السبع المثاني

163

Upload: the-site-of-the-humane-scholar-mohammad-amin-sheikho

Post on 22-Dec-2014

593 views

Category:

Documents


20 download

DESCRIPTION

 

TRANSCRIPT

Page 1: السبع المثاني
Page 2: السبع المثاني

 

فضيلة العلامة اإلنسـاين الكبري

حممد أمني شيخو قدس اهللا سره

أسرار السبع المثاني وحقـائقھـا

مجعه وحققه املريب األستاذ

عبد القادر حيىي الشهري بالديراين

www.amin-sheikho.com: موقعنا على اإلنترنت

Page 3: السبع المثاني

 

الفهرس

مقدمة

احلق الراهن

وتلك حكمة واحدة

املعىن احلقيقي

تأويل السبع املثاين

دعاء االستفتاح

السر األعظم الذي تنطوي عليه فاحتة الكتاب

الصالة معراج املؤمن

ماذا تفعل االستعاذة باهللا؟

بسم اهللا الرمحن الرحيم

العقل املستنري ولوازمه

لم االجتاه إىل الكعبة حصرا؟

عود على بدء وإيضاح إثر إجياز

احلمد هللا رب العاملني

الرب

Page 4: السبع المثاني

 

العاملني

ا حيمدان اهللا باآلخرة بعد كشف الغطاءاملؤمن والكافر كالمه

الشدائد واملصائب وخريها العميم

علم كلمح البصر

الرمحن الرحيم

مالك يوم الدين

حرية االختيار

!كل ينبغي السعادة فلم يلحق الشر؟

سبب عمى البصرية

احلق من ربك

وملعرفة املربي جل جالله درجات

كيف نرقى لدرجة ال خوف بعدها وال حزن؟

حقيقة العبادة

اخلري من اهللا والشر من نفسك

كيف تنهى الصالة عن الفحشاء واملنكر؟

ال تعجب

الوفد السامي

Page 5: السبع المثاني

 

املستقيم حقيقة الصراط

!؟}املغضوب عليهم{: من هم

!؟}الضالني{: من هم

الصراط املستقيم يف كل شؤون احلياة

والعصر

الركوع والسجود

ما تيسر من القرآن الكرمي

التحيات

السالم عليك أيها النيب ورمحة اهللا وبركاته

البشارة

الصلوات اإلبراهيمية

هللا تعاىلذروة القرب من ا

إيضاح حوار التحيات

مفارقات وتساؤل

االختالف باألعداد

لم سنن الصالة؟

صالة اجلمعة

Page 6: السبع المثاني

 

صالة العيدين

أحكام الصالة

سنن الصالة

املكروهات واملفسدات

!بالصالة؟ هل سها رسول اهللا

حنا بالصالةريا بالل أ

يف الصالة جعلت قرة عيين

}..يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد{

صالة قيام الليل والتهجد

صالة األوابني

صالة الضحى

رةصالة االستخا

صالة االستسقاء

احلكمة من الصالة على امليت

احلكمة من اجلهر بالصالة ليال واخلفت هبا هنارا

حاالت قصر الصالة

سجدحكم صالة املرأة يف امل

Page 7: السبع المثاني

 

حجاب املرأة يف الصالة

هدية بني يدي اهللا

الصدقة والزكاة

استنباط نسبة الزكاة من القرآن الكرمي

صوم قبل الصيام

التقوى

صالة التراويح

صالة التسابيح

Page 8: السبع المثاني

 

بسم اهلل الرحمن الرحيم

ارتاد إنسان القرن العشرين الفضاء، وجاز مبركباته إىل الكواكب إحبارا بتكاليف باهظة، متنافسا مـع دوم، ولكن لألسف ما بلغ وأقرانه، معشار األسابقا حنو التقدم والتكنولوجيا األرقى واألقوى وأقرانه، مت

ما بلغت اجلنة ذات اخللقة املهيأة للطريان واجتياز احلدود األرضية باإلرادة، ومل تكن صناعة اإلنسـان رضي ذهابا وإيابا، وهـو لتفوق خلق اهللا مهما كانت، ولن تكون، صنع الطائرات وجاب الفضاء األ

.رهني جسمه، معرض لكافة املخاطر، فما بلغ متعة طري بطريانه وتنقله

ركب البحار، وغاص يف أعماقها جيئة وذهابا الكتشاف مكنوناهتا، وظل عاجزا عن كشف عوامل مـا يفوق صـناعاته وكلما تقدم وجد هناك خلقا من حلم وعظم من األمساك،. حتت الظالم املدهلم املخيف

الفوالذية التكنولوجية عمقا وانسجاما ومقاومة لضغوط أعمدة املياه الثقيلة، وتآلفـا مـع ضـغوط ال .يتصورها عقل

مسرعا كإعصار، ال يبقي وال يذر شيئا من حضارته، وكذلك املاء قليل من اهلواء اللطيف، يأيت مجتمعا .وقفه إلا خالقهسر احلياة، إن طاف أو سال أو هاج، ليس ي

أفإىل هذا خلقت أيها اإلنسان املكرم عند اهللا، للصراع مع الطبيعة، وهي الطيعة املسخرة لك ولرزقـك !...وطعامك وشرابك وللتنافس مع املخلوقات اليت خلقت خلدمتك

، بدت الطرقات، وانتشرت السياراتتقدمت بك احلضارة، فتعددت الطبقات للبناء يف كل األرض، وع .فلم يعد للسفر والترحال أي متعة جبديد) قميص وبنطلون(عموما لونا واحدا من اللباس ولبس الناس

شيء ممل، فـال . فأي البالد جبت، وأي األماكن زرت، ستشاهد نفس املنظر واملشهد من بناء ولباسقدم والرقي بالدنيا قتل تنوع وال جديد، فكانت احلضارة كاليت نقضت غزهلا من بعد قوة أنكاثا، إذ الت

هى بصر أعمى القلب، أعمى البصرية، ال يبصر مما وراءها وما الدنيا إلا منت. البيئة والدنيا، وأمات هبجتهاشيئا، والبصري املؤمن ينفذ منها ببصريته للدار اآلخرة، بيقينه باملوت الذي ال بد منه، ويعلم أن الـدار

النموذج اإلنساين يعلم بإميانه الذايت، إذ يؤمن كإميان سيدنا إبراهيم عليه السالم، ف. واحلياة الباقية وراءها

Page 9: السبع المثاني

 

فأوىف بعهده مع ربه، . وما املهمة امللقاة على عاتقه؟. ولم جاء إىل الدنيا؟. الكامل للسمو يعلم لم خلق؟ـ ، باوكان من السعداء يف سياحته القلبية ورحلته العظمى مع احلبيب األعظم ه لصالة يف حضرة اإلل

العظيم، بعيدا عن املاديات والسجن اجلسمي، ففاق العوامل بأسرها سعادة وحبورا، ومعرفـة وعلمـا، وحبا لإلله وعطاء منه ورضوانا، مل تكن التكاليف الباهظة، وال املشاق العسرة واملغامرات اخلطرة، هي

:السبيل لبلوغ ذلك السمو

الصدق، وقليل من التفكري يف آيات صنع اإلله، من مشس وقمر ومساء وجنوم، وبداية خللقه إمنا كثري من وهنايته، واستقامة وعمل معروف، قدر اإلمكان يورثه ثقة جتاه مربيه تعاىل، وصـلة قلبيـة حمسوسـة

النجـاة، بنورانيته القلبية، سـفينة مشهودة، ومن مث التوجه يف الصالة للبيت احلرام، حيث اإلمام ، يبينـها ، وكانت سورة الفاحتة حبقيقتها، سر االتصال مع احلبيب وسفينة اإلحبار إىل احلضرة اإللهية

وعلينا، فكـل وحده لنا، وهبه إياها تعاىل لنا وسيلة، يأتيه ويؤتينا اخلري منها، ومبا يعود باخلري عليه ، واملسـتأنس أنس بـاهللا : ، ليسمو هبم لإلنسانية احلقة، ليبلغها عباد اهللاقراءة يقرؤها فيها يرتفع هبا

.باهللا، تأنس به اخلالئق، مبا يكتسب من صفات الفضيلة والكمال من حضرة اهللا

فكانت السبع املثاين حياة للقلب امليت، وبصرا للعني العمياء، ومسعا لألذن الصماء، وريا للظمآن، وفيها .مث كتاب اهللا يبصر به وينطق به ويسمع بهالغىن كله، والشفاء والسالمة،

.فمن سلك الطريق الواضح، ورد املاء الغدق، ومن خالف إىل غريه، وقع يف التيه والظالم النفسي القليب

فال تغرر بنفسك، بل اطلب احلقيقة واعمل ضمن احلكمة، وكي تستطيع فعل اخلريات، وتصبح إنسانا سائل اليت توصلك للتقوى، اليت هي االستنارة القلبية بنور اهللا باالستشفاع من أهل اإلحسان، عليك بالو

أول العابدين، ابتداء من االستقامة، فالصالة مث الصيام ومن مث احلـج لبيـت اهللا وإقامـة بالرسول .مناسكه، فالزكاة والطهارة، وذكر وتذكر الفراق باملوت، فذلك لك خري معوان

بتالوته الفاحتة، تبليغا جتد أيها املؤمن الرحلة امليمونة يف الصالة مع رسول اهللا يف هذا السفر املبارك،عن لسان اهللا ما أمره بتبليغه، والقرآن احلكيم وسريته الشخصية بالكمال، شاهد أنه مـن املرسـلني،

.عليه ) القرآن(زول الرسالة السماوية املستقيم، كان سببا لن وسريه على الصراط

Page 10: السبع المثاني

 

بت األيام والسنون على انبثاق فجـر حضـارة تعاقالقرن العشرين بترادف العلم معها، يهبـها مدنيـة متطورة، متيد باإلنسان رفاهية ودالال، وتسدل الستار على ديانات مساوية طماهـا سـيل التحريـف

ا ختلفيا والدسوس، فاكتظت باخلرافات، وتقوقعت عن ركب احلضارة املادية، واملتمسك هبا غدا منوذج .باليا، حىت بني ظهراين أصحاب هذه الديانات

وأنشد رجل القرن العشرين بالتقدم واالزدهار والتطلع حنو األفضل، وناضل من أجل كبح مشـكالته، فشهد ذرى االبتكارات العصرية، وسرت أشعة مشس حضارته لتشمل أعدادا هائلة ما عهـدت األرض

ا وقفت عاجزة أمام ألوان اهلالك اجلماعي، وكانت كاليت نقضت غزهلا من مثيلها من السكان، غري أهن .بعد قوة أنكاثا، فاألوبئة اليت ولدت مع هذه املدنية أكثر من أن حتصى

، تسحق هبوهلا أعدادا تسري حنو املوت احملتم، األمراض عاثت يف األرض الفساد، فاإليدز مشكلة عظيمةوهكذا دواليك، مشكالت كربى تطرح ... فكه، وأمراض القلب الشائعة وذلك السرطان أعيا األطباء

حلضارة احملصورة باملادة، نفسها، تظهر خسارة تفكري هذا اإلنسان، وحاجته إىل امتداد أعمق من هذه اة امتدادا عميقا أزليا، حىت يتعدى اآلالف من السنني، ليصل إىل اهللا بالصالة احلقيقية، بربهة صدق قصري

.آنا بعد آن

فمنذ قليل، كنا مجيعا نعيش مع كربى الدول العاملية، وأكثرها مدنية، ونترقب أحداث كارثة إنسـانية عمت بضبابيتها مشارق األرض ومغارهبا، ختبط هبا العلماء ووقفوا حيارى جتاه جنون البقر وطـاعون

.الطيور

عظمة علومها وحضارهتا، فروسية هذا الفريوس، الذي حقا لقد عجزت كربى الدول العاملية أن تدفع بصال وجال ودفعها بأيديها لتحطم ثروهتا، وتزهق أرواح أبقارها وطيورها، دون فائدة منها، ناهيك عن

.األعاصري املدمرة، واحلرائق الكربى، واحلروب احملرقة

:واحلق الراهن

Page 11: السبع المثاني

10 

 

فـدوت . جلهل واآلالم، والبعد عنهاولكن تأىب الرمحة اإللهية أن تترك هذا اإلنسان يتخبط يف ظلمات ادمشق إىل العامل قاطبة، بتوقيت رجاءصرخة العلامة اإلنساين الكبري حممد أمني شيخو قدس سره، من أ

إلهي متزامنا مع هذه الكارثة الكربى، وحبل معجز خفيف على اللسان، ثقيل بامليزان، ينطق هبا اهللا على فكانت حكمة إلهيـة . من أسرار لسر األمر اإللهي بالتكبري على الذبائح لسانه من قلبه، مبا عقل وعلم

لوت الرؤوس وحنت اجلباه للحق القومي، تلك حكمة عظيمة بينها لنا العلامة اجلليل، من ثنايا أمر واحد :يف كتاب اهللا تعاىل

فاحنسرت هذه األمراض مـن سـورية احنسـارا عن طـوع، مطلقا، بعد أن أقدم معظم الذاحبني

.بالتكبري على الذبائح عند ذبح كل واحدة مبفرها

فما هو عليه احلال بتأويل الفاحتة أم الكتاب السبع املثاين مدار حبثنا، وما انطوت عليه من حكم عظيمة، :حىت قرهنا تعاىل بالقرآن العظيم بقوله جل جالله

.يا حممد : )١(}رآن العظيمولقد آتيناك سبعا من المثا�ي والق{

إن . من أعمال حياته حىت يتلوها كلمات معدودة جعلت مفتاحا لكل خري، فال يكاد مسلم يأيت عمالما الـذي جعلـها . حىت تتم تالوهتا على األموات... أو.. كان عقد بيع وشراء، أو زواج ووفاق أو

وما األسرار والغايات اليت اكتنفتها فال تصح !. كرمي؟بالتخصيص مقرونة دوما بكل صالة مع القرآن ال !.صالة بدوهنا، ولو استعرضت كلماهتا لوجدت حرية؟

:حني قراءة الفاحتة إفراديا أو مجاعة وختتتم الفاحتة بقول املصلي أو اإلمام -١

يقـول }املغضـوب علـيهم وال الضـالني صـراط الـذين أ�عمـت علـيهم غـري ،اهد�ــــا الصراط املستقيم {

.آمني بالصالة اإلفرادية: املصلي                                                            

 ).٨٧(اآلية : سورة احلجر )١(

وتلك

 حكمة واحدة

Page 12: السبع المثاني

11 

 

.أيضا بالصالة اجلماعية فلمن يؤمنون مجيعا بقوهلم آمني) آمني: (ويقول اإلمام واملصلون

لصالة الصالة صلة بني العبد وربه والظن أنه ال ثالث بينهما فكيف جيرؤ املصلي وهو خياطب ربه با -٢

.حاشا وكال. فهل هناك إله غري اهللا حيمد. ؟}الحمد لله{ على القول هللا

مل !. فكيف ال يقول املصلي هللا احلمد لك، أليس هو يف الصالة يف حضـرة اهللا؟ املخاطب باآلية هو اهللا .ال يقول أمحدك يا اهللا؟

عىن ذلك أن زيدا آخـر غـري زيـد إن زيدا أكرمين، فم: إن كنت أخاطب زيدا من الناس وقلت له

!.وليس هناك مع اهللا إله آخر }الحمد لله{املخاطب هو املكرم فكيف أقول هللا

ال سواي، فيجيبـه ) أنا رب العاملني(، فتقتضي اإلجابة }الحمد للـه رب العـالمني {ن قال املصلي هللا فإ

).لك يوم الدينأنا الرمحن الرحيم وأنا ما(تقتضي اإلجابة عندها ) الرحمـن الرحيم: (املصلي

حنن جاللة امللـك أصـدرنا : فامللك حني يقول. خطاب اإلنسان املفرد بصيغة اجلمع تعين التعظيم -٣حنن نأمر بكذا، فصيغة اجلمع للتعظيم مبعىن أن امللك هو الكل بالكل فهو حيل : املرسوم امللكي أو يقول

.لوزراء فاألمر كله له، لذا ينطق عن جاللته بصيغة اجلمع فهو ميثل األمة كلهاالربملان وجملس ا

العظمة احلقيقة الكلية والشمولية فهي حقا لإلله اخلالق العظيم للجميع، فكيـف خياطبـه املصـلي أما

فها لنفسـه وصيغة اجلمع اليت هي صيغة التعظيم يضـي }إياك �عبـد {: بالصالة بصيغة املفرد هللا بقوله

بصيغة املفرد هللا بكاف اخلطاب }وإيـاك {كذلك يكررها عن إصرار باآلية بعدها . ؟}�عبـد {بقوله

!.}�ستعني{بينما يقول عن نفسه

Page 13: السبع المثاني

12 

 

إ�ـا �حـن {: هذا ال يقوله تعاىل بكالمه القرآن الكرمي بل يقول دوما بصيغة اجلمع كما باآلية الكرميـة إ�ـا {وآيـة )٢(}إ�ـا أ�زلنـاه فـي ليلـة القـدر {وكذا بسورة القـدر )١(}كر وإ�ـا لـه لحـافظون �زلنا الذ

.وغريها من اآليات الكثري )٣(}أعطيناك الكوثر

لمصلي وال يل ال ل لتأويل سورة الفاحتة نرجع إىل اهللا العظيم يف القرآن الكرمي، قوله تعاىل لرسول اهللا

إذن فالتـايل )٤(}والقرآن العظيم.. .{أي الفاحتة : }...ولقد آتيناك سبعا من المثا�ي{وال لك

.لسورة الفاحتة على كل مؤمن مصلي أو إمام هو رسول اهللا

ها آخر بقوله شرك معه إلاملصلي يغدو بني يدي اهللا يف الصالة وهو بصلة معه، فكيف ي ملا أنلطا :نكرر

أمحدك يا اهللا، أو : والصالة صلة بني العبد وربه، مل ال يقول!. بسورة الفاحتة؟: }..الحمـد للـه {: هللا

!.أإله مع اهللا؟. احلمد لك يا رب العاملني؟

ـ }..إيـاك {: ، فيخاطبه تعاىل بلغة املفرد بكلمـة }..إياك �عبد{: وكيف يقول م نفسـه ويفخ

!.بلغة اجلمع؟}..�عبد..{: ويعظمها بكلمة

بل وكيف يشهد املصلي املفرد بالصالة أمام ربه شهادة الزور، بأن الناس كلها تعبد اهللا أو حىت الـذين : إن كان يضمن نفسه، فهل يضمن غريه بالعبادة والطاعة وعدم املعصية بقولـه !. يصلون معه مجاعة؟

                                                              ).٩(اآلية : سورة احلجر )١(

 ).١(اآلية : سورة القدر )٢(

).١(اآلية : سورة الكوثر )٣(

 ).٨٧(اآلية : سورة احلجر )٤(

Page 14: السبع المثاني

13 

 

خياطب اإلله العظيم بصيغة املفرد للتصغري ويتكلم }�سـتعني وإياك{: وكذلك اآلية }..إياك �عبد{

!. ومن وكله عن اآلخرين ليشهد أهنم فقط باهللا يسـتعينون !. عن نفسه باجلمع بلغة التعظيم والتفخيم؟ !.فهل يضمن أن الناس ال يعتمدون إلا على اهللا فقط؟

نتلوها يف اليوم أربعني مرة !. رى احلقيقة وراء مكنونات هذه السورة الكرمية؟أال جيدر بنا أن نتح: إذنوأكثر، يف كل ركعة يف الصلوات، ال لن نكتفي بأوان دون غذاء، وعلم دون معىن وحقيقة، وسـجع وطباق، وتشبيه وبيان، وإعجاز وإجياز يف اللغة واللغو، والكالم دون هدى للقلب وشفاء، ومعىن للفكر

.قناع احلق السليمباإل

هيا بنا معا مبن أعاد لإلسالم هباءه، وللحق جالله، وللقرآن العظيم مسو معناه وبيانه بعلومـه الكـربى فضيلة العلامة اإلنساين الكبري، حيث بين كشفه الرهيب احلق الذي ما سبق كشفه أحد سواه، وحقـا

بقوله للمصلي احلمد ان اهللا يبلغنا ما أمر بتبليغهوعن لس وصدقا ما نقول، وهو أن سيدنا رسول اهللا

والسبع املثـاين )١(}...ولقد آتيناك سبعا مـن المثـا�ي {: ال لنا آتاها بقوله تعاىل هللا ألنه تعاىل له

.كما هو معلوم آيات سورة الفاحتة

فع وخفض، ومن عز وذل، ومن إغناء وكاشفا حقيقة احلمد هللا على كل ما يسوقه تعاىل لعباده، من راخلري بكل األحوال، وحقائق عن املسير جل شأنه، الذي يريب العاملني، من الـذرة إىل مفادها ... وإفقار

هذا الرب الرمحن بذاته، يظهر .. و ر عاملا، والنمل عامل، واألمساك بالبحاجملرة، فاإلنس عامل، واجلن عامل هو املالك هلذا الكون مبا فيه، منذ أن ال بد من يوم يرى اإلنسان احلقيقة، أن اهللاذلك من رمحته خبلقه، و

، ولكل مرتبة ولكل منزلة رأوا خلقه تعاىل حىت القيامة، املؤمنون مجيعا هم حبال واحد مع رسول اهللا فت نفوسهم فتشرذلك واستيقنته أنفسهم، كان القرآن هدى هلم ونورا يف قلوهبم إىل الصراط املستقيم،

فال يساورهم ريب، وال يبدلون ما أنزل إليهم، وال يظنون بـاهللا . وطهرت باإلقبال الشهودي على اهللا. حاشا هللا فعدالته فوق اجلميع.. !.ظن السوء، بعدها هل حيق عليهم غضب أو ذل، أو فشل وما ضلوا؟

                                                             ).٨٧(اآلية : ورة احلجرس )١(

Page 15: السبع المثاني

14 

 

ة اإلسالم السامية، فصهرت يف بوتقتها وبذلك ساد الصحب األوائل العامل لقرون خلت، ونشروا حضاركل األهواء والنوازع والطباع واالحنرافات وملل األمم، لتحيلها إنسانية عامرة باملودة واإلخاء، حضارة عاملية من وحي السماء، انطلقت من قول صادق ال يبدل وال يتغير، حمفوظ من العلي القدير به التوحيد

.أعجمي، وال ألبيض على أسود، إال بالتقوى والعمل الصاحلاخلالص، وال فضل لعريب على

، الذي يبينـها قلبيـا ونفسـيا باحلقيقة لرسول اهللا إذن لست أنا وال أنت من يقرا الفاحتة، إمنا هي :، ال يل وال لك بقوله كما كررنا وأحملناشهوديا وللمصلني، ألن اهللا تعاىل آتاها له

:فهو التايل علينا قول اهللا )١(}سبعا من المثا�ي والقرآن العظيم ولقد آتيناك{

ملن صغى قلبـه يقوهلا . يا أخي: }..الحمـد للـه {

مالك يوم ،الرحمـن الرحيم ،رب العالمني ..{. باستقامتهـ وهو رمحة العاملني يطلب اهلداية وامل. }الـدين إيـاك �عبـد {: عونة من اهللا تعـاىل لنـا أمجعـني بـ .مجيعا صراط احلق املستقيم:}..اهد�ــــا ،�ستعني ..{: يا رب: }..وإياك

من ربه، هذا ما عجزت األوائل والعلماء األفاضل عن تبيانه، فهمه العلامة حممد أمني شيخو قدس سره هذا تعليم اهللا لـه . ن جتد هذه احلقيقة يف بطون الكتب كلها من أقوال بين البشربإقباله العايل عليه، ول

لصدقه العظيم، واستحقاقه وأعماله اإلنسانية الكربى، وكفى هبذا البيان احلق إعجازا ودليال، فأحببنـا .نقله لنفع املسلمني يف كل قطر ومصر

واحلمد هللا يف بدء ويف ختم

                                                             ).٨٧(اآلية : سورة احلجر )١(

:املعىن احلقيقي

Page 16: السبع المثاني

15 

 

ثاينتأويل السبع امل

وحقائقها

Page 17: السبع المثاني

16 

 

تأويل السبع املثاين

وسبع الثوب طهره، وكلمة السبع للفاحتة حقيقة لتطهري القلوب من عللها . وكلمة السبع تشمل التطهريالنيب األمي الذي يذهب عن املؤمنني إصرهم واألغالل اليت كانـت وشوائبها وأدراهنا، فرسول اهللا .همعليهم، فهو بالسبع املثاين يزكي

آتاها اهللا له بقوله يتال وما مسيت سورة الفاحتة باملثاين إال ملا انطوت عليه من التثنية مبعية رسول اهللا

التايل لآليات الكرمية على كل مصل فهـو وهو : }..ولقد آتيناك سـبعا مـن المثـا�ي {: تعاىل

هية، يتلوها عليه الصالة والسـالم يف ثناءات عن احلضرة اإلل ثاين اثنني بكل صالة، فآيات الفاحتة أيضامشتقة من السمو والعلو، مبا فيه تعاىل من مسو بأمسائـه ): بسم(من بسم اهللا، داء تكل آية من آياهتا اب

ملا من تعـاىل ... هو الثناء القليب واالمتنان لصاحب الثناء، جل شأنه: }..الحمـد للـه {: احلسىن فـ

فطوىب ملن أوصلهم سعيهم اإلمياين وصدقهم واستقامتهم ليغدوا : }الرحمـن الرحيم{... وأبدع، فمنح

.بقلوهبم، يتلو عليهم هذه الثناءات يف صلواهتم مع رسول اهللا

ين ثـا فلو اقتصر املعىن على الثناء للزم اجلمع قول ثناءات أو أثنية، ولكنها أيضا تضمنت التثنية فهو

، يا حممد : )١(}ولقد آتيناك سبعا من المثا�ي والقرآن العظـيم {: اثنني كما أشرنا إذ أن اهللا آتاه إياها

.يتلوها على املؤمن املصلي املتلقي األلفاظ ومعانيها

ن كل ما تشتهيه النفس بتلك احلقيقة يف صالته كانت له هنيا عن الفحشاء واملنكر، إذ تثنيه ع ومن فازفيطوى . باب اإلله الويف األول، وهتواه من الزائل الفاين، إىل الباقي جل وعال، وتعطفه على الوسيلة

وكفاية عن لذائـذ الشـهوات الدنيـة ن له وقاء من اهلم واحلزن واحلسرة والذل،بنوره ويستر، ويكوإذ دنية، ذات املظهر اخلـداع الـرباق خراه، ويريه حقائق الدنيا الاملنقضية، اليت يتلوها األمل يف ديناه وأ

                                                             ).٨٧(اآلية : سورة احلجر )١(

Page 18: السبع المثاني

17 

 

بروحانيته النورانية الصاعقة ويلويه عن لذائذ الشقاء واحلسرات الدنية فيكفيه ويغنيـه عـن يصرفه ويرى أن الدنيا جيفة طالهبا كالهبا، فيسلك من حيث أراد اهللا له، وما أراد اهلوى املهلك ويعرض عنه،

ثانيـه، أي كيف ال حيظى هبا، وأصبح رسول اهللا . إلا السعادة واهلناء ونوال املكرماتلعباده تعاىلستلهمه الرشد والصواب، من احلـق ييستهديه يف أمره وشفيعه، يذهب عنه إصره واألغالل اليت عليه،

هل الكبائر الضـالني شفيعه بنوره عند موته ويوم القيامة، فالشفاعة للمؤمنني ال أل وهو . جل وعال .املضلني

كيف يكون عليه حاله وقوله، وملكاته وطاقاته، وقـد أسـلم ثانيه وشفيعه، فمن كان رسول اهللا ، فهو على صراط ال انفصام هلا" نفس املصطفى "استمسك بالعروة الوثقى إذوجهه هللا وهو حمسن،

.مستقيم

Page 19: السبع المثاني

18 

 

دعاء االستفتاح

ات واألرض حنيفا مسلما وما أنا مـن املشـركني، إن صـاليت وجهت وجهي للذي فطر السمو«

.»ونسكي وحمياي وممايت هللا رب العاملني ال شريك له وبذلك أمرت وأنا من املسلمني

وأقواله، وحـي ، الذي آتاه اهللا السبع املثاين، يدل أن كل أفعاله وهذا الدعاء يقوم به رسول اهللا

إ�ـي وجهـت {: وى، بل عن اهللا الذي علمه كما يف قولـه تعـاىل يوحى، ومل يكن نطقه حلظة عن اهلقـل إن صـالتي و�سـكي {: وآية )١(}وجهي للذي فطر السماوات واألرض حنيفا وما أ�ـا مـن المشـركني

هاديا وداعيا وسراجا منريا لكافة فكان . عاء االستفتاحنص د )٢(}ومحياي ومماتي للـه رب العـالمني

:السراج املنري لقلوب األنبياء مبيثاقهم البشر، وباحلال القليب قبل بعثته فهو

لمـا معكـم لتـؤمنن بـه وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق {: )٣(}عكم مـن الشـاهدين ولتنصر�ه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقرر�ا قال فاشهدوا وأ�ا م

.وباحلال القليب والقول الثابت بعد بعثته

تفتاح، فهو داللة لطريق اإلميان بالوجهة إىل فاطر السموات واألرض واخلالص أما ما ورد يف دعاء االسفإن مل يستدل اإلنسان بنفسه ومل يفكر بذاته، فـال ) وجهت وجهي(من الشرك، ودعوة للتوجه الذايت

ميكن أن يهتدي، ومن ال يسلكه، لن يكون إنسانا، ولن يكون أهال لدخول اجلنان، بل يبقى هبيمـا ال كان حنيفا، مياال حبب وحنان إىل وهكذا فرسول اهللا ... ف سبب جميئه للدنيا، فيضيعها سدىيعر

                                                             ).٧٩(اآلية : سورة األنعام )١(

).١٦٢(اآلية : سورة األنعام )٢(

 ).٨١(اآلية : سورة آل عمران )٣(

Page 20: السبع المثاني

19 

 

تراه من الكمال اإللهي، اليحصل لك حب وحنني إىل اهللا مل اهللا، يدعوك أن تدخل على اهللا بصحبته جزافا، بل وهب يف سـبيل ذلك املقام العايل الرفيع فال تتبع بعدها كالما غري كالمه تعاىل، ومل ينل

حىت حياته الشريفة، وهبها بكافة أعماله وتضحياته اإلنسانية اجمليدة النبيلة، وأفعاله كلها . اهللا كل شيءبروحـه الشـريفة خالصة هللا والدعوة إليه تعاىل، وإلخراج الناس من الظلمات إىل النور، ضحى

.»وهبت روحي وجسدي ألميت«: وجسمه كما يف قوله

والذي نفس : (نفسه الشريفة، وملكاته وكافة ميوله وشهواته هللا تعاىل، كما يف قوله كما وهب

فلم جيعله تعاىل رسوله جزافا بل . فقد ختلى عن كل شيء لذي اجلالل واإلكرام، جل هباه). حممد بيدهعظمى، وأنت بشفاعته ومعيته باستحقاقه، إذ كان أول املسلمني هللا تعاىل، والويف األول حبمل األمانة ال

ا عني، وال بلغ مداها مساع إذن، وال خطرت على قلـب الة، تستفيد فائدة ما توصلت إليهالقلبية بالص .بشر

* * * * *

Page 21: السبع المثاني

20 

 

بسم اهلل الرحمن الرحيم

)تأويل سورة الفاحتة(

: جاء يف احلديث الشريف عن رسول اهللا

)١()احتة الكتابال صالة ملن مل يقرأ بف(

:ويف حديث آخر

فما هـي . )٣( »، فهي خداج، فهي خداج)٢(من صلى صالة مل يقرأ فيها بفاحتة الكتاب فهي خداج« .الصالة؟

.وما هو السر األعظم الذي تنطوي عليه فاحتة الكتاب حىت تتوقف عليها الصالة؟

* * *

تلك هـي . وثيق بنور خالقها بارتباطها برسوله الكرمي هي صلة النفس بربها، وارتباطها ال: الصالةوهي . وإذا خلت الصالة من هذه الصلة واالرتباط، فقد أصبحت صورة ال حقيقة. الصالة يف حقيقتها

.واحلالة هذه جمرد أقوال وأفعال

.إىل الصالة يف روحها وحقيقتها؟ وكيف نصل. ؟ولكن كيف حتصل لنا هذه الصلة بربنا

                                                             .رواه البخاري ومسلم وأمحد يف مسنده )١(

 .النقص: اخلداج )٢(

املوطأ يف الصالة، باب القراءة خلف اإلمام، أبو . باب وجوب قراءة الفاحتة يف كل ركعةرواه مسلم يف الصالة، )٣( .داوود يف الصالة، باب من ترك القراءة يف صالته

لذي تنطويالسر األعظم ا عليه فاحتة الكتاب

Page 22: السبع المثاني

21 

 

فاحتة تريك كمال اهللا سبحانه، وبرؤية الكمال تتولد احملبة وحتصل الصلة، وتلك هي الثمرة املطلوبـة ال .من تالوهتا يف الصالة، ويف كل ركعة من الركعات

وكلما تال املؤمن فاحتة الكتاب مرة، ازداد يف الكمال اإللهي شهودا ومعرفة، ومسا يف حمبة اهللا بصـالته الصالة معـراج «: ويف احلديث الشريف. رجة، ال سيما يف صالة التراويح يف شهر رمضاندرجة فد

.)١( »املؤمن

فهي معراج يرتقي هبا يف حمبة اهللا ومعرفته من حال إىل حال، وهي معراج يتدرج هبا املؤمن يف رؤيـة شد للتوجه للذات اإللهيـة العليـة، طريق الفضيلة آنا بعد آن، إذ أن النفس هبذه الصلة مبعية اإلمام املر

فيها من نعـيم ولـذة ملا . والصالة للمؤمن نور وبرهان. تستنري بنور احلق، فترى طريق اخلري من الشر :قال تعاىل. عن زخرف الدنيا ولذهتا يهنتغوسرور،

.)٢(}...أكبرإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله ...{

* * *

                                                             /.١٨٩٠٧/رقم احلديث ) الصالة قربان املؤمن(ويف كنز العمال )١(

 ).٤٥(اآلية : سورة العنكبوت )٢(

Page 23: السبع المثاني

22 

 

أعوذ باهللا من الشيطان الرجيم

أمرنا اهللا تعاىل أن نستعيذ به من الشيطان الرجيم عندما :نريد أن نقرأ القرآن لقوله تعاىل

.)١(}فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم{

. قولنا باهللا؟وما معىن. فما معىن االستعاذة؟

.وما معىن الرجيم؟. ومن هو الشيطان؟

* * *

:االستعاذة

مصدر لفعل عاذ، مبعىن ألتجئ وأحتمي معتزا مستجريا بصاحب العزة والقوة، ومن اعتز باهللا حقا كفاه،

االلتجاء االحتماء إلا بقـوي وال يكون )٢(}...ولله العزة ولرسوله وللمؤمنني...{ومن الذل وقاه،

.عزيز اجلانب

.حتما حقا على اهللا نصر هذا املؤمن: فمن كان مع اهللا فأي قوي جبار دونه

:وعلى وجه املثال نقول

                                                             ).٩٨(اآلية : سورة النحل )١(

 ).٨(اآلية : املنافقونسورة )٢(

ماذا تفعل.االستعاذة باهللا؟

Page 24: السبع المثاني

23 

 

لو أن طفال كان يسري يف الطريق، فلحق به عدو من إنسان أو حيوان يريد إيقاع السوء به وأذاه، وفيما ف والذعر، ألفى أباه قادما حنوه، أفتراه واحلالة هذه يلتجئ وحيتمي، وإن هو على أشد ما يكون من اخلو

إنه يعوذ به، ألنه يعلم حبه وإخالصه وقوته على دفع عدوه عنه، وكـذلك . شئت فقل أيعوذ بغري أبيه؟حفـظ ، وهنالـك ي اإلنسان املؤمن احلق، ما عليه إلا أن يعوذ بربه ويقبل عليه بنفسه، مبعية إمامـه

ويكون له يف رسول اهللا . ويوقى، ويندفع عنه الشر واألذى وينتصر، وإىل جانب ذلك يسمو ويرقى

نورا من اهللا تعاىل، حيفظ به من وساوس الشيطان ونزغاته، وحيفظ كل أسوة حسنة، حيث يشتق به سبيل للشـيطان علـى معه مقبل مبعيته النورانية على من هو تعاىل نور السموات واألرض، فال مصل

إ�ـه لـيس لـه سـلطان علـى الـذين آمنـوا وعلـى ربهـم {: كما قال تعـاىل هؤالء املؤمنني باهللا ورسوله .وختلو النفس إال من ذكر رهبا، وعند تالوة القرآن الكرمي يكون الفهم واهلدى. )١(}يتوكلون

هو اجلاري حكمه وأمره على كل خملوق بال استثناء شاء : هنا واملطاعاملطاع، أي ب): باهللا(ومعىن قولنا ، فالسموات واألرض خاضعات ألمره تعاىل طوعا، فال "وما يف حكمه وأمره، إلا اخلري والرمحة"أو أىب

، خترجان عن نظامهما الذي نظمه تعاىل هلما أبدا، فكل خملوق سائر حبسب ما خصص له من الوظائفخلدمة اإلنسان، حيمل له األثقـال، والنحلـة وقائم مبا هو خملوق له من األعمال، فاجلمل مسير مذلل

مسوقة ومضطرة إىل أن جتمع العسل من األزهار، والكرة األرضية مسيرة بأمره تعاىل تسبح يف الفضاء؛ دابة إال هو تعاىل آخذ بناصيتها والقمر مسير يسبح حول األرض وهو دائب احلركة والدوران؛ وما من

إذ الكون . يسيرها كيف يشاء، والكون كله خاضع ألمر اهللا، وال يستطيع أن خيرج عن أمر هذا املطاعكله بسمائه وأرضه، ال خيرج قيد أمنلة عن تسيري اهللا املسير له ضمن اخلري والتسخري لنا ضـمن نظـام

، ووجود النظام يدل يقينا على وجود املنظم، وبالتفكري الصـادق صارم بالدقة خلدمتنا وطعامنا وشرابنا .أي املسير جل شأنه) باهللا(وذلك ما نفهمه من كلمة . هبذا يصل املرء إىل اإلميان حقا

.شطن، وشاط: مأخوذة من: والشيطان

                                                             ).٩٩(اآلية : سورة النحل )١(

Page 25: السبع المثاني

24 

 

.احترق وهلك: وشاطمبعىن بعد عن احلق، : وشطن

حلق احملترق اهلالك، فببعده عن طريق احلق، أصابه االحتـراق واهلـالك، إذ هو البعيد عن ا: فالشيطان .خسر احلياة احلقيقية من احلي جل وعال

عليه البالء والشقاء بصورة متمادية، ومـا من الرجم وهو املرجوم الذي ينصبمشتقة : أيضا والرجيم :واإلعراض سبب كل بالء، ومصدر كل شقاءأصابه البالء والشقاء إلا ببعده وإعراضه عن اهللا؛ والبعد

.)١(}..ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله..{

أحتمي وأعتز باملطاع الذي خضع ألمـره كـل : أي): أعوذ باهللا من الشيطان الرجيم(وجممل قولنا .خريشيء، من الشيطان الذي ببعده عن احلق صار معذبا دوما، وحمروما من كل

فإذا التجأت بنفسك إىل اهللا عند قراءة القرآن، بعد أن آمنت باهللا من ثنايا آياته الكونية وصنعه العظيم، إميانا ذاتيا من آيات الكون صنع اهللا، كما آمن أبونا إبراهيم عليه السالم، وأهل الكهف، وسيدنا رسول

رسول اهللا ودخلت مبعيته مبا فيك من كمالالذايت، وأحببت ، إميانا منبعثا من نفسك وحبثكاهللا

حضرة املطاع، الذي يطيعه الكون كله، من ذراته جملراته، والذي ذلـت وخضـعت ألمـره سـائر املخلوقات، فهنالك تصبح يف حصن حصني، وحرز منيع، ال يدخله شيطان، وتنقطع عنك وأنـت يف

نني، وينكشف الغطاء عن العينني، عندها تسـمع هذا احلصن وساوس الشيطان، ويزول الوقر من األذ .الكالم من املتكلم جل جالله، وترى وتشهد ما يف أوامره من املنافع واخلريات

* * *

                                                             ).٤٣(اآلية : سورة فاطر )١(

Page 26: السبع المثاني

25 

 

})١(بسم اهلل الرحمن الرحيم { :تستطيع أن تقول) أعوذ باهللا من الشيطان الرجيم: (وبعد قولك

.؟بسم اهللافما معىن : }حيمبسم اهلل الرحمن الر{

.؟الرمحنوما معىن

.؟الرحيموما معىن

إن احلاكم عندما : نقول على وجه املثال) بسم اهللا(ولفهم معىن . الباء واسم: حرف وكلمة ومها: بسمويقـول . إنين إمنا أحكم وأبين العقوبة اليت أمر هبـا القـانون : باسم القانون، أي: يلفظ احلكم يقول

.إنين أبين ما أمرتين ببيانه، وأبلغ ما ترغب به: باسم األمة أتكلم، أي: الرئيس

إنين إمنا أتلو على نفسي كما يتلو علي رسول اهللا : ، أي)بسم اهللا: (فبناء على ما تقدم يكون معىن قولنا ع، ولكن ما صفة هذا املطاع العظيم؟وعلى غريي كالم اهللا، وإمنا أبين أمر اإلله، وأبلغ كالم املطا . :إنه

:}الرحمن الرحيم{

.تعم كل موجود، ويشمل خريها كل خملوق الرحمنوصفة

هو املتفضل بالشفاء على مجيع املخلوقات، واهللا تعاىل باسم الرمحن يتجلى علـى املـريض : الـرحمن و

رض والفقر واهلم واحلزن، وكل بالء وعذاب، سببا للتوبة واإلنابة والفقري واملهموم واحملزون، فيكون امل .إىل احلق، والسعادة دنيا وآخرة

.كل ذلك يكون رمحة من اهللا تعاىل، إذ هبا حيصل الشفاء النفسي، والتدرج بالسمو من حال إىل حال

Page 27: السبع المثاني

26 

 

ا يدعو النفس املعرضة إىل اإلقبال علـى اهللا، فكثريا ما يكون البالء سببا يف الرجوع إىل أمر اهللا، وداعي .وهنالك حيصل هلا بتوجهها وصلتها وبإقباهلا الشفاء واخلالص، مما علق هبا من أدران

فباسم الرمحن ملن استعاذ به حقا، وتوجه إليه تعاىل بكل قلبه، عندها يعود املرض على املريض صـحة، ، والعسر يسرا، وباسم الرمحن وما يف أمسائه تعاىل احلسىن من مسو، وينقلب الفقر غىن، واإلخفاق جناحا

تتدرج سائر املخلوقات حىت اجلمادات واحليوانات، يف تذوق الفضل اإللهي آنا بعد آن؛ وباسم الرمحن، وباسـم صار خروجك أيها اإلنسان من العدم إىل الوجود، وبه حتيا وتنبعث فيك احلياة بعد املـوت؛

يزداد عذاب الـرحمن يتدرج املؤمن يف املعرفة اإللهية من كمال إىل أكمل يوما بعد يوم؛ وباسم ، الرحمن

أهل النار، وهنالك ينسيهم حريقها الشديد ألم أمراضهم النفسية اجلهنمية، اليت نشأت بسبب سـريهم يغيبون يف عذاب النار الشديد، عـن عـذاب مع هواهم يف الدنيا، وعصياهنم ألوامر رب العاملني، فهم

بسبب سابق أعماهلم اخلبيثة، اليت جلبت العار والذلة واحلسرة : نفوسهم الغليظ، وفتك أمراضها الذريع .والندامة لصاحبها املعرض

يتجلى اهللا يف اجلنة على املؤمنني، فريتقون يف منازل القـرب، ويعرجـون يف معـارج الـرحمن وباسم

.الرحمنكمال، فمن كمال إىل أكمل، وهكذا، وال ينقطع خري هذا االسم أبدا، وينتهي فضل ال

فالرمحن إذا هو املتجلي على عباده بالرمحة، وذلك ليس خاصا بأهل الطاعة من املؤمنني، فاخللق مجيعـا جلنة، يتمتعون مبا أعد هلم ربهـم فترى املؤمنني يف ا. تشملهم رمحته تعاىل مبا يناسب يف الدنيا واآلخرة

.من النعيم املقيم، وقد شفيت قلوهبم باسم الرمحن بصدقهم معه تعاىلومبا يتناسب مع حاهلم

ذلـك وترى الكفار يف النار يداوون على ما فيهم من أمراض نفسية، مبا يناسبهم من عذاب اجلحيم، و .لقه كافة، ألن ذاته تعاىل رحيممن اهللا تعاىل رمحة، وهو سبحانه رمحن خب

Page 28: السبع المثاني

27 

 

، ففي بأهل الطاعة واالستقامة من املؤمننيوهو خاص هو املتجلي على عباده بالنعمة واخلري، : والرحيمفيها من هلم الدنيا حييون حياة طيبة، وينعمون بفضل ربهم الرحيم، ويف اجلنة يتمتعون مبا أعد اهللا تعاىل

.النعيم املقيم

أنت أيها اجملاهد يف " اليت هي االستنارة القلبية الدائمية بنور اهللا"يا أخي املؤمن، الطالب للتقوى وهكذا

إمنـا }بسم اهلل الـرحمن الـرحيم {: سبيل اهللا، والعامل واملضحي للوصول إىل اهللا باألصول، إن كلمة

رفا ومبينا، أنه إمنا يتلو عليك ما يتلوه، يخاطبك هبا مع هي خطاب لك أيها املصلي، من رسول اهللا باسم اهللا، وعن لسان اهللا، وهو بيان لك من اهللا، ذلك أن اهللا تعاىل، خص رسوله الكرمي بتالوة الفاحتة

:والقرآن الكرمي بقوله تعاىل

وينصت هـذا . رر لنفسك ما يتلوه وأنت تك )١(}ولقد آتيناك سـبعا مـن المثـا�ي والقـرآن العظـيم {

يتلو كـالم اهللا ح مسامع نفسه لما سيتلوه عليه، فإذا به ويصغي إليه، وتتفت املصلي لرسول اهللا :قائال

م مالـك يـو } ٣{الرحمــن الـرحيم } ٢{الحمـد للـه رب العـالمني } ١{بسم اهلل الرحمن الرحيم {إياك �عبـد {: فيما يقول، وتردد يف نفسك بعدها معاهدا رسول اهللا تصدق رسول اهللا : }الدين

عية رسوله مبعيتك يا رسول اهللا ندخل على اهللا مطيعني له، فتعاهد ربك، وأنت قلبيا مب: }وإيـاك �سـتعني

عنـدها يقـول . عبدا مطيعا له، وتطلب املعونة منه تعاىل الكرمي، السراج املنري لقلبك، على أن تكون :وأنت معه رسول اهللا

فهو . }صراط الذين أ�عمت عليهم غري املغضوب عليهم وال الضالني} ٦{اهد�ــــا الصراط املستقيم {

آمني: (يطلب اهلداية لك وللناس عندها تقول.(                                                             

 ).٨٧(اآلية : سورة احلجر )١(

Page 29: السبع المثاني

28 

 

، مبا تيسر من آيات القرآن بالصالة، عندها يملي اهللا أمره عليك عن طريق رسوله : ي الصالةهذه هفتركع طائعا خاضعا، وتسجد طالبا املعونة من اهللا تعاىل على طاعته، فالصالة جيب أن يكون رسول اهللا

الدخول على اهللا بصحبة رسول اهللا : يف نفسك يا مؤمن. ار الصـالة فتعقل بنفسك من أسـر :ويف احلديث الشريف. ومعاين كالم اهللا، وترى طرفا من أمساء اهللا العظيم احلسىن

.)١( »وليس للعبد من صالته إلا ما عقل منها«

والبد لنا واحلالة هذه من أن نفصل يف هذه النقطة بعض التفصيل، السيما والصالة هي عمـاد الـدين :ورأس األمر كله، فنقول

الصالة هي صلة النفس خبالقها، ومبا أن العقـل مبا أنالنوراين بالشهود القليب هو روح الصالة ومثرهتا، لذلك كان لزاما علينا أن نعرف املراد من العقل، وماذا نعقل يف صالتنا، واألصول الواجب إتباعها حىت نصل

:والعلو فنقول ونبدأ ببيان املراد من العقل، عقل السمو. إىل العقل املستنري

العقل الشهودي النفسي، وهو ما تعيه النفس وما ختتزنه فيها، من بعـد أن شـهدته : هنا بالعقلاملراد قلبيا، فيدور حـول ورأته، أما ما يعقله اإلنسان يف هذه الصالة اليت حنن بصددها مبعية السراج املنري

:أمرين اثنني

عقال نفسيا، من بعد أن آمن هبا وعقلها فكريا، وإىل جانب ذلك فهو يعقل طرفا من الكماالت اإللهية القـرآن يعقل سر التشريع اإللهي، وبعض ما انطوت عليه األوامر اليت أنزهلا اهللا تعاىل على رسوله

إذ يرى الكرمي، ويكون عقل الكماالت اإللهية، مبشاهدة املصلي طرفا من هذه الكماالت شهودا نفسيا،عظمة اإللهية والعدل، ويشهد الرأفة والرمحة والعطف واحلنان، والفضل واإلحسان، وغري ذلـك ممـا ال

.انطوت عليه األمساء اإللهية، وهنالك هتضم وتتمثل نفسه هذه الكماالت وتعيها، وتغدو مستقرة فيها

                                                             .٧٠٥٠ح. ٣٨٢ص. ٣ج: كنز العمال )١(

العقل املستنري :ولوازمه

Page 30: السبع المثاني

29 

 

ي مثال عندما يقـرأ آيـات أما عقل األوامر اإللهية، فتكون برؤية ما انطوت عليه من خري، فريى املصلاحلجاب، فائدة احلجاب وما فيه من اخلري، للمرأة ذاهتا وذويها، واجملموعة البشرية كلها، فهو حفظ من

وعنـدما . الوقوع يف الفواحش املهلكة، وما يف تركه وما ينتج عنه قطع الصالت االجتماعية اإلنسانية .رى ما فيهما من األذى وما ينجم عن تعاطيهما من مضراتيقرأ اآليات اليت تنهى عن اخلمر وامليسر، ي

اهللا : قول(وكذلك األمر بالنسبة للميتة، وما ينشأ عن أكلها من أمراض وعاهات، ويعلم فائدة التكبري

على الذبيحة عند ذحبها، وزوال اجلراثيم واملكروبات من جسدها، والنعيم الذي حتظى به نفـس ) أكربليها، مث صحة اجملتمع بالطعام الطيب اخلايل من األضرار بالتكبري، ويرى الفائدة مـن الذبيحة بالتكبري ع

الصيام والصالة واحلج والزكاة، واحلكمة منها، إىل غري ذلك من األوامر اليت يعقلها املصلي مبا يسـمعه ؤية متناسبة مـع فهو ال يسمع بآية، إلا ويرى ما انطوت عليه من معان، ر. يف صالته من آيات القرآن

وذلك ما نعنيه بعقـل األوامـر مقدار ما هو فيه من وجهة إىل خالقه، وما هو عليه من صلة وإقبال، .اإللهية

ية من خريات، ومن هومن مل يعقل يف صالته طرفا من الكماالت اإللهية، ومن مل يعقل ما يف األوامر اإلللكرمي اليت يتلوها يف الصالة، فليس بعجيب ألا يستفيد إلـا مل يعقل شيئا مما تنطوي عليه آيات القرآن ا

القليل القليل، إذ أنه مل يفد منها شيئا، بل أجرا زهيدا على التعب، لعدم حتقق الغاية اليت مـن أجلـها .وال إجباريا )١(}..ال إكراه في الدين{: كراهياوليس فرض الصالة فرضا إ. فرضت الصالة

تعاىل منح اإلنسان حرية االختيار، والصالة فرض لدميومة احلياة القلبية، واالستنارة الدائمية بنور اهللا، اهللافرضا إجباريا بل لدميومة احليـاة اجلسـمية، وإال كما أن الطعام فرض على اإلنسان أن يأكله، وليس

.»صالة ال خري فيهوتارك ال«فاملوت يكون لزاما لنا، وكذا الصالة فرض لنا وخلرينا

أما الطريق إىل العقل املستنري، فإمنا يكون برفقة ذلك اإلمام واالقتداء به، وهو يف احلقيقة السيد األعظم . ومن مل يصل مقتديا بذلك اإلمام، فلن يستطيع أن يصل إىل العقل، ولو أنه صلى يف اليـوم مئـة

.ركعة، ولو أنه قام يصلي الليل كله

                                                             ).٢٥٦(اآلية : سورة البقرة )١(

Page 31: السبع المثاني

30 

 

:ك تسأل عن السبب وتعجب من هذا القول فأقولولعل

إذا كان العقل نتيجة ملا حيصل عليه املصلي من شهود ورؤية نفسية، فكيف تستطيع هـذه الـنفس أن !.تشاهد كمال اهللا وليس هلا نور تشاهد به هذا الكمال؟

هلا ما يف األوامر اإللهية مـن أم كيف تنكشف هلا املعاين وليس هلا سراج منري يريها هذه املعاين، ويبينلذلك فهذا املصباح من لوازم الرؤية، وهذا السراج املنري من لوازم وضروريات من يريد أن !. خريات؟

.وما ذاك املصباح والسراج إلا رسول اهللا . يصل إىل العقل

وداعيـا )٤٥(أرسلناك شاهدا ومبشـرا و�ـذيرا يا أيها النبي إ�ا{: قال تعاىل مشريا إىل ذلك بقوله الكرمي .)١(}إلى الله بإذ�ه وسراجا منريا

وما أمر اهللا تعاىل رسوله باالجتاه شطر املسـجد احلرام إلا لتكون نفسه مقبلة عليه تعاىل من ذلك

ا كنا، ويف أي مكان وجدنا، فنجعله لنا يف إقبالنا على املكان، لنستطيع حنن أن نولي وجهنا شطره حيثمومـن حيـث {: اهللا إماما، وليكون لنفوسنا سراجا مضيئا، وذلك سر األمر اإللهي ولبابه، قال تعـاىل

وهكـذا )٢(}...م شـطره خرجت فول وجهك شطر المسجد الحـرام وحيـث مـا كنـتم فولـوا وجـوهك ومن مل يصـل جامعـا . فاالجتاه إىل الكعبة الشريفة واستقبال هذه القبلة، ركن من أركان هذه الصالة

نفسه فيها، مقبال على اهللا بصحبة هذا اإلمام، فال يعقل من صالته شيئا، ألنه إنما يصلي وحيدا فريدا، إليه، فيمأل قلبه باهلواجس والوساوس واخلطرات، ورسـول اهللا وبذلك يطمع الشيطان فيه ويهرع

:يقول

                                                             ).٤٦- ٤٥(اآلية : سورة األحزاب )١(

).١٥٠(اآلية : سورة البقرة )٢(

لم االجتاه إىل.الكعبة حصرا؟

Page 32: السبع المثاني

31 

 

وليكون رسول . )١( »عليكم باجلماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو من االثنني أبعد«لك ثاين اثنني، يغمرك يف الصالة يفيض عليك مما أفاض اهللا عليه من أمسائه احلسىن العلية، وهذا اهللا

.معىن الشفاعة من الشفع أي االزدواج النفسي واإلقبال معا على اهللا تعاىل

:قال تعاىل

.بقلوبكم عنه : أي )٢(}...واعتصموا بحبل الله جميعا وال تفرقوا{

هو السراج املنري، يهدي به اهللا من ابتغى رضوانه سبل السـالم، وخيرجـه مـن رسول اهللا : إذن: ظلمات إىل النور بإذنه، ويهديه إىل صراط مستقيم، وقد أمر اهللا تعاىل املؤمنني كافة بالصـالة عليـه ال

.)٣(}ماإن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسلي{

بالطبع لن يتوجه الطالب حنو اجلامعة أو املدرسة، . ومىت؟. ؟ روحانيته ولكن أين يتم هذا االجتماع ب .مامل يكن فيها املعلم هلم

ولن يتوجه املسافرون حنو املطار أو املرفأ، مامل يوجد فيها طائرات أو سفن للترحال، وهكذا فاهللا تعاىل شطره، حيث يـتم االجتمـاع بالتوجه شطر املسجد احلرام، وأمر املقتدين به بالتوجه أمر رسوله

فالشفاعة احلقة، حيث مشاهدة العلم واملعرفة، والسياحة القلبية يف حضرة اهللا تعاىل، واألمن واألمان من سراجا منريا، فإنه يتخبط يف الظلمات، لقولـه ومن مل يكن له يف صالته رسول اهللا ... ذلك املكان

:تعـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاىلكـم قوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم �ورا تمشون به ويغفـر ل يا أيها الذين آمنوا ات{

.)٤(}والله غفور رحيم

                                                             ).٢٠٩١(رقم احلديث / الفنتكتاب : /صحيح الترمذي )١(

 ).١٠٣(اآلية : سورة آل عمران )٢(

 ).٥٦(اآلية : سورة األحزاب )٣(

 ).٢٨(اآلية : سورة احلديد )٤(

Page 33: السبع المثاني

32 

 

حجار، بل حنن يف صالتنا واستقبالنا الكعبة ال نعبد الكعبة، وال نتجه إىل األ: وبناء على ما قدمناه نقول إمنا نتجه من ذلك املسجد احلرام إىل اهللا،

، بل إمنا نتخذه لنا يف صالتنا إماما، ويف نفوسنا سراجا منريا، تدخل نفوسنا وحنن ال نعبد رسول اهللا مىت أرادت اإلقبال على اهللا، من ذلك املكان، فتجد إمامها به، فتقتدي به، وتقبل على اهللا مبعيته، وهو

بسبب إقباله على اهللا، ويريهـا وتستنري بالنور اإللهي الساطع على نفسه . ا نعم اإلمام وخري رفيقهل :وهذا يبين لنا سر قوله تعاىل. بعض ما استكن يف أوامره تعاىل من األسرار واخلريات

.)١(}الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها{

إلا لنصل نفوسنا به، من الباب األوسع، املـنري فما أمرنا اهللا تعاىل بالصالة على هذا الرسول الكرمي لة له ومن ال ص. األعظم لقلوبنا، فندخل على اهللا مبعيته، وتستنري بذلك النور اإللهي الساطع على نفسه

، فليس مبستطيع مهما حاول وجهد، أن يصـلي ، ومن ال حمبة له هلذا الرسول الكرمي برسول اهللا الصالة اليت أمر هبا اهللا، وهو حمروم من ذوق اإلقبال على اهللا، أعشى البصرية عن رؤية كمال اهللا، وهو

:ليس مبدرك شيئا مما يقرؤه من آيات، قال تعاىل

:ينادي اهللا عباده: إذن. )٢(}...كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات والذين{

يا أيها الذين : )٣(}لحـون يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكـم تف {

. ولكن كيف تكون التقوى؟: }..اتقوا اللـه ..{عوا أن تعرفوا األوامر، طريق احلق آمنوا حىت تستطي

يا مؤمن اتق اهللا، بدون وسيلة ال حتصل التقوى، صاحب رسول اهللا، : }..وابتغـوا إليـه الوسـيلة ..{: صـحبة لرسـول اهللا حىت تصري لك هذه ال. أدخل معه على اهللا، جتد حكم اهللا ضمن العدالة والرمحة

احذر املنكر إن حدثتك نفسك به، افعل املعروف، وحـافظ علـى : }..وجاهدوا في سبيله..{                                                            

 ).٥٦(اآلية : سورة األحزاب )١(

 ).٣٩(اآلية : سورة األنعام )٢(

 ).٣٥(اآلية : سورة املائدة )٣(

Page 34: السبع المثاني

33 

 

نفسك، حتصل ثقة بنفسك، تصلي تكتسب الكمال، فتقبل على اهللا، فتعرف أهل الكمـال، فتحـب صبح أهال لزرع اخلريات، عنـدها أرضك ت :}لعلكم تفلحون..{رسول اهللا، وتدخل مبعيته على اهللا

ومـن يـؤت ...{يتلو عليك آيات اهللا، ويبين ما نزل إليك، حتصل لك التقوى، واالجتماع باإلمام هم ولعلهـم وأ�زلنـا إليـك الـذكر لتبـين للنـاس مـا �ـزل إلـي ...{. )١(}...الحكمـة فقـد أوتـي خيـرا كـثريا

.)٢(}يتفكرون

عـن واالجتاه إىل اهللا تعاىل من طريق الكعبة، ما هو باألمر اجلديد الذي جاء به سيدنا حممد :أقولوقد ذكر لنا . ملني منذ عهد سيدنا إبراهيم عليه السالمالسان حضرة اهللا، بل إمنا جعلها اهللا تعاىل قبلة الع

م عليه السالم إمنا كان يعلم الناس من قبل قواعد االجتاه إىل اهللا تعاىل من طريـق تعاىل أن سيدنا إبراهي :هذا البيت، فقال تعاىل

.)٣(}عليموإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إ�ك أ�ت السميع ال{

فحسب، بل إمنا هي أول بيت وضع للناس منذ أن أوجـدهم قبلة لسيدنا إبراهيم وليست الكعبة :اهللا تعاىل على سطح هذه األرض، وإن شئت فقل من لدن آدم عليه السالم، قال تعاىل

.)٤(}إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمني{

هي السبيل يف قيام وجهة األنفس إىل خالقها يف الصالة، وإىل ذلك أشارت اآلية الكرمية، : إذنفالكعبة :قال تعاىل

                                                             ).٢٦٩(اآلية : سورة البقرة )١(

 ).٤٤(ية اآل: سورة النحل )٢(

 ).١٢٧(اآلية : سورة البقرة )٣(

 ).٩٦(اآلية : سورة آل عمران )٤(

Page 35: السبع المثاني

34 

 

.)١(}...جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس{

ى وأخيـه أن تبـوءا وأوحينـا إلـى موسـ {: هذا وقد أمر تعاىل سيدنا موسى وهارون عليهما السالم بقولهوأقيمــوا ...{: وآيــة )٢(}لقومكمـا بمصــر بيوتــا واجعلــوا بيــوتكم قبلــة وأقيمــوا الصــالة وبشــر المــؤمنني

.العربة هي االرتباط باإلمام واالستشفاع به لكي يعرج هبم إىل اهللا تعاىل: }...الصالة

ومشروعية ذلك كما بينت اآليات الكرمية، أن جتتمع األنفس يف كل زمان برسوهلا املقبلة نفسـه مـن .ذلك املكان على اهللا

وروح الصـالة .إمامنا وإمام العـاملني أما وقد شرف اهللا تعاىل اآلن العامل ببعثة سيد ولد آدم فهو ومن يؤمن باهللا فقد استمسـك . فسك إىل اهللا تعاىل برفقتهورحياهنا، أن تقبل على اهللا مبعيته، وتعرج ن

.بالعروة الوثقى، وإىل اهللا عاقبة األمور

* * *

                                                             ).٩٧(اآلية : سورة املائدة )١(

 ).٨٧(اآلية : سورة يونس )٢(

Page 36: السبع المثاني

35 

 

عود على بدء

وإيضاح إثر إجياز

Page 37: السبع المثاني

36 

 

:عود على بدء

وإيضاح إثر إجياز

})٢(الحمد لله رب العالمني {

ولذلك . ماهتا، وعند ذلك نستطيع فهم معناها مبجملهالفهم هذه اآلية الكرمية نشرح كل كلمة من كل :نقول

هو ما ينبعث يف النفس من تقدير احملسن، وما ينشأ فيها من الثناء على املنعم املتفضل، فاالمتنان : احلمدالذي نقابل به من ساق لنا اخلري محد، والثناء الذي نرجع به على من أوالنا النعمة وصدر عنـه اخلـري

.محد

ة، تقوم يف النفس جتاه احملسن املتفضل عندما نرى فضله وإحسانه، وال يحمـد يإذن حالة نفس واحلمد .الشيء إلا إذا كان جامعا لكل خري من كل وجه، وخاليا من كل شائبة ونقص

ومن هو الذي يستحق احلمد فيحمده كل شخص، ال بل كل موجود ونفـس، . ترى؟ فلمن احلمد يا .مل وفعل؟على كل ع

وحده، فهو خالقنا ورازقنا، ورازق اخلالئـق }الحمـد للـه {: أن لقد تبين على لسان رسول اهللا

كلها، وله املنة والفضل، على نعم السمع والذوق والبصر واألمطار والثمار والطعام والشراب، واحلياة .خرياتواملشاعر واملسرات والعالجات، وما ينتج عنها من

هو الذي يؤول إليه أمر كل ما يف الكون، من حيث : مأخوذة من اإلله، واإلله )لله(وكلمة : }هـللـ {

وقيامه وتسيريه يف أعماله، ومنحه ما يتطلبه يف حياته مبا يتناسب وكمال ، رزقه ومعاشه وإمداده باحلياةليس بإمكان أحد من : أي.. ا كانكافة املخلوقات، فمن كمال لكمال أوسع، وليس باإلمكان أبدع مم

فسبحانك ربي ما أعظم كماالتك، وال إله يل وللكائنات كلها . أن يبدع مثل هذا اإلبداع أبدا البشر،

Page 38: السبع المثاني

37 

 

بالصالة يريد أن يعرفك، بأنه تعاىل يحمد على تسيريه لك وهلذا الكون، فما من فرسول اهللا . سواكوتنزل، وال عسر أو يسر، وال مرض أو شفاء، وما من هـم أو حادثة حتدث، وال مصيبة أو ضائقة تلم

خاء، أو عالج، إلا وهو منـه رغم، وال نصرة أو خذالن، وما من واقع يقع يف هذا الكون، من عطاء وتعاىل حمض اخلري والفضل واإلحسان، فهو سبحانه يحمد على كل حال، وهو تعاىل يستحق احلمد، وله

قه هلذه املخلوقات، أدرك طرفا من ذلك أولو العلم والبصـائر، ولـو انكشـف احلمد يف كل ما يسوالغطاء، ملا اخترت إلا ما اختاره اهللا لك وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خري لكم، وعسى أن حتبوا شـيئا

.وهو شر لكم، واهللا يعلم وأنتم ال تعلمون

.الرمحن الرحيم؟وكيف ال يحمد اهللا تعاىل على ما يسوقه لعباده، وهو

.وهل يعاملك الرمحن إلا مبا فيه السعادة لك، وهل يسوق لك هذا الرب الرحيم إلا ما فيه خريك؟

شهودا يا مؤمن، على أهنا تنطوي حتتـها يبينها لك رسول اهللا }الحمـد للـه رب العـالمني {وكلمة

وأن هذه الربوبية عامة، فهو سبحانه رب العاملني، مث هـي " رب"ىل معان مجة، فهي تعرفنا أن اهللا تعاتعرفنا أيضا بأنه تعاىل هو املسير ألمور هذا الكون، وهي تعرفنا أخريا بأنه يحمد علـى تسـيريه، وأن

.احلمد مقصور عليه، فله احلمد وحده

الكون، من إنسان وحيوان وأنعام أو أي شـيء، ملني املسير ملا يف اوبصورة عامة إمنا تعرفنا بأن رب الع .كل حال، وأن كل فعله وسائر ما يسوقه ملخلوقاته، فضل وإحسان وخريعلى إمنا يحمد

: ربا الزرع، أي: زكا ومنا، وكما تقول: وأصل الفعل ربا، مبعىن. ربى: هو املربي، مأخوذة من: الربخصـها : نمة، أيربى فالن الغ: وتشدد الباء فتقول. منا

تنمـو وتسـتمر يف لها بسبب هذه العناية عبالعناية، فجا يلزمها من مأكل منوع مغذ، وشرب موافق روي، وعين بإيوائها يف مـأوى خـاص احلياة، فأمدها مب

وبصورة عامة قدم هلا . مهوى، وأسامها يف األرض، ترعى يف الفالة متعرضة لنور الشمس واهلواء النقي .واستمرار منائها عليه دوام وجودها وحياهتاما يتوقف سائر

 الـرب

Page 39: السبع المثاني

38 

 

تعين اإلمداد مبا يلزم لدوام احلياة، واستمرار الوجود والنماء، وقد أصبح من السهل علينا أن : فالتربية إذاندرك معىن التربية لنبتة أو لزرع، ومعىن تربية طفل أو شخص، ومن اليسري علينا أن ندرك املـراد مـن

.علم مرب، وأن ندرك جمال تربيته، والنواحي اليت خيصها بعنايته، ورب البيت ورب العملقولنا امل

، وبصورة أعم نستطيع أن ندرك طرفا من تربية اهللا تعـاىل وكذلك األمر بالنسبة للمرشد والرسول حىت أضحى طفال رضيعا، هلذا اإلنسان وعنايته به وإمداده إياه مبا يلزم، منذ أن كان جنينا يف بطن أمه،

يف تسخري األم، إذ شحن تعاىل قلبها بالعطف واحلنـان، وما كان يرافق هذه الطفولة من العناية اإللهيةإىل أن أصبح إنسانا سويا ورجال كامال، مث دوام هذه التربية واستمرارها عليه، حىت آخر حلظـة مـن

.حلظاته

.)رب(لكتب لشرح معىن كلمة ويضيق بنا اجملال وال تتسع بطون ا

ن كنا ال نستطيع أن جند هلذه الكلمة هناية، غري أن ذلك ال مينعنا من التقريب لذهن القارئ من وحنن وإ، فلعله إذا هو فكر أدرك طرفا من هذه التربية، ووجد نفسه على شاطئ حبر خضم معناها بعض الشيء

م ، وهنالك يعظم املربي جل شأنه ويقدره، وختشع نفسه له، وتعلمنها، ال يدرك هلا قرارا وال تحد حبدهيم نفس املصلي به تعاىل هياما، وتسري إليه تعاىل، فتشتق منه نورا، فت. أن احلمد كله له، وتشهد ذلك

.ترى به احلقائق واحلكم

رر ذي حرارة مناسبة أرأيت تربيتك يف بطن أمك، إذ جعلك تعاىل يف مستودع حمفوظ من كل أذى وضوجو معتدل، يأتيك رزقك رغدا بأصول ونظام حتار له العقول، وأنت تسبح يف املاء، ال يضرك شـيء من األشياء، يساق لك الدم صافيا نقيا، والغذاء كامال، وتخلق خلقا من بعد خلق، حىت تغدو إنسـانا

.سويا

وهل يدرك األب أو األم أن يف بطنها ذكر . أمك أم أبوك؟أهي . فمن الذي كان يعتين بتربيتك آنذاك؟ .أليس هو اهللا تعاىل صاحب العطف واحلنان؟. ومن هو املربي لك يف ذلك الطور؟!... أم أنثى؟

.هل جلست تفكر بعنايته بك يف هذه الفترة من حياتك؟

Page 40: السبع المثاني

39 

 

.وهل جلب انتباهك هذا الدور؟

ناك النور، من هو الذي كان يحضر لك اللنب سـائغا رويـا يف وإذا نزلت إىل هذه الدنيا وواجهت عي !.أهي أمك أم أبوك أم أحد من الناس؟. ثديي أمك؟

أم من هذا الذي أودع يف قلب أمك العطـف . لك معايريه يوما من بعد يوم؟من هو الذي كان يبدل وترضى أن تضحي براحتـها عليك واحلنان، وجعلها حتزن حلزنك، وتفرح لفرحك، ومترض ملرضك،

.راغبة يف سبيل تأمني راحتك؟

واآلن وقد بلغت أشدك وأصبحت رجال، هل فكرت يف من يقدم لك صنوفا وألوانا وأنواعا متنوعة من !. هل يستطيع خملوق أيا كان أن يصنع مثرة واحدة مبصانعه، زيتونة كانت أم برتقالة؟. األغذية والثمار؟

.؟)١(ومن الذي سلك لك يف األرض الينابيع واألهنار. ل لك من السماء الثلوج واألمطار؟ومن ينز

. ومن الذي جعل لك األرض كرة ساحبة يف الفضاء تدور حول نفسها، فيتولد يف ذلك الليل والنـهار؟ !.العاملني؟ أم هو اهللا ربك، ورب. هل يستطيع خملوق فعل ذلك؟. ؟همن حيملها وحيمل الكون ويسير

وهل نظرت إىل الشمس وما يأتيك منها من حرارة وضياء وإشعاع، والقمر وما هو عليه مـن نظـام واهلواء وما فيه من غازات نافعة بنسب معينة، ال تسـتطيع أن تظـل ، تتعرف به إىل السنني واحلساب

ومن الذي جعل الليـل . ياة؟من الذي شحن اهلواء هبذه الغازات الضرورية للح. بدوهنا ساعة من هنار؟أتسمع ممن سواه وإليـه . من املرتب، من املنظم؟. والنهار خلفة، وهبذا القدر املناسب للراحة واحلياة؟

!...مصريك بعد الفراق ألبد اآلباد؟

هـل أحـد مـن . وجعل ماءها ملحا أجاجـا ال يفسـد؟ ، من الذي خلق لك البحار ومألها باملاء ..فكر لتكسب وتغدو عاملا!. نظر فضله عليك ورمحته بك، لم ال تفكر بذلكا. املخلوقات؟

                                                             .للعلامة حممد أمني شيخو" ة اجلبارةالنظرية العلمي) "مصادر مياه الينابيع يف العامل(انظر كتاب )١(

Page 41: السبع المثاني

40 

 

ما هذه الرياح املستمرة يف طوافها بنظام وقوانني على سطح األرض، تأيت باخلري وتبشر باملطر وجتـدد وجوده اهنض بنفسك مفكرا وأرها!. هل أتت هبا دول شرقية أم غربية، أم يد خالقها العظيم؟. اهلواء؟

.تعاىل من ثنايا خلقه وصنعه، قبل انتهاء األجل وفراق الدنيا ومن فيها ليسعدك ويهديك وجبناته يؤويك

من الذي ألقى يف األرض . ما هذه األتربة وما هذه األمالح؟. ما هذه املعادن املودوعة يف باطن األرض؟ألـيس . ذلك كله ضروريا للحيـاة؟ أليس . ، وبث فيها من كل دابة؟الكائناتمن كل زوج اثنني من .هال فكرت به وطلبت الوصول إليه شكرا لفضله؟. ذلك املمد املربي هو اهللا؟

!.الذي يربيك يف هذه احلياة؟) الرب(وهل فكرت بشيء من عنايته بك، وعرفت معىن كلمة

:}العالمني{ :وأوجز القول وأنتقل إىل كلمة

تشـمل : هي مجع عالم، والعـامل ) العالمني(أن كلمة فالنمل عامل، والطـري : املخلوقات ذوات الصفات الواحدة اليت تشترك بعضها مع بعض يف هذه احلياة

عامل، واألمساك يف البحار عامل، والنباتات عامل، واملواشي عامل، واإلنسان عامل، والنجوم السـاحبات يف مل الطري يضم عوامل عديدة، وكذلك عامل األمساك يشتمل على الفضاء عامل، واجلراثيم عامل، حىت أن عا

.أنواع شتى وعوامل متنوعة

ويف اإلنسان عوامل كثرية، من كريات بيض وكريات محر، ولكل من الكريات أنواع وأشكال ووظائف وأعمال، وتوالد وتكاثر وغذاء ووسط مناسب للحياة، ويف اإلنسان ما فيه من عوامل ال تحصى، ومـا

ولو أنك دققـت وفكـرت . ؤيت خريهاادها باحلياة والنماء والبقاء، لتيعلم هبا إلا اهللا القائم عليها بإمدمقرة جبالل اهللا وعظمته وقدرته، ولرأيت أن اهللا تعاىل فسكورأيت ولطأطأت نلشاهدت . بعض الشيء

تكفل هبا، خبلقها وإمدادها وتسيريها فهو امل. واسع عليم، وأنه سبحانه العزيز احلكيم، والرؤوف الرحيم .وحده، وال أحدا سواه، فالتفت بنفسك إليه، حتظ خبريات دائمية أبدية متنامية

 نيـالعامل

Page 42: السبع المثاني

41 

 

وهكذا ففي هذا الكون اخلضم عوامل، ويف كل شيء عوامل ال يعلم بعددها إال خالقها وموجدها، ولكل للتوالد والتكاثر، وأنواع منوعـة مـن عامل من هذه العوامل شرائط للحياة، وإمداد خاص هبا، وأصول

:وهذه العوامل اليت على سطح األرض ذات مقادير وأعداد ونسب معينة، وقوانني للحياة .األغذية

ما يلزم الكون، ما يلزم كل إنسان، عـدد الـذكور واإلنـاث، : }وكل شيء عنـده بمقـدار ...{

عـالم الغيـب والشـهادة الكـبري {. كل إنسان وله وقـت معلـوم املقادير، احلجوم، كله عنده مبقدار، وما يف نفسك وما هو ظاهر، الغيب والشهادة، معلومان عنده، مهما استعظمت، هو أكرب : )١(}المتعـال

.وأعلى، ماله تعاىل حد

مد هلا باحلياة، هو اهللا تعاىل وحده، وهذا الرب املمد هلذه العوامل كلها، القائم عليها واملتكفل برزقها وامل .رب العاملني

ولشاهدت أمساءه احلسىن عليك وحبه الكامل لك وعطفه الشـامل، . فلو طلبته وصدقت بطلبه لوجدته .وهلمت به تعاىل، ولنلت فوق نوال العاملني

فاالبن الرشيد العاقل حينما ينضج ويكرب، حيمد كل ، من تصرفات على ما قام به والده بسن صغره جتاهه

اختالف وجوهها، من عطاء أو منع، شدة أو رمحة، غضب أو رضى، أي يقر نفسيا حبسن هذه التصرفات، وحيترم تلك املعاملة اليت عامله هبا أبوه حىت رفع

.من سويته العلمية واخللقية

الطبيب وعنايته يب حىت فأنا حينما أرى أن املرض قد زال عين وخلصت منه، وحينما أرجع إىل معاجلة خلصين مما كنت أشكو منه، وشعرت بالصحة قد عادت يل من بعد أمل ومرض، أجد يف نفسي تقديرا

إمنا كانت حسنة إذ . تصرفاته ومعاجلاته إياي مهما كان نوعها واعترافا بفضل هذا الطبيب وأرى مجيع                                                            

 ).٩(اآلية : سورة الرعد )١(

املؤمن والكافر كالمها دـدان اهللا باآلخرة بعـحيم

 ف الغطاءـكش

Page 43: السبع المثاني

42 

 

ى اخلري فيما وصف يل من األدوية الكريهـة كان يب، فأرمما أن غاياته مجيعها كانت شفائي وخالصياملرة، ويف تلك املعاجلات الشديدة حىت أنين أرى اخلري مبا قام به هذا الطبيب من جرح جرحين به، وأمل أثاره يف بعض نواحي جسمي، تبين يل اآلن عواقب ذلك كله، وقد عادت علـي بـاخلري والشـفاء

رجال وجيها يف اجملتمع، ذا منصب رفيع يف عملـه، ومعرفـة والسعادة، وكذلك الطالب حينما يصبح : عالية بني ذويه، وعندما يرى شأنه العايل ومكانته السامية اليت أصبح عليها، هنالك حيمد معلمـه، أي

يرى اخلري فيما قام به جتاهه من تصرفات، مهما كان نوعها ومهما كانت صورهتا، حىت أنه ليقر معترفا ة نفسه، بأن ضرب معلمه ومعاقبته وحرمانه إياه يف بعض األحيان من الطعام، وشدته عليه، إمنا يف قرار

.شيء عن مدحه ومكافأته وثنائه عليهكانت كلها خريا، وهي ال ختتلف عنده يف

ـ ا كـدت التضييق واحلرمان كالمها عند هذا الطالب سيان يف اخلري، إذ لوالمها ملا استقامت نفسه، وملوجدت يف سبيل التعليم، وبالتايل ملا نالت تلك املنزلة الرفيعة، وملا بلغت ذلك الشأن العايل يف اجملتمع،

.فهو حيمد معلمه على ما قام به جتاهه من تصرفات ألهنا كلها خري وإحسان

، واملؤمن مع رسـوله، وكذلك بالنسبة لالبن الرشيد مع أبيه، واملريد الصادق مع مرشده ودليله إىل اهللاواإلنسان جتاه خالقه ومربيه، فهذا اإلنسان حينما يرى مثال أن هذه األمراض اليت ساقها اهللا تعاىل له يف احلياة، وأن الفقر واملصائب واهلموم والكروب والشدائد يف احلروب، إمنا كانت سببا يف توبته إىل اهللا،

مد اهللا تعاىل حيلل واألمراض، تراه حينما يشعر بالصحة النفسية، ريها مما هبا من العهوخالص نفسه وتطعلى ما تفضل به عليه، ويرى اخلري يف مجيع تلك املعامالت اليت عامله هبا تعاىل، مهما كانت شـديدة، ومهما كانت مؤملة، بل يعلم أهنا استحقاق وقع عليه، بسبب ما كسبت يداه من أعمال لوالهـا مـا

رت نفسه من األدران، وملا متحص ما يف قلبه، وملا سلك يف طريق احلـق الها ملا تطهجاءته شدة، ولووابتعد عن طرق الغواية واهلالك، بل لكان أمله النفسي، ولكانت دناءته واحنطاطه، أشد عليه من مجيـع

.تلك الشدائد، من مرض أو فقر، أو خوف وفزع وضيق

نـت اآلخـرة، اا، فيحمد اهللا تعاىل عليه يف دنياه قبل موته، فإذا كذاك كله يراه املؤمن يف احلياة الدنيوكانت احلياة الطيبة، وأضحى هذا املؤمن يف جنان اخللد يستغرق يف النعيم، فهنالك حيمـد اهللا تعـاىل

Page 44: السبع المثاني

43 

 

همـا محدا ال هناية له، محدا ال يوايف نعم اهللا وال يكافئ مزيده، ألن نعمه تعاىل ال تتناهى، وكل محد م .عظم، ففضله تعاىل أعظم، ونعمته سبحانه أكرب وأكرب

أما الكافر، فيحمد اهللا تعاىل يف اآلخرة، حيمده على أن ساق له يف الدنيا ما ساق من شـدائد، كلـها بسبب ما قدمت يداه وكانت يف مصلحته وخلريه، وحيمده على أن خلق له النار، ألنه يرى أن احتراق

ما فرط يف احلياة الدنيا، المها، أهون عليه مما خياجل نفسه ويالزمها من حسرة على جسده هبا وشديد إيومن خزي ودناءة واحنطاط ماثل أمامه، بسبب أعماله اليت قدمها، حىت أنه ليشـتد يف طلـب النـار

اجلسدي ويتطلبها، حىت يستجيب له ربه، فإذا ما صار إىل النار وذاق عذاب حريقها، وكان ذلك األمل من عذاب احلريق، سببا يف غيبته عن آالمه النفسية املرهقة اليت ال تطاق، وسببا يف احتجابه عن عـاره وخزيه ودناءته وحسراته، فهنالك حيمد اهللا تعاىل على استجابته له، وأمره تعاىل بإيوائه هـذا املثـوى،

:ويف احلديث الشريف. ىليخلص هبذه النار، مما يقاسي من أهوال نفسه وآالمها الكرب

إن العار ليلزم املرء يوم القيامة حىت يقول يا رب إلرسالك يب إىل النار أيسر علي مما ألقى، وإنـه «

.)١(»ليعلم ما فيها من شدة العذاب

مه، وأهل النـار جتلياته العلى ونع وهكذا فأهل اجلنة حيمدون اهللا تعاىل، لما يتفضل عليهم من فيوضاتألنه خيرهم فاختاروا األدىن وأصروا، فما أجربهم وما منعهم، بل منحهم كامل شهواهتم اليت هحيمدون

أنفسهم ومرضوها، وذاك العالج ابتغوها بدنياهم، وما طلبوه أعطاهم بالتمام وما ظلمهم، بل هم ظلموا :عاىل عليهم، وعظيم إحسانه إليهم، قال تعاىلهلا، وكل اخللق يومئذ يرون فضل اهللا ت هو املناسب

.)٢(}وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمني...{

                                                             ).ح(عن جابر ) ك/ (٢٠٥٩: /اجلامع الصغري )١(

).١٠(اآلية : سورة يونس )٢(

 

Page 45: السبع المثاني

44 

 

تقف بنا عند هذا احلد الذي بيناه، فما ذاك من معناها إلا طـرف ) الحمد لله(أن معىن كلمة وال تظننمة ال يعلمها إلا اهللا، فما من واقع يقع، وال حادث حيدث، يسري، وهنالك معان تنطوي حتت هذه الكل

وال حال حيول، وال هم وال غم ينزل، وال مرض أو فقر وشدة تلم، إال وهي من اهللا تعاىل فضل ونعمة وإحسان، تسوقها وتنزهلا يد الرمحن الرحيم، فهو تعاىل دائم العناية باخللق، باسط يـده علـى عبـاده

ة، يقلبهم من يسر إىل عسر، ومن ضيق إىل فرج، ومن فقر إىل غىن، ومن غىن إىل فقـر باحلنان والرمححيول من حال إىل حال، وكل ذلك منـه تعـاىل وفاقة، ومن صحة إىل مرض، ومن مرض إىل صحة،

متحيص وتنقية هلذه النفس، وكله منه تعاىل مداواة وتطهري وتصفية، وكل ذلك فضل ورمحة وإحسان، :تعاىلقال . الغطاء ملا اخترت غري ما اختاره لك اهللا، ولرضيت بالواقع فلو كشف

تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبـوا شـيئا وهـو شـر لكـم واللـه يعلـم وأ�ـتم ال وعسى أن...{ ".ويف الصرب على ما تكره خري كثري")١(}تعلمون

:قال تعاىل

أولــئك )١٥٦(الـذين إذا أصـابتهم مصـيبة قـالوا إ�ـا للـه وإ�ــا إليـه راجعـون )١٥٥(وبشر الصابرين ...{ذي صربوه، واعترافهم برمحـة هبذا الصرب ال: )٢(}عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولـئك هم المهتـدون

اهللا، طهرت نفوسهم، فينزل التجلي اإللهي عليهم، فيهتدون للحق، إذ حيصل هلم نور من اهللا، ويكونون .أهال لدخول اجلنة

فاملؤمن إذا أصابته املصيبة، وحاقت به الشدة صرب واستسلم، ألنه يعلم أن ذلك بسبب أخطائه وأعماله دة، فكيـف ال يرضـى وكيـف ال حلنان املنان، إمنا أنزلت به ما أنزلت من شاملخالفة، ويعلم أن يد ا

                                                             ).٢١٦(اآلية : سورة البقرة )١(

 ).١٥٧-١٥٥(اآلية : سورة البقرة )٢(

Page 46: السبع المثاني

45 

 

إنه يرضى ويستسلم ألنه يعلم رمحة اهللا، ويعلم حنان اهللا ويرى عناية اهللا، عنايته تعاىل الـيت !يستسلم، خلقت ما يف األرض وما يف السموات هلذا اإلنسان، عنايته تعاىل اليت سخرت الشمس والقمر دائـبني

من فواكه وأمثار، ونباتات وأزهار، وسهول وجبال، وسخرت الليل والنهار، واألهنار والبحار، وخلقت ومآكل ومشارب ولذائذ، خلقت كل ذلك وختلق على الدوام، فضال ومنة ورعاية هلذا اإلنسان، إنـه

ة عليه كله، إنـه يـرى دوام فالقائمة على هذا الكون كله، واملشرهية احمليطة به، يرى تلك العناية اإللـ االعناية اإللهية عليه يف الليل والنهار، ويف كل حلظة من اللحظات فلو انقطع إمداده تعاىل عن العني مل

أبصرت، وعن اإلذن لصمت وما مسعت، وعن اللسان لتوقف وما نبس بكلمة، وعن الفكر لزال ومـا فهو احلي . وبيد من؟. م دوما معك فروحك ممن؟وعى، وعن القلب لسكت وما نبض نبضة، فاهللا الرحي

.حياتك به، وهو القيوم قيامك وبقاؤك به تعاىل، ودوما نوره على قلبك، فال إله إال اهللا

يرى املؤمن عناية اهللا تعاىل به ظاهرا وباطنا، فيستسلم لتصرفاته تعاىل، فيغير ما بنفسه من طلب سيء أو ويعلم أن تصرفاته تعاىل، كلها خري وفضـل ضر، وينقلب عليه نعمة وخريات، خطأ، ويزول ما به من

.وحيمده تعاىل على كل حال. ورمحة

ليست فيما وردت عليه اآلن يف سورة الفاحتة اعترافـا مـن ) الحمد لله رب العالمني(على أن كلمة .من رسول اهللا املصلي يعترف به، وإقرارا يقره، بل إمنا هي إعالم

فهذه الذات العلية اليت خلقتك وأوجدتك، واليت تشرف على شؤونك وتربيك، هذه الذات العلية اليت تسير مجيع الكائنات، واليت يؤول إليها أمر كل شيء، هذه الذات هي حضرة اهللا رب العاملني واليت يبين

إهنا تعرفك أن رب العاملني الذي مشلت تربيتـه . يعافيها أن احلمد هللا رب العاملني مج لك رسول اهللا كل شيء، هو املسير الذي بيده كل شيء، وإليه تؤول أمور كل شيء، هذا الرب املمد واإلله املسير،

.يحمد على كل ما تراه وكل ما جيري يف هذا الكون، من تسيري وتصرفات

الحمد (عن لسان اهللا كلمة ركعة يتلو عليك رسول اهللا وم، ويف كل صالة، ال بل يف كليف كل ي

لتستقر هذه الكلمة يف نفسك، ولتتبع معناها بالتفكري، ولتحمده تعاىل حقا، فإذا أنت )لله رب العالمنيسامى محدته وعرفت حنانه، فقد توثقت الصلة بينك وبينه، وهنالك تدخل يف النعيم، النعيم النفسي، وتت

Page 47: السبع المثاني

46 

 

نفسك وترقى من حال إىل حال أعلى، والصالة معراج املؤمن، وتلك هي الغاية من الصالة، ومـن مل ومن مل يفقه معانيها ويدخل هبـا ) الحمد لله(يقرأ آية احلمد فيعقلها بقلبه، ومن مل يتعرف إىل كلمة

الصالة، وهو أثر يسري ال يغـين على اهللا، فال صالة له، وما هو من الصالة يف شيء إال أجر حركات .القلب

:هذا وقد يعرض لك سؤال من األسئلة فتقول

تبين يل مما سبق من شرح وبيان أنه ال يقع واقع يف هذا الكون إلا وقد أذن به اهللا وشاء، وأنه ما مـن حادث حيدث إلا انطوى علـى فضـل ورمحـة

ة القتل اليت تقع على القتيل، فتذهبميضتموه، جروإحسان، فكيف حنمد وكيف نؤول على ضوء ما عرللقاتل اخلزي والعار، وتـزج بـه يف السـجون حبياته، وحترم زوجه وبينه من عطفه ورعايته، وتسبب

وهل وقـوع ، بالدنيا، وتلقي به غدا يف النار، وكذلك السرقة والزنا، وسائر أنواع اجلرائم والتعدياتوهل نستطيع أن نعد ذلك فضال ورمحة . ؟)الحمد لله رب العالمني(ذلك كله وحدوثه تشمله كلمة

وعناية من اهللا بكال الطرفني، القاتل واملقتول، والسارق واملسروق ماله، والزانية والـزاين، واملعتـدي .ذلك يحمد تعاىل عليه؟كل واملعتدى عليه، وهل

:ر أقولوجوابا على هذا السؤال وبوجه االختصا

تشمل ) الحمد لله(ما دام كل واقع يف هذا الكون ال يقع إلا بعلم اهللا ومن بعد إذنه، فال شك أن كلمة :ونفصل وال نطيل فنقول. وبدون استثناء كل حادث وواقع، وله احلمد تعاىل على كل حال

صري، أصم ومسيع، فإذا أعرض كافر ومؤمن، حي وميت، أعمى وب: اإلنسان يف هذه احلياة أحد رجلنياإلنسان عن آيات ربه، ومل يسلك طريق اإلميان اليت شرعها اهللا تعاىل وبينها لعباده، أضحت نفسـه يف

.ظلمة وعمى

الشدائد واملصائب :وخريها العميم

Page 48: السبع المثاني

47 

 

من الشهوات اخلبيثة استحبها واستهواها، إذ ال نور له من اهللا يرى به حقيقتها، ومـا فإذا رأى شهوة فسه ويستفحل أمرها حينا بعد حني، حىت متلك عليه مشاعره، وتستويل تزال هذه الشهوات تعتلج يف ن

على قلبه، وإنه ليصمم عليها ويعزم على فعلها، وما مثل هذا اإلنسان واحلالة هذه إلا كمثل امرئ سائر ذلك هو مثل اإلنسان هذا بالنسبة لشهوته، : يف واد سحيق، اعترضته صخرة عظيمة سدت عليه طريقه

الصخرة العظيمة سدت عليه طريق اإلميان، فمهما ذكرته بآيات اهللا ال يتذكر، ومهما أوردت له من إهناالعرب واملواعظ، ال يتعظ وال يعترب، ومهما حذرته من العواقب وأنذرته بسوء املصري ال حيذر وال خياف،

فإن أنت أزلتها، فقـد انفـتح . ريقهوال بد قبل كل شيء من إزالة هذه الصخرة املانعة اليت تعترض طولذلك ورمحة من اهللا تعاىل هبذا اإلنسان الذي أصبح سـجينا . الطريق إىل اإلميان وأمكن املضي والسري

وراء شهوته، وقد انسد عليه بسببها طريق اإلميان، أنه يطلقه فيقع فيما هو مصمم عليـه ومشـتهيه، ليها، وختلو ساحتها مما كان شاغال هلا ومالكا عليها مشاعرها، وهنالك ختلص النفس مما كان مسيطرا ع

وتزول هذه الصخرة اليت كانت قد سدت عليها طريقها، وال بد للنفس بعد حتقيـق هـذه الشـهوة وخروجها من ساحتها والراحة اليت تعقب خروجها، لكي تسري يف طريق اإلميان واحلالة هذه ال بد هلـا

ها وسائق يسوقها، لذا يسلط اهللا تعاىل على هذا اإلنسان بعد وقوعـه يف شـهوته، إذن من دافع يدفعوإما اهلم والغم، والضيق واخلـوف، وإمـا الفقـر ، صائب والبالء، فإما املرضصنوفا من الشدائد وامل

تد واإلعدام، وكل امرئ يسوق اهللا تعاىل له الدواء املناسب، حبسب حاله وحبسب شهوته وجرمه، ويشالبالء على هذا اإلنسان اجملرم ويزداد يف الشدة، وما يزال به يضيق عليه ويزيد يف الضغط، حىت تضـيق

وهنالك تستسـلم . عليه األرض مبا رحبت، وتضيق عليه نفسه، فال جيد ملجأ وال منجا من اهللا إال إليها كسبت يداها، وبسبب ما وقعت فيه النفس إىل اهللا، وتعلم أن ما أصاهبا من الشدة والبالء إن هو إال مب

من إجرام، وتصدق بالتوبة الصادقة، وما أسرع ما تنكشف هلا احلقيقة أن ال إله إال اهللا، وأن الفعل كله بيد اهللا، وأن الشدة اليت حاقت هبا إن هي إلا حمض رمحة وفضل وإحسان من اهللا، فتشـكر اهللا علـى

العذاب األدىن دون العذاب األكرب، وترى أن اجلرمية اليت نفـذهتا، وتشكره على ما ساق هلا من البالء،وأن البالء الذي حل هبا من بعد، والعقوبة اليت ذاقتها، كلها عوامل ووسائل ساعدهتا علـى السـري يف

، ولو أهنـا مل يسـلط )الشهوة(ولو أهنا حبست وراء الصخرة العظيمة . طريق احلق ويف طريق اإلميان

Page 49: السبع المثاني

48 

 

من بعد ذلك البالء والشدة، لظلت حمرومة ممنوعة من اخلري، واحلمد هللا على ما أصاهبا، وله احلمد عليها .على كل حال، وال يحمد على مكروه سواه

ولكـم فـي القصـاص {: وكذلك هو احلال النفسي للقاتل عندما تنفذ فيه عقوبة اإلعدام، قـال تعـاىل ويف القصاص حياة النـاس والبشـرية . ك عالجا لنفسه لعله يقبل فيطهريرى أن يف ذل: }...حيـاة

:)١(}يا أولي األلباب لعلكم تتقون...{: يعيشون بسعادة إن طبقوا تعاليم اهللا

ويف اختاذ احلكم وااللتجاء الذي حيصل له عند املوت، تشفى نفسه من عللها، وتتم له احلياة القلبية -١ .لدار اآلخرة األبدية من جهةيف ا

ومن جهة أخرى فبتطبيق هذا احلكم الشديد يكون عظة للمجتمع من بعده، فال يتجرأ أحد علـى -٢قتل أحد، ألنه يعلم أنه بقتله للغري سوف يقتل هو، فيكف اجملتمع عن القتل، ويكون ذلك بصـحيفته

سارق يف جمتمع إسالمي متكافل متضامن، ويكون اجملتمع يف أمان، ذلك يضاف إىل صحيفته، وحال الال يحرم فيه فرد من كفاية، وكذا هو مؤمن له الكفاف ومع ذلك يسرق دون حاجة، إهنا علة نفسـية

حينما تقطـع يـده . شريرة، ال بد من بتر العلة اليت قد تخسره دنياه وآخرته، بقطع يده لشفاء نفسه

قـل {يكون من أهل اجلنة يصلح عندها أن ب عن علته توبة نصوحة، وويذوق مزيد اآلالم املمضة، يتو، ذلـك )٢(}..ميعـا يا عبادي الذين أسرفوا على أ�فسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الـذ�وب ج

نتقل من الباطل إىل احلق، ومن الكفر إىل اإلميـان، هو حاله إن رجع للتفكري حال البالء والشدة، إنه يومن املوت إىل احلياة، فيغدو مسيعا بصريا، وميوت وهو يشكر اهللا وحيمـده، ويف احلـديث الشـريف

:وباآلخرة

                                                             ).١٧٩(اآلية : سورة البقرة )١(

 ).٥٣(اآلية : سورة الزمر )٢(

Page 50: السبع المثاني

49 

 

،)١(»رة من إميانمن النار من كان يف قلبه مثقال ذ خيرج«

.)٢(}ر الظالمني فيها جثياثم �نجي الذين اتقوا و�ذ{: كما باآلية

أما إذا خرجت الشهوة، وحاق من بعدها البالء والشدة، وظل هذا التفكري خامدا، فال بد واحلالة هذه، .من شدة أعظم وبالء أكرب

وإن . )٣(}..قريبـا مـن دارهـم وال يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعـة أو تحـل ..{: قال تعاىل

.مل تفد هذه العالجات كلها، فاملصري حتما إىل النار، ونعوذ باهللا من مصري أهل النار

ون وحيث أين شرحت لك من قبل ما حيل بأهل اجلرائم يف النار يوم القيامة، وبينت لك أهنم يومئذ يرمتذاك حيمدون اهللا تعاىل على ما يداويهم به فيها، فال حاجة هم، وإهنم إذبالنار ليخلصوا من خزيهم وعار

.اهلم هباوهنا للتفصيل عن أح

تلك هي رمحة اهللا تعاىل ونعمته وفضله ومنته على املعرضني من بين اإلنسان، تنبت الشهوة احملرمـة يف ، ويسرق السارق، ويـزين أنفسهم بسبب إعراضهم عن اهللا، ويزين اهللا تعاىل هلم أعماهلم، فيقتل القاتل

الشدة واملداواة، وختلص تلك األنفس، إن هي رجعت إىل اهللا مما كان هبا الزاين، وجيرم اجملرم، مث تكونمن جرثوم الشهوات، وتدخل يف حصن اإلميان فالتقوى، وهي االستنارة الدائمية بنور اهللا مبعية رسول

جات حىت وصلت إىل األمن واألمان، والسـمو واخلـري ، وحتمد اهللا على ما عاجلها به من عالاهللا .العميم

                                                             .١١٦، ص٣ج: مسند اإلمام أمحد )١(

 ).٧٢(اآلية : سورة مرمي )٢(

 ).٣١(اآلية : رة الرعدسو )٣(

Page 51: السبع المثاني

50 

 

أما بالنسبة للمقتول وزوجه وبنيه، واملسروق ماله، واملعتدى عليه فال تظنن أن الذي اعتلجت يف نفسه فاهللا سبحانه . جرمية القتل أو السرقة أو الزنا والتعدي، يستطيع أن يسرق أو يعتدي على أي إنسان أراد

.ن واملشرف، وهو احلكيم العليمهو املهيم

:قال تعاىل

فما من شيء إال وسـريه : )١(}ما من دآبة إال هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مسـتقيم ... {

.باهللا، وال يسوق شيئا من األذى إال على مستحقيه

وهبـذه الصـورة )٢(ن ميوت هذا الذي انتهى أجله قتالفإذا انتهى أجل املرء وكان من احلكمة واخلري أوجعل تنفيذ جرميته عليه، وهنالك تكون الشدة اليت تقع على املقتول الرهيبة، ساق اهللا تعاىل القاتل إليه،

ساعتئذ، دواء لنفسه وعالجا، إذ أنه ال بد أن يكون من قبل قاتال، فنال جزاءه، وجزاء سـيئة سـيئة أن له من األعمال السابقة ما اقتضى أن يكون موته هبذه الصورة، فباليقني بإعدامـه تلتجـئ مثلها، أو

.نفسه وتنيب، وتطهر نفسه وختلص مما هبا من أدران

.)٣(}ولكم في القصاص حياة يا أولي األلباب لعلكم تتقون{

وكذلك األمر بالنسبة للمسروق ماله، واملعتدى عليه، ال . )٤(ب آخروذلك ما كنا فصلناه وبيناه يف كتا

وكـذلك �ـولي بعـض الظـالمني بعضـا بمـا كـا�وا {: بد أن كال منهما سبق أن ظلم، فأعاد اهللا عليه عملـه                                                             

 ).٥٦(اآلية : سورة هود )١(

أما الشهداء مبا حوت نفوسهم من نوايا عالية سامية مع وقوع ساعة أجلهم جعلها تعاىل بالقتل شهادة عطاء عظيم )٢( .هلم، فلهم حبث لسنا بصدده اآلن

 ).١٧٩(اآلية : سورة البقرة )٣(

 /.اإلله موجود وليس هناك ظلم إطالقا/حبث ) يف العاملمصادر مياه الينابيع (لطفا انظر كتاب )٤(

Page 52: السبع المثاني

51 

 

رأة فاجرة خبثت نفسها حىت أن الزاين ال يقع عمله وعدوانه وال ينفذ شهوته، إال على ام )١(}يكسـبون

الزا�ي لا يـنكح إلـا زا�يـة أو مشـركة والزا�يـة لـا ينكحهـا إلـا زان أو مشـرك {: وتطلبت هي أيضا الفاحشة .)٢(}وحرم ذلك على المؤمنني

ا نواصي اخللق تسيرها باحلق، وما من واقع وهكذا فهذه الذات العلية قائمة على الكون بالقسط، وبيده

عـالم )٨(وكـل شـيء عنـده بمقـدار ..{: يقع إال من بعد إذنه، وهللا احلمد على كل ما يسوقه لعبادهـ )٣(}الغيب والشهادة الكبري المتعـال ت فإذا أردت أال يعتدي معتد عليك، فاستقم كما أمرت، وإن أن

ذلك بـأن اللـه لـم يـك مغيـرا �عمـة أ�عمهـا {شذذت وبغيت، فارتقب وقوع البالء والشدة من بعد الرخاء ومن زكى نفسه وسلك هبا طريق اإلميـان، . )٤(}على قوم حتى يغيروا ما بأ�فسهم وأن الله سـميع علـيم

ز ووقي شديد العالجات، ومن أعرض عن طريق اإلميان ودس نفسه، فقد خسر وخاب، فقد أفلح وفا

)٩(قـد أفلـح مـن زكاهـا )٨(فألهمهـا فجورهـا وتقواهـا )٧(و�فس وما سـواها {: وعرض نفسه للتباب .روروما احلياة الدنيا إال متاع الغ )٥(}وقد خاب من دساها

:ويطول البحث ويطول إذا حنن أردنا أن نتابع لك الشرح من كلمة

                                                             ).١٢٩(اآلية : سورة األنعام )١(

 ).٣(اآلية : سورة النور )٢(

 ).٩- ٨(اآلية : سورة الرعد )٣(

 ).٥٣(اآلية : سورة األنفال )٤(

 ).١٠-٧(اآلية : سورة الشمس )٥(

Page 53: السبع المثاني

52 

 

بفاحتة الكتاب، ويعجز البيان ويقصر اللسان، عن تبيان ما تتضمنه كل آية، }الحمد لله رب العالمني{

وأكثر، ال بل كل كلمة من كلمات القرآن الكرمي من معان، ألنه كلما أقبل اإلنسان على خالقه أكثر تفتحت له معان سامية علية جديدة من كالم اهللا تعاىل، وكانت لديه أوسع وأظهر، وال شك أن هـذا

وجل ما نقوم به حنن اآلن، أننا نضع بني يديك مناذج ومثال من معاين القـرآن . ليس له حد وال انتهاءقني، بل إمنا تفيدك معرفة، وتريك الكرمي، لكن هذه النماذج واملثل ال تكسبك علما وال تصل بك إىل ي

طرفا مما انطوت عليه آيات القرآن الكرمي من معان، أما إذا أردت الوصول إىل احلقيقـة، واشـتاقت نفسك لالستغراق يف حبار علم اليقني، فعليك بسلوك طريق اإلميان، وهنالك تنكشف لك حقائق هذه

قيم، والعلو والسمو، وتراها بعـني البصـرية، رؤيـة املعاين، وحيصل لك هبا العلم الصحيح، والنعيم امل

أفمن يعلـم أ�مـا أ�ـزل إليـك مـن ربـك {: نفسية، أبلغ وأوضح من رؤيتك لألشياء حباسة البصر، قال تعاىل .)١(}الحق كمن هو أعمى إ�ما يتذكر أولوا األلباب

، فمن غدا طاهر القلب إذ صار من أهل اإلميان، هذا يعرف، وقلبـه مـن العلـوم ال القشور واملظاهر .الكربى من حضرة اهللا ورسوله، هو يغرف

أمن املمكن أن تعي نفسي هذه : أنك قد تقول على :املعاين كلها اليت أوردمتوها من كلمة

مساع هذه اآليـة، الـيت ال تسـتغرق وقد ناهزت صفحات كثرية مبجرد }الحمد لله رب العالمني{

:وجوابا على هذا أقول. وهل أتصور أن أفقه ذلك كله يف حلظة واحدة؟. تالوهتا إال بضع ثوان؟

موقوفا على طول دراسة واستعراض معان، إمنا املسألة مسألة صدق وتفكري واستقامة وإميان األمرليس مبا يف الصالة من خري يناله فيها، وقد صرح تعاىل بأن وإقبال على اهللا، وإن اإلنسان ليعجز عن اإلحاطة

العلم والفضيلة والكمال الذي ينطبع يف نفس املؤمن يف ليلة القدر، وإن شئت فقل يف تلـك اللحظـة                                                             

 ).١٩(اآلية : سورة الرعد )١(

 علم كلمح البصر

Page 54: السبع المثاني

53 

 

يف صالة التراويح، خري مما حيصل عليه امرؤ قضى ألـف شـهر يف بالصحبة النفسية مع رسول اهللا

عليه السـالم ، والعزير)١(}ليلة القدر خير من ألف شـهر {: كتساب املعرفةالصيام والدراسة اجلادة ال

وكذلك قال أهل الكهف الكـرام )٢(}..قال لبثت يوما أو بعض يوم..{: بعد أن أماته اهللا مائة عام

ومـا أمر�ـا إلـا واحـدة كلمـح {: مثل قوله، فمسألة الزمن بيده تعاىل وهو خالق الزمـان قـال تعـاىل فإذا أنت أعددت نفسك قبل الشروع يف الصالة، وسلكت هبا يف طريق اإلميان وإن شئت )٣(}بالبصـر

إذا أنت آمنت حقا بكلمة ال إله إال اهللا وأن حممدا رسول اهللا، ووقفت بنفسك وقلبك للصـالة : فقل

الحمـد للـه رب {: يه صلى اهللا عليه وسلم يتلو عليك وأنت مقتد به كلمةمتوجها إىل الكعبة تستمع إل، تنكشف لك هذه املعاين وأمثاهلا ما ال حتلم به من فهنالك يا مؤمن وحسب ارتباطك به }العـالمني

لكون كله قبل، وما ال حتصل عليه مبئات السنني جبهدك الذايت حتصل عليه بالصالة يف طرفة عني، فترى امشموال بعناية اهللا، سائرا حبمد اهللا تسيره يد احلنان املنان، وتعطي كل خملوق أحسن شيء له، وما هو بالنسبة له حمض الفضل واإلحسان، ترى ذلك كله يف حلظة واحدة، ولنا يف مثل سحرة فرعون حـني

وكم رأوا فما عبؤوا بفرعون وصولته، توجهوا لسيدنا موسى عليه السالم سراجهم املنري، كم شاهدوا :وبكل هتديداته من تعذيب وتنكيل وتصليب، فخاطبوه مبا شهدته نفوسهم من احلق غري عابئني

ة الد�يا ه الحياقالوا لن �ؤثرك على ما جاء�ا من البينات والذي فطر�ا فاقض ما أ�ت قاض إ�ما تقضي هذ{إ�ـه مـن يـأت ربـه )٧٣( إ�ا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايا�ا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقـى )٧٢(

                                                             ).٣(اآلية : سورة القدر )١(

 ).٢٥٩(اآلية : سورة البقرة )٢(

 ).٥٠(اآلية : سورة القمر )٣(

Page 55: السبع المثاني

54 

 

ــا يحيــى ــا ول ــوت فيه ــا يم ــنم ل ــه جه ــإن ل ــن ي )٧٤(مجرمــا ف ــم وم ــك له ــالحات فأولئ ــل الص ــد عم ــه مؤمنــا ق أتفمن )١(}جنات عدن تجري من تحتها الأ�هار خالدين فيها وذلك جـزاء مـن تزكـى )٧٥(الدرجات العلى

وما مسعوا من سـيدنا !. ملختلفة حمضرين؟أين جاؤوا هبذا البيان الذي بينوه، وقد جيء هبم من املدائن اإنه التعظيم والتقدير لعلمه عليـه !. ه سابقة اجتماعومل يكن هلم ب!. بيانا وال داللةموسى عليه السالم

السالم، جعل نفوسهم ترتبط بنفسه املقبلة على اهللا، وهنالك شاهدوا ما شاهدوا من حقائق أمسـاء اهللا .احلسىن بلحظات

:إذن

بالصالة، تشهد نفسك هذه املعاين وأنت تستمع إىل رسول اهللا حال التقوى مع رسول اهللا إنك يف وهو يقوهلا، كلما مسعتها يف كل ركعة زدت شهودا ورؤية لتلك املعاين اليت انطوت عليهـا، فـإذا

ندها تغدو ع. أنت حامد لربك حقا، وإذا أنت متدرج يف منازل احلمد يوما بعد يوم، وصالة تلو صالةإنسانا حقا، بعروجك القليب يف منازل القرب، من رب الكمال والفضيلة واإلحسان، وتتشرب الرمحـة

خملوق وإنسـان، والعلم، وتنال العطف واحلنان، وتأنس باهللا تعاىل ينبوع كل كمال، فيأنس بك كلر واألذى واإلضـرار وتكسب اخلريات واملكرمات، وتفيضها على من حولك، مترفعا عن كافة الشرو

.لكافة املخلوقات

:، يبلغك عن لسان اهللا تعاىل كلمةهذا وبعد أن استمعت إىل رسول اهللا

:وهو يقول لك مبلغا كلمة فاستمع إليه }الحمد لله رب العالمني{

})٣(الرحمـن الرحيم {

                                                             ).٧٦-٧٢(اآلية : سورة طه )١(

Page 56: السبع المثاني

55 

 

})٣(الرحمـن الرحيم {

أن تعرفك ببعض أمساء اهللا رب العاملني، الذي يحمد على كل مـا }حمـن الـرحيم الر{: وتريد كلمة

إليه أمور الكون كله، هـذا جيري يف هذا الكون من تسيري، إهنا تعرفك أن هذا اإلله املسير الذي تؤول: من تصرف وتسـيري اإلله املريب مشلت تربيته سائر العاملني، والذي يحمد على مجيع ما يقع يف الكون

.هذا اإلله املريب، هو الرمحن الرحيم

أي أنه ذو رمحة وحنان ن،إمنا يشري إىل أن اهللا تعاىل رمحوالفرق بني هذين االمسني هو أن اسم الرمحن، بشىت معامالته لك مهما تلونت، كذا وسعت رمحته كل شيء، فما من خملوق إال وقد غمرتـه هـذه

.الرمحة، فهي ترعاه حبناهنا حيثما حل وأنى ارحتل وسار الذات العلية بفيض من

.من تشديد ورخاء: )١(}..ورحمتي وسعت كل شيء..{: قال تعاىل

أن يعرف القرآن من عـرف . صيغة مبالغة السم الفاعل املشتق من فعل الرمحة على وزن فعال: الرمحنشاهد صفة الرمحة من اهللا، انطبعت بقلبه معاين القرآن كمـا اهللا مسري هذا الكون وما فيه بالرمحة، من

.)٣(}..واتقوا الله ويعلمكم الله..{: هنا )٢(}علم القرآن )١(الرحمن {: باآلية

أرأيت إىل األمهات يرعني صغارهم بعطفهن، وتذوب قلوهبم رمحة، وتفيض نفوسهم حنانا يغمرن بـه هن، فلو أن ما اشتملت عليه قلوب األمهات كلهن من الرمحة والعطف والرأفة واحلنان، لـو أن أوالد

ذلك كله جمع بعضه إىل بعض، مث ضاعفته ماليني املاليني من املرات، ملا بلغ ذرة واحدة من رمحتـه

                                                             ).١٥٦(اآلية : سورة األعراف )١(

 ).٢- ١(اآلية : سورة الرمحن )٢(

 ).٢٨٢(اآلية : سورة البقرة )٣(

Page 57: السبع المثاني

56 

 

ت واألنعام لـك، تعاىل اليت لديه عليك، ال بل على أي خملوق من املخلوقات، وقد سخر تعاىل املخلوقا !...فما أرفع منزلتك عند اهللا وأنت ال تدري

فما من خملوق إال وهو مغمور حبنان إلهي ورأفة ورمحة ال حد هلا، وما ذلك كله إال أثر من آثار امسـه

.)الرحمـن(تعاىل

ة، وأجنبت ، أو تغرس غرسة، أو تلصق رقعة تطعيم يف شجرة، فإذا ما نعشت النبت)١(تضع نبتة يف أصيصالغرسة، وبرعمت الرقعة، غمرهتا نفسك بالرعاية، وأحاط هبا قلبك بفيض من العطف والعناية، تتأمل أملا كبريا ممن يلمسها بسوء أو أذى، ذلك شعورك حنو النبتة أو الغرسة، وأعظم منه شعور األم واألب حنو

ا كان، يفرحان لفرحه، وحيزنان حلزنـه، صغريمها، يتبعانه بنظرمها أينما سار، ويرعيانه بعطفهما حيثمويصيبهما اهلم والغم من أجله، وقد حيل هبما املرض ملرضه، وما ذاك كله إال أثر مـن آثـار حناهنمـا وعطفهما، مع أن األم واألب ما خلقا صغريمها وما أبدعاه صنعا بيديهما، بل ربياه صغريا ورعياه، فما

خلقتك بيدها، وخلقت لك السمع والبصر والذوق وفطرتك، ومـا بالك حبنان تلك الذات العلية اليت أليست رمحة . ترى نسبة حناهنا عليك، وما هو مبلغ رمحتها بك، أيقاس ذلك برمحة أم أو أب؟ هي يا

كافة األمهات أو اآلباء للبشر ولألنعام والطيور واحليوانات كلها من اهللا، بل هي ذرات مـن رمحـة وما خلقت الكون كله إال من أجلك، وتأمينا لراحتك . الذات العلية عليك؟ وهل تقسو تلك. الرمحن؟

.وسعادتك

أتظن أن املريض ميرض، وأن الغين يفتقر، وأن اهلم والغم ينزل، وأن املصائب واملكاره تلم، وأن ذلـك ن هـؤالء يف هذه الساعات العصيبة قد حتولت رمحتها ع" احلضرة اإللهية"كله حيل وتلك الذات العلية،

إللهية هي هـي، ال ال، كل ذلك مل يكن، والرمحة ا... ال!. ونقصت بعض الشيء عن هذا املخلوق؟عامل كال مبا يناسب، ويسوق له من العالجات ما يلزم، وحسبك تتحول وال تنفصل، لكن اهللا تعاىل ي

                                                             .إناء تزرع فيه الرياحني: أصيص )١(

Page 58: السبع المثاني

57 

 

تطبيق ما يلزمه من محيـة أن تنظر إىل معاملة األم واألب لطفلهما حينما ميرض، إهنما يشددان عليه يف .وعالج، وما يشددان عليه هذا التشديد، إال لفرط رمحتهما به، وشديد حناهنما عليه

. يشددان عليه ليدفعا عنه ما أمل به من مرض، وينقاله من حال التعاسة والشقاء، إىل السـعادة واهلنـاء ان بقلبهما عليك، ال على سواك من وحسبك أن تنظر يف هذا، وهو تعاىل من رمحته، وضع الرمحة واحلن

إنه يسوق . أطفال الغري، لتدرك طرفا من رمحة اهللا تعاىل بك حينما يسوق ما يسوق، من شدائد وآالملك ذلك، دواء لنفسك، وعالجا ملا هبا من علل وأدران، وما ذلك كله إال أثر من آثار رمحته تعاىل بك

وهكذا فاهللا تعاىل بامسه الرمحن، يغمر . استقم، يغير اهللا عليكوحنانه عليك، فغير ما بنفسك من سوء والكون كله، من أصغر خملوق إىل أعظم كائن يف احلياة يغمرهم مجيعا برمحته، فما ينفك مشرفا علـيهم

.يف ليل أو هنار، يف عسر أو يسر، يف دنيا أو آخرة، يف جنة أو نار )الرحمـن(باسم

عن امسه تعاىل الرمحن إن هـو إال إن كل ما قدمته لكتعريف بطرف يسري من رمحته تعاىل خبلقه، وسأضـرب لك مثال يقرب لك احلقيقة أيضا بعض التقريب، وإن كانت احلقيقة أبعد من أن تنال مبثال، بل يلزم أن

.تشهد شهودا ليتيقن اإلنسان، وال يتم ذلك إال باإلميان

ها إىل هذه األرض وما عليها من سهول وجبال، من جزر وحبـار، مـن انظر إىل الشمس ترسل بأشعت .نباتات وأشجار

مث انظر إىل شجرة واحدة، ال بل إىل ورقة من أوراقها وقد غمرهتا الشمس بأشعتها، ترى ما مقدار مـا .وما هي نسبة ذلك إىل الشمس ذاهتا؟. اكتسبت هذه الورقة الواحدة من أشعة الشمس؟

كل شجرة ال بل كل ورقة تنال . أشياء، وكم فيه من أشجار، وكم فيه من أوراق؟ كم يف الكون من .من إشعاع الشمس حظا يسريا

وعطاء الشمس أعظم بكثري مما نالته شجرة، وعطاء الشمس أعظم بكثري مما نالته ورقة، ولعمري ذلك .جزء يسري ال يقارن

 :ريبلبعض التق

Page 59: السبع المثاني

58 

 

.أم من اهللا تعاىل، من قدر يسري من رمحة وما ضربت لك هذا املثال إال ألعرفك مبا نالته كل

أعظم مما عرفتك به عن طريق هذا املثال مبا ال يقدر وما ال ميكن أن يتصوره إنسان، ورمحته جل جالله والشـهود بعـدها .. وحسبك أن تقبل على اهللا لتدرك طرفا من رمحته تعاىل خبلقه، وتذوق ذلك ذوقا

.وليس البيان كالعيان.. يقنيأعظم فبه اليقني برب ال

).الرحيم(واآلن، أنتقل بك إىل الكالم عن امسه تعاىل

يتبين لنا مما بينا من بيان وأمثلة، طرف يسري من بالغ ما يغمر تعاىل عباده به من رمحة وحنان، وقارنـا .وضيح، ووضحنا بعض الت)وهللا املثل األعلى(ذلك وإن كان ذلك ال يقارن برمحة األب واألم،

باهللا ما يجدي الطفل ما يف قلب أبيه وأمه حنوه من عاطفة ورمحة وحنان، إذا مرض هذا االبن وكانا يف قرية نائية، وليس لديهما من وسائل النقل ما ميكنهما من أن يذهبا به إىل الطبيب يفحصـه ويعاجلـه

ألم مريضة مغلولة اليدين، ال وما يفيد الطفل من رمحة أمه إذا هو سقط على األرض وكانت ا. ويداويه؟ .تستطيع أن تنقذه مما هو فيه؟

فتقـد اللـنب يف ع وكانت هذه األم مريضة مدنفة توما يغين عنه ما يف قلب أمه من رمحة بالغة إذا جا .ثدييها، ويبكي الطفل تأملا من جوعه، وتبكي األم حنانا ورمحة، وال حيلة هلا يف دفع غائلة اجلوع عنه؟

ثلة، عدد منها ما شئت، لتعلم أن الرمحة وأن العاطفة ال تكفي، إذا مل يدعمها التنفيذ باإلمـداد، هذه أم .الرمحة عليه، وختليصا مما هو واقع به ومستول عليهقلبها وإنقاذ من تتحرك يف

ا مـن نعم قد تقع األم يف أمثال هذه الظروف فال تحدث رمحتها شيئا، ومن هنا نستطيع أن ندرك طرفيرى حاجة املخلوق وما يتطلبه وضعه، وما تقتضيه سعادته، فيسعفه مبا امسه تعاىل الرحيم وإمداده الذي

.يلزمه وما هو حباجة إليه

فبامسه تعاىل الرحيم وإمداده، ترسل لك الشمس أشعتها فتدفأ، وتتبخر مياه البحـار وجيـود عليـك ر، تستريح ليال من التعب، وتبتغي يف النهار من فضله بالسحب وباألمطار، ويتعاقب عليك الليل والنها

 الرحيـم

Page 60: السبع المثاني

59 

 

إمداده وأمره لألرض لتنبت لك ما تنبت، مـن فواكـه منوعـة : تعاىل، وبامسه تعاىل الرحيم ورمحته .وخضار، وحبوب خمتلفة وأمثار

احلمـري وبامسه تعاىل الرحيم، خلق لك األنعام ورباها لك، فيها دفء ومنافع كثرية، واخليل والبغال ووبامسه تعاىل الرحيم، خلق لك األم ترعاك وتربيك، وتقدم لك ما تقدم بالتعـاون مـع . لتركبها وزينة

أبيك، واحلقيقة كل احلقيقة، أن اهللا تعاىل هو املرسل لك األشعة من ثنايا الشمس، وهو املسير املقلـب ور واحلبوب وخالقها، ويرفدها لك للكرة األرضية، فهو منشئ الليل والنهار، وهو ممد لك األرض بالبذ

نائهن، وال حول وال قوة كذا حليب األمهات ألب. ون األنعامباحليوينات، وهو صانع احلليب لك يف بطإال منه تعاىل، رمحة وحنانا، وال إله سواه، وبامسه الرحيم، نظم لك هذا اجملتمـع اإلنسـاين، يتعـاون

مسه تعاىل الرحيم، يداويك نفسيا، ويسوق لك من العالجات أعضاؤه على تقدمي ما أنت حباجة إليه، وباعمـل وسـعي، جتـد للك هذه الدنيا جمااملعنوية، ما يسمو بنفسك ويرقيك، وبامسه الرحيم، جعل

وأرسل لك رسال وأنزل عليهم شرائع لتهتدي هبا، . وتسعى، لتكسب غدا ما أعده لك يف جنات النعيمطغى، وآثر احلياة الدنيا وغدا مريض القلب، فقد أعد له تعاىل مشفى، وأعد أما إذا شذ هذا اإلنسان و

.له فيها سعريا، رمحة به وعالجا، فهو به رمحن

ويكفيك أن ترجع يوما إىل ما كنا شرحناه يف كلمة احلمد هللا رب العاملني، لتدرك رمحته تعاىل بعبـاده اآلخرة يصيح متأملا مما كسبته يداه ويستغيث مستصرخا، حىت يف النار وحريقها، ولو أن اجملرم جاء يف

اهللا له نارا لتسكني آالمه النفسية الرهيبة اليت ال تطاق كمشفى لعالجه، ملا كان تعـاىل بـه يهيئومل رمحانا رحيما، وهكذا، فاهللا تعاىل رمحن رحيم، فهو تعاىل ذاته رحيم، وهو تعاىل يف معامالته ملخلوقاته

.رمحن

فاملصائب والشدائد، والفقر واألمراض، إن هي إال أدوية وعالجات، ووسائل ودوافع تساعد الفكـر اخلامد وحترضه على البحث عن احلقيقة، والتعرف إىل اهللا، فلعل هذا اإلنسان الغافل يستيقظ فكره من

والشفاء دنيـا وآخـرة، سباته، ويتعرف إىل خالقه، فيصل إىل اإلميان بال إله إال اهللا، ويظفر بالسعادة

ولنـذيقنهم مـن العـذاب الـأد�ى دون {: ويكون من أهل النعيم املقيم، وذلك ما أشارت إليه اآلية الكرمية

Page 61: السبع المثاني

60 

 

إىل جادة الصواب، فهو به رمحن، ومن مث جنات النعيم ألنـه بـه : )١(}العـذاب الـأكبر لعلهـم يرجعـون

.رحيم

خبلقه بالشدة، اليت يسوقها للمعرضني عالجا ودواء ملا فيهم ) الرحمــن (فهو : }الرحمـن الرحيم{: نإذ

بالنعمة، ومبا يسوقه من اإلحسان والفضل للمحسن املطيع، ملا ) الرحمــن (من علل وأمراض، وهو تعاىل

.هبذين الفريقني، ألنه ذاته تعاىل رحيم) نالرحمـ(استحقه وملا فيه من الصحة واحلياة، وهو سبحانه

فهو الرمحن الرحيم، فبامسه الرمحن، يوصلك إىل ذاته الرحيم منه تعاىل، وإليه إىل إغداق فضله عليـك .جبناته العلى، اليت من أجلها خلقك وللسعادة الكربى

* * *

                                                             ).٢١(اآلية : سورة السجدة )١(

Page 62: السبع المثاني

61 

 

})٤(مالك يوم الدين {

ننتقـل إىل }الرحمـن الـرحيم )٢(الحمد لله رب العالمني {: سابقةواآلن وبعد أن تكلمنا عن اآليات ال

، عن لسان اهللا تعاىل وحنن مقتـدون بـه بالصـالة، اآلية الرابعة، اليت يبلغنا إياها أيضا رسول اهللا

ار مجيع األنفس باحلق يف وفيها إقر: }مالـك يـوم الـدين {: ومتجهون مبعيته من الكعبة إىل اهللا، وهي آية

.يوم الدين

هو احلق وتأدية احلق لصاحب احلـق : والدينهو صاحب امللك، وصاحب السلطة واألمر، : واملالك

تقر كلها باحلق، فهي تدين وتقر، ألن : هو اليوم الذي تدين فيه األنفس، أي: }يوم الـدين {: و. باحلق

احلق يف دنياها، تظهر هلا يومئذ حقيقتها، وهناك ختجل من عملها الشهوة اليت كانت حتجبها عن رؤيةوإساءهتا، فتندم وتتحسر على تفريطها وتقصريها، فترى أن كل ما جاءت به الرسل من ربهـا حقـا، وترى أن اهللا هو الرمحن الرحيم وأن اهللا عادل ورب متفضل، فتخضع مستسلمة إليه، وترى أن النـار

ري إليها العصاة، هي هلم خري عالج، وأن اجلنة اليت سيصري إليها الطائعون احملسنون، هي هلـم اليت سيصالصحيح للنزهة والسرور، واملريض للمشفى واألدوية الكريهـة : خري مستقر ومقام، وكل وما يناسبه

.واملسكنات، والعمليات اجلراحية

ين له، أي يستسلم ألمره مـن ي طبيب حاذق، فتراه يدمجيعا يومئذ، كمثل إنسان بني يدومثل اخللق عاين مقدرته، وعرف كماله وعلمه، فإن كان هذا اإلنسان صحيحا ووصف له ذلك الطبيـب بعد أن

طعاما مغذيا، أخذ ذلك عنه بقبول وتسليم، وإن كان مريضا عليال وأمره باحلمية، ووصف له بعـض .كالمه ويذعن مستسلما حلكمتهالعالجات املرة الكريهة، تراه يدين ل

وكذلك يوم القيامة، يدين اخللق مجيعا لرب العاملني، فيشكر احملسنون ربهم عما يسوقه إليهم من النعيم، وحيمده العصاة اجملرمون ويستسلمون له على ما سيحله هبم، بناء على طلبهم، للتخلص مـن آالمهـم

وآخـر دعـواهم أن الحمـد للـه رب {: ذاب، يف اجلحيم، قال تعـاىل النفسية الرهيبة اليت ال تطاق من الع

Page 63: السبع المثاني

62 

 

تبين لك أن هذا الرب الرحيم الذي كل فعله لعباده إحسان }مالك يـوم الـدين {وكلمة . )١(}العالمني

عمل يتقرب به إىل اهللا، يومئذ إرادة وال اختيار يف وخري، هو املالك يوم القيامة، وليس ألحد من اخللقوإذا كان قد منحك اهللا يف هذه احلياة الدنيا حرية االختيار، لتقوم باألعمال اليت تكون سببا يف سعادتك يوم املعاد، فقد انقضى يف ذلك اليوم العظيم وقت العمل ومضى، وسيكون يومئذ احلساب، وسـيكون

ما قـدم، إن على ار غري ما يستحق، وليس يجزى إلا اجلزاء على اإلعمال، وليس ألحد إذ ذاك أن خيت .خريا فخري، وإن شرا فشر

فإذا عرفت النفس صفات اخلـالق املـذكورة، . فعندها ختضع له وتستسلم، وتسلم أمرهـا لـه

:ونشرح لك بعض الشرح أيضا فنقول

حلياة الـدنيا، إياها اآلن يف هذه انحك يريد اهللا تعاىل هبذه اآلية الكرمية أن يعرفك أن هذه اإلرادة اليت مستطيع أن نسميها حبرية االختيار، غدا ويف يوم القيامة الذي مساه اهللا تعاىل بيوم الدين، هذه اإلرادة اليت ن

ستؤخذ منك، وسيسترد اهللا تعاىل منك يومئذ ما منحك اآلن من حرية االختيار، واهللا تعاىل يومئذ هو زي احملسن بإحسانه، ويكافئه حبسب درجته على ما قام به يف هذه الدنيا مـن املالك وحده املتصرف جي

صاحل األعمال، كما جيزي املسيء بإساءته، وليس ألحد يف ذلك اليوم تصرف وال تدخل، وليس ألحد .يومئذ إرادة، وال حرية يف االختيار

اليوم تجزى كل �فس بما كسبت لا ظلم اليـوم إن اللـه )١٦(ار لمن الملك اليوم لله الواحد القه{: قال تعاىلفاألجدر باإلنسان أن يقول ويقر باحلق يف الدنيا، فما يفيده إقراره يف اآلخرة يوم . )٢(}سـريع الحسـاب

وهنالك . جدي الصاحل الذي يدخله اجلنةاملؤمن جيتهد لريى ذلك يف الدنيا، فينهض للعمل امل!. القيامة؟

                                                             ).١٠(ية اآل: سورة يونس )١(

 ).١٧-١٦(اآلية : سورة غافر )٢(

 حرية االختيار

Page 64: السبع المثاني

63 

 

لعدم اطالعهم على ): ملك يوم الدين: (فيقولون: }مالك يـوم الـدين {بعض القراء ممن خيطئون يف لفظ

: }مالـك {و ) ملـك (معناها، فيغريون املبىن لعدم فهم املعىن، علما أن الفرق شاسع والبون كبري بني

الناس يف دار الدنيا وهلم احلرية واالختيار كملك الناس تاركا هلـم حريـة اإلطـالق فاهللا تعاىل يعامل

دون جرب وال إكراه وحيصـي علـيهم أعمـاهلم، : )١(}فينظر كيـف تعملـون ...{: واالختيار فقط

سب ما وباآلخرة يفقدون هذا االختيار ويبقى اجلزاء على األعمال، فهو عندئذ مالك للعباد يعاملهم حب .سبق من أعماهلم وما يستحقون

، يتصرف هبا )كحصان أو أنعام أو دار: (فامللك ال يتدخل يف الشؤون اخلاصة بالرعية، واملالك لألنعام

)٢(}...قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشـاء وتنـزع الملـك ممـن تشـاء {: كيف شاء، قال تعاىليف كتاب حفظه اهللا من التحريف أو التغيري أو أن يبـدل . فالفرق كبري والبون شاسع بني مالك وملك

...حرف فيه

حنن بصددها، وتقريبا هلا من األذهان نذكر املثـال وتعريفا هلذه النقطة وزيادة يف إيضاح هذه اآلية اليت :اآليت فنقول

دخول املستشفى، وأصبح قيد املعاجلة واملداواة، فهل تراه أصيب بعلة من العلل اضطرته إىل هب أن امرأمن طعام وشراب وعالج ودواء، أم أنه وقد وكل أمره إىل الطبيب يداويه يكون حرا باختياره ما يشاء

أصبح رهني أمر الطبيب، وقد يرى الطبيب ضرورة إلجراء عملية جراحية فما دام املـريض وأقربـاؤه على هذا الطبيب ووثقوا مبهارته وإخالصه، لذلك تراهم مجيعا يستسـلمون لـه األقربون قد اعتمدوا

ويذعنون حلكمته، ويقدمون له كل مساعدة ومعونة، وليس يتصور أن يتقدم أحد منهم فيطلب منه أن .يعدل عن إجراء هذه العملية، أو حيول بينه وبني إجرائها يف أقرب وقت يراه مناسبا

                                                             ).١٢٩(اآلية : سورة األعراف )١(

 ).٢٦(اآلية : سورة آل عمران )٢(

Page 65: السبع المثاني

64 

 

املثال أدركت حالني مقابلني قد تعاقبا على هذا اإلنسان، فبينما كان يف منزلـه إنك إذا دققت يف هذا قبل ذهابه إىل املستشفى حرا يف اختياره ما يشاء من طعام وشراب، حرا يف استعمال الدواء أو العدول

، رهـني أمـر عنه، حرا يف التنقل أىن يريد وحيثما يشاء، تراه إذا هو أصبح يف املستشفى مملوك اإلرادة .الطبيب، كذلك احلال بالنسبة لإلنسان يف احلياة اآلخرة

على أن يسـري يف طريـق دون هو يف احلياة الدنيا قد وهبه اهللا تعاىل احلرية يف االختيار، فما هو جمربطريق، وما هو مبكره على أن يباشر عمال دون عمل، أو أن يبذل ماال يف وجه دون وجه، أما يف الدار

.رة فال يستطيع أن خيتار غري ما يشاؤه اهللا تعاىل له حبسب حاله، ووفق ما يناسبهاآلخ

:وتفصيال حلرية االختيار يف هذه احلياة الدنيا

إذا أردت الوصول إىل مكان تقصده وكان له طريقان مؤديان إليه، فلك احلرية يف اختيار أيهما شئت، لسري فيه، وباستطاعتك إذا أنت جلست إىل مائدة، ا ووما أنت مبقيد وال مرغم على مالزمة طريق معني

أن ختتار النوع الذي تريده من الطعام، والثمرة اليت تشتهيها، وكذلك األمر بالنسبة لألعمال الصـاحلة، فإذا أنت مررت ببائس فقري، أو رجل عاجز، فباستطاعتك أن متد له يد املعونة وأن ختفف عنه ما بـه،

.وشأنه وال تساعده يف شيء من حاجاتهوباستطاعتك أن تتركه

وقد يكون طبيب نائما ليال يف فراشه مستغرقا يف نومه، ويطرق عليه الباب رجل يطلب إسعاف امرئ :عزيز عليه، وهنا يصبح الطبيب أمام أحد أمرين

خيلد إىل إما أن يعمل صاحلا فيهجر نومه ويضحي براحته، يف سبيل إسعاف هذا اإلنسان املتأمل، وإما أن .والراحة، ويصم عن صوت وجدانهاألرض ويعطي نفسه حظها من النوم

وترد أمثلة كثرية هبذا اخلصوص، ومن هذا النوع، ويقع اإلنسان الواحد يف اليوم أمام مئات الظروف من أن يفكـر هذا القبيل، وتتنافس الدوافع املختلفة يف النفس، فإما أن يؤثر احلياة الدنيا على اآلخرة، وإما

ويلجأ إىل العكس، ولوال أن اإلنسان حر يف اختياره وإرادته، ملا كان للعمل قيمة، وملا استطعت أن متيز لوال حرية االختيار ملا تفاضل الناس يف العمل، بل لبطل التنافس يف فعل املعـروف، . بني حمسن ومسيء

Page 66: السبع المثاني

65 

 

وهكذا فقد وهـب . لتفوق على سائر املخلوقاتوملا كان لإلنسان تلك القيمة العالية، وملا كان أهال لاهللا تعاىل اإلنسان إرادة ومنحه حرية يف االختيار، ليتبارى الناس إىل فعل املعروف ويتسابقوا إىل العمل الصاحل، وليكسبوا هذه احلياة يف أعمال عالية، جتعلهم إذا رجعوا إليه فخورين مبا بني أيديهم، وأهـال

اليوم، وجاء كل امرئ حيمل بني التمتع بشهود ذلك النعيم املقيم، فإذا كان ذلك لإلقبال عليه تعاىل، ويديه ما قدم من أعمال، فال حرية يومئذ وال اختيار، بل حبسب حالك وحبسب ما قـدمت وأسـلفت

.يكون جزاؤك، وامللك يومئذ هللا الواحد القهار

ا تشري إىل عدالة رب العاملني، إهنا تبني لإلنسان مـا ، إهن}مالك يوم الـدين {: ذلك ما نفهمه من كلمة

منحه اهللا تعاىل له يف هذه احلياة الدنيا من حرية االختيار، وأن اجلزاء حبسب األعمال، فاهللا سبحانه هو املالك يومها، وكل امرئ مبا كسب رهني، فال تنشغل بالفاين عن الباقي، ومبا هو ليس لك عما هـو

.جلك عما خلقت ألجلهلك، وما خلق أل

قبل أن خنتم كالمنا عن هذه اآلية الكرمية ال بد لنا من اإلجابة عن سؤال يعرض لكثري مـن النـاس

بذاهتا، بل إمنا هي مرحلة إعداد للحياة اآلخرة، وميدان جد ما دامت احلياة الدنيا ليست غاية : فيقولونولم يضيع أكثر البشـر !. ع الناس هذه الفرصة الثمينة؟وسعي يف األعمال الصاحلة، فلماذا ال يغتنم مجي

!.حياهتم الغالية؟

.بل ملاذا يتفاوت الناس يف األعمال وخيتلفون، فمنهم احملسن الكرمي، ومنهم اخلب اللئيم؟

وإذا كان اهللا تعاىل قد منحهم مجيعا إمكانيات متساوية، ووهبهم حريـة االختيـار واإلرادة، فلـم ال ستعملوهنا يف وجـوه تعـود يومل ال يستفيدون من هذه اإلمكانيات و!. كافة طريق السعادة؟خيتارون

:ويف اجلواب عن هذا السؤال نقول. عليهم باخلري يف الدنيا واآلخرة؟

حقا إن اهللا تعاىل منح اخللق إمكانيات متساوية، وجعل لكل إنسان عينني، ومسعا بأذنني، ومشا وذوقـا دالـة عحرية االختيار واإلرادة، وهذا أمر بديهي تقضي بـه ال بعضهم البعض، ووهبهم وأطرافا، مثل

عادة فلمـكل يبغي الس !.يلحق الشر؟

Page 67: السبع المثاني

66 

 

: وقولـه تعـاىل . والعظمة والرمحة اإللهية، والفكر السليم ال يرضى إال هبذا، وال يطمئن القلب إال إليه

ن أن يحملنها وأشفقن منهـا وحملهـا الإ�سـان إ�ـه إ�ا عرضنا الأما�ة على السماوات والأرض والجبال فأبي{ .فكلمة العرض لألمانة ال حتمل أدىن إكراه أو إجبار يف محل األمانة. )١(}كان ظلوما جهوال

ولكن ماذا يفيد اإلنسان من حرية االختيار، إذا أعرض عن منبع النور واجلالل واجلمـال والكمـال، فاختذ إلهه هواه، مسيرا ذليال لنزعات نفسه االحنطاطية، ونزعات !. وكان أعمى البصرية، بعيدا عن اهللا؟

.الشياطني

.أتظن أن امرءا واحدا يف هذا الكون كله يريد الشر لنفسه وال يبغي هلا اخلري؟

لناس يف الرؤية وعمى قلوهبم، الناس مجيعا يبغون السعادة، وكل منهم يتطلب لنفسه اخلري، لكن تباين ايريهم الشر خريا، وهو الذي جعلهم خيتلفون هذا االختالف، ويتميزون عن بعضهم هذا التميز، فكان

.)٢(»اللهم اهد قومي فإهنم ال يعلمون«. منهم الرب والفاجر، واحملسن واملسيء

وتسألين عن سبب هذا االختالف يف الرؤية فأقول :ما كنت ذكرته من قبلوأعيد إىل ذهنك

لألشياء صورة وحقيقة، وكثريا ما تكون الصورة فاتنة مغرية، وتكون حقيقتها دنيئة منحطة، وقد تكون إىل فمن الناس القاصر النظـر، ينظـر . تستكن من ورائها راحة وسعادة عظيمةالصورة جمهدة متعبة، و

خريا وسعادة، وهـي يف حقيقتـها شـر الصورة فتستهويه، ويقف وراءها ال يعدوها فيحبها وحيسبهاومن الناس النافذ البصر املؤمن، الناظر بعني البصرية، خيترق بصـره . شقاوة، واملظاهر خداعةووحرمان

ن وجدها خريا، اجتذهبا لنفسه واطمأن إليها، وإن وجدها شرا، عافهـا احلقيقة، فإالصورة، ويشارف أى الناس مجيعهم احلقائق وشهدوها، ملا رأيت هذا التباين وهذا وابتعد عنها، ومل يغرره ظاهرها، ولو ر

                                                             ).٧٢(اآلية : سورة األحزاب )١(

 /.١٣١٩/اجلامع الصغري رقم )٢(

 سبب عمى البصرية

Page 68: السبع المثاني

67 

 

االختالف، بل لسلكوا مجيعا طريق السعادة والسمو والكمال، وخللصوا مما حييط هبم ومما ينتظرهم من .شقاء

على أن هذه الرؤية وهذه املعرفة ليست قاصرة على أناس دون أناس، بل هلا أصول وقوانني، وكل من األصول وطبق هذه القوانني، أضحى نافذ البصر، مشاهدا بعني البصرية، يشاهد احلقـائق وال اتبع هذه

عندها يرى، وال يطلب لنفسه إال اخلري، . يغره املظاهر، وال تستهويه الصورة، مهما كانت فاتنة ومغريةالصورة، وبعني بصـريته وال تؤثر فيه املظاهر الغرور اخلداعة، إذ يرى احلقائق بنور اهللا، فهو بعينه يرى

:لكونه آمن، يرى احلقيقة

..".اللهم أرنا احلق حقا وارزقنا إتباعه وأرنا الباطل باطال وارزقنا اجتنابه"

أما القوانني اليت تصل باإلنسان إىل معرفة احلقيقة، فهي تتلخص مبعرفة اخلالق العظيم، واملريب احلكـيم، .بيه، فقد عرف احلق، وهدي إليهفمن عرف اهللا تعاىل خالقه وإلهه ومر

الحـق مـن {: قال تعاىل مشريا إىل ذلك بقولـه الكـرمي :)١(}فال تكـو�ن مـن الممتـرين ..{. يا حممد: }..بكر

.أنت أبدا لن تكون من الذين ال يرون احلقائق بنوري

املرء على دين خليله فلينظر أحدكم من «و »تعلموا اليقني مبجالسة أهل اليقني«: قال رسول اهللا

وإن كان كبر { :وأكد تعاىل لرسوله الكرمي، أن اهلدى ال يكون بغري هذا الطريق، فقال تعاىل. )٢(»خيالليهم بآيـة ولـو شـاء اللـه استطعت أن تبتغي �فقـا فـي األرض أو سـلما فـي السـماء فتـأت عليك إعراضهم فإن

                                                             ).١٤٧(اآلية : سورة البقرة )١(

 .أخرجه أبو داوود والترمذي )٢(

 احلق من ربك

Page 69: السبع المثاني

68 

 

: بآيـة ) ال(جيدر باإلشـارة أن . لن تكون منهم أبدا: )١(}لجمعهم على الهدى فال تكو�ن من الجـاهلني

لتامها، أي نافية بك: )٢(}فـال تكـو�ن مـن الممتـرين ...{: وكذا بآية }فال تكو�ن من الجاهلني...{

).العميان(لن تكون أبدا من اجلاهلني ولن تكون أبدا من املمترين

رط حنانه على اخللق ورأفته هبم، كان يـتمىن أن لـو لف وموجز معىن هذه اآلية الكرمية أن الرسول ن له يستطيع أن يأيت املعاندين مبعجزة باهرة، فلعلهم يهتدون وخيلصون مما حييط هبم من شر وشقاوة، فبي

أن اهلداية ال تكون باملعجزات وإظهار خوارق العادات، ولو شاء اهللا تعاىل ألنزل على أولئـك : تعاىلاملعاندين آيات من السماء فظلت أعناقهم هلا خاضعني، لكن ذلك ال جيديهم نفعا، وال يفيدهم معرفـة

إىل ما استقر فيها من شهوات، وعلما، وال يصل هبم إىل إميان، بل جيعل نفوسهم مكبوتة متطلعة دوماوذلك مما يتناىف مع السنن اليت وضعها اهللا تعاىل هلذا اإلنسان، وقد كنا أتينا على ذكرها من قبل، فـإن

.فعلت النفس وعرفت رهبا فقد هديت

.)٣(}..وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر{

معنا مما سبق، أن الرؤية الصحيحة ومشاهدة احلقيقة، ال تكون وال ميكن أن تكـون إال بعـد يتلخص وقد أشار تعـاىل إىل معرفة املريب واإلميان به، واألمر موقوف على مشيئة هذا اإلنسان وصدقه يف طلبه،

:هذه الناحية يف كتابه الكرمي فقال تعاىل

تحبوا العمـــــــــــــى علـــــــــــــى الهـــــــــــــدى فأخـــــــــــــذتهم وأمـــــــــــــا ثمـــــــــــــود فهـــــــــــــديناهم فاســـــــــــــ{

                                                             ).٣٥(اآلية : سورة األنعام )١(

 ).١٤٧(اآلية : ورة البقرةس )٢(

 ).٢٩(اآلية : سورة الكهف )٣(

Page 70: السبع المثاني

69 

 

.)١(}يكسبون عذاب الهون بما كا�واصاعقة ال

ـ ن مث إىل لقد هداهم اهللا تعاىل على لسان رسوهلم، إىل الطريق اليت يصلون منها إىل اإلميان باملريب، ومالعمى على اهلدى، إذ حتولوا ثانية وركنوا إىل الدنيا ستنارة بنوره ومشاهدة احلقيقة، لكنهم استحبوا اإل

.وشهواهتا، فظلت نفوسهم يف عمى وظلمة

وهكذا فمعرفة املريب هي النرباس الذي يصل باإلنسان إىل مشاهدة احلقيقة، وهي السبب الوحيـد يف .الوصول إىل اخلري والسعادة

اليت يستطيعون بواسـطتها أن يصـلوا إىل معرفـة وقد وهب اهللا تعاىل الناس مجيعا الفكر، تلك األداة خالقهم ومربيهم، وجعل هلم السمع واألبصار واألفئدة، وبث يف هذا الكون ما ال حيصى من اآليـات اليت تساعد الفكر على البحث واالستدالل، فمن استفاد من هذه اجلوهرة الثمينة وأشغل فكره وأعمله

عادة وفاز، ومن شغل هذا الفكر وأعمله يف السعي وراء املكاسب يف معرفة خالقه ومربيه، فقد ظفر بالس :الدنيوية وتأمني الشهوات الدنية، فقد خاب وخسر هذه احلياة

ــاال { ــرين أعم ــئكم بالأخس ــل �نب ــل ه ــم )١٠٣(ق ــبون أ�ه ــم يحس ــد�يا وه ــاة ال ــعيهم فــي الحي ــل س ــذين ض الوز�ـا أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا �قيم لهم يـوم القيامـة )١٠٤(يحسنون صنعا

ــزوا )١٠٥( ــلي ه ــاتي ورس ــذوا آي ــروا واتخ ــا كف ــنم بم ــزاؤهم جه ــك ج ــوا )١٠٦(ذل ــوا وعمل ــذين آمن إن ال .)٢(}خالدين فيها لا يبغون عنها حوال )١٠٧(الصالحات كا�ت لهم جنات الفردوس �زال

                                                             ).١٧(اآلية : سورة فصلت )١(

 ).١٠٨-١٠٣(اآلية : سورة الكهف )٢(

Page 71: السبع المثاني

70 

 

أما وقد بينت لك أن معرفة اخلري من الشر، والتمييز بني احلق والباطل، ال يكون إال بعد معرفة املـريب،

ن الالزم يف هذا اجملال أن أبني لك درجات معرفة املريب، وما يتبعها من درجات التمييز بـني احلـق فم :والباطل فأقول

أول درجة من درجات معرفة املريب هي اإلسالم، واملسلم هو امرؤ أقر بوجود خالقه ومربيه، إقـرارا، ال إله إال اهللا حممد رسول اهللا، قـال هـذه : يت تسير الكون كله فقالكما أقر بأن يد اهللا تعاىل هي ال

الكلمة بلسانه، وصدق هبا يف نفسه، لكن قول هذا الرجل وتصديقه مل يكن مبنيا على نظر ذايت وحبث باملوت، وخشية سوء املصري األبدي، فااللتفات إىل اآليـات فكري، واستدالل نابع من سعيه بالتفكري

وصانعها، بل اعتمد قول امرئ يثق به وتابعه متابعة، وصدق ما جـاء بـه الكونية املوصلة إىل مكوهناالرسول عن لسان اهللا تصديقا، فطبق أوامر اهللا كلها، إذ فعل املأمورات طمعا يف اجلنة ونعيمها، وتـرك املنكرات وجاهد نفسه صابرا عن الشهوات، خوفا من النار وحريقها، ومن هنا نستنتج أن التصـديق

:جود املريب له أثره الكبري يف التفريق بني الشر واخلري، ولنستطيع أن ندرك طرفا من معىن آيةبو

فلوال أن هذا اإلنسان صدق بوجود خالقه ومربيه ذلك . )١(}الحق من ربك فـال تكـو�ن مـن الممتـرين {

بعوث ليوم ال ريب فيه، ملا جاهد نفسه يف الصرب التصديق، ولوال أنه صدق باجلزاء على األعمال وأنه ملقد صدق بكلمات اهللا وطبقها، ولو مل ير حقائقها، فانظر إىل حال . عن الشهوات ذلك اجلهاد الكبري

املسلم، وانظر إىل آثار حمبة اإلنسان المرئ مؤمن، وكيف أن حمبة أهل الصدق، حتمل صاحبها علـى :الرسول عليه الصالة والسالم إىل ذلك بقوله الكرميالسري يف طريق احلق، وقد أشار

.)٢(»كـن عاملـا أو متعلمـا أو مسـتمعا أو حمبـا وال تكـن اخلامسـة فتهلـك«

.فمحب أهل احلق ناج دوما، واملرء مع من أحب                                                            

 ).١٤٧(اآلية : سورة البقرة )١(

 /.١٢١٣/فيض القدير يف شرح اجلامع الصغري احلديث رقم )٢(

وملعرفة املربي جلجالله درجات

Page 72: السبع المثاني

71 

 

أواصر احملبة وما دام املرء مستمسكا مبحبة من وثق به وما دام معتمدا نصحه فهو خبري، فإذا ما انقطعت أو كادت، زلت به القدم وهوى، وهو واحلالة هذه على خطر عظيم، وقد أشار القرآن الكرمي إىل هذه

قالـت الـأعراب { :الدرجة اليت قد يصل إليها اإلنسان، واليت وصل إليها طائفة من األعراب فقال تعاىلنا ولمـا يـدخل الإميـان فـي قلـوبكم وإن تطيعـوا اللـه ورسـوله لـا يلـتكم مـن آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلم

هـدوا إ�مـا المؤمنـون الـذين آمنـوا باللـه ورسـوله ثـم لـم يرتـابوا وجا )١٤(أعمالكم شيئا إن الله غفور رحـيم .)١(}بأموالهم وأ�فسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون

إن المسلمني والمسلمات والمؤمنني والمؤمنات والقا�تني والقا�تات والصادقني {: وامتدح اهللا تعاىل املسلمنيوالصــــابرين والصــــابرات والخاشــــعني والخاشــــعات والمتصــــدقني والمتصــــدقات والصــــائمني والصــــادقات

غفــرة وأجــرا لهــم موالصــائمات والحــافظني فــروجهم والحافظــات والــذاكرين اللــه كــثريا والــذاكرات أعــد اللــه .)٢(}عظيما

أما الدرجة الثانية من درجات معرفة املريب فهي درجـة واملؤمن امرؤ جد يف البحث عن خالقه ومربيه : اإلميان

وما زال يدأب يف البحث، ويواصل النظـر والـتفكري ميان به، إميانا ذاتيا بآيات الكون، متذكرا املوت والفراق وما بعده، حىت وصل إىل معرفة هذا املريب واإل

.شهوديا، منبعثا من نفسه، ال بناء على تصديق وثقة بأقوال اآلخرين فقط

                                                             ).١٥- ١٤(اآلية : سورة احلجرات )١(

 ).٣٥(اآلية : سورة األحزاب )٢(

كيف نرقى لدرجة ال خوف بعدها وال

 .حزن؟

Page 73: السبع المثاني

72 

 

وقد بدأ هذا اإلنسان بالنظر إىل نفسه ملا كان يف بطن أمه علقة، مث مضغة فجنينا، وتساءل عن تلك اليد كانت تسوق له الدم وتؤمن لـه خلقا من بعد خلق يف ظلمات ثالث، تلك اليد اليت ه وربته، تخلقاليت

الغذاء، وتبين وتصور وتنظم كل عضو من األعضاء، فعرفه نظره يف نفسه، خبالقـه العظـيم، ومربيـه .احلكيم

هل ربتين اليد العظيمة احلكيمة يف بطن أمي وعنيت يب وتركتين أم مـا تـزال : مث تابع النظر وتساءلأما تؤمن يل ما تتوقف عليه . غذائي حينما كنت طفال صغريا؟ أما حضرت يل. تشرف علي وتعىن يب؟

.حيايت، وتدير الكون كله من أجلي حىت أصبحت رجال كبريا؟

ه، حىت يتوصل إىل تلك اليد اليت تعىن به صول لإللوما زال هذا اإلنسان يتابع النظر والتفكري بطلب الولتؤمن له طعامه وشرابه، فال إله إال اهللا، وكل مـا يف وتربيه، فهي اليت تدير الكون كله وتشرف عليه،

اه، وال تصرف إلنسان أو خملوق، وال حركة له، إال مـن بعـد الكون سائر بأمر اهللا، فال مسير له سو .مشيئة اهللا

نظر بعني الرأس، يرافقه الـتفكري : عرف هذا اإلنسان ذلك، بناء على نظر وتفكري واستدالل كنا بيناهاجلدي املنطقي، يوصله لإلميان واملشاهدة القلبية بعني النفس، فكان إميانه منبعثا من ذاته وقرارة نفسـه،

.ال تصديقا فقط صدق به شخصا طاهرا عاليا وثق به

هنا جتد هذا اإلنسان الذي آمن خبالقه ومربيه إميانا حقا، وعرف أن اهللا تعاىل معه ومشرف عليه دوما، ال يستطيع أن يفعل منكرا أو يقترف خطيئة، إذ حيجزه إميانه عن الوقوع يف احملرمات، ويقيه السيئات، .ألنه غدا يرى اهللا قريبا منه، مشاهدا له مطلعا عليه، فقد عرف أن اهللا تعاىل أنشأه، وأنشأ الكون ألجله

. ل يتباعد ويكف عـن احملرمـات؟ هل أصبح هذا املؤمن ممن يرى حقائق األشياء، حىت جع: وتسألين :فأقول

املؤمن يف هذه املرتبة ال يترك املنكرات بناء على رؤيته حقائق األشياء، بل إمنا يتركها خوفا من اهللا، فهو وقد متيل نفس هذا املؤمن لشهوة من الشهوات احملرمة، لكـن . يرى أن اهللا تعاىل معه حيثما اجته وسار

Page 74: السبع المثاني

73 

 

أيها املعلم : "}..الحق من ربك{: ، ومن هنا ندرك أيضا طرفا من معىن آيةخوفه من اهللا حيجزه عنها

فلوال أن هذا اإلنسان آمن خبالقه ومربيه ملا سار .)١(}فال تكو�ن من الممترين..{". لإلميان يا حممد

ين، ويستمر هذا املؤمن متوسعا يف على احلق، وملا خافت نفسه من خمالفة أوامر اهللا والتعدي على اآلخرواالستقامة على أمره، وبذلك تتولـد ، نظراته يف الكون، ويتوسع يف تفكريه ويستمر على طاعته خلالقه

الثقة يف نفسه بأن اهللا تعاىل راض عنه بعمله، فتقبل نفسه على اهللا تعاىل مطمئنة برضاه عنه، وهنا حتصل كماال بالصالة اليت هي صلة العبد بربه، فتزول مـن نفسـه امليـول هلا الصلة برهبا، فتستمد منه تعاىل

مصـطبغة بالكمـال، املنحطة، وتنال الكماالت من رب الكمال، بناء على مشاهداته اإلميانية، وتغدووما تزال تتقلب . شهدته فيهموبذلك حتب أهل الكمال وتقدرهم وترتبط هبم ارتباطا معنويا، بسبب ما

د يوم، وآنا بعـد عب تعظيمهم وتقديرهم وحبهم يوما الكمال من حال إىل حال، وترتقي يفيف منازل آن، حىت تصبح أهال ألن تصاحبهم قلبيا، وتدخل مبعيتهم على اهللا، وهنالك تشاهد طرفا من عظمة اهللا،

ره وحتبه وتعشـقه، وترى من حنان اهللا، وتطلع على جانب من رأفته تعاىل ورمحته وعنايته خبلقه، فتقدوتلك الصلة العالية به، يسري النور اإللهي هلذه النفس وتستنري بنوره تعـاىل، وبذلك احلب والعشق،

:فترى بذلك النور اإللهي حقائق األشياء

ترى اخلري خريا، فتميل إليه وحتبه وهتواه، وترى الشر شرا، فتعافه وتكرهه وال تعود تتمناه، وتلك هـي :تلك هي مرتبة من أعلى مراتب اإلميان، وذلك أيضا طرف من معىن آيةالتقوى، و

.)٢(}الحق من ربك فال تكو�ن من الممترين{

، تترافق مع درجات وهكذا فالرؤية وأعين هبا رؤية اخلري والشر، والتمييز بني احلق والباطل على درجاتالدنيا أي بعد أن لبست نفسه(للمسلم رؤية، وللمؤمن بالغيب رؤية ف. اإلنسان يف معرفة خالقه ومربيه

                                                             ).١٤٧(اآلية : سورة البقرة )١(

 ).١٤٧(اآلية : سورة البقرة )٢(

Page 75: السبع المثاني

74 

 

هي ونسيته، عادت هذه النفس فاستدلت عليه واتصلت به من ثنايا آيات صنعه وغابت عن الوجود اإللفرأت الوجود اإللهي ثانية، واإلمداد اإللهي الساري يف الوجود، وللمـؤمن املتقـي رؤيـة، ) كونيةال

:يف هذه احلياة أحد رجلنيواإلنسان

رجل نظر إىل الشهوة وعجل إليها، واستكرب عن التفكري يف آيات ربه واالستنارة بنوره، فلم يتعرف إىل ورجل عرف نفسه، وحتقق من ضعفه وجهله، فرجع إىل خالقـه، . ومل مييز خريها من شرهاحقيقتها،

.)١(}..من يؤمن بالله يهد قلبهو..{: وإليه تعاىل أناب واستنار بنوره، فهدى واهتدى

.)٢(»..يا عبادي كلكم ضال إال من هديته فاستهدوين أهدكم«: ويف احلديث الشريف

املوصل لنور اهللا، ليطلب من حاضر جل وعال وذلك باإلميان باهللا، واالستنارة القلبية بنور رسول اهللا .فيهديه

ل أهل احلق يف هذه احلياة، وتبين لك املسلم من املؤمن واملتقي، وحال أما وقد عرفتك بدرجات ومنازكل من هؤالء، فانظر إىل نفسك يف أية درجة من الدرجات، واغتنم هذه احلياة، إذ حبسـب حالـك

هم درجات عند الله والله بصري{: قال تعاىل. ودرجتك هنا، يكون حالك ومقامك يف اآلخرة عند اهللا .)٣(}بما يعملون

.أي حالك اإلمياين ومرتبتك يف الدنيا هي نفسها لك يف اآلخرة: )٤(}لتركبن طبقا عن طبق{

                                                             ).١١(اآلية : سورة التغابن )١(

 /.٢٥٧٧/رقم ٤صحيح مسلم ج )٢(

 ).١٦٣(اآلية : سورة آل عمران )٣(

 ).١٩(اآلية : سورة االنشقاق )٤(

Page 76: السبع المثاني

75 

 

:ونستمر بسورة الفاحتة فنقول

منصت إىل ما يبلغه إياه عليه الصـالة املصلي اآلن واقف يف بيت اهللا بني يدي اهللا، مؤمت برسول اهللا ن لسان رب العاملني، وقد عرفه وقوفه هذا وإصغاؤه، بكمال خالقه ومربيه، فعـرف أن اهللا والسالم ع

يحمد على هذا التسيري ألنه كله خري، وأنه تعـاىل هـو : تعاىل رب العاملني، املسير هلذا الكون مبا فيهفإذا كان ذلـك اليـوم الرمحن الرحيم، ال يسوق لعباده إال ما فيه اخلري، وأنه تعاىل مالك يوم الدين،

.)١(}كل امرئ بما كسب رهني..{: ووقف اخللق مجيعا بني يديه، أعطى كال حبسب استحقاقه و

وقد عرف املصلي ذلك كله، واطلع على جانب من حنان اهللا تعاىل ورمحته ورأفته وعدالته، وحصل اأممتثلت نفسه ما تاله صلى اهللا عليه وسلم من اآليـات، ، وأنه شفيعه إىل اهللا، وله اإلميان برسول اهللا

هنالك تراه ينطلق معربا عن شعوره وأحاسيسه جتاه خالقه ومربيه، فيقر بلسانه، وتندمج نفسه سـاعتئذ :، الذي بلغه وعرفه بكمال خالقه فيقول معهبنفس رسول اهللا

محن يا صاحب احلول والقوة، يا ر: أي: }إيـاك �عبـد {

: ونعبـد . يا رحيم، ويا مالك يوم الدين، ال أعبد سواك .مبعىن نطيع، إذ أن العبادة هي الطاعة، طاعة املوىل لسيده، والعبد خلالقه

يف هذه اآلية الكرمية عهد من العبد يعاهد فيه ربه على طاعته يف كل أمر من أوامره، مبعية رسول اهللا .القلبية

إمنا العبادة كلمة عامة، تدخل يف البيـع . ة على الصلوات والصيام واحلج والزكاةت العبادة قاصروليس .والشراء، ويف معاملة الناس، وكل عمل من األعمال

                                                             ).٢١(اآلية : سورة الطور )١(

 :حقيقة العبادة

Page 77: السبع المثاني

76 

 

إنما تعاهد ربك على أن تكون عبدا مطيعا له وحده، فال تطيع معه غريه من : }إيـاك �عبـد {: فبقولك

.ومن بعد أن شهدت جالله وعظمته بعد أن عرفت رأفته ورمحته،

ونفسك قد أصبحت يف حال مل جتد هلا ملجأ إال اهللا، وال دليال إىل اخلـري } إياك �عبد{: فأنت تقول

:سواه، أي أنك تقول

وأنت احملمود على كل حال، أنت رب العاملني، الرمحن الرحيم، املالك لنفسـي وللعـوامل !. أي رب، من بداية خلقك إياهم ودائما وإىل ماال هناية، والقابض على كل شيء، مل أجد يل إلها مسيرا بأسرها

مربيا أطيعه غريك، وال هاديا يهديين إىل ما فيه سعاديت سواك، فأنت ريب املطاع، ال أخرج يف سـريي تقـول ذلـك وقـد . يكعن أمرك، وأنت سيدي املعبود، ال أهتدي يف كل عمل من أعمايل إلا هبد

شهدت فضله ورمحته، فوقفـت خاشـعة يف أعتـاب انغمست نفسك يف جالله اهللا تعاىل وعظمته، وحضرته، وحتقق حصولك على هذا احلال من الشهود واخلطاب، إنما يتم بالصحبة النفسية مع إمامـك

ور ربهالسراج املنري، والصالة صلة بني العبد وربه بنور رسوله املوصل لن.

مث تطلب من سيدك الرحيم بك، أن مينحك املعونـة على السير يف طريق احلق، فالشـهوات واألهـواء تكتنفك، إن مل يتم إميانك باهللا، وقد ختللت صلتك بربك انقطاعات، تسربت لنفسك من خالهلا تلك

شـهوة مـن لتك،سك أثناء غفوقد تشتهي نف. الشهوات، والعوائق واملوانع حتيط بك تريد أن تصدكالشهوات اخلبيثة احملرمة، وتصر عليها، وتلح يف طلبها، ويصل جرثومها إىل سويداء نفسـك، فـإن مل تلتجئ طالبا املعونة من اهللا للشفاء اخلالص من موجبات النار، اليت هي الشهوات احملرمة، ومل حيجـزك

. ها يطلقك اهللا تعاىل الختيارك مبا اكتسبت نفسك من شـهوات إميانك بال إله إال اهللا عن حمارمه، عندذرة فإن منعك اهللا من فعلها ومل ميددك باحلول والقوة، فتك جرثوم تلك الشهوة بك، وتسرب إىل كل

تسـتطيع منـها د أحاطت تلك الشهوة بنفسك من مجيع جهاهتا، المن ذرات نفسك، فأصبحت وق .جوع إىل ربك سبيال ومسلكا، بل تظل نفسك مشغولة بشهوهتاخمرجا، وال جتد إىل الر

اخلري من اهللا والشر من نفسك

Page 78: السبع المثاني

77 

 

والشهوة مسيطرة عليها بكليتها وشاغلة ساحتها، ولذلك من رمحة ربك أن يطلقك ويسيرك، وهنالك .تستطيع أن تفعل ما أصررت عليه، وتصل إىل ما نويت

.)١(»امرئ ما نوىإنما األعمال بالنيات ولكل «: ويف احلديث الشريف

: }...لىومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنني �وله ما تو{: قال تعاىل

هو طلب، واهللا يعطيه ويطلقه لشهوته، ولكن بعدها املداواة والعالجات والشدائد واملصـائب، لعلـه

، حتذير منه تعاىل، حيث ترك للمرء اخلرية، فإن توىل )٢(}و�صـله جهـنم وسـاءت مصـريا ...{ .يرجع

.واتبع غري سبيل املؤمنني ومل يرجع عن غيه، وتويف على هذا احلال، فإن مصريه إىل النار

مـن كـان يريـد {: إذ يقول تعاىلوقوله تعاىل يف حمكم تنزيله خيط لنا قانون العطاء الدنيوي واألخروي، قد يطلب وال نعطيه، إن كان : }...عجلنا له فيها ما �شـاء لمـن �ريـد ...{الدنيا : }...العاجلة

لديه إمكانية للرجوع والشفاء، أما من تعلقت يف قلبه وأصبحت مستحكمة ومل تكن له جدوى، هـذا

ومـن أراد اآلخـرة وسـعى {. على وجهه: }ا له جهنم يصالها مذموما مـدحورا ثم جعلن...{. نعطيهه إال اهللا، فصلى واستمسك بأهل اجلنة بالعمل ال بالدعاء، فمن فكر واستدل على ال إل }..لهـا سـعيها

إن مل يكن مؤمنـا ال }...و مؤمنوه...{. ، فعندها يشاهد ويسعى"فدخل معهم على اهللا" احلق

كـال �مـد {. عنـد اهللا : }فأولئك كان سعيهم مشـكورا ...{. يسعى، إن مل يكن مؤمنا فسعيه بطال. الكل عند اهللا واحد، وكل امرئ يعطى علـى حسـب سـعيه : }..هـؤالء وهـؤالء من عطاء ربك

                                                             /.٤٢٢٧/رقم ٢سنن ابن ماجه، ج )١(

 ).١١٥(اآلية : النساء سورة )٢(

Page 79: السبع المثاني

78 

 

ما تطلبـه : )٢(}وما كان عطـاء ربـك محظـورا ...{، )١(}...مكم عند الله أتقاكمإن أكر...{

.جتده

فإذا نويت نية وعزمت عليها وأصررت، فهنالك اإلمداد من اهللا باحلول والقوة، وهنالـك الوقـوع يف س مما كان يشغلها مجيعها، وبعـد الفعل، وهبذا جيتمع جرثوم الشهوة يف مكان واحد، وختلو ساحة النف

:ذلك ينزل اهللا األمراض بذلك العاصي، ويسلط عليه املصائب، قال تعاىل

اللـه علـى كـل شـيء أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أ�ى هـذا قل هو من عند أ�فسـكم إن {اخلري من اهللا تعاىل، والشر من نفسك، لو أنك مل تعمل ملا جاءك، عملت فجـاءك، : إذن: )٣(}ديرقـ

فكل عمل يعطيك اهللا عليه حبسبه، إن كان خريا وإن كان شرا، حبسب إقبالـك يعطيـك، وحبسـب .قلبإعراضك يعطيك مبقادير، ومن مث املصائب، حىت تتوب وترجع إىل اهللا، وخترج حب الدنيا من ال

فإن تاب وأقبل املرء بعد هذه املصيبة على ربه، سرى ذلك النور اإللهي إىل النفس، وهبذا النور تـرى :حقيقة شهوهتا، وجتد خبثها وعظيم شرها، فتعافها وتأنف منها، وال تعود تقع هبا، قال تعاىل

.)٤(}أكبر لعلهم يرجعونولنذيقنهم من العذاب الأد�ى دون العذاب ال{

وإن أصابتها املصيبة ومل تقبل على ربها، ظل جرثوم الشهوة عالقا هبا جمتمعا يف جهـة مـن جهاهتـا، وتكون هذه املصيبة سببا يف ضالهلا عن بقية شهواهتا، فالفضيحة واإلذالل بعد الزنا واألمل، واحلرمان من

ني باملوت بعد القتل، كل ذلك جيعل النفس تزهق يف دنياهـا وتعـزف عنـها، اليد بعد السرقة، واليق                                                            

 ).١٣(اآلية : سورة احلجرات )١(

 ).٢٠-١٨(اآلية : سورة اإلسراء )٢(

 ).١٦٥(اآلية : سورة آل عمران )٣(

 ).٢١(اآلية : سورة السجدة )٤(

Page 80: السبع المثاني

79 

 

تتجه إىل رهبا آيبة تائبة، وال تزال على ذلك لعلها ويضلها عما كمن فيها من أمراض وعلل نفسية دفينة

عوا قارعـة أو تحـل وال يزال الـذين كفـروا تصـيبهم بمـا صـن ...{: حىت يوافيها أجلها) مصائب، شدائد(، هذا ملن مل يؤمن من ذاته أبدا، بل كان إميانه تصديقا سطحيا، فيكون عذاب )١(}...قريبا من دارهم

القرب أو سعري النار سببا يف إقبال نفسه على رهبا، ومن مث شفاؤها، هذا إن كانت ممن اعتادت أن تقبل .بربها يف دنياها أحيانا، وحصلت هلا الصلة

أما إذا كانت كافرة معرضة، ومل حتصل هلا الصلة بربها يف الدنيا أبدا، ومل تتوصل إىل صفاته تعاىل كي تتذوق حمبته فتشفى مما هبا، فهنالك تكون النار سببا حائال حيول بينها وبني أمل الشهوة اخلبيثة اليت تفتك

يد، عن أمل داء الشهوة اخلبيثة، ومن رمحة اهللا هبا ألا يرفع النار عنها، بل تظل هبا، فتغيب بأمل النار الشد .دائمة احلريق خالدة فيها

هذا حال النفس امللوثة جبرثوم الشهوات اخلبيثة يف الدنيا، فاملصائب وعذاب القرب وسعري النار، أسباب ال تكون رؤية احلقيقة، ويكون الشفاء مـن وعالجات، تقود النفس إىل اإلقبال على اهللا، وبذلك اإلقب

.جرثوم الشهوة احملرمة، اليت علقت بالنفس ساعة اإلعراض عن اهللا

على أنه إذا استطاع املؤمن أن يقبل على ربه اإلقبـال الصادق، فإنه يرى بنور ربه، ما يف الشهوات احملرمة من

ه من الوقوع، وتطهر نفسه من عللها اخلبيثة، فال مييل شر وأذى، وهنالك يكون اإلقبال على اهللا وقاية لتجه إليه اجتاها صـادقا، ا به دوما، ونإىل احملرمات، وال يواقعها أبدا، ولذلك أمرنا ربنا أن نصل نفوسن

ك هي فنصلي الصالة احلقيقية، اليت ال نرى فيها مع ربنا سواه، واهللا يف قبلة أحدنا ما دام يف مصاله، وتل :مشروعية الصالة، قال تعاىل

                                                             ).٣١(اآلية : سورة الرعد )١(

 والصالة تنهى

Page 81: السبع المثاني

80 

 

.)١(}...إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر...{

وهبذه الصورة املذكورة تنهانا صالتنا، وتلك صالة املؤمن باهللا حقا، ومن مل تكن صالته علـى هـذا :قال تعاىل. ا، فتراه يستحب الشر وحيسبه خرياالوجه ظل أعمى، ال يرى خريا وال شر

ـــ { ــاعقة العـــذاب الهـــون بمـــا ك ــذتهم صـ ــتحبوا العمـــى علـــى الهـــدى فأخـ ــديناهم فاسـ ــود فهـ ا�وا وأمـــا ثمـ .)٢(}يكسبون

أن ميدنا مبعونته، فيكون معينا لنـا ولذلك خوفا من أن متيل نفوسنا إىل شهوة خبيثة، نطلب منه تعاىل :على رؤية حقيقتها، ولذلك نقول

إنه هبذه الكلمة، ينتقل املصلي املتقي من حال إىل حال، ينتقل من حـال : }إياك �عبد وإياك �سـتعني {

نفسه وما شعر به من معاين ، املعبر عما تولد يف املنصت املستمع لرسول اهللا، إىل حال املتكلم مبعيته .احلب هللا، واخلضوع واالنقياد الكلي مع الرضا النفسي واالستسالم إىل اهللا

وكل امرئ يعبر حني يقول هـذه الكلمـة عـن : }�عبـد {: ذلك كله بعض ما انطوى حتت كلمة

قدر ما عـرف مـن مشاعره جتاه خالقه، وعما خاجل نفسه من معاين الطاعة واالستسالم واحملبة لربه، بوكل املصلني تتفق ألسنتهم وتتحرك شفاههم . حنانه ورمحته، وبقدر ما شاهد من عظمته تعاىل وجالله

يف صالهتم بكلمة نعبد، لكن خضوع األنفس والقلوب خيتلف حبسب ما اسـتقر يف هـذه األنفـس لطها من حب والقلوب، من جالل اهللا وعظمته، وحبسب ما شاهدت من رمحته تعاىل، وحبسب ما خا

اهللا تعاىل وعشقه، وما كل من قال قال، وما كل من سار سار، ولكل أحوال ومقامـات ودرجـات،

                                                             ).٤٥(اآلية : سورة العنكبوت )١(

 ).١٧(اآلية : سورة فصلت )٢(

Page 82: السبع المثاني

81 

 

أذواق ومشاعر ومشاهدات، حىت أن املصلي الواحد إذا هو آمن بربه حق اإلميان، وشاهد طرفـا ولكل . حالمن كمال اهللا، تراه يتنقل يف صلواته مرتقيا يف هذه الكلمة، من حال إىل

، استغرق جبالل اهللا وانغمرت نفسه بفيض من حمبة اهللا، وذابت يف وكلما قال كلمة مبعية رسول اهللا وإنك ال تستطيع أن تدرك ما انطوى حتت كلمة نعبد من معان، وال . اخلضوع ألمر اهللا واالستسالم له

رف إىل اهللا، فـإن فعلـت تستطيع أن تعي ما شرحته لك، مامل تسلك أنت بذاتك طريق اإلميان، وتتعوتعرفت، عرفت ما أقول، وعربت عما يف نفسك مبا تقول، فكان قولك معبرا عن حقيقة، ال جمرد لفظ

بعض التوسع، فلعلك تستطيع أن : }إيـاك �عبـد {: وأريد اآلن أن أتوسع لك يف شرح كلمة. وحركة

:تتذوق شيئا من معانيها إذا أنت أدركت ما سأبينه لك

حرف جواب مبعـىن نعـم )) إي((مؤلفة من كلمة إي وكاف اخلطاب، ومن املعلوم أن : }إيـاك {

:كاآلية

نعم إين مسـتجيب لـك : أي والكاف للمخاطب )١(}...ويستنبئو�ك أحق هو قل إي وربي{

.دةومبعيتك ملن أنت رسوله جل شأنه بالطاعة الشمولية الرضائية، أي العبا

املؤلفة من هذين اللفظني يتناوب على نفسـه حـاالن، }إياك �عبـد {: إن املصلي حينما يقول كلمة

اخل أو ..}الحمـد للـه رب العـالمني {: عليه ما تاله من قوله تعـاىل فبكلمة إياك إمنا خياطب الذي تال

إنـه . ، وبلغه تلك الكماالت عن لسان اهللا، الذي عرفه بكمال اهللاإمنا خياطب رسول اهللا باألحرى

بـك }إيـاك {: وقد اندجمت نفسه بنفس هذا الرسول الكرمي حينمـا يقـول ، خياطب رسول اهللا

.وبارتباط نفسي بنفسك الطاهرة الفانية مبحبة رهبا، واملستغرقة مبشاهدته، أصبحت نفسانا نفسا واحدة

                                                             ).٥٣(اآلية : سورة يونس )١(

Page 83: السبع المثاني

82 

 

د أصبحت نفسه يف التفات حنـو اهللا وشـهود جلـالل اهللا الكلمة وقيقول هذه }إياك �عبـد {: فآية

وهكـذا فاملصـلي . ونوره كما ذكرنا ومجاله، وتقديس وتقدير لرمحته وحنانه مبعية رسوله الكرمي ، تندمج نفسه بنفس هذا الرسول الكـرمي، وتشـتبك هبـا بكلمة إياك اليت خياطب هبا رسول اهللا

، ، فإن هي أصبحت يف هذا احلال التام من االرتباط بـنفس رسـول اهللا استعدادا لاللتفات إىل اهللا

ملتفتة هبا إىل اهللا، وأن تكون أهال للتعبري عن مشاعرها جتاه تلك }�عبـد {: استطاعت أن تقول كلمة

.وجاءت بصيغة اجلمع إذ املؤمنون هم مجيعا على قلب واحد مع رسول اهللا . الذات العلية

استعدادا لاللتفات . شتمل كلمة إياك على معىن االرتباط واالندماج النفسي بنفس رسول اهللا وكما ت .بالرسالة إىل اهللا، فهي تنطوي على التصديق واالعتراف لرسول اهللا

أيضا بقوله إياك أي بداللتك، اليت تبلغين إياها عن لسان اهللا، املصلي هبذه الكلمة خياطب رسول اهللا تلوه علي من أوامر اهللا أعبده تعاىل، فأسري على أمرك الذي هو أمره تعاىل، مطبقا إياه وفق ما تبينه ومبا ت

.يل وتدعوين إليه

ولعلك تقول كيف تعتلج هذه املعاين كلها يف النفس، وكيف :تتناوب على النفس هذه األحوال واملشاهدات فأقول

املعاين، وقد تنتقل من حال إىل حال، يف حلظة واحـدة، حال النفس حال عجيب، فقد متر عليها مئات .وبأقل من طرفة عني، وهذا ليس على النفس بعسري، وليس منها بغريب

فاهللا سبحانه خلق اإلنسان يف أحسن تقومي، مبا جعل فيه من القابلية للتحلي بالفضيلة والكمـال، واهللا من االستعداد الشتقاق الصفات الكاملة من ربـه، تعاىل خلق اإلنسان يف أحسن تقومي، مبا فطره عليه .اشتقاقا عجزت عن الوصول ملثله كل املخلوقات

واهللا تعاىل خلق اإلنسان يف أحسن تقومي ، مبا جعله فيه من األهلية ملعرفة الذات العلية معرفـة عاليـة، لبحـار وال الشـمس وال قصرت عنها أنفس املالئكة الكرام، فال السماء وال األرض وال اجلبال وال ا

 ال تعجب

Page 84: السبع المثاني

83 

 

هية، وشهود الكماالت اليت تدل عليها القمر، حىت وال املالئكة املقربون، بأقدر على حتمل التجليات اإلل :أمساء الذات العلية، من نفس هذا اإلنسان، ويف احلديث القدسي

.)١(»ما وسعين أرضي وال مسائي ولكن وسعين قلب عبدي املؤمن«

هب هذا اإلنسان من الفكر وامللكات، وأعطاه من البصائر، وساق له من اآليات، وجعل و فاهللا سبحانهله نفسا أشد قدرة، وأصلب عودا، وأكثر حتمال، من أنفس مجيع املخلوقات، وإىل جانب ذلك كلـه

ستطيع أن منحه احلرية يف االختيار، ومل يكل أمره إىل أحد، كما هو عليه حال احليوانات، فلعله بذلك ييشهد كماالت ربه تعاىل، وأن ينعم برؤية أمسائه احلسىن، رؤية جتعله يسبح يف ذلك الكمال، ويتمتـع

كنت كنزا خمفيـا فأحببـت أن «: ويف احلديث القدسي. بذلك الكنز العايل، دهر الدهور وأبد اآلباد

أيها اإلنسان، ومن أجل التمتع فإىل ذلك خلقت. )٢(»أعرف فخلقت اخللق وعرفتهم يب فيب عرفوينبذلك الكنز أوجدك ربك، ووهبك ما وهبك من فكر وإدراك وملكات، وجعلك يف أحسـن تقـومي،

.لتستطيع السمو بنفسك مسوا ال يدانيك فيه خملوق

وإن أنـت . فإن أنت أقبلت على ربك وتعرفت إليه، فقد فزت بالسعادة األبدية واحليـاة السـرمدية فقد خسرت نفسك وما أعده لك ربك من عطاء يف اجلنان، وأصبحت مع أسفل السـافلني أعرضت،

.من املخلوقات

أما وقد شرحت لك ما شرحت، وعرفتك مبا عرفتك به، فال حتسنب أين لشرحي كلمة إياك إمنا أغيـر إذا صليت هذه معامل اللغة وأحور ألفاظها، وأضعها يف غري ما وضعت له وما تعارف الناس عليه، فإنك

، وتلك الصالة اليت هي كلها وجهة إىل اهللا، واستغراق يف شهود كماله، ورفقة تامة لرسوله الكرمي                                                             

 .الطرباين يف الكبري )١(

وقد وافق على صحة احلديث الشيخ على ). ٥٦(الذاريات }وما خلقت الجن والإ�س إلا ليعبدون{: قال تعاىل )٢(

وقد . أي ليعرفوين: }وما خلقت الجن والإ�س إلا ليعبدون{: مال القاري مستندا إىل تأويل ابن عباس لقوله تعاىل

 .اعتمده الصوفية وابن عريب وبنوا عليه أصوال

Page 85: السبع المثاني

84 

 

الرفقة النفسية للنفس العلية احملمدية، هي عني الشفاعة، شفاعة نفس لنفس سامية، وإقبال مبعيتها علـى من امليول الدنية، فإذا فهمت هـذا حـق احلضرة اإللهية، وارتشاف للكماالت من حضرة اهللا، وشفاء

، كثري منها وامنحت معامله لدى النـاس اندرسالفهم، وعرفت أن اللفظ الواحد تنطوي حتته معان مجة، ومل تبق لديهم من اللغة إال أطالل وآثار، حىت أصبحوا يف حال ال يفرقون معه بني معىن كلمة الـرب

ن، أو احلمد والشكر، أو الروح والنفس، أو العقل والفكر، وال واإلله، واألب واآلب، أو الرحيم والرمحمعىن الصالة والصيام واحلج والزكاة، وغري ذلك من أوامر، ومن يؤمن باهللا يهد قلبه، وجيعل له يدركون

على اهللا، ولكن جيب أن تقبلوا بصحبة رسول اهللا: }...يا أيها الذين آمنـوا اتقـوا اللـه {: نورا يسري به

وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعـل لكـم �ـورا تمشـون بـه ويغفـر لكـم ..{. كي حتصل التقوى .)١(}والله غفور رحيم

أو رؤيا تنقضي بدقائق ففي الرؤيا أو األحالم، قد يشاهد املرء مناما: مثل بسيط عن سير النفس والزمنقليلة ويستيقظ، ولكنه يرى مبنامه أنه قضى أياما أو زمنا طويال، حىت أنه حني يقص ما رآه، قد يستغرق باحلديث عن منامه أضعاف زمن املنام، حىت ال يبقى للزمان واملكان، لدى النفس اليت تتجرد بالنوم عن

أما بالصالة فيتم سيرها باحلقائق اليقينية، باستنارهتا . املكانجسمها، زمن حمدد، فيتغري مفهوم الزمان ووكفى بليلة القدر اليت هي خري .بنور اهللا، وينمحي تأثري الزمان واملكان حلقائق كربى مترعة باخلريات

...من ألف شهر خري شاهد ودليل

: }وإيـاك �سـتعني {: مث يتابع املصلي القـول فيقـول

ويتناوب على نفسه أيضا يف هذه الكلمة احلاالن اللذان

يف حـال : }إيـاك {: فيجعله خطابه لرسول اهللا بكلمـة : }إيـاك �عبـد {: مر هبما من قبل يف كلمة

يف حال امللتفـت إىل اهللا : }�سـتعني {: املستشفع به إىل اهللا، وجتعله كلمة املرتبط بنفسه الشريفة                                                             

 ).٢٨(اآلية : سورة احلديد )١(

 يالوفد السام

Page 86: السبع المثاني

85 

 

يقول هذه الكلمة بلسانه، معترفا يف نفسه بأنه لوال هذا االرتباط هبـذا . لداخل عليه مبعية رسولهتعاىل ا .الرسول الكرمي، واالعتصام به وبنوره املوصل لنور اهللا، ملا غدا أهال ألن يدخل على اهللا ويستعني به

أن املصلي هبده الكلمة إمنـا : }ستعنيإياك �عبد وإياك �{: وأنت ترى من خالل ما شرحناه عن كلمة

، عابدا مستعينا، كوافد وفد بصـحبة يصبح يف حال يرى نفسه فيه أنه داخل على اهللا مبعية رسوله .رئيس له حظوة وزلفى لدى ملك عظيم

إال وإذا حصلت هلذا املصلي تلك احلظوة واملكانة من الدخول يف حضرة هذا اإلله العظيم، فمـا ذاك .بفضل صحبة رئيس هذا الوفد، وإن شئت فقل بفضل هذا الرسول الكرمي

رئيسا هلذا الوفد، يتكلم بلساهنم مجيعا، خماطبا رب العاملني فيقول وقد واآلن نستمع إىل رسول اهللا

)٦(املسـتقيم اهد�ــــا الصراط {: اندجمت نفوسهم معه، ولسان حاهلم ينطق مبا ينطق به رئيسهم فيقولرئيس الوفد يطلب من رب العاملني هذا : }صراط الذين أ�عمت عليهم غري املغضـوب علـيهم وال الضـالني

الطلب، طلب اهلداية إىل الصراط املستقيم، والوفد مجيعهم مبعيته منصتون، فإذا ما أمت قوله وانتهى مـن على ذلك، معلنني موافقتهم على ما طلب رئيسهم، ضارعني إىل اهللا تعـاىل أن بيان مطلبه، أمن اجلميع

مطلبهم، ويتفضل عليهم باإلجابة فيهديهم مجيعا إىل الصراط املسـتقيم، قـائلني يليب مطلبه الذي هو ).آمني: (بلسان واحد كلمة

أرشـده : وهداه إىل الطريق مبعىن. هو الطريق :والصراط :فه به، ويف هذه اآليةإليه وبينه له وعر

أنك تطلب من خالقك بعد أن التجأت إليه، : حتصل لك التقوى، أي: }اهد�ـــــا الصـراط املسـتقيم {

يتجلى عليك نفسك عليه تعاىل فعذت جبنابه، وصرت يف حضرته، تطلب منه أن وأدخل رسول اهللا ل الرشد يف كل أمر، ضمن رضاه تعاىل، ومـا أمـره بنوره، لترى دوما طريق احلق، وليستبني لك سبي

.تعاىل إال ضمن احلق

حقيقة الصراط :املستقيم

Page 87: السبع المثاني

86 

 

. فالعني بواسطة نور الشمس، ترى من األشياء صورهتا دون حقيقتها. وباحلقيقة لألشياء صورة وحقيقةوذلك ألن خيال اجلسم إمنا يرتسم على الطبقة الشبكية يف العني، وهنالك تراه الـنفس وتشـعر بـه،

ة هذه ال ترى إلا اخليال والصورة، وال تستطيع أن تشهد الكنه واحلقيقة، ورؤية احلقيقة ال فالنفس واحلالبد هلا من نور قوي أقوى من نور الشمس، ومن بصر نافذ حديد يصل إىل اللب، وذلك النور القـوي

ا هو النفس بذاهتا الذي يكشف لك احلقيقة البينة الواضحة، هو نور اهللا تعاىل، وذلك البصر احلديد، إمنوكليتها، جمردة عن كل حجاب حيجبها، فبهذه اآلية الكرمية إن أصبحت صادقا يف التجائك هللا، عندها تقبل بنفسك على اهللا وتستهديه، وتطلب منه أن يتجلى عليك بنوره، فإذا صدقت يف توجهك وطلبك

، فأنت حينئذ معـه نفس رسوله الكرمي حقا، فهنالك حتصل لك التقوى، فيجمع تعاىل نفسك معيصل بك إىل نور اهللا تعاىل األصل، ويكشف لك هذا النور اإللهـي على الصراط املستقيم، وبنوره

فرقان، يريك طريق احلق واضحا نيرا، تعاىل حقيقة األشياء، فتميز خريها من شرها، ويكون لك من اهللا :قال تعاىل

ذين آمنــوا اتقــوا اللــه وآمنــوا برســوله يــؤتكم كفلــين مــن رحمتــه ويجعــل لكــم �ــورا تمشــون يــا أيهــا الــ { .)١(}...به

فهذا النور اإللهي، يضيء للنفس طريق احلق ويريها اخلري من الشر، واملؤمن الصادق يستهدي ربـه يف .الرشد والصواب يف كل أمر من أمورهسائر شؤونه، ويستلهمه

فإذا حصلت لك التقوى هذه، وصرت ذا بصرية عند تالوة اآلية اليت حنن بصددها، فهنالك تـرى أن الكون كله مشمول بالعدل، وقائم باحلق، وتشهد أن اخللق مجيعا مسيرون على صراط مستقيم، فـال

ء ظامل، وال يعان اجلاين اجملرم، إلا على معتد آمث، وال يسوق يسلط احلاكم الغاشم، إلا على امرئ مسياهللا صاحب املعروف واإلحسان، إلا لعبد سبق منه املعروف وصدر منه اإلحسان، وهلذا فإنك تطلـب

                                                             ).٢٨(اآلية : سورة احلديد )١(

Page 88: السبع المثاني

87 

 

يصل بك لنور اهللا، وملا يعود ، ذلك ألن نوره من اهللا أن جيعل تسيريك على صراط مستقيم مبعيته :نعمة واخلري فتقولعليك بال

هي عملي كله إحسانا خللقك، وسيري خالصا اجعل يا إل: أي: }...صـراط الـذين أ�عمـت علـيهم {

يف خدمة عبادك، واجعلين ممن عاملوا خلقك باخلري واإلحسان، فاستحقوا منك النعمة واإلحسان، وال قك، فاجعلين يا إلهي يف زمرة عبادك احملسنني، الذين تفانوا يف خدمة يتقرب املتقربون إليك إلا خبدمة خل

.خلقك، ففازوا برضائك، وكافأهتم على إحساهنم جبنتك ونعمتك، أسوة برسولك النيب األمي

وهم الذين أقروا لـك : من هم املغضوب عليهم :بالربوبية، ولرسولك بالرسالة، فقالوا

اهللا، ال إله إال اهللا عيسى من روح اهللا، ال إله إال اهللا حممـد رسـول اهللا، مث ال إله إال اهللا موسى كليم ، وشهواهتم غال يف أعناقهم، حادوا عن طاعتك، ومالوا عن شريعتك، فكانت أهواؤهم مسيطرة عليهم

مسعوا كالمك مث عصوك، ومل يطيعوا من أن أكون من هؤالء املغضوب عليهم، الذين فاحفظين يا إلهي أمرك، فكانت معاملتهم لعبادك مشحونة باملكر، ومألى باألذى والشر، وحل عليهم غضبك، ونزل هبم سخطك، ألهنم حرموا أنفسهم مما أعددته له من الفضل واخلري، وخسروا ما هيأته هلم من النعيم املقيم،

.فهم بإرادهتم واختيارهم تركوا فتركوا

بالنفي، فهم الرسل الكرام واألنبياء العظام، وكـل مـن : }..ضـوب علـيهم غري املغ..{: أما كلمة

عرفوا فما حرفوا أبدا، وكانت العصمة هلم وهم أهلـها ص حىت مفارقته احلياة الدنيا، هماتبعهم بإخالمنـهم تنام أعينهم وال تنام عنك يا رب قلوبهم، فال يقع: واألحق هبا، فال شائبة وال منقصة هلم قطعا

.)١(}...أولـئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده{. يتهمدخطأ، فاهدنا هبديهم فأنت ه

                                                             ).٩٠(اآلية : سورة األنعام )١(

 }..غري املغضوب عليهم..{

Page 89: السبع المثاني

88 

 

الضالون هم الذين مل يهتدوا إليك، بل ): الضـالني (من هم

ضلوا عنك وعن رسلك، فلم يهتدوا هبديك وما عرفـوا ان ذلك سببا يف ضالهلم عن طريق النور واحلق واهلدى، أمساءك احلسىن، ومل يشهدوا صفاتك العليا، فك

فحسبوا عمل اخلري خسارة ومغرما، وظنوا التعدي واملكر رحبا ومغنما، فاحفظين يا إلهي من أن أضـل إذ كانت الـدنيا الدنيـة . شراعنك، ومن أعرض عنك استحوذ عليه الشيطان، فكانت أعماله كلها

مههم ومبلغ علمهم، ال يبغون سواها، وعن مساع اآلخرة واإلله عازفون، ولدنياهم املنقضية وأهلها أكرببكليتهم منصرفون، لذا أوتوا شهواهتم الدنية اليت هبا هالكهم األبدي، وعندما ماتوا ما رحبت جتارهتم،

ؤوف رحيم، وإنك حفظين يا إلهي من أن أضل عنك، فإنك رب را. أبدا مهتدين إذ ما كانوا بدنياهم .مصدر كل فضيلة وخري، ومن ضل عنك ال يفعل خريا أبدا، ومن ضل عنك هلك وخسر خسرانا مبينا

وهـم الرسـل : }..غـري املغضـوب علـيهم ..{: بالنفي مشلت أيضا: }وال الضـالني ..{: فكلمة

.ين بنورهم ال يضلون أبد اآلبادوالنبييون، ومن تابعهم بإحسان، مهتدين هبديهم، مستنري

* * *

 !.}وال الضالني..{

Page 90: السبع المثاني

89 

 

:وقد تطلب مين أن أزيدك يف شرح هذا املقطع األخري من سورة الفاحتة فأقول

ليس يغين الشرح الطويل عن اإلنسان شيئا، إذا هو مل يؤمن بربه، ومل يقف يف صالته ذلك املوقف الذي وإن تقديرا يسريا لفضل اهللا مبنيا . نور والغبطة، مستنرية القلب بالتصبح نفسه فيه مؤمتة برسول اهللا

، ووجهة صادقة تويل هبا وجهك حنو اهللا، على التفكري الصحيح، وشيئا من حمبة أو تقدير لرسول اهللا وتلقي يف مسامع نفسك أضعاف أضعاف ما أشرحه وأبينه لك يف شروح ومعان، ومع تغرس يف قلبك

الصحيحة قد تكون حافزا لصاحبها إىل طلب احلقيقة، والوصول إىل العلم ذلك كله وحيث أن املعرفة :الصحيح أقول

بعد أن أصبح هذا املصلي يف حضرة اهللا تعاىل، داخال القول خماطبا مبعية رسوله الكرمي، يبدأ رسول اهللا

:اهللا تعاىل بلسانه ولسان من معه من املصلني املؤمنني بقوله

والصراط هو طريق العمل الذي تسلكه النفس يف سبيل بلوغ هـدف }راط املسـتقيم اهد�ـــــا الصـ {

ومبا أن حقيقة العمل حباجة لنور قليب، يفرق به بني احلق والباطل، والصـواب واخلطـأ، . وغاية معينةطريـق فالصراط املستقيم يتطلب طريق العمل املرفق بالنور اإللهي، كما تسري السيارة لـيال علـى ال

.الصحيح بنور كهربائها

ومبا أن كل امرئ يف هذه احلياة له هدف وغاية من الغايات، وحيث أن كلا له صراط يسلكه يف سبيل حتقيق هدفه والوصول إىل غايته، لذلك جتد هذا املصلي الذي آمن خبالقه ومربيه حق اإلميان، والذي مل

طلب من اهللا تعاىل يف سره متوافقا يف مطلبه هذا مع يبق له من هدف أو غاية سوى رضاء اهللا، جتده يتمطلب رسوله، يتطلب من اهللا تعاىل أن يهديه بنوره، ليطيعه يف كل عمل من أعماله، صراط الذين أنعم اهللا عليهم، أي أولئك الذين آمنوا خبالقهم ومربيهم، فهداهم اهللا بطاعتهم له وحـده يف أعمـاهلم إىل

اهد�ـــــا الصـراط {: ، ولذا جتد املصلي يعيد كلمـة يعود عليهم بالسعادة واخلري الطريق املستنري، الذي .}صراط الذين أ�عمت عليهم{: بقوله }املستقيم

الصراط املستقيم يفكل شؤون احلياة

Page 91: السبع المثاني

90 

 

.النيب األمي الذي تؤم له األنبياء واملرسلون كصراط سيد اخللق

:وبشيء من التفصيل نقول

املة الزوج واألوالد، واألهل واجلريان، والشراء، والزواج والطالق، ومع مجع املال واإلنفاق، وكذا البيعمث احلرب والسلم، واالسترقاق والعتق، حىت املسري يف الطريق والتحدث إىل العدو والصديق، ال بل كل أمر من أمور، وكل عمل من األعمال مهما جل وعظم، أو دق وصغر، كل ذلك له أصول وله طريق،

شئت فقل كل ذلك له صراط مستقيم، يعود على صاحبه بالسعادة واخلري، فإذا أنت طلبت من اهللا وإن وجعل يف ذلك العمل . اهلداية وهو العليم، هداك إىل ذلك الصراط املستقيم، الطريق القومي، وأنار قلبك

القيامة فخورا هبا، اخلري على يديك، وبذلك تكتسب عمرك الثمني يف األعمال العالية، اليت جتعلك يوم :إذا أنت وقفت للحساب بني يدي رب العباد، ويف احلديث الشريف

أهـدى ولذا كان رسـول اهللا )١(»..، كلكم ضال إال من هديته، فاستهدوين أهدكميا عبادي« اخللق إىل احلق، وأعرفهم بأصول احلياة، ذلك أنه مل ينقطع عن ربه طرفة عني، بل كان دوما مقبال علىاهللا مستنريا بنوره، مستهديا يف كل أمر من األمور، وكل عمل من األعمال، مل يهمل تفكـريه طرفـة

.وكذلك أصحابه من بعده واملؤمنون عامة، كل حبسب درجته وحبسب حاله وصدقه. عني

.)٢(}ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم{

ميـده بالليـل . بال إله إال اهللا وعرف ربه، ورأى أن ربه معه دوما ال يفارقه: }..إن الـذين آمنـوا {

إىل التقوى، إىل طريق احلق، إىل اجلنان، : )٣(}..وعملوا الصالحات يهديهم ربهـم بإميـا�هم ..{. والنهار

                                                             /.٦٠٢٠/اجلامع الصغري رقم )١(

 ).١١(اآلية : سورة حممد )٢(

 ).٩(اآلية : سورة يونس )٣(

Page 92: السبع المثاني

91 

 

احلق من الباطل، وقد أصبح ذو ث يرى بنور اهللا الذي أوصله إليه نور رسوله حي مبعية رسول اهللا .متييز يقيين بني اخلري والشر، فينهض للخريات وجيتنب املهلكات

املؤمن الصحيح طلبه رضاء اهللا، مىت آمن اإلنسان حقا، على نفس الطريق اليت آمن هبا أبونا إبراهيم عليه صنع اإلله العظيم، وصل للتقوى، وعلى هذا عاهد اإلنسان ربه يوم أخرجه السالم، من اآليات الكونية

وأظهره إىل هذا الوجود، وكان إذ ذاك نفسا جمردة، عاهد ربه إذا هو جاء إىل هذه الدنيا، أن يظل دوما

وفون بعهـد الذين ي )١٩(أللباب إ�ما يتذكر أولوا ا..{: كا بأهل احلقمسمستهديا باهللا، مستنريا بنوره، متيف األزل، كافة اخللق عاهدوا اهللا قبل جميئهم للدنيا بأهنم إن جاؤوا للدنيا، : )١(}نقضون الميثاقالله وال ي

، جاء اء به الرسلما ج: }نقضـون الميثـاق وال ي..{: فإهنم يظلون مقبلني عليه تعاىل، متمسكني بنوره

ومـن أوفـى بمـا عاهـد عليـه اللـه فسـيؤتيه أجـرا ..{. للدنيا وثبت على احلق، عاهد وصدق عهـده .)٢(}عظيما

ذلك ما يتطلبه املصلي يف صالته، يتطلب من اهللا تعاىل أن يهديه الصراط املستقيم، فيقول يف الصـلوات

ــس ــراط امل {: اخلم ـــا الص ــيهم وال )٦(ســتقيم اهد�ـــ ــوب عل ــري املغض ــيهم غ ــذين أ�عمــت عل ــراط ال ص .وهم السادة الرسل واألنبياء العظام، من طهرت نفوسهم وتشرفت باإلقبال على اهللا: }الضالني

يتلوه رسول }الضـالني وال ..{: إىل كلمة }اهد�ــــا الصراط املسـتقيم {: ذلك كله بدءا من كلمة

باإلجابـة إىل اهلدايـة كما ذكرنا بلسانه، خماطبا به رب العاملني، هنالك يؤمن املقتدون به اهللا ).آمني: (للصراط املستقيم بكلمة

                                                             ).٢٠-١٩( اآلية: سورة الرعد )١(

 ).١٠(اآلية : سورة الفتح )٢(

Page 93: السبع المثاني

92 

 

وهنا يتفضل اهللا عليه فيملي أوامره على رسوله ويسمعها املصلي بالتبعية، وهي عبارة عن آيات القرآن ، فيقول تعاىل وعلى سبيل املثال نورد السورة التالية وهي الكوثر، إذ جييبه تعاىل حني طلب لنفسه الكرمي

:الشريفة وملن معه من املصلني اهلداية

إن )٢(فصـل لربـك وا�حـر {. لك وهلـم : }إ�ـا أعطينـاك الكـوثر {: يقول له تعاىل }..اهد�ـــــا { .}و الأبترشا�ئك ه

وهكذا ففي سورة الفاحتة تعريف بكمال اهللا، وتذكري حبنانه ورمحته، وإيقاظ وحتذير، مث طلب هداية إىل .الصراط املستقيم

وهداية من اهللا تعاىل إىل الصراط املستقيم، }اهد�ـــــا الصـراط املسـتقيم {: ويف السورة جواب للطلب

.على سبيل املثال أيضاجيبه تعاىل بسورة العصر

ولنوضح لك اآلن طرفا من معىن سورة العصر، وما فيها من هداية هلذا اإلنسان، وما فيها مـن داللـة :وعناية نقول

العصر هو العمر الذي تقضيه أمة أو امرؤ يف هذه احلياة، فيظهر منه ما يظهر، من أعمال عالية وخدمة خالل هذه

وبناء على هذا يقال عصر الرسـول عليـه الصـالة . نوايا طيبة وصفاتالفترة مما اشتملت عليه من .والسالم، وهو أس حبثنا

ويريد احلرف الذي سبق هذه الكلمة وهو الواو، أن يبني شأن هذه الكلمة ويلفت نظر اإلنسان إليها، لة وآيات بينـة، فيجعلها موضع اعتباره وحمط نظره وجماال لتفكريه، بسبب ما استكن فيها من دالئل دا

.ونقاط تستحق التأمل وجتتذب النظر وتستدعي التفكري

 والعصـر

Page 94: السبع المثاني

93 

 

اليت افتتح هبا هذه السورة الكرمية، إمنا يلفت نظرك }والعصـر {: ومن هنا يتبني لنا أن اهللا تعاىل بكلمة

، ، إمنا عرف قيمة هذا العمر، وشأن هذه احلياةنفسك ويعرفك بأن رسول اهللا أيها اإلنسان، ويوجه فاكتسب عمره الغايل، يف التعرف إىل خالقه تعرفا سبق به سائر اخللق، وبذلك انبعث من هذه الـنفس

فاستحق أن خياطبـه تعـاىل . الشريفة العالية، تلك الصفات الرفيعة واألخالق العالية، واألعمال اجلليلة :بكلمة

الغايل الذي اكتسبته فيما خلقـت وعصرك العايل، الذي ما داناك فيه أحد، وعمرك : أي }والعصر{

له من أعمال الرب واخلري للهداية، اكتسابا ما حقق أحد مثله، إذ مل تضيع منه حلظة، ومل تغفل فيه عـين طرفة عني، وإين إذ أعلن ذلك على لسانك، فإمنا أعرفك مبقامك العايل لدي، لتزداد محدا وقربا وعلـوا

تك الرفيعة، ليزدادوا لك تقديرا وتوقريا وحبا، وليتخذوا منك ألنفسهم مثال ، وأعرف عبادي مبكانومسواأعلى، فيقتدوا بك ويسريوا على غرارك، وينهجوا هنجك ويسمعوا نصـحك، وليطبقـوا داللتـك، فيكتسبوا عمرهم كما اكتسبته أنت جبالئل األعمال اإلنسانية الكربى، ويقضوه يف اخلري واهلداية كمـا

:بذلك ينالون رضائي، ويستحقون عظيم جزائي، ذلك بعض ما توحيه لنا كلمةقضيته، و

ومكانته السامية عند ربه، فكم إهنا شهادة من اهللا برسوله، وتعريف لنا بقدره العظيم }والعصـر {

هم، وكان لطيفا معهـم من تضحيات إنسانية رحيمة كربى، وكم صرب على قسوة قومه وسفاهت له ، كم كان على خلق عظيم وطموحات إنسانية رحيمة، مشلت وأحاطت بالعـاملني، فكـان مرحيما هب

وكم له من أعمال كربى إنسانية، مل يدانه مبثلها أحد من العاملني، لذلك . رمحة للعاملني كافة أرسله اهللاالذي تؤم به اخلالئـق متابعة هذا الرسول الكرمي واالقتداء واالئتمام به فهو النيب األميعلى حثنا تعاىل

.أمجعني

:وبعد أن عرفنا تعاىل مبا عرفنا به يف هذه الكلمة، أشار تعاىل بقوله الكرمي

Page 95: السبع المثاني

94 

 

فما عرف بنو اإلنسان قيمة هذه احلياة اليت حييوهنا، وما أدركوا ما ميكن أن }إن الإ�سان لفـي خسـر {

ليت يعيشوهنا يف هذه احلياة، بالصحبة النفسية مبعية هـذا ايأتيهم من اخلريات، لو أهنم اغتنموا هذه األيام عنه وهو حبل اهللا وهو دليله إىل اهللا، فهو يف حياته وأعرض الرسول العظيم فمن مل يقدر رسول اهللا

وهكذا فاحلياة الدنيا غالية مثينة، وعمر اإلنسان له قيمة عظيمة، وهو من أعظم ما تفضل اهللا . يف خسرعليك يف هذا الوجود، فإن اكتسبته يف التعرف إىل خالقك ومربيك املعرفة الالئقة، أنتجت لك تعاىل به

معرفتك هذه حبا باخلري وأهله، فقضيت عمرك الثمني يف العمل الصاحل، وأفنيتـه يف خدمـة اخللـق ، كما فعل أسـوتك احلسـنة . بأيديهم إىل طريق احلق وإنقاذهم مما هم فيه من جهاالت، وأخذت

وهنالك تفوز مبا وعدك اهللا تعاىل به من اخلريات، وتنعم إذا أنت خرجت من هذه احلياة، مبا أعده تعاىل لك من النعيم واجلنات، وتضحي ألن تكون قريبا من تلك الذات العلية ترى من النعيم املقيم، وتتمتـع

:مبا ال عني رأت وال أذن مسعت وال خطر على قلب بشر

.)١(}في مقعد صدق عند مليك مقتدر )٥٤(ني في جنات و�هر إن المتق{

.)٢(}..فلا تعلم �فس ما أخفي لهم من قرة أعين{: هؤالء

ـ دوا فلهذا خلقت وأرسلت هلذه احلياة، أما أكثر بين اإلنسان ففي خسر، إذ أهلتهم الدنيا وزينتها، وأخلإىل األرض وزخرفها، فقضوا عمرهم الثمني يف مجيع الدرهم والدينار، وإشادة القصور والتطـاول يف البنيان، وإضاعة الوقت يف أماكن اللهو احملرم، ودينء الشهوات، فخسروا عمرهم وأضاعوا هذه احلياة،

.}إن الإ�سان لفي خسر{: وذلك بعض ما نفهمه من قوله تعاىل

                                                             ).٥٥-٥٤(اآلية : سورة القمر )١(

 ).١٧(اآلية : سورة السجدة )٢(

Page 96: السبع المثاني

95 

 

فقال إن اإلنسان لفي خسر، ومل يقل أكثر الناس، وذلك ليعرفنـا أن : عمم تعاىل هبذه اآلية القول وقدالبشر بصورة عامة، هلم قانون ينطبق على كل فرد منهم بال استثناء، فمن طبق هذا القانون سعد وفاز،

إلـا {: ية الكرمية بقولهومن حاد عنه هلك ووقع يف اخلسران كائنا من كان، ولذلك أتبع تعاىل هذه اآلكل شيء يف هذا الكون له قانون ونظام، وكل ما يف السـموات }..الـذين آمنـوا وعملـوا الصـالحات

واألرض يعمل ضمن نظام، وقانونك الذي ينبغي أن تسري عليه، ونظامك أيها اإلنسان منشور يف هذه .سعادة، وخلصت من كل شقاءاآلية الكرمية، فإذا أنت طبقته وصلت إىل ال

ليبني لك أن اإلميان أصل السعادة واخلـري، وبدونـه ال }..إلـا الـذين آمنـوا {: وقد بدأ تعاىل بكلمة

وعملـوا ..{: سعادة وال حياة طيبة هلـذا اإلنسـان، وأتبـع تعـاىل اإلميـان بعمـل الصـاحلات ن فإذا آمن اإلنسان حق اإلميان، انطلق يف فعل اخلـريات، ألن العمل الصاحل مثرة اإلميا}..الصـالحات

وتطلبت وتشوقت نفسه إىل فعل اخلري، كما يتطلب صحيح اجلسم الطعام ويشتهيه، هذا وقد بينا لـك طريق اإلميان، والذي سلكه أبونا إبـراهيم )١(من قبل يف مواضع عديدة من تأويلنا لسور القرآن الكرمي

ليه، فإذا أنت تتبعت ذلك وآمنت وانطلقت يف طريق األعمال الصاحلة، وفعلـت عليه السالم، فارجع إاخلري، فساعدت كل ذي حاجة، وأخذت بيد كل ضعيف، وأحسنت إىل كل خملوق وإنسان، هنالـك

.تكون ممن اكتسب هذه احلياة، وما جزاء اإلحسان إال اإلحسان

:مث أتبع تعاىل القول وختم السورة الكرمية بكلمة

، وقد خص تعاىل بالذكر التواصي باحلق والتواصي بالصـرب، }تواصوا بـالحق وتواصـوا بالصـبر و..{

ليعرفنا أن ذلك من أعظم األعمال الصاحلة اليت يقوم هبا اإلنسان، وأهنا من أكرب أوجه اخلري، وقد جعل

                                                            ه السالم منوذجا عمليا للوصول باألصول وكافة كتب العلامة تشري إىل طريق اإلميان الذي سلكه سيدنا إبراهيم علي )١(

 .وكلها تبين طريق اإلميان) يا للتقوىاإلميان أول املدارس العل: (وقد أفرد فيه كتاب

Page 97: السبع المثاني

96 

 

سان من خالقه، وجيعل النفس مطمئنة ترتيبها بالذكر بعد عمل الصاحلات، ألن العمل الصاحل يقرب اإلنع فيها احلق ويكتـب برضاء اهللا عنها، وهنالك تدفعها ثقتها واطمئناهنا إىل اإلقبال على اهللا تعاىل، فينطب

ممن آمن فعرف احلق وسلك حينئذ ينطلق لساهنا يف اإلرشاد إىل احلق والتواصي باحلق، على صفحاهتا ورب يف أواخر السورة لتعلم أن آخر ما يصل إليه اإلنسان املؤمن هـو احلق، وقد ذكر تعاىل التواصي بالص

شهود حنان اهللا ورمحته، ورؤية جانب من عطفه تعاىل ورأفتـه والتواصي بالصرب، ألنه بإقباله على اهللا خبلقه، يرى أن كل ما يسوقه تعاىل لعباده، إن هو إال حمض فضل وعطف وإحسان، ولذلك تراه يوصي

فهم بربهم صاحب العطف واإلحسان، ويذكرهم بأن كل ما يسوقه تعاىل هلم منطو ويعر اخللق بالصرب،على فضل ورمحة وإحسان، فما عليهم إذا هم مرضوا أو افتقروا، أو أصيبوا مبصيبة من املصائب، إال أن

ئب، ال يعلم مدى اخلـري يقابلوا ذلك بالصرب والرضاء، إذ النتيجة إن تاب، عطاء مذهل يناله الصابر التا .العائد على هذا اإلنسان والفضل املعد له بعد الشفاء، إال اهللا

ويسمع املصلي املؤمن من اهللا تعاىل داللته وهدايته يتلوها على رسوله، وسواء كان املصلي منفـردا أو ، وهو إمامـه وإمـام مقتديا بإمام، أو إماما ملن معه من املصلني، فهو يف احلقيقة مقتد برسول اهللا

العاملني، واملتكلم بلساهنم بني يدي رب العاملني، وهو املخاطب من قبل اهللا تعاىل، واهللا تعاىل خياطـب .هذا املصلي عن طريق رسوله صلى اهللا عليه وسلم

، وما الركوع يف حقيقته إال تعـبري وهنا يركع املصليعن حال تعظيم نفسي، إنه ركوع الـنفس، وأعـين

يركع املصلي . لقهااقدمت خضوعها وإذعاهنا، ملا مسعته من أوامر وداللة خبأهنا بذلك إعالهنا عن ذاهتا بني يدي اهللا العظيم، وقد شاهد طرفا من عظمته تعاىل الالهنائية، واليت كل عظمة هبذا الكون، ذرة من

وإذعانا ا وطاعة يا رب ألوامرك، أن مسع سورة العصر، مسع عظمته تعاىل، ويقول يف قرارة نفسه من بعدلداللتك، وأعاهدك بأنين سأكون مطبقا ما أمرتين به يف هذه السورة، لقد عرفتين مبكانة هذا الرسـول الكرمي، وأنه اإلنسان األول ال بل أعظم إنسان عرف كيف يكتسب عمره الثمني، وأنا سأسري علـى

طريق اإلميان وعمل الصاحلات، وسأجد حىت أصبح ممن منهجه، مطبقا داللتك على لسانه، وسأسعى يف .يتواصى باحلق، ويتواصى بالصرب

 الركوع والسجود

Page 98: السبع المثاني

97 

 

وتسبح النفس خالل ركوعها يف عظمة اهللا، وتشهد أال عظمة إال من عظمته تعاىل، وتستغرق يف شهود ـ جالله تعاىل، شهودا قلبيا مبعية رسول اهللا ي وذلـك النفسية، ويعرب اللسان عن هذا السبح النفس

، ويتدرج هبذا التكرار يف يكررها ثالثا مع اإلمام )سبحان ريب العظيم(االستغراق يف الشهود بكلمة ذلك الشهود من حال إىل حال، وتطمئن النفس بشهود عظمة صاحب اجلالل واجلمال، والذي عظمة

البشارة من رسول اهللا مث يرفع املصلي رأسه من الركوع وكأنه يسمع. الكون ذرة من عظمته جل شأنه وهو يف احلقيقة إمنا يعرب أيضا عن حال نفسي، لقد محد اهللا )مسع اهللا ملن محده: (باالستجابة كلمة ،

وهو يف ذلك احلال، أن اهللا تعاىل معه تعاىل يف الركوع على داللته وهدايته، وكان يرى برؤية إمامه أي رب قد مسعت ما جال يف نفسي وما دار ). ملن محدهمسع اهللا: (حميط به، قريب، ولذلك قال مرددا

مث يسجد املصلي برفقـة ). ربنا لك احلمد: (يف خلدي من محدي لك، مث ينطلق اللسان ويكرر فيقولإال طلب املعونة من اهللا بواسطة ومعية رسوله الكـرمي " وما السجود يف حقيقته"القلبية، رسول اهللا لن وقدم خضوعه ألوامر اهللا، ومحد اهللا على داللته، ويف السجود إمنا يتطلـب ، فاملصلي بركوعه أع

تعاىل، أن ميده بالتبعية بقوة وأن يعينه على تطبيق تلك األوامر، فال حول ألحد وال قوة إال بـه من اهللا .لتاليها ) سبحان ريب األعلى وحبمده(وكلمة . تعاىل

كما يعود الظامئ اهليمان إىل ارتشاف املاء العذب " السجود مث يعود إىل" وجيلس بعد السجدة األوىل قال تعـاىل مشـريا إىل السـجدتني، . القراح، أو كالذي متتع بشم زهرة زكية، إىل تكرار االستنشاق

لألذقـان سـجدا إن الـذين أوتـوا العلـم مـن قبلـه إذا يتلـى علـيهم يخـرون ...{: السجدة األوىل والثانيـة ويخـــرون لألذقـــان يبكـــون ويزيـــدهم )١٠٨(ويقولـــون ســـبحان ربنـــا إن كـــان وعـــد ربنـــا لمفعـــوال )١٠٧(

فإذا استقرت تلك الداللة اليت مسعها يف الركعة األوىل يف قلبه، وإذا صح عزمـه علـى )١(}خشـوعا

.ثبتت تلك الداللة يف نفسه، فهنالك يقوم للركعة الثانيةالتطبيق و

                                                             ).١٠٩-١٠٧(اآلية : سورة اإلسراء )١(

Page 99: السبع المثاني

98 

 

فيستمع إىل أوامر جديدة من ذكر اهللا احلكيم تكون له نرباسا " يقوم ليقف بني يدي ربه من جديد"إنه ويقرأ الفاحتة بذلك احلال الذي قرأها فيه يف الركعة األوىل مقتديا . يف حياته، وهدى إىل طريق سعادته

إذا ما انتهت القراءة، وأمن على مطلب إمامه سائال اهللا تعاىل اإلجابة على ذلك املطلـب، ، فبإمامه فهنالك جييبه اهللا تعاىل مبا يتلوه على رسوله أيضا وهو منصت مستمع إىل أوامر اهللا تعاىل وداللته وهي

: به تعـاىل بقولـه الذي خياط واحلقيقة كل احلقيقة، أن التسبيح كله لإلمام . تتلى على الرسول

.)١(}فسبح باسم ربك العظيم{

سبح هذا املصلي واملصلني معك، بشهود فضلي وإحساين ورمحيت وحيب )٢(}سبح اسم ربك الأعلى{

.وحناين، وتسيريي اخلير للجميع

وعلى سبيل املثال نورد السورة الكرمية التالية وهي :قوله تعاىل

يومئــذ تحــدث )٣(وقــال الإ�سـان مــا لهـا )٢(وأخرجــت الـأرض أثقالهــا )١(ا زلزلـت الــأرض زلزالهـا إذ{فمـن يعمـل مثقـال ذرة )٦(يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليـروا أعمـالهم )٥(بأن ربك أوحى لها )٤(أخبارها .)٣(}ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره )٧(خيرا يره

املتكلم يف احلقيقة هبذه : تثبيتا وزيادة يف البيان فنقولونكرر ما كنا أوردناه عن التعريف بكيفية القراءة،

وأ�زلنـا ..{، واملصلون يستمعون اخلطاب بالتبعية اآليات هو اهللا سبحانه، واملخاطب هبا رسول اهللا

                                                             ).٧٤(اآلية : سورة الواقعة )١(

 ).١(اآلية : سورة األعلى )٢(

 ).٨- ١(اآلية : سورة الزلزلة )٣(

ما تيسر من القرآنالكرمي

Page 100: السبع المثاني

99 

 

، بلغ مـن واهللا تعاىل يقول لرسوله الكرمي )١(}إليك الذكر لتبين للناس ما �زل إلـيهم ولعلهـم يتفكـرون

هلا األخري، وهنالك تخرج مجيع معك من املصلني، وعرفهم بذلك اليوم العظيم، يوم تزلزل األرض زلزا

إذا {: من دفن فيها ليقفوا للحساب بني يدي، ويفزع اإلنسان إذ ذاك، وذلك ما عربت عنـه كلمـة وقـال الإ�سـان مـا {: آيـة مث يتلو رسول اهللا . }وأخرجت الـأرض أثقالهـا )١(زلزلت الأرض زلزالها

:يقول له اإلنسان املؤمن الذي استأنس بربه بصالته وبنور إمامه فريى. }لها

أن األرض ليس فيها شيء إال ما ميدها به رهبا، وأن اخلريات كلها منه تعاىل، ال منها، فليس فيها خري، ثه وحتد. نات والثمر وأشعة الشمس واحلياةله ملمدها باملطر وما فيه من حيويلوال إمداد اهللا، وأن اخلري ك

األرض يومئذ بأخبارها عنه، وتعرفه مبا فعل على ظهرها يف دنياه من أعمال، ينطقها اهللا تعاىل بـذلك ويأمرها به، فال تكتم شيئا عن هذا اإلنسان، مث يصدر الناس ويقفون للحساب بني يدي اهللا، وليـرى

دنيا مثقال ذرة من خري يره هنـاك، كل امرئ ما قدم يف احلياة الدنيا من أعمال، فمن يعمل يف هذه الوهنا يركع املصلي ثانية كما ركع من قبل، وبنفس ذلك احلال حيمد اهللا . ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره

تعاىل على أن يقظه ونبهه وحذره من االحنراف والطغيان، ويعاهد على العمل الطيب، واجتناب كل شر ونشرح املقصود من القعود ونبـين جيلس للتشهد ويقعد القعود األول، ويتمم الركعة الثانية مث . وإيذاء

:معىن ما يقوله املصلي فيه، فنقول

بعد أن وقف هذا املصلي بني يدي ربه يف الركعة األوىل والثانية يستمع إىل داللته تعاىل، ويتعـرف إىل ، وما القعود "القعود األول"يقعد أوامره ونواهيه، وبعد أن ركع خاضعا حامدا، وخر ساجدا مستعينا

يف حقيقته إال قعود النفس، إنه قعودها وهي منغمسة بنور رهبا مستغرقة يف حضرة اهللا لتعرب وتسمع من ، عما جرى هلا يف هذه الصالة من ذوق وعلم ومعرفة، ولتعرف بأن كل ما حصلت اإلمام األعظم

.عليه، إمنا هو فضل من اهللا

                                                             ).٤٤(اآلية : سورة النحل )١(

Page 101: السبع المثاني

100 

 

التحيات

ملباركات الصلوات الطيبات هللا، السالم عليك أيها النيب ورمحة اهللا وبركاته، السالم علينا التحيات ا

وعلى عباد اهللا الصاحلني، أشهد أن ال إله إال اهللا، وأشهد أن سيدنا حممد رسول اهللا، اللـهم صـل

براهيم، على سيدنا حممد وعلى آل سيدنا حممد، كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إ

وبارك على سيدنا حممد وعلى آل سيدنا حممد، كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سـيدنا

.إبراهيم يف العاملني إنك محيد جميد

والتحيات مجع . اليت يعلمه إياها إمامه ) التحيات: (ويتلو املصلي أول ما يتلوه يف القعود بادئا بكلمةعل حيا، تقول حيا اهللا فالنا حتية، أي أعطاه احلياة آنا بعد آن وحلظة إثر مفرده حتية، والتحية مصدر لف

حلظة، فإذا هو دوما قائم هبذا اإلمداد، مفتقر إىل ذلك التجلي اإللهي، الذي ال يعيش اإلنسان وال ميكن .أن يستمر له وجود وبقاء إال به

املتواصل باحلياة، وليس ذلك املعىن الذي أوردنـاه ذلك معىن التحية، إهنا اهلبة الدائمية للحياة، واإلمدادبقاصر على اجلسم، بل إمنا يتناول النفس أيضا، فهذه النفس وهي ذاتنا املعنوية الشاعرة، هلا وجود، كما

.للجسم وجود

وإذا كنا نشبه اجلسم بفانوس، فما النفس إال تلك الشعلة املضيئة إن حصل هلا نور فيه، بإقباهلا وصالهتا،وإذا كان قيام هذا الفانوس واهليكل املادي وأعين اجلسم، متوقفا على إمداد اهللا وجتليه، فكذلك الشعلة املتوهجة، وأعين هبا النفس، ال بد هلا ليدوم توهجها وتوقدها، من إمداد يسري فيها ويستمر مـتخلال

سك تنظر وتفكر، تستطيع أن تتذوقه ذلك معىن دقيق إذا أنت تتبعته وخلوت إىل نف. من ذراهتاكل ذرة وهنالك تعلم أن حياة نفسك وقيامها وبقاءها باهللا، وأنه سبحانه أقرب إليـك مـن . وتدرك طرفا منه

نفسك، إذ به قيام هذه النفس، وبه حياهتا ودوام وجودها، فإن كان املصلي مؤمنا واجتهد حىت نـال ، فهنالك يسمع اخلطاب من رسـول اهللا اهللا التقوى، وهي االستنارة بنور اهللا عن طريق رسول

وهو يعلمه بأن هذه احلياة القلبية، والنعيم السامي العايل، الذي أغـدق عليـه، واألحـوال واألذواق واإلشراقات القلبية هبذه الصالة، إمنا هي من اهللا تعاىل، فأنت بصحبيت القلبية نلت كل هذا عن طريقي،

Page 102: السبع المثاني

101 

 

احلياة هي من حضرة اهللا، فاهللا تعاىل املعطي وأنا القاسم، فهو تعاىل احلـي، لكن كل هذا الفضل وهذه .هذا للمتقني، وبشر املؤمنني. ومنه وحده احلياة الطيبة املتزايدة اليت نلتها

:ويشهد املصلي املتقي بذلك الشهود احملمدي، ويرى تلك الرؤية وهنالك) التحيات املباركات(

جديد، حياة القرب العايل من اهللا واإلقبال عليه، إهنا تشعر بنعـيم القـرب تشعر النفس حبياة من نوع واإلقبال، وجتد أن دوام هذا النعيم العايل وبقاءه ال يكون إلا باهللا، فيسري معىن التحيـات وهـو دوام

ن اإلمداد باحلياة، من اجلسم إىل نعيم النفس الذي تذوقته من قبل يف بدء الصالة، والـذي تتذوقـه اآل .مبعية رسوله تهبالقرب من اهللا تعاىل وأنسها العايل به، وقعودها يف حضر

فيعرف نفسه بأن الصـلوات ) الصلوات الطيبات هللا: (بقوله ويتمم املصلي التالوة اليت يتلوها عليه .وهي مجع صالة، هي اليت تعرف اإلنسان وجتعله يتذوق هذه املعاين ويشعر هبا

يقول لنفسه، التحيات املباركات وهذا ما أشعر به، الصلوات هي الـيت أوصـلتين إىل هـذا إنه أيضا والطيبات من األعمال وصاحلاهتا نتاج اإلميان باهللا اليت طابت هبا . تعرف إليهالشعور، وجعلتين أتذوقه وأ

تين أشعر بتلك ، وجعلنفسي، وهي اليت أنشأت يل الصلة مع اهللا باحلق واالستحقاق بصحبة رسوله .احلياة، فعرفت آفاقا جديدة وتذوقت ما تذوقت

، وهنا يدرك املصلي عظيم فضل رسـول اهللا الذي كان سببا يف حصول احليـاة والتحيـات

.املباركـــــات الطيبـــــات املتزايـــــدة مـــــن حضـــــرة اهللا ليت هبا لذة املعرفة بـاهللا، إذ لواله صلى اهللا عليه وسلم، ولوال نوره، ملا صلى هذا املؤمن هذه الصالة، ا

والذوق العايل بشهود طرف من كماالت أمسائه تعاىل، وملا عرف كيف يقف بـني يـدي اهللا، وملـا .استطاع أن يتعرف إىل داللة اهللا

السالم عليك أيها النيبورمحة اهللا وبركاته

Page 103: السبع المثاني

102 

 

لقد جاهد صلى اهللا عليه وسلم، رغم كل ما القاه من معارضات وإيذاء، وقضى حياة مليئة باملتاعـب هذا اإلنسان، ليأخذ بيده من الظلمات إىل النور، ومن العمى والضـاللة، إىل واملصاعب، حرصا على

.العلم واهلدى واإلميان

يـدرك )١(}لقد جاءكم رسول من أ�فسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنني رؤوف رحيم{

د نفسه قد نالت حقيقة تذوقتها نفسه، كما يدرك حينما جياة العالية اليتاملصلي حينما يصلي، بتلك احليتلك املعاين العالية اليت وعاها قلبه، أن ذلك كله كان بفضل هذا الرسول الكرمي الرحيم، وهنالك يقول

ومـن مل "معربا بلسانه عما شعرت به نفسه من التقدير والعرفان باجلميل، جتاه هذا الرسول العظـيم، ).السالم عليك أيها النيب ورمحة اهللا وبركاته": (يشكر الناس مل يشكر اهللا

، الذي خطابا حلاضر، يشاهده املتكلم التقي املستنري بنور رسول اهللا ) السالم عليك: (وتفيد كلمة .البصرية ومن اإلعراض عن اهللا تعاىلأوصله لنور اهللا ويراه، فسلمت نفسه من عمى

لي قد أضحى يف حضرة اهللا وقد قعد بني يديه تعاىل، يعبر عن أذواقه ومشاعره الـيت فما دام هذا املص .تذوقها يف هذه الصالة، ويف مثل هذه احلال تراه يشاهد نفسه دوما عاكفة مبعية رسول اهللا باهللا

: فيقولبصيغة املخاطب يف تلك احلضرة العلية، ولذلك يوجه اخلطاب إليه إنه يشاهد رسول اهللا ، مبثل هذا احلال ومبثل هذا ومن مل خياطب رسول اهللا ) السالم عليك أيها النيب ورمحة اهللا وبركاته(

ونفصل بعـض . اخلطاب، فال تزال صالته ناقصة وحباجة إىل جد كبري وإميان باهللا، مع صدق واهتمام :التفصيل يف شرح معىن هذه الكلمة فنقول

ظ من كل هم وغم وحزن، إنه حفظ وأمان يف الدنيا، وحفـظ وأمـان يف هو األمان واحلف: السالم، يتفضل به تعاىل على كل من آمن به، واستقام على أمره، وصاحبت نفسه نفس رسول اهللا . اآلخرة

                                                             ).١٢٨(اآلية : سورة التوبة )١(

Page 104: السبع المثاني

103 

 

مبا نالـه له هو أول من استسلم هللا واستقام، لذلك خياطبه املصلي مقرا ومعترفا ومبا أن رسول اهللا ).السالم عليك أيها النيب: (عليه وسلم عند ربه بكلمةصلى اهللا

كما تتضمن أن األمان عليك لنا حنن املصلني معك وملن حولك من املؤمنني املستقيمني على أمر اهللا، أن

فيحفظوا من بـالءات . )١(}..ولا تعد عيناك عنهم..{: تكألنا بأال تعدو عيناك عنا كما أمر تعاىل

.ا وعذاب اآلخرةالدني

، وبالتفاته إىل املصـلني حقـا هذا ومبا أن أعظم جتل نوراين ينصب من اهللا تعاىل على قلبه الشريف يف أمـان، يسري النور العظيم على أولئك الصادقني، فتفر عنهم شياطني اإلنس واجلن فهم مبعيتـه

ننصر رسـلنا والـذين آمنـوا فـي الحيـاة الـد�يا ويـوم يقـوم إ�ا ل{. دوما منتصرون ولن يهزموا وهم مبعيته .)٢(}الأشهاد

إىل ما يتفضل به اهللا تعاىل على عباده املؤمنني من السعادة النفسية واحليـاة ) ورمحة اهللا: (وتشري كلمةتعاىل بواسطة رسوله الرحيم السـراج املـنري الطيبة، والرفعة يف الشأن يف احلياة الدنيا، وما يغمرهم به

. ةلقلوهبم، من نعيم األنس به والقرب من ذاته العلية، والشهود جلماله تعاىل وكماله يف الدنيا ويف اآلخركل ذلك بناء على ما قدمه هؤالء املصلون املشاهدون، من سعي إمياين وأعمال صـاحلة، وخـدمات

.اجتناب للمنكرات وأهلهاإنسانية جليلة وتضحيات كبرية، و

، هو أول من فاز بالرمحة اإللهية بأعظم قدر، وأكرب منال، فكان رمحة للعاملني، وحيث أن رسول اهللا فهـي ) الربكات(أما ) ورمحة اهللا(بكلمة ) السالم عليك أيها النيب: (لذلك يعطف املصلي على كلمة

.ذي ال ينقطع تواردهوالربكة هي اخلري الكثري املتتايل ال. مجع بركة

                                                             ).٢٨(اآلية : سورة الكهف )١(

 ).٥١(اآلية : غافر سورة )٢(

Page 105: السبع المثاني

104 

 

وتتواىل الفيوضات والتجليات الربانية على أنفس املصلني الصادقة مع اهللا تعاىل واملخلصة لرسـول اهللا وتتتاىل اخلريات اإللهية مبقدار ما جاهدت يف سبيل اهللا، ومبقدار ما بذلت من تضحيات يف جمـال ،

كثر هؤالء املؤمنني، زادت تلك اخلريات اإللهية على وكلما. نشر احلق، واألخذ بيد اآلخرين إىل اإلميان .هذا املؤمن وتتالت، واهنالت الربكات من اهللا تعاىل عليه دون انقطاع

ومبا أن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم هو أعظم اخللق نفعا للخلق، وأحرصهم على هدايـة النـاس، ك يضيف املصلي إىل خطابه السـابق ملحقـا وأكثرهم بذال وتضحية يف سبيل إيصاهلم إىل احلق، لذل

معترفا له صلى اهللا عليه وسلم بذلك، من بعد أن تذوق هذا وعاينه، وذلك بعض ما ) وبركاته: (بكلمة ).السالم عليك أيها النيب ورمحة اهللا وبركاته: (نفهمه من كلمة

:لم ويقولويسمع الرسول الكرمي من املصلي هذا السالم، فيخاطبه صلى اهللا عليه وس

أي السـالم ): السالم علينا وعلى عباد اهللا الصاحلني(من اهللا علينا أنا وأنت أيها املؤمن، وعلـى كـل مـن صلحت نفسه من عباد اهللا واستعدت هلذا الفضل اإللهي العظيم، أسوة واقتداء باألنبيـاء واملرسـلني

.يتسع لكل ذي نفس صادقة وقلب منيبالصاحلني املصلحني، فبابه تعاىل واسع، وفضله سبحانه عميم،

إنه . ، ينتقل إىل حال أعلى من أحوال الشهودمن رسول اهللا " هذه البشارة"وهنا وعند مساع املؤمن تعبريا عن إميانه وشهوده ) وأشهد أن سيدنا حممدا عبده ورسوله(ويتمم بقوله أن ال إله إال اهللايشهد

وهي الشاهدة، رافعا عند النفي، خافضا عند اإلثبات، لفتـا ليمىنبإصبعه ا، ويشري ملقام رسول اهللا لنظر النفس، وليتوافق اجلسم يف أعماله وحركاته مع النفس، ومن املقرر أن حركات اجلسم وأوضـاعه تنعكس على النفس وتنطبع فيها، وبذلك يتقرر ذلك احلال يف النفس، ويثبت ذلك املعىن، فإذا خشـع

.ت جوارحهقلب املرء، خشع

وآخر مرحلة من مراحل الصالة وأعلى مواقف العبد فيها، إمنا هو يف تلك الربهة اليت جيلس فيها بعـد ).الصلوات اإلبراهيمية(التشهد، يصلي على النيب صلى اهللا عليه وسلم

ارةـالبش

Page 106: السبع المثاني

105 

 

فما املراد يا ترى من الصالة على النيب صلى اهللا عليـه .ريها؟وسلم يف آخر الصالة هبذه الصيغة دون غ

وملاذا نطلب من اهللا تعاىل ونسأله أن يصلي على سيدنا حممد، كما صلى على سيدنا إبراهيم عليهمـا .الصالة والسالم؟

الغاية من هذا الطلب، واملراد من األمر بالصالة على النيب هبذه الصيغة، تعريف املصـلي أن اجتمـاع فقبلة رسول اهللا . كون يف الكعبة، البيت احلرامالنفس بنفس رسول اهللا عليه الصالة والسالم، جيب أن ي

،ووجهته إىل اهللا، إمنا هي من هذا البيت الذي كان قبلة سيدنا إبراهيم عليـه الصـالة والسـالم .ووجهته منه

وهكذا فأنا حينما أقرأ الصلوات اإلبراهيمية، إمنا أطلب من اهللا تعاىل أن يصلي على سيدنا حممد يف هذا إين أطلب من اهللا تعاىل أن يدمي . به الكعبة، كما صلى تعاىل فيه على سيدنا إبراهيم من قبلالبيت وأعين

صالته على رسوله يف هذا البيت، أي أن يدمي فيه جتليه على تلك النفس الطاهرة الزكية، لتظل نفسـي ، فال تنقطـع عـن على علم مبكان تلك النفس العالية وتتجه إليها، فتستشفع هبا وتعرج مبعيتها إىل اهللا

.صحبتها وال تضل عنها

ولو أن املصلي مل يعرف املوضع الذي تعرج منه نفس الرسول الزكية الطاهرة إىل اهللا، ولو أن رسـول اهللا عليه الصالة والسالم ما علمنا أن نصلي عليه بتلك الصيغة، لضاعت أنفسنا عن االجتماع بنفسـه،

وجهتنا عن اهللا، وملا عرفنا كيف نصلي تلك الصالة يته، بل النقطعت وملا استطعنا أن نقبل على اهللا مبع .العالية

وهذا يوضح لنا قوله تعاىل آمرا املؤمنني مجعيا، أن يقبلوا عليه من هذا البيت من بعد أن أمـر رسـوله :بذلك فقال تعاىل الكرمي

 الصلوات اإلبراهيمية

Page 107: السبع المثاني

106 

 

ــجد { ــطر المسـ ــك شـ ــول وجهـ ــت فـ ــث خرجـ ــن حيـ ــوهكم ومـ ــوا وجـ ــتم فولـ ــا كنـ ــث مـ ــرام وحيـ الحـ .)١(}..شطره

:مبينا شرف الكعبة إذ يقول كما يوضح لنا قوله

.)٢(»أشرف اجملالس ما استقبل به القبلة..«

ومن معـه مـن فما شرفت الكعبة ذلك الشرف إال بتجلي اهللا تعاىل فيها على نفس رسوله الكرمي

بكت: }..للـذي ببكـة ..{. ليقبلوا على اهللا منه: }..إن أول بيت وضـع للنـاس {. س املؤمننينفو

يهتدي منه إىل : })٩٦(وهدى للعـالمني ..{. فيه اخلريات املتتالية: }..مباركا..{. منها اخلريات

. عرفها من دخله وأبصر بنـور اهللا، حصـلت لـه التقـوى ي: }..فيه آيـات بيــنات {. اهللا ويصلي

.)٣(}..ومن دخله كان آمنا..{. الطريق الذي سلكه سيدنا إبراهيم: }..مقام إبراهيم..{

:وملخص القول

إن اهللا واسع حميط بكل شيء، والنفس إذا اجتهت إىل هذا االمتداد الواسع فإهنا ال تستطيع التركيز، بل ن نوره يتبدد بال شك، ولكن إذا ما حصرت نـوره كالسراج الذي إن وضعته يف فالة فإلضياع، فهي ا

دد، فـإن حمضمن زجاجة، فإن هذا النور يصبح أقوى، وكذلك فإذا مل تحصر النفس يف مكان معين ورسـول اهللا واهلواجس، إضافة إىل وجود روحانية نفستركيزها يتبدد ويدخل إليها الكثري من اخلواطر

فاالجتاه إىل الكعبة ليس هو القصد النهائي، ولكن القصد من سكن الديار، . املنرية واليت تنقله إىل اهللا

                                                             ).١٥٠(اآلية : سورة البقرة )١(

 .أخرجه الطرباين يف الكبري واحلاكم يف املستدرك عن ابن عباس )٢(

 ).٩٧-٩٦(اآلية : سورة آل عمران )٣(

Page 108: السبع المثاني

107 

 

، وهو حيث أن نفوس األنبياء واملرسلني، كلها تعرج إىل اهللا من البيت العتيق، مبعية الرسول الكرمي .إماما الذي عرج هبم إىل اهللا ليلة إسرائه عندما تقدم هبم

:جعل تعاىل نظاما لإلقبال عليه: إذن

:اهللا تعاىل جعل لك قانونا}..إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة{

تفكر باملريب بال إله إال اهللا، حيصل لك ميل وحنان وإميان وذوق، لكن ال حيصل لك شهود للخري خريا ل لك قانونا حىت تشاهد اخلري خريا فترغب فيه، والشر شرا فتجتنبه، فال لكن اهللا تعاىل جع. والشر شرا

.االجتاه من البيت للدخول على اهللا: تعود تقع يف إمث، هذا القانون

كـثري اخلـريات : }..مباركـا ..{. البد من الدخول على اهللا من البيـت . ما هو قانون اإلقبال؟

كل من دخل منـه : }وهـدى للعـالمني ..{. فتعود عليك اخلريات املتزايدة، ترى فيه اخلري من الشر،

فيـه آيـات {. علـى اهللا اهتدى إىل اهللا، إذا آمن باملريب اهتدى ودخل منـه برفقـة رسـول اهللا إن دخلت من البيت رأيت األمساء اإللهية، ورأيـت : دالة على حنان اهللا وعطفه ورمحته: }..بيــنات

الفعال، عندها تذهب لعرفـات ... شرك، إذ صار لك شهود بأمساء اهللا الرحيم القدير العادلخريك من

مقـام ..{. باحلج فتحصل لك املعرفة، لكن الطريق أن تقوم مبا قـام بـه إبـراهيم عليـه السـالم رفت ال الطريق الذي سار فيه سيدنا إبراهيم عليه السالم، وفكرت باملريب ع إن سلكت: }..إبـراهيم

علـى دخل بالصالة بصحبة رسول اهللا : }..ومـن دخلـه ..{. كيف آمن آمن مثله. إله إال اهللا

وال ميكـن . حيث يرى اخلري من الشر، فال يقع يف إمث وال يصيبه مكـروه : }..كـان آمنـا ..{. اهللا

أت وال أذن مسعت وال خطر لشيطان أن يتالعب به، وباآلخرة لن حيزن على الدنيا، إذ يرى ماال عني ر

Page 109: السبع المثاني

108 

 

وللـه علـى النـاس حـج ..{. )١(}..فلـا تعلـم �فـس مـا أخفـي لهـم مـن قـرة أعـين { على قلب بشر،طلب منكم أن تدخل نفوسكم هذا البيت، وحتصل لكم احلجة على أنفسـكم وعلـى : }..البيـت

الغين يذهب لكن الفقـري إن فكـر : )٢(}..سـتطاع إليـه سـبيال من ا..{. الشيطان، من هذا البيت

فالصالة علـى النـاس . فقد حاز إميانا ومعرفة أكرب من ذلك الذي ذهب للحج: فاكتسب إميانا وأقبل

وإذ جعلنـا البيـت {من هذا البيت مجيعهم، أن تكون صالهتم بقلوهبم يف الكعبة، برفقة رسول اهللا أي طريقا وملجأ ومرجعا للناس لإلقبال على اهللا، حىت يصري هذا اإلنسـان )٣(}..ثابـة للنـاس وأمنـا م

فمن يريد أن يكون إنسانا ليدخل اجلنة، فهذا هو الطريق، : كامال وأهال لإلحسان، كل شيء له أصول .من دخل منه حصل له األمان

أي نفس خبيثة ولوجه والعروج منه إىل اهللا، ومـن دخـل البيـت والبيت احلرام الذي هو حمرم علىباالطمئنان األبدي ومن حصل له ذلك تنعتق نفسه من الدنيا، ، شعر وارتبطت نفسه بنفس الرسول

لكن ال بد من اإلميان من البـدء . وتكره ما يستعظمه الناس وما يشغلهم، وهذه هي الصالة الصحيحةباالستقامة تثق نفسك، بالثقة تقبـل . توصل إىل كلمة ال إله إال اهللا عندها يستقيمبالتفكري بالتربية، في

ومـن ..{. وتقبل مبعيته علـى اهللا على اهللا، هبذا تصبح من أهل الكمال، عندها حتب رسول اهللا . أعرض عن اهللا فنكر، ما فعل اخلري واإلحسان، ما فكر بالتربية وال سلك هـذا الطريـق : }..كفـر

فما هـو . أنت ال تضره بشيء لكنه يريد سعادتك، وسرورك. عنه: }فإن اهلل غني عن العالمني..{

                                                             ).١٧(اآلية : سورة السجدة )١(

 ).٩٧(اآلية : سورة آل عمران )٢(

 ).١٢٥(اآلية : سورة البقرة )٣(

Page 110: السبع المثاني

109 

 

تعاىل حباجة لإلنسان، بل خلقك لسعادتك، فمن الالزم أن تعرف ربك، وترى حنانه ورمحته لتتوجـه .نفسك إليه لتنال

ه هبذ أما وقد وضحنا لك املراد من الصالة على النيب الصيغة، فلنبني احلال الذي مير به املصلي أثناء الصلوات

:اإلبراهيمية فنقول

لقد أصبح املصلي اآلن يف هذه املرحلة األخرية مرحلة التشهد، يف الذروة، ذروة القرب من اهللا بالنسبة ، ويعبد اهللا إنه اآلن يف حال اإلحسان، يشهد أن ال إله إال اهللا مبعية رسول اهللا. جلميع مراحل الصالة

.وهو يراه الرؤية القلبية، اليت يشهد هبا طرفا من أمساء اهللا احلسىن هبذا السراج املنري

مث يبدأ عروج املصلي وهو يف هذا احلال من اإلقبال خالل الصلوات اإلبراهيمية، إنه عروج الـنفس يف ا درجـة منـذ بـدء الصـلوات منازل القرب من اهللا، من حال إىل حال أعلى، فكلما قال كلمة، مس

مست نفسـه نـاظرة إىل أمسـاء اهللا ) اللهم: (فإذا قال كلمة. اإلبراهيمية حىت آخر كلمة من كلماهتا .احلسىن، إله العاملني ومدير شؤون الكون كله، وانغمست يف جلة من ذلك النور اإللهي

إللهي املنغمسة نفسه فيه، يشاهد مزيدا وهناك وهبذا النور ا) صل على سيدنا حممد: (وهنا يقول املصليوعلـى : (على اهللا فيقول ، ومزيدا من مقام مرشده الداخل مبعية رسول اهللا من مقام رسول اهللا

كما صـليت : (يقول ذلك وهو يف بيت اهللا، ويعبر عن هذا احلضور يف البيت بكلمة) آل سيدنا حممد

أي أدم اللهم جتليك على سيدنا حممد، وعلى آل سيدنا ): هيمعلى سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبرا .حممد يف هذا البيت، كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم من قبل فيه

، فـزاد وهنا يصبح املصلي يف حال أمسى من حاله األول، لقد رأى مزيدا من مقـام رسـول اهللا نفسه الشريفة، وهنالك يعرج إىل حال أعلى من أحوال القـرب إىل استمساكا به واستشفاعا وارتباطا ب

أي زد يا رب مـن املـؤمنني ): وبارك: (اهللا مبعية الرسول الكرمي، فيقول ونفسه ملتفتة إىل اهللا كلمةوهنا تنغمس النفس من جديد بذلك النور اإللهي انغماسا أعلـى . املصلني من هذا املكان مكان البيت

فيمر مبثل ذلك احلال الذي مر به من قبل ولكن بدرجـة ) على سيدنا حممد: (مم بقولهمن سابقه ويت

قرب منذروة ال اهللا تعاىل

Page 111: السبع المثاني

110 

 

وهو يف هذا احلال حبا وارتباطـا مبرشـده، مث ) وعلى آل سيدنا حممد: (أمسى وأرفع، ويضيف بقولهيف ليعرف نفسه دوما أنه ما يزال): كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم: (يقول

وبارك على سيدنا : بيت اهللا، وأن االجتماع برسول اهللا إمنا هو يف هذا البيت، ويتطلب من اهللا بكلمة

، واملقبلون مبعيته على اهللا من هذا البيت، كما ازداد أن يزداد املؤمنون املستشفعون برسول اهللا حممد .لاملقبلون منه على اهللا مبعية سيدنا إبراهيم عليه السالم من قب

وهنا وهبذا احلال النفسي الذي أضحى فيه املصلي يف هذه الصالة، يعلم أنه ما أمره تعـاىل هبـذا، إال ومجيل صفاته، إىل جانب ما تفضل بـه لتسمو نفسه إىل ما مست إليه، وتشهد طرفا من كماالته تعاىل

ذ يعبر بلسانه عما وجـده يف تعاىل عليه من داللة وأوامر تكون نرباسا لسعادته يف دنياه وآخرته، وعندئأي أن بابه تعاىل مفتوح للعاملني، لكل ): يف العاملني: (نفسه من معاين احلمد والتعظيم والتقدير هللا فيقول

يقول ذلك وهو يرى أن فعله ورمحته تعاىل جتاه العـاملني ) إنك محيد جميد. (صادق فكر وعقل فاستنارا، كل فعله تعاىل جتاهها حيمد عليه، ألنه كله فضل ورمحة وإحسـان وما يف الكون من عوامل ال هناية هل

.متسامين متعالين بال حد وال انتهاء، وكل شهود أعلى من سابقه، وأجل وأمجل

ويعبر بكلمة جميد، عن أمسى ما ميكن أن تعبر به نفس عن مشاعرها جتاه خالقها، من ذوق لذلك الفضل تلك الرمحة العالية الالمتناهية، وشهود لكمال اهللا الذي مهمـا أدركـت منـه اإللهي العايل، وتقدير ل

النفس، فما هي مبدركة إال مثقال ذرة، من حبر واسع خضم ال حد له وال انتهاء جلالل وسعة إدراكـه .وعظمته

كل امـرئ يف ول. ، واجمليد أي العايل، الذي ال حد له وال انتهاء لعاله)جميد: (إنه يعبر عن ذلك بكلمةهذه الكلمة مشاعر وأذواق، ولكل شهود وتقدير وتعظيم، ولكل مراتب ودرجات، كل حبسب إميانه،

ربنا أتنـا يف الـدنيا : (وكل حبسب قربه وشهوده، مث يدعو املصلي ببعض األدعية املأثورة كقوله

). اين صغرياارمحها كما ربي ولوالدي، ربحسنة ويف اآلخرة حسنة وقنا عذاب النار، رب اغفر يلال اللهم إين ظلمت نفسي ظلما كثريا وإنه : (أن يدعو به يف آخر صالته أو الدعاء الذي أوصى به

).يغفر الذنوب إال أنت فاغفر يل مغفرة من عندك وارمحين إنك أنت الغفور الرحيم

Page 112: السبع المثاني

111 

 

على اهللا من البيت احلرام أن خيـرج أما وقد انتهت الصالة، ويريد املصلي التقي الذي توصل باإلقبال السـالم علـيكم : (منها، فمن الواجب أن يسلم ذات اليمني ملتفتا بعنقه ناظرا إىل رأس الكتف قائال

ومن مث يعتدل الرأس كما كان، ويعقب املصلي ذلك السالم ملتفتا إىل يسراه كما فعـل يف ) ورمحة اهللا .وما املراد واملقصود من ذلك؟. ي يا ترى؟فعلى من يسلم املصل. التسليمة األوىل

إنه يسلم على كافة أنبياء اهللا ورسله الذين أشرقت نفوسهم باإلسراء مبعية النيب األمي من البيت احلـرام فهم عليهم السالم أي األمان ومن ارتبط هبم فهو دوما يف أمان، ألهنا تكون صالة املؤمن بكماهلا حني

ومـن حيـث خرجـت فـول وجهـك {: الكعبة املسجد احلرام تطبيقا لقوله تعـاىل ب يؤم إىل رسول اهللا ومـن حيـث خرجـت فـول )١٤٩(شطر المسجد الحرام وإ�ه للحق مـن ربـك ومـا اللـه بغافـل عمـا تعملـون

.)١(}...حرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطرهوجهك شطر المسجد ال

من وهناك جتتمع نفوس كافة األنبياء واملرسلني، وكافة من تابعهم بإحسان تؤم بواسطة النيب األمي الكعبة إىل اهللا، فحني ينتهي من الصالة فإنه يسلم على كافة هذه األنفس عموما اليت سلمت وصـاروا

ن أهل اجلنة وجنوا من النريان، ألن من صلى حقيقة باملسجد احلرام، حرم على جسمه النار، وعلـى م .نفسه الشقاء واخلسران

:ونوجز القول عن التحيات يف حبث الصالة

                                                             ).١٥٠-١٤٩(ة اآلي: سورة البقرة )١(

Page 113: السبع المثاني

112 

 

إيضاح حوار التحيات

))التحيات املباركات الصلوات الطيبات هللا((

النفسية، قد انغمست نفسه يف حبـور ة رسول اهللا إن هذا املؤمن املصلي حقيقة، كما أمر اهللا برفقاحملبة اإللهية الشريفة، وارتشفت من العلوم القدسية ما شاء اهللا أن ينال، وحبسب صدقه وإحسانه، فذاق

، وعلم أن هذا العطاء من كرم اهللا وفضله نعيما دونه كل نعيم مادي، فذاب حبا وهياما برسول اهللا هذه هـي (والشفيع له بالصالة، )١(ناله أبدا لوال هذا السراج املنري والوسيلة العظمىاملدهش، ما كان لي

، عندها تتجه )الشفاعة احلقة، وألمثال هذا املصلي تدوم الشفاعة يوم القيامة ابتداء من الدنيا ألبد اآلبادسان، وقـد جبلـت نفس هذا املؤمن السائر والطالب للتقوى، شكرا حلبيب اهللا، واإلنسان عبد اإلح

بإعالم هذا املؤمن املصـلي، أن هـذه القلوب على حب من أحسن إليها، هنا يأيت دور رسول اهللا احلياة الكربى اليت نالتها نفسه بالصالة، وما تشتمل على حتيات رائعة بديعة كثرية، ناهلا ويناهلا املصـلي

ملباركة الطيبة، واليت تطيب النفس فيهـا مـن الصادق املستشفع به، هذه التحيات املتزايدة بالسمو، اأدراهنا، فتغدو كلها كماالت إنسانية، والصلوات الكثرية اليت حظي هبا هذا املصلي الصادق، وأكثـر

، يعلمه بـذلك وأكرب منها ناهلا وسيناهلا بصلواته، واهللا تعاىل أكرب وأكرب، وكلها من اهللا ليست منه فالتحيـات القاسـم، ، واهللا املعطي، وهـو )هي من حضرة اهللا بل أي ليست من رسول اهللا (

شرك، فهو فيحول هذا املصلي إىل األصل، إىل اهللا، ويدفع عنه كل . املباركات والصلوات الطيبات هللا، وبذا تدخل نفس املصلي على اهللا، خالق ومبدع كل خـري رسول اهللا تعاىل، وليس رسول نفسه

.وعطاء

                                                            أقرب ورسول اهللا ). ٥٧(اآلية : سورة اإلسراء }..أولـئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب{ )١(

 .البشر إىل اهللا تعاىل

Page 114: السبع المثاني

113 

 

ال يشـكر اهللا مـن ال «ملصلي باحلق، ولكن ال ينسى الفضل، فضل هذا الرسول الرحيم، عندها يقر ا

، والسالم )السالم عليك أيها النيب ورمحة اهللا وبركاته: (، فيجيبه املصلي املؤمن املتقي)١(»يشكر الناساألمـان : لسـالم اسم من أمساء اهللا احلسىن، واخلريات كلها قطعا ال تأيت إلا من السالم جل شأنه، وا

لديك، وهبا يتجلى تعاىل لنا عليك، وكذا الرمحة والربكات ال تتم لنا إال بك أيها النيب، وعن طريقك، احلق جـل رى السراج املنري بنور اهللا، فيك ي فأنت الطريق إىل اهللا، وأنت ينبوع اخلريات من اهللا، وأنت

كوثر، أي الثراء الكوين كله لكافـة املخلوقـات، وعال، وبك تتم العطاءات، وقد أعطاك اهللا تعاىل البوجهتك الكلية إىل اهللا قلبا وفكرا، ومبا نلته من عطف عظيم علينا وعلى عباد اهللا مجيعا، ومن صاحبك مستشفعا بك، فهو يف أمان بكنف الرحيم الرمحن، إذ السالم تتضمن األمان كما أشرنا، األمان مـن

يـا أيهـا {: وهذا قول اهللا عز وجل. ب اآلخرة، فال خوف وال حزن بعدها للمصليبالءات الدنيا وعذا .)٢(}..ون بهالذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم �ورا تمش

، وهم السادة األنبياء واملرسلون ومن )نا وعلى عباد اهللا الصاحلنيالسالم علي: (فيجيبه رمحة العاملني

. )٣(}..أولــئك الـذين هـدى اللـه فبهـداهم اقتـده {: ، وهم قدوتنا بـأمر اهللا أمجعني استشفعوا به

أن ال إله أشهد: (الذي يشهد لك بقوله عندها نشهد الشهادتني، فإن كان شهودك يقينيا قويا، فهو

، أما إن كنت بعـد )وأشهد أنك رسول اهللا: (، ومبشاهدتك مشاهداته العظمى تجبه بقولك)إال اهللا، فقـد )أشهد أن ال إله إال اهللا وأشهد أن سيدنا حممدا رسـول اهللا : (مبرتبة أقل فإنك تقول لنفسك

.عاء اإلبراهيميمث يتلو ذلك بالد. أرسل يل تعاىل خريات الصالة وبركاهتا بواسطته

                                                             .رواه أبو داوود والترمذي )١(

 ).٢٨(اآلية : سورة احلديد )٢(

 ).٩٠(ية اآل: سورة األنعام )٣(

Page 115: السبع المثاني

114 

 

تلك هي صورة خمتصرة عن الصالة، وضعناها لك من البداية حىت النهاية، وذلك إذا كانـت الصـالة ثنائية مؤلفة من ركعتني، وهنالك تفصيالت لبعض نقاط ال تظنن أننا نستطيع أن نشرحها لك مجيعها،

، إللهية مبيعة رسوله الكرمي فتلك األحوال واملشاهدات بل قل السياحة النفسية يف كماالت احلضرة اوال يدري إنسان قدر عظـيم تلـك الرحلـة . أعلى وأرقى من أن يعرب عنها ناطق بفم أو كاتب بقلم

فأعنا على نفسك بسلوك طريق اإلميان، وأقم الصالة حسـب القلبية، واملنة الكربى مبعية رسول اهللا وهنالك ترى أننا ما وصفنا لك إال غيضا من فـيض، ما جيب أن يقيمها مؤمن يرجو اهللا واليوم اآلخر،

اخلطـوط العريضـة والنقـاط الضـرورية وقطرة من غيث، ومـع ذلـك نـذكر لـك بعـض :فنقول

يسأل بعض الناس عن سبب عدم قراءة املصلي بعـد الفاحتة شيئا من القرآن يف الركعة الثالثة والرابعة مـن

.وليتني منهالفرض، واكتفائه مبا قرأ يف الركعتني األ

يسأل آخرون عن سبب اختالف عدد الركعات يف الصلوات اخلمس، وعدم توافق هـذه الصـلوات وهنالك أناس ال يعرفون الفـرق . املفروضة يف اليوم والليلة يف عدد الركعات، وما يتبع ذلك يف السنن

.بني السنة والفرض، وما املراد بالسنة القبلية أو البعدية اليت ترافق الفرض

اليت ختص كال منها، وأسئلة عـن مواقيـت ) صالة العيد واجلمعة واخلطبة(وهناك أسئلة أخرى عن الصالة، وأسئلة مث أسئلة، نكتفي اآلن باجلواب على بعضها، وندع لك البـاقي تشـاركنا يف اجلـد

الحكمـة فقـد ومـن يـؤت ..{: والبحث، ومن يؤمن باهللا يهد قلبه، فإنه سبحانه يؤيت احلكمة من يشاء .)١(}أوتي خيرا كثريا وما يذكر إال أولوا األلباب

السبب يف اقتصار املصلي على القـراءة بعـد الفاحتـة يف : ونبدأ باإلجابة عن السؤال األول، فنقول*يثبت يف قرارهتا ما مسعته من الركعتني األوليتني من الفرض، إعطاء النفس الفرصة حىت تتمثل ما قرأته، و

                                                             ).٢٦٩(اآلية : سورة البقرة )١(

مفارقاتوتساؤل

Page 116: السبع المثاني

115 

 

فلكل شيء يف هذه احلياة طاقة وحد معني، ويكفي النفس بني صالة وصالة ما ألقي . داللة اهللا وأوامرهعليها يف الركعتني األوليتني من القرآن من الداللة واملوعظة، فتعمل على تطبيقه بعد أن تفقـه معـاين

انطوى عليها من حكمة ومعان قيمة يف الركعتني التـاليتني، اآليات وتسعى يف تأديتها، وتتعرف إىل ما .تفكريا وشهودا واستعظاما

أما سبب االختالف يف عدد الركعات فإمنا يتوافـق *العدد ويتناسب مع أحـوال الـنفس مـن حيـث

صرافها استعدادها وأهليتها لتلقي األوامر، ويكون ذلك االستعداد النفسي متناسبا مع حال النفس يف انفـإذا . اجلسم والزمن، وقد رأينا من قبل ما بني النفس واجلسم من عالقة وثيقةإىل األعمال، ومع حال

ما استيقظ اإلنسان يف الصباح كانت النفس هادئة صافية البال، غري مشغولة الفكر مبا يف احليـاة مـن يكتفي املصلي بأن يصلي راحة اجلسم ونشاطه على الوعي السريع، لذلك مشاغل ومشاكل، وتساعدها

وهـي ركعتني خفيفتني سنة، سرعان ما تستعد النفس خالهلما للوقوف بني يدي اهللا يف صالة الفرض، .سبب ما بيناهبركعتان فقط

أما يف صالة الظهر، فال بد أن تكون مدة الوقوف بني يدي اهللا أطول أمدا وأوسع، فالوقت بني الصبح يف هذا الوقت منهمكة يف أعمال احلياة، منصرفة إىل حل الكثري من املشـاكل، والظهر طويل، والنفس

س فال بد من تصـفية الـنفس مـن مع الناوالساحة النفسية متخمة باملشاكل واالشتباكات والعالئق كالهتا لينطبع احلق ومعاين كالم اهللا يف ساحتها وال بد لصالة الفرض يف هذا الوقت من مهلة، تتمثل مش

، ولذلك كانت صالة الظهر والعصر رباعية غـري والثانيةالنفس خالهلا وتعي ما قرأته يف الركعة األوىل .ثنائية

ومبا أن انصراف اإلنسان وقت الظهرية لألعمال أشد وأعظم من وقت العصر لقصر الوقـت بينـهما، ر أربع ركعات سنة، لذلك كانت سنة الظهر القبلية، وكان من الضروري أن يلحق املصلي بفرض الظه

توثيقا حلضور النفس بني يدي اهللا يف تلك الصالة، وتثبيتا لتلك املعاين اليت مرت يف الفرض وانصـرافها .عن الدنيا ومشاغلها

 االختالف باألعداد

Page 117: السبع المثاني

116 

 

ما عليه من مشاغل هامة يف احلياة، وودع النهار وأعماله، فصالة أما وقد انصرم اليوم، وقضى اإلنسان نة قبلية، وال تتطلب تثبيت املعاين بعد الركعة األوىل والثانية أكثر مـن ركعـة املغرب ال حتتاج إىل س

.واحدة، لذا كانت الصالة ثالثية وال حتتاج ألكثر من ركعتني سنة بعدية

ويعود اإلنسان بعد الغروب من عمله خارج املنزل إىل األسرة، وال بد له يف منزله من مشاغل لكنـها ار، ولذا كانت صالة العشاء رباعية، ال حتتاج إىل أكثر من ركعتني سنة بعدية، ليست كمشاغله يف النه

.كما كانت سنتها القبلية الرباعية مستحبة غري مؤكدة

ويريد اإلنسان اآلن أن يودع اليوم ويستريح من مشاغل احلياة باإليواء إىل فراشه، فيضيف إىل صـالة ء القنوت، حيث الوجهة واملناجاة واالنصراف بالكليـة إىل العشاء صالة الوتر يقنت فيها ويدعو بدعا

مث ينام املرء على وجهة وإقبال والتفات تام إىل اهللا والرسول، وما دام قد نام وهو علـى هـذا . اخلالقاحلال من الوجهة، فعني النفس ال تنام ووجهتها ال تنقطع عن اهللا، وإن انقطعت عني اجلسم عن الـدنيا

كون، واملؤمن يدعو بصرف ما أمهه وأغمه، وما أهم املسلمني وأغمهم، يدعو باهلدى ونامت عن هذا ال .لكافة اخللق، أنسهم وجنهم، مؤمنهم وكافرهم

وهكذا فلكل صالة سننها وركعها املناسبة، وذلك بعض ما نفهمه مـن احلكمـة يف هـذا التبـاين لتتخذ بوجهتـها إىل رهبـا . مبشاغلها واالختالف، بسبب تأثري الزمن على النفس وصفائها أو انشغاهلا

.سبيال، والصالة جامعة لكافة خريات القلب، مث خريات الدنيا واآلخرة

أما وقد أتينا على طرف من احلكمـة يف اخـتالف *الصلوات يف عدد ركعات الفرض والسنن، فال بد لنا

السنة هي الطريق والنظام، يتبعـه : لمن كلمة نبين فيها املراد من السنة سواء كانت قبلية أم بعدية فنقوومبا أن اإلنسان املؤمن يريد يف صالته أن حتصل له الصلة خبالقه، . يف بلوغ هدف معنياإلنسان ويطبقه

، ليستمع إىل دالالت ربه وإرشاداته، لذلك ال بد للـنفس مـن ومبا أنه يريد أن يقف مبعية الرسول ىت حتصل هلا هذه الصلة، ويتحقق لديها ذلك االستعداد، وحيث أن األهلية التامة، واالستعداد املعنوي ح

انصراف النفس وانشغاهلا بأعماهلا الدنيوية، يضعف بعض الشيء من وجهتها والتفاهتا حنو اخلالق، لذلك

 .لم سنن الصالة؟

Page 118: السبع المثاني

117 

 

كان من الضروري للمصلي حىت حتصل له الوجهة التامة يف صالة الفريضة أن مير بفترة انتقالية، تستجم هلا شيئا فشيئا، وركعة بعد ركعة، حىت تصفو من كدورات الدنيا ومشاغلها، وتصـبح يف النفس خال

.حال تستطيع معه أن تفقه آيات اهللا، وتدخل الدخول الصحيح يف حضرته تعاىل

وهكذا فالسنة القبلية فترة انتقالية، وصف حتضريي، واملعول كل املعول على الفرض، ومـن مل يصـل القبلية، ظلت صالته ناقصة الكثري من الوجهة، فاقدة الكثري من الفائدة، وتستطيع يف كثري مـن السنة

األحوال أن تعد صالة الفرض بدون أداء السنة القبلية سنة ال فرضا، وحتضريا ال درسـا، ومتهيـدا ال .موضوعا

نوجز ونسلسل الترتيب يف البحـث أما السنة البعدية ومن الواضح ما كنا ذكرناه عنها من قبل، لكننا :فنقول

ملا يقع من الصدع يف صالة الفرض، وإمتام ملا يعتريها من النقص، وهي مـن )١(يف السنة البعدية رأبجهة أخرى إطالة لزمن الوقوف بني يدي اهللا واألنس به، ومعونة على متكني النفس من الوعي والتوسع

من خالقـه قربـا، ازداد يف إدراك ة، وكلما ازداد أحدنا يف صالته يف معاين اآليات وما فيها من الدالل. إميان ومعرفة وعلم، كل حبسب إميانه وصلته ووجهته وحمبته تشريع وفهم املراد اإللهي، ولكلأسرار ال

.ولكل مؤمن لذة سامية يف صالته وذوق وشهود

جعلها نائبة عن صالة الظهـر (املراد من وننتقل اآلن إىل الكالم عن صالة اجلمعة وسبب فريضتها، و

:فنقول) يوم اجلمعة

صالة اجلمعة صالة مفروضة، ومن املفروض فيها أن تكون مع اجلماعة، وأن يكون اإلمام هو اخلليفة أو نائبه، والغاية من ذلك حتقيق االجتماع باإلمام، ولو مرة واحدة باألسبوع يستمع املؤمن خالل ذلك إىل

ي إىل بيانه الذي يدعوه فيه إىل ربه وتطبيق أوامره، وحيثه على تقواه تعاىل وطاعته، ويف إرشاده، ويصغ

                                                             .أي أصلحه واملقصود هنا تدارك ما قد يفوت على املصلي من صالة الفرض: رأب الصدع )١(

 صالة اجلمعة

Page 119: السبع المثاني

118 

 

ذلك اجمللس ما فيه من علم وداللة ومعرفة، فإذا مسع املؤمن ذلك ووعاه، قام إىل الصالة مبعية إمامـه، وهنالك الـوعي ودخل على اهللا تعاىل برفقته وصحبته، وهنالك وهبذه الصحبة يكون القرب واإلقبال

لذلك اإلمام واملؤمت يؤمنان . الصحيح وشهود احلقائق، وكالمها برسول اهللا، باهللا متصالن، به مستنريان .، بقول آمنيكالمها بعد قراءة الفاحتة لإلمام احلق األعظم

وهكذا ففي اخلطبة، داللة وإرشاد وبيان، ويف الصالة، رفعة وصحبة وشهود حلقائق ما تسـمعه مـن إرشاد وبيان، وإذا شبهت اخلطبة بالنسبة لقلب املصلي بتهيئة وإمداد بالزيت لسراج القلب، وإعـداد لإلضاءة واالشتعال، ففي الصالة اإليقاد واالستضاءة وإقبال املصلي على اهللا تعاىل بصحبة رسـول اهللا

وإنارة القلب بنور اهللا، قال تعاىل ،:

ن إذا �ودي للصلاة من يوم الجمعة فاسـعوا إلـى ذكـر اللـه وذروا البيـع ذلكـم خيـر لكـم إ يا أيها الذين آمنوا{كـثريا لعلكـم فإذا قضيت الصلاة فا�تشروا في الأرض وابتغـوا مـن فضـل اللـه واذكـروا اللـه )٩(كنتم تعلمون

.)١(}تفلحون

وإذا كانت الصلوات اخلمس مبثابة حمطات صغرى، يتمون القلب فيها مبا يلزمه للسري يف طريق اإلميـان ما بني صالة وصالة، فصالة اجلمعة حمطة كربى، يتمون خالهلا مبا يلزمه خالل أسبوع كامل، من مجع

تنري بنور اهللا، وإذكاء لشعلة احملبة وحط ملا تراكم على هذا القلب من قلب مع إمام صادق، أو تقي مسمشاكل وبعد وأدران، فإذا النفس صافية، وإذا القلب مستضيء، وإذا اإلميان ساطع متأللئ، وإذا الصلة

.وثيقة متينة باهللا

وتسألين عن السبب يف جعل صالة العيدين متقدمة : ة اجلمعة، فأقولعن اخلطبة عكس ما نفعله يف صال

يف خطبة اجلمعة متهيد وهتيئة وإعداد للوقوف بني يدي اهللا، أما يف صالة العيدين، فالصـالة حاصـلة

                                                             ).١٠- ٩(اآلية : سورة اجلمعة )١(

 صالة العيدين

Page 120: السبع المثاني

119 

 

بسبب الصيام أو احلج، والوجهة إىل اهللا متمكنة، واإلقبال عليه تعاىل متوفر، والنفس قائمة بـني يديـه .ة خلطبة سابقة وإعدادتعاىل، والقلب ناظر إىل سبحات اجلالل واجلمال، فال ضرور

لقد صام املصلي رمضان، وأتبع صيام كل يوم بعشرين ركعة تراويح يصليها يف املساء، وأقبل وما فتئ يقبل، حىت استحكمت الصلة، وانكشف عن القلب احلجب، وشاهد املصلي يف أواخر رمضان يف ليلة

د انقلب األعمى بصريا، واجلاهـل لق .ته، وعرف الكثري من رمحة اهللالقدر، طرفا من جالل اهللا وعظمعاملا، واملاشي يف الظلم مستضيئا مستنريا، وحيي القلب باهللا، وزال العناء والقلق عن النفس، فأضحت مطمئنة باإلميان، آوية إىل كنف اهللا، متنعمة بالقرب من اهللا، فما عليها اآلن إال أن تذهب إىل املسـجد

ما هداها، وتشكره على ما أعطاها بتراويح رمضان، وتقـف بـني يديـه صباح العيد، تكبر اهللا على فتستهل هنارها بالصالة هللا، مث تتلو الصالة اخلطبة يذكر فيها اإلمام ويتحدث للمصلي عـن فضـل اهللا

.ومجيل عنايته، وبالغ رعايته هبذا اإلنسان

به من خالص الشكر واالمتنان مبـا فما اخلطبة واحلالة هذه إال تعبري عما جيده املؤمن يف نفسه، ويشعريف صالة العيدين ناله بليايل رمضان، وما اخلطبة إال اعتراف وإقرار بفضل اهللا، ولذا كان رسول اهللا

يكبر عدة تكبريات، يستهل هبن اخلطبة، كما كان يكرب يف الصالة ذاهتا، وما هذه التكبريات إال اعتراف على اإلنسان، وقد جاءت اآليات يف القرآن الكرمي مبينة مشروعية صالة وإعالن وإقرار بفضل اهللا تعاىل

عيد الفطر وفق ما بيناه، فذكر تعاىل من بعد أن أورد األمر بصيام رمضان، أنه ما أمر اإلنسـان هبـذا :الصوم إال ليصل إىل تلك النتيجة العالية من الشهود واإلميان

مث أعقب تعاىل ذلك ببيـان سـبب }.. يريد بكم العسر ولتكملوا العدةيريد الله بكم اليسر وال..{

ولتكبـروا اللـه علـى مـا هـداكم ولعلكـم ..{: مشروعية صـالة العيـد والتكـبريات فقـال تعـاىل .)١(}تشكرون

                                                             ).١٨٥(اآلية : سورة البقرة )١(

Page 121: السبع المثاني

120 

 

ب، فصالة عيد األضحى وحبسب ما تبين من وإذا كانت صالة عيد الفطر قد شرعت ملا بيناه من أسباآيات اهللا تعاىل إمنا شرعت أيضا ملثيل هذا السبب، وهي يف احلقيقة تعبري النفس عـن أذواق وشـهود وإميان، ذاقته وشهدته وآمنت به، بسبب ما أدته من مناسك احلج وما طبقته من أعمال، فكان من نتائج

فدعاها الواجب إىل الوقوف بـني ،اهللا مبعية رسول اهللا ذلك أن حصلت هلا التقوى، ودخلت على يدي اهللا لصالة العيد واجللوس للخطبة بعد الصالة، تذكر وتتذكر وتعرب عن مشاعرها، جتاه خالقهـا

من اإلميـان بالغيـب إىل : ومربيها، وما عاينته من فضله عليها، إذ نقلها هبذا احلج من حال إىل حالحياة القلق إىل االطمئنان بأكناف اهللا، والقرب مـن تلـك عرفة إىل العلم، ومن الشهود العايل، ومن امل

.الذات العلية، والعكوف يف حضرهتا، عكوفا ال ترضى عنه ببديل مدى احلياة

:وقد وضحت اآليات الكرمية هذه النواحي، وبينت مشروعية صالة عيد األضحى فقال تعاىل

وتلك هي صالة العيد، ومتم تعاىل }..فات فاذكروا اللـه عنـد المشـعر الحـرام فإذا أفضتم من عر..{

: بقوله

وهللا احلمد علـى مـا . وتلك هي اخلطبة )١(}واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضآلني..{

.ه الصاحلاتتفضل به وأنعم، واحلمد هللا الذي تتم بنعمت

أما وقد فصلنا يف الصالة هذا التفصيل، وتعرضـنا إىل الكثري من النقاط، فمن متام الفائدة قبل أن نغادر هـذا

املصلي مبعىن الفرض والواجب والسـنة "املوضوع، أن نتكلم عن أحكام الصالة جبمل عابرة، تعرف

:فنقول" سدواملكروه تنزيها واملكروه حترميا، واملبطل واملف

                                                             ).١٩٨(اآلية : سورة البقرة )١(

 أحكام الصالة

Page 122: السبع المثاني

121 

 

تتخللها أعمال وأقوال، حددها الفقهاء أم فرضا، كل صالة يصليها اإلنسان، سواء كانت سنة أو واجباواملصلي الـذي . واألئمة األعالم، وصنفوها فجعلوا بعضها فرضا، وبعضها واجبا، وبعضها اآلخر سنة

ويأيت هبا كاملـة، واحلقيقـة أن هـذه يريد أن تكون صالته تامة، جيب أن يراعي هذه النقاط الثالث األعمال واألقوال ما هي باألمور الشكلية، وال حبركات وألفاظ ظاهرية، بل إمنا ترمز كل حركة وكل كلمة إىل سر من أسرار التشريع، وتتضافر مع بعضها يف تأمني احلصول على الصلة باهللا، والدخول مبعية

لوبة من الصالة، ومن مل يقم هبذه األحكام، فما هو مبستطيع أن ، والوصول إىل الثمرة املطرسول اهللا ومن قام هبا ظاهرا، ومل يدرك سر ما انطوت عليـه مـن . يصل إىل الثمرة املطلوبة من الصالة كاملة .حقائق، فما نال من صالته إال األجر القليل

:وأفصل لك يف هذا املوضوع بعض الشيء فأقول

وهو األساس، والطهارة من النجاسة، وستر العورة، واسـتقبال " للنشاط" من فروض الصالة الوضوءالقبلة، ودخول الوقت، وتكبرية اإلحرام، والقيام والقراءة، والركوع والسجود، والقعود األخري، ومـن الواجبات أن يتقيد املصلي يف القراءة بقراءة الفاحتة وسورة قصرية أو آية يف الركعتني األوليـتني مـن الفرض، واالطمئنان يف الركوع والسجود، وكذلك من الواجبات ضم األنف إىل اجلبهـة بالسـجود والقعود األول، والنهوض فورا بعد القعود األول، وقراءة التشهد يف القعـودين، وجهـر اإلمـام يف

.تالصلوات اجلهرية، وختم الصالة بالسالم، وقراءة دعاء القنوت يف صالة الوتر وتكبرية القنو

:أما السنن

فكل عمل يقوم به املصلي يف صالته، مما مل نذكره يف عداد الفروض والواجبات، ومن ذلـك دعـاء ركوع والسجود، وتكبريات االنتقـال، االستفتاح الذي يدعو به املصلي يف بدء الصالة، والتسبيح يف ال

د األخري، وكذلك الدعاء املـأثور والصلوات اإلبراهيمية، يقرأها املصلي يف الصالة بعد التشهد يف القعو .خيتم به املصلي صالته، إىل غري ذلك من األعمال املوجودة يف املطوالت من كتب الفقه

Page 123: السبع المثاني

122 

 

تلك هي أحكام ثابتة، جيب أن تتوفر يف كل صالة، خيطئ كثريون ممن مل يصلوا إىل تقـوى وعلـم يف ن، وأن املعـول كـل املعـول علـى فهمها، فيحسبون أن اإلنسان ال تثريب عليه إذا ترك بعض السن

.الفروض

غمد واللحاء بالنسبة لعود الشجر، وبالقشرة اليت حتيط بالثمرة واحلقيقة أن السنن بالنسبة للفروض، كالتدوم احلياة يف الغصن وتبقى الثمرة حمفوظة، ما دام الغمد واللحاء حميطا بالغصن، والقشـرة سـليمة

يبس الغصن وفسدت الثمـرة، وإذا كانـت الغمد وانكشفت القشرة فإذا ما زال. مشتملة على الثمرةالسنة كما ذكرنا من قبل، مبعىن الطريق والنظام الذي يسلكه اإلنسان ويتبعه، يف سبيل بلـوغ هـدف معني، فسنن الصالة هي الطريق، وهي األعمال اليت يتطلب املشرع من املصلي أن يقوم هبا، حىت يصل

على الصلة بربه، ويتوصل إىل فهم أوامر اهللا ونواهيه، مما يتلوه تعاىل يقتها، فيحصلإىل لب الصالة وحق .على رسوله، فيسمعه هذا املصلي املؤمن يف صالته من لذيذ اخلطاب وجليل األحكام

يتعذر على املصلي أن يقرأ الفاحتة على تلك الصورة اليت كنا بيناها مـن قبـل : وعلى وجه املثال نقولخالل قراءة الفاحتة، إذا هو مل يفتتح صالته بدعاء االستفتاح وهـو االستشفاع برسول اهللا وسهولة

وجهت وجهي للذي فطر السموات واألرض حنيفا وما أنا من املشـركني، إن صـاليت «: قوله

وهذا الدعاء )١(»ونسكي وحمياي وممايت هللا رب العاملني ال شريك له وبذلك أمرت وأنا من املسلمنيالعايل الرفيع، فإن متثلت نفسك بـه، باألصل، منطبق على حاله السامي هو خاص برسول اهللا

يوصلك باهللا، مث دعوت هذا الدعاء احملمدي لنفسك، فذلك اخلري فستتحقق صالتك الكاملة ونوره

كم في رسول الله أسوة لقد كان ل{: والكمال لصالتك القلبية احلقيقية، والتقدير هلذا الرسول الكرمي ألن السماع من رسول اهللا عليـه الصـالة . )٢(}حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثريا

والسالم جيب أن يسبقه طهارة وصفاء نفسي، مبين على إميان ذايت وتقوى ووقوف بني يدي اهللا، وهو

                                                             /.٧٥٩/سنن أيب داوود رقم )١(

 ).٢١(اآلية : سورة األحزاب )٢(

Page 124: السبع المثاني

123 

 

، فال يستطيع املصلي أن يفقه معاين الفاحتة، صل بدعاء االستفتاح، لتلتفت النفس بالتقدير له ما يتحوطرق مؤدية إىل احلصول علـى إذا هو مل يتل دعاء االستفتاح، وهكذا مجيع السنن وسائل للفروض،

.الثمرة من الصالة

ه والثمرة من الصالة، نتجـت عـن أما الواجبات فمعناها أن املصلي إذا حصلت له الصلة خبالقه ومربيذلك أحوال مالزمة مستقرة يف نفس املصلي، وكانت ميزانا له تعرفه مببلغ ما استفاد من صالته، فمـن ذلك االطمئنان، فإذا حصلت الصلة واستقرت يف النفس الفائدة، الزمها اطمئنان النفس يف حضرة اهللا

فإذا "لظاهري، واستقرارها قلبا، خالل هذه الفترات يف الركوع والسجود، وتبع ذلك سكون األعضاء ا

".خشع القلب خشعت اجلوارح

وكذلك األمر بالنسبة للقعود األول، فإذا ما وعت النفس آيات اهللا اليت مرت هبـا يف الركعـة األوىل سائر والثانية، أنتج هذا الوعي قعود النفس يف حضرة اهللا، وعبر اجلسم بقعوده عن قعود النفس، وهكذا

الواجبات، أما الفروض، فهي األحكام الضرورية الالزمة، وهي األعمال اليت ال بد للمصلي من أن يقوم هبا، حىت حيصل على ما يتطلبه من نتائج العبادة، فهو ال يعي من صالته شيئا إذا هو جاء إليها بـدون

من اجلسم، والطهارة من النجاسة وضوء، ألن صفاء النفس وإقباهلا على اهللا يف صالهتا، يتطلب نشاطا إن وجدت، وبدوهنا ال يستطيع املصلي أن يلتفت بنفسه إىل اهللا، النشغال النفس مبا تراه وما تشعر بـه من وساخة يف اجلسم، السيما ألصحاب األعمال اليت تعرض اجلسم للشوائب اخلارجية، وكذا سـائر

صالة، ال يفقه شيئا من داللة اهللا اليت من أجلـها شـرعت الفروض، فالقراءة إذا مل يؤدها املصلي يف ال .وهكذا فالسنن وسائل لتحقيق احلصول على الثمرة. الصالة وكان األمر

والفروض أمور ضرورية بدوهنا ال حتصل الثمرة، والواجبات نتائج وعالمات، تعرف املصلي مبا توصل نفصل بعضها عن بعض، وجيب أن يالزم بعضـها إليه من فائدة، وكل هذه األحكام وحدة متصلة ال ي

بعضا، كما تالزم القشرة الثمرة، والورق الشجرة، واخلضرة والبهاء احلياة السارية فيهما، وكل ذلـك يرمز إىل شيء واحد ويشري إىل كل ال يتجزأ بعضه عن بعض، إىل حصول االتصال بني املصلي وربـه

.بالوسيلة

Page 125: السبع المثاني

124 

 

ن والفروض والواجبات فلننتقـل أما وقد تكلمنا عن السن :إىل املكروهات فنقول

هي أعمال كره املشرع للمصلي القيام هبا، ألهنا جتعل صالته ناقصة بعض النقص، غـري : املكروهاتفلو أن امرءا كان يتناول بعض األطعمة وأصاهبا قطرات من البترول، فال شـك . وافية بالفائدة املطلوبة

.عل الطعام مكروها لديهأن هذا الطعم الغريب جي

لو أن إنسانا أراد أن يهدي صديقا له رأسا من الغنم وكانت هبذا الرأس علة مـن : ومبثال آخر نقولفكل هـذه األعـراض وإن . العلل، بأن كان مقطوع األذن أو مكسور القرن أو مفقود العني أو هزيال

.روها يف نظر صاحبهكانت ال تذهب حبياة هذا احليوان، إال أهنا جتعله مك

وهكذا سائر املكروهات يف سائر العبادات، إن هي إال نواقص وأعراض تنتاب العمل فتجعله أقل فائدة ف أثرا يف نفسه، مما لو كان تاما كامال، فإن كان هذا العرض ضعيف األثـر، كـان علصاحبه، وأض

.تيان به يف صالته أو عبادتهمكروها تنزيها، أي جيب أن يتنزه اإلنسان ويتباعد عن اإل

:هللا ومن ذلك يف الصالة مثال مدافعة البول والغائط أو الريح قال رسول ا

، والصالة إىل جناسة أو )١(»ال يحل لرجل يؤمن باهللا واليوم اآلخر أن يصلي وهو حقن حتى يتخفف«ائر األعمال اليت تضعف وجهة اإلنسان إىل خالقـة يف صـالته حيوان، وكذا سأو نار أو وجه آدمي

كلها، أعمال مكروهة كراهية تنزيهية، فإذا ما اشتدت مدافعة البول أو الغائط وجعلت املصلي ال يعي ما يقول، كانت الصالة مكروهة حترمييا، أي بصورة جتعل املصلي يحرم من فائدهتا، ومن الالزم عليـه

.ىل الثمرة املطلوبة منهاإعادهتا حىت يصل إ

                                                             /.٩١/سنن أيب داوود رقم )١(

املكروهات واملفسدات

Page 126: السبع المثاني

125 

 

، فيـه )١(}..يا أيها الذين آمنوا ال تقربوا الصـالة وأ�ـتم سـكارى حتـى تعلمـوا مـا تقولـون {: وقوله تعاىل

ى وتـر ..{: الستر عن اهللا قال تعـاىل : حتذير من السكر ألن اخلمر حمرم قطعا عن املؤمنني فاملعىن هو .)٢(}..الناس سكارى وما هم بسكارى

:)٣(فإن أسكر املرء حب الدنيا فستره عن اهللا وحجبه عن ذكر اهللا، ففي إقامة الصالة تذكري وذكرى

ومن هنا يأيت معىن اإلقامة، ففيها سر الصالة وهبـا تصـحو . )٤(}وذكر فـإن الـذكرى تنفـع المـؤمنني {

أقبل لتفهم ما تقرأ، لـيس }حتى تعلموا مـا تقولـون ..{: نفس، فإن دخلت الصالة وعت كالم اهللال

حىت ترفع الغطاء عن وجهك فتعلم . هو مبحتاج إليك، أمرك بالصالة لتطهر نفسك، لتسري على كالمها هـي أعمـال إذا فإمن) املفسدات واملبطالت(تلك هي كلمة وجيزة عن املكروهات، أما . ما تقول

حدثت يف الصالة، فإهنا تقطع صلة العبد خبالقه، وتحوله كل التحول عن هذه الصلة، من ذلك الضحك يف الصالة، وحتويل الصدر عن القبلة، والكالم ولو بكلمة واحدة، إىل غري ذلك من األعمال الـيت إذا

اهللا، وحتول فكره وبطلت الصالة، كما لو فعل املصلي واحدا منها أو باشره، انقطعت الصلة بينه وبنيتعطل احملرك يف سيارة، أو انكسرت إحدى عجالهتا أو انكسر املوجه، فكل هذه العـوارض تعطـل احلركة وتعدم االستفادة، وحتول دون الوصول إىل اهلدف املقصود والغاية، وكذلك سـائر مفسـدات

.الصالة ومبطالهتا

                                                             ).٤٣(اآلية : سورة النساء )١(

 ).٢(اآلية : سورة احلج )٢(

 .للعلامة حممد أمني شيخو" حبث إقامة الصالة) "درر األحكام يف شرح أركان اإلسالم(انظر كتاب )٣(

 ).٥٥(اآلية : سورة الذاريات )٤(

Page 127: السبع المثاني

126 

 

كروهات واملفسدات، وإذا كان وقوع عارض من األعراض اليت كرناه يف املهذا وإذا كان األمر كما ذتقطع صلة اإلنسان خبالقه ولو قليال، يفسد الصالة ويبطلها، فما هو يا ترى حكم صـالة ال يعـرف

.املصلي فيها لذة وال طعما من الوجهة إىل اهللا؟

الذي قطع صلته خبالقه خـالل صـالته يبحث عن السبب أفال جيب عليه إعادهتا، أفال جيب عليه أن وإزالته، أفال جيب عليه أن يهتدي إىل األعمال الصاحلة اليت تنشئ هذه الصلة الطيبة، وتقيم الوجهـة، وجتعله حاضر القلب متجه النفس منصرفا عن الكون كله، مستغرقا يف النعـيم بـالقرب مـن اهللا يف

تلك هي الصالة الصحيحة، أو ليس ذلك هـو لـب أليس ذلك هو واجب املؤمن، أليست . الصالة؟فاالتصال والصلة مبخلوق حمبب لدى اإلنسان كاالبن مثال، أو بطيب الطعـام أو . الصالة وحقيقتها؟

احللوى أو الثمرات والفواكه، تنشئ لذة وطعما لإلنسان، فكيف هي لذة وطعـم الصـلة واالتصـال ال وروعة وهباء، وهي آثار بسـيطة ممـا لـدى اخلـالق النفسي احلقيقي باهللا، خالقها وخالق كل مج

!.الكرمي؟

ومن مل يصل تلك الصالة املشحونة بالقرب من اخلالق، املليئة بالوجهة واحلضور مع اهللا وإرشاده، فما وليس للعبد «: عرف من الصالة إال حركات وما وصل إىل حقيقة، وما نال من فائدة ذات شأن وقيمة

.)١(»عقل منها من صالته إال ما

ه، أي آياته الكونية فآمن علكن إذا فكر اإلنسان باملوت، وخشي سوء املصري، والتجأ لربه من خالل صنبربه، كما آمن سيدنا إبراهيم عليه السالم، فإنه بإميانه الذايت التحقيقي، حيصل على صلة وصالت باهللا،

أوردناه عن الصالة احلقيقية اليت هبا لذة ونعيما، تتعاظم ذكراها بالصالة، فيصلي حقيقة، وينال كل ما لو ذاقها امللوك لتخلوا عن ملكهم لينالوه، فما أعظم كرم هذا الرب الكرمي الرحيم، على إنسان شاهد

حقـا اإلنسان املؤمن املصلي املرتبطة نفسه برسـول اهللا : ونال من هذا الكرم والفيوضات الربانية .يناهلا

                                                             .٧٠٥٠ح. ٣٨٢ص. ٣ج: كنز العمال )١(

Page 128: السبع المثاني

127 

 

:لنا من الوقوف على بعض النقاط وكان البد

!.بالصالة؟ هل سها رسول اهللا -

.)١(»يا بالل أرحنا بالصالة«: وقوله -

.؟)٢(»جعلت قرة عيين يف الصالة«: ما املقصود بقوله -

.)٣(}..يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد{: وما املراد بقوله تعاىل -

:وكلمة عن -

.صالة قيام الليل والتهجد -

.صالة األوابني -

.صالة الضحى -

.صالة االستخارة -

.صالة االستسقاء -

.احلكمة من الصالة على امليت -

.احلكمة من اجلهر بالصالة ليال واخلفت هبا هنارا -

).احلرب والسفر(النظر يف حاالت قصر الصالة حباالت اخلوف يف -

.املرأة يف املسجد وحجاهبا يف الصالة أحكام تتعلق بصالة -

                                                             .٥مسند اإلمام أمحد ج )١(

 .الطرباين يف الكبري )٢(

 ).٣١(اآلية : سورة األعراف )٣(

Page 129: السبع المثاني

128 

 

!.بالصالة؟ هل سها رسول اهللا

:فكما ورد باحلديث النبوي الشريف

ويف القوم رجل يف يديه طول .. إحدى صاليت العشي، فصلى بنا ركعتني مث سلم، صلى بنا النيب «

أنـس ومل تقصـر مل: أنسيت أم قصرت الصـالة، قـال : يقال له ذو اليدين، فقال يا رسول اهللا

أن يسـجد املصـلي . فذلك تعليم ملن يسهو بصالته عن سجود السهو بنهاية الصـالة . )١(»الصالة .سجدتني، مث يسلم على اليمني واليسار

.)٢(»أما إين ال أنسى ولكين أنس ألشرع«: قوله : ويف حديث آخر

أقصر وذلك إثـر سـجوده مل أسه ومل : قال . أسهوت أم قصرت؟«: وعندما سأله أصحابه

كل ذلك مل يكن، بل اهللا تعاىل أمره أن يعلم الصحابة هذا التشريع للعاملني مـن : أي »سجود السهو .بعدهم، إذ من دون األنبياء معرضون للسهو بالصالة

* * *

.)٣(»حنا بالصالةريا بالل أ«: أما قوله

وم والغموم واألحزان من قلب املؤمن، قال رسـول اهللا فإن الصلة باهللا تغسل القلب غسال، وتزيل اهلم :» أرأيت لو كان بفناء أحدكم هنر جيري يغتسل فيه كل يوم مخس مرات، ما كان يبقـى مـن

.)٤(»فإن الصالة تذهب الذنوب كما يذهب املاء الدرن: قال. ال شيء: قال. درنه؟

                                                             .٣سنن النسائي ج )١(

 /.١/١٠٤/موطأ اإلمام مالك رقم )٢(

 .٥مسند اإلمام أمحد ج )٣(

 /.١٣٦٧/سنن ابن ماجه رقم )٤(

Page 130: السبع المثاني

129 

 

:وخري لقاء باهللا الصالة. وال راحة ملؤمن إال بلقاء ربه

فمىت ارتاح القلب انعكست الراحة أيضـا )١(»..إن املالئكة تصلي على أحدكم ما دام يف مصاله« .على اجلسم وعاد إليه نشاطه

* * *

جعلت قـرة عـيين يف «: ما املقصود بقوله -

.)٢(»الصالة

قيقية الـيت هـي أن تسعد البشرية، والسعادة باهللا، وال تتم إال بالصالة احل إن أقصى مىن حبيب اهللا معراج املؤمن، وفيها اخلري كله والنعيم القليب والشهود السامي العايل ونوال اخلـريات، وزوال األدران وامليول اخلبيثة والشريرة من النفس، فيغدو املؤمن بالصالة احلقيقية كاملالئكة، بل أعلى منـهم، فـإن

كاء الفرح حني يصلي العبد الصـالة ليبكي ب كل الرضا، حىت أنه صحت صالة العبد فقد نال احلقيقية، ففيها الشفاء من كل داء، وفيها نوال الصفات واملكرمات مجيعها، ويصادق على ذلك قولـه

»والصالة جامعة لكل خري»تارك الصالة ال خري فيه ،.

* * *

                                                             .٢سنن النسائي ج )١(

 .الطرباين يف الكبري )٢(

جعلت قرة عيين يفالصالة

Page 131: السبع المثاني

130 

 

لـوا واشـربوا وال تسـرفوا إ�ـه ال يحـب يـا بنـي آدم خـذوا زينـتكم عنـد كـل مسـجد وك {: أما قوله تعـاىل .)١(}المسرفني

يأمرنا تعاىل أن نفعل املعروف الذي تتزين به النفس عند الصالة لتقبل على رهبا، فاهللا ينظر إىل قلوبنـا قبال، ويذكر مـا وال ينظر إىل صورنا، فكلما أراد اإلنسان اإلقبال على اهللا، يعمل معروفا ليستطيع اإل

.قدم من اإلحسان الذي تتزين به النفس، وذلك عند كل صالة وطلب

فالعمل الطيب زينة اهللا اليت أخرجها لعباده، وفعل اإلحسان الذي تطيب به النفس وما يعود على فاعلها عروف واخلري، بالسعادة من اإلنفاق بأوجه اخلري، فهي للذين آمنوا يف احلياة الدنيا، حيث أهنم يفعلون امل

.وغايتهم رضاء اهللا خالصة نتائجها وأجرها هلم، واجلزاء عليها غدا يوم القيامة

                                                             ).٣١(اآلية : سورة األعراف )١(

Page 132: السبع المثاني

131 

 

صالة قيام الليل والتهجد

النفس تكون يف صفاء بعد النوم، فركعتني تكفيها لتوجيه الـنفس إىل اهللا تعـاىل ونـوال :قيام الليل .اخلريات

: هتيـأ للخـريات : هتجـد }..الليـل فتهجـد بـه �افلـة لـك ومـن {: يف قوله تعاىل أمر رسول اهللا

عسـى أن يبعثـك ربـك ..{غنيمة، بالليل تتعلم، بالنهار تطبق وتعـرف، : نافلة }..�افلـة لـك ..{يف رسول اهللا ولقد كان لكم .. شفيعا للعاملني تدل الناس على احلق ويسعدك هبم: )١(}مقامـا محمـودا

يتبني }..ومن الليل فتهجد بـه �افلـة لـك {: وقوله تعاىل. أسوة حسنة ملن كان يرجو اهللا واليوم اآلخر

.أن التهجد أيضا صالة قيام الليل

أما صالة قيام الليل وتفصيلها نرجع فيها إىل سورة املزمل، وإىل الطائفة اليت كانت تشارك أيضا رسول، وقد شرح تعاىل ، وهم باحلقيقة أهل القرب القليب من رسول اهللا )استشعارا(عن بعد مكاين اهللا

.بسورة املزمل شرحا وافيا كافيا مبينا فضائل قيام الليل

ة الصادقة اخلالصـة ملا فيه من الصفاء النفسي والوجه )٢(}إن �اشئة الليل هي أشد وطئا وأقـوم قـيال {

) واإلقبال خري ما تشتهيه النفس(هللا، وما ينتج عنها من إقبال على اهللا، وما ينتج عنها من إقبال على اهللا .وعروج يف النعيم والفضل اإللهي، وما يساورها من سعادة كربى

باد اهللا، ومـا فتنطبع بالنفس صفات الكمال من حضرة اهللا، والفضائل والرمحة واحلنان والعطف على عيرافقها من مشاهدات نورانية، ألن اإلنسان يقوم يف الليل صافيا والناس نيام، فليس يف منتصف الليـل

                                                             ).٧٩(اآلية : سورة اإلسراء )١(

 ).٦(اآلية : سورة املزمل )٢(

Page 133: السبع المثاني

132 

 

زيارات أو مواعيد، وال خيطر بباله الطعام والشراب، ففي قيام الليل موسم املؤمن لنوال الفضل اإللهي، يها احلق وهي بعيدة عن مشاغل الدنيا، وترى وفيه ربيعه، وحني تكون النفس يف حالة الصفاء، ينطبع ف

.، فتنطق باإلرشاد عن شهود، ال نقال دون عقل، وال حفظا لأللفاظاحلقائق بنور اهللا ورسوله

Page 134: السبع المثاني

133 

 

صالة األوابني

يردون اخللق إىل اهللا، وهـي سـت الذين هم : لغة من آب إىل بلده أي رجع، وبالتشديد: واألوابنيب وسنته، وهذه صالة الصحابة الكرام الذين فتحوا قلـوب العبـاد والـبالد ركعات بعد صالة املغر

لإلسالم والسالم، ومن تابعهم من العظماء بالتمام، ألن األوابني هم الذين يؤوبون بعباد اهللا الضالني إىل ألن صاحب الرمحة واحلنان، وهم مصلحو األمم، وغايتهم هداية اخللق والعودة هبم إىل احلق جل وعال،

ألن يهـدي «: قال رسول اهللا . اإلنسان هي أمسى الغايات وأعظم األعمال وأحسن اإلحسانهداية

.)١(»اهللا بك رجال واحدا خري لك من الدنيا وما فيها

فهؤالء على صالة األوابني حيافظون، ودوما هلا متطوعون، لطموحهم لرضاء اهللا تعاىل بإخراج الناس من .، والنجاة هبم من سعري النريان إىل السعادة واجلناتالظلمات إىل النور

.اهللا بإخراجهم من الظلمات إىل النورفهم الذين يؤوبون باخللق إىل -١

وإمنا يدرك معناها األتقياء والسادة الصحابة الكرام الذين رغبوا يف اقتفاء منهاج الرسول بغيـة رد -٢من الظلمات إىل النور، فهم أيضا عازمون على إخـراج اخللق إىل احلق، وكما أخرجهم رسول اهللا

.إخواهنم وأخواهتم من نسب أبيهم آدم وأمهم حواء عليهما السالم، وهؤالء هم األقلة املصطفاة

هؤالء هم الشاكرون وهلم البشرى دون سائر البشـر، إذ )٢(}وقليـل مـن عبـادي الشـكور ...{ -٣

هلم مسلكا، وهذا الصنف العايل من البشرية هو الصنف اإلنساين، الـذي اختذوا مسلك رسول اهللا، وأحب هذا األنس إلخواهنم من بين آدم عليه السالم، فهم حقـا ال استأنس بإميانه بربه وبرسوله

خوف عليهم يف هذه الدنيا ألن اهللا موىل هلم وال هم حيزنون على فراقها، ألهنم رحبوها رحبـا عظيمـا .ا، واستبدلوها جبنات وفراديس عند مليك مقتدروفري

                                                             .أخرجه أمحد من حديث معاذ )١(

 ).١٣(اآلية : سورة سبأ )٢(

Page 135: السبع المثاني

134 

 

هذا املعىن واملغزى الذي فهمه الصحب الكرام ومن تابعهم بإحسان إىل يوم الدين، فكانوا هم األطبـاء احلقيقيون لقلوب البشر، ومىت شفي القلب شفي اجلسم، أال إن يف اجلسد مضغة إذا صـلحت صـلح

.اجلسد كله، أال وهي القلب

وكيـف : )١(}ووهبنا لـداوود سـليمان �عـم العبـد إ�ـه أواب {: تعاىل هذا الثناء من اهللا تعاىلوقد ذكر

فحروبـه عليـه : كان عليه السالم يرد الناس من الضاللة إىل اهلدى والسعادة واحلبور، وامسه سليمانائهم، وقد بين لنا تعاىل مثاال عن حروبه اإلنسانية السالم رمحة وباملساملة وبالرغبة هلدايتهم ال إلراقة دم

الرحيمة يف قصة دولة اليمن الضاربة وكيف أنه قلبها من ظلمات اجلهل إىل نور املعرفة واإلميـان دون سفك قطرة دم واحدة، وما كان ملكه العظيم الذي مل يبارى بقوته اجلبارة إال حموال للرمحة املطلقـة،

األوابني كما بينا عن سيدنا سليمان العظيم عليه السالم أنه أواب، تشري إىل تشـرب فاحلقيقة أن كلمةمعان قلبية نالتها رسل اهللا عليهم الصالة والسالم وشربتها لصحابتهم الكرام، وهذا يتفق أن رسول اهللا

وهو الذي علمنا صـالة )٢(}لعالمنيوما أرسلناك إلا رحمة ل{: هو رسول احملبة املهداة، قال تعاىل

األوابني، ال جمرد حركات، ولكن لعقل وتشرب الرمحة يف قلوبنا، فنرحم هبا إخواننا يف اإلنسانية، بغض النظر عن نوع الدين أو العنصر أو الطائفة، وال فضل لعريب على أعجمي، وال ألبيض على أسـود إال

.بالتقوى

* * *

                                                             ).٣٠(اآلية : سورة ص )١(

 ).١٠٧(اآلية : سورة األنبياء )٢(

Page 136: السبع المثاني

135 

 

صالة الضحى

ركعتني ألن الفترة طويلة بني صالة الفجر وأذان الظهر ففيها وصل باهللا خشية االنقطاع لطول املسافة :بني الفجر والظهر، يقوم املؤمن أو املسلم بصالهتا، لتبقى صلة نفسه بربه على اتصال متني

.)١(}الذين هم على صلاتهم دائمون{

طة استزادة وتذكر يف أوج انشغال النفس يف هنارها باألعمال الدنيوية وبذلك تكون هاتان الركعتان حم .لكيال يغفل عن ذكر اهللا بني صاليت الفجر وصالة الظهر

* * *

                                                             ).٢٣(اآلية : سورة املعارج )١(

Page 137: السبع المثاني

136 

 

صالة االستخارة

صالة االستخارة ركعتان، ويفضل أن تكون يف صفاء نفسي، كقيام الليل أو بعد االستيقاظ، : تعريفهانفسه أنقى، لتطبع فيها احلقيقة من رب احلقائق، وذلك يف احلديث القدسـي لتكون صالته صحيحة و

.)١()...يا عبادي كلكم ضال إال من هديته فاستهدوين أهدكم: (الشريف

وتتم حينما يعجز املرء عن إدراك اخلري يف أمر من األمور، عندها يلتجئ بصالته إىل من التجـأ إليـه فـإن مل يصـل إىل . الذي علمهم الكتاب واحلكمة املصطفى الصحب الكرام رضي اهللا عنهم، إىل

درجة أهل التقوى فإنه يشعر شعورا، إما باالنشراح واالطمئنان القليب إىل تنفيذ األمر الغييب ويكون فيه عندها اخلري، أو يشعر باالنقباض والضيق بتوجهه يف الصالة إىل هذا األمر املعضل، فيعرف أن السم يف

.، وأن هذا األمر ال خري فيه، فريفضه ويعلم أن اهللا سيمن عليه خبري منهالدسم

اللهم إين أستخريك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك فإنك تعلم ( :وهناك دعاء يدعونه بصالة االستخارة

خري يل "......" وال أعلم، وتقدر وال أقدر، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا األمر

ين ودنياي وعاقبة أمري فيسره يل إىل ما حتب وترضى، اللهم وإن كنت تعلم أن هذا األمـر يف دي

شر يل يف ديين ودنياي وعاقبة أمري فاصرفه عين واصرفين عنه وقدر يل اخلري حيث تشاء "......"

).ورضين به، واحلمد هللا رب العاملني

* * *

                                                             .أخرجه مسلم يف صحيحه والترمذي )١(

Page 138: السبع المثاني

137 

 

صالة االستسقاء

.ب صادقهي ركعتان من قل: تعريفها

ملا كانت الغاية من حبس املطر وما يؤول إليه ذلك من غالء يف األسعار، ونقص يف األنفس والثمرات، ملا كانت الغاية من كل ذلك أن يرجع اإلنسان عن غيه، ويرغـب إىل ... وجوع وخوف من بعد أمن

ولنـذيقنهم مـن {: قوله سبحانه وتعـاىل ربه تائبا عن املعاصي، كافا عن الشرور واآلثام، جمتنبا أهلها، ل .أي يرجعون إىل جادة الصواب: )١(}العذاب الأد�ى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون

كانت صالة االستسقاء صالة التوبة واألوبة عن املعاصي إىل الطاعات طلبا للمغفـرة، وهـي صـالة من الناس من أخطاء أو معاص حتى حل عليهم الغضب من اهللا فمنع هطول املطـر استغفار عما صدر

.من السماء

بني قلوب والتوبة الصحيحة متحو اخلطايا، فإن صلى الناس هذه الصالة االستغفارية اليت يتوسط فيها

ولو أن أهل القـرى {: لنياملتقني منهم وبني اهللا، ليقبل توبتهم وأوبتهم طبقا لقوله تعاىل وهو أصدق القائ .)٢(}..آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء واألرض

يـتم يف صـالة . فمىت عاد العبد عن املعصية واخلطأ، عاد اهللا عليه بالعطاء واإلكرام اجلسمي والقلـيب .املؤمنني إن تابوا، ففضل اهللا أكرب واهللا أكرب االستسقاء الشفاء والعطاء للمؤمنني، ولغري

ويمـددكم بـأموال وبـنني )١١(يرسل السـماء علـيكم مـدرارا )١٠(فقلت استغفروا ربكم إ�ه كان غفارا { .)٣(}ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أ�هارا                                                            

 ).٦٩(اآلية : سورة األعراف )٢( ).٢١(اآلية : سورة السجدة )١(

 ).١٢-١٠(اآلية : سورة نوح )٣(

Page 139: السبع المثاني

138 

 

أما الصالة على امليت

هي باحلقيقة صالة دعائية تنفع امليت حني ينتفع املصلون، إذ كان بابا خلريهم ووجهتهم إىل اهللا، ففـي التأثر باملوت، يزول مؤقتا حب الدنيا، وميكن التوجه إىل اهللا، وبذلك تتم الفائدة للمصـلني، وتعـود

.قا عليهالفائدة عندها للمتوىف، فتتم الراحة والرمحة ح

* * *

:كيفية الصالة على امليت

:أربع تكبريات

.أن يقرأ الفاحتة بعد التكبرية األوىل•

.اإلبراهيمية بعد التكبرية الثانيةالصلوات •

.الدعاء للميت بعد التكبرية الثالثة•

).لنا ولهاللهم ال حترمنا أجره وال تفتنا بعده واغفر : (ويف التكبرية الرابعة يدعو املصلي•

.التسليم•

* * *

Page 140: السبع المثاني

139 

 

احلكمة من اجلهر بالصالة ليال واخلفت هبا هنارا

:رب سائل يقول

!.ولكن ما احلكمة من اجلهر بالصالة ليال واخلفت هبا هنارا؟

اء الحســنى وال تجهــر قــل ادعــوا اللــه أو ادعــوا الرحمـــن أيــا مــا تــدعوا فلــه األســم{: يقــول اهللا تعــاىل )١(}وابتـغ بـين ذلـك سـبيال ..{: يف الليـل }..وال تخافـت بهـا ..{: يف النهار }..بصـالتك

.موصال إىل اهللا

أصاب إن إذ أن من قوانني النفس البشرية أهنا ليال تأنس بصوهتا وتسترسل وراء قوهلا، وذلك يظهر جليا يء من اخلوف ليال، فتراه يطرب نفسه بسماع صوته، ولو مل يكن مطربا أو مجـيال، أو أن اإلنسان ش

حيدث نفسه بصوت مرتفع قوي ليشغلها عما حوهلا، أما يف النهار وقد سطعت الشمس وظهرت الدنيا لنفس البشرية باجتماع الناس، لذا ترى طبيعة ابزينتها، وانشغل املرء مبا حوله من جتارة، زراعة، صناعة،

...يف هذه احلالة متيل إىل اهلدوء وترغب فيه، وتأوي لذاهتا هروبا مما يشغلها

إذن تتحقق الفائدة املرجوة والنفع القليب من الصالة باجلهر ليال واملخافتة هبا هنارا، ومتكنها من الوجهة .وانني اهللا ذلك الدين القيملربها، وتلك من قوانني النفس اليت وضعها هلا تعاىل، وال تبديل لق

* * *

                                                             ).١١٠(اآلية : سورة اإلسراء )١(

Page 141: السبع المثاني

140 

 

حاالت قصر الصالة

وذلك ما . أن فرض الصالة ركعتان زيدت يف احلضر وأقرت يف السفر ورد يف األثر عن رسول اهللا .أشارت إليه اآليات الكرمية من سورة البقرة

وإ�ه للحق من ربك ومـا اللـه بغافـل عمـا تعملـون ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام{وحيـــث مـــا كنـــتم فولـــوا وجـــوهكم ومــن حيـــث خرجـــت فـــول وجهـــك شـــطر المســـجد الحـــرام )١٤٩(

.)١(}...شطره

، ومل يتكرر رون بالتوجه حنوه واالرتباط القليب به مأمور بالتوجه حنو الكعبة وحنن مأمو فالرسول :لفظ اآلية مرتني

إال إشارة إىل أصل الصالة املفروضـة }..ومن حيث خرجت فول وجهـك شـطر المسـجد الحـرام {

وهي ركعتان، وهي الفرض احلتمي حلياة القلب، وما السنن والركع األخرى يف فـروض الصـلوات .روضة حىت تتحقق هذه الفريضة تامة كاملة للحياة القلبيةاخلمس إال مساعدات تثبيتية مف

جتتمع النفس مع الفكر فتحقق هاتان الركعتان الفرض، إذ أن ) كالسفر أو احلرب(ففي حاالت اخلوف ...يف حاالت األمن يف األحوال العادية تشرد النفس وال تثبت هلا وجهة

.، أي حاالت اخلوف فقط)السفر أو احلرب(ر الصالة عند اخلوف يف حال لذا شرع تعاىل قص

ذين كفـروا إن وإذا ضربتم في األرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصـالة إن خفـتم أن يفتـنكم الـ { .)٢(}بيناالكافرين كا�وا لكم عدوا م

                                                             ).١٠١(اآلية : سورة النساء )٢( ).١٥٠-١٤٩(اآلية : سورة البقرة )١(

Page 142: السبع المثاني

141 

 

}..فـإن خفـتم فرجـاال أو ركبا�ـا )٢٣٨(حافظوا على الصلوات والصالة الوسـطى وقومـوا للـه قـا�تني {، مث تتجـه حيثمـا سـرت، تنوي ملتفتا موجها نفسك حنو إمامك إىل الكعبة، لترتبط برسول اهللا

.النفسية تان جامعتان للقلب على اهللا مبيعة اإلمام والصالة بتلك احلالة ركع

.)١(}فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكو�وا تعلمون..{

الركوع، السجود، كل هذه األعمال موجودة يف القرآن، اهللا تعاىل هو الذي شرع لنـا كيفيـة : إذناهللا، إذن القصر يف الصالة ال يكون إلا إذا حتقق شرط اخلوف، وجتوز الصالة الصالة، كل ذلك من عند

:مشاة أو ركبانا، أما قصر الصالة يف احلرب

وأخذ احلذر جتاه تربص املشركني باملسـلمني كما قصها علينا القرآن الكرمي حني احتاط الرسول املسلمني أثناء الصالة، ألن الصالة هـي وكان على رأسهم خالد بن الوليد، قال املشركون ننقض على

. أحب إليهم من أبنائهم وأنفسهم، فيستغرقوا فيها وينسوا وجودهم، فننقض عليهم وال نبقي هلم أثـرا :بأمر اهللا تعاىل حدث ذلك قبل صلح احلديبية، فجاءت اآليات تبني كيف صنع رسول اهللا

الة فلتقم طآئفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكو�وا من وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الص{ــلحتهم ــذرهم وأس ــلوا معــك وليأخــذوا ح ــلوا فليص ــم يص ــرى ل ــأت طآئفــة أخ ــم ولت ــرون }..ورآئك اآلخ

.حيرسونكم

الركعتني األوليتني مع نصف اجليش، كما ورد يف القرآن الكرمي، والنصف الثاين صلى الرسول : إذنفلم يتمكن خالد بن الوليد من االنقضـاض علـيهم للحراسـة . محل السالح باألهبة القتالية القصوى

صالته بالتسليم، التحيات يف الركعتني األوليتني ختم النصف األول من اجليش الشديدة، وحينما تال

                                                             ).٢٣٩-٢٣٨(اآلية : قرةسورة الب )١(

Page 143: السبع المثاني

142 

 

وأخذ سالحه ومكانه من النصف اآلخر وتوىل احلراسة املشددة، بينما اقتدى النصف الثاين بـالركعتني .)١(الثانيتني برسول اهللا

الـذين معـك }..فـإذا سـجدوا ..{: اآلخـرون حيرسـونكم }..وليأخذوا أسلحتهم..{

ــوا..{ ــرون: }..فليكو� ــك ..{: اآلخ ــلوا مع ــلوا فليص ــم يص ــرى ل ــة أخ ــأت طآئف ــم ولت ــن ورآئك محذرهم وأسلحتهم ود الـذين كفـروا لـو تغفلـون عـن أسـلحتكم وأمتعـتكم ..{: األولون }..وليأخذوا

ــة ــيكم ميل ــون عل ــعوا فيميل ــى أن تض ــتم مرض ــر أو كن ــن مط ــم أذى م ــان بك ــيكم إن ك ــاح عل ــدة وال جن واح .)٢(}أسلحتكم وخذوا حذركم إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا

وخشـية تقلبـات ) والسفر وغريها كاحلرب(القصر بالصالة بركعتني يف حال اخلوف حصرا : إذن .الطقس، أو قطاع الطرق أو غريها، ويريد اهللا بكم اليسر وال يريد بكم العسر

* * *

                                                            مل يقصر الصالة بل صلى أربع ركع، إذ أن الرسل ال خيافون، وال خيشون أحدا إال اهللا، والقرآن إذن رسول اهللا )١(

انظر كتاب . الكرمي حافل مبا يثبت هذه احلقيقة من قصص ومناذج عن شجاعة رسل اهللا عليهم الصالة والسالم ).فأشجع منهم مل تر قط عني(إلنساين حممد أمني شيخو حبث للعلامة ا) البحوث اجمليدة(

 ).١٠٢(اآلية : سورة النساء )٢(

Page 144: السبع المثاني

143 

 

حكم صالة املرأة يف املسجد

.بيانا ال ريب فيه وال اجتهاد و ال تأول للنصوص وضح ذلك رسول اهللا

د أن أسلمت وحسن إسالمها وأحبت رسول اهللا إذ قالت أم محيد األنصارية امرأة أيب محيد الساعدي بع حبا قدسيا باهللا، وأحبت صحبته النفسية والصالة معه بقوهلا:

قد علمـت : فقال" أي أهنا تريد الصالة معه يف املسجد". يا رسول اهللا إين أحب الصالة معك«

تك يف حجرتك وصالتك يف بيتك خري لك من صالتك يف حجرتك، وصال. أنك حتبني الصالة معي

.)١(»..خري لك من صالتك يف مسجدي.. خري من صالتك يف دارك، وصالتك يف دارك

فما كان من هذه املرأة الصادقة إال أن أمرت فبين هلا مسجد يف أقصى شيء يف بيتها وأظلمه لتجمـع .نفسها بالكلية على اهللا بالصالة، فكانت تصلي فيه حىت لقيت وجه اهللا عز وجل

خري من صالهتا يف صحن الدار، وعن النيب ) غرفتها اخلاصة لكمال سترها(يف بيتها املرأة إذن صالة صالة املرأة يف بيتها أفضل من صالهتا يف حجرهتا وصالهتا يف خمدعها أفضل مـن صـالهتا يف «: قال

ة، مـن نفيست الكبري حيفظ فيه األمتعة الهو البيت الصغري الذي يكون داخل البي: واملخدع .)٢(.»بيتها .اخلدع وهو إخفاء الشيء الثمني، إذن كلما كانت السترة أكرب للمرأة، كانت الصالة أفضل

هبا، ويغوي أي استقبلها وزينها يف نظر الرجال ليغويها (واملرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان إال وأدا للفتنة اليت تحـدثها وما ذلك احلرص الشديد على ستر املرأة، )..وليوقع أحدمها بالفتنة فاهلالك

كما قـال )٣(»والفتنة نائمة لعن اهللا من أيقظها«، )والفتنة ال نرضى هبا(املرأة خبروجها من بيتها

                                                             .مسند اإلمام أمحد )١(

 .رواه أبو داوود عن عبد اهللا رضي اهللا عنه )٢(

 /.٥٩٧٥/اجلامع الصغري رقم )٣(

Page 145: السبع المثاني

144 

 

وآتـني وقرن في بيـوتكن ولـا تبـرجن تبـرج الجاهليـة الـأولى وأقمـن الصـلاة { :والذي يؤكده قول اهللا تعاىلواذكـرن )٣٣(م تطهـريا الزكاة وأطعن الله ورسوله إ�ما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهـل البيـت ويطهـرك

.)١(}خبريا ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا

إذن أمر تعاىل النساء أن يظللن يف بيوهتن، يقمن الصالة ويؤتني الزكاة ألنفسهن، ويطعن اهللا ورسـوله، من آيات اهللا واحلكمة، ذلك شرع اهللا تعـاىل، ): وليس يف املسجد(ويذكرن ما يتلى عليهم يف بيوهتن

، وحنن ال نسري إال بكتاب اهللا وما دق األمني ، كما قال الصافت قلبك ولو أفتاك املفتون وأفتوكفاست، فللرجال جمال وللسناء جمال آخر يف دين اإلسالم، وال نرضى بأن تكون املسـاجد سنه رسول اهللا

فيتحول القلب عن اهللا وعن الصالة الصـحيحة وختـرب ) املرأة(متاحف خيتلط الرجال فيها بأم الدنيا .القلوب

ضرتان ال جتتمعان، فإذا اجتمعتا فقد قضينا على الدين من أصله، ولن نقبل بقول إذ الدنيا واآلخرة كالعن قول اهللا العظيم، ومن أحسن من اهللا حكما لقوم يوقنون، وهو الذي أنزل الكتاب مفصـال البشر

.وتبيانا لكل شيء

فال جتوز صالهتا وشيء من جسمها مكشوف، والبـد .ويداها مكشوفانحىت تصح وجهتها أن يكون وجهها

بكشف ومل يقل ... أن تتباعد يف غرفة داخل غرفة يف البيت ومن هنا ينبغي كما أمر رسول اهللا .وجهها ويديها يف الطريق، بل بالصالة، والصالة ال تكون باألسواق كما أوهلا الذين ال يعلمون

الك، وأن متيلوا عن جادة احلـق اهل: وما دون ذلك فهو ما يريده الذين يتبعون الشهوات لكم ولنا أي :والصواب ميال عظيما، فكشف الوجه حرام، ألنه يزيل بذلك احلجاب، واهللا تعاىل يقول

                                                             ).٣٤- ٣٣(اآلية : سورة األحزاب )١(

أما حجاهبا يفالصالة

Page 146: السبع المثاني

145 

 

.إذ احلجاب هو ما حيجب الرؤية متاما. )١(}..ء حجابمن ورا..{: فخاطبوهن

نحصر وجهتـها إىل اهللا، اللون األبيض الساتر جلسمها وشعرها يف الصالة، فلكي ت لباس املرآةأما عن فما يؤذي العني يؤذي النفس، فاملرأة بطبيعتها البشرية ختتلف عن الرجل، فجماهلا وشعرها وجسـمها يفتنها وحيوهلا عن الصالة، وهذا اللباس يذكرها بلباس اإلحرام الذي هو تقليد للكفن عند املوت، فتطلق

.الدنيا وختلع الفنت وتتوجه بصدق إىل بارئها

* * *

                                                             ).٥٣(اآلية : سورة األحزاب )١(

Page 147: السبع المثاني

146 

 

هدية بني يدي اهللا

ويف معرض الكالم عن الصالة اليت أتينا على ذكرها، جيرنا البحث إىل الكالم عن الزكـاة، إذ كلمـا فما من شيء يقيم . وردت آية يف القرآن الكرمي عن إقامة الصالة تلتها آية عن إيتاء الزكاة، أي الطهارة

مثل فعله املعروف وإحسانه إىل ذوي القـرىب والفاقـة، صلة العبد خبالقه بعد استقامته على أوامر اهللا .وعطفه على ذوي احلاجة اليت توصل النفس إىل الصالة احلقيقية املؤدية للطهارة النفسية

إذا كانت الزكاة عبارة عن تأدية مبلغ من املال يتصدق به الغين على الفقري احملتاج، فما مسيـت هبـذا لعبد على خالقه، ووسيلة لطهارة نفسه وزكاهتا الناجتة عن هذا القـرب االسم إال ألهنا سبب يف إقبال ا

واإلقبال على اهللا، إذ من قوانني النفس كما أحملنا إىل ذلك من قبل، أهنا ال تلتفت بوجهها جتاه أحد إال ها هذا إذا آنست من ذاهتا إحسانا منها جتاهه، ومعروفا تقربت به إليه، فإذا ما تقربت نفس املؤمن بعمل

التقرب، وقدمت ما قدمت من إحسان، فهنالك حتدوها الثقة بإحساهنا، وتسوقها الطمأنينة برضـاء اهللا عنها، فتقبل بوجهها على اهللا بالصالة، وهبذه الوجهة الصحيحة واإلقبال، تطهر وتزكو وتتزكى، وتنال

وتنبدل هبذه الفضائل، فال صفات الفضائل والكماالت، كما حصل للصحابة الكرام وأتباعهم بإحسان،شح وال جنب وال جهل وال كذب وال مكر وال خيانة، بل كرم ال يبارى، وشجاعة كربى، وصـفات

.وذلك هو السر يف تسمية هذه العبادة وتلك التأدية املالية زكاة. حمبوبة

وقد وجد . دىن معينللزكاة حد أ: وهنا جتدنا مضطرين إىل بيان الفرق بني معىن الصدقة والزكاة، فنقولاإلنسان بلسان حضرة اهللا مبينا قوانني هـذا خري من شرع هلذا املشرع احلكيم عن اهللا تعاىل وهو

اخلالق، وهو وحده الذي عرفه قربه العايل من ربه، ففهمه تعاىل بأصول تطبيق أوامره من كتابه القرآن، :لأقو. ومقاديرها الالزمة على الوجه األمثل

وجد هذا الرسول الكرمي مبا أراه اهللا بالقرآن الكرمي، أن أقل ما ميكن أن يقدمه الغين من ماله حىت حتصل له الوجهة إىل خالقه هو ربع العشر، أي جزءا من أربعني يف أموال التجارة، فعلى التاجر يف هنابة العـام

ه بني ماله وما عليـه، مث يـرى صـايف أن يرى ما لديه من بضائع وأموال، وأن جيري حسابا يوازن في .حساباته، فيقطع أدىن حد للزكاة وهو كما ذكرنا عن األربعني واحدا

Page 148: السبع المثاني

147 

 

أما الزكاة يف املزروعات البعلية فهي العشر، فعن العشرة أمداد مد واحد، ألنه تعاىل مباء مطره سـقاها .طار وغريهاوأرواها، فلم تكلف زارعها أثقال السقي، وهو املعطي املتفضل باألم

وهكذا إذا آتاك اهللا تعاىل يف التجارة أربعني دينارا فمعىن ذلك أنه تعاىل وهبك تسعة وثالثني، وجعـل الواحد وهو تتمة األربعني أمانة لديك، تعطيه للفقري الذي تعهد فيه احلاجة، وإذا تفضل اهللا على أرضك

فمعىن ذلك أن اهللا تعاىل إمنا وهبـك مد قمحا مثال،باملطر وآتاك الثمر، وغلت لك األرض البعلية مئة وتفضل عليك بتسعني مدا، وجعل العشرة تتمة املئة أمانة لديك، متنحها الفقري والعاجز واملسكني، فإن كنت أهال ألداء هذه األمانة، أدام اهللا فضله عليك، ووالك هذه الوظيفة، وجعلك وكيال على الفقـراء

من فضله تعاىل عليك أن خلق الفضـل ونسـبه إليـك : حقه، فصح قول من قالتعطي كل ذي حق

.)١(}وسيجزي الله الشاكرين..{. لتكسب

أما إذا أساء الغين التصرف، وأكل حق الفقري، وبذل املال يف غري حمله إسرافا وتبذيرا، عزله اهللا تعاىل عن

بـأن اللـه لـم يـك مغيـرا �عمـة أ�عمهـا علـى قـوم حتـى يغيـروا مـا ذلـك {: تلك الوالية، وسلبه تلك النعمةوقد أشار القرآن الكرمي إىل الزكـاة يف . )٣(}..للـذين أحسـنوا الحسـنى وزيـادة {، )٢(}..بأ�فسهم

ــارة ــوال التجـ ــاىل أمـ ــال تعـ ــات فقـ ــا أي{: واملزروعـ ــوا مـــن يـ ــوا أ�فقـ هـــا الـــذين آمنـ وممـــــــــــــــــــــــــــــــــا أخرجنـــــــــــــــــــــــــــــــــا طيبـــــــــــــــــــــــــــــــــات مـــــــــــــــــــــــــــــــــا كســـــــــــــــــــــــــــــــــبتم

                                                             ).١٤٤(اآلية : آل عمران سورة )١(

 ).٥٣(اآلية : سورة األنفال )٢(

 ).٢٦(اآلية : سورة يونس )٣(

Page 149: السبع المثاني

148 

 

نـي وال تيمموا الخبيث منه تنفقون ولسـتم بآخذيـه إال أن تغمضـوا فيـه واعلمـوا أن اللـه غ )١(لكم من األرضــد ــه واســ )٢٦٧(حمي ــال والل ــه وفض ــرة من ــدكم مغف ــه يع ــاء والل ــأمركم بالفحش ــر وي ــدكم الفق ــيطان يع ع الش .)٢(}عليم

فاهللا سبحانه هو الرزاق وهو وحده امللهم يف التجارة، وهو الذي ينزل الغيث وخيرج بـه مـن كـل

ومـن يقتـرف حسـنة ..{: حبسب نواياك يعطيك ويتفضل عليكالثمرات، وحبسب حالك وصدقك، و، ذلك كله يدركه املؤمن ويطبقه، فتراه يشكر اهللا تعاىل على )٣(}�زد له فيها حسنا إن الله غفور شكور

ريى الفضل كله من أن أعطاه وتفضل عليه، ويشكر اهللا تعاىل ويذوب شكرا، حينما يعطي مستحقا، ف

ومـن األعـراب مـن يـؤمن باللـه واليـوم اآلخـر ويتخـذ مـا ينفـق قربـات عنـد اللـه {. اهللا تعاىل ومرجعه إليه .)٤(}فور رحيموصلوات الرسول أال إ�ها قربة لهم سيدخلهم الله في رحمته إن الله غ

                                                            هذه اآلية تنفي نفيا قاطعا ذهاب بعض العلماء يف منطقة سراقب إىل وجود مزروعات حديثـة ال زكـاة عليهـا )١(، وجبت عليه ...)طاطا واجلزركالب(، فكل ما خترجه األرض من مثرات، حبا وفاكهة وخضرة ودرنات ...)كالكمون(

الزكاة فريضة، كما بينتها اآلية الكرمية، وكذلك بعض علماء الدين يف منطقة الغاب أصدروا فتوى أنه ال زكاة علـى

ل والـزرع وهـو الـذي أ�شـأ جنـات معروشـات وغيـر معروشـات والنخـ {: الزيتون والرمان، فلما جئناهم باآلية الكرميـة وا حقـه يـوم حصـاده وال تسـرفوا إ�ـه ال يحـب مختلفا أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمـر وآتـ

 .واهم، وعادوا مشكورين للحقتبني هلم خطأ فت). ١٤١(األنعام آية }المسرفني

 ).٢٦٨-٢٦٧(اآلية : سورة البقرة )٢(

 ).٢٣(اآلية : سورة الشورى )٣(

 ).٩٩(اآلية : سورة التوبة )٤(

Page 150: السبع المثاني

149 

 

لذلك أعطاك اهللا تعاىل أيها املؤمن املال، أعطاك لتتقرب بعملك يف الدنيا من جناب ربك العايل، وتقبل هبذا العطاء عليه، وهنالك وهبذا القرب واإلقبال على اهللا بالصالة، ميسح ذلك النور اإللهي ما يف نفسك

ى وتتطهر، وتكسب نفسك الكماالت، ومن تزكى من علل وأمراض، فتصفو صفحة هذه النفس وتتزك :قال تعاىل مشريا إىل الزكاة يف النفس بقوله الكرمي. فإمنا يتزكى لنفسه

، )١(}سـميع علـيم خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صالتك سكن لهم والله{

بعمله احلسن حيصل له اطمئنان، بعطائه ما حيب تتولد لديه ثقة فإقبال فطهارة، والنفس ال تطهر إال باهللا وباإلقبال عليه، ومن ال صلة له مع اهللا ال تطهر نفسه، فالصالة للطهارة، مىت غدت النفس كاملة متيـل

علـى اهللا الكمال رسوله الكرمي ألهل الكمال، وإن عرف أن اهللا راض عنه بعمله، يقبل مبعية سيد .بقلبه

وقد أراه اهللا تعاىل يف القرآن الكرمي ذلك املقدار الذي حتصل به هذه الطهارة النفسية وهذه التزكيـة، العشر يف املزروعات البعليـة و % ١٠ربع العشر يف أموال التجارة و % ٢،٥وهو كما بيناه من قبل

ى اهللا عليه وسلم للخلق ما أراه اهللا تعاىل إياه، وعرفهم بذلك احلد يف املزروعات املروية، فبين صل% ٥ :األدىن الذي يأمرنا به عن لسان رب العاملني لقوله تعاىل

، جاء وهكذا فال تظنن أن رسول اهللا )٢(}..وما آتاكم الرسول فخذوه وما �هـاكم عنـه فـا�تهوا ..{

. القرآن، بل إن كل ما جاء به منطو يف ذلك البحر اخلضم الالمتناهيبكلمة واحدة مل ترد يف

                                                             ).١٠٣(اآلية : سورة التوبة )١(

 .من هذا الكتاب) ١٧٦(، انظر نسبة توزيع الزكاة يف الصفحة )٧(اآلية : سورة احلشر )٢(

Page 151: السبع المثاني

150 

 

قـل مـا ..{: ، فأمره تعاىل بإجابتهم}..قال الذين ال يرجون لقاء�ا ائت بقرآن غير هـذا أو بدلـه ..{ــع ــي إن أتب ــاء �فس ــن تلق ــه م ــي أن أبدل ــون ل ــوم يك ــذاب ي ــي ع ــيت رب ــاف إن عص ــي أخ ــي إ� ــوحى إل ــا ي إال م

.}عظيم

حبديث من عنده غري كالم اهللا وحاشاه، حلبط عنه عمله، رغم مقامه العايل، هناك عدالة، فلو تكلم ويأمره . له ، وال أصلوألصابه العذاب، فكل حديث خمالف للقرآن، فهو منسوب كذبا لرسول اهللا

أنا سائر بأمره وبيده، تعرفون أنين }..قل لو شاء الله ما تلوته عليكم وال أدراكم بـه {: تعاىل بإجابتهم

قبل الرسالة مل أتكلم بشيء، فمن }..فقد لبثت فيكم عمرا مـن قبلـه ..{: ما كنت أعرف شيئا منه

أفـال ..{سنة سابقة مث جئت بـه، ) ٤٠(ما قلت لكم شيئا خالل . من علمين هذا؟. أين جئت به؟أنا اجتهدت قبل الرسالة حىت صرت أهال للرسالة، فأوحي إيل، وال أبلغكم سوى كالمه : )١(}تعقلـون

، فكل شيء تتطلبه موجود يف )٢(}تبيا�ا لكل شيء وهدى ورحمـة وبشـرى للمسـلمني ..{: تعاىل ففيه

فهو مأخوذ من كالم اهللا، والقرآن مشتمل ومنطو على ذلك هذا القرآن، وكل ما جاء به رسول اهللا وكل يرى حبسب ما لديه من إميان، وبقدر ما هو . كله، كما تنطوي الآللئ يف البحر وكما تستقر فيه

م أكرب ما يستطيع أن يدركه إنسـان، فبـين وعـرف عليه من استنارة، وقد رأى صلى اهللا عليه وسلوفصل، وكل من حصلت له التقوى ودخل مبعية رسول اهللا على اهللا، استنار بذلك النور اإللهي ورأى

، وكل يرى بقدر استنارته وتقواه، وهو صلى اهللا عليه وسلم السيد األعظم طرفا مما رآه رسول اهللا يعا مما أدركه ورآه، إال كما يدرك املغترف من البحر بكفه من املاء، أو مـا الذي ما أدرك املؤمنون مج

.يعكسه كوكب من نور الشمس املتأللئة يف السماء

                                                             ).١٦-١٥(اآلية : سورة يونس )١(

 ).٨٩(اآلية : سورة النحل )٢(

Page 152: السبع المثاني

151 

 

ونعود اآلن إىل بيان الفرق بني معىن الصدقة والزكاة، :فنقول

ه الغين على التمام هي ذلك املبلغ املفروض الذي جيب أن يؤديه الغين للفقري، والذي إذا مل يؤد: الزكاة .ال حتصل له الطهارة النفسية والزكاة، ومل يسلك سبيل املؤمنني

فكل ما يدفعه املرء مما سوى احلد املفروض، وسواء أداه الغين أو الفقري مسي صدقة، ألنـه : أما الصدقة .عنوان على صدق صاحبه يف التقرب إىل اهللا

رده اهللا تعاىل يف القرآن الكرمي مبينا فيه نسبة الزكـاة مـن وربما تسألين يف طلب معرفة النص الذي أواملال، تلك النسبة اليت عربنا عنها بربع العشر، وتقول من أين عرفنا أن مقدرا ما جيب أن يعطيه الغـين

أموال التجارة، وقد تقول أنين قرأت القرآن كله فلم أر هذه للفقري هو جزء واحد من أربعني جزءا من :ومل أعثر عليها، وجوابا على ذلك أقولالنسبة

كنا بينا من قبل يف حبث الصالة حني تكلمنا عن الوضوء اشتمال آية الوضوء على ما سـمي بسـنن بفطنته الناشئة ، كما بينا خالل كالمنا عن الصلوات اخلمس ما أدركه )١(الوضوء إىل جانب فروضه

كل صالة من هذه الصلوات، مث تكلمنا عما أشار إليه القـرآن من إقباله العايل على ربه، عدد ركعات الكرمي من وجوب صالة العيدين واحلكمة منها، وما جيب فيها من تكبريات، إىل غري ذلك من األوامر

مـا فرطنـا فـي ..{: اإللهية واألحكام اليت ما غادر القرآن الكرمي منها صغرية أو كبرية إال أحصـاها من األوامر واألحكام، كل ذلك حىت نسبة ، فكل ما بينه الرسول الكرمي )٢(}..مـن شـيء الكتـاب

.الزكاة من املال منطو يف القرآن، موجود فيه

                                                             .حبث الوضوء درر األحكام يف شرح أركان اإلسالملطفا انظر كتاب )١(

 ).٣٨(اآلية : سورة األنعام )٢(

 الصدقة والزكاة

Page 153: السبع المثاني

152 

 

أورد اهللا تعاىل يف : وأورد لك اآلن املواضع والنصوص اليت تشري يف القرآن الكرمي إىل نسبة الزكاة فأقولتتبين من خالهلما النسبة املفروضة يف الزكاة، واألوجه اليت جيب أن تصرف سوريت األنفال والتوبة آيتني

واعلمـوا أ�مـا غنمـتم مـن شـيء فـأن للـه خمسـه {: فيها أموال الزكاة، أما اآلية األوىل فهي قوله تعاىلوهذه اآلية تبني أن الغنيمـة ال تعطـى )١(}..ابن السـبيل وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكني و

إن اللـه {: للمجاهدين، بل للمؤمنني اجملاهدين اجلنة فقط، وال غنيمة وال نسبة منها هلم كما قال تعاىلــاتلون فــ ــم اجلنــة يق ــأن له ــوالهم ب ــهم وأم ــؤمنني أ�فس ــن الم ــترى م ــه اش ــون ويقتلــون وعــدا علي ــه فيقتل ــبيل الل ي س

يسـألو�ك عـن األ�فـال قـل األ�فـال للـه والرسـول فـاتقوا {: وبسورة األنفـال اآليـة األوىل )٢(}..حقـا للمقاتلني نسبا، فهم بـاعوا ، صدق اهللا، وأخطأ البشر املؤرخون خطأ كبريا يف الدس، بأن )٣(}..الله

أنفسهم بغية اجلنة، واهللا اشترى منهم وقبل بيعهم، ولكن يف الدولة اإلسالمية ضمان اجتماعي لكافـة أفراد اجملتمع من بيت مال املسلمني بالكفاف، فال حاجة للقتال من أجل سلب أموال البشر، بل الغاية

.فقط هدايتهم

حقني واملعوزين ممن تعرفهم من األقارب بالنسب، أو ممن تعرف حاجتهم أي املست: الغنائم لذي القرىب .من معارفك، تعلم هبم الدولة لترتب هلم من أموال اخلمس

. أي اخلمس الثاين هلم، لتكاثرهم أثناء احلروب واجلهاد وكثرة املستشـهدين يف سـبيل اهللا : واليتامىعليهم اخلمس من غنائم اجلهاد، فلـم يكـن بـدول ينفق ابن السبيلهلم اخلمس، وكذا واملساكني

هللا والرسول ينفقه املسلمني أصال فنادق بل مضافات للدولة، لثالثة أيام ألبناء السبيل، واخلمس األول

                                                             ).٤١(اآلية : سورة األنفال )١(

 ).١١١(اآلية : سورة التوبة )٢(

 ).١(اآلية : سورة األنفال )٣(

Page 154: السبع المثاني

153 

 

يف وجوه منفعة املسلمني، وهو أساس بيت مال املسلمني أو خزينة الدولة اإلسالمية، والذي يوزعمن سورة التوبة حني تضع احلرب أوزارهـا، يـؤمن / ٦٠/رين باآلية رقم على األوجه الثمانية املذكو

.اخلمس هذا باالستمرارية والدميومة ببيت مال املسلمني بالزكاة، واألمخاس األربعة أنفقت بوجوهها

مث بينت اآلية الثانية اليت يف سورة التوبة األصناف اليت يوزع هذا اخلمس علـيهم ال علـى املقـاتلني

إ�ما الصـدقات للفقـراء والمسـاكني والعـاملني عليهـا والمؤلفـة قلـوبهم وفـي الرقـاب {: اهدين، فقال تعاىلاجملهذه اآلية يتـبني أن ومن . )١(}والغارمني وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من اللـه واللـه علـيم حكـيم

ومبقارنة اآليتني السابقتني واجلمع بينهم نصـل إىل . عدد األصناف الذين تعطى هلم أموال الزكاة مثانية :النتيجة التالية

هللا، وإذا أن اخلمس مما يغنمه اإلنسان هو لقد حدد تعاىل يف اآلية األوىل لسورة األنفال املذكورة أعالهعام وجدنا أهنا تقيد ذلك بغنيمة احلرب، إذ جاءت الصيغة خاصة بالغنـائم حنن نظرنا لنص اآلية بوجه

.يف مطلع اآلية

وإذا كان تقسيم اخلمس يف غنائم احلرب فلله والرسول أي لبيت مال املسلمني، فإنه يوزع على الثمانية على املؤمنني كما ن للدميومة كما ذكرنا عن طريق الزكاة املفروضة ويؤم أوجه املذكورة بسورة التوبة،

حددته آية الصدقات اليت ذكرناها، وبتقسيم اخلمس الذي هو هللا والرسول أو باألحرى لبيـت مـال املسلمني بعد إىل مثانية أوجه، حنصل على النسبة املقررة يف الزكاة، وهي واحد من أربعني، وإن شـئت

.فقل اثنان ونصف يف املئة

٨ ÷ ١ ⇔ ١ = ١ × ١

٤٠ ٨ ٥ ٥ %٢.٥ =١٠٠ × ١: ونسبتها يف املائة هي

٤٠

                                                             ).٦٠(اآلية : سورة التوبة )١(

Page 155: السبع المثاني

154 

 

زكـاة س.ل ١ينفق منها س.ل٤٠كل

زكـاة س.ل ١س ينفق منها .ل٤٠كل أكــرر

زكـاة س.ل ٠.٥س ينفق منها.ل٢٠كل

زكـاة س.ل ٢.٥س ينفق منها .ل ١٠٠كل اجملموع

عطى للدولة اإلسالمية لبيت مال املسلمني إمنـا يـوزع على أن هذه النسبة أي أن الواحد من أربعني يمن حتققت الدولة من عوزه وحاجته من الصنوف الثمانيـة املـذكورة : ويصرف على املستحق، أي

بسورة التوبة واملارة الذكر، ألن كل هؤالء تشملهم كلمة فقراء، وجتمعهم صفة الفقر والفاقة واحلاجة واطنني حق على الدولة، تصرفه بشكل رواتب ثابتة لألوجه الثمانيـة واالستحقاق، فالكفاف جلميع امل

.املذكورة

:مخس الغنائم يقسم على الوجوه الثمانية فتتبني نسبة الزكاة بصورة جلية: وبشكل أوضح

٢٠= ٥÷ ١٠٠

نسبة الزكاة% ٢.٥= ٨÷ ٢٠

د السفلى، وأنه ال يكون دخول اجلنة حض اهللا تعاىل على العمل، وبين أن اليد العليا خري من الي: وأخرياإال بالعمل الصاحل واإلنفاق مما حتب النفس وتشتهي، فال يعين الضمان االجتماعي يف اجملتمع اإلسالمي

كما أثر عن النيب )١(»من أمسى كالا من عمل يده أمسى مغفورا له«لكل فرد الوقوف عن العمل بل جزة واملرضى واليتامى وغريهم، ممن ال يستطيعون السـعي ومـع ، باستثناء املقعدين عن العمل والع

مني، وفرضا لفقراء أهل الكتاب الذين هم أقلية يف ذمة لذلك بالكفاف املفروض هلم من بيت مال املس .املسلمني

                                                             .طرباينرواه ال )١(

Page 156: السبع المثاني

155 

 

صوم قبل الصيام

ع املثـاين، هذا ومبا أن عماد الصوم وروحه يف الصالة، والصالة بالتراويح وبفاحتة أم الكتاب أي السب

يا أيها الذين آمنوا كتب علـيكم الصـيام كمـا كتـب علـى الـذين {: كما أن غاية الصيام التقوى بقوله تعاىل، وحصول التقوى بصالة التراويح، فالفاحتة والصالة والصيام كل ال يتجـزأ، }من قبلكم لعلكـم تتقـون

:ول وباهللا املستعانلذا نق

واحملرمات، ألن الصوم عن املعاصي واحملرمـات شـرط ليس املراد من الصيام هنا الصوم عن املعاصي أساسي هلذا الصيام الذي سنتكلم عنه اآلن، وليس مبستطيع كما كنا بينا سابقا أن ينتسب للجامعة من

.مل يهيئ نفسه من قبل يف املدارس اإلعدادية والثانوية

ال يستطيع املرء أن يصوم رمضان صياما حقيقيا، وال يستطيع أن يصل إىل الثمـرة : بناء على ما نقولواملطلوبة منه، من مل يكن صائما من قبل عن املعاصي واملنكرات، وكل صيام ال يستقيم صاحبه علـى

م ليس له من صيامه إال كم من صائ«: أوامر اهللا، فما هو مبستفيد منه إلا القليل، ويف احلديث الشريف

.وسببه ضعف اإلميان، والصيام مفروض على املؤمنني ليستنريوا. )١(»اجلوع والعطش

أما وقد عرفنا أن الصوم عن املعاصي واحملرمات شرط أساسي للمؤمن يف صيام رمضان، فما املراد وما

وا الصـيام إلـى أتمـ ..{: الغاية إذن من صيام رمضان عـن الطعـام والشـراب كمـا قـال تعـاىل .وماذا يعمل الصائم يف رمضان حىت يصل إىل تلك الغاية؟. ؟)٢(}..الليل

                                                             .أخرجه النسائي وابن ماجه )١(

 ).١٨٧(اآلية : سورة البقرة )٢(

Page 157: السبع المثاني

156 

 

يـا أيهـا الـذين آمنـوا {: الغاية من الصيام والوصول إىل ما أشارت إليه اآلية الكرمية يف قوله تعاىل: أقول .)١(}ين من قبلكم لعلكم تتقونكتب عليكم الصيام كما كتب على الذ

ومن هذه اآلية الكرمية يتبين لنا أن الغاية من الصـيام .هي الوصول إىل التقوى، فما هي التقوى يا ترى؟

كنـا بينـا يف : أقول. هذا، وألن التقوى أساس السبع املثاين وقوامها وجوهرها، أتينا اآلن على ذكرهامعىن التقوى والطريق املوصلة إليها، وزيادة يف اإليضاح، وليتبين لك معىن هـذه )٢(رةمطلع سورة البق

هب أن رجال يسري ليال يف غابة واسعة األرجاء كثيفة : الكلمة بصورة جلية، نضرب املثل اآليت فنقوليق، فما دام األشجار، كثرية املخاوف واألخطار، وكان بيد هذا الرجل مصباح منري يضيء له ظلم الطر

بيده هذا املصباح فهو حمفوظ من الضالل، وهو يف جنوة من سائر األخطار، فإذا مـا رأى يف طريقـه صخرة من الصخور، كشفها له ذلك النور فحاد عنها ومل يتعثر هبا، وإذا ما اعترضت سريه حفـرة أو

عوانا مؤذيا أو وحشـا ضـاريا بئر سحيقة، فسرعان ما يراها ويتقيها وال يتردى فيها، وإذا ما رأى أفختلص من شره واتقاه، وكان هذا املصباح الكاشف والنور املضيء، سببا يف اتقائه كل ما يتعرض له من

اليت هي االستنارة القلبيـة : حوادث مؤذيات وأخطار، وذلك هو مثال يعرفنا باملراد من كلمة التقوى

. بنور اهللا ورسوله

واملعاصي، وسائر ما حـذرنا ه احلياة الدنيا، وما املخاوف واملخاطر واآلبار إال اجلرائموما الغابة إال هذاهللا تعاىل منه من منهيات ناجتة عن الشهوات احملرمة، وما النور الذي حتصل به التقوى، إال ذلك النـور

                                                             ).١٨٣(اآلية : سورة البقرة )١(

 .وما بعدها) ٥٨ص(لطفا انظر كتاب تأويل األمني )٢(

 التقوى

Page 158: السبع المثاني

157 

 

ه ما يف املنهيات ، فيكشف له ظلم احلياة، ويرياإللهي يستمده املؤمن من خالقه بواسطة رسوله .من شرور وموبقات

ففي شهر الصوم، حيث تنقطع النفس عن الدنيا ومشاغلها، وتنقطـع عنـها الوسـاوس ا ومعرفـة، الشيطانية النشغاهلا جبوعها، تكون قد هتيأت ألن تزداد يف الكمال اإللهي شهود

هلا وثيق االرتباط بنور الهتا، وتسمو يف حمبة اهللا آنا بعد آن، ويصبحكلما تلت الفاحتة يف ص، وعظـيم مقامـه خالقها، متصلة به تعاىل، وتكون هلا ليلة القدر لقدر مرشدها ودليلها

العظيم، عروة وثقى ال انفصام هلا، وسفينة عظمى ال غرق يف أوحال الدنيا بعدها، وضـياء وأنـوار وهبـاء منريا ال ظلمة بعده، فترى ما ترى من أمساء اهللا احلسىن، من عظمة وجالل

وكفى به نورا يمشى به . فتذوب النفس املشاهدة تقديرا وحبا وشغفا باهللا وأنواره... ومجالاهللا قد أويت يف دنياه وآخرته، على نور وهدى واستقامة لرؤيته هبذه احلياة وكفلين من رمحة

.الفتانة ظاهرا، لقد فاز التقي بالدارينالغرور،

* * *

Page 159: السبع المثاني

158 

 

التراويحصالة

:تعريفها

هي عشرون ركعة، تصلى ركعتني ركعتني، بعد صالة العشاء وسنتها وقبل الوتر، وتكون تأديتـها يف .شهر رمضان املبارك، وتصلى مجاعة، وجهرا

:والتراويح مبشاهداهتا القلبية

الستطاعة، فالصائم وقـد تتم باالستقامة على أمر اهللا، وعدم هتاون اإلنسان يف الرب واإلنفاق على قدر امرنت نفسه طوال هنارها على القطيعة بينها وبني الشيطان النشغال ساحتها باجلوع والعطش، كما أن له من صيامه عن الطعام والشراب عون على الثقة من أنه أرضى اهللا، فيكون ذلك لـه سـببا عظيمـا

الة بعد أن تناول يسريا من الطعام والشـراب، وحافزا قويا على اإلقبال على ربه، فإذا وقف عشاء للصوقدم من الصاحلات ما استطاع، ومل وقد ازدانت نفسه باالستقامة على أمر اهللا وعدم هتاونه يف حدوده، هللا بصيامها وأفعاهلا، وما إن يدخل ايتلبس بثوب من أثواب املعصية، بل إن نفسه كلها ثقة أنها أرضت

نفسه مغمورة بفيض من نور اهللا، شاخصا ببصريته إىل اهللا، وهكذا، يزدان ن يرىيف الصالة ال يلبث أ، ويرتشف من هذا الكنز ما يرتشف، بليايل رمضان بصفات الكمال اإللهي املطبوعة يف نفس اإلمام

كان مث جيد أن هذه املشاهدات واألذواق والبوارق واألحوال من معينها احلقيقي، فريى أن هذا العطاء

، األنوار متنزلة علـى رسـول اهللا ) ببصريته(أي يرى بقلبه . فعليه من اهللا على رسوله وحي يوحى، ومن هنا يتجلـى لنـا معـىن العالية بكالم اهللا، وأن رسول اهللا واملعاين

.رؤية الوحي: اللفظي، أي) التراويح(

على اخلالئق أمجعني، إذ هو رمحة ، فأي إن كنت تقيا ترى الوحي املتنزل على رسول اهللا .للعاملني أرسله اهللا

Page 160: السبع المثاني

159 

 

التسابيحصالة

:تعريفها

هي أربع ركعات، تصلى ركعتان ركعتان مثل باقي الصلوات، يقرأ املصلي يف كل ركعة كما يقرأ يف ىل قـال الصلوات العادية، الفاحتة وبعض آي الذكر احلكيم، فإن فرغ املصلي من القراءة يف الركعة األو

يقوهلا مخس عشـرة ) ...سبحان اهللا واحلمد هللا وال إله إال اهللا واهللا أكرب: (وهو قائم وقبل أن يركعـ : (ثالثا، وبعدها يقول) سبحان ربي العظيم: (مرة، مث يركع فيقول ه إال سبحان اهللا واحلمد هللا وال إل

، مث )مسع اهللا ملن محده: (ىل االعتدال ويقولعشر مرات، مث يرفع رأسه من الركوع إ) ...اهللا واهللا أكربمخس عشرة مـرة، مث يسـجد وبعـد ) ...ه إال اهللا واهللا أكربسبحان اهللا واحلمد هللا وال إل: (يقول

يقوهلا عشر مرات، مث يعتدل من السجود فيقوهلا مخـس عشـرة، مث ) سبحان ربي األعلى: (تسبيحه .يسجد فيقوهلا عشرة

لتسبيحات يف الركعة الواحدة مخسا وسبعني تسبيحة، ويفعل ذلك يف كل ركعـة ويكون جمموع هذه ا .من الركعات األربع، ويكون جمموع التسبيحات يف األربع ركعات ثالمثائة تسبيحة

على أدائها للمتفرغ الراغب يف كل يوم، ملن يطيق ذلك، فإن مل يستطع ففي كل وقد حث الرسول ففي كل شهر مرة، فإن مل يفعل ففي كل سنة مرة، فإن مل يفعل ففي العمـر مجعة مرة، فإن مل يفعل،

.و ليلة آخر يوم صوم من شهر رمضان، ليلة عيد الفطرفإن أداها كل سنة مرة فخري وقت هلا ه. مرة

شـهر إذ أن اإلنسان إن تابع على طاعة اهللا واالستقامة على أمره، وعلى دميومة اجلهاد لرضاء اهللا طيلة رمضان، وقام إىل صالة التسابيح يف آخر يوم، قام ونفسه واثقة من طاعتها هللا، وقد جدت واجتهدت،

يصبح املصلي ذا وجه أبيض جتاه ربه، فتعرج نفسه يف ملكوت اهللا ) صالة التسابيح(ففي هذه الصالة متنزلة من الفضل اإللهـي، وملكه، وتسوح نفسه مع السائحني من أهل اهللا، فتشاهد سياالت نورانية

ويشاهد بعني البصرية حنان اهللا على خملوقاته وعطفه وبره وإكرامه وإحسانه وتسيريه اخلير الذي حيمد ) ...سبحان اهللا واحلمد هللا وال إله إال اهللا واهللا أكـرب (سبحانه دوما عليه، وكلما تال املؤمن الكلمات

Page 161: السبع المثاني

ازداد رقيا ومسوا، إذ ما هذا التعبري اللفظي إال تعبري عن سبح نفسي شهودي يف عظمة اهللا سـبحانه

 .وتعاىل، تلك العظمة اليت ال تتناهى، ويف ذلك اجلمال والكمال اإللهي الذي ال يضاهى

للتسيري اإللهي لسائر ، فهو يعبر عن سبح نفسي مقرون بشهود )سبحان اهللا: (فإن قال املؤمن التقي

الكائنات يف هذا الكون، ويرى أن هذا الكون جبميع ما فيه من عوامل، سائر كله بإذن هـذا الـرب

إقرار مـن نفسـه ) احلمد هللا(العظيم، فال اية واحلالة هذه جلالل اهللا وال حد وال انتهاء، ويف قوله

لكون كله مبين على الرمحة والفضل اإللهي، لذا حيمده املستنرية أن هذا التسيري اإللهي جلميع ما يف ا

سبحانه وتعاىل عليه، ويرى أنه ال يصدر عن هذه الذات اإللهية الرحيمة إال كل خري وإحسان، وقد

.مشلت بذلك كل ما هو كائن وما سيكون وما قد كان

شؤون كافة املخلوقات، على الرغم وهو يشهد أنه سبحانه هو وحده املسير ل) ال إله إال اهللا(ويقول

فهو سـبحانه الواسـع : من أنها تتطلب تسيريا دقيقا، وعلما شامال وقدرة ال متناهية وحكمة بالغة

ذاكرا اسم الـذات ) اهللا أكرب(احلكيم، واإلله القدير، والعزيز الرحيم، وهكذا يسمو ويتسامى فيتلو

كلها، فمهما شهد من فضله ففضله أكرب، ومهما شـهد مـن العلية األعظم اجلامع لألمساء احلسىن

ر للكائنات فاهللا أكرب وأكرب، ال حدإنعامه وكرمه ففضله وإنعامه أعظم، ومهما رأى من تسيريه اخلي

.له وال انتهاء

هذه بعض من املعاين واألذواق اليت تتذوقها نفس هذا املؤمن خالل سياحتها وسبحها النفسي

 .صالة التسابيح، واليت تشري إليها كلمة التسابيح لفظا الشهودي يف

Page 162: السبع المثاني

161 

 

www.amin-sheikho.com: موقعنا على اإلنترنت

Page 163: السبع المثاني