تم تصدير هذا الكتاب آليا بواسطة المكتبة الشاملة )اضغط هنا لالنتقال إلى صفحة المكتبة الشاملة على اإلنترنت(

الكتاب : تقريب البعيد إلى جوهرة التوحيدالمؤلف : الشيخ علي بن محمد الصفاقسي

تحقيق : الشيخ الحبيب بن طاهر

المصدر : منتديات دار اإليمان

تقريب البعيد إلى جوهرة التوحيدتأليف

الشيخ علي بن محمد التميمي المؤخر الصفاقسيهـ(1118)كان حيا سنة

تحقيقالشيخ الحبيب بن طاهر

(1/1)

التعريف بــ اإلمام إبراهيم اللقاني، صاحب "جوهرة التوحيد".

ـ الشيخ علي التميمي المؤخر، شارح "جوهرة التوحيد".(1 )إبراهيم اللقاني

م(1632هـ/1041)تـ اسمه:

إبراهيم بن إبراهيم بن حسن بن علي بن عبد القدوس بن الولي الشهير محمد بن هارون اللقاني المالكي، المصري. لقبه : برهان الدين، وكنيته: أبو األمداد،

وأبو إسحاق. وله اتصال هو وقبيلته المنحدر منها بالنسب الشريف. وكان ال يظهره تواضعا

منه.و"اللقاني" نسبة إلى لقانة، قرية من قرى مصر.

شيوخه ومكانته العلمية والتربوية ال يعرف عن إبراهيم اللقاني شيئا فيما يتعلق بمكان والدته ونشأته وحياته

الشخصية؛ فيبدأ المترجمون له بذكر العلماء الذين أخذ عنهم العلوم الدينية. وأبرز هؤالء: صدر الدين المناوي، وعبد الكريم البرموني، وسالم السنهوري الذي

أكثر األخذ عنه، ويحيى القرافي. وفي مجال التربية والسلوك، فقد صحب شيخالتربية أبا العباس الشرنوبي وانتفع به.

وبعد طول المراس مع العلوم الشرعية وصحبة العلماء عرفه الناس أحد العلماء األعالم وأئمة اإلسالم، المشار إليهم بسعة االطالع والرسوخ في العلوم

الشرعية، حتى أصبح مرجع العلماء في المشكالت والفتاوى في وقته. ولعل مؤلفاته اآلتي ذكرها كفيلة بأن تعطي صورة عن العلوم التي كان هذا اإلمام

متبحرا فيها.__________

؛ التقاط الدرر، للقادري؛ خالصة األثر،1/28( ترجمته في: األعالم، للزركلي:1) ؛ الفكر السامي في تاريخ291؛ شجرة النور الزكية، لمخلوف:9-1/6للمحبي:

؛ معجم1/2؛ معجم المؤلفين، لكحالة:278-2/277الفقه اإلسالمي، للحجوي:.2/1592المطبوعات العربية والمعربة:

(1/1)

ويضاف إلى هذا الجانب العلمي، أنه كان متأثرا بما أخذه عن شيخه الشرنوبي من سلوك مسلك التصوف؛ مع ما كان يحمله في تكوينه التربوي من تراث جده األعلى محمد بن هارون الذي ترجم له الشعراني في كتابه " طبقات األولياء "؛ إذ لم يكن التعليم الديني في ذلك العصر تعليما نظريا بحتا، فقد دخل التصوف المعاهد الدينية، وشاع بين طلبتها االنتساب إلى طريقة من الطرق الصوفية،

تهتم قبل كل شيء بالتربية العملية والروحية، بتعميق حب العبادة والذكرواألخالق الدينية، والمراقبة الدائمة لله تعالى.

وقد جمع اللقاني في تكوينه بين هذين الرافدين، ما جعله فيما بعد جامعا بين اإلمامة في علم الشريعة واإلمامة في علم الحقيقة ـ على مصطلح أهل

التصوف ـ، وأن يكون معدودا في سلك الصالحين من هذه األمة. وقد طبعت كل من مكانته العلمية الصادقة ومكانته التربوية المخلصة سيرته

بمظاهر من قوة العزيمة واالعتداد بالنفس وعظمة الشخصية، ما جعله منافسا لرجال الدولة في زعامتهم على الناس، وفارضا عليهم قبول شفاعته وتدخالته

في تظلمات الناس وقضاء مصالحهم، ويفعل ذلك دون التردد عليهم.وكان همه األكبر أن يصرف وقته في الدرس واإلفادة.

تالميذه: بلغ تالميذ اإلمام اللقاني عددا كبيرا، شأنه في ذلك شأن كل من كان في عصره

إماما، متميزا بغزارة علمه، وتعدد اختصاصاته، وثقة علماء عصره فيه وفيعلمه. وفي تالميذه من ورث عنه الرئاسة العلمية، ومن أشهرهم:

ـ ابنه أبو محمد عبد السالم اللقاني: اإلمام، المحقق، المتقن,، المحدث،(.1م()1668هـ/ 1078األصولي، المتكلم. شيخ المالكية في وقته )تـ

ـ أبو عبد الله محمد الخرشي: الفقيه، العالمة. شيخ المالكية في عصره)تـ(.2م()1690هـ/1101

ـ أبو محمد عبد الباقي الزرقاني: الفقيه، اإلمام، العالمة، المحقق، مرجع(.3م()1688هـ/1099المالكية)تـ

__________.304( شجرة النور الزكية:ص1)

.317( شجرة النور الزكية:ص2).304( شجرة النور الزكية:ص3)

(1/2)

ـ أبو إسحاق إبراهيم الشبرخيتي: الفقيه، اإلمام، المحقق، القدوة، العالم،(.1م()1695هـ/1106العامل. )تـ

وغيرهم كثير، حتى قالوا: " لم يكن أحد من علماء عصره أكثر تالمذة منه ". وهؤالء الذين ذكرناهم لهم مؤلفات تدل على علو مكانتهم العلمية، شأن إمامهم

اللقاني الذي أخذوا عنه.مؤلفاته

تنوعت مؤلفات اإلمام اللقاني بين الفقه، والفتوى، والحديث، والعقيدة، واللغة.وهي اآلتي ذكرها:

في الفقه:ـ حاشية على مختصر خليل.

ـ منار أصول الفتوى وقواعد اإلفتاء باألقوى.ـ عقد الجمان في مسائل الضمان.ـ نصيحة اإلخوان باجتناب الدخان.

في أصول الفقه:ـ البدور اللوامع من خدور جمع الجوامع. وهو حاشية على جمع

الجوامع )لم يكمل(.في الحديث:

ـ قضاء الوطر من نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل األثر،للحافظ ابن حجر )في مصطلح الحديث(.

…ـ إجمال الوسائل وبهجة المحافل بالتعريف برواة الشمائل.…ـ تحفة درية على البهلول بأسانيد جوامع أحاديث الرسول.

في اللغة:………ـ خالصة التعريف بدقائق التصريف)لم يكمل(.

…ـ توضيح ألفاظ األجرومية.في التراجم:

…………ـ نثر المآثر فيمن أدركتهم من علماء القرن العاشر)لم يكمل(.في العقيدة:

………ـ تعليق الفوائد على شرح العقائد للسعد التفتزاني )لم يكمل(.…ـ األقوال الجليلة على الوسيلة.

…ـ جوهرة التوحيد )نظم(. وشروحه الثالثة عليها. وسيأتي ذكرها.وفاته

سافر اإلمام اللقاني ألداء فريضة الحج، وعند رجوعه لبى داعي ربه، فتوفي بالقرب من مدينة "أيلة" بطريق الركب المصري، ودفن بمكان وفاته، وذلك

م. رحمه الله تعالى وأجزل ثوابه.1632هـ/1041سنة

__________.317( شجرة النور الزكية:ص1)

(1/3)

(1الشيخ علي التميمي المؤخر )م(1706هـ/1118)كان حيا سنة

علي بن محمد بن محمد التميمي الملقب بالمقدم، الشهير بالمؤخر، الصفاقسي. كذا ورد اسمه كامال بخط يده في خاتمة نظم له في العقيدة.

واكتفى في شرحي الجوهرة والعقيدة النورية بذكر لقب الشهرة.وكنيته أبو الحسن.

اإلمام، عالم القراءات، المتكلم، النحوي، الفلكي. الزم الشيخ علي النوري، وأخذ عنه علوم العربية والشريعة والميقات والحساب.

هـ/1131وهو يعد أكبر تالميذه سنا. كما درس على الشيخ عبد العزيز الفراتي)تـ م(، الذي رجع إلى صفاقس من رحلته العلمية بمصر والحجاز، بعد رجوع1719

الشيخ النوري بأربعة عشر عاما. ولم تذكر مصادر ترجمته أن له رحلة لطلب العلم خارج صفاقس، ومع ذلك فقد حصل عن طريق شيخيه ـ وخاصة الشيخ النوري ـ على ما يمكن أن يحصله كل

طالب علم لكي يصبح عالما مفيدا بعلمه، تعليما وتأليفا؛ مما يدل على المستوى العلمي الرفيع الذي كانت تؤهل به المدرسة النورية طلبتها، بحيث تجعلهم

مكتفين بها عن غيرها. فمنها تخصص الشيخ المؤخر في علوم الدين وخاصة علوم القراءات والكالم والنحو والفلك، وقد وصفه مقديش بالمحقق، ووصفه

مخلوف باإلمام العالم المتفنن، والمؤلف المتقن.__________

؛ محفوظ,189( مصادر ترجمته: خوجة, حسين. ذيل بشائر أهل اإليمان, ص:1) ؛ مخلوف, محمد, شجرة النور419-4/414محمد. تراجم المؤلفين التونسيين:

؛ ابن ناصر الدرعي,2/369؛ مقديش, محمود. نزهة األنظار, 1/345الزكية, 2/164أحمد بن محمد. الرحلة,

(1/4)

وإن لم تتوسع المصادر في التعريف بمختلف أنشطة هذا العالم، لكن الذي يفهم من مالزمته لشيخه النوري أنه كان على طريق شيخه في توجهه الروحي

وإقباله على تقوى الله تعالى ومراقبته ومداومة العبادة والذكر وتالوة القرآن؛ وأنه كان مشاركا له في مجمل أنشطته التعليمية والتربوية والعملية، من األمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد وغير ذلك. وقد يكون تعرض لالضطهاد

(.1في محنة شيخه، إما بالسجن أو بالنهب أو بالفرار والتشريد) وكان الشيخ النوري يرسله في بعض المهمات نيابة عنه، فقد ورد أنه لما علم

بمرور ابن شيخه الدرعي الشيخ أحمد بن محمد بن ناصر الدرعي بمدينة قابس عند رجوعه من الحرمين الشريفين، أرسله مع ابنيه وبعض الطلبة لمالقاته

م، فأجازهم الشيخ1699هـ/1110والسالم عليه وطلب اإلجازة منه، وذلك سنة الدرعي في الحديث ومصطلحه، والتفسير، والفقه وأصوله، والتوحيد، والنحو،

والصرف، وعلم البيان، والمنطق، والعروض، والميقات، والرسم، والفرائض(.2وغيرها من العلوم)

ومعلوم أن اإلجازة شهادة من العالم المجيز لمن أجازه على أهليته بتدريس ما أجازه فيه؛ وهذا يدل على سبق معرفته بمكانته العلمية، إما بمعرفته الشخصية

له، أو باشتهاره ووصول خبره إليه، وهو شأن الشيخ المؤخر.__________

( انظر التعريف باإلمام علي النوري الصفاقسي وبحركته اإلصالحية, في1) الدراسة التي قدم بها كتاب "مبلغ الطالب إلى معرفة المطالب" وهو شرح

الشيخ المؤخر على العقيدة النورية. , نقال عن رحلة20( العالم الصالح المصلح علي النوري, محمد محفوظ: 2)

.2/164أحمد بن ناصر الدرعي

(1/5)

وقد ضمن الشيخ الدرعي في إجازته للشيخ المؤخر شهادة له بأنه من أجل (. كما مدحه أحمد بن قاسم1تالميذ الشيخ النوري، وأنه نبيه في النجابة والفكر)

م( وأثنى على شرحه للعقيدة النورية،1715هـ/1199العصفوري التونسي)تـ وذلك في مقدمة شرحه عليها المسمى بـ» الفوائد العصفورية على العقائد

(.2النورية«) وقد ذكر صاحب " نزهة األنظار" أنه كان يقيم بصحن ضريح اإلمام أبي الحسن اللخمي مع عياله، وأنه تولى اإلمامة والتدريس في المسجد المالصق للضريح.

وقد زاره فيه الشيخ عبد الله السوسي السكتاني المغربي، عند توجهه إلى جربة للقراءة على الشيخ إبراهيم الجمني؛ وكان قصده زيارة الشيخ علي النوري، إال

أنه أخبر بوفاته، فسأل عن أكبر تالميذه، فأرشد للشيخ المؤخر، فزاره فيالمسجد المذكور، وذكر أنه مبتلى بفقد إحدى كريمتيه ـ عينيه ـ.

وال يعرف هل تولى الشيخ المؤخر اإلمامة والتدريس بالمسجد المذكور قبلوفاة شيخه النوري أم بعد وفاته.

كان الشيخ المؤخر ينظم الشعر، وقد أورد له الشيخ أحمد الدرعي مقاطع منه في رحلته، تتضمن اعتذار الشيخ النوري عن عدم حضوره لزيارته، وطلب

(.3اإلجازة له والبني الشيخ وبعض تالميذه) توفي الشيخ المؤخر ـ رحمه الله تعالى ـ ودفن بتربة شيخه، ومع إخوانه تالميذ

الشيخ النوري، بحسب وصية هذا األخير بذلك.مؤلفاته

(.4 ـ تقييد في بعض قواعد من أصول القراءات)1(.5 ـ شرح "ألفية السيوطي" في النحو)2

__________( نفس المصدر.1).4, وعدد أواراقه19955( مخطوط بدار الكتب الوطنية بتونس, رقمه:2) , نقال عن رحلة20( " العالم الصالح المصلح علي النوري ", محمد محفوظ: 3)

أحمد بن ناصر الدرعي.( مخطوط توجد منه قطعة بدار الكتب الوطنية.4)( مخطوط توجد منه قطعة مسودة بخطة بدار الكتب الوطنية.5)

(1/6)

ـ رسالة في "العمل بالربع المجيب". واختصرها في رسالة أخرى بهذا االسم،3(.1وتمتاز عنها برسم األشكال الهندسية)

ـ المية في حروف المعاني، من البحر البسيط. نظمها استجابة لرغبة علي بن4 سليمان المهدوي، المعروف بابن سالمة، ولخص فيها ما في "المغني" البن

بيتا.75(. وهي في 2هشام) ـ شرح على الميته في حروف المعاني. ينقل عن "المغني" ويناقشه ويستعين5

بقواعد القراءات. ومن أنفس ما فيه الكالم على "كال" ومعانيها في القرآن،(.3وحكم الوقف عليها)

ـ فرائد القالئد في صحة اإليمان والعقائد. وهو منظومة فرغ منها يوم الجمعة6 بيتا.217(. وهي في 4م)1700هـ/1111صدر شعبان سنة

ـ تقريب البعيد إلى جوهرة التوحيد. وهو شرح على "جوهرة التوحيد" لإلمام7(.5إبراهيم اللقاني. وهو مناسب للمبتدئين)

ـ مبلغ الطالب إلى معرفة المطالب. وهو شرح على عقيدة شيخه علي8 النوري. ألفه في حياة شيخه، كما يستفاد من ديباجة الشرح. وألفه بعد "تقريب البعيد" استجابة لرغبة بعض اإلخوان. واعتمد فيه على شرحين، أحدهما للشيخ

م(، واسمه: "الخلع البهية1690هـ/1101أحمد الفيومي الغرقاوي المصري)تـعلى العقيدة النورية"، ورمز له بحرف "ح"؛ والثاني ألحمد الحريشي الفاسي)تـ

م(, واسمه: "المواهب الربانية على العقيدة النورية"، ورمز له1730هـ/1143 بحرف "ف". والمؤخر ألف شرحه في حياة األخير منهما، وفي حياة شيخه

النوري.__________

( مخطوط بخط الشيخ محمود السيالة, بدار الكتب الوطنية.1)( مخطوط في ثالث ورقات, بدار الكتب الوطنية.2)( مخطوط مسودة بخطه, بدار الكتب الوطنية.3).19958( مخطوط بخط المؤلف, في ست ورقات, بدار الكتب الوطنية رقم 4)( مخطوط, يوجد قطعة منه بخط المؤلف بدار الكتب الوطنية.5)

(1/7)

التعريف بـ »جوهرة التوحيد«اشتهر اإلمام اللقاني وعرف بتأليفه »جوهرة التوحيد« أكثر من تآليفه األخرى. وهي منظومة في العقائد، ضمنها العقائد اإلسالمية على منهج األشاعرة، وهو

المنهج الذي تبناه أهل السنة منذ تأسيسه على يد اإلمام أبي الحسن األشعري رحمه الله تعالى واقتدوا به في ذلك وانتصروا له؛ ألنهم »رأوا في منهجه امتدادا لمنهج سلف األمة من الصحابة والتابعين وتابعيهم، من حيث االنتصار لما جاء به

القرآن الكريم والسنة النبوية من العقائد واالحتجاج لها وذلك بزيادة تأييدها بالبراهين العقلية، وهو ما لم يكن علماء السلف قد فعلوه، وإنما كانوا يكتفون

بإيراد األدلة النقلية ال غير، مما جعل من جاء بعدهم من علماء أهل السنة يقعون في الحرج، لظهورهم في مظهر العاجز عن الدفاع عن العقائد التي نص عليها

القرآن والسنة النبوية، أمام المذاهب اإلسالمية األخرى، وخاصة المعتزلة الذين تعسفوا في تأويل بعض اآليات القرآنية وفي رد بعض األحاديث النبوية المتواترة؛

وكذلك أمام شبهات المقيمين بين ظهراني المسلمين من اليهود والنصارى والمجوس والمتفلسفة وتشكيكاتهم. حتى جاء األشعري وتكشف لعلماء أهل السنة حقيقة منهجه، وأن هدفه نصرة عقائد أهل السنة باألدلة العقلية بنفس

سالح المغالين في استعمال العقل وكذلك بنفس سالح المشككين. وبذلك وجد أهل السنة في آراء اإلمام األشعري ومنهجه ما يحفظ عليهم عقائدهم

المنصوص عليها من جهة، وينصرها ويقطع حجج المخالفين من جهة أخرى. وظل هذا المنهج يجد االستحسان والقبول لدى علماء أهل السنة، ويخضعونه

للنقد والتمحيص والمراجعة والتصحيح، حتى أصبح بذلك ممثال ومعبرا عن عقيدة (1أهل السنة قرونا متطاولة من عهد مؤسسه في أول القرن الرابع الهجري«)

إلى أن نشأ في أحضانه إبراهيم اللقاني__________

( انظر مقدمة تحقيق " مبلغ الطالب في شرح المطالب " للشيخ علي1)المؤخر على العقيدة النورية.

(1/8)

وتمكن من قواعده وأصبح إماما فيه، في القرن الحادي عشر الهجري. وقد ألف اإلمام اللقاني هذه العقيدة على شكل نظم، وهي طريقة دأب عليها علماء اإلسالم في شتى العلوم، حتى الطبية، في وضع مختصرات للعلوم حين

يتوجهون بالتأليف للمبتدئين؛ وذلك للتيسير عليهم حفظ أصول العلوم وقواعدها؛ لما للنظم من تميز في صياغته بإيقاعاته الموسيقية، وخفة عباراته، وسالسة

معانيه وسهولة تلفظ اللسان به؛ مما يجعل الطفل يردده بترنم ينسجم مع روحهالصافية وعقله الخالي من الهموم.

ثم تأتي مرحلة ثانية، يقوم فيها صاحب النظم أو غيره من العلماء بوضع شرح عليه، يبسط مسائله ويتوسع في مادته بحسب المستوى الموجه إليه هذا

الشرح؛ وذلك لالرتقاء بطالب العلم من مرحلة االختصار إلى مرحلة التحليلوالتعليل والتعمق.

وقد لقيت الجوهرة قبوال حسنا من العلماء، وذاعت في مراكز العلم بالمغرب عن طريق الطلبة الذين درسوا باألزهر في عهد مؤلفها ثم رجعوا إلى أوطانهم؛

وأصبحت بذلك مادة للتدريس، فأقبل طلبة العلم على حفظها وفهمها. وقد ورد أن مؤلفها أنشأها في ليلة واحدة بإشارة من شيخه أبي العباس

الشرنوبي.

(1/9)

شروح " الجوهرة " أول من قام بشرح الجوهرة هو صاحبها اإلمام اللقاني، فقد وضع عليها ثالثة

شروح، وهي: ـ عمدة المريد لجوهرة التوحيد1 ـ تلخيص التجريد2 ـ هداية المريد لجوهرة التوحيد.3

وقد ذكر اللقاني نفسه هذه الشروح التي وضعها على »الجوهرة«، وذلك في مقدمة »هداية المريد«، فقد جاء فيه: »فإن أفضل العلوم علم دين الله

وشرائعه، فإن به حفظ اإليمان واإلسالم الذين هما من أجل ودائعه، وأفضلهنية ويرتقي إلى علم العقائد الدينية، فإن به يهتدي المكلف إلى المسالك الس

نية، وقد وضعت فيه منظومتي المسماة بـ »جوهرة التوحيد« ألنها المراتب الس حوت من بدائعه ما هو كالفريدة في العقد الفريد من الجيد، وشرحتها قبل هذا

شرحين جليلين، أحدهما:»عمدة المريد«، وثانيهما:»تلخيص التجريد«، ثم أدركتني رحمة الضعفاء فثنى عنان القلم إليهم حب اإلسعاف حين طلب مني

جماعة من اإلخوان وجلة من الخالن شرحا لها ال يكون قاصرا عن إفادة القاصرين، خاليا عن اإلسهاب واإلطناب وعما يصعب فهمه من اإليجاز على

المبتدئين وغير الممارسين؛ ليعم نفعه العباد، ويتفرغ له العباد، ويتعاطاه الحضري والباد. فأجبتهم إلى ذلك، واثقا بأقدار الكريم المالك، مسميا له

بـ»هداية المريد لجوهرة التوحيد«. ثم قام بشرحها ابنه عبد السالم اللقاني، وسماه: »إتحاف المريد بجوهرة

التوحيد«. ولم نقف ـ من خالل بعض كتب التراجم ـ على من قام بشرحها بعدهما سوى

(؛ لذلك يعتبر الشيخ1سعيد بن إبراهيم قدورة الذي اقتصر على شرح خطبتها)المؤخر ثالث شارح لها. وقد بين سبب قيامه بهذا الشرح في مقدمته.

__________.309( شجرة النور الزكية:ص1)

(1/10)

ثم توالت الشروح عليها، من ذلك: ـ »تحفة المريد شرح جوهرة التوحيد« للشيخ إبراهيم بن محمد البجوري، شيخ

هـ/1403هـ. طبع دار الكتب العلمية, بيروت,1277جامع األزهر، المتوفى سنة م.1983

ـ »المنهج السديد في شرح جوهرة التوحيد« للشيخ محمد الحنيفي الحلبي, هـ. طبع دار ابن حزم، بيروت، لبنان.1342المتوفى سنة

ـ »بغية المريد لجوهرة التوحيد« لألستاذ الشيخ إبراهيم المارغني، المفتي هـ. طبع1349المالكي بالمجلس الشرعي بالديار التونسية، المتوفى سنة

م.1938هـ/1357المطبعة التونسية، نهج سوق البالط، ***

النسخ المعتمدة في التحقيقتم االعتماد في التحقيق على ثالث نسخ، وهي:

وطنية، وأصلها من مكتبة الشيخ علي النوري20347النسخة األولى: رقمهابصفاقس.

38عدد األوراق:23المسطرة:

الناسخ: هو المؤلف نفسه، وعليها تم االعتماد في الترجيح. إال أنها ناقصة ورقةواحدة من أولها، وخمسة ورقات من آخرها.

وطنية2820النسخة الثانية: رقمها: 59عدد األوراق:

20المسطرة:الناسخ: علي بن سعيد النموشي.

هـ.1260تاريخ االنتهاء من النسخ: السبت، ربيع الثاني وطنية.1648النسخة الثالثة: رقمها:

46عدد األوراق:23المسطرة:

الناسخ: محمد بن الحاج موسى الجزيزي.هـ.1251 ذو الحجة 23تاريخ االنتهاء من النسخ: السبت

ورمزنا إلى النسخة األولى بحرف) أ (، وإلى الثانية بحرف) ب (، وإلى الثالثة بحرف )ج(. ولما كان اعتمادنا على النسخة األولى ألنها بخط المؤلف لم نحتج

ولم نر حاجة إلى إثبات االختالفات، ألنها غير ذات قيمة.

(1/11)

تقريب البعيدإلى

جوهرة التوحيد

(1/12)

بسم الله الرحمن الرحيموصلى الله علي سيدنا وموالنا محمد وسلم

قال الشيخ الفقير، المضطر إلى رحمة ربه القدير، الطامع في عفوه وفضله: علي بن محمد، التميمي أصال، المؤخر لقبا، الصفاقسي بلدا، عفا الله عنه. نفعنا

الله به وبعلومه بجاه سيد األولين واآلخرين: الحمد لله الذي اختص بصفات األلوهية والتوحيد، وجعل أشرف العلوم وأنفعها

علم العقائد والتوحيد، والصالة والسالم على سيدنا محمد المبعوث بالهداية والتأييد، وعلى آله وأصحابه أولي النجابة والتسديد، ما خطت أقالم األعالم،

بالثناء على الملك العالم.أما بعد؛

فلما رأيت كثيرا من الطلبة حريصا على األرجوزة المسماة بـ:"جوهرة التوحيد"، المنسوبة للشيخ الكامل والعالم الفاضل: أبي إسحاق إبراهيم اللقاني، ثم المصري، ورأيت شدة حاجتهم إلى شرح لها، وعدم قدرتهم على تحصيل

شراحها لطولها، وقلة وجدانها ببلدنا، عزمت على تأليف شرح لها قصير مفيد، سالكا سبيل االختصار، تاركا اإلطالة واإلكثار، مسميا له بـ:"تقريب البعيد إلى

جوهرة التوحيد"، طالبا من موالي التوفيق والتسديد.

(1/12)

] شرح مقدمة الناظم [ حيم حمن الر بسم الله الر

ه مع صالته1 ه على صالته ثم سالم الل - الحمد للوحيد2 - على نبي جاء بالتوحيد وقد عرا الدين من الت- فأرشد الخلق لدين الحق بسيفه وهديه للحق3ه وآله وصحبه وحزبه4 - محمد العاقب لرسل رب

]البسملة[حيم(. حمن الر قال رحمه الله تعالى وعفا عنه: )بسم الله الر

ابتدأ بالبسملة لما علم من فضلها، والبتداء الله تعالى كتبه بها، ولفعل النبي لهاوأمره بها.

وقال: "بسم الله" ولم يقل بالله، ألن التبرك واالستعانة تقع بجميع أسمائه تعالى، وللفرق بين اليمين والتيمن؛ ألن بالله يمين، وبسم الله تيمن - أي تبرك

-، والمراد هنا الثاني ال اليمين.و"الرحمن الرحيم": صفتان لله تعالى، وهما من أسمائه تعالى.

]الحمدلة، والفرق بين الحمد والشكر[ه(، الحمد: هو الثناء الذي يجب لذاته العلية ولصفاته الثبوتية. وبدأ به )الحمد لل أيضا ألن الجمع بينهما أفضل، وإن كان أحدهما كافيا في تحصيل البركة، إال أن

االقتصار على البسملة أولى من االقتصار على الحمدلة.

والحمد يقع على السراء في النعمة، كما يقع على الضراء، ولذلك اقتصر عليه دون الشكر، ولو جمع بينهما لكان أولى؛ ألن الحمد ولو كان يقع على النعمة

أيضا لكنه باللسان فقط، والشكر يكون به وبغيره من القلب واألركان، فتحصل؛ إذ ال يكون إال بآلة أن الحمد أعم سببا؛ إذ سببه النعمة وغيرها، وأخص محال

اللسان. والشكر بالعكس، أي أخص سببا؛ إذ ال يكون إال في مقابلة النعمة، وأعم محال؛

ألنه يكون باللسان وغيره.نعم، الحمد إذا كان في مقابلة النعمة فهو كالشكر.

وينقسم الحمد من حيث هو إلى أربعة أقسام: قسمان قديمان، وقسمانحادثان؛ ألن الحمد إما:

[.23( إلى قديم كقوله تعالى: } نعم القادرون { ]المرسالت: 1- من قديم)[.30( كقوله تعالى: } نعم العبد إنه أواب { ]ص: 2-…أو من قديم إلى حادث)

(.3أو من حادث إلى حادث كـ:» نعم العبد صهيب، لو لم يخف الله لم يعصه «)أو من حادث إلى قديم، كقولنا: يا نعم المولى و يا نعم النصير.

)على صالته(: جمع صلة بكسر الصاد فيها، أي نعمته وهباته الواصلة إليناوالفائضة علينا.

]معنى الصالة والسالم على النبي - صلى الله عليه وسلم -[ )ثم سالم الله( أي تحيته وإكرامه، وفضله وإنعامه. وهو معطوف على "الحمد

لله".)مع صالته( بفتح الصاد: رحمته ومزيد نعمته.

وبين قوله "صالته" و"صالته" نوع من أنواع البديع، وهو الجناس الخطي.]التوحيد رسالة األنبياء[

( متعلق بـ"سالم الله"، كما تعلق "على صالته" بـ"الحمد" ألنه تكفي )على نبيفيه رائحة الفعل.

__________( القديم: هو الموجود الذي ال ابتداء لوجوده، وليس ذلك إال الله تعالى.1)( الحادث: هو ما لم يكن ثم كان، وهو ما كان وجوده مسبوقا بعدم.2) ( بعضهم يجعله من حديث عمر - رضي الله عنه - وبعضهم يرفعه إلى النبي -3)

صلى الله عليه وسلم - وهو يروى بدون إسناد وال أصل له في كتب السنة.(172. األسرار المرفوعة 2/446)كشف الخفاء ومزيل االلباس:

(1/13)

والنبي: إنسان أوحي إليه، ولم يؤمر بالتبليغ. والمراد به المرسل لقوله: )جاء(وحيد( لله وإبطال عبادة األوثان واإلقبال على من عند الله إلى الناس كافة )بالت

عبادة الرحمن. )وقد عرا(: أي خال )الدين(، من دان يدين: أذعن وانقاد. و"الـ" فيه يحتمل أن يكون للحقيقة أو للعهد، والمراد - والله أعلم - دين من قبله - صلى الله عليه

وسلم - من األنبياء كعيسى عليه السالم.

وحيد( متعلق بـ"عرا". ولم يظهر لي فرق بين لفظتي التوحيد )من( اعتقاد )الت في كالم الناظم، اللهم إال أن يقدر في األول بكلمة التوحيد وهي: "ال إله إال الله

محمد رسول الله"، وفي الثاني: عن اعتقاد التوحيد.]معنى اإلرشاد وموضوعه[

)فأرشد( أي دل، من اإلرشاد، وهو الداللة بتثليث الدال، والفتح أفصح. )الخلق( أي المخلوقات من اإلنس والجن )لدين الحق(، أي دين الله الحق

الثابت وجوده أزال وأبدا، وهو دين اإلسالم؛ قال الله تعالى: } إن الدين عند الله[.19اإلسالم { ]آل عمران:

)بسيفه( أي بقتاله - صلى الله عليه وسلم -، فهو من تسمية الشيء باسم آلته فيكون مجازا مرسال، أي بجهاده )وهديه( أي النبي - صلى الله عليه وسلم -،

فهو من إضافة المصدر إلى فاعله، أي إرشاده )للحق(، وهو التوحيد وعبادة الله وحده، وامتثال أمره، واجتناب نهيه، فمنهم من أسلم فسلم ونجا، ومنهم من

عاند فهلك وتردى.]اسم النبي - صلى الله عليه وسلم - ونسبه[

)محمد(، بترك التنوين للوزن، بدل من "نبي" بعد وصفه بقوله: "جاء بالتوحيد"، وقوله "وقد عرا" إلخ معترض بين البدل والمبدل منه. وسمي - صلى الله عليه

وسلم - بـ"محمد" لكثرة خصاله الحميدة، ورجاء أن يحمده من في السماء واألرض، كما روي أنه لما قيل لجده عبد المطلب: لم سميت ابنك محمدا ؟

قال: رجاء أن يحمده أهل السماء واألرض، فحقق الله رجاءه.

(1/14)

وهو - صلى الله عليه وسلم -: محمد بن عبد الله، بن عبد المطلب، بن هاشم، بن عبد مناف، بن قصي، بن كالب، بن مرة، بن كعب، بن لؤي، بن غالب، بن

فهر، بن مالك، بن النضر، بن كنانة، بن خزيمة، بن مدركة، بن إلياس، بن مضر،بن نزار، بن معد، بن عدنان.

هذا المجمع عليه من أجداده - صلى الله عليه وسلم -، فمن الجفاء وقلةاالهتمام عدم االعتناء بنسبه الزكي ومعرفته إلى عدنان، وهم واحد وعشرون.وصرح المصنف باسم المصلى عليه لالستلذاذ به واالعتناء بشأنه والتبرك به.

فصرح بمن تهوى ودعني من الكنى فال خير في اللذات من دونها ستر واغتناما لما ورد في الحديث، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: » من صلى (1علي في كتاب لم تزل المالئكة تستغفر له ما دام اسمي في ذلك الكتاب «) والذي يظهر أن المراد بالكتاب ما هو أعم من المتعارف من لفظ كتاب حتى

يشمل اللوح ونحوه. )العاقب( بإسكان الباء لضرورة الوزن، وهو من أسمائه - صلى الله عليه وسلم

( ، ومعناه: الذي يحشر الناس على عقبه؛ إذ هو الخاتم2- كما جاء في الحديث)ه(. )لرسل رب

ورسل، جمع رسول بضم السين، وقد تسكن كما هنا. وقد قرئ به في رسلناورسلكم ورسلهم.

والرسول: إنسان أوحي إليه بشرع، وأمر بتبليغه.

__________ ( أخرجه الطبراني في األوسط، وفيه بشر بن عبيد الدارسي كذاب )مجمع1)

(. وذكره ابن كثير وقال ليس بصحيح ونقل عن الذهبي قوله:1/136الزوائد (3/676أحسبه موضوعا.) تفسير القرآن العظيم

( عن جبير بن مطعم قال، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: » لي2) خمسة أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا

الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب الذي ليس بعده أحد «. البخاري في المناقب باب قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لي خمسة

أسماء؛ ومسلم في الفضائل باب في أسمائه - صلى الله عليه وسلم -.

(1/15)

]تعريف اآلل والصحابي[ وقوله: )وآله وصحبه وحزبه(، معطوف على "محمد"، وأصل آله: أهله على المشهور بدليل تصغيره على أهيل، ألن التصغير كالتكسير يرد األشياء إلى

أصولها. لما صلى المؤلف أوال على النبي - صلى الله عليه وسلم -، صلى على آله

وأصحابه، إذ تجوز الصالة على غير األنبياء تبعا، وتكره استقالال على المشهور. وآل الرجل لغة: عشيرته المنسوبون إليه، وهم أوالده - ذكورا كانوا أو إناثا -

وأوالد أوالده الذكور خاصة، وال يدخل أوالد البنات عدا أوالد فاطمة رضي الله(1عنها بدليل قوله - صلى الله عليه وسلم -: » إن ابني هذا سيد «.)

والمراد بآل النبي - صلى الله عليه وسلم - هنا أمة اإلجابة؛ ألن مقام الدعاء المطلوب فيه التعميم، وهذا القول اختاره جماعة، وقيده بعضهم باألتقياء منهم

[. وآل النبي الذين هم34لقوله تعالى: } إن أولياؤه إال المتقون { ]األنفال: أقاربه مؤمنو بني هاشم على المشهور.

والصحب جمع صاحب، كركب جمع راكب، والصاحب لغة: قرينك، من بينك وبينه مواصلة ومداخلة، والمراد به هنا في مقام الدعاء الصحابي: وهو من اجتمع

بالنبي - صلى الله عليه وسلم - من العقالء - ولو جنيا مؤمنا- ومات على اإليمان، ولو لم يره، ولو لم يرو عنه، ولو لم تطل صحبته، فدخل األعمى ومن

اجتمع به في ظلمة ولو قليال من الزمان. وحزب الرجل: أتباعه وأنصاره، ومراد المصنف به: التابعون وتابعوهم بإحسان،

ويحتمل أن يكون عطف عام على خاص.__________

( عن أبي بكرة قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر1) والحسن بن علي إلى جنبه وهو يقبل على الناس مرة وعليه أخرى ويقول: »إن

ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين منالمسلمين«.البخاري في الصلح، باب قول النبي للحسن ابن علي.

(1/16)

]الكالم على األرجوزة وموضوعها[بيين5 م يحتاج للت - وبعد فالعلم بأصل الدين محتت الهمم فصار فيه االختصار ملتزم6 طويل كل - لكن من التوحيد قد هذبتها7 - فهذه أرجوزة لقبتها جوهرة التواب طامعا8 ه أرجو في القبول نافعا بها مريدا في الث - والل

]مبحث حول "وبعد"[ )وبعد( أي: أما بعد، فحذفت "أما" لكثرة االستعمال، أو لداللة الفاء التي في

جوابها عليها، وعوض عنها الواو، ومن هنا ال يجمع بينهما. وأما ما يوجد في عبارةبعضهم "وأما بعد"، فقالوا: الواو فيه عاطفة قصة على قصة.

وأصل "أما بعد": مهما يكن من شيء بعد البسملة والحمدلة مثال، فنابت "أما" عن أداة الشرط وعن فعل الشرط، وبقيت الفاء دليال على ذلك المحذوف ألن

الفاء الزمة للشرط غالبا. و"بعد": من الظروف المبنية على الضم لقطعه عن اإلضافة لفظا، ال معنى كما هو مشهور، وهي صالحة للزمان والمكان، وتجوز إرادتهما معا هنا، والناصب له

"أما" لنيابتها عن فعل الشرط، أو فعل الشرط الذي نابت "أما" عنه. والحاصل أنها كلمة يفصل بها بين المقامين من الكالم وينتقل بها من غرض إلى

آخر، فهي فصل الخطاب، وقيل قوله- صلى الله عليه وسلم -: » البينة على(.1المدعي واليمين على المدعى عليه « رواه البخاري)

وكان - صلى الله عليه وسلم - يأتي بها في خطبه وكتبه ورسائله، فيستحب اإلتيان بها اقتداء به - صلى الله عليه وسلم -، والكالم عليها كثير يخرجنا عن

شرط االختصار.

__________ ( أخرجه بهذا اللفظ الدارقطني في األقضية واألحكام، والبيهقي في األحكام1)

باب البينة على المدعي. وأصله في البخاري، فعن ابن عباس »أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى أن اليمين على المدعى عليه« أخرجه البخاري في

الرهن، باب إذا اختلف الراهن والمرتهن. وعن األشعث بن قيس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ألحد رجلين متخاصمين: » شاهداك أو يمينه«

أخرجه في الشهادات، باب.

(1/17)

]المراد بأصل الدين[ )فالعلم( جواب "وبعد"، وهو مبتدأ )بأصل الدين( يعني علم التوحيد، وسمي علم

أصول الدين ألنه أساس الشرائع واألحكام، وعليه ينبني الدين.م( أي واجب - خبر المبتدأ - على كل مكلف، لكنه )يحتاج( أي يفتقر )محت

ز ز اإلشكال إلى حي بيين(، للتوضيح بالتحقيق، والبيان: إخراج الشيء من حي )للتالتجلي واإليضاح.

به ودفعها باألدلة )كلت( أي عيت طويل( بجلب المذاهب وإيراد الش )لكن من الت وسئمت وملت )الهمم( جمع همة: أي النفوس، )فصار فيه( أي علم أصول

الدين )االختصار( وهو التعبير على المعنى الكثير باللفظ القليل، أو أداء المقصود بأقل من عبارة المتعارف من غير إخالل، كما عند البيانيين، )ملتزم( لينشط من

كلت همته وسئمت نفسه.]تعريف أرجوزة المصنف[

)فهذه( إشارة إلى أشياء موجودة في ذهنه، أو قاله بعد فراغه من التأليف؛ إذاإلشارة تقتضي مشارا إليه، إما محسوسا أو معقوال.

جز، وأبياتها مائة وأربع وأربعون. )لقبتها( )أرجوزة( قصيدة منظومة في بحر الرسميتها )جوهرة التوحيد( الشتمالها على نفائس علم التوحيد وقواعده.

والجوهر في اللغة هو الشيء النفيس من الحوادث جسما كان أو عرضا، وفي، وهو االصطالح: عبارة عما يشغل فراغا بحيث يمنع أن يحل غيره حيث حل

ز، فإن كان الجوهر يقبل االنقسام فهو المسمى بالجسم، وإن كان معنى المتحي ال يقبل االنقسام بوجه بحيث ال يمكن انقسامه ال ذهنا وال خارجا فهو المسمى

بالجوهر الفرد.]المراد بالتوحيد[

والتوحيد: أن تثبت ذاتا موصوفة بالصفات، منزهة عن النقائص، مخالفةللحوادث.

قال بعض الحكماء: أصول التوحيد أربعة:أولها: العلم بوحدانية الله تعالى.

ه عن الكيفية. والثاني: أن تعلم أنه منزوالثالث: أن تعلم أنه متعال عن الكمية.والرابع: أن تعلم أنه متعال عن األينية.

(1/18)

)قد هذبتها( نقحتها وخلصتها مما يعيبها، وهو باعتبار المعنى كذلك، أما باعتبارالنظم ففيها كثير من األبيات ما يخلو عن شيء.

)والله( ال غيره )أرجو في القبول( لها ليثيبني عليها، أو يكسيها حلة القبول ليكثربها النفع بها، ويحتمل أن الناظم أرادهما معا، أي: أرجوه أن يتقبلها مني، ويحب

إلى خلقه. )نافعا( حال من اإلسم الكريم، أو من فاعل "أرجو"، أي قاصد النفع )بها( أي باألرجوزة )مريدا( لها حفظا أو فهما أو لهما معا، و"مريدا" مفعول بـ "نافعا"،

وقوله )في الثواب( يتعلق بقوله )طامعا(، أي: طامعا في نواله تعالى وإحسانه.]ما يجب شرعا على المكلف معرفته[

ف شرعا وجبا عليه أن يعرف ما قد وجبا9 - فكل من كله والجائز والممتنعا ومثل ذا لرسله فاستمعا10 - لل

]التكليف بوجوب المعرفة وشروطه[ )فكل من( أي عبد أو شخص )كلف( أي ألزم ما فيه كلفة، وهو باعتبار

المصدوق: البالغ العاقل الذي بلغته الدعوة. )شرعا( يرجع لقوله )وجبا( أي بالشرع أو من جهة الشرع، والشرع إما الله أو

النبي، أي الشارع أو الشريعة.ف )أن يعرف( أي معرفة، فاعل "وجبا"، وهي الجزم )عليه( أي على من كل

المطابق عن دليل.]أقسام الحكم العقلي[

)ما( أي شيئا )قد وجبا( أي ثبت )لله( تعالى. أي يعرف بعقله الواجب لله تعالىشرعا. والواجب العقلي: ما ال يمكن في العقل نفيه.

)و( أن يعرف في حقه تعالى )الجائز( : وهو ما يصح في العقل نفيه وثبوته.)و( كذا )الممتنعا( أي المستحيل عقال: وهو ما ال يمكن في العقل ثبوته.

(1/19)

ومعرفة هذه األقسام الثالثة – أي الواجب والمستحيل والجائز وهي أقسام الحكم العقلي – ال بد منها لمن أراد الدخول في هذا العلم، وهي استمداده

(: إن تصور معاني هذه األقسام هو نفس العقل.1وأصله، ولذا قال اإلمام))ومثل ذا( التقسيم يجب أن تجعله )لرسله( تعالى عليهم الصالة والسالم.

)فاستمعا( تكميل للبيت، واأللف فيه بدل من نون التوكيد الخفيفة، أي يجب أيضا بالشرع على كل مكلف أن يعرف مثل هذه األقسام في حق الرسل عليهم

الصالة والسالم، وسيأتي بيان ذلك في النبويات إن شاء الله تعالى.]حكم التقليد في العقائد[

وحيد إيمانه لم يخل من ترديد11 د في الت – إذ كل من قل– ففيه بعض القوم يحكي الخلفا وبعضهم حقق فيه الكشفا12 لم يزل في الضير13 – فقال: إن يجزم بقول الغير كفى وإال

]تعليل وجوب المعرفة[ )إذ( تعليل لوجوب المعرفة )كل من قلد( غيره )في( عقائد )التوحيد( المطلوب

فيها المعرفة، )إيمانه( أي المقلد )لم يخل( لم يسلم )من ترديد(، أي تزحزح ولو (، وال يحصل ذلك إال بالدليل،2بتشكيك مشكك، والواجب الجزم واليقين)

نت المعرفة. فتعي]أقوال العلماء في إيمان المقلد[

__________ ( هو: عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن محمد الجويني، أبو المعالي، ركن1)

هـ. من مصنفاته478، وتوفي سنة 429الدين، الملقب بإمام الحرمين. ولد سنة في أصول الدين: "الشامل في أصول الدين، اإلرشاد إلى قواطع األدلة في

(.4/160أصول االعتقاد )األعالم ( اليقين في اللغة: العلم الذي ال شك معه، وفي االصطالح: اعتقاد الشيء2)

بأنه كذا، مع اعتقاد أنه ال يمكن إال كذا، مطابقا للواقع غير ممكن الزوال.)كتاب(363التعريفات للشريف الجرجاني ص

(1/20)

)ففيه( أي المقلد، أي في إيمانه )بعض القوم( أي العلماء بفن الكالم )يحكي الخلفا( أي الخالف، وهو هل هو مؤمن عاص بترك النظر مع القدرة، أو غير(.1عاص بتركه، أو كافر – ورجحه السنوسي ونسبه للمحققين – ؟ ثالثة أقوال)

( )حقق( أي2ثم قال: )وبعضهم( أي العلماء كالشيخ أبي العباس الجزائري)أتقن )فيه( أي المقلد في إيمانه )الكشفا( أي البيان.

__________ ( التقليد نوعان: تقليد رديء، وتقليد حسن؛ فاألول هو متابعة الغير ألجل1)

الحمية والتعصب من غير طلب للحق، وعنه نشأ الكفر الصريح المجمع عليه، كتقليد الجاهلية آلبائهم في الشرك وعبادة األصنام، وكتقليد عامة اليهود وعامة

النصارى ألحبارهم في إنكار نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك من كل تقليد في كفر صريح. والتقليد الرديء منه ما هو مختلف في كفر صاحبه،

كتقليد عامة المعتزلة والمرجئة والمجسمة لقدمائهم فيما أتوا به من آراء عقدية منافية لحقائق األمور، واألرجح عدم كفرهم لمخالفتهم في أمور نظرية ليست

معلومة من الدين بالضرورة، تحتاج إلى أنظار دقيقة في بعض األحيان، وإن بدت إلى البعض أنها من حكم الضروري، ولقد أحسن العز بن عبد السالم حين

أفتى بعدم تكفير ملتزم الجهة على الله تعالى. وأما التقليد الحسن، فالذي ال اختالف فيه هو تقليد عامة المؤمنين لعلمائهم في الفروع الفقهية، وأما المختلف فيه، فهو تقليد عامة المؤمنين لعلماء أهل السنة في أصول الدين، والراجح عند

الجمهور صحته إذا وقع منهم التصميم على الحق، ال سيما في حق من يعسرعليهم فهم األدلة. والله أعلم.

( وهو أحمد بن عبد الله الجزائري الزواوي: فاضل، مالكي، من قبيلة زواوة.2) هـ. له منظومة المية في أصول الدين اسمها:884، وتوفي سنة 800ولد سنة

(1/160"كفاية المريد في علم التوحيد" انظر األعالم )

(1/21)

)فقال( أي البعض )إن يجزم( المقلد، أي يقطع )بقول الغير( الذي قلده في عقائد إيمانه )كفى( تقليده إياه – وهذا هو محل الخالف –، وأما إذا كان مهما دار

ده – بفتح الالم – دار معه فهذا ال جزم عنده وال ثبات على إيمان كما أشار مقل إليه بقوله: )وإال( يجزم بقول الغير )لم يزل( واقعا )في الضير(، أي الضرر الذي

ال يأمن معه من فساد إيمانه.]أقسام الجزم في عقائد الدين[

تنبيه: الجزم على قسمين :

األول: غير مطابق لما في نفس األمر، وهذا ال خالف في كفر صاحبه, سواء قلد أو لم يقلد، كجزم اليهود وسائر الكفرة ويسمى الجهل المركب واالعتقاد

الفاسد.والثاني: مطابق لما في نفس األمر, وهو قسمان:

- جزم عن دليل، وهذا ال خالف في إيمان صاحبه, وأنه ينتفع به في اآلخرة إنتمم الله عليه بحسن الخاتمة.

- وجزم مطابق ال عن دليل، وهذا هو الذي فيه الخالف الذي عرفت، وهو جزمالمقلد.

]معرفة الله أول الواجبات الشرعية[– واجزم بأن أوال مما يجب معرفة وفيه خلف منتصب14

]المراد بالمعرفة[ لما فرغ الناظم رحمه الله من الكالم على المقلد، وهل يكفي التقليد في عقائد

التوحيد أو ال، أخذ يتكلم على أول واجب على المكلف فقال : )واجزم( أي اقطع )بأن أوال مما يجب( عليك أيها المكلف )معرفة( وهي الجزم

المطابق عن دليل.فخرج بـ "الجزم" ثالثة: ـ الظن ـ والشك ـ والوهم.

وخرج بـ "المطابق": غير المطابق.

(1/22)

وخرج بقولنا "عن دليل": الجزم المطابق ال عن دليل، فال يسمى المقلد عارفا،(.1ولو كان جازما وجزمه مطابقا)

فائدة: الصحيح أن معرفة الله تعالى ال تحتاج إلى نية وال يثاب عليها، فهي مستثناة من قاعدة أن الواجب ما يثاب على فعله. نعم يترتب على األول الذي

هو حديث النفس التابع للمعرفة – ال المعرفة على األصح – وعلى النظرالموصل.

]أقوال العلماء في أول الواجبات الشرعية[__________

( حكم اإلنسان على األشياء، وهو المصطلح عليه بالحكم الحادث، ينشأ عن1) أمور خمسة: علم، واعتقاد، وظن، وشك، ووهم. وبيان انحصاره فيها أن الحاكم

بأمر على أمر ثبوتا أو نفيا إما أن يجد في نفسه الجزم بذلك الحكم بحيث ال يقبل الشك ال بالفعل وال بالقوة أو ال، والحكم الغير الجازم إما أن يكون راجحا على مقابله أو مرجوحا أو مساويا. فأقسام الحكم الجازم اثنان، وغير الجازم ثالثة. ويسمى األول من قسمي الجزم علما ومعرفة ويقينا، والثاني اعتقادا.

ويسمى األول من أقسام غير الجزم ـ وهو الراجح ـ ظنا، والثاني ـ وهو المرجوح ـ وهما، والثالث ـ المتساوي ـ شكا. وإذا عرف هذا التقسيم، فاإليمان المطلوب شرعا إن حصل عن أقسام غير الجزم الثالثة فاإلجماع على بطالنه، وإن حصل عن القسم األول من قسمي الجزم وهو العلم فاإلجماع على صحته، وصاحبه

يسمى عارفا. وأما القسم الثاني من أقسام الجزم وهو االعتقاد، فينقسم

قسمين: جزم مطابق لما في نفس األمر ويسمى االعتقاد الصحيح، وهو اعتقاد بعض عامة المؤمنين، وجزم غير مطابق ويسمى االعتقاد الفاسد والجهل

المركب، وذلك كاعتقاد الكفار، وصاحب هذا االعتقاد مجمع على كفره وأنه آثم غير معذور مخلد في النار اجتهد أو قلد، وذلك نظرا لصحة وسهولة أدلة صحة

دين اإلسالم وحقيته.

(1/23)

)وفيه( أي أول واجب )خلف( أي خالف بين العلماء )منتصب( أي ظاهر، واألقوال في أول واجب كثيرة أنهاها بعضهم إلى اثني عشر، واقتصر سيدي

( في "شرح الكبرى" على ستة منها، واختار القول بأن أول1محمد السنوسي) واجب: النظر، قال: »وإنما اخترت من هذه األقوال القول بأن أول واجب النظر, لتكرر الحث على النظر في الكتاب والسنة حتى كأنه مقصد، بخالف ما قبله من

الوسائل« انتهى. (2وقال قبل هذا بقليل:»وقيل أول واجب المعرفة، ويعزى للشيخ األشعري)

أيضا، وهو في الحقيقة غير مخالف لما قبله, ألنه نظر إلى أول ما يجب مقصدا،وغيره نظر إلى أول ما يجب امتثاال وأداء« انتهى المراد منه.

]النظر: وسيلة المعرفة[فلي15 – فانظر إلى نفسك ثم انتقل للعالم العلوي ثم الس16 – تجد به صنعا بديع الحكم لكن به قام دليل العدم– وكل ما جاز عليه العدم عليه قطعا يستحيل القدم17

]النظر في النفس[ ولما ذكر المصنف أن أول واجب المعرفة، وكان النظر وسيلة يتوصل به إليها، فقال آمرا للمكلف: )فانظر( يا أيها المكلف نظر اعتبار وتدبر واستبصار، لتصل

بذلك إلى معرفة الواحد القهار.__________

( هو: محمد بن يوسف بن عمر بن شعيب السنوسي الحسني: عالم تلمسان1) هـ. من تصانيفه في أصول895، وتوفي سنة 832في عصره وصالحها. ولد سنة

الدين: العقيدة الكبرى وشرحها المسمى: "عمدة أهل التوفيق والتسديد في شرح عقيدة أهل التوحيد"، والعقيدة الصغرى المسماة بـ"أم البراهين" وشرحها.

(7/154األعالم ) ( هو علي بن إسماعيل بن إسحاق، أبو الحسن، من نسل الصحابي أبي2)

موسى األشعري: مؤسس مذهب األشاعرة. كان من األئمة المتكلمين هـ. بلغت مصنفاته ثالثمائة كتاب،324 وتوفي سنة 260المجتهدين. ولد سنة

منها: مقاالت اإلسالميين، اإلبانة عن أصول الديانة، استحسان الخوض في علم(4/263الكالم. )األعالم

(1/24)

والنظر: الفكر في حال الشيء المنظور فيه، كما إذا نظرت )إلى نفسك( أي ( تالزمه أعراض حادثة ال1ذاتك التي هي أقرب األشياء إليك، فتجدها جرما)

تنفك عنها، فتعلم على الضرورة أنك لم تكن شيئا، ثم وجدت وصرت شيئا، فتعلم أن لك موجدا أوجدك؛ الستحالة أن توجد نفسك؛ إلحساسك بالعجز من نفسك، فيتعين أن يكون لك موجد واجب لذاته قادر أوجدك بقدرته؛ الستحالة وجود الشيء من غير موجد؛ لما يلزم عليه من ترجيح أحد المتساويين على

مساويه بال مرجح، وهو محال. مثاله في الشاهد: كفتا الميزان إذا نظرت إليها متساويتين، ثم أعدت النظر

إليهما فرأيت إحداهما نازلة راجحة على األخرى، فمن المعلوم أن العقل يحكم بالبديهة أنه ال بد من سبب اقتضى ذلك، فكذا نفسك وجميع ما ماثلك من العالم

حيث كانت عدما فترجح وجودها على عدمها. قال الله جل ذكره: } وفي [ أي: آيات أفال تبصرون إليها فتستدلون21أنفسكم أفال تبصرون { ]الذاريات:

بها على الصانع الحكيم !؟]النظر في العالم[

)ثم( بعد نظرك في نفسك – وهي العالم األصغر – )انتقل( بفكرك للنظر في العالم األكبر، وانظر )للعالم( بفتح الالم )العلوي( تجده من غريب صنع الله, داال

على وجوب وجوده, وكمال قدرته, وباهر علمه وحكمته.ومعنى العالم:

– أما في اللغة، فهو عبارة عن كل موجود حادث, فيه عالمة يمتاز بها عن غيرهمن أنواع الموجودات، كقولنا مثال: عالم الطير، عالم السحاب...

– وأما في االصطالح، فهو كل ما سوى موالنا جل وعز. تنبيه: سمي العالم عالما لما يستفيد الناظر فيه – نظرا صحيحا – من العلم

بالصانع، وألنه عالمة دالة على وجود الصانع.__________

( الجرم: هو كل ما مأل قدرا من الفراغ.1)

(1/25)

)ثم( انتقل للعالم )السفلي( والمراد بالعالم السفلي األرض وما اتصل باألرض, من نبات ومن حيوان وغير ذلك. والمراد بالعلوي ما عدا ذلك، فيدخل فيه

السحاب والرعد, وجميع ما خلق الله في الجو؛ وكل ما فوق السموات والعرشمن العالم العلوي .

ويحتمل أن تقديم المصنف العالم العلوي لشرفه على السفلي، ولما فيه مند بما عدا البقعة التي ضمت أعضاءه عليه الصالة زيادة العجائب، إال أنه يقي

والسالم.]نتيجة النظر الصحيح[

)تجد( بالجزم في جواب األمر )به( أي العالم بالمعنى االصطالحي الذي هو كل ما سوى الله تعالى، فيدخل العالم األصغر، وإال لقال: تجد بها، ففي كالمه نوع

استخدام، والباء في "به" زائدة، أي تجده )صنعا( عظيما كثير العجائب، كله دال

على وجوده وعظيم قدرته تعالى؛ إذ كل مصنوع ال بد له من صانع. )بديع الحكم( أي: مبدع من غير مثال سبق، كما قال تعالى: } بديع السموات

[. والحكم جمع حكمة، من اإلحكام وهو اإلتقان.117واألرض { ]البقرة: )لكن( العالم حادث ألجل أنه )به( أي العالم، أي أجرامه دون األعراض وإال التحد

الدليل – وهو األعراض – والمدلول – وهو األجرام –، ففيه شبه استخدام.

(1/26)

)قام دليل( وجواز )العدم( لمالزمته لألعراض المشاهد حدوثها لتغيرها من عدم إلى وجود وبالعكس، وكل ما الزم الحادث يجب أن يكون حادثا؛ إذ لو كانت

األجرام قديمة موجودة في األزل للزم عروها عن األعراض المالزمة لها، وهو(.1محال الستحالة عرو الجرم عن الحركة والسكون مثال)

وإذا ثبت أن العالم جائز العدم، لزم أن يكون مستحيل القدم؛ ألن طرو العدم على الشيء دليل على أنه مسبوق بالعدم؛ الستحالة عدم القديم، إذ كل ما ثبت

قدمه استحال عدمه، وهو معنى قوله: )وكل ما جاز عليه العدم، عليه قطعا يستحيل القدم( لما عرفت من استحالة عدم القديم، وإذا استحال قدم العالم وجب حدوثه؛ إذ ال واسطة بين القدم والحدوث، وإذا وجب حدوثه لزم احتياجه إلى محدث – بكسر الدال – أي موجد أحدثه وأوجده الستحالة حدوث الشيء

لنفسه من غير فاعل.]اإليمان واإلسالم[

حقيق18 طق فيه الخلف بالت صديق والن ر اإليمان بالت – وفس__________

( لخص الشارح في كلمات قليلة برهان المتكلمين على حدوث العالم1) المنحصر في األجرام )الذوات( واألعراض )الصفات( القائمة بها، ومبنى

االستدالل هو أن لتلك األجرام صفات زائدة عليها يستدل بحدوثها على حدوث موصوفها. وهذا الدليل ينبني عند المتكلمين على إثبات سبعة أصول، األول:

إثبات زائد تتصف به األجرام، والثاني: إبطال استحالة قيام ذلك الزائد )المسمى بالعرض( بنفسه، والثالث: إبطال انتقاله من جرم إلى آخر، والرابع: إبطال

كمونه وظهوره في نفس الوقت في جرم واحد لكون ذلك يؤدي إلى اجتماع الضدين في المحل الواحد، والخامس: إثبات استحالة انتفاء وعدم القديم، والسادس: إثبات كون األجرام ال تنفك عن ذلك الزائد وال تعقل عارية عنه،

والسابع: إثبات استحالة دخول حوادث ال أول لها إلى الوجود. وقد بسطت أدلةهذه المسائل في مطوالت كتب الكالم.

(1/27)

– فقيل شرط كالعمل وقيل بل شطر واإلسالم اشرحن بالعمل19كاة20 – مثال هذا الحج والصالة كذا الصيام فادر والز

]مفهوم اإليمان[ ولما فرغ من الكالم على المعرفة والنظر المحصل لها، أخذ يتكلم على اإليمان

– الذي هو حديث النفس التابع لها – فقال: )وفسر اإليمان( لغة بمطلق )التصديق(، وفي الشرع: التصديق بما علم

( من دين سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - كالتوحيد والنبوة1بالضرورة)والبعث والجزاء، أي إذعان القلب لذلك واستعالمه، هذا مذهب جمهور العلماء.

وعند جمهور المحدثين والمعتزلة والخوارج مجموع ثالثة أمور: اعتقاد الحق،واإلقرار به، والعمل بمقتضاه.

فمن أخل باالعتقاد دون اإلقرار، فهو منافق في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - زنديق فيما بعد. ومن أخل باإلقرار مع التمكن منه فهو كافر، أي مجاهر

بكفره، وإال فالمنافق كافر بال نزاع، بل هو أخبث الكفرة. ومن أخل بالعمل ففاسق عند أهل السنة رضي الله عنهم – وهو الحق – ، وعند الخوارج كافر،

وعند المعتزلة خارج عن اإليمان غير داخل في الكفر.__________

( المراد من المعلوم من الدين بالضرورة: هو ما اشتهر كونه من الدين بحيث1) يعلمه العامة من غير افتقار إلى نظر واستدالل وإن كان في أصله نظريا، ومثال

ذلك: وحدة الله تعالى، ووجوب الصالة، وحرمة الخمر ونحو ذلك. وتكفي المعرفة اإلجمالية بذلك فيما يالحظ إجماال، كاإليمان بغالب األنبياء والمالئكة،

ويشترط التفصيل فيما يالحظ تفصيال، كاإليمان بجمع من األنبياء مثل آدمومحمد صلى الله عليه وسلم، وجمع من المالئكة كجبريل وعزرائيل.

(1/28)

(؛ قال بعضهم : "واإليمان عبارة عن التصديق؛ قال1والمعتمد أنه التصديق) [ أي بمصدق لنا، فمن صدق17تعالى: } وما أنت بمؤمن لنا { ]يوسف:

الرسول فيما جاء به من عند الله فهو مؤمن فيما بينه وبين الله تعالى، واإلقرارشرط إجراء األحكام.

(2واألعمال ليست من اإليمان)__________

( ليس المراد من التصديق هنا أن يقع في القلب نسبة الصدق إلى الخبر أو1) المخبر من غير إذعان وتسليم وقبول لما وقع فيه، وإال لزم أن يكون كل من

صدق بمحمد عليه الصالة والسالم مؤمنا، وظاهر أنه ليس كذلك؛ فإن كثيرا من الكفار كانوا عالمين بصدقه صلى الله عليه وسلم كما يشهد لذلك قوله الله

تعالى: ? يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ? وقوله: ? وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ?، بل المراد بالتصديق ـ الذي هو أصل اإليمان الشرعي ـ اإلذعان

والقبول لما وقع في القلب، واالنقياد له وسكون النفس إليه واطمئنانها به،وقبولها يكون بترك العناد والتكبر، ثم بناء األعمال الشرعية على ذلك االعتقاد.

( األعمال ليست ركنا من أركان اإليمان داخلة في قوام حقيقته حتى يلزم من2) عدمها عدمه، وليست ساقطة بالكلية حتى ال يضر المؤمن معصية؛ إذ من األول

يلزم إقفال باب التوبة واإلفضاء إلى اليأس والقنوط، وأن ال يوجد من العالم مؤمن إال نبي معصوم، وأن ال يطلق اسم المؤمن على أحد إال بعد استجماع

خصال الخير عمال، ومن الثاني يلزم انفتاح باب اإلباحة، فيرتفع معظم التكاليف الشرعية. والمختار عند المحققين من العلماء أن األعمال الصالحة شرط لكمال اإليمان، فالتارك لها أو لبعضها من غير استحالل وال عناد وال شك في مشروعيتها

مؤمن فوت على نفسه الكمال، واآلتي بها ممتثال محصل ألكمل اإليمان.

(1/29)

كما قال أهل الحديث ألنها عطفت على اإليمان في غير موضع، والمعطوف غير المعطوف عليه، وألنه شرط لصحة األعمال؛ قال الله تعالى: } ومن يعمل من

[ والشرط يغاير المشروط". انتهى المراد112الصالحات وهو مؤمن { ]طه: منه

وقوله: "وألنه شرط لصحة األعمال لقوله تعالى: } ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن { " إلخ يعني أن جملة "وهو مؤمن" حال من فاعل "يعمل"، أي:

ومن يعمل من الصالحات والحال أنه مؤمن.]حكم النطق بالشهادتين[

)والنطق( أي اإلقرار بالشهادتين، فمن صدق بقلبه واعترف بما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - ولم يمتنع من اإلقرار، وإنما اتفق له أنه لم ينطق

بالشهادة حتى اخترمته المنية )فيه الخلف( أي االختالف )بالتحقيق(.نا من اإلقرار ولم )فقيل(: اإلقرار )شرط( في قبول إيمان من صدق وكان متمك

يمنعه مانع كخرس وضيق وقت لموت )كالعمل( أي مثل ما قيل: إن النطق شرط، قيل: إن العمل – أي الطاعات – شرط، ومراد المصنف باشتراط العمل

شرط الكمال. )وقيل(: ليس النطق شرطا خارجا عن حقيقة اإليمان، )بل شطر( – أي جزء

منه – أي إن اإليمان عبارة عن التصديق بالقلب والنطق باللسان، إال أن التصديق ركن ال يحتمل السقوط بحال، واإلقرار قد يحتمل السقوط كما في حق األخرس وغير المتمكن ألجل مانع. وعلى هذا القول، فمن صدق بقلبه وكانت له

قدرة على النطق ولم يقع منه النطق بالشهادتين فهو كافر حتى في اآلخرة.

(1/30)

تنبيه: مذهب جمهور المحققين أن اإليمان هو التصديق بالقلب، وأما اإلقرار فإنما هو شرط إجراء األحكام في الدنيا, ألن التصديق أمر باطن فال بد له من عالمة تدل عليه، حتى إن من صدق بقلبه ولم يقر بلسانه فهو مؤمن عند الله،

وإن لم يكن مؤمنا باعتبار أحكام الدنيا؛ ومن أقر بلسانه ولم يؤمن بقلبه – كالمنافق – فبالعكس، أي تجري عليه أحكام المؤمنين في الدنيا وهو في اآلخرة

(.1أخبث الكفرة. انتهى ملخصا من شرح العقائد للمحقق التفتازاني)

]مفهوم اإلسالم وأركانه[ره )بالعمل( الصالح، فاإلسالم اسم وقوله: )واإلسالم( مفعول )اشرحن( أي فس

(.2لما ظهر من األعمال، واإليمان اسم لما بطن من االعتقاد، وهما متالزمان)__________

( هو مسعود بن عمر بن عبد الله التفتازاني، سعد الدين: من أئمة العربية1) هـ. من كتبه: "شرح العقائد793 وتوفي سنة 712والبيان والمنطق. ولد سنة

(7/219النسفية"، وكتاب "المقاصد الدينية" وشرحه. )األعالم ( معنى التالزم أنه ال يصح شرعا أن يحكم على أحد بأنه مؤمن وهو ليس2)

بمسلم، وال مسلم وهو ليس بمؤمن، فالمراد من التالزم االتحاد والتساوي خارجا بالنظر إلى الحكم الشرعي الظاهري، ال مفهوما ألن مفهوم اإليمان هو التصديق

بالله تعالى فيما أخبر من أوامره ونواهيه، واإلسالم هو االنقياد والخضوع أللوهيته، وهذا األخير ال يتحقق إال بقبول األمر والنهي، فاإليمان ال ينفك عن

اإلسالم حكما فال يتغايران من هذه الحيثية، ال مفهوما. والله أعلم.

(1/31)

ثم مثل اإلسالم فقال: )مثال هذا( أي اإلسالم، أو العمل ليكون مقيدا للعمل المطلق: النطق بالشهادتين، )الحج( إلى بيت الله لمن استطاع الوصول إليه،

)والصالة( أي الصلوات الخمس، )كذا الصيام( لشهر رمضان، )فادر( حشو )والزكاة(. وأشار به إلى ما ورد في الحديث الصحيح الذي رواه عمر بن

الخطاب رضي الله عنه قال: » بينما نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، ال يرى عليه أثر السفر وال يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي - صلى الله عليه

وسلم - فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمد أخبرني عن اإلسالم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اإلسالم أن تشهد أن ال إله إال الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصالة، وتؤتي الزكاة،

وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيال. قال صدقت. قال: فعجبنا له يسأله ويصدقه. قال فأخبرني عن اإليمان؛ قال: أن تؤمن بالله ومالئكته وكتبه

ورسله واليوم اآلخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره. قال: صدقت. قال: فأخبرني عن اإلحسان. قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. قال:

فأخبرني عن الساعة. قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل. قال: فأخبرني عن أماراتها. قال: أن تلد األمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء

يتطاولون في البنيان. قال: ثم انطلق. فلبث مليا ثم قال لي: يا عمر، أتدري منالسائل؟ قلت الله ورسوله أعلم. قال: فإنه جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم «.)

1) فالنبي - صلى الله عليه وسلم - جعل اإلسالم في هذا الحديث الشريف اسما

لما ظهر من األعمال، واإليمان اسما لما بطن من االعتقاد، والله أعلم.__________

( أخرجه مسلم في اإليمان، باب بيان اإليمان واإلسالم واإلحسان1)

(1/32)

فائدة: قيل لبعض العارفين: ما الفرق بين اإليمان والتوحيد والمعرفة واإلسالم فقال: إقرارك بوحدانية الواحد إيمان، وعلمك بفردانيته توحيد، ومعرفتك للواحد

بالوحدانية معرفة، وعبادتك للواحد باإلخالص إسالم. انتهى]زيادة اإليمان ونقصه[

– ورجحت زيادة اإليمان بما تزيد طاعة اإلنسان2122 – ونقصه بنقصها وقيل ال وقيل: ال خلف، كذا قد نقال

قال المصنف: )ورجحت زيادة اإليمان(، أي رجح القول بزيادة اإليمان، وهو مذهب معظم السلف والمحدثين، وهو لألشاعرة، وطائفة من المتكلمين، وأحد

قولي مالك، وقول الشافعي. واستدلوا بآيات كثيرة منها قوله تعالى: } وإذا [ } ويزداد الذين آمنوا إيمانا {2تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا { ]األنفال:

[ إلى غير ذلك )بما تزيد طاعة اإلنسان( أي بسبب زيادة طاعة31]المدثر: المؤمن.

)ونقصه( أي اإليمان )بنقصها( أي الطاعة، )وقيل(: إن اإليمان )ال( يزيد وال ينقص؛ إذ هو التصديق الجازم مع اإلذعان، فال يتصور فيه زيادة وال نقصان، وهو

ألبي حنيفة وطائفة، واختاره إمام الحرمين. )وقيل ال خلف( ومن قال بزيادته عنى بذلك زيادة األعمال، ومن قال بعدم الزيادة أراد التصديق. نعم، زيادة ظاهرة على قول من يجعل األعمال من

اإليمان. )كذا قد نقال( بألف اإلطالق.]الصفات الواجبة في حق الله تعالى[

– فواجب له الوجود والقدم كذا بقاء ال يشاب بالعدم23ه لما ينال العدم مخالف، برهان هذا: القدم24 – وأنه25 ها أوصافه سني ه منز فس وحداني – قيامه بالن– عن ضد أو شبه شريك مطلقا ووالد كذا الولد واألصدقا26

(1/33)

ولما تقدم في كالم الناظم أنه يجب على المكلف أن يعرف ما يجب لله تعالى وما يستحيل عليه جل وعال وما يجوز في حقه، استشعر كأن سائال سأل: ما هو

الواجب؟ إلى آخره، فلذا أتى الناظم بالفاء في قوله: )فواجب( أي: إن سألت عما يجب، فواجب له تعالى )الوجود( الذاتي، وقدمه

ب عليه ما بعده من المطالب. على سائر المطالب ألنه إذا ثبت الوجود ترت]أقسام الصفات[

واعلم أن الصفات على ما اختاره السنوسي ومن تبعه عشرون، وهي أربعةأقسام:

(: وهي الوجود1– نفسية) (: وهي خمس: القدم، والبقاء، والمخالفة للحوادث، والقيام بالنفس،2– وسلبية)

والوحدانية. (: وهي سبع: الحياة، والعلم، واإلرادة، والقدرة، والسمع، والبصر،3– ومعان)والكالم.

( منسوبة للمعنى، وهي الزمة للمعاني ولذلك كانت مثلها سبعا،4– ومعنوية)، وعالما، ومريدا، وقادرا، وسميعا، وبصيرا، ومتكلما. وهي كونه تعالى حيا

وعليها يتكلم المصنف في نظمه، لكنها مجردة عن البراهين مع أنه ال بد منها،ونحن إن شاء الله نذكر برهان كل صفة مضافا إليها.

وزاد بعضهم قسمين آخرين وهما:__________

( الصفة النفسية: هي الصفة الواجبة للذات مدة وجودها، وهي غير معللة1) بصفة أخرى قائمة بالذات. وذلك مثال كتحيزنا وأخذنا قدرا من الفراغ، فإنه

واجب لنا مدة وجودنا، وليس ثبوته لنا معلال بعلة.( الصفة السلبية: هي كل صفة مدلولها عدم أمر ال يليق بالله سبحانه وتعالى.2) ( صفات المعاني: هذا مصطلح للصفات الثبوتية، وهي كل صفة موجودة في3)

حد ذاتها، حادثة كانت كبياض الجسم وسواده، أو قديمة كعلم الله تعالى وقدرته. ( الصفات المعنوية: هي فرع الصفات الثبوتية لمالزمتها إياها، فإن اتصاف4)

محل ما من المحال بكونه عالما قادرا مثال إنما يصح عند قيام العلم والقدرة به.وهذا القسم من الصفات هو المعبر عنه باألحوال، وهي معتبرة عند من يثبتها.

(1/34)

(: كالعظمة.1– الصفات الجامعة)(: كاإلحياء واإلماتة ونحو ذلك.2– وصفات األفعال)

]الصفة النفسية: الوجود[ ( الواجبة3ثم إن الوجود صفة نفسية كما تقدم، وحقيقة الصفة النفسية: الحال)

ة. لة بعل للذات ما دامت الذات غير معلفقولهم: "الحال" يخرج به السلوب والمعاني

وقولهم: "غير معللة بعلة" تخرج به الحال المعنوية فإنها معللة بالمعاني،كالقادرية والعالمية مثال، فإنهما معللتان بقيام القدرة والعلم بالذات.

__________ ( الصفات الجامعة: وهي عبارة عن كل صفة تدل على معنى يندرج فيه سائر1)

أقسام الصفات، كعزة الله وجالله وعظمته وكبريائه وألوهيته. وإنما كانت هذه جامعة ألنك تقول مثال: جل بكذا وعن كذا، فيدخل في األول جميع الكماالت من المعاني والمعنوية وصفات األفعال؛ فكما جل بقدرته وبعلمه وبكونه عالما قادرا

مثال، كذلك جل بخلقه بدائع المصنوعات وإحيائه األموات. ويدخل في الثاني جميع السلبيات، إذ يقال جل عن الشريك وجل عن الصاحبة والولد، وكذا يقال

عظم بكذا وعن كذا، فلما كان لفظ الجالل والعظمة ونحو ذلك محتمال للتحلياتوالتنزيهات سمي جامعا.

ر عنها بالتعلق2) ( صفة الفعل: وهي صدور اآلثار عن قدرته تعالى وإرادته، المعب

التنجيزي الحادث، كالخلق والرزق. ( من قال بالحال عرفها بأنها صفة غير موجودة وال معدومة في نفسها قائمة3)

بموجود.فقولهم صفة احتراز عن الذات، فإن الذات ليست بحال؛ وقولهم غير موجودة بنفسها احتراز عن الصفات الموجودة في نفسها كالعلم والقدرة؛

وقولهم ال معدومة احتراز عن الصفات العدمية التي ليس لها أدنى ثبوت فيالخارج كالصفات السلبية. وجمهور المحققين على نفي الحال.

(1/35)

(.1وأما برهان وجوب الوجود، فقد تقدم في صدر الكتاب، فال نطيل بإعادته)]الصفات السلبية وبراهينها[

]صفة القدم[ة تسلب عن موالنا نقيصة الحدوث، وهو أول الخمس. )والقدم( هو صفة سلبي

وسميت سلبية ألن معنى كل واحدة منها سلبت نقصا عن موالنا ال يليق بهتعالى. واعلم أن القدم يطلق تارة:

– على ما طالت مدته وتعاقب عليه الجديدان الليل والنهار. والقدم بهذا المعنى مستحيل على موالنا جل وعز، إذ يتعالى ربنا أن يكون وجوده زمانيا، إذ الزمان

(2والمكان من صفات الحوادث المحبوسين في سجن العالم، وأيضا الزمان) والمكان حادثان مخلوقان فال يتصف الباري بهما، إذ يستحيل على موالنا أن

يتصف بالحوادث.__________

( تذكيرا به نقول: إن الوجود الذاتي لله تعالى معناه أنه تعالى وجد لذاته ال1) لعلة، ودليل ذلك ما مر من وجوب افتقار العالم وكل جزء من أجزائه إليه تعالى،

وكل من وجب افتقار العالم إليه ال يكون وجوده إال واجبا قديما، وال جائز أن يكون حادثا، وإال لزم الدور أو التسلسل المستحيالن على ما سيبينه الشارح.

ولهذا اتفق على وجوب وجود الله تعالى في الجملة جميع الملل مؤمنها وكافرها، خال شرذمة قليلة من جهلة الفالسفة زعمت أن حدوث العالم أمر

اتفاقي بغير فاعل. ويكفي في الرد عليهم أن صرف قلوبهم عن إدراك وجودالصانع مع ظهور دليل ذلك من أدل دليل على وجوب وجوده تعالى..

( إذا قدر الزمان بكونه أمرا وجوديا هو مقدار حركات األفالك من دوران2) األرض حول نفسها وحول الشمس إلى آخر ذلك، فال شك في انعدامه بهذا

المعنى في األزل؛ إذ ال فلك فيه وال حركة لما ثبت بالبرهان من حدوث كل مار بكونه أمرا سوى الله عز وجل، وكل ما لم يكن في األزل فهو حادث. وإذا فس

وهميا، وهو ليس إال مقارنة متجدد لمتجدد، فحدوثه واضح لحدوث كلالمتجددات.

(1/36)

ة للوجود، ونفي سبق العدم على الوجود، والقدم – ويطلق ويراد به عدم األوليبهذا المعنى هو الذي يجب لموالنا جل وعز.

وعطف القدم – كالبقاء – على الوجود من عطف الالزم على الملزوم؛ ألن (، ودل على1وجوب الوجود دل على حال واجب للذات أزال وأبدا بالمطابقة)

نفي العدم السابق – الذي هو معنى القدم – وعلى نفي العدم الالحق – الذي هو(.2معنى البقاء – بااللتزام)

وأما برهان وجوب القدم لموالنا جل وعز، فإنه لما ثبت وجوب الوجود لموالنا تعالى بوجوب افتقار جميع الكائنات إليه وجب أن يكون قديما، إذ لو لم يكن قديما لكان حادثا، إذ ال واسطة بينهما لوجوب انحصار كل موجود في القدم

والحدوث، فمتى ثبت أحدهما تعين انتفاء اآلخر ألنهما ضدان، والضدان ال يجتمعان وال يرتفعان؛ فإذن لو انتفى عن موالنا القدم – تعالى عن ذلك علوا

كبيرا – لثبت له ضده وهو الحدوث.__________

( داللة المطابقة: داللة اللفظ على تمام ما وضع له، كداللة اإلنسان على1) مجموع الحيوان الناطق، وسميت "داللة المطابقة" لمطابقة الفهم للوضع

اللغوي، ألن الواضع وضع اللفظ ليدل على معنى بتمامه، وقد فهمناه بتمامه.(40)إيضاح المبهم في معاني السلم للدمنهوري، ص:

( داللة االلتزام: داللة اللفظ على أمر خارج عن المعنى الزم له، كداللة2) اإلنسان على قبول العلم وصنعة الكتابة. وسميت داللة التزام ألن المفهوم خارج

عن المعنى الزم له ذهنا وإن لم يكن في الخارج. )المصدر السابق(

(1/37)

ولو كان حادثا الفتقر إلى محدث, لوجوب افتقار كل حادث إلى محدث, كما تقدم في برهان الوجود، وننقل الكالم إلى ذلك المحدث فيلزم فيه ما لزم األول

الذي قبله من االفتقار إلى محدث وهلم جرا. ثم إن كان العدد غير محصور، وكان قبل كل محدث محدث لزم التسلسل، وهو محال لما يلزم عليه من

(،1الفراغ وعدم النهاية) وحوادث ال أول لها محال ال يعقل؛ ألن معنى قولنا حوادث هو أن لها أوال، إذ

حقيقة الحادث هو المسبوق بعدم فيكون له أول، فإذا قلت ال أول له جاءالتناقض وهو محال.

وإن كان العدد محصورا لزم الدور، وهو أيضا مستحيل لما يلزم عليه من تقدمالشيء على نفسه ومن تأخره على نفسه أيضا:

– أما لزوم تقدمه على نفسه, فألن صانعه أثر له، فيجب أن يتقدم على صانعهر على األثر، ولكن هو أيضا أثر لصانعه، فيجب أن يتقدم لوجوب سبق المؤث

صانعه عليه. – وأما لزوم تأخره على نفسه، فألنه أثر لصانعه فيتأخر عنه، وصانعه أثر له

فيتأخر عنه. والحاصل أن الدور يلزم فيه أن يتقدم حصول الشيء على حصول نفسه

بمرتبتين، وأن يتأخر حصوله عن حصول نفسه بمرتبتين. انتهى من شرحالكبرى.

]صفة البقاء[ )كذا بقاء(، أي ومما هو واجب له تعالى: البقاء، وتقدم أنه صفة سلبية، وأن

عطفه على الوجود من عطف الالزم على الملزوم، وكذا عطفه على القدم منعطف الالزم على الملزوم ألن كل من ثبت قدمه استحال عدمه.

__________ ( قال الشيخ السنوسي في شرح الكبرى: يلزم على وجود حوادث ال أول لها1)

أن يكون دخل في الوجود وفرغ من حركات األفالك وأشخاص الحيوان ونحوها على الترتيب واحدا بعد واحد عدد ال نهاية له، والجمع بين الفراغ وعدم النهاية جمع بين متناقضين، فيكون محاال على الضرورة، ويلزم عليه أن يكون وجودنا

ووجود سائر الحوادث اآلن محاال لتوقفه على المحال، وهو فراغ ما ال نهاية له. )عمدة أهل التوفيق والتسديد في شرح عقيدة أهل التوحيد للسنوسي، ص:

37)

(1/38)

وإنما لم يكتف المصنف بوجوب الوجود عن ذكر القدم والبقاء مع أنهما يؤخذان منه التزاما ألن المطلوب في هذا العلم البيان والتوضيح بقدر اإلمكان؛ وأيضافليس كل أحد يفهم اللوازم من الملزومات ويستخرج الجزئيات من الكليات. ومعنى البقاء في حقه تعالى: نفي اآلخرية ونفي العدم الالحق، كما أن معنى

القدم: نفي األولية ونفي العدم السابق كما تقدم؛ قال الله تعالى: } هو األول[؛3واآلخر والظاهر والباطن { ]الحديد:

فـ "األول": القديم من غير بدايةو"اآلخر": الباقي من غير نهاية

و"الظاهر": المعروف باألدلة، أي الذي أظهر أدلة معرفته بما أبدع من صنعتهف. و"الباطن": الذي ال يحد وال يكي

وقوله: )ال يشاب بالعدم(، في موضع الصفة لبقاء، أي وكما يجب له تعالى الوجود والقدم كذا يجب له بقاء ال يشوبه – أي ال يخالطه – عدم، بل ال نهاية له,

لما عرفت من أن كل من ثبت قدمه استحال عدمه. وبرهان وجوب البقاء لموالنا جل وعال أنه تعالى لو لم يجب له البقاء لكان يقبل

الوجود والعدم، وكل من يقبل الوجود والعدم وجوده جائز ال واجب، وكل من وجوده جائز فهو حادث فيفتقر إلى من يرجح وجوده على عدمه، فلو لم يكن تعالى باقيا لكان حادثا، وقد سبق قريبا استحالة الحدوث عليه تعالى ووجوب القدم له جل وعال، فيلزم أن يكون باقيا لوجوب قدمه؛ إذ كل من ثبت قدمه

استحال عدمه ووجب بقاؤه.]صفة المخالفة للحوادث[

)وأنه( تعالى )لما( أي للذي )ينال( يناله بمعنى يلحقه )العدم( وهو الحوادث

)مخالف( خبر "أنه". يعني أنه تعالى مخالف لجميع الحوادث، فقوله: "لما"يتعلق بـ "مخالف".

(1/39)

ة عنه تعالى؛ أي ليس هو ة والعرضي ومعني المخالفة للحوادث, نفي الجرمي ( قائما بالجرم، وال يوصف تعالى بحركة وال سكون، وال1تعالى جرما وال عرضا)

بمكان وال بزمان، وال جهة من الجهات الست وهي: أمام، وخلف، ويمين،وشمال، وفوق، وتحت. فليس له تعالى جهة، وال هو كائن في جهة من الجهات.

وينزه موالنا عن الكيف، وعن الكبر والصغر، وعن القرب والبعد بالمسافة ـ وأما [ ـ ألن جميع16بالعلم والسمع والبصر فهو } أقرب إليه من حبل الوريد { ]ق:

ذلك من صفات الحوادث، وموالنا منزه عن مشابهة الحوادث. قال اإلمام الجنيد - رضي الله عنه -: التوحيد األكبر هو قول الصديق: "سبحان

(. وقال تعالى: } ليس كمثله2من جعل العجز عن إدراكه هو عين معرفته") [، فأفادت هذه اآلية الشريفة نفي11شيء وهو السميع البصير { ]الشورى:

المماثلة لشيء عن ذاته وعن صفاته؛ ألن أولها تنزيه وعجزها إثبات.__________

( العرض في اللغة: عبارة عما يعرض ويزول وال يبقى، ومنه قوله تعالى:1) [، وأما في اصطالح8} تريدون عرض الحياة الدنيا والله يريد اآلخرة { ]األنفال:

علماء العقيدة فهو يدل على ما ال يقوم بذاته، أو المفتقر إلى ذات يقوم بها،وذلك كاأللوان والروائح والحركة والسكون إلخ

( والمنقول أيضا عن أبي بكر - رضي الله عنه - قوله: "العجز عن درك2) اإلدراك إدراك"، والدرك: أقصى قعر الشيء كالبحر ونحوه، وعلى هذا يكون

المراد بدرك اإلدراك: أقصى مراتب اإلدراك، وهو إدراكه تعالى بالكنه. وقيل في تفسيره: إن عجز العقول عن درك كنه الواجب تعالى وامتناع حصوله لها، إدراك

لها إياه تعالى بعنوان تمايزه بهذا العنوان عن جميع ما سواه، وهو أن يمتنعإدراك كنهه، بخالف ما سواه.

(1/40)

وحكمة تقديم السلب على اإلثبات في اآلية – وإن كان الكثير عكسه وهو تقديم اإلثبات على السلب – نفي أن يسبق إلى الوهم أن صفاته تعالى وسمعه وبصره

كسمع الحوادث وبصرهم، أي خشية أن يسبق للذهن ابتداء أن سمعه بأذنوبصره بحدقة، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

وكذا مما يدل على تنزيه موالنا عن مماثلة الحوادث, سورة اإلخالص؛ إذ فيها ثبوت الوحدانية لموالنا في األلوهية، ونفي أن يكون له كفؤا ونظيرا، فقد روي

أن المشركين قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - : انعت لنا ربك أو صفه لنا، فنزلت: } قل { يا محمد للمشركين } هو الله { الواجب الوجود، الحي

المعبود، الموصوف بصفات األلوهية، المختص بها، التي ال يشاركه فيها غيره، [ } أحد { : واحد في الذات والصفات65} هل تعلم له سميا { ]مريم:

واألفعال، } الله الصمد { : المقصود في جميع المهمات، المحتاج إليه ابتداء ودواما، } لم يلد { : ليس له ولد } أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة {

[ } ولم يولد { : ليس له والد، بل وجوده من ذاته ال من غيره،101]األنعام: (. ورحم الله من1} ولم يكن له كفؤا أحد { أي ليس له نظير في األلوهية)

قال: التوحيد إثبات ذات غير مشبهة بالذوات وال معطلة عن الصفات. وبرهان وجوب مخالفته تعالى للحوادث أنه لو ماثل شيئا منها لكان حادثا مثلها، والحدوث عليه تعالى محال كما تقدم بالبرهان. واعلم أن صفة المخالفة تحصل

لمن أتقنها غالب مطالب علم الكالم.__________

( الحديث أخرجه الترمذي في التفسير، باب سورة اإلخالص. عن أبي بن1) كعب أن المشركين قالوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنسب لنا ربك؛ فأنزل الله: } قل هو الله أحد الله الصمد { فالصمد الذي } لم يلد ولم يولد { ألنه ليس شيء يولد إال سيموت، وال شيء يموت إال سيورث، وإن الله ال يموت

وال يورث. } ولم يكن له كفؤا أحد { قال: لم يكن له شبيه وال عدل وليسكمثله شيء.

(1/41)

وقوله: )برهان هذا( المطلب، وهو المخالفة للحوادث )القدم( يعني أن الدليل القاطع أو الواضح على أنه تعالى مخالف للحوادث: وجوب القدم لذاته العلية

وصفاته الثبوتية؛ إذ القدم والحدوث ضدان ال يجتمعان، فإذا ثبت أحدهما انتفىاآلخر، فثبت كونه تعالى مخالفا للحوادث لوجوب قدمه.

]صفة القيام بالنفس[ والصفة الرابعة من الصفات السلبية: )قيامه( تعالى )بالنفس(، أي استغناؤه عن

الذات وعن الفاعل. والدليل على استغنائه تعالى عن الذات, أنه تعالى لو احتاج إلى ذات للزم أن

يكون صفة؛ إذ ال يحتاج إلى الذات إال الصفات، ولو كان تعالى صفة النتفى اتصافه بصفات المعاني والمعنوية لبطالن قيام الصفة بالصفة؛ ونفي اتصافه

تعالى بصفات المعاني والمعنوية محال, لقيام البرهان على وجوبهما له تعالى؛ة إذ الواجب هو الذي ال يمكن في العقل نفيه، فيلزم أن يكون تعالى ذاتا علي

ليصح اتصافه بصفات المعاني والمعنوية؛ إذ الصفات ال بد لها من ذات تقوم بها. والدليل على استغنائه تعالى عن المخصص – بكسر الصاد أي الفاعل –, أنه لو

احتاج تعالى إلى فاعل لكان حادثا تعالى عن ذلك. كيف وقد تقدم بالبرهانالقاطع استحالة الحدوث عليه تعالى؟

فخرج لك من هذا أن الله تعالى قائم بنفسه – أي بذاته – غني عن غيره. وقد شهد بذلك لنفسه تعالى في كتابه فقال: } يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى

[ وقال جل من قائل: } والله الغني15الله والله هو الغني الحميد { ]فاطر:

[.26[ و } هو الغني الحميد { ]لقمان: 38وأنتم الفقراء { ]محمد: ]صفة الوحدانية[

)وحدانية(: هذه الصفة السادسة من صفاته تعالى العشرين، وهي الخامسة منالسلبية، وهي آخرها، وهي واجبة لموالنا في الذات والصفات واألفعال.

صل والكم المنفصل. فأما وحدانية الذات, فهي عبارة عن نفي الكم المتبة من أجزاء – تعالى الله عن ذلك –. ومعنى الكم المتصل: أن تكون ذاته مرك

(1/42)

والكم المنفصل: عبارة عن وجود نظير له تعالى في ذاته أو صفاته أو فيأفعاله.

فالوحدة في حقه تعالى عبارة عن نفي الكثرة في الذات والصفات واألفعال: فنفي الكثرة في الذات يستلزم أن ال يكون جسما يقبل االنقسام، ويستلزم نفي

نظير له في األلوهية. ونفي الكثرة في الصفات يستلزم نفي النظير فيها، أي نفي أن يكون أحد متصفا

بمثل القدرة واإلرادة ونحوهما من صفات األلوهية.ونفي الكثرة في األفعال يستلزم انفراده تعالى بها، فال قسيم له فيها.

ته أن ات مما جرت عادة اإلله وسن ومن هنا تعلم أن ال تأثير لشيء من العادي يخلق عندها الشيء مقترنا بها؛ كإيجاده تعالى الري عند الشرب، والشبع عند

األكل، والقطع عند اقتران السكين بالمقطوع أو المذبوح، واحتراق الشيء عند مالقاة النار له، فهذه األشياء وما ماثلها ال تأثير لها فيما قارنته البتة بدليل

[، وبصحة تخلفه54انفراده تعالى بالفعل؛ } أال له الخلق واألمر { ]األعراف: [ و62كما وقع وشوهد، شاهد على ذلك: } الله خالق كل شيء { ]الزمر:

[.3} هل من خالق غير الله { ]فاطر: ]أقسام األدلة في إثبات العقائد[

واختلف هل يصح أن يستدل على الوحدانية بالدليل السمعي أو ال؟ وال خالفبينهم أن الدليل العقلي فيها قطعي وأنه يكفي االستدالل به.

واعلم أن الصفات تنقسم بحسب االستدالل عليها إلى ثالثة أقسام:

(1/43)

– قسم ال يكفي فيه إال الدليل العقلي: وهو ما تتوقف عليه داللة المعجزة، كوجوب الوجود له تعالى، والقدرة، واإلرادة، مما يتوقف عليه الفعل؛ فإن

المعجزة فعل من أفعاله تعالى، وال تثبت رسالة الرسول عموما إال بالمعجزة، فإذا كانت القدرة مثال ال تثبت إال بقول الرسول – الذي هو الدليل الشرعي –،

وال يقبل قوله إال بظهور المعجزة الدالة على صدقه وعلى ثبوت رسالته، وظهور المعجزة متوقف على اتصاف المرسل بالقدرة مثال، فقد توقفت القدرة على

ظهور المعجزة، وتوقفت المعجزة على اتصاف مظهرها بالقدرة، فحصل الدور،

فلم يصح أن يستدل على ذلك بالشرع. والحاصل أنه ال تصح رسالة الرسول حتى يتصف مرسله بالقدرة، وال تثبت له القدرة حتى تصح رسالة الرسول، وهو

دور كما تقدم. – وقسم يكفي فيه الدليل الشرعي: وهو ما ال يتوقف عليه داللة المعجزة،

كسمعه تعالى، وبصره، وكالمه، واإلدراك – على القول به – ،والبعث وأحوالاآلخرة.

– وقسم اختلف فيه – وهو الوحدانية – هل هو كالقسم األول، فال يصح أن يعلم إال بالدليل العقلي، أو يستدل عليه بالدليل السمعي أيضا كالقسم الثاني؟ فقال

بعض: يصح أن يستدل عليه بالدليل الشرعي – وهو رأي إمام الحرمين والفخر –وقال بعض المحققين: ال يكفي فيها الدليل السمعي، وهو مختار السنوسي.

]برهان الوحدانية[ أما برهان وحدانيته بمعنى نفي التركيب – وهو المراد بالكم المتصل كما تقدم

بة للزم أن يكون جسما – تعالى عن ذلك –، ولو –، فألنه لو كانت ذاته العلية مرك كان جسما لكان حادثا، وقد تقدم وجوب القدم له تعالى، فال يكون حادثا لئال

يجتمع الضدان.

(1/44)

وأما برهان وحدانيته تعالى بمعنى نفي النظير في ذاته وصفاته وأفعاله – وهو المراد بالكم المنفصل– فألنه تعالى لو كان معه ثان في األلوهية لما وجد شيء من الحوادث؛ إذ قادران على مقدور غير جلي، فال يدخل المقدور الواحد تحت

قدرتين؛ وذلك أنه لو فرض شريك له – سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا –فقا أو يختلفا: فال يخلو إما أن يت

– فإن اختلفا لزم العجز الستحالة نفوذ قدرتهما؛ ألنه إذا كان أحدهما يقول بإيجادشيء واآلخر يقول بإعدامه، فال يمكن أن تنفذ إرادة كل منهما، وهو واضح.

– وأما إن اتفقا فيلزم العجز أيضا؛ أما الذي لم تنفذ إرادته فعجزه واضح ألنه ترك الفعل لمثله، وأما الذي نفذت إرادته فعاجز أيضا ألنهما فرضا مثلين، فحيث

وجب العجز ألحدهما وجب لآلخر. فتبين وجوب الوحدانية له تعالى والله تعالىأعلم.

)منزها( أي مقدسا ومطهرا عما ال يليق بجالله وكبريائه، منصوب بفعل مقدرهة عن كل نقص. جملة ة( رفيعة القدر، منز )أوصافه( أي صفاته تعالى )سني

معترضة بين قوله "منزها" ومتعلقه، وهو قوله: )عن ضد( أي نظير في الذات أو في الصفات أو األفعال، )أو( عن )شبه(، أي ليس له شبيه في شيء منها،

و"أو"، بمعنى الواو. وكذا ينزه تعالى عن )شريك( في األلوهية )مطلقا( في الذات والصفات

واألفعال.ه تعالى عن )والد( ألن وجوده تعالى واجب من ذاته فال يفتقر إلى سبب، )و( ينز

ه الواحد جل وعال عن )الولد( الستحالته عليه تعالى، } ما اتخذ الله و)كذا( ينز [ وفيه رد على النصارى أهلكهم91من ولد وما كان معه من إله { ]المؤمنون:

الله تعالى. )و( كذا ينزه تعالى عن )األصدقا( – بالقصر للوزن، جمع صديق – الستغنائه

تعالى عن غيره، والستحالة األغراض عليه جل وعال.

(1/45)

ويؤخذ من كالم الناظم رحمه الله استحالة الكم المتصل والمنفصل؛ أما المنفصل فواضح، وأما المتصل فمن قوله "أو شبه" ألنه ينفي أن يكون تعالى

(.1جسما مركبا من أجزاء)]صفات المعاني وبراهينها[

ضا كما ثبت27 – وقدرة إرادة وغايرت أمرا وعلما والريب28 – وعلمه وال يقال مكتسب فاتبع سبيل الحق واطرح الرمع29 مع ثم البصر بذا أتانا الس – حياته كذا الكالم الس– فهل له إدراك أو ال خلف وعند قوم صح فيه الوقف30

__________ ( درج العلماء في كتب العقيدة على تقديم مباحث التنزيهات، أي سلب1)

النقائص عن الباري تعالى، وهم في ذلك المنهج مقتدون بقوله تعالى: ? ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ?، فصدرهذه اآلية تنزيه يرد على المجسمة

تجسيما صريحا أو التزاما، وعجزها إثبات يرد على المعطلة من الفالسفة والمعتزلة والشيعة النافين للصفات الثبوتية وزيادتها على الذات اإللهية. وتقديم

السلب على اإليجاب من باب تقديم التخلية على التحلية. وتأتي أهمية مباحث التنزيه السابقة من حيث كونها نافية ألصول الكفر الثمانية عن الله عز وجل، وهي الكثرة في الذات متصال ومنفصال، والنقص، والعلة، والعلية، والمعلولية،

والشبيه والنظير. وإضافة إلى نفي جميعها عنه تعالى بالبراهين العقلية، فسورة اإلخالص قد تكفلت بذلك أيضا، فقوله تعالى: ? قل هو الله أحد ? نفي للكثرة

في الذات متصال ومنفصال، وقوله ? الله الصمد ? نفي للنقص والعلة، وقوله: ? لم يلد ? نفي لعليته لغيره، وقوله ? ولم يولد ? نفي لمعلوليته عن غيره،

وقوله ? ولم يكن له كفؤا أحد ? نفي للشبيه والنظير. وفي هذا خير دليل علىتطابق براهين العقل الصحيحة ومحكم آيات القرآن العظيم.

(1/46)

لوب، شرع في صفات المعاني ولما فرغ الناظم من الكالم على صفات الس السبع، وبدأ بالقدرة منها، وإن كان األولى تقديم الحياة ألنها شرط في الجميع، يلزم من عدمها عدم جميع صفات المعاني، وال يلزم من وجودها وجود وال عدمة ال توقف تقدم؛ إذ صفات كما هو حقيقة الشرط. إال أن هذا التوقف توقف معي

(.1الباري تعالى كلها قديمة يستحيل تقدم بعضها على بعض) وقدم المعاني على المعنوية ألنها أصل والمعنوية فرع، وألن المعاني وجودية

والمعنوية أحوال. والمعاني: هي الصفات الحقيقية الوجودية القائمة بالذاتالعلية الموجبة لها أحكاما.

]صفة القدرة[ فقال:)وقدرة( أي واجب له تعالى قدرة عظيمة, عامة التعلق بجميع الممكنات,هة عن الكيفية. إيجادا وإعداما وتأثيرا فيها، قديمة أزلية قائمة بالذات العلية، منز وبرهان وجوب اتصافه تعالى بالقدرة, أنه لو لم يتصف بها التصف بالعجز، وهو

محال لما يلزم عليه من عدم وجود الحوادث، وهو خالف المشاهد.]صفة اإلرادة[__________

( يمكننا القول أن الناظم قدم صفة القدرة ألن أعظم األدلة على وجود الله1) تعالى حدوث العالم، وحدوثه وإن كان متوقفا على جميع صفات الفعل من

القدرة واإلرادة والعلم والحياة، إال أن أظهرها داللة على ذلك القدرة؛ إذ بها التأثير مباشرة، فكأنه لم يكن إال بها. ثم إذا ثبت عند الناظر وجوب صفة القدرة لله تعالى، انتقل منها إلثبات باقي الصفات التي يتوقف التأثير عليها، وذلك ألنه

يتوقف على التخصيص باإلرادة، المتوقف على االنكشاف بالعلم، المتوقف على الحياة، فالتأثير بالقدرة نتيجة ما قبله، إال أنه لما كان المنظور إليه أوال – وهو

قا، كانت القدرة أقرب استدالال. العالم – هو المباشر تعل

(1/47)

وكذا )إرادة(، غير أن تعلقها بالممكنات تعلق تخصيص، وهي صفة يتأتى بها( بأحد األمرين الجائزين عليه. ويرادف اإلرادة المشيئة.1تخصيص الممكن)

]الفرق بين اإلرادة والرضا[)وغايرت( اإلرادة )أمرا( يعني أنه ال تالزم بين األمر واإلرادة, إذ قد:

ـ يأمر تعالى وال يريد، فال يقع، كأمره تعالى أبا جهل وأبا لهب باإليمان مع عدمإرادته له.

ـ ويريد وال يأمر، ككفر الكافر وعصيان العاصي.ـ ويريد ويأمر, كإيمان أبي بكر رضي الله عنه ونحوه من المؤمنين

ـ وال يريد وال يأمر، كالذي علم الله أنه ال يوجد. )و( غايرت أيضا )علما(، )و( غايرت )الرضا( وهو عبارة عن اإلرادة من غير

اعتراض. ويرادف الرضا المحبة. فعلم أن اإلرادة والمشيئة غير الرضا والمحبة؛ ألن معنى اإلرادة والمشيئة

المترادفين أعم من معنى الرضا والمحبة المترادفين )كما ثبت( ذلك وشاع واشتهر بين السلف والخلف من أهل السنة وأن » ما شاء الله كان، وما لم يشأ

(.2لم يكن «) وبرهان وجوب اتصافه تعالى باإلرادة, أنه لو انتفى عنه القصد إلى تخصيص

الممكن ببعض ما يجوز عليه – الذي هو معنى اإلرادة – لم توجد الحوادث وبقيتعلى عدمها، والمشاهدة شاهدة بمنع عدم وجود الحوادث.

وإرادته تعالى عامة التعلق بجميع الممكنات، فال يقع شيء إال بإرادته تعالى.

فائدة:__________

( الممكن في اإلصطالح: هو ما ال يقتضي وجودا وال عدما لذاته، وهو ما يحتاج1) في وجوده إلى غيره، وهو كذلك ما استوى في حقه أمور متقابلة كالعدم

والوجود، واألزمنة، واألمكنة، والمقادير، والصفات، والجهات، فالعقل يجوز أن تكون الممكنات على هذه الحالة أو على مقابلها في كل أمر من هذه األمور،

والله تعالى يرجح ويخصص بإرادته أحد هذه المتقابالت.( أخرجه أبو داود في األدب، باب ما يقول إذا أصبح.2)

(1/48)

روي أن رجال قال البن عباس رضي الله عنهما: أأنت الذي تزعم أن الله تعالى أراد أن يعصى؟ فقال: نعم، فقال الرجل: ما أراد الله أن يعصى! فقال ابن

عباس: ويحك! فمن حال بين الله وبين ما أراد !؟ انتهى. فلو كانت المعاصي غير مرادة لموالنا عز وجل – وإنما وقعت على كره منه

تعالى – لكانت إرادة الحوادث أنفذ من إرادته تعالى.فائدة أخرى:

عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: » سمعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أقول: ال حول وال قوة إال بالله، فقال: أخبرك بتفسيرها؟ قلت بلى

بأبي أنت وأمي يا رسول الله. فقال: ال حول عن معصية الله إال بعصمة الله، وال(1قوة على طاعة الله إال بتوفيق الله «.)

فالطاعة بقضاء الله وقدره وإرادته وأمره ورضاه، والمعصية بقضاء الله وقدره [، وال7وإرادته وال يرضاها؛ قال الله تعالى: } وال يرضى لعباده الكفر { ]الزمر:

[. انتهى28يأمر بها } إن الله ال يأمر بالفحشاء { ]األعراف: نعم، ال ينبغي أن يقال: مريد الكفر والمعاصي, – مع أن المعتقد كذلك – أدبا مع

الفاعل المختار. أرأيت لو طلع أحد على بعض الملوك الحوادث فجعل يقول: موالنا الملك سفك الدماء وسجن وفعل كذا وكذا، فال شك أن ما قاله سوء أدب

وإن كان السلطان قد فعل جميع ما قال. وبهذا يتبين لك معنى ما ورد في(.2الحديث: » والشر ليس إليك «)

]صفة العلم[__________

( ورد الحديث في مجمع الزوائد، وكنز العمال، وتاريخ بغداد. )موسوعة1)(7/242أطراف الحديث النبوي:

( أخرجه مسلم في صالة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صالة الليل2)وقيامه، عن علي بن أبي طالب ونحوه.

(1/49)

)وعلمه( تعالى القديم األزلي، المتعلق بجميع الواجبات والجائزات [ } وأحصى12والمستحيالت؛ قال تعالى: } أحاط بكل شيء علما { ]الطالق:

[. وإنما تعلق3[ } وهو بكل شيء عليم { ]الحديد: 28كل شيء عددا { ]الجن: بالواجبات والمستحيالت ألنه ليس من صفات التأثير، إذ الصفة يجب لها عموم

التعلق بكل ما صلحت له. هذا، والدليل القطعي أنه تعالى لو لم يتصف بالعلم التصف بضده، وهو محال لما يلزم عليه من عدم وجود الحوادث؛ إذ لو انتفى العلم النتفت اإلرادة، ولو

انتفت اإلرادة النتفت القدرة فال يوجد شيء من الحوادث. كيف وهو الذي خلق[.14السموات واألرض؟ } أال يعلم من خلق { ]الملك:

والعلم: صفة أزلية قديمة, لها تعلق بالشيء على وجه اإلحاطة به, على ما هوفه بعضهم، وقوله "بالشيء" أي اللغوي، فال يرد عليه دون سبق خفاء. هكذا عر

أن الشيء هو الموجود. )وال يقال( فيه أنه )مكتسب( وال ضروري؛ لما يلزم على األول من سبق الجهل المستحيل عليه تعالى؛ إذ المكتسب هو الحاصل بعد النظر، فيكون علمه تعالى

حادثا، وتقدم استحالته.

(1/50)

وأما استحالة كون علمه تعالى ضروريا، فألنه إما أن تقارنه حاجة أو ضرر، وهو محال الستحالة الحاجة والضرر عليه سبحانه؛ وإما أن يحصل بغير طلب وال

نظر، فاتصاف علمه بهذا صحيح، لكنه ال يجوز إطالقه شرعا لما يوهمه اللفظ(.1من الضرر واإللجاء)

ويفهم من نفي الناظم أن يكون علمه تعالى مكتسبا نفي الجهل بالطريقاألولى.

وكذا ينزه تعالى عن كل ما في معنى الجهل كالظن، والشك، والوهم، والنسيان، ( } ال تأخذه2والغفلة، والنوم، والسنة؛ »إن الله ال ينام، وال ينبغي له أن ينام «)

[.255سنة وال نوم { ]البقرة: __________

( لفظ الضروري يطلق على أربعة معان، أحدها: ما ليس بمقدور بالقدرة1) الحادثة، ونقيضه المكتسب، وهو المقدور بها. وهذا المعنى ال يختص بالعلم، بل

يقال: حركة ضرورية أي غير مقدورة بالقدرة الحادثة. وثانيها: ما علم بغير دليل. وثالثها: ما علم من غير تقدم نظر. وهذان المعنيان مختصان بالعلوم. ورابعها: ما قارن ضرورة وحاجة كعلم اإلنسان بجوعه وألمه. والممتنع عقال اتصاف علم الله

تعالى به من هذه األقسام هو األخير منها، دون الثالثة األول منها لعدم استحالة مدلوالتها عليه تعالى. وأما إطالق لفظ الضروري على علمه تعالى فممتنع

مطلقا إليهامه المعنى الرابع منها. وأما العلم البديهي فهو ما ال يقترن بضرر وال حاجة، وهو بهذا االعتبار ال يمتنع اتصاف علمه تعالى به، لكن امتنع إطالق لفظ البديهي على علم الله تعالى إلشعاره بالحدوث؛ إذ يقال: بده النفس األمر، إذا أتاها بغتة بغير سابقة شعور. والحاصل أن العلم الحادث ينقسم ثالثة أقسام:

ضروري، وبديهي، وكسبي. وال يطلق واحد منها على علمه تعالى. ( أخرجه مسلم في اإليمان، باب في قوله عليه السالم: »إن الله ال ينام« عن2)

أبي موسى

(1/51)

)فاسلك سبيل( أي طريق )الحق( الذي عليه أهل السنة والجماعة رضي اللهيب وهو الشك, وفي يب(، جمع ريبة من الر عنهم )واطرح( أي دع واترك )الر

(,1الحديث » دع ما يريبك إلى ما ال يريبك «)]صفة الحياة[

)حياته( أي ومن صفاته تعالى الواجبة له تعالى: الحياة القديمة. وهي ال تعلق لهاكما يأتي إن شاء الله عند قول الناظم "ثم الحياة ما بشيء تعلقت".

والحياة: صفة أزلية تصحح لمن قامت به أن يتصف بالعلم واإلرادة والقدرة. والدليل على اتصافه تعالى بالحياة: اتصافه تعالى بالصفات التي ال يمكن أن تقوم إال بالحي؛ من العلم، والقدرة، واإلرادة وغيرها، وأنه لو لم يكن حيا لم

يوجد شيء من الحوادث، وهو خالف المشاهد، وقال تعالى: } الحي القيوم {[.255]البقرة:

]صفة الكالم[ و)كذا( من صفات المعاني الواجبة لله: )الكالم( النفسي األزلي القائم بذاته

ه عن الحروف، واألصوات، واللحن، واإلعراب، والتقديم، والتأخير، العلية، المنز والسكوت, وكل آفة مما هو من خواص الحوادث الذين كالمهم على حسب ما

يساعد آلة اللسان من الترتيب. بل كالم موالنا تعالى صفة من صفات ذاته دائمة ال تنقطع أبد اآلباد، وإنما لم نسمعه لما ضرب علينا من الحجاب، وإذا أراد تعالى إسماع كالمه ألحد من أولياءه في اآلخرة, أو لبعض خواص أنبيائه في الدنيا أزال

ف. عنه الحجاب حتى يسمع كالما ليس له نظير وال شبيه وال يكي ويتعلق بكل ما يتعلق به العلم من الواجبات والمستحيالت والجائزات، إال أن

تعلق العلم تعلق انكشاف كما تقدم، وتعلق الكالم تعلق داللة كما يأتي.والدليل القاطع على اتصافه تعالى بصفة الكالم:

__________ ( علقه البخاري من قول حسان بن أبي سنان، في البيوع باب تفسير1)

المشبهات. وأخرجه مرفوعا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -: الترمذي في صفة القيام، باب. عن الحسن بن علي رضي الله عنهما. والنسائي في األشربة،

باب الحث على ترك الشبهات.

(1/52)

[، } إني164– الكتاب: قال تعالى: } وكلم الله موسى تكليما { ]النساء: [.144اصطفيتك على الناس برساالتي وبكالمي { ]األعراف:

– والسنة: أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .– وإجماع أهل السنة.

– ولو لم يتصف تعالى بالكالم التصف بضده، وهو نقص، والنقص على المتصفبصفات الجالل والكمال محال.

]صفتا السمع والبصر[ وكذا من صفاته تعالى )السمع( الذي ليس بأذن وال جارحة، بل صفة قديمة أزلية

قائمة بالذات العلية. )ثم( من صفاته تعالى )البصر( بالسكون للوزن. وهو أيضاهة عن الكيفية، وتتعلق كالسمع بكل موجود، صفة أزلية قائمة بالذات العلية منز

قديما كان أو حادثا. )بذا( أي بهذه الصفات الثالثة: السمع، والبصر، والكالم )أتانا( أي جاءنا )السمع(

أي دليل الشرع من الكتاب والسنة واإلجماع:[.11– قال جل من قائل: } وهو السميع البصير { ]الشورى:

– وقد مر - صلى الله عليه وسلم - على قوم يدعون وهم يرفعون أصواتهم فقال - صلى الله عليه وسلم -: » أربعوا على أنفسكم، فإنكم ال تدعون أصم

( أو كما قال - صلى الله عليه وسلم -.1ولكن تدعون سميعا بصيرا «) – وفي الخبر أنه مكتوب في التوراة: أنا الله ال إله إال أنا، أرى دبيب النمل على الصفا، وأسمع خفق الطير في الهوا، وأعلم ما في القلب والكال، وأعطي العبد

ما نوى. انتهى – وفي البخاري عن أبي موسى األشعري - رضي الله عنه - قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكنا إذا أشرفنا على واد هللنا وكبرنا ارتفعت أصواتنا.

فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: » يا أيها الناس أربعوا على أنفسكم،(2فإنكم ال تدعون أصم وال غائبا، إنه سميع قريب «.)

__________ ( أخرجه البخاري في الجهاد والسير ، باب ما يكره من رفع الصوت في1)

التكبير. وفي التوحيد باب } وكان الله سميعا بصيرا { ؛ وفي الدعوات باب الدعاء إذا عال عقبة. ومسلم في الذكر والدعاء والتوبة، باب استحباب خفض

الصوت بالذكر.( انظر التخريج السابق2)

(1/53)

– وأما اإلجماع، فقد اجتمعت األمة أنه تعالى يسمع ويبصر دبيب النملة السوداء،على الصخرة الصماء، في الليلة الظلماء.

[ ونحوه من اآليات164وفي الكالم: } وكلم الله موسى تكليما { ]النساء: واألحاديث، وإجماع أهل السنة على أنه تعالى متصف بالكالم النفسي الذي هو

صفة ذاته، والسمع والبصر.] األقوال في صفة اإلدراك[

ولما فرغ الناظم من صفات المعاني المتفق علي اتصافه تعالى بها عند أهل الحق، وكانت ثم صفة ثامنة اختلف في ثبوتها له جل وعال، ذكرها الناظم مع

ده للخطاب: الخالف الواقع فيها, فقال مستخبرا شخصا جر )فهل له( تعالى صفة أخرى عدا السبع المتقدمة، وهي )إدراك( للطعوم

والروائح كما هو رأي القاضي وإمام الحرمين ومن وافقهما، لكن على ما يليق به من نفي االتصال باألجرام ونفي الكيفية من اللذات واآلالم، )أو ال( إدراك

لعدم ورود السمع بها، فيستغنى عنه بالعلم ؟ وجوابه في ذلك: )خلف( أي اختالف مبني على صحة االكتفاء في الصفات

الثالث بدليل الشرع أو العقل، والمعتمد فيها على دليل السمع، ولم يرد سمع بصفة هي اإلدراك، فاألسلم أن ال يقطع بثبوتها وال نفيها، ولذا قال: )وعند قوم(

( )صح فيه( أي في اإلدراك )الوقف( أي التوقف، بمعنى1من العلماء كالمقترح) ال ندري هل اإلدراك ثابت له تعالى زائد على العلم أو ال؟ محل توقف. فيترك

الجزم بأحد األمرين لعدم وجود الدليل. والحاصل: أنه اختلف في ثبوت صفة تتعلق بالمشمومات والمذوقات

والملموسات على ثالثة أقوال؛ فقيل: هو ثابت، ودليله أن ثبوته كمال ونفيه نقص، وكل كمال واجب له تعالى، وكل نقص محال عليه، وقيل: ال، أي: والعلم

يغني عنه، وقيل بالوقف.__________

( هو مظفر بن عبد الله بن علي بن الحسين، أبو الفتح، تقي الدين، المعروف1) 560بالمقترح: فقيه شافعي مصري، برع في أصول الدين والخالف. ولد سنة

هـ. من كتبه: "كفاية طالب علم الكالم في شرح اإلرشاد612وتوفي سنة (7/256لإلمام". )األعالم

(1/54)

]الصفات المعنوية[– حي عليم قادر مريد سميع بصير ما يشا يريد31م ثم صفات الذات ليست بغير أو بعين الذات32 – متكل…

ثم ذكر الناظم السبع المعنوية المالزمة للسبع األولى، ولذلك كانت مثلها سبعا، وقد اختلف هل هي عبارة عن قيام المعاني بالذات، أو هي أسماء لصفات ثبوتية

غير المعاني ال موجودة وال معدومة – وهي األحوال عند من يثبت الحال – ، واختار الشيخ السنوسي أنها أحوال معنوية، ولذلك كانت الصفات عشرين.

فقال:

(1/55)

)حي( بحياة، )عليم(، أي عالم بعلم وهو الزم للعلم، )قادر( بقدرة وهو مالزم ( وهو يالزم اإلرادة، )سميع( أي سميع بسمع وهو مالزم1للقدرة، )مريد( بإرادة)

لقيام السمع بذاته تعالى، )بصير( مالزم لقيام البصر بذاته، )ما يشا يريد( ألنه

فاعل مختار؛ } وربك يخلق ما يشاء ويختار { ]النمل: [ } ال يسأل عما يفعل { [ وتقدم أن المشيئة مرادفة لإلرادة والرضا مرادف للمحبة، )متكلم(23]األنبياء:

بكالم أزلي نفسي، وهو مالزم لصفة الكالم. ودليل هذه الصفات المعنوية يعلممما تقدم في المعاني.

تنبيه:__________

( مما يجب لله تعالى اتصاف ذاته باإلرادة المتقدم بيانها، وقد اتفق جميع1) المتكلمين والفالسفة وجميع الفرق على إطالق القول بأنه تعالى مريد، وشاع

ذلك في القرآن الكريم واألحاديث الشريفة، إال أن الخالف قائم في معنى اإلرادة التي أثبتها الجميع، فعند أهل السنة من األشاعرة، وبعد ما ثبت عندهم

بالبراهين كونه تعالى فاعال مختارا ، فإرادته تعالى عندهم صفة قديمة زائدة على ذاته قائمة به على ما هو شأن سائر الصفات الحقيقية، ودليلهم هو أن

تخصيص بعض األضداد بالوقوع دون البعض، وفي بعض األوقات دون البعض، مع استواء نسبة الذات على الكل، ال بد أن يكون لصفة شأنها التخصيص؛ وذلك

المتناع التخصيص بال مخصص، والمتناع احتياج الله تعالى في فاعليته إلى أمر منفصل لكون ذلك يستلزم االفتقار، وتلك الصفة هي المسماة باإلرادة، وهو

معنى واضح عند العقل، مغاير للعلم والقدرة وسائر الصفات، شأن ذلك المعنىالتخصيص والترجيح ألحد طرفي المقدور من الفعل والترك على اآلخر.

(1/56)

إنما تعد هذه من الصفات على القول بثبوت األحوال، وأما على قول من ال يثبتها فالصفات عنده ثالثة عشر. واإلجماع على أن معناها ثابت لموالنا تعالى، أي

بحيث ال يصح أن يقال ليس بقادر – تعالى عن ذلك – بل من رام ذلك فهو كافر، وإنما الخالف هل هي أسماء لصفات سوى المعاني، أو هي عبارة عن قيام

المعاني بالذات؟ ذهب الشيخ األشعري إلى الثاني، وذهب القاضي وإمامالحرمين ومن أثبت الحال إلى األول.

]صفات الله ليست عين ذاته وال غيرها[)ثم صفات الذات( وهي:

– صفات دل عليها فعله وصنعه لتوقف الفعل عليها وهي: القدرة، واإلرادة،والحياة والعلم.

– وصفات دل عليها التنزيه له تعالى عن النقص وهي: السمع، والبصر، والكالموالبقاء.

وأما صفات األفعال، فهي صفات دلت على تأثيره، قال الشيخ السنوسي: "صفات األفعال عبارة عن صدور األفعال عن قدرته وإرادته". وأيضا صفات

الذات قديمة، وصفات األفعال حادثة عند األشعرية. )ليست( هذه الصفات )بغير( الذات، )أو( ليست )بعين الذات(. و"أو" بمعنى

الواو.فإن قيل: الحكم بأنها ليست غير الذات وليست عين الذات ترافع!

قلنا: المراد بكونها ليست عين الذات واضح ألن الصفة غير الموصوف، والمراد بكونها ليست غير الذات بمعنى عدم انفكاكها عن الذات العلية أزال وأبدا، ال أنها

نفسها، ولذلك قال بعض المحققين: "الغيرية تعتقد وال تطلق". وفي منظومةبدء اآلمالي:

صفات الله ليست عين ذات وال غيرا سواه ذا انفصال فأزال اإلشكال بقوله: "سواه ذا انفصال"، أي إن الصفات ال انفصال لها عن

الذات وال انفكاك أصال.قال بعضهم: "ذهب الشيخ األشعري وعامة األصحاب إلى أن من الصفات ما هو:

– عين الموصوف، كالوجود. – ومنها ما هو غيره، وهو كل صفة أمكن مفارقتها عن الموصوف كصفات

األفعال من كونه تعالى خالقا ورازقا ونحو ذلك.

(1/57)

– ومنها ما ال يقال له عين وال غير، وهو ما يمتنع انفكاكه عن الموصوف بوجهمن الوجوه كالعلم والقدرة واإلرادة". انتهى المراد منه.

]تعلقات الصفات[قت33 قت بال تناهي ما به تعل – فقدرة بممكن تعل– ووحدة أوجب لها ومثل ذي إرادة والعلم لكن عم ذي34بع35 – وعم أيضا واجبا والممتنع ومثل ذا كالمه فلنتمع به كذا البصر إدراكه إن قيل به36 – وكل موجود أنط للسقت37 – وغير علم هذه كما ثبت ثم الحياة ما بشي تعل

ولما كان من الصفات ما له تعلق، ومنها ما ال تعلق له، ذكر الناظم فقال: قت(، تعلقا صلوحيا قديما، وتعلقا تنجيزيا )فقدرة بممكن( وجوده وعدمه )تعل

حادثا. ومعنى الصلوحي أنها صالحة في األزل لإليجاد واإلعدام عند تعلق اإلرادةاألزلية بهما فيما ال يزال.

(1/58)

يعني أن القدرة القديمة تتعلق بجميع الممكنات؛ إذ لو اختصت ببعض الممكنات دون بعض للزم أن يكون هذا البعض الذي لم تتعلق به واجبا أو مستحيال، وهو

(.1قلب للحقائق؛ وإال احتيج إلى مخصص، والكل محال) والتعلق التنجيزي: وهو التعلق الحادث المقارن لتعلق اإلرادة بالحدوث، وهو

عبارة عن وقوع الممكنات عن قدرته تعالى و إرادته. )بال تناهي ما به تعلقت( تلك القدرة، و"ما" اسم موصول في محل رفع باالبتداء،

و"به" يتعلق بـ"تعلقت " وهو صلة الموصول، و"بال تناهي" في موضع الخبر.يعني أن الذي تتعلق به القدرة ال نهاية له ألنها لم تزل صالحة لإليجاد واإلعدام. )ووحدة( مفعول )أوجب لها(، أي للقدرة، يعني أن القدرة تجب لها الوحدانية,

بمعنى أنها ليست متعددة، وال يتصف بها سوى موالنا أحد. )ومثل ذي( القدرة في عموم التعلق بالممكنات ووجوب الوحدة )إرادة(، إال أن

تعلق القدرة تعلق تأثير، وتعلق اإلرادة تعلق تخصيص كما مر.__________

( يقرر الشارح هنا مسألة عموم تعلق قدرة الله تعالى بجميع الممكنات إيجادا1) وإعداما وغير ذلك، ودليله أن القدرة أو أي صفة من صفاته تعالى المتعلقة، لو

اختصت ببعض ما تصلح للتعلق به النقلب الجائز مستحيال، ولما بطل انقالب الحقائق بطل االختصاص؛ وبيانه أن البعض الذي يفرض عدم تعلق تلك الصفة به

ـ مع صالحية تعلقها به ـ هي في صحة تعلقها به مثل البعض الذي تعلقت به، فقصر تعلق الصفة به على غيره منع لما علمت صحته، وتخصيص تعلق الصفات

ببعض ما جاز أن تتعلق به يوجب افتقارها إلى مخصص مختار الستواء الجميع بالنسبة إليها، وذلك يوجب حدوثها لما تقرر من أن كل مفتقر إلى المخصص

ممكن، والممكن ال يكون صادرا إال الفاعل المختار فال يكون إال حادثا، وكل ذلك مستحيل عقال لما تقرر من البراهين القطعية على وجوب البقاء والقدم لذات الله تعالى وجميع صفاته، ونقال لقوله تعالى: ? والله على كل شيء قدير ? أي

على كل ممكن قدير.

(1/59)

وكذا )العلم( األزلي يتعلق كالقدرة واإلرادة بجميع الممكنات، ويزيد أنه يتعلق ببقية أقسام الحكم العقلي؛ أي ينكشف له تعالى بالعلم جميع الواجبات

والجائزات والمستحيالت من غير سبق خفاء، ولذا قال: )لكن عم( العلم تعلقا)ذي( الممكنات.

)وعم أيضا واجبا( كذاته وصفاته وأسمائه الواجبة القديمة، فهي منكشفة لهويعلم أنها واجبة له أزال وأبدا.

)و( عم أيضا )الممتنع( أي المستحيل، فيعلم تعالى أن الشريك والنقائص عليهمحال ممتنع ال يتصور وجوده.

)ومثل ذا( العلم العام التعلق، )كالمه( تعالى النفسي األزلي القائم بذاته، فيتعلق كالمه تعالى بأقسام الحكم العقلي الثالثة كالعلم، غير أن تعلق العلم تعلق

كشف، وتعلق الكالم تعلق داللة؛ فمثال داللة كالمه تعالى على الواجب قوله [، وعلى الجائز: } و يوم نسير14تعالى: } إنني أنا الله ال إله إال أنا { ]طه:

[، وعلى المستحيل: } أنى يكون له ولد ولم تكن له47الجبال { ]الكهف: [ ونحو ذلك )فلنتبع( الحق فيه النجاة.101صاحبة { ]األنعام:

)وكل موجود( قديما كان أو حادثا )أنط للسمع به(، يعني أن سمعه تعالى يتعلقتعلقا تنجيزيا بكل موجود، واجبا كذاته وصفاته وأسمائه، أو ممكنا كمخلوقاته.

)كذا( – أيضا– يتعلق بجميع الموجودات تنجيزا )البصر( بالسكون لضرورة الوزن. وكذا )إدراكه( تعالى )إن قيل به( وأنه صفة ثامنة،أي فيتعلق اإلدراك على القول

به بكل موجود كالسمع والبصر، وأشار بـ "إن" التي للشك إلى أن األولى فيهذه الصفة التوقف كما تقدم.

)وغير علم هذه( الصفات الثالثة، أي السمع والبصر واإلدراك على القول به، بل هي صفات زائدة على العلم, ال أنها أنواع من العلم؛ لمجيء الشرع بثبوت كل

من السمع والبصر والعلم، فوجب اإليمان بها على التفصيل.

(1/60)

…والحاصل أنها صفات ثالث ال صفة واحدة، واإلدراك على القول به صفة أخرى، وكل ما تعلق به السمع والبصر تعلق به العلم، وليس كل ما تعلق به

العلم يتعلق به السمع والبصر بل بعض، والمنكشف بالسمع والبصر منكشفبالعلم أيضا )كما ثبت( ذلك شرعا.

)ثم( صفة )الحياة ما بشي( بالسكون للضرورة )تعلقت(، أي ال تعلق لها أصال، أي ال تقتضي أمرا زائدا على القيام بمحلها. وبما قررنا يظهر أن ليس المراد

بالشيء في كالم الناظم الموجود كما هو المصطلح, ألن الحياة ال تعلق لها البتة،ال بموجود وال بمعدوم، وإنما هي شرط في صحة االتصاف بسائر الصفات.

]أسماء الله تعالى وصفاته قديمة[– وعندنا أسماؤه العظيمه كذا صفات ذاته قديمه38ه39 معي ه كذا الصفات فاحفظ الس – واختير أن أسماه توقيفي

)وعندنا( معشر أهل السنة )أسماؤه( تعالى التسعة والتسعون التي في الحديث, كما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله - صلى الله

عليه وسلم - قال: » إن لله تسعة وتسعين اسما، مائة إال واحدا. من أحصاها( وهي:1دخل الجنة «)__________

( الحديث إلى هنا أخرجه البخاري في التوحيد، باب إن لله مائة إسم إال1) واحدا. ومسلم في الذكر والدعاء والتوبة، باب أسماء الله تعالى وفضل من

أحصاها.

(1/61)

هو الله الذي ال إله إال هو الرحمن. الرحيم. الملك. القدوس. السالم. المؤمن. المهيمن. العزيز. الجبار. المتكبر. الخالق. البارئ. المصور. الغفار. القهار. الوهاب. الرزاق. الفتاح. العليم. القابض. الباسط. الخافض. الرافع. المعز. المذل. السميع. البصير. الحكم. العدل. اللطيف. الخبير. الحليم. العظيم.

الغفور. الشكور. العلي. الكبير. الحفيظ. المقيت. الحسيب. الجليل. الكريم. الرقيب. المجيب. الواسع. الحكيم. الودود. المجيد. الباعث. الشهيد. الحق. الوكيل. القوي. المتين. الولي. الحميد. المحصي. المبدئ. المعيد. المحيي.

المميت. الحي. القيوم. الواجد. الماجد. الواحد. الصمد. القادر. المقتدر. المقدم. المؤخر. األول. اآلخر. الظاهر. الباطن. الوالي. المتعالي. البر. التواب. المنتقم.

العفو. الرؤوف. مالك الملك. ذو الجالل واإلكرام. المقسط. الجامع. الغني.

المغني. المانع. الضار. النافع. النور. الهادي. البديع. الباقي. الوارث. الرشيد. (. إذ أسماؤه تعالى ليست محصورة في التسعة2( أو غيرها)1الصبور.)

والتسعين اسما.تنبيه:

من أسمائه تعالى: القديم؛ ألنه ثبت باإلجماع، وهو من األدلة الشرعية. )العظيمة( القدر، و )كذا صفات ذاته( الواجبة لها أزال وأبدا كاإلرادة والكالم

ة، وباقية؛ إذ كل ما ثبت قدمه استحال عدمه، خالفا )قديمة( أزلية ليس لها أولي للمعتزلة أهلكهم الله وطهر منهم األرض؛ فإنهم قالوا بحدوث أسمائه، وإنه كان

بال أسماء في األزل، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.]أسماء الله تعالى وصفاته توقيفية[

__________.1/62( أخرجه الترمذي في الدعوات, باب؛ والحاكم في اإليمان 1) ( يقصد الشارح بغيرها ما جاء في روايات أخرى للحديث من أسماء: األحد,2)

(1/193, وابن حبان:1/62المعطي, المغيث وغيرها.)انظر الحاكم

(1/62)

)واختير( القول بـ )أن أسماه( – بالقصر للوزن – تعالى )توقيفية(، أي متوقفة على اإلذن من الشرع، فال يسمى موالنا إال بما سمى به نفسه في كتابه، أو سماه به نبيه، أو ثبت باإلجماع كالقديم كما تقدم. وقيل: يطلق كل ما يشعر

بالكمال بال إيهام ما ال يليق. واألول الحق فاسلك طريقه تصل. ( عن بعض كتب التذكير: "إن لله تعالى أربعة آالف إسم،1فائدة: نقل الفخر)

ألف في القرآن واألخبار الصحيحة، وألف في التوراة، وألف في اإلنجيل، وألف في الزبور، ونقول: ألف أخرى في اللوح المحفوظ ولم تصل إلى عالم البشر".

اهـ. وعلى هذا، فأسماء الله متناهية. انتهى. و )كذا الصفات(، أي واختير القول أيضا بأنها توقيفية كاألسماء، في أن إطالقها

عليه تعالى متوقف على اإلذن من الشرع. )فاحفظ( واعتقد الصفات واألسماء )السمعية( التي ورد بها دليل من الشرع، وال

تتجاوزها إلى غيرها ولو لم يكن موهما.]الحكم في ما أوهم التشبيه في القرآن والسنة[

شبيها أوله أو فوض ورم تنزيها40 – وكل نص أوهم الت )وكل نص( من كتاب أو سنة )أوهم( باعتبار ظاهر داللته، أي أوقع في الوهم

)التشبيها( له تعالى بالحوادث، المستحيل على من ثبت مخالفته للحوادث في ذاته وفي صفاته، فيجب تنزيه الباري تعالى عن ذلك الظاهر المستحيل عقال

وشرعا، ولذا قال: )أوله(، أي اصرفه عن ظاهره وجوبا، ثم أنت مخير في:__________

( هو محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي البكري، أبو عبد الله، فخر1) الدين الرازي: اإلمام المفسر. أوحد زمانه في المعقول والمنقول وعلوم

هـ. من أهم كتبه في أصول الدين: كتاب606 وتوفي سنة 544األوائل. ولد سنة

األربعين، محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين من الفالسفة والمتكلمين، معالم(6/313أصول الدين وغيرها. )األعالم

(1/63)

( خاص يليق بالجناب الرفيع؛ كتأويل اليد بالقدرة أو النعمة1أن تؤوله بتأويل) [؛75الذي هو معناها المجازي، في نحو قوله تعالى: } لما خلقت بيدي { ]ص:

وتأويل الوجه بالوجود والذات في نحو قوله تعالى: } ويبقى وجه ربك ذو الجالل [ ؛ وتأويل العين في نحو قوله تعالى: } تجري بأعيننا {27واإلكرام { ]الرحمن:

[ بالحفظ والرعاية؛ وكتأويل االستواء في قوله تعالى: } ثم استوى14]القمر: [ باإلستيالء؛ فإن اإلستواء لفظ له معنيان:54على العرش { ]األعراف:

قريب: وهو االستقرار، ويتعالى موالنا عنه. وبعيد: وهو اإلستيالء والقهر والغلبة، وهو المراد من اآلية ونحوها؛ إذ هو الالئق

بالمولى تعالى كما في قول الشاعر:قد استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق

ورية) (، وهي من بديع البالغة. هذا مذهب الخلف وهو أعلم2فيكون من باب التوأحكم.

__________ ( من معاني التأويل أنه: توجيه لفظ متوجه إلى معان مختلفة إلى واحد منها1)

(. وهو المعنى3/425بما ظهر من األدلة. )كشاف اصطالحات الفنون للتهانوي المقصود هنا.

ورية: هي أن يريد المتكلم بكالمه خالف ظاهره. )كتاب التعريفات؛ ص:2) ( الت134)

(1/64)

)أو( أوله إجماال ال تفصيال، و)فوض( األمر في المراد منها تفصيال إلى الله العليم الحكيم. وهذا مذهب السلف وهو أسلم لسالمته من التجاسر على تأويل

(1المتشابه الذي ال يعلم تأويله إال الله.)__________

( يؤخذ من كالم المتن والشرح اتفاق السلف والخلف على تنزيه الله تعالى1) عن المعنى الظاهر للنصوص الموهم للتشبيه، غير أن السلف طريقهم التأويل اإلجمالي، فينزهون عن الظاهر ويفوضون علم معانيها مفصلة إلى الله تعالى،

وذلك لتجنبهم تعيين معنى بالظن ولو كان صحيحا، وهذا هو رأي من يقف على ? الله ? من قوله تعالى: ? وما يعلم تأويله إال الله ? ؛ والخلف طريقهم التنزيه مع

التعرض للتأويل التفصيلي وذلك بتعيين معنى صحيح من المعاني التي يحتملها النص بقرينة ما، وهذا رأي من يقف في قوله تعالى على: ? والراسخون في

العلم ?. وأما اعتقاد أن تلك الظواهر هي المرادة، فهو مؤد إلى التجسيم، إما

صراحة كما وقع لبعض الفرق، أو التزاما كما وقع آلخرين وإن تستروا بنفي كيفية تلك الظواهر. ومن علق في ذهنه شيء من ذلك فعليه أن يحرر عقله من

التقليد وينظر نظر المسترشد؛ فالتأويل اإلجمالي الذي اتفق عليه السلف والخلف الحامل عليه هو أن المتشابه ال يعارض المحكم، فيحمل المتشابه على

ما يوافق المحكم الذي هو أصل الكتاب الذي يرجع إليه متشابهه؛ وأيضا، فإن الذين اعتمدوا النظر العقلي الصحيح في تقرير العقائد كما أمرهم بذلك القرآن،

خلصوا إلى أن األدلة النقلية ال تعارض القواطع العقلية التي ال تقبل التأويل، فردوا النقلية إلى ما يوافق العقلية ألن العقلية أصل للنقلية؛ وذلك لتوقف إثبات

حجية النقل على ما يتوقف إثباته بالعقل، من معرفة وجود الله تعالى وكونه فاعال مختارا مرسال للرسل ومعرفة المعجزة ووجه تصديقها للنبي؛ إذ لو رجحت

الظواهر النقلية بأن تصدق رغم معارضتها للعقل، لزم تكذيب هذا األخير، ولما كان تصديق العقل أصل لتصديق النقل، استلزم تكذيب العقل تكذيب النقل، فيؤدي ذلك إلى الجمع بين النقيضين، وهو تصديق النقل وتكذيبه، وهو محال.

وظواهر النصوص التي تمسك بها المجسمة والمشبهة كثيرة جدا، وقد استوفىالعلماء الرد عليهم في المطوالت.

(1/65)

وقال الشيخ األشعري: هي أسماء لصفات الئقة معجوز عن تكييفها، لكن مع اإلجماع على إحالة الظاهر المستحيل شرعا وعقال كما يعلم مما سبق، ولذا قال الناظم رحمه الله: )ورم(، أي أقصد )تنزيها( له جل وعال عن ما ال يليق بكبريائه

تعالى.]تنزيه القرآن عن الحدوث[

ه القرآن أي كالمه عن الحدوث واحذر انتقامه41 – ونز42 ذي قد دال فظ ال احمل على الل – فكل نص للحدوث دال

ه القرآن أي كالمه( إذ إن القرآن يطلق على القائم بالذات العلية، كما )ونزل على نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - يطلق على اللفظ الدال عليه المنز لإلعجاز بسورة منه )عن الحدوث( ولوازم الحدوث، كالسكوت، وكونه بالحروف

واألصوات. )واحذر( أي باعد وخف )انتقامه( تعالى أن تقول بحدوث كالمه القائم بذاته؛ إذ

نا عن أن تكون ذاته محال للحوادث. يتعالى رب وإذا ورد ما يوهم الحدوث، فأوله كما قال: )فكل نص( أي ظاهر من الكتاب أو السنة )للحدوث( أي على الحدوث )دال( بظاهره، أو أدى للحدوث – ليبعد عن

[ و }2اإليطاء– كقوله تعالى: } وما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث { ]األنبياء: [ وما أشبه ذلك.3إنا أنزلناه في ليلة مباركة { ]الدخان:

نعم، يمنع إطالق الحدوث أيضا على اللفظ حذرا من اإليهام والوقوع فياالشتباه، فال يقال لما في المصحف هذا حادث ألنه موهم.

)احمل( ذلك وجوبا )على اللفظ( الكريم )الذي( قد )دال( على الكالم النفسي القديم القائم بالذات. يعني: حيث عرفت قدم كالم موالنا وتنزهه عن الحدوث

وعن أن يكون مخلوقا أو قائما بمخلوق، فمهما وجدت ما يوهم ذلك فيجب عليكأن تؤوله بأن تحمله على اللفظ الدال على الكالم الذي ليس كمثله شيء.

تنبيه:

(1/66)

كما يطلق كالم الله على النفسي القائم بالذات األقدس يطلق أيضا على اللفظ الدال عليه، لكن جهة اإلضافة مختلفة؛ فإذا قلت كالم الله وأردت اللفظ فمعناه: تأليف الله ونظمه المنزل على رسوله، المعجز به أرباب الفصاحة؛ وإذا أطلقت كالم الله وأردت القائم بالذات فمعناه: صفته القديمة القائمة بذاته، المنزه عن

الحروف واألصوات وما في معناها.]المستحيل في حق الله تعالى[

– ويستحيل ضد ذي الصفات في حقه كالكون في الجهات43 ثم أشار إلى القسم الثاني من أقسام الحكم العقلي، وهو ما يستحيل عليه

تعالى فقال: )و( يجب عليك أن تعتقد أنه )يستحيل( عليه سبحانه كل ما ينافي صفات الجالل والكمال إجماال، ويجب عليك أن تعتقد أنه يستحيل عليه تعالى )ضد ذي( أي هذه

)الصفات( العشرين المتقدم بيانها تفصيال، بأن تعتقد أنه تعالى منزه عن:– طرو العدم المنافي للوجود.

– والحدوث المنافي للقدم.– والفناء المنافي للبقاء.

– والمماثلة للحوادث التي هي ضد المخالفة.– واالفتقار للذات والفاعل المنافي للقيام بالنفس.

– والتعدد في الذات والصفات، أو يكون له تعالى شريك في فعل ما من أفعاله؛المنافي لوجوب الوحدانية للذات والصفات واألفعال.

– وأنه منزه عن العجز, الذي هو ضد القدرة.– وعن وقوع شيء بغير إرادته, المنافي لإلرادة العامة التعلق.

– والجهل وما في معناه, المنافي للعلم.– والموت المنافي للحياة القديمة.

– والصمم المنافي للسمع.– والعمى المنافي لصفة البصر.– والبكم المنافي لصفة الكالم.

وكذا أضداد المعنوية، ككونه تعالى ميتا، وجاهال، ومكرها، وعاجزا، وأصم، وأعمى، وأبكم وغير ذلك من المستحيالت )في حقه( تعالى )كالكون( أي الحلول

)في( جهة من )الجهات( الست وهي: فوق، وتحت، ويمين، وشمال، وأمام،وخلف، بغير خالف فيما عدا جهة فوق.

(1/67)

وخالفت المجسمة، فاعتقدوا أنه تعالى فوق السموات، وهو اعتقاد اليهود واألغبياء من عوام المسلمين تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. وقد مر بالبرهان

القاطع أنه تعالى مخالف للحوادث ولجميع صفاتها، غني عن كل ما سواه، حتىاألزمنة واألمكنة.

]الجائز في حق الله تعالى[– وجائز في حقه ما أمكنا إيجادا إعداما كرزقه الغنى44

)و( أما القسم الثالث من اإللهيات الذي هو )جائز في حقه( تعالى فهو كل )ما(،أي شيء )أمكنا إيجادا( و )إعداما( نصب على التمييز المحمول عن الفاعل.

يعني أن الجائز في حقه تعالى هو كل شيء أمكن إيجاده وإعدامه، أي لم يلزم على إيجاده وال إعدامه محال، وذلك )كرزقه( تعالى – بفتح الراء – )الغنى( لمن أراد أن يكون غنيا، ورزقه العلم لمن أراد أن يكون عالما، واإليمان لمن أراد أن

يكون مؤمنا، والتوفيق لمن أراد أن يكون موفقا، وأضداد ذلك وأشباه ذلك.]خلق أفعال العباد[

– فخالق لعبده وما عمل موفق لمن أراد أن يصل45– وخاذل لمن أراد بعده ومنجز لمن أراد وعده46قي ثم لم ينتقل47 عيد عنده في األزل كذا الش – فوز السرا فلتعلما48 فا ولم يكن مؤث – وعندنا للعبد كسب كل يفعل اختيارا49 – فليس مجبورا وال اختيارا وليس كال– فإن يثبنا فبمحض الفضل وإن يعذب فبمحض العدل50

ثم أشار الناظم إلى مسألة وقع فيها الخالف بين أهل الحق وغيرهم، وهي مسألة خلق األفعال االختيارية، فمذهب أهل السنة رضي الله عنهم أن الخالق لها هو الله تعالى، ال أثر للقدرة الحادثة في اختراعها وإخراجها من العدم إلى

الوجود البتة وال في غيرها؛ قال تعالى: } والله خلقكم وما تعملون { ]الصافات:[ أي: وعملكم.96

(1/68)

وذهبت المعتزلة إلى أن األفعال االختيارية للعبد أثر للقدرة الحادثة، وهو باطللوجوب انفراده تعالى بالخلق والتأثير.

فقال: )فخالق(، أي إذا عرفت أنه منفرد بالخلق واالختراع – لوجوب وحدانيته تعالى – وجب أن يكون هو الخالق )لعبده(، ومراده بالعبد كل مخلوق يقوم به

الفعل، عاقال كان كبني آدم والجن والمالئكة، أو غير عاقل كالبهائم. )و( خالق لكل )ما عمل(، أي وعمله من طاعة ومعصية. يعني أن العباد

وأفعالهم االختيارية كلها مخلوقة لله تعالى؛ } الله خالق كل شيء { ]الزمر:[، وأما االضطرارية فمنفرد بإيجادها باتفاق أهل الحق وغيرهم.62

]التوفيق والخذالن[ ومما يجب اعتقاده أيضا أنه تعالى هو الخالق للتوفيق في العبد، أي الموجد

لقدرة الطاعة في العبد – الذي هو معنى التوفيق – كما أشار إليه بقوله: )موفقلمن أراد أن يصل( إلى مرضاته، وقيل ثوابه.

)وخاذل(: الخذالن هو ضد التوفيق، أي وخالق القدرة على المعصية )لمن أراد بعده( أي إبعاده وطرده من رحمته واالشتغال بعبادته. وأشار بهذا إلى نحو قوله

[.8تعالى: } يضل من يشاء ويهدي من يشاء { ]فاطر:

(1/69)

وأشار بقوله: )ومنجز( أي معطي بسرعة )لمن أراد( به خيرا )وعده(، مفعول بـ"منجز" – إلى مسألة الوعد والوعيد التي وقع فيها الخالف، فذهب الماتريدية

إلى أنه ال يجوز الخلف في الوعيد كالوعد، واألشاعرة إلى جواز الخلف في الوعيد؛ ألنه كرم يتمدح به وترك عقوبة المستحق، يعني أنه تعالى ال يجوز

الخلف في وعده ألن الخلف في الوعد نقص يجب تنزيه موالنا عنه؛ قال تعالى: [، وأما الوعيد فيجوز إخالفه ألنه كرم9} إن الله ال يخلف الميعاد { ]آل عمران:

(1وعفو وكمال)__________

( اعترض على رأي األشاعرة في جواز الخلف في الوعيد بأنه يلزم عليه1) مفاسد كثيرة، منها الكذب الذي قام اإلجماع على تنزيه الله تعالى عنه، ومنها تبديل القول، وقد قال تعالى: ? ال يبدل القول لدي ?، ومنها تجويز عدم خلود الكفار في النار، وقد قامت القواطع على خلودهم إلى غير ذلك من المفاسد.

ومن بعض إجابات األشاعرة على ذلك، بعد االتفاق على أنه ال يجوز الخلف في وعيد المشركين، أن الكريم إذا أخبر بالوعيد، فالالئق بكرمه أن يبني إخباره به

على المشيئة وإن لم يصرح بها، بخالف الوعد، فإن الالئق بكرمه أن يبني إخباره به على الجزم وعدم التعليق، فال يلزم الكذب وال التبديل؛ فإذا قال الكريم مثال:

"ال عذبت زيدا" مثال، فنيته ومراده: "إن لم اعف عنه، أو أسامحه، أو أتكرم عليه". وهذا القيد مستقرئ من عادة العرب في إيعاداتها. وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقد أخرج البيهقي في البعث والنشور من رواية أنس

عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من وعده الله على عمل ثوابا فهو منجزه له، ومن أوعده على عمل عقابا فهو بالخيار، إن شاء عذبه وإن شاء غفر

له". ومن األجوبة كذلك أن تخلف الوعيد إنما هو النتفاء سببه المرتب عليه، وانتفاء السبب يوجب انتفاء المسبب، مثال قوله تعالى: ? ومن يقتل مؤمنا

متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها ? إلخ، معناه أن هذا الجزاء سببه القتل ما دام القتل جريمة، ومن الجائز غفرانه بالتوبة عمال بقوله تعالى: ? إال من تاب

وآمن ? إلخ، أو بدونها عمال بقوله تعالى: ? إن الله ال يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ?، ? إن الله يغفر الذنوب جميعا ?، وحينئذ فال جريمة فال

جزاء.

(1/70)

.والوعد إذا أطلق يصرف للخير، والوعيد للشر. قال الشاعر:

وإني إذا أوعدته أو وعدته لمخلف إيعادي ومنجز موعدي]السعادة والشقاء[

ثم أشار إلى مسألة أخرى مختلف فيها أيضا، وهي أن )فوز السعيد(، أي ظفره بحسن الخاتمة ودخول الجنة، )عنده( أي )في األزل(، يعني أنه أزلي ال يتبدل وال

يتغير. واألزل عبارة عن نفي األولية؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: » السعيد من سعده مع سالمة المآل ألن في بطن أمه « أي ولو كفر، ولو تناول المعاصي، فال يضر

الالحقة تابعة للسابقة، فمن سبق له في األزل أنه سعيد يموت على اإليمان. و)كذا الشقي( أي شقاؤه سابق في األزل ال يتبدل؛ قال عليه الصالة والسالم: »

( ولو أسلم وأطاع ألن الالحقة تتبع1والشقي من شقي في بطن أمه «) السابقة؛ بأن يختم له بسوء الختام. أعاذنا الله وحفظ علينا اإليمان إلى أن نلقاه وهو راض عنا، آمين، بجاه أفضل العالمين سيدنا وموالنا محمد - صلى الله عليه

وسلم - وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.ولذا قال: )ثم لم ينتقل( كل منهما الستحالة التبدل على العلم القديم.

__________ ( أخرجه مسلم عن ابن مسعود في القدر، باب كيفية الخلق اآلدمي. ولفظه1)

عنده: "الشقي من شقي في بطن أمه، والسعيد من وعظ بغيره". وجملة: "والسعيد من سعد في بطن أمه" أخرجها الطبراني في الصغير، وإتحاف

السادة المتقين للزبيدي، والدرر المنتثرة للسيوطي، والشهاب في مسنده.(5/272)موسوعة أطراف الحديث النبوي:

(1/71)

وذهبت الماتريدية إلى أن السعيد قد يشقى، والشقي قد يسعد؛ بأن يكون األول على حالة ترضي ظاهرا فيتحول، والثاني على حالة ال ترضي فيختم له بالخير،

(.1والخلف لفظي)]كسب العباد ألفعالهم[

ثم ذكر الناظم مسألة الكسب التي وقع فيها الخالف بين أهل الحق والجبرية والمعتزلة فقال: )وعندنا( معشر أهل الحق )للعبد كسب( أي قدرة حادثة تقارنر عنها باالستطاعة أيضا، وهي عرض يخلقه الله المقدور فقط وال تؤثر فيه، ويعب

للعبد عند إرادة االكتساب، وهي شرط ألداء الفعل، وفي التكليف، ولذا قال:فا( العبد به، يعني أن تلك القدرة الحادثة بها وقع التكليف الشرعي من الله )كل

تعالى للعبد. وبهذا يظهر بطالن مذهب الجبرية القائلين بأن ال قدرة وال كسب وال اختيار، وأن العبد مجبور على كل حال، ال فرق عندهم بين حركة االضطرار – كالمرتعش –

وحركة االختيار، ومذهبهم فاسد ظاهر الفساد لما فيه من إنكار المحسوس وإبطال الشرع, ألن العبد على مذهبهم ال كسب له أصال وال وسع، وقد قال الله

وسعها { ]البقرة: ف الله نفسا إال [.286تعالى: } ال يكل__________

( السعادة والشقاوة أزليتان عند األشاعرة، بمعنى أنهما مقدرتان في األزل ال1) تتغيران وال تتبدالن؛ وذلك الستحالة التبدل والتغير على علم الله تعالى القديم؛

فالسعيد من مات على اإليمان، والشقي من مات على الكفر. أما عند الماتريدية فالسعيد هو المسلم، والشقي هو الكافر، وعلى هذا يتصور أن

السعيد قد يشقى بأن يرتد بعد اإليمان، والشقي قد يسعد بأن يؤمن بعد الكفر، فالسعادة والشقاوة عندهم غير أزليتين بل تتغيران. ومن هنا كان الخالف لفظيا ألن األشاعرة ال يحيلون ارتداد المسلم وال إسالم الكافر، والماتريدية ال يجوزون

على من علم الله موته على اإلسالم االرتداد عنه، وال على من علم الله موتهعلى الكفر إسالمه.

(1/72)

وهذا الكسب الذي أثبته أهل السنة ال تأثير له كما أشار إليه الناظم بقوله: )ولمف به في المقدور تأثير اختراع را( بذلك الكسب الذي كل يكن( ذلك العبد )مؤث

وخلق وإيجاد له؛ لقيام البرهان على انفراد الباري تعالى بالتأثير، ال مؤثر سواه [ } هل من خالق62(؛ } الله خالق كل شيء { ]الزمر: 1في شيء ما عموما)[.96[ } والله خلقكم وما تعملون { ]الصافات: 3غير الله { ]فاطر:

__________ ( هذا هو معتقد أهل السنة من األشاعرة، وهو انفراد الباري تعالى بالخلق1)

واإليجاد لكل الممكنات التي من جملتها أفعال العباد، وقد قامت على حقيته البراهين العقلية وصرحت بإثباته األدلة النقلية، فمن العقليات أن العبد لو كان

خالقا وموجدا ألفعاله لكان عالما بتفاصيلها، ولما بطل أن يكون عالما بتفاصيلها بطل أن تكون أفعاله من خلقه واختراعه؛ بيان ذلك أن اإلتيان باألزيد واألنقص

وغير ذلك من المتقابالت في أفعال العباد ممكن، فال بد لرجحان بروز أحدها إلى الوجود على اآلخر من مخصص، وهو القصد إليه، وال يتصور ذلك القصد إال بعد

اإلحاطة العلمية التامة بكل المتقابالت والحقائق المختلفات، وليس ذلك إال للعلم اإللهي القديم، ومن هنا استدل على عالمية الله تعالى بفاعليته االختيارية للعالم. أما اإلنسان، فالماشي مثال يقطع مسافة معينة في زمان معين من غير شعور له بتفاصيل األجزاء واألحياز التي بين المبتدأ والمنتهى، وال باآلنات التي منها يتألف ذلك الزمان وال بالسكنات التي يتخللها، والكاتب لصورة الحروف

والكلمات متحرك األنامل من غير شعور له بما لعظام وأعصاب وعضالت أنامله من تفاصيل حركاتها وأوضاعها التي بها تأتي تلك الصورة والنقوش، وغير ذلك من األمثلة، وليس هذا ذهوال عن العلم، بل لو سئل أو تكلف ضبط ذلك على

التفصيل لما استطاع، فبطل أن يكون اإلنسان هو المؤثر فيها تأثير إخراج منالعدم إلى الوجود.

(1/73)

وبهذا يتبين بطالن مذهب القدرية مجوس هذه األمة، القائلين بأن القدرة الحادثةر فيما تقارنه، فأثبتوا التأثير لغير القدرة القديمة، وجعلوا القدرة الحادثة أنفذ تؤث

من القدرة القديمة فيما تعلقت به، وإرادة العبد أنفذ من إرادة خالقه، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا. ومذهبهم أيضا واضح البطالن، وهم أسوأ حاال

من الجبرية. والحق: مذهب أهل السنة رضي الله عنهم من أن للعبد كسبا، أي قدرة حادثة

تقارن المقدور الحادث وال تؤثر فيه، وإنما موالنا جل وعال يخلق بقدرته عند ذلك(1االقتران ما شاء.)

)فلتعلما( أيها السني ذلك المذهب الحق الخارج من بين المذهبين الفاسدين,خروج لبن خالص سائغ للشاربين, لتتبعه وتنبذ ما سواه من األباطيل.

__________ ( استطاع األشاعرة بنظرية الكسب التوسط في االعتقاد، وبلوغ المراد من1)

إثبات أن للعبد أفعاال اختيارية صادرة عن قصده وإرادته، والتي بها مناط التكليف، ومن الحفاظ على موجبات ألوهية الله تعالى من االنفراد بخلق األفعال

وإيجادها، فبعد أن ثبت بالبرهان أن ال خالق إال الله تعالى، وثبت بالضرورة أن لقدرة العبد وإرادته مدخال في بعض األفعال االختيارية، دون البعض كاألفعال

االضطرارية، أثبتوا لله تعالى خلقا وللعبد كسبا، وبيانه هو أن صرف العبد قدرته وإرادته إلى الفعل المعين كسب، وإيجاد الله تعالى ذلك الفعل عقب ذلك خلق،

والمقدور الواحد داخل تحت قدرتين بجهتين مختلفتين، قدرة الله تعالى بجهة الخلق، وقدرة العبد بجهة الكسب. وهذا القدر من المعنى ضروري، والكسب على هذا ليس أمرا وهميا أو عدميا، أما عدم االقتدار عن اإلفصاح عن حقيقته بأكثر مما قيل، فألنه من أسرار القدر، ومن األمور الغائبة عن العقول، وهذا ال

يضر ما دامت التفرقة قائمة بين األفعال االختيارية واالضطرارية، وما دامتالنظريات المخالفة لنظرية الكسب باطلة الستلزامها محاالت عديدة.

(1/74)

وما شرحنا عليه هو ما شرح عليه ابن الناظم، قال: وهذه النسخة هي التي أصلحها أستاذنا رحمه الله تعالى في المبيضة بيده، وهي أحسن من المتداول بين أيدي الناس. قال: وما منعني أن أشرح عليها إال غيبة األصل عني، كما نبه

ة أصله. ومراده بالمتداول قوله: "به ولكن ال يؤثر فاعرفا". عليه بطر]بطالن الجبر واالختيار[

وقد فهم مما تقدم رد مذهب القدرية والجبرية، لكن لما كان ال بد عندهم في رد المذاهب من التصريح أشار إلى رد المذهبين الفاسدين بالتصريح، فقال ردا على

ية وينتفي معه الجبرية: )فليس( العبد )مجبورا( جبرا يذهب معه الكسب بالكل التكليف الشرعي، )وال اختيارا( له في أفعاله بحيث يكون مؤثرا فيها، بل هو

(1مجبور في قالب مختار)

__________ ( ظاهر هذه العبارة غامض، وربما تكون موهمة بإثبات الجبر المطلق، إال أنه1)

ليس كذلك؛ فالجبر نوعان: جبر مطلق: وهو الجبر الحسي الذي نفاه األشاعرة وقال به الحمقى من الجبرية. وجبر مقيد: وهو الجبر العقلي. وهذا الزم على

جميع الفرق حتى على المعتزلة القائلين بأن العبد يخلق أفعال نفسه؛ ألنهم وإن أسندوها لقدرته الحادثة، إال أنهم يعقلون أن تلك القدرة مخلوقة لله تعالى

وليست من خلقه أو كسبه البتة، وحينئذ كل الفرق جبرية في المعنى، إال أن الفرق بين الجبرين، أن الجبر الذي قال به أهل الحق في األفعال االختيارية إنما

يدركه العقل فقط دون الحس، والجبر الذي قال به الفرقة الملقبة بالجبرية مقتضى أصولهم أنه يدرك بالحس والعقل في األفعال االختيارية واالضطرارية،

وقد علم بطالنه بالضرورة. وقد واجه األشاعرة إلزامات من خصومهم تؤدي إلى نفي معنى الكسب الذي أثبتوه، وبالتالي التزام الجبر في األفعال ونفي االختيار فيها مطلقا، ومنها أنهم لما عمموا علم الله تعالى وإرادته تعلقا، ورد عليهم أن

الجبر الزم قطعا ألن علم الله وإرادته إما أن يتعلقا بوجود فعل العبد فيجب حينئذ وجوده، أو بعدمه فيمتنع وجوده، وال اختيار مع الوجوب واالمتناع؛ فدفعوه بأن قالوا: إن الله تعالى يعلم ويريد أن العبد يفعل الفعل أو يتركه باختياره، فال

إشكال آنذاك. ووجوب اختياره الفعل أو الترك على ذلك التقدير ال ينافياالختيار، بل يحققه. والله تعالى أعلم.

(1/75)

، والفعل ينسب للعبد كسبا، والباري خلقا واختراعا، وال محذور في دخولالمقدور تحت قدرتين إذا اختلفت الحيثية.

والفرق بين الكسب الذي أثبته أهل السنة، واالختراع الذي نسبه المعتزلة للعبدأن الكسب بآلة، والخلق بغير آلة.

ثم قال: )وليس كال يفعل اختيارا(، يعني: أن العبد ال يخلق شيئا من أفعاله االختيارية، وال يؤثر في شيء منها – خالفا للقدرية أهلكهم الله تعالى– ، إذ ال

مؤثر وال خالق سوى موالنا جل وعال. واعلم أن من اعتقد أن القدرة الحادثة وجميع ما جرت عادة اإلله أن يوجد معه

الشيء مقترنا به يؤثر بطبعه فهو كافر إجماعا. ومن اعتقد أنها أثرت بقوة جعلها الله فيها، ولو سلبها تلك القوة لم تؤثر، فهذا ال خالف في فسقه وابتداعه، وفي كفره قوالن. ومن اعتقد أنها أسباب مخلوقة لله تعالى، تقترن بالشيء وال تؤثر

فيه البتة، وإنما موالنا يخلق عندها ما يشاء، فهو مؤمن موحد محقق محق.]الثواب والعقاب[

ولما قدم الناظم أن الله تعالى هو الخالق لجميع أفعال العباد خيرا كانت أو شرا، أشار إلى أن إثابته للعبد محض فضل، وعقوبته محض عدل فقال: )فإن يثبنا( تعالى بالنعيم المقيم في جنات النعيم وبغير ذلك )فبمحض الفضل( أي

فإثابته لنا بخالص الفضل والكرم؛ إذ ال حق لمخلوق على خالقه وخالق أعماله،فال على الله حق، بل يكون له حق التفضل.

)وإن يعذب( أي يعاقب أحدا فتعذيبه له بخالص العدل الذي ال يشوبه جور، )فبمحض العدل( الستحالة الظلم عليه تعالى؛ } وال يظلم ربك أحدا { ]الكهف:

[، وألن من تصرف فيما يملك ال46[ } وما ربك بظالم للعبيد { ]فصلت: 49 يصح أن ينسب إليه ظلم، والله تبارك وتعالى كل ما سواه ملك له وعبيده

وخلقه، فال يتصور إذا منه ظلم.]ال يجب على الله مراعاة الصالح للعباد[

– وقولهم "إن الصالح واجب عليه" زور، ما عليه واجب51

(1/76)

52 – ألم يروا إيالمه األطفاال وشبهها فحاذر المحاال ثم ذكر الناظم مسألة الصالح واألصلح التي وقع النزاع فيها بين أهل الحق

والمبتدعة فقال: )وقولهم( أي المعتزلة )إن( مراعاة )الصالح( واألصلح للعباد )واجب عليه( تعالى

)زور( – خبر المبتدأ الذي هو "قولهم" – أي باطل؛ إذ لو وجب عليه تعالىة، وال مرض وال موت وال رزية، بل ولما وقع ة وال أذي مراعاة ذلك لما وقعت بلي

تكليف العبيد، بل لو وجب عليه ذلك ألوجدهم في الجنة، ولما خلق الكافر الفقيرالمعذب في الدنيا بالكفر والفقر، وفي اآلخرة بالعذاب الدائم.

فالحق ما عليه أهل الحق من أنه تعالى )ما عليه( شيء )واجب(، ومن أوجبه[.68عليه } وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة { !؟]القصص:

خا ألهله: )ألم يروا( أي هؤالء ثم بين فساد هذا المذهب الفاسد بقوله موب األغبياء )إيالمه( تعالى بإيجاعه وتعذيبه بالمرض وغيره )األطفاال( جمع طفل:

وهو كل من لم يبلغ الحلم، )وشبهها( كالدواب، إذ ال صالح لهما في نزولاألمراض بهم.

)فحاذر(، أي احذر وجانب )المحاال( من وجوب مراعاة الصالح واألصلح للخلق، فال يجب عليه تعالى فعل شيء وال ترك شيء من األشياء؛ إذ لو وجب عليه

شيء لما كان فاعال مختارا ألن الفاعل المختار هو الذي إن شاء فعل وإن شاء ترك، وال يسأل عما يفعل، وأما إذا كان ال بد أن يفعل وال بد أن يترك فليس

بمختار، وهو محال.]خلق الخير والشر[

ر والخير كاإلسالم وجهل الكفر53 – وجائز عليه خلق الش ثم رد على المعتزلة أيضا قولهم: "إن الله يستحيل عليه إرادة الشرور

والمعاصي"، فقال: )وجائز عليه( أي في حقه تعالى إرادة )خلق( أي إيجاد )الشر(؛ لوجوب عموم

قا بجميع الممكنات خيرها وشرها. إرادته تعالى تعل)و( جائز عليه تعالى إرادة خلق )الخير(، وهذا متفق عليه.

(1/77)

ثم مثل للخير بقوله: )كاإلسالم(، أي كإرادته خلق اإلسالم فيمن شاء إسالمه، وخلق الطاعة والتوفيق فيمن أراد توفيقه. ثم مثل للشر بقوله: )وجهل الكفر(،

أي وإرادته جهل الجاهل وكفر الكافر. وال يخفى ما في عجز هذا البيت منالقلق لفظا ومعنى.

] وجوب اإليمان بالقضاء والقدر[– وواجب إيماننا بالقدر وبالقضا كما أتى في الخبر54

(، كما قال:1ومما يجب اإليمان به: القضاء والقدر) )وواجب( شرعا )إيماننا( معاشر المكلفين )بالقدر( أي بأن جميع الكائنات، خيرا

كانت أو شرا، واقعة بإرادة الله وقدرته على حسب ما سبق به علمه القديم.__________

( القدر ، بتحريك الدال وتسكينها، مصدر قدرت الشيء، بفتح الدال وتخفيفها،1) إذا أحطت بمقداره. وتقدير الله األمور هو تحديده تعالى أزال كل مخلوق بحده

الذي يوجد به من حسن وقبح، ونفع وضر، وما يحويه من زمان ومكان، ومايترتب عليه من طاعة وعصيان، وثواب وعقاب وغفران.

والمراد كذلك من القدر أن الله تعالى علم مقادير األشياء وأزمانها قبل إيجادها، ثم أوجد ما سبق في علمه أنه يوجد، فكل محدث فهو صادر عن علمه وقدره

وإرادته، وهذا ما هو معلوم من الدين بالبراهين القطعية كما أشار الشارح لبعض منها. فإن قال قائل: إذا كانت األمور مقدرة أزال كانت واجبة الوقوع، فيكون

الكافر مجبورا في كفره والفاسق في فسقه، فال يصح تكليفهما باإليمان والطاعة. فالجواب أن كثيرا من الناس يحسبون أن معنى القضاء والقدر إجبار الله سبحانه العبد وقهره على ما قدره وقضاه، وليس األمر كما يتوهمونه، بل معناه أنه تعالى أراد منهما الكفر والفسق باختيارهما، فال جبر، كما أنه تعالى

علم منهما الكفر والفسق باختيارهما، ولم يلزم على ذلك تكليف المحال. وقدأشرنا إلى هذا في التعليق على مبحث خلق األفعال.

(1/78)

)و( واجب إيماننا )بالقضا(، أي األشياء المسطورة في اللوح المحفوظ. قال ابن(1زكري:)

في اللوح قد تجمعت أشياء يدعونها لذلك القضاء وهو مرادف للقدر على رأي بعضهم. ويجب الرضا بالقضاء، ال بالمقضي إن كان

شرا. وكذا بالقدر )كما أتى في الخبر( أي في الحديث الذي أجاب به النبي - صلى الله

عليه وسلم - جبريل لما سأله ما اإليمان؟ وفيه: » وبالقدر خيره وشره، حلوه ( وقوله عليه الصالة والسالم إخبارا عن ربه عز وجل: » من لم يرض2ومره«)

بقضائي ولم يصبر على بالئي ولم يشكر نعمائي فليخرج من تحت سمائي( أو كما قال، وغير ذلك.3ويطلب ربا سواي «)

]رؤية الله تعالى وحصولها للمؤمنين في اآلخرة[– ومنه أن ينظر باألبصار لكن بال كيف وال انحصار55

قت هذا وللمختار دنيا ثبتت56 – للمؤمنين إذ بجائز عل )ومنه(، أي ومما يجب اإليمان به، وهو جائز في حقه تعالى )أن ينظر( الله تعالى )باألبصار( أي يراه المؤمنون في الجنة, من غير جهة, وال مقابلة, وال

انبعاث أشعة من عين الرائي إلى المرئي، بل على ما يليق به جل وعال؛ بأن يخلق لهم اإلدراك فيرونه من غير تكييف وال تشبيه. قامت على ذلك األدلة من

الكتاب والسنة وإجماع أهل السنة.__________

( هو أحمد بن محمد بن زكري: فقيه أصولي بياني، من أهل تلمسان. توفي1) بيت1500هـ. من مصنفاته في أصول الدين: منظومة تزيد أبياتها عن 899سنة

(1/231وهي: محصل المقاصد مما به تعتبر العقائد. )األعالم ( الحديث بلفظ حلوه ومره أخرجه ابن حبان في فرض اإليمان، باب ذكر2)

األخبار عن وصف اإلسالم واإليمان، بهذا اللفظ كذلك عزاه الهيتمي للطبراني(1/41في الكبير، قال: ورجاله موثوقون. )مجمع الزوائد

( ورد في إتحاف السادة المتقين للزبيدي، وتذكرة الموضوعات للقيسراني.3)(8/546)موسوعة أطراف الحديث:

(1/79)

[ أي: حسان، } إلى ربها22– كقوله تعالى: } وجوه يومئذ ناضرة { ]القيامة: [ أي: باصرة.23ناظرة { ]القيام:

– ولسؤال موسى عليه السالم لها؛ إذ لو لم تجز قط لم يرغب ولم يسأل, ألن األنبياء عليهم الصالة والسالم منزهون عن الجهل، فيستحيل عليهم سؤال

المستحيل، ال سيما الجهل بما يتعلق بالربوبية، فسؤاله عليه السالم الرؤية منالله دليل قاطع على جوازها.

كم كما ترون القمر – ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: » إنكم سترون رب ( « ومعنى التشبيه أنهم يرونه1ليلة البدر، ال تضامون وال تضارون في الرؤية)

من غير أن يضار بعضهم بعضا، كما أشار إلى ذلك في الحديث، كما أن من رأى القمر ال يتضارون وال يزدحمون، فالمراد تشبيه الرؤية بالرؤية، ال المرئي

بالمرئي. – وإجماع السلف الصالح على جوازها وتضرعهم إلى الله تعالى في طلبها، وهي

أدلة واضحة على ثبوت الرؤية ووقوعها في اآلخرة. )لكن( نراه تعالى )بال كيف(، أي من غير تكييف وال جهة الستحالة ذلك عليه

تعالى، )وال انحصار(، أي من غير إحاطة به تعالى لقوله: } ال تدركه األبصار {[ الستحالة الحدود والنهايات عليه تعالى.103]األنعام:

به التي وقد أحالت المعتزلة الرؤية، وال حجة لهم على ذلك وال دليل، وأقوى الش [103استدلوا بها على نفي الرؤية قوله تعالى: } ال تدركه األبصار { ]األنعام:

وجوابه أن اإلدراك أخص من مطلق الرؤية، فالمنفي في اآلية الرؤية على وجهاإلحاطة بالمرئي، وقد سبق أنه تعالى يرى بال كيف وال انحصار.

)للمؤمنين( يتعلق بقوله "أن ينظر" بتضمينه معنى ينكشف لهم. يعني أن الرؤية

حاصلة للمؤمنين من هذه األمة ومن األمم السابقة والمالئكة ومؤمني الجن فيالجنة وفي عرصات القيامة.

__________ ( أخرجه البخاري في المواقيت، باب فضل صالة العصر. ومسلم في1)

المساجد، باب فضل صالتي الصبح والعصر. ولفظ "تضارون" ورد في مسندأحمد عن جرير بن عبد الله.

(1/80)

قت( أي الرؤية، والمعلق ثم أشار إلى بعض أدلة جواز الرؤية فقال: )إذ بجائز عل على األمر الجائز يكون جائزا. أشار إلى قوله تعالى في سؤال الكليم الرؤية:

} لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فان استقر مكانه فسوف تراني { ]األعراف: [ فعلق حصول الرؤية على استقرار الجبل مكانه، وهو ممكن، فلو كانت143

الرؤية ممتنعة لعلقها بالممتنع كما في قوله تعالى في الكفار: } وال يدخلون [ فعلق ولوج الجنة على40الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط { ]األعراف:

ولوج الجمل على هيئته في سم الخياط على هيئته، فامتنع الدخول المتناعالولوج.

)هذا( الذي عرفت، )و( رؤيته تعالى )للمختار( من جميع العالمين وهو نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - )دنيا( أي في الدنيا )ثبتت( أي وقعت له - صلى الله

عليه وسلم - خاصة دون غيره – حتى موسى الكليم - عليه السالم - – ليلة اإلسراء، إذ الراجح عند جمهور العلماء أنه - صلى الله عليه وسلم - رأى الله

تعالى بعيني رأسه، وهذا دليل واضح على جواز الرؤية.]وجوب اإليمان بإرسال الرسل[

سل فال وجوب بل بمحض الفضل57 – ومنه إرسال جميع الر– لكن بذا إيماننا قد وجبا فدع هوى قوم بهم قد لعبا58

)ومنه( أي ومما يجب اعتقاده، وهو جائز في حقه تعالى )إرسال جميع الرسل( [،165للخلق } مبشرين ومنذرين لئال يكون للناس على الله حجة { ]النساء:

ة، ال يجب عليه وليرشدوهم إلى مصالحهم الدينية والدنيوية، فضال منه تعالى ومن ذلك وال يستحيل، بل هو جائز كسائر أفعاله تعالى، ولذا قال الناظم رحمه الله

تعالى: )فال وجوب( عليه تعالى، )بل( إرساله إياهم )بمحض الفضل( أي بخالصاإلحسان والكرم والجود.

وأوجبها المعتزلة والحكماء – يعني البعثة واإلرسال – بناء على أصلهم الفاسدمن وجوب مراعاة الصالح واألصلح للخلق، وقد عرفت بطالنه.

(1/81)

)لكن بذا( الجائز العقلي )إيماننا قد وجبا( علينا، ألنه ال يلزم من كونه جائزا في نفسه أن يكون اإليمان به كذلك؛ قال الله تعالى: } آمن الرسول بما أنزل إليه

[. فيجب اإليمان بجميع رسل الله ما عرفناه وما لم285من ربه { اآلية]البقرة: ق بين أحد نعرفه، فنؤمن بما عرفنا منهم تفصيال، وبما لم نعرفه إجماال، ال نفر

من رسله. واألولى أال نتعرض لعددهم لقوله تعالى: } منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم

[ وإن ورد في الحديث: » األنبياء مائة ألف وأربعة78نقصص عليك { ]غافر: ( .1وعشرون ألفا، والرسل ثالث مائة وثالثة عشر «)

وإذا عرفت أن إرسال الرسل جائز في حقه تعالى واإليمان به واجب )فدع( أي اترك )هوى قوم( اتبعوا أهواءهم وسول لهم الشيطان آراءهم، )بهم قد لعبا(

الهوى فأوقعهم في البدع والكفران لقولهم بوجوب اإلرسال، أو نفيهم له.]الواجب في حق األنبياء[

– وواجب في حقهم األمانه وصدقهم وضف له الفطانه59__________

5/266( اختلفت الروايات في عدد األنبياء والرسل، فأخرج أحمد في مسنده 1) عن أبي أمامة قال، قلت: يا نبي الله كم وفى عدة األنبياء؟ قال: مائة ألف

وأربعة وعشرون ألفا؛ الرسل من ذلك ثالثمائة وخمسة عشر، جما غفيرا. وأخرج من الحديث عدد الرسل، عن أبي أمامة قال:2/288الحاكم في المستدرك

قالوا يا رسول الله كم كانت الرسل؟ قال: ثالثة مائة وخمس عشرة، جما غفيرا. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وأخرج

ابن حبان في صحيحه عن أبي ذر قال، قلت يا رسول الله كم األنبياء؟ قال: مائة ألف وعشرون ألفا. قلت: يا رسول الله كم الرسل من ذلك؟ قال: ثالثمائة

وثالثة عشر، جما غفيرا.

(1/82)

ثم شرع في بيان النبويات التي سبقت اإلشارة إليها في قول: "ومثل ذا لرسله"، مقدما الواجب منها لشرفه فقال: )وواجب في حقهم(، أي األنبياء

عليهم الصالة والسالم )األمانة( أي العصمة من كل فعل أو قول منهي عنه، نهي تحريم أو نهي كراهة؛ بل ومن خالف األولى من فعل المباح لمجرد الشهوة؛ بل

ال يصدر منهم شيء إال وهو قربة يثابون عليها بنياتهم الصالحة؛ إذ هم أصفياءالله، ونخبته من خلقه، والعارفون به حق معرفته.

والعصمة: أن ال يخلق الله في المكلف الذنب، مع بقاء قدرته واختياره. وقال بعضهم:» العصمة المنع من الذنب، مع عدم جواز الوقوع، وهي لألنبياء والمالئكة عليهم الصالة والسالم. وأما الحفظ فهو المنع من الذنب مع جواز الوقوع. ومن

هنا تعرف الفرق بين العصمة والحفظ – وهو لألولياء – فاألنبياء معصومون،واألولياء محفوظون«. انتهى ببعض تصرف لإليضاح.

والدليل على وجوب العصمة لهم عليهم الصالة والسالم:– اإلجماع.

– ولو وقع منهم منهي عنه لكنا مأمورين باإلقتداء بهم فيه، وكوننا مأمورينمات والمكروهات ال يصح شرعا؛ قال الله تعالى: } إن الله ال يأمر بالمحر

[.28بالفحشاء { ]األعراف: والدليل على أننا مأمورون باإلقتداء بهم – سوى ما ثبت اختصاصهم به – قوله

تعالى في حق أفضلهم: } قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله { ]آل[.31عمران:

)و( كذا مما يجب في حقهم )صدقهم( أي مطابقة كل ما يخبرون به للواقع. والدليل على صدقهم أنهم لو لم يصدقوا للزم كذب الله الذي صدقهم

بالمعجزات القائمة مقام قوله تعالى صدق عبدي في كل ما يبلغ عني، ومن صدق الكاذب مع علمه بأنه كاذب فهو أيضا كاذب، والكذب على الله محال ألن

خبره تعالى موافق لعلمه، وعلمه تعالى ال يتبدل وال يتغير بحال من األحوال،فوجب صدق الرسل.

(1/83)

)وضف( أي ضم )له( أي للواجب في حقهم )الفطانة( أي قوة الفهم والحذاقة وزيادة الذكاء؛ ألنه الالئق برتبتهم العلية ودرجتهم السنية. ومن هنا تعرف

استحالة السهو والذهول والغفلة والنسيان عليهم قبل التبليغ، وأما بعده فيجوزون عليه. عليهم النسيان، لكن ال يقر

)ومثل ذا( الواجب العقلي المتقدم )تبليغهم( عليهم الصالة والسالم، أي توصيلهم )لما أتوا( أي جاءوا به، أي أمروا بتبليغه للخلق، فيجب عليهم تبليغه،

ويجب اعتقاد أنهم بلغوه ولم يتركوا شيئا من ذلك، ال عمدا وال نسيانا. وقد شهد الله تعالى بكمال التبليغ لنبينا - صلى الله عليه وسلم - فقال: } اليوم

[ اآلية. ولعصمتهم من كل منهي عنه لقوله3أكملت لكم دينكم { ]المائدة: تعالى: } يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت

[.67رسالته { ]المائدة: ولو كان - صلى الله عليه وسلم - كاتما شيئا – وحاشاه الله من ذلك – لكتم قوله تعالى: } وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن

[ وآية "عبس"، لكنه - صلى الله عليه وسلم - معصوم37تخشاه { ]األحزاب: من ذلك فال يجوز عليه الكتمان وال غيره من المنهيات.

]المستحيل في حق األنبياء[– ومثل ذا تبليغهم لما أتوا ويستحيل ضدها كما رووا60

ثم أشار إلى ما يستحيل في حقهم بقوله: )ويستحيل( أي يمتنع عقال وشرعا في حق الرسل وكذا األنبياء والمالئكة عليهم الصالة والسالم )ضدها(، أي أضداد

الصفات األربعة الواجبة المتقدمة وهي:– الخيانة بفعل منهي, الذي هو ضد األمانة، أي العصمة.

– والكذب الذي هو ضد الصدق.– والبالهة والغفلة الذي هو ضد الفطانة.

– والكتمان لشيء مما أمروا بتبليغه وهو ضد التبليغ. فهذه كلها مستحيلة في حقهم )كما رووا(. وكأنه أشار بهذا إلى أن المعتمد عليه

في امتناع ما ذكر إنما هو الدليل السمعي ال العقلي.]الجائز في حق األنبياء[

(1/84)

سا في الحل61 – وجائز في حقهم كاألكل وكالجماع للن ثم أشار إلى القسم الثالث من األقسام الثالثة المتعلقة بالرسل, وهو الجائز في

حقهم, فقال: )وجائز( عقال وشرعا )في حقهم( أي بالنسبة إليهم عليهم الصالة والسالم ما هو من األعراض البشرية التي ال تخل بمراتبهم العلية وأحوالهم

القدسية، وذلك )كاألكل( والشرب والنوم ونحو ذلك من المباحات، إال أنهم تنامأعينهم وال تنام قلوبهم، لذلك كانوا ال يحتلمون، وألن الشيطان ال يقرب ساحتهم.

أما ما يقتضي اإلخالل بمنصبهم الرفيع وجنابهم المنيع، مثل األمراض المنفرة والعمى، فال يجوز في حقهم، وما يقال أن شعيبا كان ضريرا لم يثبت، وكذا

يعقوب، وإنما حصلت له غشاوة وزالت.فساء )وكالجماع للنسا في الحل( ال في حال الحرمة، كالحائضات والن

والمعتكفات والمحرمات بحج أو عمرة. والحاصل أنهم عليهم الصالة والسالم باعتبار ظواهرهم تنالهم األعراض البشرية

التي ال تؤدي إلى نقص، وأما بواطنهم فهي متعلقة بالمإل األعلى، والمقام األسنى، واألسرار اإللهية، والمواهب الربانية، والمعارف اللدنية دائما،

فظواهرهم بشرية وبواطنهم ملكية.]تضمن الشهادتين جميع عقائد اإليمان[

را شهادتا اإلسالم فاطرح المرا62 ذي تقر وجامع معنى ال ولما ذكر عقائد اإليمان من اإللهيات والنبويات تفصيال، أشار إلى تلك العقائد كلها

داخلة تحت قولنا: ال اله إال الله محمد رسول الله. فقال: )وجامع معنى الذي تقررا( لك من اإللهيات والنبويات )شهادتا اإلسالم( اللتين ال يقبل من أحد

اإليمان وال يحصل اإلسالم إال بهما: إذ الجملة األولى تتضمن اإللهيات: ما يجب له تعالى وما يستحيل في حقه تعالى وما يجوز، ألن معنى "ال إله إال الله" أنه تعالى مستغن عن كل ما سواه، ومفتقر

إليه كل ما عداه

(1/85)

والجملة الثانية – أعني "محمد رسول الله" – تتضمن النبويات: أي ما يجبلألنبياء وما يستحيل وما يجوز، وفيها إثبات الكتب والشرع والبعث والجزاء. وإن أردت أكثر من هذا، ووجه أخذ جميع عقائد اإليمان من كلمتي الشهادة

فعليك بشرح ذات البراهين لإلمام السنوسي، فإن فيه شفاء الغليل، فإناإلطناب ال يليق بنا سيما وقد التزمنا االختصار.

تنبيه: يجب النطق بالشهادين مرة في العمر ناويا بهما الوجوب، وال بد من فهم

معناهما ولو إجماال، وإال لم ينتفع بهما في الخالص من الخلود في النار. وإذا عرفت أن الشهادتين تشتمالن على جميع عقائد اإليمان )فاطرح( أي ارم

وألق عنك )المرا(، أي الخصام في صحة اشتمالها على ذلك.]النبوة فضل من الله[

ولم تكن نبوة مكتسبه ولو رقا في الخير أعلى درجه63ه واهب المنن64 بل ذاك فضل الله يؤتيه لمن يشاء جل الل

ولما قالت الفالسفة إن النبوة يجوز اكتسابها بمالزمة المجاهدة بالخلوة والجوع وأكل الحالل، رد عليهم الناظم رحمه الله فقال: )ولم تكن نبوة( وهي إيحاء الله, ذكر, بحكم شرعي تكليفي؛ سواء أمره بتبليغه أم ال، تعالى إلنسان, عاقل, حر كان معه كتاب أم ال، كان له شرع مجدد أم ال، كان له نسخ لشرع من قبله أو

بعضه أم ال. انتهى. قاله ابن الناظم في شرحه.

(1/86)

)مكتسبة( أي إن النبوة فضل من الله تعالى يخص به من يشاء ويصطفي بها من أراد اصطفاءه بها؛ } الله يصطفي من المالئكة رسال ومن الناس { ]الحج:

( وال بعبادة وال بجد وال باجتهاد، أي إنها ال تحصل بمجرد1[، ال تدرك برياضة)75 ذلك )ولو رقا في الخير( أي صعد العبد في العبادات الشاقة والطاعات الفاضلة )أعلى( أي أقصى )عقبة( أي ولو بلغ العبد في اكتساب الطاعات أعلى مرتبة ال

ه بلوغ الطاعات برقي العقبة لصعوبتها ومشقتها على النفس. ينالها. وإنما شب )بل ذاك( أي اصطفاء الله من شاء للنبوة وتخصيصه بالرسالة )فضل الله( أي

أثر جوده وإنعامه. والفضل إعطاء الشيء من غير عوض، ال عاجل وال آجل، وال لغرض، ولذا ال يكون لغيره تعالى. )يؤتيه( أي يعطيه تعالى بمحض اختياره )لمن يشاء( إيتاءه )جل الله( تعظم وتنزه عن أن ينال أحد شيئا لم يرد عطيته، إذ هو

تعالى )واهب المنن( جمع منة وهي العطية، ال واهب سواه لنبوة وال غيرها.]محمد - صلى الله عليه وسلم - أفضل الخلق على اإلطالق[

قاق65 نا فمل عن الش – وأفضل الخلق على اإلطالق نبيها، ولذا قال: ها وسفلي يها، علوي ها وجن )وأفضل الخلق( أي المخلوقات جميعا إنسي

)على اإلطالق(، أي مطلقا من غير تقييد، هو )نبينا( وسيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله، فهو سيد أهل الدنيا واآلخرة، وإليه يهرعون في عرصات

القيامة. )فمل( أي حد )عن الشقاق(، أي الخالف والنزاع فيما ذكر من أفضليته على سائر الخلق. أي ومما يجب اعتقاده أن نبينا - صلى الله عليه وسلم - أفضل

الخلق أجمعين.]مراتب الخلق في الفضل[

– واألنبيا يلونه في الفضل وبعدهم مالئكة ذي الفضل66__________

( الرياضة الروحية هي عبارة عن مالزمة العزلة والخلوة والجوع وتناول1)الحالل والتقلل من الدنيا على سبيل الزهد فيها ومداومة التعبد والفكر والذكر.

(1/87)

– هذا وقوم فصلوا إذ فضلوا وبعض كل بعضه قد يفضل67 )واألنبيا( عليهم الصالة والسالم يجب أن يعتقد أنهم )يلونه( أي يقفونه، أي

يتبعون نبينا - صلى الله عليه وسلم - )في الفضل( أي في سائر خصال الخير ومراتب الكمال. فرتبتهم عليهم السالم بعد رتبته - صلى الله عليه وسلم -، وهم

متفاوتون في الدرجات فيما بينهم. )وبعدهم( أي األنبياء في الفضيلة )مالئكة( الله تعالى )ذي الفضل( والكرم.

فمرتبة المالئكة تلي مرتبة األنبياء عليهم الصالة والسالم في الجملة، فالمالئكة – ولو غير رسل – أفضل من األولياء من البشر. وأما على التفصيل، فالذي يلي

األنبياء من المالئكة إنما هم أعيانهم كجبريل وإسرافيل وميكائيل وعزرائيلعليهم الصالة والسالم. هذا قول جمهور األشاعرة.

)هذا( الذي ذكر من تفضيل األنبياء على المالئكة، والمالئكة على غير األنبياء من البشر من غير تفصيل طريق األشاعرة، وأما الطريق الثانية فأشار إليها بقوله:

)وقوم( من الماتريدية لم يقولوا بأن جملة األنبياء أفضل من جملة المالئكة، وجملة المالئكة أفضل من جملة سائر البشر، بل )فصلوا( القول )إذ فضلوا( أي وقت تعرضهم للتفضيل، فقالوا: رسل البشر كموسى أفضل من رسل المالئكة

كجبريل، ورسل المالئكة كإسرافيل أفضل من أولياء البشر كأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وأولياء البشر أفضل من عامة المالئكة، وهم غير الرسل

منهم.( من األنبياء والمالئكة )بعضه( اآلخر )قد يفضل( أي مما يجب )وبعض كل

اعتقاده أن بعض األنبياء كأولي العزم أفضل من غيرهم، وبعض أولي العزم كسيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - أفضل من غيره منهم كإبراهيم عليه السالم وهو أفضل أولي العزم غير نبينا - صلى الله عليه وسلم -، وأن بعض

المالئكة كالرسل منهم أفضل من غيرهم منهم، وبعض رسل المالئكة أفضل منبعض كجبريل.

(1/88)

والحاصل: أن األفضل من خلق الله هو سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - كما تقدم، ثم إبراهيم، ثم موسى، ثم عيسى، ثم نوح، ثم بقية الرسل، ثم األنبياء

غير الرسل، ثم هم متفاضلون فيما بينهم، والمالئكة فيما بينهم متفاضلون كالرسل. وأكثر شرح هذا الكالم من كالم ابن الناظم لصعوبة هذا المقام علي،

ولعدم قدرتي على عبارة أوضح من عبارته.…

]حقيقة المعجزة[ما68 ما وعصمة الباري لكل حت دوا تكر – بالمعجزات أي

ثم أشار الناظم إلى دليل صدق األنبياء في دعواهم الرسالة فقال:

)بالمعجزات( أي بخوارق العادات التي يعجز غيرهم عن اإلتيان بمثلها، وهودوا( أي إن الله أيدهم وصدقهم في دعواهم وأثبت نبوتهم يتعلق بقوله: )أيبظهور الخارق على أيديهم، إذ لوال إظهاره لما صدقهم من أرسلوا إليهم.

والمعجزة عرفا: أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي مع عدم المعارضة. )تكرما( أي تفضال منه تعالى بال وجوب، بل باالختيار. وأشار بذلك للرد على من

قال بوجوب المعجزات كاإلرسال.ما(. ( من األنبياء والمالئكة )حت )وعصمة الباري( أي منعه )لكل

]خاتم النبيين وعموم بعثته[نا وعمما69 – وخص خير الخلق أن قد تمما به الجميع ربمان ينسخ70 ى الز – بعثته فشرعه ال ينسخ بغيره حت

)وخص خير الخلق( دون غيره )أن( أي بأن )قد تمما( أي ختم )به الجميع( أي جميع األنبياء والمرسلين، فال نبي بعده لقوله تعالى: } وخاتم النبيين {

(1[، وقوله - صلى الله عليه وسلم - » أنا العاقب ال نبي بعدي «)40]األحزاب: نا( فاعل "تمما". )رب

)و( خص أيضا خير الخلق - صلى الله عليه وسلم - بأن قد )عمما( الله )بعثته( إلى جميع المكلفين من اإلنس والجن، ويأجوج ومأجوج، وإلى األمم قبله وإلى

نفسه.]عدم قبول الشريعة اإلسالمية النسخ من غيرها[

__________( سبق تخريجه1)

(1/89)

ب عليه قوله: )فشرعه( ولما ذكر أنه - صلى الله عليه وسلم - خاتم النبيين رت عليه الصالة والسالم، أي األحكام المشروعة )ال ينسخ( أي ال يرفع )بغيره( من الشرائع، بل هو مؤبد على مر األعصار وال يتبدل وال يتغير بحال )حتى الزمان

ينسخ( أي ينقرض. يعني أن شرعه - صلى الله عليه وسلم - تقوم عليه الساعة؛ إذ ال نبي بعده، فال شرع بعده، فال نسخ لشرعه بغيره؛ قال تعالى: } ومن يبتغ غير اإلسالم دينا فلن

[. قال الولي ابن العراقي:85يقبل منه { ]آل عمران: السيرة له شرعته قد أبدت ونسخت كل الشرائع التي قبل خلت

]نسخ الشريعة اإلسالمية لغيرها من الشرائع السابقة[ه من له منع71 – ونسخه لشرع غيره وقع حتما أذل الل

)ونسخه( أي شرع سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - )لشرع( من له شرع من األنبياء )غيره( - صلى الله عليه وسلم - )وقع حتما( أي وقوعا حتما ال يخالف

فيه إال من طبع الله على قلبه وتحققت شقاوته كصنف اليهود؛ فالنسخ جائزعقال واقع شرعا.

وهذا مما ال خالف فيه بين المسلمين، ولذا دعا على من خالف في ذلك بقوله: )أذل الله من له( أي لشرع نبينا - صلى الله عليه وسلم - ولنسخ شرع النبي -

ة والهوان لمخالفته صلى الله عليه وسلم - لغيره )منع(. أي ضرب الله عليه الذلالحق الذي ال مرية فيه.

]وقوع نسخ بعض الشريعة اإلسالمية ببعضها[– ونسخ بعض شرعه بالبعض أجز وما في ذا له من غض72

)ونسخ بعض( أحكام )شرعه( العزيز - صلى الله عليه وسلم - )بالبعض( اآلخر، سواء لنسخ الكتاب بالكتاب، أو السنة بالسنة، أو السنة بالكتاب، أو الكتاب بالسنة )أجز( ، أي اعتقد أنه جائز واقع. وإنما قال لبعض بالبعض ألن نسخ

الجميع غير واقع باإلجماع.

(1/90)

)وما في ذا( النسخ البعضي )له( أي لشرعه - صلى الله عليه وسلم - )من غض( أي نقص، يعني أن نسخ بعض شرع نبينا عليه الصالة والسالم بالبعض ال يلزم عليه نقص فيه؛ ألن الله تعالى يمحو ما يشاء ويثبت لحكم يعلمها تعالى،

[.106قال تعالى: } ما ننسخ من آية أو ننسها { اآلية ]البقرة: ]معجزات الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأعظمها القرآن[

ه معجز البشر73 – ومعجزاته كثيرة غرر منها كالم اللئن لعائشة مما رموا74 بي كما رووا وبر – واجزم بمعراج الن

(1/91)

دوا بظهور ولما قدم الناظم رحمه الله أن األنبياء عليهم الصالة والسالم أيه هنا على أن نبينا - صلى الله عليه وسلم - أكثر األنبياء المعجزة على أيديهم، نب

معجزة فقال:)ومعجزاته( - صلى الله عليه وسلم - الظاهرة على يديه تأييدا للرسالة وتقريرا لصدقه )كثيرة( جدا، ال يمكن اإلحاطة بها لمخلوق، )غرر( أي

(، ونبع الماء المنهمر من بين أصابعه)1واضحات وضوحا بينا، كانشقاق القمر) (،3(، وحنين الجذع الذي كان يخطب عنده لفراقه حين جعل له المنبر)2

وتسبيح الحصى في كفه، ورد عين قتادة لما أن سالت على خده فكانت أحسنعينيه وأحد نظرا من األخرى، وبرء عيني علي -

__________ ( عن ابن مسعود قال: انشق القمر على عهد رسول الله - صلى الله عليه1)

وسلم - فرقتين، فرقة فوق الجبل وفرقة دونه. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: »اشهدوا !« أخرجه البخاري في تفسير القرآن، باب } وانشق

القمر { ؛ ومسلم في صفة القيامة، باب انشقاق القمر، عن عبد الله بنمسعود.

( عن أنس بن مالك قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحانت2) صالة العصر، فالتمس الناس الوضوء فلم يجدوه، فأتي رسول الله - صلى الله

عليه وسلم - بوضوء، فوضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك اإلناء

يده وأمر الناس أن يتوضئوا به. قال: فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه حتى توضئوا من عند آخرهم. أخرجه البخاري في الوضوء، باب التماس الوضوء إذا حانت الصالة؛ ومسلم في الفضائل، باب في معجزات النبي - صلى الله عليه

وسلم -. ( عن جابر بن عبد الله قال: »كان المسجد مسقوفا على جذوع من نخل،3)

فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا خطب يقوم إلى جذع منها، فلما صنع له المنبر فكان عليه فسمعنا لذلك الجذع صوتا كصوت العشار، حتى جاء النبي -

صلى الله عليه وسلم - فوضع يده عليها فسكنت«. أخرجه البخاري في المناقب، باب عالمات النبوة في اإلسالم. وفي حنين الجذع روايات كثيرة

وصحيحة.

(1/92)

( وهلم جرا.1رضي الله عنه - لما أن تفل في عينيه يوم خيبر) )منها( أي من معجزاته - صلى الله عليه وسلم - )كالم الله( القرآن الذي تحدى

به أكابر الفصحاء ومصاقع البلغاء، على أن يأتوا بشيء من مثله فعجزوا. )معجز البشر( أي الخلق أجمعين، وإنما خص البشر بالذكر ألنهم الذين بصدد (2المعارضة، وألنه إذا كان معجزا للبشر فالجن عجزهم من باب أولى؛ ألنهم)

أوفر عقال وأقعد ذهنا وأكثر فهما، والمالئكة معصومون، وعلى تقدير لو عارضوا لعجزوا جميعا لقوله تعالى: } قل لئن اجتمعت اإلنس والجن على أن يأتوا بمثل

[ أي88هذا القرآن ال يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا { ]اإلسراء: معينا، فالقرآن العظيم أعظم معجزات نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ،

وهي معجزة باقية دائمة إلى قيام الساعة. ووجه إعجاز القرآن كونه في أعلى درجات الفصاحة، وأرقى طبقات البالغة، مع

ما اشتمل عليه من النظم العجيب، والترتيب الغريب، واإلخبار بالمغيباتالماضية واآلتية.

__________ ( عن سهل بن سعد أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول يوم خيبر1)

»ألعطين الراية رجال يفتح الله على يديه« فقاموا يرجون لذلك أيهم يعطى، وغدوا وكلهم يرجو أن يعطى، فقال: »أين علي« فقيل يشتكي عينيه، فأمر،

فدعي له فبصق في عينيه فبرأ مكانه حتى كأنه لم يكن به شيء. أخرجه البخاري في الجهاد والسير، باب دعاء النبي الناس إلى اإلسالم والنبوة؛ ومسلم

في فضائل الصحابة رضي الله عنهم، باب من فضائل على بن أبي طالب.( أي البشر2)

(1/93)

ومما يجب اإليمان به ما وقع له - صلى الله عليه وسلم - من اإلسراء من المسجد الحرام إلى المسجد األقصى على البراق، ومن العروج – أي الصعود – من صخرة بيت المقدس إلى أن جاوز السموات السبع وسدرة المنتهى, ووصل

إلى مستوى سمع فيه صريف األقالم، حتى رأى الرب جل وعال على ما يليق ( كما أشار إلى ذلك بقوله: )واجزم( اعتقادك إيمانا وتصديقا1بكبريائه وجالله)

)بمعراج النبي( - صلى الله عليه وسلم - )كما رووا(، أي كما رواه أصحابالحديث والتفسير.

]براءة السيدة عائشة معجزة للنبي وكرامة لها[ئن( أي نزهن أم المؤمنين )لعائشة( الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها )وبر وعن أبيها )مما رموا( أي من اإلفك الذي رماها به المنافقون. وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبي المنافق الكبير لعنه الله، فبرأها الله مما قالوا فيها بنزول

( على النبي - صلى الله عليه وسلم -. وإنما ذكره الناظم في2الوحي القرآني) خالل المعجزات ألنه من معجزاته - صلى الله عليه وسلم - لما فيه من تنزيه

الجناب الرفيع وصون حرمته وإهانة أعدائه - صلى الله عليه وسلم - ، فهيمعجزة له - صلى الله عليه وسلم - وكرامة لها وألبويها.

]فضل الصحابة والتابعين، ومراتبهم في الفضل[ – وصحبه خير القرون فاستمع فتابعي فتابع لمن تبع75ي الخالفه وأمرهم في الفضل كالخالفه76 – وخيرهم من ول

__________ ( حديث اإلسراء والمعراج أخرجه البخاري في بدء الخلق ، باب ذكر المالئكة؛1)

وفي المناقب، باب حديث اإلسراء ، وباب المعراج؛ ومسلم في اإليمان، باباإلسراء برسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

11( براءة السيدة عائشة رضي الله عنها وردت في سورة النور من اآلية 2) . وحديث اإلفك أخرجه البخاري في المغازي، باب حديث اإلفك وقبول20إلى

توبة القاذف؛ ومسلم في التوبة، باب في حديث اإلفك وقبول توبة القاذف

(1/94)

ومما يجب اإليمان به أن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أفضل الخلق ما عدى األنبياء والمرسلين والمالئكة المقربين، كما قال: )وصحبه( أي أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - )خير القرون( أي أفضل من جميع أهل القرون المتأخرة عن بعثته والمتقدمة عنها سوى األنبياء والمرسلين )فاستمع( سماع

قبول واعتقده فإنه الحق. )فتابعي( أي فبعد رتبة الصحابة رتبة التابعين في الفضيلة )فتابع لمن تبع( أي

وبعد التابعين تابع التابعين، أي الذي يلي رتبة التابعين في الفضيلة هم تابع التابعين لقوله - صلى الله عليه وسلم - » خيركم قرني ثم الذين يلونهم، ثم

(.1الذين يلونهم «) ولما قرر أن الصحابة أفضل ممن عداهم، ويليهم التابعون، ويلي التابعين تابع التابعين، تكلم على أفضل الصحابة فقال: )وخيرهم( أي أفضل الصحابة )من

وا )الخالفة( بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ي( أي النفر الذين ول ول نيابة عنه - صلى الله عليه وسلم - لحماية الدين ومراعاة مصالح المسلمين،

يعني أن أفضل الصحابة رضي الله عنهم أجمعين الخلفاء األربعة: أبو بكر،وعمر، وعثمان، وعلي.

)وأمرهم في الفضل كالخالفة( أي ترتيبهم في المفاضلة بينهم كترتيبهم في الخالفة؛ فاألسبق في الخالفة هو األفضل، فمن بعده؛ فأفضل الخلفاء رضي الله

عنهم: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي. – يليهم قوم كرام برره عدتهم ست تمام العشره77ضوان78 ان فأهل أحد فبيعة الر – فأهل بدر العظيم الش

)يليهم( أي آخر األربعة في الفضيلة )قوم كرام( على الله, لكثرة أوصافهمالجميلة وخصالهم الحميدة، )بررة( جمع بار: وهو الكثير خصال الخير.

__________ ( أخرجه البخاري في الرقائق، باب ما يحذر من زهرة الدنيا؛ وفي الشهادات،1)

باب ال يشهد على جور؛ وفي األيمان والنذور، باب إثم من ال يفي بالنذر؛ ومسلمفي الفضائل، باب فضل الصحابة.

(1/95)

)عدتهم ست تمام العشرة( المشهود لكل واحد منهم بالجنة. وباقي العشرة: طلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وعبد الرحمان بن عوف، وسعد بن أبي

وقاص، وسعيد بن زيد، وأبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم أجمعين. )فأهل( غزوة )بدر( الكبرى )العظيم الشان(، الذي نصر الله به نبيه والمسلمين

على أعدائهم، فقتلوا من الكفار سبعين وأسروا سبعين، وكان الصحابة رضي الله عنهم ثالثة مائة وثالثة عشر، وحضر فيها المالئكة مقاتلين. فرتبة أهل بدر تلي رتبة الستة بقية العشرة في الفضيلة، وكذا المالئكة البدريون أفضل من

غيرهم. )فأهل( غزوة )أحد(، وهو جبل معروف بقرب المدينة، وكان أهل أحد ألفا

بالثالثمائة من المنافقين. فرتبة أهل أحد تلي رتبة بقية البدريين في الفضيلة.والمراد بأهل بدر وأحد من حضرهما لنصر الدين، سواء استشهد أم ال.

)فبيعة الرضوان( أي فأهل بيعة الرضوان رتبتهم تلي رتبة أهل أحد، وأهل بيعة الرضوان كانوا ألفا وخمسمائة، كلهم بايعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

على الموت أو على أن ال يفروا, لما صده المشركون عن زيارة بيت الله، وأرسل لهم عثمان - رضي الله عنه - وشاع أنهم قتلوه ولم يكن مات. ولم يبق منهم إال رجل واحد يقال له الجد بن قيس، فاختبأ تحت بطن بعيره، فلما ظهر

أن عثمان لم يمت صالحهم النبي - صلى الله عليه وسلم -. وسميت بيعة الرضوان ألن الله تعالى رضي عن أهلها فقال: } لقد رضي الله عن المؤمنين إذ

[.18يبايعونك تحت الشجرة { ]الفتح: ابقون فضلهم نصا عرف هذا وفي تعيينهم قد اختلف79 – والسذي ورد إن خضت فيه واجتنب داء الحسد80 شاجر ال – وأول الت

(1/96)

)والسابقون( من الصحابة إلى اإلسالم )فضلهم( رضي الله عنهم )نصا عرف( أي عرف بنص القرآن؛ قال تعالى: } والسابقون األولون من المهاجرين

[ } ال يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل {100واألنصار { ]التوبة: [.10]الحديد:

واختلف في السابقين من هم ؟ فقيل: هم من صلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى القبلتين، وقيل أهل بدر، وقيل أهل بيعة الرضوان، ولذا قال الناظم رحمه الله: )هذا وفي تعيينهم قد اختلف( أي وقع الخالف بين العلماء في تعيين

السابقين من الصحابة، والمحكوم له بالفضل في المراتب المتقدمة إنما هو الجملة على الجملة دون األفراد، وربما جمع البعض جميع هذه المراتب، ربما

يكون بدريا أحديا رضوانيا كأبي بكر - رضي الله عنه - .]تأويل ما وقع بين الصحابة من التشاجر[

)وأول التشاجر( أي التخاصم الواقع بين الصحابة رضي الله عنهم )الذي ورد( عنهم مرويا، متواترا كان أو مشهورا، وأما ما لم يصح فال يقبل حتى يحتاج إلى

التأويل.

(1/97)

والمراد بتأويل ما ورد أن يحمل على محامل حسنة فيها، ليأمن من الطعن في أحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين قال فيهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: » الله الله في أصحابي التتخذوهم غرضا من

بعدي، من آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله يوشك أنهم فعليه لعنة الله1يأخذه «) وا أصحابي ومن سب ( وفي رواية: » ال تسب

والمالئكة والناس أجمعين، ال يقبل الله منهم صرفا – أي فرضا – وال عدال – أي(2نفال «.)

وهذا )إن خضت فيه( أي فيما شجر بينهم فيجب عليك التأويل، وحينئذ احملئون من األغراض النفسانية، )واجتنب داء الحسد( أحسن المحامل؛ فإنهم مبر

فإنه مهلك قاتل يحرق الحسنات ويمحق البركات أعاذنا الله منه. وإنما ذيلالناظم الكالم بهذا ألن كل ذي نعمة محسود.

]فضل أئمة اإلسالم[ – ومالك وسائر األئمه كذا أبو القاسم هداة األمه81

)ومالك( بن أنس إمام دار الهجرة، )وسائر( أي باقي )األئمه( المجتهدين كاإلمام محمد بن إدريس الشافعي، وأبي حنيفة، وأحمد بن حنبل، وكاإلمام األشعري

شيخ أهل السنة وغيرهم من المجتهدين.__________

( أخرجه الترمذي في المناقب، باب في من سب أصحاب النبي - صلى الله1) عليه وسلم - ؛ وأحمد في المسند، عن عبد الله بن مغفل المزني. ولفظه

عندهما: » الله الله في أصحابي، ال تتخذوهم غرضا بعدي، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد

آذى الله تبارك وتعالى، ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه «. ( ورد بهذا اللفظ في كنز العمال، والكامل في الضعفاء، وتاريخ بغداد2)

(. وأصله في البخاري في المناقب، باب قول7/124)موسوعة أطراف الحديث: النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لو كنت متخذا خليال؛ ومسلم في الفضائل، باب تحريم سب الصحابة بلفظ: "ال تسبوا أصحاب فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا

ما بلغ مد أحدهم وال نصيفه".

(1/98)

( والحقيقة شيخ جماعة الصوفية وإمامهم: )أبو القاسم(1و)كذا( إمام الطريقة) الجنيد رضي الله تعالى عنه، كلهم )هداة( جمع هاد كغزاة ورماة، هذه )األمه(التي هي خير أمة، ورتبتهم تلي رتبة من تقدم ذكره من الصحابة ومن تبعهم.

]وجوب التقليد في فروع الشريعة[ – فواجب تقليد حبر منهم كذا حكى القوم بلفظ يفهم82

وإذا كان هؤالء األئمة هداة األمة )فواجب( على كل من لم يبلغ رتبتهم في االجتهاد )تقليد( أي األخذ بمذهب )حبر( بفتح الحاء وكسرها، أي عالم مجتهد

)منهم( في الفروع، فمن قلد واحدا منهم فقد خرج من التكليف، وال فرق فيالذي يقلد بين كونه حيا أو ميتا؛ ألن العلم ال يموت بموت صاحبه.

__________ ( الطريقة اصطالح صوفي، والمراد به تزكية النفس والباطن من األخالق1)

الذميمة، وتحليتها باألخالق الفاضلة. وهي أيضا السيرة المختصة بالسالكين إلىالله تعالى من قطع المنازل والترقي في المقامات. انظر كشاف التهانوي )

(.215(؛ وتعريفات الجرجاني )ص: 3/160

(1/99)

( قوله تعالى: } فاسألوا أهل الذكر إن1والدليل على وجوب التقليد في الفروع) [. وال بد أن يعتقد المقلد أرجحية مذهب من أراد43كنتم ال تعلمون { ]النحل:

أن يقلده.وأما التقليد في أصول الدين، فقد عرفت أنه ال يجوز للمتمكن من النظر. )كذا حكى( وجوب التقليد في الفروع لعالم ممن ذكر )القوم(، أي علماء

األصول، )بلفظ( أي بقول واضح )يفهم(.]تعريف الكرامة وإثباتها لألولياء[

– وأثبتن لألوليا الكرامه ومن نفاها فانبذن كالمه83ثم أشار إلى إثبات كرامات األولياء – كما هو مذهب أهل السنة – فقال:

__________

( االقتداء بأحد األئمة المجتهدين إنما يكون لمن لم يبلغ درجة االجتهاد لقوله1) تعالى: } فاسألوا أهل الذكر إن كنتم ال تعلمون { ، فمن ليس في وسعه استنباط األحكام الشرعية من الكتاب والسنة يجب عليه تقليد أحد األئمة

المجتهدين؛ ألن في تكليفه باالستنباط مع عدم قدرته عليه تكليف بما ليس في الوسع، وقد قال تعالى: } ال يكلف الله نفسا إال وسعها { . وعليه فمن لم يقدر على االجتهاد المطلق وقلد أحد المجتهدين فقد فعل ما أوجبه الله تعالى عليه،

حيث اعتقد أن ذلك المجتهد شارح للكتاب والسنة، ومعنى قولنا مثال مذهب مالك كذا أن ذلك هو الحكم الشرعي في فهم مالك، ال أنه مشرع لشريعة من

عند نفسه، خالفا ألحبار أهل الكتاب ورهبانهم الذين ذم الله مقلديهم بقوله: } اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله { ، حيث شرعوا لمقلديهم

أحكاما من غير استناد إلى ما جاء بطريق الوحي للرسل عليهم السالم. وأما أئمة المسلمين شكر الله سعيهم كالمهم في الحل والحرمة مستند إلى القرآن

والسنة، مضبوط باألدلة، صادر بعد إمعان النظر في طرق االستنباط.

(1/100)

)وأثبتن لألوليا( السادة من هذه األمة أو غيرها )الكرامه( وهي أمر خارق للعادة, ( هو العالم العامل بعلمه2( لها. والولي)1غير مقرون بدعوى النبوة، وال إرهاص)

على وجه اإلخالص. أي اعتقد جوازها ووقوعها بدليل الكتاب والسنة: ـ أما الكتاب، فكقصة مريم مع عيسى وزكريا } كلما دخل عليها زكرياء

المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله { ]آل [، وقصة آصف بن برخيا مع سليمان في إتيانه بعرش بلقيس قبل37عمران:

ارتداد الطرف، وقصة أصحاب الكهف.( وغير ذلك.3ـ وأما السنة، فكقصة جريج الراهب)

)ومن نفاها( أي الكرامة بأن لم يقبل ثبوتها كالمعتزلة، )فانبذن( أي اطرحن )كالمه( وال تعتقده، إذ ليس فيها التباس النبي بغيره؛ ألن المعجزة مقرونة

بدعوى النبوة والتحدي، والكرامة ليست كذلك.]فضل الدعاء وآدابه[

__________ ( اإلرهاص: إحداث أمر خارق للعادة دال على بعثة نبي قبل بعثته.1)

(74)التعريفات، ص: ( ذكر بعض أهل السنة أن للولي أربعة شروط، وحاصلها: األول أن يكون2)

عارفا بأصول الدين حتى يفرق بين الخلق والخالق وبين النبي والمتنبي، الثاني: أن يكون عالما بأحكام الشريعة نقال وفهما ليكتفي بنظره عن التقليد في

األحكام الشرعية كما اكتفى بذلك في أصول التوحيد؛ فلو أذهب الله علماء أهل األرض لوجد عنده ما كان عندهم، وألقام قواعد اإلسالم من أولها إلى آخرها،

فإنه ال يفهم من قولنا ولي الله إال الناصر لدين الله، وذلك ممتنع في حق من ال يحيط علما بدين الله وقواعده وأصوله وفروعه، الثالث: أن يتخلق بالخلق

المحمود الذي يدل عليه الشرع والعقل، والرابع: أن يالزمه الخوف أبدا سرمدا

وال يجد لطمأنينة النفس سبيال؛ فإنه ال يحيط علما بأنه من فريق السعادة فياألزل أو من فريق الشقاوة.

( قصة جريج أخرجها البخاري في المظالم، باب إذا هدم حائط فليبن مثله؛3)ومسلم في البر والصلة واألدب، باب تقديم بر الوالدين على التطوع بالصالة.

(1/101)

– وعندنا أن الدعاء ينفع كما من القرآن وعدا يسمع84ثم لما كان مذهب أهل السنة أن الدعاء ينفع أشار إلى ذلك بقوله:

)وعندنا( معشر أهل السنة )أن الدعاء( وهو رفع الحاجات إلى مستجيب الدعوات وكاشف البلوات )ينفع( مما حل بالداعي أو المدعو له ومما لم يحل،

وينفع األحياء واألموات إن كان بخير، ويضر إن كان بشر. أي إن الله يمنح المدعو له ويمنع المدعو عليه, ألن الله طلب من عباده أن يتضرعوا إليه ويدعوه

[ و } أجيب60تضرعا وخيفة كقوله تعالى: } ادعوني أستجب لكم { ]غافر: [.186دعوة الداع إذا دعان { ]البقرة:

وللدعاء آداب منها:– الطهارة.

– وتقديم التوبة.– واالستغفار.

– والصالة والسالم على النبي - صلى الله عليه وسلم - أوله وأثناءه وآخره. وأن ال يعجل بأن يقول دعوت فلم يستجب لي، وإال لم يقبل كما في الحديث: »

(.1يستجاب ألحدكم ما لم يعجل «)– واإلخالص.

– وافتتاحه بالثناء على الله تعالى.– واستقبال القبلة.

– وكونه في محال مظنة اإلجابة. فيجيب تعالى دعاء الداعين )كما من القرآن( العظيم )وعدا( من الله الكريم )يسمع( متلوا، فعليك بالدعاء فإنه مخ العبادة ومفتاح السعادة، وليكن األهم

المقصود من دعائك التذلل للعلي األعلى، والتطراح على أبواب فضل المولى، وال يكون غرضك قضاء الوطر، فإنه من قصور النظر. ويرحم الله القائل حيث

يقول:قالوا اشتكوا إليه ما ليس يخفى عليه

قلت رب ويرضى ذل العبيد لديه والدعاء إما مستجاب في الدنيا، إن عاجال أو آجال، أو مدخر ليوم القيامة.

والمستجاب فيه إما عين المدعو به، أو غيره مما فيه صالح صاحب الدعاء.__________

( أخرجه البخاري في الدعوات، باب يستجاب للعبد ما لم يعجل؛ ومسلم في1) الذكر والدعاء، باب بيان أنه يستجاب للداعي ما لم يعجل، عن أبي هريرةولفظه: "يستجاب ألحدكم ما لم يعجل، فيقول: دعوت فلم يستجب لي".

(1/102)

]المالئكة الحافظون والكاتبون[لوا وكاتبون خيرة لن يهملوا85 – بكل عبد حافظون وك – من أمره شيئا فعل ولو ذهل حتى األنين في المرض كما نقل86

ثم أشار إلى مسألة يجب اعتقادها بقوله: )بكل عبد( مكلف مؤمنا كان أو كافرا، حرا أو رقيقا، ذكرا أو أنثى مالئكة

لوا( أي وكلهم الله على جميع المكلفين ال )حافظون( لجميع ما يصدر منه، )وكيفارقونهم إال في ثالث حاالت:

– حالة قضاء الحاجة.– وحالة الجماع.

( عن بن عباس رضي الله عنهما. ثم1– وحالة الغسل، كما جاء في الحديث)، ألن عطف على "حافظون" قوله: )وكاتبون خيرة(، عطف خاص على عام

لين باإلنسان عشرة بالليل وعشرة بالنهار كما رواه عثمان عن المالئكة الموك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. » واحد عن يمينه، وآخر عن شماله،

واثنان بين يديه ومن خلفه، واثنان على جبينه، وواحد قابض على ناصيته، فإن تواضع رفعه وإن تكبر وضعه، واثنان على شفتيه ليس يحفظان عليه إال الصالة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، والعاشر يحرسه من الحية أن تدخل فاه

(»2.)ل به جمع من الحفظة، والكاتبون داخلون فيهم فأخذ من الحديث أن كل عبد وك ألن قوله "واحد عن يمينه وواحد عن شماله" ظاهر في أنهما الحافظان, لقوله

تعالى: } عن اليمين وعن الشمال قعيد، ما يلفظ من قول إال لديه رقيب عتيد { [ فصح قولنا عطف "الكاتبون" على "الحافظون" عطف خاص على17،18]ق:

عام.__________

( عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: » إياكم1) والتعري؛ فإن معكم من ال يفارقكم إال عند الغائط وحين يفضي الرجل إلى أهله،

فاستحيوهم وأكرموهم «. أخرجه الترمذي في االستئذان واآلداب، باب ما جاءفي االستتار عند الجماع.

( عزا ابن كثير إخراجه إلى ابن جرير الطبري عن كنانة العدوي، ولم يعلق2)(.2/655عليه ) تفسير ابن كثير:

(1/103)

والكتب حقيقة على بابه بقلم وقرطاس ومداد؛ ففي الحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: » إن الله لطف الملكين الحافظين حتى أجلسهما

( والمراد بالناجذين آخر1على الناجذين وجعل لسانه قلمهما وريقه مدادهما «)األضراس من اليمين واليسار.

وملك الحسنات من جهة اليمين أمير على ملك الشمال الذي يكتب السيئات, فال يكتب منها شيء إال بإذن منه، فإذا مرت على العبد ست ساعات ولم يتب

ولم يستغفر تركه يكتب. فإن مشى كان أحدهما أمامه واآلخر وراءه، وإن قعد كان أحدهما على يمينه واآلخر على يساره، وإن رقد كان أحدهما عند رأسه واآلخر عند رجليه – كما

روي عن مجاهد – وهما مالزمان له ما دام حيا. فإذا مات، فإن كان من أهل الخير يقوالن فيه: نعم القرين، كم من مجلس خير

أحضرنا، وكم من كالم طيب أسمعنا، فيقول الله تعالى لهما: اذهبا إلى قبره اعبدا عليه وعبادتكما له إلى يوم القيامة، وإن كان من أهل الشر أعاذنا الله منه فيقوالن: الحمد لله الذي أراحنا منه، كم من مجلس سوء أحضرنا، وكم من كالم

فاحش أسمعنا. (،2وقيل إن لكل يوم وليلة ملكين يتعاقبان عند صالة العصر وصالة الصبح)يؤرخون ما يكتبون من أعمال العباد باأليام والجمع واألعوام واألماكن.

__________ ( الحديث ورد في كنز العمال والدر المنثور وجمع الجوامع )موسوعة أطراف1)

(3/180الحديث: ( الحديث ولفظه عند البخاري، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله2)

عليه وسلم - قال: "يتعاقبون فيكم مالئكة بالليل ومالئكة بالنهار ويجتمعون في صالة الفجر وصالة العصر، ثم يعرج اللذين باتوا فيكم، فيسألهم وهو أعلم بهم فيقول: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون". رواه البخاري في صحيحه في مواقيت الصالة، باب فضل صالة العصر؛ ومسلم

في المساجد ومواضع الصالة، باب فضل صالتي العصر والصبح.

(1/104)

)لن يهملوا( أي ال يتركون )من أمره شيئا فعل( فعل الجوارح والقلب واللسان، فتدخل النية واالعتقاد، ويعرفون ذلك بعالمة كرائحة كما جاء في الحديث عن

( «.1ابن عمر: » إذا كذب العبد كذبة تباعد عنه الملك ميال من نتن ما جاء به) )ولو ذهل( أي يكتبون ما يصدر عنه ولو في حال الذهول, ألنه ليس المقصود من

الكتب اإلثابة أو المعاقبة؛ ففي حديث ابن عباس رضي الله عنهما في قوله [ قال: يكتب كل ما18تعالى: } ما يلفظ من قول إال لديه رقيب عتيد { ]ق:

يتكلم به من خير أو شر، حتى إنه ليكتب قوله أكلت، شربت، ذهبت، جئت، رأيت، حتى إذا كان يوم الخميس عرض قوله وعمله فأقر منه ما كان منه من

(.2خير أو شر وألقي سائره)تنبيه:

يجب اعتقاد أن هذه الكتابة ليست لحاجة إليها، بل لحكم يعلمها سبحانه،ة ويحتمل أن يكون حكمتها أن العبد إذا علم أن أعماله جميعا مكتوبة محصي

استحيى من تناول المعصية، وتركها ألنهم يكتبون عنه )حتى األنين( الصادر عن طبيعته )في( حالة )المرض( ونحوه )كما نقل(، أي كما نقله األئمة وقالوا به

[18ومنهم إمامنا مالك، واستدلوا بقول الله تعالى: } ما يلفظ من قول { ]ق: اآلية، ألن مثل هذا ال يقال عن رأي. واألنين: مصدر أن، إذا تضجر من وجع، وهذا

(.3مما يجب اإليمان به)__________

( أخرجه الترمذي عن ابن عمر في البر والصلة، باب ما جاء في الصدق1)والصلة. قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.

(2/284( ذكره ابن كثير نقال عن علي بن أبي طلحة )تفسير القرآن العظيم 2) ( ذكر عن اإلمام أحمد أنه كان يئن في مرضه، فبلغه عن طاوس أنه قال:3)

يكتب الملك كل شيء حتى األنين، فلم يئن أحمد حتى مات رحمه الله تعالى.(2/284)تفسير القرآن العظيم

(1/105)

قال ابن الناظم: ينبغي أن يحمل قوله: "حتى األنين" إلخ على معنى أنه يكتب له خيرات وطاعات كما في حديث أنس رضي الله عنه قال، قال رسول الله -

صلى الله عليه وسلم - : » إذا ابتلى الله العبد ببالء في جسده قال الله للملك: اكتب له صالح عمله الذي كان يعمل، فإن شفاه غسله وطهره، وإن قبضه غفر

( انتهى.1له ورحمه «) هذا إذا كان أنينه ليس جزعا وال سخطا للقضاء، وكان يصلي بقدر ما يطيق،

والله أعلم.]الحث على محاسبة النفس[

87 ل األمال فرب من جد ألمر وصال فس وقل – فحاسب الن وإذا علمت أن عليك حافظين وكراما كاتبين يكتبون جميع ما يصدر منك

)فحاسب النفس( أي نفسك بأن تراعيها في كل فعل أو قول قبل القدوم عليه حتى ال تفعله, إال إذا كان فعله ال يسخط الله عليك، فإن من حاسب نفسه في

الدنيا هان عليه حساب اآلخرة. )وقلل( أي أقصر )األمال( في الدنيا، وهو ما تحبه النفس, كطول العمر، وزيادة

الغنى ونحو ذلك؛ فإنها ليست دار إقامة حتى يرغب فيها، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: »كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، وعد نفسك من أهل

(.2القبور «)بك من الله، )فرب من جد( أي اجتهد )ألمر(، أي فاجتهد في الطاعات وما يقر

ألجل تحصيل أمر من أمور اآلخرة أو الدنيا )وصال( إليه بمشيئة الله لذلك.]وجوب اإليمان بالموت[

وح رسول الموت88 – وواجب إيماننا بالموت ويقبض الرت بعمره من يقتل وغير هذا باطل ال يقبل89 – ومي

__________( أخرجه أحمد في مسنده عن أنس، وأوله: إذا ابتلى الله العبد المسلم. )1)

3/258) ( أخرجه بهذا اللفظ الترمذي في الزهد، باب ما جاء في قصر األمل، عن ابن2)

عمر. وأخرجه البخاري في الرقائق، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -"كن في الدنيا كأنك غريب" بدون جملة "وعد نفسك من أهل القبور".

(1/106)

ذ عرف90 بكي بقاها الل فخ اختلف واستظهر الس فس لدى الن – وفي فنا النوح لكن صححا المزني للبلى ووضحا91 – عجب الذنب كالر – وكل شيء هالك قد خصصوا عمومه فاطلب لما قد لخصوا92

)وواجب( خبر مقدم )إيماننا( أي تصديقنا – مبتدأ مؤخر– )بالموت( وحلوله بكل [ وقوله: } كل30حي حادث لقوله تعالى: } إنك ميت وإنهم ميتون { ]الزمر:

[. والموت: كيفية يخلقها الله في185نفس ذائقة الموت { ]آل عمران: الحيوان تضاد الحياة، فال اجتماع بينهما في الجسد وال انفكاك له عنهما كما هو

شأن الضدين. …)و( واجب إيماننا بأنه )يقبض الروح( أي يخرجها ويأخذها بإذن ربه )رسول

الموت( عزرائيل عليه الصالة والسالم, ومعناه عبد الجبار. وهو ملك عظيم هائل المنظر مفزع، رأسه في السماء العليا، ورجاله في تخوم األرض السفلى،

ووجهه مقابل اللوح المحفوظ، والخلق بين عينيه، وله أعوان بقدر من يموت، يترفق بالمؤمن ويأتيه في صورة حسنة، بخالف غير المؤمن. واألصل في هذا

[.11قوله تعالى: } قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم { ]السجدة: [ فألنه الخالق والموجد42…وأما قوله تعالى: } الله يتوفى األنفس { ]الزمر:

لذلك حقيقة، وأما ملك الموت فألنه يباشر ذلك، كمثل إسناد التوفي إلى أعوانه[ ألنهم يعالجون الروح.61في قوله تعالى: } توفته رسلنا { ]األنعام:

]الموت يكون بانتهاء األجل[

(1/107)

حدا ال يزاد فيه وال ينقص منه – كما هو مذهب أهل الحق – ولما كان األجل مت أشار إليه بقوله: )وميت( )بعمره( أي عند انقضاء أجله )من يقتل( مبتدأ خبره ما

قبله. يعني أن كل ميت إنما يموت عند انتهاء أجله لقوله تعالى: } ولكل أمة [ وهذا مما49أجل فإذا جاء أجلهم ال يستأخرون ساعة وال يستقدمون { ]يونس:

يجب اعتقاده، )وغير هذا( من مذاهب الزائغين )باطل( غير مطابق للواقع )اليقبل( أي ال تحكم بصحته العقول حتى يقبل.

]فناء الروح أو بقاؤها عند النفخ[ ولما وقع االختالف هل الروح تفنى عند النفخة األولى أو تبقى؟ على قولين،

والخالف إنما هو عند النفخ، أما قبله أو بعده فمحل اتفاق. وعلى أنها تفنى أشارإلى ذلك بقوله:

)وفي فنا النفس( أي بقائها وإعدامها )لدى( أي عند )النفخ( األول الذي يموت به كل حي حين ينفخ إسرافيل في الصور، وهو القرن الذي يجمع الله فيه جميع

األرواح، وفيه ثقب على عدد أرواح الخلق، )اختلف( أي اختلف العلماء في ذلك؛ فذهبت طائفة إلى أنها تفنى عند النفخة األولى لقوله تعالى: } كل من عليها

[، أما قبل النفخ وبعده فال خالف أنها تبقى، منعمة إن26فان { ]الرحمان: كانت مؤمنة، أو معذبة إن كانت كافرة.

وذهبت طائفة إلى القول ببقائها عند النفخة األولى؛ قال الناظم: )واستظهر( ( من الخالف )بقاها( بالقصر،1اإلمام تقي الدين علي بن عبد الكافي )السبكي()

أي أنها لم تفن البتة، )اللذ عرف( أي الذي عهد سابقا.__________

( هو: علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي األنصاري الخزرجي، أبو1) الحسن، تقي الدين: شيخ اإلسالم في عصره، وأحد الحفاظ المفسرين

(4/302هـ. )األعالم 765، وتوفي سنة 683المناظرين. ولد سنة

(1/108)

قال السبكي: "ألنهم اتفقوا على بقائها بعد الموت لسؤالها في القبر وجوابها وتعذيبها أو تنعيمها فيه، واألصل في كل باق استمراره حتى يظهر ما يصرف

عنه". واختياره هو المختار عند أهل الحق، فيكون من المستثنى بقوله تعالى:[.68} إال من شاء الله { ]الزمر:

]فناء عجب الذنب أو بقاؤه عند النفخ[ ومما اختلف فيه أيضا: )عجب الذنب(، فإنه اختلف في بقائه وفنائه )كالروح( أي كما اختلف في الروح على قولين؛ فقيل إنه ال يفنى لما في الصحيحين: » ليسب الخلق من اإلنسان شيء إال يبلى، إال عظما واحدا وهو عجب الذنب، منه يرك

( «، وعند مسلم: » كل ابن آدم يأكله التراب إال عجب الذنب منه1يوم القيامة) ( «. وهو عظم كالخردلة آخر سلسة الظهر كمغرز2خلق الخلق ومنه يركب)

الذنب للدابة. والتشبيه ال بقيد وقت النفخة. ( نسبة لمزينة قبيلة من كلب3)لكن صححا( إسماعيل بن يحيى )المزني()

)للبلى(، أي الفناء أخذا بظاهر قوله تعالى: } كل من عليها فان { ]الرحمان: [ وألن فناء الكل يستلزم فناء الجزء. )ووضحا( أي بين المزني صحة ما ذهب26

إليه. ولما كان القول ببقاء الروح وعجب الذنب هو الراجح أشار إلى الجواب عما يرد

عليه بقوله: )وكل شيء هالك( إال وجهه، ونحوه )قد خصصوا عمومه( أي قصروا استغراقه

على بعض أفراد العام، هذا مذهب المتقدمين، )فاطلب( أي اقصد )لما قد لخصوا( أي العلماء. وقال محققو المتأخرين: معنى هالك أي قابل للهالك من

حيث اإلمكان واالفتقار.]حقيقة الروح[

__________ ( أخرجه البخاري في التفسير، باب } يوم ينفخ في الصور { ؛ ومسلم في1)

الفتن وأشراط الساعة، باب ما بين النفختين.

( أخرجه مسلم في الفتن وأشراط الساعة، باب ما بين النفختين.2) ( هو: إسماعيل بن يحيي بن إسماعيل، أبو إبراهيم المزني: صاحب اإلمام3)

،175الشافعي. من أهل مصر. كان زاهدا عالما مجتهدا قوي الحجة. ولد سنة (1/329هـ. )األعالم 264وتوفي سنة

(1/109)

ارع لكن وجدا93 وح إذ ما وردا نص عن الش – وال نخض في الرند94 – لمالك هي صورة كالجسد فحسبك بهذا الس

ولما كان الخالف واقعا أيضا في الروح باإلمساك عن التعرض لحقيقتها والخوضفيها، وكان المختار والراجح اإلمساك، صدر الناظم به جازما فقال:

)وال نخض( معشر جمهور المحققين )في( بيان حقيقة )الروح( ال بجنس وال بفصل, ألن ذلك متعذر، ولعدم ورود السمع بذلك، فليس من األدب أن يتعرض لتفسيرها ولذا قال: )إذ ما وردا( أي ألنه لم يرد )نص( أي دليل )عن الشارع( -

صلى الله عليه وسلم - ببيان حقيقتها، فاألولى أن ال يتعرض لذلك. )لكن وجدا( النص )لمالك( أي عن مالك إمام دار الهجرة، و )هي( أنها )صورة(

إنسانية )كالجسد( الذي هو مركبها وبها قوامه عادة، وعلى هذا فهي جرم. )فحسبك(، أي يكفيك النص الثابت )بهذا السند( المتميز أكمل تمييز لشهرة

ناقله بالحفظ واإلتقان.]حقيقة العقل[

روا95 روا فيه خالفا فانظرن ما فس وح ولكن قر – والعقل كالر )والعقل( الذي محله الدماغ, وله نور متصل بالقلب. وقيل محله القلب, وله نور

متصل بالرأس )كالروح( أي باألولى أن ال تتعرض لحقيقته. )ولكن قرروا( أيالعلماء )فيه( أي العقل )خالفا( من جهات شتى منها:

– هل له حقيقة تدرك أو ال؟ قوالن.– وعلى أن له حقيقة, هل هو جوهر أو عرض؟ قوالن.

– وهل محله الرأس أو القلب؟ قوالن.– وهل العقول متفاوتة أو متساوية؟ قوالن.

– وهل هو اسم جنس أو جنس أو نوع؟ ثالثة أقوال. فهذه أحد عشر قوال.

(1/110)

ثم القائلون بالجوهرية والعرضية اختلفوا في رسمه على أقوال شتى أعدلها قوالن. فعلى ما قاله أصحاب العرض هو ملكة في النفس بها تستعد للعلوم

واإلدراكات؛ وعلى ما قاله أصحاب الجوهر هو جوهر لطيف تدرك به الغائبات بالوسائط والمحسوسات بالمشاهدات. انتهى المراد منه، قاله الشيخ العالمة

(، ثم المصري، ثم المالكي في شرحه على عقيدة شيخنا1أحمد الغرقاوي) قدس الله سره وأطال للمسلمين عمره. وأطال النقل في الكالم على العقل

فانظره إن شئت. فرحمه الله وأثابه وجعل الجنة مآبه وإيانا آمين. والكالم على العقل للعلماء طويل جدا، ولذا أحاله الناظم على النظر في ذلكفقال: )فانظرن( إن خضت في العقل )ما فسروا( من األقوال على ما تقدم.

]سؤال القبر، عذابه ونعيمه[ – سؤالنا ثم عذاب القبر نعيمه واجب كبعث الحشر96

ثم ذكر مسائل واجبة االعتقاد من األمور المغيبات التي يجب اإليمان بها فقال: )سؤالنا( في القبر أيها المكلفون – مبتدأ – )ثم عذاب القبر( ألهل الشر أو

)نعيمه(، أي القبر، أي صاحبه إن كان من أهل الخير )واجب( – خبر– أي ثابتبالكتاب والسنة وإجماع أهل السنة:

[46أما الكتاب، فقوله تعالى: } النار يعرضون عليها غدوا وعشيا { ]غافر: [46بدليل: } ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب { ]غافر:

[ ألن الفاء25وقوله تعالى: } مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا { ]نوح: للتعقيب. إلى غير ذلك.

__________ ( هو أحمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن محمد الفيومي الغرقاوي المالكي1)

هـ. وشرحه على عقيدة الشيخ علي النوري يسمى: الخلع1101المتوفى سنة (، وكتاب العمر )5/162البهية على العقيدة النورية. انظر هدية العارفين )

1/196)

(1/111)

وأما السنة، فكقوله - صلى الله عليه وسلم - : » القبر روضة من رياض الجنة (، وقوله - صلى الله عليه وسلم - في القبرين اللذين1أو حفرة من حفر النار«)

مر بهما فقال - صلى الله عليه وسلم - : » إن هذين يعذبان « أي صاحباهما (. وما رواه البخاري عن ابن عمر قال، قال رسول الله - صلى الله2الحديث)

عليه وسلم - : » إذا مات أحدكم فإنه يعرض عليه مقعده بالغداة والعشي، فإن (3كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار «)

واألحاديث في إثبات عذاب القبر ونعيمه كثيرة يخرجنا جلبها عن قصد االختصار.__________

( أخرجه الترمذي في صفة القيامة، باب عن أبي سعيد. وقال حديث حسن1)غريب.

( عن ابن عباس قال: مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقبرين فقال:2) "إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير؛ أما أحدهما فكان ال يستتر من البول، وأما

اآلخر فكان يمشي بالنميمة". أخرجه البخاري في الوضوء، باب ما جاء في غسلالبول؛ ومسلم في الطهارة، باب الدليل على نجاسة البول.

( أخرجه البخاري في بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة.3)

(1/112)

وأما الدليل على سؤال الملكين، فالحديث المشهور الذي رواه عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث قال له: » كيف بك يا عمر إذا أتاك منكر ونكير «. وفيه أنه قال له عمر: أمعي عقلي على ما أنا عليه اآلن؟ قال - صلى الله عليه وسلم - نعم، فقال له عمر - رضي الله عنه - إذن أكفيكهما، فقال - صلى الله

(. ولما شاع من استعاذته - صلى الله عليه1عليه وسلم - إن عمر لموفق) وسلم - من عذاب القبر. ولقوله - صلى الله عليه وسلم - : » إن المؤمن إذا

وضع في قبره وتولى عنه أصحابه وإنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فيقعدانه ويقوالن له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فأما المؤمن الموفق فيقول: هذا

محمد جاءنا بالبينة والهدى فأجبنا وآمنا واتبعنا، وأما الكافر والمرتاب فيقول: ال أدري، سمعت الناس يقولون شيئا فقلته. فيقال له: ال دريت وال تليت فيضرب

(2بمقمعة من حديد يسمعها كل شيء إال الثقلين«.)__________

. إتحاف السادة المتقين للزبيدي؛ وتذكرة1/397( مسند الحارث: 1)(6/517الموضوعات للقيسراني )موسوعة أطراف الحديث النبوي:

( عن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:2) "إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه – وإنه ليسمع قرع نعالهم – أتاه

ملكان فيقعدانه فيقوالن: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ لمحمد - صلى الله عليه وسلم -. فأما المؤمن فيقول أشهد أنه عبد الله ورسوله. فيقال له: انظر إلى

مقعدك من النار، قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة، فيراهما جميعا. وأما المنافق والكافر فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: ال أدري، كنت أقول ما يقول الناس. فيقال له: ال دريت وال تليت. ويضرب بمطارق من حديد

ضربة، فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين". أخرجه البخاري في الجنائز، باب ما جاء في عذاب القبر؛ ومسلم في الجنة، باب عرض مقعد الميت من

الجنة أو النار.

(1/113)

وهل لكل واحد منكر ونكير؟ أو هذان الملكان موكالن بجميع الخلق؟ قوالن.وهل يسأل الصبيان كما يسأل البالغون؟ قوالن.

وقوله في الحديث: ما تقول في هذا الرجل؟ قال العارف ابن أبي جمرة: قوله هذا يدل على أن الميت يسأل والنبي - صلى الله عليه وسلم - حاضر ألن

اإلشارة موضوعة للحاضر. انتهى بالمعنى. وعلى هذا ينبغي أن يعتني العاقلير بنعوت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصفاته على ما ذكر في الس

وعسى أن ينفعه الله بذلك، وإن كان المعتبر صالح العمل. ثم شبه في الوجوب فقال: )كبعث الحشر( أي كبعث الله جميع الخالئق من قبورهم للحشر والحساب. يعني أنه مما يجب اإليمان به البعث والحشر بأن يجمع الله األولين واآلخرين في صعيد واحد بحيث يسمعهم الداعي وينفذهم

البصر، فيسألهم تعالى عن أعمالهم – وهو العالم بجميع أحوالهم – ويحاسبهمعليها وال يظلم ربك أحدا.

بعد اشتداد األمر والتجاء الخلق واضطرارهم وعظم األهوال وخطرها، تدنو الشمس من رؤوسهم حتى لو تناولها أحد لنالها، ويكثر العرق ويشتد الزحام وتبلغ القلوب الحناجر من شدة الكروب وعظم الخطوب، حتى إن بعض أهل

المحشر يقول: يا ربنا أرحنا ولو إلى النار. فيترددون على األنبياء للشفاعة فكل واحد يمتنع ويعتذر حتى يأتوا محمدا - صلى الله عليه وسلم - فيقول: أنا لها، أنا لها. فيأتي تحت العرش فيسجد سجدة فيسمع النداء: يا محمد ارفع رأسك وقل

يسمع لك، واشفع تشفع واسأل تعطى. فيشفع - صلى الله عليه وسلم - في أهل المحشر جميعا وهذه هي الشفاعة العظمى إلراحة الخلق، وهو المقام

(.1المحمود الذي يحمده فيه األولون واآلخرون)]كيفية إعادة األجسام بعد الموت[

حقيق عن عدم وقيل عن تفريق97 – وقل يعاد الجسم بالت__________

( حديث الشفاعة أخرجه البخاري في مواضع منها: كتاب التوحيد، باب قوله1)تعالى: } وجوه يومئذ { ؛ ومسلم في اإليمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها.

(1/114)

– محضين لكن ذا الخالف خصا باألنبيا ومن عليهم نصا98 ثم قال: )وقل( جازما العتقادك )يعاد الجسم( بجميع أجزائه )بالتحقيق( الذي ال ريب فيه، دل على ذلك الكتاب والسنة وإجماع الملل؛ قال تعالى: } كما بدأنا

[، } وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون104أول خلق نعيده { ]األنبياء: [، والكل عليه تعالى هين.27عليه { ]الروم:

لكن اختلف في كيفية الميعاد، فقيل: اإلعادة لعين هذا الجسم الذي كان يطيع ويعصي تكون )عن عدم( محض، )وقيل عن تفريق محضين(، أي يعيد ما تفرق من أجزاء البدن يجمعها القادر وتصير جسما كما كان ويرد إليه روحه } وكان

[.27الله على كل شيء قديرا { ]األحزاب: وقال سعد الدين: والحق الوقف، ففي المسألة ثالثة أقوال، وعلى الثالثة فال بد

من اإلعادة لعين هذا الجسد لتجزى كل نفس بما كسبت. )لكن ذا الخالف( الواقع في إعادة الجسم هل هو عن محض العدم أو بجمع

أجزاء تفرقت، )خصا( عمومه )باألنبيا( أي الرسل عليهم الصالة والسالم )ومن عليهم نصا( وهم العلماء العاملون، والمؤذنون المحتسبون، والشهداء، فإن هؤالء ال تأكل أجسادهم األرض، فإن الله حرم على األرض أن تأكل أجسادهم فال يدخل

الخالف المذكور في هذه األصناف الكريمة. جعلنا الله منهم بفضله آمين.]إعادة األعراض واألزمان[

– وفي إعادة العرض قوالن ورجحت إعادة األعيان99من قوالن والحساب حق وما في حق ارتياب100 – وفي الز

)و( اختلف )في إعادة العرض( هل يعاد مع الجسم أو ال؟ )قوالن(. فقيل: يعاد الجسم بجميع أعراضه من حركاته وسكناته وجميع صفاته، وقيل ال تعاد

األعراض، ورجح. ولذا قال الناظم: )ورجحت إعادة األعيان( أي الجواهر دون

أعراضها. )وفي الزمن( أي في الزمان أيضا )قوالن(، فيعاد كل أحد بزمانه ليشهد له أو

عليه.]إثبات الحساب يوم القيامة[

(1/115)

ثم قال: )والحساب حق( ثابت باألدلة القطعية من الكتاب والسنة وانعقد عليه اإلجماع. وهو على أهل اليمين يسير قصير؛ قال تعالى: } فأما من أوتي كتابه

[. وعلى غيرهم طويل8بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا { ]االنشقاق: عسير؛ قال تعالى: } وأما من أوتي كتابه وراء ظهره فسوف يدعو ثبورا ويصلى

[. فهو على المؤمن كحلب ناقة، أو مقدار صالة مكتوبة12سعيرا { ]اإلنشقاق: كما ورد في الحديث، وعلى الكافر أطول من خمسين ألف سنة.

)وما في حق ارتياب( أي ال ترتب في وقوع الحساب فإنه حق، أو إنه لوضوحل ريب المرتابين منزلة العدم األدلة عليه ال ينبغي أن يرتاب فيه عاقل، أو نز

يب. لوجود الدالئل التي تزيل الر]جزاء الحسنات والسيئات[

ئات عنده بالمثل والحسنات ضوعفت بالفضل101 ي – فالس ثم أجاب عن سؤال استشعره، وهو: إذا ثبت أن الحساب حق ال ريب فيه،

فكيف يكون جزاء األعمال؟ )فالسيئات عنده( تعالى جزاؤها )بالمثل( أي بمثلها، )و( أما )الحسنات( فليس

جزاؤها كالسيئات، بل )ضوعفت( بعشر أو بأكثر إلى سبعمائة ضعف أو بغير حساب؛ قال تعالى: } من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فال

[ وقال: } ومثل الذين ينفقون160يجزى إال مثلها وهم ال يظلمون { ]األنعام: [ وقال: } إنما يوفى الصابرون أجرهم261أموالهم في سبيل الله { ]البقرة:

[.10بغير حساب { ]الزمر: )بالفضل( أي: بال وجوب عليه؛ إذ ال يجب على موالنا شيء، ولو كان صالحا أو

أصلح.]تكفير صغائر الذنوب باجتناب الكبائر[

– وباجتناب للكبائر تغفر صغائر وجا الوضو يكفر102

(1/116)

ثم أخبر بحكم آخر ورد به السمع أيضا فقال: )وباجتناب للكبائر( جمع كبيرة، واختلف في معناها؛ قال البيضاوي: واألقرب أن الكبائر كل ذنب رتب عليه

الشارع حدا أو صرح بالوعيد فيه، وقيل: ما علم حرمته بقاطع، وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها سبع: اإلشراك بالله، وقتل النفس التي حرم الله،

وقذف المحصنات، وأكل مال اليتيم، والربا، والفرار من الزحف، وعقوق

(، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: الكبائر إلى سبعمائة أقرب منها1الوالدين) إلى سبع. وقيل: أراد بها هاهنا أنواع الشرك، لقوله تعالى: } إن الله ال يغفر أن

يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء { .__________

( الرواية التي جمعت هذه الكبائر رواها أبو بكر بن محمد بن عمرو ابن حزم1) عن أبيه عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى أهل اليمن

بكتاب فيه الفرائض والسنن والديات، وفيه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وإن أكبر الكبائر عند الله يوم القيامة: اإلشراك بالله، وقتل النفس المؤمنة بغير حق،

والفرار في سبيل الله يوم الزحف، وعقوق الوالدين، ورمي المحصنة، وتعلم السحر، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم". أخرجه ابن حبان، باب كتب النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ والبيهقي في الزكاة، باب كيف فرض الصدقة؛ وأخرجه بلفظ "السحر" عوضا عن عقوق الوالدين البخاري في الوصايا، باب قول الله تعالى }

إن الذين يأكلون أموال اليتامى { ؛ ومسلم في اإليمان، باب الكبائر

(1/117)

وقيل: صغر الذنوب وكبرها بالنسبة إلى ما فوقها وإلى ما تحتها، فأكبر الكبائر الشرك وأصغر الصغائر حديث النفس، وما بينهما وسائط يصدق عليها األمران؛

فمن عن – أي عرض – له أمران منها ودعت نفسه إليهما بحيث ال يتمالك فكفها عن أكبرهما كفر عنه ما ارتكبه لما استحق من الثواب على اجتناب األكبر. ولعل

هذا مما يتفاوت باعتبار األشخاص واألحوال، أال ترى أنه تعالى عاتب نبيه فيكثير من خطراته التي لم تعد على غيره خطيئة فضال أن يؤاخذه عليها. انتهى)

1.))تغفر(، أي تمحى أو تستر )صغائر( كنظرة وقبلة.

والتكفير من الصالة إلى الصالة, ومن الجمعة إلى الجمعة, ومن رمضان إلى رمضان؛ ففي الحديث عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان

يقول: » الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات( «.2لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر)

)وجا( في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن )الوضو يكفر( الصغائر؛ فعن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه

وسلم - أنه قال: » أخبرني جبريل عليه السالم: من توضأ فأسبغ وضوءه غفر لهكل ذنب ما بين الوضوء إلى الوضوء اآلخر وإن كان مثل زبد البحر «.

وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :» إذا توضأ الرجل المسلم خرجت ذنوبه من سمعه وبصره ويديه ورجليه. فإن

قعد قعد مغفورا له «. وعن سعيد بن عمير عن أبيه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : »

الوضوء يحرق الخطايا كما تحرق النار الحشيش «.__________

(.1/212( من تفسير البيضاوي المسمى بأنوار التنزيل وأسرار التأويل. )1)

( أخرجه مسلم في الطهارة، باب الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة2)مكفرات لما بينهن.

(1/118)

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: » إذا توضأ العبد المؤمن فغسل وجهه خرجت من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينه مع

الماء، فإذا غسل يديه خرجت من يديه كل خطيئة بطشتها يده مع الماء حتى(1يخرج نقيا من الذنوب «.)

]اليوم اآلخر وأحوال الناس فيه[– واليوم اآلخر ثم هول الموقف حق فخفف يا رحيم واسعف103– وواجب أخذ العباد الصحفا كما من القرآن نصا عرفا104– ومثل هذا الوزن والميزان فتوزن الكتب أو األعيان105– كذا الصراط فالعباد مختلف مرورهم فسالم ومنتلف106

)واليوم اآلخر( وهو يوم القيامة، والمراد باليوم اآلخر: من وقت الحشر إلى ما ال نهاية له، أو إلى أن يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار, ألنه آخر األوقات

المحدودة؛ حق فيجب اإليمان به، وهو من قواعد اإليمان. وسمي اليوم اآلخر،ألنه آخر يوم بالنسبة إلى أيام الدنيا.

)ثم هول الموقف( حيث يشتد األمر ويضيق الذرع ويقول بعض أهل الموقف: اللهم أرحنا ولو إلى النار؛ لما يقع من شدة االزدحام, وإلجام العرق, ودنو

الشمس من رؤوسهم حتى لو أراد أحد أن يتناولها لتناولها. )حق( ثابت باألدلةفيجب اإليمان به والعمل الصالح له.

وألجل تفاقم حال يوم القيامة وما احتوى عليه من األهوال، سأل الناظم الرؤوف الرحيم التخفيف واالستجابة للتضرع فقال: )فخفف( عنا ما بين أيدينامن األهوال )يا رحيم واسعف( أي ساعد عبدك الفقير المحتاج وأجب دعاءه.

]أخذ العباد صحف أعمالهم[__________

( أخرجه مسلم في الطهارة، باب خروج الخطايا مع ماء الوضوء.1)

(1/119)

)وواجب أخذ العباد الصحفا( "واجب": خبر مقدم، "أخذ": مبتدأ مؤخر، وهو مصدر ومضاف إلى فاعله، و"الصحفا" مفعول بالمصدر وهو جمع صحيفة. أي: ومما يجب اإليمان به أخذ جميع العباد صحف أعمالهم، فيأخذ المؤمن صحيفته

بيمينه بيضاء بكتابة بيضاء فيقرؤها فيبيض وجهه؛ ويأخذ الفاجر صحيفته بشماله سوداء بكتابة سوداء فيقرأها فيسود وجهه. نسأل الله العافية. والظاهر أن

الفاسق المؤمن يأخذها بيمينه.واختلف في هذه الصحف:

قيل: هي التي يكتب فيها الملك أعمال العباد في الدنيا. وقيل: صحف تحت العرش، فإذا كان الموقف هبت ريح طيرتها باأليمان

والشمائل أول خط منها: } اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا {[، فيقرأ كل واحد كتابه وإن لم يكن يقرأ في الدنيا.14]اإلسراء:

وقيل: صحف يكتبها العبد في قبره يأتيه ملك يخل بين خالل المقابر يقول: يا عبد الله اكتب عملك، فيقول ليس معي دواة وال قرطاس، فيقول الملك: هيهات

هيهات، كفنك قرطاسك ومدادك ريقك وقلمك إصبعك. فيقطع له قطعة من كفنه فيكتب – وإن كان غير كاتب في الدنيا – ويذكر حسناته وسيئاته كيوم

واحد. ثم يطوي الملك تلك الرقعة ويجعلها في عنقه. ثم تال رسول الله - صلى [ اآلية.13الله عليه وسلم - } وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه { ]اإلسراء:

الحديث بطوله رواه البزار بن ناجي. المؤمن الطائع يأخذ كتابه بيمينه إجماعا، واألكثر على أن العاصي مثله، وتوقف

فيه بعضهم. والكافر تغل يمناه إلى عنقه ويأخذ كتابه بشماله، وقيل يثقب صدره ويأخذ كتابه من وراء ظهره. انتهى من المواهب الربانية شرح الشيخ الصالح

( لعقيدة شيخنا، ببعض تصرف1العامل العالم سيدي علي الحريشي الفاسي)لمناسبة كالم الناظم.

__________ ( هو علي بن أحمد بن محمد المالكي المغربي الحريشي: فقيه، من الفضالء.1)

هـ. من كتبه: شرح1143 هـ وتوفي بالمدينة سنة: 1042ولد بفاس سنة: (4/259المطأ. ) األعالم

(1/120)

والدليل على أخذ صحف األعمال: القرآن كما أشار إليه بقوله: )كما من القرآن نصا عرفا( كقوله تعالى: } وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه { ]اإلسراء:

[ اآلية. والسنة كما تقدم.13]وزن أعمال العباد[

)ومثل هذا(، أي أخذ الصحف في الثبوت ووجوب اإليمان به: )الوزن( لألعمال )والميزان( الذي توزن به هو ميزان له لسان وكفتان, كل واحد منهما كأطباق

السموات واألرض، فتوضع الحسنات في كفة النور والسيئات في كفة الظلمة. فقيل هو عكس ميزان الدنيا الثقيل يرتفع والخفيف ينزل، وقيل كميزان الدنيا

وهو ميزان واحد لجميع الخلق. وهو مذهب الجمهور. واختلف فيما يوزن هل األعمال نفسها بأن يجسدها الله تعالى، أو الكتب كما

أشار إليه بقوله: )فتوزن الكتب( المكتوب فيها أعمال العباد، )أو( توزن )األعيان( بعد ما يجعلها الله صورا متجسدة؟ خالف وحقيقة العلم عند الله تعالى. واختلف في أعمال الكفار، ومن قال توزن أعمالهم يجيب عن قوله

[ بأن يقول: أي نافعا.105تعالى } فال نقيم لهم يوم القيامة وزنا { ]الكهف: ]المرور على الصراط يوم القيامة[

)كذا الصراط( المضروب على متن جهنم أعاذنا الله منها. أي مما يجب اإليمان

به: وجود الصراط للمرور عليه. وهو جسر فيه عقبات وكالليب وحسكات يجوزه الناس على قدر أعمالهم، فمنهم من يمر عليه كالبرق الخاطف، ومنهم من يمر كالريح العاصف، ومنهم كالجواد السرعان، ومنهم من يمشي عليه رويدا، ومنهم من يمشي على وجهه إلى غير ذلك من الحاالت. وإلى هذا أشار بقوله: )فالعباد( في صفة السير عليه )مختلف مرورهم(، أي مشيهم عليه؛ )فسالم( فيخلص إلى

الجنة، )ومنتلف( فيهوي إلى النار أو تخطفه الكالليب. أعاذنا الله من الزلل.]اإليمان بوجود العرش والكرسي والقلم والكاتبين واللوح[

– والعرش والكرسي ثم القلم والكاتبون اللوح كل حكم107ها اإلنسان108 – ال الحتياج وبها اإليمان يجب عليك أي

(1/121)

)والعرش( الذي هو أعظم مخلوقاته تعالى وأعجبها، )والكرسي( الذي السموات واألرض بالنسبة إليه كحلقة ملقاة في فالة، وهو غير العرش )ثم القلم( أي

واللوح )و( المالئكة )الكاتبون( )اللوح( مفعول "الكاتبون"، أو مفعول "الكاتبون"محذوف للتعميم مع االختصار. و"اللوح" معطوف بالرفع بحذف العاطف.

)كل( أي كلهم )حكم( إلهية وأسرار ربانية دالة على انفراده تعالى بالوحدانية، )ال( أنها مخلوقة )الحتياج( إليها، إذ قد قام البرهان على وجوب استغنائه تعالى

عن كل ما سواه. )وبها( أي بهذه األشياء األربعة، أو بها وبما قبلها )اإليمان( أي التصديق بوجودها

)يجب( بالسكون للوزن )عليك( يا )أيها اإلنسان( أي المكلف. واإلنسان مأخوذ من أنس ألنه يستأنس بأمثاله. قال: وما سمي اإلنسان إال إلنسه، وما القلب إال أنه يتقلب. أو مأخوذ من آنس – أي بالمد – ألنه ظاهر

[ ولذلك29مبصر، كقوله تعالى: } آنس من جانب الطور نارا { ]القصص: سمي بشرا لظهوره كما سمي الجن جنا الجتنانهم واختفائهم عن الناس. وإنما

خص الناظم اإلنسان بالخطاب بالوجوب – وإن كان الجان كذلك – ألن كالمهمعهم وتأليفه ألجلهم.

]اإليمان بوجود الجنة والنار اآلن[ه109 ه فال تمل لجاحد ذي جن ار حق أوجدت كالجن – والنقي معذب منعم مهما بقي110 عيد والش – دار خلود للس

)والنار( التي هي دار الجزاء والنكال – أعاذنا الله منها – )حق( ثابت يجب اإليمان به )أوجدت( يعني أنها موجودة اآلن بدليل قوله تعالى: } أعدت

[ ونحوها من اآليات، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: »24للكافرين { ]البقرة: ودنت مني النار حين رأيتموني تكعكعت « خالفا للمعتزلة.

(1/122)

ه( أي كوجود الجنة التي هي دار البقاء والنعيم – جعلنا الله من أهلها – )كالجن [ إذ ال يقال معدا إال لما133بدليل قوله تعالى: } أعدت للمتقين { ]آل عمران:

هو موجود حقيقة، وقضية أبينا آدم وهبوطه منها هو وحواء، وقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث: » دنت مني الجنة فتناولت منها عنقودا، ولو أخذته

( « إلى غير ذلك من األدلة.1ألكلتم منه ما بقيت الدنيا) وخالفت المعتزلة، واآليات واألحاديث الصحيحة ترد عليهم، )فال تمل لجاحد( أي

ه( بضم الجيم أي صاحب غطاء وغشاء بينه وبين منكر وجودهما اآلن )ذي جن الحق. يعني أن مما يجب اإليمان به: الجنة والنار وأنهما موجودتان اآلن, ألن

الوعد والوعيد بما هو موجود أبلغ في الرجاء والخوف بخالفه بما سيوجد. فالجنة )دار خلود( وتأبيد )للسعيد( وهو من مات على اإليمان، )و( النار دار خلود

لمن مات على الكفر )الشقي(. جعلنا الله من السعداء، وكتبنا في ديوانالشهداء، بمنه وكرمه آمين.

فالشقي )معذب( دائما، والسعيد )منعم( في الجنة دائما )مهما بقي( كل منهما. ( وأنشد على ذلك قول2واستعمل الناظم مهما في الزمان وهو قول ابن مالك)

حاتم الطائي:وإنك مهما تعط بطنك سؤله وفرجك نال منتهى الذم أجمعا

__________ ( عن ابن عباس من حديث الخسوف، قالوا يا رسول الله رأيناك تناولت شيئا1)

في مقامك هذا، ثم رأيناك تكعكعت فقال: "إني رأيت الجنة أو أريت الجنة فتناولت منها عنقودا ولو أخذته ألكلتم منه ما بقيت الدنيا. ورأيت النار فلم أر

كاليوم منظرا قط". أخرجه البخاري في النكاح، باب كفران العشير؛ ومسلم في الكسوف، باب ما عرض على النبي في صالة الكسوف؛ ومالك في صالة

الكسوف، باب العمل في صالة الكسوف. ( هو: محمد بن عبد الله بن مالك الطائي، أبو عبد الله، جمال الدين. أحد2)

هـ، ومن مصنفاته: األلفية في672األئمة في علوم العربية. توفي بدمشق سنة (6/233النحو والصرف، وتسهيل الفوائد. )األعالم:

(1/123)

وفي كالم الناظم لف ونشر غير مرتب.]اإليمان بحوض النبي - صلى الله عليه وسلم -[

قل111 سل حتم كما قد جاءنا في الن – إيماننا بحوض خير الر– ينال شربا منه أقوام وفوا بعهدهم وقل يذاد من طغوا112

)إيماننا( معاشر المكلفين )بحوض( سيدنا وموالنا محمد )خير( أي أفضل )الرسل( أجمعين من بني آدم والمالئكة، )حتم( أي واجب شرعا )كما قد جاءنا( على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم - )في النقل(، أي الكتاب والسنة؛ قال

[، وفي صحيح مسلم: »حوضي1تعالى: } إنا أعطيناك الكوثر { ]الكوثر: مسيرة شهر, وزواياه سواء, وماؤه أبيض من اللبن, وريحه أطيب من المسك،

( « وفي1كيزانه عدد نجوم السماء. فمن شرب منه شربة لم يضمأ بعدها أبدا)

( «2رواية: » يشخب فيه ميزابان من الجنة, أحدهما من ذهب واآلخر من ورق)إلى غير ذلك من األحاديث. وأنكرته المعتزلة، وال وجه إلنكارهم.

واختلف، هل الحوض قبل الصراط أو بعده؟ على قولين. ومن قال قبله يقول: من دخل النار من عصاة المؤمنين يعذب بغير العطش لقوله في الحديث: »

فمن شرب منه شربة ليس يضمأ بعدها أبدا «. وهل هو حوض واحد خاص بنبينا - صلى الله عليه وسلم - أو لكل نبي حوض –

إال صالحا، فحوضه ضرع ناقته – ؟ اختلف في ذلك أيضا.__________

( أخرجه البخاري في الرقائق، باب الحوض؛ ومسلم في الفضائل، باب إثبات1)حوض نبينا وصفاته.

( أخرجه مسلم في الفضائل، باب إثبات حوض نبينا وصفاته.2)

(1/124)

)ينال( أي يصيب )شربا( مفعول ينال )منه( أي من الحوض )أقوام( فاعل ينال )وفوا( صفة أقوام )بعهدهم( الذي أخذ عليهم يوم } ألست بربكم قالوا بلى {

[، أو بالعهد الذي عهد لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو172]األعراف: التمسك بالكتاب والسنة حيث قال: » تركت فيكم الثقلين، لن تضلوا ما إن

(.1تمسكتم بهما, كتاب الله وسنتي «) )وقل( معتقدا الوجوب: )يذاد(، أي يرد ويصد عن الحوض )من طغوا(، تعدوا

وجاوزوا الحدود, بأن بدلوا وغيروا؛ كما روي عنه أنه - صلى الله عليه وسلم - يناديهم: أصحابي أصحابي، فيقال ما تدري ما فعلوا بعدك، إنهم بدلوا وغيروا.

(.2فيقول سحقا سحقا)]إثبات الشفاعة[

– وواجب شفاعة المشفع محمد مقدما ال تمنع113– وغيره من مرتضى األخيار يشفع كما قد جاء في األخبار114

)وواجب( خبر مقدم )شفاعة( الشفيع )المشفع( في جميع العالمين – مبتدأ مؤخر – )محمد( - صلى الله عليه وسلم - بدل من المشفع )مقدما( على غيره

من األنبياء والمرسلين ومن المالئكة والمقربين. وبهذه الشفاعة يقع الخالص من هول الموقف حيث يضيق األمر غاية الضيق. وهذه الشفاعة هي الشفاعة

العظمى لجميع أهل الموقف حتى الكفار يتخلصون بها من ذلك الضيق إلى عذاب الحريق, والمالئكة قد أحاطت بهم وألجأتهم إلى أن صار بعضهم على

بعض من شدة االزدحام، )ال تمنع(.__________

( أخرجه مالك في القدر، باب النهي عن القول بالقدر. ولفظه عنده: "تركت1)فيكم أمرين، لن تضلوا ما مسكتم بهما: كتاب الله وسنة نبيه"

( انظر الحديث بهذه األلفاظ في الموطأ في الطهارة، باب جامع الوضوء؛2) والبخاري في أحاديث األنبياء، باب قول الله تعالى: } واتخذ الله إبراهيم

خليال { ؛ وفي الرقائق، باب في الحوض؛ ومسلم في الفضائل، باب إثبات حوضنبينا وصفاته. وفي الطهار، باب استحباب الغرة والتحجيل في الوضوء.

(1/125)

)وغيره( - صلى الله عليه وسلم - )من مرتضى األخيار( من بقية األنبياء عليهم الصالة والسالم واألولياء والمالئكة، )يشفع( ذلك الغير – إن أذن الله له في

الشفاعة – فيمن شاء الله )كما قد جاء( ورد )في األخبار( المأثورة واألحاديثالمشهورة.

]جواز غفران الذنوب عدا الكفر[– إذ جائز غفران غير الكفر فال نكفر مؤمنا بالوزر115ه116 – ومن يمت ولم يتب من ذنبه فأمره مفوض لرب– وواجب تعذيب بعض ارتكب كبيرة ثم الخلود مجتنب117

)إذ جائز( في حقه تعالى )غفران(، أي ستر الذنوب )غير الكفر( أعاذنا الله منه، فإنه ال مغفرة فيه لقوله تعالى: } إن الله ال يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون

[.48ذلك لمن يشاء { ]النساء: )فال نكفر( معاشر أهل الحق )مؤمنا( مصدقا جازما العتقاده )بالوزر( أي بالذنب غير الكفر، خالفا للخوارج – قبحهم الله تعالى – في قولهم: " إن فاعل الكبيرة

إذا مات مصرا كافر". بل الحق الذي عليه أهل السنة رضي الله عنهم, أن العفوعن مرتكب الكبيرة لغير التائب منها جائز, كما أشار إليه الناظم بقوله.

]أمر مرتكب الكبيرة[ )ومن يمت ولم يتب( إلى الله )من ذنبه، فأمره( في ذنوبه )مفوض( أي موكل )لربه( إن شاء عذبه بعدله وإن شاء عفا عنه بفضله، فال يتحتم العذاب للعاصي

عقال كما ال يتحتم إثابة المطيع. هذا، وال بد من نفوذ الوعيد في طائفة غير معينةمن أهل الكبائر بدخول النار من غير خلود وال تأبيد كما قال:

)وواجب( شرعا )تعذيب بعض( من العصاة الذي )ارتكب( أي فعل )كبيرة( كعقوق الوالدين، بأن يعذب بقدر جريمته في جهنم. )ثم الخلود( أي المكث دائما

في النار )مجتنب( لمن مات على اإليمان. وهل من كل أهل نوع من أنواع المعاصي طائفة، أو طائفة من المجموع؟

قوالن.]حياة الشهيد[

(1/126)

ات118 – وصف شهيد الحرب بالحياة ورزقه من مشتهى الجن )وصف( جازما العتقادك )شهيد الحرب(، أي الجهاد في سبيل الله إلعالء كلمة الله. وسمي شهيدا – أي مشهودا – ألن المالئكة تحضره أو مشهودا له بالجنة،

)بالحياة( اآلن في الجنة. دل على ذلك الكتاب والسنة؛ قال تعالى: } وال تحسبن

[.169اللذين قتلوا في سبيل الله أمواتا { ]آل عمران: )ورزقه من مشتهى الجنات(. وفي الحديث أن » أرواح الشهداء في أجواف طير خضر تسرح في الجنة تأكل من ثمارها وتشرب من أنهارها، ثم تأوي إلى قناديل

من ذهب معلقة بالعرش. فبين ما هم كذلك إذ طلع عليهم ربك فقال لهم سلوني، فقالوا: يا ربنا كيف نسألك ونحن نسرح في الجنة حيث نشاء. فلما رأوا

أن ال يتركوا من أن يسألوا شيئا قالوا: نسألك أن ترد أرواحنا إلى أجسادنا في (. وقد1الدنيا فنقتل في سبيلك. قال: فلما رأى أنهم ال يسألون إال هذا تركوا «)

ورد أيضا في الحديث أن الله تعالى يقول لهم: قد سبق في علمي أنهم ال(.2يرجعون)

]حقيقة الرزق[__________

( أخرجه مسلم في اإلمارة، باب بيان أن أرواح الشهداء في الجنة وأنهم1) أحياء، عن مسروق قال: سألنا عبد الله عن هذه اآلية: } وال تحسبن اللذين

قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون { قال: أما إنا قد سألنا عن ذلك فقال: "أرواحهم في جوف طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش تسرح

من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطلع إليهم ربهم إطالعة فقال: هل تشتهون شيئا؟ قالوا: أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث

شئنا. ففعل ذلك بهم ثالث مرات؛ فلما رأوا أنهم ال يتركوا من أن يسألوا، قالوا: يا رب، نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى. فلما

رأى أن ليس لهم حاجة تركوا".. ( الترمذي في تفسير القرآن، باب ومن سورة آل عمران؛ وابن ماجه في2)

المقدمة، باب فيما أنكرت الجهمية.

(1/127)

بع119 زق عند القوم ما به انتفع وقيل ال بل ما ملك وما ات – والرما120 – فيرزق الله الحالل فاعلما ويرزق المكروه والمحر

ثم ذكر مسألة واجبة االعتقاد فقال: )والرزق( حقيقته )عند القوم( أي جماعة أهل السنة رضي الله عنهم )ما به انتفع(، أي ما انتفع به آخذه، ولو غصبا أو

محرما أو مكروها، ال ما ملك. هذا مذهب أهل الحق. )وقيل(، أي وقالت المعتزلة )ال( أي ليس معنى الرزق ما قلتم، )بل( هو كل )ما

ملك( انتفع به أم ال، حتى أن من غصب شيئا من مأكل أو ملبس أو غير ذلك وانتفع به ال يسمى رزقا له عند المعتزلة، وإنما هو رزق المغصوب منه أخذه

الغاصب قهرا. وهذا المذهب ظاهر الفساد, ألنه يؤدي إلى أن كثيرا من الناس كالظلمة والمكاسين ممن يستغرق غالب عمره في الحرام ال رزق له. وهو مصادم لعموم قوله تعالى: } وما من دابة في األرض إال على الله رزقها {

[، بل الحق ما قاله أهل السنة من أن الرزق ما يقع به االنتفاع. ولذا6]هود: قال الناظم ردا على المعتزلة: )وما اتبع(، أي ليس ما قالوه بحق فلم يتبع.

وإذا عرفت حقيقة الرزق على مذهب أهل الحق، )فيرزق الله( من أحب )الحالل

فاعلما ويرزق المكروه و( يرزق )المحرما( لمن شاء، وكله رزق مقدر من اللهتعالى.

]اإلكتساب ال ينافي التوكل[فصيل حسبما عرف121 اجح الت ل اختلف والر وك – في االكتساب والت

ثم ذكر مسألة اختلف فيها فقال: )في االكتساب( أي تعاطي األسباب المقتضية لتحصيل الدنيا، )والتوكل( على الله والثقة بما في ضمان الله، )اختلف( في

أرجحية أحدهما على اآلخر؛ فقال بعض: التوكل أفضل، وقال بعض: االكتسابأفضل.

(1/128)

)والراجح التفصيل( باعتبار األشخاص والتيسير وقلة التعب في الطلب؛ فمن أقامه الله في الكسب بال مشقة وال تعسير وعوده الله بفتح الباب فيه من غير

كلفة فهو دليل على أنه األولى له، ومن وجد العبادة والراحة للقلب والقالب مع ترك االكتساب، ومهما حاول االكتساب تعسر عليه فالتوكل أولى له، كما قال

( - رضي الله عنه -: إرادتك التجريد مع إقامة الله إياك في1ابن عطاء الله) األسباب من الشهوة الخفية، وإرادتك األسباب مع إقامة الله إياك في التجريد

انحطاط عن الهمة العلية. وأما إذا تيسر عليه هذا وهذا بال تعب وال مشقة من الجانبين، فالذي اختاره بعض

العلماء التوكل, قال: والشغل – دون الكسب – بالعبادة محض التوكل. ورأيالسادة على أن االكتساب ال ينافي التوكل إذا كان ممتثال للشرع مراعيا لألدب.

والكالم على هذه المسألة كثير, ولذا أحال الناظم على ما تقرر في مواضعهفقال: )حسبما( أي مثلما )عرف( من حاله.

]حقيقة الشيء[يء هو الموجود وثابت في الخارج الموجود122 – وعندنا الش– وجود شيء عينه والجوهر الفرد حادث عندنا ال ينكر123

)وعندنا( معاشر أهل السنة )الشيء( حيث أطلقناه )هو الموجود( خارجا، ال المعدوم خالفا للمبتدعة )وثابت( خبر مقدم )في الخارج( عن الذهن )الموجود(

مبتدأ مؤخر. يعني أن مذهب أهل السنة أن الشيء هو الموجود، ال المعدوم خالفا للمعتزلة،

وأن الموجود هو الثابت في الخارج.]هل وجود الشيء عين ذاته؟[

__________ ( هو: أحمد بن محمد بن عبد الكريم، أبو الفضل، تاج الدين، ابن عطاء الله1)

هـ. وكتابه709السكندري: متصوف شاذلي، صاحب الحكم العطائية. توفي سنة (1/221المذكور هو التنوير في إسقاط التدبير. األعالم )

(1/129)

)وجود( كل )شيء( واجبا كان أو ممكنا )عينه(، أي عين ذاته. وهذا مذهب الشيخ األشعري. وقيل: ليس وجود الشيء عين ذاته، بل زائد عليها. وقيل: عينه في

الواجب وليس عينه في الممكن. وقيل: ال عينه وال غيره، وهو لمثبتي األحوال.]إثبات انقسام األجسام إلى الجزء الذي ال يتجزأ[

)والجوهر الفرد(: وهو الجزء الذي ال يتجزأ، وال يقبل االنقسام ال فعال وال وهما وال فرضا، )حادث( لقيام البرهان على اختصاصه تعالى بالقدم وحده، وألن ذاته

العلية ال تقبل الصغر وال الكبر. وقوله: )عندنا( يتعلق بقوله: )ال ينكر(، أوبـ"حادث"، أو تنازعاه.

وعند الفالسفة ال وجود للجوهر الفرد، وتركب األجسام إنما هو من الهيولىوالصورة.

والدليل على وجود الجوهر الفرد كما قاله السعد التفتازاني: أنه لو وضع كرة حقيقية على سطح حقيقي لم تماسه إال بجزء غير منقسم، إذ لو ماسته بجزأين

لكان فيها خط بالفعل، فلم تكن كرة حقيقية. انتهى.]أقسام الذنوب، والتوبة من الكبائر[

اني124 – ثم الذنوب عندنا قسمان صغيرة كبيرة فالث– منه المتاب واجب في الحال وال انتقاض إن يعد للحال125– لكن يجدد توبة لما اقترف وفي القبول رأيهم قد اختلف126

)ثم الذنوب( التي نهى الله ورسوله عنها )عندنا قسمان(: إما )صغيرة( وهي كل ذنب لم يرتب عليه الشرع حدا أو لم يصرح بالوعيد عليه؛ وإما )كبيرة( وهي ما

ليس كذلك، أي ما رتب عليه حدا أو صرح بالوعيد عليه.

(1/130)

)فالثاني( وهو ما كان كبيرة فال يكفره إال التوبة واالستغفار ولذا قال: )منه (. وهو1المتاب(، أي الندم كما قال عليه الصالة والسالم: » الندم توبة «)

يستلزم نية عدم العود واإلقالع. وبهذا تعرف أن من حمله من العلماء على ( غير2معظم التوبة كما في قوله - صلى الله عليه وسلم - » الحج عرفات «)

محتاج إليه الستلزام الندم جميع ما زادوا من الشروط، بخالف: » الحج عرفات«، فيتعين حمله على معنى ركنه األعظم.

)واجب( على الفور )في الحال( بال تراخ وال تسويف, ألن تأخير المتاب من الذنب ذنب آخر يجب التوبة منه، وهكذا كلما أخر فتأخيره ذنب مضاف إلى ما

سلف. ويجب على المكلف التوبة كلما اقترف ذنبا, ولو عاد في اليوم مرات كثيرة، وال تنتقض توبته بسبب عوده كما نبه عليه بقوله: )وال انتقاض( أي وال بطالن لتوبته )إن يعد( أي يرجع للذنب الذي تاب منه أو غيره )للحال( األول من المعصية، بل تصح توبته األولى ويجدد توبة أخرى تمحو ما اقترفه ثانيا، كما قال: )لكن يجدد(

هذا العائد للذنب )توبة( صادقة )لما اقترف(، أي اقتحم من الذنب. هذا، وإن الموفق من داوم على األعمال الصالحة إلى الممات. ويرحم الله

القائل: ويمكن وصل الحبل بعد انقطاعه ولكنه تبقى به علة الربط.

وقد قطع بقبول توبة الكافر إذا آمن وتاب من كفره.__________

( أخرجه ابن ماجه في الزهد، باب ذكر التوبة، عن ابن مسعود.1) ( أخرجه الترمذي في تفسير القرآن، باب ومن سورة البقرة؛ والنسائي في2)

مناسك الحج، باب فرض الوقوف بعرفة؛ وأبي داود في المناسك، باب من لميدرك عرفة.

(1/131)

)وفي القبول(، أي وفي القطع بقبول التوبة من العاصي وعدم القطع بقبولها )رأيهم(، أي العلماء، أي قولهم )قد اختلف( فبعضهم قال مقطوع بقبول توبة

العاصي، بمعنى أن الله تعالى وعد التائب من الذنب توبة صادقة وعده الذي ال يخلف, أنه يقبل توبته ويبدل سيئاته حسنات، ومنهم من قال ال يقطع بقبولها وإنما هو غلبة ظن ولعل الله ال يقبل منه, وهو خالف قوله: } وهو الذي يقبل

[.25التوبة عن عباده ويعفوا عن السيئات { ]الشورى: ]الكليات الست[

– وحفظ دين ثم نفس مال نسب ومثلها عقل وعرض قد وجب127 قوله: )وحفظ دين( أي الذي دان به األنبياء من التوحيد، مبتدأ، )ثم( حفظ

)نفس( و)مال( و)نسب( معطوفون عليه، وقوله: )ومثلها عقل وعرض( جملةمعترضة بين المبتدأ وخبره وهو جملة:)قد وجب( في جميع الملل والشرائع.

يعني أن هذه األشياء الستة مجمع على وجوب حفظها عند جميع األنبياءوالرسل، ولم تختلف فيها الشرائع، ولم يقع في شيء منها نسخ.

أولها: التدين بالتوحيد الذي هو: إثبات ذات غير مشبهة للذوات, وال معطلة عن الصفات, مما لم يختلف فيه في شريعة من الشرائع، حتى لو ألف أبونا آدم كتابا

في علم الكالم لكان يقرأ ويقرر في زماننا ومن قبلنا كذلك. ثانيها: حفظ النفس مما هو واجب في جميع الملل. وأما الجهاد فليس من إتالف

النفس في شيء بل سبب لحياتها دنيا وأخرى؛ فقد ذكر أن خمسة أشياء تزيد في العمر: بر الوالدين، وصلة الرحم، وإعطاء الصدقة، ودوام الوضوء، والجهاد

في سبيل الله. وثالثها: العقل. فإن حفظه وصيانته مما يفسده واجب. وهو زينة اإلنسان, وهو

عقاله, وهو ضابطه ورئيسه ومالك األمور كلها؛ من الله علينا بالعقل الذييعصمنا من مخالفة موهبه لنا ويدلنا على طاعة ربنا.

ورابعها: حفظ األنساب فإنه مجمع عليه أيضا. فالزنا مجمع على تحريمه؛ ألنهذريعة إلى اختالط األنساب.

(1/132)

وخامسها: حفظ العرض، فال يحل االستهانة به وال يجوز عدم مراعاته. مثاله: من يدخل على حريم وليس معه غيره، ولم تلحقه حمية الدين وغيرة المسلمين.وكذا من تكشف عورته وال يتغير كله من عدم المروءة وعدم حفظ العرض.

وسادسها: حفظ المال، فإنه مجمع على وجوب حفظه، وقد قال تعالى: } وال [، وفي الحديث: »5تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما { ]النساء:

(.1أنهاكم عن قيل وقال وإضاعة المال وكثرة السؤال «)]حكم من أنكر معلوما من الدين بالضرورة[

– ومن لمعلوم ضرورة جحد من ديننا يقتل كفرا ليس حد128نا فلتسمع129 – ومثل هذا من نفى لمجمع أو استباح كالز

)ومن( اسم موصول في محل رفع باالبتداء )لمعلوم ضرورة( متعلق بقوله )جحد( صلة الموصول، و)من ديننا( يتعلق هو و"ضرورة" بـ "معلوم"، و)يقتل

كفرا( الخبر )ليس حد(، أي ال حدا، ووقف عليه بالسكون على لغة ربيعة. يعني أن من نفى شيئا من الدين قد علم منه بالضرورة، واجبا كان كجحد الصالة

أو ركن منها، أو محرما كإنكار تحريم الزنا؛ فإنه يقتل محكوما عليه بالكفر، فال يصلى عليه وال يفعل به مثل ما يفعل بجنائز المسلمين إال مواراته. بخالف من

أقر بالوجوب وامتنع من الفعل, فهذا يقتل أيضا لكن حدا ال كفرا، فيصلى عليه –غير أولي الفضل – ويغسل ويدفن في مقابر المسلمين ويرثه ورثته.

ثم مثل ذلك بقوله: )ومثل هذا( الذي نفى ما علم من الدين ضرورة )من نفى لمجمع( على وجوبه كالصالة والزكاة، )أو( نفى تحريم ما أجمع على تحريمه كمن )استباح( المحرمات المعلوم تحريمها ضرورة )كالزنا( وشرب الخمر،

)فلتسمع(.__________

( أخرجه البخاري في الزكاة، باب قول الله تعالى: } ال يسألون الناس1) إلحافا { ؛ ومسلم في األقضية، باب النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة، بلفظ :"إن الله كره لكم ثالثا: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال" عن

المغيرة بن شعبة.

(1/133)

وأما نفي شيء من األحكام الشرعية التي لم يعلم وجوبها أو تحريمها بالضرورةفال يحكم بكفر من نفاها عند كثير من المحققين.

]حكم نصب إمام للمسلمين[رع فاعلم ال بحكم العقل130 – وواجب نصب إمام عدل بالش– فليس ركنا يعتقد في الدين وال تزغ عن أمره المبين131 بكفر فانبذن عهده فالله يكفينا أذاه وحده132 – إال– بغير هذا ال يباح صرفه وليس يعزل إن أزيل وصفه133

)وواجب( شرعا على المسلمين )نصب(، أي إقامة وتوقيف )إمام( أي أمير على المسلمين, الجتماع كلمتهم، وحماية بيعتهم، وإصالح حالهم، وترتيب نظامهم،

وسد ثغورهم، وإقامة حدودهم، وقهر البغاة، ورد اللصوص والعداة، وإقامة

الجمعة واألعياد، ورفع المنازعات الواقعة بين العباد, إلى غير ذلك من المصالحالعامة.

لو ال الخالفة لم تأمن لنا سبل وكان أضعفنا نهبا ألقوانا )عدل( حر, ذكر, مجتهد, شجاع, ذي رأي وكفاية، فطن, سميع, بصير, ناطق,

قرشي. فإن لم يوجد من هو مستوفى الشروط فال بد من تولية غيره من المسلمين. وال يشترط فيه العصمة كما قاله اإلمامية، واحتجوا بقوله تعالى: } ال

[ وأجيب بأن الظالم: المرتكب الكبيرة أو124ينال عهدي الظالمين { ]البقرة: الكافر، ال غير المعصوم كما توهموه.

وتنعقد اإلمامة: ـ ببيعة أهل الحل والعقد، من العلماء والرؤساء ووجوه الناس، من غير اشتراط

عدد.ـ وباستخالف اإلمام له وعهده، كما فعل أبو بكر.

ـ وبجعله شورى، كما فعل عمر.ـ وتنعقد أيضا بالقهر واالستيالء.

وال يجوز نصب إمامين في وقت واحد.وإذا ثبتت اإلمامة بالقهر، وجاء آخر فقهره، انعزل وصار القاهر إماما.

ويمتنع خلع اإلمام بال سبب، ولو عزل لم تنعقد بيعة غيره. وتنحل بيعته بـ: ردة، أو جنون مطبق، وعمى، وصمم، وخرس، وأسر بحيث ال

ه. يرجى فك

(1/134)

وفي عزله بالفسق قوالن، إال أن يترك الصالة فيعزل، ويستخلف غيره. )بالشرع فاعلم( متعلق بـ "واجب". يعني أن وجوب نصب اإلمام بحكم الشرع

)ال بحكم العقل( خالفا للمعتزلة في قولهم إنها تجب بالعقل. )فليس( نصب اإلمام )ركنا( أي عقيدة من عقائد اإليمان بحيث )يعتقد في(

أصول )الدين( وإن ذكر فيه. نعم هو ركن لكل مصلحة متوقف عليه صالح العبادوالبالد، ولذلك ذكره أهل أصول الدين وأهل الفقه وغيرهم.

)وال تزغ(، أي وال تمل )عن أمره( أي أمر اإلمام الذي عقدت له البيعة )المبين إال بكفر( يظهر منه بسبب ردة أو غيرها، فتجوز مخالفته ونقض بيعته وعزله كما

أشار إلى ذلك بقوله:)فانبذن( فاطرحن )عهده( الذي عاهدته بالبيعة، )فاللهيكفينا( يدفع عنا )أذاه( شره )وحده(.

)بغير هذا( أي الكفر )ال يباح( أي ال يجوز، يمنع )صرفه( أي عزله. فلو طرأ الفسق بعد البيعة باستيفاء الشروط ال يعزل إال أن يترك الصالة كما أشار إليه

بقوله:)وليس يعزل( اإلمام إذا وقعت له البيعة )إن أزيل( أي ألجل زوال )وصفه(الذي استحق به اإلمامة قبل.

]األمر بالمعروف والنهي عن المنكر وشروطه[– وأمر بعرف واجتنب نميمه وغيبة وخصلة ذميمه134– كالعجب والكبر وداء الحسد وكالمراء والجدل فاعتمد135

ثم أرشد إلى حكم له تعلق باإلمامة, وهو األمر بالمعروف، وإلى بعض ما يجب على المكلف اجتنابه بقوله:)وأمر( أيها اإلمام, أو من واله, أو يا من يتأتى منه

األمر بالمعروف, )بعرف( أي بمعروف, وانه عن منكر؛ فإنهما واجبان منفروض الكفاية، وإذا لم يقم بهما أحد عصوا جميعا. ويشترط في اآلمر والناهي:

أن يكون عالما بما أمر به ونهى عنه.وال يؤدي إلى منكر أعظم منه، وجوبا.

وأن يكون المأمور ممن يقبل، استحبابا.

(1/135)

والتغيير يكون باليد واللسان والقلب؛ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: » إذا رأى أحدكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه

(.1وذلك أضعف اإليمان « أو كما قال - صلى الله عليه وسلم -) )واجتنب نميمة( وهي أن تجري بين المسلمين باإلفساد، وقيل هي إفشاء السر.

)و( اجتنب )غيبة( وهي ذكرك أخاك بما يكره لو سمع ما قلت، ولو كان فيه. وهذان ذنبان كبيران – عافانا الله من جميع المخالفات– ولو لم يكن في ذم

الغيبة والتنفير منها إال قوله تعالى: } أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا [ وفي النميمة إال قوله: } ويل لكل همزة لمزة {12فكرهتموه { ]الحجرات:

[ اآلية. وفي146[ وفي الكبر: } سأصرف عن آياتي { ]األعراف: 1]الهمزة: [54الحسد: } أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله { ]النساء:

لكان كافيا. واجتنب )خصلة ذميمة( أي مذمومة على لسان الشرع, سواء كانت من جرائم

اللسان أو غيره وذلك )كالعجب( المهلك صاحبه، )والكبر( القاصم من تخلق به، )وداء الحسد( القاتل صاحبه غما أو فعال؛ ففي الحديث: » ثالث مهلكات: شح مطاع, وهوى متبع, وإعجاب المرء بنفسه « وفيه عن الله تعالى: » الكبرياء

(.2ردائي, والعظمة إزاري, فمن نازعني في واحد منهما قصمته «) وحكي أن شخصا حسد شخصا وبلغ منه مبلغا كبيرا، فدخل الحاسد دار المحسود

وذبح نفسه ليدخل الغم على المحسود. فكتب قلم القدرة على الجدار بدمه:انظر إلى الحسد كيما أعدله دام بصاحبه حتى قتله

)وكالمراء والجدل( المحرمان )فاعتمد( على حكم الشرع، فامتثل ما أمر به،واجتنب ما نهى عنه.

__________( أخرجه مسلم في اإليمان، باب: بيان كون النهي عن المنكر من اإليمان.1) ( أخرجه أبو داود في اللباس، باب: ما جاء في الكبر. ولفظه عنده: "الكبرياء2)

ردائي والعظمة إزاري، فمن نازعني في واحد منهما قذفته في النار"؛ وبلفظ "قصمته" أخرجه الحاكم في المستدرك في اإليمان، باب: أهل الجنة المغلوبون

الضعفاء.

(1/136)

]اإلقتداء بخير الخلق - صلى الله عليه وسلم - والصحابة والتابعين[– وكن كما كان خيار الخلق حليف حلم تابعا للحق136باع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف137 – فكل خير في اتبي قد رجح فما أبيح افعل ودع ما لم يبح138 – وكل هدي للن– فتابع الصالح ممن سلفا وجانب البدعة ممن خلفا139

)وكن كما كان خيار الخلق( - صلى الله عليه وسلم - حسبما علم منه من مكارم األخالق, ومزيد اإلشفاق, واتباع الحق, والحلم, والرحمة بالخلق، كما قال

الناظم: )حليف حلم( أي حليما على من جهل عليك, حتى يصير خلقا غالبا على الغضب، )تابعا للحق( أينما كان قابال له من كل أحد, رفيعا كان أو وضيعا، وإياك

أن تكره الحق أو تأبى قبوله من أحد, فإنه تليفة كل مؤمن. )فكل خير( دنيوي أو أخروي كائن )في اتباع من سلف( أي في اإلقتداء بمن

تقدم من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: »(.1خيركم قرني, ثم اللذين يلونهم, ثم اللذين يلونهم « الحديث)

)وكل شر في ابتداع( أي في إحداث )من خلف( أي تأخر. )وكل هدي للنبي قد رجح( على هدي غيره مما ابتدعه من خلف. بل ال يسمى

ذلك هديا إذا لم يكن له أصل في الشرع, بل هو بدعة. وإذا علمت أن الهدي الذي ينبغي إتباعه هو هدي النبي - صلى الله عليه وسلم -

)فما أبيح( أي أجيز وأذن فيه على لسان الشرع )افعل ودع( أي اترك ممتثال)ما( أي الذي )لم يبح( فعله.

)فتابع( السلف )الصالح ممن سلفا( فإن السالمة والخير في إتباعهم، )وجانبالبدعة ممن خلفا( فإن السالمة في مجانبتها واجتنابها.

]شرح خاتمة الناظم[ياء ثم في الخالص140 – هذا وأرجو الله في اإلخالص من الر

__________ ( أخرجه البخاري في الشهادات، باب: ال يشهد على شهادة الزور؛ ومسلم1)

في فضائل الصحابة، باب: فضل الصحابة.

(1/137)

جيم ثم نفسي والهوى فمن يمل لهؤالء قد غوى141 – من الرتنا142 ؤال مطلقا حج – هذا وأرجو الله أن يمنحنا عند السالم الدائم على نبي دأبه المراحم143 – ثم الصالة والس– محمد وآله وعترته وتابع لنهجه من أمته144

)هذا( أشار إلى ما أرشد إليه في قوله "وأمر بعرف" إلى هنا، أو في جميع الكتاب، وهو مبتدأ وحذف خبره. والتقدير: هذا حق، أو هذا الواجب. وعلى

الثاني: هذا الذي قصدنا جمعه قد تم. وأنا )أرجو الله( الذي ال يخيب من رجاه )في( نوال )اإلخالص( في هذه

المنظومة وفي غيرها من األعمال )من الرياء( وهو التصنع للناس والعمل ألجلالناس، فإنه الشرك األصغر أعاذنا الله من ذلك.

)ثم( أرجوه تعالى )في الخالص( أي السالمة والحفظ )من( الشيطان )الرجيم(المرجوم الملعون المطرود، )ثم( من )نفسي( األمارة.

واألنفس ثالثة: أمارة وهي التي استجار المصنف من شرها، ولوامة، ومطمئنة. وقد ورد القرآن بالثالثة في قوله تعالى: } إن النفس ألمارة بالسوء { ]يوسف:

[ و } يا أيتها النفس المطمئنة {2[ و } ال أقسم بالنفس اللوامة { ]القيامة: 53[.27]الفجر:

)و( من )الهوى( بالقصر، وهو الميل إلى الشهوات وكل ما تهواه النفس. )فمنيمل( يطع ويركن )لهؤالء( الثالثة )قد غوى(. أي فقد ضل أو خسر أو انخدع.

)هذا( كرره للتنبيه على عظم مقام الدعاء واالهتمام بشأنه، )وأرجو الله( الجواد الكريم )أن يمنحنا( يعطينا )عند( هول )السؤال( من الملكين )مطلقا( بكسر

الالم )حجتنا( مفعول بـ "يمنحنا" أو بـ "مطلقا" على التنازع. )ثم الصالة( الدائمة )والسالم الدائم( من الله ومن المالئكة والمؤمنين )على

نبي( كريم حليم )دأبه( عادته وخلقه )المراحم( لعباد الله، )محمد( بدل )و( على)آله( أقاربه )وعترته( أتباعه )وتابع( بإحسان )لنهجه من أمته( المكرمة به.

(1/138)

وختم الكتاب بالصالة والسالم كاالبتداء تحصيال لكمال البركة ورجاء للقبول؛ ألن الكالم إذا ابتدئ وختم بالصالة والسالم على النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أقرب للقبول؛ ألنه ورد أن الدعاء إذا ابتدئ وختم بالصالة والسالم على النبي -

صلى الله عليه وسلم - كان مقبوال؛ ألن الكريم إذا قبل الطرفين قبل ما بينهما. وصلى الله على سيدنا محمد أكمل العالمين وأشرفهما، وعلى آله وأصحابه زينة

السموات واألرض وما بينهما، وحسبنا الله ونعم الوكيل، وال حول وال قوة إالبالله العلي العظيم.

]خاتمة الشارح[ وقد انتهى ما ألهم الجواد الكريم, الذي يتفضل على من يستحق ومن ال يستحق

بفضله العميم. فيا أيها الواقف على هذه المنحة اإللهية والعطية الربانية, يطلب منك الفقير

المعترف بالعجز والتقصير, والمقر بالخطأ وعدم التحرير، أن تنظره بعين الرضا واإلنصاف، وأن تسد عنه باب اإلعتساف, بإصالح الخطأ باعتذار، والتنبيه على الخلل على جهة التذكار، وأن ال تسل سيف لسان االعتراض, وأن تدع المالمة

واألغراض، فإن الحامل لي على هذا مع قلة اطالعي وقصر باعي، وقلة المادة وعدم سلوك طريق الجادة، سيما ولم يتيسر لي شرح من شراحها أعتمد عليه

إال كراريس في بعض األحيان؛ هو ]خبر "فإن"[ إظهار الخير الباقي في هذهاألمة إلى يوم القيامة, تصديقا لخبر العالمين في عرصات القيامة.

نسأل الله الكريم, رب العرش العظيم, بنبيه الكريم, أن يغفر لي ولوالدي ولشيخي وألهلي ولجميع إخواننا جميع الذنوب والخطايا، وأن يستر لنا الفواحش

والجنايا، وأن يجزل لنا المواهب والعطايا، وأن يجعل القرآن الكريم والعلمالعظيم حجة لنا ال علينا, وأن يتفضل باإلحسان إلينا وأن يسامحنا ويتوب علينا.

(1/139)

اللهم يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين: نسألك بسيدنا وموالنا وملجئنا ومنجانا ومالذنا ومأوانا، أفضل المرسلين وإمام المتقين, نبيك

ورسولك؛ أن تختم لنا ولجميع أهلينا وأحبتنا بحسن الختام، وأن تتوفانا أجمعين على أكمل حاالت اإليمان واإلسالم، وأن ترزقنا حالوة العبادة, وأن تسلك بنا

طريق أهل السعادة، وأن تضمنا في سلك الذين أحسنوا الحسنى وزيادة.اللهم يا حي يا قيوم, انفعنا بما علمتنا وعلمنا ما ينفعنا وزدنا علما.

الحمد لله على كل حال, ونعوذ بالله من حال أهل النار.اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري, وما أنت أعلم به مني.

اللهم اغفر لي جدي وهزلي وخطئي وعمدي وكل ذلك عندي. اللهم رحمتك أرجو, فال تكلني إلى نفسي طرفة عين, وأصلح لي شأني كله, ال

إله إال أنت. اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا وال يغفر الذنوب إال أنت, فاغفر لي مغفرة

من عندك, وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم.

اللهم ألهمني رشدي وأعذني من شر نفسي. اللهم ثبت قلوبنا على دينك, وأقدامنا في سبيلك. اللهم ارزقني العلم مع الحلم

والعمل مع العلم. اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي اآلخرة حسنة وقنا عذاب النار. ربنا ال تزغ

قلوبنا بعد إذ هديتنا, وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب. رب توفني مسلما وألحقني بالصالحين. آمين آمين آمين. وصلى الله على سيدنا محمد

النبي المصطفى الكريم، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما. انتهى ما وجد مقيدا من خط خط خط مسودة مؤلفها. وكان الفراغ من نسخ

هذا الشارح المبارك في يوم السبت بعد العصر, على يد كاتبه العبد الفقير لربه, محمد بن الحاج موسى الجزيزي, لنفسه ولمن شاء الله من بعده من ذريته. غفر الله له ولوالديه وألشياخه ولمن قرأ فيه ولجميع المسلمين والمسلمات

هـ في1251والمؤمنين والمؤمنات. يا أرحم الراحمين يا رب العالمين. سنة يوما. تمت بحمد الله وحسن عونه23شهر ذي الحجة بعد ما مضى منه

وتوفيقه.…

(1/140)