المكتبة الشاملة - نثر الدر موافق...

220
ة ل م ا ش ل ا ة ب ت ك م ل ا طة س وا ب ا ي ل ا اب ي ك ل ا ا ر هذ ي صذ ت م ت) ت ن ر ت, ن/ ى الإ ل ع ة ل م ا ش ل ا ة ب ت ك م ل ا ة ح ف ص ى ل/ ل ا ا ق ت, ن لإ ل ا ي ه ط غ صا( اب ي لك ا ر ت, ن: الذر ق ف وا م وع ب مط ل ل ف لS و م ل ا و بS : ا عذ س ور ص ن مZ ن بZ ن شي ح ل ا ى ب الإ دار ر ش لن ا : دار ب ت لك ا ة ب م ل ع ل ا روب تh ن- Z ان ي لت/ - 1424 ه- 2004 م عة ت لط ا ى ل وS : الإ ق ب ق ح ت الذ : خ ذ ي ع ى ن غ ل ا{ وظ ف ح م عذد اء ز جS الإ/ 7 م ي ق ر ي[ لة ام ش ل ا ق ف وا م وع ب مط ل ل] حة ف ص"""""" م ق ر348 """""" ام يS الإ، وS ا ت ل خ د ة حاج لً لإ ص فZ ن ع لإة ص ل ا، ى ب و ف ل ك فZ نS ا ة رش فS اً ولإ ط ى ف ة ب م ر ه ج ها ي ر ت ش ا م لك ال . وقً وما ب اس ي ل ا لإZ ون م ل ع ي ى منZ ون ب و م ي، ا يS وا م علS ا ى من وب مS ا وا ل ا . ق ف ت ك : و ب م ل ع ؟ ال ق ا يS : ا م علS ا ة نS ا ا د/ ا ل خ دZ ون ب كا ى ب ا ي ل ا ب ت ه و ح ت ر ل ا اردة ي ل ا س لن و ى ل ة ب ج وما ر ي ذ يS ا ة ن، ى ب/ ا ق وب مS ا لإ حالة م. ل ي ق و لة ل ه: زف ع ي م ه الذر ذة ق ت² ن و ؟ ال ق ف, ذ ي م: Z مان ر ة ب نS را، ا ا/ د ق ة ب نS را وب ج رZ نS ا ة زف عS ا ع ف . و ة ب تh بZ ن ي ب و ة نS را م اٌ لإم ك ت ل ا ق ف لة ذ : ق لة وال ى ن ت ي ت ش ب ض نh ن و ى سS را، ال ق فZ ن/ : ا ب ت ك ا يS ا ب ض نh ن¿ شكS را، Z ن م ف ع ل ق¿ ك اب ي سS ا ؟ وصار ض غ يZ ان ح م ل ا ى ل/ ا اب ي دارة ودق اب ي ل ا، ما ل ق ت ن د ة نS را م اZ ن م اب ي ل ا ال ق ها ل ى ح² ت ق : ا ى جن ل خ دS اك¿ ك ي نS وا، ز{ ظ تS وا ت نS ا ب ت طS ا مS ا ى بS را م ا . ؟ ت ل ا ق ف ل ش: ً را م ع ذ ق ف ا ي ك ا يً عا ت م ج ال . وق لةً وما بZ شان ن/ ا ى من: هذك¿ ع¿ ك ي لت ا ي ؟ ال ق ف ل ش: مك¿S ا ذ ق ف ة ب شت ن ل ي ق. ض غ ت لZ ان ح م ل ا رى ش لن : ا ذ ق ف ق رر ر متS الإ ارجة ي ل اً ا ي ن ا، ال ق ف ب غ م س: ا هذ ر ت ح ل اZ ن مZ ن مي و ب ل ي ق. لة ما ي/ : ا

Upload: others

Post on 01-Nov-2020

1 views

Category:

Documents


0 download

TRANSCRIPT

المكتبة الشاملة - نثر الدر موافق للمطبوع

تم تصدير هذا الكتاب آليا بواسطة المكتبة الشاملة (اضغط هنا للانتقال إلى صفحة المكتبة الشاملة على الإنترنت)

الكتاب : نثر الدر ـ موافق للمطبوعالمؤلف : أبو سعد منصور بن الحسين الآبيدار النشر : دار الكتب العلمية - بيروت / لبنان - 1424 هـ - 2004 مالطبعة : الأولىتحقيق : خالد عبد الغني محفوظعدد الأجزاء / 7[ ترقيم الشاملة موافق للمطبوع ]

"""""" صفحة رقم 348 """"""الأيام ، أو دخلت لحاجة فضلاً عن الصلاة ، فكلفوني أن أفرشه طولاً في جهرمية اشتريها لكم . وقال يوماً الناس لا يعلمون متى يموتون ، وأنا أعلم متى أموت . قالوا : وكيف علمت ؟ قال : أنا أعلم أنه إذا دخل كانون الثاني وهبت الريح الباردة وليس لي جبة وما أتدثر به ، فإني أموت لا محالة . وقيل له : هل تعرف الدرهم وتنقده ؟ فقال : منذ زمان رأيته ، فإذا رأيته رجوت أن أعرفه . وقع بينه وبين امرأته كلامٌ فقالت له : قد والله شيبتني وبيضت رأسي ، فقال : إن كنت أنا بيضت رأسك ، فمن قلع أسنانك ؟ وصار بعض المجان إلى باب داره ودق الباب ، فلما دنت امرأته من الباب قال لها : افتحي حتى أدخل وأنيكك ، وأنظر أنت أطيب أم امرأتي . ؟ فقالت : سل عمراً فقد ناكنا جميعاً . وقال له يوماً إنسان : متى عهدك بالنيك ؟ فقال : سل أمك فقد نسيته . قيل لبعض المجان : البشرى فقد رزق الأمير البارحة ابناً ، فقال : سمعت هذا الخبر من يومين . قيل له : إنما ولد البارحة ، كيف سمعته أنت من يومين ؟ قال : خبر السوء يتقدم بثلاثة أيام . صرع امرأة بعض المجان ، فقرأ عليها مثل ما يقرأ المعزم ، ثم قال : أمسلم أنت أم يهودي أم نصراني . ؟ فأجابه الشيطان على لسانها وقال : أنا مسلم ، قال : فكيف استحللت أن تتعرض لأهلي وأنا مسلم مثلك ؟ قال : لأني أحبها ، قال : ومن أين جئت ؟ قال : من جرجان قال : فلم صرعتها ؟ قال : لأنها تمشي في البيت مكشوفة الرأس . قال : يا سيدي إذا كنت بهذه الغيرة ، هلا حملت من جرجان وقاية تلبسها ولا تتكشف ؟ قام بعضهم من مجلس ليصلي فقيل له : أي صلاة تصليها الأولى أو العصر ؟ فقال الماجن وكان حاضراً : أي صلاة صلاها فهي الأولى ، فإنه ما صلى غيرها .

(6/348)

"""""" صفحة رقم 349 """"""وكان بعضهم لا يصلي فقبل له في ذلك . فقال : أليست الصلاة مع الميتة حرام ؟ قالوا : نعم . قال : فإن أيري هذا هو ميت من ثلاثين سنة . قال أحمد بن أبي طاهر : دعوت أصدقائي فجاءوا معهم بصفغ فمددت يدي إليه فقال لي : يا ابن البظراء ، هذا مزاج من داره على دجلة ، وفي بستانه طاووس ، وفي اصطبله فيل ، وعلى باب داره زرافة ، ليس من داره بكرا وخبزه شرا ، ودواؤه في رنقة وفي حجرته ديك ، وعلى بابه كلب . قال آخر : الصفع غلة ، ولكنه مذلة . قال آخر : الصفع المجان ، خير من البطالة بكراء . قيل لأدهم المضحك ، وكان أسود ، وقد أمر الوالي أن لا يخرج أحد إلى المصلى إلا في سواد قال : فأنا أخرج عريان . قال المتوكل لبعض المجان ، أطلب لي نصارى يسلمون ، فغاب عنه أياماً ثم عاد إليه ، وقال : الإسلام والحمد لك في الإقبال ، ولم أجد ما طلبت ، ولكن هاهنا مشايخ مصورون من المسلمين يتنصرون إن أردت . قال بعضهم : رأيت بعض المجان المتنادرين بعد موته في النوم فقلت له : يا فلان ما فعل بك ربك ؟ قال : يا أحمق ، ترى صهري فعل أبي ما يفعله بكل أحد ، وعاملني ما يعامل به غيري ؟ قال بعضهم : رأيت العتابي في سوق البزارين جالساً يبول على أعقاب منادين فقلت : تفعل هذا مع أدبك البارع فقال : إنما اغتنمت هذه الخلوة . قال بعضهم : مر بي عبادي بين يديه حمار عليه قفص من زجاج فقلت : أي شيء معك قال : إن عثر الحمار ، فلا شيء . قال : كوني أنا سفلة في الدنيا ، سفلة في الآخرة قيل : كيف ذلك قال :

(6/349)

"""""" صفحة رقم 350 """"""أما دنياي فكما ترون ، وأما الآخرة فإن دخلت الجنة فلم أطمع أن أكون مع أمير المؤمنين علي رضي الله عنه ، وإن دخلت النار ، لم أطمع أن أكون مع معاوية بن أبي سفيان استرث رجل حال بي هفان فقال له : ما شأنك قال : لا أدري : إما أن أكون عند الله في عداد الموتى ، أو تكون الملائكة تسرق لذتي . كان نعمان أحد ولد الفضل بن نعمان ماجناً ذا نوادر ، فقال له جماعةٌ من أصحابه ، هذا شهر رمضان فمن يصلي بالجيران التراويح ؟ فقال كل واحد منهما : ليس فينا من ينشط لذلك قال : نعم . فالعبوا بالنرد إحدى عشرة فصلة ترويحتين فمن تقمر صلى ترويحتين ، ثم ألعبوا أبداً حتى يفرغوا من عداد التراويح حتى لا يقع على واحد منهم خيف . كان بعض المجان لا يصوم تطوعاً إلى يوم الأربعاء ، فعوتب على ذلك فقال : أصومه رحمةً له ، لأني لا أجد أحداً يصومه . أكل بعضهم سمكاً كثيراً ففلج فلما كان من الغداء اشتهى اللبن والسمك . فقالوا له : أبده الله في نفسك فقال : تخافون أفلج مرة أخرى . قال بعضهم : مررت بشيخ يأكل في شهر رمضان جهاراً فقلت له ، أما تتقي الله ؟ فقال : لست مرائياً ، عافاك الله . قيل لبعضهم : روي في الحديث : أن الله إنما رزق الأحمق ليعلم العاقل أنه لا يجر إلى نفسه بعقله شيئاً . فقال : كان يكفي إنسان واحد للأنموذج . قال بعض الظرفاء لصديق له . أنت عندي غداً ، فقال : تقوي ظهري برقعة . أشرف قوم كانوا في سفينة على الهلاك ، فأخذوا يدعون الله بالنجاة ويتضرعون ورجلٌ فيهم ساكتٌ لا يتكلم فقالوا له : لم لا تدعو أنت أيضاً ؟ فقال : هو مني إلى هاهنا وأشار إلى أنفه ، وإن تكلمت ، غرقكم .

(6/350)

"""""" صفحة رقم 351 """"""قال بعضهم : غضب العشاق مثل مطر الربيع . قال بعضهم : نيك الخصى أوله بكاء وآخره ضحك قالوا : وكيف ذاك ؟ قال : لأنه إذا ناك المرأة عضها فتبكي ، وإذا نزع ضرط فتضحك . قيل لبعضهم : ما بال الكلب إذا بال يرفع رجله ؟ قال : يخاف أن يتلوث دراعته قيل : وللكلب دراعة ؟ قال : هو يتوهم أنه بدارعة . حكي عن بعض الشيوخ أنه قال : مررت بالبصرة فرأيت ماجنين يقول أحدهما للآخر : تحالفا علينا على غير أمرٍ كان منا ، فجمعت خطى وأنني استطعم حديثهما ، فإذا هما يقولان : أي والله إن هذا لعجب يقول إبليس ، فوربك لأغوينهم أجمعين . ويقول الله : فالحق والحق أقول لأملأن جهنم ومن يقوم لتحالفهما . قال : فلما رأياني حولاً وجه الحديث ، وانثنيا في معنى آخر . قيل لابن سيابة : ما نظنك تعرف الله . قال : وكيف لا أعرف من أجاعني ، وأعراني ، وأدخلني في حر أمي . قام شملة ولزمه آخر وكانا ماجنين . فقال : حتى لا تفلح أبداً تعالى فقال : أما أنا فقد جئت ، فإن شئت أنت ، فتعال . سئل أبو الريان الحمصي عن معنى قول النبي عليه السلام حين سئل متى تقوم الساعة ؟ فأشار بأصابعه الثلاث وتأول على ثلاثمائة سنة ، فقال : إنما أراد الطلاق إنه لا يدري . قال بعضهم : سمعت بعض المجان يقول : فلانٌ أخذ من الحافي نعله . قال : وسمعت آخر يقول : لعن الله فلاناً ، يطر من العريان كمه . مر ماجنٌ بالمدينة برجل قد لسعته عقرب ، فقال : أتريد أن أصف لك داواءها ؟ قال : نعم . قال : عليك بالصياح إلى الصباح . نظر بعضهم إلى صبي بغيض فقال : هذا والله من أولاد الإيمان ، فقالوا : كيف قال : يقول أبوه نحرت ابني هذا عند الكعبة ، اهديت ابني هذا إلى مقام إبراهيم ، ثكلت ابني هذا .

(6/351)

"""""" صفحة رقم 352 """"""قال قدامة بن نوح : أولاد الزنا أنجب ، وذلك أن الرجل يزني بشهوته كلها ونشاطه فيخرج الولد كاملاً ، والباقون من جماع بغير شهوة وتصنع من الرجل لامرأته . قال بعضهم : حفظت من أحاديث النبي عليه السلام أربعة ونصف قيل له : وما هو قال : حديثه إذا ابتلت النعال ، فالصلاة في الرحال . وحديثه ؛ عليه السلام : ابردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم . وحديثه : إذا حضرت الصلاة والعشاء فابدأوا بالعشاء . وحديثه : ليس من البر الصيام في السفر ، ونصف الحديث . حبب إلي من دنياكم النساء والطيب ، وكانت قرة عينه في الصلاة وليست كذلك . مر بعضهم في طريق فعي من المشي ، فرفع رأسه إلى السماء فقال : يا رب ، ارزقني دابة ، فلم يمش إلا قليلاً حتى لحقه أعرابي راكب رمكة وخلفه مهر لها صغير قد عي فقال للرجل : احمله ساعة ، فامتنع الرجل فقنعه بالسوط حتى حمله ، فلما حمله نظر إلى السماء فقال : يا رب ، ليس الذنب لك ، إنما الذنب لي حيث لم أفسرك ، دابة تركبني أو أركبها . اشتري بعضهم جارية فقيل له : اشتريتها لخدمتك أو لخدمة النساء فقال : بل لنفسي ، ولو اشتريت للنساء لكنت اشتري مملوكاً فحلاً . كان أبو زهرة ماجناً كان يحمق ، فصعد يوما في درجة طويلة فلما قطعها ، قال ما بيننا وبين السماء إلا مرحلة وقد رميت الشياطين من دون هذه المسافة . ودخل يوماً من باب صغير وكان طويلاً فقال : أدخلتم الجمل في سم الخياط قبل يوم القيامة ؟ ؟ قال بعضهم : لو أعطى الله الناس أمانيهم لافتضحوا . . قيل : وكيف قال : لأنه ليس في الدنيا امرأة إلا وهي تشتهي أن يكون أير صاحبها مثل أير الحمار ، وهو يشتهي أن يكون حرها أضيق من حلقة الخاتم ، متى كان هذا في هذا . ورث بعضهم مالاً ، فكتب على خاتمه الوحى ، فلما أفلس كتب على خاتمه استرحنا .

(6/352)

"""""" صفحة رقم 353 """"""الباب السادس عشر نوادر في الفساء والضراطقال بعض العباديين : من حبس ضرطته ، كتب استه من الكاظمين الغيظ . ضرط أبو الأسود عند معاوية واستكتمه فأراد أن يضع منه ، لما كان عليه من التشيع فلما اجتمع الناس أخبرهم بضرطه قال أبو الأسود : إن امرءاً اؤتمن على ضرطة فلم يكتمها لحريٌّ ، أن لا يؤتمن على أمر الأمة . مشت فتاة في الطريق وإِلى جانبها شيخ فاستعجلت فضرطت فقال الشيخ : سبحان الله . فوقفت وقالت له : سبحت في غل وقيدين ، يا بغيض يا مقيت ، ممن تسبح ؟ قطعت عليك الطريق ؟ فتعلقت لك بثوب ؟ شتمت لك عرضاً ؟ رميتك بفاحشة ؟ حبستك عن حاجة ؟ امض على حالك لا مصحوباً ولا محفوظاً ، فخجل الشيخ حتى كأنه هو الذي ضرط . ضرط الرجل بحضرة عمر فلما حضرت الصلاة ، قال عمر : عزمت على من كانت هذه الريح منه ، إلا توضأ . فقال جرير بن عبد الله : لو عزمت علينا جميعاً أن نتوضأ كان أتسر للرجل وأكرم في الفعل . فقال له عمر : جزاك الله خيراً ، فلقد كنت سيداً في الجاهلية ، سيداً في الإسلام ، عزمت عليكم ألا توضأتم ، فقاموا جميعاً وسترت على الرجل . وكان سعيد بن جبير الكاتب من المعروفين بالضراط ، وكان يضرط على عيدان القيان ويزعم أن الضراط أحسن من السماع . وضارط مرة أبا هفان ثلاثاً . قال : اجعلهما نغمة بين شدوين ، فغلط أبو هفان وضرط ، فقال سعيد : نقضت الشرط ، قال : صدقت ، زدت على قومي ما

(6/353)

"""""" صفحة رقم 354 """"""ليس فيهم ، وكان أبو هفان عبدياً ، وعبد قيس تعير بالفسو . وقال مرة لأبي هفان : والله لئن ضرطت عليك ضرطة لأبلغنك فيها إلى فيه في دفعةٍ . فقال : الله الله يا مولاي ، زدني أخرى ، وبلغني مكة فإني صرورة . فضرط عليه ضرطة أصعقت أبا هفان ، ورجي عليها بالقرآن ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم ، وقال أبو هفان : يا سيدي ، ردني من الثعلبية فقد كفاني وقال المأمون لحاتم الريش وكان ضراطاً : أنت أمير الضراطين ، وقال : أنا أوسع منك سلطاناً إذن ، لأن الإيمان خاص ، والضراط عام . وقال له مرة : يا حاتم أين بلغ ابنك ؟ فقال : أول ما فسا يا أمير المؤمنين دخل أعرابي إلى الحجاج فجعل يشكو إليه جدب السنة فبينا هو مفرط في ذلك إذ ضرط فقال : أصلح الله الأمير ، وهذه أيضاً من بلية هذه السنة . فضحك وأجازه . وخاصم آخر خصماً له بين يدي بعض الولاة ، فغضب أحدهما وأزرى على صاحبه في الكلام ، فبينا هو على تلك الحال حتى ضرط ، فقال : وهذه أيضاً في لحيتك . قيل للمنصور وكان مريضاً : إن فلاناً ضرط في مجلس فتنبه فقال : ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء . كان بالأهواز عاملٌ أصم ، وكان يضرط في مجلسه ، ويحسب أنه يفسو ، فضرط مرة بين أهل عمله وبين يديه كاتب له ، فأخذ كاتبه رقعة وكتب فيها : أصلح الله الأمير إن هذا الذي يخرج ضراط يسمع ، وهو يرى أنه فساء يخفى ، فإن رأى أن يمسك ، فعل إن شاء الله . فوقع في حاشيته : إنما استكفيناك أمر خراجنا ، ولم نصدرك على ضراطنا ، فتغافل كما تغافل القوم ، فأنت واحدٌ منهم .

(6/354)

"""""" صفحة رقم 355 """"""ذكر أن ابن سيابة كان عند كاتب من كتاب المهدي فسأله حاجةً فمنعه ، وجر الكاتب دواته فضرط فقال : ذلك تقدير العزيز العليم . فقال ابن سيابة : إذا أذنبوا قالوا مقادير قدرت . . . وما العار إلا ما تجر المقادر دخل إعرابي على يزيد وهو يتغدى فقال لأصحابه أفرجو لأخيكم فقال الأعرابي : لا حاجةً لي إلى ذلك أن أطنابي والحمد لله طوال ، فلما جلس وتهيأ ليأكل ، ضرط ، فقال له يزيد واستضحك : ما أظن إلا طنباً من أطنابك قد انقطع . وعطس رجلٌ فضرط وأراد بعض جلسائه أن يقول : يرحمك الله ، فقال : ضرطت والله . فقال : صدقت والله . وحدثني بعض مشايخ الكتاب بالري : لما مات ابن فراشكين صاحب جيش خراسان بالري ، قام بالأمر بعده واحد كان يقال له نبال غز قال : فكنا بين يديه يوماً إذا تقدم صاحب البريد ، وقال له : أيها الأمير قد نزل ركن الدولة خارجاً من أصفهان طامعاً في الري ، قال : وتغير لونه وتحرك وضرط ، وأراد أن يستوي قاعداً فضرط ضرطةً أخرى وثلث وربع ، فقال له صاحب البريد : الرجل منا بعد على ثمانين فرسخاً . قال : فغضب وقال له : يا فاعل تقرر أني أضرط هو ذا من الفزع ؟ أنا إنما أضرط من الغضب . وضرط بعض جلساء الصاحب رحمه الله في مجلسه وكان معه على سرير ، فخجل وأراد أن يدفع عن نفسه ، فقال : هو صرير التخت . يعني السرير ، فقال الصاحب : بل هو صرير التحت . وكان يتكلم يوماً في مسألة من الأصوات فضرط بعض الحاضرين فقال الصاحب : وهذا أيضاً من الأصوات ، ومر في المسألة يتكلم على عادته فيها . قيل لبعضهم : لا تضرط ، فإن الضراط شؤوم . قال : أحرى أن أدعه في جوفي . نظر الحسن البصري إلى رجل عليه بزة سرية فقال : ما يصنع هذا ؟ قالوا :

(6/355)

"""""" صفحة رقم 356 """"""يضرط فقال : ما طلب الدنيا بما يستحق أحد غير هذا . مد رجل رجله إلى أكار له ، وقال : اطلب شوكة قد شاكتني . فجعل الأكار يطلبها بإبرة فانفلتت من الرجل ضرطة فقال الأكار : لست أرى الشوكة ، ولكن هو ذا اسمع صوتها . وتزوج رجل بامرأة فضرطت ليلة الزفاف ، فخجلت ، وبكت ، فقال لها : لا تبكي فقد قيل : إن المرأة إذا ضرطت ليلة الزفاف ، كان ذلك دليلاً على خصب السنة ، قال : فضرطت أخرى ، قال : لا فإن بيتنا الذي ندخر فيه الغلة بيت واحد صغير ، ولا يسع أكثر من هذا . قال المدائني : أتى عبد الله بن علي برجل من أصحاب مروان فعرفه فقال : يا غلام الصاعقة بسيف كان لا لمرتشي إلا هتكته . فقال الشامي : من لا يحسن هذا . أما والله لو كان هذا الكلام منك لعلمت أنك لا تقوله : قال : يا ابن الفاعلة ، وتخاطبني أيضاً ، اضربوا رأسه بالعمود ، فضرط الشامي ضرطة وقع العمود لها من يد الغلام ، ونفرت دابة عبد الله ، فضحك ، وقال له : اذهب فأنت عتيقها . قال الشامي . وهذا أيضاً من الإدبار ، كنا ندفع الموت بأسيافنا ، فصرنا ندفعه بأستاهنا . صعد المغيرة المنبر فضرط فحرك يده وضرب بها استه وقال : كل است ضروط ، ثم نزل وتوضأ ، وعاد إلى مكانه . قال بعضهم : كنت جالساً عند صديق لي ، فجاءته رقعة من منزله ، فنظر فيها وضرط ، فحادثته ساعةً واغتفلته ، وأخذت الرقعة ، وقرأتها فإذا فيها : فني ، الدقيق وندر الخبز . تلاعب اثنان بالشطرنج ، وعدلهما آخر فشرطاً عليه أن لا يدبدب ، ولا يعلم واحداً منهما وينبهه على لعب ، فرأى شاه رخ لأحدهما ولم يملك نفسه ولم يقدر أن يتكلم ليمينه ، فضرط من القلق الذي أخذه وفطن الرجل بضرطه

(6/356)

"""""" صفحة رقم 357 """"""لشاه رخ ، فادعى خصمه أن ذلك دبدبة واحتكما إلى الصولي ، فقال : إن كان جرى من هذا الرجل في مثل هذا المجلس وسم الضراط ، فليس ذلك بدبدبة ، وإن لم يعرف منه ذلك قبل هذا ، فهو دبدبة . كان بعض العلماء به طرش ، وكان يرسل الضرطة في مجلسه ويحسبها فسوة ، فعرفه كاتبه ذلك في رقعة فوقع في جوابها : أقل ما لي عند أهل علمي ، أن يحتملوا إلى صرف ما بين الفسوة والضرطة . أدخل إنسان أبخر إلى بعض الرؤساء وساره بشيء فتأذى ببخره ، فلما فرغ من حديثه فساء وزاد البلاء على الرجل فقال له : قم يا ابن الفاعلة ، عافاك الله فإنك غارم الطرفين . دخل رجل من أهل السواد في يوم جمعة ، المدينة ، وأراد تجديد الوضوء ، فأخذ كوز ماء من عند بعض من يجلس على باب الجامع وتطهر به ، فلما أراد أن يذهب . طالبه صاحب الماء بقطعة مما معه ، فقال : ليس معي شيء ، قال : فلم أخذت الماء وتطهرت به ؟ فقال : إن كنت تطهرت بمائك فها ، وضرط ضرطة منكرة ، وقال : خذ طهورك ، فقد رددته عليك ، ودخل المسجد وصلى بحالته . سمع عبادة من جوف ابن حمدون قرقرة ، فقال له : يا ابن حمدون ولدت في شباط ؟ أي أنت كثير الرياح ، وذلك أن ابن حمدون ضرط في مجلس المتوكل وفي ذلك للشعراء أشعارٌ كثيرة . مر ابن علقمة على جماعة من عبد القيس ، فضرط بعض فتيانهم ، فالتفت إليهم فقال : يا عبد القيس ، فسائين في الجاهلية ، ضراطين في الإسلام ، إن جاء دين آخر خريتم . أثنى رئيس وفد على الملك ، فإنه كذلك إذا فلتت منه ضرطة فالتفت إلى

(6/357)

"""""" صفحة رقم 358 """"""استه فقال يخاطبها : مثل هذا الملك ، يصلح أن يثني عليه من جميع الجوارح ، ولكن إذا رأيت اللسان يتكلم فاسكتي . فضحك الملك وقضى حوائجهم . سأل بعض الولاة عن أبي نصر الهروي ليعبر له رؤيا رآها ، فقيل هو ممرور يأوي للصحراء ، فبعث إليه ، فأتى به فقال : إني رأيت كأن في كمي عصافير ، فجعلت تفلت واحدةً واحدة وتطير ، فلما كان آخر عصفورة كادت تفلت فحبستها . قال : أكلت عدسية فبدت تضرط ليلتك فلما كان آخرها أردت أن تسلح فحبسته قال الوالي : اسكت قبحك الله ، قال : هو والله ما قلته . فلما خرج قال : الرجل والله ما أخطأ شيئاً . كان بالمدينة عطاران يهوديان فأسلم أحدهما ولقيه صاحبه بعد حين فقال : كيف رأيت دين الإسلام ؟ قال : خير دين ، إلا أنهم لا يدعونا نفسو في الصلاة قال صاحبه : ويلك افس وهم لا يعلمون . صلى أطروش خلف إمام وإِلى جنبيه أبخر ، فلما سلم الإمام قال الأبخر للأطروش : سهل الإمام في صلاته ، فقال : نعم قد علمت أنه فسا ، وهو ذا أشم الرائحة . قال بعضهم : دخلت على يزيد بن مريد فقال لي : رأيت البارحة رؤيا . فقلت : وما هي ، أعز الله الأمير ؟ قال : رأيت كأني اصطدت طيطوية فذبحته ، وسال الدم قلت : افتض الأمير جارية بكراً . قال : قد كان ذاك ، قلت : ما في الرؤيا شيء آخر ؟ قال : ما هو ؟ قلت : وكان بينكما ضرطة . قال : مني والله كانت ، فمن أين علمت ؟ قلت : رأيت في الرؤيا طيطي فعلمت ذلك . فضحك وأمر لي بجارية . دخل رجل الحمام ومعه أطروش ، فجعل الرجل يضرط ، ثم التفت إلى الأطروش فقال : ما بقي من سمعك ؟ قال ، أسمع الكلام ، بعد الكلام ، والضراط في الحمام . ومرت امرأة في زقاق فضرطت ، والتفتت فإذا شيخ خلفها ، فقالت ، ويلي : مذ كم أنت خلفي ؟ قال الشيخ : مذ قدمت طبق التقل .

(6/358)

"""""" صفحة رقم 359 """"""كان للمدائني غلام فدعاه يوماً ليغمزه فأقبل الغلام يغمز رجليه ، والمدائني يفسو ، ثم قال : تبارك الله ما أضعف ابن آدم . فقال الغلام بالعجلة : وأفساه قال بعضهم . حضرنا مجلساً فيه قينة . فتحركت فضرطت وقشورت وقطعت الزير ، فتغافلوا ثم قالت لبعضهم : ما تحب أن أغنيك ، فقال : يا ريح ما تصنعين بالدجن . . . كم لك من محو منظر حسن ؟ قال فكأنما خجلها من اقتراحه . أشد من خجلها من ضرطتها . روى أن حجاماً كان يأخذ من شارب عمر فتنحنح عمر ، فضرط الحجام ، فأعطاه أربعين درهماً . صلى أشعب يوماً إلى جانب مروان بن عثمان ، وكان مروان عظيم العجيزة والخلق فأفلتت منه ريح عند نهوضه لها صوت فانصرف أشعب من الصلاة يوهم الناس أنه هو الذي خرجت منه الريح ، فلما انصرف مروان إلى منزله ، جاء أشعب فقال له : الدية ، قال : دية ماذا . قال : الضرطة التي تحملتها عنك ، وإلا شهرتك والله ، فلم يدعه حتى أخذ منه شيئاً صالحاً . وصلى الله على محمد وحسبنا الله ونعم المعين . الحمد لله للصواب ، والصلاة على سيدنا محمد المؤيد بفصل الخطاب ، وبعد ، قال أحمد ابن نوشراز القاضي ، كبت الله أعاديه وحساده ، وبلغه في الدارين أقصى مراده . كنت قد ابتدأت بتصحيح هذا الجزء السادس من كتاب نثر الدر الذي جميع آخرآيه السبعة موجودة في هذا المجلد يوم السبت سابع عشر من شعبان عقب صبيحة ليلة الصك بيومين لسنة إحدى وثلاثين وسبعمائة ، فيسر الله سبحانه وتعالى منوى من التصحيح ، إلى أن بلغت منتهى السادس المذكور مقيداً النعمة العلمية في هذا الورق يوم الخميس المعمور سادس من شهر رمضان للسنة

(6/359)

"""""" صفحة رقم 360 """"""المذكورة تيسيراً جلياً معلوماً لذوي الأفهام ، مكتوماً عن أعين أولي الأوهام ، ويتلوه الجزء السابع الذي نختم به السياحة في بحار المعاني ومراد المباني ، والسبع المثاني ، انتهى . كتبه المصحح حامداً ومصلياً ومسلماً ./

(6/360)

"""""" صفحة رقم 2 """"""الجزء السابع

(7/2)

"""""" صفحة رقم 3 """"""/ الجزء السابعبسم الله الرحمن الرحيم رب يسر الفصل السابع بتوفيقك اللهم نلزم الجدد الواضح ، والسنن القاصد ، والمنار المنير ، والصراط المستقيم ، والنهج المفضي إلى سعادة الأبد ، وإلى النعيم الدائم السرمد ، وإلى جنتك التي لا هادي إليها غير فضلك وإحسانك ، ولا دليل عليها غير رضاك ورضوانك ، بك نستعين ونعتضد ، وعليك نتوكل ونعتمد ، وإياك نعبد ونحمد ، ولرضاك ندأب ونجهد ، وبحمد نبيك نتوسل ، وبشفاعته نتوصل . هذا هو الفصل السابع من كتاب نثر الدر ويشتمل على ستة وعشرين باباً . الباب الأول : نكت من كلام الأنبياء عليهم السلام ، وكلام لقمان الحكيم . الباب الثاني : نكت للفلاسفة . الباب الثالث : نكت للفرس . الباب الرابع : مواعظ ونكت للزهاد . الباب الخامس : نكت لجماعة من الأدباء والعلماء . الباب السادس : الكبر والمستحسن والمستقبح . الباب السابع : نوادر في الجود والسخاء ومحاسن الأخلاق . الباب الثامن : في الشجاعة والجبن . الباب التاسع : في الأسماء الحسنة والقبيحة . الباب العاشر : في التعريضات . الباب الحادي عشر : نكت وحكم للهند . الباب الثاني عشر : في الرؤيا والفأل والزجر والعيافة والأوهام .

(7/3)

"""""" صفحة رقم 4 """"""الباب الثالث عشر : فيمن قال شعرا فانتصف منه بنثر . الباب الثالث عشر : فيمن قال شعرا فانتصف منه بنثر . الباب الرابع عشر : أمثال ونوادر على ألسنة البهائم . الباب الخامس عشر : نوادر ونكت للمتكلمين . الباب السادس عشر : نوادر أبي العبر . الباب السابع عشر : نوادر أبي العنبس . الباب الثامن عشر : نوادر لأصحاب الخطب والأذان والصلاة . الباب التاسع عشر : نوادر أصحاب المهن والصناعات الخسيسة . الباب العشرون : نوادر ابن أبي عتيق . الباب الحادي والعشرون : نوادر اللصوص ، ومن سرق له شيء . الباب الثاني والعشرون : نوادر الحمقى والمغفلين . الباب الثالث والعشرون : نوادر ابن الجصاص . الباب الرابع والعشرون : نوادر أصحاب المذاهب والجهال والمتعصبين . الباب الخامس والعشرون : نوادر الأطباء . الباب السادس والعشرون : اتفاقات عجيبة : جدا وهزلا .

(7/4)

"""""" صفحة رقم 5 """"""الباب الأول نكت من كلام الأنبياء ، عليهم السلام وكلام لقمان الحكيم. قال المسيح عليه السلام : ' البر ثلاثة : المنطق والنظر والصمت ، فمن كان منطقه من غير ذكر فقد لغا ، ومن كان نظره في غير اعتبار فقد سها ، ومن كان صمته في غير فكر فقد لها ' . ورأوه عليه السلام ، يخرج من بيت مومسة فقالوا : يا روح الله ما تصنع عند هذه ؟ قال : ' إنما يأتي الطبيب المرضى ' . وعيّرته اليهود بالفقر فقال : ' من الغنى أتيتم ' . وكان يقول للدنيا : ' وكنت ولم أكن فيك ، وتكونين ولم أكن فيك ، شقيت إن شقيت فيكِ ' . في زبور داود عليه السلام ' من بلغ السبعين اشتكى من غير علة ' . قال عيسى عليه السلام : ' في المال ثلاث خصال ' . قالوا : وما هي يا روح الله ؟ قال : ' يكسبه من غير حله ' . قالوا : فإن كسبه من حله . قال : ' يمنعه من حقه ' . قالوا : فإن وضعه في حقه . قال : ' يشغله إصلاحه عن عبادة ربه ' . ويروى عنه أنه قال : ' يباعدك من غضب الله ألا تغضب ' . قيل ليوسف عليه السلام : لم تجوع وأنت على خزائن الأرض ؟ فقال : ' أخاف أن أشبع فأنسى الجائع ' . لقى يحيى عيسى عليهما السلام ، فقال له عيسى : ' إنك لتبتسم ابتسام آمن ' . فقال : ' إنك لتعبس عبوس قائط ' . فأوحى الله تعالى إلى عيسى : ' الذي يصنع يحيى أحب إلي فإنه أحسنكما ظناً بي ' . قالوا : كتب يوسف عليه السلام ، على باب السجن ' هذه منازل البلوى ، وقبور الأحياء ، وتجربة الأصدقاء ، وشماتة الأعداء ' .

(7/5)

"""""" صفحة رقم 6 """"""وقال المسيح عليه السلام : ' لو لم يعذب الله على معصيته ، لكان ينبغي ألا يُعصى شكراً لنعمته ' . وقال : أمرٌ لا ندري متى يغشاك ما يمنعك أن تستعد له قبل أن يفجأك ؟ ' . قالوا : مكتوب في الصحف الأولى : ' إذا أغنيت عبدي عن طبيب يستشفيه ، وعما في يدي أخيه ، وعن باب سلطان يستعديه ، وعن جار يؤذيه ، فقد أسبغت عليه النعم ' . قال يعقوب عليه السلام ليوسف : ' ما كان خبرك ؟ قال : لا تسألني عما فعل بي إخوتي وسلني عما فعل بي ربي ' . قال عيسى عليه السلام : ' إني بطحت لكم الدنيا وأحبستكم على ظهرها ، فليس ينازعكم فيها إلا الملوك والنساء ، فأما الملوك فلا تنازعوهم الدنيا فإنهم لن يعرضوا لكم ما تركتموهم ، وأما النساء فاتقوهن بالصوم ' . وقال عليه السلام لرجل لا يستحق : حفظك الله . فقيل له : أتقول هذا لمثل هذا ؟ فقال : ' لسان عِّود الخير فهو ينطق به لكل أحد ' . وقال داود عليه السلام : ' نعم العون الغنى واليسار على الدين ' . وقال لابنه سليمان عليه السلام : ' يا بني لا تستبدلن بأخ لك قديم أخاً مستفاداً ما استقام لك ، فإنك إن فعلت تغيرت إليه نعمة الله عليك ، ولا تستقل أن يكون لك عدو واحد ، ولا تستكثر أن يكون لك ألف صديق ' . قيل لأيوب عليه السلام : أي شيء كان في بلائك أشد عليك ؟ فقال : ' شماتة الأعداء ' . قال المسيح عليه السلام : ' إلى متى تصفون الطريق للمدلجين وأنتم مقيمون مع المتحيرين ، إنما ينفع من العلم القليل ومن العمل الكثير ' . وقال : ' لا يزني فرجك ما غضضت طرفك ' . ومر بخلق من بني إسرائيل كلما قالوا شراً قال المسيح خيرا . فقال له شمعون الصفا : كلما قالوا شراً تقول خيرا ؟ قال : ' كل امرئ يُعطى مما عنده ' . ويروى عنه أنه كان يقول : ' إن احتجتم إلى الناس فكلوا قصدا ، وامشوا جانبا ' .

(7/6)

"""""" صفحة رقم 7 """"""وقال : ' كما ترك الملوك لكم الحكمة فاتركوا لهم الدنيا ' . دخل جاثليق النصارى إلى مصعب وكلمه بكلام أغضبه ، فعلاه بقضيب . فتركه حتى سكن غضبه ثم قال : إن أذن الأمير أخبرته بما أنزل الله على المسيح عليه السلام . قال : أخبر . قال : ' لا ينبغي للسلطان أن يغضب ، فإنه إنما يأمر فيطاع ، ولا ينبغي له أن يعجل فليس يفوته شيء ، ولا ينبغي أن يظلم فإنما به يدفع الظلم . فاستحيا مصعب وترضاه ' . مر عيسى عليه السلام برجل وهو يأكل لحماً فقال : ' لحم يأكل لحما ، أف لهذا ' . قالوا : إن أصل قولهم في المثل : ' كأن على رؤوسهم الطير ' أن سليمان عليه السلام كان يقول للريح : أقلينا ، وللطير أظلينا ، فتقله وأصحابه الريح ، وتظلهم الطير فكان أصحابه يغضون أبصارهم هيبة له ، ولا يتكلمون إلا أن يسألهم فيجيبوه ، فقيل للقوم إذا سكنوا : ' كانما على رؤوسهم الطير ' . روي عن شميط أنه قال : أوحى الله إلى داود : ' قل للملأ من بني إسرائيل لا يدعوني والخطايا بين أضباثهم ليلقوها ثم ليدعوني ' بين أضباثهم أي في قبضاتهم ، يقال ضبثت له أي قبضت عليه . وروي أن داود عليه السلام كان إذا ذكر عقاب الله تخلعت أوصاله فلا تشدها إلا الأسر ، أي أن تعصب . أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام : ' ذكّر عبادي إحساني إليهم ، فإنهم لا يحبون إلا من أحسن إليهم ' . قال كعب في التوراة : ' أحمد وأمته الحمادون ، يوضئون أطرافهم ، ويأتزرون على أنصافهم ' .

(7/7)

"""""" صفحة رقم 8 """"""قيل : إن مريم عليها السلام ، سألت ربها أن يطعمها لحماً لا دم فيه ، فأطعمها الجراد . فقالت : ' اللهم عيّشه بلا رضاع ، وتابع بينه بلا شياع ' . قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : إن عيسى عليه السلام ، قام خطيباً في بني إسرائيل ، فقال : ' يا بني إسرائيل لا تكلموا بالحكمة عند الجهال فتظلموها : ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم ، ولا تظلموا ، ولا تكافئوا ظالماً فيبطل فضلكم ، يا بني إسرائيل الأمور ثلاثة : أمر بيّن رشده فاتبعوه ، وأمر بين غيُّه فاجتنبوه ، وأمر اختُلف فيه فردوه إلى الله عز وجلّ ' . قال كعب في التوراة : ' محمد عبدي ليس بفظ ولا غليظ ولا صخوب في الأسواق ' . قال كعب : قرأت في بعض ما أنزل الله على الأنبياء : ' الهدية تفقأعين الحكيم ' . قيل مكتوب في حكمة آل داود : ' على العاقل أن يكون عالماً بأهل زمانه ، مالكاً للسانه ، مقبلاً على شانه ' . لما قذف إبراهيم عليه السلام ، في النار قال له جبريل عليه السلام : ألك حاجة يا خليل الله ؟ قال : أما إليك فلا . قال الحواريون لعيسى عليه السلام : ما تقول في الأمراء ؟ قال : ' إن أمرهم جعل لكم فتنة فلا يدخلنكم حبهم في معصية الله ، ولا يخرجنكم بغضهم من طاعة الله ، أدوا إليهم حقوقهم تخلصوا من شرهم ويسلم لكم دينكم ' . في الإنجيل : ' كونوا حلماء كالحيّات وبُلها كالحمام ' . قال سليمان عليه السلام : ' ليكن أصدقاؤك كثيرا ، وليكن صاحب سرك منهم واحداً من ألف ' .

(7/8)

"""""" صفحة رقم 9 """"""وقال المسيح عليه السلام : ' إن أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، الذين نظروا إلى باطن الدنيا حين نظر الناس إلى ظاهرها ، وإلى آجل الدنيا حين نظر الناس إلى عاجلها ، فأماتوا منها ما خشوا أن يميت قلوبهم ، وتركوا منها ما علموا أنه سيتركهم ' . وقال عليه السلام : ' ويلكم يا عبيد الدنيا ، كيف تخالف فروعكم أصولكم ، وعقولكم أهواؤكم ، قولكم شفاء يبرئ الداء ، وعملكم داء لا يقبل الدواء ، ولستك كالكرمة التي حسن ورقها ، وطاب ثمرها ، وسهل مرتقاها ، ويلكم يا عبيد الدنيا ، أنتم كالشجرة التي قل ورقها وكثر شوكها وخبث ثمرها ، وصعب مرتقاها ، ويلكم يا عبيد الدنيا ، جعلتم العلم تحت أقدامكم ، من شاء أخذه ، وجعلتم الدنيا فوق رؤوسكم لا يستطاع تناولها ، لا عبيد أتقياء ، ولا أحرار كرام ، ويلكم يا أجراء السوء ، أما الأجر فتأخذون ، وأما العمل فتفسدون ، سوف تلقون ما تجرون ، يوشك رب العمل أن ينظر في عمله الذي أفسدتم ، وفي أجره الذي أخذتم . ويلكم يا غرماء السوء ، تبدأون بالهدية قبل قضاء الدين ، بالنوافل تطوعون ، وما أمرتم به لا تؤدون ، إن رب الدين لا يرضى بالهدية حتى يُقضى دينه ' . وقال داود عليه السلام : ' اللهم لا صحة تطغيني ، ولا مرض يضنيني ، ولكن بين ذلك ' . عيّرت اليهود عيسى عليه السلام بالفقر فقال : ' من الغنى أتيتم ' . وقال : ' الدنيا لإبليس مزرعة ، وأهلها له حراثون ' . وقال : ' تعملون للدنيا وأنتم ترزقون فيها بغير عمل وتتركون طلب الجنة وأنتم لا تدخلونها إلا بالعمل ' . ومر بقوم يبكون على ذنوبهم فقال : ' اتركوها تغفر لكم ' . وقيل له : من نجالس ؟ قال : ' من تذكركم الله رؤيته ، ويزيد في علمكم منطقة ، ويرغبكم في الآخرة عمله ' . وقيل : مكتوب في التوراة : ' لا يعاد الحديث مرتين ' .

(7/9)

"""""" صفحة رقم 10 """"""وقال وهب : مكتوب في التوراة : ' الزاني لا يموت حتى يفتقر ، والقواد لا يموت حتى يعمى ، ومدحة الظالم تسخط الرب ' . روي أن موسى عليه السلام ، سأل ربه عز وجلّ فقال : ' رب ما أحكم الحكم ، وما أغنى الغنى ، وما أفضل الشكر ؟ ' . فقال جل ثناؤه : ' أحكم الحكم أن تحكم على الناس بما تحكم به على نفسك ، وأغنى الغنى أن يرضى العبد بما قسم له ، وأفضل الشكر ذكر الله ' . كان عيسى عليه السلام يقول : ' كثرة الطعام تميت القلب كما تميت كثرة الماء الزرع ' . وقال : ' تحببوا إلى الله ببغض أهل المعاصي ، وتقربوا إليه بالتباعد منهم ، وأحبوا ما أحب الله ، واكرهوا ما كره الله ، ولا تجالسوا أهل المعاصي فيرغبوكم في الدنيا وينسوكم الآخرة ' . قالوا : في الزبوب مكتوب ' إذا كان في البيت بر فتعبد ' . ولما حبس يوسف أخاه كتب إليه يعقوب عليه السلام : ' إن الأنبياء لا تسرق ولا تلد سارقا ' . قال داود : ' يا رب كيف لي أن أشكر نعمتك ؟ فأوحى الله إليه : ' إذا علمت أن النعم التي لك مني فقد شكرتني ' . وقيل لنوح عليه السلام ، وكان في بيت عليه خص : لو اتخذت بيتاً ؟ ' فقال : هذا كثير لمن يموت ' . أوحى الله إلى إبراهيم عليه السلام : ' أتدري لم اتخذتك خليلا ؟ قال : لا يا رب ، قال : لأني اطلعت إلى قلبك فوجدتك تحب أن تُرزأ ولا تَرزأ ' .

(7/10)

"""""" صفحة رقم 11 """"""أوحى الله تعالى إلى المسيح عليه السلام : ' أن عظ نفسك ، فإن اتعظت فعظ الناس وإلا فاستحي مني ' . لقمان : قال : ' ضرب الوالد للولد كالسماد في الزرع ' . وقال : ' نقلت الصخر ، وحملت الحديد فلم أر شيئاً أثقل من الدين ، وأكلت الطيبات ، وعانقت الحسان ، فلم أر ألذ من العافية ' . وقال لابنه : ' إذا أردت أن تؤاخي رجلاً فأغضبه فإن أنصفك في غضبه وإلا فدعه ' . وقال : ' لا تمنعنك مسائ أخيك من ذكر محاسنة ' . وقال : ' ثلاثة لا يعرفون إلا في ثلاثة مواطن : الحليم عند الغضب ، والشجاع عند الحرب ، والأخ عند الحاجة ' . وقال لابنه : ' يا بني تودد إلى الناس ، فإن التودد إليهم أمن ، ومعاداتهم خوف ' . وقال : ' يا بني كل أطيب الطعام ، ونم على أوطأ الفراش ، يقول : أكثر الصيام ، وأطل بالليل القيام ' . وقال لابنه : ' يا بني خصلتان إذا أنت حفظتهما فلا تبالي ما ضيعت بعدهما : دينك لمعادك ودرهمك لمعاشك ' . وقال : ' إياك والكسل والضجر ، فإنك إذا كسلت لم تؤد حقاً ، وإذا ضجرت لم تصبر على حق ' . وقال : ' يا بني استعذ بالله من شرار النساء وكن من خيارهن على حذر ' . وقال : ' إياك وصاحب السوء ، فإنه كالسيف المسلول يعجب منظره ويقبح أثره ' . وقال لابنه : ' إذا أتيت مجلس قوم فارمهم بسهم الإسلام ثم أجلس ، فإن أفاضوا في ذكر الله فأجل سهمك مع سهامهم ، وإن أفاضوا في غيره فخلهم وانهض ، يريد بسهم الإسلام السلام ' .

(7/11)

"""""" صفحة رقم 12 """"""وقال : لا ينبغي للعاقل أن يخلى نفسه من أربعة أوقات : فوقت منها يناجي فيه ربه ، ووقت يحاسب فيه نفسه ، ووقت يكسب فيه لمعاشه ، ووقت يخلي فيه بين نفسه وبين لذتها في غير محرم يستعين بذلك على سائر الأوقات ' . وقال : ' يا بني إن الأوطار تكسب الأوزار ، فارفض وطرك ، واغضض بصرك ' . دخل كعب على عمر فأدناه ، وأمره بالجلوس إلى جنبه ، فتنحى كعب قليلا ، فقال له عمر : وما منعك من الجلوس إلى جنبي ؟ فقال : لأني وجدت في حكمة لقمان مما أوصى به ابنه قال : ' يا بني إذا قعدت لذي سلطان فليكن بينك وبينه مقعد رجل ، فلعله أن يأتيه من هو آثر عنده منك فيريد أن تتنحى له عن مجلسك فيكون ذلك نقصاً عليك وشينا ' . قال لقمان لابنه : ' ارحم الفقراء لقلة صبرهم ، والأغنياء لقلة شكرهم ، وارحم الجميع لطول غفلتهم ' . وقال : ' يا بني لا تأكل شيئاً فوق شبع ، فإنك إن تنتبذه للكلب خير لك من أن تأكله . وقال : يا بني أكلت المقر ، وأطلت على ذلك الصبر ، فلم أجد شيئاً أمر من الفقر . كان داود عليه السلام ، يسرد درعاً ، ولقمان عنده ، فقال ما هذا ؟ فسكت عنه ، فلما فرغ لبسها وقال : نعم اللباس للحرب ' فقال لقمان : ' الصمت حكم وقليل فاعله ' . وقال : ' يا بني قد ندمت على الكلام ، ولم أندم على السكوت ' . وقال : ' العالم مصباح فمن أراد الله به خيراً اقتبس منه ' . وقال : ' لا يهونن عليكم من قبح منظره ورث لباسه ، فإن الله تعالى إنما ينظر إلى القلوب ، ويجازى بالأعمال ' . وقال : ' يا بني من كذب ذهب جمال وجهه ، ومن ساء خلقه كثر غمه ، ونقل الصخور من مواضعها أيسر من تفهيم من لا يفهم ' .

(7/12)

"""""" صفحة رقم 13 """"""وقال : ' لا مال كصحة البدن ، ولا نعيم كطيب نفس ' . وقال : ' يا بني إذا افتقرت فلا تحدثن أحداً بفقرك ؛ كيلا يبغضك الناس وتهون عليهم ' . وقال : ' يا بني عليك بمجالس العلماء ، واسمع كلام الحكماء ؛ فإن الله يحيي القلب الميت بالحكمة كما يحيي الأرض بوابل المطر ' . وقال : ' يا بني إن غاية الشرف والسؤدد في الدنيا والآخرة حسن العقل ؛ لأن العبد إذا حسن عقله غطى ذلك عيوبه ، وأصلح مساوئه ، ورضي عنه خالقه ، وكفى بالمرء عقلاً أن يسلم الناس من شره ' .

(7/13)

"""""" صفحة رقم 14 """"""الباب الثاني نوادر ونكت للفلاسفةنظر فيلسوف إلى امرأة قد خنقت على شجرة فقال : ليت كل شجرة تحمل مثل هذه الثمرة . مرت بسقراط امرأة ، وهو يتشرق ، فقالت له : يا شيخ ما أقبحك فقال : لولا أنك من المرائي الصدئة لغمنّى ما بان من قبح صورتي فيك . ورأى سقراط رجلاً يضرب غلاماً له ويرعد ، فقال : ما الذي بلغ بك هذا الذي رأى ؟ فقال : إساءة هذا الغلام ، فقال : إن كان كلما جنى عليك جناية سلطته على نفسك تفعل به ما أرى فما أسرع ما تهرم نفسك من هذا الفعل . ونظر إلى امرأة حين أريد قتله ، وهي تبكي ، فقال لها : ما يبكيك ؟ قالت : وكيف لا أبكي وأنت تقتل ظلماً ؟ فقال لها : فكأنك أردت أن أقتل بحق . وكان سقراط يقول لتلامذته : أقلوا من القنية تقل مصائبكم . وقال له تلميذ له : كيف لا أرى أيها الحكيم فيك أثر حزن ؟ قال : لأني لا أملك شيئاً لإن فقدته حزّنني . فقال له آخر : فإن انكسر هذا الحب الذي أنت فيه فماذا تفعل ؟ - وكان سقراط يأوى إذ ذاك في كنف حب - فقال سقراط إن انكسر الحب لم ينكسر المكان . وقال : ' إن اخترت أن تحيا له فمت دونه ' . خطب رجلان إلى ديمانوس بنته ، وكان أحدهما فقيراً والآخر غنياً ، فاختار الفقير ، فسأله الاسكندر عن ذلك ، فقال : لأن الغني كان جاهلاً فكنت أخاف عليه الفقر ، والفقير كان عاقلاً فرجوت له الغنى . قيل لبعضهم : ما أهم الأشياء نفعاً ؟ فقال : موت الأشرار .

(7/14)

"""""" صفحة رقم 15 """"""قيل لأفلاطون : ما الشيء المعزّي للناس على مصائبهم ؟ فقال : أما للعلماء فعلمهم بأنها اضطرارية ، وأما لسائر الناس فتأسِّي الحسن . قال بعضهم : لا شيء أنفس من الحياة ، ولا غبن أعظم من إنفادها لغير حياة الأبد . قال آخر للإسكندر : إذا كان سر الملك عند اثنين دخلت على الملك الشبهة ، واتسعت على الرجلين المعاريض فإن عاقبهما عاقب اثنين بذنب واحد ، وإن اتهمهم اتهم بريئاً بجناية مجرم . وإن عفا عنهما كان العفو عن أحدهما ولا ذنب له ، وعن الآخر ولا حجة عليه . قيل لآخر : ما العقل ؟ قال : الإصابة بالظن ، ومعرفة ما لم يكن بما كان . قال أرسطاطاليس : العاقلُ يوافق العاقلَ ، والجاهلُ لا يوافق العاقلَ ولا الجاهلَ ، ومثال ذلك المستقيمُ الذي ينطبق على المستقيم ، فأما المعوُّج فإنه لا ينطبق على المعوجِّ ولا على المستقيم . نظر سقراط إلى السيل ، وقد حمل امرأة ، فقال : زادت الكدر كدرا والشر بالشر يهلك . طلب أهل يونان رجلاً للملك بعد موت ملك لهم ، فاسموا بواحد فقال فيلسوف لهم : لا يصلح هذا للملك . فقالوا : ولم ؟ قال : هو كثير الخصومة ، فليس يخلو في خصومته أن يكون ظالماً أو مظلوماً ، والظالم لا يصلح للملك لظلمه ، والمظلوم أحرى ألا يصلح لضعفه ، فقالوا له : صدقت ، أنت أولى منه ، وملكوه . قيل لبعضهم : إن فلاناً يحكي عنك كل سوء ، فقال : لأنه لا يهتدي إلى الخير فيحكي . قيل لبعضهم ، وكان محبوساً : ألا تكلم الملك في إطلاقك ؟ قال : لا ، قيل : ولم ؟ قال : لأن الفلك أحدُّ ، والفضاء أجد ، من أن تبقى حال على حد . قال اٌسكندر لما قتل دارا : قاتل دارا لا يبقى .

(7/15)

"""""" صفحة رقم 16 """"""قيل لديوجانس : لمَ تأكل في السوق ؟ قال : لأني جعت في السوق . ورأى غلاماً لقيطاً يرمي بالحجارة ، فقال : لا ترم ، لعلك تصيب أباك ولا تدري . ورأى آخر مؤدباً يعلم جارية الكتابة ، فقال : لا تزد الشر شراً ، تسقي سهمها سماً لترمي به يوماً ما . ورأى جارية تحمل ناراً ، فقال : نار على نار ، والحامل شر من المحمول . ورأى مرة امرأة في ملعب فقال : ما خرجت لترى ، ولكن خرجت لتُرأى . ورأى امرأة عوراء تصنع نفسها فقال : نصف الشر شر أيضاً . قال بعضهم : إني لأعجب من الناس ، وقد مكنهم الله من الاقتداء به ، فيدعون ذلك إلى الاقتداء بالبهائم . وقيل لآخر : ما الفضل بينك وبين الملك ؟ قال : هو عبد الشهوات وأنا مولاها . وقيل لآخر : إن الملك لا يحبك ، قال : إن الملك لا يحب من هو أكبر منه . وقيل لآخر : من الجواد ؟ قال : من جاد بماله ، وصان نفسه عن مال غيره . قيل لسقراط : لم لا تذكر في شرائعك عقوبة من قتل أباه ؟ قال : لم أعلم أن هذا يكون . قال سقراط لأرسجانس : لا تسوطن النار بسكين - قيل : أراد إذا رأيت الغضبان فلا تهيجه - . وقال أيضاً له : احذر الأسد غير ذي الأربع ، - قال : أراد السلطان - . قيل للإسكندر : إن فلاناً يثلبك فلو عاقبته قال : هو عند العقاب أعذر . وقال الإسكندر : ليس من الإنصاف أن يقاتل أصحابي عني ، ولا أقاتل عن نفسي .

(7/16)

"""""" صفحة رقم 17 """"""قيل لفيلسوف : ما بال الثمرة غشاؤها هر المأكول منها والنواة في جوفها ، والجوزة بخلاف ذلك ؟ قال : لم تكن العناية بما يؤكل في حال الأكل ، إنما كانت العناية ببقاء النوع ، فحفظت النواة بالغشاء ، والجوزة بالقشرة . قال بقرط : سلوا القلوب عن المودات فإنها شهود لا تقبل الرشى . قال رجل للإسكندر : إن العسكر الذي فيه دارا كثير ، فقال الإسكندر : إن الغنم وإن كثرت تذل لذئب واحد . ورأى الإسكندر سمياً له لا يزال ينهزم في الحروب ، فقال : أيها الرجل ، إما أن تغير فعلك ، وإما أن تغير اسمك . رأى فيلسوف مدينة حصينة بسور محكم فقال : هذا موضع النساء لا موضع الرجال . جاء بعض الكلبيين ، وهو جنس من اليونانيين ، إلى الإسكندر فقال : هب لي مثقالاً واحداً ، فقال الإسكندر : ليس هذا عطاء ملك ، قال : فهب لي قنطارا . فقال الإسكندر : ليس هذا سؤال كلبيّ . أشير على الإسكندر بالبيات في بعض الحروب فقال : ليس من آيين الملوك استراق الظفر . قيل لأرسطاطاليس : ما بال الحسدة يحزنون أبداً ؟ فقال : لأنهم لا يحزنون لما ينزل بهم من الشر فقط ، بل لما ينال الناس أيضاً من الخير . وقال : الإفلال حصن للعاقل من الرذائل ، وطريق إليها للجاهل . قيل لفيلسوف : ما صناعة الخطيب ؛ قال : أن يعظِّم شأن الأشياء الحقيرة ، ويصغِّر شأن الأشياء العظيمة . قال آخر : الدنيا لذات معدودة : منها لذة ساعة ، ولذة يوم ، ولذة ثلاثة ، ولذة شهر ، ولذة سنة ، ولذة الدهر ، فأما لذة ساعة فالجماع ، وأما لذة يوم فمجلس شراب ، وأما لذة ثلاثة فلين البدن بعد الاستحمام ، وأما لذة شهر فالفرح بالعرس ، وأما لذة سنة بالفرح بالمولود الذكر ، وأما لذة الدهر فلقاء الإخوان مع الجدة .

(7/17)

"""""" صفحة رقم 18 """"""قال آخر : التفكر في الخير يدعو إلى العمل به ، والتفكر بالشر يدعو إلى تركه . قال آخر : العشق جهل عارض وافق قلباً فارغاً . قال أرسطاطاليس للإسكندر : احفظ عني ثلاث خصال ، قال : وما هن ؟ قال : صل عجلتك بتأنيك ، وسطوتك برفقك ، وضرك بنفعك ، قال : زدني ، قال : انصر الحق على الهوى تملك الأرض ملك الاستعباد . قال أفلاطون : تُعرف خساسة المرء بكثرة كلامه بما لا ينفعه ، وإخباره بما لا يسأل عنه . وقال : لا تؤخر إنالة المحتاج إلى غد ، فإنك لا تدري ما يعرض في غد . وقال : أعن المبتلى إذا لم يكن سوء عمله ابتلاه . وقال : إن تعبت في البر فإن التعب يزول والبر يبقى ، وإن التذذت بالآثام فإن اللذة تزول والآثام تبقى . وقال : أجهل الجهال من عثر بحجر مرتين . وقال : كفاك موبخاً على الكذب علمك بأنك كاذب ، وكفاك ناهياً عنه خوفك إذا كذبت . كان على خاتم فيثاغورس ' شر لا يدوم خير من خير لا يدوم ' . قال آخر : العالم يعرف الجاهل ؛ لأنه كان جاهلاً ، والجاهل لا يعرف العالم ؛ لأنه لم يكن عالماً . قال آخر : الهالك على الدنيا رجلان : رجل نافس في عزها ، ورجل آنف من ذلها . قال آخر : ' من زاد أدبه على عقله كان كالراعي الضعيف مع غنم كثير ' . قال آخر : أعجب ما في الإنسان أن ينقص ماله فبقلق ، وينقص عمره فلا يقلق .

(7/18)

"""""" صفحة رقم 19 """"""قال آخر : الشكر محتاج إلى القبول ، والحسب محتاج إلى الأدب ، والسرور محتاج إلى الأمن ، والقرابة محتاجة إلى المودة ، والمعرفة محتاجة إلى التجارب ، والشرف محتاج إلى التواضع ، والنجدة محتاجة إلى الجد . قال رجل لسقراط ، ورآه يأكل العشب : لو خدمت الملك لم تحتج أن تأكل الحشيش ، فقال له : لو أكلت الحشيش لم تحتج أن تخدم الملوك . قال بعضهم لولده يحثهم على الكسب : لا تتكلوا على البخت ؛ فإنه ربما لم يكن وربما كان وذهب ، فأما الحسب فرأيته بلاءً على أهله ، فإنه يقال للناقص : هذا ابن فلان فيتضاعف غمه وعاره ، ولو لم يكن في العلم إلا أن العالم يكرم وإن لم يكسب لكفاه . حكي عن الإسكندر أنه لما احتضر كتب إلى أمه وهي بالإسكندرية : إذا قرأت كتابي يا أمه فاصنعي طعاماً كثيراً وأطعميه للناس ، ولا تطعمي منه إلا من لم تصبه مصيبة ، فعرفت موته . قال بعضهم لسقراط : ذكرتك لفلان فلم يعرفك ، فقال : لا يضرني ألا يعرفني هو ، ويضره ألا يعرفني ولا أعرفه ، لأني لا أعنى بمعرفة خسيس ، ولا يجهل مثلي إلا خسيس . قيل لبعضهم : ما بالكم لا تأنفون من التعلم من كل أحد ؟ قال : لأنا قد علمنا أن العلم نافع من حيث أصيب . قيل لآخر ألا تخوض معنا في حديثنا ؟ فقال : الحظ للمرء في أذنه ، والحظ في لسانه لغيره . قيل لآخر : أي الحيوان لا يشبع ؟ قال : الذي يربح . قيل لأفلاطون : ما بالكم إذا أصبتم الشيء الذي يسركم تسرون به ، وإذا أصابكم الشيء الذي يغم لم يغمكم ؟ قال : لأن الشيئين جميعاً إما أن يتركانا أو نتركهما . وقيل له : فلان يخضب بالسواد ، فقال : لأنه يكره أن يؤخذ بحنكة الشيخ .

(7/19)

"""""" صفحة رقم 20 """"""قال آخر : لتلميذ له فهمه شيئاً : أفهمت ؟ قال : نعم ، قال : كذبت ؛ لأن دليل الفهم السرور ، ولم أرك سررت . قيل لآخر : متى يحمد الكذب ؟ قال : إذا قرب بين المتقاطعين ، قيل : فمتى يذم الصدق ؟ قال : إذا كان غيبة ، قال فمتى يكون قليل البذل أحمد ؟ قال : إذا كان قليله في الحقوق ، وكثيره في الفسوق ، قيل : فمتى يكون الصمت خيراً ؟ قال : عند النساء . قيل لإيدجانس : ألك بيت تستريح فيه ؟ قال : حيث أستريح فهو بيتي . ونظر رجل إلى حكيم يجامع فقال له : أي شيء تعمل ؟ قال : إنساناً إن تم . قيل لسقراط : أي السباع أحسن ؟ قال : المرأة . صعد إيدجانس إلى موضع عال ثم صاح ، معاشر الناس ، فاجتمعت العامة إليه من كل جانب ، فقال : ما بالكم ؟ لم أدعكم ، إنما دعوت الناس . قال سولون : أصلح ما عوشر به الملوك قلة الخلاف وتخفيف المؤونة . وسئل : ما أصعب الأشياء على الإنسان ؟ فقال : أن يعرف نفسه ، ويكتم سره . سقراط : استشاره فتى في التزوج فقال له : احذر من أن يعرض لك ما يعرض للسمك في المصيدة ، فإن الخارج عنها يطلب الدخول فيها والداخل فيها بطلب الخروج منها . دخل أرسطاطاليس إلى الإسكندر ليعزيه بفجيعة فتأخر عن المعزين ثم قال : لم أدخل إليك لأعزيك ، ولكن لأرى صبرك على المصائب فأقتني ذلك منك . رأى ديوجانس تعلّم الكتابة فقال : سهم يسقى سماً . وسئل عن وقت الغداء فقال : لمن أمكنه إذا احتاج ، ولمن لا يمكنه إذا وجد . وقيل له : ما الغنى ؟ فقال : الكف عن الشهوات .

(7/20)

"""""" صفحة رقم 21 """"""وسئل ما الذي ينبغي للرجل أن يتحفظ منه ؟ قال : يتحفظ من حسد إخوانه ، ومكر أعدائه . قال قراطيس : ' إن أحببت ألا تفوتك شهوتك فاشته ما يمكنك ' . جلس الإسكندر يوماً فلم يسأله أحد حاجة ، فقال لجلسائه ، إني لا أعد هذا اليوم من أيام ملكي . قال سولون : ' الجواد من جاد بماله ، وصان نفسه عن مال غيره ' . قال أفلاطون : لا ينبغي للعاقل أن يتمنى لصديقه الغنى فيزهو عليه ، ولكن يتمنى أن يساويه في الحال . سأل الإسكندر حكماء أهل بابل : أيما أبلغ عندكم الشجاعة أو العدل ؟ قالوا : إذا استعملنا العدل استغنينا عن الشجاعة . كتب أرسطاليس إلى الإسكندر : املك الرعية بالإحسان فإنها إذا قدرت أن تقول قدرت أن تفعل ، فاجتهد ألا تقول تسلم من أن تفعل . قال بعضهم لا سر إلا في مكيدة تحاول ، أو منزلة تزاول ، أو سريرة مدخولة تكتم ، ولا حاجة في ظهور شيء من ذلك . وقال : ' ما كتمته عدوك فلا تظهر عليه صديقك ' . سئل بعضهم : أي شيء أولى أن يتعلمه الأحداث ؟ فقال : الأشياء التي إذا صاروا رجالاً احتاجوا إليها . هم الإسكندر بأن يوجه رسولاً إلى الفرس ثم تخوَّف أن يغدر به ، فقال له الرسول : أيها الملك إن نفسي طيبة بأن أُقتل فيما تحب ، فقال له الإسكندر : والواجب أن أشفق على مثلك . سئل أرسطاطاليس : أي شيء أصعب على الإنسان تحملاً ؟ فقال : السكوت . سئل ديوجانس عن رجل يعرفه هل هو غني ؟ فقال : أنا أعلم أن له مالاً ، ولكني لا أعلم أغنيٌّ هو أم لا ؟ لأني لست أدري كيف عمله في ماله . سئل بعضهم ملوكهم أين أموالك وكنوزك ؟ فالتفت إلى أصحابه و قال : عند هؤلاء .

(7/21)

"""""" صفحة رقم 22 """"""قيل لبعض الحكماء : إنه يصعب أن ينال الإنسان ما لا يشتهي ، فقال : أصعب من ذلك أن يشتهي ما لا يناله . لتز أفلاطون على الزهد في المال فقال : كيف يرغب فيما يُنال بالبخت لا بالاستحقاق ، ويأمر البخل والشَّرَهُ بحفظه ، والجود والزهد بإتلافه ؟ . وسئل ما أصلح حالات المدن ؟ فقال : أن يتفلسف ملوكها ، ويملك فلاسفتها . و قال : ينبغي إذا عوقب الحدث أن يترك له موضع من ذنبه لئلا يحمله الإحراج على المكابرة . وسئل بماذا ينتقم الإنسان من عدوه ؟ قال : بأن يتزيد فضلاً في نفسه . قال أرسطاطاليس : لا ينبغي للملك أن يرغب في الكرامة التي ينالها من العامة طوعاً أو كرهاً ، ولكن في التي يستحقها بحُسن الأثر ، وصواب التدبير . أُهدي إلى الإسكندر أوانٍ من فخار فاستحسنها ثم أمر بكسرها ، فسئل عن ذلك فقال : علمت أنها تُكسر على أيدي الخدم واحداً واحدا فيهيج في الغضب ، فأرحت نفسي منها مرةً واحدة . قيل لجادوسيس الصقلي : إنك من مدينة خسيسة ، فقال أما أنا فيلزمني العار من قبل بلدي ، وأما أنت فعار لازم لأهل بلدك . وعيّر آخر سقراط بنسبه فقال سقراط : نسبي مني ابتدأ ، ونسبك إليك انتهى . قيل لأفلاطون : لم لا نكاد تجتمع الحكمة والمال ؟ فقال : لعزة وجود الكمال . قيل لبعضهم : ما الشر المحبوب ؟ فقال : الغنى . قيل لبعضهم : إن فلاناً يشتمك بالغيب ، فقال : لو ضربني بالغيب لم أبال .

(7/22)

"""""" صفحة رقم 23 """"""قيل لأرسطاطاليس : ما بال الحسدة يحزنون أبدا ؟ قال : لأنهم لا يحزنون لما ينزل بهم من الشر فقط ، بل لما ينال الناس من الخير أيضاً . وقال : ' كيف يرجو العقل النجاه ، والهوى والشهوة قد اكتنفاه ' . قال الإسكندر لبعض حكماء بابل : أوصني ، فقال : ' لا تكثر القنية فإنها ينبوع الأحزان ' . قال سقراط إذا كان العالم غير معلم قل غناء علمه كما يقل غناء المكثر البخيل . وقال أرسطاطاليس : يمنع الجاهل أن يجد ألم الحمق المستقر في قلبه ما يمنع السكران من أن يجد مس الشوكة تدخل في يده . كان سقراط يقول : ' القنية مخدومة ومن خدم غير نفسه فليس بحر ' . وقيل له : بأي خصلة تتفضل على أهل زمانك ؟ فقال : بأن غرضهم في الحياة أن يأكلوا ، وغرضي في الأكل أن أحيا . تزوج بعضهم امرأة نحيفة ، فقيل له في ذلك ، فقال : اخترت من الشر أقله . وقيل لآخر أراد سفراً : تموت في الغربة ، فقال : ليس بين الموت في الوطن والموت في الغربة فرق ؛ لأن الطريق إلى الآخرة واحد . رأى أفلاطون مدعياً للصراع - ولم يكن صرع أحداً قط - تحول طبيباً ، فقال : الآن أحكمت الصراع ، يتهيأ لك أن تصرع من شئت . وصف للإسكندر حسن بنات دارا وجمالهن ، فقال : من القبيح أن نغلب رجال قوم ، ويغلبنا نساؤهم . تحاكم إلى الإسكندر رجلان من أصحابه فقال لهما : الحكم يرضي أحدكما ويسخط الآخر ، فاستعملا الحق ليرضيكما جميعاً . قال سقراط : ' العامة إذا رأت منازل الخاصة حسدتها عليها ، وتمنت أمثالها ، فإذا رأت مصارعها تُدالها ' . وقال : ' العفو يفسد من اللئيم بقدر ما يصلح من الكريم ' .

(7/23)

"""""" صفحة رقم 24 """"""وسافر مرة مع بعض الأغنياء ، فقيل له : في الطريق صعاليك يأخذون سلب الناس ويطالبونهم بالمال ، فقال الغني : الويل لي إن عرفوني ، فقال سقراط : الويل لي إن لم يعرفوني . قال الإسكندر لأرسطاطاليس : أوصني في عمالي خاصة ، فقال : انظر من كان له عبيد فأحسن سياستهم فولّه الجند ، ومن كانت له ضيعة فأحسن تدبيرها فوله الخراج . قيل لحكيم : ما الشيء الذي لا يُستغنى عنه ؟ قال : التوفيق . كتب فيلسوف على بابه لا يدخل هذا المنزل شر ، فقال له ديوجانس : فمن أين تدخل امرأتك إذن ؟ . رأى ديوجانس رجلين لا يفترقان ، فسأل عنهما ، فقيل : إنهما صديقان ، فقال : فما بال أحدهما فقير والآخر غني ؟ . قيل لأفلاطون : لم يخضب فلان بالسواد ؟ قال : يكره أن يؤخذ بحنكة الشيخ . نظر فيلسوف إلى رجل يرمي ، وسهامه تذهب يميناً وشمالا ، فقعد موضع الهدف ، فقيل له في ذلك ، فقال : لم أر موضعاً أسلم منه . قال سقراط : ليس ينبغي أن يقع التصديق إلا بما يصح ، ولا العمل إلا بما يحل ، ولا الابتداء إلا بما تحمد فيه العاقبة . دخل رجل على بعضهم وهو يأكل خبزاً يابساً قد بله في الماء فقال : كيف تشتهي هذا ؟ قال : أدعه حتى أشتهيه . حكي عن الإسكندر أنه قال : علم النجوم ضربان : غامض دقيق لا يُدرى غوره وظاهر جليل لا يؤمن خطاؤه . قيل لبقراط : مالك لا تشاهد الناس ؟ قال : لأني وجدت الانفراد بالخلوة أجمع لدواعي السلوة ، وعز في الوحدة خير من ذل في الجماعة ، والوحدة أسهل من مداراة الخلطة . قصد الإسكندر موضعاً لمحاربة أهله ، فحاربه النساء فكف عنهن ، وقال : هذا جيش إن غلبناه لم يكن فيه فخر ، وإن غلبوا كانت الفضيحة .

(7/24)

"""""" صفحة رقم 25 """"""قال سقراط : ' اللين جوهر الكرم ، والشدة جوهر اللؤم ' . وقال أرسطاطاليس : ' لكل شيء صناعة ، وحسن الاختيار صناعة العقل ' . وقال بقراط : ' من ضر نفسه لنفع غيره فهو أحمق ' . وقال : ' للمرأة ستران : بعلها وقبرها ' . وقال : ' من حسدك لم يشكرك على إحسانك إليه ' . وقال الإسكندر : ' البغي آخر مدة الملوك ' . وقال : ' الاستطالة تهدم الصنيعة ' . قال بقراط : ' لأن يكون الحر عبداً لعبيده خير من أن يكون عبداً لشهواته ' . قال بعض الفلاسفة : ' أنقص الناس عقلاً من ظلم من دونه ' . قيل لبعضهم : لم تخالط السفل ؟ فقال : لأن الحكماء قد فقدوا . وقيل لآخر : أي العلوم أفضل ؟ قال : ما العامة فيه أزهد . قال فيلسوف لأهل مدينته : ليت طبيبكم كان صاحب جيشكم فإنه قد قتل الخلق وليت صاحب جيشكم كان طبيبكم ؛ فإنه لم يقتل أحداً قط . قال أفلاطون : من جهل الشيء ولم يسأل عنه جمع على نفسه فضيحتين . وقال : أشرف الناس من بذل مع الإضاقة ، وصدق عند الغضب . قال بقراط : ينبغي للعاقل إذا أصبح أن ينظر في المرآة ، فإن كان وجهه حسناً لم يشنه بقبيح ، وإن كان قبيحاً لم يجمع بين قبيحين . ذكر المال عند أفلاطون فقال : ما أصنع بما يعطيه الحظ ، ويحفظه اللؤم ، ويهلكه الكرم . قال بعضهم لسقراط : ما أفقرك فقال : لو عرفت راحة الفقر لشغلك التوجع لنفسك عن التوجع لي ، فالفقر ملك ليس عليه محاسبة .

(7/25)

"""""" صفحة رقم 26 """"""كتب الإسكندر من بلاد فارس إلى أرسطاطاليس : من الإسكندر الملك إلى الأرسطاطاليس الحكيم ، عليك منا السلام . أما بعد : فإن دوائر الأسباب ومواقع العلل وإن كانت أسعدتنا بالأمور التي أصبح الناس لنا بها دائنين ، فإنا جد واجدين لمس الاضطرار إلى حكمتك ، غير جاحدين للإقرار بفضلك ، والاستتامة إل مشورتك ، والاجتباء لرأيك ، والاعتقاد لأمرك ونهيت ، لما بلونا من جداء ذلك علينا ، وذقنا من جنى منفعته ، حتى صار ذلك بنخوعه فينا ، وترشيحه لعقولنا ، كالغذاء لنا ، فما ننفك نعول عليه ، ونستمد منه ، كاستمداد الجداول من البحور ، وتحويل الفروع على الأصول ، وقوة الأشكال بالأشكال . وقد كان فيما سبق إلينا من النصر والفلج ، وأتيح لنا من الظفر والقهر ، وبلغناه من العدو من النكاية ، ما يعجز القول عن وصفه ، ويقصر الشكر للمنعم على الإنعام به . وإنه كان من ذلك أنا جاوزنا أرض سرية والجزيرة وبابل إلى أرض فارس ، فلما حللنا بعقوة أهلها وساحة بلادهم لم يكن ذلك إلا ريثما أن تلقانا نفر منهم برأس ملكهم هدية إلينا ، وطلباً للحظوة عندنا ، فأمرنا بصلب من جاء به وشهرته ؛ لسوء بلائه ، وقلة ارعوائه ووفائه . ثم أمرنا بجمع من كان هنالك من أبناء ملوكهم وأحرارهم وذوي الشرف منهم ، فرأينا رجالاً عظيمة أجسامهم وأحلامهم ، حاضرة ألبابهم وأذهانهم ، رائعة مناظرهم ومناطقهم ، دليلاً ما ظهر من روائهم أن وراءه من قوة أيديهم ، وشدة بأسهم وتحديهم ، ما لم يكن ليكون لنا معه سبيل إلى غلبتهم ، وإعطابهم بأيديهم ، لو لا أن القضاء أدالنا منهم ، وأظفرنا بهم ، وأظهرنا عليهم ، ولم نر بعيداً من الرأي في أمرهم أن نستأصل شأفتهم ، ونجتث أصلهم ، ونلحقهم بمن مضى من أسلافهم ، لنسكن القلوب بذلك إلى الأمن من جرائرهم وبوائقهم ،

(7/26)

"""""" صفحة رقم 27 """"""فرأينا ألا نعجل بإسعاف بادي الرأي في قتلهم ، دون الاستظهار عليهم بمشورتك فيهم ، فارفع إلينا مشورتك فيما استشرناك فيه بعد صحته عندك ، وتقليبك إياه على نظرك . وسلام أهل السلام فليكن علينا وعليك .فأجابه أرسطاطاليس: للإسكندر المؤيد بالنصر على الأعداء المهدي الظفر بالملوك من أصغر عبيده وأوضع خوله أرسطاطاليس الخنوع بالسجود ، والتذلل في السلام ، والإذعان بالطاعة . أما بعد : فإنه لا قوة بالنطق - وإن احتشد الناطق فيه ، واجتهد في تثقيف معانيه ، وتأليف حروفه - على الإحاطة بأقل ما يناله العذر من بسطة علو الملك ، وسمو ارتفاعه عن كل قول ، وإيتائه على كل وصف ، واغترابه لكل إطناب . وقد تقرر عندي من مقدمات أعلام فضل الملك في مهلة سبقه ، وبروز شأوه ، ويمن نقيبته - منذ أدت إلى حاسة بصري صورة شخصه ، واضطرب في حس سمعي صوت لفظه ووقع وهمي على تعقب مخارج رأيه ، أيام كنت أؤدي إليه من تعليمي إياه - ما أصبحت قاضياً على نفسي بالحاجة إلى تعلمه منه . ومهما يكن مني إليه في ذلك فإنما هو عقل مردود إلى عقله ، مستنبطة أوائله وتواليه من علمه وحكمته ، وقد حكى لي كتاب الملك مخاطبته إياي ومسألته لي عما لا يتخالجني الشك في أن لقاح ذلك ونتاجه من عنده صدر ، وعليه كان ورد . وأنا فيما أشير به على الملك - وإن اجتهدت فيه ، واحتشدت له ، وتجاوزت حد الوسع والطاقة مني في استنظافه - كالعدم مع الوجود ، بل كما لا يتجزى في جنب أعظم الأشياء ، ولكني غير ممتنع من إجابة الملك إلى ما سأل على يقيني تعظيم غناه عني وشدة فاقتي إليه ، وأنا راد إلى الملك ما أفدته منه ، ومشير عليه بما أخذته عنه ، فقائل له : إن لكل تربة لا محالة قسماً من كل فضيلة ، وإن لفارس قسمتها من النجدة والقوة ، وإنك إن تقتل أشرافهم تخلّف الوضعاء بأعقابهم ، وترث سفلتهم منازل عليتهم ، ويغلب أدنياؤهم على

(7/27)

"""""" صفحة رقم 28 """"""مراتب ذوي أخطارهم ، ولم يبتل الملوك قط ببلاء هو أعظم عليهم ، وأشدتوهيناً لسلطانهم من غلبة السفلة وذل الوجوه ، فاحذر الحذر كله أن تمكن تلك الطبقة من الغلبة والحركة ، وإن نجم منهم بعد اليوم على جندك وأهل بلدك ناجم دهمهم منه مالاً روية فيه ولا بقية معه . فانصرف عن هذا الرأي إلى غيره ، واعمد إلى من قبلك من أولئك العظماء والأحرار فوزع بينهم مملكتهم ، وألزم اسم الملك كل من وليته منهم ناحية ، واعقد التاج على رأسه ، وإن صغر ملكه ، فإن المتسمي بالملك لازم لاسمه ، والمعتقد التاج لا يخضع لغيره ، ولا ينشب ذلك أن يوقع بين كل ملك منهم وبين صاحبه تدابراً وتقاطعاً وتغالباً على المُلك ، وتفاخراً بالمال حتى ينسوا بذلك أضغانهم عليك ، وأوتارهم قبلك ، وتعود حربهم لك حرباً بينهم ، وحنقهم عليك حنقا منهم على أنفسهم ، ثم لا يزدادون في ذلك بصيرة إلا أحدثوا بها لك استقامة ، فإن دنوت منهم دانوا لك ، وإن نأيت عنهم تعززوا بك ، حتى يثبت كل ملك منهم على جاره باسمك ، ويسترهبه بجندك ، وفي ذلك شاغل لهم عنك ، وأمان لأحداثهم بعدك ، ولا أمان للدهر ، ولا ثقة بالأيام . قد أديت إلى الملك ما رأيته لي حظاً ، وعليّ حقاً من إجابتي إياه إلى ما سألني عنه ، مع أدائي النصيحة إليه فيه ، والملك أعلى عينا ، وأنفذ رويةً ، واصل رأيا ، وأبعد همة فيما استعان بي عليه ، وكلفني تبيينه له ، والمشورة به ، فلا زال الملك متغرفاً من فوائد النعم ، وعواقب الصنع ، وتوطد الملك ، وتنقل الأجل ، ودرك الأمل ، ما تأتي فيه مقدرته على غاية قصوى ما ينال البشر ، والسلام الذي لا انقضاء له ولا انتهاء ولا مدة فليكن على المُلك والمَلك .

(7/28)

"""""" صفحة رقم 29 """"""الباب الثالث حكم ونوادر للفرسفي رسالة كسرى إلى الهرمزان : اما بعد : فإنه لو كان الملوك يعرفون من حاجتهم إلى ذوي الرأي مثل الذي يعرف أهل الرأي من حاجتهم إلى الملوك لم يكن عجباً أن ترى مواكب الملوك على أبواب العلماء ، كما ترى مواكب العلماء على أبواب الملوك ، ولذلك قال الأولون : ' إذا أراد الله بأمة خيراً جعل المُلك في علمائهم والعلم في ملوكهم ' . قال كسرى : أنا على ما لم أقل أقدر مني على رد ما قد قلته . وقال : اجتماع المال عند الأسخياء أحد الحصبين واجتماعه عند البخلاء أحد الجدبين . وقال : من عمل عمل أبيه كفي نصف التعب . قال بزرجمهر : التذلل للغلبة في حينها خير من الظفر في غير حينه . نظر ملك منهم يوماً إلى مُلكه فأعجبه فقال : إن هذا لمُلك إن لم يكن بعده هلك وإنه لسرور لولا أنه غرور ، وإنه يوم لو كان يوثق له بغد . قيل لبزرجمهر : هل تعرف نعمة لا يحسد صاحبها عليها ؟ قال : نعم ، التواضع . قيل : فهل تعرف بلاء لا يرحم صاحبه ؟ قال : نعم ، العُجب . وقال : ما أحسن الصبر لولا أن النفقة عليه من العمر . قال له أنوشروان : متى يكون العي فصيحاً ؟ قال : إذا وصف حبيباً . قال بعضهم : الصدق زين إلا أن يكون سعايةً ، فإن الساعي أخبث ما يكون إذا صدق .

(7/29)

"""""" صفحة رقم 30 """"""وقال بعضهم : من زعم أنه لا يحب المال فهو عندي كاذب حتى يثبت صدقه ، فإذا ثبت صدقه فهو عندي أحمق . سئل بزرجمهر عن الرزق قال : إن كان قد قسم فلا تعجله ، وإن كان لم يقسم فلا تتعبه . وقال : المصطنع إلى اللئيم كمن طوق الخنزير ثبرا ، وقرّط الكلب دُرّا ، وألبس الحمار وشيا ، وألقم الحية شهدا . وقال : من قوي فليقو على طاعة الله ، ومن ضعف فليضعف عن محارم الله . وكان يقول : السعيد يتبع الرزق ، والشقي يتبع مسقط الرأس . وقيل له : أي العيوب أقبح ؟ قال : قلة معرفة الرجل بنفسه . كتب رجل من الخاصة إلى أنوشروان : إن رجلاً من العامة دعاه إلى منزله فأطعمه من طعام الخاصة وسقاه من شرابها ، وقد كان الملك نهى عن ذلك وأوعد فيه ، فأحببت ألا أطوي عنه خبراً . فوقّع في كتابه : أحمدنا نصيحتك ،