كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · (...

403
ﻛﺘﺎﺏ: ﻭﺍﻟﺸﺎﻋﺮ ﺍﻟﻜﺎﺗﺐ ﺃﺩ ﺏ ﺍﻟﺴﺎﺋﺮ ﺍﳌﺜﻞ ﺍﳌﺆﻟﻒ: ﺍﳌﻮﺻﻠﻲ ﻋﺒﺪﺍﻟﻜﺮﱘ ﺑﻦ ﳏﻤﺪ ﺑﻦ ﻧﺼﺮﺍﷲ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺿﻴﺎﺀ ﺍﻟﻔﺘﺢ ﺃﰊ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ ﺍﻟﺮﲪﻦ ﺍﷲ ﺑﺴﻢ ﻭﺃﺻﻠﻪ ﺍﻟﻔﻀﻞ ﻣﺰﻳﺔ ﻋﻨﻪ ﻳﻘﺼﺮ ﻣﺎ ﺍﻟﺒﻴﺎﻥ ﻣﻦ ﻳﻌﻠﻤﻨﺎ ﻭﺃﻥ ﺃﻫﻠﻪ ﻫﻮ ﻣﺎ ﺍﳊﻤﺪ ﻣﻦ ﺑﻨﺎ ﻳﺒﻠﻎ ﺃﻥ ﺭﺑﻨﺎ ﺍﷲ ﻧﺴﺄﻝ ﻭﻧﺮﻏﺐ ﻭﻓﻀﻠﻪ ﺍﳋﻄﺎﺏ ﻭﺣﻜﻤﺔ ﻣﻦ ﺃﻓﺼﺢ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﺭﺳﻮﻟﻪ ﳏﻤﺪ ﻭﻣﻮﻻﻧﺎ ﻧﺒﻴﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﻟﻠﺼﻼﺓ ﻳﻮﻓﻘﻨﺎ ﺃﻥ ﺇﻟﻴﻪ ﺻﺎﺑﺮ ﻣﻦ ﻭﻣﻨﻬﻢ ﻭﺑﺪﺭ ﺳﺒﻖ ﻣﻦ ﻣﻨﻬﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﻭﺻﺤﺒﻪ ﺁﻟﻪ ﻭﻋﻠﻰ ﻫﺎﺩ ﻛﻞ ﺷﺮﻳﻌﺔ ﻫﺪﻳﻪ ﻭﻧﺴﺦ ﺑﺎﻟﻀﺎﺩ ﻧﻄﻖ ﻭﻧﺼﺮ ﺁﻭﻯ ﻣﻦ ﻭﻣﻨﻬﻢ ﻭﺻﱪ ﺍﻷﺣﻜﺎﻡ ﻭﺃﺩﻟﺔ ﻟﻸﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﻔﻘﻪ ﺃﺻﻮﻝ ﲟﻨﺰﻟﺔ ﻭﺍﻟﻨﺜﺮ ﺍﻟﻨﻈﻢ ﻟﺘﺄﻟﻴﻒ ﺍﻟﺒﻴﺎﻥ ﻋﻠﻢ ﻓﺈﻥ ﻭﺑﻌﺪ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺃﻟﻒ ﻭﻗﺪ ﻳﻨﺘﻔﻊ ﻣﺎ ﺃﺟﺪ ﻓﻠﻢ ﻭﲰﻴﻨﻪ ﻏﺜﻪ ﻭﻋﻠﻤﺖ ﻭﺳﻴﻨﻪ ﺷﻴﻨﻪ ﺗﺼﻔﺤﺖ ﻭﻗﺪ ﺇﻻ ﺗﺄﻟﻴﻒ ﻣﻦ ﻭﻣﺎ ﻭﺣﻄﺒﺎ ﺫﻫﺒﺎ ﻭﺟﻠﺒﻮﺍ ﻛﺘﺒﺎ ﺍﷲ ﻋﺒﺪ ﳏﻤﺪ ﻷﰊ ﺍﻟﻔﺼﺎﺣﺔ ﺳﺮ ﻭﻛﺘﺎﺏ ﺍﻵﻣﺪﻱ ﺑﺸﺮ ﺑﻦ ﺍﳊﺴﻦ ﺍﻟﻘﺎﺳﻢ ﻷﰊ ﺍﳌﻮﺍﺯﻧﺔ ﻛﺘﺎﺏ ﺇﻻ ﺫﻟﻚ ﺑﻪ ﺃﺻﻮﻻ ﺃﲨﻊ ﺍﳌﻮﺍﺯﻧﺔ ﻛﺘﺎﺏ ﺃﻥ ﻏﲑ ﺍﳋﻔﺎﺟﻲ ﺳﻨﺎﻥ ﺑﻦ ﻭﺃﺟﺪﻯ ﺫﻛﺮ ﻣﻦ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﻣﻘﺪﺍﺭ ﺑﻪ ﻗﻞ ﳑﺎ ﺃﻛﺜﺮ ﻗﺪ ﻓﺈﻧﻪ ﻣﻨﲑﺓ ﻧﻜﺖ ﻋﻠﻰ ﻓﻴﻪ ﻧﺒﻪ ﻭﺇﻥ ﺍﻟﻔﺼﺎﺣﺔ ﺳﺮ ﻭﻛﺘﺎﺏ ﳏﺼﻮﻻ ﻭﻣﻦ ﺃﻛﺜﺮﻩ ﺇﱃ ﺣﺎﺟﺔ ﳑﺎ ﻭﺻﻔﺎ ﺍﳌﻔﺮﺩﺓ ﺍﻟﻠﻔﻈﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻭﻣﻦ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻭﺍﻟﻜﻼﻡ ﻭﺍﳊﺮﻭﻑ ﺍﻷﺻﻮﺍﺕ ﻣﻮﺍﺿﻊ ﻛﻠﻪ ﺫﻟﻚ ﺑﻴﺎﻥ ﻭﺳﲑﺩ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﺼﻮﺍﺏ ﻋﻨﻪ ﺷﺬ ﻣﻮﺍﺿﻊ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﺗﻌﺎﱃ ﺍﷲ ﺷﺎﺀ ﺇﻥ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻫﺬﺍ ﻣﻦ ﻭﻛﻨﺖ ﻟﺒﺎﺑﺎ ﻭﺗﺮﻛﺎ ﻗﺸﻮﺭﺍ ﺍﳌﻮﺍﺿﻊ ﺑﻌﺾ ﺫﻛﺮﺍ ﻭﻟﺮﲟﺎ ﺃﺑﻮﺍﺑﺎ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻫﺬﺍ ﻣﻦ ﺃﳘﻼ ﻗﺪ ﺍﻟﻜﺘﺎﺑﲔ ﻛﻼ ﺃﻥ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﻬﺎ ﺷﻲﺀ ﻟﺬﻛﺮ ﺗﻌﺮﺽ ﺗﻘﺪﻣﲏ ﳑﻦ ﺃﺣﺪﺍ ﺃﺟﺪ ﻭﱂ ﺍﻟﻜﺮﱘ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻏﻀﻮﻥ ﻣﻨﻪ ﻛﺜﲑﺓ ﺿﺮﻭﺏ ﻋﻠﻰ ﻋﺜﺮﺕ ﲟﻘﺪ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻫﺬﺍ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﺪﺕ ﺇﺫﺍ ﻭﻫﻲ ﻭﻗﺪ ﺑﺄﺳﺮﻩ ﻋﻠﻴﻪ ﳏﺘﻮﻳﺔ ﻭﺟﺪﺕ ﻓﻮﺍﺋﺪﻫﺎ ﺇﱃ ﻧﻈﺮ ﻭﺇﺫﺍ ﺷﻄﺮﻩ ﺍﺭ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻭﺃﺿﻔﺖ ﺣﺬﻓﺘﻪ ﻣﺎ ﻣﻨﻬﺎ ﺣﺬﻓﺖ ﺃﻥ ﺑﻌﺪ ﺍﳌﺘﻘﺪﻣﺔ ﺍﻟﻜﺘﺐ ﻣﺪﻭﻧﻪ ﺃﺧﺮ ﺑﻀﺮﻭﺏ ﻭﺷﻔﻌﺘﻬﺎ ﻫﻬﻨﺎ ﺃﻭﺭﺩ ﺃﻗﻮﺍﳍﺎ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﱵ ﺍﻻﺟﺘﻬﺎﺩ ﺩﺭﺟﺔ ﻭﻣﻨﺤﲏ ﻣﺒﺘﺪﻋﺔ ﻗﺒﻠﻲ ﻣﻦ ﺗﻜﻦ ﺃﺷﻴﺎﺀ ﻻﺑﺘﺪﺍﻉ ﺍﷲ ﻭﻫﺪﺍﱐ ﺃﺿﻔﺘﻪ ﻣﺎ ﻭﺇ ﺗﺎﺑﻌﺔ ﺍﻟﻜﺘﺐ ﻣﻦ ﻏﲑﻩ ﻭﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﻛﺘﺎﰊ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﻗﻮﻑ ﻋﻨﺪ ﻳﻈﻬﺮ ﺫﻟﻚ ﻭﻛﻞ ﻣﺘﺒﻌﺔ ﻫﻲ ﳕﺎ ﻭﻣﻘﺎﻟﺘﲔ ﻣﻘﺪﻣﺔ ﻋﻠﻰ ﺑﻨﻴﺘﻪ ﻭﻗﺪ ﺍﻟﺒﻴﺎﻥ ﻋﻠﻢ ﺃﺻﻮﻝ ﻋﻠﻰ ﺗﺸﺘﻤﻞ ﻓﺎﳌﻘﺪﻣﺔ ﺳﻘﻄﺎﺗﻪ ﺗﻌﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﺎﺿﻞ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻠﺴﺎﻥ ﺳﻠﻖ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻼﻣﺔ ﻭﻻ ﺍﻹﺣﺴﺎﻥ ﻓﻀﻴﻠﺔ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺃﻟﻔﺘﻪ ﻓﻴﻤﺎ ﺃﺩﻋﻲ ﻭﻻ ﻏﻠﻄﺎﺗﻪ ﻭﲢﺼﻰ) ﺑﺎ ﻲﺀ ﻭﻳ ﹶﻤ ﹶﻨ ﺎﻥ ... ﻮﻥ ﹾﺘ ﹺﻩ ﹺﺸ ﹺﻪ ﹺﺎﺑ ( ﺃﻭ ﺃﺧﺪﺍﻧﻪ ﻣﻦ ﺇﻧﻪ ﻓﻴﻘﺎﻝ ﺍﻟﻜﺘﺐ ﺻﺎﺣﺐ ﻟﻪ ﻭﻟﻴﺲ ﺇﻏﺮﺍﺑﻪ ﺑﺪﻳﻊ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻫﺬﺍ ﺇﻥ ﻗﻠﺖ ﺍﳍﻮﻯ ﺗﺮﻛﺖ ﻭﺇﺫﺍ ﻭﱂ ﲪﺎﻩ ﺣﻮﻝ ﻭﲪﺖ ﺧﺎﻓﻴﻪ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻫﺬﺍ ﺑﻈﺎﻫﺮ ﺃﺗﻴﺖ ﻓﺈﱐ ﻫﺬﺍ ﻭﻣﻊ ﺃﺻﺤﺎﺑﻪ ﺑﲔ ﻣﻔﺮﺩ ﺃﺗﺮﺍﺑﻪ ﻣﻦ ﺇﺫ ﻓﻴﻪ ﻗﻊ ﺷﻲﺀ ﻭﺫﻟﻚ ﻓﺘﺨﺪﻉ ﺍﻟﻌﻘﻮﻝ ﻭﲣﻠﺐ ﻭﺗﺮﺻﻊ ﺍﻟﻌﻘﻮﺩ ﺗﻨﻈﻢ ﺍﻟﱵ ﺍﻟﻜﻠﻢ ﺗﻌﻠﻴﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﳊﺼﻮﻝ ﻫﻮ ﺇﳕﺎ ﺍﻟﻐﺮﺽ ﺍﻟﺪﻓﺎﺗﺮ ﺑﻪ ﺗﻨﻄﻖ ﺍﳋﻮﺍﻃﺮ ﻋﻠﻴﻪ ﲢﻴﻞ

Upload: others

Post on 07-Nov-2019

2 views

Category:

Documents


0 download

TRANSCRIPT

Page 1: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

لشاعر: كتاب وا لكاتب ا أدب ئر يف لسا ملثل ا اعبدالكرمي املوصلي : املؤلف بن بن حممد نصراهللا الدين لفتح ضياء ا أيب

بسم اهللا الرمحن الرحيم نسأل اهللا ربنا أن يبلغ بنا من احلمد ما هو أهله وأن يعلمنا من البيان ما يقصر عنه مزية الفضل وأصله

إليه أن يوفقنا للصالة على نبينا وموالنا حممد رسوله الذي هو أفصح من وحكمة اخلطاب وفضله ونرغب نطق بالضاد ونسخ هديه شريعة كل هاد وعلى آله وصحبه الذي منهم من سبق وبدر ومنهم من صابر

وصرب ومنهم من آوى ونصر وقد ألف الناس فيه وبعد فإن علم البيان لتأليف النظم والنثر مبنزلة أصول الفقه لألحكام وأدلة األحكام

كتبا وجلبوا ذهبا وحطبا وما من تأليف إال وقد تصفحت شينه وسينه وعلمت غثه ومسينه فلم أجد ما ينتفع به يف ذلك إال كتاب املوازنة أليب القاسم احلسن بن بشر اآلمدي وكتاب سر الفصاحة أليب حممد عبد اهللا

وأجدى بن سنان اخلفاجي غري أن كتاب املوازنة أمجع أصوال

حمصوال وكتاب سر الفصاحة وإن نبه فيه على نكت منرية فإنه قد أكثر مما قل به مقدار كتابه من ذكر األصوات واحلروف والكالم عليها ومن الكالم على اللفظة املفردة وصفاهتا مما ال حاجة إىل أكثره ومن

من هذا الكتاب إن شاء اهللا تعاىل الكالم يف مواضع شذ عنه الصواب فيها وسريد بيان ذلك كله يف مواضععلى أن كال الكتابني قد أمهال من هذا العلم أبوابا ولرمبا ذكرا يف بعض املواضع قشورا وتركا لبابا وكنت عثرت على ضروب كثرية منه يف غضون القرآن الكرمي ومل أجد أحدا ممن تقدمين تعرض لذكر شيء منها

ار شطره وإذا نظر إىل فوائدها وجدت حمتوية عليه بأسره وقد وهي إذا عدت كانت يف هذا العلم مبقدأوردهتا ههنا وشفعتها بضروب أخر مدونه يف الكتب املتقدمة بعد أن حذفت منها ما حذفته وأضفت إليها ما أضفته وهداين اهللا البتداع أشياء مل تكن من قبلي مبتدعة ومنحين درجة االجتهاد اليت ال تكون أقواهلا

منا هي متبعة وكل ذلك يظهر عند الوقوف على كتايب هذا وعلى غريه من الكتب تابعة وإ وقد بنيته على مقدمة ومقالتني

فاملقدمة تشتمل على أصول علم البيان وال أدعي فيما ألفته من ذلك فضيلة اإلحسان وال السالمة من سلق اللسان فإن الفاضل من تعد سقطاته

وحتصى غلطاته ) هو بابنه وبشعره مقتون ... إلحسان ظنا ال كمن ويسيء با(

وإذا تركت اهلوى قلت إن هذا الكتاب بديع يف إغرابه وليس له صاحب يف الكتب فيقال إنه من أخدانه أو قع فيه إذ من أترابه مفرد بني أصحابه ومع هذا فإين أتيت بظاهر هذا العلم دون خافيه ومحت حول محاه ومل أ

الغرض إمنا هو احلصول على تعليم الكلم اليت هبا تنظم العقود وترصع وختلب العقول فتخدع وذلك شيء حتيل عليه اخلواطر ال تنطق به الدفاتر

Page 2: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

واعلم أيها الناظر يف كتايب أن مدار علم البيان على حاكم الذوق السليم الذي هو أنفع من ذوق التعليم فيما يلقيه إليك أستاذا وإذا سألت عما ينتفع به يف فنه قيل لك هذا فإن الدربة وهذا الكتاب وإن كان

واإلدمان أجدى عليك نفعا وأهدى بصرا ومسعا ومها يريانك اخلرب عيانا وجيعالن عسرك من القول إمكانا فيما وكل جارحة منك قلبا ولسانا فخذ من هذا الكتاب ما أعطاك واستنبط بإدمانك ما أخطاك وما مثلي

مهدته لك من هذه الطريق إال كمن طبع سيفا ووضعه يف ميينك لتقاتل به وليس عليه أن خيلق لك قلبا فإن محل النصال غري مباشرة القتال

) ما كل ماشية بالرحل شمالل ... وإنما يبلغ اإلنسان غايته ( مقدمة الكتاب فإهنا تشتمل على عشرة فصول ولنرجع إىل ما حنن بصدده فنقول أما

الفصل األول

يف موضوع علم البيان

موضوع كل علم هو الشيء الذي يسأل فيه عن أحواله اليت تعرض لذاته فموضوع الفقه هو أفعال املكلفني والفقيه يسأل عن أحواهلا اليت تعرض هلا من الفرض والنفل واحلالل واحلرام والندب واملباح وغري

ذلك وموضوع الطب هو بدن اإلنسان والطبيب يسأل عن أحواله اليت تعرض له من صحته وسقمه وموضوع احلساب هو األعداد واحلاسب يسأل عن أحواهلا اليت تعرض هلا من الضرب والقسمة والنسبة

وضاع وغري ذلك وموضوع النحو هو األلفاظ واملعاين والنحوي يسأل عن أحواهلما يف الداللة من جهة األاللغوية وكذلك جيري احلكم يف كل علم من العلوم وهبذا الضابط انفرد كل علم برأسه ومل خيتلط بغريه

وعلى هذا فموضوع علم البيان هو الفصاحة والبالغة وصاحبه يسأل عن أحواهلما اللفظية واملعنوية وهو ن جهة الوضع اللغوي وتلك داللة والنحوي يشتركان يف أن النحوي ينظر يف داللة األلفاظ على املعاين م

عامة وصاحب علم البيان ينظر يف فضيلة تلك الداللة وهي داللة خاصة واملراد هبا أن يكون على هيئة خمصوصة من احلسن وذلك أمر وراء النحو واإلعراب أال ترى أن النحوي يفهم معىن الكالم املنظوم

هم ما فيه من الفصاحة والبالغة ومن ههنا غلط مفسرو واملنثور ويعلم مواقع إعرابه ومع ذلك فإنه ال يفاألشعار يف اقتصارهم على شرح املعىن وما فيها من الكلمات اللغوية وتبيني مواضع اإلعراب منها دون

شرح ما تضمنته من أسرار الفصاحة والبالغة

الفصل الثاين

يف آالت علم البيان وأدواته

نظوم واملنثور تفتقر إىل آالت كثرية وقد قيل ينبغي للكاتب أن يتعلق اعلم أن صناعة تأليف الكالم من املبكل علم حىت قيل كل ذي علم يسوغ له أن ينسب نفسه إليه فيقول فالن النحوي وفالن الفقيه وفالن

Page 3: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

املتكلم وال يسوغ له أن ينسب نفسه إىل الكتابة فيقول فالن الكاتب وذلك ملا يفتقر إليه من اخلوض يف كل فن

ومالك هذا كله الطبع فإنه إذا مل يكن مث طبع فإنه ال تغين تلك اآلالت شيئا ومثال ذلك كمثل النار الكامنة يف الزناد واحلديدة اليت يقدح هبا أال ترى أنه إذا مل يكن يف الزناد نار ال تفيد تلك احلديدة شيئا

ن بعض الناس يكون له نفاذ يف تعلم علم وكثريا ما رأينا ومسعنا من غرائب الطباع يف تعلم العلوم حىت إمشكل املسلك صعب املأخذ فإذا كلف تعلم ما هو دونه من سهل العلوم نكص على عقبيه ومل يكن له فيه

نفاذ وأغرب من ذلك أن صاحب الطبع يف املنظوم جييد يف املديح دون اهلجاء أو يف اهلجاء دون املديح أو جييد

يف التهاين دون املراثي وكذلك صاحب الطبع يف املنثور هذا ابن احلريري صاحب يف املراثي دون التهاين أو املقامات قد كان على ما ظهر عنه من تنميق املقامات واحدا يف فنه فلما حضر ببغداد ووقف على مقاماته

ومل قيل هذا يستصلح لكتابة اإلنشاء يف ديوان اخلالفة وحيسن أثره فيه فأحضر وكلف كتابة كتاب فأفحم جير لسانه يف طويلة وال قصرية فقال فيه بعضهم

) ينتف عثنونه من الهوس ... شيخ لنا من ربيعة الفرس ( ) ألجمه يف بغداد بالخرس ... أنطقه الله باملشان وقد (

وهذا مما يعجب منه ب ألن املقامات مدارها مجيعها على حكاية خترج إىل خملص وسئلت عن ذلك فقلت ال عج

وأما املكاتبات فإهنا حبر ال ساحل له ألن املعاين تتجدد فيها بتجدد حوادث األيام وهي متجددة على عدد األنفاس أال ترى أنه إذا خطب الكاتب املفلق عن دولة من الدول الواسعة اليت يكون لسلطاهنا سيف

ر ومكث على ذلك برهة يسرية ال تبلغ عشر سنني فإنه يدون عنه من املكاتبات ما مشهور وسعي مذكويزيد على عشرة أجزاء كل جزء منها أكرب من مقامات احلريري حجما ألنه إذا كتب يف كل يوم كتابا واحدا اجتمع من كتبه أكثر من هذه العدة املشار إليها وإذا خنلت وغربلت واختري األجود منها إذ تكون

كلها جيدة فيخلص منها النصف وهو مخسة أجزاء واهللا يعلم ما اشتملت عليه من الغرائب والعجائب وما حصل يف ضمنها من املعاين املبتدعة على أن احلريري قد كتب يف أثناء مقاماته رقاعا يف مواضع عدة فجاء

نسبة له إىل باقي كالمه فيها وله هبا منحطة عن كالمه يف حكاية املقامات ال بل جاء بالغث البارد الذي الأيضا كتابة أشياء خارجة عن املقامات وإذا وقف عليها أقسم أن قائل هذه ليس قائل هذه ملا بينهما من

التفاوت البعيد وبلغين عن الشيخ أيب حممد عبد اهللا بن أمحد بن اخلشاب النحوي رمحه اهللا أنه كان يقول ابن احلريري رجل

حيسن من الكالم املنثور سواها وإن أتى بغريها ال يقول شيئا مقامات أي أنه ملفانظر أيها املتأمل إىل هذا التفاوت يف الصناعة الواحدة من الكالم املنثور ومن أجل ذلك قيل شيئان ال هناية

Page 4: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

هلما البيان واجلمال ذ إىل مثانية أنواع من اآلالت وعلى هذا فإذا ركب اهللا تعاىل يف اإلنسان طبعا قابال هلذا الفن فيفتقر حينئ

النوع األول معرفة علم العربية من النحو والتصريف النوع الثاين معرفة ما حيتاج إليه من اللغة وهو املتداول املألوف استعماله يف فصيح الكالم غري الوحشي

الغريب وال املستكره املعيب ئع اليت جاءت يف حوادث خاصة بأقوام فإن ذلك النوع الثالث معرفة أمثال العرب وأيامهم ومعرفة الوقا

جرى جمرى األمثال أيضا النوع الرابع االطالع على تأليفات من تقدمه من أرباب هذه الصناعة املنظومة منه واملنثورة والتحفظ

للكثري منه النوع اخلامس معرفة األحكام السلطانية اإلمامة واإلمارة والقضاء واحلسبة وغري ذلك

السادس حفظ القرآن الكرمي والتدرب باستعماله وإدراجه يف مطاوي كالمه النوعالنوع السابع حفظ ما حيتاج إليه من األخبار الواردة عن النيب والسلوك هبا مسلك القرآن الكرمي يف

االستعمال الشعر النوع الثامن وهو خمتص بالناظم دون الناثر وذلك علم العروض والقوايف الذي يقام به ميزان ولنذكر بعد ذلك فائدة كل نوع من هذه األنواع ليعلم أن معرفته مما متس احلاجة إليه فنقول

النوع األول أما علم النحو فإنه يف علم البيان من املنظوم واملنثور مبنزلة أجبد يف تعليم اخلط وهو أول ما لحن ومع هذا فإنه وإن احتيج إليه يف بعض ينبغي إتقان معرفته لكل أحد ينطق باللسان العريب ليأمن معرة ال

الكالم دون بعض لضرورة اإلفهام فإن الواضع مل خيص منه شيئا بالوضع بل جعل الوضع عاما وإال فإذا نظرنا إىل ضرورته وأقسامه املدونة وجدنا أكثرها غري حمتاج إليه يف إفهام املعاين أال ترى أنك لو أمرت رجال

ثبات الواو ومل بالقيام فقلت له قوم بإ

جتزم ملا اختل من فهم ذلك شيء وكذلك الشرط لو قلت إن تقوم أقوم ومل جتزم لكان املعىن مفهوما والفضالت كلها جتري هذا اجملرى كاحلال والتمييز واالستثناء فإذا قلت جاء زيد راكب وما يف السماء قدر

مل تبني إعرابا ملا توقف الفهم على نصب راحة سحاب وقام القوم إال زيد فلزمت السكون يف ذلك كله والراكب والسحاب وال على نصب زيد وهكذا يقال يف اجملرورات ويف املفعول فيه واملفعول له واملفعول معه

ويف املبتدإ واخلرب وغري ذلك من أقسام أخر ال حاجة إىل ذكرها ذلك يف الذي تدل صيغته الواحدة على لكن قد خرج عن هذه األمثلة ما ال يفهم إال بقيود تقيده وإمنا يقع

معان خمتلفة ولنضرب لذلك مثاال يوضحه فنقول اعلم أن من أقسام الفاعل واملفعول ما ال يفهم إال بعالمة كتقدمي املفعول على الفاعل فإنه إذا مل يكن مث

ضروب فإنك عالمة تبني أحدمها من اآلخر وإال أشكل األمر كقولك ضرب زيد عمرو ويكون زيد هو املإمنا خيشى اهللا من عباده ( إذا مل تنصب زيدا وترفع عمرا وإال ال يفهم ما أردت وعلى هذا ورد قوله تعاىل

Page 5: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

) العلماء وكذلك لو قال قائل ما أحسن زيد ومل يبني اإلعراب يف ذلك ملا علمنا غرضه منه إذ حيتمل أن يريد به

يء منه أحسن وحيتمل أن يريد به اإلخبار بنفي اإلحسان التعجب من حسنه أو يريد به االستفهام عن أي شعنه ولو بني اإلعراب يف ذلك فقال ما أحسن زيدا وما أحسن زيد وما أحسن زيد علمنا غرضه وفهمنا

مغزى كالمه النفراد كل قسم من هذه األقسام الثالثة مبا يعرف به من اإلعراب فوجب حينئذ بذلك معرفة اين الكالم حافظا هلا من االختالف النحو إذ كان ضابطا ملع

وأول من تكلم يف النحو أبو األسود الدؤيل وسبب ذلك أنه دخل على ابنة له بالبصرة فقالت له يا أبت ما أشد احلر متعجبة ورفعت أشد فظنها مستفهمة فقال شهر ناجر فقالت يا أبت إمنا أخربتك ومل أسألك فأتى

ل يا أمري املؤمنني ذهبت لغة العرب علي بن أيب طالب رضي اهللا عنه فقا

ويوشك إن تطاول عليها زمان أن تضمحل فقال له وما ذاك فأخربه خرب ابنته فقال هلم صحيفة مث أملى عليه الكالم ال خيرج عن اسم وفعل وحرف جاء ملعىن مث رسم له رسوما فنقلها النحويون يف كتبهم

بالبصرة فقال إين أرى العرب قد خالطت العجم وتغريت وقيل إن أبا األسود دخل على زياد ابن أبيه ألسنتها أفتأذن يل أن أصنع ما يقيمون به كالمهم فقال ال فقام من عنده ودخل عليه رجل فقال أيها األمري

مات أبانا وخلف بنون فقال زياد مات أبانا وخلف بنون مه ردوا علي أبا األسود فوضع شيئا فردوه فقال له اصنع ما كنت هنيتك عنه

مث جاء بعده ميمون األقران فزاد عليه مث جاء بعده عنبسة بن معدان املهري فزاد عليه مث جاء بعده عبد اهللا بن أيب إسحاق احلضرمي وأبو عمرو بن العالء فزادا عليه مث جاء بعدمها اخلليل بن أمحد األزدي وتتابع

الناس واختلف البصريون والكوفيون يف بعض ذلك ما بلغين من أمر النحو يف أول وضعه وكذلك العلوم كلها يوضع منها يف مبادي أمرها شيء يسري مث فهذا

يزاد بالتدريج إىل أن يستكمل آخرا فإن قيل أما علم النحو فمسلم إليك أنه جتب معرفته لكن التصريف ال حاجة إليه ألن التصريف إمنا هو

ا وهذا ال يضر جهله وال تنفع معرفته ولنضرب لذلك مثاال معرفة أصل الكلمة وزيادهتا وحذفها وإبداهلكيف اتفق فنقول إذا قال القائل رأيت سرداحا ال يلزمه أن يعرف األلف يف هذه الكلمة زائدة هي أم

أصليه ألن العرب مل تنطق هبا إال كذلك ولو قالت سرداحا بغري ألف ملا جاز ألحد أن يزيد األلف فيها من احا فعلم هبذا أنه إمنا ينطق األلفاظ عنده فيقول سرد

كما مسعت عن العرب من غري زيادة فيها وال نقص وليس يلزم بعد ذلك أن يعلم أصلها وال زيادهتا ألن ذلك أمر خارج تقتضيه صناعة تأليف الكالم

ر إذا كان فاجلواب عن ذلك أنا نقول اعلم أنا مل جنعل معرفة التصريف كمعرفة النحو ألن الكاتب أو الشاععارفا باملعاين خمتارا هلا قادرا على األلفاظ جميدا فيها ومل يكن عارفا بعلم النحو فإنه يفسد ما يصوغه من الكالم وخيتل عليه ما يقصده من املعاين كما أريناك يف ذلك املثال املتقدم وأما التصريف فإنه إذا مل يكن

Page 6: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

عليه األوضاع وإن كانت املعاين صحيحة وسيأيت بيان ذلك عارفا به مل تفسد عليه معاين كالمه وإمنا تفسديف حترير اجلواب فنقول أما قولك إن التصريف ال حاجة إليه واستداللك مبا ذكرته من املثال املضروب فإن

ذلك ال يستمر لك الكالم فيه أال ترى أنك مثلت كالمك يف لفظة سرداح وقلت إنه ال حيتاج إىل معرفة أم أصلية ألهنا إمنا نقلت عن العرب على ما هي عليه من غري زيادة وال نقص وهذا ال األلف زائدة هي

يطرد إال فيما هذا سبيله من نقل األلفاظ على هيئتها من غري تصرف فيها حبال فأما إذا أريد تصغريها أو ا يضل حينئذ عن مجعها والنسبة إليها فإنه إذا مل يعرف األصل يف حروف الكلمة وزيادهتا وحذفها وإبداهل

السبيل وينشأ من ذلك جمال للعائب والطاعن أال ترى أنه إذا قيل للنحوي وكان جاهال بعلم التصريف كيف تصغري لفظة اضطراب فإنه يقول ضطريب وال يالم على جهله بذلك ألن الذي تقتضيه صناعة النحو

ف وفيها حرف زائد أو مل يكن حذفته قد أتى به وذلك أن النحاة يقولون إذا كانت الكلمة على مخسة أحر حنو قوهلم يف منطلق مطيلق ويف جحمرش جحيمر

فلفظة منطلق على مخسة أحرف وفيها حرفان زائدان مها امليم والنون إال أن امليم زيدت فيها ملعىن فلذلك مل م حتذف وحذفت النون وأما لفظة جحمرش فخماسية ال زيادة فيها وحذف منها حرف أيضا ومل يعل

النحوي أن علماء النحو إمنا قالوا ذلك مهال اتكاال منهم على حتقيقه من علم الصرف ألنه ال يلزمهم أن يقولوا يف كتب النحو أكثر مما قالوا وليس عليهم أن يذكروا يف باب من أبواب النحو شيئا من التصريف

آلخر وحمتاج إليه ألن كال من النحو والتصريف علم منفرد برأسه غري أن أحدمها مرتبط باوإمنا قلت إن النحوي إذا سئل عن تصغري لفظة اضطراب يقول ضطريب ألنه ال خيلو إما أن حيذف من لفظة اضطراب األلف أو الضاد أو الطاء أو الراء أو الباء وهذه احلروف املذكورة غري األلف ليست من حروف

ك احلرف الذي ليس بزائد فلذلك قلنا إن النحوي الزيادة فال حتذف بل األوىل أن حيذف احلرف الزائد ويتريصغر لفظة اضطراب على ضطريب فيحذف األلف اليت هي حرف زائد دون غريها مما ليس من حروف

الزيادة وأما أن يعلم أن الطاء يف اضطراب مبدلة من تاء وأنه إذا أريد تصغريها تعاد إىل األصل الذي كانت هذا ال يعلمه إال التصريفي وتكليف النحوي اجلاهل بعلم التصريف عليه وهو التاء فيقال ضتريب فإن

معرفة ذلك كتكليفه علم ما ال يعلمه فثبت مبا ذكرناه أنه حيتاج إىل علم التصريف لئال يغلط يف مثل هذا ومن العجب أن يقال إنه ال حيتاج إىل معرفة التصريف أمل تعلم أن نافع ابن أيب نعيم وهو من أكرب القراء

السبعة قدرا وأفخمهم شأنا قال يف معايش معائش باهلمز ومل يعلم األصل يف ذلك فأوخذ عليه وعيب من أجله ومن

مجلة من عابه أبو عثمان املازين فقال يف كتابه يف التصريف إن نافعا مل يدر ما العربية وكثريا ما يقع أولوا ة هلم هبا وال اطالع هلم عليها وإذا علم حقيقة األمر العلم يف مثل هذه املواضع فكيف اجلهال الذين ال معرف

يف ذلك مل يغلط فيما يوجب قدحا وال طعنا وهذه لفظة معايش ال جيوز مهزها بإمجاع من علماء العربية ألن الياء فيها ليست مبدلة من مهزة وإمنا الياء اليت تبدل من اهلمزة يف هذا املوضع تكون بعد ألف اجلمع املانع

رف ويكون بعدها حرف واحد وال تكون عينا حنو سفائن ويف هذا املوضع غلط نافع رمحة اهللا عليه من الص

Page 7: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

ألنه ال شك اعتقد أن معيشة بوزن فعيلة ومجع فعيلة هو على فعائل ومل ينظر إىل أن األصل يف معيشة معيشة ويلزم مضارع فعل على وزن مفعلة وذلك ألن أصل هذه الكلمة من عاش اليت أصلها عيش على وزن فعل

املعتل العني يفعل لتصح الياء حنو يعيش مث تنقل حركة العني إىل الفاء فتصري يعيش مث يبين من يعيش مفعول فيقال معيوش به كما يقال مسيور به مث خيفف ذلك حبذف الواو فيقال معيش به كما يقال مسري به مث تؤنث

هذه اللفظة فتصري معيشة احب هذه الصناعة من النظم والنثر أن يهمل من علم العربية ما خيفى عليه بإمهاله ومع هذا فال ينبغي لص

اللحن اخلفي فإن اللحن الظاهر قد كثرت مفاوضات الناس فيه حىت صار يعلمه غري النحوي وال شك أن ن عاملا به قلة املباالة باألمر واستشعار القدرة عليه توقع صاحبه فيما ال يشعر أنه وقع فيه فيجهل مبا يكو

أال ترى أن أبا نواس كان معدودا يف طبقات العلماء مع تقدمه يف طبقات الشعراء وقد غلط فيما ال يغلط مثله فيه فقال يف صفة اخلمر

) حصباء در على أرض من الذهب ... كأن صغرى وكبرى من فواقعها (

واس فإنه من ظواهر علم العربية وليس من غوامضه يف شيء ألنه أمر نقلي وهذا ال خيفى على مثل أيب نحيمل ناقله فيه على النقل من غري تصرف وقول أيب نواس صغرى وكربى غري جائز فإن فعلى أفعل ال جيوز

حذف األلف والالم منها وإمنا جيوز حذفها من فعلى اليت ال أفعل هلا حنو حبلى إال أن تكون فعلى أفعل افة وههنا قد عريت عن اإلضافة وعن األلف والالم فانظر كيف وقع أبو نواس يف مثل هذا املوضع مع مض

قربه وسهولته وقد غلط أبو متام يف قوله

) قواعد امللك ممتدا لها الطول ... بالقائم الثامن املستخلف اطأدت ( صواب اتطدت ألن التاء تبدل من الواو يف موضعني أحدمها مقيس عليه كهذا أال ترى أنه قال اطأدت وال

املوضع ألنك إذا بنيت افتعل من الوعد قلت اتعد ومثله ما ورد يف هذا البيت فإنه من وطد يطد كما يقال تكالن وعد يعد فإذا بين منه افتعل قيل اتطد وال يقال اطأد وأما غري املقيس فقوهلم يف وجاه جتاه وقالوا

وأصله الواو ألنه من وكل يكل فأبدلت الواو تاء لالستسحان فهذه األمثلة قد أشرت إليها ليعلم مكان الفائدة يف أمثاهلا وتتوقى

على أين مل أجد أحدا من الشعراء املفلقني سلم من مثل ذلك فإما أن يكون حلن حلنا يدل على جهله مواقع الكلمة وال أعين بالشعراء من هو قريب عهد بزماننا بل أعين اإلعراب وإما أن يكون أخطأ يف تصريف

بالشعراء من تقدم زمانه كاملتنيب ومن كان قبله كالبحتري ومن تقدمه كأيب متام ومن سبقه كأيب نواس واملعصوم من عصمه اهللا تعاىل

حيتاج فيه استعماهلا إىل على أن املخطئ يف التصريف أندر وقوعا من املخطئ يف النحو ألنه قلما يقع له كلمة اإلبدال والنقل يف حروفها وأما النحو فإنه يقع اخلطأ فيه كثريا حىت إنه ليشذ يف ظاهره يف بعض األحوال

فكيف خافيه كقول أيب نواس يف األمني حممد رمحه اهللا

Page 8: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

) إال النبي الطاهر امليمون... يا خير من كان ومن يكون ( فرفع يف االستثناء من املوجب وهذا من ظواهر النحو وليس من خافيه يف شيء وكذلك قال أبو الطيب

املتنيب ) نقلت يدا سرحا وخفا مجمرا ... أرأيت همة ناقتي في ناقة ( ) م يوقدون العنبرا طلبا لقو... تركت دخان الرمث في أوطانها ( ) تقعان فيه وليس مسكا أذفرا ... وتكرمت ركباتها عن مبرك (

فجمع يف حال التثنية ألن الناقة ليس هلا إال ركبتان فقال ركبات وهذا من أظهر ظواهر النحو وقد خفي على مثل املتنيب

علم أن اجلهل بالنحو ال يقدح يف فصاحة وال بالغة ولكنه يقدح يف اجلاهل به ومع هذا فينبغي لك أن تنفسه ألنه رسوم قوم تواضعوا عليه وهم الناطقون باللغة فوجب اتباعهم والدليل على ذلك أن الشاعر مل يف ينظم شعره وغرضه منه رفع الفاعل ونصب املفعول أو ما جرى جمرامها وإمنا غرضه إيراد املعىن احلسن

اللفظ احلسن املتصفني بصفة الفصاحة والبالغة وهلذا مل يكن اللحن قادحا يف حسن الكالم ألنه إذا قيل جاء زيد راكب إن مل يكن حسنا إال بأن يقال جاء راكبا بالنصب لكان النحو شرطا يف حسن الكالم وليس

كذلك إمنا الغرض أمر وراء ذلك وهكذا جيري فتبني هبذا أنه ليس الغرض من نظم الشعر إقامة إعراب كلماته و

احلكم يف اخلطب والرسائل من الكالم املنثور وأما اإلدغام فال حاجة إليه لكاتب لكن الشاعر رمبا احتاج إليه ألنه قد يضطر يف بعض األحوال إىل إدغام

حرف وإىل فك إدغام من أجل إقامة امليزان الشعري إىل معرفة اللغة مما تداول استعماله فسريد بيانه عند ذكر اللفظة الواحدة النوع الثاين وهو قولنا إنه حيتاج

والكالم على جيدها ورديئها يف املقالة املختصة بالصناعة اللفظية ويفتقر أيضا مؤلف الكالم إىل معرفة عدة أمساء ملا يقع استعماله يف النظم والنثر ليجد إذا ضاق به موضع يف

اظ سعة يف العدول عنه إىل غريه مما هو يف معناه وهذه األمساء تسمى املترادفة وهي كالمه بإيراد بعض األلفاحتاد املسمى واختالف أمسائه كقولنا اخلمر والراح واملدام فإن املسمى هبذه األمساء شيء واحد وأمساؤه

كثرية كالمه وهي احتاد االسم وكذلك حيتاج إىل معرفة األمساء املشتركة ليستعني هبا على استعمال التجنيس يف

واختالف املسميات كالعني فإهنا تطلق على العني الناظرة وعلى ينبوع املاء وعلى املطر وغريه إال أن املشتركة تفتقر

يف االستعمال إىل قرينة ختصصها كي ال تكون مبهمة ألنا إذا قلنا عني مث سكتنا وقع ذلك على حمتمالت النابعة واملطر وغريه مما هو موضوع بإزاء هذا االسم وإذا قرنا إليه قرينة كثرية من العني الناظرة والعني

ختصه زال ذلك اإلهبام بأن نقول عني حسناء أو عني نضاخة أو ملثة أو غري ذلك

Page 9: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

وهذا موضع للعلماء فيه جماذبات جدلية ل بفائدة وضع اللغة ألن فمنهم من ينكر أن يكون اللفظ املشترك حقيقة يف املعنيني مجيعا ويقول إن ذلك خي

اللغة إمنا هي وضع األلفاظ يف داللتها على املعاين أي وضع األمساء على املسميات لتكون منبئة عنها عند إطالق اللفظ واالشتراك ال بيان فيه وإمنا هو ضد البيان لكن طريق البيان أن جيعل أحد املعنيني يف اللفظ

هذه كلمة وأطلقنا القول فهم منه اللفظة الواحدة وإذا قيدنا اللفظ املشترك حقيقة واآلخر جمازا فإذا قلنافقلنا هذه كلمة شاعرة فهم من القصيدة املقصدة من الشعر وهي جمموع كلمات كثرية ولو أطلقنا من غري

تقييد وأردنا القصيدة من الشعر ملا فهم مرادنا ألبتة ك يف املعنيني حقيقة ويف ذلك ما فيه وسأبني ما يدخله هذا خالصة ما ذهب إليه من ينكر وقوع اللفظ املشتر

من اخللل فأقول يف اجلواب عن ذلك ما استخرجته بفكري ومل يكن ألحد فيه قول من قبلي وهو أما قولك إن فائدة وضع اللغة إمنا هو البيان عند إطالق اللفظ واللفظ املشترك خيل هبذه الفائدة فهذا

غة هو البيان والتحسني غري مسلم بل فائدة وضع الل أما البيان فقد وىف به األمساء املتباينة اليت هي كل اسم واحد دل على

مسمى واحد فإذا أطلق اللفظ يف هذه األمساء كان بينا مفهوما ال حيتاج إىل قرينة ولو مل يضع الواضع من األمساء شيئا غريها لكان كافيا يف البيان

ه اللغة العربية اليت هي أحسن اللغات نظر إىل ما حيتاج إليه أرباب الفصاحة وأما التحسني فإن الواضع هلذوالبالغة فيما يصوغونه من نظم ونثر ورأي أن من مهمات ذلك التجنيس وال يقوم به إال األمساء املشتركة

اليت هي كل اسم واحد دل على مسميني فصاعدا فوضعها من أجل ذلك وهذا املوضع يتجاذبه جانبان رجح أحدمها على اآلخر وبيانه أن التحسني يقضي بوضع األمساء املشتركة ووضعها يذهب بفائدة البيان يت

عند إطالق اللفظ وعلى هذا فإن وضعها الواضع ذهب بفائدة البيان وإن مل يضع ذهب بفائدة التحسني ذهب من فائدة لكنه إن وضع استدرك ما ذهب من فائدة البيان بالقرينة وإن مل يضع مل يستدرك ما

التحسني فترجح حينئذ جانب الوضع فوضع فإن قيل فلم ال تنسب األمساء املشتركة إىل اختالف القبائل ال إىل واضع واحد

قلت يف اجلواب هذا تعسف ال حاجة إليه وهو مدفوع من وجهني أحدمها ما قدمت القول فيه من الترجيح الذي سوغ للواضع أن يضع

ه قد ورد من اجلموع ما يقع على مسميني اثنني كقوهلم كعاب مجع كعب الذي هو كعب اآلخر أنا نرى أنالرجل ومجع كعبة وهي البنية املعروفة وإذا أطلقنا اللفظ فقلنا كعاب من غري قرينة ال يدرى ما املراد بذلك

خمر وراح أكعب الرجل أم البنية املعروفة وكذلك ورد واحد ومجع على وزن واحد كقوهلم راح اسم للمجع راحة وهي الكف وكقوهلم عقاب وهو اجلزاء على الذنب ومجع عقبة أيضا ويف اللغة من هذا شيء

كثري وهو باإلمجاع من علماء العربية أنه مل جير فيه خالف بني القبائل فاتضح هبذا أن األمساء املشتركة من واضع واحد

Page 10: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

جلمع وضعه غريه فإن قلت إن الواضع إمنا وضع املفرد من األلفاظ واقلت يف اجلواب إن الذي وضع املفرد هو الذي وضع اجلمع ألن من قواعد وضع اللغة أن يوضع املفرد

واجلمع واملذكر واملؤنث واملصغر واملكرب واملصادر وأمساء الفاعلني وما جرى هذا اجملرى وإذا أخل بشيء إليك أن واضع اجلمع غري واضع املفرد من ذلك كان قد أخل بقاعدة من قواعد وضع اللغة مث لو سلمت

لكان ذلك قدحا يف الواضع الثاين إذ جاء باإلهبام عند إطالق اللفظ ألنه مجع كعبة اليت هي البنية وكعب الرجل على كعاب وهذا لفظ مشترك مبهم عند اإلطالق وال فرق بني أن يضعه الواضع األول أو واضع

ثان فإن اإلهبام حاصل منه وقال إن لون ) صفراء فاقع لوهنا تسر الناظرين ( ين بعض الفقهاء يف قوله تعاىل يف سورة البقرة وكان فاوض

البقرة كان أسود واألصفر هو األسود فأنكرت عليه هذا القول فأخذ جيادل جمادلة غري عارف ويعزو ذلك ال خيلو يف داللته على إىل تفسري النقاش وتفسري البالذري فقلت له اعلم أن هذا االسم الذي هو األصفر

األسود من وجهني إما أنه من األمساء املتباينة اليت يدل كل اسم منها على مسمى واحد كاإلنسان واألسد والفرس وغري ذلك وإما أنه من األمساء املشتركة اليت يدل االسم منها على مسميني فصاعدا وال جيوز أن

ا بني لونني أحدمها هذا اللون الزعفراين الشكل واآلخر اللون يكون من األمساء املتباينة ألنا نراه متجاذباملظلم الشكل وعلى هذا فإنه يكون من األمساء املشتركة وإذا كان من األمساء املشتركة فال بد له من قرينة

من صفات والفاقع) صفراء فاقع لونها ( ختصصه باللون الزعفراين دون اللون املظلم ألن اهللا تعاىل قال اللون الزعفراين خاصة ألنه قد ورد لأللوان صفات متعددة لكل لون منها صفة فقيل أبيض يقق وأسود

حالك وأمحر قان وأصفر فاقع ومل يقل أسود فاقع وال أصفر حالك فعلم حينئذ أن لون البقرة مل يكن أسود سليم وإمنا كان أصفر فلما حتقق عند ذلك الفقيه ما أشرت إليه أذعن بالت

وأما النوع الثالث فهو معرفة أمثال العرب وأيامهم ومعرفة الوقائع اليت

وردت يف حوادث خاصة بأقوام وقويل هذا ال يقتضي كل األمثال الواردة عنهم فإن منها ما ال حيسن ا استعماله كما أن من ألفاظهم أيضا ما ال حيسن استعماله وكنت جردت من كتاب األمثال للميداين أوراق

خفيفة تشتمل على احلسن من األمثال الذي يدخل يف باب االستعمال وسبيل املتصدي هلذا الفن أن يسلك ما سلكته وليعلم أن احلاجة إليها شديدة وذلك أن العرب مل تضع األمثال إال ألسباب أوجبتها وحوادث

ا الشيء وليس يف كالمهم اقتضتها فصار املثل املضروب ألمر من األمور عندهم كالعالمة اليت يعرف هب أوجز منها وال أشد اختصارا

وسبب ذلك ما أذكره لك لتكون من معرفته على يقني فأقول قد جاء عن العرب من مجلة أمثاله إن يبغ عليك قومك ال يبغ عليك القمر وهو مثل يضرب لألمر الظاهر املشهور واألصل فيه كما قال املفضل بن

بة بن سعد بن ضبة يف اجلاهلية تراهنوا على الشمس والقمر ليلة أربع عشرة من حممد أنه بلغنا أن بني ثعلالشهر فقالت طائفة تطلع الشمس والقمر يرى وقالت طائفة يغيب القمر قبل أن تطلع الشمس فتراضوا

برجل جعلوه حكما فقال واحد منهم إن قومي يبغون علي فقال احلكم إن يبغ عليك قومك ال يبغ عليك

Page 11: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

القمر فذهبت مثال ومن املعلوم أن قول القائل إن يبغ عليك قومك ال يبغ عليك القمر إذا أخذ على حقيقته من

غري نظر إىل القرائن املنوطة به واألسباب اليت قيل من أجلها ال يعطي من املعىن ما قد أعطاه املثل وذلك أن ة عندهم وحيث كان األمر كذلك املثل له مقدمات وأسباب قد عرفت وصارت مشهورة بني الناس معلوم

جاز إيراد هذه اللفظات يف التعبري عن املعىن املراد ولوال تلك املقدمات املعلومة واألسباب املعروفة ملا فهم من قول القائل إن يبغ عليك قومك ال يبغ عليك القمر ما ذكرناه من املعىن املقصود بل ما كان يفهم من

هو الظلم والقمر ليس من شأنه أن يظلم أحدا فكان يصري معىن املثل إن هذا القول معىن مفيد ألن البغيكان يظلمك قومك ال يظلمك القمر وهذا كالم خمتل املعىن ليس مبستقيم فلما كانت األمثال كالرموز

واإلشارات اليت يلوح هبا على املعاين تلوحيا

املثل إنه القول الوجيز املرسل ليعمل صارت من أوجز الكالم وأكثره اختصارا ومن أجل ذلك قيل يف حد عليه وحيث هي هبذه املثابة فال ينبغي اإلخالل مبعرفتها

وأما أيام العرب فإهنا تتنوع وتتشعب فمنها أيام فخار ومنها أيام حماربة ومنها أيام منافرة ومنها غري ذلك ال شبيها بيوم من تلك األيام ومماثال وال خيلو الناظم والناثر من االنتصاب لوصف يوم مير به يف بعض األحو

له فإذا جاء بذكر بعض تلك األيام املناسبة ملراده املوافقة له وقاس عليه يومه فإنه يكون يف غاية احلسن والرونق هذا ال خفاء به

وأما الوقائع اليت وردت يف حوادث خاصة بأقوام فإهنا كاألمثال يف االستشهاد هبا وسأبني لك نبذة منها ىت تعلم مقدار الفائدة هبا ح

فمن ذلك أنه ورد عن النيب حديث بيعة احلديبية حتت الشجرة وكان أرسل عثمان رضي اهللا عنه إىل مكة هذه عن عثمان ( يف حاجة عرضت له ومل حيضر البيعة فضرب رسول اهللا بيده الشمال على اليمني وقال

) ومشايل خري من ميينه لة كتاب فقلت وال يعد الرب برا حىت يلحق الغيث باحلصور ويصل من مل يصله وقد استعملت أنا هذا يف مج

جبزاء وال شكور فزنة الغائب بالشاهد من كرم اإلحسان وهلذا نابت مشال رسول اهللا عن ميني عثمان ومن ذلك أنه ورد عن عمر بن اخلطاب رضي اهللا عنه أنه استدعى أبا موسى األشعري ومن يليه من العمال

ان منهم الربيع بن زياد احلارثي فمضى إىل يرفأ موىل عمر وسأله عما يروج عنده وينفق عليه فأشار إىل وك خشونة العيش فمضى ولبس جبة صوف وعمامة دمساء وخفا مطابقا وحضر بني يديه يف مجلة

ألشعري به العمال فصوب عمر نظره وصعده فلم يقع إال عليه فأدناه وسأله عن حاله مث أوصى أبا موسى ا وقد استعملت أنا هذا يف مجلة تقليد لبعض امللوك من ديوان اخلالفة فقلت

وإذا استعنت بأحد على عملك فاضرب عليه باألرصاد وال ترض مبا عرفته من مبدأ حاله فإن األحوال تتنقل تنقل األجساد وإياك أن ختدع بصالح الظاهر كما خدع عمر بن اخلطاب بالربيع بن زياد

نظر كيف فعلت يف هاتني القصتني وكيف أوردهتما يف الغرض الذي قصدته وامض أنت على هذا النهج فا

Page 12: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

فإنه من حماسن هذه الصنعة وعرض علي كتاب كتبه عبد الرحيم بن علي البيساين رمحه اهللا عن امللك صالح الدين يوسف بن أيوب

ومخسمائة وضمنه ما أباله يف خدمة الدولة من فتح رمحه اهللا إىل ديوان اخلالفة ببغداد يف سنة إحدى وسبعني الديار املصرية وحمو الدولة العلوية وإقامة الدعوى العباسية وشرح فيه ما قاساه يف الفتح من األهوال وملا تأملته وجدته كتابا حسنا قد وىف فيه اخلطابة حقها إال أنه أخل بشيء واحد وهو أن مصر مل تفتح إال بعد

لشام ثالث مرات وكان الفتح يف املرة الثالثة وهذا له نظري يف فتح النيب مكة فإنه قصدها أن قصدت من ا عام احلديبية مث سار إليها يف عمرة القضاء مث سار إليها عام الفتح ففتحها

وقد سألين بعض اإلخوان أن أنشئ يف ذلك كتابا إىل ديوان اخلالفة معارضا للكتاب الذي أنشأه عبد علي رمحه اهللا فأجبته إىل سؤاله وعددت مساعي صالح الدين يوسف بن أيوب رمحه اهللا فقلت الرحيم بن

ومن مجلتها ما فعله اخلادم يف الدولة املصرية وقد قام هبا منرب وسرير وقالت منا أمري ومنكم أمري فرد الدعوة خرجت منها إخراج النيب من قريته العباسية إىل معادها وأذكر املنابر ما نسيته هبا من زهو أعوادها وكانت أ

وقذف

الشيطان على حقها بباطله وعلى صدقها بغويته مث طوهتا الليايل طي السجل للكتاب وكثر عليها مرور الدهر حىت نسي هلا عدد السنني واحلساب ومل يعدها إىل وطنها حىت تغربت هلا األرواح عن أوطاهنا

جفاهنا وتطاردت اآلراء يف تسهيل أمرها قبل مطاردة أقراهنا وسهرت هلا أجفان السيوف سهر العيون عن أوحىت تقدمتها غربات ثالث كلها ذوات غروب وكل خطب من خطوهبا ذو خطوب إىل أن متخض ليلها

عن صبحه وأصبحت يف اإلسالم كعام حديبيته وعمرة قضائه وعام فتحه ويف ذكر أخبارها ما يطبع األسنة عها ومل ينله شيء من مكروهها سوى الكالم ويومها للدولة هو اليوم الذي يف رءوس األقالم ويرهب سام

أرخ فيه معاد نصرها وميعاد بشرها فإذا عدت لياليها السالفة كانت كسائر الليايل وهذه ليلة قدرها فهذا فصل من فصول الكتاب فانظر كيف ماثلت بني الفتح املصري وفتح مكة وذكرت أيضا حديث

ذر األنصاري حيث قال بعد وفاة النيب منا أمري ومنكم أمري وذلك ملا حضر أبو بكر وعمر احلباب بن املنوأبو عبيدة بن اجلراح رضي اهللا عنهم يف سقيفة بين ساعدة والقصة مشهورة فقال احلباب بن املنذر منا أمري

ذكرته هو نكتة هذا الفتح ومنكم أمري فقال أبو بكر رضي اهللا عنه بل حنن األمراء وأنتم الوزراء وهذا الذي اليت عليها املعول ومركزه الذي عليه يدور وعجبت من عبد الرحيم بن علي البيساين مع تقدمه يف فن

الكتابة كيف فاته أن يأيت به يف الكتاب الذي كتبه وكذلك وجدت البن زياد البغدادي كتابا كتبه إىل امللك الناصر صالح الدين يوسف املقدم ذكره يف سنةثالث ومثانني ومخسمائة وضمنه فصوال تشتمل على أمور أنكرت عليه من ديوان اخلالفة فمن تلك األمور

اليت أنكرت عليه أنه تلقب بامللك الناصر وذلك اللقب هو ألمري املؤمنني خاصة فإنه اإلمام الناصر

جادة ومل أجد فيه مغمزا إال لدين اهللا فلما وقفت على ذلك الكتاب وجدته كتابا حسنا قد أجاد فيه كل اإليف هذا الفصل الذي يتضمن حديث اللقب فإنه مل يأت بكالم يناسب باقي الفصول املذكورة بل أتى فيه

Page 13: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

بكالم فيه غثاثة كقوله ما يستصلحه املوىل فهو على عبده حرام وشيئا من هذا النسق وكان األليق قة ورشاقة واألحسن أن حيتج حبجة فيها روح ويذكر كالما فيه ذال

وحضر عندي يف بعض األيام بعض إخواين وجرى حديث ذلك فسألين عما كان ينبغي أن يكتب يف هذا الفصل فذكرت ما عندي وهو قد علم أن لألنبياء واخللفاء خصائص خيتصون هبا على حكم االنفراد وليس

أشياء نص عليها حبكمه ألحد من الناس أن يشاركهم فيها مشاركة األنداد وقد أجرى رسول اهللا ذلك يفومن مجلتها أنه هنى غريه أن جيتمع بني كنيته وبني امسه وهذا مسوغ ألمري املؤمنني أن خيتص بأمر يكون به

مشهورا وعلى غريه حمظورا وقد وسم نفسه بسمة نزلت عليه من السماء ومتيزت به من بني املسميات ن احلاضر والباد ورفعها اخلطباء على املنابر يف أيام واألمساء مث استمرت عليها األيام حىت خوطب هبا م

اجلمع ومواسم األعياد وقد شاركته أنت فيها غري مراقب ملزية التعظيم وال فارق بني فسحة التحليل وحرج التحرمي والشرع واألدب حيكمان عليك بأن تلقى ما فرط منك باملتاب وال حتوج فيه إىل التقريع الذي هو

لك من عرف احلق فأمسكه بيده ونسخ إغفال أمسه باستئناف التيقظ يف غده واهللا قد رفع أشد العتاب ومث املؤاخذة عمن أتى الشيء خطأ ال عمدا وقبل التوبة ممن أخذ على نفسه باإلخالص عهدا

فانظر أيها املتأمل كيف جئت باخلرب النبوي وجعلته شاهدا على هذا املوضع وال ميكن أن حيتج يف مثل ذلك ال مبثل هذا االحتجاج وما أعلم كيف شذ عن ابن زياد أن يأيت به مع أنه كان كاتبا مفلقا أرتضي كتابته إ

ومل أجد يف متأخري العراقيني من مياثله يف هذا الفن

وأما النوع الرابع وهو االطالع على كالم املتقدمني من املنظوم واملنثور فإن يف ذلك فوائد مجة ألنه يعلم منه الناس ونتائج أفكارهم ويعرف به مقاصد كل فريق منهم وإىل أين ترامت به صنعته يف ذلك فإن أغراض

هذه األشياء مما تشحذ القرحية وتذكي الفطنة وإذا كان صاحب هذه الصناعة عارفا هبا تصري املعاين اليت د وأيضا فإنه إذا كان ذكرت وتعب يف استخراجها كالشيء امللقى بني يديه يأخذ منه ما أراد ويترك ما أرا

مطلعا على املعاين املسبوق إليها قد ينقدح له من بينها معىن غريب مل يسبق إليه ومن املعلوم أن خواطر الناس وإن كانت متفاوتة يف اجلودة والرداءة فإن بعضها ال يكون عاليا على بعض أو منحطا عنه إال بشيء

اإلتيان باملعاين حىت إن بعض الناس قد يأيت مبعىن موضوع بلفظ يسري وكثريا ما تتساوى القرائح واألفكار يف مث يأيت اآلخر بعده بذلك املعىن واللفظ بعينهما من غري علم منه مبا جاء به األول وهذا الذي يسميه أرباب

هذه الصناعة وقوع احلافر على احلافر وسيأيت لذلك باب مفرد يف آخر كتابنا هذا إن شاء اهللا تعاىل النوع اخلامس وهو معرفة األحكام السلطانية من اإلمامة واإلمارة والقضاء واحلسبة وغري ذلك فإمنا وأما

أوجبنا معرفتها واإلحاطة هبا ملا حيتاج إليه الكاتب يف تقليدات امللوك واألمراء والقضاة واحملتسبني ومن أن ميوت اإلمام القائم بأمر املسلمني جيري جمراهم وأيضا فإنه قد حيدث يف اإلمامة حادث يف بعض األوقات ب

مث يتوىل من بعده من مل تكمل فيه شرائط اإلمامة أو يكون كامل الشرائط غري أن اإلمام الذي كان قبله عهد هبا إىل آخر غريه وهو ناقص الشرائط أو يكون قد تنازع اإلمامة اثنان أو يكون أرباب احلل والعقد قد

الشرائط اليت جتب أن توجد فيهم أو يكون أمر غري ما ذكرناه فتختلف اختاروا إماما وهم غري كاملي

Page 14: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

األطراف يف ذلك وينتصب ملك من امللوك له عناية باإلمام الذي قد قام للمسلمني فيأمر كاتبه أن يكتب كتابا يف أمره إىل األطراف املخالفة له وإذا مل يكن الكاتب عند ذلك عارفا باحلكم يف هذه احلوادث

ف أقوال العلماء فيها وما هو رخصة يف ذلك وما ليس برخصة ال يكتب كتابا ينتفع به ولسنا نعين واختال هبذا القول أن يكون الكتاب مقصورا على فقه حمض فقط ألنا لو أردنا ذلك ملا

كنا حنتاج فيه إىل كتب كتاب بالغي بل كنا نقتصر على إرسال مصنف من مصنفات الفقه عوضا عن ا قصدنا أن يكون الكاتب الذي يكتب يف هذا املعىن مشتمال على الترغيب والترهيب واملساحمة الكتاب وإمن

يف موضع واحملاقة يف موضع مشحونا ذلك بالنكت الشرعية املربزة يف قوالب البالغة والفصاحة كما فعل إىل اإلمام الطائع ملا خلع الكاتب الصايب يف الكتاب الذي كتبه عن عز الدولة خبتيار بن معز الدولة ابن بويه

املطيع فإنه من حماسن الكتب اليت تكتب يف هذا الفن وأما النوع السادس وهو حفظ القرآن الكرمي فإن صاحب هذه الصناعة ينبغي له أن يكون عارفا بذلك ألن

ا وال شبهة فيما فيه فوائد كثرية منها أنه يضمن كالمه باآليات يف أماكنها الالئقة هبا ومواضعها املناسبة هليصري للكالم بذلك من الفخامة واجلزالة والرونق ومنها أنه إذا عرف مواقع البالغة وأسرار الفصاحة

املودعة يف تأليف القرآن اختذه حبرا يستخرج منه الدرر واجلواهر ويودعها مطاوي كالمه كما فعلته أنا فيما وأداة يف استعمال أفانني الكالم فعليك أيها املتوشح أنشأته من املكاتبات وكفى بالقرآن الكرمي وحده آلة

هلذه الصناعة حبفظه والفحص عن سره وغامض رموزه وإشاراته فإنه جتارة لن تبور ومنبع ال يغور وكنز يرجع إليه وذخر يعول عليه

جمرى القرآن وأما النوع السابع وهو حفظ األخبار النبوية مما حيتاج إىل استعماله فإن األمر يف ذلك جيري الكرمي وقد تقدم القول عليه فاعرفه

وأما النوع الثامن وهو ما خيتص بالناظم دون الناثر وذلك معرفة العروض وما جيوز فيه من الزحاف وما ال جيوز فإن الشاعر حمتاج إليه ولسنا نوجب عليه املعرفة بذلك لينظم بعلمه فإن النظم مبين على الذوق ولو

اعيل جلاء شعره متكلفا غري مرضي وإمنا أريد للشاعر معرفة العروض ألن الذوق قد ينبو نظم بتقطيع األف

عن بعض الزحافات ويكون ذلك جائزا يف العروض وقد ورد للعرب مثله فإذا كان الشاعر غري عامل به مل ركات ليعلم يفرق بني ما جيوز من ذلك وما ال جيوز وكذلك أيضا حيتاج الشاعر إىل العلم بالقوايف واحل

الروي والردف وما يصح من ذلك وما ال يصح فإذا أكمل صاحب هذه الصناعة معرفة هذه اآلالت وكان ذا طبع جميب وقرحية مواتية فعليه بالنظر يف

كتابنا هذا والتصفح ملا أودعناه من حقائق علم البيان ونبهنا عليه من أصول ذلك وفروعه على أن الذي الثمان هو كاألصل ملا حيتاج إليه اخلطيب والشاعر ومعرفته ضرورية ال بد منها ذكرناه من هذه اآلالت

وههنا أشياء أخر هي كالتوابع والروادف وباجلملة فإن صاحب هذه الصناعة حيتاج إىل التشبث بكل فن من الفنون حىت إنه حيتاج إىل معرفة ما تقوله

Page 15: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

ما يقوله املنادي يف السوق على السلعة فما ظنك مبا النادبة بني النساء واملشاطة عند جلوة العروس وإىل فوق هذا والسبب يف ذلك أنه مؤهل ألن يهيم يف كل واد فيحتاج أن يتعلق بكل فن

الفصل الثالث

يف احلكم على املعاين

وفائدة هذا الفصل اإلحاطة بأساليب املعاين على اختالفها وتباينها وصاحب هذه الصناعة مفتقر إىل هذا فصل والذي يليه خبالف غريمها من هذه الفصول املذكورة ال سيما مفسري األشعار فإهنم به أعىن ال

( واعلم أن األصل يف املعىن أن حيمل على ظاهره لفظه ومن يذهب إىل التأويل يفتقر إىل دليل كقوله تعاىل راد هو القلب ال امللبوس فالظاهر من لفظ الثياب هو ما يلبس ومن تأول ذهب إىل أن امل) وثيابك فطهر

وهذا البد له من دليل ألنه عدول عن ظاهر اللفظ وكذلك ورد عن عيسى بن مرمي عليه السالم أنه قال إذا أردت أن تصلي فادخل بيتك وأغلق بابك فالظاهر من هذا هو البيت والباب ومن تأول ذهب إىل أنه

ر الصالة فعرب عن القلب بالبيت وعن منع أراد أنك جتمع عليك هم قلبك ومتنع أن خيطر به سوى أماخلواطر اليت ختطر له بإغالق الباب وهذا حيتاج إىل دليل ألنه عدول عن ظاهر اللفظ فاملعىن احملمول على

ظاهره ال يقع يف تفسريه خالف واملعىن املعدول عن ظاهره إىل التأويل يقع فيه اخلالف إذ باب التأويل غري ون يف هذا فإنه قد يأخذ بعضهم وجها ضعيفا من التأويل فيكسوه بعبارته قوة متيزه حمصور والعلماء متفاوت

على غريه من الوجود القوية فإن السيف بضاربه ) كقلوبهن إذا التقى الجمعان ... إن السيوف مع الذين قلوبهم ( ) مثل الجبان بكف كل جبان ... ه تلقى الحسام على جراءة حد(

وذهب بعضهم يف الفرق بني التفسري والتأويل إىل شيء غري مرضي فقال التفسري بيان وضع اللفظ حقيقة كتفسري الصراط بالطريق والتأويل إظهار باطن

ا رقبته وتأويله حتذير العباد من فتفسريه من الرصد يقال رصدته إذ) إن ربك لباملرصاد ( اللفظ كقوله تعاىل تعدي حدود اهللا وخمالفة أوامره والذي عندي يف ذلك أنه أصاب يف اآلخر ومل يصب يف األول ألن قوله

التفسري بيان وضع اللفظ حقيقة ال مستند جلوازه بل التفسري يطلق على بيان وضع اللفظ حقيقة وجمازا ألنه اآلية املشار إليها بالرقبة وتفسريه بالتحذير من تعدي حدود اهللا من الفسر وهو الكشف كتفسري الرصد يف

وخمالفة أوامره وأما التأويل فإنه أحد قسمي التفسري وذاك أنه رجوع عن ظاهر اللفظ وهو مشتق من األول وهو الرجوع

سري يقال آل يؤل إذا رجع وعلى هذا فإن التأويل خاص و التفسري عام فكل تأويل تفسري وليس كل تفتأويال وهلذا يقال تفسري القرآن ومن تفسريه ظاهر وباطن وهذا الفصل الذي حنن بصدد ذكره ههنا يرجع

أكثره إىل التأويل ألنه أدق

Page 16: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

وال خيلو تأويل املعىن من ثالثة أقسام إما أن يفهم منه شيء واحد ال حيتمل غريه وإما أن يفهم منه الشيء دا أو ال تكون ضدا وليس لنا قسم رابع وغريه وتلك الغريية إما أن تكون ض

فاألول يقع عليه أكثر األشعار وال جيري يف الدقة واللطافة جمرى القسمني اآلخرين وأما القسم الثاين فإنه قليل الوقوع جدا وهو من أظرف التأويالت املعنوية ألن داللة اللفظ على املعىن

صالة يف مسجدي هذا ( بضده فمما جاء منه قول النيب وضده أغرب من داللته على املعىن وغريه مما ليسفهذا احلديث يستخرج منه معنيان ضدان ) خري من ألف صالة يف غريه من املساجد إال املسجد احلرام

أحدمها أن املسجد احلرام أفضل من مسجد رسول اهللا واآلخر أن مسجد رسول اهللا أفضل من املسجد تفضل ألف صالة يف املسجد احلرام بل تفضل ما دوهنا خبالف املساجد احلرام أي أن صالة واحدة فيه ال

الباقية فإن ألف صالة فيها تقصر عن صالة واحدة فيه

وهذا يشتمل على ) من كالم النبوة األوىل إذا مل تستح فاصنع ما شئت ( وكذلك جاء قول النيب أيضا حي منه فافعل ما شئت واآلخر أن املراد به إذا مل يكن معنيني ضدين أحدمها أن املراد به إذا مل تفعل فعال تست

لك حياء يزعك عن فعل ما يستحى منه فافعل ما شئت وهذان معنيان ضدان أحدمها مدح واآلخر ذم ) ال يتوسد القرآن ( ومثله ورد يف احلديث النبوي أيضا وذلك أنه ذكر شريح احلضرمي عند النيب فقال

ملدح فاملراد به أنه ال ينام الليل عن القرآن فيكون القرآن متوسدا معه مل يتهجد وهذا حيتمل مدحا وذما أما ابه وأما الذم فاملراد به أنه ال حيفظ من القرآن شيئا فإذا نام مل يتوسد معه القرآن وهذان التأويالن من

األضداد وكثريا ما يرد أمثال ذلك يف األحاديث النبوية

عر قول أيب الطيب يف قصيدة ميدح هبا كافورا وجيري على هذا النهج من الش ) لمن بات في نعمائه يتقلب ... وأظلم أهل الظلم من بات حاسدا (

وهذا البيت يستخرج منه معنيان ضدان أحدمها أن املنعم عليه حيسد املنعم واآلخر أن املنعم حيسد املنعم عليه

أيضا من قصيدة ميدحه وكذلك ورد قوله ) شربت بماء يعجز الطير ورده ... فإن نلت ما أملت منك فربما (

فإن هذا البيت حيتمل مدحا وذما وإذا أخذ مبفرده من غري نظر إىل ما قبله فإنه يكون بالذم أوىل منه باملدح وصدر البيت مفتتح بإن الشرطية وقد أجيب بلفظة رب اليت ألنه يتضمن وصف نواله بالبعد والشذوذ

معناها التقليل أي لست من

نوالك على يقني فإن نلته فرمبا وصلت إىل مورد ال يصل إليه الطري لبعده وإذا نظر إىل ما قبل هذا البيت دل على املدح خاصة الرتباطه باملعىن الذي قبله

قسم يف شعره كقوله من قصيدة أوهلا وكثريا ما كان يقصد املتنيب هذا ال ) ولو كان من أعدائك القمران ... عدوك مذموم بكل لسان (

Page 17: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

) كالم العدا ضرب من الهذيان ... ولله سر في عالك وإنما ( مث قال

) وجدك طعان بغير سنان ... نا فما لك تعنى باألسنة والق( فإن هذا بالذم أشبه منه باملدح ألنه يقول مل تبلغ ما بلغته بسعيك واهتمامك بل جبد وسعادة وهذا ال فضل

فيه ألن السعادة تنال اخلامل واجلاهد ومن ال يستحقها وأكثر ما كان املتنيب يستعمل هذا القسم يف قصائده الكافوريات

وحكى أبو الفتح بن جين قال قرأت على أيب الطيب ديوانه إىل أن وصلت إىل قصيدته اليت أوهلا ... ) أغالب فيك الشوق والشوق أغلب (

فأتيت منها على هذا البيت وهو ) أطرب لقد كنت أرجو أن أراك ف... وما طربي لما رأيتك بدعة (

فقلت له يا أبا الطيب مل تزد على أن جعلته أبا رنة فضحك لقويل وهذا القسم من الكالم يسمى املوجة أي له وجهان وهو مما يدل على براعة الشاعر وحسن تأتيه

وأما القسم الثالث فإنه يكون أكثر وقوعا من القسم الثاين و هو واسطة بني طرفني ألن القسم األول كثري الوقوع والقسم الثاين قليل الوقوع وهذا القسم الثالث وسط بينهما

فإن هذا له وجهان من التأويل أحدمها القتل احلقيقي الذي ) وال تقتلوا أنفسكم ( فمما جاء منه قوله تعاىل هو معروف واآلخر هو القتل اجملازي وهو اإلكباب على املعاصي فإن اإلنسان إذا أكب على املعاصي قتل

نفسه يف اآلخرة وقال إني ذاهب ( ومن ذلك ما ورد يف قصة إبراهيم وذبح ولده عليهما السالم فقال اهللا تعاىل حكاية عنه

إىل ريب سيهدين رب هب يل من الصاحلني فبشرناه بغالم حليم فلما بلغ معه السعي قال يا بين إين أرى يف ما تؤمر ستجدين إن شاء اهللا من الصابرين فلما أسلما وتله املنام أين أذحبك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل

للجبني وناديناه أن يإبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك جنزي احملسنني إن هذا هلو البالء املبني وفديناه بذبح عظيم وتركنا عليه يف اآلخرين سالم على إبراهيم كذلك جنزي احملسنني إنه من عبادنا املؤمنني وبشرناه

قد يكون بشارة بنبوته بعد ) وبشرناه بإسحق نبيا من الصاحلني ( فقوله تعاىل ) إسحق نبيا من الصاحلني بالبشارة مبيالده وقد يكون استئنافا بذكره بعد ذكر إمسعيل عليه السالم وذحبه والتأويل متجاذب بني هذين

على أن الذبيح إمسعيل وال إسحاق األمرين وال دليل على االختصاص بأحدمها ومل يرد يف القرآن ما يدل عليهما السالم وكذلك مل يرد يف األخبار اليت صحت عن رسول اهللا

فخارج عن األخبار الصحيحة ويف التوراة أن إسحاق عليه ) أنا ابن الذبيحني ( وأما ما يروي عنه أنه قال السالم هو الذبيح

فلما مات صلوات اهللا عليه جعلن يطاولن ) وقا يب أطولكن يدا أسرعكن حل( ومن ذلك قول النيب ألزواجه بني أيديهن حىت ينظرن أيتهن أطول يدا مث كانت زينب أسرعهن حلوقا به وكانت كثرية الصدقة فعلمن

Page 18: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

حينئذ أنه مل يرد اجلارحة وإمنا أراد الصدقة فهذا القول يدل على املعنيني املشار إليهما اهللا عنه أنه قال خدمت ومن ذلك ما روي عن أنس بن مالك رضي

رسول اهللا عشر سنني فلم يقل لشيء فعلته مل فعلته وال لشيء مل أفعله مل ال فعلته وهذا القول حيتمل وجهني من التأويل أحدمها وصف رسول اهللا بالصرب على خلق من يصحبه واآلخر أنه وصف نفسه بالفطنة والذكاء

فس رسول اهللا فيفعله من غري حاجة إىل استئذانه فيما يقصده من األعمال كأنه متفطن ملا يف نوهذا حيتمل ) اللهم اقطع أثره ( ومن ذلك ما ورد يف األدعية النبوية فإنه دعا على رجل من املشركني فقال

ثالثة أوجه من التأويل األول أنه دعا عليه بالزمانة ألنه إذا زمن ال يستطيع أن ميشي على األرض فينقطع وجه الثاين أنه دعا عليه بأن ال يكون له نسل من بعده وال عقب الوجه الثالث أنه دعا عليه حينئذ أثره ال

بأن ال يكون له أثر من اآلثار مطلقا وهو أن ال يفعل فعال يبقى أثره من بعده كائنا ما كان من عقب أو بناء أو غراس أو غري ذلك

قال أنا من علي ومن عثمان أبرأ فهذا يدل على وظفرت احلرورية برجل فقالوا له ابرأ من علي وعثمان ف معنيني أحدمها أنه بريء من عثمان وحده واآلخر أنه بريء منهما مجيعا والرجل مل يرد إال الوجه األول

ومن ذلك ما حيكي عن عبد املسيح بن بقيلة ملا نزل هبم خالد بن الوليد على احلرية وذاك أنه خرج إليه عبد ما مثل بني يديه قال انعم صباحا أيها امللك فقال له خالد قد أغنانا اهللا عن حتيتك هذه املسيح بن بقيلة فل

بسالم عليكم مث قال له من أين أقصي أثرك قال من ظهر أيب قال فمن أين خرجت قالت من بطن أمي قال قال خالد ما فعالم أنت قال على األرض قال ففيم أنت قال يف ثيايب قال ابن كم أنت قال ابن رجل واحد

رأيت كاليوم قط أنا أسأله عن الشيء وهو ينحو يف غريه وهذا من توجيه الكالم على منط حسن وهو يصلح أن يكون جوابا خلالد عما سأل ويصلح أن يكون جوابا لغريه مما ذكره عبد املسيح بن بقيلة

وقد ورد يف التوراة أن ال يؤكل اجلدي بلنب أمه وهذا حيتمل التحرمي يف

وجهني أحدمها ما دل عليه ظاهر لفظه وهو حترمي حلم اجلدي بلنب أمه خاصة وإذا أكل بلنب غري لنب أمه جاز ذلك ومل يكن حراما وهذا ال يأخذ به أحد من اليهود والوجه اآلخر وهو الذي يؤخذ به عند اليهود مجيعهم

م يسمون القرائني فإهنم تأولوا فأكلوا حلم أن أكل اللحم باللنب حرام كائنا ما كان من اللحوم إال طائفة منهالطري باللنب وقالوا إمنا حرم اللحم بالنب من اللحوم ذوات األلبان والطري من ذوات البيض ال من ذوات

األلبان ومما جيري على هذا النهج ما حيكى عن أفالطون أنه قال ترك الدواء دواء فذهب بعض األطباء أنه أراد إن

تهى إىل غاية ال حيتمل الدواء فتركه حينئذ واإلضراب عنه دواء وذهب آخرون إىل أنه أراد لطف املزاج وان بالترك الوضع أي وضع الدواء على الداء دواء يشري بذلك إىل حذق الطبيب يف أوقات عالجه

ومثله يف الشعر قول الفرزدق ) خزت األحياء منها قبورها فقد أ... إذا جعفر مرت على هضبة الحمى (

وهذا يدل على معنيني أحدمها ذم األحياء واآلخر ذم األموات أما ذم األحياء فهو أهنم خذلوا األموات يريد

Page 19: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

أهنم تالقوا يف قتاهلم وقوما آخرين ففر األحياء عنهم وأسلموهم أو أهنم استنجدوهم فلم ينجدوهم وأما ذم خمازي وفضائح توجب عارا وشنارا فهم يعريون هبا األحياء ويلصقوهنا هبم األموات فهو أن هلم

وعلى هذا ورد قول أيب متام ) في معشر وبه عن معشر قصر ... بالشعر طول إذا اصطكت قصائده (

دح غريك يريد بذلك أن مآثره فهذا البيت حيتمل تأولني أحدمها أن الشعر يتسع جماله مبدحك ويضيق مبكثرية ومآثر غريه قليلة و اآلخر أن الشعر يكون ذا فخر ونباهة مبدحك وذا مخول مبدح غريك فلفظة الطول

يفهم منها ضد القصر ويفهم منها الفخر من قولنا طال فالن على فالن أي فخر عليه

ومما ينتظم هبذا السلك قول أيب كبري اهلذيل ) فلما انقضى ما بيننا سكن الدهر ... سعي الدهر بيني وبينها عجبت ل(

وهذا حيتمل وجهني من التأويل أحدمها أنه أراد بسعي الدهر سرعة تقضي األوقات مدة الوصال فلما ر سعي أهل الدهر انقضى الوصل عاد الدهر إىل حالته يف السكون والبطء واآلخر أنه أراد بسعي الده

بالنمائم والوشايات فلما انقضى ما كان بينهما من الوصل سكنوا وتركوا السعاية وهذا من باب وضع أي أهل القرية ) واسأل القرية ( املضاف إليه مكان املضاف كقوله تعاىل

اليت أوهلا ومن الدقيق املعىن يف هذا الباب قول أيب الطيب املتنيب يف عضد الدولة من مجلة قصيدته ... ) أوه بديل من قولتي واها (

فقال ) لم يرضها أن تراه يرضاها ... لو فطنت خيله لنائله (

وهذا يستنبط منه معنيان غريان أحدمها أن خيله لو علمت مقدار عطاياه ألن عطاياه أنفس منها واآلخر أن نه يهبها من مجلة عطاياه ملا رضيت ذلك إذ تكره خروجها عن ملكه وهذان الوجهان أنا خيله لو علمت أ

ذكرهتما وإمنا املذكور منهما أحدمها وهذا الذي أشرت إليه من الكالم على املعاين وتأويالهتا كاف ملن عنده ذوق وله قوة على محلها على

أشباهها ونظائرها

الفصل الرابع

اينيف الترجيح بني املع

وهذا الفصل هو ميزان اخلواطر الذي يوزن به نقد درمهها ودينارها بل احملك الذي يعلم منه مقدار عيارها وال يزن به إال ذو فكرة متقدة وحملة منتقذة فليس كل من محل ميزانا مسي صرافا وال كل من وزن به مسي

خلصمني يف حكم شرعي وههنا يرجح بني عرافا والفرق بني هذا الترجيح الفقهي أن هناك يرجح بني دليلي اجانيب فصاحة وبالغة يف ألفاظ ومعان خطابية وبيان ذلك أن صاحب الترجيح الفقهي يرجع بني خرب التواتر

Page 20: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

مثال وبني خرب اآلحاد أو بني املسند واملرسل أو ما جرى هذا اجملرى وهذا ال يعرض إليه صاحب علم البيان من شأنه أن يرجح بني حقيقة وجماز أو بني حقيقتني أو بني جمازين ويكون ألنه ليس من شأنه ولكن الذي هو

ناظرا يف ذلك كله إىل الصناعة اخلطابية ولرمبا اتفق هو وصاحب الترجيح الفقهي يف بعض املواضع كالترجيح بني عام وخاص أو ما شابه ذلك

هذا الفصل مواضع الترجيح بني وجوه وكنا قد قدمنا القول يف احلكم على املعاين وانقسامها ولنبني يف تأويالهتا فنقول

أما القسم األول من املعاين فال تعلق للترجيح به إذا ما دل عليه ظاهر لفظه وال حيتمل إال وجها واحدا فليس من هذا الباب يف شيء والترجيح إمنا يقع بني معنيني يدل عليهما لفظ واحد

قسام إما أن يكون اللفظ حقيقة يف أحدمها جمازا يف اآلخر أو حقيقة وال خيلو الترجيح بينهما من ثالثة أفيهما مجيعا أو جمازا فيهما مجيعا وليس لنا قسم رابع والترجيح بني احلقيقتني أو بني اجملازين حيتاج إىل نظر

وأما الترجيح بني

ملختلفان يظهر الفرق بينهما خبالف احلقيقة واجملاز فإنه يعلم ببديهة النظر ملكان االختالف بينهما والشيئان ا ما يظهر بني الشيئني املشتبهني

ويوم حيشر أعداء اهللا إىل النار فهم يوزعون حىت إذا ما جاءوها شهد ( فمثال احلقيقة واجملاز قوله تعاىل اد هبا فاجللود ههنا تفسر حقيقة وجمازا أما احلقيقة فري) عليهم مسعهم وأبصارهم وجلودهم مبا كانوا يعملون

اجللود مطلقا وأما اجملاز فرياد هبا الفروج خاصة وهذا هو اجلانب البالغي الذي يرجح جانب اجملاز على احلقيقة ملا فيه من لطف الكناية عن املكىن عنه وقد يسأل ههنا يف الترجيح بني احلقيقة واجملاز عن غري

ظ اجللود عام فال خيلو إما أن يراد به اجللود اجلانب البالغي ويقال ما بيان هذا الترجيح فيقال طريقة لفمطلقا أو يراد به اجلوارح اليت هي أدوات األعمال خاصة وال جيوز أن يراد به اجللود على اإلطالق ألن

شهادة غري اجلوارح اليت هي الفاعلة شهادة باطلة إذ هي شهادة غري شاهد والشهادة غري شاهد والشهادة قول اليد أنا فعلت كذا وكذا وتقول الرجل أنا مشيت إىل كذا وكذا وكذلك هنا يراد هبا اإلقرار فت

اجلوارح الباقية تنطق مقرة بأعماهلا فترجح هبذا أن يكون املراد به شهادة اجلوارح وإذا أريد به اجلوارح فال صهما خيلو إما أن يراد به الكل أو البعض فإن أريد به الكل دخل حتته السمع والبصر ومل يكن لتخصي

بالذكر فائدة وإن أريد به البعض فهو بالفرج أخص منه بغريه من اجلوارح ألمرين أحدمها أن اجلوارح كلها قد ذكرت يف القرآن الكرمي شاهده على صاحبها باملعصية ما عدا الفرج فكان محل اجللد عليه أوىل

إال الفرج فكين عند باجللد ألنه ليستكمل ذكر اجلميع اآلخر أنه ليس يف اجلوارح ما يكره التصريح بذكره موضع يكره التصريح فيه باملسمى على حقيقته

والنخل ) فاكهة وخنل ورمان ( فإن قيل إن ختصيص السمع والبصر بالذكر من باب التفصيل كقوله تعاىل والرمان من الفاكهة

Page 21: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

هلما يف الشكل أو يف الطعم قلت يف اجلواب هذا القول عليك ال لك ألن النخل والرمان إمنا ذكر التفضيل والفضيلة ههنا يف ذكر الشهادة إمنا هي

تعظيم ألمر املعصية وغري السمع والبصر أعظم يف املعصية ألن معصية السمع إمنا تكون يف مساع غيبة أو يف مساع صوت مزمار أو وتر أو ما جرى هذا اجملرى ومعصية البصر إمنا تكون يف النظر إىل حمرم وكلتا

صيتني ال حد فيهما وأما املعاصي اليت توجد من غري السمع والبصر فأعظم ألن معصية اليد توجب املعالقطع ومعصية الفرج توجب جلد مائة أو الرجم وهذا أعظم فكان ينبغي أن ختص بالذكر دون السمع

والبصر وإذا ثبت فساد ما ذهبت إليه فلم يكن املراد باجللود إال الفروج خاصة واخلبايا مجع خبيئة وهو ) التمسوا الرزق يف خبايا األرض ( ل املعنيني إذا كانا حقيقيني فقول النيب وأما مثا

كل ما خيبأ كائنا ما كان وهذا يدل على معنيني حقيقيني أحدمها الكنوز املخبوأة يف بطون األرض واآلخر ىت تلتمس والنيب ال يأمر احلرث والغراس وجانب احلرث والغراس أرجح ألن مواضع الكنوز ال تعلم ح بذلك ألنه شيء جمهول غري معلوم فبقي املراد خببايا األرض ما حيرث ويغرس

وهذا احلديث مرخص يف ترك صالة اجلماعة ) إذا ابتلت النعال فالصالة يف الرحال ( وكذلك ورد قوله ر أنه أراد األحذية والوجه بسبب املطر وله تأويالن أحدمها أنه أراد نعال األرض وهو ما غلظ منها واآلخ

هو الثاين لظهوره يف الداللة على املعىن وأكثر العلماء عليه ولو كان املراد به غلظ من األرض خلرج عن هذا احلكم كل بلد تكون أرضه سهلة ال غلظ فيها

وأما مثال املعنيني اجملازيني فقول أيب متام ) وبلونا أبا سعيد قدميا ... قد بلونا أبا سعيد حديثا ( ) ورعيناه بارضا وجميما ... ووردناه ساحال وقليبا (

) صار الكرمي يدعى كرميا ... فعلمنا أن ليس إال بشق النفس ( ه أراد هبما الكثري والقليل بالنسبة إىل الساحل فالساحل والقليب يستخرج منهما تأويالن جمازيان أحدمها أن

والقليب واآلخر أنه أراد هبما السبب وغري السبب فإن الساحل ال حيتاج يف ورده إىل سبب والقليب حيتاج يف ورده إىل سبب وكال هذين املعنيني جماز فإن حقيقة الساحل والقليب غريمها والوجه هو الثاين ألنه أدل

ومدح املقول فيه أما بالغة القائل فالسالمة من هجنة التكرير باملخالفة بني صدر البيت على بالغه القائلوعجزه فإن عجزه يدل على القليل والكثري ألن البارض هو أول النبت حني يبدو فإذا كثر وتكاثف مسي

االته األربع يف تربعه مجيما فكأنه قال أخذنا منه تربعا ومسألة وقليال وكثريا وأما مدح املقول فيه فلتعداد ح وسؤاله وإكثاره وإقالله وما يف معاناة هذه األحوال من املشاق

فهذا ما يتعلق بالترجيح البالغي بني احلقيقة واحلقيقة وبني اجملاز واجملاز وبني احلقيقة واجملاز ن جهة الفصاحة أو وههنا ترجيح آخر ال يتعلق مبا أشرنا إليه إذ هو خارج عما تقتضيه املعاين اخلطابية م

البالغة وذلك أن يرجح بني معنيني أحدمها تام واآلخر مقدر أو يكون أحدمها مناسبا ملعىن تقدمه أو تأخر عنه واآلخر غري مناسب أو بأن ينظر يف الترجيح بينهما إىل شيء خارج عن اللفظ فمثال املعنيني املشار

Page 22: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

يتعداه وأما املقدر فهو الذي ال يدل عليه لفظه بل يستدل إليهما أن املعىن التام هو الذي يدل عليه لفظه وال عليه بقرينة أخرى وتلك القرينة قد تكون من توابعه وقد ال تكون

فهذا اللفظ يستخرج منه معنيان أحدمها تام واآلخر ) يف سائمة الغنم زكاة ( فمما جاء من ذلك قول النيب ئمة ال غري واملقدر داللته على سقوط الزكاة عن املعلوفة إال مقدر فالتام داللته على وجوب الزكاة يف السا

أنه ليس مفهوما من نفس اللفظ بل من قرينة أخرى هي كالتابعة له وهي أنه ملا خصت السائمة بالذكر دون املعلوفة علم من مفهوم ذلك أن املعلوفة ال زكاة فيها وللفقهاء يف ذلك جماذبات جدلية يطول الكالم فيها

هذا موضعها والذي يترجح عندي هو القول بفحوى املعىن املقدر وهو الذي يسميه الفقهاء مفهوم وليس اخلطاب

وله يف الشعر أشباه ونظائر فمما ورد من ذلك شعرا قول جزء بن كليب الفقعسي من شعراء احلماسة وقد خطب إليه ابن كوز ابنته

فرده ) ليستاد منا أن سنونا لياليا ... اسمها تبغى ابن كوز والسفاهة ك( ) غذا الناس مذ قام النبي الجواريا ... فال تطلبنها يا ابن كوز فإنه (

أن يزوجه وهذا البيت الثاين يشتمل على املعنيني التام واملقدر أما التام فإن ابن كوز سأل أبا هذه اجلاريةإياها يف سنة والسنة اجلدب فرده وقال قد غذا الناس البنات مذ قام النيب وأنا أيضا أغذو هذه ولوال ذلك لوأدهتا كما كانت اجلاهلية تفعل وفيه وجه آخر وهو أهنم كانوا يئدون البنات قبل اإلسالم فلما جاء النيب

أي يف النساء كثرة فتزوج بعضهن وخل ابنيت ) ا غذا الناس مذ قام النيب اجلواري( هنى عن ذلك فقوله وهذان املعنيان مها اللذان دل عليهما ظاهر اللفظ وأما املعىن املقدر الذي يعلم من مفهوم الكالم فإنه يقول

إن النيب أمر بإحياء البنات وهنى عن الوأد ولو أنكحتكها لكنت قد وأدهتا إذ ال فرق بني إنكاحك إياها ا ذم للمخاطب وهو معىن دقيق وجميء املعاين املستخرجة من املفهومة قليل من الشعر وبني وأدها وهذ

وأما ما يستدل عليه بقرينة ليست من توابعه فإن ذلك أدق من األول وألطف مأخذا فهذا يستخرج منه املعنيان ) من جعل قاضيا بني الناس فقد ذبح بغري سكني ( فمما ورد منه قول النيب

هما فالتام منهما يدل على أنه من جعل قاضيا فقد عرض نفسه خلطر عظيم كالذبح بغري سكني املشار إليوأما املقدر فإنه يدل على أنه من جعل قاضيا فقد أمر مبفارقة هواه وهذا ال يدل عليه اللفظ بنفسه بل

قضاة على يستدل عليه بقرينة أخرى ولكنها ليست من توابعه ووجه ذلك أن لفظ احلديث عام يشمل الاإلطالق وال خيلو إما أن يراد به عذاب اآلخرة أو عذاب الدنيا وال جيوز أن يكون املراد به عذاب اآلخرة

ألنه ليس كل قاض معذبا يف اآلخرة بل املعذب منهم قضاة السوء فوضح هبذا أن املراد باحلديث عذاب ال جيوز أن يكون صورة ألنا نرى اإلنسان الدنيا وعلى هذا فال خيلو إما أن يكون العذاب صورة أو معىن و

إذا جعل قاضيا ال يذبح وال يناله شيء من ذلك فبقي أن يكون املراد به عذابا معنويا وهو الذبح اجملازي

Page 23: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

غري احلقيقي وفحوى ذلك أن نفس اإلنسان مركبة على حب هواها فإذا جعل قاضيا فقد أمر بترك ما جبل واحلكم لصديقه على عدوه ورفع على حبه من االمتناع عن الرشوة

احلجاب بينه وبني الناس واجللوس للحكم يف أوقات راحته وغري ذلك من األشياء املكروهة اليت تشق على النفس وجتدد هلا أملا مربحا والذبح هو قطع احللقوم واألمل حاصل به وهو كالذبح احلقيقي بل أشد منه ألن

ينقضي ويزول وأمل قطع النفس عن هواها يدوم وال ينقضي وهو أمل الذبح احلقيقي يكون حلظة واحدة مثوفيها ( وقال يف نعيم أهل اجلنة ) وحيل بينهم وبني ما يشتهون ( أشد العذاب قال اهللا يف عذاب أهل النار

) ما تشتهي األنفس وتلذ األعني األهوال من أجله فإذا امتنع وكثريا ما رأينا ومسعنا من محله حب الشيء على إتالف نفسه يف طلبه وركوب

انتقلنا عن ( عنه مع حبه إياه فقد ذبح نفسه أي قطعها عنه كما يقطع الذابح حلق الذبيحة وهلذا قال النيب فسمى جهاد الكفار اجلهاد األصغر وجهاد النفس اجلهاد األكرب فكما أن ) اجلهاد األصغر إىل اجلهاد األكرب سيف فكذلك قطعها عن هواها ذبح بغري سكني وهذا موضع غامض جماهدة النفس عن هواها قتال بغري

والترجيح فيه خمتص بالوجه اآلخر الشتماله على املعىن املقصود وهو املراد من القضاة على اإلطالق وأما مثال املعنيني إذا كان أحدمها مناسبا ملعىن تقدمه أو ملعىن تأخر عنه واآلخر غري مناسب فاألول هو ما

فالدعاء ههنا ) ال جتعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا ( سبا ملعىن تقدمه كقوله تعاىل كان منايدل على معنيني أحدمها النهي أن يدعى الرسول بامسه فيقال يا حممد كما يدعو بعضهم بعضا بأمسائهم وإمنا

ه إذا دعاهم ألمر من األمور يقال له يا رسول اهللا أو يا نيب اهللا اآلخر النهي أن جيعلوا حضورهم عندكحضور بعضهم عند بعض بل يتأدبون معه بأن ال يفارقوا جملسه إال بإذنه وهذا الوجه هو املراد ملناسبة

إمنا املؤمنون الذين آمنوا باهللا ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع مل ( معىن اآلية اليت قبله وهو قوله تعاىل والتني والزيتون وطور ( الثاين وهو ما كان مناسبا ملعىن تأخر عنه فكقوله تعاىل وأما) يذهبوا حىت يستأذنوه

فالتني والزيتون مها هذا الشجر املعروف ومها امسا جبلني أيضا وتأويلهما باجلبلني أوىل ) سينني

للمناسبة بينهما وبني ما أتى بعدمها من ذكر اجلبل الذي هو الطور يف أبيات احلماسة وعلى هذا ورد قول الشاعر

) علي إلنسان من الناس درهما ... ولو كنت مولى قيس عيالن لم تجد ( ) فلست أبالي أن أدين وتغرما ... ولكنني مولى قضاعة كلها

ا أي أهنم كانوا يغنونه بعطائهم أن يدين أو أنه كان فإذا نظرنا إىل البيت األول وجدناه حيتمل مدحا وذمخياف الدين حذر أن ال يقوموا عنه بوفائه لكن البيت الثاين حقق أن األول ذم وليس مبدح فهذا املعىن ال

يتحقق فهمه إال بآخره ات ويف وهو اهللا يف السمو( وأما الذي يكون الترجيح فيه بسبب شيء خارج عن مفهوم اللفظ فقوله تعاىل

فهذا مستنبط منه معنيان أحدمها أن اهللا يعلم السر واجلهر يف السموات ) األرض يعلم سركم وجهركم واألرض ويف ذلك تقدمي وتأخري أي يعلم سركم وجهركم يف السموات ويف األرض واآلخر أنه يف

Page 24: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

ت مث يستأنف السموات وأنه يعلم السر واجلهر يف األرض من بين آدم ألن الوقف يكون على السمواالكالم فيقول يعلم سركم وجهركم يف األرض إال أن هذا مينع منه اعتقاد التجسيم وذلك شيء خارج عن

مفهوم اللفظ

الفصل اخلامس

يف جوامع الكلم

فالكلم مجع كلمة واجلوامع مجع جامعة واجلامعة اسم فاعلة من مجعت ) أوتيت جوامع الكلم ( قال النيب يف املذكر مجع فهو جامع واملراد بذلك أنه أويل الكلم اجلوامع للمعاين وهو عندي فهي جامعة كما يقال

ينقسم قسمني القسم األول منهما هو ما استخرجته ونبهت عليه ومل يكن ألحد فيه قول سابق وهو أن لنا يت على حكم ألفاظا تتضمن من املعىن ما ال تتضمنه أخواهتا مما جيوز أن يستعمل يف مكاهنا فمن ذلك ما يأ

اجملاز ومنه ما يأيت على حكم احلقيقة وهذا مل يسمع من أحد قبل رسول اهللا ) اآلن محي الوطيس ( أما ما يأيت على حكم اجملاز فقوله يوم حنني

ولو أتينا مبجاز غري ذلك يف معناه فقلنا استعرت احلرب ملا كان مؤديا من املعىن ما يؤديه محي الوطيس الوطيس هو التنور وهو موطن الوقود وجمتمع النار وذلك خييل إىل السامع أن هناك والفرق بينهما أن

صورة شبيهة بصورته يف محيها وتوقدها وهذا ال يوجد يف قولنا استعرت احلرب أو ما جرى جمراه ا فقوله نفس الساعة من العبارة العجيبة اليت ال يقوم غريها مقامه) بعثت يف نفس الساعة ( وكذلك قال

ألن املراد بذلك أنه بعث والساعة قريبة منه لكن قرهبا منه ال يدل على ما دل عليه النفس وذاك أن النفس يدل على أن الساعة منه حبيث حيس هبا كما حيس اإلنسان بنفس من هو إىل جانبه وقد قال يف موضع آخر

قال بعثت على قرب من الساعة أو ومجع بني إصبعيه السبابة والوسطى ولو ) بعثت أنا والساعة كهاتني ( والساعة قريبة مين ملا دل ذلك على ما دل عليه نفس الساعة وهذا ال حيتاج إىل اإلطالة يف بيانه ألنه بني

واضح وقد ورد شيء من ذلك يف أقوال الشعراء املفلقني ولقد تصفحت األشعار

ديوان من الدواوين ويلوح يل فيه قدميها وحديثها وحفظت ما حفظت منها وكنت إذا مررت بنظري يفمثل هذه األلفاظ أجد هلا نشوة كنشوة اخلمر وطربا كطرب األحلان وكثري من الناظمني والناثرين مير على

ذلك وال يتفطن له سوى أنه يستحسنه من غري نظر فيما نظرت أنا فيه ويظنه كغريه من األلفاظ املستحسنة فمما جاء من ذلك قول أيب متام

) منهم ألعباء الوغى حمال ... كم صارم عضب أناف على فتى ( ) وطن النهى من مفرق وقذال ... سبق املشيب إليه حتى ابتزه (

سد مسدها فقوله وطن النهى من الكلمات اجلامعة وهي عبارة عن الرأس وال جياء مبثلها يف معناها مما ي

Page 25: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

وكذلك ورد قول البحتري ) تمضي األمور ونفس لهوها التعب ... قلب يطل على أفكاره ويد (

فقوله قلب يطل على أفكاره من الكلمات اجلوامع ومراده بذلك أن قلبه ال متلؤه األفكار وال حتيط به وإمنا فاله هو عال عليها يصف بذلك عدم احت

بالقوادح وقلة مباالته باخلطوب اليت حتدث أفكارا تستغرق القلوب وهذه عبارة عجيبة ال يؤمن مبثلها مما يسد مسدها

وأما ما يأيت على حكم احلقيقة فكقول ابن الرومي ) تقطع من أقرانها ما تقطعا ... سقى اهللا أوطارا لنا ومآربا ( ) بلهنية أقضي بها الحول أجمعا ... ال تنسيني الليالي حسابها لي( ) وأعمل فيه اللهو مرأى ومسمعا ... سوى غرة ال أعرف اليوم باسمه (

ت عن معرفة الليايل واأليام ولو فقوله ال أعرف اليوم بامسه من الكلمات اجلامعة أي أين قد شغلت باللذا وصف اشتغاله باللذات مهما وصف مل يأت مبثل قوله ال أعرف اليوم بامسه

وأما القسم الثاين من جوامع الكلم فاملراد به اإلجياز الذي يدل به باأللفاظ القليلة على املعاين الكثرية أي أن وجل كالمه جار هذا اجملرى فال حيتاج إىل ضرب ألفاظه جامعة للمعاين املقصودة على إجيازها واختصارها

األمثلة به وسيأيت يف باب اإلجياز منه ما فيه كفاية ومقنع فإن قيل فما الفرق بني هذين القسمني اللذين ذكرهتما فإهنما يف النظر سواء

عىن وال يشترط قلت يف اجلواب إن اإلجياز هو أن يؤتى بألفاظ دالة على معىن من غري أن تزيد على ذلك امليف تلك األلفاظ أهنا ال نظري هلا فإهنا تكون قد اتصفت بوصف آخر خارج عن وصف اإلجياز وحينئذ يكون

إجيازا وزيادة وأما

هذا القسم اآلخر فإنه ألفاظ أفراد يف حسنها ال نظري هلا فتارة تكون موجزة وتارة ال تكون موجزة وليس كاهنا من احلسن الذي ال نظري هلا فيه أال ترى إىل قول أيب متام وطن النهي الغرض منها اإلجياز وإمنا الغرض م

فإن ذلك عبارة عن الرأس وال شك أن الرأس أوجز ألن الرأس لفظة واحدة ووطن النهي لفظتان إال أن وطن النهي أحسن يف التعبري عن الرأس من الرأس فبان هبذا أن أحد هذين القسمني غري اآلخر

دسالفصل السا

يف احلكمة اليت هي ضالة املؤمن واملراد بذلك أن احلكمة قد يستفيدها أهلها من ) احلكمة ضالة املؤمن فهو أحق هبا إذا وجدها ( قال النيب

غري أهلها كما يقال رب رمية من غري رام وهذا ال خيص علما واحدا من العلوم بل يقع يف كل علم

Page 26: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

يان من الفصاحة والبالغة دون غريه ومذ مسعت هذا اخلرب النبوي واملطلوب منه ههنا هو ما خيص علم البجعلت كدي يف تتبع أقوال الناس يف مفاوضاهتم وحماوراهتم فإنه قد تصدر األقوال البليغة واحلكم واألمثال ممن ال يعلم مقدار ما يقوله فاستفدت بذلك فوائد كثرية ال أحصرها عددا وأنا أذكر منها طرفا يستدل به

أشباهه ونظائره علىفمن ذلك أين سرت يف بعض الطرق ويف صحبيت رجل بدوي من األنباط ال يعتد بقوله فكان يقول غدا

ندخل البلد وتشتغل عين وكان األمر كما قال فدخلت مدينة حلب وشغلت عنه أياما مث لقيين فقال يل من اليت هي الضالة املطلوبة عند مؤمين تروى فترت عظامه وهذا القول من األقوال البليغة وهي من احلكمة

الفصاحة والبالغة مث إين مسعت منه بعد ذلك شيئا يناسب قول األول فإين سفرت له إىل صاحب يف حلب يف شيء أخذته منه

فاستقله وقال املاء أروى لشدوق النيب وهذا أيضا من احلكمة يف باهبا رجل بدوي وسافرت مرة أخرى على طريق املناظر وكان يف صحبيت

فسألته عن مسافة ما بني تدمر وأراك فقال إذا خرج سرحامها تالقيا فعرب عن قرب املسافة بينهما بأوجز عبارة وأبلغها

مث سألته ليلة من الليايل عن الصبح لنرحتل من موضعنا فقال قد ظهر الصبح إال أنه مل ميلك اإلنسان بصره وهذا القول من احلكمة أيضا

غالما من غلماين بدمشق فوقعت املرأة منه مبوقع وشغف هبا مث إين سافرت عن دمشق ملهم وكان تزوج عرض يل وسافر ذلك الغالم يف صحبيت فلما عدنا من السفر شغل بامرأته واملقام عندها فسألته عن حاله

ك مل فقال إهنا قد طالت وحسنت وهي كذا وكذا وأخذ يصفها فقال أخ له كان حاضرا يا موالي هي تلتزد شيئا وإمنا هي يف عينه جبار من اجلبابرة وهذا القول قد ورد يف بعض أبيات احلماسة وهو معدود من

أبيات املعاين ) علي ولكن ملء عين حبيبها ... أهابك إجالال وما بك قدرة (

فكثريا ما يصدر مثل هذه األقوال عن ألسنة اجلهال ت ما جيري هذا اجملرى من بعض العبيد األحابيش الذين ال يستطيعون تقومي صيغ األلفاظ فضال عما ومسع

وراء ذلك وذاك أنه رأى صبيا يف يده طاقة رحيان فقال هذه طاقة آس حتمل طاقة رحيان فلما مسعت ذلك و قوله منه أخذتين هزة التعجب وذكرت شعر أيب نواس الذي تواصفه الناس يف هذا املعىن وه

) يف كفه اليمنى فحيانا ... ووردة جاء بها شادن ( ) ريحانة تحمل ريحانا ... سبحت ربي حني أبصرتها (

وحضر عندي يف بعض األيام رجل نصراين موسوم بالطب وكان ال حيسن

سيء العبارة فسألته عن زيارة شخص وهل يتردد إليه أم ال فقال أن يقول كلمة واحدة وهو أقلف اللسان يظالم الليل يهديين إىل باب من أوده وضوء النهار يضل يب عن باب من ال أوده وهذا من ألطف املعاين

Page 27: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

وأحسنها وهو من احلكمة املطلوبة له وكان توالت وكنت قصدت زيارة بعض األخوان من األجناد وهو من األغتام األعجام فسألته عن حا

عليه نكبات طالت أيامها وعظمت آالمها فقال يل يف اجلواب ما معناه إنه مل يبق عندي ارتياع لوقوع نائبة من النوائب وهذا معىن لو أتى به شاعر مفلق أو كاتب بليغ الستحسن منه غاية االستحسان

ن قبالة العدو الكافر من الفرنج وكنت يف سنة مثان ومثانني ومخسمائة بأرض فلسطني يف اجليش الذي كالعنهم اهللا وتقابل الفريقان على مدينة يافا وكان إىل جانيب ثالثة فرسان من املسلمني فتعاقدوا على احلملة إىل حنو العدو فلما محلوا صدق منهم اثنان وتلكأ واحد فقيل له يف ذلك فقال املوت طعام ال جتشه املعدة

تها وإذا هي صادرة عن رجل من أهل بصرى فدم من األفدام فلما مسعت هذه الكلمة استحسنولو أخذت يف ذكر ما مسعته من هذا ألطلت وإمنا دللت بيسري ما ذكرته على املراد وهو أنه جيب على

املتصدي للشعر واخلطابة أن يتتبع أقوال الناس

ج ذلك بفكره ألعجزه يف حماوراهتم فإنه ال يعدم مما يسمعه منهم حكما كثرية ولو أراد استخرا وحيكى عن أيب متام أنه ملا نظم قصيدته البائية اليت أوهلا

... ) على مثلها من أربع ومالعب ( انتهى منها إىل قوله

) كسته يد املأمول حلة خائب ... يرى أقبح األشياء أوبة آمل ( مث قال

... ) ن من نور يفتحه الصبا وأحس( ووقف عند صدر هذا البيت يردده وإذا سائل يسأل على الباب وهو يقول من بياض عطاياكم يف سواد

مطالبنا فقال أبو متام ... ) بياض العطايا يف سواد املطالب (

فأمت صدر البيت الذي كان يردده من كالم السائل مرأة قد تويف هلا ولد وهو بكرها الذي هو أول أوالدها فقالت كيف ال أحزن لذهابه وهو أول ومسعت ا

درهم وقع يف الكيس فأخذت أنا هذا املعىن وأودعته كتابا من كتيب يف التعازي وهو كتاب كتبته إىل بعض دته حلوادث الليل اإلخوان وقد تويف بكره من األوالد فقلت وهو أول درهم ادخرته يف كيس االدخار وأعد

والنهار

وبلغين عن الشيخ أيب حممد بن أمحد املعروف بابن اخلشاب البغدادي وكان إماما يف علم العربية وغريه فقيل إنه كان كثريا ما يقف على حلق القصاص واملشعبذين فإذا أتاه طلبة العلم ال جيدونه يف أكثر أوقاته إال

الناس يف العلم وما الذي يبعثك على الوقوف هبذه املواقف الرذيلة هناك فليم على ذلك وقيل له أنت إمامفقال لو علمتم ما أعلم ملا ملتم ولطاملا استفدت من هؤالء اجلهال فوائد كثرية فإنه جتري يف ضمن هذياهنم

Page 28: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

رأيته معان غريبة لطيفة ولو أردت أنا وغريي أن نأيت مبثلها ملا استطعنا ذلك وال شك أن هذا الرجل رأى ما ونظر إىل ما نظرت إليه

الفصل السابع

يف احلقيقة واجملاز

وهذا الفصل مهم كبري من مهمات علم البيان ال بل هو علم البيان بأمجعه فإن يف تصريف العبارات على األسلوب اجملازي فوائد كثرية وسريد بياهنا يف مواضعها من هذا الكتاب إن شاء اهللا تعاىل وقد نبهنا يف هذا

ملوضع على مجلتها دون تفصيلها ا فأما احلقيقة فهي اللفظ الدال على موضوعه األصلي

وأما اجملاز فهو ما أريد به غري املعىن املوضوع له يف أصل اللغة وهو مأخوذ من جاز من هذا املوضع إىل هذا شباههما وحقيقته هي االنتقال املوضع إذا ختطاه إليه فاجملاز إذا اسم للمكان الذي جياز فيه كاملعاج واملزار وأ

من مكان إىل مكان فجعل ذلك لنقل األلفاظ من حمل إىل حمل كقولنا زيد أسد فإن زيدا إنسان واألسد هو هذا احليوان املعروف وقد جزنا من اإلنسانية إىل األسدية أي عربنا من هذه إىل هذه لوصلة بينهما وتلك

لغري وصلة وذلك هو االتساع كقوهلم يف كتاب كليلة ودمنة الوصلة هي صفة الشجاعة وقد يكون العبور قال األسد وقال الثعلب فإن القول ال وصلة بينه وبني هذين حبال من األحوال وإمنا أجرى عليهما اتساعا

حمضا ال غري وهلذا مثال يف اجملاز احلقيقي الذي هو املكان اجملاز فيه فإنه ال خيلو إما أن جياز من سهل إىل أو من وعر إىل وعر أو سهل إىل وعر فاجلواز من سهل إىل سهل أو من وعر إىل وعر هو كقولنا زيد سهل

أسد فاملشاهبة احلاصلة يف ذات بينهما كاملشاهبة احلاصلة يف املكان واجلواز من سهل إىل وعر كقوهلم قال األسد وقال

هبة بني السهل والوعر وسيأيت كشف الثعلب فكما أنه ال مشاهبة بني القول وبني هذين فكذلك ال مشا الغطاء عن ذلك وإشباع القول يف حتقيقه يف باب االستعارة فليؤخذ من هناك

وقد ذهب قوم إىل أن الكالم كله حقيقة ال جماز فيه وذهب آخرون إىل أنه كله جماز ال حقيقة فيه وكال هذين املذهبني فاسد عندي

وسأجيب اخلصم عما ادعاه فيهما فأقول حمل النزاع هو أن اللغة كلها حقيقة أو أهنا كله جماز وال فرق عندي بني قولك إهنا كلها حقيقة أو إهنا كلها جماز فإن كال الطرفني عندي سواء ألن منكرمها غري مسلم هلما وأنا بصدد أن أبني أن يف اللغة حقيقة وجمازا

اين وليست باحلقيقة اليت هي ذات الشيء أي نفسه واحلقيقة اللغوية هي حقيقة األلفاظ يف داللتها على املعوعينه فاحلقيقة اللفظية إذا هي داللة اللفظ على املعىن املوضوع له يف أصل اللغة واجملاز هو نقل املعىن عن

اللفظ املوضوع له إىل لفظ آخر غريه

Page 29: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

وتقرير ذلك بأن أقول كل منها بامسه من أجل التفاهم بني الناس وهذا املخلوقات كلها تفتقر إىل أمساء يستدل هبا عليها ليعرف

يقع ضرورة ال بد منها فاالسم املوضوع بإزاء املسمى هو حقيقة له فإذا نقل إىل غريه صار جمازا ومثال ذلك أنا إذا قلنا مشس أردنا به هذا الكوكب العظيم الكثري الضوء وهذا االسم له حقيقة ألنه وضع بإزائه

ردنا به هذا املاء العظيم اجملتمع الذي طعمه ملح وهذا االسم له حقيقة ألنه وضع وكذلك إذا قلنا حبر أبإزائه فإذا نقلنا الشمس إىل الوجه املليح استعارة كان ذلك له جمازا ال حقيقة وكذلك إذا نقلنا البحر إىل

الرجل اجلواد استعارة كان ذلك له جمازا ال حقيقة مشس وهو حقيقة فيه وكذلك البحر يقال للرجل اجلواد وهو حقيقة فيه فإن قيل إن الوجه املليح يقال له

فاجلواب عن ذلك من وجهني أحدمها نظري واآلخر وضعي أما النظري فهو أن األلفاظ إمنا جعلت أدلة على إفهام املعاين ولو كان ما ذهبت إليه صحيحا لكان البحر

واد باالشتراك وكذلك الشمس أيضا فإهنا كانت تطلق يطلق على هذا املاء العظيم امللح وعلى الرجل اجلعلى هذا الكوكب العظيم الكثري الضوء وعلى الوجه املليح باالشتراك وحينئذ فإذا ورد أحد هذين اللفظني مطلقا بغري قرينة ختصصه فال يفهم املراد به ما هو من أحد املعنيني املشتركني املندرجني حتته وحنن نرى األمر

فإنا إذا قلنا مشس أو حبر وأطلقنا القول ال يفهم من ذلك وجه مليح وال رجل جواد وإمنا يفهم خبالف ذلك منه ذلك الكوكب املعلوم وذلك املاء املعلوم ال غري فبطل إذا ما ذهبت إليه مبا بيناه وأوضحناه

منه إال إىل اجملاز دون فإن قلت إن العرف خيالف ما ذهبت إليه فإن من األلفاظ ما إذا أطلق مل يذهب الفهم احلقيقة كقوهلم الغائط فإن العرب خصص ذلك بقضاء احلاجة دون غريه من املطمئن من األرض

قلت يف اجلواب هذا شيء ذهب إليه الفقهاء وليس األمر كما ذهبوا إليه ألنه إن كان إطالق اللفظ فيه بني فهؤالء ال يفهمون من الغائط إال قضاء عامة الناس من إسكاف وحداد وجنار وخباز ومن جرى جمراهم

احلاجة ألهنم مل يعلموا أصل وضع هذه الكلمة وأهنا مطمئن من األرض وأما خاصة الناس الذين يعلمون أصل الوضع فإهنم ال يفهمون عند إطالق اللفظ إىل احلقيقة ال غري أال ترى أن هذه اللفظة ملا وردت يف

أو جاء أحد منكم من ( جة قرنت بألفاظ تدل على ذلك كقوله تعاىل القرآن الكرمي وأريد هبا قضاء احلادليل على أنه أراد قضاء احلاجة دون املطمئن من ) أو جاء أحد منكم من الغائط ( فإن قوله ) الغائط

األرض فالكالم يف هذا وأمثاله إمنا هو مع علم أصل الوضع حقيقة والنقل عنه جمازا وأما اجلهال فال اعتبار وال اعتداد بأقواهلم هبم

والعجب عندي من الفقهاء الذين دونوا ذلك على ما دونوه وذهبوا إىل ما ذهبوا إليه

وأما الوجه الوضعي فهو أن املرجع يف هذا وما جيري جمراه إىل أصل اللغة اليت هي وضع األمساء على واد يسمى حبرا وإمنا أهل اخلطابة املسميات ومل يوجد فيها أن الوجه املليح يسمى مشسا وال أن الرجل اجل

والشعر توسعوا يف األساليب املعنوية فنقلوا احلقيقة إ ىل اجملاز ومل يكن ذلك من واضع اللغة يف أصل الوضع وهلذا اختص كل منهم بشيء اخترعه يف التوسعات اجملازية

Page 30: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

فرس بقوله قيد األوابد ومل هذا امرؤ القيس قد اخترع شيئا مل يكن قبله فمن ذلك أنه أول من عرب عن ال يسمع ذلك ألحد من قبله

وأراد بذلك شدة احلرب فإن الوطيس يف أصل ) اآلن محي الوطيس ( وقد روي عن النيب أنه قال يوم حنني الوضع هو التنور فنقل إىل احلرب استعارة ومل يسمع هذا اللفظ على هذا الوجه من غري النيب

لك فعلمنا حينئذ أن من اللغة حقيقة بوضعه وجمازا بتوسعات أهل اخلطابة وواضع اللغة ما ذكر شيئا من ذ والشعر

ويف زماننا هذا قد خيترعون أشياء من اجملاز على حكم االستعارة مل تكن من قبل ولو كان هذا موقوفا من جهة واضع اللغة ملا اخترعه أحد من بعده وال زيد فيه وال نقص منه

حلقيقة فهو أن احلقيقة جارية على العموم يف نظائر أال ترى أنا إذا قلنا فالن عامل صدق وأما الفرق بينه وبني األنه ال يصح إال يف بعض اجلمادات دون بعض إذ املراد أهل ) واسأل القرية ( على كل ذي علم خبالف

القرية

يقال واسأل الربع ألهنم ممن يصح السؤال هلم وال جيوز أن يقال واسأل احلجر والتراب وقد حيسن أن والطلل

واعلم أن كل جماز فله حقيقة ألنه مل يصح أن يطلق عليه اسم اجملاز إال لنقله عن حقيقة موضوعة له إذ اجملاز هو اسم للموضع الذي ينتقل فيه من مكان إىل مكان فجعل ذلك لنقل األلفاظ من احلقيقة إىل غريها

عنها إىل حالته اجملازية فكذلك ليس من ضرورة كل حقيقة أن وإذا كان كل جماز ال بد له من حقيقة نقل يكون هلا جماز فإن من األمساء ما ال جماز له كأمساء األعالم ألهنا وضعت للفرق بني الذوات ال للفرق بني

الصفات وكذلك فاعلم أن اجملاز أوىل باالستعمال من احلقيقة يف باب الفصاحة والبالغة ألنه لو مل يكن كذلك

كانت احلقيقة اليت هي األصل أوىل منه حيث هو فرع عليها وليس األمر كذلك ألنه قد ثبت وحتقق أن لفائدة الكالم اخلطايب هو إثبات الغرض املقصود يف نفس السامع بالتخييل والتصوير حىت يكاد ينظر إليه

لني يف التصوير والتخييل عيانا أال ترى أن حقيقة قولنا زيد أسد هي قولنا زيد شجاع لكن فرق بني القو وإثبات الغرض املقصود يف نفس السماع ألن قولنا

زيد شجاع ال يتخيل منه السامع سوى أنه رجل جريء مقدام فإذا قلنا زيد أسد خييل عند ذلك صورة األسد وهيئته وما عنده من البطش والقوة ودق الفرائس وهذا ال نزاع فيه

هنا تنقل السامع عن خلقه الطبيعي يف بعض األحوال حىت إهنا ليسمح هبا وأعجب ما يف العبارة اجملازية أالبخيل ويشجع هبا اجلبان وحيكم هبا الطائش املتسرع وجيد املخاطب هبا عند مساعها نشوة كنشوة اخلمر حىت إذا قطع عنه ذلك الكالم أفاق وندم على ما كان منه من بذل مال أو ترك عقوبة أو إقدام على أمر

ل وهذا هو فحوى السحر احلالل املستغين عن إلقاء العصا واحلبال مهوواعلم أنه إذا ورد عليك كالم جيوز أن حيمل معناه على طريق احلقيقة وعلى طريق اجملاز باختالف لفظه

Page 31: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

فانظر فإن كان ال مزية ملعناه يف محله على طريق اجملاز فال ينبغي أن حيمل إال على طريق احلقيقة ألهنا هي األصل واجملاز هو الفرع وال يعدل عن األصل إىل الفرع إال لفائدة

مثال ذلك قول البحتري ) ذرى أجإ ظلت وأعالمها وهد ... مهيب كحد السيف لو ضربت به (

اجملاز ألن احلقيقة ويروى أيضا لو ضربت به طلى أجإ مجع طلية وهي العنق فهذا البيت ال جيوز محله على أوىل به أال ترى أن الذرى مجع ذروة وهو أعلى الشيء يقال ذروة اجلبل أعاله والطلى مجع طلية وهي العنق

والعنق أعلى اجلسد وال فرق بينهما يف صفة العلو هنا فال يعدل إذا إىل اجملاز إذ ال مزية له على احلقيقة جملرى فإنه إن مل يكن يف اجملاز زيادة فائدة على احلقيقة ال يعدل وهكذا كل ما جييء من الكالم اجلاري هذا ا

إليه

الفصل الثامن

يف الفصاحة والبالغة

اعلم أن هذا باب متعذر على الواجل ومسلك متوعر على الناهج ومل يزل العلماء من قدمي الوقت وحديثه لقليل يكثرون القول فيه والبحث عنه ومل أجد من ذلك ما يعول عليه إال ا

وغاية ما يقال يف هذا الباب إن الفصاحة هي الظهور والبيان يف أصل الوضع اللغوي يقال أفصح الصبح إذا ظهر مث إهنم يقفون عند ذلك وال يكشفون عن السر فيه

وهبذا القول ال تتبني حقيقة الفصاحة ألنه يعترض عليه بوجوه من االعتراضات ا بينا مل يكن فصيحا مث إذا ظهر وتبني صار فصيحا أحدها أنه إذا مل يكن اللفظ ظاهر

الوجه اآلخر أنه إذا كان اللفظ الفصيح هو الظاهر البني فقد صار ذلك بالنسب واإلضافات إىل األشخاص فإن اللفظ قد يكون ظاهرا لزيد وال يكون ظاهرا لعمرو فهو إذا فصيح عند هذا وغري فصيح عند هذا

يح عند اجلميع ال خالف فيه حبال من األحوال ألنه إذا حتقق حد الفصاحة وليس كذلك بل الفصيح هو فص وعرف ما هي مل يبق يف اللفظ الذي خيتص به خالف

الوجه اآلخر أنه إذا جيء بلفظ قبيح ينبو عنه السمع وهو مع ذلك ظاهر بني ينبغي أن يكون فصيحا وليس كذلك ألن الفصاحة وصف حسن اللفظ ال وصف قبح

العتراضات الثالثة واردة على قول القائل إن اللفظ الفصيح هو الظاهر البني من غري تفصيل فهذه ا

وملا وقفت على أقوال الناس يف هذا الباب ملكتين احلرية فيها ومل يثبت عندي منها ما أعول عليه ولكثرة ق القول فيه فأقول إن مالبسيت هذا الفن ومعاركيت إياه انكشف يل السر فيه وسأوضحه يف كتايب هذا وأحق

الكالم الفصيح هو الظاهر البني وأعين بالظاهر البني أن تكون ألفاظه مفهومة ال حيتاج يف فهمها إىل استخراج من كتاب لغة وإمنا كانت هبذه الصفة ألهنا تكون مألوفة االستعمال بني أرباب النظم والنثر دائرة

Page 32: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

ة يف الكالم دون غريها من األلفاظ ملكان حسنها وذلك أن يف كالمهم وإمنا كانت مألوفة االستعمال دائرأرباب النظم والنثر غربلوا اللغة باعتبار ألفاظها وسربوا وقسموا فاختاروا احلسن من األلفاظ فاستعملوه

ونفووا القبيح منها فلم يستعملوه فحسن األلفاظ سبب استعماهلا دون غريها واستعماهلا دون غريها سبب هنا فالفصيح إذا من األلفاظ هو احلسن ظهورها وبيا

فإن قيل من أي وجه علم أرباب النظم والنثر احلسن من األلفاظ حىت استعملوه وعلموا القبيح منها حىت نفوه ومل يستعملوه

قلت يف اجلواب إن هذا من األمور احملسوسة اليت شاهدها من نفسها ألن األلفاظ داخلة يف حيز األصوات السمع منها ومييل إليه هو احلسن والذي يكرهه وينفر عنه هو القبيح أال ترى أن السمع فالذي يستلذه

يستلذ صوت البلبل من الطري وصوت الشحرور ومييل إليهما ويكره صوت الغراب وينفر عنه وكذلك ظة املزنة يكره هنيق احلمار وال جيد ذلك يف صهيل الفرس واأللفاظ جارية هذا اجملرى فإنه ال خالف يف أن لف

والدمية حسنة يستلذها السمع وأن لفظة البعاق قبيحة يكرهها السمع وهذه اللفظات الثالثة من صفة املطر وهي تدل على معىن واحد ومع هذا فإنك ترى لفظيت املزنة والدمية وما جرى جمرامها مألوفة االستعمال

فإمنا يستعمله جاهل حبقيقة الفصاحة أو وترى لفظ البعاق وما جرى جمراه متروكا ال يستعمل وإن استعمل من ذوقه غري ذوق سليم ال جرم

أنه ذم وقدح فيه ومل يلتفت إليه وإن كان عربيا حمضا من اجلاهلية األقدمني فإن حقيقة الشيء إذا علمت وجب الوقوف عندها ومل يعرج على ما خرج عنها

ا كان ظاهرا بينا ألنه مألوف االستعمال وإمنا كان وإذن ثبت أن الفصيح من األلفاظ هو الظاهر البني وإمنمألوف االستعمال ملكان حسنه وحسنه مدرك بالسمع والذي يدرك بالسمع إمنا هو اللفظ ألنه صوت

يأتلف عن خمارج احلروف فما استلذه السمع منه فهو احلسن وما كرهه فهو القبيح واحلسن هو املوصوف حة ألنه ضدها ملكان قبحه وقد مثلت ذلك يف املثال املتقدم بلفظة بالفصاحة والقبيح غري موصوف بفصا

املزنة والدمية ولفظة البعاق ولو كانت الفصاحة ألمر يرجع إىل املعىن لكانت هذه األلفاظ يف الداللة عليه سواء ليس منها حسن ومنها قبيح وملا مل يكن كذلك علمنا أهنا ختص اللفظ دون املعىن

أن يقول ال لفظ إال مبعىن فكيف فصلت أنت بني اللفظ واملعىن فإن مل أفصل بينهما وإمنا وليس لقائل ههنا خصصت اللفظ بصفة هي له واملعىن جييء فيه ضمنا وتبعا

الوجه الثاين أن وزن فعيل هو اسم فاعل من فعل بفتح الفاء وضم العني حنو كرم فهو كرمي وشرف فهو بابه وعلى هذا فإن اللفظ الفصيح هو اسم فاعل من فصح فهو شريف ولطف فهو لطيف وهذا مطرد يف

فصيح واللفظ هو الفاعل لإلبانة عن املعىن فكانت الفصاحة خمتصة به فإن قيل إنك قلت إن الفصيح من األلفاظ هو الظاهر البني أي املفهوم ونرى من آيات القرآن ما ال يفهم ما

اآليات فصيحة ال حمالة وهذا خبالف ما ذكرته تضمنه من املعىن إال باستنباط وتفسري وتلكقلت ألن اآليات اليت تستنبط وحتتاج إىل تفسري ليس شيء منها إال ومفردات ألفاظه كلها ظاهرة واضحة

Page 33: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

وإمنا التفسري يقع يف غموض املعىن من جهة التركيب ال من جهة ألفاظه املفردة ألن معىن املفردة يتداخل ختصه وهذا ليس قدحا يف فصاحة تلك األلفاظ ألهنا إذا اعتربت لفظة لفظة بالتركيب ويصري له هيئة

وجدت كلها فصيحة أي ظاهرة واضحة

وأعجب ما يف ذلك أن تكون األلفاظ املفرة اليت تركبت منها املركبة واضحة كلها وإذا نظر إليها مع يف األخبار النبوية واألشعار التركيب احتاجت إىل استنباط وتفسري وهذا ال خيتص به القرآن وحده بل

واخلطب واملكاتبات كثري من ذلك صومكم يوم تصومون وفطركم يوم تفطرون ( وسأورد ههنا منه شيئا فأقول قد ورد عن النيب أنه قال

وهذا الكالم مفهومة مفردات ألفاظه ألن الصوم والفطر واألضحى مفهوم كله ) وأضحاكم يوم تضحون ن غري فكرة قيل علمنا أن صومنا يوم نصوم وفطرنا يوم نفطر وأضحانا يوم نضحي وإذا مسع هذا اخلرب م

فما الذي أعلمنا به مما مل نعلمه وإذا أمعن الناظر نظره فيه علم أن معناه حيتاج إىل استنباط واملراد به أن إذا ح وأوله هو اجتمع الناس على أن أول شهر رمضان يوم كذا ومل يكن ذلك اليوم أوله فإن الصوم صحي

ذلك اليوم الذي اجتمع الناس إليه وكذا يقال يف يوم الفطر ويوم األضحى وهلذا اخلرب املشار إليه أشباه كثرية تفهم معاين ألفاظها املفردة وإذا تركبت حتتاج يف فهمها إىل استنباط

وأما ما ورد من ذلك شعرا فكقول أيب متام ) وأضاء منها كل شيء مظلم ... دونها ولهت فأظلم كل شيء (

فإن الوله والظلمة واإلضاءة كل ذلك مفهوم املعىن لكن البيت جبملته حيتاج يف فهمه إىل استنباط واملراد به أهنا وهلت فأظلم ما بيين وبينها ملا نالين من اجلزع لوهلها كما يقول اجلازع أظلمت األرض علي أي أين

كاألعمى الذي ال يبصر وأما قوله وأضاء منها كل شيء مظلم أي وضح يل منها ما كان مستترا عين صرت من حبها إياي

وكذلك ورد قول أيب عبادة البحتري يف منهزم ) وكان الصديق بكرة ذلك السهب ... إذا سار سهبا عاد ظهرا عدوه (

هب والظهر والعدو والصديق كل ذلك مفهوم املعىن لكن البيت مبجموعه حيتاج معناه إىل فإن السري والساستنباط واملراد أن هذا املنهزم يرى ما بني يديه حمبوبا إليه وما خلفه مكروها عنده ألنه يطلب النجاة فيؤثر

وقبل أن يقطعه كان له البعد مما خلفه والقرب مما أمامه فإذا قطع سهبا وخلفه وراءه صار عنده كالعدو صديقا أي يطلب لقاءه وحيب الدنو منه

فانظر أيها املتأمل إىل ما ذكرته من هذه األمثلة حىت يثبت عندك ما أردت بيانه وأما البالغة فإن أصلها يف وضع اللغة من الوصول واالنتهاء يقال بلغت املكان إذا انتهيت إليه ومبلغ

غا من ذلك أي أنه قد بلغ األوصاف اللفظية واملعنوية الشيء منتهاه ومسي الكالم بليوالبالغة شاملة لأللفاظ واملعاين وهي أخص من الفصاحة كاإلنسان من احليوان فكل إنسان حيوان وليس

Page 34: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

كل حيوان إنسانا وكذلك يقال كل كالم بليغ فصيح وليس كل كالم فصيح بليغا اص والعام وهو أهنا ال تكون ويفرق بينها وبني الفصاحة من وجه آخر غري اخل

إال يف اللفظ واملعىن بشرط التركيب فإن اللفظة الواحدة ال يطلق عليها اسم البالغة ويطلق عليها اسم الفصاحة إذ يوجد فيها الوصف املختص بالفصاحة وهو احلسن

وأما وصف البالغة فال يوجد فيها خللوها من املعىن املفيد الذي ينتظم كالما تتعلق هبذا الفصل مسألة

هل أخذ علم البيان من ضروب الفصاحة والبالغة باالستقراء من أشعار العرب أم بالنظر وقضية العقل اجلواب عن ذلك أنا نقول مل يؤخذ علم البيان باالستقراء فإن العرب الذين ألفوا الشعر واخلطب ال خيلو

الفصاحة والبالغة بالنظر وقضية العقل أو أخذوه أمرهم من حالني إما أهنم ابتدعوا ما أتوا به من ضروب باالستقراء ممن كان قبلهم

فإن كانوا ابتدعوه عند وقوفهم على أسرار اللغة ومعرفة جيدها من رديئها وحسنها من قبيحها فذلك هو الذي أذهب إليه

يستقره فإن كل لغة من وإن كانوا أخذوه باالستقراء ممن كان قبلهم فهذا يتسلسل إىل أول من ابتدعه ومل اللغات ال ختلو من وصفي الفصاحة والبالغة املختصني باأللفاظ واملعاين إال أن للغة العربية مزية على غريها

ملا فيها من التوسعات اليت ال توجد يف لغة أخرى سواها مسألة أخرى تتعلق هبذا الفصل أيضا

النحو أم ال هل علم البيان من الفصاحة والبالغة جار جمرى علماجلواب عن ذلك أنا نقول الفرق بينهما ظاهر وذاك أن أقسام النحو أخذت من واضعها بالتقليد حىت لو

عكس القضية فيها جلاز له ذلك وملا كان العقل يأباه وال ينكره فإنه لو جعل الفاعل منصوبا واملفعول ا علم البيان من الفصاحة والبالغة فليس مرفوعا قلد يف ذلك كما قلد يف رفع الفاعل ونصب املفعول وأم

كذلك ألنه استنبط بالنظر وقضية العقل من غري واضع اللغة ومل يفتقر فيه إىل التوقيف

منه بل أخذت ألفاظ ومعان على هيئة خمصوصة وحكم هلا العقل مبزية من احلسن ال يشاركها فيها غريها للغات يعلم أن إخراج املعاين يف ألفاظ حسنة رائقة فإن كل عارف بأسرار الكالم من أي لغة كانت من ا

يلذها السمع وال ينبو عنها الطبع خري من إخراجها يف ألفاظ قبيحة مستكرهة ينبو عنها السمع ولو أراد واضع اللغة خالف ذلك ملا قلدناه

النظر أن الفاعل فإن قيل لو أخذت أقسام النحو بالتقليد من واضعها ملا أقيمت األدلة عليها وعلم بقضية يكون مرفوعا واملفعول منصوبا

فاجلواب عن ذلك أنا نقول هذه األدلة واهية ال تثبت على حمك اجلدل فإن هؤالء الذين تصدوا إلقامتها مسعوا عن واضع اللغة رفع الفاعل ونصب املفعول من غري دليل أبداه هلم فاستخرجوا لذلك أدلة وعلال

احلكمة اليت دعت الواضع إىل رفع الفاعل ونصب املفعول هي اليت ذكروها وإال فمن أين علم هؤالء أن

Page 35: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

الفصل التاسع

يف أركان الكتابة

اعلم أن للكتابة شرائط وأركانا أما شرائطها فكثرية وهذا التأليف موضوع جملموعها وللقسم اآلخر من الكالم املنظوم وليس يلزم الكاتب

يأيت بكل نوع من أنواعها يف موضعه الذي يليق به كما أريناه فيما يأيت أن يأيت باجلميع يف كتاب واحد بل من هذا التأليف

وأما األركان اليت ال بد من إيداعها يف كل كتاب بالغي ذي شأن فخمسة األول أن يكون مطلع الكتاب عليه جدة ورشاقة فإن الكاتب من أجاد املطلع واملقطع أو يكون مبنيا على

هلذا باب يسمى باب املبادي واالفتتاحات فليحذ حذوه وهذا الركن يشترك فيه الكاتب مقصد الكتاب و والشاعر

الركن الثاين أن يكون الدعاء املودع يف صدر الكتاب مشتقا من املعىن الذي بين عليه الكتاب تب وقد نبهنا على طرف من ذلك يف باب خيصه أيضا فليطلب من هناك وهو مما يدل على حذاقة الكا

وفطانته وكثريا ما جتده يف مكاتبايت اليت أنشأهتا فإين قصدته فيها وتوخيته خبالف غريي من الكتاب ألنه رمبا يوجد يف كتابة غريي قليال وجتده يف كتابيت كثريا

الركن الثالث أن يكون خروج الكاتب من معىن إىل معىن برابطة لتكون رقاب املعاين آخذة بعضها ببعض قتضبة ولذلك باب مفرد أيضا يسمى باب التخلص واالقتضاب وهذا الركن أيضا يشترك فيه وال تكون م

الكاتب والشاعر الركن الرابع أن تكون ألفاظ الكتاب غري خملولقة بكثرة االستعمال وال

أريد بذلك أن تكون ألفاظا غريبة فإن ذلك عيب فاحش بل أريد أن تكون األلفاظ املستعملة مسبوكة ريبا يظن السامع أهنا غري ما يف أيدي الناس وهي مما يف أيدي الناس وهناك معترك الفصاحة اليت سبكا غ

تظهر فيه اخلواطر براعتها واألقالم شجاعتها كما قال البحتري ) عنا ويبعد نيله في قربه ... باللفظ يقرب فهمه في بعده (

املنال كثري اإلشكال حيتاج إىل لطف ذوق وشهامة خاطر وهو شبيه بالشيء الذي يقال وهذا املوضع بعيد إنه ال داخل العامل وال خارج العامل فلفظه هو الذي يستعمل وليس بالذي يستعمل أي أن مفردات ألفاظه

هي املستعملة املألوفة ولكن سبكه وتركيبه هو الغريب العجيب ه الدرجة واستطعمت طعم هذا الكالم املشار إليه علمت حينئذ أنه كالروح وإذا مسوت أيها الكاتب إىل هذ

وليس كل خاطر براق إىل هذه الدرجة ذلك ) قل الروح من أمر ريب ( الساكنة يف بدنك اليت قال اهللا فيها فضل اهللا يؤتيه من يشاء واهللا ذو الفضل العظيم

ذا القول إمهال جانب املعاين حبيث يؤتى باللفظ ومع هذا فال تظن أيها الناظر يف كاتيب أين أردت هب

Page 36: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

املوصوف بصفات احلسن واملالحة وال تكون حتته من املعىن ما مياثله ويساويه فإنه إذا كان كذلك كان كصورة حسنة بديعة يف حسنها إال أن صاحبها بليد أبله واملراد أن تكون هذه األلفاظ املشار إليها جسما

يل املعاين الشريفة على الوجه الذي أشرت إليه أيسر من حتصيل األلفاظ املشار ملعىن شريف على أن حتص إليها

وحيكى عن املربد رمحه اهللا تعاىل أنه قال ليس أحد يف زماين إال وهو يسألين عن مشكل من معاين القرآن أو مشكل من معاين احلديث النبوي أو غري

يف زماين هذا وإذا عرضت يل حاجة إىل بعض إخواين ذلك من مشكالت علم العربية فأنا إمام الناسوأردت أن أكتب إليه شيئا يف أمرها أحجم عن ذلك ألين أرتب املعىن مث أحاول أن أصوغه بألفاظ مرضية

فال أستطيع ذلك ولقد صدق يف قوله هذا وأنصف غاية اإلنصاف

لصنائع وما منهم إال من يقع له املعىن ولقد رأيت كثريا من اجلهال الذين هم من السوقة أرباب احلرف وا الشريف ويظهر من خاطره املعىن الدقيق ولكنه ال حيسن أن يزاوج بني لفظتني

فالعبارة عن املعاين هي اليت ختلب هبا العقول وعلى هذا فالناس كلهم مشتركون يف استخراج املعاين فإنه ال ذكيا بالفطرة واستخراج املعاين إمنا هو بالذكاء ال مينع اجلاهل الذي ال يعرف علما من العلوم أن يكون

بتعلم العلم وبلغين أن قوما ببغداد من رعاع العامة يطوفون بالليل يف شهر رمضان على احلارات وينادون بالسحور

وخيرجون ذلك يف كالم موزون على هيئة الشعر وإن مل يكن من حبار الشعر املنقولة عن العرب ومسعت شيئا دت فيه معاين حسنة مليحة ومعاين غريبة وإن مل تكن األلفاظ اليت صيغت به فصيحة منه فوج

وهذا الركن أيضا يشترك فيه الكاتب والشاعر الركن اخلامس أن ال خيلو الكتاب من معىن من معاين القرآن الكرمي واألخبار النبوية فإهنا معدن الفصاحة

إليه يف الفصل الذي يلي هذا الفصل من حل معاين القرآن والبالغة وإيراد ذلك على الوجه الذي أشرت الكرمي واألخبار النبوية أحسن من إيراده على وجه التضمني وتوخي ذلك يف كل كتاب عسر جدا وأنا

انفردت بذلك دون غريي من الكتاب فإين استعملته يف كل كتاب حىت إنه ليأيت يف الكتاب الواحد يف عدة تقليدا لبعض امللوك مما يكتب من ديوان اخلالفة مث إين اعتربت ما ورد فيه من مواضع منه ولقد أنشأت

معاين اآليات واألخبار

النبوية فكان ما يزيد على اخلمسني وهذا ال أتكلفه تكلفا وإمنا يأيت على حسب ما يقتضيه املوضع الذي فصل الذي يأيت بعد هذا يذكر فيه وقد عرفتك أيها الكاتب كيف تستعمل ما تستعمله من ذلك يف ال

الفصل فخذه من هناك وهذا الركن خيتص بالكاتب دون الشاعر ألن الشاعر ال يلزمه ذلك إذ الشعر أكثره مدائح وأيضا فإنه ال يتمكن من صوغ معاين القرآن واألخبار يف املنظوم كما يتمكن منه يف املنثور ولرمبا أمكن ذلك يف الشيء

Page 37: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

اليسري يف بعض األحيان إذا استكملت معرفة هذه األركان اخلمسة وأتيت هبا يف كل كتاب بالغي ذي شأن فقد استحققت حينئذ و

فضيلة التقدم ووجب لك أن تسمي نفسك كاتبا

الفصل العاشر

يف الطريق إىل تعلم الكتابة

وبلغين اهللا هذا الفصل هو كنز الكتابة ومنبعها وما رأيت أحدا تكلم فيه بشيء وملا حببت إيل هذه الفضيلة منها ما بلغين وجدت الطريق ينقسم فيها إىل ثالث شعب

األوىل أن يتصفح الكاتب كتابة املتقدمني ويطلع على أوضاعهم يف استعمال األلفاظ واملعاين مث حيذو حذوهم وهذه أدىن الطبقات عندي

حتسني ألفاظ أو يف حتسني معان الثانية أن ميزج كتابة املتقدمني مبا يستجيده لنفسه من زيادة حسنة إما يف وهذه هي الطبقة الوسطى وهي أعلى من اليت قبلها

الثالثة أن ال يتصفح كتابة املتقدمني وال يطلع على شيء منها بل يصرف مهه إىل حفظ القرآن الكرمي وكثري واأللفاظ مث من األخبار النبوية وعدة من دواوين فحول الشعراء ممن غلب على شعره اإلجادة يف املعاين

يأخذ يف االقتباس من هذه الثالثة أعين القرآن واألخبار النبوية واألشعار فيقوم ويقع وخيطئ ويصيب ويضل ويهتدي حىت يستقيم على طريقة يفتتحها لنفسه وأخلق بتلك الطريق أن تكون مبتدعة غريبة ال شركة

حبها يعد إماما يف فن الكتابة كما يعد ألحد من املتقدمني فيها وهذه الطريق هي طريق االجتهاد وصاالشافعي وأبو حنيفة ومالك رضي اهللا تعاىل عنهم وغريهم من األئمة اجملتهدين يف علم الفقه إال أهنا

مستوعرة جدا وال يستطيعها إال من رزقه اهللا تعاىل لسانا هجاما وخاطرا رقاما وقد سهلت لك صعاهبا ملا عانيت وذللت حماجها وكنت أشح بإظهار ذلك

يف نيله من العناء فإين سلكت إليه كل طريق حىت بلغته آخرا وإمنا تكون نفاسة األشياء لعزة حصوهلا ومشقة وصوهلا

) طالبا حتى يعز طالبه ... ليس حلوا وجودك الشيء تبغيه ( تين بكنوز جواهرها إذ مل يظفر غريي بأحجارها ولقد مارست الكتابة ممارسة كشفت يل عن أسرارها وأظفر

فما وجدت أعون األشياء عليها إال حل آيات القرآن الكرمي واألخبار النبوية وحل األبيات الشعرية وقد قصرت هذا الفصل على ذكر وجوهها وتقسيمها ومتهيد الطريق إىل تعليمها فمن وقف على ما ذكرته علم

قد جعل حتت خواطري من بنات األفكار سريا وهذه الطريق جيهلها كثري من أين مل آت بشيئا فريا وأن اهللامتعاطي هذه الصناعة والذي يعلمها منهم يرضى باحلواشي واألطراف ويقنع من آللئها مبعرفة ما يف

األصداف ولو استخرج منها ما استخرجت واستنتج ما استنتجت هلام هبا يف كل واد وتزود إىل سلوك

Page 38: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

د طرقها كل زا ) خروا لعزة ركعا وسجودا ... لو يسمعون كما سمعت كالمها (

وال أريد هبذه الطريق أن يكون الكاتب مرتبطا يف كتابته مبا يستخرجه من القرآن الكرمي واألخبار النبوية رآن الكرمي وأكثر من حفظ األخبار والشعر حبيث إنه ال ينشئ كتابا إال من ذلك بل أريد أنه إذا حفظ الق

النبوية واألشعار مث نقب عن ذلك تنقيب مطلع على معانيه مفتش عن دفائنه وقلبه ظهرا لبطن عرف

حينئذ من أين تؤكل الكتف فيما ينشئه من ذات نفسه واستعان باحملفوظ على الغريزة الطبيعية أال ترى أن ة آيات األحكام وأخبار األحكام وإىل معرفة الناسخ واملنسوخ صاحب االجتهاد من الفقهاء يفتقر إىل معرف

من الكتاب والسنة وإىل معرفة علم العربية وإىل معرفة الفرائض واحلساب من املعلوم واجملهول من أجل مسائل الدور والوصايا وغريها وإىل معرفة إمجاع الصحابة فهذه أدوات االجتهاد فإذا عرفها استخرج

ا يؤديه إليه اجتهاده كما فعل أبو حنيفة والشافعي ومالك وغريهم من أئمة االجتهاد بفكرته حينئذ موكذلك جيري احلكم يف الكتاب إذا أحب الترقي إىل درجة االجتهاد يف الكتابة فإنه حيتاج إىل أشياء كثرية

القرآن الكرمي قد ذكرهتا يف صدر كتايب هذا إال أن رأسها وعمودها وذروة سنامها ثالثة أشياء هي حفظ واإلكثار من حفظ األخبار النبوية واألشعار

وحيث انتهى بنا القول إىل هذا املوضع فأول ما أبدأ به على عقب ذلك أن أقول حل األبيات الشعرية ينقسم إىل ثالثة أقسام

ذا عيب فاحش األول منها وهو أدناها مرتبة أن يأخذ الناثر بيتا من الشعر فينثره بلفظه من غري زيادة وهومثاله كمن أخذ عقدا قد أتقن نظمه وأحسن تأليفه فأوهاه وبدده وكان يقوم عذره يف ذلك أن لو نقله عن كونه عقدا إىل صورة أخرى مثله أو أحسن منه وأيضا فإنه إذا نثر الشعر بلفظه كان صاحبه مشهور السرقة

ها شيء وقد سلك هذا املسلك بعض العراقيني فجاء فيقال هذا شعر فالن بعينه لكون ألفاظه باقية مل يتغري من مستهجنا ال مستحسنا

كقوله يف بعض أبيات احلماسة ) تغلي عداوة صدره في مرجل ... وألد ذي حنق علي كأنما ( ) من عل وكويته فوق النواظر... أرجيته عني فأبصر قصده (

فقال يف نثر هذين البيتني فكم لقي ألد ذي حنق كأنه ينظر إىل الكواكب من عل وتغلي عداوة صدره يف مرجل فكواه فوق ناظريه وأكبه لفمه ويديه

فلم يزد هذا الناثر على أن أزال رونق الوزن وطالوة النظم ال غري

البيت من الشعر قد تضمن شيئا ال ميكن تغيري ومن هذا القسم ضرب حممود ال عيب فيه وهو أن يكون لفظه فحينئذ يعذر ناثره إذا أتى بذلك اللفظ ومثاله قول الشاعر يف أول احلماسة

) بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا ... لو كنت من مازن لم تستبح إبلي ( إبله بنو اللقيطة وال الذي إذا هم بأمر كانت اآلمال إليه وسيطة وقد نثرت ذلك فقلت لست ممن تستبيح

Page 39: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

ولكين أمحل اهلمل وأقرب األمل وأقول سبق السيف العذل فذكر بين اللقيطة ههنا ال بد منه على حسب ما ذكره الشاعر وكذلك األمثال السائرة فإنه ال بد من ذكرها على ما جاءت يف الشعر

بني األول والثالث يف املرتبة وهو أن ينثر املعىن املنظوم ببعض ألفاظه ويعزم عن وأما القسم الثاين وهو وسطالبعض بألفاظ أخر وهناك تظهر الصنعة يف املماثلة واملشاهبة ومؤاخاة األلفاظ الباقية باأللفاظ املرجتلة فإنه إذا

لؤلؤة وحصاة وال خفاء مبا أخذ لفظا لشاعر جميد قد نقحه وصححه فقرنه مبا ال يالئمه كان كمن مجع بني يف ذلك من االنتصاب للقدح واالستهداف للطعن

والطريق املسلوك إىل هذا القسم أن تأخذ بعض بيت من األبيات الشعرية هو أحسن ما فيه مث متاثله وسأورد ههنا مثاال واحدا ليكون قدوة للمتعلم فأقول ه قد ورد هذا البيت من شعر أيب متام يف وصف قصيدة ل

) وبالغة وتدر كل وريد ... حذاء تمأل كل أذن حكمة (

فقوله متأل كل أذن حكمة من الكالم احلسن وهو أحسن ما يف البيت فإذا أردت أن تنثر هذا املعىن فال بد ن تؤاخذه مبثله وهذا من استعمال لفظه بعينه ألنه يف الغاية القصوى من الفصاحة والبالغة فعليك حينئذ أ

عسر جدا وهو عندي أصعب مناال من ناثر الشعر بغري لفظه ألنه مسلك مضيق ملا فيه من التعرض ملماثلة ما هو يف غاية احلسن واجلودة وأما نثر الشعر بغري لفظة فذلك يتصرف فيه ناثره على حسب ما يراه وال

يكون مقيدا فيه مبثال يضطر إىل مؤاخاته ذه الكلمات املشار إليها وأتيت هبا يف مجلة كتاب فقلت وكالمي قد عرف بني الناس واشتهر وقد نثرت ه

وفاق مسري الشمس والقمر وإذا عوف الكالم صارت املعرفة له عالمة وأمن من سرقته إذ لو سرق لدلت عليه الوسامة ومن خصائص صفاته أن ميأل كل أذن حكمة وجيعل فصاحة كل لسان عجمة وإذا جرت

نفثاته يف األفهام قالت أهذه بنت فكرة أم بنت كرمة فانظر كيف فعلت يف هذا املوضع فإين ملا أخذت تلك الكلمات من البيت الشعري التزمت بأن أؤاخيها مبا

هو مثلها أو أحسن منها فجئت هبذا الفصل كما تراه وكذلك ينبغي أن يفعل فيما هذا سبيله القسمني األولني فهو أن يؤخذ املعىن فيصاغ بألفاظ غري ألفاظه ومث يتبني وأما القسم الثالث وهو أعلى من

حذق الصائغ يف صياغته ويعلم مقدار تصرفه يف صناعته فإن استطاع الزيادة على املعىن فتلك الدرجة العالية وإال أحسن التصرف وأتقن التأليف ليكون أوىل بذلك املعىن من صاحبه األول

الشعر ما يتسع اجملال لناثره فيورده بضروب من العبارات وذلك عندي شبيه باملسائل واعلم أن من أبياتالسيالة يف احلساب اليت جياب عنها بعدة من األجوبة ومن األبيات ما يضيق فيه اجملال حىت يكاد املاهر يف

هذه الصناعة أال خيرج عن ذلك اللفظ وإمنا يكون هذا لعدم النظري ال يف نثره فكقول أيب الطيب املتنيب فأما ما يتسع اجمل

) حتى يكون حشاك يف أحشائه ... ال تعذل املشتاق يف أشواقه ( وقد نثرت هذا املعىن فمن ذلك قويل ال تعذل احملب فيما يهواه حىت تطوي القلب على ما طواه ومن ذلك

Page 40: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

فالعذل ضرب من اهلذر وجه آخر وهو إذا اختلفت العينان يف النظر ومن هذا الباب قول أيب الطيب املتنيب أيضا

) مثل القتيل مضرجا بدمائه ... إن القتيل مضرجا بدموعه ( أخذت هذا املعىن فنثرته فمن ذلك قويل القتيل بسيف العيون كالقتيل بسيف املنون غري أن ذلك ال جيرد من

يقاد صاحبه بعمده فزدت على املعىن الذي تضمنه البيت وغريت اللفظ ومن ذلك وجه آخر غمده وال وهو دمع احملب ودم القتيل متفقان يف التشبيه والتمثيل وال جتد بينهما بونا إال أهنما خيتلفان لونا

وهذا أحسن من األول يب متام وأما ما يضيق فيه اجملال فيعسر على الناثر تبديل ألفاظه فكقول أ

) لها الليل إال وهي من سندس خضر ... تردى ثياب الموت حمرا فما أتى (

وقول أيب الطيب املتنيب ) ومن جثث القتلى عليها تمائم ... وكان بها مثل الجنون فأصبحت (

إال قليال وسببه أن املعىن ينحصر يف مقصد من املقاصد حىت ال يكاد يأيت إال قدا كهذين وأمثال هذا ال تأيتالبيتني أال ترى أن أبا متام قصد املؤاخاة يف ذكر لوين الثياب من األمحر واألخضر وجاء ذلك واقعا على

صوغه بغري لفظه ال املعىن الذي أراده من لون ثياب القتلى وثياب اجلنة فإذا فك نظم هذا البيت وأريدميكن ذلك وبيت أيب الطيب جار هذا اجملرى فإنه بناه على واقعة من الوقائع وذاك أن حصنا من حصون سيف الدولة قصده الروم وانتزعوه وأخربوه فنهد سيف الدولة إليه واسترجعه وجدد بناءه وهزم الروم

أوله ونصب من جثث القتلى على السور فنظم املتنيب يف هذا قصيدا ... ) على قدر أهل العزم تأتي العزائم (

فلما انتهى إىل ذكر احلصن جاء هبذا البيت يف مجلة أبيات فشرح صورة احلال يف إزعاج احلصن بالقتال مما وتعليق القتلى عليه وأبرز ذلك يف معىن التمثيل باجلنون والتمائم وهذا ال ميكن تبديل لفظه وهو وأمثاله

جيب على الناثر أن حيسن الصنعة يف فك نظامه أنه ألنه يتصدى يتصدى لنثره بألفاظه فإن كان عنده قوة تصرف وبسطة عبارة فإنه يأيت به حسنا رائقا

وقد نثرت هذين البيتني أما بيت أيب متام فإين قلت يف نثره مل تكسه املنايا نسج شفارها حىت كسته اجلنة ر ثوبه بأخضره وكأس محامه بكأس كوثره وهذا من احلسن على غاية يكون كمد نسج شعارها فبدل أمح

حسودها من مجلة شهودها وأما بيت أيب الطيب املتنيب فإين قلت يف نثره سرى إىل حصن

كذا مستعيدا منه سبية نزعها العدو اختالسا وأخذها خمادعة ال افتراسا فما نزهلا حىت استقادها وال نزهلا دها وكأمنا كان هبا جنون فبعث هلا من عزائمه عزائم وعلق عليها من رءوس القتلى متائم حىت استعا

ويف هذا من احلسن ما ال خفاء به فمن شاء أن ينثر شعرا فلينثر هكذا وإال فليترك وقد جئت هبذا املعىن على وجه آخر وأبرزته يف صورة أخرى وذاك أين أضفت إىل هذا البيت البيت الذي

وهو قبله

Page 41: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

) وموج المنايا حولها متالطم ... بناها فأعلى والقنا تقرع القنا ( وملا نثرت هذين البيتني قلت يف نثرمها ما أذكره وهو

بناها واألسنة يف بنائها متخاصمة وأمواج املنايا فوق أيدي البانني متالطمة وما أحلت احلرب عنها حىت ت أقطارها بركض اجلياد وأصيبت مبثل اجلنون فعلقت عليها متائم من الرءوس واألجساد وال شك أن زلزل

احلرب تعرد عمن عز جانبه وتقول أال هكذا فليكسب اجملد كاسبه وهذا أحسن من األول وأمت معىن

لت بناها وقد تصرفت يف هذا املوضع بزيادة يف معناه ونثرته على أسلوب أحسن من هذا األسلوب فقودون ذلك البناء شوك األسل وطوفان املنايا الذي ال يقال سآوي منه إىل جبل ومل يكن بناؤها إال بعد أن هدمت رءوس عن أعناق وكأمنا أصيبت جبنون فعلقت القتلى عليها مكان التمائم أو شينت بعطل فعلقت

مكان األطواق

وهذا الفصل فيه زيادة على الفصل الذي قبله انتهى بنا الكالم إىل ههنا يف التنبيه على نثر الشعر وكيفية نثره وذكر ما يسهل منه وما يعسر فلنتبع وإذا

ذلك بقول كلي يف هذا الباب فنقول من أحب أن يكون كاتبا أو كان عنده طبع جميب فعليه حبفظ الدواوين ذوات العدد وال يقنع بالقليل من

ته وطريقه أن يبتدئ فيأخذ قصيدا من القصائد فينثره بيتا بيتا على ذلك مث يأخذ يف نثر الشعر من حمفوظاالتوايل وال يستنكف يف االبتداء أن ينثر الشعر بألفاظه أو بأكثرها فإنه ال يستطيع إال ذلك وإذا مرنت نفسه

وتدرب خاطره ارتفع عن هذه الدرجة وصار يأخذ املعىن ويكسوه عبارة من عنده مث يرتفع عن ذلك حىت كسوه ضروبا من العبارات املختلفة وحينئذ حيصل خلاطره مبباشرة املعاين لقاح فيستنتج منها معاين غري تلك ي

املعاين وسبيله أن يكثر اإلدمان ليال وهنارا وال يزال على ذلك مدة طويلة حىت يصري له ملكة فإذا كتب عسولة ال مغسولة وكان عليها حدة كتابا أو خطب خطبة تدفقت املعاين يف أثناء كالمه وجاءت ألفاظه م

حىت تكاد ترقص رقصا وهذا شيء خربته بالتجربة وال ينبئك مثل خبري فإن قيل الكالم قسمان منظوم ومنثور فلم حضضت على حفظ املنظوم وجعلته مادة للمنثور وهال كان

األمر بالعكس العرب الذين هم أصل الفصاحة جل قلت يف اجلواب إن األشعار أكثر واملعاين فيها أغزر وسبب ذلك أن

كالمهم شعر وال جند الكالم املنثور يف كالمهم إال يسريا ولو كثر فإنه مل ينقل عنهم بل املنقول عنهم هو مث جاء الطراز ) أمل تر أهنم يف كل واد يهيمون ( الشعر فأودعوا أشعارهم كل املعاين كما قال اهللا تعاىل

هلم إال الشعر مث استمرت احلال على ذلك فكان الشعر هو األكثر والكالم األول من املخضرمني فلم يكن املنثور بالنسبة إليه قطرة من حبر وهلذا صارت املعاين كلها مودعة يف األشعار وحيث كانت هبذه الصورة

فكان حثي على حفظها واستعمال معانيها يف اخلطب واملكاتبات هلذا السبب

Page 42: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

ياتا تكون قدوة للمتعلم وقد نثرت يف هذا املوضع أبفمن ذلك قويل يف فصل من فصول الكالم يتضمن ذكر السيادة وهو الشريف من شرف بنفسه ال مبا دفن

مع أبيه يف رمسه فإن تلك مكارم أتت فتجمل الزمان مبأتاها مث مات أرباهبا فدفنت مع موتاها ولو ساد األبناء من اآلباء جمبوال وهذا املعىن مأخوذ من قول الناس بآبائهم لكانت السيادة للطينة األوىل ولقد خلق

الشاعر ) فخار الذي يبغي الفخار بنفسه ... وما الفخر بالعظم الرميم وإنما (

غري أن الفصل الذي ذكرته يتضمن من املعىن زيادة على ما تضمنه هذا البيت من كتاب يتضمن معاتبة أخ إلخوته وتنصله إليهم فقلت جرحوا قليب وحبهم ومن ذلك ما كتبته يف فصل

يذهب بأمل اجلراحة وطرفوا عيين وهم يزيدون يف نظرها مالحة وإذا صدرت اإلساءة عن األحباب مل يكن وقرها وقرا وأصبحت وهي منسية إذا جتددت اإلساءة بالذكرى وما منهم إال من سيط دمي بدمه وحلمي

و أن األمساء معارف األشخاص لكان امسي واردا على امسه وكيف أخشن عليهم وقد جبلين اهللا بلحمه ولهلم على اللني أم كيف أذود النفس عنهم وهي مشتقة منهم وآدم بني املاء والطني ومىت أؤمل من شجريت

ض عنهم وال أغصانا كهذه األغصان وقد أصيبت جرثومتها باجلداد وهلذا قيل إن اإلخوة يتعذر االعتيا يتعذر االعتياض عن األوالد

آخر هذا الفصل مأخوذ من شعر ابن الرومي وهو قوله ) ووشك التعزي عن ثمارك أجدر ... تعزيت عمن أثمرتك حياته ( ) يتعذر وأبنائنا والنسل ال... تعذر أن نعتاض عن أمهاتنا (

غري أن ابن الرومي ذكر ذلك يف تعزية إنسان بابنه فتصرفت أنا يف هذا املعىن ونقلته إىل هذا الفصل يف تضمنه معاتبه أخ إلخوته

ومن ذلك ما ذكرته يف فصل من كتاب يتضمن ذم املشيب فقلت والعيش كل العيش يف سن احلداثة وما ثاثة وليس بعد األربعني من مصيف للذة وال مربع وهي هناية القوة الصاحلة يأيت بعدها فال يدعى إال بسن الغ

من الطبائع األربع فإذا جتاوزها املرء أشفت مثار عمره على خرصها وصارت زيادته كزيادة التصغري اليت هي ر زيادة تدل على نقصها وأصبح بعد ذلك يدعى أبا بعد أن كان يدعى ابنا وتقمص ثوبا من املشيب ال جيثوبه خيالء وال يزهى به حسنا وإن قيل إن أحسن الثياب شعار البياض قيل إال هذا الثوب فإنه مستثىن

ويكفيه من الفظاظة أن ينظر األحباب إليه نظر القتال ولوال أن اخلمود بعده ملا استعري له لفظة االشتمال د الشباب وهو يف فعله هذا ومن الناس من يدلس لونه بصبغة اخلضاب وليس ذلك إال حدادا على فق

كاذب وال خيفى أنس الصادق من وحشة الكذاب وخداع النفس أن تسلو عن بئره املعطلة وقصره املشيد وحيسن هلا اخلروج يف ثوب مرقع وهي تراه بعني الثوب اجلديد

وبعض هذا مأخوذ من شعر ابن الرومي وهو قوله ) حدادا على شرخ الشبيبة يلبس ... ه رأيت خضاب المرء بعد مشيب(

Page 43: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

غري أن يف هذا الفصل معاين كثرية لطيفة ال توجد يف كالم آخر ومن ذلك قويل يف وصف اجلود والسخاء وهذا الفصل يشتمل على معان متعددة فمنها قويل يف العطاء وهو

ان منزيل بعطائه حىت كادت تورق ومن فضيلة شافهتين أسباب الغىن برؤيته حىت كادت تنطق واخضرت أكنبره أنه ال يأيت به على أعني الناس وإذا غرسه عند إنسان رب ذلك الغراس فال يستكثر ما جادت به

سحاب يده وال مينعه عطاء يومه عن عطاء غده وبعض هذا املعىن مأخوذ من شعر أيب نواس

) لم يهدموا لبنائهم أسسا ... ا كانوا إذا غرسوا سقوا وإذا بنو( ومن هذا املعىن أيضا قويل وهو أخذ املكارم من مسائها وأرضها وقام بنفلها يف الناس وفرضها وحتلى ببعض

أمساء الشهور حىت أصبح بعضها حاسدا

قوال عذاله لبعضها فاحملرم للعائذ حبرمة وصفر للطامع يف سعادة قدمه وربيع لرائد نواله ورجب أل وهذا مأخوذ من قول الفرزدق

) وفي األخرى الشهور من احملرم ... يداك بد ربيع الناس فيها ( وقد قال الشعراء يف ذلك كثريا إال أين أنا تصرفت يف هذا املعىن تصرفا مل يتصرف فيه أحد غريي

سوى بني أعدائه يف البغض وبني أمواله فهذه معنية ومن هذا املعىن ما ذكرته يف فصل من كتاب وهو ولقدبوقع نصاله وهذه معنية بصنائع نواله ولو أحب املال لكان أحبه إليه ما يبذله كما أن أحب الناس إليه منح يسأله ومن أحسن ما سنه من الكرم أنه جاد حىت بدل رغب العافني زهدا ورأى احلمد عوضا من الصنيعة

نائعه محدا فأىب أن يعتاض من ص وبعض هذا املعىن مأخوذ من شعر أيب نواس وهو

) أليب إسحاق ماال ... ليت أعدائي كانوا ( ومن ذلك قويل يف وصف القتال وموطن احلرب ووصف الشجاعة واألجناد وما يتعلق بذلك وجيري معه

وهذا الفصل يشتمل على معاين خمتلفة عسكر وهو فسرنا يف غمامة من الكتائب تظلها غمامة من الطيور األشائب فمن ذلك ما ذكرته يف وصف ال

فهذه يضمها حبر من حديد وهذه يضمها بر من صعيد وما مرت ببلد إال أزالت أرضه من مسائه وألبست هناره ثوب ظلمائه

ا وبعد وبدلت أحراره بعبيده وحرائره بإمائه وكذلك فعلت مبدينة فالنة وقد ضرب األمن عليها أسوارعهدها بالنوائب فلم تدخل هلا ديارا فهي خترب عن بلهنية اخلفض ومل ترع عنه باالنتقال وال رأت السيف

وقد ألقى لونه يف ذوائب األطفال فما شعر أهلها إال وقد رمجها اجليش بكاهله ورماها بوابله قبل طله وطل بقة إىل طرادها كاستباقها إىل ميداهنا إال السحاب قبل وابله وبرزت خيل القوم وهلا زي فرساهنا وهي مست

من تتأود القناة من يده بني هلذمني وتستقل السرج منه ومن جواده بني مطهمني فجرت املغاوير إىل املغاوير وتالقت الرياح باألعاصري وكان الطعن بينهم عناقا واللبث وفاقا وسبق أمل املوت أمل اجلراح ونفذت غري

Page 44: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

لرماح وحصل القوم يف القبضة وذقوا عقىب النهضة وجيء باألسرى مقرنني يف خمضبة لسرعتها أسنة ااألصفاد موقنني أن رءوسهم عواري على تلك األجساد ولو استطاع رأس أحدهم أن ينكر عنقه ألنكره

وال يود وهو املعظم أن يقال ما أعظمه بل يقال ما أحقره وتصرفت أيدي املسلمني يف القتل والنهاب وكان ف رقاب وللسيب رقاب للسي

لفصل معان كثرية مستحسنة ومنها ما أخذ من شعر املتنيب كقوله يف هذا ا ) سحاب إذا استسقت سقتها صوارمه ... سحاب من العقبان ترجف حتتها (

وكقوله ) لونه يف ذوائب األطفال ... واستعار الحديد لونا وألقى (

رته يف وصف املسلوبني يف فصل من مجلة كتاب يتضمن البشرى هبزمية الكفار وهو فسلبوا ومن ذلك ما ذكوعاضتهم الدماء عن اللباس فهم يف صورة عار وزيهم زي كاس وما أسرع ما خيط هلم لبساها احملمر غري

ار نسجه أنه مل جيب عليهم ومل يزر وما لبسوه حىت لبس اإلسالم شعار النصر الباقي على الدهر وهو شعالسنان اخلارق ال الصنع احلاذق ومل يغب عن البسه إال ريثما غابت البيض يف الطلى واهلام وألف الطعن بني

ألف اخلط والالم وهذه معان حسنة رائقة ومنها معىن واحد مأخوذ من شعر البحتري وهو

) هم لم يسلبوا محمرة فكأن... سلبوا وأشرقت الدماء عليهم ( ومن ذلك ما ذكرته يف صدر كتاب يتضمن فتحا وهو أصدر هذا الكتاب والفتح غض طري مل تنصل محرة

يومه وال أغمدت سيوف قومه فسطوره متربة مبثار عجاجه ممتلئة خبط ضربه وإعجام زجاجه وهذا املعىن ينظر إىل قول أيب متام

) ضربا وطعنا يقات الهام والصلفا ... ا ونمنمة كتبت أوجههم مشق( ) وما خططت بها الما وال ألفا ... كتابة ما تني مقروءة أبدا (

إن أن أبا متام مثل أثار الضرب والطعان يف الوجوه بالكتابة وأما مثلت الكتابة

أنين عكست املعىن الذي ذكره أبو متام وهذا مقصد يف حل األبيات الشعرية وإعجامه بالضرب والطعن فكحسن فإن استخراج املعىن من عكسه أدق من استخراجه من نفسه وقد نبهت على ذلك يف مواضع أخر

من هذا الباب ومن ذلك ما ذكرته يف فصل من كتاب يتضمن فتحا من فتوح الكفار وهو وأقبلت أحزاب الكفر وهي

مة بصليبها ورفعته على أعواد عالية كهيئة خطيبها ومل تعلم أن اهللا كتب عليه اهلوان بعد تلك الكرامة معتصوأنه ذو شعب أربع والتربيع حنس يف حكم النجامة وكيف ترجو بكفرها ظهورا وهلا منه معىن االختفاء

إىل جبال وكثرت النفوس ولإلسالم معىن السالمة وملا التقى اجلمعان اصطفقت ميني ومشال وزحفت جبالعلى املنايا حىت كادت ال تفي باآلجال وأقدمت اخليل إقدام فرساهنا وأظلم النقع فال تبصر إال بآذاهنا ونالت النحور ثأرها من كعوب الرماح واشتكت األسنة فال طريق بينها ملهب الرياح واستؤصلت شجرة الكافرين

Page 45: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

د األصفاد ونقلوا إىل جهنم يصلوهنا وبئس املهاد وانقلب بالقطع ال باجلداد وحال حد السيف دون حدياملسلمون وقد ملئوا األغماد نصرا والصحائف أجرا واأليدي وقرا والقلوب جذال واأللسنة شكرا وكان ذلك اليوم يف األيام علما ويف األقسام قسما ومل يره الزمان منسوبا إليه إال راجع شبابا بعد أن ناهز هرما

صل شيء من معاين الشعر وذلك من قول أيب الطيب املتنيب يف هذا الف

) طوال السبيب قصار العسب ... أتاهم بأوسع من أرضهم ( ) وتبدو صغارا إذا لم تغب ... تغيب الشواهق في جيشه ( ) ا لم تخط القنا أو تثب إذ... وال تعبر الريح في جوه (

ومن قوله أيضا ) فكأنما يبصرن باآلذان ... في جحفل ستر العيون غباره (

ومن ذلك ما ذكرته يف اإلجناد وإجابة الصريخ وهو إذا استصرخ بعزم غذته صحبة اجليش عن لذة العيش د الثغور ويلهو بالبيض الذكور عن بيض اخلدور وال طيب عنده إال ريح فهو يستعذب حر الثغور على بر

العجاج وال عناق إال أطراف الزجاج وال أرب له يف الرقاد إال على صهوات اجلياد فعسكر قلبه أمضى يف الوغى

من عسكر وجندة بأسه تأىب لقاء األقران يف درع أو مغفر ومن شعر مسلم بن الوليد وهذه املعاين مأخوذة من أبيات احلماسة

ومن ذلك ما ذكرته يف وصف املخرب دون املنظر وهو إذا مسوت ألمر فكن واحدا يف مكانك وال ترض بكثرة الشركاء فيقال فالن من أقرانك أمل تر إىل احلرباء الذي هو دويبة حقرية الشأن ضعيفة األركان فإنه

ا وقال ال أحب من تفسد األيام من حسنه وال من أحد ارتفع يف هواه عن األرض وأنسها إىل السماء ومشسهبسمة خله وال خدنه واهلمم ليست منوطة جبهارة املناظر والتعويل على اخلرب املستتر يف األفئدة الباطنة ال

على الظواهر ومن ههنا قيل إن وضاءة النفوس أنضر من وضاءة األجساد ورقم الشيم أحسن من رقم األبراد

ل ينظر إىل قوم سحيم عبد بين احلسحاس وآخر هذا الفص ) أو أسود اللون إني أبيض الخلق ... إن كنت عبدا فنفسي حرة كرما (

إال أن الفصل يتضمن معىن غريبا مل يسبقين إليه أحد ة دنياه وال ينظر إىل ومن ذلك ما ذكرته يف احلسد يف فصل من كتاب وهو حاسد سيدنا ينظر إىل زهر

استحقاقه وهو كالناظر إىل األطواق املوضوعة يف احليد وال يدري أن اجليد أحسن من أطواقه ولو قاس الدنيا باالستحقاق لذهب احلسد من صدره وقال مايل أحسد من مل ينته قدر دنياه إىل معشار قدره

كاتبات وهو إذا اعتذر من انقطاع الكتب ومن ذلك ما ذكرته يف صدر كتاب يتضمن األعذار عن تواتر امل اعتذار اخلادم من اتصاهلا ولو كانت واردة على

Page 46: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

غري ذلك الباب الكرمي خلاف من إمالهلا وقد عد احتمال تثقيلها من مجلة األيادي اليت أثقلته وأراد أن جيري كخراش إذ تكاثرت عليه معها بسوابق شكره فأعجلته وما أمهلته وهو اآلن مرهتن بني قدمي وجديد وأصبح

الظباء فلم يدر لكثرهتا ما يصيد فإن أمسك سيدنا من أياديه وإال فليتفضل على الشكر باإلنظار وليعلم أن ذمة وفائه كذمة ديوان املال يف اإلعسار

هذا فصل يف هذا املعىن قلما يؤتى مبثله وفيه معىن واحد من قول الشاعر ) فما يدري خراش ما يصيد ... خراش تكاثرت الظباء على(

ومن ذلك ما ذكرته يف استصالح مودة فقلت كنت عنده باملنزلة اليت آمن هبا ما أجنيه فصرت أخاف ما مل أجنه وكان ال يقبل علي شهادة عينه فأصبح اآلن يقبل على شهادة أذنه لكن مل جيعل اهللا القلوب بني

ليذهب هبا كل واد ومن ههنا كانت تنتقل من وداد إىل قلى ومن قلى إىل وداد وال أصبعني من أصابعه إالشك أن هلا بني احلالتني عمرا تنتهي إليه كما تنتهي أعمار األجساد والصرب خري ما استعمل يف جفاء

اإلخوان واملاء إذا جرى يف مكان مث احنرف عنه فال بد أن يعود إىل ذلك املكان من شعر ابن الرومي وهو قوله وبعض هذا مأخوذ

) علي فلم أصبحت تعتد باألذن ... عهدتك ال تعتد بالعين شاهدا ( ومن ذلك ما ذكرته يف فصل من كتاب إىل بعض امللوك على يد بعض العفاة وهو الشيم الكرمية لإلنسان

يب هذه يعبق باألنوف وطيب هذه يعبق باآلذان وقد جعل تفاوت مبنزلة املسك يف سرر الغزالن غري أن طاملزية بني هذين الطيبني فرقا فأحدمها يبقى دائما وال يذهب واآلخر يذهب وال يبقى ونصيب موالنا من الطيب الباقي نصيب زكت معادنه وكثرت خزائنه وسارت يف األرض حماسنه ورفعه اهللا به إىل حمل يبعد

وال يرى إال يف لسان شاعر أو لسان خاطب وهو مما استثين من خلق الناس الذي هو من شأوه على الطالب طني الزب

ومن أجل ذلك يرون أشباها ما عداه وما منهم إال من يقر بفضله ولو كان من حساده أو عداه وقد ) صرون أفسحر هذا أم أنتم ال تب( أصبحوا وهم يقلون لديه حني يكثرون ويقول كل منهم لصاحبه

هذا الفصل وإن تضمن شيئا من القرآن الكرمي فليس املراد ههنا القرآن الكرمي بل منه شيء مأخوذ من الشعر وهو قول املتنيب

) والدهر لفظ وأنت معناه ... الناس ما لم يروك أشباه ( كارها بتنغيص مخارها فهي خرقاء البيان بذية ومن ذلك ما ذكر يف وصف اخلمر وهو اخلمر ال تفي لذة إس

اللسان وتأنيثها يدلك أهنا من ناقصات العقول واألديان وقد عرف منها سنة اجلور يف أحكامها ولوال ذلك ملا استأثرت من الرءوس جبناية أقدامها

وهذا أحسن من قول الشاعر وأغرب وألطف ألنه قال ) وهنا تداس بأرجل العصار ... ذ غدت ذكرت حقائدها القدمية إ( ) فيهم فنادت فيهم بالثار ... النت لهم حتى انتشوا فتحكمت (

Page 47: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

وكذلك قلت يف وصفها أيضا وهو مدامة تنفي خواطر اهلموم وتسري مسرى األرواح يف اجلسوم وتشهد ويتمثل حببها جنوما إال أهنا مضلة واهلداية للنجوم بأن الكرم مستمد من ماء الكروم

وبعض هذا مأخوذ من قول أيب نواس ) دعا همه من صدره برحيل ... إذا هي حلت يف اللهاة من الفتى (

اسن املعاين يف وما زال الشعراء يتواردون على هذا املعىن حىت مسج لكن الذي ذكرته بعد هذا املعىن من حموصفها وكذلك ما ذكرته يف وصفها وهو اخلمر كالعذراء يف نفورها ومالزمة خدورها وهلذا تشمئز من

نكاح املزاج

وتصخب ملس املاء صخب األبكار ملس األزواج ومن شأهنا أن تلبس عند الزفاف إكليال على رأسها وكذلك شأن العرائس عند زفافها إىل أعراسها

ثلة بني اخلمر وبني البكر على هذا النسق مل يأت هبا أحد غريي وإمنا وصفت بأهنا بكر كقول أيب وهذه املما نواس

) له دين قسيس وفي نطقه كفر ... فقلت لشيخ منهم متكلم ( ) اخى له العمر صنيعة دهقان تر... أعندك بكر مرة الطعم قرقف ( ) معتقة من دونها الباب والستر ... فقال عروس كان كسرى ربيبها (

ووصف بالنكاح والزواج كقوله أيضا ) يطري من كأسها لها شرر ... وقهوة كالعقيق صافية ( ) فامتعضت حني مسها الذكر ... ل له زوجتها املاء كي تذ(

ومن ذلك ما ذكرته يف احلزم وهو ال ينبغي للحازم أن يساور املورد املؤذن مبضيقه وإن أفضى الصدر إىل رحيبه فإن توقي الداء خري من التعرض له مع وجود طبيبه ولندع قول من يقعد على تل السالمة مث يلبس

ويقول ليس للعزم إال متام الصدور وليس عليه متام العواقب الكتائب بالكتائب بعض هذا مأخوذ من شعر أيب متام

) على مثلها والليل تسطو غياهبه ... وركب كأطراف األسنة عرسوا ( ) تتم عواقبه وليس عليهم أن... ألمر عليهم أن تتم صدوره (

ومن ذلك ما ذكرته يف وصفذ الرأي والكيد وهو أخفى على العدو كيده

حىت مل يدع كائدا وأعمى عليه سلوك الطريق حىت ظنه حائدا فسيوفه تسطو على بعدها وال تقطع إال وهي يف غمدها

وبعض هذا املعىن أخذته من شعر أيب متام وهو ) كيد أن ال يسمى أريبا ... م إن من أعظم سكن الكيد فيه(

وكذلك قويل يف هذا املعىن وهو أخذ بسمع العدو وبصره وسد مطلع ورده وصدره فيداه مغلولة مع أهنا مطلقة السراح ومقاتله بادية على أهنا شاكية السالح

Page 48: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

وهذا املعىن ينظر إىل املعىن الذي قبله ضا وهو يبيت برأيه العدو قبل جيشه وتلقاه يطيش قلمه الذي كل احللم يف طيشه فإذا وكذلك قويل أي

أطلت وجوه اآلراء كان رأيه هلا صباحا وإذا جهزت اجلحافل حلرب كان قلمه هلا سالحا وبعض هذا املعىن مأخوذ من شعر البحتري

) ه غزو الجنود إال كفا... وهو املرء ما غزا بلدا بالرأي ( ومن ذلك ما ذكرته يف وصف السري والركاب واخليل والقفار وما يتعلق هبا

فمنه ما يتعلق بالسري وهو ركب ظهر الليل يباري مسري شهبه مبسري أشهبه ويستقرب بعد املدى يف نيل مطلبه غري أن تلك تفري أدمي الغياهب وهذا يفري أدمي السباسب

قول املتنيب وهذا مأخوذ من ) نجوم له منهن ورد وأدهم ... يباري نجوم القذف يف كل ليلة (

ومن هذا املعىن أيضا قويل وهو اختذ الليل ظهرا واستالن خشونة املسرى فلم يزل يقذف صبغة سواده غرته وأوضاحه فعند ذلك أخذ بصبغة جواده حىت بدت يف أدمي الليل شيات صباحه وشابه األدهم يف

أحدمها يف رحيله وأخذ اآلخر يف نزوله وهذا املعىن ينظر إىل الذي قبله وفيه من شرف الصنعة ما ال خفاء به

ومن ذلك ما ذكرته أيضا يف فصل من كتاب وهو سرت وحتيت بنت قفرة ال يذهب السرى جبماحها وال لزمام وإذا سارت بني اآلكاد قيل هذه واحدة من اآلكام ومل تستزيد احلادي من مراحها فهي طموح بأثناء ا

تسم جسرة إال ألهنا تقطع عرض الفالة كما يقطع اجلسر عرض املاء وال مسيت حرفا إال ألهنا جاءت ملعىن يف العزائم ال ملعىن يف األفعال واألمساء وخلفها جنيب من اخليل يقبل جبذع ويدبر بصخره وينظر من عني

بأذن حشره وجيري مع جحظة ويسمع

الريح الزعزع فيذرها وقد ظهر فيها أثر القتره وما قيد خلفها إال وهو يهتدي هبا يف املسالك املضلة ويطأ على أثرها فريقم وجوه البدور بأشكال األهلة هذا والليل قد ألقى جرانه فلم يربح والكواكب قد ركدت

غرة أدمهه وال حجوله فقد قيل إنه أدىن للبعد وأكتم لألسرار فيه فلم تسبح وأنا أود لو زاد طوله ومل تظهر ودل عليه القول النبوي بأن األرض تطوى فيه ما ال تطوى يف النهار وما زلت أسري بريدها تنوء به حىت كاد ينضو لون السواد وظهر لون السرحان فأغار على سرح السماء كما يغري السرحان على سرح النقاد فعند

لعني من الكرى هنلة الطائر ومل يكن ذلك على ظهر األرض املطمئنة وإمنا كان على الظهر ذلك هنلت ا السائر

يف هذا الفصل كل مليحة من املعاين ولو مل يكن يف هذا الكتاب سواه لكان كافيا وبعضه مأخوذ من الشعر كقول أيب متام

) ن عدوها طيف جنة يخال هبا م... طموح بأثناء الزمام كأنما ( وكقوله

Page 49: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

) أشباحها بين األكام أكام ... بالشذقميات العتاق كأنما ( ومن ذلك ما ذكرته يف النسب يف فضل من كتاب وهو هلم نسب ال تدخله الم التعريف وهو موضوع ال

على طلل ووجدته مهمال يف مجلة اهلمل وإن قيل جيري على سنن التوقيف فإذا ذكر أوله وقفت من عرفانهإنه من جنوم السماء قلت لكنه ال خيرج عن الثور أو احلمل فما أرهف لوصفه لسان إال نبا وال اقتدح له

زناد خاطر إال كبا وهم منه كآوى الذي يرى الناس له ابنا وال يرون البنه أبا

باب توليد املعاين الذي يسمى الكيمياء وبعضه مستولد وهذا من أغرب ما يؤتى به يف ذم النسب وهو من من قول أيب نواس يف هجاء اخلصيب

) ولم ير آوى يف حزون وال سهل ... وما خبزه إال كآوى يرى ابنه ( وأدخل فأبو نواس ذم خبز اخلصيب يف عدم رؤيته وأنا نقلت ذلك إىل النسب فجاء ألطف وأحسن وأليق

يف باب الصنعة وإذا حقق النظر فيما ذكره أبو نواس يف هذا املعىن مل يوجد مناسبا فإن اخلبز يف عدم رؤيته ال حيمل على ابن آوى وإمنا املناسبة تقع يف النسب من أجل ذكر االبن واألب

روا إىل مدى ومن ذلك ما ذكرته يف ذم قوم وهو فصل من كتاب فقلت تركت قوما مل ينقعوا صدى ومل جيفأعراضهم نكرة العارف وأمواهلم حنظلة الناقف ال متطر سحبهم على كثرة مائها وال تزكو الذريعة بأرضهم

على منائها وبعض هذا املعىن مأخوذ من شعر الشريف الرضي

) س ولم ينقعوا غل الظماء الخوام... تركت أناسا لم يهشوا لمنة ( ) ومنك على بعد املدى غير آيس ... على القرب فيهم إنين غير طامع (

ومن هذا الباب أيضا قويل وهو تركت قوما يسلون احلبيب وميلون القريب وال يرعون من يرعاهم وال يدر أهنم يعاقبون على الظنة وال يرتاحون اللنب على مرعاهم فنواهلم حتايا وأعراضهم ضحايا ومن أحسن صفاهتم

ملنة فالذرائع لديهم مدفونة والصنائع غري مسنونة وبعض هذه املعاين مأخوذ من شعر أيب الطيب املتنيب

) وال يدر على مرعاكم اللبن ... رأيتكم ال يصون العرض جاركم ( ) وحظ كل محب منكم ضغن ... كم ملل جزاء كل قريب من(

ومن ذلك ما ذكرته على احلث على االغتراب وهو لوال التغرب ملا ارتقت بنات األصداف إىل شرف األعناق وال ارتقى تراب األحجار إىل نور األحداق

ذلك مل يكس اهلالل حلة األبدار وكذلك قويل يف هذا املعىن وهو يف االنتقال تنويه خلامل األقدار ولوالواملندل الرطب حطب يف أوطانه واملسك دم يف سرر غزالنه ولوال فراق السهم وتره مل حيظ بفضل اإلصابة

ولوال فراق الوشيج منبته مل يتحل بعز السنان وال شرف الذؤابة ه ما هو مأخوذ من الشعر ومنه وهذا الفصل فصل من القول يف معناه ومما مل ينبش للخواطر ابتناء مبناه فمن

ما منح به اخلاطر على غري مثال وهو يشهد لنفسه

Page 50: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

ومن ذلك ما ذكرته يف وصف األيام وهو أيام تعد بأعوام لقصر أعمارها وشهور ال يشعر بأنصافها وال سرارها فاألوقات هبا أصائل واحملاسن فيها

ي خياالت أحالم غرت أم أحاديث أمان مرت مشائل واملآرب يف ساعاهتا رياض يف مخائل فما أدري أه وبعض هذا املعىن مأخوذ من أبيات احلماسة

) بأنصاف لهن وال سرار ... شهور ينقضني وما شعرنا ( ومن ذلك ما ذكرته يف وصف اإلخوان وهو ليس الصديق من عد سقطات قرينه وجازاه بغثه ومسينه بل

خاه على عرجه واستقام له على عوجه فذلك الذي إن رأى سيئة وطئها بالقدم وإن الصديق من ماشى أ رأى حسنة رفعها على علم

وبعض هذا املعىن مأخوذ من أبيات احلماسة

) عني وما سمعوا من صاحل دفنوا ... إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا ( ا املعىن وقد يستخرج املعىن من ضده إال أن الذي ذكرته ضد هذ

وهو أحسن مما يستخرج من نفسه ومن هذا قويل أيضا وهو ليس الصديق من صرى أخالف وده وغش يف صفقة عهده بل الصديق من ال ترد سلعة وده بإقالة وال عيب وال ختص حمافظة إخائه بشهادة دون غيب فذلك أخي من غري نسب وكنزي من

غري نشب خوذ من الفقه يف تصرية ضرع الشاة عند البيع وذلك يوجب الرد وهذا مأ

ومما ينتظم هبذا السلك قويل وهو االنتقال عن خلة الوداد كاالنتقال عن نسب امليالد وكما حيرم هذا يف نص احلكم املشروع فكذا حيرم هذا يف خلق الكرم املطبوع على أن نسب اخللة الذي ينميه القلب إىل

ن نسب الرحم الذي ينميه االبن إىل األب وهلذا كانت مودة سلمان قرىب ونسب أيب هلب القلب أوصل م سبا وتبا

وبعض هذا مأخوذ من شعر أيب نواس وهو ) ولم يكن بين نوح وابنه رحم ... كانت مودة سلمان له نسبا (

ت مقاصر جنة فأصبحت وهي مالعب جنة ولقد عميت ومن ذلك ما ذكرته يف وصف الديار وهو دار كانأخبار قطاهنا وأنشاز أوطاهنا حىت شاهبت إحدامها يف اخلفاء األخرى يف العفاء وكنت أظن أهنا ال تسقى

بعدهم بغمام وال يرفع عنها جلباب ظالم غري أن السحاب بكاهم فجرت هبا سوافح دموعه والليل شق صدوعه عليهم ثوبه فظهر الصباح من خالل

وهذه معان لطيفة جدا وبعضها مأخوذ من شعر الشريف الرضي رمحه اهللا تعاىل ) حتى غدوت مراتعع الغزالن ... أمرابع الغزالن غيرك البلى (

تصورت ومما يلتئم هبذا املعىن قويل أيضا وهو دار أصبحت مراتع أذواد بعد أن كانت مناجع رواد فلو

Page 51: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

اآلمال اليت مثلت بفنائها كما تصورت اآلثار املماثلة من بنائها لرأيت رسومها مع رسوم القباب وعلمت كم غار هبا من حبر ونضب من سحاب

وهذا معىن حسن له من نفسه مثن وحامد ومن سامعه ميني وشاهد وهو من معاين املستخرجة عماء ولذلك كان الوخم مقترنا باملرعى واملاء وقلما ترى ومن ذلك قويل أيضا وهو النقص موكل بكمال الن

مثرة إال ومعها زنبور وال لذة إال وإىل جانبها شيء حمذور وكذلك قويل أيضا وهو ال يظفر الرجل مبطالبه شفعا وال تؤتيه من كل جهة نفعا بل يرى مرعى بال ماء

وردة وماء بال مرعى ولذلك كانت النحلة مع الشهدة والشوكة مع ال

وبعض هذه املعاين مأخوذ من قول أيب متام ) ماء وأخرى بها ماء وال عشب ... أرض بها عشب زاك وليس بها (

إال أن يف الكالم املنثور زيادة على ما تضمنه الشعر وكأنه ينظر إليه نظرا بعيدا من الشعر فيجعله مثل اإلكسري يف صناعة الكيمياء مث خيرج ومن سبيل املتصدي هلذا الفن أن يأخذ املعىن

منه ألوانا خمتلفة من جوهر وذهب وفضة كما فعلت يف هذا املوضع فإين أخذت معىن هذا البيت من الشعر فاستخرجت منه ما ليس منه وهذا أعلى الدرجات يف نثر املعاين الشعرية

نه يف الكتاب الذي ومسته ب الوشي املرقوم يف حل وقد بسطت القول يف هذا املوضع وكشفت عن دفائ املنظوم وهو كتاب مفرد يف هذا الفن خاصة

ومن هذا الضرب الذي هو الكيمياء يف توليد املعاين ما ذكرته يف وصف الربيع فقلت فصل الربيع هو أحد نة األزهار والذي ميزاين عامه واملستقيد لسامه من حامه وقد وصف بأنه ميعاد نطق األطيار وميالد أج

تستويف به حوهلا سالفة العقار فإذا سلت السحب فيه سيوفها كان ذلك للرضا ال للغضب وإذا خلعت على األرض غاللتها الدكناء لبست منها ديباجة منسوجة بالذهب

وهذا املعىن مستولد من قول أيب متام يف وصف السحاب

) وصافي الحياة في سلبه ... يا سلبته الجنوب والدين والدن( إال أن يف الذي ذكرته معنيني غريبني إذا أمعن الناظر نظره فهمهما

ومن ذلك ما ذكرته يف لني القول وإعادته وما جيري جمراه كقويل يف فصل من كتاب وهو مل أعد عليه القول ذا بأدب اهللا يف أذكار القرآن واتباعا لسنة نبيه يف ألنه ال يبلغ مدى ميدانه إال بتحريك سوطه وعنانه بل أخ

تثويب األذان وبعض هذا مأخوذ من شعر أيب متام

) ما شفعنا األذان بالتثويب ... لو رأينا التأكيد خطة عجز ( إذ بعثه إىل فرعون رسوال وكذلك قويل أيضا وهو وقد علم أن لني القول أجنع قبوال وهو من أدب كليم اهللا

أال ترى أن احلداء يبلغ من املطايا بلطفه ما ال يبلغه السوط على عنفه وبعض هذا املعىن مأخوذ من شعر أيب متام

Page 52: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

) يهيجها على السير الحداء ... وخذهم بالرقى إن المهارى ( أنكاد الدنيا مشوبة باألشياء اليت جبلت النفوس على حبها وكل ما ومن ذلك ما ذكرته يف ذم الدنيا وهو

تستلذه األبدان من مأكلها فإنه يضرها من جهة طبها وهلذا يذمم من منفعة اهلليلج ومضرة اللوزينج وأعجب من ذلك أنه ال ينتفع اإلنسان بشيء من لذاهتا إال ضره من جهة ثوابه وهو كالذي ينتفع باصطالء

حمرقة ألثوابه وقد ضرب لذلك مثل من األمثال وقيل إن كل ما ينفع الكبد مضر بالطحال النار وهي وهذا مأخوذ من األمثال العربية واملولدة

ومن ذلك ما ذكرته يف الزهد وهو الناس يف الدنيا أبناء الساعة الراهنة وكما أن النفوس ليست فيها بقاطنة املآمت هبا كاألعراس يتفرق ندي مجعها فهذه تنسي ما مضى من فكذلك األحوال ليست بقاطنة وهلذا كانت

لذة سرورها وهذه تنسي ما مضى من أمل فجعها وال شبيه هلا على ذلك إال األحالم اليت يتالشى خياهلا عاجال وجتعل اليقظة حقها باطال وما ينبغي حينئذ أن يفرح هبا مقبلة وال يؤسى عليها مدبرة وكل ما تراه

ا مث يذهب فكأهنا مل تره وغاية مطلوب اإلنسان منها أن ميد له يف مدة عمره وميلى له يف امتداد العني منهكثره أما تعمريه فيعترضه املشيب الذي هو عدم يف وجود وهو أخو املوت يف كل شيء إال يف سكىن

الذي ليس اللحود فاجلوارح اليت يدرك هبا الشهوات ترى وكل منها قد حتول وأصبح كالطلل الدارس عنده من معول فال ليلى بليلى وال النوار بالنوار وال األمساع أمساع وال األبصار أبصار وأما ماله فإن أمسكه

فهو عرضة لوارث يأكله أو

حلادث يستأصله وإن أنفقه كان عليه يف احلالل حسابا ويف احلرام عقابا فهذه زهرة الدنيا الناضرة وهذه عقباها اخلاسرة

ا املعىن مأخوذ من شعر صاحل بن عبد القدوس وبعض هذ ) ألفيت جمعا كله يتفرق ... وإذا اجلنازة والعروس تالقيا (

ومن قول أيب العتاهية ) يف الساعة اليت أنت فيها ... أنما أنت طول عمرك ما عمرت (

يف فصل من كتاب يتضمن تعزية وهو كيف يظلم ذلك اللحد وبه من أعمال ساكنة ومن ذلك ما ذكرته أنوار أم كيف جيدب وبه من فيض ميينه سحاب مدرار أم كيف توحش أقطاره واملالئكة داخلة عليه من

تلك األقطار أم كيف خيفيه طول العهد على زواره وطيب ترابه هاد للزوار وما أعلم ما أقوله يف هذا اجلليل الذي دق فيه احلزن اجلليل ومسحت له النفوس بالفدية على حب احلياة وذلك من الفداء اخلطب

القليل وقد قيل إنه مل خيلق الدمع إال إنذارا بأن نوائب الزمان ستنوب وقد جعله اهللا ذخرا للقائها وإمنا جنة تقوم يف وجه سهامها يذخر السالح للقاء احلروب والذي ذخرته منه مل يغن عين يف هذه النائبة وأي

الصائبة ال جرم أين أصبحت بني يديها هدفا للرماء ومل يبق مين إال ذماء احلشاشة ومن العجب بقاء الذماء وشيء من هذا الفصل مأخوذ من شعر ابن الرومي

) الله أدرى بلوعة احلزن ... لم يخلق الدمع المرئ عبثا (

Page 53: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

ذكرت فصال يف كتاب آخر يتضمن تعزية وهو فيا ويح أيد أسلمته إىل الثرى وما كان يسلمها إىل وكذلكاإلعدام وألبسته ظلمة اللحد وطاملا جال عنها غيابة الظلم واإلظالم وغادرته بوحدته مستوحشا وقد كان

ى كما يبلى غريها من األجساد يؤنسها بنوافل اإلنعام ومثله ال يوارى القرب منه إال صورة يدركها النفاد وتبلولكنه ال يستطيع مواراة الذكر اخلالد الذي يذهب بشماتة احلساد ويتمثل يف السماء بصورة الكواكب ويف

األرض بصورة األطواد

وبعض هذا مأخوذ من قول بعض شعراء احلماسة ) نوا معروفه في القبائل وال تدف... فإن تدفنوا البكري ال تدفنوا اسمه (

ومن ذلك ما ذكرته يف وصف كالم بالفصاحة وهو فصل من كتاب فقلت وله البيان الذي يغض من نسق الفريد وال خيلق نضرة لباسه اجلديد وهو فوق كالم اجمليد ودون القرآن اجمليد وإذا اختصروا صفته قيل إنه

لوب ويتمثل آيات بيضاء من غري ضم إىل اجليوب ويرى يف األرض يستميل مسع الطروب ويستحق وقار القغري الغب إذا مس غريه فترة اللغوب وال تزال الناس يف عشق معانيه ضربا واحدا والعاشقون ضروب وملا وقفت عليه قلت سبحان من أعطى سيدنا فلم يبخل وخصه بنبوة البيان إال أنه مل يرسل ولوال أن الوحي قد

ل هذا كتاب منزل ولقد خار اهللا ألويل الفصاحة إذ مل حييوا إىل عصره ومل يبتلوا فيه بداء احلسد سد بابه لقيالذي يصليهم بتوقد مجره ولئن سلموا من ذلك فما سلمت أقواهلم من أقواله اليت حمتها حمو املداد وقد

كانت باقية بعدهم فلما أتى صارت كما صاروا إىل األحلاد من املعاين الشعرية كقول البحتري ويف هذا الفصل شيء

) عن أغاني معبد وعقيد ... مستميل سمع الطروب املعنى ( وقول الشريف الرضي رمحه اهللا

) سوى نظري والعاشقون ضروب ... عشقت ومالي يعلم الله حاجة ( القرآن الكرمي إال أهنا جاءت ضمنا وتبعا وموضعها يأيت بعد األبيات الشعرية وفيه أيضا شيء من معاين

وكذلك ذكرت فصال آخر من هذا األسلوب وهو إن للكلمة طعما يعرف مذاقه من بني الكالم وخفة األرواح معلومة من بني ثقل األجسام فلو مل نعرفه بطعمه عرفناه بومسه والصباح ال يتمارى يف إسفاره وال يفتقر إىل دليل على إشراق أنواره وقد علم أن العرف يعرف بغصنه وأن القول يعرف بلحنه ونفائس هذه

العقود ال يربزها إال أنفاسه فدررها لفظه وسلوكها قرطاسه ومن هذا الباب قويل أيضا وهو ألفاظ كخفق البنود أو زأر األسود ومعان تدل بإرهافها أهنا هي السيوف

ا هي العمود فيخاهلا املتأمل حومة طعان أو حلبة رهان وأن قلوبا منته وبعض هذا مأخوذ من شعر البحتري

) جيش لديه يريد أن يلقى به ... يقظان ينتخب الكالم كأنه (

Page 54: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

عي ومن ذلك ما ذكرته يف فصل من كتاب إىل بعض اإلخوان من أهل الكتابة كان اعتدى عليه شخص يدالكتابة وليس من أهلها فقلت وقد نيط بسيدنا قلما اخلط اللذان ينسب أحدمها إىل املداد وينسب اآلخر إىل

الصعاد فهو يدير هذا يف معركة املقال وهذا يف معركة الطراد ولرمبا صهل أحد قلميه من فوق صفحات جملالس وإليه غناء أصحاب العمائم الدروج كما تصهل اجلياد من حتت أعواد السروج فله احتفال املواطن وا

والقالنس ال كمن ال جياوز مهه طريف ردائه وإذا نودي لفضيلة قيل إمنا يسمع احلي بندائه وكم يف الناس من صور ال جتد ملعناها أثرا وإذا رأيتها قلت أرى خاال وال أرى مطرا وأي مجال عند من ليس له إال مجال ثيابه

جتعل من الذهب حلية قرابه وكل من هؤالء ذنب يسعى بغري رأس وال له هم وهل ينفع السيف الكهام أن إال يف عيشة الطاعم الكاس وإذا اعترب حاله وجد من البهائم وإن كان منسوبا إىل الناس والسيادة ليست يف

وشي الثياب وال يف طيب الطعام والشراب وإمنا هي يف شيئني إما شهامة قلم تفرق هلا قلوب الغمود أوشهامة رمح تفرق هلا قلوب األسود وكأين بقوم يسمعون هذا وكلهم ميتعض امتعاض املغضب وتتابع نفسه تتابع املتعب ويعترض الشجى يف حلقه حىت يغص من غري أن يشرب ومل يزل باحلساد من سيدنا داء يورثهم

ما أرى هلؤالء دواء إال أن أرقا ويوسعهم شرقا وكثريا ما تعرق له جباههم وكذا امليت يندى جبينه عرقا ويطرحوا عن مناكبهم ثقل املساجلة واحلسد إمنا يكون ممن جيري مع صاحبه يف مضمار املماثلة وكنت أحب

أن يقام على الكتابة

حمتسب حىت يتفلس منها خلق كثري وتستريح جياد كثرية من ركوب محري ويف مثل هذا السوق يظهر أهل من هو يف احلضيض األسفل وقد أجلس نفسه قائمة العرش ونار اآللة العمرية اخلالبة والنجش وما منهم إال

متيز خالص النقود من زيفها وال حيف يف هذا املقام على من أسرفت دعواه الكاذبة يف حتفها وبعض هذا الفصل مأخوذ من شعر عبد السالم بن رغبان عرف بديك اجلن

) لدن المجس وأن ذا بكعوب ... ذا يزهى به القلمان إال أن( ) ويجوب ذا المهجات بالتركيب ... عودان يقضب ذا الطلى بلعابه (

ويكفيك أيها املتوشح لنثر الشعر أن تنظر إىل هذا الفصل وتتأمل املوضع الذي أخذت معىن هذين البيتني فيه غناء ومقنعا ووضعته فيه فإن

وأما حل آيات القرآن العزيز فليس كنثر املعاين الشعرية ألن ألفاظه ينبغي أن حيافظ عليها ملكان فصاحتها إال أنه ال ينبغي أن يؤخذ لفظ اآلية جبملته فإن ذلك من باب التضمني وإمنا يؤخذ بعضه فإما أن جيعل أوال

ذلك تفعل باألخبار النبوية لكالم أو آخرا على حسب ما يقتضيه موضعه وكعلى أنه قد يؤخذ معىن اآلية واخلرب فيكسى لفظا غري لفظه وليس لذلك من احلسن ما للقسم األول للفائدة

اليت أشرنا إليها وقد سلكت يف ذلك طريقا اخترعتها وكنت أبا ابن عذرهتا وعند تأمل ما أوردته منها يف هذا الكتاب يظهر

ئن كان من تقدمين أتى بشيء من ذلك فإين ركبت فيه جوادا وركب مجال ونال للمتأمل صحة دعاوي ول

Page 55: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

من مورده هنلة واحدة ونلت منه هنال وعلال ومن آتاه اهللا يف القرآن بصرية فإنه يسبك ألفاظه ومعانيه يف كالمه ويستغين به عن غريه إال أنه ينبغي أن يكون فيه صواغا خيرج منه ضروب

يتجهبذ يف نقوده املختلفة من الذهب املختلف األلوان وال أقول من الفضة فإنه ليس املصوغات أو صرافا فيه من الفضة شيء وهو أعلى من ذلك أو يكون فيه تاجرا يديره على يده ويتصرف يف أرباحه وخيرج من

األمتعة اجمللوبة من مناسجه كل غريبة عجيبة وكل هذا يفهمه من عرف فلزم وحكم مبا علم ) وال كل من عانى الهوى بمتيم ... ا كل من قال القريض بشاعر وم(

واعلم أن املتصدي حلل معاين القرآن حيتاج إىل كثرة الدرس فإنه كلما دمي على درسه ظهر من معانيه ما مل ها وكلما مر يب معىن أثبته يف يظهر من قبل وهذا شيء جربته وخربته فإين كنت آخذ سورة من السور وأتلو

ورقة مفردة حىت أنتهي إىل آخرها مث آخذ يف حل تلك املعاين اليت أثبتها واحدا بعد واحد وال أقنع بذلك حىت أعاود تالوة تلك السورة وأفعل مثل ما فعلته أوال وكلما صقلتها التالوة مرة بعد مرة ظهر يف كل مرة

ة اليت قبلها من املعاين ما مل يظهر يل يف املروسأورد يف هذا املوضع سورة من السور مث أردفها بآيات أخرى من سور متفرقة حىت يتبني لك أيها املتعلم

ما فعلته فتحذو حذوه وقد بدأت بالسورة أوال وهي سورة يوسف عليه السالم ألهنا قصة مفردة برأسها وفيها معان كثرية

وهو وصل كتاب احلضرة السامية أحسن اهللا أثرها وأعلى فاألول ما ذكرته يف دعاء كتاب من الكتبخطرها وقضى من العلياء وطرها وأظهر على يدها آيات املكارم وسورها وأسجد هلا كواكب السيادة

ومشسها وقمرها وهذا أول معىن يف السورة وقد نقلته عن قصة املنام إىل الدعاء

إين رأيت أحد ( لنعم ما كان فيها ذكرى للعابدين وتقدمه مث أبرزت هذا املعىن يف صورة أخرى وهو أكرم افهذه النعمة هي اليت تأيت بتيسري العسري وجتلو ظلمة ) عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم يل ساجدين

اخلطب بالصباح املنري فانظر إىل أثر رمحة اهللا كيف حييي األرض بعد موهتا إن ذلك حمليي املوتى وهو على كل شيء قدير

مث تصرفت يف هذا املعىن فأخرجته يف معرض آخر وهو فصل من مجلة تقليد يكتب من ديوان اخلالفة لبعض الوزراء فقلت وقد علمه أمري املؤمنني فأدىن جملسه من مسائه وآنسه على وحدة االنفراد حبفل نعمائه وذلك

بته وال الشفاه أن تتشرف بتقبيل مقام ال تستطيع اجلدود أن ترقى إىل رتبته وال اآلمال أن تطوف حول كع تربته فليزد إعجابا مبا نالته مواطئ أقدامه ولينظر إىل سجود الكواكب له يف يقظته ال يف منامه

ومن ذلك ما ذكرته يف ذم خبيل وهو مل أر كمواهب فالن مألت أملي بطمع وعودها وفرغت يدي من نيل يص يف كذاهبا جودها فلم أحظ إال بالمع سراهبا وكانت كدم القم

ومن ذلك ما ذكرته يف تزكية إنسان مما رمي به وهو مل ترم بذنب إال نابت الرباءة له مناب الشهود وجيء من أهلها بشهادة القميص املقدود

Page 56: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

ومن ذلك ما ذكرته يف عذر اهلوى وهو مل يهو حبيبا إال كان ألهل التقى فيه أسوة وال ليم من أجله إال زيز إىل النسوة اعتذر عذر امرأة الع

ومن ذلك ما ذكرته يف فصل من جواب كتاب إىل بعض اإلخوان وهو إن كان الكالم كما قيل ذكرا واجلواب أنثى فجوايب هذا عروس جتلى يف حللها احملربة وعقودها املشذرة وتزهي مبا آتاها اهللا من احلسن

ها قد أرسلتها إىل سيدنا حىت يعلم أن الذي ليس باجمللوب وال ترضى بتقطيع األيدي دون تقطيع القلوب و نتائج خاطري على الفطرة وأهنا معشوقة الصور فكل الناس يف هواها بنو عذرة

ويف هذا الفصل معىن اآلية واخلرب النبوي والبيت من الشعر ومن ذلك ما ذكرت يف تقلب األيام وهو لقينا أياما ضاحكات وليتها أيام عابسات فكانت كسبع سنبالت

ر وأخر يابسات خض ومن ذلك ما ذكرته يف وصف كرمي وهو ليس ممن يرقب عجف الزمان

فيذر احلب يف سنبله ولكنه يستأنف الصرب يف آخره ويستهلك املال يف أوله فال يبقي من يومه لغده وال يتهم ربه فيما بيده

بوب أال ترى أن رد ومن ذلك ما ذكرته يف حب الرشوة وهو الرشوة حتل عقد القلوب وهتون فراق احمل البضاعة حكم على أخي يوسف باإلضاعة

ومن ذلك ما ذكرته يف االستسالم حلكم األقدار وهو ال حتترس من جنود األقدار باآلراء املتعمقة وسواء عندها الباب الواحد واألبواب املتفرقة

ر النبل واستحكم التبل ومل ومن ذلك ما ذكرته يف تتابع اإلساءة وهو مل يزل يرشقين بقوارصه حىت تكاث يكفه اإللقاء يف غيابة اجلب حىت قال إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل

ومن ذلك ما ذكرته يف التوكل وهو إذا طلب أمرا أمجل يف املطلوب ووكله إىل الذي بيده مفاتيح الغيوب وتأسى يف حاجته منه باحلاجة اليت كانت يف نفس يعقوب

وصف الكيد وهو مل يأت أمرا إال أخفى أسباب أواخيه وبدأ فيه باألوعية قبل وعاء ومن ذلك ما ذكرته يف أخيه

وهذه ثالثة عشر معىن من سورة يوسف عليه السالم وأما اآليات اليت هي من سور متفرقة فأوهلا ما كتبته يف صدر كتاب إىل بعض اإلخوان جوابا عن كتابه وهو

عرض اجلياد على سليمان وتساوينا يف االشتغال منه ومنها ورد كتابه عشية يوم كذا فعرض علي باالستحسان غري أن اجلياد وإن حسنت فإهنا ال تبلغ يف احلسن مبلغ الكتاب لكن قلت كما قال إين أحببت حب اخلري عن ذكر ريب حىت توارت باحلجاب ولئن قضي االشتغال هناك مبسح سوق وأعناق فإنه مل يقض

أوراق وإمنا اشتغلت عن عبادة بعبادة ولو شئت لقلت عن إفادة بإفادة ههنا مبسح سطور وال ووهبنا لداود سليمان نعم العبد ( وهذا مأخوذ من قصة سليمان عليه السالم يف سورة ص وهي قوله تعاىل

إنه أواب إذ عرض عليه بالعشي الصافنات اجلياد

Page 57: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

ردوها علي فطفق مسحا بالسوق واألعناق فقال إين أحببت حب اخلري عن ذكر ريب حىت توارت باحلجابفانظر كيف أخذت هذه القصة وقابلت بينها وبني الكتاب مث إين تصرفت فيها باملوافقة بينهما تارة )

واملخالفة بينهما أخرى وهكذا ينبغي أن يفعل فيما هذا سبيله ي ببغداد يف فصل من كتاب ومن ذلك ما كتبته عن امللك األفضل علي بن يوسف إىل الديوان العزيز النبو

وهو وقد علم أن املال الذي خيتزن كاملاء الذي حيتقن فكما أن هذا يأجن بتعطيل األيدي عن امتياح مشاربه فكذلك يأجن هذا بتعطيل األيدي عن امتياح مواهبه وأي فرق بني وجوده وعدمه لوال أن متلك به القلوب

س بركوب ومن بسط اهللا يده فيه مث قبضها حبله فإنه يقف وتقل به اخلطوب ويركب به ظهر العزم الذي ليدون الرجال مغمورا ويقعد عن نيل املعايل ملوما حمسورا وإذا أدركته منية مضى وكأنه مل يكن شيئا مذكورا

ومذ ناط اهللا بيد اخلادم ما ناطه من أمر بالده مل يدخر منها إال مربط أشقره ومركز أمسره وما عدامها فإنه إىل قوة اإلسالم يف سد ثغوره وتكثري جنوده وإيقاد حرب عدوه بعد مخودها واستباحة مجرها عند مصروف

وقوده وما يفضل عن ذلك فإنه للناس يشتركون يف وشله وغمره واملسلم أخو املسلم يساويه يف حقه من س من هذا املال بتبعة بيت املال وإن خالفه يف مزية قدره وال سبيل على اخلادم وهو يفعل ما يفعله أن يدل

املطلوب أو يلتحق بالقوم الذين يكنزونه فيجزي عليه بكي اجلباه والظهور واجلنوب ومل يأت به اهللا على فترة من مثله إال ليمحو به سيئات الدين ويعيد به اإلسالم إىل وطنه بعد أن طال عهده مبفارقة الوطن وال

لدنيا يف ديوانه وتثقل هبا يف اآلخرة كفة ميزانه يكون حسنة من حسنات أمري املؤمنني ترقمها ا ويف هذا الفصل معىن آيتني إحدامها يف سورة هل أتى واألخرى يف سورة براءة

ومن ذلك ما كتبته عنه إىل عمه امللك العادل أيب بكر بن أيوب من كتاب يتضمن استعطافه والتنصل إليه باب وميثل هلم اخلطأ يف مثال الصواب ولوال ذلك ملا زل وهو من شيمة األقدار أن تذهب ببصائر ذوي األل

احلكيم وأعوج

املستقيم واململوك يقبل اليد الكرمية املولوية امللكية العادلية ال زال عرفها مأموال وإحساهنا عند اهللا مقبوال ه لفظة وفعلها يف املكرمات مبتدعا إذا كان فعل األيادي مفعوال ونستغيث إىل عفوها الذي يكفي في

االعتذار وال ينفذ مبواظبة اآلصار ولو عرف ذنبه باديا لقرع له سن الندامة وعاد على نفسه باملالمة وملا كان عجيبا أن يكون مليما وأن يكون موالنا كرميا لكنه محل آصرة الذنب وهو بريء من محلها وخاف

اس البعض منها على البعض وامللسوع ال أن تكون هذه كأخواهتا اليت سلفت من قبلها واألمور املتشاهبة يقيستطيع أن يرى جمر حبل على األرض ومل جيترم امللوك اآلن جرمية سوى أن فر إىل االعتصام وألقى بيده إىل

أقوام مل يكونوا له بأقوام وإذا ضاق على املرء أقربه كان األبعد له من ذوي األرحام ل نفسه على ركوب هذا املركب ولئن قال بعض الناس وليس بأول من ذهب هذا املذهب وال بأول من مح

إنه عجل يف اعتصامه وفراره وإنه لو صرب ابتلي مبا ابتلي به من قوارص موالنا مرة بعد أخرى ولقد تكاثرت عليه هذه األقوال املؤنبة حىت مألت طرفه كحل السهاد وجنبه شوك القتاد وأصبح وهو يرى أنه زلق يف

مه من أجلها شرقا وبدت له سوأته حىت طفق خيصف عليها ورقا ومع هذا فإنه واثق خطيئته زلقا وغص بند

Page 58: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

أن حلم موالنا ال يؤتى من الزلل وأن حصاة الذنوب ال ختف بوزن ذلك اجلبل وها هو قد جاء نازعا وللنازع العتىب وعاد مستشفعا وال شفيع أكرم من القرىب

مث مضيت على هذا النهج إىل آخر الكتاب فبدت هلما ( الذي أوردته من هذا الفصل معىن آية من القرآن يف سورة األعراف وهي قوله تعاىل ويف

) سوآهتما وطفقا خيصفان عليهما من ورق اجلنة ومن ذلك ما كتبته عن امللك القاهر عز الدين مسعود بن أرسالن بن مسعود صاحب املوصل إىل الديوان

يف التقليد وكان عمره إذ ذاك ست عشرة سنة فمما جاء يف صدر العزيز ببغداد بعد وفاة والده يسألالكتاب بعد الدعاء قويل وهو إذا تويف ويل من أولياء الدولة فمن السنة أن يعزى بفقده ويستخرج إذهنا يف

سليله

ليال القائم من بعده حىت ال ختلو أرضها من رواسي اجلبال وال مساؤها من مطالع الكواكب اليت جتلو ظلمة الوقد مضى والد العبد إىل رمحة اهللا وهو متزود من الطاعة خري زاد غري خائف من إحصاء الرقيب العتيد إذ

جعلها له من العتاد وما عليه وقد ثقلت كفة ميزانه ما كان يف الكفة األخرى من السجالت الكثرية األعداد ي باألوامر الشريفة يف مورد األمر ومضمون وصيته اليت عهدهتا أن منشي يف الطاعة على أثره وهنتد

ومصدره وقد جعلها العبد جني فكره إذا قام وإذا قعد وسبحة صالته إذا ركع وإذا سجد وهو يرى أنه مل ميض والده حىت أبقى للدولة من يثبت قدمه موضع قدمه وعند ذلك يقال إن غصن الشجرة كالشجرة يف

ه اآلباء عن األبناء وليست املزية الكتهال السن إمنا هي ثبات أصله وقوة معجمه وهذا مقام ال متتاز فيلشبيبة الغناء وقد أويت حيىي احلكم قبل أن جيري القلم يف كتابه وشهد له بالتزكية قبل أن ينتصف يف حمرابه وكذلك قد أمر رسول اهللا أسامة على فتاء عمره وشهد أنه خليق مبا أسند إليه من أمره والعبد وإن بسط

اق لسانه فإن األدب حيكم بانقباضه ويريد أن التفويض إىل إنعام الديوان العزيز أسرع يف جنح االستحقأغراضه وال شك أن منتهى اآلمال ال يبلغ أدىن تلك املواهب ولو مجعت يف صعيد واحد مث سألت مطالبها ملا

نقصت خزائن العطايا من تلك املطالب تني من سورة مرمي عليها السالم أما األول فقوله تعاىل عند ذكر وهذا الفصل من أول الكتاب وفيه معىن آي

ويف ) وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا ( وأما الثانية فقوله تعاىل ) وآتيانه احلكم صبيا ( حيىي عليه السالم هذا الفصل أيضا معاين ثالثة من األخبار النبوية وليس هذا موضعها وإمنا جاءت ضمنا وتبعا

ما ذكرته يف وصف الغبار يف احلرب وهو وعقد العجاج شفقا فانعقد وأرانا كيف رفع السماء ومن ذلكبغري عمد غري أهنا مساء بنيت بسنابك اجلياد وزينت بنجوم الصعاد ففيها مما يوعد من املنايا ال ما يوعد من

األرزاق ومنها تقذف شياطني احلرب ال شياطني االستراق من سورة الرعد وسورة الصافات وسورة الذاريات وهذه املعاين مأخوذة

ومن ذلك ما ذكرته يف وصف طعام وهو فصل من كتاب فقلت طعام ال ميل إذا شينت األطعمة مبللها وكأمنا تولته يد اخللقة ومل تباشره األيدي بعملها فهو من بقايا املائدة اليت نزلت من السماء وقد طاب حىت

Page 59: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

مال املاء وما رآه ذو شبع إال رأى تركه غبنا وود لو زيد إىل بطنه بطنا ال حيتاج من بعده إىل استع وبعض هذا مأخوذ من سورة املائدة

ومن ذلك ما ذكرته يف فصل من كتاب إىل ديوان اخلالفة وهو قد تكاثرت وسائل اخلادم حىت ال يدري ما عل أخريا غري أنه ال يذكر منها إال ما هو جيعله لطالبه سفريا وما منها إال ما يقال إنه أول وليس فيها ما جي

توأم إميانه والذي ال ينظر اهللا من ابن آدم إال إىل مكانه ويف ذلك كاف عن الوسائل التليدة والطريفة وقول ال إله إال اهللا ال يعدله شيء من احلسنات املودعة يف الصحيفة وقد جتدد اآلن للخادم مطلب هو بالنسبة إىل

لعزيز يسري ولو قامت مطالب الناس يف صعيد واحد ألعطي كال منها مرامه ومل يقل ذلك مواهب الديوان اكثري وكتابه هذا سائر إىل تلك املواهب اليت يضيق عنها صدر األرض باتساعه وليس الذي يسأله ممنعا

طوار وقد فيحال على النظر إىل اجلبل يف امتناعه وكما أن عبيد الديوان العزيز أطوار فكذلك مطالبهم أ جعل اهللا األشياء متفاوتة يف مراتبها وكل شيء عنده مبقدار

وهذا الفصل من أحسن ما يكتب يف استنجاز مطلوب وفيه معاين ثالثة أخبار نبوية ومعىن آيتني من القرآن يف الكرمي وليس هذا موضع األخبار وإمنا جاء ضمنا وتبعا فاآلية األوىل يف سورة األعراف واآلية الثانية

سورة الرعد ومن ذلك ما ذكرته يف وصف كاتب وهو إذا دجا ليل قلمه وطلعت فيه جنوم كلمه مل يقعد له شيطان بالغة

مقعدا إال وجد له شهابا مرصدا فأسرارها مصونة عن كل خاطف مطوية عن كل قائف وهذا املعىن مأخوذ من سورة اجلن

نت فكر ما متخضت ومن ذلك ما ذكرته يف وصف كاتب أيضا فقلت له ب

مبعىن إال أنتجته من غري ما هتمله وأنت به قومها حتمله ومل يعرض على مأل من البلغاء إال ألقوا أقالمهم أيهم يستعريه ال أيهم يكفله

ويف هذين السطرين آيتان من القرآن الكرمي األوىل يف سورة مرمي وقصتها وقصة ولدها عليهما السالم وهي إذ يلقون أقالمهم أيهم يكفل ( والثانية يف سورة آل عمران يف قوله ) ت به قومها حتمله فأت( قوله تعاىل

) مرمي ومن ذلك ما ذكرته يف فصل من كتاب يتضمن وصف القلم فقلت وقد أوحى اهللا تعاىل على قلمه ما أوحاه

أن جيتين من مثرات ذات إىل النحل غري أهنا تأوي إىل املكان الوعر وهو يأوي إىل البيان السهل ومن شأنهأرواح ال ذات أكمام وخيرج من نفثاته شراب خمتلف طعمه فيه شفاء لألفهام وأين مما تنبته كثافة اخلشب ما تنبته لطافة املعىن وال تستوي نضارة هذا الثمر وهذا الثمر وال طيب هذا اجملىن وهذا اجملىن وقد أرخص اهللا

اه وأغلى ما يعز وجوده فيبقى خالدا على ألسنة الرواه وكل هذه ما يكثر وجوده فيذهب يف هلوات األفواألوصاف ال تصح إال يف قلم سيدنا الذي إذا خال خباطره امتألت حبديثه احملافل وإذا خال كتابه وجدت الكتب احلالية من قبله وهي عواطل فله حينئذ أن ينظر إىل غريه بعني االحتقار ولواصفه أن يسهب وهو

االختصار قائم مقام

Page 60: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

هذا الفصل غريب عجيب وقد مجع بني األضداد فمناله بعيد وفهمه قريب وهو مأخوذ من سورة النحل ومن ذلك ما ذكرته يف ذم خبيل وهو له شيمة يف اجلود ال يشام نائلها وإذا هزها سائلها قال إهنا كلمة هو

قائلها وهذا مأخوذ من سورة املؤمنني كتاب وهو وصل كتابه فوقف منه على اللفظ الرخيم واملعىن الذي هو يف كل ومن ذلك ما ذكرته يف صدر

واد يهيم وقال يا أيها املأل إين ألقي إيل كتاب كرمي مث أخذ يف إعالء قدره وتنويه ذكره ومل يستفت املأل يف اإلذعان ألمره وال أهدى يف قبالته سوى هدية لسانه وصدره ال جرم أهنا تقبل وال ترد

هبا وال تعد فإهنا مال ال ينفده اإلنفاق وجوهر تتحلى به األخالق ال األعناق ويعتدوهذا مأخوذ من قصة سليمان عليه السالم يف كتابه إىل بلقيس وهي مذكورة يف سورة النمل ويف هذا من

شرف الصنعة أنه خولف بني معانيه ومعاين ما أتى به القرآن الكرمي اب يتضمن ذكر معركة حرب بني املسلمني والكفار وهو إذا خطب القلم ومن ذلك ما ذكرته يف صدر كت

عن الرمح الذي هو نديده قام حمتفال وأسهب مترويا ومرجتال حىت يأيت يف خطابته باملعاين األخائر وأصدق القول ما صدر عن شهادة الضرائر للضرائر وكتابنا هذا يصف معركة امحرت ضبابتها وضاقت باألسود

لطعن هبا حمتضر واملوت حمتقر والنصر من كال الفريقني مقتسر وكان اإلسالم هناك زجر السنيح غابتها فاوفوز القدح املنيح وليس الذي يرقب املعونة من اهللا الذي هو رب امليح كمن يرقبها من املسيح ولقد نفذت

ي منهم وهو ال ينظر إىل الرماح يف أعداء اهللا تعاىل حىت اعتدلت من جانيب الصدور والظهور وتركت الناجالصليب إال نظر اخلائف املذعور فليس هلم من بعدها جيش جيمع وال لواء يرفع وقد كانت بالدهم من قبل

مانعة وهي اآلن ال تذب عنها وال متنع وهذه معركة قلت هبا الرقاب املأسورة وكثرت النفوس املقتولة مقبولة وقربت هبا القرابني اليت تأكلها النار ال ألهنا

ومعىن اآلية يف هذا الفصل مأخوذ من سورة آل عمران إال أهنا ختالفه وذاك أن القربان كان يقبل فتنزل النار تأكله وأجساد هؤالء الكفار قربان تأكله النار لكنها ال تأكله ألنه مقبول وباقي الفصل يتضمن معىن

حسنا رقيقا وى من خلق بعض اإلخوان وهو ولقد صربت على ومن ذلك ما ذكرته يف فصل من كتاب يتضمن الشك

أخالقه العائثة وعاملته باخلليقة الرائثة وعاجلته بضروب املعاجلات فلم تنفع فيه رقى الراقية وال نفث النافثة وملا أعيا علي إصالحه أخذت مبقالة اخلضر ملوسى يف املرة الثالثة

سورة الكهف وهذا مأخوذ من قصة موسى عليه السالم وقصة اخلضر يف

ومن ذلك ما ذكرته يف فصل من كتاب وهو جتمعوا يف نار الندم يعرضون عليها غدوا وعشيا وصار األمر الذي كانوا يرجونه خمشيا وأضحوا كأهل النار الذين صاروا أعداء وكانوا شيعا وقال ضعفاؤهم للذين

استكربوا إنا كنا لكم تبعا ورة سبأ وهذا مأخوذ من سورة حم املؤمن ومن س

Page 61: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

ومن ذلك ما ذكرته يف ذم غالم أبله كنت أقاسي من بلهه نكذا فكتبت يوما من األيام إىل بعض إخواين كتابا وعرضت فيه بذكره فقلت ولقد ملكه النسيان حىت كأنه يقظ يف صورة نائم وحىت حقق قول التناسخ

لبه مينة ويسرة وال طلب منه ما يف نقل أرواح األناسي إىل البهائم فما أرسل يف حاجة إال ذهبت عن ق استحفظه إال قال أرأيت إذ أوينا إىل الصخرة

وهذا فصل يشتمل على عدة معان منها ما هو مأخوذ من القرآن الكرمي من سورة الكهف ومن ذلك ما ذكرته يف تقليد قاض وهو فصل منه فقلت والفضائل ما بقيت موجودة ومل تفقد وهي حية

ال ميوت من مل يولد ومن أكرم ما أوتيه منها فضيلة التقوى اليت الكرم من شعارها وإن أودى أرباهبا ووالعاقبة واحلسىن كالمها من آثارها وما نقول إال أنه اختذها حارسا مينع اخلصم من تسور حمرابه ويؤمن قلبه

علمه بعالمته وومسه من الفتنة الداعية إىل استغفاره ومتابه وقد قرن اهللا له هذه الفضيلة بالعلم الذي أبوسامته وقذف يف روعه ما ال يسأل معه عن السفينة وخرقها والغالم وقتله واجلدار وإقامته وعلى ما بلغه

منه فإنه فيه أحد املنهومني اللذين ال يشبعان وإذا كان لغريه فيه نظر واحد ومسمع فله فيه نظران ومسمعان إن ( رب من األخبار النبوية أما اآلية األوىل فقوله تعاىل ويف هذا الفصل املختصر معاين عدة آيات وخ

وهل ( وأما الثالثة فقوله تعاىل ) والعاقبة للتقوى ( وأما اآلية الثانية فقوله تعاىل ) أكرمكم عند اهللا أتقاكم لسفينة خرقها فانطلقا حىت إذا ركبا يف ا( وأما اآلية الرابعة فقوله تعاىل ) أتاك نبأ اخلصم إذ تسوروا احملراب

وكذلك إىل آخر القصة وهذا من أحسن ما يأيت يف هذا الباب )

ومن ذلك ما ذكرته يف مجلة كتاب يتضمن عناية ببعض الفقراء فقلت بعد االبتداء بصدر الكتاب وقد علم ملزية منه أنه يعد لطالب فضله فضال ويرى التربع مبعروفه فرضا إذا رآه غريه مع املساءلة نفال وما ذاك إال

خلق توجد بطيب التربة وشرف الرتبة وأويت من كنوز الكرم ما إن مفاحته لتنوء بالعصبة وهلذا خرج على قومه من األخالق يف زينته وفضل اخللق بطينة غري طينته ومن فضله أنه يسأل عن السائلني وحيتال يف

استنباط أمل اآلملني مث مضت على هذا النهج حىت أهنيت الكتاب

لغرض أن تعلم أيها املتعلم كيف تضع يدك يف أخذ ما تأخذه من بعض اآلية مث تضيف إليه كالما من واعندك وجتعله مسجوعا كما قد فعلت أنا يف هذا املوضع أال ترى أين أخذت بعض هذه اآلية يف قصة من

لكنوز ما إن مفاحته إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من ا( سورة القصص وهي قوله تعاىل فهذه اآلية أخذت بعضها ) لتنوء بالعصبة أويل القوة إذ قال له قومه ال تفرح إن اهللا ال حيب الفرحني

وأضفت إليه كالما من عندي حىت جاء كما تراه مسجوعا وكذلك فعلت باآلية األخرى من هذه السورة ن احلياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أويت قارون فخرج على قومه يف زينته قال الذين يريدو( أيضا وهي قوله

وهكذا ينبغي لك إذا أردت أن تسلك هذه الطريق وقدرت على سلوكها وهي من ) إنه لذو حظ عظيم حماسن الصناعة البالغية وليس فوقها من الكالم ما هو أعلى درجة منها ألهنا ممزوجة بالقرآن ال على وجه

ه واهللا خيتص هبا من يشاء من عباده التضمني بل على وجه االنتظام ب

Page 62: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

وفيما ذكرته من نثر هذه اآليات كفاية للمتعلم وأما األخبار النبوية فكالقرآن العزيز يف حل معانيها

فإن قلت إن األخبار النبوية ال جيري فيها األمر جمرى القرآن إذ للقرآن له حاصر وضابط وكل آياته تدخل لو ضاع مين عقال لوجدته يف القرآن الكرمي وأما األخبار فليست كذلك يف االستعمال كما قال بعضهم

ألهنا كثرية ال

تنحصر ولو احنصرت لكان منها ما يدخل يف االستعمال ومنها ما ال يدخل وال بد من بيان ميكن اإلحاطة به والوقوف عنده

نه كتاب خمتصر ومجيع ما فيه قلت يف اجلواب عن هذا إنك أول ما حتفظه من األخبار هو كتاب الشهاب فإيستعمل ألنه يتضمن حكما وآدابا فإذا حفظته وتدربت باستعماله كما أريتك ههنا حصل عندك قوة على

التصرف واملعرفة مبا يدخل يف االستعمال وما ال يدخله وعند ذلك تتصفح كتاب صحيح البخاري ومسلم ا من كتب احلديث وتأخذ ما حيتاج إليه وأهل مكة واملوطأ والترمذي وسنن أيب داود وسنن النسائي وغريه

أخرب بشعاهبا والذي تأخذه إن أمكنك حفظه والدرس عليه فهو املراد ألن ما ال حتفظه فلست منه على ثقة وإن كان لك حمفوظات كثرية كالقرآن الكرمي ودواوين كثرية من الشعر وما ورد من األمثال السائرة وغري

ليك مبداومة املطالعة لألخبار واإلكثار من استعماهلا يف كالمك حىت ترقم على خاطرك ذلك مما أشرنا إليه فع فتكون إذا احتجت منها إىل شيء وجدته وسهل عليك أن تأيت به ارجتاال فتأمل ما أوردته عليك واعمل به

وما زلت وكنت جردت من األخبار النبوية كتابا يشتمل على ثالثة آالف خرب كلها تدخل يف االستعمالأواظب على مطالعته مدة تزيد على عشر سنني فكنت أهني مطالعته يف كل أسبوع مرة حىت دار على

ناظري وخاطري ما يزيد على مخسمائة مرة وصار حمفوظا ال يشذ عين منه شيء وهذا الذي أوردته ههنا يف حل معاين األخبار هو من هناك

يف هذا األسلوب الذي أنا بصدده ههنا وذاك أنه استوعره وسأذكر ما دار بيين وبني بعض علماء األدبوأنكره وقال هذا ال يتهيأ إال يف الشيء اليسري من األخبار النبوية فقلت ال بل يتهيأ يف األكثر منها فقال قد ورد عن النيب أنه اختصم إليه يف جنني فقضى على من أسقطه بغرة عبد أو أمة فأين يستعمل هذا فأفكرت

كره مث أنشأت هذا الفصل من الكالم وأودعته فيه قد كثر اجلهل حىت ال يقال فالن عامل وفالن جاهل فيما ذوضرب املثل بباقل وكم يف هذه الصورة املمثلة من باقل ولو عرف كل إنسان قدره ملا مشى بدن إال حتت

رأسه وال انتصب رأس إال على بدنه ولكان صاحب العمامة أحق بعمامته وصاحب

رسن أحق برسنه وكنت مسعت بكاتب من الكتاب كلمه إىل غثاثة وقلمه بغاثة ال يستنسر وأي بطش اللبغاثة وإذا وجب الوضوء على غريه باخلارج من السبيلني وجب عليه من سبل ثالثة هذا وهو يدعي أنه يف

خيرج عن الفصاحة أمة وحده ومن قس إياد وسحبان وائل عنده وإذا كشف عن خاطره وجد بليدا ال العمه والكمه وإن رام أن يستنتجه يف حني من األحيان قضى عليه بغرة عبد أو أمه وكثريا ما يتقدم

ونقيصته هذه على األفاضل من العلماء وقد صار الناس إىل زمان يعلو فيه حضيض األرض على هام السماء

Page 63: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

ع إعجابه به واستغرابه إياه مث فلما أوردته عليه ظهرت أمارة احلسد على صفحات وجهه وفلتات لسانه مفهذا أين يستعمل ) ال تدخل املالئكة بيتا فيه صورة وال متثال ( قال وقد ورد عن النيب هذا احلديث وهو

من املكاتبات فترويت يف قوله ترويا يسريا مث قلت هذا يستعمل يف كتاب إىل ديوان اخلالفة وأمليت عليه الكتاب فجاء

ه وهو إذا أفاض اخلادم يف وصف والئه نكصت مهم األولياء عن مقامه وعلموا أنه هذا احلديث يف فصل منأخذ األمر بزمامه فقد أصبح وليس بقلبه سوء الوالء واإلميان فهذا يظهر أثره يف طاعة السر وهذا يف طاعة

متثال وال صورة اإلعالن وما عدامها فإن دخوله إىل قلبه من األشياء احملظورة واملالئكة ال تدخل بيتا فيه فليعول الديوان العزيز على سيف من سيوف اهللا يفري بال ضارب ويسري بال حامل وال يسل إال بيد حق وال يغمد إال يف ظهر باطل وليعلم أنه كرشه وعيبته يف تضمن األسرار وأنه أحد سعديه إذا عدت مواقف

األنصار

نع بإيراد ذلك احلديث حىت قرنت به حديثا آخر وهو فلما رأى هذا الفصل هبت له وأعجب منه مث إين مل أق ) األنصار كرشي وعيبيت ( قول النيب

وحيث عرفتك أيها املتعلم ما تقتدي به يف هذا املوضع فقد ذكرت لك أمثلة كثرية تتدرب هبا خطر فمن ذلك ما ذكرته يف دعاء كتاب من الكتب وهو أعاذ اهللا أيامه من الغري وبني خبطر جمده نقص كل

وجعل ذكره زادا لكل ركب وأنسا لكل مسر ومنحه من فضله ما ال عني رأت وال أذن مسعت وال خطر على قلب بشر

وهذا املعىن مأخوذ من احلديث يف وصف نعيم اجلنة فنقلته إىل الدعاء وفا من ومن ذلك ما ذكرته يف وصف احللم وهو تركته حىت جال يف امليدان وامتد يف األشطان ومل أنتصر خ

قيام امللك وقعود الشيطان واحلليم ال يظهر أثر حلمه إال عند تلدده والكظيم هو أشد ما خياف من تبدده وهذا املعىن أخذته من قصة أيب بكر رضي اهللا عنه يف خصامه فإنه بغي عليه ثالث مرات وهو ساكت ففي

يكذب خصمه مبا يقول فلما انتصر قام كان امللك جالسا إىل جانب أيب بكر ( الثالثة انتصر فقال النيب ) امللك وقعد الشيطان

ومن ذلك ما ذكرته يف النصرة على العدو يف موطن القتال وهو أخذنا بسنة رسول اهللا يف النصر الذي نرجوه ونبذنا يف وجه العدو كفا من التراب وقلنا شاهت الوجوه فثبت اهللا ما تزلزل من أقدامنا وأقدم

إقدامنا حيزوم فأغىن عن وهذان املعنيان أحدمها مأخوذ من حديث غزوة حنني وما فعله رسول اهللا يف أخذ قبضة من التراب وألقاها

واملعىن اآلخر مأخوذ من حديث غزوة بدر وذاك أن رجال من ) شاهت الوجوه ( يف وجوه الكفار وقوله قبل أن يصل إليه ومسع الرجل املسلم املسلمني القى رجال من الكفار وأراد أن يضربه فخر على األرض ميتا

) ذاك من مدد السماء الثالثة ( صوتا من فوقه وهو يقول أقدم حيزوم فجاء إىل النيب وأخربه فقال

Page 64: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

ومن ذلك ما ذكرته يف ضيق جمال احلرب وهو وضاق الضرب بني الفريقني حىت اتصلت مواقع البيض استظل حينئذ بالسيوف الشتباك جماهلا وتبوئت مقاعد الذكور وتصافحت الفور بالفور والصدور بالصدور و

اجلنة اليت هي حتت ظالهلا ) اجلنة حتت ظالل السيوف ( وهو مأخوذ من احلديث النبوي وهو قول النيب

ومن ذلك ما ذكرته يف مجلة كتاب أذم فيه الزمان فقلت ولكنها األيام تبدي لنا من جوهرها كل غريبة دع الذي كأن رأسه زبيبة وليس للمرء فيما يلقاه من أحداثها نعمى كانت أو وتسوسنا سياسة العبد اجمل

بوسى إال أن يكل األمور إىل وليها فيقول حاج آدم موسى حاج آدم موسى فقال له موسى أنت أخرجت الناس خبطيئتك من ( وهذا مأخوذ من اخلرب النبوي يف قوله

اهللا تعاىل برسالته وكالمه أتلومين على أمر كتبه اهللا تعاىل اجلنة وأشقيتهم فقال له آدم أنت الذي اصطفاك ) فحج آدم موسى ( علي قبل أن خيلقين قال رسول اهللا

ومن ذلك ما ذكرته يف وصف بعض الكتاب وهو فصل من كتاب كتبته إليه فقلت ولقد سردت عليه ناس باهتدائه فإذا اشتبهت عنده أحاديث البالغة فاستغىن عن بسط ردائه وهدي إىل جوامع كلها فاقتدى ال

مسالك طرقها مل ميلكه سلطان احلرية وإن أغرب يف أساليبها مل يقل فيه ما قيل يف رواية أيب هريرة وهذا الفصل من أحسن ما يؤتى به يف صناعة نثر املعاين وهو مأخوذ من حديث أيب هريرة قال قلت يا

فبسطته فحدث حديثا كثريا فما نسبت شيئا ) ابسط رداءك ( رسول اهللا أمسع منك أشياء فال أحفظها فقال حدثين به وأما رواية أيب هريرة فشك فيها قوم لكثرهتا

وقد اجتمع يف هذا الفصل معىن احلديث النبوي وغريه ومثل هذا ال يتفطن

ن الكتاب له عند الوقوف إال من تبحر يف الوقوف على األخبار النبوية ومن أجل ذلك جعلته ركنا من أركا يف الفصل التاسع

ومن ذلك ما ذكرته يف ذم بعض البالد الومخة فقلت ومن صفاهتا أهنا مدرة مستوبلة الطينة جمموع هلا بني حر مكة وألواء املدينة إال أهنا مل يأمن حرمها يف اخلطفة وال نقلت محاها إىل اجلحفة

األخبار النبوية فاآلية من سورة العنكبوت وهي يف هذه الكلمات القصار آية من القرآن الكرمي وخربان منوهذا موضع خيتص باألخبار ال ) أو مل يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حوهلم ( قوله تعاىل

من صرب على حر مكة ( باآليات غري أن اآلية جاءت ضمنا وتبعا وأما اخلربان فاألول منهما قول النيب اللهم حببها إلينا كما حببت ( وأما الثاين فقوله يف دعائه للمدينة ) على اهللا اجلنة وألواء املدينة ضمنت له

) إلينا مكة وانقل محاها إىل اجلحفة فانظر أيها املتأمل إىل هذه الكلمات حىت تعلم أن عدهتا مصوغة من اآلية واخلربين سواء بسواء وهذا طريق

االعتراف به اثنان لو ادعيت االنفراد بسلوكه ملا اختلف علي يفومن ذلك ما كتبته يف كتاب إىل بعض اإلخوان جوابا عن كتاب ورد وكان كتابه تأخر عين زمانا طويال فقلت وملا تأملته ضممته إيل والتزمته مث استلمته والتثمته وعلمت أن املعارف وإن قدمت أيامها أنساب

Page 65: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

يف زمن خدجية وشيجة وتأسيت باخللق النبوي يف العجوز اليت كانت تأيتوهذا مأخوذ من اخلرب املنقول عن عائشة رضي اهللا عنها وهو أهنا قالت كان رسول اهللا يذبح الشاة فيعضيها

( أعضاء ويقسمها يف أصدقاء خدجية وكانت تأتيه عجوز فيكرمها ويبسط هلا رداءه فسألته عن ذلك فقال ) هذه كانت تأتينا يف زمن خدجية وحسن العهد من اإلميان

ومن ذلك ما ذكرته يف وصف الكتاب وهو كل سطر منه روضة غري أهنا ليل يف صباح وكل معىن منه دمية غري أن ليس على مصورها من جناح

وهذا مأخوذ من احلديث يف حترمي الصور ومن ذلك ما ذكرته يف وصف كرمي وهو فأغىن جبوده إغناء املطر ومسا إىل املعايل مسو الشمس وسار يف

ازهلا مسري القمر ونتج من أبكار فضائله ما إذا ادعاه غريه قيل للعاهر احلجر من ) الولد للفراش وللعاهر احلجر ( وهذا املعىن من قول النيب

ومن ذلك ما ذكرته يف وصف الفصاحة فقلت أفكار اخلواطر ال تستولد على انفرادها وغايتها أن يتناكح لفكر نكاح األنساب وال أخاف أن أضوي فأميل إىل االغتراب يف استنتاج أوالدها وأنا أنكح فكري

يريد بذلك أن اإلنسان ) غربوا ال تضووا ( وهذا مأخوذ من قول النيب يف األمر بنكاح البعيدة النسب فقال إذا نكح املرأة القريبة إليه حصل بينهما حياء مينع من قضاء الشهوة كما ينبغي فيجيء الولد ضاويا أي

هذا معىن غريب يل استخرجته من احلديث النبوي هزيال وومن ذلك ما ذكرته يف فصل من كتاب إىل بعض اإلخوان جوابا عن كتاب ورد منه يتضمن الشكوى من

شخص جرت بينه وبينه خماصمة فقلت وصل كتابه وهو كتاب من أكثر الشكوى وطلب العدوى ونزل من القاضي ال حيكم ألحد اخلصمني حىت حيضر صاحبه وإن التظلم بالعدوة الدنيا وأنزل خصمه القصوى و

فقئت عني أحدمها فرمبا فقئت عني اآلخر وهشم جانبه على أنه قد اعترف أن كليهما كان للحم أخيه آكال وعليه يف حال حمضره جاهال وسباب املؤمن معدود من فسوقه وإطراقه عن تورد هذا املقام أوىل من طروقه

ا ولوال تغليظ النكري مل

جعل اللسان واليد سواء فيما جرحا وملا أخر اهللا املغفرة عن اخلائضني فيها حىت يصطلحا فكن أنت ممن أطاع تقواه ال هواه واتبع من علم احلق فرآه أو مسعه فرواه واعلم أن هتاجر األخوين فوق الثالثة من

ئة باحلسنة جيعل العدو وليا محيما وقد منهيات احلرام وأن الفائز باألجر منهما هو البادئ بالسالم ودفع السيجعل اهللا املتخلق هبذا اخللق صابرا وجعل له حظا عظيما والشيطان إمنا حيوم على آثاره مواقع الشنآن وال

حيمد من أعمال بنيه شيئا إال ما زيل بني اإلخوان أول املعاين املأخوذة من يف هذا الفصل معاين آيات وأخبار وهذا املوضع خمتص بذكر األخبار دون اآليات ف

) إذا أتاك أحد اخلصمني وقد فقئت عينه فال حتكم له فرمبا أتى خصمه وقد فقئت عيناه ( األخبار قول النيب إن األعمال تعرض ( وأما املعىن الثالث فقوله ) سباب املؤمن فسوق وقتاله كفر ( وأما املعىن الثاين فقوله

فيغفر لكل امرئ ال يشرك باهللا شيئا إال امرأ كانت بينه وبني أخيه شحناء على اهللا يوم االثنني ويوم اخلميس

Page 66: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

ال حيل للمؤمن أن يهجر أخاه فوق ( وأما املعىن الرابع فقول النيب ) فيقول اتركوا هذين حىت يصطلحا يبدأ إذا التقى املتهاجران فأعرض هذا وأعرض هذا فخريمها الذي ( وأما املعىن اخلامس فقول النيب ) ثالث

إن إبليس له عرش على البحر فيبث بنيه يف آفاق األرض فيأيت ( وأما املعىن السادس فقوله ) بالسالم أحدهم فيقول فعلت كذا وفعلت كذا فيقول ما فعلت شيئا ويأيت أحدهم فيقول زينت بينه وبني أخيه أو

) بينه وبني زوجته فيقول نعم الولد أنت ة من معىن خرب نبوي هذا سوى ما فيها من معاين اآليات وإذا عددت هذه فانظر كم يف هذه األسطر اليسري

الكلمات املذكورة يف هذه األسطر وجدهتا مجيعا منتظمة من اآلية واخلرب وهذا ما يدلك على اإلكثار من احملفوظ واستحضاره عند احلاجة إليه على الفور

ن هتديدا وختويفا فقلت ورد الكتاب ومن ذلك ما ذكرته يف صدر كتاب وهو جواب عن كتاب يتضم مضمنا من الوعد والوعيد ما آنس نفس اململوك

وأوحشها ونقع ضلوعه وأعطشها وأقام له من الظنون السيئة جنودا تقاتله وتأخذ عليه شعب األفكار فال ا استكمل تزاوله وكانت كلماته طواال وأوراقه ثقاال وما أفلت سطر من سطوره إال كان اآلخر له عقاال ومل

الوقوف عليه ثقلت أطوار اخلوف والرجاء من أطواره وعرضت عليه اجلنة والنار يف قرطاسه كما عرضت على رسول اهللا يف عرض جداره ولوال وثوقه بأناة موالنا لذهبت نفسه فرقا وابتغى يف السماء سلما ويف

غره من ربه الكرمي وعلم أن خلق األرض نفقا لكنه قد توسم يف كرمه خمابل الصنع الوسيم وغره منه ما حلمه يغلب خلق غضبه إذ هذا حادث وذاك قدمي

عرضت ( ويف هذا الفصل معىن خرب من األخبار النبوية وهو أنه كان خيطب فمال بيده إىل اجلدار وقال ) علي اجلنة والنار يف عرض هذا اجلدار فلم أر كاليوم يف اخلري والشر

كتاب إىل بعض اإلخوان وهو اخلادم يواصل بالدعاء الذي ال يزال لقلبه زميال ومن ذلك ما ذكرته يف صدر وللسانه رسيال وإذا رفع أدنته املالئكة قربا إذا تباعدت من غريه ميال وال اعتداد بالدعاء إال إذا صدر عن

ناصع أكرم مصدر ووجد له فوق السماء مظهرا وإن مل يكن هناك من مظهر ووصف باطنه بأنه األبيض الالذي هو خري من ظاهر األشعث األغرب وال يعامل اخلادم أهل وده إال هبذه املعاملة ومن خلقه اجملازفة يف

بذل املودة إذا أخذ الناس نسبة املكايلة واآلخر ) إنه إذا كذب الكاذب تباعد امللك عنه ميال لننت كذبه ( يف هذا معىن خربين أحدمها قول النيب

) رب مدفوع باألبواب لو أقسم على اهللا ألبره رب أشعث أغ( قوله ومن هذا الباب ما ذكرته يف كتاب يتضمن خطبة مودة فابتدأت الكالم فيه بعد تصدره بالدعاء فقلت لوال

العادة لرفع اخلادم كتابه هذا أن يسطر يف ورقة وليس ذلك إال إلرساله يف خطبة مودة رأى صورهتا يف كن ذلك من عند اهللا ميضه وأبدي هلا صفحة الرضا وإن كانت كل مودة مل ترضه سرقة وملا تأملها قال إن ي

وخري املودات ما ليس هلا ضرة تشاركها يف وسامتها وال تضاهيها يف درجة

Page 67: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

كرامتها فتلك اليت تزدهي ذا اهلمة أبوة ومجاال ومل يغله مهرها ولو بذل فيه نفسا ال ماال وما يظنها اخلادم إال ليت خطبها وقد علت أن تكون راغبة ولكن هو الذي أرغبها على أنه مل يترشح هلا إال من هو هذه املودة ا

من أكفائها وليست الكفاءة ههنا إال ما تبذله الضمائر من صفائها وقد أتاح اهللا هلا كفئا يكثر من إيناسها عراسها ويضعها من الرب يف حملة ناسها وجيعل كل يوم من أيامها عرسا حىت تتصل مواسم أ

مث مضيت على هذا النهج إىل آخر الكتاب واملعىن املأخوذ فيه من اخلرب النبوي يف موضعني األول أن النيب والسرقة حريرة بيضاء ) إن جربيل عليه السالم عرض علي صورتك يف سرقة ( قال لعائشة رضي اهللا عنها

فأخذت أنا هذا املعىن ) اهللا ميضه إن يكن ذلك من عند ( وقال هذه زوجتك يف الدنيا واآلخرة فقلت ونقلته إىل خطبة مودة وال يأيت يف خطبة املودات شيء أحسن منه وال ألطف وال أشد مقصدا اخلرب النبوي

فقلت أنا فتلك اليت تزدهي ذا ) إمنا تنكح املرأة ألربع حلسبها أو لدينها أو ملاهلا أو جلماهلا ( الثاين قول النيب أي قد مجعت احلسب واجلمال اهلمة أبوة ومجاال

ومن ذلك ما ذكرته يف سبب حب املال وهو بني املال عالقة وكيدة وبني القلوب وهي له مبنزلة احملب وهو هلا مبنزلة احملبوب وليس ذلك إال ألن اهللا قبض قبضة من مجيع األرض فخلق آدم من تلك القبضة ويوشك

فضة ولوال أن يكون منهما عنصرا بدائه ملا جعلهما حينئذ أن صورة قلبه تكونت من معدن الذهب وال األطباء دواءه من دائه فال تستغرب إذن أن تكون على حبهما مطبوعا إذ كان منهما مصنوعا

إن اهللا خلق آدم من قبضة قبضها من مجيع األرض فجاء بنو آدم على قدر ( وهذا املعىن من قول النيب غري أين استنبطت أنا ) وبني ذلك واحلزن والسهل واخلبيث والطيب األرض منهم األمحر واألبيض واألسود

حب املال من هذا احلديث وهو معىن غريب مل أسبق إليه ومن ذلك ما ذكرته يف وصف كالم وهو ليس السحر ما أودع يف جف

طلعه بل ما أودع يف صوغ معىن أو نظم سجعة ولذلك لبيد يف شعره أسحر من لبيد يف سحره وكال عهما من الغريب العجيب غري أن ما يستنبط من القلب أعجب مما يدفن يف القليب صن

وهذا املعىن مأخوذ من قصة لبيد بن األعصم يف سحره النيب ومن عرف القصة وصورهتا علم ما قد ذكرته يف نثر هذه الكلمات البديعة

ق فجثم بني يدي السور مناصيا ومن ذلك ما ذكرته يف وصف املنجنيق يف مجلة كتاب فقلت ونصب املنجنيوبسط كفه إليه مواتيا مث تول عقوبته بعضاه اليت تفتك بأحجاره وإذا عصى عليها بلد أخذت يف تأديب

أسواره فما كان إال أن استمرت عقوبتها عليه حىت صار قائمه حصيدا وعاصيه مستقيدا وقال أمل يكن هنى لكل أجل ( يدا وعند ذلك أذعن لفتح األبواب وتال قوله تعاىل عن املد والتجريد فمايل ال أرى إال مدا وجتر

وكذلك مل نأت صعبا إال استسهل وال حثثنا مطيا إال استعجل ولطاملا وقف غريها على هذا البلد ) كتاب فشقه طول االنتظار ومل حيظ منه إال مبساءلة املنصب أحجار الديار

) ال مد وال جتريد ( هو قول النيب يف النهي عن ضرب احملدود يف هذا الفصل معىن خرب من األخبار النبوية و أي ال ميد على األرض وال جيرد عنه ثوبه

Page 68: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

ومن ذلك ما ذكرته يف صدر كتاب إىل الديوان العزيز النبوي وهو خلد اهللا دولة الديوان العزيز النبوي وال كل حني طالعة وأيامها كالليايل زالت أكنافها وادعة وعلياؤها جامعة وجدودها كالنجوم اليت ترى يف

ساكنة ولياليها كاأليام ناصعة وأبواهبا كأبواب اجلنة اليت يقال فيها ثامن وثامنة إذا قيل يف أبواب غريها سابع وسابعة وهذا الدعاء قد استجابه اهللا قبل أن ترفع إليه يد أو ينطق به ضمري فإذا دعا به اخلادم وجد

ء هو يف الزمن األخري فليس له حينئذ إال أن يدعو ملا خوله الديوان العزيز صنع اهللا قد سبقه أوال وجابالدوام وأن يعيذه من النقص من التمام مث يستهدي ما يؤهل له من اخلدم اليت يعتدها من لطائف اإلحسان

وإذا ندب لتكليف أوامرها قال واحلمد والشكر يسجدان وال شك أن درجات األولياء تتفاوت يف ت واألمساء فمنها ما يكون ببطن األرض ومنها ما يرى كالكوكب يف أفق السماء ولوال النهي عن الصفا

والشمس وضحاها والقمر إذا ( تزكية املرء نفسه الدعى اخلادم أن له أعالها وجاء باألولياء من بعده فقال أكرم من جهره وليس الذي مين لكنه ال مين مبا يعتده عند اهللا من ذخره وسر الوالء يف هذا املقام ) تالها

بصالته وصيامه كالذي مين بسر وقر يف صدره واهللا ال ينظر إىل األعمال وإمنا ينظر إىل القلوب وفرق بني املطيع مبحضر الشهادة وبني املطيع بظهر الغيوب ولو اطلع الديوان العزيز على ضمري اخلادم يف الطاعة

قسم على اهللا ألبره لسره وعلم أنه األشعث األغرب الذي لو أيف هذا الفصل من اآليات واألخبار عدة مواضع وهذا املوضع خمتص باألخبار فلنذكرها دون اآليات أما

وأما ) إنكم ترون أهل الدرجات العلى يف اجلنة كما ترون املواكب يف أفق السماء ( األول منها فقوله النيب وأما اخلرب ) وال صيام ولكن فضلكم بسر وقر يف صدره ما فضلكم أبو بكر بصالة ( اخلرب الثاين فقوله

) رب أشعث أغرب ذي طمرين لو أقسم على اهللا ألبره ( الثالث فقوله وفيما أوردته من حل املعاين الشعرية وحل آيات القرآن واألخبار النبوية طريق واضح ملن يقوى على

سلوكه واهللا املوفق للصواب

اللفظيةاملقالة األوىل يف الصناعة

وهي تنقسم إىل قسمني القسم األول يف اللفظ املفردة

اعلم أنه حيتاج صاحب هذه الصناعة يف تأليفه إىل ثالثة أشياء األول منها اختيار األلفاظ املفردة وحكم ذلك كالم قلقا الآللئ املبددة فإنا تتخري وتنتقي قبل النظم الثاين نظم كل كلمة مع أختها املشاكلة هلا لئال جييء ال

نافرا عن مواضعه وحكم ذلك حكم العقد املنظوم يف اقتران كل لؤلؤة منها بأختها املشاكلة هلا الثالث الغرض املقصود من ذلك الكالم على اختالف أنواعه وحكم ذلك حكم املوضع الذي يوضع فيه العقد

ة جيعل شنفا يف األذن ولكل موضع من املنظوم فتارة جيعل إكليال على الرأس وتارة جيعل قالدة يف العنق وتار هذه املواضع هيئة من احلسن ختصه

فهذه ثالثة أشياء ال بد للخطب والشاعر من العناية هبا وهي األصل املعتمد عليه يف تأليف الكالم من النظم

Page 69: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

اد بالبالغة والنثر فاألول والثاين من هذه الثالثة املذكورة مها املراد بالفصاحة والثالثة جبملتها هي املر وهذا املوضع يضل يف سلوك طريقه العلماء بصناعة صوغ الكالم من النظم

والنثر فكيف اجلهال الذين مل تنفحهم رائحة ومن الذي يؤتيه اهللا فطرة ناصعة يكاد زيتها يضيء ومل مل متسه نار حىت ينظر إىل أسرار ما يستعمله من األلفاظ فيضعها يف موضعها

نك ترى لفظتني تدالن على معىن واحد وكالمها حسن يف االستعمال ومها على وزن ومن عجيب ذلك أواحد وعدة واحدة إال أنه ال حيسن استعمال هذه يف كل موضع تستعمل فيه هذه بل يفرق بينهما يف

مواضع السبك وهذا ال يدركه إال من دق فهمه وجل نظره رب إين نذرت لك ما يف بطين ( وقوله تعاىل ) يف جوفه ما جعل اهللا لرجل من قلبني( فمن ذلك قوله تعاىل

فاستعمل اجلوف يف األوىل والبطن يف الثانية ومل يستعمل اجلوف موضع البطن وال البطن موضع ) حمررا اجلوف واللفظتان سواء يف الداللة ومها ثالثيتان يف عدد واحد ووزهنما واحد أيضا فانظر إىل سبك األلفاظ

كيف تفعل إن يف ذلك لذكرى ملن كان له قلب ( وقوله ) ما كذب الفؤاد ما رأى ( ا جيري هذا اجملرى قوله تعاىل ومم

فالقلب والفؤاد سواء يف الداللة وإن كانا خمتلفني يف الوزن ومل يستعمل يف ) أو ألقى السمع وهو شهيد القرآن أحدمها يف موضع اآلخر

سة وعلى هذا ورد قول األعرج من أبيات احلما ) ال عار بالموت إذا حم األجل ... نحن بنو املوت إذا الموت نزل ( ... ) املوت أحلى عندنا من العسل (

وقال أبو الطيب املتنيب ) ا شهد رجال كأن الموت يف فمه... إذا شئت حفت يب على كل سابح (

فهاتان لفظتان مها العسل والشهد وكالمها حسن مستعمل ال يشك يف حسنه واستعماله وقد وردت لفظة العسل يف القرآن دون لفظة الشهد ألهنا أحسن منها ومع هذا فإن لفظة الشهد وردت يف بيت أيب الطيب

فجاءت أحسن من لفظة العسل يف بيت األعرج ك يف أقوال الشعراء املفلقني وغريهم ومن بلغاء الكتاب ومصقعي اخلطباء وكثريا ما جند أمثال ذل

وحتته دقائق ورموز إذا علمت وقيس عليها أشباهها ونظائرها كان صاحب الكالم يف النظم والنثر قد انتهى إىل الغاية القصوى يف اختيار األلفاظ ووضعها يف مواضعها الالئقة هبا

ع يف تركيب األلفاظ أكثر مما يقع يف مفرداهتا ألن التركيب أعسر وأشق أال واعلم أن تفاوت التفاضل يقترى ألفاظ القرآن الكرمي من حيث انفرادها قد استعملها العرب ومن بعدهم ومع ذلك فإنه يفوق مجيع

كالمهم ويعلو عليه وليس ذلك إال لفضيلة التركيب

Page 70: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا مساء أقلعي ( ه تعاىل وهل تشك أيها املتأمل لكتابنا هذا إذا فكرت يف قولأنك مل جتد ما وجدته هلذه ) وغيض املاء وقضي األمر واستوت على اجلودي وقيل بعدا للقوم الظاملني

األلفاظ من املزية الظاهرة إال ألمر يرجع إىل تركيبها وأنه مل يعرض هلا هذا احلسن إال من حيث القت األوىل لثة بالرابعة وكذلك إىل آخرها فإن ارتبت يف ذلك فتأمل هل ترى لفظة منها لو أخذت من بالثانية والثا

مكاهنا وأفردت من بني أخواهتا كانت البسة من احلسن ما لبسته يف موضعها من اآلية ومما يشهد لذلك ويؤيده أنك ترى اللفظة تروقك يف كالم مث تراها يف كالم آخر فتكرهها فهذا ينكره من مل

ذق طعم الفصاحة وال عرف أسرار األلفاظ يف تركيبها وانفرادها يوسأضرب لك مثاال يشهد بصحة ما ذكرته وهو أنه قد جاءت لفظة واحدة يف آية من القرآن وبيت من

الشعر فجاءت يف القرآن جزلة متينة ويف الشعر ركيكة ضعيفة فأثر التركيب فيها هذين الوصفني الضدين فإذا طعمتم فانتشروا وال مستأنسني حلديث إن ذلكم كان يؤذي النيب فيستحيي ( ه تعاىل أما اآلية فهي قول

) منكم واهللا ال فيستحيي من احلق وأما بيت الشعر فهو قول أيب الطيب املتنيب

) ومن يعشق يلذ له الغرام ... تلذ له المروءة وهي تؤذي ( ن أبيات املعاين الشريفة إال أن لفظة تؤذي قد جاءت فيه وهذا البيت م

ويف اآلية من القرآن فحطت من قدر البيت لضعف تركيبها وحسن موقعها يف تركيب اآلية فأنصف أيها املتأمل ملا ذكرناه واعرضه على طبعك السليم حىت تعلم صحته وهذا موضع غامض حيتاج إىل

تنبيه عليه أحد قبلي وهذه اللفظة اليت هي تؤذي إذا جاءت يف الكالم فضل فكرة وإمعان نظر وما تعرض للوقد جاءت ) إن ذلكم كان يؤذي النيب ( فينبغي أن تكون مندرجة مع ما يأيت بعدها متعلقة به كقوله تعاىل

الغرام ومن يعشق يلذ له ( مث قال ... ) تلذ له املروءة وهي تؤذي ( يف قول املتنيب منقطعة أال ترى أنه قال فجاء بكالم مستأنف وقد جاءت هذه اللفظة بعينها يف احلديث النبوي وأضيف إليها كاف اخلطاب ... )

فأزال ما هبا من الضعف والركة وذاك أنه اشتكى النيب فجاءه جربيل عليه السالم ورقاه فقال بسم اهللا إنه ملا زيد على هذه اللفظة حرف أرقيك من كل داء يؤذيك فانظر إىل السر يف استعمال اللفظة الواحدة ف

فأما من أويت كتابه بيمينه ( واحد أصلحها وحسنها ومن ههنا تزاد اهلاء يف بعض املواضع كقوله تعاىل فإن ) ما أغىن عين ماليه هلك عين سلطانيه ( مث قال ) فيقول هاؤم اقرؤا كتابيه إين ظننت أين مالق حسابية

يب ومايل وسلطاين فلما أضيفت اهلاء إليها وتسمى هاء السكت أضافت األصل يف هذه األلفاظ كتايب وحسا إليها حسنا زائدا على حسنها وكستها لطافة ولباقة

فلفظة يل أيضا مثل ) إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ويل نعجة واحدة ( وكذلك ورد يف القرآن الكرمي وإذا جاءت منقطعة ال جتيء الئقة كقول أيب لفظة يؤذي وقد جاءت يف اآلية مندرجة متعلقة مبا بعدها

الطيب أيضا ) فما يقول لشيء ليت ذلك لي ... تمسي األماني صرعى دون مبلغه (

Page 71: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

ورمبا وقع بعض اجلهال يف هذا املوضع فأدخل فيه ما ليس منه كقول أيب الطيب ) بأن تقول ما له وما لي ... ي ما أجدر األيام والليال(

فإن لفظة يل ههنا قد وردت بعد ما وقبلها ما له مث قال وما يل فجاء الكالم على نسق واحد ولو جاءت لفظة يل ههنا كما جاءت يف البيت األول لكانت منقطعة عن النظري والشبيه فكان يعلوها الضعف والركة

البيت األول فرق حيكم فيه الذوق السليم وبني ورودها ههنا وورودها يف وههنا من هذا النوع لفظة أخرى قد وردت يف آية من القرآن الكرمي ويف بيت من شعر الفرزدق فجاءت

فأرسلنا ( يف القرآن حسنة ويف البيت الشعر غري حسنة وتلك اللفظة هي لفظة القمل أما اآلية فقوله تعاىل وأما البيت الشعر فقول الفرزدق ) والضفادع والدم آيات مفصالت عليهم الطوفان واجلراد والقمل

) زربا كأنهم لديه القمل ... من عزه احتجرت كليب عنده ( وإمنا حسنت هذه اللفظة يف اآلية دون هذا البيت من الشعر ألهنا جاءت يف اآلية مندرجة يف ضمن الكالم

الشعر قافية أي آخرا انقطع الكالم عندها ومل ينقطع الكالم عندها وجاءت يف وإذا نظرنا إىل حكمة أسرار الفصاحة يف القرآن الكرمي غصنا منه يف حبر عميق ال قرار له

فمن ذلك هذه اآلية املشار إليها فإهنا قد تضمنت مخسة ألفاظ هي الطوفان واجلراد والقمل والضفادع ان واجلراد والدم فلما وردت هذه األلفاظ اخلمسة جبملتها والدم وأحسن هذه األلفاظ اخلمسة هي الطوف

قدم منها لفظة الطوفان واجلراد وأخرت لفظة الدم آخرا وجعلت لفظة القمل والضفادع يف الوسط ليطرق السمع أوال احلسن من األلفاظ اخلمسة وينتهي إليه آخرا مث إن لفظة الدم أحسن من لفظيت الطوفان

تعمال ومن أجل ذلك جيء هبا آخرا ومراعاة مثل هذه األسرار والدقائق يف واجلراد وأخف يف االس استعمال األلفاظ ليس من القدرة البشرية

وقد ذكر من تقدمين من علماء البيان لأللفاظ املفردة خصائص وهيآت تتصف هبا واختلفوا يف ذلك ولو حققوا النظر ووقفوا على واستحسن أحدهم شيئا فخولف فيه وكذلك استقبح اآلخر شيئا فخولف فيه

السر يف اتصاف بعض األلفاظ باحلسن وبعضها بالقبح ملا كان بينهم خالف يف شيء منها وقد أشرت إىل ذلك يف الفصل الثامن من مقدمة كتايب هذا الذي يشتمل على ذكر الفصاحة ويف الوقوف عليه واإلحاطة

ا أمجلناه هناك ألنا ذكرنا يف ذلك الفصل أن األلفاظ به غىن عن غريه لكن ال بد أن نذكر ههنا تفصيال ملداخلة يف حيز األصوات ألهنا مركبة من خمارج احلروف فما استلذه السمع منها فهو احلسن وما كرهه ونبا عنه فهو القبيح وإذا ثبت ذلك فال حاجة إىل ما ذكر من تلك اخلصائص واهليآت اليت أوردها علماء البيان

ذا كان اللفظ لذيذا يف السمع كان حسنا وإذا كان حسنا دخلت تلك اخلصائص واهليآت يف كتبهم ألنه إ يف ضمن حسنه

وقد رأيت مجاعة من اجلهال إذا قيل ألحدهم إن هذه اللفظة حسنة وهذه قبيحة أنكر ذلك وقال كل ولفظة العسلوج األلفاظ حسن والواضع مل يضع إال حسنا ومن يبلغ جهله إىل أن ال يفرق بني لفظة الغصن

وبني لفظة املدامة ولفظة اإلسفنط وبني لفظة السيف ولفظة اخلنشليل وبني لفظة األسد ولفظة الفدوكس فال

Page 72: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

ينبغي أن خياطب خبطاب وال جياوب جبواب بل يترك وشأنه كما قيل اتركوا اجلاهل جبهله ولو ألقى اجلعر يف رة زجنية سوداء مظلمة السواد شوهاء اخللق ذات عني رحله وما مثاله يف هذا املقام إال كمن يسوي بني صو

حممرة وشفة غليظة

كأهنا كلوة وشعر قطط كأنه زبيبة وبني صورة رومية بيضاء مشربة حبمرة ذات خد أسيل وطرف كحيل ومبسم كأمنا نظم من أقاح وطرة كأهنا ليل على صباح فإذا كان بإنسان من سقم النظر أن يسوي بني هذه

ه فال يبعد أن يكون به من سقم الفكر أن يسوي بني هذه األلفاظ وهذه وال فرق بني النظر الصورة وهذ والسمع يف هذا املقام فإن هذا حاسة وهذا حاسة وقياس حاسة على حاسة مناسب

فإن عاند معاند يف هذا وقال أغراض الناس خمتلفة فيما خيتارونه من هذه األشياء وقد يعشق اإلنسان صورة ة اليت ذممتها ويفضلها على صورة الرومية اليت وصفتها الزجني

قلت يف اجلواب حنن ال حنكم على الشاذ النادر اخلارج عن االعتدال بل حنكم على الكثري الغالب وكذلك إذا رأينا شخصا حيب أكل الفحم مثال أو أكل اجلص والتراب وخيتار ذلك على مالذ األطعمة فهل نستجيد

م عليه بأنه مريض قد فسدت معدته وهو خيتار إىل عالج ومداواة هذه الشهوة أو حنكومن له أدىن بصرية يعلم أن لأللفاظ يف األذن نغمة لذيذة كنغمة أوتار وصوتا منكرا كصوت محار وأن هلا

يف الفم أيضا حالوة كحالوة العسل ومرارة كمرارة احلنظل وهي على ذلك جتري جمرى النغمات والطعوم ومهك أيها املتأمل إىل قول القائل الذي غلب عليه غلظ الطبع وفجاجة الذهن بأن العرب كانت وال يسبق

تستعمل من األلفاظ كذا وكذا فهذا دليل على أنه حسن بل ينبغي أن تعلم أن الذي نستحسنه حنن يف زماننا هذا هو الذي كان عند العرب مستحسنا والذي نستقبحه هو الذي كان عندهم مستقبحا

االستعمال و

ليس بدليل على احلسن فإنا حنن نستعمل اآلن من الكالم ما ليس حبسن وإمنا نستعمله لضرورة فليس استعمال احلسن مبمكن يف كل األحوال وهذا طريق يضل فيه غري العارف مبسالكه ومن مل يعرف صناعة

ه معذور يف أن يقول ما قال النظم والنثر وما جيده صاحبها من الكلمة يف صوغ األلفاظ واختيارها فإن ) وال الصبابة إال من يعانيها ... ال يعرف الشوق إال من يكابده (

ومع هذا فإن قول القائل بأن العرب كانت تستعمل من األلفاظ كذا وكذا وهذا دليل على أنه حسن قول لفاظ واستقباحها ال يؤخذ بالتقليد من العرب ألنه شيء فاسد ال يصدر إال عن جاهل فإن استحسان األ

ليس للتقليد فيه جمال وإمنا هو شيء له خصائص وهيآت وعالمات إذا وجدت علم حسنه من قبحه وقد تقدم الكالم على ذلك يف باب الفصاحة والبالغة وأما الذي نقلد العرب فيه من األلفاظ فإمنا هو

قل من لغتها واألخذ بأقواهلا يف األوضاع النحوية يف رفع الفاعل ونصب االستشهاد بأشعارها على ما ين املفعول وجر املضاف إليه وجزم الشرط وأشباه ذلك وما عداه فال

وحسن األلفاظ وقبحها ليس إضافيا إىل زيد دون عمرو أو إىل عمرو دون زيد ألنه وصف ذووي ال يتغري نة عند الناس كافة من العرب وغريهم وهلم جرا ال خيتلف أحد يف باإلضافة أال ترى أن لفظة املزنة مثال حس

Page 73: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

حسنها وكذلك لفظة البعاق فإهنا قبيحة عند الناس كافة من العرب وغريهم فإذا استعملتها العرب ال يكون استعماهلم إياها خمرجا هلا عن القبح وال يلتفت إذن إىل استعماهلم إياها بل يعاب مستعملها ويغلظ له النكري

حيث استعملها وقد ذكر ابن سنان اخلفاجي ما يتعلق باللفظة الواحدة من األوصاف وقسمها إىل عدة أقسام كتباعد خمارج

احلروف وأن تكون الكلمة جارية على العرف العريب غري شاذة وأن تكون مصغرة يف موضع يعرب به عن مة وغري ذلك من األوصاف شيء لطيف أو خفي أو ما جرى جمراه وأال تكون مبتذلة بني العا

ويف الذي ذكره ما ال حاجة إليه أما تباعد املخارج فإن معظم اللغة العربية دائر عليه ألن الواضع قسمها يف وضعة ثالثة أقسام ثالثيا ورباعيا ومخاسيا والثالثي من األلفاظ هو األكثر وال يوجد فيه ما يكره استعماله إال

إنه وسط بني الثالثي واخلماسي يف الكثرة عددا واستعماال وأما اخلماسي فإنه الشاذ النادر وأما الرباعي فاألقل وال يوحد فيه ما يستعمل إال الشاذ النادر وعلى هذا التقدير فإن أكثر اللغة مستعمل على غري مكروه

كثرية يف وال تقتضي حكمة هذه اللغة الشريفة اليت هي سيدة اللغات إال ذلك وهلذا أسقط الواضع حروفا تأليف بعضها مع بعض استثقال واستكراه فلم يؤلف بني حروف احللق كاحلاء واخلاء والعني وكذلك مل

يؤلف بني اجليم والقاف وال بني الالم والراء وال بني الزاء والسني وكل هذا دليل على عنايته بتأليف ألصل الكلي يف حتسني اللغة وقد اعتىن املتباعد املخارج دون املتقارب ومن العجب أنه كان خيل مبثل هذا ا

بأمور أخرى جزئية كمماثلته بني حركات الفعل يف الوجود وبني حركات املصدر يف النطق كالغليان والضربان والنقدان والنزوان وغري ذلك مما جرى جمراه فإن حروفه مجيعها متحركات وليس فيها حرف

نظر يف حكمة وضع هذه اللغة إىل هذه الدقائق اليت هي ساكن وهي مماثلة حلركات الفعل يف الوجود ومن كاألطراف واحلواشي فكيف كان خيل باألصل املعول عليه يف تأليف احلروف بعضها إىل بعض على أنه لو

أراد الناظم أو الناظر أن يعترب خمارج احلروف عند استعمال األلفاظ وهل هي متباعدة أو متقاربة لطال ا كان الشاعر ينظم قصيدا وال الكاتب ينشئ كتابا إال يف مدة طويلة متضي عليها اخلطب يف ذلك وعسر ومل

أيام وليال ذوات عدد كثري وحنن نرى األمر خبالف ذلك فإن حاسة السمع هي احلاكمة يف هذا املقام حبسن ما حيسن من األلفاظ وقبح ما يقبح

فاظ وقيل لك ما تقول يف هذه اللفظة أحسنة وسأضرب لك يف هذا مثاال فأقول إذا سئلت عن لفظة من األلهي أم قبيحة فإين ال أراك عند ذلك إال تفيت حبسنها أو قبحها على الفور ولو كنت ال تفيت بذلك حىت

تقول للسائل اصرب إىل

أن أعترب خمارج حروفها مث أفتيك بعد ذلك مبا فيها من حسن أو قبح لصح البن سنان ما ذهب إليه من احلروف املتباعدة شرطا يف اختيار األلفاظ وإمنا شذ عنه األصل يف ذلك وهو أن احلسن من جعل خمارج

األلفاظ يكون متباعد املخارج فحسن األلفاظ إذن ليس معلوما من تباعد املخارج وإمنا علم قبل العلم متباعد بتباعدها وكل هذا راجع إىل حاسة السمع فإذا استحسنت لفظا أو استقبحته وجد ما تستحسنه

املخارج وما تستقبحه متقارب املخارج واستحساهنا واستقباحها إمنا هو قبل اعتبار املخارج ال بعده

Page 74: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

على أن هذه قاعدة قد شذ عنها شواذ كثرية ألنه قد جييء يف املتقارب املخارج ما هو حسن رائق وبني احلنك وتسمى ثالثتها أال ترى أن اجليم والشني والياء خمارج متقاربة وهي من وسط اللسان بينه

الشجرية وإذا تركب منها شيء من األلفاظ جاء حسنا رائقا فإن قيل جيش كانت لفظة حممودة أو قدمت الشني على اجليم فقيل شجي كانت أيضا لفظة حممودة

شيء من ومما هو أقرب خمرجا من ذلك الباء وامليم والفاء وثالثتها من الشفة وتسمى الشفهية فإذا نظم منها األلفاظ كان مجيال حسنا كقولنا فم فهذه اللفظة من حرفني مها الفاء وامليم وكقولنا ذقته بفمي وهذه اللفظة

مؤلفة من الثالثة جبملتها وكالمها حسن ال عيب فيه وقد ورد من املتباعد املخارج شيء قبيح أيضا ولو كان التباعد سببا للحسن ملا كان سببا للقبح إذ مها

ال جيتمعان ضدانفمن ذلك أنه يقال ملع إذا عدا فامليم من الشفة والعني من حروف احللق والالم من وسط اللسان وكل

ذلك متباعد ومع هذا فإن هذه اللفظة مكروهة االستعمال ينبو عنها الذوق السليم وال يستعملها من عنده معرفة بفن الفصاحة

ف هذه اللفظة صارت علم وعند وههنا نكتة غريبة وهو أنا إذا عكسنا حرو

ذلك تكون حسنة ال مزيد على حسنها وما ندري كيف صار القبح حسنا ألنه مل يتغري من خمارجها شيء وذاك أن الالم مل تزل وسطا وامليم والعني يكتنفاهنا من جانبيها ولو كان خمارج احلروف معتربا يف احلسن

والقبح ملا تغريت هذه اللفظة يف ملع وعلم فإن قيل إن إخراج احلروف من احللق إىل الشفة أيسر من إدخاهلا من الشفة إىل احللق فإن ذلك احندار وهذا

صعود واالحندار أسهل فاجلواب عن ذلك أين أقول لو استمر لك هذا لصح ما ذهبت إليه لكنا نرى من األلفاظ ما إذا عكسنا

آخره إىل احللق ال يتغري كقولنا غلب فإن الغني من حروفه من الشفة إىل احللق أو من وسط اللسان أو منحروف احللق والالم من وسط اللسان والباء من الشفة وإذا عكسنا ذلك صار بلغ وكالمها حسن مليح وكذلك تقول حلم من احللم وهو األناة وإذا عكسنا هذه الكلمة صارت ملح على وزن فعل بفتح الفاء

ح وكذلك تقول عقر ورقع وعرف وفرع وحلف وفلح وقلم وملق وضم العني وكالمها أيضا حسن مليوكلم وملك ولو شئت ألوردت من ذلك شيئا كثريا تضيق عنه هذه األوراق ولو كان ما ذكرته مطردا

لكنا إذا عكسنا هذه األلفاظ صار حسنا قبحا وليس األمر كذلك ذلك مما يوجب هلا حسنا وال قبحا وإمنا وأما ما ذكره ابن سنان من جريان اللفظة على العرف العريب فليس

يقدح يف معرفة مستعملها مبا ينقله من األلفاظ فكيف يعد ذلك من مجلة األوصاف احلسنة وأما تصغري اللفظة فيما يعرب به عن شيء لطيف أو خفي أو ما جرى جمراه فهذا مما ال حاجة إىل ذكره فإن

ألشياء الغامضة اليت يفتقر إىل التنبيه عليها فإهنا مدونة يف كتب املعىن يسوق إليه وليست معاين التصغري من االنحو وما من كتاب حنو إال والتصغري باب من أبوابه ومع هذا فإن صاحب هذه الصناعة خمري يف ذلك إن

Page 75: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

شاء أن يورده بلفظ التصغري وإن شاء مبعناه كقول بعضهم ) من خلقه خفيت عنه بنو لبد ... لو كان يخفى على الرحمن خافية(

فهل كان ميكن هذا الشاعر أن يصغر من هؤالء القوم وحيقر من شأهنم بألفاظ التصغري وجييء هكذا كما جاء بيته هذا فالوصية به إذن ملغاة ال حاجة إليها

ا أال تكون الكلمة وحشية وقد خفي وأما األوصاف الباقية اليت ذكرت فهي اليت ينبغي أن ينبه عليها فمنهالوحشي على مجاعة من املنتمني إىل صناعة النظم والنثر وظنوه املستقبح من األلفاظ وليس كذلك بل

الوحشي ينقسم قسمني أحدمها غريب حسن واآلخر غريب قبيح وذلك أنه منسوب إىل اسم الوحش الذي ن مأنوسة االستعمال وليس من شرط الوحش أن يسكن القفار وليس بأنيس وكذلك األلفاظ اليت مل تك

يكون مستقبحا بل أن يكون نافرا ال يألف اإلنس فتارة يكون حسنا وتارة يكون قبيحا وعلى هذا فإن أحد قسمي الوحشي وهو الغريب احلسن خيتلف باختالف النسب واإلضافات وأما القسم اآلخر من الوحشي

واء وال خيتلف فيه عريب باد وال قروي متحضر وأحسن األلفاظ ما الذي هو قبيح فإن الناس يف استقباحه سكان مألوفا متداوال إال ملكان حسنه وقد تقدم الكالم على ذلك يف باب الفصاحة فإن أرباب اخلطابة

والشعر نظروا إىل األلفاظ ونقبوا عنها مث عدلوا إىل األحسن منها فاستعملوه وتركوا ما سواه وهو أيضا درجات حسنه فاأللفاظ إذن تنقسم ثالثة أقسام قسمان حسنان وقسم قبيح فالقسمان احلسنان يتفاوت يف

أحدمها ما تداول استعماله األول واآلخر من الزمن القدمي إىل زماننا هذا وال يطلق عليه أنه وحشي واآلخر وهذا هو الذي ال يعاب ما تداول استعماله األول دون اآلخر وخيتلف يف استعماله بالنسبة إىل الزمن وأهله

استعماله عند العرب ألنه مل يكن عندهم وحشيا وهو عندنا وحشي وقد تضمن القرآن الكرمي منه كلمات معدودة وهي اليت تطلق عليها غريب القرآن وكذلك تضمن احلديث النبوي منه شيئا وهو الذي يطلق عليه

غريب احلديث ى ذكر القرآن الكرمي فأخذت يف وصفه وذكر ما وحضر عندي يف بعض األيام رجل متفلسف فجر

تلك ( اشتملت عليه ألفاظه ومعانيه من الفصاحة والبالغة فقال ذلك الرجل وأي فصاحة هناك وهو يقول فهل يف لفظة ضيزى من احلسن ما يوصف فقلت له اعلم أن الستعمال األلفاظ ) إذا قسمة ضيزى

ابن سينا والفارايب وال من أضلهم مثل أرسطاليس وأفالطون أسرارا مل تقف عليها أنت وال أئمتك مثل وهذه اللفظة اليت أنكرهتا يف القرآن وهي لفظة ضيزى فإهنا يف موضعها ال يسد غريها مسدها أال ترى أن

والنجم إذا هوى ما ضل ( السورة كلها اليت هي سورة النجم مسجوعة على حرف الياء فقال تعاىل ك إىل آخر السورة فلما ذكر األصنام وقسمة األوالد وما كان يزعمه الكفار وكذل) صاحبكم وما غوى

فجاءت اللفظة على احلرف املسجوع الذي جاءت ) ألكم الذكر وله األنثى تلك إذا قسمة ضيزى ( قال ري السورة مجيعها عليه وغريها ال يسد مسدها يف مكاهنا وإذا نزلنا معك أيها املعاند على ما تريد قلنا إن غ

هذه اللفظة أحسن منها ولكنها يف هذا املوضع ال ترد مالئمة ألخواهتا وال مناسبة ألهنا تكون خارجة عن حرف السورة وسأبني ذلك فأقول إذا جئنا بلفظة يف معىن هذه اللفظة قلنا قسمة جائرة أو ظاملة وال شك

Page 76: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

كم الذكر وله األنثى تلك إذا قسمة ظاملة أن جائرة أو ظاملة أحسن من ضيزى إال أنا إذا نظمنا الكالم قلنا ألمل يكن النظم كالنظم األول وصار الكالم كالشيء املعوز الذي حيتاج إىل متام وهذا ال خيفى على من له

ذوق ومعرفة بنظم الكالم فلما مسع ذلك الرجل ما أوردته عليه ربا لسانه يف فمه إفحاما ومل يكن عنده يف ستنده تقليد بعض الزنادقة الذين يكفرون تشهيا ويقولون ما يقولونه جهال ذلك شيء سوى العناد الذي م

وإذا حوققوا عليه ظهر عجزهم وقصورهم وحيث انتهى القول إىل ههنا فإين أرجع إىل ما كنت بصدد ذكره فأقول

وأما القبيح من األلفاظ الذي يعاب استعماله فال يسمى وحشيا فقط بل يسمى الوحشي الغليظ وسيأيتذكره وإذا نظرنا إىل كتاب اهللا تعاىل الذي هو أفصح الكالم وجدناه سهال سلسا وما تضمنه من الكلمات

الغريبة يسري جدا هذا وقد أنزل يف زمن العرب العرباء وألفاظه كلها من أسهل األلفاظ وأقرهبا استعماال ال يف اإلجنيل مثل أم القرآن وهي السبع ما أنزل اهللا يف التوراة و( وكفى به قدوة يف هذا الباب قال النيب

يريد بذلك فاحتة الكتاب وإذا نظرنا إىل ما اشتملت عليه من األلفاظ وجدناها سهلة قريبة املأخذ ) املثاين يفهمها كل

أحد حىت صبيان املكاتب وعوام السوقة وإن مل يفهموا ما حتتها من أسرار الفصاحة والبالغة فإن أحسن اخلاصة فضله وفهم العامة معناه وهكذا فلتكن األلفاظ املستعملة يف سهولة فهمهما وقرب الكالم ما عرف

متناوهلا واملقتدي بألفاظ القرآن يكتفي هبا عن غريها من مجيع األلفاظ املنثورة واملنظومة وذاك وأما ما ورد من اللفظ الوحشي يف األخبار النبوية فمن مجلة ذلك حديث طهفة بن أيب زهري النهدي

أنه ملا قدمت وفود العرب على النيب قام طهفة بن أيب زهري فقال أتيناك يا رسول اهللا من غوري هتامة على أكوار امليس ترمتي بنا العيس نستجلب الصبري ونستخلب اخلبري ونستعضد الربير ونستخيل الرهام

ونستخيل اجلهام يف أرض غائلة

يبس اجلعثن وسقط األملوج ومات العسلوج وهلك اهلدي وفاد النطاء غليظة الوطاءة قد نشف املدهن والودي برئنا إليك يا رسول اهللا من الوثن والفنت وما حيدث الزمن لنا دعوة السالم وشريعة اإلسالم ما طمى

البحر وقام تعار ولنا نعم مهل أغفال ما تبض ببالل

اللهم ( س هلا علل وال هنل فقال رسول اهللا ووقري كثري الرسل قليل الرسل أصابتنا سنية محراء مؤزلة ليبارك هلم يف حمضها وخمضها ومذقها وفرقها وابعث راعيها يف الدثر بيانع الثمر وافجر له الثمد وبارك له يف

املال والولد ومن أقام الصالة كان مسلما ومن آتى الزكاة كان حمسنا ومن شهد أن ال إله إال اهللا كان ودائع الشرك ووضائع امللك ال تلطط يف الزكاة وال تلحد يف احلياة وال تثتاقل عن خملصا لكم يا بين هند

الصالة

Page 77: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

وكتب معه كتابا إىل بين هند من حممد رسول اهللا إىل بين هند السالم على من آمن باهللا ورسوله لكم يا بين يس ال مينع سرحكم وال هند يف الوظيفة الفريضة ولكم الفارض والفريش وذو العنان الركوب والفلو الضب

يعضد طلحكم وال حيبس دركم وال يؤكل أكلكم ما مل تضمروا اإلمآق وتأكلوا الرباق من أقر مبا يف هذا الكتاب فله من رسول اهللا الوفاء بالعهد والذمة ومن أىب فعليه الربوة

ابا ملن خياطبه مبثلها وفصاحة رسول اهللا ال تقتضي استعمال هذه األلفاظ وال تكاد توجد يف كالمه إال جوكهذا احلديث وما جرى جمراه على أنه قد كان يف زمنه متداوال بني العرب ولكنه مل يستعمله إال يسريا ألنه

أعلم بالفصيح واألفصح وهذا الكالم هو الذي نعده حنن يف زماننا وحشيا لعدم االستعمال فال تظن أن الوحشي من األلفاظ ما

النطق به وإمنا هو الغريب الذي يقل استعماله فتارة خيف على مسعك وال جتد به يكرهه مسعك ويثقل عليككراهة وتارة يثقل على مسعك وجتد منه الكراهة وذلك يف اللفظ عيبان أحدمها أنه غريب االستعمال واآلخر

ه وهو أنه ثقيل على السمع كريه على الذوق وإذا كان اللفظ هبذه الصفة فال مزيد على فظاظته وغالظتالذي يسمى الوحشي الغليظ ويسمى أيضا املتوعر وليس وراءه يف القبح درجة أخرى وال يستعمله إال

أجهل الناس ممن مل خيطر بباله معرفة هذا الفن أصال فإن قيل فما هذا النوع من األلفاظ

فمنه ما ورد قلت قد ثبت لك أنه ما كرهه مسعك وثقل على لسانك النطق به وسأضرب لك يف ذلك مثاال لتأبط شرا يف كتاب احلماسة

) جحيشا ويعروري ظهور المسالك ... يظل بموماة ويمسي بغيرها (

فإن لفظة جحيش من األلفاظ املنكرة القبيحة ويا هللا العجب أليس أهنا مبعىن فريد وفريد لفظة حسنة رائقة وضع جحيش ملا اختل شيء من وزنه فتأبط شرا ملوم من وجهني يف هذا ولو وضعت يف هذا البيت م

املوضع أحدمها أنه استعمل القبيح واآلخر أنه كانت له مندوحة عن استعماله فلم يعدل عنها ومما هو أقبح منها ما ورد أليب متام من قوله

) تالية غبسا دهاريسا عشواء... قد قلت لما اطلخم األمر وانبعثت ( فلفظة اطلخم من األلفاظ املنكرة اليت مجعت الوصفني القبيحني يف أهنا غريبة وأهنا غليظة يف السمع كريهة

على الذوق وكذلك لفظة دهاريس أيضا وعلى هذا ورد قوله من أبيات يصف فرسا من مجلتها ) أروع ال حيدر وال جبس .. .نعم متاع الدنيا حباك به (

فلفظة حيدر غليظة وأغلظ منها قول أيب الطيب املتنيب ) شيم على الحسب األغر دالئل ... جفخت وهم ال يجفخون بها بهم (

ستعماهلا كاستعمال تأبط شرا فإن لفظة جفخ مرة الطعم وإذا مرت على السمع أقشعر منها وأبو الطيب يف الفظة جحيش فإن تأبط شرا كانت له مندوحة عن استعمال تلك اللفظة كما أشرنا إليها فيما تقدم وكذلك

Page 78: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

أبو الطيب يف استعمال هذه اللفظة اليت هي جفخت فإن معناها فخرت واجلفخ الفخر يقال جفخ فالن إذا البيت وحظي يف استعماله باألحسن وما أعلم فخر ولو استعمل عوضا عن جفخت فخرت الستقام وزن

كيف يذهب هذا وأمثاله على مثل هؤالء الفحول من الشعراء وهذا الذي ذكرته وما جيري جمراه من األلفاظ هو الوحشي اللفظ الغليظ الذي ليس له ما يدانيه يف قبحه

عمال الغريب احلسن من األلفاظ وكراهته وهذه األمثلة دليل على ما أوردناه والعرب إذن ال تالم على استوإمنا تالم على الغريب القبيح وأما احلضري فإنه يالم على استعمال القسمني معا وهو يف أحدمها أشد مالمة

من اآلخر على أن هذا املوضع حيتاج إىل قيد آخر وذلك شيء استخرجته أنا دون غريي فإن وجدت الغريب احلسن

وغ يف اخلطب واملكاتبات وهذا ينكره من يسمعه حىت ينتهي إىل ما أوردته يسوغ استعماله يف الشعر وال يس من األمثلة ولرمبا أنكره بعد ذلك إما عنادا وإما جهال لعدم الذوق السليم عنده

فمن ذلك قول الفرزدق ) إذا سبرت ظلت جوانبها تغلي ... ولوال حياء زدت رأسك شجة ( ) تشبه ولو بين اخلماسي والطفل ... شرنبثة شمطاء من يرتمي بها (

فقوله شرنبثة من األلفاظ الغريبة اليت يسوغ استعماهلا يف الشعر وهي ههنا غري مستكرهة إال أهنا لو وردت يف كالم منثور من كتاب أو خطبة لعيبت على مستعملها

لك وردت لفظة مشمخر فإن بشرا قد استعملها يف أبياته اليت يصف فيها لقاءه األسد فقال وكذ ) فقد له من األضالع عشرا ... وأطلقت المهند عن يميين ( ) هدمت به بناء مشمخرا ... فخر مضرجا بدم كأني (

رد قول البحتري يف قصيدته اليت يصف فيها إيوان كسرى فقال وعلى هذا و ) رفعت فهي رءوس رضوى وقدس ... مشمخر تعلوله شرفات (

فإن لفظة مشمخر ال حيسن استعماهلا يف اخلطب واملكاتبات وال بأس هبا ههنا يف الشعر وقد وردت يف قوله يف خطبة يذكر فيها أهوال يوم القيامة فقال اقمطر وباهلا وامشخر خطب الشيخ اخلطيب ابن نباتة ك

نكاهلا فما طابت وال ساغت ومن هذا األسلوب لفظة الكنهور يف وصف السحاب كقول أيب الطيب

) نظرت إليك كما نظرت فتعذرا ... يا ليت باكية شجاني دمعها (

) الشمس تشرق والسحاب كنهورا ... فضيلة ال ترد فضيلة وترى ال( فلفظة الكنهور ال تعاب نظما وتعاب نثرا وكذلك جيري األمر يف لفظة العرمس وهي اسم الناقة الشديدة

فإن هذه اللفظة يسوغ استعماهلا يف الشعر وال يعاب مستعملها كقول أيب الطيب أيضا ) تعجز عنه العرامس الذلل ... ومهمه جبته على قدمي (

فإنه مجع هذه اللفظة وال بأس هبا ولو استعملت يف الكالم املنثور ملا طابت وال ساغت وقد جاءت موحدة

Page 79: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

يف شعر أيب متام كقوله ) ما يحدث الدهر خافض وجأش على... هي العرمس الوجناء وابن ملمة (

وكذلك ورد قوله أيضا ... ) يا موضع الشدنية الوجناء (

فإن الشدنية ال تعاب شعرا وتعاب لو وردت يف كتاب أو خطبة وهكذا جيري احلكم يف أمثال هذه األلفاظ املشار إليها

نثور من األلفاظ يسوغ استعماله يف الكالم املنظوم وعلى هذا فاعلم أن كل ما يسوغ استعماله يف الكالم املوليس كل ما يسوغ استعماله يف الكالم املنظوم يسوغ استعماله يف الكالم املنثور وذلك شيء استنبطته واطلعت عليه لكثرة ممارسيت هلذا الفن وألن الذوق الذي عندي دلين عليه فمن شاء فليقلدين فيه وإال

على ما إطلعت عليه واألذهان يف مثل هذا املقام تتفاوت فليدمن النظر حىت يطلعوقد رأيت مجاعة من مدعي هذه الصناعة يعتقدون أن الكالم الفصيح هو الذي يعز فهمه ويبعد متناوله وإذا

رأوا كالما وحشيا غامض األلفاظ يعجبون به ويصفونه بالفصاحة وهو بالضد من ذلك ألن الفصاحة هي الغموض واخلفاء الظهور والبيان ال

وسأبني لك ما تعتمد عليه يف هذا املوضع فأقول األلفاظ تنقسم يف االستعمال إىل جزلة ورقيقة ولكل منهما موضع حيس استعماله فيه

فاجلزل منها يستعمل يف وصف مواقف احلروب ويف قوارع التهديد والتخويف وأشباه ذلك شواق وذكر أيام البعاد ويف استجالب املودات ومالينات وأما الرقيق منها فإنه يستعمل يف وصف األ

االستعطاف وأشابه ذلك ولست أعين باجلزل من األلفاظ أن يكون وحشيا متوعرا عليه عنجهية البداوة بل أعين باجلزل أن يكون

هو متينا على عذوبته يف الفم ولذاذته يف السمع وكذلك لست أعين بالرقيق أن يكون ركيكا سفسفا وإمنا اللطيف الرقيق احلاشية الناعم امللمس كقول أيب متام

... ) ناعمات األطراف لو أنها تلبس أغنت عن املآلء الرقاق ( وسأضرب لك مثاال للجزل من األلفاظ والرقيق فأقول

كر املوت ومفارقة الدنيا وما انظر إىل قوارع القرآن عند ذكر احلساب والعذاب وامليزان والصراط وعند ذجرى هذا اجملرى فإنك ال ترى شيئا من ذلك وحشي األلفاظ وال متوعرا مث انظر إىل ذكر الرمحة والرأفة واملغفرة واملالطفات يف خطاب األنبياء وخطاب املنيبني والتائبني من العباد وما جرى هذا اجملرى فإنك ال

سفا ترى شيئا من ذلك ضعيف األلفاظ وال سفونفخ يف الصور فصعق من يف السموات ومن يف األرض ( فمثال األول وهو اجلزل من األلفاظ قوله تعاىل

إال من شاء اهللا مث نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون وأشرقت األرض بنور رهبا ووضع الكتاب وجيء لت وهو أعلم مبا يفعلون بالنبيني والشهداء وقضي بينهم باحلق وهم ال يظلمون ووفيت كل نفس ما عم

Page 80: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

وسيق الذين كفروا إىل جهنم زمرا حىت إذا جاءوها فتحت أبواهبا وقال هلم خزنتها أمل يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين

كربين وسيق الذين اتقوا رهبم إىل اجلنة زمرا حىت إذا قيل ادخلوا أبواب جنهم خالدين فيها فبئس مثوى املتجاءوها وفتحت أبواهبا وقال هلم خزنتها أمل يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء

يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كملة العذاب على الكافرين قيل ادخلوا أبواب جهن خالدين فيها فبئس الذين اتقوا رهبم إىل اجلنة رمزا حىت إذا جاءوها وفتحت أبواهبا وقال هلم خزنتها مثوى املتكربين وسيق

سالم عليكم طبتم فادخلوها خالدين وقالوا احلمد هللا الذي صدقنا وعده وأورثنا األرض نتبوأ من اجلنة ) حيث نشاء فنعم أجر العاملني

كر النار واجلنة فتأمل هذه اآليات املضمنة ذكر احلشر على تفاصيل أحواله وذ وانظر هل فيها لفظة إال وهي مسهلة مستعذبة على ما هبا من اجلزالة

ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم ( وكذلك ورد قوله تعاىل ) عمون وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أهنم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تز

والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك ( وأما مثال الثاين وهو الرقيق األلفاظ فقوله تعاىل يف خماطبة النيب وإذا سألك عبادي عين فإين قريب ( إىل آخر السورة وكذلك قوله تعاىل يف ترغيب املسألة ) وما قلى

) أجيب دعوة الداعي إذا دعان يف كال هذين احلالني من اجلزالة والرقة وكذلك كالم العرب األول يف وهكذا ترى سبيل القرآن الكرمي

الزمن القدمي مما ورد عنها نثرا ويكفي من ذلك كالم قبيصة بن نعيم ملا قدم على امرئ القيس يف أشياخ بين وتنتقل أسد يسألونه العفو عن دم أبيه فقال إنك يف احملل والقدر من املعرفة بتصرف الدهر وما حتدثه أيامه

به أحواله حبيث ال حتتاج ال تذكري من واعظ وال تبصري من جمرب ولك من سؤدد منصبك وشرف أعراقك وكرم أصلك يف العرب حمتد حيتمل ما محل عليه من إقالة العثرة ورجوع عن اهلفوة وال تتجاوز اهلمم إىل

لصفح غاية إال رجعت إليك فوجدت عندك من فضيلة الرأي وبصرية الفهم وكرم ا

ما يطول رغباهتا ويستغرق طلباهتا وقد كان الذي كان من اخلطب اجلليل الذي عمت رزيته نزارا واليمن ومل ختصص بذلك كندة دوننا للشرف البارع الذي كان حلجر ولو كان يفدي هالك باألنفس الباقية بعده

أواله وال يلحق أقصاه أدناه فأمحد ملا خبلت كرائمنا هبا على مثله ولكنه مضى به سبيل ال يرجع أخراه على احلاالت يف ذلك أن تعرف الواجب عليك يف إحدى خالل ثالث إما أن اخترت من بين أسد أشرفها بيتا

وأعالها يف بناء املكرمات صوتا فقدناه إليك بنسعة تذهب مع شفرات حسامك بباقي قصرته فنقول رجل من االنتقام أو فداء مبا يروح على بين أسد من نعمها فهي امتحن هبا لك عزيز فلم يستل سخيمته إال مبكنته

ألوف جتاوز احلسبة فكان ذلك فداء رجعت به القضب إىل أجفاهنا مل يرددها تسليط اإلحن على الربآء وإما أن وادعتنا إىل أن تضع احلوال فتسدل األزر وتعقد اخلمر فوق الرايات قال فبكى ساعة مث رفع رأسه فقال

العرب أنه ال كفء حلجر يف دم وإين لن أعتاض به مجال وال ناقة فأكتسب به سبة األبد وفت لقد علمت

Page 81: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

العضد وأما النظرة فقد أوجبتها األجنة يف بطون أمهاهتا ولن أكون لعطبها سببا وستعرفون طالئع كندة من بعد ذلك حتمل يف القلوب حنقا وفوق األسنة علقا

) تصافح فيه المنايا النفوسا ... مأزق إذا جالت الحرب في ( أتقيمون أم تنصرفون قالوا بل ننصرف بأسوأ االختيار وأبلى االجترار مبكروه وأذية وحرب وبلية مث هنضوا

عنه وقبيصة يتمثل

) متطر كتائبنا في مأزق احلرب ... لعلك أن تستوخم الورد إن غدت ( فقال امرؤ القيس ال واهللا ولكن أستعذبه فرويدا ينفرج لك دجاها عن فرسان كندة وكتائب محري ولقد كان

ذكر غري هذا يب أوىل إذ كنت نازال بربعي ولكنك قلت فأوجبت فقال قبيصة ما نتوقع فوق املعاتبة واإلعتاب فقال امرؤ القيس هو ذاك قبيصة وامرئ القيس حىت يدع املتعمقون تعمقهم يف استعمال الوحشي فلتنظر إىل هذا الكالم من الرجلني

من األلفاظ فإن هذا الكالم قد كان يف الزمن القدمي قبل اإلسالم مبا شاء اهللا وكذلك كالم كل فصيح من العرب مشهور وما عداه فليس بشيء وهذا املشار إليه ههنا هو جزل كالمهم وعلى ما تراه من السالسة

بة والعذووإذا تصفحت أشعارهم أيضا وجدت الوحشي من األلفاظ قليال بالنسبة إىل املسلسل يف الفم والسمع أال

ترى إىل هذه األبيات الواردة للسموأل بن عاديا وهي ) فكل رداء يرتديه جميل ... إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه ( ) فليس إلى حسن الثناء سبيل ... لم يحمل على النفس ضيمها وإن هو( ) فقلت لها إن الكرام قليل ... تعيرنا أنا قليل عديدنا ( ) عزيز وجار األكثرين ذليل... وما ضرنا أنا قليل وجارنا ( ) وتكرهه آجالهم فتطول ... يقرب حب الموت آجالنا لنا ( ) وال طل منا حيث كان قتيل ... وما مات منا سيد حتف أنفه (

) ون نزول لوقت إلى خير البط... علونا إلى خير الظهور وحطنا ) كهام وال فينا يعد بخيل ... فنحن كماء املزن ما يف نصابنا ( ) قؤول لما قال الكرام فعول ... إذا سيد منا خال قام سيد ( ) وحجول هلا غرر مشهورة ... وأيامنا مشهورة يف عدونا ( ) بها من قراع الدارعني فلول ... وأسيافنا يف كل غرب ومشرق ( ) فتغمد حتى يستباح قبيل ... معودة أال يسل نصالها (

سهلة مستعذبة غري فظة وال فإذا نظرنا إىل ما تضمنته من اجلزالة خلناها زبرا من احلديد وهي مع ذلك غليظة

وكذلك قد ورد للعرب يف جانب الرقة من األشعار ما يكاد يذوب لرقته كقول عروة بن أذينة

Page 82: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

) خلقت هواك كما خلقت هوى لها ... إن التي زعمت فؤادك ملها ( ) بلباقة فأدقها وأجلها ...بيضاء باكرها النعيم فصاغها ( ) ما كان أكثرها لنا وأقلها ... حجبت تحيتها فقلت لصاحيب ( ) شفع الضمري إىل الفؤاد فسلها ... وإذا وجدت هلا وساوس سلوة (

وكذلك ورد قول اآلخر ) بنا بين املنيفة فالضمار ... يب والعيس تهوي أقول لصاح( ) فما بعد العشية من عرار ... تمتع من شميم عرار نجد ( ) وريا روضه غب القطار ... أال يا حبذا نفحات نجد (

) وأنت على زمانك غير زار ... احلي جندا وأهلك إذ يحل( ) بأنصاف لهن وال سرار ... شهور ينقضني وما شعرنا ( ) وأطيب ما يكون من النهار ... فأما ليلهن فخير ليل (

ت القلوب قول يزيد بن الطثرية يف حمبوبته من جرم ومما ترقص األمساع له ويرن على صفحا ) على كبدي كانت شفاء أنامله ... بنفسي من لو مر برد بنانه ( ) فال هو يعطيني وال أنا سائله ... ومن هابني يف كل شيء وهبته (

ن يف الفالة ال يرى إال شيحة أو قيصومة وال يأكل إال ضبا أو يربوعا فما بال قوم وإذا كان هذا قول ساكسكنوا احلضر ووجدوا رقة العيس يتعاطون وحشي األلفاظ وشظف العبارات وال خيلد إىل ذلك إال إما جاهل بأسرار الفصاحة وإما عاجز عن سلوك طريقها فإن كل أحد ممن شدا شيئا من علم األدب ميكنه أنيأيت بالوحشي من الكالم وذاك أنه يلتقطه من كتب اللغة أو يتلقفه من أرباهبا وأما الفصيح املتصف بصفة

املالحة فإنه ال يقدر عليه ولو قدر عليه ملا علم أين يضع يده يف تأليفه وسبكه ما ذكرته فإن مارى يف ذلك ممار فلينظر إىل أشعار علماء األدب ممن كان مشارا إليه حىت يعلم صحة

هذا ابن دريد قد قيل إنه أشعر علماء األدب وإذا نظرت إىل شعره وجدته بالنسبة إىل شعر الشعراء اجمليدين منحطا مع أن أولئك الشعراء مل يعرفوا من علم األدب عشر معشار من علمه

أغصان هذا العباس بن األحنف قد كان من أوائل الشعراء اجمليدين وشعره كمر نسيم على عذبات وكلؤلؤات طل على طرر رحيان وليس فيه لفظة واحدة غريبة حيتاج إىل استخراجها من كتب اللغة فمن

ذلك قوله ) وإن كان ال أرضى لكم بقليل ... وإني ليرضيني قليل نوالكم (

) ود إال عدتم بجميل من ال... بحرمة ما قد كان بيني وبينكم ( وهكذا ورد قوله يف فوز الذي اليت كان يشبب هبا يف شعره

) قليب يفدي قلبك القاسي ... يا فوز يا منية عباس ( ) والحزم سوء الظن بالناس ... أسأت إذ أحسنت ظني بكم (

Page 83: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

) والقلب مملوء من اليأس ... لقني شوقي فآتيكم يق( وهل أعذب من هذه األبيات وأعلق باخلاطر وأسرى يف السمع وملثلها ختف رواجح األوزان وعلى مثلها تسهر األجفان وعن مثلها تتأخر السوابق عند الرهان ومل أجرها بلساين يوما من األيام إال ذكرت قول أيب

الطيب املتنيب ) أراه غباري ثم قال له الحق ... إذا شاء أن يلهو بلحية أحمق (

ومن ذلك يستطيع أن يسلك هذه الطريق اليت هي سهلة وعرة قريبة بعيدة نت مدائحه يف وهذا أبو العتاهية كان يف عزة الدولة العباسية وشعراء العرب إذ ذاك موجودون كثريا وكا

املهدي بن املنصور وإذا تأملت شعره وجدته كاملاء اجلاري رقة ألفاظ ولطافة سبك وليس بركيك وال واه وكذلك أبو نواس وهبذا قدم على شعراء عصره وناهيك بعصره وما مجعه من فحول الشعراء ويكفي منهم

ب غري أنه كان يتعنجه يف أكثر ألفاظه مسلم بن الوليد الذي كان فارس الشعر وله األسلوب الغريب العجيوحيكى أن أبا نواس جلس يوما إىل بعض التجار ببغداد هو ومجاعة من الشعراء فاستسقى ماء فلما شرب

قال ... ) عذب املاء وطابا (

معني فقالوا مث قال أجيزوه فأخذ أولئك الشعراء يترددون يف إجازته وإذا هم بأيب العتاهية فقال ما شأنكم جمت هو كيت وكيت وقد قال أبو نواس

... ) عذب املاء وطابا (

فقال أبو العتاهية ... ) حبذا الماء شرابا (

فعجبوا بقوله على الفور من غري تلبث وكل شعر أيب العتاهية كذلك سهل األلفاظ وسأورد منه ههنا شيئا يستدل به على سالسة طبعه وترويق

خاطره فمن ذلك قصيدته اليت ميدح فيها املهدي ويشبب فيها جباريته عتب

) تدل فأحمل إدالهلا ... أال ما لسيدتي ماهلا ( ) قد سكن احلسن سربالها ... أال إن جارية لإلمام ( ) ب في اللوم عذالها وأتع... لقد أتعب اهللا قلبي بها ( ) سلكت من األرض تمثالها ... كأن بعيني في حيثما (

فلما وصل إىل املديح قال من مجلته ) إليه تجرر أذيالها ... أتته الخالفة منقادة ( ) لم يك يصلح إال لها و... فلم تك تصلح إال له ( ) لزلزلت األرض زلزالها ... ولو رامها أحد غيره (

Page 84: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

) لما قبل اهللا أعمالها ... ولو لم تطعه نيات القلوب ( املديح قال انظروا إىل أمري وحيكى أن بشارا كان شاهدا عند إنشاد أيب العتاهية هذه األبيات فلما مسع

املؤمنني هل طار عن أعواده يريد هل زال عن سريره طربا هبذا املديح ولعمري إن األمر كما قال بشار وخري القول ما أسكر السامع حىت ينقله عن حالته سواء كان يف مديح أو غريه وقد أشرت إىل ذلك فيما

من هناك يأيت من هذا الكتاب عند ذكر االستعارة فليؤخذواعلم أن هذه األبيات املشار إليها ههنا من رقيق الشعر غزال ومدحيا وقد أذعن ملدحيها الشعراء من أهل

ذلك العصر ومع هذا فإنك تراها من السالسه

واللطافة على أقصى الغايات وهذا هو الكالم الذي يسمى السهل املمتنع فتراه يطعمك مث إذا حاولت ا يروغ الثعلب وهكذا ينبغي أن يكون من خاض يف كتابة أو شعر فإن خري الكالم ما مماثلته راغ عنك كم

دخل األذن بغري إذن وأما البداوة والعنجهية يف األلفاظ فتلك أمة قد خلت ومع أهنا قد خلت وكانت يف زمن العرب العاربة فإهنا

رقة احلضر قد عيبت على مستعملها يف ذلك الوقت فكيف اآلن وقد غلب على الناس وبعد هذا فاعلم أن األلفاظ جتري من السمع جمرى األشخاص من البصر فاأللفاظ اجلزلة تتخيل يف السمع

كأشخاص عليها مهابة ووقار واأللفاظ الرقيقة تتخيل كأشخاص ذي دماثة ولني أخالق ولطافة مزاج وهلذا حهم وتأهبوا للطراد وترى ألفاظ البحتري ترى ألفاظ أيب متام كأهنا رجال قد ركبوا خيوهلم واستألموا سال

كأهنا نساء حسان عليهم غالئل مصبغات وقد حتلني بأصناف احللي وإذا أنعمت نظرك فيما ذكرته ههنا وجدتين قد دللتك على الطريق وضربت لك أمثاال مناسبة

وف كالثاء والذال واخلاء واعلم أنه جيب على الناظم والناثر أن جيتنبا ما يضيق به جمال الكالم يف بعض احلروالشني والصاد والطاء والظاء والغني فإن يف احلروف الباقية مندوحة عن استعمال ما ال حيسن من هذه

األحرف املشار إليها والناظم يف ذلك أشد مالمة ألنه يتعرض ألن ينظم قصيدة ذات أبيات متعددة فيأيت يف استعماله كما فعل أبو متام يف قصيدته الثائية اليت مطلعها أكثرها بالبشع الكريه الذي ميجه السمع لعدم

... ) قف بالطلول الدارسات عالثا (

وكما فعل أبو الطيب املتنيب يف قصيدته الشينية اليت مطلعها ... ) مبيتي من دمشق على فراش (

يت مطلعها وكما فعل ابن هانئ املغريب يف قصيدته اخلائية ال ... ) سرى وجناح الليل أقتم أفتخ (

والناظم ال يعاب إذا مل ينظم هذه األحرف يف شعره بل يعاب إذا نظمها وجاءت كريهة مستبشعة وأما الناثر فإنه أقرب حاال من الناظم ألن غاية ما يأيت به سجعتان أو ثالث أو أربع على حرف من هذه األحرف

م يف ذلك ما يروق إذا كان هبذه العدة اليسرية فإن كلفت أيها الشاعر أن تنظم شيئا على هذه وما يعداحلروف فقل هذه احلروف هي مقاتل الفصاحة وعذري واضح يف تركها فإن واضع اللغة مل يضع عليها

Page 85: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

يصاغ منه إال ألفاظا تعذب يف الفم وال تلذ يف السمع والذي هو هبذه الصفة منها فإمنا هو قليل جدا والمقاطيع أبيات من الشعر وأما القصائد املقصدة فال تصاغ منه وإن صيغت جاء أكثرها بشعا كريها على أن هذه احلروف متفاوتة يف كراهة االستعمال وأشدها كراهية أربعة أحرف وهي اخلاء والصاد والظاء والغني

ال وهذا موضع ينبغي لصاحب الصناعة أن ينعم وأما الثاء والذال والشني والطاء فإن األمر فيهن أقرب حا نظره فيه وفيما أشرنا إليه كفاية للمتعلم فليعرفه وليقف عنده

ومن أوصاف الكلمة أال تكون مبتذلة بني العامة وذلك ينقسم قسمني آخر األول ما كان من األلفاظ داال على معىن وضع له يف أصل اللغة فغريته العامة وجعلته داال على معىن

وهو ضربان األول ما يكره ذكره كقول أيب الطيب

) وعف فجازاهن عني بالصرم ... أذاق الغواني حسنه ما أذقنني ( فإن لفظة الصرم يف وضع اللغة هو القطع يقال صرمه إذا قطعه فغريهتا العامة وجعلتها دالة على احملل

دون غريه فأبدلوا السني صادا ومن أجل ذلك استكره استعمال هذه اللفظة وما املخصوص من احليوانجرى جمراها لكن املكروه منها ما يستعمل على صيغة االمسية كما جاءت يف هذا البيت وأما إذا استعملت

على صيغة الفعل كقولنا صرمة وصرمته وتصرمه فإهنا ال تكون كريهة ألن استعمال العامة ال يدخل يف ذلك وهذا الضرب املشار إليه ال يعاب البدوي على استعماله كما يعاب احملتضر ألن البدوي مل تتغري

األلفاظ يف زمنه وال تصرفت العامة فيها كما تصرفت يف زمن احملتضرة من الشعراء فمن أجل ذلك عيب ملتبدي أال ترى إىل قول استعمال لفظة الصرم وما جرى جمراها على الشاعر احملتضر ومل يعب على الشاعر ا

أيب صخر اهلذيل ) فعجلت قبل الموت بالصرم ... قد كان صرم في الممات لنا (

فإن هذا ال يعاب على صخر كما عيب على املتنيب قوله يف البيت املقدم ذكره اليقي كتابا يف هذا الفن وومسه بإصالح وقد صنف الشيخ أبو منصور بن أمحد البغدادي املعروف بابن اجلو

ما تغلط فيه العامة فمنه ما هذا سبيله وهو الذي أنكره استعماله لكراهته وألنه مما مل ينقل عن العرب فهذان عيبان

وأما الضرب الثاين وهو أنه وضع يف أصل اللغة ملعىن فجعلته العامة داال على غريه إال أنه ليس مبستقبح وال لك كتسميتهم اإلنسان ظريفا إذا كان دمث األخالق حسن الصورة أو اللباس أو ما هذا سبيله مستكره وذ

والظرف يف أصل اللغة خمتص بالنطق فقط وقد قيل يف صفات خلق اإلنسان ما أذكره ههنا وهو الصباحة يف الوجه الوضاءة يف البشرة اجلمال يف

ف يف اللسان الرشاقة يف القد اللباقة يف الشمائل كمال احلسن األنف احلالوة يف العينني املالحة يف الفم الظر يف الشعر فالظرف إمنا يتعلق بالنطق خاصة فغريته العامة عن بابه

وممن غلط يف هذا املوضع أبو نواس حيث قال

Page 86: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

) فيك فصارا إلى جدال ... اختصم الجود والجمال ( ) للعرف والبذل والنوال ... ي فقال هذا يمينه ل( ) للظرف واحلسن والكمال ... وقال هذاك وجهه لي ( ) كالهما صادق املقال ... فافترقا فيك عن تراض (

وكذلك غلط أبو متام فقال

) أجأ إذن ثقلت وكان خفيفا ... ت لك هضبة الحلم التي لو وازن( ) خلق الزمان الفدم عاد ظريفا ... وحالوة الشيم التي لو مازجت (

فأبو نواس غلط ههنا يف أنه وصف الوجه بالظرف وهو من صفات النطق وأبو متام غلط يف أنه وصف اخللق ت النطق أيضا إال أن هذا غلط ال يوجب يف هذه اللفظة قبحا لكنه جهل مبعرفة بالظرف وهو من صفا أصلها يف وضع اللغة

القسم الثاين مما ابتذلته العامة وهو الذي مل تغريه عن وصفه وإمنا أنكر استعماله ألنه مبتذل بينهم ال ألنه ن كان عبارة عما يكثر تداوله بني مستقبح وال ألنه خمالف ملا وضع له ويف هذا القسم نظر عندي ألنه إ

العامة فإن من الكثري املتداول بينهم ألفاظا فصيحة كالسماء واألرض والنار واملاء واحلجر والطني وأشباه ذلك وقد نطق هبا القرآن الكرمي يف مواضع كثرية منه وجاءت يف كالم الفصحاء نظما ونثرا والذي ترجح

ا القسم إمنا هو األلفاظ السخيفة الضعيفة سواء تداولتها العامة أو اخلاصة يف نظري أن املراد باملبتذل من هذ فمما جاء منه قول أيب الطيب املتنيب

) يصيح احلصا فيها صياح اللقالق ... وملمومة سيفية ربعية ( فإن لفظة اللقالق مبتذلة بني العامة جدا وكذلك قوله

) شعراء كأنها الخازباز ... الناس من يجوز إليهم ومن ( وهذا البيت من مضحكات األشعار وهو من مجلة الربسام الذي ذكره يف شعره حيث قال

) ليس شيئا وبعضه أحكام ... إن بعضا من القريض هراء ( ... ) براعة والفهم وفيه ما يجلب البرسام فيه ما يجلب ال(

ومثل هذه األلفاظ إذا وردت يف الكالم وضعت من قدره ولو كان معىن شريفا وهذا القسم من األلفاظ املبتذلة ال يكاد خيلو منه شعر شاعر لكن منهم املقل ومنهم املكثر حىت إن العاربة

يف أشعارها أقل قد استعملت هذا إال أنه فمن ذلك قول النابغة الذبياين يف قصيدته اليت أوهلا

... ) من آل مية رائح أو مغتدي ( ) بنيت بآجر يشاد بقرمد ... أو دمية يف مرمر مرفوعة (

ليت تضمنها القرآن فانظر إىل هذا املوضع فلفظة آجر مبتذلة جدا وإن شئت أن تعلم شيئا من سر الفصاحة ا

Page 87: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

فإنه ملا جيء فيه بذكر اآلجر مل يذكر بلفظه وال بلفظ القرمد أيضا وال بلفظ الطوب الذي هو لغة أهل مصر فإن هذه

ISLAM ICBOOK.WS ين| ٢٠١٠ م لمسل احة لجميع ا مت ق لحقو ع ا جمي

Page 88: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

يف أدب الكاتب والشاعر: كتاب املثل السائر املوصلي : املؤلف بن عبدالكرمي بن حممد نصراهللا اء الدين أيب الفتح ضي

وقال فرعون يأيها املأل ما علمت لكم من ( األمساء مبتذلة لكن ذكر يف القرآن على وجه آخر وهو قوله تعاىل فعرب عن اآلجر بالوقود على الطني ) صرحا إله غريي فأوقد يل يا هامان على الطني فاجعل يل

ومن هذا القسم املبتذل قول الفرزدق يف قصيدته اليت أوهلا ) عزفت بأعشاش وما كدت تعزف ( ... ) على سروات النيب قطن مندف ... وأصبح مبيض الضريب كأنه (

فاظ العامية فقوله مندف من األل ومن هذا القسم قول البحتري

) أم صبغت بعدي بالزاج ... وجوه حسادك مسودة ( فلفظة الزاج من أشد ألفاظ العامة ابتذاال وقد استعمل أبو نواس هذا النوع يف شعره كثريا كقوله

) سهال نسيت أهال و... يا من جفاني ومال ( ) رأيت مالي قال ... ومات مرحب لما ( ) فعلت تحكي القرلى ... إني أظنك فيما (

وكقوله ) يف الناس زاغا وشقراقا ... وأنمر الجلدة صيرته ( وقه ( ا من تحته قاقا حت... ما زلت أجري كلكي ف ) ى دع

وكقوله ) بالجهل أترك صحبة الشطار ... وملحة بالعذل تحسب أنين (

وقد استعمل لفظة الشاطر والشاطرة والشطار كثريا وهي من األلفاظ ابتذهلا العامة حىت سئمت من ابتذاهلا ليها من استعمال أشباهها وأمثاهلا وهذه األمثلة متنع الواقف ع

ومن أوصاف الكلمة أال تكون مشتركة بني معنيني أحدمها يكره ذكره وإذا وردت وهي غري مقصود هبا ذلك املعىن قبحت وذلك إذا كانت مهملة بغري قرينة متيز معناها عن القبح فأما إذا جاءت ومعها قرينة فإهنا ال تكون

أال ) ن آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم املفلحون فالذي( معيبة كقوله تعاىل ترى أن لفظة التعزير مشتركة تطلق على التعظيم واإلكرام وعلى الضرب الذي هو دون احلد وذلك نوع من

معناها اهلوان ومها معنيان ضدان فحيث وردت يف هذه اآلية جاء معها قرائن من قبلها ومن بعدها فخصت باحلسن وميزته عن القبيح ولو وردت مهملة بغري قرينة وأريد هبا املعىن احلسن لسبق إىل الوهم ما اشتملت عليه

من املعىن القبيح مثال ذلك لو قال قائل لقيت فالنا فعزرته لسبق إىل الفهم أنه ضربه وأهانه ولو قال لقيت فالنا فأكرمته وعزرته

لزال ذلك اللبس ا استقبح كقول الشريف الرضي واعلم أن ه قد جاء من الكالم ما معه قرينة فأوجب قبحه ولو مل جتيء معه مل

Page 89: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

) عن جانبيك مقاعد العواد ... أعزر علي بأن أراك وقد خال ( املوضع صحيح إال أنه موافق وقد ذكر ابن سنان اخلفاجي هذا البيت يف كتابه فقال إن إيراد هذه اللفظة يف هذا

ملا يكره ذكره يف مثل هذا الشعر ال سيما وقد أضافه إىل من حيتمل إضافته إليه وهو العواد ولو انفرد لكان األمر فيه سهال فأما اإلضافة إىل من ذكره ففيها قبح ال خفاء به هذا حكاية كالمه وهو مرضي واقع يف موقعه

ول قد جاءت هذه اللفظة املعيبة يف الشعر يف القرآن الكرمي فجاءت حسنة ولنذكر حنن ما عندنا يف ذلك فنقوأنا ملسنا ( وكذلك قوله تعاىل ) وإذ غدوت من أهلك تبوئ املؤمنني مقاعد للقتال ( مرضية وهي قوله تعاىل

شهابا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع اآلن جيد لهأال ترى أهنا يف هاتني اآليتني غري مضافة إىل من تقبح إضافته إليه كما جاءت يف الشعر ولو قال الشاعر ) رصدا

بدال من مقاعد العواد مقاعد الزيارة أو ما جرى جمراه لذهب ذلك القبح وزالت تلك اهلجنة وهلذا جاءت هذه ى ما تراه من القبح يف قول الشريف الرضي اللفظة يف اآليتني على ما تراه من احلسن وجاءت عل

وعلى هذا ورد قول تأبط شرا ) وطابي ويومي ضيق الجحر معور ... أقول للحيان وقد صفرت لهم (

فإنه أضاف اجلحر إىل اليوم فأزال عنه هجنة االشتباه ألن اجلحر يطلق على

ريبوع وعلى احملل املخصوص من احليوان فإذا ورد مهمال بغري قرينة ختصصه سبق إىل كل ثقب كثقب احلية والال يلسع من جحر مرتني ( الوهم ما يقبح ذكره الشتهاره به دون غريه ومن ههنا ورد قول النيب ) املؤمن

وحيث قال يلسع زال اللبس ألن اللسع ال يكون إال للحية وغريها من ذوات السموم د مهمال بغري قرينة فقول أيب متام وأما ما ور

) عقل وال حق عليك قدمي ... أعطيت لي دية القتيل وليس لي ( فقوله ليس يل عقل يظن أنه من عقل الشيء إذا علمه ولو قال ليس يل عليك عقل لزال اللبس

ثل هذا املوضع وهو من مجلة األلفاظ املشتركة اليت فيجب إذا على صاحب هذه الصنعة أن يراعي يف كالمه م حيتاج يف إيرادها إىل قرينة ختصصها ضرورة

ومن أوصاف الكلمة أن تكون مؤلفة من أقل األوزان تركيبا وهذا مما ذكره ابن سنان يف كتابه مث مثله بقول أيب الطيب املتنيب

) ل القلوب بال سويداواتها مث... إن الكرام بال كرام منهم (

وقال إن لفظة سويداواهتا طويلة فلهذا قبحت وليس األمر كما ذكره فإن قبح هذه اللفظة مل يكن بسبب طوهلا وإمنا هو ألهنا يف نفسها قبيحة وقد كانت وهي مفردة حسنة فلما مجعت قبحت ال بسبب الطول والدليل على

فإن هذه ) فسيكفيكهم اهللا ( ن الكرمي ألفاظ طوال وهي مع ذلك حسنة كقوله تعاىل ذلك أنه قد ورد يف القرآفإن هذه اللفظة عشرة أحرف وكلتامها حسنة ) ليستخلفنهم يف األرض ( اللفظة تسعة أحرف وكقوله تعاىل

لفظة رائقة ولو كان الطول مما يوجب قبحا لقبحت هاتان اللفظتان وليس كذلك أال ترى أنه لو أسقط من سويداواهتا اهلاء واأللف اللتني مها عوض عن اإلضافة لبقي منها مثانية أحرف ومع هذا فإهنا قبيحة ولفظة

ليستخلفنهم عشرة أحرف وهي أطول منها حبرفني ومع هذا فإهنا حسنة رائقة

Page 90: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

الرباعي كقولنا واألصل يف هذا الباب ما أذكره وهو أن األصول من األلفاظ ال حتسن إال يف الثالثي ويف بعض عذب وعسجد فإن هاتني اللفظتني إحدامها ثالثية واألخرى رباعية وأما اخلماسي من األصول فإنه قبيح وال

ا ذكره ابن سنان ا جرى جمرامها وكان ينبغي على م يكاد يوجد منه شيء حسن كقولنا جحمرش وصهصلق ومقرآن قبيحتني ألن تلك تسعة أحرف وعشرة وهاتان أن تكون هاتان اللفظتان حسنتني واللفظتان الواردتان يف ال

مخسة ومخسة ونرى األمر بالضد مما ذكره وهذا ال يعترب فيه طول وال قصر وإمنا يعترب نظم تأليف احلروف بعضها مع بعض وقد تقدم الكالم على ذلك وهلذا ال يوجد يف القرآن من اخلماسي األصول شيء إال ما كان

يكن يف األصل عربيا حنو إبراهيم وإمساعيل من اسم نيب عرب امسه وملومما يدخل يف هذا الباب أن جتتنب األلفاظ املؤلفة من حروف يثقل النطق هبا سواء كانت طويلة أو قصرية

ومثال ذلك قول امرئ القيس يف قصيدته الالمية اليت هي من مجلة القصائد السبع الطوال

) تضل املدارى يف مثنى ومرسل ... العال غدائره مستشزرات إلى ( طويلة ألنا لو قلنا فلفظة مستشزرات مما يقبح استعماهلا ألهنا تثقل على اللسان ويشق النطق هبا وإن مل تكن

مستنكرات أو مستنقرات على وزن مستشزرات ملا كان يف هاتني اللفظتني من ثقل وال كراهة اجلهال يف هذا املوضع وقال إن كراهة هذه اللفظة إمنا هو لطوهلا وليس األمر كذلك فإنا ولرمبا اعترض بعض

لو حذفنا منها األلف والتاء وقلنا مستشزر لكان ذلك ثقيال أيضا وسببه أن الشني قبلها تاء وبعدها زاي فثقل ال ذلك الثقل النطق هبا وإال فلو جعلنا عوضا من الزاي راء ومن الراء فاء فقلنا مستشرف لز

ولقد رآين بعض الناس وأنا أعيب على امرئ القيس هذه اللفظة املشار إليها فأكرب ذلك لوقوفه مع شهرة التقليد يف أن امرئ القيس أشعر الشعراء فعجبت من ارتباطه مبثل هذه الشبهة الضعيفة وقلت له ال مينع إحسان

امرئ

كمثال غزال املسك فإنه خيرج منه املسك والبعر وال مينع طيب القيس من استقباح ما له من القبح ومثال هذاا خيرج من بعره وال تكون لذاذة ذلك الطيب حامية للخبث من االستكراه ما خيرج من مسكه من خبث م

فأسكت الرجل عند ذلك جل اعتقاد وحضر عندي يف بعض األيام رجل من اليهود وكنت إذ ذاك بالديار املصرية وكان لليهود يف هذا الر

ملكان علمه يف دينهم وغريه وكان لعمري كذلك فجرى ذكر اللغات وأن اللغة العربية هي سيدة اللغات وأهنا أشرفهن مكانا وأحسنهن وضعا فقال ذلك الرجل كيف ال تكون كذلك وقد جاءت آخرا فنفت القبيح من

لفة فاختصر ما اختصر وخفف ما اللغات قبلها وأخذت احلسن مث إن واضعها تصرف يف مجيع اللغات الساخفف فمن ذلك اسم اجلمل فإنه عندنا يف اللسان العرباين كوميل مماال على وزن فوعيل فجاء واضع اللغة العربية وحذف منها الثقيل املستبشع وقال مجل فصار خفيفا حسنا وكذلك فعل يف كذا وكذا وذكر أشياء

به كثرية ولقد صدق يف الذي ذكره وهو كالم عامل ومن أوصاف الكلمة أن تكون مبنية من حركات خفيفة ليخف النطق هبا وهذا الوصف يترتب على ما قبله من

تأليف الكلمة وهلذا إذا تواىل حركتان خفيفتان يف كلمة واحدة مل تستثقل وخبالف ذلك احلركات الثقيلة فإنه ثقلت الضمة على الواو والكسرة على إذا تواىل منها حركتان يف كلمة واحدة استثقلت ومن أجل ذلك است

Page 91: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

الياء ألن الضمة من جنس الواو والكسرة من جنس الياء فتكون عند ذلك كأهنا حركتان ثقيلتان ولنمثل لك مثاال لتهتدي به يف هذا املوضع وهو أنا نقول إذا أتينا بلفظة مؤلفة من ثالثة أحرف وهي ج ز ع

مكسورة فقلنا اجلزع كان ذلك أحسن من أن لو جعلنا اجليم مضمومة فإذا جعلنا اجليم مفتوحة فقلنا اجلزع أوفقلنا اجلزع وكذلك إذا والينا حركة الفتح فقلنا اجلزع كان ذلك أحسن من مواالة حركة الضم عند قولنا

اجلزع ومن املعلوم أن هذه اللفظة مل يكن اختالف حركاهتا مغريا ملخارج حروفها حىت ينسب ذلك إىل اختالف ليف املخارج بل تأ

وجدناها تارة تكتسى حسنا وتارة يسلب ذلك احلسن عنها فعلمنا أن ذلك حادث عن اختالف تأليف حركاهتا ولقد أنذرهم ( واعلم أنه قد توالت حركة الضم يف بعض األلفاظ ومل حيدث فيها كراهة وال ثقال كقوله تعاىل

وكل شيء فعلوه يف ( وكقوله تعاىل ) رمني يف ضالل وسعر وإن اجمل( وكقوله تعاىل ) بطشتنا فتماروا بالنذر فحركة الضم يف هذه األلفاظ متوالية وليس هبا من ثقل وال كراهة وكذلك ورد قول أيب متام ) الزبر

) ودموع ليس تحتبس ... نفس يحتثه نفس ( ) ده درس عطل من عه... ومغان للكرى دثر ( ه ( ) ناطقات بالهوى خرس ... شهرت ما كنت أكتم

فانظر كيف جاءت هذه األلفاظ األربعة مضمومات كلها وهي مع ذلك حسنة ال ثقل هبا وال ينبو السمع عنها ذ عن ذلك شيء يسري ال وهذا ال ينقض ما أشرنا إليه ألن الغالب أن يكون توايل حركة الضم مستثقال فإذا ش

ينقض األصل املقيس عليه

القسم الثاين األلفاظ املركبة

قد قدمنا القول يف شرح أحوال اللفظ املفردة وما خيتص هبا وأما إذا صارت مركبة فإن لتركيبها حكما آخر لك اليت كانت وذاك أنه حيدث عنه من فوائد التأليفات واالمتزاجات ما خييل للسامع أن هذه األلفاظ ليست ت

مفردة ومثال ذلك كمن أخذ آلىلء ليست من ذوات القيم الغالية فألفها وأحسن الوضع يف تأليفها فخيل للناظر حبسن تأليفه وإتقان صنعته أهنا ليست تلك اليت كانت منثورة مبددة ويف عكس ذلك من يأخذ آلىلء من ذوات

ذلك جيري حكم األلفاظ العالية مع فساد التأليف وهذا القيم الغالية فيفسد تأليفها فإنه يضع من حسنها وك موضع شريف ينبغي االلتفات إليه والعناية به

واعلم أن صناعة تأليف األلفاظ تنقسم إىل مثانية أنواع هي السجع وخيتص بالكالم املنثور والتصريع وخيتص جع يف الكالم املنثور والتجنيس وهو بالكالم املنظوم وهو داخل يف باب السجع ألنه يف الكالم املنظوم كالس

ا ال يلزم وهو يعم القسمني أيضا واملوازنة يعم القسمني مجيعا والترصيع وهو يعم القسمني أيضا مجيعا ولزوم م وختتص بالكالم املنثور واختالف صيغ األلفاظ وهو يعم القسمني مجيعا وتكرير احلروف وهو يعم القسمني مجيعا

حده أن يقال تواطؤ الفواصل يف الكالم املنثور على حرف واحد النوع األول السجع ووقد ذمه بعض أصحابنا من أرباب هذه الصناعة وال أرى ذلك وجها سوى عجزهم أن يأتوا به وإال فلو كان

Page 92: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

مذموما ملا ورد يف القرآن الكرمي فإنه قد أتى منه بالكثري حىت إنه ليؤيت بالسورة مجيعها مسجوعة كسورة الرمحن إن اهللا لعن الكافرين وأعد ( وسورة القمر وغريمها وباجلملة فلم ختل منه سورة من السور فمن ذلك قوله تعاىل

ا أنزلنا عليك القرآن ( وكقوله تعاىل يف سورة طه ) هلم سعريا خالدين فيها أبدا ال جيدون وليا وال نصريا طه مموات العلى الرمحن على العرش استوى له ما يف لتشقى إال تذكرة ملن خيشى تنزيال ممن خلق األرض والس

السموات وما يف األرض وما بينهما وما حتت الثرى وإن جتهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى اهللا ال إله إال هو له بل كذبوا باحلق ملا جاءهم فهم يف أمر مريج أفلم ينظروا إىل ( وكذلك قوله تعاىل يف سورة ق ) األمساء احلسىن

ء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما هلا من فروج واألرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل السما) والعاديات ضبحا فاملوريات قدحا فاملغريات صبحا فأثرن به نقعا فوسطن به مجعا ( وكقوله تعاىل ) زوج هبيج

وأمثال ذلك كثرية ء كثري أيضا وقد ورد على هذا األسلوب من كالم النيب شي

فمن ذلك ما رواه ابن مسعود رضي اهللا عنه قال قال رسول اهللا

ليس ذلك ولكن االستحياء من اهللا ( قلنا إنا لنستحيي من اهللا يا رسول اهللا قال ) استحيوا من اهللا حق احلياء ( ) احلياة الدنيا أن حتفظ الرأس وما وعى والبطن وما حوى وتذكر املوت والبلى ومن أراد اآلخرة ترك زينة

ومن ذلك ما رواه عبد اهللا بن سالم فقال ملا قدم رسول اهللا فجئت يف الناس ألنظر إليه فلما تبينت وجهه أيها الناس أفشوا السالم وأطعموا الطعام ( علمت أنه ليس بوجه كذاب فكان أول شيء تكلم به أن قال

) وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا اجلنة بسالم ولوال أن ) أسجعا كسجع الكهان ( ن قيل إن النيب قال لبعضهم منكرا عليه وقد كلمه بكالم مسجوع فإ

السجع مكروه ملا أنكره النيب مث سكت وكان املعىن يدل على إنكار ) أسجعا ( فاجلواب عن ذلك أنا نقول لو كره النيب السجع مطلقا لقال

ا على أمر وهو إنكار الفعل مل كان على ) كهان أسجعا كسجع ال( هذا الفعل مل كان فلما قال صار املعىن معلقهذا الوجه فعلم أنه إمنا ذم من السجع ما كان مثل سجع الكهان ال غري وأنه مل يذم السجع على اإلطالق وقد

ا من ورد يف القرآن الكرمي وهو قد نطق به يف كثري من كالمه حىت إنه غري الكلمة عن وجهها إتباعا هلا بأخواهتوإمنا أراد ملمة ألن ) أعيذه من اهلامة والسامة وكل عني المة ( أجل السجع فقال البن ابنته عليهما السالم

وإمنا أراد موزورات من الوزر ) ارجعن مأزورات غري مأجورات ( األصل فيها من أمل فهو ملم وكذلك قوله يدلك على فضيلة السجع فقال مأزورات ملكان مأجورات طلبا للتوازن والسجع وهذا مما

على أن هذا احلديث النبوي الذي يتضمن إنكار سجع الكهان عندي فيه نظر فإن الوهم يسبق إىل إنكاره يقال فما سجع الكهان الذي يتعلق اإلنكار به وهنى عنه رسول اهللا واجلواب عن ذلك أن النهي مل يكن عن السجع

للفظ املسجوع أال ترى أنه ملا أمر رسول اهللا يف اجلنني بغرة عبد أو نفسه وإمنا النهي عن حكم الكاهن الوارد با أمة قال الرجل أأدي من ال شرب وال

أي أتتبع سجعا كسجع ) أسجعا كسجع الكهان ( أكل وال نطق وال استهل ومثل ذلك يطل فقال رسول اهللا الكهان

Page 93: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

الكالم مسجوعا كما فعل الكاهن يف قصة وكذلك كان الكهنة كلهم فإهنم كانوا إذا سئلوا عن أمر جاءوا بهند بنت عتبة فإنه قال ملا امتحن قبل السؤال عن قصتها مثرة يف كمرة فقيل له نريد أبني من هذا فقال حبة بر

يف إحليل مهو واحلكاية مشهورة فلهذا اختصرناها ههنا لرؤيا املوبذان وارجتاس وكذلك قال سطيح فإنه قال عبد املسيح جاء إىل سطيح وهو موف على الضريح اإليوان وأمت الكالم إىل آخره مسجوعا واحلكاية مشهورة أيضا فلهذا اختصرناها

أسجعا كسجع ( فالسجع إذا ليس مبنهي عنه وإمنا املنهي عنه هو احلكم املتبوع يف قول الكاهن فقال رسول اهللا الرجل ال بأس به ألنه قال أأدي من ال أي أحكما كحكم الكهان وإال فالسجع الذي أتى به ذلك ) الكهان

شرب وال أكل وال نطق وال استهل ومثل ذلك يطل وهذا كالم حسن من حيث السجع وليس مبنكر لنفسه وإمنا املنكر هو احلكم الذي تضمنه يف امتناع الكاهن أن يدي اجلنني بغرة عبد أو أمة

كالم واالعتدال مطلوب يف مجيع األشياء والنفس متيل واعلم أن األصل يف السجع إمنا هو االعتدال يف مقاطع الإليه بالطبع ومع هذا فليس الوقوف يف السجع عند االعتدال فقط وال عند تواطؤ الفواصل على حرف واحد

إذ لو كان ذلك هو املراد من السجع لكان كل أديب من األدباء سجاعا وما من أحد منهم ولو شدا شيئا كنه أن يؤلف ألفاظا مسجوعة ويأيت هبا يف كالمه بل ينبغي أن تكون األلفاظ املسجوعة يسريا من األدب إال ومي

حلوة حادة طنانة رنانة ال غثة وال باردة وأعين بقويل غثة باردة أن صاحبها يصرف نظره إىل السجع نفسه من غري نظر إىل مفردات األلفاظ املسجوعة وما يشترط هلا من احلسن وال إىل تركيبها وما

يشترط له من احلسن وهو يف الذي يأيت به من األلفاظ املسجوعة كمن ينقش أثوابا من الكرسف أو ينظم عقدا من اخلزف امللون

وهذا مقام تزل عنه األقدام وال يستطيعه إال الواحد من أرباب هذا الفن بعد الواحد ومن أجل ذلك كان أربابه قليال

ثة والربد فإن وراء ذلك مطلوبا آخر وهو أن يكون اللفظ فيه تابعا للمعىن فإذا صفي الكالم املسجوع من الغثاال أن يكون املعىن فيه تابعا للفظ فإنه جييء عند ذلك كظاهر مموه على باطن مشوه ويكون مثله كغمد من ذهب

ا على نصل من خشب وكذلك جيري احلكم يف األنواع الباقية اآليت ذكرها من التجنيس والترصيع وغريمهوسأبني لك يف هذا مثاال تتبعه فأقول إذا صورت يف نفسك معىن من املعاين مث أردت أن تصوغه بلفظ مسجوع ومل يؤاتك ذلك إال بزيادة يف ذلك اللفظ أو نقصان منه وال يكون حمتاجا إىل الزيادة وال إىل النقصان إمنا تفعل

ذا دللت عليه بذلك اللفظ ال يكون مسجوعا إال أن ذلك ألن املعىن الذي قصدته حيتاج إىل لفظ يدل عليه وإتضيف إليه شيئا آخر أو تنقص منه فإذا فعلت ذلك فإنه هو الذي يذم من السجع ويستقبح ملا فيه من التكلف

والتعسف وأما إذا كان حمموال على الطبع غري متكلف فإنه جييء يف غاية احلسن وهو أعلى درجات الكالم يأيت به يف كتابته كلها على هذه الشريطة فإنه يكون قد ملك رقاب الكلم يستعبد كرائمها وإذا هتيأ للكاتب أن

ويستولد عقائمها ويف مثل ذلك فليتنافس وعن مقامه فليقاعس ولصاحبه أوىل بقول أيب الطيب املتنيب ) غضنفرا ومن الرديف وقد ركبت... أنت الوحيد إذا ركبت طريقة (

Page 94: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

ا ذهبت إليه فكان ينبغي أن يأيت القرآن كله مسجوعا فإن قيل فإذا كان السجع أعلى درجات الكالم على م وليس األمر كذلك بل منه املسجوع ومنه غري املسجوع

ا منع أن يأيت القرآن كله قلت يف اجلواب إن أكثر القرآن مسجوع حىت إن السورة لتأيت مجيعها مسجوعة وممسجوعا إال أنه سلك به مسلك اإلجياز واالختصار والسجع ال يؤايت يف كل موضع من الكالم على حد اإلجياز

واالختصار فترك استعماله يف مجيع القرآن هلذا السبب وههنا وجه آخر هو أقوى من األول ولذلك ثبت أن املسجوع من الكالم أفضل من غري املسجوع وإمنا تضمن

سجوع ألن ورود غري املسجوع معجزا أبلغ يف باب اإلعجاز من ورود املسجوع ومن أجل ذلك القرآن غري املا تضمن القرآن القسمني مجيع

واعلم أن للسجع سرا هو خالصته املطلوبة فإن عري الكالم املسجوع منه فال يعتد به أصال وهذا شيء مل ينبه يه قوال هو أبني مما تقدم وأمثل لك مثاال إذا حذوته أمنت الطاعن عليه أحد غريي وسأبينه ههنا وأقول ف

والعائب وقيل يف كالمك ليبلغ الشاهد الغائب والذي أقوله يف ذلك هو أن تكون كل واحدة من السجعتني املزدوجتني مشتملة على معىن غري املعىن الذي اشتملت عليه أختها فإن كان املعىن فيهما سواء فذاك هو

ويل إمنا هو الداللة على املعىن بألفاظ ميكن الداللة عليه بدوهنا وإذا وردت سجعتان التطويل بعينه ألن التطيدالن على معىن واحد كانت إحدامها كافية يف الداللة عليه وجل كالم الناس املسجوع جار عليه وإذا تأملت

رى أكثر املسجوع منه كتابة املفلقني ممن تقدم كالصايب وابن العميد وابن عباد وفالن وفالن وفالن فإنك تا أشرت إليه كذلك واألقل منه على م

ولقد تصفحت املقامات احلريرية واخلطب النباتية على غرام الناس هبما وإكباهبم عليهما فوجدت األكثر من السجع فيهما على األسلوب الذي أنكرته

ظ على الوجه الذي أشرت إليه فيما فالكالم املسجوع إذا حيتاج إىل أربع شرائط األوىل اختيار مفردات األلفا تقدم الثانية اختيار التركيب على الوجه

الذي أشرت إليه أيضا فيما تقدم الثالثة أن يكون اللفظ يف الكالم املسجوع تابعا للمعىن ال املعىن تابعا للفظ عليه أختها فهذه الرابعة أن تكون كل واحدة من الفقرتني املسجوعتني دالة على معىن غري املعىن الذي دلت

أربع شرائط ال بد منها وسأورد ههنا من كالمي أمثلة حتذي حذوها فإين ملا سلكت هذه الطريق وأتيت بكالمي مسجوعا توخيت أن تكون كل سجعة منه خمتصة مبعىن غري املعىن الذي تضمنته أختها ومل أخل بذلك يف مكاتبايت كلها وإذا تأملتها

علمت صحة ما قد ذكرته من ذلك ما كتبته يف صدر كتاب عن بعض امللوك إىل دار اخلالفة وهو اخلادم واقف موقف راج هائب الزم ف

بكتابه هذا وقار حاضر عن شخص غائب موجه وجهه إىل ذلك اجلناب الذي تقسم فيه أرزاق العباد ويتأدب ين بنسبها إليه عن شرف به الزمان تأدب ذوي االستعباد وتستمد امللوك من خدمته شرف اجلدود كما تستغ

األجداد ولو ملك اخلادم نفسه لقصرها على خدمة قصره وأحظاها من النظر إليه بربد العيش الذي عمرها حمسوب من عمره وهذا القول يقوله وكل ما جد فيه حاسد وبتأميله راكع ساجد والديوان العزيز حمسود

Page 95: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

االغتراب وما ينافس يف القرب من أبوابه الكرمية إال االقتراب وهو موطن الرغبات الذي االغتراب إليه ليس ب ذوو اهلمم الكرمية وقد ودت الكواكب بأسرها أن تكون له منادمة فضال عن ندماين جذمية

ومن ذلك ما كتبته من كتاب يتضمن العناية ببعض الناس وهو الكرمي من أوجب لسائله حقا وجعل كواذب ا وكل ذلك موجود يف كرم موالنا أجراه آماله صدقا وكان خرق العطايا منه خل قا ومل ير بني ذممه وبني رمحه فرق

اهللا من فضله على وترية وجعل مهمه على متام كل نقص قديرة وأوطأه من كل جمد سريرا كما بوأه من كل حت قلب سريرة وال زالت يده باملكارم جديرة ومن األيام جمرية ولضرائرها من البحار والسحاب معرية وال بر

تستولد عقائم املعاين وتستجد أبنيتها حىت يشهد الناس منها يف كل يوم عقيقة أو وكرية ومن صفات كرمه أنه

يسبك األموال مآثر ويتخذها عند السؤال ذخائر فهي تفىن لديهم باإلنفاق وذكرها على مرور األيام باق ومن سرقات مبا ال تصل إليه يد سارق ومثله من أربح منه صفقة وقد باع صامتا بناطق وما هو معرض حلوادث ال

عرف الدنيا فرغب عن اقتنائها وجد يف ابتناء احملامد هبدم بنائها وعلم أن ماهلا ليس عند الضنني به إال أحجارا وأن غناه منها ال يزيده إال افتقارا فهو ملاله عبد خيدمه وال يستخدمه وأم ترضعه بسعيها وال تفطمه

جواب كتاب يتضمن إباق غالم وهو أول كتاب ورد من املكتوب عنه إىل املكتوب إليه فقلت ومنه ما كتبته يف وأما اإلشارة الكرمية يف أمر الغالم اآلبق عن اخلدمة فقد يفر املهر من عليقه ويطري الفراش إىل حريقه وغري بعيد

ا ذمه من ذهابه وعلم أن الغنيمة كل الغنيمة أن ينبو مضجعه أو يكبو به مطمعه فريجع وقد محد من رجوعه ميف إيابه فما كل شجرة حتلو لذائقها وال كل دار ترحب بطارقها ومن أبق عن مواله مغاضبا وجانب حمل

إحسانه الذي مل يكن جمانبا فإنه جيد من مفارقة اإلحسان ما جيده من مفارقة معاهد األوطان وهل أضل سعيا ممن سقام وألقى الثروة من يده ومضى يف طلب اإلعدام ومع هذا فإن اخلادم دفع يف صدر العافية وغدا يسأل عن األ

يشكره على ذنب اإلباق الذي أقدم على اجتراحه وليس ذلك إال ألنه صار سببا الفتتاح باب املكاتبة الذي مل به من أمه يطمع يف افتتاحه وال جزاء له عنده إىل السعي يف إعادته إىل اخلدمة اليت تقلب يف إنشائها وهي أبر

اليت تقلب يف أحشائها ومن فضلها أهنا تلقاه من حلمها بوسيلة الشافع ومن كرمها بالوجه الضاحك والفضل الواسع

فانظر أيها املتأمل إىل هذا األسجاع مجيعها وأعطها حق النظر حىت تعلم أن كل واحدة منها ختتص مبعىن ليس يف فال أختها اليت تليها وكذلك فليكن السجع وإال

وسأورد ههنا من كالم الصايب ما ستراه فمن ذلك حتميد يف كتاب فقال احلمد هللا الذي ال تدركه األعني

بأحلاظها وال حتده األلسن بألفاظها وال ختلقه العصور مبرورها وال هترمه الدهور بكرورها ه وال رمسا إال أزاله وعفاه مث انتهى إىل الصالة على النيب فقال مل ير للكفر أثرا إال طمسه وحما

وال فرق بني مرور العصور وكرور الدهور وكذلك ال فرق بني حمو األثر وعفاء الرسم ومن كالمه أيضا يف كتاب وهو وقد علمت أن الدولة العباسية مل تزل على سالف األيام وتعاقب األعوام تعتل

خ ال يتزعزع وبنياهنا ثابت ال يتضعضع طورا وتصح أطوارا وتلتاث مرة وتستقل مرارا من حيث أصلها راس وهذه األسجاع كلها متساوية املعاين فإن االعتالل وااللتياث والطور واملرة والرسوخ والثبات كل ذلك سواء

Page 96: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

وكذلك ورد له يف مجلة كتاب كتبه عن عز الدولة بن بويه جوابا عن كتاب وصله من األمري عبد الكرمي بن ابه مفتتحا من االعتزاء إىل إمارة املؤمنني والتقلد ألمور املسلمني مبا أعراقه الزكية املطيع هللا فقال وصلين كت

جموزة الستمراره وأرومته العلية مسوغة الستقراره له ولكل جنيب أخذ حبظه من نسبه وضارب بسهم يف منصبه ني كافة فإن تعذر اجتماعهم إذ كان ذلك جاريا على األصول املعهودة فيه واألسباب العاقدة له من إمجاع املؤمن

مع انبساطهم يف األرض وانتشارهم يف الطول والعرض فال بد من اتفاق أشراف كل قطر وأفاضله وأعيان كل صقع وأماثله

وهذا الكالم كله متماثل املعاين يف أسجاعه فإن إمارة املؤمنني والتقلد ألمور املسلمني سواء يف املعىن وكذلك لتجويز والتسويغ واألشراف واألفاضل واألعيان واألماثل والقطر والصقع كل ذلك سواء األعراق واألرومة وا

وعلى هذا جاء كالمه يف كتاب آخر فقال يسافر رأيه وهو دان مل ينزح ويسري تدبريه وهو ثاو مل يربح وكال هذين سواء أيضا

راح يف عدوه وسيفه يف الغمد مل جيرح فإنه وما أحسن هذا املعىن لو قال يسافر رأيه وهو دان مل يربح ويثخن اجل لو قال مثل هذا سلم من هجنة التكرار

وأمثال ذلك يف كالم الصايب كثري وعلى منواله نسج الصاحب ابن عباد

فمن ذلك ما ذكره يف وصف مهزومني فقال طاروا واقني بظهورهم صدورهم وبأصالهبم حنورهم وكال املعنيني سواء

ذا الكتاب يصف ضيق جمال احلرب مكان ضنك على الفارس والراجل ضيق على الرامح وكذلك قوله يف ه والنابل

ومن كالمه يف كتاب وهو ال تتوجه مهته إىل أعظم مرقوب إال طاع ودان وال متتد عزميته إىل أفخم مطلوب إال كان واستكان

وكل هذا الذي ذكره شيء واحد الفوائد أشدمها للشكر استحقاقا وأمتها للحمد استغراقا وتعرفت من وله من كتاب وهو وصل كتابه جامعا من

إحسان اهللا فيما وفره من سالمته وهنأه من كرامته أنفس موهوب ومطلوب وأمحد مرقوب وخمطوب وهذا كله متماثل املعاين متشابه األلفاظ

ته لك ووضعت يدك عليه حىت تعلم وفيما أوردته ههنا مقنع فأنعم نظرك أيها الواقف على هذا الكتاب فيما بين كيف تأيت باملعاين يف األلفاظ املسجوعة واهللا املوفق للصواب

فإن قيل إنك اشترطت أن تكون كل واحدة من الفقرتني يف الكالم املسجوع دالة على معىن غري املعىن الذي دلت عليه أختها وإمنا اشترطت هذه

واحدا ونرى قد ورد يف القرآن الكرمي لفظتان مبعىن واحد يف آخر الشريطة فرارا من أن يكون املعنيان شيئا) واذكر يف الكتاب إمساعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسوال نبيا ( إحدى الفقرتني املسجوعتني كقوله تعاىل

وكل رسول نيب

Page 97: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

ختصت به أختها قلت يف اجلواب ليس هذا كالذي اشترطته أنا يف اختصاص كل فقرة مبعىن غري املعىن الذي اوإمنا هو إيراد لفظتني يف آخر إحدى الفقرتني مبعىن واحد وهذا ال بأس به ملكان طلب السجع أال ترى أن أكثر هذه السورة اليت هي سورة مرمي عليها السالم مسجوعة على حرف الياء وهذا جيوز لصاحب السجع أن يأيت

ا ذكرته أنا أال ترى أن النيب قد غري وإمنا ) مأزورات ( اللفظة عن وضعها طلبا للسجع فقال به وهو خبالف موإمنا هي امللمة إال أنه ليس يف ذلك زيادة معىن بل يفهم من لفظة مأزورات ) العني الالمة ( هي موزورات وقال

أهنا قائمة موزورات وكذلك يفهم من لفظة المة أهنا مبعىن ملمة فالسجع قد أجيز معه تغيري وضع اللفظة وأجيز معه أن يورد لفظتان مبعىن واحد يف آخر إحدى الفقرتني ومع هذا فلم جيز يف استعماله أن يورد فقرتان مبعىن

واحد ألنه تطويل حمض ال فائدة فيه وبني الذي ذكرته أنت وبني الذي ذكرته أنا فرق ظاهر م فيها بالتعصب ويقال إين والذي قدمت من األمثلة املسجوعة للصايب والصاحب ابن عباد رمبا كانت يسرية أهت

التقطتها التقاطا من مجلة رسائلهما وقد خرجت من عهدة هذه التهمة وذاك أين وجدت للصايب تقليدا بنقابة األشراف العلويني ببغداد وكنت أنشأت تقليدا بنقابة األشراف العلويني باملوصل وقد أوردت التقليدين ههنا

م بينهما إن كان عارفا أو يسأل عنهما العارف إن كان مقلدا ليتأملهما الناظر يف كتايب هذا وحيكوقد أوردت تقليد الصايب أوال ألنه املقدم زمانا وفضال وهو هذا ما عهد أمري املؤمنني إىل حممد بن احلسني بن موسى العلوي املوسوي حني وصلته به األنساب وتأكدت له األسباب وظهرت دالئل عقله ولبابته ووضحت

فضله وجنابته ومهد له هباء الدولة وضياء امللة أبو نصر بن عضد الدولة وتاج خمايل

ا مكن له عند أمري املؤمنني من احملل املكني ووصفه به من احللم الرزين وأشاد به فيه من امللة موىل أمري املؤمنني موحيث رغبه فيه سابقة احلسني أبيه يف رفع املنزلة وتقدمي املرتبة والتأهيل لوالية األعمال واحلمل لألعباء الثقال

اخلدمة والنصيحة واملواقف احملمودة واملقامات املشهودة اليت طابت هبا أخباره وحسنت فيها آثاره وكان حممد متخلقا خبالئقه وذاهبا يف طرائقه علما وديانة وورعا وصيانة وعفة وأمانة وشهامة وصرامة باحلظ اجلزيل من

جلزل والتوجه يف األهل واإليفاء باملناقب على لداته وأترابه واإلبرار على قرائبه الفضل اجلميل واألدب اوأضرابه فقلده ما كان داخال يف أعمال أبيه من نقابة نقباء الطالبني أمجعني مبدينة السالم وسائر األعمال

محه وترفيها ألبيه واألمصار شرقا وغربا وبعدا وقربا واختصه ذلك جذبا بصنعه وإنافة بقدره وقضاء حلق روإسعافا بإيثاره فيه إىل أمري املؤمنني واستخالفه عليه من النظر يف املظامل وتسيري احلجيج يف املواسم واهللا يعقب أمري املؤمنني فيما أمر ودبر حسن العاقبة فيما قضى وأمضى وما توفيق أمري املؤمنني إال باهللا عله يتوكل وإليه

ينيب يت هي شعار املؤمنني وسنا الصاحلني وعصمة عباد اهللا أمجعني وأن يعتقدها سرا وجهرا أمره بتقوى اهللا ال

ويعتمدها قوال وفعال ويأخذ هبا ويعطي ويسر هبا وينوي ويأيت ويذر ويورد ويصدر فإهنا السبب املتني واملعقل لياءه عليها وهداهم يف احلصني والزاد النافع يوم احلساب واملسلك املفضي إىل دار الثواب وقد حض اهللا أو

) يأيها الذين آمنوا اتقوا اهللا وكونوا مع الصادقني ( حمكم كتابه إليها فقال عز من قائل وأمره بتالوة كتاب اهللا مواظبا وتصفحه مداوما مالزما والرجوع إىل أحكامه فيما أحل وحرم ونقض وأبرم

Page 98: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

ضح منهاجه وحمجته وجعله جنما يف الظلمات وأثاب وعاقب وباعد وقارب فقد صحح اهللا برهانه وحجته وأو طالعا ونورا يف املشكالت ساطعا فمن أخذ به جنا وسلم ومن عدل عنه هوى وندم

) وإنه لكتاب عزيز ال يأتيه الباطل من بني يديه وال من خلفه تنزيل من حكيم محيد ( قال اهللا تعاىل التبعات وأن يضبطها ضبط احلليم ويكفها كف احلكيم وأمره بتنزيه نفسه عما تدعو إليه الشبهات وتطلع إليه

وجيعل عقله سلطانا عليها ومتييزه أمرا ناهيا هلا وال جيعل هلا عذرا إىل صبوة وال هفوة وال يطلق منها عنانا عند ه ثورة ال فورة فإهنا أمارة بالسوء منصبة إىل الغي فمن رفضها جنا ومن اتبعها هوى فاحلازم متهم عند حترك وطر

وأربه واهتياج غيظه وال يدع أن يغضها بالشكيم ويعركها عرك األدمي ويقودها إىل مصاحلها باخلزائم ويفتقدها من مقارفة املآمث واحملارم كيما يعز بتذليلها وتأديبها وجيل برياضها وتقوميها واملفرط يف أمر تطمح به إذا طمحت

صدر وتلجئه إىل أن يعتذر وتقيمه مقام النادم الواجم وجيمع معها إذا مجحت وال يلبث أن تورده حيث ال يوتتنكب به سبيل الراشد السامل وأحق من حتلى باحملاسن وتصدى الكتساب احملامد من ضرب مبثل سهمه يف

نسب أمري املؤمنني الشريف ومنصبه املنيف واجتمع معه يف ذؤابة العترة الطاهرة واستظل بأوراق الدوحة تتضاعف به املآثر إن آثرها واملثالب إن أسف إليها وال سيما من كان مندوبا بالسياسة الفاخرة فذلك الذي

ومرشحا للتقليد على أهله إذ ليس يفي بالصالح ملن ويل عليه وال يفي بإصالح ما بني جنبيه ومن أعظم اهلجنة س بالرب وتنسون أنفسكم وأنتم أتأمرون النا( عليه أن يأمر وال يأمتر ويزجر وال يزدجر قال اهللا تعاىل جل ذكره

) تتلون الكتاب أفال تعقلون وأمره أن يتصفح أحوال من ويل عليهم من استقراء مذاهبهم والبحث عن بواطنهم ودخائلهم وأن يعرف ملن

تقدمت قدمه منهم وتظاهر فضله فيهم منزلته ويوفيه حقه وزينته وينتهي يف إكرام مجاعتهم إىل احلدود اليت ساهبم وأقدارهم وتقتضيها مواقعهم وأخطارهم فإن ذلك يلزمه لشيئني أحدمها خيصه وهو النسب توجبها أن

قل ال أسألكم عليه أجرا إال املودة يف ( الذي بينه وبينهم واآلخر يعمه واملسلمني مجيعا وهو قول اهللا جل ذكره فاملودة هلم ) القرىب

تضاعف الوجوب عليه متأكد اللزوم له ومن كان منهم اإلعظام ألكابرهم واالشتمال على أصاغرهم واجب ميف دون تلك الطبقة من أحداث مل حيتنكوا عليه وجذعان مل يقرحوا وجمرين إىل ما يزري بأنساهبم ويغض من

أحساهبم عذهلم وأنبهم وهناهم ووعظهم فإن نزعوا وأقلعوا فذاك املراد هبم واملقصد فيهم وإن أصروا وتتابعوا عقوبة بقدر ما يكف ويردع فإن نفع وإال جتاوزه إىل ما يلذع ويوجع من غري تطرق ألعراضهم وال أناهلم من ال

امتهان ألحساهبم فإن املغرض منهم الصيانة ال اإلهانة واإلدالة ال اإلذالة وإذا وجبت عليهم احلقوق أو تعلقت نن احلق فيما يشتبه ويلتبس ومىت هبم دواعي اخلصوم قادهم إىل اإلعفاء مبا يصح منها وجيب واخلروج إىل س

ا أمره اهللا تعاىل فيها بعد أن تثبت اجلرائم وتصح وتبني وتتضح وتتجرد لزمتهم احلدود أقامها عليهم حبسب معن الشك وتتجلى من الظن والتهمة فإن الذي يستحب يف حدود اهللا عز و جل أن تدرأ مع نقصان اليقني

ومن يتعد حدود اهللا فأولئك هم الظاملون ( يل والبينة قال اهللا عز و جل والصحة وأن متضى عليهم مع قيام الدل (

وأمره حبياطة أهل النسب األطهر والشرف األفخر عن أن يدعيه األدعياء أو يدخل فيه الدخالء ومن أنتمى إليه

Page 99: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

كذبه وفسقه كاذبا أو انتحله باطال ومل يوجد له بيت يف الشجرة وال مصداق عند النسابني املهرة أوقع بهوشهره شهرة ينكشف هبا غشه ولبسه وينزع هبا غريه ممن تسول له ذلك نفسه وأن حيصن الفروج عن مناكحة من ليس كفئا هلا يف شرفها وفخرها حىت ال يطمع يف املرأة احلسيبة النسيبة إال من كان مثال هلا مساويا ونظريا

) ب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهريا إمنا يريد اهللا ليذه( موازيا فقد قال اهللا تعاىل وأمره مبراعاة متبتلي أهله ومتهجديهم وصلحائهم وجماوريهم وأراملهم وأصاغرهم حىت تستد اخللة من أحواهلم

وتدر املواد عليهم وتتعادل أقساطهم فيما يصل إليهم من وجوه أمواهلم وأن يزوج األيامى ويريب اليتامى لقنوا القرآن ويعرفوا فرائض اإلسالم واإلميان ويتأدبوا باآلداب الالئقة بذوي األحساب وليلزمهم املكاتب فيت

فإن شرف األعراق حمتاج إىل شرف األخالق وال محد ملن شرفه حسبه وسخف أدبه إذ كان مل يكتسب الفخر احلاصل بفضل سعي وال

لك لزوم ما يلزمه من شكره سبحانه على طلب وال اجتهاد بل بصنع اهللا تعاىل له ومزيد املنة عليه وحبسب ذ هذه العطية واالعتداد مبا فيها من املزية

وإعمال النفس يف حيازة الفضائل واملناقب والترفع عن الرذائل واملثالب يما أمره أمري املؤمنني باستخالفه عليه من النظر واألخذ وأمره بإمجال النيابة عن شيخه احلسني بن موسى ف

ا للمظلوم من ا لظامل وأن جيلس للمترافعني إليه جلوسا عاما ويتأمل كالمهم تأمال تاما فما كان منها متعلقباحلاكم رده إليه ليحمل اخلصوم عليه وما كان من طريقة الغشم والظلم والتغلب والغصب قبض عند اليد

للخذل فإن عادة احلكام املبطلة وثبت فيه اليد املستحقة وحترى يف قضاياه أن تكون موافقة للعدل وجمانبة وصاحب املظامل واحدة وهي إقامة احلق ونصرته وإبانته وإثارته وإمنا خيتلف سبيالمها يف النظر إذ كان احلاكم

يعمل مبا ثبت عنده وظهر وصاحب املظامل يفحص عما غمض واستتر وليس له مع ذلك أن يرد للحاكم حكومة ه وال يتتبع ما حيكم به ويقضيه واهللا يهديه ويوفقه ويسدده ويرشده وال يعل له قضية وال يتعقب ما ينفذه وميضي

وأمره أن يسري حجيج بيت اهللا عز و جل إىل مقصدهم وحيميهم يف بدأهتم وعودهتم ويرتبهم يف مسريهم ومسلكهم ويرعاهم يف ليلهم وهنارهم حىت ال تناهلم شدة وال تصل إليهم مضرة وأن يرحيهم يف املنازل ويوردهم

ملناهل ويناوب بينهم يف النهل والعلل وميكنهم من االرتواء واالكتفاء جمتهدا يف الصيانة هلم ومعذرا يف الذب اا على متأخرهم ومتخلفهم ومنهضا لضعيفهم ومهيضهم فإهنم حجاج بيت اهللا احلرام وزوار قرب عنهم ومتلوم

وا املغارم الثقال وتعسفوا السهولة واجلبال رسوله قد هجروا األهل واألوطان وفارقوا اجلرية واإلخوان وجتشميلبون دعاء اهللا ويطيعون أمره ويؤدون فرضه ويرجون ثوابه وحقيق على املسلم أن حيرسهم متربعا وحيوطهم

وهللا على الناس حج البيت من استطاع ( متطوعا فكيف من توىل ذلك وضمنه وتقلده واعتقبه قال اهللا تعاىل ) إليه سبيال

يراعي أمور املساجد مبدينة السالم وأطرافها وأقطارها وأكنافها وأن جييب أموال وقفها ويستقصي مجيع وأمره أنال يزيل رمسا جرى وال ينقض عادة كانت حقوقها وأن يلم شعثها ويسد خللها مبا يتحصل من هذه الوجوه قبله

بأن عمارهتا جرت على يده وصالح أداه هلا وأن يكتب اسم أمري املؤمنني على ما يعمره منها ويذكر امسه بعدهقول أمري املؤمنني يف ذلك تنويها بامسه وإشادة لذكره وأن يويل ذلك من قبله من حسنت أمانته وظهرت عفته

Page 100: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

إمنا يعمر مساجد اهللا من آمن باهللا واليوم اآلخر وأقام الصالة وآتى الزكاة ( وصيانته فقد قال اهللا جل من قائل ) فعسى أولئك أن يكونوا من املهتدين ومل خيش إال اهللا

ا يرى استخالفه عليه من هذه األعمال يف األمصار الدانية والنائية والبالد القريبة وأمره أن يستخلف على موالبعيدة من يثق به من صلحاء الرجال ذوي الوفاء واالستقالل وأن يعهد إليهم مثل ما عهد إليه ويعتمد عليهم

ويستقصي يف ذلك آثارهم ويتعرف أخبارهم فمن وجده حممودا قربه ومن وجده مذموما مثل ما اعتمد عليه صرفه ومل ميهله واعتاض من ترجى األمانة عنده وتكون الثقة معهودة منه وأن خيتار لكتابته وحجابتة والتصرف

بقة املعروفة باللطف فيما قرب منه وبعد عنه من يزينه وال يشينه وينصح له وال يغشه وجيمله وال يهجنه من الطاملتصونة عن النطف وجيعل هلم من األرزاق الكافية واألجرة الوافية ما يصدهم عن املكاسب الذميمة واملآكل

وأن ليس لإلنسان ما سعى وأن سعيه ( الوخيمة فليس جتب عليهم احلجة إال مع إعطاء احلاجة قال اهللا تعاىل ) سوف يرى مث جيزاه اجلزاء األوىف

أن يكتب ملن تقوم بينته عنده وتنكشف له حجته إىل أصحاب املعارف بالشد على يده واتصال حقه إليه وأمرهوحسم الطمع الكاذب فيه وقبض اليد الظاملة عنه إذ هم مندوبون للتصرف بني أمره وهنيه والوقوف عند رمسه

وحده أوضح دليلك وهداك لرشدك وجعلت هذا عهد أمري املؤمنني إليك وحجته لك وعليك قد أبان منه سبيلك و

على بينة من أمرك فاعمل به وال ختالفه وانته إليه وال جتاوزه وإن عرض لك عارض يعجزك الوفاء به ويشتبه

عليك اخلروج منه أهنيته إىل أمري املؤمنني مبادرا وكنت إىل ما يأمرك به صائرا إن شاء اهللا تعاىل وردته بعد هذا التقليد وهو وأما التقليد الذي أنشأته أنا فقد أ

ال يرقم بامسه فليس مبعلم وعلى هذا فإن محده أما بعد فإن كل كالم ال يبدأ فيه حبمد اهللا فهو أجذم وكل كتاب يتنزل من الكالم منزلة األعضاء من األجسام وامسه يتنزل من الكتاب منزلة الرقوم من الثياب وقد مجعنا يف

حميد وجعلنا أحدمها مفتاحا للتيمن واآلخر سببا للمزيد مث ردفنامها بالصالة على كتابنا هذا بني التسمية والتسيدنا حممد الذي أيده اهللا بالقرآن اجمليد وجعل شهادته قبل كل شهيد وعلى آله وصحبه الذين هدوا إىل

ا النظر يف أمر الطيب من القول وهدوا إىل صراط احلميد ومما يقترن هبذه الصالة يف ثواهبا وجييء على أعقاهباألسرة النبوية اليت وصل ودها بوده وجعلها إحدى الثقلني املخلفني من بعده وقد تقادم اآلن زماهنا وتشعبت

أغصاهنا ونسي ماهلا يف الرقاب من عهدة األمانة ومل توضع فيما وضع اهللا تعاىل ورسوله من املكانة وأوىل الناس معها احلوض حني يقال لوارده سحقا وكان مبن حتت يده منها بارا هبا من أضمر والءها حقا وأوجب أن يرد

رفيقا حىت ال يسأله برا وال رفقا وحنن نرجو أن نفوز بفضيلة هذه احلسنة وأن نسبق إليها سبق املتقرب يف سده حىت اجلمعة ببدنه ومن أهم أمورها أن خيتار هلا زعيم يرأف هبا رأفة الوالد بولده ويقوم بأمرها قيام الرأس جب

تأتلف أصوهلا كلها يف مغرسها وال حيكم عليها من ليس من أنفسها وقد اخترنا من وفقنا يف اختياره وأخذناه فيه ببيان الرأي وحزمه ال بشبهة اهلوى واغتراره ولو مل يكن من القوم الذين ولوها لكان استحقاقه هلا بينا

الد ووراثته إياها عن سيادة اجلدود وسؤدد األجداد وهو أنت والتعويل عليها متعينا فكيف وقدمه فيها قدمية امليأيها السيد األجل الشريف احلسيب النسيب فالن بن فالن احلسيين ولو شئنا ألسندنا هذه النسبة كابرا عن

Page 101: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

كابر ونضدناها آخرا بعد أول عن أول قبل آخر حىت وصلنا هذا الفرع بشجرته الطيبة وهذا القطر بسحابته رف األنساب أصدقه ما كان الدهر به شهيدا وأجده ما كان قدميا وأخلقه ما كان جديدا وما توىل الصيبة وش

الروح األمني مدحه قرآنا أكرم مما توىل

الشعراء مدحه قصيدا وال فضل للمعتزي إىل هذا النسب حىت تلحق البنوة باألبوة ويضيف درجة الفضيلة إىل شبه على قدم عهده وهذا ماء الورد بعد ذهاب ورده وأنت ذلك الرجل حمتد النبوة وحينئذ يقال ما أقرب ال

الذي تردد الشرف يف مناسبه تردد القمر يف منازله وزها اجملد مبناقبه زهو الروض يف مخائله فآليلء حسبك ا حفظت أواخره أوائله وأوضحت الليايل تغنيك عن سؤال من وما ومتأل بودك ومحدك قلبا وفما واحلسب م

ام دالئله وأقرت به األعداء فما ردت فضائله وهذه هي املآثر اليت إذا نظمت غارت الشعرى عليها من واأليالشعر وإذا نثرت وجدت يف حمكم الذكر وأنت صاحبها وابن صاحبها ومن مل يرثها عن أباعدها بل عن أقارهبا

رف منك عرفها ولو جانبت رياستها مصانعا ومشيت هبا الضراء متواضعا لدل عليك وصفها وعوقد قلدناك أمر هذه األسرة الطاهرة اليت هي أسرتك وأمرناك عليها وإمرهتا إمرتك فتوهلا تويل من خفض هلا

جناحه وأفاض عليها مساحه وأنضى فيها غدوه ورواحه حىت يقال إنك الراعي الذي تناول ثلثه فأراح حسريها ا وجرب كسريها وارتاد هلا خصبا وأوردها رفها ال غبا وأذكى يف كالءهتا عينا وقلب

ومن حقها عليك أن تنظر إىل ذات مشاهلا وذات ميينها وتتصفح أحواهلا يف أمر دنياها ودينها فأول ذلك أن تعلمها كتاب اهللا تعاىل الذي يف تعليمه هنج الصواب ويف تالوته مضاعفة حسنات الثواب وقد مثل قارئه بالبيت

وهو كتاب امتاز عن الكتب بنجوم التنزيل وتوىل اهللا حفظه من التحريف العامر وتاركه بالبيت اخلراب والتبديل وافتتحه بالسبع املثاين اليت مل ينزل مثلها يف التوراة وال يف اإلجنيل وهو املوصوف بأنه النور املستضاء به

ومرجانه إال الراسخون يف غيابة الظلماء واحلبل املمدود من األرض إىل السماء والبحر الذي ال يستخرج لؤلؤه من العلماء

وكذلك فخذ هذه األسرة بتعليم الفضائل اليت تتفاوت هبا القيم وسسها برياضة اآلداب وهتذيب الشيم وال تتركها فوضى ال يتسم أحدها بسمة القدر املنيف وال يرجع إىل حسب تليد وال إىل سعي طريف وتكون غاية

ما عنده من

الشريف ومن حفظ رسول اهللا فيها أن تويف فضل مكاهنا وختالف بني شأن غريها من الفضيلة أن يقال فالن املسلمني وبني شأهنا فال تبتذل مبجالس الوالة يف انتزاع ظالمة وال يف إقامة حد يسلب معه رداء الكرامة وأنت

ه وليكن ذلك على تتوىل ذلك منها وجب عليها من حق فخذها باقتضائه وأمض فيها حكم اهللا الذي أمر بإمضائوجه الرفق الذي يسلس له القياد ويتوطأ له املهاد وإن أمكنك افتداء شيء من هذه الظالمات اليت تتوجه عليها ففاد وقد أمت اهللا فضلها مبنع كرائمها إال من كفء ال دناءة يف عنصره وال غضاضة يف خمربه وهو الذي إن فاته

اهة يف معشره وإذا تباينت األقدار فال فرق بن املناكح املخطوبة وبني شرف النبوة يف مغرسه فلم يفته شرف النباألسالب املسلوبة فاحفظ ألسرتك حرمة هذه املنزلة واجعلها يف كتاب الوصايا اليت وصيت هبا مكان البسملة

هلا وكما أمرناك بالنظر يف صون أقدارها فكذلك نأمرك بالنظر يف حفظ مادة درمهها ودينارها وقد علمت أنأوقافا وقفها قوم فحظوا بأجرها وامسها وستحظى أنت بالعدل يف قسمها فأجر على كل منها رزقه وأعط كل

Page 102: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

ذي حق حقه ويف الناس طائفة أدعياء يرومون إحلاق الرأس بالذنب والنبع بالغرب ويلحقون أبا لغري ابن وابنا عن حال هؤالء تنقيبا واجعل النسب لغري أب كل ذلك رغبة يف سحت يأكلونه ال يف نسب يوصلونه فنقب

نسيبا والغريب غريبا حىت ختلص الساللة من طراقها وتبقى الشجرة قائمة على أعراقها ومن علمت كذبه فازجره بأليم االزدجار وأعلمه بأنه قد تبوأ مقعده من النار وأشهره يف الناس حىت ينتهي وينتهي غريه بذلك

االشتهار هذه الوصية أمرا وأعظم أجرا وأجدر بأن تكون هذه األوىل وتكون هي األخرى وهي وههنا وصية هي أهم من

األخذ على ألسنة السفهاء من اخلوض فيها شجر بني آل النيب وأصحابه وإظهار العصبية اليت تزحزح احلق عن أشد من القتل نصابه وترجعه على أعقابه وليس مستندها إال مغاالة ذوي اجلهل ورمبا نشأ منها فتنة والفتنة

ا كان اهللا شارعا فأولئك السادات هم النجوم الذين ا وهنيا قامعا وكن يف ذلك شارعا مل فوكل هبؤالء غربا قاطعبأيهم كان االقتداء كان به االهتداء وقصارى احملسن يف هذا الزمان أن يتعلق منها سببا ويأخذ عنهم دينا أو أدبا

ق مثل أحد ذهبا وحنن نعلم أنك واقف على سنن اقتصادك وأن هذه وال يبلغ مد أحدهم وال نصيفه ولو أنف الوصية هي حمض

اعتقادك واملنصف يف هذا املقام من رمقه بنظر جلي ووىف أبا بكر وعمر رضي اهللا عنهما حقهما وإن كان من اء الزائغة نسل علي فكل قد ذكره رسول اهللا بفضله وهؤالء من صحابته وهذا من أهله ونعوذ باهللا من األهو

واألقوال اليت ليست بسائغة وال حجة إال باحلق وهللا احلجة البالغة وقد جعلنا لك يف مالنا عطاء دارا تستعني به على لوازم النفقات وخترج نافلته يف وقاية عرضك اليت هي حمسوبة من الصدقات فإن من ساد قوما يفتقر إىل

هذا بر يكون منا أصله ومنك فرعه وثواب يكون لك قصده حتمل أثقاهلم واإلفاضة من حاله على أحواهلم وولنا شرعه وصاحب اإلحسان من سن سبيل اإلحسان ومل نرض أن أريناك مكانه حىت أمددناك فيه باإلمكان

فأعط ما لنا وتعلم من سنة إفضالنا ولدولتنا بذلك ثوب مجال كلما لبس زاد جدة وعمر ذكر كلما مضت عليه وال ملك يف الدنيا ملن مل جيعل ملكه حديثا حسنا ويشتري احملامد فيجعله هلا مثنا ومن عرف مدد األيام طال مدة

قدر الثناء جد يف حتصيله ولو أنفق الكثري يف قليله فكم من دولة أعدمت منه فدرست آثار معاملها ولو كانت ة لصاحب هذا التقليد وهو أن منه مثرية ملا ذهبت مع بقاء مكارمها وإذا ذكرنا هذا فلنختمه مبا يكون قالد

جنرد العناية بوجاهته حىت يلبس تقدما بذلك التجريد وفحوى ذلك أن يعلم الناس ما له يف الدولة من منزلة الكرامة ويعرفوا أنه فيها ابن جال غري حمتاج إىل وضع العمامة وحنن نأمر نوابنا ووالتنا وأصحابنا أن يوفوه حق

ردفتها فأضحت وهي هلا رديفة وأن يعطوه ما شاء من إعالء شأنه وميضوا فعل يده أبوته الشريفة وفضيلته اليت وقول لسانه إن شاء اهللا تعاىل

وقد وجدت للصايب أيضا تقليدا أنشأه لفخر الدولة أيب احلسن بن ركن الدولة أيب علي بن بويه عن اخلليفة قليد كتب للملك الناصر صالح الدين يوسف الطائع رمحه اهللا وهو مثبت ههنا على صورته وكان عرض على ت

بن أيوب من اخلليفة املستضيء باهللا رمحه اهللا يف سنة إحدى وسبعني ومخسمائة فوجدت فيه كالما نازال باملرة ا أيضا وكال التقليدين وسألين بعض اإلخوان مبدينة دمشق أن أعارضه فعارضته بتقليد يف معناه وهو مثبت ههن

ما يظهر ما يظهر من فصاحة وبالغة باسم ملك كبري وفيه

Page 103: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

فأما التقليد الذي أنشأه الصايب فهو هذا ما عهد عبد اهللا عبد الكرمي الطائع هللا أمري املؤمنني إىل فخر الدولة أيب احلسن بن ركن الدولة أيب علي موىل أمري املؤمنني حني عرف غناه وباله واستصح دينه ويقينه

وده وجناره وأثىن عز الدولة أبو منصور بن معز الدولة أيب احلسني موىل أمري ورعى قدميه وحديثه واستنجب عاملؤمنني عليه وأشار باملزيد يف الصنيعة إليه وأعلم أمري املؤمنني اقتداءه به يف كل مذهب ذهب فيه من اخلدمة

املدحورة وتصرفا وغرض رمى إليه من النصيحة دخوال يف زمرة األولياء املنصورة وخروجا عن مجاعة األعداءعلى موجبات البيعة اليت هي بعز الدولة أيب منصور منوطة وعلى سائر ما يتلوه ويتبعه مأخوذة مشروطة فقلده الصالة وأعمال احلرب واملعاون واألحداث واخلراج واألعشار والضياع واجلهبذة والصدقات واجلوايل وسائر

لياء واملظامل وأسواق الرقيق والعيار يف دور الضرب والطرز وجوه اجلبايات والعرض والعطاء والنفقة يف األوواحلسبة بكور مهذان واستراباذ والدينور وقرميسني واإليعارين وأعمال أذربيجان وأزان والسحانني وموقان

واثقا منه باستقبال النعمة واستدامتها واالستزادة بالشكر منها والتجنب لغمطها وجحودها والتنكب إلحياشها فريها والتعمد ملا ميكن له احلظوة والزلفى وحيرس عليه األثرة والقرىب مبا يظهره ويضمره من الوفاء الصحيح وتن

والوالء الصريح والغيب األمني والصدر السليم واملقاطعة لكل من قطع العصمة وفارق اجلملة واملواصلة لكل ته ومع عز الدولة أيب منصور ويف حوزته واهللا من محى البيضة وأخلص النية والكون حتت ظل أمري املؤمنني وذم

جل امسه يعرف ألمري املؤمنني حسن العقىب فيما أبرم ونقض وسداد الرأي فيمن رفع وخفض وجيعل عزائمه مقرونة بالسالمة حمجوبة عن موارد الندامة وحسب أمري املؤمنني اهللا ونعم الوكيل

نة احلصينة والطود األرفع واملعاذ األمنع واجلانب األعز وامللجأ أمره بتقوى اهللا اليت هي العصمة املتينة واجلاألحرز وأن يستشعرها سرا وجهرا ويستعملها قوال وفعال ويتخذها ذخرا دافعا لنوائب القدر وكهفا حاميا من

حوادث الغري فإهنا أوجب الوسائل وأقرب الذرائع وأعودها على العبد مبصاحله وأدعاها إىل كل مناجحة الها باالستمرار على هدايته والنجاة من غوايته وأو

والسالمة يف دنياه حني توبق موبقاهتا وتردهي مردياهتا ويف آخرته حني تروع رائعاهتا وختيف خميفاهتا وأن يتأدب بأدب اهللا يف التواضع واإلخبات والسكينة وصدق اللهجة إذا نطق وغض الطرف إذا رمق وكظم الغيظ إذا

سان إذا أغضب وكف اليد عن املآمث وصون النفس عن احملارم وأن يذكر املوت الذي هو أحفظ وضبط اللنازل به واملوقف الذي هو صائر إليه ويعلم أنه مسئول عما اكتسب جمزى عما تزمل واحتقب ويتزود من هذا

ت قبل أن يأمر هبا املمر لذلك املقر ويستكثر من أعمال الرب لتنفعه ومن مساعي اخلري لتنقذه ويأمتر بالصاحلاويزدجر عن السيئات قبل أن يزجر عنها ويبتدئ بإصالح نفسه قبل إصالح رعيته فال يبعثهم على ما يأيت ضده

ثله وجيعل ربه رقيبا عليه يف خلواته ومروأته مانعة له من شهواته فإن أحق من غلب وال ينهاهم عما يقترف مملك أزمة األمور واقتدر على سياسة اجلمهور وكان مطاعا سلطان الشهوة وأوىل من ضرع لغذاء احلمية من

فيما يرى متبعا فيما يشاء يلي على الناس وال يلون عليه ويقتص منهم وال يقتصون منه فإذا اطلع اهللا منه على نقاء جيبه وطهارة ذيله وصحة سريرته واستقامة سريته أعانه على حفظ ما استحفظه وأهنضه بثقل ما محله

ومن يتق اهللا جيعل له خمرجا ويرزقه من حيث ( خملصا من الشبهة وخمرجا من احلرية فقد قال اهللا تعاىل وجعل له ( وقال ) يأيها الذين آمنوا اتقوا اهللا حق تقاته وال متوتن إال وأنتم مسلمون ( وقال عز من قائل ) ال حيتسب

Page 104: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

أكرم اخللق وأسلم الطرق فالسعيد من نصبها إزاء إىل آي كثرية حضنا هبا على ) اتقوا اهللا وكونوا مع الصادقني ناظره والشقي من نبذها وراء ظهره وأشقى منها من بعث عليها وهو صادف عنها وأهاب إليها وهو بعيد منها

) أتأمرون الناس بالرب وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفال تعقلون ( وله وألمثاله يقول اهللا تعاىل ذكره خذ كتاب اهللا إماما متبعا وطريقا متوقعا ويكثر من تالوته إذا خال بذكره وميأل بتأميله أرجاء صدره وأمره أن يت

فيذهب معه فيما أباح وحظر ويقتدي به

إذا هنى وأمر ويستبني ببيناته إذا استغلقت دونه املعضالت ويستضيء مبصابيحه إذا غم عليه يف املشكالت فإنه ه الوسطى ودليله املقنع وبرهانه املرشد والكاشف لظلم اخلطوب والشايف من مرض عروة اإلسالم الوثقى وحمجت

( القلوب واهلادي ملن ضل واملتاليف ملن زل فمن جنا به فقد فاز وسلم ومن هلا عنه فقد خاب وندم قال اهللا تعاىل ) وإنه لكتاب عزيز ال يأتيه الباطل من بني يديه وال من خلفه تنزيل من حكيم محيد

وأمره أن حيافظ على الصلوات ويدخل فيها يف حقائق األوقات قائما على حدودها متبعا لرسومها جامعا فيها ا ملطامح سهوه وحلظه منقطعا إليها عن كل قاطع هلا مشغوال هبا عن كل شاغل عنها متثبتا بني نيته ولفظه متوقي

ا ذهنه صارفا إليها مهه عاملا بأنه واقف بني يف ركوعها وسجودها مستوفيا عدد مفروضها ومسنوهنا موفرا عليهال تستر دونه خائنة األعني وما ختفي الصدور فإذا قضاها على به ومثيبه يدي خالقه ورازقه وحمييه ومميته ومعاقهذه السبيل منذ تكبرية اإلحرام إىل خامتة التسليم أتبعها بدعاء يرتفع بارتفاعها ويستمع باستماعها ال يتعدى

ئل األبرار ورغائب األخيار من استصفاح واستغفار واستقالة واسترحام واستدعاء ملصاحل الدين والدنيا فيه مساوأقم ( وقال تعاىل ) إن الصالة كانت على املؤمنني كتابا موقوتا ( وعوائد اآلخرة واألوىل فقد قال اهللا تعاىل

) الصالة إن الصالة تنهى عن الفحشاء واملنكر أيام اجلمع إىل املساجد اجلامعة ويف األعياد إىل املصليات الضاحية بعد التقدم يف فرشها وأمره بالسعي يف

وكسوهتا ومجع القوام واملؤذنني واملكربين فيها واستسعاء الناس إليها وحضهم عليها آخذين األهبة متنظفني يف ة اهللا وخيفته مدرعني تقواه البزة مؤدين لفريضة الطهارة وبالغني يف ذلك أقصى االستقصاء معتقدين خشي

ومراقبته مكثرين من دعائه عز و جل وسؤاله مصلني على حممد وعلى آله بقلوب على اليقني موقوفة ومهم إىل الدين مصروفة وألسن بالتقديس والتسبيح فصيحة وآمال يف املغفرة والرمحة فسيحة فإن هذه املصليات

ليت شرفها وفيها واملتعبدات بيوت اهللا اليت فضلها ومناسكه ا

يتلى القرآن الكرمي ويتعوذ العائذون ويتعبد املتعبدون ويتهجد املتهجدون وحقيق على املسلمني أمجعني من وال وموىل عليه أن يصوهنا ويعمرها ويواصلها وال يهجرها وأن يقيم الدعوة على منابرها ألمري املؤمنني مث لنفسه

يأيها الذين آمنوا إذا نودي للصالة من يوم اجلمعة ( يف هذه الصالة على الرسم اجلاري فيها قال اهللا تعاىلإمنا يعمر مساجد اهللا من آمن باهللا واليوم اآلخر ( وقال يف عمارة املساجد ) فاسعوا إىل ذكر اهللا وذروا البيع

) وأقام الصالة وآتى الزكاة ومل خيش إال اهللا فعسى أولئك أن يكونوا من املهتدين يراعي أحوال من يليه من طبقات جند أمري املؤمنني ومواليه ويطلق هلم األرزاق يف أوقات الوجوب وأمره أن

واالستحقاق وأن حيسن يف معاملتهم وجيمل يف استخدامهم ويتصرف يف سياستهم بني رفق من غري ضعف ي األشر ومتغمدا وخشونة يف غري عنف مثيبا حملسنهم ما زاد باإلثابة يف حسن األثر وسلم معها من دواع

Page 105: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

ملسيئهم ما كان التغمد له نافعا وفيه ناجعا فإن تكررت زالته وتتابعت عثراته تناولته من عقوبته مبا يكون له مصلحا ولغريه واعظا وأن خيتص أكابرهم وأماثلهم وأهل الرأي واخلطر منهم باملشاورة يف امللم واإلطالع على

واإلناء ومستشحذا بصائرهم باإلكرام واالجتباء فإن يف مشاورة بعض املهم مستخلصا خمايل صدورهم بالبسطهذه الطبقة استدالال على مواقع الصواب وحترزا عن غلط االستبداد وأخذا مبجامع احلزامة وأمنا من مفارقة

وشاورهم يف األمر فإذا عزمت فتوكل ( االستقامة وقد حض اهللا عز و جل على الشورى حيث قال لرسوله ) إن اهللا حيب املتوكلني على اهللا

وأمره بأن يصمد مبا يتصل بنواحيه من ثغور املسلمني ورباط املرابطني ويقسم هلا قسما وافرا من عنايته ويصرف إليها طرفا بل شطرا من رعايته وخيتار هلا أهل اجللد والشدة وذوي البأس والنجدة ممن عجمته اخلطوب وعركته

نازلني وجتربة مبكايد املتقارعني وأن يستظهر احلروب واكتسب دربه خبدع املت

بكشف عددهم واعتبار عددهم وانتخاب خيلهم واستجادة أسلحتهم غري جممر بعثا إذا بعثه وال مستكرهه إذا وجهه بل يناوب بني رجاله مناوبة ترحيهم وال متدهم وترفههم وال تئودهم فإن يف ذلك من فائدة اإلمجام والعدل

نا فليسو بني رجال النوب فيما عاد عليهم بعز الظفر والنصر وبعد الصيت والذكر وإحراز يف االستخدام زيالنفع واألجر ما حيق أن يكون الوالة به عاملني وللناس عليه حاملني وأن يكرر يف أمساعهم ويثبت يف قلوهبم

وال حيجمون عن انتهاز مواعيد اهللا تعاىل ملن صرب ورابط وسامح بالنفس من حيث ال يقدمون على تورط غرة فرصة وال ينكصون عن تورد معركة وال يلقون بأيديهم إىل التهلكة فقد أخذ اهللا ذلك على خلقه واملرء أمني

يما حيتاج إليه من راتب نفقات هذه الثغور وحادثها وبناء حصوهنا ومعاقلها على دينه وأن يريح العملة فلعلوفة فيها للمترتبني هبا واملترددين إليها واحلامني هلا وأن يبذل واستطراق طرقها ومسالكها وإفاضة األقوات وا

أمانة ملن طلبه ويعرضه على من مل يطلبه ويفي بالعهد إذا عاهد وبالعقد إذا عاقد غري خمفر ذمة وال جارح أمانة كث فقال عز من قائل وهنى عن الن) يأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ( فقد أمر اهللا تعاىل بالوفاء فقال عز و جل

) فمن نكث فإمنا ينكث على نفسه ( وأمره أن يعرض من يف حبوس عمله على جرائمهم فمن كان إقراره واجبا أقره ومن كان إطالقه سائغا أطلقه

وأن ينظر يف الشرطة واألحداث نظر عدل وإنصاف وخيتار هلا من خياف اهللا ويتقيه وال جيايب وال يراقب فيه م بقمع اجلهال وردع الضالل وتتبع األشرار وطلب الدعار مستدلني على أماكنهم متوغلني إىل ويتقدم إليه

مكامنهم متوجلني عليهم يف مظاهنم متوثقني ممن جيدونه منهم منفذين أحكام اهللا تعاىل فيهم حبسب الذي يتبني من ها واستهلكوها وحرمة إن أمرهم ويصح من فعلهم يف كبرية ارتكبوها وعظيمة احتقبوها ومهجة إن أفاظو

استباحوها وانتهكوها فمن استحق حدا من حدود اهللا املعلومة أقاموه عليه غري خمففني منه وأحلوه به غري مقصرين عنه بعد أال يكون عليهم يف الذي يأتونه حجة وال يعترضهم يف وجوبه مشبهة فإن الواجب يف احلدود

ما توخاه رعاة الرعايا فيها أال يقدموا عليها مع أن تقام بالبينات وأن تدرأ بالشبهات فأوىل

ثله من احلبس احلصني نقصان وال يتوقفوا عنها مع قيام الدليل ومن وجب عليه القتل احتاط مبا حيتاط به على موالتوثق الشديد وكتب إىل أمري املؤمنني خبربه وشرح جنايته وثبوهتا بإقرار يكون منه أو بشهادة تقع عليه

ال يطلق سفك دم مسلم أو معاهد إال ما أحاط به ولينتظ ر من جوابه ما يكون عمله حبسبه فإن أمري املؤمنني

Page 106: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

علما وأتقنه فهما وكان ما ميضيه فيه عن بصرية ال خياجلها شك وال يشوهبا ريب ومن أمل بصغرية من الصغائر وزجره وهناه وحذره واستتابه وأقاله ما ويسرية من اجلرائر من حيث مل يعرف له مثلها ومل يتقدم له أختها وعظه

مل يكن عليه خصم يف ذلك يطالب بقصاص منه وجزاء له فإن عاد تناوله من التقومي والتهذيب والتعزيز ومن يتعد حدود اهللا فأولئك هم ( والتأديب مبا يرى أن قد كفى فيما اجترم ووىف مبا قدم فقد قال اهللا تعاىل

) الظاملون ما يف أعماله من احلانات واملواخري ويطهرها من القبائح واملناكري ومينع من جيمع أهل اخلنا فيها وأمره أن يعطل

ويؤلف مشلها هبا فإنه مشل يصلحه التشتيت ومجع حيفظه التفريق وما زالت هذه املواطن الذميمة واملطارح الدنية رضات وركوب املنكرات واقتراف داعية من يأوي إليها ويعكف عليها إىل ترك الصلوات وإمهال املفت

احملظورات وهي بيوت الشيطان اليت يف عمارهتا هللا معصية ويف إخراهبا للخري جملبة واهللا تعاىل يقول لنا معشر ويقول عز من قائل ) كنتم خري أمة أخرجت للناس تأمرون باملعروف وتنهون عن املنكر وتؤمنون باهللا ( املؤمنني

) خلف من بعدهم خلق أضاعوا الصالة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ف( لغرينا من املذمومني وأمره أن يويل احلماية يف هذه األعمال أهل الكفاية والعناية من الرجال وأن يضم إليهم كل من خف ركابه وأسرع عند الصريخ مرتبا هلم يف املساحل وسادا هبم ثغر املسالك وأن يوصيهم بالتيقظ ويأخذهم بالتحفظ

ويزيح عللهم يف علوفة خيلهم واملقرر من أزوادهم ومريهم حىت ال تثقل هلم على البالد وطأة وال يدعوهم إىل حتنقهم وثلمهم حاجة وأن حيوطوا السابلة بادئة وعائدة

ويبذرقوا القوافل صادرة وواردة وحيرسوا الطريق ليال وهنارا ويتفصوها رواحا وغدوا وينصبوا ألهل العبث د ويتكمنوا هلم بكل واد ويتفرقوا عليهم حيث يكون التفرق مضيقا لفضائهم ومؤديا إىل انفضاضهم األرصا

ة هلا وسيارة فيها وجيتمعوا حيث يكون االجتماع مطفئا جلمرهتم وصادعا ملروهتم وال خيلوا هذه السبل من محال مصونة والفنت حمسومة والغارات يترددون يف جوادها ويتعسفون يف عواديها حىت تكون الدماء حمقونة واألموا

مأمونة ومن حصل يف أيديهم من لص خاتل وصعلوك خارب وخميف لسبيل ومنتهك حلرمي امتثل يف أمره أمر إمنا جزاء الذين حياربون اهللا ورسوله ويسعون يف األرض فسادا أن ( أمري املؤمنني املوافق لقول اهللا عز و جل

وأرجلهم من خالف أو ينفوا من األرض ذلك هلم خزي يف الدنيا وهلم يف يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم ) اآلخرة عذاب عظيم

وأمره بوضع الرصد على من جيتاز يف أعماله من أباق العبيد واالحتياط عليهم وعلى ما يكون معهم والبحث زوا عنهم وأن يردوهم عن األماكن اليت فارقوها والطرق اليت استطرقوها ومواليهم الذين أبقوا منهم ونش

عليهم قهرا ويعيدوهم إليهم صغرا وأن ينشد الضالة ما أمكن أن تنشد وحيفظوها على رهبا مبا جاز أن حتفظ ويتجنبوا االمتطاء لظهورها واالنتفاع بأوبارها وألبان ما جيز وحيلب وأن يعرفوا اللقطة ويتبعوا أثرها ويشيعوا

إن اهللا ( وجبها سلمت إليه ومل يعترض فيها عليه واهللا عز و جل يقول خربها فإذا حضر صاحبها وعلم أنه مست ) ضالة املؤمن حرق النار ( ويقول رسول اهللا ) يأمركم أن تؤدوا األمانات إىل أهلها

وأمره أن يوصي عماله بالشد على يد احلكام وتنفيذ ما يصدر عنهم من األحكام وأن حيضروا جمالسهم حضور

Page 107: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

ابني عنها املقيمني لرسوم اهليبة وحدود الطواعية فيها ومن خرج عن ذلك من ذي عقل ضعيف املوقرين هلا الذ وحلم

سخيف نالوه مبا يردعه وأحلوا به ما يزعه ومىت تقاعس متقاعس عن حضور مع خصم يستدعيه بأمر يوجبه الصغار وخزائم االضطرار احلكم إليه أو التوى ملتو حبق حيصل عليه ودين يستقر يف ذمته قادوه إىل ذلك بأزمة

وأن حيبسوا ويطلقوا بأقواهلم ويثبتوا األيدي يف األمالك والفروج وينزعوا بقضاياهم فإهنم أمناء اهللا يف فصل ما يا داود إنا جعلناك ( يقضون وبث ما يبثون وعن كتابه وسنة نبيه يوردون ويصدرون وقد قال اهللا عز و جل

باحلق وال تتبع اهلوى فيضلك عن سبيل اهللا إن الذين يضلون عن سبيل اهللا خليفة يف األرض فاحكم بني الناس ) هلم عذاب شديد مبا نسوا يوم احلساب

وأن يتوخى مبثل هذه املعاملة عمال اخلراج يف استيفاء حقوق ما استعملوا عليه واستنطاف بقاياهم فيه والرياضة ارهني بني أيديهم فمن آداب اهللا تعاىل للعبد الذي حيق ملن تسوء طاعته من معامليهم وإحضارهم طائعني أو ك

وتعاونوا على الرب والتقوى وال تعاونوا على اإلمث ( عليه أن يتخذها وجيعلها للرضا عنه سببا قوله تعاىل ) والعدوان واتقوا اهللا إن اهللا شديد العقاب

اوي يف احلق بني خاصها وعامها ويوازي يف وأمره أن جيلس للرعية جلوسا عاما وينظر يف مظاملها نظرا تاما يساجملالس بني عزيزها وذليلها وينصف املظلوم من ظامله واملغصوب من غاصبه بعد الفحص والتأمل والبحث

والتبني حىت ال حيكم إال بعدل وال ينطق إال بفصل وال يثبت يدا إال فيما وجب تثبيتها فيه وال يقبضها إال عما هل اإلذن جلماعتهم ويرفع احلجاب بينه وبينهم ويوليهم من حصانة الكنف ولني وجب قبضها عنه وأن يس

املنعطف واالشتمال والعناية والصون والرعاية ما تتعادل به أقسامهم وتتوازى منه أقساطهم وال يصل الركني لعادات منهم إىل استضامة ما تأخر عنه وال ذو السلطان إىل هضيمة من حل دونه وأن يدعوهم إىل أحسن ا

واخلالئق وحيضهم على أمحد املذاهب والطرائق وحيمل عنهم كله وميد عليهم ظله وال يسومهم عسفا وال يلحق ا وال يثلم هلم معيشة وال يداخلهم يف جرمية وال يأخذ بريئا هبم حيفا وال يكلفهم شططا وال جيشمهم مضلع

بسقيم وال حاضرا بعدمي

رة وزر أخرى ويرفع عن هذه الرعية ما عسى أن يكون سن عليها من سنة فإن اهللا عز و جل ينهى أن تزر وازظاملة وسلك هبا من حمجة جائرة ويستقري آثار الوالة قبله عليها فيما أزلفوه من خري أو شر إليها فيقر من ذلك

ما طاب وحسن ويزيل ما خبث وقبح فإن من غرس اخلري حيظى مبعسول مثره ومن زرع الشر يصلى مبمرور والبلد الطيب خيرج نباته بإذن ربه والذي خبث ال خيرج إال نكدا كذلك نصرف ( يعه واهللا تعاىل يقول ر

) اآليات لقوم يشكرون وأمره بأن يصون مال اخلراج وأمثان الغالت ووجوه اجلبايات موفرا ويزيد ذلك مثمرا مبا يستعمله من اإلنصاف

مال اهللا الذي به قوة عباده ومحاية بالده ودرور حلبه واتصال ألهلها وإجرائهم على صحيح الرسوم فيها فإنهمدده وبه حياط احلرمي ويدفع العظيم وحيمي الذمار ويذاد األشرار وأن جيعل افتتاحه إياه حبسب إدراك أصنافه

بلها وال مؤخر هلا عنها وأن خيص أهل الطاعة والسالمة وعند حضور مواقيته وأحيانه غري متسلف شيئا قترقية هلم وأهل االستصعاب واالمتناع بالتشديد عليهم لئال يقع إرهاق ملذعن أو إمهال لطامع وعلى املتويل بال

Page 108: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

لذلك أن يضع كال من األمرين موضعه ويوقعه موقعه متجنبا إحالل الغلظة مبن ال يستحقها وإعطاء الفسحة من ) سعيه سوف يرى مث جيزاه اجلزاء األوىف وأن ليس لإلنسان إال ما سعى وأن( ليس أهلها واهللا تعاىل يقول

وأمره أن يتخري عماله على اخلراج واألعشار والضياع واجلهبذة والصدقات واجلوايل من أهل الظلف والنزاهة والضبط والصيانة واجلزالة والشهامة وأن يستظهر مع ذلك عليهم بوصية تعيها أمساعهم وعهود يقلدها أعناقهم

يأكلوا سحتا وال يستعملوا ظلما وال يقارفوا غشما وأن يقيموا العمارات وحيتاطوا بأال يضيعوا حقا والوحيترزوا من إتواء حق الزم أو تعطيل رسم عادل مؤدين يف مجيع ذلك األمانة جمتنبني للخيانة وأن يأخذوا

ض ما يقبضوه جهابذهتم باستيفاء وزن املال على متامه واستجادة نقده على عياره واستعمال الصحة يف قب

دون عمالتها وإطالق ما يطلقون وأن يوعزوا إىل سعاة الصدقات يف أخذ الفرائض من سائمة مواشي املسلمني ا وال يفرقوا جمتمعا وال يدخلوا فيها خارجا عنها وال يضيفوا إليها وكذلك الواجب فيها وأال جيمعوا فيها متفرق

مال فإذا اجتبوها على حقها واستوفوها على رمسها أخرجوها ما ليس منها من فحل إبل وأكولة راع أو عقيلة يف سبيلها وقسموها على أهلها الذين ذكرهم اهللا عز و جل يف كتابه العزيز إال املؤلفة قلوهبم الذين ذكرهم اهللا

عليها إمنا الصدقات للفقراء واملساكني والعاملني( عز و جل يف كتابه الكرمي وسقط سهمهم فإن اهللا تعاىل يقول وإىل جباة ) واملؤلفة قلوهبم ويف الرقاب والغارمني ويف سبيل اهللا وابن السبيل فريضة من اهللا واهللا عليم حكيم

أهل الذمة أن يأخذوا منهم اجلزية يف احملرم من كل سنة حبسب منازهلم يف األحوال وذات أيديهم يف األموال ا وأال يأخذوها من النساء وال ممن مل يبلغ احللم من الرجال وال وعلى الطبقات املطبقة فيها واحلدود املعهودة هل

سن عالية وال ذي علة بادية وال فقري معدم وال مترهب متبتل وأن يراعي مجاعة هؤالء العمال مراعاة من ذي يسرها ويظهرها ويالحظهم مالحظة خيفيها ويبديها لئال يزولوا عن احلق الواجب أو يعدلوا عن السنن الالحب

) وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئوال ( فقد قال اهللا تعاىل وأمره بأن يندب لعرض الرجال وإعطائهم وحفظ جراياهتم وأوقات إطعامهم من يعرفه بالثقة يف متصرفه

واألمانة فيما جيري على يده والبعد عن اإلسفاف إىل الدنية واالتباع للدناءة وأن يبعثه على ضبط الرجال يل وجتديد العرض بعد االستحقاق وإيقاع االحتياط يف اإلنفاق فمن صح عرضه ومل يبق يف نفسه وشيات اخل

شيء منهم من شك يعرض له أو ريبة يتومهها أطلق أمواهلم موفورة وحصلها يف أيديهم غري مثلومة وأن يرد حقيقته وأن يطالب على بيت املال أرزاق من سقط بالوفاة واإلخالل ناسبا ذلك إىل جهته موردا له على

ا توجبه مبالغ أرزاقهم وحسب منازهلم ومراتبهم فإن الرجال بإحضار اخليل املختارة واآلالت املستكملة على م أخر أحدهم شيئا من ذلك قاصه به من

يمته فإن املقصر فيه خائن ألمري املؤمنني وخمالف لرب العاملني إذ يقول سبحانه وأعدوا هلم( رزقه وأغرمه مثل ق ) ما استطعتم من قوة ومن رباط اخليل ترهبون به عدو اهللا وعدوكم

وأمره أن يعتمد يف أسواق الرقيق ودور الضرب والطرز واحلسبة على من جتتمع فيه آالت هذه الواليات من ثقة ودراية وعلم وكتابة ومعرفة ورواية وجتربة وحنكة وحصافة ومسكة فإهنا أحوال تضارع احلكم وتناسبه

انيه وتقاربه وأن يتقدم إىل والة أسواق الرقيق بالتحفظ فيمن يطلقون بيعه وميضون أمره والتحرز من وقوع وتدختون فيه أو إمهال له إذ كان ذلك عائدا بتحصني الفروج وتطهري األنساب وأن يبعدوا عنه أهل الريبة ويقربوا

Page 109: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

والة العيار بتخليص عني الدرهم والدينار ليكونا أهل العفة وال ميضوا بيعا على شبهة وال عقدا على هتمة وإىل مضروبني على الرباءة من الغش والنزاهة من املش وحبسب اإلمام املقدر مبدينة السالم وحراسة السكك من أن

ا يضرب ذهبا وفضة وإجراء تتداوهلا األيدي الزغلة وتتناقلها اجلهات املنبية وإثبات اسم أمري املؤمنني على مرسم والسنة وإىل والة الطرز أن جيروا االستعمال يف مجيع املناسج على أمت النيقة وأسلم الطريقة ذلك على ال

وأحكم الصنعة وأفضل الصحة وأن يكتبوا اسم أمري املؤمنني على طرر الكسا والفرش واألعالم والبنود وإىل مالهتم وأن يعايروا املوازين والة احلسبة بتصفح أحوال العوام يف حرفهم ومتاجرهم وجمتمع أسواقهم ومعا

واملكاييل ويفرزوها على التعديل والتكميل ومن اطلعوا منه على حيلة أو تلبيس أو غيلة أو تدليس أو خبس ما يوفيه واستفضال فيما يستوفيه نالوه بغليظ العقوبة وعظمها وخصوه بوجيعها وأملها واقفني يف ذلك عند احلد

ويل للمطففني الذين إذا اكتالوا على الناس ( أديبه كافيا فقد قال اهللا تعاىل الذي يرونه لذنبه جمازيا ويف ت ) يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم خيسرون

هذا عهد أمري املؤمنني إليك وحجته عليك وقد وقفك على سواء السبيل وأرشدك إىل واضح الدليل وأوسعك ا فيما عصمك وعصم على يدك ومل يدخرك ممكنا فيما تعليما وحتكيما وأقنعك تعريفا وتفهيما ومل يألك جهد

أصلح بك وأصلحك وال ترك لك عذرا يف غلط تغلطه وال طريقا إىل تورط تتورطه بالغا بك يف األوامر والزواجر إىل حيث يلزم األئمة أن يندبوا الناس إليه وحيثوهم عليه مقيما لك على منجيات املسالك صارفا لك

يدا فيك ما يسلمك يف دينك ودنياك يعود باحلظ عليك يف آخرتك وأوالك فإن اعتدلت عن مرديات املهالك مروعدلت فقد فزت وغنمت وإن جتانفت واعوججت فقد فسدت وندمت واألوىل بك عند أمري املؤمنني مع

ا وملخيلته فيك مصدقا مغرسك الزاكي ومنبتك النامي وعودك األجنب وعنصرك األطيب أن تكون لظنه حمققتستزيده باألثر اجلميل قربا من رب العاملني وثوابا يوم الدين وزلفى عند أمري املؤمنني وثناء حسنا من وأن

ا أعطى من مواثيقه واجعل عهده مثاال املسلمني فخذ ما نبذ إليك أمري املؤمنني من معاذيره وأمسك بيدك على مإليه يف طاعته خيلص لك احلظ يف معونتك ومهما حتتذيه وإماما تقتفيه واستعن باهللا يعنك واستهد يهدك وأخلص

أشكل عليك من خطب أو أعضل عليك من صعب أو هبرك من باهر أو هبظك من باهظ فاكتب إىل أمري ا إن شاء اهللا تعاىل والسالم عليكم ورمحة اهللا وبركاته املؤمنني منهيا وكن إىل ما يرد عليك من جوابه متطلع

نا فهو هذا أما بعد فإن أمري املؤمنني يبدأ حبمد اهللا الذي يكون لكل خطبة قيادا ولكل وأما التقليد الذي أنشأته أطوقا ومل يأل فيه أمر مهادا ويستزيده من نعمه اليت جعلت التقوى له زادا ومحلته عبء اخلالفة فلم يضعف عنه

( قت فيه قول اهللا تعاىل اجتهادا وصغرت لديه أمر الدنيا فما تسورت له حمرابا وال عرضت عليه جيادا وحقا أنزلت املالئكة لنصره ) تلك الدار اآلخرة جنعلها للذين ال يريدون علوا يف األرض وال فسادا مث يصلي على م

أمدادا وأسري به إىل السماء حىت ارتقى سبعا شدادا وجتلى له ربه فلم يزغ منه بصرا وال أكذب منه

زكت أوراقا وأعوادا وورثت النور املتني تالدا ووصفت بأهنا أحد فؤادا مث من بعده على أسرته الطاهرة اليتالثقلني هداية وإرشادا وخصوصا عمه العباس املدعو له بأن حيفظ نفسا وأوالدا وأن تبقى كلمة اخلالفة فيهم

خالدة ال ختاف دركا وال ختشى نفادا صاحته املرسلة فإنه يأخذ يف إنشاء هذا التقليد وإذا استوىف القلم مداده من هذه احلمدلة وأسند القول فيها عن ف

Page 110: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

الذي جعله حليفا لقرطاسه واستدام سجوده على صفحته حىت مل يكد يرفع من رأسه وليس ذلك إال إلفاضته يف وصف املناقب اليت كثرت فحسن هلا مقام اإلكثار واشتبه التطويل فيها باالختصار وهي اليت ال يفتقر

وال يستوعر سلوك أطوادها ومن العجب وجود السهل يف سلوك األطواد وتلك واصفها إىل القول املعادمناقبك أيها امللك الناصر األجل السيد الكبري العامل العادل اجملاهد املرابط صالح الدين أبو املظفر يوسف بن

الذي تستكفي أيوب والديوان العزيز يتلوها عليك حتدثا بشكرك ويباهي بك أولياءه تنويها بذكرك ويقول أنتفتكون للدولة سهمها الصائب وشهاهبا الثاقب وكنزها الذي تذهب الكنوز وليس بذاهب وما ضرها وقد

ا أهلتك وفضلتك على األولياء حضرت يف نصرهتا إذا كان غريك هو الغائب فاشكر إذا مساعيك اليت أهلتك ملعزمك الذي انتصر للدولة فكان له بسطة مبا فضلتك ولئن شوركت يف الوالء بعقيدة اإلضمار فلم تشارك يف

االنتصار وفرق بني من أمد بقلبه وبني من أمد بيده يف درجات األمداد وما جعل اهللا القاعدين كالذين قالوا لو أمرتنا لضربنا أكبادها إىل برك الغماد وقد كفاك من املساعي أنك كفيت اخلالفة أمر منازعيها وطمست على

كانت تدعيها ولقد مضى عليها زمن وحمراب حقها حمفوف من الباطل مبحرابني ورأت ما الدعوة الكاذبة اليترآه رسول اهللا من السوارين اللذين أوهلما كذابني فمبصر منهما واحد تاه مبجرى أهنارها من حتته ودعا الناس

ته وأعانه على ذلك قوم إىل عبادة طاغوته وجبته ولعب بالدين حىت مل يدر يوم مجعته من يوم أحده وال يوم سبرمى اهللا بصائرهم بالعمي والصمم واختذوه صنما بينهم ومل تكن الضاللة هناك إال بعجل أو صنم فقمت أنت يف

وجه باطله حىت قعد وجعلت يف جيده حبال من مسد وقلت ليده تبت فأصبح وهو

ه وسامت فيه سائمته فوضع بنية ال يسعى بقدم وال يبطش بيد وكذلك فعلت باآلخر الذي جنمت باليمن نامجتموضع الكعبة اليمانية وقال هذا ذو اخللصة الثانية فأي مقاميك يعترف اإلسالم بسبقه أم أيها يقوم بأداء حقه

وههنا فليصبح القلم للسيف من احلساد وليقصر مكانته عن مكانته وقد كان له من األنداد ومل حيظ هبذه املزية فخر بك حىت طال فخرا عما عز جانبا وقضى بواليتك فكان هبا قاضيا ملا كان حده إال ألنه أصبح لك صاحبا و

قاضبا وقد قلدك أمري املؤمنني البالد املصرية واليمنية غورا وجندا وما اشتملت عليه رعية وجندا وما انتهت إليه

وما حتتوي عليه من املدن أطرافها برا وحبرا وما يستنقذ من جماوريها مساملة وقهرا وأضاف إليها بالد الشاماملمدنة واملراكز احملصنة مستثنيا منها ما هو بيد نور الدين إمساعيل بن نور الدين حممود رمحه اهللا وهو حلب

وأعماهلا فقد مضى أبوه عن آثار يف اإلسالم ترفع ذكره يف الذاكرين وختلفه يف عقبه يف الغابرين وولده هذا قد عمل وليست هذه الربوة إال من ذلك اجلبل فليكن له منك جار يدنو منه ودادا كما هذبته الفطرة يف القول وال

دنا أرضا ويصبح وهو له كالبنيان يشد بعضه بعضا والذي قدمناه من الثناء عليك رمبا جتاوز بك درجة االقتصاد ولفتك عن فضيلة االزدياد فإياك أن تنظر سعيك

د أن أضرب عنها كثري من األضراب ولكن اعلم أن األرض هللا باإلعجاب وتقول هذه بالد أنا فتحتها بعا ولرسوله مث خلليفته من بعده وال منة للعبد بإسالمه بل املنة هللا هبداية عبده وكم سلف من قبلك من لو رام م رمته لدنا شاسعه وأجاب مانعه لكن ذخره اهللا لك لتحظى يف اآلخرة مبفازة ويف الدنيا برقم طرازه فألق بيدك

ا إنك أنت العليم احلكيم ( عند هذا القول إلقاء التسليم وقل ) ال علم لنا إال ما علمتن

Page 111: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

وقد قرن تقليدك هذا خبلعة تكون لك يف االسم شعارا ويف الوسم فخارا وتناسب حمل قلبك وبصرك وخري يثاق ويشري إليك مالبس األولياء ما ناسب قلوبا وأبصارا ومن مجلتها طوق يوضع يف عنقك موضع العهد وامل

بأن اإلنعام قد أطاف بك إطافة األطواق باألعناق مث إنك خوطبت بامللك وذلك خطاب يقضي

لصدرك باالنشراح وألملك باالنفساح وتؤمر معه مبد يدك إىل العليا ال بضمها إىل اجلناح وهذه الثالثة املشار يها يف اإلحسان فيقال إهنا احلسىن وزيادة فإذا إليها هي اليت تكمل هبا أقسام السيادة وهي اليت ال مزيد عل

صارت إليك فانصب هلا يوما يكون يف األيام كرمي األنساب واجعله هلا عيدا وقل هذا عيد اخللعة والتقليد واخلطاب

هذا ولك عند أمري املؤمنني مكانة جتعلك لديه حاضرا وأنت ناء عن احلضور وتضن أن تكون مشتركة بينك ا تقول إال أهنا لك وبني غريك وا لضنة من شيم الغيور وهذه املكانة قد عرفتك نفسها وما كنت تعرفها وم

صاحبة وأنت يوسفها فاحرسها عليك حراسة تقضي بتقدميها واعمل هلا فإن األعمال خبواتيمها ناته يوم واعلم أنك قد تقلدت أمرا تعني به نفي احللوم وال ينفك صاحبه عن عهدة امللوم وكثريا ما يرى حس

القيامة وهي مقتسمة بأيدي اخلصوم وال ينجو من ذلك إال من أخذ أهبة احلذار وأشفق من شهادة األمساع يا أبا ذر إين أحب لك ما ( واألبصار وعلم أن الوالية ميزان إحدى كفتيه يف اجلنة واألخرى يف النار قال النيب

فانظر إىل هذا القول النبوي نظر من مل خيدع حبديث )أحب لنفسي ال تأمرن على اثنني وال تولني مال يتيم احلرص واآلمال ومثل الدنيا وقد سيقت إليك حبذافريها أليس مصريها إىل زوال والسعيد إذا جاءته قضى هبا

أرب األرواح ال أرب اجلسوم واختذ منها وهي السم دواء وقد تتخذ األدوية من السموم وما االغتباط مبا ه املساء والصباح وهو كما أنزلناه من السماء فاختلط به نبات األرض فأصبح هشيما تذروه خيتلف على تالشي

الرياح واهللا يعصم أمري املؤمنني ووالة أمره من تباعتها اليت البستهم والبسوها وأحصاها اهللا عليهم ونسوها ن الوالية اليت بسطت ولك أنت من هذا الدعاء حظ على قدر حملك من العناية اليت جذبت بضبعك وحملك م

من درعك فخذ هذا األمر الذي تقلدته أخذ من مل يتعقبه بالنسيان وكن يف رعايته ممن إذا نامت عياه كان قلبه يقظان

ومالك ذلك كله يف إسباغ العدل الذي جعله اهللا ثالث احلديث والكتاب وأغىن بثوابه وحده عن أعمال الثواب يف وقدر يوما منه بعبادة ستني عاما

احلساب ومل يأمر به آمرا إال زيد قوة يف أمره وحتصن به من عدوه ومن دهره مث جياء به يوم القيامة ويف يديه كتابا أمان وجيلس على منرب من نور عن ميني الرمحن ومع هذا فإن مركبه صعب ال يستوي على ظهره إال من

شيطانه ومن أوكد فروضه أن متحي السنن السيئة أمسك عنان نفسه قبل إمساك عنانه وغلبت ملة ملكه على ملة اليت طالت مدد أيامها ويئس الرعايا من رفع ظالماهتا فلم جيعلوا أمدا الحنسار ظالمها وتلك السنن هي املكوس

اليت أنشأهنا اهلمم احلقرية وال غين لأليدي الغنية إذا كانت ذات نفوس فقرية وكلما زيدت األموال احلاصلة ادها اهللا حمقا وقد استمرت عليها العوائد حىت أحلقها الظاملون باحلقوق الواجبة فسموها حقا ولوال منها قدرا ز

أن صاحبها أعظم الناس جرما ملا أغلظ يف عقابه ومثلت توبة املرأة الغامدية مبتابه وهل أشقى ممن يكون السواد لما وأنت مأمور بأن تأيت هذه الظالمات األعظم له خصما ويصبح وهو مطالب هبم مبا يعلم ومبا مل حيط به ع

Page 112: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

فتنحي على أبطاهلا وتلحق أمساءها يف احملو بأفعاهلا حىت ال يبقى هلا يف العيان صور منظورة وال يف األلسنة أحاديث مذكورة فإذا فعلت ذلك كنت قد أزلت عن املاضي سنة سوء سنتها يداه وعن اآليت متابعة ظلم وجده

داه فبادر إىل ما أمرت به مبادرة من مل يضق ذراعا ونظر إىل احلياة الدنيا بعينه فرآها هنجا مسلوكا فجرى على ميف اآلخرة متاعا وأمحد اهللا تعاىل على أن قيض لإلمام هدى يقف بك على هداك ويأخذ حبجزتك عن خطوات

الشيطان الذي هو أعدى عداك تقر يف سياستها إىل أيد متساعدة وهلا وهلذا يكثر وهذه البالد املنوطة بطرفك تشتمل على أطراف متباعدة وتف

هبا قضاة األحكام وأولو تدبريات السيوف واألقالم وكل من هؤالء ينبغي أن يقف على باب االختيار ويسلط عليه شاهدا عدل من أمانة الدرهم والدينار فما أضل الناس شيء كحب املال الذي فورقت من أجله األديان

د واإلخوان وكثريا ما نرى الرجل الصائم القائم وهو عابد له عبادة األوثان فإذا استعنت وهجرت بسببه األوال بأحد منهم على شيء من أمرك فاضرب عليه باألرصاد

وال ترض مبا عرفته من مبدإ حاله فإن األحوال تنتقل منتقل األجساد وإياك أن ختدع بصالح الظاهر كما خدع الربيع بن زياد عمر بن اخلطاب رضي اهللا عنه ب

وكذلك اؤمر هؤالء على اختالف طبقاهتم بأن يأمروا باملعروف مواظبني وينهوا عن املنكر حماسبني ويعلموا أن ذلك من دأب حزب اهللا الذين جعلهم اهللا الغالبني وليبدأوا أوال بأنفسهم فيعدلوا هبا عن هواها ويأمروها مبا

طريق الرب وهو عند حائد وانتصب لطلب املرضى وهو حمتاج إىل يأمرون به سواها وال يكونوا ممن هدى إىلطبيب وعائد فما تنزل بركات السماء إال على من خاف مقام ربه وألزم التقوى أعمال يده ولسانه وقبله وإذا

صلحت الوالة صلحت الرعية بصالحهم وهم هلم مبنزلة املصابيح وال يستضيء كل قوم إال مبصباحهم ومما أن يكونوا ملن حتت أيديهم إخوانا يف االصطحاب وجريانا يف االقتراب وأعوانا يف توزع احلمل الذي يؤمرون به

يثقل على الرقاب فاملسلم أخو املسلم وإن كان عليه أمريا وأوىل الناس باستعمال الرفق من كان فضل اهللا عليه العنيف ولكنها ملن ميال على جوانبه ويؤكل كثريا وليست الوالية ملن يستجد هبا كثرة اللفيف ويتوالها بالوطء

يلق اإلحلاف خبلق الضجر وإذا حضر من أطايبه وملن إذا أغضب مل ير للغضب عنده أثر وإذا أحلف يف سؤاله مل اخلصوم بني يديه عدل بينهم يف قسمة القول والنظر فذلك الذي يكون يف أصحاب اليمني والذي يدعى

ومن سعادة املرء أن تكون والته متأدبني بآدابه وجارين على هنج صوابه وإذا باحلفيظ العليم والقوي األمني تطايرت الكتب يوم القيامة كانوا حسنات مثبتة يف كتابه

وبعد هذه الوصية فإن ههنا حسنة هي للحسنات كاألم الولود ولطاملا أغنت عن صاحبها إغناء اجلنود وتيقظت ا اآلالء وال يتخطاها البالء وألمري املؤمنني هبا عناية تبعثها الرمحة لنصره والعيون رقود وهي اليت تسبغ هل

املوضوعة يف قلب والرغبة يف املغفرة ملا تقدم وتأخر من ذنبه وتلك هي الصدقة اليت فضل اهللا هبا بعض عباده اء الذين قدرت ملزية إفضاهلا وجعلها سببا إىل التعويض عنها بعشر أمثاهلا وهو يأمرك أن تتفقد أحوال الفقر

عليهم مادة األرزاق وألبسهم التعفف ثوب الغىن وهم يف ضيق من اإلمالق فأولئك أولياء اهللا الذين

مستهم الضراء فصربوا وكثرت الدنيا يف يد غريهم فما نظروا إليها إذ نظروا وينبغي أن يهيء هلم من أمرهم ل يف هذه الوصية إال إعالما بأهنا من املهم الذي مرفقا ويضرب بينهم وبني الفقر موبقا وما أطلنا لك القو

Page 113: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

يستقبل وال يستدبر ويستكثر منه وال يستكثر وهذا يعد من جهاد النفس يف بذل املال ويتلوه جهاد العدو الكافر يف مواقف القتال وأمري املؤمنني يعرفك من ثوابه ما جتعل السيف يف مالزمته أخا وتسخو له بنفسك إن

سخا ومن صفاته أنه العمل احملبو بفضل الكرامة الذي ينمي بعد صاحبه إىل يوم القيامة وبه كان أحد بنفسه متتحن طاعة اخلالق على املخلوق وكل األعمال عاطلة ال خلوق هلا وهو املختص دوهنا برتبة اخللوق ولوال

ا كان حمسوبا بشطر اإلميان وملا جعل اهللا اجلنة له مثنا وليست لغريه من األمثان وقد علمت أن العدو هو فضله ملجارك األدىن والذي يبلغك وتبلغه عينا وأذنا وال تكون لإلسالم نعم اجلار حىت تكون له بئس اجلار وال عذر

لك يف ترك جهاده بنفسك ومالك إذا قامت لغريك األعذار وأمري املؤمنني ال يرضى منك بأن تلقاه مكافحا أو يريد أن تقصد البالد اليت يف يده قصد املستنقذ ال قصد املغري وأن حتكم فيها تطرق أرضه مماسيا أو مصاحبا بل

حبكم اهللا الذي قضاه على لسان سعد يف بين قريظة والنضري وعلى اخلصوص البيت املقدس فإنه تالد اإلسالم م وقد أصبح القدمي وأخو البيت احلرام يف شرف التعظيم والذي توجهت إليه الوجوه من قبل بالسجود والتسلي

وهو يشكو طول املدة يف أسر رقبته وأصبحت كلمة التوحيد وهي تشكو طول الوحشة يف غربتها عنه وغربته فاهنض إليه هنضة توغل يف قرحه وتبدل صعب قياده بسمحه وإن كان له عام حديبية فأتبعه بعام فتحه وهذه

فحميت موارده أو متهدما فرفعت قواعده ومن االستزادة إمنا تكون بعد سداد ما يف اليد من ثغر كان مهمال أمهها ما كان حاضر البحر فإنه عورة مكشوفة وخطة خموفة والعدو قريب منه على بعده وكثريا ما يأتيه فجأة حىت يسبق برقه برعده فينبغي أن يرتب هبذه الثغور رابطة تكثر شجاعتها وتقل أقراهنا ويكون قتاهلا ألن تكون

يا ال ألن يرى مكاهنا وحينئذ يصبح كل منها وله من الرجال أسوار ويعلم أهله أن بناء كلمة اهللا هي العل السيف أمنع من بناء األحجار ومع هذا ال بد هلا من أصطول يكثر عدده ويقوي مدده فإنه العدة اليت

ين فذاك يسري تستعني هبا على كشف الغماء واالستكثار من سبايا العبيد واإلماء وجيشه أخو اجليش السليمااء ومن صفات خيله أهنا مجعت بني العوم واملطار وتساوت أقدار خلقها على على منت الريح وهذا على منت امل

اختالف مدة األعمار فإذا أشرعت قيل جبال متعلقة بقطع من الغيوم وإذا نظر إىل أشكاهلا قيل إهنا أهلة غري أهنا نبغي أن يغاىل يف جيادها ويستكثر من قيادها وليؤمر عليها أمري هتتدي يف مسريها بالنجوم ومثل هذه اخليل ي

سلوك من مل تقتله جبهلها ولكن قتلها خبربه وكذلك فليكن ممن يلقى البحر مبثله من سعة صدره ويسلك طرقه أفنت األيام جتاربه وزمحتها مناكبه وممن يذل الصعب إذا هو ساسه وإن الن جانبه وهذا هو الرجل يرأس على

لقوم فال جيد هزة بالرياسة وإن كان يف الساقة ففي الساقة أو كان يف احلراسة ففي احلراسة ولقد أفلحت ا عصابة اعتصبت من ورائه وأيقنت بالنصر من رايته كما أيقنت بالنصر من رأيه

تأيت يف واعلم أنه قد أخل من اجلهاد بركن يقدح يف عمله وهو متامه الذي يأيت يف آخره كما أن صدق النيةأوله وذلك هو قسم الغنائم فإن األيدي قد تداولته باإلجحاف وخلطت جهادها فيه بغلوها فلم ترجع بالكاف

واهللا قد جعل الظلم يف تعدي حدوده احملدودة وجعل االستئثار باملغنم من أشراط الساعة املوعودة وحنن نعوذ به ا عل حفظ أركان دينه مث هنمله إمهال مضيع وال إمهال أن يكون زماننا هذا زمانه وبأسه شرباس ومل يستخلفن

ناس والذي نأمرك به أن جتري هذا األمر املنصوص من حكمه وتربئ ذمتك مما يكون غريك الفائز بفوائده وأنت املطالب بإمثه ويف أرزاق اجملاهدين بالديار املصرية والشامية ما يغنيهم عن هذه األكلة اليت تكون غدا

Page 114: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

ما وطعاما ذا غصة وعذابا أليما أنكاال وجحيفتفصح ما سطرنا لك يف هذه األساطري اليت هي عزائم مربمات بل آيات حمكمات وحتبب إىل اهللا وإىل أمري املؤمنني باقتفاء كلماهتا وابن لك منها جمدا يبقى يف عقبك إذا أصيبت البيوت يف أعقاهبا وهذا التقليد ينطق

اليت أوصاها وأنه مل يغادر صغرية وال كبرية إال أحصاها مث إنه قد ختم بدعوات دعا عليك بأنه مل يأل يف الوصايا هبا أمري املؤمنني عند ختامه وسأل فيها خرية اهللا اليت تتنزل من كل أمر مبنزلة نظامه مث قال اللهم إين أشهدك

على من قلدته شهادة تكون

ق اليت فيها موعظة وذكرى وهي ملن تبعها هدى ورمحة وبشرى عليه رقبيه وله حسيبة فإين مل آمره إال بأوامر احلوإذا أخذ هبا بلج حبجته يوم يسأل عن احلجج ومل خيتلج دون رسول اهللا على احلوض يف مجلة من خيتلج وقيل ال

حرج عليك وال إمث إن جنوت من ورطات االسم واحلرج والسالم لتقاليد األربعة مل أقصد به الوضع من الرجل وإمنا ذكرت وهذا الذي ذكرته من كالمي وكالم الصايب يف هذه ا

ما ذكرته لبيان موضع السجع الذي يثبت على احملك وال شك أن هذا الوصف املشار إليه يف فقر األسجاع مل يكن مقصودا يف الزمن القدمي إما ملكان عسره أو ألنه مل يتنبه له وكيف أضع من الصايب وعلم الكتابة قد رفعه

مام هذا الفن والواحد فيه ولقد اعتربت مكاتباته فوجدته قد أجاد يف السلطانيات كل اإلجادة وأحسن وهو إكل اإلحسان ولو مل يكن له سوى كتابه الذي كتبه عن عز الدولة خبتيار بن بويه إىل سبكتكني عند خروجه

يات ما أتى فيه بكل عجيبة لكنه يف عليه وجماهرته إياه بالعصيان الستحق به فضيلة التقدم كيف وله من السلطان اإلخوانيات مقصر وكذلك يف كتب التعازي

وعندي فيه رأي مل يره أحد غريي ويل فيه قول مل يقله أحد سواي وذاك أن عقل الرجل يف كتابته زائد على وصايا وشروطا فصاحته وبالغته وسأبني ذلك فأقول لينظر الناظر يف هذين التقليدين اللذين أروهتما له فإنه يرى

واستدراكات وأوامر ما بني أصل وفرع وكل وجزء وقليل وكثري وال نرى ذلك يف كالم غريه من الكتاب إال إنه عرب عن تلك الوصايا واألوامر والشروط واالستدراكات بعبارة يف بعضها ما فيه من الضعف والركة وقد

علم خدعة ومع هذا فإين أقر للرجل بالتقدم وأشهد له قيل إن زيادة العلم على املنطق هجنة وزيادة املنطق على بالفضل

وإذا فرغت مما أردت حتقيقه يف هذا املوضع فإين أرجع إىل ما كنت بصدد ذكره من الكالم على السجع وقد ا تقدم وبقي ما أنا ذاكر ههنا تقدم من ذلك م

وهو أن السجع قد ينقسم إىل ثالثة أقسام متساويني ال يزيد أحدمها على اآلخر كقوله األول أن يكون الفصالن

والعاديات ضبحا فاملوريات قدحا فاملغريات ( وقوله تعاىل ) فأما اليتيم فال تقهر وأما السائل فال تنهر ( تعاىل أال ترى كيف جاءت هذه الفصول متساوية األجزاء حىت كأهنا أفرغت ) صبحا فأثرن به نقعا فوسطن به مجعا

وأمثال ذلك يف القرآن الكرمي كثرية وهو أشرف السجع منزلة لالعتدال الذي فيه يف قالب واحد القسم الثاين أن يكون الفصل الثاين أطول من األول ال طوال خيرج به عن االعتدال خروجا كثريا فإنه يقبح عند

ذلك ويستكره ويعد عيبا

Page 115: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

كذب بالساعة سعريا إذا رأهتم من مكان بعيد بل كذبوا بالساعة وأعتدنا ملن( فمما جاء من ذلك قوله تعاىل أال ترى أن الفصل األول مثان ) مسعوا هلا تغيظا وزفريا وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنني دعوا هنالك ثبورا

لفظات والفصل الثاين والثالث تسع تسع دا تكاد السموات يتفطرن منه وقالوا اختذ الرمحن ولدا لقد جئتم شيئا إ( ومن ذلك قوله تعاىل يف سورة مرمي

وأمثال هذا يف القرآن كثرية ) وتنشق األرض وختر اجلبال هدا ويستثىن من هذا القسم ما كان من السجع على ثالثة فقر فإن الفقرتني األوليني حيسبان يف عدة واحدة مث باقي

ة أربع لفظات أربع لفظات تكون الثالثة فينبغي أن تكون طويلة طوال يزيد عليهما فإذا كانت األوىل والثاني الثالثة عشرة لفظات أو إحدى عشرة

مثال ذلك ما ذكرته يف وصف صديق فقلت الصديق من مل يعتض عنك خبالف ومل يعاملك معاملة حالف وإذا بلغته أذنه وشاية أقام عليها حد سارق أو قاذف فاألوىل والثانية ههنا أربع لفظات أربع لفظات ألن األوىل مل

عتض عنك خبالف والثانية ومل يعاملك معاملة حالف وجاءت الثالثة عشر لفظات ي وهكذا ينبغي أن يستعمل ما كان من هذا القبيل وإن زادت األوىل والثانية عن هذه العدة

فنزاد الثالثة باحلساب وكذلك إذا نقصت األوىل والثانية عن هذه العدة فافهم ذلك وقس عليه أن جتعله قياسا مطردا يف السجعات الثالث أين وقعت من الكالم بل تعلم أن اجلواز يعم إال أنه ال ينبغي

اجلانبني من التساوي يف السجعات الثالث ومن زيادة السجعة الثالثة أال ترى أنه قد ورد ثالث سجعات وطلح منضود وأصحاب اليمني ما أصحاب اليمني يف سدر خمضود ( متساويات يف القرآن الكرمي كقوله تعاىل

فهذه السجعات كلها من لفظتني لفظتني ولو جعلت الثالثة منها مخس لفظات أو ستا ملا كان ذلك ) وظل ممدود معيبها

القسم الثالث أن يكون الفصل اآلخر أقصر من األول وهو عندي عيب فاحش وسبب ذلك أن السجع يكون صل الثاين قصريا عن األول فيكون كالشيء املبتور قد استوىف أمده من الفصل األول حبكم طوله مث جييء الف

فيبقى اإلنسان عند مساعه كمن يريد االنتهاء إىل غاية فيعثر دوهنا وإذا انتهينا إىل ههنا وبينا أقسام السجع ولبه وقشوره فسنقول فيه قوال كليا وهو أن السجع على اختالف

أقسامه ضربان ن كل واحدة من السجعتني مؤلفة من ألفاظ قليلة وكلما قلت أحدمها يسمى السجع القصري وهو أن تكو

األلفاظ كان أحسن لقرب الفواصل املسجوعة من مسع السامع وهذا الضرب أوعر السجع مذهبا وأبعده متناوال وال يكاد استعماله يقع إال نادرا

والضرب اآلخر يسمى السجع الطويل وهو ضد األول ألنه أسهل متناوال ري من السجع أوعر مسلكا من الطويل ألن املعىن إذا صيغ بألفاظ قصرية عز مواتاة السجع فيه لقصر وإمنا القص

تلك األلفاظ وضيق اجملال يف استجالبه وأما الطويل فإن األلفاظ تطول فيه ويستجلب له السجع من حيث وليس كما يقال وكان ذلك سهال

Page 116: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

ة ألفاظ وكل واحد من هذين الضربني تتفاوت درجاته يف عدواملرسالت عرفا فالعاصفات عصفا ( وأما السجع القصري فأحسنه ما كان مألفا من لفظتني لفظتني كقوله تعاىل

ا يكون مؤلفا من ثالثة ) يأيها املدثر قم فأنذر وربك فكرب وثيابك فطهر والرجز فاهجر ( وقوله تعاىل ) ومنه م ألفاظ وأربعة ومخسة وكذلك إىل العشرة

على ذلك فهو من السجع الطويل وما زاد ( وقوله تعاىل ) والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن اهلوى ( فمما جاء منه قوله تعاىل

اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر وكذبوا واتبعوا أهواءهم وكل أمر ) مستقر

ه تتفاوت أيضا يف الطول فمنه ما يقرب من السجع القصري وهو أن يكون تأليفه وأما السجع الطويل فإن درجات من احدي عشرة إىل اثنيت عشرة لفظة وأكثر مخس عشرة لفظة

ولئن أذقنا اإلنسان منا رمحة مث نزعناها منه إنه ليئوس كفور ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ( كقوله تعاىل فاألوىل إحدى عشرة لفظة والثانية ثالث عشرة لفظة ) لفرح فخور ليقولن ذهب السيئات عين إنه

ولقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم باملؤمنني رؤوف رحيم ( وكذلك قوله تعاىل ) فإن تولوا فقل حسيب اهللا ال إله إال هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم

إذ يريكهم اهللا يف منامك قليال ( ه من العشرين لفظة فما حوهلا كقوله تعاىل ومن السجع الطويل ما يكون تأليفولو أراكهم كثريا لفشلتم ولتنازعتم يف األمر ولكن اهللا سلم إنه عليم بذات الصدور وإذ يريكموهم إذ التقيتم

) يف أعينكم قليال ويقللكم يف أعينهم ليقضي اهللا أمرا كان مفعوال وإىل اهللا ترجع األمور

ومن السجع الطويل أيضا ما يزيد على هذه العدة املذكورة وهو غري مضبوط واعلم أن التصريع يف الشعر مبنزلة السجع يف الفصلني من الكالم املنثور وفائدته يف الشعر أنه قبل كمال البيت

األول من القصيدة تعلم قافيتها وشبه البيت املصرع بباب له مصراعان متشاكالن ل ذلك القدماء واحملدثون وفيه داللة على سعة القدرة يف أفانني الكالم فأما إذا كثر التصريع يف القيدة وقد فع

فلست أراه خمتارا إال أن هذه األصناف من التصريع والترصيع والتجنيس وغريها إمنا حيسن منها يف الكالم ما ذا تواترت وكثرت فإهنا ال تكون مرضية ملا قل وجرى جمرى الغرة من الوجه أو كان كالطراز من الثوب فأما إ

فيها من أمارات الكلفة وهو عندي ينقسم إىل سبع مراتب وذلك شيء مل يذكره على هذا الوجه أحد غريي فاملرتبة األوىل وهي أعلى التصريع درجة أن يكون كل مصراع من البيت مستقال بنفسه يف فهم معناه غري

مى التصريع الكامل وذلك كقول امرئ القيس حمتاج إىل صاحبه الذي يليه ويس ) وإن كنت قد أزمعت هجرا فأجملي ... أفاطم مهال بعض هذا التدلل (

فإن كل مصراع من هذا البيت مفهوم املعىن بنفسه غري حمتاج إىل ما يليه وعليه ورد قول املتنيب

) أكل فصيح قال شعرا متيم ... النسيب املقدم إذا كان مدح ف( املرتبة الثانية أن يكون املصراع األول مستقال بنفسه غري حمتاج إىل الذي يليه فإذا جاء الذي يليه كان مرتبطا به

Page 117: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

كقول امرئ القيس ) وى بين الدخول فحومل بسقط الل... قفنبك من ذكرى حبيب ومنزل (

ه لكن ملا جاء الثاين صار مرتبطا به فاملصراع األول غري حمتاج إىل الثاين يف فهم معنا وكذلك ورد قول أيب متام

) وأن ينظم الشمل المبدد ناظم ... ألم يأن أن تروى الظلماء الحوائم ( ورد قول املتنيب وعليه

) هو أول وهي املحل الثاني ... الرأي قبل شجاعة الشجعان ( املرتبة الثالثة أن يكون الشاعر خمريا يف وضع كل مصراع موضع صاحبه ويسمى التصريع املوجه وذلك كقول

ابن احلجاج البغدادي ) خفة الشرب مع خلو املكان ... جان من شروط الصبوح يف المهر(

فإن هذا البيت جيعل مصراعه األول ثانيا ومصراعه الثاين أوال وهذه املرتبة كالثانية يف اجلودة املرتبة الرابعة أن يكون املصراع األول غري مستقل بنفسه وال يفهم معناه إال بالثاين ويسمى التصريع الناقض

ضي وال حسن وليس مبر

املرتبة الثانية أن يكون املصراع األول مستقال بنفسه غري حمتاج إىل الذي يليه فإذا جاء الذي يليه كان مرتبطا به كقول امرئ القيس

ذكرى حبيب ومنزل ( ) بسقط اللوى بين الدخول فحومل ... قفانبك من ه لكن ملا جاء الثاين صار مرتبطا به فاملصراع األول غري حمتاج إىل الثاين يف فهم معنا

وكذلك ورد قول أيب متام ) وأن ينظم الشمل المبدد ناظم ... ألم يأن أن تروى الظلماء الحوائم (

وعليه ورد قول املتنيب ) هو أول وهي املحل الثاني ... الرأي قبل شجاعة الشجعان(

املرتبة الثالثة أن يكون الشاعر خمريا يف وضع كل مصراع موضع صاحبه ويسمى التصريع املوجه وذلك كقول ابن احلجاج البغدادي

) خفة الشرب مع خلو املكان ... من شروط الصبوح يف المهرجان ( فإن هذا البيت جيعل مصراعه األول ثانيا ومصراعه الثاين أوال وهذه املرتبة كالثانية يف اجلودة

املرتبة الرابعة أن يكون املصراع األول غري مستقل بنفسه وال يفهم معناه إال بالثاين ويسمى التصريع الناقض وليس مبرضي وال حسن

فمما ورد منه قول املتنيب ) بمنزلة الربيع من الزمان ... ب طيبا في املعاني مغاني الشع(

فإن املصراع األول ال يستقل بنفسه يف فهم معناه دون أن يذكر املصراع الثاين املرتبة اخلامسة أن يكون التصريع يف البيت بلفظة واحدة وسطا وقافية ويسمى التصريع املكرر وهو ينقسم

Page 118: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

ال جماز فيها وهو أنزل الدرجتني كقول قسمني أحدمها أ قرب حاال من اآلخر فاألول أن يكون بلفظة حقيقية عبيد بن األبرص

ة يثوب ( ) وغائب الموت ال يثوب ... فكل ذي غيب القسم اآلخر أن يكون التصريع بلفظة جمازية خيتلف املعىن فيها كقول أيب متام

ة ومرتعا فتى كان ( ) فأصبح للهندية البيض مرتعا ... شربا للعفا املرتبة السادسة أن يذكر املصراع األول ويكون معلقا على صفة يأيت ذكرها

يف أول املصراع الثاين ويسمى التصريع املعلق فمما ورد منه قول امرئ القيس ) بصبح وما اإلصباح منك بأمثل ... ويل أال انجلي أال أيها الليل الط(

فإن املصراع األول معلق على قوله بصبح وهذا معيب جدا وعليه ورد قول املتنيب

) تدمى وألف في ذا القلب أحزانا ... قد علم البين منا البين أجفانا ( إن املصراع األول معلق على قوله تدمى ف

املرتبة السابعة أن يكون التصريع يف البيت خمالفا لقافيته ويسمى التصريع املشطور وهو أنزل درجات التصريع وأقبحها

فمن ذلك قول أيب نواس ) وباإلقرار عدت عن الجحود ... أقلين قد ندمت على الذنوب ( صرع حبرف الباء يف وسط البيت مث قفاه حبرف الدال وهذا ال يكاد يستعمل إال قليال نادرا ف

النوع الثاين يف التجنيس

اعلم أن التجنيس غرة شادخة يف وجه الكالم وقد تصرف العلماء من أرباب هذه الصناعة فيه فغربوا وشرقوا وه أبوابا متعددة واختلفوا يف ذلك وأدخلوا بعض تلك ال سيما احملدثني منهم وصنف الناس فيه كتبا كثرية وجعل

األبواب يف بعض فمنهم عبد اهللا بن املعتز وأبو علي احلامتي والقاضي أبو احلسني اجلرجاين وقدامة بن جعفر الكاتب وغريهم

وإمنا مسي هذا النوع من الكالم جمانسا ألن حروف ألفاظه يكون تركيبها من جنس واحد ون اللفظ واحد واملعىن خمتلفا وعلى هذا فإنه هو اللفظ املشترك وما عداه فليس من التجنيس وحقيقته أن يك

ال ألهنا دالة على حقيقة احلقيقي يف شيء إال أنه قد خرج من ذلك ما يسمى جتنيسا وتلك تسمية باملشاهبة املسمى بعينه

ينقسم إىل سبعة أقسام واحد منها يدل وعلى هذا فإين نظرت يف التجنيس وما شبه به فأجرى جمراه فوجدته على حقيقة التجنيس ألن لفظه واحد ال خيتلف وستة أقسام مشبهة

ويوم تقوم الساعة يقسم ( فأما القسم األول فهو أن تتساوى حروف ألفاظه يف تركيبها ووزهنا كقوله تعاىل

Page 119: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

فاعرفها ويروى يف األخبار النبوية أن وليس يف القرآن الكرمي سوى هذه اآلية ) اجملرمون ما لبثوا غري ساعة أي دعوا زمامه ) خلوا بني جرير واجلرير ( الصحابة نازعوا جرير بن عبد اهللا البجلي زمامه فقال رسول اهللا

ومما جاء منه يف الشعر قول أيب متام ) لغرر بالنصر تضحك عن أيامك ا... فأصبحت غرر األيام مشرقة (

فالغرر األوىل استعارة من غرر الوجه والغرر الثانية مأخوذة من غرة الشيء أكرمه فاللفظ إذا واحد واملعىن خمتلف

وكذلك قوله ) وليس بنان يجتدى منه بالجعد ... من القوم جعد أبيض الوجه والندى (

ان اجلعد ضد السبط فأحدمها يوصف به السخي واآلخر يوصف به البخيل فاجلعد السيد والبن وكذلك قوله

) محيى محلى حليه الطعن والضرب ... بكل فتى ضرب يعرض للقنا ( فالضرب الرجل اخلفيف والضرب بالسيف يف احلرب

وكذلك قوله ) برد الثغور وعن سلسالها الخصب ... المستضامة عن عداك حر الثغور(

فالثغور مجع ثغر وهو واحد األسنان وهو أيضا البلد الذي على ختوم العدو مث قال يف هذه القصيدة

) ثب تهتز من قضب تهتز يف ك... كم أحرزت قضب الهندي مصلتة ( ) أحق بالبيض أبدانا من الحجب ... بيض إذا انتضيت من حجبها رجعت (

فالقضب السيوف والقضب القدود على حكم االستعارة وكذلك البيض السيوف والبيض النساء وهذا من النادر الذي ال يتعلق به أحد

وكذلك قوله ) صدور العوالي يف صدور الكتائب ... ابت قسطل الحرب صدعوا إذا الخيل ج(

فلفظ الصدور يف هذا البيت واحد واملعىن خمتلف وكذلك قوله

) مسجورة وتنوفة صيهود ... عامي وعام العيس بين وديقة (

) للطير عيدا من بنات العيد ... بالفال حتى أغادر كل يوم( فالعيد فحل من فحول اإلبل والعيد اليوم املعروف من األيام

وقد أكثر أبو متام من التجنيس يف شعره فمنه ما أغرب فيه فأحسن كالذي ذكرته ومنه ما أتى به كريها مستثقال كقوله

) من املنية رشقا وابال قصفا ... ء قد رشقت ويوم أرشق والهيجا(

Page 120: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

وكقوله ) خلد حقدا عليك يف خلده ... يا مضغنا خالدا لك الثكل إن (

وكقوله ) سند أنجاهم منك يف الهيجا وال... وأهل موقان إذ ماقوا فال وزر (

وكقوله ) حي األراقم دؤلول ابنة الرقم ... مهال بين مالك ال تجلبن إىل (

مث قال فيها ) تشم بو الصغار األنف ذا الشمم ... من الردينية الالئي إذا عسلت (

وكقوله ا ... ن عين الدين واشتترت قرت بقرا( ) باألشترين عيون الشرك فاصطلم

وله من هذا الغث البارد املتكلف شيء كثري ال حاجة إىل استقصائه بل قد أوردنا منه قليال يستدل به على أمثاله

ومن احلسن يف هذا الباب قول أيب نواس ) والفضل فضل والربيع ربيع ... تدم الوغى عباس عباس إذا اح(

وكذلك قوله ) فأنت أحق الناس باألخذ بالفضل ... فقل أليب العباس إن كنت مذنبا ( ) نكم من الفضل وال تفسدوا ما كان م... فال تجحدوني ود عشرين حجة (

وعلى هذا النهج ورد قول البحتري ) فليس بسر ما تسر األضالع ... إذا العين راحت وهي عين على الهوى (

فالعني اجلاسوس والعني معروفة وكذلك ورد قول بعضهم

) اق جتاوب فوق ساق ساقا س... وترى سوابق دمعها فتواكفت ( فالساق ساق الشجرة والساق القمري من الطيور

وعلى هذا األسلوب جاء قول بعض املتأخرين وهو الشاعر املعروف باملعري يف قصيدة قصد هبا التجنيس يف كثري من أبياهتا فمن ذلك ما أورده يف مطلعها

) ونحن في حفر األجداث أحيانا ... انا لو زارنا طيف ذات الخال أحي( مث قال يف أبياهتا

) فقلت ال هومت أجفان أجفانا ... تقول أنت امرؤ جاف مغالطة ( وكذا قال يف آخرها

) الدهر إنسانا فال برحت لعين... لم يبق غيرك إنسانا يالذ به (

Page 121: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

ورأيت الغامني قد ذكر يف كتابه بابا ومساه رد األعجاز على الصدور خارجا عن باب التجنيس وهو ضرب منه وقسم من مجلة أقسامه كالذي حنن بصدد ذكره ههنا فمما أورده الغامني من األمثلة يف ذلك قول بعضهم

) ب النشر ونشري بجميل الصنع ذكرا طي( ) ونفري بسيوف الهند من أسرف في النفر ( ة البحر ... وبحري في شرى الحمد ( ) على شاكل

وكذلك قول بعضهم يف الشيب ) عاد منها سواد عيني بياضا ... يا بياضا أذرى دموعي حتى (

وكذلك قول البحتري ) قد رحت منه على أغر محجل ... وأغر في الزمن البهيم محجل ( ) في الحسن جاء كصورة في هيكل ... كالهيكل المبني إال أنه (

إمنا املناقشة على أن ينصب نفسه إليراد علم البيان وليس األخذ على املعاين يف ذلك مناقشة على األمساء ووتفصيل أبوابه ويكون أحد األبواب اليت ذكرناها داخال يف اآلخر فيذهب عليه ذلك وخيفى عنه وهو أشهر من

فلق الصباح ورمبا جهل بعض الناس فأدخل يف التجنيس ما ليس منه نظرا إىل مساواة اللفظ دون اختالف املعىن فمن ذلك

ل أيب متام قو ) رسوما من بكائي في الرسوم ... أظن الدمع في خدي سيبقي (

وهذا ليس من التجنيس يف شيء إذا حد التجنيس هو اتفاق اللفظ واختالف

ا وهذا مما ينبغي أن ينبه عليه ليعرف املعىن وهذا البيت املشار إليه هو اتفاق اللفظ واملعىن مع ومن علماء البيان من جعل له امسا مساه به وهو الترديد أي أن اللفظة الواحدة رددت فيه

وحيث نبهت عليه ههنا فال أحتاج أن أعقد له بابا أفرده بالذكر فيه وأما األقسام الستة املشبهة بالتجنيس فالقسم األول منها أن تكون احلروف متساوية يف تركيبها خمتلفة يف وزهنا

أال ترى أن هاتني اللفظتني متساويتني ) اللهم كما حسنت خلقي حسن خلقي ( جاء من ذلك قول النيب فمما يف التركيب خمتلفتان يف الوزن ألن تركيب اخللق واخللق من ثالثة أحرف وهي اخلاء والالم والقاف إال أهنما قد

م الفاء اختلفا يف الوزن إذ وزن اخللق فعل بفتح الفاء ووزن اخللق فعل بض ومن هذا القسم قول بعضهم ال تنال غرز املعايل إال بركوب الغرر واهتبال الغرر

وقال البحتري ) أمانا أي ساعة ما أمان ... وفر الحائن المغرور يرجو ( ) ان للحظة طرفه طرف السن... يهاب اإللتفات وقد تهيا (

وكذلك ورد قول اآلخر ) ما بين حر هوى وحر هواء ... قد ذبت بين حشاشة وذماء (

Page 122: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

القسم الثاين من املشبه بالتجنيس وهو أن تكون األلفاظ متساوية يف الوزن خمتلفة يف التركيب حبرف واحد ال غري وإن زاد على ذلك خرج من باب التجنيس

فإن هاتني اللفظتني على وزن واحد إال أن تركيبهما ) وجوه يومئذ ناضرة إىل رهبا ناظرة ( مما جاء قوله تعاىل فذلكم مبا كنتم ( وكذلك قوله تعاىل ) وهم ينهون عنه وينأون عنه ( خمتلف يف حرف واحد وكذلك قوله تعاىل

) تفرحون يف األرض بغري احلق ومبا كنتم مترحون وقال بعضهم ال تنال املكارم إال باملكاره ) اخليل معقود بنواصيها اخلري ( ن هذا ورد قول النيب وعلى حنو م

وقال أبو متام ) تصول بأسياف قواض قواضب ... يمدون من أيد عواص عواصم (

وقال البحتري ) ومهفهف الكشحين أحوى أحور . ..من كل ساجي الطرف أغيد أجيد (

وكذلك قوله ) شواجن أرحام ملوم قطوعها ... شواجر أرماح تقطع بينهم (

( القسم الثالث من املشبه بالتجنيس وهو أن تكون األلفاظ خمتلفة يف الوزن والتركيب حبرف واحد كقوله تعاىل وكذلك ورد ) وهم حيسبون أهنم حيسنون صنعا ( وقوله تعاىل ) ساق بالساق إىل ربك يومئذ املساق والتفت ال

) املسلم من سلم الناس من لسانه ويده ( قوله ودخل ثعلب صاحب كتاب الفصيح على أمحد بن حنبل رمحه اهللا تعاىل وجملسه غاص فجلس إىل جانبه مث أقبل

يك على أنه ال يضيق جملس مبتاجني وال تسع الدنيا بأسرها متباغضني عليه وقال أخاف أن أكون ضيقت علفقال له أمحد الصديق ال حياسب والعدو ال حيتسب له وهذا كالم حسن من كال الرجلني والتجنيس يف كالم

أمحد رمحه اهللا يف قوله حياسب وحيتسب له وقد جاءين شيء من ذلك عليه خفة الطبع ال ثقل التطبع

ا ذكرته يف فصل من كتاب إىل ديوان اخلالفة يتضمن ذكر اجلهاد فقلت وخيل اهللا قد اشتاقت أن يقال فمنه مهلا اركيب وسيوفه قد تطلعت أن يقال هلا اضريب ومواطن اجلهاد قد بعد عهدها باستسقاء شآبيب النحور

تنصل من صحة نصاله وإنبات ربيع الذباب والنسور وما ذاك إال ألن العدو إذا طلب تقمص ثوب إذالله و واعتصم مبعاقله اليت ال فرق بينها وبني عقاله

ذكرته يف وصف كرمي فقلت وقد جعل اهللا حرمه ملقى اجلفان ومتلقى األجفان فهو محى ملن جىن ومن ذلك ما عليه زمانه وجار ملن بعد عنه جريانه

ذكرته يف فصل من كتاب إىل ديوان اخلالفة وهو ولقد است بان اخلادم من بركة طاعته ما يعمى عنه ومن ذلك ما غريه فما يراه ووجد من أثره يف صالح دنياه ما استدل به على صالح أخراه فهو املركب املنجي والعمل املرجو

فليحذر الذين خيالفون عن أمره أن تصيبهم ( ال املرجي واملعىن املراد هبداية الصراط املستقيم وتأويل قوله تعال ) م عذاب أليم فتنة أو يصيبه

ذكرته يف أثناء كتاب إىل بعض اإلخوان وذلك وصف بعض املنعمني فقلت حنن من حسن شيمه ومن ذلك ما

Page 123: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

وفواصل إحسانه بني هند وهنيدة ومن مين نقيبته وأمانة غيبه بني أم معبد وأيب عبيدة ذكرته يف مطلع كتاب إىل بعض اإلخوان فقلت الكتب وإن عدها قوم ع رضا من األعراض ومن ذلك ما

وتقالوها حىت قالوا هي سواد يف بياض فإن هلا عند اإلخوان وجها وسيما وحمال كرميا وهي محائم القلوب إذا فارق محيم محيما ومن أحسنها كتاب سيدنا مث مضيت على هذا النهج إىل آخر الكتاب

ومن هذا القسم قول أيب متام ) فيها وتقمر لبه األقمار ... ما أيام تدمي عينه تلك الد(

وكذلك قال

) صور وهن إذ رمقن صوار ... بيض فهن إذا رمقن سوافرا ( وكذلك قوله

) ولعا وشمس أولعت بشماس ... بدر أطالت فيك بادرة النوى ( وكذلك قوله

) أعناقهم يف ذلك املضمار ... وا النبوة واهلدى فتقطعت كاد( اعة ( ة بعمارة األعمار ... جهلوا فلم يستكثروا من ط ) معروف

وكذلك قوله ) معالي فجنى العوايل يف ذراه... إن الرماح إذا غرسن بمشهد (

وكذلك قوله ) بال نعمة أحسنت أن تتطوال ... إذا أحسن األقوام أن يتطاولوا (

وكذلك قوله ) وهو ملقى على طريق الليالي ... أي ربع يكذب الدهر عنه ( ه وحو( ) فهو نضو األحوال واألحوال ... ل بين حال جنت علي ) شد ما استنزلتك عن دمعك األظعان حتى استهل صوب العزالي ( ) وجمال على ظهور الجمال ... أي حسن يف الذاهببني تولى ( ) ى الخيم وحجل معصم يف الحجال ودالل مخيم يف ذر(

فالبيت الثاين واخلامس مها املقصودان بالتمثيل ههنا واألبيات الباقية جاءت تبعا

ومما جاء من ذلك قول علي بن جبلة ) بذات جفون أو بذات جفان ... وكم لك من يوم رفعت بناءه (

حممد بن وهيب احلمريي وكذلك قول ) فمالك موتور وسيفك واتر ... قسمت صروف الدهر بأسا ونائال (

وهذا من املليح النادر ومن هذا القسم قول البحتري

Page 124: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

) اقع ضبابة نقع تحتها املوت ن... جدير بأن تنشق عن ضوء وجهه ( وكذلك قوله

) وصوب املزن يف راح مشول ... نسيم الروض يف ريح شمال ( وذم أعرايب رجال فقال كان إذا سأل أحلف وإذا سئل سوف حيسد على الفضل ويزهد يف اإلفضال

القسم الرابع من املشبه بالتجنيس ويسمى املعكوس وذلك ضربان اظ واآلخر عكس احلروف أحدمها عكس األلف

فاألول كقول بعضهم عادات السادات سادات العادات وكقول اآلخر شيم األحرار أحرار الشيم

ومن هذا النوع مما ورد شعرا قول األضبط بن قريع من شعراء اجلاهلية عه ... قد يجمع المال غير آكله ( ) ويأكل املال غير من جم

) ويلبس الثوب غير من قطعه ... ويقطع الثوب غير البسه وكذلك ورد قول أيب الطيب املتنيب

ال مال يف الدنيا لمن قل مجده ... فال مجد في الدنيا لمن قل ماله ( ) و ت يذم فيها الزمان وكذلك قول الشريف الرضي من أبيا

) وطار بمن يسف إلى الدنايا ... أسف بمن يطري إلى املعالي ( وكذلك قول اآلخر

) تطوى وتنشر بينها األعمار ... إن الليالي لألنام مناهل ( ) وطوالهن من السرور قصار ... فقصارهن من الهموم طويلة(

وأحسن من هذا كله وألطف قول ابن الزقاق األندلسي ) فقد شبت والتحى ... غيرتنا يد الزمان ( ) واستحال الدجا ضحى ... فاستحال الضحى دجا (

يه رونق وقد مساه قدامة بن جعفر الكاتب التبديل وذلك اسم مناسب وهذا الضرب من التجنيس له حالوة وعلملسماه ألن مؤلف الكالم يأيت مبا كان مقدما يف جزء كالمه األول مؤخرا يف الثاين ومبا كان مؤخرا يف األول

مقدما يف الثاين ومثله قدامة بقول بعضهم اشكر ملن أنعم عليك وأنعم على من شكرك

جار الدار ( وكذلك ورد قول النيب ) خيرج احلي من امليت وخيرج امليت من احلي ( ه تعاىل ومن هذا القسم قول ) أحق بدار اجلار

وكتب علي بن أيب طالب رضي اهللا عنه إىل عبد اهللا بن عباس رضي اهللا عنه كتابا فقال أما بعد فإن اإلنسان ا مل يكن ليدركه فال تكن مبا نلت من دنياك فرحا وال مبا فاتك منها يسره درك ما مل يكن ليفوته ويسوءه فوت م

ترحا وال تكن ممن يرجو اآلخرة بغري عمل ويؤخر التوبة بطول أمل وكأن قد والسالم وروي عن أيب متام أنه ملا قصد عبد اهللا بن طاهر بن احلسني خبراسان وامتدحه بقصيدته املشهورة اليت مطلعها

... ) احبه أهن عوادي يوسف وصو( أنكر عليه أبو سعيد الضرير وأبو العميثل هذا االبتداء

Page 125: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

ال يقول ما يفهم فقال مل ال يفهما ما يقال فاستحسن منه هذا اجلواب على الفور وهو من التجنيس وقاال مل املشار إليه

احلصن من افتراع وقد جاءين شيء منه كقويل يف فصل من كتاب يتضمن فتحا وهو فكم كان من افتراع عذرة عذرة حصان وكم حيز به من سنان حلظ استرقه حلظ سنان

وكذلك قويل يف صدر كتاب إىل ديوان اخلالفة وهو اخلادم يبلغ خدمته إىل ذلك اجلناب اليت متطره الشفاه قبال ( ا بقوله تعاىل وتوسعه العفاة أمال وترى اخلول به ملوكا وامللوك خوال وطاعته هي حمك األعمال اليت أشري إليه

) ليبلوكم أيكم أحسن عمال وكذلك ورد قويل أيضا وهو فصل من تقليد وزير فقلت وقد صدق اهللا هلجة املثين عليك أن يقول إنك الرجل

الذي تضرب به األمثال واملهذب الذي ال يقال معه أي الرجال وإذا وازرت مملكة فقد حظيت منك بشد در لقلبها وقلب لصدرها فهي مزدانة منك بالفضل املتني معانة بالقوي أزرها وسد ثغرها وأصبحت وأنت ص

األمني

وأما الضرب الثاين من هذا القسم وهو عكس احلروف فهو كقول بعضهم ) أحدوثة الفال والتبرك ... أهديت شيئا يقل لوال ( ا ( ) يت مقلوبه يسرك رأ... كرسي تفاءلت فيه لم

وكذلك قول اآلخر ) إذا تأملته مقلوب إقبال ... كيف السرور بإقبال وآخره (

وأجود من هذا كله قول اآلخر ) من فوق خد مثل قلب العقرب ... جاذبتها والريح تجذب عقربا ( ) وتحجبت عني بقلب العقرب ... وطفقت ألثم ثغرها فتمنعت (

وإذا قلب لفظ عقرب صار برقعا وهذا الضرب نادر االستعمال ألنه قل ما يقع كلمة تقلب حروفها فيجيء معناها صوابا

مع مؤلف الكالم بني كلمتني إحدامها كالتبع القسم اخلامس من املشبه بالتجنيس ويسمى اجملنب وذاك أن جي لألخرى واجلنيبة هلا كقول بعضهم

) لشيء من حلى األشعار عاري ... أبا العباس ال تحسب بأني ( ) زالل من ذرا األحجار جاري ... فلي طبع كسلسال معني (

فيه نظر ألنه بلزوم ما ال يلزم أوىل منه بالتجنيس أال ترى أن التجنيس هو اتفاق اللفظ وهذا القسم عندي واختالف املعىن وههنا مل يتفق إال جزء من اللفظ وهو أقله وأما اللزوم يف الكالم املنثور فهو تساوي احلروف

اليت قبل

األول يف قوله األشعار وعار واجليم الفواصل املسجوعة وهذا هو كذلك ألن العني والراء تساويا يف البيت والراء يف البيت الثاين يف قوله األحجار وجار

القسم السادس من املشبه بالتجنيس وهو ما يساوي وزنه تركيبه غري أن حروفه تتقدم وتتأخر وذلك كقول أيب

Page 126: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

متام ) لشك والريب متونهن جالء ا... بيض الصفائح ال سود الصحائف في (

فالصفائح والصحائف مما تقدمت حروفه وتأخرت يقال لصاحب القرآن اقرأ وارق ورتل كما ( وقد ورد يف الكالم املنثور كقوله يف فضيلة تالوة القرآن الكرمي

يف هذا من التجنيس املشار إليه) اقرأ وارق ( فقوله ) كنت ترتل يف الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرأ القسم

النوع الثالث يف الترصيع

وهو مأخوذ من ترصيع العقد وذاك أن يكون يف أحد جانيب العقد من الآللئ مثل ما يف اجلانب اآلخر وكذلك جنعل هذا يف األلفاظ املنثورة من األسجاع وهو أن تكون كل لفظة من ألفاظ الفصل األول مساوية لكل لفظة

الوزن والقافية وهذا ال يوجد يف كتاب اهللا تعاىل ملا هو عليه من زيادة التكلف فأما من ألفاظ الفصل الثاين يف) إن األبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم ( قول من ذهب إىل أن يف كتاب اهللا منه شيئا ومثله بقوله تعاىل

الترصيع الذي شرطناه فليس األمر كما وقع له فإن لفظة لفي قد وردت يف الفقرتني معا وهذا خيالف شرطلكنه قريب منه وأما الشعر فإين كنت أقول إنه ال يتزن على هذه الشريطة ومل أجده يف أشعار العرب ملا فيه من

يه حمض الطالوة اليت تكون إذا جيء به يف تعمق الصنعة وتعسف الكلفة وإذا جيء به يف الشعر مل يكن عل

احملدثني ولكنه قليل جدا فمن ذلك قول بعضهم الكالم املنثور مث إين عثرت عليه يف شعر ) وجرائم ألغيتها متورعا ... فمكارم أوليتها متبرعا (

فمكارم بإزاء جرائم وأوليتها بإزاء ألغيتها ومتربعا بإزاء متورعا الفصل الثاين وهذا ليس بشيء ملخالفته وقد أجاز بعضهم أن يكون أحد ألفاظ الفصل األول خالفا ملا يقابله من

حقيقة الترصيع فمما جاء من هذا النوع منثورا قول احلريري يف مقاماته فهو يطبع األسجاع جبواهر لفظه ويقرع األمساع

بزواجر وعظه فإنه جعل ألفاظ الفصل األول مساوية أللفاظ الفصل الثاين وزنا وقافية فجعل يطبع بإزاء يقرع إزاء األمساع وجواهر بإزاء زواجر ولفظه بإزاء وعظه واألسجاع ب

ومما جاءين من هذا النوع ما ذكرته يف جواب كتاب إىل بعض اإلخوان وهو قد أعدت اجلواب ومل أستعر له ا وال جلبت إليه حسنا منمقا بل أخرجته على رسله وغنيت بصقال حسنه عن صقله فجاء كما تراه نظما ملفق

ط فهو يرفل يف أثواب بذلته وقد حوى اجلمال جبملته واحلسن ما وشته فطرة التصوير ال غري ممشوط وال خمطو ما حشته فكرة التزوير

والترصيع يف قوله وشته فطرة التصوير وحشته فكرة التزوير وكذلك ورد قويل يف فصل من الكالم يتضمن تثقيف األوالد فقلت من قوم أود أوالده ضرم كمد حساده

ظ متكافئة يف ترصيعها فقوم بإزاء ضرم وأود بإزاء كمد وأوالده بإزاء حساده فهذه األلفا

Page 127: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

وكذلك قول بعضهم يف األمثال املولدة اليت مل ترد عن العرب وهو من أطاع غضبه أضاع أدبه فأهلاع بإزاء أضاع وغضبه بإزاء أدبه

حيم بن نباتة رمحه اهللا وقد ورد هذا الضرب كثريا يف اخلطب اليت أنشأها الشيخ اخلطيب عبد الرفمن ذلك قوله يف أول خطبة احلمد هللا عاقد أزمة األمور بعزائم أمره وحاصد أئمة الغرور بقواصم مكره وموفق

عبيده ملغامن ذكره وحمقق مواعيده بلوازم شكره فاأللفاظ اليت جاءت يف الفصلني األولني متساوية وزنا وقافية فيها ختالف يف الوزن فإن مواعيد ختالف وزن عبيد وال ختالف قافيتها اليت هي واليت جاءت يف الفصلني اآلخرين

الدال ومن ذلك قوله أيضا يف مجلة خطبة أولئك الذين أفلوا فنجمتم ورحلوا فأقمتم وأبادهم املوت كما علمتم وأنتم

ا وال بد أن مترو حيث الطامعون يف البقاء بعدهم كما زعمتم كال واهللا ما أشخصوا لتقروا وال نغصوا لتسرومروا فال تثقوا خبدع الدنيا وال تغتروا وهذا الكالم فيه أيضا ما يف الذي قبله من صحة الوزن والقافية وصحة

القافية دون الوزن وكذلك قوله أيضا يف خطبة أخرى أيها الناس أسيموا القلوب يف رياض احلكم وأدميوا النحيب على ابيضاض

ار بانتقاص النعم وأجيلوا األفكار يف انقراض األمم اللمم وأطيلوا االعتب وأما ما ورد يف الشعر على خمالفة بعض األلفاظ بعضا فكقول ذي الرمة

ج ( ) كأنها فضة قد مسها ذهب ... كحالء يف برج صفراء يف دع ذلك واضح ألنه مقيد بالوقوف مع الوزن وصدر هذا البيت مرصع وعجزه خال من الترصيع وعذر الشاعر يف

والقافية أال ترى أن ذا الرمة بىن قصيدته على

حرف الباء ولو رصع هذا البيت الترصيع احلقيقي لكان يلزمه أن يأيت بألفاظه على حرفني حرفني أحدمها الباء سر وقوعه يف الشعر أو كان يقسم البيت نصفني ومياثل بني ألفاظ هذا النصف وهذا النصف وذلك مما يع

وهذه القسمة ال أراها صوابا ألن وأرباب هذه الصناعات قد قسموا الترصيع إىل هذين القسمني املذكورين حقيقة الترصيع موجودة يف القسم األول دون الثاين

ومما جاء يف هذا القسم الثاين قول اخلنساء ) الطريقة نفاع وضرار ... حامي الحقيقة محمود الخليقة مهدي (

وكذلك قول اآلخر ) محض ضرائبها صيغت من الكرم ... ض ترائبها سود ذوائبها بي(

النوع الرابع يف لزوم ما ال يلزم

ا ال يلزمه فإن الالزم يف هذا املوضع وهو من أشق هذه الصناعة مذهبا وأبعدها مسلكا وذاك ألن مؤلفه يلتزم من الكالم املنثور يف قوافيها وهذا فيه زيادة وما جرى جمراه إمنا هو السجع الذي هو تساوي أجزاء الفواصل م

على ذلك

Page 128: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

وهو أن تكون احلروف اليت قبل الفاصلة حرفا واحدا وهو يف الشعر أن تتساوى احلروف اليت قبل روى األبيات الشعرية

حيمد وقد مجع أبو العالء أمحد بن عبد اهللا بن سليمان يف ذلك كتابا ومساه كتاب اللزوم فأتى فيه باجليد الذي والرديء الذي يذم

وسأذكر يف كتايب هذا يف هذا املوضع أمثلة من املنثور واملنظوم يهتدى هبا ذم جبان فقلت إذا نزل به خطب ملكه الفرق وإذا ضل يف فمن ذلك ما ذكرته يف مجلة كتاب يف فصل يتضمن

أمر مل يؤمن إال إذا أدركه الغرق ذكرته يف مبدأ كتاب إىل ب عض اإلخوان فقلت اخلادم يهدي من دعائه وثنائه ما يسلك أحدمها ومن ذلك ما

مساء واآلخر أرضا ويصون أحدمها نفسا واآلخر عرضا وأعجب ما فيهما أهنما توأمان غري أن هذا مستنتج من ضمري القلب وهذا من نطق اللسان فاللزوم ههنا يف الراء والضاد

الفة فقلت وقد علم من شيم الديوان العزيز أنه يسر بامتداد وكذلك ورد قويل يف مجلة كتاب إىل ديوان اخلاأليدي إىل بابه وإذا أغب أحدها يف املسألة هناه عن إغبابه حىت ال خيلو حرمه الكرمي من املطاف وال يده الكرمية

من اإلسعاف فاللزوم ههنا يف لفظيت بابه وإغبابه ة أيضا وهو ومهما شد به عضد اخلادم من اإلنعام فإنه قوة ومن ذلك ما كتبته يف مجلة كتاب إىل ديوان اخلالف

لليد اليت خولته وال يقوى تصعد السحب إال بكثرة غيثها الذي أنزلته وغري خاف أن عبيد الدولة هلا كالعمد من طرافها ومركز الدائرة من أطرافها وال يؤيد السيف إال بقائمه وال ينهض اجلناح إال بقوادمه فاللزوم يف هذا

املوضع يف الراء والفاء يف قويل طزاف وأطراف ومن ذلك ما كتبته يف صدر كتاب إىل امللك األفضل علي بن يوسف أهنئه مبلك مصر يف سنة مخس وتسعني

ومخسمائة فقلت اململوك يهنئ موالنا بنعمة اهللا املؤذنة باستخالصه واحتبائه ومتكينه حىت بلغ أشده واستخرج كنز

هلنأ األرض منه بوابلها واألمة بكافلها وخصوصا أرض مصر اليت خصت بشرف سكناه آبائه ولو أنصف وغدت بني حبرين من فيض البحر وفيض ميناه

وكل هذه الفصول املذكورة من هذه املكتوبات اليت أنشأهتا ال كلفة على كلمات اللزوم فيها ت قيس بن خالد بن ذي اجلدين فحظيت عنده وقرأت يف كتاب األغاين أليب الفرج أن لقيط بن زرارة تزوج بن

ا تذكر لقيطا فالمها على ذلك فقالت إنه وحظي عندها مث قتل فآمت بعده وتزوجت زوجا غريه فكانت كثريا مخرج يف يوم دجن وقد تطيب وشرب فطرد البقر فصرع منها مث أتاين وبه نضح دم فضمين ضما ومشين مشة

حسن من لقيط فقوهلا ضمين ضمة ومشين مشة فليتين مت مثة من الكالم احللو فليتين مت مثة فلم أر منظرا كان أ يف باب اللزوم وال كلفة عليه

ا ينبغي ملؤلف الكالم أن يستعمل هذا النوع حىت وهكذا فليكن فإن الكلفة وحشة تذهب برونق الصنعة وما ومثاله يف هذا املقام كمن أخذ موضوعا رديئا فأجاد فيه صنعته فإنه يكون عند ذلك قد راعى جييء به متكلف

الفرع وأمهل األصل فأضاع جودة الصنعة يف رداءة املوضوع

Page 129: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

وقد سلك ذلك أبو العالء املعري أمحد بن عبد اهللا بن سليمان فمما جاء من ذلك قوله يف حرف التاء مع اخلاء ) أخت فيها وال عرس وال... بنت عن الدنيا وال بنت لي ( ) تعجز أن تحمله البخت ... وقد تحملت من الوزر ما ( ) وخلت أني في الثرى سخت ... إن مدحوني ساءني مدحهم (

وله من ذلك اجليد كقوله م البلي... ال تطلبن بآلة لك حاجة ( ) غ بغير جد مغزل قل ) هذا له رمح وهذا أعزل ... سكن السما كان السماء كالهما (

وهذا بني االسترسال وبني الكلفة ا ظاهرا وإن أجاد فقوله وأما ما تكلف له تكلف

) الحقيقة فيها وال لك شيء يف ... تنازع يف الدنيا سواك وما له ( ) يعري جنوب األرض مرتدفيها ... ولكنها ملك لرب مقدر ( ) من األمر إال أن تعد سفيها ... ولم تحظ من ذاك النزاع بطائل ( ) فمتفقوها مثل مختلفيها ... فيا نفس ال تعظم عليك خطوبها ( ) عليه وخلوها لمغترفيها ... تداعوا إلى النزر القليل فجالدوا ( يلة ضيغم ( ا ... وما أم صل أو حل ) بأظلم من دنياك فاعترفيه ) وتبكي على آثار منصرفيها ... ميها بفرحة تالقي الوفود القاد( ) وجدك إرطاب لمخترفيها ... وما هي إال شوكة ليس عندها ( ) فألقت شرورا بين مختطفيها ... كما نبذت للطير والوحش رازم ( ) يجد سبيال إلى غايات منتصفيها ... ؤت عن اإلنصاف من ضيم لم تنا(

قلة ( ا وم ) وقل لغوي الناس فاك لفيها ... فأطبق فما عنها وكف ومن ذلك

) ريا أرهقته إذا أغنت فق... أرى الدنيا وما وصفت ببر ( ) وإن رجيت لخير عوقته ... إذا خشيت لشر عجلته ( ) ونفس املرء صيد أعلقته ... حياة كالحبالة ذات مكر ( ) قته وإن هي سورته ونط... فال يخدع بحيلتها أريب ( ه ... أذاقته شهيا من جناها ( ا ذوقت ) وصدت فاه عم

وقد ورد للعرب شيء من ذلك إال أنه قليل فمما جاء منه قول بعضهم يف أبيات احلماسة ) ا خلقت هواك كما خلقت هوى له... إن التي زعمت فؤادك ملها ( ) بلباقة فأدقها وأجلها ... بيضاء باكرها النعيم فصاغها ( ) ما كان أكثرها لنا وأقلها ... حجبت تحيتها فقلت لصاحبي ( ) فسلها شفع الضمري إلى الفؤاد... وإذا وجدت لها وساوس سلوة (

Page 130: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

وهذا من اللطافة على ما يشهد لنفسه ومما جيري هذا اجملرى قول حجر بن حية العبسي من شعر احلماسة أيضا

) بخال فتمنع ما فيها أثافيها ... وال أدوم قدري بعدما نضجت ( ) وال يؤنب تحت الليل عافيها ... حتى تقسم شتى بين ما وسعت (

ومما ورد من ذلك أيضا قول طرفة بن العبد البكري ) فضوحا إذا لم يعط منه نواسبه ... ألم تر أن املال يكسب أهله ( ا ور... أرى كل مال ال محالة ذاهبا ( ) ث احلمد كاسبه وأفضله م

وكذلك قول الفرزدق ) تردي اهلواجر واعتمامي ... وغير لون راحلتي ولوني ( ) بموركة الوراك مع الزمام ... أقول لها إذا ضجرت وعضت ( ) خير الناس كلهم أمامي و... عالم تلفتني وأنت تحتي (

وكذلك قوله أيضا

) حدق تقلبها النساء مراض ... منع الحياة من الرجال ونفعها ( ) حدق النساء لنبلها أغراض ... وكأن أفئدة الرجال إذا رأوا (

مقادير الكالم وكان لك ذوق صحيح فانظر إىل هذا العريب يف كالمه السهل الذي كأنه ماء وإذا شئت أن تعلم جار وانظر إىل ما أوردته أليب العالء املعري فإن أثر الكلفة عليه باد ظاهر

وممن قصد من العرب قصيدة كله من اللزوم كثري عزة وهي القصيدة اليت أوهلا اعقال خليلي هذا ربع عزة( ) قلوصيكما ثم احلال حيث حلت ... ف

وهذه القصيدة تزيد على عشرين بيتا وهي مع ذلك سهلة لينة تكاد تترقرق من لينها وسهولتها وليس عليها من أثر الكلفة شيء ولوال خوف اإلطالة ألوردهتا جبملتها

احلماسة وهو وقد ذكر بعضهم من هذا النوع ما ورد يف أبيات ) قد ملئت من ترف وطيش ... وفيشة ليست كهذي الفيش ( ) من ذاقها يعرف طعم العيش ... إذا بدت قلت أمري الجيش (

ولنا شرق وفرق مثال فإنه لو وهذا ليس من باب اللزوم ألن اللزوم هو أن يلتزم الناظم والناثر ما ال يلزمه كق قيل بدال من ذلك شرق وحنق جلاز ذلك ويف

غلبه أخرى الليالي ووائله ... لقد فجعت عتابه وزهيره ( ) وت )إليهم وال تسري إليهم غوائله ... ومبتدر المعروف تسري هباته ( ) فضائله عن قومه وفواضله ... طواه الردى طي الرداء وغيبت ( ) وسائل من أعيت عليه وسائله ... طوى شيما كانت تروح وتغتدي ( ) جود جفت مسايله ويا واديا لل... فيا عاضا للعرف أقلع مزنه (

Page 131: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

) محمد النجم المشرق آفله ... ألم ترني أنزفت عيني على أبي ( ) طريد الليالي أخضلتني نوافله ... وأخضلتها فيه كما لو أتيته (

ا جييء يف هذا الباب ول يس مبتكلف كشعر أيب العالء فإن حسن هذا مطبوع وحسن ذاك وهذا من أحسن ممصنوع وكذلك أقول يف غري اللزوم من األنواع املذكورة أوال فإن األلفاظ إذا صدرت فيها عن سهولة خاطر

وسالسة طبع وكانت غري مستجلبة وال متكلفة جاءت غري حمتاجة إىل التألف وال شك أن صورة اخللقة غري صورة التخلق

ا الفرق بني املتكلف من هذا األنواع وغري املتكلف ف إن قيل مقلت يف اجلواب أما املتكلف فهو الذي يأيت بالفكرة والروية وذلك أن ينضى اخلاطر يف طلبه ويبعث على تتبعه واقتصاص أثره وغري املتكلف يأيت مسترحيا من ذلك كله وهو أن يكون الشاعر يف نظم قصيدته أو اخلطيب أو

اتب يف إنشاء خطبته أو كتابته فبينا هو كذلك إذا سنح له نوع من هذه األنواع االتفاق ال بالسعي والطلب الك أال ترى أن قول أيب نواس يف مثل هذا املوضع

) إنها من كل بؤس دانيه ... أترك األطالل ال تعبأ بها ( ) إنما دنياك دار فانيه ... رميها وانعت الراح على تح(

) صيدت الشمس لنا يف آنيه ... من عقار من رآها قال لي ( وعلى هذه السهولة واللطافة ورد قوله أيضا

) أفسده ناطف ياسني ... كم من غالم ذي تحاسني ( الناطف ببغداد وهذا ياسني كان يبيع

وحكى إبراهيم البندنيجي قال رأيت شيخا ضعيفا يبيع ناطفا فقلت له يا شيخ أما زلت يف الصناعة قال مذ كنت ولكن احلال كانت واسعة والسلعة نافقة وكنت ممن يشار إيل حىت قال أبو نواس يف وأنشد هذا البيت

ا أعراه عن الكلفة وكذلك فلتكن األلفاظ يف اللزوم فانظر أيها املتأمل ما أحلى لفظ أيب نواس يف لزومه وم وغريه

واعلم أنه إذا صغرت الكلمة األخرية من الشعر أو من فواصل الكالم املنثور فإن ذلك ملحق باللزوم ويكون التصغري عوضا عن تساوي احلروف اليت قبل روى األبيات الشعرية واحلروف اليت قبل الفاصلة من النثر فمن

بعضهم ذلك قول ) سوء مبييت ليلة الغمير ... عز على ليلى بذي سدير ( ) تنتهز الرعدة يف ظهيري ... مقضبا نفسي يف طمير ( ) ظمآن يف ريح وفي مطير ... يهفوا إلي الزور من صديري ( ) من لدما ظهر إال سحير ... ر ليس بالغرير وازر ق( ) ألربع خلون من شهير ... حتى بدت لي جبهة القمير (

وهذا من حماسن الصنعة يف هذا الباب فاعرفه كثرية غري هذه فقال أبو نواس وأحسن منه ما ورد عن أيب نواس وعن عنان جارية النطاف وله معها حكايات

Page 132: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

) يكفيه منك نظيره ... أما ترقي لصب ( فقال عنان

) عليك فاجلد عميره ... إياي تعني بهذا ( فقال أبو نواس

) على يدي منك غيره ... أخاف إن رمت هذا ( ين من هذا الباب والثالث جاء تبعا فالبيتان األول والثا

وقد ورد يف القرآن الكرمي شيء من اللزوم إال أنه يسري جدا والطور وكتاب ( وقوله تعاىل ) اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق اإلنسان من علق ( فمن ذلك قوله تعاىل

وال جمنون أم يقولون فذكر فما أنت بنعمت ربك بكاهن( وكذلك ورد قوله تعاىل يف هذه السورة ) مسطور ) شاعر نتربص به ريب املنون

ا ليس منه كقوله تعاىل إن املتقني يف جنات ونعيم فاكهني ( ورمبا وقع بعض اجلهال يف هذا املوضع فأدخل فيه موهذا ال يدخل يف باب اللزوم ألن األصل فيه نعم وجحم والياء ) مبا آتاهم رهبم ووقاهم رهبم عذاب اجلحيم

روف املد واللني فال يعتد هبا ههنا هي من ح ) وأصحاب اليمني ما أصحاب اليمني يف سدر خمضود وطلح منضود ( ومن هذا الباب قوله تعاىل

وقاتلوهم حىت ال تكون فتنة ويكون الدين كله هللا فإن انتهو فإن اهللا مبا تعملون بصري ( وكذلك ورد قوله تعاىل ) نعم املوىل ونعم النصري وإن تولوا فاعلموا أن اهللا موالكم

يا أبت إين أخاف أن ميسك عذاب من ( وعلى هذا األسلوب جاء قوله تعاىل يف قصة إبراهيم عليه السالم ) الرمحن فتكون للشيطان وليا قال أراغب أنت عن آهليت يا إبراهيم لئن مل تنته ألرمجنك واهجرين مليا

بنا ما أطغيته ولكن كان يف ضالل بعيد قال ال ختتصموا لدي وقد قال قرينه ر( وعلى حنو هذا جاء قوله تعاىل ) قدمت إليكم بالوعيد

وال جتد أمثال ذلك يف القرآن إال قليال

النوع اخلامس يف املوازنة

وهي أن تكون ألفاظ الفواصل من الكالم املنثور متساوية يف الوزن وأن يكون صدر البيت الشعري وعجزه ا وللكالم بذلك طالوة ورونق وسببه االعتدال ألنه مطلوب يف مجيع األشياء وإذا كانت متساوي األلفاظ وزن

مقاطع الكالم معتدلة وقعت من النفس موقع االستحسان وهذا ال مراء فيه لوضوحه وهذا النوع من الكالم هو أخو السجع يف املعادلة دون املماثلة ألن يف السجع اعتداال وزيادة على االعتدال

متاثل أجزاء الفواصل لورودها على حرف واحد وأما املوازنة ففيها االعتدال املوجود يف السجع وال متاثل وهي يف فواصلها فيقال إذا كل سجع موازنة وليس كل موازنة سجعا وعلى هذا فالسجع أخص من املوازنة

Page 133: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

فاملستبني واملستقيم على ) املستقيم وآتينامها الكتاب املستبني وهدينامها الصراط ( فمما جاء منها قوله تعاىل وزن واحد

واختذوا من دون اهللا آهلة ليكونوا هلم عزا كال سيكفرون ( وكذلك قوله تعاىل يف سورة مرمي عليها السالم بعبادهتم ويكونون عليهم ضدا أمل تر أنا أرسلنا الشياطني على الكافرين تؤزهم أزا فال تعجل عليهم إمنا نعد هلم

) عدا من أعرض عنه فإنه حيمل يوم القيامة وزرا خالدين فيه وساء هلم يوم القيامة ( كذلك قوله تعاىل يف سورة طه و

) محال والذين حياجون يف اهللا من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة ( وكذلك ورد قوله تعاىل يف سورة حم عسق

باحلق وامليزان وما يدريك لعل الساعة عند رهبم وعليهم غضب وهلم عذاب شديد اهللا الذي أنزل الكتابقريب يستعجل هبا الذين ال يؤمنون هبا والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أهنا احلق أال إن الذين ميارون يف

الساعة لفي ضالل بعيد اهللا لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو القوي العزيز من كان يريد حرث اآلخرة نزد له د حرث الدنيا نؤته منها وما له يف اآلخرة من نصيب أم هلم شركاء شرعوا هلم من الدين يف حرثه ومن كان يري

ما مل يأذن به اهللا ولوال كلمة الفصل لقضي بينهم وإن الظاملني هلم عذاب أليم ترى الظاملني مشفقني مما كسبوا عند رهبم ذلك هو الفضل وهو واقع هبم والذين آمنوا وعملوا الصاحلات يف روضات اجلنات هلم ما يشاءون

" نصيب " و " عزيز " و " بعيد " و " قريب " و " شديد " وهذه اآليات مجيعها على وزن واحد فإن ) الكبري كل ذلك على وزن فعيل وإن اختلف حروف املقاطع اليت هي فواصلها " كبري " و " أليم " و

النهج حىت إنه ال ختلو منه سورة من السور ولقد وأمثال هذا يف القرآن كثري بل معظم آياته جارية على هذا تصفحته فوجدته ال يكاد خيرج منه شيء عن السجع واملوازنة

وأما ما جاء من هذا النوع شعرا فقول ربيعة بن ذؤابة ) بعتيبة بن الحرث بن شهاب ... إن يقتلوك فقد ثلت عروشهم ( ) وأعزهم فقدا على األصحاب ... م بأسا على أصحابه بأشده(

فالبيت الثاين هو املختص باملوازنة فإن بأسا وفقدا على وزن واحد

النوع السادس يف اختالف صيغ األلفاظ واتفاقها

ولقد لقيت مجاعة من مدعي فن وهو من هذه الصناعة مبنزلة علية ومكانة شريفة وجل األلفاظ اللفظية منوطة به الفصاحة وفاوضتهم وفاوضوين وسألتهم وسألوين فما وجدت أحدا منهم تيقن معرفة هذا املوضع كما ينبغي

ا وقد استخرجت فيه أشياء مل أسبق إليها وسيأيت ذكرها ههنزان إىل وزن آخر وإن أما اختالف صيغ األلفاظ فإهنا إذا نقلت من هيئة إىل هيئة كنقلها مثال من وزن من األو

كانت اللفظة واحدة أو كنقلها من صيغة االسم إىل صيغة الفعل أو من صيغة الفعل إىل صيغة االسم أو كنقلها من املاضي إىل املستقبل أو من املستقبل إىل املاضي أو من الواحد إىل التثنية أو إىل اجلمع أو إىل النسب أو إىل

وحسنها صار قبحا غري ذلك انتقل قبحها فصار حسنا

Page 134: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

فمن ذلك لفظة خود فإهنا عبارة عن املرأة الناعمة وإذا نقلت إىل صيغة الفعل قيل خود على وزن فعل بتشديد العني ومعناها أسرع يقال خود

البعري إذا أسرع فهي على صيغة االسم حسنة رائقة وقد وردت يف النظم والنثر كثريا وإذا جاءت على صيغة نة كقول أيب متام الفعل مل تكن حس

) رتك النعام رأى الظالم فخودا ... وإلى بني عبد الكرمي تواهقت ( وهذا يقال عليه أشباهه وأنظاره إال أن هذه اللفظة اليت هي خود قد نقلت عن احلقيقة إىل اجملاز فخف عنها

ذلك القبح قليال كقول بعض شعراء احلماسة ) رويدك لما تشفقي حني مشفق ... أقول لنفسي حني خود رألها ( ) غيابة هذا البارق المتألق ... رويدك حتى تنظري عم تنجلي (

فراره وفزعه وملا أورده على والرأل النعام واملراد به ههنا أن نفسه فرت وفزعت وشبه ذلك بإسراع النعام يفحكم اجملاز خف بعض القبح الذي على لفظة خود وهذا يدرك بالذوق الصحيح وال خفاء مبا بني هذه اللفظة

يف إيرادها ههنا وإيرادها يف بيت أيب متام فإهنا وردت يف بيت أيب متام قبيحة مسحة ووردت ههنا بني بني ثالثي ال ثقل هبا على اللسان ومع ذلك فال تستعمل على صيغتها ومن هذا النوع لفظة ودع وهي فعل ماض

املاضية إال جاءت غري مستحسنة ولكنها تستعمل مستقبلة وعلى صيغة األمر فتجيء حسنة أما األمر فكقوله ومل تأت يف القرآن الكرمي إال على هذه الصيغة وأما كوهنا ) فدعهم خيوضوا ويلعبوا ( تعاىل

لو مد لنا الشهر لواصلنا وصاال يدع له ( نيب وقد واصل يف شهر رمضان فواصل معه قوم مستقبلة فكقول ال وقال أبو الطيب املتنيب ) املتعمقون تعمقهم

) والضرب يأخذ منكم فوق ما يدع ... تشقكم بقناها كل سلهبة ( ال شاذا وال حسن له كقول أيب العتاهية وأما املاضي من هذه اللفظة فلم يستعمل إ

) شيئا من الثروة اليت جمعوا ... أثروا فلم يدخلوا قبورهم ( ا قدموا ألنفسهم ( ) أعظم نفعا من الذي ودعوا ... وكان م

ة شيء وهذه لفظة واحدة مل يتغري من حاهلا شيء سوى أهنا وهذا غري حسن يف االستعمال وال عليه من الطالو نقلت من املاضي إىل املستقبل ال غري

ال تستعمل ماضية وتستعمل على صيغة األمر كقول تعاىل ) ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ( وكذلك لفظة وذر فإهنا فهي مل ترد يف القرآن ) وال تذر سأصليه سقر وما أدراك ما سقر ال تبقي ( وتستعمل مستقبلة أيضا كقوله تعاىل

إال على هاتني الصيغتني وكذلك يف فصيح الكالم غري القرآن وأما إذا جاءت على صيغة املاضي فإهنا ال تستعمل وهي أقبح من لفظة ودع ألن لفظة ودع قد استعملت ماضية وهذه مل تستعمل

وايا خبايا وإذا أنعموا الفكر يف أسرار األلفاظ وههنا فلينعم اخلائضون يف هذا الفن نظرهم ويعلموا أن يف الز عند االستعمال وأغرقوا يف االعتبار والكشف وجدوا غرائب وعجائب

Page 135: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

ومن هذا النوع لفظة األخدع فإهنا وردت يف بيتني من الشعر وهي يف أحدمها حسنة رائقة ويف اآلخر ثقيلة مستكرهة كقول الصمة بن عبد اهللا من شعراء احلماسة

) وجعت من اإلصغاء ليتا وأخدعا ... لفت نحو الحي حتى وجدتني ت( وكقول أيب متام

) أضججت هذا األنام من خرقك ... يا دهر قوم من أخدعيك فقد ( على السمع والكراهة يف النفس أضعاف ما وجد هلا من أال ترى أنه وجد هلذه اللفظة يف بيت أيب متام من الثقل

بيت الصمة بن عبد اهللا بن الروح واخلفة واإليناس والبهجة وليس سبب ذلك إال أهنا جاءت موحدة يف أحدمها مثناة يف اآلخر وكانت حسنة يف حالة اإلفراد مستكرهة يف حالة التثنية وإال فاللفظة واحدة وإمنا اختالف

هبا ما ترى صيغتها فعل ومن هذا النوع ألفاظ يعدل عن استعماهلا من غري دليل يقوم على العدول عنها وال يستفيت يف ذلك إىل الذوق

السليم وهذا موضع عجيب ال يعلم كنه سره فمن ذلك لفظة اللب الذي هو العقل ال لفظة اللب الذي حتت القشر فإهنا ال حتسن يف االستعمال إال جمموعة

وليتذكر أولو ( دت يف القرآن الكرمي يف مواضع كثرية وهي جمموعة ومل ترد مفردة كقوله تعاىل وكذلك ور

وأشباه ذلك وهذه اللفظة الثالثية خفيفة على النطق ) إن يف ذلك لذكرى ألويل األلباب ( و ) األلباب ا إليها أما وخمارجها بعيدة وليست مبستثقلة وال مكروهة وقد تستعمل مفردة بشرط أن تكون مضا فة أو مضاف

كوهنا مضافا إليها فكقولنا ال يعلم ذلك إال ذو لب وإن يف ذلك لعربة لذي لب وعليه ورد قول جرير ) قتلننا ثم لم يحيني قتالنا ... إن العيون التي يف طرفها حور ( ) وهن أضعف خلق اهللا أركانا ... ه يصرعن ذا اللب حتى ال حراك ب(

ما رأيت ناقصات عقل ودين أذهب للب احلازم من إحداكن ( وأما كوهنا مضافة فكقول النيب يف ذكر النساء فإن كانت هذه اللفظة عارية عن اجلمع أو اإلضافة فإهنا ال تأيت حسنة وال جتد دليال على ) يا معشر النساء

رد الذوق الصحيح وإذا تأملت القرآن الكرمي ودققت النظر يف رموزه وأسراره وجدت مثل هذه ذلك إال جماللفظة قد روعي فيها اجلمع دون اإلفراد كلفظة كوب فإهنا وردت يف القرآن جمموعة ومل ترد مفردة وهي وإن

ظ أخر تندرج معهن مل تكن مستقبحة يف حال إفرادها فإن اجلمع فيها أحسن لكن قد ترد مفردة مع ألفا فيكسوها ذلك حسنا ليس هلا وذلك كقويل يف مجلة أبيات أصف هبا اخلمر وما جيري معها من آالهتا

) كأس وكوب وقدح ... ثالثة تعطي الفرح ( ) إال وللهم ذبح ... ما ذبح الذوق بها (

س والقدح على هذا األسلوب حسنها وكأنه جالها يف غري لباسها الذي كان فلما وردت لفظة الكوب مع الكأ هلا إذ جاءت مبفردها

( وكذلك وردت لفظة رجا بالقصر والرجا اجلانب فإهنا مل تستعمل موحدة وإمنا استعملت جمموعة كقوله تعاىل فظة جمموعة ألبسها اجلمع ثوبا فلما وردت هذه الل) وامللك على أرجائها وحيمل عرش ربك فوقهم يومئذ مثانية

من احلسن مل يكن هلا يف حال كوهنا موحدة وقد تستعمل موحدة بشرط اإلضافة كقولنا رجا البئر

Page 136: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

ا ذكرته ههنا واقف ا ليس مبقيس وذلك أنه وقف على م ولرمبا أخطأ بعض الناس يف هذا املوضع وقاس عليه موجعل لكم من جلود ( ترد إال جمموعة كقوله تعاىل وكذلك قد وردت لفظة الصوف يف القرآن الكرمي ومل

وهذا ) األنعام بيوتا تستخفوهنا يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إىل حني خبالف ما وردت عليه يف شعر أيب متام

) مان الصوفا فكأنما لبس الز... كانوا برود زمانهم فتصدعوا ( وهذا ليس كالذي أشرت إليه فإن لفظة الصوف لفظة حسنة مفردة وجمموعة وإمنا أزرى هبا يف قول أيب متام أهنا

جاءت جمازية يف نسبتها إىل الزمان وعلى هذا النهج وردت لفظة خرب وأخبار فإن هذه اللفظة جمموعة أحسن منها مفردة ومل ترد يف القرآن إال

جمموعة ويف ضد ذلك ما ورد استعماله من األلفاظ مفردا ومل يرد جمموعا كلفظة األرض فإهنا مل ترد يف القرآن إال

مفردة فإذا ذكرت السماء جمموعة جيء هبا مفردة معها يف كل موضع من القرآن وملا أريد أن يؤتى هبا جمموعة ) وات ومن األرض مثلهن اهللا الذي خلق سبع مس( يف قوله تعاىل ) ومن األرض مثلهن ( قيل

( ومما ورد من األلفاظ مفردا فكان أحسن مما يرد جمموعا لفظة البقعة قال اهللا تعاىل يف قصة موسى عليه السالم واألحسن ) فلما أتاها نودي من شاطئ الوادي األمين يف البقعة املباركة من الشجرة أن يا موسى إين أنا اهللا

إن استعملت جمموعة فاألوىل أن تكون مضافة كقولنا بقاع األرض أو ما جرى استعماهلا مفردة ال جمموعة و جمراها

وكذلك لفظة طيف يف ذكر طيف اخليال فإهنا مل تستعمل إال مفردة وقد استعملها الشعراء قدميا وحديثا فلم ة على السمع ويا هللا يأتوا هبا إال مفردة ألن مجعها مجع قبيح فإن قيل طيوف كان من أقبح األلفاظ وأشدها كراه

العجب من هذه اللفظة ومن أختها عدة ووزنا وهي لفظة ضيف فإهنا تستعمل مفردة وجمموعة وكالمها يف ا االستعمال حسن ورائق وهذا مما ال يعلم السر فيه والذوق السليم هو احلاكم يف الفرق بني هاتني اللفظتني وم

جيري جمرامها حسنا واإلفراد فيه هو احلسن ومما جاء يف املصادر جمموعا قول عنترة وأما مجع املصادر فإنه ال جييء

ه ( م أنفث علي ) وإن يفقد فحق له الفقود ... فإن يبرأ فلقوله الفقود مجع مصدر من قولنا فقد يفقد فقدا واستعمال مثل هذه اللفظة غري سائغ وال لذيذ وإن كان جائزا

يف استعمال ما نستعمله من األلفاظ واقفون مع احلسن ال من اجلواز وحننوهذا كله يرجع إىل حاكم الذوق السليم فإن صاحب هذه الصناعة يصرف األلفاظ بضروب التصريف فما

عذب يف فمه منها استعمله وما لفظه فمه تركه أال ترى أنه يقال األمة بالضم عبارة عن اجلمع الكثري من الناس قال اإلمة بالكسر وهي النعمة فإن األمة بالضم لفظة حسنة وبالكسر ليست حبسنة واستعماهلا قبيح وي

ورأيت صاحب كتاب الفصيح قد ذكرها فيما اختاره من األلفاظ الفصيحة ويا ليت شعري ما الذي رآه من صدور مثل ذلك فصاحتها حىت اختارها وكذلك قد اختار ألفاظا أخر ليست بفصيحة وال لوم عليه ألن

الكتاب عنه كثري وأسرار الفصاحة ال تؤخذ من علماء العربية وإمنا تؤخذ منهم مسألة حنوية أو تصريفية أو

Page 137: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

نقل كلمة لغوية وما جرى هذا اجملرى وأما أسرار الفصاحة فلها قوم خمصوصون هبا رها من الفصيح فإن هذا وإذا شذ عن صاحب كتاب الفصيح ألفاظ معدودة ليست بفصيحة يف مجلة كثرية ذك

منه كثري ومما يذكر يف هذا الباب أنه يقال سهم صائب فإذا مجع اجلمع احلسن الذي يعذب يف الفم قيل سهام صوائب

وصائبات وصيب فإذا مجع اجلمع الذي يقبح قيل سهام صيب على وزن كتب قال أبو نواس ) العشية بي عينه تلك... ما أحل اهللا ما صنعت ( ) بسهام للردى صيب ... قتلت إنسانها كبدي (

فقوله سهام صيب من اللفظ الذي ينبو عنه السمع وحييد عنه اللسان ومثله ورد قول عويف القوايف من أبيات احلماسة

ا يحس رقاد ( ) نامت العواد مما شجاك و... ذهب الرقاد فمر األقياد ... لما أتاني من عيينة أنه ( ) أمست عليه تظاه

بن حمكان فقوله أقياد يف مجع قيد مما ال حيسن استعماله بل احلسن أن يقال يف مجعه قيود وكذلك قول مرة شهورة اليت أوهلا التميمي من أبيات احلماسة وذلك من مجلة األبيات امل

) ضمي إليك رحال القوم والقربا ... يا ربة البيت قومي غير صاغرة ( فقال فيها

) في جانب البيت أم نبني لهم قببا ... ماذا ترين أندنيهم ألرحلنا (

ال قبب وكذلك جيري األمر يف فإنه مجع قبة على قبب وذلك من املستبشع الكريه واألحسن املستعمل هو قباب غري هذا

ا خيتلف استعماله وإن كان متفقا يف لفظة واحدة كالعني الناظرة وعني الناس وهو النبيه فيهم فإن ومن اجملموع ماالستحسان ال إىل جائز الوضع العني الناظرة جتمع على عيون وعني الناس جتمع على أعيان وهذا يرجع فيه إىل

اللغوي وقد شذ هذا املوضع عن أيب الطيب املتنيب يف قوله

) والخيل في أعيانها قبل ... والقوم في أعيانهم خزر ( ا فجمع العني الناظرة على أعيان وكان الذوق يأىب ذلك وال جتد له على اللسان حالوة وإن كان جائز

ولوال خوف اإلطالة ألوردت من هذا النوع وأمثاله أشياء كثرية وكشفت عن رموز وأسرار ختفى على كثري من متعاطي هذا الفن لكن يف الذي أشرت إليه منبه ألهل الفطانة والذكاء أن حيملوه على أشباهه وأنظاره

حسنا وتارة جتد مجعه حسنا وتارة وأعجب من ذلك كله أنك ترى وزنا واحدا من األلفاظ فتارة جتد مفرده جتدها مجيعا حسنني فاألول حنو حربور وهو فرخ احلبارى فإن هذه اللفظة حيسن مفردها ال جمموعها ألن مجعها على حبارير وكذلك طنبور وطنابري وعرقوب وعراقيب وأما الثاين فنحو هبلول وهباليل وهلموم وهلاميم وهذا

ور ومجاهري وعرجون وعراجني فانظر إىل الوزن الواحد كيف خيتلف يف أحواله ضد األول وأما الثالث فنحو مجها جييء يف هذا الباب مفردا وجمموعا وهذا من أعجب م

Page 138: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

وهكذا قد جاءت ألفاظ على وزن واحد ثالثية مسكنة الوسط ومجيعها حسن يف االستعمال وإذا أردنا أن نثقل وسطها حسن منها شيء دون شيء

لثلث والربع إىل العشر فإن اجلميع على وزن واحد وإذا ثقلنا أوساطها فقلنا ثلث وربع ومخس فمن ذلك لفظة اوكذلك إىل عشر فإن احلسن من ذلك مجيعه ثالثة وهي الثلث واخلمس والسدس والباقي وهو الربع والسبع

جلميع حسن يف والثمن والتسع والعشر ليس كاألول يف حسنه هذا واجلميع على وزن واحد وصيغة واحدة وا االستعمال قبل أن يثقل وسطه وملا ثقل صار بعضه حسنا وبعضه غري حسن

وكذلك جتد األمر يف أمساء الفاعلني كالثالثي منها حنو فعل بفتح الفاء والعني وفعل بفتح الفاء وكسر العني تح الفاء والعني فليس له إال وفعل بفتح الفاء وضم العني فإن هذه األوزان الثالثة هلا أمساء فاعلني أما فعل بف

اسم واحد أيضا وهو فاعل ال غري وال يقع فيه اختالف وكذلك فعل بفتح الفاء وضم العني فليس له إال اسم واحد أيضا وهو فعيل وال يقع فيه اختالف إال ما شذ لكن فعل بفتح الفاء وكسر العني يقع يف اسم فاعله

ثة أوزان حنو فاعل وفعل وفعالن تقول منه محد فهو حامد ومحد االختالف استحسانا واستقباحا ألن له ثالومحدان وقد جاء على وزنه فرح تقول منه فرح زيد فهو فرح وهو األحسن وال حيسن أن يقال فارح وال

فرحان وإن كان جائزا لكن فرحان أحسن من فارح وقد وردت هذه اللفظة يف القرآن الكرمي فال تستعمل إال ال غري وقد ) إن اهللا ال حيب الفرحني ( وكقوله تعاىل ) كل حزب مبا لديهم فرحون ( كقوله تعاىل على فرح

جاءت هذه اللفظة يف شعر بعض شعراء احلماسة يف باب املراثي ) وال بسرور بعد موتك فارح ... فما أنا من حزن وإن جل جازع (

استعماله وهذا غري حسن وإن جاز وعلى حنو منه يقال غضب وهو غضبان غضبان وال يقال غاضب وإن كان

جائزا وقد تقدم القول أنا يف تأليف الكالم بصدد استعمال احلسن واألحسن ال بصدد استعمال اجلائز وغري اجلائز

أنك تقول قعدت إىل ومما جيري هذا اجملرى قولنا فعل وافتعل فإن لفظة فعل هلا موضع تستعمل فيه أال ترى فالن أحدثه وال تقول اقتعدت إليه وكذلك تقول اقتعدت غارب اجلمل وال تقول قعدت على غارب اجلمل

وإن جاز ذلك لكن األول أحسن وهذا ال حيكم فيه غري الذوق السليم فإنه ال ميكن أن يقام عليه دليل نا اعشوشب فلفظة افعوعل للتكثري على أين وأما فعل وافعوعل فإنا نقول أعشب املكان فإذا كثر عشبه قل

استقريت هذه اللفظة يف كثري من األلفاظ فوجدهتا عذبة طيبة على تكرار حروفها كقولنا اخشوشن املكان واغرورقت العني واحلوىل الطعم وأشباهها

ن تكون حسنة وأما فعلة حنو مهزة وملزة وجثمة ونومة ولكنة وجلنة وأشباه ذلك فالغالب على هذه اللفظة أ وهذا أخذته باالستقراء ويف اللغة مواضع كثرية هكذا ال ميكن استقصاؤها

فانظر إىل ما يفعله اختالف الصيغة باأللفاظ وعليك أن تتفقد أمثال هذه املواضع لتعمل كيف تضع يدك يف ر إذا مرت به ألفاظ استعماهلا فكثريا ما يقع فحول الشعراء واخلطباء يف مثلها ومؤلف الكالم من كاتب وشاع

عرضها على ذوقه الصحيح فما جيد احلسن منها جمموعا مجعه وكذلك جيري احلكم فيما سوى ذلك من األلفاظ

Page 139: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

النوع السابع يف املعاظلة اللفظية

واملعاظلة معاظلتان لفظية ومعنوية ذ من هناك أما املعنوية فسيأيت ذكرها يف باب التقدمي والتأخري ومن املقالة الثانية فليؤخ

وأما املعاظلة اللفظية وهي املخصوصة بالذكر ههنا يف باب صناعة األلفاظ وحقيقتها مأخوذة من قوهلم تعاظلت اجلرادتان إذا ركبت إحدامها األخرى فسمي الكالم املتراكب يف ألفاظه أو يف معانيه املعاظلة مأخوذا من ذلك

وهو اسم الئق مبسماه ال يعاظل بني الكالم ووصف عمر بن اخلطاب رضي اهللا عنه زهري بن أيب سلمى فقال كان

وقد اختلف علماء البيان يف حقيقة املعاظلة فقال قدامة بن جعفر الكاتب التعاظل يف الكالم هو أن يدخل بعض الكالم فيما ليس من جنسه وال أعرف

ذلك إال فاحش االستعارة كقول أوس بن حجر ) تصمت بالماء تولبا جدعا ... اشرها وذات هدم عار نو(

فسمي الظيب تولبا والتولب ولد احلمار ذهب إليه صوابا لكانت حقيقة املعاظلة دخول الكالم هذا ما ذكره قدامة بن جعفر وهو خطأ إذ لو كان ما

وهلم تعاظلت اجلرادتان إذا فيما ليس من جنسه وليست حقيقتها هذه بل حقيقتها ما تقدم وهو التراكب من ق ركبت إحدامها األخرى وهذا املثال الذي مثل به قدامة ال تركب يف ألفاظه وال يف معانيه

يما ذهب إليه إال أنه مل يقسم املعاظلة إىل لفظية ومعنوية ولكنه ضرب هلا مثاال وأما غري قدامة فإنه خالفه ف كقول الفرزدق

) أبو أمه حي أبوه يقاربه ... ال مملكا وما مثله يف الناس إ( وهذا من القسم املعنوي ال من القسم اللفظي أال ترى إىل تراكب معانيه بتقدمي ما كان جيب تأخريه وتأخري ما

ثله يف الناس حي يقاربه إال مملكا أبو أمه أبوه وسيجيء شرح ذلك كان جيب تقدميه ألن األصل يف معناه وما م مستوىف يف بابه من املقالة الثانية إن شاء اهللا تعاىل

وإذ حققت القول يف بيان املعاظلة والكشف عن حقيقتها فإين أتبع ذلك بتقسيم القسم اللفظي منها الذي أنا بصدد ذكره ههنا فأقول

فوجدهتا تنقسم إىل مخسة أقسام إين تأملته باالستقراء من األشعار قدميها وحمدثها ومن النظر يف حقيقتها نفسها األول منها خيتص بأدوات الكالم حنو من وإىل وعن وعلى وأشباهها فإن منها ما يسهل النطق به إذا ورد مع

أخواته ومنها ما ال يسهل بل يرد ثقيال على اللسان ولكل موضع خيصه من السبك

فمما جاء منه قول أيب متام ) مرافقها من عن كراكرها نكب ... أرحبية إلى خالد راحت بنا(

فقوله من عن كراكرها من الكالم املتعاظل الذي يثقل النطق به على أنه قد وردت هاتان اللفظتان ومها من وعن يف موضع آخر فلم يثقل النطق هبما كقول القائل من عن ميني الطريق والسبب يف ذلك أهنما وردتا يف

Page 140: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

بيت أيب متام مضافتني إىل لفظة الكراكر فثقلت منهما وجعلتهما مكروهتني كما ترى وإال فقد وردتا يف شعر قطري بن الفجاءة فكانتا خفيفتني كقوله

) من عن يميني مرة وأمامي ... ولقد أراني للرماح دريئة ( ا سبكت هاتان اللفظتان أو ما جيري جمرامها مع ألفاظ تسهل منهما مل واألصل يف ذلك راجع إىل السبك فإذ

يكن هبما من ثقل كما جاءتا يف بيت قطري إذا سبكتا مع ألفاظ تثقل منهما جاءتا كما جاءتا يف بيت أيب متام ومن هذا القسم قول أيب متام أيضا

ه روح في كل ج... كأنه الجتماع الروح فيه له ( ) ارحة من جسم فقوله يف بعد قوله فيه له مما ال حيسن وروده

وكذلك ورد قول أيب الطيب املتنيب ) سبوح لها منها عليها شواهد ... وتسعدني في غمرة بعد غمرة (

فقوله هلا منها عليها من الثقيل الثقيل الثقيل له وكذلك قو

) وجدواه التي سألوا اغتفار ... تبيت وفودهم تسري إليه ( ) وهامهم له معهم معار ... فخلفهم برد البيض عنهم (

وقوله وهامهم له معهم مما يثقل النطق به ويتعثر اللسان فيه لكنه أقرب حاال من األول احلسن يف هذا املوضع قول أيب متام ومن

) في الركب إال وعيني من منائحها ... دار أجل الهوى عن أن ألم بها ( فقوله عن أن يف هذا البيت من اخلفيف احلسن الذي ال بأس به ك مما يتعلق بتكرير األلفاظ وال بتكرير املعاين القسم الثاين من املعاظلة اللفظية ختتص بتكرير احلروف وليس ذل

مما يأيت ذكره يف باب التكرير يف املقالة الثانية وإمنا هو تكرير حرف واحد أو حرفني يف كل لفظة من ألفاظ الكالم املنثور أو املنظوم فيثقل حينئذ النطق به

فمن ذلك قول بعضهم

ر ول... وقبر حرب بمكان قفر ( ب قبر حرب قب ) يس قر فهذه القافات والراآت كأهنا يف تتابعها سلسلة وال خفاء مبا يف ذلك من الثقل

وكذا ورد قول احلريري يف مقاماته ي العرف عرفانه ... وازور من كان له زائرا ( ) وعاف عاف

التكرير املشار إليه فقوله وعاف عاىف العرف عرفانه من وكذلك ورد قوله أيضا يف رسالتيه اللتني صاغهما على حرف السني والشني فإنه أتى يف إحدامها بالسني يف كل

لفظة من ألفاظها وأتى يف األخرى بالشني يف كل لفظة من ألفاظها فجاءتا كأهنما رقى العقارب أو خذروفة بح على مثل احلريري مع معرفته باجليد والرديء من الكالم العزائم وما أعلم كيف خفي ما فيهما من الق

وحيكى عن بعض الوعاظ أنه قال يف مجلة كالم أورده جىن جنات وجنات احلبيب فصاح رجل من احلاضرين يف

Page 141: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

اجمللس وماد وتغاشى فقال له رجل كان إىل جانبه ما الذي مسعت حىت حدث بك هذا فقال مسعت جيما يف جيم يف جيم فصحت

وهذا من أقبح عيوب األلفاظ ومما جاء منه قول أيب الطيب املتنيب يف قصيدته اليت مطلعها

... ) أتراها لكثرة العشاق ( ) راءها غير جفنها غير راقي ... كيف ترثي التي ترى كل جفن (

الصرع اليت تنوب يف بعض األيام وهذا وأمثاله إمنا يعرض لقائله يف نوبة ومن هذا القسم قول الشاعر املعروف بكشاجم يف قصيدته اليت مطلعها

... ) داو خماري بكأس خمر ( ) ما بين نظم وبين نثر ... والزهر والقطر في رباها ( ) ها خيط كل قطر حل ب... حدائق كف كل ريح (

وهذا البيت حيتاج الناطق به إىل بركار يضعه يف شدقه حىت يديره له وعلى هذا األسلوب ورد قول بعضهم وهو البيت املشهور الذي يتذاكره الناس

) مليح مانع مني مرادي ... مللت مطال مولود مفدى ( عقد متصلة بعضها ببعض وهذه امليمات كأهنا

وكان بعض أهل األدب من أهل مصرنا هذا يستعمل هذا القسم يف ألفاظه كثريا يف كالمه نثرا ونظما وذلك لعدم معرفته بسلوك الطريق

وأنا أذكر نبذة من ذلك كقوله يف وصف رجل سخي أنت املديح كبدا تريح واملليح إن جتهم املليح بالتكليح يفوق إذ يروق مرأى لوح يا مغبوق كأس احلمد يا مصبوح ضاق عن نداك اللوح وببابك عند سائل تلوح بل

املفتوح تستريح وتريح ذا التربيح وترفه الطليح

فانظر إىل حرف احلاء كيف قد لزمه يف كل لفظة من هذه األلفاظ فجاءكما تراءه من الثقل والغثاثة د عدلوا عن تكرير احلروف يف كثري من كالمهم وذاك أنه إذا واعلم أن العرب الذين هم األصل يف هذه اللغة ق

تكرر احلرف عندهم أدغموه استحسانا فقالوا يف جعل لك جعلك ويف تضربونين تضربوين وكذلك قالوا استعد فالن لألمر فإذا تأهب له واألصل فيه استعدد واستتب األمر إذا هتيأ واألصل فيه استتبب وأشباه ذلك كثري يف

حىت إهنم لشدة كراهتهم لتكرير احلروف أبدلوا أحد احلرفني املكررين حرفا آخر غريه فقالوا أمليت كالمهمالكتاب واألصل فيه أمللت فأبدلوا الالم ياء طلبا للخفة وفرارا من الثقل وإذا كان قد فعلوا ذلك يف اللفظة

الواحدة فما ظنك باأللفاظ الكثرية اليت يتبع بعضها بعضا ثالث من املعاظلة أن ترد ألفاظ على صيغة الفعل يتبع بعضها بعضا فمنها ما خيتلف بني ماض ومستقبل القسم ال

ومنها ما ال خيتلف فاألول كقول القاضي األرجاين يف أبيات يصف فيها الشمعة وفيها معىن هو له مبتدع ومل يسمع من غريه وذلك

ذي ريب معه يف بيت واحد وإن النار فرقت بينه وبينه وإنه أنه قال عن لسان الشمع إنه ألف العسل وهو أخوه ال

Page 142: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

نذر أن يقتل نفسه بالنار أيضا من أمل الفراق إال أنه أساء العبارة فقال ) وبها نذرت أعود أقتل روحي ... بالنار فرقت احلوادث بيننا (

ها فقوله ندرت أعود أقتل من املعاظلة املشار إلي وأما ما يرد على هنج واحد من الصيغة الفعلية فكقول أيب الطيب املتنيب

) زد هش بش تقضل أدن سرصل ... أقل أنل اقطع احمل عل سل أعد ( ذا تكرير فهذه ألفاظ جاءت على صيغة واحدة وهي صيغة األمر كأنه قال افعل افعل هكذا إىل آخر البيت وه

للصيغة وإن مل يكن تكريرا للحروف إال أنه أخوه وال أقول ابن عمه وهذه ألفاظ متراكبة متداخلة ولو عطفها بالواو لكانت أقرب حاال كما قال عبد السالم بن رغبان

... ) فسد الناس فاطلب الرزق بالسيف وإال فمت شديد اهلزال ( ... ) وامرر وضر وانفع ولن واخشن وأبرر ثم انتدب للمعالي احل(

أال ترى أنه ملا عطف ههنا بالواو مل تتراكب األلفاظ كتراكبها يف بيت أيب الطيب املتقدم ذكره رد ذلك يف القرآن فإن قيل إنك جعلت ما كان واردا على صيغة واحدة على سبيل التكرار معاظلة وقد و

فإذا انسلخ األشهر احلرم فاقتلوا املشركني حيث وجدمتوهم وخذوهم واحصروهم ( الكرمي كقوله تعاىل ولو كان معاظلة ملا ورد يف القرآن الكرمي مثله ) واقعدوا هلم كل مرصد

الكثري والقليل فإذا فاجلواب عن ذلك أين أقول هذه اآلية ليست كالذي أنكرته فإن هذا املوضع ينظر فيه إىل ا يفصل بني صيغة بواو العطف يكون أقل ثقال مما ال كثر كان تعاظال لتراكبه وثقله على النطق وقد عرفتك أن ميفصل والذي أنكرته من ذلك هو أن تأيت ألفاظ مكررة على صيغة واحدة كأهنا عقد متصلة فحينئذ يثقل املنطق

طيب املتنيب وأما هذه اآلية املشار إليها فإهنا خارجة عن هذا احلكم أال هبا ويكره موقعها من السمع كبيت أيب الترى أهنا ملا وردت ألفاظها على صيغة واحدة فرق بينها بواو العطب مث مع التفريق بينهما بواو العطف مل يرد

( كالم آخر فقيل وأما الصيغة األوىل فإهنا أضيف إليها) خذوهم واحصروهم ( التكرير فيها إال بني ثنتني ومها ومل يقل اقتلوا املشركني وخذوهم مث ملا جاءت الصيغة الرابعة أضيف إليها ) اقتلوا املشركني حيث وجدمتوهم

ال جرم أن اآلية جاءت غري ثقيلة على النطق مع توارد صيغة ) واقعدوا هلم كل مرصد ( كالم آخر أيضا فقيل تنبه هلا يف استعمال األلفاظ إذا جاءت هكذا األمر فيها أربع مرار وهذه رموز ينبغي أن ي

القسم الرابع من املعاظلة وهو الذي يتضمن مضافات كثرية كقوهلم سرج فرس غالم زيد وإن زيد على ذلك قيل لبد سرج فرس غالم زيد وهذا أشد قبحا وأثقل على اللسان وعليه ورد قول ابن بابك الشاعر يف مفتتح

قصيدة له ) فأنت بمرأى من سعاد ومسمع ... عا حومة الجندل اسجعي حمامة جر(

القسم اخلامس من املعاظلة أن ترد صفات متعددة على حنو واحد كقول أيب متام يف قصيدته اليت مطلعها ... ) ما لكثيب الحمى إلى عقده (

فقال يصف مجال

Page 143: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

) إذا ما استحم من نجده ... ق بابن خرقاء كاهليق سأخرق الخر( ) لوحك من عجبه إلى كتده ... مقابل في الجديل صلب القرا ( ه محزئله أجده ... تامكه نهده مداخله ( ) ملموم

املعاظلة اليت قلع األسنان دون إيرادها فالبيت الثالث من وكذلك قال من هذه القصيدة يصف رحما

تن يوم الوغى جسده ... ومر تهفوا ذؤابتاه على ( ) أسمر م

) عراصه يف األكف مطرده ... مارنه لدنه مثقفه ( ا أسخفه يف بعض األحوال وهذا كاألول يف قبحه وثق له فقاتله اهللا ما أمنت شعره وم

وعلى هذا جاء من هذه القصيدة أيضا يصف املمدوح ) الشؤبوب يأتي الحمام من نضده ... إليك عن سيل عارض خضل ( ) ده وابله مستهله جر... مسفه ثره مسحسحه (

ولو مل يكن أليب متام من القبيح الشنيع إال هذه األبيات حلطت من قدره وعلى هذا ورد قول أيب الطيب املتنيب

) أغر حلو ممر لين شرس ... دان بعيد محب مبغض بهج (

) رضى ندس جعد سري ندب ... ند أبي غر واف أخي ثقة ( وهذا كأنه سلسلة بال شك وقليال ما يوجد يف أشعار الشعراء ومل أجده كثريا إال يف شعر الفرزدق وتلك

معاظلة معنوية وسيأيت بياهنا يف باهبا وهذه معاظلة لفظية وهي توجد يف شعر أيب الطيب كثريا

النوع الثامن

يف املنافرة بني األلفاظ يف السبك

ا يقال إنه ينبغي أال تكون األلفاظ نافرة عن وهذا النوع مل حيقق أحد من علماء البيان القول فيه وغاية ممواضعها مث يكتفي هبا القول من غري بيان وال تفصيل حىت إنه قد خلط هذا النوع باملعاظلة وكل منهما نوع

جاهل ال يعلم مفرد برأسه له حقيقيه ختصه إال أهنما قد اشتبها على علماء البيان فكيف على وقد بينت هذا النوع وفصلته عن املعاظلة وضربت له أمثلة يستدل هبا على أخواهتا وما جيري جمراها

ومجلة األمر أن مدار سبك األلفاظ على هذا النوع والذي قبله دون غريمها من تلك األنواع املذكورة ألن إذا مل يكن الناثر أو الناظم عارفا هبما فإن مقاتله هذين النوعني أصال سبك األلفاظ وما عدامها فرع عليهما و

تبدو كثريا وحقيقة هذا النوع الذي هو املنافرة أن يذكر لفظ أو ألفاظ يكون غريها مما هو يف معناها أوىل بالذكر

Page 144: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

على ما وعلى هذا فإن الفرق بينه وبني املعاظلة أن املعاظلة هي التراكب والتداخل إما يف األلفاظ أو يف املعاين أشرت إليه وهذا النوع ال تراكب فيه وإمنا هو إيراد ألفاظ غري الئقة مبوضعها الذي ترد فيه

وهو ينقسم قسمني أحدها يوجد يف اللفظة الواحدة واآلخر يف األلفاظ املتعددة اه سواء كان ذلك فأما الذي يوجد يف اللفظة الواحدة فإنه إذا أورد يف الكالم أمكن تبديله بغريه مما هو يف معن

نثرا أو نظما وأما الذي يوجد يف األلفاظ املتعددة فإنه ال ميكن تبديله بغريه يف الشعر بل ميكن ذلك يف النثر خاصة ألنه يعسر

يف الشعر من أجل الوزن فمما جاء من القسم األول قول أيب الطيب املتنيب

) وال يحلل األمر الذي هو يبرم ...فال يبرم األمر الذي هو حالل ( فلفظة حالل نافرة عن موضعها وكانت له مندوحة عنها ألنه لو استعمل عوضا عنها لفظة ناقض فقال

) وال ينقض األمر الذي هو يبرم ... فال يبرم األمر الذي هو ناقض ( مكاهنا غري قلقة وال نافرة جلاءت اللفظة قارة يف

وبلغين عن أيب العالء بن سليمان املعري أنه كان يتعصب أليب الطيب حىت إنه كان يسميه الشاعر ويسمي غريه من الشعراء بامسه وكان يقول ليس يف شعره لفظة ميكن أن يقوم عنها ما هو يف معناها فيجيء حسنا مثلها فيا

املشار إليه لكن اهلوى كما يقال أعمى وكان أبو العالء أعمى العني خلقة ليت شعري أما وقف على هذا البيت وأعماها عصبية فاجتمع له العمى من جهتني

وهذه اللفظة اليت هي حالل وما جيري جمراها قبيحة االستعمال وهي فك اإلدغام يف الفعل الثالثي ونقله إىل اسم بالل وال سل السيف فهو سالل وال أن يقال هم باألمر فهو الفاعل وعلى هذا فال حيسن أن يقال بل الثوب فهو

حن إىل كذا فهو حانن وهذا لو عرض على من ال ذوق له ألدركه هامم وال خط الكتاب فهو خاطط وال وفهمه فكيف من له ذوق صحيح كأيب الطيب لكن ال بد لكل جواد من كبوة

وأنشد بعض األدباء بيتا لدعبل وهو ) يصونك عن مكروهها وهو خيلق ... اشكر يف الحوائج إنه شفيعك ف(

فقلت له عجز هذا البيت حسن وأما صدره فقبيح ألنه سبكه قلقا نافرا وتلك الفاء اليت يف قوله شفيك فاشكر يأيها املدثر ( اه كقوله تعاىل كأهنا ركبة البعري وهي يف زيادهتا كزيادة الكرش فقال هلذه الفاء يف كتاب اهللا أشب

فقلت له بني هذه الفاء وتلك الفاء فرق ظاهر يدرك بالعلم أوال وبالذوق ) قم فأنذر وربك فكرب وثيابك فطهر وهي ) قم فأنذر ( هي الفاء العاطفة فإهنا واردة بعد ) وربك فكرب وثيابك فطهر ( ثانيا أما العلم فإن الفاء يف ل فأبلغ وليست الفاء اليت يف شفيعك فاشكر كهذه الفاء ألن تلك زائدة ال موضع مثل قولك امش فأسرع وق

دعبل وحاش هللا من ذلك البتدئ الكالم فقيل ربك فكرب وثيابك فطهر هلا ولو جاءت يف السورة كما جاءت ذوق فإنه وأما ال) وربك فكرب وثيابك فطهر ( حسن ذكرها فيما يأيت بعدها ) قم فأنذر ( لكنها ما جاءت بعد

ينبوا عن الفاء الواردة يف قول دعبل ويستثقلها وال يوحد ذلك يف الفاء الواردة يف السورة فلما مسع ما ذكرته أذعن بالتسليم

Page 145: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

ومثل هذه الدقائق اليت ترد يف الكالم نظما كان أو نثرا ال يتفطن هلا إال الراسخ يف علم الفصاحة والبالغة ع وهو حمسوب من جائزات الشعر اليت ال جتوز يف الكالم املنثور وكذلك قطع ومن هذا القسم وصل مهزة القط

مهزة الوصل لكن وصل مهزة القطع أقبح ألنه أثقل على اللسان

فمما ورد من ذلك قول أيب متام ) أفاد الغنى من نائلي وفوائدي ... قراين اللها والود حتى كأنما ( ) بإعظام مولود ورأفة والد ... فأصبح يلقاني الزمان من آجله (

فقوله من آجله وصل اهلمزة القطع وعليه ورد قول أيب الطيب املتنيب

) طالب الطالبني ال االنتظار ... توسطه المفاوز كل يوم ( نتظار كالم نافر عن موضعه فقوله ال اال

ومن هذا القسم أن يفرق بني املوصوف والصفة بضمري من تقدم ذكره كقول البحتري ) وبالوجد من قلبي بها املتعلق ... حلفت لها بالله يوم التفرق (

قليب والصفة اليت هي املتعلق بالضمري الذي هو هبا تقديره من قليب املتعلق هبا فلما فصل بني املوصوف الذي هو قبح ذلك ولو كان قال من قلب هبا متعلق لزال ذلك القبح وذهبت تلك اهلجنة

ومن هذا القسم أيضا أن تزاد األلف والالم يف اسم الفاعل ويقام الضمري فيه مقام املفعول كقول أيب متام و عاينتهم والزائريه( ) لما مزت البعيد من الحميم ... م فل

فقوله الزائري اسم فاعل وقوله هم الذي هو الضمري يف موضع املفعول تقديره الزائرين أرضهم أو دارهم أو الزائرين إياهم فاستعمال هذا مع األلف والالم قبيح جدا وإذا حذفنا زال ذلك القبح وقد استعملها الشعراء

كثريا املتقدمني ومما جاء من القسم الثاين الذي يوجد يف األلفاظ املتعددة قول أيب الطيب أيضا

رم منك إال عارف ( ) بك راء نفسك لم يقل لك هاتها ... ال خلق أك فإن عجز هذا البيت نافر عن مواضعه وأمثال هذا يف األشعار كثري

املقالة الثانية

يف الصناعة املعنوية

وهي تنقسم إىل قسمني األول منها يف الكالم على املعاين جممال والثاين يف الكالم عليها مفصال وقبل الكالم على ذلك ال بد من توطئة تكون شاملة ملا حنن بصدد ذكره ههنا فأقول

ال اعلم أن املعاين اخلطابية قد حصرت أصوهلا وأول من تكلم يف ذلك حكماء اليو نان غري أن ذلك احلصر كلي جزئي وحمال أن حتصر جزئيات املعاين وما يتفرع عليها من التفريعات اليت ال هناية هلا ال جرم أن ذلك احلصر ال

يستفيد مبعرفته صاحب هذا العلم وال يفتقر إليه فإن البدوي البادي راعي اإلبل ما كان مير شيء من ذلك

Page 146: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

فإنه كان يأيت بالسحر احلالل إن قال شعرا أو تكلم نثرا بفهمه وال خيطر بباله ومع هذافإن قيل إن ذلك البدوي كان له ذلك طبعا وخليقة واهللا فطره عليه كما فطر ضروب نوع اآلدمي على فطر

خمتلفة هي هلم يف أصل اخللقة فإنه فطر الترك على اإلحسان يف الرمي واإلصابة فيه من غري تعليم وكذلك فطر على اإلحسان يف صنعة اليد فيما يباشرونه من مصوغ أو خشب أو فخار أو غري ذلك وكذلك فطر أهل الصني

أهل املغرب على الشجاعة وهذا ال نزاع فيه فإنه مشاهد سلمت إليك أن الشعر واخلطابة كانا للعرب بالطبع والفطرة فماذا تقول فيمن فاجلواب عن ذلك أين أقول إن

ب حتضروا وسكنوا البالد ومل يروا البادية وال خلقوا هبا وقد أجادوا يف تأليف جاء بعدهم من شاعر وخطي النظم والشعر وجاءوا مبعان كثرية ما جاءت يف شعر العرب وال نطقوا هبا

ا ذكره علماء اليونان وتعلموا منه فإن قلت إن هؤالء وقفوا على م

ا منه وال مسلم بن الوليد وال أبو متام وال البحتري قلت لك يف اجلواب هذا شيء مل يكن وال علم أبو نواس شيئوال أبو الطيب املتنيب وال غريهم وكذلك جرى احلكم يف أهل الكتابة كعبد احلميد وابن العميد والصايب

وغريهم فإن ادعيت أن هؤالء تعلموا ذلك من كتب علماء اليونان قلت لك يف اجلواب هذا باطل يب أنا فإين مل ا ذكره حكماء اليونان وال عرفته ومع هذا فانظر إىل كالمي فقد أوردت لك نبذة منه يف هذا أعلم شيئا مم

الكتاب وإذا وقفت على رسائلي ومكاتبايت وهي عدة جملدات وعرفت أين مل أتعرض لشيء مما ذكره حكماء كله وأنه ال حيتاج اليونان يف حصر املعاين علمت حينئذ أن صاحب هذا العلم من النظم والنثر بنجوة من ذلك

إليه أبدا ويف كتايب هذا ما يغنيك وهو كاف ولقد فاوضين بعض املتفلسفني يف هذا وانساق الكالم إىل شيء ذكر أليب علي بن سنا يف اخلطابة والشعر وذكر

ضربا من ضروب الشعر اليوناين يسمى الالغوذيا وقام فأحضر كتاب الشفاء أليب علي ووقفين على ما ذكره ما وقفت عليه استجهلته فإنه طول فيه وعرض كأنه خياطب بعض اليونان وكل الذي ذكره لغو ال يستفيد به فل

صاحب الكالم العريب شيئا مث مع هذا مجيعه فإن معول القوم فيما يذكر من الكالم اخلطايب أنه يورد على شعر أو كالم مسجوع فإن له شيئا من مقدمتني ونتيجة وهذا مما مل خيطر أليب علي بن سينا ببال فما صاغه من

ذلك يف كالمه وعند إفاضته يف صوغ ما صاغه مل ختطر املقدمتان والنتيجة له ببال ولو أنه أفكر أوال يف املقدمتني والنتيجة مث أتى بنظم أو نثر بعد ذلك ملا أتى بشيء ينتفع به ولطال اخلطب عليه بل أقول شيئا آخر وهو أن

نظموا ما نظموه من أشعارهم مل ينظموه يف وقت نظمه وعندهم فكرة يف مقدمتني وال نتيجة اليونان أنفسهم ملاوإمنا هذه أوضاع توضع ويطول هبا مصنفات كتبهم يف اخلطابة والشعر وهي كما يقال فقاقع ليس هلا طائل

كأهنا شعر األبيوردي إىل شرح ما أمجلته فأقول وحيث أوردت هذه املقدمة قبل اخلوض يف تقسيم املعاين فإين راجع

أما القسم األول فإن املعاين فيه على ضربني أحدمها يبتدعه مؤلف الكالم من غري أن يقتدي فيه مبن سبقه وهذا الضرب رمبا يعثر عليه عند احلوادث املتجددة ويتنبه له عند األمور الطارئة ولنشر يف هذا املوضع إىل نبذة

ناعة لتكون مثاال للمتوشح هلذه الص فمن ذلك ما ورد يف شعر أيب متام يف وصف مصلبني

Page 147: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

) قيدت لهم من مربط النجار ... بكروا وأسروا في متون ضوامر ( ) أبدا على سفر من األسفار ... ال يبرحون ومن رآهم خالهم (

يه عند احلوادث املتجددة واخلاطر يف مثل هذا املقام ينساق إىل املعىن املخترع من غري وهذا املعىن مما يعثر عل كبري كلفة لشاهد احلال احلاضرة

وكذلك قال يف هذه القصيدة يف صفة من أحرق بالنار ) حتى اصطلى سر الزناد الواري ... ما زال سر الكفر بين ضلوعه ( شق إزار ... نارا يساور جسمه من حرها ( ا عصفرت ) لهب كم ) أركانه هدما بغير غبار ... طارت لها شعل يهدم لفحها ( ) وفعلن فاقرة بكل فقار... فصلن منه كل مجمع مفصل ( م مشرك ( ) ما كان يرفع ضوءها للساري ... مشبوبة رفعت ألعظا ويدخلها مع الفجار ... صلى لها حيا وكان وقودها ( ) ميت

وهذا مما يعني على استخراج املعاين يف شاهد احلال أبو متام يف وصف املصلبني فقال وقد ذيل البحتري على ما ذكره

ركبا في عود ... كم عزيز أباده فغدا يركب ( ) عودا م

) لم يكونوا عن وترهم برقود ... أسلمته إلى الرقاد رجال ( ) ير حالة املحسود وهو يف غ... تحسد الطير فيه ضبع البوادي ( و موجود ( ) لديهم وليس بالمفقود ... غاب عن صحبه فال ه

) يف محفل الردى املشهود ... وكأن امتداد كفيه فوق الجذع ) ات متعب مكدود استراح... طائر مد مسترحيا جناحيه ( ) خاطبت منه عين البليد ... أخطب الناس راكبا فإذا أرجل (

وهذه أبيات حسنة قد استوعبت أقسام هذا املعىن املقصود إال أن فيها مأخوذا من شعر مسلم بن الوليد األنصاري وهو قوله

) وتحسد الطير فيه أضبع البيد ... الرياح به نصبته حيث ترتاب ( ... ) وهو يف غري حالة احملسود ( لكن البحتري زاد يف ذلك زيادة حسنة وهي قوله

ومن هذا الضرب ما جاء يف شعر أيب الطيب املتنيب يف وصفه احلمى وهو قوله ) ليس تزور إال في الظالم ف... وزائرتي كأن بها حياء ( ) فعافتها وباتت يف عظامي ... بذلت لها املطارف والحشايا (

) مدامعها بأربعة سجام ... كأن الصبح يطردها فتجري ( ة المشوق املستهام مر... أراقب وقتها من غير شوق ( ) اقب

وقد شرح أبو الطيب هبذه األبيات حاله مع احلمى ومن بديع ما أتى به يف هذا املوضع أن سيف الدولة بن محدان كان خميما بأرض ديار بكر على مدينة ميافارقني

Page 148: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

ة يعتذر فيها عن سقوط فعصفت الريح خبيمته فتطري الناس لذلك وقالوا فيه أقواال فمدحه أبو الطيب بقصيد اخليمة أوهلا

... ) أينفع في الخيمة العذل ( ا أحسن فيه كل اإلحسان وهو قوله فمنه م

) ويركض يف الواحد الجحفل ... تضيق بشخصك أرجاؤها ( ) القنا الذبل وتركز فيها ... وتقصر ما كنت يف جوفها ( ) كأن البحار لها أنمل ... وكيف تقوم على راحة ( رقته ( ) وحملت أرضك ما تحمل ... فليت وقارك ف ) وسدتهم بالذي يفضل ... فصار األنام به سادة ( ) كلون الغزالة ال يغسل ... نورك يف لونها رأت لون( ) وأن الخيام بها تخجل ... وأن لها شرفا باذخا ( ) فمن فرح النفس ما يقتل ... فال تنكرن لها صرعة ( ) لخانتهم حولك األرجل ... ولو بلغ الناس ما بلغت( ) أشيع بأنك ال ترحل ... ولما أمرت بتطنيبها ( تمد الله تقويضها ( ) ولكن أشار بما تفعل ... فما اع ) وأنك في نصره ترفل... وعرف أنك من همه (

) وما الحاسدون وما قولوا ... فما العاندون وما أملوا ( ) وهم يكذبون فمن يقبل ... هم يطلبون فمن أدركوا ( ا يشتهون ( من دونه جدك المقبل ... وهم يتمنون م ) و

ثله براعة هذه األبيات قد اشتملت على معان بديعة وكفى املتنيب فضال أن يأيت مبثلها وهذا مقام يظهر يف م الناظم والناثر

وقرأت يف كتاب الروضة أليب العباس املربد وهو كتاب مجعه واختار فيه أشعار شعراء بدأ فيه بأيب نواس مث مبن ره وله معىن مل يسبق إليه بإمجاع وهو قوله كان يف زمانه وانسحب على ذيله فقال فيما أورده من شع

) حبتها بأنواع التصاوير فارس ... تدار علينا الراح يف عسجدية ( ) مها تدريها بالقسي الفوارس ... قرارتها كسرى وفي جنباتها ( ه جيوبها فللراح ما زرت( ا دارت عليه القالنس ... علي ) وللماءم

وقد أكثر العلماء يف وصف هذا املعىن وقوهلم فيه إنه معىن مبتدع وحيكى عن اجلاحظ أنه قال ما زال الشعراء يتناقلون املعىن قدميا وحديثا إال هذا املعىن فإن أبا نواس انفرد

ا ما أقول هلا وأليب سوى أن أقول قد جتاوز هبم حد اإلكثار ومن األمثال السائرة بدون هذا بإبداعه وما أعلم أنيباع احلمار وفصاحة هذا الشعر عندي هي املوصوفة ال هذا املعىن فإنه ال كبري كلفة فيه ألن أبا نوس رأى كأسا

Page 149: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

املشاهدة فإن هذه اخلمر مل حتمل من الذهب ذات تصاوير فحكاها يف شعره والذي عندي يف هذا أنه من املعاين إال ماء

اء فيها قليال بقدر القالنس اليت على رءوسها يسريا وكانت تستغرق صور هذا الكأس إىل مكان جيوهبا وكان امل وهذا حكاية حال مشاهدة بالبصر وكذلك ورد قوله يف اخلمر أيضا

) لي ولم تنم نمت عن لي... يا شقيق النفس من حكم ( ) بخمار الشيب يف الرحم ... فاسقني الخمر التي اختمرت (

وهذا معىن خمترع مل يسبق إليه وهو دقيق يكاد لدقته أن يلتحق باملعاين اليت تستخرج من غري شاهد حال متصور ه اهللا فقيل إنه يريد خبمار الشيب يف الرحم أن اخلمر وبلغين انه اختلف يف هذا املعىن حبضرة الرشيد هرون رمح

تكون يف جوانبها ذات زبد أبيض على وجهها فقال األصمعي إن أبا نواس ألطف خاطرا من هذا وأسد غرضا فاسألوه فأحضر وسئل فقال إن الكرم أول ما جيري فيه املاء خيرج شبيها بالقطنة وهي أصل العنقود فقال

كم إن الرجل ألطف خاطرا وأسد غرضا األصمعي أمل أقل لوقد جاء البن محديس الصقلي يف اهلالل آلخر الشهر ما مل يأت به غريه وهو من احلسن واللطافة يف الغاية

القصوى وذلك قوله ) من أشهب الصبح ألقى نعل حافره ... كأنما أدهم الظلماء حني نجا (

ة حال مشاهدة بالبصر إال أنه أبدع يف التشبيه وهذا حكاي وأمثال هذا كثرية يف أقوال اجمليدين من الشعراء

ومجلة األمر يف ذلك أن الشاعر أو الكاتب ينظر إىل احلال احلاضرة مث يستنبط هلا ما يناسبها من املعاين كما فعل م قبل أن يرفدهم فلما رفدهم جعل عطاء ذلك النابغة يف مدح النعمان وقد أتاه وفد من الوفود فمات رجل منه

امليت

على قربه حىت جاء أهله وأخذوه فقال النابغة يف ذلك ) وما كان يحبى قبله قبر وافد ... حباء شقيق فوق أحجار قبره (

وهذا بيت من مجلة أبيات فانظر كيف فعل النابغة يف هذا املعىن ورد قول أخت جساس زوجة كليب فإنه ملا قتل جساس كليبا اجتمع النساء إليها وندبنه فتحدث وكذلك

بعضهم إىل بعض وقلن هذه ليست ثاكلة وإمنا هي شامتة فإن أخاها هو القاتل فنم ذلك إليها فقالت ) ي تعجلي باللوم حتى تسأل... يا ابنة األقوام إن شئت فال ( ) يوجب اللوم فلومي واعذلي ... فإذا أنت تبينت الذي ( افعلي ... إن أختا المرئ ليمت على ( ) شفق منها عليه ف ) حسرتا عم انجلت أو تنجلي ... جل عندي فعل جساس فوا ( ) قاطع ظهري ومدن أجلي ... عل جساس على وجدي به ف( ين سوى ( ) أختها فانفقأت لم أحفل ... لو بعين فقئت ع

Page 150: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

) سقف بيتي جميعا من عل ... يا قتيال قوض الدهر به ( ) وانثنى يف هدم بيتي األول ... ي استحدثته هدم البيت الذ( ) دركي ثأري ثكل مثكلي ... يشتفي المدرك بالثأر وفي (

) ولعل اهللا أن يرتاح لي ... إنين قاتلة مقتولة ( الشعراء الستعظمت فكيف امرأة وهي حزينة يف شرح تلك وهذه األبيات لو نطق هبا الفحول املعدودون من

احلال املشار إليها واعلم أنه قد يستخرج من املعىن الذي ليس مببتدع معىن مبتدع

فمن ذلك قول الشاعر املعروف بابن السراج يف الفهد ) ن املقل فقمصاه بجلباب م... تنافس الليل فيه والنهار معا (

وليس هذا من املعاين الغريبة ولكنه تشبيه حسن واقع يف موقعه وقد جاء بعده شاعر من أهل املوصل يقال له ابن مسهر فاستخرج من هذا البيت معىن غريبا فقال

ي يسالمها ( ) على املنايا نعاج الرمل بالحدق ... ونقطته حباء كوهذا معىن غريب مل أمسع مبثله يف مقصده الذي قصد من أجله وقليال ما يقع هذا يف الكالم املنظوم واملنثور وهو

موضع ينبغي أن توضع اليد عليه ويتنبه له وكذلك فلتكن سياقة ما جرى هذا اجملرى وقد جاءين شيء من ذلك يف الكالم املنثور

و أقبلت ربائب الكناس يف خمضر اللباس فقيل إمنا خيترن اخلضرة فمن ذلك ما ذكرته يف وصف نساء حسان وه من األلوان ليصح تشبيههن باألغصان

وهذا معىن غريب ورمبا يكون قد سبقت إليه إال أنه مل يبلغين بل ابتدعته ابتداعا ذكرته يف فصل من كتاب يتضمن منازلة بلد فذكرت القتال باملنجنيق وهو فنزلنا مبر أى منه ومن ذلك ما

ومسمع واستدرنا به استدارة اخلامت باإلصبع ونصبت املنجنيقات فأنشأت سحبا صعبة القياد خمتصة بالربا دون الوهاد فلم تزل تقذف بالسور بوبل من جلمودها وتفجؤه برعودها قبل بروقها وبروق السحب قبل رعودها

حىت غادرت احلزن منه سهال والعامر بلقعا خملى

ن غريبان أحدمها أن هذه السحب ختص الربا دون الوهاد واآلخر أن رعودها قبل بروقها وكل ويف هذا معنيا ذلك يتفطن له باملشاهدة

ذكرته يف فصل من كتاب فقلت إذا ختلق املرء خبلق البأس والندى مل خيف عرضه دنسا كما أن ومن ذلك ما املاء إذا بلغ قلتني مل حيمل جنسا

) إذا بلغ املاء قلتني مل حيمل خبثا ( هو مستخرج من احلديث النبوي يف قوله وهذا املعىن مبتدع يل وذكرته يف وصف مفازة فقلت مفازة ال توطأ بأجفان ساهر وال تقتل باقتحام خابر ولوال مسري ومن ذلك ما

اهلالل من فوقها ملا عرفت متثال حافر ذكرته يف كتاب أصف فيه نزول العدو على حصار بلد من بالد املكتوب عنه وكان ذلك يف زمن ومن ذلك ما

الشتاء فسقط على العدو ثلج كثري صار به حمصورا فقلت وقد عاجله قتال الربوق قبل البوارق وأحاط به الثلج

Page 151: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

فصار خنادق حتول بينه وبني اخلنادق والشتاء قد لقي عسكره من الربد بعسكره والسماء قد قابلته بأغرب ض كأهنا قرصة النقي وعسى أن تكون أرض حمشره وجهها ال بأخضره واألر

واملعىن املخترع من هذا الكالم قويل واألرض كأهنا قرصة النقي وعسى أن تكون أرض حمشره وهو مستخرج يريد اخلبزة البيضاء وملا كان ) إنكم حتشرون على أرض بيضاء كقرصة النقي ( من احلديث النبوي يف قوله ذلك ومشاهبا له استنبطت أنا له هذا املعىن املخترع فجاء كما تراه وهو من املعاين اليت الثلج على األرض مماثال ل

يدل عليها شاهد احلل ا كتبته يف فصل من كتاب إىل ديوان اخلالفة ببغداد فقلت ودولته هي الضاحكة وإن وأحسن من هذا كله م

ا خري أمة أخرجت للناس ومل جيعل شعارها كان نسبها إىل العباس وهي خري دولة أخرجت للزمن كما أن رعاياه من لون الشباب

إال تفاؤال بأهنا ال هترم وأهنا ال تزال حمبوة من أبكار السعادة باحلب الذي ال يسلى والوصل الذي ال يصرم ا وهذا معىن استنبطه اخلادم للدولة وشعارها وهو مما مل ختط به األقالم يف خطها وال أجالته اخلواطر يف أفكاره

بلي وغرابة هذا املعىن ظاهرة ومل يأت هبا أحد قوبلغين من املعاين املخترعة أن عبد امللك بن مروان بىن بابا من أبواب املسجد األقصى بالبيت املقدس وبىن

بلغ ذلك احلجاج بابا إىل جانبه فجاءت صاعقة فأحرقت الباب الذي بناه عبد امللك فتطري لذلك وشق عليه فثله إال كابين آدم إذا احلجاج فكتب ا مثلي وم إليه كتابا بلغين كذا وكذا فليهن أمري املؤمنني أن اهللا تقبل منه وم

قربا قربانا فتقبل من أحدمها ومل يتقبل من اآلخر فلما وقف عبد امللك على كتابه سري عنه ا ذكرت فيه ويكفي احلجاج يف وهذا معىن غريب استخرجه احلجاج من القرآن الكرمي وهو من املعاين املناسبة مل

فطانة الفكرة أن يكون عنده استعداد الستخراج مثل ذلك وأما املعاين اليت تستخرج من غري شاهد حال متصورة فإهنا أصعب مثاال مما يستخرج بشاهد احلال وألمر ما

حىت جل عن دقة كان ألبكارها سر ال يهجم عل مكامنه إال جنان الشهم وال يفوز مبحاسنه إال من دق فهمه الفهم وللهجوم على عذارى املعاين احملمية حبجب البواتر أيسر من اهلجوم على عذارى املعاين احملمية حبجب

اخلواطر وما ذلك مما يلقيه إليك األستاذ وليس يقوم به إال الفذ وال أقول األفذاذ وأين الذي ينشئ فيحسن فيها ومن نظر إىل هذا املوضع حق النظر وأخذ فيه بالعني دون األثر اإلنشاء ويربز فيها صورا يركبها كيف يشاء

علم أنه مقام يزلق مبعارف األفهام فكيف بواقف األقدام وليست املعاين فيه إال كاألرواح وال األلفاظ إال ا من الكالم فليأت به على صورة األناسي ال على صورة األنعام فإن من كاألجسام فمن شاء أن خيلق خلق

الغانية اليت هي أحسن من الغانية ومنه البهيمة اليت ال تشبه إال بالسانية القول فمما جاء يف هذا الباب قول أيب نواس

) وخبزك عند منقطع التراب ... شرابك في السراب إذا عطشنا ( ) رزئة الذباب ولكن خفت م... وما روحتنا لتذب عنا (

فالبيت الثاين من هذين البيتني هو املشار إليه بأنه معىن مبتدع وحيكى عن الرشيد هارون رمحه اهللا أنه قال مل يهج باد وال حاضر مبثل هذا اهلجاء

Page 152: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

بن الوليد ومن هذا الباب قول مسلم ) ت مستعجال يأتي على مهل كالمو... تنال بالرفق ما تعيا الرجال به (

ومن هذا الباب قول علي بن جبلة ) فقد أضحت له الدنيا عياال ... تكفل ساكن الدنيا حميد ( ) إليه أن يعولهم فعاال ... كأن أباه آدم كان أوصى (

لشعراء وفاز علي بن جبل باإلفصاح عنه وهذا معىن دندن حوله اوقد قيل إن أبا متام أكثر الشعراء املتأخرين ابتداعا للمعاين وقد عدت معانيه املبتدعة فوجدت ما يزيد على

عشرين معىن وأهل هذه الصناعة يكربون ذلك وما هذا من مثل أيب متام بكبري فإين أنا عددت معاين املبتدعة اليت وردت يف

ا ما ورد أليب متام فمن ذلك قوله مكاتبا يت فوجدهتا أكثر من هذه العدة وهي مما ال أنازع فيه وال أدافع عنه فأم

) وجوده لمراعي جوده كثب ... يأيها الملك النائي برؤيته ( ) رجي حني تحتجب إن السماء ت... ليس الحجاب بمقص عنك لي أمال (

وكذلك قوله ) لسجل منه بعد وال ذنوب ... رأينا الجود فيك وما عرضنا ( ) فدلتنا على مطر قريب ... ولكن دارة القمر استتمت (

وكذلك قوله يف اهلجاء ) ولم نر للرحا العلياء قطبا ... رحا عليا وأنت تدير قطب ( ) إذا ما كنت أسفل منه جنبا ... ترى ظفرا بكل صراع قرن (

وكذلك قوله ) طويت أتاح لها لسان حسود ... وإذا أراد اهللا نشر فضيلة ( ) ما كان يعرف طيب عرف العود ... تعال النار فيما جاورت لوال اش(

وكذلك قوله ) مثال شرودا يف الندى والبأس ... ال تنكروا ضربي له من دونه (

) النبراس مثال من المشكاة و... فاهللا قد ضرب األقل لنوره ( وكذلك قوله

) فالسيل حرب للمكان العالي ... ال تنكري عطل الكرمي من الغنى ( وكذلك له يف الشيب

) في صميم الفؤاد ثكال صميما ... شعلة في المغارق استودعتني ( ) صعدا وهي تستثري الهموما ... م ما اكتن منها يستثري الهمو(

فالبيت الثاين من املعاين املخترعة وقد تفقه فيه فجعله مسألة من مسائل الدور وهذا من إغراب أيب متام املعروف

Page 153: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

وهذا القدر كاف من مجلة معانيه فإنا مل نستقصها ههنا ومن هذا الباب قول ابن الرومي

) وأطال فيه فقد أساء هجاءه ... كل امرئ مدح امرأ لنواله ( ) عند الورود لما أطال رشاءه ... لو لم يقدر فيه بعد المستقى (

وكذلك قوله ) ثرن من الصحاب فال تستك... عدوك من صديقك مستفاد ( ) يكون من الطعام أو الشراب ... فإن الداء أكثر ما تراه (

وكذلك قوله ) يكون بكاء الطفل ساعة يولد ... لما تؤذن الدنيا به من صروفها ( ه وأرغد ... إنه وإال فما يبكيه منها و( ) ألوسع مما كان في ) بما هو الق من أذاها يهدد ... إذا أبصر الدنيا استهل كأنه (

وكذلك قوله ) وقد دنست ملبسه الجديدا ... رددت علي مدحي بعد مطل ( ) ومن ذا يقبل المدح الرديدا ... امدح به من شئت غيري وقلت( ) لبوس بعدما امتألت صديدا ... وهل للحي في أكفان ميت (

وقد ورد أليب الطيب املتنيب من ذلك كقوله ) بشعري أتاك المادحون مرددا ... أجزني إذا أنشدت مدحا فإنما ( ) أنا الصائح المحكي واآلخر الصدى ... ودع كل صوت بعد صوتي فإنني (

فالبيت األول قد توارد على معناه الشعراء قدميا وحديثا لكن البيت الثاين يف التمثيل الذي مثله ليس ألحد إال ه ل

وكذلك قوله ) تمنى الطلى أن تكون الغمودا ... بهجر سيوفك أغمادها ( ) ترى صدرا عن ورود ورودا ... إلى الهام تصدر عن مثله (

وكذلك قوله يف بدر بن عمار يهنيه بربئه من مرض ا وم( ) حتى اشتكتك الركاب والسبل ... غربها قصدت من شرقهافية ( د وفدت تجتديكها العلل ... لم تبق إال قليل ع ) ق

وقد وقفت على ما شاء اهللا من أشعار الفحول من الشعراء قدميا وحديثا فلم أجد ألحد منهم يف ذكر املرض ما ال بل مل أجد من أقواهلم شيئا مرضيا ما عدا املتنيب فإنه ذكر املرض يف عدة مواضع من شعره يعد معىن خمترعا

فأجاد وهذا البيت الثاين من هذين البيتني معىن خمترع له وقد أحسن فيه كل اإلحسان ومما ابتدعه بإمجاع قوله يف مدح عضد الدولة يف قصيدته النونية اليت مطلعها

Page 154: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

... ) ب طيبا يف املغاني مغاني الشع( قال عند ذكره

) بضوئهما وال يتحاسدان ... فعاشا عيشة القمرين يحيا ( ) وال ورثا سوى من يقتالن ... وال ملكا سوى ملك األعادي ( ) ياءي حروف أنيسيان له... وكان ابنا عدو كاثراه (

أي جعل اهللا ابين عدو كاثراه يعين ابين عضد الدولة كياءي حروف تصغري إنسان فإن ذلك زيادة وهو نقص يف املقدار إال أن سبك هذا البيت قد شوهه وأذهب طالوة املعىن املندرج حتته

ومن معانيه املبتدعة قوله ) فإن المسك بعض دم الغزال ... نت منهم فإن تفق األنام وأ(

وأحسن من ذلك قوله م ... صدمتهم بخميس أنت غرته ( ه غم ) وسمهريته في وجه ) م يسقطن حولك واألرواح تنهز... فكان أثبت ما فيهم جسومهم (

وهذا من أعاجيب أيب الطيب اليت برز فيها على الشعراء ومن اإلحسان يف هذا الباب قول بعضهم

ا ... وقد أشق الحجاب الصعب مأربه ( ) دوني وآبى ولوجا فيه إن طرق ) دخله إال إذا انطبقا وليس ي... كالطيف يأبى دخول الجفن منفتحا (

ورأيت ابن محدون البغدادي صاحب كتاب التذكرة قد أورد هذين البيتني يف كتابه وقال قد أغرب هذا الشاعر ولكنه خلط وجرى على عادة الشعراء ألن

غة وليس مثله الطيف ال يدخل اجلفن وإمنا يتخيل إىل النفس وهذا كالم من مل يطعم من شجره الفصاحة والبال عندي إال كما حيكى عن ملك الروم إذ أنشد عنده بيت املتنيب الذي هو

ا ثرن ساال ... كأن العيس كانت فوق جفني ( ) مناخاة فلم فسأل عن املعىن ففسر له فقال ما مسعت بأعذب من هذا الشاعر أرأيت من أناخ اجلمل على عينه ال يهلكه

ن حماسن هذا القسم قول بعضهم وم ) فما زال منحدرا يرتقي ... تخيره اهللا من آدم (

وكذلك قول اآلخر ) بين الغوير وبين شطي بارق ... بأبي غزال غازلته مقلتي ( ) صهباء كالمسك الفتيق لناشق ...عاطيته والليل يسحب ذيله ( ) وذؤابتاه حمائل في عاتقي ... وضممته ضم الكمي لسيفه ( ) زحزحته شيئا وكان معانقي ... حتى إذا مالت به سنة الكرى ( ) كي ال ينام على وساد خافق ... تاقه أبعدته عن أضلع تش(

وهذا من احلسن واملالحة باملكان األقصى ولقد خفت معانيه على القلوب حىت كادت ترقص رقصا والبيت

Page 155: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

األخري منه هو املوصوف باإلبداع وبه وبأمثاله أقرت األبصار بفضل األمساع نا يقال له ابن طليل احترقت داره ومن هذا الضرب قول بعض املصريني يهجو إنسا

) طوعا إلى اإلقرار باألقدار ... انظر إلى األيام كيف تسوقنا ( ) نارا وكان هالكها بالنار ... ما أوقد ابن طليل قط بداره (

وكذلك ورد قول ابن قالقس من شعراء مصر ) وانخفض إن قيل أثرى ... د رفعة إن قيل أنغض ز( ) ثمرا وينأى ما تعرى ... كالغصن يدنو ما اكتسى (

وهذا من املعاين الدقيقة ومن هذا األسلوب قول الشاعر املعروف باحلافظ يف تشبيه البهار وهو

) سواد أحداقها من الغسق ... رقت عيون تبر كأنما س( ) ضممن من خوفها على السرق ... فإن دجا ليلها بظلمته (

ا ال خفاء به وهذا تشبيه بديع مل يسمع مبثله وهو من اللطافة على م ومن هذا القسم قول بعض املتأخرين من أهل زماننا

) مشارا إليه بالتعظيم ... ع من عظيم قدر وإن كنت ال تض( ) بالتعدي على الشريف العظيم ... فالشريف العظيم ينقص قدرا ( ) بتنجيسها وبالتحرمي ... ولع الخمر بالعقول رمى الخمر ( من غريب ما مسعته يف هذا الباب قول بعض الشعراء املغاربة يرثي قتيال وشماله ... غدرت به زرق األسنة بعدما ( ) قد كن طوع يمينه و ) إذ بان غدر مثالها بمثاله ... فليحذر البدر املنري نجومه (

جاء قول بعض املغاربة يف اخلمر وكاساهتا وكذلك ) حتى إذا ملئت بصرف الراح ... ثقلت زجاجات أتتنا فرغا ( ا حوت ( ) وكذا الجسوم تخف باألرواح ... خفت فكادت أن تطري بم

فعل اخلمر سكرا ويروق كما رقت لطفا ويفوح كما فاحت نشرا وهذا معىن مبتدع أشهد أنه يفعل بالعقول وكذلك ورد قول ابن محديس الصقلي

) ألبستني للحزن ثوب سمائه ... يا سالبا قمر السماء جماله ( ) من مائه وقعت بخدك فانطفت ... أضرمت قلبي فارتمى بشرارة (

وهذا املعىن دقيق جدا وقد مسعت يف اخلال ما شاء اهللا أن أمسع فلم أجد مثل هذا

وقد جاءين يف الكالم املنثور من هذا الضرب شيء وسأذكر ههنا منه نبذة فمن ذلك ما ذكرته يف وصف صورة مليحة فقلت ألبس من احلسن أنضر لباس وخلق من طينة غري طينة الناس

زاد حسنا فكذلك ازداد طيبا واتفقت فيه األهواء حىت صار إىل كل قلب حبيبا فلو صافح الورد وكما

Page 156: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

لتعطرت أوراقه أو مر على النيلوفر ليال لتفتحت أحداقه واملعىن الغريب ههنا أن الشمس إذا طلعت على النيلوفر تفتح أوراقه وإذا غربت عنه انضم مث إين مسعت هذا يف

عرائهم فحصل عندي منه تعجب شعر الفرس لبعض شذكرته يف ذم الشيب فقلت الشيب إعدام لإليسار وظالم لألنوار وهو املوت األول الذي يصلى ومن ذلك ما

ا جلوا وأفتوا يف وصفه بغري علم نارا من اهلم أشد وقودا من النار ولئن قال قوم إنه جاللة فإهنم دقو به وملعمر ومل تدخل آلة احلرث دار قوم إال ذلوا ومن عجيب شأنه أنه اململول فضلوا وأضلوا وما أراه إال حمراثا ل

الذي يشفق من بعده واخللق الذي يكره نزع برده وملا فقد الشباب كان عنه عوضا وال عوض عنه يف فقده مستنبط من واملعىن املخترع ههنا يف قويل وما أراه إال حمراثا للعمر ومل تدخل آلة احلرث دار قوم إال ذلوا وهو

احلديث النبوي وذاك أن النيب رأى

ا دخلت هذه دار قول إال ذلوا ( آلة احلرث فقال فأخذت أنا هذا ونقلته إىل الشيب فجاء كما تراه يف ) مأعلى درجات احلسن وذلك ملا بينه وبني الشيب من املناسبة الشبيهة ألن الشيب يفعل يف البدن ما يفعله

نزل باإلنسان أحدث عنه ذال احملراث يف األرض وإذا ومن هذا الباب ما ذكرته يف فصل من كتاب إىل بعض الناس أعبث به فقلت وإذا كتبت مثالبه يف كتاب اجتمع

عليه بنات وردان وحرم على أن أبدأ فيه بالبسملة ألهنا من القرآن وهذا معىن لطيف يف غاية اللطافة وهو خمترع يل

ا أذكره وهو ينبغي له أن وكذلك كتبت إىل بعض الناس كتابا من هذا اجلنس أهزل معه فقلت يف فصل منه ميشكرين على ومسه هبجائي دون امتداحي فإين مل أمسه إال لتحرم به األضحية يف يوم األضاحي وال شك أن سيدنا

معدود يف مجلة األنعام غري أنه من ذوات القرون والقرن عدوه عند اخلصام ابتداعا ومل أمسعه ألحد من قبلي وهذا معىن ابتدعته

ذكرته يف مجلة كتاب يتضمن هزمية الكفار وذلك فصل منه فقلت وكانت الوقعة يوم األحد ومن ذلك ما منتصف شهر كذا وكذا وهذا هو اليوم الذي ختريه الكفار من أيام األسبوع ونصبوه مومسا لشرع كفرهم

يدا وقالوا هذا يوم قد أسلم فال جنعله لنا عيدا وقد أفصح هلم املشروع فحصل ارتياهبم به إذ تضمن لإلسالم مز لسانه لو كانوا يعلمون بأن الدين عند اهللا هو اإلسالم وأن أولياءه هم املسلمون

وهذا معىن انفردت بابتداعه ومل يأت به أحد ممن تقدمين ذكرته يف فصل من كتاب إىل ديوان اخلالفة ببغداد وهو يف وصف القلم فقلت وقلم الديوان ومن ذلك ما

العزيز هو الذي خيفض ويرفع ويعطي ومينع وهو املطاع جلدع أنفه وسواد لباسه وقد ورد األمر بطاعة احلبشي األجدع ومن أحسن صفاته أن شعاره من شعار مواله فهو خيلع على عبيده من الكرامة ما خيلع

أسبق إليه وهو قويل إنه املطاع جلدع أنفه وسواد يف هذه األوصاف معان حسنة لطيفة ومنها معىن غريب مللباسه وقد ورد األمر بطاعة احلبشي األجدع فإن هذا مما ابتكرته وهو مستخرج من احلديث النبوي يف ذكر

ا أقام عليك كتاب اهللا ( الطاعة واجلماعة فقال فاستخرجت أنا للقلم معىن من ) أطع ولو عبدا حبشيا جمدعا ملم جيدع ويقمص لباس السواد فصار حبشيا أجدع وهذا كما فعل أبو متام حبيب بن أوس ذلك وهو أن الق

Page 157: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

الطائي يف قصيدته السينية فإنه استخرج املعىن املخترع من القرآن الكرمي وأنا استخرجت املعىن من اخلرب النبوي خر ونبهت عليه يف كتاب كما أريتك وهذا املعىن املشار إليه يف وصف القلم أوردته بعبارة أخرى على وجه آ

الوشي املرقوم يف حل املنظوم وهذا كتاب ألفته يف صناعة حل الشعر وغريه وبعد هذا فسأقول لك يف هذا املوضع قوال مل يقله أحد غريي وهو أن املعاين املبتدعة شبيهة مبسائل احلساب

ت تأخذها وتقلبها ظهرا لبطن وتنظر اجملهول من اجلرب واملقابلة فكما أنك إذا وردت عليك مسألة من اجملهوالإىل أوائلها وأواخرها وتعترب أطرافها وأوساطها وعند ذلك خترج بك الفكرة إىل معلوم فكذلك إذا ورد عليك معىن من املعاين ينبغي لك أن تنظر فيه كنظرك يف اجملهوالت احلسابية إال أن هذا ال يقع يف كل معىن فإن أكثر

ليه واإلبداع إمنا يقع يف معىن غريب مل يطرق وال يكون ذلك إال يف أمر غريب مل يأت املعاين قد طرق وسبق إمثله وحينئذ إذا كتب فيه كتاب أو نظم فيه شعر فإن الكاتب والشاعر يعثران على مظنة اإلبداع فيه وقد

البست ذلك يف مواضع كثرية وسأورد ههنا ما حيذى حذوه ملن استطاع إليه سبيال ا كتبته عن نفسي إىل بعض ملوك الشام وأهديت إليه رطبا وهو خلد اهللا دولة موالنا وعمر هلا جمدا ومن ذلك م

وجنانا وخوهلا السعادة عطاء حسابا وأنشأ الليايل خلدمتها عربا أترابا وأبقى شبيهتها بقاء ال يستحدث معه البأس بني أعدائها وحسادها حىت يبعث خضابا وال جعل هلا يف حماسن الدولة السابقة أشباها وال أضرابا وألقى

هلم يف األرض غرابا إذا أراد العبيد أن يهدوا ملواليهم قصرت هبم يد وجودهم وعلموا أن كل ما عندهم من عندهم لكن يف األشياء

املستطرقة ما يهدي وإن كان قدره خفيفا ولوال اختالف البالد فيما يوجد هبا ملا كان شيء من األشياء طريفا قد أهدى اململوك من الرطب ما يتجلى يف صفة الوارس ويزهى حبسنه حىت كأنه مل يدنس بيد المس وما مسي و

رطبا إال الشتقاقه من الرطب الذي هو ضد اليابس وقد أثىن رسول اهللا عليه ثناء مجا وفضل شجرته على عما وله أوصاف أخرى هي لفضله الشجر بأن مساها أما ولئن عدم عرفا لذيذا فإنه مل يعد منظرا لذيذا وال ط

مبنزلة الشهود فمنها أنه أول غذاء يفطر عليه الصائم وأول غذاء يدخل بطن املولود وأحسن من ذلك أنه معدود من احللواء وإن كان من ذوات الغراس وال فرق بينهما سوى أنه من خلق اهللا وتلك من خلق الناس

ه قاصرة ولو تفاخرت البالد مبحاسن مثارها لقامت أرض العراق وإذا أنصف واصفه قال ما من مثرة إال وهي عنبه فاخرة وهذا قد سار إىل باب موالنا وهو جمين املنابت سار إىل جمين الكرم وملك الفاكهة وفد على ملك ن الشيم وملا استقلت به الطريق أنشأ احلسد لغريه من الفواكه أربا وما منها إال من قال يا ليتين كنت رطبا ولئكان من الثمرات اليت ختتلف يف الصور واألمساء ويفضل بعضها على بعض ويسقي بشراب واحد من املاء

فكذلك تلك الشيم العريقة تتحد يف عنصرها وهي خمتلفة الوترية ومن أفضلها شيمة السماح اليت تقبل القليل ل هي كجنة بربوة بل ضرب هلا ما من عبيدها وتسمح هلم بالعطايا الكثرية وقد ضرب هلا اململوك مثاال فقا

ضرب للمثل النبوي وهي خنلة بكبوة وال خيتم كتابه بأحسن من هذا القول الذي طاب مسعا وزكا أصال وفرعا وتصرف يف أساليب البالغة فجاء به وترا وشفعا والسالم

لرطب الذي هو وهذا كتاب غريب يف معناه وقد اشتمل على معان كثرية فمن مجلتها أن الرطب مشتق من اومن مجلتها أنه كان يفكر على رطبات ) أمكم النخلة ( ضد اليابس ومن مجلتها أن النيب مسى النخلة أما فقال

Page 158: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

فإن مل جيد فتمرات ومن مجلتها أنه كان يلوك التمرة وحينك هبا املولود عند ميالده وملا ولد عبد اهللا بن الزبري عاىل عنه ووضعته يف حجر رسول اهللا فالك مترة ووضعها يف فيه ومن جاءت أمه أمساء بنت أيب بكر رضي اهللا ت

مجلتها أنه واحللواء شيء واحد إال أنه من خلق اهللا وتلك من خلق اإلنسان ومن مجلتها أن

العباس رضي اهللا عنه قال يا رسول اهللا إن قريشا تذاكرت أحساهبا فضربوا لك مثاال بنخلة بكبوة وكل هذه اردة يف موضعها ومن كتب يف معىن من املعاين حسنة واردة يف موضعها ومن كتب يف معىن من املعاين حسنة و

املعاين فليكتبه هكذا وإال فليدع ومن ذلك رقعة كتبتها إىل بعض حجاب السلطان يف حاجة عرضت يل وأرسلت معها هدية من ثياب ودراهم

وهي ) يوما بأنجح يف الحاجات من طبق .. .ما من صديق وإن صحت صداقته ( ) لم يخش نبوة بواب وال غلق ... إذا تلثم بالمنديل منطلقا (

اهلدية مشتقة من اهلدى غري أهنا ترف إىل القلب ال إىل الندى وصهارهتا أنفع من الصهارة وكلما ترددت كانت تنفك عن البكارة ومن خصائصها أهنا متسك مبعروف أمن من السراح وإذا رامت فتح باب ال بكرا فهي ال

تفتقر يف عالجه إىل مفتاح وقد قيل إهنا احلسناء املتأنقة يف عمارة بيتها اليت توصف بأن القنديل يضيء بزيتها وتقول أنا الكرمية يف قومها الشريفة وقد أرسلتها إىل املوىل وهي تتهادى يف إعجاهبا وتدل بكثرة درامهها وثياهبا

يف أنساهبا وأحسن ما فيها أهنا جاءت سرا مل تعلم هبا اليد اليمىن من اليسرى فخذها يا موالي واكشف نقاهبا وأمط عنها جلباهبا وقد كانت منك حرة وهي اآلن يف حيز اململكة ومن السنة يف مثلها أن تؤخذ بالناصية

هبا فالن وهو يف اجلهل هبا حامل أسفار وناقل هلا من دار إىل دار ولرمبا نطق لسان ويدعى هلا بالربكة والسائرحاهلا الذي هو أفصح من نطق اللسان وأذكرت حباجة مرسلها وحاش فطانة الكرمي من النسيان وليس املطلوب

إىل درجة املبذول فإذا إال فضيلة من اجلاه تسفر بني السائل واملسئول وتنقل البعيد إىل درجة القريب واملمنوع فعل املوىل ذلك كان له منة السفارة ومنة اإلنعام وإن مسع بأن سعيا واحدا فاز بشكرين اثنني ففي مثل هذا

املقام ومن الناس من يقول ليس على جانب السلطان ثقل يف صنعه وهل ههنا إال كلمات تقال والكالم ماعون ب ضرب من االحتيال وأن نقل اخلطوات فيه أثقل من نقل ال رخصة يف منعه ومل يدر أن مالطفة اخلطا

اجلبال وأن صاحب احلاجة حيظى حبالوة النجاح واحلاجب يلقى مرارة السؤال وهذا يقوله اخلادم إجيابا إلحسان املوىل الذي هو إحسان شامل وال يعلمه إال عامل بفضله وال جيهله إال جاهل

ابه حىت ال تنفك يف الدنيا من إمداد شكره ويف اآلخرة من إمداد ثوابه واهللا تعاىل جيعل احلاجات مغدوقة بب والسالم

فتأمل أيها الناظر يف كتايب هذا إىل ما اشتملت عليه هذه الرقعة من املعاين حىت تعلم كيف تضع يدك فيما تكتبه ك وهي اهلدية رسول ومن ذلك رقعة أخرى كتبتها يف هذا املعىن املتقدم ذكره وأرسلت معها هدية من املس

خياطب عن مرسله بغري لسان ويدخل على القلوب من غري استئذان وقد قيل أخت السحر يف مالطفة قصدها غري أهنا ال حتتاج إىل نفثها وال إىل عقدها وما من قلب إال وصورهتا جتلي عليه يف سرقة ولوال شرف مكاهنا ملا

ه كرمية األخطار حسنة لدى األمساع واألبصار ومن أحسنها حللت للنيب مع حترمي الصدقة وهلا صفات غري هذ

Page 159: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

أهنا تستجد ودا وجتعل قربا ما كان بعدا وتقول لنا اإلحنة يا نار كوين بردا وهلذا قيل هتادوا حتابوا وال شك أهنا وصلة بني املودات فإذا تواصل الناس

وقد شبه به اجلليس الصاحل بعدد أسباب تقاربوا وقد أرسل اخلادم منها شيئا إذا كتمه ذاع وإذا خزنه ضاعاالنتفاع ومما زاد مزية على مزيته أنه وشيم املوىل توأمان غري أن شيمته تنتمي إىل كرم حمتدها وهو ينتمي إىل

سرر الغزالن فإذا ورد على جملسه قيل هذا عطر ورد على جونة عطار وعرف له حق املشاركة فإن أدىن الشرك طق اخلرب النبوي بأنه أحد الثالثة اليت ال ترد على من أهداها وإذا نظر إىل حمصول بقائها يف الشيم جوار وقد ن

ا استرسل اخلادم يف إرساله وإذا سأل غريه وفائدهتا وجد أطوهلا عمرا وأجداها وهذا حيكم على املوىل بقبول م يف قبول هديته كفاه نص اخلرب مؤنة سؤاله والسالم

يت قبلها فمما اشتملت عليه من املعاين قويل وهذه الرقعة أحسن من الحللت للنيب مع حترمي الصدقه وهذا املعنيان وما من قلب إال وصورهتا جتلى عليه يف سرقة ولوال شرف مكاهنا ملا

يعين ) جاءين جربيل عليه السالم ومعه سرقة من حرير ( مستخرجان من خربين نبويني أحدمها أن النيب قال واخلرب اآلخر ) هذه زوجتك يف الدنيا واآلخر ( رضي اهللا تعاىل عنها وقال ) وفيها صورة عائشة ( حريرة بيضاء ) حرمت علي الصدقة وأحلت يل اهلدية ( أن النيب قال

ومما اشتملت عليه أيضا قويل وقد أرسل اخلادم منها شيئا إذا كتمه ذاع وإذا خزنه ضاع وهذه مغالطة حسنة ت رائحته وإذا خزن ضاع أي فاح ويقال ضاع الشيء إذا ذهب فاملغالطة ههنا يف ألن املسك إذا كتم ذاع

اجلمع بني الضدين مثل اجلليس ( وكذلك قويل وقد شبه اجلليس الصاحل وهذا مستخرج من اخلرب النبوي أيضا وذاك أنه قال

يبا ومثل جليس السوء مثل الصاحل مثل حامل املسك إما أن حيذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن جتد منه عرفا ط ) نافخ الكري إما أن حيرق ثوبك وإما أن جتد منه رائحة كريهة

ومما اشتملت عليه من املعاين أيضا قويل إنه أحد الثالثة اليت ال ترد على من أهداها وهذا مستخرج من اخلرب ) ثالثة ال ترد الطيب والرحيان والدهن ( النبوي أيضا وهو قوله

ة كلفين بعض أصدقائي إمالءها عليه وهي رقعة من عاشق إىل معشوق وهي ومن ذلك رقع ) لساني وأنت يف القلب ذاكا ... وإذا قيل من نحب تخطاك (

يا من ال أمسيه وال أكنيه وأذكر غريه وهو الذي أعنيه ال تكن ممن أويت ملكا فلم ينظر يف زواله وعرف مكانه لوب فجار يف إدالله وال تغتر بقول من الق

من رأى احلسن لإلساءة ماحيا واعلم أن الالحي يقول كفى بالتذلل الحيا وكثريا ما يزول العشق جبنايات الصدود والزيادة يف احلد نقصان يف احملدود وقد قيل إن احلسن عليه زكاة كزكاة املال وليست زكاته عند

ل وهذه صدقة تقسم على أرباهبا وال ينتظر أن حيول احلول يف إجياهبا فهي علماء احملبة إال عبارة عن الوصامستمرة على جتدد األيام واملستحقون هلا قسم واحد وال يقال إهنم مثانية أقسام وهؤالء هم املخصوصون بفك

تأت الرقاب ورقبة العشق أشد أسرا من رقبة تتحرر بالكتاب فأخرج يا موالي من هذا احلق الواجب وإال فلطالب مىن ومطالب وال تقل هذا غرمي أكثر عد الليايل يف مطله وأعده والواعيد زاد ملثله فهذه سلعة قد

Page 160: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

عاملتين هبا مرة ساخرا ومرة ساحرا ومن األقوال السائرة أن الغر جتعله التجربة ماهرا ولعمري إن ممارسة احلب القائل جتدد لصاحبه علما وتبصره وإن كان كما يقال أعمى وقد كذب

) ثم دعه يروضه إبليس ... عرضن للذي تحب بحب ( فإن كانت الرياضة كما قيل إلبليس فما أراه صنعا يف الذي صنع وأراك استعصيت عليه استعصاء القارح

االستثناء وأنا وأنت جذع وال شك أنك هتدم ما يشيده من البناء أو أنك مستثىن يف مجلة من دخل يف حكماآلن له عائب وعلي عاتب فأين نفثاته اليت هي أخدع من احلبائل وأين قوله آلتينهم عن األميان والشمائل وأين

جنوده املسترقة ما يف السماء اليت جتري من بين آدم جمرى الدماء وكل هذا قد بطل عندي خربه كما بطل يق أفعاله فليحلل معقول حاجيت هذه حىت أعلم أنه قادر على عندي أثره فإن أدركته النخوة بأين أستهزئ بتصد

حل عقاله وإال فليخف رأسه وليمح وسواسه وإن كان له عرش على البحر فليقوض من عرشه وليعلم أن ا جيعل العزم حملوال والود مبذوال السحر ليس يف عقده ونفثه ولكنه يف األصفر ونقشه وها أنا قد بعثت منه م

وما أقول إال

أين بعثت معشوقا إىل معشوق وكالمها حمله القلب بل القلب من حبهما خملوق وما أكرمه وهو وسيلة إىل مثله ا رآه منه فوق ما رواه ومن أغرب وحسنه من حسنه وإن مل يكن شكله من شكله وما وصف واصف إال كان م

أمر تلطف يف فتح أبوابه وتناول وعره أوصافه وأحسنها أنه مل ير ذو وجهني وجيها سواه ال جرم أنه إذا سفر يفبسهله وبعده فبدله باقترابه ولو بعثت غريه خلفت أال يكون يف سفارته صادقا أو أنه كان ميضي سفريا ويعود

عاشقا فليس على احلسن أمانة ويف مثله تعذر اخليانة وال لوم على العقول إذا نسيت هناك عزمية رشدها ورأت ومن الذي يقوى درعه على تلك السهام أو يروم النجاة منها وقد حيل بينه وبني ماال حيتمله كاهل جهدها

املرام وهذا الذي منعين أن أرسل إال كيسا وكتابا فأحدمها يكون يف السفارة واآلخر على السر حجابا والسالم إن شاء اهللا تعاىل

ا ذكرته يف ق سم الصدقات وفك الرقاب والثاين ما ذكرته ويف هذه الرقعة من املعاين الغريبة ما أذكره فاألول موهذا معىن مل يسبقين ) ذو الوجهني ال يكون وجيها ( يف وصف الدينار وهو أنه وجيه ذو وجهني وقال النيب

أحد إليه وقد وصف احلريري الدينار يف مقامه من مقاماته ومل يظفر هبذا املعىن وال جاء من األوصاف اليت ا إىل معشوق ذكرها مبثله والثالث إين بعثت معشوق

ومن ذلك ما كتبته وكان توفيت زوجة بعض امللوك وتويف معها ولد هلا وهو طفل صغري وكان بينهما يومان وتلك املرأة بنت ملك من امللوك أيضا فكتب إليه من األطراف اجملاورة يعزونه وحضر عندي بعض األدباء ممن

به ذلك امللك يف التعزية بزوجته وولدها فوجدهتا كتبا باردة جيب أن يكون كاتبا وعرض علي نسخة ما كوتبغثة ال تعرب عن احلادثة بل بينها وبينها بعد املشرقني ومن شرط الكتاب أن يكون الكتاب مضمنا فض املعىن

املقصود والتعازي خمتلفة األحناء فتعازي النساء غري تعازي الرجال وهي من مستصعبات فن الكتابة والشعر ازي الرجال أيضا ختتلف فال يعزى بامليت على فراشه كما يعزى بامليت قتيال وال يعزى بالقتيل كما يعزى وتع

بالغريق وهكذا جيري احلكم يف

Page 161: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

املعاين مجعيها وهذا شيء ال يتنبه له إال الراسخون يف هذا الفن من أرباب النثر والنظم وسألين ذلك الرجل عن أمليت عليه ثالثة كتب كل هذه التعزية املشار إليها يف املرأة وولدها الصغري وقال أحب أن أعلم كيف تكون ف

كتاب يتضمن معىن ال يتضمنه الكتاب اآلخر فمما جاء منها كتاب أنا ذاكره ههنا وهو أشجى التعازي ما أتبع فيه املفقود مبفقود ال سيما إذا مجع بني سعد

ا يعظم مكانا وهذا حيسر عن الوجوه مخرا وهذا يلقي عن األخبية وسعد السعود وكل منهما يعظم حزنا كمالرءوس تيجانا ومل يوفهما حقهما من بكي وال من ندب وال من شعر وال من كتب وليت فدى أحدمها بصاحبه

فعاش درمها املفدي بالذهب ه ( ا واحدا خف كلم ) ب ولكنه خطب أعيد على خط... ولو كان خطب

وقد أصدر اخلادم كتابه هذا ومن حقه أن خيرج يف ثوب من احلداد وأن يتعثر يف أذيال كلمه والكتاب عنوان الفؤاد وغاية ما يقول أحسن اهللا عزاء اجمللس السامي امللك األجل السيد على أن هذا الدعاء قد شهدت احلال

ر له ولدا دون ولده وخدنا دون خدنه لكن يدعى بلحنه وكيف ميلك قلبه عزاء وقد أوثقه اهلم يف سجنه وصاله بامتداد البقاء وأن تعامله احلوادث بعد هذه معاملة اإلبقاء مث نتبع ذلك بطلب اجلنة ملن نقلته املنايا عن أرائك

اخلدور وجعلته يف بطون القبور وملن فاجأت األيام غصنه فقصفته ومل يعش حىت عرف الدنيا وال عرفته فواها وقد نزال مبنزل عدمي اإليناس وإن كان مأهوال بأكثر الناس فهو القريب دارا البعيد مزارا الذي حجب من هلما

اليأس بأمنع حجاب وذهب عن الوجوه املنعمة لذل التراب فمن كان مسعدا للمجلس فليأخذ بوله اجلزع ال ى اخلواطر من القلوب والرقاد من بعزمية االصطبار وليقل هذا حادث بان فيه حتامل األقدار وجرت مهومه جمر

األبصار فاألسوة إال فيه معدودة من اإلحسان والسلوة إال عنه داخلة يف حيز اإلمكان واخلادم أوىل من لقي اجمللس فيه باإلسعاد وقام مبا جيب من قضاء حق الوداد وفعل ما يفعله القريب احلاضر وإن كان على شقة من

يف التعزية وإن مل يكف البعاد وقد أرسل من ينوب عنه

فيها املناب وكما رخص العذر يف قصر الصالة فكذلك رخص يف االقتصار على الرسول والكتاب وقد ود لو حضر بنفسه فاستسقى لذلك الضريح سحابا وعقر عنده ركابا وسأل اهللا له مغفرة وثوابا والسالم

املرأة وسعد السود كناية عن ولدها ألن سعد يف هذا الكتاب معىن غريب وهو قويل سعد األخبية كناية عن األخبية اسم منزلة من منازل القمر واألخبية مجع خباء ومن شأن املرأة أن حتتجب يف األخبية فهي سعدها وهذا

من املعاين الغريبة يف مثل هذا املقصد وقد اتفق سعد األخبية وسعد السعود معا وهذا أيضا غريب ن امللك األفضل علي بن يوسف إىل أخيه امللك الظاهر غازي بن يوسف صاحب ومن ذلك أين كتبت كتابا ع

حلب يف أمر شخص كان أبوه صاحب مدينة تكريت وتكريت هذه كان يتوالها قدميا األمري أيوب جد امللك األفضل وامللك الظاهر وأولد هبا ولده صالح الدين يوسف أبامها وعلى عقب والدته انتقل والده عن تكريت

وعشريته ألمر طرأ هلم وجاء إىل املوصل مث إىل الشام وهناك سعدوا وكانت السعادة على يد صالح الدين هويوسف فلما أردت أن أكتب هذا الكتاب علمت أنه مظنة املعاين املبتدعة ألن األمر املكتوب فيه غريب مل يقع

هر وال زال الدهر فاخرا مبآثر سلطانه ناظما مثله فحينئذ كتبت هذا الكتاب وهو رفع اهللا شأن موالنا امللك الظامناقبه يف جديه وحمامده يف لسانه ناسخا مبساعي دولته ما تقدم من مساعي وآل بويه وأال محدانه كتاب اخلادم

Page 162: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

هذا وارد من يد األمري مشس الدين ابن صاحب تكريت وهو أول أرض مس جلد الوالد تراهبا ورقمت هبا ا ومنها ظهر نور البيت األيويب مشرقا وأشام إذا خرج معرقا وكفاه بذلك وسيلة السعادة على جبينه كتاهب

يكتنفها اإلحسان واإلرعاء ويكفي صاحبها أن يقول ال أسقي حىت يصدر الرعاء وقد قرهنا بوسيلة قصد اخلدمة ادم أخذا بالسنة اليت توجب لقاصدها ذماما وتقول له سالما إذا قال سالما مث ثلث هاتني الوسيلتني بكتاب اخل

النبوية يف الدعاء وعدده وتفاؤال بتثليث النجوم فيما يقصده املرء من سعادة مقصده وال قدح يف كرم الكرمي إذا استكثر طالبه من األسباب فإن اهللا على كره قد استكثر إليه من أعمال الثواب وكتاب

ر خماطبا عن فحوى ضمريه فإمنا حتق اخلادم على انفراده كاف حلامله ومكثر من حقوق وسائله وقد صدالسفارة إذا قعد بكل طالب سعي سفريه وهو مع ذلك خفيفة صفحته وجيزة حملته وإذا وجد لدى موالنا معوال

فليس عليه أن يرد مطوال إذ التعويل على جنح مصدره ال على كثرة أسطره ى ما اشتمل عليه من املعاين وانظر كيف فانظر أيها املتأمل إىل هذا الكتاب وأعطه حقه من التأمل حىت تر

ذكرت األول مث الثاين مث الثالث أما املعىن األول فإنه خيتص بذكر سعادة البيت األيويب ومنشئها وأهنا ولدت بتكريت وهذا الرجل ينبغي أن يرعى بسببها إذ كان أبوه صاحبها وأما املعىن الثاين فإنه قصد اخلدمة الظاهرية

ة توجب له ذماما وأما املعىن الثالث فإنه حرمة الكتاب الصادر على يده مث إين مثلت ذلك وهذا وسيلة ثانيبالدعاء النبوي وبتثليث النجوم فإن النيب كان إذا دعا دعا ثالثا وإمنا مثلت ذلك بالدعاء ألمرين أحدمها أنه

ثليث النجوم فإن التثليث سعد موضع سؤال وضراعة واآلخر أن الكتاب وسيلة ثالثة والدعاء ثالث مرار وأما توالتربيع حنس وأحسن املعاين الثالثة اليت تضمنها هذا الكتاب هو األول والثالث وأما الثاين فإنه متداول فتأمل

ما أشرت إليه وإذا شئت أن تكتب كتابا فافعل كما فعلت يف هذا الكتاب إن كان األمر الذي تكتب فيه غريب الوقوع

ملعىن املبتدع يف غري أمر غريب الوقوع وذلك يكون قليال بالنسبة إىل الوقائع الغريبة اليت هي واعلم أنه قد يقع ا مظنة املعاين املبتدعة

ومن هذا الباب ما أوردته يف مجلة رسالة طردية يف وصف قسي البندق وحامليها وهو فإذا تناولوها يف أيديهم غناؤهم قيل منايا مسوقة بأيدي أقدار وتلك قسي وضعت قيل أهلة طالعة من أكف أقمار وإذا مثل غناؤها و

للعب ال للنضال ولردى األطيار ال لردى الرجال وإذا نعتها ناعت قال إهنا مجعت بني وصفي اللني والصالبة وصنعت من نوعني غريبني فحازت معىن الغرابة فهي مركبة من حيوان ونبات مؤلفة منهما على بعد الشتات

حر وسواحله وهذا من سكان الرب وجماهله ومن صفاهتا أهنا ال تتمكن من البطش إال فهذا من سكان الب

حني تشد وال تنطلق يف شأهنا إال حني تعطف وترد وهلا نثار أحكم تصويرها وصحح تدويرها فهي يف لوهنا ن األرض من صندلية اإلهاب وكأمنا صيغت لقوهتا من حجر ال من تراب فإذا قذفتها إىل األطيار قيل ويصعد م

جبال فيها من برد وال يرى حينئذ إال قتيل ولكن باملثقل الذي ال جيب يف مثله قود فهي كافلة من تلك األطيار بقبض نفوسها منزلة هلا من جو السماء على أم رءوسها

ا إال هذا الفصل يشتمل على معان غريبة منها قويل إهنا ال تتمكن من البطش إال حني تشد وال تنطلق يف شأهنحني تعطف وترد ومنها قويل ويصعد من األرض من جبال فيها من برد وكل هذا من املعاين اليت تبتدع بالنظر

Page 163: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

إىل املقصد املكتوب فيه فإن الكاتب إذا أفكر فيما لديه وتأمله وكان قادرا على استخراج املعىن واملناسبة بينه لك من أقدره اهللا عليه فما كان خاطر حبكيم وال كل من وبني مقصده جاء هكذا كما تراه إال أن القادر على ذ

أوحى إليه بكليم ويف األقالم هاشم ملن ناوأه ومنها هشيم وسأنبه يف هذا املوضع على طريق يسلك إىل شيء من املعاين املخترعة وهو ما استخرجته وانفردت باستخراجه

ارة إىل طريق يسلك فيها ألن ذلك مما ال ميكن ومن دون غريي فإن املعاين املخترعة مل يتكلم فيها أحد باإلشههنا أضرب علماء البيان عنه ومل يتكلموا فيه كما تكلموا يف غريه وكيف تتقيد املعاين املخترعة بقيد أو يفتح

إليها طريق تسلك وهي تأيت من فيض إهلي بغري تعليم وهلذا اختص هبا بعض الناثرين والناظمني دون بعض ا يكون فذا واحدا يوجد يف الزمن املتطاول وملا مارست أنا هذا الفن أعين فن الكتاب وقلبته والذي خيص هب

دفائنه وخباياه وأكثرت من حتصيل مواده واألسباب املوصلة إىل الغاية منه سنح يل يف ظهرا لبطن وفتشت عن نبيه وقد تقدم يل منه أمثلة شيء من املعاين املخترعة طريق سلكته وهو يستخرج من كتاب اهللا تعاىل وأحاديث

يف هذا الكتاب وذلك أنه ترد اآلية من كتاب اهللا أو احلديث النبوي واملراد هبما معىن من املعاين فآخذ أنا ذلك وأنقله إىل معىن آخر فيصري خمترعا يل

وسأورد ههنا منه نبذة يسرية يعلم منها كيف فعلت حىت يسلك إليها يف الطريق الذي سلكته ذلك قصة أصحاب الكهف والرقيم فإين أخذت ذلك ونقلته إىل اإلحسان والشكر أال ترى أن اإلحسان فمن

يستعار له كهف وكنف وظل وأشباه ذلك والشكر كلمات تقال يف التنويه بذكر احملسن وإحسانه والرقيم هو إىل بعض املنعمني الكتاب املكتوب فهو والشكر متماثالن والذي أتيت به قد أوردته وهو فصل من كتاب

اخلادم يشكر إحسان املوىل الذي ظل عنده مقيما وغدا مبطالبه زعيما وأصبح بتواليه إليه مغرما كما أصبح له غرميا وملا متثل يف االشتمال عليه كهفا صار شكره فيه رقيما

فانظر كيف فعلت فيه يف هذا املوضع لتعلم أين قد فتحت لك فيه طريقا تسلكه ديث النبوي فإين أخذت قصة قتلى بدر كأيب جهل وعتبة وشيبة وغريهم ونقلتها إىل القلم وذاك أن وأما احل

النيب وقف على القليب الذي ألقاهم فيه وناداهم بأمسائهم فقال يا عتبة يا شيبة يا أبا جهل يا فالن يا فالن أين قلت واحلديث مشهور فال حاجة إىل استقصائه والذي أتيت به يف وصف القلم هو

ولقد مرح القلم يف يدي وحق له أن ميرح وأبدع فيما أتى به وكل إناء بالذي فيه ينضح ومن شأنه أن يستقل على أعواد املنرب فال ينتهي من خطبتها إىل فصلها ويقف على جانب القليب إال أنه ال ينادي من املعاين أبا

جهلها ينشئها من باب العلم ال من باب اجلهل فتأمل هذه الكلمات اليت فالدواة قليب والقلم يقف عليه واملعاين اليت

ذكرهتا فإهنا لطيفة جدا وهي خمترعة يل

وهذا القدر كاف يف طريق التعليم فليحذ حذوه إن أمكن واهللا املوفق للصواب مله وأما الضرب اآلخر من املعاين وهو الذي حيتذى فيه على مثال سابق ومنهج مطروق فذلك جل ما يستع

أرباب هذه الصناعة ولذلك قال عنترة دم ( ... ) هل غادر الشعراء من متر

Page 164: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

إال أنه ال ينبغي أن يرسخ هذا القول يف األذهان لئال يؤيس من الترقي إىل درجة االختراع بل يعول على القول املطمع يف ذلك وهو قول أيب متام

ة ال زلت من شكري يف ح( ) البسها ذو سلب فاخر ... له ( ) كم ترك األول لآلخر ... يقول من تقرع أسماع

وعلى احلقيقة فإن يف زوايا األفكار خبايا ويف أبكار اخلواطر سبايا لكن قد تقاصرت اهلمم ونكصت العزائم مل يقصر عنه تقصريا فاحشا وصار قصارى اآلخر أن يتبع األول وليته تبعه و

ووقفت على كتاب يقال له مقدمة ابن أفلح البغدادي قد قصرها على تفصيل أقسام علم الفصاحة والبالغة وللعراقيني هبا عناية وهم واصفون هلا ومكبون عليها وملا تأملتها وجدهتا قشورا ال لب حتتها ألن غاية ما عند

قول النابغة مثال أو كقول األعشى أو غريمها مث يذكر بيتا من الشعر أو الرجل أن يقول وأما الفصاحة فإهنا ك أبياتا وما هبذا تعرف حقيقة الفصاحة حىت إذا وردت يف

كالم عرفنا أنه فصيح مبا عرفنا من حقيقتها املوجودة فيه وكذلك يقول يف غري الفصاحة ا وجدته يف كتاب أنه قال أما املعاين املبتدعة ف ليس للعرب منها شيء وإمنا اختص هبا احملدثون مث ومن أعجب م

ذكر للمحدثني معاين وقال هذا املعىن لفالن وهو غريب وهذا القول لفالن وهو غريب وتلك األقوال اليت خص قائليها بأهنم ابتدعوها قد سبقوا إليها فإما أن يكون غري عارف باملعىن الغريب وإما أنه مل يقف على أقوال

ناثرين وال تبحر فيها حىت عرف ما قاله املتقدم مما قاله املتأخر وأما قوله إنه ليس للعرب معىن مبتدع الناظمني وال وإمنا هو للمحدثني فيا ليت شعري من السابق إىل املعاين من تقدم زمانه أم من تأخر زمانه

صور املنازل متثلت يف القلوب وأنا أورد ههنا ما يستدل به على بطالن ما ذكره وذاك أنه قد ورد من املعاين أنفإذا عفت آثارها مل تعف صورها من القلوب وأول من أتى بذلك العرب فقال احلرث بن خالد من أبيات

احلماسة ) عند الجمار يؤدها العقل ... إني وما نحروا غداة منى ( ) ال وأصبح سفلها يعلو سف... لو بدلت أعلى مساكنها ( ا ضمنت ( ) مني الضلوع ألهلها قبل ... لعرفت مغناها بم

مث جاء احملدثون من بعده فانسحبوا على ذيله وحذوا حذوه فقال أبو متام

) تعفت منازله به وهو قفر قد ... وقفت وأحشائي منازل لألسى ( وقال البحتري

) من عهد شوق ما تحول فتذهب ... عفت الرسوم وما عفت أحشاؤه ( وقال املتنيب

) أقفرت أنت وهن منك أواهل ... لك يا منازل يف القلوب منازل ( اوله الشعراء حىت إنه ما من شاعر إال ويأيت به يف شعره وهذا املعىن قد تد

وكذلك ورد لبعضهم من شعراء احلماسة ) مطيته وأقسم ال يرمي ... أناخ اللؤم وسط بني رياح (

Page 165: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

) تناهى عند غايته يقيم ... كذلك كل ذي سفر إذا ما ( يتان من أبيات املعاين املبتدعة وعلى أثرمها مشى الشعراء وهذان الب

وكذلك ورد لبعضهم يف شعر احلماسة ) وأنها ال تراني آخر األبد ... تركت ضأني تود الذئب راعيها ( ) مدية بيدي وكل يوم تراني... الذئب يطرقها يف الدهر واحدة (

وكذلك ورد قول اآلخر ) للؤم أحسابهم أن يقتلوا قودا ... قوم إذا ما جنى جانيهم أمنوا (

وكم للعرب من هذه املعاين اليت سبقوا إليها ملعاين أو أول من بكى على ومن أدل الدليل على فساد ما ذهب إليه من أن احملدثني هم املختصمون بابتداع ا

ذكره امرؤ القيس يف شعره فقال الديار يف شعره رجل يقال له ابن حزام وكان هو املبتدي هلذا املعىن أوال وقد ) نبكي الديار كما بكى ابن حزام ... عوجا على الطلل املحيل لعلنا (

بله وقد أمجع نقلة األشعار أن المرئ ا لقيس يف صفات الفرس أشياء كثرية مل يسبق إليها وال قيلت من قويكفي من هذا كله ما قدمت القول فيه وهو أن العرب السابقون بالشعر وزماهنم هو األول فكيف يقال إن

ا ذكره ولو قال إن احمل دثني أكثر املتأخرين هم السابقون إىل املعاين ويف هذه األمثلة اليت أوردهتا كفاية يف نقض مابتداعا للمعاين وألطف مأخذا وأدق نظرا لكان قوله صوابا ألن احملدثني عظم امللك اإلسالمي يف زماهنم ورأوا

ما مل يره املتقدمون وقد قيل إن اللها تفتح اللها وهو كذلك فإن نفاق السوق جالب

ظ اليت ال حاصل وراءها وال كبري وقد رأيت مجاعة من متخلقي هذه الصناعة جيعلون مههم مقصورا على األلفامعىن حتتها وإذا أتى أحده بلفظ مسجوع على أي وجه كان من العثاثة والربد يعتقد أنه قد أتى بأمر عظيم وال

يشك يف أنه صار كاتبا مفلقا وإذا نظر إىل كتاب زماننا وجدوا كذلك فقاتل اهللا القلم الذي ميشي يف أيدي كجواد ميشي حتت محار ولو أنه ال يتطاول إليه إال أهله لبان الفاضل من الناقص اجلهال األغمار وال يعلم أنه

على أنه كالرمح الذي إذا اعتقله حامله بني الصفني بان به املقدم من الناكص وقد أصبح اليوم يف يد قوم هم سقيم وهؤالء ال ذنب أحوج من صبيان الكاتب إىل التعليم وقد قيل إن اجلهل باجلهل داء ال ينتهي إليه سقم ال

هلم ألهنم لو مل يستخدموا يف الدول ويستكتبوا وإال ما ظهرت جهالتهم ويف أمثال العوام ال تعر األمحق شيئا فيظنه له وكذلك جيري األمر مع هؤالء فإهنم استكتبوا يف الدول فظنوا أن الكتابة قد صارت هلم بأمر حق

واجب ا له على خلوه عن حتصيل آالته وأسبابه وال أرى ومن أعجب األشياء أين ال أرى إال طا معا يف هذا الفن مدعي

أحدا يطمع يف فن من الفنون غريه وال يدعيه هذا وهو حبر ال ساحل له حيتاج صاحبه إىل حتصيل علوم كثرية أو حىت ينتهي إليه وحيتوي عليه فسبحان اهللا فسبحان اهللا هل يدعى بعض هؤالء أنه فقيه أو طبيب أو حاسب

غري ذلك من غري أن حيصل آالت ذلك ويتقن معرفتها فإذا كان العلم الواحد من هذه العلوم الذي ميكن حتصيله يف سنة أو سنتني من الزمان ال يدعيه أحد من هؤالء

فكيف جييء إىل فن الكتاب وهو ما ال حتصل معرفته إال يف سنني كثرية فيدعيه وهو جاهل به

Page 166: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

هلذا الفن الذين حصلوا منه على القشور وقصروا معرفتهم على األلفاظ املسجوعة الغثة ومما رأيته من املدعنياليت ال حاصل وراءها أهنم إذا أنكرت هذه احلال عليهم وقيل هلم إن الكالم املسجوع ليس عبارة عن تواطؤ

من غري كلفة وإمنا الفقر على حرف واحد فقط إذ لو كان عبارة عن هذا وحده ألمكن أكثر الناس أن يأتوا به هو أمر وراء هذا وله شروط متعددة فإذا مسعوا ذلك أنكروه

خللوهم عن معرفته مث لو عرفوه وأتوا به على الوجه احلسن من اختيار األلفاظ املسجوعة الحتاجوا إىل شرط طريق املعاين آخر قد نبهت عليه يف باب السجع وإذا أنكر عليهم االقتصار على األلفاظ املسجوعة وهدوا إىل

يقولون لنا أسوة بالعرب الذين هم أرباب الفصاحة فإهنم إمنا اعتنوا باأللفاظ ومل يعتنوا باملعاين اعتناءكم هبا فلم يكفهم جهلهم فيما ارتكبوه حىت ادعوا األسوة بالعرب فيه فصارت جهالتهم جهالتني

ا يؤنقه ويذهب به االستحسان كل مذهب ولنذكر ههنا يف الرد عليهم ما إذا تأمله الناظر يف كتابنا عرف منه م فنقول

اعلم أن العرب كما كانت تعتين باأللفاظ فتصلحها وهتذهبا فإن املعاين أقوى عندها وأكرم عليها وأشرف قدرا يف نفوسها فأول ذلك عنايتها بألفاظها ألهنا ملا كانت عنوان معانيها وطريقها إىل إظهار أغراضها أصلحوها

ها وبالغوا يف حتسينها ليكون ذلك أوقع هلا يف النفس وأذهب هبا يف الداللة على القصد أال ترى أن الكالم وزينوإذا كان مسجوعا لذ لسامعه فحفظه وإذا مل يكن مسجوعا مل يأنس به أنسه يف حالة السجع فإذا رأيت العرب

ظن أن العناية إذا ذاك إمنا هي بألفاظ قد أصلحوا ألفاظهم وحسنوها ورققوا حواشيها وصقلوا أطرافها فال تفقط بل هي خدمة منهم للمعاين ونظري ذلك إبراز صورة احلسناء يف احللل املوشية واألثواب احملربة فإنا قد جند

من املعاين الفاخرة ما يشوه من حسنه بذاذة لفظه وسوء العبارة عنه لسنا نرى حتته مع ذلك معىن شريفا فمما جاء منه فإن قيل إنا نرى من ألفاظ العرب ما قد حسنوه وزخرفوه و

قول بعضهم

) ومسح باألركان من هو ماسح ... ولما قضينا من منى كل حاجة ( ) وسالت بأعناق المطي األباطح ... أخذنا بأطراف األحاديث بيننا (

حسن هذا اللفظ وصقالته وتدبيج أجزائه ومعناه مع ذلك ليس مدانيا له وال مقاربا فإنه إمنا هو ملا أال ترى إىل فرغنا من احلج ركبنا الطريق راجعني وحتدثنا على ظهور اإلبل وهلذا نظائر شريفة األلفاظ خسيسة املعاين

عم النظر فيه وال رأى ما رآه القوم وإمنا فاجلواب عن ذلك أنا نقول هذا املوضع قد سبق إىل التشبث به من مل ينذلك جلفاء طبع الناظر وعدم معرفته وهو أن يف قول هذا الشاعر كل حاجة مما يستفيد منه أهل النسيب والرقة ا ال يستفيد غريهم وال يشاركهم فيه من ليس منهم أال ترى أن حوائج مىن أشياء كثرية فمنها واألهواء واملقة م

لتشاكي ومنها التخلي لالجتماع إىل غري ذلك مما هو تال له ومعقود الكون به فكأن الشاعر التالقي ومنها اصانع عن هذا املوضع الذي أومأ له وعقد غرضه عليه بقوله يف آخر البيت ومسح باألركان ما هو ماسح أي

ركان وما هو الحق به إمنا كانت حوائجنا اليت قضيناها وآرابنا اليت بلغناها من هذا النحو الذي هو مسح األوجار يف القرية من اهللا جمراه أي مل نتعد هذا القدر املذكور إىل ما حيتمله أول البيت من التعريض اجلاري جمرى

التصريح وأما البيت الثاين فإن فيه أخذنا بأطراف األحاديث بيننا ويف هذا ما نذكره لتعجب به ومبن عجب منه

Page 167: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

أخذنا يف أحاديثنا أو حنو ذلك لكان فيه ما يكربه أهل النسيب فإنه قد شاع ووضع من معناه وذلك أنه لو قال عنهم واتسع يف حماوراهتم علو قدر احلديث بني اإللفني واجلذل جبمع مشل املتواصلني أال ترى إىل قول بعضهم

) يا سعد جنونا فزدني من حديثك ... وحديثها يا سعد عنها فزدتني ( وقول اآلخر

) لم يجن قتل المسلم املتحرز ... وحديثها السحر الحالل لو انه ( فإذا كان قدر احلديث عندهم على ما ترى فكيف به إذا قيده بقوله أخذنا

يريد بأطرافها ما يتعاطاه احملبون بأطراف األحاديث فإن يف ذلك وحيا خفيا ورمزا حلوا أال ترى أنه قدويتفاوضه ذوو الصبابة من التعريض والتلويح واإلمياء دون التصريح وذلك أحلى وأطيب وأغزل وأنسب من

أن يكون كشفا ومصارحة وجهرا وإن كان األمر كذلك فمعىن هذين البيتني أعلى عندهم وأشد تقدما يف يف قول الشاعر نفوسهم من لفظهما وإن عذب ولذ مستمعه نعم

... ) وسالت بأعناق املطي األباطح ( ا حتدثوا وهم سائرون على من لطافة املعىن وحسنه ما ال خفاء به وسأنبه على ذلك فأقول إن هؤالء القوم مليف املطايا شغلتهم لذة احلديث عن إمساك األزمة فاسترخت عن أيديهم وكذلك شأن من يشره وتغلبه الشهوة

ا كان األمر كذلك وارختت األزمة عن األيدي أسرعت املطايا يف املسري فشبهت أعناقها مبرور أمر من األمور وملالسيل على وجه األرض يف سرعته وهذا موضع كرمي حسن ال مزيد على حسنه والذي ال ينعم نظره فيه ال

فها عناية منها باملعاين اليت حتتها فاأللفاظ إذا يعلم ما اشتمل عليه من املعىن فالعرب إمنا حتسن ألفاظها وتزخر خدم املعاين واملخدوم ال شك أشرف من اخلادم فاعرف ذلك وقس عليه

النوع األول يف االستعارة

ولنقدم قبل الكالم يف هذا املوضع قوال جامعا فنقول اعلم أن للفصاحة والبالغة أوصافا خاصة وأوصافا عامة يما يرجع إىل املعىن وأما العامة فكالسجع فيما يرجع إىل فاخلاصة كالتجنيس فيما يرجع إىل اللفظ وكاملطابقة ف

اللفظ وكاالستعارة فيما يرجع إىل املعىن وهذا املوضع الذي حنن بصدد ذكره وهو االستعارة كثري اإلشكال غامض اخلفاء

القول يف الفصل السابع من مقدمة وسأورد يف كتايب هذا ما استخرجته ومل أمسع فيه قوال لغريي وكنت قدمت الكتاب فيما خيتص بإثبات اجملاز والرد

على من ذهب إىل أن الكالم كله حقيقة ال جماز فيه وأقمت الدليل على ذلك وال حاجة إىل إعادته ههنا بل قيقتها الذي أذكره ههنا هو ما خيتص باالستعارة اليت هي جزء من اجملاز ومل مسيت هبذا االسم وكشفت عن ح وميزهتا عن التشبيه املضمر األداة والكالم يف هذا حيتاج إىل إعادة ذكر اجملاز وإدخاله فيه ليتقرر ويتبني

والذي انكشف يل بالنظر الصحيح أن اجملاز ينقسم قسمني توسع يف الكالم وتشبيه والتشبيه ضربان تشبيه تام ه به والتشبيه احملذوف أن يذكر املشبه به ويسمى استعارة وتشبيه حمذوف فالتشبيه التام أن يذكر املشبه واملشب

Page 168: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

وهذا االسم وضع للفرق بينه وبني التشبيه التام وإال فكالمها جيوز أن يطلق عليه اسم التشبيه وجيوز أن يطلق عليه اسم االستعارة الشتراكهما يف املعىن وأما التوسع فإنه يذكر للتصرف يف اللغة ال لفائدة أخرى وإن شئتقلت إن اجملاز ينقسم إىل توسع يف الكالم وتشبيه واستعارة وال خيرج عن أحد هذه األقسام الثالثة فأيها وجد

كان جمازا فإن قيل إن التوسع شامل هلذه األقسام الثالثة ألن اخلروج من احلقيقة إىل اجملاز اتساع يف االستعمال

اء ضمنا وتبعا وإن مل يكن هو السبب املوجب الستعماهلما قلت يف اجلواب إن التوسع يف الشبيه واالستعارة جوأما القسم اآلخر الذي هو ال تشبيه وال استعارة فإن النسب يف استماله هو طلب التوسع ال غري وبيان ذلك أنه قد ثبت أن اجملاز فرع عن احلقيقة وأن احلقيقة هي األصل وإمنا يعدل عن األصل إىل الفرع لسبب اقتضاه

لسبب الذي يعدل فيه عن احلقيقة إىل اجملاز إما أن يكون ملشاركة بني املنقول إليه يف وصف من وذلك ااألوصاف وإما أن يكون لغري مشاركة فإن كان ملشاركة فإما أن يذكر املنقول واملنقول إليه معا وإما أن يذكر

تشبيها والتشبيه تشبيهان تشبيه مظهر املنقول إليه دون املنقول فإن ذكر املنقول واملنقول إليه معا كان ذلك األداة كقوهلا زيد كاألسد وتشبيه مضمر األداة

كقولنا زيد أسد وهذا التشبيه املضمر األداة قد خلطه قوم باالستعارة ومل يفرقوا بينهما وذلك خطأ حمض املظهر األداة فال حاجة وسأوضح وجه اخلطأ فيه وأحقق القول يف الفرق بينهما حتقيقا جليا فأقول أما التشبيه

بنا إىل ذكره ههنا ألنه معلوم ال خالف فيه لكن نذكر التشبيه املضمر األداة الذي وقع فيه اخلالف فنقول إذا ذكر املنقول واملنقول إليه على أنه تشبيه مضمر األداة قيل فيه زيد أسد أي كاألسد فأداة التشبيه فيه مضمرة

ح يف الكالم الذي أظهرت فيه وال تزيل عنه فصاحة وال بالغة وهذا خبالف وإذا أظهرت حسن ظهورها ومل تقدما إذا ذكر املنقول إليه دون املنقول فإنه ال حيسن فيه ظهور أداة التشبيه ومىت أظهرت أزالت عن ذلك الكالم

د هذا ما كان متصفا به من جنس فصاحة وبالغة وهذا هو االستعارة ولنضرب لك مثاال نوضحه فنقول قد ور البيت لبعض الشعراء وهو

ا ( ) عجل القضيب وأبطأ الدعص ... فرعاء إن نهضت لحاجتهوهذا قد ذكر فيه املنقول إليه دون املنقول ألن تقديره عجل قد كالقضيب وأبطأ ردف كالدعص وبني إيراده

بون بعيد يف احلسن واملالحة والفرق إذا أن التشبيه املضمر على هذا التقدير وبني إيراده على هيئته يف البيت األداة حبسن إظهار أداة التشبيه فيه واالستعارة ال حيسن ذلك فيها وعلى هذا فإن االستعارة ال تكون إال حبيث

يطوى ذكر املستعار له الذي هو املنقول إليه ويكتفي بذكر املستعار الذي هو املنقول ن الفرق بني التشبيه وبني االستعارة ما ذهبت إليه بل الفرق بينهما أن التشبيه إمنا يكون فإن قيل ال نسلم أ

بأداته كالكاف وكأن وما جرى جمراها فما مل يظهر فيه أداة التشبيه ال يكون تشبيها وإمنا يكون استعارة فإذا قلنا زيد أسد كان ذلك استعارة وإذا قلنا زيد كاألسد كان ذلك تشبيها

يف اجلواب عن ذلك إذا مل جنعل قولنا يد أسد تشبيها مضمر األداء استحال املعىن ألن زيدا ليس أسدا وإمنا قلت هو كاألسد يف شجاعته فأداة التشبيه تقدر ههنا ضرورة كي ال يستحيل املعىن

Page 169: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

ISLAMICBOOK.WS لجم| ٢٠١٠ مينجميع الحقوق متاحة المسل يع

Page 170: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

لشاعر: كتاب وا لكاتب ا أدب ئر يف لسا ملثل ا اعبدالكرمي املوصلي : املؤلف بن بن حممد نصراهللا الدين لفتح ضياء ا أيب

فإن قيل وكذلك أيضا إذا مل تقدر أداة التشبيه يف االستعارة استحال املعىن ألنا إذا قلنا عجل القضيب وأبطأ ال املعىن الدعص فما مل نقدر فيه أداة التشبيه وإال استح

قلت يف اجلواب عن ذلك تقدير أداة التشبيه ال بد منه يف املوضعني لكن حيسن إظهارها يف التشبيه دون االستعارة ومجلة األمر أنا نرى أداة التشبيه حبسن إظهارها يف موضع دون موضع فعلمنا أن املوضع الذي

ينا املواضع الذي حيسن إظهارها فيه تشبيها حيسن إظهارها فيه غري املوضع الذي ال حيسن إظهارها فيه فسممضمر األداء والذي ال حيسن إظهارها فيه استعارة وإمنا فعلنا ذلك ألن تسمية ما حيسن إظهار أداة التشبيه فيه بالتشبيه أليق وتسمية ما ال حيسن إظهار أداة التشبيه فيه باالستعارة أليق فإذا قلنا زيد أسد حسن إظهار

فيه بأن نقول زيد كاألسد وإذا قلنا كما قال الشاعر أداة التشبيه ) عجل القضيب وأبطأ الدعص ... فرعاء إن نهضت لحاجتها (

ال حيسن إظهار أداة التشبيه فيه على ما تقدم من ذكر ذلك أوال أسد أي كاألسد فنحن نضمر أيضا فإن قيل إذا أجزت إضمار أداة التشبيه وقدرت إظهارها يف قولك زيد

املستعار له ونقدر إظهاره فإنه ملا قال الشاعر عجل القضيب وأبطأ الدعص أضمر املستعار له وهو القد والردف وإذا أظهر قيل عجل قد كالقضيب وأبطأ ردف كالدعص وال فرق بني اإلضمارين فكما يسعك

حنن إضمار املستعار له يف قول الشاعر إضمار أداة التشبيه يف قولك زيد أسد فكذلك يسعنا فاجلواب عن ذلك أين أقول حنن يف هذا املقام واقفون مع االستحسان ال مع اجلواز ولو تأملت ما أوردته يف

أول كالمي بالعني الصحيحة ملا أوردت علي هذا االعتراض ههنا فإين قلت التشبيه املضمر األداة حيسن تعارة ال حيسن إظهار أداة التشبيه فيها ولو قلت جيوز أو ال جيوز لورد علي إظهار أداء التشبيه فيه واالس

هذا االعتراض الذي ذكرته وقد علم وحتقق أن من الواجب يف حكم

الفصاحة والبالغة أال يظهر املستعار له وإذا أظهر ذهب ما على الكالم من احلسن والرونق أال ترى أنا إذا أوردنا هذا البيت الذي هو

) وردا وعضت على العناب بالبرد ... فأمطرت لؤلؤا من نرجس وسقت (وجد عليه من احلسن والرونق ما ال خفاء به وهو من باب االستعارة فإذا أظهرنا املستعار له صرنا إىل كالم

خدا كالورد وعضت على أنامل غث وذاك أنا نقول فأمطرت دمعا كاللؤلؤ من عني كالنرجس وسقت خمضوبة كالعناب بأسنان كالربدد وفرق بني هذين الكالمني للمتأمل واسع

) عجل القضيب وأبطأ الدعص ... فرعاء إن نهضت لحاجتها ( نه ال بل تبدل فإن هذا البيت ال خفاء مبا عليه من احلسن وإذا ظهر فيه املستعار له زال ذلك احلسن ع

بضده وليس كذلك التشبيه املضمر األداة فإنا إذا أظهرنا أداة التشبيه وأضمرناها كان ذلك سواء إذ ال

Page 171: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

فرق بني قولنا زيد أسد وبني قولنا زيد كاألسد وهذا ال خيفى على جاهل بعلم الفصاحة والبالغة فضال عن وم إمنا هو حسنه وطالوته فإذا ذهب ذلك عنه فليس عامل واملعول عليه يف تأليف الكالم من املنثور واملنظ

بشيء وحنن يف الذي نورده يف هذا الكتاب واقفون مع احلسن ال مع اجلواز مث لو تنزلنا معك أيها املعترض عن درجة احلسن إىل درجة اجلواز ملا استقام لك ما ذكرته وذاك إن إضمار

هو مضمر واحد وأما قول الشاعر فرعاء إن هنضت إداة التشبيه ظاهر يف قولنا يد أسد أي كاألسد وحلاجتها فإنه ال يضمر فيه أداة التشبيه إال بعد أن يظهر املستعار له وحينئذ يكون فيه إضماران أحدمها

املستعار له واآلخر أداة التشبيه وإضمار واحد أيسر من إضمارين أحدمها معلق على اآلخر وإذا كان األكر ستعارة والتشبيه هو ما قدمت القول فيه من أن االستعارة ال تكون إال حبيث يطوى كذلك فالفرق بني اال

ذكر املستعار له

فتأمل ما أشرت إليه وتدبره حىت تعلم أين ذكرت ما مل يذكره أحد غريي على هذا الوجه ية احلقيقية اليت هي وإمنا مسي هذا القسم من الكالم استعارة ألن األصل يف االستعارة اجملازية مأخوذ من العار

ضرب من املعاملة وهي أن يستعري بعض الناس من بعض شيئا من األشياء وال يقع ذلك إال من شخصني بينهما سبب معرفة ما يقتضي استعارة أحدمها من اآلخر شيئا وإذا مل يكن بينهما سبب معرفة بوجه من

ستعري منه وهذا احلكم جار يف استعارة األلفاظ الوجوه فال يستعري أحدمها من اآلخر شيئا إذ ال يعرفه حىت يبعضها من بعض فاملشاركة بني اللفظني يف نقل املعىن من أحدمها إىل اآلخر كاملعرفة بني الشخصني يف نقل

الشيء املستعار من أحدمها إىل اآلخر ة معا باختالف القرينة واعلم أنه قد ورد من الكالم ما جيوز محله على االستعارة وعلى التشبيه املضمر األدا

وذاك أن يرد الكالم حمموال على ضمري من تقدم ذكره فينتقل عن ذلك إىل غريه ويرجتل ارجتاال فمما جاء منه قول البحتري

) ومالت يف التعطف غصن بان ... إذا سفرت أضاءت شمس دجن ( كان ذلك حمموال على الضمري يف قوله أضاءت كأنه قال فلما قال أضاءت مشس دجن بنصب الشمس

أضاءت هي وهذا تشبيه ألن املشبه مذكور وهو الضمري يف أضاءت الذي نابت عنه التاء وجيوز محله على االستعارة بأن يقال أضاءت مشس دجن برفع الشمس وال يعود الضمري حينئذ إىل من تقدم ذكره وإمنا

لبيت يكون الكالم مرجتال ويكون ا ) ومال يف التعطف غصن بان ... إذا سفرت أضاءت شمس دجن (

وهذا املوضع فيه دقة غموض وحرف التشبيه حيسن يف األول دون الثاين وأما القسم الذي يكون العدول فيه عن احلقيقة إىل اجملاز لغري مشاركة بني املنقول واملنقول إليه فذلك ال

كون إال لطلب التوسع يف الكالم وهو سبب صاحل إذ التوسع يف الكالم مطلوب يوهو ضربان أحدمها يرد على وجه اإلضافة واستعماله قبيح لبعد ما بني املضاف واملضاف إليه وذاك ألنه

وال يلتحق بالتشبيه املضمر األداة وإذا ورد التشبيه وال مناسبة بني املشبه واملشبه به كان ذلك قبيحا

Page 172: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

يستعمل هذا الضرب من التوسع إال جاهل بأسرار الفصاحة والبالغة أو ساه غافل يذهب به خاطره إىل استعمال ما ال جيوز وال حيسن كقول أيب نواس

) منك يشكو ويصيح ... بح صوت املال مما ( أن املال يتظلم من إهانتك إياه بالتمزيق فقوله بح صوت املال من الكالم النازل باملرة ومراده من ذلك

فاملعىن حسن والتعبري عنه قبيح وما أحسن ما قال مسلم بن الوليد يف هذا املعىن ) ال زال للمال واألعداء ظالما ... تظلم املال واألعداء من يده (

وكذلك ورد قول أيب نواس أيضا

) تشتكي منك الكالال ... أمست ما لرجل املال( فإضافة الرجل إىل املال أقبح من إضافة الصوت

ومن هذا الضرب قول أيب متام ) صروف النوى من مرهف حسن القد ... وكم أحرزت منكم على قبح قدها (

عيد البعيد وإمنا أوقعه فيه املماثلة بني القد والقد وهذا أدب الرجل يف فإضافة القد إىل النوى من التشبيه الب تتبع املماثلة تارة والتجنيس أخرى حىت إنه ليخرج إىل بناء يعاب به أقبح عيب وأفحشه

وكذلك ورد قول ) فعال وأما خد مالك أسفل... بلوناك أما كعب عرضك في العال (

فقوله كعب عرضك وخذ مالك مما يستقبح ويستنكر ومراده من ذلك أن عرضك مصون ومالك مبتذل إال أنه عرب عنه أقبح تعبري وأبو متام يقع يف مثل ذلك كثريا

وأما الضرب اآلخر من التوسع فإنه يرد على غري وجه اإلضافة وهو حسن ال عيب فيه وقد ورد يف القرآن مث استوى إىل السماء وهي دخان فقال هلا ولألرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا ( الكرمي كقوله تعاىل

فنسبة القول إىل السماء واألرض من باب التوسع ألهنما مجاد والنطق إمنا هو لإلنسان ال للجماد ) طائعني وال مشاركة ههنا بين املنقول واملنقول إليه

) سماء واألرض وما كانوا منظرين فما بكت عليهم ال( وكذلك قوله تعاىل فإضافة احملبة إىل اجلبل من باب ) هذا جبل حيبنا وحنبه ( وعليه ورد قول النيب فإنه نظر إىل أحد يوما فقال

التوسع إذ ال مشاركة بينه وبني اجلبل الذي هو مجاد وعلى هذا ورد خماطبة الطلول ومساءلة األحجار كقول أيب متام

) فأصبحت ميدان الصبا والجنائب ... هوي من أتاح لك البلى أميدان ل( وكقول أيب الطيب املتنيب

) نبكي وترزم تحتنا اإلبل ... إثلث فإنا أيها الطلل (

Page 173: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

( مساءلة األهل كالذي يف قوله تعاىل فأبو متام سائل ربوعا عافية وأحجارا دارسة وال وجه هلا ههنا إال أي أهل القرية وكل هذا توسع يف العبارة إذ ال مشاركة بني رسوم الديار وبني فهم السؤال ) واسئل القرية

واجلواب وكذلك قال أبو الطيب املتنيب يف أمره الطلل بأن يكون ثالثا هلما أي الركب واإلبل وهذا واضح ال نزاع فيه حتقق ما أشرت إليه من هذا املوضع فاجملاز ال خيرج عن هذه األقسام الثالثة إما توسع أو فإذا قد تبني و

تشبيه أو استعارة وإذا حققنا النظر يف االستعارة والتشبيه وجدنامها أمرا قياسيا يف محل فرع على أصل ملناسبة بينهما وإن كانا يفترقان حبدمها وحقيقتهما

نقل املعىن من لفظ إىل لفظ بسبب مشاركة بينهما وهذا احلد فاسد ألن التشبيه فأما حد االستعارة فقيل إنه يشارك االستعارة فيه أال ترى أنا إذا قلنا زيد أسد أي كأنه أسد وهذا نقل املعىن من لفظ إىل لفظ بسبب

ني األسد يف مشاركة بينهما ألنا نقلنا حقيقة األسد إىل زيد فصار جمازا وإمنا نقلناه ملشاركة بني زيد وب وصف الشجاعة

والذي عندي من ذلك أن يقال حد االستعارة نقل املعىن من لفظ إىل لفظ املشاركة بينهما مع طي ذكر املنقول إليه ألنه إذا احترز فيه هذا االحتراز اختص االستعارة وكان حدا هلا دون التشبيه وطريقة أنك تريد

ىل املشبه فتعريه اسم املشبه به وجتريه عليه مثال ذلك أن تقول تشبيه الشيء بالشيء مظهرا ومضمرا وجتيء إ رأيت أسدا وهذا كالبيت الشعر املقدم ذكره وهو

) عجل القضيب وأبطأ الدعص ... فرعاء إن نهضت لحاجتها ( رمل فترك ذكر التشبيه فإن هذا الشاعر أراد تشبيه القد بالقضيب والردف بالدعص الذي هو كثيب ال

مظهرا ومضمرا وجاء إىل املشبه وهو القد والردف فأعاره املشبه به وهو القضيب والدعص وأجراه عليه إال أن هذا املوضع ال بد له من قرينة تفهم من فحوى اللفظ ألنه إذا قال

منا يفهم منه أنه أراد القائل رأيت أسدا وهو يريد رجال شجاعا فإن هذا القول ال يفهم منه ما أراد وإاحليوان املعروف باألسد لكن إذا اقترن بقوله هذا قرينة تدل على أنه أراد رجال شجاعا اختص الكالم مبا

أراد أال ترى إىل قول الشاعر عجل القضيب وأبطأ الدعص فإنه دل عليه من نفس ألن قوله فرعاء إن ب والدعص ال يكونان المرأة فرعاء تنهض حلاجتها هنضت دليل على أن املراد هو القد والردف ألن القضي

وكذلك كل ما جييء على هذا األسلوب ألن املستعار له وهو املنقول إليه مطوي الذكر وكنت تصفحت كتاب اخلصائص أليب الفتح عثمان بن جين فوجدته قد ذكر يف اجملاز شيئا يتطرق إليه

از إال ملعان ثالثة وهي االتساع والتشبيه والتوكيد فإن النظر وذلك أنه قال ال يعدل عن احلقيقة إىل اجمل عدمت الثالثة كانت احلقيقة ألبتة

فهذا جماز وفيه الثالثة املذكورة أما االتساع فهو أنه زاد يف أمساء ) فأدخلناه يف رمحتنا ( فمن ذلك قوله تعاىل ن مل يصح دخوهلا مبا يصح دخوله وأما اجلهات واحملال امسا وهو الرمحة وأما التشبيه فإنه شبه الرمحة وإ

التوكيد فهو أنه أخرب عما ال يدرك باحلاسة مبا يدرك باحلاسة تعاليا باملخرب عنه وتفخيما له إذا صري مبنزلة ما

Page 174: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

يشاهد ويعاين هذا جمموع قول أيب الفتح رمحه اهللا من غري زيادة وال نقص

والنظر يتطرق إليه من ثالثة أوجه ل وجود هذه املعاين الثالثة سببا لوجود اجملاز بل وجود واحد منها سببا لوجوده أال ترى أنه األول أنه جع

إذا وجد التشبيه وحده كان ذلك جمازا وإذا وجد االتساع وحده كان ذلك جمازا مث إن كان وجود هذه املعاين الثالثة سببا

قلنا ال يوجد اإلنسان إال بأن يكون حيوانا لوجود اجملاز كان عدم واحد منها سببا لعدمه أال ترى أنا إذاناطقا فاحليوانية والنطق سبب لوجود اإلنسان وإذا عدم واحد منهما بطل أن يكون إنسانا وكذلك كل

صفات تكون متقدمة لوجود الشيء فإن وجودها بوجوده وعدم واحد منها يوجب عدمه شيء واحد على الوجه الذي ذكره ألنه ملا شبهت وأما الوجه الثاين فإنه ذكر التوكيد والتشبيه وكالمها

الرمحة وهي معىن ال يدرك بالبصر مبكان يدخل وهو صورة تدرك بالبصر دخل حتته التوكيد الذي هو إخبار عما ال يدرك باحلاسة مبا قد يدرك باحلاسة على أن التوكيد ههنا على وجه ما أورده يف متثيله ال أعلم ما

يؤتى به يف اللغة العربية إال ملعنيني أحدمها أنه يرد أبدا فيما استقري بألفاظ حمصورة حنو الذي أراد به ألنه النفسه وعينه وكله وما أضيف إليها مما استقري وهو مذكور يف كتب النحاة وقد كفيت مؤنته اآلخر أنه

ود أي توكيدا والذي يريد على وجه التكرير حنو قام زيد قام زيد كرر اللفظ يف ذلك حتقيقا للمعىن املقصذكره أبو الفتح رمحه اهللا تعاىل ال يدل على أن املراد به أحد هذين املعنيني املشار إليهما وال شك أنه أراد به املبالغة واملغاالة يف إبراز املعىن املوهوم إىل الصورة املشاهدة فعرب عن ذلك بالتوكيد وال مشاحة له يف تعبريه

تشبيه سواء على ما ذكره وال حاجة إىل ذكر التوكيد مع ذكر التشبيه وإذا أراد به ذلك فهو والوأما الوجه الثالث فإنه قال أما االتساع فهو أنه زاد يف أمساء اجلهات واحملال كذا وكذا وهذا القول

واخفض هلما جناح ( مضطرب شديد االضطراب ألنه ينبغي على قياسه أن يكون جناح الذل يف قوله تعاىل زيادة يف أمساء الطيور وذلك أنه زاد يف أمساء الطيور امسا هو الذل وهكذا جيري احلكم يف األقوال )الذل

الشعرية كقول أيب متام

) كما أغنى التيمم بالصعيد ... لبست سواه أقواما فكانوا ( عوذ باهللا من اخلطل واالتساع يف اجملال ال يقال فزاد يف أمساء اللباس امسا هو اآلدمي وهذا مما يضحك منك ن

فيه كذا وإمنا يقال هو أن جترى صفة من الصفات على موصوف ليس أهال ألن جترى عليه لبعد ما بينه وبينهما كقول أيب الطيب املتنيب

) نبكي وترزم تحتنا اإلبل ... إثلث فإنا أيها الطلل ( جرى الكالم على ذلك وإمنا يستعمل طلبا لالتساع يف أساليب الكالم ال ملناسبة بني الصفة واملوصوف فإنه أ

إذ لو كان ملناسبة ملا كان ذلك اتساعا وإمنا كان ضربا من القياس يف محل الشيء على ما يناسبه ويشاكله وحينئذ يكون ذلك تشبيها أو استعارة على ما أشرت إليه من قبل

Page 175: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

عت يف كتاب من مصنفات أيب حامد الغزايل رمحه اهللا ألفه يف أصول الفقه ووجدته قد ذكر وكنت اطل احلقيقة واجملاز وقسم اجملاز إىل أربعة عشر

قسما وتلك األربعة عشر ترجع إىل الثالثة اليت أشرت إليها وهي التوسع والتشبيه واالستعارة وال خترج ء إال إذا اختص كل قسم من األقسام بصفة ال خيتص هبا غريه عنها والتقسيم ال يصح يف شيء من األشيا

وإال كان التقسيم لغوا ال فائدة فيه وسأورد ما ذكره وأبني فساده

فالقسم األول من األقسام اليت ذكرها هو ما جعل للشيء بسبب املشاركة يف خاصة كقوهلم للشجاع أسد كر املنقول وحده مثل أن يقول القائل رأيت أسدا ومراده وللبليد محار وهذا القسم داخل يف االستعارة إن ذ

رجال شجاعا أو رأيت محارا ومراده رجال بليدا وداخل يف التشبيه املضمر األداة إن ذكر املنقول واملنقول إليه معا كقول القائل زيد أسد أي كاألسد أو محار أي كاحلمار

وإمنا كان يعصر عنبا ) إين أراين أعصر مخرا ( ه تعاىل القسم الثاين تسمية الشيء باسم ما يئول إليه كقولوهذا القسم داخل يف القسم األول لصفة املشاهبة بني املنقول واملنقول إليه وهو من باب االستعارة ال بل

أوغل يف املشاهبة من ذلك ألن اخلمر من العنب وليس األسد من الرجل وال الرجل من األسد ء باسم فرعه كقول الشاعر القسم الثالث تسمية الشي

) وتمر على رأس النخيل وماء ... وما العيش إال نومه وتشرق (

فسمي الرطب مترا وهذا القسم والقسم الذي قبله سواء ألن هناك مسى العنب مخرا وههنا مسى الرطب مترا فرع وكال هذين القسمني داخل يف القسم األول فالعنب أصل واخلمر فرع وكذلك الرطب أصل والتمر

وهب أن الغزايل مل حيقق أمر اجملاز وانقسامه إىل تلك األقسام الثالثة اليت أشرت إليها أمل ينظر إىل هذين القسمني اللذين مها العنب واخلمر والرطب والتمر ويعلم أهنما شيء واحد ال فرق بينهما

أصله كقوهلم لآلدمي مضغة وهذا ضد القسم الذي قبله ألن ذاك جعل القسم الرابع تسمية الشيء باسم األصل فيه فرعا وهذا جعل الفرع فيه أصال وهو داخل يف القسم األول أيضا

القسم اخلامس تسمية الشيء بدواعيه كتسميتهم االعتقاد قوال حنو قوهلم هذا يقول بقول الشافعي رمحه اهللا اخل يف القسم األول ألن بني القول وبني االعتقاد مناسبة كاملناسبة بني أي يعتقد اعتقاده وهذا القسم د

السبب واملسبب والباطن والظاهر القسم السادس تسمية الشيء باسم مكانه كقوهلم للمطر مساء ألنه ينزل منها وهذا القسم داخل يف األول

ا عالك فأظلك فهو مساء على أن لصفة املناسبة بني املنقول واملنقول إليه وهو النزول من عال وكل ماألغلب على ظين أن هذا القسم من األمساء املشتركة وتسمية املطر بالسماء حقيقة فيه وليس من اجملاز يف

شيء القسم السابع تسمية الشيء باسم جماوره كقوهلم للمزادة راوية وإمنا الراوية اجلمل الذي حيملها وهذا

التشبيه وال من باب االستعارة ألن على قياسه ينبغي أن يسمى اجلمل القسم من باب التوسع ال من باب

Page 176: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

زاملة ألنه حيملها القسم الثامن تسمية الشيء باسم جزئه كقولك ملن تبغضه أبعد اهللا وجهه عين وإمنا تريد سائر جثته وهذا

القسم داخل يف القسم األول وهو شبيه بتسمية الشيء باسم فرعه

الشيء باسم ضده وكقوهلم لألسود واألبيض جون وهذا القسم ليس من اجملاز يف القسم التاسع تسمية شيء البتة وإمنا هو حقيقة يف هذين املسميني معا ألنه من األمساء املشتركة كقوهلم مشت السيف إذا سللته

عل ومشته إذا أغمدته فدل الشيم على الضدين معا بالوضع احلقيقي ويف اللغة من هذا شي كثري فكيف جي هذا القسم من اجملاز

وال شك أن الغزايل نظر إىل أن الضدين ال جيتمعان يف حمل واحد فقاس االسم على الذات وظن أن الذاتني ال جيتمعان يف اسم واحد كما أهنما ال جيتمعان يف حمل واحد

ة الوضع الذي هو فإن قيل ال نسلم أن اللفظ املشترك حقيقة بالوضع يف املعنيني معا ألن ذلك خيل بفائد البيان وإمنا هو حقيقة يف أحد معنييه جماز يف اآلخر

فاجلواب عن ذلك أن هذا املوضع تقدم الكالم عليه يف الفصل الثاين من مقدمة الكتاب وهو الفصل الذي يشمل على آالت علم البيان وأدواته فليؤخذ من هناك فإين قد أشبعت القول فيه إشباعا ال مزيد عليه

سم العاشر تسمية الشيء بفعله كتسمية اخلمر مسكرا وهذا القسم داخل يف القسم األول وأي مشاركة القأقرب من هذه املشاركة فإن اإلسكار صفة الزمة للخمر وليست الشجاعة صفة الزمة لزيد ألنه ميكن أن

إال إلسكارها فإهنا ختمر يكون زيد وال شجاعة وال ميكن أن يكون مخرا وال إسكار أال ترى أهنا مل تسم مخرا العقل أي تستره

القسم احلادي عشر تسمية الشيء بكله كقولك يف جواب ما فعل زيد القيام والقيام جنس يتناول مجيع أنواعه وهذا القسم ال ينبغي أن يوصل بأقسام اجملاز ألن القيام لزيد حقيقة

اضر واملستقبل فإن قيل إن القيام يشمل مجيع أنواع القيام من املاضي واحل

قلت وهذا من أقرب أقسام اجملاز مناسبة ألنه إقامة للمصدر مقام الفعل املاضي واملصدر أصل الفعل وعلى هذا فإن هذا داخل يف القسم األول

فما ههنا زائدة ال ) فبما رمحة من اهللا لنت هلم ( القسم الثاين عشر الزيادة يف الكالم لغري فائدة كقوله تعاىل هلا أي فربمحة من اهللا لنت هلم وهذا القول ال أراه صوابا وفيه نظر من وجهني أحدمها أن هذا القسم معىن

ليس من اجملاز ألن اجملاز هو داللة اللفظ على غري ما وضع له يف أصل اللغة وهذا غري موجود يف اآلية وإمنا أين لو سلمت أن ذلك من اجملاز هي دالة على الوضع اللغوي املنطوق به يف أصل اللغة والوجه اآلخر

ألنكرت أن لفظة ما زائدة ال معىن هلا ولكنها وردت تفخيما ألمر النعمة اليت الن هبا رسول اهللا له وهي حمض الفصاحة ولو عرى الكالم منها ملا كانت له تلك الفخامة وقد ورد مثلها يف كالم العرب كالذي

مية األبرش تزوجها واحلكاية يف ذلك مشهورة فلما دخل حيكى عن الزباء وذاك أن الوضاح الذي هو جذعليها كشفت له عن فرجها وقد ضفرت الشعر من فوق ضفريتني وقالت أذات عرس ترى أما إنه ليس

Page 177: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

ذلك من عوز املواس وال من قلة األواس ولكنه شيمة ما أناس فمعىن الكالم ولكنه شيمة أناس وإمنا جاءت حب تلك الشيمة وتعظيما ألمره ولو أسقطت ملا كان للكالم ههنا هذه لفظة ما ههنا تفخيما لشأن صا

الفخامة واجلزالة وال يعرف ذلك إال أهله من علماء الفصاحة والبالغة وأما الغزايل رمحه اهللا تعاىل فإنه معذور عندي يف أال يعرف ذلك ألنه ليس فنه ومن ذهب إىل أن يف القرآن لفظا زائدا ال معىن له فإما أن يكون جاهال هبذا القول وإما أن يكون متسمحا يف دينه واعتقاده وقول النحاة إن ما يف هذه اآلية زائدة

فإمنا يعنون به أهنا ال متنع ما قبلها عن العمل كما يسموهنا يف موضع آخر كافة أي أهنا تكف احلرف العامل اآلية مل متنع عن العمل أال ترى أهنا مل عن عمله كقولك إمنا زيد قائم فما قد كفت إن عن العمل يف زيد ويف

متنع الباء عن العمل يف خفض الرمحة

وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنيب إن أراد النيب ( القسم الثالث عشر تسمية الشيء حبكمه كقوله تعاىل وج من فسمي النكاح هبة وهذا القسم داخل يف القسم األول ألن النكاح هو متكني الز) أن يستنكحها

الوطء على عوض على هيئة خمصوصة واهلبة متكينه من الشيء املوهوب على غري عوض فشاركت اهلبة النكاح يف نفس التمكني من الوطء وإن اختلفا يف الصورة

( القسم الرابع عشر النقصان الذي ال يبطل به املعىن كحذف املوصوف وإقامة الصفة مقامه قال اهللا تعاىل أي شخصا بريئا وكحذف املضاف وإقامة املضاف إليه مقامه ) أو إمثا مث يرم به بريئا ومن يكسب خطيئة

أي أهل القرية وهذا القسم داخل يف القسم األول أما حذف املوصوف ) واسئل القرية ( قال اهللا تعاىل فألنه دل وإقامة الصفة مقامه فألن الصفة الزمة للموصوف وأما حذف املضاف وإقامة املضاف إليه مقامه

باملسكون على الساكن وتلك مقارنة قريبة فهذه أقسام اجملاز اليت ذكرها الغزايل رمحه اهللا تعاىل وقد بينت فساد التقسيم فيها وأهنا ترجع إىل ثالثة أقسام

هي التوسع والتشبيه واالستعارة نه فإين أتبع ذلك بضرب وحيث انتهى يب الكالم إىل ههنا وفرغت مما أردت حتقيقه وبينت ما أردت بيا

األمثلة لالستعارة اليت يستفيد هبا املتعلم ما ال يستفيده بذكر احلد واحلقيقة آلر كتاب أنزلناه ( فمما جاء من ذلك يف القرآن الكرمي قوله تعاىل يف أول سورة إبراهيم صلوات اهللا عليه

عارة للكفر واإلميان أو للضالل واهلدى فالظلمات والنور است) إليك لتخرج الناس من الظلمات إىل النور واملستعار له مطوي الذكر كأنه قال لتخرج الناس من الكفر الذي هو كالظلمة إىل اإلميان الذي هو كالنور

وقد مكروا مكرهم وعند اهللا مكرهم وإن كان مكرهم ( وكذلك ورد قوله تعاىل يف هذه السورة أيضا لتزول منه والقراءة برفع ) لتزول منه اجلبال

اجلبال ليست من باب االستعارة ولكنها يف نصب تزول والالم الم كي واجلبال ههنا استعارة طوى فيها ذكر املستعار له وهو أمر رسول اهللا وما جاء به من اآليات واملعجزات أي أهنم مكروا مكرهم لكي تزول

منه هذه اآليات واملعجزات اليت هي ثباهتا واستقرارها كاجلبال والشعراء يتبعهم الغاوون أمل تر أهنم يف كل واد يهيمون وأهنم يقولون ما ال ( وعلى هذا ورد قوله تعاىل

Page 178: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

فاستعار األودية للفنون واألغراض من املعاين الشعرية اليت يقصدوهنا وإمنا خص األدوية باالستعارة ) يفعلون خرج بالفكرة والروية والفكرة والروية فيهما ومل يستعر الطرق واملسالك أو ما جرى جمراها ألن الشعر تست

خفاء وغموض فكان استعارة األودية هلا أشبه وأليق واالستعارة يف القرآن قليلة لكن التشبيه املضمر األداة كثري وكذلك هي يف فصيح الكالم من الرسائل

ر األداة فكثري سهل ملكان واخلطب واألشعار ألن طي املستعار له ال يتيسر يف كل كالم وأما التشبيه املضم إظهار املشبه واملشبه به معا

فاستعار النار للرأي ) ال تستضيئوا بنار املشركني ( ومما ورد من االستعارة يف األخبار النبوية قول النيب واملشورة أي ال هتتدوا برأي املشركني وال تأخذوا مبشورهتم

أما إنكم لو أكثرمت من ذكر هاذم ( يكثرون فقال وروي عنه أنه دخل يوما مصاله فرأى أناسا كأهنم وهاذم اللذات أراد به املوت وهو مطوي الذكر ) اللذات لشغلكم عما أرى

وبلغين عن العرب أهنم يقولون عند رؤية اهلالل ال مرحبا باللجني مقرب أجل وحمل وهذا من باب االستعارة يف طي ذكر املستعار له

ن يوسف أنه خطب خطبة عند قدومه العراق يف أول واليته إياه واخلطبة وكذلك بلغين عن احلجاج بمشهورة من مجلتها أنه قال إن أمري املؤمنني نثل كنانته وعجمها عودا عودا فرآين أصلبها جنارا وأقومها

عودا وأنفذها نصال فقوله نثل

اختباره فرآين أشدهم كنانته وعجمها عودا عودا يريد أنه عرض رجاله واختربهم واحدا واحدا جد وأمضاهم وهذا من االستعارة احلسنة الفائقة

وقد جاءين من االستعارة يف رسائلي ما أذكر شيئا منه ولو مثاال واحدا وذلك أنه سألين بعض األصدقاء أن أصف له غالمني تركيني كان يهوامها وكان أحدمها يلبس قباء أمحر واآلخر قباء أسود فقلت إذا تشعبت

ب اهلوى كانت لسره أظهر وأضحت أمراضه خطرا كلها وال يقال يف أحدها هذا أخطر وقد هويت أسبابدرين على غصنني وال طاقة للقلب هبوى واحد فكيف إذا محل هوى اثنني ومما شجاين أهنما يتلونان يف

نهما يف حسنه أسباغ الثياب كما يتلونان يف فنون التجرم والعتاب وقد استجدا اآلن زيا ال مزيد على حسفهذا خيرج يف ثوب من محرة خده وهذا يف ثوب من سواد جفنه وما أدري من دهلما على هذا العجيب غري

أنه ليس على فتنة احملب أهدى من حبيب وهذا الفصل جبملته مما تواصفه الناس وأغروا حبفظه

وأما ما ورد من ذلك شعرا فكقول مسكني الدارمي من شعراء احلماسة ) ولم يلهني عنه غزال مقنع ... حافي لحاف الضيف والبيت بيته ل( ) وتعلم نفسي أنه سوف يهجع ... أحدثه إن الحديث من القرى (

فالغزال املقنع هذا استعارة للمرأة احلسناء يسار يف كتاب احلماسة أيضا وكذا ورد قول رجل من بين

Page 179: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

) رويدك لما تشفقي حني مشفق ... أقول لنفسي حني خود رألها ( ) عماية هذا العارض املتألق ... رويدك حتى تنظري عم تنجلي (

مبكروهه كالبارق املتألق فالعارض املتألق استعارة للحرب أو الذي أطلوحيكى أن امرأة وقفت لعبد امللك بن مروان وهو سائر إىل قتال مصعب بن الزبري فقالت يا أمري املؤمنني

فقال رويدك حىت تنظري عم تنجلي وأنشد البيت ومن هذا الباب قول عبد السالم بن رغبان املعروف بديك اجلن

) وبسمت عن متفتح النوار ... ق املها لما نظرت إلي عن حد( ) وكثيب رمل عقدة الزنار ... وعقدت بين قضيب بان أهيف ( ) وعزمت فيك على دخول النار ... عفرت خدي يف الثرى لك طائعا (

هلا يف احلسن شريكا وألن يسمى قائلها شحرورا أوىل من أن يسمى ديكا وهذه األبيات ال جتد وكذلك ورد قوله

) ومجرى الزنار في الخصر ... ال ومكان الصليب في النحر منك ( ) وردة مسك على ثرى تبر ... والخال في الخد إذ أشبهه (

) بحبر البهاء ال الحبر ... وحاجب مذ خطه قلم الحسن ( ) على شبيه من رائق الخمر ... وأقحوان بفيك منتظم (

فالبيت الرابع هو املخصوص باالستعارة واملستعار له هو الثغر والريق ىن قوله ومما ورد أليب متام يف هذا املع

) أسكنت جانحتيه كوكبا يقد ... لما غدا مظلم األحشاء من أشر ( فالكواكب استعارة للرمح

وكذلك ورد قوله يف االعتذار ) زعموا وليس لرهبة بطريد ... أسرى طريدا للحياء من التي ( ) لو قد نفضت تهائمي ونجودي ... ن ما براءة ساحتي وغدا تبي(

والتهائم والنجود مها استعارة مما استعاره من باطن أمره وظاهره وكذلك ورد قوله

) تهتز من قضب تهتز يف كثب ... كم أحرزت قضب الهندي مصلتة ( ب والكثب استعارة للقدود واألرداف فالقض

وكذلك ورد يف هذه القصيدة أيضا عند ذكر ملك الروم واهنزامه ملا فتحت مدينة عمورية فقال ) أوسعت جاحمها من كثرة احلطب ... إن يعد من حرها عدو الظليم فقد (

فاحلطب استعارة للقتلى بيت ما يدل عليه ألنه قال وقبل هذا ال

Page 180: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

) حيتث أنجى مطاياه من اهلرب ... أحذى قرابينه صرف الردى ومضى ( ) من خفة الخوف ال من خفة الطرب ... موكال بيفاع األرض يشرفها ( البيت . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ... .إن يعد من حرها عدو الظليم (

وأحسن من هذا كله قوله ) وتمثل بالصبر الديار املواثل ... تطل الطلول الدمع يف كل منزل ( ) هو غافل وال مر يف أغفالها و... دوارس لم يجف الربيع ربوعها ( ) على الحي صرف األزمة المتحامل ... يعفني من زاد العفاة إذا انتحى (

فقوله زاد العفاة استعارة طوى فيها ذكر املستعار له وهو أهل الديار كأنه قال يعفني من قوم زاد العفاة غاية اللطافة والرقة وذلك يف قصيدته اليت مطلعها وله يف الغزل من االستعارة ما بلغ به

... ) إن عهدا لو تعلمان ذميما (

فقال ) فبكينا طلولها والرسوما ... قد مررنا بالدار وهي خالء ( ) ا حكيما بسقام وما سألن... وسألنا ربوعها فانصرفنا ( ) فارقوني أمسيت أرعى النجوما ... كنت أرعى النجوم حتى إذا ما (

والبيت الثالث هو املخصوص باالستعارة وعلى هذا املنهاج ورد قول البحتري

) غر محجل قد رحت منه على أ... وأغر يف الزمن البهيم محجل ( واألغر احملجل األول هو املمدوح واألغر احملجل الثاين هو الفرس الذي أعطاه إياه

وكذلك ورد قوله ) على أرؤس األعداء خمس سحائب ... وصاعقة يف كفه تنكفي بها (

عن النظر إىل استعارته واملراد بالسحائب وهذا من النمط العايل إيل شغلت براعة معناه وحسن سبكه اخلمس األصابع

وكذلك ورد يف أبيات احلماسة

) صاعق من وقع سيفك ... دك طود الكفر دكا ( ) نشأت من بحر كفك ... أرسلته خمس سحب (

وكذلك ورد قوله يف أبيات يصف فيها السيف ) من عهد عاد غضة لم تذبل ... حملت حمائله القدمية بقلة (

وهذا من احلسن على ما يشهد لنفسه كأنه قال محلت محائله سيفا أخضر احلديد كالبقلة وعلى هذا األسلوب ورد قول أيب الطيب املتنيب

) مطر تزيد به الخدود محوال ... يف الخد إن عزم الخليط رحيال(

Page 181: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

وكذلك ورد قوله ... ) ميد يديه يف املفاضة ضيغم (

وأحسن من هذا قوله يف قصيدته اليت مطلعها ... ) عقبى اليمني على عقبى الوغى ندم (

) ى يف خصيب نبته اللمم ترعى الظب... وأصبحت بقرى هنزيط جائلة ( ) تحت التراب وال بازا له قدم ... فما تركن بها خلدا له بصر ( ) وال مهاة لها من شبهها حشم ... وال هزبرا له من درعه لبد (

ملن اختفى حتت التراب خائفا والباز استعارة ملن طار هاربا واهلزبر وهذا من املليح النادر فاخللد استعارة واملهاة استعارتان للرجال املقاتلة والنساء من السبايا

ومن هذا الباب قوله ) إال جرحيا دهته عيناها ... كل جريح ترجى سالمته ( ) من مطر برقه ثناياها ... تبل خدي كلما ابتسمت(

والبيت الثاين من األبيات احلسان اليت تتواصف وقد حسن االستعارة اليت فيه أنه جاء ذكر املطر مع الربق وبلغين عن أيب الفتح بن جين رمحه اهللا أنه شرح ذلك يف كتابه املوسوم باملفسر الذي ألفه يف شرح شعر أيب

كانت تبزق يف وجهه فظن أن أبا الطيب أراد أهنا كانت تبسم فيخرج الريق من فمها ويقع الطيب فقال إهنا على وجهه فشبهه باملطر وما كنت أظن أن أحدا من الناس يذهب ومهه وخاطره حيث ذهب وهم هذا

الرجل وخاطره وإذا كان هذا قول إمام من أئمة العربية تشد إليه الرحال فما يقال يف غريه لكن فن لفصاحة والبالغة غري فن النحو واإلعراب ا

وكذلك ورد قول الشريف الرضي ) رمتك الليالي من يد الخامل الغمر ... إذا أنت أفنيت العرانني والذرى ( ) من حيث ال تدري فمن ليد ترميك ... وهبك اتقيت السهم من حيث يتقى (

فالعرانني والذرى مها عظماء الناس وأشرافهم كأنه قال إذا أفنيت عظماء الناس رميت من يد اخلامل وإذا قد بينت أن االستعارة ال تكون إال حبيث يطوى ذكر املستعار له فإهنا ال جتيء إال مالئمة مناسبة وال

ذكر مطوية إال لبيان املناسبة بني املستعار منه واملستعار له ولو طويت يوجد فيها مباينة وال تباعد ألهنا ال ت ومل يكن هناك مناسبة بني املستعار منه واملستعار له لعسر فهمه ومل ينب املراد منها

ورأيت أبا حممد عبد اهللا بن سنان اخلفاجي رمحه اهللا تعاىل قد خلط االستعارة بالتشبيه املضمر األداة ومل نهما وتأسى يف ذلك بغريه من علماء البيان كأيب هالل العسكري والغامني وأيب القاسم احلسن بن يفرق بي

بشر اآلمدي على أن أبا القاسم بن بشر اآلمدي كان أثبت القوم قدما يف فن الفصاحة والبالغة وكتابه بني االستعارة املسمى ب املوازنة بني شعر الطائيني يشهد له بذلك وما أعلم كيف خفي عليه الفرق

Page 182: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

والتشبيه املضمر األداة ومما أورده ابن سنان يف كتابه املوسوم ب سر الفصاحة قول امرئ القيس يف صفة الليل

) وأردف أعجازا وناء بكلكل ... فقلت له لما تمطى بصلبه ( ر له مذكور وهو الليل وعلى اخلطأ يف خلطه باالستعارة وهذا البيت من التشبيه املضمر األداة ألن املستعا

فإن ابن سنان أخطأ يف الرد على اآلمدي ومل يوفق للصواب وأنا أتكلم على ما ذكره وال أضايقه يف االستعارة والتشبيه بل أنزل معه على ما رآه من أنه استعارة مث أبني فساد ما ذهب إليه

زنة إن امرأ القيس وصف أحوال وذاك أن اآلمدي قال يف كتاب املوا

الليل الطويل فذكر امتداد وسطه وتثاقل صدره وترادف أعجازه فلما جعل له وسطا ممتدا وصدرا ثقيال وأعجازا رادفة لوسطه استعار له اسم الصلب وجعله متمطيا من أجل امتداده واسم الكلكل وجعله نائيا

لتثاقله واسم العجز من أجل هنوضه ان اخلفاجي معترضا عليه إن هذا الذي ذكره اآلمدي ليس مبرضي غاية الرضا وإن بيت امرئ فقال ابن سن

القيس ليس من االستعارة اجليدة وال الرديئة بل هو وسط فإن اآلمدي قد أفصح بأن امرأ القيس ملا جعل وأوال استعار لليل وسطا ممتدا استعار له اسم الصلب وجعله متمطيا من أجل امتداده وحيث جعل له آخرا

له عجزا وكلكال وهذا كله إمنا حيسن بعضه مع بعض فذكر الصلب إمنا حيسن من أجل العجز والوسط والتمطي من أجل الصلب والكلكل جملموع ذلك وهذه استعارة مبنية على استعارة أخرى

هذا حكاية كالمه يف االعتراض على اآلمدي وفيه نظر من وجهني

ت من االستعارة الوسطى اليت ليست جبيدة وال رديئة مث جعلها استعارة مبنية على األول أنه قال هذا بياستعارة أخرى وعنده أن االستعارة املبنية على االستعارة من أبعد االستعارات وذاك أنه قسم االستعارة إىل

وي وشبه واضح قسمني قريب خمتار وبعيد مطرح فالقريب املختار ما كان بينه وبني ما استعري له تناسب قوالبعيد املطرح إما أن يكون لبعده مما استعري له يف األصل أو ألنه استعارة مبنية على استعارة أخرى

فيضعف لذلك هذا ما ذكره ابن سنان اخلفاجي يف تقسيم االستعارة وإذا كانت االستعارة املبنية على القول استعارة أخرى عنده بعيدة مطرحة فكيف جعلها وسطا هذا تناقض يف

الوجه الثاين أنه مل يأخذ على اآلمدي يف موضع األخذ ألنه مل خيتر إال ما حسن اختياره وذاك أن حد االستعارة على ما رآه اآلمدي وابن سنان هو نقل املعىن من لفظ إىل لفظ بسبب مشاركة بينهما وإن كان

ه ولكين يف هذا املوضع أنزل معهما املذهب الصحيح يف حد االستعارة غري ذلك على ما تقدم الكالم عليعلى ما رأياه حىت يتوجه الكالم على احلكم بينهما يف بيت امرئ القيس وإذا حددنا االستعارة هبذا احلد فبه

يفرق على رأي ابن سنان بني االستعارة املرضية واالستعارة املطرحة فإذا وجدنا استعارة يف كالم ما فيه مناسبة بني املنقول عنه واملنقول إليه حكمنا له باجلودة وما مل جند فيه عرضناها على هذا احلد فما وجدنا

تلك املناسبة حكمنا عليه بالرداءة وبيت امرئ القيس من االستعارات املرضية ألنه لو مل يكن لليل صدر

Page 183: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

لبا أعين أوال ومل يكن له وسط وآخر ملا حسنت هذه االستعارة وملا كان األمر كذلك استعار لوسطه صوجعله متمطيا واستعار لصدره املتثاقل أعين أوله كلكال وجعله نائيا واستعار آلخره عجزا وجعله رادفا

لوسطه وكل ذلك من االستعارة املناسبة وأما قول ابن سنان اخلفاجي إن االستعارة املبنية على استعارة أخرى بعيدة مطرحة فإن يف هذا القول نظرا

ل نقيس عليه يف الفرق بني االستعارة املرضية واملطرحة كما أريناك وال مينع ذلك وذاك أنه قد ثبت لنا أصمن أن جتيء استعارة مبنية على استعارة أخرى وتوجد فيها املناسبة املطلوبة يف االستعارة املرضية فإنه قد

وضرب اهللا ( ورد يف القرآن الكرمي ما هو من هذا اجلنس وهو قوله تعاىل

نت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم اهللا فأذاقها اهللا لباس اجلوع مثال قرية كافهذه ثالث استعارات ينبين بعضها على بعض فاألوىل استعارة القرية لألهل والثانية استعارة ) واخلوف

تناسب على ما ال الذوق للباس والثالثة استعارة اللباس للجوع واخلوف وهذه االستعارات الثالث من الخفاء به فكيف يذم ابن سنان اخلفاجي االستعارة املبنية على استعارة أخرى وما أقول إن ذلك شذ عنه إال

ألنه مل ينظر إىل األصل املقيس عليه وهو التناسب بني املنقول عنه واملنقول إليه بل نظر إىل التقسيم الذي هو املبنية على استعارة أخرى تكون بعيدة فحكم عليها باالطراح قسمه يف القرب أو البعد ورأى أن االستعارة

وإذا كان األصل إمنا هو التناسب فال فرق بني أن يوجد يف استعارة واحدة أو يف استعارة مبنية على استعارة وهلذا أشباه ونظائر يف غري االستعارة أال ترى أن املنطقي يف املقدمة والنتيجة كل إنسان حيوان وكل حيواننام فكل إنسان نام وكذلك يقول املهندس يف األشكال اهلندسية إذا كان خط أب مثل خط بج وخط بج

مثل خط جد فخط أب مثل خط جد وهكذا أقول أنا يف االستعارة إذا كانت االستعارة األوىل مناسبة مث بىن يتصور إنكاره عليها استعارة ثانية وكانت أيضا مناسبة فاجلميع متناسب وهذا أمر برهاين ال

وهذا الشكل الذي أوردته ههنا هو اعتراض على ما ذكره ابن سنان اخلفاجي يف االستعارة فال تظن أين موافقة يف األصل وإمنا وافقته قصدا لتبيني وجه اخلطأ يف كالمه وكيف يسوغ يل موافقته وقد ثبت عندي

له بالدليل أن االستعارة ال تكون إال حبيث يطوى ذكر املستعار وفيما قدمته من الكالم كفاية

النوع الثاين يف التشبيه

وجدت علماء البيان قد فرقوا بني التشبيه والتمثيل وجعلوا هلذا بابا مفردا وهلذا بابا مفردا ومها شيء واحد ال فرق بينهما يف أصل الوضع يقال شبهت هذا الشيء هبذا الشيء كما يقال مثلته به وما أعلم كيف خفي

على أولئك العلماء مع ظهوره ووضوحه ذلك وكنت قدمت القول يف باب االستعارة على الفرق بني التشبيه وبينها وال حاجة إىل إعادته ههنا مرة ثانية

والتشبيه ينقسم قسمني مظهر ومضمر ويف املضمر إشكال يف تقدير أداة التشبيه فيه يف بضع املواضع موقع املبتدأ واخلرب مفردين والثاين يقع موقع املبتدأ املفرد وخربه مجلة وهو ينقسم أقساما مخسة فاألول يقع

Page 184: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

مركبة من مضاف ومضاف إليه والثالث يقع موقع املبتدأ واخلرب مجلتني والرابع يرد على وجه الفعل والفاعل واخلامس يرد على وجه املثل املضروب

ة التشبيه وهذان القسمان األخريان مها أشكل األقسام يف تقدير أداأما األول فكقولنا زيد أسد فهذا مبتدأ وخربه وإذا قدرت أداة التشبيه فيه كان ذلك ببديهة النظر على

الفور فقيل زيد كاألسد الكمأة جدري ( وأما القسم الثاين والثالث فإهنما متوسطان يف تقدير أداة التشبيه فيهما فالثاين كقول النيب

فإذا كان املضاف إليه معرفة كهذا اخلرب النبوي ال حيتاج يف تقدير أداة التشبيه وهذا يتنوع نوعني ) األرض إىل تقدمي املضاف إليه بل إن شئنا قدمناه وإن شئنا أخرناه فقلنا الكمأة لألرض كاجلدري أو الكمأة

كاجلدري لألرض وإذا كان املضاف إليه نكرة فال بد من تقدميه عند تقدير أداة التشبيه

ك قول البحتري فمن ذل ) ومسعر حرب ال يضيع له وتر ... غمام سماح ال يغب له حيا (

فإذا قدرنا أداة التشبيه ههنا قلنا مساح كالغمام وال يقدر إال هكذا واملبتدأ يف هذا البيت حمذوف وهو اإلشارة إىل املمدوح كأنه قال هو غمام مساح

وع ما يشكل تقدير أداة التشبيه فيه على غري العارف هبذا الفن كقول أيب متام ومن هذا الن ) لحبته األيام في ملحوب ... أي مرعى عين ووادي نسيب (

ومراد أيب متام أن يصف هذا املكان بأنه كان حسنا مث زال عنه حسنه فقال إن العني كانت تلتذ بالنظر إليه كالتذاذ السائمة باملرعى فإنه كان يشبب به يف األشعار حلسنه وطيبه وإذا قدرنا أداة التشبيه ههنا قلنا كأنه

كان للعني مرعى وللنسيب منزال ومألفا وإذا جاء شيء من األبيات الشعرية على هذا األسلوب أو ما جرى جمراه فإنه حيتاج إىل عارف بوضع أداة

التشبيه فيه

كأنه قال ) وهل يكب الناس على مناخرهم يف نار جهنم إال حصائد ألسنتهم ( لث فكقول النيب وأما الثا كالم األلسنة كحصائد املناجل

وهذا القسم ال يكون املشبه به مذكورا فيه بل تذكر صفته أال ترى أن املنجل مل يذكر ههنا وإمنا ذكرت يرد إال كذلك صفته وهي احلصد وكل ما جييء من هذا القسم فإنه ال

وأما القسم الرابع واخلامس اللذان مها أشكل األقسام املذكورة يف تقدير أداة التشبيه فيهما فإهنما ال يتفطن هلما أهنما تشبيه

وتقديره أداة التشبيه يف ) والذين تبوؤا الدار واإلميان من قبلهم ( فمما جاء من القسم الرابع قوله تعاىل م يف إمياهنم كاملتبوئ دارا أي أهنم قد اختذوا اإلميان مسكنا يسكنونه يصف بذلك هذا املوضع أن يقال ه

متكنهم منه وعلى هذا ورد قول أيب متام

Page 185: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

) فتشكت بفيض دمع ذروف ... نطقت مقلة الفتى الملهوف ( اللسان الباكية كأمنا تنطق مبا يف الضمري وإذا أردنا أن نقدر أداة التشبيه ههنا قلنا دمع العني كنطق

وأما ما جاء من القسم اخلامس فكقول الفرزدق يهجو جريرا ) أم بلت حيث تناطح البحران ... ما ضر تغلب وائل أهجوتها (

لبحرين ال يؤثر شيئا فكذلك فشبه هجاء جرير تغلب وائل ببوله يف جممع البحرين فكما أن البول يف جممع ا هجاؤك هؤالء القوم ال يؤثر شيئا وهذا البيت من األبيات الذي أقر له الناس باحلسن

وكذلك ورد قوله أيضا ) وقد يمأل القطر اإلناء فيفعم ... قوارص تأتيني وتحتقرونها (

لقطر الذي ميأل اإلناء على صغر مقداره يشري بذلك إيل أن الكثرة فإنه شبه القوارص اليت تأتيه حمتقرة با جتعل الصغري من األمر كبريا

وهذا املوضع يشكل على كثري من علماء البيان وخيلطونه باالستعارة كقول البحتري يف التعزية بولد

) ه قائمه حمائله عنه وخال... تعز فإن السيف يمض وإن وهت ( وهذا ليس من التشبيه وإمنا هو استعارة ألن املستعار له مطوي الذكر وهو املعزى كأنه قال تعز فإنك

كالسيف الذي ميضي وإن وهت محائله وخاله قائمه فإن قيل إنك قدمت القول يف باب االستعارة بأن التشبيه املضمر األداة حيسن تقدير أداة التشبيه فيه

تعارة ال حيسن تقدير أداة التشبيه فيها وجعلت ذلك هو الفرق بني التشبيه املضمر األداة بني واالساالستعارة وقررت ذلك تقريرا طويال عريضا مث نراك قد نقضته ههنا بقولك إن من التشبيه املضمر األداء ما

املذكورين للفرزدق وما جيري يشكل تقدير أداة التشبيه قيه وإنه حيتاج يف تقديرها إيل نظر كهذين البيتني جمرامها

فاجلواب عن ذلك أين أقول هذا الذي ذكرته ال ينقص علي شيئا مما قدمت القول فيه يف باب االستعارة ألين قلت إن التشبيه املضمر األداة حيسن تقدير األداة فيه أي ال يتغري بتقديرها فيه عن صفته اليت اتصف هبا

ك االستعارة فإهنا إذا قدرت أداة التشبيه فيها تغريت عن صفتها اليت أتصفت من فصاحة وبالغة وليس كذلهبا من فصاحة وبالغة وأما الذي ورد ههنا من بييت الفرزدق وما جيري جمرامها من التشبيه املضمر األداة

ا من فإن أداة التشبيه ال تتقدر فيه وهو علي حالته من النظم حىت تتبني هل تغريت صفته اليت اتصف هبفصاحة وبالغة أم ال وإمنا تتقدر أداة التشبيه فيه على وجه آخر وهذا ال ينقض ما أشرت إليه يف باب

االستعارة وإذا ثبتت هذه األقسام األربعة فأقول إن التشبيه املضمر أبلغ من التشبيه املظهر وأوجز أما كونه أبلغ

إياه فإنك إذا قلت زيد أسد كنت قد جعلته أسدا فلجعل املشبه مشبها به من غري واسطة أداة فيكون هو من غري إظهار أداة التشبيه

Page 186: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

وأما كونه أوجز فلحذف أداة التشبيه منه وعلى هذا فإن القسمني من املظهر واملضمر كليهما يف فضيلة البيان سواء فإن الغرض املقصود من قولنا زيد أسد أن يتبني حال زيد يف اتصافه بشهامة النفس وقوة

البطش وجراءة اإلقدام وغري ذلك مما جيري جمراه إال أنا مل جند شيئا ندل به عليه سوى أن جعلناه شبيها باألسد حيث كانت هذه الصفات خمتصة به فصار ما قصدناه من هذا القول أكشف وأبني من أن لو قلنا

ع هذه الصفات يف زيد شهم شجاع قوي البطش جريء اجلنان وأشباه ذلك ملا قد عرف وعهد من اجتما املشبه أعين األسد وأما زيد الذي هو املشبه فليس معروفا هبا وإن كانت موجودة فيه

وكال هذين القسمني أيضا خيتص بفضيلة اإلجياز وإن كان املضمر أوجز من املضمر ألن قولنا زيد أسد أو كذا وكذا مما يطول كاألسد يسد مسد قولنا زيد من حاله كيت وكيت وهو من الشجاعة والشدة على

ذكره فالتشبيه إذا جيمع صفات ثالثة هي املبالغة والبيان واإلجياز كما أريتك إال أنه من بني أنواع علم البيان

مستوعر الذهب وهو مقتل من مقاتل البالغة وسبب ذلك أن محل الشيء على الشيء باملماثلة إما صورة ما أكثر منه أحد إال عثر كما فعل ابن املعتز من أدباء العواق وإما معىن يعز صوابه وتعمر اإلجادة فيه وقل

وابن وكيع من أدباء مصر فإهنما أكثرا من ذلك ال سيما يف وصف الرياض واألشجار واألزهار والثمار ال جرم أهنما أتيا بالغث البارد الذي ال يثبت على حمك الصواب فعليك أن تتوقى ما أشرت إليه

من الكالم فهي أنك إذا مثلت الشيء بالشيء فإمنا تقصد به إثبات اخليال يف النفس وأما فائدة التشبيهبصورة املشبه به أو مبعناه وذلك أوكد يف طريف الترغيب فيه أو التنفري عنه أال ترى أنك إذا شبهت صورة

ذا شبهتها بصورة هي أحسن منها كان ذلك مثبتا يف النفس خياال حسنا يدعو إىل الترغيب فيها وكذلك إ بصورة شيء أقبح منها كان ذلك مثبتا يف النفس خياال قبيحا يدعو إىل التنفري عنها وهذا ال نزاع فيه

ولنضرب له مثاال يوضحه فنقول قد ورد عن ابن الرومي يف مدح العسل وذمه بيت من الشعر وهو ) ت ذا قيء الزنابري وإن تعب قل... تقول هذا مجاج النحل تمدحه (

أال ترى كيف مدح وذم الشيء الواحد بتصريف التشبيه اجملازي املضمر األداة الذي خيل به إىل السامع خياال حيسن الشيء عنده تارة ويقبحه أخرى ولوال التوصل بطريق التشبيه على هذا الوجه ملا أمكنه ذلك

وهذا املثال كاف فيما أردناه حماسن التشبيه أن جييء مصدريا كقولنا أقدم إقدام األسد وفاض فيض البحر وهو أحسن ما واعلم أن

استعمل يف باب التشبيه كقول أيب نواس يف وصف اخلمر ) وثبت وثب الجراد ... وإذا ما مزجوها ( ) أخذت أخذ الرقاد ... وإذا ما شربوها (

شرط بالغة التشبيه أن يشبه الشيء مبا هو أكرب منه وأعظم ومن ههنا غلط بعض الكتاب من وقيل إن منأهل مصر يف ذكر حصن من حصون اجلبال مشبها له فقال هامة عليها من الغمامة عمامة وأمنلة خضبها

أمنلة وأي األصيل فكان اهلالل منها قالمة وهذا الكتاب حفظ شيئا وغابت عنه أشياء فإنه أخطأ يف قوله

Page 187: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

مقدار لألمنلة بالنسبة إىل تشبيه حصن على رأس جبل وأصاب يف املناسبة بني ذكر األمنلة والقالمة وتشبهها باهلالل

اهللا نور السموات واألرض مثل نوره ( فإن قيل إن هذا الكاتب تأسى فيما ذكره بكالم اهللا تعاىل حيث قال والقمر قدرناه منازل حىت عاد ( ذبالة وقال اهللا تعاىل فمثل نوره بطاقة فيها ) كمشكاة فيها مصباح

فمثل اهلالل بأصل عذق النخلة ) كالعرجون القدمي فاجلواب عن ذلك أين أقول أما متثيل نور اهللا تعاىل مبشكاة فيها مصباح فإن هذا مثال ضربه للنيب ويدل

وإذا نظرت إىل هذا املوضع وجدته ) توقد من شجرة مباركة زيتونة ال شرقية وال غربية ( عليه أنه قال تشبيها لطيفا عجيبا وذاك أن قلب النيب وما ألقى فيه من النور وما هو عليه من الصفة الشفافة كالزجاجة

اليت كأهنا كوكب لصفائها وإضاءهتا وميا الشجرة املباركة اليت ال شرقية وال غربية فإهنا عبارة عن ذات النيب ال متيل إىل الشرق وال إىل الغرب وأما زيت هذه الزجاجة فإنه مضيء من غري أن ألنه من أرض احلجاز اليت

متسه نار واملراد بذلك أن فطرته فطرة صافية من األكدار منرية من قبل مصافحة األنوار فهذا هو املراد بالتشبيه الذي ورد يف هذه اآلية

وذلك يف هيئة حنوله واستدارته ال يف مقداره فإن وأما اآلية األخرى فإنه شبه اهلالل فيها بالعرجون القدمي مقدار اهلالل عظيم وال نسبة للعرجون إليه لكنه يف مرأى النظر كالعرجون هيئة ال مقدارا

وأما هذا الكاتب فإن تشبيهه ليس على هذا النسق ألنه شبه صورة احلصن بأمنلة يف املقدار ال يف هيئة إمنا ألقاه فيه أنه قصد اهلالل والقالمة مع ذكر األمنلة فأخطأ من والشكل وهذا غري حسن وال مناسب و

جهة وأصاب من جهة لكن خطؤه غطى على صوابه والقول السديد يف بالغة التشبيه هو ما أذكره وهو أن إطالق من أطلق قوله يف أن من شرط بالغة التشبيه

رض املقصود ألن التشبيه يأيت تارة يف أن يشبه األصغر باألكرب غري سديد فإن هذا قول غري حاصر للغمعرض املدح وتارة يف معرض الذم وتارة يف غري معرض مدح وال ذم وإمنا يأيت قصدا لإلبانة واإليضاح وال

يكون تشبيه أصغر بأكرب كما ذهب إليه من ذهب بل القول اجلامع يف ذلك أن

أن يكون مدحا أو ذما أو بيانا وإيضاحا وال خيرج يقال إن التشبيه ال يعمد إليه إال لضرب من املبالغة فإما عن هذه املعاين الثالثة وإذا كان األمر كذلك فال بد فيه من تقدير لفظة أفعل فإن مل تقدر فيه لفظة أفعل

فليس بتشبيه بليغ أال ترى أنا نقول يف التشبيه املضمر األداة زيد أسد فقد شبهنا زيدا بأسد الذي هو أشجع يكن املشبه به يف هذا املقام أشجع من زيد الذي هو املشبه وإال كان التشبيه ناقصا إذ ال مبالغة منه فإن مل

فيه وهذا تشبيه كبري مبا هو ) وله اجلوار املنشئات يف البحر كاألعالم ( وأما التشبيه املظهر األداة فكقوله تعاىل

ه وكذلك إذا شبه شيء حسن بشيء حسن أكرب منه ألن خلق السفن البحرية كبري وخلق اجلبال أكرب منفإنه إذا مل يشبه مبا هو أحسن منه فليس بوارد على طريق البالغة وإن شبه قبيح بقبيح وهكذا ينبغي أن

يكون املشبه به أقبح وإن قصد البيان واإليضاح فينبغي أن يكون املشبه به أبني وأوضح فتقدير لفظة أفعل ال

Page 188: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

تشبيه وإال كان التشبيه ناقصا فاعلم ذلك وقس عليه بد منه فيما يقصد به بالغة الواعلم أنه ال خيلو تشبيه الشيئني أحدمها باآلخر من أربعة أقسام إما تشبيه معىن مبعىن كالذي تقدم ذكره من

وعندهم قاصرات الطرف عني كأهنم بيض ( قولنا زيد كاألسد وإما تشبيه صورة بصورة كقوله تعاىل وهذا القسم أبلغ ) والذين كفروا أعماهلم كسراب بقيعة ( معىن بصورة كقوله تعاىل وإما تشبيه ) مكنون

األقسام األربعة لتمثيله املعاين املوهومة بالصور املشاهدة وإما تشبيه صورة مبعىن كقول أيب متام ) لمغرم فتك الصبابة بالمحب ا... وفتكت بالمال الجزيل وبالعدا (

فشبه فتكه باملال وبالعدا وذلك صورة مرئية بفتك الصبابة وهو فتك معنوي وهذا القسم ألطف األقسام األربعة ألنه نقل صورة إىل غري صورة

وكل واحد من هذه األقسام األربعة املشار إليها ال خيلو التشبيه فيه من أربعة أقسام أيضا إما تشبيه مفرد يه مركب مبركب وإما تشبيه مفرد مبركب وإما تشبيه مركب مبفرد مبفرد وإما تشب

واملراد بقولنا مفرد ومركب أن املفرد يكون تشبيه شيء واحد بشيء واحد واملركب تشبيه شيئني اثنني وكذلك املفرد باملركب واملركب باملفرد فإن أحدمها يكون تشبيه شيء واحد بشيئني واآلخر يكون تشبيه

احد ولست أعين بقويل تشبيه شيئني بشيئني أنه ال يكون إال كذلك بل أردت تشبيه شيئني شيئني بشيء و بشيئني فما فوقهما كقول بعضهم يف اخلمر

) إذ قام يجلوها على الندماء ... وكأنها وكأن حامل كأسها ( ) بدر الدجى بكواكب الجوزاء ... شمس الضحى رقصت فنقط وجهها (

فشبه ثالثة أشياء بثالثة أشياء فإنه شبه الساقي بالبدر وشبه اخلمر بالشمس وشبه احلبب الذي فوقها بالكواكب

وإذا بينت أن التشبيه ينقسم إىل تلك األقسام األربعة فإين أقول إن التشبيه املضمر األداة قد قدمت القول قسم إىل مخسة أقسام فالقسم األول ال يرد إال يف تشبيه مفرد مبفرد والقسم الثاين ال يرد إال يف يف أنه ين

تشبيه مفرد مبركب والقسم الثالث ال يرد إال يف تشبه مركب مبركب والقسم الرابع واخلامس ال يردان إال لك تشبيه مفرد مبفرد وإذا قلنا يف تشبيه مركب مبركب أال ترى أنا إذا قلنا يف القسم األول زيد أسد كان ذ

يف القسم الثاين ما مثلناه به من اخلرب النبوي وهو الكمأة جدري األرض كان ذلك تشبيه مفرد مبركب وكذلك بيت البحتري وبيت أيب متام املشار إليهما فيما تقدم وإذا قلنا يف القسم الثالث ما أشرنا إليه من

لناس على مناخرهم يف نار جهنم إال حصائد ألسنتهم كان ذلك اخلرب النبوي أيضا الذي هو وهل يكب اتشبيه مركب مبركب وإذا قلنا يف القسم الرابع واخلامس ما مثلنا به من بييت الفرزدق والبحتري كان ذلك تشبيه مركب مبركب وإذا كان األمر كذلك وجاءك شيء من التشبيه املضمر األداة وهو من القسم األول

ه مفرد مبفرد مبركب وإذا جاءك شيء من القسم الثالث فاعلم أنه تشبي

فاعلم أنه تشبيه مركب مبركب وكذلك إذا جاءك شيء من القسم الرابع والقسم اخلامس فإهنما من باب تشبيه املركب باملركب

Page 189: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

رد مبفرد ولنرجع إىل ذكر ما أشرنا إليه أوال يف تقسيم التشبيه إىل األربعة األقسام األخرى اليت هي تشبيه مف وتشبيه مركب مبركب وتشبه مفرد مبركب وتشبه مركب مبفرد

فشبه الليل باللباس ) وجعلنا الليل لباسا ( فالقسم األول منها كقوله تعاىل يف املضمر األداة وذاك أنه يستر الناس بعضهم عن بعض ملن أراد هربا من عدو أو ثباتا لعدو أو إخفاء ما ال حيب اإلطالع

مره وهذا من التشبيهات اليت مل يأته هبا إال القرآن الكرمي فإن تشبيه الليل باللباس مما اختص به عليه من أ دون غريه من الكالم املنظوم واملنثور

فشبه املرأة باللباس للرجل وشبه الرجل باللباس ) هن لباس لكم وأنتم لباس هلن ( وكذلك قوله تعاىل للمرأة

وهذا يكاد ينقله تناسبه عن درجة اجملاز إىل ) نساؤكم حرث لكم ( تعاىل ومن حماسن التشبيهات قوله احلقيقة واحلرث هو األرض اليت حترث للزرع وكذلك الرحم يزدرع فيه الولد ازدراعا كما يزدرع البذر

يف األرض بانسالخ اجللد فشبه تربؤ الليل من النهار) وآية هلم الليل نسلخ منه النهار ( ومن هذا األسلوب قوله تعاىل

املسلوخ وذاك أنه ملا كانت هوادي الصبح عند طلوعه ملتحمة بأعجاز الليل أجرى عليهما اسم السلخ وكان ذلك أوىل من أن لو قيل خيرج ألن السلخ أدل على االلتحام من اإلخراج وهذا تشبيه يف غاية

املناسبة ار الشيب باشتعال النار وملا كان الشيب يأخذ فشبه انتش) واشتعل الرأس شيبا ( وكذلك ورد قوله تعاىل

يف الرأس ويسعى فيه شيئا فشيئا حىت حييله إىل غري لونه األول مبنزلة النار اليت تشتعل يف اجلسم وتسري فيه حىت حتيله إىل غري حاله األوىل وأحسن من هذا أن يقال إنه شبه انتشار الشيب باشتعال النار يف سرعة

فيه ويف عظم األمل يف القلب به وأنه مل يبق بعده إال اخلمود فهذه أوصاف أربعة جامعة بني التهابه وتعذر تال املشبه واملشبه به وذلك يف الغاية القصوى من التناسب والتالؤم

وقد ورد يف األمثال الليل جنة اهلارب وهذا تشبيه حسن وكل ذلك من التشبيه املضمر األداة

يب الطيب املتنيب ومما ورد منه شعرا قول أ ) وإذا اهتز للوغى كان نصال ... وإذا اهتز للندى كان بحرا ( ) وإذا األرض أمحلت كان وبال ... وإذا األرض أظلمت كان شمسا (

فحرف التشبيه ههنا مضمر وتقديره كان كأنه حبر وكان كأنه نصلوكذلك يقال يف البيت الثاين كان كأنه مشس وكان كأنه وبل وهذا تشبيه صورة بصورة وهو حسن يف

معناه وكذلك ورد قول أيب نواس وهو يف تشبيه احلبب

) من حيث استدارا ... فإذا ما اعترضته العين (

Page 190: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

) ارا واوات صغ... خلته في جنبات الكأس ( وهذا تشبيه صورة بصورة أيضا

وقد أبرز هذا املعىن يف لباس آخر فقال ) حببا شبيه جالجل الحجل ... وإذا عالها الماء ألبسها ( ) كتبت بمثل أكارع النمل ... حتى إذا سكنت جوامحها (

ومن هذا قول البحتري ) كالرعد والبرق تحت العارض البرد ... تبسم وقطوب في ندى ووغى (

وهذا من أحسن التشبيه وأقربه إال أن فيه إخالال من جهة الصنعة وهي ترتيب التفسري فإن األوىل أن كان نظر أيهما املنتمي إىل الفن كيف قدم تفسري التبسم على تفسري القطوب بأن كان قال كالربق والرعد فا

ذهب على البحتري مثل هذا املوضوع على قربه مع تقدمه يف صناعة الشعر وليس يف ذلك كبري أمر سوى أن كان قدم ما أخر ال غري وإمنا يعذر الشاعر يف مثل هذا املقام إذا حكم عليه الوزن والقافية واضطر إىل

كاليت ذكرها البحتري فحينئذ ال عذر له وسيأيت لذلك باب مفرد ترك ما جيب عليه وأما إذا كانت احلال يف موضعه من هذا الكتاب إن شاء اهللا تعاىل وهو باب ترتيب التفسري

وكذلك ورد قول البحتري

) بين الضلوع إذا انحنين ضلوعا ... في معرك ضنك تخال به القنا ( املفرد قول أيب الطيب املتنيب ومن تشبيه املفرد ب

) ومن عرق الركض في وابل ... خرجن من النقع في عارض ( ) بمثل صفا البلد الماحل ... فلما نشفن لقني السياط (

وقد حوى هذان البيتان قرب التشبيه مع براعة النظم وجزالة اللفظ ما القسم الثاين وهو تشبيه املركب باملركب فمما جاء منه مضمر األداة ما يروى عن النيب يف حديث وأ

يرويه معاذ بن جبل رضي اهللا عنه وهو حديث طويل يشتمل على فضائل أعمال متعددة وال حاجة إىل وأشار إىل ) أمسك عليك هذا( إيراده ههنا على نصه بل نذكر الغرض منه وهو أنه قال له رسول اهللا

ثكلتك أمك ( لسانه فقال معاذ أو حنن مؤاخذون مبا نتكلم به فقال

فقوله حصائد ألسنتهم من تشبيه ) يا معاذ وقل يكب الناس على مناخرهم يف نار جهنم إال حصائد ألسنتهم حتصد النبات من املركب باملركب فإنه شبه األلسنة وما متضي فيه من األحاديث اليت يؤاخذ هبا باملناجل اليت

األرض وهذا تشبيه بليغ عجيب مل يسمع إال من النيب ومما ورد منه شعرا قول أيب متام

) ودروع األحساب واألعراض ... معشر أصبحوا حصون المعالي ( ا أحد سواهم باحلصون يف فقوله حصون املعايل من التشبيه املركب وذاك أنه شبههم يف منعهم املعايل أن يناهل

Page 191: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

منعها من هبا ومحايته وكذلك قوله دروع األحساب إمنا مثل احلياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات ( وأما املظهر األداة فمما جاء منه قوله تعاىل

رون عليها أتاها األرض مما يأكل الناس واألنعام حىت إذا أخذت األرض زخرفها وازينت وظن أهلها أهنم قادفشبهت حال الدنيا يف سرعة زواهلا وانقراض ) أمرنا ليال أو هنارا فجعلناها حصيدا كأن مل تغن باألمس

نعيمها بعد اإلقبال حبال نبات األرض يف جفائه وذهابه حطاما بعدما التف وتكاثف وزين األرض وذاك تشبيه صورة بصورة وهو من أبدع ما جييء يف بابه

مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ( أيضا قوله تعاىل يف وصف حال املنافقني ومن ذلك تقديره أن مثل هؤالء املنافقني كمثل رجل أوقد نارا يف ) ذهب اهللا بنورهم وتركهم يف ظلمات ال يبصرون

طفئت ناره ليلة مظلمة مبفازة فاستضاء هبا ما حوله فاتقى ما خياف وأمن فبينا هو كذلك إذ

فبقي مظلما خائفا وكذلك املنافق إذا أظهر كلمة اإلميان استنار هبا واعتز بعزها وأمن على نفسه وماله وولده فإذا مات عاد إىل اخلوف وبقي يف العذاب والنقمة

رحيها مثل املؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل األترجة طعمها طيب و( ومما ورد منه يف األخبار النبوية قول النيب طيب ومثل املؤمن الذي ال يقرأ القرآن كمثل الرحيانة رحيها طيب وال طعم هلا ومثل املنافق الذي ال يقرأ

وهذا من باب تشبيه املركب باملركب أال ترى أن النيب شبه ) القرآن كمثل احلنظلة ال ريح هلا وطعمها مر ترجة وهي ذات وصفني مها الطعم والريح املؤمن القارئ وهو متصف بصفتني مها اإلميان والقراءة باأل

وكذلك جيري احلكم يف املؤمن غري القارئ ويف املنافق القارئ واملنافق غري القارئ وقد جاءين شيء من ذلك أوردته يف فصل من كتاب أصف فيه الرب واملسري فقلت مل أزل أصل الذميل

ملطايا كاجلواري راكدة على ظهره بالذميل وألف الضحى باألصيل واألرض كالبحر يف سعة صدره وا فمكان الركب منها كمكاهنم من األكوار ومسريهم فيها على كرة ال تستقر هبا حركة األدوار

وأما ما ورد من ذلك شعرا فكقول البحتري ) وليته عصابة عن عصابه ... خلق منهم تردد فيهم (

) ويفني يف كل حني قرابه ... بقى على الدهر كالحسام الجراز ي( وكذلك ورد قول ابن الرومي

) يف نرجس معه ابنة العنب ... أدرك ثقاتك إنهم وقعوا ( ) سبحت من عجب ومن عجب ... فهم بحال لو بصرت بها ( ) وشرابهم درر على ذهب ... يحانهم ذهب على درر ر(

وهذا تشبيه صنيع إال أن تشبيه البحتري أصنع وذلك أن هذا التشبيه صدر عن صورة مشاهدة وذاك إمنا ن كان استنبطه استنابطا من خاطره وإذا شئت أن تفرق بني صناعة التشبيه فانظر إىل ما أشرت إليه ههنا فإ

أحد التشبيهني عن صورة مشاهدة واآلخر عن صورة غري مشاهدة فاعلم أن الذي هو عن صورة غري مشاهدة أصنع ولعمري إن التشبيهني كليهما ال بد فيهما من صورة حتكي لكن أحدمها شوهدت الصورة

Page 192: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

وأما البحتري فإنه فيه فحكيت واآلخر استنبطها أال ترى أن ابن الرومي نظر إىل النرجس وإىل اخلمر فشبهمدح قوما بأن خلق السماح باق فيهم ينتقل عن األول إىل اآلخر مث استنبط لذلك تشبيها فأداه فكره إىل

السيف وقربه اليت تفىن يف كل حني وهو باق ال يفىن بفنائها ومن أجل ذلك كان البحتري أصنع يف تشبيهه ته من مجلة كتاب إىل ديوان اخلالفة أذكر فيه نزول وسأورد ههنا من كالمي نبذة يسرية فمن ذلك ما كتب

العدو الكافر على ثغر عكا يف سنة مخس ومثانني ومخسمائة فقلت وأحاط هبا العدو إحاطة الشفاه بالثغور ونزل عليها نزول

الظلماء على النور انب الثغر قلت وقد وهذا من التشبيهات املناسبة مث ملا جئت إىل ذكر قتال املسلمني إياه وإزالته عن ج

اصطدم من اإلسالم والكفر ابنا مشام والتقى من عجاجتهما ظالم وعند ذلك أخذ العدو يف التحيز إىل جانب وكان كحاجب على عني فصار كعني يف حاجب وإذا تزعزع البناء فقد هوى وإذا قبض من طرق

البساط فقد انطوى وهذا التشبيه يف مناسبته كاألول بل أحسن

لك ما ذكرته يف فصل من كتاب إىل بعض اإلخوان فقلت وما شبهت كتابه يف وروده وانقباضه إال ومن ذبنظر احلبيب يف إقباله وإعراضه وكال األمرين كالسهم يف أمل وقعه وأمل نزعه واملشوق من استوت صبابته يف

ملامها حاليت وصله وقطعه وما أزال على وجل من إرسال كتبه وإمجامها واشتباه ملها بإ ومما جاء من هذا القسم يف الشعر قول بكر بن النطاح

) كما نظرت إلى الشيب المالح ... تراهم ينظرون إلى المعالي ( ) كأني في عيونهم السماح ... يحدون العيون إلي شذرا (

تشبيهه وهذا بديع يف حسنه بليغ يف وعلى هذا النهج ورد قول أيب متام

) كالحسن شيب لمغرم بدالل ... خلط الشجاعة بالحياء فأصبحا ( وهذا من غريب ما يأيت يف هذا الباب وقد تغالت شيعة أيب متام يف وصف هذا البيت وهو لعمري كذلك

ومن هذا القسم أيضا قوله

) فكأنها في غربة وإسار ... نعمة لله كانت عنده كم( ) كتضاؤل الحسناء في األطمار ... كسيت سبائب لؤمه فتضاءلت (

وكذلك قوله ) فلم يخب عني وعاوده ظني ... صدفت عنه ولم تصدف مواهبه ( ) وإن ترحلت عنه لج يف الطلب ... كالغيث إن جئته وافاك ريقه (

وعلى هذا األسلوب ورد قول علي بن جبلة ) حشا األرض واستدمى الرماح الشوارع ... إذا ما تردى ألمة الحرب أرعدت (

Page 193: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

) صباح مشى يف ظلمة الليل طالع ... وأسفر تحت النقع حتى كأنه ( وقد أحسن علي بن جبلة يف تشبيهه هذا كل اإلحسان

وكمثله يف احلسن قوله أيضا يف تشبيهه احلبب فوق اخلمر ) صلن اتصاال تباذير ال يت... ترى فوقها نمشا للمزاج ( ) على كل ناحية منه خاال ... كوجه العروس إذا خططت (

ومن هذا القسم قول مسلم بن الوليد ) كالسيل يقذف جلمودا بجلمود ... تلقى المنية في أمثال عدتها (

قول العباس بن األحنف وعلى هذا األسلوب ورد ) وجزى اهللا كل خير لساني ... ال جزى اهللا دمع عيني خيرا ( ) ووجدت اللسان ذا كتمان ... من دمعي فليس يكتم شيئا ( ) يه بالعنوان فاستدلوا عل... كنت مثل الكتاب أخفاه طي (

وهذا من اللطيف البديع ويروى أن أبا نواس ملا دخل مصر مادحا للخصيب جلس يوما يف رهط من األدباء وتذكروا منازه بغداد

فأنشد مرجتال ) فصبا صبوة والت أوان ... ذكر الكرخ نازح األوطان (

يب فلما عاد إىل بغداد دخل عليه العباس ابن األحنف وقال أنشدين شيئا مث أمت ذلك قصيدا مدح به اخلص من شعرك مبصر فأنشده

... ) ذكر الكرخ نازح األوطان ( فلما استتم األبيات قال له لقد ظلمك من ناواك وختلف عنك من جاراك وحرام على أحد يتفوه بقول

أبا الفضل تقول هذا ألست القائل الشعر بعدك فقال أبو نواس وأنت أيضا يا ... ) ال جزى اهللا دمع عيني خيرا (

وأنشد األبيات مث قال ومن الذي حيسن أن يقول مثل هذا ومن تشبيه املركب باملركب قول البحتري

) ئه كالبحر يمنع ملحه عن ما... جدة يذود البخل عن أطرافها ( وهذا من حماسن التشبيهات

وكذلك ورد قوله ) قمرا يكر على الرجال بكوكب ... وتراه في ظلم الوغى فتخاله (

ويف هذا البيت تشبيه ثالثة أشياء بثالثة أشياء فإنه شبه العجاج بالظلمة واملمدوح بالقمر والسنان بالكوكب سن النادر وهذا من احل

Page 194: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

وكذلك ورد قوله ) في كل معركة متون نهاء ... يمشون في زعف كأن متونها ( ) سيل السراب بقفرة بيداء ... بيض تسيل على الكماة نصولها ( ) يال كواكب يف ماء فيها خ... فإذا األسنة خالطتها خلتها (

فالبيتان األخريان مها اللذان تضمنا تشبيه املركب باملركب وإمنا جئنا بالبيت األول سياقة إىل معنامها وهو من التشبيه الذي أحسن فيه البحتري وأغرب

ومن هذا الباب ما ورد لبعض الشعراء يف وصف اخلمر فقال ) في سالف الدهر قبل النار والنور ... دون بها كانت سراج أناس يهت(

) كأنها قبس في كف مقرور ... تهتز في الكأس من ضعف ومن هرم يل وقد يندر للناظم أو الناثر شيء من كالمه يبلغ الغاية اليت ال أمد فوقها وهذان البيتان من هذا القب

ومن أغرب ما مسعته يف هذا الباب قول احلسني بن مطري يرثي معن بن زائدة

) كما كان بعد السيل مجراه مرتعا ... فتى عيش يف معروفه بعد موته ( القسم الثالث يف تشبيه املفرد باملركب

ألرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح املصباح يف زجاجة اهللا نور السموات وا( فمما ورد منه قوله تعاىل ) الزجاجة كأهنا كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة ال شرقية وال غربية

) مثل الذين كفروا برهبم أعماهلم كرماد اشتدت به الريح يف يوم عاصف ( وكذلك قوله تعاىل ت وهو إذا استصرخ أصرخ بعزم كالشهاب ومن ذلك ما ذكرته يف فصل من كتاب يتضمن استنجادا فقل

يف رمجه وهم كالقوس املمتلئ بنزع سهمه ويرى أن صرخيه مل خيب وأنه إذا مل جيبه بالسيف فكأنه مل جيب فهو مغري جواده وحسامه ومسمع العدو صرير رحمه قبل قعقعة جلامه

اق شيء ال كاألشياء وصاحبه وكذلك أيضا ما كتبته يف كتاب إىل بعض اإلخوان أذم الفراق فقلت والفرميت ال كاألموات وحي ال كاألحياء وما أراه إىل كنار اهللا املوقدة اليت تطلع على األفئدة وما جيعل صاحبها

يف ضحضاح منها إال تواتر الكتاب اليت تقيه بعض الوقاء وتقوم له وإن مل يسق مقام اإلسقاء وأما ما ورد منه يف الشعر فكقول أيب نواس

) له عن عدو في ثياب صديق ... إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت ( وكذلك قول أيب متام يصف قصيدا له

) لسوابغ النعماء غير كنود ... خذها مثقفة القوافي ربها ( ) بالشذر في عنق الفتاة الرود ... كالدر والمرجان ألف نظمه(

وكذلك ورد قول البحتري وهو من مجلة قصيدته املشهورة اليت وصف فيها الفرس والسيف وأوهلا ... ) أهال بذلكم الخيال المقبل (

فقال فيها من أبيات تضمنت وصف السيف بيتا أجاد يف تشبيهه

Page 195: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

) دبت بأيد في قواه وأرجل ... سود النمال وحمرها وكأنما ( فشبه فرند السيف بدبيب النمل سودها ومحرها وذلك من التشبيه احلسن

وهذا تشبيه بليغ ) هو الوأد اخلفي ( وأما ما ورد منه مضمر األداة فكقول النيب وقد سئل عن العزل فقال تفعله يف دفن البنات أحياء فجعل العزل يف اجلماع كالوأد إال أنه خفي وذاك والوأد هو ما كانت العرب

أهنم كانوا يفعلون بالبنات ذلك هربا منهن وهكذا من يعزل يف اجلماع فإمنا يفعل ذلك هربا من الولد وهذا من احلسن إىل غابة تغض هلا العيون طرفها وال ينتهي ) هو الوأدة الصغرى ( وكذلك قال النيب

الوصف إليها فيكون ترك وصفها كوصفها ومما جاءين من ذلك فصل من مجلة كتاب ضمنته وصف القلم فقلت جدع أنفه فصار يف الكيد قصريا

وأرهف صدره فصار يف املضاء غضبا شهريا وقمص لباس السواد وهو شعار اخلطباء فنطق بفصل اخلطاب عجاب وأوحى إليه بنجوى اخلواطر وهو األصم ونكس رأسه وهي صورة اإلذالل فاختال يف مشيه من اإل

فأفضى مبا مسعه إىل الكتاب وهذه األوصاف غريبة جدا ومن أغرهبا ذكر قصري عند جدع األنف

وأما القسم الرابع وهو تشبيه املركب باملفرد فإنه قليل االستعمال بالنسبة إىل األقسام الثالثة وليس ذلك إال شبه به وعلى كثرة ما حفظته من األشعار مل أجد ما أمثل به هذا القسم إال مثاال لعدم النظري بني املشبه وامل

واحدا وهو قول أيب متام يف وصف الربيع ) تريا وجوه األرض كيف تصور ... يا صاحبي تقصيا نظريكما ( ) الربا فكأنما هو مقمر زهر... تريا نهارا مشمسا قد شابه (

فشبه النهار املشمس مع الزهر األبيض بضوء القمر وهو تشبيه حسن واقع يف موقعه مع ما فيه من لطف الصنعة

ولرمبا اعترض يف هذا املوضع معترض وقال إنك أوردت هذا القسم من التشبيه وذكرت أنه قليل وليس احد كثري كقول أيب الطيب املتنيب كذلك فإن تشبيه شيئني بشيء و

) كأنها يف نفوسهم شيم ... تشرق أعراضهم وأوجههم ( فشبه إشراق األعراض والوجوه بإشراق الشيم

اجلواب عن ذلك أين أقول هذا البيت املعترض به على ما ذكرته ليس كالذي ذكرته فإن أردت أن يشبه ء واحد يف االشتراك بشيء واحد أال ترى أن نور الشمس من بياض الزهر ومها شيئان شيئان مها كشي

مشتركان قد شبها بضوء القمر وأما هذا البيت الذي أليب الطيب املتنيب فإنه تشبيه شيئني كل واحد منهما ردته أنا مفرد برأسه بشيء واحد ألنه شبه إشراق األعراض وإشراق الوجوه بإشراق الشيم وهذا غري ما أ

لكن ينبغي أن تعلم أن تشبيه املركب باملفرد ينقسم قسمني أحدمها تشبيه شيئني مشتركني بشيء واحد كالذي أوردته أليب متام وهو قليل االستعمال واآلخر تشبيه شيئني منفردين بشيء واحد كالذي ذكرته أنت

Page 196: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

أليب الطيب املتنيب وهو كثري االستعمال بيه وبينا احملمود منها الذي ينبغي اقتفاء أثره واتباع مذهبه فلنتبعه بضده مما ينبغي وإذا ذكرنا أقسام التش

اجتنابه واإلضراب عنه على أنه قد قدمنا القول بأن حد التشبيه هو أن يثبت للمشبه حكم من أحكام املشبه يستعمل والذي يرد منه به فإذا مل يكن هبذه الصفة أو كان بني املشبه واملشبه به بعد فذلك الذي يطرح وال

مضمر األداة ال يكون إال يف القسم الواحد من أقسام اجملازي وهو التوسع وقد قدمت القول يف ذلك يف أول باب االستعارة وضربت له أمثلة منها قول أيب نواس

) تشتكي منك الكالال ... ما لرجل املال أمست ( شبيه بعيد وال حاجة إىل إعادة ذلك الكالم ههنا جبملته لكن قد أشرت إليه فجعل للمال رجال وذلك ت

إشارة خفيفة ومن أقبح ما مسعته من ذلك قول أيب متام

) وذهبت أنت برأسه وسنامه ... وتقاسم الناس السخاء مجزأ ( ) من فرثه وعروقه وعظامه ... وتركت للناس اإلهاب وما بقى(

والقبح الفاحش يف البيت الثاين فإن غرضه أن يقول ذهب باألعلى وترك للناس األدىن أو ذهبت باجليد وتركت للناس الرديء

وقد عيب عليه قوله ) صب قد استعذبت ماء بكائي ... ال تسقين ماء املالم فإنين (

وقيل إنه جعل للمالم ماء وذلك تشبيه بعيد وما هبذا التشبيه عندي من بأس بل هو من التشبيهات املتوسطة اليت ال حتمد وال تذم وهو قريب من وجه بعيد من وجه أما مناسب قربه فهو أن املالم هو القول الذي يعنف

قيا اليت هي خمتصة باحللق كأنه قال ال تذقين به امللوم ألمر جناه وذاك خمتص بالسمع فنقله أبو متام إىل الساملالم ولو هتيأ له ذلك مع وزن الشعر لكان تشبيها حسنا لكنه جاء بذكر املاء فحط من درجته شيئا وملا كان السمع يتجرع املالم أوال أوال كتجرع احللق املاء صار كأنه شبيه به وهو تشبيه معىن بصورة وأما

أن املاء مستلذ واملالم مستكره فحصل بينهما خمالفة من هذا الوجه فهذا التشبيه سبب بعد هذا التشبيه فهو إن بعد من وجه فقرب من وجه فيغفر هذا هلذا ولذلك جعلته من التشبيهات املتوسطة اليت ال حتمد وال تذم

ه شيئا من ماء وقد روي وهو رواية ضعيفة أن بعض أهل اجملانة أرسل إىل أيب متام قارورة وقال ابعث يف هذاملالم فأرسل إليه أبو متام وقال إذا بعثت إيل ريشة من جناح الذل بعثت إليك شيئا من ماء املالم وما كان

أبو متام ليذهب عليه الفرق بني هذين التشبيهني فإنه ليس جعل اجلناح للذل كجعل املاء للمالم فإن اجلناح ط جناحه وخفضه وألقى نفسه على األرض ولإلنسان للذل مناسب وذاك أن الطائر إذا وهن أو تعب بس

أيضا جناح فإن يديه جناحاه وإذا خضع واستكان طأطأ من رأسه وخفض من يديه فحسن عند ذلك جعل اجلناح للذل وصار تشبيها مناسبا وأما املاء للمالم فليس كذلك يف مناسبة التشبيه

ت له أمثلة يستدل هبا على أشباهه وأمثاله فإن لذكر وأما التشبيه املضمر األداة من هذا الباب فقد أورد

Page 197: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

املثال فائدة ال تكون لذكر احلد وحده فمن ذلك قول بعضهم

) ظباء جرت منها سنيح وبارح ... مال حاجبيك الشيب حتى كأنه ( وكذلك قول اآلخر يصف السهام

) قداح كأعناق الظباء الفوارق ... اعتدلت له كساها رطيب الريش ف( فإنه شبه السهام بأعناق الظباء وذلك من أبعد التشبيهات

وعلى حنو منه قول الفرزدق ) جرب الجمال بها الكحيل املشعل ... يمشون يف حلق الحديد كما مشت (

رجال يف دروع الزرد باجلمال اجلرب وهذا من التشبيه البعيد ألنه إن أراد السواد فال مقاربة بينهما فشبه اليف اللون ألن لون احلديد أبيض ومن أجل ذلك مسيت السيوف بالبيض ومع كون هذا التشبيه بعيدا فإنه

تشبيه سخيف

ومن التشبيهات الباردة قول أيب الطيب املتنيب ) فكأنه النارنج يف األغصان ... ى الورق النجيع القاني وجرى عل(

وهذا تشبيه ينكره أهل التجسيم وإذا قسمت التشبيهات بني البعد والربد حاز طريف ذلك التقسيم وأبشع من هذا قول أيب نواس يف اخلمر

) سنانري تدير عيونها وزرق... كأن برانسا رواكد حولها ( والعجب أنه يقول مثل هذا الغث الذي ال الءمة بينه وبني ما شبه به ويقرنه بالبديع الذي أحسن فيه وأبدع

وهو ) إذا ما سلبناها مع الليل طينها ... كأنا حلول بين أكناف روضة (

ده وسعدانه ال بل بني بعره ومرجانه وقد أكثر يف تشبيه اخلمر فأحسن يف موضع فانظر كيف قرن بني ور وأساء يف موضع ومن إساءته قوله أيضا يف أبيات المية

) أظهرت شكال من الغزل ... وإذا ما املاء واقعها ( ) ن جبل كانحدار الذر م... لؤلؤات ينحدرن بها (

فشبه احلبب يف احنداره بنمل صغار ينحدر من جبل وهذا من البعد على غاية ال حيتاج إىل بيان وإيضاح واعلم أن من التشبيه ضربا يسمى الطرد والعكس وهو أن جيعل املشبه به مشبها واملشبه مشبها به وبعضهم

الغرض به املبالغة يسميه غلبة الفروع على األصول وال جتد شيئا من ذلك إال و فمما جاء من ذلك قول ذي الرمة

) إذا ألبسته املظلمات الحنادس ... ورمل كأرداف العذارى قطعته ( أال ترى إىل ذي الرمة كيف جعل األصل فرعا والفرع أصال وذاك أن العادة والعرف يف هذا أن تشبه

األنقاء وهو مطرد يف بابه فعكس ذو الرمة القصة يف ذلك فشبه كثبان األنقاء بأعجاز أعجاز النساء بكثبان

Page 198: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

النساء وإمنا فعل ذلك مبالغة أي قد ثبت هذا املوضع وهذا املعىن ألعجاز النساء وصار كأنه األصل حىت شبهت به كثبان األنقاء

وعلى حنو من هذا جاء قول البحتري ) وللقضيب نصيب من تثنيها ... يء من محاسنها في طلعه البدر ش(

وكذلك ورد قول عبد اهللا بن املعتز يف قصيدته املشهورة اليت أوهلا ... ) سقى املطرية ذات الطل والشجر (

فقال يف تشبيه اهلالل ) مثل القالمة قد قدت من الظفر ...والح ضوء قمير كاد يفضحنا (

وملا شاع ذلك يف كالم العرب واتسع صار كأنه هو األصل وهو موضع من علم البيان حسن املوقع لطيف املأخذ

وهذا قد ذكره أبو الفتح بن جين يف كتاب اخلصائص وأورده هكذا مهمال يل ما أذكره وهو أنه قد تقرر يف أصل الفائدة املستنتجة من وملا نظرت أنا يف ذلك وأنعمت نظري فيه تبني

التشبيه أن يشبه الشيء مبا يطلق عليه لفظة أفعل أي يشبه مبا هو أبني وأوضح أو مبا هو أحسن منه أو أقبح وكذلك يشبه األقل باألكثر واألدىن باألعلى

يف بابه وعليه مدار االستعمال وهذا غري وهذا املوضع ال ينقض هذه القاعدة ألن الذي قدمناه ذكره مطرد مطرد وإمنا حيسن يف عكس املعىن املتعارف وذاك أن جتعل املشبه به مشبها واملشبهة مشبها به وال حيسن يف

غري ذلك مما

ليس مبتعارف أال ترى أن من العادة والعرف أن تشبه األعجاز بالكثبان فلما عكس ذو الرمة هذه القضية سنا الئقا وكذلك فعل البحتري فإن من العادة والعرف أن يشبه الوجه احلسن بالبدر والقد يف شعره جاء ح

احلسن بالقضيب فلما عكس البحتري القضية يف ذلك جاء أيضا حسنا الئقا ولو شبه ذو الرمة الكثبان مبا حلسناء والقضيب هو أصغر منها غري األعجاز ملا حسن ذلك وهكذا لو شبه البحتري طلعة البدر بغري طلعة ا

بغري قدها ملا حسن ذلك أيضا وهكذا القول يف تشبيه عبد اهللا بن املعتز صورة اهلالل بالقالمة ألن من العادة أن تشبه القالمة باهلالل فلما صار ذلك مشهورا متعارفا حسن عكس القضية فيه

النوع الثالث يف التجريد

لكالم حسن مث سكت فسألته عن حقيقته فقال كذا مسعت وهذا اسم كنت مسعته فقال القائل التجريد يف اومل يزد شيئا فأنعمت حينئذ نظري يف هذا النوع من الكالم فألقي يف روعي أنه ينبغي أن يكون كذا وكذا وكان الذي وقع يل صوابا مث مضى على ذلك برهة من الزمان ووصل إىل ما ذكره أبو علي الفارسي رمحه

ههنا وذكرت ما أتيت به من ذات خاطري من زيادة مل يذكرها وستقف أيها املتأمل اهللا تعاىل وقد أوردته

Page 199: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

على كالمه وكالمي فأما حد التجريد فإنه إخالص اخلطاب لغريك وأنت تريد به نفسك ال املخاطب نفسه ألن أصله يف وضع

ال مد وال ( ال اللغة من جردت السيف إذا نزعته من غمده وجردت فالنا إذا نزعت ثيابه ومن ههنا قوذلك يف النهي عند إقامة احلد أن ميد صاحبه على األرض وأن جترد عنه ثيابه وقد نقل هذا املعىن ) جتريد

إىل نوع من أنواع علم البيان وقد تأملته فوجدت له فائدتني إحدامها أبلغ من األخرى

اطنه فاألوىل طلب التوسع يف الكالم فإنه إذا كان ظاهره خطابا لغريك وب

خطابا لنفسك فإن ذلك من باب التوسع وأظن أنه شيء اختصت به اللغة العربية دون غريها من اللغات والفائدة الثانية وهي األبلغ وذاك أنه يتمكن املخاطب من أجراء األوصاف املقصودة من مدح أو غريه على

وله غري حمجور عليه نفسه إذ يكون خماطبا هبا غريه ليكون أعذر وأبرأ من العهدة فيما يق وعلى هذا فإن التجريد ينقسم قسمني أحدمها جتريد حمض واآلخر جتريد غري حمض

فاألول وهو احملض أن تأيت بكالم هو خطاب لغريك وأنت تريد به نفسك وذلك كقول بعض املتأخرين وهو الشاعر املعروف باحليص بيص يف مطلع قصيدة له

) وقد نحلت شوقا فروع املنابر ... زي شاعر إالم يراك املجد يف ( ) ببعضهما ينقاد صعب املفاخر ... كتمت بعيب الشعر حلما وحكمة ( ) ومحيي الدارسات الغوابر ... أما وأبيك الخير إنك فارس المقال ( ) بقولك عما في بطون الدفاتر ... وإنك أعييت املسامع والنهى (

فهذا من حماسن التجريد أال ترى أنه أجرى اخلطاب على غريه وهو يريد نفسه كي يتمكن من ذكر ما ذا القبيل فهو التجريد احملض ذكره من الصفات الفائقة وعد ما عده من الفضائل التائهة وكل ما جييء من ه وأما ما قصد به التوسع خاصة فكقول الصمة بن عبد اهللا من شعراء احلماسة

) مزارك من ريا وشعباكما معا ... حننت إلى ريا ونفسك باعدت ( ) ن داعي الصبابة أسمعا وتجزع أ... فما حسن أن تأتي األمر طائعا (

وقد ورد بعد هذين البيتني ما يدل على أن املراد بالتجريد فيهما التوسع ألنه قال ) على كبدي من خشية أن تصدعا ... وأذكر أيام الحمى ثم أنثني ( ) وما أحسن املصطاف واملتربعا ... با بنفسي تلك األرض ما أطيب الر(

فانتقل من اخلطاب التجريدي إىل خطاب النفس ولو استمر على احلالة األوىل ملا قضي عليه بالتوسع وإمنا كان يقضي عليه بالتجريد البليغ الذي هو الطرف اآلخر ويتأول له بأن عرضه من خطاب غريه أن ينفي عن

وى ومعرة العشق ملا يف ذلك من الشهرة والغضاضة لكن قد زال هذا التأويل بانتقاله عن نفسه مسعة اهل التجريد أوال إىل خطاب النفس

Page 200: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

وعلى هذا األسلوب ورد قول أيب الطيب املتنيب ) فليسعد النطق إن لم تسعد الحال ... ال خيل عندك تهديها وال مال (

) بغير قول ونعمى القوم أقوال ... واجز األمري الذي نعماه فاجئة ( وهذان البيتان من مطلع قصيدة ميدح هبا فاتكا اإلخشيدي مبصر وكان وصله بصلة سنية من نفقة وكسوة

مطلعها على املعىن املشار إليه قبل أن ميدحه مث مدحه بعد ذلك هبذه القصيدة وهي من غرر شعره وقد بىنمن ابتداء فاتك إياه بالصلة قبل املديح وليس يف التجريد املذكور يف هذين البيتني ما يدل على وصف

النفس وال على تزكيتها باملديح كما ورد يف األبيات الرائية املتقدم ذكرها وإمنا هو توسع ال غري طاب لنفسك ال لغريك ولئن كان بني النفس والبدن فرق إال أهنما وأما القسم الثاين وهو غري احملض فإنه خ كأهنما شيء واحد لعالقة أحدمها باآلخر

وبني هذا القسم والذي قبله فرق ظاهر وذاك أوىل بأن يسمى جتريدا ألن التجريد الئق به وهذا هو نصف تها عنك وهي منك جتريد ألنك مل جترد به عن نفسك شيئا وإمنا خاطبت نفسك بنفسك كأنك فصل

فمما جاء منه قول عمرو بن اإلطنابة ) رويدك تحمدي أو تسترحيي ... أقول لها وقد جشأت وجاشت (

وكذلك قول اآلخر ) إحدى يدي أصابتني ولم ترد ... أقول للنفس تأساء وتعزية (

هذا ما يصلح أن يكون خطابا لغريك كاألول وإمنا املخاطب هو املخاطب بعينه وليس مث شيء وليس يف خارج عنه

وأما الذي ذكره أبو علي الفارسي رمحه اهللا فإنه قال إن العرب تعتقد أن يف اإلنسان معىن كامنا فيه كأنه نه غريه وهو هو بعينه حنو قوهلم لئن حقيقته وحمصوله فيخرج ذلك املعىن إىل ألفاظها جمردا من اإلنسان كأ

لقيت فالنا لتلقني به األسد ولئن سألته لتسألن منه البحر وهو عينه األسد والبحر ال أن هناك شيئا منفصال عنه أو متميزا منه

مث قال وعلى هذا النمط كون اإلنسان خياطب نفسه حىت كأنه يقاول غريه كما قال األعشى ... ) اعا أيها الرجل وهل تطيق ود(

وهو الرجل نفسه ال غريه هذا خالصة ما ذكره أبو علي رمحه اهللا

والذي عندي فيه أنه أصاب يف الثاين ومل يصب يف األول ألن الثاين هو التجريد أال ترى أن األعشى جرد ه األسد ولئن سألته لتسألن منه اخلطاب عن نفسه وهو يريدها وأما األول وهو قوله لئن لقيت فالنا لتلقني ب

البحر فإن هذا تشبيه مضمر األداة إذ حيسن تقدير أداء التشبيه فيه وبيان ذلك أنك تقول لئن ليت فالنا لتلقني منه كاألسد ولئن سألته لتسألن منه كالبحر وليس هذا بتجريد ألن حقيقة التجريد غري موجودة فيه

Page 201: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

أن املذكور هو كاألسد وهو كالبحر وليس مث شيء جمرد عنه كما وإمنا هو تشبيه مضمر األداة أال ترى تقدم يف األبيات الشعرية

ويبطل على أيب علي قوله أيضا من وجه آخر وذاك أنه قال إن العرب تعتقد أن يف اإلنسان معىن كامنا فيه و هو كاملثال الذي كأنه حقيقته وحمصوله فخرج ذلك املعىن إىل ألفاظها جمردا من اإلنسان كأنه غريه وه

مثله يف تشبيهه باألسد وتشبيهه بالبحر وهذا ينتقض بقولنا لئن رأيت األسد لترين منه هضبة ولئن لقيته لتلقني منه املوت فإن الصورة اليت أوردها يف اإلنسان وزعم أن العرب تعتقد أن ذلك معىن كامن فيه قد

وكال الصورتني ليس بتجريد وإمنا هو تشبيه مضمر أوردنا مثلها يف األسد فتخصيصه ذلك باإلنسان باطلاألداة وقد سبق القول بأن التجريد هو أن تطلق اخلطاب على غريك وال يكون هو املراد وإمنا املراد نفسك وهذا ال يوجد يف هذا املثال املضمر األداة بل املخاطب هو هو ال غريه فال يطلق عليه إذا اسم التجريد ألنه

ته ومناف ملوضوعه فإذا قال القائل لئن لقيته لتلقني به كاألسد ولئن سألته لتسألن منه خارج عن حقيق كالبحر مل جيرد عن املقول عنه شيئا وإمنا شبهه تارة باألسد يف شجاعته وتارة بالبحر يف سخائه

وما أعلم كيف ذهب هذا على مثل أيب علي رمحه اهللا حىت خلطه بالتجريد وأجراه جمراه قول إن العرب تعتقد أن يف اإلنسان معىن كامنا فيه كأنه حقيقته وحمصوله فأقول وغري العرب أيضا وأما

تعتقد ذلك فإن عىن باملعىن الكامن معىن اإلنسانية الذي هو االستعداد للعلوم والصنائع فما هذا من الشيء الغريب اخلفي

هللا وإن عىن باملعىن الكامن ما فيه من األخالق الذي علمته العرب خاصة وانفرد باستخراجه أبو علي رمحه اكالشجاعة والسخاء يف املثال الذي ذكره حىت يشبه باألسد تارة وبالبحر أخرى فليس اإلنسان خمتصا هبذا املعىن الكامن دون غريه من احليوانات بل األسد فيه من معىن الشجاعة ما ليس يف اإلنسان وهلذا إذا بولغ

شجاعة شبه باألسد وكذلك يف بعض احليوانات من السخاء ما ليس يف اإلنسان ومن يف وصف اإلنسان بالأمثال أكرم من ديك ألنه إذا ظفر حببة من احلنطه أخذها يف منقاره وطاف هبا على الدجاج حىت يضعها يف

تمع فيه ما منقار واحدة منهن فاألخالق إذا مشتركة بني اإلنسان وبني غريه من احليوانات غري أن اإلنسان جي تفرق يف كثري منها

وما أعلم ما أراد أبو علي رمحه اهللا بقوله إن يف اإلنسان معىن كامنا فيه كأنه حقيقته وحمصوله إال أن يكون أحد هذين القسمني اللذين أشرت إليهما

على أن القسم الواحد الذي هو خلق الشجاعة والسخاء وغريه من األخالق ليس عبارة عن حقيقة نسان إذ ال يقال يف حده حيوان شجاع وال سخي بل يقال حيوان ناطق فالنطق الذي هو االستعداد اإل

للعلوم والصنائع هو حقيقة اإلنسان فبطل إذا قول أيب علي رمحه اهللا يف متثيله حقيقة اإلنسان بالشجاعة والسخاء

عن خلقه واآلخر أنه أدخل يف فاخلطأ توجه يف كالمه من وجهني أحدمها أنه جعل حقيقة اإلنسان عبارة

Page 202: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

التجريد ما ليس منه وهذا القدر كاف يف هذا املوضع فليتأمل

حذف السائر إدخال مركز املستشار

النوع الرابع

يف االلتفات

وهذا النوع ما يليه من خالصة علم البيان اليت حوهلا يدندن وإليها تستند البالغة وعنها يعنعن وحقيقته فات اإلنسان عن ميينه ومشاله فهو يقبل بوجهه تارة كذا وتارة كذا وكذلك يكون هذا النوع مأخوذة من الت

من الكالم خاصة ألنه ينتقل فيه عن صيغة إىل صيغة كاالنتقال من خطاب حاضر إىل غائب أو من خطاب أيت ذكره مفصال غائب إىل حاضر أو من فعل ماض إىل مستقبل أو من مستقبل إىل ماض أو غري ذلك مما ي

وإمنا مسي بذلك ألن الشجاعة هي اإلقدام وذاك أن الرجل الشجاع ) شجاعة العربية ( ويسمى أيضا يركب ما ال يستطيعه غريه ويتورد ما ال يتورده سواه وكذلك هذا االلتفات يف الكالم فإن اللغة العربية

ختتص به دون غريها من اللغات قسام وهو ينقسم إىل ثالثة أ

القسم األول يف الرجوع من الغيبة إىل اخلطاب ومن اخلطاب إىل الغيبة أعلم أن عامة املنتمني إىل هذا الفن إذا سئلوا عن االنتقال عن الغيبة إىل اخلطاب وعن اخلطاب إىل الغيبة

وحنن إمنا نسأل قالوا كذلك كانت عادة العرب يف أساليب كالمها وهذا القول هو عكاز العميان كما يقال عن السبب الذي قصدت العرب ذلك من أجله

وقال الزخمشري رمحه اهللا إن الرجوع من الغيبة إىل اخلطاب إمنا يستعمل للتفنن يف الكالم واالنتقال من أسلوب إىل أسلوب تطرية لنشاط السامع وإيقاظا لإلصغاء إليه

من أسلوب إىل أسلوب إذا مل وليس األمر كما ذكره ألن االنتقال يف الكالم

يكن إال تطرية لنشاط السامع وإيقاظا لإلصغاء إليه فإن ذلك دليل على أن السامع ميل من أسلوب واحد فينتقل إىل غريه ليجد نشاطا لالستماع وهذا قدح يف الكالم ال وصف له ألنه لو كان حسنا ملا مل ولو

ن إمنا يوجد ذلك يف الكالم املطول وحنن نرى األمر خبالف ذلك ألنه سلمنا إىل الزخمشري ما ذهب إليه لكاقد ورد االنتقال من الغيبة إىل اخلطاب ومن اخلطاب إىل الغيبة يف مواضع كثرية من القرآن الكرمي ويكون

ب إىل جمموع اجلانبني مما يبلغ عشرة ألفاظ أو أقل من ذلك ومفهوم قول الزخمشري يف االنتقال من أسلوأسلوب إمنا يستعمل قصدا للمخالفة بني املنتقل عنه واملنتقل إليه ال قصدا الستعمال األحسن وعلى هذا فإذا وجدنا كالما قد استعمل يف مجيعه اإلجياز ومل ينتقل عنه أو استعمل فيه مجيعه اإلطناب ومل ينتقل عنه

حبسن إذ مل ينتقل فيه من أسلوب إىل أسلوب وهذا قول وكان كال الطرفني واقعا يف موقعه قلنا هذا ليس

Page 203: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

فيه ما فيه وما أعلم كيف ذهب على مثل الزخمشري مع معرفته بفن الفصاحة والبالغة والذي عندي يف ذلك أن االنتقال من اخلطاب إىل الغيبة أو من الغيبة إىل اخلطاب ال يكون إال لفائدة

نتقال من أسلوب إىل أسلوب غري أهنا ال تحد حبد وال تضبط بضابط لكن اقتضته وتلك لفائدة أمر وراء االيشار إىل مواضع منها ليقاس عليها غريها فإنا قد رأينا االنتقال من الغيبة إىل اخلطاب قد استعمل لتعظيم

غيبة فعلمنا شأن املخاطب مث رأينا ذلك بعينه وهو ضد األول قد استعمل يف االنتقال من اخلطاب إىل الحينئذ أن الغرض املوجب الستعمال هذا النوع من الكالم ال جيري على وترية واحدة وإمنا هو مقصور على

العناية باملعىن املقصود وذلك املعىن يتشعب شعبا كثرية ال تنحصر وإمنا يؤتى هبا على حسب املوضع الذي ترد فيه

ها وسأوضح ذلك يف ضرب من األمثلة اآليت ذكراحلمد هللا رب العاملني الرمحن الرحيم ( فأما الرجوع من الغيبة إىل اخلطاب فكقوله تعاىل يف سورة الفاحتة

هذا رجوع ) مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعني اهدنا الصراط املستقيم صراط الذين أنعمت عليهم من الغيبة إىل

احلمد هللا رب ( بعد قوله ) إياك نعبد وإياك نستعني ( قوله اخلطاب ومبا خيتص به هذا الكالم من الفوائد فإنه إمنا عدل فيه من الغيبة إىل اخلطاب ألن احلمد دون العبادة أال تراك حتمد نظريك وال تعبده ) العاملني

مد احل( ومل يقل ) احلمد هللا ( فلما كانت احلال كذلك استعمل لفظ احلمد لتوسطه مع الغيبة يف اخلرب فقال فخاطب بالعبادة إصراحا هبا وتقربا ) إياك نعبد ( وملا صار إىل العبادة اليت هي أقصى الطاعات قال ) لك

صراط الذين أنعمت ( منه عز امسه باالنتهاء إىل حمدود منها وعلى حنو من ذلك جاء آخر السورة فقال عطفا على األول ألن األول ) ب عليهم غري املغضو( فأصرح اخلطاب ملا ذكر النعمة مث قال ) عليهم

موضع التقرب من اهللا بذكر نعمه فلما صار إىل ذكر الغضب جاء باللفظ منحرفا عن ذكر الغاضب فأسند النعمة إليه لفظا وزوى عنه لفظ الغضب حتننا ولطفا فانظر إىل هذا املوضع وتناسب هذه املعاين الشريفة اليت

واألفهام مع قرهبا صافحة عنها وهذه السورة قد انتقل يف أوهلا من الغيبة إىل اخلطاب األقدام ال تكاد تطؤهالتعظيم شأن املخاطب مث انتقل يف آخرها من اخلطاب إىل الغيبة لتلك العلة بعينها وهي تعظيم شأن املخاطب

ترك خماطبته بإسناد الغضب أيضا ألن خماطبة الرب تبارك وتعاىل بإسناد النعمة إليه تعظيم خلطابه وكذلكإليه تعظيم خلطابه فانبغى أن يكون صاحب هذا الفن من الفصاحة والبالغة عاملا بوضع أنواعه يف مواضعها

على اشتباهها وهو ) لقد جئتم ( وإمنا قيل ) وقالوا اختذ الرمحن ولدا لقد جئتم شيئا إدا ( ومن هذا الضرب قوله تعاىل

وهو خطاب للغائب لفائدة حسنة وهي زيادة التسجيل عليهم باجلراءة ) وقالوا ( قوله خطاب للحاضر بعد على اهللا تعاىل والتعرض لسخطه وتنبيه هلم على عظم ما قالوه كأنه خياطب قوما حاضرين بني يديه منكرا

عليهم وموخبا هلم سبحان ( تعاىل أول سورة بين إسرائيل ومما جاء من االلتفات مرارا على قصر متنه وتقارب طرفيه قوله

Page 204: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

الذي أسرى بعبده ليال من املسجد احلرام إىل املسجد األقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو فقال ) السميع البصري

إنه هو السميع ( بلفظ اجلمع مث قال ) الذي باركنا ( بلفظ الواحد مث قال ) سبحان الذي أسرى ( أوال وهو خطاب غائب ولو جاء الكالم على مساق األول لكان سبحان الذي أسرى بعبده ليال من ) ري البص

املسجد احلرام إىل املسجد األقصى الذي بارك حوله لرييه من آياته إنه هو السميع البصري وهذا مجيعه يكون يغة إلىصيغة كان ذلك معطوفا على أسرى فلما خولف بني املعطوف واملعطوف عليه يف االنتقال من ص

اتساعا وتفننا يف أساليب الكالم وملقصد آخر معنوي هو أعلى وأبلغ وسأذكر ما سنح يل فيه فأقول ملا بدأ الكالم بسبحان ردفه بقوله الذي أسرى إذ ال جيوز أن يقال الذي

يف نفسه الذي هو بلفظ أسرينا فلما جاء بلفظ الواحد واهللا تعاىل أعظم العظماء وهو أوىل خبطاب العظيم مث ) باركنا ( فجاء بذلك على نسق ) لنريه من آياتنا ( مث قال ) باركنا ( اجلمع استدرك األول بالثانيفقال

عطفا على أسرى وذلك موضع متوسط الصفة ألن السمع والبصر صفتان يشاركه فيهما ) إنه هو ( قال ظيم يف نفسه إىل خطاب نائب فانظر إىل هذه غريه وتلك حال متوسطة فخرج هبما عن خطاب الع

االلتفاتات املترادفة يف هذه اآلية الواحدة اليت جاءت ملعان اختصت هبا يعرفها من يعرفها وجيهلها من جيهلها مث استوى إىل ( ومما ينخرط يف هذا السلك الرجوع من خطاب الغيبة إىل خطاب النفس كقوله تعاىل

هلا ولألرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعني فقضاهن سبع مسوات يف يومني السماء وهي دخان فقالوهذا رجوع من ) وأوحى يف كل مساء أمرها وزينا السماء الدنيا مبصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم

والفائدة ) وأوحى ) ( فقضاهن ( وقوله ) مث استوى ( بعد قوله ) وزينا ( الغيبة إىل خطاب النفس فإنه قال يف ذلك أن طائفة من الناس غري املتشرعني يعتقدون أن النجوم ليست يف مساء الدنيا وأهنا ليست حفظا وال

رجوما فلما صار الكالم إىل ههنا عدل به عن خطاب الغائب إىل خطاب النفس ألنه مهم من مهمات نه ويف خالف هذا الرجوع من خطاب النفس إىل خطاب االعتقاد وفيه تكذيب للفرقة املكذبة املعتقدة بطال

الغيبة

حذف

وما يل ال ( ومما ينخرط يف هذا السلك أيضا الرجوع من خطاب النفس إىل خطاب اجلماعة كقوله تعاىل وإمنا صرف الكالم عن خطاب نفسه إىل خطاهبم ألنه أبرز الكالم هلم يف ) أعبد الذي فطرين وإليه ترجعون

ملناصحة وهو يريد مناصحتهم ليتلطف هبم ويداريهم ألن ذلك أدخل يف إحماض النصح حيث ال معرض امكان قوله وما لكم ال تعبدون ) وما يل ال أعبد الذي فطرين ( يريد هلم إال ما يريد لنفسه وقد وضع قوله

فطرين وإليه أرجع وقد ولوال أنه قصد ذلك لقال الذي) وإليه ترجعون ( الذي فطركم أال ترى إىل قوله فانظر أيها املتأمل إىل هذه النكت الدقيقة اليت ) إين آمنت بربكم فامسعون ( ساقه ذلك املساق إىل أن قال

متر عليها يف آيات القرآن الكرمي وأنت تظن أنك فهمت فحواها واستنبطت رموزها

Page 205: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

حم ( ب الواحد كقوله تعاىل وعلى هذا األسلوب جيري احلكم يف الرجوع من خطاب النفس إىل خطاوالكتاب املبني إنا أنزلناه يف ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم أمرا من عندنا إنا كنا

والفائدة ههنا يف الرجوع من خطاب النفس إىل خطاب ) ) مرسلني رمحة من ربك إنه هو السميع العليم شارة بأن إنزال الكتاب إمنا هو إليه وإن مل يكن ذلك صرحيا لكن مفهوم الواحد ختصيص النيب بالذكر واإل

الكالم يدل عليه وإذا تأملت مطاوي القرآن الكرمي وجدت فيه من هذا وأمثاله أشياء كثرية وإمنا اقتصرنا على هذه األمثلة

املختصرة ليقاس عليها ما جيري على أسلوهبا لك كقول أيب متام وقد ورد يف فصيح الشعر شيء من ذ

) من السير لم تقصد لها كف قاطب ... وركب يساقون الركاب زجاجة ( ) وصارت لها أشباحهم كالغوارب ... فقد أكلوا منها الغوارب بالسرى ( ) إذا آبه هم عذيق مغارب ... ق يصرف مسراها جذيل مشار( ) وبالعرمس الوجناء غرة آئب ... يرى بالكعاب الرود طلعة ثائر ( ) من األرض أو شوقا إلى كل جانب ... كأن هبا ضغنا على كل جانب ( ) تقطع ما بيني وبين النوائب ... بي أبا دلف فقد إذا العيس القت( ) تمائمه واملجد مرخى الذوائب ... هنالك تلقى الجود من حيث قطعت (

خماطبا ) س القت يب إذا العي( خماطبة للغائب مث قال بعد ذلك ) يصرف مسراها ( أال ترى أنه قال يف األول نفسه ويف هذا من الفائدة أنه ملا صار إىل مشافهة للمدوح والتصريح بامسه خاطب عند ذلك نفسه مبشرا هلا

بالبعد عن املكروه والقرب من احملبوب مث جاء بالبيت الذي يليه معدوال به عن خطاب نفسه إىل خطاب والفائدة بذلك أنه خيرب غريه مبا شهده كأنه ) قى اجلود هنالك تل( غريه وهو أيضا خطاب حلاضر فقال

يصف له جود املمدوح وما القاه منه إشادة بذكره وتنويها بامسه ومحال لغريه على قصده ويف صفته جود ما يقتضي له الرجوع إىل خطاب ) حيث قطعت متائمه ( املمدوح بتلك الصفة الغريبة البليغة وهي قوله

راد بذلك أن حمل املمدوح هو مألف اجلود ومنشؤه ووطنه وقد يراد به معىن آخر وهو أن هذا احلاضر واملاجلود قد أمن عليه اآلفات العارضة لغريه من املن واملطل واالعتذار وغري ذلك إذ التمائم ال تقطع إال عمن

أمنت عليه املخاوف دح به ابن العميد يف النوروز ومن عادة الفرس يف على هذا النهج ورد قول أيب الطيب املتنيب يف قصيد مي

ذلك اليوم محل اهلدايا إىل ملوكهم فقال يف آخر القصيد ... ) كثر الفكر كيف نهدي كما أهدت إلى ربها املليك عباده ( ... ) وقياده والذي عندنا من املال والخيل فمنه هباته ( ) كل مهر يدانه إنشاده ... فبعثنا بأربعني مهارا (

Page 206: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

) أربا ال يراه فيما يزاده ... عدد عشته يرى اجلسم فيه ( ) اده مربط تسبق الجيادجي... فارتبطها فإن قلبا نماها (

وهذا من إحسان أيب الطيب املعروف وهو رجوع عن خطاب الغائب إىل احلاضر واحتج أبو الطيب عن ختصيص أبياته باألربعني دون غريها من العدد حبجة غريبة وهي أنه جعلها كعدد السنني اليت يرى اإلنسان

ها فاعتذر بألطف اعتذار يف أنه مل يزد فيها من القوة والشباب وقضاء األوطار ما ال يراه يف الزيادة علي القصيد على هذه العدة وهذا حسن غريب

هو الذي يسريكم يف الرب والبحر حىت إذا كنتم يف ( وأما الرجوع من اخلطاب إىل الغيبة فكقوله تعاىل أحيط الفلك وجرين هبم بريح طيبة وفرحوا هبا جاءهتا ريح عاصف وجاءهم املوج من كل مكان وظنوا أهنم

فإنه إمنا صرف الكالم ههنا من ) هبم دعوا اهللا خملصني له الدين لئن أجنيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين اخلطاب إىل الغيبة لفائدة وهي أنه ذكر لغريهم حاهلم ليعجبهم منها كاملخرب هلم ويستدعي منهم اإلنكار

بة وفرحتم هبا وساق اخلطاب معهم إىل آخر عليهم ولو قال حىت إذا كنتم يف الفلك وجرين بكم بريح طي اآلية لذهبت تلك الفائدة اليت أنتجها خطاب الغيبة وليس ذلك خباف عن نقدة الكالم

إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون وتقطعوا أمرهم كل ( ومما ينخرط يف هذا السلك قوله تعاىل ا على األول إال أنه صرف الكالم من اخلطاب إىل الغيبة على األصل يف تقطعوا تقطعتم عطف) إلينا راجعون

طريقة

االلتفات كأنه ينعي عليهم ما أفسدوه إىل قوم آخرين ويقبح عندهم ما فعلوه ويقول أال ترون إىل عظيم ما وتباينهم مث ارتكب هؤالء يف دين اهللا تعاىل فجعلوا أمر دينهم فيما بينهم قطعا وذلك متثيل الختالفهم فيه

توعدهم بعد ذلك بأن هؤالء الفرق املختلفة إليه يرجعون فهو جمازيهم على ما فعلوا ومما جيري هذا اجملرى يا أيها الناس إين رسول اهللا إليكم مجيعا الذي له ملك السموات واألرض ال إله إال هو حييي ( قوله تعاىل

( فإنه إمنا قال ) يؤمن باهللا وكلماته واتبعوه لعلكم هتتدون ومييت فآمنوا باهللا ورسوله النيب األمي الذيومل يقل فآمنوا باهللا ويب عطفا على قوله إين رسول اهللا إليكم لكي جتري عليه الصفات ) فآمنوا باهللا ورسوله

مي اليت أجريت عليه وليعلم أن الذي وجب اإلميان به واالتباع له هو هذا الشخص املوصوف بأنه النيب األالذي يؤمن باهللا وبكلماته كائنا من كان أنا أو غريي إظهارا للنصفة وبعدا من التعصب لنفسه فقدر أوال يف

صدر اآلية إين رسول اهللا إىل الناس مث أخرج كالمه من اخلطاب إىل معرض الغيبة لغرضني األول منهما نفسه إجراء تلك الصفات عليه والثاين اخلروج من هتمة التعصب ل

القسم الثاين يف الرجوع عن الفعل املستقبل إىل فعل األمر وعن الفعل املاضي إىل فعل األمر وهذا القسم كالذي قبله يف أنه ليس االنتقال فيه من صيغة إىل صيغة طلبا للتوسع يف أساليب الكالم فقط

ل املستقبل وتفخيما ألمره وبالضد من بل ألمر وراء ذلك وإمنا يقصد إليه تعظيما حلال من أجري عليه الفع ذلك فيمن أجري عليه فعل األمر

يا هود ما جئتنا ببينة وما حنن بتاركي آهلتنا عن قولك وما حنن لك مبؤمنني إن ( فمما جاء منه قوله تعاىل

Page 207: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

اشهد ( ا قال فإنه إمن) نقول إال اعتراك بعض آهلتنا بسوء قال إين اشهد اهللا واشهدوا أين بريء مما تشركون ومل يقل واشهدكم ليكون موازنا له ومبعناه ألن إشهاده اهللا على الرباءة من الشرك ) اهللا واشهدوا

صحيح ثابت وأما إشهادهم فما هو إال هتاون هبم وداللة على قلة املباالة بأمرهم ولذلك عدل به عن لفظ ا يقول الرجل ملن يبس الثرى بينه وبينه اشهد علي األول الختالف ما بينهما وجيء به على لفظ األمر كم

أين أحبك هتكما به واستهانة حباله وكذلك يرجع عن الفعل املاضي إىل فعل األمر إال أنه ليس كاألول بل إمنا يفعل ذلك توكيدا ملا أجري عليه

وجوهكم عند كل مسجد قل أمر ريب بالقسط وأقيموا( فعل األمر ملكان العناية بتحقيقه كقوله تعاىل اآلية وكان تقدير الكالم أمر ريب بالقسط وبإقامة وجوهكم عند كل مسجد ) وادعوه خملصني له الدين

فعدل عن ذلك إىل فعل األمر للعناية بتوكيده يف نفوسهم فإن الصالة من أوكد فرائض اهللا على عباده مث ( رح ال يصح إال بإخالص النية وهلذا قال النيب أتبعها باإلخالص الذي هو عمل القلب إذ عمل اجلوا

) األعمال بالنيات واعلم أيها املتوشح ملعرفة علم البيان أن العدول عن صيغة من األلفاظ إىل صيغة أخرى ال يكون إال لنوع

خصوصية اقتضت ذلك وهو ال يتوخاه يف كالمه إال العارف برموز الفصاحة والبالغة الذي اطلع على رمها وفتش عن دفائنهما وال جتد ذلك يف كل كالم فإنه من أشكل ضروب علم البيان وأدقها فهما أسرا

وأغمضها طريقا القسم الثالث يف اإلخبار عن الفعل املاضي باملستقبل وعن املستقبل باملاضي

حالة اإلخبار عن وجود فاألول اإلخبار بالفعل املستقبل عن املاضي اعلم أن الفعل املستقبل إذا أيت به يفالفعل كان ذلك من اإلخبار بالفعل املاضي وذاك ألن الفعل املستقبل يوضح احلال اليت يقع فيها ويستحضر تلك الصورة حىت كأن السامع يشاهدها وليس كذلك الفعل املاضي ورمبا أدخل يف هذا املوضع ما ليس منه

ف على ماض جبار هذا اجملرى جعال مبكانه فإنه ليس كل فعل مستقبل يعط

وسأبني ذلك فأقول عطف املستقبل على املاضي ينقسم إىل ضربني أحدمها بالغي وهو إخبار عن ماض مبستقبل وهو الذي أنا بصدد ذكره يف كتايب هذا الذي هو موضوع لتفصيل ضروب الفصاحة والبالغة

هو مستقبل دل على معىن مستقبل غري ماض ويراد واآلخر غري بالغي وليس إخبار مبستقبل عن ماض وإمنا به أن ذلك الفعل مستمر الوجود مل ميض

واهللا الذي أرسل الرياح فتثري سحابا فسقناه إىل بلد ميت فأحيينا به األرض ( فالضرب األول كقوله تعاىل ماض لذلك املعىن الذي أشرنا مستقبال وما قبله وما بعده ) فتثري ( فإنه إمنا قال ) بعد موهتا كذلك النشور

إليه وهو حكاية احلبل اليت تقع فيها إثارة الريح السحاب واستحضار تلك الصورة البديعة الدالة على القدرة الباهرة وهكذا يفعل بكل فعل فيه نوع متييز وخصوصية كحال تستغرب أو هتم املخاطب أو غري

ذلك بن العوام رضي اهللا عنه يف غزوة بدر فإنه قال لقيت عبيدة وعلى هذا األسلوب ما ورد من حديث الزبري

Page 208: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

بن سعيد بن العاص وهو على فرس وعليه ألمة كاملة ال يرى منه إال عيناه وهو يقول أنا أبو ذات الكئوس فأطعن هبا ( ويف يدي عنزة فأطعن هبا يف عينه فوقع وأطأ برجلي على خده حىت خرجت العنزة متعقفة فقوله

معدول به عن لفظ املاضي إىل املستقبل ليمثل للسامع الصورة اليت فعل فيها ما فعل ) عينه وأطأ برجلي يف من اإلقدام واجلراءة على قتل ذلك الفارس املستلئم أال ترى أنه قال أوال لقيت عبيدة بلفظ املاضي مث قال

عنت هبا يف عينه بعد ذلك فأطعن هبا يف عينه ولو عطف كالمه على أوله لقال فط

وعلى هذا ورد قول تأبط شرا ) بسهب كالصحيفة صحصحان ... بأيب قد لقيت الغول تهوي ( ) صريعا لليدين وللجران ... فأضربها بال دهش قخرت (

ب الغول كأنه يبصرهم إياها مشاهدة للتعجب فإنه قصد أن يصور لقومه احلال اليت تشجع فيها على ضر من جراءته على ذلك اهلول ولو قال فضربتها عطفا على األول لزالت هذه الفائدة املذكورة

فإن قيل إن الفعل املاضي أيضا يتخيل منه السامع ما يتخيله من املستقبل أوكد وأشد ختيال ألنه - وهو املستقبل -ا قلت يف اجلواب إن التخيل يقع يف الفعلني معا ولكنه يف أحدمه

يستحضر صورة الفعل حىت كأن السامع ينظر إىل فاعلها يف حال وجود الفعل منه أال ترى أنه ملا قال تأبط ختيل السامع أنه مباشر للفعل وأنه قائم بإزاء الغول وقد رفع سيفه ليضرهبا وهذا ال يوجد ) فأضرهبا ( شرا

ي ألنه ال يتخيل السامع منه إال فعال قد مضى من غري إحضار للصورة يف حالة مساع الكالم يف الفعل املاض الدال عليه وهذا ال خالف فيه وهكذا

جيري احلكم يف مجيع اآليات املذكورة ويف األثر عن الزبري رضي اهللا عنه ويف األبيات الشعرية عظم حرمات اهللا فهو خري له عند ربه وأحلت لكم األنعام إال ذلك ومن ي( وعليه ورد قوله تعاىل أيضا وهو

ما يتلى عليكم فاجتنبوا الرجس من األوثان واجتنبوا قول الزور حنفاء هللا غري مشركني به ومن يشرك باهللا بلفظ ) خر من السماء ( فقال أوال ) فكأمنا خر من السماء فتخطفه الطري أو هتوي به الريح يف مكان سحيق

وإمنا عدل يف ذلك إىل املستقبل ) هتوي ( و ) فتخطفه ( ضي مث عطف عليه املستقبل الذي هو املاالستحضار صورة خطف الطري إياه وهوي الريح به والفائدة يف ذلك ما أشرت إليه فيما تقدم وكثريا ما

يراعى أمثال هذا يف القرآن فإنه ) إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل اهللا ( فكقوله تعاىل -الذي هو مستقبل - وأما الضرب الثاين

إمنا عطف املستقبل على املاضي ألن كفرهم كان ووجد ومل يستجدوا بعده كفرا ثانيا وصدهم متجدد على أمل تر أن اهللا أنزل من ( األيام مل ميض كونه وإمنا هو مستمر يستأنف يف كل حني وكذلك ورد قوله تعاىل

أال ترى كيف عدل عن لفظ املاضي ههنا إىل ) األرض خمضرة إن اهللا لطيف خبري السماء ماء فتصبحومل يقل فأصبحت عطفا على أنزل وذلك إلفادة بقاء أثر املطر ) فتصبح األرض خمضرة ( املستقبل فقال

فالن زمانا بعد زمان فإنزال املاء مضى وجوده واخضرار األرض باق مل ميض وهذا كما تقول أنعم علي فأروح وأغدو شاكرا له ولو قلت فرحت وغدوت شاكرا له مل يقع ذلك املوقع ألنه يدل على ماض قد

Page 209: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

كان وانقضى وهذا موضع حسن ينبغي أن يتأمل وأما اإلخبار بالفعل املاضي عن املستقبل فهو عكس ما تقدم ذكره وفائدته أن الفعل املاضي إذا أخرب به عن

مل يوجد بعد كان ذلك أبلغ وأوكد يف حتقيق الفعل وإجياده ألن الفعل املاضي يعطي من الفعل املستقبل الذي املعىن أنه قد كان ووجد وإمنا يفعل ذلك إذا كان الفعل املستقبل من األشياء العظيمة اليت يستعظم وجودها

ة الفعل واستحضار صورته والفرق بينه وبني اإلخبار بالفعل املستقبل عن املاضي أن الغرض بذاك تبيني هيئ ليكون السامع كأنه يشاهدها والغرض هبذا هو الداللة على إجياد الفعل الذي مل يوجد

ويوم ينفخ يف الصور ففزع من يف السموات ( فمن أمثلة اإلخبار بالفعل املاضي عن املستقبل قوله تعاىل وهو مستقبل لإلشعار بتحقيق ) ينفخ ( ه بلفظ املاضي بعد قول) ففزع ( فإنه إمنا قال ) ومن يف األرض

الفزع وأنه كائن ال حمالة ألن الفعل املاضي يدل على وجود الفعل وكونه مقطوعا به وإمنا ) ويوم نسري اجلبال وترى األرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا ( وكذلك جاء قوله تعاىل

ومها مستقبالن للداللة على أن حشرهم قبل التسري ) ترى( و ) نسري ( ماضيا بعد ) وحشرناهم ( قيل والربوز ليشاهدوا تلك األحوال كأنه قال وحشرناهم قبل ذلك ألن احلشر هو املهم ألن من الناس من

ينكره كالفالسفة وغريهم ومن أجل ذلك ذكر بلفظ املاضي منا يفعل ذلك لتضمنه معىن الفعل املاضي ومما جيري هذا اجملرى اإلخبار باسم املفعول عن الفعل املستقبل وإ

وقد سبق الكالم عليه إن يف ذلك آلية ملن خاف عذاب اآلخرة ذلك يوم جمموع له الناس وذلك يوم ( فمن ذلك قوله تعاىل

على الفعل املستقبل الذي هو جيمع ملا فيه من ) جمموع ( فإنه إمنا آثر اسم املفعول الذي هو ) مشهود يوم ( بات معىن اجلمع لليوم وإنه املوصوف هبذه الصفة وإن شئت فوازن بينه وبني قوله تعاىل الداللة على ث

فإنك تعثر على صحة ما قلت ) جيمعكم ليوم اجلمع

النوع اخلامس

يف توكيد الضمريين

حاة ال إن قيل يف هذا املوضع إن الضمائر مذكورة يف كتب النحو فأي حاجة إىل ذكرها ههنا ومل نعلم أن الن يذكرون ما ذكرته ؟

قلت إن هذا خيتص بفصاحة وبالغة وأولئك ال يتعرضون إليه وإمنا يذكرون عدد الضمائر وأن املنفصل منها كذا واملتصل كذا وال يتجاوزون ذلك وأما أنا فإين أوردت يف هذا النوع أمرا خارجا عن األمر النحوي

يؤكد املتصل باملنفصل كقولك إنك أنت أو يؤكد املنفصل مبنفصل أن) توكيد الضمريين ( وأعين بقويل مثله كقولك أنت أنت أو يؤكد املتصل مبتصل مثله كقولك إنك إنك لعامل أو إنك إنك جلواد

وإمنا يؤتى مبثل هذه األقوال يف معرض املبالغة وهو من أسرار علم البيان

Page 210: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

ه فنقول ولنقدم يف ذلك قوال حيصره وجيمع أطرافإذا كان املعىن املقصود معلوما ثابتا يف النفوس فأنت باخليار يف توكيد أحد الضمريين فيه باآلخر وإذا كان غري معلوم وهو مما يشك فيه فاألوىل حينئذ أن يؤكد أحد الضمريين باآلخر يف الداللة عليه لتقرره وتثبته

فإن إرادة السحرة ) إما أن تلقي وإما أن نكون حنن امللقني قالوا يا موسى( فمما جاء من ذلك قوله تعاىل اإللقاء قبل موسى مل تكن معلومة عنده ألهنم مل يصرحوا مبا يف أنفسهم من ذلك لكنهم ملا عدلوا عن مقابلة

خطاهبم موسى مبثله إىل توكيد ما هو هلم بالضمريين اللذين مها نكون وحنن دل ذلك على أهنم يريدون عليه واإللقاء قبله ألن من شأن مقابلة خطاهبم موسى مبثله أن كان قالوا إما أن تلقي وإما أن نلقي التقدم

استدل هبذا القول على ) وإما أن نكون حنن امللقني ( لتكون اجلملتان متقابلتني فحيث قالوا عن أنفسهم رغبتهم يف اإللقاء قبله

فانطلقا حىت إذا لقيا غالما فقتله قال أقتلت ( سورة الكهف وأما توكيد املتصل باملتصل فكقوله تعاىل يف وهذا خبالف قصة ) نفسا زكية بغري نفس لقد جئت شيئا نكرا قال أمل أقل لك إنك لن تستطيع معي صربا

والفرق بني الصورتني أنه أكد الضمري يف الثانية) أمل أقل إنك لن تستطيع معي صربا ( السفينة فإنه قال فيها وإمنا جيء بذلك للزيادة يف ) امل أقل لك إنك ( وقال يف الثانية ) امل أقل إنك ( دون األوىل فقال يف األوىل

مكافحة العتاب على رفض الوصية مرة على مرة والوسم بعدم الصرب وهذا كما لو أتى اإلنسان ما هنيته عنه ومه وتعنيفه ؟ وكذلك فعل ههنا فإنه قيل يف املالمة فلمته وعنفته مث أتى ذلك مرة ثانية أليس أنك تزيد يف ل

وهذا موضع يدق عن العثور عليه ببادرة النظر ما مل ) أمل أقل لك إنك ( مث قيل ثانيا ) امل أقل أنك ( أوال يعط التأمل فيه حقه

أنت األعلى فأوجس يف نفسه خيفة موسى قلنا ال ختف إنك( وأما توكيد املتصل باملنفصل فنحو قوله تعاىل أنفى للخوف من قلب موسى وأثبت يف نفسه للغلبة ) إنك أنت األعلى ( فتوكيد الضمريين ههنا يف قوله )

( والقهر ولو قال ال ختف إنك األعلى أو فأنت األعلى مل يكن له من التقرير واإلثبات لنفي اخلوف ما لقوله ) إنك أنت األعلى

ست فوائد ) إنك أنت األعلى ( ه ويف هذه الكلمات الثالث وهي قولاملشددة اليت من شأهنا اإلثبات ملا يأيت بعدها كقولك زيد قائم مث تقول إن زيدا قائم ففي ) إن ( األوىل

قولك إن زيدا قائم من اإلثبات لقيام زيد ما ليس يف قولك زيد قائم على أحد الضمريين ملا كان هبذه املكانة يف التقرير ولو اقتصر ) إنك أنت ( الثانية تكرير الضمري يف قوله لغلبة موسى واإلثبات لقهره ومل يقل أعلى وال عال ألنه لو قال ذلك لكان قد نكره وكان صاحلا ) األعلى ( الثالثة الم التعريف يف قوله

لكل واحد من جنسه كقولك رجل فإنه يصلح

حذف

Page 211: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

فقد خصصته من بني الرجال بالتعريف وجعلته ) الرجل ( قلت أن يقع على كل واحد من الرجال وإذا أي دون غريك ) إنك أنت األعلى ( علما فيهم وكذلك جاء قوله تعاىل

الرابعة لفظ أفعل الذي من شأنه التفضيل ومل يقل العايل أن يف األعلى زيادة وهي أي األغلب إال ) األعلى ( اخلامسة إثبات الغلبة له من العلو ألن الغرض من قوله

الغلبة من عال ومل يقل ألنك أنت األعلى ألنه مل جيعل ) ال ختف إنك أنت األعلى ( السادسة االستئناف وهو قوله تعاىل

إنك ( مث استأنف الكالم فقال ) ال ختف ( علة انتفاء اخلوف عنه كونه عاليا إمنا نفي اخلوف عنه أوال بقوله ن ذلك أبلغ يف إيقان موسى عليه السالم بالغلبة واالستعالء وأثبت لذلك يف نفسه فكا) أنت األعلى

ورمبا وقع لبعض األغمار أن يعترض على ما ذكرناه يف توكيد أحد الضمريين باآلخر فيقول لو كان بلغ توكيدمها أبلغ من االقتصار على أحدمها لورد ذلك عند ذكر اهللا تعاىل نفسه حيث هو أوىل مبا هو أ

وأوكد من القول وقد رأينا يف القرآن الكرمي مواضع ختتص بذكر اهللا تعاىل وقد ورد فيها أحد الضمريين قل اللهم مالك امللك تؤيت امللك من تشاء وتنزع امللك ممن تشاء وتعز من ( دون اآلخر كقوله عز امسه

أنت على كل شيء قدير فما ومل يقل إنك) تشاء وتذل من تشاء بيدك اخلري إنك على كل شيء قدير املوجب لذلك إن كان توكيد أحد الضمريين باآلخر أبلغ من االقتصار على أحدمها ؟

اجلواب عن ذلك أنا نقول قد قدمنا القول يف أول هذا النوع أنه إذا كان املعىن املقصود معلوما ثابتا د أتى بفضل بيان وإن مل يؤكد فألن ذلك فصاحب الكالم خمري يف توكيد أحد الضمريين باآلخر فإن أكد فق

قل اللهم مالك ( املعىن ثابت ال يفتقر يف تقريره إىل زيادة تأكيد كهذه اآلية املشار إليها وهي قوله تعاىل فإن العلم بأن اهللا على كل شيء قدير ال يفتقر إىل تأكيد يقرره وقد ورد ما جيري جمرى هذه اآلية ) امللك

وإذ قال اهللا يا عيسى ( تعاىل مؤكدا كقوله

ابن مرمي أأنت قلت للناس اختذوين وأمي إهلني من دون اهللا قال سبحانك ما يكون يل أن أقول ما ليس يل فوكد يف ) حبق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما يف نفسي وال أعلم ما يف نفسك إنك أنت عالم الغيوب

د عرفتك الطريق يف ذلك وأما إذا كان املعىن املقصود غري معلوم هذه اآلية ومل يؤكد يف اآلية األخرى وققلنا ال ختف إنك أنت ( وهو مما ال يشك فيه فاألوىل أن يؤكد بالضمريين يف الداللة عليه كقوله تعاىل

فإن موسى مل يكن متيقنا أنه غالب للسحرة فلذلك وكد خطابه بالضمريين ليكون أبلغ يف تقرير ) األعلى يف نفسه ذلك

وأما توكيد املنفصل مبنفصل مثله فكقول أيب متام ) خف الهوى وتولت األوطار ... ال أنت أنت وال الديار ديار (

من املليح النادر يف هذا املوضع ألنه هو هو والديار الديار وإمنا ) ال أنت أنت وال الديار ديار ( فقوله يت كانت تبعث على قضاء األوطار زالت فبقي ذلك الرجل وليس هو هو على احلقيقة وال البواعث ال

الديار يف عينه من احلسن تلك الديار وعلى هذا ورد قول أيب الطيب املتنبيب

Page 212: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

) وجدك بشر امللك الهمام ... قبيل أنت أنت وأنت منهم ( ن توكيد الضمريين املشار إليهما وفائدته املبالغة يف مدحه ولو مدحه مبا شاء اهللا ملا سد م) أنت أنت ( فقوله

فخارج عن هذا ) وأنت منهم ( أي أنك املشار إليه بالفضل دون غريك وأما قوله ) أنت أنت ( مسد قوله وهو كالم مستأنف ال ! الباب

ا وكذا وأنت من هذا القبيل يريد بذلك مدح قبيله به يتعلق بتوكيد الضمريين كأنه قال أنت املوصوف بكذوهذا البيت مل أمثل به اختيارا له واستجادة وإمنا مثلت به ليعلم مكان توكيد املنفصل باملنفصل وإال فالبيت

ليس من املرضى ألن سبكه سبك عار من احلسن وفيه تقدمي وتأخري مرو بن ربيعة قال لزياد بن اهلبولة يا خري الفتيان اردد علي ما وقرأت يف كتاب األغاين أليب الفرج أن ع

أخذته من إبلي فردها عليه وفيها فحلها فنازعه الفحل إىل اإلبل فصرعه عمرو فقال له زياد لو صرعتم يا بين شيبان الرجال كما تصرعون اإلبل لكنتم أنتم أنتم فقال عمرو له لقد أعطيت قليال ومست جليال

أي انتم األشداء أو الشجعان أو ذوو النجدة ) لكنتم أنتم أنتم ( وجررت على نفسك ويال طويال فقوله الثانية ختصيصا هلم هبذه الصفة دون غريهم كأنه قال ) أنتم ( والبأس أو ما جرى هذا اجملرى إال أن يف

به من وصف البأس والشدة والشجاعة ملا لكنتم أنتم الشجعان دون غريكم ولو مدحهم بأي شيء مدحهم الثانية وهذا موضع من علم البيان تتكاثر حماسنه فاعرفه ) أنتم ( بلغ هذه الكلمة أعين

النوع السادس

يف عطف املظهر على ضمريه واإلفصاح به بعده

ومثال ذلك قول وهذا إمنا يعمد إليه لفائدة وهي تعظيم شأن األمر الذي أظهر عنده االسم املضمر أوالالقائل وملا تالقينا وبنو متيم أقبلوا حنونا يركضون فرأينا منهم أسودا ثكلى تسابق األسنة إىل الورود وال ترتد على أعقاهبا إذا ارتدت أمثاهلا من األسود وتناجد بنو متيم علينا حبملة فلذنا بالفرار واستبقنا إىل تولية األدبار

للداللة على التعجب ) أقبلوا ( مصرحا بامسهم ومل يقل وتناجدوا كما قيل ) اجد بنو متيم وتن( فإنه إمنا قيل لذنا بالفرار واستبقنا إىل تولية ( من إقدامهم عند احلملة وثباهتم عند الصدمة ال سيما وقد أردف ذلك بقوله

ومحلوا علينا محلة واحدة فولينا مدبرين كأنه قال وتناجد أولئك الفرسان املشاهري والكماة املناكري ) األدبار منهزمني

أومل يروا كيف يبدئ اهللا اخللق مث يعيده إن ذلك على اهللا يسري قل سريوا يف ( ومما جاء من ذلك قوله تعاىل مث اهللا ( أال ترى كيف صرح بامسه يف قوله ) األرض فانظروا كيف بدأ اخللق مث اهللا ينشئ النشأة اآلخرة

وقد كان القياس أن يقول كيف ) كيف يبديء اهللا اخللق ( مع إيقاعه مبتدأ يف قوله ) اآلخرة ينشئ النشأةيبديء اهللا اخللق مث ينشئ النشأة اآلخرة والفائدة يف ذلك أنه ملا كانت اإلعادة عندهم من األمور العظيمة

يهم بأن اإلعادة إنشاء مثل وكان صدر الكالم واقعا معهم يف اإلبداء وقررهم أن ذلك من اهللا احتج عل

Page 213: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

اإلبداء وإذا كان اهللا الذي ال يعجزه شيء هو الذي ال يعجزه اإلبداء فوجب أن ال تعجزه اإلعادة فللداللة والتنبيه على عظم هذا األمر الذي هو اإلعادة أبرز امسه تعاىل وأوقعه مبتدأ ثانيا

ثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم األرض ويوم حنني إذ أعجبتكم ك( وعلى هذا ورد قوله تعاىل مبا رحبت مث وليتم مدبرين مث أنزل اهللا سكينته على رسوله وعلى املؤمنني وأنزل جنودا مل تروها وعذب

الذين كفروا وذلك جزاء

مث فذكر مضمرا تقدم الكالم فيه ) ويوم حنني إذ أعجبتكم كثرتكم ( أال ترى أنه قال أوال ) الكافرين وكان العطف لو ) مث أنزل اهللا سكينته على رسوله وعلى املؤمنني ( عطف املظهر الذي هو له وهو قوله

أضمر كما أضمر األول لقيل مث أنزل اهللا سكينته عليكم وأنزل جنودا مل تروها وفائدة اإلظهار ههنا ألن األمر عظيم وهو االنتصار بعد للمعطوف بعد إضماره أوال التنويه بذكر رسول اهللا وذكر املؤمنني أو

فإنه يستند الفرار فأي األمرين قدر كان إلظهار املعطوف مناسبا وهكذا يكون عطف املظهر على ضمريه إىل فائدة يهم ذكرها فإن مل يكن هناك مثل هذه الفائدة وإال فال حيسن اإلظهار بعد اإلضمار

وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قالوا ما هذا إال رجل يريد أن يصدكم عما كان ( وكذلك جاء قوله تعاىل فإنه ) ا جاءهم إن هذا إال سحر مبني يعبد آباؤكم وقالوا ما هذا إال إفك مفترى وقال الذين كفروا للحق مل

ومل يقل وقالوا كالذي قبله للداللة على صدور ذلك عن إنكار عظيم ) وقال الذين كفروا ( إمنا قال وقال الذين كفروا للحق ملا ( وغضب شديد وتعجب من كفرهم بليغ ال سيما وقد انضاف إليه قوله

واملقول فيه وما يف ذلك من املبادهة كأنه قال وقال أولئك الكفرة وما فيه من اإلشارة إىل القائلني ) جاءهم املتمردون جبزاءهتم على اهللا ومكابرهتم ملثل ذلك احلق املبني قبل أن يتدبروه إن هذا إال سحر مبني

ص والقرآن ذي الذكر بل الذين كفروا يف عزة وشقاق كم أهلكنا ( وعلى حنو من ذلك ورد قوله تعاىل م من قرن فنادوا والت حني مناص وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر من قبلهوإمنا أتى باسم الكافرين ) عجبوا ( وكان القياس أن يقال وقالوا هذا ساحر كذاب عطفا على ) كذاب

القول كان أهم مظهرا بعد إضماره لإلشعار بتعظيم ما اجترءوا عليه من القول يف أمر النيب أو ألن هذا عندهم وأرسخ يف نفوسهم فصرح باسم قائله داللة على ما كان يف أنفسهم منه

النوع السابع

يف التفسري بعد اإلهبام

اعلم أن هذا النوع ال يعمد إىل استعماله إال لضرب من املبالغة فإذا جيء به يف كالم فإمنا يفعل ذلك ( يطرق السمع أوال فيذهب بالسامع كل مذهب كقوله تعاىل لتفخيم أمر املبهم وإعظامه ألنه هو الذي

أن دابر هؤالء مقطوع ( ففسر ذلك األمر بقوله ) وقضينا إليه ذلك األمر أن دابر هؤالء مقطوع مصبحني ويف إهبامه أوال وتفسريه بعد ذلك تفخيم لألمر وتعظيم لشأنه فإنه لو قال وقضينا إليه أن دابر هؤالء )

Page 214: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

ا كان هبذه املكانة من الفخامة فإن اإلهبام أوال يقع السامع يف حرية وتفكر واستعظام ملا قرع مسعه مقطوع مل وتشوف إىل معرفته واالطالع على كنهه

قال قد أوتيت سؤلك يا موسى ولقد مننا عليك مرة أخرى إذ أوحينا ( وعلى حنو من هذا جاء قوله تعاىل وهذا ) أن اقذفيه ( بقوله ) ما يوحى ( ففسر ) التابوت فاقذفيه يف اليم إىل أمك ما يوحى أن اقذفيه يف

كاألول يف إهبامه أوال وتفسريه ثانيا فإنه ) اهدنا الصراط املستقيم صراط الذين أنعمت عليهم ( ومثال هذا ورد قوله تعاىل يف سورة أم الكتاب

ا يف األول من التنبيه واإلشعار بأن الصراط إمنا قال ذلك ومل يقل اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم ملاملستقيم هو صراط املؤمنني فدل عليه بأبلغ وجه كما تقول هل أدلك على فالن األكرم األفضل ألنك

تثبت ذكره جممال مفصال فجعلته علما يف الكرم والفضل كأنك قلت من أراد رجال جامعا للخصلتني مجيعا فعليه بفالن ما الفرق بني عطف املظهر على ضمريه وبني التفسري بعد اإلهبام فإن املضمر كاملبهم ؟ فإن قيل ف

فاجلواب عن ذلك أين أقول إن كان سؤالك عن فائدهتما فإهنما يف الفائدة سواء وذلك أهنما إمنا يرادان فإين أقول املضمر يأيت لتعظيم احلال واإلعالم بفخامة شأهنما وإن كان سؤالك عن الفرق بينهما يف العبارة

بعد مظهر تقدم ذكره أوال مث يعطف املظهر على ضمريه أي على ضمري نفسه كاملثال الذي ضربناه يف بين متيم وأما التفسري بعد اإلهبام فإن املبهم يقدم أوال وهو أن يذكر شيء يقع عليه حمتمالت كثرية مث يفسر

املظهر على ضمريه بإيقاعه على واحد منها وليس كذلك عطفوقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد يا قوم إمنا ( ومما جاء من التفسري بعد اإلهبام قوله تعاىل

هذه احلياة الدنيا متاع وإن اآلخرة هي دار القرار من عمل سيئة فال جيزى إال مثلها ومن عمل صاحلا من أهدكم ( أال ترى كيف قال ) نة يرزقون فيها بغري حساب ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون اجل

فأهبم سبيل الرشاد ومل يبني أي سبيل هو مث فسر ذلك فافتتح كالمه بذم الدنيا وتصغري شأهنا ) سبيل الرشاد مث ثنى ذلك بتعظيم اآلخرة واالطالع على حقيقتها مث ثلث بذكر األعمال سيئها وحسنها وعاقبة كل منهما

عما يتلف وينشط ملا يزلف كأنه قال سبيل الرشاد هو اإلعراض عن الدنيا والرغبة يف اآلخرة ليثبط واالمتناع من األعمال السيئة خوف املقابلة عليها واملسارعة إىل األعمال الصاحلة رجاء اجملازاة عليها

القواعد من البيت ( إنه إمنا قال ف) وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإمسعيل ( وكذلك ورد قوله تعاىل ومل يقل قواعد البيت ملا يف إهبام القواعد أوال وتبيينها بعد ذلك من تفخيم حال املبني ما ليس يف اإلضافة )

وقال فرعون يا هامان ابن يل صرحا لعلي أبلغ األسباب أسباب ( ومما جيري هذا اجملرى قوله تعاىل فإنه ملا أراد تفخيم ما أمل فرعون من بلوغه أسباب السموات أهبمها أوال )السموات فأطلع إىل إله موسى

مث فسرها ثانيا وألنه ملا كان بلوغها أمرا عجيبا أراد أن يورده على نفس متشوفة إليه ليعطيه السامع حقه من التعجب فأهبمه ليشوف إليه نفس هامان مث أوضحه بعد ذلك

Page 215: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

قل إمنا أعظكم بواحدة أن تقوموا هللا مثىن وفرادى مث تتفكروا ما ( ه تعاىل وعلى هذا األسلوب ورد قولفأهبم ) أعظكم بواحدة ( فإنه قال أوال ) بصاحبكم من جنة إن هو إال نذير لكم بني يدي عذاب شديد

) أن تقوموا هللا مثىن وفرادى وأن تتفكروا ( الواحدة مث فسرها بقوله االستعمال وهذا يف القرآن الكرمي كثري

) وفعلت فعلتك اليت فعلت ( وأما اإلهبام من غري تفسري فكثري شائع يف القرآن الكرمي أيضا كقوله تعاىل أي للطريقة أو احلالة أو امللة اليت هي ) إن هذا القرآن يهدي لليت هي أقوم ( وكذلك ورد قوله تعاىل

ذوق البالغة اليت جتده مع اإلهبام وذلك لذهاب أقومها وأسدها وأي ذلك قدرت مل جتد له مع اإلفصاح الوهم فيه كل مذهب وإيقاعه على حمتمالت كثرية

وهذا كقول القائل لو رأيت عليا بني الصفني فإنه لو وصفه مهما وصف من جندة وشجاعة وثبات وإقدام لعارف برموز هذه الصناعة وأطال القول يف ذلك مل يكن مبثابة ما يترامى إليه الوهم مع اإلهبام وهذا ل

وأسرارها واملؤتفكة ( وأبلغ من ذلك قوله تعاىل ) فغشيهم من اليم ما غشيهم ( وعلى هذا األسلوب ورد قوله تعاىل

فذكر اليم وهو البحر فصار ) فغشيهم من اليم ما غشيهم ( فإنه قال يف تلك اآلية ) أهوى فغشاها ما غشى فأهبم األمر الذي غشاها به وجعله ) فغشاها ما غشى ( وقال يف هذه اآلية الذي غشيهم إمنا هو منه خاصة

عاما وذلك أبلغ ألن السامع يذهب ومهه فيه كل مذهب وأما ما جاء من ذلك شعرا فكقول البحتري

) يحاولها منه األريب املخادع ... بعيد مقيل الصدر ال يدرك اليت (

من اإلهبام املقدم ذكره يف اآلية ) اليت حياوهلا ( فقول ومما ينتظم بذلك قول الشاعر يف أبيات احلماسة

) فلما عاله قال للباطل ابعد ... صبا ما صبا حتى عال الشيب رأسه ( سريه مل جتد له من فضيلة البيان ما جتد له من اإلهبام الذي لو قدرت ما قدرت يف تف) صبا ما صبا ( فقوله

مع اإلهبام وعليه ورد قول أيب نواس

) وأسمت سرح اللحظ حني أساموا ... ولقد نهزت مع الغواة بدلوهم ( ) فإذا عصارة كل ذاك أثام... وبلغت ما بلغ امرؤ بشبابه (

من هذا النمط املشار إليه وهو من املليح النادر ) وبلغت ما بلغ امرؤ بشبابه ( فقوله ومما جيري على هذا النهج قول اآلخر يف وصف اخلمر

) ويف الزجاجة باق يطلب الباقي ... مضى بها ما مضى من عقل شاربها (

كالم على البيت الذي قبله والكالم على هذا البيت كال ومثله ورد قول بعض املتأخرين فؤاد فيه ما فيه

Page 216: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

وعلى هذا ورد قويل يف فصل من تقليد لبعض الوزراء فقلت وأنت مؤهل لواحدة متخلق هلا غرر اجلياد وامسع لطيب وتناديها العلياء بلسان اإلمحاد وتفخر هبا مسر األقالم على مسر الصعاد فابسط يدك ألخذ كتاهبا

ذكرها بعد سعيك يف طالهبا واعلم أن اخلطاب إليها كثري لكنها صدت بك عن خطاهبا ولقد مضى عليها زمن وهي نفور حىت استقادها تأنيسك ومل تسبق األقدار بامسك إال لتكون سليماهنا وهي بلقيسك

اه من احلسن واللطافة وهذا الوزير كان امسه سليمان فسقت املعىن إليه فجاء كما ترفإنه من اإلهبام من غري تفسري وذلك خبالف ما ورد يف اآلية املقدم ذكرها ) وأنت مؤهل لواحدة ( أما قويل

ألن تلك من التفسري بعد اإلهبام ومما ينتظم يف هذا السلك االستثناء العددي وهو ضرب من املبالغة لطيف املأخذ وفائدته أن أول ما يطرق

املخاطب ذكر العقد من العدد فيكثر موقع ذلك عنده وهو شبيه مبا ذكره من اإلهبام أوال مث التفسري مسع بعده ثانيا وذلك كقول القائل أعطيته مائة إال عشرة أو أعطيته ألفا إال مائة فإن ذلك أبلغ من أن لو قال

أعطيته تسعني أو تسعمائة ومل يقل تسعمائة ) رسلنا نوحا إىل قومه فلبث فيهم ألف سنة إال مخسني عاما ولقد أ( وعليه ورد قوله تعاىل

ومخسني عاما لفائدة حسنة وهي ذكر ما ابتلي به نوح من أمته وما كابده من طول املصابرة ليكون ذلك وأعظمها أوقع تسلية لرسول اهللا فيما يلقاه من أمته وتثبيتا له فإن ذكر رأس العدد الذي هو منتهى العقود

وأوصل إىل الغرض من استطالة السامع مدة صربه وما القاه من قومه

النوع الثامن

يف استعمال العام يف النفي واخلاص يف اإلثبات

اعلم أنه إذا كان الشيئان أحدمها خاصا واآلخر عاما فإن استعمال العام يف حالة النفي أبلغ من استعماله يف استعمال اخلاص يف حالة اإلثبات أبلغ من استعماله يف حالة النفي حالة اإلثبات وكذلك

ومثال ذلك اإلنسانية واحليوانية فإن إثبات اإلنسانية يوجب إثبات احليوانية وال يوجب نفيها نفي احليوانية وكذلك نفي احليوانية يوجب نفي اإلنسانية وال يوجب إثباهتا إثبات اإلنسانية

ألمساء املفردة الواقعة على اجلنس اليت يكون بينها وبني واحدها تاء التأنيث فإنه مىت أريد ومما ينتظم بذلك ا النفي كان استعمال واحدها أبلغ ومىت أريد اإلثبات كان استعماهلا أبلغ

وكذلك يتصل هبذا النوع الصفتان الواردتان على شيء واحد فإنه إذا لزم من وجود إحدامها وجود هبا يف الذكر ومل حيتج إىل ذكر األخرى ألنه جييء ضمنا وتبعا أو أن يبدأ هبا يف الذكر أوال مث األخرى اكتفى

جتيء األخرى بعدها وأما الصفات املتعددة فإنه ينبغي أن يبدأ يف الذكر باألدىن مرتبة مث بعدها مبا هو أعلى مقام الذم عكست القضية منها إىل أن ينتهي إىل آخرها هذا يف مقام املدح فإن كان يف

مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ( حنو قوله تعاىل - وهو اخلاص والعام -فاألول ألن ذكر النور يف حالة النفي أبلغ ) فلما أضاءت ( ومل يقل ذهب بضوئهم موازنا لقوله ) ذهب اهللا بنورهم

Page 217: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

وزيادة فلو قال ذهب اهللا بضوئهم لكان املعىن يعطي ذهاب تلك من حيث إن الضوء فيه الداللة على النور الزيادة

هو الذي جعل الشمس ضياء القمر نورا ( وبقاء ما يسمى نورا ألن اإلضاءة هي فرط اإلنارة قال اهللا تعاىل النور عنهم إمنا هو إزالة) ذهب اهللا بنورهم ( فكل ضوء نور وليس كل نور ضوءا فالغرض من قوله تعاىل )

ومل يقل أذهب نورهم ) ذهب اهللا بنورهم ( أصال فهو إذا أزاله فقد أزال الضوء وكذلك أيضا قوله تعاىل ألن كل من ذهب بشيء فقد أذهبه وليس كل من أذهب شيئا فقد ذهب به ألن الذهاب بالشيء هو

له عن الرجوع إىل حالته والعود إىل استصحاب له ومضي به ويف ذلك نوع احتجار باملذهوب به وإمساك مكانه وليس كذلك اإلذهاب للشيء لزوال معىن االحتجار عنه

ومما حيمل على ذلك األوصاف اخلاصة إذا وقعت على شيئني وكان يلزم من وصف أحدمها اآلخر وال يلزم فإنه إمنا ) واألرض سارعوا إىل مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات( عكس ذلك ومثاله قوله تعاىل

خص العرض بالذكر دون الطول للمعىن الذي أشرنا إليه واملراد بذلك أنه إذا كان هذا عرضها فكيف يكون طوهلا ؟

وهذا يف حالة اإلثبات ولو أريد النفي لكان له أسلوب غري ما ذكرناه وهو أنه كان خيص به الطول دون العرض

قال املأل من قومه إنا ( ى اجلنس فنحو قوله تعاىل يف قصة نوح عليه السالم وأما األمساء املفردة الواقعة علليس يب ( فإنه إمنا قال ) لنراك يف ضالل مبني قال يا قوم ليس يب ضاللة ولكين رسول من رب العاملني

ك متر ؟ ومل يقل ليس يب ضالل كما قالوا ألن نفي الضاللة أبلغ من نفي الضالل عنه كما لو قيل أل) ضاللة ملا كان يؤدي من املعىن ما أداه القول ) ما يل مترة ( فقلت يف اجلواب ما يل مترة وذلك أنفى للتمر ولو قلت

األول ويف هذا املوضع دقة حتتاج إىل فضل متام فينبغي لصاحب هذه الصناعة مراعاته والعناية به ا ضل يضل ضالال وضل يضل ضاللة كما يقال فإن قيل ال فرق بني الضاللة والضالل وكالمها مصدر قولن

ولذاذة ] لذاذا [ لذ يلذ

فاجلواب عن ذلك أن الضاللة تكون مصدرا كما قلت وتكون عبارة عن املرة الواحدة تقول ضل يضل اد بالضاللة يف ضاللة أي مرة واحدة كما تقول ضرب يضرب ضربة وقام يقوم قومة وأكل يأكل أكلة واملر

هذه اآلية إمنا هو عبارة عن املرة الواحدة من الضالل فقد نفي ما فوقها من املرتني واملرار الكثرية وأما الصفتان الواردتان على شيء واحد فكقول األشتر النخعي

) ولقيت أضيافي بوجه عبوس... خلفت وفري وانحرفت عن العلى ( ) لم تخل يوما من نهاب نفوس ... إن لم أشن على ابن حرب غارة ( ) تعدو ببيض في الكريهة شوش ... خيال كأمثال السعالي شزبا ( ) شعاع شموس لمعان برق أو... حمي الحديد عليهمو فكأنه (

Page 218: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

؟ ألن ملعان الربق ) ملعان برق أو شعاع مشوس ( أال ترى أنه رقى يف التشبيه من األدىن إىل األعلى فقال دون ملعان الشموس

) ما هلذا الكتاب ال يغادر صغرية وال كبرية إال أحصاها ( ومما ورد من ذلك يف القرآن الكرمي قوله تعاىل الصغرية يلزم منه وجود املؤاخذة على الكبرية وعلى القياس املشار إليه أوال فينبغي فإن وجود املؤاخذة على

أن يكون ال يغادر كبرية وال صغرية ألنه إذا مل يغادر صغرية فمن األول أال يغادر كبرية وأما إذا مل يغادر أنه ال يعفو عن الكبرية وإذا مل كبرية فإنه جيوز أن يغادر صغرية ألنه إذا مل يعف عن الصغرية فيقضي القياس

يعف عن الكبرية فيجوز أن يعفو عن الصغرية غري أن القرآن الكرمي أحق أن يتبع وأجدر بأن يقاس عليه ال على غريه والذي ورد فيه من هذه اآلية ناقض ملا تقدم ذكره

درجة وقد تقدم قويل يف أول ألن التأفيف أدىن) فال تقل هلما أف وال تنهرمها ( وكذلك ورد قوله تعاىل هذا النوع أنه إذا جاءت صفتان يلزم من وجود إحدامها وجود األخرى أن يكتفي بذكرها دون األخرى

ألن األخرى جتيء ضمنا وتبعا وأن يبدأ هبا يف الذكر مث جتيء األخرى بعدها وعلى هذا فيقال أوال فال ل هلما أف امتنع أن ينهرمها وقد كان هذا هو املذهب عندي حىت تنهرمها وال تقل هلما أف لكن إذا مل يق

وجدت كتاب اهللا تعاىل قد ورد خبالفه وحينئذ عدت عما كنت أراه وأقول به وأما الصفات املتعددة الواردة على شيء واحد فكقول أيب عبادة البحتري يف وصف حنول الركاب

... ) غمارا من السراب الجاري يترقرقن كالسراب قد خضن( ) مبرية بل األوتار ... كالقسي املعطفات بل األسهم (

أال ترى أنه رقى يف تشبيه حنوهلا من األدىن إىل األعلى فشبهها أوال بالقسي مث باألسهم املربية وتلك أبلغ يف أبلغ يف النحول من األسهم وكذلك ينبغي أن يكون االستعمال يف مثل هذا الباب النحول مث باألوتار وهي

وقد أغفل كثري من الشعراء ذلك فمن مجلتهم أبو الطيب املتنيب يف قوله ) ليت الشرى يا حمام يا رجل ... يا بدر يا بحر يا غمامة يا (

فاألدىن فإنه إذا فعل ذلك كان كاملرتفع من حمل إىل حمل أعلى منه وإذا خالفه وينبغي أن يبدأ فيه باألدىنفإنه اسم املمدوح واالبتداء به أوىل مث بعده ) يا بدر ( كان كاملنخفض من حمل إىل حمل أدىن منه فأما قوله

جل والبحر أعظم من فيجب أن يقول يا رجل يا ليث يا غمامة يا حبر يا محام ألن الليث أعظم من الرالغمامة واحلمام أعظم من البحر وهذا مقام مدح فيجب أن يرقى فيه من منزلة إىل منزلة حىت ينتهي إىل

املنزلة العليا آخرا ولو كان مقام ذم لعكس القضية وعلى مثله ورد قول أيب متام يفتخر

) القنا واألثرمان ورافع وزيد... سما بي أوس في الفخار وحاتم (

) غيوث هوامع سيول دوافع ... نجوم طوالع جبال فوارع ( فإن السيول دون الغيوث واجلبال دون النجوم ولو قدم ما أخر ملا اختل النظم بأن قال

Page 219: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

) جبال فوارع جنوم طوالع ... سيول دوافع غيوث هوامع ( ذا عندي أشد مالمة من املتنيب ألن املتنيب ال ميكنه تقدمي ألفاظ بيته وتأخريها وأبو متام متمكن من ذلك وه

وما أعلم كيف ذهب عليه هذا املوضع مع معرفته باملعاين

النوع التاسع

يف التقدمي والتأخري

ها ما وجدته يف أقوال علماء وهذا باب طويل عريض يشتمل على أسرار دقيقة منها ما استخرجته أنا ومن البيان وسأورد ذلك مبينا

وهو ضربان األول خيتص بداللة األلفاظ على املعاين ولو أخر املقدم أو قدم املؤخر لتغري املعىن والثاين خيتص بدرجة التقدم يف الذكر الختصاصه مبا يوجب له ذلك ولو أخر ملا تغري املعىن

سم إىل قسمني أحدمها يكون التقدمي فيه هو األبلغ واآلخر يكون التأخري فيه هو فأما الضرب األول فإنه ينق األبلغ

فأما القسم الذي يكون التقدمي فيه هو األبلغ فكتقدمي املفعول على الفعل وتقدمي اخلرب على املبتدأ وتقدمي الظرف أو احلال أو االستثناء على العامل

وضربت زيدا فإن يف قولك فمن ذلك تقدمي املفعول على الفعل ) زيدا ضربت ( كقولك زيدا ضربت ألنك إذا قدمت الفعل كنت باخليار يف ) ضرب زيدا ( ختصيصا به بالضرب دون غريه وذلك خبالف قولك

إيقاعه على أي مفعول شئت بأن تقول ضربت خالدا أو بكرا أو غريمها وإذا أخرته لزم االختصاص للمفعول

قد أثبت له القيام دون غريه ) قائم زيد ( كذلك تقدمي خرب املبتدأ عليه كقولك زيد قائم وقائم زيد فقولك و أنت باخليار يف إثبات القيام له ونفيه عنه بأن تقول ضارب أو جالس أو غري ذلك ) زيد قائم ( وقولك

مر وقولك إن مصري هذا األمر إيل فإن وهكذا جيري احلكم يف تقدمي الظرف كقولك إن إيل مصري هذا األ تقدمي الظرف دل على أن مصري األمر ليس

إال إليك وذلك خبالف قولك إن مصري هذا األمر إيل إذ حيتمل إيقاع الكالم بعد الظرف على غريك فيقال إىل زيد أو عمرو أوغريمها

وكذلك جيري األمر يف احلال واالستثناء إن تقدمي هذه الصورة املذكورة إمنا هو لالختصاص -نهم الزخمشري رمحه اهللا وم - وقال علماء البيان

وليس كذلك والذي عندي فيه أن يستعمل على وجهني أحدمها االختصاص واآلخر مراعاة نظم الكالم وذاك أن يكون نظمه ال حيسن إال بالتقدمي وإذا أخر املقدم ذهب ذلك احلسن وهذا الوجه أبلغ وأوكد من

االختصاص

Page 220: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

أفغري اهللا تأمروين أعبد أيها اجلاهلون ولقد أوحي إليك وإىل ( فأما األول الذي هو االختصاص فنحو قوله فإنه ) الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من اخلاسرين بل اهللا فاعبد وكن من الشاكرين

نه إذا تقدم وجب اختصاص العبادة به دون غريه ولو أل) بل اعبد اهللا ( ومل يقل ) بل اهللا فاعبد ( إمنا قيل جلاز إيقاع الفعل على أي مفعول شاء ) بل اعبد ( قال

وقد ذكر الزخمشري ) إياك نعبد وإياك نستعني ( وأما الوجه الثاين الذي خيتص بنظم الكالم فنحو قوله تعاىل كذلك فإنه مل يقدم املفعول فيه على الفعل يف تفسريه أن التقدمي يف هذا املوضع قصد به االختصاص وليس

إياك ( لالختصاص وإمنا قدم ملكان نظم الكالم ألنه لو قال نعبدك ونستعينك مل يكن له من احلسن ما لقوله ) احلمد هللا رب العاملني الرمحن الرحيم مالك يوم الدين ( أال ترى أنه تقدم قوله تعاىل ) نعبد وإياك نستعني وذلك ملراعاة حسن النظم السجعي الذي هو على حرف ) إياك نعبد وإياك نستعني ( له فجاء بعد ذلك قو

النون ولو قال نعبدك ونستعينك لذهبت تلك الطالوة وزال ذلك احلسن وهذا غري خاف على أحد من الناس فضال عن أرباب علم البيان

وتقدير ) نا ال ختف إنك أنت األعلى فأوجس يف نفسه خيفة موسى قل( وعلى حنو منه ورد قوله تعاىل الكالم فأوجس موسى يف نفسه خيفة وإمنا قدم

املفعول على الفاعل وفصل بني الفعل والفاعل باملفعول وحبرف اجلر قصدا لتحسني النظم وعلى هذا فليس كل تقدمي ملا مكانه التأخري من باب االختصاص فبطل إذا ما ذهب إليه الزخمشري وغريه

فإن تقدمي اجلحيم على التصلية وإن ) خذوه فغلوه مث اجلحيم صلوه ( ا ورد من هذا الباب قوله تعاىل وممكان فيه تقدمي املفعول على الفعل إال أنه مل يكن ههنا لالختصاص وإمنا هو للفضيلة السجعية وال مراء يف أن

وه اجلحيم هذا النظم على هذه الصورة أحسن من أن لو قيل خذوه فغلوه مث صلفإن قيل إمنا قدمت اجلحيم لالختصاص ألهنا نار عظيمة ولو أخرت جلاز وقوع الفعل على غريها كما يقال

ضربت زيدا وزيدا ضربت وقد تقدم الكالم على ذلك فاجلواب عن ذلك أن الدرك األسفل أعظم من اجلحيم فكان ينبغي أن خيص بالذكر دون اجلحيم على ما

ألنه أعظم وهذا ال يذهب إليه إال من هو بنجوة عن رموز الفصاحة والبالغة ولفظة اجلحيم ههنا ذهب إليهيف هذه اآلية أوىل باالستعمال من غريها ألهنا جاءت مالئمة لنظم الكالم أال ترى أن من أمساء النار السعري

لطالوة واحلسن ما للجحيم ولظى وجهنم ولو وضع بعض هذه األمساء مكان اجلحيم ملا كان له من امث يف سلسلة ذرعها سبعون ذراعا ( واملقصود بذكر اجلحيم إمنا هو النار أي صلوه النار وهكذا يقال يف

فإنه إن مل يقدم السلسلة على السلك لالختصاص وإمنا قدمت ملكان نظم الكالم وال شك أن ) فاسلكوه سلسلة ذرعها سبعون ذراعا والكالم على هذا كالكالم على هذا النظم أحسن من أن لو قيل مث اسلكوه يف

وآية هلم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم ( الذي قبله وله يف القرآن نظائر كثرية أال ترى إىل قوله تعاىل مظلمون والشمس جتري ملستقر هلا ذلك تقدير العزيز العليم والقمر قدرناه منازل حىت عاد كالعرجون

ليس تقدمي املفعول فيه على الفعل من باب االختصاص وإمنا هو من ) والقمر قدرناه منازل ( فقوله ) القدمي

Page 221: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

فاقتضى حسن النظم ) والشمس جتري ( مث قال ) الليل نسلخ منه النهار ( باب مراعاة نظم الكالم فإنه قال والقمر ( أن يقول

نا القمر منازل ملا كان بتلك الصورة يف احلسن ليكون اجلميع على نسق واحد يف النظم ولو قال وقدر) وإمنا قدم املفعول ملكان حسن النظم ) فأما اليتيم فال تقهر وأما السائل فال تنهر ( وعليه ورد قوله تعاىل

السجعي وأما تقدمي خرب املبتدأ عليه فقد تقدمت صورته كقولك زيد قائم وقائم زيد فمما ورد منه يف القرآن قوله

فإنه إمنا قال ذلك مل يقل وظنوا أن حصوهنم متنعهم أو مانعتهم ) وظنوا أهنم مانعتهم حصوهنم من اهللا ( ىل تعاألن يف تقدمي اخلرب الذي هو مانعتهم على املبتدأ الذي هو حصوهنم دليال على فرط اعتقادهم يف حصانتها

ناد اجلملة إليه دليل على تقريرهم يف وزيادة وثوقهم مبنعها إياهم ويف تصويب ضمريهم امسا ألن وإسأنفسهم أهنم يف عزة وامتناع ال يباىل معها بقصد قاصد وال تعرض متعرض وليس شيء من ذلك يف قولك

وظنوا أن حصوهنم مانعتهم من اهللا عليه يف فإنه إمنا قدم خرب املبتدأ) قال أراغب أنت عن آهليت يا إبراهيم ( ومن تقدمي خرب املبتدأ قوله تعاىل

ومل يقل أأنت راغب ألنه كان أهم عندهم وهو به شديد العناية ويف ذلك ضرب من ) أراغب أنت ( قوله التعجب واإلنكار لرغبة إبراهيم عن آهلته وأن آهلته ال ينبغي أن يرغب عنها وهذا خبالف ما لو قال أانت

راغب عن آهليت فإنه إمنا ) الوعد احلق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا واقترب ( ومن غامض هذا املوضع قوله تعاىل

قال ذلك ومل يقل فإذا أبصار الذين كفروا شاخصة ألمرين أحدمها ختصيص األبصار بالشخوص دون غريها أما األول فلو قال فإذا أبصار الذين كفروا شاخصة جلاز أن يضع موضع شاخصة غريه فيقول حائرة أو

ك فلما قدم الضمري اختص الشخوص باألبصار دون غريها وأما الثاين فإنه ملا أراد أن مطموسة أو غري ذلالشخوص خاص هبم دون غريهم دل عليه بتقدمي الضمري أوال مث بصاحبه ثانيا كأنه قال فإذا هم شاخصون

شاخصة ألنه أخصر دون غريهم ولوال أنه أراد هذين األمرين املشار إليهما لقال فإذا أبصار الذين كفروا حبذف الضمري من الكالم

وتقدير الكالم هو ) هو الطهور ماؤه احلل ميتته ( ومن هذا النوع قول النيب وقد سئل عن ماء البحر فقال الذي ماؤه طهور وميتته حل ألن األلف والالم ههنا مبعىن الذي تقدميه أوىل من تأخريه وفائدته إسناد الكالم وأما تقدمي الظرف فإنه إذا كان الكالم مقصودا به اإلثبات فإن

الواقع بعده إىل صاحب الظرف دون غريه فإذا أريد بالكالم النفي فيحسن فيه تقدمي الظرف وتأخريه وكال هذين األمرين له موضع خيتص به

فأما تقدميه يف النفي فإنه يقصد به تفضيل املنفي عنه على غريه النفي أصال من غري تفضيل أما تأخريه فإنه يقصد به

فكقولك يف الصورة املقدمة إن إيل مصري هذا األمر ولو - وهو تقدمي الظرف يف اإلثبات - فأما األول

Page 222: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

أخرت الظرف فقلت إن مصري هذا األمر إيل مل يعط من املعىن ما أعطاه األول وذلك أن األول دل على أن إذ حيتمل أن توقع الكالم بعد الظرف على غريك فيقال إىل مصري األمر ليس إال إليك وذلك خبالف الثاين

وكذلك جاء ) إن إلينا إياهبم مث إن علينا حساهبم ( زيد أو عمرو أو غريمها وعلى حنو منه جاء قوله تعاىل فإنه إمنا قدم الظرفني ههنا يف) يسبح هللا ما يف السموات وما يف األرض له امللك وله احلمد ( قوله تعاىل

ليدل بتقدميهما على اختصاص امللك واحلمد باهللا ال بغريه ) له امللك وله احلمد ( قوله أي تنظر إىل ) وجوه يومئذ ناضرة إىل رهبا ناظرة ( وقد استعمل تقدمي الظرف يف القرآن كثريا كقوله تعاىل

رهبا دون غريه فتقدمي الظرف ههنا ليس

يف تقدمي املفعول وإنه مل يقدم لالختصاص وإمنا قدم من أجل نظم لالختصاص وإمنا هو كالذي أشرت إليه أحسن من أن لو قيل وجوه يومئذ ناضرة ناظرة ) وجوه يومئذ ناضرة إىل رهبا ناظرة ( الكالم ألن قوله تعاىل

فإن ) والتفت الساق بالساق إىل ربك يومئذ املساق( إىل رهبا والفرق بني النظمني ظاهر وكذلك قوله تعاىل هذا روعي فيه حسن النظم ال االختصاص يف تقدمي الظرف ويف القرآن مواضع كثرية من هذا القبيل

يقيسها غري العارف بأسرار الفصاحة على مواضع أخرى وردت لالختصاص وليست كذلك فمنها قوله ( و ) له احلكم وإليه ترجعون ( و) أال إىل اهللا تصري األمور ( وقوله تعاىل ) إىل ربك يومئذ املستقر ( تعاىل

فإن هذه مجيعها مل تقدم الظروف فيها لالختصاص وإمنا قدمت ملراعاة احلسن يف ) عليه توكلت وإليه أنيب نظم الكالم فاعرف ذلك

وقوله ) آمل ذلك الكتاب ال ريب فيه ( فنحو قوله تعاىل - وهو تأخري الظرف وتقدميه يف النفي -وأما الثاين فإنه إمنا أخر الظرف يف األول ألن القصد يف إيالء جرف النفي ) ال فيها غول وال هم عنها ينزفون ( تعاىل

الريب نفي الريب عنه وإثبات أنه حق وصدق ال باطل وكذب كما كان املشركون يدعونه ولو أواله فتأخري الظرف ) ها غول ال في( الظرف لقصد أن كتابا آخر فيه الريب ال فيه كما قصد يف قوله تعاىل

يقتضي النفي أصال من غري تفضيل وتقدميه يقتضي تفضيل املنفي عنه وهو مخر اجلنة على غريها من مخور الدنيا أي ليس فيها ما يف غريها من الغول وهذا مثل قولنا ال عيب يف الدار وقولنا ال فيها عيب فاألول نفي

هلا على غريها أي ليس فيها ما يف غريها من العيب فاعرف ذلك فإنه للعيب عن الدار فقط والثاين تفضيل من دقائق هذا الباب

وأما تقدمي احلال فكقولك جاء راكبا زيد وهذا خبالف قولك جاء زيد راكبا إذ حيتمل أن يكون ضاحكا أو ماشيا أو غري ذلك

ا أحد أو ما قام أحد إال زيدا والكالم على ذلك وأما االستثناء فجار هذا اجملرى حنو قولك ما قام إال زيد كالكالم على ما سبق

أما القسم الثاين فهو أن يقدم ما األوىل به التأخري ألن املعىن خيتل بذلك ويضطرب وهذا هو املعاظلة املعنوية ني أحدمها لفظي واآلخر وقد قدمنا القول يف املقالة األوىل املختصة بالصناعة اللفظية بأن املعاظلة تنقسم قسم

معنوي وأما اللفظي فذكرناه يف بابه وأما املعنوي فهذا بابه وموضعه وهو كتقدمي الصفة أو ما يتعلق هبا على

Page 223: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

املوصوف وتقدمي الصلة على املوصول وغري ذلك مما يرد بيانه فمن هذا القسم قول بعضهم

( وهو معمول ) بوشك فراقهم ( فإنه قدم قوله ) هم صرد يصيح بوشك فراق... فقد والشك بني يل عناء ( صفة لصرد على صرد وذلك قبيح أال ترى أنه ال جيوز أن يقال هذا من موضع كذا ) يصيح ( و ) يصيح

رجل ورد اليوم وإمنا جيوز وقوع املعمول حبيث جيوز وقوع العامل فكما ال جيوز تقدمي الصفة على موصوفها لك ال جيوز تقدمي ما اتصل هبا على موصوفها فكذ

ومن هذا النحول قول اآلخر ) كأن قفرا رسومها قلما ... فأصبحت بعد خط بهجتها (

وهذا وأمثاله مما ال جيوز قياس عليه واألصل يف هذا البيت ) خط ( فإنه قدم خرب كأن عليها وهو قوله جتها قفرا كأن قلما خط رسومها إال أنه على تلك احلالة األوىل يف الشعر خمتل مضطرب فأصبحت بعد هب

واملعاظلة يف هذا الباب تتفاوت درجاهتا يف القبح وهذا البيت املشار إليه من أقبحها ألن معانيه قد تداخلت وركب بعضها بعضا

ومما جرى هذا اجملرى قول الفرزدق ) أبوه وال كانت كليب تصاهره ... مه من محارب إىل ملك ما أ(

وهو يريد إىل ملك أبوه ما أمه من حمارب وهذا أقبح من األول وأكثر اختالال وكذلك جاء قوله أيضا

ديث هذا البيت ظريف وذاك أنه فيما وح) بها إذ كان سيفا أميرها ... وليست خراسان التي كان خالد ( ذكر ميدح خالد بن عبد اهللا القسري ويهجو أسدا وكان أسد وليها بعد خالد وكأنه قال وليست خراسان

الثانية ضمري الشأن ) كان ( بالبلدة اليت كان خالد هبا سيفا إذ كان أسد أمريها وعلى هذا التقدير ففي عليها ويف تقدمي املضاف ) أسد ( عنها وقد قدم بعض ما إذ مضافة إليه وهو واحلديث واجلملة بعدها خرب

إليه أو شيء منه على املضاف من القبح ما ال خفاء به وأيضا فإن أسدا أحد جزأي اجلملة املفسرة للضمري اه الكوفيون الضمري والضمري ال يكون تفسريه إال من بعده ولو تقدم تفسريه قبله ملا احتاج إىل تفسري وملا مس

اجملهول وعلى هذا النحو ورد قول الفرزدق أيضا

) أبو أمه حي أبوه يقاربه ... وما مثله يف الناس إال مملكا ( لشعر قد ومعىن هذا البيت وما مثله يف الناس حي يقارب إال مملكا أبو أمه أبوه وعلى هذا املثال املصوغ يف ا

جاء مشوها كما تراه وقد استعمل الفرزدق من التعاظل كثريا كأنه كان يقصد ذلك ويتعمده ألن مثله ال جييء أال متكلفا

مقصودا وإال فإذا ترك مؤلف الكالم نفسه جتري على سجيتها وطبعها يف االسترسال مل يعرض له شيء من م معدوم يف هذا الضرب املشار إليه إذ املقصود من الكالم إمنا هو هذا التعقيد أال ترى أن املقصود من الكال

Page 224: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

اإليضاح واإلبانة وإفهام املعىن فإذا ذهب هذا الوصف املقصود من الكالم ذهب املراد به وال فرق عند ذلك بينه وبني غريه من اللغات كالفارسية والرومية وغريمها

ألن الفصاحة هي الظهور والبيان وهذا عار عن هذا واعلم أن هذا الضرب من الكالم هو ضد الفصاحة الوصف

أما الضرب الثاين الذي خيتص بدرجة التقدم يف الذكر الختصاصه مبا يوجب له ذلك فإنه مما ال حيصره حد وال ينتهي إليه شرح وقد أشرنا إىل نبذة منه يف هذا الكتاب ليستدل هبا على أشباهها ونظائرها

فإنه إمنا قدم العبادة على ) إياك نعبد وإياك نستعني ( لسبب على املسبب كقوله تعاىل فمن ذلك تقدمي ااالستعانة ألن تقدمي القربة والوسيلة قبل طلب احلاجة أجنح حلصول الطلب وأسرع لوقوع اإلجابة ولو قال

قع وهذا ال خيفى على إياك نستعني وإياك نعبد لكان جائزا إال أنه ال يسد ذلك املسد وال يقع ذلك املووأنزلنا من السماء ماء طهورا لنحيي به ( املنصف من أرباب هذه الصناعة وعلى حنو منه جاء قوله تعاىل

فقدم حياة األرض وإسقاء األنعام على إسقاء الناس وإن ) بلدة ميتا ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثريا سبب حلياة األنعام والناس فلما كانت هبذه املثابة جعلت مقدمة يف كانوا أشرف حمال ألن حياة األرض هي

الذكر وملا كانت األنعام من أسباب التعيش واحلياة للناس قدمها يف الذكر على الناس ألن حياة الناس حبياة أرضهم وأنعامهم فقدم سقي ما هو سبب منائهم ومعاشهم على سقيهم

مث أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ( األقل كقوله تعاىل ومن هذا الضرب تقدمي األكثر على وإمنا قدم الظامل لنفسه لإليذان بكثرته وأن معظم اخللق ) ظامل لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق باخلريات

أعين من عليه مث أتى بعده باملقتصدين ألهنم قليل باإلضافة إليه مث أتى بالسابقني وهم أقل من القليلاملقتصدين فقدم األكثر وبعده األوسط مث ذكر األقل آخرا ولو عكست القضية املعىن ايضا واقعا يف موقعه

ألنه يكون قد روعي فيه تقدمي األفضل فاألفضل ولنوضح لك يف هذا وأمثاله طريقا تقتفيه فنقول اعلم أنه إذا كان الشيئان كل واحد منهما خمتصا بصفة

باخليار يف تقدمي أيهما شئت يف الذكر كهذه فأنت

حذف

اآلية فإن السابق باخلريات خمتص بصفة الفضل والظامل لنفسه خمتص بصفة الكثرة فقس على هذا ما يأتيك من أشباهه وأمثاله

واهللا خلق كل دابة من ماء فمنهم من ميشي على بطنه ومنهم من ميشي على( ومن هذا اجلنس قوله تعاىل فإنه إمنا قدم املاشي على بطنه ألنه أدل على القدرة من املاشي على ) رجلني ومنهم من ميشي على أربع

رجلني إذ هو ماش بغري اآللة املخلوقة للمشي مث ذكر املاشي على رجلني وقدمه على املاشي على أربع ألنه ب تقدمي األعجب فاألعجب أدل على القدرة أيضا حيث كثرت آالت املشي يف األربع وهذا من با

( فإن قيل قد ورد يف القرآن الكرمي يف مواضع منه ما خيالف هذا الذي ذكرته كقوله تعاىل يف سورة هود

Page 225: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

وما نؤخره إال ألجل معدود يوم يأت ال تكلم نفس إال بإذنه فمنهم شقي وسعيد فأما الذين شقوا ففي النار فقدم أهل النار يف الذكر على أهل اجلنة وهذا خمالف لألصل )وأما الذين سعدوا ففي اجلنة ( مث قال )

الذي أصلته يف هذا املوضع فاجلواب عن ذلك أن هذا الذي أشرت إليه يف سورة هود وما أشبهه له أسرار حتتاج إىل فضل تأمل وإمعان

وجاء على عقب نظر حىت تفهم أما هذا املوضع فإنه ملا كان الكالم مسوقا يف ذكر التخويف والتحذيرقصص األولني وما فعل اهللا هبم من التعذيب والتدمري كان األليق أن يوصل الكالم مبا يناسبه يف املعىن وهو ذكر أهل النار فمن أجل ذلك قدموا يف الذكر على أهل اجلنة وإذا رأيت يف القرآن شيئا من هذا القبيل

ني لك مكان الصواب منه وما جيري جمراه فتأمله وأمعن نظرك فيه حىت يتبواعلم أنه إذا كان مطلع الكالم يف معىن من املعاين مث جييء بعده ذكر شيئني أحدمها أفضل من اآلخر وكان

املعىن املفضول مناسبا ملطلع الكالم فأنت باخليار يف تقدمي أيهما شئت ألنك إن قدمت األفضل فهو يف مطلع الكالم يناسبه وذكر الشيء مع ما يناسبه أيضا وارد يف موضعه من التقدمي وإن قدمت املفضول فألن

موضعه

وإنا إذا أذقنا اإلنسان منا رمحة فرح هبا وإن تصبهم سيئة مبا قدمت أيديهم فإن ( فمن ذلك قوله تعاىل اإلنسان كفور هللا ملك السموات واألرض خيلق ما يشاء يهب ملن يشاء إناثا ويهب ملن يشاء الذكو أو

فإنه إمنا قدم اإلناث على الذكور مع تقدمهم ) وجهم ذكرانا وإناثا وجيعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير يزعليهن ألنه ذكر البالء يف آخر اآلية األوىل وكفران اإلنسان بنسيانه للرمحة السابقة عنده مث عقب ذلك

لكالم أنه فاعل ما يشاء ال ما يشاؤه بذكر ملكه ومشيئته وذكر قسمة األوالد فقدم اإلناث ألن سياق ااإلنسان فكان ذكر اإلناث الاليت هن من مجلة ما ال يشاؤه اإلنسان وال خيتاره أهم واألهم واجب التقدمي وليلي اجلنس الذي كانت العرب تعده بالء ذكر البالء وملا أخر ذكر الذكور وهم أحقاء بالتقدمي تدارك

تعريف تنويه بالذكر كأنه قال ويهب ملن يشاء الفرسان األعالم املذكورين الذين ذلك بتعريفه إياهم ألن الال خيفون عليكم مث أعطى بعد ذلك كال اجلنسني حقه من التقدمي والتأخري وعرف أن تقدمي اإلناث مل يكن

و يعثر على رموزها وهذه دقائق لطيفة قل من ينتبه هلا أ) ذكرانا وإناثا ( لتقدمهن ولكن ملقتض آخر فقال وما تكون يف شأن وما تتلو منه من قرآن وال تعملون من عمل إال كنا عليكم ( ومن هذا الباب قوله تعاىل

فإنه إمنا قدم األرض ) شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة يف األرض وال يف السماء ا ذكر شهادته على شؤون أهل األرض وأحواهلم ووصل يف الذكر على السماء ومن حقها التأخري ألنه مل

الءم بينهما ليلي املعىن املعىن ) وما يعزب ( ذلك بقوله فإن قيل قد جاء تقدمي األرض على السماء يف الذكر يف مواضع كثرية من القرآن

يستنبطه بعض قلنا إذا جاءت مقدمة يف الذكر فال بد لتقدميها من سبب اقتضاه وإن خفي ذلك السبب وقد العلماء دون بعض

النوع العاشر

Page 226: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

يف احلروف العاطفة واجلارة

وهذا موضع لطيف املؤخذ دقيق املغزى وما رأيت أحدا من علماء هذه الصناعة تعرض إليه وال ذكره وما عها ولست أقول أهنم مل يعرفوه فإن هذا النوع من الكالم أشهر من أن خيفى ألنه مذكور يف كتب العربية مجي

أعين بإيراده ههنا ما يذكره النحويون من أن احلروف العاطفة تتبع املعطوف املعطوف عليه يف اإلعراب وال أن احلروف اجلارة جتر ما تدخل عليه بل أمرا وراء ذلك وإن كان املرجع فيه إىل األصل النحوي فأقول

علون ما ينبغي أن جير بعلى بفي يف حروف اجلر إن أكثر الناس يضعون هذه احلروف يف غري مواضعها فيج ويف هذه األشياء دقائق أذكرها لك والذي هو يطعمين ويسقني وإذا مرضت فهو يشفني والذي مييتين مث ( أما حروف العطف فنحو قوله تعاىل

م جائز لوال فاألول عطفه بالواو اليت هي للجمع وتقدمي اإلطعام على اإلسقاء واإلسقاء على اإلطعا) حييني مراعاة حسم النظم مث عطف الثاين بالفاء ألن الشفاء يعقب املرض بال زمان خال من أحدمها مث عطف

الثالث بثم ألن اإلحياء يكون بعد املوت بزمان وهلذا جيء يف عطفه بثم اليت هي للتراخي ولو قال قائل يف يتين وحييني لكان للكالم معىن تام إال أنه ال موضع هذه اآلية الذي يطعمين ويسقني وميرضين ويشفني ومي

يكون كمعىن اآلية إذ كل شيء منها قد عطف مبا يناسبه ويقع موقع السداد منه قتل اإلنسان ما أكفره من أي شيء خلقه من نطفة خلقه فقدره مث ( ومما جاء من هذا الباب قوله تعاىل

) فقدره ( كيف قال ) من نطفة خلقه ( أال ترى أنه ملا قال ) السبيل يسره مث أماته فأقربه مث إذا شاء أنشره ومل يقل مث قدره ألن التقدير ملا كان تابعا للخلقة ومالزما هلا عطفه عليها بالفاء وذلك خبالف قوله

حذف

لك ألن بني خلقته وتقديره يف بطن أمه وبني إخراجه منه وتسهيل سبيله مهلة وزمانا فلذ) مث السبيل يسره ( ألن بني إخراجه من بطن أمه وبني ) مث أماته فأقربه مث إذا شاء أنشره ( عطفه بثم وعلى هذا جاء قوله تعاىل

موته تراخيا وفسحة وكذلك بني موته ونشوره أيضا ولذلك عطفهما بثم وملا مل يكن بني موت اإلنسان يان شريف وقلما يتفطن الستعماله كما ينبغي وإقباره تراخ وال مهلة عطفه بالفاء وهذا موضع من علم الب

فحملته فانتبذت به مكانا قصيا ( ومما جاء من ذلك أيضا قوله تعاىل يف قصة مرمي وعيسى عليهما السالم ويف هذه اآلية دليل على ) فأجاءها املخاض إىل جذع النخلة قالت يا ليتين مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا

ها إياه كانا متقاربني ألنه عطف احلمل واالنتباذ إىل املكان الذي مضت إليه واملخاض أنه محلها به ووضعالذي هو الطلق بالفاء وهي للفور ولو كانت كغريها من النساء لعطف بثم اليت هي للتراخي واملهلة أال ترى

) ره مث السبيل يسره قتل اإلنسان ما أكفره من أي شيء خلقه من نطفة خلقه فقد( أنه قد جاء يف األخرى فلما كان بني تقديره يف البطن وإخراجه منه مدة متراخية عطف ذلك بثم وهذا خبالف قصة مرمي عليها

السالم فإهنا عطفت بالفاء وقد اختلف الناس يف مدة محلها فقيل إنه كان كحمل غريها من النساء وقيل ال وهذه اآلية مزيلة للخالف ألهنا دلت صرحيا على أن احلمل بل كان مدة ثالثة أيام وقيل أقل وقيل أكثر

Page 227: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

والوضع كانا متقاربني على الفور من غري مهلة ورمبا كان ذلك يف يوم واحد أو أقل أخذا مبا دلت عليه اآلية

لقد خلقنا اإلنسان من ساللة من طني مث جعلناه نطفة يف قرار مكني ( ومما ورد من هذا األسلوب قوله تعاىل ) مث خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا املضغة عظاما فكسونا العظام حلما مث أنشأناه خلقا آخر

فعطف التقدير على اخللق بالفاء ألنه تابع له ومل ) من نطفة خلقه فقدره ( ففي اآلية املتقدم ذكرها قال ه يف تنقله فبدأ باخللق األول وهو خلق آدم من يذكر تفاصيل حال املخلوق ويف هذه اآلية ذكر تفاصيل حال

طني وملا عطف عليه اخللق الثاين الذي هو

خلق النسل عطفه بثم ملا بينهما التراخي وحيث صار إىل التقدير الذي يتبع بعضه بعضا من غري تراخ عطفه عطفه بثم -وهو آخر اخللق - بالفاء وملا انتهى إىل جعله ذكرا أو أنثى

يأيها الناس إن ( إن قيل إنه قد عطف املضغة على العلقة يف هذه اآلية بالفاء ويف أخرى بثم وهي قوله تعاىل ف ) كنتم يف ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب مث من نطفة مث من علقة مث من مضغة

فاجلواب عن ذلك هو موضع حيتاج فيه إىل فضل تأمل وذلك الفاء بالواو و] فيه [ واعلم أن يف حروف العطف موضعا تلتبس

أن فعل املطاوعة ال يعطف عليه إال بالفاء دون الواو وقد جييء من األفعال ما يلتبس بفعل املطاوعة ويعطي ( ظاهره أنه كذلك إال أن معناه يكون خمالفا ملعىن فعل املطاوعة فيعطف حينئذ بالواو ال بالفاء كقوله تعاىل

ههنا مبعىن صادفناه غافال وليس ) أغفلنا قلبه ( فقوله ) فلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وال تطع من أغمنقوال عن غفل حىت يكون معناه صددناه ألنه لو كان كذلك لكان معطوفا عليه بالفاء وقيل فاتبع هواه

ذ أو دعوته فأجاب وال وذلك أنه يكون مطاوعا وفعل املطاوعة ال يعطف إال بالفاء كقولك أعطيته فأخ تقول أعطيته وأخذ وال دعوته وأجاب كما ال يقال كسرته وانكسر

وكذلك لو كان معىن أغفلنا يف اآلية صددنا ومنعنا لكان معطوفا عليه بالفاء وكان يقال وال تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا فاتبع هواه فلما مل يكن كذلك وكان العطف عليه

حذف

أن يكون معناه وجدناه غافال فقد غفل ال ) أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه ( فطريقة أنه ملا قال بالواو حمالة فكأنه قال وال تطع من غفل قلبه عن ذكرنا واتبع هواه أي ال تطع من فعل كذا وكذا يعدد أفعاله اليت

توجب ترك طاعته فاعرف ذلك ) على ( للوعاء و ) يف ( ها يف مواضعها وقد علم أن وأما حروف اجلر فإن الصواب يشذ عن وضع

لالستعالء كقوهلم زيد يف الدار وعمرو على الفرس لكن إذا أريد استعمال ذلك يف غري هذين املوضعني مما يشكل استعماله عدل فيه عن األوىل

اكم لعلى هدى أو يف قل من يرزقكم من السموات واألرض قل اهللا وإنا أو إي( فمما ورد منه قوله تعاىل

Page 228: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

أال ترى إىل بداعة هذا املعىن املقصود ملخالفة حريف اجلر ههنا فإنه إمنا خولف بينهما يف ) ضالل مبني الدخول على احلق والباطل ألن صاحب احلق كأنه مستعل على فرس جواد يركض به حيث شاء وصاحب

وهذا معىن دقيق قلما يراعى مثله يف الكالم الباطل كأنه منغمس يف ظالم منخفض فيه ال يدري أين يتوجه وكثريا ما مسعت إذا كان الرجل يلوم أخاه أو يعاتب صديقه على أمر من األمور فيقول له أنت على

ههنا أوىل ملا ) يف ( ضاللك القدمي كما أعهدك فيأيت بعلى يف موضع يف وإن كان هذا جائزا إال أن استعمال ) قالوا تاهللا إنك لفي ضاللك القدمي ( ىل قوله تعاىل يف سورة يوسف أشرنا إليه أال ترى إ

إمنا الصدقات للفقراء واملساكني والعاملني عليها واملؤلفة قلوهبم ويف الرقاب ( ومن هذا النوع قوله تعاىل األخرية لإليذان يف الثالثة ) يف ( فإنه إمنا عدل عن الالم إىل ) والغارمني ويف السبيل سبيل اهللا وابن السبيل

للوعاء فنبه على أهنم أحقاء بأن ) يف ( بأهنم أرسخ يف استحقاق التصدق عليهم ممن سبق ذكره بالالم ألن توضع فيهم الصدقات كما يوضع الشيء يف الوعاء وأن جيعلوا مظنة هلا وذلك ملا يف فك الرقاب ويف الغرم

ويف سبيل ( يف قوله ) يف ( من التخلص وتكرير

دليل على ترجيحه على الرقاب وعلى الغارمني وسياق الكالم أن يقال ويف الرقاب والغارمني وسبيل ) اهللا اهللا وابن السبيل فلما جيء بفي ثانية وفصل هبا بني الغارمني وبني سبيل اهللا علم أن سبيل اهللا أوكد يف

الم الشريف فاعرفها وقس عليها استحقاق النفقة فيه وهذه لطائف ودقائق ال توجد إال يف هذا الك

النوع احلادي عشر

يف اخلطاب باجلملة الفعلية واجلملة االمسية والفرق بينهما

ومل أذكر هذا املوضع ألن جيري األمر فيه على ما جيري جمراه فقط بل ألن يقاس عليه مواضع أخرى مما متاثله وتشاهبه ولو كان شبها بعيدا

طابني إىل اآلخر لضرب التأكيد واملبالغة وإمنا يعدل عن أحد اخلإن زيدا ( معناه اإلخبار عن زيد بالقيام وقولنا ) قام زيد ( فمن ذلك قولنا قام زيد وإن زيدا قائم فقولنا

معناه اإلخبار عن زيد بالقيام أيضا إال أن يف الثاين زيادة ليست يف األول وهي توكيده بإن املشددة ) قائم شأهنا اإلثبات ملا يأيت بعدها وإذا زيد يف خربها الالم فقيل إن زيدا لقائم كان ذلك أكثر توكيدا يف اليت من

اإلخبار بقيامه وهذا مثال ينبين عليه أمثلة كثرية من غري هذا النوع ) إنا معكم وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إىل شياطينهم قالوا( فمما جاء من ذلك قوله تعاىل

فإهنم إمنا خاطبوا املؤمنني باجلملة الفعلية وشياطينهم باجلملة االمسية احملققة بإن املشددة ألهنم يف خماطبة إخواهنم مبا أخربوا به عن أنفسهم من الثبات على اعتقاد الكفر والبعد من أن ينزلوا عنه على صدق ورغبة

ند إخواهنم وأما الذي خاطبوا به املؤمنني فإمنا قالوا تكلفا ووفور نشاط فكان ذلك متقبال منهم ورائجا عوإظهارا لإلميان خوفا ومداجاة وكانوا يعلمون أهنم لو قالوه بأوكد لفظ وأسده ملا راج هلم عند املؤمنني إال

Page 229: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

ما خاطبوا رواجا ظاهرا ال باطنا وألهنم ليس هلم يف عقائدهم باعث قوي على النطق يف خطاب املؤمنني مبثل) إنا معكم ( ويف خطاب إخواهنم ) آمنا ( به إخواهنم من العبارة املؤكدة فلذلك قالوا يف خطاب املؤمنني

وهذه نكت ختفى على من ليس له قدم راسخة يف علم الفصاحة والبالغة

وفائدته أنه إذا عرب ومما جيري هذا اجملرى ورود الم التوكيد يف الكالم وال جييء ذلك إال لضرب من املبالغة عن أمر يعز وجوده أو فعل يكثر وقوعه جيء بالالم حتقيقا لذلك

إذا جاءك املنافقون قالوا نشهد إنك لرسول اهللا واهللا يعلم ( فمما جاء منه قوله تعاىل يف أول سورة املنافقني ثة الواردة يف خرب إن واألوىل فانظر إىل هذه الالمات الثال) إنك لرسوله واهللا يشهد إن املنافقني لكاذبون

وردت يف قول املنافقني وإمنا وردت مؤكدة ألهنم أظهروا من أنفسهم التصديق برسالة النيب ومتلقوا وبالغوا يف التملق ويف باطنهم خالفه وأما ما ورد يف الثانية والثالثة فصحيح ال ريب فيه والالم يف الثانية لتصديق

لتكذيب املنافقني فيما كانوا يظهرونه من التصديق الذين هم على خالفه رسالته ويف الثالثةقالوا يأبانا مالك ال تأمنا على يوسف وإنا له ( وكذلك ورد قوله تعاىل يف سورة يوسف عليه السالم

إظهار فإنه إمنا جيء بالالم ههنا لزيادة التوكيد يف) لناصحون أرسله معنا غدا يرتع ويلعب وإنا له حلافظون احملبة ليوسف عليه السالم واإلشفاق عليه ليبلغوا الغرض من أبيهم يف السماحة بإرساله معهم

أفرأيتم ما حترثون أأنتم تزرعونه أن حنن الزارعون لو نشاء جلعلناه حطاما فظلتم ( ومن هذا الباب قوله تعاىل من املزن أم حنن املنزلون لو نشاء جعلناه أجاجا أفرأيتم املاء الذي تشربون أأنتم أنزلتموه( مث قال ) تفكهون

وإمنا جاءت كذلك ألن ! أال ترى كيف أدخلت الالم يف آية املطعوم دون آية املشروب ) فلوال تشكرون جعل املاء العذب ملحا أسهل إمكانا يف العرف والعادة واملوجود من املاء امللح أكثر من املاء العذب وكثريا

املياه العذبة على األراضي املتغرية التربة أحالتها إىل امللوحة فلم حيتج يف جعل املاء العذب ملحا ما إذا جرت إىل زيادة تأكيد فلذلك مل تدخل عليه الم التأكيد املفيدة زيادة التحقيق وأما املطعوم فإن جعله حطاما من

من اهللا شديد فلذلك قرن بالم التأكيد زيادة األشياء اخلارجة عن املعتاد وإذا وقع فال يكون إال عن سخط يف حتقيق أمره وتقريره إجياده

حذف

هي الالم املشار ) لنحن ( فالالم يف ) وإنا لنحن حنيي ومنيت وحنن الوارثون ( ومما يتصل بذلك قوله تعاىل إليها

فنهم يف األرض كما وعد اهللا الذين آمنوا منكم وعملوا الصاحلات ليستخل( وكذلك ورد قوله تعاىل فإن هذه ) استخلف الذين من قبلهم وليمكنن هلم دينهم الذي ارتضى هلم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا

إمنا جاءت لتحقيق األمر وإثباته يف نفوس ) ليبدلنهم ( و ) ليمكنن ( و ) ليستخلفنهم ( الالم يف قوله املؤمنني وأنه كائن ال حمالة

إذ قالوا ليوسف وأخوه ( ى يف التوكيد الم االبتداء احملققة ملا يأيت بعدها كقوله تعاىل ومما جيري هذا اجملر

Page 230: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

ال االبتداء وفائدهتا حتقيق مضمون اجلملة الواردة بعدها أي أن ) ليوسف ( فالالم يف ) أحب إىل أبينا منا زيادة حبه إيامها أمر ثابت ال مراء فيه

ومن هذا النوع قول بعضهم ) عمرا يكون خالله متنفس ... شيب إن يظهر فإن وراءه وال( ) ولما بقى مني ألب وأكيس ... لم ينتقص مني املشيب قالمة (

املعىن ألنه موضع هذه الالم قصدا لتأكيد ) ما ( تقديره وما بقي مين وإمنا أدخل على ) وملا بقى مين ( فقوله حيتاج إىل التأكيد أال ترى أن قوة العمر يف الشباب وملا أراد هذا الشاعر أن يصف املشيب وليس مما يوصف

وإمنا يذم أتى بالالم لتؤكد ما قصده من الصفة وكذلك ورد قول الشاعر من أبيات احلماسة

) يم سالفة العدو األصيد ونق... إنا لنصفح عن مجاهل قومنا (

وهذا كثري سائغ يف الكالم إال أنه ال ) نصلح وإن نر صالحا ال نفسد ... ومتى نجد يوما فساد عشرية ( فإنه ملا كان ) إنا لنصفح عن جماهل قومنا ( يتأتى ملكان العناية مبا يعرب به عنه أال ترى إىل قول الشاعر

الصفح مما يشق على النفس فعله ألنه مقابلة الشر باخلري واإلساءة باإلحسان أكده بالالم حتقيقا له فإن عرى املوضع الذي يؤتى فيه هبذه الالم من هذه الفائدة املشار إليها وما جيري جمراه فإن ورود الالم فيه

لغري سبب اقتضاه جواب القسم لتحقيق األمر املقسم عليه وذلك يف اإلجياب دون النفي ألهنا وأكثر ما تستعمل هذه الالم يف

ال تستعمل يف النفي أال ترى أنه ال يقال واهللا لالقمت وإمنا يقال واهللا ال قمت لكن يف اإلجياب تستعمل كان ذلك أبلغ يف ويكون استعماهلا حسنا كقولك واهللا ألقوم فإن أضيف إليها النونان اخلفيفة والثقيلة وعد اهللا الذين آمنوا ( التأكيد كقولك واهللا ألقومن وعلى ذلك وردت اآلية املتقدم ذكرها وهي قوله تعاىل

وإن مل يكن جوابا لقسم فالنون الواردة بعد الالم زيادة يف التأكيد ومها تأكيدان ) منكم وعملوا الصاحلات أحدمها مردف لآلخر ون الثقيلة متصلة هبذا الباب فإذا استعملت يف موضع فإمنا يقصد هبا التأكيد وكذلك فاعلم أن الن

فمما جاء منها قول البحتري يف معاتبة الفتح بن خاقان

حذف

) ثبت لديك أقول فيه وتسمع ... هل يجلبن إلي عطفك موقف ( ) آوي إليه من الخطوب ومفزع ... يك موئل ما زال لي من حسن رأ( ) نحوي جناب الكاشحني تطلع ... فعالم أنكرت الصديق وأقبلت ( ) من لم يكن من قبل فيه يطمع ... وأقام يطمع في تهضم جانبي ( ) أو كان لي ذنب فعفوك أوسع ... يكن ذنب فعدلك واسع إال(

Page 231: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

وهذه أبيات حسنة مليحة يف باهبا ميحى هبا حر الصدود ويستمال هبا صعر اخلدود وإمنا ذكرهتا جبملتها فالنون جاءت قصدا ) هل جيلنب إيل عطفك موقف ( ملكان حسنها والبيت األول هو املراد أال ترى أنه قال

للتأكيد وهو يف هذا املقام متمن فأحب أن يؤكد هذه األمنية وكل ما جييء من هذا الباب فإنه واقع هذا املوقع وإذا استعمل عبثا لغري فائدة تقتضيه فإنه ال يكون استعماله إال من جاهل باألسرار املعنوية وأما ما

ألقومن فإنه مثال حنوي يضرب للجواز وإال فإذا قال القائل واهللا ألقومن ميثل به النحاة من قول القائل واهللا وأكده كان ذلك لغوا ألنه ليس يف قيامه من األمر العزيز وال من األمر العسري ما حيتاج معه إىل التأكيد بل

لو قال واهللا ألقومن إليك مهددا له لكان ذلك واقعا يف موقعه فافهم هذا وقس عليه

النوع الثاين عشر

يف قوة اللفظ لقوة املعىن

اخلصائص ( هذا النوع قد ذكره أبو الفتح بن جين يف كتاب إال أنه مل يورده كما أوردته أنا وال نبه على ) ما نبهت عليه من النكت اليت تضمنته وهذا يظهر بالوقوف على كالمي وكالمه فأقول

األوزان مث نقل إىل وزن آخر أكثر منه فال بد من أن يتضمن من املعىن اعلم أن اللفظ إذا كان على وزن منأكثر مما تضمنه أوال ألن األلفاظ أدلة على املعاين وأمثلة لإلبانة عنها فإذا زيد يف األلفاظ أوجبت القسمة

زيادة املعاين وهذا ال نزاع فيه لبيانه وهذا النوع ال يستعمل إال يف مقام املبالغة ن ذلك قوهلم خشن واخشوشن فمعىن خشن دون معىن اخشوشن ملا فيه من تكرير العني وزيادة الواو فم

حنو فعل وافعوعل وكذلك قوهلم أعشب املكان فإذا رأوا كثرة العشب قالوا اعشوشب عزيز فأخذناهم أخذ( ومما ينتظم هبذا السلك قدر واقتدر فمعىن اقتدر أقوى من معىن قدر قال اهللا تعاىل

فمقتدر ههنا أبلغ من قادر وإمنا عدل إليه للداللة على تفخيم األمر وشدة األخذ الذي ال يصدر إال ) مقتدر عن قوة الغضب أو للداللة على بسطة القدرة فإن املقتدر أبلغ يف البسطة من القادر وذاك أن مقتدرا اسم

تعل أبلغ من فعل فاعل من اقتدر وقادر اسم فاعل من قدر وال شك أن اف وعلى هذا ورد قول أيب نواس

) حلت له نقم فألفاها ... فعفوت عني عفو مقتدر ( أي عفوت عين عفو قادر متمكن القدرة ال يرده شيء عن إمضاء قدرته وأمثال هذا كثرية

فإن غفارا أبلغ ) غفروا ربكم إنه كان غفارا فقلت است( وكذلك ورد قوله تعاىل يف سورة نوح عليه السالم يف املغفرة من غافر إلن فعاال يدل على كثرة صدور الفعل وفاعال ال يدل على الكثرة

فالتواب هو الذي تتكرر منه التوبة مرة على ) إن اهللا حيب التوابني وحيب املتطهرين ( عليه ورد قوله تعاىل لتائب الذي هو فاعل فالتائب اسم فاعل من تاب يتوب فهو تائب أي مرة وهو فعال وذلك أبلغ من ا

صدرت منه التوبة مرة واحدة فإذا قيل تواب كان صدور التوبة منه مرارا كثرية

Page 232: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

وهذا ما جيري جمراه إمنا يعمد إليه لضرب من التوكيد وال يوجد ذلك إال فيما معىن الفعلية كاسم الفاعل فإن معىن كبكبوا من الكب وهو ) فكبكبوا فيها هم والغاوون ( حنو قوله تعاىل واملفعول وكالفعل نفسه

القلب إال أنه مكرر املعىن وإمنا استعمل يف اآلية داللة على شدة العقاب ألنه موضع يقتضي ذلك نه يزاد يف ولرمبا نظر بعض اجلهال يف هذا فقاس عليه زيادة التصغري وقال إهنا زيادة ولكنها زيادة نقص أل

اللفظ حرف كقوهلم يف الثالثي يف رجل رجيل ويف الرباعي يف قنديل قنيديل فالزيادة وردت ههنا فنقصت من معىن هاتني اللفظتني وهذا ليس من الباب الذي حنن بصدد ذكره ألنه عار عن معىن الفعلية والزيادة يف

ت معىن الفعلية ألن األمساء اليت ال معىن للفعل فيها إذا األلفاظ ال توجب زيادة يف املعاين إال إذا تضمنزيدت استحال معناها أال ترى أنا لو نقلنا لفظة عذب وهي ثالثية إىل الرباعي عذيب فقلنا على وزن جعفر

الستحال معناها ومل يكن هلا معىن وكذلك لو نقلنا لفظة عسجد وهي رباعية إىل اخلماسي فقلنا عسجدد ى وزن جحمرش الستحال معناها وهذا خبالف ما فيه معىن الفعلية كقادر ومقتدر فإن قادرا اسم فاعل عل

قدر وهو ثالثي ومقتدرا اسم فاعل اقتدر وهو رباعي فلذلك كان معىن القدرة يف اقتدر أشد من معىن القدرة يف قدر وهذا ال نزاع فيه

ملبالغة يف إيراد املعاين وقد يستعمل وهذا الباب جبملته ال يقصد به إال ا

حذف

يف مقام املبالغة فينعكس املعىن فيه إىل ضده كما جاء أليب كرام التميمي من شعراء احلماسة وهو قوله ) القى الحمام وأي نصل جالد ... هللا تيم أي رمح طراد ( ) للموت غير مكذب حياد ... ض ومحش حرب قدم متعر(

قد وردت ههنا وإمنا أوردها هذا الشاعر وقصد هبا املبالغة يف وصف شجاعة هذا الرجل ) حياد ( فلفظة فانعكس عليه املقصد الذي قصده ألن حيادا من حيد فهو حياد أي وجد منه احليدودة مرارا كما يقال قتل

أي وجد منه القتل مرارا وإذا كان هذا الرجل غري حياد كان حائدا أي وجدت منه احليدودة مرة فهو قتال واحدة وإذا وجدت منه مرة كان ذلك جبنا ومل يكن شجاعة واألوىل أن كان قال غري مكذب حائد

املبالغة ومحلها وينبغي أن يعلم أنه إذا وردت لفظة من األلفاظ وجيوز محلها على التضعيف الذي هو طريق على غريه أن ينظر فيها فإن اقتضى محلها على املبالغة فهو الوجه

فمن ذلك قول البحتري يف قصيدته اليت مطلعها

وهي قصيدة مدح هبا اخلليفة املتوكل رمحه اهللا وذكر فيها حديث ... ) منى النفس يف أسماء لو تستطيعها ( فمما جاء فيها قوله الصلح بني بين تغلب

) وقد يئست أن يستقل صريعها ... رفعت بضبعي تغلب ابنة وائل ( ) وموالك فتح يوم ذاك شفيعها ... فكنت أمني اهللا مولى حياتها ( ) حفائظ أخالق بطيء رجوعها ... هم تألفتهم من بعد ما شردت ب(

Page 233: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

) وأقصر غاليها وداين شسوعها ... فأبصر غاويها املحجة فاهتدى ( وجيوز أن تثقل والثقيل هو الوجه ) شردت ( جيوز أن ختفف لفظة ) تألفتهم من بعد ما شردت هبم ( فقوله

ح بني قوم تنازعوا واختلفوا وتباينت قلوهبم وآراؤهم وكل ما جييء من األلفاظ على ألنه يف مقام اإلصال هذا النحو فينبغي أن جيري هذا اجملرى

وههنا نكتة ال بد من التنبيه عليها وذلك أن قوة اللفظ لقوة املعىن ال تستقيم إال يف نقل صيغة إىل صيغة ال فإذا كانت صيغة الرباعي مثال موضوعة ملعىن فإنه ال يراد به ما أكثر منها كنقل الثالثي إىل الرباعي وإ

أريد من نقل الثالثي إىل مثل تلك الصيغة فإن الفائدة من هذا -بتشديد التاء - أال ترى أنه إذا قيل يف الثالثي قتل مث نقل إىل الرباعي فقيل قتل

لصيغة الرباعية بعينها لو وردت من غري نقل مل تكن النقل هي التكثري أي أن القتل وجد منه كثريا وهذه افإن كلم على وزن قتل ومل يرد به التكثري بل ) وكلم اهللا موسى تكليما ( دالة على التكثري كقوله تعاىل

الثي أريد به أنه خاطبه سواء كان خطابه إياه طويال أو قصريا قليال أو كثريا وهذه اللفظة رباعية وليس هلا ثنقلت عنه إىل الرباعي لكن قد وردت بعينها وهلا ثالثي ورباعي فكان الرباعي أكثر وأقوى فيما دل عليه

من املعىن وذاك

حذف

أن تكون كلم من اجلرح أي جرح وهلا ثالثي وهو كلم خمففا أي جرح فإذا وردت خمففة دلت على - ٦٠ ى التكثري اجلراحة مرة واحدة وإذا وردت مثقلة دلت عل

على وزن لفظة قتل ومع هذا ليست دالة ) رتل ( فإن لفظة ) ورتل القرآن ترتيال ( وكذلك ورد قوله تعاىل على كثرة القراءة وإمنا املراد هبا أن تكون القراءة على هيئة التأين والتدبر وسبب ذلك أن هذه اللفظة ال

عية موضوعة هلذه اهليئة املخصوصة من القراءة وعلى هذا فال ثالثي هلا حىت تنقل عنه إىل رباعي وإمنا هي ربا يستقيم معىن الكثرة والقوة يف اللفظ واملعىن إال بالنقل من وزن إىل وزن أعلى منه فاعرف ذلك

ومن ههنا شذ الصواب عمن شذ عنه يف عامل وعليم فإن مجهور علماء العربية يذهبون إىل أن عليما أبلغ يف عامل وقد تأملت ذلك وأنعمت نظري فيه فحصل عندي شك يف الذي ذهبوا إليه والذي معىن العلم من

أوجب ذلك الشك هو أن عاملا وعليما على عدة واحدة إذ كل منهما أربعة أحرف وليس بينهما زيادة كون عامل ينقل فيها األدىن إىل األعلى والذي يوجبه النظر أن يكون األمر على عكس ما ذكروه وذاك أن ي

أبلغ من عليم وسببه أن عاملا اسم فاعل من علم وهو متعد وأن عليما اسم فاعل من علم إال أنه أشبه وزن الفعل القاصر حنو شرف فهو شريف وكرم فهو كرمي وعظم فهو عظيم فهذا الوزن ال يكون إال يف الفعل

-بفتح الفاء وكسر العني - عد أال ترى أن فعل القاصر فلما أشبهه عليم احنط عن رتبة عامل الذي هو مت -بفتح الفاء وضم العني - يكون متعديا حنو علم ومحد ويكون قاصرا غري متعد حنو عضب وشبع وأما فعل

مترددا بني املتعدي والقاصر -بفتح الفاء وكسر العني - فإنه ال يكون إال قاصرا غري متعد وملا كان فعل قاصرا غري متعد صار القاصر أضعف مما يدور بني املتعدي والقاصر -تح الفاء وضم العني بف - وكان فعل

Page 234: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

وحيث كان األمر كذلك وأشبه وزن املتعدي وزن القاصر حط ذلك من درجته وجعله يف الرتبة دون ة ولرمبا املتعدي الذي ليس بقاصر هذا هو الذي أوجب يل التشكيك فيما ذهب إليه غريي من علماء العربي

كان ما ذهبوا إليه ألمر خفي عين ومل أطلع عليه

حذف

النوع الثالث عشر

يف عكس الظاهر

وهو نفي الشيء بإثباته وهو من مستطرفات علم البيان وذاك أنك تذكر كالما يدل ظاهره على أنه نفي لصفة موصوف وهو نفي للموصوف أصال أي ال ) ال تنثى فلتاته ( اهللا عنه يف وصف جملس رسول اهللا فمما جاء منه قول علي بن أيب طالب رضي

تذاع سقطاته فظاهر هذا اللفظ أنه كان مث فلتات غري أهنا ال تذاع وليس املراد ذلك بل املراد أنه مل يكن مث فلتات فتثىن وهذا من أغرب ما توسعت فيه اللغة العربية وقد ورد يف الشعر كقول بعضهم

... ) لضب بها ينجحر وال ترى ا( فإن ظاهر املعىن من هذا البيت أنه كان هناك ضب ولكنه غري منحجر وليس كذلك بل املعىن أنه مل يكن

هناك ضب أصال وهذا النوع من الكالم قليل االستعمال وسبب ذلك أن الفهم ال يكاد يأباه وال يقبله إال بقرينة خارجة عن

اه وما كان عاريا عن قرينة فإنه ال يفهم منه ما أراد قائله داللة لفظة على معن

فإن مفهوم هذا اللفظ أنه كان هناك ) ال تنثى فلتاته ( وسأوضح ذلك فأقول أما قولنا عن جملس رسول اهللا ن فلتات إال أهنا تطوى وال تنشر وتكتم وال تذاع وال يفهم منه أنه مل يكن هناك فلتات إال بقرينة خارجة عاللف وهي أنه قد ثبت يف النفوس وتقرر عند العقول أن جملس رسول اهللا منزه عن فلتات تكون به وهو

فهمنا منه أنه مل يكن هناك فلتات أصال وأما قول القائل ) إنه ال تثىن فلتاته ( أكرم من ذلك وأوقر فلما قيل ... ) وال ترى الضب بها ينجحر (

ينة ختصصه حىت يفهم منه ما فهم من األول بل املفهوم أنه كان هناك ضب ولكنه غري منجحر فإنه ال قرولقد مكثت زمانا أطوف على أقوال الشعراء قصدا للظفر بأمثلة من الشعر جارية هذا اجملرى فلم أجد إال

بيتا المريء القيس وهو ) افه العود الديافي جرجرا إذا س... على الحب ال يهتدى لمناره (

أي أن له منارا إال أنه ال يهتدي به وليس املراد ذلك بل املراد أنه ال منار له ) ال يهتدى ملناره ( فقوله يهتدي به

ويل أنا يف هذا بيت من الشعر وهو

Page 235: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

) ى الطريق غبار لذيولهن عل... أدنين جلباب الحياء فلن يرى ( وظاهر هذا الكالم أن هؤالء النساء ميشني هونا حليائهن فال يظهر لذيوهلن غبار على

الطريق وليس املراد ذلك بل املراد أهنن ال ميشني على الطريق أصال أي أهنن خمبآت ال خيرجن من بيوهتن فال وهو أظهر بيانا من قوله يكون إذا لذيوهلن على الطريق غبار وهذا حسن رائق

فمن استعمل هذا النوع من الكالم فليستعمله هكذا وإال فليدع على ... ) وال ترى الضب بها ينجحر ( أن اإلكثار من استعماله عسر ألنه ال يظهر املعىن فيه

النوع الرابع عشر

يف االستدراج

وهو خمادعات األقوال اليت تقوم مقام خمادعات األفعال وهذا الباب أنا استخرجته من كتاب اهللا تعاىلوالكالم فيه وإن تضمن بالغة فليس الغرض ههنا ذكر بالغته فقط بل الغرض ذكر ما تضمنه من النكت

الدقيقة يف استدراج اخلصم إىل اإلذعان والتسليم وإذا حقق النظر فيه علم أن مدار البالغة كلها عليه ألنه األلفاظ املليحة الرائقة وال املعاين اللطيفة الدقيقة دون أن تكون مستجلبة لبلوغ غرض انتفاع بإيراد

املخاطب هبا والكالم يف مثل هذا ينبغي أن يكون قصريا يف خالبه ال قصريا يف خطابه فإذا مل يتصرف اجلدل فكما أن ذاك الكاتب يف استدراج اخلصم إىل إلقاء يده وإال فليس بكاتب وال شبيه له إال صاحب

يتصرف يف املغالطات القياسية فكذلك هذا يتصرف يف املغالطات اخلطابية وقد ذكرت يف هذا النوع ما يتعلم منه سلوك هذه الطريق

وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إميانه أتقتلون رجال أن يقول ريب اهللا وقد ( فمن ذلك قوله تعاىل يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم إن اهللا ال جاءكم بالبينات من ربكم وإنأال ترى ما أحسن مأخذ هذا الكالم وألطفه فإنه أخذهم باالحتجاج على ) يهدي من هو مسرف كذاب

[ طريقة التقسيم فقال ال خيلو هذا الرجل من أن يكون كاذبا فكذبه يعود عليه وال يتعداه أو يكون صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم إن تعرضتم له ويف هذا الكالم من حسن األدب واإلنصاف ] ن يكن صادقا وإ

وقد علم أنه نيب صادق وأن كل ما يعدهم به ال بد ) يصبكم بعض الذي ( ما أذكره لك فأقول إمنا قال وأن يصيبهم ال

حذف

عهم طريق اإلنصاف واملالطفة يف بعضه ألنه احتجاج يف مقاولة خصوم موسى عليه السالم أن يسلك مالقول ويأتيهم من جهة املناصحة ليكون أدعى إىل سكوهنم إليه فجاء مبا علم أنه أقرب إىل تسليمهم لقوله

وهو كالم املنصف يف مقابلة ) وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم ( وأدخل يف تصديقهم إياه فقال

Page 236: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

يصبكم ( فقد أثبت أنه صادق يف مجيع ما يعد به لكنه أردف بقوله غري املشتط وذلك أنه حني فرضه صادقاليهضمه بعض حقه يف ظاهر الكالم فرييهم أنه ليس بكالم من أعطاه حقه وافيا فضال ) بعض الذي يعدكم

عن أن يتعصب له وتقدمي الكاذب على الصادق من هذا القبيل كأنه برطلهم يف صدر الكالم مبا يزعمونه أي هو على اهلدى ) إن اهللا ال يهدي من هو مسرف كذاب ( ينفروا منه وكذلك قوله يف آخر اآلية لئال

ولو كان مسرفا كذابا ملا هداه اهللا للنبوة وال عضده بالبينات ويف هذا الكالم من خداع اخلصم واستدراجه أعطيته حقه من الوصف ما ال خفاء به وقد تضمن من اللطائف الدقيقة ما إذا تأملته حق التأمل

واذكر يف الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا إذ قال ألبيه يا ( ومما جيري على هذا األسلوب قوله تعاىل أبت مل تعبد ما ال يسمع وال يبصر وال يغين عنك شيئا يا أبت إين قد جاءين من العلم ما مل يأتك فاتبعين

يطان إن الشيطان كان للرمحن عصيا يا أبت إين أخاف أن ميسك أهدك صراطا سويا يا أبت ال تعبد الشهذا كالم يهز أعطاف السامعني وفيه من الفوائد ما أذكره وهو ملا ) عذاب من الرمحن فتكون للشيطان وليا

أراد إبراهيم عليه السالم أن ينصح أباه ويعظه وينقذه مما كان متورطا فيه من اخلطأ العظيم الذي عصى به أمر العقل رتب الكالم معه يف أحسن نظام مع استعمال اجملاملة واللطف واألدب احلميد واخللق احلسن

مستنصحا يف ذلك بنصيحة ربه وذاك أنه طلب منه أوال العلة يف خطيئته طلب منبه على متاديه موقظ من ب والعقاب إال أنه بعض اخللق يستخف غفلته ألن املعبود لو كان حيا مميزا مسيعا بصريا مقتدرا على الثوا

عقل من أهله للعبادة ووصفه بالربوبية ولو كان أشرف اخلالئق كاملالئكة والنبيني فكيف مبن جعل املعبود مجادا ال يسمع وال يبصر يعين به الصنم مث ثىن على ذلك بدعوته إىل احلق مترفقا به فلم يسم أباه

علم الفائق ولكنه قال إن معي لطائفة من العلم وشيئا منه وذلك علم الداللة على باجلهل املطلق وال نفسه بالسلوك الطريق فال تستنكف وهب أين وإياك يف مسري وعندي معرفة هبداية الطريق دونك فاتبعين أجنك من

وهو عدوك أن تضل مث ثلث ذلك بتثبيطه عما كان عليه وهنيه فقال إن الشيطان الذي استعصى على ربك وعدو أبيك آدم هو الذي ورطك يف هذه الورطة وألقاك يف هذه الضاللة وإمنا ألغى إبراهيم عليه السالم

ذكر معاداة الشيطان آدم وذريته يف نصيحة أبيه ألنه إلمعانه يف اإلخالص مل يذكر من جناييت الشيطان إال ذكر معاداته آدم وذريته مث ربع ذلك بتخويفه إياه اليت ختتص باهللا وهي عصيانه واستكباره ومل يلتفت إىل

فنكر العذاب ) إين أخاف أن ميسك عذاب ( سوء العاقبة فلم يصرح بأن العقاب الحق به ولكنه قال توسال إليه واستعطافا وهذا خبالف ما ) يا أبت ( مالطفة ألبيه وصدر كل نصيحة من هذه النصائح بقوله

فأقبل عليه بفظاظة الكفر وغلظ العناد فناداه ) أراغب أنت عن آهليت يا إبراهيم ( ل أجابه به أبوه فإنه قاألنه كان أهم عنده ) أراغب أنت ( بامسه ومل يقابل قوله يا أبت بقوله يا بين وقدم اخلرب على املبتدأ يف قوله

وفيه ضرب من التعجب واإلنكار لرغبة إبراهيم عن آهلته مواضع كثرية من هذا اجلنس ال سيما يف خماطبات األنبياء صلوات اهللا عليهم للكفار ويف القرآن الكرمي

والرد عليهم ويف هذين املثالني املذكورين ههنا كفاية ومقنع وبلغين حديث تفاوض فيه احلسني بن علي رضي اهللا عنهما ومعاوية بن أيب سفيان يف أمر ولده يزيد وذاك

Page 237: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

ما أمك فاطمة فإهنا خري من أمه وبنت رسول اهللا خري من امرأة من كلب وأما حيب أن معاوية قال للحسني أيزيد فإين لو أعطيت به مثلك ملء الغوطة ملا رضيت وأما أبوك وأبوه فإهنما حتاكما إىل اهللا فحكم ألبيه على

ه فإن معاوية أبيك وهذا كالم من معاوية كلما أمررته بفكري عجبت من سداده فضال عن بالغته وفصاحتعلم ما لعلي رضي اهللا عنه من السبق إىل اإلسالم واألثر فيه وما عنده من فضيلة العلم فلم يعرض يف

املنافرة

شيء من ذلك ومل يقل أيضا إن اهللا أعطاين الدنيا ونزعها منكم ألن هذا ال فضل فيه إذ الدنيا يناهلا الرب وهذا قول ) إن أباك وأباه حتاكما إىل اهللا فحكم ألبيه على أبيك ( والفاجر وإمنا صانع عن ذلك كله بقوله

إيهامي يوهم شبهة من احلق وإذا شاء من شاء أن ينافر خصمه ويستدرجه إىل الصمت عن اجلواب فليقل هكذا

النوع اخلامس عشر

يف اإلجياز

البالغة من سبق إىل غايتها وهو حذف زيادات األلفاظ وهو نوع من الكالم شريف ال يتعلق به إال فرسان وما صلى وضرب يف أعلى درجاهتا بالقدح املعلى وذلك لعلو مكانه وتعذر إمكانه

والنظر فيه إمنا هو إىل املعاين ال إىل األلفاظ ولست أعين بذلك أن هتمل األلفاظ حبيث تعرى عن أوصافها اين فرب لفظ قليل يدل على معىن كثري ورب احلسنة بل أعين أن مدار النظر يف هذا النوع إمنا خيتص باملع

لفظ كثري يدل على معىن قليل ومثال هذا كاجلوهرة الواحدة بالنسبة إىل الدراهم الكثرية فمن ينظر إىل طول األلفاظ يؤثر الدراهم بكثرهتا ومن ينظر إىل شرف املعاين يؤثر اجلوهرة الواحدة لنفاستها وهلذا مسى

ب وإذا نظرنا إىل جمموعها وجدناه يسريا وليست من الكثرة إىل غاية تكون هبا أم النيب الفاحتة أم الكتا البقرة وآل عمران وغريها من السور الطوال فعلمنا حينئذ أن ذلك األمر يرجع إىل معانيها

وما والكالم يف هذا املوضع خيرج بنا إىل غري ما حنن بصدده ألنه حيتاج فيه إىل ذكر املراد بالقرآن الكرمي يشتمل عليه سوره وآياته إىل حصر أقسام معانيه لكنا نشري يف ذلك إشارة خفيفة فنقول

املراد بالقرآن هو دعوة العباد إىل اهللا تعاىل ولذلك احنصرت سوره وآياته يف ستة أقسام ثالثة منها هي األصول وثالثة هي الفروع

تعاىل ويشتمل هذا األصل على ذكر ذاته وصفاته أما األصول فاألول منها تعريف املدعو إليه وهو اهللاوأفعاله واألصل الثاين تعريف الصراط املستقيم الذي جتب مالزمته يف السلوك إىل اهللا تعاىل ويشتمل هذا

األصل على التبتل بعبادة اهللا بأفعال القلب وأفعال اجلوارح واألصل الثالث تعريف احلال بعد الوصول إىل

حذف

Page 238: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

أعين بعد املوت ويشتمل هذا األصل على تفصيل أحوال الدار اآلخرة من اجلنة والنار والصراط اهللا تعاىل وامليزان واحلساب وأشباه ذلك فهذه األصول الثالثة

وأما الفروع فاألول منها تعريف أحوال اجمليبني للدعوة ولطائف صنع اهللا هبم من النصرة واإلدالة وتعريف ة واحملادين هلا وكيفية صنع اهللا يف التدمري عليهم والتنكري هبم والفرع الثاين ذكر أحوال املخالفني للدعو

جمادلة اخلصوم وحماجتهم ومحلهم باجملادلة واحملاجة على طريق احلق وهؤالء هم اليهود والنصارى ومن جيري الث تعريف عمارة منازل جمراهم من أرباب الشرائع والفالسفة وامللحدة من غري أرباب الشرائع والفرع الث

الطريق وكيفية أخذ الزاد واألهبة لالستعداد وذاك قياس الشريعة وتبيني احلكمة يف أوامرها اليت تتعلق بأفعال أهل التكليف

فهذه األقسام الستة املشار إليها هي اليت تدور معاين القرآن عليها وال تتعداها وههنا تقسيم آخر يطول إىل ذكره اخلطب فيه وال حاجة

وإذا نظرنا إىل سورة الفاحتة وتأملنا ما فيها من املعاين وجدناها مشتملة على أربعة أقسام من الستة املذكورة وإذا نظرنا يف ) إن سورة اإلخالص تعدل ثلث القرآن ( كما أنه قال ) أم الكتاب ( ولذلك مساها النيب

) آية الكرسي سيدة آي القرآن ( رآن وكذلك قال األقسام الستة وجدنا سورة اإلخالص مبنزلة ثلث القأي آية معك يف كتاب اهللا أعظم ؟ فقال اهللا ال إله إال ( ويروى أنه سأل أيب بن كعب رضي اهللا عنه فقال

وكل هذا يرجع إىل املعاين ال إىل األلفاظ ) هو احلي القيوم فضرب يف صدره وقال ليهنك العلم أبا املنذر لرموزه وأسراره فاعرف ذلك وبينه

واعلم أن مجاعة من مدعي علم البيان ذهبوا إىل أن الكالم ينقسم قسمني فمنه ما حيسن فيه اإلجياز كاألشعار واملكاتبات ومنه ما حيسن فيه التطويل كاخلطب والتقليدات وكتب الفتوح اليت تقرأ يف مأل من

أفهمهم ولو اقتصر فيه على اإلجياز واإلشارة مل عوام الناس فإن الكالم إذا طال يف مثل ذلك أثر عندهم و

يقع ألكثرهم حىت يقال يف ذكر احلرب التقى اجلمعان وتطاعن الفريقان واشتد القتال ومحي النضال وما جرى هذا اجملرى

واملذهب عندي يف ذلك ما أذكره وهو أن فهم العامة ليس شرطا معتربا يف اختيار الكالم ألنه لو كان لوجب على قياسه أن يستعمل يف الكالم األلفاظ العامية املبتذلة عندهم ليكون ذلك أقرب إىل فهمهم شرطا

ألن العلة يف اختيار تطويل الكالم إذا كانت فهم العامة إياه فكذلك جتعل تلك العلة بعينها يف اختيار املبتذل يقل ابتذاهلم إياه وهذا شيء مدفوع وأما من الكالم فإنه ال خالف يف أن العامة إىل فهمه أقرب من فهم ما

الذي جيب توخيه واعتماده فهو أن يسلك املذهب القومي يف تركيب األلفاظ على املعاين حبيث ال تزيد هذه على هذه مع اإليضاح واإلبانة وليس على مستعمل ذلك أن يفهم العامة كالمه فإن نور الشمس إذا مل يره

يف استنارته وإمنا النقص يف بصر األعمى حيث مل يستطع النظر إليه األعمى ال يكون ذلك نقصا ) وما علي بأن ال تفهم البقر ... علي نحت القوافي من معادنها (

وحيث انتهى بنا القول إىل هذا املوضع فلنرجع إىل ما هو غرضنا ومهمنا من الكالم على اإلجياز وحده

Page 239: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

قسامه ونوضح ذلك إيضاحا جليا واهللا املوفق للصواب وأفنقول حد اإلجياز هو داللة اللفظ على املعىن من غري أن يزيد عليه والتطويل هو ضد ذلك وهو أن يدل

املعىن بلفظ يكفيك بعضه يف الداللة عليه كقول اهلجري السلويل من أبيات احلماسة ) إىل غاية من يبتدرها يقدم ... وسابق طلوع الثنايا بالمطايا(

فصدر هذا البيت فيه تطويل ال حاجة إليه وعجزه من حماسن الكالم املتواصفة وموضع التطويل من صدره طلوع الثنايا باملطايا ( أنه قال ا من فإن لفظة املطايا فضلة ال حاجة إليها وبيان ذلك أنه ال خيلو األمر فيه)

وجهني إما أن يريد أنه سابق اهلمة إىل معايل األمور كما قال احلجاج على املنرب عند وصوله العراق ... ) أنا ابن جال وطالع الثنايا (

ما أشرت إليه فذكر ) طلوع الثنايا ( أي أنا الرجل املشهور السابق إىل معايل األمور فإن أراد العجري بقوله يا يفسد ذلك املعىن ألن معايل األمور ال يرقى إليها باملطايا وإن أراد الوجه اآلخر وهو أنه كثري األسفار املطا

فاختصاصه الثنايا بالذكر دون األرض من املفاوز وغريها ال فائدة فيه وعلى كال الوجهني فإن ذكر املطايا فضلة ال حاجة إليه وهو تطويل بارد غث

ال ما جيري جمراه من التطويالت اليت إذا أسقطت من الكالم بقي على حاله مل يتغري شيء فقس على هذا املثوكذلك جيري األمر يف ألفاظ يوصل هبا الكالم فتارة جتيء لفائدة وذلك قليل وتارة جتيء لغري فائدة وذلك

ي ولعمرك وحنو أصبح كثري وأكثر ما ترد يف األشعار ليوزن هبا األبيات الشعرية وذلك حنو قوهلم لعمر وأمسى وظل وأضحى وبات وأشباه ذلك وحنو يا صاحيب ويا خليلي وما جيري هذا اجملرى

فمما جاء منه قول أيب متام ) وكانت أحق بفضل القضاء ... أقروا لعمري لحكم السيوف (

يها وهو حشو يف هذا البيت ال فائدة فيه إال إصالح الوزن ال زيادة ال حاجة للمعىن إل) لعمري ( فإن قوله غري أال ترى أهنا من باب القسم وإمنا يرد القسم يف موضع يؤكد به املعىن املراد إما ألنه مما يشك فيه أو مما

أن يعز وجوده أو ما جرى هذا اجملرى وهذا البيت الشعري ال يفتقر معناه إىل توكيد قسمي إذ ال شك يف السيوف حاكمة وأن كل أحد يقر حلكمها ويذعن لطاعتها وكذلك قوله أيضا

) بليت به الغداة فمن ألوم ... إذا أنا لم ألم عثرات دهر ( العشي وإمنا زيادة ال حاجة للمعىن إليها ألنه يتم بدوهنا ألن عثرات الدهر مل تنله الغداة وال ) الغداة ( فقوله

نالته ونيلها إياه البد وأن يقع يف زمن من األزمنة كائنا ما كان وال حاجة إىل تعيينه بالذكر وعلى هذا ورد قول البحتري

) يا صاحبي إذا مضت لم ترجع ... ما أحسن األيام إال أنها ( ملعىن إليها إال أهنا وردت لتصحيح الوزن ال غري زيادة ال حاجة با) يا صاحيب ( فقوله

وهذه األلفاظ اليت ترد يف األبيات الشعرية لتصحيح الوزن ال عيب فيها ألنا لو عبناها على الشعراء حلجرنا

Page 240: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

عليهم وضيقنا والوزن يضطر يف بعض األحوال إىل مثل ذلك لكن إذا وردت يف الكالم املنثور فإهنا إن رد لفائدة كانت عيبا وردت حشوا ومل ت

وقد ترد يف األبيات الشعرية ويكون ورودها لفائدة وذلك هو األحسن كقول البحتري ) أولى األنام بكل عرض وافر ... قوم أهانوا الوفر حتى أصبحوا (

الوافرة وهذه اللفظة مل ترد يف هذا مبعىن صاروا أي أهنم صاروا أوىل الناس باألعراض) أصبحوا ( فقوله البيت حشوا كما وردت يف بييت أيب متام املقدم ذكرمها

وسأزيد هذا املوضع بيانا مبثال أضربه للتطويل حىت يستدل به على أمثاله وأشباهه واملثال الذي أضربه هو ان وأخذوا يف مفاوضة حكاية أوردت مبحضر مين وذاك أنه جلس إيل يف بعض األيام مجاعة من اإلخو

األحاديث وانساق ذلك إىل ذكر غرائب الوقائع اليت تقع يف العامل فذكر كل من اجلماعة شيئا فقال شخص منهم إين كنت باجلزيرة العمرية يف زمن امللك فالن وكنت إذ ذاك صبيا صغريا فاجتمعت أنا ونفر من

لبين فالن وأخذنا نلعب على السطح فوقع صيب منا الصبيان يف احلارة الفالنية وصعدنا إىل سطح طاحونإىل أرض الطاحون فوطئه بغل منبغال الطاحون فخفنا أن يكون آذاه فأسرعنا النزول إليه فوجدناه قد وطئه

البغل فختنه ختانة صحيحة حسنة ال يستطيع الصانع احلاذق أن يفعل خريا منها فقال له شخص من فاحش وتطويل كثري ال حاجة إليه فإنه بصدد أن تذكر أنك كنت صبيا تلعب احلاضرين واهللا إن هذا عي

مع الصبيان على سطح طاحون فوقع صيب منكم إىل أرض الطاحون فوطئه بغل من

الطاحون فختنه ومل يؤذه وال فرق بني أن تكون هذه الواقعة يف بلد نعرفه أو يف بلد ال نعرفه ولو كانت ملغرب مل يكن ذلك قدحا يف غرابتها وأما أن تذكر أهنا كانت باجلزيرة العمرية يف بأقصى املشرق أو بأقصى ا

احلارة الفالنية يف طاحون بين فالن وكان زمن امللك فالن فإن مثل هذا كله تطويل ال حاجة إليه واملعىن املقصود يفهم بدونه

الداللة على املعاين ومهما أمكنك حذف فاعلم أيها الناظر يف كتايب هذا أن التطويل هو زيادات األلفاظ يف شيء من اللفظ يف الداللة على معىن من املعاين فإن ذلك اللفظ هو التطويل بعينه

وأما اإلجياز فقد عرفتك أنه داللة اللفظ على املعىن من غري أن يزيد عليه اللة فحوى الكالم على وهو ينقسم قسمني أحدمها اإلجياز باحلذف وهو ما حيذف منه املفرد واجلملة لد

احملذوف وال يكون إال فيما زاد معناه على لفظه والقسم اآلخر ما ال حيذف منه شيء وهو ضربان أحدمها مأساوي لفظه معناه ويسمى التقدير واآلخر ما زاد معناه على لفظه ويسمى القصر

لفة يف استخراجه ملكان احملذوف واعلم أن القسم األول الذي هو اإلجياز باحلذف يتنبه له من غري كبري ك منه

وأما القسم الثاين فإن التنبه له عسر ألنه حيتاج إىل فضل تأمل وطول فكرة خلفاء ما يستدل عليه وال يستنبط ذلك إال من رست قدمه يف ممارسة علم البيان وصار له خليقة وملكة ومل أجد أحدا علم هذين

وقد أشرت إىل ذلك فيما يأيت من هذا الباب عند تفصيل أمثلتهما فليؤخذ القسمني بعالمة وال قيدمها بقيد

Page 241: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

من هناك فإن قيل إن هذا التقسيم الذي قسمته يف احملذوف وغري احملذوف ليس بصحيح ألن املعاين ليس أجساما

ة فليس لقائل كاأللفاظ حىت يصح التقدير بينهما مث لو سلمت جواز التقدير يف املساواة مل أسلم جواز الزيادأن يقول هذا املعىن زائد على هذا اللفظ ألنه إن قال ذلك قيل فمن أين فهمت تلك الزيادة اخلارجة عن

اللفظ وقد علم أن األلفاظ إمنا وضعت للداللة على إفهام املعاين

ن اللفظ فإن قال إهنا فهمت من شيء خارج عن اللفظ قيل له فتلك الزيادة بإزاء ذلك الشيء اخلارج عوالباقي مساو للفظ وإن قال إهنا فهمت من اللفظ قيل فكيف تفهم منه وهي زائدة عليه ؟ فإن قال إهنا

فهمت من تركيبه ألن التركيب أمر زائد على اللفظ قيل األلفاظ تدل بانفرادها على معىن وبتركيبها على د يدل على معىن مفرد وتلك الزيادة إن أريد معىن آخر واللفظ املركب يدل على معىن مركب واللفظ املفر

هبا زيادة معىن املركب على املركب فال خيلو إما أن تكون تلك الزيادة مفهومة من داللة اللفظ املركب عليها أو من داللة شيء خارج فإن كانت مفهومة من داللته عليها مل تكن زائدة عليه إذ لو كانت زائدة

نت مفهومة من داللة الشيء اخلارج عنه فهي بإزاء ذلك الشيء اخلارج والباقي عليه ملا دل عليها وإن كا مساو للباقي

فاجلواب عن ذلك أن نقول هذا الذي ذكره كالم شبيه بالسفسطة وهو باطل من وجهني أحدمها أن املعاين ألهنما متالزمان على إذا كانت ال تزيد على األلفاظ فيلزم من ذلك أن األلفاظ ال تزيد أيضا على املعاين

قياسك وحنن نرى معىن قد دل عليه بألفاظ فإذا أسقط من تلك األلفاظ شيء ال ينقص ذلك املعىن بل يبقى على حاله والوجه اآلخر إن اإلجياز باحلذف أقوى دليال على زيادة املعاين على األلفاظ إلنا نرى اللفظ يدل

رورة ال بد منه فعلمنا حينئذ أن ذلك املعىن الزائد على اللفظ على معىن مل بتضمنه وفهم ذلك املعىن ض مفهوم من داللته عليه

فإن قيل إن املعىن الزائد على اللفظ احملذوف ال بد له من تقدير لفظ آخر يدل عليه وتلك الزيادة بإزاء ىن على اللفظ ألن ذلك اللفظ املقدر قلت يف اجلواب عن ذلك هذا ال ينقص ما ذهبت إليه من زيادة املع

املعىن ظاهر واللفظ الدال عليه مضمر وإذا كان مضمرا فال ينطق به وإذا مل ينطق به فكأنه مل يكن وحينئذ يبقى املعىن موجودا واللفظ الدال عليه غري موجود وكذلك كل ما يعلم من املعاين مبفهوم اخلطاب أال ترى

علم أن األهل والسهل منصوبان بعامل حمذوف تقديره وجدت أنك إذا قلت ملن دخل عليك أهال وسهال أهال ولقيت سهال إال أن لفظيت وجدت ولقيت

حمذوفتان واملعىن الذي دال عليه باق فصار املعىن حينئذ مفهوما مع حذفهما فهو إذا زائد ال حمالة وكذلك يه لبيانه ووضوحه مجيع احملذوفات على اختالفها وتشعب مقاصدها وهذا ال نزاع ف

وقد سنح يل يف زيادة املعىن على اللفظ من غري احملذوفات دليل أنا ذاكره وهو أنا جند من الكالم ما يدل على معنيني وثالثة واللفظ واحد واملعاين اليت حتته متعددة

به رضي اهللا عنهم فأما الذي يدل على معنيني فالكنايات مجيعها كالذي ورد يف احلديث عن النيب وعن أصحا

Page 242: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

أهنم كانوا إذا خرجوا من عنده ال يتفرقون إال عن ذواق وهذا يدل على معنيني أحدمها إطعام الطعام أي أهنم ال خيرجون من عنده حىت يطعموا اآلخر أهنم ال يتفرقون إال عن استفادة علم وأدب يقوم ألنفسهم

مقام الطعام ألجسامهم ) ١( ول أيب الطيب املتنيب وأما الذي يدل على ثالثة فكق

) لمن بات يف نعمائه يتقلب ... وأظلم أهل الظلم من بات حاسدا ( فهذا يدل على ثالثة معان األول أنه حيسد من أنعم عليه الثاين ضد األول الثالث أنه حيسد كل رب نعمة

نفسه يتقلب كائنا من كان أي حيسد من بات يف نعماءوهذا وأمثاله من أدل الدليل على زيادة املعىن على اللفظ وهو شيء استخرجته ومل يكن ألحد فيه قول

سابق وحيث فرغنا من الكالم على هذا املوضع فلنتبعه بذكر أقسام اإلجياز املشار إليها أوال وما ينصرف إليه

فنقول أما اإلجياز باحلذف فإنه عجيب األمر شبيه

بالسحر وذاك أنك ترى فيه ترك الذكر أفصح من الذكر والصمت عن اإلفادة أزيد لإلفادة وجتدك أنطق ما تكون إذا مل تنطق وأمت ما تكون مبينا إذا مل تبني وهذه مجلة تنكرها حىت خترب وتدفعها حىت تنظر

ا يدل على احملذوف فإن مل يكن واألصل يف احملذوفات مجيعها على اختالف ضروهبا أن يكون يف الكالم مهناك دليل على احملذوف فإنه لغو من احلديث ال جيوز بوجه وال سبب ومن شرط احملذوف يف حكم البالغة

أنه مىت أظهر صار الكالم إىل شيء غث ال يناسب ما كان عليه أوال من الطالوة واحلسن وقد يظهر هل والسهل يدل على ناصب حمذوف وليس هلذا من احملذوف باإلعراب كقولنا وسهال فإن نصب األ

احلسن ما للذي ال يظهر باإلعراب وإمنا يظهر بالنظر إىل متام املعىن كقولنا فالن حيل ويعقد فإن ذلك ال يظهر احملذوف فيه باإلعراب وإمنا يظهر بالنظر إىل متام املعىن أي أنه حيل األمور ويعقدها والذي يظهر

ملفردات من احملذوفات كثريا والذي ال يظهر باإلعراب يقع يف اجلمل من احملذوفات كثريا باإلعراب يقع يف اوسأذكر يف كتايب هذا ما وصل إيل علمه وهو ينقسم قسمني أحدمها حذف اجلمل واآلخر حذف املفردات

وقد يرد كالم يف بعض املواضع ويكون مشتمال على القسمني معا الذي حتذف منه اجلمل فإنه ينقسم إىل قسمني أيضا أحدمها حذف اجلمل املفيدة اليت فأما القسم األول وهو

تستقل بنفسها كالما وهذا أحسن احملذوفات مجيعها وأدهلا على االختصار وال تكاد جتده يف كتاب اهللا تعاىل رب والقسم اآلخر حذف اجلمل غري املفيدة وقد وردا ههنا خمتلطني ومجلتهما أربعة أض

الضرب األول حذف السؤال املقدر ويسمى االستئناف ويأيت على وجهني الوجه األول إعادة األمساء والصفات وهذا جييء تارة بإعادة اسم من تقدم

احلديث عنه كقولك أحسنت إىل زيد زيد حقيق باإلحسان وتارة جييء بإعادة صفته كقولك أحسنت إىل منك وهو أحسن من األول وأبلغ والنطوائه على بيان املوجب لإلحسان زيد صديقك القدمي أهل لذلك

وختصيصه

Page 243: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

آمل ذلك الكتاب ال ريب فيه هدى للمتقني الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون ( فمما ورد من ذلك قوله تعاىل أولئك الصالة ومما رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون مبا أنزل إليك وما أنزل من قبلك وباآلخرة هم يوقنون

( ألنه ملا قال ) أولئك ( واالستئناف واقع يف هذا الكالم على ) على هدى من رهبم وأولئك هم املفلحون اجته لسائل أن يقول ما بال املستقلني هبذهالصفات قد ) باآلخرة هم يوقنون ( إىل قوله ) آمل ذلك الكتاب

يفوزوا دون الناس باهلدى عاجال وبالفالح اختصوا باهلدى ؟ فأجيب بأن أولئك املوصوفني غري مستبعد أن آجال

ومايل ال أعبد الذي فطرين وإليه ( الوجه الثاين االستئناف بغري إعادة األمساء والصفات وذلك كقوله تعاىل ترجعون أأختذ من دونه آهلة إن يردن الرمحن بضر ال تغن عين شفاعتهم شيئا وال ينقذون إين إذا لفي ضالل

آمنت بربكم فامسعون قيل ادخل اجلنة قال يا ليت قومي يعلمون مبا غفر يل ريب وجعلين من مبني إين فمخرج هذا القول خمرج االستئناف ألن ذلك من مظان املسألة عن حاله عند لقاء ربه وكأن ) املكرمني

وحه ؟ فقيل قائال قال كيف حال هذا الرجل عند لقاء ربه بعد ذلك التصلب يف دينه والتسخي لوجهه برقيل ادخل اجلنة ومل يقل قيل له النصباب الغرض إىل املقول ال إىل املقول له مع كونه معلوما وكذلك قوله

مرتب على تقدير سؤال سائل عما وجد ) يا ليت قومي يعلمون ( تعاىل ه عذاب يا قوم اعملوا على مكانتكم إين عامل سوف تعلمون من يأتي( ومن هذا النحو قوله عز و جل

قل يا قوم ( والفرق بني إثبات الفاء يف سوف كقوله تعاىل ) خيزيه ومن هو كاذب وارتقبوا إين معكم رقيب وبني حذف ) اعملوا على مكانتكم إين عامل فسوف تعلمون من يأتيه عذاب خيزيه وحيل عليه عذاب مقيم

الفاء ههنا يف هذه اآلية أن إثباهتا وصل ظاهر حبرف موضوع للوصل

حذف

وحذفها وصل خفي تقديري باالستئناف الذي هو جواب لسؤال مقدر كأهنم قالوا فماذا يكون إذا عملنا حنن على مكانتنا وعملت أنت فقال سوف تعلمون فوصل تارة بالفاء وتارة باالستئناف للتفنن يف البالغة

تتكاثر حماسنه فاعرفه إن شاء اهللا تعاىل وأقوى الوصلني وأبلغهما االستئناف وهو قسم من أقسام علم البيان الضرب الثاين االكتفاء بالسبب عن املسبب وباملسبب عن السبب

وما كنت جبانب الغريب إذ قضينا إىل موسى األمر وما ( فأما االكتفاء بالسبب عن املسبب فكقوله تعاىل قال وما كنت شاهدا ملوسى وما جرى كأنه) كنت من الشاهدين ولكنا أنشأنا قرونا فتطاول عليهم العمر

له وعليه ولكنا أوحيناه إليك فذكر سبب الوحي الذي هو إطالة الفترة ودل به على املسبب الذي هو الوحي على عادة اختصارات القرآن ألن تقدير الكالم ولكنا أنشأنا بعد عهد الوحي إىل موسى إىل عهدك

العمر أي أمد انقطاع الوحي فاندرست -القرن الذي أنت فيهم وهو -قرونا كثرية فتطاول على آخرهم العلوم فوجب إرسالك إليهم فأرسلناك وعرفناك العلم بقصص األنبياء وقصة موسى فاحملذوف إذا مجلة

مفيدة وهي مجلة مطولة دل السبب فيها على املسبب الطور إذ نادينا ولكن رمحة من ربك لتنذر وما كنت جبانب( وكذلك ورد قوله تعاىل عقيب هذه اآلية أيضا

Page 244: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

وما ( فإن يف هذا الكالم حمذوفا لواله ملا فهم ألنه قال ) قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون وهذا ال بد له من حمذوف حىت يستقيم نظم الكالم ) كنت جبانب الطور إذ نادينا ولكن رمحة من ربك

وأوحينا إليك رمحة من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك فذكر وتقديره ولكن عرفناك ذلك الرمحة اليت هي سبب إرساله إىل الناس ودل هبا على املسبب الذي هو اإلرسال

قالت أىن ( وأما حذف اجلملة غري املفيدة من هذا الضرب فنحو قوله تعاىل حكاية عن مرمي عليها السالم سين بشر ومل أك بغيا قال كذلك قال ربك هو علي هني ولنجعله آية للناس ورمحة منا يكون يل غالم ومل ميس

) وكان أمرا مقضيا

تعليل معلله حمذوف أي وإمنا فعلنا ذلك لنجعله آية للناس فذكر السبب الذي ) ولنجعله آية للناس ( فقوله ذي هو الفعل صدر الفعل من أجله وهو جعله آية للناس ودل به على املسبب ال

ومما ورد من ذلك يف األخبار النبوية قصة الزبري بن العوام رضي اهللا عنه والرجل األنصاري الذي خاصمه اسق مث أرسل املاء إىل ( يف شراح احلرة اليت يسقي منها النخل فلما حضرا بني يدي رسول اهللا قال للزيرب

اسق يا ( بن عمتك فتلون وجه رسول اهللا وقال فغضب األنصاري وقال يا رسول اهللا أن كان ا) جارك ويف هذا الكالم حمذوف تقديره أن كان ابن عمتك حكمت له أو ) زبري مث احبس املاء حىت يرجع إىل اجلدر

قضيت له أو ما جرى هذا اجملرى فذكر السبب الذي هو كونه ابن عمته ودل به على املسبب الذي هو لكالم عليه احلكم أو القضاء لداللة ا

أي ) فإذا قرأت القرآن فاستعذ باهللا من الشيطان الرجيم ( وأما االكتفاء باملسبب عن السبب فكقوله تعاىل إذا أردت قراءة القرآن فاكتفى باملسبب الذي هو القراءة عن السبب الذي هو اإلرادة والدليل على ذلك

القراءة كقول القائل إذا ضربت زيدا فاجلس فإن أن االستعاذة قبل القراءة والذي دلت عليه أهنا بعداجللوس إمنا يكون بعد الضرب ال قلبه وهذا أوىل من تأول من ذهب إىل أنه أراد فإذا تعوذت فاقرأ فإن

ذلك قلبا ال ضرورة تدعو إليه وأيضا فليس كل مستعيذ واجبة عليه القراءة والوضوء إمنا يكون قبل الصالة ال ) صالة فاغسلوا وجوهكم إذا قمتم إىل ال( وعلى هذا ورد قوله تعاىل

عند القيام إليها ألن القيام إليها هو مباشرة ألفعاهلا من الركوع والسجود والقراءة وغري ذلك وهذا إمنا يكون بعد الوضوء وتأويل اآلية إذا أردت القيام إىل الصالة فاغسل فاكتفى باملسبب عن السبب

أي إذا أراد القيام إىل الصالة وإمنا يعرب عن ) إذا قام أحدكم إىل الصالة فليتوضأ ( النيب وكذلك ورد قولإرادة الفعل بلفظ الفعل ألن الفعل مسبب عن اإلرادة وهو مع القصد إليه موجود فكان منه بسبب

ومالبسة ظاهرة

أي فضرب فانفجرت ) عينا فقلنا اضرب بعصاك احلجر فانفجرت منه اثنتا عشرة( ومن ذلك قوله تعاىل منه فاكتفى باملسبب الذي هو االنفجار عن السبب الذي هو الضرب

الضرب الثالث وهو اإلضمار على شريطة التفسري وهو أن حيذف من صدر الكالم ما يؤتى به يف آخره فيكون اآلخر دليال على األول

Page 245: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

وهو ينقسم إىل ثالثة أوجه أفمن شرح اهللا صدره ( ستفهام فتذكر اجلملة األوىل دون الثانية كقوله تعاىل األول أن يأيت على طريق اال

تقدير اآلية أفمن ) لإلسالم فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوهبم من ذكر اهللا أولئك يف ضالل مبني ) فويل للقاسية قلوهبم ( شرح اهللا صدره لإلسالم كمن أقسى قلبه ويدل على احملذوف قوله

ال يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل ( الوجه الثاين يرد على حد النفي واإلثبات كقوله تعاىل تقديره ال يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل ) أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا ) من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا أولئك أعظم درجة ( ومن أنفق من بعده وقاتل ويدل على احملذوف قوله

الوجه الثالث أن يرد على غري هذين الوجهني فال يكون استفهاما وال نفيا وإثباتا وذلك كقول أيب متام ) فكأنما حسناته آثام ... يتجنب اآلثام ثم يخافها (

جييء فيه وهذا البيت ختتلف نسخ ديوانه يف إثباته فمنها ما ) فكأنما حسناته آثام ... يتجنب األيام خيفة غيها (

وليس بشيء ألن املعىن ال يصح به وكنت سئلت عن معناه وقيل كيف ينطبق عجز البيت على صدره وإذا يف القرآن الكرمي جتنب اآلثام وخافها فكيف تكون حسناته آثاما ؟ فأفكرت فيه وأنعمت نظري فسنح يل

ويف صدر البيت إضمار فسر يف عجزه ) والذين يؤتون ما آتوا وقلوهبم وجلة ( آية مثله وهي قوله تعاىل وتقديره أنه يتجنب اآلثام فيكون قد أتى حبسنة مث خياف تلك احلسنة فكأمنا حسناته آثام وهو على طباق

اآلية سواء أيب نواس ومن اإلضمار على شريطة التفسري قول

) فإذا أحببت فاستكن ... سنة العشاق واحدة ( فحذف لفظ االستكانة من األول وذكره يف الثاين أي سنة العشاق واحدة وهي االستكانة فإذا أحببت

العشاق ما هي وهذا ال معىن له ألنه إذا مل يبني سنة ) فإذا أحببت فاستنن ( فاستكن ومن الناس من يقول فبأي شيء يسنت املسنت منها لكنه ذكر السنة يف صدر البيت من غري بيان مث بينها يف عجزه

الضرب الرابع ما ليس بسبب وال مسبب وال إضمار على شريطة التفسري وال استئناف ن سبع سنني قال تزرعو( فأما ما حذف فيه من اجلمل املفيدة فكقوله تعاىل يف سورة يوسف عليه السالم

دأبا فما حصدمت فذروه يف سنبله إال قليال مما تأكلون مث يأيت من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم هلن إال قد حذف ) قليال مما حتصنون مث يأيت من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون وقال امللك ائتوين به

ل إليهم فأخربهم مبقالة يوسف فعجبوا هلا أو فصدقوه عليها من هذا الكالم مجلة مفيدة تقديرها فرجع الرسووقال امللك ائتوين به واحملذوف إذا كان كذلك دل عليه الكالم داللة ظاهرة ألنه إذا ثبتت حاشيتا الكالم

وحذف وسطه ظهر احملذوف داللة احلاشيتني عليه بشري ألقاه على وجهه فارتد بصريا قال أمل فلما أن جاء ال( وكذلك ورد قوله تعاىل يف هذه السورة أيضا

أقل لكم إين أعلم من اهللا ما ال تعلمون قالوا يا أبانا

Page 246: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئني قال سوف استغفر لكم ريب إنه هو الغفور الرحيم فلما دخلوا على يوسف من هذا الكالم مجلة مفيدة تقديرها قد حذف أيضا ) آوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصر إن شاء اهللا آمنني

مث إهنم جتهزوا وساروا إىل مصر فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه وحرمنا عليه املراضع من ( وقد ورد هذا الضرب يف القرآن الكرمي كثريا كقوله تعاىل يف سورة القصص يف هذا ) اه إىل أمه كي تقر عينها قبل فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون فرددن

احتاج إىل جواب ) هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم ( حمذوف وهو جواب االستفهام ألهنا ملا قالت لينتظم مبا بعده من رده إىل أمه واجلواب فقالوا نعم فدلتهم على امرأة فجيء هبا وهي أمه ومل يعلموا مبكاهنا

تدل على احملذوف ألن رده إىل أمه مل -) فرددناه إىل أمه ( أعين قوله تعاىل -ثانية فأرضعته وهذه اجلملة اليكن إال بعد رد اجلواب على أخته وداللتها إياهم على امرأة ترضعه ويكفي هذا املوضع وحده ملن يتبصر يف

مواقع احملذوفات وكيفيتها يه السالم وقصة اهلدهد يف إرساله بالكتاب إىل ومما جيري على هذا املنهج قوله تعاىل يف قصة سليمان عل

قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبني اذهب بكتايب هذا فألقه إليهم مث تول عنهم فانظر ماذا ( بلقيس ويف هذا حمذوف تقديره فأخذ الكتاب وذهب به فلما ) يرجعون قالت يأيها املأل إين ألقي إيل كتاب كرمي

ته قالت يا أيها املأل ألقاه إىل املرأة وقرأومن حذف اجلمل املفيدة ما يعسر تقدير احملذوف منه خبالف ما تقدم أال ترى أن اآليات املذكورة كلها إذا

تأملها املتأمل وجد معانيها متصلة من غري تقدير للمحذوفات اليت حذفت منها مث إذا قدر تلك احملذوفات اآلن ليس كذلك بل إذا تأمله املتأمل وجده غري متصل املعىن وإذا سهل تقديرها ببديهة النظر والذي أذكره

أراد أن يقدر احملذوف عسر عليه وما ينظر هؤالء إال صيحة واحدة ما هلا من ( فمما جاء منه قوله تعاىل

اب فواق وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم احلساب اصرب على ما يقولون واذكر عبدنا داود ذا األيد إنه أوفهذا الكالم إذا تأمله املتأمل مل جيده متصل املعىن ومل يتبني له جميء ذكر داود عليه السالم ردفا لقوله تعاىل ) وإذا أراد أن يقدر ههنا حمذوفا يوصل به املعىن عسر عليه وتقديره حيتمل وجهني ) اصرب على ما يقولون (

أمر معصية اهللا وعظمها يف عيوهنم بذكر قصة داود الذي وخوفهم ) اصرب على ما يقولون ( أحدمها أنه قال كان نبيا من األنبياء وقد آتاه اهللا ما آتاه من النبوة وامللك العظيم مث ملا زل زلة قوبل بكذا وكذا فما الظن

واحفظ نفسك أن تزل يف شيء مما ) اصرب على ما يقولون ( بكم أنتم مع كفركم ؟ الوجه اآلخر أنه قال من مصابرهتم واحتمال أذاهم واذكر أخاك داود وكرامته على اهللا كيف زل تلك الزلة فلقي من كلفته

توبيخ اهللا ما لقي فهذا الكالم كما تراه حيتاج إىل تقدير حىت يتصل بعضه ببعض وهو من أغمض ما يأيت من احملذوفات وبه يتنبه على مواضع أخرى غامضة

يا زكريا إنا نبشرك ( اجلمل اليت ليست مبفيدة فنحو قوله تعاىل وأما ما ورد من هذا الضرب يف حذفبغالم امسه حيىي مل جنعل له من قبل مسيا قال رب أىن يكون يل غالم وكانت امرأيت عاقرا وقد بلغت من الكرب

Page 247: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

عتيا قال كذلك قال ربك هو علي هني وقد خلقتك من قبل ومل تك شيئا قال رب اجعل يل آية قال آيتك ال تكلم الناس ثالث ليال سويا فخرج على قومه من احملراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا يا حيىي أ

هذا الكالم قد حذف منه مجلة دل عليها صدره وهو البشرى ) خذ الكتاب بقوة وآتيناه احلكم صبيا ب بقوة فاجلملة احملذوفة ليس من بالغالم وتقديرها وملا جاءه الغالم ونشأ وترعرع قلنا له يا حيىي خذ الكتا

اجلمل املفيدة ولقد قال هلم هرون من قبل يا قوم إمنا فتنتم به وإن ربكم الرمحن فاتبعوين ( على هذا النهج ورد قوله تعاىل

وأطيعوا أمري قالوا لن نربح عليه عاكفني حىت يرجع إلينا موسى قال يا هرون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا أال عصيت أمري تتبعين أف

حذف

وقد ) قال يا ابن أم ال تأخذ بلحييت وال برأسي إين خشيت أن تقول فرقت بني بين إسرائيل ومل ترقب قويل حذف من هذا الكالم مجلة إال أهنا غري مفيدة وتقديرها فلما رجع موسى ورآهم على تلك احلال من عبادة

تتبعين العجل قال ألخيه هرون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا أالقال أيكم يأتيين بعرشها قبل أن ( وكذلك ورد قوله تعاىل يف قصة سليمان عليه السالم من سورة النمل

يأتوين مسلمني قال عفريت من اجلن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإين عليه لقوي أمني قال الذي ه مستقرا عنده قال هذا من فضل ريب عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فلما رآ

ليبلوين أأشكر أم أكفر ومن شكر فإمنا يشكر لنفسه ومن كفر فإن ريب غين كرمي قال نكروا هلا عرشها ننظر ويف هذا حمذوف وتقديره فلما جاء به قال نكروا هلا عرشها ألن ) أهتتدي أم تكون من الذين ال يهتدون

إليه وقد أغىن عن احملذوف صدر الكالم وآخره وكان ذلك دليال عليه تنكريه مل يكن إال بعد أن جيء به ومما ورد على ذلك شعرا قول أيب الطيب املتنيب

) قلبي من الهم أو جسمي من السقم ... ال أبغض العيس لكني وقيت بها ( يس إلنضائي إياها يف األسفار ولكين وقيت هبا كذا وكذا فالثاين وهذا البيت فيه حمذوف تقديره ال أبغض الع

دليل على حذف األول وهذا موضع حيتاج يف استخراجه واستخراج أمثاله إىل فكرة وتدقيق نظر

فإن هذا حيتاج إىل متام أي أكرب من ) اهللا أكرب ( ومما يتصل هبذا الضرب حذف ما جييء بعد أفعل كقولنا كرب من كل شيء يتوهم كبريا أو ما جرى هذا اجملرى ومثله يرد قوهلم زيد أحسن وجها كل كبري أو أ

وأكرم خلقا تقديره أحسن وجها من غريه وأكرم خلقا من غريه أو ما يسد هذا املسد من الكالم

وعليه ورد قول البحتري ) فضل الذي ال ينكر وحباك بال... اهللا أعطاك املحبة يف الورى ( ) وأجل قدرا يف الصدور وأكبر ... وألنت أمأل يف العيون لديهم (

Page 248: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

أي أنت أمأل يف العيون من غريك أما القسم الثاين املشتمل على حذف املفردات فإنه يتصرف على أربعة عشر ضربا

يف الداللة عليه بذكر الفعل كقول العرب أرسلت وهم يريدون جاء املطر األول حذف الفاعل واالكتفاء وال يذكرون السماء ومنه قول حامت

) إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر ... أماوي وما يغني الثراء عن الفتى ( يرد النفس ومل جير هلا ذكر

للنفس ومل جير هلا ) بلغت ( والضمري يف ) كال إذا بلغت التراقي وقيل من راق ( اىل وعلى هذا ورد قوله تع ذكر

وقد نص عثمان بن جين رمحه اهللا تعاىل على عدم اجلواز يف حذف الفاعل وهذه اآلية وهذا البيت الشعري على اإلطالق بل وهذه الكلمة الواردة عن العرب على خالف ما ذهب إليه إال أن حذف الفاعل ال جيوز

جيوز فيما

هذا سبيله وذاك أنه ال يكون إال فيما دل الكالم عليه أال ترى أن اليت تبلغ التراقي إمنا هي النفس وذلك ( عند املوت فعلم حينئذ أن النفس هي املرادة وإن كان الكالم خاليا عن ذكرها وكذلك قول حامت

ملوت فإن احلشرجة إمنا تكون عند ا) حشرجت وهم يريدون أرسلت السماء فإن هذا يقولونه نظرا إىل احلال وقد شاع فيما ) أرسلت ( وأما قول العرب

بينهم أن هذه كلمة تقال عند جميء املطر ومل ترد يف شيء من أشعارهم وال يف كالمهم املنثور وإمنا يقوهلا ( ظاهر وذاك أن ) بلغت التراقي ( وبني )حشرجت ( بعضهم لبعض إذا جاء املطر فالفرق بينها وبني

( يفهم منها أن النفس اليت حشرجت وأهنا هي اليت بلغت التراقي وأما ) بلغت التراقي ( و ) حشرجت فلوال شاهد احلال وإال مل جيز أن تكون دالة على جميء املطر ولو قيل يف معرض االستسقاء إنا ) أرسلت

أرسلت لفهم من ذلك أن اليت أرسلت هي السماء وال بد يف الكالم من خرجنا نسأل اهللا فلم نزل حىت دليل على احملذوف وإال كان لغوا ال يلتفت إليه

الضرب الثاين حذف الفعل وجوابه اعلم أن حذف الفعل ينقسم قسمني أحدمها يظهر بداللة املفعول عليه ل على حمذوف ناصب تقديره احلق أهلك وبادر يد) أهلك والليل ( كقوهلم يف املثل أهلك والليل فنصب

) فقال هلم رسول اهللا ناقة اهللا وسقياها ( الليل وهذا مثل يضرب يف التحذير وعليه ورد قوله تعاىل ومما ورد منه يف األخبار النبوية أن جابرا تزوج فقال له رسول اهللا ما تزوجت ؟

حذف

يريد فهال تزوجت جارية فحذف الفعل لداللة الكالم ) وتالعبك فهال جارية تالعبها ( قال ثيبا فقال له عليه

ومما ورد منه شعرا قول أيب الطيب املتنيب يف قصيدته الكافية اليت ميتدح هبا عضد الدولة أبا شجاع بن بويه

Page 249: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

ومطلعها ... ) فدى لك من يقصر عن مداكا (

وجوابه لتعلق األبيات بعضها ببعض وهي من حماسن ما يؤتى به يف وسأذكر املوضع الذي حذف منه الفعل معىن الوداع ومل يأت لغريه مثلها وهي

) عليك الصمت ال صاحبت فاكا ... إذا التوديع أعرض قال قليب ( ) ناكا معاودة لقلت وال م... ولوال أن أكثر ما تمىن ( ) وأقتل ما أعلك ما شفاكا ... قد استشفيت من داء بداء ( ) هموما قد أطلت لها العراكا ... فأكتم ؟ منك نجوانا وأخفي ( ) كاكا وإن طاوعتها كانت ر... إذا عاصيتها كانت شدادا ( ) يقول له قدومي ذا بذاكا ... وكم دون الثوية من حزين ( ) يقبل رحل تروك والوراكا ... ومن عذب الرضاب إذا أنخنا ( ) وصاكا وقد عبق العبري به... يحرم أن يمس الطيب بعدي ( ) فليت النوم حدث عن نداكا ... يحدث مقلتيه النوم عني ( ) إذا انتبهت توهمه ابتشاكا ... وما أرضى لمقلته بحلم (

) ا وال إال بأن يصغي وأحكي فليتك ال يتيمه هواك( ) وال إال بأن يصغي وأحكي ( فيه حمذوف وتقديره وال صاحبت مناكا وكذلك قوله ) وال مناكا ( فقوله

فإن فيه حمذوفا تقديره وال أرضى إال بأن يصغي وأحكي أما القسم اآلخر فإنه ال يظهر فيه قسم الفعل ألنه ال يكون هناك منصوب يدل عليه وإمنا يظهر بالنظر إىل

الكالم مالءمةلقد ( فقوله ) وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة ( فمما جاء منه قوله تعاىل

حيتاج إىل إضمار فعل أي فقيل هلم لقد جئتمونا أو فقلنا هلم ) جئتمونا أذهبتم ويوم يعرض الذين كفروا على النار( وقد استعمل هذا القرآن الكرمي يف غري موضع كقوله تعاىل

حيتاج إىل تقدير الفعل املضمر ) أذهبتم طيباتكم يف حياتكم الدنيا ( فقوله ) طيباتكم يف حياتكم الدنيا ووصينا اإلنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك على أن تشرك يب ما ليس لك به ( وكذلك ورد قوله تعاىل

قول أي وقلنا إن جاهداك على أن تشرك يب ال بد له من إضمار ال) وإن جاهداك ( فقوله ) علم فال تطعهما ما ليس لك به علم فال تطعهما

وهو ) فامجعوا أمركم وشركاءكم ( ومن هذا الضرب إيقاع الفعل على شيئني وهو ألحدمها كقوله تعاىل ألمركم وحده وإمنا املراد أمجعوا أمركم وادعوا شركاءكم ألن معىن أمجعوا من أمجع األمر إذا نواه وعزم

وهذا دليل على ما أشرت إليه ) فامجعوا أمركم وادعوا شركاءكم ( عليه وقد قرأ أيب رضي اهللا عنه وكذلك هو مثبت يف مصحف عبد اهللا بن مسعود رضي اهللا عنه

Page 250: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

ومن حذف الفعل باب يسمى باب إقامة املصدر مقام الفعل وإمنا يفعل ذلك لضرب من املبالغة أصله فاضربوا ) فضرب الرقاب ( قوله ) لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب فإذا( والتوكيدكقوله تعاىل

الرقاب ضربا فحذف الفعل

حذف

وأقيم املصدر مقامه ويف ذلك اختصار مع إعطاء معىن التوكيد املصدري فجزم ) فذرهم خيوضوا ويلعبوا ( وأما حذف جواب الفعل فإنه ال يكون يف األمر احملتوم كقوله تعاىل

وحذف اجلواب يف هذا ال يدخل يف باب اإلجياز ألنا إذا قلنا ) فذرهم ( وضوا ويلعبوا ألهنما جواب أمر خيذرهم أي اتركهم ال حيتاج ذلك إىل جواب وكذلك ما جيري جمراه وإمنا يكون اجلواب بالفاء يف ماض

تينا موسى الكتاب ولقد آ( كقولنا قلت له اذهب فذهب وحينئذ يظهر اجلواب احملذوف كقوله تعاىل أال ترى كيف ) وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا فقلنا اذهبا إىل القوم الذين كذبوا بآياتنا فدمرناهم تدمريا

حذف جواب األمر يف هذه اآلية فإن تقديره فقلنا اذهبا إىل القوم الذين كذبوا بآياتنا فذهبا إليهم فكذبومها أوهلا وآخرها ألهنما املقصود من القصة بطوهلا أعين إلزام احلجة ببعثة فدمرناهم تدمريا فذكر حاشييت القصة

الرسل واستحقاق التدمري بتكذيبهم قالوا يا أبانا مالك ال تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون أرسله معنا ( ومن هذا الضرب أيضا قوله تعاىل

به وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون غدا يرتع ويلعب وإنا له حلافظون قال إين ليحزنين أن تذهبوا) قالوا لئن أكله الذئب وحنن عصبة إنا إذا خلاسرون فلما ذهبوا به وأمجعوا أن جيعلوه يف غيابة اجلب فلما ( فجواب األمر من هذا الكالم حمذوف تقديره فأرسله معهم ويدلنا على ذلك ما جاء بعده من قوله

وقال الذي جنا منهما وادكر بعد أمة أنا انبئكم بتأويله ( يف قوله عز و جل كما حذف أيضا) ذهبوا به اآلية فجواب األمر من هذا املوضع حمذوف ) فأرسلون يوسف أيها الصديق أفتنا يف سبع بقرات مسان

وقال امللك ائتوين به( وتقديره فأرسلوه إىل يوسف فأتاه فقال له يوسف أيها الصديق وكذلك قوله تعاىل فلما جاءه الرسول قال ارجع إىل ربك فاسأله ما بال النسوة الاليت قطعن أيديهن إن ريب بكيدهن عليم قال

اآلية ففي هذا الكالم حذف واختصار استغىن عنه بداللة احلال ) ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه وقال هلن ما خطبكن عليه وتقديره فرجع الرسول إىل امللك برسالة يوسف فدعا امللك بالنسوة

حذف

وقد حذف ) ائتوين به أستخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكني أمني ( وهكذا ورد قوله تعاىل جواب األمر ههنا وتقديره فأتوه به فلما كلمه ويف سورة يوسف عليه السالم حمذوفات كثرية من أوهلا إىل

آخرها ذوفات املذكورة ههنا اليت كأهنا مل حتذف من هذا الكالم لظهور معناها وبيانه فانظر أيها املتأمل إىل هذه احمل

Page 251: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

وداللة احلال عليه وعلى حنو من ذلك ينبغي أن تكون حمذوفات الكالم الضرب الثالث حذف املفعول به وذلك مما حنن بصدده أخص فإن اللطائف فيه أكثر وأعجب كقولنا فالن

ر وينفع واألصل يف ذلك على إثبات املعىن املقصود يف نفسك للشيء على حيل ويعقد ويربم وينقض ويض اإلطالق

) وأنه هو أضحك وأبكى وأنه هو أمات وأحيا ( وعلى هذا جاء قوله تعاىل وملا ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دوهنم ( ومن بديع ذلك قوله عز و جل ما قالتا ال نسقي حىت يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبري فسقى هلما مث توىل إىل امرأتني تذودان قال ما خطبك

فإن يف هاتني اآليتني قد حذف املفعول به يف أربعة أماكن إذ ) الظل فقال رب إين ملا أنزلت إيل من خري فقري ينا فسقى هلما املعىن وجد أمة من الناس يسقون مواشيهم وامرأتني تذودان مواشيهما وقالتا ال نسقي مواش

مواشيهما ألن الغرض أن يعلم أنه كان من الناس سقي ومن االمرأتني ذود وأهنما قالتا ال يكون منا سقى حىت يصدر الرعاء وأنه كان من موسى عليه السالم بعد ذلك سقي فأما كون املسقي غنما أو إبال أو غري

ذلك فخارج عن الغرض ل البعيث بن حريث من أبيات احلماسة وقد ورد يف الشعر من هذا النوع قو

) وعبس وقد كانا على جد منكب ... دعاني يزيد بعد ما ساء ظنه ( ) سوى محضري من حاضرين وغيب ... وقد علما أن العشرية كلها (

يف موضع مفعول علما األول وتقدير الكالم ) أن العشرية ( ألن قوله حمذوف ) علما ( فاملفعول الثاين من قد علما أن العشرية سوى حمضري من حاضرين وغيب ال غناء عندهم أو سواء حضورهم وغيبتهم أو ما

جرى هذا اجملرى بسمعهم لو شاء اهللا لذهب( ومن هذا الضرب أيضا حذف املفعول الوارد بعد املشيئة واإلرادة كقوله تعاىل

فمفعول شاء ههنا حمذوف وتقديره ولو شاء اهللا أن يذهب بسمعهم وأبصارهم لذهب هبا ) وأبصارهم ومما جاء على مثال ذلك شعرا قول ) ولو شاء اهللا جلمعهم على اهلدى ( وعلى حنو من ذلك جاء قوله تعاىل

البحتري ) ما ولم تهدم مآثر خالد كر... لو شئت لم تفسد سماحة حاتم (

األصل يف ذلك لو شئت أال تفسد مساحة حامت مل تفسدها فحذف ذلك من األول استغناء بداللته عليه يف الثاين

وقد تقدم أن من الواجب يف حكم البالغة أال تنطق باحملذوف وال تظهره إىل اللفظ ولو أظهرت لصرت إىل كالم غث

وبعد حروف اجلزاء هكذا موقوفة غري معداة إىل شيء كثري شائع بني البلغاء ولقد ) لو ( بعد وجميء املشيئةحىت إهنم ال يكادون يربزون املفعول إال يف الشيء املستغرب ) أراد ( و ) شاء ( تكاثر هذا احلذف يف

) لو أراد اهللا أن يتخذ ولدا الصطفى مما خيلق ما يشاء ( كقوله تعاىل

Page 252: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

األسلوب جاء قول الشاعر على هذا ) عليه ولكن ساحة الصبر أوسع ... ولو شئت أن أبكي دما لبكيته (

لوجب أن يقول ولو شئت لبكيت دما ) ولو شاء اهللا جلمعهم على اهلدى ( فلو كان على حد قوله تعاىل أليق يف هذا املوضع وسبب ذلك أنه كان بدعا عجيبا أن يشاء ولكنه ترك تلك الطريقة وعدل إىل هذه ألنه

اإلنسان أن يبكي دما فلما كان مفعول املشيئة مما يستعظم ويستغرب كان األحسن أن يذكر وال يضمر الضرب الرابع وهو حذف املضاف واملضاف إليه وإقامة كل واحد منهما مقام اآلخر وذلك باب عريض

العرب وإن كان أبو احلسن األخفش رمحه اهللا ال يرى القياس عليه طويل شائع يف كالمفحذف ) حىت إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون ( فأما حذف املضاف فكقوله تعاىل

أي ) واسئل القرية ( املضاف إىل يأجوج ومأجوج وهو سدمها كما حذف املضاف إىل القرية يف قوله تعاىل أهل القرية

أي خصله من اتقى وإن شئت كان تقديره ولكن ذا ) ولكن الرب من اتقى ( ن ذلك أيضا قوله عز و جل ومالرب من اتقى واألوىل أوىل ألن حذف املضاف ضرب من االتساع واخلرب أوىل بذلك من املبتدأ ألن االتساع

حبذف اإلعجاز أوىل منه حبذف الصدور أي من أثر حافر فرس الرسول ) فقبضت قبضة من أثر الرسول ( وقد حذف املضاف مكررا يف قوله تعاىل

وهذا الضرب أكثر اتساعا من غريه ومما جاء منه شعرا قول بعضهم من شعراء احلماسة

) كفى قوما بصاحبهم خبريا ... إذا القيت قومي فاسأليهم ( ) إذا عسرت وأقتطع الصدورا ... يهم هل اعفو عن أصول الحق ف(

أراد أنه يقتطع ما يف الصدور من الضغائن واألوغام أي يزيل ذلك بإحسانه من عفو وغريه فحذف املضاف وأقام املضاف إليه مقامه

ومن بعده أي من قبل ذلك ) هللا األمر من قبل ومن بعد ( أما حذف املضاف إليه فإنه قليل االستعمال ولو يؤاخذ اهللا الناس مبا كسبوا ما ترك على ظهرها ( ورمبا أدخل يف هذا املوضع ما ليس منه كقوله تعاىل

قيل أراد ظهر األرض فحذف املضاف إليه وليس كذلك فإن اهلاء واأللف قائمة مقام األرض أال ) من دابة يريد األرض ألنه ضمري راجع إليها) ظهرها ( ترى أن قوله

وكذلك ورد قول جرير ) بأقطارها لم تدر من أين تسرح ... إذا أخذت قيس عليك وخندف (

وهذا ال يسمى إجيازا وإمنا هو تعويض بالضمري عن الضمري كل الضرب اخلامس وهو حذف املوصوف والصفة وإقامة كل منهما مقام اآلخر وال يكون اطراده يف

موضع وأكثره جييء يف الشعر وإمنا كانت كثرته يف الشعر دون الكالم املنثور المتناع القياس يف اطراده فمما جاء منه يف الشعر قول البحتري من أبيات يف صفة إيوان كسرى فقال يف

Page 253: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

ة يف ذكر التصاوير اليت يف اإليوان وذلك أن الفرس كانت حتارب الروم فصوروا صورة مدينة أنطاكي اإليوان وحرب الروم والفرس عليها فمما ذكره يف ذلك قوله

) ارتعت بين روم وفرس ... وإذا ما رأيت صورة أنطاكية ( ) ٣) ( يزجي الصفوف تحت الدرفس ... واملنايا مواثل وأنوشروان ( ... ) باس على أصفر يختال يف صبيغة ورس يف اخضرار من الل(

علم ) على أصفر ( أي على فرس أصفر وهذا مفهوم من قرينة احلال ألنه ملا قال ) على أصفر ( فقوله بذلك أنه أراد فرسا أصفر

مها من مقامات والصفة اليت تأيت يف الكالم على ضربني إما للتأكيد والتخصيص وإما للمدح والذم وكالاإلسهاب والتطويل ال من مقامات اإلجياز واالختصار وإذا كان األمر كذلك مل يلق احلذف به هذا مع ما

ينضاف إليه من االلتباس وضد البيان أال ترى أنك إذا قلت مررت بطويل مل ينب من هذا اللفظ املمرور به لى هذا فحذف املوصوف إمنا هو شيء قام الدليل إنسان هو أم رمح أم ثوب أم غري ذلك وإذا كان األمر ع

عليه أو شهدت به احلال وإذا استبهم كان حذفه غري الئق ومما يؤكد عندك ضعف حذفه أنك جتد من الصفات ما ال ميكن حذف موصوفه وذاك أن تكون الصفة مجلة

بوه ولقيت وجهه حسن حنو مررت برجل قام أبوه ولقيت غالما وجهه حسن أال تراك لو قلت مررت بقام أ مل جيز

وآتينا مثود ( وقد ورد حذف املوصوف وإقامة الصفة مقامه يف غري موضع من القرآن الكرمي كقوله تعاىل فإنه مل يرد أن الناقة كانت ) الناقة مبصرة

مبصرة ومل تكن عمياء وإمنا يريد آية مبصرة فحذف املوصوف وأقام الصفة مقامه صوف يف مواضع كثرية فوجدت أكثر وقوعه يف النداء ويف املصدر أما النداء ولقد تأملت حذف املو

تقديره يا ) يا أيها الساحر ( فكقوهلم يا أيها الظريف تقديره يا أيها الرجل الظريف وعليه ورد قوله تعاىل آمنوا وأما املصدر تقديره يا أيها القوم الذين ) يا أيها الذين آمنوا ( أيها الرجل الساحر وكذلك قوله تعاىل

تقديره ومن تاب وعمل عمال صاحلا ) ومن تاب وعمل صاحلا فإنه يتوب إىل اهللا متابا ( فكقوله تعاىل وأنا منا الصاحلون ومنا دون ذلك ( وقد أقيمت الصفة الشبيهة باجلملة مقام املوصوف املبتدأ يف قوله تعاىل

أي قوم دون ذلك ) املوصوف مقامها فإنه أقل وجودا من حذف املوصوف وإقامة الصفة مقامه وال وأما حذف الصفة وإقامة

يكاد يقع يف الكالم إال نادرا ملكان استبهامه فمن ذلك ما حكاه سيبويه رمحه اهللا من قوهلم سري عليه ليل وهو يريدون ليل طويل وإمنا حذفت الصفة يف

يف كالم القائل لذلك من التطريح والتطويح والتفخيم هذا املوضع ملا دل من احلال عليه وذاك أنه حيسن والتعظيم ما يقوم مقام قوله طويل وأنت حتس هذا من نفسك إذا تأملته وهو أن يكون يف مدح إنسان

أي رجال فاضال أو شجاعا أو كرميا أو ما جرى هذا اجملرى من ) كان واهللا رجال ( والثناء عليه فتقول

Page 254: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

أي إنسانا مسحا أو جوادا أو ما أشبهه فعلى هذا وحنوه ) سألناه فوجدناه إنسانا ( الصفات وكذلك تقول حتذف الصفة فأما إن عريت عن الداللة عليها من اللفظ أو احلال فإن حذفها ال جيوز

وقد تأملت حذفها فوجدته ال يسوغ إال يف صفة تقدمها ما يدل عليها أو تأخر عنها أو فهم ذلك من شيء عنها خارج

أما السفينة فكانت ملساكني يعملون يف البحر فأردت أن ( أما الصفة اليت تقدمها ما يدل عليها فقوله تعاىل أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة

فأردت أن ( فحذف الصفة أي كان يأخذ كل سفينة صحيحة غصبا ويدل على احملذوف قوله ) غصبا رجها عن كوهنا سفينة وإمنا املأخوذ هو الصحيح دون املعيب فحذفت الصفة فإن عيبه إياها مل خي) أعيبها

ههنا ألنه تقدمها ما يدل عليها وأما اليت تأخر عنها ما يدل عليها فقول بعض شعراء احلماسة

... ) كل امريء ستئيم منه العرس أو منها يئيم ( إذ ال تئيم هي إال من ) ستئيم منه أو منها يئيم ( ل عليه ما بعده من قوله فإنه أراد كل امريء متزوج إذ د

زوج وال يئيم هو إال من زوجة فجاء بعد املوصوف ما دل عليه ولوال ذلك ملا صح معىن البيت إذ ليس كل امريء يئيم من عرس إال إذا كان متزوجا

ال صالة جلار املسجد إال يف املسجد ( ل النيب وأما ما يفهم حذف الصفة فيه من شيء خارج عن الكالم فقوفإنه قد علم علم جواز صالة جار املسجد يف غري املسجد من غري هذا احلديث فعلم حينئذ أن املراد به )

الفضيلة والكمال وهذا شيء مل يعلم من نفس اللفظ وإمنا علم من شيء خارج عنه الضرب السادس وهو حذف الشرط وجوابه

فالفاء يف ) يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون ( الشرط فنحو قوله تعاىل فأما حذفجواب شرط حمذوف ألن املعىن إن أرضي واسعة فإن مل ختلصوا يل العبادة يف أرض ) فاعبدون ( قوله تعاىل

فأخلصوها يف غريها

معىن االختصاص واإلخالص مث حذف الشرط وعوض من حذفه تقدمي املفعول مع إفادة تقدميه أي فحلق فعليه فدية ) فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففديه ( ومن هذا الضرب قوله تعاىل

وكذلك قوهلم الناس جمزيون بأعماهلم إن خريا فخريا وإن شرا فشرا أي إن فعل املرء خريا جزي خريا وإن فعل شرا جزي شرا

تقدير ذلك ) ومن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ( ء قوله تعاىل وعلى حنو من ذلك جافأفطر فعدة من أيام أخر وهلذا ذهب داود الظاهري إىل األخذ بظاهر اآلية ومل ينظر إىل حذف الشرط

فأوجب القضاء على املريض واملسافر سواء أفطر أم مل يفطر م الساعة يقسم اجملرمون ما لبثوا غري ساعة كذلك كانوا يؤفكون يوم تقو( ومن حذف الشرط قوله تعاىل

وقال الذين أوتوا العلم واإلميان لقد لبثتم يف كتاب اهللا إىل يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم ال

Page 255: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

وحقيقتها أهنا يف جواب شرط ) فقد جئنا خراسانا ( اعلم أن هذه الفاء اليت يف قول الشاعر ) تعلمون يدل عليه الكالم كأنه قال إن صح ما قلتم إن خراسان أقصى ما يراد بنا فقد جئنا خراسان وآن لنا حمذوف

أن خنلص وكذلك هذه اآلية يقول إن كنتم منكرين للبعث فهذا يوم البعث أي قد تبني بطالن قولكم هد شاهد من بين قل أرأيتم إن كان من عند اهللا وكفرمت به وش( أما حذف جواب الشرط فكقوله تعاىل

فإن جواب الشرط ههنا حمذوف تقديره ) إسرائيل على مثله فآمن واستكربمت إن اهللا ال يهدي القوم الظاملني إن كان القرآن من عند

) إن اهللا ال يهدي القوم الظاملني ( اهللا وكفرمت به ألستم ظاملني ويدل على احملذوف قوله تعاىل وابه الضرب السابع وهو حذف القسم وج

أي واهللا ألفعلن أو غري ذلك من األقسام احمللوف هبا ) ألفعلن ( فأما حذف القسم فنحو قولك والفجر وليال عشر والشفع والوتر والليل إذا يسر هل يف ذلك قسم ( وأما حذف جوابه فكقوله تعاىل

فجواب القسم ههنا ) الد لذي حجر أمل تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد اليت مل خيلق مثلها يف الب( إىل قوله ) أمل تر كيف فعل ربك بعاد ( حمذوف تقديره ليعذبن أو حنوه ويدل على ذلك ما بعده من قوله

) سوط عذاب ق والقرآن اجمليد بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون ( ومما ينتظم يف هذا السلك قوله تعاىل

( لقرآن اجمليد لتبعثن والشاهد على ذلك ما بعده من ذكر البعث يف قوله فإن معناه ق وا) هذا شيء عجيب ) أئذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد

والنازعات غرقا والناشطات نشطا ( وقد ورد هذا الضرب يف القرآن كثريا كقوله تعاىل يف سورة النازعات فجواب القسم ههنا ) لراجفة تتبعها الرادفة والساحبات سبحا فالسابقات سبقا فاملدبرات أمرا يوم ترجف ا

يوم ترجف ( حمذوف تقديره لتبعثن أو لتحشرن ويدل على ذلك ما أتى من بعده من ذكر القيامة يف قوله وكذلك إىل آخر السورة ) الراجفة تتبعها الرادفة

وجواهبا وذاك من ألطف ضروب اإلجياز وأحسنها ) لو ( الضرب الثامن وهو حذف ما اختذ اهللا من ولد وما كان معه من إله إذا ( فكقوله تعاىل ) لو ( حذف فأما

ISLAM ICBOOK.WS ين| ٢٠١٠ م لمسل احة لجميع ا مت ق لحقو ع ا جمي

Page 256: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

لشاعر: كتاب وا لكاتب ا أدب ئر يف لسا ملثل ا اعبدالكرمي املوصلي : املؤلف بن بن حممد نصراهللا الدين لفتح ضياء ا أيب

تقديره ذلك إذا لو كان معه آهلة لذهب كل إله مبا خلق ) لذهب كل إله مبا خلق ولعلى بعضهم على بعض تقديره ) وال ختطه بيمينك إذا الرتاب املبطلون وما كنت تتلو من قبله من كتاب ( وكذلك ورد قوله تعاىل

إذا لو فعلت ذلك الرتاب املبطلون وهذا من أحسن احملذوفات ومما جاء من ذلك شعرا قول بعضهم يف صدر احلماسة

) بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا ... لو كنت من مازن لم تستبح إبلي ( ) عند الحفيظة إن ذو لوثة النا ... إذا لقام بنصري معشر خشن (

مث حذفها يف ) مل تستبح إبلي ( فلو يف البيت الثاين حمذوفة ألهنا يف البيت األول قد استوفت جواهبا بقوله كانوا قومي لقام بنصري معشر الثاين وتقدير حذفها إذا لو كنت معهم لقام بنصري معشر خشن وإذا لو

حسن فإنه كثري شائع وذلك كقولك لو زرتنا ملا أملمت بنا معناه ألحسنا إليك أو ) لو ( وأما حذف جواب

ألكرمناك أو ما جرى هذا اجملرى فإن ) ولو ترى إذ فزعوا فال فوت وأخذوا من مكان قريب ( مما ورد منه يف القرآن الكرمي قوله تعاىل

ههنا حمذوف تقديره لرأيت أمرا عظيما وحاال هائلة أو غري ذلك مما جرى جمراه ) و ل( جواب ويقولون مىت هذا الوعد إن كنتم صادقني لو يعلم الذين كفروا ( ومما جاء على حنو من هذا قوله عز و جل

قت الذي تقديره لو يعلمون الو) حني ال يكفون عن وجوههم النار وال عن ظهورهم وال هم ينصرون يستعجلونه وهو وقت صعب شديد حتيط هبم فيه النار من وراء وقدام وال يقدرون على دفعها عن أنفسهم

وال جيدون ناصرا ينصرهم ملا كانوا بتلك الصفة من الكفر واالستهزاء واالستعجال ولكن جهلهم به هو الذي هونه عليهم

حذف

فجواب لو يف هذا ) يل بكم قوة أو آوي إىل ركن شديد لو أن( ومما جيري على هذا النهج قوله تعاىل أي لو أن يل بكم قوة لدفعتكم ) ولو أن قرآنا سريت به اجلبال ( املوضع حمذوف كما حذف يف قوله تعاىل

لكان هذا القرآن ) ولو أن قرآنا سريت به اجلبال ( أو منعتكم أو ما أشبهه وكذلك قوله الضروب املذكورة وأوضحها لعلم املخاطب به ألن قوله تعاىل حكاية وهذا الضرب من احملذوفات أظهر

إىل أن الكالم ] فيه [ يتسارع الفهم ) لو أن يل بكم قوة أو آوي إىل ركن شديد ( عن لوط عليه السالم حيتاج إىل جواب

ينة عمورية ومما جاء منه شعرا قول أيب متام يف قصيدته البائية اليت ميدح هبا املعتصم عند فتحه مد ) له العواقب بين السمر والقضب ... لو يعلم الكفر كم من أعصر كمنت (

Page 257: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

فإن هذا حمذوف اجلواب تقديره لو يعلم الكفر ذلك ألخذ أهبة احلذار أو غري ذلك حيذف ما دل عليه مكان واعلم أن حذف هذا اجلواب ال يسوغ يف أي موضع كان من الكالم وإمنا

ولو فتحنا عليهم بابا من السماء ( احملذوف أال ترى أنه قد ورد يف القرآن الكرمي غري حمذوف كقوله تعاىل وهذا ليس كالذي تقدم من اآليات ) فظلوا فيه يعرجون لقالوا إمنا سكرت أبصارنا بل حنن قوم مسحورون

و حذف اجلواب فيها مل يعلم مكانه ألنه حيتمل وجوها منها ألن تلك علم مكان احملذوف منها وهذه اآلية لأن يقال ملا آمنوا أو لطلبوا ما وراء ذلك وقد تقدم القول يف أول باب اإلجياز أنه ال بد من داللة الكالم

على احملذوف ) لوال ( الضرب التاسع وهو حذف جواب

م شهداء إال أنفسهم فشهادة أحدهم أربع والذين يرمون أزواجهم ومل يكن هل( فمن ذلك قوله تعاىل شهادات باهللا إنه ملن الصادقني واخلامسة أن لعنت اهللا عليه إن كان من الكاذبني ويدرأ عنها العذاب أن

تشهد أربع شهادات باهللا إنه ملن الكاذبني واخلامسة أن غضب اهللا عليها إن كان من الصادقني ولوال فضل ههنا حمذوف تقديره ملا أنزل عليكم هذا احلكم ) لوال ( فجواب ) تواب حكيم اهللا عليكم ورمحته وأن اهللا

بطريق التالعن وستر عليكم هذه الفاحشة بسببه إن الذين حيبون أن تشيع الفاحشة يف الذين آمنوا هلم عذاب أليم يف الدنيا ( وكذلك ورد قوله تعاىل

تقديره ولوال ) عليكم ورمحته وأن اهللا رءوف رحيم واآلخرة واهللا يعلم وأنتم ال تعلمون ولوال فضل اهللا فضل اهللا عليكم ورمحته لعجل لكم العذاب أو فعل بكم كذا وكذا

) أما ( وجواب ) ملا ( الضرب العاشر وهو حذف جواب نا فلما أسلما وتله للجبني وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إ( فكقوله تعاىل ) ملا ( فأما حذف جواب

ههنا حمذوف وتقديره فلما أسلما وتله للجبني وناديناه أن يا ) ملا ( فإن جواب ) كذلك جنزي احملسنني إبراهيم قد صدقت الرؤيا كان ما كان مما ينطق به احلال وال حييط به الوصف من استبشارمها واغتباطهما

ا أشبه ذلك مما اكتسباه هبذه احملنة من وشكرمها على ما أنعم به عليهما من دفع البالء العظيم بعد حلوله ومعظائم الوصف دنيا وآخرة وقوله إنا كذلك جنزي احملسنني تعليل لتخويل ما خوهلما من الفرح والسرور

بعد تلك الشدة العظيمة ) فأما الذين اسودت وجوههم أكفرمت بعد إميانكم ( فنحو قوله تعاىل ) أما ( وأما حذف جواب

) إذا ( وهو حذف جواب الضرب احلادي عشر وإذا قيل هلم اتقوا ما بني أيديكم وما خلفكم لعلكم ترمحون وما تأتيهم من آية ( فمما جاء منه قوله تعاىل

يف هذا الكالم وهو ) إذا ( أال ترى كيف حذف اجلواب عن ) من آيات رهبم إال كانوا عنها معرضني إال كانوا ( مدلول عليه بقوله

أنه قال وإذا قيل هلم اتقوا ما بني أيديكم وما خلفكم أعرضوا مث قال ودأهبم اإلعراض عن ك) عنها معرضني كل آية وموعظة

Page 258: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

الضرب الثاين عشر حذف املبتدأ واخلرب والالئي ( أما حذف املبتدأ فال يكون إال مفردا واألحسن هو حذف اخلرب ألن منه ما يأيت مجلة كقوله تعاىل

ئكم إن ارتبتم فعدهتن ثالثة أشهر والالئي مل حيضن وأوالت األمحال أجلهن أن يئسن من احمليض من نساوههنا قد حذف خرب املبتدأ وهو مجلة من مبتدأ وخرب وتقديرها والالئي مل حيضن فعدهتن ) يضعن محلهن

ثالثة أشهر ومما ورد منه شعرا قول أيب عبادة البحتري

) أعوز العذر من بياض العذار ... ن كل عذر من كل ذنب ولك( هذا وقد حذف منه خرب املبتدأ إال أنه مفرد غري مجلة وتقديره كل عذر من كل ذنب مقبول أو مسموع أو

ما جرى هذا اجملرى من الكالم وهي مرادة ) ال ( الضرب الثالث عشر وهو حذف

من الكالم وهي مرادة ) ال ( يريد به ال تفتؤ فحذفت ) ر يوسف قالوا تاهللا تفتأ تذك( وذلك كقوله تعاىل وعلى هذا جاء قول امريء القيس

) ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي ... فقلت يمني اهللا أبرح قاعدا ( يف هذا املوضع وهي مرادة ) ال ( أي ال أبرح قاعدا فحذفت

أيب حمجن الثقفي ملا هناه سعد بن أيب وقاص رضي اهللا عنه عن شرب اخلمر وهو إذ ذاك يف ومما جاء منه قول قتال الفرس بالقادسية

) مناقب تهلك الرجل الحليما ... رأيت الخمر صالحة وفيها ( ) ا ندميا وال أسقي بها أبد... فال واهللا أشرهبا حياتي (

من الكالم وهي مفهومة منه ) ال ( فحذف ) ال أشرهبا ( يريد الضرب الرابع عشر وهو حذف الواو من الكالم وإثباهتا

وأحسن حذوفها يف املعطوف واملعطوف عليه وإذا مل يذكر احلرف املعطوف به كان ذلك بالغة وإجيازا ول اهللا ينامون يصلون وال يتوضئون أو قال مث يصلون كقول أنس بن مالك رضي اهللا عنه كان أصحاب رس

) وال يتوضئون ( حبذف الواو أبلغ يف حتقيق عدم الوضوء من قوله ) ال يتوضئون ( ال يتوضئون فقوله بإثباهتا كأنه جعل ذلك حالة هلم الزمة أي أهنا داخلة يف اجلملة وليست مجلة خارجة عن األوىل ألن واو

املعطوف عن املعطوف عليه وإذا حذفت يف مثل هذا املوضع صار املعطوف واملعطوف العطف تؤذن بانفراد عليه مجلة واحدة

وقد جاء مثل ذلك يف القرآن الكرمي وذلك أنه يذكر مجل من القول كل واحدة منها مستقلة بنفسها مث نكم ال يألونكم خباال ودوا يأيها الذين آمنوا ال تتخذوا بطانة من دو( تسرد سردا بغري عاطف كقوله تعاىل

تقدير هذا الكالم ال يألونكم وودوا ما ) ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما ختفي صدورهم أكرب عنتم

Page 259: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

وقد بدت البغضاء من أفواههم فلما حذفت الواو جاء الكالم أوجز وأحسن طالوة وأبلغ تأليفا ونظما وأمثاله يف القرآن الكرمي كثري

وما أهلكنا من قرية إال وهلا ( نه قد حذفت الواو وأثبتت يف مواضع فأما إثباهتا فنحو قوله تعاىل واعلم أ ) وما أهلكنا من قرية إال هلا منذرون ( وأما حذفها فنحو قوله تعاىل ) كتاب معلوم

اآليتني وعلى هذا فال جيوز حذف الواو وإثباهتا يف كل موضع وإمنا جيوز ذلك فيما هذا سبيله من هاتنيجيوز إثبات الواو يف ) إال ( ولنبني لك يف ذلك رمسا تتبعه فنقول اعلم أن كل اسم نكرة جاء خربه بعد

خربه وحذفها كقولك ما رأيت رجال إال وعليه ثياب وإن شئت قلت إال عليه ثياب بغري واو فإن كان ما أظن درمها إال هو كافيك وال جيوز إال الذي يقع على النكرة ناقصا فال يكون إال حبذف الواو حنو قولك

وهو كافيك بالواو ألن الظن حيتاج إىل شيئني فال يعترض فيه بالواو ألنه يصري كاملكتفي من األفعال باسم واحد وكذلك جواب ظننت وكان وإن وأشباهها فخطأ أن تقول إن رجال وهو قائم وحنو ذلك وجيوز هذا

إال وهو قائم ألن الكالم يتوهم متامه بليس وحبرف ونكرة أال ترى أنك خاصة تقول ليس أحد) ليس ( يف تقول ليس أحد وما من أحد فجاز فيها إثبات الواو ومل جيوز يف أظن ألنك ال تقول ما أظن أحدا فأما أصبح

نت وأمسى ورأى فإن الواو فيهن أسهل ألهنن توأم يف حال وكان وأظن وحنومها بنني على النقص إال إذا كا يف التنزيه وغريمها حنو ال رجل وما من رجل فيجوز إثبات الواو فيها وحذفها ) ال ( تامة وكذلك

واعلم أن العرب قد حذفت من أصل األلفاظ شيئا ال جيوز القياس عليه كقول بعضهم )مفدم بسبا الكتان ملثوم ... كأن إبريقهم ظبي على شرف (

فقوله بسبا الكتان يريد بسبائب الكتان وكذلك قول اآلخر ) فكأنما تذكي سنابكها الحبا ... يذرين جندل حائر لجنوبها (

فهذه وأمثاله مما يقبح وال حيسن وإن كانت العرب قد استعملته فإنه ال جيوز لنا أن نستعمله

إلجياز فهو ما ال حيذف منه شيء وذلك ضربان أحدمها مأساوي لفظه ومعناه ويسمى وأما القسم الثاين من ا التقدير واآلخر ما زاد معناه عن لفظه ويسمى اإلجياز بالقصر

فأما اإلجياز بالتقدير فإنه الذي ميكن التعبري عن معناه مبثل ألفاظه ويف عدهتا لفظه على حمتمالت متعددة وهذا ميكن التعبري عنه مبثل أما اإلجياز بالقصر فإنه ينقسم قسمني أحدمها ما دل

ألفاظه ويف عدهتا واآلخر ما يدل لفظه على حمتمالت متعددة وال ميكن التعبري عنه مبثل ألفاظه ويف عدهتا ال بل يستحيل ذلك

ا أكفره من قتل اإلنسان م( ولنورد اآلن الضرب األول الذي هو اإلجياز بالتقدير فمما جاء منه قوله تعاىل ) أي شيء خلقه من نطفة خلقه فقدره مث السبيل يسرهثم أماته فأقربهثم إذا شاء أنشرهكال ملا يقض ما أمره

تعجب من إفراطه يف كفران نعمة اهللا عليه وال نرى ) ما أكفره ( دعاء عليه وقوله ) قتل اإلنسان ( فقوله أدل على سخط مع تقارب طرفيه وال أمجع أسلوبا أغلظ من هذا الدعاء والتعجب وال أخشن مسا وال

من أي شيء خلقه ( لألئمة على قصر متنه مث إنه أخذ يف صفة حاله من ابتداء حدوثه إىل منتهى زمانه فقال

Page 260: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

أي ) مث السبيل يسره ( أي هيأه ملا يصلح له ) من نطفة خلقه فقدره ( مث بني الشيء الذي خلق منه بقوله ) بطن أمه أو السبيل الذي خيتار سلوكه من طريقي اخلري والشر واألول أوىل ألنه سهل سبيله وهو خمرجه من

أي ) مث أماته فأقربه ( تال خللقته وتقديره مث بعد ذلك يكون تيسري سبيله ملا خيتاره من طريقي اخلري والشر ملا يقضي ما ( ليه ردع لإلنسان عما هو ع) كال ( أي أحياه ) مث إذا شاء أنشره ( جعله ذا قرب يوارى فيه

أي مل يقض مع تطاول زمانه ما أمره اهللا به يعين أن إنسانا مل خيل من تقصري قط أال ترى إىل هذا ) أمره الكالم الذي لو أردت أن حتذف منه كلمة واحدة ملا قدرت على ذلك ألنك كنت تذهب جبزء من معناه

واإلجياز هو أال ميكنك أن تسقط شيئا من ألفاظه

) فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف ( ت الواردة من هذا الضرب كثرية كقوله تعاىل واآليامن جوامع الكلم ومعناه أن خطاياه املاضية قد غفرت له وتاب اهللا عليه فيها إال أن ) فله ما سلف ( فقوله من ( كذلك ورد قوله تعاىل أبلغ أي أن السالف من ذنوبه ال يكون عليه إمنا هو له و) فله ما سلف ( قوله

فعليه كفره كلمة جامعة تغين عن ذكر ضروب من العذاب ألن من أحاط به كفره فقد ) كفر فعليه كفره أحاطت به كل خطيئة

إن اهللا يأمر بالعدل واإلحسان وإيتاء ذي القرىب وينهى عن الفحشاء ( وعلى حنو من هذا جاء قوله تعاىل فهذه اآلية من جوامع اآليات الواردة يف القرآن الكرمي وروي أن ) تذكرون واملنكر والبغي يعظكم لعلكم

النيب قرأها على الوليد بن املغرية فقال له يا ابن أخي أعد فأعاد النيب قراءهتا عليه فقال له إن له حلالوة وإن عليه لطالوة وإن أعاله ملثمر وإن أسلفه ملغدق وما هو بقول البشر

ولقد خلقنا اإلنسان ونعلم ما توسوس به نفسه وحنن أقرب إليه من حبل ( له تعاىل ومن هذا النحو قوالوريد إذ يتلقى املتلقيان عن اليمني وعن والشمال قعيدما يلفظ من قول إال لديه رقيب عتيد وجاءت

سكرة املوت باحلق ذلك ما كنت منه حتيد ونفخ يف الصور ذلك يوم الوعيد وجاءت كل نفس معها سائق وهذه اآليات من قوارع ) وشهيد لقد كنت يف غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد

القرآن العجيبة اليت دلت على ختويف وإرهاب ترق القلوب وتقشعر منه اجللود وهي مشتملة مع قصرها يف أسهل على حال اإلنسان منذ خلقه إىل حني حشره وحشر غريه من الناس وتصوير ذلك األمر الفظيع

لفظ وأقربه وما مررت عليها أال جدت يل موعظة وأحدثت عندي إيقاظا اللهم ارفع درجته يف املهتدين ( ومن هذا الضرب ما ورد عن النيب يف دعائه أليب سلمة عند موته فقال

احلال اليت وقع وهذا دعاء جامع بني اإلجياز وبني مناسبة) واخلفه يف عقبه يف الغابرين لنا وله يا رب العاملني فيها فأوله مفتتح باملهم الذي يفتقر إليه املدعو له يف تلك احلال وهو رفع درجته يف

اآلخرة وثانيه مردف باملهم الذي يؤثر املدعو له من صالح حال عقبه من بعده يف الدنيا وثالثه خمتتم باجلمع ( ما قصد له وكالم النيب هكذا كما قال بني الداعي واملدعو له وهذا من اإلجياز البليغ الذي هو طباق

) أوتيت جوامع الكلم ) فله ما سلف ( وهو شبيه بقوله تعاىل ) هذا يوم له ما بعده ( وكذلك ورد قوله يوم بدر فإنه قال

Page 261: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

وملا جرح عمر بن اخلطاب رضي اهللا عنه اجلراحة اليت مات هبا اجتمع إليه الناس فجاءه شاب من ا أمري املؤمنني ببشرى اهللا لك من صحبة رسول اهللا وقدم يف اإلعالم ما علمت ووليت األنصاروقال أبشر ي

فعدلت مث شهادة وهذا كالم سديد قد حوى املعىن املقصود وأتى به يف أوجز لفظ وأحسنه ومع ما فيه من اإلجياز فإنه

ذلك فأبلغ ولو أراد مستغرب وسبب استغرابه أنه جعل املساءة بشرى وأخرجها خمرج املسرة وتلطف يف الكاتب البليغ واخلطيب املصقع أن يأيت بذلك على هذا الوجه ألعوزه

ومن هذا النمط ما كتبه طاهر بن احلسني إىل املأمون عند لقائه عيسى بن ما هان وهزمه إياه وقتله فكتب مصرف حتت أمري إليه كتايب إىل أمري املؤمنني ورأس عيسى بن ماهان بني يديه وخامته يف يده وعسكره

والسالم وهذا من الكتب املختصرة اليت حوت الغرض املطول وما يكتب يف هذا املقام مثله

وملا أرسل املهلب بن أيب صفرة أبا احلسن املدائين إىل احلجاج بن يوسف خيربه أخبار األزارقة كلمه كالما تركت املهلب فقال أدرك ما أمل موجزا كالذي حنن بصدد ذكره ههنا وذاك أن احلجاج سأله فقال كيف

وأمن مما خاف فقال كيف هو جلنده قال والد رءوف فقال كيف جنده له قال أوالد بررة قال كيف رضاهم عنه قال وسعهم بفضله وأغناهم بعدله قال كيف تصنعون إذا لقيتم العدو قال نلقاهم جبدنا ويلقوننا جبدهم

عن بين املهلب قال هم أحالس القتال بالليل محاة قال كذلك اجلد إذا لقي اجلد قال فأخربين

السرج بالنهار قال أيهم أفضل قال هم كحلقة مضروبة ال يعرف طرفاها فقال احلجاج جللسائه هذا واهللا هو الكالم الفصل الذي ليس مبصنوع وقد ورد يف األخبار النبوية من هذا الضرب شيء كثري وسأورد منه

أمثلة يسرية ل النيب احلالل بني واحلرام بني وبينهما أمور متشاهبات وهذا احلديث من أمجع األحاديث فمن ذلك قو

للمعاين الكثرية وذاك أنه يشتمل على جل األحكام الشرعية فإن احلالل واحلرام إما أن يكون احلكم فيهما هم يذهب فيه مذهبا بينا ال خالف فيه بني العلماء وإما أن يكون خافيا يتجاذبه وجوه التأويالت فكل من

وكذلك جاء قوله األعمال بالنيات وإمنا لكل امريء ما نوى فإن هذا احلديث أيضا من جوامع األحاديث لألحكام الشرعية

ومن ذلك قوله املضعف أمري الركب وقد ورد آخر هذا احلديث بلفظ آخر فقال سريوا بسري أضعفكم إال واجب احلكم فهو يتبع وإذا كان املضعف أمري الركب كانوا أن األول أحسن ألنه أبلغ معىن فإن األمري

مؤمترين له يف سريهم ونزوهلم وهذا املعىن ال يوجد يف قوله سريوا بسري أضعفكم وأحسن من هذا كله ما ورد عنهفي حديث مطول يتضمن سؤال جربيل عليه السالم فقال من مجلته

كن تراه فإنه يراك فقوله تعبد اهللا كأنك تراه من جوامع الكلم اإلحسان قال أن تعبد اهللا كأنك تراه فإن مل تألنه ينوب مناب كالم كثريكأنه قال تعبد اهللا خملصا يف نيتك واقفا عند أدب الطاعة من اخلضوع واخلشوع

آخذا أهبة احلذر وأشباه ذلك ألن العبد إذا خدم مواله ناظرا إليه استقصى يف آداب اخلدمة بكل ما جيد

Page 262: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

السبيل وما ينتهي إليه الطوق إليه ومما أطربين من ذلك حديث احلديبية وهو أنه جاء بديل بن ورقاء إىل النبيفقال له إين تركت كعب بن لؤي بن عامر بن لؤي معهم العوذ املطافيل وهو مقاتلوك وصادوك عن البيت فقال له النيب إن قريشا قد هنكتهم

ا بيين وبني الناس فإن أظهر عليهم وأحبوا أن يدخلوا فيما دخل فيه احلرب فإن شاءوا ماددناهم مدة ويدعوالناس وإال كانوا قد مجوا وإن أبوا فوالذي نفسي بيده ألقاتلنهم على أمري هذا حىت تنفرد سالفيت هذه

ولينفذن اهللا أمره وهذا احلديث من جوامع الكلم وهو من الفصاحة والبالغة على غاية ال ينتهي إليها لواصف وصف ا

وأما ما ورد من ذلك شعرا فقول النابغة وختصيصه الليل دون النهار مما ) وإن خلت أن المنتأى عنك واسع ... وإنك كالليل الذي هو مدركي (

يسأل عنه وكذلك قوله

وعلى هذا األسلوب ورد قول األعشى ) أي الرجال املهذب على شعث... ولست بمستبق أخا ال تلمه ( يف اعتذاره إىل أوس بن الم عن هجائه إياه

) وإني إىل أوس بن الم لتائب ... وإني على ما كان مني لنادم ( ) ني ما حييت لراغب ويصفح ع... وإني إىل أوس ليقبل عذرتي ( ) بشكرك فيها خير ما أنت واهب ... فهب لي حياتي فالحياة لقائم ( وهذا من املعاين الشريفة يف األلفاظ ) كتاب هجاء سار إذ أنا كاذب ... سأمحو بمدح فيك إذ أنا صادق ( فيفة وهو من طنانات األعشى املشهورة اخل

وعلى حنو منه جاء قول الفرزدق ) قطا هيجته يوم ريح أجادله ... صبحناهم الشعث الجياد كأنها ( )بأرعن جرار كثري صواهله ... إلى كل حي قد خطبنا بناتهم ( ) من القوم أبكارا كراما عقائله ... إذا ما التقينا أنكحتنا رماحنا ( ) حمانا إذا ما عاد بالسيف حامله ... وإنا لمناعون تحت لوائنا (

وهذا من حماسن ما جييء يف هذا الباب قول جرير ومما جيري هذا اجملرى

) وما ذاد عن أحسابهم ذائد مثلي ... تمنى رجال من تميم منييت ( ) وكان على جهال أعدائهم جهلي ... فلو شاء قومي كان حلمي فيهم (

وكذلك ورد قوله متغزال وهو من حماسن أقواله ) وأخو الهموم يروم كل مرام ... هموم فبتن غير نيام سرت ال(

Page 263: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

) والعيش بعد أولئك األقوام ... ذم المنازل بعد منزلة اللوى ( ) مقام أثني بعهدك خير دار ... ولقد أراك وأنت جامعة الهوى ( ) حني الزيارة فارجعي بسالم ... طرقتك صائدة القلوب فليس ذا ( ) برد تحدر من متون غمام ... تجري السواك على أغر كأنه ( ) اك فكان خير ذمام لوصلت ذ... لو كان عهدك كالذي حدثتنا ( ) في موكب طرف الحديث كرام ... ولقد أراني والجديد إلى بلى ( ) حدق المها وسوالف اآلرام ... لوال مراقبة العيون أريتنا ( ) فذت نوافذها بغير سهام ن... وإذا صرفن عيونهن بنظرة ( ) أو ما فعلن بعروة بن حزام ... هل تنفعنك إن قتلن مرقشا (

وحالوة هذا الكالم أحسن من إجيازه ولقد أعوز غريه أن يأيت مبثله حىت أقر بإعوازه

بن جبلة ومن باب اإلجياز الذي يسمى التقدير قول علي ) ولو حملته في السماء المطالع ... وما المريء حاولته عنك مهرب ( ) ظالم وال ضوء من الصبح ساطع ... بلى هارب ما يهتدي لمكانه (

لى مدح رجل بشمول ملكه وعموم سلطانه وأنه فهذا هو الكالم الذي ألفاظه وفاق معانيه فإنه قد اشتمل عال مهرب عنه ملن حياوله وإن صعد السماء مث ذكر مجيع املهارب يف املشارق واملغارب وأشار إىل أنه يبلغ

الظالم والضياء وذلك مما مل تزد عبارته على املعىن املندرج حتته وال قصرت عنه أيت يف هذا املوضع ومن هذا الضرب قول أيب نواس وهو من نادر ما ي

) بها أثر منهم جديد ودارس ... ودار ندامى عطلوها وأدلجوا ( ) وأضغاث ريحان جني ويابس ... مساحب من جر الزقاق على الثرى ( ) إني على أمثال تلك لحابس و... حبست بها صحبي فجددت عهدهم ( ) حبتها بأنواع التصاوير فارس ... تدار علينا الراح في عسجديه ( ) مها تدريها بالقسي الفوارس ... قرارتها كسرى وفي جنباتها ( ) وللماء ما دارت عليه القالنس ... عليه جيوبها فللراح ما زرت(

ومما انتهى إيل من أخبار ابن املزرع قال مسعت اجلاحظ يقول ال أعرف شعرا يفضل هذه األبيات اليت أليب ن فقلت له وحيك نواس ولقد أنشدهتا أبا شعيب القالق فقال واهللا يا أبا عثمان إن هذا هلو الشعر ولو نقر لط

ما تفارق عمل

اجلرار واخلزف ولعمري إن اجلاحظ عرف فوصف وخرب فشكر والذي ذكره هو احلق وعلى هذا األسلوب جاء قول أيب متام

) مثل النظام إذا أصاب فريدا ... إن القوافي والمساعي لم تزل ( ) بالشعر صار قالئدا وعقودا ... إن ألفته هي جوهر نثر ف(

Page 264: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

) يأخذن منه ذمة وعهودا ... في كل معترك وكل مقامة ( ) لم ترض منها مشهدا مشهودا ... فإذا القصائد لم تكن خفراءها ( ) يدعون هذا سوددا محدودا ... لك كانت العرب األلى من أجل ذ( ) جعلت لها مرر القريض قيودا ... وتند عندهم العال إال عال (

ا ما وأما الضرب الثاين وهو اإلجياز بالقصر فإن القرآن الكرمي مآلن منه وقد تقدم القول أنه قسمان أحدمه يدل على حمتمالت متعددة

لقد أوحينا إىل موسى أن أسر بعبادي فاضرب هلم طريقا يف البحر يبسا ال ختاف ( فمن ذلك قوله تعاىل ( فقوله ) دركا وال ختشى فأتبعهم فرعون جبنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم وأضل فرعون قومه وما هدى

اليت يستدل على قلتها باملعاين الكثرية أي غشيهم من من جوامع الكلم ) فغشيهم من اليم ما غشيهم األمور اهلائلة واخلطوب الفادحة ماال يعلم كنهه إال اهللا وال حييط به غريه

فجمع يف اآلية مجيع مكارم ) خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن اجلاهلني ( ومن هذا الضرب قوله تعاىل ومنع اللسان عن الغيبة وعن الكذب وغض األخالق ألن يف األمر باملعروف صلة الرحم

الطرف عن احملرمات وغري ذلك ويف اإلعراض عن اجلاهلني الصرب واحللم وغريمها وقال بعض األعراب يف دعائه اللهم هب يل حقك وأرض عين خلقك فقال النيب هذا هو البالغة

ع احملبوبات وذلك أنه نفى به أن فإنه دخل حتت األمن مجي) أولئك هلم األمن ( ومن ذلك قوله عز و جل خيافوا شيئا من الفقر واملوت وزوال النعمة ونزول النقمة وغري ذلك من أصناف املكاره من شاء يرتع يف ( وأشباه هذا يف القرآن الكرمي كثرية فهو يكثر يف بعض الصور ويقل يف بعض قال النيب

) الرياض األنائق فعليه بآل حم وذاك أن رجال اشترى عبدا فأقام عنده مدة مث وجد به عيبا ) اخلراج بالضمان ( ومن ذلك قول النيب

فخاصم البائع إىل النيب فرده عليه فقال يا رسول اهللا إنه استغل غالمي فقال اخلراج بالضمان ومعىن قوله ن يرده اخلراج بالضمان أن الرجل إذا اشترى عبدا فاستغله مث وجد به عيبا دلسه عليه البائع فله أ

ويسترجع الثمن مجيعه ولو مات العبد أو أبق أو سرقه سارق كان يف مال املشتري وضمانه عليه وإذا كان ضمانه عليه فخراجه له أي له ما حتصل منه أجرة عمله

وأما ما ورد شعرا فقول السموءل بن عاديا الغساين من مجلة أبياته الالمية املشهورة وذلك قوله منها ) فليس إىل حسن الثناء سبيل ... و لم يحمل على النفس ضيمها وإن ه(

فإن هذا البيت قد اشتمل على مكارم األخالق مجيعها من مساحة وشجاعة وعفة وتواضع وحلم وصرب وغري ذلك فإن هذه األخالق كلها من ضيم النفس ألهنا جتد حبملها ضيما أي مشقة وعناء

وقد تقدم القول أن اإلجياز بالقصر يكون فيما تضمن لفظه حمتمالت كثرية وهذا البيت من ذلك القبيل وال أعلم أن شاعرا قدميا وال حديثا أتى مبثله وقد أخذه أبو متام فأحسن يف أخذه وهو

) تظلم فعجبت من مظلومة لم ... وظلمت نفسك طالبا إنصافها (

Page 265: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

ففاز يف بيته هذا باملقابلة بني الضدين يف الظلم واإلنصاف مث قال فعجبت من مظلومة مل تظلم وهذا أحسن من األول ومعىن قوله ظلمت نفسك طالبا إنصافها أي أنك أكرهتها على مشاق األمور وإذا فعلت ذلك

شياء حسنة تكسبها ذكرا مجيال وجمدا مؤثال ظلمتها مث إنك مع ظلمك إياها قد أنصفتها ألنك جلبت إليها أفأنت منصف هلا يف صورة ظامل وكذلك قوله فعجبت من مظلومة مل تظلم أي أنك ظلمتها وما ظلمتها ألن

ظلمك إياها أدى إىل ما هو مجيل حسن وهذا القدر يف األمثلة كاف يف هذا الباب

الذي ال ميكن التعبري عن ألفاظه بألفاظ أخرى مثلها القسم اآلخر من الضرب الثاين يف اإلجياز بالقصر وهو ويف عدهتا وهو أعلى طبقات اإلجياز مكانا وأعوزها إمكانا وإذا وجد يف كالم بعض البلغاء فإمنا يوجد شاذا

نادرا القصاص حياة ( فإنه قوله تعاىل ) ولكم يف القصاص حياة ( فمن ذلك ما ورد يف القرآن الكرمي كقوله تعاىل

ميكن التعبري عنه إال بألفاظ كثرية ألن معناه أنه إذا قتل القاتل امتنع غريه عن القتل فأوجب ذلك حياة ال) للناس وال يلتفت إىل ما ورد عن العرب من قوهلم القتل أنفى للقتل فإن من ال يعلم يظن أن هذا على وزن

ياة لفظتان والقتل أنفى للقتل ثالثة اآلية وليس كذلك بل بينها فرق من ثالثة أوجه األول أن القصاص حألفاظ الوجه الثاين أن يف قوهلم القتل أنفى للقتل تكريرا ليس يف اآلية الثالث أنه ليس كل قتل نافيا للقتل إال

إذا كان على حكم القصاص وقد صاغ أبو متام هذا الوارد عن العرب يف بيت من شعره فقال

) إن الدم المعتر يحرسه الدم ... سيافكم وأخافكم كي تغمدوا أ( فقوله إن الدم املعتر حيرسه الدم أحسن مما ورد عن العرب من قوهلم القتل أنفى للقتل

ويروي عن معن بن زائدة أنه سأله أبو جعفر املنصور فقال له أميا أحب إليك دولتنا أو دولة بين أميه فقال قوله ذاك إليك من اإلجياز بالقصر الذي ال ميكن التعبري عنه إال بألفاظ كثرية ألن معىن قوله ذاك ذاك إليك ف

إليك وهو لفظتان أنه زاد إحسانك على إحسان بين أمية فأنتم أحب إيل وهذه عشرة ألفاظ ا هو دليل على فإن قيل كيف ال ميكن التعبري عن ألفاظ أخرى مثلها ويف عدهتا ويف املترادف من األلفاظ م

خالف ذلك فإنه إذا قيل راح مث قيل مدامة أو سالفة كان ذلك سواء وقامت هذه اللفظة مقام هذه اللفظة قلت يف اجلواب ليس كل األلفاظ املترادفة يقوم بعضها مقام بعض أال ترى أن لفظه القصاص ال ميكن

العرب القتل أنفى للقتل ظهر الفرق بني ذلك وبني التعبري عنها مبا يقوم مقامها وملا عرب عنها بالقتل يف قول فالذي أردته أنا إمنا هو الكالم الذي ال ميكن التعبري عن ) ولكم يف القصاص حياة ( اآلية يف قوله تعاىل

ألفاظه بألفاظ أخرى مثلها ويف عدهتا فإن كان كذلك وإال فليس داخال يف هذا القسم املشار إليه

النوع السادس عشر

إلطنابيف ا

Page 266: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

هذا النوع من الكالم أنعمت نظري فيه ويف التكرير ويف التطويل فملكتين حرية الشبه بينها طويال وكنت يف ذلك كعمر بن اخلطاب رضي اهللا عنه يف الكاللة حيث قال قد أعياين أمر الكاللة وكنت سألت رسول

) أال يكفيك آية الصيف ( اهللا عنها كثريا حىت ضرب يف صدري وقال بعد أن أنعمت نظري يف هذا النوع الذي هو اإلطناب وجدت ضربا من ضروب التأكيد اليت يؤتى هبا يف و

الكالم قصدا للمبالغة أال ترى أنه ضرب مفرد من بينها برأسه ال يشاركه فيه غريه ألن من التأكيد ما يتعلق ابه وبني املعطوف واملعطوف عليه بالتقدمي والتأخريكتقدمي املفعول وباالعتراض كاالعتراض بني القسم وجو

وأشباه ذلك وسيأيت الكالم عليه يف باب وهذا الضرب الذي هو اإلطناب ليس كذلك

ورأيت علماء البيان قد اختلفوا فيه فمنهم من أحلقه بالتطويل الذي هو ضد اإلجياز وهو عنده قسم غريه قال إن كتب الفتوح وما جرى جمراها مما فأخطأ من حيث ال يدري كأيب هالل العسكري والغامني حىت إنه

يقرأ على عوام الناس ينبغي أن تكون مطولة مطنبا فيها وهذا القول فاسد ألنه إن عىن بذلك أهنا تكون ذات معان متعددة قد استقصى فيها شرح تلك احلادثة من فتح أو غريه فذلك مسلم وإن عىن بذلك أهنا تكون

صدا إلفهام العامة فهذا غري مسلم وهو مما ال يذهب إليه من عنده أدىن مكررة املعاين مطولة األلفاظ ق معرفة بعلم الفصاحة

والبالغة ويكفي يف بطالنه كتاب اهللا تعاىل فإنه مل جيعل خلواص الناس فقط وإمنا جعل لعوامهم وخواصهم ب القرآن وقد تقدم وأكثره ال بل مجيعه مفهوم األلفاظ للعوام إال كلمات معدودة وهي اليت تسمى غري

الكالم على ذلك يف املقالة األوىل املختصة باأللفاظ وعلى هذا فينبغي أن تكون الكتب مجيعها مما يقرأ على عوام الناس وخواصهم ذات ألفاظ سهلة مفهومة وكذلك األشعار واخلطب ومن ذهب إىل غري ذلك فإنه

وام الناس وإمنا هو للخواص كما هو للعوام بنجوة عن هذا الفن وعلى هذا فإن اإلطناب ال خيتص به عوسأبني حقيقته يف كتايب هذا وأحقق القول فيه حبيث تزول الشبهة اليت خبط أرباب علم البيان من أجلها

وقالوا أقواال ال تعرب عن فائدة أصل اللغة والذي عندي فيه أنه إذا رجعنا إىل األمساء واشتقاقها وجدنا هذا االسم مناسبا ملسماه وهو يف

مأخوذ من أطنب يف الشيء إذا بالغ فيه ويقال أطنبت الريح إذا اشتدت يف هبوهبا وأطنب يف السري اذا اشتد فيه وعلى هذا فإن محلناه على مقتضى مسماه كان معناه املبالغة يف إيراد املعاين وهذا ال خيتص بنوع

من نوع منها إال وميكن املبالغة فيه وإذا كان األمر واحد من أنواع علم البيان وإمنا يوجد فيها مجيعها إذ ما كذلك فينبغي أن يفرد هذا النوع من بينها وال يتحقق إفراده إال بذكر حده الدال على حقيقته

والذي حيد به أن يقال هو زيادة اللفظ على املعىن لفائدة فهذا حده الذي مييزه عن التطويل إذ التطويل هو لغري فائدة وأما التكرير فإنه داللة على املعىن مرددا كقولك ملن تستدعيه أسرع زيادة اللفظ عن املعىن

أسرع فإن املعىن مردد واللفظ واحد وسريد بيان ذلك مفصال يف بابه بعد باب اإلطناب بعضها بعضا وإذا ذي يأيت لفائدة فإنه جزء كان التكرير هو إيراد املعىن مرددا فمنه ما يأيت لفائدة ومنه ما يأيت لغري فائدة فأما ال

Page 267: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

من اإلطناب وهو أخص منه فيقال حينئذ إن كل تكرير يأيت لفائدة فهو إطناب وليس كل إطناب تكريرا يأيت لفائدة

وأما الذي يأيت من التكرير لغري فائدة فإنه جزء من التطويل وهو أخص منه فيقال حينئذ إن كل تكرير يأيت تكريرا يأيت لغري فائدة لغري فائدة تطويل وليس كل تطويل

وكنت قدمت القول يف باب اإلجياز بأن اإلجياز هو داللة اللفظ على املعىن من غري زيادة عليه وإذا تقررت هذه احلدود الثالثة املشار إليها فإن مثال اإلجياز واإلطناب والتطويل مثال مقصد يسلك إليه يف

ليه واإلطناب والتطويل مها الطريقان املتساويان يف البعد إليه ثالثة طرق فاإلجياز هو أقرب الطرق الثالثة إإىل أن طريق اإلطناب تشتمل على منزه من املنازه ال يوجد يف طريق التطويل وسيأيت بيان ذلك بضرب

األمثلة اليت تسهل من معرفته والذي يوجد يف اجلمل واإلطناب يوجد تارة يف اجلملة الواحدة من الكالم ويوجد تارة يف اجلمل املتعددة

املتعددة أبلغ التساع اجملال يف إيراده وعلى هذا فإنه جبملته ينقسم قسمني

القسم األول الذي يوجد يف اجلملة الواحدة من الكالم وهو يرد حقيقة وجماز أما احلقيقة فمثل قوهلم رأيته زيادة ال حاجة إليها ويقول إن بعيين وقبضته بيدي ووطأته بقدمي وذقته بفمي وكل هذا يظن الظان أنه

الرؤية ال تكون إال بالعني والقبض ال يكون إال باليد والوطء ال يكون إال بالقدم والذوق ال يكون أال بالفم وليس األمر كذلك بل هذا يقال يف كل شيء يعظم مناله ويعز الوصول إليه فيؤكد األمر فيه على هذا

كقول أيب عبادة البحتري الوجه داللة على نيله واحلصول عليه

) بعينك ما شربت ومن سقاين ... تأمل من خالل السجف وانظر ( وملا كان احلضور يف هذا اجمللس مما ) إيل من الرحيق الخسرواني ... تجد شمس الضحى تدنو بشمس (

ه على هذه الصفة من احلسن قال أنظر بعينك يعز وجوده وكان الساقي فيفإن هذا القول ملا كان فيه افتراء عظم اهللا تعاىل على ) ذلكم قولكم بأفواهكم ( وعلى هذا ورد قوله تعاىل

إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم ( قائله أال ترى إىل قوله تعاىل يف قصة اإلفك فصرح يف هذه اآلية مبا أشرت إليه من تعظيم األمر املقول ) عند اهللا عظيم وحتسبونه هينا وهو

ما جعل اهللا لرجل من قلبني يف جوفه وما جعل أزواجكم ( ويف مساق اآلية املشار إليها جاء قوله تعاىل وهو الالئي تظاهرون منهن أمهاتكم وما جعل أدعياءكم أبنائكم ذلكم قولكم بأفواهكم واهللا يقول احلق

أال ترى أن مساق الكالم أن اإلنسان يقول لزوجته أنت علي كظهر أمي ويقول ململوكه يا ) يهدي السبيل بين فضرب اهللا لذلك مثاال فقال كيف تكون الزوجة أما وكيف يكون اململوك ابنا واجلمع بني الزوجية

اجلوف وهذا تعظيم ملا قالوه وإنكار له واألمومة وبني العبودية والبنوة يف حالة واحدة كاجلمع بني القلبني يفوملا كان الكالم يف حال اإلنكار والتعظيم أتى بذكر اجلوف وإال فقد علم أن القلب ال يكون إال يف اجلوف

وهو تام لكن يف ذكر اجلوف فائدة وهي ما أشرت ) ما جعل اهللا لرجل من قلبني ( والتمثيل يصح بقوله

Page 268: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

للمعىن املقصود ألنه إذا مسعه املخاطب به صور لنفسه جوفا يشتمل على اليها وفيها أيضا زيادة تصوير قلبني فكان ذلك أسرع إىل إنكاره

فكما أن القلب ال يكون إال يف اجلوف فكذلك ) فخر عليهم السقف من فوقهم ( وعليه ورد قوله تعاىل السقف ال يكون إال من فوق وهذا مقام ترهيب

قد مكر الذين ( كار وتعظيم أال ترى إىل هذه اآلية بكماهلا وهي قوله وتعاىل وختويف كما أن ذاك مقام إنمن قبلهم فأتى اهللا بنياهنم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث ال يشعرون

ا فائدة ال توجد مع إسقاطها من هذا الكالم وأنت حتس هذا من نفسك فإنك إذ) فوقهم ( ولذكر لفظة ) تلوت هذه اآلية خييل إليك أن سقفا خر على أولئك من فوقهم وحصل يف نفسك من الرعب ما ال حيصل

فإذا نفخ يف الصور نفخة ( مع إسقاط تلك اللفظة ويف القرآن الكرمي من هذا النوع كثري كقوله تعاىل ) ومناة الثالثة األخرى أفرأيتم الالت والعزى ( وقوله ) واحدة ومحلت األرض واجلبال فدكتا دكة واحدة

وكل هذه اآليات إمنا أطنب فيها بالتأكيد ملعان اقتضتها فإن النفخ يف الصور الذي تقوم به األموات من ( القبور مهول عظيم دل على القدرة الباهرة وكذلك محل األرض واجلبال فلما كانا هبذه الصفة قيل فيهما

مر املهول العظيم سهل يسري على اهللا تعاىل يفعل وميضي أي أن هذا األ) دكة واحدة ( و ) نفخة واحدة األمر فيه بنفخة واحدة ودكة واحدة وال حيتاج فيه إىل طول مدة وال كلفة مشقة فجيء بذكر الواحدة

لتأكيد اإلعالم بأن ذلك هني سهل على عظمه ري فائدة اقتضتها وليس األمر وهذه املواضع وأمثاهلا ترد يف القرآن الكرمي ويتوهم بعض الناس أهنا ترد لغ

كذلك فإن هذه األسرار البالغية ال يتنبه هلا إال العارفون هبا وهكذا يرد ما يرد منها يف كالم العرب ويف ) دكة واحدة ( و ) نفخة واحدة ( وههنا نكته ال بد من اإلشارة إليها وذاك أين نظرت يف قوله تعاىل

فوجدت ذلك غري مقيس على ما تقدم وسأبينه ببيان شاف فأقول إن ) ومناة الثالثة األخرى ( قوله تعاىل والنجم ( إمنا جيء به لتوازن الفقر اليت نظمت السورة كلها عليها وهي ) ومناة الثالثة األخرى ( قوله تعاىل لطالوة ومل يقل الثالثة األخرى لكان الكالم عاريا عن ا) أفرأيتم الالت والعزى ومناة ( ولو قيل ) إذا هوى

واحلسن وكذلك لو قيل ومناة األخرى من غري أن يقال الثالثة ألنه نقص يف الفقرة الثانية عن األوىل وذاك قبيح وقد

نفخة ( تقدم الكالم عليه يف باب السجع لكن التأكيد يف هذه اآلية جاء ضمنا لتوازن الفقر وتبعا وأما فيهما وقد علم أن النفخة هي واحدة والدكة هي فإمنا جيء بلفظ الواحدة) دكة واحدة ( و ) واحدة

جارية على هذا املنهاج يف توازهنا السجعي ولو ) احلاقة ( واحدة ملكان نظم الكالم ألن السورة اليت هي لكان الكالم منثورا ) فيومئذ وقعت الواقعة ( قيل نفخة من غري واحدة ودكة من غري واحدة مث قيل بعدمها

ن التأكيد جاء فيهما ضمنا وتبعا وإذا تبني ذلك واتضح فاعلم أن الفرق بني هذه اآليات حمتاجا إىل متام لك ظاهر وذاك أن نفخة هي واحدة ومناة هي الثالثة ) ما جعل اهللا لرجل من قلبني يف جوفه ( وبني قوله تعاىل

) ى القلوب اليت يف الصدور فإهنا ال تعمى األبصار ولكن تعم( وأما ما جاء منه على سبيل اجملاز فقوله تعاىل

Page 269: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

ففائدة ذكر الصدور ههنا أنه قد تعورف وعلم أن العمى على احلقيقة مكانه البصر وهو أن تصاب احلدقة مبا يطمس نورها واستعماله يف القلب تشبيه ومثل فلما أريد إثبات ما هو خالف املتعارف من نسبة العمى

ا األمر إىل زيادة تصوير وتعريف ليتقرر أن مكان العمي إمنا إىل القلوب حقيقة ونفيه عن األبصار احتاج هذ هو القلوب ال األبصار

وهذا موضع من علم البيان كثرية حماسنه وافرة لطائفه واجملاز فيه أحسن من احلقيقة ملكان زيادة التصوير يف إثبات وصف احلقيقي للمجازي ونفيه عن احلقيقي

فإنه يشتمل على ضروب أربعة وأما القسم الثاين املختص باجلمل األول منها أن يذكر الشيء فيؤتى فيه مبعاين متداخلة إال أن كل معىن خيتص خبصيصة ليست لآلخر وذلك

كقول أيب متام

) والتاث مأمول السحاب السبل ... قطعت إلي الزابيين هباته ( ) بكر وإحسان أغر محجل ... صنيعة من منة مشهورة و(

فقوله منة مشهورة وصنيعة بكر وإحسان أغر حمجل تداخلت معانيه إذ املنة والصنيعة واإلحسان متقارب بعضه من بعض وليس ذلك بتكريرألنه لو اقتصر على قوله منة وصنيعة وإحسان جلاز أن يكون

" منة مشهورة " الثالث بصفة أخرجتها عن حكم التكريرفقال تكريراولكنه وصف كل واحدة من هذهإحسان " فوصفها بالبكارة أي أهنا مل يؤت مبثلها من قبلو " صنيعة بكر " فوصفها باالشتهار لعظم شأهناو

فوصفه بالغرة والتحجيل أي هو ذو حماسن متعددة فلما وصف هذه املعاين املتداخلة اليت تدل " أغر حمجل ء واحد بأوصاف متباينة صار ذلك إطناباومل يكن تكريرا على شي

ومل أجد يف ضروب اإلطناب أحسن من هذا املوضعوال ألطف وقد استعمله أبو متام يف شعره كثريا خبالف غريه من الشعراءكقوله

فإن غرضه من هذا القول إمنا هو ذكر ) ويرجى مرجيه ويسأل سائله ... زكي سجاياه تضيف ضيوفه ( املمدوح بالكرم وكثرة العطاءإال أنه وصفه بصفات متعددةفجعل ضيوفه تضيفوراجيه يرجىوسائله

يسألوليس هذا

تكريرا ألنه ال يلزم من كون ضيوفه تضيف أن يكون راجيه مرجوا وال أن يكون سائله مسئوال ألن ضيفه يفه وسائله يسأل أي أنه يعطي السائل عطاء كثريا يصري به معطيا يستصحب ضيفا طمعا يف كالم مض

وراجيه يرجى أي أنه إذا تعلق به رجاء راج فقد أيقن بالفالح والنجاح فهو حقيق بأن يرجى ملكان رجائه إياه وهذا أبلغ األوصاف الثالثة

يذكر على سبيل اإلثبات أو الضرب الثاين يسمى النفي واإلثبات وهو أن يذكر الشيء على سبيل النفي مثبالعكس والبد أن يكون يف أحدمها زيادة ليست يف اآلخر وإال كان تكريرا والغرض به تأكيد ذلك املعىن

املقصود ال يستأذنك الذين يؤمنون باهللا واليوم اآلخر أن جياهدوا بأمواهلم وأنفسهم واهللا ( فمما جاء منه قوله تعاىل

Page 270: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

) نك الذين ال يؤمنون باهللا واليوم اآلخر وآرتابت قلوهبم فهم يف ريبهم يترددون عليم باملتقني إمنا يستأذال يستأذنك ( واعلم أن هلذا الضرب من اإلطناب فائدة كبرية وهو من أوكد وجوهه أال ترى أنه قال

ن ال يؤمنون باهللا إمنا يستأذنك الذي( مث قال ) الذين يؤمنون باهللا واليوم اآلخر أن جياهدوا بأمواهلم وأنفسهم ولوال ) وارتابت قلوهبم فهم يف ريبهم يترددون ( واملعىن يف ذلك سواء إال أنه يف الثانية قوله ) واليوم اآلخر

هذه الزيادة لكان حكم هاتني اآليتني حكم التكرير وهذا املوضع ينبغي أن يتأمل وينعم النظر فيه دىن األرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون يف بضع سنني هللا األمر أمل غلبت الروم يف أ( وعليه ورد قوله تعاىل

من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح املؤمنون بنصر اهللا ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم وعد اهللا ال خيلف اهللا ( فقوله ) وعده ولكن اكثر الناس ال يعلمون يعلمون ظاهرا من احلياة الدنيا وهم عن اآلخرة هم غافلون

من الباب الذي حنن بصدد ذكره أال ترى أنه نفى العلم عن الناس مبا ) ال يعلمون ( بعد قوله ) ن يعلمو خفي عنهم من حتقيق وعده مث أثبت هلم العلم

بظاهر احلياة الدنيا فكأهنم علموا وما علموا إذ العلم بظاهر األمور ليس بعلم وإمنا العلم هو ما كان بالباطن من األمور الث هو أن يذكر املعىن الواحد تاما ال حيتاج إىل زيادة مث يضرب له مثال من التشبيه كقول أيب الضرب الث

عبادة البحتري ... ) ذات حسن لو استزادت من الحسن إليه لما أصابت مزيدا ( أال ترى أن األول كاف يف بلوغ ... ) رمي طرفا وجيدا فهي كالشمس بهجة والقضيب اللدن قدا وال(

دخل حتته كل شيء من األشياء احلسنة إال أن ) لو استزادت ملا أصابت مزيدا ( الغاية يف احلسن ألنه ملا قال للتشبيه مزية أخرى تفيد السامع تصويرا وختييال ال حيصل له من األول وهذا الضرب من أحسن ما جييء يف

ب اإلطناب با وكذلك ورد قوله

) سماحا مرجى وبأسا مهيبا ... تردد في خلقي سودد ( ) وكالبحر إن جئته مستثيبا ... فكالسيف إن جئته صارخا (

أن يف الثاين زيادة التشبيه اليت فالبيت الثاين يدل على معىن األول ألن البحر و السيف للبأس املهيب إال تفيد ختيال وتصويرا

الضرب الرابع أن يستويف معاين الغرض املقصود من كتاب أو خطبة أو

قصيدة وهذا أصعب الضروب األربعة طريقا وأضيقها بابا ألنه يتفرع إىل أساليب كثرية من املعاين وأرباب يقذف بالدرر يف مثله إال معدوم الوجود ومثاله ومثال اإلجياز النظم والنثر يتفاوتون فيه وليس اخلاطر الذي

مثال جممل ومفصل وقد تقدم القول بأن اإلجياز واإلطناب والتطويل مبنزلة مقصد يسلك إليه ثالثة طرق وقد أوردت ههنا أمثله هلذه األساليب الثالثة وجعلتها على هيئة املقصد الذي تسلك إليه الطرق الثالثة

ما ذكرته يف وصف بستان ذات فواكه متعددة فإذا أريد وصفه على حكم اإلجياز قيل فيه من فمن ذلك

Page 271: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

كل فاكهة زوجان وهذا كالم اهللا تعاىل وقد مجع مجيع أنواع الفاكهة بأحسن لفظ وأخصره وإذا أريد وصف ذلك البستان على حكم اإلطناب قيل فيه ما أذكره وهو فصل من كتاب أنشأته وهو جنة

أرضها أن متسك ماء وغنيت بينبوعها أن تستجدي مساء وهي ذات مثار خمتلفة الغرابة وتربة منجبة علت وما كل تربة توصف بالنجابة ففيها املشمش الذي يسبق غريه بقدومه ويقذف أيدي اجلانني بنجومه فهو

الربيع الذي هو يسمو بطيب الفرع والنجار ولو نظم يف جيد احلسناء الشتبه بقالدة من نضار وله زمن أعدل األزمان وقد شبه بسن الصبا يف األسنان وفيها التفاح الذي رق جلده وعظم قده وتورد خده وطابت أنفاسه فال بان الوادي وال رنده وإذا نظر إليه وجد منه حظ الشم والنظر ونسبته من سرر الغزالن أوىل من

مار طينة وأكثرها ألوان زينة وأول غرس اغترسه نسبته إىل منابت الشجر وفيها العنب الذي هو أكرم الثنوح عليه السالم عند خروجه من السفينة فقطفه مييل بكف قاطفه ويغري بالوصف لسان واصفه وفيها الرمان الذي هو طعام وشراب وبه شبهت هنود الكعاب ومن فصله أنه ال نوى له فريمى نواه وال خيرج

ا التني الذي أقسم اهللا به تنويها بذكره واستتر آدم عليه السالم بورقه اللؤلؤ واملرجان من فاكهة سواه وفيهإذا كشفت املعصية من ستره وخص بطول األعناق فما يرى هبا من ميل فهو نشوة من سكره وقد وصف بأنه راق طعما ونعم جسما وقيل هذا كنيف مليء شهدا ال كنيف مليء علما وفيها من مثرات النخيل ما

وشكله ويشغل بلذة منظره عن لذة أكله وهو الذي فضل ذوات األفنان بعرجونه وال متاثل بينه يزهى بلونه وبني احللواء هذا خلق اهللا فأروين ماذا

خلق الذين من دونه وفيها غري ذلك من أشكال الفاكهة وأصنافها وكلها معدود من أوساطها ال من على قوله لن تبيد هذه أبدا أطرافها ولقد دخلتها فاستهوتين حسدا ومل أصاحبها

فهذا الوصف على هذه الصورة يسمى إطنابا ألنه مل يعر عن فائدة وذاك األول هو اإلجياز ألنه اشتمل باختصاره على مجيع أصناف الفاكهة

وأما التطويل فهو أن تعد األصناف املذكورة تعدادا من غري وصف لطيف وال نعت رائق فيقال مشمش ن وخنل وكذا وكذا وتفاح وعنب ورما

وانظر أيها املتأمل إىل ما أشرت إليه من هذه األقسام الثالثة يف اإلجياز واإلطناب والتطويل وقس عليها ما يأيت منها

وسأزيد ذلك بيانا مبثال آخر فأقول ى بن ماهان قد ورد يف باب اإلجياز كتاب كتبه طاهر بن احلسني إىل املأمون رمحه اهللا تعاىل خيربه هبزمية عيس

وقتله إياه وهو كتايب إىل أمري املؤمنني ورأس عيسى بن ماهان بني يدي وخامته يف يدي وعسكره مصرف حتت أمري والسالم

وهذا كتاب جامع للمعىن شديد اإلختصار ه وإذا كتب ما هو يف معناه على وجه اإلطناب قيل فيه ما أذكره وهو ما أنشأته مثاال يف هذا املوضع ليعلم بالفرق بني اإلجياز واإلطناب وهو أصدر كتابه هذا وقد نصر بالفئة القليلة على الفئة الكثرية وانقلب باليد

Page 272: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

املألى والعني القريرة وكان انتصاره جبد أمري املؤمنني ال جبد نصله واجلد أغىن من اجليش وإن كثرت أمداد ه وليس له قدم فيقال إنه يسعى بقدمه خيله ورجله وجيء برأس عيسى بن ماهان وهو على جسد غري جسد

وال يد فيقال إنه يبطش بيده ولقد طال وطوله مؤذن بقصر شأنه وحسدت الضباع الطري على مكاهنا منه وهو غري حمسود على مكانه وأحضر خامته وهو اخلامت الذي كان األمر جيري على نقش أسطره وكان يرجو

نية دون مصدره وكذلك البغي مرتعه وبيل أن يصدر كتاب الفتح خبتمه فحال ورود امل

وصرعه جليل وسيفه وإن مضى فإنه عند الضرب كليل وقد نطق الفأل بأن اخلامت والرأس مشريان باحلصول على خامت امللك ورأسه وهذا الفتح أساس ملا يستقبل بناؤه وال يستقر البناء على أساسه والعساكر

صارت له سلما وأعطته البيعة علما بفضله وليس من تابع تقليدا كمن اليت كانت على أمري املؤمنني حرباتابع علما وهم اآلن مصرفون حتت األوامرممتحنون بكشف السرائر مطيفون باللواء الذي خصه اهللا

باستفتاح املقالد واستيطاء املنابر وكما سرت خطوات القلم يف أثناء هذا القرطاس فكذلك سرت طالئع طالئع يف قلوب الناس وليس يف البالد ما يغلق مبشيئة اهللا بابا وال حيسر نقابا وعلى اهللا إمتام الرعب قبل ال

النعم اليت افتتحها وإجابة أمري املؤمنني إىل مقترحاته اليت اقترحها والسالم وهذا الكتاب يشتمل على ما اشتمل عليه كتاب طاهر بن احلسني من املعىن إال أنه فصل ذلك اإلمجال

ولو كتبت على وجه التطويل الذي ال فائدة فيه لقيل أصدر كتابه يف يوم كذا من شهر كذاوالتقى عسكر أمري املؤمنني وعسكر عدوه الباغي وتطاعن الفريقان وتزاحف اجلمعان ومحي القتال واشتد النزال وترادفت

امت من يده وخلع وترك الكتائب وتالحقت املقانب وقتل عيسى بن ماهان واحتز رأسه وقطع ونزع اخلجسده طعاما للطيور والسباع والذئاب والضباع واجنلت الوقعة عن غلب أمري املؤمنني ونصره وخذالن

عدوه وقهره والسالم فهذا الكتاب يشتمل على تطويل ال فائدة فيه ألنه كرر فيه معاين يتم الغرض بدوهنا وذكر ما ال حاجة إليه

يف اإلعالم بالواقعة ظر إىل هذه الكتب الثالثة وتأملها كما تأملت الذي تقدمها فان

وبعد ذلك إين أورد لك كتابا وتقليدا يوضحان لك فائدة اإلطناب أما الكتاب فإنه كتاب كتبته عن امللك الناصر صالح الدين يوسف بن أيوب رمحه اهللا إىل ديوان اخلالفة ببغداد يتضمن فتح البيت املقدس

ي الكفار وذلك يف معارضة كتاب كتبه عبد الرحيم بن علي البيساين عنه وكان الفتح يف واستنفاذه من أيدالسابع والعشرين من شهر رجب من سنة ثالث ومثانني ومخسمائة خلد اهللا سلطان الديوان العزيز النبوي

وجعل أيام دولته أترابا ومناقب جمدها هضابا وزادها على

ة وإذهابا إذا أوسع غريها تالشيا وذهابا ومنحها يف الدنيا واآلخرة عطاء مرور األيام شبابا وأوسعها توشيوفاقا العطاء حسابا ومثل جدودها يف عيون األعداء شيئا عجابا وأراهم منها وراءهم يف اليقظة إرهابا ا وإرعابا ويف املنام إبال صعابا تقود خيال عرابا لو مجعت العصور يف صعيد واحد لكان هذا العصر عليه

فاخرا وفاز بسبق أوائلها وإن جاء آخرا وليس ذلك إال خلظوته بالدولة الناصرية اليت كسته حربا وقلدته

Page 273: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

دررا ودونت له من احملامد سريا وجعلت يف كل ناحية من وجهه مشسا وقمرا وقيض اهللا هلا من اخلادم وليا لى نفسه وطاملا سعى بني يديها يوصل يومه يف طاعتها بأمسهوال يرى إال ومن نفسه يف خدمتها رقيب ع

مبساع نغص بأخبارها حمافل القوم ويقال له فيها ما ضرك ما صنعت بعد اليوم وقد سلفت منها آيات تتمايل يف أشباهها وأضراهبا واستؤنف هلا اآلن واحدة تدعى بأم كتاهبا وهي فتح البيت املقدس الذي تفتحت له

الظلماء واسترد حق اإلسالم وطاملا سعت اهلمم يف طلبه أبواب السماء وكثرت بأحاديث جمده كواكببالزاد واملاءومن أحسن ما أتى به آنس قبلته الثانية بقبلته األوىل وأطال منه كل ما قصرته يد الكفر وكانت هي الطويل وبه صح هلذا البيت معىن امسه وانتقل إىل الطهارة ونزاهتها عن الرجس ووصمه ومل حيزه اخلادم

وى ما حوله من البالد املنجدة والغائرة وكان مركزا لدائرهتا فغادره وهو طرف من أطراف الدائرة حىت طوملا شارفه نظر منه إىل ظله من الظلل ورأى بلدا قد استقر على منت اجلبل مثل اجلبل ويطيف به واد

سالك إليه مع ذلك تستهزيء عصمته بنوب الدهر وقد انعطف على جوانبه انعطاف احلبوة على الظهر واملذات تعاريج ومعارج وهي ضيقة مستوعرة يطلق عليها اسم الطرق وال يطلق عليها اسم املناهج فلما رآه

قال هذا أمنية ملن يرى وعلم حينئذ أن كل الصيد يف جوف الفرا إال أن لسان حاله خاطبه وهو أفصح سالح يف لباس رائع من املنعة وأخرج اخلطاب وقال امدد يدك فليس دوهنا من حجاب وكان قد برز من ال

من السواد األعظم ما خدع العيون واحلرب خدعة وما مينع رقاب البالد بكثرة السواد وال حيمي بعوايل األسوار بل بعوايل الصعاد ويف يوم كذا وكذا خيم املسلمون يف عقد داره ونزلوا منه نزول اجلار إىل جانب

ن مل يكن هناك موقف يقرب مناله وال يتسع حماله واتفق الرأي على لسان جاره مث ارتادوا موقفا للقتال وإ املنجنيق يف خطبة عقيلية أبلغ

خطاباوأدىن من املطلوب طالباوأنه إذا ضرب بعصاه احلجر انبجست عيون أهله دماء كما انبجست عيون املستعجل وتقول ما بارتياد احلجر ماء هذا والعزائم تنظر إىل هذا الرأي نظر املستجهل وتصد عنه صدود

السهل متلك الصعاب ومن ابتىن السيف صرحا مل ينأ عنه بلوغ األسباب واحلديد ال يفلح إال باحلديد والركن الشديد ال يصدم إال بركن شديد فعندها صمم اخلادم أن يلقى البلد مواثبا ال مواربا وأن جيعل

ة وجهه أمام الناس وتأسى برسول اهللا يف االتقاء به إذا للزحف جانبا وللمنجنيق جانبا ونوى أن يبدي صفحاشتد البأس وال شك أن قلوب اجليوش مبنزلة قلوهبا وأن النفاذ ألسنة الرماح ال لكعوهبا وال يشتفي من

الوغى إال من كان طرفه أمام طرفه ومن وقف خلف جنوده فقد جعل عزائمها من خلفه وملا وقع الزحف د أن قورع قراعا مث هز هزة طوته بيمينها ونشرته بشماهلا وأذاقته العذاب األدىن صورع البلد صراعا بع

دون العذاب األكرب من نكاهلا وبدون ذلك يكون عذرك أدميه وعطف شكيمه ومل يكن قتاله بالسهام اليت غايتها أن تصف أجنحتها للمطار وتنال بكلومها من فوق األسوار بل بالسيوف اليت إذا جالدت بلدا

أخذت بكظمه وتوغلت يف هجمه وأغنت بسرعة خطواهتا إليه عن املنجنيق وإبطاء هدمه والسيف ليس مبرتو من النفس اليت تظل طائشة عند لقائها جائشة عند استيفائها فالقلوب توصف بأهنا جتيش إذا كانت

وإحجامها فمنها املظلم أعدادا والنفوس ال جتيش إال ذا كانت مثادا وما يستوي وجوه األقران يف إقدامها

Page 274: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

إذا راهبا الروع بإشراقها ومنها املشرق إذا شاهبا الروع بإظالمها وكانت وجوه املؤمنني أحظى بلباس اإلشراق وأمت أبدرا والبدور ال يكون متامها يف احملاق فما منهم إال من عرض نفسه ليوم العرض ومشى إىل

ق بأعداء اهللا املقر وحرقت أوعار اخلنادق وصار جنة عرضها السموات واألرض حىت اتسع املكر وضاالرجال ملنطقة الصور كاملناطق ومل يستشهد فيهم إال عدد يسري ال تدخله الم التعريف وكانت أجنحة

املالئكة مطيفة هبم فأكرم باملطاف به وباملطيف وقد أسعد اهللا أولئك بالشهادة اليت هي الفوز األكرب وقرهنا األرض املقدسة اليت هي أرض احملشرفما يسرهم أن يعودوا إىل الدنيا إال لالستزادة من بإدناء مضاجعهم من

ثواب اجلهاد وأيسر ذلك أن أرواحهم يف حواصل طري خضر تعلق من مثار اجلنة إىل يوم املعاد وملا رأى الكفار أن صليبهم قد صار

نعت باملال عن الرقاب واسترقاقها وبالبلد خوارا وأن زئريهم قد انقلب خواراأذعنت أيديهم باستالمها وصاعن النفوس ومحامها فأىب السيف أن يترك رقابا تغذي بأكلها وحيل من عشقها على مداومة وصلها وذكر

اخلادم أن سلف هؤالء انتزاع هذا البلد قسرا وفتك مبن كان به من املسلمني غدرا وذلك ثأر ذخره اهللا لك تجمل يف الدنيا بزينة أثوابه واملسلم أخو املسلم يأخذ بدمه وإن تطاولت حىت حتظى يف اآلخرة بثوابه وت

أمداد السنني على قدمه فيا بعد عهد هذا الثأر من ثائره ويا طيب خربه عند سامعه وحسن أثره عند ناظره ه عليه وملا حتقق العزم على ذلك أشار ذوو الرأي بقبول الفدية املبذولة وأال حيمل العدو على ما ليست نفس

مبحمولة فإن النقد إذا أخرج صار ذا أنياب وأظفار واستضرى حىت يلتحق بالسباع الضوار وهؤالء إذا رأوا عني القتل جتردوا للقتال وركبوا األهوال للنجاة من األهوال ومن يدع إىل خطة رشد فليقبلها ومن أنشط

رغب وأموال يتقوى هبا على العدو خري له عقل األمور فال يعقلها وعلى كل حال فإن الفدية للمسلمني أمن دماء تذهب هذا وبالبلد من أسارى املسلمني من حياة أحدهم حبياة كل نفس ومن حرمته عند اهللا مما

طلعت عليه الشمس وال يوازي فتحه عنوة أن يتعدى إليهم أضراره وال شك أهنم يعاجلون بالقتل قبل أن لرأي مشترك وأن له معتركا كما أن السيف له معترك وتقرر تدخل أقطاره فرأى اخلادم عند ذلك أن ا

تسليم البلد ودموع أهله قد خضبت أحداقها وأقرحت آماقها ومل تطب أنفسهم بفراق قمامه حىت كادت اهلام تفارق أعناقها فعلى حب ذلك التراب تقوم قيامتهم وتشيل نعامتهم ولطاملا ابتهلوا عنده أيام احلصار

ظوا منه مبعونة االنتصار وكيف يرجى النصر من معبود تقر شيعته بقتله أم كيف يدفع عن واستنصره فلم حيغريه من كان هو مبتلى مبثله وهذه عقول سخيفة نفذ فيها كيد شيطاهنا وأخفى عنها حمجة احلق على

واشتق من وضوح بياهنا ولقد كان يوم التسليم عريض الفخار زائد العمر على عمر أبويه من الليل والنهار امسه معىن السالمة للمسلمني واهلالك للكفار وزاده فخرا إىل فخره أنه وافق اليوم املسفر عن ليلة املعراج النبوي الذي كان يف تلك األرض موعده ومن صخرهتا مصعده وذلك هو اإلسراء الذي ركب إليه ظهر

تالف درجاهتم فظفر خري ملقى خبري الق الرباق واستفتح له أبواب السبع الطباق ولقي فيه األنبياء على اخ وبركة ذلك اليوم سرت إىل هذا

Page 275: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

فأطالت من شهرته وضمنته نصرة الدين احلنيف الذي هللا عناية بنصرته وجعلته تارخيا يؤرخ بفتحه كما أرخ للنيب بدار هجرته وإذا أنصف واصفه قال إنه لليوم البدري يف اقتراب النسب وإنه العجيبة اليت مل جتفل

عنها األيام يف صفر وإمنا أجفلت عنها يف رجب فما أكثر الفائز فيه واملغبون واملسرور واحملزون فمن جد راكب ومن جد راجل ومن عز قادم وذل راحل ولطاملا جد اخلادم يف السعي له وأبصار العدا تزلقه

البالد واهللا يعلم أنه مل يكن وألسنتهم تسلقه وما منهم إال من أكثر الشناعة بأن ذلك السعي لالستكثار من إال لالستكثار من موارد اجلهاد ال جرم أن صدق النية كان له عقىب الدار وتلك األقوال الكاذبة كان هلا

عقىب البوار ويوم هذا الفتح يفتقر قبله إىل أيام جتلو بياضه عن سوادها ويلقح هلا بطون املساعي حىت يكون اخلادم مل يكن ألهل النجامة فيه قول يرد كذابه وال يقبل صوابه والشهب هلا نتيجة ميالدها وملا ظفر به

الطالعة على ذوات السروج نبأ من الشهب الطالعة من ذوات الربوج على أهنما وإن اتفقا رمجا فإهنما خيتلفان علما فعلم هذه يسأل عنه ثغر األعناق وعلم هذه يسأل عنه بطون األوراق وملا دخل البلد وجد به

مما لوال أن ضربت عليهم الذلة لدافعوا املنايا مكاثرة وغالبوا السيوف مصابرة وهم طوائف خمتلفو األلسنة أواأللوان وإن قيل إهنم أناسي فإن صورهم صور اجلان ومنهم طائفة استشعرت حبس نفوسها وفحصت

وسها وملا رأوا طلعة الشعر عن أوساط رءوسها وتوحشت بالرهبانية حىت ارتاعت العيون من أشكاهلا ولباإلسالم داخلة عليهم أعلنوا باجلؤار واصطرخوا مجيعا كما يصطرخون غدا يف النار وزادهم غيظا إىل

غيظهم أهنم رأوا الصالة قائمة وقد صار الناقوس أذانا وكلمة الكفر إميانا وأقيمت اجلمعة وهي أول مجعة ها وأسودها فمن باك بدمعة سروره الباردة ومن حظي األقصى مبشهدها وحضرهتا األمة اإلسالمية بأمحر

جميل نظره يف نعمة اهللا الواردة ومن شاكر للزمن الذي أبقاه إىل يومه هذا الذي كل األيام له حاسدة من كان ولده تقدم قبله أو بعده فكأنه مل يولد وكانت هذه اجلمعة يف رابع شعبان وهو الشهر الذي جعله اهللا

ليلة نصفه هي الليلة املعروفة بإحياء قيامها إىل حني وفاة شخص الظالم واليت يغفر طليعة لشهر الصيام وفيها ألكثر من شعر غنم كلب من ذوي الذنوب واألثام وجيء باللواء األسود فركز من املنرب يف أعاله

ونطق لسان حاله فقال من كان

من لسانه غري أن هذا يزهى ببالغ موعظته رسول اهللا مواله فأنا مواله ومل يكن لسان اخلطيب بأفصح بياناوهذا يزهى بعزة سلطانه وملا ذكرت مسات اخلالفة املعظمة أتبعها الناس بالدعاء الذي مأل املسجد بعجيجه

وسبق الكرام الكاتبون بزميله إىل السماء ووشيجه وكان اليوم فصال واملوقف حفال وذلك الدعاء فرضا ال ما شوهد بالبلد من اآلثار العجيبة اليت تستلبث العجالن وتستحلب األذهان نفال وال ينتهي النصف إىل

وتستنطق األلسنة بالتسبيح هللا الذي فطر اإلنسان ومن مجلة ذلك ما تبوهي يف حسنه من البيع والصوامع ذوات األبنية الروائع اليت روضت بالزخارف ترويض األزهار ورفعت معاقدها حىت كادت النجوم توحي

ا باألسرار وما منها إال ما يقال إنه إرم ذات العماد اليت مل خيلق مثلها يف البالد ولقد أالن اهللا هلم إليهاحلجارة حىت ختريوا يف توسيعها بضروب االختيار وجعلوها أعاجيب لألمساع واألبصار وقيل فيها هذه

وصوفة بأهنا آلة الصلب الاليت من روضات جنان ال أفنية ديار هذا إىل غريه مما وجد من معبودات القوم امل

Page 276: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

ذوات النصب وأكثر ذلك وجد يف املسجد موضوعا وعلى قبته مرفوعا فأنزلت على قروهنا واسنت بسنة رسول اهللا يف طعن عيوهنا واستوطن املؤمن مكان الكفور وبدلت الظلمات بالنور وقالت الصخرة اآلن مجع

ع بني األختني يف هذا األمر من احلالل ال من احلرام وقال بيين وبني احلجر األسود خلاطب اإلسالم واجلماألقصى سبحان الذي أسرى إيل جبنده كما أسرى بعبده وأعاد يل عهود الفتح األول هبذا الفتح الذي أتى من بعده وعود الذاهب أرجى لدوام أحقابه وخلود اإلنسان ال يكون إال يف مآبه وهذا هو اخلطب الذي

ابن خطابه رضي اهللا عنه إال أن مستنقذ الطريدة أوىل هبا من صاحبها ولئن غصبتها يد جدد لإلسالم عهودغالبة فقد جاء اهللا باليد اليت غصبتها من غاصبها هذا ومل يستنقذها اخلادم إال بإنضاء سالح أنفته الوقعة

ح عنوانا ولتقرير أصوله األوىل اليت استأصلت محاة البالد واستباحت أغياهلا بقتل اآلساد فكانت هلذا الفتبنيانا ومل ينج هبا من طواغيت الكفر إال طاغية ترابلس فإن السيوف أسأرته وبفؤاده قلق من أوجاهلا ويف عينه دهش من أهواهلا وقد قرن اهللا هذا الفتح ببشرى موته وكفى املسلمني مؤنة االهتمام لفوته ففر من

اره فقتله اخلوف من وراء اجلدار وال فرق بني قتيل خوف الوقعة ومل ينج بذلك الفرار واعتصم بذات جد السفار وبني قتيل

الشفار ولقد فر من املكروه إىل مثله لكنه انتقل من ميتة عزه إىل ميتة ذله وكذلك آثار اخلادم يف أعداء اهللا يف أن فهم هلكى بسيفه يف مواقف الطراد فإن فروا فبخوفه على جنوب الوساد وبعد هذه فهل ميترون

دماءهم قد استجابت ملراده وأن سواء لديه من أمكن منها يف دونه ومن امتنع منها يف بعاده وكل ذلك مستمد من االستنصار بعناية الديوان العزيز اليت من شأهنا أن جتعل الرؤيا حقا وأحاديث اآلمال صدقا

نسوب إليها وإن كان اخلادم هو وتقرب بعيدات األمور حىت جتعل الشرق غربا والغرب شرقا فهذا الفتح مالساعي يف تسهيله واجملاهد بنفسه وماله يف سبيله فعلى عطف دولتها ترقم أعالمه ويف أيامها تؤرخ أيامه ولو أبيح للقلم اخليالء يف مقام املقال كما أبيح لصاحبه يف مقام القتال الختالت مشيته يف هذا الكتاب

اإلسهاب لكنه منعه من ذلك أن يكون ممن فخر بعمله فأبطله وأرسل ولقال وأسهب فليس اإلكثار ههنا من خطابه إىل الديوان العزيز فلم يقبضه باألدب حني أرسله وقد ارتاد من يبلغ عنه مشاريح هذه الوقائع اليت

اختصرها وميثل صورها ملن غاب عنها كما متثلت ملن حضرها ويكون مكانه من النباهة كرميا كمكاهنا وهي س املساعي فأحسن الناس بيانا مؤهل إليداع حساهنا والسائر هبا فالن وهو راوي أخبار نصرها اليت عرائ

صحبها يف جتريح الرجال وعوايل إسنادها مأخوذة من طرق العوال واأليام والليالريواة فما الظن برواية وما دامت السيوف ناطقة يف يد األيام والليال وستتلو هذه األخبار الصادقة مبشيئة اهللا أخبار مثلها صادقة اخلادم فاأللسنة عنها ناطقة ولآلراء العالية مزيد العلو إن شاء اهللا تعاىل

وأما التقليد فإنه تقليد أنشأته ملنصب احلسبة وهو أما بعد فقد جعل اهللا جزاء التمكني يف أرضه أن يقام عدم أهله فقد جيء بنا يف زمن أصبح الناس حبدود فرضه وحنن نسأله التوفيق هلذا األمر الذي ثقل محله و

فيه سدى وعاد اإلسالم فيه غريبا كما بدا وهو الزمن الذي كثرت فيه أشراط اليوم األخري وغربلت فيه األمة حىت مل يبق إال حثالة التمر والشعري ومن أعم ما نقرر بناءه ونقدم عناءه ونصلح به الزمن وأبناءه أن

Page 277: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

هرة على ما قررته يف تعريف ما عرفته وتنكري ما نكرته ومدار ذلك على النظر يف منضي أحكام الشريعة املط أمر احلسبة اليت تتنزل

منه مبنزلة السلك من العقد والكف من الزند وقد أخلصنا النية يف ارتياد من يقوم فيها ويكفيها ويصطفى هلا ر وصدق فيك النظر فتوهلا غري موكول وال يصطفيها وهو أنت أيها الشيخ األجل فالن أحسن اهللا لك األث

إليها بل معانا عليها واعلم أن الناس قد أماتوا سننا وأحيوا بدعا وتفرقوا فيما أحدثوه من احملدثات شيعا وأظلم منهم من أقرهم

على أمرهم ومل يأخذهم بقوارع زجرهم فإن السكوت عن البدعة رضا مبكاهنا وترك النهي عنها كاألمر يأت بنا اهللا تعاىل إال ليعيد الدين قائما على أصوله صاعدا حبكم اهللا فيه وحكم رسوله بإتياهنا ومل

وحنن نأمرك أن تتصفح أحوال الناس يف أمر دينهم الذي هو عصمة ماهلم وأمر معاشهم الذي يتميز به لذي هو سبيل واحد حرامهم من حالهلم فابدأ أوال بالنظر يف العقائد واهد فيها إىل سبيل الفرقة الناجية ا

وتلك الفرقة هي السلف الصاحل الذين لزموا مواطن احلق فأقاموا وقالوا ربنا اهللا مث استقاموا ومن عداهم شعب دانوا أديانا وعبدوا من األهواء أوثانا واتبعوا ما مل ينزل به اهللا سلطانا ولو نشاء ألريناكهم فلعرفتهم

يعلم أعمالكم فمن انتهى من هؤالء إىل فلسفة فاقتله وال تسمع له بسيماهم ولتعرفنهم يف حلن القول واهللا قوال وال تقبل منه صرفا وال عدال وليكن قتله على رءوس األشهاد ما بني حاضر وباد فما تكدرت الشرائع

مبثل مقالته وال تدنست علومها مبثل أثر جهالته واملنتمي إليها يعرف بنكره ويستدل عليه بظلمة كفره ظلمة تدرك بالقلوب ال باألبصار وتظهر زيادهتا ونقصها حبسب ما عند رائيها من األنوار وما جتده وتلك

من كتبها اليت هي مسوم ناقعة ال علوم نافعة وأفاعي ملففة ال أقوال مؤلفة فاستأصل شافتها بالتمزيق وافعل ع آثارها والكشف عن مكامن أسرارها هبا ما يفعله اهللا بأهلها من التحريقوال يقنعك ذلك حىت جتتهد يف تتب

فمن وجدت يف بيته فليؤخذ جهارا ولينكل به إشهارا وليقل هذا جزاء من استكرب استكبارا ومل يرج هللا وقارا وأما من حتدث يف القدر وقال فيه مبخالفة نص اخلرب فليس يف شيء من ربقة اإلسالم وإن تنسك

) درية جموس هذه األمة الق( مبداومة الصالة والصيام قال النيب واملراد بذلك أهنما ماثلوا بني اهللا والعبد والضياء والظلمة فعالج هذه الطائفة أن جتزى بأن ختزى فليقابل

مجعها بالتكسري وامسها بالتصغري ولتنقل إىل ثقل

جيري احلدود عن خفة التعزير ومن كان منها ذا مكانة ناهبة فليهبط أو شهادة عادلة فليسقط وكذلك احلكم فيمن قال بالتشبيه والتجسيم أو قال حبدوث القرآن القدمي

ومن ملحدي القرآن فرقة فرقت بني املعىن واخلط وفرقة قالت فيه بالشكل والنقط وكل هؤالء قوم خبثت سرائرهم وعميت بصائرهم وعظمت عند اهللا جرائمهم فخذهم بالتوبة اليت تطهر أهلها وجتب ما قبلها

وبة عبارة عن ذكرى اللسان والقلب اله يف قبضة النسيان بل هي عبارة عن الندم على ما فات وليست التواستئناف اإلخالص فيما ما هو آت وقد جعل اهللا التائب من أحبابه ووصفه يف مواضع كثرية من كتابه

رارا ومل يزدهم ومن فضله أن املالئكة يستغفرون لذنبه ويشفعون له إىل ربه فإن أبت هذه الطوائف إال إص

Page 278: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

دعاؤك إال فرارا فاعلم أن اهللا قد طبع على قلوهبم طبعا وأحلقهم بالذين كانت أعينهم يف غطاء عن ذكره وكانوا ال يستطيعون مسعا فخذهم عند ذلك حبد اجللد فإن مل ينجع فبحد ذوات احلدفإن هذه أمراض عمى

ال ترجى هلا اإلفاقة وال تربيء منها إال الدماء املراقةوأما الفرقة املدعوة بالرافضة اليت هي ملا رفعه اهللا خافضة فإهنم أناس ليس هلم من الدين إال امسه وال من

اإلسالم إال رمسه وإذا نقب عن مذهبهم وجد على العصبية موضوعا ولغري ما شرعه اهللا ورسوله مشروعا أحاديث فنقلوها وأولوها على ما ذبوا عن علي رضي اهللا عنه فأسلموه وأخروه إذ قدموه وهؤالء وضعوا

أولوها فتبع اآلخر منهم األول على غمة وقالوا إنا وجدنا آبائنا على أمة وههنا غري ما ذكرناه من عقائد حملولة ومذاهب غري منقولة وال مقبولة وباهلدي يتبني طريق الضالل وبالصحة يظهر أثر االعتالل وال عقيدة

ين إال دين العجائز املاء واحملراب إال عقيدة السنة والكتاب وال دوإذا فرغنا من الوصية باألصول اليت هي للدين مالك فلنتبعها بالفروع اليت هي له مساك وأول ذلك الصالة

وهي يف مباين اإلسالم اخلمس أوكد مخسه

ملنكر وال وآخر ما وصى به رسول اهللا عند مفارقة نفسه ومن فضلها أهنا العمل الذي ينهى عن الفحشاء واعذر يف تركها ألحد من الناس فيقال إنه يعذر فامجع الناس إليها وامحلهم عليها ومرهم باالجتماع هلا يف

املساجد وناد فيهم بفضيلة صالة اجلماعة على صالة واحد وراقبهم عند أوقات األذان يف األسواق اليت هي على هلوه ولعبهفخذه باآللة العمرية اليت تضع من معركة الشيطانفمن شغل بتثمري مكسبه وهلا عنها باإلقبال

قدره وتذيقه وبال أمره وال مينعك عن ذي هيبة هيبته وال عن ذي شيبة شيبته فإمنا أهلك الذين قبلكم أهنم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه احلد ومن مهمات الصالة يوم

يام مبنزلة األعياد يف األعوام وفيه الساعة املخصوصة بالدعاء اجملاب اليت ما صادفها اجلمعة الذي هو يف األعبد إال ظفر بالطالب فمر الناس بابتداره يف البواكر والفوز فيه بقربان البدنات األخايرفإنه اليوم الذي مل

قد األيام السبعة تطلع الشمس على مثله وبه فضل هذا الدين على أهل الكتاب من قبله فهو واسطة عوالشتماله على جمموع فضلها مسي يوم اجلمعة ويف األعوام مواسم لصلوات خمصوصة كالتراويح يف شهر

رمضان والرغائب يف أول مجعة من رجب وليلة النصف من شعبان فلتمأل املساجد يف هذه املواسم اليت تكثر ها وليس مهه إال أن مير هبا طروقا ويواعد فيها شهادات األقالم يف كتب الطاعات وحمو اآلثام ومن حضر

إليه أخدانه رفثا أو فسوقافهؤالء هم اخللف الذين أضاعوا الصالة واتبعوا الشهوات فابعث عليهم قوما يسلبوهنم سلبا ويوجعوهنم ضربا وميلئون عيوهنم مهابة وقلوهبم رعبا فبيوت اهللا مطهرة من هذه األدناس ومل

ا عمرت للناس فال حيضرها إال راكع وساجد أو ذاكر وحامد تعمر لشياطني اإلنس وإمنوههنا عظيمة عضيهة وفاحشة يفقه هلا من ليست نفسه بفقيهة وهي الربا فإنه قد كثر أكله وتظاهر به فاعله

وقال فساق الفقهاء بتأويله وتوصلوا إىل شبهه حتليليه وال يتسارع إىل ذلك إال من أعمى اهللا قلبه وحمق وحنن نأمرك ) لعن اهللا اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها وباعوها وأكلوا أمثاهنا ( ل النيب كسبه قا

Page 279: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

أن تشمر يف هذا األمر تشمريا يرهبه الناس وال تدع ربا حىت تضعه وأول ربا تضعه ربا العباس فتأديب ربا جتري يف سوق الكبري قاض بتهذيب الصغري واألسوة بالرفيع خالف األسوة بالنظري وجل معاملة ال

الصرف الذي ختتلف به النقود وتفترض فيه العقود وخياض يف نار نريه إىل النار ذات الوقود وبه قوم أوسعوا عيون املوازين غمزا وألسنتها مهزا وملزا وأصبح الدرهم والدينار عندهم مبنزلة الصنمني الالت

ع بني املعرفة باحلرام واهلجوم على ارتكابه والعزى وال يرى منهم إال من احلرص مفاض على ثيابه وقد مجفعدل ميل هؤالء تعديال وختوهلم على مرور األيام ختويال واعلم أنك قد وليت من الكيل وامليزان أمرين

هلكت فيهما األمم السالفة فباشرمها بيدك مباشرة االختيار واالختبار وال تقل أهلهما عثرة فإن اإلقالة ال هؤالء من سواد الناس ممن مل يزك غرسه وال فقهت نفسه وليس مهه إال فرجه أو تنهى عن العثار وكل

ضرسه فخذهم بآلة التعزيز اليت هي نزاعة للشوى تدعو من أدبر وتوىل ومن آثارها أهنا ترج أرض الرأس رجا وتفرج مساءه فرجا ويسلك بصاحبه هديا وهنجا ان وبيع احلاضر للبادي وتنفيق السلعة باليمني الكذابة وقد كثر يف األسواق اخلالبة والنجس وتلقي الركب

وكل هذه من احملظورات اليت وردت األخبار النبوية بياهنا والنهي عن تورد مكاهنا فمن قارف شيئا منها جاهال بتحرميه فقومه بالتعليم واهده إىل الصراط املستقيم ومن عرف ما اقترف فأذقه حر التأديب قبل أن

التعذيب وأعلمه أن األرزاق بيد اهللا تعاىل ال ينقصها عجز القاعد وال يزيدها حرص الكادح يذاق غدا حر وقد ينقلب اجلاهد فيها بصفقة اخلاسر والوداع بصفقة الرابح ومن سنة اهللا تعاىل أن ينمي احلالل وإن كان

ق جنود ذهبه وورقه يسريا وميحق احلرام وإن كان كثريا ومن الناس من آتاه اهللا ماال فبث يف األسواواحتكر ما محله امليزان من ذوات رطله ووسعه الكيل من ذوات وسقه فأصبح فقراء بلده يف ضيق من عدم

الرفق ومدد الرزق فلمنع هؤالء أن جيعلوا رزق اهللا حمتكرا

رك للفقري و معاش عباده حمتجرا وليؤمروا بأن يترامحوا وال يتزامحوا وأن يأخذ الغين منهم بقدر الكفاف ويتما يعينه على اإلسعاف قال عمر بن اخلطاب رضي اهللا عنه ال حكرة يف سوقنا ال يعمد رجال بأيديهم فضول

من أذهاب إىل رزق من أرزاق اهللا تعاىل ينزل بساحتنا فيحتكرونه علينا ولكن أميا جالبا جلب على عمود وأما التسعري فإنه وإن آثره القاطنون كبده فذلك ضيف عمر فليبع كيف شاء اهللا وليمسك كيف شاء اهللا

وحكم به القاسطون وقيل إن يف ذلك للفقري تيسري العسريفليس ألحد أن يكون يد اهللا يف حفظ ما رفع وبذل ما منع فقف أنت حيث أوقفك حكم احلق ودع ما يعن من مصلحة اخللق وال تكن ممن اتبع الرأي

ة فيما يأمر به على ألسنة رسله وليست مما يستنبطه ذو العلم والنظر وترك اآلية واخلرب فحكمة اهللا مطوي بعلمه وال يستدل عليه ذو العقل بعقله ولو كان من عند غري اهللا لوجدوا فيه اختالفا كثريا

ومما نأمرك به أن متحو الصغرية كما متحو الكبرية فإن ملم الذنوب كالقطر يصري جمتمعه سيال متدفقا وكان ا أوله قطرا متفرق

وقد استمر يف الناس عوائد هتاونوا باستمرارها ومل ينظروا إىل ثقل أوزارها فمن ذلك لبس الذهب واحلرير الذي مل يلبسه إال من عدم عند اهللا خالقا وإن قيل إنه شعار للغين فلم يزد صاحبه من احلسنات إال إمالقا

Page 280: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

ر وقارا ويلتحق هبذه املعصية صوغ وللبس عباءة مع التقوى أحسن يف العيون شعارا وأعظم يف الصدوالذهب والفضة آنية مينع منها حق الصدقات وهو حق يقاتل مانعه ويعصى يف استعماهلا أمر اهللا وهو حد من

حدوده يعاقب عاصيه ويثاب طائعه وكذلك جيري احلكم يف الصور املرقومة يف البيوت والثياب وعلى روب أشكال احليوان ملالعبة الصبيان وذلك مماثلة خللق اهللا يف الستور املغلقة على األبواب وإخراجها يف ض

التقدير وهلذا يؤمر صانعه بنفخ الروح فيما صوره من التصوير ومما يغلظ نكريه إطالة الذيول لالجترار واملباهاة ملا فيها من عنجهية التيه واالستكبار ولن خيرق صاحبها

ة األرض بإعجابه وال يبلغ طول اجلبال بإطال

) إن اهللا ال ينظر يوم القيامة إىل من جر ثوبه خيالء ( ثيابه قال النيب ومما هو أشد نكريا أمر احلمامات فإن الناس قد أصروا هبا على اإلجهار وترك االستتار والتهاون بأمر

ابتذلن العورات اليت لصاحبها اللعنة وله سوء الدار والنساء يف هذا املقام أشد هتالكا من الرجال وقد أنفسهن حىت أفرطن يف فاحشة االبتذال وهلن حمدثات من املنكر أحدثها كثرة اإلرفاه واإلتراف وأمهل

إنكارها حىت سرت يف األوساط واألطراف وقد أحدثن اآلن من املالبس ما مل خيطر للشيطان يف حساب لتها أهنن يعتصنب عصائب وتلك من لباس الشهرة الذي ال يستر منه إسبال مرط وال إدناء جلباب ومن مج

كأمثال األسنمة وخيرجن من جهارة أشكاهلا يف الصور املعلمة وقد أخرب رسول اهللا هبا فيما ورد عنه من األخبار وجعل صاحبها معدودا من زمرة أصحاب النار

ومما حيد فيه عن السنن قراءة القرآن بضروب األحلان وتلك قراءة خترج حروفها من غري خمرج وتبدومعوجة وهو قرآن عريب غري ذي عوج وقد أمر اهللا بترتيله وإيراده على هيئة تنزيله فمن قرأه بالترجيع

والترديد وزلزل حروفه بالتمطيط والتمديد وقد أحلقه بدرجات األغاين وذهب مبا فيه من طالوة األلفاظ ون أهل الفسق وحلون أهل الكتابني اقرءوا القرآن بلحون العرب وأصواهتا وإياكم وحل( واملعاين قال النيب

وسيجيء بعدي قوم يرجعون بالقرآن ترجيع الغناء والنوح ال جياوز حناجرهم مفتونة قلوهبم وقلوب الذين ويلتحق بذلك اقتناء القينات املغنيات الاليت يلعنب بالعقول لعبهن باألمساع ويغنني الشيطان ) يعجبهم شأهنم

اع وفتيا النفس األمارة يف ذلك أن تقول هؤالء إماء حيل نغمة مساعهن كما بغنائهن عن بث اجلنود واألشيحيل ما حتت قناعهن وقد علم أن لكل شيء مناما وقد ينقلب احلالل فيصري حراما ومن حام حول احلمى

يهن ال تبيعوا القينات املغنيات وال تشتروهن وال تعلموهن وال خري يف جتارة ف( يوشك أن يقع فيه قال النيب وكذلك جيري احلكم يف املواشط ) ومن الناس من يشتري هلو احلديث ( ويف مثل هذا أنزلت ) ومثنهن حرام

الاليت جيعلن احلسن موفورا والقبح مستورا وخيدعن نظر الناظر حىت جيعلنه مسحورا فهن يبدين

إنه ليس منه وقد لعن صدقا من كذب وجدا من لعب وفعلهن هذا من الغش الذي هنى رسول اهللا عنه وقال الواصلة واملستوصلة والوامشة واملستومشة والواشرة واملستوشرة ومن غش املنكرات أيضا خضاب الشيب الذي خيالف فيه الظاهر الباطن ويتخلق صاحبه خبلق الكاذب اخلائن وهب أنه أخفى لون شعره وهل خيفي

ضه وال سواد رأسه وقد جعل اهللا الشيب من نعمه أخالق لباسه وإذا استسن مالئم املرء فال يغنيه سواد عار

Page 281: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

املبشرة بطول األعمار ومساه نورا للونه وهدايته وال تستوي الظلمات واألنوار قال النيب الشيب أن يشتغل بتغيري صيغة الكتاب ويدأب يف حمو سواد العقاب ببياض الثواب ففي بقية عمره مندوحة الدخار ما حيمد

طره ذخره وتبديل ما تقدم سومما خولفت فيه السنة عقد جمالس التعازي حلضور الناس وإظهار شعار األسود واألزرق من اللباس

والتشبيه باجلاهلية يف النوح والندب وجماوزة دمع العني وخشوع القلب إىل اإلعالن بإسخاط الرب وقد ئر واملزور فصارت املآمت تواطأ النساء على ضرب اخليام على القبور وجعل األعياد مواسم الجتماع الزا

بينهم والئم واملنادب عندهم مآدب ورمبا نشأ من ذلك ما يغض طرفا وجيدعوا أنفا ويوجب حدا وقذفا وهكذا أمهل أمر اإلسالم يف تشبيه أهل الذمة بأهله وما كانوا ليشاهبوه يف زي غرته وخيالفوه يف سلوك سبله

اره ويصفر اليهودي أعلى إزاره وليمنعوا من الظاهر بطغيان وال بد من الغيار بأن يشد النصراين عقدة زنالنعمة وعلو اهلمة ويؤمروا بالوقوف عندما حكم عليهم من األحكام وأخذوا فيه باالختفاء واالكتتام

فخمورهم تستر وشعائر دينهم ال تظهر وموتاهم تقرب باخلمول قبل أن تقرب فال يوقد خلف ميتهم مصباح صياح وال يتبع بندب وال

ومما عرف الناس منكره إثارة التحريش بني احليوانات وهي ذوات أكباد رطبة وأخالق صعبة وما منها إال ما حيل أكله وال حيل قتله كالكبش واحلجلة والديك والسماين وما أشبهها وقد أكثر الناس من اقتنائها

اب وشق ثياب وإحداث شجاج وإثارة واملواظبة على إضرام شحنائها ولرمبا نشأ من ذلك فتنة تؤل إىل ضر عجاج وحتزب إىل أحزاب كثرية وأفواج

ويتصل هبذه املنكرات املذكورة أشياء أخرى جتري جمراها يف التقدمي وتتنزل منزلتها يف التحرمي فاحكم فيها األود حبكمك وامضي يف شبهاهتا بدليل علمك ونب عنا يف التذكري والتحذير والتعريف والتنكريحىت يتقوم

ويتضح الرشد وميكث يف األرض ما ينفع ويذهب الزبد وليكن عملك هللا الذي يسمع ويرى وله ما يف السموات وما يف األرض وما بينهما وما حتت الثرى

واعلم أن األمر باملعروف عبادة يتعدى نفع صاحبها إىل غريه وتستضيف خري املأمور هبا إىل خريه وهي ل فيه عواصي النفوس وتضرب به رءوس الشهوات اليت هي أمنع من معاقد اجلهاد األكرب الذي تقات

الرءوس فقتيله حييا بقتله وجرحيه يوسي جبراحة نصله ومبثل هذا اجلهاد تستنزل أمداد النعم مضعفة كما تستنزل أمداد النصر مردفة فأقدم عليه ذا عزم باتر وطرف ساهر وقدم ثابت صابرحىت تظل ملعاقل الشيطان

حتا وتكون فيمن دعا إىل اهللا وعمل صاحلا فاواعلم أنك يف صبيحة كل يوم يبتدرك امللك والشيطان وكل منهما يقول يأيها اإلنسان فإن أجبت نداء

امللك كتبك يف زمرة من مهد جلنبه وخاف مقام ربه وعرج بك إىل اهللا طيبا نشره مضاعفا أجره وإن أجبت واه وقرنك مبن أغفل اهللا قلبه واتبع هواه مث نزل به إىل األرض خبيثا نداء الشيطان كتبك يف زمرة من أغ

خمبثا وأقبل به على إخوانه من الشياطني حمدثا وهذا آخر ما عهدناه إليك من العهد الذي طوقت اليوم بكتابه وستناقش غدا على حسابه وكما جعلناه لك

Page 282: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

تعاىل والسالم يف الدنيا ذكرا فاجعله لك يف اآلخرة ذخرا إن شاء اهللا وهذا الذي ذكرته يف هذين من الكتاب والتقليد يتضمن إطنابا مستوىف

األقسام ولوال خوف اإلطالة اليت ال حاجة إليها ألوردت قصائد من الشعر أيضا حىت ال خيلو املوضع من ضرب أمثلة من املنظوم واملنثور لكن يف الذي ذكرته كفاية ملن حيمله على أشباهه ونظائره

فإن قيل إن اإلطناب يف الكالم وضعتموه امسا على غري مسمى فإن الكالم ال خيلو من حالني إما أال يزيد لفظه على معناه وهو اإلجياز أو يزيد لفظه على معناه وهو التطويل وليس ههنا قسم ثالث فما اإلطناب إذا

؟ ضد البياض غري أن بني الضدين مراتب قلت يف اجلواب اعلم أن اإلجياز هو ضد التطويل كما أن السواد

ومنازل ليست أضدادا فاإلطناب ال إجياز هو وال تطويل كما أن احلمرة أو اخلضرة ليست بياضا وال سوادا وقد قدمنا القول أن اإلطناب يأيت يف الكالم مؤكدا كالذي يأيت بزيادة التصوير للمعىن املقصود إما حقيقة

فإنه التعبري عن املعىن بلفظ زائد عليه يفهم ذلك املعىن بدونه فإذا حذفت وإما جمازا والتطويل ليس كذلكتلك الزيادة بقي املعىن املعرب عنه على حاله مل يتغري منه شيء وهذا خبالف اإلطناب فإنه إذا حذفت منه تلك

خييل اليت تفيد الزيادة املؤكدة للمعىن تغري ذلك املعىن وزال ذلك التأكيد عنه وذهبت فائدة التصوير والتفإهنا ال تعمى األبصار ولكن تعمى القلوب اليت يف الصدور ( السامع ما مل يكن إال هبا أال ترى إىل قوله تعاىل

وهذا ال يسمى إجيازا ألنه أتى فيه بزيادة لفظ وهو ذكر الصدور وقد علم أن القلوب ال تكون إال يف ) فيه أصال وهذا فيه فائدة وهي ما أشرنا إليه وكذلك باقي الصدور وال يسمى تطويال ألن التطويل ال فائدة

أقسام اإلطناب اليت نبهناه عليها وهذا ال نزاع فيه

النوع السابع عشر

يف التكرير

قد تقدم الكالم يف صدر كتايب هذا على تكرار احلروف وما أشبه ذلك مما خيتلط هبذا النوع الذي هو تكرار املعاين واأللفاظ

هذا النوع من مقاتل علم البيان وهو دقيق املأخذ واعلم أن وحده هو داللة اللفظ على املعىن مرددا ورمبا اشتبه على أكثر الناس باإلطناب مرة وبالتطويل أخرى وقد تقدم الكالم على الفرق بني هذه األنواع الثالثة يف باب اإلطناب فال حاجة إىل إعادته ههنا وأما التكرير

فقد عرفتكه و ينقسم قسمني أحدمها يوجد يف اللفظ واملعىن واآلخر يوجد يف املعىن دون اللفظ وه

فأما الذي يوجد يف اللفظ واملعىن فكقولك ملن تستدعيه أسرع أسرع ومنه قول أيب الطيب املتنيب ) لمثلي عند مثلهم مقام ... ولم أر مثل جرياني ومثلي (

Page 283: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

ي يوجد يف املعىن دون اللفظ فكقولك أطعين وال تعصين فإن األمر بالطاعة هني عن املعصية وأما الذوكل من هذين القسمني ينقسم إىل مفيد وغري مفيد وال أعين باملفيد ههنا ما يعنيه النحاة فإنه عندهم عبارة

ىن يسع مكلفا جهله وإما عن اللفظ املركبإما من االسم مع االسم بشرط أن يكون لألول بالثاين عالقة مع من االسم مع

الفعل التام املتصرف على هذا الشرط أيضا وإما من حرف النداء مع االسم فهذا هو املفيد عند النحاة وأنا مل اقصد ذلك ههنا بل مقصودي من املفيد أن يأيت ملعىن وغري املفيد أن يأيت لغري معىن

م تأكيدا له وتشيدا من أمره وإمنا يفعل ذلك للداللة على العناية واعلم أن املفيد من التكرير يأيت يف الكالبالشيء الذي كررت فيه كالمك إما مبالغة يف مدحه أو ذمه أو غري ذلك وال يأيت إال يف أحد طريف الشيء املقصود بالذكر والوسط عار منه وألن أحد الطرفني هو املقصود باملبالغة إما مبدح أو ذم أو غريمها والوسط

ليس من شرط املبالغة وغري املفيد ال يأيت يف الكالم إال عيا وخطال من غري حاجة إليه فإنه ينقسم إىل ضربني مفيد وغري مفيد - وهو الذي يوجد يف اللفظ واملعىن - فأما األول

به فاألول املفيد وهو فرعان األول إذا كان التكرير يف اللفظ واملعىن يدل على معىن واحد واملقصود وإذ يعدكم اهللا إحدى الطائفتني أهنا لكم وتودون أن غري ذات الشوكة تكون ( غرضان خمتلفان كقوله تعاىل

) لكم ويريد اهللا أن حيق احلق بكلماته ويقطع دابر الكافرين ليحق احلق ويبطل الباطل ولو كره اجملرمون إمنا جيء به ههنا الختالف املراد ) احلق وليحق( و ) حيق احلق ( هذا تكرير يف اللفظ واملعىن وهو قوله

وذاك أن األول متييز بني اإلرادتني والثاين بيان لغرضه فيما فعل من اختيار ذات الشوكه على غريها وأنه ما نصرهم وخذل أولئك إال هلذا الغرض

أول املسلمني قل قل إين أمرت أن أعبد اهللا خملصا له الدين وأمرت ألن أكون ( ومن هذا الباب قوله تعاىل فكرر ) إين أخاف إن عصيت ريب عذاب يوم عظيم قل اهللا أعبد خملصا له ديين فاعبدوا ما شئتم من دونه

واملراد به ) قل اهللا أعبد خملصا له ديين ( وقوله ) قل إين أمرت أن أعبد اهللا خملصا له الدين ( قوله تعاىل ر من جهة اهللا بالعبادة غرضان خمتلفان و ذلك أن األول إخبار بأنه مأمو

واإلخالص يف دينه والثاين إخبار بأنه خيص اهللا وحده دون غريه بعبادته خملصا له دينه ولداللته على ذلك قدم املعبود على فعل العبادة يف الثاين وأخره يف األول ألن الكالم أوال واقع يف الفعل نفسه وإجياده وثانيا

) فاعبدوا ما شئتم من دونه ( ه فيمن يفعل من أجله ولذلك رتب عليإمنا املؤمنون الذين آمنوا باهللا ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع مل يذهبوا حىت ( وعليه ورد قوله تعاىل

وظاهر األول والثاين أهنما سواء يف ) يستأذنوه إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون باهللا ورسوله ين فيه ختصيص غري موجود يف األول أال ترى أنا إذا قلنا زيد األفضل وقلنا املعىن وليس كذلك ألن الثا

األفضل زيد كان يف الثاين ختصيص له بالفضل وهذا التخصيص ال يوجد يف القول األول الذي هو زيد األفضل وجيوز أن تبدل صفة الفضل فيه بغريها أو بضدها فيقال زيد األمجل أو زيد األنقص وإذا قلنا

ل زيد وجب ختصيصه بالفضل ومل ميكن تغيريه عنه وكذلك جيري احلكم يف هذه اآليةفإن اهللا تعاىل األفض

Page 284: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

فوصفهم باالمتناع عن ) مل يذهبوا حىت يستأذنوه ( مث قال ) إمنا املؤمنون الذين آمنوا باهللا ورسوله ( قال إمنا املؤمنون ( ىل يف موضع آخر الذهاب إال بإذنه وهذه صفة جيوز أن تبدل بغريها من الصفات كما قال تعا

إن الذين يستأذنونك أولئك ( فجاء بصفة غري تلك الصفة وملا قال ) الذين آمنوا باهللا ورسوله مث مل يرتابوا وجب ختصيصهم بذلك الوصف دون غريه وهذا موضع حسن يف تكرير ) الذين يؤمنون باهللا ورسوله

املعاين قل يأيها الكافرون ال أعبد ما تعبدون وال أنتم عابدون ما أعبد وال أنا ( ومما يعد من هذا الباب قوله تعاىل

وقد ظن قوم أن هذه اآلية تكرير ال فائدة ) عابد ما عبدمت وال انتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ويل دين فاعلون فيه يعين يف املستقبل من عبادة آهلتكم وإال أنتم) ال أعبد ( فيه وليس األمر كذلك فإن معىن قوله

أي وما كنت عابدا قط فيما سلف ما عبدمت فيه ) وال أنا عابد ما عبدمت ( ما أطلبه منكم من عبادة إهلي يعين أنه مل يعهد مين عبادة صنم يف اجلاهلية يف وقت

يف املاضي يف وقت ما ما أنا على عبادته اآلن ) وال أنتم عابدون ( فكيف يرجى ذلك مين يف اإلسالم بسم اهللا الرمحن الرحيم احلمد هللا رب العاملني الرمحن الرحيم مالك يوم ( جيري هذا اجملرى قوله تعاىل ومما

مرتني والفائدة يف ذلك أن األول يتعلق بأمر الدنيا والثاين يتعلق بأمر ) الرمحن الرحيم ( فكرر ) الدين خلق كل منهم على أكمل صفة وأعطاه مجيع ما اآلخرة فما يتعلق بأمر الدنيا يرجع إىل خلق العاملني يف كونه

حيتاج إليه حىت البقة والذباب وقد يرجع إىل غري اخللق كإدرار األرزاق وغريها وأما ما يتعلق بأمر اآلخرة فهو إشارة إىل الرمحة الثانية يف يوم القيامة الذي هو يوم الدين

يره فإن رأيت شيئا منه تكرر من حيث الظاهر وباجلملة فاعلم أنه ليس يف القرآن مكرر ال فائدة يف تكر فأنعم نظرك فيهفانظر إىل سوابقه ولواحقهلتنكشف لك الفائدة منه

كذبت قوم نوح املرسلني إذ قال هلم أخوهم نوح أال تتقون ( ومما ورد يف القرآن الكرمي مكررا قوله تعاىل لعلة فجعل األول كونه أمينا فيما بينهم وجعل فكرر واحد منهما ) إين لكم رسول أمني فاتقوا اهللا وأطيعون

علة الثاين حسم طمعه عنهم وخلوه من األغراض فيما يدعوهم إليه كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو األوتاد ومثود وقوم لوط وأصحاب ( من هذا النحو قوله تعاىل

كذيبهم ههنا ألنه مل يأت به على وإمنا كرر ت) األيكة أولئك األحزاب إن كل إال كذب الرسل فحق عقاب أسلوب واحد بل تنوع فيه بضروب من الصنعة فذكره أوال يف اجلملة اخلربية على وجه اإلهبام مث جاء

باجلملة االستثنائية فأوضحه بأن كل واحد من األحزاب كذب مجيع الرسل ألهنم إذا كذبوا واحدا منهم بعد إهبامه والتنوع يف تكريره باجلملة اخلربية أوال فقد كذبوا مجيعهم ويف تكرير التكذيب وإيضاحه

وباالستثنائية ثانيا وما يف االستثناء من الوضع

على وجه التوكيد والتخصيص املبالغة املسجلة عليهم باستحقاق أشد العذاب وأبلغه ريه فافهمه وهذا باب من تكرير اللفظ واملعىن حسن غامض وبه تعريف موقع التكرير والفرق بينه وبني غ

إن شاء اهللا تعاىل

Page 285: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

الفرع الثاين من الضرب األول إذا كان التكرير يف اللفظ واملعىن يدل على معىن واحد واملراد به غرض والتكرير داللة على التعجب من تقديره وإصابته ) فقتل كيف قدر مث قتل كيف قدر ( واحد كقوله تعاىل

أو ما أشعره وعليه ورد قوله الشاعر الغرض وهذا كما يقال قتله اهللا ما أشجعه وهذا مبالغة يف الدعاء هلا بالسالمة وكل هذا جياء به لتقرير ... ) أال يا اسلمي ثم اسلمي ثمت اسلمي (

املعىن املراد وإثباته نكحوا ابنتهم عليا إن بين هشام بن املغرية استأذنوين أن ي( وعليه ورد احلديث النبوي وذاك أن النيب قال

) ال آذن مث ال آذن مث ال آذن ( فقوله ) فال آذن مث ال آذن مث ال آذن إال أن يطلق علي أبنيت وينكح ابنتهم من التكرير الذي هو أشد موقعا من اإلجياز النصباب العناية إىل تأكيد القول يف منع علي رضي اهللا عنه من

التزوج بابنة أيب جهل بن هشام ومن أجل ذلك نقول ال إله إال اهللا وحده ال ) أوىل لك فأوىل مث أوىل لك فاوىل ( ل قوله تعاىل وهذا مث

ومها يف املعىن سواءوإمنا كررنا القول ) وحده ال شريك له ( مثل قولنا ) ال إله إال اهللا ( شريك له ألن قولنا صارى والثنوية والتكرير يف مثل هذا املقام فيه لتقرير املعىن وإثباته وذاك ألن من الناس من خيالف فيه كالن

أبلغ من اإلجياز وأحسن وأسد موقعا واهللا الذي يرسل الرياح فتثري سحابا ( ومما جاء يف مثل هذا قوله تعاىل

فيبسطه يف السماء كيف يشاء وجيعله كسفا فترى الودق خيرج من خالله فإذا أصاب به من يشاء من عباده من ( بعد قوله ) من قبله ( فقوله ) كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله ملبلسني إذا هم يستبشرون وإن

فيه داللة على أن عهدهم باملطر قد بعد وتطاول فاستحكم بأسهم ومتادى إبالسهم فكان االستبشار ) قبل على قدر اغتمامهم بذلك

ليوم اآلخر وال حيرمون ما حرم اهللا ورسوله قاتلوا الذين ال يؤمنون باهللا وال با( وعلى ذلك ورد قوله تعاىل ) وال يدينون دين احلق ( يقوم مقام قوله ) ال يؤمنون باهللا وال باليوم اآلخر ( فقوله ) وال يدينون دين احلق

ألن من ال يؤمن باهللا وال باليوم اآلخر ال يدين دين احلق وإمنا كرر ههنا للخطب على املأمور بقتاهلم بالذم ورمجهم بالعظائم ليكون ذلك أدعى لوجوب قتاهلم وحرهبم وقد قلنا إن التكرير إمنا والتسجيل عليهم

يأيت ملا أهم من األمر الذي بصرف العناية إليه يثبت ويتقرر وإن تعجب فعجب قوهلم أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديدأولئك الذين كفروا ( كذلك ورد قوله تعاىل

من ) أولئك ( فتكرير لفظه ) أعناقهم وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون برهبم وأولئك األغالل يف هذا الباب الذي أشرنا إليهلمكان شدة النكري وإغالظ العقاب بسبب إنكارهم البعث

فإنه إمنا ) أولئك الذين هلم سوء العذاب وهم يف اآلخرة هم األخسرون ( وعلى هذا ورد قوله تعاىل إليذان بتحقيق اخلسار و األصل فيها وهم يف اآلخرة األخسرونلكن ملا أريد تأكيد ل) هم ( تكررت لفظة

ذلك جيء بتكرير هذه اللفظة املشار اليها ) فكان عاقبتهما أهنما يف النار خالدين فيها ( كذلك قوله تعاىل

Page 286: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

أمثال هذا يف القرآن كثري ة خائفا فأصبح يف املدين( وكذلك ورد قوله تعاىل يف سورة القصص

يترقب فإذا الذي استنصره باألمس يستصرخه قال له موسى إنك لغوي مبني فلما أن أراد أن يبطش بالذي فلما أن أراد أن يبطش ( فقوله تعاىل ) هو عدو هلما قال يا موسى أتريد أن تقتلين كما قتلت نفسا باألمس

رعته إىل قتل الثاين كما كانت مسارعته إىل بتكرير أن مرتني دليل على أن موسى عليه السالم مل تكن مسا) ) فلما أراد أن يبطش ( قتل األول بل كان عنده إبطاء يف بسط يده إليه فعرب القرآن عن ذلك يف قوله تعاىل

وجرت بيين وبني رجل من النحويني مفاوضة يف هذه اآلية فقال إن أن األوىل زائدة ولو حذفت فقيل فلما وقد اتفق ) فلما أن جاء البشري ألقاه على وجهه ( عىن سواء أال ترى إىل قوله تعاىل أراد أن يبطش لكان امل

النحاة على أن أن الواردة بعد ملا وقبل الفعل زائدة فقلت له النحاة ال فتيا هلم يف مواقع الفصاحة والبالغة ا وقبل الفعل يف القرآن وال عندهم معرفة بأسرارمها من حيث إهنم حناة وال شك أهنم وجدوا أن ترد بعد مل

الكرمي ويف كالم فصحاء العرب فظنوا أن املعىن بوجودها كاملعىن إذا أسقطت فقالوا هذه زائدة وليس األمر كذلك بل إذا وردت ملا وورد الفعل بعدها بإسقاط أن دل ذلك على الفور وأذا مل تسقط مل يدلنا ذلك على

خ وإبطاء أن الفعل كان على الفور وإمنا كان فيه ترا وبيان ذلك وجهني

أحدمها أين أقول فائدة وضع األلفاظ أن تكون أدلة على املعاين فإذا أوردت لفظة من األلفاظ يف كالم مشهود له بالفصاحة والبالغة فاألوىل أن حتمل تلك اللفظة على معىن فإن مل يوجد هلا معىن بعد التنقيب

وهلا يف الكالم كخروجها منه وملا نظرت أنا يف هذه اآلية والتنقري والبحث الطويل قيل هذه زائدة دخوقبل الفعل دالة على معىن وإذا كانت دالة على معىن فكيف يسوغ " ملا " الواردة بعد " أن " وجدت لفظة

أن يقال إهنا زائدة فإن قيل إهنا إذا كانت دالة على معىن فيجوز أن تكون دالة على غري ما أشرت أنت إليه

اجلواب إذا ثبت أهنا دالة على معىن فالذي أشرت إليه معىن قلت يف

مناسب واقع يف موقعه وإذا كان مناسبا واقعا يف موقعه فقد حصل املراد منه ودل الدليل حينئذ أهنا ليست بزائدة

الوجه اآلخر أن هذه اللفظة لو كانت زائدة لكان ذلك قدحا يف كالم اهللا تعاىل وذاك أنه يكون قد نطقبزيادة يف كالمه ال حاجة إليها واملعىن يتم بدوهنا وحينئذ ال يكون كالمه معجزا إذ من شرط اإلعجاز عدم

التطويل الذي ال حاجة إليه وإن التطويل عيب يف الكالم فكيف يكون ما هو عيب يف الكالم من باب اإلعجاز ؟ هذا حمال

فإنه إذا نظر يف قصة يوسف عليه السالم مع إخوته ) جهه فلما أن جاء البشري ألقاه على و( وأما قوله تعاىل منذ ألقوه يف اجلب وإىل أن جاء البشري إىل أبيه عليه السالم وجد أنه كان مث إبطاء بعيد وقد اختلف

املفسرون يف طول تلك املدة ولو مل يكن مث مدة بعيدة وأمد متطاول ملا جيء بأن بعد ملا وقبل الفعل بل

Page 287: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

ة فلما جاء البشري ألقاه على وجهه كانت تكون اآلي وهذه دقائق ورموز ال تؤخذ من النحاة ألهنا ليست من شأهنم

واعلم أن من هذا النوع قسما يكون املعىن فيه مضافا إىل نفسه مع اختالف اللفظ وذلك يأيت يف األلفاظ املترادفة وقد ورد يف القرآن الكرمي واستعمل يف فصيح الكالم

والرجز هو العذاب ) والذين سعوا يف آياتنا معجزين أولئك هلم عذاب من رجز أليم ( اىل فمنه قوله تع وعليه ورد قول أيب متام

) وإن عظمت فيه الخطوب وجلت ... هنوض بثقل العبء مضطلع به (

والثقل هو العبء والعبء هو الثقل وكذلك ورد قول البحتري ) بعينين موصول بلحظهما السحر ... ويوم تثنت للوداع وسلمت ( فإن الكرى هو النوم ) كرى النوم أو مالت بأعطافها الخمر ... توهمتها ألوى بأجفانها الكرى (

من متعاطي هذه الصناعة وظنوه مما ال فائدة فيه وليس كذلك بل الفائدة ورمبا أشكل هذا املوضع على كثري فيه هي التأكيد للمعىن املقصود واملبالغة فيه

أي عذاب مضاعف من عذاب ) عذاب من رجز ( أما اآلية فاملراد بقوله تعاىل وأما بيت أيب متام فإنه تضمن املبالغة يف وصف املمدوح حبمله لألثقال

ت البحتري فإنه أراد أن يشبه طرفها لفتوره بالنائم فكرر املعىن فيه على طريق املضاف واملضاف إليه وأما بي تأكيدا له وزيادة يف بيانه

وهذا املوضع مل ينبه عليه أحد سواي ولرمبا أدخل يف التكوير من هذا النوع ما ليس منه وهو موضع مل ينبه عليه أيضا أحد سواي

مث إن ربك للذين عملوا السوء جبهالة مث تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إن ربك من بعدها ( فمنه قوله تعاىل مرتني علم أن ذلك أدل على املغفرة ) إن ربك ( فلما تكرر ) لغفور رحيم

مث إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا مث جاهدوا وصربوا إن ربك من بعدها ( وكذلك قوله تعاىل ) لغفور رحيم

ال حتسنب الذين يفرحون مبا أتوا وحيبون أن حيمدوا مبا مل يفعلوا فال حتسبنهم مبفازة من ( ثل قوله تعاىل وم ) العذاب

وهذه اآليات يظن أهنا من باب التكرير وليست كذلك وقد أنعمت نظري فيها فرأيتها خارجة عن حكم ىل متام ال يفهم إال به فاألوىل يف باب التكرير وذاك أنه إذا طال الفصل من الكالم وكان أوله يفتقر إ

الفصاحة أن يعاد لفظ األول مرة ثانية ليكون مقارنا لتمام الفصل كي ال جييء الكالم منثورا ال سيما يف إن وأخواهتافإذا وردت إن وكان بني امسها وخربها فسحة طويلة من الكالم فإعادة إن أحسن يف حكم البالغة

ه اآليات والفصاحةكالذي تقدم من هذ وعليه ورد قول بعضهم من شعراء احلماسة

Page 288: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

) ونأي حبيب إن ذا لعظيم ... أسجنا وقيدا واشتياقا وغربة ( ) على مثل هذا إنه لكرمي ... وإن امرأ دامت مواثيق عهده (

م إن وخربها أعيدت إن مرة ثانية ألن تقدير الكالم وإن أمرا دامت مواثيق عهده فإنه ملا طال الكالم بني اسعلى مثل هذا لكرمي لكن بني االسم واخلرب مدى طويل فإذا مل تعد إن مرة ثانية مل يأت على الكالم هبجة وال

رونق وهذا ال يتنبه الستعماله إال الفصحاء إما طبعا وإما علما كان خرب إن عامال يف معمول يطول ذكره فإن إعادة اخلرب ثانية هو األحسن وكذلك جيري األمر إذا

إذ قال يوسف ألبيه يا أبت إين رأيت أحد عشر ( وعلى هذا جاء قوله تعاىل يف سورة يوسف عليه السالم فلما ) كوكبا والشمس والقمر رأيتهم يل ساجدين

١٥٦حذف

) رأيتهم يل ساجدين ( يعيد لفظ الرؤية فيقول مث طال الفصل كان األحسن أن ) إين رأيت ( فإنه ملا ) ال حتسنب الذين يفرحون مبا أتوا ( وكذلك جاءت اآلية املذكورة ههنا قبل هذه وهي قوله تعاىل

فاعلم ذلك وضع يدك عليه ) فال حتسبنهم مبفازة من العذاب ( طال الفصل أعاد قوله ) مث إن ربك للذين عملوا السوء جبهالة ( وكذلك اآلية اليت قبلها وهي قوله تعاىل

) مث إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ( وكذلك اآلية األخرى وهي وقال الذي آمن يا قوم اتبعون ( ومن باب التكرير يف اللفظ واملعىن الدال على معىن واحد قوله عز و جل

فإنه إمنا كرر نداء قومه ) وإن اآلخرة هي دار القرار أهدكم سبيل الرشاد يا قوم إمنا هذه احلياة الدنيا متاعههنا لزيادة التنبيه هلم واإليقاظ عن سنة الغفلة وألهنم قومه وعشريته وهم فيما يوبقهم من الضالل وهو يعلم وجه خالصهم ونصيحتهم عليه واجبه فهو يتحزن هلم ويتلطف هبم ويستدعي بذلك أال يتهموه فإن

غمه وأن ينزلوا على نصيحته هلم وهذا من التكرير الذي هو أبلغ من اإلجياز سرورهم سروره وغمهم وأسد موقعا من اإلختصارفاعرفه إن شاء اهللا تعاىل

فذوقوا عذايب ونذر ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من ( وعلى حنو منه جاء قوله تعاىل يف سورة القمر دته أن جيددوا عنه استماع كل نبأ من أنباء األولني ادكارا فإنه قد تكرر ذلك يف السورة كثريا وفائ) مدكر

وإيقاظا وأن يستأنفوا تنبها واستيقاظا إذا مسعوا احلث على ذلك والبعث إليه وأن تقرع هلم العصا مرات لئال يغلبهم السهو وتستويل عليهم الغفلة

وذلك عند كل نعمة ) تكذبان فبأي آالء ربكما( وهكذا حكم التكرير يف قوله تعاىل يف سورة الرمحن عددها على عباده

أمثال هذا يف القرآن الكرمي كثري ومما ورد من هذا النوع شعرا قول بعض شعراء احلماسة ) هناك هناك الفضل و اخللق اجلزل ... إلى معدن العز المؤثل والندى (

ر الذي هو أبلغ من اإلجيازألنه يف معرض مدحفهو يقرر يف نفس السامع ما من التكري) هناك هناك ( فقوله

Page 289: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

عند املمدوح من هذه األوصاف املذكورة مشريا إليهاكأنه قال أدلكم على معدن كذا وكذا ومقره ومفاده وكذلك ورد فول املساور بن هند

) هر نابت نوائبه إذا حدثان الد... جزى اهللا عني غالبا من عشرية ( فصدر البيت الثاين وعجزه يدالن ) علي وموج قد علتين غواربه ... فكم دافعوا من كربة قد تالحمت (

على معىن واحدألن تالحم الكرب عليه كتعايل املوج من فوقهوإمنا سوغ ذلك ألنه مقام مدح وإطراءاال ف إحسان هؤالء القوم عند دثان دهره يف التكريرويف قبالته لو كان القائل هاجيافأن اهلجاء يف ترى أنه يص

هذا كاملدحوالتكرير إمنا حيسن يف كال الطرفينال يف الوسط إن هم ( كانت مبعناها سواءأال ترى إىل قوله تعاىل ) ما ( املكسورة املخففة بعد ) إن ( واعلم أنه إذا وردت

فإن وما مبعىن واحدوإذا أوردت من بعد ما كانت من باب التكريركقولنا ما إن يكون كذا ) ألنعام إال كاوكذا أي ما يكون كذا وكذاوإذا وردت يف الكالم فإمنا ترد يف مثل ما أشرنا إليه من التكريرفإن استعملت

دة فيه يف غري ما يكون منها لفائدة ينتجها تكريرها كان استعماهلا لغوا ال فائ

وقد زعم قوم من مدعي هذه الصناعة أن أبا الطيب املتنيب أتى يف هذا البيت بتكرير ال حاجة به إليه وهو قوله

... ) العارض الهتن ابن العارض الهتن ابن العارض الهتن ابن العارض الهتن ( لك املوصوف بكذا وكذا ابن املوصوف بكذا وكذا أي أنه عريق وليس يف هذا البيت من تكريرفإنه كقو

النسب يف هذا الوصف الكرمي ابن ( وقد ورد يف احلديث النبوي مثل ذلككقول النيب يف وصف يوسف الصديق عليه السالم

) الكرمي ابن الكرمي ابن الكرمي يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم شار إليه بعض علماء األدب وأخذ يطعن فيه من جهة تكراره فوقفته على ولقد فاوضين يف هذا البيت امل

مواضع الصواب منه وعرفته أنه كاخلرب النبوي من جهة املعىن سواء بسواء لكن لفظه ليس مبرضي على هذا الوجه الذي قد استعمل فيه فإن األلفاظ إذا كانت حسانا يف حال انفرادها فإن استعماهلا يف حال التركيب

زيدها حسنا على حسنها أو يذهب ذلك احلسن عنها وقد تقدم الكالم على ذلك يف املقالة األوىل من يالصناعة اللفظية ولو هتيأ أليب الطيب املتنيب أن يبدل لفظه العارض بلفظه السحاب أوما ما جيري جمراها

جه ولفظة العارض وإن لكان أحسن وكذلك لفظه اهلنت فإهنا ليست مبرضية يف هذا املوضع على هذا الوكانت قد وردت يف القرآن وهي لفظة حسنة فالفرق بني ورودها يف القرآن الكرمي وورودها يف هذا البيت

الشعري ظاهر وقد تقدم الكالم على مثلها من آية وبيت أليب الطيب أيضا وهو يف املقالة اللفظية عند ا يقع اجلهال يف مثل هذه املواضع وهم الذين قيل هلم الكالم على األلفاظ املفردة فليؤخذ من هناك وكثريا م

) ما مشى في يابس إال زلق ... وكذا كل أخي حذلقة ( فترى أحدهم قد مجع نفسه وظن على جهله أنه عامل فيسرع يف وصف كالم باإلجياز وكالم بالتطويل أو

مل يوجد عنده من القول شيء إال حتكما حمضا صادرا عن بالتكرير وإذا طولب بأن يبدي سببا ملا ذكره

Page 290: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

جهل حمض الضرب الثاين من التكرير يف اللفظ واملعىن وهو غري املفيدفمن ذلك قول مروان األصغر

) ويا حبذا نجد على النأي والبعد ... سقى اهللا نجدا والسالم على نجد ( لعلي أرى نجدا وهيهات من نجد ... لى نجد وبغداد دونها نظرت إ( (

وهذا من العي الضعيف فإنه كرر ذكر جند يف البيت األول ثالثا ويف البيت الثاين ثالثا ومراده يف األول وهذا املعىن ال حيتاج إىل مثل هذا الثناء على جند ويف الثاين أنه تلفت إليها ناظرا من بغداد وذلك مرمى بعيد

التكرير أما البيت األول فيحمل على اجلائز من التكرير ألنه مقام تشوق وحترق وموجدة بفراق جند وملا كان كذلك أجيز فيه التكرير على انه قد كان ميكنه أن يصوغ هذا املعىن الوارد يف البيتني معا من غري أن

مرات يأيت هبذا التكرير املتتابع ست وعلى هذا األسلوب ورد قول أيب نواس

) ويوما له يوم الترحل خامس ... أقمنا بها يوما ويوما وثالثا ( ومراده من ذلك أهنم أقاموا هبا أربعة أيام ويا عجبا له يأيت مبثل هذا البيت السخيف الدال على العي

ات العجيبة احلسن اليت تقدم ذكرها يف باب اإلجياز وهي الفاحش يف ضمن تلك األبي ... ) ودار ندامى عطلوها وأدلجوا (

ومن هذا الباب أيضا ما أوردناه يف صدر هذا النوع وهو قول أيب الطيب املتنيب ) لمثلي عند مثلهم مقام ... ولم أر مثل جرياني ومثلي (

فهذا هو التكرير الفاحش الذي يؤثر يف الكالم نقصا أال ترى أنه يقول مل أر مثل جرياين يف سوء اجلوار وال مثلي يف مصابرهتم ومقامي عندهم إال انه قد كرر هذا املعين يف البيت مرتني

وعلى حنو من ذلك جاء قوله أيضا ) قالقل عيس كلهن قالقل ... ى وقلقلت بالهم الذي قلقل الحش(

وأما القسم الثاين من التكرير وهو الذي يوجد يف املعىن دون اللفظ فذلك ضربان مفيد وغري مفيد الضرب األول املفيد وهو فرعان

األول إذا كان التكرير يف املعىن يدل على معنيني خمتلفني وهو موضع من التكرير مشكل ألنه يسبق إىل الوهم أنه تكرير يدل على معىن واحد

فمما جاء منه حديث حاطب بن أيب بلتعة يف غزوة الفتح وذاك أن النيب أمر علي بن أيب طالب والزبري قال علي رضي ) اذهبوا إىل روضة خاخ فإن هبا ظعينة معها كتاب فأتوين به ( واملقداد رضي اهللا عنهم فقال لنا حىت أتينا الروضة وإذا فيها الظعينة فأخذنا الكتاب من عقاصها وأتينا به اهللا عنه فخرجنا تتعادى بنا خي

رسول اهللا وإذا هو من حاطب بن أيب بلتعة إىل ناس من املشركني مبكة خيربهم ببعض شأن رسول اهللا فقال فسهم له ما هذا يا حاطب فقال يا رسول اهللا ال تعجل علي إين كنت امرأ ملصقا يف قريش ومل أكن من أن

Page 291: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

وكان من معك من املهاجرين هلم قرابة حتمون هبا أمواهلم وأهليهم مبكة فأحببت إذ فاتين ذلك من النسب أن أختذ عندهم يدا حيمون هبا قرابيت وما فعلت ذلك

فقوله ما فعلت ذلك ) إنه قد صدقكم ( وال ارتدادا عن ديين وال رضا بالكفر بعد اإلسالم فقال رسول اهللا رتدادا عن ديين وال رضا بالكفر بعد اإلسالم من التكرير احلسن وبعض اجلهال يظنه تكريرا ال كفرا وال ا

فائدة فيه فإن الكفر واالرتداد عن الدين سواء وكذلك الرضا بالكفر بعد اإلسالم وليس كذلك والذي فرت بعد إسالمي يدل عليه اللفظ هو أين مل أفعل ذلك وأنا كافر أي باق على الكفر وال مرتدا أي أين ك

وال رضا بالكفر بعد اإلسالم أي وال إيثارا جلانب الكفار على جانب املسلمني وهذا حسن يف مكانه واقع يف موقعه وقد حيمل التكرير فيه على غري هذا الفرع الذي حنن بصدد ذكره ههنا وهو الذي يكون التكرير

لذي يلي هذا الفرع األول والذي جيوزه أن هذا فيه يدل على معىن واحد وسيأيت بيانه يف الفرع الثاين ااملقام هو مقام اعتذار وتنصل عما رمي به من تلك القارعة العظيمة اليت هي نفاق وكفر فكرر املعىن يف

اعتذاره قصدا للتأكيد والتقرير ملا ينفي عنه ما رمي به ني أحدمها خاص واآلخر عام كقوله تعاىل ومما ينتظم هبذا السلك أنه إذا كان التكرير يف املعىن يدل على معني

فإن األمر باملعروف داخل حتت ) ولتكن منكم أمة يدعون إىل اخلري ويأمرون باملعروف وينهون عن املنكر ( الدعاء إىل اخلري ألن األمر باملعروف خاص واخلري عام فكل أمر باملعروف خري وليس كل خري أمرا باملعروف

ة من مجلتها األمر باملعروف ففائدة التكرير ههنا أنه ذكر اخلاص بعد العام للتنبيه وذاك أن اخلري أنواع كثريفيهما فاكهة وخنل ( وكقوله تعاىل ) حافظوا على الصلوات والصالة الوسطى ( على فضله كقوله تعاىل

فإن اجلبال )إنا عرضنا األمانة على السموات واألرض واجلبال فأبني أن حيملنها ( وكقوله تعاىل ) ورمان داخلة يف مجلة األرض لكن لفظ األرض عام واجلبال خاص وفائدته ههنا تعظيم شأن األمانة املشار إليها

وتفخيم أمرها وقد ورد هذا يف القرآن الكرمي كثريا ومما ورد منه شعرا قول املقنع الكندي من أبيات احلماسة

) بين بني عمي لمختلف جدا ... وإن الذي بيني وبين بني أبي ( ) وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا ... إذا أكلوا لحمي وفرت لحومهم ( ) وإن هم هووا غي هويت لهم رشدا ... وإن ضيعوا غييب حفظت غيوبهم (

ن اخلاص والعام فإن كل حلم يؤكل لإلنسان فهو تضييع لغيبه وليس كل تضييع لغيبه أكال للحمه أال فهذا مترى أن أكل اللحم هو كناية عن االغتياب وأما تضييع الغيب فمنه االغتياب ومنه التخلي عن النصرة

ين البيتني من اخلاص واإلعانة ومنه إمهال السعي يف كل ما يعود بالنفع كائنا ما كان وعلى هذا فإن هذ والعام املشار إليه يف اآلية املقدم ذكرها وهو موضع يرد يف الكالم البليغ ويظن أنه ال فائدة فيه

الفرع الثاين إذا كان التكرير يف املعىن يدل على معىن واحد ال غري وقد سبق مثال ذلك يف أول هذا الباب عن املعصية والفائدة يف ذلك تثبيت الطاعة يف نفس كقولك أطعين وال تعصين فإن األمر بالطاعة هني

املخاطب

Page 292: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

والكالم يف هذا املوضع كالكالم يف املوضع الذي قبله من تكرير اللفظ واملعىن إذا كان الغرض به شيئا يأيها الذين آمنوا ( واحدا وال جند شيئا من ذلك يأيت يف الكالم إال لتأكيد الغرض املقصود به كقوله تعاىل

فإنه ) ن أزواجكم وأوالدكم عدوا لكم فاحذروهم وإن تعفو وتصفحوا وتغفروا فإن اهللا غفور رحيم إن مإمنا كرر العفو والصفح واملغفرة واجلميع مبعىن واحد للزيادة يف حتسني عفو الوالد عن ولده والزوج عن

جز من حملة اإلجياز وأوىل زوجته وهذا وأمثاله ينظر يف الغرض املقصود به وهو موضع يكون التكرير فيه أو باالستعمال

قال إمنا أشكو بثي وحزين إىل ( وقد ورد يف القرآن الكرمي كثريا كقوله تعاىل يف سورة يوسف عليه السالم فإن البث واحلزن مبعىن واحد وإمنا ههنا لشدة اخلطب النازل به وتكاثر ) اهللا وأعلم من اهللا ما ال تعلمون

وهذا املعىن كالذي قبله سهامه النافذة يف قلبهبعد ثالثة وسبعة تنوب مناب قوله ثالثة وسبعة مرتني ألن ) تلك عشرة كاملة ( وكذلك ورد قوله تعاىل

وذلك توكيد " كاملة " عشرة هي ثالثة وسبعة مث قال

البلد كما ثالث واملراد به إجياب صوم األيام السبعة عند الرجوع يف الطريق على الفور ال عند الوصول إىل ذهب إليه بعض الفقهاء وبيانه أين أقول إذا صدر األمر من اآلمر على املأمور بلفظ التكرير جمردا من قرينه خترجه عن وصفه ومل يكن موقتا بوقت معني كان ذلك حثا على املبادرة إىل امتثال األمر على الفور فإنك

اللفظ املكرر أن يبادر إىل القيام يف تلك احلال احلاضرة إذا قلت ملن تأمره بالقيام قم قم قم فإمنا تريد هبذا فإن قلت الغرض بتكرير األمر أن يتكرر يف نفس املأمور أنه مراد منه وليس الغرض احلث على املبادرة إىل

امتثال األمر املرة قلت يف اجلواب إن املرة الواحدة كافية يف معرفة املأمور أن الذي أمر به مراد منه والزيادة على

الواحدة ال ختلو إما أن تكون دالة على ما دلت عليه املرة الواحدة أو دالة على زيادة معىن مل تكن يف املرة الواحدة فإن كانت دالة على ما دلت عليه املرة الواحدة كان ذلك تطويال يف الكالم ال حاجة إليه وقد ورد

ها من اآليات والتطويل يف الكالم عيب فاحش عند مثله يف القرآن الكرمي كهذه اآلية املشار إليها وغريالبلغاء والفصحاء والقرآن معجز ببالغته وفصاحته فكيف يكون فيه تطويل ال حاجة إليه فينبغي أن تكون

تلك الزيادة دالة على معىن زائد على ما دلت عليه املرة الواحدة وإذا ثبت هذا فتلك الزيادة هي احلث ال األمر فإن سلمت يل ذلك وإال فبني معىن تلك الزيادة ببيان غري ما ذكرته أنا وال على املبادرة إىل امتث أراك تستطيع ذلك

لظن أهنا وردت ) تلك عشرة ( لوال أن تؤكد بقوله ) وسبعة إذا رجعتم ( فإن قلت إن الواو يف قوله تعاىل زال هذا الظن وحتققت الواو ) ك عشرة تل( مبعىن أو أي فثالثة أيام يف احلج أو سبعة إذا رجعتم فلما قيل

أهنا عاطفة وليست مبعىن أو قلت يف اجلواب هذا باطل من أربعة أوجه الوجه األول أن الواو العاطفة ال جتعل مبعىن أو أين وردت من

الكالم وإمنا جتعل مبعىن أو حال ضرورة

Page 293: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

ة فإذا عدل هبا عن أصلها احتاج ترجيح جانبها على جانب جعلها عاطفة ألن األصل فيها أن تكون عاطفإىل ترجيح وال ترجيح ههنا الوجه الثاين بالغي وذاك أن القرآن الكرمي منتهى البالغة والفصاحة ملكان

إعجازه فلو كان معىن الواو يف هذه اآلية مبعىن أو لقيل فثالثة أيام يف احلج وسبعة إذا رجعتم ومل حيتج إىل الوجه الثالث أن هذا ) أيام يف احلج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة فثالثة ( هذا التطويل يف قوله

الصوم حكم من أحكام العبادات والعبادات جيب فيها االحتياط أن تؤدى على أكمل صورة لئال يدخلها النقص وإذا كان األمر على ذلك فكيف يظن أن الواو يف هذه اآلية مبعىن أو ؟ الوجه الرابع أن السبعة

اثلة للثالثة حىت جتعل يف قبالتها ألن معىن اآلية إذا كانت الواو فيها مبعىن أو إما أن تصوموا ثالثة ليست مم أيام يف احلج أو سبعة إذا رجعتم

فإن قلت هذا تعبد ال يعقل معناه كغريه من التعبدات اليت ال يعقل معناها كعات الصلوات وعدد الطواف والسعي قلت يف اجلواب إن لنا من التعبدات ما ال يعقل معناه كعدد ر

وأشباه ذلك ولنا ما يعقل معناه كهذه اآلية فإنا نعقل التفاوت بني الصوم يف احلضر والسفر ونعقل التفاوت بني العدد الكثري والعدد القليل وعلى هذا فال خيلو إما أن يكون صوم األيام السبعة عند الرجوع يف الطريق

ذا كان يف الطريق فإنه أشق من الصوم مبكةألن الصوم يف السفر أشق من الصوم أو عند الوصول إىل البلدفإيف احلضرفكيف جيعل صوم سبعة أيام يف السفر يف مقابلة صوم ثالثة أيام مبكة ؟ وإن كان الصوم عند لد الوصول إىل البلد فال فرق بني الصوم مبكة والصوم عند الوصول إىل البلدألن كليهما صوم يف املقام بب

من البالد ال تفاوت بينهما حىت جيعل الصوم ثالثة أيام يف مقابلة سبعة أيام على غري مثال وال تساوفعلى كال مبعىن أوفتحقق إذا أهنا للعطف خاصة وإذا كانت ) وسبعة إذا رجعتم ( التقديرين ال جيوز أن تكون الواو يف

وجود صوم األيام السبعة يف الطريق قبل الوصول للعطف خاصة فتأكيدها بعشرة كاملة دليل على أن املراد إىل البلد

فإن قلت إن الصوم مبكة أشق من الصوم يف الطريقألن الواجب عليه

الصوم مبكة يف نصب وتعب بتصريف زمانه يف السعي والطواف والصالة والعمرة وغري ذلك ال غري وما عدا ذلك نافلة ال يلزم قلت يف اجلواب هذا ال يلزم إذ الواجب عليه سعي واحد وطواف واحد

وحنن يف هذا املقام ناظرون إىل ما جيب ال إىل النافلة والذي جيب أداؤه مبكة يفرغ منه يف ساعة واحدة فكيف جتعل الزيادة على ذلك دليال يورد يف هذا املقام ؟ هذا غري وارد

غري ( فقوله ) على الكافرين غري يسري فإذا نقر يف الناقورفذلك يومئذ يوم عسري( هكذا ورد قوله تعاىل من هذا النوع املشار إليه وإال فقد علم أن العسري ال يكون يسريا وإمنا ذكر ههنا ) عسري ( بعد قوله ) يسري

على هذا الوجه لتعظيم شأن ذلك اليوم يف عسره وشدته على الكافرين م والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم قد كانت لكم أسوة حسنة يف إبراهي( وكذلك ورد قوله تعاىل

فإن ) ومما تعبدون من دون اهللا كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حىت تؤمنوا باهللا وحده البغضاء والعداوة مبعىن واحد وإمنا حسن إيرادمها معا يف معرض واحد لتأكيد الرباءة بني إبراهيم صلوات

Page 294: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

ين آمنوا به وبني الكفار من قومهم حيث مل يؤمنوا باهللا وحده وللمبالغة يف إظهار القطيعة اهللا عليه والذ واملصارمة

وورد مثل ذلك يف مثل هذا املوضع كاإلجياز يف موضعه ولن ترى شيئا يرد يف القرآن الكرمي من هذا القبيل عارفني به إال وهو ألمر اقتضاه وإن خفي عنك موضع السر فيه فاسأل عنه أهله ال

ومما ورد منه شعرا قول بعضهم يف أبيات احلماسة

) بعيدا عن األوطان في زمن المحل ... نزلت على آل املهلب شاتيا ( كرام واالفتقاد داخالن حتت فإن اإل) وإحسانهم حتى حسبتهم أهلي ... فما زال بي إكرامهم وافتقادهم (

اإلحسان وإمنا كرر ذلك للتنويه بذكر الصنيع واإلجياب حلقه وعلى هذا ورد قول األعشى يف قصيدته املشهورة اليت ميدح هبا النبيفقال منها

) وال من وجى حتى تالقي محمدا ... فآليت ال أرثي لها من كاللة ( لوجى والكاللة معنامها سواء وإمنا حسن تكريره ههنا لإلشعار ببعد املسافة فإن ا

الضرب الثاين من القسم الثاين يف تكرير املعىن دون اللفظ وهو غري املفيد فمن ذلك قول أيب متام ) وقبولها ودبورها أثالثا ... قسم الزمان ربوعها بين الصبا ( ) حافظوا على الصلوات والصالة الوسطى ( ن الصبا هي القبول وليس ذلك مثل التكرير يف قوله تعاىل فإ

ولتكن منكم أمة يدعون إىل اخلري ويأمرون ( فيما يرجع إىل اللفظ واملعىن وال مثل التكرير يف قوله تعاىل ا والقبول ال يشتمل إال على معىن فيما يرجع إىل تكرير املعىن دون اللفظ وقول أيب متام الصب) باملعروف

واحد ال غري وهذا الضرب من التكرير قد خبط فيه علماء البيان خبطا كثريا واألكثر منهم

أجازه فقالوا إذا كانت األلفاظ متغايرة واملعىن املعرب عنه واحدا فليس استعمال ذلك مبعيب وهذا القول فيه ستعماله مطلقا إذا أتى لغري فائدة وأما الناظم فإنه يعاب عليه يف نظر والذي عندي فيه أن الناثر يعاب على ا

موضع دون موضع أما املوضع الذي يعاب استعماله فيه فهو صدور األبيات الشعرية وما واالها وأما املوضع الذي ال يعاب استعماله فيه فهو األعجاز من األبيات ملكان القافية وإمنا جاز ذلك ومل يكن عيبا ألنه

فية والشاعر مضطر إليها واملضطر حيل له ما حرم عليهكقول امريء القيس يف قصيدته الالمية اليت مطلعها قا فقال ... ) أال انعم صباحا أيها الطلل البالي ( إذا كان قليل اهلموم فإنه ال يبيت و) قليل اهلموم ال يبيت بأوجال ... وهل ينعمن إال سعيد مخلد (

بأوجال وهذا تكرير للمعىن إال أنه ليس مبعيب ألنه قافية وكذلك ورد قول احلطيئة ) إن العزاء وإن الصبر قذ غلبا ... قالت أمامة ال تجزع فقلت لها ( ) ماال نعيش به في الناس أو نشبا ... ة هال التمست لنا إن كنت صادق(

فالبيت األول معيب ألنه كرر العزاء والصرب إذ معنامها واحد ومل يردا قافيةألن القافية هي الباءوأما البيت الثاين فليس مبعيبألن التكرير جاء يف النشب وهو قافية ومما جيري هذا اجملرى قول املنخل اليشكري

Page 295: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

) الخدر في اليوم المطري ... لقد دخلت على الفتاة و( فإن الدمقس واحلرير سواءوقد ورد قافية فال بأس ) في الدمقس وفي الحرير ... الكاعب الحسناء ترفل (

به من أجل ذلك فإنه مل يرد ) وجزاهم مبا صربوا جنة وحريرا ( قوله تعاىل فإن قيل إن احلرير هو اإلبريسم املنسوج بدليل

خيوط إبريسم وإمنا أراد أثوابا من اإلبريسم وأما الدمقس فإنه خيوط اإلبريسم حملولة بدليل قول امرىء القيس

اإلبريسم فإنه مل يرد إبريسما منسوجا وإمنا أراد خيوط ... ) وشحم كهداب الدمقس المفتل ( فاجلواب عن ذلك أنه لو محل بيت املنخل على ذلك لفسد معناه ألن املرأة ال ترفل يف خيوط من اإلبريسم

فإنه لو كان الدمقس هو اخليوط ) ) كهداب الدمقس ( ( وإمنا ترفل يف األثواب منه وأما قول امرئ القيس فدل ) ) املفتل ( ( ن اهلداب مجع هدب مث قال فإ) ) كهداب ( ( احمللولة من اإلبريسم ملا احتاج أن يقول

بذلك على أن الدمقس يطلق على اإلبريسم سواء كان منسوجا أو غري منسوج وكذلك احلرير أيضا وعند فهم من ذلك ) ترفل يف الدمقس ويف احلرير ( االستعمال يفهم املراد منه بالقرينة أال ترى أنه ملا قال املنخل

الدمقس ومن احلريرألن الرفول ال يكون يف خيوط من اإلبريسم وإمنا يكون يف أثوابه أنه أراد أثوابا من ومما جيري على هذا النهج قول اآلخر من شعراء احلماسة

) لمقادف من خلفه وورائه ... إني وإن كان ابن عمي غائبا ( جاز تكرارمها ألهنما قافية فإن خلفا ووراء مبعىن واحدوإمنا

وعلى هذا ورد قول أيب متام ) دمنا لدى آرامها وحقودا ... دمن كأن البين أصبح طالبا (

فإن الدمنة هي احلقد وكذلك قول أيب الطيب املتنيب

) ارق الحدثان من دهره وطو... بحر تعود أن يذم ألهله ( ) راعاك واستثنى بني حمدان ... فتركته وإذا أذم من الورى (

فإن الدهر وطوارق احلدثان سواء وإمنا جاز استعمال ذلك ألنه قافية وأما ما ورد يف أثناء األبيات الشعرية فكقول عنترة

) أقوى وأقفر بعد أم الهيثم ... م عهده حييت من طلل تقاد(

من املعيب ألهنما لفظان وردا مبعىن واحد لغري ضرورةإذ الضرورة ال تكون إال يف " أقوى وأقفر " فقوله القافية كما أريتك

وأما ما ورد من صدور األبيات فكقول البحتري يف قصيدته العينية ) وزارت خياال والعيون هواجع ... إلمامها بك نافع ألمت وهل(

سواءوال فرق إذا بني صدر البيت وعجزه " زارت خياال " وقوله " أملت " فإن قوله

Page 296: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

" وزارت خياال " فإن قيل إنه أراد باإلملام زيارة اليقظة مث قال ولو كان " أملت وهل إملامها بك نافع " ام يف احلالتني ألنه قال فاجلواب عن ذلك أنه مل يرد إال زيارة املن

فإنه ال نفع من زيارة احملبوب يف اليقظة وهذا غري خاف ال " وهل إملامها بك نافع " اإلملام يف اليقظة ملا قال حيتاج إىل السؤال عنه

اثر إذا سجع كالمه فالغالب أن فإن قيل مل أجزت ذلك للناظم وحظرته على الناثر ؟ قلت يف اجلواب أما النيأيت به مزدوجا على فقرتني من الفقر وميكنه إبدال تلك الفقرتني بغريمها فيسلم منه وأما الشاعر فإنه يصوغ

قصيدا ذا أبيات متعددة على قافية من القوايف فإذا تكرر لديه شيء من الكالم يف آخر بيت من األبيات ري خاف والسؤال عنه غري وارد وهذا الذي ذكرته إذا ورد يف غري عسر إبداله من أجل القافية وهذا غ

القافية مسي إخالءا ويقال إن البحتري كان خيلي كثريا يف شعره وهو لعمري كذلك إال أن حسن سبكه ورونق ديباجته يغفر له ذلك

يديه معجبا بنفسه ويروى عنه أنه كان إذا مثل بني يدي الفتح بن خاقان وزير املتوكل مادحا له اختال بنيفتقدم خطوات مث تأخر وقال أي شيء تسمعون فنقم عليه ذلك بعض حسدته ومحل الفتح بن خاقان عليه

فقال له الفتح لو رمانا باحلجارة لكان ذلك مغفورا له فيما يقوله

النوع الثامن عشر

يف االعتراض

وبعضهم يسميه احلشو لو أسقط لبقي األول على حاله وحده كل كالم أدخل فيه لفظ مفرد أو مركب

مثال ذلك أن تقول زيد قائمفهذا كالم مفيد وهو مبتدأ وخربفإذا أدخلنا فيه لفظا مفردا قلنا زيد واهللا قائم ولو أزلنا القسم منه لبقي األول على حاله وإذا أدخلنا يف هذا الكالم لفظا مركبا قلنا زيد على ما به من

فهذا هو االعتراض " على ما به من املرض " بتدأ واخلرب لفظا مركبا وهو قولنا املرض قائم فأدخلنا بني امل وهذا حده

واعلم أن اجلائز منه وغري اجلائز إمنا يؤخذ من كتب العربية فإنه يكون مستقصى فيها كاالعتراض بني استعماله القسم وجوابه وبني الصفة واملوصوف وبني املعطوف واملعطوف عليه وأشباه ذلك مما حيسن

وكاالعتراض بني املضاف واملضاف إليه وبني إن وامسها وبني حرف اجلر وجمروره وأمثال ذلك مما يقبح استعماله وليس هذا مكانه ألن كتابنا هذا موضوع ملن أستكمل معرفة ذلك وغريه مما أشرنا إليه يف صدر

الكتاب وغري اجلائز ألن د والرديء ال ما يعلم به اجلائزوليس املراد ههنا من االعتراض إال ما يفرق به بني اجلي

كتايب هذا موضوع لذكر ما يتضمنه الكالم على اختالف أنواعه من وصفي الفصاحة والبالغة فالذي

Page 297: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

اذكره يف باب االعتراض إمنا هو ما اشتمل على شيء من هذين الوصفني املشار إليهما واعلم أن االعتراض ينقسم قسمني أحدمها ال يأيت يف الكالم إال لفائدة

ر جمرى التوكيد واآلخر أن يأيت يف الكالم لغري فائدةفإما أن يكون دخوله فيه كخروجه منه وإما أن وهو جا يؤثر يف تأليفه نقصا ويف معناه فسادا

فال أقسم مبواقع النجوم وإنه لقسم لو ( كقوله تعاىل -وهو الذي يأيت الكالم لفائدة -فالقسم األول وإنه لقسم لو ( ففي هذا الكالم اعتراضان أحدمها قوله ) اب مكنون تعلمون عظيم إنه لقرآن كرمي يف كت

إنه ( وبني جوابه الذي هو ) فال أقسم مبواقع النجوم ( وذلك اعتراض بني القسم الذي هو ) تعلمون عظيم وبني صفته اليت هي ) قسم ( ويف نفس هذا االعتراض اعتراض آخر بني املوصوف الذي هو ) لقرآن كرمي

فذانك اعتراضان كما ترى وفائدة هذا االعتراض بني القسم وجوابه إمنا ) لو تعلمون ( وهو قوله ) عظيم ( اعتراضا بني املوصوف والصفة ) لو تعلمون ( هي تعظيم لشأن املقسم به يف نفس السامع أال ترى إىل قوله

لعظيم حبيث لو تعلم يا فالن وذلك األمر حبيث لو علم ويف حقه من التعظيم وهذا مثل قولنا إن هذا األمر عظمه لقدرته حق قدره فإن ذلك يكرب يف نفس املخاطب ويظل متطلعا إىل معرفة عظمه

وتقديره وجيعلون هللا البنات وهلم ما ) وجيعلون هللا البنات سبحانه وهلم ما يشتهون ( وكذلك ورد قوله تعاىل التنزيه فكأنه قال وجيعلون هللا البنات وهو يشتهون فاعترض بني املفعولني بسبحانه وهو مصدر يدل على

منزه عن ذلك وهلم ما يشتهون وفائدة هذا االعتراض ههنا ظاهرة قالوا نفقد صواع امللك وملن جاء به محل بعري وأنا ( وكذلك ورد قوله تعاىل يف سورة يوسف عليه السالم

اعتراض بني ) لقد علمتم ( فقوله ) ا سارقني به زعيم قالوا تاهللا لقد علمتم ما جئنا لنفسد يف األرض وما كنالقسم وجوابه وفائدته تقرير إثبات الرباءة من الفساد والنزاهة من هتمة السرقة أي إنكم قد علمتم هذا منا

وحنن مع علمكم به نقسم باهللا على صدقه

غة يف املعىن وقد ورد االعتراض يف القرآن كثريا وذلك يف كل موضع يتعلق بنوع من خصوصية املبال املقصود

وإذا بدلنا آية مكان آية واهللا أعلم مبا ينزل قالوا إمنا أنت مفتر بل أكثرهم ال ( ومن هذا القسم قوله تعاىل فهذا االعتراض بني إذا وجواهباألن تقدير الكالم وإذا بدلنا آية مكان آية قالوا إمنا أنت مفتر ) يعلمون

وهو مبتدأ وخرب وفائدته إعالم القائلني إنه مفتر أن ذلك ) أعلم مبا ينزل واهللا( فاعترض بينهما بقوله تعاىل من اهللا وليس منه وأنه أعلم بذلك منهم

ووصينا اإلنسان بوالديه محلته أمه وهنا على وهن وفصاله يف عامني أن أشكر ( ومن هذا الباب قوله تعاىل بق مفصل البالغة وفائدته أنه ملا وصى بالوالدين ذكر أال ترى إىل هذا االعتراض الذي قد ط) يل ولوالديك

ما تكابده األم من املشاق يف محل الولد وفصاله إجيابا للتوصية هبا وتذكريا حبقها وإمنا خصها بالذكر دون أمك مث أمك مث ( األب ألهنا تتكلف من أمر الولد ما ال يتكلفه ومن مث قال النيب ملن قال له من أبر ؟ فقال

) أباك أمك مث

Page 298: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

وإذ قتلتم نفسا فادارأمت فيها واهللا خمرج ما كنتم تكتمون ( ومما جاء على هذا األسلوب قوله عز و جل واهللا خمرج ما كنتم ( فقوله ) فقلنا اضربوه ببعضها كذلك حيي اهللا املوتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون

رر يف نفوس املخاطبني وقلوب السامعني أن اعتراض بني املعطوف واملعطوف عليه وفائدته أن يق) تكتمون تدارؤ بين إسرائيل يف قتل تلك النفس مل يكن نافعا هلم يف إخفائه وكتمانه ألن اهللا تعاىل مظهر لذلك ولو

جاء الكالم غري معترض فيه لكان وإذ قتلتم نفسا فادارأمت فيها فقلنا اضربوه ببعضها وال خيفى على البليغ كونه معترضا فيه الفرق بني ذلك وبني

ومما ورد من ذلك شعرا قول امريء القيس

) كفاني ولم أطلب قليل من المال ... ولو أن ما أسعى ألدنى معيشة ( ) وقد يدرك املجد املؤثل أمثالي ... ولكنما أسعى لمجد مؤثل (

وفائدته حتقري املعيشة وأهنا " ومل أطلب " ه كفاين قليل من املال فاعترض بني الفعل والفاعل بقوله تقدير حتصل بغري طلب وال عناء وإمنا الذي حيتاج إىل الطلب هو اجملد املؤثل

وكذلك قول جرير ) كرام في موكب طرف احلديث... ولقد أراني والجديد إلى بلى (

تقديره ولقد أراين يف موكب طرف احلديث فاعترض بني املفعولني وإمنا جاء هبذا االعتراض تعزيا عما مضى من تلك اللذة وذلك النعيم الذي فاز به من عشرة أولئك األحباب ولقد أعهدين يف كذا وكذا من اللذة

وذلك قد مضى وسلف وبلي جديده وكذلك كل جديد فإنه إىل بلى واالعتراض إذا كان هكذا كسا الكالم لطفا إن كان غزال وكساه أهبة وجالل إن كان مدحيا أو ما جيري

جمراه من أساليب الكالم وإن كان هجاء كساه تأكيدا وإثباتا كقول كثري ) رأوك تعلموا منك المطاال ... لو أن الباخلني وأنت منهم (

من حممود االعتراض و نادره وفائدته ههنا التصريح مبا هو املراد وتقدير هذا الكالم " وأنت منهم " فقوله قبل االعتراض لو أن الباخلني رأوك فاعترض بني اسم إن وهو الباخلني وبني خربها وهو رأوك باملبتدأ

" وأنت منهم " واخلرب الذي هو لسعدي ومن حماسن ما جاء يف هذا الباب قول املضرب ا

) على أن قد تلون بي زماني ... فلو سألت سراة الحي سلمى ( ) وأعدائي فكل قد بالني ... لخبرها ذوو أحساب قومي (

حلي سلمى وجواهبا وهو من فائق االعتراض ونادره وتقديره فلو سألت سراة ا" لو " وهذا اعتراض بني أي أهنم خيربون عين على " على أن قد تلون يب زمان " خلربها ذوو أحساب قومي و أعدائي وفائدة قوله

تلون الزمان يب يريد تنقل حاالته من خري وشر وليس من عجمه الزمان وأبان عن جوهره كغريه ممن مل يعجمه وال أبان عنه

ومن ذلك قول أيب متام

Page 299: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

) من الشعر إال في مدحيك أطوع ... ي إن لحظت مطالبي وإن الغنى ل( وخربها وتقديره وإن الغىن أطوع يل من الشعر فاعترض " إن " وهذا البيت يف اعتراضان األول بني اسم

فجاء باجلملة " إال يف مدحيك " وأما االعتراض الثاين فقوله " إن حلظت مطاليب " بني االسم واخلرب بقوله االستثنائية مقدمة وموضعها التأخري فاعترض هبا بني اجلملة اليت هي خرب إن وتقدير البيت جبملته وأن الغىن

من االعتراض الذي " إال يف مدحيك " أطوع يل من الشعر إن حلظت مطاليب إال يف مدحيك وفائدة قوله ملمدوح باإلسراع ووصف خاطر شعره اكتسب به الكالم رقة فائدة حسنة واملراد به وصف جود ا

باإلسراع إذا كان يف مدحه خاصة دون غريه فهذا االعتراض يتضمن مدح املمدوح واملادح معا وهو من حماسن ما جييء يف هذا املوضع

وكذلك ورد قوله

وما أبالي وخير القول أصدقه ) ( م رد الصقال بهاء الصارم الخذ... رددت رونق وجهي في صحيفته ( اعتراض بني املفعول والفعل ألن " وخري القول أصدقه " فقوله ) حقنت لي ماء وجهي أم حقنت دمي ...

موضع حقنت نصب إذ هو مفعول أبايل وفائدته إثبات ما ماثل به بني ماء الوجه والدم أي أن هذا القول دق ليس بكذب ص

وهو والذي يأيت يف الكالم كخروجه منه ال يكتسب به حسنا وال قبحا فمن ذلك قول -وأما القسم الثاين النابغة

من االعتراض الذي ال " ال أبالك " فقوله ) لعل زيادا ال أبالك غافل ... يقول رجال يجهلون خليقتي ( ثرا يف هذا البيت حسنا وال قبحا فائدة فيه وليس مؤ

ومثله جاء قول زهري ) ثمانني حوال ال أبالك يسأم ... سئمت تكاليف الحياة ومن يعش (

يف موضع آخر فكان لالعتراض هبا فائدة حسنة كقول أيب -" ال أبالك " وهي - وقد وردت هذه اللفظة متام

... ) ي ال أبالك واقصدي عتابك عن(

فإنه ملا كره عتاهبا اعترض بني األمر واملعطوف عليه هبذه اللفظة على طريق الذم وقد تقدم ذكر أمثاله وأنظاره يف باب -وهو الذي يؤثر يف الكالم نقصا ويف املعىن فسادا - الضرب الثاين

م التقسيم االعتراضي فيما أفاد وفيما ال يفيد وقد التقدمي والتأخري وإمنا جيء بذكره ههنا مكررا إلمتا ذكرت من ذلك مثاال واحدا أو مثالني فمما ورد منه قول بعضهم

) بوشك فراقهم صرد يصيح ... فقد والشك بين لي عناء ( لذي هو بني وذلك قبيح فإن هذا البيت من رديء االعتراض ما أذكره لك وهو الفصل بني قد والفعل ا

لقوة اتصال قد مبا تدخل عليه من األفعال أال تراها تعد مع الفعل كاجلزء منه ولذلك أدخلت عليها الالم وقول الشاعر ) ولقد علموا ملن اشتراه ( املراد هبا توكيد الفعل كقوله تعاىل

Page 300: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

إال إن فصل بني قد والفعل بالقسم فإن ذلك ال ) ي لفرور حذر الموت وإن... ولقد أجمع رجلي بها ( بأس به حنو قوله قد واهللا كان ذاك وقد فصل يف هذا البيت أيضا بني املبتدأ الذي هو الشك وبني اخلرب

الذي هو عناء بقوله بني يل وفصل بني الفعل الذي هو بني وبني فاعله الذي هو صرد خبرب املبتدأ الذي هو ء معىن البيت كما تراه كأنه صورة مشوهة قد نقلت أعضاؤها بعضها إىل مكان بعض عناءفجا

ومن هذا الضرب قول اآلخر أراد نظرت مطلع ) إىل الغرب حتى ظله الشمس قد عقل ... نظرت وشخصي مطلع الشمس ظله (

وعلى هذا التقدير فقد فصل مبطلع الشمس وشخصي ظله إىل الغرب حىت عقل الشمس أي حاذاهاالشمس بني املبتدأ الذي هو شخصي وبني خربه اجلملة وهو قوله ظله إىل الغرب وأغلظ من ذلك أنه فصل

بني الفعل وفاعله باألجنيب وهذا وأمثاله مما يفسد املعاين ويورثها اختالال الناظم مضطر إىل إقامة ميزان الشعر ورمبا واعلم أن الناثر يف استعمال ذلك أكثر مالمة من الناظم وذاك أن

كان جمال الكالم عليه ضيقا فيلقيه طلب الوزن يف مثل هذه الورطات وأما الناثر فال يضطر إىل إقامة امليزان الشعري بل يكون جمال الكالم عليه واسعا وهلذا إذا اعترض يف كالمه اعتراضا يفسده توجه عليه اإلنكار

وحق عليه الذم

ع التاسع عشرالنو

يف الكناية والتعريض

وهذا النوع مقصور على امليل مع املعىن وترك اللفظ جانبا وقد تكلم علماء البيان فيه فوجدهتم قد خلطوا الكناية بالتعريض ومل يفرقوا بينهما وال حدوا كال منهما حبد

يف اآلخر فذكروا للكناية أمثلة من يفصله عن صاحبه بل أوردوا هلما أمثلة من النظم والنثر وأدخلوا أحدمها التعريض وللتعريض أمثلة من الكنايةفممن فعل ذلك الغامني وابن سنان اخلفاجي والعسكري فأما ابن سنان

فإنه ذكر يف كتابه قول امريء القيس ) ورضت فذلت صعبة أي إذالل... فصرنا إلى الحسنى ورق كالمها (

وهذا مثال ضربه للكناية عن املباضعة وهو مثال للتعريض ووجدت يف كتاب التذكرة البن محدون البغدادي وكان مشارا إليه عندهم بفضيلة ومعرفة السيما فن

الكتابة فوجدت يف كتابه ذلك بابا مقصورا على ذكر الكناية والتعريض وما قيل فيهما نظما ونثرا وهو ين القسمني من غري فصل بينهما وقد أورد أيضا يف بعضه أمثلة غثة باردة حمشو باخللط بني هذ

وسأذكر ما عندي يف الفرق بينهما وأميز أحدمها عن اآلخرليعرف كل منها على انفرادهفأقول أما الكناية فقد حدت حبدفقيل هي اللفظ الدال على الشيء على غري الوضع احلقيقي بوصف جامع بني

عنه كاللمس واجلماعفإن اجلماع اسم موضوع حقيقي واللمس كناية عنه وبينهما الوصف الكناية واملكىن

Page 301: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

اجلامع إذ اجلماع ملس وزيادة فكان داال عليه بالوضع اجملازي هذا احلد فاسدألنه جيوز أن يكون حدا للتشبيهفإن التشبيه هو اللفظ الدال على غري الوضع احلقيقي جلامع

وصفة من األوصافأال ترى أنا إذا قلنا زيد أسد كان ذلك لفظا داال على غري الوضع بني املشبه واملشبه به احلقيقي بوصف جامع بني زيد واألسد وذلك الوصف هو الشجاعة ومن ههنا وقع الغلط ملن أشرت إليه

يف الذي ذكره يف حد الكناية مل يريدون بذلك أهنا اللفظ الذي حيتمل وأما علماء أصول الفقه فإهنم قالوا يف حد الكناية إهنا اللفظ احملت

الداللة على املعىن وعلى خالفه إذا مل تستح فافعل " وهذا فاسدفإنه ليس كل لفظ يدل على املعىن وعلى خالفه بكناية دليل ذلك قول النيب

يكن فإن هذا اللفظ يدل على املعىن وعلى خالفه وبيان ذلك أنه يقول يف أحد معنييه إنك إذا مل" ما شئت لك وازع يزعك عن احلياء فافعل ما شئت وأما معناه اآلخر فإنه يقول إذا مل تفعل فعال يستحى منه فافعل

إن الكناية هي اللفظ احملتمل ( ما شئت هذا ليس من الكناية يف شيءفبطل إذا هذا احلدومثال الفقيه يف قوله عم وكذلك يقال ههنا فإن كل كناية لفظ حمتمل مثال من أراد أن حيد اإلنسان فأتى حبد احليوانفعرب باأل)

وليس كل لفظ حمتمل كناية والذي عندي يف ذلك أن الكناية إذا وردت جتاذهبا جانبا حقيقة وجماز وجاز محلها على اجلانبني معا أال ترى

ه املعىن وال جيوز محله على احلقيقة واجملازوكل منهما يصح ب) أو المستم النساء ( أن اللمس يف قوله تعاىل خيتل وهلذا ذهب الشافعي رمحه اهللا إىل أن اللمس هو مصافحة اجلسد اجلسد فأوجب

الوضوء على الرجل إذا ملس املرأة وذلك هو احلقيقة يف اللمس وذهب غريه إىل أن املراد باللمس هو حقيقة وجماز وجيوز محله اجلماع وذلك جماز فيه وهو الكناية وكل موضع ترد فيه الكناية فإنه يتجاذبه جانبا

على كليهما معا وأما التشبيه فليس كذلك وال غريه من أقسام اجملازألنه ال جيوز محله إال على جانب اجملاز خاصة ولو محل على جانب احلقيقة الستحال املعىن أال ترى أنا إذا قلنا زيد أسد ال يصح إال على جانب

يف شجاعته ولو محلناه على جانب احلقيقة الستحال املعىن ألن زيدا اجملاز خاصة وذاك أنا شبهنا زيدا باألسد ليس ذلك احليوان ذا األربع والذنب والوبر واألنياب واملخالب

وإذا كان األمر كذلك فحد الكناية اجلامع هلا هو أهنا كل لفظة دلت على معىن جيوز محله على جانيب از احلقيقة واجملاز بوصف جامع بني احلقيقة واجمل

والدليل على ذلك أن الكناية يف أصل الوضع أن تتكلم بشيء وتريد غريه يقال كنيت بكذا عن كذا فهي تدل على ما تكلمت به وعلى ما أردته من غريه وعلى هذا فال ختلو إما أن تكون يف لفظ جتاذبه جانبا حقيقة

حقيقة وحقيقة وليس لنا قسم رابع وال وجماز أو يف لفظ جتاذبه جانبا جماز وجماز أو يف لفظ جتاذبه جانبا يصح أن تكون يف لفظ جتاذبه جانبا حقيقة وحقيقةألن ذلك هو اللفظ املشترك وإذا أطلق من غري قرينة

ختصصه كان مبهما غري مفهوم وإذا أضيف إليه القرينة صار خمتصا بشيء بعينه والكناية أن تتكلم بشيء ذا أضيف إليه القرينةألنه خيتص بشيء واحد بعينه ال يتعداه إىل وتريد غريه وذلك خمالف للفظ املشترك إ

Page 302: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

غريه وكذلك ال يصح أن تكون الكناية يف لفظ جتاذبه جانبا جماز وجمازألن اجملاز ال بد له من حقيقة نقل عنها ألنه فرع عليها وذلك اللفظ الدال على اجملازين إما أن يكون للحقيقة شركة يف الداللة عليه أو ال

ون هلا شركة فإن كان هلا شركة يف الداللة فيكون اللفظ الواحد قد دل على ثالثة أشياء أحدها احلقيقة يكوهذا خمالف ألصل الوضعألن أصل الوضع أن تتكلم بشيء وأنت تريد غريه ههنا تكون قد تكلمت بشيء

ضع أيضاألن أصل الوضع وأنت تريد شيئني غريهوإن مل يكن للحقيقة شركة يف الداللة كان ذلك خمالفا للو أن

تتكلم بشيء وأنت تريد غريهفيكون الذي تكلمت به داال على ما تكلمت به وعلى غريه وإذا أخرجت احلقيقة عن أن يكون هلا شركة يف الداللة مل يكن الذي تكلمت به داال على ما تكلمت به وهذا حمالفتحقق

از وهذا الكالم يف حقيقة الدليل على حتقيق أمر الكناية مل حينئذ أن الكناية أن تتكلم باحلقيقة وأنت تريد اجمل يكن ألحد فيه قول سابق

واعلم أن الكناية مشتقة من الستر يقال كنيت الشيءإذا سترته وأجري هذا احلكم يف األلفاظ اليت يستر ) أو المستم النساء ( فيها اجملاز باحلقيقةفتكون دالة على الساتر وعلى املستور معا أال ترى إىل قوله تعاىل

فإنه إن محل على اجلماع كان كنايةألنه ستر اجلماع بلفظ اللمس الذي حقيقته مصافحة اجلسد اجلسد وإن محل على املالمسة اليت هي مصافحة اجلسد اجلسد كان حقيقة ومل يكن كناية وكالمها يتم به املعىن وقد

ية اليت يقال فيها أبو فالن فإنا إذا نادينا رجال امسه عبد اهللا تأولت الكناية بغري هذا وهي أهنا مأخوذة من الكنوله ولد امسه حممد فقلنا يا أبا حممدكان ذلك مثل قولنا يا عبد اللهفإن شئنا ناديناه هبذا وإن شئنا ناديناه هبذا

إذا شئنا محلناها وكالمها واقع عليه وكذلك جيري احلكم يف الكناية فإنا إذا شئنا محلناها على جانب اجملاز و( على احلقيقة إال أنه ال بد من الوصف جلامع بينهما لئال يلحق بالكناية ما ليس منها أال ترى إىل قوله تعاىل

فكىن بذلك عن النساء والوصف اجلامع بينهما هو ) إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ويل نعجة واحدة أخي له تسع وتسعون كبشا ويل كبش واحد وقيل هذه التأنيث ولوال ذلك لقيل يف مثل هذا املوضع إن

أنه أراد بالثياب ) وثيابك فطهر ( كناية عن النساء ومن أجل ذلك مل يلتفت إىل تأويل من تأول قوله تعاىل القلب على حكم الكنايةألنه ليس بني الثياب والقلب وصف جامع ولو كان بينهما وصف جامع لكان

التأويل صحيحا

ا الدليل على اشتقاق الكناية من كنيت الشيء إذا سترته ومن الكنية ؟ فإن قيل فمقلت يف اجلواب أما اشتقاقها من كنيت الشيء إذا سترته فإن املستور فيها هو اجملازألن احلقيقة تفهم أوال

عد فهم احلقيقة ويتسارع الفهم إليها قبل اجملازألن داللة اللفظ عليها داللة وضيعة وأما اجملاز فإنه يفهم منه بوإمنا يفهم بالنظرة والفكرة وهلذا حيتاج إىل دليل ألنه عدول عن ظاهر اللفظفاحلقيقة أظهر واجملاز أخفي وهو

فإن الفهم يتسارع فيه إىل احلقيقة اليت هي ) أو المستم النساء ( مستور باحلقيقة أال ترى إىل قوله تعاىل اجلماع فإنه يفهم بالنظر والفكر وحيتاج الذاهب إليه إىل مصافحة اجلسد اجلسد وأما اجملاز الذي هو

دليلألنه عدول عن ظاهر اللفظ وأما اشتقاقها من الكنية فألن حممدا يف هذه الصورة املذكورة هو حقيقة

Page 303: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

هذا الرجل أي االسم املوضوع بإزائه أوال وأما أبو عبد اهللا فإنه طار عليه بعد حممدألنه مل يكن له إال بعد أن ر له ولد امسه عبد اهللا وكذلك الكنايةفإن احلقيقة هلا هو االسم املوضوع بإزائها أوال يف أصل الوضع صا

وأما اجملاز فإنه طار عليها بعد ذلكألنه فرع والفرع إمنا يكون بعد األصل وإمنا يعمد إىل ذلك الفرع كاف يف الداللة على اشتقاق الكناية للمناسبة اجلامعة بينه وبني األصل على ما تقدم الكالم فيه وهذا القدر

من ذينك املعنيني املشار إليهما فإن قيل إنك قد ذكرت أقسام اجملاز يف باب االستعارة اليت قدمت ذكرها يف كتابك هذا وحصرهتا يف أقسام

م ثالثة وهي التوسع يف الكالم واالستعارة والتشبيه ونراك قد ذكرت الكناية يف اجملاز أيضا فهل هي قسرابع لتلك األقسام الثالثة أم هي من مجلتها ؟ فإن كانت قسما رابعا فذلك نقض للحصر الذي حصرته وإن

كانت من مجلتها فقد أعدت ذكرها ههنا مرة ثانية وهذا املكرر ال حاجة إليه الكناية فاجلواب عن ذلك أين أقول أما احلصر الذي حصرته يف باب االستعارة فهو ذاك وال زيادة عليه وأما

فإهنا جزء من االستعارة وال تأيت إال على حكم االستعارة خاصة ألن االستعارة ال تكون إال حبيث يطوى ذكر املستعار له

وكذلك الكناية فإهنا ال تكون إال حبيث يطوى ذكر املكىن عنه ونسبتها إىل االستعارة نسبة خاص إىل ناية ويفرق بينهما من وجه آخر وهو أن االستعارة لفظها عامفيقال كل كناية استعارة وليس كل استعارة ك

صريح والصريح هو ما دل عليه ظاهر لفظه والكناية ضد الصرحيألهنا عدول عن ظاهر اللفظ وهذه ثالثة فروق أحدمها اخلصوص والعموم واآلخر الصريح واآلخر احلمل على جانب احلقيقة واجملاز

هنا جزء من اجملاز وعلى ذلك فتكون نسبته الكناية إىل اجملاز نسبة جزء وقد تقدم القول يف باب االستعارة أ اجلزء وخاص اخلاص

وكان ينبغي أن نذكر الكناية عند ذكر االستعارة يف النوع األول من هذه األنواع املذكورة يف املقالة الثانية يف مكان واحد وإمنا أفردهتا بالذكر ههنا من أجل التعريضألن من العادة أن يذكرا مجيعا

وقد يأيت يف الكالم ما جيوز أن يكون كناية وجيوز أن يكون استعارة وذلك خيتلف باختالف النظر إليه مبفرده والنظر إىل ما بعده كقول نصر بن سيار يف أبياته املشهورة اليت حيرض هبا بين أمية عند خروج أيب

مسلم ) يوشك أن يكون له ضرام و... أرى خلل الرماد وميض جمر ( ) وإن احلرب أولها كالم ... فإن النار بالزندين توري ( ) أأيقاظ أمية أم نيام ... أقول من التعجب ليت شعري ( فالبيت األول لو ورد مبفرده كان كنايةألنه جيوز ) فإني ال أالم وإن رقدوا... فإن هبوا فذاك بقاء ملك (

محله على جانب احلقيقة ومحله على جانب اجملاز أما احلقيقة فإنه اخرب أنه رأى وميض مجر يف خلل الرماد ا نظرنا وأنه سيضطرم وأما اجملاز فإنه أراد أن هناك ابتداء شر كامن ومثله بوميض مجر من خلل الرماد وإذ

إىل األبيات مجلتها اختص البيت األول منها باالستعارة دن الكناية

Page 304: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

وكثريا ما يرد مثل ذلك ويشكللتجاذبه بني الكناية واالستعارةعلى أنه ال يشكل إال على غري العارف إذا قلت وأما التعريض فهو اللفظ الدال على الشيء من طريق املفهوم ال بالوضع احلقيقي وال اجملازي فإنك

ملن تتوقع صلته ومعروفه بغري طلب واهللا إين حملتاج وليس يف يدي شيء وأنا عريان والربد قد آذانيفإن هذا وأشباهه تعريض بالطلب وليس هذا اللفظ موضوعا يف مقابلة الطلب ال حقيقة وال جمازا إمنا دل عليه من

عريض يف خطبة النكاح كقولك للمرأة إنك طريق املفهوم خبالف داللة اللمس على اجلماع وعليه ورد التخللية وإين لعزب هذا وأمثاله ال يدل على طلب النكاح حقيقة وال جماز والتعريض أخفي من الكنايةألن

داللة الكناية لفظية وضعية من جهة اجملاز وداللة التعريض من جهة املفهوم ال بالوضع احلقيقي وال اجملازي ن املعىن فيه يفهم من عرضه أي من جانبه وعرض كل شيء جانبه وإمنا مسي التعريض تعريضا أل

واعلم أن الكناية تشمل اللفظ املفرد واملركب معافتأيت على هذا تارة وعلى هذا أخرى وأما التعريض فإنه قة خيتص باللفظ املركب وال يأيت يف اللفظ املفرد ألبتة والدليل على ذلك أنه ال يفهم املعىن فيه من جهة احلقيوال من جهة اجملاز وإمنا يفهم من جهة التلويح واإلشارة وذلك ال يستقل به اللفظ املفرد ولكنه حيتاج يف الداللة عليه إىل اللفظ املركب وعلى هذا فإن بيت امريء القيس الذي ذكره ابن سنان مثاال للكناية هو

ه مل يذكره بل ذكر كالما آخر يفهم مثال للتعريضفإن غرض امريء القيس من ذلك أن يذكر اجلماع غري أناجلماع من عرضهألن املصري إىل احلسىن ورقة الكالم ال يفهم منهما ما أراده امرؤ القيس من املعىن ال

حقيقة وال جمازا وهذا ال خفاء به فاعرفه

وال وحيث فرقنا بني الكناية والتعريض وميزنا أحدمها عن اآلخر فلنفصلهما ونذكر أقسامهما ولنبدأ أ بالكنايةفنقول

اعلم أن الكناية تنقسم قسمني أحدمها ما حيسن استعماله واآلخر ما ال حيسن استعماله وهو عيب يف الكالم فاحش

وقد ذهب قوم إىل أن الكناية تنقسم أقساما ثالثا متثيال وإردافا وجماورة كون ذلك مثاال للمعىن الذي أريدت فأما التمثيل فهو أن تراد اإلشارة إىل معىن فيوضع لفظ ملعىن آخر وي

اإلشارة إليه كقوهلم فالن نقي الثوب أي منزه من العيوب وأما اإلرداف فهو أن تراد اإلشارة إىل معىن فيوضع لفظ ملعىن آخر ويكون ذلك رادفا للمعىن الذي أريدت

ادف لطول القامة والزم له اإلشارة إليه والزما له كقوهلم فالن طويل النجاد أي طويل القامةفطول النجاد رخبالف نقاء الثوب يف الكناية عن النزاهة من العيوبألن نقاء الثوب ال يلزم منه النزاهة من العيوب كما يلزم

من طول النجاد طول القامة وأما اجملاورة فهي أن تريد ذكر الشيء فتتركه إىل ما جاوره كقول عنترة

) قرنت بأزهر في الشمال مفدم ... ة بزجاجة صفراء ذات أسر( يريد بالزجاجة اخلمرفذكر الزجاجة وكىن هبا عن اخلمرألهنا جماورة هلا

وهذا التقسيم غري صحيحألن من شرط التقسيم أن يكون كل قسم منه

Page 305: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

نسان وحقيقة كذا وكذا خمتصا بصفة خاصة تفصله عن عموم األصل كقولنا احليوان ينقسم أقساما منها اإلومنها األسد وحقيقته كذا وكذا ومنها الفرس وحقيقته كذا وكذا ومنها غري ذلك وههنا مل يكن التقسيم

كذلكفإن التمثيل على ما ذكر عبارة عن جمموع الكنايةألن الكناية إمنا هي أن تراد اإلشارة إىل معىن فيوضع إن هذا ( ىن الذي أريدت اإلشارة إليه أال ترى إىل قوله تعاىل لفظ ملعىن آخر ويكون ذلك اللفظ مثاال للمع

فإنه أراد اإلشارة إىل النساء فوضع لفظا ملعىن آخر وهو ) أخي له تسع وتسعون نعجة ويل نعجة واحدة النعاج مث مثل به النساء وهكذا جيري احلكم يف مجيع ما يأيت من الكناياتلكن منها ما يتضح التمثيل فيه

لشبهية بني الكناية واملكىن عنه شديدة املناسبة ومنه ما يكون دون ذلك يف الشبهية وقد تأملت وتكون اذلك وحققت النظر فيهفوجدت الكناية إذا وردت على طريق اللفظ املركب كانت شديدة املناسبة واضحة

شاهبةأال ترى إىل قوهلم الشبهية وإذا وردت على طريق اللفظ املفرد مل تكن بتلك الدرجة يف قوة املناسبة واملفالن نقي الثوب وقوهلم اللمس كناية عن اجلماعفإن نقاء الثوب أشد مناسبة وأوضح شبهاألنا إذا قلنا نقاء

الثوب من الدنس كنزاهة العرض من العيوب اتضحت املشاهبة ووجدت املناسبة بني الكناية واملكىن عنه يكن بتلك الدرجة يف قوة املشاهبة وهذا الذي ذكر من أن من شديدة املالءمة وإذا قلنا اللمس كاجلماع مل

الكناية متثيال وهو كذا وكذا غري سائغ وال وارد بل الكناية كلها هي ذاك والذي قدمته من القول فيها هو احلاصر هلا ومل يأت به أحد غريي كذلك

ن تكون الكناية دليال على وأما اإلرداف فإنه ضرب من اللفظ املركب أال أنه اختص بصفة ختصه وهي أاملكىن عنه والزمه له خبالف غريها من الكنايات أال ترى أن طول النجاد دليل على طول القامة والزم له

وكذلك يقال فالن عظيم الرماد أي كثري إطعام الطعام وعليه ورد قول األعرابية يف حديث أم زرع يف رك إذا مسعن صوت وصف زوجها له إبل قليالت املسارح كثريات املبا

املزهر أيقن أهنن هوالك وغرض األعرابية من هذا القول أن تصف زوجها باجلود والكرم إال أهنا مل تذكر ذلك بلفظه الصريح وإمنا ذكرته من طريق الكناية على وجه اإلرداف الذي هو الزم له

لته عن غسلها من احليض فأمرها وكذلك ورد يف األخبار النبوية أيضا وذاك أن امرأة جاءت إىل النيب فسأقالت " تطهري هبا " قالت كيف أتطهر هبا ؟ فقال " خذي فرصة من مسك فتطهري هبا " أن تغتسل مث قال

فاجتذبتها عائشة رضي اهللا عنها إليها وقالت تتبعي هبا " تطهري هبا ! سبحان اهللا " كيف أتطهر هبا ؟ قال ن الفرج على طريق اإلردافألن أثر الدم يف احليض ال يكون إال يف كناية ع" أثر الدم " أثر الدم فقوهلا

الفرج فهو رادف له ومما ورد من ذلك شعرا قول عمر بن أيب ربيعة

) أبوها وإما عبد شمس وهاشم ... بعيدة مهوى القرط إما لنوفل ( فإن بعد مهوى القرط دليل على طول العنق

ومن لطيف هذا املوضع وحسنه ما يأيت بلفظه مثلكقول الرجل إذا نفى عن نفسه القبيح مثلي ال يفعل هذا أي أنا ال أفعله فنفي ذلك عن مثله ويريد نفيه عن نفسهألنه إذا نفاه عمن مياثله ويشاهبه فقد نفاه عن نفسه

Page 306: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

أي أنت إذا سئلت أعطيت وسبب ال حمالةإذ هو ينفي ذلك عنه أجدر وكذلك يقال مثلك إذا سئل أعطى ورود هذه اللفظة يف هذا املوضع أنه جيعل من مجاعة هذه أوصافهم تثبيتا لألمر وتوكيدا ولو كان فيه وحده لقلق منه موضعه ومل يرس فيه قدمه وهذا مثل قول القائل إذا كان يف مدح إنسان أنت من القوم الكرام أي

ولست دخيال فيه لك يف هذا الفعل سابقة وأنت حقيق به

( والفرق بني قوله ) ليس كمثله شيء وهو السميع البصري ( وقد ورد هذا يف القرآن الكرمي كقوله تعاىل وبني قوله ليس كاهللا شيء هو ما أشرت إليه وإن كان اهللا سبحانه وتعاىل ال مثل له حىت ) ليس كمثله شيء

ا للمبالغة يكون ملثله مثل وإمنا ذكر ذلك على طريق اجملاز قصدوقد يأيت هذا املوضع بغري لفظة مثل وهي مقصودة كقولك للعريب العرب ال ختفر الذمم أي أنت ال ختفر

الذمم وهذا أبلغ من قولك أنت ال ختفر الذمم وهذا أبلغ من قولك أنت ال ختفر الذمملما أشرت إليه وعلى حنو من هذا جاء قول أيب الطيب املتنيب

) نداهم ومن قتالهم مهجة البخل ... لقوم الذي من رماحهم ألست من ا( وإذا فرغت من ذكر األصول اليت قدمت ذكرها فإين أتبعها بضرب األمثلة نثرا ونظما حىت يزداد ما ذكرته

وضوحا

فإنه كىن عن ) كل حلم أخيه ميتا أحيب أحدكم أن يأ( فمن ذلك ما ورد يف القرآن الكرمي حنو قوله تعاىل الغيبة بأكل اإلنسان حلم إنسان آخر مثله مث مل يقتصر على ذلك حىت جعله ميتا مث جعل ما هو يف الغاية من

الكراهة موصوال باحملبةفهذه أربع دالالت واقعة على ما قصدت له مطابقة للمعىن الذي وردت من سان آخر مثله فشديد املناسبة جداألن الغيبة إمنا هي ذكر مثالب أجلهفأما جعل الغيبة كأكل اإلنسان حلم إن

الناس ومتزيق أعراضهم ومتزيق العرض مماثل ألكل اإلنسان حلم من يغتاهبألن أكل اللحم متزيق على احلقيقة وأما جعله كلحم األخ فلما يف الغيبة من الكراهة ألن العقل والشرع جمتمعان على استكراهها آمران

والبعد عنها وملا كانت كذلك جعلت مبنزلة حلم األخ يف كراهته ومن املعلوم أن حلم اإلنسان بتركها مستكره عند إنسان آخر إال أنه ال يكون مثل كراهته حلم أخيه فهذا القول مبالغة يف استكراه الغيبة وأما

هو يف الغاية من الكراهة جعل اللحم ميتا فمن أجل أن املغتاب ال يشعر بغيبته وال حيس هبا وأما جعله ماموصوال باحملبة فلما جبلت عليه النفوس من امليل إىل الغيبة والشهوة هلا مع العلم بقبحهافانظر أيها املتأمل

إىل هذه الكناية جتدها من أشد الكنايات شبهاألنك إذا نظرت إىل كل واحدة من تلك الدالالت األربع اليت صدت له أشرنا إليها وجدهتا مناسبة ملا ق

واألرض اليت مل يطئوها ) وأورثكم أرضهم وديارهم وأمواهلم وأرضا مل تطئوها ( وكذلك ورد قوله تعاىل عن مناكح النساء وذلك من حسن الكناية ونادره

فكىن باملاء ) أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ( وكذلك ورد قوله تعاىل األودية عن القلوب وبالزبد عن الضالل وهذه اآلية قد ذكرها أبو حامد الغزايل رمحه اهللا يف عن العلم وب

وأشار هبا إىل " األربعني " و " اجلواهر " ويف كتابه املواسم ب " إحياء اهللا علوم الدين " كتابه املوسوم ب

Page 307: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

على أن الغزايل رمحه اهللا مل يعلم أن يف القرآن الكرمي إشارات وإمياآت ال تنكشف إال بعد املوت وهذا يدل أن هذه اآلية من باب الكنايات الذي لفظها جيوز محله على جانيب احلقيقة واجملاز

وقد رأيت مجاعة من أئمة الفقه ال حيققون أمر الكناية وإذا سئلوا عنها عربوا عنها باجملاز وليس األمر كذلك فإنه جيوز محل املاء على املطر النازل من السماء وعلى وبينهما وصف جامع كهذه اآلية وما جرى جمراها

العلم وكذلك جيوز محل األودية على مهابط األرض وعلى القلوب وهكذا جيوز محل الزبد على الغثاء الرايب الذي تقذفه السيول وعلى الضالل وليس يف أقسام اجملاز شيء جيوز محله على الطرفني معا سوى الكناية

وقد مكروا مكرهم ( اء النحوي انه ذكر يف تفسريه آية وزعم أهنا كناية وهي قوله تعاىل وبلغين عن الفرفقال إن اجلبال كناية عن أمر رسول اهللا وما جاء به ) وعند اهللا مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه اجلبال

فيما جاز محله على من اآليات وهذه اآلية من باب االستعارة ال من باب الكنايةألن الكناية ال تكون إالجانيب اجملاز واحلقيقة واجلبال ههنا ال يصح هبا املعىن إال إذا محلت على جانب اجملاز خاصةألن مكر أولئك مل

يكن لتزول منه جبال األرضفإن ذلك حمال عم حيبها إنه كانت امرأة فيمن كان من قبلنا وكان هلا ابن ( وأما ما ورد منها يف األخبار النبوية فقول النيب

فراودها عن نفسها فامتنعت عليه حىت إذا أصابتها شدة فجاءت إليه تسأله فراودها فمكنته من نفسهافلما فقام عنها وتركها وهذه كناية " قعد منها مقعد الرجل من املرأة قالت له ال حيل لك أن تفض اخلامت إال حبقه

واقعة يف موقعها يريد بذلك النساء فكىن عنهن بالقوارير وذاك أنه ) ك بالقوارير رويدك سوق( ومن ذلك أيضا قول النيب

وهذه ) يا أجنشة رويدك سوقك بالقوارير ( كان يف بعض أسفاره وغالم أسود امسه أجنشة حيدو فقال له كناية لطيفة

نفر وكذلك ورد حديث احلديبية وذاك أنه ملا نزل رسول اهللا على الركية جاءه بديل بن ورقاء اخلزاعي يفمن قومه من أهل هتامه فقال تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي نزلوا عداد مياه احلديبية معهم العوذ

املطافيل وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت وهذه كناية عن النساء والصبيان والعوذ جنع عائذ

ه على طريق اجملاز أي وهي الناقة اليت وضعت وقوي ولدها وهذا جيوز محله على طريق احلقيقة كما جاز محلمعهم األموال من اإلبل وهي كانت جل أموال العرب أي أهنم قد أحضروا أمواهلم ليقاتلوا دوهناوملا جاز

محل العوذ املطافيل على النساء والصبيان وعلى األموال كان من باب الكناية يف املكلحة وذلك كناية عن رؤية ومن ذلك ما ورد يف إقامة احلد على الزاين وهو أن يشهد عليه برؤية امليل

الفرج يف الفرج ومن لطيف الكناية أن امرأة جاءت إىل عائشة رضي اهللا عنها فقالت هلا أقيد مجلي ؟ فقالت عائشة رضي اهللا

عنها ال أرادت املرأة أهنا تصنع لزوجها شيئا مينعه عن غريها أي تربطه أن يأيت غريها فظاهر هذا اللفظ هو وباطنه ما أرادته املرأة وفهمته عائشة منها تقييد اجلمل

( وكذلك يروى عن عمر بن اخلطاب رضي اهللا عنه وذاك أنه جاء إىل النيب فقال يا رسول اهللا هلكت قال

Page 308: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

" أقبل وأدبر واتق الدبر واحليضة " قال حولت رحلي البارحة فقال له النيب ) وما أهلكك اهللا رضي اهللا عنه فمكثت املرأة عنده ثالث ليال مل يدن منه ويروى أن عمرو بن العاص زوج ولده عبد

وإمنا كان ملتفتا إىل صالته فدخل عليها عمرو بعد ثالث فقال كيف ترين بعلك ؟ فقالت نعم البعل إال أنه من الكناية الغراء " مل يفتش لنا كنفا وال قرب لنا مضجعا " مل يفتش لنا كنفا وال قرب لنا مضجعا فقوهلا

اهرة الظومن ألطف ما بلغين يف هذا قول عبد اهللا بن سالم فإنه رأى على رجل ثوبا معصفرا فقال لو أن ثوبك يف تنور اهلك أو حتت قدرهم كان خريا فذهب الرجل فأحرقه نظرا إىل حقيقة قول عبد اهللا وظاهر مفهومه

تطبخ به كان خريا واملعىن متجاذب وإمنا أراد اجملاز منه وهو أنك لو صرفت مثنه إىل دقيق ختبزه أو حطب بني هذين الوجهني فالرجل فهم منه الظاهر احلقيقي فمضى فأحرق ثوبه ومراد عبد اهللا غريه

ومن هذا القسم ما ورد يف أمثال العرب كقوهلم إياك وعقيلة امللح وذاك كناية عن املرأة احلسناء يف منبت ؤلؤة وتكون يف البحر فهي حسنة وموضعها ملح السوءفإن عقيلة امللح هي الل

وكذلك قوهلم لبس له جلد النمركناية عن العداوة وقد يقاس على هذا أن يقال ليس له جلد الذئب ولبس له جلد األرقم ألن هذا كله مثل قوهلم لبس له جلد النمر إذا العداوة حمتملة يف اجلميع وكذلك قوهلم قلب

تغيري املودة هلم ظهر اجملن كناية عن ومما ورد يف ذلك شعرا قول أيب نواس

) قد بلوت املر من ثمره ... ال أذود الطير عن شجر ( وهذا له حكاية وهو أنه كان أليب نواس صديقة تغشاه فقيل له إهنا ختتلف إىل آخر من أهل الريب فلم

آها تدخل منزل ذلك الرجل مث إن ذلك الرجل جاءه وكان صديقا يصدق ذلك حىت تبعها يوما من األيام فر له فكلمه فصرف وجهه عنه مث نظم قصيدته املشهورة اليت مطلعها

... ) أيها املنتاب عن عفره ( وهذا البيت من مجلة أبياهتا

وكذلك ورد قوله أيضا ) ي بطرف مستراب تالحظن... وناظرة إيل من النقاب ( ) مموهة املفارق بالخضاب ... كشفت قناعها فإذا عجوز ( ) وتأخذ في أحاديث التصابي ... فما زالت تحمسني طويال (

) يب الغراب ودون قيامه ش... تحاول أن يقوم أبو زياد ( ) فقامت وهي فارغة الجراب ... أتت بجرابها تكتال فيه (

من باب الكنايةإذا اجلراب جيوز محله على احلقيقة واجملاز وكذلك الكيل " أتت جبراهبا تكتال فيه " فقوله أيضا

يستعطف هبا مالك بن طوق على قومهومطلعها ومما جاء من هذا الباب قول أيب متام يف قصيدته اليت

Page 309: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

... ) أرض مصردة وأرض تثج ( ) مالي أرى أطوادكم تتهدم ... مالي رأيت ترابكم يبس الثرى ( الذي بينك وبينه كناية عن تنكر ذات البني تقول يبس الثرى بيين وبني فالنإذا تنكر الود" فيبس الثرى "

فإنه كناية عن خفة احللوم وطيش العقول " هتدم األطواد " وكذلك ومن الكناية احلسنة قول أيب الطيب املتنيب يف قصيدته اليت يعاتب فيها سيف الدولة بن محدان اليت مطلعها

... ) واحر قلباه ممن قلبه شبم ( ) شهب البزاة سواء فيه والرخم ... احتي قنص وشر ما قنصته ر(

يشري بذلك إىل أن سيف الدولة يستوي يف املنال منه هو وغريهفهو البازي وغريه الرمخة وإن محل املعىن على جانب احلقيقة كان جائزا

ما يصف ذلك من نفسه وعلى هذا ورد قول األقيشر األسدي وكان عنينا ال يأيت النساء وكان كثريا فجلس إليه يوما رجل من قيس فأنشده األقيشر

) عسر املكرة ماؤه يتفصد ... ولقد أروح بمشرف ذي ميعة ( ) ويكاد جلد إهابه يتقدد ... مرح يطري من المراح لعابه (

شعر ؟ قال نعم قال فما وصفت ؟ قال فرسا قال أفكنت تركبه لو رأيته ؟ قال إي واهللا مث قال له أتبصر الوأثين عطفه فكشف له عن أيره وقال هذا وصفت فقم فاركبه فوثب الرجل عن مكانه وقال قبحك اهللا من

! جليس سائر اليوم مجيل الوجه فاختلف إىل وكذلك أيضا حيكى أنه وفد سعيد بن عبد الرمحن على هشام بن عبد امللك وكان

عبد الصمد بن عبد األعلى مؤدب الوليد بن زيد فراوده عن نفسه فوثب من عنده ودخل على هشام مغضبا وهو يقول

) ينج مني سالما عبد الصمد ... إنه واهللا لوال أنت لم (

فقال هشام ومل ذلك ؟ قال ) لم يرمها قبله مني أحد ... ني خطة إنه قد رام م(

قال ما هي ؟ قال ) يدخل األفعى على حبس األسد ... راح جهال بي وجهال بأبي (

قال فضحك هشام وقال لو فعلت به شيئا مل أنكره عليك اهلجاء ومن ألطف ما مسعته يف هذا الباب قول أيب نواس يف

) فنم ويداك يف طرف السالح ... إذا ما كنت جار أيب حسين ( ) إذا ما بتن أطراف الرماح ... فإن له نساء سارقات ( ) اح فلم أظفر به حتى الصب... سرقن وقد نزلت عليه أيري ( ) يئن إلي من ألم الجراح ... فجاء وقد تخدش جانباه (

Page 310: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

فتعبريه عن العضو املشار إليه بأطراف الرماح تعبري يف غاية اللطافة واحلسن وقد أدخل يف باب الكناية ما ليس منه كقول نصيب

) ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب ... فعاجوا فأثنوا بالذي أنت أهله ( وهذا يروي عن اجلاحظ وما أعلم كيف ذهب عليه مع شهرته باملعرفة بفن الفصاحة والبالغةفإن الكناية هي ما جاز محله على جانب احلقيقة كما جيوز محله على جانب اجملاز ههنا ال يصح ذلك وال يستقيمألن

يكون إال جمازا وهذا من باب التشبيه املضمر األداة اخلارج عن الكناية واملراد به أن يف الثناء للحقائب ال احلقائب من عطاياك ما يعرب عن الثناء لو سكت أصحاهبا عنه

وأما القسم املختص مبا يقبح ذكره من الكناية فإنه ال حيسن استعماهلألنه عيب يف الكالم فاحش وذلك لعدم ن الكناية فيه الفائدة املرادة م

فما جاء منه قول الشريف الرضي يرثي امرأة ... ) إن لم تكن نصال فغمد نصال (

ويف هذا من سوء الكناية ما ال خفاء هبفإن الوهم يسبق يف هذا املوضع إىل ما يقبح ذكره وهذا املعىن أخذه أته فقال من قول الفرزدق فمسخه وشوه صورهتفإن الفرزدق رثى امر

) عليه ولم أبعث إليه البواكيا ... وجفن سالح قد رزئت فلم أنح ( ) لو أن املنايا أمهلته لياليا ... ويف جوفه من دارم ذو حفيظة (

أحسن من هذه الكناية وال أفخم شأن فجاء وهذا حسن بديع يف معناه وما كين عن امرأة ماتت جبمع الشريف الرضي فأخذ معناها وفعل به ما ترى وليس كل من تصرف يف املعاين أحسن يف تصريفها وأبقى

هذه الرموز يف تأليفها وقد عكس هذه القصة مع أيب الطيب املتنيب فأحسن فيما أساء به أبو الطيب طريق الكناية فأخطأ حيث قال

) ألعف عما يف سراويالتها ... على شغفي بما يف خمرها إني ( وهذه كناية عن النزاهة والعفة إال أن الفجور أحسن منها

وقد أخذ الشريف الرضي هذا املعىن فأبرزه يف أمجل صورة حيث قال ) يف ضمان المآزر وأصدف عما ... أحن إىل ما تضمن اخلمر واحللى (

وأمثال هذا كثري وفيما ذكرناه من هذين املثالني مقنع وأما التعريض فقد سبق اإلعالم به وعرفناك الفرق بينه وبني الكناية

قالوا أأنت فعلت هذا بآهلتنا يا إبراهيم قال بل فعله كبريهم هذا فاسألوهم إن ( فما جاء منه قوله تعاىل فاسألوهم إن ( غرض إبراهيم صلوات اهللا عليه من هذا الكالم إقامة احلجة عليهمألنه قال و) كانوا ينطقون وذلك على سبيل االستهزاء وهذا من رموز الكالم والقول فيه أن قصد إبراهيم عليه ) كانوا ينطقون

سلوب تعريض يبلغ السالم مل يرد به نسبة الفعل الصادر عنه إىل الضم وإمنا قصد تقريره لنفسه وإثباته على أفيه غرضه من إلزام احلجة عليهم واالستهزاء هبم وقد يقال يف هذا غري ما أشرت إليه وهو أن كبري األصنام

Page 311: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

غضب أن تعبد معه هذه األصنام الصغار فكسرها وغرض إبراهيم عليه السالم من ذلك أنه ال جيوز أن وقاته فجعل إحالة القول إىل كبري األصنام مثاال ملا يعبد مع اهللا تعاىل من هو دوهنفإن من دونه خملوق من خمل

أراده قال املأل الذين كفروا من قومه ما نراك ( ومن هذا القسم أيضا قوله تعاىل

إال بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إال الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم تعريض بأهنم أحق بالنبوة منه وأن اهللا لو أراد أن جيعلها يف أحد ) ا مثلنا ما نراك إال بشر( فقوله ) كاذبني

من البشر جلعلها فيهم فقالوا هب أنك واحد من املأل ومواز هلم يف املنزلة فما جعلك أحق منهم هبا ؟ أال ) وما نرى لكم علينا من فضل ( ترى إىل قوهلم

بل معاوية فعزهلفلما قدم عليه قال له عزلتك لثالث لو مل تكن وكان مروان بن احلكم واليا على املدينة من قإال واحدة منهن ألوجبت عزلك إحداهن أين أمرتك على عبد اهللا بن عامر وبينكما ما بينكما فلم تستطع أن تشتفي منه والثانية كراهتك أمر زياد والثالثة أن ابنيت رملة استعدتك على زوجها عمر بن عثمان فلم

له مروان أما عبد اهللا بن عامر فإين ال أنتصر منه يف سلطاين ولكن إذا تساوت األقدام علم أين تعدهافقالموضعه وأما كراهيت أمر زياد فإن سائر بين أمية كرهوه وأما استعداء رملة على عمر بن عثمان فواهللا إنه

لة بنت معاوية إمنا استعدت لتأيت على سنة وأكثر وعندي بنت عثمان فما أكشف هلا ثوبا يريد بذلك أن رم لطلب اجلماع فقال له معاوية يا ابن الوزغ لست هناك فقال له مروان هو ذاكوهذا من التعريضات اللطيفة ومثله يف اللطافة ما يروى عن عمر بن اخلطاب رضي اهللا عنه وذاك أنه كان خيطب يوم مجعة فدخل عثمان

ذه ؟ فقال عثمان يا أمري املؤمنني انقلبت من أمر السوق بن عفان رضي اهللا عنه فقال عمر أية ساعة هفسمعت النداء فما زدت على أن توضأت فقال عمر والوضوء أيضا وقد علمت أن رسول اهللا كان يأمرنا

تعريض باإلنكار عليه لتأخره عن اجمليء إىل الصالة وترك السبق إليهاوهو ) أية ساعة هذه ( بالغسل فقوله ب عن األدب من التعريض املعر

ووقفت يف كتاب العقد على حكاية تعريضية حسنة املوقع وهي أن امرأة وقفت على قيس بن عبادةفقالت أشكو إليك قلة الفأر يف بيتيفقال ما أحسن ما ورت عن حاجتها املئوا هلا بيتها خبزا ومسنا وحلما

ج ومن خفي التعريض وغامضه ما ورد يف احلديث النبوي وهو أن النيب خر

واهللا إنكم لتجبنون وتبخلون وجتهلون وإنكم ملن رحيان اهللا وإن ( وهو حمتضن أحد ابين ابنته وهو يقول اعلم أن وجا واد بالطائف واملراد به غزاة حنني وحنني واد قبل وجألن غزاة ) آخر وطأة وطئها اهللا بوج

ائف وتبوك اللتان كانتا بعد حنني فلم يكن حنني آخر غزاة أوقع هبا رسول اهللا مع املشركني وأما غزوتا الطفيهما وطأة أي قتال وإمنا كانتا جمرد خروج إىل الغزو من غري مالقاة عدو وال قتال ووجه عطف هذا

على ما قبله من احلديث هو التأسف على مفارقة ) وإن آخر وطأة وطئها اهللا بوج ( الكالم وهو قوله يف شوال سنة مثان ووفاته كانت يف ربيع األول من سنة إحدى أوالدهلقرب وفاهتألن غزوة حنني كانت

عشرة وبينهما سنتان ونصف فكأنه قال وإنكم ملن رحيان اهللا أي من رزقه وأنا مفارقكم عن قريب إال أنه

Page 312: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

وكان ذلك تعريضا مبا أراده ) إن آخر وطأة وطئها اهللا بوج ( صانع عن قوله وأنا مفارقكم عن قريب بقوله قرب وفاته وقصده من

ومما ورد من هذا الباب شعرا قول الشميذر احلارثي ) دفنتم بصحراء الغمير القوافيا ... بني عمنا ال تذكروا الشعر بعدما (

يذكر وليس قصده ههنا الشعربل قصده ما جرى هلم يف هذا املوضع من الظهور عليهم والغلبة إال أنه مل ذلك بل ذكر الشعر وجعله تعريضا مبا قصده أي ال تفخروا بعد تلك الواقعة اليت جرت لكم ولنا بذلك

املكان ومن أحسن التعريضات ما كتبه عمرو بن مسعدة الكاتب إىل املأمون يف أمر بعض أصحابه وهو أما بعدفقد

ن اخلاصة فأعلمته أن أمري املؤمنني مل جيعلين يف استشفع يب فالن إىل أمري املؤمنني ليتطول يف إحلاقه بنظرائه ممراتب املستشفعني ويف ابتدائه بذلك تعدي طاعته فوقع املأمون يف ظهر كتابه قد عرفت تصرحيك

وتعريضك لنفسك وقد أجبناك إليهما

اللغة واعلم أن هذين القسمني من الكناية والتعريض قد وردا يف غري اللغة العربية ووجدهتما كثريا يف السريانيةفإن اإلجنيل الذي يف أيدي النصارى قد أتى منهما بالكثري

ومما وجدته من الكناية يف لغة الفرس أنه كان رجل من أساورة كسرى وخواصه فقيل إن امللك خيتلف إىل امرأتك فهجرها لذلك وترك فراشها فأخربت كسرى فدعاه وقال له قد بلغين أن لك عينا عذبة وأنك ال

ب منهافما سبب ذلك ؟ قال أيها امللك بلغين أن األسد يردها فخفته فاستحسن كسرى منه هذا تشر الكالم وأسىن عطاءه

النوع العشرون

يف املغالطات املعنوية

وهذا النوع من أحلى ما استعمل من الكالم وألطفهلما فيه من التورية قيض والنقيض أحسن موقعا وألطف مأخذا وحقيقته أن يذكر معىن من املعاين له مثل يف شيء آخر ون

فاألول الذي يكون له مثل يقع يف األلفاظ املشتركة فمن ذلك قول أيب الطيب املتنيب ) لفارسه على الخيل الخيار ... يشلهم بكل أقب نهد ( ) منه دم ممار على الكعبين... وكل أصم يعسل جانباه ( ) ولبته لثعلبه وجار ... يغادر كل ملتفت إليه (

فالثعلب هو هذا احليوان املعروف والوجار اسم بيته والثعلب أيضا هو طرف

ىن من مثل إىل سنان الرحمفلما اتفق االمسان بني الثعلبني حسن ذكر الوجار يف طرف السنان وهذا نقل املع مثله

Page 313: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

وعليه ورد قول املتنيب أيضا ) وكانا على العالت يصطحبان ... برغم شبيب فارق السيف كفه ( ) رفيقك قيسي وأنت يماني ... أن رقاب الناس قالت لسيفه (

لى كافور اإلخشيدي وقصد دمشق وحاصرها وقتل على حصارهاكان من فإن شبيبا اخلارجي الذي خرج عيف نسبته " مياين " قيس ومل تزل بني قيس واليمن عداوات وحروب وأخبار ذلك مشهورة والسيف يقال له

إىل اليمن ومراد املتنيب من هذا البيت أن شبيبا ملا قتل وفارق السيف كفه فكأن الناس قالوا لسيفه أنت مياين حبك قيسي وهلذا جانبه السيف وفارقه وهذه مغالطة حسنة وهي كاألوىل إال أهنا أدق وأغمض وصا

وكذلك ورد قول بعضهم من أبيات يهجو هبا شاعرا فجاء من مجلتها قوله ء اسم سورة من ومعىن ذلك أن الشعرا) فجعلتم الشعراء يف األنعام ... وخلطتم بعض القران ببعضه (

القرآن الكرمي واألنعام اسم سورة أيضا والشعراء مجع شاعر واألنعام ما كان من اإلبل والبقر

وكذلك ورد قول بعض العراقيني يهجو رجال كان على مذهب امحد بن حنبل رضي اهللا عنه مث انتقل إىل نه مذهب أيب حنيفة رضي اهللا عنه مث انتقل إىل مذهب الشافعي رضي اهللا ع

) وإن كان ال تجدي لديه الرسائل ... من مبلغ عني الوجيه رسالة ( ) وفارقته إذ أعوزتك املآكل ... تمذهبت للنعمان بعد ابن حنبل ( ) كنما تهوى الذي منه حاصل ول... وما اخترت رأي الشافعي تدينا ( ) إلى مالك فافطن لما أنا قائل ... وعما قليل أنت ال شك صائر (

ومالك هو مالك ابن أنس صاحب املذهب رضي اهللا عنه ومالك هو خازن النار وهذه مغالطة خفيفة أيب العالء بن سليمان يف اإلبل ومن أحسن ما مسعته يف هذا الباب قول

) تود أن اهللا قد أفناها ... صلب العصا بالضرب قد دماها ( ) حماله من رقه إياها ... إذا أرادت رشدا أغواها (

دماها فالضرب لفظ مشتركيطلق على الضرب بالعصا وعلى الضرب يف األرض وهو املسري فيها وكذلك فإنه لفظ مشترك يطلق على شيئني أحدمها يقال دماهإذا أسال دمه ودماهإذا جعله كالدمية وهي الصورة

وهكذا لفظ الفناء فإنه يطلق على عنب الثعلب وعلى إذهاب الشيء إذا مل يبق منه بقية يقال أفناهإذا أذهبه قال أغواهإذا أضله وأغواهإذا أطعمه الغوى وأفناهإذا أطعمه الفناءوهو عنب الثعلب والرشد والغوى نبتان ي

ويقال طلب رشدا إذا طلب ذلك النبت وطلب رشداإذا طلب اهلداية وبعض الناس يظن هذه األبيات من باب اللغز وليس كذلكألهنا تشتمل على ألفاظ مشتركة وذلك معىن ظاهر يستخرج من داللة اللفظ عليه

حلدس ال من داللة اللفظ عليه وسأوضح ذلك إيضاحا جليا واللغز هو الذي يستخرج من طريق احلزر وا يف النوع احلادي والعشرين وهو الذي يتلو هذا النوعفليؤخذ من هناك

ويروى يف األخبار الواردة يف غزاة بدر أن النيب كان سائرا بأصحابه يقصد بدرا فلقيهم رجل من العرب الرجل يفكر ويقول من ماء من ماءلينظر أي بطون فأخذ ذلك) من ماء ( فقال ممن القوم ؟ فقال النيب

Page 314: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

العرب يقال هلا ماء فسار النيب لوجهته وكان قصده أن يكتم أمره وهذا من املغالطة املثليةألنه جيوز أن يكون بعض بطون العرب يسمى ماء وجيوز أن يكون املراد أن خلقهم من ماء

وقد جاءين شيء من ذلك من الكالم املنثور كتبته يف فصل من كتاب عند دخويل إىل بالد الروم أصف فيه الربد والثلجفقلت ومن صفات هذا فمنه ما

الربد أنه يعقد الدر يف خلفه والدمع يف طرفه ورمبا تعدى إىل قليب اخلاطر فأجفه أن جيري بوصفهفالشمس ر غري أهنا جامدة مل ختض مأسورة والنار مقرورة واألرض شهباء غري أهنا حولية مل ترض ومسيالت اجلبال أهنا

فإن الشهباء من اخليل ) واألرض شهباء غري أهنا حولية مل ترض ( ومكان املغالطة من هذا الكالم يف قويل يقال فيها حولية أي هلا حول ويقال أهنا مروضة أي ذللت للركوب وهذه األرض مضى للثلج عليها حول

عد أي مل تسلك ب" مل ترض " فهي شهباء حوليةوقويل ومن ذلك ما ذكرته يف وصف كرميفقلت ولقد نزلت منه مبهليب الصنع أحنفي األخالق ولقيته فكأين مل أرع ممن أحب بلوعة الفراق وال كرامة لألهل والوطن حىت أقول إين قد استبدلت به أهال ووطنا وعهدي باأليام

وهي من اإلحسان فاطمة فاستولدهتا جبواره حسنا فإن فاطمة بنت رسول اهللا واحلسن رضي اهللا عنهما ولدها وفاطمة هي اسم فاعلة من وهذه تورية لطيفة

الفطام يقال فطمت فهي فاطمةكما يقال فطم فهو فاطم واحلسن هو الشيء احلسن ومن هذا األسلوب ما كتبته يف فصل من كتاب إىل بعض اإلخوان فقلت

نوار املعاين من ظلمائه وقد أصبحت يدي منه وهي محالة وعهده بقلمي وهو يتحلى من البيان بأمسائه وتربز أ احلطب وأصبح خاطري أبا جهل بعد أن كان أبا هلب

وهذا أحسن من األول وأخلب عبارة فانظر أيهل املتأمل إىل ما فيه من التورية اللطيفة أال ترى أن اخلاطر ب وأبو جهل مها الرجالن املعروفان حيمد فيوصف بأنه وقاد وملتهب ويذم فيوصف بأنه بليد وجاهلوأبو هل

وكذلك محالة احلطب هي املرأة املعروفة وإذا ذم القلم قيل إنه حطب وإنه صاحبه حاطبفلما نقلت أنا هذا إىل املعىن الذي قصدته جئت به على حكم املغالطة ووريت فيه تورية واملسلك إىل مثل هذه املعاين وتصحيح

اإلجادة فيها قليلة املقصد فيها عسر جدا ال جرم أن ومما جيري هذا اجملرى ما ذكرته يف وصف شخص مبعايل األمور وهو من أبر مساعيه أنه حاز قفل املكرمات

ومفتاحها فإذا سئل منقبة كان مناعها وإذا سئل موهبة كان مناحها وأحسن أثرا من ذلك أنه أخذ بأعنة وإذا لقي مهجة خطب كان سفاحها الصعاب وأالن مجاحها فإذا شهد حومة حرب كان منصورها

واملغالطة يف هذا الكالم يف ذكر املنصور والسفاحفإهنما لقب خليفتني من بين العباس والسفاح أول خلفائهم واملنصور أخوه الذي ويل اخلالفة من بعده ومها أيضا من النصر يف حومة احلرب والسفح الذي هو اإلراقة

صور يف حومة احلرب ومريق لدم اخلطوب وقد اجتمع يف هذا الكالم واملهجة دم القلبفكأين قلت هو من املنصور واملنصور والسفاح والسفاح وهذا من املغالطة املثلية ال من النقيضية وال خفاء مبا فيها من احلسن ومن ذلك ما كتبته يف كتاب إىل بعض اإلخوانفقلت وقد علمت أن ذلك األنس بقربه يعقب إحياشا وأن

Page 315: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

هلة من لقائه جتعل األكباد عطاشافإن من شيمة الدهر أن يبدل الصفو كدرا ويوسع أيام عقوقه طوال تلك الن وأيام بره قصراوما أقول

إال أنه شعر بتلك املسرة املسروقة فأقام عليها حد القطع ورأى العيش فيها خفضا فأزاله بعامل الرفع فإن اخلفض هو سعة العيش واخلفض هو أحد العوامل واملغالطة يف هذا الكالم هي يف ذكر اخلفض والرفع

النحوية والرفع هو من قولنا رفعت الشيء إذا أزلته والرفع هو أحد العوامل النحوية أيضا وهذا من املغالطات اخلفية

ومن ذلك ما كتبته يف فصل أصف فيه احلمى وكنت إذ ذاك حبصن مسيساط وهو بلد من بالد األرمن فقلت حال املرض هبذه األرض أن احلمى خيمت هبا فاستقرت ومل تقنع بأهلها حىت سرت إىل تربتها ومما أكره يف

فترى وقد أخذهتا النافض فاقشعرت ومل يشكل أمرها إال ألهنا محى أرمنية مستعجمة اللسان وقد تشتبه تسمى شكاة وإمنا األمراض وأهل بالدها يف األبان وإذا كانت احلمى كافرة مل تزل للمسلم حربا وشكاهتا ال

تسمى طعنا وضربا وهلذا صارت األدوية يف عالجها ليست بأدوية وأصبحت أيام حنرها يف الناس غري مبتدأة بأيام تروية وليس مومسها يف فصل معلوم بل كل فصول العام من موامسها ولو كاتبتها نصيبني أو ميافارقني

بكتاب لترمجته بعبدها وخادمها واملراد بذلك أهنا تقبل بغتة ) وأصبحت أيام حنرها يف الناس غري مبتدأة بأيام تروية ( قويل واملغالطة ههنا يف

من غري ترو أي من غري تلبث ويوم النحر هو يوم عيد األضحى وقبله يسمى يوم الترويةفاملغالطة حصلت مبا يف هذه املغالطة من بني حنر احلمى للناس وحنر الضحايا إال أن يوم النحر مبتدأ بيوم تروية وال خفاء

احلسن واللطافة وأما القسم اآلخر وهو النقيض فإنه أقل استعماال من القسم الذي قبله ألنه ال يتهيأ استعماله كثريا

فمن مجلته ما ورد شعرا لبعضهم وهو قوله ) فإن نفقت فأكسد ما تكون ... وما أشياء تشريها بمال (

قال نفقت السلعةإذا راجت وكان هلا سوق ونفقت الدابة إذا ماتت وموضع املناقضة ههنا يف قوله إهنا إذا ي نفقت كسدت فجاء بالشيء ونقيضه وجعل هذا سببا هلذا وذلك من املغالطة احلسنة

ر الكتاب ومن ذلك ما كتبته يف مجلة كتاب إىل ديوان اخلالفة يتضمن فتوح بلد من بالد الكفارفقلت يف آخوقد ارتاد اخلادم من يبلغ عنه مشاريح هذه الوقائع اليت اختصرها وميثل صورها ملن غاب عنها كما متثلت

ملن حضرها ويكون مكانه من النباهة كرميا كمكاهنا وهي عرائس املساعي فأحسن الناس بيانا مؤهل إلبداع يف جتريح الرجال وعوايل إسنادها مأخوذة حساهنا والسائر هبا فالن وهو راوي أخبار نصرها اليت صحتها

من طرق العوال والليايل واأليام هلا رواة فما الظن برواية األيام والليال وعوايل إسنادها مأخوذة من " يف هذا الفصل مغالطة نقيضه ومغالطة مثليةأما املغالطة املثلية فهي يف قويل

" راه يف القسم األولوأما املغالطة النقيضية فهي قويل وقد تقدم الكالم على هذا وما جيري جم" طرق العوال وموضع املغالطة منه أنه يقال يف رواة األخبار فالن " وهو راوي أخبار نصرها اليت صحتها يف جتريح الرجل

Page 316: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

عدل صحيح الرواية وفالن جمروح أي سقيم الرواية غري موثوق به فأتيت هبذا املعىن على وجه النقيض هذه الفتوح يف جتريح الرجل أي جترحيهم يف احلرب ويف هذا من احلسن ما ال خفاء به فقلت صحة أخبار

وقد أوردت من هذه األمثلة ما فيه كفاية ومقنع فإن قيل إن الضرب األول من هذا النوع هو التجنيس الذي لفظه واحد

إن الثعلب هو احليوان املعروف ومعناه خمتلف كاملثال الذي مثلته يف قول أيب الطيب املتنيب ثعلب ووجار ف وهو أيضا طرف السنان وكذلك باقي األمثلة

قلت يف اجلواب إن الفرق بني هذين النوعني ظاهر وذاك أن التجنيس يذكر فيه اللفظ الواحد مرتينفهو يستوي يف الصورة وخيتلف يف املعنىكقول أيب متام

) حيا محلى حليه الطعن والضرب م... بكل فىت ضرب يعرض للقنا ( فالضرب الرجل اخلفيف والضرب هو الضرب بالسيف يف القتال فاللفظ ال بد من ذكره مرتني واملعىن فيه

خمتلف واملغالطة ليست كذلك بل يذكر فيها اللفظ مرة واحدة ويدل به على مثله وليس مبذكور

النوع احلادي والعشرون

اجييف األح

وهي األغاليط من الكالم وتسمى األلغازمجع لغز وهو الطريق الذي يلتوي ويشكل على سالكه وقيل مجع لغز بفتح الالم وهو ميلك بالشيء عن وجهه وقد يسمى هذا النوع أيضا املعمى وهو يشتبه بالكناية تارة

باب هذا الفن وبالتعريض أخرى ويشتبه أيضا باملغالطات املعنوية ووقع يف ذلك عامة أر فمن ذلك أن أبا الفرج األصفهاين ذكر بييت األقيشر األسدي يف مجلة األلغاز ومها

) عسر املكرة ماؤه يتفصد ... ولقد أروح بمشرف ذي ميعة ( ) دد ويكاد جلد إهابه يتق... مرح يطري من المراح لعابه (

هذان البيتان من باب الكنايةألهنما حيمالن على الفرس وعلى العضو املخصوص وإذا محل اللفظ على احلقيقة واجملاز فكيف يعد من مجلة األلغاز ؟

وكذلك فعل احلريري يف مقاماهتفإنه ذكر يف األحاجي اليت جعلها على حكم الفتاوي كناية ومغالطة معنوية حاجي امللغزة كقوله أحيل للصائم أن يأكل هنارا والنهار من األمساء املشتركة بني النهار وظن أهنما من األ

الذي هو ضد الليل وبني فرخ احلبارىفإنه يسمى هنارا وإذا كان من األمساء املشتركة صار من باب ملا قيل لغز املغالطات املعنوية ال من باب األحاجي واأللغاز شيء منفصل عن ذلك كله ولو كان من مجلته

وأحجية وإمنا قيل كناية وتعريض أو مغالطة ولكن وجد من الكالم ما يطلق عليه الكناية ومنه ما يطلق عليه التعريض ومنه ما يطلق عليه املغالطة ومنه شيء آخر خارج عن ذلكفجعل لغزا وأحجية

ب اجملاز فهو حيمل عليهما وكنت قدمت القول بأن الكناية هي اللفظ الدال على جانب احلقيقة وعلى جان

Page 317: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

معا وأن التعريض هو ما يفهم من عرض اللفظ ال من داللته عليه حقيقة وال جماز وأن املغالطة هي اليت تطلق ويراد هبا شيئان أحدمها داللة اللفظ على معنيني باالشتراك الوضعي واآلخر داللة اللفظ على املعىن ونقيضه

واحد وهو كل معىن يستخرج باحلدس واحلزرال بداللة اللفظ عليه حقيقة وأما اللغز واألحجية فإهنما شيء وال جماز ويفهم من عرضهألن قول القائل يف الضرس

) يشقى لنفعي ويسعى سعي مجتهد ... وصاحب ال أمل الدهر صحبته ( ) عيني عليه افترقنا فرقة األبد ... ت ما إن رأيت له شخصا فمذ وقع(

ال يدل على أنه الضرس ال من طريق احلقيقة وال من طريق اجملاز وال من طريق املفهوم وإمنا هو شيء حيدس وحيزر واخلواطر ختتلف يف اإلسراع واإلبطاء عند عثورها عليه

البيتان يعلم معنامها باملفهوم فإن قيل إن اللغز يعرف من طريق املفهوم وهذانقلت يف اجلواب إن الذي يعلم باملفهوم إمنا هو التعريض كقول القائل إين لفقري وإين حملتاجفإن هذا القول ال

يدل على املسألة والطلب ال حقيقة وال جماز وإمنا فهم منه أن صاحبه متعرض للطلب وهذان البيتان ليسا ا يفهم منه شيء إال باحلدس واحلزرال غريوكذلك كل لغز من األلغاز كذلكفإهنما ال يشتمالن على م

وإذا ثبت هذا فاعلم أن هذا الباب الذي هو اللغز واألحجية واملعمى يتنوع أنواعا فمنه املصحف ومنه املعكوس ومنه ما ينقل إىل لغة من اللغات غري العربية كقول القائل امسي إذا صحفته بالفارسية آخر وهذا

املهملة والياء املعجمة بثنتني - بالدال املهلمة والنون وآخر بالفارسية ديكر -مسه اسم تركي وهو دنكر اوإذا صفحت هذه الكلمة صارت دنكر بالنون فانقلبت الياء نونا بالتصحيف وهذا غري مفهوم - من حتت

إال لبعض الناس دون بعض اخلاطرألنه يشتمل على معان دقيقة حيتاج يف استخراجها وإمنا وضع واستعمل ألنه مما يشحذ القرحية وحيد

إىل توقد الذهن والسلوك يف معاريج خفية من الفكر وقد استعمله العرب يف أشعارهم قليال مث جاء احملدثون فأكثروا منه ورمبا أيت منه مبا يكون حسنا وعليه

ده من فصيح الكالم مسحة من البالغة وذلك عندي بني بينفال أعده من األحاجي وال أع فما جاء منه قول بعضهم

) والنار قد تشفي من األوار ... قد سقيت آبالهم بالنار ( ومعىن ذلك أن هؤالء القوم الذين هم أصحاب اإلبل ذوو وجاهة وتقدم وهلم وسم معلوم فلما وردت

ىت شربتوقد اتفق له أنه أتى يف هذا البيت بالشيء وضده إبلهم املاء عرفت بذلك الومسفأفرج هلا الناس ح وجعل أحدمها سببا لآلخر

فصار غريبا عجيبا وذاك أنه قال سقيت بالنار وقال إن النار تشفي من األوار وهو العطش وهذا من حماسن ما يأيت يف هذا الباب

ومما جيري على هذا النهج قول أيب نواس يف شجر الكرم ) وال راعها غض الفحالة والحظر ... مة ال يدري الذئب سخلها لنا هج(

Page 318: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

ومن هذا القبيل قول بعضهم ) إىل الحو إال أن أوبارها خضر ... إذا امتحنت ألوانها مال صفوها ( ) شيم تساق بسبعة زهر .. .سبع رواحل ما ينخن من الونا ( ) باق تعاقبها على الدهر ... متواصالت ال الدءوب يملها (

هذان البيتان يتضمنان وصف أيام الزمان ولياليه وهي األسبوعفإن الزمان عبارة عنه وذلك من األلغاز الواقعة يف موقعها

أيب الطيب املتنيب يف السن من مجلة قصيدته اليت مدح هبا سيف الدول عند وعلى هذا األسلوب ورد قول ذكر عبوره الفرات وهي

... ) الرأي قبل شجاعة الشجعان (

فقال ) عقم البطون حوالك األلوان ... وحشاه عادية بغير قوائم ( ) تحت الحسان مرابض الغزالن ... الخيول كأنها تأتي بما سبت(

وهذا حسن يف بابه ومن ذلك قول بعضهم يف حجر احملك

) يفوق طورا بالنضار ويطلس ... ومدرع من صنعة الليل برده ( ) أجاب بما أعيا الورى وهو أخرس ... إذا سألوه عن عويصين أشكال(

وهذا من اللطافة على ما يشهد لنفسه وكان مسعه بعض املتأخرين من أهل زماننا فأجاب عنه ببيتني على وزنه قافيته ومها

) س خفيف لطيف ناعم الجسم أطل... سؤالك جلمود من الصخر أسود ( وقد رأيت هذا الشاعر وهو ) من الزنج قاض بالخلوق مطلس ... أقيم بسوق الصرف حكما كأنه (

حائك جبزيرة ابن عمر وليس عنده من أسباب األدب شيء سوى أنه قد أصلح لسانه بطرف يسري من علم كان جييد يف الكثري منه النحو ال غري وهو مع ذلك يقول الشعر طبعا و

ومن األلغاز ما يرد على حكم املسائل الفقهية كالذي أورده احلريري يف مقاماته وكنت سئلت عن مسألة منه وهي

) ويل عمة وأنا عمها ... ولي خالة وأنا خالها ( ) مها فإن أيب أمه أ... فأما اليت أنا عم لها ( ) ويل خالة هكذا حكمها ... أبوها أخي وأخوها أبي ( ) فنون الدراية أو علمها ... فأين الفقيه الذي عنده ( ) ويكشف للنفس ما همها ... يبين لنا نسبا خالصا ( وهذه املسألة كتبت إيل فتأملتها تأمل غري ملجلج ) شريعة أحمد نأتمها ... ا وال مشركني فلسنا مجوس(

يف الفكر ومل ألبث أن أنكشف يل ما حتتها من اللغز وهو أن اخلالة اليت الرجل خاهلا تصور على هذه الصورة

Page 319: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

رى فاطمة فأولد عائشة بنتا وأولد فاطمة ابنا وذاك أن رجال تزوج امرأتني اسم إحدامها عائشة واسم األخمث زوج بنته من أيب امرأته فاطمة فجاءت ببنت فتلك البنت هي خالة ابنه وهو خاهلاألنه أخو أمها وأما

العمة اليت هو عمها فصورهتا أن رجال له ولد ولولده أخ من أمه فزوج أخاه من أمه أم أبيه فجاء بنت فتلك فهو أن تكون ) ويل خالة هكذا حكمها ( خت أبيه وهو عمهاألنه أخو أبيها وأما قوله البنت هي عمتهألهنا أ

أبوها أخي ( أمها أخته وأختها أمه كما قال

وصورهتا أن رجال له ولد ولولده أخت من أمه فزوجها من أيب أمه فجاءت ببنتفأختها أمه ) وأخوها أيب وأمها أخته

بعضهم يف اخللخال وأحسن من ذلك كله وألطف وأحلى قول ) مليح اللون معشوق ... ومضروب بال جرم ( ) مليح القد ممشوق ... له قد الهالل على ( ) على األمشاط يف السوق ... وأكثر ما يرى أبدا (

السوق فما رأيت على األمشاط شيئا وظن أهنا وبلغين أن بعض الناس مسع هذه األبياتفقال قد دخلت األمشاط اليت يرجل هبا الشعر وأن السوق سوق البيع والشراء

واعلم أنه قد يأيت من هذا النوع ما هو ضروب وألوانفمنه احلسن الذي أوردت شيئا منه كما تراه ومنه املتوسط الذي هو دونه يف الدرجة فال يوصف حبسن وال قبح كقول بعضهم

) ألفان من عم األثيل الواعد ... راحت ركائبهم ويف أكوارها ( ) حملت حدائق كالظالم الراكد ... ما إن رأيت وال باركب هكذا (

املوضع الذي كتب وهذا يصف قوما وفدوا على ملك من امللوك فأعطاهم خنال وكتب هلم هبا كتابا واألثيل إليه والعم العظام الرءوس من النخيل والواعد األقناء من النخل فلما محلوا الكتب يف أكوارهم فكأهنم محلوا

النخل وهذا من متوسط األلغاز وقد جاء من ذلك ما هو بشع باردفال يستخرج إال مبسائل اجلرب واملقابلة أو خبطوط الرمل من القبض

ارج والبياض واحلمرة وغريها الداخل أو القبض اخل

ولئن كان معناه دقيقا يدل على فرط الذكاء فإين ال أعده من اللغة العربية فضال عن أن يوصف بصفات الكالم احملمودة وال فرق بينه وبني لغة الفرس والروم وغريمها من اللغات يف عدم الفهم

اته ألغازا ضمنها ذكر اإلبرة واملرود وذكر الدينار وأما ما ورد من األلغاز نثرا فقد ألغز احلريري يف مقام وهي أشهر كما يقال من قفا نبكفال حاجة إىل إيرادها يف كتايب هذا

وقد ورد من األلغاز شيء يف كالم العرب املنثور غري أنه قليل بالنسبة إىل ما ورد يف أشعارها وقد تأملت أن يتضمن منها شيئاألنه ال يستنبط باحلدس واحلرز كما القرآن الكرمي فلم أجد فيه شيئا منها وال ينبغي

تستنبط األلغاز وأما ما ورد للعرب فريوى عن امريء القيس وزوجته عدة من األلغاز وذاك أنه سأهلا قبل أن يتزوجهافقال

Page 320: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

نية فأطباء ما اثنان وأربعة ومثانية ؟ فقالت أما اإلثنان فثديا املرأة وأما األربعة فأخالف الناقة وأما الثماالكلبةمث إنه تزوجها وأرسل إليها هدية على يد عبد له وهي حلة من عصب اليمن وحني من عسل وحني من

مسن فنزل العبد ببعض املياه ولبس احللة فعلق طرفها بسمرة فانشق وفتح النحيني وأطعم أهل املاء مث قدم ليها اهلدية فقالت له أعلم موالك أن أيب على املرأة وأهلها خلوف فسأل عن أبيها وأمها وأخيها ودفع إ

ذهب يقرب بعيدا ويبعد قريبا وأن أمي ذهبت تشق النفس نفسني وأن أخي يرقب الشمس وأخربه أن مساءكم انشقت وأن وعاءيكم نضبا فعاد العبد إىل امرىء القيس وأخربه مبا قالته له فقال أما أبوها فإنه

إهنا ذهبت تقبل امرأة وأما أخوها فإنه يف سرح يرعاه إىل أن تغرب ذهب حيالف قوما على قومه وأما أمها ف إن ( الشمس وأما قوهلا

فإن النحيني نقصا مث قال للعبد أصدقين " إن وعائيكم نضبا " فإن احللة انشقت وأما قوهلا ) مساءكم انشقت فقال له إين نزلت مباء من مياه العرب وفعلت كذا وكذا

عنهم إال أنه يسري فهذا وأمثاله قد ورد وكذلك يروى عن شن بن أقصى وكان ألزم نفسه أال يتزوج إال امرأة تالئمه فصاحبه رجل يف بعض

أسفاره فلما أخذ منهما السري قال له شن أحتملين أم أمحلك ؟ فقال له الرجل يا جاهلهل حيمل الراكب لزرع قد أكل ؟ فقال له يا جاهألما راكبا ؟ فأمسك عنه وسارا حىت أتيا على زرع فقال شن أترى هذا ا

تراه يف سنبله فأمسك عنه مث سارا فاستقبلتهما جنازة فقال شن أترى صاحبها حيا ؟ فقال له الرجل ما أتراهم محلوا إىل القرب حيا ؟ مث إهنما وصال إىل قرية الرجل فسار به إىل بيته وكانت له ! رأيت أجهل منك

( قالت ما نطق إال بالصواب وال استفهم إال عما يستفهم عن مثله أما قوله بنته فأخذ يطرفها حبديث رفيقه فأترى هذا الزرع قد ( فإنه أراد أحتدثين أم أحدثك حىت نقطع الطريق باحلديث وأما قوله ) أحتملين أم أمحلك

له عقبا فإنه أراد هل استسلف ربه مثنه أم ال وأما استفهامه عن صاحب اجلنازة فإنه أراد هل خلف) أكل حييا بذكره أم ال فلما مسع كالم ابنته خرج إىل شن وحدثه بتأويلها فخطبها فزوجه إياها

وأدق من هذا كله وألطف ما حيكى عن رجل من املناقذة أصحاب شريز وهو أوهلم الذي استنقذه من أيدي ياها يف خدمة حممود الروم باملكر واخلديعة ولذلك قصة ظريفة وليس هذا موضع ذكرها وكان قبل ملكه إ

بن صاحل صاحب حلب وكان إذ ذاك يلقب بسديد امللك فنبا به مكانه وحدثت له حادثة أوجبت له أن هرب ومضى إىل مدينة ترابلس يف زمن بين عمار أصحاب البلد فأرسل إليه ابن صاحل واستعطفه ليعود إليه

منقذ وبينه وبينه حلمة مودة أكيدة فخافه ومل يعد فأحضر ابن صاحل رجال من أهل حلب صديقا البن وأجلسه بني يديه وأمره أن يكتب إليه كتابا عن نفسه يوثقه من جهة ابن صاحل ليعود فما وسعه إال أن

يكتب وهو يعلم أن باطن األمر يف ذلك خالف ظاهره وأنه مىت عاد ابن منقذ إىل حلب

حيذر هبا ابن منقذ فأداه فكره أن كتب يف آخر هلك فأفكر وهو يكتب يف إشارة عمياء ال تفهم ليضعها فيه وشدد إن وكسرها مث سلم الكتاب إىل ابن صاحل فوقف عليه " إن شاء اهللا تعاىل " الكتاب عند إهنائه

وأرسله إىل ابن منقذ فلما صار يف يده وعلم ما فيه قال هذا كتاب صديقي وما يغشين ولوال أنه يعلم صفاء

Page 321: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

إيل وال غرين مث عزم على العود وكان عنده ولده فأخذ الكتاب وكرر نظره فيه قلب ابن صاحل يل ملا كتبمث قال له يا أبت مكانك فإن صديقك قد حذرك وقال ال تعد فقال وكيف ؟ قال إنه قد كتب إن شاء اهللا تعاىل يف آخر الكتاب وشدد إن وكسرها وضبطها ضبطا صحيحا ال يصدر مثله عن سهو ومعىن ذلك أنه

إن املال يأمترون بك ليقتلوك وإن شككت يف ذلك فأرسل إىل حلب يقول وهذا من أعجب ما بلغين من حدة الذهن وفطانة اخلاطر ولوال أنه صاحب احلادثة املخوفة ملا تفطن إىل مثل

ذلك أبداألنه ضرب من علم الغيب وإمنا اخلوف دله على استنباط ما استنبطه منه ما أجاد فيهكقوله وقد أظلتها مساء ذات جنوم ال استراق هلا وال رجوم ووجد لبعض األدباء لغز يف محامف

وهي مركبة يف فلك صحت استدارته وسكنت إدارته ) عند الصباح ظاهره ... أعجب بها من أنجم ( نعيم مبنية على لظى جحيم ال خلود فيها وال فهي على القياس جنة) نجم الظالم غائره ... لكنها إذا بدا (

مقام وال تزاور بني أهلها وال سالم أهنارها متدفقة ومياهها مترقرقة واألكواب هبا موضوعة والنمارق عنها منزوعة

) ويصبح طوعا يف يديه مقاتله ... يطيع بها المولى أوامر عبده ( ) وتسلب من قبل اجللوس غالئله ... عنه التاج عند دخوله ويرفع(

هذا اللغز من فصيح األلغاز ال يقال إن صاحبه يف العمى صانع العكاز وإذا تطرز غريه بلمعة من الوشي فهذا كله طراز

ن عمر بن هبرية وشريك النمريي وذاك أن ومما مسعته من األلغاز احلسان اليت جتري يف احملاورات ما حيكى ععمر بن هبرية كان سائرا على برذون له وإىل جانبه شريك النمريي على بغلة فتقدمه شريك يف املسري

فصاح به عمر أغضض من جلامها فقال أصلح اهللا األمري إهنا مكتوبة فتبسم عمر مث قال له وحيك مل أرد هذا فقال له شريك وال أنا أردته

ن عمر أراد قول جرير وكا ) فال كعبا بلغت وال كالبا ... فغض الطرف إنك من نمير (

فأجابه شريك بقول اآلخر وهذا من األلغاز اللطيفة وتفطن كل من ) على قلوصك واكتبها بأسيار ... ال تأمنن فزاريا نزلت به ( ين الرجلني ملثله ألطف وأحسن هذ

ومما جيري هذا اجملرى أن رجال من متيم قال لشريك النمريي ما يف اجلوارح أحب إيل من البازي ؟ فقال له شريك إذا كان يصيد القطا

وكان التميمي أراد قول جرير وأراد شريك قول الطرماح ) انصبابا أتيح من السماء لها ... أنا البازي املطل على نمير ( ) ولو سلكت طرق املكارم ضلت ... تميم بطرق اللؤم أهدى من القطا (

Page 322: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

واعلم أن خواطر الناس تتفاضل كتفاضل األشخاص ومن ههنا قيل سبحان خالق أيب موسى وعمرو ابن العاص

النوع الثاين والعشرون

املبادي واالفتتاحاتيف

هذا النوع هو أحد األركان اخلمسة البالغية املشار إليها يف الفصل التاسع من مقدمة الكتاب وحقيقة هذا النوع أن جيعل مطلع الكالم من الشعر أو الرسائل داال على املعىن املقصود من ذلك الكالم إن

وكذلك جيري احلكم يف غري ذلك من املعاين كان فتحا ففتحا وإن كان هناء فهناء أو كان عزاء فعزاء وفائدته أن يعرف من مبدأ الكالم ما املراد به ومل هذا النوع

والقاعدة اليت يبين عليها أساسه أنه جيب على الشاعر إذا نظم قصيدا أن ينظرفإن كانت مدحيا صرفا ال حها بغزل بل يرجتل املديح ارجتاال من خيتص حبادثة من احلوادث فهو خمري بني أن يفتتحها بغزل أو ال يفتت

أوهلا كقول القائل ) يف ذا املقام فعذرها مقبول ... إن حارت األلباب كيف تقول ( ) أبدا إىل ما تستحق سبيل ... سامح بفضلك مادحيك فما لهم ( ) فالمحسنون إذا لديك قليل ... إال محسن إن كان ال يرضيك(

فإن هذا الشاعر ارجتل املديح من أول القصيدة فأتى به كما ترى حسنا الئقا وأما إذا كان القصيد يف حادثة من احلوادثكفتح مقفل أو هزمية جيش أو غري ذلكفإنه ال ينبغي أن يبدأ فيما

لى ضعف قرحية الشاعر وقصوره عن الغاية أو على جهله بوضع الكالم يف بغزل وإن فعل ذلك دل ع مواضعه

فإن قيل إنك قلت جيب على الشاعر كذا وكذا فلم ذلك

قلت يف اجلواب إن الغزل رقة حمضة واأللفاظ اليت تنظم يف احلوادث املشار إليها من فحل الكالم ومتني ن متطلعة إىل ما يقال يف تلك احلوادث واالبتداء باخلوض يف القول وهي ضد الغزل وأيضا فإن األمساع تكو ذكره ال االبتداء بالغزإلذ املهم واجب التقدمي

ومن أدب هذا النوع أال يذكر الشاعر يف افتتاح قصيدة املديح ما يتطري منه وهذا يرجع إىل أدب النفس ال الدثور واملنازل بالعفاء وغري ذلك من إىل أدب الدرس فينبغي أن حيترز منه يف مواضعه كوصف الديار ب

تشتت اآلالف وذم الزمان ال سيما إذا كان يف التهاين فإنه يكون أشد قبحا وإمنا يستعمل ذلك يف اخلطوب النازلة والنوائب احلادثة ومىت كان الكالم يف املديح مفتتحا بشيء من ذلك تطري منه سامعه

ول ما يطرق السمع من الكالمفإذا كان االبتداء الئقا باملعىن الوارد وإمنا خصت االبتداءات باالختيار ألهنا أبعده توفرت الدواعي على استماعه ويكفيك من هذا الباب االبتداءات الواردة يف القرآن كالتحميدات

Page 323: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

يأيها الناس اتقوا( املفتتح هبا أوائل السور وكذلك االبتداءات بالنداء كقول تعاىل يف مفتتح سورة النساء يأيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة ( وكقوله تعاىل يف أول سورة احلج ) ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة

فإن هذا االبتداء مما يوقظ السامعني لإلصغاء إليه وكذلك االبتداءات باحلروف كقوله ) الساعة شيء عظيم لى االستماع إليهألنه يقرع السمع وغري ذلكفإن هذا أيضا مما يبعث ع) حم ( و ) طس ( و ) أمل ( تعاىل

شيء غريب ليس له مبثله عادةفيكون ذلك سببا للتطلع حنوه واإلصغاء إليه ومن قبيح االبتداءات قول ذي الرمة

... ) ما بال عينك منها املاء ينسكب (

ألن مقابلة املمدوح هبذا اخلطاب ال خفاء بقبحه وكراهته خطل عبد امللك بن مروان قصيدته اليت أوهلا وملا أنشد األ

قال له عند ذلك ال بل منك وتطري من قوهلفغريها ذو الرمةوقال ... ) خف القطني فراحوا منك أو بكروا ( ... ) خف القطني فراحوا اليوم أو بكروا (

تأدب بأدب القطامي على جفاء طبعه وبعده عن فطانة ومن شاء أن يذكر الديار واألطالل يف شعره فلي األدبفإنه قال

فبدأ قبل ذكر الطلل بذكر التحية والدعاء له بالسالمة ... ) إنا محيوك فاسلم أيها الطلل ( وقد قيل إن امرأ القيس كان جييد االبتداء كقوله

... ) البايل أال انعم صباحا أيها الطلل ( وكقوله

... ) قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل (

ومما يكره من االبتداءات قول أيب متام وإمنا ألقى أبا متام يف مثل هذا املكروه تتبعه للتجنيس بني جترع ... ) تجرع أسى قد أقفر الجرع الفرد (

فإنه كثريا ما يقع يف مثل ذلك واجلرع وهذا دأب الرجل وكذلك استقبح قول البحتري

... ) فؤاد ماله احلزن حتى تصدعا ( فإن ابتداء املديح مبثل هذا طرية ينبو عنها السمع وهو أجدر بأن يكون ابتداء مرئية ال مديح وما أعلم كيف

خيفى على مثل البحتري وهو من مفلقي الشعراء ه ملا فرغ املعتصم من بناء قصره بامليدان جلس فيه ومجع أهله وأصحابه وأمرهم أن خيرجوا يف وحكي أن

زينتهمفما رأى الناس أحسن من ذلك اليومفاستأذن إسحق بن إبراهيم املوصلي يف اإلنشادفأذن له فأنشد شعرا حسنا أجاد فيه إال أنه استفتحه بذكر الديار وعفائها فقال

) يا ليت شعري ما الذي أبالك ... رك البلى ومحاك يا دار غي( فتطري املعتصم بذلك وتغامز الناس على إسحق بن إبراهيم كيف ذهب عليه مثل ذلك مع معرفته وعمله

Page 324: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

سر وطول خدمته للملوك مث أقاموا يومهم وانصرفوا فما عاد منهم اثنان إىل ذلك اجمللس وخرج املعتصم إىل من رأى وخرب القصر

فإذا أراد الشاعر أن يذكر دارا يف مدحيه فليذكر كما ذكر أشجع السلمي حيث قال

) خلعت عليه جمالها األيام ... قصر عليه تحية وسالم ( ذكر هذا أو ما جرى وما أجدر هذا البيت مبفتتح شعر إسحق بن إبراهيم الذي أينشده للمعتصمفإنه لو

جمراه لكان حسنا الئقا وسئل بعضهم عن أحذق الشعراء فقال من أجاد االبتداء واملطلعأال ترى إىل قصيدة أيب نواس اليت أوهلا

) لم تبق فيك بشاشة تستام ... يا دارما فعلت بك األيام ( مع ذلك مستكرهة االبتداءألهنا يف مدح اخلليفة األمني وافتتاح فإهنا من أشرف شعره وأعاله منزلة وهي

املديح بذكر الديار ودثورها مما يتطري منه ال سيما يف مشافهة اخللفاء وامللوك وهلذا خيتار يف ذكر األماكن واملنازل ما رق لفظه وحسن النطق به كالعذيب والغوير ورامة وبارق والعقيق

وأشباه ذلك ضا أمساء النساء يف الغزل حنو سعاد وأميم وفوز وما جرى هذا اجملرى وخيتار أي

وقد عيب على األخطل يف تغزله بقذور وهو اسم امرأةفإنه مستقبح يف الذكر وقد عيب على غريه التغزل باسم متاضر فإنه وإن مل يكن مستقبحا يف معناه فإنه ثقيل على اللسان كما قال البحتري

) و يدا في تماضر بيضاء ... منة ال تؤدى إن للبين( فتغزله هبذا االسم مما يشوه رقة الغزل ويثقل من خفته وأمثال هذه األشياء جيب مراعاهتا والتحرز منها

وقد استثىن من ذلك ما كان اسم موضع تضمن وقعة من الوقائعفإن ذكره ال يكره وإن كان يف امسه كراهة ذكر أبو متام يف شعره مواضع مكروهة األمساء لضرورة ذكر الوقائع اليت كانت هبا كذكر احلشال كما

وعقوقس وأمثاهلما وكذلك ذكر أبو الطيب املتنيب هنزيط ومشيصاط وما جرى جمرامها وهذا العيب

د من ذكره ففي ذكرهلمكان الضرورة اليت تدعو إليه وهكذا يسامح الشاعر والكاتب أيضا يف ذكر ما الب وإن قبح ومهما أمكنه من التورية يف هذا املقام فليسلكها وما ال ميكنه فإنه معذور فيه

واعلم أنه ليس من شرط االبتداء أال يكون مما يتطري منه فقطفإن من االبتداءات ما يستقبح وإن مل يتطري منه كقول أيب متام

وكقوله . ) ..قدك اتئب أربيت في الغلواء ( وكقول أيب الطيب املتنيب ... ) تقي جماتي لست طوع مؤنبى ( وكقوله ... ) أقل فعالي بله أكثره مجد ( ... ) كفي أراني ويك لومك ألوما (

Page 325: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

داءات احلسنة ما أذكره والعجب أن هذين الشاعرين املفلقني يبتدئان مبثل ذلك وهلما من االبت أما أبو متام فإنه افتتح قصيدته اليت مدح هبا املعتصم عند فتحه مدينة عمورية فقال

) في حده الحد بين الجد واللعب ... السيف أصدق أنباء من الكتب ( ) تونهن جالء الشك والريب م... بيض الصفائح ال سود الصحائف في (

وهذه األبيات هلا قصة وذلك أنه ملا حضر املعتصم مدينة عمورية زعم أهل النجامة أهنا ال تفتح يف ذلك الوقت وأفاضوا يف هذا حىت شاع وصار أحدوثة بني الناس فلما فتحت بىن أبو متام مطلع قصيدته على هذا

الكتب اليت خربت بامتناع البلد واعتصامهاولذلك قال فيها املعىن وجعل السيف أصدق من ) بين الخميسين ال يف السبعة الشهب ... والعلم يف شهب األرماح المعة ( ) صاغوه من زخرف فيها ومن كذب ... أين الرواية أم أين النجوم وما ( ) ليست بنبع إذا عدت وال غرب ... تخرصا وأحاديثا ملفقة (

وهذا من أحسن ما يأيت يف هذا الباب وكذلك قوله يف أول قصيدة ميدحه هبا أيضا ويذكر فيها خروج بابك اخلرمي عليه وظفره به وهي من

أمهات شعره فقال ) فحذار من أسد العرين حذار ... يوف عوار الحق أبلج والس(

وكذلك قوله متغزال ) وأن تعتب األيام فيهم فربما ... عسى وطن يدنو بهم ولعلما (

وهذا من األغزال احللوة الرائقة وهو من حماسن أيب متام املعروفة ول مرثية وكذلك قوله يف أ

) وأصبح مغىن الجود بعدك بلقعا ... أصم بك الناعي وإن كان أسمعا (

وأما أبو الطيب فإنه أكثر من االبتداءات احلسنة يف شعرهكقوله يف قصيدة ميدح هبا كافوراوكان قد جرت صود فقال بينه وبني ابن سيده نزغة فبدأ قصيدته بذكر الغرض املق

وهذا من بديع االبتداء ونادره ) وأذاعته ألسن الحساد ... حسم الصلح ما اشتهته األعادي ( وكذلك ورد قوله يف سيف الدولة وكان ابن الشمشقيق حلف ليلقينه كفاحا فلما التقيا مل يطق ذلك ووىل

مر فقال هاربا فافتتح أبو الطيب قصيدته بفحوى األ ) ماذا يزيدك في إقدامك القسم ... عقبى اليمني على عقبى الوغى ندم ( ) ما دل أنك يف الميعاد متهم ... ويف اليمني على ما أنت واعده (

ذكر فراقه إياه ولقائه كافورا يف أول بيت وكذلك قوله وقد فارق سيف الدولة وسار إىل مصر فجمع بني من القصيدة فقال

ومن البديع النادر يف هذا الباب قوله ) وأم ومن يممت خير ميمم ... فراق ومن فارقت غير مدمم (

Page 326: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

متغزال يف مطلع قصيدته القافية وهي وله مواضع أخر كثرية ال حاجة إىل ذكرها ) تحسب الدمع خلقة يف املآقي .. .أتراها لكثرة العشاق (

ومن حماسن االبتداءات اليت دلت على املعىن من أول بيت يف القصيدة ما قرأته يف كتاب الروضة أليب ر ملك الروم خضع له العباس املربد فإنه ذكر غزوة غزاها الرشيد هرون رمحه اهللا يف بالد الروم وأن نقفو

وبذل اجلزية فلما عاد عنه واستقر مبدينة الرقة وسقط الثلج نقض نقفور العهد فلم جيسر أحد على إعالم الرشيدملكان هيبته يف صدور الناس وبذل حيىي بن خالد للشعراء األموال على أن يقولوا أشعارا يف إعالمه

ل جدة يكىن أبا حممد وكان شاعرا مفلقا فنظم قصيدا فكلهم أشفق من لقائه مبثل ذلك إال شاعرا من أه وأنشدها الرشيد أوهلا

) فعليه دائرة البوار تدور ... نقض الذي أعطيته نقفور ( ) فتح أتاك به اإلله كبري ... أبشر أمري المؤمنني فإنه ( ) لجاهل مغرور - عنك اإلمام ... أن نأى -ك حني تغدر نقفورإن( فلما أهنى األبيات قال الرشيد أو قد ) ما ظننت غرور ! هبلتك أمك ... أظننت حني غدرت أنك مفلت (

فعل ؟ مث غزاه يف بقية الثلج وقتح مدينة هرقلة كتاب األغاين أليب الفرج اإلصبهاين ما رواه من شعر سديف يف حتريض اخلليفة السفاح رمحه اهللا وقرأت يف

علي بين أمية فقال قدم سديف من مكة اىل احلرية والسفاح هبا ووافق قدومه جلوس السفاح للناس وكان شده أبياتا من بنو امية جيلسون عنده على الكراسي تكرمة هلمفلما دخل عليه سديف حسر لثامه وأن

الشعرفالتفت رجل من أوالد سليمان بن عبد امللك وقال آلخر إىل جانبه قتلنا واهللا العبد فلما أهنى األبيات أمر هبم السفاح فأخرجوا من بني يديه وقتلوا عن آخرهم وكتب اىل عماله بالبالد يأمرهم بقتل من وجدوه

منهم ومن األبيات ) بالبهاليل من بني العباس ... يف األساس أصبح الدين ثابتا(

) كم أناس رجوك بعد إياس ... أنت مهدي هاشم وهداها ( ) واقطعن كل رقلة وغراس ... ال تقيلن عبد شمس عثارا ( ) اهللا بدار اهلوان واإلتعاس أنزلوها بحيث أنزلها( ) وبهم منكم كحز املواسي ... خوفهم أظهر التودد فيهم ( ) عنك بالسيف شأفة األرجاس ... أقصهم أيها اخلليفة واحسم ( ) وقتيال بجانب المهراس ... يد واذكرن مصرع الحسين وز( وهذه األبيات من فاخر الشعر ونادره افتتاحا ) قربهم من منابر وكراسي ... ولقد ساءني وساء سوائي (

قدار وابتداء وحتريضا وتأليبا ولو وصفتها من األوصاف مبا شاء اهللا وشاء اإلسهاب واإلطناب ملا بلغت م ماهلا من احلسن

ومن لطيف االبتداءات ما ذكره مهيار وهو

Page 327: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

) لقد نقل الواشي إليها فأمحال ... أما وهواها عذرة وتنصال ( ذار يف هيئة الغزل وأخرجه فإنه أبرز االعت) وكثر فارتابت ولو شاء قلال ... سعى جهده لكن تجاوز حده (

يف معرض النسيب وكان وشي به اىل املمدوح فافتتح قصيدته هبذا املعىن فأحسن ومما جاء على حنو من ذلك قول بعض املتأخرين من العراقيني

) ودونك أحوال الغرام المخامر ... وراءك أقوال الوشاة الفواجر ( فسلك يف هذا القول مسلك مهيار ) ولوال الهوى مل أنتدب للمعاذر ... ولوع منك بالصد ما سعوا ولوال(

إال أنه زاد عليه زيادة حسنة وهي املعاتبة على اإلصغاء إىل أقوال الوشاة واالستماع منهم وذلك من أغرب ما قيل يف هذا املعىن

يف هذا الباب أن جتعل التحميدات يف أوائل الكتب السلطانية مناسبة ملعاين تلك الكتب وإمنا ومن احلذاقة خصصت الكتب السلطانية دون غريها ألن التحاميد ال تصدر يف غريهافإهنا تكون قد تضمنت أمورا الئقة

بالتحميد كفتح مقفل أو هزمية جيش أو ما جرى هذا اجملرى قد أخل هبذا الركن الذي هو من أوكد أركان -على تقدمه يف فن الكتابة -ووجدت أبا اسحق الصايب

الكتابة فإذا أتى بتحميدة يف كتاب من هذه الكتب ال تكون مناسبة ملعىن ذلك الكتاب وإمنا تكون يف واد والكتاب يف واد إال ما قل من كتبه

األتراك عنها وكان ذلك فتحا فما خالف فيه مطلع معناه إنه كتب كتابا يتضمن فتح بغداد وهزمية عظيمافابتدأ بالتحميد وقال احلمد هللا رب العاملني

امللك احلق املبني الوحيد الفريد العلي اجمليد الذي ال يوصف إال بسلب الصفات وال ينعت إال برفع النعوت دود الفاعل ال من مادة األزيل بال ابتداء األبدي بال انتهاء القدمي ال منذ أمد حمدود الدائم ال إال أجل مع

استمدها وال بآلة استعملها الذي ال تدركه األعني بلحاظها وال حتده األلسن بألفاظها وال ختلقه العصور مبرورها وال هترمه الدهور بكرورها و ال تضارعه األجسام بأقطارها وال جتانسه الصور بأعراضها وال جتاريه

ب القرناء واألمثال بل هو الصمد الذي ال كفء له والفذ الذي ال أقدام النظر أو األشكال وال تزامحه مناكتوأم معه واحلي الذي ال خترمه املنون والقيوم الذي ال تشغله الشئون والقدير الذي ال تئوده املعضالت

واخلبري الذي ال تعييه املشكالت صدر مصنف من مصنفات وهذه التحميدة ال تناسب الكتاب الذي افتتح هبا ولكنها تصلح أن توضع يف

أصول الدين ككتاب الشامل للجويين أو كتاب االقتصاد أو ما جرى جمرامها وأما أن توضع يف صدر كتاب فتح فال

وهو وإن أساء يف هذا املوضع فقد أحسن يف مواضع آخر وذاك أنه كتب كتابا عن اخلليفة الطائع رمحه اهللا وزوال ما نزل به وبأبيه املطيع رمحه اهللا من فادحة تعاىل إىل األطراف عند عوده إىل كرسي ملكه

األتراكفقال احلمد هللا ناظم الشمل بعد شتاته وواصل احلبل بعد بتابه وجابر الوهن إذا ثلم وكاشف اخلطب إذا أظلم والقاضي للمسلمني مبا يضم نشرهم ويشد أزرهم ويصلح ذات بينهم وحيفظ األلفة عليهم وإن

Page 328: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

شوائب من احلدثان فلن يتجاوز هبم احلد الذي يوقظ غافلهم وينبه ذاهلهم مث إهنم شابت ذلك يف األحيان عائدون إىل فضل ما أوالهم اهللا وعودهم ووثق هلم ووعدهم من إميان

سرهبم وإعذاب شرهبم وإعزاز جانبهم وإذالل جمانبهم وإظهار دينهم على الدين كله ولو كره املشركون ع الكتاب وإن كانت املعاين فيها مكررة كالذي أنكرته عليه وعلى غريه من وهذه حتميدة مناسبة ملوضو

الكتاب وقدمت القول فيه يف باب السجعفليؤخذ من هناك ومن املبادي اليت قد أخلقت وصارت مزدراة أن يقال يف أوائل التقليدات إن أحق اخلدم بأن ترعى خدمة

كذا وكذا فإن هذا ليس من املبادي املستحسنة ومن كذا وكذا وإن أحق من قلد األعمال من اجتمع فيهاستعمله أوال فقد ضعفت فكرته عن اقتراح ما حيسن استعماله من املبادئ والذي تبعه يف ذلك إما مقلد

ليس عنده قوة على أن خيتار لنفسه وإما جاهل ال يفرق بني احلسن والقبيح واجليد والرديء وأهل زماننا وا مبادي تقاليدهم على هذه الفاحتة دون غريها وإن أتوا بتحميدة من التحاميد هذا من الكتاب قد قصر

كانت مباينة ملعىن التقليد الذي وضعت يف صدره وكذلك قد كان الكتاب يستعملون يف التقليدات مبدأ وكتب واحدا ال يتجاوزونه إىل غريه وهو هذا ما عهد فالن إىل فالن والتحميد خري ما افتتح به التقليدات

الفتوح وما جرى جمرامها وقد أنكرت ذلك على مستعمله يف مفتتح تقليد أنشأته بوالية وال فقلت كانت التقليدات تفتتح بكالم ليس بذي شأن وال يوضع يف ميزان وال جيتين من أفنان وغاية ما يقال هذا ما عهد

سنة النظم فيضاهى مبثلها من ذوات فالن إىل فالن وتلك فاحتة مل تكن جديدة فتخلق بتطاول األيام وال حالنظام وهذا التقليد مفتتح حبمد اهللا الذي تكفل حلامده بالزيادة وبدأ النعمة مث قرهنا من فضله باإلعادة وهو

الذي بلغ بنا من مآرب الدينا منتهى اإلرادة وسلم إلينا مقاده فذلل لنا هبا كل مقادة ووسد األمر منا إىل ا منه على وسادة ونرجوا أن جيمع لنا بني سعادة األوىل واألخرى حىت تتصل هذه أهله فاستوطأت الرعاي

السعادة مث نصلي على نبيه حممد الذي ميزه اهللا

على األنبياء بشرف السيادة وجعل انشقاق القمر له من آيات النبوة وانشقاق اإليوان من آيات الوالدة فأحسنوا يف اإلشادة وبسطت عليهم الدنيا كما بسطت وعلى آله وأصحابه الذين شادوا الدين من بعده

على الذين من قبلهم فلم حيولوا عن خلق الزهادة أما بعد كذا وكذا مث أهنيت التقليد إىل آخره ومن احلذاقة يف هذا الباب أن جيعل الدعاء يف أول الكتاب من السلطانيات واإلخوانيات وغريمها مضمنا

الكتاب وهذا شيء انفردت بابتداعه وتراه كثريا فيما أنشأته من املكاتباتفإين من املعىن ما بين عليه ذلك توخيته فيها وقصدته

فمن ذلك ما كتبته يف اهلناء بفتح وهو هذا الكتاب مشافه خبدمة اهلناء للمجلس السامي الفالين جدد اهللا له واقف جوده وبأسه يوم يف كل يوم فتحا وبدل عرش كل ذي سلطان لديه صرحا وجعل كل موقف من م

فطر ويوم أضحى وكتب له على لسان اإلسالم ولسان األيام ثناء خالدا ومدحا وأسكنه بعد العمر الطويل دارا ال يظمأ فيها وال يضحىثم أخذت بعد ذلك يف إنشاء الكتاب املتضمن ما يقتضيه معاين ذلك الفتح

رات اجمللس السامي الفالين ووصل صبوح هنائه ومن ذلك ما ذكرته يف اهلناء مبولود وهو جدد اهللا مس

Page 329: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

بغبوقه وأمتعه بسليله املبشر بطروقه وأبقاه حىت يستضيء بنوره ويرمي عن فوقه وسر به أبكار املعاين حىت ختلق أعطافها خبلوقه وجعله كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه مث أخذت يف إمتام

حسب ما اقتضاه ذلك املعىن الكتاب باهلناء باملولود على فتأمل ما أوردته ههنا من هذين املثالني وانسج على منواهلما فيما تقصده من املعاين اليت تبين عليها كتبكفإن

ذلك من دقائق هذه الصناعة وأما فواتح الكتب اليت أنشأهتا فمنها ما اخترعته اختراعا ومل أسبق إليه وهي عدة كثرية وقد أوردت ههنا

ها بعضفمن ذلك مفتتح كتاب إىل ديوان اخلالفة وهو نشأت سحابة من مساء الديوان العزيز النبوي جعل اهللا

اخللود لدولته أوطانا واحلدود هلا أركانا ونصب

أيامها يف أيام الدهر أحيانا وصورها يف وجهه عينا ويف عينه إنسانا ومد ظلها على الناس عدال وإحسانا طاعتها وإن تفرقوا أديانا وأتاها من معجزات سلطانه ما مل ينزل به لغريه سلطانا ومجع األمم على دين

فارتاح اخلادم اللتقائها وبسط يده الستسقائها وقال رمحة مرسلة ال ختشى رعودها وال ختلف وعودها ومن ونائله شأهنا ترويض الصنائع اليت تبقي آثارها ال احلمائل اليت تذوي أزهارها وقد يعرب عن الكتاب

بالسحاب ووابلهفإن صدر عن يد كيد الديوان العزيز فقد وقع التشبيه موقع الصواب وصدق حينئذ قول القائل إن البحر عنصر السحاب لكن فرق بني ما جيود مبائه وما جيود بنعمائه وبني ما يسم األرض املاحلة

هلا األمثال وتصرف حنوها اآلمال وبني ما يسمي األقدار اخلاملة وما زالت كتب الديوان العزيز تضرب ويرى احلسد فيها حسدا وإن عد يف غريها من سيء األعمال وهذا فصل من أول الكتاب

ومن مجلة الكتب املشار إليها مفتتح كتاب كتبته إىل بعض اإلخوان وأرسلته إليه من املوصل إىل أرض خلت سيادته من عدو وحاسد وال الشمال من بالد الروم وهو طلع كوكب من أفق اجمللس السامي ال

شينت بتوأم خيرجها عن حكم الواحد وال عدمت صحبة اجلدود املتيقظة يف الزمن الراقد وال أوحشت الدنيا من ذره اخلالد الذي هو عمر خالد وال زال مرفوعا إىل احملل الذي يعلم به أن الدهر ناقد والكواكب

يطلع دائما يف أحدمها وهو يف اآلخر دائم الغروب وكتاب ختتلف مطالعها يف الشمال واجلنوبفمنها ما اجمللس كوكب مل ير هبذه األرض مطلعه وإن علم من السماء أين موضعه وملا ظهر اآلن للخادم سبح له

حامدا وخر له ساجدا وقال قد عبدت الكواكب من قبلي فال عجب أن أكون هلذا الكوكب عابدا وها أنا ادته مغرى وقال الناس هذا ابن كبشة الكتاب ال ابن أيب كبشة الشعرى قد أصبحت بالعكوف على عب

وها أنا قد أصبحت بالعكوف " وهذا مطلع غريب والسياقة التالية ملطلعه أغرب ومن أغرب ما فيها قويل على عبادته مغرى وقال الناس هذا ابن كبشة

كان رجال يف اجلاهلية يعبد الشعرى فخالف واملراد بذلك أن ابن كبشة " الكاتب ال ابن أيب كبشة الشعري أي أنه قد خالفنا " ابن أيب كبشة " بذلك دين قومه وملا بعث النيب قالت قريش هذا قد خالف ديننا ومسوه

كما خالف أبو كبشة قومه يف عبادة الشعرى فأخذت أنا هذا املعىن وأودعته كتايب هذا فجاء كما تراه

Page 330: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

مبتدعا غريبا املشار إليها مفتتح كتاب كتبته إىل بعض اإلخوان بالشام وهو طلعت من الغرب مشس ومن مجلة الكتب

فقيل قد آذنت أشارط الساعة باالقتراب ومل يعلم أن تلك األنوار إمنا هي أنوار الكتاب مل تألف األبصار من ف الكرمي وأتاه قبله أن تطلع الشمس من املغرب وليس ذلك إال كتاب اجمللس ال سلبه اهللا مزية هذا الوص

من الفضل ما يقال معه وفوق كل ذي علم عليم وأحيا النفوس من كلمها بروح كلمه كما شفي غليلها من أقالمه بسقيا الكليم وملا ورد عن اخلادم صار ليله هنارا وأصبح الناس يف احلديث به أطوارا واملنصف

منهم يقول قد جرت الشمس إىل مستقرها والشمس ال جتد قرارا وهذا الكتاب يف احلسن والغرابة كالذي قبله

ومن مجلة الكتب املشار إليها مفتتح كتاب كتبته إىل بعض اإلخوان وهو تأوب زور من جانب اجمللس السامي أدىن اهللا داره وجعل كلماته التامة جاره وأشهد أفعال التقوى ليله وأفعال املكارم هناره ووهبه من

ام العيش قصاره وال أقدر السابقني إىل املعايل أن جيروا معه وال أن يشقوا غباره أعوام العمر طواله ومن أعووليس ذلك الزور إال سطورا يف قرطاس وال فرق بني الكتاب وبني مرسله يف مالطفة اإليناس واهللا ال يصغر

ه وههنا مظنة ممشى هذا الزائر ويقر عيين برؤيته حىت ال أزال به قرير الناظر ومع هذا فإين عاتب لتأخرالعتاب ومن تأخر عنه كتاب صديقه فال بد أن خيطر له خاطر االرتياب والضنني باملودة ال يرى إال ظنينا

وقد قيل إهنا وديعة وقليال ما جتد على الودائع أمينا

وهذا فصل من أول الكتاب وضة من جانب اجمللس ومن مجلة الكتب املشار إليها مفتتح كتاب كتبته إىل بعض اإلخوان وهو سنحت ر

السامي جعل اهللا املعايل له رداء وهنايات املساعي له ابتداء وفداه مبن يقصر عن درجته حىت تكون األكارم له فداء وهدى احملامد ألفعاله وأهدى البقاء أليامه حىت جيتمع له األمران هدى وإهداء وأتاه من السيادة ما

أصدقاءه أعداء فاستنشق اخلادم رباها وتلقى بالتحية حمياها جيعل أعداءه أصادق ومن السعادة ما جيعلواستمع بأزهارها اليت أنبتها سقيا األقالم ال سقي الغمام وقال هذا ربيع األرواح ال ربيع األجسام ولو رام اإلحاطة بوصفها لكانت األقوال املطولة فبها خمتصرة ولكنه اكتفى بان رفعها على رأسه حىت يتمثل أن اجلنةيف شجرة ومن أوصافها أهنا جاءت رائدة ومن شأن الروض أن يرتاد وحلت حماسنها اليت هي يف غريها من حظ البصر وفيها من حظ السمع والبصر والفؤاد وملا سرح فيها وجد شوقه محامة تغرد يف أكنافها وتردد

الصفاء عالمة وإذا متثل كتاب الشجى لبعد أليفها إذا رددته احلمائم لقرب أالفها وهذا قول له عند إخوان احلبيب روضة فهل يتمثل شوق حمبه إال محامة وأي فرق بني هذه وبني أخواهتا من ذوات األطواق ؟ لوال أهنا

متلي شجوها على صفحات القلوب وتلك متليه على عذبات األوراق حىت يتمثل أن " ويل وهذا فصل من الكتاب وهو غريب عجيب وفيه معنيان مبتدعان وأعجبهما وأغرهبما ق

وهذا مستخرج من احلديث النبوي " اجلنة يف شجرة ومن مجلة الكتب املشار إليها مفتتح كتاب كتبته إىل بعض اإلخوان وهو تضوعت نفخة من تلقاء اجمللس

Page 331: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

السامي رعى اهللا عهده وسقاه وصان وده ووفاه ويسر يل إلقاء العصا مبلقاه فعطرت الطريق اليت سايرهتا يح اليت جاورهتا وأنت فأفرشتها خدي وضممت عليها ودي وجعلتها درعا جلييب ولطيمة لردين وسخابا والر

لعقدي وعلمت أهنا ليست بنفخة طيب ولكنها كتاب حبيب فإن مناشق األرواح غري مناشق األجسام وال يستوي عرف الطيب وعرف األقالم مث مددت

صافحت عبقة مندله وقلت أهال مبن أدىن من احلبيب يدي إىل الكتاب بعد أن صافحت يد موصله كما مزارا وأهدى لعيين قرة ولقليب قرارا وهذا يف الغرابة كأخواته اليت تقدمت

ومل أستقص ما اخترعته من هذا الباب يف مطالع الكتب الدين وأما ما أتيت فيه باحلسن من املعاين ولكنه غري خمترعفمن ذلك مطلع كتاب كتبته عن امللك نور

أرسالن بن مسعود صاحب املوصل إىل امللك األفضل علي بن يوسف يتضمن تعزية وهتنئة أما التعزية فبوفاة أخيه امللك العزيز عثمان صاحب مصر وأما التهنئة فبوراثة امللك من بعده وهو ال يعلم القلم أينطق بلسان

حكم التثنية ويف مثل هذا اخلطب يظل القلم حائرا التعزية أم بلسان التهنية لكنه مجعهما مجيعا فأتى هبما على وقد وقف موقف السخط والرضا فسخط أوال مث رضي آخرا وهذا البيت الناصري يتداول درجات العلى

فما متضي إال وإليه ترجع ومشوسه وأقماره تتناقل مطالع السعود فما يغيب منها غائب إال وآخر يطلع ده ماجد وإن قيل إن املاضي كان واحدا قيل بل اآليت هو الواحد والناس إن فجعوا مباجد ردفه من بع

وهذا فصل من أول الكتاب مث كتبت يف هذا املعىن كتابني آخرين ويف الذي أوردته من هذا الفصل مقنع ومن هذا األسلوب ما كتبته إىل بعض اإلخوان جوابا عن كتابه وكانت الكتب قد انقطعت بيين وبينه زمانا

كتب األحباب كلقاء األحباب وقد تأيت بعد يأس منها فيشتبه هلا دمع السرور بدمع االكتئاب وهو لقاءومن أحسنها كتاب اجمللس السامي الفالين جعل اهللا الليايل له صحبا واملعاين له عبقا ورفع جمده فوق كل

األلسنة رطبا ووده ماجد حىت تكون حسناهتم لدى حسناته ذنبا وال زال امسه يف األفواه عذبا وذكره يف لكل إنسان إنسانا ولكل قلب قلبا

مث انتهيت إىل آخر الكتاب على هذا النسق وإمنا ذكرت ههنا مبتدأه ألنه الغرض املقصود يف هذا املوضع ومن ذلك ما كتبته إىل بعض اإلخوان جوابا عن كتابه وهو البشرى تعطى

ره وينزل يف منزله وكذلك فعل اخلادم بكتاب اجمللس للكتاب كما تعطي ملرسله وكل منهما يويف حق قدالسامي الفالين ال زال حمله أنيسا وذكره للفرقدين جليسا وسعيه على املكارم حبيسا وجمده جديد املالبس

إذا كان اجملد لبيسا وههنا ذكرت من هذا الكتاب كما ذكرته من الذي قبله فإين مل أذكر إال مبدأه الذي هو الغرض

ينتظم يف هذا السلك ما كتبته يف صدر كتاب يتضمن تعزية وهو لو مل يلبس قلمي ثوب احلداد هلجر وممامداده ونضي عنه سواده وبعد عن قرينته وعاد إىل طينته وحرم على نفسه أن ميتطي يدا أو جيري إىل مدى

إمنا استعار ذلك من لكنه أحد فندب وبكى فسكب هذا الكتاب من دموعه وضمنه ما محلته أحناء ضلوعه و

Page 332: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

صاحبه الذي أعداه وأبدى إليه من حزنه ما أبداه وهو نائب عنه يف تعزية سيدنا أحسن اهللا صربه ويسر أمره وأرضى عنه دهره مث أهنيت الكتاب إىل آخره

ومن حماسن هذا الباب أن يفتتح الكتاب بآية من القرآن الكرمي أو خبرب من األخبار النبوية أو ببيت من شعرمث يبين الكتاب عليه ال

فمن ذلك ما كتبته يف ابتداء كتاب يتضمن البشرى بفتح وهو وقد أخذنا بقول هذا الشاعر ) مفاتيحه البيض الخفاف الصوارم ... ومن طلب الفتح الجليل فإنما (

اية اجملد ال تنصب إال على النصب والراحة احلكيم وجعلنا السيف وسيلة إىل استنتاج امللك العقيم ور الكربى ال تنال إال على جسر من التعب وكتابنا هذا وقد استولينا على مملكة فالنة وهي اململكة اليت

متسي اآلمال دوهنا صرعى وإذا قيس إليها غريها من املمالك كانت أصال وكان غريها فرعا وهذا فصل من أول الكتاب

ولتكن منكم أمة يدعون إىل اخلري ويأمرون باملعروف ( يف مفتتح تقليد باحلسبة وهو ومن ذلك ما كتبتههذا أمر يشتمل على معىن اخلصوص دون العموم وال خيتص به ) وينهون عن املنكر وأولئك هم املفلحون

تحلفني عليهما إال ذوو األوامر املطاعة وذوو العلوم وقد مجع اهللا لنا هذين الوصفني كليهما وجعلنا من املسفلنبدأ أوال حبمده الذي هو سبب للمزيد مث لنأخذ يف القيام بأمره الذي هو على كل نفس منه رقيب عتيد

وال ريب أن إصالح العباد يسري إىل األرض حىت تزكو بطوهنا وتنام عيوهنا ويشترك يف بركات السماء لى الرقاب وإذا انتشرت أطراف البالد ساكنها ومسكوهنا واألمر بذلك محل إن مل تتوزعه األكف ثقل ع

فإهنا تفتقر إىل مساعدة من مستنيب ومستناب وقد اخترنا ملدينة فالنة رجال مل نأل يف اختياره جهدا وقدمنا فيه خرية اهللا اليت إذا صدقت نيتها صادفت رشدا وهو أنت أيها الشيخ فالن فابسط يدك بقوة إىل أخذ هذا

نا اليت يرجح هبا ميزان الثواب وحقق نظرنا فيك فإنه من نور اهللا الذي الكتاب وكن كحسنة من حسناتليس دونه حجاب فتأمل كيف فعلت يف هذه اآلية اليت بنيت التقليد عليها وهو من حماسن املبادي

واالفتتاحات وكذلك فعلت يف موضع آخر وهو مفتتح كتاب كتبته إىل شخص كلفته السفارة إىل خمدومه يف حاجة

هذا القول تتبع آثاره وحتمل ) إن أوىل الناس بإبراهيم للذين تبعوه وهذا النيب والذين آمنوا ( وهو عرضتعليه أنظاره وأوىل الناس بسيدنا من شاركه يف حلمة أدبه وإن مل يشاركه يف حلمة نسبهفإن املناقب أقارب

واملآثر أواصر ونتيجة هذه املقدمة بعث خلقه ) امرؤ كان ذا فضل وذا أدب إال... وليس يعرف يل فضلي وال أديب (

الكرمي على عوارف أفضاله واستهداء صنيعة جاهه

اليت هي أكرم من صنيعة ماله وال جتارة أربح من هذه التجارة والساعي فيها شريك يف الكسب بريء من اخلسارة

ك بأن يذكر اخلرب يف صدر الكتاب مث يبين عليه وأما األخبار النبوية فيسلك هبا هذا املسل

Page 333: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

ولنذكر منها مثاال واحدا وهو توقيع كتبته لولد رجل من أصحاب السلطان تويف والده ونقل ما كان بامسه إليه فقلت قال النيب أوىل باملؤمنني من أنفسهم فمن مات وترك ماال فلورثته ومن ترك دينا أو كال أو ضياعا

خلق من األخالق النبوية ال مزيد على حسنه وأساليب املكارم بأسرها موضوعة يف وهذا" فإيل وعلي ضمنه وحنن نرجو أن منشي على أثره فنتنزل منزلة رديفة وأن نتشبه به فنبلغ مبلغ مده أو نصيفه وقد أرانا

نا أيتامهم من اهللا ذلك يف قوم صحبونا فأسعفناهم مبباغي اإلنعام وأمحدناهم صحبة الليايل واأليام وتكفلبعدهم حىت ودوا أن يكونوا هم األيتام وهذا فالن ابن فالن رمحه اهللا ممن كان له يف خدمة الدولة قدم صدق وأولية سبق وحفظ كتاب احملافظة عليها فقيل له يف تالوته اقرأ وارقثم أهنيت التوقيع إىل آخره

ري وقد ضمنته بعض خرب آخر من األخبار النبوية فتأمل مفتتح هذا التوقيع فإنه تضمن نص اخلرب من غري تغييقال لصاحب القرآن اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل يف الدنيا فإن " قال النيب " اقرأ وارق " وهو قوله

" منزلتك عند آخر آية تقرؤها وقد مثلت لك ههنا أمثاال يقتدى هبا فاحذ حذوها وامض على هنجها واهللا املوفق للصواب

لثالث والعشرونالنوع ا

يف التخلص واالقتضاب

وهذا النوع أيضا كالذي قبله يف انه أحد األركان اخلمسة اليت تقدمت اإلشارة إليها يف الفصل التاسع من مقدمة الكتاب

وينبغي لك أيها املتوشح هلذه الفضيلة أن تصرف إليه جل مهتك فإنه مهم عظيم من مهمات البالغة أخذ مؤلف الكالم يف معىن من املعاين فبينا هو فيه إذ أخذ يف معىن آخر غريه وجعل وهو أن ي -أما التخلص

فيكون بعضه آخذا برقاب بعضمن غري أن يقطع كالمه ويستأنف كالما آخر بل يكون -األول سببا إليه مجيع كالمه كأمنا أفرغ إفراغا وذلك مما يدل على حذق الشاعر وقوة تصرفهمن أجل أن نطاق الكالم

يضيق عليه ويكون متبعا للوزن والقافية فال تواتيه األلفاظ على حسب إرادته وأما الناثر فإنه مطلق العنان ميضي حيث شاءفلذلك يشق التخلص على الشاعر أكثر مما يشق على الناثر

وأما االقتضاب فإنه ضد التخلص وذاك أن يقطع الشاعر كالمه الذي هو فيه ويستأنف كالما آخر غريه ن مديح أو هجاء أو غري ذلك وال يكون للثاين عالقة باألول م

وهو مذهب العرب ومن يليهم من املخضرمني وأما احملدثون فإهنم تصرفوا يف التخلص فأبدعوا وأظهروا منه كل غريبة فمن ذلك قول أيب متام

) لمهرية القود منا السرى وخطا ا... يقول يف قومس صحبي وقد أخذت ( وهذان البيتان من بديع ما يأيت يف ) فقلت كال ولكن مطلع الجود ... أمطلع الشمس تبغي أن تؤم بنا (

هذا الباب ونادره

Page 334: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

وكذلك قوله أيضا يف وصف أيام الربيع مث خرج من ذكر الربيع ما وصفه به من األوصاففقال ) خلق اإلمام وهديه المتنشر ... خلق أطل من الربيع كأنه ( ) ومن النبات الغض سرج تزهر ... في األرض من عدل اإلمام وجوده ( ) مر الليالي يذكر أبدا على... تنسي الرياض وما يروض جوده (

وهذا من ألطف التخلصات وأحسنها وكذلك قوله يف قصيدته الفائية اليت أوهلا

فقال فيها ... ) أما الرسوم فقد أذكرن ما سلفا ( )فصاغها بيديه روضة أنفا ... غيداء جاد ولي الحسن سنتها ( ) بعذر من كان مشغوفا بها كلفا ... يضحي العذول على تأنيبه كلفا ( ) أراه من سفر التوديع منصرفا ... ودع فؤادك توديع الفراق فما ( وهذا أحسن من الذي قبله وأدخل يف ) لقوافي في أيب دلفا جهاده ل... تجاهد الشوق طورا ثم تجذبه (

باب الصنعة وكذلك جاء قوله

) منها طلول باللوى ورسوم ... زعمت هواك عفا الغداة كما عفت ( ) حسين كرمي أجل وأن أبا ال... ال والذي هو عالم أن النوى ( وهذا خروج من غزل إىل مديح ) نفسي على إلف سواك تحوم ... ما حلت عن سنن الوداد وال غدت (

أغزل منه ومن البديع يف هذا الباب قول أيب نواس من مجلة قصيدته املشهورة اليت أوهلا

فقال عند اخلروج إىل ذكر املمدوح ... ) ور أجارة بيتينا أبوك غي( ) عزيز علينا أن نراك تسري ... تقول التي من بيتها خف مركبي ( ) بلى إن أسباب الغنى لكثري ... أما دون مصر للغنى متطلب ( ) جرت فجرى في جريهن عبري ... ها بوادر فقلت لها واستعجلت( ومما جاء من التخلصات احلسنة قول أيب ) إىل بلد فيها اخلصيب أمري ... ذريني أكثر حاسديك برحلة (

الطيب املتنيب يف قصيدته الدالية اليت أوهلا ... ) حواسد عواذل ذات اخلال في( ) موارد ال يصدرن من ال يجالد ... وأورد نفسي واملهند يف يدي ( ) على حالة لم يحمل الكف ساعد ... ولكن إذا لم يحمل القلب كفه ( ) كم منهم الدعوى ومني القصائد ف... خليلي إني ال أرى غير شاعر ( وهذا هو الكالم اآلخذ بعضه برقاب ) ولكن سيف الدولة اليوم واحد ... فال تعجبا إن السيوف كثرية (

Page 335: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

إن أبا الطيب مجع بعضأال ترى إىل اخلروج إىل مدح املمدوح يف هذه األبيات كأنه أفرغ يف قالب واحدمث بني مدح نفسه ومدح سيف الدولة يف بيت واحد وهو من بدائعه املشهورة

وكذلك قوله أيضا وهو من أحسن ما أتى به من التخلصاتوهو يف قصيدته اليت أوهلا فقال يف أثنائها ... ) سرب محاسنه حرمت ذواتها ( ) ثبت الجنان كأنين لم آتيها ... تها ومطالب فيها الهالك أتي( ) أقوات وحش كن من أقواتها ... ومقانب بمقانب غادرتها ( ) أيدي بين عمران في جبهاتها ... أقبلتها غرر الجياد كأنما ( ) في ظهرها والطعن في لباتها ... لودها الثابتني فروسة كج( ) وكأنهم ولدوا على صهواتها ... فكأنها نتجت قياما تحتهم ( ) والمجد يغلبها على شهواتها ... تلك النفوس الغالبات على العال ( فانظر إىل هذين التخلصني البديعي ) بيدي أيب أيوب خير نباتها ... يت منابتها اليت سقت الورى سق(

فاألول خرج به إىل مدح قوم املمدوح والثاين خرج به إىل نفس املمدوح وكالمها قد أغرب فبه كل اإلغراب

وعلى هذا جاء قوله ) وإن قلت لم أترك مقاال لعالم ... رك مصاال لفاتك إذا صلت لم أت(

) عن ابن عبيد اهللا ضعف العزائم ... وإال فخانتين القوافي وعاقين ( اد األلفاظ واختيار والشعراء متفاوتون يف هذا الباب وقد يقصر عنه الشاعر املفلق املشهور باإلجاده يف إير

املعاين كالبحتري فإن مكانه من الشعر ال جيهل وشعره هو السهل املمتنع الذي تراه كالشمس قريبا ضوؤها بعيدا مكاهنا وكالقناه لينا مسها خشنا سناهنا وهو على احلقيقه قينة الشعراء يف اإلطراب وعنقاؤهم يف

الغزل إىل املديح بل اقتضبه اقتضابا ولقد حفظت شعره فلم اإلغراب ومع هذا فإنه مل يوفق يف التخلص من أجد له من ذلك شيئا مرضيا إال اليسري

كقوله يف قافية الباء من قصيدة ... ) وكفاني إذا الحوادث أظلمن شهابا بغرة ابن شهاب (

وكقوله يف قافية الدال من قصيدة ) يطلبن أرحبها محلة ماجد ... ان العراق ركابنا قصدت لنجر( ) في مطلب حتى تناخ بصاعد ... آليت ال تلقين جدا صاعدا (

وكقوله يف قصيدته اليت أوهلا ... ) حلفت لها باهللا يوم التفرق (

Page 336: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

إىل العراق من الشام ووصف العراق ومنازله ورياضه فأحسن يف ذلك كله مث خرج إىل فإنه تشوق فيها مدح الفتح بن خاقان بسياقة آخذ بعضها برقاب بعض فقال

مث أخذ يف مدحه بعد ذلك بضروب) غنى لعدمي أو فكاكا لموثق ... رباع من الفتح بن خاقان لم تزل ( من املعاين

وكذلك ورد قوله يف قصيدته اليت أوهلا فإنه وصف الربكة فأبدع يف أوصافها مث خرج منها إىل مدح اخلليفة ... ) ميلوا إىل الدار من ليلى نحييها (

املتوكلفقال وأحسن ما وجدته له وهو مما لطف فيه كل ) ديها يد الخليفة لما سال وا... كأنها حني لجت في تدفقها (

التلطيف قوله يف قصيدته اليت ميدح هبا ابن بسطام ومطلعها فقال عند ختلصه إىل املديح ... ) نصيب عينك من سح وتسجام ( ) ام أيامه لي في أعقاب أي... هل الشباب ملم بي فراجعة ( وهذا من املالئح يف هذا الباب ) إذا تطلبته عند ابن بسطام ... لو أنه بابل عمر جياذبه (

وله مواضع أخرى يسرية بالنسبة إىل كثرة شعره

وقال أبو العالء حممد بن غامن املعروف بالغامني إن كتاب اهللا خال من التخلص حقيقة التخلص إمنا هي اخلروج من كالم إىل آخر غريه بلطيفة تالئم بني الكالم وهذا القول فاسد ألن

الذي خرج منه والكالم الذي خرج إليه ويف القرآن الكرمي مواضع كثرية من ذلك كاخلروج من الوعظ والتذكري باإلنذار والبشارة باجلنة إىل أمر وهني ووعد ووعيد ومن حمكم إىل متشابه ومن صفة إىل لنيب مرسل وملك منزل إىل ذم شيطان مريد وجبار عنيد بلطائف دقيقة ومعان آخذ بعضها برقاب بعض

واتل عليهم نبأ إبراهيم إذ قال ألبيه وقومه ما تعبدون ( فما جاء من التخلص يف القرآن الكرمي قوله تعاىل أو يضرون قالوا بل وجدنا قالوا نعبد أصناما فنظل هلا عاكفني قال هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم

آباءنا كذلك يفعلون قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباءكم األقدمون فإهنم عدو يل إال رب العاملني الذي خلقين فهو يهدين والذي هو يطعمين ويسقني وإذا مرضت فهو يشفني والذي مييتين مث حييني والذي

حكما وأحلقين بالصاحلني واجعل يل لسان صدق يف أطمع أن يغفر يل خطيئيت يوم الدين ريب هب يل اآلخرين واجعلين من ورثة جنة النعيم واغفر أليب إنه كان من الضالني وال ختزين يوم يبعثون يوم ال ينفع ماال

وال بنون إال من أتى اهللا بقلب سليم وأزلفت اجلنة للمتقني وبرزت اجلحيم للغاوين وقيل هلم أينما كنتم ن اهللا هل ينصرونكم أو ينتصرون فكبكبوا فيها هم والغاوون وجنود إبليس أمجعون قالوا تعبدون من دو

وهم فيها خيتصمون تاهللا إن كنا لفي ضالل مبني إذ نسويكم برب العاملني وما أظلنا إال اجملرمون فما لنا من ) شافعني وال صديق محيم فلو أن لنا كرة فنكون من املؤمنني

ول ويسحر األلباب وفيه كفاية لطالب البالغة فإنه مىت أنعم فيه نظره وتدبر أثناءه هذا كالم يسكر العق ومطاوي حكمته على أن يف ذلك غىن عن تصفح الكتب

Page 337: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

املؤلفة يف هذا الفن أال ترى ما أحسن ما رتب إبراهيم عليه السالم كالمه مع املشركني حني سأهلم أوال عما مث أحنى على آهلتهمفأبطل أمرها بأهنا ال تضر وال تنفع وال تبصر وال يعبدون سؤال مقرر ال سؤال مستفهم

تسمع وعلى تقليد آبائهم األقدمني فكسره وأخرجه من ان يكون شبهة فضال عن أن يكون حجة مث أراد اخلروج من ذلك إىل ذكره اإلله الذي ال جتب العبادة إال له وال ينبغي الرجوع واإلنابة إال إليه فصور

على معىن إين فكرت يف أمري فرأيت عباديت هلا عبادة للعدو ) فإهنم عدو يل ( ة يف نفسه دوهنم بقوله املسألوهو الشيطان فاجتنبتها وآثرت عبادة من اخلري كله يف يده وأراهم بذلك أهنا نصيحة ينصح هبا

إىل القبول لقوله وأبعث نفسهلينظروا فيقولوا ما نصحنا إبراهيم إال مبا نصح به نفسه فيكون ذلك أدعى هلم على االستماع منه ولو قال فإهنم عدو لكم مل يكن بتلك املثابة فتخلص عند تصويره املسألة يف نفسه إىل ذكر اهللا تعالىفأجرى عليه تلك الصفات العظام من تفخيم شأنه وتعديد نعمه من لدن خلقه وأنشأه إىل

من ذلك أن من هذه صفاته حقيق بالعبادة واجب على حني وفاته مع ما يرجى يف اآلخرة من رمحتهليعلماخللق اخلضوع له واالستكانة لعظمتهثم خرج من ذلك إىل ما يالئمه ويناسبه فدعا اهللا بدعوات املخلصني وابتهل إليه ابتهال األوابينألن الطالب من مواله إذا قدم قبل سؤاله وتضرعه االعتراف بالنعمة كان ذلك

ح حلصول الطلبة مث أدرج يف ضمن دعائه ذكر البعث ويوم القيامة وجمازاة اهللا تعاىل من أسرع لإلجابة وأجنآمن به واتقاه باجلنة ومن ضل عن عبادته بالنار فجمع بني الترغيب يف طاعته والترهيب من معصيتهثم سأل

يء هبم وذكر ما املشركني عما كانوا يعبدون سؤاال ثانيا عند معاينة اجلزاء وهو سؤال موبخ هلم مستهزيدفعون إليه عند ذلك من الندم واحلسرة على ما كانوا فيه من الضالل ومتىن العودةليؤمنوافانظر أيها املتأمل

إىل هذا الكالم الشريف اآلخذ بعضه برقاب بعض مع احتوائه على ضروب من املعاين فيخلص من كل لب واحد فخرج من ذكر األصنام وتنفري أبيه واحد منها إىل اآلخر بلطيفة مالئمة حىت كأنه أفرغ يف قا

وقومه من عبادهتم إياها مع ما هي فيه من التعري عن صفات اإلهلية حيث ال تضر وال تنفع وال تبصر وال تسمع إىل ذكر اهللا تعاىل فوصفه بصفات اإلهلية فعظم شأنه

ئه إياه وخضوعه له مث خرج منه وعدد نعمهليعلم بذلك أن العبادة ال تصح إال له مث خرج من هذا إىل دعا إىل ذكر يوم القيامة وثواب اهللا وعقابه فتدبر هذه التخلصات اللطيفة املودعة يف أثناء هذا الكالم

ويف القرآن مواضع كثرية من التخلصات كالذي ورد يف سورة األعراففإنه ذكر فيها قصص األنبياء واألمم ذلك إىل قصة موسى عليه السالم حىت انتهى إىل آخرها الذي هو اخلالية من آدم إىل نوح عليهما السالم وك

واختار موسى قومه سبعني رجال مليقاتنا فلما أخذهتم الرجفة قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي ( أهتلكنا مبا فعل السفهاء منا إن هي إال فتنتك تضل هبا من تشاء وهتدي من تشاء أنت ولينا فاغفر لنا وارمحنا

خري الغافرين واكتب لنا يف هذه الدنيا حسنة ويف اآلخرة إنا هدنا إليك قال عذايب أصيب به من أشاء وأنتورمحيت وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون الذين يتبعون

باملعروف وينهاهم عن املنكر الرسول النيب األمي الذي جيدونه مكتوبا عندهم يف التوراة واإلجنيل يأمرهموحيل هلم الطيبات وحيرم عليهم اخلبائث ويضع عنهم إصرهم واألغالل اليت كانت عليهم فالذين آمنوا به

Page 338: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

) وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم املفلحون إىل عهد موسى عليه هذا تلخص من التخلصات احلسانفإن اهللا تعاىل ذكر األنبياء والقرون املاضية

( السالمفلما أراد ذكر نبينا ذكره بتخلص انتظم به بعض الكالم ببعض أال ترى أنه قال موسى عليه السالم قال عذايب أصيب به من أشاء ورمحيت ( فأجيب بقوله تعاىل ) واكتب لنا يف هذه الدنيا حسنة ويف اآلخرة

يتبعون ( ومن صفتهم كيت وكيت وهم الذين من حاهلم كذا وكذا) وسعت كل شيء فسأكتبها للذين مث وصفه صلوات اهللا عليه بصفاته إىل آخر الكالم ) الرسول النيب األمي

ويا هللا العجب كيف يزعم الغامني أن القرآن خال من التخلص ؟ أمل يكفه

وفيها عدة يوسف عليه السالم فإهنا قصة برأسها وهي مضمنه شرح حاله مع إخوته من أول أمره إىل آخره ختلصات يف اخلروج من معىن إىل معىن وكذلك إىل آخرها

ولو أخذت يف ذكر ما يف القرآن الكرمي من هذا النوع ألطلت ومن أنعم نظره فيه وجد من ذلك أشياء كثرية

وقد جاءين من التخلصات يف الكالم املنثور أشياء كثريةوسأذكر ههنا نبذة يسرية منها يف كتاب إىل بعض اإلخوان أصف فيه الربيع مث خرجت من ذلك إىل ذكر األشواق فمن ذلك ما أوردته

فقلت وكما أن هذه األوصاف يف شأهنا بديعة فكذلك شوقي يف شأنه بديع غري انه حلره فصل مصيف وهذا فصل ربيع فأنا أملي أحاديثه العجيبة على النوى وقد عرفت حديث من قتله الشوق فال أستفض حديث من

ه اهلوى قتلومن هذا األسلوب ما كتبته يف كتاب إىل بعض اإلخوان أيضا وأرسلته إليه من بالد الروم وهو كتاب

يشتمل على وصف الربد وما القيته منه مث خرجت من ذلك إىل ذكر الشوق فقلت ومما أشكوه من بردها فح اهلواجر ولفظ شدته مل أجد ما أن الفرو ال يلبس إال يف شهر ناجر وهو قائم مقام الظل الذي يتربد من ل

حيققه فضال عما يذهبه فإن النار املعدة له تطلب من الدفء أيضا ما أطلبه لكن وجدت نار أشواقي أشد حرا فاصطليت جبمرها اليت ال تذكي بزناد وال تئول إىل رماد وال يدفع الربد الوارد على اجلسد بأشد من

خلة خبلة واستشفى من علة بعلة وأقتل ما أغلك ما شفاك فما حر الفؤاد غري أين كنت يف ذلك كمن سد ظنك مبن يصطلي نار األشواق وقد قنع من أخيه باألوراق فظن عليه باألوراق

ينتظم يف هذا العقد ما ذكرته يف مفتتح كتاب يتضمن عناية ببعض املتظلمني فاستطردت فيه املعىن إذ ذكر من هدايا األموال وأبقى على تعاقب األيام والليال وقد محل هذا املكتوب إليهوهو هدايا املكارم أنفس

الكتاب منها هدية تورث محدا وتكسب جمدا وهي خري ثوابا وخري مردا وال يسري هبا إال سجية طبعت على الكرم وخلقت من عنصر الدمي كسجية موالنا أعاله اهللا علوا تفخر به األرض على السماء وحتسده مشس

م الظلماءوال زالت أياديه خمجلة صوب الغمام معدية على نوب األيام مغنية بشرف فضلها على النهار وجنوشرف األخوال واألعمام وتلك اهلدية هي جتريد الشفاعة يف أمر فالن ومن إميان املرء سعيه يف حاجة أخيه

تت مراتبهم ومن صفتهم وإن مل ميسه بشيء من أسباب أواخيه فإن املؤمنني إخوة وإن تباينت مناسبهم وتفاو

Page 339: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

أن يسعى بذمتهم أدناهم وخريهم من عناه من األمر ما عناهم مث مضيت على هذا النهج إىل آخر الكتاب ومن ذلك ما كتبته من كتاب إىل صديق استحدثت مودته وهو من أهل العراق وكنت اجتمعت به باملوصل

اطقة بلسان الشوق الذي تزف كلمه زفيف مث سار عين فكتبت إليه أستهديه رطبافقلت هذه املكاتبة ناألوراق وتسجع سجع ذوات األطواق وهتتف وهي مقيمة باملوصل فتسمع من هو مقيم بالعراق وأبرح

الشوق ما كان عن فراق غري بعيد وود استجدت حلته واللذة مقترنة بكل شيء جديد وأرجو أال يبلى قدم جلن واإلنس حىت ال خيشى جنة وال بأسا وقد قيل إن للمودات األيام هلذه اجلدة لباسا وأن يعاذ من نظرة ا

طعما كما أن هلا ومسا وإن ذا اللب يصادق نفسا قبل أن يصادق جسما وإين ألجد ملودة سيدنا حالوة يستلذ دوامها وال ميل استطعامها وقد أذكرتين اآلن حبالوة الرطب الذي هو من أرضها وغري عجيب ملناسبة

بعضها ببعضها إال أن هذه احلالوة تنال باألفواه وتلك تنال باألسرار وفرق بني ما يغترس األشياء أن يذكرباألرض وما يغترس بالقلب يف شرف الثمار فال ينظر سيدنا علي يف هذا التمثيل ولرمبا كان ذلك تعريضا

ينوب مناب التطفيل ىل وهذا من التخلصات البديعةفانظر أيها املتأمل كيف سقت الكالم إ

ISLAM ICBOOK.WS ين| ٢٠١٠ م لمسل احة لجميع ا مت ق لحقو ع ا جمي

Page 340: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

لشاعر: كتاب وا لكاتب ا أدب ئر يف لسا ملثل ا اعبدالكرمي املوصلي : املؤلف بن بن حممد نصراهللا الدين لفتح ضياء ا أيب

الرطب وجعلت بعضه آخذا برقاب بعض حىت كأنه يف قالب واحد ؟ وكذلك فليكن التخلص من معىن إىل معىن

وهذا القدر من األمثلة كاف للمتعلم النوع يف الشعر قول ابن الزمكرم املوصلي وهو ومما أستظرف من هذا

) وبرد أغانيه وطول قرونه ... وليل كوجه البرقعيدي مظلم ( ) كعقل سليمان بن فهد ودينه ... سريت ونومي فيه نوم مشرد ( ) أبو جابر يف خبطه وجنونه ... نه على أولق فيه التفات كأ( وهذه األبيات هلا حكاية وذاك أن هذا ) سنا وجه قرواش وضوء جبينه ... إىل أن بدا ضوء الصباح كأنه (

يف املمدوح وهو شرف الدولة قرواش ملك العرب وكان صاحب املوصلفاتفق أنه كان جالسا مع ندمائهليلة من ليايل الشتاء ويف مجلتهم هؤالء الذين هجاهم الشاعر وكان الربقعيدي مغنيا وسليمان بن فهد وزيرا

وأبو جابر حاجبا فالتمس شرف الدولة من هذا الشاعر أن يهجو املذكورين وميدحه فأنشد هذه األبيات ة التخلص وحدها حىت رقي يف معانيه ارجتاال وهي غريبة يف باهبا مل يسمع مبثلها ومل يرض قائلها بصناع

املقصودة إىل أعلى منزلة فابتدأ البيت األول يهجو الربقعيديفجاءه يف ضمن مراده ذكر أوصاف ليل الشتاء مجيعها وهي الظلمة والربد والطول مث إن هذه األوصاف الثالثة جاءت مالئمة ملا شبهت به مطابقة له

إىل املديح بألطف وجه وأدق صنعة وهذا يسمى االستطراد وما وكذلك البيت الثاين والثالث مث خرج مسعت يف هذا الباب بأحسن من هذه األبيات

ومما جيري على هذا األسلوب ما ورد ألبن احلجاج البغدادي وهي أبيات لطيفة جدا ) بأني حاسد لك طول عمري ... أال يا ماء دجلة لست تدري (

) عليك فلم تكن يا ماء تجري ... ولو أني استطعت سكرت سكرا ( ) بم استوجبته يا ليت شعري ... فقال املاء ما هذا عجيب ( ) تمر على أبي الفضل بن بشر ... فقلت له ألنك كل يوم ( وما علمت معىن يف هذا املقصد ألطف وال ) يضيق عن احتمالك فيه صبري ... تراه وال أراه وذاك شيء (

ارق وال أعذب وال أحلى من هذا اللفظ ويكفي ابن احلجاج من الفضيلة أن يكون له مثل هذه األبيات دهم من الرقة واللطافة وفات من تقدمهم ملا عندهم من قشف وال تظن أن هذا شيء انفرد به احملدثون ملا عن

العيش وغلظ الطبع بل قد تقدم أولئك إىل هذا األسلوب وإن أقلوا منه وأكثر منه احملدثون وأي حسن من حماسن البالغة والفصاحة مل يسبقوا إليه ؟ وكيف ال وهم أهله ومنهم علم وعنهم أخذ ؟

فمن ذلك ما جاء للفرزدق وهو

Page 341: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

) لها ترة من جذبها بالعصائب ... وركب كأن الريح تطلب عندهم ( ) إىل شعب األكوار من كل جانب ... سروا يخبطون الليل وهي تلفهم (

حذف

فانظر إىل هذا االستطراد ما أفحله ) رت أيديهم نار غالب وقد خص... إذا آنسوا نارا يقولون ليتها ( ! ! وأفخمه

واعلم أنه قد يقصد الشاعر التخلص فيأيت به قبيحا كما فعل أبو الطيب املتنيب يف قصيدته اليت أوهلا ... ) ملث القطر أعطشها ربوعا (

فقال عند اخلروج من الغزل إىل املديح ) وأصبح كل مستور خليعا ... غدا بك كل خلو مستهاما ( وهذا ختلص كما تراه بارد ليس عليه من مسحة ) ثبريا وابن إبراهيم ريعا ... أحبك أو يقولوا جر نمل (

لسالك هذه الطريق أن ينظر إىل ما اجلمال شيء وههنا يكون االقتضاب أحسن من التخلصفينبغي يصوغهفإن واتاه التخلص حسنا كما ينبغي وإال فليدعه وال يستكرهه حىت يكون مثل هذا كما فعل أبو

الطيب وهلذا نظائر وأشباه وقد استعمل ذلك يف موضع آخر يف قصيدته اليت أوهلا ... ) أحيا وأيسر ما قاسيت ما قتال (

فقال واإلضراب عن مثل هذا التخلص ) إلى اليت تركتني في اهلوى مثال ... ل األمري يرى ذلي فيشفع لي ع(

خري من ذكره وما ألقاه يف هذه اهلوة إال أبو نواسفإنه قال على أن أبا نواس أخذ ذلك من ) يجمع بيننا هواك لعل الفضل ... سأشكو إلى الفضل بن يحيى بن خالد (

قيس بن ذريح لكنه أفسده ومل يأت به كما أتى به قيس ولذلك حكاية وهو أنه ملا هام بلبىن يف كل واد وجن هبا رق له الناس ورمحوه فسعى له ابن عتيق إىل أن طلقها من زوجها وأعادها إىل قيس فزوجها

إياهفقال عند ذلك ) على اإلحسان خيرا من صديق ... الرحمن أفضل ما يجازي جزى( ) فما ألفيت كابن أيب عتيق ... وقد جربت إخواني جميعا ( ) ورأي حرت فيه عن طريقي ... سعى يف جمع شملي بعد صدع ( وبني هذا الكالم وبني كالم أيب نواس بون ) أغصتني حرارتها بريقي ... كانت بقلبي وأطفى لوعة (

بعيدوقد حكي عن ابن أيب عتيق أنه قال يا حبييب امسك عن هذا املديح فما يسمعه أحد إال ظنين قوادا

واستئناف كالم آخر غريهبال وأما االقتضاب فهو الذي أشرنا إليه يف صدر هذا النوع وهو قطع الكالم عالقة تكون بينه وبينه

Page 342: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

أما " فمن ذلك ما يقرب من التخلص وهو فصل اخلطاب والذي أمجع عليه احملققون من علماء البيان أنه ألن املتكلم يفتتح كالمه يف كل أمر ذي شأن بذكر اهللا وحتميده فإذا أراد أن خيرج إىل الغرض " بعد

" أما بعد " بني ذكر اهللا تعاىل بقوله املسوق إليه فصل بينه ووهي عالقة وكيدة بني اخلروج من كالم إىل كالم " هذا " ومن الفصل الذي هو أحسن من الوصل لفظه

واذكر عبادنا إبراهيم وإسحق ويعقوب أويل األيدي واألبصار إنا أخلصناهم ( آخر غريه كقوله تعاىل طفني األخيار واذكر إمسعيل واليسع وذا الكفل وكل من األخيار خبالصة ذكرى الدار وإهنم عندنا ملن املص

) هذا ذكر ( أال ترى إىل ما ذكر قبل ) هذا ذكر وإن للمتقني حلسن مآب جنات عدن مفتحة هلم األبواب ( من ذكر من األنبياء عليهم السالم وأراد أن يذكر على عقبه بابا آخر غريه وهو ذكر اجلنة وأهلها فقال

مث ملا أمت ذكر أهل اجلنة وأراد أن يعقبه بذكر أهل النار قال ) وإن للمتقني حلسن مآب ( مث قال ) هذا ذكر وذلك من فصل اخلطاب الذي هو ألطف موقعا من التخلص ) هذا وإن للطاغني لشر مآب (

ل الشاعر يف الشعر إال أن ورودها فيه قليل بالنسبة إىل الكالم املنثورفمن قو" هذا " وقد وردت لفظة املعروف باخلباز البلدي يف قصيدة أوهلا

... ) العيش غض والزمان غرير ( ) ويروق لي بالجاشرية زيره ... إني ليعجبني الزنا يف سحرة ( ) الستور أطري ضوء الصباح من ... وأكاد من فرح السرور إذا بدا ( ) للغيم يف جنباتها تكسري ... وإذا رأيت اجلو يف فضية ( ) فيروزج قد زانه بلور ... منقوشة صدر البزاة كأنه (

) ها املغرور فرص املنى يأي... نادت بي اللذات ويحك فانتهز ( ) أهوى سقاة الكأس حني تجور ... مل بي إىل جور السقاة فإنني ( ) أنا من بقايا شربها مخمور ... هذا وكم لي بالجنينة سكرة ( ) مروزها مذعور واملاء بين... باكرتها وغصونها مغروزة ( هذه األبيات حسنة وخروجها من شدق هذا ) والكأس والمزمار والطنبور ... في ستة أنا والندمي وقينة (

الرجل اخلباز عجيب ولو جاءت يف شعر أيب نواس لزانت ديوانه إليه قطرة من حبروال يكاد يوجد التخلص يف واالقتضاب الوارد يف الشعر كثري ال حيصى والتخلص بالنسبة

شعر الشاعر اجمليد إال قليال بالنسبة إىل املقتضب من شعره فمن االقتضاب قول أيب نواس يف قصيدته النونية اليت أهلا

... ) يا كثري النوح في الدمن ( األلف ال منزلة النون إال أنه مل يكمل وهذه القصيدة هي عني شعره واملالحة للعيون وهي تنزل منه منزلة

حسنها بالتخلص من الغزل إىل املديح بل اقتضبه اقتضابافبينا هو يصف اخلمر ويقول ) كرهت مسموعه أذني ... فاسقين كأسا على عذل (

Page 343: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

) خير ما سلسلت في بدني ... من كميت اللون صافية ( ) فدرى ما لوعة الحزن ... ما استقرت في فؤاد فىت (

حىت قال ) قام باآلثار والسنن ... تضحك الدنيا إىل ملك ( ذا والتخلص غري فأكثر مدائح أيب نواس مقتضبة هك) فكأن البخل لم يكن ... سن للناس الندى فندوا (

ممكن يف كل األحوال وهو من مستصعبات علم البيان ومن هذا الباب الذي حنن بصدد ذكره قول البحتري يف قصيدته املشهورة باجلودة اليت مدح هبا الفتح بن

خاقان وذكر لقاءه األسد وقتله إياه وأوهلا أمهات شعره ومع ذلك مل يوفق فيها للتخلص من الغزل إىل وهي من ... ) أجدك ما ينفك يسري لزينبا (

املديح فإنه بينما هو يف تغزله وهو يقول ) جهاما وإن أبرقت أبرقت خلبا ... عهدتك إن منيت موعدا ( ) إال تجنبا دالل فما إن كان... وكنت أرى أن الصدود الذي مضى ( حىت قال يف أثر ذلك ) وآمن خوافا وأعتب مذنبا ... فوا أسفا حتام أسأل مانعا ( ) على عجل قطعا من الليل غيهبا ... أقول لركب معتفني تدرعوا ( فخرج إىل املديح بغري وصلة وال سبب ) أعم ندى فيكم وأيسر مطلبا ... ان إنه ردوا نائل الفتح بن خاق(

وكذلك قوله يف قصيدته املشهورة باجلودة اليت مدح هبا الفتح بن خاقان

أيضاوذكر جناته عند اخنساف اجلسر به وقد أغرب فيها كل اإلغراب وأحسن كل اإلحسان وأوهلا فبينا هو يف غزهلا حىت قال ... ) ح برق أو بدا طلل قفر مىت ال( فخرج إىل املديح مقتضبا له ال ) إذا بقي الفتح بن خاقان والقطر ... لعمرك ما الدنيا بناقصة الجدى (

متعلقا به وأمثال هذا يف شعره كثري

النوع الرابع والعشرون

التناسب بني املعاين يف

وينقسم إىل ثالثة أقسام القسم األول يف املطابقة وهذا النوع يسمى البديع أيضا وهو يف املعاين ضد التجنيس يف األلفاظألن التجنيس هو أن يتحد اللفظ مع

اختالف املعىن وهذا هو أن يكون املعنيان ضدين الكالم هي اجلمع بني الشيء وضدهكالسواد والبياض وقد أمجع أرباب هذه الصناعة على أن املطابقة يف

والليل والنهار وخالفهم يف ذلك قدامة بن جعفر الكاتب فقال املطابقة إيراد لفظني متساويني يف البناء والصيغة خمتلفني يف

Page 344: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

املعىن وهذا الذي ذكره هو التجنيس بعينه غري أن األمساء ال مشاحة فيها إال إذا كانت مشتقة

ر حنن يف ذلك وهو أن نكشف عن أصل املطابقة يف وضع اللغة وقد وجدنا الطباق يف اللغة من طابق ولننظالبعري يف سريه إذا وضع رجله موضع يده وهذا يؤيد ما ذكره قدامةألن اليد غري الرجل ال ضدها واملوضع

دفقدامة مسى هذا النوع الذي يقعان فيه واحد وكذلك املعنيان يكونان خمتلفني واللفظ الذي جيمعهما واحمن الكالم مطابقا حيث كان االسم مشتقا مما مسي به وذلك مناسب وواقع يف موقعه إال أنه جعل للتجنيس

امسا آخر وهو املطابقة وال بأس به إال إن كان مثله بالضدينكالسواد والبياضفإنه يكون قد خالف األصل الذي أصله باملثال الذي مثله

اب هذه الصناعة فإهنم مسوا هذا الضرب من الكالم مطابقا لغري اشتقاق وال مناسبة بينه وأما غريه من أرب وبني مسماه هذا الظاهر لنا من هذا القول إال أن يكونوا قد علموا لذلك مناسبة لطيفة مل نعلمها حنن

ولنرجع إىل ذكر هذا القسم من التأليف وإيضاح حقيقتهفنقول يسمى هذا النوع املقابلةألنه ال خيلو احلال فيه من وجهني إما أن يقابل الشيء األليق من حيث املعىن أن

بضده أو يقابل مبا ليس بضده وليس لنا وجه ثالث فإنه ينقسم قسمني أحدمها -وهو مقابلة الشيء بضده كالسواد والبياض وما جرى جمرامها - فأما األول

عىن دون اللفظ مقابلة يف اللفظ واملعىن واآلخر مقابلة يف املفقابل بني الضحك والبكاء ) فليضحكوا قليال وليبكوا كثريا ( أما املقابلة يف اللفظ واملعىن فكقوله تعاىل

من أحسن ما جييء ) لكيال تأسوا على ما فاتكم وال تفرحوا مبا آتاكم ( والقليل والكثري وكذلك قوله تعاىل " ني ساهرة لعني نائمة خري املال ع" يف هذا الباب وقال رسول اهللا

ومن احلسن املطبوع الذي ليس مبتكلف قول علي رضي اهللا عنه لعثمان رضي اهللا عنه إن احلق ثقيل مرىء والباطل خفيف ويبء وأنت رجل إن صدقت سخطت وإن كذبت رضيتفقابل احلق بالباطل والثقيل املريء

قابالت يف هذه الكلمات القصار باخلفيف الويبء والصدق بالكذب والسخط بالرضا وهذه مخس م وكذلك ورد قوله رضي اهللا عنه ملا قال اخلوارج ال حكم إال هللا تعاىل هذه كلمة حق أريد هبا باطل

وقال احلجاج بن يوسف لسعيد بن جبري رضي اهللا عنه وقد أحضره بني يديه ليقتله فقال له ما امسك ؟ قال سعيد بن جبري قال بل أنت شقي بن كسري

د كان احلجاج من الفصحاء املعدودين ويف كالمه هذا مطابقة حسنةفإنه نقل االمسني إىل ضدمها فقال يف وق سعيد شقي ويف جبري كسري

وهذا النوع من الكالم مل ختتص به اللغة العربية دون غريها من اللغات ونه ومما وجدته يف لغة الفرس أنه ملا مات قباذ أحد ملوكهم قال وزيره حركنا بسك

وأول كتاب الفصول ألبقراط يف الطب قوله العمر قصري والصناعة طويلة وهذا الكتاب على لغة اليونان

Page 345: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

ومن كالمي يف هذا الباب ما كتبته يف صدر مكتوب إىل بعض اإلخوان وهو صدر هذا الكتاب عن قلب ر مقيم وجسد سائر وصرب مليم وجزع عاذر وخاطر أدهشته لوعة الفراق فليس خباط

وكذلك كتبت إىل بعض اإلخوان أيضا فقلت صدر هذا الكتاب عن قلب مأنوس بلقائه وطرف مستوحش لفراقه فهذا مروع بكآبة إظالمه وهذا ممتنع ببهجة إشراقه غري أن لقاء القلوب لقاء عنيت مبثله خواطر

ه بلقاء األرواح على لقاء األفكار وتتناجى به من وراء األستار وذلك أخو الطيف امللم يف املنام الذي ميو األجسام

ومن هذا النوع ما ذكرته يف كتاب أصف املسري من دمشق إىل املوصل على طريق املناظر فقلت من مجلته مث نزلت أرض اخلابور فغربت األرواح وشرقت اجلسوم وحصل اإلعدام من املسار واإلنزال من اهلموم

إىل ظل اآلمال واآلمال مشمسة وطالبتين النفس بالعود والقدرة مفلسة وأويتومن ذلك ما ذكرته يف مجلة كتاب إىل بعض اإلخوان وعرضت فيه بذكر مجاعة من أهل األدب فقلت وهم

مسئولون أال ينسوين يف نادي فضلهم الذي هو منبع اآلمال وملتقط الآلل فوجوه ألفاظه مشرقة بأيدي واطر املتوقدة والواغل إليه يسكر من مخرته اليت تنبه العقول األقالم املتسودة وقلوب معانيه مستنبطة بنار اخل

من إغفائها وال يشرهبا أحد غري أكفائها

وهذه الفصول املذكورة ال خفاء مبا تضمنته من حماسن املقابلة ومما ورد من هذا النوع شعرا قول جرير

وهكذا ورد قول الفرزدق ) ا ليله فبصري فأعمى وأم... أعور من نبهان أما نهاره ( ) ال يغدرون وال يفون بجار ... قبح اإلله بين كليب إنهم ( نوم فقابل بني الغدر والوفاء وبني التيقظ وال) وتنام أعينهم عن األوتار ... يستيقظون إىل نهيق حمارهم (

ويف البيت األول معىن يسأل عنه وكذلك ورد قول بعضهم

وقد أكثر أبو متام من هذا يف ) وال البخل يبقي املال والجد مدبر ... فال الجود يفين املال واجلد مقبل ( شعره فأحسن يف موضع وأساء يف موضعفمن إحسانه قوله

وكذلك قال من هذه القصيدة أيضا ) إال بحيث ترى المنايا سودا ... حساب بيضا وضحا ما إن ترى األ( وعلى هذا النهج ورد قوله ) خلق املناسب ما يكون جديدا ... شرف على أولى الزمان وإنما ( ) غدت من خليجي كفه وهي متبع ... ىء إذا كانت النعمى سلوبا من امر( ) بوحدته ألفيتها وهي مجمع ... وإن عثرت بيض الليايل وسودها ( ) بسمر العوالي والنفوس تضيع ... ويوم يظل العز يحفظ وسطه ( ) ولكنه من وابل الدم مربع ... يف من اهليجا ومن جاحم الوغى مص(

Page 346: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

ومن هذا األسلوب قوله أيضا ) سالحها وهو اإلرقال والرمل ... تقرب الشقة القصوى إذا أخذت ( ) كانت هي العز إال أنها ذلل ... إذا تظلمت من أرض فصلت بها ( وعلى هذا النحو ورد قوله ) واهلادياتك وهي الشرد الضلل ... املرضياتك ما أرغمت آنفها ( ) طالع المرط والدرع البدي ... وناضرة الصباحني اسبكرت ( وقد جاء أليب نواس ذلك فقال ) إذا قامت ومن نصف بطي ... شكى األين من نصف سريع ت( ) وباإلقرار عدت من اجلحود ... أقلني قد ندمت على الذنوب ( فقابل بني األضداد من اجلحود ) ت سخطك من بعيد كما استعفي... أنا استهديت عفوك من قريب (

واإلقرار والعفو والسخط والقرب والبعد

وعلى حنو من ذلك ورد قول علي بن جبلة يف أيب دلف العجلي وهو ) يوماك يوم أبؤس وأنعم ... أيم املهري ونكاح األيم ( وكذلك قوله أيضا ... ) مقسم ومجع مجد وندى ( ) يمر على أيامه الدهر أو يحلو ... هو األمل المبسوط واألجل الذي ( ) وإن كان في تصريفها النقض والفعل ... وال تحسن األيام تفعل فعله ( ومما جاء من هذا القسم قول ) مباح وأما اجلار فهو حمى بسل ... الشراء فمسلم فعش واحدا أما(

البحتري ) أحسن اهللا في ثوابك عن ثغر مضاع أحسنت فيه البالء ( ومن أحسن ما ورد له يف هذا الباب قوله ) ضاء فأجدى ومظلما فأ... كان مستضعفا فعز ومحروما ( ) بخال وإمالقا تقصفها اليد ... أشكو إليك أنامال ما تنطوي (

) فعال وتلك قضية ال تقصد ... أرضيهم قوال وال يرضونين ( وعلى هذا النهج ورد قوله ) سامحتهم فحمدت ما ال يحمد ... فأذم منهم ما يذم وربما( ) والعدل أن أتوقع اإلحسانا ... وتوقعي منك اإلساءة جاهدا ( الطيب املتنيب فإنه استعمل وأما أبو) فكذاك فاخش خشونيت غضبانا ... وكما يسرك لني مسي راضيا (

هذا النوع قليال يف شعرهفمن ذلك قوله وكذلك قوله ) كثري إذا شدوا قليل إذا عدوا ... ثقال إذا القوا خفاف إذا دعوا ( ) تجمع في تشتيته للعال شمل ... إىل رب مال كلما شنت شمله (

تعذبته من قوله يف هذا الباب ومما اس ومما جاء من هذا الباب ) فيينهما يف كل هجر لنا وصل ... كأن سهاد الليل يعشق مقلتي ( ) عبراتنا عنا بدفع ناطق ... لما اعتنقنا للوداع وأعربت (

Page 347: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

وهذا حتته معىن يسأل عنه غري املقابلة ) وجمعن بين بنفسج وشقائق ... ر ومحاجر فرقن بين معاج( وذهب بعض أهل العلم إىل أن املراد بالبنفسج والشقائق هو عارض الرجل وخد املرأةألن من العادة أن

يشبه العارض بالبنفسج نفسج عند أول ظهوره فإذا طر وظهرت خضرته يف ابتداء وهذا قول غري سائغ ألن العارض إمنا يشبه بالب

سن الشباب شبه بالبنفسجألنه يكون بني األخضر واألسود وليس يف الشعر ما يدل على أن املودع كان شابا قد طر عارضهوالذي يقتضيه املعىن أن املرأة قامت للوداع فمزقت مخارها ولطمت خدهافجمعت بني

ج وبني لون اخلد وهو شبيه الشقائق وفرقت بني مخارها وبني وجهها بالتمزيق أثر اللطم وهو شبيه بالبنفس وهلا وموجدة على الوداعهذا هو معىن البيت ال ما ذهب إليه هذا الرجل

وأما املقابلة يف املعىن دون اللفظ يف األضداد فمما جاء منه قول املقنع الكندي من شعراء احلماسة

كثر " تتابع يل غىن مبعىن قوله " فقوله ) وإن قل مالي لم أكلفهم رفدا ... ابع لي غنى لهم جل مايل إن تت( فهو إذا مقابلة من جهة املعنىال من جهة اللفظألن حقيقة األضداد اللفظية إمنا هي يف املفردات من " مايل

القعود واحلل ضد العقد والقليل ضد الكثريفإذا األلفاظ حنو قام وقعد وحل وعقد وقل وكثرفإن القيام ضد ترك املفرد من األلفاظ وتوصل إىل مقابلته بلفظ مركب كان ذلك مقابلة من جهة املعىن ال من جهة

يف معىن كثر مايل وهذه مقابلة معنوية ال لفظية فاعرف ذلك " تتابع يل غىن " اللفظكقول هذا الشاعر ه فهي ضربان أحدمها أال يكون مثال واآلخر أن يكون مثال وأما مقابلة الشيء مبا ليس بضد

فالضرب األول يتفرع إىل فرعني األول ما كان بني املقابل واملقابل نوع مناسبة وتقارب كقول قريط بن أنيف

قابل الظلم باملغفرة وليس ضدا ف) ومن إساءة أهل السوء إحسانا ... يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة ( هلا وإمنا هو ضد العدل إال أنه ملا كانت املغفرة قريبة من العدل حسنت املقابلة بينها وبني الظلم

الرمحة ليست ضدا للشدة وإمنا ضد الشدة ) أشداء على الكفار رمحاء بينهم ( وعلى هذا جاء قوله تعاىل اللني حسنت املقابلة بينها وبني الشدة اللني إال أنه ملا كانت الرمحة من مسببات

) إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل ( وكذلك ورد قوله تعاىل املصيبة سيئةألن كل مصيبة سيئة وليس كل سيئة مصيبة فالتقابل ههنا من جهة العام واخلاص

عد وذاك مما ال حيسن استعماله كقول أم النحيف وهو سعد بن الفرع الثاين ما كان بني املقابل واملقابل به ب قرط وقد تزوج امرأة كانت هنته عنها فقالت من أبيات تذمها فيها

) سترمي بها يف جاحم متسعر ... تربص بها األيام عل صروفها ( ) ذمومة األخالق واسعة الحر بم... فكم من كرمي قد مناه إهله (

بضيقة األخالق " من املقابلة البعيدة بل األوىل أن كانت قالت " مبذمومة األخالق واسعة احلر " فقوهلا حىت تصح املقابلة " واسعة احلر

Page 348: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

طبعه ال بتكلفة وهذا مما يدل على ان العريب غري مهتد إىل استعمال ذلك بصنعته وإمنا جييء له منه ما جييء بوإذا أخطأ فإنه ال يعلم اخلطأ وال يشعر به والدليل على ذلك أنه لو أبدلت لفظة مذمومة بلفظه ضيقة لصح

الوزن وحصلت املقابلة وإمنا يعذر من يعذر يف ترك املقابلة يف مثل هذا املقام إذا كان الوزن ال يواتيه ف ما كانت العرب عليه ال جرم أهنم أشد مالمة من وأما احملدثون من الشعراء فإهنم اعتنوا بذلك خال

العرب فمن ذلك قول أيب الطيب املتنيب

فإن املقابلة الصحيحة بني احملب ) سرور محب أو مساءة مجرم ... لمن يطلب الدنيا إذا لم يرد بها ( أيضا حىت يقرب احلال فيها وإمنا هي بعيدةفإنه ليس كل من واملبغض ال بني احملب واجملرم وليست متوسطة

أجرم إليك كان مبغضا لك

وكان ينبغي أن " املواخاة بني املعاين واملواخاة بني املباين " ومما يتصل هبذا الضرب ضرب من الكالم يسمى نعقد له بابا مفردا لكنا ملا رأيناه ينظر إىل التقابل من وجه وصلناه به

واخاة بني املعاين فهو أن يذكر املعىن مع أخيه ال مع األجنبيمثاله أن تذكر وصفا من األوصاف وتقرنه أما امل مبا يقرب منه ويلتئم به فإن ذكرته مع ما يبعد منه كان ذلك قدحا يف الصناعة وإن كان جائزا

فمن ذلك قول الكميت فإن الدل يذكره مع الغنج وما أشبهه ) ن تكامل فيها الدل والشنب وإ... أم هل ظعائن بالعلياء رافعة (

والشنب يذكر مع اللعس وما أشبهه وهذا موضع يغلظ فيه أرباب النظم والنثر كثريا وهو مظنة الغلط ألنه حيتاج إىل ثاقب فكرة وحذق حبيث توضع املعاين مع أخواهتا ال مع األجنيب منها

أم هل ظغائن " تاب األغاين أليب الفرج أنه اجتمع نصيب والكميت وذو الرمة فأنشد الكميت وقرأت يف كفقعد نصيب واحدةفقال له الكميت ماذا حتصي ؟ قال خطأكفإنك تباعدت يف القول أين الدل " البيت -

من الشنب ؟ أال قلت كما قال ذو الرمة

ورأيت أبا نواس يقع يف ذلك كثرياكقوله ) يف اللثاث ويف أنيابها شنب و... لمياء يف شفتيها حوة لعس ( يف وصف الديك

) وجلده يشبه وشي البرد ... له اعتدال وانتصاب قد ( الظهر وقرنه بذكر اجلد وهذا ال فإنه ذكر) محدودب الظهر كرمي الجد ... كأنها الهداب يف الفرند (

يناسب هذاألن الظهر من مجلة اخللق واجلد من النسب وكان ينبغي أن يذكر مع الظهر ما يقرب منه ويواخيه أيضا

وكذلك أخطأ أبو نواس يف قوله ) مبرورة ال تكذب ... وقد حلفت يمينا ( فإن ذكر احلوض مع زمزم والصفا واحملصب غري مناسب ) الصفا واملحصب و... برب زمزم واحلوض (

Page 349: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

وإمنا يذكر احلوض مع الصراط وامليزان وما جرى جمرامها وأما زمزم والصفا واحملصب فيذكر معها الركن واحلطيم وما جرى جمرامها

وعلى هذا األسلوب ورد قوله أيضا ) منزل حمارة وحمار ... أحسن من منزل بذي قار( فالبيت الثاين ال مقارنة بني صدره وعجزه وأين شم ) أحسن من أينق بأكوار ... وشم ريحانة ونرجسة (

الرحيان من األينق باألكوار ؟ وكان ينبغي له أن يقول شم الرحيان أحسن من شم الشيح والقيصوم وركوب فتيات الرود أحسن من ركوب األينق باألكوار وكل هذا ال يتفطن لوضعه يف مواضعه يف كل األوقات ال

وقد كان يغلب علي السهو يف بعض األحوال حىت أسلك هذه الطريق يف وضع املعاين مع غري أنساهبا وأقارهبا مث إين كنت أتأمل ما صنعته بعد حني فأصلح ما سهوت عنه

املباين فإنه يتعلق مبباين األلفاظ وأما املواخاة بني فمن ذلك قول أيب متام يف وصف الرماح

) والروم زرقتها والعاشق القضفا ... مثقفات سلبن العرب سمرتها (

ولو صح أن وهذا البيت من أبيات أيب متام األفراد غري أن فيه نظرا وهو قوله العرب والروم مث قال العاشق يقول العشاق لكان أحسنإذ كانت األوصاف جتري على سنن واحد وكذلك قوله مسرهتا وزرقتها مث قال

القضفا وكان ينبغي أن يقول قضفها أو دقتها وعلى هذا ورد قول مسلم بن الوليد

) واسترجعت نزاعها األمصار... نفضت بك األحالس نفض إقامة ( واألحسن أن يقال السهل والوعرأو ) يثين عليها السهل واألوعار ... فاذهب كما ذهبت غوادي مزنة (

السهول واألوعارليكون البناء اللفظي واحدا أي أن يكون اللفظان واردين على صيغة اجلمع واإلفراد وال يكون أحدمها جمموعا واآلخر مفردا

ك ورد قول أيب نواس يف اخلمر وكذلالنظراء ( فجمع وأفرد يف معىن واحد وهو أنه قال ) جلت عن النظراء واملثل ... صفراء مجدها مرازبها ( مفردا وكان األحسن أن يقول النظري واملثل أو النظراء واألمثال ) املثل ( جمموعا مث قال )

له أيضا واإلنكار يتوجه فيه أكثر من األول وهو وعلى ذلك ورد قو

) أما واهللا ما ماتوا لتبقى ... أال يا ابن الذين فنوا فماتوا ( ) آجاال ورزقا ( وموضع اإلنكار ههنا أنه قال ) إذا استكملت آجاال ورزقا ... ومالك فاعلمن فيها مقام (

) آجاال ( ينبغي أن يقول أرزاقا أو أن يقول أجال ورزقا وقد زاده إنكارا أنه مجع األجل فقال وكانواإلنسان ليس له إال أجل واحد ولو قال أجال وأرزاقا ملا عيبألن األجل واحد واألرزاق كثريةالختالف

ضروهبا وأجناسها

Page 350: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

اظملمكان إمكانه من التصرف وإذا أنصفنا يف هذا املوضع وجدنا الناثر مطالبا به دون النوقد كنت أرى هذا الضرب من الكالم واجبا يف االستعمال وأنه ال حيسن احمليد عنه حىت مر يب يف القرآن

أومل يروا إىل ما خلق اهللا من شيء يتفيأ ظالله عن اليمني ( الكرمي ما خيالفه كقوله تعاىل يف سورة النحل ناء اللفظي على سنن واحد جلمع اليمني كما مجع الشمال أو أفرد ولو كان األحسن لزوم الب) والشمائل

أولئك الذين طبع اهللا على قلوهبم ومسعهم وأبصارهم ( الشمال كما أفرد اليمني وكذلك ورد قوله تعاىل حىت إذا ما جاءوها ( فجمع القلوب واألبصار وأفرد السمع وكذلك ورد قوله تعاىل ) أولئك هم الغافلون

فذكر السمع بلفظ اإلفراد وذكر األبصار واجللود بلفظ ) مسعهم وأبصارهم وجلودهم شهد عليهماجلمعويف القرآن الكرمي مواضع كثرية هكذا ولو كان هذا معتربا يف االستعمال لورد يف كالم اهللا تعاىل

الذي هو أفصح من كل كالم واألخذ يف مقام الفصاحة

وأوحينا إىل موسى وأخيه أن ( وما ينبغي أن يقاس على هذا قوله تعاىل والبالغة إمنا يكون منه واملعول عليه ورمبا قيل إن هذه اآلية ) تبوآ لقومكما مبصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصالة وبشر املؤمنني

اشتملت على تثنية ومجع وإفراد وظن أهنا من هذا الباب وليس كذلك ألهنا مشتملة على خطاب موسى ن عليهما السالم أوال يف اختاذ املساجد لقومهما مث ثىن اخلطاب هلما ولقومهما مجيعا مث أفرد موسى وهارو

عليه السالم ببشارة املؤمنينألنه صاحب الرسالة الضرب الثاين يف مقابلة الشيء مثله وهو يتفرع إىل فرعني أحدمها مقابلة املفرد باملفرد واآلخر مقابلة اجلملة

باجلملة وقد روعي ) ومكروا مكرا ومكرنا مكرا ( وكقوله تعاىل ) نسوا اهللا فنسيهم ( ع األول كقوله تعاىل الفر

هذا املوضع يف القرآن الكرمي كثريافإذا ورد يف صدر آية من اآليات ما حيتاج إىل جوانب كان جوابه مماثال وهذا هو األحسن وإال فلو ) ثلها وجزاء سيئة سيئة م( وكقوله تعاىل ) من كفر فعليه كفره ( كقوله تعاىل

قيل من كفر فعليه ذنبه كان ذلك جائزا لكن األحسن هو ما ورد يف كتاب اهللا تعاىل وعليه مدار االستعمال وهذا احلكم جيري يف النظم والنثر من األسجاع واألبيات الشعرية ترى أنه قد قوبلت الكلمة بكلمة هي فأما إن كان ذلك غري جوابفإنه ال يلتزم فيه هذه املراعاة اللفظية أال

يف معناها وإن مل تكن مساوية هلا يف اللفظ وهذا يقع يف األلفاظ املترادفةولذا يستعمل ذلك يف املوضع الذي ترد فيه الكلمة غري جواب

ولو كان ال تورد الكلمة إال ) ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم مبا يفعلون ( فما جاء منه قوله تعاىل وهل أتاك نبأ اخلصم إذ تسوروا احملراب إذ دخلوا ( ثال لقيل وهو اعلم مبا تعملون وكذلك قوله تعاىل م

بعد قوله ) ال ختف ( فقال ) على داود ففزع منهم قالوا ال ختف خصمان بغى بعضنا على بعض

ففزع وملا كان هذا يف معىن هذا قوبل أحدمها باآلخر ومل يقابل اللفظ بنفسه ولئن سألتهم ليقولن إمنا كنا خنوض ونلعب قل أبااهللا وآياته ورسوله كنتم ( جاء قوله تعاىل وكذلك

فذكر االستهزاء الذي هو يف معىن اخلوض واللعب وقابل به اخلوض واللعب ولو ذكره على ) تستهزئون

Page 351: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

حد املماثلة واملساواة لقال أيف اهللا وآياته ورسوله كنتم ختوضون وتلعبون نك قد احتججت بالقرآن الكرمي فيما ذكرته ونرى قد ورد يف القرآن الكرمي ما ينقضه كقوله فإن قيل إ

ومل يقل جزاء سيئة سيئة مثلها ) والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة مبثلها ( تعاىل اجلواب عن ذلك أين أقول أردت أن تنقض علي ما ذكرته فلم تنقضه ولكنك شيدته والذي ذكرته هو

وبني قوله جزاء سيئة سيئة مثلهاإذ ) جزاء سيئة مبثلها ( لك أال ترى أنه ال فرق بني قوله تعاىل دليل يل الاملعىن واحد ال خيتلف ولو جاء عوضا عن السيئة لفظة أخرى يف معناها كاألذى والسوء أو ما جرى جمرامها

لصح لك ما ذهبت إليه رت اللفظة يف أول كالم حيتاج إىل متام وإن مل يكن وقد ذهب بعض املتصدرين يف علم البيان أنه إذا ذك

جوابا كالذي تقدمفينبغي أن تعاد بعينها يف آخره ومىت عدل عن ذلك كان معيبا مث مثل ذلك بقول أيب متام وقول أيب الطيب املتنيب فقال إن أبا متام أخطأ يف قوله

) بهن مصارع اآلمال كثرت ... بسط الرجاء لنا برغم نوائب (

فحيث ذكر الرجاء يف صدر البيت فكان ينبغي أن يعيد ذكره أيضا يف عجزه أو كان ذكر اآلمال يف صدر البيت وعجزه وكذلك أخطأ أبو الطيب املتنيب يف قوله

وكان " إين ألعلم واللبيب خبري " فإنه قال ) أن الحياة وإن حرصت غرور ... إني ألعلم واللبيب خبري ( ينبغي أن يقول إين ألعلم واللبيب عليمليكون ذلك تقابال صحيحا

وهذا الذي ذكره هذا الرجل ليس بشيء بل املعتمد عليه يف هذا الباب أنه إذا كانت اللفظة يف معىن أختها من آيات القرآن الكرمي وكفى به دليال جاز استعماهلا يف القابلة بينهما والدليل على ذلك ما قدمناه

وهذه الرموز اليت هي أسرار الكالم ال يتفطن الستعماهلا إال أحد رجلني إما فقيه يف علم البيان قد مارسه وإما مشقوق اللسان يف الفصاحة قد خلق عارفا بلطائفها مستغنيا عن مطالعة صحائفها وهذا ال يكون إال

طبعا على أنه ال يسدد يف مجيع أقوله ما مل تكن معرفته الفطرية ممزوجة مبعرفته عريب الفطرة يقول ما يقوله العرفية

الفرع الثاين يف مقابلة اجلملة باجلملة اعلم أنه إذا كانت اجلملة من الكالم مستقبلة قوبلت مبستقبلة وإن يةإذا كانت إحدامها يف معىن كانت ماضية قوبلت مباضية ورمبا قوبلت املاضية باملستقبلة واملستقبلة باملاض

األخرى فإن هذا ) قل إن ضللت فإمنا أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إيل ريب ( فمن ذلك قوله تعاىل

تقابل من جهة املعىن ولو كان التقابل من جهة اللفظ لقال وإن اهتديت فإمنا أهتدي هلا وبيان تقابل هذا الكالم من جهة املعىن

كل ما عليها فهو هباأعين أن كل ما هو وبال عليها وضار هلا فهو بسببها ومنها ألهنا األمارة هو أن النفس بالسوء وكل ما هو هلا مما ينفعها فبهداية رهبا وتوفيقه إياها وهذا حكم عام لكل مكلف وإمنا أمر رسول اهللا

ه كان غريه أوىل به أن يسند ذلك إىل نفسه ألن الرسول إذا دخل حتته مع علو حمله وسداد طريقت

Page 352: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

فإنه مل يراع التقابل يف ) أمل يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه والنهار مبصرا ( ومن هذا الضرب قوله تعاىل قوله ليسكنوا فيه ومبصراألن القياس يقتضي أن يكون والنهار لتبصروا فيه وإمنا هو مراعى من جهة املعىن

غري املتكلفألن معىن قوله مبصرا لتبصروا فيه طرق التقلب يف ال من جهة اللفظ وهذا النظم املطبوع احلاجات

واعلم أن يف تقابل املعاين بابا عجيب األمر حيتاج إىل فضل تأمل وزيادة نظر وهو خيتص بالفواصل من الكالم املنثور وباألعجاز من األبيات الشعرية

هلم ال تفسدوا يف األرض قالوا إمنا حنن مصلحون أال وإذا قيل( فما جاء من ذلك قوله تعاىل يف ذم املنافقني وإذا قيل هلم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما ( وقوله تعاىل ) إهنم هم املفسدون ولكن ال يشعرون

أال ترى كيف فصل اآلية األخرى بيعلمون واآلية اليت ) آمن السفهاء أال إهنم هم السفهاء ولكن ال يعلمون ون وإمنا فعل ذلك ألن أمر الديانة والوقوف على أن املؤمنني على احلق وهم على الباطل حيتاج قبلها بيشعر

إىل نظر واستدالل حىت يكتسب الناظر العلم واملعرفة بذلك وأما النفاق وما فيه من البغي املؤدي إىل الفتنة ند العرب وما كان فيهم والفساد يف األرض فأمر دنيوي مبين على العادات معلوم عند الناس خصوصا ع

وأيضا فإنه ملا ذكر السفه يف ) ال يشعرون ( من التحارب والتغاور وفهو كاحملسوس عندهم فلذلك قال فيه ) ال يعلمون ( اآلية األخرية وهو جهل كان ذكر العلم معه أحسن طباقا فقال

السماء ماء فتصبح األرض خمضرة أمل تر أن اهللا أنزل من ( وآيات القرآن مجيعها فصلت هكذاكقوله تعاىل له ما يف ( وكقوله ) إن اهللا لطيف خبري

أمل ترى أن اهللا سخر لكم ما يف األرض ( وكقوله ) السموات وما يف األرض وإن اهللا هلو الغين احلميد )والفلك جتري يف البحر بأمره وميسك السماء أن تقع على األرض إال بإذنه إن اهللا بالناس لرءوف رحيم فإنه إمنا فصلت اآلية األوىل بلطيف خبري ألن ذلك يف موضع الرمحة خللقه بإنزال الغيث وغريه وأما اآلية

له ال حلاجة بل هو غين عنها ) له ما يف السموات وما يف األرض ( الثانية فإمنا فصلت بغين محيد ألنه قال ا وإذا جاد وأنعم محده املنعم عليه واستحق جواد هباألنه ليس كل غين نافعا بغناه إال إذا كان جوادا منعم

عليه احلمد فذكر احلميد ليدل على أنه الغين النافع بغناه خلقه وأما اآلية الثالثة فإهنا فصلت برءوف رحيم ألهنلما عدد للناس ما أنعم به عليهم من تسخري ما يف األرض هلم وإجراء الفلك يف البحر هبم وتسيريهم يف

رءوف رحيم ( وخلقه السماء فوقهم وإمساكه إياهن الوقوع حسن أن يفصل ذلك قوله ذلك اهلول العظيم أي أن هذا الفعل فعل رءوف بكم رحيم لكم )

واعلم أيها املتأمل لكتابنا هذا أنه قلما توجد هذه املالءمة واملناسبة يف كالم ناظم أو ناثر والذين يرمون أزواجهم ومل يكن هلم ( له تعاىل ومن اآليات ما يشكل فاصلته فيحتاج إىل فكرة وتأمل كقو

شهداء إال أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات باهللا إنه ملن الصادقني واخلامسة أن لعنة اهللا عليه إن كان من الكاذبني ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات باهللا إنه ملن الكاذبني واخلامسة أن غضب اهللا عليها

فإنه قد وردت الفاصلة يف غري ) ادقني ولوال فضل اهللا عليكم ورمحته وأن اهللا تواب حكيم إن كان من الص

Page 353: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

هذا املوضع بتواب رحيم ويظن الظان أن هذا كذا ويقول إن التوبة مع الرمحة ال مع احلكمةوليس كما يظن ة اليت أمر هبا بل الفاصلة بتواب حكيم أوىل من تواب رحيمألن اهللا عز و جل حكم بالتالعن على الصور

وأراد بذلك ستر هذه الفاحشة على عباده وذلك حكمة منه

ففصلت اآلية الواردة يف آخر اآليات بتواب حكيم فجمع فيها بني التوبة املرجوة من صاحب املعصية وبني احلكمة يف سترها على تلك الصورة

وهذا باب ليس يف علم البيان أكثر منه نفعا وال أعظم فائدة جاء من هذا الباب قول أيب الطيب املتنيب ومما

) كأنك في جفن الردى وهو نائم ... وقفت وما في املوت شك لواقف ( وقد أوخذ على ذلك وقيل لو جعل ) ووجهك وضاح وثغرك باسم ... تمر بك األبطال كلمى هزمية ( خر البيت األول آخرا للبيت الثاين وآخر البيت الثاين آخر للبيت األول لكان أوىل آ

ولذلك حكاية وهي أنه ملا استنشده سيف الدولة يوما قصيدته اليت أوهلا ا انتقد على فلما بلغ إىل هذين البيتني قال قد انتقدهتما عليك كم... ) على قدر أهل العزم تأتي العزائم (

امرىء القيس قوله ) ولم أتبطن كاعبا ذات خلخال ... كأني لم أركب جوادا للذة ( تئم فبيتاك مل يلتئم شطرامها كما مل يل) لخيلي كري كرة بعد إجفال ... ولم أسبإ الزق الروي ولم أقل (

شطرا بييت امرىء القيس وكان ينبغي لك أن تقول ) ووجهك وضاح وثغرك باسم ... وقفت وما في املوت شك لواقف ( ) كأنك في جفن الردى وهو نائم ... تمر بك األبطال كلمى هزمية (

لذي استدرك على امرىء القيس هذا هو أعلم بالشعر منه فقد أخطأ امرؤ القيس فقال املتنيب إن صح أن اوأخطأت أنا وموالنا يعلم أن الثوب ال يعلمه البزاز كما يعلمه احلائكألن البزاز يعرف مجلته واحلائك يعرف

بالشجاعة تفاصيله وإمنا قرن امرؤ القيس النساء بلذة الركوب للصيدوقرن السماحة بسباء اخلمر لألضياف يف منازلة األعداء وكذلك ملا ذكرت املوت يف صدر البيت األول أتبعته بذكر الردى يف آخره ليكون

ألمجع " ووجهك وضاح وثغرك باسم " أحسن تالؤما وملا كان وجه املنهزم اجلريح عبوسا وعينه باكية قلت بني األضداد

القسم الثاين يف صحة التقسيم وفساده ك ههنا ما تقتضيه القسمة العقلية كما يذهب إليه املتكلمونفإن ذلك يقتضي أشياء مستحيلة ولسنا نريد بذل

كقوهلم اجلواهر ال ختلو إما أن تكون جمتمعة أو مفترقة أو ال جمتمعة وال مفترقة أو جمتمعة ومفترقة معا أو اء األقسام مجيعها وإن بعضها جمتمعة وبعضها مفترقةأال ترى أن هذه القسمة صحيحة من حيث العقلالستيف

كان من مجلتها ما يستحيل وجوده وإمنا نريد بالتقسيم ههنا ما يقتضيه املعىن مما ميكن وجوده من غري أن يترك منها قسم واحد وإذا ذكرت قام

Page 354: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

وتارة بلفظة بني كقولنا بني كذا " إما " كل قسم منها بنفسه ومل يشارك غريه فتارة يكون التقسيم بلفظة تارة منهم كقولنا منهم كذا ومنهم كذا وتارة بأن يذكر العدد املراد أوال بالذكر مث يقسمكقولنا وكذا و

فانشعب القوم شعبا أربعةفشعبة ذهبت ميينا وشعبة ذهبت مشاال وشعبة وقفت مبكاهنا وشعبة رجعت إىل ورائها

عبادنا فمنهم ظامل لنفسه ومنهم مث أورثنا الكتاب الذي اصطفينا من( فمما جاء من هذا القسم قوله تعاىل وهذه قسمة صحيحةفإنه ال خيلو أقسام العباد من هذه الثالثة فإما عاص ) مقتصد و منهم سابق باخلريات

ظامل لنفسه وإما مطيع مبادر إىل اخلريات وإما مقتصد بينهما منة وأصحاب املشأمة ما وكنتم أزواجا ثالثة فأصحاب امليمنة ما أصحاب املي( ومن ذلك أيضا قوله تعاىل

) أصحاب املشأمة والسابقون السابقون

وهذه اآلية منطبقة املعىن على اآلية اليت قبلهافأصحاب املشأمة هم الظاملون ألنفسهم وأصحاب امليمنة هم املقتصدون والسابقون هم السابقون باخلريات

فإن الناس عند رؤية الربق بني ) وطعما هو الذي يريكم الربق خوفا ( وعلى حنو من ذلك جاء قوله تعاىل خائف وطامع وليس لنا قسم ثالث

فإن قيل إن استيفاء األقسام ليس شرطا وترك بعض األقسام ال يقدح يف الكالم وقد ورد يف القرآن الكرمي فذكر أصحاب اجلنة ) ال يستوي أصحاب النار وأصحاب اجلنة أصحاب اجلنة هم الفائزون ( كقوله تعاىل

ن أصحاب النار دوفاجلواب عن ذلك أين أقول هذا ال ينقض على ما ذكرهتفإن استيفاء األقسام يلزم فيما استبهم اإلمجال فيه

لزم ) فمنهم ( فإنه حيث قال ) مث أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ( أال ترى إىل قوله تعاىل ال يستوي أصحاب ( منها مل جيز وأما هذه اآلية اليت هي استيفاء األقسام الثالثة ولو اقتصر على قسمني

فإنه إمنا خص أصحاب اجلنة بالذكر للعلم بأن أصحاب النار ال فوز هلم ولو خص ) النار وأصحاب اجلنة أصحاب النار بالذكر لعلم أيضا ما ألصحاب اجلنة وكذلك كل ما جيري هذا اجملرىفإنه إمنا ينظر فيه إىل

ملستبهم فاعرفه املستبهم وغري اوكان مجاعة من أرباب هذه الصناعة يعجبون بقول بعض األعراب ويزعمون أن ذلك من أصح التقسيمات وهو قوهلم النعم ثالثة نعمة يف حال كوهنا ونعمة ترجى مستقبلة ونعمة تأيت غري حمتسبة فأبقى اهللا عليك ما

ه أنت فيه وحقق ظنك فيما ترجتيه وتفضل عليك مبا مل حتتسبوهذا القول فاسدفإن يف أقسام النعم اليت قسمها نقصا ال بد منه وزيادة ال حاجة إليها فأما النقص فإغفال النعمة املاضية وأما الزيادة فقوله بعد املستقبلة ونعمة تأيت غري حمتسبةألن النعمة اليت تأيت غري حمتسبة داخلة

ة تنقسم قسمني أحدمها يرجى يف قسم النعمة املستقبلة وذاك أن النعمة املستقبل

حصوله واآلخر ال حيتسب فقوله ونعمة تأيت غري حمتسبةيوهم أن هذا القسم غري املستقبل وهو داخل فيه وعلى هذا فكان ينبغي له أن يقول النعم ثالث نعمة ماضية ونعمة يف حال كوهنا ونعمة تأيت مستقبلةفأحسن

Page 355: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

مة اليت أنت فيها ووفر حظك من النعمة اليت تستقبلهاأال تراه لو اهللا آثار النعمة املاضية وأبقى عليك النع قال ذلك لكان قد طبق به مفصل الصواب ؟

وقد استوىف أبو متام هذا املعىن يف قوله ) بأبر من روح الحياة وأوصل ... جمعت لنا فرق األماني منكم ( ) قد أحولت وصنيعة لم تحول ... ا وصنيعة فصنيعة يف يومه( ووقف أعرايب على جملس احلسن البصري ) متنظر ومخيم متهلل ... كالمزن من ماء الرباب فمقبل (

ة فقال احلسن البصري ما رضي اهللا عنه فقال رحم اهللا عبدا أعطى من سعة أو آسى من كفاف أو آثر من قل ترك ألحد عذرا

وقد عاب أبو هالل العسكري على مجيل قوله

فقال أبو هالل إن إتيان الرسائل داخل ) حبا وصلتك أو أتتك رسائلي ... لو كان يف قليب كقدر قالمة ( اد بقوله وصلتك أي أتيتك زائرا وقاصدا أو كنت يف مجلة الوصل وليس األمر كما وقع هلفإن مجيال إمنا أر

راسلتك مراسلة وبالوصل ال خيرج عن هذين الوصفني إما زيارة وإما رسالة ومن أعجب ما وجدته يف هذا الباب ما ذكره أبو العالء حممد بن غامن املعروف بالغامني وهو قول العباس

بن األحنف مث قال الغامني هذا واهللا أصح من ) وعطفكم صد وسلمكم حرب ... وصالكم هجر وحبكم قال(

أين التقسيم من هذا البيت ؟ هذا واهللا يف واد والتقسيم يف واد أال ترى ! تقسيمات إقليدس ويا هللا العجب عهم ولو قال أيضا أنه مل يذكر شيئا حتصره القسمة وإمنا ذم أحبابه يف سوء صنيعهم به فذكر بعض أحواله م

لكان هذا جائزا وكذلك لو زاد بيتا ) وإعطاؤكم منع وصدقكم كذب ... ولينكم عنف وقربكم نوى ( آخر جلاز ولو أنه تقسيم ملا احتمل زيادة واألوىل أن يضاف هذا البيت الذي ذكره الغامني إىل باب

ابل الوصل باهلجر والعطف بالصد والسلم باحلرب املقابلةفإنه أوىل هبألنه ق ومن فساد التقسيم قول البحتري يف قصيدته اليت مطلعها

فقال ... ) ذاك وادي األراك فاحبس قليال ( ن حزينا واملسعد يكون فإن املشوق يكو) أو معينا أو عاذرا أو عذوال ... قف مشوقا أو مسعدا أو حزينا (

معينا وكذلك يكون املسعد عاذرا وكثريا ما يقع البحتري يف مثل ذلك وكذلك ورد قول أيب الطيب املتنيب وهو

فإن املستعظم يكون حاسدا واحلاسد يكون ) مستعظم أو حاسد أو جاهل ... فافخر فإن الناس فيك ثالثة ( مستعظما

ومن شرط التقسيم أال تتداخل أقسامه بعضها يف بعض ومن هذا األسلوب ما ورد يف أبيات احلماسة وهو

Page 356: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

) فحنت وإما قلت قوال بال علم ... وكنت امرأ إما ائتمنتك خاليا ( فإن اخليانة من اإلمث وهذا تقسيم فاسد ) ين الخيانة واإلثم بمنزلة ب... فأنت من األمر الذي قد أتيته (

ومما جاء من ذلك نثرا قول بعضهم يف ذكر منهزمني فمن جريح متضرج بدمائه وهارب ال يلتفت إىل ورائهفإن اجلريح قد يكون هاربا واهلارب قد يكون جرحيا ولو قال فمن بني قتيل ومأسور وناجلصح له

و لو قال فمن بني قتيل ومأسورلصح له التقسيم أيضالعدم الناجي بينهما التقسيم أ وقد أحسن البحتري يف هذا املعىن حيث قال

) بالقنا بين ركع وسجود ... غادرتهم أيدي املنية صبحا ( ) احلديد قنصت نفسه بحد... فهم فرقتان بين قتيل ( ) فهو حي يف حالة امللحود ... أو أسري غدا له السجن لحدا ( ومن فساد التقسيم قول أيب متام ) فرقة للسيوف ينفذ فيها الحكم قصدا وفرقة للقيود ( فإنه جعل صايل هذا املوقف إما ذليال ) صاليه أو بحبال املوت متصل ... نقطع وموقف بين حكم الذل م(

عنه أو هالكا فيه وههنا قسم ثالث وهو أال يكون ذليال وال هالكا بل يكون مقدما فيه ناجيا ويف هذا نظر على من ادعى فساد تقسيمهفإن أبا متام قصد الغلو يف وصف

فقال إن الناس فيه أحد رجلني إما ذليل عن مورده وإما هالك فيه أي أنه ال ينجو منه أحد يرده هذا املوقف وهذا تقسيم صحيح ال فساد فيه

القسم الثالث يف ترتيب التفسري وما يصح من ذلك وما يفسد قدم املقدم اعلم أن صحة الترتيب يف ذلك أن يذكر يف الكالم معان خمتلفة فإذا عيد إليها بالذكر لتفسر

وأخر املؤخر وهو األحسن إال أنه قد ورد يف القرآن الكرمي وغريه من الكالم الفصيح ومل يراع فيه تقدمي أفلم يروا إىل ما بني أيديهم وما خلفهم من السماء واألرض إن نشأ ( املقدم وال تأخري املؤخركقوله تعاىل

ولو قدم تفسري ) ذلك آلية لكل عبد منيب خنسف هبم األرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء إن يف املقدم يف هذه اآلية وأخر تفسري املؤخر لقيل إن يشأ يسقط عليهم كسفا من السماء أو خيسف هبم األرض

يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرمت بعد إميانكم ( وكذلك ورد قوله تعاىل فقدم املؤخر وأخر املقدم ) وأما الذين ابيضت وجوههم فذوقوا العذاب مبا كنتم تكفرون

والقسمان قد وردا مجيعا يف القرآن الكرمي وما نؤخره إال ألجل معدود يوم يأت ال تكلم نفس ( فمما روعي فيه تقدمي املقدم وتأخري املؤخر قوله تعاىل

وشهيق خالدين فيها ما دامت إال بإذنه فمنهم شقي وسعيد فأما الذين شفوا ففي النار هلم فيها زفريالسموات واألرض إال ما شاء ربك إن ربك فعال ملا يريد وأما الذين سعدوا ففي اجلنة خالدين فيها ما

) دامت السموات واألرض إال ما شاء ربك عطاء غري جمذوذ ) مبصرة وجعلنا الليل والنهار آيتني فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار ( ومن ذلك قوله تعاىل ومن رمحته جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار ( وكذلك قوله تعاىل

Page 357: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

فلما قدم الليل يف الذكر على النهار قدم سبب الليل وهو السكون على سبب ) مبصرا ولتبتغوا من فضله النهار وهو التعيش

وحشت املنازل وآتت ومن ذلك ما كتبته يف كتاب تعزية وهو فصل منه ولقد أوحشت منه املعايل كما أاملكارم كما آمت احلالئل وعمت لوعة خطبه فما تشتكي ثكلى إال إىل ثاكل وما أقول فيمن عدمت األرض منه حياها واحملامد حمياها فلو نطق اجلماد بلسان أو تصور املعىن لعيانألعربت تلك من ظمأ صعيدها وبرزت

هذه حاسرة حول فقيدها كتاب إىل بعض اإلخوانفقلت وما زالت أيادي سيدنا متنوعة يف زيادة ومن ذلك ما كتبته يف فصل من

جودها وكتاهبا فهذه متطولة بترقية وردها وهذه آخذة بسنة أغباهبا وأحسن ما يف األوىل أهنا تأيت متحلية تلك بفواضل اإلكثار ويف الثانية أهنا تأيت متحلية بفضائل االختصارفاختصار هذه يف فوائد أقالمها كتطويل

يف عوائد إنعامها وقد أصبحت خواطري مستغرقة بإنشاء القول املبتكر يف شكر الفضل املطول وجواب البيان املختصر وما جعل اهللا هلا من سلطان البالغة ما يستقل بأداء حقوق تنقل على الرقاب ومقابلة

بالغات تثقل على األلباب ومما جاء من ذلك شعرا قول إبراهيم بن العباس

) ويفتر عنها أرضها وسماؤها ... لنا إبل كوم يضيق بها الفضا ( ) ومن دوننا أن تستباح دماؤها ... فمن دونها أن تستباح دماؤنا ( وهذه األبيات من نادر ما جييء يف ) حق فناؤها وأيسر خطب يوم ... حمى وقرى فالموت دون مراحها (

هذا الباب معىن وترتيب تفسري

ومما جاء منه أيضا قول أيب متام ) تميل ظباه أخدعي كل مائل ... وما هو إال الوحي أو حد مرهف ( وكذلك قوله أيضا ) وهذا دواء الداء من كل جاهل . ..فهذا دواء الداء من كل عالم ( وهذا من بديع ما يأيت يف هذا الباب ) فيسأله أو باحث فيسائله ... وكان لهم غيثا وعلما فمعدم (

ومما ورد منه قول علي بن جبلة ) على بذل عرف أو على حد منصل ... ضا فتى وقف األيام بالسخط والر(

ومن احلسن يف هذا الباب قول أيب نواس ) كأنك اجلنة والنار ... يرجو ويخشى حالتيك الورى (

وكذلك ورد قول بعض املتأخرين وهو القاضي األرجاين

) يتعاقب الفضالن فيه إذا أتى ... كامل يوم املتيم فيك حول( ومما أخذ على الفرزدق يف هذا ) إن حن صاف وإن بكى وجدا شتا ... ما بين حر جوى وماء مدامع (

الباب قوله ) أو حامال ثقل مغرم طريد دم ... لقد جئت قوما لو لجأت إليهم (

Page 358: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

ألنه أصاب يف التفسري وأخطأ يف ) وراءك شزرا بالوشيج املقوم ... أللفيت منهم معطيا أو مطاعنا ( فسري الترتيب وذاك أنه أتى بتفسري ما هو أول يف البيت األول ثانيا يف البيت الثاين واألوىل أن كان أتى بت

ذلك مرتباففسر ما هو أول يف البيت األول مبا هو ثان يف البيت الثاين واعلم أن الناظم ال ينكر عليه مثل هذا ما ينكر على الناثرألن الناظم يضطره الوزن والقافية إىل ترك األوىل

ناسبه وهو عيب ال وأما فساد التفسري فإنه أقبح من فساد ترتيبه وذاك أن يؤتى بكالم مث يفسر تفسريا ال ي تسامح فيه حبال وذلك كقول بعضهم

) ومن خاف أن يلقاه بغي من العدى ... فيأيها الحيران في ظلمة الدجى (

جيب هلذا الشاعر أن يقول بإزاء وكان ) ضياء ومن كفيه بحرا من الندى ... تعال إليه تلق من نور وجهه ( بغي العدا ما يناسبه من النصرة واإلعانة أو ما جرى جمرامهاليكون ذلك تفسريا له كما جعل بإزاء الظلمة

الضياء وفسرها به فأما أن جعل بإزاء ما يتخوف منه حبرا من الندى فإن ذلك غري الئق

النوع اخلامس والعشرون

اطيف االقتصاد والتفريط واإلفر

اعلم أن هذه املعاين الثالثة من االقتصاد والتفريط واإلفراط توجد يف كل شيء من علم وصناعة وخلقوال بد لنا من ذكر حقيقتها يف أصل اللغة حىت يتبني نقلها إىل هذا النوع من الكالم

الطرفني قال فأما االقتصاد يف الشيء فهو من القصد الذي هو الوقوف على الوسط الذي ال مييل إىل أحد فظلم النفس والسبق باخلريات طرفان ) فمنهم ظامل لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق باخلريات ( اهللا تعاىل

) والذين إذا أنفقوا مل يسرفوا ومل يقتروا وكان بني ذلك قواما ( واالقتصاد وسط بينهما وقال تعاىل ر فاإلسراف واإلقتار طرفان والقوام وسط بينهما وقال الشاع

وأما التفريط فهو التقصري والتضييع ) إن التخلق يأيت دونه الخلق ... عليك بالقصد فيما أنت فاعله ( أي ما أمهلنا وال ضيعنا ) ما فرطنا يف الكتاب من شيء ( وهلذا قال اهللا تعاىل

الشيءإذا أسرف وجتاوز احلد وأما اإلفراط فهو اإلسراف وجتاوز احلد يقال أفرط يف

والتفريط واإلفراط مها الطرفان البعيدان واالقتصاد هو الوسط املعتدلوقد نقلت هذه املعاين الثالثة إىل هذا النوع من علم البيان

أما االقتصاد فهو أن يكون املعىن املضمر يف العبارة على حسب ما يقتضيه املعرب عنه يف منزلته إلفراط فهما ضدان أحدمها أن يكون املعىن املضمر يف العبارة دون ما تقتضيه منزلة املعرب عنه أما التفريط وا

واآلخر أن يكون املعىن فوق منزلته والتفريط يف إيراد املعاين اخلطابية قبيح ال جيوز استعماله بوجه من الوجوه واإلفراط جيوز استعماهلفمنه

احلسن ومنه دون ذلك

Page 359: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

فريط قول األعشى فمما جاء من الت ) جون غواربه تلتطم ... وما مزبد من خليج الفرات ( ) إذا ما سماؤهم لم تغم ... بأجود منه بماعونه (

يس فإنه مدح ملكا باجلود مبعاونه واملاعون كل ما يستعار من قدوم أو قصعة أو قدر أو ما أشبه ذلك ولللملوك يف بذله مدح وال ألوساط الناس أيضا ويف مدح السوقة به قوالن ومدح امللوك به عيب وذم فاحش

وهذا من أقبح التفريط ومما جيري هذا اجملرى قول الفرزدق

) على حاضر إال نشل ونقذف ... أال ليتنا كنا بعريين ال نرد ( ) على الناس مطلي املساعر أخشف ... ه عر يخاف قرافه كالنا ب(

هذا رجل ذهب عقله حني نظم هذين البيتينفإن مراده منهما التغزل مبحبوبه وقد قصر متنيه على أن يكون ين السخيفة وله يف هو وحمبوبه كبعريين أجربني ال يقرهبما أحد وال يقربان أحدا إال طردمها وهذا من األما

غري هذه األمنية مندوحات كثرية وما أشبه هذا بقول القائل ) غيري فلألقداح أو لألكؤس ... يا رب إن قدرته لمقبل ( انظركم بني هاتني االمنيتني ف) يف الدهر فلتك من عيون النرجس ... وإذا حكمت لنا بعين مراقب (

ومما أخذ على أيب نواس يف قصيدته امليمية املوصوفة اليت مدح هبا األمني حممد بن الرشيد وهو قوله فإن ذكر أم اخلليفة يف مثل هذا املوضع ) أمال لعقد حباله استحكام ... أصبحت يابن زبيدة ابنة جعفر ( ح قبي

وكذلك قوله يف موضع آخر ) إذا نسبت وال كالخيزران ... وليس كجدتيه أم موسى (

وهذا لغو من احلديث ال فائدة فيهفإن شرف األنساب إمنا هو إىل الرجال ال إىل النساء وياليت شعري أما مسع أبو نواس قول قتيلة بنت النضر يف النيب

) من قومها والفحل فحل معرق ... د وألنت نجل كرمية أمحم( فإهنا ذكرت األم بغري اسم األم وأبرزت ) من الفىت وهو املغيظ املحنق ... ما كان ضرك لو مننت وربما (

هذا الكالم يف هذا اللباس األنيق قد - ح إذا مدح وأبو نواس مع لطافة طبعه وذكائه وما كان يوصف به من الفطنة وكذلك فليكن املاد

ذهب عليه مثل هذا املوضع مع ظهوره قال يا ( وليس لقائل أن يعترض على ما ذكرته بقوله تعاىل حكاية عن موسى وأخيه هرون عليهما السالم

ظاهرألن املنكر على أيب نواس إمنا هو التلفظ فإن الفرق بني املوضعني ) ابن أم ال تأخذ بلحييت وال برأسي باسم األم وهي زبيدة وكذلك اسم اجلدة وهي اخليزران وليس كذلك ما ورد يف اآلية

Page 360: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

إذ قال اهللا يا عيسى ابن ( فإن قيل قد ورد يف القرآن الكرمي ما يسوغ أليب نواس مقالته وهو قوله تعاىل فناداه باسم أمه ) من دون اهللا مرمي أأنت قلت للناس اختذوين وأمي إهلني

قلت اجلواب عن ذلك من وجهني أحدمها أن عيسى عليه السالم مل يكن له أب فنودي باسم أمه ضرورةإذ لو كان له أب لنودي باسم أبيهالوجه اآلخر

وهذا أن هذا النداء إمنا هو من األعلى إىل األدنىإذ اهللا سبحانه وتعاىل هو الرب وعيسى عليه السالم عبده ال يكون تفريطاألنه مل يعرب عنه مبا هو دون منزلته

على أن أبا نواس مل يوقعه يف هذه العثرة إال ما مسعه عن جرير يف مدح عمر بن عبد العزيزكقوله ري عزة أيضا وكذلك قال فيه كث) وتكفي املمحل السنة اجلمادا ... وتبين املجد يا عمر ابن ليلى (

وليس املعيب من هذا خباففإن العرب قد كان يعري بعضها بعضا بنسبته إىل أمه دون أبيه أال ترى أن عمر بن اخلطاب رضي اهللا عنه كان يقال له ابن حنتمة وإمنا كان يقول ذلك من يغض منه وأما قول النيب للزبري بن

عمة النيب وإمنا نسبه إليها رفعا لقدره يف قرب نسبه فإن صفية كانت " بشر قاتل ابن صفية بالنار " صفية منه وأنه ابن عمته وليس هذا كاألول يف الغض من عمر رضي اهللا عنه يف نسبه إىل أمه

وقد عاب بعض من يتهم نفسه باملعرفة قول أيب نواس يف قصيدته السينية اليت أوهلا ها فقال من مجلت... ) نبه ندميك قد نعس ( مع معرفته ! قال ويف ذكر السادس نظر ويا عجبا له ) وخبير سادسهم سدس ... ورث الخالفة خامسا (

ويقولون مخسة سادسهم ( بالشعر كيف ذهب عليه هذا املوضع ؟ أما قرأ سورة الكهف يريد قوله تعاىل أمل تر أن اهللا يعلم ما يف ( ا ينقضه وهو قوله تعاىل وهذا ليس بشيءألنه قد ورد يف القرآن الكرمي م) كلبهم

) السموات وما يف األرض ما يكون من جنوى ثالثة إال هو رابعهم وال مخسة إال هو سادسهم ومما عبته على البحتري قوله يف مدح الفتح بن خاقان يف قصيدته املشهورة عند لقائه األسد اليت مطلعها

فقال ) يسري لزينبا أجدك ما ينفك( ) له مصلتا عضبا من البيض مقضبا ... شهدت لقد أنصفته حني تنبري ( ) عراكا إذا الهيابة النكس كذبا ... فلم أر ضرغامين أصدق منكما (

تفريط يف املدح بل كان األوىل أن يقول إذا البطل كذب وإال فأي مدح يف إقدام " إذا اهليابة النكس" قوله كما قال أبو متام ] قال [ املقدم يف املوضع الذي يفر منه اجلبان ؟ وأال

سلوب البحتري ورد وعلى أ) مفرا غداة املأزق ارتاد مصرعا ... فتى كلما ارتاد الشجاع من الردى ( قول بعضهم من شعراء احلماسة

) وللطالب املعروف إنك واجده ... وإني لقوال لعافي مرحبا ( أنه ال فضل وهذا معيب من جهة ) إذا شنجت كف البخيل وساعده ... وإني لممن أبسط الكف بالندى (

يف بسط يده عند قبض يد البخيل وإمنا الفضيلة يف بسطها عند قبض الكرام أيديهم

Page 361: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

ومن هذا الباب قول أيب متام فإنه أراد أن ميدح فذم ) على نائل له مسروق ... يقظ وهو أكثر الناس إغضاء (

ومما هو أقبح من ذلك قوله أيضا ) مراجلها بشيطان رجيم ... احلرب منه حني تغلي تثفى(

وقد استعمل هذا يف شعره حىت أفحش كقوله ومراده من ذلك أنه جعله سببا لعطاء ) قليب وأنت دلو القليب ... أنت دلو وذو السماح أبو موسى (

سبب يف امتياج املاء من القليب ومل يبلغ هذا املعىن من اإلغراب إىل حد يدندن أبو املشار إليه كما أن الدلو متام حوله هذه الدندنة ويلقيه يف هذا املثال السخيف على أنه مل يقنع هبذه السقطة القبيحة يف شعره بل

أوردها يف مواضع أخرى منهفمن ذلك قوله فإنه أراد أن يبالغ يف ذكر املمدوح باللهج ) حتى ظننا أنه محموم ... ما زال يهذي باملكارم والعال (

وما أعلم ما كانت حاله عند نظم هذا البيت " مازال يهذي " باملكارم والعال فقال وعلى حنو منه جاء قول بعض املتأخرين

وهذا وأمثاله ال جيوز استعماله وإن كان ) املجهود من أم ملدم كما انتفض ... ويلحقه عند املكارم هزة ( املعىن املقصود به حسنا وكم ممن يتأول معىن كرميا فأساء يف التعبري عنه حىت صار مذموما كهذا وأمثاله

ومن أحسن ما قيل يف مثل هذا املوضع قول ابن الرومي ) هز الكماة عوايل املران ... احهم ذهب الذين تهزهم مد( ومن شاء أن ميدح فليمدح هكذا وإال ) فاألريحية منهم بمكان ... كانوا إذا مدحوا رأوا ما فيهم (

فليسكت نه قوله ووجدت أبا بكر حممد بن حيىي املعروف بالصويل قد عاب على حسان بن ثابت رضي اهللا ع

) وأسيافنا يقطرن من نجدة دما ... لنا الجفنات الغر يلمعن في الضحى (

وقال إنه مجع اجلفنات واألسياف مجع قلة وهو يف مقام فخر وهذا مما حيط من املعىن ويضع منه وقد ذهب معفسواء أكان مجع قلة أم مجع كثرة ويدل على ذلك إىل هذا غريه أيضا وليس بشيءألن الغرض إمنا هو اجل

إن إبراهيم كان أمة قانتا هللا حنيفا ومل يك من املشركني شاكرا ألنعمه اجتباه وهداه إىل صراط ( قوله تعاىل أفترى نعم اهللا أكانت قليلة على إبراهيم صلوات اهللا عليه وكذلك ورد قوله عز و جل يف سورة ) مستقيم يدك يف جيبك خترج بيضاء من غري سوء يف تسع آيات إىل فرعون وقومه إهنم كانوا قوما وأدخل( النمل

فاسقني فلما جاءهتم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبني وجحدوا هبا واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر وم فرعون فجمع النفس مجع قلة وما كان ق) واستيقنتها أنفسهم ( فقال ) كيف كان عاقبة املفسدين

بالقليل حىت جتمع نفوسهم مجع قلة بل كانوا مئني ألوفا وهذا أيضا مما يبطل قول الصويل وغريه يف مثل هذا والنفوس املتوفاة ) اهللا يتوىف األنفس حني موهتا واليت مل متت يف منامها ( املوضعوكذلك ورد قوله عز و جل

Page 362: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

من يف العامل والنائمة ال ينتهي إىل كثرهتا كثرةألهنا نفوس كل واعلم أن للمدح ألفاظا ختصه وللذم ألفاظا ختصه وقد تعمق قوم يف ذلك حىت قالوا من األدب أال ختاطب

امللوك ومن يقارهبم بكاف اخلطاب وهذا غلط باردفإن اهللا الذي هو ملك امللوك قد خوطب بالكاف يف أول مثال هذا يف مواضع من القرآن غري حمصورة إال وقد ورد أ) إياك نعبد وإياك نستعني ( كتابه العزيز فقيل

أين قد راجعت نظري يف ذلك فرأيت الناس بزماهنم أشبه منهم بأيامهم والعوائد ال حكم هلا وال شك أن العادة أوجبت للناس مثل هذا التعمق يف ترك اخلطاب بالكاف لكين تأملت أدب الشعراء والكتاب يف هذا

يف الشعر ويعاب يف الكتابة إذا كان املخاطب دون املخاطب درجة وأما املوضع فوجدت اخلطاب ال يعاب إن كان فوقه فال عيب يف خطابه إياه بالكافألنه ليس من التفريط يف شيء

فمن خطاب الكاف قول النابغة وكذلك قوله أيضا ) وإن خلت أن املنتأى عنك واسع... وإنك كالليل الذي هو مدركي ( وعليه جاء قول بعض املتأخرين ) وليس وراء الله للمرء مذهب ... حلفت فلم أترك لنفسك ريبة (

أيضافقال أبو نواس ) زيارة خل وامتحان كرمي ... إليك أبا املنصور عذبت ناقتي ( ) بأنك مهما نأت غير ملوم ... ألعلم ما تأيت وإن كنت عالما (

وكذلك ورد قول السالمي ) قصارى املطايا أن يلوح لها القصر ... إليك طوى عرض البسيطة جاعل ( وعليه ورد قول البحتري ) ودار هي الدنيا ويوم هو الدهر ... وبشرت آمايل بملك هو الورى ( وجل خطاب الشعراء للممدوحني ) أملي وأطلب جود كفك مطلبي ... ولقد أتيتك طالبا فبسطت من (

ن خياطب األدىن األعلى بالكاف وإمنا إمنا هو بالكاف وذلك حمظور على الكتابفإنه ليس من األدب عندهم أخياطبه خماطبة الغائب ال خماطبة احلاضرعلى أن هذا الباب جبملته يوكل النظر فيه إىل فطانة اخلطيب والشاعر

وليس مما يوقف فيه على املسموع خاصة ا وخترجه ومن ألطف ما وجدته أنك إذا خاطبت املمدوح أن تترك اخلطاب باألمر بأن تقول افعل كذا وكذ

خمرج االستفهام وهذا األسلوب حسن جدا وعليه مسحة من مجال بل عليه اجلمال كله فما جاء منه قول البحتري يف قصيدة أوهلا

... ) بودي لو يهوى العذول ويعشق (

فقال منها وهذا من األدب احلسن يف خطاب ) هى علي وتشرق بياقوتة تب... فهل أنت يا ابن الراشدين مختمي (

اخلليفةفإنه مل خياطبه بأن قال ختمين بياقوتة على سبيل األمر بل خاطبه على سبيل االستفهام وقد أعجبين هذا املذهب وحسن عندي

Page 363: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

اس أمحد من وقد حذا حذو البحتري شاعر من شعراء عصرنا فقال يف مدح اخلليفة الناصر لدين اهللا أيب العب قصيدة له على قافية الدالفقال من أبيات يصف هبا قصده

من األدب " أمقبولة " فقوله ) لديك بوصفي غادة الشعر رؤده ... أمقبولة يا ابن الخالئف من فمي ( احلسن الذي نسج فيه على منوال البحتري

فهام يف اخلطاب وإذا كان الشاعر فطنا عاملا مبا يضعه من األلفاظ واملعاين وهذا باب مفرد وهو باب االستتصرف يف هذا الباب بضروب التصرفات واستخرج من ذات نفسه شيئا مل يسبقه إليه أحد واعلم أن من

ه املعاين ما يعرب عنه بألفاظ متعددة ويكون املعىن املندرج حتتها واحدافمن تلك األلفاظ ما يليق استعمال باملدح ومنها ما يليق استعماله

بالذم ولو كان هذا األمر يرجع إىل املعىن فقط لكانت مجيع األلفاظ الدالة عليه سواء يف االستعمال وإمنا يرجع يف ذلك إىل العرف دون األصل

ولنضرب له مثاال فنقول هل جيوز أن خياطب امللك فيقال له وحق دماغكقياسا على وحق رأسك ؟ وهذا جع إىل أدب النفس دون أدب الدرس ير

فإذا أراد مؤلف الكالم أن ميدح ذكر الرأس واهلامة والكاهل وما جرى هذا اجملرى فإذا أراد أن يهجو ذكر الدماغ والقفا والقذال وما جرى هذا اجملرى وإن كانت معاين اجلميع متقاربة ومن أجل ذلك حسنت

الكناية يف املوضع الذي يقبح فيه التصريحومن أحسن ما بلغين من أدب النفس يف اخلطاب أن عثمان بن عفان رضي اهللا عنه سأل قباث بن أشيم فقال له أنت أكرب أم رسول اهللا ؟ فقال رسول اهللا أكرب مين وأنا أقدم منه يف امليالد فانظر إىل أدب هذا

العريب الذي من شأنه وشأن أمثاله جفاء األخالق والبعد عن فطانة اآلدابوأما اإلفراط فقد ذمه قوم من أهل هذه الصناعة ومحده آخرون واملذهب عندي استعماهلفإن أحسن الشعر أكذبه بل أصدقه أكذبه لكنه تتفاوت درجاهتفمنه املستحسن الذي عليه مدار االستعمال وال يطلق على اهللا

تحقه سبحانه وتعالىألنه مهما ذكر به من املعامالت يف صفاته فإنه دون ما يس ومما ورد من ذلك يف الشعر قول عنترة

) والظعن مني سابق اآلجال ... وأنا املنية في املواطن كلها (

وقد يروى بالياء وكال املعنيني حسن إال أن الياء أكثر غلوا ومما جاء على حنو من ذلك قول بشار

ومنه ما يستهجن كقول النابغة ) هتكنا حجاب الشمس أو قطرت دما ... ضرية إذا ما غضبنا غضبة م( الذبياين

وهذا يصف طول قامتها لكنه من ) ومن يتعلق حيث غلق يفرق ... إذا ارتعشت خاف الجبان رعاثها ( ملغاالة عن حيز االستحسان األوصاف املنكرة اليت خرجت هبا ا

وكذلك ورد قول أيب نواس

Page 364: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

وهذا أشد إفراطا من قول النابغة ) لتخافك النطف اليت لم تخلق ... وأخفت أهل الشرك حتى إنه ( له وأنت ما ويروى أن العتايب لقي أبا نواس فقال له أما استحييت اهللا حيث تقول وأنشده البيت فقال

راقبت اهللا حيث قلت ) يضيق عني وسيع الرأي من حيلي ... ما زلت في غمرات املوت مطرحا ( قال له العتايب قد علم اهللا) حتى اختلست حياتي من يدي أجلي ... فلم تزل دائبا تسعى بلطفك لي (

وعلمت أن هذا ليس مثل قولك ولكنك قد أعددت لكل ناصح جوابا وقد أراد أبو نواس هذا املعىن يف قالب آخرفقال

) فلقلما تحتازها األجفان ... كدت منادمة الدماء سيوفه ( وما جييء يف هذا الباب ما جيري هذا ) ن خوفه خفقان لفؤاده م... حتى الذي يف الرحم لم يك صورة (

اجملرى وقد استعمل أبو الطيب املتنيب هذا القسم يف شعره كثريا فأحسن يف مواضع منهفمن ذلك قوله

موضع آخرفقال مث أعاد هذا املعىن يف) كأن الجو وعث أو خبار ... عجاجا تعثر العقبان فيه ( ) لو تبتغي عنقا عليه ألمكنا ... عقدت سنابكها عثيرا (

وهذا أكثر مغاالة من األول ومن ذلك قوله أيضا

) فالطعن يفتح في األجواف ما يسع ... كأنما تتلقاهم لتسلكهم (

ول قيس بن اخلطيم وعلى هذا ورد قلكن أبو الطيب أكثر غلوا يف هذا ) يرى قائم من دونها ما وراءها ... ملكت بها كفي فأنهرت فتقها (

املعىن وقيس بن اخلطيم أحسنألنه قريب من املمكنفإن الطعنة تنفذ حىت يتبني فيها الضوء وأما أن جيعل كما قال أبو الطيبفإن ذلك مستحيل وال يقال فيه بعيد املطعون مسلكا يسلك

وأما االقتصاد فهو وسط بني املنزلتني واألمثلة به كثرية ال حتصىإذ كل ما خرج عن الطرفني من اإلفراط والتفريط فهو اقتصاد ومن أحسنه أن جيعل اإلفراط مثال مث يستثىن فيه بلو أو بكاد وما جرى جمرامهافمن

وأنه ملا قام عبد اهللا يدعوه كادوا ( وكذلك قوله عز و جل ) يكاد الربق خيطف أبصارهم ( ذلك قوله تعاىل ورد هذا يف القرآن الكرمي كثريا ومما ورد منه شعرا قول الفرزدق ) يكونون عليه لبدا

)ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم ... يكاد يمسكه عرفان راحته (

وكذلك ورد قول البحتري وهذا هو املذهب املتوسط ) في وسعه لسعى إليك المنبر ... لو أن مشتاقا تكلف فوق ما (

النوع السادس والعشرون

Page 365: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

يف االشتقاق

أمر عام هلذين اعلم أن مجاعة علماء البيان يفصلون االشتقاق عن التجنيس وليس األمر كذلك بل التجنيس النوعني من الكالم وذاك أن التجنيس يف أصل الوضع من قوهلم جانس الشيء الشيءإذا ماثله وشاهبه وملا كانت احلال كذلك ووجدنا من األلفاظ ما يتماثل ويتشابه يف صيغته وبنائه علمنا أن ذلك يطلق عليه اسم

علمنا أن ذلك يطلق عليه اسم التجنيس التجنيس وكذلك ملا وجدنا من املعاين ما يتماثل ويتشابه أيضافالتجنيس إذن ينقسم قسمني أحدمها جتنيس يف اللفظ واآلخر جتنيس يف املعنىفأما الذي يتعلق باللفظ فإنه مل ينقل عن بابه وال غري امسه وقد تقدم ذكره يف باب الصناعة اللفظية وأما الذي يتعلق باملعىن فإنه نقل

ي االشتقاق أي أحد املعنيني مشتق من اآلخر عن بابه يف التجنيس ومس وهو على ضربني صغري وكبري

فالصغري أن تأخذ أصال من األصول فتجمع بني معانيه وإن اختلفت صيغة ومبانيه كترتيب س ل مفإنك تأخذ منه معىن السالمة يف تصرفهنحو سلم وسامل وسلمان وسلمى والسليم اللديغ أطلق عليه ذلك تفاؤال

مة بالسالواألصل يف ذلك أن يضع واضع اللغة امسا أوال ملسمى أول مث جيد مسمى آخر أو مسميات شبيهة باملسمى األول فيضع هلا امسا كاالسم األول كقوله ضرير اسم لألعمى والضر ضد النفع والضراء الشدة من األمر

نفإن هذه املسميات كلها اهلزال وسوء احلال والضرر الضيق والضرة إحدى الزوجتي -بالضم -والضر تدل على األذى والشر وأمساؤها متشاهبة مل خترج عن الضاد والراء إال أنا اآلن ال نعلم ما هو األول منها

حىت حنكم على الثاين انه مشتق منه

لكن نعلم يف السليم اللديغ أنه مشتق من السالمةألنه ضدهاقيل من أجل التفاؤل بالسالمة وعلى هذا جاء من األصول كقولنا هشمك هاشم وحاربك حمارب وساملك سامل وأصاب األرض صيب فهذه األلفاظ غريه

كلها لفظها واحد ومعناها واحدأما هاشم فإنه مل يسم هبذا االسم إال ألنه هشم الثريد يف عام حمل فسمي فاعل من سلم بذلك وأما حمارب فإنه اسم فاعل من حارب فهو حمارب وأما سامل فمن السالمة وهو اسم

أسلم " وأما الصيب فهو املطر الذي يشتد صوبه أي وقعه على األرض وال يقاس على ذلك قول النيب فإن أسلم وغفار وعصية أمساء قبائل ومل تسم أسلم من " ساملها اهللا وغفار غفر اهللا وعصية عصت اهللا

نيس وليس باالشتقاق والنظر يف مثل املساملة وال غفار من املغفرة وال عصية من تصغري عصا وهذا هو التج ذلك حيتاج إىل فكرة وتدبر كي ال خيتلط التجنيس باالشتقاق

ومما جاء من ذلك شعرا قول البحتري وكذلك قول اآلخر ... ) أمحليت سلمى بكاظمة اسلما ( ورمبا ظن أن هذا البيت وما ) وسا عن اخلير حابس وما زال محب... وما زال معقوال عقال عن الندى (

جيري جمراه جتنيسحيث قيل فيه معقول وعقال وحمبوس وحابس وليس األمر كذلك وهذا املوضع يقع فيه االشتباه كثريا على من مل يتقن معرفته

Page 366: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

ل وحابس وحمبوس وقد تقدم القول أن حقيقة التجنيس هي اتفاق اللفظ واختالف املعىن وعقال ومعقو اللفظ فيهما واحد واملعىن أيضا واحد فهذا مشتق من هذا أي قد شق منه

وكذلك ورد قول عنترة فإن حدا وحديد لفظهما واحد ومعنامها واحد ) لهم حد إذا لبس الحديد ... لقد علم القبائل أن قومي (

تأخذ أصال من األصول فتعقد عليه وعلى تراكيبه معىن واحد جيمع تلك وأما االشتقاق الكبري فهو أن التراكيب وما تصرف منها وإن تباعد شيء من ذلك عنها رد بلطف الصنعة والتأويل إليها

من الثالثي هلا ست تراكيب وهي ق ر م ق م ر ر ق م ر م " ق م ر " ولنضرب لذلك مثاالفنقول إن لفظة راكيب الست جيمعها معىن واحد وهو القوة والشدة فالقرم شدة شهوة اللحم وقمر ق م ق ر م ر قفهذه الت

الرجإلذا غلب من يقامره والرقم الداهية وهي الشدة اليت تلحق اإلنسان من دهره وعيش مرمق أي ضيق وذلك نوع من الشدة أيضا واملقر شبه الصرب يقال أمقر الشيء إذا أمر ويف ذلك شدة على الذائق وكراهة

ومرق السهمإذا نفذ من الرمية وذلك لشدة مضائه وقوته واعلم أنه إذا سقط من تراكيب الكلمة شيء فجائز ذلك يف االشتقاقألن االشتقاق ليس من شرطه كمال

تركيب الكلمة بل من شرطه أن الكلمة كيف تقلبت هبا تراكيبها من تقدمي حروفها وتأخريها أدت إىل معىن فإن هلا مخس تراكيب وهي و س ق " و س ق " سقط من تركيب الثالثي لفظة واحد جيمعهافمثال ما

و ق س س و ق ق س و ق و س وسقط من مجلة التراكيب قسم واحد وهو س و ق ومجيع اخلمسة املذكورة تدل على القوة والشدة أيضافالوسق من قوهلم استوسق األمر أي اجتمع وقوي والوقس ابتداء

لى من يصيبه وبالء والسوق متابعة السري ويف هذا عناء وشدة على السائق اجلرب ويف ذلك شدة عواملسوق والقسوة شدة القلب وغلظه والقوس معروفة وفيها نوع من الشدة والقوةلنزعها السهم وإخراجه

إىل ذلك املرمى املتباعد مما يدل على شرفها واعلم أنا ال ندعي أن هذا يطرد يف مجيع اللغة بل قد جاء شيء منها كذلك وهذا

وحكمتهاألن الكلمة الواحدة تتقلب على ضروب من التقاليب وهي مع ذلك دالة على معىن واحد وهذا من أعجب األسرار اليت توجد يف لغة العرب وأغرهبا فاعرفه

لصغري إال أن االستعمال يف النظم والنثر إمنا يقع يف االشتقاق الصغري دون الكبري وسبب ذلك أن االشتقاق اتكثر األلفاظ الواردة عليه واالشتقاق الكبري ال يكاد يوجد يف اللغة إال قليال وأيضا فإن احلسن اللفظي الذي هو الفصاحة إمنا يقع يف االشتقاق الصغري وال يقع يف االشتقاق الكبري أال ترى إىل هذين األصلني

راكيبهما وأردنا أن نسكبهما يف االستعمال مل إذا نظرنا إىل ت" و س ق " و " ق ر م " الواردين ههنا ومها يأت منهما مثل ما يأيت يف االشتقاق الصغري حسنا ورونقاألن ذاك لفظه لفظ جتنيس ومعناه معىن اشتقاق

واالشتقاق الكبري ليس كذلك

النوع السابع والعشرون

Page 367: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

يف التضمني

عند قوم وهو عندهم معدود من وهذا النوع فيه نظر بني حسن يكتسب به الكالم طالوة وبني معيب عيوب الشعر ولكل من هذين القسمني مقام

فأما احلسن الذي يكتسب به الكالم طالوة فهو أن يضمن اآليات واألخبار النبوية وذلك يرد على وجهني أحدمها تضمني كلي واآلخر تضمني جزئي

ني اجلزئي فهو أن تدرج بعض اآلية واخلرب فأما التضمني الكلي فهو أن تذكر اآلية واخلرب جبملتها وأما التضميف ضمن كالمفيكون جزأ منه كالذي أوردته يف حل اآليات واألخبار يف الفصل العاشر من مقدمة الكتاب وقد قيل إنه ال جيوز درج آيات القرآن الكرمي يف غضون الكالم من غري تبيني كي ال يشتبه وهذا القول ال

من أن حيتاج إىل بيان وكيف خيفى وهو املعجز الذي لو اجتمعت اإلنس أقول هبفإن القرآن الكرمي أبنيواجلن على أن يأتوا مبثله ال يأتون مبثله فإن كانت املفاوضة يف التفرقة بينه وبني غريه من الكالم إذا أدرج

القرآن فيه مع جاهل ال يعرف الفرق فذاك ال كالم معه وإن كان الكالم مع عامل بذلك فذاك ال خيفي عنه الكرمي من غريه

ومذهيب يف هذا هو ما تقدم ذكره يف الفصل العاشر من مقدمة الكتاب وهو أحسن الوجهني عندي وذاك أنه ال تؤخذ اآلية بكماهلا بل يؤخذ جزء منها وجيعل أوال لكالم أو آخرا هذا إذا مل يقصد به التضمينفأما إذا

ا وهذا بنكره من مل يذق ما ذقته من طعم البالغة وال رأى قصد التضمني فتؤخذ اآلية بكماهلا وتدرج درج ما رأيته

وأما املعيب عند قوم فهو تضمني اإلسناد وذلك يقع يف بيتني من الشعر أو فصلني من الكالم املنثور على أن ود من يكون األول منهما مسندا إىل الثانيفال يقوم األول بنفسه وال يتم معناه إال بالثاين وهذا هو املعد

عيوب الشعر وهو عندي غري معيبألنه إن كان سبب عيبه أن يعلق البيت األول على الثاين فليس ذلك بسبب يوجب عيبا إذ ال فرق بني البيتني من الشعر يف تعلق أحدامها باآلخر وبني الفقرتني من الكالم املنثور

معىن والكالم املسجوع هو كل يف تعلق أحدمها باألخرىألن الشعر هو كل لفظ موزون مقفى دل على لفظ مقفى دل على معنىفالفرق بينهما يقع يف الوزن ال غري

والفقر املسجوعة اليت يرتبط بعضها ببعض قد وردت يف القرآن الكرمي يف مواضع منهفمن ذلك قوله عز و قول أئنك ملن فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون قال قائل منهم إين كان يل قرين ي( جل يف سورة الصافات

فهذه الفقر الثالث األخرية مرتبط بعضها ببعضفال تفهم ) املصدقني أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا ملدينون كل واحدة منهن إال باليت تليها وهذا كاألبيات الشعرية يف ارتباط بعضها ببعض ولو كان عيبا ملا ورد يف

كتاب اهللا عز و جل فإنكم وما تعبدون وما أنتم عليه بفاتنني إال من هو صال ( سورة الصافات أيضا وكذلك ورد قوله تعاىل يف

( فاآليتان األوليان ال تفهم إحدامها إال باألخرى وهكذا ورد قوله عز و جل يف سورة الشعراء ) اجلحيم ث آيات ال فهذه ثال) أفرأيت إن متعناهم سنني مث جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغىن عنهم ما كانوا ميتعون

Page 368: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

تفهم األوىل وال الثانية إال بالثالثة أال ترى أن األوىل والثانية يف معرض استفهام يفتقر إىل جواب واجلواب هو يف الثالثة

ومما ورد من ذلك شعرا قول بعضهم

... ) ومن البلوى اليت ليس لها يف الناس كنه ( أال ترى أن البيت األول مل يقم بنفسه وال مت معناه إال بالبيت ) يدعي أكثر منه . ..أن من يعرف شيئا (

الثاين وقد استعملته العرب كثريا وورد يف شعر فحول شعرائهمفمن ذلك قول امرىء القيس

) وأردف أعجازا وناء بكلكل... فقلت له لما تمطى بصلبه ( وكذلك ورد قول الفرزدق ) بصبح وما اإلصباح منك بأمثل ... أال أيها الليل الطويل أال انجلي ( ) عروق األكرمني إىل التراب ... وما أحد من األقوام عدوا ( ) م يف القدمي وال غضاب عليه... بمحتفظني إن فضلتمونا (

وكذلك ورد قول بعض شعراء احلماسة ) عليه وإن عالوا به كل مركب ... لعمري لرهط املرء خير بقية ( ) جزيل ولم يخبرك مثل مجرب... من اجلانب األقصى وإن كان ذا غىن (

الضرب الثاين من التضمني وهو أن يضمن الشاعر شعره والناثر نثره كالما آخر لغريهقصدا لالستعانة على تأكيد املعىن املقصود ولو مل يذكر ذلك التضمني لكان املعىن تاما ورمبا ضمن الشاعر البيت من شعره بنصف

بيت أو أقل منه كما قال جحظة " أال ترى أنه لو مل يقل يف هذا البيت ) ذهب الذين يعاش يف أكنافهم ... وغنين قم فاسقنيها يا غالم (

قم فاسقنيها يا غالم " لكان املعىن تاما ال حيتاج إىل شيء آخر فإنه قوله " ذهب الذين يعاش يف أكنافهم على املعىن املفهوم ال على الغرض فيه كفايةإذ ال حاجة له إىل تعيني الغناءألن يف ذلك زيادة " وغنين

املقصود وقد ورد هذا يف عدة مواضع من شعر أيب نواس يف اخلمريات كقوله يف خماطبة بعض خلطائه على جملس

الشراب ) من كف ذات حر فالعيش مقتبل ... فقلت هل لك يف الصهباء تأخذها (

) تطري بالكأس من ألالئها شعل ... الشمس صافية حريية كشعاع( وكذلك قوله أيضا ) ودع هريرة إن الركب مرتحل ... فقال هات وغنينا على طرب ( ) به وعر مقبله سهل وجان... وظبي خلوب اللفظ حلو كالمه ( ) وأمكن منه ما يحيط به األزر ... نحلت له منها فخر لوجهه (

Page 369: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

) فقبلته والصب ليس له صبر ... فقمت إليه والكرى كحل عينه ( ) قال كسبت الذنب قلت لي العذر و... إىل أن تجلى نومه عن جفونه (

) تفقؤ رمان وقد برد الصدر ... فأعرض مزورا كأن بوجهه ( ) إىل أن تغنى راضيا وبه سكر ... فما زلت أرقيه وألثم خده ( ) وال زال منهال بجرعائك القطر ... ا دارمي على البلى أال يا اسلمي ي(

وقد استعمل هذا الضرب كثريا اخلطيب عبد الرمحن بن نباته رمحه اللهفمن ذلك قوله يف بعض خطبه وهو اء واألرض إنه فيأيها الغفلة املطرقون أما أنتم هبذا احلديث مصدقون فما لكم منه ال تشفقون فورب السم

حلق مثل ما أنكم تنطقون وكذلك قوله يف ذكر يوم القيامة وهو فيومئذ تغدو اخلالئق على اهللا هبما فيحاسبهم على ما أحاط به علما

وينفذ يف كل عامل بعمله حكما وعت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من محل ظلما هذا املوضع رصعا أال ترى إىل براعة هذا التضمني الذي كأنه قد رصع يف

وعلى حنو من ذلك جاء قوله يف ذكر يوم القيامة وهو هناك يقع احلساب على ما أحصاه اهللا كتابا وتكون األعمال املشوبة بالنفاق سرابا يوم يقوم الروح واملالئكة صفا ال يتكلمون إال من أذن له الرمحن وقال

صوابا هو أسكتهم اهللا الذي أنطقهم وأبادهم الذي خلقهم ومما ينتظم هبذا السلك قوله يف خطبة أخرى و

وسيجدهم كما أخلقهم وجيمعهم كما فرقهم يوم يعيد اهللا العاملني خلقا جديدا وجيعل الظاملني لنار جهنم وقودا يوم تكونون شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا يوم جتد كل نفس ما عملت من خري

لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا حمضرا وما عملت من سوء تود ومن هذا الباب قوله أيضا هنالك يرفع احلجاب ويوضع الكتاب وجيمع من وجب له الثواب ومن حق عليه

العقاب فيضرب بينهم بسور له باب باطنه فبه الرمحة وظاهره من قبله العذاب نوع وأمثال هذه التضمينات يف خطبه كثرية وهي من حماسن ما جييء يف هذا ال

النوع الثامن والعشرون

يف اإلرصاد

وحقيقته أن يبين الشاعر البيت من شعره على قافية قد أرصدها له أي أعدها يف نفسه فإذا أنشد صدر البيت عرف ما يأيت به يف قافيته

وذلك من حممود الصنعةفإن خري الكالم ما دل بعضه على بعض ويف االفتخار بذلك يقول ابن نباته السعدي

) صدورها عرفت منها قوافيها ... خذها إذا أنشدت في القوم من طرب (

Page 370: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

فمن هذا الباب قول النابغة ) ويصبح الحاسد الغضبان يطريها ... ينسى لها الراكب العجالن حاجته ( ) بعذرة ربها عمي وخالي ... ليه فداء المريء سارت إ( أال ترى انه يعلم إذا عرفت القافية يف ) ألفردت اليمني عن الشمال ... ولو كفي اليمني بغتك خونا (

البيت األول أن يف البيت الثاين ذكر الشمال وكذلك جاء قول البحتري

) بال سبب يوم اللقاء كالمي ... من غير جرم وحرمت أحلت دمي ( فليس يذهب على السامع وقد عرف البيت ) ليس الذي حرمته بحرام ... فليس الذي حللته بمحلل (

األول وصدر البيت الثاين أن عجزه هو ما قاله البحتري وما كان الناس إال أمة واحدة ( ء اإلرصاد يف الكالم املنثور كما جاء يف الشعرفمن ذلك قوله تعاىل وقد جا

( فإذا وقف السامع على قوله تعاىل ) فاختلفوا ولوال كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم فيما فيه خيتلفون يه ملا تقدم من الداللة عل) خيتلفون ( عرف أن بعده ) لقضي بينهم فيما فيه

فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا ( ومن ذلك أيضا قوله عز و جل ) به األرض ومنهم من أغرقنا وما كان اهللا ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون

يتا وإن أوهن مثل الذين اختذوا من دون اهللا أولياء كمثل العنكبوت اختذت ب( على حنو منه جاء قوله تعاىل يعلم أن بعده بيت ) وإن أوهن البيوت ( فإذا وقع السامع على قوله عز و جل ) البيوت لبيت العنكبوت

العنكبوت ورأيت أبا هالل العسكري قد مسى هذا النوع التوشيحوليس كذلك بل

ر من علم تسميته باألرصاد أوىل وذلك حيث ناسب االسم مسماه والق به وأما التوشيح فإنه نوع آخ البيان وسيأيت ذكره بعد هذا النوع إن شاء اهللا تعاىل

واعلم أنه قد اختلف مجاعة من أرباب هذه الصناعة يف تسمية أنواع علم البيان حىت إن أحدهم يضع لنوع واحد منه امسني اعتقادا منه أن ذلك النوع نوعان خمتلفان وليس األمر كذلك بل مها نوع واحد

ك الغامنيفإنه ذكر بابا من أبواب علم البيان ومساه التبليغ وقال هو أن يأيت الشاعر باملعىن فممن غلط يف ذليف البيت تاما من غري أن يكون للقافية فيما ذكره صنع مث يأيت هبا حلاجة الشعر إليها حىت يتم وزنه فيبلغ

بذلك الغاية القصوى يف اجلودةكقول امريء القيس فإنه أتى بالتشبيه تاما قبل القافية مث ) وأرحلنا الجزع الذي لم يثقب ... حش حول خبائنا كأن عيون الو(

ملا جاء هبا بلغ األمد األقصى يف املبالغة مث إن الغامني ذكر بعد الباب بابا آخر ومساه اإلشباع فقال هو أن يأيت الشاعر بالبيت معلق القافية على آخر

جزائه وال يكاد يفعل ذلك إال حذاق الشعراء وذاك أن الشاعر إذا كان بارعا جلب بقدرته وذكائه وفطنته أ إىل البيت وقد

Page 371: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

متت معانيه واستغىن عن الزيادة فيه قافية متممة ألعاريضه ووزنه فجعلها نعتا للمذكوركقول ذي الرمة هذا كالم الغامني بعينه ) سوما كأخالق الرداء المسلسل ر... قف العيس يف أطالل مية فاسأل (

والبابان املذكوران سواء ال فرق بينهما حبالوالدليل على ذلك أن بيت امريء القيس يتم معناه قبل أنه يؤتى بقافيته وكذلك بيت ذي الرمة أال ترى أن امرأ القيس ملا قال

أتى بالتشبيه قبل القافية وملا احتاج إليها جاء . . . ) وأرحلنا الجزع ... ول خبائنا كأن عيون الوحش ح( وهكذا ذو الرمة فإنه ملا قال " لم يثقب " بزيادة حسنة وهي قوله

أتى بالتشبيه أيضا قبل أن يأيت بالقافية . . ) رسوما كأخالق الرداء ... قف العيس في أطالل مية فاسأل ( " املسلسل " وملا احتاج إليها جاء بزيادة حسنة وهي قوله

واعلم أن أبا هالل العسكري قد مسى هذين القسمني بعينهما اإليغالوقال هو أن يستويف الشاعر معىن الكالم قبل البلوغ إىل مقطعه مث يأيت

يغال من أوغل يف األمرإذا أبعد الذهاب فيه مث مثل أبو هالل ذلك باملقطع فيزيد فيه معىن أخر وأصل اإل بقول ذي الرمة

البيت وهذا أقرب أمرا من الغامنيألنه ذكره يف باب واحد ومساه ... ) قف العيس يف أطالل مية فاسأل ( يف ذلك مناقشة على األمساء باسم واحد ومل يذكره يف باب آخر كما فعل الغامني وليس األخذ على الغامني

وإمنا املناقشة على أن ينتصب إليراد علم البيان وتفصيل أبوابه ويكون أحد األبواب اليت ذكرها داخال يف اآلخر فيذهب عليه وخيفي عنه وهو أشهر من فلق الصباح

موضوع وههنا ما هو أغرب من ذاكوذلك أنه قد سلك قوم يف منثور الكالم ومنظومه طرقا خارجة عن علم البيان وهي بنجوة عنهألهنا يف واد وعلم البيان يف واد

فممن فعل ذلك احلريري صاحب املقاماتفإنه ذكر تلك الرسالة اليت هي

كلمة معجمة وكلمة مهملة والرسالة اليت حرف من حروف ألفاظها معجم واآلخر غري معجم ونظم غريه فإنه خارج عن -كل هذا وإن تضمن مشقة من الصناعة شعرا آخر كل بيت منه أول للبيت الذي يليه و

باب الفصاحة والبالغةألن الفصاحة هي ظهور األلفاظ مع حسنها على ما أشرت إليه يف مقدمة كتايب هذا وكذلك البالغة فإهنا االنتهاء يف حماسن األلفاظ واملعانيمن قولنا بلغت املكانإذا انتهيت إليه وهذا الكالم

به احلريري يف رسالته وأورده ذلك الشاعر يف شعره ال يتضمن فصاحة وال بالغة وإمنا يأيت املصوغ مبا أتىومعانيه غثة باردة وسبب ذلك أهنا تستكره استكراها وتوضع يف غري مواضعها كذلك ألفاضه فإهنا جتيء

املعاين فإذا خرج عنه مكرهة ايضا غري مالئمة ألخواهتا وعلم البيان إمنا هو الفصاحة والبالغة يف األلفاظ وشيء من هذه األوضاع املشار إليها ال يكون معدودا منه وال داخال يف بابه ولو كان ذلك مما يوصف حبسن يف ألفاظه ومعانيه لورد يف كتاب اهللا عز و جل الذي هو معدن الفصاحة والبالغة أو ورد يف كالم العرب

الفصحاء ومل نره يف شيء من أشعارهم وال خطبهم ولقد رأيت رجال أديبا من أهل املغرب وقد تغلغل يف شيء عجيب وذاك أنه شجر شجرة ونظمها شعرا

Page 372: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

وكل بيت من ذلك الشعر يقرأ على ضروب من األساليب اتباعا لشعب تلك الشجرة واغصاهنا فتارة تقرأ الشعر وإن كان له كذا وتارة تقرأ كذا وتارة يكون جزء منه ههنا وتارة ههنا وتارة يقرأ مقلوبا وكل ذلك

معىن يفهم إال أنه ضرب من اهلذيان واألوىل به وبأمثاله أن يلحق بالشعبذة واملعاجلة واملصارعة ال بدرجة الفصاحة والبالغة

ورأيت أبا حممد عبد اهللا بن سنان اخلفاجي قد ذكر بابا من األبواب يف كتاهبفقال ينبغي أال تستعمل يف لفاظ املتكلمني والنحويني واملهندسني ومعانيهم وال األلفاظ اليت ختتص هبا بعض الكالم املنظوم واملنثور أ

املهن والعلوم ألن اإلنسان إذا خاض يف علم وتكلم يف صناعة وجب عليه أن يستعمل

ألفاظ أهل ذلك العلم وأصحاب تلك الصناعة مث مثل ذلك بقول أيب متام وبقوله أيضا ) وهمة جوهر معروفها عرض ... مودة ذهب أمثارها شبه ( ) كتلعب األفعال باألسماء ... خرقاء يلعب بالعقول حبابها (

وهذا الذي أنكره ابن سنان هو عني املعروف يف هذه الصناعة إنه جيب ( وسأبني فساد ما ذهب إليه فأقول أما قوله ) تهيه قلبي هو الذي يش... إن الذي تكرهون منه (

على اإلنسان إذا خاض يف علم أو تكلم يف صناعة أن يستعمل ألفاظ أهل ذلك العلم وأصحاب تلك فهذا مسلم إليه ولكنه شذ عنه أن صناعة املنظوم واملنثور مستمدة من كل علم وكل صناعةألهنا ) الصناعة

اخلوض يف كل معىن وهذا ال ضابط له يضبطه وال حاصر حيصره فإذا أخذ مؤلف الشعر أو موضوعة علىالكالم املنثور يف صوغ معىن من املعاين وأداه ذلك اىل استعمال معىن فقهي أو حنوي أو حسايب أو غري ذلك

أيب متام يف االعتذار فليس له أن يتركه وحييد عنه ألنه من مقتضيات هذا املعىن الذي قصده أال ترى إىل قول ) على خطإ مني فعذري على عمد ... فإن يك جرم عن أوتك هفوة (

أن - على ما ذكره ابن سنان -فإن هذا من أحسن ما جييء يف باب االعتذار عن الذنب وكان ينبغي له اللتان مها من أخص ألفاظ الفقهاء ) العمد ( و ) اخلطأ ( يترك ذلك وال يستعمله حيث فيه لفظتا

تنيب وكذلك قول أيب الطيب امل ) رد اإلله نفوسهم واألعصرا ... ولقيت كل الفاضلني كأنما ( وهذا من املعاين البديعة وما كان ينبغي ) وأتى فذلك إذ أتيت مؤخرا ... نسقوا لنا نسق الحساب مقدما (

اليت هي من ألفاظ احلساب بل كان يترك هذا " فذلك " وضع بلفظة أليب الطيب أن يأيت يف مثل هذا املاملعىن الشريف الذي ال يتم إال يتلك اللفظة موافقة البن سنان فيما رآه وذهب إليه وهذا حمض اخلطأ وعني

الغلط وأما ما أنكره على أيب متام يف قوله

فإن هذا البيت ليس منكرا ملا استعمل فيه من ) وهر معروفها عرض وهمة ج... مودة ذهب أثمارها شبه ( الشبه " لفظيت اجلوهر و العرض اللتني مها من خصائص ألفاظ املتكلمني بل ألنه يف نفسه ركيكلتضمنه لفظة

Page 373: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

وهر فإهنا لفظه عامية ركيكة وهي اليت أسخفت بالبيت جبملته ورب قليل أفسد كثريا وأما لفظتا اجل" والعرض فال عيب فيهما وال ركاكة عليهما

وأما البيت األخر وهو فليس مبنكر وهل يشك يف أن التشبيه الذي ) كتلعب األفعال باألسماء ... خرقاء يلعب بالعقول حبابها (

وكذلك تفعل اخلمر بالعقول يف تضمنه واقع يف موقعه ؟ أال ترى أن الفعل ينقل االسم من حال إىل حال تنقل حاالهتما فما الذي أنكره ابن سنان من ذلك ؟

وقد جاء لبعض املتأخرين من هذا األسلوب ما ال يدافع يف حسنه وهو قوله ة يف االمسية فإنه ملا حصل له املشاهب) فجسم له خفض ورأس له نصب ... عوامل رزق أعربت لغة الردى (

بني عوامل الرماح و العوامل النحوية حسن موقع ما ذكره من اخلفض والنصب وعلى ما ذكره ابن سنان وعلى هذا األسلوب ورد قول ! ! فإن ذلك غري جائز وهو من مستحسنات املعاين هذا من أعجب األشياء

بعضهم ) فاق أهل البصره ... وفىت من آزن ( وهل يشك يف حسن هذا املعىن ولطافته ؟ ) وأبوه نكره ... مه معرفة أ(

وكذلك ورد من هذا النوع يف شعر بعض العراقيني يهجو طبيبا فقال ) لو أنصفوني لكنت أركب ... قال حمار الطبيب توما ( وهذا من املعىن الذي أغرب يف املالحة ومجع بني خفة ) كبي جهله مركب ورا... ألنين جاهل بسيط (

السخرية ووقار

الفصاحةوقد تقدم القول يف صدر كتايب هذا أنه جيب على صاحب هذه الصناعة أن يتعلق بكل علم وكل يدك على ما صناعة وخيوض يف كل فن من الفنونألنه مكلف بأن خيوض يف كل معىن من املعاين فاضمم ذكرته ونصصت عليه واترك ما سواهفليس القائل بعلمه واجتهاده كالقائل بظنه وتقليده

وهذا النوع إذا استعمل على الوجه املرضي كان حسنا وإذا استعمل خبالف ذلك كان قبيحا كما جاء يف س اهللا سعادته ما أدغمت كالم أيب العالء بن سليمان املعري وهو قوله يف رسالة كتبها إىل بعض إخوانه حر

التاء يف الظاء وتلك سعادة بغري انتهاء وهذا من الغث البارد ولكن قد جاءه يف الشعر ما هو حسن فائق كقوله

واخلفض والنصب من اإلعراب ) نصبنا املطايا في الفالة على القطع ... فدونكم خفض احلياة فإننا ( خلفض رفاهة العيش والقطع من منصوبات النحو والقطع قطع الشيء يقال قطعتهإذا بترته النحوي وا

النوع التاسع والعشرون

يف التوشيح

Page 374: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

وهو أن يبين الشاعر أبيات قصيدته على حبرين خمتلفينفإذا وقف من البيت على القافية األوىل كان شعرا عليه شعره من القافية األخرى كان أيضا شعرا مستقيما من حبر على عروض وإذا أضاف إىل ذلك ما بىن

مستقيما من حبر آخر على عروض وصار ما يضاف إىل القافية للبيت كالوشاح وكذلك جيري األمر يف الفقرتني من الكالم املنثورفإن كل فقرة منهما تصاغ من سجعتني

عر أحسن منه يف الكالم وهذا ال يكاد يستعمل إال قليال وليس من احلسن يف شيء واستعماله يف الش املنثورفمن ذلك قول بعضهم

) ركنا ثبري أو هضاب حراء ... اسلم ودمت على الحوادث ما رسا ( هذا النوع إال وهذا من اجليد الذي يأيت يف ) رغم الدهور وفز بطول بقاء ... ونل المراد ممكنا منه على (

أن أثر التكلف عليه باد ظاهر وإذا نظر إىل هذين البيتني وجدا ومها يذكران على قافية أخرى وحبر آخر وذاك أن يقال

) مارسا ركنا ثبري ... اسلم ودمت على الحوادث ( وقد استعمل ذلك احلرير يف مقاماته حنو قوله ) منه على رغم الدهور... ونل املراد ممكنا ( ) شرك الردى وقرارة األكدار ... يا خاطب الدنيا الدنية إنها ( ) أبكت غدا بعدا لها من دار ... دار متى ما أضحكت في يومها ( واعلم أن هذا النوع ال يستعمل إال متكلفا ) منه صدى لجهامه الغرار ... لم ينتفع وإذا أظل سحابها(

عند تعاطي التمكن من صناعة النظم وحسنه منوط مبا فيه من الصناعة ال مبا فيه من الرباعةأال ترى أنه لو ت به عادة القصائد أليس أنه كان جييء نظم عليه قصيد من أوله إىل آخره يتضمن غزال ومدحيا على ما جر

باردا غثا ال يسلم منه على حمك النظر عشرة ؟ والعشر كثري وما كان على هذه الصورة من الكالم فإمنا يستعمل أحيانا على الطبع ال على التكلف وهو وأمثاله ال حيسن إال إذا كان يسريا كالرقم يف الثوب أو

الشية يف اجللد

النوع الثالثون

يف السرقات الشعرية

ولرمبا اعترض معترض يف هذا املوضوع فقال قد تقدم نثر الشعر يف أول الكتاب وهو أخذ الناثر من الناظم وال فرق بينه وبني أخذ الناظم من الناظم فلم يكن إىل ذكر السرقات الشعرية إذن حاجة ولو أنعم هذا

يتعرض فيه إىل وجوه املأخذ وكيفية التوصل إىل مداخل املعترض نظره لظهر له الفرق وعلم أن نثر الشعر مل السرقاتوهذا النوع يتضمن ذكر ذلك مفصال

واعلم أن الفائدة من هذا النوع أنك تعلم أين تضع يدك يف أخذ املعانيإذ ال يستغين اآلخر عن اإلستعارة من ي على نفسك بالسرقة فكثريا األول لكن ال ينبغي لك أن تعجل يف سبك اللفظ على املعىن املسروق فتناد

Page 375: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

ما رأينا من عجل يف ذلك فعثر وتعاطى فيه البديهة فعقر واألصل املعتمد عليه يف هذا الباب التورية واالختفاء حبيث يكون ذلك أخفى من سفاد الغراب وأظرف من عنقاء مغرب يف اإلغراب

املتأخرين معىن مبتدعافإن قول الشعر وقد ذهب طائفة من العلماء إىل أنه ليس لقائل أن يقول إن ألحد من قدمي منذ نطق باللغة العربية وإنه مل يبق معىن من املعاين إال وقد طرق مرارا

وهذا القول وإن دخل يف حيز اإلمكان إال أنه ال يلتفت إليه ألن الشعر من األمور املتناقله والذي نقلته يع من األبيات فيما يعن هلا من احلاجات ومل يزل احلال األخبار وتواردت عليه أن العرب كانت تنظم املقاط

على هذه الصورة إىل عهد آمريء القيس وهو قبل اإلسالم مبائة سنه زائدا فناقصا فقصد القصائد وهو أول من قصد ولو مل يكن له معىن اختص به سوى أنه أول من قصد القصائد لكان يف ذلك كفاية وأي فضيلة

يلة ؟ مث تتابع املقصدون واختري من أكرب من هذه الفض

القصائد تلك السبع اليت علقت على البيت وانفتح للشعراء هذا الباب يف التقصيد وكثرت املعاين املقولة بسببه ومل يزل األمر ينمي ويزيد ويؤيت باملعاين الغريبة واستمر ذلك إىل عهد الدولة العباسية وما بعدها إىل

الشعر وكثرت أساليبه وتشعبت طرقه وكان ختامه على الثالثة املتأخرين وهم أبو الدولة احلمدانية فعظممتام حبيب بن أوس وأبو عباده الوليد بن عبيد البحتري وأبو الطيب املتنيب فإذا قيل إن املعاين املبتدعة سبق

إليها ومل يبق معىن مبتدع عورض ذلك مبا ذكرته مفتوح إىل يوم القيامة ومن الذي حيجر على اخلواطر وهي قاذفة مبا ال والصحيح أن باب االبتداع للمعاين

هناية له ؟ إال أن من املعاين ما يتساوى الشعراء فيه وال يطلق عليه اسم االبتداع ألول قبل آخر ألن اخلواطر تأيت به من غري حاجة إىل اتباع اآلخر األول كقوهلم يف الغزل

وكقوهلم إن الطيف جيود مبا يبخل به صاحبه وإن ) آثارهن من القلوب ... عفت عفت الديار وما( الواشي لو علم مبرار الطيف لساءه وكقوهلم يف املديح إن عطاءه كالبحر وكالسحاب وإنه ال مينع عطاء

هذا الرزء أول حادث اليوم عطاء غد وإنه جيود ابتداء من غري مسألة وأشباه ذلك وكقوهلم يف املراثي إن وإنه استوى فيه األباعد واألقارب وإن الذاهب مل يكن واحدا وإمنا كان قبيلة وإن بعد هذا الذاهب ال يعد

للمنية ذنب وأشباه ذلك وكذلك جيري األمر يف غري ما أشرت إليه من معان ظاهرة تتوارد اخلواطر عليها من غري كلفة وتستوي يف

طلق على اآلخر فيه اسم السرقة من األول وإمنا يطلق اسم السرقة يف معىن خمصوص إيرادها ومثل ذلك ال ي كقول أيب متام

) مثال شرودا في الندى والباس ... ال تنكروا ضربي له من دونه ( ) لنبراس مثال من املشكاة وا... فالله قد ضرب األقل لنوره (

فإن هذا معىن خمصوص ابتدعه أبو متام وكان البتداعه سبب واحلكاية فيه مشهورة وهي أنه ملا أنشد أمحد بن املعتصم قصيدته السينية اليت مطلعها

Page 376: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

انتهى إىل قوله ... ) ما في وقوفك ساعة من باس ( فقال احلكيم الكندي وأي فخر يف ) في حلم أحنف في ذكاء إياس ...إقدام عمرو يف سماحة حاتم (

تشبيه ابن أمري املؤمنني بأجالف العرب ؟ فأطرق أبو متام مث أنشد هذين البيتني معتذرا عن تشبيهه إياه زء منه فإنه بعمرو وحامت وإياس وهذا معىن يشهد به احلال أنه ابتدعه فمن أتى من بعده هبذا املعىن أو جب

يكون سارقا له وكذلك ورد قول أيب الطيب املتنيب يف عضد الدولة وولديه

) فكيف وقد بدت معها اثنتان ... وأنت الشمس تبهر كل عين ( ) بضوئهما وال يتحاسدان ... فعاشا عيشة القمرين يحيا ( ) وال ورثا سوى من يقتالن ... وال ملكا سوى ملك األعادي ( وهذا معىن أليب الطيب وهو الذي ابتدعه أي أن ) له ياءي حروف أنيسيان ... وكان ابنا عدو كاثراه (

زيادة أوالد عدوك كزيادة التصغري فإهنا زيادة نقص غي أن يقال إن الرومي ابتدع هذا املعىن الذي هو وما ينب

) كالقوس تصمي الرمايا وهي مرنان ... تشكو املحب وتلفى الدهر شاكية ( فإن علماء البيان يزعمون أن هذا املعىن مبتدع البن الرومي وليس كذلك ولكنه مأخوذ من املثل املضروب

م يلدغ ويصي ويضرب ذلك ملن يبتديء باألذى مث يشكو وإمنا إبن الرومي قد ابتدع معاين أخر وهو قوهلغري ما ذكرته وليس الغرض أن يؤيت على مجيع ما جاء به هو وال غريه من املعاين املبتدعة بل الغرض أن يبني

املعىن املبتدع من غريه من ألفاظ األول يف معىن من املعاين ولو لفظه واحدة والذي عندي يف السرقات انه مىت أورد اآلخر شيئا

فإن ذلك من أدل الدليل على سرقته واعلم ان علماء البيان قد تكلموا يف السرقات الشعرية فأكثروا وكنت ألفت فيه كتابا وقسمته ثالثة أقسام

نسخا وسلخا ومسخا أخوذا ذلك من نسخ الكتاب أما النسخ فهو أخذ اللفظ واملعىن برمته من غري زيادة عليه م

أما السلخ فهو أخذ بعض املعىن مأخوذا ذلك من سلخ اجللد الذي هو بعض اجلسم املسلوخ وأما املسخ فهو إحالة املعىن إىل ما دونه مأخوذا ذلك من مسخ اآلدميني قردة

دة عليه واآلخر وههنا قسمان آخرن أخللت بذكرمها يف الكتاب الذي ألفتهفأحدمها أخذ املعىن مع الزيا عكس املعىن إىل ضده وهذان القسمان ليسا بنسخ وال سلخ وال مسخ

وكل قسم من هذه األقسام يتنوع ويتفرع وخترج به القسمة إىل مسالك دقيقة وقد استأنفت ما فاتين من ذلك يف هذا الكتاب واهللا املوفق للصواب

ها إال حبفظ األشعار الكثرية اليت ال حيصرها عدد ومن املعلوم أن السرقات الشعرية ال ميكن الوقوف عليفمن رام األخذ بنواصيها واالشتمال على قواصيها بأن يتصفح األشعار تصفحا ويقتنع بتأملها ناضرافإنه ال

Page 377: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

يظفر منها إال باحلواشي واألطراف أدبائها وكنت سافرت إىل الشام يف سنة سبع ومثانني ومخسمائة ودخلت مدينة دمشقفوجدت مجاعة من

يلهجون ببيت من شعر ابن اخلياط يف قصيد له أوهلا ويزعمون أنه من املعاين الغريبة وهو ... ) خذا من صبا نجد أمانا لقلبه ( شعر أيب فقلت هلم هذا البيت مأخوذ من ) حذارا عليه أن تكون لحبه ... أغار إذا آنست يف احلي أنة (

الطيب املتنيب يف قوله

وقول أيب الطيب أدق معىن وإن كان قول ابن ) مما به ألغرته بفدائه ... لو قلت للدنف املشوق فديته ( اخلياط أرق لفظا مث إين وقفتهم على مواضع كثرية من شعر ابن اخلياط قد أخذها من شعر املتنيب

الديار املصرية يف سنة ست وتسعني فوجدت أهلها يعجبون ببيت من الشعر يعزونه إىل شاعر وسافرت إىلمن أهل اليمن يقال له عمارة وكان حديث عهد بزماننا هذا يف آخر الدولة العلوية مبصر وذلك البيت من

مجلة قصيدة له ميدح هبا بعض خلفائها عند قدومه عليه من اليمن وهو فقلت هلم هذا البيت مأخوذ من شعر ) ما سرت من حرم إال إىل حرم ... لبيت أني بعد فرقته فهل درى ا(

أيب متام يف قوله مادحا لبعض اخللفاء يف حجة حجها وذلك بيت من مجلة أبيات حسنة ليس ! مث قلت يف نفسي يا هللا العجب ) أيت وملتزم طوبى لمستلم ي... يا من رأى حرما يسري إىل حرم (

أبو متام وأبو الطيب من الشعراء الذين درست أشعارهم وال مها ممن مل يعرف وال اشتهر أمره بل مها كما يقال أشهر من الشمس والقمر وشعرمها دائر يف أيدي الناس خبالف غريمها فكيف خفي على أهل مصر

ط وعمارة املأخوذان من شعرمها ؟ ودمشق بيتا ابن اخليا

وعلمت حينئذ أن سبب ذلك عدم احلفظ لألشعار واالقتناع بالنظر يف دواوينهما وملا نصبت نفسي للخوض يف علم البيان ورمت أن أكون معدودا من علمائه علمت أن هذه الدرجة ال تنال إال بنقل ما يف

ور الكتب إىل الصدور واالكتفاء باحملفوظ عن املسطولقد وقفت من الشعر على كل ديوان ) ما العلم إال ما حواه الصدر ... ليس بعلم ما حوى القمطر (

وجمموع وأنفدت شطرا من العمر يف احملفوظ منه واملسموع فألفيته حبرا ال يوقف على ساحله وكيف ينتهي ك اقتصرت منه على ما تكثر فوائده وتتشعب مقاصده ومل أكن إىل إحصاء قول مل حتص أمساء قائله فعند ذل

ممن أخذ بالتقليد والتسليم يف اتباع من قصر نظره على الشعر القدميإذ املراد من الشعر إمنا هو إيداع املعىن الشريف يف اللفظ اجلزل واللطيف فمىت وجد ذلك فكل مكان خيمت فهو بابل وقد اكتفيت يف هذا بشعر

بيب بن أوس وأيب عباده الوليد وأيب الطيب املتنيب وهؤالء الثالثة هم الت الشعر وعزاه ومناته أيب متام حالذين ظهرت على أيديهم حسناته ومستحسناته وقد حوت أشعارهم غرابة احملدثني إىل فصاحة القدماء

ومجعت بني األمثال السائرة وحكمة احلكماء وأذهان وقد شهد له بكل معىن مبتكر مل ميش فيه على أثرفهو غري أما أبو متام فإنه رب معان وصقيل ألباب

مدافع عن مقام اإلغراب الذي برز فيه على األضراب ولقد مارست من الشعر كل أول وأخري ومل أقل ما

Page 378: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

أقول فيه إال عن تنقيب وتنقريفمن حفظ شعر الرجل وكشف عن غامضه وراض فكره برائضه أطاعته أعنة يف البالغة ما قالت حذامفخذ مين يف ذلك قول حكيم وتعلم ففوق كل ذي علم عليم الكالم وكان قوله

وأما أبو عبادة البحتري فإنه أحسن يف سبك اللفظ على املعىن وأراد أن يشعر فغىن ولقد حاز طريف الرقة عنه وعن واجلزالة على اإلطالق فبينا يكون يف شظف جند إذ تشبث بريف العراق وسئل أبو الطيب املتنيب

أيب متام وعن نفسه فقال أنا وأبو متام حكيمان والشاعر البحتري ولعمري إنه أنصف يف

حكمه وأعرب بقوله هذا عن متانة علمهفإن أبا عبادة أتى يف شعره باملعىن املقدود من الصخرة الصماء يف ما أقول إال أنه أتى يف معانيه اللفظ املصوغ من سالسة املاء فأدرك بذلك بعد املرام مع قربه إىل اإلفهام و

بأخالط الغالية ورقى يف ديباجة لفظه إىل الدرجة العالية وأما أبو الطيب املتنيب فإنه أراد أن يسلك مسلك أيب متام فقصرت عنه خطاه ومل يعطه الشعر من قياده ما

وأنا أقول قوال لست أعطاه لكنه حظي يف شعره باحلكم واألمثال واختص باإلبداع يف وصف مواقف القتال فيه متأمثا وال منه متلثما وذاك أنه خاض يف وصف معركة كان لسانه أمضى من نصاهلا وأشجع من أبطاهلا

وقامت أقواله للسامع مقام أفعاهلا حىت تظن الفريقني قد تقابال والسالحني قد تواصال فطريقه يف ذلك تضل حلروب مع سيف الدولة ابن محدان فيصف لسانه ما بسالكه وتقوم بعذر تاركه وال شك أنه كان يشهد ا

أدى إليه عيانه ومع هذا فإين رأيت الناس عادلني فيه عن سنن التوسط فإما مفرط يف وصفه وإما مفرط وهو وإن انفرد بطريق صار أباعذره فإن سعادة الرجل كانت أكرب من شعره وعلى احلقيقة فإنه خامت الشعراء

الوصف وفوق اإلطراء ولقد صدق يف قوله من أبيات ميدح هبا سيف الدولة ومهما وصف به فهو فوق ) إن الكرام بأسخاهم يدا ختموا ... ال تطلبن كرميا بعد رؤيته ( وملا تأملت شعره بعني املعدلة البعيدة ) قد أفسد القول حتى أحمد الصمم ... وال تبال بشعر بعد شاعره (

عن اهلوى وعني املعرفة اليت ما ضل صاحبها وما غوى وجدته أقساما مخسةمخس يف الغاية اليت انفرد هبا دون غريه ومخس من جيد الشعر الذي يساويه فيه غريه ومخس من متوسط الشعر ومخس دون ذلك ومخس يف

وعدمها خري من الغاية املتقهقرة اليت ال يعبأ هبا

وجودها ولو مل يقلها أبو الطيب لوقاه اهللا شرها فإهنا هي اليت ألبسته لباس املالم وجعلت عرضه شارة لسهام األقوام

ولسائل ههنا أن يسأل ويقول مل عدلت إىل شعر هؤالء الثالثة دون غريهم ؟ وذلك أين وقفت على أشعار الشعراء قدميها فأقول إين مل أعدل إليهم اتفاقا وإمنا عدلت إليهم نظرا واجتهادا

وحديثها حىت مل أترك ديوانا لشاعر مفلق يثبت شعره على احملل إال وعرضته على نظري فلم أجد أمجع من ديوان أيب متام وأيب الطيب للمعاين الدقيقة وال أكثر استخراجا منهما للطيف األغراض واملقاصد ومل أجد

عبادة وال أنقش ديباجة وال أهبج سبكا فاخترت حينئذ دواوينهم الشتماهلا أحسن هتذيبا لأللفاظ من أيب على حماسن الطرفني من املعاين واأللفاظ وملا حفظتها ألغيت ما سواها مع ما بقي على خاطري من غريها

وقد أوردت يف هذا املوضع من السرقات الشعرية مامل يورده غريي ونبهت على غوامض منها

Page 379: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

لقول أين قسمتها إىل مخسة أقساممنها الثالثة األول وهي النسخ والسلخ واملسخ ومنها وكنت قدمت االقسمان اآلخران وها أنا أبني ما تنقسم إليه هذه األقسام من تشعبها وتفريعهافأقول فأما النسخ فإنه ال

سخ الكتاب وعلى ذلك يكون إال يف أخذ املعىن واللفظ مجيعا أو يف أخذ املعىن وأكثر اللفظألنه مأخوذ من ن فإنه ضربان األول يسمى وقوع احلافر على احلافركقول امرىء القيس

) يقولون التهلك أسى وتحمل ... وقوفا بها صحبي علي مطيهم ( وكقول طرفة

وقد أكثر الفرزدق وجرير من هذا يف ) ك أسى وتجلد يقولون ال تهل... وقوفا بها صحبي علي مطيهم ( شعرمها فمنه ما وردا فيه مورد امريء القيس وطرفة يف ختالفهما يف لفظة واحدة كقول الفرزدق

وكقول جرير ) بأحسابنا إني إىل اهللا راجع ... أتعدل أحسابا لئاما حماتها ( ومنه ما تساويا فيه لفظا بلفظ كقول ) بأحسابكم إني إىل اهللا راجع ... أحسابا كراما حماتها أتعدل (

الفرزدق ) طوالع ال تطيق هلا جوابا ... وغر قد نسقت مشهرات ( ) نتسب انتسابا غرائبهن ت... بكل ثنية وبكل ثغر ( وكذلك قال جرير من غري أن يزيد ) ومسقط رأسها من حيث غابا ... بلغن الشمس حني تكون شرقا (

كان يتحدث إليها الشباب فدخل الفرزدق إليها وجعل " ليلى " وقد حكي أن امرأة من عقيل يقال هلا ومها كانت تألفه فدخل إليها فأقبلت عليه وتركت الفرزدق فغاظة ذلك فقال للفىت حيادثها وأقبل فىت من ق

أتصارعين ؟ فقال ذاك إليك فقام إليه فلم يلبث أن أخذ الفرزدق فصرعه وجلس على صدره فضرط فوثب نك واهللا ما يب أ! الفىت عنه وقال يا أبا فراس وهذا مقام العائذ بك واهللا ما أردت ما جرى فقال وحيك

وقد بلغه خربي فقال يهجوين - يعين جريرا -صرعتين ولكن كأين بابن األتان ) فخانك دبر ال يزال يخون ... جلست إلى ليلى لتحظى بقربها (

قال فواهللا ما مضى إال أيام حىت بلغ ) كما شد جربان الدالص قيون ... فلو كنت ذا حزم شددت وكاءه ( جريرا اخلرب فقال فيه هذين البيتني وهذا من أغرب ما يكون يف مثل هذا املوضع وأعجبه

ويقال إن الفرزدق وجريرا كانا ينطقان يف بعض األحوال عن ضمري واحد وهذا عندي مستبعدفإن ظاهر األمر يدل على خالفه والباطن ال يعلمه إال اهللا تعاىل

وإال فإذا رأينا شاعرا متقدم الزمان قد قال قوال مث مسعناه من شاعر أتى من بعده علمنا بشهادة احلال أنه أخذه منه وهب أن اخلواطر تتفق يف استخراج املعاين الظاهرة املتداولةفكيف تتفق األلسنة أيضا يف صوغها

األلفاظ ؟ ه اليت أوهلا ومما كنت أستحسنه من شعر أيب نواس قوله من قصيدت

... ) دع عنك لومي فإن اللوم إغراء ( وهذا من عايل الشعر مث وقفت يف كتاب ) فما يصيبهم إال بما شاءوا ... دارت على فتية ذل الزمان لهم (

Page 380: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

األغاين أليب الفرج على هذا البيت يف أصوات معبد وهو وما أعلم كيف هذا ) فما أصابهم إال بما شاءوا ... ي على فتية ذل الزمان لهم لهف(

الضرب الثاين من النسخ وهو الذي يؤخذ فبه املعىن وأكثر اللفظ كقول بعض املتقدمني ميدح معبدا صاحب الغناء

مث قال أبو متام ) صبات السبق إال لمعبد وما ق... أجاد طويس والسريجي بعده ( ) وما قصبات السبق إال لمعبد ... محاسن أصناف المغنني جمة (

وهذه قصيدة أوهلا فقال ... ) غدت تستجري الدمع خوف نوى غد ( ) إذا عدد اإلحسان أو لم يعدد ... ها وفرعه وقائع أصل النصر في( حماسن أصناف املغنني مجة البيت ) سوى حسن مما فعلت مردد ... فمهما تكن من وقعة بعد ال تكن (

إذا تأملته علمت أنه مل يبق شيء وأما السلخ فإنه ينقسم إىل اثين عشر ضربا وهذا تقسيم أوجبته القسمة و خارج عنه

فاألول أن يؤخذ املعىن ويستخرج منه ما يشبهه وال يكون هو إياه وهذا من أدق السرقات مذهبا وأحسنها صورة وال يأيت إال قليال

فمن ذلك قول بعض شعراء احلماسة أخذ املتنيب هذا املعىن واستخرج منه ) امريء غير طائل بغيض إىل كل... لقد زادين حبا لنفسي أنين (

معىن آخر غريه إال أنه شبيه به فقال ) فهي الشهادة لي بأني فاضل ... وإذا أتتك مذميت من ناقص (

ن أعرق يف ممارسة األشعار واملعرفة بأن هذا املعىن أصله من ذاك املعىن عسر غامض وهو غري متبني إال ملوغاص يف استخراج املعاين وبيانه أن األول يقول إن بغض الذي هو غري طائل إياي مما زاد نفسي حبا إىل

أي مجلها يف عيين وحسنها عندي كون الذي هو غري طائل مبغضي واملتنيب يقول إن ذم الناقص إياي شاهد ذلك الرجل وشهادة ذم الناقص إياه بفضله كتحسني بفضليفذم الناقص إياه كبغض الذي هو غري طائل بغض الذي هو غري طائل نفس ذلك الرجل عنده

ومن هذا الضرب ما هو أظهر مما ذكرته وأبني كقول أيب متام ذا املعىن واستخرج أخذ البحتري ه) رعاها وماء الروض ينهل ساكبه ... رعته الفيايف بعد ما كان حقبة (

منه ما يشاهبه كقوله يف قصيدة يفخر فيها بقومه ) وعداهما رأي السميع املبصر ... شيخان قد ثقل السالح عليهما ( متام ذكر أن اجلمل رعى األرض فأبو ) في عسكر متحامل في عسكر ... ركبا القنا من بعدما حمال القنا (

مث سار فيها فرعته أي أهزلته فكأمنا فعلت به مثل ما فعل هبا والبحتري نقل هذا إىل وصف الرجل بعلو السن واهلرمفقال إنه كان حيمل الرمح يف القتال مث صار يركب عليه أي يتوكأ منه على عصا كما يفعل

Page 381: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

الشيخ الكبري ال أبو متام وكذلك ورد قول الرجلني أيضافق

أخذه البحتري فقال ) من قبل وشك النوى عندي نوى قذفا ... ال أظلم النأي قد كانت خالئقها ( وهذا أوضح من الذي تقدمه ) إليك فألحى الشيب إذ هو مبعدي ... أعاتك ما كان الشباب مقريب ( كثر بيانا وأ

الضرب الثاين من السلخ أن يؤخذ املعىن جمردا من اللفظ وذلك مما يصعب جدا وال يكاد يأيت إال قليال فمنه قول عروة بن الورد من شعراء احلماسة

) من املال يطرح نفسه كل مطرح ... ومن يك مثلي ذا عيال ومقترا ( أخذ أبو متام هذا املعىن فقال ) ومبلغ نفس عذرها مثل منجح ... غ عذرا أو ينال رغيبة ليبل(

فعروة بن الورد جعل اجتهاده يف ) تقوم مقام النصر إذ فاته النصر ... فتى مات بني الضرب والطعن ميتة ( را يقوم مقام النجاح وأبو متام جعل املوت يف احلرب الذي هو غاية اجتهاد اجملتهد يف لقاء طلب الرزق عذ

العدو قائما مقام االنتصار وكال املعنيني واحد غري أن اللفظ خمتلف وهذا الضرب يف سرقات املعاين من أشكلها وأدقها وأغرهبا وأبعدها مذهبا وال يتفطن له ويستخرجه من

ض اخلواطر دون بعض األشعار إال بعوقد جييء منه ما هو ظاهر ال يبلغ يف الدقة مبلغ هذه األبيات املشار اليهاكقول ابن املقفع يف باب الرثاء من

كتاب احلماسة عىن فقال وجاء بعده من أخذ هذا امل) أمنا على كل الرزايا من الجزع ... فقد جر نفعا فقدنا لك أننا ( وهذا من البديع النادر ) عليها مثل يومك ال يعود ... وقد عزى ربيعة أن يوما (

ههنا ما هو أشد ظهورا من هذين البيتني يف هذا الضرب من السرقات الشعريةوذلك يأيت يف األلفاظ ملكان وضوحه لكن قد جييء منه ما هو صفة من املترادفة اليت يقوم بعضها مقام بعض وذاك االعتداد به

صفات الترادف ال االسم نفسه فيكون حسنا كقول جرير أخذ أبو الطيب املتنيب هذا املعىن فقال ) سواء ذو العمامة والخمار ... وال يمنعك من أرب لحاهم ( ) من يف كفه منهم خضاب ك... ومن يف كفه منهم قناة (

الضرب الثالث من السلخ وهو أخذ املعىن ويسري من اللفظ وذلك من أقبح السرقات وأظهرها شناعة على السارق

فمن ذلك قول البحتري يف غالم واس فقال سبقه أبو ن) فوق ضعف الصغري إن وكل األمر إليه ودون كيد الكبار ( وكذلك قوله أيضا ) من األمور وال أزرى من الصغر ... لم يخف من كرب عما يراد به ( ] يف قوله [ أخذه من علي بن جبلة ) كل يوم من جوده في عيد ... كل عيد له انقضاءوكفي ( وكذلك قوله ) والناس يف كل يوم منك يف عيد ... ن األيام منتظر للعيد يوم م(

Page 382: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

] يف قوله [ أخذه من علي بن جبلة ) باد منا السؤال جاد ابتداء ... جاد حتى أفنى السؤال فلما ( وقد افتضح البحتري يف هذه املآخذ ) وبدأت إذ قطع العفاة سؤاهلا . ..أعطيت حتى لم تدع لك سائال (

غاية االفتضاح وهذا على بسطة باعه يف الشعر وغناه عن مثلها وقد سلك هذه الطريق فحول الشعراء ومل يستنكفوا من سلوكهافممن فعل ذلك أبو متامفإنه قال

سبقه عبد السالم بن رغبان املعروف بديك ) فخيل من التعبيس مبتسما ... ظته قد قلصت شفتاه من حفي( اجلن فقال

) ليث يف لبدتي رئبال ... وإذا شئت أن ترى املوت يف صورة ( وأسمر عال ... فالقه غير أنما لبدتاه ( )أبيض صارم ) فيرى ضاحكا لعبس الصيال ... تلق ليثا قد قلصت شفتاه (

وكذلك قال أبو متام أخذه من حسان بن ثابت يف مدحه ) ولكني مدحت بك املدحيا ... فلم أمدحك تفحيما بشعري (

للنبيحيث قال وال شك أن أبا بكر رضي اهللا عنه مسع ) لكن مدحت مقالتي بمحمد ... بمقالتي ما إن مدحت محمدا(

قول حسان حيث استخلف عمر رضي اهللا عنهفقال له عمر استخلف غريي فقال أبو بكر رضي اهللا عنه ما حبوناك هبا وإمنا حبوناها بك

وهكذا فعل ابن الروميفمما جاء له قوله سبقه أبو متام فقال ) بجوى يف القلوب دامي الندوب ... ته العيون فاقتص منها جرح( وكذلك قول ابن الرومي ) فاقتص ناظره من القلب ... أدميت باللحظات وجنته ( سبقه أبو متام فقال ) ى به متقاضيا ووكيال وكف... وكلت مجدك يف اقتضائك حاجيت ( وكذلك قول ابن الرومي ) تقاضيته بترك التقاضي ... وإذا المجد كان عوين على املرء ( صور النمري فقال سبقه من) سوى أنين من بعده ال أخلد ... ومالي عزاء عن شبابي علمته ( ) لوال تعزي أن العيش منقطع ... قد كدت أقضي على فوت الشباب أسا (

وكذلك فعل أبو الطيب املتنبيفمما جاء منه قوله قول الفرزدق أخذه من) وأعطى صدور القنا الذابل ... فدى نفسه بضمان النضار ( وكذلك قوله أيضا ) والخيل إذ رهج الغبار مثار ... كان الفداء له صدور رماحنا ( أخذه من بشار حيث قال ) نحن نبت الربا وأنت الغمام ... أين أزمعت أيهذا الهمام ( وكذلك قوله ) نبات األرض أخطأه القطار ... تغيب عنهم كأن الناس حني( ) وال دانيت يا شمس الغروبا ... فال زالت ديارك مشرقات ( ال أخذه من ابن الرومي حيث ق) كما أنا آمن فيك العيوبا ... ألصبح آمنا فيك الرزايا ( والذي عندي يف الضرب املشار إليه أنه ) أال فاسلم كذاك من اخلطوب ... أسالم قد سلمت من العيوب (

Page 383: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

ال بد من خمالفة املتأخر املتقدم إما بأن يأخذ املعىن فيزيده معىن آخر أو يوجز يف لفظه أو يكسوه عبارة أحسن من عبارته ا يستعمل على وجه يزداد قبحه وتكثر البشاعة به وهو أن يأخذ الشاعرين معىن من ومن هذا الضرب م

قصيدة لصاحبه على وزن وقافيةفيودعه قصيدة له على ذلك الوزن وتلك القافية ومثاله يف ذلك كمن سرق أو جوهرة من طوق أو نطاق مث صاغها يف مثل ما سرقها منه واألوىل به أن كان نظم تلك اجلوهرة يف عقد

صاغها يف سوار أو خلخالليكون أكتم ألمرها

وممن فعل ذلك من الشعراء فافتضح أبو الطيب املتنيب حيث قال يف قصيدته اليت أوهلا ... ) غيري بأكثر هذا الناس ينخدع ( وهذه القصيدة مصوغة على ) األصحاب والشيع إن كان أسلمها ... لم يسلم الكر يف األعقاب مهجته (

قصيدة أليب متام يف وزهنا وقافيتها أوهلا وهذا املعىن الذي أورده أبو الطيب مأخوذ من بيت منها وهو ... ) أي القلوب عليكم ليس ينصدع ( وليس يف السرقات الشعرية ) لروع إذ غابت األنصار والشيع يف ا... ما غاب عنكم من اإلقدام أكرمه (

أقبح من هذه السرقةفإنه مل يكتف الشاعر فيها بأن يسرق املعىن حىت ينادي على نفسه أنه قد سرقه الضرب الربع من السلخ وهو أن يؤخذ املعىن فيعكس وذلك حسن يكاد خيرجه حسنه عن حد السرقة فمن

أيب نواس ذلك قول ) أشهى املطي إلي ما لم يركب ... قالوا عشقت صغرية فأجبتهم ( فقال مسلم بن الوليد يف عكس ذلك ) لبست وحبة لؤلؤ لم تثقب ... كم بين حبة لؤلؤ مثقوبة ( ) حتى تذلل بالزمام وتركبا ... ذ ركوبها إن املطية ال يل( ومن هذا الباب قول ابن جعفر ) حتى يفصل يف النظام ويثقبا ... والحب ليس بنافع أربابه ( ) ني بمنجلي وأن هواها ليس ع... ولما بدا لي أنها ال تريدني ( ) تذوق صبابات الهوى فترق لي ... تمنيت أن تهوى سواي لعلها (

وقال غريه ) يف طالبيك وامتناعك مني ... ولقد سرني صدودك عني ( أما ابن جعفر فإنه تداءب وألقى عن ) ما خلوت كنت التمني وإذا ... حذرا أن أكون مفتاح غيري (

منكبه رداء الغرية وأما اآلخر فجاء بالضد من ذلك وتغاىل به غاية الغلو وكذلك ورد قول أيب الشيص

ذ أبو الطيب املتنيب هذا املعىن وعكسه أخ) شغفا بذكرك فليلمني اللوم ... أجد المالمة يف هواك لذيذة ( فقال

وهذا من السرقات اخلفية جدا وألن يسمى ابتداعا ) إن املالمة فيه من أعدائه ... أأحبه وأحب فيه مالمة ( أوىل من أن يسمى سرقة

Page 384: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

وقد توخيته يف شيء من شعري فجاء حسنافمن ذلك قويل أخذته من قول أيب متام ) لم يدر قائل شعر كيف يمتدح ... لكرام وما سنوه من كرم لوال ا( ) بناة العلى من أين تؤتى المكارم ... لوال خالل سنها الشعر ما درى (

من ذلك قول أمية بن أيب الصلت ميدح عبد اهللا بن الضرب اخلامس من السلخ وهو أن يؤخذ بعض املعىن ف جدعان

) ببذل وما كل العطاء يزين ... عطاؤك زين المريء إن حبوته ( أخذه أبو متام فقال) إليك كما بعض السؤال يشني ... وليس بشين المريء بذل وجهه ( ) كانت فخارا لمن يعفوه مؤتنفا ... تدعى عطاياه وفرا وهي إن شهرت (

فأمية بن أيب الصلت أتى مبعنيني اثنني ) حتى رأيت سؤاال يجتني شرفا ... ما زلت منتظرا أعجوبة زمنا ( آلخر أن عطاء غريك شني وأما أبو متام فإنه أتى باملعىن األول ال غري أحدمها أن عطاءك زين وا

ومن هذا الضرب قول علي بن جبلة فقال أبو الطيب املتنيب ) وإن نال منه آخر فهو تابع ... وآثل ما مل يحوه متقدم ( فعلي بن جبلة اشتمل ما قاله على معنيني ) يفعل الفعالت إال عذاريا فما ... ترفع عن عون املكارم قدره (

أحدمها أنه فعل ما مل يفعله أحد ممن تقدمه وإن نال منه اآلخر شيئا فإمنا هو مقتد به وتابع له وأما أبو الطيب أنه أبرزه يف صورة حسنة املتنيب فإنه مل يأت إال باملعىن الواحد وهو أنه يفعل ما ال يفعله غريه غري

ومن ذلك قول أيب متام فقال البحتري ) لم يبتدأ عرف إذا لم يتمم ... كلف برب املجد يعلم أنه ( ام قال إن املمدوح يرب صنيعه فأبو مت) وإن صنع المعروف زاد ومتما ... ومثلك إن أبدى الفعال أعاده (

أي يستدميه ويعلم أنه إذا مل يستدمه فمما ابتدأه والبحتري قال إنه يستدمي صنيعه الغري وذلك بعض ما ذكره أبو متام

وكذلك قال البحتري أخذه ممن تقدمه حيث قال) عادية العدم أو استعفف ... ادفع بأمثال أيب غالب ( فالبحتري أخذ بعض هذا املعىن ومل يستوفه ) انتج الفضل أو تخل عن الدنيا فهاتان غاية الهمم (

وكذلك ورد قول ابن الرومي طيب املتنيب فقال أخذه أبو ال) إليها أناس غيركم بالساللم ... نزلتم على هام المعالي إذا ارتقى ( وهذا بعض املعىن الذي تضمنه قول ابن ) فإذا أرادوا غاية نزلوا ... فوق السماء وفوق ما طلبوا (

الروميألنه قال إنكم نزلتم على هام املعايل وإن غريكم يرقى إليها رقيا وأما املتنيب فإنه قال إنكم إذا أردمت إذ املعايل فوق " نزلتم على هام املعايل " فإنه يغين عنه قول ابن الرومي " فوق السماء " له غاية نزلتم وأما قو

كل شيءألهنا خمتصة بالعلو مطلقا الضرب السادس من السلخ وهو أن يؤخذ املعىن فيزاد عليه معىن آخر

Page 385: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

فمما جاء منه قول األخنس بن شهاب أخذه مسلم بن الوليد فزاد عليه وهو ) خطانا إلى أعدائنا فنضارب ... إذا قصرت أسيافنا كان وصلها(

قوله وكذلك ورد قول جرير يف ) أو عرد السيف لم يهمم بتعريد ... إن قصر الرمح لم يمش الخطا عددا (

وصف أبيات من شعره

أخذه أبو متام فزاد عليهإذ قال يف وصف ) أخذن طريقا للقصائد معلما ... حان وردها غرائب آالف إذا( قصيد له وقرن ذلك باملمدوح

وكذلك ورد قول ولد مسلمة بن ) من املجد فهي اآلن غير غرائب ... غرائب القت في فنائك أنسها ( لك عبد امل

) وكال أراه طعاما وبيال ... أذل الحياة وكره املمات ( أخذه أبو متام فقال ) فسيرا إىل املوت سيرا جميال ... فإن لم يكن غير إحداهما ( ... ) با عظيما مثل املوت بين عينيه والذل وكال رآه خط( فزاد عليه بقوله ) فأمات العدا ومات كرميا ... ثم سارت به الحمية قدما ( ويروى أنه نظر عبد اهللا بن علي رضي اهللا عنه عند قتال املروانية إىل فىت ... ) فأمات العدا ومات كرميا (

لي يف القتال بالء حسنا فناداه يا فىت لك األمان ولو كنت مروان بن حممد فقال إال عليه أهبة الشرف وهو يب أكنه فلست بدونه قال فلك األمان ولو كنت من كنت فأطرق مث متثل هبذين البيتني املذكورين

وكذلك ورد قول أيب متام أخذه من قول املعذل بن غيالن ) زي عذراء ناهد ولو برزت في... يصد عن الدنيا إذا عن سودد ( إال أنه زاده زيادة حسنة بقوله ) إذا كانت العلياء يف جانب الفقر ... ولست بنظار إلى جانب العال (

قول البحتري ومما جيري هذا اجملرى ... ) ولو برزت يف زي عذراء ناهد ( أخذه من قول أيب نواس ) واو عمرو أو كاحلديث املعاد ... خل عنا فإنما أنت فينا ( ) لست منها وال قالمة ظفر ... قل لمن يدعي سليما سفاها ( إال أن البحتري زاد على أيب النواس يف ) ت يف الهجاء ظلما بعمرو ألحق... إنما أنت ملصق مثل واو (

هكذا ورد قول البحتري أيضا " أو كاحلديث املعاد " قوله أخذه من مسلم بن الوليد يف ) جذالن يبدع في السماح ويغرب ... ركبوا الفرات إلى الفرات وأملوا (

قوله إال البحتري زاد عليه بقوله جذالن ) فأوفت بنا من بعد بحر إلى بحر ... ركبت إليه البحر في مؤخراته (

يبدع يف السماح ويغرب وكذلك ورد قول أيب النواس وهذا البيت قد هلج به الناس هلجا كثريا ومنهم من ) أن يجمع العالم في واحد... وليس هللا بمستنكر (

ظنه مبتدعا أليب نواس وحيكي عن أيب متام أنه دخل على ابن أيب داود فقال له أحسبك عاتبا يا أبا

Page 386: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

متام فقال إمنا يعتب على واحد وأنت الناس مجيعا قال من أين هذه يا أبا متام ؟ قال من قول احلاذق أيب بيت وهذه احلكاية عندي موضوعة ألن أبا متام كان عارفا بالشعر حىت إنه قال مل أنظم شعرا نواس وأنشده ال

حىت حفظت سبعة عشر ديوانا للنساء خاصة دون الرجال وما كان خيفى عنه أن هذا املعىن ليس أليب نواس وإمنا هو مأخوذ من قول جرير

إال أن أبا نواس زاده زيادة حسنة وذاك أن ) ت الناس كلهم عضابا حسب... إذا غضبت عليك بنو تميم ( جريرا جعل الناس كلهم بين متيم وأبا نواس جعل العامل كله يف واحد وذلك أبلغ

ومما ينتظم يف هذا السلك قول الفرزدق ) مامي وخير الناس كلهم أ... عالم تلفتني وأنت تحتي ( أخذه أبو نواس فصار أملك به وأحسن فيه ) من األنساع والدبر الدوامي ... متى تأتي الرصافة تسترحيي (

غاية اإلحسان فقال تسترحيي من األنساع " ال فالفرزدق ق) فظهورهن على الرجال حرام ... وإذا املطي بنا بلغن محمدا (

وليست استراحتها مبانعة من معاودة إتعاهبا مرة أخرى وأما أبو نواس فإنه حرم ظهورهن " والدبر الدوامي على الرجال أي أهنا تعفى من السفر إعفاء مستمرا وال شك أن أبا نواس مل يتنبه هلذه الزيادة إال من فعل

العرب يف السائبة والبحرية ألسلوب ورد قول املتنيب وعلى هذا ا

أخذه من أيب نواس يف قوله ) ولكنه بالقنا مخمل ... وملمومة زرد ثوبها ( فزاد أبو الطيب زيادة صار هبا أحق من أيب ) قميص محوك من قنا وجياد ... أمام خميس أرجوان كأنه (

عىن نواس هبذا امل

وكذلك قال أبو الطيب املتنيب فأخذته أنا وزدت عليهفقلت ) فإنك يف الكرم األول ... وإن جاد قبلك قوم مضوا ( إىل وهذا النوع من السرقات قليل الوقوع بالنسبة) أنت يف اجلود أول وقضى اهللا باال يرى الدهر ثان (

غريه الضرب السابع من السلخ وهو أن يؤخذ املعىن فيكسى عبارة أحسن من العبارة األوىل

وهذا هو احملمود الذي خيرج به حسنه عن باب السرقةفمن ذلك قول أيب متام حتريفقال أخذه الب) مخضوبة منكم أظفاره بدم ... جذالن من ظفر حران إن رجعت ( ومن هذا األسلوب قوهلما ) تذكرت القربى ففاضت دموعها ... إذا احتربت يوما ففاضت دماؤها (

أيضافقال أبو متام ل البحتري وقا) قلوا كما غيرهم قلوا وإن كثروا ... إن الكرام كثري في البالد وإن ( ) ولقد يقل الشيء حتى يكثرا ... قل الكرام فصار يكثر مدهم (

Page 387: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

وعلى هذا النحو ورد قول أيب نواس ملتنبيفقال أخذه أبو الطيب ا) تقلب عينيه إلى شخص من يهوى ... يدل على ما في الضمري من الفتى ( ) فعليه لكل عين دليل ... وإذا خامر الهوى قلب صب (

ومما ينتظم يف هذا السلك قول أيب الطيب املتنيب أخذه ابن نباتة السعديفقال) فقد وقع انتقاصي في ازدياد ... إذا ما ازددت من بعد التناهي ( وكذلك ورد قول أيب العالء بن ) فكل صحيح يف األنام عليل ... إذا كان نقصان الفتى من تمامه (

سليمان يف مرثية فقال أخذه الشاعر املعروف بالقيسراين ) ولكنها يف وجهه أثر اللطم ... وما كلفة البدر املنري قدمية ( وكذلك قول ابن الرومي ) ألست ترى يف وجه أثر الترب ... وأهوى التي أهوى لها البدر ساجدا ( أخذه من تأخر زمانه عنهفقال ) فعين سواه بالشناءة أجدر ... إذا شنئت عين امريء شيب نفسه ( ) فكيف يكون إليها حبيبا ... ي بغيضا إىل إذا كان شيب(

ومما ينخرط يف هذا السلك قول بعضهم أخذه أبو متامفقال ) بأحسن مما زينتها عقودها ... مخصرة األوساط زانت عقودها ( مث أخذه البحتريفقال ) إن أضحت وأمست بال عقد وحسنا و... كأن عليها كل عقد مالحة ( أمثال هذا كثرية وفيما أوردناه مقنع ) فإن عناء ما توخت عقودها ... إذا أطفأ الياقوت إشراق وجهها (

ما فيه من الضرب الثامن من السلخ وهو أن يؤخذ املعىن ويسبك سبكا موجزا وذلك من أحسن السرقاتل الداللة على بسطة الناظم يف القول وسعة باعة يف البالغةفمن ذلك قول بشار

أخذه سلم اخلاسر وكان تلميذه ) وفاز بالطيبات الفاتك اللهج ... من راقب الناس لم يظفر بحاجته ( فقال

فبني البيتني لفظتان يف التأليف ) فاز باللذة اجلسور و... من راقب الناس مات غما ( ومن هذا األسلوب قول أيب متام

) فيها تسري مغورا ومنجدا ... برزت يف طلب املعايل واحدا ( ) يف غاية ما زلت فيها مفردا ... عجب بأنك سالم يف وحشة (

أخذه ابن الروميفقال وكذلك ورد قول أيب نواس ) وما أوحشته بالتغريب ... غربته اخلالئق الزهر يف الناس ( أخذه ابن الروميفقال ) من جود كفك تأسو كل ما جرحا ... وكلت بالدهر غير غافلة ( وعلى هذا ورد قول ابن الرومي ) يتتبع اإلفساد باإلصالح ... سد ما استطاع وأحمد الدهر يف( أخذه بعض شعراء الشام وهو ابن ) إذا النزع أدناه من الصدر أبعدا ... كأني أستدني بك ابن حنية (

قسيم احلمويفقال ولقيت مجاعة من األدباء بالشام ووجدهتم ... ) م كلما زدته منك دنوا بالنزع زادك بعدا فهو كالسه(

Page 388: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

يزعمون أن ابن قسيم هو الذي ابتدع هذا املعىن وليس كذلك وإمنا هو البن الرومي ومما جيري هذا اجملرى قول أيب العتاهية

أخذه أبو متامفقال ) ألن لها وجها يدل على عذري ... حبها وإين لمعذور على فرط( فأوجز يف هذا املعىن غاية اإلجياز ) ناجاك عن عذري ... له وجه إذا أبصرته (

ومما جيري على هذا النهج قول أيب متام ) عن أحمد بن سعيد أطيب الخبر ... كانت مساءلة الركبان تخبرني (

أخذه أبو الطيب املتنيب ) أدني بأحسن مما قد رأى بصري ... حتى التقينا فال واهللا ما سمعت ( فأوجزحيث قال

وكذلك قوهلما يف موضع آخرفقال أبو ) صغر الخبر الخبر فلما التقينا... وأستكبر األخبار قبل لقائه ( متام

) منهم ألعباء الوغى حمال ... كم صارما عضبا أناف على قفا ( الطيب فزاد وأحسنحيث قال أخذه أبو) وطن النهى من مفرق وقذال ... سبق املشيب إليه حتى ابتزه ( وال هرم ... يسابق القتل فيهم كل حادثة ( ومن هذا الضرب قول بعض الشعراء ) فما يصيبهم موت ) وأخرت إنفاق ما تجمع ... أمن خوف فقر تعجلته ( أخذه أبو الطيب املتنبيفقال ) وما كنت تعدو الذي تصنع ... غني فصرت الفقري وأنت ال( ) مخافة فقر فالذي فعل الفقر ... ومن ينفق الساعات يف جمع ماله (

و من السرقات الضرب التاسع من السلخ وهو أن يكون املعىن عاما فيجعل خاصا أو خاصا فيجعل عاما وه اليت يسامح صاحبهافمن ذلك قول األخطل

أخذه أبو متامفقال ) عار عليك إذا فعلت عظيم ... ال تنه عن خلق وتأيت مثله ( الذي جعل خاصاأال وهذا من العام) للبخل تربا ؟ ساء ذاك صنيعا ... أألوم من بخلت يداه وأغتدي (

ترى أن األول هنى عن اإلتيان مبا ينهى عنه مطلقا وجاء باخللق منكرا فجعله شائعا يف باهبوأما أبو متام فإنه خصص ذلك بالبخل وهو خلق واحد من مجلة األخالق

وأما جعل اخلاص عاما فكقول أيب متام أخذه أبو الطيب املتنيب فجعله ) ن منعت الدر والضرع حافل ولك... ولو حاردت شول عذرت لقاحها (

عاما إذ يقول ) كما يؤلم احلرمان من كف رازق ... وما يؤلم الحرمان من كف حارم (

عىن فيضرب له مثال الضرب العاشر من السلخ وهو زيادة البيان مع املساواة يف املعنىوذلك بأن يؤخذ امل يوضحه فمما جاء منه قول أيب متام

أخذه أبو الطيب فأوضحه مبثال ضربه ) فللريث في بعض املواطن ... هو الصنع إن يعجل فنفع وإن يرث ( له وذلك قوله

Page 389: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

وهذا من املبتدع ال من املسروق وما ) سري الجهام أسرع السحب في امل... ومن الخري بطء سيبك عني ( وكذلك قوهلما يف موضع آخرفقال أبو متام ! أحسن ما أتى هبذا املعىن يف املثال املناسب له

فقال أخذه أبو الطيب املتنيب ) فخيل من شدة التعبيس مبتسما ... قد قلصت شفتاه من حفيظته ( ) حتى أتته يد فراسة وفم ... وجاهل مده في جهله ضحكي ( ومما ينخرط يف هذا السلك قول أيب متام ) فال تظنن أن الليث مبتسم ... إذا رأيت نيوب الليث بارزة ( أخذه أبو عبادة البحتريفقال ) حتى يجاورها الزمان بحال ... وكذاك لم تفرط كآبة عاطل( ) ألخالق أصفار من املجد خيب ... وقد زادها إفراط حسن جوارها ( باملعىن مضروبا له هذا فإنه أتى) طوالع يف داج من الليل غيهب ... وحسن دراري الكواكب أن ترى (

املثال الذي أوضحه وزاده حسنا الضرب احلادي عشر من السلخ وهو احتاد الطريق واختالف املقصد ومثاله أن يسلك الشاعران طريقا

واحدة فتخرج هبما إىل موردين او روضتني وهناك يتبني فضل أحدمها على اآلخر ن صغريين فمما جاء من ذلك قول أيب متام يف مرثية بولدي

) قلنا أقام الدهر أصبح راحال ... مجد تأوب طارقا حتى إذا ( ) إال ارتداد الطرف حتى يأفال ... نجمان شاء اهللا أال يطلعا ( ) ها بالرياض ذوابال ألجل من... إن الفجيعة بالرياض نواضرا ( ) لو أخرت حتى تكون شمائال ... لهفي على تلك الشواهد فيهما ( ) أيقنت أن سيكون بدرا كامال ... إن الهالل إذا رأيت نموه ( ) منه يريب الحادثات حالحال .. .قل لألمري وإن لقيت موقرا ( ) رزأين هاجا لوعة وبالبال ... إن ترز في طرفي نهار واحد (

) إال إذا ما كان وهما بازال ... فالثقل ليس مضاعفا لمطية ( ) لقيا حماما للبرية آكال ... يدانه ال غرو إن فننان من ع( ) منه اتمهل ذرا وأث أسافال ... إن األشاء إذا أصاب مشذب ( ) أو أن تذكر ناسيا أو غافال ... شمخت خاللك أن يواسيك امرؤ ( ) إسجاح لبك سامعا أو قائال ... قادها لك سمحة إال مواعظ ( وقال أبو الطيب يف مرثية بطفل صغري ) إال إذا كان الحسام القاصال ... هل تكلف األيدي بهز مهند ( ) طفال فاألسى ليس بالطفل وإن تك ... فإن تك في قبر فإنك في الحشا ( ) ولكن على قدر الفراسة واألصل ... ومثلك ال يبكى على قدر سنه ( ) نداهم ومن قتالهم مهجة البخل ... ألست من القوم الذي من رماحهم ( ) ولكن يف أعطافه منطق الفصل ... ان كغيره مبولودهم صمت اللس( ) ويشغلهم كسب الثناء عن الشغل ... تسليهم علياؤهم عن مصابهم (

Page 390: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

) فإنك نصل والشدائد للنصل ... عزاءك سيف الدولة المقتدى به ( ) وتنصره بين الفوارس والرجل ... تخون املنايا عهده يف سليله ( ) إىل بطن أم ال تطرق بالحمل ... بنفسي وليد عاد من بعد حمله ( ) ة البلد المحل وصد وفينا غل... بدا وله وعد السحابة بالروى ( ) إلى وقت تبديل الركاب من النعل ... وقد مدت الخيل العتاق عيونها ( فتأمل أيها الناظم إىل ما ) وجاشت له الحرب الضروس وما تغلي ... وريع له جيش العدو وما مشى (

ان الشاعران يف هذا املقصد الواحد وكيف هام كل واحد منهما يف واد منه مع اتفاقهما يف بعض صنع هذ معانيه ؟

وسأبني لك ما اتفقا فيه وما اختلفا وأذكر الفاضل من املفضول فأقول أما الذي اتفقا فيه فإن أبا متام قال وأما أبو الطيب فإنه قال ) ت حتى تكون شمائال لو أخر... لهفي على تلك الشواهد فيهما ( فأتى باملعىن الذي أتى به أبو متام ) ولكن يف أعطافه منطق الفضل ... بمولودهم صمت اللسان كغيره (

" ل صمت اللسان ومنطق الفص" وزاد عليه بالصناعة اللفظية وهي املطابقة يف قوله وقال أبو متام

وقال أبو الطيب ) إال ارتداد الطرف حتى يأفال ... نجمان شاء اهللا أال يطلعا ( فوافقه يف املعىن وزاد عليه بقوله ) وصد وفينا غلة البلد المحل ... بدا وله وعد السحابة بالروى ( ألنه بني قدر حاجتهم إىل وجوده وانتفاعهم حبياته ) وصد فينا غلة البلد المحل (

وأما ما اختلفنا فيه فإن أبا الطيب أشعر فيه من أيب متام أيضا وذاك أن معناه أمنت من معناه ومبناه أحكم من ع شبهة الزمان وقدمه ال مع فضيلة القول مبناه ورمبا أكرب هذا القول مجاعة من املقلدين الذين يقفون م

وتقدمه وأبو متام وإن كان أشعر عندي من أيب الطيب فإن أبا الطيب أشهر منه يف هذا املوضعوبيان ذلك أنه قد تقدم القول على ما اتفقا فيه من املعىن وأما الذي اختلفا فيه فإن أبا الطيب قال

) فإنك نصل والشدائد للنصل ... به عزاءك سيف الدولة املقتدى(

وهذا البيت مبفرده خري من بييت أيب متام اللذين مها ) رزأين هاجا لوعة وبالبال ... إن ترز يف طرفي نهار واحد ( " والشدائد للنصل " فإن قول أيب الطيب ) وهما بازال إال إذا ما كان... فالثقل ليس مضاعفا لمطية (

أكرم لفظا ومعىن من قول أيب متام إن الثقل إمنا يضاعف من املطايا وقوله أيضا للذين مها وهذا أشرف من بييت أيب متام ا) وتنصره بين الفوارس والرجل ... تخون املنايا عهده في سليله ( ) لقيا حماما للبرية آكال ... الغرو إن فننان من عيدانه ( وكذلك قال أبو الطيب ) منه اتمهل ذرا وأث أسافال ... إن األشاء إذا أصاب مشذب ( ) نداهم ومن قتالهم مهجة البخل ... ألست من القوم الذي من رماحهم ( وهذان البيتان خري من بييت أيب متام ) ويشغلهم كسب الثناء عن الشغل ... تسليهم علياؤهم عن مصابهم (

Page 391: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

اللذان مها ) أن تذكر ناسيا أو غافال أو ... شمخت خاللك أن يواسيك امرؤ ( واعلم أن التفضيل بني املعنيني املتفقني ) إسجاح لبك سامعا أو قائال ... إال مواعظ قادها لك سمحة (

أيسر خطبا من التفصيل بني املعنيني املختلفني تلفني واحتجوا على ذلك بأن قالوا املفاضلة بني الكالمني ال وقد ذهب قوم إىل منع املفاضلة بني املعنيني املخ

تكون إال باشتراكهما يف املعنىفإن اعتبار التأليف يف نظم األلفاظ ال يكون إال باعتبار املعاين املندرجة حتتها فما مل يكن بني الكالمني اشتراك يف املعىن حىت يعلم مواقع النظم يف قوة ذلك املعىن

ساق ذلك اللفظ أو اضطرابه وإال فكل كالم له تأليف خيصه حبسب املعىن املندرج حتته وهذا أو ضعفه وات مثل قولنا العسل أحلى من اخلل فإنه ليس يف اخلل حالوة حىت تقاس حالوة العسل عليها

يد وهذا القول فاسد فإنه لو كان ما ذهب إليه هؤالء من منع املفاضلة حقا لوجب أن تسقط التفرقة بني جالكالم ورديئه وحسنه وقبيحه وهذا حمال وإمنا خفي عليهم ذلك ألهنم مل ينظروا إىل األصل الذي تقع

املفاضلة فيه سواء اتفقت املعاين أو اختلفت ومن ههنا وقع هلم الغلط ا وسأبني ذلك فأقول من املعلوم أن الكالم ال خيتص مبزية من احلسن حىت تتصف ألفاظه ومعانيه بوصفني مهالفصاحة والبالغة فثبت هبذا أن النظر إمنا هو يف هذين الوصفني اللذين مها األصل يف املفاضلة بني األلفاظ

واملعاين على اتفاقهما واختالفهما فمىت وجدا يف أحد الكالمني دون اآلخر أو كانا أخص به من اآلخر حكم له بالفضل

شعر أشياء تتضمن خبطا كثريا وهو مروي عن علماء وقرأت يف كتاب األغاين أليب الفرج يف تفضيل ال العربية لكن عذرهتم يف ذلك فإن معرفة الفصاحة والبالغة شيء خالف معرفة النحو واإلعراب

فمما وقفت عليه أنه سئل أبو عمرو بن العالء عن األخطل فقال لو أدرك يوما واحدا من اجلاهلية ما قدمت ال باألشعار وفيه ما فيه ولوال أن أبا عمرو عندي باملكان العلى لبسطت عليه أحدا وهذا تفضيل باإلعصار

لساين يف هذا املوضع وسئل جرير عن نفسه وعن الفرزدق واألخطل فقال أما الفرزدق ففي يده نبعة من الشعر وهو قابض عليها

قول يف التفضيل قول إقناعي ال وأما األخطل فأشدنا اجتراء وأرمانا للقرائض وأما أنا فمدينة الشعر وهذا ال حيصل منه على حتقيق لكنه أقرب حاال مما روي عن أيب عمرو بن العالء

وسئل األخطل عن أشعر الناس فقال الذي إذا مدح رفع وإذا هجا وضعف فقيل فمن ذاك ؟ األعشى قيل مث من ؟ قال طرفة وهذا قول فيه بعض

هبجائه كان أشعر الناس ألن املعاين الشعرية كثرية واملدح التحقيق إذ ليس كل من رفع مبدحه ووضع واهلجاء منها

وسئل الشريف الرضي عن أيب متام وعن البحتري وعن أيب الطيب فقال أما أبو متام فخطيب منرب وأما البحتري فواصف جؤذر وأما فقاتل عسكر وهذا كالم حسن واقع يف موقعهفإنه وصف كال منهم مبا فيه

Page 392: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

فضيل من غري تويروى عن بشار أنه وصف نفسه جبودة الشعر والتقدم على غريه فقيل له ومل ذاك ؟ فقال ألين نظمت اثين عشر ألف قصيدة وما ختلو واحدة منهن من بيت واحد جيد فيكون يل حينئذ اثنا عشر ألف بيتوقد تأملت

عي لو نظم قصيدا ملا خال من بيت هذا القول فوجدته على بشار ال هلألن باقال الذي يضرب به املثل يف اللكن كان األوىل ! واحد جيد ومن الذي ينظم قصيدا واحدا من الشعر وال يسلم له منه بيت واحد ؟

ببشار أن قال يل اثنتا عشرة ألف قصيدة ليس واحدة منهن إال وجيدها أكثر من رديئها وليس يف واحدة التقدم على الشعراء ومع هذا فقد وصل إيل ما يف أيدي منهم ما يسقطفإنه لو قال ذلك وكان حمقا الستحق

الناس من شعره مقصدا ومقطعا فما وجدته بتلك الغاية اليت إدعاها لكن وجدت جيده قليال بالنسبة إىل رديئة وتندر له األبيات اليسرية

عندي وبلغين عن األصمعي وأبو عبيد وغريمها أهنم قالوا هو أشعر الشعراء احملدثني قاطبة وهممعذورونألهنم ما وقفوا على معاين أيب متام وال على معاين أيب الطيب وال وقفوا على ديباجة أيب عبادة

البحتري وهذا املوضع ال يستفىت فيه علماء العربية وإمنا يستفىت فيه كاتب بليغ أو شاعر مفلقفإن أهل كل يسأل احلاسب عن مسألة فقيهة وكما ال علم أعلم به وكما ال يسأل الفقيه عن مسألة حسابية فكذلك ال

يسأل أيضا النحوي عن مسألة طيبة فكذلك ال يسأل الطبيب عن مسألة حنوية وال يعلم كل علم إال صاحبه الذي قلب ظهره لبطنه وبطنه لظهره

على أن علم البيان من الفصاحة والبالغة حمبوب إىل الناس قاطبة ما من أحد إال وحيب أن يتكلم فبه حىت إين رأيت أجالف العامة ممن مل خيط بيده

ورأيت أغتام األجناس ممن ال ينطق بالكلمة صحيحة كلهم خيوض يف فن الكتابة والشعر ويأتون فيه بكل - مضحكة وهم يظنون أهنم عاملون به وال لوم عليهم فإنه بلغين عن ابن األعرايب وكان من مشاهري العلماء

ام الالمية اليت مطلعها أنه عرض عليه أرجوزة أيب متوقيل له هذه لفالن من شعراء العرب فاستحسنها غاية االستحسان وقال ... ) وعاذل عذلته ؟ يف عذله (

وهذا هو الديباج اخلسرواين مث استكتبها فلما أهناها قيل له هذه أليب متامفقال من أجل ذلك أرى عليها أثر ده وقال يا غالم خرق فإذا كان ابن األعرايب مع علمه وفضله اليدري أي طرفيه الكلفة مث ألقى الورقة من ي

أطول يف هذا الفن وال يعلم أين يضع يده فيه ويبلغ به اجلهل إىل أن يقف مع التقليد الشنيع الذي هذا واملذهب عندي يف تفضيل الشعراء أن! وما الذي يتكلم فيه سواه ؟ ! غايته فما الذي يقول غريه ؟

الفرزدق وجريرا واألخطل أشعر العرب أوال وآخرا ومن وقف على األشعار ووقف على دواوين هؤالء الثالثة علم ما أشرت إليه وال ينبغي أن يوقف مع شعر امريء القيس وزهري والنابغة واألعشىفإن كال من

ذا رهب وزهري إذا أولئك أجاد يف معىن اختص به حىت قيل يف وصفهم امرؤ القيس إذا ركب والنابغة إرغب واألعشى إذا شرب وأما الفرزدق وجرير واألخطل فإهنم أجادوا يف كل ما أتوا من املعاين املختلفة

وأشعر منهم عندي الثالثة املتأخرون وهم أبو متام وأبو عبادة البحتري وأبو الطيب املتنبيفإن هؤالء الثالثة

Page 393: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

م وأبو الطيب فربا املعاين وأما أبو عبادة فرب األلفاظ يف ال يدانيهم مدان يف طبقة الشعراء أما أبو متا ديباجتها وسبكها

وبلغين أن أبا عبادة البحتري سأل ولده أبا الغوث عن الفرزدق وجرير أيهما أشعر فقال جرير أشعر قال عر أو يف احلكم عصبية ؟ قال يا أبت ؟ فمن أش! ومب ذلك ؟ قال ألن حوكه شبيه حبوكك قال ثكلتك أمك

؟ قال الفرزدق قال ومن ذاك ؟ قال ألن أهاجي جرير كلها تدور على أربعة أشياء هي القني والزنا وضرب الرومي بالسيف والنفي من املسجد وال يهجو الفرزدق بسوى

ذلك وأما الفرزدق فإنه يهجو جريرا بأحناء خمتلفة ففي كل قصيد يرميه بسهام غري السهام اليت يرميه هبا يف د اآلخروأنا أستكذب راوي هذه احلكاية وال أصدقهفإن البحتري عندي ألب من ذلك وهو عارف القصي

بأسرار الكالم خبريا بأوساطه وأطرافه وجيده ورديئه وكيف يدعي على جرير أنه مل يهجو الفرزدق إال بتلك املعاين األربعة اليت ذكرها وهو القائل

فجمع بني هجاء هؤالء ) وعلى البعيث جدعت أنف األخطل ... ميسمي لما وضعت على الفرزدق ( الثالثة يف بيت واحد

ولقد تأملت كتاب النقائض فوجدت جريرا رب تغزل ومديح وهجاء وافتخار وقد كسا كل معىن من هذه املعاين ألفاظا الئقة به ويكفيه من ذلك قوله

) بقافية أنفاذها تقطر الدما ... ير شيء رميته وعاو عوى من غ( ) ورود إذا الساري بليل ترنما ... وإني لقوال لكل غريبة ( ) شبا هندواين إذا هز صمما ... خروج بأفواه الرواة كأنها ( ولو مل يكن جلرير سوى هذه األبيات ) أخذن طريقا للقصائد معلما ... ئب آالف إذا حان وردها غرا(

لتقدم هبا الشعراء وسأذكر من هجاء الفرزدق ما ليس فيه شيء من تلك املعاين األربعة اليت أشار البحتري إليهافمن ذلك قوله

) وما قتل الحيات من أحد قبلي ... رزدق حية وقد زعموا أن الف(

) فمن أرم ال تخطيء مقاتله نبلي ... ألم تر أني ال أنبل رمييت ( وقوله ) القتل قتاال فما القيت شر من... رأيتك ال تحمي عقاال ولم ترد ( ) عبء تزاد على حسري مثقل ... أبلغ هديتي الفرزدق إنها ( وقوله ) حتى اختطفتك يا فرزدق من عل ... إني انصببت من السماء عليكم ( ) أبشر بطول سالمة يا مربع ... بعا زعم الفرزدق أن سيقتل مر( ) ورأيت قوسك ليس فيها منزع ... ورأيت نبلك يا فرزدق قصرت ( وقوله ) حيث التقت خششاؤه و األخدع ... إن الفرزدق قد تبين لؤمه ( ) ودعنا نقس مجدا تعد فضائله ... ث خذ من شئت منا ومنهم أحار( ) عليه وشاحا كرج وجالجله ... لبست سالحي والفرزدق لعبة (

Page 394: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

وقوله ) بله وما تعط من ضيم فإنك قا... فلست بذي عز وال أرومة ( ) لو ينفخون من الخؤرة طاروا ... ال يخفين عليك أن مجاشعا ( ) ويقتلون فتسلم اآلثار ... قد يؤسرون فال يفك أسريهم (

وقوله ) املخازي من لدن أن تيفعا يلقى... بني مالكإن الفرزدق لم يزل ( وقوله ) قعود القوايف ذا علوب موقعا ... مددت له الغايات حتى تركته ( وقوله ) ضغا وهو في أشداق ليث ضبارم ... أال إنما كان الفرزدق ثعلبا ( ) خور القلوب وخفة األحالم ... فرزدق إن قومك فيهم مهال( وقوله ) والنازلون بشر دار مقام ... الظاعنون على العمى بجميعهم ( ) راقع بدت سوءة مما تجن الب... إذا سفرت يوما نساء مجاشع ( ) تصوت يف أعفاجهن الضفادع ... مباشيم عن غب اهلرير كأنما ( ) عن العلو ال يأبى عن العلو بارع ... رأت ملال مثل الفرزدق قصرت ( ) أحسابهم إني إىل اهللا راجع ب... أتعدل أحسابا كراما حماتها ( ) وأعظم عارا قيل تلك مجاشع ... إذا قيل أي الناس شر قبيلة (

وقوله ) عثر الفرزدق ال لعا للعاثر ... علق األخيطل يف حبايل بعد ما ( ) طاح التعيس بغير عرض وافر ... ا لقيت وقبله لقي الفرزدق م( وجلرير مواضع كثرية يف هجاء ) مرست قواي عليهم ومرائري ... وإذا رجوا أن ينقضوا لي مرة (

حتري ما زعم من أن جريرا الفرزدق غري هذهولوال خوف اإلطالة الستقصيتها مجيعها ولو سلمت إىل البليس له يف هجاء الفرزدق إال تلك املعاين األربعة العترضت عليه بأنه قد أقر جلرير بالفضيلة وذاك أن

الشاعر املفلق أو الكاتب البليغ هو الذي إذا أخذ معىن واحد تصرف فيه بوجوه التصرفات وأخرجه يف الفرزدق بالقني كل غريبة وتصرف فيه تصرفا ضروب األساليب وكذلك فعل جريرفإنه أبرز من هجاء

خمتلف األحناءفمن ذلك قوله قوله ) لي الكتائف وارتفاع المرجل ... ألهى أباك عن املكارم والعال ( ) والكلبتان جمعن والمنشار ... وجد الكتيف ذخرية في قبره ( ) أو إن تفلق برمة أعشار ... يبكي صداه إذا تصدع مرجل ( وقوله ) قالت وكيف ترقع األكيار ... قال الفرزدق رقعي أكيارنا ( ) عراب أبان املقرفات من ال... إذا آباؤنا وأبوك عدوا (

Page 395: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

) رباط الخيل أفنية القباب ... فأورثك العالة وأورثوني ( فانظر أيها الواقف على كتايب هذا إىل هذه ) قدوم غير ثابتة النصاب ... وسيف أبي الفرزدق فاعلموه (

أدارها على هجاء الفرزدق بالقينفقال أوال إن أباه شغل عن املكارم األساليب اليت تصرف فيها جرير وبصناعة القيون مث قال ثانيا إنه يبكي عليه ويندبه بعد املوت املرجل والربمة األعشار اليت يصلحها مث قال

ساليب ثالثا إن أباك أورثك آلة القيون وأورثين أيب رباط اخليلوقد أورد جرير هذا املعىن على غري هذه األ الذي ذكرهتا وال حاجة إىل التطويل بذلك ههنا وهذا القدر فيه كفاية

وحيث انتهى بنا القول إىل ههنا فلنرجع إىل النوع الذي حنن بصدد ذكره وهو احتاد الطريق واختالف املقصد فمما جاء منه قول النابغة

) طير تهتدي بعصائب عصائب ... إذا ما غزا بالجيش حلق فوقه ( وهذا املعىن قد توارد عليه الشعراء قدميا ) إذا ما التقى اجلمعان أول غالب ... جوانح قد أيقن أن قبيله (

وحديثا وأوردوه بضروب من العبارات فقال أبو نواس وقال مسلم بن الوليد ) ة باللحم من جزره ثق... تتمنى الطير غزوته ( وقال أبو متام ) فهن يتبعنه في كل مرتحل ... قد عود الطير عادات وثقن بها ( ) بعقبان طير في الدماء نواهل... وقد ظللت أعناق أعالمه ضحى ( وقد ذكر يف هذا املعىن غري هؤالء إال ) من الجيش إال أنها لم تقاتل ... أقامت مع الرايات حتى كأنها (

أهنم جاءوا بشيء واحد ال تفاضل بينهم

ىن فسلك هذه فيه إال من جهة حسن السبك أو من جهة اإلجياز يف اللفظ ومل أر أحدا أغرب يف هذا املع الطريق مع اختالف مقصده إليها إال مسلم بن الوليد فقال

) خوفا فأنفسها إليك تطري ... أشربت أرواح العدا وقلوبها ( ملليح البديع الذي فضل به فهذا من ا) شهدت عليك ثعالب ونسور ... لو حاكمتك فطالبتك بذحلها (

مسلم غريه يف هذا املعىن وكذلك فعل أبو الطيب املتنيب فإنه ملا انتهى األمر إليه سلك هذه الطريق اليت سلكها من تقدمه إال أنه خرج فيها إىل غري املقصد الذي قصدوه فأغرب وأبدع وحاز اإلحسان جبملته

اء من قوله وصار كأنه مبتدع هلذا املعىن دون غريه فمما ج ) نسور المال أحداثها والقشاعم ... يفدي أتم الطري عمرا سالحه ( مث أورد هذا املعىن يف موضع آخر من ) وقد خلقت أسيافه والقوائم ... وما ضرها خلق بغير مخالب (

شعرهفقال وهذا معىن قد حوى طريف ) سحاب إذا استسقت سقتها صوارمه ... من العقبان ترجف تحتها سحاب(

اإلغراب واإلعجابوقال يف موضع آخر ) بناج وال الوحش المثار بسالم ... وذي لجب ال ذو الجناح أمامه ( ) تطالعه من بين ريش القشاعم ... يه الشمس وهي ضعيفة تمر عل(

Page 396: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

وهذا من إعجاز أيب الطيب ) تدور فوق البيض مثل الدراهم ... إذا ضوؤها القى من الطير فرجة ( األبيات الستحق هبا فضيلة التقدم املشهور ولو مل يكن له من اإلحسان يف شعره إال هذه

ومما ينتظم هبذا النوع ما توارد عليه أبو عبادة البحتري وأبو الطيب املتنيب يف وصف األسد وقصيدتامها مشهورتانفأول إحدامها

وأول األخرى ... ) أجدك ما ينفك يسري لزينبا ( أما البحتري فإنه أمل بطرف مما ذكر بشر بن عوانة يف أبياته الرائية اليت ) ال يف اخلد إن عزم اخلليط رحي(

أوهلا وهذه األبيات من النمط العايل الذي مل ) وقد القى الهزبر أخاك بشرا ... أفاطم لو شهدت ببطن خبت (

خراج معىن ليس مبذكور فيها ولوال خوف اإلطالة يأت أحد مبثلها وكل الشعراء مل تسم قرائحهم إىل استألوردهتا جبملتها لكن الغرض إمنا هو املفاضلة بني البحتري وأيب الطيب فيما أورداه من املعاين يف هذا

املقصد املشار إليه فمما جاء للبحتري من قصيدته ) ريحيا مهذبا لديك وعزما أ... وما تنقم احلساد إال أصالة ( ) فضلت بها السيف الحسام المجربا ... وقد جربوا باألمس منك عزمية ( ) يحدد نابا للقاء ومخلبا ... غداة لقيت الليث والليث مخدر ( ) عقائل سرب أو تقنص ربربا ... دا على إذا شاء غادى عانة أوع( ) له مصلتا عضبا من البيض مقضبا ... شهدت لقد أنصفته حني تنبري (

) عراكا إدا الهيابة النكس كذبا ... فلم أر ضرغامين أصدق منكما ( ) من القوم يغشى باسل الوجه أغلبا ... هزبرا مشى يبغي هزبرا وأغلبا ( ) رآك لها أمضى جنانا وأشغبا ... أدل بشغب مث هالته صولة ( ) م لما لم يجد عنك مهربا وأقد... فأحجم لما لم يجد فيك مطمعا ( ) ولم ينجه أن حاد عنك منكبا ... فلم يثنه أن كر حنوك مقبال ( املتنيب يف ومما جاء أليب الطيب) وال يدك ارتدت وال حده نبا ... حملت عليه السيف ال عزمك انثنى (

قصيدته ) لمن ادخرت الصارم المصقوال ... أمعفر الليث الهزبر بسوطه ( ) ورد الفرات زئريه والنيال ... ورد إذا ورد البحيرة شاربا ( ) من لبدتيه غيال يف غيله... متخضب بدم الفوارس البس ( ) تحت الدجى نار الفريق حلوال ... ما قوبلت عيناه إال ظنتا ( ) اليعرف التحرمي والتحليال ... يف وحدة الرهبان إال أنه ( ) أنه آس يجس عليال فك... يطأ البرى مترفقا من تيهه ( ) حتى تصري لرأسه إكليال ... ويرد غفرته إىل يافوخه (

Page 397: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

) ركب الكمي جواده مشكوال ... قصرت مخافته الخطا فكأنما ( ) اله تطفيال وقربت قربا خ... ألقى فريسته وزمجر دونها ( ) وتخالفا يف بذلك املأكوال ... فتشابه القربان يف إقدامه ( ) متنا أزل وساعدا مفتوال ... أسد يرى عضويه فيك كليهما ( ) رض منه الطوال حتى حسبت الع... ما زال يجمع نفسه يف زوره ( ) اليبصر اخلطب اجلليل جليال ... وكأنما غرته عني فادىن ( ) يف عينه العدد الكثري قليال ... انف الكرمي من الدنية تارك ( وليس بخائف ( ) تفه من خاف مما قيال من ح... والعار مضاض

) فاستنصر التسليم والتجديال ... خذلته قوته وقد كافحته ( ) فمضى يهرول أمس منك مهوال ... سمع ابن عمته به وبحاله ( ) وكقتله أال يموت قتيال ... ه وأمر مما فر منه فرار( وسأحكم بني هاتني القصيدتني والذي ) وعظ الذي اتخذ الفرار خليال ... تلف الذي اتخذ اجلراءة خلة (

أن البحتري يشهد به احلق وتتقيه العصبية أذكره وهو أن معاين أيب الطيب أكثر عددا وأسد مقصدا أال ترىقد قصر جمموع قصيدته على وصف شجاعة املمدوح يف تشبيهه ياألسد مرة وتفضيله عليه أخرى ومل يأت

بشيء سوى ذلك وأما أبو الطيب فإنه أتى بذلك يف بيت واحد وهو قوله مث إنه تفنن يف ذكر األسدفوصف ) لمن ادخرت الصارم المصقوال ... أمعفر الليث الهزبر بسوطه (

صورته وهيئته ووصف أحواله يف انفراده يف جنسه ويف هيئة مشيه واختياله ووصف خلق جنله مع شجاعته وشبه املمدوح به يف الشجاعة وفضله عليه بالسخاء مث إنه عطف بعد ذلك على ذكر األنفة واحلمية اليت

رج ذلك يف أحسن خمرج وأبرزه يف أشرف معىن وإذا تأمل بعثت األسد على قتل نفسه بلقاء املمدوح وأخالعارف هبذه الصناعة أبيات الرجلني عرف ببديهة النظر ما أشرت إليه والبحتري وإن كان أفضل من املتنيب يف صوغ األلفاظ وطالوة السبك فاملتنيب أفضل منه يف الغوص على املعاين ومما يدلك على ذلك أنه مل يعرض

أبياته الرائية لعلمه أن بشرا قد ملك رقاب تلك املعاين واستحوذ عليها ومل يترك لغريه شيئا ملا ذكره يف يقوله فيها ولفطانة أيب الطيب مل يقع فيما وقع فيه البحتري من االنسحاب على ذيل بشرألنه قصر عنه

ء فيما أورد مربزا تقصريا كثريا وملا كان األمر كذلك عدل أبو الطيب عن سلوك الطريق وسلك غريها فجاواعلم أن من أبني البيان يف املفاضلة بني أرباب النظم والنثر أن يتوارد اثنان منهما على مقصد من املقاصد

يشتمل على عدة معانكتوارد البحتري واملتنيب

ههنا على وصف األسد وهذا أبني يف املفاضلة من التوارد على معىن واحد يصوغه هذا يف بيت من الشعر يف بيتني يصوغه اآلخر يف مثل ذلك فإن بعد املدى يظهر ما يف السوابق من اجلواهر وعنده يتبني ربح و

الرابح وخسر اخلاسر فإذا شئت أن تعلم فضل ما بني هذين الرجلني فانظر إىل قصيدهتما يف مراثي النساء اليت مفتتح إحدامها

Page 398: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

وهي أليب الطيب ومفتتح األخرى ) كناية عن أكرم العرب ... يا أخت خير أخ يا بنت خير أب ( وهي للبحتريفإن أبا الطيب انفرد ) وحرقة بغليل الحزن تشتعل ... غروب دمع من األجفان ينهمل (

توسط منه ال فرق فيه بني رثاء بابتداع ما أتى به من معاين قصيدته والبحتري أتى مبا أكثره غث بارد وامل امرأة أو رجل

ومن الواجب أنه إذا سلك الناظم أو الناثر مسلكا يف غرض من األغراض أال خيرج عنه كالذي سلكه هذان الرجالن يف رثاء بامرأة فإن من حذاقة الصنعة أن يذكر ما يليق باملرأة دون الرجل وهذا املوضع مل

ك إال أبو الطيب وحده وأما غريه من مفلقي الشعراء قدميا وحديثا فإهنم يأت فيه أحد مبا يثبت على احمل قصروا عنه وله يف هذا املعىن قصيدة أخرى مفتتحها

وكفى هبما شاهدا على ما ذكرته من انفراده باإلبداع ) وتقتلنا المنون بال قتال ... نعد املشرفية والعوايل ( به والفتيا عندي بينه وبني البحتري أن أبا الطيب أنفذ يف املضيق وأعرف باستخراج املعىن الدقيق فيما أتى

وأما البحتري فإنه أعرف بصوغ األلفاظ وحوك ديباجتها وقد قدمت أن احلكم بني

عىن يتبني قوالمها الشاعرين يف اتفاقهما يف املعىن أبني من احلكم بينهما فيما اختلفا فيهألهنما مع االتفاق يف املويظهران ظهورا يعلم ببديهة النظر ويتسارع إليه فهم من ليس بثاقب الفهم وأما اختالفهما يف املعىن فإنه

حيتاج يف احلكم بينهما فيه إىل كالم طويل يعز فهمه وال يتفطن له إال بعض الناس دون بعض بل ال يتفطن له قالة مفردة ضمنتها احلكم بني املعنيني املختلفني وتكلمت عليه إال بعض الفذ الواحد من الناس ويل يف هذا م

كالما طويال عريضا وأقمت الدليل على ما نصصت عليه وما منعين من إيرادها يف كتايب هذا إال أهنا سنحت يل بعد تصنيفه وشياعه يف أيدي الناس وتناقل النسخ به

ذكر الذئب يف قصيدة للبحتري دالية أوهلا وعلى هذا األسلوب توارد البحتري والشريف الرضي على ومقطوعة للشريف الرضي أوهلا ... ) سالم عليكم ال وفاء وال عهد ( وقد أجاد البحتري يف وصف ) أتيح له بالليل عاري األشاجع ... وعاري الشوى والمنكبين من الطوى (

لشريف أجاد يف وصف الذئب نفسه حاله مع الذئب وا وأما السلخ فهو قلب الصورة احلسنة إىل صورة قبيحة

والقسمة تقتضي أن يقرن إليه صده وهو قلب الصورة القبيحة إىل صورة حسنة فاألول كقول أيب متام

وقول أيب الطيب املتنيب ) ل ولكن يرى أن العيوب مقات... فتى ال يرى أن الفريصة مقتل ( ) بأقتل مما بان منك لعائب ... يرى أن ما بان منك لضارب (

فهو وإن مل يشوه املعىن فقد شوه الصورة ومثاله يف ذلك كمن أودع الوشي مشال وأعطى الورد جعال وهذا م بن رغبان من أرذل السرقات وعلى حنو منه جاء قول عبد السال

) مستخرج والصبر مستقبل ... نحن نعزيك ومنك الهدى ( ) نأوي إليه وبه نعقل ... نقول بالعقل وأنت الذي (

Page 399: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

يب فقلب أعاله أسفله فقال أخذه أبو الط) والدهر فذاك احملسن اجململ ... إذا عفا عنك وأودى بنا ( ) فكن األفضل األعز األجال ... إن يكن صبر ذي الرزية فضال ( ) فوق الذي يعزيك عقال ... أنت يا فوق أن تعزى عن األحباب ( والبيت األخري من هذه األبيات هو اآلخر قدرا ) قال الذي له قلت قبال ... وبألفاظك اهتدى فإذا عزاك (

وهو املخصوص باملسخ وأما قلب الصورة القبيحة إىل صورة حسنة فهذا ال يسمى سرقة بل يسمى إصالحا وهتذيبا

فمن ذلك قول أيب الطيب املتنيب وقول ابن نباتة السعدي ) تعطيهم لم يعرفوا التأميال .. .لو كان ما تعطيهم من قبل أن ( وعلى هذا النحو ورد قول أيب نواس يف ) تركتين أصحب الدنيا بال أمل ... لم يبق جودك لي شيئا أؤمله (

أرجوزة يصف فيها اللعب بالكرة والصوجلان فقال من مجلتها مث جاء املتنيب فقال ) كأنما خيطوا عليها باإلبر ... جن على جن وإن كانوا بشر (

وبني القولني كما بني السماء واألرضفإنه ) وكأنهم ولدوا على صهواتها ... فكأنها نتجت قياما تحتهم ( لسماء نسبة حمسوسة وكذلك يقال ههنا أيضافإن بقدر ما يف قول أيب نواس من يقال ليس لألرض إىل ا

النزول والضعف فكذلك يف قول أيب الطيب من العلو والقوة ورمبا ظن بعض اجلهال أن قول الشماخ

وقول أيب نواس ) عرابة فاشرقي بدم الوتني ... إذا بلغتني وحملت رحلي ( من هذا القبيل الذي هز قلب الصورة ) فظهورهن على الرجال حرام ... وإذا املطي بنا بلغن محمدا (

القبيحة إىل صورة حسنة وليس كذلكفإن قلب الصورة القبيحة إىل صورة حسنة هو أن يؤخذ املعىن الواحد نةفاحلسن والقبح إمنا يرجع إىل التعبري ال إىل املعىن نفسه وقول فيكسى عبارتني إحدامها قبيحة واألخرى حس

أيب نواس هو عكس قول الشماخ وقد تقدم مثل ذلك قيما مضى من ضروب السرقات أال ترى إىل قول أيب الطيب املتنيب وقول الشريف الرضيفقال أبو الطيب

وقول الشريف الرضي ) ا في سراويالتها ألعف عم... إني على شغفي بما في خمرها ( فاملعىن واحد والعبارة خمتلفة يف ) وأصدف عما في ضمان املآزر ... أحن إلي ما تضمن الخمر والحلى (

احلسن والقبح ر يف الذي أتيت به ال يكاد خيرج عنها شيء وإذا أنصف الناظ - وهي ستة عشر نوعا - وهذه السرقات

ههنا علم أين قد ذكرت ما مل يذكره غريي وأنا أسأل اهللا التوفيق ألن أكون لفضله شكورا وأال أكون خمتاال فخورا

وإذ فرغت من تصنيف هذا الكتاب وحررت القول يف تفصيل أقسام

أقول أعلم أن هذا الفصاحة والبالغة والكشف عن دقائقهما وحقائقهما فينبغي أن أختمه بذكر فضليهمافأنا " الفن هو أشرف الفضائل وأعالها درجة ولوال ذلك ملا فخر به رسول اللهفي عدة مواقف فقال تارة

Page 400: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

أعطيت مخسا مل يعطهن أحد قبلي كان كل نيب يبعث يف قومه بعثت " وقال تارة " أفصح من نطق بالضاد وطهورا ونصرت بالرعب بني يدي مسرية إىل كل أمحر وأسود وأحلت يل الغنائم وجعلت يل األرض طيبة

وما مسع بأن رسول اللهافتخر بشيء من العلوم سوى علم الفصاحة والبالغة " شهر وأوتيت جوامع الكلم أنا أفصح من نطق " فلم يقل أنه أفقه الناس وال أعلم الناس باحلساب وال بالطب وال بغري ذلك كما قال

" بالضاد يلة من أعلى الفضائل درجة ملا اتصل اإلعجاز هبا دون غريهافإن كتاب اهللا وأيضا فلو مل تكن هذه الفض

تعاىل نزل عليها ومل ينزل مبعجز من مسائل الفقه وال من مسائل احلساب وال من مسائل الطب وال غري ذلك من العلوم

املنظومألسباب من وملا كانت هذه الفضيلة هبذه املكانة صارت يف الدرجة العالية واملنثور منها أشرف من مجلتها أن اإلعجاز مل يتصل باملنظوم وإمنا اتصل باملنثوراآلخر أن أسباب النظم أكثر وهلذا جند اجمليدين منهم

أكثر من اجمليدين من الكتاب بل ال نسبة هلؤالء إىل هؤالء ولو شئت أن حتصي أرباب الكتابة من أول يستحق اسم الكاتب عشرة وإذا أحصيت الشعراء يف تلك الدولة اإلسالمية إىل اآلن ملا وجدت منهم ممن

املدة وجدهتم عددا كثريا حىت لقد كان جيتمع منهم يف العصر الواحد مجاعة كثرية كل منهم شاعر مفلق وهذا ال جنده يف الكتاب بل رمبا ندر الفرد الواحد يف الزمن الطويل وليس ذلك إال لوعورة املسلك من

كاتب هو أحد دعاميت الدولةفإن كل دوله ال تقوم إال على دعامتني من السيف النثر وبعد مناله والوالقلمورمبا ال يفتقر امللك يف ملكه إىل السيف إال مرة أو مرتني وأما القلم فإنه يفتقر إليه على األيام وكثريا

ما يستغين به عن السيف وإذا سئل عن امللوك الذين غربت أيامهم ال يوجد منهم من

امسه من بعده إال من حظي بكاتب خطب عنه وفخم أمر دولته وجعل ذكرها خالدا يتناقله الناس حسنرغبة يف فصل خطابه واستحسانا لبداعة كالمه فيكون ذكرها يف خفارة ما دونه قلمه ورقمته أساطريه

حامدا وليس الكاتب بكاتب حىت يضطر عدو الدولة أن يروي أخبار مناقبها يف حفله ويصبح ولسانه ملساعيها وبقلبه ما به من غله ولقد أحسن أبو متام يف هذا املعىن حيث قال

) وإن كان طوعا لي ولست بجاهد ... سأجهد حتى أبلغ الشعر شأوه ( وهذا الذي ذكرته حق وصدق ال ) ر حامد عدوك فاعلم أنين غي... فإن أنا لم يحمدك عني صاغرا (

ينكره إال جاهل به وأنا أسأل اهللا الزيادة من فضله وإن مل أكن أهال له فإنه هو من أهله ووقفت على كالم أليب إسحق الصايب يف الفرق بني الكتابة والشعر وهو جواب لسائل سأهلفقال إن طريق

سان يف منظومه ألن الترسل هو ما وضح معناه وأعطاك مساعه اإلحسان يف منثور الكالم خيالف طريق اإلح يف أول وهلة ما تضمنته ألفاظه وأفخر الشعر ما غمض فلم يعطك غرضه إال بعد مماطلة منه

مث قال بعد ذلك ولسائل أن يسأل فيقول من أية جهة صار األحسن يف معىن الشعر الغموض ويف معاين ين على حدود مقررة وأوزان مقدرة وفصلت أبياهتفكان كل بيت منها الترسل الوضوحفاجلواب أن الشعر ب

قائما بذاته وغري حمتاج إىل غريه إال ما جاء على وجه التضمني وهو عيب فلما كان النفس ال ميتد يف البيت

Page 401: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

الواحد بأكثر من مقدار عروضه وضربه وكالمها قليالحتيج إىل أن يكون الفصل يف املعىن فاعتمد أن يلطف دق والترسل مبين على خمالفة هذه الطريقإذ كان كالما واحدا ال يتجزأ وال يتفصل إال فصوال طواال وهو وي

موضوع وضع ما يهذهذ أو مير به على أمساع شىت من خاصة ورعية وذوي أفهام ذكية وأفهام غبيةفإذا كان التضمني عيب يف الشعر متسلسال ساغ فيها وقرب فجميع ما يستحب يف األول يكره يف الثاين حىت إن

وهو فضيلة يف الترسل مث قال بعد ذلك والفرق بني املترسلني والشعراء أن الشعراء إمنا أغراضهم

اليت يرمون إليها وصف الديار واآلثار واحلنني إىل األهواء واألوطار والتشبيب بالنساء والطلب واالجتداء يف أمر سداد ثغر وإصالح فساد أو حتريض على جهاد أو واملديح واهلجاء وأما املترسلون فإمنا يترسلون

احتجاج على فئة أو جمادلة ملسألة أو دعاء إىل ألفة أو هني عن فرقة أو هتنئة بعطية أو تعزية برزية أو ما شاكل ذلك هذا ما انتهى إليه كالم أيب إسحق يف الفرق بني الترسل والشعر

قة اللسان وبالغة البيان كيف يصدر عنه مثل هذا القول ولقد عجبت من مثل ذلك الرجل املوصوف بذالالناكب عن الصواب الذي هو يف باب ونصى النظر يف باب ؟ اللهم غفرا وسأذكر ما عندي يف ذلك ال

إرادة للطعن عليه بل حتقيقا حملل النزاع فأقول ى ال مستند هلا بل األحسن فإن هذه دعو" إن الترسل هو ما وضح معناه والشعر ما غمض معناه " أما قوله

يف األمرين معا إمنا هو الوضوح والبيان على أن إطالق القول على هذا الوجه من غري تقييد ال يدل على الغرض الصحيح بل صواب القول يف هذا أن يقال كل كالم من منثور ومنظوم فينبغي أن تكون مفردات

يحة لكن إذا صارت مركبة نقلها التركيب عن تلك ألفاظه مفهومة ألهنا إن مل تكن مفهومه فال تكون صحاحلال يف فهم معانيهافمن املركب منها ما يفهمه اخلاصة والعامة ومنه ما يفهمه إال اخلاصة وتتفاوت درجات فهمه ويكفي من ذلك كتاب اهللا تعاىل وتتفاوت درجات فهمه ويكفي من ذلك كتاب اهللا تعالىفإنه أفصح

اس كافة من خاص وعام ومع هذا فمنه ما يتسارع الفهم إىل معانيه ومنه يغمض الكالم وقد خوطب به النفيعز فهمه واأللفاظ املفردة ينبغي ان تكون مفهومة سواء كان الكالم نظما أو نثرا وإذا تركبت فال يلزم

فيها ذلك وقد تقدم يف كتايب هذا أدله كثرية على هذافتؤخذ من مواضعها به يف الداللة على غموض الشعر ووضوح الكالم املنثور فليس ذلك جبواب وهب وأما اجلواب الذي أجاب

أن الشعر كان كل بيت منه قائما بذاته فلم كان مع ذلك غامضا ؟ وهب أن الكالم املنثور كان واحدا ال يتجزأ فلم كان مع ذلك

نه مبنزلة بيت من شعر ؟ واضحا ؟ مث لو سلمت إليه هذا فماذا يقول يف الكالم املسجوع الذي كل فقرة مإن الشاعر من شأنه وصف الديار واآلثار واحلنني إىل األهواء " وأما قوله يف الفرق بني الشاعر والكاتب

واألوطار والتشبيب بالنساء والطلب واإلجتداء واملديح واهلجاء وإن الكاتب من شأنه اإلفاضة يف سداد تجاج على فئة أو جمادلة ملسألة أو دعاء إىل ألفة أو هني عن ثغر أو إصالح فساد أو حتريض على حياد أو اح

فإن هذا حتكم حمض ال يستند إىل شبهة فضال عن بينة وأي فرق بني " فرقة أو هتنئة بعطية أو تعزية برزية

Page 402: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

الشاعر والكاتب يف هذا املقام ؟ فكما يصف الشاعر الديار واآلثار وحين إىل األهواء فكذلك يكتب الكاتب شتياق إىل األوطان ومنازل األحباب واإلخوان وحين إىل األهواء واألوطاروهلذا كانت الكتب يف اال

اإلخوانيات مبنزلة الغزل والنسيب من الشعر وكما يكتب الكاتب يف إصالح فساد أو سداد ثغر أو دعاء عراء يف أمثال هذه إىل ألفه أو هني عن فرقة أو هتنئة أو تعزيةفكذلك الشاعرفإن شذ عن الصايب قصائد الش

املعاين فكيف خفي عنه قصيدة أيب متام يف استعطاف مالك بن طوق على قومه اليت مطلعها أم كيف أخل بالنظر يف ديوان أيب الطيب املتنيب ومها يف زمن واحد فما ... ) لو أن دهرا رد رجع جوايب (

ني مواله الذي مطلعها تأمل قصيدته يف اإلصالح بني كافور اإلخشيدي وبوكذلك ال شك أنه مل يقف على قصيدة أيب عبادة البحتري يف ... ) حسم الصلح ما اشتهته األعادي (

غزو البحر اليت مطلعها

إليها وخص ولو أخذت يف تعداد قصائد الشعراء يف األغراض اليت أشار... ) ألم تر تغليس الربيع املبكر ( هبا الكاتب ألطلت وذكرت الكثري الذي حيتاج إىل أوراق كثرية وكل هذه الفروق اليت نص عليها وعددها

فليست بشيء وال فرق بني الكتابة والشعر فيها والذي عندي يف الفرق بينهما هو من ثالثة أوجه األول من جهة نظم أحدمها ونثر اآلخر وهذا فرق ظاهر

أللفاظ ما يعاب استعماله نثرا وال يعاب نظما وذلك شيء استخرجته ونبهت عليه يف القسم الثاين أن من ااألول املختص يف اللفظة املفردة املقالة األوىل من هذا الكتاب وسأعيد ههنا منه شيئافأقول قد ورد يف شعر

أيب متام قوله وكذلك ورد يف شعر أيب ) على ما يحدث الدهر خافض وجأش... هي العرمس الوحناء وابن ملمة (

الطيب املتنيب كقوله فلفظة املهمه و العرامس ال يعاب استعماله يف ) تعجز عه العرامس الذلل ... ومهمه جبته على قدمي (

با وكذلك ما يشكلها ويناسبها من األلفاظوكل الشعر ولو استعمال يف كتاب أو خطبة كان استعماهلا معيذلك قد ضبطته بضوابط وحددته حبدود تفصله من غريه من األلفاظفليأخذ من املقالة األوىل ولوال خوف

التكرار ألعدته ههنا الثالث أن الشاعر إذا أراد أن يشرح أمورا متعددة ذوات معاين خمتلفة يف شعره واحتاج إىل اإلطالة بأن

مائيت بيت أو ثلثمائة أو أكثر من ذلك فإنه ال جييد يف اجلميع وال يف الكثري منه بل جييد يف جزء قليل ينظم والكثري من ذلك

رديء غري مرضي والكاتب ال يؤيت من ذلك بل يطيل يف الكتاب الواحد إطالة واسعة تبلغ عشر طبقات بعمائة أو مخسمائة وهو جميد يف ذلك كله من القراطيس أو أكثر وتكون مشتملة على ثلثمائة سطر أو أر

وهذا ال نزاع فيهألننا رأيناه ومسعناه وقلناه وعلى هذا فإين وجدت العجم يفضلون العرب يف هذه النكتة املشار إليهافإن شاعرهم يذكر كتابا مصنفا

لغة القوم من أوله إىل آخره شعرا وهو شرح قصص وأحوال ويكون مع ذلك يف غاية الفصاحة والبالغة يف

Page 403: كتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر · ( ﺀﺎﻤﻠﻌﻟﺍ ﻪﺑ ﺪﻳﺮﻳ ﻥﺃ ﻞﻤﺘﳛ ﺫﺇ ﻪﻨﻣ ﻪﺿﺮﻏ ﺎﻨﻤﻠﻋ

كما فعل الفردوسي يف نظم الكتاب املعروف بشاه نامه وهو ستون ألف بيت من الشعر يشتمل على تاريخ الفرس وهو قرآن القوم وقد أمجع فصحاؤهم على أنه ليس يف لغتهم أفصح منه وهذا ال يوجد يف اللغة

سبة إليها كقطرة من حبر اللهم صل العربية على اتساعها وتشعب فنوهنا وأغراضها وعلى أن لغة العجم بالن على سيدنا حممد النيب األمي وآله وصحبه الطيبني الطاهرين وسلم تسليما كثريا إىل يوم الدين

ISLAM ICBOOK.WS ين| ٢٠١٠ م لمسل احة لجميع ا مت ق لحقو ع ا جمي