليــات بنــاء الســالم فــي دول ال يــزال

ــوة النقــض)4(. ــون بق ــا يتمتع ــف فيه ــو أعمــال العن مرتكب

ال غرابــة أن تعــود بنــا إرهاصــات الســعي للمصاحلــة، أو باألحــرى احلاجــة ملصاحلــات

ــوذج ــم النم ــل تصمي ــن أج ــع األول م ــى املرب ــد، إل ــع الواح ــل املجتم ــة داخ عربي

واآلليــات املناســبة لتعقيــدات احلــروب األهليــة والصراعــات الداخليــة علــى امتــداد

أولويات العدالة االنتقالية: قوة القانون أم األمن المجتمعي؟

| 12

ــتراتيجيات ــات واس ــل الدراس ــت ج ــراق. وأصبح ــى الع ــرب حت ــن املغ ــا م اجلغرافي

الهيئــات الدوليــة التــي تتعامــل مــع الصراعــات تدافــع عــن ضــرورة تطبيــق العدالــة

االنتقاليــة بتفريعــات مختلفــة كإحــدى أهــم ركائــز بنــاء الســالم فــي املجتمعــات التــي

مزقتهــا احلــرب. وتســتمد زخمهــا النظــري مــن الفكــرة املفصليــة التــي بلورهــا أســتاذ

ــز ــر املنظــار: تركي ــه “تغيي دراســات اإلجــرام هــاورد زيهــر )Howard Zehr( فــي كتاب

جديــد علــى اجلرميــة والعدالــة”)5(.

تهتــم الدراســة أيضــا بدراســة الرؤيــة الفلســفية ضمــن عمــل احملكمــة اجلنائيــة الدوليــة

ــاء الســالم، وإلــى أي حــد تــدور هــذه ــات بن ــاة مبعــزل عــن متطلب ــة اجلن فــي معاقب

ــة ــا منظوم ــت فيه ــي ترعرع ــة الت ــات اإلجرامي ــل الدراس ــك حق ــي فل ــفة ف الفلس

العدالــة االنتقاليــة وليــس فــي حقــل فــض النزاعــات وبنــاء الســالم الــذي ال يتحمــس

لعدالــة انتقاليــة لــن ختــدم بالضــرورة الهــدف الرئيســي املتمثــل فــي األمــن املجتمعــي.

ويتحــرك هــذا التحليــل علــى مســتوين: أولهمــا: اعتمــاد عنصــري املنطــق القانونــي

ومنطــق األمــن املجتمعــي كنقــاط تقاطــع فــي حتليــل مشــاريع املصاحلــة الوطنيــة فــي

ــر النظــري الفلســفي لفكــرة ــن التأطي ــة ب ــا: ضــرب مقارن ــالث. وثانيهم ــدول الث ال

ــا ــفته عملي ــا كش ــع م ــا م ــر عام ــتة عش ــل س ــة قب ــة الدولي ــة اجلنائي ــيس احملكم تأس

ــا ــن الضحاي ــة ب ــرة اجلماعي ــرديات والذاك ــات والس ــر االنطباع ــتراتيجيات تغيي اس

واجلنــاة فــي حقبــة مــا بعــد وقــف إطــالق النــار.

1. مرحلة التنظري للعدالة االنتقالية

ــي ــوق اإلنســان الت ــاع عــن حق ــة إحــدى أذرع حركــة الدف ــة االنتقالي ل العدال تشــك

ــا ــي، واختزله ــي الغرب ــور الليبرال ــق التص ــة وف ــة الثاني ــرب العاملي ــب احل ــت عق قام

13 |

Louis Hen� )الرئيــس الســابق للجمعيــة األميركيــة للقانــون الدولــي، لويــس هنكــن،

ــاد ــح أي انتق ــي، يصب ــوق”)6(. وبالتال ــر احلق ــارة “عص ــي عب kin( )1917-2010( ف

أو تقييــم ملشــاريع العدالــة االنتقاليــة مبنزلــة نقــد للحركــة الدوليــة للحريــات العامــة.

ــارم ــي الص ــي أو اإلجرائ ــار القضائ ــع املس ــع ال يتب ــي أرض الواق ــا ف ــد أن حتقيقه بي

علــى غــرار اجلرائــم العاديــة، بــل يعتمــد علــى “نســق مختلــف مســتوحى مــن فلســفة

ــا ــزة بوضــوح”، و”ال ميكــن احلكــم علــى أنســاق مختلفــة بنفــس املعاييــر، متام متمي

ــة”)7(. ــة وفــق قواعــد كــرة القــدم الدولي كمــا ال ميكــن لعــب كــرة القــدم األميركي

ز الزخــم النظــري للعدالــة أيضــا بالســجاالت الفلســفية التــي شــهدتها ســبعينات تعــز

القــرن املاضــي حــول اجلــدوى مــن االســتمرار في معاقبــة املجرمــن ألنهم “يســتحقون

ــض ــم اإلجــرام. وواصــل بع ــات عل ــي أدبي ــت حتتضــر ف ــك”، وهــي فكــرة كان ذل

فقهــاء القانــون والفالســفة النقــاش حــول نظريــات االنتقــام، وإن لــم يكــن لديهــم

وقتهــا ســوى تأثيــر محــدود فــي السياســات العامــة)8(. ويالحــظ الباحثــان فــي علــم

ــت )Philip Pettit(، أن ــب بوتي ــت )John Braithwaite( وفيلي ــون بريثوي ــرام، ج اإلج

ــة ــذاك مــن “اإلدراك أن النزعــة املنفعي ــم يتغــذ آن التوجــه حنــو املنحــى االنتقامــي ل

ــق ــا مــن التوثي ــل وأيض ــاء بوعودهــا فحســب، ب ــي الوف ــة فشــلت ف ــة الوقائي والعدال

املتنامــي للمظالــم التــي حتــدث باســم العدالــة الوقائيــة مــن اإلجــرام”)9(.

علــى مــر العقــود الثالثــة املاضيــة، مت اعتمــاد برامــج طموحــة تنبنــي علــى مجموعــة

مبــادئ يعتبرهــا هــاورد زيهــر “أســئلة توجيهيــة أو استرشــادية” ضمــن رؤيتــه املتشــبعة

ــر. ــار آخ ــى أي اعتب ــون عل ــو القان ــة ومس ــال اإلجرامي ــى األعم ــاب عل ــفة العق بفلس

فكانــت نظريتــه امتــدادا ملــا مســاه “منــوذج العدالــة احلالــي، علــى األقــل فــي الغــرب،

أولويات العدالة االنتقالية: قوة القانون أم األمن المجتمعي؟

| 14

الــذي ينشــغل بتحديــد هويــة الشــخص اجلانــي، وحتديــد مــن يســتحق اللــوم، وحتميله

ــي ــار قانون ــواة إط ــا ن ــه تدريجي ــت نظريت ــب”)10(. وأصبح ــم املناس ــاب أو األل العق

دولــي أوســع للتعامــل مــع مــا حــدث مــن خطايــا بغيــة جتــاوز مرحلــة الصــراع وبنــاء

الســالم.

ــع ــم املجتم ــاعي ترمي ــع مس ــة م ــي متوازي ــا القانون ــي بعده ــة ف ــذه العدال ــل ه تظ

ــة، وتأســيس جلــان ــدء احلــوار واملصاحلــة الوطني ــة مــن خــالل ب ــه مــع الدول وعالقت

احلقيقــة واإلنصــاف والكرامــة، وحفــظ الذاكــرة، وجبــر الضــرر، ومنــح تعويضــات

ماديــة واعتبــارات معنويــة للضحايــا وأســرهم، وإصــالح مؤسســات األجهــزة

ــا تــداول مفاهيــم فرعيــة جديــدة، مثــل: احلــق فــي األمنيــة واجليــش. فاتســع تدريجي

Reconcilia�( ــة ــرر )Reparations(، واملصاحل ــر الض Restitution(، وجب ــض )التعوي

Restorative( والعدالــة التصاحليــة ،)Remembrance( واحلفــاظ علــى الذاكــرة ،)tion

ــل ــي األص ــي ف ــم تنبن ــذه مفاهي ــا )Rectification(. وه ــح اخلطاي Justice(، وتصحي

علــى تصــور أوروبــي مفــاده أن اجلرميــة انتهــاك لأفــراد والعالقــات الشــخصية، وأن

ــاء)11(. ــح األخط ــزام املركــزي هــو تصحي ــات، وأن االلت ــق التزام ــاكات ختل االنته

تتســق العدالــة االنتقاليــة أيضــا مــع فلســفة األديــان وأنثروبولوجيــا الثقافــة لــدى أغلــب

املجتمعــات فــي الغــرب والشــرق مــن خــالل االعتــداد بالوجــود الفردي/املجتمعــي

ــواب ــن الص ــدوى م ــول اجل ــاف ح ــا، وااللتف ــه بعض ــن بعض ــط ب ــترك واملتراب املش

ــى شــتى األديــان الشــامل )all�rightness( حتــى فــي حــاالت الصــراع والقتــل. وتتبن

مهــا والثقافــات بعــض املرونــة فــي احتــواء مضاعفــات الصــراع باعتبارهــا أخطــاء يقو

املجتمــع ومســلكا حنــو اعتــذار اجلانــي ومغفــرة الضحيــة. وهــذا جــزء ال يتجــزأ مــن

15 |

مفهــوم “شــالوم” كنايــة عــن فكــرة الصــواب فــي تدبيــر العالقــات االجتماعيــة فــي

الديانــة اليهوديــة. نفــس الفرضيــة تتبناهــا ثقافــة “واكابــا” )Whakappa( لدى شــعوب

املــاوري )Maori( األصليــة فــي نيوزيالنــدا)12( وجــزر كــوك )Cook(، وأيضــا ثقافــة

ــا)13(، وثقافــة هــوزو )Hozho( لــدى شــعوب أوبونتــو )Ubuntu( فــي جنــوب إفريقي

نافاهــو )Navajo( األصليــة فــي أميــركا الشــمالية)14(.

ــالمية ــة اإلس ــي الثقاف ــية ف ــر رئيس ــة عناص ــا العملي ــة وإجراءاته ــوم العدال ــر مفه يعتب

التــي تتمســك بهــا مبــوازاة احلــث علــى الصلــح أو املصاحلــة وترميــم العالقــات بــن

أفــراد املجتمــع. ومثــة فــي القــرآن الكــرمي أكثــر مــن إشــارة إلــى هــذه الصلــة القويــة

ــورة ــاس” )س ــن الن ــالح ب ــروف أو إص ــة أو مع ــر بصدق ــن أم ــى: “إال م ــه تعال كقول

ــن أخويكــم” )ســورة ــون إخــوة فأصلحــوا ب ــا املؤمن النســاء: اآليــة 114(، وأيضــا “إمن

ــك ليهلــك القــرى بظلــم وأهلهــا احلجــرات: اآليــة 10(، واآليــة الكرميــة “ومــا كان رب

ــري، ــن زعت ــالء الدي ــور ع ــدد الدكت ــة 117(. ويش ــود: اآلي ــورة ه ــون” )س مصلح

مديــر اإلفتــاء العــام والتدريــس الدينــي فــي وزارة األوقــاف الســورية، علــى القــول:

ــاء ــواءه األنبي ــع ل ــل تشــاركي، هــي مشــروع حضــاري إنســاني رف إن املصاحلــة “فع

ــه احلكمــاء واملصلحــون ويســير علــى دربهــم الســادة العلمــاء واملرســلون، رفــع رايت

ــا ــد م ــن بع ــاب إال م ــوا الكت ــن أوت ذي ق ال ــر ــا تف املخلصــون... هــل حنــن نعمــل “وم

جاءهــم العلــم بغيــا بينهــم”؟ هــل العلــم هــو طريــق للحضــارة والرقــي أم هــو وســيلة

للدمــار والهــالك؟ هــل املعرفــة بينــي وبــن اآلخــر هــي طريــق للمصاحلــة واإلصــالح

“لتعارفــوا” أم هــي وســيلة لالنكمــاش أو التعصــب أو النفــور أو البعــد ثــم الصــدام ثــم

ــال؟”)15(. احلــرب والقت

أولويات العدالة االنتقالية: قوة القانون أم األمن المجتمعي؟

| 16

ــاءة وحقيقيــة تظــل رهينــة مبــدى اســتعداد بيــد أن فرضيــات التوصــل إلــى مصاحلــة بن

ــذار ــول االعت ــى قب ــر عل ــرف اآلخ ــدرة الط ــرم، وق ــب أو اجل ــرار بالذن ــرف باإلق ط

ــة ــة والدائم ــة احلقيقي ــى املصاحل ــق إل ــة “ننطل ــباب اخلصوم ــا أس ــإذا أزلن ــو. ف والعف

ــن، ــن املتباعدي ــافة ب ــا املس بن ــوه، قر ــن الوج ــه م ــى وج ــا عل ــتمرة، إذا تراضين واملس

ربطنــا جســور املــودة بــن املتخاصمــن، حققنــا جــزءا كبيــرا مــن املصاحلــة. إذا وصلنا

فــي مصاحلتنــا إلــى التســامح وســاد األمــان وســاد االطمئنــان والســالم واخليــر، فإنــا

جنحنــا فــي املصاحلــة. هــذه املقومــات بإزالــة األســباب، بتــراض علــى بعــض الوجوه،

بتســامح ابتــداء ثــم عفــو انتهــاء”)16(.

2. عند تقاطع اإلنسانية والقيم الكونية

ــدية ــية واجلس ــة النفس ــام بالترك ــزداد االهتم ــرين، ي ــادي والعش ــرن احل ــع الق ــع مطل م

ــات ــدى هيئ ــواء ل ــان س ــوق اإلنس ــاكات حق ــف وانته ــات العن ــروب ومضاعف للح

ــي ــة، أو ف ــات العام ــرد واحلري ــة الف ــاع عــن كرام ــى الدف ــي تتول ــي الت ــع املدن املجتم

املجــال السياســي، أو احلقــل األكادميــي. ويســتمر التفاعــل بــن الباحثــن بعــد ظهــور

)The Age of Apology( )17(”عــدة مؤلفــات فــي هــذا الصــدد مثــل “عصــر االعتــذار

The Politics( )18(”و”سياســة اللوم والتكفيــر ،)Roy Brooks( )1999( لــروي بروكــس

of Blame and Atonement( لبراهونــا ديبريتــو )Barahona de Brito( وبالومــا أغيــالر

ــة ــي )Gonzalez Enriquez( )2001(، و”سياس ــس إينريك )Paloma Aguilar( وغونزالي

.)Jeffery Olick ( )2013( ــك ــري أولي ــف”)Politics of Regret( )19( جليف األس

أســهمت أفــكار هــاورد زيهــر أيضــا بشــكل غيــر مباشــر فــي حشــد التأييــد بــن أغلب

الــدول علــى اجلــدوى مــن تأســيس احملكمــة اجلنائيــة الدوليــة مبقتضــى اتفاقيــة رومــا

17 |

التــي دخلــت حيــز التنفيــذ فــي األول مــن يوليو/متــوز عــام 2002 بعضويــة 123 دولــة

ــر العرقــي، أو ــة األشــخاص املدانــن بتهــم ارتــكاب جرائــم التطهي مــن أجــل معاقب

جرائــم حــرب، أو جرائــم ضــد اإلنســانية. وتنــص ديباجــة االتفاقيــة علــى أنــه “يجــب

أال متــر أخطــر اجلرائــم التــي تهــم املجتمــع الدولــي ككل دون عقــاب”، وأن املهمــة

األساســية للمحكمــة اجلنائيــة الدوليــة تتمثــل فــي “املســاعدة فــي وضــع حــد إلفــالت

ــي تهــم املجتمــع الدولــي ككل مــن العقــاب، وبالتالــي ــم الت ــي أخطــر اجلرائ مرتكب

اإلســهام فــي منــع هــذه اجلرائــم”)20(، وتنــم فلســفة تأســيس احملكمــة اجلنائيــة الدولية

ــر علــى املجتمــع الدولــي عقــب احلــرب عــن بعــض التشــبع باملنطــق القانونــي الــذي أث

ــة الثانيــة. وقــد جــاء فــي حكــم احملكمــة العســكرية الدوليــة، فــي األول مــن العاملي

ــي يعاقــب عليهــا القانــون الدولــي ــم الت أكتوبر/تشــرين األول عــام 1946، أن “اجلرائ

ــون ــود القان ــرض بن ــن ميكــن ف ــة، ول ــات جتريدي ــس كيان ــا أشــخاص، ولي ــوم به يق

الدولــي إال مــن خــالل معاقبــة أولئــك األشــخاص”)21(.

قــررت األمم املتحــدة تأســيس جلنــة العقوبــات، عــام 2006، مبقتضــى القــرار 1718

ا علــى أول اختبــار نــووي قامــت بــه كوريــا الشــمالية وفــرض عقوبــات اقتصاديــة رد

ــراء عــام 2009. ــل أن اتســع نطــاق العمــل بنظــام العقوبــات وتشــكيل جلــان اخلب قب

ــا فــي متابعــة املجتمــع الدولــي لتطــورات وأصبــح مطلــب املســاءلة واحملاســبة محوري

األوضــاع فــي مختلــف بــؤر الصــراع وفــي مقدمتهــا التطاحنــات املســلحة فــي عــدة

دول فــي إفريقيــا. يقــول نيــك غرونــو )Nick Grono(، النائب الســابق لرئيــس مجموعة

األزمــات الدوليــة، بشــأن تقلبــات الصــراع فــي أوغنــدا مثــال، حيــث كان جوزيــف

كونــي )Joseph Kony(، زعيــم جيــش مقاومــة الــرب املعــارض، يقاتــل احلكومــة:

أولويات العدالة االنتقالية: قوة القانون أم األمن المجتمعي؟

| 18

ــة عــن اإلفــالت مــن ــه رســالة قوي ــأي شــيء ينطــوي علــى توجي ــام ب إن “عــدم القي

العقــاب، ويــدمي الشــعور الرهيــب بالصدمــة، والضيــاع، والظلــم، واالســتبعاد الــذي

يشــعر بــه الضحايــا. وفــي الوقــت ذاتــه، فــإن تفعيــل آليــات العدالــة االنتقاليــة مــن

خــالل عمليــات قــول احلقيقــة أو آليــات العدالــة اجلنائيــة ميكــن أن يعــرض عمليــات

ــض. ــق النق ــون بح ــف يتمتع ــو العن ــزال مرتكب ــث ال ي ــر حي ــة للخط ــالم الدقيق الس

ــا ــر دني ــة التــي ال تضمــن معايي ــة االنتقالي ــر مــن ذلــك، فــإن عمليــات العدال واألكث

ــم ــح أن يت ــن املرج ــون م ــيادة القان ــليمة وس ــة الس ــراءات القانوني ــن اإلج ــة م معين

إســقاطها أو تسييســها بســرعة”)22(؛ فــال غرابــة أن يصبــح بنــاء الســالم عمليــة معقــدة

تنــم عــن احليــرة فــي ترتيــب اخلطــوات العمليــة كنــواة لتحقيــق العدالــة االنتقاليــة.

ــن ــة ب ــة االنتقالي ــفة العدال ــار فلس ــاق انتش ــع نط ــي، يتس ــياق الدول ــذا الس ــي ه ف

الفئــات املتضــررة مــن احلــروب األهليــة، وتــزداد املطالبــة بتحقيقهــا فــي كافــة أرجــاء

العالــم. وفــي ظــل توقعــات املركزيــة الليبراليــة الغربيــة، أصبحــت العجالــة االنتقاليــة

كإجــراء معيــاري مــن الناحيــة القانونيــة واألخالقيــة مبنزلــة تصــور تبســيطي للعدالــة،

بــل غــدت متثــل طريقــا مختصــرا لالنتقــال مــن احلكــم االســتبدادي إلــى دميقراطيــة

ــة ــة االنتقالي ــى أن العدال ــي التشــديد عل ــي. لكــن، ينبغ ــة حســب الطــراز الغرب متثيلي

ــى مــن فــراغ نظــري أو كحصيلــة للعمــل الفكــري فــي مجــال حقــوق اإلنســان ال تتأت

مقيــاس قيمــي فــي املجتمعــات املعاصــرة، بــل باعتبارهــا مؤسســة لهــا ثقــل نظــري

دولــي فــي املشــروع األكبــر حلقــوق اإلنســان كقيــم أصبحــت كونيــة.

ــور )Louise Arbour(، املفوضــة الســامية ــز أرب ــدو أن لوي ــي، يب ــى املســتوى العمل عل

هــت لــدى األمم املتحــدة حلقــوق اإلنســان ســابقا، دخلــت كتــب التاريــخ عندمــا وج

19 |

ــي، ــس الصرب ــه، هــو الرئي ــزال ميــارس صالحيت ــة وهــو ال ي ــس دول ــى رئي ــم إل الته

ــه االتهــام تقــول: إنــه “يجــب أن ســلوبودان ميلوســوفيتش؛ فكتبــت فــي قــرار توجي

يكــون للعدالــة االنتقاليــة طمــوح للمســاعدة فــي حتويــل املجتمعــات املضطهــدة إلــى

مجتمعــات حــرة مــن خــالل معاجلــة مظالــم املاضــي باختــاذ تدابيــر مــن شــأنها ضمان

مســتقبل عــادل”)23(. “وقــد تتخــذ هــذه الهيئــات -مثــل املفوضيــة الســامية حلقــوق

ــابهة: 1( ــات متش ــم مبواصف ــا تتس ــد أنه ــة، بي ــات متباين ــا وصالحي ــان- صيغ اإلنس

التركيــز علــى األحــداث املاضيــة، وليــس اجلاريــة. 2( التحقيــق فــي منــط األحــداث

التــي وقعــت علــى مــدى فتــرة زمنيــة معينــة. 3( التعامــل املباشــر وعلــى نطــاق واســع

مــع الســكان املتضرريــن، وجمــع املعلومــات عــن جتاربهــم. 4( يتــم تأسيســها كهيئــات

ــا أو مخولــة مــن قبــل مؤقتــة بهــدف إعــداد تقاريــر نهائيــة. 5( هيئــات معتمــدة رمسي

الدولــة وتكــون قيــد املراجعــة”)24(.

3. روافد مأسسة العدالة االنتقالية

مت تأســيس املجلــة الدوليــة للعدالــة االنتقاليــة عــام 2007، وجــاء فــي أحــد أعدادهــا

“خــالل العقديــن املاضيــن، أصبحــت البلــدان اخلارجــة مــن تاريــخ منقســم تدمــج

ــم املاضــي ــد مــن أجــل الكشــف عــن جرائ ــة بشــكل متزاي ــة االنتقالي ــات العدال آلي

والتعامــل معهــا. لقــد بــرزت العدالــة االنتقاليــة ســريعا كمجــال معتــرف بــه للخبــرة

ــا. )...( ــا بحــد ذاته ــا أكادميي ــر ختصص ــوم، تعتب ــة. والي ــة والقانوني السياســية والبحثي

ومــن خــالل االستشــهاد بعمليــات العدالــة االنتقاليــة كوســيلة أساســية لتحقيــق هــذا

الهــدف، أعلــن كوفــي عنــان أن األمم املتحــدة تعمــل علــى اعتمــاد “أدوات جديــدة

ــع ــد الصــراع”)25(. وم ــا بع ــي دول م ــة ف ــة االنتقالي ــات العدال ــز عملي ــة” لتعزي مهم

أولويات العدالة االنتقالية: قوة القانون أم األمن المجتمعي؟

| 20

شــيوع مفهــوم العدالــة االنتقاليــة بــن شــتى الهيئــات احلقوقيــة والسياســية وحتليلهــا

ضمــن الكتابــات األكادمييــة، فإنــه ال يــزال يثيــر ســجاال مفتوحــا حــول الغايــة مــن

حتقيقــه رغــم التوافــق النظــري واإلجرائــي علــى أنــه يشــمل سلســلة ممارســات وأدوات

وآليــات تســتهدف التعامــل مــع خطايــا املاضــي مثــل احملاكمــات، وجلــان احلقيقــة،

ــر الضــرر)26(. ــر، والتدقيــق، وجب ــات التطهي وعملي

ينــم هــذا الســجال أيضــا عــن مــدى املنحــى البراغماتــي أو العملــي فــي قيــاس حتقيــق

ــة ــدة كوني ــي)27(، أو قاع ــروع كون ــة “مش ــت مبنزل ــي أصبح ــة الت ــة االنتقالي العدال

ــف أن ــن كي ــض احمللل ــظ بع ــن”)29(. ويالح ــي مهيم ــور دول ــدة)28(، أو تص جدي

الــدول اخلارجــة مــن دوامــة احلكــم االســتبدادي أو فتــرات العنــف والنــزاع املســلح

“أصبحــت مطالبــة اآلن بــأن تقــوم بنشــر آليــات العدالــة االنتقاليــة مــن أجــل تســهيل

ــي ــة ف ــراون )Kathrin Braun(، الباحث ــن ب ــول كاثري ــال”)30()31(، وتق ــة االنتق عملي

ــة ــرة زمني ــا: إن “مفهــوم االنتقــال يعمــل ضمــن فت ــم االجتمــاع فــي جامعــة فيين عل

ــد ــية: 1( لق ــة والسياس ــات املعياري ــن االفتراض ــلة م ــن سلس ــة، يتضم ــية معين سياس

ــى املاضــي، والعالقــة بــن املاضــي واحلاضــر فــي حالــة توقــف. 2( كان املاضــي ول

ــة أو تغاضــت عنهــا، وينبغــي اآلن ــي ارتكبتهــا الدول ــة الت ــا املنهجي ــرة مــن اخلطاي فت

جتــاوز ميــراث املاضــي. 3( احلاضــر هــو فتــرة التغييــر، فيمــا تتجــه الدولــة واملجتمــع

ــة، ــق الســالم والدميقراطي ــة، ومبجــرد حتقي حنــو مســتقبل يتســم بالســالم والدميقراطي

ــل الســالم والدميقراطيــة نهايــة املرحلــة االنتقاليــة. و4( خــالل ينتهــي االنتقــال؛ إذ ميث

ــر. ــوط آخ ــاك ش ــزال هن ــة، وال ي ــة جاري ــذه العملي ــزال ه ــة، ال ت ــل االنتقالي املراح

ــى ــة واملجتمــع عــن إرث املاضــي حت ــاد الدول ــة هــي وســيلة إلبع ــة االنتقالي والعدال

21 |

ــة والســالم”)32(. ــي تتســم بالدميقراطي ــة الت ــة االنتقالي ــة املرحل نهاي

ــق ــك بتحقي ــا التمس ــي يثيره ــكاليات الت ــي اإلش ــن ف ــر يكم ــدي األكب ــد أن التح بي

العدالــة االنتقاليــة عنــد اســتمالة مقومــات بنــاء الســالم الهــش فــي مجتمعــات عانــت

ــارين ــن مس ــرى ب ــم أخ ــالح ومظال ــوة الس ــة لق ــق الغلب ــاب ومنط ــف واالغتص العن

متوازيــن: أولهمــا: تطبيــق القانــون ومعاقبــة املســؤولن عــن تلــك األعمــال مــن منطلق

ــة محاكمــة أو ــة عملي ــة أي ــي(، وثانيهمــا: حصيل ــات املنطــق القانون ــاري )أو ينبغي معي

ــة ــة أو احملكم ــم أو جلــان املصاحلــة احمللي ــل احملاك ــن عم ــات ســواء ضم ــذ العقوب تنفي

ــاء الســالم املجتمعــي(. ــات بن ــة مــن منطلــق واقعــي )أو متطلب ــة الدولي اجلنائي

يقــر عــدد مــن خبــراء األزمــات والصراعــات بــأن هــذه املجتمعــات تواجــه خيــارات

صعبــة فــي حتديــد الســبل الكفيلــة بتجــاوز تركــة العنــف وضــرورة محاســبة اجلنــاة،

وفــي الوقــت ذاتــه، االخنــراط فــي بنــاء الســالم وبنــاء الدولــة، وإن كان هــاورد زيهــر

ــة”. ويجــادل ــر اجلزائي ــدال مــن التدابي ــة ب ــر التصاحلي نفســه يدعــو للنظــر فــي “التدابي

ج ســوى بعــض منتقــدي النســق االنتقالــي برمتــه بالقــول: إن العدالــة االنتقاليــة ال تــرو

ــة ــوة والهيمن ــاءلة الق ــع مس ــى مين ــل أو حت ــة يتجاه ــف للعدال ــي حني ــوم ليبرال “ملفه

ــي”)33(. وال ــر االجتماع ــة والتغيي ــة االجتماعي ــة والعدال ــاواة االجتماعي ــدم املس وع

ــي اخلمســينات، داغ ــأمم املتحــدة ف ــام ل ــة الشــهيرة لأمــن الع ــزال صــدى املقول ي

د علــى أنــه “لــم يتــم تأســيس األمم املتحــدة مــن أجــل هامرشــولد، يتــردد بعدمــا شــد

ــة، بــل أن حتمــي اإلنســانية مــن جهنــم”)34(. أن تأخــذ البشــر إلــى اجلن

4.عدالة بال حدود أم مجرد لباقة سياسة دولية؟

تعــددت جتــارب جلــان الكشــف عــن احلقيقــة وحتقيــق املصاحلــة فــي أكثــر مــن أربعــن

أولويات العدالة االنتقالية: قوة القانون أم األمن المجتمعي؟

| 22

ــة ــل اللجن ــا، مث ــر أهمه ــن ذك ــة. وميك ــة املاضي ــود الثالث ــي العق ــم ف ــن دول العال م

ــة ــة الوطني ــا )1982(، واللجن ــة للبحــث عــن األشــخاص املفقوديــن فــي بوليفي الوطني

اخلاصــة باألشــخاص املفقوديــن فــي األرجنتــن )1983(، وجلنــة التحقيــق فــي اجلرائــم

واالنتهــاكات التــي ارتكبهــا الرئيــس حســن حبــري فــي تشــاد )1990(، وجلنــة احلقيقة

ــوادور ــي اإلك ــة ف ــة احلقيق ــو )2004(، وتشــيلي )1990(، وجلن ــي الكونغ واملصاحلــة ف

ــام ــر ع ــي اجلزائ ــكيلها ف ــي مت تش ــن الت ــة املختف ــة بقضي ــة املكلف )1988(، واللجن

)2003(، واللجنــة الوطنيــة للحقيقــة فــي البرازيــل )2011(، وجلنــة احلقيقــة والكرامــة

ــا )2017(، وغيرهــا. ــة احلقيقــة والتعويضــات فــي غامبي فــي تونــس )2014(، وجلن

فضــال عــن األســباب التــي ســبق ذكرهــا فــي اختيــار التجــارب الثــالث الشــهيرة فــي

ى عمــل جلــان احلقيقــة واملصاحلــة الوطنيــة في تشــيلي وجنــوب إفريقيا واملغــرب، تتوخ

هــذه الدراســة تقييــم هــذه احلــاالت الثــالث مــن خــالل منهجيــة التحليــل املقــارن

ــاع، ــم االجتم ــول عال ــا يق ــا. وكم ــالف بينه ــابه واالخت ــه التش ــاف أوج ــة اكتش بغي

تشــارلز تيلــي )Charles Tilly(، فــي كتابــه بعنــوان “بنيــات كبيــرة، وعمليــات واســعة،

ــن ــرا م ــددا صغي ــس ع ــة تعك ــة الفردي ــة “املقارن ــإن منهجي ــة”، ف ــات ضخم ومقارن

احلــاالت مــن أجــل فهــم خصوصيــات كل حالــة، وإن تعميــم املقارنــة يهــدف إلــى

إثبــات أن كل حالــة مــن هــذه الظاهــرة تتبــع فــي األســاس نفــس القاعــدة”)35(.

1.4. الحالة األوىل: تشيلي

ــي احلــادي ــن )Patricio Aylwin(، ف ــد انتخــاب مرشــح الرئاســة، بتريشــيو أيلوي جس

عشــر مــن مــارس/آذار 1990، حلظــة الفصــل مــع صفحــة قامتــة فــي تاريــخ العنــف

23 |

ا لتشــكيل السياســي ونهايــة للحكــم العســكري فــي تشــيلي. فأصــدر مرســوما رئاســي

جلنــة عرفــت باســم “جلنــة ريتيــغ” )Rettig Commission( لكشــف احلقيقــة واملصاحلــة

بــن املســؤولن عــن انتهــاكات حقــوق اإلنســان وأســر ضحايــا االغتيــاالت واالختفــاء

القســري خــالل فتــرة امتــدت ســبعة عشــر عامــا مــن البطــش حتــت نظــام اجلنــرال،

أوغســتو بينوشــيه. وكانــت الذاكــرة اجلماعيــة لــدى أغلــب الســكان تســتعيد مشــهد

احلــادي عشــر مــن ســبتمبر/أيلول 1973؛ عندمــا هاجمــت وحــدة عســكرية القصــر

ــيه، ــرال بينوش ــادة اجلن ــانتياغو، بقي ــة، س ــط العاصم ــوري )La Moneda( وس اجلمه

ــر ــذي عث ــدي، ال ــس املنتخــب، ســالفادور أالن ــوز الرئي ــن ف ــة م ــد ســاعات قليل بع

عليــه “ميتــا”، بعــد إعــالن جنــاح االنقــالب العســكري.

كان أالنــدي ينــادي باجلــدوى مــن مبادرتــه “الطريــق اآلمــن إلــى االشــتراكية” التــي

ــي القصــر ــه ف ــب وفات ــي. وعق ــام الدول ــرأي الع ــن ال ــات واســعة م ــد فئ ــت تأيي لقي

ل إلــى شــخصية اكتســبت قــوة الرمــز. فأصبــح شــعار احتــرام حقــوق الرئاســي، حتــو

ــي ــة. وف ــوة النظــام العســكري طــوال ســنوات الديكتاتوري ــا لق ــال موازن اإلنســان ثق

ل ائتــالف مــن الكنائــس بقيــادة الكنيســة أعقــاب انقــالب عــام 1973، شــك

ــب ــام -1976 منص ــن ع ــارا م ــت -اعتب ــي أصبح ــالم”، الت ــة الس ــة “جلن الكاثوليكي

ــات ــذه املنظم ــت ه ــن. وقدم ــة للتضام ــانتياغو الكاثوليكي ــية س ــس أبرش ــب رئي نائ

املتعاقبــة الدعــم املعنــوي واملســاعدة القانونيــة آلالف مــن ضحايــا القمــع السياســي

ــت التوثيــق الدقيــق لــكل حالــة مــن انتهــاكات حقوق اإلنســان، وعائالتهــم. كمــا تول

وأصــدرت تقاريــر عديــدة وشــاملة عــن الوضــع العــام حلقــوق اإلنســان فــي تشــيلي.

ــد تشــيلي ــة تنتق ــدول األميركي ــة ال ــت األمم املتحــدة ومنظم ــه، كان ــت ذات ــي الوق ف

أولويات العدالة االنتقالية: قوة القانون أم األمن المجتمعي؟

| 24

لعــدة ســنوات بســبب ســجلها الســيء فــي مجــال احلريــات العامــة، ودمغــت صورتها

لــدى الــرأي العــام الدولــي علــى أنهــا مــن أســوأ الــدول التــي يعانــي مواطنوهــا القهــر

ــاد)36(. واالضطه

د قــرار الرئيــس، أيلويــن، عــام 1990، صالحيــات “جلنــة ريتيــغ”، التــي ضمــت حــد

مثانيــة أعضــاء، والغايــات املتوخــاة مــن تشــكيلها: 1( تركيــب صــورة متكاملــة قــدر

ــع ــالد. 2( جم ــي الب ــت ف ــي وقع ــان الت ــوق اإلنس ــاكات حق ــر انته ــكان ألخط اإلم

األدلــة للســماح بوضــع قائمــة حتــدد أمســاء الضحايــا ومصيرهــم ومــكان وجودهــم.

ــات ــدمي توصي ــا. و4( تق ــالت الضحاي ــات لعائ ــأن التعويض ــات بش ــدمي توصي 3( تق

ــة لتفــادي حــدوث انتهــاكات فــي املســتقبل)37(. ــة واإلداري ــر القانوني بشــأن التدابي

ومتاهــت هــذه اخلطــوة اجلريئــة مــع املوجــة التــي تدرجــت فيهــا أغلــب دول أميــركا

الالتينيــة، خاصــة األرجنتــن واإلكــوادور، مــن حكــم االســتبداد وديكتاتوريــة

ــة ــالل حقب ــة خ ــيس دول مدني ــة وتأس ــات دميقراطي ــي إصالح ــى تبن ــراالت إل اجلن

ــد ــد حتدي ــن، عن ــس، أيلوي ــة الرئي ــى حكوم ــم عل ــعينات. فتحت ــات والتس الثمانين

ــة ــار حصيل سياســتها اجلديــدة فــي مجــال حقــوق اإلنســان، أن “تأخــذ بعــن االعتب

التجــارب فــي الــدول والبلــدان األخــرى، ومبــادئ القانــون الدولــي، ورأي الهيئــات

ــي”)38(. ــد الدول ــى الصعي ــي تدافــع عــن حقــوق اإلنســان عل الت

ــه مــن نتائــج ــة مــا توصلــت إلي فــي التاســع مــن فبراير/شــباط 1991، قدمــت اللجن

وتوصيــات إلــى الرئيــس أيلويــن الــذي أعلنهــا فــي خطــاب تليفزيونــي إلــى الشــعب

التشــيلي فــي الرابــع مــن مــارس/آذار التالــي. وتوصلــت إلــى حــدوث عمليــات قتــل

لـــ2279 شــخصا ألســباب سياســية، مبــن فيهــم 957 مــن املختفــن عقــب احتجازهــم

25 |

مــن قبــل الســلطات. وصنفــت اللجنــة 164 حالــة ضمــن “ضحايــا العنــف السياســي”

مــن بينهــم ضبــاط شــرطة وأيضــا آخــرون لقــوا حتفهــم علــى أيــدي متطرفــي التيــار

اليســاري فــي البــالد. وكانــت اللجنــة قــد دققــت فــي حوالــي 3400 حالــة، كل علــى

حــدة، قبــل التوصــل إلــى اتفــاق بــن احملققــن علــى الكيفيــة التــي ســتقدم بهــا كل

ــل فيهــا ــي قت ــر أو الت ــى انتهــاكات حلقــوق اإلنســان بشــكل خطي ــة انطــوت عل حال

أشــخاص نتيجــة العنــف السياســي. ويوضــح تقريــر اللجنــة أيضــا أن قــرارات اللجنــة

“كانــت دائمــا متســقة مــع ضميــر أعضائهــا”)39(.

ــم التوصــل ــي كان عليه ــة الت ــأن احلقيق ــة ب ــد البداي ــغ” من ــة ريتي تشــبع أعضــاء “جلن

ــن ــق املصاحلــة ب ــى حتقي ــة واضحــة ومحــددة: “العمــل عل ــى غاي ــا تنطــوي عل إليه

ــالد”)40( ــي الب ــة ف ــآراء بعــض الشــخصيات الوطني ــع التشــيلين، واســتعانت ب جمي

وعقــب نشــر التقريــر، أقــرت جميــع األحــزاب بصحــة الوقائــع التــي مت التحقيــق فيهــا

علــى الرغــم مــن بعــض اخلالفــات حــول تأويــل بعــض األحــداث التاريخيــة. وليــس

غريبــا أن تعــارض مؤسســتا اجليــش والبحريــة خاصــة بشــأن وضــع حكومــة الرئيــس

أالنــدي ودور احلكومــة العســكرية فــي تلــك احلقبــة.

ــا وليــس ــة أيضــا أنهــا “اكتفــت بتحديــد أمســاء الضحاي ــر فــي نتائــج اللجن مــن املثي

ــوات ــن الق ــرع أو الوحــدة املســؤولة ضم ــى مجــرد الف ــاة”، وأشــارت إل أمســاء اجلن

ــا. ــي أي منهم ــن ف ــاط العامل ــى الضب ــام إل ــه االته ــرطة، دون توجي ــلحة أو الش املس

وأوضحــت أن “حتديــد أمســاء ال يدافعــون عــن أنفســهم ويتحتــم عليهــم القيــام بذلــك

قــد يتســاوى مــع إصــدار حكــم علــى شــخص دون ضمــان حقــه فــي محاكمــة عادلة

وفــق القانــون، وأن هــذا األمــر يتعــارض مــع كل مــن نــص وروح القانــون ومبــادئ

أولويات العدالة االنتقالية: قوة القانون أم األمن المجتمعي؟

| 26

حقــوق اإلنســان”)41( كمــا شــددت علــى أنهــا “ليســت محكمــة ولــم تتــول إجــراء

محاكمــات”. وجــاء فــي تقريــر اللجنــة أنهــا “لــم تفتــرض أن موظفــي احلكومــة كانــوا

ــلحة ــوا باألس ــم قتل ــا أنه ــون واضح ــا يك ــى عندم ــراد حت ــل األف ــي مقت ــن ف متورط

ــأن الدافــع كان سياســيا، مــا الناريــة، وعندمــا يكــون هنــاك كل ســبب لالعتقــاد ب

لــم تكــن هنــاك أســباب لهــذا االســتنتاج”)42(.

ــم ــى اجلرائ ــة عل ــن أدل ــه م ــت إلي ــا توصل ــم م ــى احملاك ــلت إل ــة أرس ــد أن اللجن بي

ــات ــذه املعلوم ــوء ه ــي ض ــاد )1990-1973(. وف ــة االضطه ــالل حقب ــة خ املرتكب

واألدلــة اجلديــدة، قــررت بعــض احملاكــم فــي التشــيلي حتريــك التحقيقــات القضائيــة

ــن ــؤولن ع ــة للمس ــات محاكم ــدت جلس ــاء، وعق ــاالت االختف ــن ح ــدد م ــي ع ف

ــج ــدو أن نتائ ــي )Letelier( الشــهيرة. ويب ــة لوتولي ــا قضي ــاالت السياســية ومنه االغتي

“جلنــة ريتيــغ” ســاهمت فــي إيجــاد املنــاخ السياســي والزخــم القضائــي للتوصــل إلــى

“احلقيقــة الكبــرى”، وبالتالــي حتفيــز بعــض القضــاة املتحمســن علــى االســتمرار فــي

ــا محــددة)43(. ــق فــي قضاي التحقي

ــوق ــاكات حق ــم بانته ــخصا لعالقته ــاء 76 ش ــار 2012، أدان القض ــول مايو/آي بحل

ــن ــش، و27 م ــي اجلي ــا ف ــم: 36 ضابط ــى 67 منه ــكام عل ــدرت أح ــان، وص اإلنس

ضبــاط قــوة األمــن الوطنيــة، واثنــن مــن ضبــاط ســالح اجلــو، وواحــد مــن البحريــة،

ــة مــن األشــخاص املدانــن فيمــا وواحــد مــن شــرطة التحقيقــات. وقــد توفــي ثالث

تلقــى ســتة آخــرون عقوبــات ســجنية مشــروطة. وال تــزال ملفــات 350 مــن حــاالت

ــأن ــر ب ــد التقاري ــة. وتفي ــب مفتوح ــفي والتعذي ــال التعس ــري واالعتق ــاء القس االختف

ــاالت ــك احل ــي تل ــون ف ــن متورط ــكرين واملدني ــن العس ــخص م ــوع 700 ش مجم

27 |

ــالد. ــوق اإلنســان فــي الب النتهــاكات حق

ــت ــول خــوزي زالكي ــة. ويق ــة املنشــودة مضني ــة االنتقالي ــق العدال ــات حتقي ــت حتدي كان

ــة ــة للحقيق ــة الوطني ــر اللجن ــة لتقري ــخة اإلجنليزي ــة النس ــي مقدم )José Zalaquett(، ف

واملصاحلــة، إنــه علــى الرغــم مــن أن تشــيلي “تأخــذ العبــرة مــن التجــارب الســابقة فــي

ــك التجــارب هــو أن املخاطــر ــه تل ــذي انطــوت علي ــدرس الرصــن ال ــارة، إال أن ال الق

السياســية التــي تنطــوي عليهــا تســوية احلســابات مــع املاضي جســيمة بشــكل غيــر عادي.

وال ميكــن توقــع التوصــل إلــى نتيجــة مرضيــة بشــكل كامــل، وأن التوتــرات االجتماعيــة

الناجمــة عــن تركــة انتهــاكات حقــوق اإلنســان ال تــزال قائمــة لفتــرة طويلــة”)44(.

أقــرت اللجنــة بأنهــا واجهــت بعــض حتديــات املفاهيــم والــدالالت الســيميائية فــي

مراعــاة بعــض الضوابــط واملعاييــر التــي نــص عليهــا املرســوم الرئاســي. مثــال ذلــك،

عبــارة “املســؤولية األخالقيــة للدولــة” التــي يشــير إليهــا املرســوم الرئاســي علــى أنهــا

ــي ــون ف ــخاص يعمل ــل أش ــن قب ــا أو م ــات وكالئه ــبب تصرف ــر بس ــرض للخط “تتع

ــة” ــة للدول ــه ليــس “للمســؤولية األخالقي ــى أن ــة إل ــة”. وخلصــت اللجن خدمــة الدول

معنــى قانونــي أو تقنــي محــدد)45(.

ــر ــات جب ــوان “توصي ــو بعن ــر، وه ــن التقري ــع م ــزء الراب ــي اجل ــة ف دت اللجن ــد ش

ــدي ــتجيب لتح ــه أن يس ــيلي برمت ــع التش ــى املجتم ــن عل ــه “يتع ــى أن ــرر”، عل الض

جبــر الضــرر. وينبغــي أن تتحــرك هــذه العمليــة حنــو االعتــراف بحقيقــة مــا حــدث،

واســتعادة الكرامــة املعنويــة للضحايــا، وحتقيــق نوعيــة حيــاة أفضــل للعائــالت األكثــر

تضــررا بشــكل مباشــر. بهــذه الطريقــة فقــط ســنتمكن مــن تطويــر شــكل أكثــر عــدال

مــن احليــاة املشــتركة التــي ســتمكننا مــن النظــر بأمــل حنــو املســتقبل”. ويعنــي جبــر

أولويات العدالة االنتقالية: قوة القانون أم األمن المجتمعي؟

| 28

الضــرر فــي رأي أعضــاء اللجنــة “وجــود الشــجاعة ملواجهــة احلقيقــة وحتقيــق العدالة”،

ويتطلــب “كــرم املــرء فــي االعتــراف بأخطائــه وروح التســامح حتــى يتوحد التشــيليون

ــرر ــر الض ــر جب ــى أن تدابي ــة عل ــديد اللجن ــي بتش ــرح املثال ــذا الط ــزداد ه ــا” وي مع

ينبغــي أن تســتهدف فئــات املجتمــع والتحــرك حنــو تهيئــة الظــروف املواتيــة لتحقيــق

مصاحلــة حقيقيــة، وأال تســبب االنقســام أبــدا”)46( وتبنــت اللجنــة مــا اعتبرتــه خيــارا

ا للمجتمــع التشــيلي بالقــول: إنــه عندمــا تعلــو املنــاداة باملثــل العليــا العظيمة اســتراتيجي

كاحلقيقــة والعدالــة واملغفــرة، فــإن املصاحلــة ينبغــي أن تأتــي فــي املقــام األول)47(.

2.4. الحالة الثانية: جنوب إفريقيا

ــا ــا وثقافي ا واقتصادي شــهدت نهايــات الثمانينــات مــن القــرن املاضــي احتقانــا سياســي

بــن األقليــة البيضــاء احلاكمــة واألغلبيــة الســوداء بســبب سياســة الفصــل العنصــري

ــي ــدأ احلــزب الوطن ــذ عــام 1948. وب ــا من ــوب إفريقي ــذي شــهدتها جن ــد( ال )آبارثاي

)Frederik Willem de Klerk( الــذي كان يتزعمــه فريديريــك وليــام دي كليــرك

ــال ــة نيلســون ماندي ــي بزعام ــي اإلفريق ــع احلــزب الوطن ــام 1987، م مفاوضــات، ع

حــول ســبل إنهــاء نظــام اآلبارتايــد وســط ضغــوط العقوبــات االقتصاديــة التــي كانــت

ــد ــوداء. بع ــة الس ــل األغلبي ــة متث ــد حلكوم ــا للتمهي ــدة، وأيض ــا األمم املتح تفرضه

ــالد ــال مــن الســجن عــام 1990، وألغــت الب ــراج عــن ماندي ــة، مت اإلف ســنوات قليل

ــد ــران 1991، ممــا مه ــوم الســابع عشــر مــن يونيو/حزي العمــل بالنظــام العنصــري، ي

إلجــراء انتخابــات دميقراطيــة، فــي أبريل/نيســان عــام 1994، منحــت مانديــال احلــق

فــي تشــكيل حكومــة يقودهــا حزبــه فــي حقبــة تعدديــة ومســاواة غيــر مســبوقتن فــي

ــا. جنــوب إفريقي

29 |

ــة ــدة واملصاحل ــم الوح ــون “دع ــب قان ــة مبوج ــة واملصاحل ــة احلقيق ــكيل جلن مت تش

الوطنيــة”، رقــم 34، عــام 1995، بعضويــة شــخصيات وطنيــة بــارزة مــن عيــار

ــس(، ــا للرئي ــن )Alex Boraine( )نائب ــا(، وأليكــس بوري ــو )رئيس ــد توت القــس دزمون

،)Wynand Malan( ــاالن ــد م ــي )Sisi Khampepe( وينام ــي خامبيب ــة سيس وعضوي

ــد جلســات االســتماع مــع ــة عق ــدأت اللجن وإميــا مشــنيني )Emma Mashinini(. وب

ــوم اخلامــس عشــر مــن أبريل/نيســان عــام 1996، مــن ــراد أســرهم، ي ــا وأف الضحاي

خــالل ثــالث جلــان فرعيــة: 1( جلنــة التحقيــق فــي انتهــاكات حقــوق اإلنســان التــي

وقعــت بــن عامــي 1960 و1994. 2( جلنــة اجلبــر وإعــادة التأهيــل التــي تولت اســتعادة

كرامــة الضحايــا وصياغــة اقتراحــات للمســاعدة فــي إعــادة التأهيــل. و3( جلنــة العفــو

التــي نظــرت فــي الطلبــات املقدمــة مــن األفــراد الذيــن تقدمــوا بطلــب للعفــو وفقــا

ــون. ألحــكام القان

ــن ــن 19050 تب ــر م ــم أكث ــن بينه ــخصا، م ــن 21290 ش ــات م ــة بيان ــت اللجن تلق

ــى أن ــت إل ــا النتهــاكات جســيمة حلقــوق اإلنســان، فيمــا توصل ــوا ضحاي أنهــم كان

عــددا مــن احلــاالت لــم يكــن أصحابهــا ضحايــا. وشــملت قائمــة العفــو أكثــر مــن

ــت اللجنــة منحــى مناقضــا للمنحــى العقابــي الصــارم التــي اتســمت 2975)48(. وتبن

بــه محاكمــات نورمبــرغ وإجــراءات القضــاء علــى النازيــة فــي أملانيــا عقــب احلــرب

ــة فــي التعامــل مــع ــة ناجع ــل متســكت باخلــط التصاحلــي كطريق ــة، ب ــة الثاني العاملي

ــل عوامــل ــة التحــول السياســي ســواء بفع ــوق اإلنســان عقــب مرحل ــاكات حق انته

ــي فــي العشــرين مــن أكتوبر/تشــرين ــة. وأصــدرت تقريرهــا النهائ ــة أو خارجي داخلي

ــو. ــات العف ــن طلب ــا 5392 م ــد رفضه األول عــام 1998 بع

أولويات العدالة االنتقالية: قوة القانون أم األمن المجتمعي؟

| 30

تقــول مونيــكا جويــي )Monica Joyi(، التــي عملــت فــي املكتــب اإلعالمــي للجنــة

احلقيقــة واملصاحلــة خــالل عامــي 1996 و1997: إن الغايــة مــن تأســيس جلنــة احلقيقــة

ــن البيــض، ولكــن فــي الوقــت ــوب اإلفريقي ــة مخــاوف جن واملصاحلــة كان “لتهدئ

ــن ــن وأحبائه ــدن أطفاله ــي فق ــات الالئ ــن األمه ــد م ــات للعدي ــدمي إجاب ــه، لتق ذات

حتــت وطــأة فظائــع الفصــل العنصــري. إذا تأمــل املــرء فكــرة العفــو برمتهــا وكيــف

مت منــح بعــض مرتكبــي تلــك األفعــال العفــو، فــإن الســؤال يبــرز حــول ماهيــة األمــة

التــي تغفــر املغفــرة وجنــوب اإلفريقيــن الســود بالتحديــد”)49(.

ــاق ــع النط ــي واس ــام عامل ــا باهتم ــوب إفريقي ــي جن ــة ف ــذه اللجن ــة ه ــت جترب حظي

ل النفســي واالجتماعــي للضحايــا وأســرهم فحســب، بــل ألهميتهــا ليــس فــي التحــو

وأيضــا فــي اســتمالة التغييــر البنيــوي وعالقــات القــوة بــن الســود والبيــض. ويعتبــر

ــف ــي كش ــاركتهم ف ــا ومش ــص الضحاي ــات لالســتماع لقص ــد جلس ــض عق البع

احلقيقــة مبنزلــة جتســيد لرغبــة الســكان فــي اســتعراض واقــع املاضــي املشــترك، وأنهــا

ــاء دولــة جديــدة ال تتنكــر ملاضيهــا. وكمــا قــال ــاءة فــي طريــق بن كانــت خطــوة بن

الكاتــب األميركــي األســود، جيمــس بولدويــن )James Baldwin(: “ال ميكــن تغييــر

ــه”. ــر أي شــيء حتــى تتــم مواجهت كل مــا يواجهــه املــرء، لكــن ال ميكــن تغيي

ــا ــوب إفريقي ــارج جن ــل وخ ــة داخ ــج اللجن ــا نتائ ــي حركته ــات الت ــر أن النقاش غي

اســتعرضت الفــوارق الفلســفية والثقافيــة أكثــر ممــا أثارتــه أيــة جتربــة مصاحلــة أخــرى.

ويســتمر اجلــدل حتــى الوقــت احلاضــر بــن معســكرين متوازيــن: 1( معســكر الذيــن

يتمســكون مببــدأ تطبيــق القانــون ويصــرون علــى ضــرورة إصــدار عقوبــات علــى كل

ــاكات ــة انته ــاب وبقي ــري واالغتص ــاء القس ــل واالختف ــال القت ــي أعم ــن ف املتورط

31 |

حقــوق اإلنســان. و2( معســكر املتمســكن بالســلم املجتمعــي ونســبية احللــول القانونية

ل اإليجابــي. فــي اســتمالة التحــو

تقــول ديانــا أورينتليكــر )Diane Orentlicher(، أســتاذة القانــون الدولــي فــي اجلامعــة

ــاال ضــد القمــع األميركيــة فــي واشــنطن: إن العقوبــة اجلنائيــة قــد ال تكــون “ضمانــا فع

ــي ــون، وبالتال ــوق القان ــه ال يوجــد قطــاع ف ــار أن ــي املســتقبل... مــن خــالل إظه ف

تعزيــز احتــرام املؤسســات الدميقراطيــة فحســب”، بــل إن بعــض احلكومــات قــد تكون

ــون ــة والقان ــة بســبب املخــاوف احمللي ــي عــن املالحقــات القضائي ــرددة فــي التخل مت

ــة ــة فعال ــون طريق ــد تك ــون ق ــذا القان ــال له ــة لالمتث ــوط الدولي ــي، و”الضغ الدول

للذهــاب حنــو تأمــن العدالــة”)50(. وتنحــو املنحــى ذاتــه هيئــات حقوقيــة ومحللــون

ون بــأن القانــون الدولــي يتطلــب معاقبــة منتهكــي مختلــف املعاهــدات آخــرون يعتــد

الدوليــة حلقــوق اإلنســان. وتتمســك بهــذه الرؤيــة منظمتــا العفــو الدوليــة فــي لنــدن

وهيومــن رايتــس ووتــش فــي نيويــورك، وهمــا مــن املنظمــات الدوليــة للدفــاع عــن

حقــوق اإلنســان التــي تصــدر بيانــات سياســية تدعــو للعدالــة الكاملــة فــي مجتمعــات

ــى حســاب ــو عل ــر مــن ســؤال: هــل يســهم العف ــد االســتبداد)51(. ومثــة أكث ــا بع م

ــن ــة م ــتهدد الدميقراطي ــة س ــات القضائي ــة أم أن املالحق ــز املصاحل ــي تعزي ــة ف العدال

خــالل إعــادة احلــرس القــدمي إلــى مراكــز القــوة؟ هــذه بعــض الفرضيــات التــي تظــل

ــا ــزز أو يدحــض أي ــا يع ــدم الدراســات م ــم تق ــا ل ــي، فيم ــي ميدان دون حســم علم

منهــا.

فــي املقابــل، تشــيد بعــض الدراســات بلجنــة احلقيقــة واملصاحلــة فــي جنــوب

إفريقيــا كتجربــة واعــدة علــى طريــق املصاحلــة املجتمعيــة والعدالــة االنتقاليــة وترميــم

أولويات العدالة االنتقالية: قوة القانون أم األمن المجتمعي؟

| 32

العالقــة بــن األقليــة البيضــاء واألغلبيــة الســوداء. غيــر أن البعــض يشــير إلــى أوجــه

القصــور فــي عمــل اللجنــة؛ إذ تدحــض جانيــت لــوف )Janet Love (، مديــرة مركــز

ــت ــة حقق ــة: إن اللجن ــا، مقول ــوب افريقي ــبورغ بجن ــي جوهانس ــة ف ــوارد القانوني امل

“املعجــزة” وإن قدمــت “بعــض احلقيقــة التــي كانــت األمــة فــي حاجــة لهــا لالعتــراف

ــن ــتوى م ــدت مس ــا أوج ــن أنه ــم م ــى الرغ ــه عل ــرون أن ــد آخ ــا”)52( ويعتق مباضيه

ــل ــى شــعور بتأجي ــا “أدت إل ــة واخلطــاب واحلــوار وبعــض املصاحلــة، إال أنه احلقيق

ــام ــق الوئ ــى طري ــا عل ــة قادتن ــأن اللجن ــم ب ــاك وه ــن. هن ــبة للكثيري ــة بالنس العدال

ــودا ــي عق ــال الدميقراط ــتغرق االنتق ــة وسيس ــب للغاي ــع صع ــن الواق ــي، ولك العرق

ــا ــا م ــا وغالب ــوب إفريقي ــي جن ــة ف ــن االنقســامات العميق ــد م ــاك العدي ــة. هن طويل

ــة”)53(. ــة واالقتصادي ــاواة االجتماعي ــدم املس ــي ع ــى ف تتجل

ــخ ــت ظاهــرة الفصــل العنصــري عــن تاري ــة “فصل ــي أن اللجن يعتقــد محمــود ممدان

ــوق اإلنســان ــا واحــدة مــن انتهــاكات حق ــى أنه ــا عل االســتعمار األطــول، وتناولته

الفرديــة بــدال مــن مشــكلة التقاطــع االجتماعــي واالقتصــادي والقانونــي والسياســي

املنهجــي للهيمنــة الطبقيــة والعرقيــة. لقــد حصــرت جلنــة احلقيقــة واملصاحلــة اهتمامها

ــاء “نزاعــات املاضــي”، ــوق اإلنســان أثن ــاكات اجلســيمة حلق ــح باالنته بشــكل صري

ــا إلــى وليــس مبــا فيهــا “سياســات الفصــل العنصــري”، وهــي سياســات تشــير ضمني

ــتطع ــم تس ــة ل ــول: إن اللجن ــرون بالق ــون آخ ــادل باحث ــياق””)54(. ويج ــرد “الس مج

ــم مــن تاريــخ جنــوب التعامــل مــع معضــالت ال ميكــن دفنهــا أو إلغاؤهــا بجــرة قل

ــا ــن اختزاله ــالت ميك ــر معض ــاك عش ــال: إن هن ــادر أمس ــد الق ــول عب ــا. ويق إفريقي

فــي ثــالث نقــاط رئيســية: 1( دون فهــم شــامل للماضــي، ســتظل مشــاكل املســتقبل

33 |

غيــر قابلــة للتفســير، وبالتالــي فــإن جــذور العنــف غيــر املستكشــفة ســتدمي العنــف

فــي املســتقبل مبــا فيهــا قبــول العنــف البنيــوي. 2( يســتمر أنصــار النظــام الســابق فــي

ــم ــإن إهماله ــي، ف ــا، وبالتال ــه ال ميكــن حتديه ــدون أن ــي يعتق ــق األســاطير الت تصدي

ــاك حاجــة ملجتمــع ــام. 3( هن ــة لالنتق ــخ ســيولد االســتياء واحملــاوالت احملتمل للتاري

ينبثــق مــن مثــل هــذا النظــام االســتبدادي ليكــون لديــه منفــذ للتعبيــر عــن مشــاعره.

ينبغــي أن يكــون هــذا املنفــذ قائمــا علــى احلقيقــة والعدالــة، علــى أال تكــون العدالــة

املقعــد اخللفــي باجتــاه تعزيــز الدميقراطيــة بالنظــر إلــى أن تأســيس دميقراطيــة مســتقرة

ــي ــة ف ــاته العنيف ــة مبمارس ــا املتعلق ــأن القضاي ــش بش ــازالت للجي ــح تن ــي مبن ال ينبن

ــة)55(. ــاة املدني احلي

3.4. الحالة الثالثة: املغرب

تولــى محمــد الســادس العــرش عقــب وفــاة والــده، احلســن الثانــي، فــي 23 يوليــو/

ــاح ــا باجتــاه االنفت ــه ســيمضي قدم ــة الســقف بأن ــات عالي متــوز 1999، وســط توقع

السياســي والســماح بعــودة املعارضــن اليســارين مــن املنفــى. وفــي األعــوام األربعــة

األولــى مــن حكمــه، شــهدت حريــة الصحافــة حتســنا نســبيا، ومت إصــالح القانــون

ــام 2004. ــخصية، ع ــوال الش ــدة لأح ــة جدي ــي مدون ــام 2003، وتبن ــي، ع اجلنائ

ــي ــع املدن ــات املجتم ــض هيئ ــي وبع ــر امللك ــن القص ــة ب ــاورات مطول ــب مش وعق

وعــدد مــن املعتقلــن السياســين الســابقن، أصــدر امللــك محمــد الســادس،

ــة اإلنصــاف ــا يقضــي بتأســيس “هيئ ــرا ملكي ــع األحــزاب، ظهي ودون مشــاورات م

واملصاحلــة”، فــي الســابع مــن يناير/كانــون الثانــي عــام 2004، وفــق اقتــراح كان قــد

مــه إدريــس بــن زكــري، وهــو ســجن يســاري مــن التيــار املاركســي اللينينــي ظــل قد

أولويات العدالة االنتقالية: قوة القانون أم األمن المجتمعي؟

| 34

ــعى ــك س ــدو أن املل ــا )1974 1991�(. ويب ــر عام ــبعة عش ــة س ــال طيل ــن االعتق ره

للوفــاء بوعــد قطعــه علــى نفســه أمــام والــده، عــام 1994، بـ”قلــب الصفحــة بشــكل

ــرة فــي املاضــي)56(. ــت متوات ــي كان ــى االنتهــاكات الت ــي” عل نهائ

يتذكــر محمــد نشــناش، وهــو عضــو ســابق فــي هيئــة اإلنصــاف واملصاحلــة، مــدى

التأثيــر الســلبي الــذي كان ضــد أعضــاء احلركــة الوطنيــة والنشــطاء الوطنيــن،

ــرا مــن العمــالء كانــوا فــي مراكــز الســلطة، فــكان هنــاك اختــالق وكيــف أن “كثي

مؤامــرات علــى أن اليســار يريــد أن يتآمــر علــى العــرش وافتعــال مواجهــة بــن احلســن

ــم ــك مــن قمــع ومحاكمــات وظل ــال ذل ــا ت ــة، وم ــة التقدمي ــي واحلركــة الوطني الثان

وتعســف، وأحيانــا كانــت هنــاك محــاوالت حقيقيــة لالنقــالب”)57(. أمــا املعتقــل

السياســي الســابق، أحمــد املرزوقــي، فيتذكــر ســجن تازمامــارات ســيئ الســمعة بأنــه

“ليــل ســرمدي كحيــاة إنســان يعيــش فــي قبــر، زنزانــة مظلمــة معزولــة عــن العالــم

اخلارجــي، وكل زنزانــة علــى حــدة، وكل ســجن كان يوجــد فــي زنزانــة علــى حــدة.

عشــنا جتويعــا رهيبــا وعانينــا البــرد الشــديد؛ إذ كانــت درجــة احلــرارة فــي تازمامــارت

تنــزل إلــى مــا حتــت الصفــر. أمــا فــي الصيــف، فــكان ينقلــب كمــا تنقلــب الزنزانــة

إلــى فــرن. يعنــي حرمنــا مــن كل شــيء، مــن أبســط حقــوق اإلنســان”)58( وتالحــظ

إحــدى الباحثــات أن “املعارضــن السياســين للحســن الثانــي كانــوا “يختفــون علــى

غــرار الطريقــة التــي كانــت األنظمــة الديكتاتوريــة، فــي تشــيلي واألرجنتــن، تعــذب

بهــا أو تقتــل املعارضــن وهــم رهــن االحتجــاز”)59(.

اســتندت هيئــة اإلنصــاف واملصاحلــة فــي حتديــد املرجعيــة واملنهجيــة املعتمــدة

ــان ــوق اإلنس ــة حلق ــر الدولي ــادر: أ( املعايي ــة مص ــى ثالث ــات إل ــداد التوصي ــي إع ف

35 |

واالســتفادة مــن التجــارب املقارنــة فــي مجــال العدالــة االنتقاليــة فــي العالــم، وكــذا

االجتهــادات املبلــورة فيمــا يخــص عالقــة حقــوق اإلنســان بالدميقراطيــة فــي إطــار

األمم املتحــدة، أو الهيئــات البرملانيــة الدوليــة. ب( مســتخلصات التجربــة املغربيــة فــي

ــا ومداهــا ــث أنواعه ــي املاضــي مــن حي ــة ف ــاكات اجلســيمة املرتكب موضــوع االنته

واملســؤوليات املؤسســاتية التــي ارتبطــت بهــا وأوجــه اخلصــاص فــي مجــاالت القانــون

والعدالــة واحلكامــة األمنيــة. ت( الدراســات واألبحــاث العلميــة للنصــوص التشــريعية

والتنظيميــة ذات الصلــة بحقــوق اإلنســان أو تلــك التــي قــد يكــون لهــا أثــر ســلبي أو

ــن مــن تبــن مــا يتعــن تعزيــزه وتقويتــه، إيجابــي علــى احترامهــا والتمتــع بهــا. ممــا مك

أو إلغــاؤه، أو تتميمــه أو وضعــه ألول مــرة، علــى صعيــد الضمانــات واملســاطر)60(.

خــالل العــام املوالــي، أجــرت الهيئــة التــي ضمــت ســبعة عشــر عضــوا برئاســة بــن

ــر أرجــاء املغــرب. زكــري عــدة حتقيقــات ونظمــت سلســلة ملتقيــات وجلســات عب

والتعذيــب القســري االختفــاء حــاالت مــن 15592 حــدوث إلــى وتوصلــت

ــالل ــفية خ ــاالت تعس ــانية واعتق ــد اإلنس ــرى ض ــم أخ ــي وجرائ ــاب اجلنس واالغتص

ســنوات الرصــاص التــي اســتغرقها حكــم احلســن الثانــي. غيــر أن الهيئــة لــم تســتطيع

ــج ــرت النتائ ــن)61(، وأظه ــخاص املفقودي ــن األش ــن 742 م ــر م ــر أكث ــد مصي حتدي

ــة: ــق التالي احلقائ

ــوا رهــن االحتجــاز ووقفــت ــة 89 شــخصا توف ــد هوي ــق أو حتدي - اكتشــاف أو تدقي

علــى أماكــن دفنهــم بــكل مــن تازمامــارت)31(، وأكــدز)32(، وقلعــة مكونــة)16(،

ــي)1(. وتاكونيــت)8(، وكرامــة)1(، وقــرب ســد املنصــور الذهب

- اكتشــاف وحتديــد هويــة 11 شــخصا توفــوا علــى إثــر مواجهــات مســلحة والوقــوف

أولويات العدالة االنتقالية: قوة القانون أم األمن المجتمعي؟

| 36

علــى أماكــن دفنهــم، 7 أشــخاص منهــم توفــوا ســنة 1960 )مجموعــة بركاتــو ومــوالي

الشــافعي( و4 منهــم ســنة 1964 )مجموعــة شــيخ العــرب(.

� 325 مــن األشــخاص املدرجــة أمســاء بعضهــم فــي عــداد مجهولــي املصيــر توفــوا

ــاة( ــاة( و1981 )114 وف ــنوات 1965 )50 وف ــة س ــة الواقع ــداث االجتماعي ــر األح إث

و1984 )49 وفــاة موزعــة كمــا يلــي: 13 بتطــوان، 4 بالقصــر الكبيــر، 1 بطنجــة، 12

باحلســيمة، 16 بالناظــور ونواحيهــا، 1 بزايــو و2 ببــركان(، و1990 )112 وفــاة( بســبب

االســتعمال املفــرط وغيــر املتناســب للقــوة العموميــة. وتوصلــت الهيئــة إلــى حتديــد

أماكــن دفــن بعضهــم، ولــم تتمكــن مــن التعــرف علــى هويــة البعــض اآلخــر)62(.

تالحــظ هيومــان رايتــس ووتــش أن صالحيــة هيئــة اإلنصــاف واملصاحلــة، مبوجــب

نظامهــا األساســي، انتهــت فــي أبريل/نيســان 2005، لكــن امللــك محمــد الســادس

ــة ــت الهيئ ــي 2005. “وكان ــرين الثان ــي نوفمبر/تش ــا إال ف ــى متديده ــق عل ــم يواف ل

ــب املراقبــون وقتهــا خــالل عامهــا األول قــد حركــت عــدة أمــور مثيــرة للجــدل، ورح

د القصــر بصالحيــة الهيئــة فــي النظــر فــي االنتهــاكات الســابقة، )وهــي قضيــة شــد

امللكــي علــى أنهــا منتهيــة(، وفــي التعامــل معهــا مبــا يتجــاوز التعويــض املالــي”)63(.

ــغ الــذي ميكنهــا منحــه ســواء ــى املبل ــود عل ــة أي قي ــم حتــدد للهيئ ــة ل ــر أن الدول غي

بشــكل شــمولي أو بالنســبة للحــاالت الفرديــة. ويوضــح رئيــس الهيئــة، إدريــس بــن

زكــري، أن “لهــا احلــق بشــكل مســتقل فــي حتديــد املســتوى املالــي للتعويــض الــذي

ــول ــب للحص ــون بطل ــن يتقدم ــابقة الذي ــاءات الس ــا اإلس ــة لضحاي ــتقدمه الدول س

ــا بشــأن ــة. ونرســل قراراتن ــة الدول ــوال الصــادرة لهــم مــن ميزاني ــي األم ــه. وتأت علي

التعويــض إلــى رئيــس الــوزراء ليتولــى التوقيــع علــى الشــيكات”)64(.

37 |

أثــارت حصيلــة هــذه التجربــة فــي املغــرب الكثيــر مــن الســجال بــن املدافعــن عــن

أهميــة جبــر الضــرر وتقــدمي تعويضــات ماليــة إلــى الضحايــا واملتمســكن بضــرورة أن

ــوق اإلنســان ــي االنتهــاكات اجلســيمة حلق ــة مرتكب ــة املســؤولية مبعاقب تتحمــل الدول

ــض ــن بع ــذر م ــض احل ــمت ببع ــة اتس ــات الهيئ ــر أن حتقيق ــود. غي ــة عق ــة أربع طيل

ــن ــل م ــا، وهــو مســتوى أق ــم صورته ــة لترمي ــن مســعى امللكي ــا الشــائكة وم القضاي

ــوم “طــي ــي اســتيعاب مفه ــة ف ــا املغارب ــي تداوله ــات الت حجــم التفســيرات والتوقع

ــلمية ــة الس ــوم “املصاحل ــت مفه ــة تبن ــن: إن الهيئ ــض املراقب ــول بع ــة”. ويق الصفح

والعدالــة واإلنصــاف ملواجهــة االنتهــاكات الســابقة، واختــارت العدالــة التوفيقية بدال

مــن العدالــة االتهاميــة، والعدالــة التاريخيــة علــى حســاب احلقيقــة القضائيــة”)65(.

ومــن التحفظــات األخــرى علــى حصيلــة عمــل الهيئــة أنهــا هيئــة استشــارية ال تتمتــع

بأيــة صالحيــة فــي حمــل مؤسســات الدولــة علــى االســتجابة وال حتــى أخــذ

ــار)66(. ــا بعــن االعتب توصياته

ــوق ــاع عــن حق ــة للدف ــا املنظمــات الدولي ــرت عنه ــي عب ــادات الت مــن أهــم االنتق

اإلنســان أن هيئــة اإلنصــاف واحلقيقــة لــم حتــدد أمســاء اجلنــاة، وقــد حثتهــا هيومــن

رايتــس ووتــش علــى “إعــادة التأكيــد عالنيــة علــى احلاجــة للمســاءلة اجلنائيــة عــن

االنتهــاكات اجلســيمة، حتــى لــو مت منــع اللجنــة مــن تســمية األفــراد الذيــن ارتكبــوا

ــاة ليســوا حتــت أي إكــراه علــى التقــدم إلــى تلــك اجلرائــم”)67(، لكــن هــؤالء اجلن

األمــام ألن “املصاحلــة ال متلــك أي وضــع قانونــي لطلــب العفــو أو جتنــب املالحقــة

ــة”)68(. القضائي

غيــر أن رئيــس الهيئــة، إدريــس بــن زكــري، أبلــغ هيومــن رايتــس ووتــش بــأن احلظــر

أولويات العدالة االنتقالية: قوة القانون أم األمن المجتمعي؟

| 38

ــف ــال الكش ــى مج ــق إال عل ــاكات ال ينطب ــي االنته ــمية مرتكب ــى تس ــروض عل املف

ــاة ــة ســجلت أمســاء اجلن ــد أنهــا خــالل أبحاثهــا امليداني ــة. بي ــل الهيئ العلنــي مــن قب

ــاء ــمل أمس ــذي يش ــم ال ــري أن القس ــن زك ــح ب ــادي. وأوض ــكل اعتي ــن بش املزعوم

ل اجلــزء الوحيــد الــذي ســيتم تســليمه للملــك بــدال اجلنــاة فــي التقريــر النهائــي يشــك

مــن اإلعــالن عنــه، وســيكون األمــر متــروكا للملــك فــي كيفيــة التعامــل مــع تلــك

ــن ــوع م ــه ن ــاء بأن ــن األمس ــاح ع ــدم اإلفص ــري ع ــن زك ــر ب ــات)69(. ويعتب املعلوم

املقايضــة، وأن “مــن اخلطــأ افتــراض أن النظــام القضائــي هــو أفضــل وســيلة للتعامــل

ــاك كطــرف، لكــن ــة هن مــع االنتهــاكات الســابقة... فــي احملكمــة، يكــون الضحي

ــة هــو بطــل القصــة”)70(. ويتمســك بــن زكــري أيضــا بالقــول: ــا الضحي بالنســبة لن

ــي ــى األشــخاص، فســنكون ف ــي احلكــم عل ــا أن ندعــي ألنفســنا احلــق ف “إذا أردن

وضــع يتناقــض متامــا مــع املثــل التــي ندافــع عنهــا. حنــن مشــغولون بعمليــة الذاكــرة

التــي جتــري بعــد عشــر وعشــرين وثالثــن عامــا ممــا وقــع. ال ميكننــا أن نعلــن األمســاء

ــل ــوق اإلنســان ليســت مث ــا؛ فحق ــة املعمــول به خــارج نطــاق اإلجــراءات القضائي

ــا أن نتجاهــل، فــي اللحظــة التــي نشــعر بهــا، افتــراض ســوبر ماركــت حيــث ميكنن

ــراءة”)71(. الب

ــة اإلنصــاف واملصاحلــة كدليــل علــى تنويــر املغــرب ــة هيئ قدمــت الســلطات املغربي

ــر ــي”)72( غي ــال الدميقراط ــز االنتق ــرا لتعزي ــازا كبي ــا “إجن ــان باعتباره ــوق اإلنس بحق

أن املنظمــات احلقوقيــة الدوليــة وإن كانــت تشــيد بهيئــة اإلنصــاف واملصاحلــة

كمؤشــر علــى تقــدم حقــوق اإلنســان فــي البــالد، إال أن الهيئــة باشــرت صالحياتهــا

ــه الهيئــة مــن تقــدم مثــل قمــع خــالل فتــرة شــهدت حــدوث انتكاســات ملــا حققت

39 |

ــتمرار ــة، واس ــراء الغربي ــي الصح ــتقالل ف ــطاء االس ــم ونش ــتبه به ــالمين املش اإلس

مقاضــاة الصحفيــن وتفريــق املظاهــرات الســلمية بالقــوة)73(. فــي املقابــل، يالحــظ

بعــض املراقبــن أن مشــروع املصاحلــة فشــل لكونــه مجــرد “مبــادرة اختارهــا وقررهــا

نظــام ممارســة الســلطة نفســه الــذي كان مســؤوال عــن االنتهــاكات اجلســيمة حلقــوق

ــة ــات املنتهك ــة املمارس ــي صفح ــد ط ــه يري ــر أن ــه بالتظاه ــع صورت ــان، لتلمي اإلنس

ــاكات ــي االنته ــوا ف ــن تورط ــخاص الذي ــر األش ــب تغيي ــان. وال يلع ــوق اإلنس حلق

اجلســيمة حلقــوق اإلنســان بأشــخاص آخريــن، أي دور فــي جنــاح “العدالــة االنتقالية”،

مــا لــم يتغيــر نظــام ممارســة الســلطة نفســه، الــذي ارتكبــت فــي ظلــه وبامســه وبســببه

ــا إلــى نفــس االنتهــاكات اجلســيمة حلقــوق اإلنســان؛ فنفــس األســباب تــؤدي دائم

النتائــج”)74(. وتبقــى حاجــة املغــرب ملصاحلــة حقيقيــة قضيــة حيويــة ومثيــرة للجــدل

ــن ــال: “يجــب أن جنــد وســيلة وســطا ب ــد؛ إذ ق ــي بوعبي ــا الناشــط عل ــا خلصه كم

ــالق ــدون إغ ــن يري ــك الذي ــية وأولئ ــات السياس ــعون للمحاكم ــن يس ــك الذي أولئ

ــه”)75(. ــل قراءت ــاب قب الكت

ا فــي عــدة مــدن مغربيــة قــدر كبيــر قــد يكــون لتلــك اجللســات العامــة واملؤثــرة نفســي

ــت ــا جلســات غض ــة، لكنه ــم صــورة امللكي ــي مســعى ترمي ــة السياســية ف ــن الرمزي م

ــة املصاحلــة، فلــم جتمــع الطــرف عــن عــدد مــن اإلجــراءات املتبعــة عــادة فــي عملي

طرفــي النــزاع معــا، حضــر الضحايــا وغــاب اجلنــاة، وبقيــت اجللســات بعيــدة كل البعد

ــا حــدث، وضــرورة أن ــم حــول م ــن التفاعــل واملصارحــة بينه ــل مســتوى م عــن أق

يعتــرف اجلانــي مبــا فعــل ويعتــذر، وأن تقبــل الضحيــة االعتــذار طواعيــة وعــن قناعــة

ــة دون أن ــروع املصاحل ــي مش ــا ف ــي قدم ــن املض ــذار. وال ميك ــة االعت ــة بصدقي كامل

أولويات العدالة االنتقالية: قوة القانون أم األمن المجتمعي؟

| 40

يستكشــف الطرفــان “خوفهــم وغضبهــم املتبادلــن، واألهــم مــن ذلــك أن تبــدأ جســور

ــال فــي ــدة املن ــة بعي الثقــة بينهمــا”)76(. وبــدون هــذه الثقــة، تبقــى املصاحلــة احلقيقي

ام ام األعتــاب الشــريفة” أو “خــد بلــد منقســم بعمــق بــن مــن يعتبــرون أنفســهم “خــد

قــوا آماال الدولــة” ضمــن جهــاز األمــن واملخابــرات واجليــش، وبــن الضحايــا الذيــن عل

كبيــرة علــى إنهــاء الغــن ورد االعتبــار بعــد ســنوات طويلــة مــن األمــل واالنتظــار.

5. تقييم التجارب الثالث

ــا وتشــيلي وغيرهــا مــن ــوب إفريقي ــرب وجن ــي جتــارب املغ ــة ف ــت جلــان احلقيق لقي

ــي ــة الت ــة والدولي ــات احمللي ــب النشــطاء واملنظم ــا ترحي ــي حــذت حذوه ــدول الت ال

ــة ــر مــن أربعــن دول تدافــع عــن حقــوق اإلنســان. وتؤكــد هــذه التجــارب فــي أكث

ــي دروس ــدة. وه ــة ومعق ب ــة مرك ــن عملي ــتفادة م ــدروس املس ــض ال ــى اآلن بع حت

تدعــو التبــاع مجموعــة إجــراءات رئيســية: 1( لكــي تكــون العــروض العامــة فعالــة

وتســاعد علــى تفعيــل الشــعور باالنتقــال، حتتــاج جلــان احلقيقــة إلــى جمهــور متقبــل.

ــد ــا تعتم ــا، لكنه ــب عملياته ــالل ترتي ــن خ ــك م ــجع ذل ــة أن تش ــن للجن 2( ميك

أيضــا علــى ســياقات أوســع. 3( مــن املرجــح أن يتــم جتاهــل التقاريــر والتوصيــات،

ا. 4( يتعــن علــى جلــان احلقيقــة أال تقــدم ويتطلــب التنفيــذ صراعــا سياســيا مســتمر

ــة واملصاحلــة ــة والعدال ــل احلقيق ــة مث ــق أهــداف عالي ــا حتقي ــات ميكنه نفســها كهيئ

ــات بالنســبة لنضــال سياســي ــر املعلوم ــي توفي ــات ميكــن أن تســهم ف ولكــن كعملي

أطــول)77(. بيــد أن اعتمــاد رؤيــة نقديــة ملــآل تلــك التجــارب فــي الســعي للحقيقــة

فــي الــدول الثــالث يســترعي االنتبــاه إلــى مجموعــة كوابــح أو حتديــات حتــول دون

ــق غاياتهــا بشــكل كامــل. حتقي

41 |

1.5. مجرد هندسة تصور جديد للماضي!

ــن ــف ع ــي الكش ــل ف ــاؤل واألم ــة التف ــة واملصاحل ــان احلقيق ــش جل ــا تنع ــدر م بق

ــل ــة األم ــر خيب ــا تثي ــدر م ــراع، بق ــرات الص ــالل فت ــان خ ــوق اإلنس ــاكات حق انته

والتحفظــات، وأحيانــا االنتقــادات، نظــرا لنســبية ومحدوديــة احلقيقــة التــي تكشــفها

د جيمــس غيبســون علــى العالقــة بــن مســعى العدالــة االنتقاليــة للــرأي العــام. ويشــد

واملصداقيــة لــدى جلــان احلقيقــة فــي أعــن الشــعب. ويقــول: إن وظيفــة تلــك اللجــان

تكمــن فــي “تغييــر املعتقــدات واملواقــف كعمليــة حتــول اجتماعــي. مــن أجــل القيــام

بذلــك، ينبغــي أن جتــذب انتبــاه األفــراد العاديــن، وأن ينظــروا إليهــا على أنهــا مصدر

موثــوق لــكل مــن املعلومــات حــول املاضــي والتوجيــه حــول النشــاط السياســي فــي

ــات ــطاء واملنظم ــره النش ــا يعتب ــى م ــا عل ــاد أساس ــب االنتق ــتقبل”)78(. وينص املس

احلقوقيــة الدوليــة فشــال فــي الكشــف عــن أمســاء اجلنــاة فــي حــق الضحايــا، وهــي

مســة مشــتركة بــن جتــارب املغــرب وجنــوب إفريقيــا وتشــيلي، وإن كان منســوب جلنــة

ريتيــغ فــي تشــيلي أعلــى مــن احلالتــن الســابقتن بفضــل قرارهــا تزويــد احملاكــم فــي

البــالد مبــا توصلــت إليــه مــن أدلــة علــى اجلرائــم املرتكبــة خــالل حقبــة االضطهــاد

.)�1990 1973(

ــف ــال أو أشــكال العن ــا أو قت ــا أو اغتصاب ــد مســؤولية مــن ارتكــب تعذيب يظــل حتدي

ــا فــي أعــن الضحايــا واملدافعــن عــن حقــوق اإلنســان. وتتمســك األخــرى أمــرا حيوي

ــور ــان ظه ــان ضم ــك اللج ــدور تل ــول: إن مبق ــال بالق ــش مث ــس ووت ــان رايت هيوم

ــاكات ــي االنته ــدمي مرتكب ــن تق ــه “يتع ــد أن ــي بي ــاكات املاض ــأن انته ــة بش احلقيق

ــق، ــذا املنط ــة”)79(. وبه ــام احملكم ــؤولياتهم أم ــد مس ــة وحتدي ــى العدال ــيمة إل اجلس

أولويات العدالة االنتقالية: قوة القانون أم األمن المجتمعي؟

| 42

تتســع دائــرة املســؤولية باملنــاداة بضــرورة توجيــه اإلدانــة إلــى أشــخاص بعينهــم ســواء

ــا ــم أخــرى، وأيض ــم ضــد اإلنســانية أو جرائ ــم حــرب أو جرائ ــوا متهمــن بجرائ كان

حتميــل املســؤولية إلــى حكومــات وأنظمــة تكــون قــد كرســت العنــف البنيــوي، كمــا

.)Johan Galtung()80( ــغ ــان غالتون ــالم، يوه ــات الس ــر دراس ــوره منظ يتص

2.5. حقيقة الضحايا: أين حقيقة الجناة؟

ــر مــن االنتقــادات لكونهــا تســعى فــي الغالــب لترويــج تواجــه جلــان احلقيقــة الكثي

بعــض النســيان أو التناســي أو رمبــا تطبيــع فظائــع العنــف وســوء املعاملــة التــي وقعــت

فــي املاضــي. وتؤكــد التجــارب الســابقة أن تلــك اللجــان ركــزت فــي املقــام األول

ل املجتمــع، فيمــا تهتــم بشــكل ثانــوي بقضايــا الضحايــا ومرتكبــي أعمــال علــى حتــو

ل الصــراع )Conflict Transformation ( وليــس بالضــرورة العنــف ضمــن مســار حتــو

ل أن جلــان فــض أو تســوية الصــراع )Conflict Resolution(. ومــن جتليــات هــذا التحــو

ل املجتمــع وإن كان البعــض يعتبرهــا ح بقدرتهــا علــى املســاهمة فــي حتــو احلقيقــة تلــو

ــز جلــان ل املجتمعــي. ويقــول بعــض احملللــن: إن “مــا ميي نتاجــا وليــس ســببا للتحــو

احلقيقــة هــو نيتهــا التأثيــر علــى الفهــم االجتماعــي وقبــول املاضــي، وليــس مجــرد

التعامــل مــع حقائــق محــددة”)81(.

تظــل جتربــة جنــوب إفريقيــا األكثــر شــهرة واألكثــر متحيصــا مــن قبــل خبــراء فــض

الصراعــات ومنظمــات الدفــاع عــن حقــوق اإلنســان إال أنهــا ال ختتلــف مــن حيــث

ــراع ل الص ــو ــفة حت ــبع بفلس ــث التش ــن حي ــرب م ــيلي واملغ ــي تش ــن حالت ــر ع اجلوه

وجتاهــل مطالــب العدالــة اجلنائيــة وتنفيــذ أحــكام القانــون. وبــدال مــن ذلــك، ســعت

ــس ــالل تكري ــن خ ــي م ــن املجتمع ــق األم ــل حتقي ــى أم ــف عل ــة العن ــاوز ترك لتج

43 |

ــا فــي الــرد علــى ــا صعب العدالــة االنتقاليــة أو التصاحليــة التــي يواجــه أنصارهــا حتدي

تهــم منتقديهــم بأنهــم يقومــون بإســقاط مثاليــة رومانســية علــى املاضــي. علــى ســبيل

:)Kathleen Daly( ،املثــال، تقــول أســتاذة اإلجــرام والعدالــة اجلنائيــة، كاثلــن دالــي

ــا ــم اســتدعاء م ــا يت ــة، عندم ــة التصاحلي ــخ العدال ــة تاري ــة لكتاب ــود املبذول “إن اجله

ــا ال ــة، فإنه ــة احلالي ــر ممارســة العدال ــا( لتبري ــا )وانتقائي ــث عاطفي ــل العصــر احلدي قب

حتيــد عــن الصــواب فحســب، بــل وأيضــا تعيــد عــن غيــر قصــد إعــادة كتابــة مبــدأ

ــه”)82(. ب فــوه فــي جتن ــه مؤل االلتفــاف حــول الــذات يرغب

ــة ــل لينــش )Gabrielle Lynch(، مــن جامعــة ووريــك كيــف، أن جلن تالحــظ غابري

ــة ــر املطــول للجن احلقيقــة واملصاحلــة “كانــت بعيــدة عــن الكمــال. ولــم يقــرأ التقري

ــة. وعلــى الرغــم مــن أن الغالبيــة وافقــت علــى عــرض اللجنــة للعفــو عــن ســوى قل

الكشــف الكامــل عــن جرائــم بدوافــع سياســية فــي حقبــة الفصــل العنصــري، فقــد

اخنفــض الدعــم العــام خــالل العقــد األول مــن القــرن العشــرين ألن احلكومــة دفعــت

تعويضــات محــدودة، وفشــل املدعــون العامــون فــي توجيــه تهــم ضــد اجلنــاة الذيــن

مت رفــض طلباتهــم للعفــو، أو مــن لــم يقدمهــا أصــال”)83(. وعلــى الرغــم مــن ذلــك،

ــي ــا ف ــا كان حامس ــوب إفريقي ــي جن ــن أن مشــروع املصاحلــة ف ــد بعــض املراقب يعتق

منــح عمليــة االنتقــال بعــض املســاحة اللتقــاط األنفــاس مــن أجــل إنشــاء مؤسســات

ا آمنــا وموحــدا وعمليــات دميقراطيــة ناشــئة ورعايتهــا؛ فهــو لــم ينتــج نظامــا سياســي

ــا )مــن حيــث الثقافــة أو املؤسســات( لكــن بعــض األدلــة املتوفــرة تشــير إلــى ودميقراطي

ــا ميكــن أن يعــزى بشــكل معقــول إلــى ــر “معجــزة” جنــوب إفريقي أن جــزءا ممــا يعتب

جنــاح جهــود اللجنــة فــي إيجــاد احلقيقــة وتعبيــد الطريــق للمصاحلــة)84(.

أولويات العدالة االنتقالية: قوة القانون أم األمن المجتمعي؟

| 44

3.5. عالج الحاضر دون وقاية املستقبل

يتســاءل البعــض عــن مــدى جناعــة جلــان احلقيقــة واملصاحلــة في تفــادي تكــرار أعمال

العنــف وســوء املعاملــة فــي البلــد ذاتــه بعــد انتهــاء صالحيتهــا. مثــال ذلــك حــال

املغــرب حيــث عــادت بعــض األجهــزة األمنيــة، بعــد مــرور اثنــي عشــر عامــا علــى

ــي إلــى امللــك محمــد الســادس، ــة اإلنصــاف واملصاحلــة تقريرهــا النهائ تقــدمي هيئ

إلــى ممارســات قدميــة فــي مســعى الحتــواء حــراك الريــف وإصــدار أحــكام قضائيــة

بالســجن عشــرين عامــا علــى عــدد مــن النشــطاء الذيــن تظاهــروا فــي احلســيمة ومدن

أخــرى مطالبــن بحزمــة إصالحــات بنيويــة واقتصاديــة، فضــال عــن اســتخدام القــوة

ضــد املتظاهريــن مــن عمــال جــرادة ومــن أصبحــوا يعرفــون بـ”األســاتذة املتعاقديــن”.

ويقــول أحــد املراقبــن: “عندمــا ال تكــون العدالــة االنتقاليــة قــادرة علــى منــع تكــرار

ل أحــد أهدافهــا األولــى والرئيســة، تفقد انتهــاكات حقــوق اإلنســان، وهــو منــع يشــك

املصاحلــة، التــي تســتتبعها هــذه العدالــة االنتقاليــة، معناهــا وغايتهــا مــا دام اجلــالدون

ــا ألن الدولــة حتميهــم وال تريــد الكشــف عنهــم”)85(. غيــر معروفــن رمسي

ــوب ــي جن ــة واملصاحلــة ف ــة احلقيق ــى الرغــم مــن أن جلن ــوي وعل ــى املســتوى البني عل

إفريقيــا مثــال قــد حققــت مســتوى من احلقيقــة واخلطــاب واحلــوار وبعــض املصاحلة، إال

أنهــا أدت إلــى “الشــعور لــدى الكثيريــن بتأجيــل العدالــة. وقــد توصلــت األمم املتحــدة

فــي الســنوات األخيــرة إلــى قناعــة مهمــة بــأن العدالــة االنتقاليــة تقــوم على افتــراض أن

“التغييــرات االجتماعيــة واالقتصاديــة والسياســية ممكنــة عندمــا جتــري مفاوضــات مهمة

مــع الدولــة حــول القــوة. ومــع ذلــك، ظهــرت العدالــة االنتقاليــة للتعامــل مــع البعــد

احملــدود فقــط لتلــك التغييــرات: إرث الفظائــع الواســعة النطــاق ومنــع تكرارهــا”)86(.

45 |

4.5. ما هو “انتقالي” يف العدالة االنتقالية

رغــم مــا يبــدو أنــه توافــق علــى غايــة العدالــة االنتقاليــة، يظــل معنى مــا هــو “انتقالي”

ــى ــر واضحــي املالمــح. فهــل ينبغــي أن يقتصــر مفهــوم “االنتقــال” عل وحــدوده غي

ــال ــى حكــم دميقراطــي، و/أو يشــمل االنتق ــر النظــام مــن حكــم اســتبدادي إل تغيي

ل مــن فتــرات احلــرب أو الصــراع إلــى فتــرات اســتقرار؟ أم يتعــن أن يشــير أو التحــو

إلــى أي نــوع مــن التغييــرات فــي اخلطــاب الســائد لتبريــر ممارســة الســلطة، ســواء كان

ذلــك فــي مجتمعــات مــا بعــد الصــراع، أو حــاالت تغييــر النظــام، أو فــي ظــل قيــام

أنظمــة دميقراطيــة؟)87(.

ــي ــور الغرب ــة” التص ــرس “مركزي ــذي يك ــن ال ــى الراه ــاب املنح ــض الكت ــد بع ينتق

ــاط ــة متوقعــت كنق ــة الليبرالي ــات الدميقراطي ــول: إن “املجتمع ــة بالق ــة االنتقالي للعدال

النهايــة املنشــودة خلطــوات العدالــة االنتقاليــة. وهــذه العدالــة االنتقاليــة ذاتهــا متيــل

ــى ــة إل ــها بحاج ــة نفس ــات الليبرالي ــه الدميقراطي ــد في ــذي جت ــدى ال ــل امل ــى جتاه إل

مصاحلــة وعدالــة تصاحليــة فــي حقبــة “مــا بعــد الصــراع””)88(. وتــزداد املتاهــة أيضــا

ــن ــوم املقصــود أو املتوخــى م ــا باملفه ــة أيض ــة االنتقالي ــة العدال ــح بحتمي ــد التلوي عن

ــة. وال ــى الدميقراطي ــالم أم إل ــى الس ــال إل ــي االنتق ــل تعن ــة”، وه ــة االنتقالي “املرحل

ميكــن الفصــل بــن عمليــة االنتقــال واإلطــار الزمنــي الــذي يؤثــر علــى تطبيقهــا ســلبا

)Temporality( ــة يها الوقتي ــم ــن أن نس ــرى ميك ــة أخ ــزر معضل ــك، تب ــا. لذل وإيجاب

عنــد تقاطــع املطالــب بتطبيــق القانــون واملســؤولية اجلنائيــة وحمايــة األمــن املجتمعــي

ــة. ــاء الدول ــات إعــادة بن ومراعــاة حاجي

أولويات العدالة االنتقالية: قوة القانون أم األمن المجتمعي؟

| 46

5.5. العدالة االنتقالية والنسبية الثقافية

حتــى اآلن، أظهــرت جتــارب جلــان الكشــف عــن احلقيقــة وحتقيــق املصاحلــة فــي أكثر

مــن أربعــن مــن دول العالــم أن فعاليتهــا رهينــة مبــدى تــالؤم املفاهيــم السوســيولوجية

واإلجــراءات القانونيــة املعتمــدة مبــا يتســق مــع التركيبــة الثقافيــة للمجتمــع، أو بعبــارة

ــة، ووجــود برامــج مختلفــة جتســد ــة وتبايــن الســياقات احمللي أخــرى، النســبية الثقافي

ــا. ويشــدد هــاورد زيهــر علــى عــدم وجــود منــوذج ــا أو كلي العدالــة التصاحليــة جزئي

ــا أو جاهــزا قابــال للتطبيــق ببســاطة فــي أي مجتمــع. “خالــص” ميكــن اعتبــاره مثالي

ــه كذلــك إلــى مغبــة املبالغــة فــي اعتبــار العدالــة التصاحليــة وكأنهــا حتــل محــل وينب

النظــام القانونــي، حتــى فــي العالــم املثالــي)89(.

ــي ــة ف ــة الغربي ــدة املدرس ــة ولي ــة االنتقالي ــراءات العدال ــة إلج ــة املعرفي ــل التركيب تظ

ــة وجــود منــوذج ــة الغربي ــي هــذه املركزي ــات العامــة. لكــن ال تعن ــاع عــن احلري الدف

قابــل لــكل املجتمعــات وشــتى حقــب الصــراع. وكمــا قــال أحــد الباحثــن: “العامليــة

العقائديــة هــي عيــب لفهــم مبــدع للعدالــة االنتقاليــة. في مســائل التحــول االجتماعي،

يجــب إيــالء اهتمــام وثيــق للســياق واملوقــع. هــذا هــو الســبب فــي أنــه ال ميكــن الدفاع

عــن الفكــر إلنشــاء خطــة أو منــوذج للعدالــة االنتقاليــة جاهزيــن للتصديــر”)90(.

خالصة

تناولــت هــذه الدراســة أوجــه االختــالف مــن حيــث ســياقات وديناميــات جتــارب

ــي ســبيل اســتنباط ــا ف ــا وثقافي ــالث دول متباعــدة جغرافي ــي ث ــة ف ــة االنتقالي العدال

ــك ــة لتل ــة أو املعياري ــات النظري ــن الطروح ــر م ــة أكث ــة أو اإلجرائي ــبل الوظيفي الس

47 |

العدالــة املنشــودة فــي الســياق العربــي مــن املغــرب إلــى العــراق. ويبــدو أن النخــب

العربيــة ونشــطاء احلريــة واإلصالحــات الدميقراطيــة فــي اجلزائــر والســودان والعــراق

فــي عــام 2019، علــى غــرار نظرائهــم فــي تونــس وليبيــا ومصــر واليمــن وســوريا عــام

2011، بحاجــة ألن يعــودوا إلــى املربــع األول لتركيــب نظريــة عربيــة للعدالــة االنتقاليــة

ــزال ــات ال ت ــي مجتمع ــح أو املصاحلــة ف أو باألحــرى إعــادة اكتشــاف فلســفة الصل

ــي ضــوء ســياقها ــم ف ــا وذويه ــدور الضحاي ــى ص ــة عل ــامت جامث ــس الق ــم األم مظال

احمللــي العربــي. وكمــا دافــع املفكــر اإليطالــي، أنطونيــو غرامتشــي، عــن دور املثقــف

العضــوي، مثــة حاجــة لفلســفة عضويــة فــي مســعى حتقيــق العدالــة.

ــف خارطــة الصراعــات املفتوحــة وتعثــر مسلســل االنتفاضــات فــي الوقــت ذاتــه، ختل

اء التعــرض ــة وتراكــم صدمــات عميقــة مــن جــر ــركات نفســية مرضي ــة عــدة ت العربي

للعنــف وســوء املعاملــة. وتنطــوي أيضــا علــى عــدة مفارقــات مثيــرة منهــا شــح املعرفــة

ــات. ــات والصراع ــك األزم ــع تل ــل م ــي التعام ــة ف ــات العربي ــدى املؤسس ــة ل املنهجي

وتطــرح هــذه املفارقــات أكثــر مــن ســؤال عــن نصيــب املنطقــة العربيــة مــن نظريــات

وأدوات فــض الصراعــات، ومــدى تناســب االســتراتيجيات التي تعتمدهــا األمم املتحدة

ــات ــدات الصراع ــة وتعقي ــع طبيع ــة م ــات الغربي ــة واحلكوم ــات الدولي ــة املنظم وبقي

العربيــة. فــي املقابــل، يتســاءل املــرء عــن مــدى اســتحضار أعــراف الوســاطات العربية،

ــة والتعامــل مــع الصراعــات ــة االنتقالي مثــل الصلــح أو املصاحلــة، علــى طريــق العدال

ــب وقائــم بذاتــه. وإقراراهــا ضمــن أدبيــات فــض الصــراع كعلــم اجتماعــي مرك

املراجع

ــارس/آذار 2017، ــض، 26 م ــة”، النب ــة االنتقالي ــارب العدال ــماس، “جت ــى ش )1( مل

أولويات العدالة االنتقالية: قوة القانون أم األمن المجتمعي؟

| 48

.https://bit.ly/2tU86D5 :)2019 تاريــخ ا لدخــول: 1 نوفمبر/تشــرين الثانــي(

)2( International Center for Transitional Justice, ”What is Transitional Jus�

tice?,“, ICTJ, ”accessed November 1, 2019“. https://bit.ly/34Y1DUc.

)3( شماس، “جتارب العدالة االنتقالية”، مرجع سابق.

)4( Nick Grono, ”Peace versus justice? Understanding Transitional Justice

in Fragile States,“ ODI, October 9, 2009, ”accessed November 2, 2019“.

https://bit.ly/2Q1awsd.

)5( Howard Zehr, Changing Lenses: A New Focus for Crime and Justice 1st

ed. )Herald Press, 1990(.

)6( Luis Henkin, The Age of Rights )New York: Columbia University Press,

1990(, xvii.

)7( Lode Walgrave, Restorative justice, self-interest and responsible

citizenship )Cullompton: Willan, 2008(, 155.

)8( John Braithwaite and Philip Pettit, Not Just Deserts: A Republican

Theory of Criminal Justice, )Oxford: Clarendon Press, 1990(, 2.

)9( Ibid, 2.

)10( Howard, Changing Lenses: A New Focus for Crime and Justice, op, cit.

)11( Howard Zehr, Ali Gohar, The Little Book of Restorative Justice,

)Pennsylvania: Good Books, Intercourse, 2003(, 17.

)12( Theo Gavrielides, ed., Routledge International Handbook of Restorative

49 |

Justice, )Routledge, 2018(.

)13( Dennis Sullivan, Larry Tifft, eds., Handbook of Restorative Justice: A

Global Perspective, )Routledge, 2006(.

)14( Marianne O. Nielsen, James W. Zion, eds., Navajo Nation Peacemaking:

Living Traditional Justice, )The University of Arizona Press, 2005(.

ــار 2014، )تاريــخ الدخــول: 2 )15( “املصاحلــة فــي اإلســالم”، املياديــن، 22 مايو/أي

.https://bit.ly/2EUCeQR :)2019 ــي ــرين الثان نوفمبر/تش

)16( املرجع السابق.

)17(, Roy L. Brooks ”The Age of Apology“ in When Sorry isn’t enough.

The Controversy over Apologies and Reparations for Human Injustices, ed.

Brooks Roy, )New York: New York University Press, 1999(, 3-11.

)18( Alexandra Barahona De Brito, al., ”Introduction“ in The Politics of

Memory: Transitional Justice in Democratizing Societies, eds. Alexandra

Barahona De Brito, Carmen Gonzalez Enriquez and Paloma Aguilar,

)Oxford: Oxford University Pres, 2001(, 1-38.

)19( Jeffrey K. Olick, The Politics of Regret: On Collective Memory and

Historical Responsibility )Routledge, 2013(.

)20( ICC, ”Understanding the International Criminal Court,“ ”accessed

November 2, 2019“. https://bit.ly/2spaiBU.

)21( Judgment of the International Military Court of 1 October 1946, Vol. 1: 249.

أولويات العدالة االنتقالية: قوة القانون أم األمن المجتمعي؟

| 50

)22( Nick Grono, ”What Comes First - Peace or Justice?,“ International

Crisis Group, Pct. 27, 2006, ”accessed November 3, 2019“. https://bit.

ly/34Uwe55.

)23( Louise Arbour, ”Economic and Social Justice for Societies in Transition,“

Center for Human Rights and Global Justice Working Paper, Number 10,

2006, )New York: Center for Human Rights and Global Justice(, ”accessed

November 2, 2019“. https://bit.ly/2PYsjQx.

)24( Kathrin Braun, ”Transitional Justice, Political Temporality and the

Injuries of Normality,“ )Paper presented at the ECPR General Conference(,

Oslo September 6-9, 2017.

)25( Ibid.

)26( Jon Elster, Closing the Books: Transitional Justice in Historical

Perspective )Cambridge: Cambridge University Press, 2004(.

)27(, Rosemary Nagy, ”Transitional Justice as Global Project: Critical

Reflections,“ Third World Quarterly 29)2(, )2008(: 275-89.

)28( Elazar Barkan, ”Introduction: Historians and Historical Reconciliation,“

American Historical Review, Vol. 114)4(, )2009(: 899-913.

)29( Jennifer Balint, al., ”Rethinking Transitional Justice, Redressing

Indigenous Harm: A New Conceptual Approach,“ The International Journal

of Transitional Justice, Vol. 8)2(, )2014(: 194–216.

51 |

)30( Priscilla B. Hayner, Unspeakable Truths: Confronting State Terror and

Atrocity )New York: Routledge, 2001(.

)31( Jelena Subotic, ”Hijacked Justice: Domestic Appropriation of International

Norms,“ )Human rights and human welfare working papers no. 28, )2005(.

)32( Kathrin, ”Transitional Justice, Political Temporality and the Injuries of

Normality,“ op, cit.

)33( Ibid.

)34( United Religious Initiative, ”To save humanity from hell,“ February 25,

2019, ”accessed November 2, 2019“. https://bit.ly/2ZvxL0v.

)35( Charles Tilly, Big Structures, Large Processes, Huge Comparisons

)Russell Sage Foundation, 1984(.

)36( Report of the Chilean National Commission on Truth and Reconciliation,

)United States Institute for Peace, October 4, 2002(.

)37( Mark Ensalaco, ”Truth Commissions for Chile and El Salvador: A Report

and Assessment“, Human Rights Quarterly, Vol. 16 )4(, )1994(: 656–675.

)38( Report of the Chilean National Commission on Truth and Reconciliation,

op, cit.

)39( Ibid.

)40( Ibid.

)41( Ibid.

أولويات العدالة االنتقالية: قوة القانون أم األمن المجتمعي؟

| 52

)42( Ibid.

)43( Ibid.

)44( Ibid.

)45( Ibid.

)46( Ibid.

)47( Ibid.

)48( ”Truth and Reconciliation Commission of South Africa Report,“ Finding

Victims, Vol. 7, )August 2002(: 1.

)49( Moments in U.S. Diplomatic History, ”South Africa’s Truth and

Reconciliation Commission“, Interview with Monica Joyi, ”accessed

November 2, 2019“. https://bit.ly/37cX89Q.

)50(, Diane F. Orentlicher ”Settling Accounts: The Duty to Prosecute Human

Rights Violations of a Prior Regime“ in Transitional Justice How Emerging

Democracies Reckon with Former Regimes, Vol. I General Considerations,

Neil J. Kritz, ed., )Washington, D.C.: United States Institute of Peace

Press, 1995(, 380-81.

)51( Amnesty International, ”Policy Statement on Impunity“ in Transitional

Justice How Emerging Democracies Reckon with Former Regimes, Vol.

I, General Considerations, Neil J. Kritz, ed., )Washington, D.C.: United

States Institute of Peace Press, 1995(, 219-220. and Human Rights Watch.

53 |

”Policy Statement on Accountability for Past Abuses“ in Transitional Justice

How Emerging Democracies Reckon with Former Regimes, Vol. I, General

Considerations, Neil J. Kritz, ed., )Washington, D.C.: United States

Institute of Peace Press, 1995(, 217-218.

)52( Nick Grono, ”Peace versus justice? Understanding Transitional Justice

in Fragile States,“ ODI, October 9, 2009, ”accessed November 3, 2019“.

https://bit.ly/2Q922zn.

)53( Ibid.

)54( Mahmood Mamdani, ”Amnesty or Impunity? A Preliminary Critique

of the Report of the Truth and Reconciliation Commission of South Africa

)Trc(,“ Diacritics, Vol. 32, no. 3, )2002(: 33-59.

)55( Kader Asmal, ”Victims, Survivors and Citizens–Human Rights,

Reparations and Reconciliation,“ South African Journal on Human Rights,

Vol. 8, no. 4, )1992(: 498.

)56( Susan Slyomovics, ”Morocco’s Justice and Reconciliation Commission,“

Middle East Report Online, April 04, 2005, ”accessed November 3, 2019“.

https://bit.ly/2MABvJ2.

)57( برنامج حتت املجهر، حلقة “جوهر املصاحلة”، اجلزيرة، 30 أغسطس/آب 2013.

)58( برنامج حتت املجهر، حلقة “جوهر املصاحلة”، اجلزيرة، 30 أغسطس/آب 2013.

)59( Slyomovics, ”Morocco’s Justice and Reconciliation Commission,“ op, cit.

أولويات العدالة االنتقالية: قوة القانون أم األمن المجتمعي؟

| 54

ــة اإلنصــاف واملصاحلــة، الكتــاب األول: احلقيقــة واإلنصــاف واملصاحلــة، )60( هيئ

.https://bit.ly/357cnQp :)2019 ــي ــخ الدخــول: 3 نوفمبر/تشــرين الثان )تاري

)61( ”Final report of the Moroccan Equity and Reconciliation Commission,“

January 16, 2006,

ــة اإلنصــاف واملصاحلــة، الكتــاب األول: احلقيقــة واإلنصــاف واملصاحلــة، )62( هيئ

مرجــع ســابق.

)63( Human Rights Watch, ”Morocco’s Truth Commission: Honoring Past

Victims during an Uncertain Present,“ November 2005, Vol. 17, no. 11)E(.

)64( Ibid.

)65( Slyomovics, ”Morocco’s Justice and Reconciliation Commission,“ op, cit.

)66( Human Rights Watch, ”Morocco’s Truth Commission: Honoring Past

Victims during an Uncertain Present,“ op, cit.

)67( Human Rights Watch, ”Recommendations to Moroccan Authorities,“

Vol. 17, 11)E(.

)68( Slyomovics, ”Morocco’s Justice and Reconciliation Commission,“ op, cit.

)69( Human Rights Watch, interview, Rabat, October 20, 2004.

)70( Human Rights Watch, interview, Rabat, April 6, 2005.

)71( ”Trois questions à Driss Benzekri, président de l’instance équité et

réconciliation,“ Le Monde, April 13, 2005.

)72( ”Message of Mohamed VI to the 49th congress of the International

55 |

Union of Lawyers on August 31, 2005“, ”accessed November 4, 2019“.

https://bit.ly/2Q6IhIu.

)73( Human Rights Watch, ”Morocco’s Truth Commission: Honoring Past

Victims during an Uncertain Present,“ op, cit.

)74( محمــد بودهــان، “ملــاذا لــم تنجــح جتربــة “العدالــة االنتقاليــة” فــي املغــرب؟”،

هســبرس، 1 أغســطس/آب 2018، )تاريــخ الدخــول: 4 نوفمبر/تشــرين الثانــي 2019(:

.https://bit.ly/2SLamHh

)75( Ali Bouabid, secretary-general of Abderahim Bouabid Foundation

)Center for democratic debate( in Morocco.

)76( Charles )Chip( Hauss, Reconciliation, September 2003.

)77( Gabrielle Lynch, Misleading Myth of Truth Commissions, Mail &

Guardian, September 7, 2018, ”accessed November 4, 2019“. https://bit.

ly/3566X8i.

)78( James L. Gibson, ”On Legitimacy Theory and the Effectiveness of Truth

Commissions,“ Duke University, Vol. 72, no. 123.

)79( Human Rights Watch, ”Morocco’s Truth Commission: Honoring Past

Victims during an Uncertain Present,“ op, cit.

)80( Johan Galtung, ”Violence, Peace, and Peace Research,“ Journal of

Peace Research, Vol. 6, no. 3, )1969(: 167–191.

)81( Priscilla B. Hayner, Unspeakable Truths: Confronting State Terror and

أولويات العدالة االنتقالية: قوة القانون أم األمن المجتمعي؟

| 56

Atrocity )New York: Routledge, 2001(.

)82( Kathleen Daly, ”Restorative justice: the real story,“ in Gerry Johnstone,

Ed., A restorative justice reader: texts, sources, context )Cullompton, UK,

Portland, Or: Willan, 2003(, 368.

)83( Lynch Misleading Myth of Truth Commissions, op, cit.

)84( Gibson, ”On Legitimacy Theory and the Effectiveness of Truth

Commissions,“ op, cit.

)85( محمــد بودهــان، “ملــاذا لــم تنجــح جتربــة “العدالــة االنتقاليــة” فــي املغــرب؟”،

مرجــع ســابق.

)86( United Nations Human Rights Office of the Commissioner, ”Transitional

justice and Economic, Social and Cultural Rights,“ 2014.

)87( Stephen Winter, ”Towards a Unified Theory of Transitional Justice,“

International Journal of Transitional Justice, Vol. 7, no, 2, )2013(: 224-44.

)88( Jennifer Balint, al., Rethinking Transitional Justice, Redressing

Indigenous )Harm: A New Conceptual, 2014(.

)89( Howard Zehr, Ali Gohar, The Little Book of Restorative Justice,

)Pennsylvania: Good Books, 2003(, 10

)90( Makau Mutua, ”What Is the Future of Transitional Justice?,“ International

Journal of Transitional Justice, Vol. 9, Issue 1, March 2015.

57 |

أزمة الديمقراطية الليربالية:األبعاد القيمية وآفاق اإلصالح السياسي

امحمد جبرون*

ــن ــا م ــر به ــم مت ــم ل ــد العال ــى صعي ــا حرجــة عل ــة أوقات ــة الليبرالي ــش الدميقراطي تعي

ــية، ــم السياس ــل النظ ــا أفض ــا، وكونه ــي جدواه ــكيك ف ــة التش ــت درج ــل، بلغ قب

ــراض ــق واألع ــن احلقائ ــة م ز جمل ــز ــام. وتع ــأن الع ــي إدارة الش ــوءا ف ــا س أو أقله

ــه. وفــي التــي ظهــرت علــى عــدد مــن الدميقراطيــات أحاســيس ضعــف الثقــة هات

مقدمــة هــذه احلقائــق: األزمــات السياســية العميقــة، واملتعــددة التــي تعيشــها أعــرق

ــة ــة، واملتمثلــة فــي صعــود وتغلــب النزعــات الشــعبوية واليميني الدميقراطيــات العاملي

علــى هــذه الدميقراطيــات، وظهــور عجزهــا الواضــح )الدميقراطيــة( عــن الوقــوف فــي

وجــه الــرداءة، ومنعهــا مــن الظفــر بالســلطة، ولعــل أقــوى مثــال فــي هــذا الســياق هــو

“الترامبيــة” )Trumpism( بالواليــات املتحــدة األميركيــة، وانتخــاب بوريــس جونســون

رئيســا للــوزراء بإجنلتــرا.

ومــن ناحيــة أخــرى، تتجلــى أزمــة الدميقراطيــة أيضــا فــي تراجــع جاذبيــة النمــوذج

* د. امحمد جبرون، أستاذ باحث/املغرب.

| 58

ــل ــن العوام ــة م ــر جمل ــت تأثي ــي، حت ــال الغرب ــارج املج ــي خ ــي الدميقراط الليبرال

املختلفــة واملتداخلــة )ثقافيــة، اقتصاديــة، سياســية..(. ولعــل الدراســات واألبحــاث

ــن ــة ع ــيرورات التراجعي ــول الس ــرب ح ــية بالغ ــوم السياس ــام العل ــي أقس ــدة ف املتزاي

الدميقراطيــة فــي مناطــق مختلفــة مــن العالــم خيــر دليــل علــى أزمــة النظــام السياســي

ــي)1(. الدميقراط

إن هــذه النكســات والضربــات التــي تلقاهــا النظــام الدميقراطــي علــى صعيــد العالــم،

ــال السياســي الدميقراطــي، ــة فــي املث ــم فــي املســتقبل، هــزت الثق واملرشــحة للتفاق

وعرضتــه لنقــد واســع، فــي الغــرب وخارجــه)2(. ومــن أهــم األعمــال النقديــة التــي

صــدرت حديثــا فــي هــذا البــاب العمــل الضخــم الــذي قــام بتحريــره غريغــور فيتــزي

Bryan S.( وبرايــن تــورن ،)Jrgen Mackert( ويورغــن ماكيــرت ،)Gregor Fitzi(

Populism and the Crisis( ”ويحمــل عنــوان “الشــعبوية وأزمــة الدميقراطيــة ،)Turne

of Democracy( الصــادر ســنة 2019 فــي ثالثــة أجــزاء.

ــة ــة الدميقراطي ــة التــي ظهــرت علــى التجرب لقــد فســحت هــذه االختــالالت الواقعي

ــدة ــية جدي ــكار سياس ــام أف ــال أم ــا، املج ــي واكبته ــة الت ــكار النقدي ــة، واألف العاملي

ــا للنظــام ــال عميق ــال أو تعدي ــا بدي ــا فــي اقتراحه ــردد أصحابه ــي ال يت للظهــور، والت

الدميقراطــي، ولعــل أهــم وأبــرز هــذه األفــكار مــا يصطلــح عليــه بالنظــام املريتوقراطي

ج لــه الفكــر السياســي الصينــي، ومعــه بعــض مفكــري )Meritocracy()3(، الــذي يــرو

جنــوب شــرق آســيا، والــذي يركــز علــى الكفــاءة واالنتقــاء بــدل االنتخــاب.

إن هــذه األزمــات متعــددة املظاهــر التــي يعانــي منهــا النظــام الدميقراطــي الليبرالــي

علــى صعيــد العالــم، والتــي ختتلــف طبيعتهــا ومظاهرهــا بــن الدميقراطيــات العريقــة

59 |

ــة ــا- أزم ــم منه ــب مه ــي جان ــي -ف ــئة، ه ــدة أو الناش ــات الصاع ــن الدميقراطي وب

ــي ــة ف ــة واملتمثل ــا الدميقراطي ــدأت تثيره ــي ب ــة الت ــاوف اجلدي ــق باملخ ــة، تتعل قيمي

ــة فــي ــة، ويتجلــى بعــض ذلــك فــي البــالد الغربي معاكســتها لبعــض قيمهــا املرجعي

ــات، ــذه الدميقراطي ــل ه ــعبوية، واليمينية..داخ ــة، والش ــات الهوياتي ــد النزع تصاع

د كل ــة، وتهــد ــي باتــت تتســبب فــي انشــقاقات عميقــة فــي املجتمعــات الغربي والت

ــق ــة)4(، وتتعل ــن جه ــات م ــذه املجتمع ــي ه ــت ف ــي حتقق ــة الت ــب احلقوقي املكاس

أيضــا بالهشاشــة السياســية، وضعــف اإلجنــاز، وحالــة عــدم االســتقرار فــي عــدد مــن

ــة. ــة مــن جهــة ثاني ــر الغربي البلــدان غي

ــة، ــا عــن أزمــة الدميقراطي ــى أن حديثن ــاج لإلشــارة فــي هــذا الســياق إل رمبــا ال حنت

والشــكوك التــي حتــوم حــول مســتقبلها، ال يجــب أن يفهــم علــى أنــه مــدح

لأوضــاع واألنظمــة االســتبدادية، والتســلطية، بــل علــى العكــس مــن ذلــك،

ــة ــرة الدميقراطي ــاء للفك ــر وف ــي أكث ــام سياس ــاء نظ ــل بن ــاد ألج ــوة لالجته ــو دع ه

ــا ــر جتاوب ــه اإلنســانية لســلطة الشــعب، وأكث باعتبارهــا أفضــل جتســيد سياســي عرفت

مــع اخلصوصيــة الثقافيــة والقيميــة للمجتمعــات اإلنســانية، وأكثــر فعاليــة فــي جلــب

ــار. ــع املض ــع ودف املناف

ومــن ثــم، فالفرضيــة التــي تقــود عملنــا فــي هــذه الدراســة، وتقــف خلفهــا، تقــوم

ــف ــة مبختل ــة الدميقراطي ــا التجرب ــي منه ــي تعان ــة الت ــة العميق ــار أن األزم ــى اعتب عل

ثيــل، أوجههــا فــي الغــرب وخارجــه، هــي أزمــة قيميــة فــي العمــق، وليســت أزمــة مت

ومؤسســات... وال ميكــن بحــال مــن األحــوال جتــاوز هــذه األزمــة وتفــادي أخطارهــا

فــي الغــرب مثــال دون وقــف هــذا النزيــف القيمــي الــذي تعانــي منــه، والعــودة للقيــم

| 60

املرجعيــة للدميقراطيــة، مثــل: الفردانيــة، واحلريــة، واملواطنــة.. أو بنــاء منــوذج سياســي

جديــد مســتوعب للتحــوالت االجتماعيــة والثقافيــة اجلديــدة التــي يعيشــها الغــرب.

أمــا خــارج الغــرب، فــال ميكــن اخلــروج مــن االضطــراب السياســي الناجــم عــن حالة

التــردد فــي األخــذ بالدميقراطيــة الــذي يعيشــه عــدد مــن البلــدان، دون ابتــكار نظــام

دميقراطــي يأخــذ باالعتبــار اخلصوصيــات القيميــة واخلبــرات الثقافيــة والتاريخيــة لهاته

البلــدان. ومــن ثــم، فــأي مشــروع لإلصــالح السياســي وخاصــة بالعالــم العربــي، ال

ــه بالفشــل، ــدان محكــوم علي ــة لهــذه البل ــة والثقافي ــم التاريخي ــار القي يأخــذ باالعتب

ل مصــدرا للهشاشــة السياســية وليــس االســتقرار والنهــوض. ويشــك

وســنحاول معاجلــة هــذه الفرضيــة، وبحثهــا، مــن خــالل محوريــن رئيســن: حتليــل

ــد ــى صعي ــة عل ــة الليبرالي ــي تعيشــها الدميقراطي ــة لأزمــة الت وكشــف اجلــذور القيمي

ــة لتجــاوز هــذه األزمــة. العالــم، واســتعراض منــاذج واقتراحــات فكري

ومــن الناحيــة املنهجيــة، ســنحاول بنــاء بعــض املفاهيــم املرجعيــة كمفهــوم الدميقراطية

والقيــم املرتبطــة بهــا بطريقــة مختلفــة عــن الســائد مــن املفاهيــم، تســمح لنــا برصــد

ووصــف الفشــل القيمــي للنظــام الدميقراطــي الليبرالــي. كمــا ســنعتمد علــى النتائــج

ــة ــاتهم امليداني ــي دراس ــة ف ــاء السياس ــن وعلم ــن الباحث ــدد م ــا ع ــى إليه ــي انته الت

واملخبريــة حــول عالقــة الدميقراطيــة بالقيــم، ومــن أبــرز هــذه الدراســات:

- Francis Fukuyama, Identity )New York: Farrar, Straus and Giroux, 2018(.

- Ellen Carnaghan, Out of Order: Russian political values in an imperfect

world )Pennsylvania State University Press, 2007(.

- Alexander Dugin, The Fourth Political Theory )United Kingdom: Arktos

61 |

Media Ltd, 2012(.

- Robert D. Putnam Making democracy work: Civic traditions in modem Italy

)New Jersey: Princeton University Press, 1993(.

- Xiaoqin Guo, State and society in China’s democratic transition: Confucianism,

Leninism, and economic development )New York: Routledge, 2003(.

- John Fuh-sheng Hsieh, Confucian culture and democracy )Singapore:

World Scientific Publishing Co. Pte. Ltd., 2005(.

1. األزمة القيمية للديمقراطية الليربالية على صعيد العالم

يعــرف إبراهــام لينكولــن )Abraham Lincoln( الدميقراطيــة بكونهــا “حكــم الشــعب

بواســطة الشــعب ألجــل الشــعب”. ويتميــز هــذا التعريــف مقارنــة بالتعريــف اليونانــي

الشــهير “حكــم الشــعب لنفســه بنفســه”، بإظهــار غايــة احلكــم، وهــي خدمــة الشــعب

وحتقيــق مصاحلــه. وقــد جتســدت هــذه الدميقراطيــة فــي أفضــل صورهــا فــي النظــام

ــدان ــرز وتطــور فــي بل السياســي التمثيلــي، الليبرالــي، بأشــكاله املختلفــة، والــذي ب

ــور ــي تط ــوم ف ــى الي ــزال إل ــة، وال ي ــدة األميركي ــات املتح ــة، والوالي ــا الغربي أوروب

مســتمر.

تتأســس الدميقراطيــة الليبراليــة علــى مجموعــة واســعة مــن القيــم، ميكــن التمييــز بينها

ــة ــم غائي ــة..، وقي ــة واحلري ــة واملواطن ــم الفرداني ــة تؤســس لهــا، كقي ــم خلفي ــن قي ب

ــة ــم بالدميقراطي ــق هــذه القي ــة والكرامــة واملســاواة. وتتعل ــم العدال ــج عنهــا، كقي تنت

ــق الشــرط مبشــروطه، فــال دميقراطيــة بــدون فردانيــة وعدالــة... والعكــس صحيح. تعل

وقــد يوجــد نظــام سياســي يحقــق بنســب عاليــة قيــم العدالــة والكرامــة ومــا يتصــل

| 62

بهمــا، لكنــه فــي منطلقاتــه أو قيمــه اخللفيــة ال يســتند علــى قيــم املواطنــة والفرديــة

باعتبــار الفــرد كينونــة مســتقلة، متلــك تقريــر مصيرهــا باســتقالل عــن باقــي األفــراد،

ــادر ــي املص ــى باق ــوق عل ــية، يتف ــرعية السياس ــدر األول للش ــا املص ــا أيض وباعتباره

التقليديــة كالعشــيرة والطبقــة االجتماعيــة والديــن... أو يلغيهــا. ومــن ثــم، ال ميكــن

ــم ــى القي ــكاء عل ــط باالت ــك فق ــا، وذل ــل أن يكــون دميقراطي لنظــام مــن هــذا القبي

ــق مــن الشــروط الشــكلية ــا بالتحق ــم، وأيض ــة هــذه القي ــة، بالرغــم مــن أهمي الغائي

)املؤسســاتية( مــن قبيــل األجهــزة واملؤسســات التمثيليــة وحكــم القانون..وغيرهــا مــن

املظاهــر الشــكلية.

ــد لظهــور الفكــرة إن ميــالد اإلنســان الفــرد، املواطــن، احلــر.. فــي الغــرب، الــذي مه

الدميقراطيــة، جــاء نتيجــة ملجموعــة مــن التحــوالت الثقافيــة والسياســية واالقتصاديــة

واالجتماعيــة، التــي شــهدتها أوروبــا خــالل عصــر النهضــة، وحتديــدا خــالل القــرن

الســادس عشــر، حيــث ظهــرت اإلرهاصــات األولــى للفردانيــة أو الوعــي بالــذات.

فعلــى ســبيل املثــال، يــرى جــون جفريــس مارتــن )John Jeffries Martin( فــي جواب

الفنــان اإليطالــي باولــو فيرونيــس )Paolo Veronese( علــى القاضــي أثنــاء محاكمتــه

علــى لوحــة “العشــاء األخيــر”، التــي تضمنــت رســومات ألشــخاص غيــر مقدســن،

ــذا ــا له ــا”، انبثاق ــن املناســب إضافته ــت م ــكارات رأي ــا ابت ــه: “إنه ــذي جــاء في وال

الوعــي الفردانــي، الــذي ســيتطور فيمــا بعــد، وفــي اســتقالل عــن األســرة والطبقــة

والطائفــة الدينيــة..)5(.

ــر ــذي ازده ــي، ال ــخ األوروب ــي التاري ــرد ف ــر للف ــور املبك ــن الظه ــم م ــن، وبالرغ لك

ــش ــى هام ــت عل ــة بقي ــة الفرداني ــإن قيم ــا، ف ــالد أوروب ــف ب ــي مختل ــا، وف تدريجي

63 |

ا مــن أعراضــه، حتــى القــرن التاســع عشــر. الفكــر السياســي الغربــي، وعرضــا ســلبي

وكان أول ظهــور لهــا فــي األدبيــات السياســية الفرنســية علــى ســبيل املثــال مــا بــن

ســنتي 1830�1820. ويعتبــر هــذا القــرن قــرن انتصــار الفردانيــة علــى الروابــط التقليدية

اجلماعتيــة والعائليــة والدينيــة.. التــي عرفــت فــي هــذا الزمــان انهيــارا واضحــا. وقــد

تأخــر فــي هــذا املضمــار العلمــاء األميركيــون واإلنكليــز عــن نظرائهــم األوروبيــن)6(.

وهكــذا، فبالتزامــن مــع هــذا التطــور الفردانــي في بيئــات مختلفــة، بــدأت إرهاصات

ــى ــرحا ألول ــرن 17 مس ــرب. وكان الق ــي الغ ــور ف ــي الظه ــية ف ــة السياس الدميقراطي

التجــارب واحملــاوالت الدميقراطيــة؛ حيــث ربطــت جمهوريــة رومــا اإليطاليــة وأملانيــا

وإجنلتــرا بــن قــوة الدولــة وصحــة قوانينهــا مــن جهــة، وبــن إشــراك الفرد/املواطــن

فــي إصدارهــا مــن جهــة ثانيــة. وقــد عــزا البعــض هــذا الســبق الدميقراطــي أو التميــز

إلــى الوثنيــة الرومانيــة، والثقافــة البروتســتانتية التــي آمنــت بفعاليــة الفــرد، وتأثيــره)7(.

وممــا جتــدر اإلشــارة إليــه أن هــذا الشــكل مــن االعتــراف السياســي احملتشــم باحلقــوق

السياســية للفــرد، والنضــال ألجلهــا فــي أوروبــا حتديــدا، لــم يكــن يربــط فــي بدايتــه

ــار سياســي دميقراطــي، بقــدر مــا كان يربــط بفئــات توصــف بأوصــاف سياســية بتي

أخــرى مــن قبيــل املؤسســاتين، واجلمهوريــن املدنيــن..)8(.

ولــم يختلــف األمــر كثيــرا فــي الواليــات املتحــدة األميركيــة، التــي عرفــت ازدهــارا

ــا مبكــرا مقارنــة ببلــدان أوروبــا، وحاولــت قبــل غيرهــا مــن الــدول الغربيــة دميقراطي

ــا ــي فكره ــرد ف ــوم الف ــبي ملفه ــور النس ــن الضم ــم م ــعب، بالرغ ــلطة الش ــرار س إق

ــرد، وتعاظــم ــى اســتقالل الف ــه إل ــي بعــض جوانب ــك راجــع ف ــل ذل السياســي. ولع

التــي ســاعدت علــى ظهورهــا ســلطته، واملســاواة السياســية بــن األفــراد..،

| 64

ــة، وفــي مقدمتهــا التحــول مجموعــة مــن العوامــل فــي الواليــات املتحــدة األميركي

ــة بشــكل ــة االجتماعي ــا واحلال ــة األرض ووراثته ــن ملكي ــه قوان ــذي عرفت ــر ال الكبي

عــام)9(، وظــروف االســتقالل السياســي عــن املراكــز االســتعمارية، والتــي شــرحها

ــه ــي كتاب ــل )Alexis de Tocqueville( ف ــيس دو توكفي ــل ألكس ــن التفصي ــوع م وبن

ــة وليــس ــة كحقيقــة موضوعي ــه الفرداني ــركا”، والــذي أكــد في ــة فــي أمي “الدميقراطي

نظريــة بالواليــات املتحــدة األميركيــة، فأميــركا فــي زمانــه كانــت تقــدم: “مــن خــالل

حالتهــا االجتماعيــة أغــرب ظاهــرة اجتماعيــة، فالرجــال يتســاوون أكثــر فــي الثــروة

والعقــل، أو بعبــارة أخــرى يتســاوون أكثــر فــي القــوة مقارنــة مــع باقــي بلــدان العالــم،

وفــي كل القــرون تقريبــا”)10(. وال حنتــاج للقــول فــي هــذا الســياق إن هــذه احلقيقــة

السوســيولوجية التــي ســجلها بوضــوح توكفيــل كانــت وراء الســبق الدميقراطــي

األميركــي.

وهكــذا، فــإن هــذه التحــوالت التاريخيــة العميقــة التــي عرفهــا الغــرب علــى الصعــد

الثقافيــة واالجتماعيــة واالقتصاديــة والسياســية..، والتــي ظهــرت إرهاصاتهــا األولــى

ــة، ــيرة، والقبيل ــة )العش ــى اجلماع ــرد عل ــب الف ــر تغل ــي يعتب ــرن 16، والت ــالل الق خ

ــا ــرا ممكن ــة أم ــن الدميقراطي ــت م ــا، جعل ــد نتائجه ــن أح ــور املواط ــة(، وظه والطائف

مــن الناحيــة السياســية، وقــد جتلــت هــذه اإلمكانيــة فــي بدايــة القــرن 19. وكانــت

ــا ــك بإقراره ــة، وذل ــة الدميقراطي ــدول الغربي ــى ال ــة أول ــدة األميركي ــات املتح الوالي

حــق االقتــراع فــي العشــرينات مــن القــرن 19، وتلتهــا فرنســا بعــد أكثــر مــن نصــف

ــا ســنة 1875)11(. قــرن تقريب

ــم ــة..( أو القي ــة واملواطن ــة )الفرداني ــم اخللفي ــه بالقي إن النظــام الدميقراطــي فــي عالقت

65 |

ــق نســبيا، ولــم الغائيــة )العدالــة والكرامــة( -منظــورا إليــه مــن الناحيــة التاريخيــة- حتق

يتحقــق فــي صــورة مطلقــة أبــدا، فتاريخــه فــي مجملــه تاريــخ صــراع، وجــدل مــن

ــاواة، ــة، واملس ــة، والعدال ــة الكامل ــة، واملواطن ــم الفرداني ــي” لقي ــل “حقيق ث ــل مت أج

واحلريــة.. ولعــل صفتــه الرئيســة واألكثــر دقــة فــي التعبيــر عــن هويتــه مــن هــذه الناحية

هــي صفــة عــدم االطمئنــان، املتمثلــة فــي قلقــه الدائــم، وســعيه املســتمر للتحقــق مــن

ــم فــي أبهــى صورهــا، وإعــادة تعريفهــا فــي كل وقــت وحــن، وبحســب هــذه القي

التطــورات الواقعيــة، وحتــوالت وأمنــاط العقالنيــة، الشــيء الــذي يجعــل تاريــخ

ــر أن هــذه األزمــات -إذا جــاز ــخ أزماتهــا، غي ــة بصــورة مــن الصــور تاري الدميقراطي

ــة. ــة، تدفــع حنــو مزيــد مــن الدميقراطي قــة”، وإيجابي الوصــف- كانــت “أزمــات خال

انطالقــا مــن هــذا الفهــم لطبيعــة العالقــة بــن الدميقراطيــة وقيمهــا اخللفيــة والغائيــة،

فــإن النظــام الدميقراطــي منــذ ظهــوره وإلــى يومنــا هــذا تعايــش مــع أزمــات كثيــرة،

قــة، كانــت تدفــع باجتــاه مزيــد مــن الدميقراطيــة، ومزيــد مــن األصالــة القيميــة، خال

غيــر أن األزمــة التــي يعيشــها اليــوم -والتــي تعنينــا فــي هــذه الدراســة- ليســت مــن

ك وضعــف النــوع التقليــدي، بــل هــي أزمــة حديثــة، يتجلــى جانــب منهــا فــي تفــك

ــا، وفــي مقدمتهــا القيــم املرجعيــة للدميقراطيــة فــي بيئتهــا الطبيعيــة )الغــرب( تدريجي

قيمــة الفردانيــة، ويتجلــى جانــب آخــر منهــا فــي عســر انتقالهــا أو اســتقرارها خــارج

بيئتهــا )الشــرق( مــن جهــة ثانيــة، وذلــك لعســر اســتنبات جذورهــا.

أ- األزمة القيمية للدميقراطية في الغرب: الشعبوية

إن القلــق السياســي الــذي يســم الدميقراطيــة الغربيــة وفــي ارتبــاط بأصولهــا الثقافيــة

ــات ــة، ســواء كمنطلق ــا القيمي ــم حنــو مثله ــا فــي ســعي دائ ــي جتعله ــة، الت والعقالني

| 66

ــد ــل مزي ــن أج ــة م ــة دائم ــة نضالي ــي حرك ــة ف ــذه الدميقراطي ــل ه ــات، يجع أو غاي

ــه ــذي عرفت ــة فــي االتســاع ال ــب مــن هــذه اخلاصي ــى جان ــة، ويتجل مــن الدميقراطي

احلريــات، واحلقــوق، وأشــكال العدالــة فــي الغــرب فــي ارتبــاط بعــدد مــن الفئــات

االجتماعيــة كالنســاء، واألطفــال، واملهاجريــن، والســود... علــى مــدى قــرن ونصــف

ــي ــة الت ــررة واملتنوع ــادات املتك ــياق أن االنتق ــذا الس ــي ه ــح ف ــن الواض ــا. وم تقريب

هــت للنظــام الدميقراطــي فــي عالقتــه بقيمــه ومثلــه، وألجل مزيــد مــن الدميقراطية وج

ليســت عنصــر أزمــة بــل علــى العكــس مــن ذلــك هــي مظهــر إيجابــي وعالمــة يقظــة

دائمــة كمــا نبهنــا إلــى ذلــك آنفــا.

ــا لكــن األزمــة القيميــة العميقــة واخلطيــرة التــي يعانــي منهــا النظــام الدميقراطــي حالي

-وفــي أبــرز وأكمــل تطبيقاتــه- بالواليــات املتحــدة األميركيــة، وبالدرجــة الثانيــة فــي

ــا ســابقا، واملرتبطــة ــي أشــرنا إليه ــة الت ــف عــن أشــكال األزم ــة، ختتل ــا الغربي أوروب

ــة ــات القيمي ــات والغاي ــض املنطلق ــة تنق ــي أزم ــة، ه ــة الدميقراطي ــة النقدي باحلرك

ــن(، ــر، )املواط ــرد، احل ــى الف ــت عل ــة تأسس ــت الدميقراطي ــإذا كان ــة، ف للدميقراطي

ــى ــا عل ــر تاريخه ــت عب ــه، وعمل ــه، وعرق ــه، وجنس ــه، ولون ــن دين ــر ع ــض النظ بغ

تطويــر آليــات محاربــة أشــكال التمييــز بــن األفــراد، وذلــك فــي ســياق بنــاء مواطنــة

كاملــة، فــإن الدميقراطيــة فــي آخــر تطوراتهــا تنتــج وبشــكل تدريجــي آليــات وأشــكال

مــن الفــرز، والتمييــز بــن األفــراد علــى أســاس اجلنــس، والهويــة، والديــن..

فعلــى ســبيل املثــال كان نضــال حركــة الســود بالواليــات املتحــدة األميركيــة يضغــط

ــة التــي جتعلهــم علــى ــة الكامل باجتــاه التحقــق مــن قيمــة الكرامــة، وحقــوق املواطن

صعيــد واحــد مــع البيــض، لكــن فــي الســنوات األخيــرة اختــذ نضــال هــذه اجلماعــة

67 |

اجتاهــا آخــر، وبــدأ املنتمــون لهــا يطالبــون املجتمــع األميركــي )البيــض( باالعتــراف

ــم، ومنــط عيشــهم..، ــم ثقافته ــن، له ــن مختلف ــم، باعتبارهــم مواطن بخصوصياته

ــب ــو مطال ــدأت تتجــه حن ــي ب ــائية، الت ــة النس ــبة للحرك ــال بالنس ــس الشــيء يق ونف

خصوصيــة.. ومــن ثــم، لــم يعــد األفــراد فــي املجتمــع األميركــي يطالبــون باالعتــراف

ــل ــز، ب ــكال التماي ــوق، وأش ــن احلق ــد م ــالل مزي ــن خ ــخونه م ــم، ويرس بفردانيته

يطالبــون باالعتــراف بهويــات جماعتيــة قــد تكــون دينيــة )مســلمن( أو عرقيــة

ا(...)12(. ومــن ثــم، إذا كان ازدهــار لــن جنســي )ســود( أو جنســية )النســاء، واملتحو

ــالف ــي باالخت ــي، والوع ــي الفردان ــة بالوع ــة القيمي ــن الناحي ــط م ــة ارتب الدميقراطي

والفــوارق عــن اآلخــر، والــذي اختــذ فــي كثيــر مــن احلــاالت صــورة مطالــب الكرامــة

الفرديــة، فــإن انتكاســتها املعاصــرة بالغــرب ترتبــط بتجاهــل الــذات والغفلــة عنهــا،

وباملقابــل الوعــي بالتشــابهات والقواســم املشــتركة مــع اآلخــر، وهــو مــا أفــرز هويــات

متعــددة علــى أســاس اللــون، والعــرق، واجلنــس.

ــر هــذا التحــول فــي بنيــة الوعــي الدميقراطــي مــن طــرف البعــض بحالــة “مــا بعد ويفس

املثقفــن” التــي دخلتهــا شــعوب الغــرب وخاصــة الواليــات املتحــدة األميركيــة، والتي

تتمثــل فــي انتشــار اجلهــل والغباء )تدهــور الفكــر التحليلــي(، واجلمــود، والتخصص،

وهــي حالــة مختلفــة عــن الوضــع الســابق، الــذي كان يتميــز بالبحــث عــن املعرفــة،

والفكــر النقــدي، والنقــد االجتماعــي. وقــد أدت هــذه احلالــة إلــى التجزئــة وعــودة

ــرة ــة... فالفك ــة، والديني ــة، واجلهوي ــية، واإلثني ــات السياس ــوب الهوي ــي ث ــة ف القبلي

الدميقراطيــة فــي جوهرهــا هــي فكــرة ثقافيــة بالدرجــة األولــى)13(.

إن هــذا التحــول القيمــي الــذي مــس قاعــدة الدميقراطيــة ومنطلقهــا، املتعلــق أساســا

| 68

بقيــم الفردانيــة واملواطنــة والكرامــة انعكــس علــى برامــج األحــزاب األميركيــة

وأجندتهــا، فعلــى ســبيل املثــال مفهــوم التعــدد الثقافــي )Multiculturalism( -الــذي

يحيــل بشــكل أســاس ومطلــق إلــى خاصيــة االنقســام االجتماعــي- أمســى خاصيــة

ــن كل انقســام ثقافــي، وكل البرنامــج السياســي، الــذي أصبــح هــو اآلخــر يثم

خصوصيــة، وبنــوع مــن التســاوي، وفــي بعــض األحيــان مــن خــالل لفــت االنتبــاه

لــن جنســيا إلــى املكونــات املقصيــة، التــي لــم حتــظ بالتقديــر فــي املاضــي، كاملتحو

Francis Fukuy�( وقــد رأى املفكــر األميركــي، فرانســيس فوكويامــا .)14 )وغيرهــم

ama(، فــي هــذه التحــوالت مــن الفردانيــة إلــى اجلماعاتيــة عــودة جديــدة للقبليــة،

ــا للنظــام السياســي الدميقراطــي. ــا تدريجي وموت

ــاما ــا انقس ــت لن ــم أنتج ــن قي ــا م ــا رافقه ــة وم ــة الفرداني ــت قيم ــم، إذا كان ــن ث وم

ا اســتنادا إلــى املوقــف االقتصــادي أو السياســة االقتصاديــة، فظهــر اليمــن، سياســي

واليســار، والوســط، والــذي لــم يكــن لــه مــن معنــى خــارج االقتصــاد، فــإن

التحــول القيمــي اجلديــد، واالنتقــال التدريجــي مــن الفردانيــة إلــى اجلماعتيــة أنتــج

ــل فــي ا مــن نــوع جديــد، واســتنادا إلــى الوعــي اجلماعتــي، متث لنــا انقســاما سياســي

ــل أيضــا فــي معانقــة اليســار واليمــن األحــزاب والتيــارات الهوياتيــة أو الشــعبوية، ومتث

ــة. ــات الهوياتي ــب اجلماع ــات ومطال ــن خلطاب التقليدي

ــول ــذا التح ــص ه ــم خصائ ــن أه ــر ع ــية، تعب ــرة سياس ــعبوية، كظاه ــرة الش إن ظاه

ــعبوية ــة، فالش ــيولوجي للدميقراطي ــي والسوس ــاس الثقاف ــال األس ــذي ط ــي ال القيم

ــة أو يســارية.. ــوم، ســواء كانــت مييني ــا فــي الغــرب الي ــي تتســع رقعته السياســية الت

ــدر ــرص، بق ــؤ الف ــة وتكاف ــة واالقتصادي ــوارد املادي ــع امل ــي توزي ــال ف ال تعكــس خل

69 |

ــع ــل فــي ســوء توزي ــا، يتمث ــا وثقافي ــال قيمي مــا تعكــس -فــي نظــر الشــعبوين- خل

الشــرف، واالحتــرام، والتقديــر داخــل املجتمــع، الــذي يتمثــل فــي الظلــم، وضعــف

ــن ال التقديــر الــذي يلحــق أغلــب املواطنــن العاديــن، وباملقابــل، يســتفيد الذي

ــر)15(. ــذا التقدي ــن ه ــتحقون م يس

ــة ومــن ثــم، فــإن مــن أهــم خصائــص هــذه الظاهــرة التأكيــد علــى حقــوق األغلبي

وعــدم االكتــراث بحقــوق األقليــات، ســواء كانــت دينيــة، أو عرقيــة، أو جندريــة..،

والتــي ترجــع جذورهــا إلــى ســتينات القــرن املاضــي، حيــث تزايــد االهتمــام

ــة)16(. ــاب األغلبي ــى حس ــا عل ــات، وتقديره باألقلي

وهكــذا، فالشــعبوية -كظاهــرة سياســية تتجاهــل الفــرد واألقليــة وتتعلــق باألغلبيــة-

ــة مــن الظــروف، ــرة، واتســعت دائرتهــا بســبب جمل ازدهــرت فــي الســنوات األخي

مــن أبرزهــا: األزمــات االقتصاديــة التــي عاشــتها الليبراليــة فــي بدايــة القــرن احلالــي،

ــورة ــرب، وث ــي الغ ــة ف ــات اإلرهابي ــرة، والهجم ــوء والهج ــرة اللج ــاع ظاه وارتف

االتصــال التــي تســببت فــي أزمــة معرفــة لــدى الــرأي العــام بســبب األخبــار الكاذبــة

أو املزيفــة، أو احلقائــق البديلــة؛ وهــو مــا أدخــل النــاس فــي حقبــة مــا بعــد احلقيقــة

.)Post-Truth era()17(

ــت الدميقراطيــة األميركيــة وباقــي الدميقراطيــات إن هــذه التحــوالت القيميــة التــي مس

ــرة علــى الليبراليــة الغربيــة بدرجــات متفاوتــة، لــم تكــن حتــوالت هامشــية، وغيــر مؤث

النظــام السياســي وسياســاته، بــل كانــت مؤثــرة فــي املشــهد السياســي العــام، وحامســة

فــي بعــض األحيــان، فقــد كانــت أحــد عوامــل فــوز دونالــد ترامــب برئاســة الواليــات

رهــم املشــهد السياســي فــي أكثــر مــن املتحــدة األميركيــة، وصعــود الشــعبوين وتصد

| 70

بلــد أوروبــي، كمــا هــي احلــال فــي فرنســا مــع اجلبهــة الوطنيــة، وفــي أملانيــا مــع البديل

ألجــل أملانيــا.. ويشــترك هــؤالء جميعهــم فــي عــدم اكتراثهــم بالعناصــر اجلوهريــة فــي

الدميقراطيــة مثــل حكــم القانــون، وفصــل الســلط، وحمايــة األقليــات)18(.

ــل التدريجــي لقيمهــا وهكــذا؛ فالدميقراطيــة اليــوم كنظــام سياســي، ومــع هــذا التحل

املرجعيــة، وفــي طليعتهــا قيــم الفردانيــة، واملواطنــة، والكرامــة.. بــدأت تبتعــد

ــعب ــطة الش ــعب بواس ــم الش ــا “حك ــا باعتباره ــدي له ــى التقلي ــن املعن ــا ع تدريجي

Identicra- )وألجــل الشــعب”، وتقتــرب أكثــر ممــا ميكــن أن نســميه بـ”إيدونتقراطيــة”

ــة. ــة، ألجــل هوي ــة، بواســطة هوي cy(، أي حكــم هوي

ب- األزمة القيمية للدميقراطية خارج الغرب: اجلماعتية

ــركا ــا وأمي ــيا وإفريقي ــي آس ــة، ف ــا الغربي ــارج أوروب ــدول خ ــن ال ــدد م ــى ع ــد تبن لق

الالتينيــة، اخليــار الدميقراطــي وتبنــى فــي هــذا الســياق اســتراتيجيات مختلفــة لتحقيــق

وإجنــاح مــا اصطلح عليــه باالنتقــال الدميقراطي، غير أن هــذه الدميقراطيــات الصاعدة

وبالرغــم مــن الدعــم السياســي الــذي القتــه مــن الغــرب، والصراعــات التــي خيضــت

ــر قابــل ألجلهــا، فإنهــا لــم تنجــح فــي إقــرار نظــام سياســي دميقراطــي صلــب، غي

ــة ــف احلال ــدة لوص ــات عدي ــة اصطالح ــاء السياس ــتعمل علم ــد اس ــة. وق لالنتكاس

الهجينــة لهــذه األنظمــة، مثــل: األنظمــة الهجينــة )Hybrid Regime(، والدميقراطيــة

Comptitive Authoritarian�( والســلطوية التنافســية ،)Defective Democracy )املعيبة

ism(..)19(. وقــد حــاول هــؤالء العلمــاء ومــن خــالل دراســة مخبريــة حصــر أشــكال

الــردة الدميقراطيــة منــذ ســبعينات القــرن املاضــي، وحصروهــا فــي أربعــة أشــكال،

وهــي: تراجــع القــوى احلاكمــة )Incumbent Entrenchment( عــن الدميقراطيــة مــن

71 |

،)The Democratic Coup( خــالل عــدد مــن اإلجــراءات، أو االنقــالب الدميقراطــي

ــظ ــل حف ــن أج ــالب م ــة )The Opposition Takeover(، أو االنق ــب املعارض أو تغل

.)Stabilizing Coup(..)20( ــتقرار االس

إن تعثــر الدميقراطيــة فــي عــدد مــن البلــدان خــارج أوروبــا الغربيــة، والتــي درســها

لــوكا طومينــي )Luca Tomini( دراســة مخبريــة وحتليليــة عميقــة، ترجــع إلــى جملــة

مــن األســباب الدوليــة والسياســية واالقتصاديــة واملؤسســاتية واالجتماعيــة )دور

ــا إلــى العوامــل القيميــة والثقافيــة وراء فشــل هــذه البرجوازيــة(..، ولــم يلتفــت متام

ــي ــر املباشــرة الت ــي درســها، أو الطريقــة غي ــة الت التجــارب، رمبــا ســبب ذلــك العين

ــر بهــا هــذه العوامــل فــي السياســة)21(. لكــن فــي الواقــع، يوجــد العديــد مــن تؤث

احلــاالت، والدراســات األخــرى، التــي تكشــف بامللمــوس عــن دور القيــم فــي إعاقة

بنــاء الدميقراطيــة الليبراليــة، ومــن أبــرز النمــاذج التــي ســنحاول التوقــف عندهــا فــي

هــذه املناســبة دراســات تتعلــق بالتحــول الدميقراطــي فــي روســيا، وإيطاليــا، وجنــوب

شــرق آســيا.

- روســيا: لقــد قامــت إلــن كارنغــان )Ellen Carnaghan( بدراســة القيــم السياســية

الروســية بعــد ســقوط االحتــاد الســوفيتي، وفــي عهــد الرئيــس فالدمييــر بوتــن، وذلك

ــي ــية الت ــلطوية التنافس ــتبداد أو الس ــة االس ــة أن حال ــن فرضي ــق م ــياق التحق ــي س ف

ــة السياســية للشــعب ــم والثقاف ــة القي ــن ترجــع لطبيع ــد بوت ــي عه تعيشــها روســيا ف

الروســي الــذي عــاش قرونــا عديــدة حتــت حكــم اســتبدادي وأبــوي. وقــد عمــدت

فــي هــذا الســياق إلــى اســتجواب عــدد مــن الــروس، وحتليــل البيانــات التــي حصلت

| 72

عليهــا مــن حواراتهــا املوجهــة مــع عينــة منتقــاة مــن الــروس)22(.

وقــد انتهــت كارنغــان إلــى نتيجــة مفادهــا أن الــروس العاديــن يتقامســون مجموعــة

ــات ــم املؤسس ــى دع ــن عل ــم قادري ــي جتعله ــية الت ــات السياس ــم والتوجه ــن القي م

ــرا ــا كبي ل عائق ــك ــة ال تش ــف املوروث ــوق)23(، وأن املواق ــاد الس ــة واقتص الدميقراطي

ــي روســيا)24(. ــة ف ــاء الدميقراطي ــام مشــروع بن أم

ــات ــة املرجعي ــن أهمي ــل م ــذي يقل ــا، وال ــوم جتريبي ــرأي املدع ــذا ال ــل ه ــن مقاب لك

القيميــة والثقافيــة وراء تعثــر الدميقراطيــة فــي روســيا، توجــد مواقــف أخــرى تثبــت

ــان ــد أوردت كارنغ ــة، وق ــدل التجرب ــل واملالحظــة ب ــى التحلي العكــس، اســتنادا إل

Aleksandar( ــن ــندر دوغ ــذه اآلراء رأي ألكس ــم ه ــن أه ــا، وم ــي عمله ــا ف بعضه

ــن ــرب م ــوم، واملق ــيا الي ــي روس ــة ف ــري السياس ــرز مفك ــر أب ــذي يعتب Dugin(، ال

الســلطة، حيــث يقيــم ألكســندر فروقــات جوهريــة بــن روســيا والغــرب تعيــق بشــكل

أو بآخــر التحــول الدميقراطــي فــي هــذا البلــد، فــإذا كان الغــرب مثــال يســتند إلــى قيم

ــم العمــل، فهــا قي ــة والســوق، فــإن روســيا وبخــالف ذلــك تعر ــة والرأمسالي الليبرالي

م حاضــر واجلماعتيــة، والروحانيــة، والتراتبيــة، باإلضافــة إلــى عنصــر التقاليــد. ويقــد

روســيا العديــد مــن األمثلــة علــى االمتــدادات القيميــة ملاضيهــا فــي احلاضــر. ومــن

ــر الدميقراطيــة الليبراليــة فــي نظــر ألكســندر يرجــع فــي جانــب منــه إلــى هــذه ثــم فتعث

القيــم.

ــية ــة الروس ــن املقاوم ــر ع ــياق تعب ــذا الس ــي ه ــن ف ــندر دوغ ــر ألكس ــة نظ إن وجه

ــم ــه إلــن كارنغــان بنفيهــا أي تعــارض بــن القي ــد ل ــذي مته للتغريــب السياســي، ال

ــر دوغــن عــن هــذا الــرأي بتفصيــل أكبــر فــي كتابــه الروســية والدميقراطيــة. وقــد عب

73 |

“النظريــة السياســية الرابعــة” )The Fourth Political Theory()25(، الــذي حــاول مــن

خاللــه صــوغ نظريــة سياســية جديــدة تتجــاوز الليبراليــة، وذلــك باالســتناد إلــى ثالث

قيــم كبــرى مــن شــأنها توحيــد كل الطيــف السياســي: اليمــن، واليســار، والديانــات

التقليديــة ضــد العــدو املشــترك وهــو التنميــط، الــذي يقــف وراءه الغــرب، وحتديــدا

ــيادة ــة، والس ــة االجتماعي ــي: العدال ــم ه ــه القي ــة. وهات ــدة األميركي ــات املتح الوالي

الوطنيــة، والقيــم التقليديــة للشــعوب غيــر الغربيــة. ومــن الالفــت لالنتبــاه فــي هــذه

النظريــة خلوهــا مــن أي حديــث إيجابــي عــن الدميقراطيــة، بــل علــى العكــس مــن

ــا للحداثــة الغربيــة، التــي تتجــه بالعالــم حنــو الكارثة، ذلــك يعتبرهــا أساســا أيديولوجي

وباملقابــل حتتفــي هــذه النظريــة بالقيــم التقليديــة)26(.

- إيطاليــا: مــن الدراســات املهمــة التــي تؤكــد علــى دور الســياق االجتماعــي

ــرت ــة التحــول الدميقراطــي: دراســة روب ــم، فــي إعاق ــه القي والتاريخــي، وفــي صلب

ــن بوتنــم )Robert D. Putnam(، أحــد كبــار علمــاء السياســة األميــركان، التــي ضم

نتائجهــا كتابــه “صنــع الدميقراطيــة” )Making Democracy Work(، والتــي درس فيهــا

ــة. ــة اإليطالي احلال

ــا، حيــث ــة فــي إيطالي لقــد اشــتغل بوتنــم علــى الصعوبــات التــي تواجــه الدميقراطي

ــل ازدهارهــا فــي الشــمال، وأرجــع ذلــك ــوب مقاب حــاول تفســير تعثرهــا فــي اجلن

ــوب ــي اجلن ــه ف ــل ضعف ــي ورســوخه بالشــمال، وباملقاب ــع املدن ــار املجتم ــى ازده إل

ــة بصــورة عموديــة، تضعــف معهــا حيــث العالقــات االجتماعيــة والسياســية مهيكل

أشــكال التشــارك. ومــا مــن شــك أن هــذا الفــرق هــو فــرق ثقافــي وتاريخــي)27(.

رتــه بــكالم قــدمي لتوكفيــل، يعــزز فرضية إن هــذه النتيجــة التــي انتهــى إليهــا بوتنــم ذك

| 74

دور العامــل الثقافــي والقيمــي وراء فشــل أو تعثــر الدميقراطيــة، وممــا جــاء فيــه: “إن

ــا”)28(. ــا قوي احلكومــة الدميقراطيــة تتقــوى وال تضعــف عندمــا جتــد مجتمعــا مدني

ــن، ــا الص ــي طليعته ــيا وف ــرق آس ــوب ش ــدان جن ــدم بل ــيا: تق ــرق آس ــوب ش - جن

ــي ــه ف ــم من ــا، يتجســد جــزء عظي ــا وسياســيا عريق ــا ثقافي ــا موروث ــي جتــر وراءه الت

الديانــة الكونفوشيوســية، مثــاال واضحــا علــى الصلــة بــن القيــم السياســية واملجتمعية

وبــن الدميقراطيــة الليبراليــة علــى صعيــد العالــم اليــوم، فهــذه البلــدان فــي عمومهــا

متــرددة فــي األخــذ بالنظــام الدميقراطــي الليبرالــي، وحتــاول بأشــكال مختلفــة تكييفــه

مــع خصوصيتهــا الثقافيــة والقيميــة السياســية. وقــد اشــتغلت العديــد مــن الدراســات

فــي الغــرب والشــرق علــى هــذا املثــال، وذلــك فــي محاولــة لقيــاس وزن اخلصوصيــة

الثقافيــة والقيميــة، وثقلهــا السياســي، وســنحاول فيمــا يلــي اإلشــارة إلــى بعضهــا.

ففــي حالــة الصــن مثــال، فقــد أســهمت الثقافــة والقيــم الكونفوشيوســية فــي هــذا

ــادة ــة والقي ــة احلاكم ــن النخب ــة خاصــة ب ــة، وعالق ــة قوي ــاء بيروقراطي ــي بن ــد ف البل

السياســية، مسحــت للدولــة بالهيمنــة علــى املجتمــع، وأنكــرت علــى األفــراد املعارضة

السياســية، فاإلمبراطــور فــي الفكــر السياســي الكونفوشيوســي يتمتــع بتفويــض مــن

ــه، ــه وطاعت ــوع ل ــع اخلض ــى اجلمي ــعبه، وعل ــاه لش ــعادة والرف ــق الس ــماء لتحقي الس

وهــو مــا تعكســه بصــورة أو أخــرى العالقــة احلاليــة التــي جتمــع احلاكــم باألمــة فــي

الصــن)29(.

غيــر أن هــذه املرجعيــة نفســها ال تفــوض اإلمبراطــور تفويضــا مطلقــا، وبغــض النظــر

عــن طبيعــة أدائــه، بــل تتيــح للجمهــور ســحب ثقتــه منــه، وإســقاطه إذا حتــول إلــى

مســتبد)30(.

75 |

ــوه ــوو )Emerson Niou(، وجــون ف ــن إميرســون ني ــام كل م ــياق نفســه، ق ــي الس وف

شــينك هســيه )John Fuh�sheng Hsieh( باســتجواب حــول قضيتــي االســتقرار

ــن ــى التايواني ــر عل ــنتي 1992 و2008، اقتص ــن س ــا ب ــوان، م ــي تاي ــالح ف واإلص

فقــط. وقــد اســتنتج الباحثــان مــن خــالل هــذا االســتجواب التأثيــر املباشــر للديانــة

الكونفوشيوســية فــي ضعــف االنفتــاح الدميقراطــي فــي التايــوان، فأغلــب التايوانيــن

ــن ــدد املؤيدي ر ع ــد ــال ق ــبيل املث ــى س ــالح، فعل ــى اإلص ــتقرار عل ــون االس يفضل

ــي ــن لالســتقرار حوال ــغ عــدد املؤيدي ــي %17، بينمــا بل لإلصــالح ســنة 2008 بحوال

ــق هــذان الباحثــان علــى نتائــج هــذا االســتجواب بالقــول: صحيــح أن %67. وقــد عل

اخلــوف مــن الهجــوم الصينــي أحــد أســباب تفضيــل التايوانيــن لالســتقرار، الــذي

ــا لهــا دور فــي ــة أيض ــة التقليدي ــة، لكــن الثقاف ــر مباشــر للدميقراطي ــا غي ــي رفض يعن

ــك)31(. ذل

لقــد حــاول عــدد مــن الدارســن اســتخالص أبــرز القيــم السياســية التــي حتفــل بهــا

الثقافــة الكونفوشيوســية، والتــي جتعــل مــن أنظمــة جنــوب شــرق آســيا متــرددة فــي

األخــذ بالنظــام الدميقراطــي أو متعثــرة فــي ذلــك، ومــن أبــرز هــذه القيــم:

- قيمة االستقرار والنظام، حيث ال تشرع هذه الثقافة املس بهما.

ــي ــع، الت ــة للمجتم ــة األبوي ــي الهرمي ــى ف ــي تتجل ــة، والت ــوع والطاع ــة اخلض - قيم

تعكســها ثنائيــات مــن قبيــل العاهل-الوزيــر، األب-االبــن، الزوج-الزوجــة؛ حيــث

ــه. م القــدوة ل ــه، ويقــد ــن دون ــال، أن يرعــى م ــى األعلــى، األب مث يتوجــب عل

Individual-( ــة ــدل قيمــة الفرداني Collectivity(، ب ــة )- قيمــة التشــاركية أو اجلماعتي

ــة راســخة فــي املجتمعــات الكونفوشيوســية. ــة قيمــة ثقافي ism(، فاجلماعتي

| 76

- قيمة املساواة، التي حتتفي بها التعاليم الكونفوشيوسية، احتفاء واضحا.

تعلقــا أكثــر الكونفوشيوســية املجتمعــات فــي فالسياســة الشــخصنة، قيمــة -

الغــرب. فــي بنظيرتهــا باألشــخاص مقارنــة

ــة ال ــا الغربي ــي تقــع خــارج أوروب ــدان الت ــات فــي عــدد مــن البل ــر الدميقراطي إن تعث

ــى الســلطة، ميكــن تفســيرها بعوامــل سياســية فقــط، ترتكــز إلــى صــراع القــوى عل

واملــوارد ومــا يتصــل بهــا مــن أســباب، بــل الكثيــر مــن مشــاكلها تعــود إلــى خلفيــات

قيميــة مرتبطــة بالتاريــخ والثقافــة، فعلــى ســبيل املثــال ضمــور قيــم الفردانيــة، وهيمنــة

ــة فــي ــة، والديني ــة، والقبلي ــلط األبوي ــم الطاعــة والس ــة، وأيضــا رســوخ قي اجلماعاتي

ــا ــع تقدمه ــار الدميقراطــي، مين ــت اخلي ــي تبن ــة الت ــر الغربي عــدد مــن املجتمعــات غي

الطبيعــي والســريع حنــو الدميقراطيــة الليبراليــة. ونظــن أن هــذه اخلالصــة التــي تصــدق

ــحب ــن تنس ــيا والص ــا وروس ــة كإيطالي ــوع دراس ــت موض ــي كان ــات الت ــى البيئ عل

أيضــا علــى العالــم العربــي، ولــو أننــا ال نتوفــر علــى دراســات حتليليــة وميدانيــة مــن

هــذا النــوع، مــن شــأنها تعزيــز ثقتنــا بانطبــاق هــذه الفرضيــة علــى احلالــة العربيــة.

وإجمــاال؛ إن الدميقراطيــة الليبراليــة اليــوم تعانــي مــن أزمــة مزدوجــة، تعانــي مــن جهة

مــن التالشــي التدريجــي ألساســها القيمــي املرجعــي وهــو الفردانيــة، باعتبارهــا متركزا

حــول الــذات، وتطلعاتهــا التحرريــة، والــذي يتمثــل فــي صعــود نــوع مــن اجلماعتيــة،

حيــث يغفــل فــي إطارهــا الفــرد عــن ذاتــه، ويــذوب فــي جماعــة هوياتيــة، ويتقاســم

معهــا عــددا مــن الهمــوم واملطالــب، وال يخفــى أن هــذه الديناميــة أي التحــول حنــو

اجلماعتيــة يعاكــس متامــا الديناميــة التــي كانــت وراء ظهــور الدميقراطيــة وانتصارهــا

ــرز ــاري أب ــي واليس ــا اليمين ــية بجناحيه ــعبوية السياس ــرة الش ــر ظاه ــي. وتعتب السياس

77 |

تعبيــر عــن هــذه األزمــة فــي البلــدان الغربيــة.

ــة، وخاصــة ــدان الغربي ــة خــارج البل ــة الليبرالي ــي الدميقراطي ــة، تعان ــة ثاني ــن جه وم

ــم ــل فــي رســوخ بعــض القي ــوع آخــر مــن األزمــة، وتتمث ــدان الشــرق مــن ن فــي بل

ــي ــة، الت ــم اجلماعتي ــى رأس هــذه القي ــة، وعل ــم الدميقراطي ــد املناقضــة للقي والتقالي

ــا ال يســمح ــي إطــار اجلماعــة، وهــو م ــرد ف ــة الف ــة، وتســعى إلذاب تناقــض الفرداني

بظهــور تعدديــة سياســية أو ثقافيــة، وتعتبــر بلــدان آســيا وفــي مقدمتهــا الصــن مثــاال

ــا. ــتعصي دمقرطته ــي تس ــة، الت ــات اجلماعتي للمجتمع

ــن ــي كل م ــي ف ــالح السياس ــؤال اإلص ــوة س ــرح وبق ــا تط ــة بوجهيه ــذه األزم إن ه

الغــرب والشــرق، فــإذا كانــت الدميقراطيــة الليبراليــة اليــوم تعــزز شــرعية الشــعبوية،

التــي تســعى لالنقــالب علــى الدميقراطيــة، فكيــف ميكــن إصالحهــا؟ ونفس الســؤال

ميكــن طرحــه بالنســبة للبلــدان غيــر الغربيــة، فــإذا كان رســوخ القيــم اجلماعتيــة مينــع

ظهــور الدميقراطيــة، فهــل احلــل يكمــن فــي االســتكانة للتقليــد وقتــل الفــرد، أم أننــا

حنتــاج إلــى نظــام يقيــم بعــض التــوازن بــن القيــم السياســية التقليديــة واحلديثــة؟

2. اإلصالح السياسي يف ضوء األزمة القيمية للديمقراطية

إن األزمــة القيميــة العميقــة التــي تعانــي منهــا الدميقراطيــة الليبراليــة ســواء فــي الغــرب

أو خارجــه تتحــدى العقــل السياســي املعاصــر، وتطــرح عليــه ســؤال األفــق بإحلــاح

وجديــة، فاســتمرار احلالــة السياســية علــى مــا هــي عليــه اليــوم، يعنــي دخــول العالــم

ــاس ــى أس ــة عل ــة واحمللي ــامات اإلقليمي ــة، واالنقس ــات العنيف ــن االضطراب ــة م موج

العقائــد الهوياتيــة، واألصوليــات املتطرفــة. وهــذا اخلطــر الــذي يتهــدد البشــرية فــي

ضــوء هــذه األزمــة خطــر شــامل، يهــم البلــدان الدميقراطيــة الغربيــة، والــدول غيــر

| 78

الغربيــة املتعثــرة فــي األخــذ بهــا. فعلــى ســبيل املثــال مــا تشــهده إســبانيا فــي منطقــة

ــن ــراع ب ــبب الص ــل بس ــي قات ــود سياس ــن جم ــكا م ــهده بلجي ــا تش ــا، وم كتالوني

ــة هــي أعــراض مباشــرة لأزمــة البنيويــة الفرانكفــون والفالمــان وغيرهــا مــن األمثل

ــة. التــي تعيشــها الدميقراطي

إن الدراســات واألعمــال التــي صــدرت فــي الســنوات القليلــة املاضيــة فــي مختلــف

بقــاع األرض، التــي تعــاجل أزمــة الدميقراطيــة، والتــي يصعــب حصرهــا، تــدل داللــة

قاطعــة علــى وعــي مســؤول بخطــورة هــذه األزمــة وتهديداتهــا، وحتــاول اقتــراح عــدد

مــن احللــول املمكنــة. وســنحاول فــي هــذه الفقــرة الوقــوف عنــد اقتراحــن جاديــن،

ــر بأطروحــة فرانســيس ــق األم ــرب الدميقراطــي، ويتعل ــب الغ ــن قل واحــد صــادر م

فوكويامــا، والثانــي صــادر مــن قلــب الشــرق، ويتعلــق األمــر بأطروحــة زهانــغ ويــوي

.)Zhang Weiwei(

أ- إعادة بناء عقيدة الهوية الوطنية

لقــد حتــدث فوكويامــا بإســهاب عــن األزمــة القيميــة للدميقراطيــة فــي العمــل املشــار

إليــه آنفــا، ولــم يفتــه فــي هــذا الســياق النقــدي للدميقراطيــة التنبيــه إلــى آفــاق احلــل،

ــل ــف احل ــار. ويتأل ــن االنهي ــها م ــذ نفس ــة أن تنق ــة الغربي ــن للدميقراطي ــف ميك وكي

ــدة ــاء عقي ــة مــن املطالــب، مــن أبرزهــا: مطلــب إعــادة بن الــذي اقترحــه مــن جمل

الهويــة الوطنيــة.

إن اإلشــكالية اخلطيــرة التــي تعانــي منهــا الدميقراطيــة الغربيــة وخاصــة فــي صورتهــا

ــى ــة عل ــامات الداخلي ــد االنقس ــو تزاي ــا، ه ــيس فوكويام ــب فرانس ــة بحس األميركي

أســاس هوياتــي، مــا بــن بيــض، وباقــي العناصــر األخــرى، مثــل الســود، واألميركين

79 |

مــن أصــول التينيــة، وجماعــات الشــواذ. وتســتند هــذه االنقســامات فــي العمــق إلــى

ا أن مطالــب العدالــة، والكرامــة اإلنســانية، وغيرهــا مــن القيــم. ومــن الواضــح جــد

االجتــاه التجزيئــي الــذي تســير فــي اجتاهــه هــذه التشــكيالت الهوياتيــة مــن الناحيــة

السياســية يعاكــس متامــا االجتــاه الــذي ازدهــرت فــي إطــاره الدميقراطيــة، وهــو إطــار

ــا ــدا جدي ــكل تهدي ــامات تش ــذه االنقس ــى أن ه ــة. وال يخف ــة الوطني ــدة الهوي عقي

الســتقرار املجتمــع، ورفاهــه.

Creedal national identi� اجلامعــة الوطنيــة الهويــة عقيــدة فوكويامــا )يعــرف

ty( باعتبارهــا هويــة منفتحــة، “ال تنشــأ حــول األوصــاف الشــخصية املشــتركة،

ــا حــول ــل تنشــأ أساس ــة، ب ــق الديني ــة، أو املواثي ــط التاريخي ــات، والرواب واخلصوصي

ــى ــى التعــرف عل ــن عل ــي تشــجع املواطن ــة، وهــي الفكــرة الت ــد جوهري ــم وعقائ قي

ــة ــات العمومي ــتعمال السياس ــى اس ــا عل ــاعدهم أيض ــم، وتس ــا لبلدانه ــل العلي املث

ــي ــن اجلل ــع”)32(. وم ــي املجتم ــدد ف ــن اجل ــاج الوافدي ــل إدم ــي ألج ــكل تلقائ بش

ــة فــي ــة، العرقي ــة، والديني ــات الثقافي فــي هــذا التعريــف عــدم اهتمامــه باخلصوصي

ــة مشــتركة، ميكــن أن يجتمــع ــم كلي ــة، وباملقابــل يربطهــا بقي ــة الوطني تعريــف الهوي

ــم. ــهم وتاريخه ــم وجنس ــن دينه ــر ع ــض النظ ــاس بغ ــا الن عليه

ــة مــن ــات اجلزئي ــى حســاب الهوي ــة وعل ــة اجلامع ــة الوطني ــار للهوي إن إعــادة االعتب

ــي ــط الت ــى الرواب ــاس إل ــاه الن ــت انتب ــعبوية، ويلف ــات الش ــف النزع ــأنه أن يضع ش

جتمعهــم، غيــر أن التحــدي الــذي يواجــه املفكريــن والساســة علــى حــد ســواء فــي

هــذا الســياق هــو حتــدي الهجــرة، فتدفــق املهاجريــن علــى بلــدان أوروبــا وأميــركا،

وسياســات التفرقــة التــي ينهجهــا عــدد مــن الــدول، علــى مســتوى التعليــم وقوانــن

| 80

ي بطريقــة مباشــرة وغيــر مباشــرة االجتاهــات الهوياتية، اجلنســية وقوانــن الشــغل، تغــذ

ــا إلــى إضعــاف خطابــات األيديولوجية واالنقســامية، والشــعبوية، بــل ســتؤدي تدريجي

االقتصاديــة، وباملقابــل تقويــة اخلطابــات الهوياتيــة فــي امليــدان السياســي.

إن بنــاء الهويــة الوطنيــة اجلامعــة فــي الدميقراطيــات الليبراليــة، واخلــروج مــن شــبح

االنقســام يقتضــي أمريــن اثنــن: أوال: االهتمــام بالتربيــة املدنيــة، التــي تربــي املواطنــن

علــى القيــم املشــتركة اجلامعــة، واالبتعــاد مــا أمكــن عــن التعليــم الطائفــي والتعــدد

ــة بحزمــة ــم ربــط صفــة املواطن ــا: إصــالح قوانــن الهجــرة، بحيــث يت اللغــوي. ثاني

قيــم وطنيــة، مشــتركة، وليــس بعنصــر العــرق أو الديــن)33(.

ــة ــار للهوي ــة فــي إعــادة االعتب ــات التقليدي ومــا مــن شــك فــي أن جنــاح الدميقراطي

ــي أشــار ــة الت ــة، وبالشــروط املعقول ــات اجلزئي ــى حســاب الهوي ــة اجلامعــة عل الوطني

إليهــا فوكويامــا، مــن شــأنه أن يعيــد املمارســة السياســية إلــى مربعهــا األول والطبيعــي،

وهــو االهتمــام بالنمــو االقتصــادي وأســئلة التقــدم، والتنافــس فــي تقــدمي األجوبــة

ــك أن أجنــع ــن.. ذل ــم، واألم ــات الشــغل، والصحــة، والتعلي ــى أزم ــة عل االقتصادي

ــن ــل م ــادي، والتقلي ــار االقتص ــو االزده ــة ه ــامات الهوياتي ــعبوية واالنقس دواء للش

الفــوارق بــن األفــراد واجلماعــات، فضيــاع الكرامــة واإلحســاس بعــدم االعتــراف

لــدى فئــات عريضــة لــه فــي الغالــب جــذور اقتصاديــة حســب فوكويامــا، ومــن ثــم،

فالهويــة ال ميكــن اســتعمالها للتقســيم فقــط بــل ميكــن اســتعمالها أيضــا للتوحيــد.

ل أســاس الدميقراطيــة إن قيــم العدالــة، والكرامــة، واملســاواة، والفردانيــة التــي تشــك

ــب ــا يجســده تغل ــا، وهــو م ــن- نقيضه ــي وتاريخــي مع ــي ســياق ثقاف أنتجــت -ف

وصعــود النزعــات الشــعبوية فــي الغــرب الدميقراطــي، التــي أفرغــت القيــم اجلوهريــة

81 |

ــد ــز ض ــات التميي ــالل سياس ــن خ ــك م ــاني، وذل ــا اإلنس ــن محتواه ــة م للدميقراطي

املهاجريــن وبعــض األقليــات الهوياتيــة، وتزايــد مظاهــر العنصريــة واإلســالموفوبيا فــي

الشــارع واإلعــالم واجلامعــة؛ وهــو مــا قــد يــؤدي مســتقبال إلــى زعزعــة اســتقرار هــذه

ــت بلدانهــا. الســؤال الــذي يطــرح نفســه فــي هــذا الســياق: هــل الدميقراطيــات وتفت

مفهــوم الهويــة الوطنيــة اجلامعــة الــذي اقترحــه فوكويامــا قــادر علــى إصــالح النظــام

الدميقراطــي، وختليصــه مــن أزماتــه؟

ب- املرييتوقراطية بدل الديمقراطية

ــالح ــات اإلص ــى اجتاه ــه إل ــت التنبي ــي حاول ــا، والت ــة فوكويام ــب أطروح ــى جان إل

السياســي فــي الــدول الدميقراطيــة التقليديــة، توجــد أطروحــة زهانــغ ويــوي الصينــي،

وتهــم بالدرجــة األولــى مشــكلة الدميقراطيــة فــي البلــدان غيــر الغربيــة فــي كل مــن

أوروبــا الشــرقية، وآســيا، وإفريقيــا، وهــي مشــكلة ختتلــف فــي كثيــر مــن أعراضها عن

ــى بعضهــا فــي الهشاشــة السياســية، ــة فــي الغــرب، حيــث يتجل مشــكلة الدميقراطي

وعــدم االســتقرار، والصراعــات الطائفيــة والقبليــة.

ينطلــق ويــوي مــن مقدمــة أساســية أن النظــام الدميقراطــي ال تتوفــر فيــه صفــة النموذج

الكونــي، الــذي يصلــح لــكل الشــعوب بغــض النظــر عــن ثقافتهــا، وقيمهــا، وخبراتها

التاريخيــة، وأن التجربــة الدميقراطيــة كمــا يشــهد الواقــع عليهــا، ليســت أفضــل نظــام

سياســي، فقــد أمســت جســرا آمنــا لفــوز عدميــي الكفــاءة بالســلطة؛ وأمســت مصــدرا

ــر مــن الفوضــى واالضطــراب ــة، كمــا تســببت فــي الكثي لسياســات عدائية-إمبريالي

فــي عــدد مــن أحنــاء العالــم، كمــا هــي احلــال فــي بلــدان الربيــع العربــي.

إن أطروحــة ويــوي التــي تقــدم النظــام السياســي الصينــي للعالــم؛ باعتبــاره منوذجــا

| 82

غيــر دميقراطــي فــي احلكــم؛ مختلفــا وفعــاال، ال تقتــرح هــذا النظــام منوذجــا قابــال

ــى التمــرد ــي الشــعوب عل ــل حتــرض باق ــم، ب ــي دول العال ــى باق ــل إل للنســخ والنق

م لهــا وصفــة النجــاح السياســي والتنمــوي، والتــي علــى الفكــرة الدميقراطيــة، وتقــد

تلخصهــا فــي املزاوجــة والتوليــف املبــدع بــن اخلصوصيــة التاريخيــة والثقافيــة

والقيميــة وبــن الدولــة احلديثــة. فالدولــة الصينيــة -فــي نظــر ويــوي- كدولــة حضارية

)Civilizational state(، جتمــع بصــورة عبقريــة بــن خبــرات وتقاليــد حضاريــة عريقــة

ــة)34(. ــد إلــى خمســة آالف عــام، والدولة-األمــة، احلديث متت

ومــن ثــم، فالصــن هــي دولــة حديثــة وتقليديــة فــي اآلن نفســه، فاحلــزب الشــيوعي

الــذي يهيمــن علــى الدولــة واملجتمــع فــي الصــن علــى ســبيل املثــال، وعكــس مــا

كــم ــل هــو اســتمرار حل ــي للحــزب، ب ــوم الغرب ــا باملفه ــس حزب ــرون، لي يظــن الكثي

كونفوشيوســي موحــد، وتقليــدي، يعكــس قــدر املســتطاع مصــاحل املجتمــع، بخالف

ــر عــن مصــاحل فئــات اجتماعيــة معينــة)35(. احلــزب فــي املفهــوم الغربــي الــذي يعب

ومــن ناحيــة أخــرى، فــإن الشــرعية السياســية فــي اخلطــاب التاريخــي الصينــي ليســت

ــن ــط بعنصري ــل ترتب ــث، ب ــي احلدي ــر السياس ــا الفك ــا يحدده ــة، كم ــرعية حديث ش

رئيســن: بكســب أو خســارة قلــوب وعقــول الشــعب، وباالســتحقاق واجلــدارة

القائمــة علــى انتقــاء املواهــب للحكــم أو مــا يســمى بـ”ميروقراطــي”، بــدل االنتخــاب

ــر هــذان العنصــران بصــورة أو أخــرى عــن امتداد الــذي تؤكــد عليــه الدميقراطيــة. ويعب

واســتمرار للثقافــة السياســية الكونفوشيوســية فــي الصــن احلديثــة واملعاصــرة. وهــذه

ــدة، ــا اجلي ــر حكامته ــا يفس ــا، هــي م ــن وتقاليده ــذور الص ــة بج ــرعية املوصول الش

ــة)36(. مقارنــة بالــدول األوروبي

83 |

وال يتــردد ويــوي فــي هــذا الســياق في التصريــح بــأن النظام السياســي الصيني يســتثمر

هــذه الشــرعية، ويدعــو باقــي الــدول غيــر الغربيــة إلــى احتــرام تقاليدهــا السياســية،

ــد ــي ق ــة، والت ــي جتســدها الدميقراطي ــية السياســية الت وعــدم االجنــرار وراء الرومانس

ا)37(. وهكــذا، ففــرادة النمــوذج الصينــي وقوتــه بحســب زهانــغ تكــون مكلفــة جــد

تتجســد فــي قدرتــه علــى حتديــث التقاليــد السياســية للصــن، وكونفوشيوســيتها)38(،

وهــو مــا يجــب أن تفعلــه باقــي الــدول.

ــدة، ــة اجلي ــعب، واحلكام ــي إرادة الش ــوي ه ــر وي ــي نظ ــة ف ــم، فالدميقراطي ــن ث وم

ــى صــواب هــذه الفكــرة ــرض اســتدالله عل ــي مع وليســت شــيئا آخــر. ويحكــي ف

ــهم ــى رأس ــن، وعل ــراء العاملي ــادة واخلب ــض الق ــن بع ــه وب ــل بين ــوار حص ــة ح قص

الرئيــس الفنلنــدي األســبق، مارتــي أنتســاري، ســنة 2009، فــي العاصمــة البلجيكيــة،

بروكســل، وذلــك فــي حفــل عشــاء علــى هامــش نــدوة “أزمــة اإلدارة فــي إفريقيــا”.

ــع ــه م ــي ســياق تفاعل ــس أنتســاري، وف ــل الرئي ــي هــذا احلف ــة ف ــاول الكلم ــد تن لق

مداخلــة ويــوي فــي هــذه النــدوة، اعتبر املكتــب السياســي للحــزب الشــيوعي الصيني

مبنزلــة مجلــس إدارة شــركة، واألمــن العــام للحــزب مبنزلــة رئيــس املجلــس، ورئيــس

ــركة. ــة إدارة الش ــة مبنزل ــي احلكوم ــركة، وباق ــذي للش ــس التنفي ــل الرئي ــوزراء مث ال

ــه، ــتجاب ل ــا اس ــو م ــف، وه ــذا التوصي ــي ه ــه ف ــوي رأي ــن وي ــاري م ــب أنتس وطل

ــب مبــا يلــي: “ملــاذا الشــركات علــى صعيــد العالــم ال تنتخــب رؤســاء مجلــس وعق

اإلدارة بنــاء علــى حــق التصويــت لــكل شــخص؟ ألنهــم إذا اتبعــوا هــذا األســلوب

ــام ــي النظ ــار ف ــس الشــيء يجــب أخــذه باالعتب ــالس، ونف ــر اإلف ــادوا خط ــا تف رمب

ــى ــد عل ــم البل ــن أن يحك ــف ميك ــي كي ــر ف ــا النظ ــب علين ــث يج ــي، حي السياس

| 84

ــد، وليــس ــي إرادة الشــعب، واحلكــم اجلي ــة فــي نظــري تعن ــد. فالدميقراطي حنــو جي

ــة، واالنتخــاب مــن أجــل االنتخــاب”)39(. ــة مــن أجــل الدميقراطي الدميقراطي

إن هــذا املنظــور النقــدي للدميقراطيــة، وتثمــن اخلصوصيــة الثقافيــة والقيميــة فــي هذا

الســياق ليســت خصوصيــة صينيــة صرفــة، بــل انتبــه إليهــا عــدد مــن القيــادات فــي

بلــدان جنــوب شــرق آســيا منــذ تســعينات القــرن املاضــي؛ حيث تزايــد احلديــث بينهم

عــن “القيــم اآلســيوية”، التــي تنــأى باملجتمعــات األســيوية عــن الدميقراطيــة الليبرالية،

وتركــز باملقابــل علــى االختيــار بــدل االنتخــاب أو مــا يســمى بـ”امليروقراطيــة”. وتزامن

ــر أن هــذا اليقــن فــي ــر للنمــور اآلســيوية، غي ــود االقتصــادي املثي ذلــك مــع الصع

القيــم اآلســيوية أخــذ فــي التراجــع مــع نهايــة التســعينات وبالتزامــن مــع األزمــة التــي

ــت هــذه النمــور)40(. مس

ــى ــم عل ــار القائ ــام االختي ــى نظ ــي عل ــي الصين ــام السياس ــاد النظ ــم، فاعتم ــن ث وم

الكفــاءة، بــدل االنتخــاب الدميقراطــي، يرجــع لكــون هــذا النظــام أقــدر مــن

ــي ــة الت ــدل الدميقراطي ــى كرســي احلكــم، ب ــدر إل ــأ واألق ــى إيصــال األكف ــره عل غي

ــوم ــخ، والعل ــدروس الفلســفة، والتاري ــدة ب ــر املقي ــاس، غي ــواء الن ــر أله ــرك األم تت

االجتماعيــة)41(.

وترجــع جــذور هــذا النظــام إلــى عصــور ســحيقة، إلــى مــا قبــل امليــالد، ويعتمــد فــي

ــة، ــة األخالقي ــر وأوصــاف الفضيل ــى معايي ــاءة واجلــدارة عل ــه عــن الكف ســياق بحث

واملهــارات االجتماعيــة، والقــدرات الثقافيــة والفكريــة. وبحســب الظــروف وحاجات

الدولــة قــد تغلــب اجلهــة املســؤولة عــن االختيــار وصفــا علــى بقيــة األوصــاف، فعلــى

ســبيل املثــال فــي حــال انتشــار الفســاد، يكــون الوصــف األخالقــي أولــى مــن غيــره

85 |

ــي ــون ف ــتفاد الصيني ــد اس ــذا)42(. وق ــادة، وهك ــار القي ــي اختي ــاف ف ــن األوص م

ــذي كان ــنغافوري، ال ــام الس ــن النظ ــر م ــكل كبي ــي بش ــم امليروقراط ــث نظامه حتدي

ــاء، وانتقــل لهــذا الغــرض عــدد مــن ــر هــذا األســلوب مــن االنتق اقا فــي تطوي ســب

كوادرهــم إلــى ســنغافورة منــذ ســنة 1990)43(.

ــزب ــة ح ــع لهيمن ــة، ويخض ــة صوري ــنغافوري بتعددي ــي الس ــام السياس ــز النظ يتمي

العمــل الشــعبي ))People’s Action Party )PAP( منــذ االســتقالل )1965(. ويعتمــد

ــذي أرســى ــى النظــام امليروقراطــي، ال ــه عل ــه وقادت ــار زعمائ هــذا النظــام فــي اختي

ــاء أو ــة االنتق ــق عملي ــو )Lee Kuan Yew()44(. وتنطل ــي كــوان ي ــم ل قواعــده الزعي

ل احملطــة األولــى فــي ــة امليروقراطيــة مــن املدرســة، التــي تشــك ــار فــي العملي االختي

ــذكاءات، ــارف، وال ــارات، واملع ــتوى امله ــى مس ــب عل ــاء املواه ــرز وانتق ــة ف عملي

ــد وطويــل، وإلــى والقــدرات القياديــة..، الذيــن يخضعــون بعــد ذلــك لتدريــب معق

ــة)45(. ــند لهــم مهــام التســيير فــي الدول ــل أن تس ــق، وواســع، قب تكويــن عمي

تقــوم امليروقراطيــة السياســية علــى فكــرة أساســية مفادهــا: يجــب أن يتوفــر كل الناس

ــية، ــاهمة السياس ــلطة واملس ــة الس ــة ممارس ــم إمكاني ــح له ــاوية تتي ــرص متس ــى ف عل

لكنهــم يتفاوتــون فــي املؤهــالت، والقــدرات التــي تســمح لهــم بذلــك. وهــذا النــوع

مــن التفكيــر أو املبــدأ لــه صلــة وثيقــة بالديانــة الكونفوشيوســية)46(.

وممــا جتــدر اإلشــارة إليــه فــي هــذا املقــام أن امليروقراطيــة ليســت غريبــة علــى الفكــر

الدميقراطــي الغربــي، بــل كانــت متفهمــة مــن طــرف رواده كجــون ســتيوارت ميــل

)John Stuart Mill(، وألكســيس دو توكفيــل خــالل القــرن 19، وتراجــع عنهــا الغــرب

ــت ــق التصوي ــرار ح ــع إق ــرين، م ــرن العش ــن الق ــي م ــف الثان ــى النص ــرا، حت متأخ

| 86

ــع)47(. للجمي

م نفســه كأطروحــة نقديــة إن النظــام السياســي الصينــي ومعــه النظــام الســنغافوري يقــد

ــا مــن خــالل نظــام ميروقراطي، ــا وأدائي للدميقراطيــة الليبراليــة، ويتفــوق عليهــا أخالقي

ثــم انتخابــي، يركــز علــى اختيــار الكفــاءة مــن خــالل قاعــدة اختيــار واســعة يوفرهــا

ــة ــن قيم ــدا ع ــة، بعي ــة، والكرام ــدم، والعدال ــق التق ــام يحق ــة. نظ ــزب واملدرس احل

ــي ــاه ف ــة لالنتب ــة الالفت ــات الفكري ــن التقاطع ــة. وم ــن اجلماعتي ــا م ــة وقريب الفرداني

هــذا الســياق، أنــه إذا كانــت أطروحــة فوكويامــا فــي اإلصــالح السياســي تركــز علــى

عقيــدة الوحــدة الوطنيــة، فــإن زهانــغ هــو اآلخــر يركــز علــى قيمــة الوحــدة السياســية

التــي يحميهــا احلــزب الشــيوعي.

وإجمــاال؛ إن األزمــة القيميــة التــي تعانــي منهــا الدميقراطيــة الليبراليــة مــن بن أســبابها

التراجــع عــن القيــم املرجعيــة للدميقراطيــة، وعلــى رأســها قيمــة الفردانيــة، وجتاهــل

الهويــة الذاتيــة، واالعتنــاق التدريجــي لقيــم جماعتيــة وهوياتيــة جديدة تهدد اســتقرار

النظــام وحســن أدائــه السياســي واالقتصــادي. ولــم تقتصــر هــذه األزمــة علــى البلــدان

الدميقراطيــة التقليديــة، بــل جتاوزتهــا إلــى عــدد مــن البلــدان غيــر الغربيــة التي فشــلت

فــي إقــرار نظــام دميقراطــي ســليم وألســباب قيميــة وثقافيــة أيضــا. وقــد حــاول بعــض

ــر ــة، غي ــذه األزم ــول له ــراح حل ــا، اقت ــى رأســهم فوكويام ــن، وعل ــن الغربي املفكري

ــة ــودة لأصــول القيمي ــر هــو دعــوة “ســلفية”، تنصــح بالع ــي اجلوه ــم ف أن اقتراحه

للنظــام الدميقراطــي وفــي مقدمتهــا قيمــة الفردانيــة، وعقيــدة الوحــدة الوطنيــة، وأيضا

الرفــع مــن األداء االقتصــادي الــذي قــد يســاعد علــى التخفيــف مــن الفــوارق، غيــر

ــن ــر م ــلها أكب ــوظ فش ــلفية حظ ــوات الس ــائر الدع ــأن س ــأنها ش ــوة ش ــذه الدع أن ه

87 |

حظــوظ النجــاح، فعجــالت التاريــخ تتحــرك فقــط إلــى األمــام، وال تقبــل العــودة

إلــى الــوراء، ومــن ثــم، فــإن أي تفكيــر يقــوم علــى املماثلــة، ويســتلهم احللــول مــن

التجــارب الســابقة هــو تفكيــر فاشــل، ونظــن أن مشــروع فوكويامــا مــن هــذه الناحيــة

غيــر فعــال فــي عــالج أزمــة الدميقراطيــة.

ومــن ناحيــة أخــرى، إن الفشــل فــي إقــرار اســتقرار سياســي متــن، ومنــو اقتصــادي

دائــم مــن خــالل الدميقراطيــة الغربيــة فــي عــدد مــن بلــدان الشــرق، وإفريقيا ألســباب

عديــدة، وفــي مقدمتهــا األســباب القيميــة والثقافيــة مــن جهــة، أفقــد الكثيريــن الثقــة

فــي النظــام الدميقراطــي، ومــن جهــة ثانيــة لفــت االنتبــاه إلــى النظــام امليروقراطــي،

وجناحاتــه، التــي يرجــع جانــب منهــا إلــى الــدور الفعــال للقيــم املوروثــة فــي السياســة.

خـاتـمـة

ــا ــع مكانته ــة بتراج ــة مرتبط ــة: أزم ــة مزدوج ــش أزم ــة تعي ــة الليبرالي إن الدميقراطي

القيميــة فــي عقــر دارهــا، بســبب صعــود التيــارات اليمينيــة، والشــعبوية..وما رافقهــا

مــن تعثــرات مــن جهــة)48(؛ وأزمــة فــي البلــدان املتأثــرة بهــا بســبب حالــة الفوضــى،

وانعــدام االســتقرار الــذي تعيشــه العديــد مــن البلــدان الســائرة فــي طريــق الدميقراطيــة

مــن جهــة ثانيــة. ومــا مــن شــك فــي أن أســباب وعوامــل هــذه األزمــة ترجــع إلــى

جملــة مــن العوامــل مــن أبرزهــا العامــل القيمــي، فوصــول ترامــب إلــى الســلطة فــي

ل مظهــرا محرجــا للفشــل القيمــي للدميقراطيــة، ــة يشــك الواليــات املتحــدة األميركي

فمــا مصيــر الكرامــة اإلنســانية، والعدالــة، واملســاواة، وحقــوق اإلنســان..في ضــوء

ــارات اإلســالمية ــود التي ــا أن صع ــى رأســه حاكــم كترامــب؟، كم ــام يوجــد عل نظ

فــي عــدد مــن هــذه الدميقراطيــات الصاعــدة فــي العالــم اإلســالمي، وتعثــر أخــرى

| 88

ــة فــي ــات الدميقراطي ــة ســليمة، يتحــدى املرجعي ــاة دميقراطي ــرار حي خارجــه فــي إق

ــة كالفردانيــة، واملواطنــة، واحلريــات. أصولهــا القيمي

إن هــذه األزمــة املزدوجــة بأوجههــا املختلفــة نالــت من جاذبيــة النمــوذج الدميقراطي،

كمــا أســلفنا القــول، وأفقدتــه الكثيــر مــن البريــق واللمعــان، وباملقابــل أتــاح الفرصــة

ــن ــي، م ــوذج الدميقراط ــدى النم ــدة تتح ــية جدي ــكار سياس ــات وأف ــور أطروح لظه

ــة.. ــة، والعدال ــاه، والكرام ــتقرار، والرف ــق االس ــى حتقي ــة عل ــا العملي ــة قدرته جه

ومــن أبــرز هــذه األفــكار النظريــة امليروقراطيــة التــي تعــول علــى االختيــار أوال، ثــم

ــا، التــي يجســدها النظــام الصينــي، والتــي تســتند فــي العمــق إلــى قيــم االنتخــاب ثاني

جماعتيــة متوارثــة، وعريقــة.

ــندر ــة أللكس ــة الثالث ــة، والنظري ــة امليروقراطي ــه النظري ــد علي ــيء تؤك ــم ش ــل أه ولع

ــم ــد والقي ــن التقالي ــدع ب ــف املب ــة التولي ــو أهمي ــية، ه ــة الروس ــي احلال ــن ف دوغ

فهــا إبراهــام لينكولــن ــة كمــا عر ــة مــن جهــة، والفكــرة الدميقراطي السياســية املوروث

مــن جهــة ثانيــة )“حكــم الشــعب بواســطة الشــعب ألجــل الشــعب” فــي إطــار الدولــة

ــة(. احلديث

ــزال يعيشــها عــدد مــن ــي كانــت وال ت ــة اإلصــالح السياســي الت ــم، فدينامي ومــن ث

البلــدان فــي الشــرق وخــارج الغــرب، كانــت تتجــه كليــة حنــو تأصيــل الدميقراطيــة،

ــوروث ــر عــن امل ــض النظ ــا، وبغ ــة وغيره ــن فرداني ــا م ــا وقيمه واســتنبات عناصره

ــة، ــن جه ــة م ــذه الدينامي ــا ه ــت إليه ــي آل ــآالت الت ــر أن امل ــي، غي ــي والثقاف القيم

واألزمــات التــي انتهــت إليهــا الدميقراطيــات التقليديــة مــن جهــة ثانيــة، تدفــع باجتــاه

ــار للمــوروث القيمــي والثقافــي فــي مشــروع اإلصــالح ديناميــة أخــرى تعيــد االعتب

89 |

السياســي، وهــو مــا نفذتــه الصــن وعــدد مــن دول جنــوب شــرق آســيا، التــي جنحت

ــأ لهــا فــي اســتثمار موروثهــا السياســي والدينــي فــي اإلصــالح السياســي، وهــو مــا هي

ظــروف النجــاح.

املراجع

)1( Luca Tomini, When Democracy Collapse )Oxon: Routledge, 2018(.

)2( Gregor Fitzi, et al., Populism and the Crisis of Democracy )Oxon:

Routledge, 2019(.

)3( Zhang Weiwei, The China Wave )Rise of a Civilization State( )Hackensack:

World Century Publishing Corporation, 2011(.

ــالم ــن اإلع ــا م ــي تبرمه ــرب ورموزهــا ال ختف ــي الغ )4( إن التيــارات الشــعبوية ف

التقليــدي والقضــاء املســتقل، ويعتبــر الرئيــس األميركــي، دونالــد ترامــب، أبــرز مثــال

لهــذا التبــرم، فهجومــه علــى اإلعــالم والقضــاء بــات مألوفــا فــي الواليــات املتحــدة

ــة. األميركي

)5( John Jeffries Martin, Myths of Renaissance individualism )New York:

Palgrave Macmillan, 2004(, 1-3.

)6( Ibid, 9-10.

)7( Bernard Crick, Democracy: A Very Short Introduction )New York: Oxford

University Press Inc, 2002(, 12.

)8( Ibid, 12-13.

)9( Alexis Tocqueville, Democracy in America, Trans. James T. Schleifer

| 90

and ed. Eduardo Nolla )Indiana: liberty fund, inc, 2010(, Vol. l, 83.

)10( Ibid, Vol. ll, 88.

)11( فرانســيس فوكويامــا، النظــام السياســي واالحنطــاط السياســي: مــن الثــورة

ــام، ط 1، ــاب اإلم ــام ومج ــن اإلم ــة مع ــة، ترجم ــة الدميقراطي ــى عومل ــة إل الصناعي

)الدوحــة، منشــورات منتــدى العالقــات العربيــة والدوليــة، 2016(، ص 527.

)12( Francis Fukuyama, Identity )New York: Farrar, Straus and Giroux,

2018(, 89.

)13( Donald N. Wood, Post intellectualism and the decline of democracy,

)London: Preager published, 1996(, 20-190-204.

)14( Francis Fukuyama, Against Identity Politics the New Tribalism and the

Crisis of Democracy, foreignaffairs, September/October 2018, ”accessed

October 1, 2019“. https://fam.ag/34RLcJc.

)15( Rogers Brubaker, ”Why populism?,“ in Populism and the Crisis of

Democracy, Vol. 1, 31.

)16( Ibid, 32.

)17( Ibid, 39.

)18( Fitzi, et al., Populism and the Crisis of Democracy, Vol. 1, 4.

)19( Tomini, When Democracy Collapse, 8.

)20( Ibid, 157.

)21( Ibid, 14-16.

91 |

)22( Ellen Carnaghan, Out of Order: Russian political values in an imperfect

world )Pennsylvania: The Pennsylvania State University, 2007(, 2-3.

)23( Ibid, 269.

)24( Ibid, 280.

)25( Alexander Dugin, The Fourth Political Theory, )United Kingdom: Arktos

Media Ltd, 2012(.

)26( Ibid, 81-82.

)27( Robert D. Putnam, Making democracy work: Civic traditions in modem

Italy )New Jersey: Princeton University Press, 1993(, 181.

)28( Ibid, 182.

)29( Xiaoqin Guo, State and society in China’s democratic transition:

Confucianism, Leninism, and economic development, )New York:

Routledge, 2003(, 156-161.

)30( Ibid, 162.

)31( John Fuh-sheng Hsieh, Confucian culture and democracy, )Singapore:

World Scientific Publishing Co. Pte. Ltd., 2005(, p. 5-6.

32- Fukuyama, Against Identity Politics the New Tribalism and the Crisis of

Democracy, op, cit.

33- Ibid.

)34( Zhang Weiwei, The China Wave )Rise of a Civilization State(, 47-52-

| 92

53.

)35( Ibid, 60.

)36( Ibid, 61.

)37( Ibid, 68.

)38( Ibid, 108.

)39( Ibid, 72.

)40( Daniel Bell, The China model: political meritocracy and the limits of

democracy, )New Jersey: Princeton University Press, 2015(, 63-64.

)41( Ibid, 108-109.

)42( Ibid, 67-109.

)43( Ibid, 35.

)44( Ibid, 32.

)45( Ibid., 33.

)46( Ibid, 32.

)47( Ibid, 66.

)48( يتســاءل “دونالــد وود”: “إذا كانــت الدميقراطيــة موضــع تســاؤل فــي الواليــات

املتحــدة األميركيــة فكيــف يكــون األمــر بالنســبة لبقيــة العالــم؟”

Donald N. Wood, Post intellectualism and the decline of democracy, 215.

93 |

الخوارزميات وهندسة تفضيالتمستخدمي اإلعالم االجتماعي

فاطمة الزهراء محمد أحمد السيد*

ــة ــة املتداول ــات الرقمي ــل البيان ــات عم ــي بيئ ــا ف ــرا واقع ــات أم ــت اخلوارزمي أصبح

عبــر محــركات البحــث ومواقــع اإلنترنــت وشــبكات التواصــل االجتماعــي. وتــدور

ــة ــام الضخم ــر األحج ــات عب ــذه اخلوارزمي ــة ه ــر حرك ــول تأثي ــرة ح ــاؤالت كثي تس

ــا مبعلومــات خاصــة باجلمهــور املســتخدم لتكنولوجيــا مــن البيانــات التــي ترتبــط حيوي

االتصــال وبرامجهــا املختلفــة. وتهتــم هــذه الدراســة بإشــكالية الغمــوض الســائد حول

طبيعــة عمــل اخلوارزميــات وعالقتهــا باختيــارات اجلمهــور ووظائفهــا املختلفــة داخل

ــاؤالت ــى التس ــات عل ــدمي إجاب ــث تق ــتهدف البح ــة. ويس ــل الرقمي ــات التواص بيئ

التاليــة:

- ما املقصود مبفهوم “هندسة اجلمهور”؟ وما عالقته باخلوارزميات؟

- ما أهم وظائف اخلوارزميات داخل بيئات االتصال الرقمي؟

- مــا حــدود الــدور الــذي تلعبــه ظاهــرة “فقاعــة الترشــيح” فــي توجيــه الــرأي العــام؟

* د. فاطمة الزهراء محمد أحمد السيد، األستاذ املشارك بكلية اإلعالم في جامعة القاهرة، مصر.

| 94

وكيــف يتأثــر الــرأي العــام مــع خاصيــة األكثــر تــداوال “الترنــد”؟

- مــا أهــم اإلشــكاليات األخالقيــة املرتبطــة بعمــل اخلوارزميــات؟ وهــل هنــاك آفــاق

ــة حللها؟ ممكن

ــل أهميــة هــذه الدراســة فــي توضيــح حجــم التدخــل والســيطرة التــي متارســها وتتمث

اخلوارزميــات فــي بيئــات التواصــل الرقميــة، ومــن ثــم ميكــن للباحثــن والدارســن

املهتمــن بقضايــا اإلعــالم واالتصــال بــل واجلمهــور غيــر املتخصــص تشــكيل معرفــة

ــد املعرفــة بآليــات عمــل اخلوارزميــات وأدوارهــا ــة حــول هــذا املوضــوع. وتع واقعي

ــم ــط لفه ــس فق ــة لي ــة خاص ــور ذات أهمي ــات اجلمه ــكيل توجه ــي تش ــة ف املمكن

ــا للتخفيــف مــن وحتليــل الظاهــرة، ولكــن كذلــك للنظــر فيمــا ميكــن القيــام بــه عملي

ــة التــي اآلثــار الســلبية املترتبــة علــى عملهــا ومحاولــة جتنــب اإلشــكاليات األخالقي

ــة أو محاســبية ــال إلجــراءات رقابي ــق فع ــا دون تطبي ــاد عليه ــرت نتيجــة االعتم ظه

حتفــظ للجمهــور حقوقــه وتدعــم القيــم اإلنســانية األساســية.

1. منهج الدراسة

ــة التحليــل الكيفــي )Qualitative Analysis( للدراســات يعتمــد هــذا البحــث منهجي

ــن ــنوات م ــس س ــالل خم ــة خ م ــة محك ــات علمي ــي دوري ــرت ف ــي نش ــة الت املهم

ــة: ــة التالي ــات الرقمي ــد البيان ــتخدام قواع ــا باس ــول إليه 2019�2015، ومت الوص

- EBSCOhost’s Academic Search Premier

� Gale Academic OneFile

� Gale General OneFile

� Google Scholar

95 |

ويبلــغ عددهــا قرابــة اخلمســن دراســة باإلضافــة إلــى االســتعانة مبــواد صحفيــة ذات

صلــة باملوضــوع كتبهــا متخصصــون فــي مؤسســات إعالميــة عامليــة، مثــل: اجلارديــان

ــي ســي )BBC( واإليكونوميســت )Economist(، وأخــرى ــي ب )The Guardian( والب

ــل نشــرتها صحــف عربيــة متنوعــة. كمــا تشــمل املصــادر بعــض الكتــب التــي تؤص

للمفاهيــم النظريــة الــواردة فــي البحــث إلــى جانــب بعــض الرســائل العلميــة اجلامعيــة

مــت معلومــات ذات الصلــة باملوضــوع. وقامــت الباحثــة باختيــار الدراســات التــي قد

تفصيليــة معمقــة عــن احملــاور الرئيســية للدراســة، والتــي مت التوصــل إليهــا مــن خــالل

تطبيــق مناهــج كميــة وكيفيــة ومســوح جمهــور خــالل الفتــرة الزمنيــة محــل البحــث.

ــة ــة اإلجنليزي ــي مت االعتمــاد عليهــا %90 للدراســات باللغ وبلغــت نســبة املصــادر الت

و%10 للدراســات باللغــة العربيــة. وصنفــت الباحثــة محتــوى الدراســات حســب فئات

ــات ــف اخلوارزمي ــيح”، و”وظائ ــة الترش ــملت: “فقاع ــي ش ــية، والت ــل الرئيس التحلي

واحملتــوى الرقمــي”، و”هندســة اجلمهــور واخلوارزميــات”، و”الــرأي العــام وشــبكات

ــات ــداوال”، و”اخلوارزمي ــر ت ــة األكث ــرأي العــام وخاصي التواصــل االجتماعــي”، و”ال

ــف مــن خــالل رؤيــة نقديــة والقيــم األخالقيــة”. ثــم تناولــت الباحثــة احملتــوى املصن

ــي ــات الت ــة رســم صــورة واضحــة للتحدي ــة للظاهــرة ومحاول لفهــم األبعــاد احلقيقي

تفرضهــا اخلوارزميــات وآليــات عملهــا علــى محتــوى شــبكات التواصــل وجمهورهــا

بشــكل عــام واســتنباط اآلفــاق املمكنــة لتجــاوز اإلشــكاليات التــي تطرحهــا.

2. ماذا تعني “هندسة الجمهور”؟

مــا مــن شــك فــي أن اجلمهــور املســتخدم لوســائل اإلعــالم هــو أحــد العناصــر الفاعلة

فــي العمليــة االتصاليــة، وقــد تغيــرت وضعيتــه التحليليــة مبــرور الزمــن ومــع التطورات

الخوارزميات وهندسة تفضيالت مستخدمي اإلعالم االجتماعي

| 96

املتشــابكة فــي تكنولوجيــا املعلومــات واالتصــاالت مــن كونــه أحــد األطــراف املمثلــة

ا جلانــب املتلقي/املســتهلك للمحتــوى االتصالــي)1( إلــى كونــه شــريكا أساســي

ــداول إلــى احلــد الــذي أصبــح معــه هــذا ــاج والت ــات اإلنت ــا فاعــال فــي عملي وطرف

الشــريك محــورا تــدور حولــه أفــكار التطويــر الشــكلي واملوضوعــي احملتملــة لواجهات

االســتخدام فــي كافــة املنصــات التواصليــة ســواء اإلخباريــة أو االجتماعيــة)2(. وقــد

تضاعفــت األهميــة البحثيــة لدراســات اجلمهــور مــع التطــورات الهائلة فــي تكنولوجيا

االتصــال، والتــي أدت إلــى طفــرة غيــر مســبوقة فــي تســهيل االتصــال التفاعلــي بــن

ــر املعــارف ــة وتطوي ــكارات التقني ــة وتالحــق متســارعن فــي االبت ــى كثاف البشــر وإل

ــة ــع املســتويات باإلضاف ــى جمي ل حــل املشــكالت عل ــرات البشــرية مبــا يســه واخلب

إلــى تغيــر نوعــي فــي طبيعــة ممارســة األعمــال نتيجــة لظهــور األدوات البرمجيــة التــي

جعلتهــا أكثــر كفــاءة وإنتاجيــة)3(.

ويعــد مفهــوم هندســة اجلمهــور )Engineering of Consent( أحــد املفاهيــم املرتبطــة

بدراســات اجلمهــور، والــذي ظهــر فــي العقــد الثالــث مــن القــرن املاضــي فــي أعقاب

احلــرب العامليــة األولــى، وأشــار إليــه بعــض رواد مدرســة فرانكفــورت النقديــة مثــل

Edward( *ــز ــه إدوارد بيرن ــدث عن ــم حت ــو )Theodor W. Adorno(، ث ــودور أدورن تي

Bernays(، فــي مقالــة علميــة عــام 1947، وأشــار إلــى أنــه يعنــي التأثيــر علــى العقــل

ــاد نفســية وسياســية ــة ذات أبع ــات اتصالي ــر الواعــي للجمهــور مــن خــالل عملي غي

واجتماعيــة تســتخدم فيهــا تقنيــات اإلقنــاع لتحقيــق أهــداف محــددة)4(. وأضــاف

جوزيــف كالبــر )Joseph T. Klapper(، فــي 1948، أن املفهــوم يشــمل قصــف

لــة تتالعــب بقناعاتــه خلدمــة قضايــا مؤقتــة بعينهــا. اجلمهــور برســائل مضل

97 |

وبالنظــر إلــى مــا أشــار إليــه إيلــي باريســر )Eli Pariser()2011(، فــي كتابــه “فقاعــة

الترشــيح”، فــإن حــركات اإلعجــاب واملشــاركة والتعليــق والتدويــن التــي نتفاعــل من

خاللهــا مــع محتــوى اإلنترنــت، وأيضــا املــدة الزمنيــة التــي نقضيهــا وقيامنــا بتكــرار

ذلــك، تســهم فــي تعريــف ملفاتنــا الشــخصية لــدى املعلنــن واملســوقن وتســاعدهم

فــي الوصــول إلينــا بطــرق غيــر متوقعــة. وإذا كانــت هــذه الدراســة تركــز علــى عالقــة

اخلوارزميــات بتفضيــالت جمهــور مســتخدمي شــبكات التواصــل االجتماعــي فجدير

بنــا حتديــد املقصــود بهــذا املصطلــح واملعانــي املرتبطــة بــه.

مت لتحقيــق مهــام معينة)5(. ــا، فــإن اخلوارزميــات هــي ببســاطة برمجيــات صم مبدئي

والبرنامــج كمــا هــو معــروف تتــم كتابتــه بإحــدى لغــات احلاســب كمجموعــة مــن

التعليمــات أو اخلطــوات املتتابعــة، والتــي تتضمــن مجموعــة مــن االحتمــاالت بغرض

ــم ــي مــن أجلهــا مت تصمي ــة” الت ــه “الوظيف الوصــول لهــدف محــدد هــو فــي حقيقت

هــذه اخلوارزمية/البرنامــج. وتشــمل اخلوارزميــات تنفيــذ كافــة املهــام احلســابية

واملنطقيــة البســيطة واملعقــدة التــي ميكــن للحاســب القيــام بهــا مــن توفيــر آليــة اجلمــع

ــي يدخلهــا املســتخدمون فــي محــركات البحــث ــرة الكلمــات الت ــى فلت والطــرح إل

ــددة، ــة مح ــوم بوظيف ــج يق ــوى. وكأي برنام ــن احملت ــددة م ــات مح ــا بنوعي وربطه

ريــن لتحســن آليــة ختضــع اخلوارزميــات لعمليــات حتديــث مســتمرة مــن جانــب املطو

عملهــا فــي حتقيــق األهــداف املطلوبــة.

ــة لإلنســان فــي ــات مســتقلة موازي ــات أنهــا أصبحــت كائن ــراء اخلوارزمي ويؤكــد خب

ــا خــارج عــن نطــاق ــه، واملالحــظ أن عمله ــش في ــذي نعي ــم ال ــي العال التحكــم ف

ــه جتاههــا هــو إيقــاف تشــغيلها)6(. كمــا يراهــا ــا وكل مــا يســتطيع فعل ســيطرته متام

الخوارزميات وهندسة تفضيالت مستخدمي اإلعالم االجتماعي

| 98

البعــض نوعــا مــن “فيزيــاء الثقافــة” ويطرحــون مثــاال علــى ذلــك مبــا تفعلــه نيتفليكس

)Pragmatic Chaos( ــة ــة الفوضــى البراغماتي )NETFLIX( مــن اســتخدامها خلوارزمي

ومهمتهــا حتليــل مــا يــدور فــي عقــل املشــاهد مــن خــالل رســم خارطــة الختياراتــه

ملعرفــة احتمــاالت احملتــوى الــذي قــد يــود مشــاهدته فــي املســتقبل)7(. وحتــدد هــذه

اخلوارزميــة مــا يقــرب مــن %60 مــن ســوق األفــالم التــي يتــم اســتئجارها. وتذهــب

ــوم ــك فتق ــن ذل ــد م ــو أبع ــا ه ــس )Epagogix( مل ــل إيباجوج ــات مث ــض املؤسس بع

بإدخــال نصــوص األفــالم قبــل حتديــد ميزانيــات إنتاجهــا إلــى خوارزميــات ميكنهــا

ــاص ــرار اخل ــاذ الق ــم اخت ــن ث ــالم وم ــذه األف ــة له ــاح املمكن ــب النج ــن بنس التكه

ــة. ــة اإلنتاجي بتحديــد قيمــة امليزاني

3. وظائف الخوارزميات واستخداماتها

كمــا أن احلاســبات ال ميكنهــا العمــل إال مــن خــالل أنظمــة أو بيئات للتشــغيل، كذلك

فــإن منصــات التواصــل االجتماعــي ال ميكنهــا العمــل دون خوارزميــات تســتخدمها

كأدوات لتنظيــم احملتــوى املتــداول عبــر هــذه املنصــات. وميكننــا تصــور الــدور الــذي

تلعبــه هــذه اخلوارزميــات عندمــا نعــرف أن النشــاط الــذي نقــوم بــه عندمــا نتصفــح

اإلنترنــت هــو كذلــك نشــاط أكثــر جديــة يقــوم بــه العديــد مــن اجلهــات التــي ليــس

لدينــا أيــة فكــرة عنهــا )وهــي غالبــا شــركات ذات أهــداف جتاريــة( أو عــن أهدافهــا

ا مــن خــالل احلصــول علــى معلومــات تفصيليــة حــول عندمــا تصفحنــا حنــن شــخصي

تفضيالتنــا)8(.

وألن كل خوارزميــة عبــارة عــن برنامــج، فمــن الطبيعــي أن يكــون لــكل منهــا وظيفــة

ــات تقــوم ــه املهمــة املســتهدفة مــن البرنامــج. أي إن اخلوارزمي هــي فــي الوقــت ذات

99 |

بوظائــف حيويــة داخــل محــركات البحــث ومنصــات التواصــل وتتــم تســمية هــذه

ــى ــام إل ــكل ع ــا بش ــن تصنيفه ــا، وميك ــي تؤديه ــف الت ــا للوظائ ــات تبع اخلوارزمي

ــية ــف األساس ــق الوظائ ــة)9(. وتتعل ــف مخصص ــية ووظائ ــف أساس ــن: وظائ نوع

بترتيــب البيانــات وفــق نســق معــن وينبغــي علــى خبــراء علــوم البيانــات أن يكونــوا

ــي ــب النوع ــاإلدراج )Insertion Sort( والترتي ــب ب ــمل: الترتي ــا وتش ــة به ــى دراي عل

)Merge Sort( والترتيــب بالدمــج )Bubble Sort( والترتيــب بالفــرز )Selection Sort(

والترتيــب الســريع )Quick Sort( والبحــث الثنائــي )Binary Search( والبحــث األولــي

DFS( Depth(( والبحــث األولــي املعمــق )BFS( Breadth First Search(( املوســع

Lee Al�( ــة ــن املتاه ــروج م ــرق للخ ــر الط ــي أو أقص ــة ل First Search( وخوارزمي

Flood Fill Al�( وخوارزميــة مــلء الفيضــان )gorithm/ Shortest path in a Maze

In-order,( وخوارزميــة االجتيــاز الشــجري املباشــر والســابق والالحــق )gorithm

ــى ــومي )Heap Sort( إل ــب بالتك Preorder, Post-order Tree Traversals ( والترتي

ــة ــة مرتبط ــذ قائم ــل: تنفي ــات مث ــة البيان ــة بهيكل ــات أخــرى متعلق ــب خوارزمي جان

Insertion in واإلدراج فــي شــجرة البحــث الثنائيــة )Liked List Implementation(

Deletion from( واإللغــاء مــن شــجرة البحــث الثنائيــة ))BST )Binary Search Tree

BST( وتنفيــذ الشــكل البيانــي )Graph Implementation( وتقليــل الكومــة وتعظيمهــا

)Min Heap and Max Heap(. وميكــن تفصيــل املعانــي املرتبطــة ببعــض أهــم وظائــف

اخلوارزميــات فــي احملــور اآلتــي:

1.3. وظيفة ترتيب نتائج البحث وفقا لكلمات دالة معينة

ــا ــي تتيحه ــات الت ــرة مــن البيان ــات وفي ــة بالتعامــل مــع كمي تســمح هــذه اخلوارزمي

الخوارزميات وهندسة تفضيالت مستخدمي اإلعالم االجتماعي

| 100

محــركات البحــث وقواعــد البيانــات )Meta Data( بشــكل انتقائــي بحيــث تســتبقي

ــي يبحــث عنهــا املســتخدم. وقــد طــور ــج املرتبطــة مباشــرة بالكلمــة الت فقــط النتائ

الباحثــون عــددا مــن اخلوارزميــات التــي ميكنهــا القيــام بهــذه الوظيفــة منهــا مشــروع

كيفيتــس )Kiffets()10(، والــذي تبنــى مفهــوم أن املعرفــة تكمــن فــي قــوة املنطق الذي

لــه أنظمــة اخلوارزميــات مــن حيــث اعتمادها علــى خبرة أخصائيــي البيانــات الذين متث

)Machine Learning Approach( ــي ــم اآلل ــراب املنهجــي للتعل ــة باالقت ــم معرف لديه

حيــث يقومــون بانتقــاء مصــادر البيانــات ذات الثقــة وفقــا لتوصيــات مختصــن ثــم

ــي بكلمــات بحــث ــوى اإللكترون ــط احملت ــة لرب ــل آلي ــي ميث ــاء تراتب ــي بن ــا ف ينظمونه

محــددة )Tree Folksonomy( بحيــث يبــدو ذا صلــة دالليــة باملوضــوع الــذي اختــار

املســتخدم البحــث عنــه مــع ربطــه بنمــاذج مــن محتــوى ذي عالقــة.

2.3. نمذجة شخصيات املستخدمني

ــية ــاذج نفس ــا لنم ــتخدمن وفق ــخصيات املس ــف ش ــاطة تصني ــة ببس ــي النمذج تعن

معينــة، وتسترشــد اخلوارزميــات بســلوك املســتخدمن التفاعلــي عبــر شــبكات

ــرات ــلوك نق ــذا الس ــمل ه ــف. ويش ــة التصني ــام بعملي ــي للقي ــل االجتماع التواص

ــي ــب أمنــاط التســوق اإللكترون ــى جان ــن إل ــق والتدوي اإلعجــاب واملشــاركة والتعلي

ــا فــي عمليــات التصفــح والتفاعــل الشــبكي)11(. واملــدة الزمنيــة التــي تســتغرق يومي

وتســتخدم اخلوارزميــات هــذه املعلومــات لبنــاء منــوذج شــخصي مفهــوم االهتمامــات

ــب ــن جان ــة م ــه بدق ــول إلي ــن الوص ــث ميك ــتخدم بحي ــكل مس ــم ل ــح املعال وواض

ــوقن. ــن واملس املعلن

101 |

3.3. خوارزميات اإلرهاب

إن الهــدف األساســي لهــذه اخلوارزميــات هو تتبع أنشــطة الشــخصيات أو املجموعات

ذات امليــول اإلرهابيــة عبــر شــبكات التواصــل االجتماعــي مــن خــالل الصفحــات

ــد ــن ورص ــد املقاتل ــار أو جتني ــد األنص ــتهدف حش ــي تس ــورات الت ــبوهة واملنش املش

ــات ــة عملي ــؤ بأي ــم التنب ــن ث ــة وم ــطة واخلامل ــا النش ــن اخلالي ــات ب ــل العالق وحتلي

إرهابيــة محتملــة)12(. وختــدم هــذه اخلوارزميــات أجهــزة الشــرطة واملخابــرات فــي

ــك ــى ذل ــال عل ــة. ومث ــي أنشــطة إرهابي ــط املشــتبه فيهــم أو املتورطــن ف ــع وضب تتب

ــى شــبكتها ــة، عــام 2015، عل ــف لهــذه اخلوارزمي ــه روســيا مــن توظي ــا قامــت ب م

ــر ــي تضــم أكث اخلاصــة بالتواصــل االجتماعــي “فــي كونتاكــت” )Vkontakte(، والت

ــا ــى أغســطس/آب 2018(، وضبطــت مــن خالله ــار مســتخدم )حت مــن نصــف ملي

ــوق 180 ــا يف ــة والقاعــدة وم ــرب مــن 196 مجموعــة داعمــة لتنظيمــي الدول ــا يق م

ــا ذات نشــاط ــا بكونه ــف حســاب شــخصي مشــارك بتنظيمــات ميكــن تصنيفه أل

ــي)13(. إرهاب

3.4. وظيفة السيطرة والتوجيه

واجهــت مواقــع التواصــل االجتماعــي اتهامــات قويــة باســتخدام خوارزميــات تــؤدي

لفــرض وصايــة توجيهيــة علــى املســتخدمن بغــرض التأثيــر علــى قراراتهــم وبخاصــة

تلــك املتعلقــة بالشــأن السياســي. واتهمــت صحيفــة اإليكونوميســت البريطانيــة، فــي

عــدة مقــاالت نشــرتها عــام 2017، شــبكات التواصــل بفــرض ســطوتها على قــرارات

ــا للدميقراطية)14(. وأشــارت ل تهديــدا حقيقي املجتمــع البريطانــي االنتخابيــة مبــا يشــك

الخوارزميات وهندسة تفضيالت مستخدمي اإلعالم االجتماعي

| 102

لة مــن مصادر الصحيفــة إلــى مــا اعتــرف بــه موقــع فيســبوك مــن نشــر معلومــات مضل

روســية علــى حســابات حنــو 146 مليــون مســتخدم معظمهــم فــي الواليــات املتحــدة

قبــل وأثنــاء وبعــد االنتخابــات األميركيــة، كمــا رصــد يوتيــوب 1108 مقاطــع فيديــو

فــة، وأعلــن تويتــر عــن 36.746 حســابا نشــرت األكاذيــب خــالل حتــوي معلومــات مزي

ــى وعــي ــث ســيطر فيســبوك عل ــا ســابقا(؛ حي ــار )بورم ــي ميامن ــرة نفســها. وف الفت

ــر ــر الضمي ــا أدى لتخدي ــا مم ــة الروهينغ ــد أقلي ــة ض ــاب الكراهي ــر خط ــة بنش األغلبي

ــم ــت بحقه ــي ارتكب ــي الت ــر العرق ــة والتطهي ــادة اجلماعي ــم اإلب ــاه جرائ ــي جت الوطن

وأدت ملوجــات النــزوح اجلماعــي الهائلــة فــي يوليو/متــوز 2017)15(. ويشــير مراقبــون

ــا ــموم كم ــر الس ــي نش ــاهم ف ــات تس ــتخدم خوارزمي ــل تس ــائل التواص ــى أن وس إل

تدعــم حالــة االســتقطاب السياســي فــي املجتمعــات اإلنســانية)16(.

3.5. وظيفة املراقبة

تعنــي أن خوارزميــات اإلنترنــت املنتشــرة فــي منصــات التواصــل االجتماعــي وعــدد

ــا رمبــا أكثــر ممــا نعرفــه عــن كبيــر مــن محــركات البحــث تراقــب ســلوكنا وتعــرف عن

أنفســنا، وهــي بذلــك تؤســس بنيــة حتتيــة ملجتمــع اســتبدادي يخضــع جميــع أفــراده

للتتبــع واملراقبــة)17(. وعلــى الرغــم مــن أن الهــدف األساســي مــن هــذه اخلوارزميات

مــادي بحــت يعمــل علــى توصيــل املــواد الدعائيــة املناســبة الهتمامــات املســتخدمن

ومتكــن املعلنــن مــن الوصــول جلمهورهــم املســتهدف بشــكل أكثــر دقــة، إال أن مــا

يتــم تصميمــه مــن خوارزميــات لتحقيــق هــذا الهــدف يجعــل كافــة املســتخدمن كمــا

لــو أنهــم فــي ســجن كبيــر ال يشــعرون بقيــوده ولكــن ال ميكنهــم التحــرر منــه.

103 |

3.6. وظيفة التنبؤ والتوقع

ــات تســتهدف تكويــن اســتراتيجية ســلوكية لــكل تعنــي هــذه الوظيفــة أن اخلوارزمي

مســتخدم ميكــن مــن خاللهــا التنبــؤ باحملتــوى الــذي لــه القــدرة علــى جــذب االنتبــاه

Attention( ”ــاه ــد يســمى “اقتصــاد االنتب ــم جدي ــي أدت لظهــور عل ــى الدرجــة الت إل

Economy()18(، ويحــدد كيفــن كيللــي )Kevin Kelly()19(، أحــد خبــراء الثقافــة،

ــاه ــى جــذب انتب ــج عل ــر ملموســة ميكنهــا مضاعفــة قــدرة أي منت ــة عوامــل غي مثاني

املســتهلك احملتمــل، وهــذه العوامــل هــي:

الفوريــة )Immediacy(، وتعنــي ســرعة وصــول املنتــج فــور صــدوره إلــى املســتهلك

ــور ــي، فظه ــد اإللكترون ــل البري ــة مث ــل املمكن ــوات التواص ــالل قن ــن خ ــل م احملتم

اخلدمــة أو الســلعة فــور إنتاجهــا يعــزز مــن فــرص جــذب االنتبــاه إليهــا فضــال عــن

ــم ــي أن يت ــخصنة )Personalization(، وتعن ــتخدامها، والش ــا أو اس ــة جتربته محاول

ــا ليناســب ــد مت إنتاجــه خصيص ــو كان ق ــا ل ــل كم ــج للمســتهلك احملتم ــار املنت إظه

ذوقــه وميولــه ويتوافــق مــع اهتماماتــه، وذلــك متاشــيا مــع قاعــدة أن اإلنســان لديــه

اســتعداد لدفــع املزيــد مــن األمــوال فــي شــراء منتجــات مت تصنيعهــا خصيصــا لتوافــق

ــد ــج بســعر زهي ــم عــرض املنت ــي أن يت ــه. والتفســير )Interpretation(، ويعن احتياجات

أو رمبــا مجانــا علــى أن يتــم بيــع طريقــة التشــغيل واالســتفادة منــه الحقــا مبــا يحقــق

الربــح للمنتــج، أي أن يتــم لفــت انتبــاه املســتهلك بالتكلفــة املنخفضــة لالقتنــاء ثــم

Au� )يتــم بيــع “أســلوب التشــغيل” أو “التفســير” بثمــن مناســب فيمــا بعــد. واألصالــة

thenticity(، وهــي نســبة املنتــج إلــى جهــة إصــدار موثــوق بهــا مبــا يعــزز قــدرة الســلعة

ــاه املســتهلك، ألنهــا تضمــن وجــود مســتوى معقــول مــن اجلــودة علــى جــذب انتب

الخوارزميات وهندسة تفضيالت مستخدمي اإلعالم االجتماعي

| 104

يشــعر معــه املســتهلك باألمــان والقيمــة. واإلتاحــة )Accessibility(، وتعنــي أن يكــون

املنتــج قابــال لالســتخدام مــن خــالل قنــوات اتصــال متعــددة، فــي هــذه احلالــة يتــم

لفــت انتبــاه املســتهلك بســهولة الوصــول إلــى اخلدمــة باســتخدام مــا يتــاح لــه مــن

ــات اســتخدام ــة( أو واجه ــف اخللوي ــي حــال الهوات ــال ف ــد مث ــل وأندروي ــزة )آب أجه

ــود أو شــروط ــاد وغيرهــا( وعــدم وجــود قي ــت أو اآليب ــوب أو التابل ــالب ت ــل ال )مث

تقنيــة معينــة لالســتفادة منــه.

ــا ومحسوســا كانــت والتجســيد )Embodiment(، ويعنــي أنــه كلمــا كان املنتــج حقيقي

قدرتــه علــى جــذب االنتبــاه أكبــر. أي أن يكــون اإلعــالن عنــه واصفــا دقيقــا حلالــة

املنتــج احلقيقيــة مــن حيــث امللمس واللــون واحلجــم والتفاصيــل الدقيقة لالســتخدام.

ــل ــي مقاب ــا ســيدفعه ف ــأن م ــي أن يشــعر املســتهلك ب ــة )Patronage(، وتعن واحلماي

ــى مــن يســتحقه بفضــل إجــراءات ــى الســلعة ســوف يصــل بالفعــل إل احلصــول عل

احلمايــة املوثــوق بهــا، هــذا الشــعور باحلمايــة واألمــان يزيــد مــن فــرص املنتــج فــي

جــذب انتبــاه املســتهلك. وأخيــرا، احلضــور )Findability(؛ حيــث يتمكــن املســتهلك

مــن متييــز وجــود اخلدمــة أو املنتــج ضمــن بيئــة عــرض مزدحمــة باملنتجــات املنافســة،

وهــو مــا يعنــي ضــرورة توافــر ميــزات خاصــة فــي التصميــم واإلخــراج توفــر للمنتــج

ــج ــه وجــود املنت ــف في ــذي ال يتكل ــي الوقــت ال ــاه. فف ــا لالنتب ــا الفت حضــورا بصري

ذاتــه شــيئا بالنســبة للمعلــن فــإن توفيــر هــذه العوامــل الثمانيــة هــي القيمــة احلقيقيــة

التــي ميكــن إضافتهــا والتــي يتحــدد وفقــا لهــا مــا إذا كان املســتهلك احملتمــل ســيكرر

جتربــة الشــراء مســتقبال أو ال)20(.

وفــي حتليــل نقــدي لفكــرة التأثيــر الوظيفــي للخوارزميــات على منــط احلياة اإلنســانية،

105 |

قــارن عالــم السياســة األميركــي، هنــري فاريــل )Henry A. Farrell(، بــن مــا طرحــه

ــور ــادي تايل ــه االقتص م ــا قد ــن م ــيح”، وب ــة الترش ــه “فقاع ــي كتاب ــر، ف ــي باريس إيل

ــت؛ ــبكة اإلنترن ــة لش ــات االجتماعي ــول التداعي ــن )Tyler Cowen( )2009( ح كوي

حيــث أكــد أن األفــراد سيســتخدمون التكنولوجيــا اجلديــدة الختيــار منــط فريــد مــن

املصــادر التــي متثــل رؤيتهــم اخلاصــة املصغــرة القتصــاد املعلومــات والتــي ال تعكــس

ــا ــن م ــا)21(. ولك ــى تطويره ــتمر عل ــكل مس ــاعدهم بش ــن تس ــم ولك ــط أذواقه فق

ــا لــإلدارة الذاتيــة يعتبــره باريســر تقييــدا للنمــو الشــخصي. اعتقــده كويــن حتســينا فردي

فبــدال مــن أن يــؤدي اســتخدام منصــات التواصــل االجتماعــي لبنــاء اقتصــاد مصغــر

ــس ــرآة تعك ــتخدمها م ــا نس ــدة أصبحن ــات املعق ــن التقني ــدة م ــق فائ ــمح بتحقي يس

حتيزاتنــا وتعيــد توجيههــا لنــا مــرة أخــرى. واألســوأ مــن ذلــك أن فيســبوك وغوغــل

يرمســان األطــر املعلوماتيــة التــي حتيــط بنــا وفقــا للطريقــة التــي فهمــا بهــا اهتماماتنــا

وهــي طريقــة غيــر معلومــة لنــا.

3.7. الخوارزميات وشبكات التواصل االجتماعي

ــا ــى منصــات التواصــل االجتماعــي إذا عرفن ــات عل ــا تصــور عمــل اخلوارزمي ميكنن

ــر ــل ســوى عش ــم ال ميث ــى صفحاته ــن مشــاهدته عل ــن املســتخدمون م ــا يتمك أن م

ــات ــى صفح ــرأ عل ــي تط ــات الت ــى التحديث ــر إل ــا بالنظ ــاهدته فعلي ــم مش ــا ميكنه م

األصدقــاء)22(. قامــت اخلوارزميــات بعملهــا فقلصــت العــدد الــذي ميكــن مشــاهدته

بحيــث يقتصــر علــى حتديثــات مــن حســابات معينــة تبــدو أكثــر اهتمامــا بهــا وتفاعــال

ــة ــي 150 ألــف خوارزمي ــات بحوال ر عــدد هــذه اخلوارزمي معهــا مــن غيرهــا. ويقــد

ــذي ــوى ال ــع احملت ــى توق ــا عل ــة )Edge Rank(، ويرتكــز عمله تســمى مســتوى احلاف

الخوارزميات وهندسة تفضيالت مستخدمي اإلعالم االجتماعي

| 106

ــى حجــم مــا ــات عل ــر اخلوارزمي ــر إعجابــك. وكمــا تؤث قــد يجــذب انتباهــك ويثي

ــاد ــرارات ذات أبع ــع املســتخدم الختــاذ ق ــا لدف ــإن توظيفه ــوى ف ــن محت نشــاهده م

)Nature( ”سياســية أو اجتماعيــة أصبــح واضحــا ومعترفــا بــه. وكانــت مجلــة “نيتشــر

ــر ســلوك املســتخدمن، وأكــدت ــر فيســبوك علــى تغيي قــد نشــرت مقــاال عــن تأثي

ــر حقيقــي وأســهم بالفعــل فــي إضافــة 340 ألــف ناخــب إلــى قائمــة أن هــذا التأثي

تــن فــي انتخابــات التجديــد النصفــي للكونغــرس عــام 2010 مــن خــالل نشــر املصو

.)I Voted()23( ”ــت ــا انتخب ومشــاركة وســم “أن

وفــي ســياق التعــرف علــى مــدى تأثيــر خوارزميــات فيســبوك علــى بيانــات

املســتخدمن الشــخصية، أجــرى مركــز بيــو لأبحــاث مســحا، نشــر فــي يناير/كانــون

الثانــي 2019، توصــل مــن خاللــه لعــدد مــن النتائــج كان مــن أهمهــا أن فيســبوك

ــاء ــمى “االنتم ــا يس ــا مل ــتخدمن طبق ــف املس ــوم بتصني ــات تق ــتخدم خوارزمي يس

متعــدد الثقافــات” )Multicultural affinity( ويتــم مــن خاللــه وضــع املســتخدمن فــي

ــة. وفــي ــة بــدال مــن انتماءاتهــم الفعلي ــة احملتمل ــة والقومي ــا مليولهــم العرقي قوائــم تبع

الوقــت الــذي أكــد فيــه %60 مــن املبحوثــن أن لديهــم بالفعــل ميــوال عرقيــة متعــددة

تتــراوح بــن التوســط والشــدة إال أن %37 أكــدوا أن التصنيــف الــذي وضعــه فيســبوك

ــتخدمي ــى مس ــز عل ــا املرك ــرى أجراه ــوح أخ ــي مس ــا. وف ــاره دقيق ــن اعتب ال ميك

فيســبوك، عــام 2018، أكــد %74 مــن املبحوثــن أنــه ليســت لديهــم أيــة فكــرة عــن

ــر %51 منهــم أن فيســبوك يحتفــظ بقوائــم تشــمل توجهاتهــم واهتماماتهــم. وبينمــا عب

عــن عــدم ارتياحهــم لهــذا الســلوك مــن فيســبوك، أقــر %27 بــأن هــذه القوائــم ال

متثلهــم)24(. وأظهــرت املســوح أن معلومــات املســتخدمن املتعلقــة باالنتمــاء الدينــي

107 |

ــات ــات والتوجه ــة باالهتمام ــة مقارن ــا بدق ــة حتديده ــي إمكاني ــب ف ــي األصع ه

السياســية. وفــي محاولــة للدفــاع عــن النفــس، قــام فيســبوك بإجــراء بحــث مت نشــره

ــت الشــبكة ــا إذا كان ــه عم ــث في ــة ســاينس )Science(، عــام 2015؛ يبح ــي مجل ف

هــي الســبب فــي تكويــن فقاعــة الترشــيح التــي حتجــز وعــي املســتخدم عــن التعــرض

للمعلومــات املخالفــة الهتماماتــه، وكانــت النتيجــة أن اخلوارزميــات بريئــة مــن هــذه

ــم ــغ عدده ــة ويبل ــة القوي ــول احلزبي ــتخدمن ذوي املي ــة املس ــتثناء حال ــة باس التهم

تقريبــا %4 مــن مجمــوع مســتخدمي فيســبوك)25( )حوالــي 92 مليــون مســتخدم مــن

ــة ديســمبر/كانون األول 2018(. ــون حســب إحصائي ــارات و300 ملي ــي 3 ملي إجمال

وبالنظــر إلــى خوارزميــات يوتيــوب فتهتــم هــذه املنصــة بتقــدمي محتــوى مشــخصن

بدرجــة كبيــرة جلمهورهــا. وتعمــل مبنطــق آلــي بســيط يختــار ماليــن املقاطع املشــابهة

ــل املســتخدم رؤيتــه ثــم يختصــر هــذا العــدد مبــا يتناســب أكثــر مــع مزاجــه، ملــا يفض

وتضعــه مباشــرة علــى شاشــته عنــد اســتخدامه للمنصــة فــي املــرات التاليــة. تعمــل

ــل 400 ــتخدمون بتحمي ــوم املس ــث يق ــة حي ــة مزدحم ــي بيئ ــوب ف ــات يوتي خوارزمي

ســاعة كل دقيقــة. وتوفــر املنصــة ملســتخدميها ثالثــة تصنيفــات ميكــن االختيــار مــن

بينهــا ملشــاهدة الفيديوهــات، وهــي: األكثــر تــداوال )Trending(، واالشــتراكات

ــا للمســتخدم ــي تقــدم توصياته )Subscriptions(، والصفحــة الرئيســية )Home( والت

مبشــاهدة مقاطــع يفضلهــا. وقــد أثبتــت الدراســات أن %70 مــن مجمــوع مــا يشــاهده

مســتخدمو يوتيــوب يأتــي بنــاء علــى توصيــات املنصــة ذاتهــا)26(.

أمــا خوارزميــات تويتــر فتعمــل علــى إظهــار التحديثــات التــي تنشــرها احلســابات التي

ــر مــن غيرهــا. وكانــت هــذه اخلوارزميــات قــد ظلــت يتفاعــل معهــا املســتخدم أكث

الخوارزميات وهندسة تفضيالت مستخدمي اإلعالم االجتماعي

| 108

ــة ــدأت املنص ــا ب ــام 2014 عندم ــى ع ــام 2006 وحت ــذ ع ــري من ــر جوه ــدون تطوي ب

ــة ــدات متداول ــى تغري ــالع عل ــة أو االط ــابات معين ــة حس ــات مبتابع ــدمي اقتراح بتق

علــى نطــاق واســع وأضافــت خــالل الســنوات التاليــة خوارزميــات جديــدة، مثــل:

ــت ــا كن ــا )In Case you missed it(، وبينم ــي حينه ــاهدها ف ــم تش ــا ل ــال م ــي ح ف

منشــغال )While you were away( ملســاعدة املســتخدم فــي االطــالع علــى التغريــدات

التــي رمبــا لــم يتمكــن مــن متابعتهــا)27(. وفــي ســبتمبر/أيلول 2018، أعلــن تويتــر أن

ــم فيمــا يشــاهدونه عــن طريــق اختيــار إمــا رؤيــة أحــدث مســتخدميه ميكنهــم التحك

ــوع ــي ن ــم ف ــر للتحك ــح املســتخدم فرصــة أكب ــداوال ممــا مين ــدات أو أكثرهــا ت التغري

Top :ــمل ــر اآلن تش ــتخدمها تويت ــي يس ــات الت ــا. واخلوارزمي ــي يفضله ــة الت املتابع

وتبــدو .Tweets, Latest Tweets, ICYMI, Happening Now, Trends for You

ــق ــى حتقي ــر حرصــا مــن غيرهــا مــن شــبكات التواصــل االجتماعــي عل املنصــة أكث

مســات املوضوعيــة فــي تصميــم خوارزمياتهــا؛ حيــث أعلنــت فــي مطلــع عــام 2019

أنهــا بصــدد مشــروع لتطويــر أمنــاط عمــل اخلوارزميــات علــى منصتهــا بالتعــاون مــع

جامعــة كاليفورنيــا بيركلــي )وهنــاك بعــض الشــكوك املتداولــة حــول الكيفيــة التــي

ــل مــا حــدث مــع وســم ــا السياســية مث ــدار بهــا الوســوم خاصــة املرتبطــة بالقضاي ت

“#كفاية_بقى_ياسيســي”، والــذي أطلقــه املمثــل واملقــاول املصــري، محمــد علــي،

ثــم اختفــى دومنــا مبــرر واضــح مــن علــى املنصــة بعــد يومــن مــن إطالقــه وكان قــد

ــا(. بلــغ املليــون ونصــف املليــون تغريــدة تقريب

ــذ 2012 إال ــتغرام )Instagram( من ــة إنس ــبوك ملنص ــة فيس ــن ملكي ــم م ــى الرغ وعل

ــح ــث تتي ــبوك، حي ــن فيس ــط م ــورة أبس ــل بص ــة تعم ــذه املنص ــات ه أن خوارزمي

109 |

ــارة ــن باإلش ــع آخري ــاركته م ــي ومش ر أو فيلم ــو ــوى مص ــاج محت ــتخدمن إنت للمس

إليهــم وبإضافــة بيانــات املوقــع اجلغرافــي. وحــدث التغيــر األبــرز فــي خوارزمياتهــا

عــام 2016، حيــث أصبــح بإمــكان املســتخدمن، الذيــن بلــغ عددهــم، فــي ينايــر/

كانــون الثانــي 2019، مليــار مســتخدم، الوصــول أوال للمنشــورات األكثــر توافقــا مــع

ــام ــر مــع التوجــه الع ــدم. وينســجم هــذا التغيي ــس للمنشــورات األق تفضيالتهــم ولي

ــول ــع مي ــا م ــراه متوافق ــذي ت ــوى ال ــة للمحت ــي إعطــاء األولوي ملنصــات التواصــل ف

ــازون؛ ــا أم ــي تتبناه ــتراتيجية الت ــن االس ــرا ع ــك كثي ــف ذل ــتخدمن. وال يختل املس

حيــث شــيدت مملكتهــا الضخمــة اعتمــادا علــى كيميائيتهــا اخلاصــة املمثلــة فــي عــدد

مــن اخلوارزميــات التــي تســتخدمها فــي التعامــل مــع املعلومــات املخزنة حول ســلوك

قن عارمــة جتــاه أيــة معلومــات تســاعدهم فــي املســتهلكن؛ حيــث تبقــى شــهية املســو

إرســال إعالنــات مناســبة فــي الوقــت املناســب إلــى املســتهلكن احملتملــن. ويبقــى

ــات ــرف املعلوم ــي تع ــات الت ــى اخلوارزمي ــر “املناســب” و”املفضــل” حكــرا عل تقدي

ــة لتحديــد ذلــك. الكافي

4. تأثري فقاعة الرتشيح على توجيه الرأي العام

ــر ــاه عب ــم فيمــا نتلق ــي تتحك ــات الت د التســاؤل حــول مــا إذا كانــت اخلوارزمي ــرد يت

ــي ــه املجتمــع لتبن منصــات التواصــل االجتماعــي هــي كذلــك املســؤولة عــن توجي

ــا املختلفــة. ــم فــي مســارات الــرأي العــام حنــو القضاي ــة والتحك وجهــات نظــر معين

ــات ــج الدراس ــن نتائ ــر م ــا يتواف ــوء م ــي ض ــاؤل ف ــذا التس ــى ه ــة عل ــن اإلجاب ولك

ــر ــة اجلماهي ــح لثق ــور الواض ــود للتده ــك يع ــي ذل ــبب ف ــي، والس ــة النف ــح كف ترج

م عبــر املنصــات املختلفــة بشــكل عــام. وهــذا مــا أكدتــه بحــوث فــي احملتــوى املقــد

الخوارزميات وهندسة تفضيالت مستخدمي اإلعالم االجتماعي

| 110

ــي بشــأن التراجــع ــا ودول االحتــاد األوروب ــات املتحــدة وبريطاني ــي الوالي ــت ف أجري

املتزايــد لثقــة اجلمهــور فــي احملتــوى املقــدم عبــر وســائل اإلعــالم)28(، فبينمــا

ــج ــة، أظهــرت النتائ ــى معــدالت تراجــع الثق ــان وإســبانيا وفرنســا أعل ســجلت اليون

أن جمهــور الــدول اإلســكندنافية )فنلنــدا، الســويد، الدامنــارك( وندرالنــد )هولنــدا

ســابقا( هــم األكثــر وثوقــا فــي احملتــوى املقــدم عبــر وســائل إعالمهــم. ويــرى %53 مــن

البريطانيــن أن اســتقاللية “بــي بــي ســي” حتــت التهديــد، وينظــر إلــى فشــل وســائل

اإلعــالم فــي إقناعهــم بعــدم اخلــروج مــن االحتــاد األوروبــي دليــال علــى تراجــع الثقــة

فــي محتواهــا. ويعتقــد األميركيــون أن خطــأ وســائل اإلعــالم فــي التنبــؤ بفــوز دونالــد

ــى ــل عل ــه دلي ــم فشــلها بعــد ذلــك فــي اإلطاحــة ب ــات 2016 ث ترامــب فــي انتخاب

اخنفــاض مصداقيتهــا. وفــي مصــر، تــدل املؤشــرات الســوقية علــى اخنفــاض ملحــوظ

ــرون ــن ينظ ــض احمللل ــالم، إال أن بع ــائل اإلع ــوى وس ــي محت ــور ف ــة اجلمه ــي ثق ف

ــور ــاه اجلمه ــى اجت ــل عل ــا دلي ــار أنه ــة باعتب ــرة إيجابي ــة نظ ــع الثق ــة تراج ــى قضي إل

ــز بــن ــه والتميي ــوى للتحقــق مــن صدقيت ــل احملت الســتخدام حســه النقــدي فــي حتلي

ــح والزائــف منهــا. الصحي

ــي ــدة )Agenda Setting Theory( الت ــب األجن ــة ترتي ــى أن نظري ــارة إل ــدر اإلش وجت

وضعهــا كل مــن إلياهــو كاتــز )Elihu Katz( وبول الزارســفيلد )Paul Lazarsfeld(، في

خمســينات القــرن املاضــي، والتــي تفتــرض أن لترتيــب أولويــات االهتمــام بالقضايــا

لــدى وســائل اإلعــالم تأثيــرا علــى ترتيــب أولويــات االهتمــام بهــا عنــد اجلمهــور قــد

أعيــد النظــر فــي صالحيــة فرضياتهــا األساســية فــي ظــل التأثيــر الواضــح ملنصــات

ــار)29(. وقدمــت ــري لأخب ــداول اجلماهي ــات الت ــى عملي التواصــل االجتماعــي عل

111 |

جيســيكا فيزيــل )Jessica T. Feezel( )2018( حتليــال لذلــك، وأكــدت أنــه إذا كان

ــل متابعــة محتواهــا ومــن الســهل اجلمهــور اآلن يســتطيع انتقــاء املصــادر التــي يفض

ــا اختفــاء تأثيــر األجنــدة عليــه جتنــب املصــادر غيــر املرغــوب فيهــا فهــذا يعنــي فعلي

ــد مــن هــذه النتيجــة هــو أن ــام، إال أن االســتثناء الوحي ــرأي الع ــى اهتمامــات ال عل

ــائل ــوى وس ــل محت ــي توصي ــي ف ــل االجتماع ــات التواص ــات منص ــهم خوارزمي تس

اإلعــالم اجلماهيريــة بشــكل عرضــي للمســتخدمن بحيــث ميكنهــم االطــالع بصــورة

ــاء ــا إحي ــل ميكنه ــات التواص ــي أن منص ــذا يعن ــا. وه ــى محتواه ــودة عل ــر مقص غي

ــا ا فــي ترتيــب أجنــدة اجلمهــور بإتاحــة مضامينهــا عرضي دور وســائل اإلعــالم نســبي

خاصــة مــع املســتخدمن األقــل اهتمامــا مبحتواهــا.

ــر ــب هــوارد وآخــرون )Philip Howard et al( حــول تأثي ــا فيلي ــام به ــي دراســة ق وف

ــرأي العــام فــي املكســيك حــول املرشــحن السياســين ــى اجتاهــات ال فيســبوك عل

فــي احملليــات، وجــد أن مشــاركة املرشــحن جلماهيرهــم فــي نقاشــات عبــر الشــبكة

ــة ــادة الرغب ــة وزي ــام بالشــؤون احمللي ــام الع ــادة االهتم ــي زي ــي ف ــر إيجاب ــه تأثي كان ل

فــي املشــاركة بفاعليــة فــي اختــاذ القــرارات التــي متــس مصــاحل املجتمــع احمللــي)30(.

ــا ــر املنصــة ذاته ــر إذا اســتخدم السياســيون واجلماهي ــر يكــون أكب وأضــاف أن التأثي

ــام ــرأي الع ــة بال ــم الوثيق ــن بصالته ــون محتفظ ــة يظل ــال السياس ــل وأن رج للتواص

ــات ــي االنتخاب ــم ف ــد جناحه ــى بع ــا تتجــاوز الشــأن السياســي حت ــي قضاي ــي ف احملل

ــدة. ــم اجلدي ــام وظيفته وانشــغالهم مبه

5. تأثري خاصية األكثر تداوال على الرأي العام

ــر ــاه عب ــم فيمــا نتلق ــي تتحك ــات الت ــردد التســاؤل حــول مــا إذا كانــت اخلوارزمي يت

الخوارزميات وهندسة تفضيالت مستخدمي اإلعالم االجتماعي

| 112

منصــات التواصــل االجتماعــي هــي كذلــك املســؤولة عــن توجيــه الــرأي العــام فــي

ــم فــي مســارات االهتمــام بالقضايــا املجتمــع حنــو تبنــي وجهــات نظــر معينــة والتحك

ــج ــن نتائ ــر م ــا يتواف ــوء م ــي ض ــاؤل ف ــذا التس ــى ه ــة عل ــة، إال أن اإلجاب املختلف

ــى ــل الســبب فــي ذلــك إل ــة النفــي، وميكــن حتلي ــح كف البحــوث والدراســات ترج

ن بهــا الترنــد خاصــة فــي املنطقــة العربيــة، ــة التــي يتكــو شــقن: يتعلــق األول باآللي

ن ويتعلــق الثانــي باملفهــوم التقليــدي للــرأي العــام فــي املجتمــع. فاآلليــة التــي يتكــو

بهــا الترنــد بشــكل عــام تشــوبها تهــم تســتند إلــى أدلــة تشــير إلــى إمكانيــة اصطناعهــا

عبــر حســابات وهميــة خــالل فتــرة زمنيــة معينــة وتوظيفهــا غالبــا ألهــداف سياســية.

وظاهــرة الــرأي العــام مبفهومهــا التقليــدي باعتبارهــا تعبيــرا عــن رأي األغلبيــة الواعيــة

ــا، ألنهــا تكونــت فــي مجتمــع مــا جتــاه قضيــة متــس مصاحلهــا لــم تعــد موجــودة فعلي

بهــذا املفهــوم فــي ظــل وســائل اإلعــالم اجلماهيريــة، والتــي كان بإمكانهــا تشــكيل

ــا فــي وعــي متناغــم لــدى اجلماهيــر حــول القضايــا التــي تهمــه، فالــرأي لــم يعــد عام

ــا وال ا أو خاص عصــر منصــات “التواصــل” االجتماعــي، ولكنــه أصبــح رأيــا شــخصي

مجــال للحديــث عــن فكــرة “الوعــي” إال مــع توافــر معلومــات دقيقــة وموثقــة مــن

ــق منــه. قــه فضــال عــن إمكانيــة التحق ق مصــادر ذات مصداقيــة، وهــو أمــر ينــدر حت

نســوق مثــاال علــى ذلــك خــالل شــهري أغســطس/آب وســبتمبر/أيلول 2019

عندمــا أطلقــت مجموعــة مــن أســاتذة اجلامعــات املصريــة حملــة بعنــوان “#علمــاء_

ــى ــة عل ــون”)31(، وأنشــأوا فــي 26 أغســطس/آب صفحــة باســم احلمل مصر_غاضب

منصــة فيســبوك بلــغ عــدد أعضائهــا أكثــر مــن 25.500 عضــو بهــدف التعبيــر عــن

غضــب أعضــاء هيئــات التدريــس فــي اجلامعــات املصريــة مــن األحــوال االقتصاديــة

113 |

واالجتماعيــة املترديــة لأســتاذ اجلامعــي واملطالبــة بإصــالح الوضــع املتدهــور ملنظومــة

ــتقبل ــرا ملس ــدا خطي ــه تهدي ــذي يرون ــع ال ــو الوض ــر، وه ــي مص ــي ف ــث العلم البح

الوطــن وأمنــه القومــي باملفهــوم الشــامل. وكانــت وفــاة أحــد أعضــاء هيئــة التدريــس

متأثــرا بإصابتــه ببكتيريــا قاتلــة كان يقــوم بإجــراء جتــارب معمليــة عليهــا دون توافــر

ــة التــي قوبلــت بهجمــه ــة الشــرارة التــي أشــعلت هــذه احلمل ــة مبنزل إجــراءات وقائي

ــن ــتقرار مل ــد االس ــة وتهدي ــة والعمال ــات باخليان ــة واتهام ــالم الدول ــن إع ــة م شرس

يشــارك فيهــا)32(، ورغــم ذلــك، تصــدر الهاشــتاج الترنــد املصــري فــي تويتــر لعــدة

أيــام شــملت األســبوع األخيــر مــن أغســطس/آب واأليــام األولــى مــن ســبتمبر/أيلول،

وأســفر احلــراك عــن مجموعــة مــن املطالــب التــي لــم تتــم االســتجابة إليهــا حتــى

ــور وكان ــي الظه ــي، ف ــد عل ــري، محم ــاول املص ــات املق ــدأت فيديوه ــم ب اآلن. ث

أولهــا يــوم 4 ســبتمبر/أيلول 2019، والتــي بدأهــا باحلديــث عــن مظاهــر الفســاد ثــم

ــة مــن خــالل ــس الدول ــى اإلطاحــة برئي ــى الدعــوة إل ــاد إل تصاعــدت لهجــة االنتق

ــدر ــذي تص ــبتمبر/أيلول، وال ــوم 16 س ــي” ي ــتاج “#كفاية_بقى_ياسيس ــالق هاش إط

الترنــد العاملــي وكســر حاجــز املليــون تغريــدة فــي أقــل مــن 24 ســاعة)33(. وكذلــك

دعــوة املصريــن للنــزول بأعــداد كبيــرة بعــد مبــاراة لكــرة القــدم بــن فريقــي األهلــي

والزمالــك، التــي أجريــت يــوم اجلمعــة 20 ســبتمبر/أيلول، لتوصيــل رســالة الغضــب

والرغبــة فــي إزاحــة الرئيــس عــن احلكــم.

ــا ال ــة كم ــذه الدراس ــة ه ــى كتاب ــة حت ــى متواصل ــد عل ــات محم ــزال فيديوه وال ت

ــبوك، إال ــة فيس ــى منص ــال عل ــهد تفاع ــون( تش ــر غاضب ــاء مص ــة )علم ــزال صفح ت

أنــه مــن املمكــن عقــد مقارنــة بــن أصــداء كال الترنديــن: “#علماء_مصر_غاضبــون”

الخوارزميات وهندسة تفضيالت مستخدمي اإلعالم االجتماعي

| 114

و”#كفاية_بقى_ياسيســي” علــى الــرأي العــام املصــري مــن حيــث التأثيــر والتجــاوب.

فمــن حيــث التأثيــر القــت احلملــة األولــى جتاوبــا كبيــرا مــن أعضــاء هيئــة التدريــس

التأثيــر منحصــرا تقريبــا فــي شــريحة فــي مختلــف اجلامعــات املصريــة وكان

ــة بينمــا ال تــكاد األكادمييــن ممــن لهــم مصلحــة مباشــرة مــن حتقــق أهــداف احلمل

ــا يذكــر مــن الشــرائح االجتماعيــة األخــرى بــل علــى العكــس مت توجيــه جتــد جتاوب

ــه ــق ال تتحمل ــت دقي ــة فــي توقي ــون مطالــب فئوي ــع االتهــام لهــم بأنهــم يحمل أصاب

املصلحــة الوطنيــة)34(. فــي املقابــل، ومبجــرد دعــوة محمد علــي املصرين للمشــاركة

فــي الهاشــتاج، ثــم النــزول للتعبيــر عــن رفضهــم لبقــاء السيســي، جتــاوب املصريــون

معــه بصــورة غيــر متوقعــة. ورمبــا كان الســبب فــي ذلــك هــو التوجــه العــام والقيــم

املطلقــة التــي اتســمت بهــا دعــوة محمــد علــي حيــث أكــد علــى ضــرورة التالحــم

ــة ورفــض الفســاد واالســتبداد فــي ــاداة باحلري ــع تياراتهــم واملن بــن املصريــن بجمي

مقابــل التوجــه اخلــاص الــذي طبــع حملــة علمــاء مصــر غاضبــون. باإلضافــة إلــى أن

دعــوة محمــد علــي كانــت مبنزلــة “الشــرارة املنتظــرة” حلــراك معــارض، داخلــي ال

توجــد لــه فرصــة للتعبيــر عــن نفســه، وخارجــي مســتمر منــذ ســنوات، وكان يبحــث

ــة ــة املصري ــاحة اجلامعي ــهد الس ــم تش ــا ل ــا بينم ــور حوله ــة للتمح ــرة مركزي ــن فك ع

ــات ــع الفئ ــل م ــة باملث ــة باملعامل ــي ســياق املطالب ــل جــاء ف ــال ب ــا مماث حــراكا متهيدي

ــا بينمــا يــرون أنهــم أولــى بالتميــز ملــا يقدمونــه للوطــن مــن التــي ميزتهــا الدولــة مادي

ــة. خدمــات جليل

6. اإلشكاليات األخالقية املرتبطة بأنظمة الخوارزميات

ــا ــي أثارته ــك الت ــة كتل ــكاليات أخالقي ــة إش ــا اتصالي ــر أي تكنولوجي ــم تث ــا ل رمب

115 |

اخلوارزميــات ومــا ارتبــط بهــا مــن تطبيقــات أنظمــة الــذكاء االصطناعــي املتغلغلــة في

حنايــا شــبكة اإلنترنــت. ويشــبه البعــض تلــك الســطوة املخيفــة للخوارزميــات علــى

بنيــة الشــبكة بوحــش فرانكشــتاين العاقــل املتجــرد مــن القيــم اإلنســانية)35( أو كمــا

ــئ ــب املختب ــوق املرع ــي املخل ــات ه ــن أن اخلوارزمي ــان م ــة اجلاردي ــرت صحيف ذك

فــي اآللــة، والــذي رمبــا يفاجــئ اإلنســانية جمعــاء فيدمرهــا فــي حلظــة واحــدة)36(.

وهــذا يعنــي أن إشــكاليات اخلوارزميــات تتجــاوز اجلانــب األخالقــي لتمــس اجلانــب

الوجــودي لإلنســان ذاتــه.

ــر ــؤ بالتداعيــات غي ــرة للقلــق هــي أنــه ليــس بإمــكان أحــد التنب ولعــل احلقيقــة املثي

ــل أن نســتعرض أهــم ــا. وقب ــم تطبيقهــا فعلي ــات إال بعــد أن يت ــة للخوارزمي األخالقي

ــى إحــدى ــات جتــدر اإلشــارة إل ــل اخلوارزمي ــة بعم ــة املرتبط اإلشــكاليات األخالقي

أهــم القضايــا املرتبطــة بهــذا املوضــوع، والتــي بــدأت باعتــراف فيســبوك، فــي أبريل/

نيســان 2018، بــأن شــركة استشــارات سياســية بريطانيــة تدعــى “كمبريــدج أناليتيــكا”

)Cambridge Analytica(، أنشــئت عــام 2013، قامــت باســتخدام بيانــات مــا يقــرب

مــن 87 مليــون مســتخدم معظمهــم فــي الواليــات املتحــدة األميركيــة لصــاحل حملــة

ــو ــن فيســبوك ه ــات م ــام بســحب البيان ــذي ق ــة، وأن الوســيط ال ــب االنتخابي ترام

ألكســندر كوجــان )Alexander Kogan(، عالــم بيانــات أميركــي مــن أصــل روســي،

This is my dig� )مــن خــالل برنامــج قــام بتصميمــه يدعــى “هــذه حياتــي الرقميــة”

ــر ــة األكث ــات املنص ــي خوارزمي ــة ف ــرات الدقيق ــض الثغ ــه بع ــتغل في ital life(؛ اس

شــعبية حــول العالــم. وهــو مــا يعنــي أن فيســبوك -ســواء بعلمهــا أو بــدون- كانــت

شــريكا فــي التأثيــر علــى القــرار االنتخابــي للمواطــن األميركــي. واملالحــظ أن مــارك

الخوارزميات وهندسة تفضيالت مستخدمي اإلعالم االجتماعي

| 116

زوكربيــرغ )Mark Zuckerberg( صــرح خــالل مقابلتــه مــع شــبكة “ســي إن إن” فــي

أعقــاب هــذه الفضيحــة أن أحــدا لــم يســتطع أن يحــدد الوقــت الــذي بــدأ فيــه كوجان

ــد ــي ق ــات الت ــة اخلوارزمي ــم مراجع ــو أن تت ــه ه ــد ب ــا وع ــات وكل م ــحب البيان بس

تكــون ســببا فــي حــدوث ذلــك ملنــع تكــرار االختــراق مســتقبال. مــا يثيــر االهتمــام

فــي موقــف فيســبوك جتــاه مثــل هــذه القضايــا أن املنصــة تنتظــر حتــى يتــم اســتغاللها

مبــا قــد يســبب ضــررا بالغــا للمســتخدمن ثــم تقــوم بعــد ذلــك بكشــف الســتار عــن

اجلرميــة. حــدث ذلــك عندمــا أعلــن فيســبوك فــي نهايــة عــام 2016 أن هنــاك شــركة

Black( ــة ــات حــول مســتخدمي فيســبوك املهتمــن بحرك ــت بيان ــارات جمع استش

Lives Matter( فــي الواليــات املتحــدة األميركيــة وباعتهــا للشــرطة)37(. وتؤكــد

احلــوادث الســابقة علــى حقيقــة واحــدة مفادهــا أن شــركات األعمــال واملعلنــن هــم

العمــالء احلقيقيــون لفيســبوك أمــا جمهــور املســتخدمن فهــم مجــرد ســلعة.

ــر ــم اجلــدل الدائ ــح معال ــق مــن الباحثــن لتوضي وفــي دراســة موســعة قــام بهــا فري

حــول اإلشــكاليات األخالقيــة للخوارزميــات، مت حتديــد ســتة محــاور متثــل جبهــات

،)Traceability( ــع ــة التتب ــمل)38(: إمكاني ــا، وتش ــي عمله ــي ف ــراق األخالق االخت

Un�( واملخرجــات غيــر العادلــة ،)Transformational Effects )والتأثيــرات التحويليــة

In-( ــة ــة املبهم ــة )Misguided Evidence(، واألدل ل ــة املضل fair Outcomes(، واألدل

scrutable Evidence(، واألدلــة غيــر املقنعــة )Inconclusive Evidence(. فــإذا كانــت

لهــا ــا يحم ــع نشــاط املســتخدمن فهــذا مبدئي اخلوارزميــات متتلــك القــدرة علــى تتب

ــات ــة املعلوم ــك خصوصي ــة تنته ــرات التحويلي ــم، والتأثي ــة جتاهه ــؤولية أخالقي مس

وإمكانــات التحكــم الذاتــي، واملخرجــات غيــر العادلــة تــؤدي إلــى التمييــز، واألدلــة

117 |

املضللــة تــؤدي إلــى التحيــز، أمــا األدلــة املبهمــة فتــؤدي إلــى الغمــوض، والبراهــن

غيــر املقنعــة تفضــي إلــى أفعــال غيــر مبــررة.

فــي الســطور التاليــة اســتعراض ألهــم اإلشــكاليات األخالقيــة املرتبطــة بعمــل

اخلوارزميــات ونبدأهــا بقضيــة:

1.6. مناقضة اإلبداع

يشــير إيلــي برايســر إلــى مــا أمســاه “ســباق املالءمــة” )Race for Relevance(، ويقصــد

ــع ــالءم م ــات تت ــم خوارزمي ــى تصمي ــركات إل ــب الش ــن جان ــوم م ــعي احملم ــه الس ب

ــم ــة عنهــم ومــن ث ــر دق ــي الوصــول ملعلومــات أكث ــور وتســاعد ف ــالت اجلمه تفضي

تتبعهــم والتنبــؤ باختياراتهــم)39(، إال أن هــذا الســباق لــه تبعــات ســلبية علــى قــدرة

املســتخدم علــى إبــداع فكــر جديــد. ففــي الوقــت الــذي يتســابق فيــه اجلميــع إلحاطة

املســتخدم باملعلومــات التــي يــرون أنهــا “تالئمــه” وتدخــل فــي اهتمامــه تتــم تنحيــة

معلومــات أخــرى يــرون أنهــا ال تالئمــه ولكنهــا فــي احلقيقــة قــد تكــون محفــزا لــه

علــى االبتــكار، وتاريــخ اإلبــداع البشــري شــاهد علــى ضــرورة أن يتعــرض اإلنســان

قــة جديــدة، فاألفــكار اإلبداعيــة ينتجهــا لــرؤى متباينــة حتــى تتبلــور لديــه رؤيــة خال

تالقــح املتباينــات وليــس جتميــع املتشــابهات الــذي تســتهدفه خوارزميــات اإلنترنــت

فــي املقــام األول.

2.6. سيطرة النموذج الربحي

يحتــج كثيــر مــن املراقبــن علــى آليــة عمــل اخلوارزميــات املوجهــة باألســاس لتحقيــق

Kate( ــل كيــت أوت الفائــدة املاديــة علــى حســاب القيــم اإلنســانية واألخالقيــة. وتدل

الخوارزميات وهندسة تفضيالت مستخدمي اإلعالم االجتماعي

| 118

ــبكات ــات ش ــلبي خلوارزمي ــر الس ــى التأثي ــويات، عل ــات النس ــدى الباحث Ott(، إح

ــن ــي كان م ــبيك، والت ــاون والتش ــمولية والتع ــاح والش ــم االنفت ــى قي ــل عل التواص

املأمــول أن يرســخها عمــل هــذه الشــبكات، والتــي تعتبرهــا قيمــا حتتفــي بهــا احلركــة

النســوية كذلــك إال أن مــا آلــت إليــه اإلنترنــت مــن تغليــب للنمــوذج املــادي الربحــي

أدى إلــى تقويــض هــذه القيــم وجعلهــا أســيرة ملصاحل شــركات املــال واألعمــال)40(.

ولذلــك فهــي تدعــو جميــع الناشــطات النســويات للعمــل بجــد مــن أجــل هندســة

خوارزميــات أكثــر عدالــة وقيميــة.

3.6. تشجيع االنحراف السلوكي

ــي ــه ف ــق في ق ــران 2019، حت ــي يونيو/حزي ــاال، ف ــورك تاميــز مق ــة نيوي نشــرت صحيف

ــادة نســب املشــاهدة)41(. ــوب ملجــرد زي ــات يوتي ــا خوارزمي ــي ترتكبه األضــرار الت

وأكــدت أن اخلوارزميــات تشــجع األشــخاص املنجذبــن جنســيا حنــو األطفــال علــى

ــروف ــي ظ ــم وف ــي منازله ــر ف ــاب البح ــال بثي ــا ألطف ــع مت تصويره ــاهدة مقاط مش

ــا ــق عليه ــع والتعلي ــذه املقاط ــداول ه ــخاص بت ــؤالء األش ــوم ه ــث يق ــة؛ حي عادي

بشــكل يحــرض علــى ارتــكاب جرائــم ضــد األطفــال. وهــو مــا اضطــر يوتيــوب إلــى

إلغــاء خاصيــة التعليــق علــى املقاطــع لتقليــل العواقــب الســيئة لنشــرها. وكانــت إدارة

يوتيــوب قــد قــررت، فــي 2015، إطــالق موقــع مخصــص لأطفــال فــي الواليــات

ــال ــم بنشــر املقاطــع املالئمــة لأطف ــة باســم )YouTube Kids( يهت املتحــدة األميركي

حتــت ســن 18 ســنة، لكــن يبــدو أن هــذه اخلطــوة غيــر كافيــة حلــل املشــكلة، حيــث

أكــد بحــث مت إجــراؤه علــى املوقــع، فــي مايو/أيــار 2019)42(، أن %35 مــن نقــرات

األطفــال علــى املقاطــع قــد تقودهــم إلــى مشــاهدة محتــوى ال يناســب ســنهم.

119 |

4.6. تهديد قيم الديمقراطية

ــل ــات التواص ــا منص ــة متثله ــدات حقيقي ــاك تهدي ــن أن هن ــن املراقب ــر م ــرى كثي ي

االجتماعــي علــى قيــم احلريــة والدميقراطيــة لعــدة أســباب؛ ففــي وقــت مبكــر مــن

ــة ــم العدال ــا واســعة لنشــر قي ــح أبواب ــا تفت ــات ســاد الظــن بأنه ــور هــذه التطبيق ظه

واملســاواة وجتســير الفجــوة املعلوماتيــة التــي صنعتهــا األنظمــة التقليديــة لإلعــالم بــن

الشــمال واجلنــوب وبــن القــرى واملــدن حــول العالــم، وإتاحــة الفرصــة للمواطنــن

ــل ــات عم ــن آلي ــف ع ــا تكش ــاري. إال أن م ــوى اإلخب ــة احملت ــي صناع ــاركة ف باملش

ــة شــمولية ــة حتتي ــي تســتخدمها هــذه املنصــات أكــد إرســاءها لبني ــات الت اخلوارزمي

تزيــد مــن إحــكام القبضــة علــى الشــعوب فــي مواجهــة الديكتاتوريــات)43(.

فاملعلومــات الشــخصية التــي يتيحهــا املســتخدمون طوعــا علــى هــذه املنصــات ميكــن

ــم. ــم دون علمه ــرار مبصاحله ــتغاللها لإلض ــهولة اس بس

ويؤكــد إيلــي باريســر علــى هــذه الفكــرة فيقــول: إن خوارزميــات اإلنترنــت ال تدعــم

ــر خــارج حــدود ــا نســتطيع النظ ــل عندم ــة تعم ــاخ الدميقراطــي، ألن الدميقراطي املن

ذواتنــا لنفهــم آمــال اآلخريــن وطموحاتهــم)44(، فهــي قــد تكــون مناســبة لعمليــات

التســوق اإللكترونــي لكنهــا غيــر مناســبة إطالقــا الختــاذ قــرارات جماعيــة رشــيدة،

ــير ــى جتس ــا عل ــن قدرته ــر م ــر بكثي ــكل أكب ــا بش ــا باهتماماتن ــات تربطن اخلوارزمي

الفجــوات بيننــا وبــن اآلخريــن وهــذا تهديــد كبيــر للدميقراطيــة)45(. وتضيــف زينــب

توفيقجــي* أن التكنولوجيــا الرقميــة حتولــت مــن آمــال نشــر الدميقراطيــة إلــى كونهــا

أصبحــت أســلحة تهاجمهــا)46(.

الخوارزميات وهندسة تفضيالت مستخدمي اإلعالم االجتماعي

| 120

5.6. تعميق الرؤية األحادية لألمور

ــا الرؤيــة مــن منظــور أكبــر؟” فــي مقــال بعنــوان “هــل شــبكات التواصــل حتجــب عن

تشــرح جينــا وورثــام )Jenna Wortham( آفــاق التطــور املســتقبلي ملنصــات اإلعــالم

ــادل الرســائل ــة لتب ــا حنــو تشــبيك املســتخدمن ببرامــج اتصالي االجتماعــي واجتاهه

مثــل “الواتســاب” اململــوك مــن قبــل فيســبوك، والــذي يــؤدي لتقويــة األواصــر بــن

ــب األشــخاص املختلفــن)47(. وتكمــن ل جتن ــا ويســه املجموعــات املتشــابهة فكري

ــي املســتقبل ــي ف ــد يعن ــن ق ــكار اآلخري ــي أن عــدم االســتماع ألف ــك ف خطــورة ذل

عــدم القــدرة علــى العيــش معهــم علــى الكوكــب نفســه.

6.6. تبدد فكرة املحاسبة

هــذه املشــكلة ناجتــة عــن االعتمــاد املطــرد علــى اخلوارزميــات فــي عمليــات اختــاذ

ــي ــة)48( إال أن متخصص ــوى احليادي ــا بدع ــانية جانب ــل اإلنس ــة العوام ــرار وتنحي الق

ــل ــدة )Value-Laden-ness( ب ــت محاي ــات ليس ــدون أن اخلوارزمي ــات يؤك املعلوم

ــوداء ــق س ــى صنادي ــول إل ــد تتح ــت ق ــرور الوق ــا، ومب ــن صممه ــاحل م ــزة لص متحي

ــذه ــببت ه ــال تس ــي ح ــه ف ــي أن ــذا يعن ــا)49(. وه ــم فيه ــن التحك ــة ال ميك غامض

اخلوارزميــات فــي أيــة انتهــاكات أخالقيــة أو جرائــم إنســانية فــال ميكــن توجيــه التهمة

جلهــة مــا بعينهــا، ألن الفاعــل -اخلوارزميــات- خــارج عــن الســيطرة. ولعــل مثــال

حتديــد املســؤولية فــي حــوادث الســيارات ذاتيــة القيــادة مشــابه ملوقــف اخلوارزميــات

ــراء أن املســؤولية ــد اخلب ــث يعتق ــي منصــات اإلعــالم االجتماعــي حي املســتخدمة ف

فــي هــذه احلالــة لهــا ثالثــة أبعــاد: البعــد األول إنســاني ويقصــد بــه املبرمــج الــذي

121 |

صمــم اخلوارزميــة )ومــن الــذي اختــاره للقيــام بهــذه املهمــة؟ ومــا أســس االختيار؟(،

ــه، والبعــد ــة للفعــل الــذي مت ارتكاب ــة واألخالقي ــد األطــر القانوني والثانــي هــو حتدي

الثالــث حتليلــي ويشــمل دراســة العمليــة التــي يتــم اختــاذ القــرار وفقــا لهــا فــي تقديــر

ــة)50(. األخطــار املؤكــدة واحملتمل

7.6. تشتيت انتباه املستخدمني

مــن اإلشــكاليات التــي يثيرهــا اســتخدام األجهــزة الذكيــة أنهــا متثــل مصــدرا

لتشــتيت االنتبــاه يصعــب معــه التركيــز فــي متابعــة مهمــة مــا بشــكل متواصــل)51(.

ــة ومحــركات البحــث وبرامــج املراســلة توافيــك فخوارزميــات املنصــات االجتماعي

بإشــعارات عــن التحديثــات ويغريــك بعضهــا بالتفاعــل فتتــرك املهمــة التــي عليــك

ــود ــا ال تع ــرى ورمب ــو األخ ــدة تل ــعارات واح ــة اإلش ــي مراجع ــتغرق ف ــا وتس إجنازه

ــه: إلــى اســتكمال املهمــة التــي بدأتهــا. ويصبــح الســؤال الــذي عليــك اإلجابــة عن

ــتيت ــك لتش ــر يدفع ــي عص ــك ف ــاز مهام ــك إلجن ــط انتباه ــتطيع أن تضب ــف تس كي

االنتبــاه؟ وتــزداد أهميــة اإلجابــة علــى هــذا الســؤال إذا عرفنــا أن األبحــاث تؤكــد أن

األشــخاص الذيــن ميكنهــم احملافظــة علــى درجــة تركيــز عاليــة هــم مــن يســتطيعون

ــا بنجــاح. ــب أولوياتهــم وإدارته ترتي

8.6. انتهاك الخصوصية

لعــل مــن أحــدث القضايــا التــي أثيــرت ضــد فيســبوك تلــك التــي تشــير إلــى خطــورة

توافــر البيانــات الشــخصية علــى املنصــة دون محاســبة؛ حيث قــام مواطنــون أميركيون

مــن واليــة ألينــوي برفــع دعــوى قضائيــة ضــد فيســبوك بــدأت عــام 2015 يتهمــون

الخوارزميات وهندسة تفضيالت مستخدمي اإلعالم االجتماعي

| 122

فيهــا املوقــع باســتخدام بياناتهــم احليويــة وإظهــار صــور الوجــوه دون موافقتهــم. وفــي

أغســطس/آب 2019، قــررت احملكمــة رفــض محــاوالت فيســبوك إيقــاف إجــراءات

التقاضــي، وهــو مــا يعنــي تــورط فيســبوك فــي خــرق القانــون واحتمــال فــرض غرامة

ــة مــن املســتخدمن. ويقــول ناثــان فريــد ــه إذا مــا مت رفــع دعــوى جماعي هائلــة علي

ويزلــر )Nathan Freed Wessler(، محامــي االحتــاد األميركــي للحريــات املدنيــة: إن

أنظمــة التعــرف علــى الوجــوه شــديدة اخلطــورة وتعــد خرقــا بالغــا للخصوصيــة وإن

ــن ــر املق ــتخدام غي ــرار االس ــا بأض ــا قوي ل اعتراف ــك ــأن يش ــذا الش ــة به ــرار احملكم ق

لتكنولوجيــا مراقبــة الوجــوه)52(.

9.6. نشر األخبار الكاذبة

تواتــرت احلقائــق الدالــة علــى عالقــة خوارزميــات اإلنترنــت بتســميم الفضــاء

اإلعالمــي العــام باملعلومــات غيــر الصحيحــة واألخبــار الكاذبــة خاصــة فــي أجــواء

مــا قبــل االســتحقاقات االنتخابيــة املرتبطــة بإحــداث تغييرات سياســية جوهريــة)53(.

واألمثلــة املؤكــدة لهــذه احلقيقــة كثيــرة، ولعــل أحدثهــا مــا قامــت بــه جمــوع الناخبن

فــي اململكــة املتحــدة مــن التصويــت لصــاحل اخلــروج مــن االحتــاد األوروبــي بينمــا

ــتحرز ــاد س ــل االحت ــاء داخ ــن للبق ــة املؤيدي ــأن جبه ــرأي ب ــتطالعات ال ــارت اس أش

ــد ــوري، دونال ــوز املرشــح اجلمه ــا مت إعــالن ف ــك عندم ــرا)54(. وكذل انتصــارا كبي

ــة ــة الصدم ــك مبنزل ــي 2016، وكان ذل ــة، ف ــة األميركي ــات الرئاس ــب، بانتخاب ترام

لكثيــر مــن املراقبــن ومخالفــا لنتائــج معظــم اســتطالعات الــرأي التــي أكــدت تفــوق

املرشــحة عــن احلــزب الدميقراطــي، هيــالري كلينتــون، عليــه فــي معظــم القضايــا التي

تهــم الناخــب األميركــي)55(. يــزول االســتغراب عندمــا يؤخــذ فــي احلســبان التأثيــر

123 |

ــق ــا منصــات التواصــل االجتماعــي دومنــا تدقي ــي تبثه ــل للرســائل الســلبية الت الهائ

ل بصــورة بعيــدة عــن ــل علــى اجتاهــات الــرأي العــام التــي تتشــك فتتــرك أثرهــا املضل

املنطــق الســليم. ففــي حالــة ترامــب، رصــد تويتــر مــا يقــرب مــن 20 مليــون متابــع

ــه. كمــا ــادل نصــف عــدد متابعي مزيــف حلســاب @realdonaldtrump وهــو مــا يع

Nicole( ــه ويســميها نيكــول مينســي ــه بإحــدى مؤيدات ــي خطب ــب يشــيد ف كان ترام

Mincey( وتبــن فيمــا بعــد أنهــا مجــرد شــخصية وهميــة فقــام تويتــر بغلــق حســابها.

ــول ــور ح ــل اجلمه ــف ردود فع ــي تزيي ــن ف ــك تكم ــورة ذل ــون أن خط ــرى مراقب وي

التصريحــات االســتفزازية التــي كان يطلقهــا ترامــب مــن حــن آلخــر)56(.

ويــؤدي التســاهل جتــاه نشــر األخبــار الكاذبــة عبــر الشــبكات إلــى وضــع حواجــز بــن

ــى االســتنارة ــة عل ــة املبني ــن التصــرف باحلكمــة املطلوب ــرار السياســي وب ــاع الق صن

لــة املعلوماتيــة، كمــا جتعــل احتمــاالت تصويــت الناخبــن بنــاء علــى معلومــات مضل

أكثــر ترجيحــا مــن التصويــت بنــاء علــى معلومــات أصيلــة)57(. وفــي دراســة معمقــة

قــام بهــا نثانيــل بيرســلي )Nathaniel Persily( )2017(، أســتاذ القانــون بكليــة

ســتانفورد للحقــوق والــذي شــغل منصــب مديــر األبحــاث باللجنــة الرئاســية إلدارة

االنتخابــات األميركيــة، أوضــح أن تقييــم األثــر االنتخابــي لأخبــار الكاذبــة يحتــاج

للتفريــق بــن أنواعهــا املختلفــة، مثــل: األخبــار الكاذبــة بغــرض الهجــاء أو الســخرية

ــار األخــرى التــي ــار الكاذبــة بهــدف حتقيــق األربــاح، واألخب مــن اخلصــم، واألخب

تســتخدم ألغــراض الدعايــة السياســية، وهنــاك أيضــا أخبــار كاذبــة بســبب اســتهتار

احملــرر الصحفــي وعــدم اهتمامــه بتحــري الدقــة. ويعــد حتقيــق األرباح احملــرك األقوى

وراء نشــر األخبــار الكاذبــة خــالل احلمــالت االنتخابيــة لرئاســة الواليــات املتحــدة

الخوارزميات وهندسة تفضيالت مستخدمي اإلعالم االجتماعي

| 124

ــب ــدة لترام ــار املؤي ــر األخب ــن أن نش ــون ع ــف باحث ــث كش ــة 2016؛ حي األميركي

ا- واملعاديــة لكلينتــون تــدر أرباحــا أكثــر مــن غيرهــا -حوالــي 30 ألــف دوالر شــهري

ــم تداولهــا علــى نطــاق واســع وتضاعــف مــن عــدد الزائريــن للصفحــات حيــث يت

اإلخباريــة ممــا يجــذب املعلنــن ويــؤدي بالتالــي لتحقيــق مزيــد مــن األربــاح. وخــالل

ــرا ــاك 20 خب ــة مباشــرة كان هن ــات األميركي ــل االنتخاب ــرة قب ــة األخي األشــهر الثالث

كاذبــا )مثــال: مقتــل عميــل FBI الــذي كشــف عــن محــو كلينتــون لرســائل بريدهــا

اإللكترونــي، وكذلــك خبــر تأييــد املمثلــن األميركيــن، تــوم هانكــس وبــوب

ــا ــرا صادق ــداول 20 خب ــه ت ــم ب ــا يت ــاف م ــا بأضع ــم تداوله فرانســيس، لترامــب( يت

عبــر وســائل اإلعــالم اجلماهيريــة.

10.6. تقويض حرية التعبري

تثيــر آليــة عمــل اخلوارزميــات جــدال واســعا حــول تهديدهــا ألحــد احلقــوق اإلنســانية

األصيلــة وهــي احلــق فــي التعبيــر بحريــة، إال أن هــذا التهديــد ال يبــدو مباشــرا، ألن

حريــة التعبيــر مــا هــي إال نتــاج لعوامــل أخــرى مثــل حريــة الوصــول إلــى املعلومــات،

ــم ــم حتجي ــث يت ــات؛ حي ــر مباشــرة بعمــل اخلوارزمي ــي تتأث ــرة هــي الت وهــذه األخي

وختصيــص الكــم الــذي ميكــن الوصــول إليــه مــن املعلومــات مــن جانــب مســتخدمي

ــا وضــع قيــود هيكليــة علــى حــق اإلنســان فــي تكويــن اإلنترنــت ومــن ثــم يتــم تلقائي

ــدا ــل تهدي ــا ميث ــو م ــة، وه ــا املختلف ــن القضاي ــة ع ــة ودقيق ــاملة ومتكامل ــة ش معرف

خطيــرا حلريــة التعبيــر)58(.

فــي املقابــل، يحتــج آخــرون بــأن اخلوارزميــات ليســت املتهــم الوحيــد املتســبب فــي

ــل نفســي ــق فقاعــة الترشــيح، وأن الســبب الرئيــس فــي تكوينهــا هــو وجــود مي خل

125 |

ــه ــه في ــد” )Confirmation Bias(، ويتج ــز التأكي ــمى “حتي ــراد يس ــدى األف ــي ل طبيع

األفــراد إلــى تصديــق األشــياء التــي تثبــت صحــة مــا يؤمنــون بــه، وبالتبعيــة فــإن هــذه

األشــياء ســتكون هــي ذاتهــا التــي يحبــون مشــاركتها مــع اآلخريــن)59(. ومتثــل هــذه

Cognitive( ”ــر املعرفــي ــة “التناف ــه نظري ــت علي ــذي بني ــة األســاس النفســي ال احلقيق

Dissonance( املســتخدمة فــي بحــوث اإلعــالم لتفســير ســلوك اجلمهــور االنتقائــي

عنــد تعرضــه للمحتــوى االتصالــي حيــث تفتــرض ميــل الفــرد إلــى التعــرض للمحتوى

ــر ــا لذلــك مــن تأثي ــه مــن أفــكار ومعتقــدات مســبقة مل ــا لدي ــا مــع م املتســق معرفي

إيجابــي علــى حالــة االســتقرار النفســي لديــه)60(.

7. آفاق حل اإلشكاليات األخالقية املرتبطة بالخوارزميات

تســمح قواعــد حمايــة البيانــات فــي أوروبــا للنــاس بالطعــن علــى عمــل اخلوارزميــات

ــاج ــة بقــرار بشــري فــي حــال تعــارض اآلراء، وهــو مــا دفــع فيســبوك إلنت واملطالب

ــر ــن عناص ــوب م ــززت يوتي ــا ع ــا كم ــبوهة تلقائي ــائل املش ــف الرس ــة تصني خوارزمي

التحكــم البشــري فــي مقاطــع الفيديــو خاصــة تلــك املختصــة باألطفــال)61(.

ــات، ــم املعلوم ــي عل ــات ف ــدى املتخصص ــس )Mary Bates(، إح ــاري بيت ــير م وتش

إلــى أن مســتخدمي محــركات البحــث وبخاصــة غوغــل ميكنهــم جتــاوز اآلثــار

ــي ــدم، وه ــث املتق ــواص البح ــتخدام خ ــالل اس ــن خ ــيح م ــة الترش ــلبية لفقاع الس

تقتــرح أن يقــوم املســتخدمون بكتابــة الكلمــات التاليــة Allintitle: )Word( فــي حقــل

البحــث مــع حتديــد احليــز الزمانــي واملكانــي املطلــوب، وأن هــذه الطريقــة مــن شــأنها

ــا)62(. ــة وشــموال وختصيص ــر دق ــج أكث ــى نتائ احلصــول عل

ــي ــوات الت ــول اخلط ــة ح ــة متكامل ــي )Roger McNamee( رؤي ــر ماكنام م روج ــد ق

الخوارزميات وهندسة تفضيالت مستخدمي اإلعالم االجتماعي

| 126

ميكــن اختاذهــا ملواجهــة اإلشــكاليات األخالقيــة املرتبطــة باســتخدام منصــات

التواصــل االجتماعــي ومــن ضمنهــا عمــل اخلوارزميــات)62(؛ حيــث اقتــرح تنفيــذ

ــة: ــاط التالي النق

ــام ــاء الع ــر الفض ــا تدم ــة )Digital bots( ألنه ــابات الوهمي ــتخدام احلس ــرمي اس - جت

ــا، أو قيــام املنصــات بتعريفهــا للمســتخدمن ألي مجتمــع بشــكل غيــر مســبوق تاريخي

حتــى يتمكنــوا مــن جتنبهــا.

ــى ــتحواذ عل ــرى باالس ــات الكب ــا املعلوم ــركات تكنولوجي ــماح لش ــم الس - أال يت

ــك ــر ذل ــا أال يض ــي مقدمته ــن ف ــي التقن ــة ف ــروط غاي ــر إال بش ــركات األصغ الش

بقواعــد املنافســة أو أن يــؤدي الحتــكار ســوق املعلومــات، وهــو األمــر الــذي يتناقــض

مــع الفائــدة األساســية التــي كانــت متيــز شــبكة اإلنترنــت وهــي مســة عــدم املركزيــة.

- أن تعمــل منصــات التواصــل االجتماعــي علــى تطبيــق مبــدأ الشــفافية فيمــا يتعلــق

ــق ــا يتعل ــك فيم ــتخدمن وكذل ــات املس ــع بيان ــل م ــات للتعام ــتخدام اخلوارزمي باس

ــه السياســي. بتحديــد اجلهــات املســؤولة عــن إطــالق حمــالت التوجي

ــة ــى عالق ــاظ عل ــى احلف ــي عل ــل االجتماع ــات التواص ــل منص ــرورة أن تعم - ض

ــل ــع املســتخدمن بخاصــة منصــات فيســبوك وغوغــل، وأال جتع ــة م ــة عادل تعاقدي

ــة ــص اخلاص ــات الترخي ــروط اتفاقي ــى ش ــة عل ــى املوافق ــن عل ــتخدمن مجبري املس

ــات ــتخدام املنص ــن اس ــم م ــم حرمانه ــا وإال يت ــة عمله ــدة أو ترقي ــج اجلدي بالبرام

ــاظ ــع االحتف ــض م ــة أو الرف ــة املوافق ــتخدم بحري ــظ املس ــب أن يحتف ــاءة. يج بكف

ــة. ــتخدام املنص ــي اس ــه ف ــل حق بكام

ــات ــاري لبيان ــتغالل التج ــن االس ــد م ــة حت ــط قانوني ــاء ضواب ــم إرس ــة أن يت - أهمي

127 |

ــتخدم ــون للمس ــي وأن يك ــل االجتماع ــات التواص ــب منص ــن جان ــتخدمن م املس

احلــق فــي مراجعــة الشــروط اخلاصــة باســتخدام بياناتهــم التــي يجــب أن يحتفظــوا

ــا. ــق امتالكه ــهم بح ألنفس

ــي ــات الت ــإدارة اخلدم ــاظ ب ــي االحتف ــة ف ــدي للدول ــدور التقلي ــاء الوعــي بال - إحي

متــس الصــاحل العــام بغــرض منــع االســتغالل واالحتــكار مــن الشــركات اخلاصــة التي

تســعى إلــى الربــح املــادي فــي املقــام األول.

ــة ــي بحــث نشــر بدوري ــن )Kirsten Martin( ف ــه كيرســن مارت ــراح قدم ــاك اقت وهن

أخالقيــات األعمــال، فــي أبريل/نيســان 2018، عــن ضــرورة تقنــن فكــرة احملاســبة

فــي حــال تســببت اخلوارزميــات فــي انتهــاكات أخالقيــة بــأن يكــون مصمموهــا هــم

أول مــن يتحمــل املســؤولية جتــاه أيــة عواقــب غيــر قانونيــة لتطبيقهــا)64(.

8. نتائج ومناقشات

1.8. تعــد اخلوارزميــات فــي حــد ذاتهــا “كائنــا” غامضــا حتــى بالنســبة ملــن يقومــون

بتخليقهــا، فاملبرمــج عندمــا يصمــم خوارزميــة مــا ألداء وظيفــة معينــة ال يعــرف عــن

ــق ــة للتطبي ــج الكامل ــار تطبيقهــا ســوى قــدر محــدود، وال ميكــن اإلحاطــة بالنتائ آث

ــا. أي إن إمكانيــات التنبــؤ باإلشــكاليات املعلوماتيــة فضــال عــن إال بعــد جتريبــه فعلي

األخالقيــة يعــد أمــرا معقــدا للغايــة وشــبه مســتحيل.

2.8. ال يتوافــر حتــى اآلن أي تقنــن لطبيعــة الوظيفــة التــي تقــوم بهــا اخلوارزمية خاصة

ــتخدمن. ــة” للمس ــطة “اإلرهابي ــع األنش ــت لتتب م ــي صم ــات الت ــبة للخوارزمي بالنس

ــورة ــق بص ــي” تطب ــة” و”اإلرهاب ــاب” و”اإلرهابي ــل “اإلره ــات مث ــزال مصطلح وال ت

ا. ومــن الطبيعــي ا أو عســكري شــديدة التحيــز ووفقــا ملصــاحل األطــراف األقــوى سياســي

الخوارزميات وهندسة تفضيالت مستخدمي اإلعالم االجتماعي

| 128

ــم ــية بزع ــانية األساس ــوق اإلنس ــة واحلق ــم األخالقي ــا القي ــج تطبيقه ــك نتائ أن تنته

“مكافحــة اإلرهــاب”.

- تســببت فوضــى اســتخدام اإلعــالم االجتماعــي والغمــوض احمليــط بخوارزمياتهــا

فــي وقــوع آالف املاليــن مــن املســتخدمن حــول العالــم فريســة لقــوى دوليــة تدفــع

ــات ــاحل توجه ــره لص ــي وتزوي ــام الدول ــي الع ــى الوع ــيطرة عل ــدف الس ــخاء به بس

ــي ــت الدميقراط ــة التصوي ــغ آلي ــك تفري ــى ذل ــب عل ــة. وترت ــة معين ــية وفكري سياس

بعــة لقيــاس الــرأي العــام مــن محتواهــا؛ حيــث يــؤدي إغــراق الشــبكات باألخبــار املت

الكاذبــة وتفشــي عمليــات بيــع بيانــات اجلمهــور للجهــات صاحبــة املصاحل السياســية

إلــى تضليــل الوعــي العــام وتزويــر اإلرادة اجلماعيــة خاصــة فــي اللحظــات التاريخيــة

الفارقــة التــي تتحــدد فيهــا مصائــر املجتمعــات كاالنتخابــات واالســتفتاءات.

وهــذه احلقائــق كافيــة لتحريــك االهتمــام العاملــي بضــرورة توعيــة جمهــور اإلعــالم

االجتماعــي بصفتهــم الفعليــة أنهــم مجــرد “ســلعة” تبــاع وتشــترى و”حقــل جتــارب”

خلوارزميــات مجهولــة العواقــب، أمــا املســتخدمون احلقيقيــون فهــم أصحــاب املصاحل

ــة فــي املقــام األول. ــة ذات األهــداف الربحي التجاري

ــه ــة إال أن ــة والدميقراطي ــم احلري ــات لقي ــد اخلوارزمي ــار حــول تهدي 3.8. برغــم مــا يث

ــى أنهــا ــرأي العــام مبعن يجــب عــدم املبالغــة فــي تأثيرهــا الفعلــي علــى توجهــات ال

مبفردهــا ال تســتطيع التحكــم فــي توجهــات الــرأي العــام فــي املجتمــع خــالل فتــرة

ــبكات ــور ش ــت ظه ــي صاحب ــار الت ــة االنبه ــي حال ــع تالش ــة م ــة خاص ــة معين زمني

ــهم ــيط حس ــج أدت لتنش ــن النض ــة م ــر درج ــوغ اجلماهي ــي وبل ــل االجتماع التواص

ــة. ــة املختلف ــر املصــادر اإلعالمي ــه مــن رســائل عب النقــدي جتــاه مــا يتلقون

129 |

4.8. تتســم ظاهــرة األكثــر تــداوال باآلنيــة ويرتبــط بقاؤهــا فــي مكانــة متقدمــة بعــدة

عوامــل، مثــل: متثيــل مصــاحل عامــة أو قيــم مطلقــة، وتبنــي دعــوة واضحــة أو رؤيــة

محــددة للتغييــر، وتغذيــة موازيــة بحــراك فعلــي علــى األرض لبلــورة مطالــب

ــر ــا )الظاهــرة( عب ــة املتجــددة وبينه ــن األحــداث اآلني ــط املســتمر ب الدعــوة، والرب

ــا. ــرة جماهيري ــة مؤث ــخصيات اجتماعي ش

واســتنادا إلــى مــا ســبق مــن نتائــج وخالصــات، تقتــرح الدراســة عــددا مــن

التوصيــات كمــا يلــي:

- إنشــاء شــبكات افتراضيــة موازيــة بخصائــص مشــابهة لســمات شــبكات اإلعــالم

ــا علــى االجتماعــي احلاليــة لتجريــب اســتخدام اخلوارزميــات فيهــا قبــل تطبيقهــا فعلي

شــبكات التواصــل احلقيقيــة وحتديــد إطــار زمنــي وتطبيقــي مناســب يســمح مبعرفــة

اإلشــكاليات التــي قــد تظهــر ومعاجلتهــا أو اختــاذ قــرار عــدم تطبيــق اخلوارزميــة نهائيا.

ــة تكــون ــة مســتقلة مــن املتخصصــن فــي شــؤون املعلوماتي - تشــكيل مؤسســة دولي

مهمتهــا مراقبــة تطبيــق اخلوارزميــات وإلــزام محــركات البحــث أو شــبكات التواصــل

ــم ــا للقي ــا أو انتهاكه ــت ضرره ــي ثب ــات الت ــل اخلوارزمي ــف تفعي ــي بوق االجتماع

ــذ ــى تنفي ــا عل ــة إلجباره ــوط الكافي ــة الضغ ــراءات وممارس ــاذ اإلج ــة واخت األخالقي

ــى مصــاحل املســتخدمن. ــاظ عل ــرار واحلف الق

ــرات ــدا عــن التأثي ــرأي العــام بعي ــاس ال ــة لقي - آن األوان للبحــث عــن بدائــل عملي

ــر الســلبية لرســائل اإلعــالم االجتماعــي تضمــن عــدم وقــوع اجلمهــور فريســة لتزوي

الوعــي ومــن ثــم تضليــل اإلرادة السياســية أو االجتماعيــة. كمــا يجــب أن تتخــذ كافــة

اإلجــراءات الصارمــة ملنــع انتشــار خطــاب الكراهيــة أو العنــف عبــر البيئــات الرقميــة

الخوارزميات وهندسة تفضيالت مستخدمي اإلعالم االجتماعي

| 130

بصــرف النظــر عــن مصدرهــا لكونهــا معاديــة للوجــود اإلنســاني بشــكل عــام.

ــة ألطروحــة فكريــة جتســد االرتبــاط احليــوي بــن آليــات - العالــم اآلن بحاجــة ماس

عمــل شــبكات اإلعــالم االجتماعــي ومــدى ســيطرتها علــى بيانــات آالف املاليــن

Digital Au� ــة ــرف بالســلطوية الرقمي ــا يع ــن م ــم وب ــن املســتخدمن حــول العال )م

ــا لقيــم احلريــة والعدالــة thoritarianism( فــي أوضــح صورهــا مبــا ميثــل تهديــدا حقيقي

والدميقراطيــة وحريــة التعبيــر.

ــة ألن تتعــاون اجلهــود البحثيــة اجلماعيــة عبــر القــارات وتتوجــه - هنــاك ضــرورة ملح

لبنــاء اســتراتيجيات عمليــة ميكــن جلماهيــر املســتخدمن تطبيقهــا للدفــاع عن أنفســهم

ــة ــات الرقمي ــف التطبيق ــح ملختل ــم اجلام ــة النه ــي مواجه ــم ف ــة خصوصيته وحماي

فــي االســتحواذ علــى بيانــات املســتخدمن الشــخصية. لكــن يجــب أن تتســم هــذه

ــراد ــن األف ــام األول متك ــي املق ــتهدف ف ــوح وتس ــاطة والوض ــتراتيجيات بالبس االس

مــن االحتفــاظ بحــد أدنــى مــن الفاعليــة االتصاليــة مــع التمتــع مبســاحات أوســع مــن

التحكــم فــي املعلومــات الشــخصية وحمايتهــا مــن االختــراق والتــداول.

خاتمة

ــزاوج ــة لت ــة حتمي ــل نتيج ــات التواص ــتخدمي منص ــالت مس ــة تفضي ــدو هندس تب

ــم ــات للتحك ــتخدمها املنص ــي تس ــة الت ــي اللغ ــي ه ــات الت ــا اخلوارزمي تكنولوجي

ــال ــاب األعم ــاحل أصح ــع مص ــتخدمن م ــات املس ــة ملعلوم ــام الضخم ــي األحج ف

والنفــوذ السياســي بحيــث تتحــول بياناتهــم ومشــاركاتهم إلــى ميــدان مفتــوح

للتســويق االجتماعــي والسياســي. ويبــدو أيضــا أن خاصيــة األكثــر تــداوال ليــس لهــا

131 |

تأثيــر مباشــر علــى توجيــه الــرأي العــام إال فــي حالــة مــا إذا كانــت احلمــالت ذات

توجــه عــام ومتــاس مــع القيــم املطلقــة وبعيــدا عــن املطالــب الفئويــة أو االهتمامــات

اخلاصــة. وعلــى الرغــم مــن فقاعــة الترشــيح التــي تصنعهــا اخلوارزميــات فــال يــزال

ــاز آثارهــا أمــام املســتخدمن فرصــة لالســتفادة مــن نصائــح املتخصصــن فــي اجتي

ــا. ــة وإبداع ــر رحاب ــة أكث ــاق معرفي واالنطــالق حنــو آف

املراجع

)1( جيهــان أحمــد رشــتي، األســس العلميــة لنظريــات اإلعــالم، ط 2 )القاهــرة، دار

الفكــر العربــي، 1978(، ص 649.

)2( Colleen Cunningham, ”Audiences: producers of new media,“ in Ency�

clopedia of gender in media, ed. Mary Kosut )Thousand Oaks, CA: SAGE

Publications, 2012(, p. 7-9, ”accessed October 20, 2019“. https://bit.

ly/2PoYbN1.

)3( Avery Phillips, ”How has AI changed the way humans communicate,“

becominghuman, July 18, 2018, ”accessed October 20, 2019“. https://bit.

ly/34OaecR.

)4( Edward Louis Bernays, ”The Engineering of Consent,“ The ANNALS of

the American Academy of Political and Social Science, 1947, Vol. 250 )1(:

113–120, ”accessed October 20, 2019“. https://bit.ly/34SfKeI.

ــة ــور”، مجل ــة اجلمه ــة وهندس ــن الصحاف ــوب، “ب ــو عرق ــر أب ــك: عم ــر كذل وانظ

الصحافــة )معهــد اجلزيــرة لإلعــالم، قطــر، 7 مايو/أيــار 2019(، )تاريــخ الدخــول: 9

الخوارزميات وهندسة تفضيالت مستخدمي اإلعالم االجتماعي

| 132

.https://bit.ly/2rQDZeG :)2019 نوفمبر/تشــرين الثانــي

)5( Julie Brinton and William H. Huggins, ”algorithm,“ Marriam Webster on�

line dictionary, ”accessed September 12, 2019“. https://bit.ly/34QOXzA.

)6( John Loeffler, ”How Algorithms Run the World We Live In,“ interest�

ingengineering.com, April 29, 2019, ”accessed September 13, 2019“.

https://bit.ly/2RkfpgQ.

)7( Andreas Tscher, Michael Jahrer, Robert Bell, ”The BigChaos Solution

to the Netflix Grand Prize,“ Netflix priz.COM, )September 5, 2009(: 1-52,

”accessed September 13, 2019“. https://bit.ly/33QpAfI.

)8( Samuels, Mark Gregory, ”The Filter Bubble: What the Internet is Hiding

from You by Eli Pariser,“ InterActions: UCLA Journal of Education and Infor�

mation Studies, Vol. 8)2(, 2012, ”accessed September 14, 2019“. https://

bit.ly/2DGVHUJ.

)9( Coding Freak, ”Top Algorithms/Data Structures/Concepts every com�

puter science student should know,“ medium.com, Jun 26, 2018, ”ac�

cessed September 14, 2019“. https://bit.ly/2RiQvhD.

)10( Mark Stefik, Lance Good, ”Design and Deployment of a Personalized

News Service,“ )AIMag, 2012(, p. 33-28.

)11( Courtney Seiter, ”The Secret Psychology of Facebook: Why We Like,

Share, Comment and Keep Coming Back,“ Buffer, ”accessed September

133 |

17, 2019“. https://bit.ly/38ePzB8

)12( حســن ســعد عبــد احلميــد، “خوارزميــات اإلرهــاب”، مركــز النهرين للدراســات

ــطس/آب ــول: 1 أغس ــخ الدخ ــرين األول 2018، )تاري ــتراتيجية، 24 أكتوبر/تش االس

.https://bit.ly/2Pe8Qd4 :)2019

)13( Tetyana Lokot, Editor Max J. Rosenthal, ”The ISIS Internet army has

found a safe haven on Russian social networks- for now,“ pri.org, Septem�

ber 12, 2014, ”accessed September 18, 2019“. https://bit.ly/2OPJX8s.

)14( ”Do social media threaten democracy?,“ The Economist, 4 November

4, 2017, ”accessed September 19, 2019“. https://econ.st/362ojni.

)15( Fatma Elzahraa Elsayed, ”New Media Technologies and Relieving Hu�

manitarian Crises ”The Rohingyan Case“, )Master Thesis, Leeds Univer�

sity, 2018(.

)16( فاطمــة الســبيعي، “االســتقطاب السياســي فــي مواقــع التواصــل االجتماعــي”،

الوطــن، 22 أكتوبر/تشــرين األول 2018.

)17( مــرمي ناجــي، “هندســة اإلقنــاع: كيــف جعلتنــا اخلوارزميــات نثــق فيهــا

ــبتمبر/أيلول ــول: 19 س ــخ الدخ ــطس/آب 2018، )تاري ــور، 6 أغس ــا؟”، منش وخنافه

.https://bit.ly/2rgKrM7 :)2019

)18( Uri Gal, ”Predictive algorithms are no better at telling the future than a

crystal ball,“ The Conversation, February 12, 2018, ”accessed September

20, 2019“. https://bit.ly/2qnSCG0.

الخوارزميات وهندسة تفضيالت مستخدمي اإلعالم االجتماعي

| 134

)19( Kevin Kelly, ”Better than Free“, Edge Foundation, May 5, 2008, ”ac�

cessed August 8, 2019“. https://bit.ly/2YDwKDc.

ــة ــالل معرف ــن خ ــي م ــل االجتماع ــبكات التواص ــك ش ــف ختدع ــرف كي )20( “تع

أفــكارك وأمنــاط حياتــك”، تركيــا اآلن، 6 فبراير/شــباط 2018، )تاريــخ الدخــول: 1

.https://bit.ly/2qoQQVa ،)2019 أغســطس/آب

)21( Henry A. Farrell, ”Bubble trouble,“ The American Prospect, Vol. 22,

Issue 7, )2011(: 22-60.

)22( Nikki Usher-Layser, ”Newsfeed: Facebook and news consumption,“

Phi Kappa Phi Forum, )Fall 2016(: 18-21.

)23( Zoe Corbyn, ”Facebook experiment boosts US voter turnout,“ nature.

com, September 12, 2012, ”accessed September 20, 2019“. https://

go.nature.com/35Zr2hp.

)24( Paul Hiltin, Lee Rainie, ”Facebook Algorithms and Personal Data,“

Pew Research Center, January 16, 2019, ”accessed September 20, 2019“.

https://pewrsr.ch/2DLDiG8.

)25( John Bohannon, ”Is Facebook keeping you in a political bubble?,“

ScienceMag.org, May 7, 2015, ”accessed August 20, 2019“. https://bit.

ly/34QtVkm.

)26( Paul Covington, Adams Jay, Emre Sargin, ”Deep neural networks for

YouTube recommendations,“ Proceedings of the 10th ACM conference on

135 |

recommender systems, 2016.

)27( Katie Sehl, ”How the Twitter Algorithm Works in 2019 and How to

Make it Work for You,“ blog.hootsuite.com, February 20, 2019, ”accessed

August 20, 2019“. https://bit.ly/2PpAnbR.

)28( محمــد شــومان، “ملــاذا تراجعــت ثقــة اجلمهــور فــي اإلعــالم”، اليــوم الســابع،

https://bit. :)2019 ــخ الدخــول: 15 أغســطس/آب 19 أغســطس/آب 2017، )تاري

.ly/2rXMynO

)29( Jessica. T. Feezell, Agenda Setting through Social Media: The

Importance of Incidental News Exposure and Social Filtering in the Digital

Era,“ Political Research Quarterly, Vol. 71)2(, )2018(: 482–494, ”accessed

August 20, 2019“. https://bit.ly/2LmLxwN.

)30( Philip N. Howard et al. ”Social Media, Civic Engagement, and the

Slacktivism hypothesis: lessons from Mexico’s ”El Bronco“,“ Journal of

International Affairs, Vol. 70 Issue 1, Winter )2016(: 55-73.

ــخ الدخــول: 22 أكتوبر/تشــرين األول 2019(: ــون”، )تاري ــاء مصــر غاضب )31( “علم

.https://bit.ly/2rf7hDF

ــة تطالــب بتحســن أوضــاع أســاتذة اجلامعــات ــون: حمل )32( “علمــاء مصــر غاضب

ــخ الدخــول: 27 ــي، 27 أغســطس/آب 2019، )تاري ــي ســي عرب ــي ب ــن”، ب والباحث

.https://bbc.in/2DLAM2T :)2019 أغســطس/آب

ــار ــي وأنص ــه _بقي_يا_سيس ــتاغ كفاي ــي بهاش ــدى السيس ــي يتح ــد عل )33( “محم

الخوارزميات وهندسة تفضيالت مستخدمي اإلعالم االجتماعي

| 136

السيســي يــردون هنكمل_مشوارنا_معاك_يا_سيســي”، يوتيــوب، 17 ســبتمبر/أيلول

.https://bit.ly/2OQDJp1 :)2019 2019، )تاريــخ الدخــول: 27 ســبتمبر/أيلول

)34( “ كيــف يســتغل اإلخــوان حملــة “علمــاء مصــر غاضبــون” للهجــوم علــى

مصــر؟”، يوتيــوب، 1 ســبتمبر/أيلول 2019، )تاريــخ الدخــول: 27 ســبتمبر/أيلول

.https://bit.ly/2sMRP2e :)2019

)35( Sam Haselby, ”Godmother of intelligences,“ Aeon, ”accessed

September 13, 2019“. https://bit.ly/2YksFDW.

)36( ”The Guardian view on the ethics of AI: it’s about Dr Frankenstein, not

his monster, The Guardian, Jun 12, 2018, ”accessed August 11, 2019“.

https://bit.ly/2RlmbmB.

)37( Roger McNamee, ”How to Fix Facebook-Before It Fixes Us: An early

investor explains why the social media platform’s business model is just a

threat- and what to do about it,“ Washington Monthly, Vol. 50, )2018(: 33.

)38( Brent Daniel Mittelstadt, et al. ”The ethics of algorithms: Mapping the

debate,“ Big Data & Society, vol. 3, No. 2, )2016(.

)39( Andrew Richard Albanese, ”Now you see it: What is the Internet hiding

from you? PW talks with author Eli Pariser,“ Publishers Weekly, Vol. 258,

)2011(: 22.

)40( Kate Ott, ”Social Media and Feminist Values: Aligned or Maligned?,“

Frontiers A Journal of Women Studies, Vol. 39)1(, )January 2018(: 93.

137 |

)41( Kostantinos Papadamou, et al. ”Disturbed YouTube for Kids:

Characterizing and Detecting Inappropriate Videos Targeting Children,“

researchgate.net, May 2019, ”accessed September 15, 2019“. https://bit.

ly/38aiGoU.

ــا”، بــي ــة فــي بريطاني )42( “األطفــال “علــى بعــد نقــرة واحــدة” مــن املــواد اإلباحي

بــي ســي، 30 ســبتمبر/أيلول 2019، )تاريــخ الدخــول: 4 أكتوبر/تشــرين األول 2019(:

.https://bbc.in/33MW7TX

انظر كذلك:

باتريــك إيفانــز، “انتقــادات ألمــازون لبيعهــا دمــى جنســية علــى هيئــة أطفــال”، بــي

بــي ســي، 13 أبريل/نيســان 2018، )تاريــخ الدخــول: 4 أكتوبر/تشــرين األول 2019(:

.https://bbc.in/2YiB4aD

وانظر كذلك:

“القبــض علــى 660 فــي بريطانيــا لالشــتباه فــي مشــاهدتهم صــور اعتــداءات جنســية

علــى أطفــال باإلنترنــت”، بــي بــي ســي، 16 يوليو/متــوز 2014، )تاريــخ الدخــول: 4

.https://bbc.in/34PBSGw :)2019 ــرين األول أكتوبر/تش

)43( Dirk Helbing and Evangelos Pournaras, ”Build digital democracy,“

Nature, Vol. 527, )November 2015(: 34.

)44( Jan Gardner, ”When machines decide what we ‘think’. Nieman

Foundation, Vol. 65, Issue 2, )June 22, 2011(: 20.

)45( ”Invisible sieve; The dangers of the internet,“ The Economist, Vol.

الخوارزميات وهندسة تفضيالت مستخدمي اإلعالم االجتماعي

| 138

400, Issue 8740, )July 2, 2011(.

)46( Zeynep Tufekci, ”The road from Tahrir to Trump: To understand

how digital technologies went from instruments for spreading democracy

to weapons for attacking it, you have to look beyond the technologies

themselves,“ MIT Technology Review, Vol. 121, Issue 5, )September 1,

2018(.

)47( Jenna Wortham, ”Is Social Media Disconnecting Us from the Big

Picture?,“ The New York Times Magazine, )November 27, 2016(, p. 20 )L(

Gale General OneFile, ”accessed August 7, 2019“. https://bit.ly/2rZf4Wc

)48( Kerstin Martin, ”Ethical Implications and Accountability of Algorithms,“

Journal of Business Ethics, )June 7, 2018(, ”accessed August 7, 2019“.

https://bit.ly/361UyDh.

)49( Kenneth Taylor, ”The Ethics of Algorithms,“ August 14 2018,

philosophytalk.org, ”accessed August 1, 2019“. https://bit.ly/2RmPoh6.

)50( Sven Nyholm, Smids Jilles, ”The Ethics of Accident-Algorithms for

Self-Driving Cars: An Applied Trolley Problem?,“ Ethical Theory & Moral

Practice, Vol. 19)5(, )2016(: 1275-1289.

)51( Carsten Lund Pederson, Managing the Distraction-Focus Paradox, Mit

Sloan Management Review, )Summer 2018(: 72-75.

ــي ــي ب ــى الوجــوه”، ب ــا التعــرف عل ــام القضــاء بشــأن تكنولوجي )52( “فيســبوك أم

139 |

https:// :)2019 ســي، 9 أغســطس/آب 2009، )تاريــخ الدخــول: 10 أغســطس/آب

.bbc.in/2Rlemxi

)53( Bovet, Alexandre, and Hernán A. Makse, ”Influence of fake news in

Twitter during the 2016 US presidential election,“ Nature communications,

Vol. 10, No. 1.7, )2019(.

)54( McNamee, ”How to Fix Facebook-Before It Fixes Us,“: 34

)55( Fatma Elzahraa Elsayed, ”Purposive or Accidental! Why Polls Mislead

the Public About the Next US President?,“ Journal of Mass Communication

& Journalism, )2017(, 345. ”accessed August 1, 2019“. https://bit.

ly/2qsGoMa.

)56( Clay Farris Naff, ”call in the Robo-cops: with democracy at risk, can we

quell internet bots & trolls?,“ The Humanist, Vol.78, Issue 1, )2018(: 18.

)57( Nathaniel Persily, ”Can Democracy Survive the Internet?,“ Journal of

democracy, Volume 28, N. 2, )April 2017(.

)58( Jack M. Balkin, ”Free speech in the algorithmic society: big data,

private governance, and new school speech regulation,“ UCDL Rev. Vol.

51, Issue 1149, )2017(.

)59( Will Self, ”Forget the fake news from Mark Zuckerberg and friends--the

real filter bubble is you,“ New Statesman, Vol. 145, Issue 5342, )November

25, 2016(: 38.

الخوارزميات وهندسة تفضيالت مستخدمي اإلعالم االجتماعي

| 140

)60( Harmon-Jones, Eddie Ed, and Judson Ed Mills, ”Cognitive dissonance:

Progress on a pivotal theory in social psychology,“ American Psychological

Association, )1999(.

ــة، 23 ــا؟” مك ــى خياراتن ــت عل ــات اإلنترن ــر برمجي ــف تؤث ــي، “كي ــر الهزان )61( ناص

.https://bit.ly/341TnlP :)2019 يوليو/متــوز 2018، )تاريــخ الدخــول: 1 أغســطس/آب

)62( Mary Ellen Bates, ”Is Google Hiding My News?,“ onlinemag.net, Vol

35, )6(: 64-64.

)63( McNamee, ”How to Fix Facebook-Before It Fixes Us,“: 33

)64( Martin, ”Ethical Implications and Accountability of Algorithms,“ Journal

of Business Ethics, )June 7, 2018(, ”accessed August 7, 2019“. https://

bit.ly/361UyDh.

141 |

املغرب: اسرتاتيجية االنفتاح االقتصادي على إفريقيا وتحدياتها املستقبلية

خالد عثمان الفيل*

بــدأ اهتمــام مراكــز الدراســات االســتراتيجية بالبحــث فــي اســتراتيجية املغــرب فــي

االنفتــاح االقتصــادي والتجــاري علــى إفريقيــا منــذ أواخــر العــام 2014 وذلــك حينمــا

))Casablanca Finance City )CFC( اســتطاع مشــروع القطــب املالــي للــدار البيضــاء

ــة، ــا الصيني ــا عمــالق التكنولوجي ــن بينه ــة )م ــن 60 شــركة دولي ــر م اســتقطاب أكث

شــركة هــواوي، واملجموعــة املصرفيــة الدوليــة الفرنســية BNP Paribas التــي تعمــل

ــدار ــة ال ــة مبدين ــا اإلقليمي ــاح مكاتبه ــم( الفتت ــول العال ــة ح ــن 77 دول ــر م ــي أكث ف

ــه حينمــا صــدر مؤشــر االســتثمار فــي ــغ هــذا االهتمــام ذروت ــة. وبل البيضــاء املغربي

ــار ــذي أش ــارس/آذار 2018، وال ــي م ــا )Africa Investment Index )AII((، ف إفريقي

ــة ــل وجه ــي متث ــة الت ــدول اإلفريقي ــن ال ــى ضم ــة األول ــرب للمرتب ــالل املغ ــى احت إل

لالســتثمارات األجنبيــة؛ متجــاوزة بذلــك جنــوب إفريقيــا ومصــر واجلزائــر وبوتســوانا

ــي كان ــام البحث ــذا االهتم ــن ه ــادة. لك ــي الع ــا ف ــي خلفه ــرب يأت ــي كان املغ الت

* خالد عثمان الفيل، باحث غير مقيم مبركز تأسيس للدراسات والنشر، متخصص في دراسات التنمية واالقتصاد السياسي.

| 142

يكتفــي، فــي الغالــب، بدراســة نوعيــة السياســات االســتثمارية التــي انتهجهــا املغــرب

والتحديــات التــي تواجههــا هــذه السياســات فــي املســتقبل، وال يتعمــق فــي دراســة

ــتثمارية. ــات االس ــل السياس ــي تفعي ــهمت ف ــي أس ــة الت ــة والدولي ــروف اإلقليمي الظ

ــة ــى معاجل ــاح عل ــذا االنفت ــر ه ــتقصي أث ــي كان ال يس ــج البحث ــم املنت ــا أن معظ كم

التحديــات الهيكليــة التــي يعانــي منهــا االقتصــاد املغربــي خاصــة فيمــا يتعلــق بارتفاع

ــة وســط الشــباب املغربــي، وهــو مــا معــدالت عــدم املســاواة وارتفــاع نســبة البطال

حتــاول هــذه الدراســة تقــدمي مســاهمة معرفيــة فيــه.

تهــدف الدراســة إلــى إبــراز جتربــة املغــرب فــي االنفتــاح االقتصــادي علــى إفريقيــا

والعوامــل الداخليــة واإلقليميــة التــي أســهمت فــي حتقيــق هــذا االنفتــاح، باإلضافــة

إلــى مناقشــة أثــره علــى التحديــات الهيكليــة التــي يعانــي منهــا االقتصــاد املغربــي،

ــة الدراســة فــي كونهــا ورصــد التحديــات املســتقبلية لهــذا االنفتــاح. وتكمــن أهمي

ــي، ــم العرب ــي العال ــدة ف ــتثمارية الرائ ــة واالس ــارب االقتصادي ــدى التج ــش إح تناق

ــر ــي تطوي ــا ف ــتفادة منه ــة االس ــة واإلفريقي ــدول العربي ــن ال ــر م ــن لكثي ــي ميك والت

سياســاتها االســتثمارية والتجاريــة وتــدارك اجلوانــب التــي أغفلتهــا التجربــة املغربيــة.

إذا، تقــوم الدراســة برصــد وحتليــل اســتراتيجية املغــرب اجلديــدة فــي االنفتــاح

ــأن القطــاع البنكــي واملصرفــي، فــي ــة وجتــادل ب ــدول اإلفريقي ــى ال االقتصــادي عل

ــر( وعقــل ــل النســبة األكب ــل قلــب )أي يحت ــح ميث ــرة، أصب الســنوات اخلمــس األخي

)أي يلعــب دور املستكشــف( لالســتثمارات املغربيــة فــي إفريقيــا، كمــا تناقــش اآلثــار

ــل التحديــات الداخليــة واخلارجيــة التــي تواجــه اســتراتيجية املترتبــة علــى ذلــك، وحتل

ــذه ــت ه ــا إذا كان ــاءل عم ــا، وتتس ــى إفريقي ــادي عل ــاح االقتص ــي االنفت ــرب ف املغ

143 |

االســتراتيجية ستســاعد املغــرب فــي معاجلــة التحديــات الهيكليــة التــي تواجــه

ــي. ــاد املغرب االقتص

ــى ــي مســتندة عل ــج الكيف ــى املنه ــاد املوضــوع عل ــة أبع ــي مقارب ــد الدراســة ف تعتم

مؤشــرات رصــد التغييــرات احملليــة واإلقليميــة وحتليــل أمنــاط هــذه التغييــرات بصــورة

ــم اســتراتيجية ــي فه ــة تفســيرية تســاعد ف ــى مقارب اســتقرائية مــن أجــل الوصــول إل

املغــرب فــي االنفتــاح االقتصــادي علــى إفريقيــا وحتديــات هــذا االنفتــاح. وفــي ضوء

ــم الباحــث الدراســة إلــى ســبعة محــاور، يســتعرض أولهــا تاريــخ املغــرب ذلــك، قس

التجــاري مــع إفريقيــا والتغييــر االســتراتيجي الــذي طــرأ علــى هــذا التاريــخ، ويرصــد

كة لالســتراتيجية احملــور الثانــي ثالثــة دوافــع )أيديولوجيــة، واقتصاديــة، وإقليميــة( محر

ــذا ــرات ه ــتراتيجية ومؤش ــاح االس ــدى جن ــش م ــث فيناق ــور الثال ــا احمل ــدة. أم اجلدي

ــل احملــور الرابــع الظــروف العامليــة واإلقليميــة حلركــة التجــارة الدوليــة النجــاح، ويحل

التــي جعلــت مــن هــذه االســتراتيجية خيــارا ناجحــا ومقبــوال. وجتــادل الدراســة فــي

ــذه ــرك له ــان دور احمل ــل يلعب ــاع التموي ــة وقط ــوك املغربي ــأن البن ــس ب ــور اخلام احمل

ــة ــش الدراس ــادس تناق ــور الس ــي احمل ــدور، وف ــذا ال ــار ه ــش آث ــتراتيجية وتناق االس

ــي معاجلــة ــدى أســهمت ف ــى أي م ــي تواجــه هــذه االســتراتيجية وإل ــات الت التحدي

التحديــات الهيكليــة التــي تواجــه االقتصــاد املغربــي. أمــا احملــور الســابع فيركــز علــى

مناقشــة النتائــج واخلالصــات الرئيســية.

1. تاريخ املغرب التجاري مع إفريقيا واسرتاتيجية االنفتاح الجديدة

اعتــاد الشــعب املغربــي أن يســتمع إلــى خطــاب رمســي مــن قبــل ملــك املغــرب فــي

شــهر نوفمبر/تشــرين الثانــي مــن كل عــام، إحيــاء للذكــرى الســنوية ملــا يطلــق عليــه

المغرب: استراتيجية االنفتاح االقتصادي على إفريقيا وتحدياتها المستقبلية

| 144

املغاربــة »املســيرة اخلضــراء«، وهــو حــدث مهــم فــي الذاكــرة املغربيــة يقتــرن بخــروج

أكثــر مــن 350 ألــف مواطــن مغربــي معهــم 20 ألــف جنــدي فــي املســيرة اخلضــراء

التــي نظمتهــا احلكومــة املغربيــة، فــي 6 نوفمبر/تشــرين الثانــي 1975، إلجبــار

الســلطات اإلســبانية علــى اجلــالء مــن الصحــراء. لكــن فــي نوفمبر/تشــرين الثانــي

ــا ــي عندم ــعب املغرب ــأ الش ــه، تفاج ــارف علي ــول املتع ــرق للبروتوك ــي خ 2016، وف

ــن ــدال م ــنغالية، داكار، ب ــة الس ــن العاصم ــادس م ــد الس ــك محم ــه املل ــدث إلي حت

ــة. وفــي ذلــك اخلطــاب التاريخــي، أكــد امللــك محمــد الســادس األراضــي املغربي

التــزام بــالده باســتراتيجية االنفتــاح علــى إفريقيــا، والتكامــل مــع اقتصاداتهــا، ودعــم

طموحــات شــعوبها، واســتعرض امللــك كذلــك بعــض نتائــج جهــوده التــي بذلهــا

لتحقيــق هــذا االنفتــاح علــى إفريقيــا عــن طريــق ذكــر مثــار زيارتــه لروانــدا، والتــي

ــل شــهر مــن ذلــك اخلطــاب، فــي أكتوبر/تشــرين األول 2016، حيــث مت كانــت قب

ــن)1(. ــة بــن البلدي ــة اقتصادي ــع 19 اتفاقي توقي

ر قــادة 39 بعــد تلــك احلادثــة بشــهرين فقــط، أي فــي يناير/كانــون الثانــي 2017، قــر

ــة، فــي القمــة الســنوية لالحتــاد اإلفريقــي بالعاصمــة ــة إفريقي ــدا مــن بــن 54 دول بل

مــه ملــك املغــرب، قبــل عــام فــي اإلثيوبيــة، أديــس أبابــا، قبــول الطلــب الــذي قد

قمــة االحتــاد اإلفريقــي التــي عقــدت فــي العاصمــة الروانديــة، كيغالــي، وكان مفــاده

عــودة املغــرب إلــى حظيــرة االحتــاد اإلفريقــي بعــد غيــاب دام قرابــة 31 عامــا؛ إذ كان

املغــرب قــد غــادر منظمــة الوحــدة اإلفريقيــة، التــي تغيــر امسهــا الحقــا إلــى االحتــاد

ــة البوليســاريو« ــا انضمــام »جبه ــى قبوله ــا عل ــام 1984، احتجاج ــي الع اإلفريقــي، ف

للمنظمــة. وبعــد ثالثــن عامــا مــن النــزاع بــن الطرفــن )اجلبهــة واملغــرب( ال يــزال

145 |

األمــر دون حــل واضــح، لكــن يبــدو أن املغــرب بــدأ فــي تبنــي اســتراتيجية جديــدة

ح امللــك محمــد الســادس بعــد عــودة ــر مــن الوضــع احلالــي مســتقبال. وصــر قــد تغي

املغــرب لعضويــة االحتــاد اإلفريقــي: »إنــه ليــوم جميــل عندمــا يعــود املــرء إلــى بيتــه

بعــد فتــرة طويلــة مــن الغيــاب«، وفــي توضيحــه ألســباب عــودة املغــرب إلــى االحتاد،

ــس ــل، ولي ــن الداخ ــه م ــإن عالج ــا، ف ــد مريض ــون اجلس ــا يك ــك: »عندم ــال املل ق

ــال والناجــع«)2(. اخلــارج، هــو العــالج الفع

ــا، فــإن انفتــاح املغــرب علــى إفريقيــا ليــس أمــرا جديــدا، فاملغــرب كان مــن تاريخي

ل الــدول املؤسســة ملنظمــة الوحــدة اإلفريقيــة فــي 1963، بــل إن املؤمتــر الــذي شــك

ــادة البــذرة لتكويــن تلــك املنظمــة عقــد فــي الــدار البيضــاء عــام 1961. وحتــت قي

امللــك محمــد اخلامــس، ثــم امللــك احلســن الثانــي، قــام املغــرب بتكويــن عالقــات

وطيــدة مــع عــدد مــن الــدول اإلفريقيــة، مثــل الســنغال والغابــون وغينيــا والكونغــو

الدميقراطيــة )التــي كانــت تعــرف وقتهــا بـ«زائيــر«(، وبلغــت درجــة التعــاون مســتوى

ــكرية ــوات عس ــود وق ــال جن ــي 1977 و1978 بإرس ــرب ف ــام املغ ــث ق ــا، حي متقدم

لدعــم نظــام موبوتــو سيســي ســيكو فــي الكونغــو. أمــا علــى املســتوى الثقافــي، فقــد

اســتضاف املغــرب آالف الطــالب األفارقــة فــي جامعتــه منــذ الثمانينــات، باإلضافــة

إلــى انتشــار الطائفــة التيجانيــة الصوفيــة )ذات النشــأة املغربيــة( فــي أغلــب دول غــرب

إفريقيــا)3(.

لكــن األمــر اجلديــد فــي االنفتــاح املغربــي علــى إفريقيــا فــي الســنوات األخيــرة هــو

ــن �2000 ــن العام ــرة ب ــي الفت ــة، فف ــب االقتصادي ــول اجلوان ــزه ح ــه ومترك حجم

ــوب الصحــراء مبعــدل ــا جن ــن املغــرب ودول إفريقي ــادل التجــاري ب 2015، منــا التب

المغرب: استراتيجية االنفتاح االقتصادي على إفريقيا وتحدياتها المستقبلية

| 146

ــار دوالر ــي ملي ــاري حلوال ــادل التج ــذا التب ــد ه ــت عوائ ــنة، ووصل ــي الس %12.8 ف

ــى ــاح عل ــي ســياق هــذا االنفت ــا ميكــن أن يالحــظ ف ــر م ــرب)4(. وأكث ا للمغ ســنوي

ــة ــت قيم ــي 2015 وصل ــة، فف ــرب األجنبي ــتثمارات املغ ــي اس ــر ف ــو النظ ــا ه إفريقي

اســتثمارات املغــرب فــي إفريقيــا 600 مليــون دوالر، بــل إن نســبة اســتثمارات املغــرب

فــي إفريقيــا بلغــت %85 مــن إجمالــي االســتثمارات املغربيــة األجنبيــة املباشــرة وفقــا

ا مــن لبيانــات وزارة املاليــة والبنــك اإلفريقــي للتنميــة)5(، وهــي زيــادة ضخمــة جــد

ــا ال تتجــاوز ــة فــي إفريقي ــه نســبة االســتثمارات املغربي ــت في ــذي كان ــام 2015 ال الع

ــة)6(. %40 مــن مجمــل االســتثمارات املغربي

شكل رقم )1( يوضح صادرات املغرب مع دول إفريقيا جنوب الصحراء بني عامي 2005 و2019 )بآالف الدوالرات()7(

147 |

ــرة، جتــاوز ــة، مت، وألول م ــب االقتصادي ــز حــول اجلوان ــاح يتمرك ــذا االنفت وألن ه

كثيــر مــن القيــود السياســية التــي كانــت تضعهــا الدبلوماســية املغربيــة فــي طريقهــا.

فتوســعت االســتثمارات املغربيــة لتشــمل دوال مثــل كينيــا وإثيوبيــا ونيجيريــا وزامبيــا،

وهــي دول خــارج نطــاق الــدول الفرانكفونيــة التــي كان يركــز عليهــا املغــرب

ــة جتــاوز ــن رئيســن لكيفي ــا تشــكالن مثال ــا وإثيوبي ــل إن نيجيري ــي اســتثماراته، ب ف

االســتثمارات املغربيــة القيــود التــي كانــت تضعهــا سياســة املغــرب اخلارجية الســابقة،

فــكال البلديــن اعترفــا بـ«اجلمهوريــة العربيــة الصحراويــة الدميقراطيــة« كدولة مســتقلة،

ا كان ميثــل عقبــة رئيســية فــي عالقــة املغــرب مــع وهــذا أمــر وحتــى وقــت قريــب جــد

أيــة دولــة أخــرى، ولكــن حتــت االنفتــاح املغربــي اجلديــد واملتمركــز حــول اجلوانــب

االقتصاديــة مت جتــاوزه، وقــام املغــرب بتمويــل مشــاريع اقتصاديــة فــي كال البلديــن.

ــار دوالر، ــه 2.4 ملي ــاج األمســدة بلغــت قيمت ــع إلنت ل إنشــاء مصن ــا، مــو ففــي إثيوبي

أمــا فــي نيجيريــا، فقــد أســهم املغــرب فــي متويــل خــط أنابيــب للغــار الطبيعــي بــن

ــدوالرات)8(. ــارات ال ــف ملي ــر ويكل ــه 5000 كيلومت ــغ طول ــرب يبل ــا واملغ نيجيري

تهــدف هــذه االســتراتيجية اجلديــدة إلــى التأثيــر غيــر املباشــر علــى قضيــة الصحــراء

عــن طريــق عــزل »جبهــة البوليســاريو« فــي املنطقــة باحتــواء مناصريهــا )مثــل نيجيريــا

ــل ــن ال ميكــن حتييدهــم مث ــن الذي ــك املناصري ــر أولئ ــن تأثي ــل م ــا( أو بالتقلي وإثيوبي

ــر)9(. اجلزائ

2. دوافع اسرتاتيجية االنفتاح على إفريقيا

ميكــن أن نرصــد ثالثــة أســباب الســتراتيجية االنفتــاح اجلديــدة علــى إفريقيــا

االقتصاديــة: اجلوانــب حــول واملتمركــزة

المغرب: استراتيجية االنفتاح االقتصادي على إفريقيا وتحدياتها المستقبلية

| 148

- أوال: مــن ناحيــة ثقافيــة وأيديولوجيــة، فــإن اهتمــام املغــرب ببنــاء شــراكات

اقتصاديــة مكثفــة مــع القــارة اإلفريقيــة قــد مت فــي إطــار خطــاب أيديولوجــي

ــالذع واملناهــض ــد ال ــدم النق ــة، ويق ــة املغربي ــي الثقاف ــي ف ــاإلرث اإلفريق ــى ب يحتف

ــاز ــكاله، وينح ــكل أش ــي ب ــتعمار الغرب ــي ولالس ــاد األوروب ــت لالحت ــي ذات الوق ف

بصــورة واضحــة لــدول اجلنــوب. فبالنســبة للملــك محمــد الســادس نفســه، فمنــذ أن

نشــر أطروحتــه للدكتــوراه فــي كتــاب يحمــل عنــوان »التعــاون بــن الســوق األوروبيــة

املشــتركة واحتــاد املغــرب العربــي«، فــي العــام 1993، ظهــر انتقــاده الشــديد لتجربــة

ــة ــن عالق ــي ب ــوازن الهيكل ــالل الت ــه الخت ــا، ورؤيت ــي إلفريقي ــتعمار األوروب االس

املغــرب بالســوق األوروبيــة املشــتركة، بــل ذهــب ألبعــد مــن ذلــك؛ إذ يتهــم الــدول

الغربيــة بالتالعــب والتملــص مــن مســؤولياتها التاريخيــة، ودعاهــا إلــى بــذل املزيــد

ــتراتيجية ــإن اس ــي ف ــة. وبالتال ــل الدولي ــي احملاف ــة ف ــات العادل ــاون والتوازن ــن التع م

االنفتــاح علــى إفريقيــا وتعــاون دول اجلنــوب مــع بعضهــا البعــض، بالنســبة للملــك

محمــد الســادس، هــي اخليــار األمثــل والبديــل لهــذه الــدول بــدل ربــط اقتصاداتهــا

ــة)10(. ــدول األوروبي بال

ولــم يكتــف امللــك محمــد الســادس بتقــدمي خطــاب ناقــد للغــرب ومنفتــح علــى

ــي ــام ف ــث ق ــدة، حي ــتراتيجية اجلدي ــذه االس ــى ه ــا عل ــرف فعلي ــل أش ــا، ب إفريقي

الســنوات األخيــرة بأكثــر مــن 51 زيــارة إلــى 26 دولــة إفريقيــة، وعلــى خــالف معظــم

صانعــي القــرار واملســتثمرين الذيــن كانــوا يــزورون تلــك الــدول اإلفريقيــة ألوقــات

ــاءات ــن اللق ــر م ــن الكثي ــة تتضم ــارات طويل ــوم بزي ــك يق ــد كان املل ــرة فق قصي

الشــخصية، وافتتــاح مشــاريع تنمويــة، بــل كان يقــوم حتــى برحــالت ســياحية فضــال

149 |

ــارات ــك الزي ــل تل ــذي جع ــر ال ــوارع؛ األم ــي الش ــاس ف ــع الن ــالط م ــن االخت ع

تتصــدر عناويــن الصحــف والقنــوات اإلفريقيــة. كمــا قــام امللــك بنفســه، فــي تلــك

الزيــارات، بتوقيــع أكثــر مــن 952 اتفاقيــة وشــراكة ثنائيــة بــن املغــرب وبــن الــدول

ــة متنوعــة)11(. ــة وثقافي ــي قطاعــات اقتصادي ــة ف اإلفريقي

- ثانيــا: فمــن زاويــة اقتصاديــة تركــز االســتراتيجية علــى الوضــع الداخلــي إلفريقيــا،

ا فــي ــر منــو ــة تقــع ضمــن العشــرين اقتصــادا األكث ــة إفريقي حيــث ســنجد أن 11 دول

العالــم، وبالرغــم مــن عــدم اســتقرار النمــو فــي إفريقيــا فــإن معــدل النمــو الســنوي

ــات الزراعيــة ــار أســعار املنتج ــي 2010�2000. وبينمــا تنه ــن عام جتــاوز %5.4 ب

ــا، ــي بعــض دول شــمال إفريقي ــى األزمــات السياســية ف ــة إل ــواد اخلــام باإلضاف وامل

فمــن املتوقــع أن يســتمر معــدل النمــو الســنوي مبتوســط %4.3 فــي الســنوات املقبلــة

ــار ــاوز ملي ــة يتج ــارة اإلفريقي ــكان الق ــداد س ــإن تع ــذا، ف ــى ه ــالوة عل ــك. ع كذل

ومئتــي مليــون نســمة، ويتمتــع هــؤالء الســكان بقــوة شــرائية تبلــغ 1.5 تريليــون دوالر

ــول ــون دوالر بحل ــغ 2 تريلي ــوة الشــرائية لتبل ــد هــذه الق ا، ومــن املتوقــع أن تزي ســنوي

2025)12(. كل تلــك العوامــل كانــت كفيلــة بتغييــر النظــرة العامــة إلفريقيــا مــن قــارة

يضربهــا الفقــر والتخلــف واحلــروب، إلــى قــارة بكــر ذات إمكانــات واعــدة وفــرص

هائلــة ومتنوعــة ميكنهــا أن حتقــق للمســتثمرين فيهــا أرباحــا ال ميكــن أن يحققوهــا فــي

أي مــكان آخــر فــي العالــم، وبالتالــي فــإن قــرار االنفتــاح علــى إفريقيــا لــه مبرراتــه

املتعلقــة بالفائــدة االقتصاديــة واالســتثمارية املباشــرة مــن هــذا االنفتــاح.

المغرب: استراتيجية االنفتاح االقتصادي على إفريقيا وتحدياتها المستقبلية

| 150

شكل رقم )2( يربز توقعات زيادة القوة الشرائية يف إفريقيا )األرقام بقيمة تريليون

دوالر()13(

ــاح االقتصــادي ــإن االنفت ــة، ف ــة املغربي ــات اخلارجي ــة العالق ــن ناحي ــا م ــا: أم - ثالث

علــى إفريقيــا ســيعزز مــن سياســة املغــرب اخلارجيــة فــي عالقاتــه مــع الــدول األخرى،

حيــث ســيكون قــادرا علــى تقــدمي نفســه كبوابــة سياســية واقتصاديــة وثقافيــة للقــارة

اإلفريقيــة.

وفــي ســبيل جــذب االســتثمارات األجنبيــة عــن طريــق تقــدمي نفســه كمركــز جتــارة

ــمبر/ ــي ديس ــال، ف ــبيل املث ــى س ــة، عل ــة املغربي ــت احلكوم ــي، قام ــتثمار إقليم واس

كانــون األول 2010، بإنشــاء نظــام اســتثماري خــاص جديــد أطلقــت عليــه »القطــب

ــام االســتثماري ــذا النظ ــي ه ــي ســتدخل ف ــدار البيضــاء«، والشــركات الت ــي لل املال

اجلديــد ســتحظى بعــدد مــن احلوافــز االســتثمارية، بعضهــا يتعلــق بالضرائــب )مثــل

151 |

ــل ــي تعم ــات الت ــنوات للمؤسس ــس س ــدة خم ــركات مل ــة الش ــن ضريب ــاء م اإلعف

ــة ــة للشــركات اإلقليمي ــل معــدل الضريب ــى تقلي ــة إل فــي قطــاع اخلدمــات، باإلضاف

ــدار البيضــاء(، وبعضهــا ــة الرئيســية فــي ال ــي ســتفتح مكاتبهــا اإلقليمي ــة الت والدولي

يتعلــق بتقليــل القيــود علــى التحويــالت األجنبيــة، باإلضافــة إلى تســهيالت تأشــيرات

العمــل واإلقامــة للعاملــن بتلــك الشــركات. وحتــى تتمتــع أي شــركة بهــذه احلوافــز

ــر مــن ــا أن يكــون أكث ــا عــدد مــن الشــروط أهمه ــر فيه االســتثمارية يجــب أن يتوف

%70 مــن دخــل الشــركات يأتــي مــن خــارج املغــرب. وفــي نهايــة عــام 2014، كان

هنالــك 60 شــركة دوليــة تســتفيد مــن مشــروع القطــب املالــي للــدار البيضــاء وتتخــذ

ا ملكاتبهــا اإلقليميــة. علــى ســبيل املثــال، ففــي يونيو/حزيــران مــن هــذه املدينــة مقــر

2014، قــام عمــالق التكنولوجيــا الصينيــة، شــركة هــواوي، بافتتــاح مكتبــه اإلقليمــي

ــة ــن »املجموعــة األميركي ــواوي، قامــت كل م ــل ه ــدار البيضــاء. وقب ــة ال ــي مدين ف

ــة ــن 80 دول ــر م ــي أكث ــل ف ــي تعم ــة )American International Group(، الت الدولي

حــول العالــم ومتخصصــة فــي قطــاع التأمــن، واملجموعــة املصرفيــة الدولية الفرنســية

)BNP Paribas(، التــي تعمــل فــي أكثــر مــن 77 دولــة حــول العالــم، بإنشــاء مكاتبهــا

اإلقليميــة فــي الــدار البيضــاء فــي الشــهور األولــى مــن العــام 2014. وفي مــارس/آذار

Global( 2015، كنتيجــة لهــذه السياســات االســتثمارية، قــام مركــز العالــم للتمويــل

Financial Centres( بتصنيــف الــدار البيضــاء كثانــي أفضــل مدينــة لالســتثمار فــي

ــا)14(. إفريقيــا، مــع احتاللهــا املرتبــة 42 عاملي

وفــي ســبيل تقــدمي نفســه كبوابــة إلفريقيــا، قــام املغــرب بتغييــر عــدد مــن سياســاته

،2014 أغســطس/آب فــي مرونــة؛ حيــث مســح، أكثــر االســتثمارية وجعلهــا

المغرب: استراتيجية االنفتاح االقتصادي على إفريقيا وتحدياتها المستقبلية

| 152

للشــركات املســجلة والتــي تعمــل ألكثــر مــن ثــالث ســنوات، بــأن تســتثمر مــا يعــادل

3.12 ماليــن دوالر خــارج املغــرب. وفــي ديســمبر/كانون األول 2015، مت رفــع هــذا

ــي ــن دوالر إذا كان هــذا االســتثمار ف ــادل 10.42 مالي ــا يع ــى م الســقف ليصــل إل

ــي ــتثمار ف ــن دوالر إذا كان االس ــادل 5.21 مالي ــا يع ــة، وم ــدول اإلفريقي ــدى ال إح

باقــي الــدول. كمــا مت وضــع صنــدوق اســتثماري قيمتــه 20.83 مليــون دوالر لدعــم

ــة)15(. ــود االســتثمار فــي الســوق اإلفريقي ــي ت ــة الت الشــركات املغربي

3. آثار وثمار اسرتاتيجية االنفتاح على إفريقيا

آتــت اســتراتيجية االنفتــاح علــى إفريقيــا، والتــي يقــع ضمــن أهدافهــا جــذب

االســتثمارات األجنبيــة للمغــرب عــن طريــق تقــدمي نفســه كبوابــة اقتصاديــة

ــة بلغــت ــا، مثارهــا ســريعا، فقــد اســتطاع املغــرب جــذب اســتثمارات أجنبي إلفريقي

ــي 2018، ــا ف ــن 2016)16(. أم ــادة %12 ع ــام 2017 بزي ــي الع ــار دوالر ف 2.57 ملي

فقــد جتــاوزت االســتثمارات األجنبيــة التــي اســتقبلها املغــرب 3.3 مليــارات دوالر،

بزيــادة تفــوق %28.4 عــن 2017)17(. وفــي مــارس/آذار مــن العــام 2018، وبحســب

مؤشــر االســتثمار فــي إفريقيــا )Africa Investment Index )AII((، أصبــح املغــرب فــي

ــة ــة لالســتثمارات األجنبي ــل وجه ــي متث ــة الت ــدول اإلفريقي ــى ضمــن ال ــة األول املرتب

متجــاوزة بذلــك جنــوب إفريقيــا ومصــر واجلزائــر وبوتســوانا التــي كان املغــرب يأتــي

خلفهــا فــي العــادة. وبحســب املؤشــر فقــد »بــرز املغــرب كأفضــل دولــة مــن ناحيــة

جاذبيتــه لالســتثمار فــي إفريقيــا، وجــاءت مصــر واجلزائــر فــي املرتبــة الثانيــة والثالثــة،

ــل فــي بيئــة العمــل علــى التوالــي. وهنالــك أربعــة أســباب وراء هــذه األفضليــة تتمث

بــة باألجانــب، واخنفــاض مخاطــر االســتثمار، وحجــم االقتصــاد املغربــي الــذي املرح

153 |

يحتــل املرتبــة اخلامســة فــي القــارة اإلفريقيــة، ثــم متتــع املغــرب بــرأس مــال اجتماعــي

وروابــط اجتماعيــة قويــة بباقــي الــدول اإلفريقيــة، كل هــذه العوامــل مجتمعــة جعلــت

مــن املغــرب أفضــل مــكان لالســتثمار علــى مســتوى القــارة اإلفريقيــة«)18(.

وباإلشــارة إلــى رأس املــال االجتماعــي، فــإن تقدمي املغــرب كمنارة للثقافة اإلســالمية

وتدريــب الدعــاة األفارقــة يعتبــر جــزءا أصيــال مــن اســتراتيجيته فــي االنفتــاح علــى

إفريقيــا. وعلــى ســبيل املثــال، وفــي مــارس/آذار 2015، قــام املغــرب بافتتــاح معهــد

محمــد الســادس لتدريــب األئمــة والدعــاة، وفــي يونيو/حزيــران 2016، قــام امللــك

محمــد الســادس بافتتــاح مؤسســة محمــد الســادس للعلمــاء األفارقــة التــي تهــدف

إلــى تعزيــز العالقــات التاريخيــة والدينيــة بــن املغــرب وباقــي الــدول اإلفريقيــة. وقــد

ــا متخصصــا فــي علــوم الشــريعة وعلــم الالهــوت قامــت املؤسســة بدعــوة 120 عامل

مــن 31 دولــة إفريقيــة، وكان الهــدف مــن هــذه الدعــوة -كمــا صــرح امللــك محمــد

الســادس نفســه فــي حفــل االفتتــاح- هــو »تأكيــد أن قيــم اإلســالم املعتدلــة تســاعد

فــي تعزيــز األمــن واالســتقرار والتنميــة فــي إفريقيــا«. وأخيــرا، يــدرس أكثــر مــن 16

ألــف طالــب إفريقــي فــي اجلامعــات املغربيــة، وأكثــر مــن %90 مــن هــؤالء الطــالب

األفارقــة يســتفيدون مــن منــح تقدمهــا احلكومــة املغربيــة)19(.

المغرب: استراتيجية االنفتاح االقتصادي على إفريقيا وتحدياتها المستقبلية

| 154

اجلدول رقم )1( يظهر تصنيف الدول اإلفريقية حبسب مؤشر االستثمار يف إفريقيا

للعام 2018)20(

4. العوامل اإلقليمية والدولية السرتاتيجية االنفتاح على إفريقيا

هنــاك عــدد مــن العوامــل اإلقليميــة والدوليــة التــي جعلــت االنفتــاح املغربــي علــى

ا قابــال للتطبيــق، وميكــن إجمالهــا فــي خمســة عوامــل: إفريقيــا خيــارا اســتراتيجي

ــي ــدا ف ــتراتيجية، وحتدي ــذه االس ــي ه ــهم ف ــذي أس ــي األول، ال ــل اإلقليم - العام

ــاريو، ــة البوليس ــع جبه ــالف م ــراء واخل ــة الصح ــاوز قضي ــى جت ــرب عل ــدرة املغ مق

هــو أن الالعــب الدبلوماســي الرئيســي، إن لــم يكــن الوحيــد، فــي هــذا النــزاع هــو

ــس ــك املجل ــرارات ذل ــي ق ــن ف ــأمم املتحــدة، وأن املؤثري ــع ل ــن التاب ــس األم مجل

155 |

يســتطيع املغــرب التنبــؤ بتحركاتهــم املســتقبلية، بــل إن األعضــاء اخلمســة الدائمــن في

ذلــك املجلــس مييلــون إلــى كفــة املغــرب فــي هــذا النــزاع ويســمحون لــه باالحتفــاظ

ــس هــو الوضــع ــا هــو اآلن. وبالرغــم مــن أن هــذا لي بوضــع الصحــراء الراهــن كم

املثالــي الــذي يســعى إليــه املغــرب، لكنــه مقبــول بالنســبة للرؤيــة املغربيــة مــن بــاب

ــا بــأن قضيــة الصحــراء لــن يتــم تصعيدهــا ملســتويات أعلــى ــا دولي أن هنــاك ضمان

ــه الوضــع اآلن)21(. ممــا هــو علي

- العامــل اإلقليمــي الثانــي: هــو االســتقرار السياســي واالقتصــادي الداخلــي الــذي

شــهده املغــرب فــي الســنوات املاضيــة، وفقــدان هــذا العامــل املهــم جعــل دوال فــي

شــمال إفريقيــا، والتــي كان بإمكانهــا أن تنافــس املغــرب فــي االنفتــاح علــى إفريقيــا،

ــي ــع األمن ــبب الوض ــرا بس ــي كثي ــاد الليب ــور االقتص ــد تده ــة. فق ــن احللب ــد ع تبتع

املتــردي، أمــا اجلزائــر فبســبب اعتمادهــا الكبيــر علــى عائــدات النفط الــذي اخنفضت

ــا، ــي إفريقي ــرة ف ــواال كبي ــم تســتطع أن تســتثمر أم ــرة ل ــي الســنوات األخي أســعاره ف

ــة. ــية الداخلي ــات السياس ــات والصراع ــن االضطراب ــي م ــس تعان ــزال تون ــا ال ت بينم

كل تلــك الظــروف اجليوسياســية مسحــت للمغــرب بــأن يظهــر ويحتــل املشــهد كأول

مســتثمر، مــن شــمال إفريقيــا، فــي الــدول اإلفريقيــة جنــوب الصحــراء)22(.

ــس ــذي تأس ــي«، ال ــرب العرب ــاد املغ ــل »احت ــو فش ــث: ه ــي الثال ــل اإلقليم - العام

ــا فــي فبراير/شــباط 1989 مبدينــة مراكــش املغربيــة، ويضــم خمــس دول، هــي: ليبي

وتونــس واملغــرب واجلزائــر وموريتانيــا. وكان الغــرض الرئيســي مــن إنشــائه هــو تطويــر

ــة ــي باإلضاف ــة التحــدي األوروب ــا ملواجه ــن دول شــمال إفريقي ــاون اإلقليمــي ب التع

إلــى تنســيق سياســات اقتصاديــة مشــتركة. لكــن وبعــد قرابــة 30 عامــا مــن إنشــائه لــم

المغرب: استراتيجية االنفتاح االقتصادي على إفريقيا وتحدياتها المستقبلية

| 156

يتــم حتقيــق األهــداف التــي تأســس مــن أجلهــا، ولــم تعقــد أيــة قمــة علــى مســتوى

ــي كانــت فــي تونــس)23(. فبســبب اخلــالف ــذ قمــة 1994، والت رؤســاء الــدول من

ــع دول ــرؤى م ــن ال ــراء، وتباي ــة الصح ــأن قضي ــر بش ــرب واجلزائ ــن املغ ــي ب السياس

أخــرى، لــم يحــدث أي تعــاون اقتصادي/جتــاري كبيــر بــن هــذه الــدول ولــم تتجــاوز

نســبة التجــارة بــن هــذه الــدول %3 مــن إجمالــي التجــارة اخلارجيــة)24(. ولذلــك،

ر ــر ــي)25(، ق ــرب العرب ــاد املغ ــاء احت ــادة إحي ــددة إلع ــاوالت متع ــل مح ــد فش وبع

املغــرب أن يتجــاوز دول احتــاد املغــرب العربــي واالجتــاه حنــو الــدول اإلفريقيــة جنــوب

الصحــراء، بــل إن امللــك محمــد الســادس، فــي حديثــه للقــادة األفارقــة فــي قمــة

ــرب ــد اســتبدل بـ«احتــاد املغ ــرب ق ــأن املغ ح ب ــي 2017، صــر ــي، ف االحتــاد اإلفريق

العربــي« عالقــة وثيقــة مــع دول »االحتــاد اإلفريقــي«)26(.

ــدة، هــو أن ز مــن هــذه االســتراتيجية اجلدي ــذي عــز ــع، ال - العامــل اإلقليمــي الراب

ــة ــة املالي ــد األزم ــي بع ــاد األوروب ــة االحت ــاب منطق ــذي أص ــادي ال ــاد االقتص الكس

فــي 2008 تســبب فــي حــدوث خســائر كبيــرة لصــادرات املغــرب الــذي كان يعتمــد

ــة فــي اســتهالك بضائعــه وصادراتــه؛ األمــر بصــورة أساســية علــى الســوق األوروبي

الــذي تســبب فــي حــدوث هــزة اقتصاديــة كبيــرة للمغــرب. ومنــذ ذلــك احلــن، بــدأ

املغــرب بصــورة جــادة فــي تنويــع أســواق صادراتــه عــن طريــق البحــث عــن أســواق

ــة ــكانية العالي ــة الس ــبب الكثاف ــل بس ــار األمث ــي اخلي ــا ه ــت إفريقي ــدة. وكان جدي

واملتزايــدة بأعلــى معــدل فــي العالــم مــع قــوة شــرائية تفــوق 1.4 تريليــون دوالر فــي

العــام، باإلضافــة للقــرب اجلغرافــي والثقافــي مــن املغــرب)27(.

ــاد ــن ودول االحت ــد الص ــركا ض ــنتها أمي ــي ش ــة الت ــرب التجاري ــإن احل ــرا، ف أخي

157 |

األوروبــي، والتــي تتضمــن زيــادة الرســوم اجلمركيــة، دفعــت عــددا مــن الشــركات

املصنعــة للســيارات إلــى النظــر للمغــرب كبوابــة لأســواق اإلفريقيــة، التــي لــم تدخــل

هــذه احلــرب التجاريــة حتــى اآلن. ولذلــك فالشــركات اإليطاليــة والفرنســية املصنعــة

ــا ــات« )Fiat(، لديه ــة PSA«، و«في ــو« )Renault(، و«مجموع ــل: »رين للســيارات، مث

بالفعــل مصانــع فــي املغــرب تعمــل كخطــوط جتميــع وإنتــاج لقطــع الســيارات، لكــن

اجلديــد فــي األمــر هــو أن الشــركات الصينيــة املصنعــة للســيارات، مثــل BYD، بــدأت

فــي بنــاء مصانــع للتجميــع وتصنيــع الســيارات مبدينــة طنجــة فــي املغــرب. وكمقابــل

ــز هــذه الشــركات عــن ــة فــي املغــرب، قامــت احلكومــة بتحفي ــاء مصانــع إقليمي لبن

طريــق تقــدمي ختفيضــات فــي الضريبــة ومعدالتهــا باإلضافــة إلــى توفيــر أراض

مدعومــة ملــدة خمــس ســنوات)28(.

5. البنوك محرك االستثمارات املغربية يف إفريقيا

ــر ــح تغي ــة بتوضي ــا كفيل ــي إفريقي ــة ف ــة االســتثمارات املغربي إن نظــرة فاحصــة لطبيع

مهــم فــي نوعيــة هــذه االســتثمارات. ففــي 2011 بلغــت نســبة االســتثمارات الصناعية

%22، و%9 لقطــاع االتصــاالت، و%2 لقطــاع العقــارات، أمــا فــي 2015، فقــد قفــزت

ــا ــي، بينم ــى التوال ــى %21 و%11 عل ــارات إل ــاالت والعق ــتثمارات االتص ــبة اس نس

ــذي كان وال ــد ال ــى %12. لكــن القطــاع الوحي ــة إل تقلصــت االســتثمارات الصناعي

يــزال يحتفــظ بنصيــب األســد فــي االســتثمارات املغربيــة هــو قطــاع البنــوك، حيــث

بلغــت نســبته %44 مــن اســتثمارات 2011 و%41 فــي 2015)29(، ثــم قفــزت النســبة

إلــى %78 عــام 2017. وبحســب التقريــر الصــادر عــن الوكالة الفرنســية للتنميــة ووزارة

ــإن القطــاع البنكــي وقطــاع االتصــاالت، وبســبب ــة، ف ــة واملالي الشــؤون االقتصادي

المغرب: استراتيجية االنفتاح االقتصادي على إفريقيا وتحدياتها المستقبلية

| 158

اإلصالحــات املبكــرة التــي قــام بهــا املغــرب فــي هذيــن القطاعــن خــالل تســعينات

ــا. ــي إفريقي ــة ف ــتثمارات املغربي ــي االس ــد ف ــب األس ــالن نصي ــي، يحت ــرن املاض الق

ــى ــام 2007 وحت ــرة مــن الع ــي الفت ــن القطاعــن ف ــي متوســط نســبة هذي وبالنظــر ف

2017 ســنجد أن متوســط نســبة القطــاع البنكــي بلــغ %53 مــن مجمــل االســتثمارات

املغربيــة فــي إفريقيــا بينمــا بلــغ متوســط نســبة قطــاع االتصــاالت %17، فــي املقابــل

كان متوســط قطــاع الصناعــة %11 فــي هــذه املــدة)30(.

اجلدول رقم )2( يوضح توزيع االستثمارات املغربية يف إفريقيا حسب القطاعات

بني األعوام 2011 و2015 و2017)31(

اســتفادت البنــوك املغربيــة مــن التشــابه اللغــوي والدينــي بــن املغــرب ودول غــرب

إفريقيــا الفرانكفونيــة واســتطاعت أن تبنــي لنفســها حضــورا بــارزا فــي املشــهد

االقتصــادي، ومتكنــت أكبــر ثالثــة بنــوك فــي املغــرب، وهــي: »التجــاري وفــا بنــك«

و«البنــك املغربــي للتجــارة اخلارجيــة« و«البنــك الشــعبي املركــزي«، مــن االســتحواذ

159 |

ــز ــيع وحتفي ــى توس ــل عل ــا، وتعم ــرب إفريقي ــي غ ــي ف ــاع البنك ــب القط ــى أغل عل

االســتثمارات املغربيــة فــي املنطقــة. فمثــال ميتلــك »التجــاري وفــا بنــك« فروعــا فــي

13 دولــة إفريقيــة، أمــا »البنــك املغربــي للتجــارة اخلارجيــة« فيمتلــك شــبكة تتضمــن

19 فرعــا منتشــرة فــي كل دول املنطقــة)32(، وقــد اســتطاع هــذا األخيــر، فــي نوفمبر/

تشــرين الثانــي 2015، أن يضــم إليــه »بنــك إفريقيــا« )Bank of Africa( بــكل فروعــه

ــا بعــد أن قــام بشــراء %73 مــن رأس مــال البنــك)33(. حــول إفريقي

ــا، بــل ســعت ــة بالعمــل فــي غــرب ووســط إفريقي لــم تكتــف هــذه البنــوك املغربي

كذلــك للتمــدد فــي بقيــة دول القــارة اإلفريقيــة. ففــي العــام 2017، قــام »التجــاري

وفــا بنــك« بشــراء »بنــك باركليــز« )Barclays( فــي مصــر، وهــو مــا يعتبر خروجــا عما

ــز االســتثمار فــي دول غــرب ووســط ــة مــن تركي ــه البنــوك املغربي ــاد فعل كانــت تعت

إفريقيــا. باإلضافــة إلــى ذلــك، يســعى »التجــاري وفــا بنــك« للتوســع خــالل األعــوام

املقبلــة فــي دول جديــدة فــي شــرق وشــمال إفريقيــا، وتتضمــن اخلطــة املبدئيــة للبنــك

شــراء بنــوك فــي روانــدا وكينيــا وإثيوبيــا، بــل إن هدفــه االســتراتيجي هــو »شــراء كل

البنــوك املصنفــة ضمــن أول خمســة بنــوك فــي كل ســوق جتاريــة فــي القــارة«)34(.

ــراء ــي ش ــة ف ــوك املغربي ــن البن ــدد م ــدأ ع ــك«، ب ــا بن ــاري وف ــى »التج ــى خط وعل

ــعبي ــك الش ــا »البن ــقر. أم ــيوس ومدغش ــي موريش ــي جزيرت ــة ف ــات البنكي املؤسس

املركــزي«، وهــو ثانــي أكبــر بنــك فــي املغــرب بعــد »التجــاري وفــا بنــك«، فيمتلــك

خططــا توســعية فــي دول شــرق إفريقيــا مثــل روانــدا وكينيــا وإثيوبيــا)35(. وفــي إطــار

متــدد القطــاع البنكــي واملصرفــي املغربــي فــي القــارة اإلفريقيــة، قام عدد من شــركات

ــال أقدمــت »مجموعــة ــا، فمث ــة بتوســيع اســتثماراته فــي شــرق إفريقي التأمــن املغربي

المغرب: استراتيجية االنفتاح االقتصادي على إفريقيا وتحدياتها المستقبلية

| 160

ســهام للتأمــن«، التــي تعمــل فــي 10 دول إفريقيــة أغلبهــا فــي غــرب ووســط القــارة

منــذ 2010، علــى توســيع أعمالهــا لتســتحوذ فــي العــام 2015 علــى »شــركة كونتيننتال

ــدأت ــم ب ــا)36(، ث ــي نيجيري ــن« )Continental Reinsurance Plc( ف ــادة التأم إلع

تســتثمر مببالــغ كبيــرة فــي قطــاع التأمــن فــي موريشــيوس وأنغــوال وروانــدا)37(.

تقــوم هــذه البنــوك واملؤسســات املاليــة بدراســة الفــرص االســتثمارية فــي كل

األســواق اإلفريقيــة التــي تدخلهــا، وحتليــل الفاعلــن واملؤثريــن فــي تلــك األســواق،

ــل ــق قب ــة الطري ــركات املغربي ــد للش ــذي ميه ــف ال ــى دور املستكش ــم تتول ــن ث وم

ــة ــك الشــركات املغربي ــدور الداعــم والضامــن لتل ــا ب ــوم الحق ــم تق ــه، ث ــوج في الول

ــادة ــل القي ــوك متث ــذه البن ــإن ه ــي، ف ــة. وبالتال ــواق اإلفريقي ــل األس ــا تدخ عندم

هــة لالســتثمارات املغربيــة فــي القــارة اإلفريقيــة، باإلضافــة إلــى كونهــا كانــت املوج

وال تــزال حتتــل نصيــب األســد فــي تلــك االســتثمارات، وهــذا أمــر لــه تبعاتــه علــى

ــتثمارات. ــك االس ــتقبل تل ــة ومس ــر وطبيع أث

ــادة ــو الزي ــا ه ــي إفريقي ــر ف ــار الكبي ــذا االنتش ــة ه ــوك املغربي ــى البن ل عل ــه ــا س ومم

الكبيــرة فــي اســتثمارات قطــاع االتصــاالت املغربيــة فــي إفريقيــا، والــذي قفــز مــن

%9 مــن جملــة االســتثمارات املغربيــة فــي إفريقيــا فــي العــام 2011 ليصــل إلــى 21%

ــن ــس م ــي، فلي ــم )2(، وبالتال ــي اجلــدول رق ــا هــو موضــح ف ــام 2015 كم ــي الع ف

ــى 60 ــة إل املســتغرب أن يصــل عــدد مســتخدمي شــرائح شــركة االتصــاالت املغربي

ــام ــي الع ــن عــدد املشــتركن ف ــادة %9.7 م ــد نســبة زي ــام 2018، بع ــي الع ــون ف ملي

.)38(2017

161 |

6. تحديات اسرتاتيجية االنفتاح االقتصادي على إفريقيا

كنتيجــة طبيعيــة الســتراتيجية االنفتــاح علــى إفريقيــا، شــهدت التجــارة بــن املغــرب

ــرة ــغ %12.8 فــي الفت ــرة بنمــو ســنوي بل ــادة كبي ــوب الصحــراء زي ــا جن ودول إفريقي

بــن 2015�2000. لكــن بالرغــم مــن ذلــك فقــد ظــل نصيــب الــدول اإلفريقيــة مــن

ا عنــد مقارنتــه باالحتــاد األوروبــي ودول الشــرق جتــارة املغــرب اخلارجيــة ضئيــال جــد

ــارة ــي التج ــن إجمال ــا %3.4 م ــع إفريقي ــارة م ــبة التج ــت نس ــا بلغ ــط. فبينم األوس

ــي ــاد األوروب ــن االحت ــكل م ــبة %56.7 و%15.3 ل ــت النس ــارج، بلغ ــع اخل ــة م املغربي

والشــرق األوســط، علــى التوالــي، وهــو مــا يثيــر عــددا مــن التســاؤالت حــول أســباب

هــذه النســبة الضئيلــة)39(.

ــرة لهــذا الضعــف هــو أن اســتراتيجية ومبــادرات املغــرب فــي أحــد األســباب املفس

ــا كانــت وال تــزال مصحوبــة بـ«طموحــات عاليــة« مــع وجــود االنفتــاح علــى إفريقي

»قــدرات محــدودة« علــى تنفيــذ هــذه االســتراتيجية. وذلــك أن املغــرب دولــة متتلــك

معــدل منــو ســنوي متوســط وبهــا معــدالت بطالــة عاليــة، وبالتالــي فــإن الطمــوح حنــو

ــة حتقيــق أهــداف اســتراتيجية االنفتــاح قــد يتضمــن ســوء تقديــر للمشــاكل الهيكلي

واملخاطــر التــي يعانــي منهــا املغــرب والتــي تعانــي منهــا القــارة اإلفريقيــة. فمثــال مــن

أبــرز التحديــات الهيكليــة فــي إفريقيــا: ضعــف األســواق املاليــة اإلفريقيــة، وضعــف

البنيــة التحتيــة مــع عــدم وجــود خطــوط بريــة أو بحريــة مباشــرة بــن املغــرب وتلــك

الــدول اإلفريقيــة ممــا جعــل التجــارة بينهمــا ذات تكلفــة عاليــة)40(. وبســبب عــدم

ــات التجــارة ــر مــن اتفاقي ــإن الكثي ــة ف ــدرات املغربي ــن الطموحــات واملق ــق ب التواف

والتعــاون مــع عــدد مــن الــدول اإلفريقيــة لــم تدخــل حيــز التنفيــذ بعــد )مثــل اتفاقيــة

المغرب: استراتيجية االنفتاح االقتصادي على إفريقيا وتحدياتها المستقبلية

| 162

)WAEMU( ــا ــرب إفريقي ــدي لغ ــع االحتــاد االقتصــادي والنق التجــارة واالســتثمار م

الــذي مت توقيعــه فــي عــام 2008()41(.

كمــا أن هنــاك تســاؤال مشــروعا حــول مــدى فائــدة هــذه االســتثمارات فــي معاجلــة

املشــاكل الهيكليــة التــي يعانــي منهــا االقتصــاد املغربــي مــن جهــة، والــدول اإلفريقيــة

مــن جهــة أخــرى. فقــد تركــزت االســتثمارات املغربيــة علــى قطاعــات االتصــاالت،

والبنــوك، والعقــارات، والتأمــن، واحليــازات، كمــا رأينــا فــي بدايــة احملــور الســابق

)والتــي تتميــز بكونهــا اســتثمارات تتطلــب رؤوس أمــوال مكثفــة وتعــود أغلــب عوائــد

ــتثمارات ــع اس ــل تراج ــي مقاب ــوال(، ف ــاب رؤوس األم ــتثمارات ألصح ــذه االس ه

التصنيــع والبنيــة التحتيــة والطاقــة )والتــي تتميــز بكونهــا اســتثمارات ال تعتمــد فقــط

علــى رؤوس األمــوال وإمنــا علــى الكثيــر مــن القــوى العاملــة(. وهــذا يشــير إلــى أن

أغلــب عوائــد هــذه االســتثمارات تعــود إلــى طبقــة معينــة فــي املغــرب وال يســتفيد

ــوم ــن تق ــدوره، أن هــذه االســتثمارات ل ــى ب ــب ســكان املغــرب، ممــا يعن ــا أغل منه

مبعاجلــة مشــكلة عــدم املســاواة فــي املغــرب، كمــا أنهــا لــن تقــوم بتحفيــز حقيقــي

وتغييــر هيكلــي فــي القطاعــات اإلنتاجيــة فــي اقتصاديــات باقــي الــدول اإلفريقيــة،

وهــو مــا يهــدد اســتدامتها بســبب أنهــا مرتبطــة أكثــر بالقطــاع البنكــي الــذي يعانــي

مــن ضعــف ومخاطــر جمــة.

ــة ــادي والتنمي ــاون االقتص ــة التع ــن منظم ــاون ب ــدر بالتع ــر -ص ــد تقري ــد وج وق

)OECD( مــع إدارة الشــؤون االقتصاديــة التابعــة لالحتــاد اإلفريقــي- أن قيمــة معامــل

جينــي )Gini Coefficient(، وهــو املؤشــر الــذي يســتخدمه معظــم االقتصاديــن

والعاملــن بحقــل التنميــة لقيــاس معــدالت عــدم املســاواة، يبلــغ فــي املغــرب 40.3%

163 |

وهــي نســبة أعلــى بكثيــر ممــا فــي اجلزائــر )23%( ومصــر )30.8%( وتونــس )%35.8(،

بــل هــي األعلــى فــي كل دول شــمال إفريقيــا ممــا يجعــل املغــرب البلــد الــذي ميتلــك

أكبــر فجــوة فــي الســلم االقتصادي-االجتماعــي بــن األغنيــاء والفقــراء فــي منطقــة

ــا)42(. وتشــير دراســة أصدرهــا البنــك الدولــي فــي العــام 2018 إلــى شــمال إفريقي

ــم يحــدث حتســن ملحــوظ فــي معــدالت عــدم املســاواة، ــام 2000 ل ــذ الع ــه ومن أن

ــش ــل مراك ــدن )مث ــض امل ــي بع ــاواة ف ــدم املس ــدالت ع ــل ملع ــاض قلي ــع اخنف وم

والــدار البيضــاء وســطات وســوس ماســة(، فــإن بعــض املناطــق واملــدن )مثــل الربــاط

ــي معــدالت عــدم املســاواة فــي عشــرين ســنة ــادة ف والقنيطــرة وســال( شــهدت زي

ــا فــي املغــرب. املاضيــة، ممــا يعنــى أن معــدالت عــدم املســاواة أخــذت بعــدا مناطقي

كمــا تشــير نفــس الدراســة إلــى أن حجــم الطبقــة الوســطى فــي املغــرب ال يتجــاوز

ــة بالنســبة حلجــم الطبقــة املتوســطة %25 مــن الســكان، وهــي نســبة منخفضــة للغاي

ــا. وفــي البلــدان فــي البلــدان الناشــئة والتــي تبلــغ حوالــي %50 فــي البرازيــل وتركي

التــي شــهدت تنميــة اقتصاديــة ســريعة، مثلمــا حــدث فــي املغــرب، تشــير الدراســة

ــدأت اإلصالحــات ــا ب ــال، عندم ــة، مث ــا اجلنوبي ــة الوســطى فــي كوري ــى أن الطبق إل

ــات بلغــت نســبها 53%)43(. ــي الثمانين ــة ف االقتصادي

ــذ اســتراتيجيته ــا فــي تنفي ــي ثالــث أمــام املغــرب للمضــي قدم ــق داخل ــاك عائ وهن

ا وســط الشــباب فــي املغــرب والــذي حنــو إفريقيــا وهــو معــدل البطالــة العالــي جــد

ــذي ــام وال ــة الع ــدل البطال ــاف مع ــة أضع ــا ثالث ــادل تقريب ــا يع ــاوز %27، أي م يتج

يصــل إلــى %10 تقريبــا، فكمــا ذكرنــا فــإن أغلــب هــذه االســتثمارات التــي تقودهــا

البنــوك واالتصــاالت والشــركات الرأمساليــة ليــس لهــا أي مــردود مباشــر علــى فئــة

المغرب: استراتيجية االنفتاح االقتصادي على إفريقيا وتحدياتها المستقبلية

| 164

الشــباب العاطــل عــن العمــل فــي املغــرب والباحــث عــن التوظيــف الفــوري، وهــو

مــا قــد يســبب خلخلــة فــي االســتقرار السياســي فــي الســنوات املقبلــة، خصوصــا أن

هــؤالء الشــباب قــد قامــوا ســابقا بعــدد مــن االحتجاجــات اجلماهيريــة)44(.

ومــن ناحيــة عالقــات املغــرب اخلارجيــة، فــإن هــذا االنفتــاح علــى إفريقيــا، والــذي

جعــل املغــرب »بوابــة إفريقيــا« االقتصاديــة والثقافيــة، قــد أدى إلــى بــروز خصومــات

بــن املغــرب وبعــض الــدول التــي تنافســه فــي صــدارة املشــهد اإلفريقــي، مثــل: مصر

ونيجيريــا، ممــا ســيضطر املغــرب حلســاب حتركاتــه املســتقبلية فــي القــارة بحــذر. فقــد

ــى اللحظــات ــرار عــودة املغــرب لالحتــاد اإلفريقــي حت تأخــرت مصــر عــن دعــم ق

ــون الثانــي 2017، ــي عقــدت فــي يناير/كان ــرة فــي قمــة االحتــاد اإلفريقــي الت األخي

وهــذا التأخــر اعتبــر منــاورة مــن الرئيــس، عبد الفتــاح السيســي، لتأخير عــودة املغرب

ــا)45(. وفــي نفــس ــي فــي إفريقي ــا مــن تنامــي النفــوذ املغرب لالحتــاد اإلفريقــي خوف

العــام، عندمــا تقــدم املغــرب بطلــب احلصــول علــى عضويــة املجموعــة االقتصاديــة

ــط ــة بالضغ ــة النيجيري ــات العمالي ــا )ECOWAS(، قامــت النقاب ــدول غــرب إفريقي ل

فــي اجتــاه تأخيــر قبــول عضويــة املغــرب خوفــا مــن هيمنــة الشــركات املغربيــة متعــددة

ــي املجموعــة ــت دول أخــرى ف ــا طالب ــا، كم ــى أســواق غــرب إفريقي اجلنســيات عل

بتخفيــف قيــود الســفر التــي يفرضهــا املغــرب علــى مواطنــي دول غــرب إفريقيــا ذات

العضويــة فــي املجموعــة، وهــذا مــا قــد يســبب بعــض التوتــر بــن املغــرب واالحتــاد

األوروبــي الــذي يخشــي أن يقــوم أولئــك املســافرون مــن دول غــرب إفريقيــا بالهجــرة

غيــر الشــرعية ألوروبــا)46(.

أخيــرا، فمــن املهــم اإلشــارة إلــى أن املغــرب ليــس هــو البلــد الوحيــد املهتــم بــدول

165 |

إفريقيــا، فالقــوى والشــركات العامليــة )مثــل: الصــن وتركيــا والهنــد( تســعى كذلــك

للحصــول علــى حصتهــا مــن الكعكــة االقتصاديــة، وهــو مــا قــد يــؤدي إلــى حــدوث

تضــارب مصــاحل بــن املغــرب وبــن هــذه الــدول فــي املســتقبل القريــب، متامــا كمــا

حــدث مــع مصــر ونيجيريــا. وقــد يحــدث هــذا التضــارب حتــى مــع حلفــاء تقليديــن

ــا. كل ــي إفريقي ــرا ف ــا كبي ــوذا اقتصادي ــك نف ــي متتل ــا، الت ــة فرنس ــرب، خاص للمغ

ا فــي سياســاته هــذه الظــروف اخلارجيــة ســتجبر املغــرب علــى أن يكــون حــذرا جــد

اخلارجيــة والتجاريــة مــع إفريقيــا حتــى ال يدخــل فــي صراعــات مــع باقــي الالعبــن

االقتصاديــن فــي الســوق اإلفريقيــة)47(.

7. النتائج واملناقشة

بعــد رصــد األســباب الداخليــة التــي تقــف وراء االنفتــاح االقتصــادي للمغــرب علــى

إفريقيــا والتــي متثلــت فــي ثالثــة أســباب، أولهــا ثقافــي؛ حيــث إن الســلطة القائمــة في

ــا يحتفــى بــاإلرث اإلفريقــي فــي الثقافــة املغربيــة، ــا أيديولوجي املغــرب حتمــل خطاب

ــي ولالســتعمار ــالذع واملناهــض فــي ذات الوقــت لالحتــاد األوروب ــد ال ــدم النق ويق

الغربــي بــكل أشــكاله، وينحــاز بصــورة واضحــة لــدول اجلنــوب ويــرى فيها املســتقبل

للمغــرب. وثانيهمــا داخلــي يتعلــق مبؤشــرات النمــو الســكاني واالســتهالكي إلفريقيــا

والتــي كانــت كفيلــة بتغييــر النظــرة العامــة إلفريقيــا مــن قــارة يضربهــا الفقــر

والتخلــف واحلــروب إلــى قــارة بكــر ذات إمكانــات واعــدة وفــرص هائلــة ومتنوعــة

ميكنهــا أن حتقــق للمســتثمرين فيهــا أرباحــا ال ميكــن أن يحققوهــا فــي أي مــكان آخــر

فــي العالــم، وبالتالــي فــإن قــرار االنفتــاح علــى إفريقيــا لــه مبرراتــه املتعلقــة بالفائــدة

ــة ــباب الداخلي ــث األس ــاح. ثال ــذا االنفت ــن ه ــرة م ــتثمارية املباش ــة واالس االقتصادي

المغرب: استراتيجية االنفتاح االقتصادي على إفريقيا وتحدياتها المستقبلية

| 166

ــوذه السياســي واإلقليمــي ــز نف ــة املغــرب فــي تعزي وراء هــذه االســتراتيجية هــو رغب

فــي املنطقــة عبــر تقــدمي نفســه كبوابــة سياســية واقتصاديــة وثقافيــة للقــارة اإلفريقيــة.

لــم يكــن لهــذه األســباب الداخليــة أن تعمــل لوحدهــا مــن دون توفر ظــروف وعوامل

ــي ــتقرار السياس ــو االس ــا ه ــتراتيجية أبرزه ــذه االس ــاح ه ــي إجن ــاعدت ف ــة س إقليمي

واالقتصــادي الداخلــي الــذي شــهده املغــرب فــي الســنوات املاضيــة، وفقــدان هــذا

العامــل املهــم هــو مــا جعــل دوال فــي شــمال إفريقيــا، والتــي كان بإمكانهــا أن تنافــس

املغــرب فــي االنفتــاح علــى إفريقيــا، تبتعــد عــن احللبــة. كمــا أن الكســاد االقتصــادي

ــة فــي 2008 تســبب فــي الــذي أصــاب منطقــة االحتــاد األوروبــي بعــد األزمــة املالي

حــدوث خســائر كبيــرة لصــادرات املغــرب الــذي كان يعتمــد بصــورة أساســية علــى

ــي ــبب ف ــذي تس ــر ال ــه؛ األم ــه وصادرات ــتهالك بضائع ــي اس ــة ف ــوق األوروبي الس

ــرا مــن الشــركات واملؤسســات حــدوث هــزة اقتصاديــة كبيــرة للمغــرب وجعــل كثي

ــإن احلــرب ــرا، ف ــدة. أخي ــي هــذه االســتراتيجية اجلدي ــة تتشــجع لالخنــراط ف املغربي

التجاريــة التــي شــنتها أميــركا ضــد الصــن ودول االحتــاد األوروبــي والتــي تتضمــن

زيــادة الرســوم اجلمركيــة بــن هــذه البلــدان، دفعــت عــددا مــن الشــركات املصنعــة

للســيارات إلــى النظــر للمغــرب كبوابــة لأســواق اإلفريقيــة، التــي لــم تدخــل هــذه

احلــرب التجاريــة حتــى اآلن، وهــو مــا أســهم بــدوره فــي دخــول اســتثمارات أجنبيــة

لــت هــذا االنفتــاح االقتصــادي. كبيــرة للمغــرب مو

بســبب كل تلــك العوامــل الداخليــة واخلارجيــة، بــدأت اســتراتيجية االنفتــاح

ــتطاع ــا اس ــام 2014 حينم ــر الع ــي أواخ ــا ف ــي مثاره ــا تؤت ــى إفريقي ــادي عل االقتص

مشــروع القطــب املالــي للــدار البيضــاء اســتقطاب أكثــر مــن 60 شــركة دوليــة )مــن

167 |

بينهــا عمــالق التكنولوجيــا الصينيــة، شــركة هــواوي، واملجموعــة املصرفيــة الدوليــة

الفرنســية )BNP Paribas( التــي تعمــل فــي أكثــر مــن 77 دولــة حــول العالــم الفتتــاح

مكاتبهــا اإلقليميــة مبدينــة الــدار البيضــاء املغربيــة. وفــي مــارس/آذار من العــام 2018،

صــدر مؤشــر االســتثمار فــي إفريقيــا )Africa Investment Index )AII(( والــذي أشــار

ــة ــل وجه ــي متث ــة الت ــدول اإلفريقي ــن ال ــى ضم ــة األول ــرب للمرتب ــالل املغ ــى احت إل

لالســتثمارات األجنبيــة متجــاوزة بذلــك جنــوب إفريقيــا ومصــر واجلزائــر وبوتســوانا

التــي كان املغــرب يأتــي خلفهــا فــي العــادة.

مــع كل ذلــك، وبســبب ســيطرة القطــاع البنكــي علــى طبيعــة االنفتــاح االقتصــادي

املغربــي علــى الــدول اإلفريقيــة وهــو قطــاع يبتعــد عــن املخاطــر وعــن االســتثمارات

ــذا ــإن ه ــد، ف ــة األم ــة طويل ــاريع التنموي ــن املش ــرة وع ــة الكبي ــة العمالي ذات الكثاف

ــاد ــة لالقتص ــات الهيكلي ــة التحدي ــي معاجل ــة ف ــورة إيجابي ــهم بص ــم يس ــاح ل االنفت

املغربــي واملتمثلــة فــي ارتفــاع معــدالت عــدم املســاواة ونســبة البطالــة وســط الشــباب

املغربــي. كمــا أن هــذه االســتراتيجية تعانــي حتديــات أخــرى أهمهــا بــروز خصومــات

بــن املغــرب وبــن بعــض الــدول التــي تنافســه فــي صــدارة املشــهد اإلفريقــي مثــل

مصــر ونيجيريــا، ممــا ســيضطر املغــرب حلســاب حتركاتــه املســتقبلية فــي القــارة بحــذر.

خاتمة

االعتمــاد الكبيــر علــى القطــاع البنكــي فــي قيــادة االســتثمارات املغربيــة فــي إفريقيــا

لــه مخاطــر وســلبيات متعــددة أهمهــا هــو نــزوع القطــاع البنكــي التجــاري للمشــاريع

قليلــة املخاطــر عاليــة الربــح وذات الفتــرة الزمنيــة القصيــرة، وفــي العــادة فــإن هــذه

ــة وال اســتراتيجية بقــدر مــا تكــون مشــاريع ختــدم املشــاريع ال تكــون مشــاريع تنموي

المغرب: استراتيجية االنفتاح االقتصادي على إفريقيا وتحدياتها المستقبلية

| 168

ــا ــتثمارية تقوده ــتراتيجية اس ــى اس ــب عل ــك يصع ــاص. ولذل ــاع اخل ــاحل القط مص

البنــوك التجاريــة أن تســهم فــي تقليــل معــدالت البطالــة أو عــدم املســاواة. ولذلــك

ــداث ــي إح ــت ف ــي جنح ــدة، والت ــة الرائ ــة التنموي ــدول ذات التجرب ــد أن كل ال جن

ــة ــوك التنموي ــرف بالبن ــا يع ــى م ــة اقتصادهــا، تعتمــد عل ــي بني ــة ف حتــوالت هيكلي

الوطنيــة لتمويــل مشــاريعها التنمويــة االســتراتيجية وهــي بنــوك تركــز علــى املشــاريع

االســتراتيجية طويلــة األمــد وذات نفــع إيجابــي علــى بنيــة االقتصــاد وحتدياتــه

ــة. الهيكلي

علــى املــدي املتوســط، ميكــن للمغــرب عبــر اســتراتيجية انفتاحــه االقتصــادي علــى

ــة ــتثمارات األجنبي ــن االس ــر م ــذب الكثي ــي أن يج ــاع البنك ــطة القط ــا بواس إفريقي

داخــل املغــرب وتــؤدي لتوســع ومزيــد مــن االنفتــاح علــى الــدول اإلفريقيــة، لكــن

هــذه االســتثمارات األجنبيــة لــن تغيــر فــي بنيــة االقتصــاد املغربــي وال فــي معاجلــة

ــتراتيجية ــد اس ــد وقائ ــو رائ ــاري ه ــي التج ــاع البنك ــا دام القط ــة م ــه الهيكلي حتديات

ــة ــا أن أي ــخ االقتصــادي يعلمن ــا. فالتاري ــى إفريقي ــاح االقتصــادي للمغــرب عل االنفت

عمليــة حتــول اقتصــادي هيكلــي حنــو بنــاء اقتصــاد يقــوم علــى الصناعــة والتكنولوجيــا

حتتــاج إلــى ختطيــط طويــل املــدى إلنشــاء بنيــة حتتيــة فاعلــة كمــا حتتــاج إلــى تطويــر

ــث يحصــل ــد؛ وهــذا التحدي ــي البل ــة ف ــوى العامل ــارات الق ــدرات ومه ــث ق وحتدي

بصــورة رئيســية عــن طريــق التجربــة واخلطــأ والتعلــم باملمارســة، وهــي عمليــة حتتــاج

كذلــك إلــى وقــت طويــل وال حتــدث بــن ليلــة وضحاهــا، وكال األمريــن يحتاجــان

إلــى اســتثمارات ماليــة كبيــرة وال ميكــن أن يتوافــرا إال بوجــود قطــاع مالــي ذي توجــه

اســتراتيجي يعطــي قروضــا ماليــة ميســرة متوســطة وطويلــة األجــل، وهــو مــا ال يتوفــر

169 |

فــي البنــوك التجاريــة العاديــة وال فــي االســتثمارات األجنبيــة وذلــك أن جــزءا معتبــرا

ــي ــالد ف ــادر الب ــة تغ ــتثمارات أجنبي ــا باس ــم إنتاجه ــي يت ــوع الت ــاح والري ــن األرب م

صــورة نصيــب الشــركات األجنبيــة مــن األربــاح.

وتذكــر الدراســات، علــى ســبيل املثــال، أن الــدول الناميــة حصلــت فــي العــام 2012

ــة، ــون دوالر فــي صــورة مســاعدات واســتثمارات أجنبي ــغ 1.3 تريلي ــى دخــل بل عل

لكنهــا فقــدت فــي ذات العــام 3.3 تريليونــات دوالر لصــاحل الــدول املتقدمــة)48(.

ــادة ــي زي ــة ف ــتثمارات األجنبي ــن االس ــتفادت م ــي اس ــدول الت ــك ال ــى تل ــل حت ب

تســارع التحــول االقتصــادي الهيكلــي، مثــل ســنغافورة وتايــوان وباقــي دول جنــوب

شــرق آســيا، فتلــك الــدول لــم تســتفد مــن االســتثمارات األجنبيــة فــي صــورة أمــوال

ــة ــدول اآلســيوية االســتثمارات والشــركات األجنبي ــك ال ــل اســتخدمت تل ــط، ب فق

جلــذب الشــركات الدوليــة لبنــاء قــدرات ومهــارات الشــركات احملليــة الوطنيــة وتوفيــر

الوظائــف للقــوى العاملــة احملليــة ونقــل التكنولوجيا من الشــركات األجنبية للشــركات

احملليــة عــن طريــق وضــع خطــط وسياســات ومؤسســات ضابطــة لطريقــة عمــل تلــك

الشــركات األجنبيــة )علــى ســبيل املثــال عــن طريــق وضــع تلــك الشــركات األجنبيــة

)Export Processing Zones( ــز الصــادرات ــة فــي مناطــق جتهي مــع الشــركات احمللي

ــا حتــى وإلــزام الشــركات األجنبيــة بأخــذ املدخــالت مــن الشــركات احملليــة تدريجي

يتــم التأكــد مــن انتقــال التكنولوجيــا واملعرفــة واخلبــرة لتلــك الشــركات احملليــة)49(.

توصيات

لذلــك، توصــي هــذه الدراســة بــأن يتــم إعــادة النظــر فــي اســتراتيجية املغــرب فــي

انفتاحهــا علــى إفريقيــا عبــر التركيــز علــى محوريــن، األول: هــو تغييــر مؤشــر قيــاس

المغرب: استراتيجية االنفتاح االقتصادي على إفريقيا وتحدياتها المستقبلية

| 170

جنــاح هــذه االســتراتيجية مــن قدرتهــا علــى جــذب االســتثمارات األجنبيــة للمغــرب

ــة فــي االقتصــاد املغربــي )مثــل ملؤشــرات قيــاس تتعلــق مبعاجلــة التحديــات الهيكلي

ــور ــا احمل ــة(. أم ــة املغربي ــوى العامل ــدرات الق ــر ق ــة وتطوي ــدالت البطال ــاض مع اخنف

الثانــي، فهــو متعلــق بإعــادة هيكلــة نســب القطاعــات فــي االســتثمارات املغربيــة فــي

إفريقيــا وزيــادة نســبة القطــاع الصناعــي وقطــاع البنيــة التحتيــة خصوصــا فــي البلــدان

ــل أســواقا للصناعــات واملنتجــات املغربيــة وهــو مــا ســيؤثر إيجابــا التــي ميكــن أن متث

علــى االقتصــاد املغربــي وعلــى اقتصــادات الــدول اإلفريقيــة.

املراجع

)1( Ahmed Charai, ”Why Morocco Is Investing in Africa,“ The National

Interest, November 9, 2016, ”accessed November 3, 2019“. https://bit.

ly/2PcmVcm.

)2( Franck Kuwonu, ”Morocco flexed economic muscles and returned to the

AU,“ Africa Renewal, March 2017, ”accessed November 3, 2019“. https://

bit.ly/34hqTV7.

)3( Nizar Messari, ”Morocco›s African Foreign Policy,“ Middle East and

North Africa Regional Architecture, June 12, 2018, ”accessed November 3,

2019“. https://bit.ly/2RGDZJ7.

)4( ”Morocco in Line with AfDB›s High 5s,“ All Africa, July 22, 2016,

”accessed November 3, 2019“. https://bit.ly/2PDrP12.

)5( Kuwonu, ”Morocco flexed economic muscles and returned to the AU,“

171 |

op, cit.

)6( Rim Berahab, ”Relations between Morocco and sub-Saharan Africa:

What is the potential for trade and foreign direct investment?,“ OCP Policy

Center, Policy Brief 17/04, February 2017.

)7( Ibid and Trade Law Centre )tralac(, ”Morocco: Intra-Africa trade and tariff

profile,“ 2018, ”accessed November 24, 2019“. https://bit.ly/2slzOHS.

)8( Messari, ”Morocco›s African Foreign Policy,“ op, cit.

)9( Said Saddiki, ”Morocco’s Foreign Policy Treads on the Shifting Sands

of Africa,“ Moroccan Institute for Policy Analysis, April 2018, ”accessed

November 3, 2019“. https://bit.ly/2YFlLZX.

)10( Mohammed VI, ”Cooperation between the European Economic

Community and the Arab Maghreb Union,“ PhD Thesis at the University of

Nice-Antipolis in France, October 1993.

)11( Messari, ”Morocco›s African Foreign Policy,“ op, cit.

)12( Saddiki, ”Morocco’s Foreign Policy Treads on the Shifting Sands of

Africa,“ op, cit.

)13( Ibid.

)14( ”Morocco diversifying trade and investment to grow economy«, Oxford

Business Group, ”accessed November 3, 2019“. https://bit.ly/38tnxSo.

)15( Berahab, ”Relations between Morocco and sub-Saharan Africa: What

المغرب: استراتيجية االنفتاح االقتصادي على إفريقيا وتحدياتها المستقبلية

| 172

is the potential for trade and foreign direct investment?,“ op, cit.

)16( Ahlam Ben Saga, ”Morocco Ranks 1st for Economic Investment in Africa:

Report,“ Morocco World News, March 27, 2018, ”accessed November 3,

2019“. https://bit.ly/38xKaFq.

)17( ”Morocco: good harvest in foreign direct investment,“ African Daily

Voice, ”accessed March15, 2019“, https://bit.ly/2YE7jl3.

)18( ”Africa Investment Index )AII( 2018,“ Quantum Global Research Lab,

March 26, 2018, ”accessed November 3, 2019“. https://bit.ly/35iADQs.

)19( ”Morocco’s Leadership in Africa: A Partner for Progress and Peace,“

Morocco on the Move, ”accessed November 3, 2019“. https://bit.

ly/2rFnS3J.

)20( Ibid.

)21( Messari, ”Morocco›s African Foreign Policy,“ op, cit.

)22( Global Risk Insights, ”Morocco’s ambitious investments in Sub-Saharan

Africa full of risks and rewards,“ May 26, 2017, ”accessed November 3,

2019“. https://bit.ly/2PAQxza.

ــون بوســت، 18 فبراير/شــباط 2016، )23( »ملــاذا فشــل احتــاد املغــرب العربــي؟«، ن

.https://bit.ly/35fBsJV :)2019 ــي ــرين الثان ــول: 3 نوفمبر/تش ــخ الدخ )تاري

)24( Economic Commission for Africa )ECA(, ”First Report on the

Achievement of Sustainable Development Goals in the Maghreb,“ ECA/

173 |

SRO-NA/ICE/33/INF/3, November 02, 2018, ”accessed November 3,

2019“. https://bit.ly/34jEBXW.

)25( »بعــد ربــع قــرن مــن تأسيســه.. ملــاذا فشــل االحتــاد املغاربــي؟«، ساســة بوســت،

https:// :)2019 ــي ــخ الدخــول: 3 نوفمبر/تشــرين الثان 12 مــارس/آذار 2014، )تاري

.bit.ly/2PGLFZ6

)26( Messari, ”Morocco›s African Foreign Policy,“ op, cit.

)27( ”Why Banks in Morocco Are Spreading the Wealth around Africa,“

Stratfor, January 11, 2019, ”accessed November 3, 2019“. https://bit.

ly/36oKPqP.

)28( Ibid.

)29( ”Relations between Morocco and sub-Saharan Africa: What is the

potential for trade and foreign direct investment?,“ op, cit.

)30( l’Agence Française de Développement )AFD( and la Direction

des Etudes et des Prévisions Financière )DEPF(, ”Développement des

entreprises marocaines en Afrique: réalité et perspectives,“ December 6,

2018, ”accessed November 24, 2019“. https://bit.ly/2rCePAA.

)31( Ibid.

)32( Global Risk Insights, ”Morocco’s ambitious investments in Sub-Saharan

Africa full of risks and rewards,“ op, cit.

)33( Messari, ”Morocco›s African Foreign Policy,“ op, cit.

المغرب: استراتيجية االنفتاح االقتصادي على إفريقيا وتحدياتها المستقبلية

| 174

)34( Joe Bavier, ”Morocco›s Attijari wafa bank to eye new Africa acquisitions

from late 2019,“ Reuters, November 8, 2018, ”accessed November 3,

2019“. https://reut.rs/2PFFF2H.

)35( ”Why Banks in Morocco Are Spreading the Wealth around Africa,“ op, cit.

)36( Kuwonu, ”Morocco flexed economic muscles and returned to the AU,“ op, cit.

)37( Global Risk Insights, ”Morocco’s ambitious investments in Sub-Saharan

Africa full of risks and rewards,“ op, cit.

)38( ”Why Banks in Morocco Are Spreading the Wealth around Africa,“ op, cit.

)39( Berahab, ”Relations between Morocco and sub-Saharan Africa: What

is the potential for trade and foreign direct investment?,“ op, cit.

)40( Saddiki, ”Morocco’s Foreign Policy Treads on the Shifting Sands of

Africa,“ op, cit.

)41( Berahab, ”Relations between Morocco and sub-Saharan Africa: What

is the potential for trade and foreign direct investment?,“ op, cit.

)42( Tamba François Koundouno, ”Morocco Has Highest Inequality Index

in North Africa: Study,“ Morocco World News, July 16, 2018, ”accessed

November 3, 2019“. https://bit.ly/2E8yDhL.

)43( ”Kingdom of Morocco Systematic Country Diagnostic: Governing

towards Efficiency, Equity, Education and Endurance“, World Bank, 2018,

”accessed November 3, 2019“. https://bit.ly/2qIm1uA.

175 |

)44( ”Why Banks in Morocco Are Spreading the Wealth around Africa,“ op, cit.

)45( زكــي توفيــق، »السيســي بإثيوبيــا يؤخــر دعــم عــودة املغــرب لالحتــاد اإلفريقــي«،

عربــي 21، 29 يناير/كانــون الثانــي 2017، )تاريــخ الدخــول: 3 نوفمبر/تشــرين الثانــي

.https://bit.ly/36wCLEx :)2019

)46( ”Why Banks in Morocco Are Spreading the Wealth around Africa,“ op, cit.

)47( Saddiki, ”Morocco’s Foreign Policy Treads on the Shifting Sands of

Africa,“ op, cit.

)48( Jason Hickel, ”Aid in reverse: how poor countries develop rich

countries,“ The Guardian, January 14, 2017, ”access on November 3,

2019“. https://bit.ly/2YKkzV5.

)49( Shigeko Hayashi, ”The developmental state in the era of globalization:

beyond the Northeast Asian model of political economy,“ The Pacific Review,

23, no.1, )2010(: 45-69.

المغرب: استراتيجية االنفتاح االقتصادي على إفريقيا وتحدياتها المستقبلية

177 |

شبكات التواصل االجتماعي والرقابة على املحتوى:فيسبوك وإشكالية الجمع بني التواصل اإلعالمي وحرية التعبري

محمد األمن موسى*

مقدمة

لــت بعــض شــبكات التواصــل االجتماعــي خــالل عقــد مــن الزمــان مــن التركيــز حتو

علــى التواصــل االجتماعــي الــذي يهــدف إلــى الربــط الشــبكي بــن ماليــن األفــراد

ــي ــى التواصــل اإلعالم ــة، إل ــة مهن ــارف وزمال ــات ومع ــم صداق ــع بينه ــن جتم الذي

الــذي يتــم فيــه تــداول محتــوى إعالمــي مت إعــداده مــن طــرف محترفــن أو هــواة.

ل إلــى ظهــور تســاؤالت حــول مــدى اســتعداد هــذه الشــبكات وقــد أدى هــذا التحــو

ــر ــة عب ــالم التقليدي ــائل اإلع ــتها وس ــي أرس ــي الت ــر اإلعالم ــات النش ــل تبع لتحم

ــا. ــة عنه ــات احلديث ــى للمجتمع ــة ال غن ــة رئيس ــزة معرفي ــا ركي ــل منه ــنن لتجع الس

ــه ــر التــي تســمح بتــداول املعرفــة مبــا يتضمن ومــن أبــرز هــذه التبعــات، حريــة التعبي

هــذا التــداول مــن تضــارب فــي املصــاحل ومخاطــر أخــرى قــد حتيلــه إلــى تعــد علــى

حقــوق اآلخريــن.

* د. محمد األمن موسى، أستاذ الصحافة اإللكترونية املشارك بجامعة قطر

| 178

إن التواصــل اإلعالمــي هــو أكثــر أنــواع التواصــل اإلنســاني جــدال وخطــورة من حيث

ــد ــات ق ــن مكون ــه م ــا تشــتمل علي ــات وم ــة املجتمع ــه وارتباطــه ببني ــره وأهميت تأثي

تفتقــر إلــى التناغــم مثــل احلكومــات واملؤسســات غيــر احلكوميــة وقطاعــات الشــعب

املختلفــة والعالقــات الدوليــة. وهــذا مــا يفســر بقــاء نشــر احملتــوى اإلعالمــي متركــزا

ــة تســمح باالســتمرارية ــا حلســابات دقيق ــه وفق ــم في ــة محــددة تتحك ــدي فئ ــي أي ف

علــى الرغــم مــن كثــرة املخاطــر. وعندمــا فتحــت ثــورة اإلنترنــت األبــواب واســعة

أمــام كافــة النــاس لكــي يتواصلــوا فيمــا بينهــم متجاوزيــن حــدود املــكان والزمــان،

نتهــم خدماتهــا ومبتكراتهــا مــن فــك احتــكار املمارســة اإلعالميــة، ظهــر العديــد ومك

ــة التــي لــم تكــن فــي احلســبان، مثــل: احلاجــة ــة واألخالقي مــن اإلشــكاالت املهني

للرقابــة علــى احملتــوى فــي ظــل التدفــق الهائــل وغيــر املســبوق للرســائل التواصليــة،

وســهولة التحريــف والتزويــر وصناعــة احملتــوى الــكاذب، وصعوبــة اجلمــع بــن

املصلحــة اخلاصــة واملصلحــة العامــة بإتاحــة حريــة التعبيــر واحلــد منهــا فــي الوقــت

ــزة. ذاتــه بكيفيــة انتقائيــة أو متحي

ر فيســبوك شــبكات التواصــل االجتماعــي باعتبــاره أكبــر فضــاءات الويب لقــد تصــد

التــي تضــم مليــارات مــن النــاس املتواصلــن فيمــا بينهــم فــي شــكل شــبكات مــن

األصدقــاء وأصحــاب املصــاحل املشــتركة، الذيــن ينشــرون املعرفــة ويتداولونهــا بكافــة

ــة ــي كاف ــو...( وف ــوت والفيدي ــورة والص ــص والص ــة )الن ــائط التواصلي ــواع الوس أن

مســتويات التواصــل اإلنســاني )بــدءا بالذاتــي وصــوال إلــى الثقافــي(. بــدأ فيســبوك

كموقــع ويــب يقــدم خدمــة التعريــف بالــذات ومــن ثــم التعــارف بــن األصدقــاء،

ل وأصبــح رويــدا رويــدا يســمح بــإدراج الوســائط واحملتــوى اإلعالمــي، إلــى أن حتــو

179 |

إلــى منصــة إعالميــة كاملــة الصالحيــات مــن حيــث إنتــاج احملتــوى اإلعالمــي ونشــره

علــى نطــاق عاملــي بكافــة أنــواع الوســائط. وهــذا مــا ألقــى علــى عاتــق إدارة هــذا

ــل التبعــات األخالقيــة والقانونيــة املوقع-الشــبكة مســؤولية عظمــى فــي حمايتــه وحتم

الناجمــة عــن النشــر ومــا يصحبــه مــن جتــاوزات ألكثــر مــن مليــاري ناشــر متزامــن.

ــى ــي، إل ــل االجتماع ــع التواص ــن مواق ــره م ــبوك، وغي ــع إدارة فيس ــك دف كل ذل

مراقبــة احملتــوى املنشــور انطالقــا مــن شــروط النشــر احملــددة ســلفا، أو مــن الضغــوط

التــي متارســها حكومــات الــدول فــي إطــار احلــد مــن قــدرة معارضيهــا علــى ممارســة

التواصــل اإلعالمــي بطريقــة ســهلة ومؤثــرة يصعــب مراقبتهــا والتحكــم فيهــا، بحكــم

الطبيعــة العامليــة للنشــر عبــر شــبكة الويــب.

1. اإلطار املنهجي للدراسة

أ- إشكالية البحث

ل تكمــن إشــكالية هــذا البحــث فــي معضلــة اجلمــع بــن حريــة التعبيــر التــي تشــك

التقليديــة التواصــل اإلعالمــي االحترافــي، باعتبــار أن وســائل اإلعــالم قــوام

ــة( ــة )الدميقراطي ــات املالئم ــي البيئ ــة ف ــد حتســن اســتغالل هــذه احلري ــة ق االحترافي

مبصاحبــة أخالقيــات املهنــة، واالضطــرار ملراقبــة احملتــوى الــذي ال يخضــع النتقائيــة

العمــل اإلعالمــي التقليــدي، مثلمــا يحــدث عنــد شــبكات التواصــل االجتماعــي.

ــها ــي متارس ــة الت ــوط اخلارجي ــن الضغ ــة م ــي الرقاب ــا تأت ــكالية عندم ــق اإلش وتتعم

بعــض احلكومــات علــى شــبكات التواصــل االجتماعــي، والتــي تعتبــر كل محتــوى

ــر، بغــض النظــر عــن األســس ــة التعبي ل إســاءة الســتخدام حري معــارض لهــا يشــك

شبكات التواصل االجتماعي والرقابة على المحتوى

| 180

ــل ــبكات التواص ــل ش ــذي يجع ــر ال ــوى؛ األم ــذا احملت ــا ه ــتند إليه ــي يس ــة الت العادل

ــادئ الفلســفية التــي قامــت ــدو فــي نظــر الكثيريــن منحرفــة عــن املب االجتماعــي تب

عليهــا، وفــي مقدمتهــا متكــن اجلماهيــر مــن ممارســة حريــة التعبيــر مــن خــالل فــك

االحتــكار الــذي ظلــت متارســه وســائل اإلعــالم التقليديــة طيلــة قــرون مضــت، قبــل

ــرن املاضــي. ــب وانتشــارها فــي تســعينات الق ظهــور شــبكة الوي

ــن ــبوك م ــبكة فيس ــه ش م ــذي تقد ــارخ ال ــال الص ــي املث ــكالية ف ــذه اإلش ــى ه تتجل

خــالل اضطرارهــا للقيــام باملراقبــة بصفــة دائمــة للتخلــص مــن احملتــوى غيــر امللتــزم

ــبكة، ــاء الش ــكاوى أعض ــتجابة لش ــبكة، واالس ــا الش ــي وضعته ــر الت ــة النش بسياس

وشــكاوى احلكومــات التــي تثيــر جــدال حــول مــدى انطالقهــا مــن انتهــاكات حريــة

ــك احلكومــات وممارســاتها. ــا مــع سياســات تل ــر أو مــن تعارضه التعبي

وهنــا ميكــن طــرح التســاؤل اإلشــكالي اآلتــي: إلــى أي مــدى تســتطيع شــبكة

ــر ــي توفي ــتمرار ف ــي، االس ــل االجتماع ــبكات التواص ــن ش ــا م ــبوك، وغيره فيس

فضــاء رحــب ملمارســة حريــة التعبيــر مــن خــالل نشــر احملتــوى اإلعالمــي، فــي ظــل

ــا نــزوع احلكومــات للهيمنــة علــى احملتــوى اإلعالمــي الــذي تــرى فيــه تهديــدا وجودي

ــي ــة الت ــى هــذه الشــبكات مــن أجــل ســلبها قدراتهــا التواصلي يقتضــي الضغــط عل

ــخ؟ ــر التاري ــى م ــة عل ــة واإلعالمي ــر الوســائل التواصلي ــا أكب ــت منه جعل

ب- منهج البحث

ل شــبكات التواصــل االجتماعــي مــن كونهــا مجــرد فضــاء تواصلــي نظــرا ألن حتــو

ــى النهــوض ــة، إل ــم االجتماعي ــر عــن طبيعته ــون قصــد التعبي ــره املتواصل ــي عب يلتق

ــد مجموعة ــن روادهــا مــن ممارســة التواصل اإلعالمــي، ول بــأدوار املنصــات التــي متك

181 |

مــن اإلشــكاالت املتعلقــة مبمارســة مهنــة اإلعــالم، فــإن هــذا البحــث ســوف يعتمــد

علــى املنهــج النوعــي التفســيري فــي النظــر فــي هــذه اإلشــكاالت ومــا نتــج عنهــا

ــزات السياســية. مــن جــدال واحتجاجــات علــى املــس بحريــة التعبيــر وبــروز التحي

ــات ــة، واالختالف ــي للحقيق ــم الذات ــى الفه ــيري عل ــي التفس ــج النوع ــوم املنه ويق

ــى دور ــا. كمــا يعتمــد عل ــردة ويصعــب تعميمه ــي جتعــل الظواهــر متف ــة الت اجلوهري

ل أثنــاء العمليــة الباحــث فــي تشــكيل احلقيقــة وقياســها، حيــث يتطــور البحــث ويتعــد

ــي ــاج التعمــق ف ــة هــي نت ــى خالصــات نظري ــد يفضــي إل ــذي ق ــر ال ــة؛ األم البحثي

ــا مــا ينتــج البحــث النوعــي كلمــات وأفــكارا، مقارنــة التحقيــق والتفســير)1(. وغالب

ــا ومعلومــات)2(. ــج أرقام بالبحــث الكمــي الــذي قــد ينت

ــتقراء ــا االس ــكاليات أبرزه ــة اإلش ــددة ملقارب ــق متع ــي طرائ ــج النوع ــتخدم املنه يس

ــة، ــل احملادث ــك، وحتلي ــاب، والتفكي ــل اخلط ــة، وحتلي س ــة املؤس ــي، والنظري التحليل

ــل ــي، والتحلي ــد احلداث ــا بع ــل م ــي، والتحلي ــل التأويل ــل املســرحي، والتحلي والتحلي

الســردي، والتحليــل الســيميولوجي، والتحليــل البنيــوي، والتحليــل مــا بعــد البنيــوي.

ــل)3(. ــا للتفســير والتأوي ــة تشــترك فــي انتمائه ــورد 27 طريق ــاك مــن ي وهن

هكــذا، فــإن البحــث ســوف يســعى لتبيــان اإلشــكالية التــي وقعــت فيهــا شــبكات

التواصــل االجتماعــي، مــن خــالل التركيــز علــى جتربــة شــبكة فيســبوك، واملتمثلــة

فــي اللجــوء لرقابــة احملتــوى اإلعالمــي الــذي ينشــره مســتخدمو هــذه الشــبكة، ومــا

ينتــج عــن هــذا النشــر مــن ضغــوط سياســية واقتصاديــة تضــع هــذه الشــبكات بــن

ــة ــق الدولي ــي تكفلهــا املواثي ــر الت ــة التعبي ــع بحري مطرقــة وســندان مــن يســعون للتمت

ــرت بهــا ثــورة اإلنترنــت، ومــن يســعون للتضييــق علــى حريــة املعارضــن وبش

شبكات التواصل االجتماعي والرقابة على المحتوى

| 182

ــين. السياس

ز علــى الربــط بــن الســياقات التــي تشــتغل فيهــا وعلــى الرغــم مــن أن البحــث ســيرك

ــن ــه ل ــبوك، إال أن ــبكة فيس ــن ش ــة م ــل أمثل ــي وحتلي ــل االجتماع ــبكات التواص ش

يغفــل بعــض احلــاالت التــي تعــزز مــا ورد فــي إشــكالية البحــث لتبيــان أن األمــر قــد

ال يقتصــر علــى فيســبوك بــل هــو أقــرب إلــى الظاهــرة التــي تعــم شــبكات تواصــل

اجتماعــي أخــرى.

ــة ــح العام ــد املالم ــا حتدي ــث يتغي ــرة للباح ــات املتوف ــي للمعطي ــل النوع إن التحلي

لظاهــرة املمارســات اإلعالميــة عبــر شــبكات التواصــل االجتماعــي ومــا يرتبــط بهــا

مــن ظواهــر جديــدة علــى الوســط اإلعالمــي مثــل تزييــف األخبــار ودور التكنولوجيــا

ــرف ــي احملت ــن الصحاف ــاعة وب ــر واإلش ــن اخلب ــي ب ــي التماه ــعبية ف ــة الش الرقمي

ــات املدروســة كحــاالت ــل ال يتعاطــى مــع العين والصحافــي املواطــن. أي إن التحلي

ــا ــات أشــمل تتداخــل فيه ــى توجه ــة عل ــل كمؤشــرات دال ــة، ب مخصوصــة ومنعزل

ــي ــوى والت ــى احملت ــة عل ــل، هــو الرقاب ــط الناظــم للتحلي ــرة. ويظــل اخلي ــل كثي عوام

تتمظهــر بكيفيــة مباشــرة وغيــر مباشــرة مــن خــالل مساتهــا التــي عرفــت فــي اإلعــالم

ــة وخوارزمياتهــا املســتندة إلــى ــورة الرقمي ــدة أتــت بهــا الث التقليــدي، ومســات جدي

ــي. ــذكاء االصطناع ال

2. السمات التواصلية لشبكات التواصل االجتماعي

ــل فــي حتويــل إن الفلســفة التــي انطلقــت منهــا شــبكات التواصــل االجتماعــي تتمث

التواصــل االجتماعــي احلقيقــي الــذي يتــم ضمــن املجتمعــات البشــرية فــي مختلــف

ــران والزمــالء وصــوال إلــى ســكان ــدءا مــن األســرة واألصدقــاء واجلي مســتوياتها )ب

183 |

ــة ــدود اجلغرافي ــى احل ــي يتخط ــي رقم ــل اجتماع ــى تواص ــة( إل ــة املخصوص املنطق

ويتســم بالعامليــة انطالقــا مــن اخلصائــص التواصليــة لشــبكة الويــب )الفوريــة

ــددة(. ــائط املتع ــم الوس ــة ودع والتفاعلي

وقــد بــدأت شــبكات التواصــل االجتماعــي الرقمــي مشــوارها كنافــذة علــى

ــارف تتســع ــاء )مــع ظهــور شــبكة فيســبوك فــي فبراير/شــباط 2004( واملع األصدق

لتشــمل اآلالف فــي مختلــف بقــاع العالــم، وميكــن التواصــل معهــم دون قيــود وقتية.

ثــم تطــور األمــر لتصبــح هــذه الشــبكات فضــاء للتعــاون بــن املتواصلــن والتنســيق

فيمــا بينهــم مــن أجــل تبــادل املعرفــة والقيــام مببــادرات يســتفيد منهــا املجتمــع خــارج

حــدود شــبكة التواصــل)4(.

ــب ــع الوي ــن مواق ــا م ــن غيره ــي ع ــل االجتماع ــبكات التواص ــع ش ــف مواق ختتل

ــل ــبكات التواص ــع ش ــع مواق ــتخدمن م ــة املس ــات: أوال: أن جترب ــالث مس ــي ث ف

ــبكات ــع ش ــة مواق ــم؛ فكاف ــا بينه ــال فيم ــط االتص ــو رب ــة حن ه ــي موج االجتماع

ــة ــح قائم ــخصي، وتوضي ــف ش ــاء مل ــراد بإنش ــمح لأف ــي تس ــل االجتماع التواص

ــن الذيــن يشــاركهم االتصــال )قائمــة األصدقــاء(، واســتعراض املســتخدمن اآلخري

وجتــاوز قائمــة االتصــال اخلاصــة بهــم إلــى قوائــم اآلخريــن. ثانيــا: تســمح شــبكات

ــوى ــاركة احملت ــة ومش ــائل التواصلي ــادل الرس ــتخدميها بتب ــي ملس ــل االجتماع التواص

ــى ــز عل ــي ترك ــي الت ــل االجتماع ــبكات التواص ــا: ش ــا. ثالث ــق عليه ــي والتعلي الرقم

ــي ــة ف ــات االجتماعي ــل فيســبوك- تدعــم العالق ــن املســتخدمن -مث ــات ب العالق

العالــم احلقيقــي املوجــودة مســبقا؛ األمــر الــذي يجعلهــا داعمــا للحيــاة االجتماعيــة

ــا)5(. ــيعا لنطاقه وتوس

شبكات التواصل االجتماعي والرقابة على المحتوى

| 184

ــام ــي ع ــب )Web 2.0(، ف ــبكة الوي ــن ش ــي م ــل الثان ــة اجلي ــرت تقني ــذ أن انتش ومن

ــرت الطريقــة التــي يتــم بهــا توليــد محتــوى موقــع الويــب وأضفــت 2004، والتــي غي

ــح ملســتخدميها ــة، اســتطاعت شــبكات التواصــل االجتماعــي أن تتي ــه ديناميكي علي

إمكانيــة االتصــال فيمــا بينهــم وإنتــاج احملتــوى ومشــاركته مباشــرة)6(، عبــر التعليــق

والتفاعــل والتمريــر والتنزيــل والنســخ واملشــاركة. وتــؤدي مشــاركة احملتــوى إلــى زيادة

ــة للمســتخدمن، خاصــة أولئــك املمارســن للتواصــل التعليمــي املهــارات التواصلي

)معلمــن ومتعلمــن()7(، كمــا أن شــبكات التواصــل االجتماعــي تتيــح للمســتخدمن

مجموعــة مــن اإلمكانيــات غيــر املتوفــرة فــي شــبكات التواصــل االجتماعــي

التقليديــة، مثــل: البحــث عــن احملتــوى عبــر الشــبكة املعنيــة أو عبــر شــبكة الويــب)8(.

ــة مراجعــة احملتــوى كمــا تتيــح شــبكات التواصــل االجتماعــي للمســتخدمن إمكاني

وتنقيتــه قبــل النشــر؛ األمــر الــذي يجعلهــم ميارســون قــدرا مــن الرقابــة الذاتيــة تفاديــا

ــرة” ــة األخي ــة الدقيق ــض بـ”رقاب ــميه البع ــا يس ــة م ــة، وخاص ــر املرغوب ــات غي للتبع

والتــي ال تؤثــر كثيــرا علــى املعلومــات واألفــكار الــواردة فــي احملتــوى، ولكنهــا جتنــب

املســتخدم الوقــوع فــي األخطــاء البســيطة التــي قــد تفســد العمــل، إذا انتفــت إمكانية

التراجــع بعــد النشــر)9(.

ــي ــب، أال وه ــص الوي ــم خصائ ــن أه ــي م ــل االجتماع ــبكات التواص ــتفادت ش اس

دعــم الوســائط املتعــددة، فــي تشــجيع املســتخدمن علــى إنتاج احملتــوى بكيفية ســهلة

وســريعة تتســم بالفعاليــة واملالءمــة لعــادات التلقــي املعاصــرة. فباســتخدام تطبيقــات

Storify توقــف فــي 16 مايو/أيــار 2018 وأصبــح البديــل( )Storify( ”مثــل “ســتوريفاي

2( يســتطيع املســتخدم أن ينتــج محتــوى قائمــا علــى الســرد القصصي، يحتــوي العديد

185 |

مــن عناصــر الوســائط املتعــددة املبذولــة عبــر شــبكات التواصــل االجتماعــي)10(.

هنــاك مــن يجمــل خصائــص شــبكات التواصــل االجتماعــي -انطالقــا مــن

التكنولوجيــا املســتخدمة فيهــا- فــي أربــع خصائــص:

- أوال: الدمــج: ويتمثــل فــي دمــج مئــات املاليــن مــن شــتات املســتخدمن

املتواصلــن فيمــا بينهــم وهــم يتبادلــون املعلومــات ضمــن منصــة واحــدة.

- ثانيــا: فعاليــة الوقــت: وتتــم مــن خــالل اإللقــاء والتلقــي الفــوري للبيانــات

ــة للمســتخدمن. ــل شــبكات التواصــل االجتماعــي جاذب ــات، وهــذا يجع واملعلوم

ــل ــذل مســتخدم شــبكات التواصــل االجتماعــي أق ــث يب ــد: حي ــة اجله ــا: قل - ثالث

جهــد ممكــن فــي التواصــل عبرهــا واحلصــول علــى املعلومــات، ألنهــا ال حتتــاج إلــى

ــا. مهــارات خاصــة أو تدريــب احترافــي، فضــال عــن كــون االشــتراك فيهــا مجاني

ــة ــاح والديناميكي ــي باالنفت ــل االجتماع ــبكات التواص ــم ش ــب: تتس ــا: الترتي - رابع

بفضــل تقنيــة الويــب )2.0(، التــي تســاعد فــي ترتيــب احملتــوى جتنبــا للفوضــى التــي

اء إلقــاء كــم هائــل مــن الرســائل التواصليــة مــن لــدن ماليــن قــد حتــدث مــن جــر

ــتخدمن)11(. املس

3. سياسات الشبكات االجتماعية يف الرقابة على املحتوى

رأينــا فــي الســمات التواصليــة لشــبكات التواصــل االجتماعــي الرقمــي، كيــف أنهــا

تتيــح للمســتخدمن إمكانيــة إضافــة احملتــوى وتبادلــه وتنزيلــه. وهــذه مســة أصيلة، ألن

هــذه الشــبكات ال تقــوم علــى إنتــاج احملتــوى وتقدميــه للمتلقــن مثلمــا تفعــل مواقــع

الويــب األخــرى، لــذا البــد لهــا مــن وضــع سياســة عامة توجــه عمليــات النشــر بحيث

تــوازن بــن حريــة التعبيــر واحلفــاظ علــى حقــوق اآلخريــن. وقــد أصبــح معلومــا أن

شبكات التواصل االجتماعي والرقابة على المحتوى

| 186

ــن ــم م ــن ومتكينه ــة للمتواصل ــة التفاعلي ــب، إتاح ــع الوي ــص مواق ــرز خصائ ــن أب م

أدواتهــا، لدرجــة أصبحــت معهــا هــذه التفاعليــة أحــد معاييــر فعاليــة موقــع الويــب

ــتخدم-الزائر ــاء املتلقي-املس ــالل إلق ــن خ ــق م ــة تتحق ــه. والتفاعلي ــه وحيويت وجودت

ــري ــي تث ــك الت ــة نظــره أو شــعوره، أو تل ــر عــن وجه ــي تعب ــة الت للرســائل التواصلي

احملتــوى.

ع املســتخدمن علــى ممارســة ولــم تكتــف شــبكات التواصــل االجتماعــي التــي تشــج

التواصــل اإلعالمــي بتقــدمي سياســاتها التــي تنظــم عمليــة نشــر احملتــوى، بــل خطــت

ــم نشــره، علــى الرغــم مــن خطــوات متقدمــة فــي الرقابــة علــى احملتــوى بعــد أن يت

ــتخدمن ــن املس ــن م ــات املالي ــود مئ ــل وج ــي ظ ــة ف ــذه الرقاب ــام به ــة القي صعوب

ب، مثلمــا يحــدث فــي شــبكة فيســبوك ــة وبالغــة التشــع ــة متزامن املتواصلــن بكيفي

ــر ويوتيــوب وغيرهــا. وتويت

1.3. مالمح سياسات الرقابة على املحتوى

علــى الرغــم مــن أن شــبكات التواصــل االجتماعــي البــارزة قــد التزمــت بــأن تكــون

ــداول احلــر ــاس مــن الت ــادل املعلومــات ومتكــن الن منفتحــة وشــفافة فــي مجــال تب

جلعــل العالــم أكثــر انفتاحــا واتصــاال)12(، فإنهــا علــى صعيــد التطبيــق متــارس قــدرا

مــن الرقابــة الداخليــة والرقابــة اخلارجيــة التــي تفرضهــا عليهــا مصاحلهــا التجاريــة،

ا)13(. والتــي قــد تأخــذ طابعــا سياســي

ــات ــع سياس ــي لوض ــل االجتماع ــبكات التواص ــت ش ــي دع ــور الت ــن األم ــن ب وم

ــي ــاءات ف ــذه الفض ــن له ــض املتطرف ــتغالل بع ــوى، اس ــى احملت ــة عل ــرض رقاب لف

ل خطــرا علــى املجتمعــات. ولكــن ممارســة أنشــطتهم ونشــر أفكارهــم التــي قــد تشــك

187 |

اإلشــكال يكمــن فــي أن تعريــف شــبكات التواصــل االجتماعــي للتطــرف غامــض

ــرروا ــوى أن يق ــي احملت ــن ف ــين واملتحكم ــن السياس ــاح للفاعل ــا أت ــاض، مم وفضف

ــا ــذف، وم ــرف فيح ــوى متط ــه كمحت ــن تصنيف ــا ميك ــة- م ــم اخلاص ــا لرؤيته -وفق

ــرك)14(. ــدل فيت ــوى معت ــه كمحت ــن تصنيف ميك

وهنــاك خطــاب الكراهيــة الــذي تســعى جــل شــبكات التواصــل االجتماعــي

للحيلولــة دون انتشــاره عبــر منصاتهــا. إن الســبب الرئيــس حلظــر شــبكات التواصــل

ــوى ــذا احملت ــه ه ــذي يلحق ــي ال ــرر النفس ــو الض ــة ه ــاب الكراهي ــي خلط االجتماع

ــة ــاب الكراهي ــرق أن خط ــال الع ــي مج ــن ف ري ــد املنظ ــد أح ــد وج ــاه؛ فق بضحاي

ــل إلــى يجعــل أعضــاء املجموعــة املســتهدفة مييلــون إلــى اســتيعاب الرســالة والتوص

اإلميــان بنقصهــم، وهــذا يعتبــر التأثيــر األكثــر ضــررا خلطــاب الكراهيــة، فضــال عــن

أن االســتمرار فــي نشــر خطــاب الكراهيــة قــد يــؤدي إلــى تأثيــر ســلبي علــى األقليــات

ــتهدفة)15(. ــرى املس ــات األخ ــاء واملجموع والنس

إن األدوات التــي تســتخدمها شــبكات التواصــل االجتماعــي فــي الرقابــة علــى

احملتــوى تتســم بالتنــوع والديناميكيــة -حالهــا حــال شــبكات التواصــل االجتماعــي

ذاتهــا- وتشــمل أربــع مجموعــات: البحــث عــن الكلمــات )التــي مت تصنيفهــا

مســبقا(؛ وحتليــل املوضوعــات وامليــول العاطفيــة، وحتليــل أمنــاط االنتشــار، واجلمــع

ــة)16(. ــاليب الثالث ــن األس ب

لقــد أصبحــت ممارســات الرقابــة علــى احملتــوى عبــر شــبكات التواصــل االجتماعــي

أمــرا واقعــا؛ ممــا دفــع إلــى ظهــور الرقابــة الذاتيــة التــي يقــوم بها مســتخدمو الشــبكات

جتنبــا لإلشــكاالت التــي تترتــب علــى االســتخدام الســيء للمحتــوى مــن قبيــل تزويره

شبكات التواصل االجتماعي والرقابة على المحتوى

| 188

أو ســوء تأويلــه. ودفــع هــذا التوجــه إلــى إيجــاد برمجيــات تســاعد املســتخدمن علــى

)uTrack( ”تتبــع محتواهــم عبــر شــبكات التواصــل االجتماعــي، من شــاكلة “يوتــراك

الــذي يقــوم بتجميــع احملتــوى الــذي ألقــاه املســتخدم فــي كافــة شــبكات التواصــل

االجتماعــي ويتتبــع مآالتــه)17(.

ومعلــوم أن شــبكات التواصــل االجتماعــي، وفــي مقدمتهــا شــبكة فيســبوك، تتيــح

للمســتخدم مجموعــة مــن األدوات واإلجــراءات التــي تســاعده علــى القيــام بالرقابــة

الذاتيــة علــى احملتــوى الــذي ينشــره، ومــا ينشــر فــي فضائــه مــن لــدن أفــراد شــبكته

)أصدقائــه(. ومــن أبــرز طــرق الرقابــة الذاتيــة: اختيــار املشــاركة أو عــدم املشــاركة مــع

اآلخريــن؛ وحظــر املســتخدمن مــن مشــاهدة احملتــوى)18(.

إن األثــر األكبــر لرقابــة احملتــوى عبر شــبكات التواصــل االجتماعي يلحــق بالصحافين

ــر ــرة ملمارســة التواصــل اإلعالمــي عب الذيــن تأقلمــوا ســريعا مــع اإلمكانيــات الكبي

شــبكات التواصــل االجتماعــي؛ األمــر الــذي دفــع منظمــة “مراســلون بــال حــدود”

-فــي إطــار جهودهــا ملكافحــة الرقابــة الرقميــة- لكــي تطالــب هــذه الشــبكات مبــا

يلــي:

- نشــر تقاريرهــا املتعلقــة بالشــفافية متضمنــة الطلبــات التــي تتلقاهــا مــن احلكومــات

مــن أجــل حــذف احملتــوى أو حــذف حســابات بعــض املســتخدمن.

- احترام اإلعالن العاملي حلقوق اإلنسان.

ــتخدمها ــي يس ــا الت ــة للتكنولوجي ال ــع الفع ــات التتب ــالق وآلي ــد األخ ــاد قواع - اعتم

ــون. الصحافي

- حظر تصدير تكنولوجيا املراقبة إلى الدول االستبدادية.

189 |

ــل الشــركات مســؤولية ــا تتحم ــي مبوجبه ــود املســؤولة”، والت ــادئ “العق ــق مب - تطبي

جزئيــة عــن انتهــاكات حقــوق اإلنســان اخلطيــرة التــي قــد تنجــم عــن التقنيــة التــي

ــا)19(. ــتخدمها أو تنتجه تس

وفــي تقريرهــا لعــام 2019 حــول الرقابــة الرقميــة -والــذي يحمــل عنــوان “مــن الــذي

ــة ــدود اإللكتروني ــة احل ــت مؤسس ــرك” )Who Has Your Back(- تناول ــي ظه يحم

ــي( ــم الرقم ــي العال ــة ف ــات املدني ــن احلري ــاع ع ــى بالدف ــة تعن ــي منظم )EFF( )وه

سياســات الرقابــة علــى احملتــوى التــي تضعهــا شــبكات التواصــل االجتماعــي بســبب

الضغــوط احلكوميــة الهائلــة. وتنقســم هــذه السياســات إلــى ســت فئــات:

- الشفافية في اإلبالغ عن طلبات اإلزالة احلكومية بناء على أسس قانونية.

- الشــفافية فــي اإلبــالغ عــن طلبــات اإلزالــة احلكوميــة التــي تزعــم حــدوث

انتهــاكات لسياســة الشــبكة.

ــذف أو ــتحق احل ــوى يس ــرهم محت ــد نش ــتخدمن عن ــم للمس ــعار مالئ ــدمي إش - تق

ــاب. ــق احلس ــى تعلي ــؤدي إل ي

- متكن املستخدمن من استئناف قرار احلذف أو التعليق.

- الشفافية فيما يتعلق بعدد االستئنافات.

- الدعم العام ملبادئ سانتا كالرا اخلاصة باحلد األدنى للشفافية واحملاسبة)20(.

2.3. سياسات الرقابة على املحتوى يف فيسبوك

ــوى ــط احملت ــة لضب ل ــة مفص ــة تواصلي ــع سياس ــى وض ــبوك عل ــبكة فيس ــت ش حرص

املنشــور مــن لــدن املســتخدمن، بعــد أن تطــورت العمليــات التواصليــة بينهــم

مــن ممارســة التواصــل االجتماعــي )كالتعــارف وتبــادل التحايــا والتعبيــر عــن

شبكات التواصل االجتماعي والرقابة على المحتوى

| 190

ــر نشــر ــى ممارســة التواصــل اإلعالمــي )عب ــؤازرة، وغيرهــا( إل ــات وامل عمــق العالق

األخبــار ومختلــف أجنــاس تقــدمي احملتــوى اإلعالمــي: كاملقابلــة والتقريــر والتحقيــق

ــا ــا مــن عــام 2013 عندم ــرأي...(، خاصــة انطالق ــال ال واالســتطالع والعمــود ومق

ــرة ينشــرون نــت املســتخدمن مــن حتويــل صفحاتهــم إلــى منصــات إعالميــة مصغ مك

ــاركة. ــق أو املش ــر اللص ــم عب ــوى غيره ــي أو محت ــم اإلعالم ــا محتواه عبره

نتهــا ســتة أقســام، هي: لقــد أمســت فيســبوك هــذه السياســة “معاييــر املجتمــع”، وضم

“العنــف والســلوك اإلجرامــي”، و”الســالمة”، و”احملتــوى محــل االعتــراض”، والنزاهة

واملصداقيــة”، و”احتــرام امللكيــة الفكريــة”، و”الطلبــات ذات الصلــة باحملتــوى”)21(.

ويشــتمل كل قســم علــى نقــاط تفصيليــة تتنــاول كيفيــة التعاطــي مــع بعــض القضايــا،

ــر ــات النش ــة، وأخالقي ــة الفكري ــوق امللكي ــورة، وحق ــات احملظ ــع واخلطاب واملواضي

األخــرى )مــن ضمنهــا املوضوعيــة(.

وتعتــرض شــبكة فيســبوك علــى نشــر خمســة أنــواع مــن احملتــوى: “اخلطــاب الــذي

يحــض علــى الكراهيــة”، و”احملتــوى العنيــف أو الصــادم”، و”العري والنشــاط اجلنســي

للبالغــن”، و”اإلغــواء اجلنســي”، و”القســوة وعــدم مراعــاة مشــاعر اآلخريــن”)22(.

مــن أبــرز النقــاط التــي مت التعــرض لهــا فــي معاييــر مجتمــع الفيســبوك، والتــي تندرج

ضمــن قســم احملتــوى محــل االعتــراض، “اخلطــاب الــذي يحــض علــى الكراهيــة”.

وال شــك أن احلديــث عــن خطــاب الكراهيــة يثيــر العديــد مــن اإلشــكاالت السياســية

والفلســفية، عندمــا يصبــح باإلمــكان اعتبــار رد العــدوان أو االنتقــاد أو الدفــاع عــن

ــروب ــن ض ــا م ــم، ضرب ــن الظل ــاجت ع ــب الن ــن الغض ــر ع ــة أو التعبي ــة والثقاف الهوي

خطــاب الكراهيــة عنــد الطــرف اآلخــر املتلقــي لهــذا اخلطــاب.

191 |

ــى ــر “عل ــوم مباش ــة بهج ــى الكراهي ــض عل ــذي يح ــاب ال ــبوك اخلط ــرف فيس ويع

األشــخاص علــى أســاس مــا نطلــق عليــه الســمات احملميــة: العــرق والســاللة واألصــل

ــة واجلنــس والنــوع ــه اجلنســي والطبقــة االجتماعي القومــي واالنتمــاء الدينــي والتوج

ــر أيضــا بعــض أشــكال والهويــة اجلنســية واألمــراض أو اإلعاقــات اخلطيــرة. كمــا نوف

ــض ــاب يح ــوم كخط ــف الهج ــوم بتعري ــرة. ونق ــة الهج ــاس حال ــى أس ــة عل احلماي

ــة أو دعــوات لإلقصــاء أو ــارات دوني ــى عب ــف أو االزدراء، أو ينطــوي عل ــى العن عل

ــز”)23(. التميي

ــى ــذي يحــض عل ــي حظــر اخلطــاب ال ــواردة ف ــل ال ــن أن التفاصي ــى الرغــم م وعل

الكراهيــة، تشــير إلــى تهذيــب مــا يتداولــه املســتخدمون األفــراد فيمــا بينهــم، إال أنــه

ا مــن لــدن احلكومــات والكيانــات السياســية يســهل اســتخدامها اســتخداما سياســي

ــا علــى الكراهيــة؛ األمــر الــذي للتبليــغ عــن أي انتقــاد أو رأي معــارض باعتبــاره حاض

ــة ــات مبمارس ــض االتهام ــه بع ــا تواج ــات ويجعله ــي حتدي ــبوك ف ــل إدارة فيس يدخ

الرقابــة التــي حتــد مــن حريــة التعبيــر حتــت ضغــوط جهــات سياســية نافــذة.

ــا ــة أوروب ــبوك ملنطق ــس فيس ــب رئي ــارد أالن )Richard Allan(، نائ ــن ريتش ــد ب فق

والشــرق األوســط وإفريقيــا، فــي مقــال بعنــوان: “األســئلة الصعبــة: مــن يقــرر ماهيــة

خطــاب الكراهيــة فــي مجتمــع شــبكي عاملــي؟” أنــه بالرغــم مــن تعريفهــم خلطــاب

ــه ال ــاس، إال أن ــة للن ــمات احملمي ــة الس ــمونه مهاجم ــا يس ــه مب ــي ارتباط ــة ف الكراهي

ــا مــا إذا كان خطــاب مــا قــد هاجــم هــذه الســمات، توجــد إجابــة متفــق عليهــا عاملي

ا. وهــذا لوجــود خيــط رفيــع يفصــل بــن املقبــول وغيــر املقبــول يجعــل األمــر نســبي

ــة، والتراجــع عــن ــا الناشــرين املعلن يدفعهــم إلــى النظــر فــي الســياق، واألخــذ بنواي

شبكات التواصل االجتماعي والرقابة على المحتوى

| 192

األخطــاء التــي يتــم ارتكابهــا عــن غيــر قصــد)24(.

4. خلفيات الرقابة على املحتوى: دراسة حالة للمحتوى الفلسطيني

ــوى ــة احملت ــى رقاب ــح إل ــي، جتن ــل االجتماع ــبكات التواص ــف أن ش ــابقا كي ــا س رأين

ــاني ــل اإلنس ــات التواص ــى أخالقي ــاظ عل ــة احلف ــتخدمون، بحج ــره املس ــذي ينش ال

الرقمــي فــي فضــاءات مفتوحــة لكافــة النــاس، مثــل: جتنــب إيــذاء اآلخريــن ومحاربة

ــة الفكريــة. خطــاب الكراهيــة، ومحاربــة التنميــط، ومحاربــة االعتــداء علــى امللكي

ــة بســياقاتها السياســية ــة مصحوب ــات بعــض احلــاالت الرقابي لكــن النظــر فــي خلفي

ــل ــائل التواص ــض وس ــه بع ــا تفعل ــبيه مب ــل ش ــى فع ــود إل ــدة، يق ــة املمت والصراعي

ــا ــي تضعه ــا اخلاصــة الت ــة وأجندته ــن سياســاتها التحريري ــق م ــي تنطل ــي الت اإلعالم

ــا. ــا وأيديولوجي ــا متويلي ــم فيه جهــات تتحك

وإذا نظرنــا فــي محتــوى إشــكالي مثــل احملتــوى الفلســطيني عبــر شــبكات التواصــل

االجتماعــي بصفــة عامــة، وشــبكة فيســبوك بصفــة خاصــة، جنــد أن الصــراع

الفلسطيني-اإلســرائيلي الــذي يختــزل الصــراع العربي-اإلســرائيلي الشــامل ماثــل وراء

قــرارات الرقابــة علــى احملتــوى الفلســطيني، طاملــا أن معاييــر التواصــل املعتمــدة تتيــح

ــة ــى الكراهي ــذي يحــض عل ــا ورد ضمــن اخلطــاب ال للطــرف اآلخــر أن يســتغل م

ــره مــن وجهــة نظــره مطالبــا بتطبيــق اللوائــح علــى هــذا احملتــوى ســواء باحلــذف ويفس

أو إيقــاف النشــر.

ــى ــر إل ــت النظ ــة يلف ــر شــبكة فيســبوك، للرقاب ــوى الفلســطيني، عب ــرض احملت إن تع

اخللفيــة السياســية التــي تنطلــق منهــا إدارة فيســبوك فــي تكييــف قراراتهــا بحــذف

ذلــك احملتــوى أو حظــر النشــر مــن احلســاب املعنــي؛ األمــر الــذي يجعــل املنظمــات

193 |

املهتمــة بحقــوق اإلنســان وحريــة التعبيــر تنتقــد ممارســات شــبكة فيســبوك وتضعهــا

ــن ــت متك ــا ارتض ــا أنه ــر طامل ــة التعبي ــاك حري ــدم انته ــرورة ع ــؤولية ض ــام مس أم

مســتخدميها مــن النشــر، األمــر الــذي يجعلهــا أكبــر فضــاء رقمــي ملمارســة التواصــل

اإلعالمــي.

ــبكة ــتوكهولم( ش ــي س ــا ف ــة )ومقره ــن الدولي ــكاي الي ــة س ــدت مؤسس ــد انتق فق

ــة ــرت مجموع ــطيني وحظ ــوى الفلس ــض احملت ــذف بع ــت بح ــا قام ــبوك، ألنه فيس

مــن الصفحــات، وقامــت بتهديــد بعــض املواقــع اإلعالميــة الفلســطينية عبــر الشــبكة

)Quds News( ”بحــذف احملتــوى واملنــع مــن النشــر، مــن بينهــا صفحــة “قــدس نيــوز

Al�( ”وبوابــة “الهــدف اإلخباريــة )Taqadomi( ”و”جبهــة العمــل الطالبــي التقدميــة

.)Hadaf News()25

صورة رقم )1( تبين حظر فيسبوك لصفحة قدس نيوز)26(

شبكات التواصل االجتماعي والرقابة على المحتوى

| 194

صورة )رقم 2( توضح حظر فيسبوك لبوابة اهلدف اإلخبارية)27(

ــادرة شــبابية فلســطينية انطلقــت مــن وقــد رصــدت “صــدى سوشــيال”، وهــي “مب

ــة إلنصــاف ــي محاول ــع التواصــل االجتماعــي ف ــع إدارات مواق ــل م احلاجــة للتعام

قبــل االحتــالل الــذي يتعــرض النتهــاكات عديــدة مــن الفلســطيني احملتــوى

ــي”)28(، ــل االجتماع ــات التواص ــن إدارة منص ــة م ــاعدة محتمل ــرائيلي ومبس اإلس

رصــدت مجموعــة مــن االنتهــاكات التــي تقــوم بهــا شــبكات التواصــل االجتماعــي،

ــهرية. ــا الش ــالل تقاريره ــن خ ــبوك، م ــبكة فيس ــا ش ــي مقدمته وف

ونالحــظ مــن خــالل رصــد صــدى سوشــيال النتهــاكات شــبكات التواصــل

ــبكات ــذه الش ــدر ه ــبوك تتص ــبكة فيس ــطيني، أن ش ــوى الفلس ــي للمحت االجتماع

ــات ــذف الصفح ــي ح ــل ف ــي تتمث ــاه( الت ــم )1( أدن ــدول رق ــر اجل ــا )انظ بانتهاكاته

واحلســابات الشــخصية واحلظــر املؤقــت وحــذف املنشــورات.

195 |

اجلــدول رقــم )1( يرصــد انتهــاكات شــبكات التواصــل االجتماعــي للمحتــوى

الفلســطيني)29(

م الفترة الزمنية عدد انتهاكات فيسبوك عدد انتهاكات الشبكات االخرى املجموع

أغسطس/آب 2018 10 � 10

سبتمبر/أيلول 2018 20 � 20

أكتوبر/تشرين األول 2018 6 10 16

نوفمبر/تشرين الثاني 2018 مت انتهاك أغلب احملتوى 41

ديسمبر/كانون األول 2018 37

فبراير/شباط ومارس/آذار 2019 47 3 50

أبريل/نيسان 2019 24

يونيو/حزيران 9 201 مت انتهاك أغلب احملتوى 30

يوليو/متوز 2019 21 2 23

أغسطس/آب 2019 15 2 17

وبينــت صــدى سوشــيال فــي تقريرهــا الســنوي لعــام 2018 أن شــبكة فيســبوك

ا بينهــا 26 حســابا ملؤسســة إعالميــة؛ وحظــرت 14 حســابا حذفــت 83 حســابا فلســطيني

ا)30(. ــطيني فلس

ــوى ــى احملت ــبوك عل ــبكة فيس ــا ش ــي تفرضه ــة الت ــات الرقاب ــي خلفي ــر ف ــد النظ عن

الفلســطيني، يجــد الباحــث الضغــوط التــي تتعــرض لهــا الشــبكة مــن اجلانــب اآلخــر

ــر الــذي تقدمــه اإلدارة ــل فــي الدعــم الكبي له مــن ثقــل يتمث اإلســرائيلي، مبــا يشــك

شبكات التواصل االجتماعي والرقابة على المحتوى

| 196

ــة ــبب فعالي ــرب بس ــركا والغ ــي أمي ــرة ف ــذه األخي ــوذ ه ــرائيل، ونف ــة إلس األميركي

ــط. ــات الضغ جماع

ــر ــاد إردان، وزي ــح جلع ــى فيســبوك، تصري ــارس عل ــي مت ــوط الت ــة الضغ ــن أمثل وم

األمــن العــام، فــي 14 يوليو/متــوز 2016، الــذي وصــف فيــه فيســبوك بأنــه “مســخ”،

ألنــه أصبــح املنصــة املفضلــة للفلســطينين للتنديــد بالسياســة اإلســرائيلية والتعبيــر عــن

نيتهــم مهاجمــة اإلســرائيلين. وجــاء هــذا التصريــح إثــر كتابــة محمــد طرايــرة فــي

صفحتــه عبــر فيســبوك: “املــوت حــق وأنــا أطالــب بحقــي”)31(. ولــم يقتصــر الضغط

علــى التصريــح واللــوم، بــل تعــداه إلــى إيــداع إردان ووزيــرة العــدل، إيليــت شــاكيد،

ــم ــن احملاك ــأنه أن ميك ــن ش ــت( م ــرائيلي )الكنيس ــان اإلس ــي البرمل ــون ف ــروع قان ملش

مــن إجبــار فيســبوك علــى إزالــة احملتــوى الــذي يعتبــر عنيفــا. وتعزيــزا للمســعى ذاتــه،

رفعــت شــركة محامــاة إســرائيلية دعــوى ضــد فيســبوك فــي محكمــة أميركيــة)32(.

ــه ــذي أبرمت ــاق ال ــبوك، االتف ــبكة فيس ــى ش ــرائيلية عل ــوط اإلس ــرات الضغ ــن مث وم

ــض ــدي للتحري ــن أجــل التص ــاون م ــى التع ــرائيلية عل ــة اإلس ــع احلكوم فيســبوك م

عبــر الشــبكة، وهــذا مربــوط باملســاعي اإلســرائيلية التشــريعية إلرغــام الشــبكة علــى

ــى العنــف. وال شــك أن ــه يحــرض عل ــرى إســرائيل أن ــذي ت ــوى ال التصــدي للمحت

ــام األول ــي املق ــتهدف ف ــبوك تس ــرائيل وفيس ــن إس ــتركة ب ــة املش ــود الرقابي اجله

ــلمن)33(. ــرب واملس ــة الع ــطينين وبقي الفلس

إن احلديــث عــن احملتــوى الفلســطيني عبر شــبكات التواصــل االجتماعي، ومــا يتعرض

لــه مــن رقابــة، يحيلنــا إلــى خصوصيــة هــذا احملتــوى، حيــث إن احملتــوى امللقــى عبــر

ــادرا شــبكات التواصــل االجتماعــي عــادة مــا ينســب إلــى أفــراد أو مؤسســات، ون

197 |

ــة أو شــعب أو دولــة أو مجتمــع مــا؛ ذلــك أن الرقابــة علــى احملتــوى مــا ينســب إلــى أم

الــذي ينشــره أفــراد أو مؤسســات تنتمــي إلــى فلســطن، تســتدعي الصــراع الطويــل

الــذي يعيشــه الشــعب الفلســطيني بســبب احتــالل أرضــه ونضالــه مــن أجــل اســتعادة

هــذه األرض. وفــي ســياق هــذا الصــراع مــع إســرائيل، تتســرب اخللفيــات السياســية

ا بغــض النظــر واالقتصاديــة واألمنيــة التــي جتعــل احملتــوى الفلســطيني محتــوى إشــكالي

عــن انتهاكــه لسياســات النشــر التــي تضعهــا شــبكات التواصــل االجتماعــي، طاملــا

أنــه يهاجــم إســرائيل التــي تتمــدد فــي اإلعــالم العاملــي وكافــة العوالــم الرقميــة.

ــبكات ــرى ش ــا كب ــبوك -باعتباره ــبكة فيس ــا ش ــي تبذله ــود الت ــن اجله ــم م وبالرغ

ــي ــتها الت ــف سياس ــذي يخال ــوى ال ــة احملت ــل مراقب ــن أج ــي- م ــل االجتماع التواص

تســميها معاييــر املجتمــع، إال أنهــا تفشــل فــي معاملــة احملتــوى الفلســطيني فــي إطــار

خصوصيتــه النضاليــة وقضيتــه العادلــة التــي تعتــرف بهــا األمم. فاحملتــوى الفلســطيني

الــذي ينتقــد املمارســات والسياســات اإلســرائيلية، ال ميكــن تصنيفــه باعتبــاره محتوى

يبــث خطــاب الكراهيــة فــي مقابــل أفعــال إســرائيلية علــى األرض تتجــاوز إلــى مــا

ــه أو ــم حذف ــدن فلســطيني ويت ــن ل ــر م ــوى ينش ــة، وأي محت ــن الكراهي ــد م ــو أبع ه

إيقــاف احلســاب الــذي ظهــر عبــره، يبــدو للمراقــب دعمــا إلســرائيل مــن قبــل إدارة

ــة ــى حري ــبكة عل ــذه الش ــق ه ــة تضيي ــطح قضي ــى الس ــو عل ــبوك، لتطف ــبكة فيس ش

ــك أن ــا؛ ذل ــر لديه ــر النش ــاك معايي ــى انته ــل عل ــت الدلي ــى وإن قدم ــر حت التعبي

هــذه الشــبكة، وغيرهــا مــن شــبكات التواصــل االجتماعــي، انســاقت وراء الهيمنــة

االقتصاديــة )والسياســية اخلفيــة( فلــم تكتــف بالتواصــل االجتماعــي، لتدخــل

ــواب. ــة مــن أوســع األب فضــاءات التواصــل اإلعالمــي الرحب

شبكات التواصل االجتماعي والرقابة على المحتوى

| 198

5. عالقة الرقابة باملصالح االقتصادية والسياسية لشبكات التواصل االجتماعي

قامــت شــبكات التواصــل االجتماعــي بصفــة عامــة وشــبكة فيســبوك بصفــة خاصــة،

ــي عرفــت ــة، والت ــدان العربي ــت بعــض البل ــي عم بــدور رئيــس فــي االحتجاجــات الت

بثــورات الربيــع العربــي. فقــد اســتخدم احملتجــون فيســبوك من أجــل احلشــد للمظاهرات

واالعتصامــات فــي تونــس ومصــر واليمــن وليبيــا وســوريا خــالل عــام 2011)34(.

ــا ــن طبيعته ــزاح م ــي تن ــل االجتماع ــبكات التواص ــل ش ــذي يجع ــدور ال ــذا ال ه

التواصليــة لتصبــح أداة فعــل سياســي لهــا آثــار اقتصاديــة، يقودنــا إلــى البحــث فــي

العالقــات املتداخلــة التــي تنجــم عــن اســتخدام شــبكات التواصــل االجتماعــي علــى

نطــاق قطــري ونطــاق عوملــي حيــث يتفاعــل النــاس، فــي مختلــف بقــاع املعمــورة،

ــيق ــن التنس ــبكات م ــذه الش ــة له ــة التواصلي ــم البني نه ــا متك ــداث عندم ــع األح م

ــام. ــرأي الع واحلشــد والدعــم والتشــكيل الســريع لل

ــأزق ــي م ــها ف ــي- نفس ــل االجتماع ــبكات التواص ــر ش ــبوك -أكب ــد فيس ــذا جت هك

ــى ــذي يحظــى بأعل ــوى ال ــي تقتضــي نشــر احملت ــة الت ــة بــن مصاحلهــا التجاري املوازن

ــل الدخــل الرئيــس نســبة مشــاهدة وتــداول ليجــذب اإلعالنــات التجاريــة التــي متث

للشــبكة، ومصاحلهــا السياســية التــي تقتضــي إرضــاء احلكومــات القطريــة مــن

خــالل رقابــة احملتــوى غيــر املرغــوب فيــه مــن خــالل تطويــع معاييــر املجتمــع لتنطبــق

عليــه، وتضطــر لتعيــن آالف املراقبــن الذيــن يعملــون علــى مــدار الســاعة، أي إنهــا

ــام، ومنصــة ــي الع ــا لالســتخدام التواصل ــا فضــاء رحب ــة كونه ــن مطرق أصبحــت ب

ــة)35(. ــات التجاري ــج اإلعالن لتروي

ــا، عــام 2018، جتــاوز 22 مليــار دوالر)36(، لقــد حققــت شــركة فيســبوك ربحــا صافي

199 |

ل أكثــر مــن خمــس ســكان العالــم الذيــن ينشــرون مــن خــالل مجتمــع تواصلــي يشــك

ــا، تضطــر ملراقبتهــم مــن خــالل توظيــف حوالــي 15 ألــف مليــارات املداخــالت يومي

مراقــب ينظــرون فــي محتــوى مت تقدميــه عبــر حوالــي 100 لغــة. فكيــف لهــا أن جتمــع

ــق ــا، والتضيي ــزداد أرباحه ــتخدمن فت ــن املس ــد م ــتقطاب مزي ــي اس ــع ف ــن التوس ب

عليهــم مــن خــالل الرقابــة؟)37(. كمــا يبــرز التســاؤل حــول مدى عالقــة الرقابــة على

احملتــوى بالســعي لتطبيــق معاييــر املجتمــع التــي وضعتهــا فيســبوك كدليــل يسترشــد

بــه مراقبوهــا، واألجنــدة االقتصاديــة والسياســية التــي تفــرض مــن الداخــل واخلــارج.

فعلــى ســبيل املثــال، قــد تلجــأ فيســبوك إلــى حــذف احملتــوى الــذي يضــر مبصاحلهــا

االقتصاديــة مــن حيــث اإلعالنــات والعالقــات التجاريــة واالســتثمارية مــع جهــات

نافــذة، أو اخلضــوع لضغــوط مــن أنظمــة حكــم قمعيــة تــرى أن احملتــوى املنشــور عبــر

فيســبوك ذو تبعــات ســلبية علــى أجندتهــا السياســية)38(. وتبــن بعــض اإلحصائيــات

ــي فيســبوك خــالل ســنوات ــدن مراقب ــه مــن ل ــذي مت حذف ــوى السياســي ال أن احملت

2015 و2016 و2017 بلــغ %15 و%32 و%48 علــى التوالــي)39(، فــي تصاعــد واضــح

كمؤشــر علــى الضغــوط التــي تواجههــا الشــبكة علــى املســتوى السياســي.

ــوى ــى احملت ــة عل ــق الرقاب ــل واضــح علــى خضــوع فيســبوك لضغــوط تطبي ومثــة دلي

ــر/ ــي نوفمب ــز” ف ــورك تامي ــة “نيوي ــفت صحيف ــية-اقتصادية؛ إذ كش ــباب سياس ألس

رت بكيفيــة ســرية برمجيــة تعمــل علــى حجب تشــرين الثانــي 2016، أن فيســبوك طــو

محتــوى مخصــوص مــن الظهــور ضمــن حيــز جغرافــي معلــوم إرضــاء ملعاييــر الرقابــة

التــي تفرضهــا الســلطات الصينيــة. وهــدف هــذا التطويــر ملســاعدة شــبكة فيســبوك

علــى العــودة إلــى الســوق الصينيــة، وقــد مت طردهــا منهــا قبــل ســبع ســنوات أثنــاء

شبكات التواصل االجتماعي والرقابة على المحتوى

| 200

ــات ــر املعلوم ــبوك لنش ــتخدمت فيس ــي اس ــة الت ــور الصيني ــة اإليغ ــات أقلي اضطراب

اخلاصــة بقمــع االحتجاجــات)40(.

ــية ــة والسياس ــاحل االقتصادي ــوى باملص ــى احملت ــة عل ــة الرقاب ــي عالق ــر ف ــن النظ وميك

ــة لشــبكة فيســبوك )وغيرهــا مــن شــبكات التواصــل االجتماعــي(، مــن خــالل بيئ

ــم ــى أدائه ــس عل ــذي ينعك ــر ال ــوى؛ األم ــي احملت ــا ملراقب ــم توفيره ــي يت ــل الت العم

ــه ــى تقييم ــاج إل ــذي يحت ــوى ال ــن احملت ــارم م ــيل ع ــون لس ــم يتعرض ــي وه الرقاب

ــرج” ــق ملوقــع “ذا في ــة. ففــي حتقي ــة فاعل ــى تكــون الرقاب ــه بســرعة حت واحلكــم علي

ــف ــة” كش ــوان: “الصدم ــبوك بعن ــي فيس ــرية ملراقب ــاة الس ــول احلي )The Verge( ح

ــة ــوى يعــادل %12 فقــط مــن متوســط بقي ــي احملت أن متوســط الدخــل الســنوي ملراقب

ــون للفصــل مــن العمــل مبجــرد ارتكابهــم ــد يتعــرض املراقب موظفــي فيســبوك؛ وق

ــون املخــدرات ــن يتعاط ــض املراقب ــن أن بع ــبوع؛ وتب ــالل األس ــاء خ ــض األخط بع

للتخفيــف مــن صدمــة التلقــي الدائــم للمحتــوى الصــادم واملؤلــم؛ وقــد يعانــي بعــض

املراقبــن مــن آثــار اضطرابــات مــا بعــد الصدمــة فــي غيــاب الدعــم النفســي الــالزم

ــي مــن لــدن فيســبوك، كمــا أن كثــرة مشــاهدة احملتــوى الصــادم قــد تــؤدي إلــى تبن

ــه)41(. ــرد في ــي ت ــن لبعــض األفــكار الت املراقب

ففــي مثــل هــذه البيئــة يصعــب احلفــاظ علــى معاييــر املجتمــع التــي وضعتها فيســبوك

ــه ــوى، فــي الوقــت الــذي يعمــل في ــى احملت ــة عل ــل استرشــادي ملمارســة الرقاب كدلي

املراقبــون ضمــن ظــروف غيــر مواتيــة، ورمبــا ال تتوفــر فيهــم شــروط الكفــاءة الالزمــة

ــق فــي فهمــه ــاج إلــى التعم ــوى قــد يحت ــد تقييمهــم حملت ــة عن الختــاذ قــرارات صائب

قبــل احلكــم عليــه ســلبا أو إيجابــا.

201 |

6. اإلشكاليات األخالقية للرقابة على املحتوى

يستشــكل احلديــث عــن التواصــل اإلنســاني عندمــا يرتقــي إلــى املســتوى اإلعالمــي

ــؤولية ــرز املس ــن، وتب ــى اآلخري ــدي عل ــة التع ــر بعقب ــة التعبي ــدم حري ــث تصط حي

جتــاه هــذا اآلخــر؛ ذلــك أن التواصــل اإلعالمــي قــد راكــم مجموعــة مــن القواعــد

األخالقيــة خــالل قــرون مــن املمارســة شــهدت فيهــا املؤسســات اإلعالميــة حتديــات

جتســدت فــي التضييــق علــى حريــة التعبيــر، مــرورا باحلريــة التامــة بعــد زوال األنظمــة

ــل ــى حتم ــوال إل ــة، وص ــدان األوروبي ــم البل ــم معظ ــت حتك ــي كان ــتبدادية الت االس

ــة ــي األنظم ــة ف ــلطة رابع ــدو كس ــالم يب ــت اإلع ــي جعل ــة الت ــؤولية االجتماعي املس

ــة. الدميقراطي

ــل ــبكات التواص ــدأت ش ــا ب ــا عندم ــت واقع ــي أصبح ــوى الت ــى احملت ــة عل إن الرقاب

ــن ــة م ــرح مجموع ــي، تط ــر اإلعالم ــأدوات النش ــتخدميها ب د مس ــزو ــي ت االجتماع

اإلشــكاليات الناجتــة عــن البنيــة التواصليــة لهــذه الشــبكات، والفلســفة التواصلية التي

تتبناهــا، والعالقــات التــي تربطهــا بالفاعلــن علــى الصعيديــن السياســي واالقتصــادي

ضمــن اإلطــار املكانــي )الدولــي والعوملــي(. فحريــة التعبيــر املفتوحــة عبــر شــبكات

التواصــل االجتماعــي، تطــرح ســؤال املســؤولية عندمــا تصبــح هــذه احلريــة انتهــاكا

ــر ــة التعبي ــر الضابطــة ملمارســات حري ــدو املعايي ــل، تب ــن. وفــي املقاب حلقــوق اآلخري

وســيلة لالعتــداء علــى حريــة التعبيــر بســبب صعوبــة التطبيــق أو ســوئه)42(.

ــن ــتخدميها م ــن مس ــى متك ــي عل ــل االجتماع ــبكات التواص ــدام ش ــب إق ــد جل لق

ممارســة التواصــل اإلعالمــي، الكثيــر مــن اإلشــكاالت األخالقيــة التــي كانــت

وســائل اإلعــالم التقليديــة تتفاداهــا، مثــل انتشــار األخبــار الزائفــة التــي كادت تصبــح

شبكات التواصل االجتماعي والرقابة على المحتوى

| 202

ــذه ــة ه ــت صناع ــد أن أصبح ــي بع ــل االجتماع ــبكات التواص ــات ش ــن مس ــة م مس

ــة. وعلــى الرغــم مــن ــا الرقمي ــة اإلتقــان بفضــل تطــور التكنولوجي ــار فــي غاي األخب

اجلهــود التــي تبذلهــا شــبكة فيســبوك )التــي تضــع محاربــة األخبــار الزائفــة ضمــن

ــص ــة بتقلي ــار الزائف ــداول األخب ــي تت ــة الصفحــات الت ــن خــالل معاقب ــا( م معاييره

قدرتهــا علــى النشــر، وإضعــاف قدرتهــا علــى حتقيــق األربــاح)43(، باإلضافــة إلــى

تقليــص العناويــن التــي تســتخدم كطعــوم الصطيــاد املتلقــن)44(، علــى الرغــم مــن

ذلــك تظــل األخبــار الزائفــة كثيــرة االنتشــار ويصعــب حتديدهــا مســبقا، وهــي غالبــا

ــار ردود أفعــال املتلقــن أو لتضليلهــم. مــا حتقــق أهدافهــا ســواء مت تقدميهــا الختب

ــخت بــن مــن ناحيــة أخــرى، مثــة ميــل حنــو اســتيراد أخالقيــات اإلعــالم التــي ترس

ــبكات ــة، وش ــة عام ــد بصف ــالم اجلدي ــة اإلع ــى بيئ ــدي إل ــالم التقلي ــي اإلع ممارس

التواصــل االجتماعــي بصفــة خاصــة، كاألمانــة والشــفافية وصــوال إلــى شــكل مــن

ز أخالقيــات النشــر عبــر أشــكال الرقابــة الذاتيــة. وميكــن لهــذه الرقابــة الذاتيــة أن تعــز

ــة ــة املتمثل ــا مــن بعــض اخلصائــص التواصلي شــبكات التواصــل االجتماعــي انطالق

فــي الرغبــة فــي احلفــاظ علــى الســمعة الطيبــة؛ ومتكــن بيئــة التواصــل االجتماعــي

الرقمــي للمتواصلــن مــن خــالل إبــراز قدراتهــم املعرفيــة بغــض النظر عــن خصائصهم

ــي املباشــر، ــر حضــورا فــي حــاالت التواصــل الثنائ ــي قــد تكــون أكث الشــخصية الت

وتوافــر احلــس األخالقــي العالــي لــدى لبعــض املتواصلــن عبــر شــبكات التواصــل

ــب ــي أو تصوي ــر األخالق ــوى غي ــن احملت ــغ ع ــم للتبلي ــذي يدفعه ــي، وال االجتماع

ــون ــع املتواصل ــث يدف ــفافية حي ــى الش ــد عل ــز املتزاي ــن التركي ــال ع ــاء، فض األخط

بعضهــم بعضــا للتصريــح عــن املصــادر التي جلبــوا منهــا احملتوى أو اســتقوه منهــا)45(.

203 |

وقــد أوضحــت دراســة إثنوغرافيــة حــول الرقابــة الذاتيــة فــي الفضــاء الرقمــي العــام،

ــم مــن ــة: ختوفه ــة الذاتي ــام بالرقاب ــع املســتخدمن للقي ــي تدف ــه مــن األســباب الت أن

ــادي ــم، وتف ــى وظائفه ــاظ عل ــة، واحلف ــم الذهني ــد، وحتســن صورته ــرض للنق التع

ــة، واخلــوف مــن التعــرض للتهديــد والعنــف)46(. الرقابــة احلكومي

ــرة طاملــا ارتضــت تقــع علــى عاتــق شــبكات التواصــل االجتماعــي مســؤوليات كبي

لنفســها توفيــر بيئــة نشــر ملئــات املاليــن مــن املســتخدمن الذيــن يتداولــون بياناتهــم

اخلاصــة واملعلومــات واألخبــار وشــتى أنــواع احملتــوى اإلعالمــي. فهــي مطالبــة بتجنب

ســوء اســتخدام اإلعالنــات التجاريــة، وحمايــة البيانــات الشــخصية للمســتخدمن،

وتوفيــر الثقــة واألمــان لــكل مســتخدم، وعليهــا تضمــن خوارزمياتهــا التــي تراقــب

احملتــوى مبــادئ الشــفافية، وأن تعطــي األولويــة للتنــوع واجلــدارة بالثقــة)47(.

ــي ــل االجتماع ــبكات التواص ــر ش ــل عب ــات التواص ــي أخالقي ــث ف ــرح البح ويط

ــي: ــي اآلت ــا ف ــن إجماله ــي ميك ــة، والت ــاالت الرئيس ــن املج ــة م مجموع

- اخلــاص فــي مقابــل العــام: أي: هــل فضــاء شــبكة التواصــل االجتماعــي خــاص

ــالع ــع االط ــه للجمي ــق في ــام )يح ــخصية( أم ع ــات الش ــات واملعلوم ــل البيان )يحتم

ــوى(؟ ــى احملت عل

ــتخدمن ــن املس ــي م ــل االجتماع ــبكات التواص ــب ش ــبقة: إذ تطل ــة املس - املوافق

ــذه ــزم املســتخدمون به ــى أي مــدى يلت ــى شــروطها للنشــر؛ فإل ــة املســبقة عل املوافق

ــا؟ ــم به ــة جهله ــون بحج ــروط أو ال يلتزم الش

ــات التواصــل ــا أخالقي ــم به ــي تهت ــرز املجــاالت الت ــن أب ــو م ــة: وه ــاء الهوي - إخف

االجتماعــي الرقمــي عندمــا يجنــح العديــد مــن املســتخدمن إلخفــاء هويتهــم

شبكات التواصل االجتماعي والرقابة على المحتوى

| 204

احلقيقيــة أو ينتحلــون هويــات شــخصيات مشــهورة.

ــات احلساســة ــع املعلوم ــل م ــة أو التعام ــج عــن كشــف الهوي ــذاء: وينت - خطــر اإلي

ــة)48(. ــرض للمحاكم ــمعة أو التع ــر الس ــى اإلحــراج أو تدمي ــؤدي إل ــد ي ــذي ق ال

هكــذا، جنــد أن الرقابــة التــي تفرضهــا شــبكات التواصــل االجتماعــي علــى احملتــوى

تثيــر جــدال حــول أخالقيــات التواصــل عبــر هــذه الفضــاءات الرقميــة التــي بــررت

ــي ــل التواصل ــن أدوات الفع ــاس م ــة الن ــن عام ــالل متك ــن خ ــا م ته ــا وجد وجوده

اإلعالمــي الــذي كان محتكــرا عنــد فئــة متســك مبقاليــد الثــروة والســلطة. فالرقابــة

ــم، ســواء كان اآلخــر ــن ويلحــق األذى به ــة اآلخري ــدد حري ــا يه ــع م ــدأ مبن ــي تب الت

فــردا أو جماعــة أو مؤسســة، ليــس هنــاك مــا يحــول بينهــا وبــن أن تصبــح أداة فعــل

ر مفهــوم األذى ليجعلــه شــامال للمعارضــة السياســية والنقــد السياســي سياســي يحــو

والدفــاع عــن احلقــوق السياســية. واألنظمــة االســتبدادية التــي برعــت فــي قدرتهــا

علــى جتــرمي أي قــول يعارضهــا -مهمــا كان هــذا القــول حكيمــا وســليما- لــن ترضــى

بفضــاءات حتيــل حريــة التعبيــر إلــى حــق أصيــل كاحلــق فــي احليــاة، وســوف تقــف

ــك الســيطرة ــي جــاءت مــن أجــل ف ــي وجــه شــبكات التواصــل االجتماعــي الت ف

املجتمعيــة حتــى تدخلهــا فــي نطــاق الســيطرة التــي تعتبرهــا أولويــة فــي التعاطــي مــع

ــة التــي ميارســها املتواصلــون علــى ــة الذاتي أفــراد املجتمــع، ســواء مــن خــالل الرقاب

ــة التــي ــة التــي تقــوم بهــا شــبكات التواصــل االجتماعــي أو الرقاب أنفســهم أو الرقاب

تفرضهــا احلكومــات، أو الرقابــات الثــالث مجتمعــة.

7. الرقابة على املحتوى وتشكيل الرأي العام

ــن ــن م ــة تتمك ــة متين ــري بعالق ــل اجلماهي ــور التواص ــي عص ــام ف ــرأي الع ــط ال ارتب

205 |

خاللهــا وســائل اإلعــالم املختلفــة مــن املســاهمة بكيفيــة متكاملــة فــي تكويــن الــرأي

العــام حــول قضايــا مخصوصــة؛ ذلــك أن وســائل اإلعــالم احترفــت عمليــة صناعــة

املعلومــات وتقدميهــا للجمهــور بكيفيــة أســرع وأفضــل جــودة مــن التواصــل التقليــدي

الثنائــي واجلماعــي الــذي كان ســائدا قبــل ظهــور هــذه الوســائل. وعندمــا ظهــرت

ــة مــن خــالل شــبكة الويــب( ــة جلي ــي تتمظهــر بكيفي ــد )الت وســائل اإلعــالم اجلدي

ل بالســرعة ذاتهــا التــي تعمــل بهــا شــبكة الويــب، فضــال بــدأت اآلراء العامــة تتشــك

عــن طابعهــا العاملــي.

وهنــا، تبــرز مســألة الرقابــة علــى احملتــوى املنشــور عبــر شــبكات التواصــل االجتماعــي

ر وســائل اإلعــالم اجلديــد( كعائــق أمــام تشــكيل الــرأي العــام، وفــي )وهــي تتصــد

ــا ســابقا عنــد ــا لــه وفــق أجنــدة سياســية-اقتصادية، كمــا رأين الوقــت ذاتــه، توجيه

احلديــث عــن املصــاحل االقتصاديــة والسياســية لشــبكات التواصــل االجتماعــي. ذلك

ن ــا أو ســلبيا، وهــو املكــو أن الــرأي العــام هــو مفتــاح الفعــل العــام ســواء كان إيجابي

ــات ــات واملؤسس ــا اجلماع ــعى لبنائه ــي تس ــة الت ــورة الذهني ــمعة والص ــي للس األول

والــدول.

وميكــن النظــر إلــى عالقــة الرقابــة علــى احملتــوى بتشــكيل الــرأي العــام مــن خــالل

نظريــة “أثــر الشــخص الثالــث” التــي تقــول بــأن النــاس يعتقــدون أن رســائل اإلعــالم

تؤثــر فــي غيرهــم أكثــر مــن تأثيرهــا عليهــم، وهــذا مــا يدفــع الرقيــب إلــى احليلولــة

ــى ــر إل ــذا التأثي ــؤدي ه ــه، وي ــر في ــور، فتؤث ــى اجلمه ــائل إل ــذه الرس ــول ه دون وص

ــان ــى حرم ــر عل ــوى ال تقتص ــى احملت ــة عل ــام)49(. أي إن الرقاب ــرأي الع ــكيل ال تش

صاحــب احملتــوى مــن التعبيــر عــن رأيــه، بــل تتعــدى ذلــك إلــى حرمانــه مــن التأثيــر

شبكات التواصل االجتماعي والرقابة على المحتوى

| 206

علــى آراء اآلخريــن ومــن ثــم احلــد مــن فاعليتــه فــي تشــكيل الــرأي العــام.

ــا أن قــادة الــرأي فــي الفضــاءات الرقميــة يختلفــون عــن نظرائهــم فــي وليــس خافي

الفضــاءات التناظريــة مــن حيــث اخلصائــص والعــدد وأدوات العمــل والتأثيــر؛ األمــر

الــذي يقــود إلــى ظهــور مفهــوم جديــد للــرأي العــام)50( يتأثــر بعامليــة شــبكة الويــب

ويتماهــى مــع خصائصهــا املتعلقــة بالتفاعليــة التــي جتعــل صناعــة الــرأي العــام صناعة

جماعيــة تندمــج فيهــا اآلراء بكيفيــة ســريعة وتتفاعــل دون تأثــر بقيود املــكان والزمان،

ــن مبــا ــرأي التقليدي ــادة ال ــت الســمة الرئيســة لق ــي كان ــة الشــخصية الت ــود الهال وقي

ميتلكــون مــن ســلطات معرفيــة وسياســية واجتماعيــة واقتصاديــة ودينيــة وثقافيــة.

ــى صناعــة شــكل ــدرة شــبكات التواصــل االجتماعــي عل ــات بق إن وعــي احلكوم

جديــد مــن الــرأي العــام، أكثــر فعاليــة مــن الشــكل التقليــدي، يقودهــا إلــى اإلســراع

فــي إيجــاد الوســائل الناجعــة ملراقبــة هــذه الشــبكات أمــال فــي التحكــم فــي صناعــة

الــرأي العــام الرقمــي، علــى الرغــم مــن صعوبــة حتقيــق ذلــك دون تشــديد القبضــة

والســيطرة علــى تكنولوجيــا اإلنترنــت. فقــد بينت دراســة حــول الرقابة علــى اإلنترنت

ودورهــا فــي قيــادة الــرأي العــام فــي الصــن، أن الســلطات الصينيــة اســتطاعت -مــن

ــة ــى مرحل ــب- أن تتخط ــر الوي ــي عب ــوى الرقم ــة احملت ــتويات لرقاب ــتة مس ــالل س خ

ا)51(. ــم فــي الــرأي العــام لتصــل ملرحلــة قيادتــه وتوجيهــه سياســي التحك

ــي ــرة الت ــة املباش ــى الرقاب ــر عل ــي ال تقتص ــام الرقم ــرأي الع ــى ال ــورة عل إال أن اخلط

تفرضهــا بعــض الــدول علــى احملتــوى الرقمــي -خاصــة احملتوى املتــداول عبر شــبكات

ــتخدمو ــها مس ــي ميارس ــة الت ــة الذاتي ــي الرقاب ــن ف ــل تكم ــي- ب ــل االجتماع التواص

ــع ــا م ــون بإنتاجــه أو مشــاركته، متاهي ــذي يقوم ــوى ال ــى احملت ــة عل الشــبكات الرقمي

207 |

نظريــة “دوامــة الصمــت” )Spiral of Silence Theory( حيــث يخشــى الفــرد أن يصبــح

معــزوال فــي املجتمــع، لــذا يصمــت عــن آرائــه املخالفــة. ففــي دراســة عــن عالقــة

الرقابــة الذاتيــة واالســتقطاب ودوامــة الصمــت والتواصــل االجتماعــي شــملت فرنســا

ــة ــا لنظري ــاك دعم ــن أن هن ــة، تب ــدة األميركي ــات املتح ــا والوالي ــا وبريطاني وأملاني

ــارات مســتخدمي شــبكات التواصــل االجتماعــي ــن خــالل خي ــة الصمــت م دوام

ز هــذا االجتــاه للكيفيــة التــي ميارســون بهــا الرقابــة الذاتيــة علــى احملتــوى)52(. ويتعــز

بالدراســات التــي ســعت إلثبــات األســاس البيولوجــي مليــل األفــراد حنــو التماهــي مــع

ــر مســتوى الدوبامــن اجلماعــة مــن خــالل تفضيــل اإلجمــاع. وذلــك مــن خــالل تأث

ــا )Dopamine( -وهــو إنــزمي تســتخدمه اخلاليــا العصبيــة كناقــل للمعلومــات- إيجاب

عنــد االتفــاق مــع رأي اجلماعــة، وســلبا عنــد مخالفــة رأيهــم)53(.

وخنلــص مــن النظــر فــي العالقــة التــي جتمــع بــن الرقابــة علــى احملتــوى املتــداول عبــر

شــبكات التواصــل االجتماعــي وتشــكيل الــرأي العــام عبــر الفضــاءات الرقميــة، إلــى

أن إشــكالية صعوبــة اجلمــع بــن جعــل هــذه الشــبكات مــالذا حلريــة التعبيــر واحلاجــة

ــة ــي تذهــب بالرقاب ــي املســاعي الت ــى بشــكل أوضــح ف ــا، تتجل ــق عليه ــى التضيي إل

علــى احملتــوى بعيــدا حتــى جتعــل منهــا أداة للتحكــم فــي الــرأي العــام وتشــكيله بطرق

ــي ــر ف ــادة النظ ــى إع ــع إل ــا يدف ــذا م ــة. وه ــا الرقمي ــة التكنولوجي ــع فعالي ــم م تتناغ

ــر التــي أصبحــت متاحــة بفضــل ســهولة املقــوالت التــي راجــت حــول حريــة التعبي

اإللقــاء والتلقــي عبــر شــبكات التواصــل االجتماعــي.

خاتمة

نــت الصحافــة -بعــد ظهورهــا فــي القــرن الســابع عشــر امليــالدي- مــن منــذ أن متك

شبكات التواصل االجتماعي والرقابة على المحتوى

| 208

االرتقــاء بالتواصــل اإلعالمــي إلــى مســتوى القيــادة املجتمعيــة والتدافــع مع الســلطات

ــزم ــب والع ــا باملتاع ــا ومرتبط ــل عصي ــذا التواص ــل ه ــات، ظ ــا املجتمع ــي تفرزه الت

وبعيــدا عــن متنــاول عامــة النــاس. وعندمــا أفــرزت ثــورة اإلنترنــت شــبكات

التواصــل االجتماعــي فــي بدايــات القــرن احلــادي والعشــرين، بــدا وكأن الوقــت قــد

ــئ خلفهــا حــان ليمــارس كافــة النــاس التواصــل اإلعالمــي فتصبــح اجلــدر التــي ختب

املعلومــات وجتعلهــا أســرارا، فضــاءات مشــرعة ينهــل منهــا اجلميــع حتى يكاد ينحســر

الفــارق بــن اخلبــر واإلشــاعة واحلقيقــة واالفتراضــي واإلعالمــي واجلمهــور، ويصبــح

ــا. وهــا حنــن أمــام صــراع جديــد بــن اإلعــالم ــا واجلنــدي إلكتروني املواطــن صحافي

والســلطة: ســاحاته شــبكة الويــب وغيرهــا مــن خدمــات اإلنترنــت، يســتدعي التاريــخ

ــى التواصــل اإلعالمــي أمــال فــي اتقــاء شــروره ــل مــن املســاعي للســيطرة عل الطوي

ــع بخدماتــه فــي الوقــت ذاتــه. والتمت

ــي وقعــت فيهــا شــبكات التواصــل االجتماعــي، عندمــا اندفعــت إن اإلشــكالية الت

حنــو متكــن جماهيرهــا الغفيــرة مــن ممارســة التواصــل اإلعالمــي بحريــة كاملــة تســمح

ــة ألســباب ــن هــذه احلري ــم اضطــرت للحــد م ــي، ث ــاء والتلق ــاج واإللق ــم باإلنت له

موضوعيــة وذاتيــة، تدفعنــا للتنبيــه إلــى بعــض األمــور التــي حتتــاج إلــى تأمــل عنــد

تنــاول مســألة الرقابــة علــى احملتــوى التــي متارســها شــبكات التواصــل االجتماعــي:

1. هنــاك خصوصيــة للتواصــل اإلعالمــي عبــر شــبكات التواصــل االجتماعــي مقارنة

ــتخدمو ــوم مس ــا يق ــدة. فبينم ــا واجلدي ــة منه ــالم التقليدي ــائل اإلع ــه وس ــا متارس مب

ــات ــوم هيئ ــوى، تق ــس للمحت ــر الرئي ــدور الناش ــي ب ــل االجتماع ــبكات التواص ش

ــبكات ــد إدارات ش ــذا جت ــذا الــدور. هك ــات اإلعالميــة به ــي املؤسس التحريــر ف

209 |

ــعون ــن يس ــتخدمن الذي ــن املس ــة ب ــة حرج ــي منزل ــها ف ــي نفس ــل االجتماع التواص

ملمارســة حريتهــم الكاملــة فــي التعبيــر )األمــر الــذي يســاعد علــى منــو أعدادهــم(،

ــة ــى ممارســة حري ــي تنظــر إل ــي( الت ــع املدن ــة للمجتم ــة والتابع والســلطات )احلكومي

ــه وإال ــم في ــر كمهــدد وجــودي يجــب التحك ــر مــن لــدن جمهــور عاملــي غفي التعبي

تعرضــت شــبكات التواصــل االجتماعــي للعقــاب باحلرمــان مــن العمــل واالنتشــار

ــذي يخضــع للســيادة. ــز اجلغرافــي ال فــي احلي

2. تقتضــي املمارســة الســليمة للتواصــل اإلعالمــي اإلميــان برؤيــة اإلعــالم ورســالته

ــع ــارض م ــد يتع ــذي ق ــر ال ــة، األم ــات املهن ــي أخالقي ــتعداد لتبن ــه؛ واالس وأهداف

ــة القتصاديــات ــة الســريعة التــي أصبحــت الســمة الغالب ــة الربحي التوجهــات التجاري

ــي. ــل االجتماع ــبكات التواص ش

3. يتســم التواصــل اإلعالمــي بالتعقيــد الشــديد الــذي ال ينفــع معــه اســتخدام

ــل ــبب تداخ ــر، بس ــدم النش ــر أو ع ــة بالنش ــرارات املتعلق ــاذ الق ــات الخت اخلوارزمي

العوامــل السياســية واالقتصاديــة واالجتماعيــة والقانونيــة. لــذا ال ميكــن مقارنــة هيئــة

ــة مخصوصــة، ــر وســيلة إعالمي ــوى الصــاحل للنشــر عب ــي تنظــر فــي احملت ــر الت التحري

ــة، وقــد ال تتوفــر فــي ــة بعدي ــام برقاب ــم توظيفهــم للقي مبجموعــة املراقبــن الذيــن يت

ــخة. ــات الراس ــة واألخالقي ــرة الكافي ــة واخلب ــة الالزم ــم املعرف معظمه

ــة التــي تقــوم بهــا شــبكات التواصــل االجتماعــي، هــي أقــرب للرقابــة 4. إن الرقاب

ــة ــى حري ــق عل ــي تضي ــدول الت ــي ال ــة ف ــزة املختص ــها األجه ــي متارس ــة الت اخلارجي

ــا ــد تعاطيه ــالم عن ــائل اإلع ــها وس ــي متارس ــة الت ــة الذاتي ــى الرقاب ــا إل ــر، منه التعبي

مــع احملتــوى اخلــام. فالرقابــة الذاتيــة التــي ميارســها اإلعالميــون تأتــي كنتــاج لإلملــام

شبكات التواصل االجتماعي والرقابة على المحتوى

| 210

مبكونــات الصــاحل العــام وكافــة جتلياتــه األمنيــة واالقتصاديــة واالجتماعيــة والثقافيــة

ــر ــا لطبيعــة التواصــل عب والسياســية، ضمــن نطــاق قطــري بالدرجــة األولــى، خالف

ــا. شــبكات التواصــل االجتماعــي التــي يصبــح فيهــا البعــد اجلغرافــي القطــري باهت

لــذا، ليــس مــن املســتغرب أن ختلــص دراســة مســحية إلــى أن الرقابــة علــى التواصــل

ل عائقــا حلريــة التعبيــر. فقــد ارتــأى %91.25 مــن املبحوثن الشــباب االجتماعــي تشــك

ــى شــبكات التواصــل االجتماعــي الرقمــي، ــة عل ــاك رقاب ــه يجــب أال تكــون هن أن

كمــا اعتقــد جميــع املبحوثــن أن البديــل األنســب للرقابــة هــو املســؤولية االجتماعيــة

التــي يجــب أن يتحلــى بهــا رواد هــذه الشــبكات)54(.

ــذي ــوى ال ــة احملت ــة اضطــرار شــبكات التواصــل االجتماعــي ملراقب ــت جترب ــد أثبت لق

ــي ــة الت ــد للعالق ــوم جدي ــة ملفه ــة ماس ــي حاج ــا ف ــا أنن ــر منصاته ــه عب ــم تداول يت

تربــط بــن أفــراد املجتمعــات والقيــادات التــي تتولــى أمرهــا فــي إطــار فكــرة العقــد

ــي ــادة تبن ــدول وجتعــل القي ــام ال ــي تؤســس لقي االجتماعــي أو األفــكار األخــرى الت

مواقفهــا وتصوراتهــا حنــو أفــراد مجتمعهــا علــى الصــراع بــدال مــن التواصــل والتحــاور

ــي ــرا ف ــدول كثي ــض ال ــتثمرت بع ــد اس ــة. لق ــة املتبادل ــل والثق ــم والتكام والتفاه

ــراد هــو املعارضــة ــى أن األصــل فــي مواقــف األف ــة عل ــة املبني مي السياســات التحك

ــي ــر، والت ــة التعبي ــى حري ــا أن جتــرب السياســات القائمــة عل ــم، وعليه للنظــام القائ

ســتقود إلــى التطــور طاملــا كانــت الغايــة هــي رســم صــورة ذهنيــة إيجابيــة واحلفــاظ

ــور. ــا بواســطة اجلمه ــا وصونه عليه

إن الصبــر علــى جتربــة ممارســة اجلمهــور للتواصــل اإلعالمــي عبــر شــبكات التواصــل

ــن ــات مالي ــن مئ ــج ع ــي تنت ــوائب الت ــن الش ــر م ــل الكثي ــوف يزي ــي، س االجتماع

211 |

العمليــات التواصليــة غيــر املســبوقة، والتــي ال تتقيــد بأخالقيــات التواصــل اإلعالمــي

ــا ــى م ــت ويبق ــرور الوق ــع م ــب م ــدا يذه ــر زب ــوف تصي ــدا، وس ــال أو تعم ــا جه إم

ــة ــي للتجرب ــوخ التدريج ــة الرس ــي كيفي ة ف ــر ــة ث ــرية جترب ــن. وللبش ــع املتواصل ينف

ــلمي. ــش الس ــة التعاي ــة، وجترب الدميقراطي

املراجع

ــي، ــث اإلعالم ــج البح ــى مناه ــل إل ــك، مدخ ــف دوميني ــر وجوزي ــر ومي )1( روج

ــة، ــة للترجم ــة العربي ــروت، املنظم ــاروق منصــور، )بي ــع وف ــو أصب ــة صــاحل أب ترجم

ص213�211. ،)2013

)2( Kevin McCusker and Serdar Gunaydin, ”Research using qualitative,

quantitative or mixed methods and choice based on the research,“ Perfusion

30, no.7, )2015(: 537.

فــارع، شــحدة ترجمــة االجتماعــي، البحــث ســارانتاكوس، ســوتيريوس )3(

ــات، 2017(، ص 586�585. ــة السياس ــاث ودراس ــي لأبح ــز العرب ــة، املرك )الدوح

)4( محمــد األمــن موســى، التواصــل الفعال: األســس النظريــة واملجــاالت التطبيقية،

)الشــارقة، كليــة الدراســات العليــا والبحــث العلمــي بجامعــة الشــارقة، 2012(، ص

.280�281

)5( Benjamin F. Jackson, ”Censorship and Freedom of Expression in the

Age of Facebook,“ 44 N.M. L. Rev. 121 )2014(, 123-124, ”accessed

September 29, 2019“. https://bit.ly/2rMhIyQ.

)6( Irena Pletikosa Cvijikj and Florian Michahelles, ”Monitoring Trends on

شبكات التواصل االجتماعي والرقابة على المحتوى

| 212

Facebook,“ Ninth IEEE International Conference on Dependable, Autonomic

and Secure Computing, )2011(: 895, ”accessed September 29, 2019“.

https://bit.ly/2YP0Q6N.

)7( Trisha Dowerah Baruah, ”Effectiveness of Social Media as a tool of

communication and its potential for technology enabled connections: A micro�

level study,“ International Journal of Scientific and Research Publications,

Vol. 2, Issue 5, )May 2012(: 1, ”accessed September 29, 2019“. https://

bit.ly/2S0fjv4.

)8( Gerald C. Kane et al., ”What’s Different about Social Media Networks?

A Framework and Research Agenda,“ MIS Quarterly 38, no.1, )January

2013(: 54, ”accessed September 29, 2019“. https://bit.ly/2surjdA.

)9( Sauvik Das and Adam Kramer, ”Self-Censorship on Facebook,“

)Proceedings of the Seventh International AAAI Conference on Weblogs and

Social Media, 2013(: 120, ”accessed September 29, 2019“. https://bit.

ly/2PIaGmQ.

)10( Yasmin AlNoamany, et al., ”Characteristics of Social Media Stories,“

citeseerx, ”accessed August 22, 2019“, https://bit.ly/2RW9pLt.

)11( Hua Hu and Ding Lin, ”Feature Analysis of the Social Media,“ )paper

presented at International Workshop on Computer Science in Sports, IWCSS

2013(, ”accessed August 22, 2019“. https://bit.ly/2Ek3M1R.

213 |

)12( Twitter, ”Twitter Transparency Report“, ”accessed September 27,

2019“. https://bit.ly/2RUau6P.

Facebook, ”Mission“, ”accessed September 27, 2019“. https://bit.

ly/2EiO9rl.

)13( Jackson, ”Censorship and Freedom of Expression in the Age of

Facebook“, op, cit, 127-129.

)14( Abdul Rahman Al Jaloud, al., ”Caught in the Net: The Impact of

”Extremist“ Speech Regulations on Human Rights Content,“ Electronic

Frontier Foundation, May 30, 2019, ”accessed June 24, 2019“. https://

bit.ly/2YZNcOt.

)15( Caitlin Carlson, ”Censoring Hate Speech in U.S. Social Media Content:

Understanding the User’s Perspective,“ Communication Law Review, Vol.

17, Issue 1, )October 2017(: 33, ”accessed June 24, 2019“. https://bit.

ly/2YObyKK.

)16( Boyang Zhang, Marita Vos, ”Social Media Monitoring: Aims, Methods,

and Challenges for International Companies,“ Corporate Communications

An International Journal, 19 )4(, )2014(: 15, ”accessed June 24, 2019“.

https://bit.ly/34qD81Q.

)17( Tiago Rodrigues, al., ”uTrack: Track Yourself! Monitoring Information

on Online Social Media,“ )paper presented at the International World Wide

شبكات التواصل االجتماعي والرقابة على المحتوى

| 214

Web Conference Committee )IW3C2(, May 13-17, 2013, Rio de Janeiro,

Brazil(, p. 274, ”accessed June 24, 2019“, https://bit.ly/2tkHcny.

)18( Manya Sleeper, al., ”The Post that Wasn’t: Exploring Self-Censorship

on Facebook,“ )paper presented at CSCW’13, February 23–27, 2013, San

Antonio, Texas, USA(, p. 1, ”accessed September 6, 2019“. https://bit.

ly/2LXC27i.

)19( Reza Moini, al., ”Censorship and Surveillance of Journalists: an

Unscrupulous Business,“ Reporters without Borders, p. 16, ”accessed

September 7, 2019“. https://bit.ly/35pRHE6.

)20( Andrew Crocker, ”Who Has Your Back? Censorship Edition 2019,“

Electronic Frontier Foundation, 2019, ”accessed September 8, 2019“.

https://bit.ly/2YR1L6L.

)21( “معاييــر املجتمــع”، فيســبوك، )تاريــخ الدخــول: 26 ســبتمبر/أيلول 2019(:

.https://bit.ly/2S0pujD

ــبتمبر/أيلول ــول: 27 س ــخ الدخ ــبوك، )تاري ــراض”، فيس ــل االعت ــوى مح )22( “احملت

.https://bit.ly/2tlMn6H :)2019

ــول: 27 ــخ الدخ ــبوك، )تاري ــة”، فيس ــى الكراهي ــض عل ــذي يح ــاب ال )23( “اخلط

.https://bit.ly/2YNy6v4 :)2019 ســبتمبر/أيلول

)24( Richard Allan, ”Hard Questions: Who Should Decide What Is Hate

Speech in an Online Global Community?,“ Facebook Newsroom, June 27,

215 |

2017, ”accessed September 27, 2019“. https://bit.ly/2YOkfEU.

)25( ”Facebook’s Closure of Palestinian Pages Attacks Freedom of

Expression,“ Sky Line International, September 4, 2019, ”accessed

September 29, 2019“. https://bit.ly/38H8btN.

)26( Ibid.

)27( صفحــة بوابــة الهــدف اإلخباريــة عبــر شــبكة فيســبوك، )تاريــخ الدخــول: 29

.https://bit.ly/2PomD1X :)2019 ســبتمبر/أيلول

)28( “مرحبــا بكــم فــي صــدى سوشــيال”، صــدى سوشــيال، )تاريــخ الدخــول: 29

.https://bit.ly/2st9VGe :)2019 ــبتمبر/أيلول س

)29( “تقاريــر شــهرية”، صــدى سوشــيال، )تاريخ الدخــول: 29 ســبتمبر/أيلول 2019(:

.https://bit.ly/35mCyU4

ــطن”، ــي فلس ــي ف ــل االجتماع ــائل التواص ــاكات وس ــنوي النته ــر الس )30( “التقري

https://bit. :)2019 ــخ الدخــول: 29 ســبتمبر/أيلول صــدى سوشــيال، 2018، )تاري

.ly/35oRdOG

)31( Alex Kane, ”Critics Fear Crackdown on Palestinian Free Speech as

Israel Takes Aim at Facebook,“ The Intercept, July 28, 2016, ”accessed

June 24, 2019“. https://bit.ly/2YVsLSz.

)32( Ibid.

)33( Glenn Greenwald, ”Facebook Is Collaborating with the Israeli Government

to Determine What Should Be Censored,“ The Intercept, September 12,

شبكات التواصل االجتماعي والرقابة على المحتوى

| 216

2016, ”accessed September 2, 2019“. https://bit.ly/34qfVNc.

)34( Archie L. Dick, al., ”Are established democracies less vulnerable to

Internet censorship than authoritarian regimes? The social media test“,

IFLA, ”accessed October 2, 2019“. https://bit.ly/2srgxoA.

)35( Andrew Silow-Carroll, ”How Facebook monitors harmful content: 5

takeaways,“ The Times of Israel, December 29, 2018, ”accessed June 24,

2019“. https://bit.ly/2PQ4gBY.

)36( J. Clement, ”Facebook’s annual revenue and net income from 2007

to 2018 )in million U.S. dollars(“, Statista, February 4, 2019, ”accessed

October 4, 2019“. https://bit.ly/2LTNCQL.

)37( Max Fisher, ”Inside Facebook’s Secret Rulebook for Global Political

Speech,“ The New York Times, December 27, 2018, ”accessed June 24,

2019“. https://nyti.ms/2ssmfqf.

)38( Pepijn Bierhuizen, ”Dissecting Facebook’s Censorship,“ Master of

Media, October 24, 2017, ”accessed September 5, 2019“. https://bit.

ly/35sjtQs.

)39( Ibid.

)40( ”Internet giants that tolerate or actively cooperate with censorship,“

Reporters without Boarders, March 12, 2017, ”accessed October 4, 2019“.

https://bit.ly/2PonkIQ.

217 |

)41( Casey Newton, ”The secret lives of Facebook moderators in America,“

The Verge, February 25, 2019, ”accessed June 24, 2019“. https://bit.

ly/2PObpTn.

)42( Teresa K. Naab, ”The Relevance of People’s Attitudes towards

Freedom of Expression in a Changing Media Environment,“ Journal for

Communication Studies, Vol. 5, no. 1)9(, )2012(: 54.

)43( Tessa Lyons, ”Hard Questions: What’s Facebook’s Strategy for

Stopping False News?,“ Facebook Newsroom, May 23, 2018, ”accessed

October 5, 2019“. https://bit.ly/34reRsl.

)44( Arun Babu, aL., ”New Updates to Reduce Clickbait Headlines,“

Facebook Newsroom, May 17, 2017, ”accessed October 5, 2019“. https://

bit.ly/35oNkt6.

)45( Mareike Le Pelley, ”Champions of Internet freedom ignore online ethics

at their own peril“, Friedrich-Ebert-Stiftung, January 2013, ”accessed

October 5, 2019“. https://bit.ly/2PRJ1zM.

)46( Jessica Scott, ”How Social Media Users Negotiate Self-Censorship in

the Online Public Sphere,“ )MA thesis, Simon Fraser University, 2015(, p.

71.

)47( Judit Bayer, ”Between Anarchy and Censorship Public discourse and

the duties of social media,“ CEPS, May 2019, ”accessed October 5, 2019“.

شبكات التواصل االجتماعي والرقابة على المحتوى

| 218

https://bit.ly/2PMH0F7.

)48( Leanne Townsend and Claire Wallace, ”Social Media Research: A

Guide to Ethics, Economic and Social Research Council,“: 5-7, ”accessed

October 5, 2019“. https://bit.ly/2ElMLUS.

)49( Hernando Rojas, al., ”For the Good of Others: Censorship and the

Third-Person Effect,“ International Journal of Public Opinion Research, Vol.

8 no. 2, )1996(: 163-183.

)50( Lucas Braun, ”Social Media and Public Opinion“ )Master’s Thesis,

University of Valencia, September 2012(, 115, ”accessed October 6,

2019“. https://bit.ly/2qZzRZQ.

)51( Fan Yang, ”How Internet Censorship in China Guides the Public

Opinion: Take the Banned ‘Under the Dome’ Documentary as a Case

Study,“ academia, ”accessed October 12, 2019“. https://bit.ly/2YRiFlw.

)52( Elizabeth Dubois, ”Self-censorship, Polarization, and the ‘Spiral of

Silence’ on Social Media,“ )Paper Submitted to Internet, Policy & Politics

Conference, University of Oxford, 20-21 September 2018(, 15, ”accessed

October 12, 2019“. https://bit.ly/35pYsFT.

)53( Joel Rogers de Waal and Duncan Grimes, ”Public Opinion and the

Social Media Crisis,“ YouGov, January 23, 2018, ”accessed October 6,

2019“. https://bit.ly/2YOmzfc.

219 |

)54( Abhilasha R and Onkargouda Kakade, ”Social Media Censorship: A

Hindrance to Freedom of Speech and Expression,“ Media Matters, Vol. 4,

Issue 1, )September 2015(: 51.

شبكات التواصل االجتماعي والرقابة على المحتوى

221 |

أزمة الصحافة الورقية يف لبنان:أطروحة النهاية وإشكالية االستمرارية

د.محمد الراجي*

مقدمة

ــاع ــا قط ــي يواجهه ــة الت ــات املهني ــة والتحدي ــة االقتصادي ــات احلال ــل صعوب ــي ظ ف

الصحافــة الورقيــة فــي لبنــان خــالل الســنوات العشــر املاضية وتــآكل “ثقافــة املطبوع”،

ــام وتعاظــم انتشــار اإلعــالم ــي املجــال الع ــة الصحــف وتأثيرهــا ف تراجعــت مقروئي

اإللكترونــي واالجتماعــي، وهــو مــا أســهم فــي تعميــق أزمــة وجــود قطــاع الصحافــة

بكاملــه؛ إذ جعلــت عــددا مــن املؤسســات الصحفيــة يلجــأ إلــى خيــار “اخلــروج” مــن

املشــهد اإلعالمــي املكتــوب، مســتوعبا التجــارب الصحفيــة العريقــة التــي لــم تســتطع

ــد ــة بع ــارب احلديث ــك التج ــا، وكذل ــورا ورقي ــا منش ــتمرار صوته ــى اس ــاظ عل احلف

أشــهر معــدودة مــن صدورهــا. وبــرز خطــاب لفاعلــن مهنيــن يتوقــع نهايــة الصحافــة

ــه ــتلهما أطروحت ــدا واحــدا، مس ــة فــي غضــون أعــوام ال تتجــاوز عق ــة اللبناني الورقي

* د. محمد الراجي، باحث في مركز اجلزيرة للدراسات

| 222

ــه يه “األوناليــن” أو احلتميــة الرقميــة التــي بــدأت تهيمــن أو توج مــن انتشــار مــا يســم

ــات” ــاب النهاي ــن “خط ــرافاته م ــتوحيا استش ــتخدم، ومس ــي للمس ــلوك االتصال الس

الــذي يبلــور رؤيتــه لتطــور وســائل اإلعــالم باجتــاه اإلعــالم الرقمــي مبنصاتــه املختلفــة

عــا خروجــا أو نهايــة لإلعــالم اجلماهيــري، وكذلــك نهايــة اجلمهــور واملتلقــي. متوق

كانــت أبــواب اخلــروج مشــرعة أمــام جتــارب صحفيــة امتــد بعضهــا قرنــا كامــال مثــل

ــعيد ــا س ــطس/آب 2011، وكان أصدره ــي أغس ــت ف ــي توقف ــرق” الت ــة “البي صحيف

عقــل عــام 1912 قبــل أن تصبــح واحــدة مــن دعامــات “دار ألــف ليلــة وليلــة” التــي

ســها نقيــب احملرريــن، ملحــم كــرم، وانهــارت بعــد رحيلــه؛ حيــث توقفــت أيضــا أس

مجلــة “احلــوادث” ومجلتــا “ال ريفــي دي ليبــان” )La Revue du Liban(، و”مونــداي

مورنينــغ” )Monday Morning( فــي العــام نفســه. كمــا خرجــت مــن املشــهد اإلعالمي

صحيفــة “احليــاة” التــي أغلقــت مكاتبهــا بلبنــان، فــي 30 يونيو/حزيــران 2018، بعــد

ت أكثــر مــن ســبعة عقــود؛ إذ انطلقــت فــي العــام 1946، وتوقفــت أيضــا جتربــة امتــد

ســت عــام 1943، ومعهــا “دار الصيــاد”، فــي أكتوبر/تشــرين األول 2018، وكانــت تأس

ــاع ــبكة، والدف ــا )الش ــادرة عنه ــالت الص ــع املج ــوار” وجمي ــة “األن ــأت صحيف أطف

العربــي، والفــارس...( جتربتهــا الصحفيــة، وهــو مــا اعتبــره البعــض “ســقوطا

ل الذاكــرة الثقافيــة والتاريــخ اليومــي لقطعــة أخــرى مــن لبنــان”)1(، باعتبارهــا تشــك

للبلــد، وكانــت ســبقتها فــي اخلــروج صحيفــة “الســفير” فــي نهايــة العــام 2016 بعــد

ســت عــام 1974. وكانــت صحيفــة جتربــة مهنيــة جتــاوزت أربعــة عقــود؛ حيــث تأس

“املســتقبل” التــي صــدرت عــام 1999 أكملــت عقدهــا الثانــي قبــل أن تطــوي صفحــة

جتربتهــا، فــي يناير/كانــون الثانــي 2019. كمــا توقفــت بعــض التجــارب احلديثــة مثــل

223 |

صحيفــة “االحتــاد”، فــي نهايــة ديســمبر/كانون األول 2017، ولــم ميــض علــى صــدور

عددهــا األول أكثــر مــن ثالثــة أشــهر.

ــورا ــا منش ــتمرار صوته ــى اس ــظ عل ــة أن حتاف ــات الصحفي ــذه املؤسس ــتطع ه ــم تس ل

ــة ــرات البيئ ــارف ومتغي ــي اجل ــد الرقم ــة امل ــن حتمي ــها م ــي نفس ــا، وال أن حتم ورقي

ــا ــا حرص ــر بعضه ــث أظه ــا؛ حي ــة جتربته ــدة ملواصل ــة اجلدي ــة واإلعالمي االتصالي

ل إلــى صحيفــة إلكترونيــة قــد ال يكــون وضعهــا أفضــل علــى رقمنــة صوتــه بالتحــو

ــا ــي منه ــي يعان ــة الت ــة االقتصادي ــل الهشاش ــي ظ ــة ف ــة الورقي ــن الصحيف ــال م ح

ــة ــة اللبناني ــة الورقي ــة الصحاف ــالل بني ــة عــن اخت ــر هــذه احلال قطــاع اإلعــالم. وتعب

ل خصوصيــة القطــاع نفســه مــن حيــث النمــوذج االقتصــادي، وهياكلــه التــي تشــك

التمويليــة، وأمنــاط ملكيتــه، ومهنيتــه، وأجندتــه السياســية، وشــبكاته النخبويــة،

وعالقتــه بالســلطة، ويعكــس هــذا االختــالل طبيعــة التهديــدات التــي تواجــه كيــان

الصحافــة الورقيــة؛ إذ ختلــق حتديــات أمــام الفاعلــن املهنيــن واالقتصاديــن ومالكــي

ــراه البعــض “خطــرا ــة بشــأن فــرص اســتمرارها فــي ظــل مــا ي ــازات الصحفي االمتي

ــتهدفها”)2(، ــة يس ــة املكتوب ــة اللبناني ــد الصحاف ــي جس ــا ف ــا ونزيف ده ــا يتهد وجودي

ــة ــاع ودوره، وعالق ــذا القط ــا ه ــي يعرفه ــوالت الت ــول التح ــرة ح ــئلة كثي ــر أس وتثي

بــة تعيشــها اجلمهــور بــه، ومســتقبله أيضــا، األمــر الــذي يجعلنــا إزاء أزمــة مرك

ــا ــالتها ووظيفته ــي لرس ــة املتلق ــي رؤي ــا، وف ــي كينونته ــر ف ــة وتؤث ــة اللبناني الصحاف

ــم. ــا العال ــدرك به ــي ي ــة الت والطريق

أزمة الصحافة الورقية في لبنان أطروحة النهاية وإشكالية االستمرارية

| 224

1. اإلطار املنهجي والنظري للدراسة

أ- إشكالية الدراسة وفرضياتها

صا إلشــكالية الدراســة تعــد البيئــة اإلعالميــة اللبنانيــة الراهنــة وتشــعباتها إطــارا مشــخ

ــة فــي ــة اللبناني ــل فــي أزمــة وجــود صناعــة الصحافــة الورقي ــي تتمث وأبعادهــا، والت

ــا ــر تقليديــة اقتصادي مرحلــة غيــر مســبوقة فــي تاريخهــا؛ حيــث تواجــه حتديــات غي

ــا، أي العناصــر ــي منظومته ــل ف ــى خل ــا أدت إل ــا وثقافي ــا وتكنولوجي ــا ومهني وإداري

ــت ــي أحدث ــة الت ــق األزم ــة. وتتعم ــذه الصناع ــم ه ــي تنتظ ــة الت ــات املختلف والعملي

ــة ــوالت البيئ ــياق حت ــي س ــة ف ــة اللبناني ــة الورقي ــة الصحاف ــي بني ــا ف ــرا جوهري تغي

االتصالية/الرقميــة واإلعالميــة اجلديــدة التــي أصبــح فيهــا القارئ/املتلقــي مســتخدما

ومنتجــا للمحتــوى ومالــكا ملنصــة إعالميــة )إعــالم الفــرد(، كمــا تتعاظــم تعقيــدات

األزمــة فــي ظــل تســارع التطــورات التقنيــة واملســتحدثات التكنولوجيــة التــي دفعــت

باجتــاه التوســع فــي اســتخدام شــبكات التواصــل االجتماعــي، ومنصــات اإلعــالم

االجتماعــي، وارتفــاع معــدالت اســتخدام شاشــات الهواتــف الذكيــة وشــبكة

اإلنترنــت مصــدرا لأخبــار واملعلومــات. وظهــرت آثــار ذلــك فــي اخنفــاض توزيــع

ــاه ــراءة، واالجت ــدالت الق ــف مع ــة، وضع ــدات اإلعالني ــع العائ ــف، وتراج الصح

ــاملة. ــة الش ــات اإلخباري ــة واملنص ــف اإللكتروني ــع والصح ــيس املواق ــد لتأس املتزاي

ــالل ــن خ ــتقصاءه م ــة اس ــاول الدراس ــذي حت ــتفهامي ال ــل االس ــرز احلق ــا، يب وهن

ــي: ــع البحث ــة للمجتم ل ث ــة مم ــة قصدي ــتطالع رأي عين اس

ــة ــة الورقي ــة وجــود صناعــة الصحاف ــى أزم ــي أدت إل ــا العوامــل واألســباب الت - م

225 |

ــان؟ فــي لبن

- مــا دور النمــوذج االقتصادي/التقليــدي للصحافــة الورقيــة فــي هشاشــة هــذا

ــاع؟ القط

ــرت البيئــة االتصالية/الرقميــة واإلعالميــة اجلديــدة والبيئــة السياســية فــي - كيــف أث

الوضــع الــذي تعيشــه الصحافــة الورقيــة فــي لبنــان؟

ل الســلوك االتصالــي للمســتخدم - كيــف أســهم انتشــار “ثقافــة األوناليــن”، وحتــو

حنــو “ثقافــة الشاشــة” التــي هيمنــت علــى “ثقافــة املطبــوع”، فــي ضعــف معــدالت

ــة؟ ــة اللبناني ــة الورقي ــق أزمــة صناعــة الصحاف قــراءة الصحــف وتعمي

- هــل الوضــع الــذي يعيشــه قطــاع الصحافــة الورقيــة اليــوم ســيؤدي حتمــا خلــروج

ــت نهايتهــا فــي املســتقبل القريــب أم ال تــزال الصحــف مــن املشــهد اإلعالمــي ويوق

متلــك مقومــات البقــاء واالســتمرارية؟

وفــي ســياق هــذا احلقــل االســتفهامي، فــإن الفرضيــة التــي يحــاول الباحــث

ــي ــة الت ــة اللبناني ــة الورقي ــة” الصحاف ــط بأطروحــة “مــوت” أو “نهاي اســتقصاءها ترتب

ــي ــون ف ــن أن تك ــاب الصحفي ــرين والكت ــن والناش ــن املهني ــض الفاعل ــع بع يتوق

األعــوام العشــرة املقبلــة فــي ظــل حتــوالت املشــهد اإلعالمــي الــذي يتســع فيــه انتشــار

ثقافــة الشاشــة )الهواتــف الذكيــة واحلاســوب اللوحــي..( وتتراجــع فيــه ثقافــة املطبــوع

ــاب..(. ــة، الكت ــة، املجل ــة )الصحيف ــائلها املختلف بوس

وعلــى الرغــم مــن احلجــج التــي يســتند إليهــا املدافعــون عــن هــذه األطروحــة فــي

ــة ــة اإلعالمي ــإن البيئ ــا، ف ــان قريب ــي لبن ــة ف ــة الورقي ــوت الصحاف ــم بنهاية/م توقعه

بأبعادهــا املختلفــة وتطــورات البيئــة االتصاليــة الرقميــة بإمكانهــا -إذا توافقــت إرادات

أزمة الصحافة الورقية في لبنان أطروحة النهاية وإشكالية االستمرارية

| 226

الفاعلــن فــي القطــاع وتوحــدت الــرؤى- أن تكســب الصحافــة الورقيــة فــرص البقاء

واالســتمرار.

ب- مقاربة الدراسة ومنهجها

بــة التــي يعيشــها قطــاع تســعى الدراســة إلــى استكشــاف أســباب األزمــة املرك

ــة ــة الراهن ــع سلســلة العوامــل التــي أدت إلــى احلال ــة، وتتب ــة اللبناني الصحافــة الورقي

ــا ــا وإداري فــي ســياق التحــوالت التــي مــرت بهــا صناعــة الصحافــة الورقيــة اقتصادي

ــا خــالل األعــوام العشــرة املاضيــة، وهــو مــا يعنــي البحــث فــي آليــات التســبيب ومهني

)العالقــة الســببية( التــي تــروم معرفــة العمليــة التــي أفضــت إلى تلــك احلالة وســياقاتها

ــرة ألطروحــة نهاية/مــوت الصحافــة الورقيــة وإشــكالية عبــر اســتقصاء العوامــل املفس

ــة ــلوب دراس ــث بأس ــتعن الباح ــتها يس ــات ودراس ــذه اآللي ــم ه ــتمراريتها. ولفه اس

ــادر ــى مص ــد عل ــي تعتم ــة الت ــوث الكيفي ــاليب البح ــد أس ــد أح ــذي يع ــة، ال احلال

ــة متعــددة لرصــد الظاهــرة داخــل ســياقها الطبيعــي دون عزلهــا عــن الشــروط وأدل

ــل دراســة احلالــة شــكال مــن أشــكال التحليــل الوصفــي الــذي احمليطــة بهــا. كمــا متث

يســتخدم الدراســات املســحية ويكثــر اســتخدامها فــي وصــف وضــع معــن، أو فرد أو

مجتمــع أو عــادة أو تقليــد اجتماعــي، ويترتــب علــى ذلــك جمــع الكثيــر مــن احلقائــق

ــوره ــل تط ــه أو مراح ــخ حيات ــث تاري ــن حي ــث م ــوع البح ــة مبوض ــات املتعلق والبيان

ــا خلطــوات مقاربــة ل ذلــك إطــارا إجرائيا/منهجي خــالل فتــرة زمنيــة)3(. وقــد شــك

إشــكالية البحــث مــن خــالل تتبع الــرؤى والتصــورات واملقترحــات ورصــد املعلومات

ــة ــتطالع رأي عين ــر اس ــان عب ــي لبن ــة ف ــة الورقي ــة الصحاف ــفة حلال ــق الكاش واحلقائ

ــاب لــة مــن املجتمــع البحثــي الــذي يضــم ناشــرين وفاعلــن مهنيــن ونقابيــن وكت ث مم

227 |

صحفيــن وأكادمييــن )..(، ومــن ثــم إعــادة بنــاء هــذه الــرؤى واألدلــة املتعــددة فــي

ــبة ــببية مناس ــة س ــورة فرضي ــن بل ــة ب ــة احلال ــع دراس ــك جتم ــرة. وبذل ــل الظاه حتلي

ــببي ــتدالل الس ــا(، واالس ــة وفرضياته ــي إشــكالية الدراس ــن ســابقا ف ــو مب ــا ه )كم

ــا)4(. ــل عمليــة تكميليــة للوصــف وال يتنافســان مع لتفســير الظاهــرة، والــذي ميث

ــي ــبيب ف ــات التس ــة أو آلي ــة عملي ا لدراس ــي ــال أساس ــي مدخ تبع ــل الت ــل التحلي وميث

ــر البحــث فــي العالقــة ــة عب ــة اللبناني األزمــة التــي تعيشــها صناعــة الصحافــة الورقي

ــي ــا يقتض ــو م ــرات، وه ــا التأثي ــت به ــي مت ــة الت ــبب والكيفي ــن الس ــد ب ــي توج الت

ــار ــي إط ــع ف ــر التاب ــتقل واملتغي ــر املس ــن املتغي ــببية ب ــات الس ــة العالق ــد قائم حتدي

حتليــل إمبريقــي)5( لتفســير حالــة التهديــدات التــي تواجــه صناعــة الصحافــة الورقيــة

ــة وأســهمت ــي تعمــل داخــل احلال ــات الت ــاء سلســلة العوامــل أو اآللي ــة، وبن اللبناني

فــي أزمــة وجــود هــذه الصناعــة، وإبــراز عالقاتهــا االرتباطيــة مــن خــالل تعيــن صلــة

ــا باملالحظــة هــذه العوامــل بالنتيجــة )التجــاور والضــرورة..(. ويســتعن الباحــث هن

ــا احلامســة؛ ألن ــا وحلظاته ــرت به ــي م ــة والتطــورات الت ــي رصــد ســياقات األزم ف

“احلقائــق التــي نعرفهــا متثــل بياناتنــا ومالحظاتنــا الكيفيــة والكميــة” كمــا أن الطريقــة

العلميــة املثلــى لتنظيــم هــذه احلقائــق تعتمــد علــى املالحظــة، األمــر الــذي يســهم فــي

ــم وإجــراء البحــوث)6(. الوصــول إلــى نتائــج مهمــة بشــأن تصمي

ــة ــة)7( أداة بحثي ــى املقابل ــات عل ــات واملعلوم ــتقاء البيان ــي اس ــة ف ــز الدراس وترتك

واســتقصائية )استكشــافية(؛ تســاعد الباحــث فــي حتديــد أبعــاد إشــكالية الدراســة،

وإعــادة بنــاء العوامــل واألســباب التــي توضــح أزمــة وجــود صناعــة الصحافــة الورقية

ــرات. ــن املتغي ــة ب ــات االرتباطي ــبيب والعالق ــات التس ــل آلي ــة تفاع ــة وكيفي اللبناني

أزمة الصحافة الورقية في لبنان أطروحة النهاية وإشكالية االستمرارية

| 228

ــي ــذي ســاعده ف ــل املقابلة/اســتمارة؛ ال ــي هــذا الســياق دلي ــد أعــد الباحــث ف وق

ــة بإشــكالية الدارســة ــه صل ــد أســئلتها مبــا ل ــن وحتدي ــالت مــع املبحوث ــر املقاب تأطي

وأبعادهــا، وتنوعــت أســئلة الدليــل بحســب طبيعــة الهــدف مــن املقابلــة مــع أفــراد

العينــة املتنوعــة وشــملت أســئلة محــددة وأخــرى شــبه محــددة وأســئلة غيــر محــددة.

ج- مجتمع الدراسة وعيـنتـه

أجرى الباحث مقابالت مختلفة مع فاعلن مهنين وناشرين ونقابين وأكادميين

لت عينة وكتاب رأي وحقوقين ومسؤولن حكومين، بلغ عددها 15 مقابلة شك

قصدية)8( لتمثيل مجتمع البحث. وتشمل عينة الدراسة، التي ميتد إطارها الزمني

بن 17 و25 ديسمبر/كانون األول 2018، غسان حجار، مدير حترير صحيفة النهار،

وإبراهيم األمن، رئيس حترير صحيفة األخبار، وجورج بكاسيني، مدير حترير صحيفة

املستقبل، وساطع نور الدين، رئيس حترير صحيفة املدن اإللكترونية، وحازم األمن،

رئيس حترير موقع درج، وأرنست خوري، رئيس القسم السياسي في العربي اجلديد،

وطالل سلمان، ناشر صحيفة السفير، وعوني الكعكي، نقيب الصحافة اللبنانية

ورئيس حترير صحيفة الشرق، وجوزيف القصيفي، نقيب محرري الصحافة اللبنانية،

وعماد بشير، مدير كلية اإلعالم والتوثيق في اجلامعة اللبنانية، ورامي جنم، رئيس

الفرقة البحثية لعلوم اإلعالم واالتصال باجلامعة اللبنانية، وجاد ملكي، رئيس قسم

اإلعالم في اجلامعة اللبنانية األميركية ومدير معهد بحوث اإلعالم والتدريب في

اجلامعة، وحازم صاغية، كاتب وصحافي لبناني، وأمن مهنا، مدير مركز الدفاع عن

احلريات اإلعالمية والثقافية )سكايز(، وحسان فلحة، املدير العام لوزارة اإلعالم.

وقــد مسحــت مفــردات هــذه العينــة، أوال: بتنــوع الــرؤى فــي دراســة إشــكالية البحث

229 |

ــرات ــا يســتوعب متغي مــت إطــارا ومنظــورا حتليلي ــا: قد ــة، وثاني ــا املقارب ــراء زواي وإث

ــرة ملظاهــر أزمــة صناعــة الصحافــة الورقيــة اللبنانيــة، الدراســة واألبعــاد املفس

وثالثــا: بتفاعــل هــذا اإلطــار التحليلــي مــع محيطــه وســياقاته السياســية واالقتصاديــة

ــذه ــب له ــع املرك ــار الطاب ــة. وباعتب ــة والثقافي ــة واإلعالمي ــة واالتصالي واالجتماعي

ــاول ــا، حت ــا وتداخله ــط متغيراته ــا وتراب ــابك أبعاده ــده تش ــذي يجس ــة، وال األزم

الدراســة استكشــاف آليــات التســبيب فــي أزمــة وجــود الصحافــة الورقيــة فــي لبنــان،

ــببية ــة الس ــرة والعالق ــرة للظاه ــل املفس ــلة العوام ــاء سلس ــادة بن ــون إلع دون أن يك

ــع ل جمي ــك ــا تش ــة، وإمن ــل أهمي ــر أو أق ــا أكث ــل بعضه ــي يجع ــع هرم ــا طاب ملتغيراته

ــب ــي تكتس ــة الت ــتقلة والتابع ــرات املس ــه املتغي ــق في ا تتعال ــيري ــارا تفس ــباب إط األس

ــة، ويتحــدد دورهــا مــن خــالل ــا فــي شــبكة عالئقي ــا مــن انتظامه ــا انطالق أهميته

مرجعيــة التحليــل التــي تبحــث جميــع العوامــل واملتغيــرات بأســاليب مختلفــة وصفــا

ــا. ــال تتبعي ــيرا واســتدالال وحتلي وتفس

د- مدخل نظري للدراسة

عندمــا أصبــح الراديــو حقيقــة واقعــة فــي العــام 1920 توقــع كثيــرون نهايــة الصحافــة

الورقيــة واختفاءهــا عــن املشــهد اإلعالمــي فاســحة املجــال لوســيلة إعالميــة جديــدة

اقتحمــت الفضــاء العــام لســهولة الوصــول إلــى احملتــوى اإلذاعــي الــذي تبثــه بغــض

ــا هــذا ــي يســتقبل به ــة الت ــي للمتلقي/املســتمع أو الكيفي النظــر عــن املســتوى املعرف

ــة وســيلة ــور أي ــع ظه ــات م ــوى. اســتمر هــذا اخلطــاب املشــبع بأطروحــة النهاي احملت

ــون ــور التليفزي ــل ظه ــة؛ مث ــيلة القدمي ــى الوس ــتقضي عل ــي س ــدة الت ــة جدي إعالمي

ــت ــار اإلنترن ــم انتش ــو، ث ــل الرادي ــة، مح ــذه األطروح ــب ه ، بحس ــيحل ــذي س ال

أزمة الصحافة الورقية في لبنان أطروحة النهاية وإشكالية االستمرارية

| 230

الــذي ســيؤدي إلــى تراجــع وانهيــار الصحافــة الورقيــة ونهايتهــا. ولئــن كانــت

البيئــة االتصالية/الرقميــة واإلعالميــة اجلديــدة تبــن التحــول املتعاظــم فــي الســلوك

االتصالــي للجمهور/املســتخدمن حنــو وســائل اإلعــالم اجلديــد وشــبكات التواصــل

االجتماعــي وشاشــات الهواتــف الذكيــة الســتقاء األخبــار واملعلومــات، فــإن

ظهــور هــذه الوســائط اجلديــدة فــي ذاتهــا -رغــم الســياقات االجتماعيــة والسياســية

واالقتصاديــة التــي تطلبــت نشــأتها- ال يعنــي نهايــة حتميــة للصحافــة الورقيــة. لكــن

ــة ــات املمارس ــي آلي ــف ف ــه الصح ــذي عرفت ــر ال ــر الكبي ــا التأثي ــي أيض ــذا ال ينف ه

ــا وفــي نظرتهــا ــر أيض ــة نفســها ومفهــوم اخلب ــل وفــي مفهــوم الصحيف ــة، ب اإلعالمي

للمتلقــي، وهــو مــا اســتوعبه العديــد مــن املؤسســات الصحفيــة التــي جلــأت إلــى مــا

ــة ــار الهجــن الــذي يجمــع بــن الصحيفــة املطبوعــة والصحيفــة الرقمي يســمى باخلي

أو اإللكترونيــة. كمــا تتجــه بعــض املؤسســات إلــى إنتــاج “صحيفــة تفاعليــة” لكــن

ــم إنشــاؤها بواســط ــة يت ــة ذكي ــة ورقي ــا صحيف ــذي يجعله ــى الرقمــي ال ــس باملعن لي

ــز ــول إيغلســتون )Paul Egglestone( وجــون ميل ــرى ب ــة، كمــا ي األجهــزة اإللكتروني

)John Mills()9(، وإمنــا صحيفــة تتفاعــل مــع الســياق االجتماعــي والسياســي الــذي

ــتجيب ــا تس ــا يجعله ــدة مب ــة اجلدي ــة الرقمي ــا االتصالي ــع بيئته ــا م ــه وأيض ــل في تعم

ــور. ــة للجمه ــية والثقافي ــة والسياس ــات املعرفي لالحتياج

فــي ســياق هــذا الطــرح قــد تســاعد نظريــة التكيــف االجتماعــي، التــي تعــود أصولها

إلــى علــم النفــس االجتماعــي، فــي فهــم العالقــة بــن الصحافــة الورقيــة واإلعــالم

ــف ــإذا كان التكي ــا. ف ــة عموم ــة االتصالية/الرقمي ــة والبيئ ــائله املختلف ــد بوس اجلدي

يعنــي تعديــل الســلوك الفــردي واجلماعــي ليتــواءم مــع املعاييــر والقيــم الســائدة فــي

231 |

مجتمــع معــن أو طبقــة أو مجموعــة اجتماعيــة، ويتــم ذلــك خــالل عمليــة التنشــئة

ــدة ــة متزاي ــح ذا أهمي ــة، فهــو يصب ــة االجتماعي ــات الرقاب ــة ومبســاعدة آلي االجتماعي

ا)10(؛ ــر علــى جوانــب مهمــة مــن احليــاة خــالل فتــرة زمنيــة قصيــرة نســبي عندمــا يؤث

ــق ــة وحتقي ــع البيئ ــه م ــى تســهيل تكيف ــه إل ــرد مــن خــالل مدركات ــث يســعى الف حي

التــوازن املقبــول مــع متطلبــات محيطــه لالســتجابة إلــى احتياجاتــه املتغيــرة ورغباتــه

ــات ــات والبني ــتيعاب املعلوم ــر اس ــه عب ــى بيئت ــيطرة عل ــه والس ــه ونوع ــظ حيات حلف

الذهنيــة اجلديــدة فــي ســياق عمليــة تواصليــة ديناميــة.

ــف مــع بيئتــه ومواجهــة حتدياتهــا ميكــن هــذه األبعــاد التــي حتــرك الفــرد فــي التكي

اســتيعابها أيضــا فــي عمليــة تــالؤم الوســيلة اإلعالميــة )الصحيفــة الورقيــة( مــع بيئتهــا

اإلعالميــة املركبــة ملواجهــة األزمــة التــي تهــدد وجــود قطــاع الصحافــة مــن خــالل

ــة، والبحــث ــة اإلعالمي الوعــي بحجمهــا وتداعياتهــا، والنظــر فــي مســتجدات البيئ

ــة ــة واإلعالمي ــة االتصالية/الرقمي ــي تســمح لهــا بالتكيــف مــع البيئ ــات الت فــي اآللي

اجلديــدة لضمــان اســتمراريتها.

ه- الدراسات السابقة

ظلــت أزمــة وجــود الصحافــة الورقيــة اللبنانيــة واســتمرار مظاهرهــا تســتأثر باهتمــام

ــاب الــرأي، وفــي هــذا الســياق رصــد الباحــث كتابــات صحفية املجتمــع البحثــي وكت

كثيــرة )تقاريــر ومقــاالت رأي( تناقــش أســباب األزمــة وتلقــي الضــوء علــى حتديــات

صناعــة الصحافــة الورقيــة، بينمــا تــكاد األدبيــات العلميــة البحتــة التــي تتنــاول هــذا

املوضــوع تكــون محــدودة، وقــد حصرنــا بعــض الدراســات الوصفيــة املهمــة التــي

تبحــث حتــوالت البيئــة االتصاليــة الرقميــة واإلعالميــة اجلديــدة وتطوراتهــا فــي لبنــان

أزمة الصحافة الورقية في لبنان أطروحة النهاية وإشكالية االستمرارية

| 232

وخريطــة املشــهد اإلعالمــي.

- ترصــد الدراســة األولــى)11( مشــكالت اإلعــالم اجلديــد ومتغيــرات البيئــة

االتصاليــة الرقميــة واإلعالميــة اجلديــدة فــي لبنــان؛ حيــث مييــل األفــراد إلــى

اســتخدام اإلنترنــت بشــكل أساســي للحصــول علــى املعلومــات بنســبة %41، تليهــا

ــائعا، ــاطا ش ــد نش ــي فتع ــل االجتماع ــبكات التواص ــا ش ــبة %26، أم ــة بنس الدردش

ا بنســبة %30، كمــا ــا بنســبة %40، وآخــرون أســبوعي حيــث يســتخدمها البعــض يومي

ــا فــي ــادرا بنســبة %30. ويلعــب موقــع فيســبوك دورا مهم ــة أخــرى ن تســتخدمها فئ

ــد ــالت ض ــة واحلم ــال للتعبئ ــتخدامه أداة اتص ــم اس ــث يت ــة حي ــاءلة اإلعالمي املس

ــات، ويســتخدم ــا املعلوم ــون تكنولوجي ــل مشــروع قان ــن، مث ــاريع القوان بعــض مش

ــوى ــا حملت ــا داعم ــك صوت ــم أداء وســائل اإلعــالم وكذل ــا منصــة ملناقشــة وتقيي أيض

بعــض البرامــج التــي تتعــرض للهجــوم )مثــل قضيــة برنامــج كالم النــاس(. كذلــك

حتولــت املدونــات إلــى وســائط ملناقشــة التغطيــات اإلعالميــة أو ســلوك العاملــن فــي

ــدأت حضورهــا ــت الدراســة أن وســائل اإلعــالم ب ــة. وبين وســائل اإلعــالم التقليدي

ــح ــب املنخفــض للشــبكة الــذي ال يتي ــى اإلنترنــت بســبب الصبي ــردد عل بشــكل مت

ــة ــط للغاي ــن نش ــال التدوي ــإن مج ــل، ف ــي املقاب ــدود. ف ــادي مح ــح اقتص ــوى رب س

ــة. ــا املســؤولية اإلعالمي ــرا بقضاي ــم كثي ــه ال يهت لكن

ــد ــي وترص ــي اللبنان ــهد اإلعالم ــوالت املش ــا حت ــة)12( أيض ــة الثاني ــع الدراس - تتاب

ــد ــكل متزاي ــتهلك بش ــباب يس ــل الش ــظ أن جي ــة، وتالح ــائط الرقمي ــة الوس خريط

األخبــار بشــكل حصــري عبــر املواقــع اإلخباريــة والشــبكات االجتماعيــة، كمــا مييــل

ــات رغــم أن ــار واملعلوم ــى األخب ــة للحصــول عل ــع احمللي ــارة املواق ــى زي ــور إل اجلمه

233 |

أكثــر املواقــع شــهرة فــي لبنــان ليســت محليــة. كما تلعــب الشــبكات االجتماعيــة دورا

ــا فــي تبــادل األخبــار االجتماعيــة والثقافيــة، ومييــل موقــع تويتــر إلــى أن يكــون مهم

مصــدرا لأخبــار الوطنيــة والدوليــة، كمــا يعمــل فيســبوك مصــدرا لأخبــار ولكــن

ــدة ــا جدي ــر فرص ــت توف ــى أن اإلنترن ــة إل ــت الدراس ــرة. وخلص ــر مباش ــة غي بطريق

للنشــطاء وجمعيــات املجتمــع املدنــي، وكذلــك لعــدد قليــل مــن املواقــع اإلخباريــة

ــي ــوع ف ــوات والتن ــدد األص ــي ع ــادة ف ــهدت زي ــالد ش ــا أن الب ــة، كم اإللكتروني

احملتــوى عبــر الشــبكة العنكبوتيــة بقيــادة عــدد مــن النشــطاء الذيــن لــم يكــن لديهــم

ــي تســيطر ــة الت ــم إال مــن خــالل وســائل اإلعــالم التقليدي ــر عــن آرائه ــذ للتعبي منف

عليهــا القــوى السياســية املهيمنــة. كمــا ازداد عــدد املدونــن الذيــن يشــغلون مســاحة

أكبــر فــي املجــال العــام.

ــن كيــف أصبحــت ــا، تب ــى موضــوع بحثن ــة)13(، وهــي أقــرب إل - الدراســة الثالث

ــات ــش الصعوب ــان، وتناق ــي لبن ــد ف ــكل متزاي ــعبية بش ــل ش ــة أق ــف املطبوع الصح

والتحديــات املاليــة التــي تواجههــا أهــم املؤسســات الصحفيــة؛ مثــل الســفير

ــة، والنهــار، حيــث جلــأت األولــى إلــى التوقــف عــن الصــدور بســبب األزمــة املالي

ــل ــن، مث ــن والصحفي ــن املوظف ــدد م ــات ع ــرى خدم ــات أخ ــت مؤسس ــا أنه بينم

صحيفتــي املســتقبل واألخبــار. والحظــت الدراســة أن %23 مــن اللبنانين يســتخدمون

ــن أن ــي ح ــبوع، ف ــي األس ــرات ف ــس م ــن خم ــر م ــار أكث ــة األخب ــت ملتابع اإلنترن

%40 يقومــون بذلــك بــن مــرة وأربــع مــرات فــي األســبوع، كمــا تشــير إلــى النمــو

املســتمر واالســتخدام الواســع لشــبكات التواصــل االجتماعــي، حيــث يعــد فيســبوك

ــت بعــض األصــوات ــد متكن ــان. وق ــي لبن ــر املنصــات اســتخداما ف والواتســاب أكث

أزمة الصحافة الورقية في لبنان أطروحة النهاية وإشكالية االستمرارية

| 234

ــر هــذه الشــبكات مــن تشــكيل مجتمــع رقمــي مــن الناشــطن، والــذي الناشــئة عب

ــال ــره فــي املجــال االجتماعــي والسياســي والثقافــي، خاصــة بــن األجي ــد تأثي يتزاي

األصغــر ســنا، وهــو مــا يبــن أهميــة الرقمنــة ودورهــا فــي املجــال العــام. وخلصــت

الدراســة إلــى أن الصحفيــن يتعرضــون لضغــوط هائلــة من قبــل املؤسســات اإلعالمية

ــر ــروف غي ــق الظ ــى تعمي ــة أدت إل ــة االقتصادي ــا أن األزم ــا، كم ــون به ــي يعمل الت

املســتقرة للعديــد مــن الصحفيــن واإلعالميــن مــا جعلهــم عرضــة للخطــر واالبتــزاز

ــن. ــن واإلقليمي ــل السياســين ورجــال األعمــال احمللي مــن قب

ــة ــة اللبناني ــة اإلعالمي ــوالت البيئ ــى حت ــز عل ــي ترك ــوث الت ــذه البح ــب ه - وبجان

والســلوك االتصالــي للمســتخدم حنــو وســائل اإلعــالم اجلديــد وشــبكات التواصــل

االجتماعــي، جنــد دراســات كثيــرة ذات صلــة مبوضــوع بحثنــا دون أن يكــون مجتمــع

الدراســة هــو الصحافــة الورقيــة اللبنانيــة، وبعضهــا اآلخــر يتنــاول الصحافــة الورقيــة

العربيــة عمومــا، مثــل الدراســة التــي أعدهــا األكادميــي، املعــز بــن مســعود، بعنــوان

ــي ــر ف ــة”)14(، وتفك ــات الرقمن ــاء ورهان ــراع البق ــة: ص ــة العربي ــة الورقي “الصحاف

األجوبــة العلميــة التــي ينبغــي صياغتهــا عنــد مقاربــة التحديــات التــي تواجــه مســتقبل

الصحافــة الورقيــة فــي العالــم العربــي ورهانــات رقمنتهــا، وتــرى فــي نظريــة النشــوء

ــا لفهــم العالقــة بــن احلامــل الورقــي واإلعــالم س التعايشــي التكافلــي مدخــال مؤس

اإللكترونــي. وخلصــت الدراســة إلــى أن املؤسســات الصحفيــة فــي البلــدان العربيــة

ــة قــد تكــون ليــس لهــا القــدرة نفســها علــى مواجهــة الزحــف الرقمــي، وأن النهاي

ــة فــي أوروبــا أوال وإن اختلــف احملللــون حــول املــدة الزمنيــة، ورمبــا صمــدت حتمي

ــة ــم العربــي ألســباب لهــا عالقــة بوظيفــة الصحافــة الورقي بعــض الوقــت فــي العال

235 |

وأمنــاط امللكيــة وارتبــاط احلكومــات واألنظمــة بالصحيفــة الورقيــة واعتبارهــا

املتحــدث الرمســي بامسهــا واألداة التــي توثــق بهــا قراراتهــا وتوجهاتهــا. وقــد يكــون

احلــل كذلــك فــي التوجــه حنــو صحافــة الــرأي واملقــال والتحليــل والصحافــة

ــة، وتشــاركية ــة مــواد تفاعلي ــدة تكــون مبنزل ــكار مضامــن جدي االســتقصائية، أو ابت

ــرا منهــا. ــة جــزءا كبي ــدت الصحــف الورقي ــال الناشــئة التــي فق ــة لأجي وفئوي

- مثــة دراســة أخــرى أعدهــا الباحــث، علــي جنــادات، بعنــوان “مســتقبل الصحافــة

ــات ــورة املعلوم ــل ث ــي ظ ــة ف ــف اإللكتروني ــة الصح ــي مواجه ــة ف ــة األردني الورقي

واملعرفــة: دراســة مســحية”)15(، وتســعى إلــى التعــرف علــى مــدى منافســة الصحافــة

ــة ــة املكتوب ــذي ينتظــر قطــاع الصحاف ــة، واملســتقبل ال ــة الورقي ــة للصحاف اإللكتروني

ــن الصحــف الورقيــة مــن فــي ظــل ثــورة املعلومــات واملعرفــة، واآلليــات التــي متك

البقــاء فــي املشــهد اإلعالمــي األردنــي بالرغــم مــن مزاحمــة الصحــف اإللكترونيــة.

وتفتــرض الدراســة أن هنــاك عالقــة تنافســية مــا بــن الصحــف األردنيــة والصحــف

ــل ــة والتقلي ــة الصحــف اإللكتروني ــن مطالع ــة ب ــاك عالق ــا أن هن ــة، كم اإللكتروني

ــار الصحــف ــن ازده ــة ب ــا توجــد عالق ــة، كم ــى الصحــف الورقي ــب عل ــن الطل م

اإللكترونيــة وتالشــي هيمنــة الصحــف الورقيــة. وخلصــت الدراســة إلــى أن مســتقبل

الصحافــة الورقيــة ليــس فــي خطــر، وأن %75 مــن املبحوثــن يعتقــدون أن العالقــة بن

الصحافــة الورقيــة والصحافــة اإللكترونيــة تنافســية وتكامليــة وليســت عالقــة إقصــاء

اء للصحــف ــر ــة املبحوثــن مبــا نســبته %55 أن مطالعــة الق وإلغــاء. كمــا تؤكــد غالبي

اإللكترونيــة تــؤدي إلــى تقليــل الطلــب علــى الصحــف الورقيــة.

ــوان ــا بعن ــد بحث ــة، جن ــة الورقي ــتقبل الصحاف ــت مبس ــي اهتم ــات الت ــن الدراس - م

أزمة الصحافة الورقية في لبنان أطروحة النهاية وإشكالية االستمرارية

| 236

“تأثيــر الصحافــة اإللكترونيــة علــى مســتقبل الصحافــة الورقيــة”)16(، وكان الســؤال

ــة ــة الورقي ــن للصحاف ــل ميك ــه: ه ــة عن ــة اإلجاب ــت الدراس ــذي حاول ــزي ال املرك

الصمــود لفتــرة طويلــة أمــام الصحافــة اإللكترونيــة؟، كمــا ســعت إلــى التعــرف علــى

التحــوالت التــي يعرفهــا قطــاع الصحافــة الورقيــة فــي ظــل تغيــرات البيئــة االتصاليــة

واإلعالميــة اجلديــدة. وخلصــت الدراســة إلــى أن الصحافــة اإللكترونيــة لــن تكــون

بديــال عــن الصحافــة الورقيــة، بــل ســتكون حافــزا لتطويرهــا والتنافــس معهــا، لكــن

ــن اء الذي ــر ــة جعــل جمهــور الق ــة اإللكتروني ــإن تطــور الصحاف فــي الوقــت نفســه ف

لــون الصحيفــة الورقيــة يتحولــون إلــى الصحافــة اإللكترونيــة التــي باتــت وســيلة يفض

ــاس ــى الن ــا أقــرب إل ــي جعلته واســعة االنتشــار بســبب تطــور وســائط االتصــال الت

وأســهل فــي الوصــول إلــى املعلومــة.

ــدي ــي التص ــة ف ــتراتيجيات اإلدارة الصحفي ــى اس ــرى)17( عل ــة أخ ــزت دراس - رك

للتحديــات التــي تواجــه الصحافــة الورقيــة مــن خــالل مســح ميدانــي شــمل مديــري

املؤسســات الصحفيــة املصريــة؛ إذ تــرى أن قطــاع الصحافــة العربيــة يعيــش منــذ بضــع

ســنوات أزمــة حقيقيــة نتيجــة ظهــور شــبكة اإلنترنــت وثــورة االتصــال؛ حيــث كثــر

ــة ــة بشــكل عــام للصحافــة الورقي احلديــث عــن تهديــد وســائل اإلعــالم اإللكتروني

ــور ــع ظه ــيا م ــة متاش ــة الورقي ــال للصحاف ــتكون بدي ــة س ــة اإللكتروني وأن الصحاف

ــل اســتخدام محامــل إعالميــة تتحــدث لغتــه وتفهــم جيــل جديــد مــن الشــباب يفض

تطلعاتــه وتســتوعبها. ومــن هنــا جــاءت هــذه الدراســة التــي تســعى إلــى التعــرف على

ــة ــدات ومعرف ــذه التهدي ــن ه ــة م ــة املصري ــات الصحفي ــي املؤسس ــف اإلدارة ف موق

االســتراتيجيات التــي اختذتهــا ملواجهــة التحديــات حتــى تظــل تــؤدي دورهــا وظيفتهــا

237 |

ــه ــة تواج ــة الورقي ــة أن الصحاف ــج الدراس ــرت نتائ ــي. وأظه ــهد اإلعالم ــي املش ف

ــة احتياجــات ــى تلبي ــل فــي عــدم قــدرة الصحــف عل ــد مــن املشــكالت تتمث العدي

اء، وتفاقــم األعبــاء املاليــة وارتفــاع تكلفــة إنتــاج الصحــف وعــزوف ورغبــات القــر

ــقف ــة س ــاض محدودي ــف واخنف ــي الصح ــم ف ــر إعالناته ــن نش ــن ع ــض املعلن بع

احلريــة اإلعالميــة املتاحــة للصحــف الورقيــة، وهــو مــا جعــل أكثــر مــن نصــف عينــة

الدراســة يعتبــرون أن الصحــف الورقيــة فــي طريقهــا إلــى االختفــاء. ويســتدعي ذلــك

ــد ــط اجلي ــم والتخطي ــم وتأهيله ــن وتدريبه ــارف الصحفي ــادة مع ــى زي ــل عل العم

القائــم علــى الدراســات العلميــة واملســوحات الصحفيــة وإجــراء البحــوث ودراســات

الــرأي العــام، وإنشــاء قنــاة فضائيــة أو محطــة إذاعيــة تعــزز املــوارد املاليــة للصحيفــة.

- فــي ســياق مناقشــة الدراســات الســابقة، ال ميكــن للباحــث إغفــال الدراســة املهمــة

التــي أعدهــا اخلبيــر الفرنســي، برنــار بولــي )Bernard Poulet(، حــول نهايــة الصحافة

ــا؛ ــي عموم ومســتقبل اإلعــالم)18( فــي ســياق املشــهد اإلعالمــي الفرنســي والدول

ــة ــة واإلعالمي ــة االتصالية/الرقمي ــا البيئ ــي تعرفه ــوالت الت ــى التح ــز عل ــث رك حي

ــة بالتزامــن مــع التراجــع املفاجــئ الهتمــام ــورة الرقمي ــدة، الســيما انتشــار الث اجلدي

ــة ــي عــن اإلعــالم كوســيلة مفضل ــا التخل ــة واإلعــالم وأيض ــال الشــابة بالكتاب األجي

لإلشــهار ممــا يــؤدي إلــى جتفيــف مــورده الرئيســي، وعندمــا حتــدث مثــل هــذه الثــورة

فــإن نســق الصناعــة واإلنتــاج اإلعالمــي الــذي ظــل ســائدا خــالل القرنــن املاضيــن

ــادة ــتدعي إع ــي تس ــة الت ــة النهاي ــى نقط ــل إل ــد وص ــث، ق ــر الباح ــي نظ ــون، ف يك

التفكيــر فيــه. وفــي هــذا الســياق، يشــير بولــي إلــى واقــع الصحافــة الورقيــة الفرنســية

الــذي ال يختلــف عمــا يجــري فــي دول العالــم؛ حيــث تراجــع توزيــع الصحــف؛ إذ

أزمة الصحافة الورقية في لبنان أطروحة النهاية وإشكالية االستمرارية

| 238

ــا عــام 2007 بعدمــا كان هــذا العــدد قــد بلــغ وصــل عددهــا 1.9 مليــون نســخة يومي

ــا عــام 1974. كمــا انهــارت عائــدات اإلشــهار للصحــف 3.8 ماليــن نســخة يومي

ــة الفرنســية، وتراجــع عــدد صفحــات اإلشــهار بنســبة %32.5 خــالل عشــرة الوطني

ــة بنســبة 30%، ــدات اإلشــهار بالنســبة للصحــف املجاني أعــوام، بينمــا ارتفعــت عائ

وتراكمــت الديــون علــى صحيفــة مثــل “ليبراســيون” )libáration( حيــث وصلــت 15

مليــون يــورو، وتراجعــت مداخيلهــا مــن اإلشــهار بنســبة %20، كمــا جتــاوزت ديــون

صحيفــة لومونــد )Le Monde( مئــة مليــون يــورو وبلغــت خســائر صحيفــة لوفيغــارو

ــى أن ــام 2007. وخلصــت الدراســة إل ــة الع ــي نهاي ــورو ف ــن ي )Le Figaro( 10 مالي

ــا خطــرا”، لكنهــا لــن ختتفــي جميعهــا بــن عشــية ــة تعيــش “وضع الصحافــة الورقي

وضحاهــا، وسيســتمر بعــض املســتثمرين ألطــول فتــرة ممكنــة فــي اســتغالل العناويــن

ــب ــة”، ويج ــى النهاي ــرة حت ــب البق ــياق “حل ــي س ــا ف ــق أرباح ــزال حتق ــي ال ت الت

االعتــراف بــأن جمهــور الصحــف يشــيخ وينقــرض ببــطء وأن اإلعــالن يهاجــر باجتــاه

وســائط أخــرى وأن الرســوم تتراجــع بســبب تفتــت وســائل اإلعــالم)19(.

ــة ــة الورقي ــع الصحاف ــت بواق ــي اهتم ــابقة الت ــات الس ــث أن الدراس ــظ الباح يالح

اللبنانيــة فــي ســياق حتــوالت البيئــة االتصالية/الرقميــة واإلعالميــة اجلديــدة، ركــزت

ــى ــا عل ــة وتأثيراته ــة احمللي ــة اإلعالمي ــي البيئ ــدة ف ــرات اجلدي ــى املتغي ــا عل مقاربته

ــة، ــد بوســائطه املختلف ــت واإلعــالم اجلدي ــة، الســيما انتشــار اإلنترن قطــاع الصحاف

ــر وســيلة إشــباعات احتياجاتــه والتحــول فــي الســلوك االتصالــي للجمهــور الــذي غي

االتصاليــة واملعرفيــة والترفيهيــة باســتخدام وســائط غيــر تقليديــة تســمح لــه بالتفاعــل

واملشــاركة فــي عمليــة إنتــاج احملتــوى اإلعالمــي، بــل وامتــالك وســيلته اإلعالميــة.

239 |

ــي تواجــه قطــاع ــة الت ــا البحــث فــي األزمــة املالي ــم تغفــل هــذه الدراســات أيض ول

الصحافــة اللبنانيــة، وانعكاســاتها الســلبية علــى املنتــوج الصحفــي وتراجــع مقروئيــة

الصحــف. وقــد حــاول الباحــث فــي هــذه الدراســة إعــادة تركيــب جميــع املتغيــرات

التــي تفســر اســتمرار األزمــة التــي تهــدد وجــود قطــاع الصحافــة اللبنانيــة انطالقــا مــن

البيئــة اإلعالميــة املركبــة التــي تشــمل فاعلــن ومؤسســات مختلفــة، وأيضــا النظــر فــي

ــا فــي فهــم الســياقات املختلفــة ملمارســة العمــل اإلعالمــي باعتبارهــا محــددا جوهري

الســيرورة التــي حتكــم نشــاط قطــاع الصحافــة الورقيــة.

وفــي ضــوء ذلــك، يناقــش الباحــث أبعــاد مشــكلة الدراســة، ويتتبــع سلســلة العوامــل

التــي أدت إلــى احلالــة الراهنــة لواقــع الصحافــة الورقيــة اللبنانيــة، فــي محوريــن اثنــن،

يتكــون أولهمــا مــن خمســة مباحث: يســتقصي املبحــث األول أبعــاد اخللــل االقتصادي

ــتحدثات ــرات املس ــي تأثي ــث الثان ــاول املبح ــة، ويتن ــة اللبناني ــة الصحاف ــي صناع ف

ــز ــة، ويرك ــة الورقي ــاع الصحاف ــي قط ــي ف ــلوك االتصال ــوالت الس ــة وحت التكنولوجي

املبحــث الثالــث علــى حتديــات الرؤيــة املهنيــة. أمــا املبحــث الرابــع فيدرس إشــكاليات

النمــوذج اإلداري العائلــي والتوريــث فــي إدارة املؤسســة الصحفيــة، ويناقــش املبحــث

اخلامــس دور البيئــة السياســية وتأثيرهــا فــي نشــاط املؤسســة الصحفيــة. وفــي احملــور

الثانــي، ترصــد الدراســة مســتقبل الصحافــة الورقيــة فــي لبنــان.

2. أبعاد أزمة وجود الصحافة الورقية اللبنانية

1.2. اختالالت النموذج االقتصادي

ــب ــو اجلان ــة ه ــة اللبناني ــة الورقي ــود الصحاف ــة وج ــرز ألزم ــر األب ــون املظه ــد يك ق

أزمة الصحافة الورقية في لبنان أطروحة النهاية وإشكالية االستمرارية

| 240

ــة أو نشــاط سياســي واجتماعــي وإعالمــي ــة عملي ــاره احملــرك ألي االقتصــادي باعتب

كا للتاريــخ والوجــه اآلخــر للسياســة”)20(، ــر ــراه البعــض “مح ــل ي وثقافــي...إخل، ب

ل الصحافــة وميثــل )أي البعــد االقتصــادي( فــي احلالــة املدروســة الوجــه اآلخــر لتحــو

ــالم ــائل اإلع ــت وس ــث أصبح ــة؛ حي ف ــا املكل ــا وأدواته ــا متطلباته ــة له ــى صناع إل

ــي ــد اإلعالم ــد االقتصــادي واإلنتاجــي بالبع ــا البع ــط فيه ــة يرتب مؤسســات اقتصادي

ــات ــة كيان ــات اإلعالمي ــار املؤسس ــاس، وباعتب ــتهلكن باألس ــتهدف املس ــذي يس ال

ــم فــي ســلوكها وقراراتهــا وأنشــطتها)21(. اقتصاديــة فــإن اجلانــب االقتصــادي يتحك

ا مــن أركان النظــام ــا أساســي وهــذا مــا يجعــل عمليــة إدارة املؤسســة الصحفيــة “ركن

ــتخدام ــددة باس ــج مح ــق نتائ ــى حتقي ــدف إل ــي ته ــع، والت ــي أي مجتم ــي ف اإلنتاج

املــوارد املتاحــة للمؤسســة بأعلــى درجــة مــن الكفــاءة والفعاليــة، فــي ظــل الظــروف

ــة ــة اللبناني ــي احلال ــة ف ــذه العملي ــارات ه ــف مس ــة”)22(. وتكتن ــة احمليط املوضوعي

ــة فــي ظــل اخللــل الــذي مخاطــر وحتديــات تهــدد وجــود صناعــة الصحافــة الورقي

ــا ــا ووظائفه ــة، واضطــراب منظومته ــة للمؤسســات الصحفي ــة االقتصادي ــه البني تعرف

اء( )النشــر والطباعــة والتوزيــع واإلشــهار(، واضمحــالل ســوقها األوليــة )ســوق القــر

والثانويــة )ســوق املعلنــن(. وهنــا يطــرح الســؤال اآلتــي نفســه بإحلــاح: مــا األســباب

ــة فــي ــم فــي هشاشــة النمــوذج االقتصــادي للصحافــة الورقي والعوامــل التــي تتحك

ــذي ــادي ال ــل االقتص ــذا اخلل ــات ه ــا جتلي ــية/الهيكلية؟ وم ــا املؤسس ــان وبنيته لبن

تواجهــه؟

الستكشــاف جتليــات هــذا اخللــل ســنحتاج أوال إلــى حتديــد مفهــوم النمــوذج

االقتصــادي الــذي يرتبــط بوظائــف مختلفــة أليــة مؤسســة اقتصاديــة أو شــركة جتارية،

241 |

ســواء فــي مجــال التســويق أو التنظيــم أو التمويــل، وهــي املرتكــزات الثالثة التــي تقوم

عليهــا هيكلــة أو بنيــة املؤسســة لضمــان الفاعليــة أو اجلــدوى االقتصاديــة للمشــروع.

ــل النمــوذج االقتصــادي الطريقــة التــي تنتــج أو ســتنتج بهــا وفــي ضــوء ذلــك، ميث

املؤسســة الربحيــة، وهــو أيضــا وصــف أو متثيــل منســجم لكيفيــة كســب الدخــل مــن

ا فــي ــد النمــوذج االقتصــادي عنصــرا أساســي ــذي متارســه املؤسســة. ويع النشــاط ال

اســتراتيجية املؤسســة باعتبــاره خطــة تنظيميــة تتيــح إمكانيــة تقــدمي عــرض تنافســي

فــي ضــوء توقعــات العمــالء والضــرورات املاليــة، وتأمــن الشــركاء واملــوارد الداخليــة

التــي ميكــن تعبئتهــا )التدفــق النقــدي والقــدرات اإلنتاجيــة واملهــارات والدرايــة الفنيــة

واإلبــداع..(، وتوفيــر قنــوات التوزيــع التــي ميكــن اســتخدامها، والعمــل علــى ضمــان

ــر الربــح)23(. وقــد اعتمــدت اســتمراية املؤسســة مبــرور الوقــت وقدرتهــا علــى توفي

الصحافــة الورقيــة منذ صــدور أول صحيفــة “ريليشــن” )Relation( عام 1605، للناشــر

األملانــي، يوهــان كارلــوس )Johann Carolus(، علــى منــوذج متويلــي هجــن يجمــع

بــن حوالــي نصــف املداخيــل التــي يوفرهــا التوزيــع )مبيعــات الصحيفــة( والنصــف

اآلخــر الــذي يوفــره اإلعــالن)24( لتأمــن قــدرة الصحيفــة علــى توفيــر الربــح وضمــان

اســتمرارية املؤسســة، وهــو النمــوذج الــذي ال تــزال تســتلهمه الصحــف حتــى اليــوم

رغــم املشــاكل والتحديــات التــي يطرحهــا.

ــال أو ــة خل ــة الورقي ــادي للصحاف ــوذج االقتص ــس النم ــة، يعك ــة اللبناني ــي احلال ف

ــوالت ــا لتح ــادي مرتهن ــب االقتص ــل اجلان ــي جتع ــة الت ــا الهيكلي ــي بنيته ــكلة ف مش

ــن ــن محددي ــز ب ــن التميي ــا ميك ــة، وهن ــوق الصحفي ــة الس ــية وهشاش ــة السياس البيئ

ــة ــات اإلعالمي ــن احلري ــاع ع ــز الدف ــر مرك ــا، مدي ــن مهن يه أم ــم ــا يس ــين مل أساس

أزمة الصحافة الورقية في لبنان أطروحة النهاية وإشكالية االستمرارية

| 242

ــوذج االقتصــادي”)25( ــي النم ــي ف ــة )ســكايز(، بـ”العطــب البنيوي-الهيكل والثقافي

للصحافــة الورقيــة اللبنانيــة، وهمــا: تراجــع اإلعــالن اإلقليمــي، والتمويــل اخلارجــي

ــي. ــم احلزب والدع

أوال: تراجع اإلعالن اإلقليمي

ا للمؤسســة الصحفيــة فــي تغطية ــا أساســي ل مــوردا مالي ظلــت عائــدات اإلعــالن تشــك

ــة ــز واملــواد القابل نفقاتهــا )نفقــات األجــور، واخلدمــات والرســوم، ونفقــات التجهي

لالســتهالك، ونفقــات اإلشــهار الصحفــي، ونفقــات التوزيــع، ونفقــات الترويــج(،

ــذا ــار أن ه ــع باعتب ــل املبي ــع دخ ــة لتواض ــا املالي ــي إمكاناته ــز ف ــد العج ــا لس وأيض

املــورد )التوزيــع(، بحســب الفاعلــن املهنيــن والناشــرين، غيــر مربــح للصحيفــة)26(،

ــد التحــوالت ــة الصحــف)27( الســيما بع ــة حلماي ــر قابل كمــا أن الســوق نفســها غي

ــع العربــي عــام ــي بالربي ــة فــي ســياق مــا مس السياســية التــي شــهدتها املنطقــة العربي

لهــا الشــركات ــي متو ــات الت ــل الصحــف مــن اإلعالن 2011. فقــد اخنفضــت مداخي

ــي 100 أو 120 ــال، جتن ــار، مث ــة النه ــت صحيف ــي %70؛ إذ أصبح ــة بحوال اإلقليمي

ا بعدمــا كان متوســط األربــاح يتــرواح بــن 300 ألــف دوالر مــن اإلعالنــات شــهري

ا، ويصــل أحيانــا إلــى 600 أو 700 ألــف دوالر خــالل أعيــاد و350 ألــف دوالر شــهري

ــوى ــات س ــل اإلعالن ــن مداخي ــق م ــم يتب ــام 2009، أي ل ــل الع ــك قب ــالد، وذل املي

ــار)28(. وهــو الوضــع ــة النه ــر صحيف ــر حتري ــا يؤكــد غســان حجــار، مدي %30، كم

نفســه الــذي عاشــته صحيفــة املســتقبل قبــل إغالقهــا؛ إذ تراجــع دخلهــا الســنوي مــن

ا، بينمــا كانــت مواردهــا اإلعالنــات ليصــل إلــى 700 ألــف أو 800 ألــف دوالر ســنوي

ــام 2010، ــي الع ا ف ــي دوالر ســنوي ــف دوالر أو مليون ــون و500 أل ــي ملي تصــل حوال

243 |

ــي ــا يعن ــة املســتقبل)29(، م ــر صحيف ــر حتري مثلمــا يوضــح جــورج البكاســيني، مدي

ــل الصحيفــة بنســبة 30%. تراجــع مداخي

ويالحــظ هنــا أن هــذا التراجــع تزامــن مــع تداعيــات احلالــة السياســية الناشــئة عــن

ــدول ــي ال ــات ف ــوق اإلعالن ــورت س ــث تده ــي؛ حي ــع العرب ــارات الربي ــة مس حرك

ــاء نظــام حكــم ــر السياســي وبن ــب بالتغيي ــة تطال ــي شــهدت حــركات احتجاجي الت

ــن؛ ــوريا واليم ــرب وس ــا واملغ ــر وليبي ــس ومص ــي تون ــدث ف ــا ح ــي، كم دميقراط

وانعكــس هــذا الوضــع علــى الســوق الصحفيــة اللبنانيــة التــي تعــد فــي األصــل ســوقا

صغيــرة قياســا إلــى عــدد الســكان الــذي ال يتجــاوز 5.5 ماليــن نســمة حتــى نهايــة

ــة؛ ــركات اإلقليمي ــر” للش ــي كبي ــور إعالن ــة ضم ــدأت “حال ــام 2018)30(؛ إذ ب الع

فضــال عــن تراجــع اإلعالنــات احملليــة الرمسيــة التــي ظلــت مداخيلهــا رمزيــة)31( ال

ــددة. ــا املتع ــي نفقاته تســتجيب الحتياجــات الصحــف وال تغط

ــت ــث تالش اء؛ حي ــر ــريحة الق ــاض ش ــل اخنف ــي ظ ــة ف ــذه احلال ــت ه ــد تفاقم وق

ــده ــان وح ــي لبن ــس ف ــيئا لي ــيئا فش ــت ش ــة وتراجع ــة للصحيف ــدوى االقتصادي اجل

ــراء أو ــى مســتوى الق ــم تســتطع أن حتافــظ عل ــا، ول ــي عموم ــم العرب وإمنــا فــي العال

اإلعالنــات كمــا كان الوضــع مــن قبــل)32(. وهــو امللمــح الــذي رصدتــه أيضا دراســة

أعدهــا لورينــزو ترومبيتــا )Lorenzo Trombetta( عــن املشــهد اإلعالمــي اللبنانــي؛ إذ

الحــظ أن الصحيفــة املطبوعــة أصبحــت أقــل شــعبية علــى حنــو متزايــد ممــا تســبب فــي

اخنفــاض عائــدات اإلعالنــات واملبيعــات، وتعــد احلالــة اللبنانيــة أكثــر تعقيــدا الســيما

أن اإلعــالم يتلقــى متويــال مــن مســتثمرين أجانــب يهتمــون مبتابعــة الشــأن السياســي

للبــالد. وقــد بــدأ التمويــل اخلارجــي فــي ســحب اســتثماراته مــن صناعــة اإلعــالم في

أزمة الصحافة الورقية في لبنان أطروحة النهاية وإشكالية االستمرارية

| 244

لبنــان ملــا شــرعت دول اخلليــج فــي إنشــاء القنــوات والشــبكات الفضائيــة ثــم تعاظــم

ذلــك بعــد األزمــة املاليــة العامليــة وتراجــع أســعار النفــط. وعلــى ســبيل املثــال، فــإن

الســفير التــي تعــد الصحيفــة األكثــر شــعبية كانــت تــوزع 50 ألــف نســخة فــي العــام

2010، ثــم أصبحــت مبيعاتهــا ال تتجــاوز 10 آالف نســخة فــي العــام 2016)33( مــا

ــل بقــرار إغالقهــا. عج

ثانيـا: التمويل الخارجي والدعم الحزبي

ــد ــة، الســيما بع ــيرتها احلديث ــة خــالل مس ــة اللبناني ــة الورقي ــط صــوت الصحاف ارتب

احلــرب األهليــة فــي العــام 1975، بأطــراف وجهــات إقليميــة )العــراق، ليبيــا،

الســعودية، اإلمــارات...( بســبب الصراعــات التــي كانــت تــدور علــى أرض لبنــان؛

ــل وســائل اإلعــالم الرائجــة حينــذاك حيــث كانــت القــوى اإلقليميــة والدوليــة تتوس

ــا ــكل جهــة صحيفته ــا السياســية؛ فــكان ل ــث رســائلها وأطروحاته ــا لب ــرا خاص منب

ل هــذا الدعــم مجــاال ومصــدرا للمــال السياســي ومجلتهــا أو أكثــر)34(. وقــد شــك

لهــذه الصحــف التــي جنــح بعضهــا فــي بنــاء مؤسســة صحفيــة قــادرة علــى إثبــات

نفســها فــي ســوق تنافســية وحتقيــق االكتفــاء الذاتــي فــي إدارتهــا، بينمــا مثــة صحــف

كان نشــاطها محــدودا واقتصــرت مواردهــا علــى الدعــم املالــي الــذي حتصــل

ــية ــة سياس ــات داخلية/حزبي ــا بجه ــف أيض ــذه الصح ــت ه ــا ارتبط ــه)35(. كم علي

طائفيــة، أي بالدعــم املالــي احلزبــي؛ إذ كانــت كل صحيفــة تبحــث عــن متويــل مــن

ــة)36(. ــة معين حــزب أو جه

ل ــر اليــوم بعــد االنكفــاء السياســي للجهــات التــي كانــت متــو لكــن هــذا الوضــع تغي

ــائل ــى وس ــدق عل ــذي كان يغ ــي ال ــال السياس ــف امل ــث توق ــف؛ حي ــذه الصح ه

245 |

مــت إليهــا الدعــم اإلعــالم أو يــكاد؛ فأنظمــة احلكــم التــي ســاعدت الصحــف وقد

ــية ــوالت السياس ــد التح ــة بع ــد قائم ــم تع ــس، ل ــراق وتون ــا والع ــل ليبي ــي، مث املال

ــة ــة املالي ــي الضائق ــك ف ــبب ذل ــد تس ــام 2011، وق ــذ الع ــة من ــا املنطق ــي عرفته الت

ــي ــل إن توقــف الدعــم اخلارجــي واحلزب ــي منهــا تلــك الصحــف)37(، ب ــي تعان الت

ــى ــح يتوال ــا؛ إذ أصب ــة وجوده ــق أزم ــة عم ــة الورقي ــه الصحاف ــذي اعتمــدت علي ال

ــح فــي مصــادر إقفــال عناوينهــا وشــمل ذلــك أيضــا القنــوات التليفزيونيــة بســبب الش

التمويــل)38(، وهــو مــا جعــل طــالل ســلمان، ناشــر صحيفــة الســفير، يعتبــر حالــة

ــي ــا ف ــرا طبيعي ــة أم ــة الورقي ــها الصحاف ــي تعيش ــديدة الت ــات الش ــع والصعوب التراج

ــى االقتصــادي ــة باملعن ــاب صحاف ــا غي ــل خارجــي، وأيض ــاب مصــدر متوي ظــل غي

ــى اإلغــالق)39(. ــك الصحــف إل ــع تل ــذي يدف ــر ال والسياســي؛ األم

وفــي ســياق حتليــل مظاهــر اخللــل االقتصــادي للصحافــة الورقيــة اللبنانيــة، والــذي

د ــد ــذي يح ــادي ال ــوذج االقتص ــرز النم ــا، يب ــا هيكلي ــا بنيوي ــض عطب ــره البع يعتب

ــس قاعــدة ــث تتأس ــم )1(؛ حي ــي رق ــر الرســم البيان ــا يظه ــة كم ــا التمويلي مصادره

ــل ــذي ميث ــا( ال ــا وخارجي ــي )داخلي ــي السياس ــم املال ــى الدع ــي عل ــكل التمويل الهي

الشــريان احليــوي الســتمرار املؤسســة الصحفيــة، ثــم هنــاك مــوارد اإلعالنــات

باعتبارهــا الدعامــة الثانيــة التــي ينهــض عليهــا هــذا الهيــكل، إضافــة إلــى الدعامــة

ــع()40(. ــات )التوزي ــدها املبيع ــي جتس ــة الت الثالث

أزمة الصحافة الورقية في لبنان أطروحة النهاية وإشكالية االستمرارية

| 246

الشكل رقم )1( يوضح مصادر متويل الصحافة الورقية اللبنانية

ــي تأمــن ــه ف ــذا النمــوذج، وإمكانيات ــة له ــل أو اخلطــة التنظيمي ــا التمثي وإذا تفحصن

املــوارد الداخليــة وتوفيــر قنــوات التوزيــع والعمــل علــى ضمــان اســتمرارية املؤسســة

ــذ ــمح بتنفي ــذي يس ــم ال ــي التنظي ــزا ف ــنالحظ عج ــح، فس ــر الرب ــة وتوفي الصحفي

ــوارد ــل أو امل ــن مصــادر التموي ــي تأم ــا ويســهم ف ــا إجرائي ــه طابع ــوذج أو يعطي النم

الذاتيــة بشــكل متدفــق، ألنــه يعتمــد أساســا علــى مــوارد ماليــة خارجيــة قــد تتوقــف

ــذي فشــل ــوة النمــوذج ال ــي ق ــدو العجــز ف ــا يب ألي ســبب أو ظــرف سياســي. كم

فــي اكتســاب مقومــات االســتمرارية؛ إذ يقــوم أي مشــروع اقتصــادي علــى الربحيــة

أو اجلــدوى االقتصاديــة، وهــذا يثيــر أساســا إشــكالية العرض/املنتــوج الــذي تقدمــه

الصحافــة الورقيــة اللبنانيــة. فهــل يتميــز هــذا املنتــوج باملصداقيــة واالحترافيــة

ــات ــون بـ”حتدي ــة؟ ســيكون ذلــك محــور النقــاش فــي اجلــزء الثالــث املعن واجلاذبي

247 |

ــة”. ــة املهني الرؤي

إذا، تكمــن مشــكلة النمــوذج االقتصــادي للصحافــة الورقيــة فــي عجــزه عــن

ــة ــوج صحفــي يضمــن الربحي ــوازن بــن الفــرص واإلكراهــات وتقــدمي منت إيجــاد ت

ــم )2(. ــي رق ــم البيان ــح الرس ــا يوض ــتمرارية كم واالس

الشكل رقم )2( يبني مظاهر خلل النموذج االقتصادي للصحافة الورقية اللبنانية

2.2. تأثريات املستحدثات التكنولوجية وتحوالت السلوك االتصالي

لت بفعــل الثــورة فــي ســياق البيئــة االتصالية/الرقميــة واإلعالميــة اجلديــدة التــي تشــك

ــهدت ــالم، ش ــات واإلع ــة املعلوم ــي صناع ــة ف ــتحدثات التكنولوجي ــة واملس الرقمي

املنظومــة االتصاليــة اللبنانيــة انعطافــات بــارزة كان لهــا تأثيــر ملحــوظ فــي الســلوك

ــر بصيــرورة تاريخيــة االتصالــي لأفــراد، وهــو جــزء مــن الســلوك االجتماعــي مؤط

ــع. ــي املجتم ــة ف ــرد أو اجلماع ــاط ودور الف د نش ــد ــة حت ــة وثقافي ــياقات اقتصادي وس

أزمة الصحافة الورقية في لبنان أطروحة النهاية وإشكالية االستمرارية

| 248

ــل فــي التعــرض إلــى وســائل ويتضمــن الســلوك االتصالــي عــددا مــن الفئــات تتمث

االتصــال، واملشــاركة فــي عمليــة االتصــال، ثــم إشــباع الدوافــع واحلاجــات.

ــراد باجتــاه التعــرض لوســائل ــي لأف ــا، يالحــظ التحــول فــي الســلوك االتصال وهن

االتصــال احلديثــة، حيــث ارتفــع معــدل ولــوج اإلنترنت في لبنــان من %58 ســنة 2013

إلــى %91 ســنة 2017)30(، ثــم %93 ســنة 2018)41(، فــي حــن مثلــت االشــتراكات

فــي خدمــة الهاتــف احملمــول %76.1 مــن هذه النســبة )91%(، كمــا أن جميــع اللبنانين

Wi�( ــا، ويســتخدم %91 منهــم تقنيــة االتصــال الالســلكي ميلكــون تقريبــا هاتفــا ذكي

Fi(، أو خدمــة البيانــات اخلاصــة باألجهــزة النقالــة لالتصــال باإلنترنــت)42(. ويبلــغ

ــن بنســبة ــي شــبكات التواصــل االجتماعــي 4 مالي عــدد املســتخدمن النشــطن ف

ــذه ــي ه ــطن ف ــتخدمن النش ــدد املس ــا ع ــكان، أم ــي للس ــدد اإلجمال ــن الع %66 م

ــر الهاتــف احملمــول فيصــل إلــى 3 ماليــن و800 ألــف مســتخدم، أي الشــبكات عب

بنســبة %63 مــن العــدد اإلجمالــي للســكان)43(.

وبينمــا يــزداد اهتمــام املســتخدمن بشــبكات التواصــل االجتماعــي، تتراجــع مكانــة

ــار واملعلومــات ــل مصــدرا لأخب ــالت اجلمهــور؛ إذ كانــت متث ــة فــي تفضي الصحيف

بالنســبة لـــ%47 مــن املســتجوبن ســنة 2013 كمــا يبــن مســح أجرتــه جامعــة نــورث

ويســترن فــي قطــر، ثــم تراجعــت هــذه النســبة إلــى حوالــي النصــف، أي %25، ســنة

.)44(2017

ــة ــة اإلعالمي ــر املمارس ــي تغي ــدة ف ــة اجلدي ــة الرقمي ــة االتصالي ــذه البيئ ــهمت ه أس

ــر الثقافــة االتصاليــة للجمهــور؛ حيــث “نشــأ جيــل منهجــا وحتريــرا، وكذلــك فــي تغي

جديــد منقطــع بطريقــة كليــة وشــبه تامــة إلــى اإلعــالم الرقمــي وشــبكات التواصــل

249 |

لت التواصــل بــن االجتماعــي التــي جعلــت النــاس تنصــرف عــن الصحيفــة، وســه

ــد ــم يع ــدار الســاعة، ول ــى م ــة عل ــر املنصــات الرقمي ــوح عب ــاش املفت ــراد والنق األف

لــدى اجلمهــور االهتمــام الكافــي بالكتــاب وال بالصحيفــة الورقيــة، وهــو مــا أضعــف

دورهــا وموقعهــا االقتصــادي بعــد إعــراض هــذا اجليــل عــن القــراءة”)45( ومتابعــة

قضايــا الشــأن العــام عبــر وســائل اإلعــالم التقليــدي. وبذلــك، أصبــح الــورق أيضــا

أضعــف وســيلة لنشــر املعلومــات واألخبــار واحملتــوى اإلعالمــي، خصوصــا مــع تطــور

ــبكات ــة وش ــع اإللكتروني ــات واملواق ــة باملدون ــات املرتبط ــة واملنص ــف الذكي الهوات

التواصــل االجتماعــي)46(. بــل إن هــذه الوســائل والوســائط التكنولوجيــة احلديثــة،

ــتطيع ــاوزة وال تس ــة متج ــة الورقي ــت الصحاف ــة، جعل ــبكات االجتماعي ــيما الش الس

ــا؛ إذ أصبحــت األخبــار تصــل إلــى املســتخدم عبــر هــذه املنصــات منافســتها إخباري

والهواتــف احملمولــة)47(. وهــذا مــا يفســر اهتمــام مســؤولي التحريــر فــي املؤسســات

ا لــون عنصــرا أساســي الصحفيــة الورقيــة مبســتخدمي هــذه الوســائط، الذيــن باتــوا ميث

ــا فــي عالقــة الصحيفــة باملعلنــن؛ ممــا ــة االتصــال وأيضــا محــددا جوهري فــي عملي

يعطــي االنطبــاع بــأن االســتثمار فــي مجــال اإلعــالم لــم يعــد اليــوم منشــغال بالصناعة

ــى ــر إل ــع املســتهلكن لهــذا اخلب ــر كمــا كان باألمــس، وإمنــا ببي ــع اخلب ــة أو بي اخلبري

.)Ignacio Ramonet()48( ــي املعلنــن، كمــا يقــول األكادميــي إيغناســيو رامون

ــالم ــا اإلع ــرز فيه ــي يب ــدة الت ــة اجلدي ــة واإلعالمي ــة الرقمي ــة االتصالي ــذه املنظوم ه

لت وســائل اإلعالم الرقمــي واملواقــع اإللكترونيــة وشــبكات التواصــل االجتماعــي حو

التقليــدي، الســيما التليفزيــون، فــي نظــر غســان حجــار، مديــر حتريــر صحيفــة النهار،

إلــى وســيلة للترفيــه أكثــر منهــا وســيلة إعــالم، ولــم يعــد اليــوم هــو عصــر التليفزيــون

أزمة الصحافة الورقية في لبنان أطروحة النهاية وإشكالية االستمرارية

| 250

ــن”؛ ــن األونالي ــو “زم ــل ه ــة وال عصــر اإلذاعــة)49(، ب ــة الورقي وال عصــر الصحيف

ــر ــة، وهــذا متغي ــة الورقي ــددة تتجــاوز الصحاف ــت خدمــات متع ــر اإلنترن ــث توف حي

جوهــري يفســر تعثــر وتراجــع الصحافــة الورقيــة؛ إذ ميكــن للمســتخدم أن يتابــع أخبــار

العالــم عبــر هاتفــه الذكــي)50(. وأصبــح الويــب مربوطــا مبؤسســات إعالميــة كبيــرة؛

حيــث قضــت الشــبكات االجتماعيــة علــى جميــع املؤسســات)51( باعتبارهــا مصــدرا

ــث يها الباح ــم ــا يس ــة”، كم ــة الشاش ــع “ثقاف ــا، ستتوس ــات. وهن ــار واملعلوم لأخب

الفرنســي املتخصــص فــي علــم اجتمــاع اإلعــالم، رميــي ريفيــل )Rmy Rieffel(، عبــر

الوســائط واملنصــات اإللكترونيــة املختلفــة )احلاســوب اللوحــي، الهاتــف الذكي...(،

ــش “الثقافــة ــا حتــى حتــل محــل “ثقافــة املطبــوع” أو علــى األقــل تهم وتتطــور تدريجي

املكتوبــة”)52(. ويبــدو هــذا املتغيــر )األوناليــن، واإلعــالم اجلديــد مبنصاتــه املختلفــة(

ــة ــة اللبناني ــة اإلعالمي ــي البيئ ــس ف ــا ولي ــة عموم ــة الدولي ــة اإلعالمي ــي البيئ ــرا ف مؤث

وحدهــا؛ حيــث يتعاظــم انتشــار ثقافــة الشاشــة واســتخدام شــبكة اإلنترنــت وســيطا

فــي اســتقاء األخبــار واملعلومــات ومتابعــة األحــداث، الســيما وســط فئة املســتخدمن

الشــباب. ففــي دراســة أجراهــا مركــز بيــو لأبحــاث تبــن أن %42 مــن املبحوثــن فــي

38 دولــة يتابعــون األخبــار عبــر شــبكة اإلنترنــت مــرة واحــدة علــى األقــل فــي اليــوم،

بينمــا يســتقي نصــف املبحوثــن أو أكثــر مــن الشــباب األخبــار عبــر الوســائط الرقميــة

ــا)53(، وهــو مــا يعكــس حتــوال فــي األمنــاط االســتهالكية لوســائل اإلعــالم مــن يومي

قبــل اجلمهور/املســتخدمن فــي العالــم، وأيضــا هجــرة واســعة أو انتقــاال لفئــة كبيــرة

ــبكات ــي وش ــالم الرقم ــو اإلع ــي حن ــالم الورق ــتخدم اإلع ــت تس ــور كان ــن اجلمه م

اإلعــالم االجتماعــي.

251 |

لت فــي ســياق البيئــة إذا، تظهــر حتــوالت املنظومــة االتصاليــة واإلعالميــة التــي تشــك

الرقميــة اجلديــدة نفــوذا متزايــدا لســلطة اإلعــالم الرقمــي بحواملــه املختلفــة، وتأثيــرا

ــردا لإلعــالم االجتماعــي عبــر شــبكاته املتنوعــة التــي جعلــت املســتخدم مصــدرا مط

ــة ــة ومرئي ــة )مكتوب ــة هجين ــكا لوســيلة إعالمي ــل مال ــوى اإلعالمــي، ب ــا للمحت منتج

ــة اتصاليــة وإعالميــة مرتبطــة بشــبكة ومســموعة(. وقــد أســهم ذلــك فــي نشــوء بيئ

اهــا جــورج بكاســيني، بـ”عصــر األوناليــن”، وهــو مــا أنتــج اإلنترنــت، أو كمــا مس

عــادات اتصاليــة جديــدة، و”حتــوال فــي قيــم املجتمــع وعاداتــه وتقاليــده”، فـ”اجليــل

الســابق -كمــا يشــير غســان حجــار، مديــر حتريــر جريــدة النهــار- كان يحضــر املقابلــة

ــد الــذي ــل اجلدي ــر أو املســؤول السياســي، أمــا اجلي ــه الوزي ــرى مــا يقول السياســية لي

ــم ــرت القي ــة؛ إذ تغي ــوى املقابل ــر وال محت ــه الوزي ــال يهم ــا ف ــره 18 عام ــغ عم يبل

ــون وال يقــرؤون الصحيفــة ــات، فهــؤالء الشــباب ال يتابعــون شاشــة التليفزي واألولوي

ــره كل شــيء ويتواصلــون مــع العالــم ويفضلــون الهاتــف الذكــي الــذي يتابعــون عب

ويقومــون بأشــياء كثيــرة فــي نفــس الوقــت”)54(.

وأنتــج هــذا الواقــع أيضــا “جيــال صاعــدا ال يعــرف الصحيفــة” مثلمــا يؤكــد األكادميي

عمــاد بشــير، مديــر كليــة اإلعــالم والتوثيــق باجلامعــة اللبنانيــة، وليــس معنــى ذلك أن

ــر الوســيلة االتصاليــة التقليديــة التــي لــع علــى األخبــار)55(، وإمنــا غي هــذا اجليــل ال يط

أصبحــت ال تشــبع احتياجاتــه املعرفيــة والسياســية واالجتماعيــة والثقافيــة والترفيهيــة،

وانصــرف إلــى احلوامــل اإللكترونيــة اجلديــدة وشــبكات التواصــل االجتماعــي

وشاشــات الهواتــف الذكيــة التــي أصبحــت أكثــر الوســائل اســتخداما ملتابعــة القضايــا

ــل النافــذة التــي تصــل عاملــه بعوالــم ومجموعــات أخــرى التــي تشــغل اهتمامــه، ومتث

أزمة الصحافة الورقية في لبنان أطروحة النهاية وإشكالية االستمرارية

| 252

يتطلــع ملتابعتهــا والتفاعــل معهــا فــي الزمــان واملــكان املناســبن.

3.2. تحديات الرؤية املهنية

تعمقــت أزمــة الصحافــة الورقيــة في ظــل التحديــات التي فرضتهــا املنظومــة االتصالية

واإلعالميــة اجلديــدة مــن خــالل التحــول فــي مرتكــزات العمليــة اإلعالميــة واملفاهيم

املؤسســة لهــا )املصــدر، الرســالة، الوســيلة، املتلقــي، رجــع الصــدى(، وأيضــا التحــول

ثيــل الواقــع بعــد التغيــر فــي الــدور التقليــدي للصحيفــة بشــأن روايــة األحــداث، ومت

اجلوهــري فــي مفهــوم الزمــن اإلعالمــي؛ “فقــد تقلــص الزمــن املنقضــي بــن حلظــة

ــا. وأصبــح مفهــوم وقــوع احلــدث وحلظــة ظهــور صــداه علــى الشــبكة فبــات أصغري

الزمــن احلقيقــي لإلعــالم يســتند إلــى فكــرة وجــود اتفــاق قــراءة ضمنــي بــن وســيلة

اإلعــالم ومتابعيهــا، وهــو يعتمــد علــى التعهــد أمــام املتابعــن بنشــر املضمــون املتعلــق

ــذي ــك العصــر ال ــة بذل ــزاال مقارن ــق هــذا املفهــوم زل باحلــدث حــال وقوعه...وخل

اء فيــه انتظــار طباعــة ونشــر الصحيفــة لكــي يأخــذوا علمــا باحلــدث كان علــى القــر

ــاة ــي بزمــن احلي ــوم الســابق”)56(. وبذلــك التصــق الزمــن الفعل الــذي وقــع فــي الي

ــاة وأحداثهــا مــع الواقعــي؛ إذ كان الزمــن اإلعالمــي يقتصــر علــى تتبــع مســيرة احلي

شــيء مــن التأخيــر، أمــا اآلن فالزمنــان يتالقيــان فمــا إن يقــع احلــدث حتــى يجــري

ــد لظهــور نقلــه فــي نفــس اآلن. وفــرض هــذا التحــول مفهــوم األخبــار املســتمرة ومه

املضامــن النوعيــة التــي متثــل أشــكاال حتريريــة تتعــذر طباعتهــا وتســتثمر اإلمكانيــات

التقنيــة التــي تتيحهــا البيئــة الرقميــة)57(.

ثــل التحــوالت اجلاريــة فــي البيئــة االتصاليــة لــم تســتطع الصحافــة اللبنانيــة مت

واإلعالميــة اجلديــدة، وظلــت -فــي نظــر بعــض الفاعلــن املهنيــن والكتــاب

253 |

ــا”)58( تتحــدث عــن الصحفيــن واألكادمييــن- صحافــة خبريــة “متخلفــة مهني

لــع عليــه القــارئ حلظــة حصولــه عبــر املواقــع اخلبــر الــذي حصــل باألمــس بينمــا اط

اإللكترونيــة ووســائل التواصــل االجتماعــي؛ ألنــه يبحــث عــن املعلومــة بأســرع وقــت

وبأقــل قــدر مــن التكلفــة. كمــا قــررت بعــض التجــارب الصحفيــة أن تبقــى صحفهــا

كالســيكية ومتخلفــة فــي الشــكل واملضمــون ولــم تفهــم قواعــد العمــل اإلعالمــي

ــتقصائية ــة واس ــة وقصصي ــة” حتليلي ــى صحــف “مغازيني ــا إل ــرورة حتوله ــد وض اجلدي

ــظ ــياق، يالح ــذا الس ــي ه ــة)59(. وف ــات خاص ــاالت ومعلوم ــة رأي ومق وصحاف

ــة ــة األميركي ــة اللبناني ــي اجلامع ــالم ف ــم اإلع ــس قس ــي، رئي ــاد ملك ــي ج األكادمي

ومديــر معهــد بحــوث اإلعــالم والتدريــب فــي اجلامعــة، أن بعــض الناشــرين ال تــزال

لديهــم أفــكار قدميــة عــن إدارة الصحيفــة ترجــع إلــى اخلمســينات والســتينات مــن

القــرن املاضــي؛ إذ لــم يبتكــروا أســاليب جديــدة لتطويــر العمــل الصحفــي وتوســيع

نشــاطه وتوظيــف إعالميــن مؤهلــن الســتخدام الوســائط املتعــددة، كمــا تعانــي هذه

املؤسســات مــن غيــاب الرؤيــة، أي اجتــاه املؤسســة ومســتقبلها ومواكبــة التطــور)60(.

ومــن هــذا املنظــور، يــرى حــازم األمــن، كاتــب وصحفــي وأحد ناشــري موقــع درج،

ــر ــة التغيي ــا عــن مواكب ــي عجزه ــل ف ــان تتمث ــي لبن ــة ف ــة الورقي أن مشــكلة الصحاف

الــذي يحصــل فــي مجــال الصحافــة املكتوبــة وعجزهــا عــن االنتقــال إلــى املرحلــة

اجلديــدة؛ إذ إن هنــاك نقصــا كبيــرا فــي اإلبــداع واخليــال الــذي يجــب أن تتمتــع بــه

الصحافــة اجلديــدة اليــوم. فقــد ظلــت الصحافــة اللبنانيــة تقليديــة ألســباب كثيــرة؛ إذ

تعمــل فــي مجــال انقســامي، كمــا أن الهــم املهنــي غائــب فــي املمارســة الصحفيــة،

ــون ــب أن تك ــك يج ــه؛ لذل ــد خيارات ــكارا ض ــرح أف ــي أن يط ــتطيع الصحف وال يس

أزمة الصحافة الورقية في لبنان أطروحة النهاية وإشكالية االستمرارية

| 254

غرفــة األخبــار مبنيــة علــى هــذا التحــدي)61(.

كمــا أن جــزءا مــن مشــكلة الصحــف التــي خرجــت مــن املشــهد اإلعالمــي أنهــا لــم

ــارئ وأصحــاب ــه مــن معلومــات، وال تســتجيب الحتياجــات الق ــا أنتجت تســتثمر م

القــرار؛ فاملعلومــة ليســت جامــدة بــل ميكــن تقدميهــا بأشــكال مختلفــة تشــبع

احتياجــات املتلقــي. فاالســتثمار فــي اإلعــالم لــم يأخــذ بعــده الصحيــح؛ إذ يعتقــد

ــى ــاك مــن يعتمــد عل ــس هن ــي هــو األســاس. فلي بعــض الناشــرين أن الدعــم املال

ــره للمســتخدم، ــزه وتوفي ــوى مــن خــالل جتهي ــي يكــون مصدرهــا احملت ــل الت املداخي

ــلحة ــع األس ــت تبي ــي كان ــات الت ــية؛ إذ إن املؤسس ــلعة أساس ــوم س ــات الي فاملعلوم

ــات)62(. ــي املعلوم ــوم ف باألمــس تشــتغل الي

لذلــك، يربــط إبراهيــم األمــن، مديــر حتريــر صحيفــة األخبــار، مشــكلة الصحافــة في

ــا عمــا كانــت عليــه فــي الســتينات لبنــان بعجزهــا عــن جتديــد نفســها وختلفهــا مهني

ــات ــدي متطلب ــن حت ــل ع ــة كس ــش حال ــات؛ إذ تعي ــط الثمانين ــبعينات وأواس والس

ــر مؤثــرة فــي ــة كمــا أنهــا ضعفــت أمــام اإلعــالم الرقمــي؛ ومــن ثــم فإنهــا غي املهن

ــي ــكل تلقائ ــدر بش ــا تص اء، لكنه ــر ــا للق ــت هدف ــرة وليس ــر منتش ــام وغي ــرأي الع ال

ــر عــن وجهــة نظــر مــا أو ألن هنــاك مــن يوفــر لهــا الدعــم الكامــل فقــط ألنهــا تعب

ــا للصــدور، ومــن ثــم تلجــأ إلــى التبريــر األســهل وهــو غيــاب التمويــل، لكــن فعلي

فــإن العطــب املركــزي هــو عطــب داخلــي علــى مســتوى الصحــف ونقابــة الصحفيــن

ونقابــة احملرريــن وجميــع املؤسســات التــي تعنــى باإلنتــاج الصحفــي. كمــا أن جــزءا

ــا مــت محتــوى مختلف ــة يرجــع إلــى كونهــا قد مــن جنــاح بعــض التجــارب الصحفي

عمــا هــو ســائد)63(.

255 |

4.2. إشكاليات النموذج اإلداري العائلي والتوريث يف إدارة املؤسسة الصحفية

يتميــز املشــهد اإلعالمــي اللبنانــي بهيمنــة العائــالت والرمــوز السياســية علــى وســائل

ــح ن ــا مت ــا م ــالم؛ إذ غالب ــة واإلع ــن السياس ــة ب ــات وثيق ــود عالق ــالم؛ وبوج اإلع

التراخيــص بطريقــة تعكــس التنــوع السياســي فــي البــالد. ويرتبــط معظــم أصحــاب

وســائل اإلعــالم بطريقــة مباشــرة أو غيــر مباشــرة بتوجهــات ووالءات سياســية)64(،

ــى “مؤسســات” ل هــذه الوســائل إل ا وحــو ــوذا سياســي ــا نف ــا أكســب مالكيه وهــو م

ــا ــا عندم ــا، خصوص ــي إدارته ــات ف ــاكل وحتدي ــه مش ــة تواج ــة مغلق ــة عائلي إعالمي

ــن ــبب م ــر لس ر مالكها/الناش ــر ــوار...( أو يق ــرق، األن ــها )البي س ــوت مؤس ــب امل يغي

األســباب إغــالق أو وقــف الصحيفــة )الســفير، املســتقبل...(؛ حيــث يكــون احمليــط

ــة. ــه الوســيلة اإلعالمي ــؤل إلي ــذي ت ــرا فــي الوضــع واملــآل ال ــي مؤث أو العامــل العائل

ا لورثــة التجــارب الصحفيــة فــي إدارة وتعكــس معظــم املشــاريع اإلعالميــة دورا ســلبي

هــذه الصحــف؛ إذ لــم يســتطع هــؤالء الورثــة )حالــة دار ألــف ليلــة وليلــة، ومنــوذج

ــي أو ــة وختتف ــأ الصحيف ــث تنش ــاريع؛ حي ــك املش ــيرة تل ــتكمال مس ــاد( اس دار الصي

ســها أو مالكهــا، وبعبــارة أخــرى، كما يشــير ختــرج مــن املشــهد اإلعالمــي مبــوت مؤس

عونــي الكعكــي، نقيــب الصحافــة اللبنانيــة ورئيــس حتريــر صحيفــة الشــرق، “متــوت

ــى بعــض العناويــن الصحيفــة مبــوت صاحبهــا؛ ألنهــا مربوطــة بشــخص”)65(. وحت

التــي اســتمرت فــي الصــدور تواجــه إشــكاليات حقيقيــة، يؤكــد جوزيــف قصيفــي،

نقيــب محــرري الصحافــة اللبنانيــة؛ إذ لــم يتقــاض الصحفيــون رواتبهــم لفتــرة تزيــد

ــا ــذي يغطــي نفقاته ــل ال ــى التموي ــد عل ــت هــذه الصحــف تعتم عــن الســنة، وكان

وأيضــا مصاريــف العائــالت املالكــة، ولــم يكــن أصحــاب هــذه الصحــف فقــراء فــي

أزمة الصحافة الورقية في لبنان أطروحة النهاية وإشكالية االستمرارية

| 256

األصــل، بينمــا أصبحــت هــذه العائــالت تدفــع اليــوم النفقــات مباشــرة لذلــك جتــد

صعوبــة فــي متويــل أنشــطة الصحيفــة)66(.

ــذي ــار، ال ــة األخب ــر صحيف ــر حتري ــن، مدي ــم األم ــة إبراهي ــذه املفارق ــى ه ــه إل وينب

م ــد ــذي يق ــل ال ــن التموي ــر م ــبة أكب ــتأثرون بنس ــف يس ــاب الصح ــظ أن أصح يالح

دعمــا للصحــف، وفــي معظــم التجــارب الصحفيــة التــي أغلقت لــم يواجــه أصحابها

ــا ــي أفلســت ازداد أصحابه ــل إن الصحــف الت ــد الشــخصي، ب ــى الصعي ــا عل إفالس

ــه إدارتهــا وال يعطيهــا ثــراء)67(. كمــا أن اجليــل الــذي يــرث هــذه الصحــف ال تهم

ــث ــة، حي ــة وجتاري ــاحل اقتصادي ــه مص ــت لدي ــا إذا كان ــي، خصوص ــام الكاف االهتم

ــروع ــر املش ــذي يقب ــوت” ال ــالل)68( أو “امل ــى االحن ــع حت ــف وتتراج ــر الصح تتقهق

ــواب الصحيفــة. ــق أب ويغل

ثــل امللكيــة الفردية/العائليــة لهــذه الصحــف واحــدة من املشــكالت احلقيقية لذلــك مت

ل مــن حيــث اجلانــب التــي تواجــه الصحافــة الورقيــة فــي لبنــان اليــوم؛ إذ لــم تتحــو

ــات ــي عملي ــون ف ــراد يدقق ــا أف ــارك فيه ــاهمة يش ــات مس ــى مؤسس ــي إل الصناع

اإلدارة واإلنفــاق واملداخيــل ويجــرون توازنــا وتواؤمــا بــن الوجهــة املهنيــة الصحفيــة

والوجهــة التجاريــة، ألن قــدرة الســيطرة علــى املؤسســة الصحفيــة مــن خــالل الفــرد

والعائلــة أكبــر بكثيــر مــن وجــود شــريك)69(.

ويربــط أرنســت خــوري، رئيــس القســم السياســي فــي العربــي اجلديــد، هــذه املشــكلة

ــان، والتــي ــة املســتحكمة فــي لبن ــة والعشــائرية والعائلي ــة اإلقطاعي ــة االجتماعي بالبني

ــث ــة؛ حي ــة اليومي ــات الصحاف ــة واملؤسس ــركات التجاري ــى الش ــا عل ــس أيض تنعك

ــة ــا ملكي ــة باعتباره ــم العائل ــة باس ــط املؤسس ــى رب ــف عل ــاب الصح ــر أصح يص

257 |

ــة ــال الالحق ــن األجي ــره ب ــد ذك ل ــا أو خت ــود ملؤسســها أو مالكه خاصــة تضمــن اخلل

ــون ــراد أســهمها ويراقب ــك األف ــة مفتوحــة ميتل ــى مؤسســة حقيقي ل إل ــدل أن تتحــو ب

ــا)70(. إدارته

ــذي ــتقرار ال ــى االس ــاج إل ــف حتت ــض أن الصح ــرى البع ــع ي ــذا الوض ــاوز ه ولتج

يجعلهــا ال تعيــش هاجــس اإلقفــال القســري ســواء كان ناجمــا عــن تعســف سياســي

ــون ــور يك ــاج جلمه ــا حتت ــة، كم ــدرات املالي ــي الق ــئ ف ــور مفاج ــن تده ــا ع أو ناجت

شــريكا ومســاهما فــي إنتــاج وإدارة مؤسســة صحفيــة وإن كان هــذا األمــر فــي

لبنــان مرتبطــا بالسياســة، كمــا أن التاريــخ اإلداري واملالــي للصحــف يشــير إلــى أنهــا

مؤسســات خاســرة ال تشــجع املســتثمر ليكــون مســاهما ويتحمــل املســؤولية، كمــا أن

ــاك أنــاس ال ــه نتائــج فــي األمــن والسياســة بينمــا هن العمــل الصحفــي تترتــب علي

يحبــون املغامــرة حتــى لــو كانــوا يوافقــون علــى اخلطــاب اإلعالمــي للصحيفــة)71(.

ــي ظــل هــذه ــف ميكــن تأمــن هــذا االســتقرار ف ــدا: كي ــزداد الســؤال تعقي ــا ي وهن

ــة ــالك “الرؤي ــو امت ــك ه ــل لذل ــي أن املدخ ــاد ملك ــي ج ــرى األكادمي ــع؟ ي املوان

ــور ــي يتط ــل الصحف ــور”)72( ألن العم ــة التط ــتقبلها ومواكب ــة ومس ــاه املؤسس الجت

ــاق ــب للح ــن التأه ــة م ــتدعي حال ــا يس ــو م ــن، وه ــابق الزم ــارعة تس ــرة متس بوتي

ــة ــوالت اإلعالمي ــف للتح ــذه الصح ــى ه ــرفن عل ــة املش ــورات، ومواكب ــذه التط به

واملســتحدثات التكنولوجيــة اجلديــدة وقضايــا اإلعــالم اجلديــد، وابتــكار طــرق

ووســائل مــن أجــل جتديــد وتطويــر صحفهــم لضمــان اســتمرارها)73(، فضــال عــن

االقتــراب مــن احلريــة أو الرفــع مــن احلريــة املتوفــرة وإمــا أن تواجــه هــذه الصحــف

مصيرهــا احملتــوم الــذي ينتظرهــا)74( أي اخلــروج مــن املشــهد اإلعالمــي اللبنانــي كمــا

أزمة الصحافة الورقية في لبنان أطروحة النهاية وإشكالية االستمرارية

| 258

ــة. ــل مختلف ــباب وعوام ــرى ألس ــف األخ ــه الصح واجهت

5.2. البيئة السياسية وتأثريها يف نشاط املؤسسة الصحفية

ل فــي ســياق تبادلــي مــع النظــم االجتماعية والسياســية تنشــأ النظــم اإلعالميــة وتتشــك

األخــرى فــي املجتمــع، والتــي حتــدد األدوار والوظائــف االجتماعيــة لوســائل

ــا ــردة؛ ألنه ــالم متف ــائل اإلع ــع ووس ــن املجتم ــة ب ــإن “العالق ــك، ف ــالم. لذل اإلع

ــي اآلخــر)75(، ــا ف ــر كل منهم ــث يؤث ــة متحركــة ونشــطة وليســت ســاكنة حي عالق

San�( ــش ــاندرا بول-روكيت Melvin Defleur( وس ــر ــن ديفلي ــان ملف ــرى الباحث )وي

ــائل ــاد، أن وس ــة االعتم ــوذج األول لنظري ــا النم م ــذان قد dra Ball�Rokeach(، الل

ــار، ــاء واالزده ــل البق ــن أج ــر م ــى اآلخ ــا عل ــد كل منهم ــع يعتم ــالم واملجتم اإلع

ويحتــاج كل منهمــا بصفــة خاصــة إلــى مصــادر البعــض مــن أجــل حتقيــق األهــداف

ــا)76(. ــكل منه اخلاصــة ب

وتعكــس هــذه العالقــة التبادليــة والتفاعليــة صــورة متاثليــة بــن واقــع وســائل اإلعــالم

ــاة السياســية، حيــث “ينشــئ املجتمــع النظــام اإلعالمــي القومــي ويقــوم وواقــع احلي

ــالف املجتمعــات ختتلــف ــره، ومــع اخت ــر املجتمــع أو تغيي ــدوره فــي تطوي ــر ب األخي

ــم دور ــور نفه ــذا املنظ ــن ه ــر”)77(. م ــع آلخ ــن مجتم ــة م ــم اإلعالمي ــا النظ أيض

ــى د عل ــد ــا يش ــة كم ــة اللبناني ــة الورقي ــود الصحاف ــة وج ــي أزم ــي ف ــل السياس العام

ــاب الصحفيــن؛ حيــث يــرى طــالل ســلمان، ذلــك بعــض الفاعلــن املهنيــن والكت

ــاة سياســية ــاج إلــى حي ناشــر صحيفــة الســفير، أن بقــاء الصحيفــة واســتمرارها يحت

بــل إلــى حيويــة سياســية ونقابــات وأحــزاب وصــراع طبقــي. فعندمــا بــدأت “الســفير”

عملهــا اإلعالمــي كان جمهورهــا مــن الطــالب؛ حيــث كان االحتــاد الوطنــي لطلبــة

259 |

لبنــان جــزءا مــن أســرة حتريــر الصحيفــة، أمــا اليــوم فليــس هنــاك االحتــاد الوطنــي

ــات ــة تركيب ــل مث ــان، ب ــي لبن ــال ف ــات العم ــي لنقاب ــاد الوطن ــان وال االحت ــة لبن لطلب

ــة ــة موضوعي ــة معين ــن حقيق ــر ع ــة تعب ــك، فالصحيف ــط. لذل ــية فق ــة سياس طائفي

ــل املشــكلة، مــن وجهــة نظــر طــالل ســلمان، أوال: فــي غيــاب لشــعبها؛ وهنــا تتمث

الدميقراطيــة، وثانيــا: فــي اســتفحال األميــة باملجتمــع أكثــر ممــا كان عليــه الوضــع فــي

الســابق، وثالثــا: فــي األزمــة االقتصاديــة، إذا فالنجــاح والفشــل ألي مشــروع إعالمــي

ــاخ العــام)78(. مرتبطــان باملن

ويشــير إلــى هــذا املعطــى أيضــا أرنســت خــوري، رئيــس القســم السياســي فــي العربــي

اجلديــد، عندمــا يجعــل أداء الصحافــة اللبنانيــة صــورة تعكــس واقــع احليــاة السياســية

فــي البــالد، ويربــط فشــل التجــارب الصحفيــة التــي خرجــت مــن املشــهد اإلعالمــي

يه “التصحــر السياســي” ونــدرة الشــخصيات السياســية الثقافيــة القــادرة علــى مبــا يســم

ــت تضــم ــي كان ــة الت ــد الصحــف اليومي ــم تع ــف واســتمالته؛ إذ ل اســتيعاب املختل

ــاب رأي وشــخصيات مختلفــة عــن خطهــا السياســي العــام تقبــل بهــذه األمســاء، كت

وقــد بــرز ذلــك فــي ســياق الثــورات العربيــة؛ حيــث باتــت بعــض الصحــف -فــي

حلظــة انقســام سياســي عربــي- ال تقبــل باملختلفــن مــع سياســتها التحريريــة)79(.

ــن ــل ب ــي، والتماث ــام السياس ــالم والنظ ــائل اإلع ــن وس ــاد ب ــة االعتم ــر عالق وتظه

مــه ســاطع مكونــات الصــورة التــي يعكســها أداؤهمــا، فــي ســياق التفســير الــذي يقد

نــور الديــن، رئيــس حتريــر موقــع املــدن، ألزمــة الصحافــة الورقيــة فــي لبنــان وأســباب

“انهيارهــا”؛ إذ يــرى أن “العامــل السياســي أبلــغ مــن العامــل االقتصــادي فــي تفســير

ــا، يعقــد األزمــة؛ فعندمــا يتدهــور مجــال السياســة يتدهــور قطــاع الصحافــة”. وهن

أزمة الصحافة الورقية في لبنان أطروحة النهاية وإشكالية االستمرارية

| 260

مقارنــة بــن الوضــع السياســي الراهــن والظــروف التــي عاشــها لبنــان خــالل احلــرب

األهليــة عــام 1974، حيــث كان حضــور األحــزاب السياســية بــارزا وكان مثــة وعــي

وطمــوح سياســي ونقــاش بشــأن إصــالح النظــام السياســي فــي لبنــان، وقــد أســهم

ع فــي ســوريا ومصــر والســعودية...أما اليــوم فهــذا ذلــك فــي بــروز صحافــة قويــة تــوز

ــل، بــل إن “احليــاة السياســية أصبحــت ســيركا ومشــهدا ســاخرا انعكــس النقــاش معط

ع نســخة واحــدة فــي البلــدان املذكــورة”)80(. علــى قطــاع الصحافــة التــي ال تــوز

وتــزداد تأثيــرات العامــل السياســي وانعكاســاته الســلبية علــى الصحافــة الورقيــة فــي

ــة ــى احلال ــة بســالحها عل ــات احلزبي ظــل الواقــع الــذي باتــت تفرضــه بعــض املكون

ــث ــة، حي ــي حــازم صاغي ــي اللبنان ــب الصحف ــرى الكات ــا ي ــة، كم السياســية اللبناني

أصبحــت السياســة محســومة ســلفا؛ إذ ال ميكــن تغييــر الكثيــر أو الطمــوح فــي

تغييرهــا؛ فهنــاك ســقف مرســوم للجميــع، وهــو مــا يحــد مــن احلريــات اإلعالميــة

وتأثيــر اإلعــالم، كمــا أن هنــاك عزوفــا عــن السياســة ألســباب كثيــرة منهــا الشــعور

باســتحالة التغييــر، وهــذا ينعكــس ســلبا علــى القــراءة السياســية وأيضــا علــى قــراءة

ــف)81(. الصح

ــية ــاة السياس ــع احلي ــرا لواق ــرا مباش ــرى دورا أو تأثي ــر أخ ــات نظ ــرى وجه ــا ال ت بينم

ــة ــي الرؤي ــك قصــورا ف ــر ذل ــان، وتعتب ــي لبن ــة ف ــة الورقي ــة وجــود الصحاف ــي أزم ف

ــة ــاع الصحاف ــان ولقط ــدور لبن ــية ول ــاة السياس ــوداوية للحي ــة س ــل، و”رؤي والتحلي

ــه ــذي اختذت ــرار ال ــزو الق ــة”)83(. وتع ــدور الصحاف ــا ل ــا ناقص ــا”)82(، و”فهم أيض

بعــض الصحــف بطــي صفحــة جتربتهــا اإلعالميــة إلــى أن “املســتقبل أمامهــا مغلــق،

ــف وتفتقــد لقضيــة تدافــع عنهــا، كمــا وجــدت نفســها جتنــي اخلســائر فــي وقــت توق

261 |

عنهــا املــال السياســي، إضافــة إلــى ذلــك رأى مالــك املشــروع أن العائلــة لــن تســتطيع

اســتكمال رســالة الصحيفــة”)84(. ومــن جانبــه يربــط إبراهيــم األمــن، مديــر حتريــر

ــا عــن الصــدور ــاء واالســتمرار وتوقفه ــة فــي البق ــار، فشــل الصحيف ــة األخب صحيف

بـ”مــوت اخليــار السياســي لهــذه الوســيلة اإلعالميــة، لذلــك فـــاالدعاء بــأن تراجــع

احليــاة السياســية هــو ســبب احلالــة التــي تعيشــها الصحافــة الورقيــة فــي لبنــان ليــس

صحيحــا؛ ألن الصحــف اليــوم قــد تكــون بديــال عــن األحــزاب، وفــي حالــة أن هــذه

ــة ــر فعالي ــون أكث ــة أن تك ــن للصحاف ــار ميك ــة كإط ال ــة أو فع ــت فاعل ــزاب ليس األح

ــا”)85(. منه

3. مستقبل الصحافة الورقية يف لبنان

فــي ظــل اإلغــالق املتواتــر لعــدد مــن املؤسســات اإلعالميــة خــالل العقــد األخيــر،

اللبنانــي بعــد اليوميــة مــن املشــهد اإلعالمــي واخلــروج املتواصــل للصحــف

ــن ــن والنقابي ــن املهني ــة مــن نشــاطها اإلعالمــي، يؤكــد معظــم الفاعل ــود طويل عق

ــاع ــم، أن “قط ــث آراءه ــتطلع الباح ــن اس ــن، الذي ــن واألكادميي ــاب الصحفي والكت

الصحافــة الورقيــة يعيــش حالــة مرضيــة تعكــس احلالــة املرضيــة العامــة التــي يعيشــها

ــرة ــركات كثي ــق ش ــث تغل ــأزوم، حي ــادي امل ــع االقتص ــة الوض ــان”)86(، خاص لبن

ــاءل ــا، يتس ــال. وهن ــن والعم ــب املوظف ــع روات ــن دف ــات ع ــز مؤسس ــا وتعج أبوابه

ــة ــاع الصحاف ــون قط ــف إذا يك ــار: “كي ــة النه ــر صحيف ــر حتري ــار، مدي ــان حج غس

بحالــة ســليمة فــي مجتمــع مريــض؟”)87( غيــر أن ذلــك ال يعنــي، مــن وجهــة نظــره،

ــن وضعــه مشــروطا بتحســن س “مــوت قطــاع الصحافــة فــي لبنــان”؛ حيــث يظــل حت

الوضــع االقتصــادي وحتقيــق نهضــة عمرانيــة واقتصاديــة تنعكــس إيجابــا علــى قطــاع

أزمة الصحافة الورقية في لبنان أطروحة النهاية وإشكالية االستمرارية

| 262

الصحافــة. كمــا ال يعنــي أن املشــاكل والتحديــات التــي يواجههــا القطــاع “قدريــة” ال

ميكــن حلهــا أو جتاوزهــا.

ــي ــه عون م ــذي يقد ــل ال ــي التحلي ــة ف ــة الورقي ــتقبل الصحاف ــة ملس ــذه الرؤي وجنــد ه

ــرق؛ ــة الش ــر صحيف ــا لتحري ــة ورئيس ــة اللبناني ــا للصحاف ــه نقيب ــن موقع ــي م الكعك

ــم ــرا، ورغ ــف( كثي ــيتفاقم )الضع ــذي س ــة وال ــاع الصحاف ــف قط ــر بضع ــث يق حي

ــس ــاء بعــض الصحــف، لكــن لي ــد مــن بق ــة ستســتمر؛ إذ الب ــإن الصحاف ــك ف ذل

ــى لكنهــا لــن كمــا كان الوضــع ســابقا؛ فـ”العصــر الذهبــي للصحافــة اللبنانيــة قــد ول

ــا، وهــذا مــا يؤكــده تاريــخ وســائل اإلعــالم؛ إذ إن ظهــور التليفزيــون لــم متــوت كلي

يلــغ الراديــو، كمــا أن الراديــو بــدوره لــم يلــغ الصحيفــة، والصحافــة الورقيــة ال ميكــن

ــس صحيفــة جيــدة ال أحــد ميكــن أن يغلقهــا، ألنهــا رســالة أن تلغــى، فعندمــا تؤس

يجــب أن تبقــى حلفــظ التــراث”)88(. ويــرى أصحــاب هــذا االجتــاه أن تاريــخ تطــور

وســائل االتصــال واإلعــالم لــم يثبــت أن ظهــور وســيلة إعالميــة قضــى علــى الوســيلة

التــي ظهــرت قبلهــا بســنوات أو حتــى قــرون. وهــذا مــا حصــل مــع الصحــف الورقيــة

واإلذاعــة ثــم التليفزيــون وشــبكة املعلومــات الدوليــة. فظهــور هــذه الوســائل ســاهم

ــة. فوجــود ــات وســائل االتصــال التقليدي ــات ومحتوي ــر تقني ــر فــي تطوي بحجــم كبي

الصحافــة اإللكترونيــة فــي حيــاة الصحــف الورقيــة قــد يدفــع األخيــرة إلــى التطــور

علــى مســتوى اإلخــراج واملضامــن، كمــا أن خصوصيــات الصحافــة الورقيــة ال متاثــل

ــة)89(. النســخة اإللكتروني

ــي ــه كــي يســهم ف ــه وجناعت ــي حيويت وفــي ضــوء األمــل باســتعادة االقتصــاد اللبنان

ــة، يتوقــع منــو وازدهــار القطاعــات األخــرى مبــا فــي ذلــك قطــاع الصحافــة الورقي

263 |

فاعلــون مهنيــون وكتــاب صحفيــون آخــرون نهايــة ومــوت مــا تبقــى مــن الصحــف أو

اســتمرار خروجهــا مــن املشــهد اإلعالمــي اللبنانــي وســقوطها الواحــدة تلــو األخــرى

ــن ــة؛ إذ “ل ــة الورقي ــة وجــود الصحاف ــد اســتحكام أزم ــف الســيما بع كأوراق اخلري

ــة، كمــا ــان خــالل الســنوات العشــر املقبل ــي لبن ــة ف ــة ورقي ــاك أي صحيف ــى هن تبق

ــك ــى ذل ــا يؤشــر عل ــة املســتقبل، وم ــر صحيف ــر حتري يشــير جــورج بكاســيني، مدي

هــو اإلقفــال املتواتــر للصحــف خــالل الفتــرة املاضيــة حيــث أغلقــت ثــالث أو أربــع

ــف”)90(. صح

ــه الســلوك االتصالــي ويســتند هــذا الــرأي إلــى “ثقافــة األوناليــن” التــي باتــت توج

ــة ــة واإلعالمي ــاء املنظومــة االتصالي لأفــراد، واملــد الرقمــي اجلــارف الــذي أعــاد بن

ــوم ــث الي ــح احلدي ــث “أصب ــات؛ حي ــي كل القطاع ــة ف ــار الرقمن ــدة، وانتش اجلدي

ــور أو ــاك أي تط ــون هن ــن يك ــتويات؛ إذ ل ــف املس ــي مختل ــة ف ــة الرقمي ــن التنمي ع

ــدو رأي طــالل ــا يب ــة”)91(. بينم ــدون الرقمن ــات ب ــى املعلوم ــات أو وصــول إل خدم

ــا -يتجــاوز املشــهد اإلعالمــي اللبنانــي ســلمان، ناشــر صحيفــة الســفير، حتميا/قطعي

ليشــمل املجــال العربــي- حيــث “ال مســتقبل للصحافــة الورقيــة فــي لبنــان، ألن هــذه

ــا الدعــم مــن اخلــارج، ــى معظمه ــة يتلق ــات طائفي الصحــف ليســت ســوى إقطاعي

وتســتطيع أن تقــول: هــذه الصحيفــة تابعــة للدولــة الفالنيــة وتلــك تــدور فــي فلــك

الدولــة الفالنية...فقــد انعدمــت السياســة فــي الوطــن العربــي كمــا أن الشــعوب التــي

ــت عــن لعــب دورهــا األساســي، فلمــاذا ســيقرأ ــرار غاب ــة الوطــن والق ــد صاحب تع

املواطــن هــذه الصحيفــة وهــو يشــعر بأنــه خــارج القــرار؟”)92(.

ــإن ــا البعــض، ف ــا يصفه ــة كم ــاع الصحاف ــة لقط ب ــة” املرك ــة املرضي إزاء هــذه “احلال

أزمة الصحافة الورقية في لبنان أطروحة النهاية وإشكالية االستمرارية

| 264

بــة وتتطلــع ملســتقبل تتعافــى فيــه الصحافــة الورقيــة وصفــة العــالج تبــدو أيضــا مرك

ــن املهنيــن ــي يدفــع أو يحاجــج بهــا بعــض الفاعل مــن أزمتهــا رغــم املؤشــرات الت

ــاب الصحفيــن إلثبــات أطروحــة اندثــار أو نهايــة الصحافــة الورقيــة. وإلنقــاذ والكت

هــذا القطــاع، وضمــان اســتمراريته، تبــرز ثــالث إرادات مختلفــة، كمــا يــرى

ــة، تتطلــب جهــودا متضافــرة، جوزيــف قصيفــي، نقيــب محــرري الصحافــة اللبناني

ــم إرادة القطــاع اخلــاص، وإرادة مالكــي املؤسســات ــة، ث ــي: إرادة الدول ــل ف وتتمث

ــل كثيــرون الدولــة مســؤولية تدهــور قطــاع الصحافــة الورقيــة؛ الصحفيــة)93(. ويحم

إذ ال تقــوم بــأي عمــل مــن شــأنه حمايــة هــذا القطــاع أو تعزيــزه أو تســهيل متطلباتــه،

فالدولــة مســتقيلة مــن مســؤوليتها فــي هــذا املجــال وال تتعامل مــع الصحافــة باعتبارها

جــزءا مــن هويــة لبنــان)94(. ويــرى أرنســت خــوري، رئيــس القســم السياســي فــي

ــاع ــي قط ــل ف ــر بالكام ــة تظه ــة اللبناني ــتقالة الدول ــد، أن اس ــي اجلدي ــة العرب صحيف

ــل مظهــرا حلالــة عامــة؛ فهــي مســتقيلة مــن أي جهــد قــد يكــون اإلعــالم الــذي ميث

ــا فــي تنظيــم قطــاع اإلعــالم وفــي إرغــام املؤسســات اإلعالميــة علــى تكويــن إيجابي

نقابــة مهنيــة للمحرريــن، لكنهــا فــي املقابــل منخرطــة بشــكل كبيــر فــي بــاب قمــع

ــر محكمــة املطبوعــات)95(. ــة عب ــات اإلعالمي احلري

وتبــدأ مســؤولية الدولــة فــي نظــر هــؤالء بـ”تأكيــد دور الصحافــة احملــوري فــي احليــاة

ــا السياســية والوطنيــة اللبنانيــة، واختــاذ إجــراءات عاجلــة ملســاعدة هــذا القطــاع مادي

ــا، ومتكينــه مــن الوقــوف علــى رجليــه فــي هــذا الوقــت الصعــب، ثــم إنشــاء وعيني

ــر %47 مــن النفقــات ــا، وهــو مــا يوف صناديــق تقاعــد وضمــان الصحفيــن اجتماعي

ــا ــواء منه ــن س ــى احملرري ــا %30 أو %35 عل ــر أيض ــف، ويوف ــا الصح ــي تتحمله الت

265 |

ــتقرار ــل اس ــن أج ــة م ــة أو اجلمركي ــاءات الصحي ــة أو اإلعف ــاءات االجتماعي اإلعف

وضــع العاملــن فــي قطــاع الصحافــة الورقيــة”)96(. هــذا الدعــم املــادي للصحــف

يعتبــره عونــي الكعكــي، نقيــب الصحافــة اللبنانيــة ورئيــس حتريــر صحيفــة الشــرق،

ــق بعــد، ــم تغل ــي ل ــى الصحــف الت ــة للحفــاظ عل ــا الدول له ــا ومســؤولية تتحم واجب

ــا”؛ ألن “هــذه الصحــف ســتصبح لبنانيــة أكثــر ولــن تلجــأ إلــى بــل يــراه “عمــال وطني

مــه تلقــي األمــوال مــن اخلــارج”)97(. بينمــا يــرى البعــض أن الدعــم الــذي قــد تقد

ــي مجالــن أساســين، همــا: الصحــة والتعليــم حتــى ال يخشــى الدولــة يجــب أن يغط

ــون ــر)98(. ويحصــر فاعل ــه أكث الصحفــي التعســف ويتمكــن مــن الدفــاع عــن مهنت

مهنيــون آخــرون هــذا الدعــم فــي إعفــاء الدولــة للصحــف مــن بعــض الضرائــب مثــل

رســوم الــورق والهاتــف)99(. وحتتــاج هــذه اإلجــراءات املطلوبــة، خاصــة مــا يتعلــق

باملســاعدة فــي الضمــان االجتماعــي وتقــدمي الدعــم للصحف، إلــى قوانن ومراســيم

ن علــى مســتوى مجلــس الــوزراء، إضافــة إلــى عمــل تــآزري وتشــاركي بــن املكــو

اللبنانــي املعنــي بقطــاع الصحافــة املكتوبــة واملرئيــة والنقابــات ومالكــي املؤسســات

ــة)100(. اإلعالمي

باملــوازاة مــع ذلــك، هنــاك املعاجلــة القانونيــة التــي يجــب، مــن وجهــة نظــر البعــض،

أن تأخــذ بعــن االعتبــار املنظومــة االتصاليــة واإلعالميــة اجلديــدة، والطفــرة الهائلــة

ــى الشــبكة، وتطــور القطــاع ــة عل ــوات الرقمي ــة وانتشــار القن فــي املواقــع اإللكتروني

ــن ــة م ــكار امللكي ــر احت ــب كس ــات يتطل ــي ب ــهد اإلعالم ــا أن املش ــي، كم اإلعالم

ــكار ــة لالبت ــك دعــم الدول ــى ذل ــازات)101(. يضــاف إل ــص واالمتي ــث التراخي حي

ــن خــالل ــي م ــال الرقم ــي االنتق ــث تســاعد ف ــع املجــاالت؛ حي ــي جمي ــي ف الرقم

أزمة الصحافة الورقية في لبنان أطروحة النهاية وإشكالية االستمرارية

| 266

ــة ــب مبجــال الصحاف ــة واضحــة، وتقــدمي الدعــم فــي مجــال التدري خطــة اقتصادي

ــة ــد ملواكب ــد، واالســتثمار فــي وســائل اإلعــالم اجلدي ــاء منــوذج اقتصــادي جدي لبن

العصــر الرقمــي. ويتطلــب ذلــك ثالثــة مداخــل تتعلــق باجلانــب البحثــي فــي قضايــا

ــة، واجلانــب االســتثماري اإلعــالم واالتصــال، واجلانــب التقنــي واملبتكــرات احلديث

ــوذج االقتصــادي)102(. ــم بالنم ــذي يهت ال

الشكل رقم )3( يربز دعائم تطوير قطاع الصحافة الورقية

كمــا يتطلــب إنقــاذ قطــاع الصحافــة الورقيــة وضمــان بقائــه، فــي نظــر البعــض، رفــع

الدولــة -بأحزابهــا وطوائفهــا وأجهزتهــا األمنيــة- يدهــا عــن نقابــة احملرريــن التــي ظــل

ــع ــك رف ــنتن، وكذل ــل س ــى قب ــدد حت ــن اجل ــى احملرري ــا عل ــا ممنوع ــاب إليه االنتس

ــل فــي مفارقــة صارخــة أصحــاب االمتيــازات ث يدهــا عــن نقابــة الصحفيــن التــي مت

ــة!)103(. الصحفي

267 |

ــب ــف، فتتطل ــى الصح ــرفن عل ــة واملش ــات الصحفي ــي املؤسس ــؤولية مالك ــا مس أم

ــي إدارة ــواء ف ــة س ــة مختلف ــا مقارب ــي، وأيض ــر الرقم ــب العص ــدة تواك ــة جدي رؤي

ــا ــي. كم ــل الذات ــة التموي ــك عملي ــف وكذل ــة الصح ــة أو ملكي ــة الصحفي املؤسس

ــة ــرري الصحاف ــب مح ــي، نقي ــف قصيف ــر جوزي ــي نظ ــف، ف ــذه الصح ــاج ه حتت

اللبنانيــة، إلــى تنويــع منتوجهــا الصحفــي مــن أجــل ضمــان اســتمرارها ومســاعدتها

ــم ــات ته ــة موضوع ــة وتغطي ــات متخصص ــر دراس ــا نش ــاء؛ إذ بإمكانه ــى البق عل

الــرأي العــام وإصــدار منشــورات أو أعــداد خاصــة تســتجيب الحتياجــات قطاعــات

د هــذه الصحــف ــد واســعة مــن اجلمهــور وكذلــك بإمكانهــا طباعــة كتــب، أي أن جت

أســاليبها فــي العمــل الصحفــي وتبتكــر أمناطــا حديثــة فــي إدارتهــا)104(، وأن تــدرك

أيضــا أن عليهــا التعايــش مــع االنتقــال الرقمــي، وأن يكــون التفكيــر شــامال يجمــع

بــن احملتــوى واجلانــب التقنــي واملالــي)105(. لذلــك، ليســت اإلنترنــت مــن يهــدد

الصحافــة الورقيــة، كمــا يقــول الكاتــب ورئيــس التحريــر الســابق للمجلــة االقتصاديــة

ــة ــا الصحاف ــي )Bernard Poulet(، وإمن ــار بول ــيون” )L’Expansion(، برن “ليكسبونس

الورقيــة نفســها حتتــاج إلــى اإلنترنــت الســتعادة اجلمهــور واملعلنــن مــن أجــل بنــاء

قيمتهــا الصحفيــة)106(، بــل يربــط البعــض مســتقبل الصحافــة اإللكترونيــة باســتمرار

وجــود الصحافــة الورقيــة فـــ”إذا لــم تكــن هنــاك صحافــة مطبوعــة لــن تكــون هناك

ــاره بشــكل ــج أخب ــاك موقــع إلكترونــي واحــد ينت ــة؛ إذ ليــس هن صحافــة إلكتروني

ــاج احملتــوى اإلعالمــي”)107(. ذاتــي ويعتمــد علــى نفســه فــي إنت

ورغــم مــا قــد ينجــزه تضافــر جهــود، ما مساهــا جوزيــف قصيفــي، بــاإلرادات الثالث

)إرادة الدولــة، وإرادة القطــاع اخلــاص، وإرادة مالكــي املؤسســات الصحفيــة(، فــإن

أزمة الصحافة الورقية في لبنان أطروحة النهاية وإشكالية االستمرارية

| 268

واقــع البيئــة االتصاليــة الرقميــة واإلعالميــة اجلديــدة فــي لبنــان وكذلــك الدراســات

ــتخدمن؛ ــي للمس ــلوك االتصال ــي الس ــول ف ــة التح ــى أهمي ــيران إل ــوث، يش والبح

ــي” ــتخدم رقم ــى “قارئ/مس ــي” إل ــارئ ورق ــن “ق ــي م ــول املتلق ــظ حت ــث يالح حي

يعتمــد علــى وســائط اإلنترنــت وشــبكات التواصــل االجتماعــي، وهــو مــا يجــب أن

يكــون فــي صلــب اهتمــام أي معاجلــة ألزمــة قطــاع الصحافــة الورقيــة فــي لبنــان.

خاتمة

بة لعوامــل مختلفة إذا كانــت الصحافــة الورقيــة اللبنانيــة تبــدو في “حالــة مرضيــة” مرك

اقتصاديــة وسياســية واتصاليــة وثقافيــة، أدت إلــى نهايــة أو إغــالق بعــض الصحــف

احلديثــة الصــدور بــل واخلــروج املتواصــل لعــدد مــن الصحــف التقليديــة مــن املشــهد

ــي ــة العــالج الت ــإن وصف ــال، ف ــاره كام ــد بتالشــي القطــاع وانهي اإلعالمــي والتهدي

ــددة ــا إرادات متع ــة؛ تتنازعه ب ــا مرك ــدو أيض ــة تب ــة املرضي ــن احلال ــف مكام تكش

ــاج أيضــا إلــى مداخــل ــازات(، وحتت ــة، والقطــاع اخلــاص، وأصحــاب االمتي )الدول

تأخــذ بعــن االعتبــار اجلانــب البحثــي، ومواكبــة املســتحدثات التكنولوجيــة اجلديــدة

ــتجيب ــد يس ــادي جدي ــوذج اقتص ــاد من ــالم، وإيج ــات واإلع ــة املعلوم ــي صناع ف

ــن اســتمرارية املشــروع وقوتــه عبــر توفيــر الحتياجــات املؤسســة الصحيفــة بحيــث يؤم

بيئــة اســتثمارية ومــوارد ماليــة تســهم فــي تطويــر املؤسســة وقدراتهــا التشــغيلية والفنيــة

ــة، وقبــل ذلــك تطويــر منتوجهــا الصحفــي الــذي يتطلــب ــة وبيئتهــا التقني واإلبداعي

ــا جديــدا يعيــد النظــر فــي هويــة الصحيفــة املطبوعــة ووظيفتهــا أيضــا منوذجــا حتريري

ــي ــن الصحف ــة وباملواط ــا اإلعالمي ــا مبصادره ــة، وعالقته ــة املهني ــة املمارس وطبيع

ــا السياســي واالجتماعــي واجلمهــور...إخل. ومحيطه

269 |

ــدا ــزداد تعقي ــي ت ــة الت ــة الورقي ــاع الصحاف ــة قط ــة حلال ــرات الراهن ــئ املؤش وال تنب

ــأن ــة- ب ــادرة أو إجــراءات فاعل ــة مب ــة أي ــة املعني ــم تتخــذ اجلهــات الرمسي ــث ل -حي

عمليــة العــالج ســتكون ناجعــة تعيــد للقطــاع عافيتــه ومناعتــه وقوتــه التــي اكتســبها

خــالل فتــرة الثمانينــات والتســعينات مــن القــرن املاضــي. فقــد بــدأت جميــع

ــة ــة االتصالي ــا حتــوالت البيئ ــي تفرضه ــات الت ــدرك التحدي ــة ت املؤسســات الصحفي

ــة اجلديــدة التــي يعرفهــا املشــهد اإلعالمــي اللبنانــي، وتســتوعب ــة واإلعالمي الرقمي

ل العالــم إلــى مجتمــع شــبكي ه اجلــارف الــذي حــو متطلبــات العصــر الرقمــي ومــد

ينشــئ فيــه األفــراد واجلماعــات وســائلهم اإلعالميــة اخلاصــة عبــر شــبكات التواصــل

االجتماعــي التــي باتــت تفــرض ســلطتها علــى نشــاط املؤسســات الصحفيــة الكبــرى

والســلوك االتصالــي للمســتخدمن، ويــزداد فيــه تأثيــر الصحافــة اإللكترونيــة واملواقع

ــه املجــال العــام الرقمــي الــذي أصبــح فضــاء مفتوحــا ال يقــل ــة ويتســع في اإلخباري

ــرأي ــكيل ال ــى لتش ــن األول ــل احملاض ث ــل مي ــدي، ب ــام التقلي ــال الع ــن املج ــره ع تأثي

العــام، خاصــة فــي أوقــات األزمــات والصراعــات.

ولعــل هــذا مــا يفســر جلــوء معظــم املؤسســات الصحفيــة الورقيــة إلــى إنشــاء مواقــع

إلكترونيــة تكــون دعامــة أساســية للصحيفــة مــن أجــل جــذب شــريحة واســعة مــن

ــة ــر صحيف ــر حتري ــيني، مدي ــورج بكاس يه ج ــم ــا يس ــو م ل حن ــو ــذي حت ــور ال اجلمه

ــي ــلوك االتصال ــى الس ــلطته عل ــرض س ــح يف ــذي أصب ــن” ال ــتقبل، “األونالي املس

ــة ــوى اإلعالمــي وإمكاني ــى احملت ــي ظــل ســهولة الوصــول إل للمســتخدم، خاصــة ف

إشــباع جميــع احتياجاتــه املعرفيــة والسياســية واالجتماعيــة والثقافيــة والترفيهيــة عبــر

شاشــات الهواتــف الذكيــة. ويســاعد انتشــار الثقافــة الرقميــة فــي املجتمــع اللبنانــي

أزمة الصحافة الورقية في لبنان أطروحة النهاية وإشكالية االستمرارية

| 270

ــث ــوم وســط املســتخدمن، حي ــة الي ــى تعاظــم نفــوذ الصحافــة اإللكتروني أيضــا عل

تــزداد أهميتهــا مصــدرا لأخبــار واملعلومــات ومتابعــة الشــأن العــام اللبنانــي ومحيطــه

اإلقليمــي والدولــي، ويؤشــر ذلــك علــى بدايــة انتقــال املجتمــع مــن ســلطة اإلعــالم

الورقــي إلــى ســلطة اإلعــالم اإللكترونــي. غيــر أن ذلــك ال يعنــي أن أطروحــة نهايــة

ــوام ــون األع ــي غض ــزة ف ــة ناج ــا أو حقيق ــآال حتمي ــتصبح م ــة س ــة الورقي الصحاف

ــة ــل ســتظل الصحيف ــون، ب ــون اللبناني ــون املهني ــع الفاعل ــا يتوق ــة، كم ــرة املقبل العش

دعامــة إعالميــة ورقيــة فــي مشــهد إعالمــي متحــول تتجــه فيــه املؤسســات الصحفيــة

لتنويــع احلوامــل واملنصــات مــن أجــل إيصــال احملتــوى إلــى اجلمهــور واملســتخدمن

ــة. بفئاتهــم املختلف

ــة ــه حال ــت إلي ــا آل ــرا عم ــف كثي ــة ال يختل ــل اإللكتروني ــذه احلوام ــع ه ــن واق لك

الصحافــة الورقيــة نفســها رغــم أن معظــم التجــارب اإلعالميــة اإللكترونيــة ال تــزال

فــي بدايتهــا؛ إذ إن الرهــان علــى منــوذج اقتصــادي غيــر تقليــدي لــم ينجح حتــى اآلن

فــي توفيــر مقومــات وعوامــل التمويــل الذاتــي لهــذه املشــاريع ســواء عبــر االشــتراك

فــي خدمــة الـ”برمييــوم” التــي توفــر للمســتخدم الدخــول إلــى محتــوى املوقــع مقابــل

ــات ــتخدمن، أو اإلعالن ــة للمس ــات خاص ــدمي خدم ــهري، أو تق ــي ش ــتراك مال اش

التجاريــة. لذلــك، فــإن اســتمرار هــذه الصحــف واملواقــع اإللكترونيــة ســيحتاج هــو

ــا ــدم إليه ــة تق ــات أجنبي ــات ومؤسس ــاط بجه ــي أو االرتب ــل خارج ــى متوي ــر إل اآلخ

ــات ــذه اجله ــاريع ه ــة مش ــي خدم ــيجعلها ف ــا س ــو م ــا، وه ــة نفقاته ــم لتغطي الدع

ــة لهــا. ــة اســتقاللها عــن املؤسســات املمول ــد سياســتها التحريري ويفق

271 |

املراجع

)1( خيــر اهلل خيــر اهلل، “ســقوط قطعــة مــن لبنــان”، العــرب، 1 أكتوبر/تشــرين األول

.https://bit.ly/2YIf7Al :)2019 ــطس/آب ــول: 1 أغس ــخ الدخ 2018، )تاري

ــخ ــارس/آذار 2016، )تاري ــي”، 26 م ــم احل ــف باللح ــدر الصح ــار، “فلتص )2( النه

.https://bit.ly/2KAjVmu :)2019 أغســطس/آب 1 الدخــول:

ــال هــالل املزاهــرة، مناهــج البحــث اإلعالمــي، ط 1 )عمــان، دار املســيرة، )3( من

.344 2014(، ص

)4( Gary King, Robert Keohane, Sidney Verba, Designing Social Inquiry:

Scientific Inference in Qualitative Research )Princeton: Princeton University

Press, 1994(, 45.

)5( Ibid, 85-86.

)6( Ibid, 45.

نــة( التــي يقــوم فيهــا الباحــث بإعــداد )7( اســتخدمت الدراســة املقابلــة املقيــدة )املقن

قائمــة مــن األســئلة قبــل إجــراء املقابلــة، ويتــم طــرح نفــس األســئلة فــي كل مقابلــة

وفــي الغالــب حســب نفــس التسلســل، إال أن ذلــك ال مينــع مــن طــرح أســئلة غيــر

مخطــط لهــا إذا مــا رأى الباحــث ضــرورة لذلك...ويعتبــر هــذا النــوع مــن املقابــالت

ــر ــا وتوفي ــا وحتليله ــهولة تفريغه ــك لس ــة؛ وذل ــر املقنن ــة غي ــن املقابل ــر م ــا أكث علمي

ــر: هــالل ــة. للتوســع انظ ــات علمي ــة تعميم ــي تســمح بصياغ ــة الت ــط الالزم الضواب

املزاهــرة، مناهــج البحــث اإلعالمــي، مرجــع ســابق، ص 241�240.

ــر ــرادا أو عناص ــن أف ــي تتضم ــة الت ــة العمدي ــا بـ”العين ــوع أيض ــذا الن ــمى ه )8( يس

أزمة الصحافة الورقية في لبنان أطروحة النهاية وإشكالية االستمرارية

| 272

مختاريــن علــى أســاس خصائــص وصفــات محــددة، وال تتعامــل مــع أولئــك الذيــن

ــة ــة القصدية/العمدي ــإن العين ــرى، ف ــارة أخ ــر. وبعب ــك املعايي ــم تل ــق عليه ال تنطب

يتــم اختيارهــا عــن قصــد أي بطريقــة غيــر عشــوائية”. للتوســع، انظــر: روجــر وميــر،

ــو ــاحل أب ــة ص ــي، ترجم ــث اإلعالم ــج البح ــى مناه ــل إل ــك، مدخ ــف دومين جوزي

ــة، 2013(، ــع وفــاروق منصــور، ط 1 )بيــروت، مركــز دراســات الوحــدة العربي إصب

ــة أو ــود أدل ــة، كوج ــارات علمي ــد العتب ــذا التعم ــون ه ــد يك ص 178-177. “وق

ــل املجتمــع، وفــي هــذه احلالــة براهــن مقبولــة أو منطقيــة تؤكــد أن هــذه العينــة متث

ــج ــرة، مناه ــالل املزاه ــر: ه ــع انظ ــا”. للتوس ــة علمي ــة مقبول ــج الدراس ــون نتائ تك

ــابق، ص 130. ــع س ــي، مرج ــث اإلعالم البح

وقــد راعــى الباحــث فــي حتديــد مفــردات العينــة متثيلهــا ملجتمــع الدراســة؛ إذ يأخــذ

ــدد ــة وتع ــة الورقي ــال الصحاف ــي مج ــل ف ــة العم ــار خصوصي ــن االعتب ــن بع عي الت

الفاعلــن فــي صناعتهــا واملتابعــن واملراقبــن للنشــاط الصحفــي، لذلك ركــز الباحث

علــى معيــار املســؤولية التحريريــة، والفاعليــة فــي صناعــة النشــر الصحفــي، واملعيــار

األكادميــي، والتجربــة املهنيــة، وفاعليــة النشــاط احلقوقــي، واملســؤولية احلكوميــة.

)9( Paul Egglestone, John Mills, ”Interactive newsprint: The Future on

Newspapers? Printed electronics meets hyperlocai and community co�

design,“ University of Central Lancashire, May 14-15, 2012, ”accessed

August 1, 2019“. https://bit.ly/2Y2807p.

)10( ”Social Adaptation,“ thefreedictionary.com, )1979(, accessed August

1, 2019“. https://bit.ly/33ES24f.

273 |

)11( Judith Pies, Philip Madanat & Christine Elsaeer, ”New Media – Old

Problems Online Practices of Media Accountability in Lebanon,“ mediaact.

eu, June 2011, ”accessed August 1, 2019“. https://bit.ly/2XP6J3z.

)12( Jad Melki et al, ”Mapping Digital Media: Lebanon: A Report by the

Open Society Foundations,“ opensocietyfoundations.org, March 15, 2012,

”accessed August 1, 2019“. https://osf.to/2D8Jx6z.

)13( Lorenzo Trombetta, ”Lebanon- Media Landscape,“ European

Journalism Centre 2018, databak, ”accessed August 1, 2019“. https://bit.

ly/35xdc5L.

)14( املعــز بــن مســعود، “الصحافــة الورقيــة العربيــة: صــراع البقــاء ورهانــات

)تاريــخ ،2016 األول ديســمبر/كانون 8 للدراســات، اجلزيــرة مركــز الرقمنــة”،

.https://bit.ly/2rqul2j :)2019 أغســطس/آب 1 الدخــول:

)15( علــي جنــادات، “مســتقبل الصحــف الورقيــة األردنيــة فــي مواجهــة الصحــف

اإللكترونيــة فــي ظــل ثــورة املعلومــات واملعرفــة: دراســة مســحية”، املجلــة األردنيــة

ــد 2، العــدد 2، 2009(. ــة، )املجل ــوم االجتماعي للعل

)16( جمــال عســكر مضحــي، “تأثيــر الصحافــة اإللكترونيــة علــى مســتقبل الصحافــة

الورقيــة”، مجلــة جامعــة تكريــت للعلــوم اإلنســانية، )املجلــد 16، العــدد 2، فبرايــر/

شباط 2009(.

ــات ــدي للتحدي ــي التص ــة ف ــتراتيجيات اإلدارة الصحفي ــن، “اس ــد حس )17( أحم

التــي تواجــه الصحافــة املطبوعــة: دراســة ميدانيــة علــى مديــري املؤسســات الصحفيــة

أزمة الصحافة الورقية في لبنان أطروحة النهاية وإشكالية االستمرارية

| 274

ــد 47، العــدد 47، 2017(. ــة، )املجل ــة البحــوث اإلعالمي ــة”، مجل املصري

)18( Bernard Poulet, La fin des journaux et l’avenir de l’information )France:

Gallimard, 2011(.

)19( Ibid, 260-261.

ــى ــة حت ــة التركي ــة البريطاني ــاحل النفطي ــان ملــكاوي، “املص ــر، خ ــام عم )20( ره

ــى ــام عل ــة ع ــن، مئ ــة مؤلف ــي مجموع ــر”، ف ــل وعم ــط املوص ــوب نف ــوط أنب خط

ــاث ــي لأبح ــز العرب ــر، املرك ــة، ط 1 )قط ــات عربي ــى: مقارب ــة األول ــرب العاملي احل

ودراســة السياســات، 2016(، ج 1، )تاريــخ الدخــول: 22 أغســطس/آب 2019(:

.https://bit.ly/2NlAIwu

ــر اإلداري ــادي والتدبي ــيير االقتص ــالم: التس ــة اإلع ــواري، “صناع ــيماء اله )21( ش

ــة”، املركــز الدميقراطــي العربــي، 7 ســبتمبر/ واملــوارد البشــرية للمؤسســات اإلعالمي

.https://bit.ly/2zfZYfG :)2019 أيلــول 2017، )تاريــخ الدخــول: 22 أغســطس/آب

ــي، ــرة، العرب ــة، )القاه ــات الصحفي ــلمي، إدارة املؤسس ــد اهلل املس ــم عب )22( إبراهي

.8 1995(، ص

)23( ”Qu’est-ce que le modle conomique d’une entreprise?,“ creerentreprise.

fr, Octobre 12, 2016, ”accessed August 22, 2019“. https://bit.ly/2BUFt9A.

)24( Adamou Louch Ibrahim, ”Tribune: Quel modle conomique pour la presse

crite au Niger?,“ nigerinter.com, Janvier 10, 2018, ”accessed August 22,

2019“. https://bit.ly/34g1go9.

ــات ــاع عــن احلري ــر مركــز الدف ــا، مدي ــع أمــن مهن ــة أجرهــا الباحــث م )25( مقابل

275 |

ــمبر/كانون األول 2018. ــان، 19 ديس ــة، لبن ــة والثقافي اإلعالمي

ــار، ــة النه ــر صحيف ــر حتري ــار، مدي ــان حج ــع غس ــث م ــا الباح ــة أجراه )26( مقابل

.2018 لبنــان، 17 ديســمبر/كانون األول

)27( مقابلــة أجراهــا الباحــث مــع طــالل ســلمان، ناشــر صحيفــة الســفير، لبنــان، 18

ديســمبر/كانون األول 2018.

ــار، ــة النه ــر صحيف ــر حتري ــار، مدي ــان حج ــع غس ــث م ــا الباح ــة أجراه )28( مقابل

ــابق. ــع س مرج

)29( مقابلــة أجراهــا الباحــث مــع جــورج بكاســيني، مديــر حتريــر صحيفــة املســتقبل،

لبنــان، 17 ديســمبر/كانون األول 2018.

)30( “كــم يبلــغ عــدد ســكان لبنــان وكيــف يتوزعــون بحســب الطوائــف؟”، النهــار،

https://bit.ly/2Z- :)2019 17 يوليو/متــوز 2019، )تاريــخ الدخــول: 1 ســبتمبر/أيلول

.tAY42

ــة ــرري الصحاف ــب مح ــي، نقي ــف قصيف ــع جوزي ــث م ــا الباح ــة أجراه )31( مقابل

اللبنانيــة، لبنــان، 18 ديســمبر/كانون األول 2018.

)32( مقابلــة أجراهــا الباحــث مــع ســاطع نــور الديــن، رئيــس حتريــر صحيفــة املــدن

ــان، 19 ديســمبر/كانون األول 2018. ــة، لبن اإللكتروني

)33( Lorenzo Trombetta, Lebanon – Media Landscape, academia.edu,

2017, ”accessed September 2, 2019“. https://bit.ly/34gJB0E.

ــة ــرري الصحاف ــب مح ــي، نقي ــف قصيف ــع جوزي ــث م ــا الباح ــة أجراه )34( مقابل

ــابق. ــع س ــة، مرج اللبناني

أزمة الصحافة الورقية في لبنان أطروحة النهاية وإشكالية االستمرارية

| 276

)35( املرجع السابق.

ــار، ــة النه ــر صحيف ــر حتري ــار، مدي ــان حج ــع غس ــث م ــا الباح ــة أجراه )36( مقابل

ــابق. ــع س مرج

ــة ــرري الصحاف ــب مح ــي، نقي ــف قصيف ــع جوزي ــث م ــا الباح ــة أجراه )37( مقابل

ــابق. ــع س ــة، مرج اللبناني

)38( مقابلــة أجراهــا الباحــث مــع جــورج بكاســيني، مديــر حتريــر صحيفــة املســتقبل،

ــابق. مرجع س

ــة الســفير، مرجــع ــع طــالل ســلمان، ناشــر صحيف ــا الباحــث م ــة أجراه )39( مقابل

ســابق.

ــة ــرري الصحاف ــب مح ــي، نقي ــف قصيف ــع جوزي ــث م ــا الباح ــة أجراه )40( مقابل

ــابق. ــع س ــة، مرج اللبناني

)41( “التكنولوجيــا”، Media Ownership Monitor Lebanon، بــدون تاريــخ، )تاريــخ

.https://bit.ly/2mdvwPO :)2019 الدخــول: 14 ســبتمبر/أيلول

)42( ”Media Use in the Middle East, 2018: Online and Social Media“,

mideastmedia.org, 2018, ”accessed September 16, 2019“. https://bit.

ly/2Xntqdx.

)43( “التكنولوجيا”، مرجع سابق.

)44( ”Digital 2019 Lebanon )January 2019( v01“, slideshare.net, February

3, 2019, ”accessed September 16, 2019“. https://bit.ly/2mf8yb2.

ــة ــرري الصحاف ــب مح ــي، نقي ــف قصيف ــع جوزي ــث م ــا الباح ــة أجراه )45( مقابل

277 |

ــابق. ــع س ــة، مرج اللبناني

)46( مقابلــة أجراهــا الباحــث مــع عمــاد بشــير، مدير كليــة اإلعــالم والتوثيــق باجلامعة

اللبنانيــة، لبنان، 20 ديســمبر/كانون األول 2018.

)47( مقابلــة أجراهــا الباحــث مــع عونــي الكعكــي، نقيــب الصحافــة اللبنانيــة ورئيس

ــة مــع جــاد ــان، 18 ديســمبر/كانون األول 2018. ومقابل ــة الشــرق، لبن ــر صحيف حتري

ملكــي، رئيــس قســم اإلعــالم فــي اجلامعــة اللبنانيــة األميركيــة ومديــر معهــد بحــوث

اإلعــالم والتدريــب فــي اجلامعــة، لبنــان، 19 ديســمبر/كانون األول 2018.

)48( Ignacio Ramonet, L’explosion du Journalisme )Barcelone: Gallimard,

2013(, 109.

ــار، ــة النه ــر صحيف ــر حتري ــار، مدي ــان حج ــع غس ــث م ــا الباح ــة أجراه )49( مقابل

ــابق. ــع س مرج

)50( مقابلــة أجراهــا الباحــث مــع جــورج بكاســيني، مديــر حتريــر صحيفــة املســتقبل،

ــابق. مرجع س

ــار، ــة النه ــر صحيف ــر حتري ــار، مدي ــان حج ــع غس ــث م ــا الباح ــة أجراه )51( مقابل

ــابق. ــع س مرج

)52( Rmy Rieffel, Rvolution numrique, rvolution culturelle? )Barcelone:

Gallimard, 2014(, 173.

)53( Amy Mitchell et al., ”Publics Globally Want Unbiased News Coverage,

but Are Divided on Whether Their News Media Deliver,“ pewresearch.

org, January 11, 2018, ”accessed September 20, 2019“. https://pewrsr.

أزمة الصحافة الورقية في لبنان أطروحة النهاية وإشكالية االستمرارية

| 278

ch/2XsZA8P.

ــار، ــة النه ــر صحيف ــر حتري ــار، مدي ــان حج ــع غس ــث م ــا الباح ــة أجراه )54( مقابل

ــابق. ــع س مرج

)55( مقابلــة أجراهــا الباحــث مــع عمــاد بشــير، مديــر كليــة اإلعــالم والتوثيــق

باجلامعــة اللبنانيــة، مرجــع ســابق.

)56( أليــس أنتــوم، الصحافــة الرقميــة، ترجمــة ســامي عامــر وجــورج ســعيد، ط 1

ــة، 2017(، ص 60. ــروت، ثقاف )بي

)57( املرجع السابق، ص 64.

ــار، )58( مقابلــة أجراهــا الباحــث مــع إبراهيــم األمــن، مديــر حتريــر صحيفــة األخب

لبنــان، 20 ديســمبر/كانون األول 2018. ومقابلــة مــع أرنســت خــوري، رئيــس القســم

السياســي فــي العربــي اجلديــد، لبنــان، 12 ديســمبر/كانون األول 2018.

ــي ــي ف ــم السياس ــس القس ــوري، رئي ــت خ ــع أرنس ــث م ــا الباح ــة أجراه )59( مقابل

ــابق. ــع س ــد، مرج ــي اجلدي العرب

)60( مقابلــة أجراهــا الباحــث مــع جــاد ملكــي، رئيــس قســم اإلعــالم فــي اجلامعــة

اللبنانيــة األميركيــة ومديــر معهــد بحــوث اإلعــالم والتدريــب فــي اجلامعــة، مرجــع

ســابق.

ــة أجراهــا الباحــث مــع حــازم األمــن، كاتــب وصحفــي وأحــد ناشــري )61( مقابل

ــمبر/كانون األول 2018. ــان، 22 ديس ــع درج، لبن موق

)62( مقابلــة أجراهــا الباحــث مــع عمــاد بشــير، مديــر كليــة اإلعــالم والتوثيــق

باجلامعــة اللبنانيــة، مرجــع ســابق.

279 |

ــار، ــر صحيفــة األخب ــر حتري ــم األمــن، مدي ــة أجراهــا الباحــث مــع إبرهي )63( مقابل

مرجــع ســابق.

)64( “مؤشــرات املخاطــر علــى التعدديــة اإلعالميــة: الســيطرة علــى وســائل اإلعــالم

وشــبكات التوزيــع”، Media Ownership Monitor Lebanon، بــدون تاريــخ، )تاريــخ

.https://bit.ly/2kWs4bZ ،)2019 الدخــول: 20 ســبتمبر/أيلول

)65( مقابلــة أجراهــا الباحــث مــع عونــي الكعكــي، نقيــب الصحافــة اللبنانيــة ورئيس

حتريــر صحيفــة الشــرق، مرجع ســابق.

ــة ــرري الصحاف ــب مح ــي، نقي ــف قصيف ــع جوزي ــث م ــا الباح ــة أجراه )66( مقابل

ــابق. ــع س ــة، مرج اللبناني

ــار، ــر صحيفــة األخب ــر حتري ــم األمــن، مدي ــة أجراهــا الباحــث مــع إبرهي )67( مقابل

مرجــع ســابق.

ــة ــرري الصحاف ــب مح ــي، نقي ــف قصيف ــع جوزي ــث م ــا الباح ــة أجراه )68( مقابل

ــابق. ــع س ــة، مرج اللبناني

)69( املرجع السابق.

ــي ــي ف ــم السياس ــس القس ــوري، رئي ــت خ ــع أرنس ــث م ــا الباح ــة أجراه )70( مقابل

ــابق. ــع س ــد، مرج ــي اجلدي العرب

ــار، ــر صحيفــة األخب ــر حتري ــم األمــن، مدي ــة أجراهــا الباحــث مــع إبرهي )71( مقابل

مرجــع ســابق.

)72( مقابلــة أجراهــا الباحــث مــع جــاد ملكــي، رئيــس قســم اإلعــالم فــي اجلامعــة

اللبنانيــة األميركيــة ومديــر معهــد بحــوث اإلعــالم والتدريــب فــي اجلامعــة، مرجــع

أزمة الصحافة الورقية في لبنان أطروحة النهاية وإشكالية االستمرارية

| 280

ســابق.

ــة ــرري الصحاف ــب مح ــي، نقي ــف قصيف ــع جوزي ــث م ــا الباح ــة أجراه )73( مقابل

ــابق. ــع س ــة، مرج اللبناني

)74( مقابلــة أجراهــا الباحــث مــع حــازم صاغيــة، كاتــب وصحافــي لبنانــي، لبنــان،

25 ديســمبر/كانون األول 2018.

ــر، ط 3، )القاهــرة، ــات اإلعــالم واجتاهــات التأثي ــد، نظري ــد احلمي )75( محمــد عب

ــب، 2010(، ص 205. ــم الكت عال

ــة ــالم، ترجم ــائل اإلع ــات وس ــش، نظري ــاندرا بول-روكيت ــر، س ــن ديفلي )76( ملف

كمــال عبــد الــرؤوف، ط 4، )القاهــرة، الــدار الدوليــة لالســتثمارات الثقافيــة،

.434 ص ،)2002

)77( عبد احلميد، نظريات اإلعالم واجتاهات التأثير، مرجع سابق، ص 205.

ــة الســفير، مرجــع ــع طــالل ســلمان، ناشــر صحيف ــا الباحــث م ــة أجراه )78( مقابل

ســابق.

ــي ــي ف ــم السياس ــس القس ــوري، رئي ــت خ ــع أرنس ــث م ــا الباح ــة أجراه )79( مقابل

ــابق. ــع س ــد، مرج ــي اجلدي العرب

هــذا “التصحــر السياســي” يالحظــه أيضــا جوزيــف قصيفي، نقيــب محــرري الصحافة

اللبنانيــة، وهــو ينعكــس ســلبا علــى جميــع املجــاالت اإلعالميــة والثقافية...خصوصا

فــي ظــل انعــدام الرؤيــة، لكــن غيــاب اجلــو السياســي ال يعــد فــي نظــره ســببا رئيســا

ــاك أســباب متعــددة ترتبــط بالتحــول ــة وإمنــا هن فــي أزمــة وجــود الصحافــة الورقي

البنيــوي الــذي تعرفــه وســائل اإلعــالم فــي العالــم وليــس الصحافــة اللبنانيــة وحدهــا،

281 |

ــم مشــكلة ــة، ث ــاه املؤسســات اإلعالمي ــذي كان تتلق ــى توقــف الدعــم ال ــة إل إضاف

ــة أجراهــا الباحــث مــع جوزيــف قصيفــي، ــة لهــذه الصحــف. مقابل ــة العائلي امللكي

مرجــع ســابق.

)80( مقابلــة أجراهــا الباحــث مــع ســاطع نــور الديــن، رئيــس حتريــر صحيفــة املــدن

اإللكترونيــة، مرجــع ســابق.

)81( مقابلــة أجراهــا الباحــث مــع حــازم صاغيــة، كاتــب وصحافــي لبنانــي، مرجــع

ســابق.

ــار، ــة النه ــر صحيف ــر حتري ــار، مدي ــان حج ــع غس ــث م ــا الباح ــة أجراه )82( مقابل

ــابق. ــع س مرج

)83( مقابلــة أجراهــا الباحــث مــع عمــاد بشــير، مديــر كليــة اإلعــالم والتوثيــق

باجلامعــة اللبنانيــة، مرجــع ســابق.

)84( مقابلــة أجراهــا الباحــث مــع عونــي الكعكــي، نقيــب الصحافــة اللبنانيــة ورئيس

حتريــر صحيفــة الشــرق، مرجع ســابق.

ــار، ــر صحيفــة األخب ــر حتري ــم األمــن، مدي ــة أجراهــا الباحــث مــع إبرهي )85( مقابل

مرجــع ســابق.

ــار، ــة النه ــر صحيف ــر حتري ــار، مدي ــان حج ــع غس ــث م ــا الباح ــة أجراه )86( مقابل

ــابق. ــع س مرج

)87( املرجع السابق.

)88( مقابلــة أجراهــا الباحــث مــع عونــي الكعكــي، نقيــب الصحافــة اللبنانيــة ورئيس

حتريــر صحيفــة الشــرق، مرجع ســابق.

أزمة الصحافة الورقية في لبنان أطروحة النهاية وإشكالية االستمرارية

| 282

ــى مســتقبل ــة وأثرهــا عل ــة اإللكتروني ــع الصحاف )89( محمــد الفــاحت حمــدي، “واق

ــخ الدخــول: 20 ــخ، )تاري ــدون تاري ــة”، املنهــل، ب ــة: دراســة حتليلي ــة الورقي الصحاف

.https://bit.ly/2r8DMDm :)2019 ســبتمبر/أيلول

)90( مقابلــة أجراهــا الباحــث مــع جــورج بكاســيني، مديــر حتريــر صحيفــة املســتقبل،

ــابق. مرجع س

يتوقــع حــازم األمــن، كاتــب وصحفــي وأحــد ناشــري موقــع درج، اختفــاء الصحافــة

الورقيــة فــي العالــم العربــي بوتيــرة أســرع، ألن تطــور وســائل اإلعــالم يســير باجتــاه

انتهــاء مرحلــة الــورق، كمــا أن هــذا القطــاع ألســباب بيئيــة لــن يصمــد.

مقابلــة أجراهــا الباحــث مــع حــازم األمــن، كاتــب وصحفــي وأحــد ناشــري موقــع

درج، مرجــع ســابق.

)91( مقابلــة أجراهــا الباحــث مــع عمــاد بشــير، مديــر كليــة اإلعــالم والتوثيــق

باجلامعــة اللبنانيــة، مرجــع ســابق.

ــة الســفير، مرجــع ــع طــالل ســلمان، ناشــر صحيف ــا الباحــث م ــة أجراه )92( مقابل

ســابق.

ــة ــرري الصحاف ــب مح ــي، نقي ــف قصيف ــع جوزي ــث م ــا الباح ــة أجراه )93( مقابل

ــابق. ــع س ــة، مرج اللبناني

ــار، ــر صحيفــة األخب ــر حتري ــم األمــن، مدي ــة أجراهــا الباحــث مــع إبرهي )94( مقابل

مرجــع ســابق.

ــي ــي ف ــم السياس ــس القس ــوري، رئي ــت خ ــع أرنس ــث م ــا الباح ــة أجراه )95( مقابل

ــابق. ــع س ــد، مرج ــي اجلدي العرب

283 |

بــدوره، يؤكــد أمــن مهنــا، مديــر مركــز الدفــاع عــن احلريــات اإلعالميــة والثقافيــة،

ــا ــام...إخل، فم ــل الع ــة والنق ــي البيئ ــاالت ف ــع املج ــي جمي ــتقيلة ف ــة مس أن “الدول

ينتظــر منهــا أن تقــوم بــه فــي اإلعــالم؟”.

مقابلــة أجراهــا الباحــث مــع أمــن مهنــا، مديــر مركــز الدفــاع عــن احلريــات اإلعالمية

والثقافيــة، مرجع ســابق.

ــة ــرري الصحاف ــب مح ــي، نقي ــف قصيف ــع جوزي ــث م ــا الباح ــة أجراه )96( مقابل

ــابق. ــع س ــة، مرج اللبناني

)97( مقابلــة أجراهــا الباحــث مــع عونــي الكعكــي، نقيــب الصحافــة اللبنانيــة ورئيس

صحيفــة الشــرق، مرجع ســابق.

ــار، ــر صحيفــة األخب ــر حتري ــم األمــن، مدي ــة أجراهــا الباحــث مــع إبرهي )98( مقابل

مرجــع ســابق.

ــار، ــة النه ــر صحيف ــر حتري ــار، مدي ــان حج ــع غس ــث م ــا الباح ــة أجراه )99( مقابل

ــابق. ــع س مرج

)100( مقابلــة أجراهــا الباحــث مــع حســان فليحــة، مديــر عــام وزراة اإلعــالم وأســتاذ

ــمبر/كانون األول ــان، 21 ديس ــة، لبن ــة اللبناني ــالم باجلامع ــة اإلع ــي كلي ــالم ف اإلع

.2018

)101( مقابلــة أجراهــا الباحــث مــع أمــن مهنــا، مديــر مركــز الدفــاع عــن احلريــات

اإلعالميــة والثقافيــة، مرجــع ســابق.

)102( املرجع السابق.

ــة أجراهــا الباحــث مــع أرنســت خــوري، رئيــس القســم السياســي فــي )103( مقابل

أزمة الصحافة الورقية في لبنان أطروحة النهاية وإشكالية االستمرارية

| 284

العربــي اجلديــد، مرجــع ســابق.

ــة ــرري الصحاف ــب مح ــي، نقي ــف قصيف ــع جوزي ــث م ــا الباح ــة أجراه )104( مقابل

ــة، مرجــع ســابق. اللبناني

)105( مقابلــة أجراهــا الباحــث مــع أمــن مهنــا، مديــر مركــز الدفــاع عــن احلريــات

اإلعالميــة والثقافيــة )ســكايز(، مرجــع ســابق.

)106( Bernard Poulet, La Fin des Journaux et l’avenir de l’information

)France: Gallimard, 2011(, 228.

ــة ــة اللبناني ــب الصحاف ــي، نقي ــي الكعك ــع عون ــث م ــا الباح ــة أجراه )107( مقابل

ــابق. ــع س ــرق، مرج ــة الش ــس صحيف ورئي

285 |

عبد السالم رزاق*

عنوان الكتاب: ديكتاتورية الهويات

)La dictature des identits(

املؤلف: لورون دوبرييل

مراجعة: عبد السالم رزاق

)Gallimard( دار النشر: غاليمار

تاريخ النشر: 2019

اللغة: الفرنسية

الطبعة: األولى

عدد الصفحات: 124

قراءة يف كتاب

ديكتاتورية الهويات

* د. عبد السالم رزاق، باحث أكادميي وإعالمي بشبكة اجلزيرة اإلعالمية

| 286

مداخل أولية

جــرت العــادة أن يكــون احلديــث عــن مجمــوع القضايــا والظواهــر املتصلــة بإشــكاليات

ــجالية ــن الس ــر م ــا بالكثي ــي مدموغ ــال العرب ــي أو املج ــم الغرب ــي العال ــواء ف ــة س الهوي

ــتويات ــي مس ــن ف ــات التباي ــا لدرج ــك تبع ــف، وذل ــع واملواق ــي املواق ــارض ف والتع

التمتــرس املعرفــي واأليديولوجــي الــذي يتــم االنطــالق منــه ســواء تعلــق األمــر باألفــراد

ــارق ــن ســياق تاريخــي مف ــي ضم ــا يأت ــا م ــث غالب ــا أن هــذا احلدي أو اجلماعــات. كم

لســياقه؛ كأن يأخــذ األمــر شــكال مــن أشــكال اخلــروج مــن وضــع مــأزوم ســابق علــى

مســتوى الفكــر واملمارســة، إلــى وضــع جديــد يقــوم علــى البحــث فــي شــروط حتقــق

ــم ــوم وحنــن نعيــش فــي العصــر الرقمــي القائ ــرة. والي ــة وسياســية مغاي ــة اجتماعي مرحل

علــى انتصــار النمــوذج النيوليبرالــي فــي أبعــاده االقتصاديــة والسياســية واملعرفيــة، جنــد أن

طــرح قضيــة الهويــة يتــم وفــق منظــور جديــد مــن حيــث هــي تعبيــر عــن قضايــا جديــدة

ــة أو ــت عقائدي ــواء كان ــة س ــات اخلاص ــج الهوي ــن تأجي ــا ع ــة كلي ــئلة مختلف ــرح أس تط

قوميــة أو إثنيــة، ودور هــذه الهويــات فــي تســريع ديناميــة هــذه املجتمعــات فــي الزمــن

ــات ــع االحتياج ــا م ــي تعاطيه ــة ف ــات الدول ــة ملؤسس ــارات العام ــن اخلي ــي وتباي العومل

واملصــاحل ســواء بالنســبة للفــرد أو اجلماعــات أو األقليــات فــي عالقتهــا باآلخــر ســواء

ــة. ــى دول كان هــذا اآلخــر فــردا أو جماعــة أو حت

ــر كتــاب “ديكتاتوريــة الهويــات” للعالــم الفرنســي، لورون ضمــن هــذا الســياق العــام يتأط

دوبرييــل)1(؛ أســتاذ تاريــخ نظريــات األفــكار باملدرســة العليــا الفرنســية ســابقا، وجامعــة

ــا. ويبــدو أن الســنوات الطويلــة التــي قضاهــا دوبرييــل فــي مجــال كورنيــل األميركيــة حالي

ختصــص الدراســات األدبيــة واللغويــات والدراســات الفرانكوفونيــة بــن فرنســا وأميــركا،

287 |

ــكار ــة األف ــة بدراس ــة املرتبط ــول املعرفي ــن احلق ــة م ــي مجموع ــوض ف ــى اخل ــه إل قادت

السياســية وتطورهــا بــن أوروبــا والواليــات املتحــدة األميركيــة ودرجــات تفاعلهــا

وتالقحهــا. فــي حــن أن ميــزة هــذا الكتــاب ضمــن الســياق العــام لتداولــه اليــوم تتحــدد

ــا رصينــا فــي قضايــا نظريــة ذات بعــد راهنــي فــي كونــه “مغامــرة بحثيــة ونقاشــا أكادميي

واستشــرافي. كيــف ال وهــو يتنــاول مفهــوم الهويــة فــي املجتمعــات الليبراليــة الدميقراطيــة

التــي تعتــرف قــوال وفعــال باحلقــوق السياســية واملدنيــة لأفــراد، والتــي صادقــت علــى

البيانــات واملواثيــق الدوليــة فــي هــذا الشــأن. وهــي ذات املجتمعــات التــي تواجــه اليــوم

اء تنامــي اخلطابــات املرتبطــة بسياســات ــا جــر ــا خاص مــع بدايــة األلفيــة اجلديــدة وضع

الهويــة التــي ختتــزل عــادة فــي مطلــب االعتــراف باآلخــر باعتبــاره أقليــة ترفــض جميــع

أشــكال الهيمنــة واإلقصــاء والتهميــش والتهديــد وتراهــن علــى حتقيــق شــرط االعتــراف

باحلــق فــي الوجــود ضمــن الشــروط العامــة الضامنــة لتوافــر الكرامــة اإلنســانية”)2(.

ــه ــه يســتقي مرجعيت ــي، فــي كون ــاب فــي الســياق العرب ــة للكت وتتحــدد القيمــة التداولي

النظريــة والعمليــة مــن الفضــاء املجتمعــي واملعرفــي والسياســي األميركــي، وأن صاحبــه

م منظــوره اخلــاص كعالــم البروفيســور الفرانكفونــي، لــورون دوبرييــل، يحــاول أن يقــد

ــة ــات املتحــدة األميركي ــد فــي الوالي أوروبــي فرنســي فــي فهــم املنطــق الهوياتــي اجلدي

ــارئ ــعى ق ــن يس ــي ح ــرى. ف ــات األخ ــي الهوي ــن بباق ــق املهيم ــذا املنط ــات ه وعالق

ــياقن، ــن الس ــة ب ــا الهوي ــزدوج لقضاي ــور امل ــذا املنظ ــراءة ه ــى ق ــه إل ــاب ومراجع الكت

األميركــي واألوروبــي، ومــدى االســتفادة منــه لقــراءة الســياق التاريخــي الراهــن للعــرب

ــا أخــذ فــي الكثيــر مــن فــي مرحلــة مــا بعــد الربيــع العربــي الــذي شــهد انفجــارا هوياتي

ــا بقضايــا األقليــات ــا متعلق ــا أخــرى لبوســا خاص ــا وأحيان ــا وطائفي األحيــان لبوســا ديني

قراءة في كتاب - ديكتاتورية الهويات

| 288

ــة ــارات اجلنســية املختلفــة مؤجل ــدر واالختي ــا اجلن ــة، بينمــا ظلــت قضاي ــة واللغوي العرقي

ــة. ــة العربي ــارات خاصــة مرتبطــة بالذهني العتب

من الهوية السياسية إىل سياسة الهوية

منــذ الصفحــات األولــى للكتــاب، يؤكــد العالــم الفرنســي، لــورون دوبرييــل، أن جميــع

ــرة بســؤال محــوري حــول العالقــات املمكنــة بــن فعــل فصــول الكتــاب ســتكون مؤط

ــة فــي الزمــان واملــكان، ــة مجــردة ومتعالي ــة، ال باعتبارهــا مقول ــة الهوي السياســة ومقول

اء نســب لكــن باعتبارهــا ديناميــة مجتمعيــة لهــا منطقهــا اخلــاص وسياســاتها املتغيــرة جــر

ومعــدالت احلــراك املجتمعــي ومطالــب األقليــات. ولهــذا الســبب بالــذات جنــده مييــز

Politique de L’identit (( ــة ــة الهوي ــية )L’identit Politique( وسياس ــة السياس ــن الهوي ب

ــة ــع التجــارب احلضاري ــي جمي ــة ف ــه الواقعي ــن يجــد متظهرات ــذا التباي ــدو أن ه 3((. ويب

اإلنســانية غربيــة كانــت )أوروبيــة أو أميركيــة( أو شــرقية )عربيــة إســالمية(.

ــوع ــى مجم ــل عل ــد، يحي ــى وجــه التحدي ــل السياســي عل ــت السياســة أو الفع وإذا كان

القضايــا املتصلــة بـ”خدمــة الشــأن العــام واحلريــات الفرديــة واجلماعيــة وممارســة احلكــم

يهــا واعتمادهــا وتأطيــر عمليــات واحلفــاظ علــى املجتمــع وأمنــاط املواطنــة التــي يجــب تبن

االســتغالل واحلمايــة ضــد البربريــة، هــذا إلــى جانــب االهتمــام باألمــة والنظــام وحمايــة

ــي ــي ف ــرورة املض ــى ض ــد عل ــاب يؤك ــب الكت ــات”)4(، إال أن صاح ــعب واملؤسس الش

ــد ــام واجلدي ــا الع ــي بعده ــة ف ــاول السياس ــه تن ــن خالل ــم م ــد، يت ــري جدي ــار تنظي مس

ــة. ــة واملتباين ــة املختلف ــا املجتمعي ــة ومتظهراته ــة الهوي ــى مقول ــه إل ــت مبوجب ل ــذي حتو وال

وألن الهويــة جتمــع بــن كونهــا قضيــة فرديــة وجماعيــة، وأنهــا أخــذت مظاهــر جديــدة

ــه جتمــع بــن االحتجــاج املدنــي والفعــل السياســي التحريضــي، فقــد أضحــت هــي املوج

289 |

لكافــة أشــكال اخلطــاب وعبرهــا ميكــن الدخــول فــي تفســير تفريعــات جديــدة للهويــة

ــض- ــة )أبي ــة عرقي ــمال-جنوب( أو هوي ــية )شرق-غرب/ش ــة سياس ــت هوي ــواء كان س

ــم ــا. وبذلــك تكتمــل معال ــة جنســية أيض ــة أو هوي ــة لغوي ــة أو هوي ــة ديني أســود( أو هوي

ــورت مقوالتهــا ــي تبل ــة الت ــة الهوي ــي تتحــدد فــي قضي ــاب الت ــة للكت األطروحــة املركزي

الداخليــة األولــى فــي ســتينات القــرن املاضــي فــي اجلامعــات األميركيــة ومظاهــر احلراك

املجتمعــي الــذي طــال العديــد مــن املــدن والواليــات األميركيــة خاصــة مدينــة شــيكاغو

ــم، ــير العال ــم وتفس ــي لفه ــم سياس ــى براديغ ــوم إل ــت الي ل ــة حتو ــذه الهوي ــف أن ه وكي

وكأننــا بصاحــب الكتــاب يقــول بــأن عالــم اليــوم يتحــرك وفــق براديغــم سياســي أميركي

ــل القــوة الفعليــة والرمزيــة للمســتقبل األميركــي فــي العالــم)5(. ث ــم مي معول

ومعلــوم أن مفهــوم الهويــة ضمــن املنظــور العــام للعلــوم اإلنســانية يحيــل علــى وجهــات

ر النظــر االجتماعيــة والتاريخيــة التــي ختتــزل جملــة الــدالالت اللغويــة واملخيالية التــي تؤط

مجتمعــا بعينــه، وأنهــا “رؤيــة خاصــة للعالــم والكــون مــا دامــت هــي التــي حتــدد الغايات

ــف ــة وتكيي ــارات الواعي ــويغ اخلي ــم تس ــطتها يت ــرية، وبواس ــة بش ــداف ملجموع واأله

النــوازع الالشــعورية التــي متيــز القــدرات الفرديــة او اجلماعيــة لهــذه املجموعــة”)6(، فــي

حــن أن الهويــة السياســية تتضمــن مجمــوع املعطيــات الســابقة لكــن تصبغهــا بالوضــع

ــد معــن فــي مجــاالت السياســة واملجتمــع واالقتصــاد واإلعــالم، كأن نقــول العــام لبل

مثــال بــأن اليــوم هنــاك هويــة أميركيــة وأن هــذه الهويــة السياســية هــي املهيمنــة فــي عالــم

اليــوم، وأن عمليــة تأكيــد هــذه الهيمنــة تتــم كل حلظــة وكل حــن مــن خــالل األحــداث

الكبــرى التــي تشــهدها أميــركا نفســها ونشــهد صداهــا فــي بقــاع دول العالــم، وأن هــذه

الهويــة السياســية األميركيــة، بــرأي صاحــب الكتــاب، قــد انفجــرت أكثــر مــع وســائل

قراءة في كتاب - ديكتاتورية الهويات

| 290

التواصــل االجتماعــي)7(.

ــية ــة السياس ــى أن الهوي ــاب إل ــب الكت ــب صاح ــي يذه ــياق التحليل ــن ذات الس وضم

األميركيــة املهيمنــة، خلقــت وضعــا جديــدا؛ إذ أصبحنــا أمــام هويــة مســتبدة فــي

مقابــل هويــات خاضعــة. ورغــم أننــا أمــام منظــور متطــرف يقــوم علــى منطــق اخلضــوع

ــا ــإن م ــدة، ف ــة اجلدي ــي األلفي ــة ف ــات الهوياتي ــع العالق ــذي يطب ــري ال ــم اجلب والتحك

ــى ــة عل ــر واعي ــة أو غي ــورة واعي ــوم بص ــم تق ــة دول العال ــو أن غالبي ــر ه ــتوقف أكث يس

ــه ــرة، وأن ــر دميقراطــي بامل ــع غي ــر الدميقراطــي لواق ــن التبري ــم ضــرب م ــف وتعمي تكيي

ــوال ــا مقب ــال دميقراطي ــة املســتبدة فع ــة األميركي ــف أصبحــت الهوي مبوجــب هــذا التكيي

مــن قبــل هــذه الــدول، وأن غالبيــة الهويــات األخــرى تســعى ألن تعتــرف بهــذا الواقــع

ــي ميكــن تســجيلها مــن ــة رغــم حــاالت االســتثناء الت ــة مهيمن ــاره هوي األميركــي باعتب

ــرب. ــرق والغ ــي الش ــرى ف ــات أخ ــل دول/هوي قب

وميضــي دوبرييــل إلــى أن الهويــة األميركيــة املســتبدة تســتمد قوتهــا مــن مســتوين اثنــن،

همــا: أوال: الســوق املعولــم القائــم علــى تعميــم القيــم الليبراليــة اجلديــدة، وثانيــا: القيــم

األخالقيــة الغربيــة املعتمــدة واملتداولــة مــن قبــل املنظــور األميركــي اخلالــص، والتــي ال

ــر بالضــرورة عــن بقيــة دول العالــم. لكــن مــع ذلــك ميكــن التأكيــد أن هــذه الهيمنــة تعب

ــة املســتبدة، ميكــن لهــا أن تصــاب بالعطــب ويطولهــا الشــلل ــة األميركي الظاهــرة للهوي

ــن ــات ب ــة اخلالف ــون نتيج ــد يك ــذي ق ــي ال ــي الداخل ــي املدن ــراك املجتمع اء احل ــر ج

القــوى املجتمعيــة وتصاعــد موجــات الشــعور باإلقصــاء والتهميــش.

أمــا “سياســة الهويــة” أو التمظهــر اجلديــد للهويــة السياســية فــي أبعادهــا الفئويــة، فتتحــدد

دالالتهــا فــي مجمــوع “الدفوعــات احلركيــة والقانونيــة واملعرفيــة والسياســية التــي

291 |

تعتمدهــا مجموعــة معينــة مــن أجــل حتقيــق مصاحلهــا الفرديــة واجلماعيــة، والتــي ميكنهــا

ــي أو ــاء الطبق ــة أو االنتم ــي أو اإلثني ــاء العرق ــة باالنتم ــا املتصل ــي القضاي ــدد ف أن تتح

اخلاصــة بالقناعــات الدينيــة أو امليــوالت اجلنســية أو األيديولوجيــة أو الثقافــة أو التاريــخ أو

الفــن أو املوســيقي أو الظــروف الطبيــة أو املناخيــة”)8(. ومــن هنــا، تصبــح سياســة الهويــة

اختــزاال ملجمــوع أشــكال االحتجــاج االجتماعــي والسياســي وقضايــا اجلنــدر التــي يقــوم

بهــا األشــخاص الذيــن يشــعرون باالضطهــاد ويقــررون اخلــروج إلــى العلــن مــن خــالل

ــة ــح عملي ــا تصب ــى خبراتهــم اخلاصــة. وهن ــاء عل ــر عــن شــعورهم باالضطهــاد بن التعبي

ــل ــة داخ ــات الهوي ــة بسياس ــا املرتبط ــع القضاي ــي جمي ــة ف ــألة حامس ــي مس ــارة الوع إث

ــة ــخصية فردي ــة الش ــم للمصلح ــتحضار الدائ ــى االس ــة عل ــة القائم ــات الليبرالي املجتمع

كانــت أم جماعيــة. أمــا التمظهــرات اخلاصــة بسياســات الهويــة فــي أبعادهــا السياســية

ــن ــة م ــدة األميركي ــات املتح ــي الوالي ــال ف ــا مث ــن رصده ــم فيمك ــي العال ــة ف اخلالص

ــة أشــكال ــة الرافضــة لكاف ــات الشــعبوية القائمــة وتنامــي خطــاب األقلي خــالل اخلطاب

ــن ــا م ــي أوروب ــة أو ف ــة املختلف ــارات البيولوجي ــاب االختي ــية وأصح ــة السياس املمارس

خــالل ذات اخلطابــات الشــعبوية الداعيــة للخصوصيــة األوروبيــة أمــام الهيمنــة األميركيــة

إلــى جانــب رفــع شــعارات سياســوية متعلقــة بقضايــا الهجــرة غيــر النظاميــة واإلرهــاب

ــا العابــر للحــدود. فــي حــن أن سياســات الهويــة فــي العالــم العربــي تأخــذ لبوســا خاص

يقــوم علــى جــدل الهويــة بــن السياســي والدينــي ومفهــوم الهويــة اإلســالمية فــي ظــل

الصعــود املتنامــي للخطــاب اإلســالمي وظهــور تنظيــم الدولــة باعتبــاره التمظهــر اجلديــد

ــة ــوم األم ــودة ملفه ــؤال الع ــة وس ــيات الهوي ــل بسياس ــؤال متص ــي لس ــم العرب ــي العال ف

ــة اخلالفــة. اإلســالمية ودول

قراءة في كتاب - ديكتاتورية الهويات

| 292

الرباديغم األمريكي: االستبداد املدمـقراط

تقوم سياسات الهوية، كما هي معروضة في الكتاب، على منظور حدي ال يؤمن باحللول

الوسطية، “أي أنت لك اختيارك اخلاص وأنا لي اختياري اخلاص وسنظل هكذا، مجرد

حقيقة اجتماعية غير قابلة للتغير والتبدل”)9(. ويؤكد مؤلف الكتاب على هذا املنظور

ا كان أم مسيحيا”، احلدي من خالل استدعائه ملقولة: “الرجل األبيض األميركي يهودي

ثل أحد اجلوانب الكبرى للتمظهر األميركي لسياسات الهوية. فأصحاب هذا والتي مت

املنظور يعتبرون أنفسهم أقلية مهددة وأنهم مضطهدون من األغلبية مبعناها العددي أو

السياسي، وأن هذه األقلية تبحث من خالل جملة حراكات داخل املجتمع عن ضبط

القوانن الناظمة لالعتداءات التي ميكن أن تصدر ضدها. لكن وبصرف النظر عن مدى

صدقية هذه الدعاوى من عدمها، فإن هذه األقلية قد تكون هي املسؤولة عن األزمة،

عي االضطهاد في حن أنها الوجه الواضح للهيمنة، ومثال هذا هو سياسة حركة ألنها تد

.)White Supremacism( البيض أو هيمنة البيض

ــذا ــة ه ــى هيمن ــود إل ــة يع ــب االنتخابي ــارات ترام ــم انتص ــد أه ــل أن أح ــر دوبريي ويعتب

اخلطــاب الشــعبوي الــذي ظــل يتكــئ علــى أحــد مظاهــر هيمنــة العــرق األبيــض التــي

ا، وكيــف أن ترامــب ســعى دومــا إلــى العــودة لــإلرث االجتماعــي تعتمــد خطابــا شــعبوي

للشــعب األميركــي ممثــال فيمــا حققــه الرجــل األبيــض مــن إجنــازات علــى مــدى طــول

التاريــخ األميركــي، ممــا يؤكــد أحقيتــه باحلكــم والســلطة. لكــن باملقابــل، تؤكــد كتــب

ــادة ــاب إب ــى حس ــت عل ــودي مت ــض اليه ــي األبي ــل األميرك ــارة الرج ــخ أن حض التاري

ــة ــن أن أطروح ــي ح ــة، ف ــركا األصلي ــارة أمي ــل حض ث ــي مت ــر الت ــود احلم ــارة الهن حض

هيمنــة العــرق األبيــض هــي أوروبيــة األصــل جــاءت لأراضــي األميركيــة مــع املســتعمر

293 |

ــي. البريطان

هكــذا نكــون هنــا أمــام أفــكار اســتبدادية وغيــر دميقراطيــة، لكنهــا حتــارب بقيــم وأدوات

ــم ــم اســتدعاء مفاهي ــا يت ــة، وعــادة م ــة واألغلبي ــة األقلي ــة انطــالق مــن ثنائي الدميقراطي

وقيــم مــن قبيــل املصــاحل اخلاصــة والعامــة ومفهــوم املواطنــة واملصلحــة العامــة والتوســل

بأفــكار وقوانــن عابــرة للــدول واحلــدود لتبريــر حالــة االســتبداد. وهــذا مــا خلــص إليــه

ــة فــي الســياق األميركــي العــام تقــدم ــر أن سياســة الهوي صاحــب الكتــاب حينمــا اعتب

ــذي ــرط )le despotisme democratize()10( وال شــكال مــن أشــكال االســتبداد املدمق

لــة فــي الدولــة ث يعنــي هنــا أن الســلطة لــم تعــد بأيــدي املؤسســات السياســية املعروفــة مم

ــة تتملكهــم ــراد أقلي ــدي أف ــل أصبحــت بأي ــي، ب واألحــزاب ومؤسســات املجتمــع املدن

نزعــات فئويــة ورغبــة قويــة للهيمنــة والســيطرة وامتــالك مكانــة مختلفــة علــى املجتمــع

عبــر مجموعــة مــن الوســائل التــي تهــدف لصياغــة نــوع مــن اإلجمــاع حــول فكــرة ال

دميقراطيــة بهــدف بنــاء مجتمعــات ليبراليــة لكــن بــدون دميقراطيــة.

ــإن ذات ــف ف ــدد األدوار والوظائ ــى تع ــد قامــت عل ــات القدميــة ق ــت املجتمع وإذا كان

املجتمعــات الغربيــة وخاصــة الواليــات املتحــدة األميركيــة تســير بــرأي صاحــب الكتــاب

فــي اجتــاه التنميــط والســيطرة علــى العقــول؛ حيــث “كل شــيء خاضــع للمراقبــة والتطابق

الكلــي وكل شــيء أضحــى مســجال. فــكل شــيء فــي املجتمــع األميركــي مراقــب مــن

خــالل وســائل وآليــات تقــوم بالتجســس. واملفارقــة أن األشــخاص يقبلــون هذا التجســس

طواعيــة وجميــع الصــور والصــوت مســجل ومحتفــظ بــه فــي األرشــيف الكبيــر”. وكأننــا

بصاحــب الكتــاب يقــول بــأن البراديغــم الهوياتــي األميركــي فــي األلفيــة اجلديــدة القائــم

علــى االســتبداد الدميقراطــي اعتمــد فــي تشــكله النهائــي علــى خطابــات سياســية غيــر

قراءة في كتاب - ديكتاتورية الهويات

| 294

دميقراطيــة وأنــه مت التوســل بوســائل التواصــل االجتماعــي والهواتــف الذكيــة واألجهــزة

اإللكترونيــة ووســائل التجســس املعلومــة وغيــر املعلومــة لتكريــس هــذا املنظــور وجعلــه

حقيقــة سياســية غيــر قابلــة للدحــض)11(. وهــذا مــا ميكــن توضيحــه مــن خــالل التجربــة

ــا سياســيا، جــاء مــن ــك تاريخ ــذي ال ميتل ــذا الرجــل ال ــس ترامــب؛ فه السياســة للرئي

عالــم املــال واألعمــال وهــو يحمــل فــي ال شــعوره السياســي أيديولوجيــة هيمنــة الرجــل

ــت ــا حتول ــرعان م ــة س ــات وطني ــى خطاب ــادا عل ــية اعتم ــه السياس ــدأ حملت ــض وب األبي

ــر التجريــح ــة عب ــة فــي ضــرب املؤسســات الدميقراطي إلــى ضــرب مــن الشــعبوية املوغل

والتحريــض ضــد النخبــة السياســية مــن خــالل االعتمــاد علــى وســائل اإلعــالم التقليديــة

والتركيــز أكثــر علــى وســائل التواصــل االجتماعــي. كل هــذا فــي مقابــل تقــدمي الوعــود

ــن اإلقصــاء االجتماعــي ــي الســابق م ــت ف ــي عان ــة الت ــات االجتماعي ــة للفئ االقتصادي

والسياســي وحتجــر “االستبلشــمنت” القائــم علــى مركزيــة املؤسســات األميركيــة التقليدية.

وفــي محاولــة للخــروج مــن هــذا املــأزق الهوياتــي الــذي يحاصــر أو رمبــا يقتــل األفــق

ــات ــل مخرج ــدم دوبريي ــم، يق ــة والعال ــدة األميركي ــات املتح ــي الوالي ــي ف الدميقراط

ــور ــى املنظ ــس عل ــب أال تتأس ــة يج ــة الهوي ــى “أن سياس ــوم عل ــة تق ــية واجتماعي سياس

ــش ــي بالعي ــن الوع ــوع م ــى ن ــن عل ــدي، لك ــور احل ــى املنظ ــم عل ــة القائ ــق للهوي الضي

املشــترك )le vivre ensemble()12(. واملقصــود بهــذا املفهــوم، حســب الكتــاب دائمــا،

يعنــي اخلــروج مــن الدائــرة الســوداء أليديولوجيــة هيمنــة الرجــل األبيــض والبحــث عــن

فكــرة سياســية متعاليــة تلــم شــتات جميــع الهويــات فــي مســعى لتحقــي فضــاء سياســي

مشــترك يســع كل الهويــات املتباينــة واملختلفــة. ورغــم أن هــذا التنــاول يبقــى تنظيــرا فــي

املقــام األول، وكثيــرا مــا يصطــدم بصخــرة ميــول الهويــات األخــرى التــي تغتــرف مــن

295 |

النزوعــات الالشــعورية لأفــراد واجلماعــات؛ مــا يجعــل مــن عمليــة حتقيــق هــذا العيــش

املشــترك مســألة عســيرة التحقــق فــي الكثيــر مــن األحيــان لكنهــا مــع ذلــك تبقــى خيــارا

مطروحــا وقائمــا.

وقريبــا مــن هــذه التخريجــات ألزمــة الهويــة وسياســيات الهويــة فــي الســياق األميركــي

ــف مــه مؤل والعاملــي جنــد الكثيــر مــن التقاطعــات املعرفيــة والتناغــم املنهجــي بــن مــا قد

الكتــاب دوبرييــل، والعالــم واملفكــر األميركــي، فرانســيس فوكويامــا، فــي كتابــه

ــام 2018)13(. ــي الع ــادر ف ــتياء” الص ــة االس ــة وسياس ــب الكرام ــة: مطل ــر “الهوي األخي

ــدة، ــنة واح ــاوز س ــذي ال يتج ــن وال ــن الكتابي ــل ب ــذي يفص ــي ال ــرق الزمن ــم الف فرغ

جنــد أن هنــاك نوعــا مــن التقــارب الواضــح بــن الكتابــن إن علــى مســتوى التشــخيص

أو علــى مســتوى احللــول املقدمــة مــع التأكيــد علــى تبيــان املنطلقــات التــي انطلــق منهــا

ــة ــي الهوي ــان ه ــا الكتاب ــع فيه ــي يتقاط ــة الت ــرة املركزي ــدة. فالفك ــى ح ــث عل كل باح

ــر أن ــا اعتب ــره. ففوكويام ــا تغيي ــم ورمب ــير العال ــم وتفس ــدة لفه ــة اجلدي ــا البوتق باعتباره

ل االنفجــار احلقيقــي لسياســات ــك ــب، ش ــد ترام ــود الرئيــس األميركــي، دونال صع

الهويــة فــي الواليــات املتحــدة األميركيــة، وأن الهويــة األميركيــة القائمــة علــى االســتبداد

ــرت طويــال واجهــت منــذ بدايــة األلفيــة حتديــات سياســية جمــة الدميقراطــي والتــي عم

ــراف ــى أطروحــة االعت متثلــت فــي مظاهــر احلــراك السياســي واملدنــي الــذي يقــوم عل

ــي ــة الت ــات احمللي ا....(، أو املجموع ــي ــا وجنس ــا ومهني ا وفكري ــي ــة )سياس ــة األقلي بكرام

اء سياســات التهميــش أو آليــات التهديــد واإلقصــاء مــن قبــل قــوة تشــعر باالســتياء جــر

سياســية مهيمنــة)14(. أمــا علــى مســتوى احللــول املقدمــة لتجــاوز هــذه األزمــة الهوياتيــة،

ــا، جنــد أن فوكويامــا يذهــب فــي ورغــم أن الهويــة السياســية األميركيــة هــي املهيمنــة عاملي

قراءة في كتاب - ديكتاتورية الهويات

| 296

ــوم القائــم ــزاع الهوياتــي فــي عالــم الي ــة املســتقبلية إلــى ضــرورة فــض الن ــره للهوي تنظي

علــى الصــراع بــن الليبراليــة والشــعوبية، وأن حتقيــق هــذا الرهــان يقتضــي توافــر شــرطن

الزمــن، همــا:

ا �1 االعتــراف بهويــة املجموعــات واألقليــات. وهــذا االعتــراف ســيكون عنصــرا ضروري

والزمــا لتحقيــق مــدى اســتمرارية النمــوذج الدميقراطــي الليبرالــي فــي العالم.

�2 التطبيــق العملــي والعقالنــي ملفهــوم الهويــة التعاقديــة القائمــة علــى الشــروط الثالثــة

التاليــة: اإلميــان بالقيــم الدميقراطيــة، واالنفتــاح الليبرالــي، والبحــث عــن محضــن ثقافــي

لغــوي لبلــورة هــذه التهويــة التعاقديــة.

ويبــدو أن العناصــر الثالثــة املتعلقــة بتطبيــق الهويــة التعاقديــة عناصــر حامســة فــي حتقيــق

ــش املشــترك” خاصــة ــة: “العي ــات” مبقول ــة الهوي ــاب “ديكتاتوري ــف كت ــا أمســاه مؤل م

العنصــر الثالــث املتعلــق بإعــداد احلاضنــة اللغويــة والثقافيــة لتنميــة هــذه الهويــة التعاقدية،

والــذي يكــون مبنزلــة الضامــن لعمليــة نشــر وتعميــم هــذه الهويــة التعاقديــة.

واملالحــظ أن هــذا التناغــم بــن مســارين فكريــن متباينــن مــن العالــم األوروبــي

واألميركــي وحالــة التعاقــد املعرفــي بــن التجربتــن يقودنــا إلــى التأكيــد علــى أن مفهــوم

مــه لــورون دوبرييــل، ومقولــة: “الهويــة التعاقديــة” للعالــم “العيــش املشــترك” الــذي قد

ــان نفــس العــرض، وأن نتائجهمــا لــن تقــف ــة ويؤدي فوكويامــا، يحمــالن نفــس الدالل

فقــط فــي احلــدود اجلغرافيــة الغربيــة، بــل ميكنهــا أن تصــل احلــدود الشــرقية مــن العالــم.

البراديغم األوروبي والهوية اجلريحة

فــي الفصــل الثالــث مــن الكتــاب، والــذي مت ختصيصــه بالكامــل لــأدوار الســيكولوجية

ــل علــى عامــل الشــعور ــة، يؤكــد دوبريي ــة السياســية وسياســات الهوي ــورة الهوي فــي بل

297 |

ــل ــا يظ ــي فرنس ــة ف ــات الهوي ــي لسياس ــن النفس ــرا أن التكوي ــع معتب ــوص والتراج بالنك

ــي تطــول ــم واملتكــرر ملفهــوم اجلــروح )les blessures( الت مشــروطا باالســتحضار الدائ

ــل ث الــذات النرجســية الفرنســية وحتــى األوروبيــة)15(، وأن هــذه احلالــة الســيكولوجية مت

ــة ــن املرحل ــارج م ــي اخل ــض األوروب ــل األبي ــى أن الرج ــة، مبعن ــية وأوروبي ــة فرنس حقيق

ــة، وأن اخلطــاب ــدم نفســة كضحي ــث يق ــا حي ــا خاص ــوم وضع ــش الي االســتعمارية يعي

)Soulagement( ــف ــة التخفي ــى ثنائي ــوم عل ــة يق ــارة األوروبي ــي فرنســا والق ــي ف الهويات

ــعور ــة والش ــة اجلريح ــن الهوي ــاع ع ــية للدف ــات نفس ــتنكار )Denunciation( كآلي واالس

ــدة. ــة اجلدي ــي األلفي ــي ف ــة )Humiliation( لإلنســان األوروب باإلهان

ــي ــل النفســي الت ــدارس التحلي ــى م ــاب عل ــف الكت ــح مؤل ــي ينفت ــاول املعرف ــذا التن به

تنهــل بدورهــا مــن تفريعــات الســيكولوجية الفرويديــة )نســبة لســيغموند فرويــد( واليونغيــة

)نســبة لــكارل غوســتاف يونــغ(، ليخلــص إلــى أن البراديغــم الهوياتــي األوروبــي اليــوم

ــعور ــى الش ــم عل ــة القائ ــاب الهوي ــن ره ــي م ــة تعان ــعوب األوروبي ــى أن الش ــوم عل يق

بــأن هــذه الشــعوب ضحيــة وضــع جديــد، وأن أســباب هــذا اجلــرح النرجســي للهويــة

ــرة ومتعــددة، أهمهــا: ــة تعــود إلــى مســتويات كثي األوروبي

1-سقوط األوهام األوروبية الكربى

تتحــدد معالــم هــذه الفكــرة فــي أنــه منــذ العقــد األول مــن القــرن احلــادي والعشــرين،

ــات ــروز نزع ــزت بب ــي متي ــي، الت ــارها السياس ــن مس ــدة م ــة جدي ــا مرحل ــت أوروب دخل

التفــكك واالنفصــال داخــل اجلســد األوروبــي الــذي كان يقــدم نفســه للعالــم كتكتــل

سياســي واقتصــادي قــادر علــى مقارعــة النمــوذج األميركــي، وأن هــذا الوضــع اجلديــد

ــن أن ــى التأكــد م ــة إل ــاد الشــعوب األوروبي ــة ق ــة السياســية األوروبي ــذي طــال الهوي ال

قراءة في كتاب - ديكتاتورية الهويات

| 298

ــت ــرى. فالبريكســت أو التصوي ــة الكب ــات الوحدوي ــار اليقيني ــش عصــر انهي ــا تعي أوروب

ــدول ــن ال ــت م ــا كان ــي بعدم ــاد األوروب ــن االحت ــا م ــروج بريطاني ــى خ ــي عل السياس

ل مــن منظــور الكتــاب حلظــة جديــدة فــي نهايــة اليقينيــات املؤسســة لهــذا االحتــاد، شــك

الوحدويــة، وإجهــازا علــى الدميقراطيــة األوروبيــة مــن خــالل أداة االقتــراع والتصويــت

كآليــة سياســية غيــر دميقراطيــة بالضــرورة. وكـــأن الدميقراطيــة األداتيــة واإلجرائيــة ممثلــة

فــي التصويــت أضحــت هــي مــن يرســم مســتقبل الشــعوب. واألمــر ذاتــه ينســحب علــى

النزعــات االنفصاليــة داخــل الدولــة القطريــة األوروبيــة ممثلــة هنــا فــي دعــوة االنفصــال

ــب نزعــات االنفصــال ــى جان ــا” داخــل إســبانيا. هــذا إل ــم “كتالوني املجهضــة فــي إقلي

ــة. واحلــال أن هــذا الســلوك ــة األوروبي والتفــكك املتوقعــة فــي بعــض الــدول الفيدرالي

السياســي يؤكــد مــرة أخــرى أن اليقينيــات األوروبيــة املتعلقــة بالوحــدة التــي بنيــت عليهــا

ــا فــي حــن أن املطالــب الفئويــة والنــزوع الهويــة السياســية األوروبيــة كانــت إجــراء ظرفي

حنــو مزيــد مــن االســتقالل السياســي ميثــل حقيقــة سياســية جديــدة تتغلغــل فــي اخلريطــة

ــل ــن الداخ ــورا م ــي منخ ــات األوروب ــم الهوي ــل البراديغ ــا يجع ــة، مم ــية األوربي السياس

ويعيــش حالــة كســاح.

2- العنصرية ومعاقل الديمقراطية

ــل نزعــات التطــرف وكراهيــة اآلخــر املستشــرية فــي دول أوروبيــة مثــل إيطاليــا وفرنســا متث

ــن ــي كل م ــعبوية ف ــة الش ــارات اليمين ــي للتي ــود السياس ــب الصع ــى جان ــا، إل والنمس

ــة ــا وهنغاريــا، أهــم مالمــح اجلــرح النرجســي األوروبــي. فهــذه النزعــات العدائي إيطالي

ــة املطــاف ســوى شــكل مــن أشــكال اخلــوف اجلماعــي ضــد اآلخــر ليســت فــي نهاي

الــذي يطــول القــارة األوروبيــة وتســعى بعــض احلكومــات واألحــزاب اليمينيــة لزرعــه في

299 |

ــل ــة ووســائل اإلعــالم. فهــذه النزعــات متث ــر احلمــالت الدعائي ــة عب الشــعوب األوروبي

وجهــا مــن وجــوه اجلــرح النرجســي الــذي نــال مــن الهويــة األوروبيــة، والــذي مبوجبــه

ــالل ــم خ ــق العال ــن مناط ــر م ــم الكثي ــت حتك ــي كان ــتعمارية الت ــا االس ــت أوروب حتول

القــرون املاضيــة إلــى شــعوب تشــعر باخلــوف مــن املجهــول السياســي الــذي قــد يأتــي

مــن الدخــل أو مــن اخلــارج.

3- األخطار القادمة من الجنوب

ــال للعنصريــن الســابقن وإن كان األوربيــون يعــد هــذا اجلانــب، حســب الكتــاب، مكم

أنفســهم يســعون دومــا للدفــاع عــن هــذه الهويــة املجروحــة مــن خــالل التلويــح باألخطار

ــص ــب النق ــة حلج ــق بفزاع ــر يتعل ــط وكأن األم ــة للمتوس ــة اجلنوبي ــن الضف ــة م القائم

اء عقــدة النقــص جتــاه الهويــة األميركيــة املهيمنــة. ــب الــذي تعانيــه هــذه الهويــة جــر املرك

ــل اإلرهــاب العابــر للحــدود إلــى جانــب الهجــرة غيــر النظاميــة أحــد أهم املســتويات وميث

ــاع ــل الــذي عــادة مــا يســتعمله املثقفــون األوروبيــون وصن املتصلــة بهــذا اخلطــاب املضل

دهــم)16(. القــرار فــي محاولــة لتبريــر خطــاب الضحيــة الــذي يوح

ويبــدو أن هــذا املنطــق التبريــري هــو الــذي أضحــى يوجــه السياســات األوروبيــة ويعتمــده

ــس ــده الرئي ــذي اعتم ــق ال ــو ذات املنط ــم. وه ــى احلك ــول إل ــة للوص ــال السياس رج

ــه ــاب املوج ــى اخلط ــق عل ــه ينطب ــر نفس ــاركوزي، واألم ــوال س ــبق، نيك ــي األس الفرنس

ــى فــي ــم تكــن تتوان ــي ل ا والت ــة الفرنســية، بصــورة متطرفــة جــد حلــزب اجلبهــة الوطني

ــن. ــة بطــرد املهاجري ــم( املطالب ــة العال ــع شــعار )فرنســا ليســت مزبل رف

ــود ــا يع ــه م ــدد األســباب من ــي متع ــى، يتضــح أن اجلــرح النرجســي األوروب ــذا املعن به

لطبيعــة الدولــة األوروبيــة نفســها فــي عالقتهــا مــع الشــعوب ومنهــا مــا يعــود للخــارج

قراءة في كتاب - ديكتاتورية الهويات

| 300

ممثــال هنــا فــي التحــدي األميركــي ألوروبــا أو عالقــة أوروبــا بــدول اجلنــوب. وهنــا مــرة

ــة، حســب دوبرييــل، إلــى اخلــروج مــن دائــرة العــداء املجانــي أخــرى تبــدو احلاجــة ماس

لآلخــر وتبنــي سياســة العيــش املشــترك الــذي يقتضــي إدمــاج املهاجريــن القادمــن مــن

ــى ال تتكــرر مجــزرة شــارلي ــة حت ــب الفئوي ــوب كشــرط أســاس الســتيعاب املطال اجلن

ــادة ــي إلع ــاتي الرام ــل املؤسس ــي العم ــروع ف ــب الش ــى جان ــذا إل ــية. ه ــدو الفرنس إب

بنــاء هويــة جديــدة ألوروبــا تأخــذ بعــن االعتبــار املطالــب الفئويــة الداخليــة وحتديــات

ــروع ــة املش ــادة صياغ ــية-األملانية إلع ــادرة الفرنس ــه املب ــرت عن ــا عب ــذا م ــارج. وه اخل

ــا مــن دول االحتــاد. ــة خــروج بريطاني ــد عملي األوروبــي بعــد تأكي

الرباديغم العربي وثنائية االزدواجية والتشظي

يــكاد الكتــاب يخلــو مــن إشــارات مباشــرة وصريحــة للهويــة العربيــة اإلســالمية،

ــة ــى العــرب واإلســالم جــاءت مقترن ــة عل ــا اإلحال ــي متــت فيه ــة الت واإلشــارات القليل

بإيــران واحلجــاب، وكأن الغايــة مــن هــذه اإلشــارات القليلــة هــو تأكيــد أن الهويــة العربيــة

اإلســالمية متثــل فــي واقــع األمــر خصمــا أو مصــدر خــوف بالنســبة للهويــات الغربيــة فــي

ــة. لكــن مــع ذلــك يبقــى أن حالــة التشــخيص الهوياتــي ــة أو األوروبي أصولهــا األميركي

ومقترحــات احللــول املقدمــة للخــروج مــن األزمــة الهوياتيــة فــي أصولهــا الغربيــة كمــا

ــد تســاعدنا فــي ــل وفرانســيس فوكوياميــا ق ــورون دوبريي ــاب ل هــي مســتخلصة فــي كت

ــة قــراءة وفهــم وتفســير مســتقبل الواقــع الهوياتــي العربــي اإلســالمي. إمكاني

لقــد حظــي ســؤال الهويــة فــي الســياق املعرفــي والسياســي العربــي باهتمــام العديــد مــن

ــا ــث ماهيته ــن حي ــة م ــة العربي ــر للهوي ــه ظــل ينظ ــرب. وضمن ــن والدارســن الع املثقف

باعتبارهــا هويــة مركبــة وأن وظيفتهــا تكمــن فــي أنهــا معطــى موضوعــي خارجــي يجمــع

301 |

ــا بســؤال ــة فــي املقــام األول مــا دامــت مرتبطــة عموم ــر. فهــي ديني بــن الثابــت واملتغي

ــا، ألنهــا حتيــل علــى املفهــوم املقــدس فــي الثقافــة العربيــة اإلســالمية، وهــي سياســية ثاني

النفعــي الضيــق للفعــل السياســي وجدليــة املصــاحل. وقــد كان لهــذا الـــتأطير األولــي تأثيــر

كبيــر علــى الديناميــة الداخليــة لهــذه الهويــة وعالقتهــا باخلــارج. ويبــدو أن هــذا الوضــع

ــذ العقــد األول مــن ــاول، حيــث ظــل العــرب من ــة فــي التن ــا مــن االزدواجي ــق نوع خل

ــالل ــن خ ــة م ــية العربي ــة السياس ــؤال الهوي ــن س ــة ع ــغلن باإلجاب ــي منش ــرن املاض الق

التركيــز الدائــم علــى ثنائيــة الدينــي والسياســي. هــذا فــي الوقــت الــذي ظــل موقفهــم

ــوي ــرب الق ــك الغ ــة، ذل ــن جه ــو م ــدوام. فه ــى ال ــا عل ــا ومتناقض ــرب ملتبس ــن الغ م

ــا والــذي تســود مجتمعاتــه قيــم احلريــة والدميقراطيــة. ــا وحضاري ــا وعلمي املتطــور صناعي

ومــن جهــة أخــرى، هــو الغــرب االســتعماري املتعالــي الــذي مــارس ســيطرته واســتبداده

ــادي ــا االقتص ــال دون تطوره ــا وح ــتباح خيراته ــب واس ــة ونه ــعوب العربي ــق الش بح

ــدة ــة جدي ــاء هوي ــي بن ــا ف ــض تطلعاته ــا أجه ــي، كم ــي والثقاف ــي والسياس واالجتماع

ــى حــدة. لكــن ــة عل ــكل هوي ــة ل ــة الدينامي تقتضيهــا ســن التحــول املجتمعــي والطبيع

املالحــظ أن مرحلــة الربيــع العربــي ومــا متخــض عنهــا مــن أحــداث سياســية ومجتمعيــة

واكبتهــا حالــة مــن االنفجــار الهوياتــي ضمــن الدائــرة العربيــة واإلســالمية فبــرزت علــى

الســطح أشــكال جديــدة لسياســات الهويــة مــن خــالل بــروز أشــكال جديــدة لالحتجــاج

ــن ــح ب ــت تتأرج ــا ظل ــة لكنه ــات احلاكم ــد الفئ ــعبية ض ــم ش ــع مظال ــي ورف االجتماع

ــة. ــة ذات النفحــة الطائفي املطالــب الديني

فعلــى مســتوى التشــخيص، جنــد أن العالــم العربــي بعــد الربيــع العربــي شــهد حلظــة انتقال

العــرب مــن دائــرة االهتمــام بالهويــة السياســية القائمــة علــى ثنائيــة الدينــي والسياســي

قراءة في كتاب - ديكتاتورية الهويات

| 302

والتــي أفضــت إلــى نــوع مــن الهويــة املزدوجــة إلــى شــكل جديــد مــن أشــكال سياســات

ــذت ــة أخ ــدول العربي ــن ال ــر م ــي الكثي ــي ف ــع العرب ــركات الربي ــوم أن ح ــة. ومعل الهوي

ــا، وأن حــركات اإلســالم السياســي كانــت حاضــرة فــي أغلــب الــدول التــي لبوســا ديني

ا مت تتويجــه بتغييــرات سياســية. ويبــدو أن املعطــى اجلديــد هــو الذي شــهدت حــراكا شــعبي

ــة”)17(، ــة هوياتي ــورة كرام ــي “ث ــع العرب ــورات الربي ــر ث ــا يعتب ــل فرانســيس فوكويام جع

ا شــارك فيــه اجلميــع لكــن الطيف اإلســالمي كان فقــد شــكلت فــي البدايــة مطلبــا شــعبي

هــو العامــل األبــرز فــي مســارات التغييــر ونــال بعضــا مــن نتائجهــا بــأن تبــوأت بعــض

أطرافــه مقاليــد احلكــم فــي أكثــر مــن دولــة خاصــة مصــر وتونــس واملغــرب. وبالتالــي،

حتولــت املطالــب الفئويــة لإلســالم السياســي إلــى جــزء مــن مشــروع ألكثــر مــن مجتمــع

عربــي، لكــن يبــدو أن الصعــود الســريع واملتنامــي لإلســالم اجلهــادي ممثــال فــي تنظيــم

“الدولــة اإلســالمية فــي العــراق والشــام” وأيضــا ســقوطه بعــد تدخــل القــوى الدوليــة فــي

ــر علــى عالقــة العــرب بالغــرب املنطقــة العربيــة، قلــب العديــد مــن عناصــر املعادلــة وأث

ــر أيضــا علــى تيــارات اإلســالم السياســي املعتدلــة. مــن جديــد كمــا أث

ــإن الســؤال ــه)18(، ف ــرد مســاحة مهمــة للظاهــرة الداعشــية فــي كتاب وألن فوكويامــا أف

الــذي يطــرح نفســه بحــدة اآلن هــو: هــل ميكــن قبــول فكــرة “الهويــة التعاقديــة” التــي

ــا ــع به ــي دف ــترك” الت ــش املش ــة العي ــة “سياس ــا أو مقول ــيس فوكويام ــا فرانس ــادى به ن

لــورون دوبرييــل فــي ســياق عربــي إســالمي ميكنــه بــكل ســهولة أن ينتــج ظواهــر جديــدة

قريبــة أو بعيــدة مــن الظاهــرة الداعشــية؟ واجلــواب هنــا هــو أنــه ســيكون مــن الصعوبــة

القبــول بهــذا ألن اإلســالم السياســي خاصــة التنظيمــات التــي تقــدم تفســيرا ضيقــا للنــص

القرآنــي وتنظــر للغــرب مــن منظــور اآلخــر الكافــر تســتند علــى فكــرة أن “اإلســالم هــو

303 |

ــع ــة” أو “املجتم ــي “األم ــة ف ــون متمثل ــب أن تك ــانية يج ــى”، وأن اإلنس ــدة األمس العقي

ــات ــرا آللي ــي مفتق ــي العرب ــياق السياس ــل الس ــا ظ ــر”. وطامل ــد الكبي ــالمي الواح اإلس

سياســة العيــش املشــترك وال يتوافــر علــى تعاقــدات سياســية جديــدة فــي هــذا الزمــن

املعولــم، فــإن ذلــك ســيزيد مــن تشــظي الهويــة العربيــة اإلســالمية التــي مــا زالــت تعانــي

مــن االزدواجيــة.

على سبيل الختم

ــل كتــاب “ديكتاتوريــة الهويــات” لصاحبــه لــورون دوبرييــل قــراءة عميقــة فــي البنيــة ميث

ــود ــي تع ــه الت ــث مرجعيات ــا مــن حي ــة للخطــاب السياســي األميركــي ومكوناته الداخلي

ــق ــا حتق ــات فيم ــذه املرجعي ــل ه ــدى تفاع ــي وم ــرن املاض ــينات الق ــا خلمس ــي أغلبه ف

مــن أحــداث خــالل العقديــن األولــن مــن األلفيــة اجلديــدة. لكــن قــوة هــذا الكتــاب

تضمــن أنــه مينــح القــارئ العربــي أدوات ومفاتيــح لقــراءة التجــارب الهوياتيــة األميركيــة

واألوروبيــة. وألننــا نعيــش، حســب دوبرييــل، فــي عصــر الليبراليــة اجلديــدة القائمــة على

التواصــل واإلعــالم، أو مــا يســميه “العقــل اجلديــد لليبراليــة القائــم علــى حتالــف املــال

ــي ــى تالف ــل عل ــو العم ــره ه ــة نظ ــن وجه ــوب م ــإن املطل ــة”، ف ــا والسياس والتكنولوجي

ــات ــة بــن هــذه الهوي ــاء عالقــات جدي ــى بن ــات، والعمــل عل ــد مــن حــرب الهوي مزي

ــر. ــة واحلــرب والتدمي تقــوم علــى االنســجام والتناغــم ال الكراهي

املراجع

)1( Laurent Dubreuil, La dictature des identits )France: Gallimard, 2019(.

ــي منتصــف ــوره ف ــذ ظه ــة” من ــوم “سياســات الهوي )2( انظــر التطــور اجلينيالوجــي ملفه

قراءة في كتاب - ديكتاتورية الهويات

| 304

ــوم فــي: ــى الي مــت للمفهــوم حت ــي قد ــرن املاضــي والتفســيرات الت الق

Cressida Heyes, ”Identity Politics“ in Stanford Encyclopedia of Philosophy, ed.

Edward Zalta, Stanford: Metaphysics Research Lab, Center for the Study of

Language and Information, Stanford University, )2002(.

)3( Dubreuil, La dictature des identits, 7.

)4( Ibid, 13.

)5( Ibid, 9-10.

أليســك ميكشــيللي، الهويــة، ترجمــة علــي وطفــة، ط 1 )دار النشــر الفرنســية، )6(

13 ص ،)1993.

)7( Dubreuil, La dictature des identits, 10-11.

)8( Heyes, ”Identity Politics,“ ”accessed January 20, 2020“. https://stanford.

io/3aLHy7I.

)9( Dubreuil, La dictature des identits, 23.

)10( Ibid, 24.

)11( Ibid, 25.

)12( Ibid, 19.

)13( فرنســيس فوكويامــا، الهويــة مطلــب الكرامــة وسياســات االســتياء، ترجمــة مجــاب

اإلمــام، ط 1 )منتــدى العالقــات العربيــة والدوليــة، 2018(.

)14( املرجع السابق، ص 31.

)15( Dubreuil, La dictature des identits, 66-67.

305 |

)16( Ibid, 69.

)17( فوكوياما، الهوية مطلب الكرامة وسياسات االستياء، مرجع سابق، ص 11.

ــات ــة وسياس ــب الكرام ــة مطل ــاب الهوي ــن كت ــابع م ــل الس ــدا الفص ــر حتدي )18( انظ

االســتياء، املرجــع الســابق، ص 77.

قراءة في كتاب - ديكتاتورية الهويات

307 |

فعاليات

الجزيرة للدراسات يبحث أزمتي سد النهضة واألونرواوتحديات املوجة الثانية من الربيع العربي

محمد عبد العاطي*

ــات ــالث فعالي ــام 2019 ث ــن الع ــر م ــع األخي ــي الرب ــات ف ــرة للدراس ــز اجلزي ــد مرك عق

بحثيــة تناولــت موضوعــات وقضايــا مهمــة ومؤثــرة فــي املشــهد السياســي العربــي الراهن.

كانــت الفعاليــة البحثيــة األولــى عــن ســد النهضــة واألزمــة التــي تســبب فيهــا بــن مصــر

وإثيوبيــا. وركــزت النــدوة علــى معرفــة املخاطــر احلقيقيــة لهــذا الســد وانعكاســاتها علــى

ــدوة ــت الن ــا اهتم ــي أم ال. كم ــف سياس ــة وتوظي ــر مبالغ ــي األم ــا إن كان ف ــر وم مص

مبعرفــة املنافــع االقتصاديــة التــي ســتعود علــى إثيوبيــا والســودان مــن ورائــه. وتســاءلت إن

كان مثــة أفــق حلــل األزمــة عبــر التفــاوض أم أن األمــور ميكــن أن تتعقــد وتطــور وتصــل

إلــى حــد احلــرب. وشــارك فــي النــدوة التــي انعقــدت فــي العاصمــة القطريــة، الدوحــة،

* محمد عبد العاطي، باحث في مركز اجلزيرة للدراسات

| 308

بتاريــخ 30 أكتوبر/تشــرين األول 2019، باحثــون وخبــراء ودبلوماســيون مــن مصــر وإثيوبيــا

والســودان.

صهــا مركــز اجلزيــرة للدراســات لتحليــل مــا مســي بـ”املوجــة الثانيــة الفعاليــة الثانيــة خص

مــن الربيــع العربــي”، ويقصــد بهــا االحتجاجــات الشــعبية واســعة النطــاق التــي تشــهدها

ــص املركــز ــا، وعرفهــا الســودان قبــل بضعــة أشــهر. فخص اجلزائــر ولبنــان والعــراق حالي

ــالل ــن خ ــه، م ــراك وتداعيات ــذا احل ــاد ه ــباب وأبع ــل أس ــد وحتلي ــة لرص ــدوة حواري ن

ــن ــالف ب ــي االخت ــبه ونواح ــه الش ــا أوج ــي: م ــتفهامي اآلت ــل االس ــن احلق ــة ع اإلجاب

ــام 2010 ــة الع ــي نهاي ــت ف ــي حدث ــك الت ــة وتل ــي؛ املوجــة الراهن ــع العرب ــي الربي موجت

ــب ــت املطال ــداف ومتاثل ــدت األه ــث واحت ــابهت البواع ــل إذا تش ــل 2011؟ وه وأوائ

والشــعارات مــن الضــروري أن تكــون املــآالت واحــدة؟ وإلــى أي حــد اســتفاد احملتجــون

ــا ممــا حــدث فــي احتجاجــات مماثلــة قبــل مثانيــة أعــوام حينمــا خرجــت اجلماهيــر حالي

فــي شــوارع تونــس والقاهــرة وطرابلــس ودمشــق وصنعــاء تطالــب بــذات املطالــب؟

وقــد انعقــدت النــدوة فــي العاصمــة القطريــة، الدوحــة، بتاريــخ 19 نوفمبر/تشــرين الثاني

2019، مبشــاركة خنبــة مــن الباحثــن واألكادميين.

أمــا الفعاليــة الثالثــة فتناولــت األزمــة املاليــة التــي تعانيهــا وكالــة غــوث وتشــغيل الالجئن

الفلســطينين التابعــة لــأمم املتحــدة “األونــروا”، واحللــول املقترحــة لتجــاوز هــذه األزمــة،

ــر مــن خمســة ماليــن الجــئ فلســطيني ــام بدورهــا خدمــة ألكث ــى تســتمر فــي القي حت

يســتفيدون ممــا تقدمــه. وقــد أقــام املركــز

هــذه الفعاليــة فــي العاصمــة البريطانيــة، لنــدن، بالشــراكة مــع مركــز العــودة الفلســطيني

واملركــز األوروبــي للدراســات الفلســطينية بجامعــة إكســتر البريطانيــة، بتاريــخ 20 نوفمبــر/

309 |

تشــرين الثانــي 2019. ويســلط التقريــر الضــوء علــى أبــرز األفــكار التــي طرحــت واآلراء

ــه ــى مبــا خلــص إلي ــي تعن ــد “تشــاتام هــاوس” الت ــي تداولهــا املشــاركون، وفــق تقالي الت

النقــاش دون نســبة رأي بعينــه إلــى أحــد املتحدثــن.

إشكاالت سد النهضة اإلثيوبي والخيارات املطروحة

ــك ــو تل ــة ه ــدوة حواري ــه ن ــص ل ــز وخص ــام املرك ــي باهتم ــذي حظ ــوع األول ال املوض

األزمــة الناشــبة بــن مصــر وإثيوبيــا علــى خلفيــة بنــاء األخيــرة لســد النهضــة، ومخــاوف

ــدوة حتــت ــد انعقــدت هــذه الن ــي. وق ــا املائ ــى أمنه ــر هــذا الســد عل مصــر مــن أن يؤث

عنــوان “إشــكاالت ســد النهضــة واخليــارات املطروحــة” فــي العاصمــة القطريــة، الدوحة،

بتاريــخ 30 أكتوبر/تشــرين األول 2019، وشــارك فيهــا: عبــد الوهــاب األفنــدي، أســتاذ

العلــوم السياســية مبعهــد الدوحــة للدراســات العليــا، وبــدر حســن شــافعي، اخلبيــر فــي

ــرة، ــاة اجلزي ــي قن ــة ف ــؤون املصري ــرر الش ــد، مح ــاح فاي ــد الفت ــي، وعب ــأن اإلفريق الش

ــع ــاوض م ــف التف ــف مبل ــة واملكل ــة اإلثيوبي ــوزارة اخلارجي ــر، املستشــار ب ومحمــود دري

مصــر فيمــا يتعلــق بســد النهضــة.

ــدة هــذا الســد ــا فائ ــن أســئلة هــو: م ــه م ــة علي ــدوة لإلجاب ت الن ــا تصــد ــرز م وكان أب

بالنســبة إلثيوبيــا والســودان؟ وإلــى أي حــد ميثــل تهديــدا لأمــن املائــي املصــري؟ ومــاذا

عــن املفاوضــات اجلاريــة؟ أيــن عقــدة اخلــالف حتديــدا؟ ومــا التوقعــات بشــأن مــآالت

األمــور ســواء جنــح التفــاوض أم فشــل؟

ــه ــاء مــن عدم ــد عــن البن ــم يع ــث ل ــاء، وإن احلدي ــى االنته ــاؤه عل إن الســد أوشــك بن

ان، واألولــى ملصــر وإثيوبيــا التفكيــر فــي وإمنــا عــن إجــراءات التشــغيل وفتــرة ملــلء اخلــز

ة. ــل األضــرار احملتملــة، وحتقــق املنافــع املرجــو أســاليب عمليــة تقل

فعاليات

| 310

وفيمــا يبــدو، فــإن مخــاوف مصــر مــن بنــاء هــذا الســد مبالــغ فيهــا ورمبــا مت تضخيمهــا

ألســباب خاصــة بنظــام احلكــم، ذلــك ألن االتفــاق بــن أديــس أبابــا والقاهــرة يقضــي

بأنــه فــي حــال مــا إذا كان مثــة “ســنوات عجــاف” يقــل فيهــا املطــر فــإن إثيوبيــا ســتطيل

فتــرة مــلء اخلــزان كــي ال يطــول الضــرر مصــر، أمــا إذا كان املطــر غزيــرا ومــاء الفيضــان

وفيــرا فســيتم مــلء اخلــزان فــي فتــرة وجيــزة تســريعا للعوائــد والفوائــد املرجــوة مــن الســد

بالنســبة للجانبــن، اإلثيوبــي والســوداني.

وبنــاء علــى ذلــك، فــإن الفوائــد املنتظــرة بالنســبة للســودان مــن بنــاء الســد أن حتصــل

ــدة، فضــال عــن ــة بأســعار جي اخلرطــوم بعــد تشــغيل ســد النهضــة علــى طاقــة كهربائي

ــاء الســد مــن شــأنه أن يحــول دون وصــول ــل عقــب اكتمــال بن ــم فيضــان الني أن تنظي

هــذا الكــم الكبيــر مــن الطمــي الــذي يســد القنــوات واملصــارف والتــرع ويحتــاج إلــى

جهــد ومــال لتطهيرهــا منــه، إضافــة إلــى إنقــاذ عشــرات ورمبــا مئــات القــرى مــن ميــاه

ــن ــوت الفالح ــا بي ــي طريقه ــذ ف ــية وتأخ ــك املاش ــزرع وتهل ــر ال ــي تدم ــان الت الفيض

ــا ــودان نفع ــبة للس ــل بالنس ــد ميث ــإن الس ــذا، ف ــر. له ــرى النه ــن مج ــرب م ــة بالق الواقع

ــب املصــري. بعكــس احلــال بالنســبة للجان

ــاه ــه كلهــا مــن مي ــا أن الســودان ال يســتهلك حصت فــإذا كان األمــر كذلــك، وإذا علمن

النيــل التــي حددتهــا لــه اتفاقيــة عــام 1955، ومينــح مصــر فائضــا منهــا كل عــام يقــدر

بـــ18 مليــار متــر مكعــب، وســتكون القاهــرة فــي أمــس احلاجــة إلــى هــذه الكميــة عقــب

ــن عالقاتهــا مــع اخلرطــوم وأن حتــل املشــكالت بنــاء الســد، فمــن مصلحــة مصــر أن حتس

العالقــة بينهمــا مثــل مشــكلة حاليــب وشــالتن، وأن تدعــم االنتقــال الدميقراطــي فــي

ــة املدنيــن فــي تأســيس ــد وأال تقــف فــي صــف العســكر علــى حســاب رغب هــذا البل

311 |

نظــام مدنــي دميقراطــي تعــددي يــرون فيــه مصلحــة بالدهــم.

ــن ــرءا م ــس مب ــة لي ــد النهض ــوص س ــا بخص ــر وإثيوبي ــن مص ــب ب ــالف الناش إن اخل

ــبابهما ــن ألس ــي البلدي ــم ف ــا احلك ــا نظام ــه أحيان ــخ في ــث ينف ــي حي ــف السياس التوظي

الداخليــة اخلاصــة، غيــر أن املفاوضــات التــي توســطت فيهــا الواليــات املتحــدة وروســيا

، االحتاديــة رمبــا تلــن املواقــف املتصلبــة ومتنــح املفاوضــات فرصــة للتوصــل إلــى حــل

ــرف ــل الظ ــي ظ ــتبعد ف ــر مس ــكري- أم ــل العس ــرى -كاحل ــول األخ ــة أن احلل خاص

ــن. ــي الراه ــي والدول اإلقليم

موجتان من الربيع العربي من منظور مقارن: دروس املاضي وآفاق املستقبل

ــام 2019، ــالل الع ــن 2018 وخ ــرة م ــهر األخي ــي األش ــة ف ــدان عربي ــدة بل ــهدت ع ش

انطــالق عــدد مــن احلــراكات الشــعبية املعارضــة لأنظمــة احلاكمــة. بــدأ احلــراك الشــعبي

ــة ــون األول 2018، واســتمر طــوال الشــهور الثماني ــي 19 ديســمبر/ كان ــي الســودان، ف ف

ــر/ ــي 22 فبراي ــر، ف ــي اجلزائ ــا احتجاجــات شــعبية ف ــت أيض ــن 2019. وانطلق ــى م األول

شــباط 2019، وال تــزال مســتمرة بوتيــرة عاليــة. وفــي مطلــع أكتوبر/تشــرين األول 2019،

اندلــع حــراك شــعبي كبيــر فــي العاصمــة العراقيــة، بغــداد، ســرعان مــا انتشــر فــي معظــم

محافظــات الوســط واجلنــوب. ولــم تلبــث انتفاضــة شــعبية لبنانيــة أن انطلقــت، فــي 16

أكتوبر/تشــرين األول 2019، واختــذت مــن العاصمــة اللبنانيــة بيــروت مركــزا لهــا، وامتدت

إلــى طرابلــس وصيــدا وعــدة مــدن لبنانيــة أخــرى. وكانــت مصــر شــهدت بــوادر متلمــل

شــعبي فــي ســبتمبر/أيلول 2019، ســرعان مــا أخمــد بإجــراءات قمعيــة واســعة النطــاق.

ــن هــذه االحتجاجــات الشــعبية: هــل هــي بواعــث الغضــب فمــا القاســم املشــترك ب

ــا ممــا والرغبــة فــي التغييــر؟ وإذا كان األمــر كذلــك فإلــى أي حــد اســتفاد احملتجــون حالي

فعاليات

| 312

حــدث فــي احتجاجــات مماثلــة قبــل مثانيــة أعــوام حينمــا خرجــت اجلماهيــر فــي شــوارع

تونــس والقاهــرة وطرابلــس ودمشــق وصنعــاء تطالــب بــذات املطالــب؟ وهــل بالضــرورة

ة ــر ــاك، أم سنشــهد هــذه امل ــا وفشــل هن ــابهة؛ جنــاح نســبي هن ــآالت متش ســتكون امل

نتائــج مختلفــة؟

مهــا مركــز اجلزيــرة للدراســات، فــي قطــر، مثلــت هــذه األســئلة محــاور نــدوة حواريــة نظ

بتاريــخ 19 نوفمبر/تشــرين الثانــي 2019، بالتعــاون مــع منتــدى العالقــات العربيــة والدولية

وقنــاة اجلزيــرة مباشــر، شــارك فيهــا: محمــد األحمــري، مديــر منتــدى العالقــات العربيــة

والدوليــة، وســعود املولــى، أســتاذ العلــوم السياســية مبعهــد الدوحــة للدراســات العليــا،

ــد ــن عب ــز الدي ــر، وع ــة قط ــي بجامع ــر السياس ــتاذ الفك ــادر، أس ــد الق ــي عب والتيجان

املولــى، مديــر إدارة البحــوث فــي مركــز اجلزيــرة للدراســات، واحلــواس تقيــة، الباحــث

فــي مركــز اجلزيــرة للدراســات، ومــن العــراق، عبــر القمــر الصناعــي، فاضــل البدرانــي،

أســتاذ اإلعــالم الدولــي فــي اجلامعــة العراقيــة.

وخلــص املشــاركون فــي تلــك النــدوة إلــى أن دوافــع احلــراك اجلماهيــري تــكاد

ــتأثر بالســلطة ــد ال يس ــام سياســي جدي ــي: البحــث عــن نظ ــل ف تكــون واحــدة، وتتمث

ــاءة ــه الكف ــام، ولدي ــا فســاد ونهــب للمــال الع ــي قضاي ــا ف ــس متورط ــروة، ولي وال بالث

والقــدرة علــى اســتثمار املــوارد الطبيعيــة والبشــرية، ويتمتــع فــي الوقــت نفســه باســتقاللية

ــدات ــي ختــدم فــي املقــام األول أجن قــراره السياســي واالبتعــاد عــن سياســة احملــاور الت

ــة. ــي املنطق ــة تتصــارع ف ــة ودولي إقليمي

غيــر أن األمــر ليــس بهــذه البســاطة، فــدون تغييــر األنظمــة -املرتبطــة بالدولــة العميقــة-

حتديــات عــدة وصعــاب جمــة، منهــا مــا هــو داخلــي ومنهــا مــا هــو خارجــي، ومــا لــم

313 |

يتعامــل احملتجــون مــع هــذه التحديــات ويجتــازوا تلــك العقبــات فــإن حصيلــة االســتثمار

ل بهــم. السياســي الحتجاجاتهــم ســتكون ضعيفــة، وقــد تنقلــب عليهــم وينــك

فعلــى املســتوى الداخلــي، ال تــزال املوجــة الثانيــة مــن الربيــع العربــي -كنظيرتهــا األولى-

تفتقــد إلــى تيــار وطنــي جامــع يتفــق علــى شــكل وطبيعــة الدولــة، وأســس ومرتكــزات

ــة، ــة العميق ــع الدول ــل م ــن للتعام ــدى احملتج ــة ل ــة رؤي ــس مث ــة، ولي ــة االنتقالي املرحل

الســيما املؤسســة العســكرية واألمنيــة، وأذرعهــا املمتــدة فــي اإلعــالم والقضــاء، فضــال

عــن جماعــات املصــاحل مــن رجــال املــال واألعمــال.

وال يــزال الشــارع احملتــج يفتقــد القيــادة التــي ميكنهــا، فــي الوقــت املناســب، أن تفــاوض

النظــام، وتصــل معــه إلــى تفاهمــات حتقــق مطالــب احملتجــن مــن جهــة وحتافــظ فــي

الوقــت نفســه علــى ســلمية التظاهــرات وحتــى ال تنزلــق حنــو العنــف مــن جهــة ثانيــة..

فهــذا كلــه لــم تتضــح معاملــه بعــد.

أمــا علــى مســتوى التحديــات اخلارجيــة التــي تعتــرض املوجــة الثانيــة للربيــع العربــي فهــي

ال تقــل خطــورة، وبإمكانهــا -إذا لــم يتحســب احملتجــون لهــا ويتعاملــوا معهــا بحصافــة

وكفــاءة- أن تفشــل مســعاهم فــي تغييــر النظــام. فثمــة دول إقليميــة وقــوى دوليــة، فاعلــة

ومؤثــرة، متتلــك اإلمكانــات واألدوات، ال تريــد لريــاح الدميقراطيــة أن تهــب علــى العالم

ــر ــر، وتنظ ــداث التغيي ــة دون إح ــوة، للحيلول ــن ق ــت م ــا أوتي ــكل م ــل ب ــي، وتعم العرب

للحــراك اجلماهيــري علــى أنــه فوضــى تضــر مبصاحلهــا ومــن الواجــب إجهاضــه بشــتى

الوســائل واحليــل.

ــا، فــإن املؤكــد أن العالــم العربــي يتغيــر، وأن ــا وخارجي ورغــم هــذه التحديــات، داخلي

ل، وأن ا منــذ فتــرة مــا بعــد احلــرب العامليــة األولــى قبــل مئــة عــام تبــد مــا كان مســتقر

فعاليات

| 314

اللحظــة التاريخيــة الراهنــة لهــا مــا بعدهــا ســواء علــى مســتوى املفاهيــم والتصــورات أو

ــا دول ــا فيه ــي مب ــد عرب ــك بل ــن ذل ــتثنى م ــات، ال يس ــدول واملجتمع ــتوى ال ــى مس عل

اخلليــج التــي تبــدو علــى الســطح مســتقرة وهــي متــور بعوامــل التغييــر مــن الداخــل، وأن

املوجــة الثانيــة مــن الربيــع العربــي ليســت األخيــرة ولــن تكــون، بــل ســتتلوها موجــات

ــرة، وأن املنطقــة لــن تشــهد اســتقرارا علــى األقــل خــالل املديــن، القريــب أخــرى كثي

واملتوســط، وســوف تســتمر االحتجاجــات والتدافــع بــن قــوى الثــورة والثــورة املضــادة

ــة ــيس الدول ــه تأس ــن خالل ــات م ــد املجتمع ا تعي ــتقر ــكال مس ــة ش ــذ املنطق ــى تتخ حت

الوطنيــة مــن جديــد وحتــل أزمتهــا التــي صاحبتهــا منــذ حلظــة امليــالد األولــى.

األونروا يف الذكرى السبعني إلنشائها: التحديات وآفاق املستقبل

ومــن أزمــة ســد النهضــة ألزمــة أخــرى تعيشــها وكالــة غــوث وتشــغيل الالجئــن

الفلســطينين التابعــة لــأمم املتحــدة “األونــروا”، والتــي خصــص املركــز فعاليتــه الثالثــة

ــم مؤمتــر أكادميــي فــي ــى إنشــائها، وذلــك بتنظي ــا عل عنهــا مبناســبة مــرور ســبعن عام

ــي 2019، ــرين الثان ــخ 20 نوفمبر/تش ــدن، بتاري ــة، لن ــة بالعاصم ــة البريطاني ــة املكتب قاع

بالشــراكة مــع مركــز العــودة الفلســطيني واملركــز األوروبــي للدراســات الفلســطينية

مــت فيــه علــى مــدار يــوم واحــد، وخــالل أربــع جلســات، بجامعــة إكســتر البريطانيــة، قد

ــة املتفاقمــة، ــا املالي ــي ظــل أزمته ــروا”، ف ــات “األون ــع وحتدي ــة ناقشــت واق أوراق بحثي

ــا. ــد واليته ــع جتدي ــا ملن ــة عليه ــة املتواصل ــوط األميركي والضغ

ــن ــروا” والالجئ ــع “األون ــى واق ــارزة ذات اطــالع عل ــر شــخصيات ب ــد حضــر املؤمت وق

الفلســطينين، ومــن أبرزهــم: مايــكل لينــك، مقــرر األمم املتحــدة اخلــاص بحالــة

حقــوق اإلنســان فــي األراضــي الفلســطينية، وكاريــن أبــو زيــد، املفــوض العــام الســابق

315 |

لـ”األونــروا”، ورايتشــل إيفــرز، مديــرة الشــؤون القانونيــة فــي “األونــروا” واملمثلــة الرمسيــة

ــط. ــا، حســام زمل ــى الســفير الفلســطيني فــي بريطاني ــة إل ــة فــي املؤمتــر، إضاف للوكال

وخلــص املؤمتــر إلــى أن اســتمرار وجــود “األونــروا” مرتبــط بتوفيــر احتياجــات الالجئــن

الفلســطينين األساســية، وأن هــذه االحتياجــات ال تــزال قائمــة إلــى اليــوم نتيجــة لعــدم

ــكلة ــل مش ــروا” تطي ــأن “األون ــة ب ــم األميركي ــم، وأن املزاع ــي حملنته ــل سياس ــود ح وج

الالجئــن غيــر دقيقــة، بــل إن هــذه االحتياجــات تتعاظــم نظــرا لزيــادة أعــداد الالجئــن

م خدماتهــا املختلفــة ألزيــد مــن 5 ماليــن الجــئ ــا بعــد آخــر، فهــذه الوكالــة تقــد عام

ــن ــزال الضام ــا ال ت ــطينية، وإنه ــي الفلس ــارج األراض ــل وخ ــن داخ ــطيني موزع فلس

ــزام املجتمــع الدولــي جتاههــم، ومــن املفتــرض أن الرئيســي لبقائهــم والرمــز األهــم اللت

تبقــى متــارس دورهــا إلــى أن يتــم هــذا احلــل العــادل والدائــم لتلــك املشــكلة فــي إطــار

حقــوق اإلنســان والقانــون الدولــي.

ــي ــع الدول ــن املجتم ــانا م ــر إحس ــا ال يعتب ــتمرار عمله ــروا” واس ــة “األون ــم وكل إن دع

ــة أو ــات الوكال ــع خدم ــإن قط ــك، ف ــم. لذل ــروع له ــق مش ــو ح ــل ه ــطينين، ب للفلس

تقليصهــا يعــد انتهــاكا حلقــوق الفلســطينين. ذلــك ألن املخيمــات، وبعــد مــرور هــذه

ــن ــزءا م ــطيني ج ــان الفلس ــة اإلنس ــي مخيل ــت ف ــن، أصبح ــن الزم ــة م ــود الطويل العق

الوطــن وإن املنــازل املقامــة عليهــا ســترفق بالدولــة الفلســطينية مبجــرد انتهــاء االحتــالل.

ــرض تشــريد الفلســطينين ــة بغ ــة العبري ــة متارســها الدول مثــة سياســات إســرائيلية معروف

وحرمانهــم مــن حقهــم فــي العــودة إلــى ديارهــم وأماكنهــم األصليــة. لهــذا، فــإن وجــود

“األونــروا” وعملهــا بكفــاءة يخفــف مــن تداعيــات هــذه السياســة وأثرهــا الســلبي علــى

حيــاة الفلســطينين ومعاشــهم.

فعاليات

| 316

ــي ــا ف ــن عمله ــل م ــات تقل ــا سياس ــارس ضده ــوط ومت ــا لضغ ــة حالي ــرض الوكال وتتع

ــروب ــن احل ــي أماك ــطينين ف ــن الفلس ــات الالجئ ــه مخيم ــرض في ــذي تتع ــت ال الوق

ــذا ــوء، وه ــي الس ــة ف ــاع غاي ــى أوض ــوريا، إل ــي س ــودة ف ــك املوج ــل تل ــزاع، مث والن

يســتدعي توســيع “األونــروا” خلريطتهــا اجلغرافيــة لتشــمل الالجئن الفلســطينين املســجلن

فــي تركيــا ومصــر وجهــات أخــرى، ال تقليــص هــذه املســاحة وتقليــل النفقــات وحشــر

ــة املتكــررة. ــات املالي ــة األزم ــي زاوي ــة ف الوكال

م التزاماتهــا املاليــة جتــاه هــذه الوكالــة إلــى عهــد كانــت الواليــات املتحــدة األميركيــة تقــد

الرئيــس احلالــي، دونالــد ترامــب، والــذي منــذ تقلــده منصبــه أصبــح ينظــر إلــى الوكالــة مــن

ــا. ل املســألة مــن اإلطــار السياســي إلــى كونهــا شــأنا اقتصادي منظــور اقتصــادي بحــت وحــو

ــة الفلســطينية وإن انتقــادات إدارة ترامــب املســتمرة ضــد “األونــروا” وسياســته جتــاه القضي

عمومــا تهــدف إلــى توفيــر حــل مبتســر يتجاهــل حــق العــودة لالجئــن الفلســطينين.

ــر/ ــة العامــة لــأمم املتحــدة، منتصــف نوفمب ــة فــي اجلمعي لقــد كان تصويــت 170 دول

تشــرين الثانــي 2019، لصــاحل مشــروع قــرار لتجديــد واليــة “األونــروا” لثــالث ســنوات

ــدة ــات املتح ــنتها الوالي ــي ش ــالت الت ــن احلم ــم م ــى الرغ ــا، عل ــا مهم ــدة، حدث جدي

ــة اإلســرائيلية ــه للحمل وإســرائيل إللغــاء واليــة الوكالــة، ألنــه مبنزلــة رفــض ال لبــس في

للقضــاء علــى وجــود “األونــروا” وإلغــاء احلقــوق غيــر القابلــة للتصــرف لالجئــن

الفلســطينين، وأبرزهــا حــق العــودة مبوجــب قــرار اجلمعيــة العامــة لــأمم املتحــدة رقــم

194 الــذي يؤكــد علــى حقــوق الالجئــن الفلســطينين فــي العــودة إلــى ديارهــم وتلقــي

التعويــض، وهــو القــرار الــذي أعــادت الوكالــة الدوليــة تأكيــده 135 مــرة فــي ســابقة لــم

حتــدث مــع أي قــرار صــادر عنهــا مــن قبــل.

317 |

معايري النشر يف مجلة لباب

ــا أو ــا أو كلي ا خصيصــا للمجلــة، وأال يكــون قــد نشــر جزئي 1. أن يكــون البحــث أصيــال معــد

م فــي أحــد املؤمتــرات العلميــة ــة وســيلة نشــر إلكترونيــة أو ورقيــة، أو قــد نشــر مــا يشــبهه فــي أي

مــن غيــر املؤمتــرات التــي يعقدهــا مركــز اجلزيــرة للدراســات، أو إلــى أيــة جهــة أخــرى.

2. أن يرفق البحث بالسيرة العلمية )C.V.( للباحث.

3. يجب أن يشتمل البحث على العناصر التالية:

- عنوان البحث باللغتن العربية واإلجنليزية.

- ملخــص تنفيــذي باللغتــن العربيــة واإلجنليزيــة فــي حنــو 125�100 كلمــة، والكلمــات

املفتاحيــة )keywords( بعــد امللخــص.

4. أن يتقيد البحث مبواصفات التوثيق وفقا لنظام اإلحاالت املرجعية الذي يعتمده املركز.

5. يــراوح احلــد األقصــى لعــدد كلمــات البحــث، مبــا فــي ذلــك املراجــع فــي اإلحــاالت

املرجعيــة والهوامــش اإليضاحيــة، وقائمــة املراجــع وكلمــات اجلــداول فــي حــال

ــى، ــد أقص ــة كح ــن �5000 7000 كلم ــا، ب ــال وجوده ــي ح ــات ف ــا، وامللحق وجوده

وللمجلــة أن تنشــر، بحســب تقديراتهــا وبصــورة اســتثنائية، بعــض البحــوث والدراســات

ــي تتجــاوز هــذا العــدد مــن الكلمــات. الت

6. فــي حــال اســتخدام الباحــث مقتطفــات أو فصــول مــن رســائل جامعيــة أقــرت مــن

قبــل، فعليــه أن يشــير إلــى ذلــك، ويقــدم بيانــات وافيــة عــن عنــوان األطروحــة وتاريــخ

مناقشــتها واملؤسســة التــي جــرت فيهــا املناقشــة.

7. أن يقــع البحــث فــي مجــال أهــداف املجلــة واهتماماتهــا البحثيــة، وأن يكــون كذلــك

| 318

متصــال باهتمــام الباحــث وختصصــه العلمــي.

8. ترحــب املجلــة باملراجعــات النقدية للكتب املنشــورة بحــدود ال تتجــاوز )�2000 2500(

كلمــة، وفــي هــذه احلالــة يتوجــب علــى الكاتــب أن يذكــر فــي أعلــى الصفحــة املعلومــات

ــات. ــدد الصفح ــه وع ــر وتاريخ ــكان النش ــف، م ــم املؤل ــاب، اس ــوان الكت ــة: عن التالي

ــا حملتــوى الكتــاب، وكذلــك رؤيــة نقديــة معــززة وتشــمل مراجعــة الكتــب، عرضــا وصفي

بالبراهــن العلميــة املوثقــة، وأن يرســل صــورة لغــالف الكتــاب مــع املراجعــة.

ــة أو جــداول، ــادالت أو رســوم بياني ــي حــال وجــود مخططــات أو أشــكال أو مع 9. ف

ــل ــي إكس ــب برنامج ــل بحس ــي األص ــا ف ــتغلت به ــي اس ــة الت ــالها بالطريق ــي إرس ينبغ

)Excel( أو وورد)Word(، كمــا يجــب إرفاقهــا بنوعيــة جيــدة كصــور أصليــة فــي ملــف

ــا. مســتقل أيض

10. تكــون جميــع الشــروحات والتعليقــات علــى اجلــداول أو الرســوم أو تصاميــم

اإلنفوغــراف مكتوبــة باللغــة العربيــة، مــع إحــاالت واضحــة للمصــدر األصلــي للجــدول

ــط. أو املخط

11. ختضــع البحــوث للتحكيــم مــن قبــل خبــراء متخصصــن ويتخــذ قــرار نشــر البحــوث

مــن وقــرار هيئــة التحريــر. فــي ضــوء آراء احملك

12. يجري ترتيب البحوث عند النشر على وفق مقتضيات فنية حصرا.

ــي ــوث ف ــر البح ــل نش ــة مقاب ــآت مالي ــات مكاف ــرة للدراس ــز اجلزي ــع مرك 13. ال يدف

ــوث. ــز البح ــد مراك ــع تقالي ــاقا م ــة، اتس املجل

319 |

أسلوب كتابة الهوامش واملراجع

سياسات عامة

- فــي األوراق البحثيــة والدراســات، يجــري تدويــن الهوامــش بشــكل يــدوي فــي نهايتها

ن دون اســتخدام خاصيــة تنســيق احلواشــي الســفلية )Footnote(. أمــا فــي الكتــب فتــدو

اإلحــاالت فــي أســفل كل صفحــة عبــر خاصيــة تنســيق احلواشــي الســفلية.

- عنــد اإلحالــة إلــى مصــدر للمــرة األولــى، تــدرج املعلومــات الكاملــة املتعلقــة بذلــك

املصــدر وفــق السياســات التفصيليــة الــواردة أدنــاه.

- عنــد تكــرار املصــدر مباشــرة توضــع العبــارة التاليــة: “املرجــع الســابق”، وبخصــوص

الكتــب األجنبيــة توضــع عبــارة “Ibid” مــع ذكــر رقــم الصفحــة.

- عنــد تكــرار املصــدر، بعــد ورود مصــادر أخــرى، يذكــر االســم العائلــي للمؤلــف )دون

االســم األول( متبوعــا بعنــوان املصــدر بصيغــة مختصــرة )دون العنــوان الفرعــي(، ورقــم

. لصفحة ا

ــي دون ناشــر، وفــي حــال عــدم - فــي حــال عــدم معرفــة الناشــر يكتــب )د. ن( وتعن

ــخ. ــي دون تاري ــب )د. ت( وتعن ــخ النشــر يكت ــة تاري معرف

| 320

سياسات تفصيلية

أوال: الــكــتب

1.كتاب ملؤلف واحد:

اســم املؤلــف، عنــوان الكتــاب، رقــم الطبعــة )إن وجــد( )مــكان النشــر، الناشــر، تاريــخ

النشــر(، رقــم الصفحــة.

عبــد اهلل فيصــل عــالم، العالقــات املدنية-العســكرية والتحــول الدميقراطــي فــي مصــر:

ــرون، ــوم ناش ــة للعل ــدار العربي ــروت، ال ــوز 2013، ط 1 )بي ــوز �1952 يوليو/مت يوليو/مت

.5 2018(، ص

إذا كان االقتباس يشمل أكثر من صفحة، يكتب الهامش كاآلتي:

ــروت، ــر، ط 1 )بي ــورة 25 يناي ــد ث ــرائيلية بع ــات املصرية-اإلس ــي، العالق ــاحل النعام ص

ــرون، 2017(، ص 5-7. ــوم ناش ــة للعل ــدار العربي ال

George Graham, Philosophy of Mind: An Introduction, 2nd ed. )Malden, MA:

Blackwell, 1998(, 87.

ق بيانات الكتاب كاآلتي: إذا لم توجد إشارة للطبعة، توث

محمــد الســعيد إدريــس، النظــام اإلقليمــي للخليــج العربــي، )بيــروت، مركــز دراســات

الوحــدة العربيــة، 2000(، ص 24.

Wendy Doniger, Splitting the Difference: Gender and Myth in Ancient Greece

and India )Chicago: University of Chicago Press, 1999(, 23.

ــف علــى ــق بيانــات املؤل أمــا فــي “قائمــة املراجــع”، التــي تــرد فــي آخــر الكتــاب، فتوث

هــذا النحــو:

321 |

ــد اهلل. العالقــات املدنية-العســكرية والتحــول الدميقراطــي فــي مصــر: فيصــل عــالم، عب

يوليو/متــوز �1952 يوليو/متــوز 2013. ط 1. بيــروت، الــدار العربيــة للعلــوم ناشــرون، 2018.

Doniger, Wendy. Splitting the Difference: Gender and Myth in Ancient Greece

and India. Chicago: University of Chicago Press, 1999.

2. كتاب ملؤلف واحد من عدة أجزاء:

ــف، عنــوان الكتــاب، )مــكان النشــر، الناشــر، تاريــخ النشــر(، رقــم اجلــزء، اســم املؤل

رقــم الصفحــة.

أبو الفداء بن كثير، البداية والنهاية، )بيروت، مكتبة املعارف، 1977(، ج 12، ص 126.

Manning Clark, A History of Australia )Carlton, Vic.: Melbourne University Press, 1962(, 1: 243.

ــق بيانــات الكتــاب فــي “قائمــة املراجــع”، التــي تــرد فــي آخــر الكتــاب، بالشــكل وتوث

ــف واحــد ضمــن القائمــة نفســها. الــذي أدرج فيــه كتــاب ملؤل

3. كتاب ملؤلفن اثنن:

ــاب، )مــكان النشــر، الناشــر، ــوان الكت اســم املؤلــف األول، اســم املؤلــف الثانــي، عن

تاريــخ النشــر(، رقــم الصفحــة.

ــة، ــة العربي ــي املنطق ــي ف ــروع اإليران ــس، املش ــعيد إدري ــد الس ــوي، محم ــاح املوس صب

)عمــان، دار العمــاد، 2013(، ص 135.

Kurt Johnson and Steve Coates, Nabokov’s Blues: The Scientific Odyssey of a

Literary Genius )Cambridge, MA: Zoland Books, 1999(, 167.

ــه ــاب، بالشــكل الــذي ورد ب ــرد فــي آخــر الكت ــي ت ــدرج فــي “قائمــة املراجــع”، الت وي

ــف واحــد. ــاب ملؤل كت

سياسات عامة

| 322

4. كتاب ألكثر من ثالثة مؤلفن:

اســم املؤلــف األول وآخــرون، عنــوان الكتــاب، )مــكان النشــر، الناشــر، تاريــخ النشــر(،

رقــم الصفحــة.

ــة األولــى بعيــون ســيار اجلميــل وآخــرون، الطريــق إلــى ســايكس-بيكو: احلــرب العاملي

ــوم ناشــرون، 2016(، ص 25. ــة للعل ــدار العربي ــروت، ال ــة، ط 1 )بي عربي

Raymond Evans et al., 1901, Our Future’s Past: Documenting Australia’s

Federation )Sydney: Macmillan, 1997(, 35.

ــه ــاب، بالشــكل الــذي ورد ب ــرد فــي آخــر الكت ــي ت ــدرج فــي “قائمــة املراجــع”، الت وي

ــف واحــد. ــاب ملؤل كت

5. كتاب جلهة حكومية أو مؤسسة دولية أو غيرهما:

ــاب، )مــكان النشــر، الناشــر، تاريــخ النشــر(، رقــم ــوان الكت اســم اجلهــة أو املؤسســة، عن

الصفحــة.

ــرأي العــام، ط 1 )قطــر، ــره علــى ال ــة، اإلعــالم اإللكترونــي وتأثي ــاء القطري ــة األنب وكال

ــة، 2010(، ص 22. ــاء القطري ــة األنب وكال

World Health Organization, Abortion Laws: A Survey of Current World Legisla�

tion )Geneva: World Health Organization, 1771(, 60-70.

ــه ــاب، بالشــكل الــذي ورد ب ــرد فــي آخــر الكت ــي ت ــدرج فــي “قائمــة املراجــع”، الت وي

ــف واحــد. ــاب ملؤل كت

6. كتاب حملرر واحد:

اسم احملرر )محرر(، عنوان الكتاب، )مكان النشر، الناشر، تاريخ النشر(، رقم الصفحة.

323 |

- فاطمــة الصمــادي )محــررة(، التقــارب اإليراني-األميركــي: مســتقبل الــدور اإليرانــي،

ط 1 )بيــروت، الــدار العربيــة للعلــوم ناشــرون، 2014(، ص 15.

Ken Stewart, ed., The 1890s: Australian Literature and Literary Culture )St

Lucia, Qld.: University of Queensland Press, 1996(, 97.

ويدرج في “قائمة املراجع” بالشكل الذي ورد به كتاب ملؤلف واحد.

7. كتاب حملررين اثنن:

ــر، ــكان النش ــاب، )م ــوان الكت ــرران(، عن ــي )مح ــرر الثان ــم احمل ــرر األول، اس ــم احمل اس

ــة. ــم الصفح ــر(، رق ــخ النش ــر، تاري الناش

عــز الديــن عبــد املولــى، نــور الديــن امليــالدي )محــرران(، اجلزيــرة فــي عشــرين عامــا: أثرهــا فــي

اإلعــالم والسياســة واألكادمييــا، ط 1 )بيــروت، الــدار العربيــة للعلــوم ناشــرون، 2016(، ص 26.

Arthur J. Knoll and Lewis H. Gann, eds., Germans in the Topics: Essays in

German Colonial History )New York: Greenwood Press, 1987(, 137.

ويدرج في “قائمة املراجع” بالشكل الذي ورد به كتاب ملؤلف واحد.

ر: 8.كتاب مترجم أو مترجم ومحر

اســم املؤلــف، عنــوان الكتــاب، ترجمــة اســم املترجــم، )مــكان النشــر، الناشــر، تاريــخ

النشــر(، رقــم الصفحــة.

بشــارة خضــر، أوروبــا والعالــم العربــي: رؤيــة نقديــة للسياســات األوروبيــة، ترجمــة أكــرم

حمــدان، ط 1 )بيــروت، الــدار العربيــة للعلــوم ناشــرون، 2016(، ص 15.

Rigoberto Mench, Crossing Borders, Trans. and ed. Ann Wright )New York:

Verso, 1999(, 109.

سياسات عامة

| 324

ــه ــاب، بالشــكل الــذي ورد ب ــرد فــي آخــر الكت ــي ت ــدرج فــي “قائمــة املراجــع”، الت وي

ــف واحــد. ــاب ملؤل كت

فه أو اجلهة املسؤولة عن حتريره: 9. كتاب ال يوجد اسم مؤل

عنوان الكتاب، بدون مؤلف، )مكان النشر، الناشر، تاريخ النشر(، رقم الصفحة.

رسائل إخوان الصفا وخالن الوفاء، بدون مؤلف، )بيروت، دار صادر، 2004(، ص 39.

Conflict: A Nation Faces the Challenge )Brisbane: Freedom Publishing, 1961(, 18.

ويدرج في “قائمة املراجع” بالشكل الذي ورد به كتاب ملؤلف واحد.

فه لكن اسم املترجم أو احملرر أو احملقق موجود: 10. كتاب ال يوجد اسم مؤل

اســم املترجــم )مترجــم(، أو اســم احملــرر )محــرر( أو اســم احملقــق )محقــق( عنــوان

الكتــاب، )مــكان النشــر، الناشــر، تاريــخ النشــر(، رقــم الصفحــة.

عبد القادر بوباية )محقق(، تاريخ األندلس، )بيروت، دار الكتب العلمية، 2007(، ص 43.

Theodore Silverstein, trans., Sir Gawain and the Green Knight )Chicago: Uni�

versity of Chicago Press, 1974(, 34.

ويدرج في “قائمة املراجع” بالشكل الذي ورد به كتاب ملؤلف واحد.

11. كتاب في سلسلة علمية أو معرفية:

ــر، ــر، الناش ــكان النش ــا، )م ــلة ورقمه ــوان السلس ــاب، عن ــوان الكت ــف، عن ــم املؤل اس

ــة. ــم الصفح ــر(، رق ــخ النش تاري

معتصــم بابكــر مصطفــى، أيديولوجيــا شــبكات التواصــل االجتماعــي وتشــكيل الــرأي العــام،

سلســلة كتــاب التنويــر 12، ط 1 )الســودان، مركــز التنويــر املعرفــي، 2014(، ص 121.

Kyriakos Nicolaou, The Historical Topography of Kition, Studies in Mediterra�

325 |

nean Archaeology 43 )Goteborg: Astrom, 1976(, 35.

ويدرج في “قائمة املراجع” بالشكل الذي ورد به كتاب ملؤلف واحد.

12. كتاب إلكتروني:

اســم املؤلــف، عنــوان الكتــاب، )مــكان النشــر، الناشــر، تاريــخ النشــر(، رقــم الصفحــة،

.)DOI( أو معــرف الوثيقــة الرقمــي )URL( الرابــط

Bit� )يكتــب الرابــط أو معــرف الوثيقــة الرقمــي مختصــرا بالرجــوع إلــى مختصــر الروابــط

.)Google URL Shortener( أو )ly.com

حســن عمــاد مــكاوي، تكنولوجيــا االتصــال احلديثــة فــي عصــر املعلومــات، ط 1

https://bit.ly/2DaBEgG ،25 ص ،)1993 اللبنانيــة، املصريــة الــدار )القاهــرة،

Claudia Schwabe, Ed., The Fairy Tale and its Uses in Contemporary New

Media and Popular Culture )Basel: MDPI, 2016(, 25, https://bit.ly/2RKqtR4.

ويدرج في “قائمة املراجع” بالشكل الذي ورد به كتاب ملؤلف واحد.

ر: 13. فصل من كتاب محر

ــر: اســم احملــرر، )مــكان ــاب، حتري ــوان الكت ــوان الفصــل”، فــي عن اســم الكاتــب، “عن

النشــر، الناشــر، تاريــخ النشــر(، رقــم الصفحــة.

حســناء حســن، “اجلزيــرة وتطــور متثــالت النســاء وأدوارهــن فــي املجــال العــام: دراســة

ــا: ــرين عام ــي عش ــرة ف ــي اجلزي ــدات”، ف ــط ورائ ــاء فق ــي للنس ــون برنامج ــي مضم ف

أثرهــا فــي اإلعــالم والسياســة واألكادمييــا، حتريــر: عــز الديــن عبــد املولــى ونــور الديــن

ــرون، 2016(، ص 220. ــوم ناش ــة للعل ــدار العربي ــروت، ال ــالدي، ط 1 )بي املي

Sabine Willis, ”Made to be Moral: At Parramatta Girls’ School, 1898-1923,“

سياسات عامة

| 326

in Twentieth Century Sydney: Studies IN Urban & Social History, ed. Jill Roe

)Sydney: Hale & Iremonger, 1980(, 180.

ويدرج في “قائمة املراجع” بالشكل الذي ورد به كتاب ملؤلف واحد.

14. محرر مقدمة الكتاب:

ــر، ــر، درا النش ــكان النش ــب، )م ــم الكات ــاب، اس ــوان الكت ــة، عن ــب املقدم ــم كات اس

ــة. ــم الصفح ــر(، رق ــخ النش تاري

الوليــد آدم مابــدو، مقدمــة لـــ حــروب الترابــي الشــيخ حســن: سياســي محتــرف أم مفكر

إســالمي؟، صديقــي محيســي، ط 1 )القاهــرة، احلضــارة للنشــر، 2016(، ص 7.

William Trevor, introduction to Pride and Prejudice, by Jane Austen )Oxford:

Oxford University Press, 1999(, vi.

ويدرج في “قائمة املراجع” بالشكل الذي ورد به كتاب ملؤلف واحد.

ثانيا: الرسائل اجلامعية

ــة ــتير أو أطروح ــالة ماجس ــا: رس ــة، )نوعه ــالة أو األطروح ــوان الرس ــف، عن ــم املؤل اس

دكتــوراه، اســم اجلامعــة، تاريــخ اإلجــازة أو النشــر(، رقــم الصفحــة )إذا كانــت الرســالة

ــة(. ــة اإلحال أو األطروحــة منشــورة علــى اإلنترنــت يوثــق رابطهــا فــي نهاي

ــة ــة املصري ــي الصحاف ــة ف ــات الصحفي ــق املعلوم ــات توثي ــيد، تقني ــراء الس ــة الزه فاطم

ــرة، 2011(، ص 83. ــة القاه ــتير، جامع ــالة ماجس )رس

Neville Douglas Buch, ”American Influence on Protestantism in Queensland

since 1945“ )PhD thesis, University of Queensland, 1994(, 42.

وترد في “قائمة املراجع” على هذا النحو:

327 |

الســيد، فاطمــة الزهــراء. تقنيــات توثيــق املعلومــات الصحفيــة فــي الصحافــة املصريــة.

رســالة ماجســتير، جامعــة القاهــرة، 2011.

Buch, Neville Douglas. ”American Influence on Protestantism in Queensland

since 1945.“ PhD thesis, University of Queensland, 1994.

ثالثا: الوثائق الرمسية

وثائق حكومية أو تقارير منظمات حكومية وغير حكومية.

اســم املنظمــة أو اجلهــة احلكوميــة، “عنــوان الوثيقــة”، رقمهــا التسلســلي، )مــكان النشــر:

تاريــخ النشــر(، رقــم الصفحــة.

،PLO 10/6700/2018 ”،ــم ــي العال ــان ف ــوق اإلنس ــة حق ــة، “حال ــو الدولي ــة العف منظم

ــة، 2018(، 31. ــو الدولي ــة العف ــا: منظم )بريطاني

Transparency International, ”Corruption Perceptions Index 2019,“ CC BY-

ND 4.0, )2018(, 13, https://bit.ly/2SxUVlH.

وترد في قائمة املراجع على هذا النحو:

.PLO 10/6700/2018 .”ــم ــي العال ــان ف ــوق اإلنس ــة حق ــة. “حال ــو الدولي ــة العف منظم

ــة، 2018(. ــو الدولي ــة العف ــا: منظم )بريطاني

Transparency International. ”Corruption Perceptions Index 2019.“ CC BY-

ND 4.0. 2018.

رابعا: املؤمترات والندوات

ــكان ــر، م ــدوة أو املؤمت ــوان الن ــى عن ــت في/إل م ــة”، )قد ــوان الورق ــف، “عن ــم املؤل اس

ــت. ــى اإلنترن ــورة عل ــة منش ــت الورق ــط إذا كان ــاد(، الراب ــخ االنعق ــاد، تاري االنعق

سياسات عامة

| 328

ــي ــوي ف ــتخدام اللغ ــة االس ــي وتنمي ــة االجتماع ــم اللغ ــازي، “عل ــي حج ــود فهم محم

مــت في/إلــى نــدوة اللغــة العربيــة املجتمــع املدنــي املعاصــر”، )بحــث أو ورقــة قد

ومؤسســات املجتمــع املدنــي، القاهــرة، 28 مــارس/آذار- 4 أبريل/نيســان 2011(.

Ronald A. Francisco, ”The Dictator’s Dilemma“ )paper presented at the Con�

ference on Repression and Mobilization, University of Maryland, June 21-

24, 2001(, https://bit.ly/2WMMNNK.

وترد في “قائمة املراجع” كما أدرجت الوثائق الرمسية في القائمة.

خامسا: الدوريات واملجالت

1. دراسة من دورية أو مجلة:

اســم الكاتــب، “عنــوان الدراســة”، اســم املجلــة )جهــة النشــر، البلــد، املجلــد و/أو رقــم

العــدد، تاريــخ النشــر(، رقــم الصفحــة.

معتــز ســالمة، “الــدور السياســي للنخبــة العســكرية فــي مصــر الثــورة”، مجلــة الدميقراطية

)مركــز األهرام للدراســات السياســية واالســتراتيجية، مصــر، العــدد 53، 2014(، ص 63.

Roland Quinault, ”Afghanistan and Gladstone’s Moral Foreign Policy,“ History

Today 52, no. 12 )2002(: 29.

ه إلى الرابط أو معرف الوثيقة الرقمي كاآلتي: إذا كانت الدراسة منشورة على اإلنترنت ينو

علــي عبــد الهــادي، “مصداقيــة املتحــدث الرمســي للحكومــة لــدى اجلمهــور العراقــي:

ــدد 41، ــراق، الع ــداد، الع ــة بغ ــي )جامع ــث اإلعالم ــة الباح ــحية”، مجل ــة مس دراس

115 :)2018، https://bit.ly/2t7no3J

Robert Dessaix, ”Russia: The End of an Affair,“ Australian Humanities Review

329 |

6 )1997(, https://bit.ly/2BmTdtI.

وترد في “قائمة املراجع” كما أدرجت أوراق املؤمترات والندوات في القائمة.

سادسا: مقاالت الصحف

اسم الكاتب، “عنوان املقال”، اسم الصحيفة، تاريخ النشر.

شفيق ناظم الغبرا، “شروط االستقرار العربي”، القدس العربي، 7 فبراير/شباط 2019.

Tony Stephens, ”The Stain on Redfern’s Past,“ Sydney Morning Herald,

Spectrum, February 28-29, 2004.

ابهــا تذكــر فــي قائمــة املراجــع، أمــا التقاريــر التــي ختلــو مــن عهــا كت املقــاالت التــي يوق

اســم احملــرر فــال تذكــر فــي القائمــة.

سادسا: صفحات املواقع واملنشورات اإللكترونية

ــر ــخ النش ــي، تاري ــع اإللكترون ــم املوق ــر”، اس ــال أو التقري ــوان املق ــب، “عن ــم الكات اس

ــط. ــول:...(، الراب ــخ الدخ )تاري

ســعيد احلــاج، “تركيــا وحتديــات االنســحاب العســكري األميركــي مــن ســوريا،” اجلزيــرة

https:// ،)2019 ــباط ــول: 7 فبراير/ش ــخ الدخ ــي 2019 )تاري ــون الثان ــت، 1 يناير/كان ن

.bit.ly/2DdLy12

Dana Milbank, ”The Democratic apology tour is a sorry spectacle,“ The

Washington Post, February 6, 2019, ”accessed February 24, 2019“.

https://wapo.st/2BnpYXS.

عهــا كتابهــا تذكــر فــي قائمــة املراجــع، أمــا التقاريــر التــي ختلــو مــن املقــاالت التــي يوق

اســم احملــرر فــال تذكــر فــي القائمــة.

سياسات عامة

| 330

ثامنا: املقابالت

1. مقابلــة خاصــة أجراهــا الباحث/املؤلــف مــع املنصــف شــيخ روحــه، عضــو املجلــس

الوطنــي التأسيســي، 2 يونيو/حزيــران 2014، تونــس.

2. مقابلــة عبــر الهاتف/البريــد اإللكتروني/الســكايب أجراهــا الباحــث مــع عمــاد بشــير،

مديــر كليــة اإلعــالم والتوثيــق، 24 نوفمبر/تشــرين الثانــي 2018.